الكتاب: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: 1327هـ) المحقق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الثالثة، 1406 عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم أحمد بن عيسى الكتاب: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: 1327هـ) المحقق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الثالثة، 1406 عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم]ـ المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: 1327هـ) المحقق: زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الثالثة، 1406 عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين رب يسر وأعن يَا كريم حمدا لَك اللَّهُمَّ على مَا منحت من الالهام وَفتحت من الافهام وأزحت من الشكوك والاوهام ولطفت بِنَا فِي ركُوب أَعْنَاق الْكَلَام عَن مُوجبَات التوبيخ والملام وأوردتنا من مناهل كتابك الْهدى وَسنة رَسُولك الْمُصْطَفى منهلا يشفي الاوام ويبرىء الْعِلَل والاسقام وأوضحت لنا فِي ظلمات الفلسفة نورا نستضيء بِهِ فِي حنادش ذَلِك الظلام وحفظتنا من خيالات المتصوفة وشطحاتهم الفظيعة ودعاويهم الطَّوِيلَة العريضة الَّتِي هِيَ كسراب بقيعة فعياذا بك اللَّهُمَّ من تِلْكَ المقالات ولياذا بك يَا من لَا نَأْمَن تِلْكَ الضلالات الَّتِي هِيَ رمد جفن الدّين وكمد نفوس المهتدين وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لاشريك لَهُ شَهَادَة يُمْسِي بهَا الْعَمَل الصَّالح مَرْفُوعا ويضحي بهَا الزلل الفاضح مَوْضُوعا وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ إِلَى الْحق هاديا وبشيرا وَنزل عَلَيْهِ الْفرْقَان ليَكُون للْعَالمين نذيرا فهداهم بِهِ إِلَى الْحق وهم فِي ضلال مُبين وسلك بهم مَسْلَك الْهِدَايَة حَتَّى أَتَاهُم الْيَقِين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله البررة وَصَحبه الخيره مصابيح الامم ومفاتيح الْكَرم وخلفاء الدّين وحلفاء الْيَقِين الَّذين بلغُوا من محَاسِن الْفَضَائِل الْغَايَة ووصلوا من مَكَارِم الفواضل نِهَايَة النِّهَايَة وعَلى من تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان صَلَاة وَسلَامًا دائمين مَا تناوب النيرَان وتعاقب الملوان وَبعد فَإِن الْمَنْظُومَة الْمَشْهُورَة فِي الطَّرِيقَة السّنيَّة والعقيدة الحنيفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الْمُسَمَّاة ب (الكافية الشافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاحِيَة (لم ينسج ناسج على منوالها وَلم تسمح الدهور بشكلها وأمثالها نظم الشَّيْخ الإِمَام والعمدة الْقدْوَة الْهمام شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْقَائِم بِبَيَان الْحق وَنصر الدّين العابد الناسك الْوَرع الزَّاهِد شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن ابي بكر بن ايوب بن سعد الْمَعْرُوف بإبن قيم الجوزية أسْكنهُ الله الغرف الْعلية وَلكنهَا من عهد مؤلفها وَهِي عروس لم يمط لثامها وخود بكر لم يفتض ختامها وَلَيْسَ يخفى مَا تضمنته من أصُول الْفُصُول واشتملت عَلَيْهِ من قَوَاعِد العقائد الَّتِي هِيَ الْحَاصِل والمحصول واحتوت عليبه من الرَّد على أهل الْبدع والضلالة والأقوال الْبَاطِلَة المحالة والمحدثات المضلة المخذولة والخزعبيلات المرذولة كالوجودية والجهمية والمعتزلة والرافضة والحرورية والكلابية والمرجئة والمجبرة وَغَيرهم من أهل الضلالات والأقوال المحالات وقمع أباطيلهم وردع اضاليلهم بالحجج الظَّاهِرَة والبراهين الباهرة من صَحِيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول وموضوعاها المحاكمة بَين الطوائف وَإِثْبَات صِفَات البارئ سُبْحَانَهُ على رغم كل مُخَالف وَلما كنت قد نبغت فِي هَذِه الْفُنُون قَدِيما وصبغت بهَا أديما وَكنت للكتب وأرباب الْعُلُوم سميرا ونديما وبرعت فِي تِلْكَ الْعُلُوم وكرعت من رحيقها الْمَخْتُوم عَن لي أَن أَضَع عَلَيْهَا شرحا يفتح فعلقها ويقيد مُطلقهَا ويكحل جفونها ويسهل حزونها وَذَلِكَ مَعَ تراكم الأشغال وتبلبل الأفكار والبال وَعدم معِين فِي هَذِه الْأُمُور الثقال ونزارة من يسْتَدلّ بِهِ فِي مثل هَذِه المطالب الْعَالِيَة الَّتِي تقصر فِيهَا الْخَطَأ ويتيه فِي مطاويها القطا وَعدم شرح لَهَا يستضاء بنبراسه فِي دياجي المشكلات وَيَبْنِي على أساسه فِي الْأُمُور المعضلات وَمَعَ ذَلِك فَإِن تَحْرِير هَذَا الشَّرْح فِي حَال غيبتي عَن كتبي الَّتِي هِيَ رَأس مَالِي وعيبتي إِلَّا أَن الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 سُبْحَانَهُ بفضله اعان وأمد بِأَسْبَاب لم تخطر على الأذهان فدونك شرحا يشْرَح الصُّدُور وتضيئ من غضونه شموس وبدور وتتحلى بجواهره اللبات والنحور فَهُوَ كتاب جمع فأوعى وحوى من كل شييء جِنْسا ونوعا وَمَعَ ذَلِك لم أوثر الإطالة خوفًا من السَّآمَة والملالة وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود مستعينا بِالْملكِ المعبود فَأَقُول وَبِاللَّهِ أَحول وأصول فصل فِي تَرْجَمَة النَّاظِم فِي ذكر تَرْجَمَة النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد الزرعي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْمُفَسّر النَّحْوِيّ الأصولي الْمُتَكَلّم الشهير بإبن قيم الجوزية قَالَ فِي (الشذرات (بل هُوَ الْمُجْتَهد الْمُطلق قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي (طَبَقَات الْحَنَابِلَة (فِي تَرْجَمته ولد شَيخنَا سنة 691 ولازم الشَّيْخ تَقِيّ الد ين بن تَيْمِية وَأخذ عَنهُ وتفنن فى كَافَّة عُلُوم اللإسلام وَكَانَ عَارِفًا فى التَّفْسِير لايجارى فِيهِ وبأصول الدّين واليه الْمُنْتَهى فِيهَا وَبِالْحَدِيثِ ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط مِنْهُ لَا يلْحق فِي ذَلِك وبالفقه وَالْأُصُول والعربية وَله فِيهَا الْيَد الطُّولى وبعلم الْكَلَام والتصوف وَحبس مُدَّة لإنكار شدّ الرحيل إِلَى قبر الْخَلِيل وَكَانَ ذَا عبَادَة وتهجد وَطول صَلَاة إِلَى الْغَايَة القصوى لم أشاهد مثله فِي عِبَادَته وَعلمه بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وحقائق الْإِيمَان وَلَيْسَ هُوَ بالمعصوم وَلَكِن لم أر فِي مَعْنَاهُ مثله وَقد امتحن وأوذي مَرَّات وَحبس مَعَ شَيْخه شيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين فِي الْمرة الْأَخِيرَة بالقلعة مُنْفَردا عَنهُ وَلم يفرج عَنهُ إِلَّا بعد موت الشَّيْخ وَكَانَ فِي مُدَّة حَبسه مشتغلا بِتِلَاوَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر فَفتح عَلَيْهِ من ذَلِك خير كثير وَحصل لَهُ جَانب عَظِيم من الأذواق والمواجيد الصَّحِيحَة وتسلط بِسَبَب ذَلِك على الْكَلَام فِي عُلُوم أهل المعارف والخوض فِي غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وَحج مَرَّات كَثِيرَة وجاور بِمَكَّة وَكَانَ أهل مَكَّة يتعجبون من كَثْرَة طَوَافه وعبادته وَسمعت عَلَيْهِ قصيدته النونية فِي السّنة وَأَشْيَاء من تصانيفه غَيرهَا وَأخذ عَنهُ الْعلم خلق كثير فِي حَيَاة شَيْخه وَإِلَى أَن مَاتَ وانتفعوا بِهِ قَالَ القَاضِي برهَان الدّين الزرعي مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أوسع علما مِنْهُ ودرس بالصدرية وَأم بالجوزية وَكتب بِخَطِّهِ مَالا يُوصف كَثْرَة وصنف تصانيف كَثِيرَة جدا فِي انواع الْعُلُوم وَحصل لَهُ من الْكتب مَا لم يحصل لغيره وَقَالَ الْحَافِظ عماد الدّين ابْن كثير فِي (تَارِيخه (مُحَمَّد بن أبي بكر ابْن إيوب الزرعي إِمَام الجوزية وَابْن قيمها سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ فبرع فِي عُلُوم مُتعَدِّدَة لَا سِيمَا علم التَّفْسِير والْحَدِيث والاصلين وَلما عَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من الديار المصرية فِي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة لَازمه إِلَى أَن مَاتَ فَأخذ عَنهُ علما جما مَعَ مَا سلف لَهُ من الِاشْتِغَال فَصَارَ فريدا فِي بَابه فِي فنون كَثِيرَة مَعَ كَثْرَة الطّلب لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَثْرَة الصَّلَوَات والابتهال وَكَانَ حسن الْقِرَاءَة والخلق مَعَ كَثْرَة التودد لَا يحْسد أحدا وَلَا يُؤْذِيه وَلَا يستغيبه وَلَا يحقد على أحد وَله من التصانيف الْكِبَار وَالصغَار شَيْء كثير وَكتب بِخَطِّهِ الْحسن شَيْئا كثيرا واقتنى من الْكتب مَالا يتهيأ لغيره تَحْصِيل عشرَة من كتب السّلف وَالْخلف وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ قَلِيل النظير بل عديم النظير فِي مَجْمُوعه وأموره وأحواله وَالْغَالِب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الْخَيْر والاخلاق الصَّالِحَة وَكَانَ متصديا للافتاء بِمَسْأَلَة الطَّلَاق الَّتِي اخْتَارَهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية رَحمَه الله وَجَرت لَهُ بِسَبَبِهَا فُصُول يطول شرحها مَعَ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَغَيره وَقد كَانَت جنَازَته حافلة وشهدها الْقُضَاة والاعيان والصالحون من الْخَاصَّة والعامة وتزاحم النَّاس على نعشه وكمل لَهُ من الْعُمر سِتُّونَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ غَيره فِي تَرْجَمته ولد فِي سنة 691 وَسمع على جمَاعَة كثيرين مثل سُلَيْمَان ابْن حَمْزَة الْحَاكِم وابي بكر ابْن عبد الدَّائِم وَعِيسَى الْمطعم وابي نصر مُحَمَّد بن كَمَال الدّين الشِّيرَازِيّ وَابْن مَكْتُوم والبهاء بن عَسَاكِر وعلاء الدّين الْكِنْدِيّ والوداعي وَمُحَمّد بن أبي الْفَتْح البعلي ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ قِطْعَة من (الْمغرب ( وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ اسماعيل بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي قَرَأَ عَلَيْهِ (مُخْتَصر (ابي الْقَاسِم الْخرقِيّ (وَالْمقنع (لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم ابْن أبي الْفَتْح البعلي وَمِنْهُم الشَّيْخ الامام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من (الْمُحَرر (تأليف جده وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين وَأخذ الْفَرَائِض أَولا عَن وَالِده ثمَّ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وَأما الاصول فَأَخذهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ واسماعيل بن مُحَمَّد قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر (الرَّوْضَة (لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من (الْمَحْصُول (وَمن كتاب (الاحكام (للسيف الْآمِدِيّ وَقَرَأَ أصُول الدّين على الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ مثل (الاربعين (و (المحصل (وَقَرَأَ على شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية كثيرا من تصانيفه واشتغل كثيرا وناظر واجتهد وأكب على الطّلب وصنف وَصَارَ من الائمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول فقها وكلاما وَالْفُرُوع وَلم يخلف الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية مثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وَمن مصنفاته (تَهْذِيب سنَن ابي دَاوُد (وايضاح مشكلاته وَالْكَلَام على مَا فِيهِ من الاحاديث المعلولة مجلده كتاب (سفر الهجرتين وَبَاب السعادتين (مُجَلد ضخم كتاب (مراحل السائرين بَين منَازِل إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين (مجلدان وَهُوَ شرح (منَازِل السائرين (لشيخ الاسلام الانصاري كتاب جليل الْقدر كتاب (عقد مُحكم الاخاء بَين الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح الْمَرْفُوع ألى رب السَّمَاء (مُجَلد ضخم كتاب (شرح اسماء الْكتاب الْعَزِيز (مُجَلد كتاب (زَاد الْمُسَافِرين الى منَازِل السُّعَدَاء فِي هدي خَاتم الانبياء (كتاب (زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد (أَربع مجلدات وَهُوَ كتاب عَظِيم جدا كتاب (جلاء الافهام فِي ذكر الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الانام (وَبَيَان أحاديثها وعللها مُجَلد كتاب (بَيَان الدَّلِيل على اسْتغْنَاء الْمُسَابقَة عَن التَّحْلِيل (كتاب (نقد الْمَنْقُول والمحك الْمُمَيز بَين الْمَرْدُود والمقبول (مُجَلد كتاب (اعلام الموقعين عَن رب الْعَالمين (ثَلَاث مجلدات كتاب (بَدَائِع الْفَوَائِد (مجلدان (الشافية الكافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاجِية (وَهِي القصيدة النونية فِي السّنة مُجَلد كتاب (الصَّوَاعِق الْمنزلَة على الْجَهْمِية والمعطلة (فِي مجلدات كتاب (حادي الارواح إِلَى بِلَاد الافراح (وَهُوَ كتاب صفة الْجنَّة مُجَلد كتاب (نزهة المشتافين وروضة المحبين (مُجَلد كتاب (الدَّاء والدواء (مُجَلد كتاب (تحفة المودود فِي احكام الْمَوْلُود (مُجَلد كتاب (مِفْتَاح دَار السَّعَادَة (مُجَلد ضخم كتاب (اجْتِمَاع الجيوش الاسلامية على غَزْو الْفرْقَة الْجَهْمِية (مُجَلد (رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة (مُجَلد (نِكَاح الْمحرم (مُجَلد (تَفْضِيل مَكَّة على الْمَدِينَة (مُجَلد (نِكَاح الْمحرم (مُجَلد (تَفْضِيل مَكَّة على الْمَدِينَة (مُجَلد (فضل الْعلم (مُجَلد (عدَّة الصابرين (مُجَلد كتاب (الْكَبَائِر (مُجَلد (حكم تَارِك الصَّلَاة (مُجَلد كتا ب (نور الْمُؤمن وحياته (مُجَلد كتاب (إغمام هِلَال رَمَضَان (التَّحْرِير فِيمَا يحل وَيحرم من لِبَاس الْحَرِير (جوابات عابدي الصلبان وَأَن مَا هم عَلَيْهِ من دين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الشَّيْطَان (بطلَان الكيمياء من اربعين وَجها (مُجَلد (الْفرق بَين الْخلَّة والمحبة ومناظرة الْخَلِيل لِقَوْمِهِ (مُجَلد (الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح (مُجَلد لطيف (الْفَتْح الْقُدسِي (التُّحْفَة المكية (كتاب (امثال الْقُرْآن (شرح الاسماء الْحسنى (أَيْمَان الْقُرْآن ((الْمسَائِل الطرابلسية (ثَلَاث مجلدات (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي أَحْكَام أهل الْجَحِيم (مجلدان كتاب (الطَّاعُون (مُجَلد لطيف توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَقت عشَاء الاخرة لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشْرين رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد بالجامع عقب الظّهْر ثمَّ بِجَامِع جراح وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير وشيعه خلق كثير وَرويت لَهُ منامات كَثِيرَة حَسَنَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ قد رأى قبل مَوته بِمدَّة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي النّوم وَسَأَلَهُ عَن مَنْزِلَته فَأَشَارَ إِلَى علوها فَوق بعض الاكابر ثمَّ قَالَ وَأَنت كدت تلْحق بِنَا وَلَكِن انت الان فِي طبقَة ابْن خُزَيْمَة ثمَّ قَالَ ابْن رَجَب قرىء على شَيخنَا الامام الْعَلامَة ابي عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن ايوب وانا اسْمَع هَذِه القصيدة من نظمه فِي اول كتاب صفة الْجنَّة وَذكر بعض الميمية الْمَشْهُورَة وَقَالَ الْحَافِظ السخاوي فِي حَقه الْعَلامَة الْحجَّة الْمُتَقَدّم فِي سَعَة الْعلم وَمَعْرِفَة الْخلاف وَقُوَّة الْجنان الْمجمع عَلَيْهِ بَين الْمُوَافق والمخالف وَصَاحب التصانيف السائرة والمحاسن الجمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ابْتَدَأَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وتأسيا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مكاتباته للملوك وَغَيرهم وامتثالا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِي ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع (رَوَاهُ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي (الاربعين البلدانية (وَكَذَا الْخَطِيب من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَمعنى ذِي بَال أَي حَال شرِيف يحتفل لَهُ ويهتم بِهِ وَبَين يَدي كل الامور المهمة وَقَوله اقْطَعْ أَي نَاقص الْبركَة وَقد يكون غير مُعْتَد بِهِ وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم (اسناده صَحِيح تَنْبِيه اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا اذا كَانَ الْكتاب كُله شعرًا فجَاء عَن الشّعبِيّ رَحمَه الله منع ذَلِك وَعَن الزُّهْرِيّ رَحمَه الله قَالَ مَضَت السّنة أَن لَا يكْتب فِي الشّعْر (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (وَعَن سعيد بن جُبَير رَحمَه الله جَوَاز ذَلِك وَتَابعه على ذَلِك الْجُمْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَقَالَ الْخَطِيب وَهُوَ الْمُخْتَار انْتهى وَلَا سِيمَا ان كَانَ المنظوم من نفائس الْعُلُوم قَالَ بعض الْعلمَاء الرَّاجِح عِنْد الْجُمْهُور طلب الْبَسْمَلَة فِي ابْتِدَاء الشّعْر مَا لم يكن محرما اَوْ مَكْرُوها قَالَ واما مَا تعلق بالعلوم فَمحل اتِّفَاق قَوْله بِسم الله أَي باسم مُسَمّى هَذَا اللَّفْظ الاعظم الْمَوْصُوف بأوصاف الْكَمَال فالباء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره فعلا خَاصّا مُؤَخرا اولى من تَقْدِيره اسْما عَاما مقدما أما اولوية كَونه فعلا فَلِأَنَّهُ الاصل فِي الْعَمَل وَحِينَئِذٍ فَمحل الْجَار وَالْمَجْرُور النصب على المفعولية بِالْفِعْلِ الْمُقدر واما أَوْلَوِيَّة كَونه خَاصّا فَلِأَنَّهُ أدل على الْمَطْلُوب فتقدير الف عِنْد التَّأْلِيف أولى من ابتدائي وَكَذَا عِنْد الْقِرَاءَة وَنَحْو ذَلِك فَيقدر عِنْد كل أَمر مَا يُنَاسِبه واما أَوْلَوِيَّة تَقْدِيره مُؤَخرا فلأمرين احدهما الاهتمام بِالِابْتِدَاءِ باسم الله تَعَالَى لفظا وتقديرا لانه تَعَالَى يقدم ذاتا فَقدم ذكرا ليُوَافق الِاسْم الْمُسَمّى وَالثَّانِي لافادة التَّخْصِيص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} لَا يُقَال الاولى مُلَاحظَة قَوْله تَعَالَى {اقْرَأ باسم رَبك} لانا نقُول الْمَطْلُوب الاهم ثمَّ الْقِرَاءَة لانها أول مَا نزل عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واول مَا طرق المسامع الشَّرِيفَة من الْوَحْي فَكَانَ الانسب تَقْدِيم الْقِرَاءَة لمزيد الاعتناء بهَا والاهتمام وَالله أعلم فَائِدَة الِاسْم فِي الْمَخْلُوق غير الْمُسَمّى وَفِي حق الْخَالِق تَعَالَى لَا غير وَلَا عين قَالَ الامام الْمُحَقق ناظم هَذِه الْمَنْظُومَة فِي كِتَابه (بَدَائِع الْفَوَائِد (اسماء الله الْحسنى فِي الْقُرْآن من كَلَامه تَعَالَى وَكَلَامه غير مَخْلُوق وَلَا يُقَال هِيَ غَيره وَلَا هِيَ هُوَ وَهَذَا الْمَذْهَب مُخَالف لمَذْهَب الْمُعْتَزلَة الَّذين يَقُولُونَ اسماؤه غَيره وَهِي مخلوقة انْتهى و (الله (علم على رَبنَا سُبْحَانَهُ قَالَ الْكسَائي وَالْفراء أَصله الاله حذفوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الْهمزَة وادغموا اللَّام فصارتا لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة مفخمة قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (زعم السُّهيْلي وَشَيْخه ابْن الْعَرَبِيّ أَن اسْم الله غير مُشْتَقّ لَان الِاشْتِقَاق يسْتَلْزم مَادَّة يشتق مِنْهَا واسْمه سُبْحَانَهُ قديم لَا مَادَّة لَهُ فيستحيل الِاشْتِقَاق وَلَا ريب أَنه ان اريد بالاشتقاق هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ بَاطِل وَلَكِن من قَالَ بالاشتقاق لم يرد هَذَا الْمَعْنى وَلَا ألم بِقَلْبِه وانما اراد انه دَال على صفة لَهُ تَعَالَى وَهِي الالهية كَسَائِر اسمائه الْحسنى من الْعَلِيم والقدير فانها مُشْتَقَّة من مصادرها بِلَا ريب وَهِي قديمَة وَالْقَدِيم لَا مَادَّة لَهُ فَمَا كَانَ جوابكم عَن هَذِه الاسماء كَانَ جَوَاب من قَالَ بالاشتقاق فِي الله تَعَالَى ثمَّ الْجَواب عَن الْجَمِيع أَنا لَا نعني بالاشتقاق الا أَنَّهَا ملاقية لمصادرها فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى لَا أَنَّهَا مُتَوَلّدَة مِنْهَا تولد الْفَرْع من أَصله وَتَسْمِيَة النُّحَاة الْمصدر والمشتق مِنْهُ أصلا وفرعا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن أَحدهمَا تولد من الآخر وانما هُوَ بِاعْتِبَار أَن احدهما مُتَضَمّن للْآخر وَزِيَادَة فالاشتقاق هُنَا لَيْسَ هُوَ اشتقاقا ماديا وانما هُوَ اشتقاق تلازم يُسمى المتضمن فِيهِ بِالْكَسْرِ مشتقا والمتضمن بِالْفَتْح مشتقا مِنْهُ وَلَا مَحْذُور فِي اشتقاق أَسمَاء الله تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنى انْتهى وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن جرير (الله (أَصله الاله أسقطت الْهمزَة الَّتِي هِيَ فَاء الِاسْم فالتقت اللَّام الَّتِي هِيَ عين الِاسْم وَاللَّام الزَّائِدَة وَهِي سَاكِنة فأدغمت فِي الاخرى فصارتا فِي اللَّفْظ لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة انْتهى وَأما تَأْوِيل الله فانه على مَا رُوِيَ لنا عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ هُوَ الَّذِي يألهه كل شَيْء ويعبده كل خلق وسَاق بِسَنَدِهِ عَن الضَّحَّاك عَن عبد الله ابْن عَبَّاس قَالَ الله ذُو الالوهية والعبودية على خلقه أَجْمَعِينَ فان قَالَ لنا قَائِل وَمَا دلّ على أَن الالوهية هِيَ الْعِبَادَة وَأَن الاله هُوَ المعبود وَأَن لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 اصلا فِي فعل وَيفْعل وَذكر بَيت رؤبة بن العجاج ... لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تاله ... يَعْنِي من تعبدي وطلبي الله بعملي ولاشك أَن التأله التفعل من أَله يأله وَقد جَاءَ مِنْهُ مصدر يدل على أَن الْعَرَب قد نطقت مِنْهُ ب فعل يفعل بِغَيْر زِيَادَة وَذَلِكَ مَا حَدثنَا بن سُفْيَان بن وَكِيع وسَاق السَّنَد إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {ويذرك وإلاهتك} الاعراف 127 قَالَ عبادتك وَيَقُول انه كَانَ يعبد وَلَا يعبد وَذكر مثله عَن مُجَاهِد فقد تبين قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد أَن أَله عبد وَأَن الالهة مصدره وسَاق حَدِيثا عَن أبي سعيد مَرْفُوعا أَن عِيسَى أسلمته امهِ الى الْكتاب ليعلمه فَقَالَ الْمعلم اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ عِيسَى اتدري مَا الله الله إِلَه الْآلهَة الرَّحْمَن الرَّحِيم اسمان مشتقان من رحم بجعله لَازِما بنقله الى بَاب فعل بِضَم الْعين وبتنزيله منزلَة اللَّازِم إِذْ هما صفتان مشبهتان وَهِي لَا تشتق من مُتَعَدٍّ والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لَان زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا كَمَا فِي قطع وَقطع وَمن غير الْغَالِب قد يُفِيد نَاقص الْبناء مَا لَا يُفِيد زائده من الْمُبَالغَة كحذر وحاذر فان (حذر (أبلغ من (حاذر (فالرحمن صفة فِي الاصل بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة جدا ثمَّ غلب على الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها وَهُوَ الله والرحيم ذُو الرَّحْمَة الْكَثِيرَة قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (أَسمَاء الرب تَعَالَى اسماء ونعوت فا نها دَالَّة على صِفَات كَمَاله فَلَا تنَافِي فِيهَا بَين العلمية والوصفية فالرحمن اسْمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تَعَالَى وَوَصفه لَا يُنَافِي اسميته وصفيته فَمن حَيْثُ هُوَ صفة جرى تَابعا على اسْم الله من حَيْثُ هُوَ اسْم ورد فِي الْقُرْآن غير تَابع يَعْنِي كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} الرَّحْمَن 1 {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 {أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جند لكم ينصركم من دون الرَّحْمَن} الْملك 20 وَهَذَا شَأْن الِاسْم الْعلم وَلما كَانَ هَذَا الِاسْم مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى حسن مَجِيئه مُنْفَردا غير تَابع كمجيء اسْمه الله كَذَلِك وَهَذَا لَا يُنَافِي دلَالَته على صفة الرَّحْمَن كاسم الله فَإِنَّهُ دَال على صفة الالوهية وَلم يجىء قطّ تَابعا لغيره بل متبوعا بِخِلَاف الْعَلِيم والقدير والسميع والبصير وَلِهَذَا لَا تَجِيء هَذِه وَنَحْوهَا مُفْردَة بل تَابِعَة قَالَ رَحمَه الله وَأما الْجمع بَين الرَّحْمَن والرحيم فَفِيهِ معنى بديع وَهُوَ أَن الرَّحْمَن دَال على الصّفة الْقَائِمَة بِهِ سُبْحَانَهُ والرحيم دَال على تعلقهَا بالمرحوم وَكَأن الاول الْوَصْف وَالثَّانِي الْفِعْل فالاول دَال على أَن الرَّحْمَن صفته أَي صفة ذَات لَهُ سُبْحَانَهُ وَالثَّانِي دَال على أَنه يرحم خلقه برحمته أَي صفة فعل لَهُ سُبْحَانَهُ فَإِذا أردْت فهم هَذَا فَتَأمل قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما} الاحزاب 43 {إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم} سُورَة التَّوْبَة 117 وَلم يجىء قطّ رَحْمَن بهم فَعلمت أَن رَحْمَن هُوَ الْمَوْصُوف بِالرَّحْمَةِ وَرَحِيم هُوَ الراحم برحمته قَالَ رَحمَه الله وَهَذِه النُّكْتَة لَا تكَاد تجدها فِي كتاب وَإِن تنفست عِنْدهَا مرْآة قَلْبك لم تنجل لَك صورتهَا انْتهى وَرَحْمَة الله تَعَالَى جلّ شَأْنه وَتَعَالَى سُلْطَانه صفة قديمَة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التفضل والانعام وَأما تَفْسِيرهَا برقة فِي الْقلب تَقْتَضِي التفضل فالتفضل غايتها فيراد مِنْهَا غايتها كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتكلمة كالزمخشري فِي (كشافه (وَغَيره من النظار فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيق برحمة الْمَخْلُوق لَا برحمة الْخَالِق تَعَالَى وتقدس وَبَينهمَا بون وَنَظِير ذَلِك (الْعلم (فَإِن حَقِيقَة علمه تَعَالَى الْقَائِمَة بِهِ لَيست مثل الْحَقِيقَة الْقَائِمَة بالمخلوق بل نفس الارادة الَّتِي يرد بَعضهم الرَّحْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إِلَيْهَا هِيَ فِي حَقه تَعَالَى لارادة الْمَخْلُوق إِذْ هِيَ فِي الْمَخْلُوق ميل الْقلب إِلَى الْفِعْل أَو التّرْك وَالله منزه عَن ذَلِك وَكَذَلِكَ رد الزَّمَخْشَرِيّ لَهَا فِي حَقه تَعَالَى إِلَى الْفِعْل بِمَعْنى الإنعام والتفضيل فَإِن فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ إِنَّمَا يكون لجلب نفع للْفَاعِل أَو دفع ضَرَر عَنهُ وَلَا كَذَلِك فعله تَعَالَى فَمَا فر مِنْهُ أهل التَّأْوِيل مَوْجُود فِي مَا فروا إِلَيْهِ من الْمَحْذُور وَبِهَذَا ظهر أَنه لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْمجَاز فِي رَحمته تَعَالَى فَإِنَّهُ خلاف الاصل وَهُوَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعذر حمل الْكَلَام على الْحَقِيقَة وَلَا تعذر هُنَا كَمَا لَا يخفى وَأَيْضًا معيار الْمجَاز صِحَة نَفْيه كَمَا إِذا قيل زيد أَسد أَو بَحر أَو قمر لشجاعته أَو كرمه أَو حسنه فَإِنَّهُ يَصح أَن تَقول زيد لَيْسَ بأسد أَو لَيْسَ ببحر أَو لَيْسَ بفمر وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَينهم وَلَا يَصح أَن يُقَال الله لَيْسَ برحيم فَلَو كَانَت الرَّحْمَة مجَازًا فِي حَقه تَعَالَى لصَحَّ ذَلِك وَلَا ريب أَن الرَّحْمَة صفة كَمَال وَسَائِر الْكتب السماوية مَمْلُوءَة بذكرها وإطلاقها عَلَيْهِ تَعَالَى وَمن الْعجب أَن تكون هَذِه الصّفة الْعَظِيمَة حَقِيقَة فِي حق الْمَخْلُوق مجَاز فِي حق الْخَالِق وَالْحَاصِل أَن الصّفة تَارَة تعْتَبر من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَتارَة تعْتَبر من حَيْثُ قِيَامهَا بِهِ تَعَالَى وَتارَة من حَيْثُ قِيَامهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى وَلَيْسَت الاعتبارات متماثلة إِذْ لَيْسَ كمثله شيئ لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله وَالْكَلَام على الصِّفَات فرع عَن الْكَلَام فِي الذَّات كَمَا أَنا نثبت ذاتا لَيست كالذوات فلنثبت رَحْمَة لَيست كرحمة الْمَخْلُوق كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك وَقَررهُ وَنبهَ عَلَيْهِ وحرره النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد ( قَوْله الْحَمد لله الَّذِي شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقات وأقرت لَهُ بالعبودية جَمِيع مصنوعاته وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ بِمَا أودعها من لطيف صنعه وبديع آيَاته وَسُبْحَان الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَبِحَمْدِهِ عدد خلقه ورضا نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته وَلَا إِلَه إِلَّا الله الْأَحَد الصَّمد لَا شريك لَهُ فِي ربوبيته وَلَا شَبيه لَهُ فِي أَفعاله وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي ذَاته وَالله أكبر عدد مَا أحَاط بِهِ علمه وَجرى بِهِ قلمه وَنفذ فِيهِ حكمه من جَمِيع برياته وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه تَفْوِيض عبد لَا يملك لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا وَلَا موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا بل هُوَ باللهوإلى الله فِي مبادئ أمره ونهاياته الْحَمد لُغَة هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل وَعرفا فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم على الحامد وَغَيره وَالشُّكْر لُغَة هُوَ الْحَمد اصْطِلَاحا وَعرفا صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا خلق لأَجله فَبين الْحَمد وَالشُّكْر عُمُوم وخصوص من وَجه يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذاكان بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الْحَمد فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الشُّكْر فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وَاخْتَارَ الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الدَّوَام والثبوت على الْجُمْلَة الفعلية الدَّالَّة على التجدد والحدوث لِأَنَّهُ مَعَ كَونه على نسق الْكتاب الْعَظِيم أليق بالْمقَام وتفاؤلا بذلك وَهِي وَإِن كَانَت خبرية لفظا فَهِيَ إنشائية معنى (وأل (فِي الْحَمد للاستغراق أَو الْجِنْس أَو الْعَهْد أَي كل الْحَمد مُسْتَحقّ أَو جنسه مُخْتَصّ ومملوك لله وعلامة (أل (الاستغراقية أَن يخلفها كل وَنَحْوهَا و (أل (الجنسية إِذا تعقبتها لَام الِاخْتِصَاص كَانَ الْمَعْنى جنس الْحَمد مُخْتَصّ ومملوك لَهُ تَعَالَى فتفيد مَا أفادته ال الإستغراقية ضمنا وَإِن كَانَت (أل (للْعهد فالمعهود ثَنَاء الله على نَفسه وثناء مَلَائكَته وَرُسُله وأنبيائه وخواص خلقه وَلَا نظر لغير ثنائهم و (اللَّام (فِي الله للْملك والاستحقاق أَو الِاخْتِصَاص وَلما ابْتَدَأَ بالبسملة ابْتَدَأَ حَقِيقا وَهُوَ الاتيان بهَا قبل كل شييء أعقبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بِالْحَمْد لَهُ ابْتِدَاء إضافيا أَي بِالنِّسْبَةِ لما بعْدهَا وَهُوَ مَا يقدم على الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فِي الذَّات جمعا بَين حَدِيثي الْبَسْمَلَة والحمدلة وَلم يعكس لموافقة الْكتاب الْعَزِيز فَإِن ألصحابة افتتحوا كِتَابَته فِي ألإمام الْكَبِير بِالتَّسْمِيَةِ والحمدلة تلوها وتبعهم جَمِيع من كتب الْمُصحف بعدهمْ فِي جَمِيع الْأَمْصَار سَوَاء فِي ذَلِك من يَقُول بِأَن الْبَسْمَلَة آيَة وَمن لَا يَقُول ذَلِك فَكَانَ أولى قَوْله شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقاته الخ الْمَخْلُوق هُوَ الْمَصْنُوع وَمعنى شَهَادَة الْمَخْلُوقَات بربوبيته سُبْحَانَهُ أَن الْعقل الصَّرِيح يقطع بِأَن الْمَخْلُوق لَا بُد لَهُ من خَالق والمصنوع لَا بُد لَهُ من صانع والحادث لَا بُد لَهُ من مُحدث لِاسْتِحَالَة حُدُوث الْحَادِث بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (أم خلقُوا من غير شييء أم هم الْخَالِقُونَ) الطّور 35 يَقُول سُبْحَانَهُ أحدثو من غير مُحدث أم هم أَحْدَثُوا أنفسهم وَمَعْلُوم أَن الْمُحدث لَا يُوجد بِنَفسِهِ فطريق الْعلم بذلك أَن يُقَال الْمَوْجُود وَإِمَّا حا وَإِمَّا قديم والحادث لَا بُد لَهُ من قديم فَيلْزم ثُبُوت الْقَدِيم على كل حَال وَذَلِكَ أَن الْفقر وَالْحَاجة لكل حَادث وممكن وصف لَازم لَهما فَهِيَ مفتقرة إِلَيْهِ دَائِما حَال الْحُدُوث وَحَال الْبَقَاء وَمن زعم من أهل الْكَلَام أَن افتقارهما إِلَيْهِ فِي حَال الْحُدُوث فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم أَو فِي حَال الْبَقَاء فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتفلسفة الْقَائِلين بمساوات الْعَالم لَهُ وكلا الْقَوْلَيْنِ خطأ كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح (شرح عقيدة شمس الدّين الاصبهاني (فالإمكان والحدوث متلازمان فَكل مُحدث مُمكن وكل مُمكن مُحدث والفقر ملازم لَهما فَلَا تزَال مفتقره إِلَيْهِ لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ لَحْظَة عين وَهُوَ الصَّمد الَّذِي يصمد إِلَيْهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات وَلَا يصمد هُوَ إِلَى شييء بل هُوَ سُبْحَانَهُ الْغَنِيّ بِنَفسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الْمُغنِي لما سواهُ وَله رَحمَه الله فِي هذاالمعنى والفقر لي وصف ذَات لَازم أبدا كَمَا الْغنى أبدا وصف لَهُ ذاني قَالَ ابْن المعتز ... فيا عجبا كَيفَ بعصى الاله ... أم كَيفَ يجحده الجاحد وَللَّه فِي كل تحريكة ... وتسكينة أبدا شَاهد وَفِي كل شييء آيَة ... تدل على أَنه وَاحِد ... وَسُئِلَ أَبُو نواس عَن وجود الصَّانِع فَأَنْشد ... تَأمل فِي نَبَات الأَرْض وَانْظُر ... إِلَى آثَار مَا صنع المليك عُيُون من لجين ناظرات ... بأحداق هِيَ الذَّهَب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات ... بِأَن الله لَيْسَ لَهُ شريك ... قَوْله وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات الخ فِي هَذِه البراعة الْإِشَارَة إِلَى تَوْحِيد الربوبية وتوحيد الألوهية وَسَيَأْتِي بسط الْكَلَام على ذَلِك فِي تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ قَوْله الكائنات قَالَ فِي (الْقَامُوس (الْكَوْن الْحَدث كالكينونة والكائنة كالحادثة وَكَونه الله خلقه وَالله الْأَشْيَاء أوجدها قَوْله وَسُبْحَان الله الخ سُبْحَانَ اسْم بِمَعْنى التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ التَّنْزِيه وانتصابه بِفعل مَتْرُوك إِظْهَاره قَوْله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَي لَا تحول من حَال إِلَى حَال وَلَا قدرَة على ذَلِك إِلَّا بِاللَّه وَقيل لَا حول عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بمعونة الله وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إِلَّا بِتَوْفِيق الله وَالْمعْنَى الأول أجمع وأشمل قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا صَاحِبَة لَهُ وَلَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا كُفْء لَهُ الَّذِي هُوَ كَمَا اثنى على نَفسه وَفَوق مَا يثنى عَلَيْهِ أحد من جَمِيع برياته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وأمينه على وحيه وَخيرته من بريته وسفيره بَينه وَبَين عباده وحجته على خلقه أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق بَين يَدي السباعة بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا أرْسلهُ على حِين فَتْرَة من الرُّسُل وطموس من السبل ودروس من الْكتب وَالْكفْر قد اضطرمت ناره وتطايرت فِي الْآفَاق شرارة وَقد اسْتوْجبَ أهل الأَرْض أَن يحل بهم الْعقَاب وَقد نظر الْجَبَّار تبَارك وَتَعَالَى إِلَيْهِم فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَى بقايا من أهل الْكتاب وَقد اسْتندَ كل قوم إِلَى ظلم آرائهم وحكموا على الله سُبْحَانَهُ بمقالاتهم الْبَاطِلَة وأهوائهم وليل الْكفْر مدلهم ظلامه شَدِيد قتامة وسبل الْحق عَافِيَة آثارها مطموسة أعلامها ففلق الله سُبْحَانَهُ بِمُحَمد صلى اله عَلَيْهِ وَسلم صبح الْإِيمَان فأضاء حَتَّى مَلأ الْآفَاق نورا وأطلع بِهِ شمس الرسَالَة فِي حنادس الظُّلم سِرَاجًا منيرا فهدى الله بِهِ من الضَّلَالَة وَعلم بِهِ من الْجَهَالَة وبصر بِهِ المعمى وأرشد بِهِ من الغي وَكثر بِهِ بعد الْقلَّة وأعز بِهِ بعد الذلة وأغنى بِهِ بعد الْعيلَة واستنقد بِهِ بعد الهلكة وَفتح بِهِ أعينا عميا وآذانا صمًّا وَقُلُوبًا غلقا فَبلغ الرسَالَة ودى وَأدّى الْأَمَانَة ونصح الْأمة وكشف الْغُمَّة وجاهد فِي الله حق جهاده وَعبد الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين من ربه وَشرح الله لَهُ صَدره وَرفع لَهُ ذكره وَوضع عَنهُ وزره وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أمره وَأقسم بحياته فِي كِتَابه الْمُبين وَقرن اسْمه باسمه فَإِذا ذكر ذكر مَعَه كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد والتأذين فَلَا يَصح لأحد خطْبَة وَلَا تشهد وَلَا أَذَان وَلَا صَلَاة حَتَّى يشْهد أَنه عَبده وَرَسُوله شَهَادَة الْيَقِين فصلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَمَلَائِكَته وأنبياؤه وَرُسُله وَجَمِيع خلقه عَلَيْهِ كَمَا عرفنَا بِاللَّه وهدانا إِلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا أَي أخبر أَنِّي قَاطع بالوحدانية قَوْله وسفيره قَالَ فِي (الْقَامُوس (وسفره تسفيرا أرْسلهُ إِلَى السّفر قَوْله وطموس من السبل الطموس الدُّرُوس الإمحاء يطمس ويطمس طمسا محوته والشييء استأصلت أَثَره وَمِنْه (فَإِذا النُّجُوم طمست (المرسلات 8 قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله قتامه القتام كسحاب الْغُبَار قَالَه فِي (لقاموس (قَوْله عَافِيَة آثارها قَالَ فِي (الْقَامُوس (عَفا شعر الْبَعِير كثور طَال فَغطّى وبره وَقد عفيته وأعفيته قَوْله حنادس الظُّلم قَالَ فِي (الْقَامُوس (الحندس بِالْكَسْرِ اللَّيْل المظلم والظلمة جمع حنادس وتحندس اللَّيْل أظلم قَوْله الصغار قَالَ فِي (الْقَامُوس (صغر ككرم وَفَرح صغارة صغرا كعنب وَكَذَا صغَارًا وصغارة بفتحهما وصغرا وصغرانا بضَمهَا وأصغره جعله صاغرا انْتهى قَوْله وَقرن اسْمه باسمه الخ قَوْله كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد وتأذين هَذَا ظَاهر وَهَذَا كَمَا قَالَ حسان بن ثَابت رضى الله عَنهُ ... أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم ... من الله مَيْمُون يلوح وَيشْهد وَضم إِلَّا لَهُ اسْم النَّبِي إِلَى اسْمه ... إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن أشهد وشق لَهُ من اسْمه ليجة ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد ... قَوْله فصلى الله وَمَلَائِكَته الخ الصَّلَاة من الله تَعَالَى الرَّحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن غَيرهم التضرع وَالدُّعَاء بِخَير هَذَا هوالمشهور والجاري على أَلْسِنَة الْجُمْهُور وَلم يرتض هَذَا النَّاظِم فِي كِتَابه (جلاء الأفهام (و (بَدَائِع الْفَوَائِد (وَغَيرهمَا ورده من وجوده مِنْهَا أَن الله تَعَالَى غاير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بَينهمَا فِي قَوْله تَعَالَى (صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة) الْبَقَرَة 157 الثَّانِي أنسؤال الرَّحْمَة يشرع لكل مُسلم وَالصَّلَاة تخْتَص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإله فَهِيَ حق لَهُ وَلَا لَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنى منع كثير من الْعلمَاء الصَّلَاة على معِين غَيره يعْنى وَغير سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَلم يمْنَع اُحْدُ من الترحم على معِين من الْمُسلمين الثَّالِث أَن رَحْمَة الله عَامَّة وسعت كل شَيْء وَصلَاته خَاصَّة لخواص عباده وَقَوْلهمْ الصَّلَاة من الْعباد بِمَعْنى الدُّعَاء مُشكل ايضا من وَجه أَحدهَا أَن الدُّعَاء يكون بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالصَّلَاة لَا تكون إِلَّا فِي الْخَيْر الثَّانِي أَن دَعَوْت يعدي بَالَام وَصليت لَا يتَعَدَّى إِلَّا ب (على (و (دُعَاء (المعدى ب (على لَيْسَ بِمَعْنى صلى وَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة لَيست بِمَعْنى الدُّعَاء الثَّالِث أَن فعل الدُّعَاء يَقْتَضِي مدعوا ومدعوا لَهُ تَقول دَعَوْت الله لَك بِخَير وَفعل الصَّلَاة لَا يَقْتَضِي ذَلِك لَا تَقول صليت الله عَلَيْك وَلَا لَك فَدلَّ على انه لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَأَي تبَاين اظهر من هَذَا قَالَ وَلَكِن التَّقْلِيد يعمي عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق فإياك والإخلاد إِلَى ارضه قَالَ فِي (الْبَدَائِع (وَرَأَيْت لأبي الْقَاسِم السُّهيْلي رَحمَه الله تَعَالَى كلَاما حسنا فِي اشتقاق الصَّلَاة فَذكر مَا ملخصه أَن معنى اللَّفْظَة حَيْثُ تصرفت ترجع إِلَى الحنو والعطف إِلَّا أَن ذَلِك يكون محسوسا ومعقولا فالمحسوس مِنْهُ صِفَات الْأَجْسَام والمعقول صفة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام وَهَذَا الْمَعْنى كثير مَوْجُود فِي الصِّفَات وَالْكثير يكون صفة للمحسوسات وَصفَة للمعقولات وَهُوَ من أَسمَاء الرب تَعَالَى وتقدس عَن مشابهة الْأَجْسَام وصفات الْأَنَام فَمَا يُضَاف إِلَيْهِ تَعَالَى من هَذِه الْمعَانِي معقولة غير محسوسة فَإِذا ثَبت هَذَا فَالصَّلَاة كَمَا قُلْنَا حنو وَعطف من قَوْلك صليت أَي حنيت صلاك وعطفته فأخلق بِأَن تكون الرَّحْمَة كَمَا سمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عطفا وحنوا تَقول اللَّهُمَّ اعطف علينا أَي ارحمنا قَالَ الشَّاعِر ... وَمَا زلت فِي ليني لَهُ وتعطفي ... عَلَيْهِ كَمَا تحنو على الْوَلَد الْأُم ... وَأما رَحْمَة الْعباد فرقة فِي الْقلب إِذا وجدهَا الراحم من نَفسه انعطف على المرحوم وانثنى عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله للعباد جود وَفضل فَإِذا صلى عَلَيْهِ فقد أفضل عَلَيْهِ وأنعم وَهَذِه الْأَفْعَال إِذا كَانَت من الله وَمن الْعباد فَهِيَ متعدية ب (على (مَخْصُوصَة بِالْخَيرِ لَا تخرج عَنهُ إِلَى غَيره فَرَجَعت كلهَا إِلَى معنى وَاحِد إِلَّا أَنَّهَا فِي معنى الدُّعَاء وَالرَّحْمَة صَلَاة معقولة أَي إنحناء مَعْقُول غير محسوس ثمَّ هُوَ من العَبْد الدُّعَاء لِأَنَّهُ لَا يقدر على اكثر مِنْهُ وثمرثه من الله الْإِحْسَان والإنعام فَلم تخْتَلف الصَّلَاة فِي مَعْنَاهَا وَإِنَّمَا اخْتلفت ثَمَرَتهَا الصادرة عَنْهَا وَالصَّلَاة الَّتِي هِيَ الرُّكُوع وَالسُّجُود انحناء محسوس فَلم يخْتَلف الْمَعْنى فِيهَا إِلَّا من جِهَة الْمَعْقُول وَلَيْسَ ذَلِك باخْتلَاف فِي الْحَقِيقَة وَلذَلِك تعدت كلهَا ب (على (واتفقت فِي اللَّفْظ الْمُشْتَقّ من الصَّلَاة وَلم يجز صليت على الْعَدو أَي دَعَوْت عَلَيْهِ فقد صَار بِمَعْنى الصَّلَاة أرق وأبلغ من معنى الرَّحْمَة وَإِن كَانَ رَاجعا إِلَيْهِ إِذْ لَيْسَ كل رَاحِم ينحني على المرحوم ويتعطف عَلَيْهِ من شدَّة الرَّحْمَة انْتهى قَوْله وَسلم السَّلَام بِمَعْنى التَّحِيَّة والسلامة من النقائص والرذائل وَفِي (المطلع (قَالَ الازهري فِي قَوْلك السَّلَام عَلَيْك قَولَانِ أَحدهمَا اسْم السَّلَام وَمَعْنَاهُ اسْم الله عَلَيْك وَمِنْه قَول لبيد إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر وَالثَّانِي سلم الله عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسلَامًا وَمن سلم الله عَلَيْهِ سلم من الْآفَات كلهَا قَالَ الْحَافِظ ابْن الْجَزرِي فِي مِفْتَاح (الْحصن (واما الْجمع بَين الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ الاولى ولاكمل والافضل لقَوْله تَعَالَى {صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} الْأَحْزَاب 56 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَلَو اقْتصر على أَحدهمَا جَازَ من غير كَرَاهَة فقد جرى عَلَيْهِ جمع مِنْهُم مُسلم فِي (صَحِيحه (خلافًا للشَّافِعِيَّة وَفِي كَلَام بَعضهم لَا اعْلَم أحدا نَص على الْكَرَاهَة حَتَّى إِن الامام الشَّافِعِي نَفسه اقْتصر على الصَّلَاة دون التَّسْلِيم فِي خطْبَة (الرسَالَة (وَالله اعْلَم قَوْله وَقد نضر الْجَبَّار تبَارك وَتَعَالَى الخ يُشِير الى حَدِيث عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَات يَوْم فِي خطبَته (أَلا إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أعلمكُم مَا جهلتم مِمَّا عَلمنِي فِي يومي هَذَا كل مَال نحلته عبَادي حَلَال واني خلقت عبَادي حنفَاء كلهم وانهم أَتَتْهُم الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم وأمرتهم أَن يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا وَإِن الله نظر ألى أهل الارض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَّا بقايا من أهل الْكتاب الحَدِيث أما بعد فَإِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ وتقدست اسماؤه إِذا اراد أَن يكرم عَبده بمعرفته وَيجمع قلبه على محبته شرح صَدره لقبُول صِفَاته العلى وتلقيها من مشكاة الْوَحْي فاذا ورد عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا قابله بِالْقبُولِ وتلقاه بالرضى وَالتَّسْلِيم وأذعن لَهُ بالانقياد فَاسْتَنَارَ بِهِ قلبه واتسع لَهُ صَدره وأمتلأ بِهِ سُرُورًا ومحبة فَعلم أَنه تَعْرِيف من تعريفات الله تَعَالَى تعرف بِهِ إِلَيْهِ على لِسَان رَسُوله فَأن نزل تِلْكَ الصّفة من قبله منزلَة الْغَدَاء اعظم مَا كَانَ إِلَيْهِ فاقة ومنزلة الشِّفَاء أَشد مَا كَانَ اليه حَاجَة فَاشْتَدَّ بهَا فرحه وَعظم بهَا غناؤه وقويت بهَا مَعْرفَته واطمأنت إِلَيْهَا نَفسه وَسكن إِلَيْهَا قلبه فجال من الْمعرفَة فِي ميادينها وأسام عين بصيرته فِي رياضها وبساتينها لتيقنه بِأَن شرف الْعلم تَابع لشرف معلومه وَلَا مَعْلُوم أعظم وَأجل مِمَّن هَذِه صفته وَهُوَ ذُو الاسماء الْحسنى وَالصِّفَات العلى وان شرفه أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 بِحَسب الْحَاجة أليه وَلَيْسَت حَاجَة الارواح قطّ الى شَيْء أعظم مِنْهَا إِلَى معرفَة بارئها وفاطرها ومحبته وَذكره والابتهاج بِهِ وَطلب الْوَسِيلَة إِلَيْهِ والزلفى عِنْده وَلَا سَبِيل إِلَى هَذَا إِلَّا بِمَعْرِِفَة أَوْصَافه وأسمائه فَكلما كَانَ العَبْد بهَا أعلم كَانَ بِاللَّه اعرف وَله أطلب وَإِلَيْهِ أقرب وَكلما كَانَ لَهَا أنكر كَانَ بِاللَّه أَجْهَل وَإِلَيْهِ أكره وَمِنْه أبعد وَالله ينزل العَبْد من نَفسه حَيْثُ ينزله العَبْد من نَفسه فَمن كَانَ لذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته مبغضا وعنها نافرا ومنفرا فا لله لَهُ أَشد بغضا وَعنهُ أعظم إعْرَاضًا وَله أكبر مقتا حَتَّى تعود الْقُلُوب إِلَى قلبين قلب ذكر الاسماء وَالصِّفَات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه لَو فَارقه ذكرهَا طرفَة عين ومحبتها لحظات لاستغاث يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك فلسان حَاله يَقُول ... يُرَاد من الْقلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على النَّاقِل ... وَيَقُول ... وَإِذا تقاضيت الْفُؤَاد تناسيا ... ألفيت أحشائي بِذَاكَ شحاحا وَيَقُول إذامرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذّكر أَحْيَانًا فتنتكس ... وَمن الْمحَال أَن يذكر الْقلب من هُوَ محَارب لصفاته نافر من سماعهَا معرض بكليته عَنْهَا زاعم أَن السَّلامَة فِي ذَلِك كلا وَالله إِن هُوَ إِلَّا الْجَهَالَة والخذلان وإلاعراض عَن الْعَزِيز الرَّحِيم فَلَيْسَ الْقلب الصَّحِيح قطّ إِلَى شَيْء أشوق مِنْهُ إِلَى معرفَة ربه تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه وَلَا أفرح بِشَيْء قطّ كفرحه بذلك وَكفى بِالْعَبدِ عمى وخذلانا أَن يضْرب على قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 سرادق الاعراض عَنْهَا والنفرة والتنفير والاشتغال بِمَا لَو كَانَ حَقًا لم ينفع إِلَّا بعد معرفَة الله والايمان بِهِ وبصفاته وأسمائه وَالْقلب الثَّانِي قلب مَضْرُوب بسياط الْجَهَالَة فَهُوَ عَن معرفَة ربه ومحبته مصدود وَطَرِيق معرفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته كَمَا أنزلت عَلَيْهِ مسدود وَقد قمش شبها من الْكَلَام الْبَاطِل وارتوى من مَاء آجن غير طائل تعج مِنْهُ آيَات الصِّفَات وأحاديثها إِلَى الله عجيجا وتضج مِنْهُ الى منزلهَا ضَجِيجًا مِمَّا يسومها تحريفا وتعطيلا ويؤول مَعَانِيهَا تحريفا وتبديلا قد اعد لدفعها انواعا من الْعدَد وهيأ لردها ضروبا من القوانين قَوْله من القوانين القانون مقياس كل شَيْء جمعه قوانين قَالَه فِي (الْقَامُوس (واذا دعِي الى تحكيمها ابى واستكبر وَقَالَ تِلْكَ ادلة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين قد اعد التَّأْوِيل جنَّة يتترس بهَا من مواقع سِهَام السّنة وَالْقُرْآن وَجعل اثبات صِفَات ذِي الْجلَال تجسيما وتشبيها يصد بِهِ الْقُلُوب عَن طَرِيق الْعلم والايمان مزجي البضاعة قَوْله مزجي البضاعة قَالَ فِي (الْقَامُوس (وبضاعة مزجاة أَي قَليلَة من الْعلم النافع الْمَوْرُوث عَن خَاتم الرُّسُل والانبياء لكنه مَلِيء بالشكوك والشبه والجدال والمراء قَوْله الْجِدَال والمراء قَالَ ابْن الاثير فِي (النِّهَايَة (فِي معنى حَدِيث مَا اوتي قوم الجدل الا ضلوا (الجدل مقابلى الْحجَّة بِالْحجَّةِ والمجادلة المناظرة والمخاصمة وَالْمرَاد بِهِ فِي الحَدِيث الجدل على الْبَاطِل وَطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 المغالبة واما الجدل لاظهار الْحق فَإِن ذَلِك مَحْمُود لقَوْله تَعَالَى {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} انْتهى وَفِي (مُخْتَصر الصِّحَاح (للقرطبي جدل بِالْكَسْرِ جدلا أحكم الْخُصُومَة وجادله مجادلة وجدالا خاصمه انْتهى والمراء الْجِدَال والمخاصمة قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (مُخْتَصر الصِّحَاح (ماريته اماريه مراء جادلته انْتهى وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي التَّرْغِيب والرهيب من المراء والجدال وَهُوَ الْمُخَاصمَة والمحاجبة وَطلب الْقَهْر بالغلبة والترهيب فِي تَركه للمحق والمبطل انْتهى فَعلمنَا أَن الْجِدَال والمراء مُتَرَادِفَانِ وَأَن الْعَطف فيهمَا عطف المترادفين انْتهى خلع عَلَيْهِ الْكَلَام الْبَاطِل خلعه الْجَهْل والتجهيل فَهُوَ يتعثر بأذيال التَّكْفِير لاهل الحَدِيث والتبديع لَهُم والتضليل قد طَاف على أَبْوَاب الآراء والمذاهب يَتَكَفَّف أَرْبَابهَا فانثنى بأخسر الْمَوَاهِب والمطالب عدل عَن الابواب الْعَالِيَة الكفيلة بنهاية المُرَاد وَغَايَة الاحسان فابتلي بِالْوُقُوفِ على الابواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان وَقد لبس حلَّة منسوجة من الْجَهْل والتقليد والشبهة والعناد فَإِذا بذلت لَهُ النَّصِيحَة ودعي إِلَى الْحق أَخَذته الْعِزَّة بالاثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد فَمَا أعظم الْمُصِيبَة بِهَذَا وَأَمْثَاله على الْإِيمَان وَمَا أَشد الْجِنَايَة بِهِ على السّنة وَالْقُرْآن وَمَا أحب جهاده بِالْقَلْبِ وَالْيَد وَاللِّسَان إِلَى الرَّحْمَن وَمَا اثقل اجْرِ ذَلِك الْجِهَاد فِي الْمِيزَان وَالْجهَاد بِالْحجَّةِ وَاللِّسَان مقدم على الْجِهَاد بِالسَّيْفِ والسنان وَلِهَذَا امْر بِهِ تَعَالَى فِي السُّور المكية حَيْثُ لَا جِهَاد بِالْيَدِ انذارا وتعذيرا فَقَالَ تَعَالَى {فَلَا تُطِع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا} الْفرْقَان 52 وامر تَعَالَى بجهاد الْمُنَافِقين والغلظة عَلَيْهِم مَعَ كَونهم بَين اظهر الْمُسلمين فِي الْمقَام والمسير فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم ومأواهم جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 التَّوْبَة 73 فالجهاد بِالْعلمِ وَالْحجّة جِهَاد أنبيائه وَرُسُله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق و (من مَاتَ وَلم يغز وَلم يحدث نَفسه بالغزو مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق (وَكفى بِالْعَبدِ عمى وخذلانا ان يرى عَسَاكِر الايمان وجنود السّنة وَالْقُرْآن وَقد لبسوا للحرب لامته واعدوا لَهُ عدته واخذوا مَصَافهمْ ووقفوا مواقفهم وَقد حمي الْوَطِيس ودارت رحى الْحَرْب وَاشْتَدَّ الْقِتَال وتنادت الاقران النزال النزال وَهُوَ فِي الملجأ والمغارات والمدخل مَعَ الْخَوَالِف كمين واذا ساعد الْقدر وعزم على الْخُرُوج قعد على التل مَعَ الناظرين ينظر لمن الدائرة ليَكُون اليهم من المتحيزين ثمَّ ياتيهم وَهُوَ يقسم بِاللَّه جهد أيمانه أَنِّي كنت مَعكُمْ وَكنت أَتَمَنَّى أَن تَكُونُوا انتم الغالبين فحقيق بِمن لنَفسِهِ عِنْده قدر وَقِيمَة أَن لايبيعها بأبخس الاثمان وَأَن لَا يعرضهَا غَدا بَين يَدي الله وَرَسُوله لمواقف الخزي والهوان وَأَن يثبت قَدَمَيْهِ فِي صُفُوف أهل الْعلم والايمان وَأَن لَا يتحيز الى مقَالَة سوى مَا جَاءَ فِي السّنة وَالْقُرْآن فَكَأَن قد كشف الغطاء وانجلى الْغُبَار وَأَبَان عَن وُجُوه أهل السّنة مسفرة ضاحكة مستبشرة وَعَن وُجُوه اهل الْبِدْعَة عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه قَالَ ابْن عَبَّاس تبيض وُجُوه اهل السّنة وَتسود وُجُوه اهل الْبِدْعَة والفرقة الضَّالة فوَاللَّه لمفارقة اهل الاهواء والبدع فِي هَذِه الدَّار اسهل من مرافقتهم اذا قيل {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} الصافات 22 قَالَ امير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَبعده الامام احْمَد ازواجهم اشباههم ونظراؤهم قَالَ تَعَالَى {وَإِذا النُّفُوس زوجت} التكوير 7 قَالُوا فَيجْعَل صَاحب الْحق مَعَ نَظِيره فِي دَرَجَته وَصَاحب الْبَاطِل مَعَ نَظِيره فِي دَرَجَته هُنَالك وَالله يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ اذا حصلت لَهُ حَقِيقَة مَا كَانَ فِيهِ هَذِه الدَّار عَلَيْهِ (يَقُول ياليتني اتَّخذت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مَعَ الرَّسُول سَبِيلا يَا ويلتى لَيْتَني لم اتخذ فلَانا خَلِيلًا لقد اضلني عَن الذّكر بعد اذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَان للانسان خذولا (الْفرْقَان 27 29 شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حِكَايَة مناظرة حصلت بَينه وَبَين بعض المعطلة فَقَالَ فصل وَكَانَ من قدر الله وقضائه ان جمع مجْلِس المذاكرة بَين مُثبت للصفات والعلو وَبَين معطل لذَلِك فاستطعم الْمُعَطل الْمُثبت الحَدِيث استطعام غير جَائِع اليه وَلَكِن غَرَضه عرض بضاعته عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا تَقول فِي الْقُرْآن وَمَسْأَلَة الاسْتوَاء فَقَالَ الْمُثبت نقُول فِيهَا مَا قَالَه رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى وَمَا قَالَه نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الله تَعَالَى بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَبِمَا وَصفه بِهِ رَسُوله من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَمن غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل بل نثبت لَهُ سُبْحَانَهُ مَا أثْبته لنَفسِهِ من الاسماء وَالصِّفَات وننفي عَنهُ النقائص والعيوب ومشابهة الْمَخْلُوقَات اثباتا بِلَا تَمْثِيل وتنزيها بِلَا تَعْطِيل فَمن شبه الله بخلقه فقد كفر وَمن جحد مَا وصف الله بِهِ نَفسه فقد كفر وَلَيْسَ مَا وصف الله بِهِ نَفسه اَوْ وَصفه بِهِ رَسُولا تَشْبِيها فالمشبه يعبد صنما والمعطل يعبد عدما والموحد يعبد إِلَهًا وَاحِدًا صمدا {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى 11 وَالْكَلَام فِي الصِّفَات كَالْكَلَامِ فِي الذَّات فَكَمَا أَنا نثبت ذاتا لَا تشبه الذوات فَكَذَلِك نقُول فِي صِفَاته انها لَا تشبه الصِّفَات فَلَيْسَ كمثله شَيْء لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله فَلَا تشبه صِفَات الله بِصِفَات المخلوقين وَلَا نزيل عَنهُ سُبْحَانَهُ صفة من صِفَاته لاجل شناعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 المشنعين وتلقيب المفترين كَمَا أَنا لَا نبغض اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتسمية الروافض لنا نواصب وَلَا نكذب بِقدر الله وَلَا نجحد كَمَال مَشِيئَته وَقدرته لتسمية الْقَدَرِيَّة لنا مجبرة فَلَا تجحد صِفَات رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى لتسمية الْجَهْمِية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية وَرَحْمَة الله على الْقَائِل ... فان كَانَ تجسيما ثُبُوت صِفَاته ... فَانِي بِحَمْد الله لَهَا مُثبت ... الى ... فان كَانَ تجسيما ثُبُوت صِفَاته ... لديكم فَانِي الْيَوْم عبد مجسم وَرَضي الله عَن الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ ... ان كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد فليشهد الثَّقَلَان أَنِّي رَافِضِي ... وَقدس الله روح الْقَائِل وَهُوَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية اذ يَقُول ... ان كَانَ نصبا حب صحب مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان اني ناصبي ... فصل وَأما الْقُرْآن فَانِي اقول إِن كَلَام الله منزل غير مَخْلُوق مِنْهُ بَدَأَ واليه يعود تكلم الله بِهِ صدقا وسَمعه مِنْهُ جِبْرِيل حَقًا وبلغه مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحيا وان {كهيعص} و {حم عسق} و {الر} و {ق} و {ن} عين كَلَام الله حَقِيقَة وان الله تكلم بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيّ الَّذِي سَمعه الصحابه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وان جمعيه كَلَام الله وَلَيْسَ قَول الْبشر وَمن قَالَ انه قَول الْبشر فقد كفر وَالله يصليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 سقر وَمن قَالَ لَيْسَ لله بَيْننَا فِي الارض كَلَام فقد جحد رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله بَعثه ليبلغ عَنهُ كَلَامه وَالرَّسُول انما يبلغ كَلَام مرسله فاذا انْتَفَى كَلَام الْمُرْسل انْتَفَت رِسَالَة الرَّسُول ونقول ان الله فَوق سمواته مستو على عَرْشه بَائِن من خلقه لَيْسَ فِي مخلوقاته شَيْء من ذَاته وَلَا فِي ذَاته شَيْء من مخلوقاته وانه تَعَالَى اليه يصعد الْكَلم الطّيب وتعرج الْمَلَائِكَة وَالروح اليه وانه يدبر الامر من السَّمَاء الى الارض ثمَّ يعرج اليه وان الْمَسِيح رفع بِذَاتِهِ الى الله وان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرج بِهِ الى الله حَقِيقَة وان ارواح الْمُؤمنِينَ تصعد الى الله عِنْد الْوَفَاة فتعرض عَلَيْهِ وتقف بَين يَدَيْهِ وانه تَعَالَى هُوَ القاهر فَوق عباده وَهُوَ الْعلي الاعلى وان الْمُؤمنِينَ وَالْمَلَائِكَة المقربين يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم وان ايدي السَّائِلين ترفع اليه وحوائجهم تعرض عَلَيْهِ فانه سُبْحَانَهُ هُوَ الْعلي الاعلى بِكُل اعْتِبَار فَلَمَّا سمع الْمُعَطل مِنْهُ ذَلِك امسك ثمَّ اسرها فِي نَفسه وخلي بشياطينه وَبني جنسه واوحى بَعضهم الى بعض زخرف القَوْل غرُورًا واصناف الْمَكْر والاحتيال وراموا امرا يستحمدون بِهِ الى نظرائهم من اهل الْبدع والضلال وعقدوا مَجْلِسا بيتوا فِي مسَاء يَوْمه مَالا يرضاه الله من القَوْل وَالله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط واتوا فِي مجلسهم يما قدرُوا عَلَيْهِ من الهذيان واللغط والتخليط وراموا استدعاء الْمُثبت الى مجلسهم الَّذِي عقدوه ليجعلوا نزله عِنْد قدومه عَلَيْهِم مالفقوه من الْمَكْر وتمموه فحبس الله سُبْحَانَهُ عَن ايديهم والسنتهم فَلم يتجاسروا عَلَيْهِ ورد الله كيدهم فِي نحورهم فَلم يصلوا بالسوء اليه وخذلهم المطاع فمزقوا مَا كتبوه من المحاضر وقلب الله قُلُوب أوليائه وجنده عَلَيْهِم من كل باد وحاضر واخرج النَّاس لَهُم من المخبآت كمائنها قَوْله المخبات خبأه كمنعه ستره كخبأه واختبأه قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله كمائنها قَالَ فِي (الْقَامُوس ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 كمن لَهُ كنصر وَسمع كمونا استخفى واكمنته والكمين كأمير الْقَوْم يكمنون فِي الْحَرْب وَمن الجوائف والمنقلات قَوْله وَمن الجوائف هِيَ جمع جَائِفَة وَهِي طعنة تبلغ الْجوف قَوْله وَمن المنقلات جمع منقلة وَهِي مَا توضح الْعظم وتهشمه وتنقل عِظَامه دفائنها وقوى الله جأش عقد الْمُثبت وَثَبت قلبه وَلسَانه وشيد بِالسنةِ المحمدية بُنْيَانه فسعى فِي عقد مجْلِس بَينه وَبَين خصومه عِنْد السُّلْطَان وَحكم على نَفسه كتب شُيُوخ الْقَوْم السالفين وأئمتهم الْمُتَقَدِّمين وانه لَا يستنصر من اهل مذْهبه بِكِتَاب وَلَا انسان وانه جعل بَينه وَبَيْنكُم اقوال من قلدتموه ونصوص من على غَيره من الائمة قدمتموه وصرخ الْمُثبت بذلك بَين ظهرانيهم حَتَّى بلغه دانيهم لقاصيهم فَلم يذعنوا لذَلِك واستعفوا من عقدَة فطالبهم الْمُثبت بِوَاحِدَة من خلال ثَلَاث مناظرة فِي مجْلِس عَالم على شريطة الْعلم والانصاف تحضر فِيهِ النُّصُوص النَّبَوِيَّة والاثار السلفية وَكتب ائمتكم الْمُتَقَدِّمين من اهل الْعلم وَالدّين فَقيل لَهُم لَا مراكب لكم تسابقون بهَا فِي هَذَا الميدان وَمَا لكم بمقاومة فرسانه يدان فَدَعَاهُمْ الى مُكَاتبَته فِيمَا يَدعُوهُ اليه فَإِن كَانَ حَقًا قبله وشكركم عَلَيْهِ وان كَانَ غير ذَلِك سَمِعْتُمْ جَوَاب الْمُثبت وَتبين لكم حَقِيقَة مَا لَدَيْهِ فَأَبَوا ذَلِك اشد الاباء وَا ستعفوا غَايَة الاستعفاء فَدَعَاهُمْ الى الْقيام بَين الرُّكْن وَالْمقَام قيَاما فِي موقف الابتهال حاسري الرؤوس نسْأَل الله ان ينزل بأسه بِأَهْل الْبدع والضلال وَظن الْمُثبت وَالله أَن الْقَوْم يديبونه إِلَى هَذَا فوطن نَفسه عَلَيْهِ غَايَة التوطين وَبَات يُحَاسب نَفسه ويعرض مَا يُثبتهُ وينفيه عَن كَلَام رب الْعَالمين وعَلى سنة خَاتم الانبياء وَالْمُرْسلِينَ ويتجرد من كل هوى يُخَالف الْوَحْي الْمُبين ويهوي بِصَاحِبِهِ الى أَسْفَل سافلين فَلم يجيبوا الى ذَلِك ايضا واتوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الِاعْتِذَار بِمَا دله على أَن الْقَوْم لَيْسُوا من اولي الأبدي والابصار فَحِينَئِذٍ شمر الْمُثبت عَن سَاق عزمه وَعقد لله مَجْلِسا بَينه وَبَين خَصمه يشهده الْقَرِيب والبعيد وَيقف على مضمونه الذكي والبليد وَجعله عقد مجْلِس التَّحْكِيم بَين الْمُعَطل الجاحد والمثبت المرمي بالتجسيم وَقد خَاصم فِي هَذَا الْمجْلس بِاللَّه وحاكم إِلَيْهِ وبرىء الى الله من كل هوى وبدعة وضلالة وتحيز إِلَى فِئَة غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ اصحابه عَلَيْهِ وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ المسؤول ان لَا يكله الى نَفسه وَلَا الى شَيْء مِمَّا لَدَيْهِ وان يوفقه فِي جَمِيع حالاته لما يُحِبهُ ويرضاه فَإِن ازمة الامور بيدَيْهِ وَهُوَ يرغب الى من يقف على هَذِه الْحُكُومَة ان يقوم لله قيام متجرد عَن هَوَاهُ قَاصد لرضى مَوْلَاهُ ثمَّ يقْرؤهَا متفكرا وَيُعِيدهَا ويبديها متدبرا ثمَّ يحكم فِيهَا بِمَا يُرْضِي الله وَرَسُوله وعباده الْمُؤمنِينَ وَلَا يقابلها بالسب والشتم كَفعل الْجَاهِلين والمعاندين فَإِن رأى حَقًا قبله وشكر عَلَيْهِ وَإِن رأى بَاطِلا رده على قَائِله وَأهْدى الصَّوَاب اليه فَإِن الْحق لله وَرَسُوله وَالْقَصْد أَن تكون كلمة السّنة هِيَ الْعليا جهادا فِي الله وَفِي سَبيله وَالله عِنْد لِسَان كل قَائِل وَقَلبه وَهُوَ المطلع على نِيَّته وَكَسبه وَمَا كَانَ اهل التعطيل أولياءه إِن أولياؤه الا المتقون الْمُؤْمِنُونَ المصدقون {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون وستردون إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فينبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} التَّوْبَة 105 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فصل وَهَذِه امثال حسان مَضْرُوبَة للمعطل والمشبه والموحد ذكرتها قبل الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فَإِن ضرب الامثال مِمَّا يأنس بِهِ الْعقل لتقر // يبها الْعُقُول من الْمَشْهُود وَقد قَالَ تَعَالَى وَكَلَامه الْمُشْتَمل على اعظم الْحجَج وقواطع الْبَرَاهِين {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ} العنكبوت 43 ة قد اشْتَمَل مِنْهَا على بضعَة وَأَرْبَعين مثلا وَكَانَ بعض السّلف اذا قَرَأَ مثلا لم يفهمهُ يشْتَد بكاؤه وَيَقُول لست من الْعَالمين وسنفرد لَهَا ان شَاءَ الله كتابا مُسْتقِلّا متضمنا لاسرارها ومعانيها وَمَا تضمنه من كنوز الْعلم وحقائق الايمان وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان الْمثل الاول ثِيَاب الْمُعَطل ملطخة بعذرة التحريف وَشَرَابه متغير بِنَجَاسَة التعطيل وَثيَاب الْمُشبه مضمخة بِدَم التَّشْبِيه وَشَرَابه متغير بِدَم التَّمْثِيل والموحد طَاهِر الثَّوْب وَالْقلب وَالْبدن يخرج شرابه من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا سائغا للشاربين الْمثل الثَّانِي شَجَرَة الْمُعَطل مغروسة على شفا جرف هار وشجرة الْمُشبه قد اجتثت من فَوق الارض مَا لَهَا من قَرَار وشجرة الموحد اصلها ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء تؤتي اكلها كل حِين باذن رَبهَا وَيضْرب الله الامثال للنَّاس لَعَلَّهُم يتذكرون الْمثل الثَّالِث شَجَرَة الْمُعَطل شَجَرَة الزقوم فالحلوق السليمة لَا تبلعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وشجرة الْمُشبه شَجَرَة الحنظل فالنفوس المستقيمة لَا تتبعها وشجرة الموحد طُوبَى يَسِيرا الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا الْمثل الرَّابِع الْمُعَطل قد أعد قلبه لوقاية الْحر وَالْبرد كبيت العنكبوت والمشبه قد خسف بعقله فَهُوَ يتجلجل فِي أَرض التَّشْبِيه إِلَى البهموت وقلب الموحد يطوف حول الْعرس نَاظرا إِلَى الَّذِي لَا يَمُوت الْمثل الْخَامِس مِصْبَاح الْمُعَطل قد عصفت عَلَيْهِ أهوية التعطيل فطفئ وَمَا أنار ومصباح الْمُشبه قد غرقت فتيلته فِي عكر التَّشْبِيه فَلَا تقتبس مِنْهُ الْأَنْوَار العكر بِفتْحَتَيْنِ دردي الزَّيْت وَغَيره وَقد عكرت المسرجة من بَاب طرب اجْتمع فِيهَا الدردي وعكر الشَّرَاب وَالْمَاء والدهن آخِره خاثره وَقد عكر فَهُوَ عكر وأعكره غَيره وعكره تعكيرا جعل فِيهِ العكر قَالَه فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (ومصباح الموحد يرقد من شَجَرَة مباركة زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية يكَاد زيتها يضيئ وَلَو لم تمسسه نَار الْمثل السَّادِس قلب الْمُعَطل مُتَعَلق بِالْعدمِ فَهُوَ أَحْقَر الحقير وقلب الْمُشبه عَابِد للصنم الَّذِي قد نحت بالتصوير وَالتَّقْدِير والموحد قلبه متعبد لمن لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الْمثل السَّابِع نقود الْمُعَطل كلهَا زيوف فَلَا تروج علينا وبضاعة الْمُشبه كاسدة فَلَا تنْفق لدينا وتجارة الموحد يُنَادي عَلَيْهَا يَوْم الْعرض على رُؤُوس الأشهاد هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا الْمثل الثَّامِن الْمُعَطل كنافخ الْكِير إِمَّا أَن يحرق ثِيَابك وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا خبيثة والمشبه كبائع الْخمر إِمَّا أَن يسكرك وَإِمَّا أَن ينجسك والموحد كبائع الْمسك إِمَّا أَن يحذيك وَإِمَّا أَن يبيعك وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ رَائِحَة طيبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الْمثل التَّاسِع الْمُعَطل قد تخلف عَن سفينة النجَاة وَلم يركبهَا فأدركه الطوفان والمشبه قد انْكَسَرت بِهِ فِي اللجة فَهُوَ يُشَاهد الْغَرق بالعيان والموحد قد ركب سفينة نوح وَقد صَاح بِهِ الربان اركبوا فِيهَا باسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا ان رَبِّي لغَفُور رَحِيم الْمثل الْعَاشِر منهل الْمُعَطل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا فَرجع خاسئا حسيرا ومشرب الْمُشبه من مَاء قد تغير طعمه ولونه وريحه بِالنَّجَاسَةِ تغييرا ومشرب الموحد من كأس كَانَ مزاجها كافورا عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا وَقد سميتها ب (الكافية الشافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاجِية (وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي المحاكمة وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم قَوْله (أما بعد) أَي أما بعد مَا ذكر من حمد الله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله (أما) نائبة عَن (مهما) ولتضمنها معنى الشَّرْط لَزِمت الْفَاء فِي جوابها و (بعد) من الظروف المبينة مَا لم تضف لفظا وَمعنى أَو ينوى ثُبُوت لفظ الْمُضَاف إِلَيْهَا أَو تقطع عَن الْإِضَافَة رَأْسا فتعرب حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثَة وَإِن حذف الْمُضَاف إِلَيْهَا ونوي ثُبُوت مَعْنَاهُ على الضَّم وَهَذِه الْكَلِمَة يُؤْتى بهَا للإنتقال من أسلوب إِلَى غَيره أَي بعد الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسْتَحب الْإِتْيَان بهَا فِي الْخطب والمكاتبات لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِي بهَا فِي خطبه ومكاتباته للملوك وَغَيرهم وَاخْتلف فِي اول من نطق بهَا فَقيل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن الشّعبِيّ أَنَّهَا فصل الْخطاب الَّذِي أوتيه لِأَنَّهَا تفصل بَين الْمُقدمَات والمقاصد وَقيل أول من نطق بهَا يَعْقُوب وَقيل أَيُّوب وَقيل سُلَيْمَان عَلَيْهِم السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَقيل قيس بن سَاعِدَة الأيادي وَقيل كَعْب بن لؤَي وَقيل يعرب بن قحطان وَالْقَوْل الأول وَهُوَ أَن أول من نطق بهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أشبه كَمَا قَالَه الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَغَيره قَوْله فَإِن لله جلّ ثَنَاؤُهُ الخ الْفَاء فِي جَوَاب (أما) النائبة عَن (مهما) لتضمنها معنى الشَّرْط قَوْله قد قمش قَالَ فِي (0 الْقَامُوس) القمش جمع القماش وَهُوَ مَا على وَجه الأَرْض من فتات الْأَشْيَاء حَتَّى يُقَال لرذالة النَّاس قماش وَمَا أَعْطَانِي إِلَّا قماشا أَي أرادأ مَا وجده قَوْله آجن الآجن المَاء الْمُتَغَيّر الطّعْم والون آجن كضرب وَفَرح وَنصر أجنا وأجنا وجنونا قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله تعج مِنْهُ آيَات الصِّفَات الخ قَالَ فِي الْقَامُوس عج يعج ويعج كنميل عجا وعجيجا صَاح وَرفع صَوته قَوْله وتضج الخ قَالَ فِي (الْقَامُوس (أضج الْقَوْم إضجاجا صاحوا وأجلبوا فَإِذا جزعوا وغلبوا فضجوا يضجون ضَجِيجًا قَوْله الْوَطِيس الطيس هُوَ التَّنور ة الْآن حمي الْوَطِيس أَي اشْتَدَّ الْحَرْب قَالَه فِي (الْقَامُوس ( قَوْله جنَّة الْجنَّة بِالضَّمِّ قَالَ فِي (الْقَامُوس (جنه اللَّيْل وَعَلِيهِ جنا وجنونا وأجنه ستره وكل مَا ستر عَنْك فقد جن عَنْك وأجن عَنهُ واستجن أستتر قَوْله جأش الْمُثبت قَالَ فِي (الْقَامُوس (الجأش رواع الْقلب إِذا اضْطربَ عِنْد الْفَزع وَنَفس الانسان وَقد لَا يهمز جمع جؤوش قَوْله فِي مَوَاقِف الابتهال قَالَ ابْن هِشَام فِي (تَهْذِيب السِّيرَة (نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين نَدْعُو باللعنة قَالَ أعشى بني قيس بن ثَعْلَبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 .. لَا تعقدن وَقد أكلتها حطبا ... نَعُوذ من شَرها يَوْمًا ونبتهل ... يَقُول نَدْعُو باللعنة وَتقول الْعَرَب بهل الله فلَانا أَي لَعنه وَعَلِيهِ بهلة الله أَي لعنة الله وَيُقَال بهله الله أَي لَعنه ونبتهل أَيْضا نجتهد فِي الدُّعَاء انْتهى وَأما حكم المباهلة فقد كتب بعض الْعلمَاء رِسَالَة فِي شُرُوطهَا المستنبطة من الْكتاب وَالسّنة والْآثَار وَكَلَام الْأَئِمَّة وَحَاصِل كَلَامه فِيهَا أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا فِي أمرمهم شرعا وَقع فِيهِ اشْتِبَاه وعناد لَا يَتَيَسَّر دَفعه إِلَّا بالمباهلة فَيشْتَرط كَونهَا بعد إِقَامَة الْحجَّة وَالسَّعْي فِي إِزَالَة الشّبَه وَتَقْدِيم النصح والإنذار وَعدم نفع ذَلِك ومساس الضَّرُورَة إِلَيْهَا انْتهى وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي شرح (النّظم (فَأَقُول وَالله الْمُوفق بَحر هَذِه الْمَنْظُومَة الْمُبَارَكَة هُوَ الْكَامِل وَهُوَ مَبْنِيّ من سِتَّة أَجزَاء متغاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... حكم الْمحبَّة ثَابت الْأَركان مَا للصدود بفسح ذَاك يدان ... إِنِّي وقاضي الْحس نفذ حكمهَا فَلِذَا أقرّ بذلك الخصمان ... وَأَتَتْ شُهُود الْوَصْل تشهد أَنه حَقًا جرى فِي مجْلِس الْإِحْسَان ... فتأكد الحكم الْعَزِيز فَلم تَجِد فسخ الوشاة إِلَيْهِ من سُلْطَان ... وَلأَجل ذَا حكم العذول تداعت ال أَرْكَان مِنْهُ فَخر للأذقان ... وأتى الوشاة فصادفوا الحكم الَّذِي حكمُوا بِهِ مُتَيَقن الْبطلَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 .. مَا صَادف الحكم الْمحل وَلَا هواس توفّي الشُّرُوط فَصَارَ ذَا بطلَان ... فلذاك قَاضِي الْحسن أثبت محضرا بِفساد حكم الهجر والسلوان ... وَحكى لَك الحكم الْمحَال ونقضه فَأَسْمع إِذا يَا من لَهُ أَذَان ... حكم الوشاة بِغَيْر مَا برهَان إِن الْمحبَّة والصدود لدان ... وَالله مَا هَذَا بِحكم مقسط أَيْن الغرام وَصد ذِي هجران ... شتان بَين الْحَالَتَيْنِ فَإِن ترد جمعا فَمَا الضدان يَجْتَمِعَانِ افْتتح النَّاظِم رَحمَه الله هَذِه الْمَنْظُومَة بِشَيْء من النسيب وَهُوَ التغزل والتشبيب كلهَا بِمَعْنى وَاحِد وَأما الْغَزل فَهُوَ إلْف النِّسَاء والتخلق بِمَا وافقهن وَلَيْسَ مِمَّا ذكر فِي شيئ فَمن جعله بِمَعْنى التغزل فقد اخطأ وَقد نبه على ذَلِك قدامه وأوضحه فِي كِتَابه (نقد الشّعْر ( قَوْله حكم الْمحبَّة ثَابت الْأَركان ركن الشيئ جَانِبه الْأَقْوَى أَي ولثبوت أَرْكَانه وشدتها لَا يُطيق الصدود فَسخه قَوْله إِنِّي وقاضي الْحسن أَي كَيفَ يقدر الصدود على فَسخه وَقد ثَبت وتوطدت أَرْكَانه وَذَلِكَ ان قَاضِي الْحسن نفد حكمهَا أَي نفذ حكم الْمحبَّة وَفِي بعض النّسخ (نفذ حكمه (وَالْمعْنَى وَاحِد وَفِي قَوْله قَاضِي الْحسن وَهُوَ الْجمال اسْتِعَارَة وَذَلِكَ انه شبه الْحسن فِي قوته وسلطنته على المحبوب وقهره لَهُ بسلطنة القَاضِي الْحسي وقهره للخصوم ونفاذ حكمه فَكَذَلِك حسن هَذِه المحبوبة حكم على محبها بالمحبة وَفِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حكم الْمحبَّة الخ براعة الاستهلال وَهُوَ أَن يكون الِابْتِدَاء مناسبا للمقصود لِأَن الْمَنْظُومَة الْمَذْكُورَة فِي المحاكمة بَين الطوائف قَوْله فَلِذَا أقرّ بذلك الخصمان أَي لما حكم قَاضِي الْحسن بالمحبة أقرّ الخصمان بهَا قَوْله وَأَتَتْ شُهُود الْوَصْل ألخ أَي لما حصل وصل هَذِه المحبوبة وَشهِدت بِهِ الشُّهُود تَأَكد الحكم فَلم يبْق سَبِيل للوشاة إِلَى فَسخه وَهَذَا معنى قَوْله فتأكد الحكم الْعَزِيز وَقَوله فسخ الوشاة هَذَا من الْكَلَام المقلوب وَالْمعْنَى لم تَجِد الوشاة إِلَى فَسخه من سُلْطَان هَذَا إِن كَانَ لفظ تَجِد بِالتَّاءِ وَإِن كَانَ اللَّفْظ يجد بالتحتية فَهُوَ ظَاهر وَفسخ فَاعل يجد وَفسخ مُضَاف والوشاة مُضَاف إِلَيْهِ قَوْله وَلأَجل ذَا حكم العذول تداعت الْأَركان مِنْهُ الخ أَي لما شهِدت شُهُود الْوَصْل بِثُبُوت حكم الْمحبَّة خر حكم العذول وَسَقَطت أَرْكَانه وَقَوله وأتى الوشاة فصادفوا إِلَخ أَي لما اتى الوشاة صادفوا حكمهم بَاطِلا وَهُوَ مَا ذكره بقوله حكم الوشاة الخ أَي حكم الوشاة أَن الْمحبَّة والصدود لدان أَي سَوَاء وَذَلِكَ حكم جَائِر لَيْسَ بمقسط وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله أَيْن الغرام وَهُوَ شدَّة الْمحبَّة والصدود أَي ليسَا بِسَوَاء قَوْله فلذاك قَاضِي الْحسن أثبت محْضر الخ أَي إِن قَاضِي الْحسن أثبت محضرا بِفساد حكم الهجر والسلوان والمحضر السّجل والمشهد قَالَه فِي (الْقَامُوس (أَي لما حصل الْوِصَال حكم قَاضِي الْحسن بِفساد حكم الهجر والسلوان قَوْله شتان بَين الْحَالَتَيْنِ الخ أَي افْتَرَقت الحالتان وشتان بَينهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 قَوْله الصدود هُوَ إسم مصدر صد يصد صدودا قَالَ فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (صد يصد بِضَم الصَّاد صدودا أعرض عَنهُ وصده عَن الْأَمر مَنعه وَصَرفه (عَنهُ) من بَاب رد انْتهى قَوْله يدان المُرَاد بِالْيَدِ هُنَا الْقُدْرَة تَسْمِيَة للشيئ بِسَبَبِهِ لِأَن الْقُدْرَة هِيَ تحرّك الْيَد يُقَال فلَان لَهُ يَد فِي كَذَا وَكَذَا وَمِنْه قَول زِيَاد لمعاوية إِنِّي قد أَمْسَكت الْعرَاق بِإِحْدَى يَدي وَالْأُخْرَى فارغة قَوْله الوشاة جمع واش يُقَال وشى كَلَامه أَي كذب ووشى بِهِ إِلَى السُّلْطَان وشاية أَي سعى (مُخْتَار الصِّحَاح (قَالَ الْعَيْنِيّ الوشاة جمع واش من وشى بِهِ بشي وشاية إِذا نم عَلَيْهِ وسعى بِهِ فَهُوَ واش قَوْله لدان اللدة كعدة الترب جمع لدات قَالَه فِي (الْقَامُوس (والترب بِالْكَسْرِ اللدة وَالسّن وَمن ولد مَعَك قَالَه فِي (الْقَامُوس ( قَوْله وَالله مَا هَذَا بِحكم مقسط الْقسْط بِالْكَسْرِ الْعدْل تَقول مِنْهُ أقسط الرجل فَهُوَ مقسط وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (إِن الله يحب المقسطين) الحجرات 9 أَي مَا هَذَا بِحكم عَادل قَوْله الغرام الغرام هُوَ الْحبّ اللَّازِم للقلب الَّذِي لَا يُفَارِقهُ بل يلازمه كملازمة الْغَرِيم لغريمه وَمِنْه سمي عَذَاب النَّار غراما للزومه لأَهله وَعدم مُفَارقَته لَهُم قَالَ الله تَعَالَى إِن عَذَابهَا كَانَ غراما الْفرْقَان 65 قَوْله فَمَا الضدان الضدان هما اللَّذَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَقد يرتفعان كالسواد وَالْبَيَاض قَالَ النَّاظِم ... يَا والها هَانَتْ عَلَيْهِ نَفسه إِذْ بَاعهَا غبنا بِكُل هوان ... أتبيع من تهواه نَفسك طَائِعا بالصد والتعذيب والهجران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 .. أجهلت أَوْصَاف الْمَبِيع وقدرة أَن كنت ذَا جهل بِذِي الْأَثْمَان ... واها لقلب لَا يُفَارق طيره ال أَغْصَان قَائِمَة على الكثبان ... ويظل يسجع فَوْقهَا وَلغيره مِنْهَا الثِّمَار وكل قطف دَان ... ويبيت يبكي والمواصل ضَاحِك ويظل يشكو وَهُوَ ذُو هجران ... هَذَا وَلَو أَن الْجمال مُعَلّق بِالنَّجْمِ هم إِلَيْهِ بالطيران ... لله زائرة بِاللَّيْلِ لم تخف عسس الْأَمِير ومرصد السجان ... قطعت بِلَاد الشَّام ثمَّ تيممت من أَرض طيبَة مطلع الْإِيمَان ... وَأَتَتْ على وَادي العقيق فجاوزت مِيقَاته حلا بِلَا نكران ... 5 وَأَتَتْ على وَادي الاراك وَلم يكن قصدا لَهَا فألا بِأَن ستراني ... وَأَتَتْ على عَرَفَات ثمَّ محسر وَمنى فكم نَحرته من قرْبَان ... وَأَتَتْ على الجمرات ثمَّ تيممت ذَات الستور وربة الاركان ... هَذَا وَمَا طافت وَلَا استلمت وَلَا رمت الْجمار وَلَا سعت لقران ... ورقت على أَعلَى الصَّفَا فَتَيَمَّمت دَارا هُنَالك للمحب العاني ... أَتَرَى الدَّلِيل أعارها أثوابه وَالرِّيح أعطتها من الخفقان ... وَالله لَو أَن الدَّلِيل مَكَانهَا مَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ فِي إِمْكَان ... هَذَا وَلَو سَارَتْ مسير الرّيح مَا وصلت بِهِ لَيْلًا إِلَى نعْمَان ... سَارَتْ وَكَانَ دليلها فِي سَيرهَا سعد السُّعُود وَلَيْسَ بالدبران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 .. وَردت جفار الدمع وَهِي غزيرة فلذاك مَا احْتَاجَت وُرُود الضان ... وعلت على متن الْهوى وتزودت ذكرى الحبيب وَوَصله المتدان ... قَوْله واها هِيَ كلمة يَقُولهَا المتعجب قَالَ الْجَوْهَرِي اذا تعجبت من طيب الشَّيْء قلت واها لَهُ مَا أطيبه وَكَذَلِكَ فِي التفجيع واها وواه ايضا انْتهى قَوْله لَا يُفَارق طيره الاغصان المُرَاد بالاغصان القدود كَقَوْلِه أأغصان بَان مَا أرى أم شمائل قَوْله قَائِمَة على الكثبان أَي الارداف لَان ذَلِك يُسمى الْكَثِيب والنقا وَاعْلَم أَن للشعر ألفاظا صَارَت بَينهم حقائق عرفية وان كَانَت فِي الاصل مجَازًا لِكَثْرَة دورانها فِي كَلَامهم وتعاطيهم استعمالاتها لانهم ألفوا ذَلِك من تداولها وتكرارها على مسامعهم فَمن ذَلِك الْغُصْن إِذا أَطْلقُوهُ فَهموا مِنْهُ القوام والكثيب إِذا أَطْلقُوهُ فَهموا مِنْهُ الردف والورد إِ ذَا اطلقوه فَهموا مِنْهُ الْوَجْه والاقاح إِذا أَطْلقُوهُ فَهموا مِنْهُ الثغر والراح إِذا أَطْلقُوهُ فَهموا مِنْهُ الرِّيق والنرجس إِذا أَطْلقُوهُ فَهموا مِنْهُ الْعُيُون وَكَذَا السَّيْف والسهم وَالْبَحْر والبنفسج وَالريحَان العذار كل هَذِه انْتَقَلت عَن وَضعهَا الاصلي وَصَارَت حقائق عرفية نقلهَا الِاصْطِلَاح قَوْله يسجع قَالَ فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (السجع الْكَلَام المقفى وَجمعه أسجاع وأساجيع وَقد سجع الرجل من بَاب قطع وسجع أَيْضا تسجيعا وَكَلَام مسجع وأساجيع وسجعت الْحَمَامَة هدرت وسجعت النَّاقة مدت حنينها على جِهَة وَاحِدَة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 قَوْله لله زائرة بلَيْل الخ قَوْلهم لله فلَان أَصله لله در فلَان بِفَتْح الدَّال وَهُوَ اللَّبن فَيحْتَمل أَنه كِنَايَة عَن فعل الممدوح أَو يُرَاد بِهِ لبن ارتضاعه أَي مَا أعجب هَذَا اللَّبن الَّذِي نَشأ بِهِ مثل هَذَا الْمَوْلُود الْكَامِل فِي هَذِه الصّفة وعَلى كل حَال فاضفته لله للتعظيم لانه منشىء الْعَجَائِب قَوْله عسس الامير قَالَ فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (عس من بَاب رد طَاف بِاللَّيْلِ وعسسا أَيْضا وَهُوَ نفض اللَّيْل عَن أهل الرِّيبَة فَهُوَ عاس وَقوم عسس كخادم وخدم وطالب وَطلب وأعتس مثل عس انْتهى قَوْله من أَرض طيبَة هِيَ الْمَدِينَة المنورة قَوْله وَادي العقيق قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد طَاهِر الفتني فِي (مجمع الْبحار (هُوَ وَادي من أَوديَة الْمَدِينَة وَورد أَنه وَاد مبارك وَمِنْه أَتَانِي آتٍ بالعقيق والآتي جِبْرِيل وَورد أَن العقيق مِيقَات أهل الْعرَاق وَهُوَ مَوضِع قريب من ذَات عرق وَهُوَ اسْم مَوَاضِع كَثِيرَة وكل مَوضِع شققته من الارض فَهُوَ عقيق انْتهى وَفِي (منسك شيخ الاسلام (أَن ذَا الحليفة يُسمى وَادي العقيق ... وَأَتَتْ على وَادي الاراك وَلم يكن ... قصدا لَهَا فألا بِأَن ستراني ... الاراك كالارك بِالْكَسْرِ شجر من الحمض يستاك بِهِ وإبل أراكية ترعاه قَالَه فِي (الْقَامُوس (أَي إِن هَذِه الْعَرُوس أَتَت على وَادي الاراك وَلَيْسَ هُوَ طَرِيقا لَهَا وَلَكِن فعلت ذَلِك تفاؤلا بِأَن ترى محبها قَوْله سَارَتْ وَكَانَ دليلها فِي سَيرهَا الخ قَالَ الْعَلامَة الْعَيْنِيّ فِي (شرح الشواهد الْكُبْرَى (فِي شرح قَول الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 .. اذا دبران مِنْك يَوْمًا لَقيته ... أُؤَمِّل أَن أَلْقَاك غدوا بِأَسْعَد ... قَالَ دبران علم على الْكَوْكَب الَّذِي بدبر الثريا وَهُوَ خَمْسَة كواكب فِي الثور يُقَال انها سنامه الى أَن قَالَ وَالْحَاصِل ان ذكر الدبران الَّتِي هِيَ علم للكواكب الْخَمْسَة وكنى بهَا عَن الادبار الَّذِي هُوَ ضد الاقبال والسعد وَذكر الاسعد الَّتِي هِيَ سعود النُّجُوم وكنى بهَا عَن السعد الَّذِي هُوَ ضد النحس وَالْمعْنَى اذا رَأَيْت مِنْك ادبارا يَوْمًا يَعْنِي شَيْئا أكرهه فَلَا أقطع رجائي مِنْك وَلَكِن أُؤَمِّل حُصُول خيرك من بعد ذَلِك بِأَن أَلْقَاك فِي سعد وإقبال انْتهى أَي لَان هَذِه الْعَرُوس جَاءَت من الشَّام وألجائي من الشَّام يتَيَمَّم جِهَة مطلع سعد السُّعُود لانه فِي جِهَة الْجنُوب وَلَو اسْتدلَّ بالدبران لما اهْتَدَى وَيحْتَمل أَن مُرَاد النَّاظِم التفاؤل باسم سعد السُّعُود لَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يُعجبهُ الفأل (وَكَانَ يَقُول (إِذا بعثتم إِلَيّ بريدا فابعثوه حسن الِاسْم حسن الْوَجْه (اَوْ كَمَا قَالَ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وعدت بزورتها فأوفت بِالَّذِي وعدت وَكَانَ بملتقى الاجفان ... لم يفجأ المشتاق الا وَهِي دا خلة الستور بِغَيْر مَا اسْتِئْذَان ... قَالَت وَقد كشفت نقاب الْحسن مَا بِالصبرِ لي عَن ان أَرَاك يدان ... فتحدثت عِنْدِي حَدِيثا خلته صدقا وَقد كذبت بِهِ العينان ... فعجبت مِنْهُ وَقلت من فرحي بِهِ طَمَعا وَلَكِن الْمَنَام دهاني ... ان كنت كَاذِبَة الَّذِي حَدَّثتنِي فَعَلَيْك إِثْم الْكَاذِب الفتان ... جهم بن صَفْوَان وشيعته الالى جحد واصفات الْخَالِق الديَّان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 قَوْله وعدت بزورتها فأوفت بِالَّذِي الخ أَي أَنَّهَا وعدت بالزيارة فأوفت بهَا فِي الْمَنَام وَلِهَذَا قَالَ وَكَانَ بملتقى الاجفان وكما قَالَ قبل ذَلِك لله زائرة بلَيْل قَوْله نقاب قَالَ فِي (الْقَامُوس (بِالْكَسْرِ الرجل الْعَلامَة وَمَا تنتقب بِهِ الْمَرْأَة وَالطَّرِيق فِي الْغَلَط قَوْله إِن كنت كَاذِبَة الَّذِي حَدَّثتنِي الخ هَذَا يُسمى حسن التَّخَلُّص عِنْد اهل البديع قَوْله جهم ابْن صَفْوَان هُوَ على مَا قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (الْمِيزَان (جهم بن صَفْوَان ابو مُحرز السَّمرقَنْدِي الضال المبتدع رَأس الْجَهْمِية هلك فِي زمَان التَّابِعين وَمَا عَلمته روى شَيْئا لكنه زرع شرا عَظِيما وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (رِسَالَة خلق أَفعَال الْعباد (حَدثنِي أَبُو جَعْفَر قَالَ حَدثنِي يحيى بن أَيُّوب قَالَ سَمِعت ابا نعيم الْبَلْخِي قَالَ كَانَ رجل من أهل مرو صديقا لجهم ثمَّ قطعه وجفاه فَقيل لَهُ لم جفوته فَقَالَ احتملت مِنْهُ مَا لايحتمل قَرَأت يَوْمًا آيَة كَذَا وَكَذَا أنسيها يحيى فَقَالَ مَا كَانَ أظرف مُحَمَّدًا فاحتملتها ثمَّ قَرَأَ سُورَة {طه} فَلَمَّا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 قَالَ أما وَالله لَو وجدت سَبِيلا الى حكها لحككتها من الْمَصَاحِف فاحتملتها ثمَّ قَرَأَ سُورَة {الْقَصَص} فَلَمَّا انْتهى الى ذكر مُوسَى قَالَ مَا هُنَا ذكر قصَّته فِي مَوضِع فَلم يُتمهَا ثمَّ رمى بالمصحف من حجر برجليه فَوَثَبت عَلَيْهِ حَدثنِي أَبُو جَعْفَر قَالَ سَمِعت يحي بن أَيُّوب قَالَ كُنَّا ذَات يَوْم عِنْد مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ فَسَأَلَهُ رجل عَن حَدِيث الرُّؤْيَة فَلم يحدث بِهِ قَالَ ان لم تُحَدِّثنِي بِهِ فَأَنت جهمي فَقَالَ مَرْوَان تَقول لي جهمي وجهم مكث اربعين يَوْمًا لَا يعرف ربه وَقَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب (خلق أَفعَال الْعباد (بَلغنِي أَن جهما كَانَ يَأْخُذ من الْجَعْد بن دِرْهَم وَكَانَ خَالِد الْقَسرِي أَمِير الْعرَاق خطب فَقَالَ إِنِّي مضح بالجعد بن دِرْهَم لانه زعم أَن الله لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلم يكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مُوسَى تكليما وَنقل البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ قَالَ عبد الله ابْن الْمُبَارك ... وَلَا أَقُول بقول الجهم إِن لَهُ ... قولا يضارع أهل الشّرك أَحْيَانًا ... وَعَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ ترك الجهم الصَّلَاة اربعين يَوْمًا على وَجه الشَّك وَذكر الطَّبَرِيّ فِي (تَارِيخه (فِي حوادث سنة ثَمَان وَعشْرين (بعد الْمِائَة) أَن الْحَارِث بن سُرَيج خرج على نصر بن سيار عَامل خُرَاسَان لبني امية وحاربه والْحَارث حِينَئِذٍ يَدْعُو الى الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة وَكَانَ جهم حِينَئِذٍ كَاتبه ثمَّ تراسلا بِالصُّلْحِ وتراضيا بِحكم مقَاتل بن حَيَّان والجهم فاتفقا على أَن الامر يكون شُورَى حَتَّى يتراضى أهل خُرَاسَان على أَمِير يحكم بَينهم بِالْعَدْلِ فَلم يقبل نصر ذَلِك وَاسْتمرّ على محاربة الْحَارِث إِلَى أَن قتل الْحَارِث فِي سنة ثَمَان وَعشْرين (بعد الْمِائَة) فِي خلَافَة مَرْوَان الْحمار فَيُقَال ان الجهم قتل فِي المعركة وَمُقَاتِل أسر فَأمر نصر بن سيار سَالم بن أحوز بقتْله فَادّعى جهم الامان فَقَالَ لَهُ سَالم لَو كنت فِي بَطْني لشققته حَتَّى أَقْتلك فَقتله وَأخرج ابْن ابي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن صَالح مولى بني هَاشم قَالَ قَالَ سَالم حِين أَخذه يَا جهم إِنِّي لست اقتلك لانك قاتلتني أَنْت عِنْدِي أَحْقَر من ذَلِك وَلَكِنِّي سَمِعتك تكلم بِكَلَام أَعْطَيْت الله عهدا أَن لَا أملكك إِلَّا قتلتك فَقتله وَمن طَرِيق مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن خَلاد الطفَاوِي بلغ سَالم ابْن احوز وَكَانَ على شرطة خُرَاسَان أَن جهم بن صَفْوَان يُنكر ان الله كلم مُوسَى تكليما فَقتله وَمن طَرِيق بكر بن مَعْرُوف قَالَ رَأَيْت سَالم بن احوز حِين ضرب عنق جهم فاسود وَجه جهم وَأسْندَ أَبُو الْقَاسِم اللالكائي فِي كتاب (السّنة (لَهُ أَن قتل جهم كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَالْمُعْتَمد مَا ذكره الطَّبَرِيّ أَنه كَانَ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين (بعد الْمِائَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق صَالح بن احْمَد بن حَنْبَل قَالَ قَرَأت كتاب دَاوُد بن هِشَام بن عبد الْملك الى نصر بن سيار عَامل خُرَاسَان أما بعد فقد نجم قبلك رجل يُقَال لَهُ جهم من الدهرية قَالَ فَإِن ظَفرت بِهِ فاقتله وَقد ذكر الامام احْمَد رَحمَه الله بعض حَال الجهم كَمَا سَيَأْتِي فِي شرح قَول النَّاظِم ولذاك لم يقر الجهم بالارواح خَارِجَة عَن الابدان وَقَالَ عَليّ بن الْحسن سَمِعت ابْن مُصعب يَقُول كفرت الْجَهْمِية فِي غير مَوضِع من كتاب الله قَوْلهم إِن الْجنَّة تفنى وَقَالَ الله تَعَالَى {إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد} ص 54 فَمن قَالَ انها تنفد فقد كفر وقا ل {لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} الْوَاقِعَة 33 فَمن قَالَ انها تَنْقَطِع فقد كفر وَقَالَ بلغُوا الْجَهْمِية أَنهم كفار وَأَن نِسَاءَهُمْ طَوَالِق وَقَالَ زُهَيْر البابي سَمِعت سَلام ابْن أبي مُطِيع يَقُول الْجَهْمِية كفار وَقَالَ وَكِيع أَحْدَثُوا هَؤُلَاءِ المرجئة الْجَهْمِية والجهمية كفار وَقَالَ ابْن الاسود سَمِعت ابْن مهْدي يَقُول ليحيى بن سعيد لَو أَن جهميا بيني وَبَينه قرَابَة مَا استحللت من مِيرَاثه شَيْئا وَقَالَ يزِيد بن هَارُون الجهمي أضرّ من مِائَتي شَيْطَان قَالَ أَبُو عبد الله مَا أُبَالِي صليت خلف الجهمي والرافضي ام صليت خلف الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا يسلم عَلَيْهِم وَلَا يعادون وَلَا يناكحون وَلَا يشْهدُونَ وَلَا تُؤْكَل ذبائهم وَسُئِلَ وَكِيع عَن مثنى الانماطي فَقَالَ كَافِر وَقَالَ عبد الله بن دَاوُد لَو كَانَ لي على الْمثنى الانماطي سَبِيل لنزعت لِسَانه من قَفاهُ وَكَانَ جهميا وحذر يزِيد بن هَارُون من الْجَهْمِية وَقَالَ من زعم أَن الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى على خلاف مَا يقر فِي قُلُوب الْعباد فَهُوَ جهمي وَقَالَ ضَمرَة بن ربيعَة عَن صدورة سَمِعت سُلَيْمَان التَّيْمِيّ يَقُول لَو سُئِلت عَن الله لَقلت فِي السَّمَاء فَإِن قَالَ فَأَيْنَ عَرْشه قبل السَّمَاء لَقلت على المَاء فَإِن قَالَ فَأَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 كَانَ عَرْشه قبل المَاء قلت لَا اعْلَم قَالَ أَبُو عبد الله وَذَلِكَ لقَوْله {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} الْبَقَرَة 255 يَعْنِي إِلَّا بِمَا بَين وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف من قَالَ ان الله لَيْسَ على عَرْشه فَهُوَ كَافِر وَمن زعم أَن الله لم يكلم مُوسَى فَهُوَ كَافِر وَقيل لمُحَمد بن يُوسُف ادركت النَّاس فَهَل سَمِعت أحدا يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق فَقَالَ الشَّيْطَان تكلم بِهَذَا وَمن تكلم فِي هَذَا والجهمي كَافِر وَقَالَ ابْن الْمُبَارك لَا نقُول كَمَا قَالَ الْجَهْمِية ان الله فِي الارض هَهُنَا بل على الْعَرْش اسْتَوَى وَقيل لَهُ كَيفَ نَعْرِف رَبنَا قَالَ فَوق سماواته على عَرْشه وَقَالَ لرجل مِنْهُم أبطنك خَال مِنْهُ فبهت الآخر وَقَالَ سعيد بن عَامر الْجَهْمِية شَرّ قولا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى قد اجمعت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأهل الاديان على ان الله على الْعَرْش وَقَالُوا هم لَيْسَ على الْعَرْش وَقَالَ حَمَّاد بن زيد الْقُرْآن كَلَام الله نزل بِهِ جِبْرِيل مَا يحاولون الا انه لَيْسَ فِي السَّمَاء إِلَه وَقَالَ عَليّ ان الَّذين قَالُوا ان لله ولدا أكفر من الَّذين قَالُوا إِن الله لَا يتَكَلَّم وَقَالَ احذر من المريسي واصحابه فان كَلَامهم اشْتَمَل على الزندقة وَأَنا كلمت استاذهم جهما فَلم يثبت لي أَن فِي السَّمَاء إِلَهًا وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض اذا قَالَ لَك الجهمي انا أكفر بِرَبّ يَزُول عَن مَكَانَهُ فَقل انا أُؤْمِن بِرَبّ يفعل مَا يَشَاء وحَدثني ابو جَعْفَر قَالَ سَمِعت الْحسن بن مُوسَى الاشيب فنال مِنْهُم ثمَّ قَالَ دخل رَأس من رُؤَسَاء الزَّنَادِقَة يُقَال لَهُ شمعلة على الْمهْدي فَقَالَ دلَّنِي على اصحابك فَقَالَ أَصْحَابِي اكثر من ذَلِك فَقَالَ دلَّنِي عَلَيْهِم فَقَالَ صنفان مِمَّن ينتحل الْقبْلَة الْجَهْمِية والقدرية الجهمي اذا غلا قَالَ لَيْسَ ثمَّ شَيْء وَأَشَارَ الاشيب الى السَّمَاء والقدري إِذا غلا قَالَ هما اثْنَان خَالق خير وخالق شَرّ فَضرب عُنُقه وصلبه قَالَ وَكِيع الرافضة شَرّ من الْقَدَرِيَّة والحرورية شَرّ مِنْهُمَا والجهمية شَرّ هَذِه الاصناف قَالَ الله {وكلم الله مُوسَى تكليما} النِّسَاء 164 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 يَقُولُونَ لم يتَكَلَّم وَيَقُولُونَ الايمان بِالْقَلْبِ قَالَ ابْن عَبَّاس لما كلم الله مُوسَى كَانَ النداء من السَّمَاء وَكَانَ الله فِي السَّمَاء وَقَالَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله على عَرْشه فَوق سمواته وسمواته فَوق ارضه مثل الْقبَّة وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِي قَوْله ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش قَالَ الْعَرْش على المَاء وَالله فَوق الْعَرْش وَهُوَ يعلم مَا انتم عَلَيْهِ وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الارض إِلَه قَالَ يعبد فِي السَّمَاء ويعبد فِي الارض وَقَالَ بعض أهل الْعلم إِن الْجَهْمِية هم المشبهة لأَنهم شبهوا فِي رَبهم بالصمم والاصم والابكم الَّذِي لَا يسمع وَلَا يبصر انْتهى ملتقط من مَوَاضِع وَقَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية الخ مَا ذكره فِي الحموية (ثمَّ اصل هَذِه الْمقَالة إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ عَن تلامذة الْيَهُود وَالْمُشْرِكين وضلال الصابئين فان اول من حفظ عَنهُ انه قَالَ هَذِه المق الة الْإِسْلَام هُوَ الْجَعْد بن دِرْهَم وَأَخذهَا عَنهُ الجهم بن صَفْوَان وأظهرها فنسبت مقَالَة الجهمة إِلَيْهِ وَقيل أَن الْجَعْد أَخذ مقَالَته عَن أبان بن سمْعَان واخذها أبان عَن طالوت بن أُخْت لبيد بن الاعصم الْيَهُودِيّ وَأَخذهَا طالوت عَن لبيد بن الاعصم الْيَهُودِيّ السَّاحر الَّذِي سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الْجَعْد بن دِرْهَم هَذَا فِيمَا قيل من أهل حران وَكَانَ فيهم خلق كثير من الصائبة والفلاسفة بقايا اهل دين النمرود والكنعانيين الَّذين صنف بعض الْمُتَأَخِّرين فِي سحرهم وَكَذَلِكَ أَبُو نصر الفارابي دخل حران وَأخذ عَن فلاسفة الصابئين تَمام فلسفته واخذها الجهم أَيْضا فِيمَا ذكره الامام احْمَد وَغَيره لما نَاظر السمنية (عَن) بعض فلاسفة الْهِنْد وهم الَّذين يجحدون من الْعُلُوم مَا سوى الحسيات فَهَذِهِ أَسَانِيد جهم ترجع الى الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَالْمُشْرِكين والفلاسفة الضَّالّين إِمَّا عَن الصائبين وَإِمَّا من الْمُشْركين انْتهى وَالْمَقْصُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الْكَلَام على قَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى جهم بن صَفْوَان وشيعته الألى والألى اسْم مَوْصُول بِمَعْنى الَّذين جَحَدُوا صِفَات الْخَالِق الديَّان الْمَعْنى ان جهما وشيعته جَحَدُوا صِفَات البارىء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن قَوْلهم والجهم هُوَ أعظم النَّاس نفيا للصفات بل وللاسماء الْحسنى قَوْله من جنس قَول الباطنية القرامطة حَتَّى ذكرُوا عَنهُ أَنه لَا يُسَمِّي الله شَيْئا وَلَا غير ذَلِك من الاسماء الَّتِي يُسمى بهَا الْمَخْلُوق لَان ذَلِك بِزَعْمِهِ من التَّشْبِيه الْمُمْتَنع وَهَذَا قَول القرامطة الباطنية وَحكي عَنهُ أَنه لَا يُسَمِّيه إِلَّا قَادِرًا فَاعِلا لَان العَبْد عِنْده لَيْسَ بِقَادِر وَلَا فَاعل إِذا كَانَ هُوَ رَأس الْمُجبرَة ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... بل عطلوا مِنْهُ السَّمَوَات العلى ... وَالْعرش أخلوه من الرَّحْمَن وَنَفَوْا كَلَام الرب جلّ جَلَاله ... وقضوا لَهُ بالخلق والحدثان قَالُوا وَلَيْسَ لربنا سمع وَلَا ... بصر وَلَا وَجه فَكيف يدان وكذاك لَيْسَ لربنا من قدرَة ... وَإِرَادَة أَو رَحْمَة وحنان كلا وَلَا وصف يقوم بِهِ سوى ... ذَات مُجَرّدَة بِغَيْر معَان وحياته هِيَ نَفسه وَكَلَامه ... هُوَ غَيره فاعجب لذا الْبُهْتَان وكذاك قَالُوا مَاله من خلقه ... أحد يكون خَلِيله النفسان وخليله الْمُحْتَاج عِنْدهم وَفِي ... ذَا الْوَصْف يدْخل عابدو الاوثان فَالْكل مفتقر اليه لذاته ... فِي أسر قَبضته ذليل عان ولاجل ذَا ضحى بجعد خَالِد الْقَسرِي ... يَوْم ذَبَائِح القربان إِذْ قَالَ ابراهيم الْيَسْ خَلِيله ... كلا وَلَا مُوسَى الكليم الدان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 .. شكر الضحية كل صَاحب سنة ... لله دَرك من أخي قرْبَان ... قَوْله وَكَلَامه هُوَ غَيره أَي ان كَلَامه مَخْلُوق من جملَة الْمَخْلُوقَات لَان كَلَامه غَيره وَمَا كَانَ غَيره فَهُوَ مَخْلُوق قَوْله وكذاك قَالُوا مَاله من خلقه أحد الخ أَي ان الْجَهْمِية يُنكرُونَ الْخلَّة والمحبة وأنما يثبتون الْخلَّة بِمَعْنى الْفقر وَالْحَاجة فهم يُنكرُونَ أَن الله سُبْحَانَهُ يحب أَو يحب أَي فَكل فَقير لله فَهُوَ خَلِيله بِهَذَا الْمَعْنى وَلِهَذَا الزمهم النَّاظِم بِهَذَا الالزام أَي ان النَّاس كلهم فُقَرَاء الى الله تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس أَنْتُم الْفُقَرَاء إِلَى الله} الْآيَة فاطر 15 فَيلْزم على قَول الْجَهْمِية أَن جَمِيع الْخلق أخلاء الله حَتَّى عابدو الاوثان والاصنام قَوْله كلا وَلَا وصف يقوم بِهِ الخ أَي إِن الْبَارِي تَعَالَى وتقدس عِنْدهم لَا يُوصف الا بِأَنَّهُ الْوُجُود الْمُطلق والوجود الْمُطلق وانما يكون فِي الاذهان لَا فِي الاعيان قَوْله وحياته هِيَ نَفسه أَي ان الصِّفَات ترجع الى مُجَرّد الذَّات المقدسة فَهَذَا حَال الْجَهْمِية الاولين وهم الْجَهْمِية الذُّكُور وَأما الْجَهْمِية الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين سماهم شيخ الاسلام ابو اسماعيل الانصاري صَاحب (منَازِل السائرين (الْجَهْمِية الاناث فقد قَالَ شيخ الاسلام الْمَذْكُور فِي كِتَابه (ذمّ الْكَلَام (بَاب فِي ذكر كَلَام الاشعرية وَلما نظر المبرزون من عُلَمَاء هَذِه الامة وَأهل الْفَهم من أهل السّنة طاويا كَلَام الْجَهْمِية وَمَا أودعته من رموز الفلاسفة وَلم تقف مِنْهُم الا على التعطيل البحت وَأَن قطب مَذْهَبهم ومنتهى عقيدتهم مَا صرحت بِهِ رُؤُوس الزَّنَادِقَة قبلهم أَن الْفلك دوار وَالسَّمَاء خَالِيَة وَأَن قَوْلهم إِنَّه تَعَالَى فِي كل مَوضِع وَفِي كل شَيْء مَا استثنوا جَوف كلب وَلَا خِنْزِير وَلَا حَشا فرار من الاثبات وَذَهَاب عَن التَّحْقِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وان قَوْلهم سميع بِلَا سمع بَصِير بِلَا بصر عليم بِلَا علم قدير بِلَا قدرَة إِلَه بِلَا نفس وَلَا شخص وَلَا صُورَة ثمَّ قَالُوا لَا حَيَاة لَهُ ثمَّ قَالُوا لَا شَيْء فانه لَو كَانَ شَيْئا لاشبه الاشياء حاموا حول مقَال رُؤُوس الزَّنَادِقَة القدماء إِذْ قَالُوا الْبَارِي لَا صفة وَلَا لَا صفة خَافُوا على قُلُوب ضعفى الْمُسلمين وَأهل الْغَفْلَة وقلن الْفَهم مِنْهُم إِذْ كَانَ ظَاهر تعلقهم بِالْقُرْآنِ وَإِن كَانَ اعتصاما بِهِ من السَّيْف واجتنانا بِهِ مِنْهُم وَإِذ هم يرَوْنَ التَّوْحِيد ويخاوضون الْمُسلمين ويحملون الطيالسة فأفصحوا بمعانيهم وصاحوا بِسوء ضمائرهم وَنَادَوْا على خبايا نكثهم فيا طول مَا لقوا فِي ايامهم من سيوف الْخُلَفَاء وألسن الْعلمَاء وهجران الدهماء فقد شحنت كتاب تَكْفِير الْجَهْمِية من مقالات عُلَمَاء الاسلام فيهم ودأب الْخُلَفَاء فيهم ودق عَامَّة أهل السّنة عَلَيْهِم وأجماع الْمُسلمين على اخراجهم من الْملَّة ثقلت عَلَيْهِم الوحشة وطالت عَلَيْهِم الذلة واعيتهم الْحِيلَة إِلَّا ان يظهروا الْخلاف لاولاهم وَالرَّدّ عَلَيْهِم ويصبغوا كَلَامهم صبغا يكون ألوح للافهام وانجع فِي الْعَوام من أساس أَوَّلهمْ ليجدوا بذلك المساغ ويتخلصوا من خزي الشناعة فَجَاءَت مخاريق ترَاءى للغبي بِغَيْر مَا فِي الحشايا ينظر الناضر الْفَهم فِي جذورها فَيرى مح الفلسفة يكسى لحاء السّنة وَعقد الْجَهْمِية ينْحل ألقاب الْحِكْمَة ويردون على الْيَهُود قَوْلهم يَد الله مغلولة فينكرون الغل وَيُنْكِرُونَ الْيَد فيكونون أَسْوَأ حَالا من الْيَهُود لِأَن الله اثْبتْ الصّفة وَنفى الْعَيْب وَالْيَهُود أَثْبَتَت الصّفة وأثبتت الْعَيْب وَهَؤُلَاء نفوا الصّفة كَمَا نفوا الْعَيْب ويردون على النَّصَارَى فِي مقالهم فِي عِيسَى وَأمه فَيَقُولُونَ لَا يكون فِي الْمَخْلُوق غير الْمَخْلُوق فيبطلون الْقُرْآن فَلَا يخفى على ذَوي الالباب أَن كَلَام اولاهم وَكَلَام أخراهم كخيظ السحارة فَاسْمَعُوا يَا أولي الالباب وانظروا مَا فضل هَؤُلَاءِ على أؤلئك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أُولَئِكَ قَالُوا قبح الله مقالتهم إِن الله مَوْجُود بِكُل مَكَان وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ لَيْسَ هُوَ فِي مَكَان وَلَا يُوصف بأين وَقد قَالَ الْمبلغ عَن الله لجارية مُعَاوِيَة بن الحكم أَيْن الله وَقَالُوا هُوَ من فَوق كَمَا هُوَ من تَحت لَا يدْرِي أَيْن هُوَ وَلَا يُوصف بمَكَان وَلَيْسَ هُوَ فِي السَّمَاء وَلَيْسَ هُوَ فِي الأَرْض وأنكروا أَي الْجِهَة وَالْحَد وَقَالَ أُولَئِكَ لَيْسَ لَهُ كَلَام إِنَّمَا خلق كلَاما وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ تكلم مرّة فَهُوَ مُتَكَلم بِهِ مُنْذُ تكلم لم يَنْقَطِع الْكَلَام وَلَا يُوجد كَلَامه فِي مَوضِع لَيْسَ هُوَ بِهِ ثمَّ قَالُوا لَيْسَ هُوَ صَوت وَلَا حُرُوف وَقَالُوا هَذَا زاج وورق وَهَذَا صوف وخشب وَهَذَا إِنَّمَا قصد بِهِ النقش وَأُرِيد بِهِ النقر وَهَذَا صَوت الْقَارئ أما ترى أَن مِنْهُ خسنا وَمِنْه قبيحا وَهَذَا لَفظه أما ترَاهُ يجازي بِهِ حَتَّى قَالَ رَأس من رؤوسهم أَو يكون قُرْآن من لبد وَقَالَ آخر من خشب فراغوا فَقَالُوا هَذَا حِكَايَة عبر بهَا عَن الْقُرْآن وَالله تكلم مرّة وَلَا يتَكَلَّم بعد ذَلِك ثمَّ قَالُوا غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَهَذَا من فخوخهم يصطادون بِهِ قُلُوب عوام أهل السّنة وَإِنَّمَا إعتقادهم أَن الْقُرْآن غير مَوْجُود لفظته الْجَهْمِية الذُّكُور بِمرَّة والأشعرية الْإِنَاث بِعشر مَرَّات وأؤلئك قَالُوا لَا صفة وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ وَجه كَمَا يُقَال وَجه النَّهَار وَوجه الْأَمر وَوجه الحَدِيث وَعين كعين الْمَتَاع وَسمع كأذن الْجِدَار وبصر كَمَا يُقَال جدارهما يتراءيان وَيَد كيد الْمِنَّة والعطية والأصابع كَقَوْلِهِم خُرَاسَان بَين إصبعي الْأَمِير وَالْقَدَمَانِ كَقَوْلِهِم جعلت الْخُصُومَة تَحت قدمي والقبضة كَمَا قيل فلَان فِي قبضتي أَي أَنا أملك أمره وَقَالُوا الْكُرْسِيّ الْعلم وَالْعرش الْملك والضحك الرضى والإستواء الِاسْتِيلَاء وَالنُّزُول الْقبُول والهرولة متله فشبهوا من وَجه وأنكروا من وَجه وخالفوا السّلف وتعدوا الظَّاهِر وردوا الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَلم يثبتوا شَيْئا وَلم ينفوا مَوْجُودا وَلم يفرقُوا بَين التَّفْسِير والعبارة بالألسنة فَقَالُوا لَا نفسرها نجربها عَرَبِيَّة كَمَا وَردت وَقد تأولوا وَا تِلْكَ التأويلات الخبيثة أَرَادوا بِهَذِهِ المخرقة أَن يكون عوام الْمُسلمين أبعد غيابا وأعيا ذَهَابًا مِنْهَا ليكونوا أوحش عِنْد ذكرهَا وأشمس عِنْد سماعهَا وكذبوا بل التَّفْسِير أَن يُقَال وَجه ثمَّ يُقَال كَيفَ وَلَيْسَ كَيفَ فِي هَذَا الْبَاب من مقَال الْمُسلمين فَأَما الْعبارَة فقد قَالَ الله تَعَالَى وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة الْمَائِدَة 64 وَإِنَّمَا قَالُوا هم بالعبرانية فحكاها عَنْهُم بِالْعَرَبِيَّةِ وَكَانَ يكْتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كِتَابه) بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهَا أَسمَاء الله وَصِفَاته فيعبر بالألسنة عَنْهَا وَيكْتب إِلَيْهِ بالسُّرْيَانيَّة فيعبر لَهُ زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالله تَعَالَى يدعى بِكُل لِسَان بأسمائه فيجيب وَيحلف بهَا فَيلْزم وينشد فيجار ويوصف فَيعرف ثمَّ قَالُوا لَيْسَ ذَات الرَّسُول بحية وَقَالُوا مَا هُوَ بعد مَا مَاتَ بمبلغ فَلَا تلْزم بِهِ الْحجَّة فَسقط من أقاويلهم ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن لَيْسَ فِي السَّمَاء رب وَلَا فِي الرَّوْضَة رَسُول وَلَا فِي الأَرْض كتاب كَمَا سَمِعت يحيى بن عمار يحكم بِهِ عَلَيْهِم وَإِن كَانُوا موهوها ووروا عَنْهَا واستوحشوا من تصريحها فَإِن حقائقها لَازِمَة لَهُم وأبطلوا التَّقْلِيد فَكَفرُوا آبَاءَهُم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام الْمُسلمين وأوجبوا النّظر فِي الْكَلَام واضطروا إِلَيْهِ (الدّين) بزعمهم فَكَفرُوا السّلف (وَقَالَت الطَّائِفَة مِنْهُم الْفَرْض لَا يتَكَرَّر) فأبطلت الشَّرَائِع وَسموا الْإِثْبَات تَشْبِيها فعابوا الْقُرْآن وضللوا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تكَاد ترى مِنْهُم رجلا ورعا وَلَا للشريعة مُعظما وَلَا لِلْقُرْآنِ مُحْتَرما وَلَا للْحَدِيث موقرا سلبوا التَّقْوَى ورقة الْقلب وبركة التَّعَبُّد ووقار الْخُشُوع واستفضلوا الرَّسُول فَانْظُر إِلَى أحدهم فَلَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 طَالب آثاره وَلَا متتبع أخباره وَلَا مناضل عَن سنته وَلَا هُوَ رَاغِب فِي أسوته يتقلب بمرتبة الْعلم وَمَا عرف حَدِيثا وَاحِدًا ترَاهُ يهزأ بِالدّينِ وَيضْرب لَهُ الْأَمْثَال ويتلعب بِأَهْل السّنة ويخرجهم اصلا من الْعلم لَا تنقر لَهُم عَن بطانة إِلَّا خانتك وَلَا عَن عقيدة الا أرابتك ألبسوا ظلمَة الهزء وسلبوا هَيْبَة الْهدى فتنبو عَنْهُم الْأَعْين وتشمئز مِنْهُم الْقُلُوب انْتهى قَوْله وَلأَجل ذَا ضحى بجعد خَالِد الْقَسرِي الخ أَي وَلأَجل إِنْكَار الْخلَّة وَالْكَلَام ضحى خَالِد بن عبد اله الْقَسرِي بالجعد بن دِرْهَم يَوْم الْأَضْحَى وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... شكر الضحية كل صَاحب سنة ... لله دَرك من أخي قرْبَان ... وَهُوَ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي بِفَتْح الْقَاف قَالَ فِي (تَهْذِيب الْكَمَال (خَالِد بن عبد الله بن يزِيد بن كرز بن عَامر البَجلِيّ الْقَسرِي أَمِير مَكَّة للوليد بن عبد الْملك وَسليمَان بن عبد الْملك وأمير العراقين لهشام بن عبد الْملك وَقَالَ البُخَارِيّ كَانَ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي البَجلِيّ الْيَمَانِيّ بواسط ثمَّ قتل بِالْكُوفَةِ وَقَالَ أَبُو الْمليح الرقيسمعت خَالِد بن عبد الله يَقُول على الْمِنْبَر قد اجْتمع من فيئكم هَذ األفا ألف لم يظلم فِيهَا مُسلم وَلَا معاهد وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن زيد ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور ثَنَا الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نوح قَالَ سَمِعت خَالِد بن عبد الله يَقُول الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نوح قَالَ سَمِعت خَالِد بن عبد الله يَقُول إِنِّي لأعشي كل لَيْلَة تَمرا وسويقا سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألفا وَقَالَ الْأَصْمَعِي دخل أَعْرَابِي على خَالِد بن عبد الله فَقَالَ إِنِّي قد أنشدت فِيك بَيْتَيْنِ وَلست أنشدهما إِلَّا بِعشْرَة آلَاف وخادم فَقَالَ لَهُ خَالِد قل فَأَنْشَأَ يَقُول ... لَزِمت نعم حَتَّى كَأَنَّك لم تكن ... سَمِعت من الْأَشْيَاء شَيْئا سوى نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَأنْكرت لَا حَتَّى كَأَنَّك لم تكن ... سَمِعت بهَا فِي سالف الدَّهْر والامم ... فَقَالَ خَالِد يَا غُلَام عشرَة آلَاف وخادم فحملها قَالَ وَدخل عَلَيْهِ أَعْرَابِي فَقَالَ إِنِّي قد قلت فِيك شعرًا وَأَنْشَأَ يَقُول ... أخالد إِنِّي لم أزرك لحَاجَة ... سوى أنني عاف وَأَنت جواد ... أخالد إِن الحمدو الْأجر حَاجَتي فَأَيّهمَا يَأْتِي وَأَنت عماد ... فَقَالَ لَهُ سل يَا أَعْرَابِي قَالَ قد جعلت الْمَسْأَلَة إِلَيّ أصلح الله الْأَمِير مائَة ألف دِرْهَم قَالَ أكثرت ياأعرابي قَالَ أفأحطك أصلح الله الْأَمِير قَالَ نعم قَالَ حططتك سبعين ألفا فَقَالَ لَهُ خَالِد ياأعرابي نَا أَدْرِي من أَي أَمر يَك أعجب فَقَالَ لَهُ إِنَّك لما جعلت الْمَسْأَلَة لي سَأَلتك على قدرك وَمَا تستحقه فِي نَفسك فَلَمَّا سَأَلتنِي أَن أحطك حططتك على قدري وَمَا أستاهله فَقَالَ لَهُ خَالِد وَالله يَا أَعْرَابِي لَا تغلبني يَا غُلَام مائَة ألف فَدَفعهَا إِلَيْهِ قَالَ خَليفَة قتل خَالِد سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ ابْن نَحْو سِتِّينَ سنة انْتهى مُخْتَصرا وَقد تقدّمت تَرْجَمَة الجهم وَأما الْجَعْد فَهُوَ ابْن دِرْهَم قَالَ بِخلق الْقُرْآن وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينْسب إِلَيْهِ مَرْوَان الْجَعْدِي أَصله من حران وَيُقَال إِنَّه من موَالِي بني مَرْوَان وَسكن دمشق قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَقد أَخذ بدعته عَن بَيَان بن سمْعَان وَأَخذهَا بَيَان عَن طالوت بن أُخْت لبيد بن أعصم وَزوج ابْنَته عَن لبيد ابْن أعصم السَّاحر لَعنه الله وَأخذ عَن الْجَعْد الجهم بن صَفْوَان الْجريرِي وَقيل التِّرْمِذِيّ وَأقَام ببلخ وَكَانَ يُصَلِّي مَعَ مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي مَسْجده ويتناظران حَتَّى نفي إِلَى ترمذ ثمَّ قتل بأصبهان وَقيل بمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَقَتله نائبها مُسلم بن أحور رَحمَه الله وجزاه عَن الْمُسلمين خيرا وَأخذ بشر المرسي عَن الجهم وَأخذ أَحْمد بن أبي دؤاد عَن بشر وَأما الْجَعْد فَإِنَّهُ أَقَامَ بِدِمَشْق حَتَّى أظهر القَوْل بِخلق الْقُرْآن فتطلبه بَنو أُميَّة فهرب مِنْهُم فسكن الْكُوفَة فَلَقِيَهُ بهَا الجهم بن صَفْوَان فتقلد عَنهُ هَذَا القَوْل ثمَّ قَتله خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي يَوْم الْأَضْحَى بِالْكُوفَةِ وَقد روى البُخَارِيّ فِي كتاب (خلق أَفعَال الْعباد (وَابْن أبي حَاتِم فِي كتاب (السّنة (وَغير وَاحِد مِمَّن صنف فِي كتب السّنة كالطبراني وَابْن أبي عَاصِم وَعبد الله بن أَحْمد ان خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي خطب النَّاس فِي عيد أضحى فَقَالَ أَيهَا النَّاس ضحوا تقبل اله ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي مضح بالجعد بن دِرْهَم أَنه زعم أَن الله لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلم يكلم مُوسَى تكليما تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الْجَعْد بن دِرْهَم علوا كَبِيرا ثمَّ نزل فذبحه فِي أصل الْمِنْبَر قَالَ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة كَانَ الْجَعْد بن دِرْهَم من أهل الشَّام وَهُوَ مؤدب مَرْوَان الْحمار وَلِهَذَا يُقَال لَهُ مَرْوَان الْجَعْدِي نِسْبَة إِلَيْهِ وَذكره الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي (التَّارِيخ (وَذكر أَنه كَانَ يتَرَدَّد إِلَى وهب بن مُنَبّه وَأَنه كَانَ كلما رَاح إِلَى وهب يغْتَسل وَيَقُول إِنَّه أجمع لِلْعَقْلِ وَكَانَ يسْأَل وهبا عَن مَاهِيَّة الله عز وَجل فَقَالَ لَهُ وهب يَوْمًا وَيلك يَا جعد أنقص الْمَسْأَلَة إِنِّي لأظنك من الهالكين لَو لم يخبرنا الله فِي كِتَابه أَن لَهُ يدا مَا قُلْنَا ذَلِك وَأَن لَهُ عينا مَا قُلْنَا ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالْعَبْد عِنْدهم فَلَيْسَ بفاعل بل فعله كتحرك الرجفان ... وهبوب ريح أَو تحرّك نَائِم وتحرك الْأَشْجَار للميلان ... وَالله يصليه على ماليس من أَفعاله حر الْحَمِيم الْآن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 .. لَكِن يُعَاقِبهُ على أَفعاله فِيهِ تَعَالَى الله ذُو الْإِحْسَان ... وَالظُّلم عِنْدهم الْمحَال لذاته أَنى ينزه عَنهُ ذُو السُّلْطَان ... وَيكون مدحا ذَلِك التَّنْزِيه مَا هَذَا بمعقول لذِي الأذهان ... أَي وَالْعَبْد عِنْد الْجَهْمِية لَيْسَ بفاعل بل هُوَ مجبور على أَفعاله وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم بل فعله كتحرك الرجفان أَو تحرّك الْأَشْجَار عِنْد عِنْد هبوب الرّيح وَقَوله الْمحَال لذاته وَذَلِكَ كالجمع بَين الضدين وَجعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين وَأما الْمحَال لغيره فَهُوَ كَإِيمَانِ من علم الله تَعَالَى أَنه لَا يُؤمن وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى أنزل الْكتب وَبعث الرُّسُل بِطَلَب الْإِيمَان والاسلام من كل وَاحِد وكلفهم ذَلِك وَعلم أَن بَعضهم لَا يُؤمن وَفِي الحَدِيث الْقُدسِي حَدِيث أبي ذَر فِي (صَحِيح مُسلم (عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يروي عَن ربه قَالَ (يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي الخ (وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا فِي الظُّلم الَّذِي حرمه الله تَعَالَى على نَفسه ونفاه عَن نَفسه لقَوْله {وَمَا ظلمناهم} هود 101 وَقَوله {وَلَا يظلم رَبك أحدا} الْكَهْف 49 وَقَوله {وَمَا أَنا بظلام للعبيد} ق 29 وَقَوله {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة} النِّسَاء 40 فان النَّاس تنازعوا فِي معنى هَذَا الظُّلم تنَازعا صَارُوا فِيهِ بَين طرفين متباعدين ووسط بَينهمَا وَخيَار الامور أوساطها وَذَلِكَ بِسَبَب الْبَحْث ومجامعته للشَّرْع اذ الْخَوْض فِي ذَلِك بِغَيْر علم تَامّ أوجب ضلال عَامَّة الامم وَلِهَذَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه عَن التَّنَازُع فِيهِ فَذهب المكذبون بِالْقدرِ الْقَائِلُونَ بِأَن الله لم يخلق أَفعَال الْعباد وَلم يرد أَن يكون إِلَّا مَا أَمر بِأَن يكون وغلاتهم المكذبون بتقدم علم الله وَكِتَابَة بِمَا سَيكون من أَفعَال الْعباد من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم إِلَى أَن الظُّلم مِنْهُ هُوَ نَظِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الظُّلم من ألآدميين بَعضهم لبَعض وشبهوه ومثلوه بالافعال بِأَفْعَال عباده حَتَّى كَانُوا ممثلة الافعال وضربوا لله الامثال وَلم يجْعَلُوا لَهُ الْمثل الاعلى بل أوجبوا عَلَيْهِ وحرموا مَا رَأَوْا أَنه يجب على الْعباد وَيحرم بقياسه على الْعباد وَإِثْبَات حكم فِي الاصل بِالرَّأْيِ وَقَالُوا عَن هَذَا إِذا أَمر العَبْد وَلم يعنه بِجَمِيعِ مَا يقدر عَلَيْهِ من وُجُوه الاعانة كَانَ ظَالِما لَهُ فالتزموا أَنه لَا يقدر على أَن يهدي ضَالًّا كَمَا قَالُوا إِنَّه لَا يقدر أَن يضل مهتديا وَقَالُوا عَن هَذَا إِذا أَمر اثْنَيْنِ بِأَمْر وَاحِد وَخص أَحدهمَا بإعانته على فعل الْمَأْمُور كَانَ ظَالِما إِلَى أَمْثَال ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي هِيَ من بَاب الْفضل وَالْإِحْسَان جعلُوا تَركه لَهُ ظلما وَكَذَلِكَ ظنُّوا أَن التعذيب لمن قَامَ بِهِ سَبَب اسْتِحْقَاق ذَلِك وَمن لم يقم وان كَانَ ذَلِك الِاسْتِحْقَاق قد خلقه لحكمة أُخْرَى عَامَّة أَو خَاصَّة وَهَذَا الْموضع زلت فِيهِ أَقْدَام وضلت فِيهِ أفهام فعارض هَؤُلَاءِ أخرون من أهل الْكَلَام المثبتين للقدر فَقَالُوا لَيْسَ للظلم مِنْهُ حَقِيقَة يُمكن وجودهَا بل هُوَ من الامور الممتنعة لذاتها فَلَا يجوز أَن يكون مَقْدُورًا وَلَا أَن يُقَال إِنَّه تَارِك لَهُ بِاخْتِيَارِهِ ومشيئته وَإِن مَا هُوَ من بَاب الْجمع بَين الضدين وَجعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين وقلب الْقَدِيم مُحدثا والمحدث قَدِيما وَإِلَّا فمهما قدر وجوده فِي الذَّهَب وَكَانَ وجوده مُمكنا وَالله قَادر فَلَيْسَ بظُلْم سَوَاء فعله أَو لم يَفْعَله وتلقي هَذَا القَوْل عَن هَذِه الطوائف من أهل الاثبات من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم وَرُبمَا تعلقوا بِظَاهِر أَقْوَال مأثورة كَمَا روينَا عَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة أَنه قَالَ مَا ناظرت أحدا بعقلي كُله إِلَّا الْقَدَرِيَّة قلت لَهُم مَا الظُّلم قَالُوا أَن تَأْخُذ مَا لَيْسَ لَك أَو تتصرف فِيمَا لَيْسَ لَك قلت فَللَّه كل شَيْء وَهَذَا مَا إِيَاس ليبين أَن التَّصَرُّفَات الْوَاقِعَة فِي ملكه فَلَا يكون ظلما بِمُوجب حَدهمْ وَهَذَا لانزاع بَين أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الاثبات فِيهِ فانهم متفقون مَعَ الايمان بِالْقدرِ على ان كل مَا فعله الله فَهُوَ عدل وَفِي حَدِيث الكرب الَّذِي رَوَاهُ الامام أَحْمد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أصَاب عبد قطّ هم وَلَا حزن فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك ناصيتي بِيَدِك مَاض فِي حكمك عدل فِي قضاؤك اسألك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو انزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن الْعَظِيم ربيع قلبِي وَنور صَدْرِي وجلاء حزني وَذَهَاب غمي وهمي إِلَّا إِلَّا أذهب الله غمه وهمه وأبدله مَكَانَهُ فَرحا (قَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نتعلمهن قَالَ (بلَى يَنْبَغِي لمن سمعهن أَن يتعلمهن (فقد بَين ان كل قَضَائِهِ فِي عَبده عدل وَلِهَذَا يُقَال كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل وَيُقَال أطعتك بِفَضْلِك والْمنَّة لَك وعصيتك بعدلك وَالْحجّة لَك فأسألك بِوُجُوب حجتك عَليّ وَانْقِطَاع حجتي الا مَا غفرت لي وَهَذِه المناظرة من إِيَاس كَمَا قَالَ ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن لغيلان حِين قَالَ لَهُ غيلَان ناشدتك الله أَتَرَى الله يحب أَن يعْصى فَقَالَ ناشدتك الله أَتَرَى الله يعْصى قهرا فَكَأَنَّمَا ألقمه حجرا فان قَوْله يجب ان يعْصى لفظ فِيهِ إِجْمَال وَقد لَا يَتَأَتَّى فِيهِ المناظرة تَفْسِير المجملات خوفًا من لدد الْخصم فَيُؤتى بالواضحات فَقَالَ أفتراه يعْصى قهرا فان هَذَا إِلْزَام لَهُ بِالْعَجزِ الَّذِي هُوَ لَازم الْقَدَرِيَّة وَلمن هُوَ شَرّ مِنْهُم من الدهرية الفلاسفة وَغَيرهم فَكَذَلِك إِيَاس رأى أَن هَذَا الْجَواب المطابق لحدهم خَاصم لَهُم وَلم يدْخل مَعَهم فِي التَّفْصِيل الَّذِي يطول وبالجملى فَقَوله تَعَالَى {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما} طه 112 قَالَ أهل التَّفْسِير من السّلف لَا يخَاف أَن يظلم فَيحمل عَلَيْهِ سيئات غَيره وَلَا يهضم فينقص من حَسَنَاته وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا الظُّلم هُوَ شَيْء مُمْتَنع غير مَقْدُور عَلَيْهِ فَيكون التَّقْدِير وَلَا يخَاف مَا هُوَ مُمْتَنع لذاته خَارج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عَن الممكنات والمقدورات فان مثل هَذَا إِذا لم يكن وجوده مُمكنا حَتَّى تقولا إِنَّه غير مَقْدُور وَلَو أَرَادَهُ لخلق الْمثل فَكيف يعقل وجوده فضلا عَن أَن يتَصَوَّر خَوفه حَتَّى ينفى خَوفه ثمَّ أَي فَائِدَة فِي نفي خوف هَذَا وَقد علم من سِيَاق الْكَلَام أَن الْمَقْصُود بَيَان أَن هَذَا الْعَامِل المحسن يجزى على حَسَنَاته بِلَا ظلم وَلَا هضم فَعلم ان الظُّلم الْمَنْفِيّ يتَعَلَّق بالجزاء كَمَا ذكره أهل التَّفْسِير وَأَن الله لَا يجْزِيه الا بِعَمَلِهِ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ان النَّاس لَهُم فِي افعال الله بِاعْتِبَار مَا يصلح مِنْهُ وَمَا يجوز مِنْهُ وَمَا لَا يجوز مِنْهُ ثَلَاثَة اقوال طرفان ووسط فالطرف الْوَاحِد طرف الْقَدَرِيَّة وهم الَّذين حجروا عَلَيْهِ أَن لَا يفعل إِلَّا مَا ظنُّوا بعقولهم أَنه الْجَائِز لَهُ حَتَّى وضعُوا لَهُ شَرِيعَة التَّعْدِيل والتجويز فأوجبوا عَلَيْهِ بعقولهم امورا كَثِيرَة وحرموا عَلَيْهِ بعقولهم أمورا كَثِيرَة لَا بِمَعْنى أَن الْعقل آمُر لَهُ وناه فَإِن هَذَا لَا يَقُوله عَاقل بل بِمَعْنى ان تِلْكَ الافعال علم بِالْعقلِ وُجُوبهَا وتحريمها وَلَكِن أدخلُوا فِي ذَلِك من الْمُنْكَرَات مَا بنوه على تكذيبهم بِالْقدرِ وتوابع ذَلِك والطرف الثَّانِي طرف الغلاة فِي الرَّد عَلَيْهِم وهم الَّذين قَالُوا لَا ينزه الله عَن فعل من الافعال وَلَا يعلم وَجه امْتنَاع جعل مِنْهُ الا من جِهَة خَبره أَنه لَا يَفْعَله المطابق لعلمه أَنه لَا يَفْعَله وَهَؤُلَاء منعُوا حَقِيقَة مَا أخبر من أَنه كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم على نَفسه الظُّلم قَالَ تَعَالَى {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} الانعام 54 وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ (عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله لما قضى الْخلق كتب على نَفسه كتابا فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده فَوق الْعَرْش إِن رَحْمَتي تغلب عضبي (أَو لم يعلم هَؤُلَاءِ أَن الْخَبَر الْمُجَرّد المطابق للْعلم لَا يبين وَجه فعله وَتَركه إِذْ الْفِعْل يُطَابق الْمَعْلُوم فَعلمه بِأَنَّهُ يفعل هَذَا وانه لَا يفعل هَذَا لَيْسَ فِيهِ تعَارض لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 كتب هَذَا على نَفسه وَحرم هَذَا على نَفسه كَمَا لَو أخبر عَن كَائِن من كَانَ أَنه يفعل كَذَا أَولا يفعل كَذَا لم يكن فِي هَذَا بَيَان لكَونه مَحْمُودًا ممدوحا على فعل هَذَا وَترك هَذَا وَلَا فِي ذَلِك مَا يبين قيام الْمُقْتَضِي لهَذَا وَالْمَانِع من هَذَا فَإِن الْخَبَر الْمُصَفّى كاشف عَن الْمخبر عَنهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان مَا يَدْعُو الى الْفِعْل وَلَا الى التّرْك بِخِلَاف قَوْله كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم على نَفسه الظُّلم فان التَّحْرِيم مَانع من الْفِعْل وكتابته على نَفسه دَاعِيَة من الْفِعْل وَهَذَا بَين وَاضح اذ لَيْسَ المُرَاد بذلك مُجَرّد كِتَابَته أَنه يفعل وَهُوَ كِتَابَة التَّقْدِير كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيح ((انه قدر مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات والارض بِخَمْسِينَ الف سنة وعرشه على المَاء (فانه قَالَ كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَلَو أُرِيد كِتَابَة التَّقْدِير لَكَانَ قد كتب على نَفسه الْغَضَب كَمَا كتب على نَفسه الرَّحْمَة إِذْ كَانَ المُرَاد مُجَرّد الْخَبَر عَمَّا سَيكون ولكان قد حرم على نَفسه كل مَا لم يَفْعَله من الاحسان كَمَا حرم الظُّلم فَفرق بَين فعله سُبْحَانَهُ وَبَين مَا هُوَ مفعول مَخْلُوق لَهُ وَلَيْسَ فِي مخلوقه مَا هُوَ ظلم مِنْهُ وان كَانَ بِالنِّسْبَةِ الى فَاعله الَّذِي هُوَ الانسان هُوَ ظلم كَمَا أَن أَفعَال الانسان هِيَ بِالنِّسْبَةِ أليه تكون سَرقَة وزنا وَصَلَاة وصوما وَالله تَعَالَى خَالِقهَا بمشيئته وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ أليه كَذَلِك إِذْ هَذِه الاحكام هِيَ للْفَاعِل الَّذِي قَامَ بِهِ هَذَا الْفِعْل كَمَا أَن الصِّفَات هِيَ صِفَات للموصوف الَّذِي قَامَت بِهِ لَا للخالق الَّذِي خلقهَا وَجعلهَا صِفَات وَالله تَعَالَى خَالق كل صانع وصنعته كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي الحَدِيث وَهُوَ خَالق كل مَوْصُوف وَصفته ثمَّ صِفَات الْمَخْلُوقَات لَيست صِفَات لَهُ كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذَلِك بِهِ وَكَذَلِكَ حركات الْمَخْلُوقَات لَيست حركات لَهُ وَلَا أَفعَال لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار لكَونهَا مفعولات هُوَ خلقهَا وَبِهَذَا الْفرق تَزُول شبه كَثِيرَة والامر الَّذِي كتبه على نَفسه يسْتَحق عَلَيْهِ الْحَمد وَالثنَاء وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 مقدس عَن ترك هَذَا الَّذِي لَو تَركه لَكَانَ تَركه نقصا وَكَذَلِكَ الامر الَّذِي حرمه على نَفسه يسْتَحق الْحَمد وَالثنَاء على تَركه وَهُوَ مقدس عَن فعله الَّذِي لَو كَانَ لاوجب نقصا وَهَذَا بَين وَللَّه الْحَمد عِنْد الَّذين أُوتُوا الْعلم والايمان وَهُوَ أَيْضا مُسْتَقر فِي عُمُوم الْمُؤمنِينَ وَلَكِن الْقَدَرِيَّة شبهوا على النَّاس بشبههم فقابلهم من قابلهم بِنَوْع من الْكَلَام الْبَاطِل كَالْكَلَامِ الَّذِي كَانَ السّلف والائمة يذمونه وَذَلِكَ أَن المعتزله قَالُوا قد حصل الِاتِّفَاق على أَن الله لَيْسَ بظالم كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة والظالم من فعل الظُّلم كَمَا أَن الْعَادِل من فعل الْعدْل هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد النَّاس من مُسَمّى هَذَا الِاسْم سمعا وعقلا قَالُوا وَلَو كَانَ الله خَالِقًا لافعال الْعباد الَّتِي هِيَ الظُّلم لَكَانَ ظَالِما فعارضهم هَؤُلَاءِ بِأَن قَالُوا لَيْسَ الظَّالِم من فعل الظُّلم بل الظَّالِم من قَامَ بِهِ الظُّلم وَقَالَ بَعضهم الظَّالِم من اكْتسب الظُّلم وَكَانَ مَنْهِيّا عَنهُ وَقَالَ بَعضهم الظَّالِم من فعل محرما عَلَيْهِ أَو مَنْهِيّا عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ من فعل الظُّلم لنَفسِهِ وَهَؤُلَاء يعنون أَن يكون لَهُ وَالْمحرم عَلَيْهِ غَيره الَّذِي يجب عَلَيْهِ طَاعَته وَلِهَذَا كَانَ تصور الظُّلم مِنْهُ مُمْتَنعا عِنْدهم لذاته كامتناع أَن يكون فَوْقه آمُر لَهُ ومساو وَيمْتَنع عِنْد الطَّائِفَتَيْنِ أَن يعود إِلَى الرب تَعَالَى من أَفعاله حكم لنَفسِهِ وَهَؤُلَاء لم يُمكنهُم أَن ينازعوا أُولَئِكَ فِي أَن الْعَادِل من فعل الْعدْل بل سلمُوا ذَلِك لَهُم وَإِن نازعهم بعض النَّاس مُنَازعَة عنادية وَالَّذِي يكْشف تلبيس الْمُعْتَزلَة ان يُقَال لَهُم الظَّالِم والعادل الَّذِي يعرفهُ النَّاس وَإِن كَانَ فَاعِلا للظلم وَالْعدْل فَذَلِك قَائِم بِهِ أَيْضا وَلَا يعرف النَّاس من يُسمى ظَالِما وَلم يقم بِهِ الْفِعْل الَّذِي صَار بِهِ ظَالِما بل لَا يعْرفُونَ ظَالِما إِلَّا من قَامَ بِهِ الْفِعْل الَّذِي فعله وَبِه صَار ظَالِما وَإِن كَانَ فعله مُتَعَلقا بِغَيْرِهِ وَله مفعول مُنْفَصِل عَنهُ لَكِن لَا يعْرفُونَ الظَّالِم إِلَّا بِأَن يكون قد قَامَ بِهِ ذَلِك فكونكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أَخَذْتُم فِي حد الظَّالِم أَنه من فعل الظُّلم وعنيتم بذلك من فعله فِي غَيره فَهَذَا تلبيس وإفساد للشَّرْع وَالْعقل واللغة كَمَا فَعلْتُمْ فِي مُسَمّى الْمُتَكَلّم حَيْثُ قُلْتُمْ هُوَ من فعل الْكَلَام وَلَو فِي غَيره فجعلتم من أحدث كلَاما مُنْفَصِلا عَنهُ قَائِما بِغَيْرِهِ متكلما وان لم يقم بِهِ هُوَ كَلَام أصلا وَهَذَا من أعظم الْبُهْتَان والقرمطة والسفسطة وَلِهَذَا ألزمهم السّلف أَن يكون مَا أحدثه من الْكَلَام فِي الجمادات كَلَامه وَكَذَلِكَ أَيْضا مَا خلقه فِي الْحَيَوَانَات وَلَا يفرق حِينَئِذٍ بَين نطق وأنطق وَإِنَّمَا قَالَت الْجُلُود أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء وَلم تقل نطق الله بذلك وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ من السّلف كسليمان بن دَاوُد الْهَاشِمِي وَغَيره مَا مَعْنَاهُ إِنَّه على هَذَا يكون الْكَلَام الَّذِي خلق فِي فِرْعَوْن حِين قَالَ {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} النازعات 24 كَالْكَلَامِ الَّذِي خلقه فِي الشَّجَرَة حَتَّى قَالَت {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا} فإمَّا أَن يكون فِرْعَوْن محقا وَإِمَّا أَن تكون الشَّجَرَة كفرعون والى هَذَا الْمَعْنى تنحو الاتحادية من الْجَهْمِية وينشدون ... وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه ... سَوَاء علينا نثره ونظامه ... وَالْمَقْصُود الْكَلَام على قَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَالْعَبْد عِنْدهم فَلَيْسَ بفاعل وَسَيَأْتِي لهَذَا الْمقَام زِيَادَة بسط بحول الله تَعَالَى فِي الْكَلَام على قَوْله وَقضى بِأَن الله لَيْسَ بفاعل الخ فصل ... وكذاك قَالُوا مَاله من حِكْمَة ... هِيَ غَايَة للامر والاتقان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 .. مَا ثمَّ غير مَشِيئَة قد رجحت مثلا على مثل بِلَا رُجْحَان ... هَذَا وَمَا تِلْكَ الْمَشِيئَة وَصفه بل ذَاته أَو فعله قَولَانِ ... وَكَلَامه مذكان غيرا كَانَ مخ لوقا لَهُ من جملَة الاكوان ... قَالُوا وَإِقْرَار الْعباد بِأَنَّهُ خلاقهم هُوَ مُنْتَهى الايمان ... وَالنَّاس فِي الايمان شَيْء وَاحِد كالمشط عِنْد تماثل الاسنان ... فاسأل أَبَا جهل وشيعته وَمن ولاهم من عابدي الاوثان ... وسل الْيَهُود وكل أقلف مُشْرك عبد الْمَسِيح مقبل الصلبان ... واسأل ثَمُود وَعَاد بل سل قبلهم أَعدَاء نوح أمة الطوفان ... واسأل أَبَا الْجِنّ اللعين اتعرف ال خلاق أم أَصبَحت ذَا نكران ... واسأل شرار الْخلق أَعنِي أمة لوطية هم ناكحو الذكران ... واسأل كَذَاك إِمَام كل معطل فِرْعَوْن مَعَ قَارون مَعَ هَارُون ... هَل كَانَ فيهم مُنكر للخالق الرب الْعَظِيم مكون الا كوان ... فليبشروا مَا فيهم من كَافِر هم عِنْد جهم كاملو الايمان ... أَي ان الْجَهْمِية نفت الْحِكْمَة فِي خلقه تَعَالَى فعندهم أَنه لَا حِكْمَة فِي الامر وَالنَّهْي بل مَا ثمَّ الا التَّرْجِيح بِمُجَرَّد الْمَشِيئَة بل خلق الْمَخْلُوقَات وَأمر بالمأمورات لمحض الْمَشِيئَة وَصرف الارادة وَهَذَا قَول جُمْهُور من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يثبت الْقدر وينتسب الى السّنة من أهل الْكَلَام وَالْفِقْه وَغَيرهم وَهُوَ قَول ابي الْحسن الاشعري وَأَصْحَابه وَهُوَ قَول كثير من نفاة الْقيَاس فِي الْفِقْه من الظَّاهِرِيَّة كَابْن حزم وَأَمْثَاله قَالَ شيخ الاسلام لأهل السّنة فِي تَعْلِيل أَفعَال الله تَعَالَى واحكامه قَولَانِ والاكثرون على التَّعْلِيل وَالْحكمَة وَهل هِيَ مُنْفَصِلَة عَن الرب لَا تقوم بِهِ اَوْ قَائِمَة مَعَ ثُبُوت الحكم الْمُنْفَصِل لَهُم فِيهِ أَيْضا قَولَانِ وَهل يتسلسل الحكم أَولا يتسلسل اَوْ يتسلسل فِي الْمُسْتَقْبل دون الْمَاضِي فِيهِ أَقْوَال قَالَ احْتج المثبتون للحكمة وَالْعلَّة بقوله تَعَالَى {من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} الْبَقَرَة 143 وَقَوله {كي لَا يكون دولة} الْحَشْر 7 وَقَوله {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم} الْبَقَرَة 143 ونظائرها ولانه تَعَالَى حَكِيم شرع الاحكام لحكمة ومصلحة لقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} الانبياء 107 والاجماع وَاقع على اشْتِمَال الافعال على الحكم والمصالح جَوَازًا عِنْد أهل السّنة ووجوبا عِنْد الْمُعْتَزلَة فيفعل مَا يُرِيد بِحِكْمَتِهِ وَقد أَطَالَ النَّاظِم رَحمَه الله فِي كِتَابه (شرح منَازِل السائرين ((ومفتاح دَار السَّعَادَة (وَغَيرهمَا فمما احْتج بِهِ فِي (مِفْتَاح دَار السَّعَادَة (قَوْله تَعَالَى {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون} الجاثية 21 فَدلَّ على أَن هَذَا حكم بِشَيْء يتنزه الله عَنهُ فَأنكرهُ من جِهَة كَونه أَنه لَا يكون وَمن هَذَا إِنْكَاره تَعَالَى على من جوز أَن يتْرك عباده سدى لَا يَأْمُرهُم وَلَا ينهاهم وَلَا يثيبهم وَلَا يعاقبهم وان هَذَا الحسبان بَاطِل وَالله متعال عَنهُ لمنافاته لحكمته فَقَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الْقِيَامَة 36 فَأنْكر سُبْحَانَهُ على من زعم أَنه يتْرك سدى إِنْكَار من جعل فِي الْعقل استقباح ذَلِك واستهجانه وانه لَا يَلِيق أَن ينْسب ذَلِك الى أحكم الْحَاكِمين وَمثله قَوْله تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم} الْمُؤْمِنُونَ 115 فنزه نَفسه سُبْحَانَهُ وباعدها عَن هَذَا الحسبان وَأَنه متعال عَنهُ فَلَا يَلِيق بِهِ لقبحه ومنافاته الْحِكْمَة وَهَذَا يدل على اثبات الْمعَاد بِالْعقلِ كَمَا يدل على اثباته بِالسَّمْعِ ثمَّ انه رَحمَه الله بسط القَوْل ووسع الْعبارَة فِي أَزِيد من عشرَة كراريس وَفِي (منهاج السّنة النَّبَوِيَّة (لشيخ الاسلام قَالَ اجْمَعْ الْمُسلمُونَ على أَن الله تَعَالَى مَوْصُوف بالحكمة وَلَكِن تنازعوا فِي تَفْسِير ذَلِك فَقَالَت طَائِفَة الْحِكْمَة ترجع إِلَى علمه بِأَفْعَال الْعباد وإقاعها على الْوَجْه الَّذِي أَرَادَهُ وَلم يثبتوا إِلَّا الْعلم والارادة وَالْقُدْرَة وَقَالَ الْجُمْهُور من أهل السّنة وَغَيرهم بل هُوَ حَكِيم فِي خلقه وَأمره وَالْحكمَة لَيست مُطلق الْمَشِيئَة اذ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ كل مُرِيد حكيما وَمَعْلُوم أَن الارادة تَنْقَسِم الى محمودة ومذمومة بل تَتَضَمَّن تَتَضَمَّن مَا فِي خلقه وَأمره من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة وَالْقَوْل باثبات هَذِه الْحِكْمَة لَيْسَ هُوَ قَول الْمُعْتَزلَة وَمن وافقهم من الشِّيعَة فَقَط بل هُوَ قَول جَمَاهِير طوائف الْمُسلمين من أهل التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث والتصوف وَالْكَلَام وَغَيرهم فأئمة الْفُقَهَاء متفقون على إِثْبَات الْحِكْمَة والمصالح فِي احكامه الشَّرْعِيَّة انما تنَازع فِي ذَلِك طَائِفَة من نفاة الْقدر وَغير نفاته وَكَذَلِكَ مَا فِي خلقه من الْمَنَافِع وَالْحكم والمصالح لِعِبَادِهِ مَعْلُوم واصحاب القَوْل الاول كجهم بن صَفْوَان وموافقيه كالاشعري وَمن وَافقه من الْفُقَهَاء من اصحاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْقُرْآن لَام فِي تَعْلِيل أَفعَال الله بل لَيْسَ فِيهِ الا لَام الْعَاقِبَة اما الْجُمْهُور فَيَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 لَام التَّعْلِيل دَاخِلَة فِي أَفعَال الله واحكامه وَالْقَاضِي ابو يعلى وابو الْحسن ابْن الزَّعْفَرَانِي وَنَحْوهمَا من اصحاب احْمَد وَإِن كَانُوا قد يَقُولُونَ بِالْأولِ فهم يَقُولُونَ بِالثَّانِي أَيْضا فِي غير مَوضِع وَكَذَلِكَ امثالهم من الْفُقَهَاء أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا واما ابْن عقيل فِي بعض الْمَوَاضِع وَالْقَاضِي ابو حَازِم ابْن القَاضِي ابي يعلي وابو الْخطاب فيصرحون بِالتَّعْلِيلِ وَالْحكمَة فِي أَفعَال الله مُوَافقَة لمن قَالَ ذَلِك من اهل النّظر وَالْحَنَفِيَّة هم من أهل السّنة الْقَائِلين بِالْقدرِ وجمهورهم يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ والمصالح والكرامية وامثالهم هم أَيْضا من الْقَائِلين بِالْقدرِ والمثبتين لخلافة الْخُلَفَاء المفضلين لأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وهم ايضا يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ وَالْحكمَة وَكثير من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ وَالْحكمَة بل وبالتحسين والتقبيح العقليين كَأبي بكر الْقفال وَأبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة وَغَيرهم من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأبي الْحسن التَّمِيمِي وَأبي الْخطاب من اصحاب أَحْمد انْتهى كَلَامه قَوْله وَكَلَامه مذ كَانَ الخ أَي إِن كَلَام الله غَيره عِنْدهم وَمَا كَانَ غير الله فَهُوَ مَخْلُوق بَائِن عَنهُ خلقه الله فِي بعض الاجسام نَحْو ذَلِك الْجِسْم ابْتِدَاء وَلَا يقوم عِنْدهم بِاللَّه كَلَام بل وَلَا ارادة قَول وَقد حقق النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك بِمَا يزِيل اللّبْس والايهام فَقَالَ فِي كِتَابه (بَدَائِع الْفَوَائِد اللَّفْظ (الْمُؤلف من الزاء وَالْيَاء وَالدَّال مثلا لَهُ حَقِيقَة متميزة متحصلى فَاسْتحقَّ ان يوضع لَهُ لفظ يدل عَلَيْهِ لانه شَيْء مَوْجُود فِي اللِّسَان مسموع الآذان فاللفظ الْمُؤلف من همزَة الْوَصْل وَالسِّين وَالْمِيم عبارَة عَن اللَّفْظ الْمُؤلف من الزَّاي وَالْيَاء وَالدَّال مثلا وَاللَّفْظ الْمُؤلف من الزاء وَالْيَاء وَالدَّال عبارَة عَن الشَّخْص الْمَوْجُود فِي الاعيان والاذهان وَهُوَ الْمُسَمّى وَالْمعْنَى وَاللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ هُوَ الِاسْم وَهَذَا اللَّفْظ ايضا قد صَار مُسَمّى من حَيْثُ كَانَ لفظ الْهمزَة وَالسِّين وَالْمِيم عبارَة عَنهُ فقد بَان لَك أَن الِاسْم فِي أصل الْوَضع لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 هُوَ الْمُسَمّى وَلِهَذَا تَقول سميت هَذَا الشَّخْص بِهَذَا الِاسْم كَمَا تَقول حليته بِهَذِهِ الْحِلْية فالحلية غير الْمحلى فَكَذَلِك الِاسْم غير الْمُسَمّى وَقد صرح بذلك سِيبَوَيْهٍ وَأَخْطَأ من نسب إِلَيْهِ غير هَذَا وَادّعى أَن مذْهبه اتحادهما قَالَ النَّاظِم وَمَا قَالَ نحوي قطّ وَلَا عَرَبِيّ ان الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى وَيَقُولُونَ أجل مُسَمّى وَلَا يَقُولُونَ أجل اسْم وَيَقُولُونَ مُسَمّى هَذَا الِاسْم كَذَا وَلَا يَقُول أحد اسْم هَذَا الِاسْم كَذَا وَيَقُولُونَ بِسم الله وَلَا يَقُولُونَ بمسمى الله وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما (وَلَا يَصح أَن يُقَال تِسْعَة وَتسْعُونَ مُسَمّى ونظائره كَثِيرَة جدا وَقَالَ واذا ظهر الْفرق بَين الِاسْم والمسمى فَبَقيَ هُنَا التَّسْمِيَة وَهِي الَّتِي اغْترَّ بهَا من قَالَ باتحاد الِاسْم والمسمى وَالتَّسْمِيَة عبارَة عَن فعل الْمُسَمّى وَوَضعه الِاسْم للمسمى كَمَا أَن التحلية عبارَة عَن فعل الْمحلي وَوَضعه الْحِلْية على الْمحلى فَهُنَا ثَلَاث حقائق اسْم ومسمى وَتَسْمِيَة كحلية ومحلى وتحلية وعلامة ومعلم وَتَعْلِيم وَلَا سَبِيل إِلَى جعل اللَّفْظَيْنِ مِنْهَا مترادفين على معنى وَاحِد لتباين حقائقها فاذا جعل الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى بَطل وَاحِد من هَذِه الْحَقَائِق الثَّلَاثَة ولابد فان قيل مَا شُبْهَة من قَالَ باتحادهما فَالْجَوَاب شبهته أَشْيَاء مِنْهَا أَن الله تَعَالَى هُوَ وَحده الْخَالِق وَمَا سواهُ مَخْلُوق فَلَو كَانَت مخلوقة للَزِمَ أَن لَا يكون لَهُ اسْم فِي الازل وَلَا صفة لَان أسماءه صِفَات وَهَذَا أعظم مَا قاد متكلمي الاثبات الى القَوْل باتحادهما وَالْجَوَاب عَن كشف هَذِه الشُّبْهَة أَن منشأ الْغَلَط فِي هَذَا الْبَاب من إِطْلَاق أَلْفَاظ مجملة مُحْتَملَة لمعنيين حق وباطل فَلَا ينْفَصل النزاع الا بتفصيل تِلْكَ الْمعَانِي وتنزيل أَلْفَاظه عَلَيْهَا وَلَا ريب أَن الله تَعَالَى لم يزل وَلَا يزَال مَوْصُوفا بِصِفَات الْكَمَال المشتقة أسماؤه مِنْهَا فَلم يزل بصفاته وأسمائه وَهُوَ إِلَه وَاحِد لَهُ الاسماء الْحسنى وَالصِّفَات العلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَصِفَاته وأسماؤه دَاخِلَة فِي مُسَمّى اسْمه وان كَانَ لَا يُطلق على الصّفة أَنَّهَا إِلَه يخلق ويرزق فَلَيْسَتْ صِفَاته وأسماؤه غَيره وَلَيْسَت هِيَ نفس الاله وبلاء الْقَوْم من لَفظه الْغَيْر فانها يُرَاد بهَا مَعْنيانِ أَحدهمَا المغاير لتِلْك الذَّات المسمات بِاللَّه وكل مَا غاير الله مُغَايرَة مَحْضَة بِهَذَا الِاعْتِبَار فَلَا يكون الا مخلوقا وَيُرَاد بِهِ مُغَايرَة الصّفة للذات اذا جردت عَنْهَا فاذا قيل علم الله وَكَلَام الله غَيره بِمَعْنى أَنه غير الذَّات الْمُجَرَّدَة عَن الْعلم وَالْكَلَام كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا وَلَكِن الاطلاق بَاطِل فاذا اريدان الْعلم وَالْكَلَام مُغَاير لحقيقتة المختصة الَّتِي امتاز بهَا عَن غَيره كَانَ بَاطِلا لفظا وَمعنى وَبِهَذَا أجَاب اهل السّنة الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بِخلق الْقُرْآن وَقَالُوا كَلَامه تَعَالَى دَاخل فِي مُسَمّى اسْمه فَالله تَعَالَى اسْم للذات الموصوفة بِصِفَات الْكَمَال وَمن تِلْكَ الصِّفَات صفة الْكَلَام كَمَا أَن علمه وَقدرته وحياته ومسمعه وبصره غير مخلوقة وَإِذا كَانَ الْقُرْآن كَلَامه وَهُوَ صفة من صِفَاته فَهُوَ مُتَضَمّن لاسمائه الْحسنى فاذا كَانَ الْقُرْآن غير مَخْلُوق وَلَا يُقَال انه غير الله فَكيف يُقَال ان بعض مَا تضمنه وَهُوَ أمساؤه مخلوقة وَهِي غَيره فقد حصحص الْحق بِحَمْد الله وانحسم الاشكال وَإِن اسماءه الْحسنى الَّتِي فِي الْقُرْآن من كَلَامه وَكَلَامه غير مَخْلُوق وَلَا يُقَال هُوَ غَيره وَلَا هُوَ هُوَ وَهَذَا الْمَذْهَب مُخَالف لمَذْهَب الْمُعْتَزلَة الَّذين يَقُولُونَ أسماؤه غَيره وَهِي مخلوقة ولمذهب من رد عَلَيْهِم مِمَّن يَقُول اسْمه نفس ذَاته لَا غَيره وبالتفصيل تَزُول الشُّبْهَة ويتبين الصَّوَاب ثمَّ ذكر حجج الْقَائِلين بِأَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى وَأجَاب عَنْهَا وَأطَال وأطاب رَحمَه الله تَعَالَى وَالله أعلم قَوْله وَإِقْرَار الْعباد بِأَنَّهُ خلاقهم هُوَ مُنْتَهى الايمان هَذَا بَيَان لمَذْهَب جهم واتباعه فِي الايمان وَذَلِكَ أَن مَذْهَبهم ان الايمان هُوَ الْمعرفَة والتصديق أَي الاقرار بِاللَّه تَعَالَى وَبِأَنَّهُ خَالق الْعَالم والاقوال والاعمار عِنْدهم لَيست من الايمان وَهَذَا مَذْهَب الصَّالِحِي وَالشَّيْخ ابي الْحسن الاشعر فِي الْمَشْهُور من قوليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَعِنْدهم أَن ايمان النَّاس سَوَاء وَأَن الايمان لَا يتفاضل بل ايمان أصدق النَّاس وأبرهم كَإِيمَانِ افسقهم وأفجرهم وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... وَالنَّاس فِي الايمان شَيْء وَاحِد ... كالمشط عِنْد تماثل الاسنان ... ثمَّ قَالَ على سَبِيل الالزام فاسأل ابا جهل وشيعته واسأل الْيَهُود وَثَمُود وَعَاد وَقوم نوح وابليس وَقوم لوط وَفرْعَوْن وَقَارُون وهامان أَي إِن جَمِيع هَؤُلَاءِ معترفون بالخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فاذا كَانَ الايمان هُوَ التَّصْدِيق كَمَا زعمت الْجَهْمِية فليبشر هَؤُلَاءِ أَن لَيْسَ فيهم كَافِر على مَذْهَب الْجَهْمِية لأَنهم مصدقون بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم فصل ... وَقضى بِأَن الله كَانَ معطلا وَالْفِعْل مُمْتَنع بِلَا إِمْكَان ... ثمَّ اسْتَحَالَ وَصَارَ مَقْدُورًا لَهُ من غير أَمر قَامَ بالديان ... بل حَاله سُبْحَانَهُ فِي ذَاته قبل الْحُدُوث وَبعده سيان ... قَوْله وَقضى الخ قَالَ فِي (النِّهَايَة (قد تكَرر فِي الحَدِيث ذكر الْقَضَاء وَأَصله الْفَصْل وَالْقطع يُقَال قضى يقْضِي قَضَاء فَهُوَ قَاض إِذا حكم وَفصل وَقَضَاء الشَّيْء احكامه وامضاءه والفراغ مِنْهُ فَيكون بِمَعْنى الْخلق وَقَالَ الازهري الْقَضَاء فِي اللُّغَة على وُجُوه مرجعها الى انْقِطَاع الشَّيْء واتمامه وكل مَا أحكم علمه أَو أتم أَو حتم أَو أُدي أَو أوجب أَو أعلم أَو أنفذ اَوْ امْضِي قَالَ وَقد جَاءَت هَذِه الْوُجُوه كلهَا فِي الاحاديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَمِنْه الْقَضَاء المقرون بِالْقدرِ فالقضاء وَالْقدر أَمْرَانِ متلازمان لَا يَنْفَكّ أَحدهمَا عَن الآخر لِأَن أَحدهمَا بِمَنْزِلَة الأساس وَهُوَ الْقدر وَالْآخر بِمَنْزِلَة الْبناء وَهُوَ الْقَضَاء فَمن رام الْفَصْل بَينهمَا فقد رام هدم الْبناء ونقضه انْتهى أَي وَقضى جهم وَحكم بِأَن الله كَانَ معطلا فِي الْأَزَل تَعَالَى الله عَن ذَلِك لَا يفعل شَيْئا ثمَّ فعل من غير أَمر قَامَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَذَلِكَ فرار من القَوْل بدوام فاعلية الرب ولنبسط الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة بحول الله تَعَالَى فَنَقُول قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي الْمَسْأَلَة المصرية فِي الْقُرْآن أعلم أَن الْمُتَكَلِّمين من الْجَهْمِية والمعتزلة وَمن تَبِعَهُمْ سلكوا فِي إِثْبَات حُدُوث الْعَالم وَإِثْبَات الصَّانِع طَريقَة مبتدعة فِي الشَّرْع مضطربة فِي الْعقل وأوجبوها وَزَعَمُوا أَنه لَا يُمكن معرفَة الصَّانِع إِلَّا بهَا وَتلك الطَّرِيق فِيهَا مُقَدمَات لَهَا نتائج مجملة فغلط كثير من سالكيها فِي مَقْصُود الشَّارِع وَمُقْتَضى الْعقل فَلم يفهموا مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص النَّبَوِيَّة وَلم يحرروا مَا اقتضته الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَا يُمكن معرفَة الصَّانِع إِلَّا باثبات حُدُوث الْعَالم وَلَا يُمكن إِثْبَات حُدُوث الْعَالم الا بِإِثْبَات حُدُوث الْأَجْسَام قَالُوا وَالطَّرِيق إِلَى ذَلِك هُوَ الإستدلال بحدوث الْأَعْرَاض على حُدُوث مَا قَامَت بِهِ الْأَعْرَاض فَمنهمْ من احْتج بالحركة والسكون فَقَط وَمِنْهُم من احْتج بالاكوان الَّتِي هِيَ عِنْدهم الِاجْتِمَاع والإفتراق وَالْحَرَكَة والسكون وَمِنْهُم من احْتج بِالْإِعْرَاضِ مُطلقًا وَبني الدَّلِيل على أَن مَالا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث لِامْتِنَاع حوادث لَا أول لَهَا فَقَالَ لَهُم المعارضون لَهُم من أهل الْملَل وَغَيرهم أَنْتُم أثبتتم حُدُوث الْعَالم بطرِيق وحدوث الْعَالم لَا يتم إِلَّا مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 نقيض مَا أثبتموه فَمَا جعلتموه دَلِيلا على حُدُوث الْعَالم لَا يدل على حُدُوثه بل وَلَا يسْتَلْزم حُدُوثه وَالدَّلِيل لَا بُد أَن يكون مستلزما للمدلول بِحَيْثُ يلْزم من تحقق الدَّلِيل تحقق الْمَدْلُول بل هُوَ منَاف لحدوث الْعَالم مُنَاقض لَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي امْتنَاع حُدُوث الْعَالم بل امْتنَاع حُدُوثه شَيْء من الْأَشْيَاء وَهَذَا يَقْتَضِي بُطْلَانه فِي نَفسه وَأَنه لَو صَحَّ لم يدل إِلَّا على نقيض الْمَطْلُوب ونقيض مَا يَقُوله كل عَاقل فَإِن كل عَاقل يعلم يعلم حُدُوث الْحَوَادِث فِي الْجُمْلَة سَوَاء قيل بقدم الأفلاك أَو لم يقل بذلك وَذَلِكَ أَن مبْنى دليلكم على أَن الْقَادِر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بِلَا مُرَجّح الْإِرَادَة الأزلية الَّتِي نسبتها إِلَى جَمِيع المرادات على السوَاء ترجح مرَادا على مُرَاد بِلَا مُرَجّح غير الْمُرَجح الَّذِي نسبته إِلَى جَمِيع المرحجات نِسْبَة وَاحِدَة لَا تتفاضل وَمن الْمَعْلُوم أَن تَرْجِيح وجود الْمُمكن على عَدمه بِلَا مُرَجّح أَو تَرْجِيح أحد المتماثلين على الآخر بِلَا سَبَب يَقْتَضِي ذَلِك بَاطِل فِي بديهة الْعقل وَلَو قيل إِن ذَلِك صَحِيح لبطل الدَّلِيل الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ على ثُبُوت الصَّانِع وحدوث الْعَالم فَإِن مبْنى الدَّلِيل على أَن الْمُحدث لَا بُد لَهُ من مُحدث وَذَلِكَ يسْتَلْزم أَن تَرْجِيح الْحُدُوث على الْعَدَم لَا بُد لَهُ من مرحج وَلَا بُد أَن يكون للمحدث مُرَجّح قد حدث مِنْهُ مَا يسْتَلْزم وجود الْمُحدث الَّذِي جعله مَوْجُودا وَإِلَّا إِذا لم يلْزم وجوده كَانَ وجوده جَائِزا مُمكنا كَانَ مُحْتملا للوجود والعدم فترجيح الْوُجُود على الْعَدَم لَا بُد لَهُ من مُرَجّح مُحدث لَهُ وكل مَا أمكن حُدُوثه إِن لم يحصل لَهُ مَا يسْتَلْزم حُدُوثه لم يحصل فَمَا شَاءَ الله كَانَ لَا محَالة وَوَجَب وجوده بِمَشِيئَة الله وَمَا لم يَشَأْ لم يكن بل يمْتَنع وجوده مَعَ عدم مَشِيئَة الله تَعَالَى فَمَا شَاءَ الله حُدُوثه كَانَ لَازم الْحُدُوث وَاجِب الْحُدُوث بمشيئته لَا بِنَفسِهِ وَمَا لم يَشَأْ حُدُوثه كَانَ مُمْتَنع الْحُدُوث لَازم الْعَدَم وَاجِب الْعَدَم لِأَنَّهُ لَا يُوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بِمَشِيئَة الله المستلزمة لحدوثه ثمَّ إِن الفلاسفة الدهرية الْقَائِلين بقدم الْعَالم قَالُوا مَا ذكرتموه من الدَّلِيل لَا يدل على الْحُدُوث بل يَقْتَضِي عدم الْحُدُوث لِأَن حُدُوث الْحَوَادِث عَن ذَات لم تزل معطلة عَن الْفِعْل بَاطِل فَيكون الْعَالم قَدِيما وعبروا عَن ذَلِك بِأَن جَمِيع الْأُمُور الْمُعْتَبرَة فِي كَونه فَاعِلا إِن وجدت فِي الْأَزَل لزم وجود الْفِعْل فِي الْأَزَل وَإِلَّا لزم تخلف الْمُقْتَضِي التَّام وَحِينَئِذٍ فَإِذا وجدت بعد ذَلِك لزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَإِن لم تُوجد فِي الْأَزَل فوجودها بعد ذَلِك أَمر حَادث فَيَقْتَضِي أمرا حَادِثا وَإِلَّا لزم الْحُدُوث بِلَا مُحدث وَحِينَئِذٍ فَيلْزم تسلسل الْحَوَادِث فَإِن القَوْل فِي هَذَا الْحَادِث كالقول فِي غَيره وَهَذَا مِمَّا يُنكره الْمُعْتَزلَة وموافقوهم المتكلمون قَالُوا فَأنْتم بَين أَمريْن إِمَّا إِثْبَات التسلسل فِي الْحَوَادِث وَإِمَّا إِثْبَات التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَكِلَاهُمَا مُمْتَنع عنْدكُمْ ثمَّ زعم هَؤُلَاءِ الفلاسفة أَن الْعَالم الْقَدِيم بِنَاء على هَذِه الْحجَّة وَمن سلك سَبِيل السّلف وَالْأَئِمَّة أثبت مَا أثْبته الرَّسُول من حُدُوث الْعَالم بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ الَّذِي لَا يحْتَمل النقيض وَبَين خطأ الْمُتَكَلِّمين من الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم الَّذين خالفوا السّلف وَالْأَئِمَّة بابتداع بِدعَة مُخَالفَة للشَّرْع وَالْعقل وَبَين أَن ضلال الفلاسفة الْقَائِلين بقدم الْعَالم ومخالفتهم لِلْعَقْلِ وَالشَّرْع أعظم من ضلال أُولَئِكَ وَبَيَان الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم لَا يحْتَاج إِلَى الطَّرِيق الَّتِي سلكها أُولَئِكَ المتكلمون بل يُمكن إِثْبَات حُدُوثه بطرِيق أُخْرَى صَحِيحَة لَا يعارضها عقل صَرِيح وَلَا نقل صَحِيح وَثَبت بذلك أَن كل مَا سوى الله فَإِنَّهُ مُحدث كَانَ بعد أَن لم يكن سَوَاء سمي جسما أَو عقلا أَو نفسا أَو غير ذَلِك فَإِن أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمين من الْمُعْتَزلَة وأتباعهم لما لم يكن فِي حجتهم إِلَّا إِثْبَات حُدُوث أجسام الْعَالم قَالَت الفلاسفة وَمن وفقهم من الْمُتَأَخِّرين كالشهرستاني والرازي والآمدي وَغَيرهم أَنكُمْ لم تُقِيمُوا دَلِيلا على نفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 مَا سوى الْأَجْسَام وَحِينَئِذٍ فإثبات حُدُوث أجسام الْعَالم لَا يَقْتَضِي حُدُوث مَا سوى الله إِن لم تبينوا أَن كل مَا سواهُ جسم وَأَنْتُم لم تثبتوا ذَلِك وَلِهَذَا صَار بعض الْمُتَأَخِّرين كالأرموي وَمن وَافقه إِلَى أَن أجسام الْعَالم محدثه وَأما الْعُقُول والنفوس فتوقفوا عَن حدوثها أَو قَالُوا بقدومها وَإِن كَانَ حَقِيقَة قَوْلهم إِنَّه مُوجب بِالذَّاتِ لَهَا وَإنَّهُ مُحدث للأجسام بِسَبَب حُدُوث لبَعض التصورات والإرادات الَّتِي تحدث للنفوس فَيصير ذَلِك سَببا لحدوث الْأَجْسَام وَهَذَا القَوْل كَمَا أَنه مَعْلُوم الْبطلَان فِي الشَّرْع فَهُوَ أَيْضا مَعْلُوم الْبطلَان فِي الْعقل كَمَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول الدَّلِيل الدَّال على أَن كل مَا سوى الله مُحدث يتَنَاوَل هَذَا وَهَذَا وَأَيْضًا فَإِذا كَانَ مُوجبا بِالذَّاتِ كَانَ إختصاص حُدُوث أجسام الْعَالم بذلك الْوَقْت دون مَا قبله وَمَا بعده يفْتَقر إِلَى مُخَصص والموجب بِذَاتِهِ لَا يصدر عَنهُ مَا يخْتَص بِوَقْت دون وَقت إِذْ اَوْ جَازَ ذَلِك لم يكن مُوجبا بِذَاتِهِ ولجاز حُدُوث الْعَالم عَنهُ وَلِأَن النُّفُوس الَّتِي يثبتها الفلاسفة هِيَ عِنْد جمهورهم عرض قَائِم بجسم الْفلك فَيمْتَنع وجودهَا بِدُونِ الْفلك وَعند ابْن سينا وَطَائِفَة أَنَّهَا جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ لَكِنَّهَا مُتَعَلقَة بالجسم تعلق التَّدْبِير والتصريف وَحِينَئِذٍ فَلَو وجدت وَلَا تعلق لَهَا بالجسم لم تكن نفسا بل كَانَت عقلا فَعلم أَن وجود النَّفس مُسْتَلْزم لوُجُود الْجِسْم فَإِذا قَالَ هَؤُلَاءِ إِن النَّفس أزلية دون الْأَجْسَام كَانَ هَذَا القَوْل بَاطِلا بِصَرِيح الْعقل مَعَ أَنه لم يعرف بِهِ قَائِل من الْعُقَلَاء من قبل كَانَ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا الجأ هَؤُلَاءِ إِلَى هَذَا ظنهم صِحَة دَلِيل الْمُتَكَلِّمين على حُدُوث الْأَجْسَام وَصِحَّة قَول الفلاسفة بِوُجُود مَوْجُود مُمكن غير الْأَجْسَام وَإِثْبَات الْمُوجب بِالذَّاتِ فَلَمَّا بنوا قَوْلهم على الأَصْل الْفَاسِد لهَؤُلَاء ولهؤلاء لزم هَذَا مَعَ أَنهم متناقضون فِي الْجمع بَين هذَيْن فَإِن عُمْدَة الْمُتَكَلِّمين على إبِْطَال (حوادث لَا أَو ل لَهَا (وعمدة الفلاسفة على أَن المؤثرية من لَوَازِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الْوَاجِب بِنَفسِهِ فَإِذا قَالُوا بقدم نفس لَهَا تصورات وإرادات لَا تتناهى لزم جَوَاز حوادث لَا تتناهى فَبَطل أصل قَول الْمُتَكَلِّمين الَّذِي بنوا عَلَيْهِ 4 حُدُوث الْأَجْسَام فَكَانَ حِينَئِذٍ موافقتهم للمتكلمين بِلَا حجَّة عقلية فَعلم أَنهم جمعُوا بَين المتناقضين وَأَبُو عبد الله بن الْخَطِيب وَأَمْثَاله كَانُوا أفضل من هَؤُلَاءِ وَعرفُوا أَنه لَا يُمكن الْجمع بَين هَذَا وَهَذَا فَلم يَقُولُوا هَذَا القَوْل المتناقض وَلم يهتدوا إِلَى مَذْهَب السّلف وَالْأَئِمَّة وَإِن كَانُوا يذكرُونَ أُصُوله فِي مَوَاضِع أخر ويثبتون أَن جُمْهُور الْعُقَلَاء يلتزمونها فَلَو تفطنوا لما يقوم بِذَات الله من كَلَامه وفعاله الْمُتَعَلّق بمشيئته وَقدرته ودوام اتصافه بِصِفَات الْكَمَال خلصوا من هَذِه المحاورات وَنحن ننبه على بعض الطّرق الْعَقْلِيَّة الَّتِي يعلم بهَا حُدُوث كل مَا سوى الله تَعَالَى وَهِي أَن يُقَال لَو كَانَ فِيهَا شَيْء سوى الله قديم لَكَانَ صادرا عَن عِلّة تَامَّة مُوجبَة بذاتها مستلزمة لمعلولها سَوَاء ثَبت لَهُ مشيئه وَاخْتِيَار أَو لم يثبت فَإِن الْقَدِيم الأزلي الْمُمكن الَّذِي لَا يُوجد بِنَفسِهِ لَا يتَصَوَّر وجوده ان لم يكن لَهُ فِي الازل مُقْتَضى تَامّ يسْتَلْزم ثُبُوته وَهَذَا كَمَا أَنه مَعْلُوم بضرورة الْعقل فَلَا نزاع فِيهِ بَين الْعُقَلَاء فَلَا يَقُول أحد إِن الْقَدِيم الازلي صادر عَن مُؤثر لَا يلْزمه أَثَره وَلَا يَقُول انه صادر عَن عِلّة غير تَامَّة مستلزمة لمعلولها وَلَا يَقُول إِنَّه صادر عَن مُوجب بِذَاتِهِ لَا يقارنه مُوجبه وَمُقْتَضَاهُ وَلَا يَقُول إِنَّه صادر عَن فَاعل بِالِاخْتِيَارِ يُمكن أَن يتَأَخَّر مَفْعُوله فَإِنَّهُ إِذا أمكن تَأَخّر مَفْعُوله أمكن ان يكون ذَلِك الْقَدِيم الازلي قَدِيما أزليا فَيكون ثُبُوته فِي الازل فَإِن ثُبُوت الْمُمكن الازلي بِدُونِ مُقْتَض تَامّ مُسْتَلْزم لَهُ مُمْتَنع بضرورة الْعقل إِذْ قد علم بِصَرِيح الْعقل أَن شَيْئا من الممكنات لَا يكون حَتَّى يحصل الْمُقْتَضى التَّام المستلزم لثُبُوته وَمن نَازع فِي هَذَا من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَقَالَ انه لَا يَنْتَهِي الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 حد الْوُجُوب بل يكون الْعقل بِالْوُجُوب أولى مِنْهُ بِالْعدمِ فَإِنَّهُ لم يُنَازع فِي أَن الْقَادِر الْمُخْتَار يمْتَنع ان يكون مقدوره الْمعِين أزليا مُقَارنًا لَهُ بل هَذَا مِمَّا لَا يُنَازع فِيهِ لَا هَؤُلَاءِ وَلَا غَيرهم فَتبين أَنه لَو كَانَ شَيْء مِمَّا سوى الله أزليا للَزِمَ ان يكون لَهُ مُؤثر تَامّ مُسْتَلْزم لَهُ فِي الازل سَوَاء سمي عِلّة تَامَّة أَو مُوجبا بِالذَّاتِ أَو قدر أَنه فَاعل بالارادة وَأَن مُرَاده الْمعِين يكون أزليا مُقَارنًا لَهُ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَنَقُول ثُبُوت عِلّة تَامَّة أزلية مُمْتَنع لَان الْعلَّة التَّامَّة الازلية تَسْتَلْزِم معلولها لَا يتَخَلَّف عَنْهَا شَيْء من معلولها فانه إِن تخلف عَنْهَا لم تكن عِلّة تَامَّة لمعلولها فَيمْتَنع فِي الشَّيْء الْوَاحِد أَن يكون مُوجبا بِذَاتِهِ وَأَن يتَخَلَّف عَنهُ مُوجبه اَوْ شَيْء من مُوجبه فان الْمُوجب بِالذَّاتِ لشَيْء لابد أَن يكون ذَلِك الْمُوجب جَمِيعه مُقَارنًا لذاته وَالْعلَّة التَّامَّة هِيَ الَّتِي يقارنها معلولها وَلَا يتَأَخَّر عَنْهَا شَيْء من معلولها فَلَو تَأَخّر عَنْهَا شَيْء من معلولها لم تكن عِلّة تَامَّة كَذَلِك الْمُتَأَخّرُونَ من الفلاسفة يسلمُونَ أَن لَيْسَ عِلّة تَامَّة فِي الازل لجَمِيع الْحَوَادِث الَّتِي تحدث شَيْء بعد شَيْء فان ذَلِك جمع بَين النقيضين إِذْ يمْتَنع أَن يكون عِلّة تَامَّة أزلية لامر حَادث عَنهُ غير أزلي وان شِئْت قلت يمْتَنع أَن يكون مُوجبا بِذَاتِهِ فِي الازل لامر حَادث لَيْسَ بأزلي سَوَاء كَانَ ايجابه لَهُ بِوَاسِطَة أَو بِغَيْر وَاسِطَة فان تِلْكَ الْوَاسِطَة إِن كَانَت أزلية كَانَ اللَّازِم لَهَا أزليا وان كَانَت حَادِثَة كَانَ القَوْل فِيهَا كالقول فِي الْحَادِث بتوسطها وَهَذَا الَّذِي سلموه مَعْلُوم ايضا بِصَرِيح الْعقل فالمقدمة برهانية مسلمة لَكِن يَقُولُونَ انه عِلّة تَامَّة لما هُوَ قديم كالافلاك عِنْدهم وَلَيْسَ عِلّة تَامَّة للحوادث وَهَذَا أَيْضا بَاطِل وَذَلِكَ أَن كل مَا يُقَال إِنَّه قديم كالافلاك إِمَّا أَن يجب أَن يكون مُقَارنًا للحوادث كَمَا يَقُولُونَ فِي الْفلك إِنَّه يجب لَهُ لُزُوم الْحَرَكَة وَإنَّهُ لم يزل متحركا وَإِمَّا أَنه لَا يجب أَن يكون مُقَارنًا لشَيْء من الْحَوَادِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فان كَانَ الاول لزم ان يكون عِلّة تَامَّة للحوادث وَكَونه عِلّة تَامَّة للحوادث محَال لَان مَا قارنته الْحَوَادِث وَلم يخل مِنْهَا بل هِيَ لَازِمَة لَهُ امْتنع صدوره عَن الْمُوجب بِدُونِهَا وَوُجُود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم محَال فالموجب بِذَاتِهِ الَّذِي هُوَ عِلّة تَامَّة للفلك يجب ان يكون عِلّة تَامَّة مُوجبَة للوازمه وَعلة تَامَّة فِي الازل بحركته لَكِن الْعلَّة التَّامَّة الازلية لَا يجوز ان تكون عِلّة تَامَّة أزلية للحوادث لَا الْحَرَكَة وَلَا غَيرهَا لانه يجب وجود معلولها الَّذِي هُوَ مُوجبهَا ومقتضاها فِي الازل وان لَا يتَأَخَّر عَنْهَا شَيْء من مُوجبهَا ومقتضاها ومعلولها وَالْحَرَكَة الَّتِي تُوجد شَيْئا فَشَيْئًا هِيَ وَغَيرهَا من الْحَوَادِث الَّتِي تحدث شَيْئا بعد شَيْء لَيْسَ كل وَاحِد مِنْهَا قَدِيما بل كل مِنْهَا حَادث مَسْبُوق بآخر فَيمْتَنع أَن يكون شَيْء مِنْهَا معلولا لِلْعِلَّةِ التَّامَّة الازلية لِامْتِنَاع أَن يكون حَادث من الْحَوَادِث قَدِيما وَيمْتَنع وجود مَجْمُوع الْحَوَادِث فِي الازل وَيمْتَنع وجود المستلزم للحوادث إِلَّا مَعَ حَادث من الْحَوَادِث الْحَوَادِث أَو مَعَ مَجْمُوع الْحَوَادِث واذا كَانَ كِلَاهُمَا يمْتَنع ان يكون لشَيْء من الْحَوَادِث أَو مَا يسْتَلْزم الْحَوَادِث عِلّة تَامَّة قديمَة فَامْتنعَ صُدُور الْحَوَادِث أَو شَيْء مِنْهَا أَو من ملزوماتها عَن عِلّة تَامَّة قديمَة فَامْتنعَ أَن يكون شَيْء لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث صادرا عَن عِلّة تَامَّة أزلية فَامْتنعَ أَن يكون الْفلك الْمُقَارن للحوادث عِلّة تَامَّة أزلية قديمَة وَلَو كَانَ قَدِيما لصدر عَن عِلّة تَامَّة قديمَة فَإِذا لم يكن قَدِيما أَلا إِذا كَانَ الْمُقْتَضى التَّام ثَابتا فِي الازل فثبوت الْمُقْتَضى التَّام لَهُ مُمْتَنع كَمَا أَن قدمه مُمْتَنع وَأما إِن قيل إِن الْمُمْتَنع شَيْء غير مُقَارن للحوادث وَلَا مُسْتَلْزم لَهَا مثل ان يُقَال الْقَدِيم إعيان سَاكِنة هِيَ الْمَعْلُول الاول فَيُقَال ذَلِك إِمَّا أَن يجوز حُدُوث حَال من الاحوال إِمَّا فِيهِ اَوْ عَنهُ أَو غير ذَلِك وَإِمَّا أَن لَا يجوز فَإِن جَازَ حُدُوث حَال من الاحوال لَهُ امْتنع حُدُوث ذَلِك الْحَادِث عَن عِلّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 تَامَّة أزلية وَهُوَ الْمُوجب بِالذَّاتِ كَمَا تقدم وكما هُوَ مَعْلُوم ومتفق عَلَيْهِ بَين الْعُقَلَاء فَلَا بُد لَهُ من مُحدث والمحدث ان كَانَ سوى الله فَالْقَوْل فِي حُدُوثه إِن كَانَ مُحدثا أَو فِي حُدُوث ذَلِك الْأَحْدَاث لَهُ بعد ان لم يكن كالقول فِي حُدُوث ذَلِك الْحَادِث وان كَانَ هُوَ الله تَعَالَى امْتنع أَن يكون مُوجبا بِالذَّاتِ لَهُ اذ الْقَدِيم لَا يكون مُوجبا بِالذَّاتِ لحادث كَمَا بَين فَامْتنعَ ثُبُوت الْعلَّة الْقَدِيمَة وَإِذا لم يكن الصَّانِع مُوجبا بِالذَّاتِ فَلَا يكون عِلّة تَامَّة امْتنع قدم شَيْء من الْعَالم لِأَنَّهُ لَا يكون قديم إِلَّا عَن عِلّة تَامَّة وَإِن قيل إِنَّه لَا يجوز حُدُوث لما فرض قَدِيما معلولا للاول فَهَذَا مَعَ أَنه لم يقل بِهِ أحدا من الْعُقَلَاء فَهُوَ بَاطِل لوجوه أَحدهمَا ان وَاجِب الْوُجُود يحدث لَهُ النّسَب والاضافات بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء فحدوث ذَلِك الْغَيْر أولى الثَّانِي ان الْحَوَادِث مَشْهُودَة فِي الْعَالم الْعلوِي والسفلي وَهَذِه الْحَوَادِث صادرة عَن الله اما بِوَاسِطَة اَوْ بِغَيْر وَاسِطَة فان كَانَت بوسط فَتلك الوسائط حدثت عَنْهَا أُمُور بعد ان لم تكن فَلَزِمَ حُدُوث الاحوال للقديم سَوَاء كَانَ هُوَ الصَّانِع اَوْ كَانَ هُوَ الوسائط للصانع وان قيل الْقَدِيم هُوَ شَيْء لَيْسَ بِوَاسِطَة فِي شَيْء آخر قيل لابد أَن يكون ذَلِك قَابلا لحدوث الاحوال فَإِنَّهُ يُمكن حُدُوث النّسَب والاضافات لله عز وَجل بِالضَّرُورَةِ واتفاق الْعُقَلَاء فإمكان ذَلِك لغيره أولى واذا كَانَ قَابلا لَهَا أمكن أَن تحدث لَهُ الاحوال كَمَا تحدث لغيره من الممكنات فان الله لَا يمْتَنع حُدُوث الْحَوَادِث عَنهُ اما بِوَاسِطَة اَوْ بِغَيْر وَاسِطَة فَإِذا كَانَ ذَلِك قَابلا وصدور ذَلِك عَن الصَّانِع مُمكن أمكن حُدُوث الْحَوَادِث عَنهُ أَو فِيهِ بعد ان لم يكن وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْل فِي حدوثها كالقول فِي حُدُوث سَائِر مَا يحدث عَنهُ وَذَلِكَ محَال من الْعلَّة التَّامَّة المستلزمة لمعلولها فقد تبين بِهَذَا الْبُرْهَان الباهر أَن كَون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الاول عِلّة تَامَّة لشَيْء من الْعَالم محَال لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْفلك وَغَيره سَوَاء قدر ذَلِك الْغَيْر جسما اَوْ غير جسم وَسَوَاء قدر مستلزما للحوادث فِيهِ أَو عَنهُ كَمَا يَقُول الفلاسفة الدهرية كالفارابي وَابْن سينا وامثالهما وسلفهما من اليونان فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْفلك مُسْتَلْزم للحوادث الْقَائِمَة بِهِ والعقول والنفوس مستلزمة للحوادث الَّتِي تحدث عَنْهَا وكل مِنْهَا مُقَارن للحوادث لَا يجوز تقدمه عَلَيْهَا مَعَ كَون ذَلِك جَمِيعه معلولا للموجب بِذَاتِهِ فاذا تبين أَن الْمُوجب بِذَاتِهِ يمْتَنع أَن يصدر عَنهُ فِي الازل حَادث اَوْ مُسْتَلْزم لحادث بَطل كَون صانع الْعَالم عِلّة تَامَّة فِي الازل وَمَتى بَطل كَونه عِلّة تَامَّة فِي الازل امْتنع أَن يكون فِيمَا سواهُ شَيْء قديم بِعَيْنِه فَبِهَذَا تبين أَن كل مَا سوى الله مُحدث كَائِن بعد أَن لم يكن سَوَاء قيل بِجَوَاز دوَام الْحَوَادِث أَو قيل بامتناع ذَلِك وَإِن قيل بِجَوَاز دوَام الْحَوَادِث لزم حُدُوث كل مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث وَإِن قيل بِجَوَاز دوَام الْحَوَادِث فَكل مِنْهَا حَادث بعد أَن لم يكن مَسْبُوقا بِالْعدمِ وكل من الْعَالم مُسْتَلْزم لحادث بعد أَن لم يكن مَسْبُوقا بِالْعدمِ وكل مَا كَانَ مصنوعا وَهُوَ مُسْتَلْزم للحوادث امْتنع أَن يكون صانعه عِلّة تَامَّة قديمَة مُوجبَة لَهُ فاذا امْتنع ذَلِك امْتنع ان يكون من الْعَالم مَا هُوَ قديم بِعَيْنِه وَالله اعْلَم وَإِذا أحطت خَبرا بِهَذَا الْمقَام واتضح لديك مَا تقدم من الْكَلَام فاسمع كَلَام بعض أَئِمَّة الفلاسفة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي القَوْل بِجَوَاز تراخي الاثر عَن الْمُؤثر قَالَ أَبُو الْوَلِيد ابْن رشد فِي كتاب (تهافت التهافت (بعد مَا حكى قَول الامام أبي حَامِد الْغَزالِيّ حاكيا حجَّة الفلاسفة فِي قدم الْعَالم قَالَ قَوْلهم يسْتَحل صُدُور حَادث من قديم مُطلق لأَنا لَو فَرضنَا الْقَدِيم وَلم يصدر مِنْهُ الْعَالم مثلا ثمَّ صدر فانما لم يصدر لِأَنَّهُ لم يكن للوجود مُرَجّح بل وجود الْعَالم مُمكن عَنهُ امكانا صرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فَإِذا حدث لم يخل أَن يَتَجَدَّد مُرَجّح أَولا يَتَجَدَّد فَإِن لم يَتَجَدَّد مُرَجّح بَقِي الْعَالم على الامكان الصّرْف كَمَا كَانَ قبل ذَلِك وان تجدّد مُرَجّح انْتقل الْكَلَام الى ذَلِك الْمُرَجح لم رجح الْآن وَلم يرجح قبل فإمَّا أَن يمر الامر الى غير نِهَايَة اَوْ يَنْتَهِي الامر الى مُرَجّح لم يزل مرجحا قَالَ أَبُو حَامِد الِاعْتِرَاض من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يُقَال لم تنكرون على من يَقُول إِن الْعَالم حدث بارادة قديمَة اقْتَضَت وجوده فِي الْوَقْت الَّذِي وجد فِيهِ وَأَن يسْتَمر عَدمه إِلَى الْغَايَة الَّتِي يسْتَمر عَلَيْهَا وَأَن يبتدىء الْوُجُود من حَيْثُ بَدَأَ وَأَن الْوُجُود قبل لم يكن مرَادا فَلم يحدث لذَلِك وَأَنه فِي وقته الَّذِي حدث فِيهِ مُرَاد بالارادة الْقَدِيمَة فَحدث فَمَا الْمَانِع لهَذَا الِاعْتِقَاد وَمَا الْمُحِيل لَهُ قَالَ ابْن رشد قلت هَذَا قَول سفسطائي وَذَلِكَ أَنه لما لم يُمكنهُ أَن يَقُول بِجَوَاز تراخي فعل الْمَفْعُول عَن فعل الْفَاعِل لَهُ وعزمه على الْفِعْل اذا كَانَ فَاعِلا مُخْتَارًا قَالَ بِجَوَاز تراخيه عَن ارادة الْفَاعِل وتراخي الْمَفْعُول عَن ارادة الْفَاعِل جَائِز وَأما تراخيه عَن فعل الْفَاعِل لَهُ فَغير جَائِز وَكَذَلِكَ تراخي الْفِعْل عَن الْعَزْم على الْفِعْل فِي الْفَاعِل المريد فالشك بَاقٍ بِعَيْنِه وانما كَانَ يجب أَن يلقاه بِأحد أَمريْن إِمَّا لَان فعل الْفَاعِل لَيْسَ يُوجب فِي الْفَاعِل تغيرا فَيجب أَن يكون لَهُ مغير فِي الْخَارِج أَو أَن من التغييرات مَا يكون من ذَات الْمُتَغَيّر من غير حَاجَة الى مغير يلْحقهُ مِنْهُ وَأَن من التغييرات مَا يجوز أَن يلْحق الْقَدِيم من غير مغير وَذَلِكَ أَن الَّذِي يتَمَسَّك بِهِ الْخُصُوم هَا هُنَا هُوَ شَيْئَانِ أَحدهمَا أَن فعل الْفَاعِل يلْزمه التَّغَيُّر وَأَن كل تغير فَلهُ مغير والاصل الثَّانِي أَن الْقَدِيم لَا يتَغَيَّر بِضَرْب من ضروب التَّغَيُّر وَهَذَا كُله عسير الْبَيَان وَالَّذِي لَا مخلص للاشعرية مِنْهُ هُوَ إِنْزَال فَاعل أول وإنزال فعل لَهُ أول لانهم لَا يُمكنهُم أَن يصفوا أَن حَالَة الْفَاعِل من الْمَفْعُول الْمُحدث تكون فِي وَقت الْفِعْل هِيَ بِعَينهَا حَالَته فِي وَقت عدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْفِعْل هُنَالك وَلَا بُد من حَال متجددة أَو نِسْبَة لم تكن وَذَلِكَ ضَرُورَة إِمَّا فِي الْفَاعِل أَو فِي الْمَفْعُول أَو فِي كليهمَا واذا كَانَ كَذَلِك فَتلك الْحَال المتجددة إِذا أَوجَبْنَا أَن لكل حَال متجددة فَاعِلا فَلَا بُد أَن يكون الْفَاعِل لَهَا إِمَّا فَاعل آخر فَلَا يكون ذَلِك الْفَاعِل هُوَ الاول وَلَا يكون مكتفيا بِفِعْلِهِ بِنَفسِهِ بل بِغَيْرِهِ وَإِمَّا أَن يكون الْفَاعِل لتِلْك الْحَال الَّتِي هِيَ شَرط فِي فعله هُوَ نَفسه وَلَا يكون ذَلِك الْفِعْل الَّذِي فرض صادرا عَنهُ أَولا بل يكون فعله لتِلْك الْحَال الَّتِي هِيَ شَرط فِي الْمَفْعُول قبل فعله الْمَفْعُول وَهَذَا لَازم كَمَا ترى ضَرُورَة الا أَن يجوز مجوز أَن من الاحوال الْحَادِثَة فِي الفاعلين مَا لَا يحْتَاج الى مُحدث وَهَذَا بعيد إِلَّا على قَول من يجوز أَن هَهُنَا أَشْيَاء تحدث من تلقائها وَهُوَ قَول الاوائل من القدماء الَّذين أَنْكَرُوا الْفَاعِل وَهُوَ قَول بَين سُقُوطه بِنَفسِهِ انْتهى كَلَامه وَالْمَقْصُود من كَلَامه مَا ذكره فِي رد حجَّة الْمُتَكَلِّمين على جَوَاز تراخي الاثر عَن الْمُؤثر قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَقضى بِأَن النَّار لم تخلق وَلَا جنَّات عدن بل هما عدمان ... فاذا هما خلقا ليَوْم معادنا فهما على الاوقات فانيتان ... وتلطف العلاف من أَتْبَاعه فَأتى بضحكة جَاهِل مجان ... قَالَ الْغناء يكون فِي الحركات لَا فِي الذَّات وَاعجَبا لذا الهذيان ... أيصير أهل الْخلد فِي جناتهم وجحيمهم كحجارة الْبُنيان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 .. مَا حَال من قد كَانَ يغشى أَهله عِنْد انْقِضَاء تحرّك الْحَيَوَان ... وكذاك مَا حَال الَّذِي رفعت يدا هـ أَكلَة من صَحْفَة وخوان ... فتناهت الحركات قبل وصولها للفم عِنْد تفتح الاسنان ... وكذاك مَا حَال الَّذِي امتدت يَد مِنْهُ الى قنو من القنوان ... فتناهت الحركات قبل الاخذ هَل يبْقى كَذَلِك سَائِر الازمان ... تَبًّا لهاتيك الْعُقُول فانها وَالله قد مسخت على الابدان ... تَبًّا لمن اضحى بقدمها على ال آثَار والاخبار وَالْقُرْآن ... أَي وَحكم الجهم بِأَن الْجنَّة وَالنَّار لم تخلقا وانما يخلقان يَوْم الْمعَاد ثمَّ إِذا خلقتا يَوْم الْمعَاد فهما لابد فانيتان وانما قَالَ هَذَا الجهم طردا للدليل وَهُوَ الدَّلِيل الْمُسَمّى ب دَلِيل الاكوان اذ مبناه على قطع التسلسل وَهُوَ منع حوادث لَا أول لَهَا فَكَذَا يمْتَنع حوادث لَا آخر لَهَا وَفِي (الغنية (للشَّيْخ عبد الْقَادِر رَحمَه الله تَعَالَى وَأما الْجَهْمِية فمنسوبة الى جهم بن صَفْوَان وَكَانَ يَقُول الايمان هُوَ الْمعرفَة بِاللَّه وَرُسُله وَجَمِيع مَا جاؤوا بِهِ من عِنْده فَقَط ويزعمون أَن الْقُرْآن مَخْلُوق وَأَن الله تَعَالَى لم يكلم مُوسَى وَأَنه تَعَالَى لم يتَكَلَّم وَلَا يرى وَلَا يعرف لَهُ مَكَان وَلَيْسَ لَهُ عرش وَلَا كرْسِي وَلَا هُوَ على الْعَرْش وَأنكر الْمِيزَان وَعَذَاب الْقَبْر وَكَون الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتين وَادعوا أَنَّهُمَا إِذا خلقتا تقنيان وان الله تَعَالَى لَا يكلم خلقه وَلَا ينظر اليه يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ينظر أهل الْجنَّة اليه وَلَا يرونه فِيهَا وان الايمان معرفَة الْقلب دون إِقْرَار اللِّسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وأنكروا جَمِيع صِفَات الله تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا قَوْله وتلطف العلاف هُوَ أَبُو الْهُذيْل مُحَمَّد بن الْهُذيْل العلاف الْبَصْرِيّ المعتزلي قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الاسلام (أَبُو الْهُذيْل العلاف الْبَصْرِيّ الْمُتَكَلّم واسْمه مُحَمَّد بن الْهُذيْل كَانَ من أجلاء الْقَوْم ورؤوسهم وانكر الصِّفَات المقدسة يرْوى أَن الْمَأْمُون قَالَ لحاجبه من بِالْبَابِ قَالَ ابو الْهُذيْل العلاف وَعبد الله بن أباض الْخَارِجِي وَهِشَام بن الْكَلْبِيّ الرافضي فَقَالَ مَا بَقِي من رُؤُوس جَهَنَّم اُحْدُ إِلَّا وَقد حضر أَخذ الاعتزال عَن عُثْمَان بن خَالِد الظويل صَاحب وَاصل بن عَطاء وَقد طَال عمره وصنف الْكتب ونيف على التسعين مَاتَ سنة 226 أَي وتلطف العلاف بِأَن قَالَ الفناء يكون فِي الحركات لَا فِي الذوات وَذَلِكَ لاجل الْتِزَام دَلِيل الاكوان ثمَّ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى على طَرِيق التهكم بمقاله أبي الْهُذيْل هَذِه أيصير اهل الْخلد فِي جنانهم وجحيمهم كحجارة الْبُنيان إِلَى آخر كَلَامه يَقُول مَا حَال الَّذِي ذكر تناهي الحركات يغشى أَهله وَكَذَا الَّذِي رفعت يَدَاهُ أَكلَة من صَحْفَة وَتَنَاهَتْ الحركات قبل فَرَاغه من أَهله وَقبل وُصُول يَد الْآكِل لفمه وَكَذَا تناهت الحركات للَّذي قدم يَده إِلَى قنو من القنوان قبل الاخذ ايصيرون هَكَذَا أَبَد الابد كالحجارة قَوْله وخوان الخوان كغراب وَكتاب مَا يُؤْكَل عَلَيْهِ قَالَه فِي (القا موس (وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم تَبًّا لمن أضحى يقدمهَا على الْآثَار والاخبار وَالْقُرْآن تَبًّا بِفَتْح التَّاء والتباب الْهَلَاك وَمِنْه قَوْلهم أشابة ام تابة أَي هالكة من الْهَرم والتعجيز قَالَ فِي (الْقَامُوس (التب والتبب النَّقْص والخسارة وتبا لَهُ وتبا تبيبا مُبَالغَة وتببه قَالَ لَهُ ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فصل ... وَقضى بِأَن الله يَجْعَل خلقه عدما ويقلبه وجودا ثَان ... الْعَرْش والكرسي والارواح وَال أَمْلَاك والقمران ... والارض وَالْبَحْر الْمُحِيط وَسَائِر ال أكوان من عرض وَمن جثمان ... كل سيفينة الفناء الْمَحْض لَا يبْقى لَهُ أثر كظل فان ... وَيُعِيد ذَا الْمَعْدُوم أَيْضا ثَانِيًا مَحْض الْوُجُود إِعَادَة بِزَمَان ... هَذَا الْمعَاد وَذَلِكَ المبدا الَّذِي جهم وَقد نسبوه لِلْقُرْآنِ ... هَذَا القَوْل مَبْنِيّ على اثبات الْجَوَاهِر قَالَ شيخ الاسلام فِي كَلَامه على سُورَة الاخلاص بعد كَلَام سبق وَالْمَقْصُود هُنَا أَن هَؤُلَاءِ لما كَانَ ذَا أصلهم فِي ابْتِدَاء الْخلق وَهُوَ القَوْل باثبات الْجَوْهَر الْفَرد كَانَ أصلهم فِي الْمعَاد مَبْنِيا عَلَيْهِ فصاروا على قَوْلَيْنِ مِنْهُم من قَالَ تعدم الْجَوَاهِر ثمَّ تُعَاد وَمِنْهُم من قَالَ تفرق الاجزاء ثمَّ تَجْتَمِع فأورد عَلَيْهِم الانسان الَّذِي يَأْكُلهُ حَيَوَان وَذَلِكَ الْحَيَوَان أكله إِنْسَان آخر فَإِن أُعِيدَت تِلْكَ الاجزاء من هَذ الم تعد من هَذَا وَأورد عَلَيْهِم أَن الانسان يتَحَلَّل دَائِما فَمَا الَّذِي يُعَاد اهو الَّذِي كَانَ وَقت الْمَوْت فان قيل بذلك لزم ان يُعَاد على صُورَة ضَعِيفَة وَهُوَ خلاف مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص وَأَن كَانَ غير ذَلِك فَلَيْسَ بعض الابدان اولى من بعض فَادّعى بَعضهم ان فِي الانسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 اجزاء اصلية لَا تتحلل وَلَا يكون فِيهَا شَيْء من ذَلِك الْحَيَوَان الَّذِي أكله الثَّانِي والعقلاء يعلمُونَ أَن بدن الانسان نَفسه كُله يتَحَلَّل لَيْسَ فِيهِ شَيْء بَاقٍ فَصَارَ مَا ذَكرُوهُ فِي الْمعَاد مِمَّا قوى شُبْهَة المتفلسفة فِي انكار معاد الابدان وَأوجب ان صَار طَائِفَة من النظار إِلَى أَن الله يخلق بدنا آخر تعود الرّوح اليه وَالْمَقْصُود تنعيم الرّوح وتعذيبها سَوَاء كَانَ فِي هَذَا الْبدن اَوْ فِي غَيره وَهَذَا ايضا مُخَالف للنصوص الصَّرِيحَة بِإِعَادَة هَذَا الْبدن وَهَذَا الْمَذْكُور فِي كتب الرَّازِيّ فَلَيْسَ فِي كتبه وَكتب امثاله فِي مسَائِل اصول الدّين الْكِبَار القَوْل الصَّحِيح الَّذِي يُوَافق الْمَنْقُول والمعقول الَّذِي بعث الله بِهِ الرَّسُول وَكَانَ عَلَيْهِ سلف الامة وأئمتها بل يذكر المتفلسفة الْمَلَاحِدَة وبحوث الْمُتَكَلِّمين المبتدعة الَّذين ينوا على اصول الْجَهْمِية والقدرية فِي مسَائِل الْخلق والبعث والمبدأ والمعاد وكلا الطَّرِيقَيْنِ فَاسِدَة إِذْ بنوه على مُقَدمَات فَاسِدَة وَالْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَجُمْهُور الْعُقَلَاء من أَن الْأَجْسَام تنْقَلب من حَال إِلَى حَال إِنَّمَا يذكر عَن الفلاسفة والأطباء هَذَا القَوْل وَهُوَ القَوْل فِي خلق الله للأجسام الَّتِي يُشَاهد حدوثها أَنه يقلبها ويحيلها من جسم إِلَى جسم هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَالْفُقَهَاء قاطبة وَالْجُمْهُور انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى 2 ... هَذَا الَّذِي قاد ابْن سينا والالى قَالُوا مقَالَته الى الكفران ... لم تقبل الاذهان ذَا وتوهموا أَن الرَّسُول عناه بالايمان ... هَذَا كتاب الله أَنى قَالَ ذَا أَو عَبدة الْمَبْعُوث بالبرهان ... اَوْ صَحبه من بعده أَو تَابع لَهُم على الايمان والاحسان ... بل صرح الْوَحْي الْمُبين بِأَنَّهُ حَقًا مغير هَذِه الاكوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 .. فيبدل الله السَّمَاوَات العلى والارض ايضا ذَات تبديلان ... وهما كتبديل الْجُلُود لساكني النيرَان عِنْد النضج من نيران ... وكذاك يقبض أرضه وساءه بيدَيْهِ مَا العدمان مقبوضان ... وتحدث الارض الَّتِي كُنَّا بهَا أَخْبَارهَا فِي الْحَشْر للرحمن ... وتظل تشهد وَهِي عدل بِالَّذِي من فَوْقهَا قد أحدث الثَّقَلَان ... أفيشهد الْعَدَم الَّذِي هُوَ كاسمه لَا شَيْء هَذَا لَيْسَ فِي الامكان ... لَكِن تسوى ثمَّ تبسط ثمَّ تسهد ثمَّ تبدل وَهِي ذَات كيان ... وتمد ايضا مثل مد أديمنا من غير أَوديَة وَلَا كُثْبَان ... وتقيء يَوْم الْعرض من أكبادها كالاسطوان نفائس الاثمان كل يرَاهُ بِعَيْنِه وعيانه ... مَا لامرىء بِالْأَخْذِ مِنْهُ يدان ... أَرَادَ المُصَنّف أَن ابْن سينا وَالَّذين قَالُوا مقَالَته ونكروا الْمعَاد وظنوا أَن هَذَا الَّذِي اعْتقد جهم فِي الْمعَاد هُوَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك كفرُوا بالمعاد لَان هَذَا شَيْء لَا تقبله الْعُقُول ثمَّ بَين النَّاظِم أَمر الْمعَاد على مَا جَاءَ بِهِ فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله بل صرح الْوَحْي الْمُبين الخ قَالَ الله تعلى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} ابراهيم 48 والتبديل قد يكون فِي الذَّات كَمَا فِي بدلت الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ وَقد يكون فِي الصِّفَات كَمَا بدلت الْحلقَة خَاتمًا وَالْآيَة تحْتَمل الامرين وَبِالثَّانِي قَالَ الاكثر وتبدل السَّمَوَات غير السَّمَوَات لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 على الإختلاف الَّذِي مر وَتَقْدِيم تَبْدِيل الارض لقربانها وَلكَون تبديلها أعظم أثرا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا وروى مُسلم وَغَيره من حَدِيث ثَوْبَان قَالَ جَاءَ رجل من الْيَهُود الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الارض غير الارض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي الظلمَة دون الجسر (وروى مُسلم أَيْضا وَغَيره من حَدِيث عَائِشَة قَالَت أَنا أول من سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة قلت ايْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ (على الصِّرَاط (وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ (من حَدِيث سهل بن سعد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا علم لَاحَدَّ (وَفِيهِمَا أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تكون الارض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّار بِيَدِهِ (الحَدِيث وَقد أَطَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي بَيَان ذَلِك فِي (تَفْسِيره (وتذكرته (وَحَاصِله أَن هَذِه الاحاديث نَص فِي ان الارض وَالسَّمَوَات تبدل وتزال ويخلق الله ارضا اخرى يكون عَلَيْهَا النَّاس بعد كَونهم على الجسر وَهُوَ الصِّرَاط قَوْله وكذاك يقبض أرضه وسماءه الخ دليلة مَا فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر قَالَ لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} الزمر 97 قَالَ يقبض الله سمواته بِيَدِهِ والارضين بِيَدِهِ الاخرى ثمَّ يمجد نَفسه قيقول أَنا الْملك أَنا القدوس أَنا السَّلَام أَنا الْمُؤمن أَنا الْمُهَيْمِن أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الَّذِي بدأت الدُّنْيَا وَلم تَكُ شَيْئا انا الَّذِي أعدتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ايْنَ الْمُلُوك ايْنَ الجبارون ايْنَ المتكبرون اَوْ كَمَا قَالَ وَقَوله وتحدث الارض الَّتِي كُنَّا بهَا دَلِيله قَوْله تَعَالَى {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} الزلزلة 4 عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ (أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد على كل عبد أَو أمة بِمَا عمل على ظهرهَا وَتقول عمل كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارهَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه وَالنَّسَائِيّ وَعَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الارض لتجيىء يَوْم الْقِيَامَة بِكُل عمل عمل على ظهرهَا وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} حَتَّى بلغ {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} اخرجه ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ قَوْله وتقيء يَوْم الْعرض من أكبادها الخ قَالَ تَعَالَى {وأخرجت الأَرْض أثقالها} الزلزلة 2 أَي مَا فِي جوفها من الاموات والدفائن والاثقال جمع ثقل قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْأَخْفَش إِذا كَانَ الْمَيِّت فِي بطن الأَرْض فَهُوَ ثقل لَهَا واذا كَانَ فَوْقهَا فَهُوَ ثقل عَلَيْهَا قَالَ مُجَاهِد أثقالها موتاها تخرجهم فِي النفخة الثَّانِيَة وَقد قيل للجن والانس الثَّقَلَان وَإِظْهَار الارض فِي مَوضِع الاضمار لزِيَادَة التَّقْرِير قَالَ ابْن عَبَّاس أثقالها الْمَوْتَى والكنوز وروى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تقيء الارض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال ألاسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَجِيء الْقَاتِل فَيَقُول فِي هَذَا قتلت وَيَجِيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْقَاطِع فَيَقُول فِي هَذَا قطعت رحمي وَيَجِيء السَّارِق فَيَقُول فِي هَذَا قطعت يَدي ثمَّ يَدعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئا (وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم مَا لامرىء بالاخذ مِنْهُ يدان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَكَذَا الْجبَال تفت فتا محكما فتعود مثل الرمل ذِي الكثبان ... وَتَكون كالعهن الَّذِي ألوانه وصباغة من سَائِر الالوان ... وتبس بسا مثل ذَاك فتنثني مثل الهباء لناظر الانسان ... قَالَ الله تَعَالَى {إِذا رجت الأَرْض رجا وبست الْجبَال بسا} الْوَاقِعَة 4 5 أَي إِذا حركت حَرَكَة شَدِيدَة يُقَال رجه يرجه رجا إِذا حركه والرجة الِاضْطِرَاب وَارْتجَّ الْبَحْر وَغَيره اضْطربَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ترتج كَمَا يرتج الصَّبِي فِي المهد حَتَّى ينهدم كل مَا عَلَيْهَا وينكسر كل شَيْء من الْجبَال وَغَيرهَا وبست الْجبَال بسا البس الفت يُقَال بس الشَّيْء إِذا فته حَتَّى يصير فتاتا وَيُقَال بس السويق إِذا لته بالسمن أَو بالزيت قَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل الْمَعْنى ان الْجبَال فتت فتا وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَالَ السّديّ كسرت كسرا وَقَالَ الْحسن قلعت من أَصْلهَا وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضا بست كَمَا يبس الدَّقِيق بالسمن أَو بالزيت وَالْمعْنَى أَنَّهَا خلطت فَصَارَت كالدقيق الملتوت وَقَوله تَعَالَى {فَكَانَت هباء منبثا} الْوَاقِعَة 6 أَي غبارا متقرقا منتشرا بِنَفسِهِ من غير حَاجَة الى هَوَاء يفرقه وَقَالَ مُجَاهِد الهباء الشعاع الَّذِي يكون فِي الكوة كَهَيئَةِ الْغُبَار وَقيل هُوَ الرهج الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ ثمَّ يذهب وَقيل مَا تطاير من النَّار اذا اضطرمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قَوْله وَتَكون كالعهن الَّذِي أَي كالصوف الْمَصْبُوغ وَلَا يُقَال للصوف عهن إِلَّا إِذا كَانَ مصبوغا قَالَ الْحسن تكون الْجبَال كالصوف الاحمر وَهُوَ أَضْعَف الصُّوف وَقيل العهن الصُّوف والالوان فَشبه الْجبَال بِهِ فِي تكونها الوانا كَمَا فِي قَوْله {جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} فاطر 20 فاذا بست وطيرت فِي الْهَوَاء اشبهت العهن المنفوش إِذا طيرته الرّيح وَهَذِه الاقوال فِي معنى العهن فِي الللغة وَأول مَا تَتَغَيَّر الْجبَال تصير رملا مهيلا ثمَّ عهنا منفوشا ثمَّ هباء منثورا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَكَذَا الْبحار فَإِنَّهَا مسجورة قد فجرت تفجير ذِي سُلْطَان ... وَكَذَلِكَ القمران يَأْذَن رَبنَا لَهما فيجتمعان يَلْتَقِيَانِ ... هذي مكورة وَهَذَا خاسف وَكِلَاهُمَا فِي النَّار مطروحان ... وكواكب الافلاك تنثر كلهَا كلآلىء نثرت على ميدان ... وَكَذَا السَّمَاء تشق شقا ظَاهرا وتمور ايضا أَيّمَا موران ... وَتصير بعد الانشقاق كَمثل هـ ذَا الْمهل اَوْ تَكُ وردة كدهان ... قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا الْبحار سجرت} التكوير 6 أَي اوقدت فَصَارَت نَارا تضطرم وَقَالَ الْفراء ملئت بِأَن صَارَت بحرا وَاحِدًا وَكثر مَاؤُهَا وَبِه قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم والكلبي وَمُقَاتِل وَالْحسن الضَّحَّاك وَقيل أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 امْتَلَأت وَقيل فجرت فَصَارَت بحرا وَاحِدًا وَقَالَ الْقشيرِي هُوَ من سجرت التَّنور أسجره سجرا إِذا أحميته قَالَ ابْن يزِيد وعطية وسُفْيَان ووهب وَغَيرهم أوقدت فَصَارَت نَارا وَقَالَ ابْن عَبَّاس تسجر حَتَّى تصير نَارا وَقَالَ أَيْضا سجرت أَي اخْتَلَط مَاؤُهَا بِمَاء الارض قَوْله هذي مكورة وَهَذَا خاسف التكوير الْجمع وَهُوَ مَأْخُوذ من كار الْعِمَامَة على رَأسه يكورها قَالَ الزّجاج لفت كَمَا تلف الْعِمَامَة يُقَال كورت الْعِمَامَة على رَأْسِي أكورها كورا وكورتها تكويرا إِذا لففتها قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كورت مثل تكوير الْعِمَامَة تلف فتجمع قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم كورت أَي رمي بهَا وَمِنْه كورته فتكور أَي سقط وَقَالَ مقَاتل وَقَتَادَة والكلبي ذهب ضوؤها وَقَالَ مُجَاهِد اضمحلت قَالَ الواحدي قَالَ الْمُفَسِّرُونَ تجمع الشَّمْس بَعْضهَا الى بعض ثمَّ تلف ويرمى بهَا فَالْحَاصِل أَن التكوير لَهَا بِمَعْنى لف جرمها اَوْ لف ضوئها اَوْ الرَّمْي بهَا قَالَ ابْن ابي حَاتِم ثَنَا أَبُو صَالح ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن أبي بكر ابْن ابي مَرْيَم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَوْله {إِذا الشَّمْس كورت} التكوير 1 قَالَ (كورت فِي جَهَنَّم {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ انكدرت فِي جَهَنَّم وكل من عبد من دون الله فَهُوَ فِي جَهَنَّم إِلَّا مَا كَانَ من عِيسَى وَأمه فَلَو رَضِيا ان يعبدا لدخلاها قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب غَرِيب جدا وابو بكر ابْن ابي مَرْيَم فِيهِ ضعف وَرُوِيَ أَن الشَّمْس وَالْقَمَر يكوران فِي النَّار رَوَاهُ عبد الْعَزِيز ابْن الْمُخْتَار عَن عبد الله الداناج قَالَ سَمِعت أَبَا سَلمَة يحدث عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة (أخرجه الْبَزَّار وَغَيره وخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 (الشَّمْس وَالْقَمَر مكوران يَوْم الْقِيَامَة (أخرجه البُخَارِيّ قَوْله وَهَذَا خاسف خسف الْقَمَر ذهب ضوؤه وأظلم وَيُقَال خسف إِذا ذهب جَمِيع ضوئه وكسف إِذا ذهب بعض ضوئه قَوْله وكواكب الافلاك تنثر كلهَا الخ قَالَ تَعَالَى {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} التكوير 2 أَي تهافتت وتساقطت وَانْقَضَت وتناثرت يُقَال انكدر الطَّائِر من الْهوى إِذا انقض والاصل فِي الانكدار الانصباب قَالَ الْخَلِيل يُقَال انكدر عَلَيْهِم الْقَوْم إِذا جاؤوا أَرْسَالًا فانصبوا عَلَيْهِم قَالَ أَبُو عُبَيْدَة انصب كَمَا ينصب الْعقَاب قَالَ الْكَلْبِيّ وَعَطَاء تمطر السَّمَاء يَوْمئِذٍ نجوما فَلَا يبْقى نجم فِي السَّمَاء إِلَّا وَقع على الارض وَقيل انكدارها طمس نورها وَقَالَ ابْن عَبَّاس تَغَيَّرت قَوْله وَكَذَا السَّمَاء تشق شقا ظَاهرا الخ قَالَ الله سُبْحَانَهُ {إِذا السَّمَاء انشقت} الانشقاق 1 أَي انصدعت وتفطرت فِيهِ حذف وَالتَّقْدِير إِذا انشقت السَّمَاء انشقت لَان إِذا الشّرطِيَّة يخْتَص دُخُولهَا بالجمل الفعلية وَمَا جَاءَ من هَذَا وَنَحْوه فمؤول مُحَافظَة على قَاعِدَة الِاخْتِصَاص وَالسَّمَاء فَاعل لفعل مَحْذُوف قَالَ الواحدي قَالَ الْمُفَسِّرُونَ انشقاقها من عَلَامَات الْقِيَامَة وَمعنى انشقاقها انفطارها بالغمام الابيض كَمَا فِي قَوْله {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} الْفرْقَان 25 وَقيل تَنْشَق من المجرة وَبِه قَالَ عَليّ بن ابي طَالب والمجرة بَاب السَّمَاء وَأهل الْهَيْئَة يَقُولُونَ انها نُجُوم صغَار مختلطة غير متميزة فِي الْحس وَاخْتلف فِي جَوَاب اذا فَقَالَ الْفراء إِنَّه أَذِنت وَالْوَاو زَائِد وَكَذَلِكَ أَلْقَت قَالَ ابْن الانباري هَذَا غلط لِأَن الْعَرَب لَا تقحم الْوَاو الا مَعَ حَتَّى كَقَوْلِه {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} الزمر 71 وَمَعَ لما كَقَوْلِه {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الصافات 103 وَلَا تقحم مَعَ غير هذَيْن وَقيل إِن الْجَواب فِي قَوْله {فملاقيه} أَي فَأَنت ملاقيه وَبِه قَالَ الاخفش قَوْله وتمور أَيْضا أَيّمَا موران قَالَ تَعَالَى {يَوْم تمور السَّمَاء مورا} الطّور 90 المور الإضطراب وَالْحَرَكَة قَالَ أهل اللُّغَة مار الشَّيْء يمور مورا إِذا تحرّك وَدَار وَجَاء وَذهب قَالَه الاخفش وابو عُبَيْدَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس تحرّك وَقَالَ الضَّحَّاك يموج بَعْضهَا فِي بعض وَقَالَ مُجَاهِد تَدور دورا وَقيل تجْرِي جَريا وَقيل تتكفأ قَالَه الاخفش قَالَ الْبَغَوِيّ والمور يجمع هَذِه الْمعَانِي إِذْ هُوَ فِي اللُّغَة الذّهاب والمجيىء والتردد والدوران والإضطراب وَيُطلق المور على الموج وَمِنْه نَاقَة موارة الْيَد أَي سريعة تموج فِي مشيها موجا وَمعنى الْآيَة أَن الْعَذَاب يَقع بالعصاة وَلَا يَدْفَعهُ عَنهُ دَافع فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي تكون فِيهِ السَّمَاء هَكَذَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة قَوْله وَتصير بعد الانشقاق كَمثل هَذَا الْمهل الخ قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} الرَّحْمَن 37 انشقت أَي انصدعت بنزول الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة وانفك بَعْضهَا من بعض لقِيَام السَّاعَة وَقيل انفجرت فَصَارَت أبوابا لنزول الْمَلَائِكَة لتحيط بالعالم من سَائِر جِهَات الارض لِئَلَّا يهرب بَعضهم من الْمَحْشَر وَقيل المُرَاد مِنْهُ خراب السَّمَاء وَفِيه تهويل وتعظيم للامر {فَكَانَت وردة} أَي كوردة حَمْرَاء أَو محمرة مثلهَا قَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة الْمَعْنى فَكَانَت حَمْرَاء وَقيل فَكَانَت كلون الْفرس الْورْد قَالَه ابْن عَبَّاس وَهُوَ الابيض الَّذِي يضْرب الى الْحمرَة والصفرة كالدهان قَالَ الْفراء وَأَبُو عبيد تصير السَّمَاء كالاديم لشدَّة حر النَّار وَقَالَ ابْن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 كالاديم الاحمر أَي على خلاف الْعَهْد بهَا وَهُوَ الزرقة وَقَالَ الْفراء أَيْضا شبه تلون السَّمَاء بتلون الْورْد من الْخَيل وَشبه الْورْد فِي ألوانها بالدهن وَاخْتِلَاف ألوانه والدهان جمع دهن نَحْو قرظ وقراظ ورمح ورماح وَقيل إِنَّه اسْم مُفْرد أَي اسْم لما يدهن بِهِ كالحزام والادام قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَقيل الْمَعْنى تصير السَّمَاء مثل الدّهن لذوبانها وَقَالَ الْحسن كالدهان أَي كصبيب الدّهن فَإنَّك إِذا صببته ترى فِيهِ الوانا وَقَالَ زيد بن أسلم تصير كعصير الزَّيْت وَقَالَ الزّجاج وَقَتَادَة إِنَّهَا الْيَوْم خضراء وسيكون لَهَا لون أَحْمَر حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ زعم المتقدمون أَن أصل لون السَّمَاء الْحمرَة وَأَنَّهَا لِكَثْرَة الحوائل والحواجز وَبعد الْمسَافَة وَاعْتِرَاض الْهَوَاء بَيْننَا وَبَينهَا ترى بِهَذَا اللَّوْن الازرق كَمَا يرى الدَّم فِي الْعُرُوق أَزْرَق وَلَا هَوَاء هُنَاكَ يمْنَع من اللَّوْن الاصلي ذكره الْكَرْخِي والعمادي والكازروني والمهل مَا أذيب من النّحاس والرصاص وَالْفِضَّة وَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الْقَيْح من الصديد وَالدَّم وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيره هُوَ دردي الزَّيْت وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّاظِم ... وَالْعرش والكرسي لَا يفنيهما أَيْضا وإنهما لمخلوقان ... والحور لَا تفنى كَذَلِك جنَّة ال مأوى وَمَا فِيهَا من الْولدَان ... ولاجل هَذَا قَالَ جهم إِنَّهَا عدم وَلم تخلق الى ذَا الْآن ... والانبياء فَإِنَّهُم تَحت الثرى أجسامهم حفظت من الديدان ... مَا للبلى بلحومهم وجسومهم أبدا وهم تَحت التُّرَاب يدان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 .. وكذاك عجب الظّهْر لَا يبْلى بلَى ... مِنْهُ تركب خلقَة الانسان ... قَوْله وَالْعرش والكرسي الخ الْمُسْتَثْنى من الْهَلَاك فِي قَوْله تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} الْقَصَص 88 ثَمَانِيَة أَشْيَاء نظمها الْجلَال السُّيُوطِيّ فَقَالَ ... ثَمَانِيَة حكم الْبَقَاء يعمها من الْخلق وَالْبَاقُونَ فِي حيّز الْعَدَم ... هِيَ الْعَرْش والكرسي ونار وجنة وَعجب وأرواح كَذَا اللَّوْح والقلم ... وَقد زَاد النَّاظِم على ذَلِك الْحور فِي قَوْله والحور لَا تفنى الخ قَالَ الامام احْمَد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله فَأَما السَّمَاء والارض فقد زالتا لَان أَهلهَا صَارُوا إِلَى الْجنَّة والى النَّار وَأما الْعَرْش فَلَا يبيد وَلَا يذهب لانه سقف الْجنَّة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا يهْلك وَلَا يبيد واما قَوْله {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أنزل {كل من عَلَيْهَا فان} فَقَالَت الْمَلَائِكَة هلك أهل الارض فَعَلمُوا فِي الْبَقَاء فَأخْبر الله تَعَالَى عَن أهل السَّمَوَات وَأهل الارض انهم يموتون فَقَالَ {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} يَعْنِي كل شَيْء ميت إِلَّا وَجهه لانه حَيّ لَا يَمُوت فأيقنت الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك بِالْمَوْتِ انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن جَعْفَر ابْن يَعْقُوب الاصطرخري ذكره ابو الْحُسَيْن فِي كتاب (الطباقات (قَالَ قَالَ أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل هَذِه مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الاثر وَأهل السّنة المتمسكين بعروتها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى يَوْمنَا هَذَا وادركت من أدْركْت من الْعلمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب اَوْ طعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فِيهَا اَوْ عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُخَالف مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وسَاق أَقْوَالهم الى ان قَالَ وَقد خلقت الْجنَّة وَمَا فِيهَا وخلقت النَّار وَمَا فِيهَا خلقهَا الله عز وَجل وَخلق لَهما أَهلا وَلَا يفنيان وَلَا يفنى مَا فيهمَا أبدا فَإِن احْتج مُبْتَدع اَوْ زنديق بقول الله عز وَجل {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَبِنَحْوِ هَذَا من متشابه الْقُرْآن قيل لَهُ كل شَيْء مِمَّا كتب الله عَلَيْهِ الفناء والهلاك هَالك وَالْجنَّة وَالنَّار خلقتا للبقاء لَا للفناء وَلَا للهلاك وهما من الْآخِرَة لَا من الدُّنْيَا والحور الْعين لَا يمتن عِنْد قيام السَّاعَة وَلَا عِنْد النفخة وَلَا أبدا لَان الله عز وَجل خَلقهنَّ للبقاء لَا للفناء وَلم يكْتب عَلَيْهِنَّ الْمَوْت فَمن قَالَ خلاف ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع وَقد ضل عَن سَوَاء السَّبِيل وَأطَال الامام أَحْمد رَحمَه الله الْكَلَام قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ولاجل ذَلِك لم يقر الجهم بَال أَرْوَاح خَارِجَة عَن الابدان ... لَكِنَّهَا من بعض أَعْرَاض بهَا قَامَت وَذَا فِي غَايَة الْبطلَان ... فالشأن للارواح بعد فراقها أبدانها وَالله أعظم شان ... إِمَّا عَذَاب أَو نعيم دَائِم قد نعمت بِالروحِ وَالريحَان ... وَتصير طيرا سارحا مَعَ شكلها تجني الثِّمَار بجنة الْحَيَوَان ... وتظل وَارِدَة لأنهار بهَا حَتَّى تعود لذَلِك الجثمان ... لَكِن أَرْوَاح الَّذين اسْتشْهدُوا فِي جَوف طير أَخْضَر رَيَّان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 .. فَلهم بِذَاكَ مزية فِي عيشهم ونعيمهم بِالروحِ والابدان ... بذلوا الجسوم لرَبهم فأعاضهم أجسام تِلْكَ الطير بالاحسان ... وَلها قناديل اليها تَنْتَهِي مأوى لَهَا كمساكن الانسان ... فالروح بعد الْمَوْت أكمل حَالَة مِنْهَا بهذي الدَّار فِي جثمان ... وَعَذَاب أشقاها اشد من الَّذِي قد عَايَنت أبصارها بعيان ... قَوْله وَلذَلِك لم يقر الجهم الخ أَي إِن الجهم بن صَفْوَان يَقُول إِن الرّوح لَا دَاخل الْبدن وَلَا خَارِجَة وَلَا مُتَّصِلَة بِهِ وَلَا مُنْفَصِلَة عَنهُ كَمَا ذكر ذَلِك عَنهُ الامام احْمَد رَحمَه الله فِي كتاب (الرَّد على الْجَهْمِية (قَالَ وَكَذَلِكَ الجهم وشيعته دعوا للنَّاس الى الْمُتَشَابه من الْقُرْآن والْحَدِيث فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا فَكَانَ مِمَّا بلغنَا عَن الجهم عَدو الله أَنه كَانَ من أهل خُرَاسَان من أهل ترمذ وَكَانَ صَاحب خصومات وَكَلَام وَكَانَ اكثر كَلَامه فِي الله تبَارك وَتَعَالَى فلقي نَاسا من الْمُشْركين يُقَال لَهُم السمنية فعرفوا الجهم فَقَالُوا لَهُ نكلمك فان ظَهرت حجتنا عَلَيْك دخلت فِي ديننَا وَإِن ظَهرت حجتك علينا دَخَلنَا فِي دينك وَكَانَ مِمَّا كلموا بِهِ الجهم أَن قَالُوا لَهُ أَلَسْت تزْعم أَن لَك إِلَهًا قَالَ الجهم نعم فَقَالُوا لَهُ فَهَل رَأَيْت إلهك قَالَ لَا فَقَالُوا لَهُ هَل سَمِعت كَلَامه قَالَ لَا قَالُوا فشممت لَهُ رَائِحَة قَالَ لَا قَالُوا فَوجدت لَهُ حسا قَالَ لَا قَالُوا فَوجدت لَهُ لمسا قَالَ لَا قَالُوا فَمَا يدْريك انه إِلَه قَالَ فتحير الجهم فَلم يدر من يعبد أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ أَنه استدرك حجَّة من جنس حجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الزَّنَادِقَة من النَّصَارَى وَذَلِكَ ان زنادقة النَّصَارَى يَزْعمُونَ ان الرّوح الَّذِي فِي عِيسَى هِيَ من روح الله من ذَات الله وَإِذا أَرَادَ ان يحدث امرا دخل فِي بعض خلقه فَتكلم على بعض لِسَان خلقه وَيَأْمُر بِمَا يَشَاء وَينْهى عَمَّا يَشَاء وَهُوَ روح غَائِب عَن الابصار فاستدرك الجهم حجَّة مثل هَذِه الْحجَّة فَقَالَ للسمني أَلَسْت تزْعم أَن فِيك روحا فَقَالَ نعم قَالَ فَهَل رَأَيْت روحك قَالَ لَا قَالَ فَسمِعت كَلَامه قَالَ لَا قَالَ فَوجدت لَهُ حسا قَالَ لَا قَالَ كَذَلِك الله فَلَا يرى لَهُ وَجه وَلَا يسمع لَهُ صَوت وَلَا يشم لَهُ رَائِحَة وَهُوَ غَائِب عَن الابصار فَلَا يكون فِي مَكَان دون مَكَان قَالَ وَوجد ثَلَاث آيَات فِي الْقُرْآن من الْمُتَشَابه قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى 11 {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} الانعام 3 و {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} الانعام 103 فَبنى أصل كَلَامه على هَؤُلَاءِ الْآيَات وَتَأَول الْقُرْآن على غير تَأْوِيله وَكذب بِأَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزعم أَن من وصف شَيْئا مِمَّا وصف الله بِهِ نَفسه فِي كِتَابه اَوْ حدث عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كَافِرًا وَكَانَ من المشبهة وأضل بشرا كثيرا وَتَبعهُ على قَوْله رجال من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب عَمْرو بن عبيد بِالْبَصْرَةِ وَوضع دين الْجَهْمِية فَهَذَا الَّذِي ذكره الامام أَحْمد من مبدأ حَال جهم إِمَام الْمُتَكَلِّمين فَإِنَّهُ لما نَاظر من ناظره من الْمُشْركين السمنية من الْهِنْد وجحدوا الْإِلَه لكَون الجهم لم يُدْرِكهُ بِشَيْء من حواسه لَا بسمعه وَلَا ببصره وَلَا بشمه وَلَا بذوقه وَلَا بحسه كَانَ مَضْمُون هَذَا الْكَلَام أَن كل مَا لَا يحسه الانسان بحواسه الْخمس فَإِنَّهُ يُنكره وَلَا يقربهُ فأجابهم الجهم بِأَنَّهُ قد يكون فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْوُجُود مَا لَا يُمكن الاحساس بِهِ بِشَيْء من هَذِه الْحَواس وَهِي الرّوح الَّتِي فِي العَبْد وَزعم أَنَّهَا لَا تخْتَص بِشَيْء من الامكنة وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ قَول الصائبة الفلاسفة الْمَشَّائِينَ وَحَاصِل هَذِه الابيات فِي شَأْن الارواح بعد الْمُفَارقَة بِالْمَوْتِ وَمَا لَهَا من النَّعيم وَالْعَذَاب وذ كرّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَمَا أعد الله لَهُم من النَّعيم الْمُقِيم قَالَ الله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم} الْوَاقِعَة 88 94 فقسم سُبْحَانَهُ الارواح الى ثَلَاثَة أَقسَام مقربين وَأخْبر أَنَّهَا فِي جنَّة النَّعيم وَأَصْحَاب يَمِين وَحكم لَهَا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يتَضَمَّن سلامتها من الْعَذَاب ومكذبة ضَالَّة وَأخْبر أَن لَهَا نزلا من حميم وتصلية جحيم وَقَالَ تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} الْفجْر 27 29 قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ان هَذَا يُقَال لَهَا عِنْد خُرُوجهَا من الدُّنْيَا يبشرها الْملك بذلك وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَول من قَالَ ان هَذَا يُقَال لَهَا فِي الْآخِرَة فانه يُقَال لَهَا عِنْد الْمَوْت وَعند الْبَعْث وَهَذَا من الْبُشْرَى الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون} فصلت 30 وَهَذَا التنزل يكون عِنْد الْمَوْت وَيكون فِي الْقَبْر وَيكون عِنْد الْبَعْث وَأول بِشَارَة الاخرة عِنْد الْمَوْت وَفِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب ان الْملك يَقُولهَا عِنْد قبضهَا ابشري بِروح وَرَيْحَان وَهَذَا من الْجنَّة وروى مَالك فِي (الْمُوَطَّأ (عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أَنه اخبره أَن اباه كَعْب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 مَالك كَانَ يحدث ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله الى جسده يَوْم يَبْعَثهُ قَالَ الْحَافِظ ابو عمر ابْن عبد الْبر وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُم أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فِي الْجنَّة شُهَدَاء كَانُوا أم غير شُهَدَاء اذا لم يحبسهم عَن الْجنَّة كَبِيرَة وَلَا دين وتلقاهم رَبهم بِالْعَفو عَنْهُم وَالرَّحْمَة لَهُم وَاحْتَجُّوا بِأَن هَذَا الحَدِيث لم يخص فِيهِ شَهِيدا من غير شَهِيد وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة أَن أَرْوَاح الابرار فِي عليين وأرواح الْفجار فِي سِجِّين وَعَن عبد الله ابْن عمر وَمثل ذَلِك قَالَ ابو عمر وَهَذَا قَول يُعَارضهُ من السّنة مَالا مدفع فِي صِحَة نَقله وَهُوَ قَوْله (اذا مَاتَ احدكم عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من اهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وان كَانَ من اهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله اليه بوم الْقِيَامَة (وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا معنى هَذَا الحَدِيث فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم لَان الْقُرْآن وَالسّنة إِنَّمَا يدلان على ذَلِك اما الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الاية آل عمرَان 169 170 وَأما الْآثَار فَذكر حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ من طَرِيق بَقِي بن مخلد مَرْفُوعا (الشُّهَدَاء يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ ثمَّ يكون مأواهم الى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول لَهُم الرب تبَارك وَتَعَالَى هَل تعلمُونَ كَرَامَة أفضل من كَرَامَة أكرمتكموها فَيَقُولُونَ لَا غير أَنا وَدِدْنَا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقَاتِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مرّة أُخْرَى فنقتل فِي سَبِيلك (رَوَاهُ عَن هناد عَن اسماعيل بن الْمُخْتَار عَن عَطِيَّة ثمَّ سَاق حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أُصِيب اخوانكم يَعْنِي يَوْم أحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ قَالُوا من يبلغ اخواننا أننا احياء فِي الْجنَّة نرْزق لِئَلَّا ينكلُوا عَن الْحَرْب وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد قَالَ فَقَالَ الله عز وَجل أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان 169 والْحَدِيث فِي (مُسْند الامام أَحْمد (و (سنَن ابي دَاوُد (ثمَّ ذكر حَدِيث الاعمش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلنَا عبد الله بن مَسْعُود عَن هَذِه الاية {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان 169 فَقَالَ أما إِنَّا قد سَأَلنَا عَن ذَلِك فَقَالَ أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح فِي الْجنَّة فِي أَيهَا شَاءَت تأوي الى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطلع عَلَيْهِم رَبك اطلاعة فَقَالَ هَل تشتهون شَيْئا قَالُوا وَأي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح من الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لن يتْركُوا من ان يسْأَلُوا قَالُوا يَا رب نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة اخرى فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا والْحَدِيث فِي (صَحِيح مُسلم ( قلت وَفِي (صَحِيح البُخَارِيّ (عَن أنس أَن أم الرّبيع بنت الْبَراء وَهِي أم حَارِثَة بن سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله أَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 تُحَدِّثنِي عَن حَارِثَة وَكَانَ قتل يَوْم بدر أَصَابَهُ سهم غرب فان كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وان كَانَ غير ذَلِك اجتهدت عَلَيْهِ فِي الْبكاء قَالَ يَا أم حَارِثَة إِنَّهَا جنان وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الاعلى ثمَّ سَاق ابْن عبد الْبر من طَرِيق بَقِي بن مخلد ثَنَا يحيى بن علدالحميد ثَنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي يزِيد سمع ابْن عَبَّاس يَقُول أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي اجواف طير خضر تعلق فِي ثَمَر الْجنَّة ثمَّ ذكر عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تَأْكُل من ثمار الْجنَّة وَمن طَرِيق أبي عَاصِم النَّبِيل عَن ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن عبد الله بن عَمْرو أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير كالزازير يَتَعَارَفُونَ وَيُرْزَقُونَ من ثَمَر الْجنَّة قَالَ أَبُو عَمْرو هَذِه الْآثَار كلهَا تدل على أَنهم الشُّهَدَاء دون غَيرهم وَفِي بَعْضهَا فِي صور طير وَفِي بَعْضهَا فِي اجواف طير وَفِي بَعْضهَا كطير خضر قَالَ وَالَّذِي يشبه عِنْدِي وَالله أعلم أَن يكون القَوْل قَول من قَالَ كطير أَو صور طير لمطابقته لحديثنا الْمَذْكُور يُرِيد حَدِيث كَعْب بن مَالك وَقَوله فِيهِ نسمَة الْمُؤمن كطائر وَلم يقل فِي جَوف طَائِر قَالَ وروى عِيسَى بن يُونُس حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن الاعمش عَن عبد الله ابْن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله كطير خضر قلت وَالَّذِي فِي (صَحِيح مُسلم (فِي اجواف طير خضر قَالَ أَبُو عمر فعلى هَذَا التَّأْوِيل فَكَأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (انما نسمَة الْمُؤمن من الشُّهَدَاء طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (الرّوح (قلت لاتنا فِي بَين قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (وَبَين قَوْله (إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من اهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أهل النَّار (وَهَذَا الْخطاب يتَنَاوَل الْمَيِّت على فرَاشه والشهيد كَمَا أَن قَوْله (نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (يتَنَاوَل الشَّهِيد وَغَيره وَمَعَ كَونه يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وَأما المقعد الْخَاص بِهِ وَالْبَيْت الَّذِي أعد لَهُ فانه إِنَّمَا يدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة وَيدل عَلَيْهِ أَن منَازِل الشُّهَدَاء ودورهم وقصورهم الَّتِي أعد الله لَهُم لَيست هِيَ تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوي اليها أَرْوَاحهم فِي البرزخ قطعا فهم يرَوْنَ مَنَازِلهمْ ومقاعدهم من الْجنَّة وَيكون مستقرهم فِي تِلْكَ الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالعرش فان الدُّخُول التَّام الْكَامِل إِنَّمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة وَدخُول الارواح فِي الْجنَّة فِي البرزخ أَمر دون ذَلِك وَنَظِير هَذَا أهل الشَّقَاء تعرض أَرْوَاحهم على النَّار غدوا وعشيا فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلُوا مَنَازِلهمْ ومقاعدهم الَّتِي كَانُوا يعرضون عَلَيْهَا فِي البرزخ فتنعم الارواح بِالْجنَّةِ فِي البرزخ شَيْء وتنعمها مَعَ الابدان بهَا يَوْم الْقِيَامَة شَيْء آخر فغذاء الرّوح من الْجنَّة فِي البرزخ دو غذائها مَعَ بدنهَا يَوْم الْبَعْث وَلِهَذَا قَالَ تعلق فِي شجر الْجنَّة أَي تَأْكُله الْعلقَة واما تَمام الْأكل وَالشرب واللبس والتمتع فانما يكون إِذا ردَّتْ الى أجسادها يَوْم الْقِيَامَة فَظهر أَنه لَا يُعَارض هَذَا القَوْل من السّنة شَيْء وانما تعاضده السّنة وتوافقه وَأما قَول من قَالَ ان حَدِيث كَعْب فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم فتخصيص لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ حمل اللَّفْظ الْعَام على اقل مسمياته فَإِن الشُّهَدَاء بِالنِّسْبَةِ الى عُمُوم الْمُؤمنِينَ قَلِيل جدا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علق هَذَا الْجَزَاء بِوَصْف الايمان فَهُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلم يعلقه بِوَصْف الشَّهَادَة أَلا ترى أَن الحكم الَّذِي اخْتصَّ بِالشُّهَدَاءِ علق بِوَصْف الشَّهَادَة كَقَوْلِه فِي حَدِيث الْمِقْدَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ابْن معدي كرب (للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفقة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الايمان ويزوج من الْحور الْعين ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الاكبر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوته خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين انسانا من أَقَاربه (فَلَمَّا كَانَ هَذَا يخْتَص بالشهيد قَالَ ان للشهيد وَلم يقل ان لِلْمُؤمنِ وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيث قيس الْحزَامِي يعْطى الشَّهِيد سِتّ خِصَال وَكَذَلِكَ سَائِر الاحاديث والنصوص الَّتِي علق فِيهَا الْجَزَاء بِالشَّهَادَةِ واما مَا علق فِيهِ الْجَزَاء بالايمان فانه يتَنَاوَل كل مُؤمن شَهِيدا كَانَ اَوْ غير شَهِيد وَأما النُّصُوص والْآثَار الَّتِي ذكرت فِي رزق الشُّهَدَاء وَكَون أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة فَكلهَا حق وَهِي لَا تدل على انْتِفَاء دُخُول أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَلَا سِيمَا الصديقين الَّذين هم أفضل من الشُّهَدَاء بِلَا نزاع بَين النَّاس فَيُقَال لهَؤُلَاء مَا تَقولُونَ فِي أَرْوَاح الصديقين هَل هِيَ فِي الْجنَّة أم لَا فَإِن قَالُوا إِنَّهَا فِي الْجنَّة وَلَا يسوغ لَهُم غير هَذَا القَوْل قيل فَثَبت أَن هَذِه النُّصُوص لَا تدل على اخْتِصَاص أَرْوَاح الشُّهَدَاء بذلك وَإِن قَالُوا لَيست فِي الْجنَّة لَزِمَهُم من ذَلِك أَن تكون أَرْوَاح سَادَات الصَّحَابَة كَأبي بكر الصّديق وَأبي بن كَعْب وعبد الله بن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم لَيست فِي الْجنَّة وأرواح شُهَدَاء زَمَاننَا فِي الْجنَّة وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان ضَرُورَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَ هَذَا حكما لَا يخْتَص بِالشُّهَدَاءِ فَمَا الْمُوجب لتخصيصهم بِالذكر فِي هَذِه النُّصُوص قيل الْمُوجب لذَلِك التَّنْبِيه على فضل الشَّهَادَة وعلو درجتها وان هَذَا مَضْمُون لاهلها ولابد وَأَن لَهُم أوفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 نصيب فَنصِيبهُمْ من هَذَا النَّعيم فِي البرزخ أكمل من نصيب غَيرهم من الاموات على فرشهم وان كَانَ الْمَيِّت على فرَاشه أَعلَى دَرَجَة مِنْهُم فَلهُ نعيم يخنص بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ من هُوَ دونه وَيدل على هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ جعل ارواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر فانهم لما بذلوا أنفسهم لله حَتَّى أتلفهَا أعداؤه فِيهِ أعاضهم مِنْهَا فِي البرزخ ابدانا خيرا مِنْهَا تكون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيكون نعيمها بِوَاسِطَة تِلْكَ الابدان اكمل من نعيم الْمُجَرَّدَة عَنْهَا وَلِهَذَا كَانَت نسمَة الْمُؤمن فِي صرة طير أَو كطير ونسمة الشَّهِيد فِي جَوف طير وَتَأمل لفظ الْحَدِيثين فَإِنَّهُ قَالَ نسمَة الْمُؤمن طير فَهَذَا يعم الشَّهِيد وَغَيره ثمَّ خص الشُّهَدَاء قَالَ هِيَ فِي جَوف طير وَمَعْلُوم أَنَّهَا اذا كَانَت فِي جَوف طير صدق عَلَيْهَا انها طير فصلوات الله وَسَلَامه على من يصدق كَلَامه بعضه بَعْضًا وَيدل على أَنه حق من عِنْد الله وَهَذَا الْجمع أحسن من جمع ابي عمر وترجيحه رِوَايَة من روى ارواحهم كطير خضر بل الرِّوَايَتَانِ حق وصواب فَهِيَ كطير أَخْضَر وَفِي أَجْوَاف طير خضر انْتهى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله حَتَّى تعود الى ذَلِك الجثمان الجثمان هُوَ الْجِسْم قَالَ الْجَوْهَرِي قَالَ أَبُو زيد الْجِسْم الْجَسَد وَكَذَلِكَ الجسمان الجثمان وَقَالَ الاصمعي الْجِسْم والجسمان الْجَسَد والجثمان الشَّخْص قَالَ وجمعة جسم الانسان ايضا يُقَال لَهُ الجسمان مثل ذِئْب وذؤبان انْتهى وَقَول النَّاظِم ... لَكِن أَرْوَاح الَّذين اسْتشْهدُوا ... فِي جَوف طير أَخْضَر رَيَّان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يَعْنِي أَن الشُّهَدَاء لَهُم خُصُوصِيَّة بِأَن أَرْوَاحهم تجْعَل فِي جَوف طير خضر كَمَا صرح بذلك فِي كَلَامه الْمُتَقَدّم بقوله ثمَّ خص الشُّهَدَاء بِأَن قَالَ هِيَ فِي جَوف طير وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... والقائلون بِأَنَّهَا عرض أَبَوا ذَا كُله تَبًّا لذِي نكران ... واذا أَرَادَ الله اخراج الورى بعد الْمَمَات الى الْمعَاد الثَّانِي ... ألْقى على الاض الَّتِي هم تحتهَا وَالله مقتدر وَذُو سُلْطَان ... مَطَرا غليظا أبيضا مُتَتَابِعًا عشرا وَعشرا بعْدهَا عشران ... فتظل تنْبت مِنْهُ أجسام الورى ولحومهم كمنابت الريحان ... حَتَّى اذا مَا الام حَان ولادها وتمخضت فنفاسها متدان ... أوحى لَهَا رب السما فتشققت فَبَدَا الْجَنِين كأكمل الشبَّان ... وتخلت الام الْوَلُود فأخرجت أثقالها انثى وَمن ذكران ... وَالله ينشىء خلقه فِي نشأة اخرى كَمَا قد قَالَ فِي الْقُرْآن ... هَذَا الَّذِي جَاءَ الْكتاب وَسنة اله ادي بِهِ فاحرص على الايمان ... مَا قَالَ إِن الله يعْدم خلقه طرا كَقَوْل الْجَاهِل الحيران ... قَوْله والقائلون بِأَنَّهَا عرض أَي إِن الْقَائِلين بِأَن الرّوح عرض أَبَوا ذاكله لانها عِنْدهم تعدم وتتلاشى وَعِنْدهم أَنَّهَا عرض من أَعْرَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْبدن وَهُوَ الْحَيَاة وَهَذَا قَول الباقلاني وَمن تبعه وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْهُذيْل العلاف النَّفس عرض الاعراض وَقَالَ غَيرهم بِأَنَّهُ الْحَيَاة كَمَا عينه ابْن الباقلاني ثمَّ قَالَ هِيَ عرض كَسَائِر أَعْرَاض الْجِسْم وَهَؤُلَاء عِنْدهم أَن الْجِسْم إِذا مَاتَ عدمت روحه كَمَا تعدم سَائِر اعراضه الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ وَمن يَقُول مِنْهُم إِن الْعرض لايبقى زمانين كَمَا يَقُوله أَكثر الاشعرية فَمن قَوْلهم إِن روح الانسان الْآن هِيَ غير روحه قبل وَهُوَ لَا يَنْفَكّ يحدث لَهُ روح ثمَّ تغير ثمَّ روح ثمَّ تغير هَكَذَا أبدا فيبدله ألف روح فَأكْثر فِي سَاعَة من الزَّمَان فَمَا دونهَا فَإِذا مَاتَ فَلَا روح تصعد الى السَّمَاء وتعود الى الْقَبْر وتقبضها الْمَلَائِكَة ويستفتحون لَهَا أَبْوَاب السَّمَوَات وَلَا تنعم وَلَا تعذب وانما ينعم ويعذب الْجَسَد إِذا شَاءَ الله تنعيمه اَوْ تعذيبه رد الْحَيَاة فِي وَقت يُرِيد نعيمه وعذابه والا فَلَا روح هُنَاكَ قَائِمَة بِنَفسِهَا الْبَتَّةَ وَقَالَ بعض أَرْبَاب هَذَا القَوْل ترد الْحَيَاة الى عجب الذَّنب فَهُوَ الَّذِي يعذب وينعم فَحسب وَهَذَا قَول يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعُقُول والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف روحه فضلا عَن روح غَيره وَقد خَاطب الله سُبْحَانَهُ النَّفس بِالرُّجُوعِ وَالدُّخُول وَالْخُرُوج ودلت النُّصُوص الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة على انها تصعد وتنزل وتقبض وَتمسك وَترسل وتستفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وتسجد وتتكلم وَأَنَّهَا تخرج تسيل كَمَا تسيل القطرة وتكفن وتحنط فِي أكفان الْجنَّة اَوْ النَّار وان ملك الْمَوْت يَأْخُذهَا بِيَدِهِ ثمَّ يَتَنَاوَلهَا الْمَلَائِكَة من يَده ويشم لَهَا كأطيب نفحة مسك أَو كانتن جيفة وتشيع من سَمَاء الى سَمَاء ثمَّ تُعَاد الى الارض مَعَ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهَا إِذا خرجت تبعها الْبَصَر حَيْثُ يَرَاهَا وَهِي خَارِجَة وَدلّ الْقُرْآن على أَنَّهَا تنْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى تبلغ الْحُلْقُوم فِي حركتها وَجَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مَا ورد من الادلة الدَّالَّة على تلاقي الارواح وتعارفها وانها أجناد مجندة الى غير ذَلِك يبطل هَذَا القَوْل وَقد شَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الارواح لَيْلَة الاسراء عَن يَمِين آدم وشماله وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَأَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر وَأخْبر تَعَالَى عَن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن أَنَّهَا تعرض على النَّار غدوا وعشيا وَلما أورد ذَلِك على ابْن الباقلاني لج فِي الْجَواب وَقَالَ يخرج على هَذَا أحد وَجْهَيْن إِمَّا بِأَن يوضع عرض من الْحَيَاة فِي أول جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم وَإِمَّا أَن يخلق لتِلْك الْحَيَاة وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب جدير خير وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد مِنْهُ وُجُوه كَثِيرَة وَأي قَول أفسد من قَول من يَجْعَل روح الانسان عرضا من الاعراض تبدل كل سَاعَة ألوفا من المرات فَإِذا فَارقه هَذَا الْعرض لم يكن بعد الْمُفَارقَة روح تنعم وَلَا تعذب وَلَا تصعد وَلَا تنزل وَلَا تمسك وَلَا ترسل فَهَذَا قَول مُخَالف لِلْعَقْلِ ونصوص الْكتاب وَالسّنة والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف نَفسه وَالله أعلم وَقَوله وَإِذا أَرَادَ الله إِخْرَاج الورى الخ أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ قيل أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ شهرا قَالَ أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ سنة قَالَ أَبيت ثمَّ ينزل من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل وَلَيْسَ من الانسان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظم وَاحِد وَهُوَ عظم الذَّنب مِنْهُ يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة (وَفِي رِوَايَة الْمُسلم (إِن فِي الانسان عظما لَا تَأْكُله الأَرْض أبدا فِيهِ يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا أَي عظم هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ عجب الذَّنب (رَوَاهُ الامام مَالك وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِاخْتِصَار قَالَ كل ابْن آدم تَأْكُله الارض إِلَّا عجب الذَّنب مِنْهُ خلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَفِيه يركب (قَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ كَغَيْرِهِ عجب الذَّنب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْجِيم بعْدهَا بَاء مُوَحدَة أَو مِيم هُوَ الْعظم الْحَدِيد الَّذِي يكون فِي أَسْفَل الصلب وأصل الذَّنب من ذَوَات الاربع وَقد روى الامام احْمَد وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه (من حَدِيث أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَأْكُل التُّرَاب كل شَيْء من الانسان إِلَّا عجب ذَنبه قيل مَا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ مثل حَبَّة خَرْدَل مِنْهُ تنشؤون وروى الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الاعراف وَابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره عَن ابي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم اذا مَاتَ النَّاس كلهم فِي النفخة الاولى يَعْنِي نفخة الصَّعق أمطر عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ عَاما كمني الرِّجَال من مَاء تَحت الْعَرْش يدعى مَاء الْحَيَوَان فينبتون من قُبُورهم بذلك الْمَطَر كَمَا ينْبت الزَّرْع من المَاء حَتَّى إِذا استكملت أَجْسَادهم نفخ فيهم الرّوح ثمَّ يلقِي عَلَيْهِم نومَة فينامون فِي قُبُورهم فَإِذا نفخ فِي الصُّور النفخة الثَّانِيَة قَامُوا وهم يَجدونَ طعم النّوم فِي أَعينهم كَمَا يجده الْقَائِم إِذا اسْتَيْقَظَ من نَومه فَعِنْدَ ذَلِك يَقُولُونَ يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا وَقَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَبيت فِيهِ ثَلَاث تأويلات أَحدهَا امْتنعت من بَيَان ذَلِك وَقيل أَبيت (اسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَقيل نسيت وَقيل إِن سر ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى لِأَنَّهُ من أسرار الربوبية لَكِن فِي حَدِيث ان بَين النفختين أَرْبَعِينَ عَاما وَقَول النَّاظِم طرا هُوَ بِضَم الطَّاء أَي جَمِيعًا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَقضى بِأَن الله لَيْسَ بفاعل ... فعلا يقوم بِهِ بِلَا برهَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 .. بل فعله الْمَفْعُول خَارج ذَاته كالوصف غير الذَّات فِي الحسبان ... والجبر مذْهبه الَّذِي قرت بِهِ عين العصاة وشيعة الشَّيْطَان ... كَانُوا على وَجل من الْعِصْيَان إِذْ هُوَ فعلهم والذنب للانسان ... واللوم لَا يعدوه إِذْ هُوَ فَاعل بِإِرَادَة وبقدرة الْحَيَوَان ... فأراحهم جهم وشيعته من الل وم العنيف وَمَا قضوا بِأَمَان ... لكِنهمْ حملُوا ذنوبهم على رب الْعباد بعزة وأمان ... وتبرؤوا مِنْهَا وَقَالُوا إِنَّهَا أَفعاله مَا حِيلَة الانسان ... مَا كلف الْجَبَّار نفسا وسعهَا أَنى وَقد جبرت على الْعِصْيَان ... وَكَذَا على الطَّاعَات أَيْضا قد غَدَتْ مجبورة فلهَا إِذا جبران ... وَالْعَبْد فِي التَّحْقِيق شبه نعَامَة قد كلفت بِالْحملِ والطيران ... إِذْ كَانَ صورتهَا تدل عَلَيْهِمَا هَذَا وَلَيْسَ لَهَا بِذَاكَ يدان ... تضمن كَلَام النَّاظِم رَحمَه تَعَالَى مَسْأَلَتَيْنِ عظيمتين إِحْدَاهمَا فِي أَفعاله الله تَعَالَى هَل لله تَعَالَى فعل يقوم بِهِ بمشيئته وَقدرته ام الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق فالاول هُوَ الَّذِي ذكره الْفُقَهَاء من اصحاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمَالك فِي كتبهمْ كَمَا ذكره فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة كالطحاوي وابي مَنْصُور الماتريدي وَغَيرهم وكما ذكره الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة (وكما ذكره أَصْحَاب أَحْمد كَأبي إِسْحَاق وَأبي بكر عبد الْعَزِيز وَالْقَاضِي ذكره فِي الْخلق هَل هُوَ الْمَخْلُوق أَو غَيره على قَوْلَيْنِ وَلَكِن اسْتَقر قَوْله على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ان الْخلق غير الْمَخْلُوق وان خَالف بن عقيل وكما ذكره ابو بكر مُحَمَّد بن اسحاق الكلاباذي فِي كتاب لَهُ وكما ذكره أَئِمَّة الحَدِيث وَالسّنة قَالَ البُخَارِيّ فِي آخر (الصَّحِيح (فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية والزنادقة بَاب مَا جَاءَ فِي تخليق السَّمَوَات والارض وَنَحْوهَا من الْخَلَائق وَهُوَ فعل الرب وَأمره فالرب بصفاته وَفعله وَأمره وَكَلَامه هُوَ الْخَالِق المكون غير مَخْلُوق وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأمره وتخليقه وتكوينه فَهُوَ مفعول مَخْلُوق مكون وَذَهَبت الْجَهْمِية والمعتزلة أَو أَكْثَرهم والكلابية والاشعرية الى أَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول وَلَيْسَ لهَؤُلَاء عِنْد الرب فعل وَلَا صنع يقوم بِهِ تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الجاحدون علوا كَبِيرا قَوْله والجبر مذْهبه الَّذِي قرت بِهِ الخ أَي إِن مَذْهَب جهم هُوَ الْجَبْر وَمعنى ذَلِك أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي أَفعَال الْعباد هَل هِيَ مقدورة للرب وَالْعَبْد أم لَا فَقَالَ جهم واتباعه الجبرية إِن ذَلِك الْفِعْل مَقْدُور للرب لَا للْعَبد وَكَذَلِكَ قَالَ الاشعري وَأَتْبَاعه إِن الْمُؤثر فِيهِ قدرَة الرب دون قدرَة العَبْد وَقَالَ جُمْهُور الْمُعْتَزلَة إِن الرب لَا يقدر على عين مَقْدُور العَبْد وَاخْتلفُوا هَل يقدر على مثل مقدوره فأثبته البصريون كَأبي عَليّ وَأبي هَاشم ونفاه الكعبي وَأَتْبَاعه البغداديون وَاحْتج الْمُعْتَزلَة بِأَنَّهُ لَو كَانَ مَقْدُورًا لَهما للَزِمَ إِذا أَرَادَ أَحدهمَا شَيْئا اَوْ أمرا وَكَرِهَهُ الآخر مثل أَن يُرِيد الرب تحريكه ويكرهه العَبْد أَن يكون مَوْجُودا مَعْدُوما لَان الْمَقْدُور من شَأْنه أَن يُوجد عِنْد توفر دواعي الْقَادِر وَأَن يبْقى على الْعَدَم عِنْد توفر صارفه فَلَو كَانَ مَقْدُور العَبْد مَقْدُورًا لله لَكَانَ إِذا أَرَادَ الله وُقُوعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَكره العَبْد وُقُوعه لزم أَن يُوجد لتحَقّق الدَّوَاعِي وَلَا يُوجد لتحَقّق الصَّارِف وَهُوَ محَال وَقد أجَاب الجبرية عَن هَذَا بِمَا ذكره الرَّازِيّ وَهُوَ أَن الْبَقَاء على الْعَدَم عِنْد تحقق الصَّارِف مَمْنُوع مُطلقًا بل يجب إِذا لم يقم مقَامه سَبَب آخر مُسْتَقل وَهَذَا أول الْمَسْأَلَة وَهَذَا جَوَاب ضَعِيف فَإِن الْكَلَام فِي فعل العَبْد الْقَائِم بِهِ إِذا قَامَ بِقَلْبِه الصَّارِف عَنهُ دون الدَّاعِي إِلَيْهِ وَهَذَا يمْتَنع وجوده من العَبْد فِي هَذِه الْحَال وَمَا قدر وجوده بِدُونِ إِرَادَته لم يكن فعلا اختياريا بل يكون بِمَنْزِلَة حركه المرتعش فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الِاخْتِيَارِيّ وَلَكِن الْجَواب منع هَذَا التَّقْدِير فَإِن مَا لم يردهُ العَبْد بأفعاله يمْتَنع أَن يكون الله مرِيدا لوُقُوعه إِذْ لَو شَاءَ وُقُوعه جعل العَبْد مرِيدا لَهُ فَإِذا لم يَجعله مرِيدا لَهُ علم أَنه لم يشأه وَلِهَذَا اتّفق عُلَمَاء الْمُسلمين على أَن الانسان لَو قَالَ وَالله لافعلن كَذَا وَكَذَا إِن شَاءَ الله ثمَّ لم يَفْعَله أَنه لَا يَحْنَث لانه لما لم يَفْعَله علم أَن الله لم يشأه إِذْ لَو شاءه لفعله العَبْد فَلَمَّا لم يَفْعَله علم أَن الله لم يشأه وَاحْتج الجبرية بِمَا ذكره الرَّازِيّ وَغَيره بقَوْلهمْ إِذا أَرَادَ الله تَحْرِيك جسم وَأَرَادَ العَبْد تسكينه فإمَّا أَن يمتنعا مَعًا وَهُوَ محَال لِأَن الْمَانِع من وُقُوع مُرَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا هُوَ مَوْجُود مُرَاد الاخر فَلَو امتنعا مَعًا لوجدا مَعًا وَهُوَ محَال أَو يقعا وَهُوَ محَال أَيْضا اَوْ يَقع أَحدهمَا وَهُوَ بَاطِل لِأَن القدرتين متساويتان فِي الِاسْتِقْلَال بالتأثير فِي ذَلِك الْمَقْدُور الْوَاحِد وَالشَّيْء الْوَاحِد حَقِيقَة لَا تقبل التَّفَاوُت فَإِذا القدرتان بِالنِّسْبَةِ الى اقْتِضَاء وجود ذَلِك الْمَقْدُور على السوية ونما التَّفَاوُت فِي أُمُور خَارِجَة عَن هَذَا الْمَعْنى واذا كَانَ كَذَلِك امْتنع التَّرْجِيح فَيُقَال هَذِه الْحجَّة بَاطِلَة على المذهبين اما أهل السّنة فعندهم يمْتَنع أَن يُرِيد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تَحْرِيك جسم وَيجْعَل العَبْد مرِيدا لَا أَن يَجعله العَبْد سَاكِنا مَعَ قدرته على ذَلِك فَإِن الارادة الجازمة مَعَ الْقُدْرَة تَسْتَلْزِم وجود الْمَقْدُور فَلَو جعله الرب مرِيدا مَعَ قدرته لزم وجود مقدوره فَيكون العَبْد يَشَاء مَالا يَشَاء الله وجوده وَهَذَا مُمْتَنع بل مَا شَاءَ الله وجوده يَجْعَل الْقَادِر عَلَيْهِ مرِيدا لوُجُوده لَا يَجعله مرِيدا لما يُنَاقض مُرَاد الرب وَأما على قَول الْمُعْتَزلَة فعندهم تمْتَنع قدرَة الرب على عين مَقْدُور العَبْد فَيمْتَنع اخْتِلَاف الارادتين فِي شَيْء وَاحِد وكلا الحجتين بَاطِلَة فَإِنَّهُمَا مبنيتان على تنَاقض الإرادتين وَهَذَا مُمْتَنع فَإِن العَبْد إِذا شَاءَ ان يكون (شَيْء (لم يشأه حَتَّى يَشَاء الله مَشِيئَته كَمَا قَالَ تَعَالَى {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَإِذا شَاءَ الله جعل العَبْد شائيا لَهُ واذا جعل العَبْد كَارِهًا لَهُ غير مُرِيد لَهُ لم يكن هُوَ فِي هَذِه الْحَال شائيا لَهُ فهم بنوا الدَّلِيل على تَقْدِير مَشِيئَة الله لَهُ وَكَرَاهَة العَبْد لَهُ وَهَذَا تَقْدِير مُمْتَنع وَهَذَا تنَاقض من تَقْدِير ربين والهين وَهُوَ قِيَاس بَاطِل لِأَن العَبْد مَخْلُوق لله وَهُوَ وَجَمِيع مفعولاته لَيْسَ هُوَ مثلا لله ولاندا وَالله أعلم وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... كَانُوا على وَجل من الْعِصْيَان ... اذ هُوَ فعلهم والذنب للانسان ... أَي إِن أَفعَال الْعباد غير اختيارية بل هم مَجْبُورُونَ عَلَيْهَا كحركة المرتعش وتحريك الْهوى للاشجار وَنَحْو ذَلِك فَإِذا كَانَ أصل الْقَدَرِيَّة الْمُجبرَة أَن إِرَادَة الرب تَعَالَى هِيَ عين محبته وَرضَاهُ فَكل مَا شاءه فقد أحبه ورضيه وكل مَا لم يشأه فَهُوَ مسخوط لَهُ مبغوض فالمبغوض المسخوط هُوَ مَا لم يشأه والمحبوب المرضي هُوَ مَا شاءه هَذَا أصل الْقَدَرِيَّة الجبرية المنكرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 للْحكم وَالتَّعْلِيل والاسباب وتحسين الْعقل وتقبيحه وان الافعال كلهَا سَوَاء لَا يخْتَص بَعْضهَا بِمَا صَار حسنا لاجله وَبَعضهَا بِمَا صَار قبيحا لاجله وَيجوز فِي الْعقل ان يَأْمر بِمَا نهى عَنهُ وَينْهى عَمَّا أَمر بِهِ وَلَا يكون ذَلِك مناقضا للحكمة اذ الْحِكْمَة ترجع عِنْدهم الى مُطَابقَة الْعلم الازلي لمعلومه والارادة الازلية لمرادها وَالْقُدْرَة لمقدورها فاذا الافعال بِالنِّسْبَةِ الى الْمَشِيئَة والارادة مستوية لَا تُوصَف بِحسن وَلَا قبح فاذا تعلق بهَا الامر وَالنَّهْي صَارَت حِينَئِذٍ حَسَنَة وقبيحة وَلَيْسَ حسنها وقبحها زَائِدا على كَونهَا مَأْمُورا بهَا ومنهيا عَنْهَا قَوْله وَالْعَبْد فِي التَّحْقِيق شبه نعَامَة الخ أَي لاجل أَن لَهَا اجنحة فتشبه الطير من هَذَا الْوَجْه وَلها اخفاف تشبه اخفاف النَّاقة فَلهَذَا قَالَ قد كلفت بِالْحملِ والطيران قَوْله وَلَيْسَ لَهَا بِذَاكَ يدان المُرَاد بِالْيَدِ هُنَا الْقُدْرَة تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه لِأَن الْقُدْرَة هِيَ تَحْرِيك الْيَد يُقَال فلَان لَهُ بِهِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فلذاك قَالَ بِأَن طاعات الورى وكذاك مَا فَعَلُوهُ من عصيان ... هِيَ عين فعل الرب لَا أفعالهم فَيَصِيح عَنْهُم عِنْد ذَا نفيان ... نفي لقدرتهم عَلَيْهَا أَو لَا وصدورها مِنْهُم بِنَفْي ثَان ... فَيُقَال مَا صَامُوا وَلَا صلوا وَلَا زكوا وَلَا ذَبَحُوا من القربان ... وَكَذَلِكَ مَا شربوا وَمَا قتلوا وَمَا ... سرقوا وَلَا فيهم غوي زَان ... وكذاك لم يَأْتُوا اخْتِيَارا ... وكذاك لم يَأْتُوا اخت مِنْهُم بالْكفْر وَالْإِسْلَام والايمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 .. الا على وَجه الْمجَاز لِأَنَّهَا قَامَت بهم كالطعم والالوان ... جبروا على مَا شاءه خلاقهم مَا ثمَّ ذُو عون وَغير معَان ... وَالْكل مجبور وَغير ميسر كالميت أدرج دَاخل الأكفان ... وكذاك أَفعَال الْمُهَيْمِن لم تقم أَيْضا بِهِ خوفًا من الْحدثَان ... فاذا جمعت مقالتيه أنتجا كذبا وزورا وَاضح الْبُهْتَان ... إِذْ لَيست الافعال فعل إلهنا والرب لَيْسَ بفاعل الْعِصْيَان ... فاذا انْتَفَت صفة الْإِلَه وَفعله وَكَلَامه وفعائل الانسان ... فهناك لَا خلق وَلَا أَمر وَلَا وَحي وَلَا تَكْلِيف عبد فان ... لما فرغ النَّاظِم رَحمَه الله من الْكَلَام على القَوْل بالجبر وَذكر بعض مَا يلْزم أَهله شرع ايضا فِي بَيَان مَا يلْزمهُم من وَجه آخر من الشناعات فَقَالَ وكذاك افعال الْمُهَيْمِن الخ أَي أَن مَذْهَب الْجَهْمِية وَمن وافقهم ان الرب تَعَالَى لَا تقوم بِهِ الافعال الاختيارية بل الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق كَمَا تقدم حِكَايَة ذَلِك عَنْهُم لأَنهم على زعمهم اذا قَالُوا بذلك لزم قيام الْحَوَادِث بِذَات الرب تبَارك وَتَعَالَى فَيلْزم حُدُوثه تَعَالَى وتقدس كَمَا أَن مَا قَامَت بِهِ الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث وَالْعَبْد عِنْدهم أَيْضا لَيْسَ بفاعل بالإختيار بل هُوَ مجبور وَغير ميسر وحركته كحركة المرتعش اَوْ كالميت أدرج دَاخل الاكفان فَإِذا كَانَ فعل الرب تَعَالَى غير قَائِم بِهِ عِنْدهم بل الْمَفْعُول هُوَ الْمَفْعُول وَالْعَبْد عِنْدهم لَيْسَ بفاعل فَلذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قَالَ النَّاظِم فَإِذا جمعت مقالتيه انتجا الخ أَي إِذا كَانَ الْفِعْل لَيْسَ فعلا للرب وَالْعَبْد مجبور لَا فعل لَهُ فِي الْحَقِيقَة بل تسمى أفعالا لَهُ مجَاز كَانَ نِسْبَة ذَلِك الى الرب تَعَالَى كذبا لإن الرب لَيْسَ بفاعل للمعاصي وَصَارَ نسبته للْعَبد أَيْضا كذبا لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاعل وانما هُوَ مجبور فَإِذا انْتَفَت صفة الْفِعْل وَالْكَلَام فِي حق الرب تَعَالَى فهناك لَا خلق وَلَا أَمر وَلَا وَحي وَلَا تَكْلِيف كَمَا ألزمهم بِهِ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله الْكل مجبور الخ قَالَ النَّاظِم فِي شرح (منَازِل السائرين (مشْهد أَصْحَاب الْجَبْر وهم الَّذين يشْهدُونَ انهم مَجْبُورُونَ على أفعالهم وَأَنَّهَا وَاقعَة بِغَيْر قدرتهم واختيارهم بل لَا يشْهدُونَ انها افعالهم الْبَتَّةَ وَيَقُولُونَ ان أحدهم غير فَاعل فِي الْحَقِيقَة وَلَا قَادر وَأَن الْفَاعِل فِيهِ والمحرك لَهُ سواهُ وَأَنه آلَة مَحْضَة وحركاته بِمَنْزِلَة هبوب الرِّيَاح وحركات الاشجار وَهَؤُلَاء اذا أنْكرت عَلَيْهِم أفعالهم احْتَجُّوا بِالْقدرِ وحملوا ذنوبهم عَلَيْهِ وَقد يغلون فِي ذَلِك حَتَّى يورا افعالهم كلهَا طاعات خَيرهَا وشرها لموافقتها الْمَشِيئَة وَالْقدر وَيَقُولُونَ كَمَا ان مُوَافقَة الامر طَاعَة فموافقة الْمَشِيئَة طَاعَة كَمَا حكى الله تَعَالَى عَن الْمُشْركين اخوانهم انهم جعلُوا مَشِيئَة الله لافعالهم دَلِيلا على أمره بهَا وَرضَاهُ بهَا قَالَ وَهَؤُلَاء شَرّ من الْقَدَرِيَّة النفاة وَأَشد عَدَاوَة لله ومناقضة لكتبه وَرُسُله وَدينه حَتَّى إِن من هَؤُلَاءِ من يعْتَذر عَن ابيلس لَعنه الله ويتوجع لَهُ وَيُقِيم عِنْده بِجهْدِهِ وينسب ربه إِلَى ظلمَة بِلِسَان الْحَال والقال وَيَقُول مَا ذَنبه وَقد صان وَجهه عَن السُّجُود لغير خالقه وَقد وَافق حكمه ومشيئته فِيهِ وارادته مِنْهُ ثمَّ كَيفَ يُمكنهُ السُّجُود وَهُوَ الَّذِي مَنعه مِنْهُ وَحَال بَينه وَبَينه وَهل كَانَ فِي ترك سُجُوده لغيرك محسنا وَلَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 .. إِذا كَانَ الْمُحب قَلِيل حَظّ ... فَمَا حَسَنَاته الا نوب ... قَالَ رَحمَه الله وَهَؤُلَاء أَعدَاء الله حَقًا وأولياء إِبْلِيس وأحبابه واخوانه وَإِذا ناح مِنْهُم نائح على إِبْلِيس رَأَيْت من الْبكاء والحنين أمرا عجيبا وَرَأَيْت من تظلم الاقدار واتهام الْجَبَّار مَا يَبْدُو على فلتات السنتهم وصفحات وُجُوههم وَتسمع من أحدهم من التظلم والتوجع مَا تسمعه من الْخصم المغلوب الْعَاجِز عَن خَصمه قَالَ فَهَؤُلَاءِ هم الَّذين قَالَ فيهم شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية فِي تائيته ... ويدعى خصوم الله يَوْم معادهم ... الى النَّار طرا فرقة الْقَدَرِيَّة ... يعْنى الجبرية انْتهى وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَغير ميسر اشارة الى أَنهم خالفوا مَا ثَبت فِي (الصَّحِيحَيْنِ (عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (مَا مِنْكُم من أحد الا وَقد علم مَقْعَده من الْجنَّة ومقعده من النَّار قَالُوا يَا رسو ل الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على الْكتاب فَقَالَ لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ وَفِي (الصَّحِيح (أَيْضا انه قيل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت مَا يكدح النَّاس فِيهِ الْيَوْم ويعملون شَيْء قضي عَلَيْهِم وَمضى ام فِيمَا يستقبلون مِمَّا آتَاهُم فِيهِ الْحجَّة فَقَالَ بل شَيْء قضي عَلَيْهِم وَمضى فيهم قَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على كتَابنَا فَقَالَ لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ (قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... وَقضى على أَسْمَائِهِ بحدوثها ... وبخلقها من جملَة الاكوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 .. فَانْظُر الى تعطيله الاوصاف وَال أَفعَال والاسماء للرحمن ... مَاذَا الَّذِي فِي ضمن ذَا التعطيل من نفي وَمن جحد وَمن كفران ... لكنه أبدى الْمقَالة هَكَذَا فِي قالب التَّنْزِيه للرحمن ... وأتى الى الْكفْر الْعَظِيم فصاغه عجلا ليفتن أمة الثيران ... وكساه أَنْوَاع الْجَوَاهِر والحلي من لُؤْلُؤ صَاف وَمن عقيان ... فَرَآهُ ثيران الورى فَأَصَابَهُمْ كمصاب إِخْوَتهم قديم زمَان ... عجلَان قد فتن الْعباد بِصَوْتِهِ إِحْدَاهمَا وبحرفه ذَا الثان وَالنَّاس أَكْثَرهم فَأهل ظواهر ... تبدو لَهُم لَيْسُوا بِأَهْل معَان فهم القشور وبالقشور قوامهم ... واللب حَظّ خُلَاصَة الانسان وَلذَا تقسمت الطوائف قَوْله ... وتوارثوه إِرْث ذِي السهْمَان لم ينج من أَقْوَاله طرا سوى ... أهل الحَدِيث وشيعة الْقُرْآن فتبرؤوا مِنْهَا بَرَاءَة حيدر ... وَبَرَاءَة الْمَوْلُود من عمرَان من كل شيعي خبيبث وَصفه ... وصف الْيَهُود محللي الْحيتَان ... أَي إِن جهما وَأَتْبَاعه ذَهَبُوا الى حُدُوث أَسمَاء الرب تَعَالَى وَقَالُوا أَسمَاء الله تَعَالَى غَيره فَإِن أَسمَاء الله من كَلَامه وَكَلَامه غَيره ثمَّ قَالُوا وَمَا كَانَ غير الله فَهُوَ مَخْلُوق بَائِن عَنهُ وَقَول النَّاظِم فَانْظُر إِلَى تعطيله الاوصاف والافعال والاسماء للرحمن أَي لانه يَقُول بحدوث أَسمَاء الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 تَعَالَى وَأَنَّهَا مخلوقه وتعطيله الاوصاف أَي أَنه نفي صِفَات الْبَارِي سُبْحَانَهُ وتعطيل الافعال أَي بِأَنَّهُ يَقُول الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق فَانْظُر الى مَا تضمنه هَذَا من الْجحْد والتعطيل والكفران وَقَوله لكنه ابدى الْمقَالة هَكَذَا فِي قالب التَّنْزِيه للرحمن أَقُول قَالَ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين احْمَد بن عَليّ المقريزي فِي كتاب (الخطط (بعد كَلَام سبق ثمَّ حدث بعد عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مَذْهَب جهم بن صَفْوَان بِبِلَاد الْمشرق فعظمت الْفِتْنَة بِهِ فَإِنَّهُ نفى أَن يكون لله تَعَالَى صفة وَأورد على أهل الاسلام شكوكا أثرت فِي الْملَّة الاسلامية آثارا قبيحة تولد عَنْهَا بلَاء كَبِير وَكَانَ قبيل الْمِائَة من سني الْهِجْرَة فَكثر أَتْبَاعه على أَقْوَاله الَّتِي تؤول الى التعطيل فأكبر أهل الاسلام بدعته وتمالؤوا على انكارها وتضليل أَهلهَا وحذروا من الْجَهْمِية وعادوهم فِي الله وذموا من جلس إِلَيْهِم وَكَتَبُوا فِي الرَّد عَلَيْهِم مَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أَهله انْتهى كَلَامه وَقد تقدم فِي كَلَام الامام احْمَد وَالْبُخَارِيّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم أَشْيَاء من أَحْوَال جهم وَأَتْبَاعه والتحذير من بدعهم وَلَقَد زرع هَذَا الْخَبيث فِي الاسلام شرا عَظِيما لَا يَزُول إِلَى قيام السَّاعَة نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان قَوْله فتبرؤوا مِنْهَا بَرَاءَة حيدر هُوَ لقب عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ والمولود من عمرَان هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَعْنِي أَن أهل الحَدِيث وَالسّنة تبرؤوا من مَذْهَب الجهم وشيعته كَمَا تَبرأ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من بني إِسْرَائِيل الَّذين عبدُوا الْعجل وكما تَبرأ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من الشِّيعَة الَّذين تبرؤوا من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل ادّعى بَعضهم فِيهِ الالهية فاستتابهم فَلم يتوبوا فخدد لَهُم الاخاديد وأضرم فِيهَا النَّار وَأَحْرَقَهُمْ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قَالَ إِنِّي اذا شاهدت امرا مُنْكرا أججت نَارِي ودعوت قنبرا والقصة مَعْرُوفَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مُقَدّمَة نافعة قبل التَّحْكِيم ... يَا أَيهَا الرجل المريد نجاته ... إسمع مقَالَة نَاصح معوان كن فِي أمورك كلهَا متمسكا ... بِالْوَحْي لَا بزخارف الهذيان وانصر كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... جَاءَت عَن الْمَبْعُوث بالفرقان وَاضْرِبْ بِسيف الْوَحْي كل معطل ... ضرب الْمُجَاهِد فَوق كل بنان واحمل بعزم الصدْق حَملَة مخلص ... متجرد لله غير جبان واثبت بصبرك تَحت ألوية الْهدى ... فَإِذا أصبت فَفِي رضى الرَّحْمَن وَاجعَل كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... ثبتَتْ سِلَاحك ثمَّ صَحَّ بجنان من ذَا يبارز فليقدم نَفسه ... أومن يسابق يبد فِي الميدان واصدح بِمَا قَالَ الرَّسُول وَلَا تخف ... من قلَّة الانصار والاعوان فَالله نَاصِر دينه وَكتابه ... وَالله كَاف عَبده بِأَمَان لَا تخش من كيد الْعَدو ومكرهم ... فقتالهم بِالْكَذِبِ والبهتان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 .. فجنود اتِّبَاع الرَّسُول ملائك ... وجنودهم فعساكر الشَّيْطَان شتان بَين العسكرين فَمن يكن ... متحيزا فَلْينْظر الفئتان واثبت وَقَاتل تَحت رايات الْهدى ... واصبر فنصر الله رَبك دَان وَاذْكُر مقاتلهم لفرسان الْهدى ... لله در مقَاتل الفرسان وادرء بِلَفْظ النَّص فِي نحر العدى ... وارجمهم بثواقب الشهبان لَا تخش كثرتهم فهم همج الورى ... وذبابه أتخاف من ذبان واشغلهم عِنْد الْجِدَال ببعضهم ... بَعْضًا فَذَاك الحزم للفرسان واذا هم حملو عَلَيْك فَلَا تكن ... فَزعًا لحملتهم وَلَا بجبان واثبت وَلَا تحمل بِلَا جند فَمَا ... هَذَا بمحمود لَدَى الشجعان فَإِذا رَأَيْت عِصَابَة الاسلام قد ... وافت عساكرها مَعَ السُّلْطَان فهناك فاخترق الصُّفُوف وَلَا تكن ... بالعاجز الواني وَلَا الفزعان ... هَذَا شُرُوع فِي وَصِيَّة نافعة ومقدمة جَامِعَة قبل الشُّرُوع فِي المحاكمة بَين الطوائف أوصى بهَا المُصَنّف قدس الله روحه وَنور ضريحه لمن يعقل عَن الله وَذَلِكَ أَن الانسان لم يخلق سدى مهملا بل خلقه الله لامر عَظِيم وخطب جسيم خلقه الله سُبْحَانَهُ لعبادته الجامعة لمحبته وخشيته والذل والخضوع لَهُ وهيأ دارين دَار جَزَاء للمحسنين وَدَار عِقَاب للمخالفين فَتعين على من طلب نجاة نَفسه التهيؤ والا ستعداد لما يقربهُ من رضى ربه وينجيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 من عِقَابه وعذابه وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك الا مُتَابعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدق والجل وَتَقْدِيم طَاعَته على طَاعَة غَيره فَلهَذَا قَالَ يَا ايها الرجل المريد نجاته الخ وكما قَالَ المُصَنّف فِيمَا يَأْتِي يَا من يُرِيد نجاته يَوْم الْحساب من الْجَحِيم وموقد النيرَان اتبع رَسُول الله فِي الاعمال والاقوال الخ قَوْله مُقَدّمَة بِكَسْر الدَّال كمقدمة الْجَيْش أول مَا يتَقَدَّم مِنْهُ وَبِفَتْحِهَا على قلَّة وَقَوله معوان هُوَ اسْم فَاعل وعاونه معاونة وعوانا أَعَانَهُ والمعوان الْحسن المعونة اَوْ كثيرها قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله اضْرِب بِسيف الْوَحْي اسْتعَار اسْم السَّيْف للوحي اشارة الى قطعه المنازع لِأَن الْوَحْي دَلِيل قَاطع سَمْعِي عَقْلِي وَالْوَحي هُوَ الْعلم النافع وَالدَّلِيل الْقَاطِع لازخارف الْمُتَكَلِّمين وهذيان الفلاسفة والمتصوفين القاطعة عَن الله وَرَسُوله من تبعها وقدمها على الْوَحْي الْمُبين والمنهج الْوَاضِح المستبين وَهُوَ كتاب الله المتين وَسنة رَسُوله الصَّادِق الامين فقد ضل سَوَاء السَّبِيل وَللَّه در الْقَائِل ... الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... قَالَ الصَّحَابَة لَيْسَ خلف فِيهِ مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة ... بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي سَفِيه كلا وَلَا نصب الْخلاف جَهَالَة ... بَين النُّصُوص وَبَين رَأْي فَقِيه كلا وَلَا رد النُّصُوص تعمدا ... حذرا من التجسيم والتشبيه مَا شا النُّصُوص من الَّذِي رميت بِهِ ... من فرقة التعطيل والتمويه ... قَوْله وأدر بِلَفْظ النَّص فِي نحر العدى الدرء الدّفع وبابه قطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 قَوْله همج الهمج بِفتْحَتَيْنِ جمع همجة وَهِي ذُبَاب صَغِير كالبعوض يسْقط على وُجُوه الْغنم وَالْحمير وأعينها وَيُقَال للرعاع الحمقى انما هم همج (مُخْتَار الصِّحَاح (قَوْله ذُبَاب الذب الْمَنْع وَالدَّفْع وبابه رد والذبانة بِالضَّمِّ وَتَشْديد الْبَاء وَنون قبل الْهَاء وَاحِدَة الذُّبَاب وَلَا تقل ذبانة بِالْكَسْرِ وَجمع الذُّبَاب فِي الْقلَّة أذبة وَالْكثير ذبان كغراب وأغربة وغربان (مُخْتَار الصِّحَاح (قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وتعر من ثَوْبَيْنِ من يَلْبسهُمَا ... يلقى الردى بمذمة وهوان ثوب من الْجَهْل الْمركب فَوْقه ... ثوب التعصب بئست الثوبان وَتحل بالانصاف أَفْخَر حلَّة ... زينت بهَا الاعطاف والكتفان وَاجعَل شعارك خشيَة الرَّحْمَن مَعَ ... نصح الرَّسُول فحبذ الامران وتمسكن بحبله وبوحه ... وتوكلن حَقِيقَة التكلان فَالْحق وصف الرب وَهُوَ صراطه ال ... هادي اليه لصَاحب الايمان وَهُوَ الصِّرَاط عَلَيْهِ رب الْعَرْش أَي ... ضا ذَا وَذَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن وَالْحق مَنْصُور وممتحن فَلَا ... تعجب فهذي سنة الرَّحْمَن وبذاك يظْهر حزبه من حزبه ... وَلَا جلّ ذَاك النَّاس طَائِفَتَانِ ولاجل ذَاك الْحَرْب بَين الرُّسُل وَال ... كفار مذ قَامَ الورى سجلان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 .. لكنما العقبى لأهل الْحق إِن ... فَاتَت هُنَا كَانَت لَدَى الديَّان ... قَوْله تعره فعل أَمر من التعري يُقَال عري من ثِيَابه بِالْكَسْرِ عريا بِالضَّمِّ فَهُوَ عَار وعريان وَالْمَرْأَة عُرْيَانَة وَمَا كَانَ على فعلان فمؤنثه بِالْهَاءِ قَالَه فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (قَوْله الْجَهْل الْمركب هُوَ تصور الشَّيْء على غير مَا هيته وَذَلِكَ أَن حكم الْعقل بِأَمْر على أَمر جازم غير مُطَابق فِي الْخَارِج هُوَ الإعتقاد الْفَاسِد وَهُوَ الْجَهْل الْمركب لتركبه من عدم الْعلم بالشَّيْء واعتقاد غير مُطَابق فَهُوَ أَن يجهل الْحق ويجهل جَهله بِهِ وَالْجهل الْبَسِيط عدم الْعلم وَقيل عدم معرفَة الْمُمكن بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ قَوْله فَالْحق وصف الرب وَهُوَ صراطه الْهَادِي اليه لصَاحب الايمان اما اشتقاق الصِّرَاط فَالْمَشْهُور أَنه من صرطت الشَّيْء أصرطه إِذا بلعته بلعا سهلا فَسُمي الطَّرِيق صراطا لِأَنَّهُ يصترط الْمَارَّة فِيهِ والصراط مَا جمع خَمْسَة أَوْصَاف أَن يكون طَرِيقا مُسْتَقِيمًا سهلا مسلوكا وَاسِعًا موصلا إِلَى الْمَقْصُود فَلَا تسمي الْعَرَب الطَّرِيق المعوج صراطا وَلَا الصعب الْمشق وَلَا المسدود غير الْموصل وَمن تَأمل موارد الصِّرَاط فِي لسانهم واستعمالهم تبين ذَلِك قَالَ ... امير الْمُؤمنِينَ على صِرَاط ... إِذا أَعْوَج الْوَارِد مُسْتَقِيم ... وبنوا الصِّرَاط على زنة فعال لِأَنَّهُ يشْتَمل على سالكه اشْتِمَال الْحق على الشَّيْء المسروط وَهَذَا الْوَزْن كثير فِي المشتملات على الاشياء كاللحاف والخمار والرداء والغطاء والفراش كَذَا أَفَادَهُ النَّاظِم قَوْله فَالْحق وصف الرب وَهُوَ صراطه الْهَادِي إِن الرب تَعَالَى يُوصف بِأَنَّهُ الْحق كَمَا فِي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الصَّحِيح فِي (صَحِيح البُخَارِيّ (من حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس (اللَّهُمَّ أَنْت الْحق وَوَعدك حق ولقاؤك حق (الحَدِيث وَقَوله وَهُوَ الصِّرَاط عَلَيْهِ رب الْعَرْش يُشِير الى قَوْله تَعَالَى {إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} هود 56 أَي هُوَ على الْحق وَا لعدل قَوْله وَهُوَ صراطه الخ قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله} الانعام 153 قَالَ ابْن مَسْعُود خطّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ هَذَا سَبِيل الله مُسْتَقِيمًا ثمَّ خطّ خُطُوطًا عَن يَمِينه وشماله وَقَالَ هَذِه سبل وعَلى كل سَبِيل شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} وَهَذَا لِأَن الطَّرِيق الموصلة الى الله وَاحِدَة وَهُوَ مَا بعث بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه لَا يصل اليه أحد الا من هَذِه الطَّرِيق وَلَو اتى النَّاس من كل طَرِيق واستفتحوا من كل بَاب فالطرق عَلَيْهِم مسدودة والابواب عَلَيْهِم مغلقة الا من هَذَا الطَّرِيق الْوَاحِد فَإِنَّهُ مُتَّصِل بِاللَّه موصل إِلَى الله قَالَ تَعَالَى {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم} الْحجر 41 قَالَ الْحسن مَعْنَاهُ صِرَاط إِلَيّ مُسْتَقِيم وَهَذَا يحْتَمل أَمريْن ان يكون أَرَادَ بِهِ أَنه من بَاب إِقَامَة الادوات بَعْضهَا مقَام بعض فَقَامَتْ أَدَاة (عَليّ) مقَام (إِلَيّ) وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ التَّفْسِير على الْمَعْنى وَهُوَ الاشبه بطرِيق السّلف أَي صِرَاط موصل إِلَيّ وَقَالَ مُجَاهِد الْحق يرجع الى الله وَعَلِيهِ طَرِيقه لَا يعرج على شَيْء وَمثل قَول الْحسن وَأبين مِنْهُ وَهُوَ من أصح مَا قيل فِي الاية وَقيل (على) فِيهِ للْوُجُوب أَي عَليّ بَيَانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وتعريفه وَالدّلَالَة عَلَيْهِ وَالْقَوْلَان نَظِير الْقَوْلَيْنِ فِي آيَة النَّحْل وَهِي {وعَلى الله قصد السَّبِيل} النَّحْل 9 وَالصَّحِيح فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَة الْحجر أَن السَّبِيل القاصد وَهُوَ الْمُسْتَقيم المعتدل يرجع الى الله ويوصل اليه قَالَ طفيل الغنوي ... مضوا سلفا قصد السَّبِيل عَلَيْهِم ... وَصرف المنايا بِرِجَال تقلب ... أَي مرورنا عَلَيْهِم واليهم وصولنا وَقَالَ الاخر ... فهن المنايا أَي وَاد سلكته ... عَلَيْهَا طريقي أَو عَليّ طريقها ... افاده المُصَنّف فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَات قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاجعَل لقلبك هجرتين وَلَا تنم ... فهما على كل امرء فرضان فالهجرة الاولى إِلَى الرَّحْمَن بَال ... إخلاص فِي سرو وَفِي إعلان فالقصد وَجه الله بالاقوال وَال ... أَعمال والطاعات والشكران فبذاك ينجو العَبْد من إشراكه ... وَيصير حَقًا عَابِد الرَّحْمَن وَالْهجْرَة الاخرى الى الْمَبْعُوث بَال ... حق الْمُبين وواضح الْبُرْهَان فيدور مَعَ قَول الرَّسُول وَفعله ... نفيا واثباتا بِلَا روغان وَيحكم الْوَحْي الْمُبين على الَّذِي ... قَالَ الشُّيُوخ فَعنده حكمان لَا يحكمان بباطل أبدا وكل ... الْعدْل قد جَاءَت بِهِ الحكمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 .. وهما كتاب الله أعدل حَاكم ... فِيهِ الشفا وهداية الحيران وَالْحَاكِم الثَّانِي كَلَام رَسُوله ... مَا ثمَّ غَيرهمَا لذِي ايمان فَإِذا دعوك لغير حكمهمَا فَلَا ... سمعا لداعي الْكفْر والعصيان قل لَا كَرَامَة لَا وَلَا نعما وَلَا ... طَوْعًا لمن يَدْعُو الى طغيان واذا دعيت الى الرَّسُول فَقل لَهُم ... سمعا وطوعا لست ذَا عصيان واذا تكاثرت الْخُصُوم وصيحوا ... فَاثْبتْ فصيحتهم كَمثل دُخان يرقى الى الاوج الرفيع وَبعده ... يهوي الى قَعْر الحضيض الداني ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذكر الهجرتين فالهجرة الاولى الى الله تَعَالَى باخلاص الْأَعْمَال والتوجه اليه بامتثال أمره وَاجْتنَاب نَهْيه وَالْهجْرَة الثَّانِيَة الى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باتباعه وَتَقْدِيم قَوْله فِي الدق والجل وَترك قَول غَيره لقَوْله وللمصنف رَحمَه الله تَعَالَى كتاب سَمَّاهُ (سفر الهجرتين وَطَرِيق السعادتين (اتى بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَرَاجعه إِن شِئْت وَقَوله إِلَى الاوج الرفيع الاوج مُعرب أوك وَهُوَ كلمة أَعْجَمِيَّة مَعْنَاهَا الْعُلُوّ والحضيض الْقَرار من الارض عِنْد مُنْقَطع الْجَبَل وَفِي الحَدِيث انه أهدي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة فَلم يجد شَيْئا يَضَعهُ عَلَيْهِ فَقَالَ (ضَعْهُ بالحضيض فَإِنَّمَا انا عبد آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد (يعْنى ضَعْهُ بالارض قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 .. هَذَا وان قتال حزب الله بَال ... أَعمال لَا بكتائب الشجعان وَالله مَا فتحُوا الْبِلَاد بِكَثْرَة أَنى وأعداهم بِلَا حسبان ... وكذاك مَا فتحو الْقُلُوب بِهَذِهِ ال آراء بل بِالْعلمِ والايمان ... وشجاعة الفرسان نفس الزّهْد فِي نفس وَذَا مَحْذُور كل جبان ... وشجاعة الْحُكَّام وَالْعُلَمَاء زه د فِي الثنامن كل ذِي بطلَان ... فاذا هما اجْتمعَا لقلب صَادِق شدت ركائبه الى الرَّحْمَن ... واقصد الى الأقران لَا أطرافها فالعز تَحت مقَاتل الاقران ... واسمع نصيحة من لَهُ خبر بِمَا عِنْد الورى من كَثْرَة الجولان ... مَا عِنْدهم وَالله خير غير مَا أَخَذُوهُ عَمَّن جَاءَ بِالْقُرْآنِ ... وَالْكل بعد فبدعة أَو فِرْيَة اَوْ بحث تشكيك ورأي فلَان ... فَاصْدَعْ بِأَمْر الله لَا تخش الورى فِي الله اخشاه تفز بِأَمَان ... واهجر وَلَو كل الورى فِي ذَاته لَا فِي هَوَاك ونخوة الشَّيْطَان ... واصبر بِغَيْر تسخط وشكاية واسفح بِغَيْر عتاب من هُوَ جَان ... واهجرهم الهجر الْجَمِيل بِلَا أَذَى ان لم يكن بُد من الهجران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قَوْله وَالله مَا فتحُوا الْبِلَاد بِكَثْرَة الخ أَي ان الاسلام فِي بدايته كَانَ غَرِيبا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ (وكما فِي حَدِيث عَمْرو بن عبسة لما قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مستخف بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ من مَعَك على هَذَا قَالَ حر وَعبد يَعْنِي أَبَا بكر وبلالا رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ فتح الله عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه من بعده مَا هُوَ مَعْرُوف فِي كتب السّير والكتائب جمع كَتِيبَة وَهُوَ الْجَمَاعَة من الْخَيل والجيش قَوْله وَالْكل بعد فبدعة أَو فِرْيَة الْبِدْعَة هِيَ مَا أحدث مِمَّا يُخَالف كتاب أَو سنة والفرية الْكَذِب يُقَال فرى كذبا خلقه وَالِاسْم الْفِرْيَة وَقَوله تَعَالَى {شَيْئا فريا} مَرْيَم 27 أَي مصنوعا مختلقا وَقَوله الجولان جال من بَاب قَالَ وجولانا أَيْضا بِفَتْح الْوَاو والجولان بِسُكُون الْوَاو جبل بِالشَّام وتجاولوا فِي الْحَرْب جال بَعضهم على بعض (مُخْتَار الصاح ( قَوْله نخوة الشَّيْطَان النخوة الْكبر وَالْعَظَمَة يُقَال انتخى فلَان علينا أَي افتخر وتعظم قَالَه فِي (مُخْتَار الصِّحَاح ( قَوْله واهجرهم الهجر الْجَمِيل الخ قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (سَمِعت شيخ الاسلام يَقُول ذكر الله الصَّبْر الْجَمِيل والصفح الْجَمِيل والهجر الْجَمِيل فالصبر الْجَمِيل الَّذِي لَا شكوى مَعَه والهجر الْجَمِيل الَّذِي لَا أَذَى مَعَه والصفح الْجَمِيل الَّذِي لَا عتاب مَعَه انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 .. وَانْظُر الى الاقدار جَارِيَة بِمَا قد شَاءَ من غي وَمن ايمان ... وَاجعَل لقلبك مقلتين كِلَاهُمَا بِالْحَقِّ فِي ذَا الْخلق ناظرتان ... فَانْظُر بِعَين الحكم وارحمهم بهَا اذ لَا ترد مَشِيئَة الديَّان ... وَانْظُر بِعَين الامر واحملهم على احكامه فهما إِذا نظران ... وَاجعَل لوجهك مقلتين كِلَاهُمَا من خشيَة الرَّحْمَن باكيتان ... لوشاء رَبك كنت أَيْضا مثله فالقلب بَين أَصَابِع الرَّحْمَن ... وَاحْذَرْ كمائن نَفسك اللَّاتِي مَتى خرجت عَلَيْك كسرت كسر مهان ... واذا انتصرت لَهَا فَأَنت كمن بغى طفي الدُّخان بموقد النيرَان ... وَالله أخبر وَهُوَ أصدق قَائِل أَن سَوف ينصر عَبده بِأَمَان ... من يعْمل السوآء سيجزى مثلهَا اَوْ يعْمل الْحسنى يفز بجنان ... هذي وَصِيَّة نَاصح ولنفسه وصّى وَبعد لسَائِر الاخوان ... مُرَاد المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بِهَذِهِ الابيات أَن يبين الحكم الكوني القدري وَالْحكم الديني الامري الشَّرْعِيّ فَإِن جَمِيع أَفعَال الْخلق من الطَّاعَات والايمان وَالْكفْر والايمان لَا تخرج عَن حكم الرب تَعَالَى الكوني القدري فان جَمِيع الاشياء خلقه تَعَالَى بقدرته ومشيئته وَلَكِن مَعَ ذَلِك لَا بُد من النّظر الى الحكم الديني الشَّرْعِيّ فَمَعْنَى كَلَامه انك اذا نظرت الى الْخلق بِعَين الحكم رحمتهم لَان مشيئه الله تَعَالَى لَا ترد وَمَا شَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الله كَانَ ومالم يَشَأْ لم يكن وَلَكِن مَعَ ذَلِك انْظُر الى عين الامر واحملهم عَلَيْهَا أَي فحد الزَّانِي واقطع السَّارِق واجلد الْقَاذِف واقتل الْقَاتِل وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أَمر الله وَرَسُوله بِهِ وَهَذَا معنى قَوْله فَانْظُر بِعَين الحكم وارحهم بهَا الخ وَمعنى قَوْله وَانْظُر بِعَين الامر واحملهم على الخ قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي (شرح منَازِل السائرين (فِي منزلَة الفكرة لما تكلم على الفناء الَّذِي يذكرهُ الصُّوفِيَّة فصل وأصل هَذَا الفناء الِاسْتِغْرَاق فِي تَوْحِيد الربوبية وَهُوَ رُؤْيَة تفرد الله بِخلق الاشياء وملكها واختراعها وَأَنه لَيْسَ فِي الْوُجُود قطّ الا مَا شاءه وَكَونه فَيشْهد مَا اشتركت فِيهِ الْمَخْلُوقَات من خلق الله اياها ومشيئته لَهَا وَقدرته عَلَيْهَا وشمول قيوميته وربوبيته لَهَا وَلَا يشْهد مَا افْتَرَقت فِيهِ من محبَّة الله لهَذَا وبغضه لهَذَا وَأمره 2 بِمَا أَمر بِهِ وَنَهْيه عَمَّا نهى عَنهُ وموالاته لقوم ومعاداته لآخرين فَلَا 2 يشْهد التَّفْرِقَة فِي الْجمع وَهِي تَفْرِقَة الْخلق والامر فِي جمع الربوبية وتفرقه مُوجب الالهية فِي جمع الربوبية وتفرقة الارادة الدِّينِيَّة فِي جمع الارادة الكونية وتفرقه مَا يُحِبهُ ويرضاه فِي جمع مَا قدره وقضاه وَلَا يشْهد الْكَثْرَة فِي الْوُجُود وَهِي كَثْرَة مَعَاني الاسماء الْحسنى وَالصِّفَات العلى واقتضاؤها لآثارها فِي وحدة الذَّات الموصوفة بهَا فَلَا يشْهد كَثْرَة دلالات أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته على وحدة ذَاته فَهُوَ الله الَّذِي لَا اله الا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر وكل اسْم لَهُ صفة وللصفة حكم فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَاحِد الذَّات كثير الاسماء وَالصِّفَات فَهَذِهِ كَثْرَة فِي وحدة وَالْفرق بَين مأموره ومنهيه ومحبوبه ومبغوضه ووليه وعدوه تفرقه فِي جمع فَمن لم يَتَّسِع شُهُوده لهَذِهِ الامور الاربعة فَلَيْسَ من خَاصَّة اولياء الله العارفين بل لَو ضَاقَ شُهُوده عَنْهَا مَعَ اعترافه بهَا فَهُوَ مُؤمن نَاقص وان جَحدهَا أَو شَيْئا مِنْهَا فَكفر صَرِيح أَو بِتَأْوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 مثل أَن يجْحَد تَفْرِقَة الْأَمر وَالنَّهْي أَو جمع الْقَضَاء وَالْقدر أَو كَثْرَة مَعَاني الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ووحدة الذَّات فليتدبر اللبيب السالك هَذَا الْمَوْضُوع حق التدبر وليعرف قدره فَإِنَّهُ مجامع طرق الْعَالمين وأصل تفرقهم قد ضبطت لَك معاقده وأحكمت لَك قَوَاعِده وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَإِنَّمَا يعرف قدر هَذَا من اجتاز القفار واقتحم الْبحار وَعرض لَهُ مَا يعرض لسالك القفر وراكب الْبَحْر وَمن لم يُسَافر وَيخرج عَن وَطن طبعه ومرباه وَمَا ألف عَلَيْهِ أَصْحَابه وَأهل زَمَانه فَهُوَ بمعزل عَن هَذَا فَإِن عرف قدره وَكفى النَّاس شَره فَهَذَا يُرْجَى لَهُ السَّلامَة وَإِن عدا طوره وَأنكر مَا لم يعرفهُ وَكذب بِمَا لم يحط بِهِ علما ثمَّ تجَاوز إِلَى تَكْفِير من خَالفه وَلم يُقَلّد شُيُوخه ويرضى بِمَا رَضِي هُوَ بِهِ لنَفسِهِ فَذَلِك هُوَ الظَّالِم الْجَاهِل الَّذِي مَا ضرّ إِلَّا نَفسه وَلَا أضاع إِلَّا حَظه انْتهى وَالله أعلم فصل وَهَذَا أول عقد مجْلِس التَّحْكِيم ... فاجلس إِذا فِي مجْلِس الْحكمَيْنِ للرحمن لَا للنَّفس والشيطان ... الأول النَّقْل الصَّحِيح وَبعده ال عقل الصَّرِيح وفطرة الرَّحْمَن ... واحكم إِذا فِي رفْقَة قد سافروا يَبْغُونَ فاطر هَذِه الأكوان ... فترافقوا فِي سيرهم وتفارقوا عِنْد افْتِرَاق الطّرق الحيران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 .. فَأتى فريق ثمَّ قَالَ وجدته هَذَا الْوُجُود بِعَيْنِه وعيان ... مَا ثمَّ وجود سواهُ وَإِنَّمَا غلط اللِّسَان فَقَالَ موجودان ... فَهُوَ السَّمَاء بِعَينهَا ونجومها وَكَذَلِكَ الأفلاك والقمران وَهُوَ الْغَمَام بِعَيْنِه والثلج وَال ... أمطار مَعَ برد وَمَعَ حسبان وَهُوَ الْهَوَاء بِعَيْنِه وَالْمَاء والت ... ترب الثقيل وَنَفس ذِي النيرَان هذي بسائطه وَمِنْه تركبت ... هذي الْمظَاهر مَا هُنَا شَيْئَانِ وَهُوَ الْفَقِير لَهَا لأجل ظُهُوره ... فِيهَا كفقر الرّوح للأبدان وَهِي الَّتِي افْتَقَرت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ... هُوَ ذَاتهَا ووجودها الحقان ة تظل تلبسه وتخلعه وَذَا فِي ال ... إِيجَاد والإعدام كل أَوَان ويظل يلبسهَا ويخلعها وَذَا ... حكم الْمظَاهر كي يرى بعيان وتكثر الْمَوْجُود كالأعضاء فِي ال ... محسوس من بشر وَمن حَيَوَان أَو كالقوى فِي النَّفس ذَلِك وَاحِد ... متكثر قَامَت بِهِ الْأَمْرَانِ فَيكون كلا هَذِه أجزاؤه ... هذي مقَالَة مدعي الْعرْفَان أَو أَنَّهَا كتكثر الْأَنْوَاع فِي ... جنس كَمَا قَالَ الْفَرِيق الثان فَيكون كليا وجزيائاته ... هَذَا الْوُجُود فَهَذِهِ قَولَانِ إِحْدَاهمَا نَص (الفصوص (وَبعده ... قَول ابْن سبعين وَمَا الْقَوْلَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 .. عِنْد الْعَفِيف التلمساني الَّذِي هُوَ غَايَة فِي الْكفْر والبهتان ... إِلَّا من الأغلاط فِي حس وَفِي وهم وَتلك طبيعة الأنسان ... وَالْكل شَيْء وَاحِد فِي نَفسه مَا للتعدد فِيهِ من سُلْطَان ... فالضيف والمأكول شَيْء وَاحِد وَالوهم يحْسب هَا هُنَا شَيْئَانِ وَكَذَلِكَ الموطوء عين الْوَطْء وَال ... وهم الْبعيد يَقُول ذان اثْنَان تَقْسِيم الْكل إِلَى أَجْزَائِهِ كانقسام السكنجبين إِلَى خل وَعسل وتقسيم الْكُلِّي إِلَى جزئياته كانقسام الْحَيَوَان إِلَى إِنْسَان وَفرس ... ولربما قَالَ مقَالَته كَمَا قد قَالَ قَوْلهمَا بِلَا فرقان ... وأبى سواهُم ذَا وَقَالَ مظَاهر تجلوه ذَات توَحد ومثان ... فَالظَّاهِر المجلو شَيْء وَاحِد لَكِن مظاهره بِلَا حسبان ... هذي عِبَارَات لَهُم مضمونها مَا ثمَّ غير قطّ فِي الْأَعْيَان ... فالقوم مَا صانوه عَن إنس وَلَا جن وَلَا شجر وَلَا حَيَوَان ... كلا وَلَا علو وَلَا سفل وَلَا وَاد وَلَا جبل وَلَا كُثْبَان ... كلا وَلَا طعم وَلَا ريح وَلَا صَوت وَلَا لون من الألوان ... لكنه المطعوم والملبوس وَال مشموم والمسموع بالآذان ... وكذاك قَالُوا أَنه المنكوح وَال مَذْبُوح بل عين الغوي الزَّانِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 .. وَالْكفْر عِنْدهم هدى وَلَو أَنه دين الْمَجُوس وعابدي الْأَوْثَان ... قَالُوا وَمَا عبدُوا سواهُ وَإِنَّمَا ضلوا بِمَا خصوا من الْأَعْيَان ... وَلَو أَنهم عموا وَقَالُوا كلهَا معبودة مَا كَانَ من كفران ... فالكفر ستر حَقِيقَة المعبود بالتسخصيص عِنْد مُحَقّق رباني ... قَالُوا وَلم يَك كَافِرًا فِي قَوْله أَنا ربكُم فِرْعَوْن ذُو الطغيان ... بل كَانَ حَقًا قَوْله إِذْ كَانَ عي ن الْحق مضطلعا بِهَذَا الشان ... وَلذَا غَدا تغريقة فِي الْبَحْر تط هيرا من الأوهام والحسبان ... قَالُوا وَلم يَك مُنْكرا مُوسَى لما عبدوه من عجل لذِي الخوران ... الاعلى من كَانَ لَيْسَ بعابد مَعَهم وَأصْبح ضيق الأعطان ... ولذاك جر بلحية الْأَخ حَيْثُ لم يَك وَاسِعًا فِي قومه لبطان ... بل فرق الانكار مِنْهُ بَينهم ... لما سرى فِي وهمه غيران وَلَقَد رأى إِبْلِيس عارفهم فأه ... وى بِالسُّجُود هُوَ ذِي خضعان قَالُوا لَهُ مَاذَا صنعت فَقَالَ هَل ... غير الْإِلَه وأنتما عُمْيَان مَا ثمَّ غير فاسجدوا إِن شِئْتُم ... للشمس والأصنام والشيطان فا لكل عين الله عِنْد مُحَقّق ... وَالْكل معبود لذِي الْعرْفَان هَذَا هوالمعبود عِنْدهم فَقل ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 .. يَا أمة معبودها موطوؤها ... أَيْن الأله وثغرة الطعان يَا أمة قد صَار من كفرانها ... جُزْء يسير جملَة الكفران ... أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَا وضع لَهُ الْكتاب وَهُوَ المحاكمة بَين الطوائف فَبَدَأَ بمقالة الوجودية الَّذين هم أكفر أهل الأَرْض نَعُوذ بِاللَّه من الزيغ قَوْله فَيكون كلا هَذِه أجزاؤه أَي أَن أحد قوليهم إِنَّه كالأعضاء فِي الصُّورَة الحيوانية أَو كالقوى المعنوية فِي النَّفس فَيكون كلا وأجزاؤه الاعضاء أَو القوى وعَلى القَوْل الثَّانِي لَهُم إِنَّه كتكثر الْأَنْوَاع فِي الْجِنْس فَتكون الموجودات جزئياته وَهُوَ كلي لَهَا تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الزائغون علوا كَبِيرا وَالْأول نَص (الفصوص (وَالثَّانِي قَول ابْن سبعين وَلَكِن عِنْد الْعَفِيف التلمساني الْقَوْلَانِ من الأغلاط وَالْكل عِنْده شيئ وَاحِد فِي نَفسه وَرُبمَا قَالَا مقَالَته أَي ابْن سبعين وَابْن عَرَبِيّ رُبمَا قولا مقَالَته وَهُوَ قد يَقُول قَوْلهمَا نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك وَقد ذكر شيخ الْإِسْلَام بِأَن تَيْمِية فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب (السبعينية (أَقْوَال هَؤُلَاءِ فَذكر أَن كَلَام صَاحب (الفصوص (يَدُور على أصلين أَحدهمَا أَن الْأَشْيَاء كلهَا ثَابِتَة فِي الْعَدَم مستغنية بِنَفسِهَا وَذَات الْمَخْلُوق إِذْ لَيْسَ عِنْده ذَات واجبه متميزة بوجودها عَن الذوات الممكنة وَأَن كَانَ قد يتناقض فِي ذَلِك قَوْلهم فَإِنَّهُم كلهم يتناقضون وكل من خَالف الرُّسُل فَلَا بُد أَنه يتناقض قَالَ تَعَالَى {إِنَّكُم لفي قَول مُخْتَلف يؤفك عَنهُ من أفك} الذاريات 8 9 وَقَالَ {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} النِّسَاء 82 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الأَصْل الثَّانِي أَن الْوُجُود الَّذِي لهَذِهِ الذوات الثَّابِتَة هُوَ عين وجود الْحق الْوَاجِب وَلِهَذَا قَالَ فِي أول (الفصوص (فِي الشيشية وَمن هَؤُلَاءِ يعْنى الَّذين لَا يسْأَلُون الله من يعلم أَن علم الله بِهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من حَال ثُبُوت عينه قبل وجودهَا وَيعلم أَن الْحق لَا يُعْطِيهِ إِلَّا مَا أعطَاهُ عينه من الْعلم بِهِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَال ثُبُوته فَيعلم علم الله بِهِ من أَيْن حصل وَمَا ثمَّ صنف من أهل الله أَعلَى وأكشف من هَذَا الصِّنْف فهم الواقفون على سر الْقدر وهم على قسمَيْنِ مِنْهُم من يعلم ذَلِك مُجملا وَمِنْهُم من يعلم ذَلِك مفصلا وَالَّذِي يُعلمهُ مفصلا أَعلَى وَأتم من الَّذِي يُعلمهُ مُجملا فَإِنَّهُ يعلم مَا فِي علم الله فِيهِ وَإِمَّا بإعلام الله إِيَّاه بِمَا أعطَاهُ عينه من الْعلم بِهِ وَإِمَّا بِأَن يكْشف لَهُ عَن عينه الثَّابِتَة وانتقالات الْأَحْوَال عَلَيْهَا إِلَى مَالا يتناهى وَهُوَ أَعلَى فَإِنَّهُ يكون فِي علمه بِنَفسِهِ بِمَنْزِلَة علم الله بِهِ لِأَن الْأَخْذ من مَعْدن وَاحِد هَذَا لَفظه وَقد كشف شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية عَن مقالات رُؤُوس هَؤُلَاءِ الإتحادية وأوضح كَلَام كل وَاحِد مِنْهُم فِي رسَالَته إِلَى الشَّيْخ نصر المنبجي قَالَ فِيهَا وَأما مَا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ من الإتحاد الْعَام فَمَا علمت أحدا سبقهمْ إِلَيْهِ إِلَّا من أنكر وجود الصَّانِع مثل فِرْعَوْن والقرامطة وَذَلِكَ أَن حَقِيقَة أَمرهم أَنهم يرَوْنَ أَن عين وجود الْحق هُوَ عين وجود الْخلق وان وجود ذَات الله خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض هِيَ نفس وجود الْمَخْلُوقَات وَلَا أَنه غَنِي وَمَا سواهُ فَقير لَكِن تفَرقُوا على ثَلَاثَة طرق وَأكْثر من ينظر فِي كَلَامهم لَا يفهم حَقِيقَة أَمرهم لِأَنَّهُ أَمر مُبْهَم الأول أَن يَقُولُوا إِن الذوات بأسرها كَانَت ثَابِتَة فِي الْعَدَم وَإِن ذَاتهَا أبدية أزلية حَتَّى ذَوَات الْحَيَوَان والنبات والمعادن والحركات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 والسكنات وَإِن وجود الْحق فاض على تِلْكَ الذوات فوجودها وجود الْحق وذواتها لَيست ذَات الْحق ويفرقون بَين الْوُجُود والثبوت فَمَا كنت بِهِ فِي ثبوتك ظَهرت بِهِ فِي وجودك وَيَقُولُونَ إِن الله سُبْحَانَهُ لم يُعْط أحدا شَيْئا وَلَا أغْنى أحدا وَلَا اسعده وَلَا أشقاه وَإِنَّمَا وجوده فاض على الذوات فَلَا تحمد إِلَّا نَفسك وَلَا تذم إِلَّا نَفسك وَيَقُولُونَ إِن هَذَا هُوَ سر الْقدر وَأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا علم الْأَشْيَاء من جِهَة رُؤْيَته لَهَا ثَابِتَة فِي الْعَدَم خَارِجا عَن نَفسه المقدسة وَيَقُولُونَ إِن الله تَعَالَى لَا يقدر أَن يُغير ذرة من الْعَالم وَأَنَّهُمْ قد يعلمُونَ الْأَشْيَاء من حَيْثُ علمهَا الله سُبْحَانَهُ فَيكون علمهمْ وَعلم الله تَعَالَى من مَعْدن وَاحِد وَأَنَّهُمْ يكونُونَ أفضل من خَاتم الرُّسُل من بعض الْوُجُوه لأَنهم ياخذون من الْمَعْدن الَّذِي أَخذ مِنْهُ الْملك الَّذِي يُوحى بِهِ إِلَى الرُّسُل وَيَقُولُونَ إِنَّهُم لم يعبدوا غير الله وَلَا يتَصَوَّر أَن يعبدوا غير الله تَعَالَى وَأَن عباد الْأَصْنَام مَا عبدُوا إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَأَن قَوْله تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الْإِسْرَاء 23 بِمَعْنى حكم لَا بِمَعْنى أَمر فَمَا عبد غير الله فِي كل معبود فَإِن الله تَعَالَى مَا قضى بشيئ إِلَّا وَقع وَيَقُولُونَ إِن الدعْوَة إِلَى الله تَعَالَى مكر بالمدعو فَإِنَّهُ مَا عدم من الْبِدَايَة فيدعى إِلَى الْغَايَة وَأَن قوم نوح قَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا لأَنهم لَو تركوهم لتركوا من الْحق بِقدر مَا تركُوا مِنْهُم لِأَن للحق فِي كل معبود وَجها يعرفهُ من عرفه وينكره من أنكرهُ وَأَن التَّفْرِيق وَالْكَثْرَة كالأعضاء فِي الصُّورَة المحسوسة وكالقوى المعنوية فِي الصُّورَة الروحانية وَأَن الْعَارِف مِنْهُم يعرف من عبد وَفِي أَي صُورَة ظهر حَتَّى عبد فَإِن الْجَاهِل يَقُول هَذَا حجر وَشَجر والعارف يَقُول هَذَا مجلى إلهي يَنْبَغِي تَعْظِيمه فَلَا تقتصر وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 النَّصَارَى إِنَّمَا كفرُوا لأَنهم خصصوا وَأَن عباد الْأَصْنَام مَا أخطؤوا إِلَّا من حَيْثُ اقتصارهم على عبَادَة بعض الْمظَاهر والعارف يعبد كل شيئ وَالله أَيْضا يعبد كل شيئ لِأَن الْأَشْيَاء غذاؤه بالأسماء والاحكام وَهُوَ غذاؤها بالوجود وَهُوَ فَقير إِلَيْهَا وَهِي فقيرة إِلَيْهِ وَهُوَ خَلِيل كل شيئ بهذاالمعنى ويجعلون أسم الله الْحسنى هِيَ مُجَرّد نِسْبَة وَإِضَافَة بَين الْوُجُود والثبوت وَلَيْسَت إِلَّا أُمُور عدمية وَيَقُولُونَ من أَسْمَائِهِ الْحسنى (الْعلي) عَن مَاذَا وَمَا ثمَّ إِلَّا هُوَ وعَلى مَاذَا وَمَا ثمَّ غَيره فالمسمى محدثات هِيَ الْعلية لذاتها وَلَيْسَت إِلَّا هُوَ وَمَا نكح إِلَّا نَفسه وَمَا ذبح سوى نَفسه والمتكلم هُوَ عين المستمع وَأَن مُوسَى إِنَّمَا عتب على هَارُون حَيْثُ نَهَاهُم عَن عبَادَة الْعجل لضيقة وَعدم اتساعه وَإِن مُوسَى كَانَ أوسع فِي الْعلم فَعلم أَنهم لم يعبدوا إِلَّا الله وَأَن أَعلَى مَا عبد الْهوى وَأَن كل من اتخذ إلهه هَوَاهُ فَمَا عبد إِلَّا الله وَفرْعَوْن كَانَ عِنْدهم من أعظم العارفين وَقد صدقه السَّحَرَة فِي قَوْله {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} النازعات 24 وَفِي قَوْله {مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} الْقَصَص 38 وَكنت أخاطب بكشف أَمرهم لبَعض الْفُضَلَاء وَأَقُول إِن حَقِيقَة أَمرهم هُوَ حَقِيقَة قَول فِرْعَوْن الْمُنكر لوُجُود الصَّانِع حَتَّى حَدثنِي بعض الثِّقَات عَن كثير من كبرائهم أَنهم يعترفون وَيَقُولُونَ نَحن على قَول فِرْعَوْن وَهَذِه الْمعَانِي كلهَا هِيَ قَول صَاحب (الفصوص (وَالله تَعَالَى أعلم بِمَا مَاتَ الرجل عَلَيْهِ وَالله يغْفر لجَمِيع الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات الْأَحْيَاء مِنْهُ والأموات رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم وَالْمَقْصُود أَن هَذَا حَقِيقَة مَا تضمنه كتاب (الفصوص (الْمُضَاف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جَاءَ بِهِ وَهُوَ مَا إِذا فهمه الْمُسلم علم بالاضطرار أَن جَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَجَمِيع الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ بل وَجَمِيع عوام أهل الْملَل من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ يبرؤون إِلَى الله تَعَالَى من بعض هَذَا القَوْل فَكيف مِنْهُ كُله وَيعلم أَن الْمُشْركين عباد الْأَوْثَان وَالْكفَّار أهل الْكتاب يعترفون بِوُجُود الصَّانِع الْخَالِق البارئ المصور الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور رَبهم وَرب آبَائِهِم الْأَوَّلين رب الْمشرق وَالْمغْرب وَلَا يَقُول أحد مِنْهُم إِنَّه عين الْمَخْلُوقَات وَلَا نفس المصنوعات كَمَا يَقُوله هَؤُلَاءِ حَتَّى إِنَّهُم يَقُولُونَ لَو زَالَت السَّمَوَات وَالْأَرْض زَالَت حَقِيقَة الله وَهَذَا مركب من أصلين أَحدهمَا أَن الْمَعْدُوم شَيْء ثَابت فِي الْعَدَم كَمَا يَقُوله كثير من الْمُعْتَزلَة والرافضة وَهُوَ مَذْهَب بَاطِل بِالْعقلِ الْمُوَافق للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَكثير من متكلمة أهل الْإِثْبَات كَالْقَاضِي أبي بكر كفر من يَقُول بِهَذَا وَإِنَّمَا غلط هَؤُلَاءِ من حَيْثُ لم يفرقُوا بَين علم الله بالأشياء قبل كَونهَا وَأَنَّهَا مثبتة عِنْده فِي أم الْكتاب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَبَين ثُبُوتهَا فِي الْخَارِج عَن علم الله تَعَالَى فَإِن مَذْهَب الْمُسلمين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء بِعِلْمِهِ الْقَدِيم الأزلي وَأَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلقها فيفرقون بَين الْوُجُود العلمي الْكِتَابِيّ وَبَين الْوُجُود الْعَيْنِيّ الْخَارِجِي وَلِهَذَا كَانَ أول مَا نزل على رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} العلق 1 5 فَذكر الْمَرَاتِب الْأَرْبَعَة وَهِي الْوُجُود الْعَيْنِيّ الَّذِي خلقه وَذكر الْوُجُود الرسمي المطابق اللَّفْظِيّ الدَّال على العلمي وَبَين أَن الله تَعَالَى علمه وَلِهَذَا ذكر أَن التَّعْلِيم بالقلم فَإِنَّهُ مُسْتَلْزم للمراتب الثَّلَاثَة وَهَذَا القَوْل أَعنِي قَول من يَقُول أَن الْمَعْدُوم شيئ ثَابت فِي نَفسه خَارج عَن علم الله تَعَالَى وَأَن كَانَ بَاطِلا ودلالته وَاضِحَة لكنه قد ابتدع فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْإِسْلَام من نَحْو أَرْبَعمِائَة سنة وَابْن عَرَبِيّ وَافق أَصْحَابه وَهُوَ أحد أُصَلِّي مذْهبه الَّذِي فِي (القصوص ( وَالْأَصْل الثَّانِي أَن وجود المحدثات الْمَخْلُوقَات هُوَ عين وجود الْخَالِق لَيْسَ غَيره وَلَا سواهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ابتدعه وَانْفَرَدَ بِهِ عَن جَمِيع من تقدمه من الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء وَهُوَ قَول بَقِيَّة الاتحادية لَكِن ابْن عَرَبِيّ أقربهم إِلَى الْإِسْلَام وَأحسن أما فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَإِنَّهُ يفرق بَين الظَّاهِر والمظاهر فَيقر الْأَمر وَالنَّهْي والشرائع على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَأْمُر فِي السلوك بِكَثِير مِمَّا أَمر بِهِ الْمَشَايِخ من الْأَخْلَاق والعبادات وَلِهَذَا كثير من الْعباد يَأْخُذُونَ من كَلَامه سلوكه فينتفعون وَإِن كَانُوا لَا يفقهُونَ حقائقه وَمن فهمها مِنْهُم وَوَافَقَهُ فقد تبين قَوْله وَأما صَاحبه الصَّدْر الرُّومِي فَإِنَّهُ كَانَ متفلسفا فَهُوَ أبعد عَن الشَّرِيعَة والاسلام وَلِهَذَا كَانَ الْفَاجِر التلمساني الملقب بالعفيف يَقُول كَانَ شَيْخي الْقَدِيم متروحنا متفلسفا وَالْآخر فيلسوفا متروحنا يَعْنِي الصَّدْر الرُّومِي فَإِنَّهُ كَانَ قد أَخذ عَنهُ وَلم يدْرك ابْن عَرَبِيّ وَهُوَ فِي كتاب (مِفْتَاح غيب الْجمع والوجود (وَغَيره يَقُول إِن الله تَعَالَى هُوَ الْوُجُود الْمُطلق الساري فِي الكائنات فَإِذا تعين لم يقل إِنَّه هُوَ وَيفرق بَين الْمُطلق والمعين كَمَا يفرق بَين الْحَيَوَان الْمُطلق وَالْحَيَوَان الْمعِين والجسم الْمُطلق والجسم الْمعِين وَالْمُطلق لَا يُوجد فِي الْخَارِج مُطلقًا لَا يُوجد الْمُطلق إِلَّا فِي الْأَعْيَان الخارجية فحقيقة قَوْله أَنه لَيْسَ لله سُبْحَانَهُ وجود أصلا وَلَا حَقِيقَة وَلَا ثُبُوت إِلَّا نفس الْوُجُود الْقَائِم بالمخلوقات وَلِهَذَا يَقُول هُوَ وَشَيْخه إِن الله تَعَالَى لَا يرى أصلا وَإنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة اسْم وَلَا صفة ويصرحون بِأَن ذَات الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَالْبَوْل والعذرة عين وجوده تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَأما الْفَاجِر التلمساني فَهُوَ أَخبث الْقَوْم وأعمقهم فِي الْكفْر فَإِنَّهُ لَا يفرق بَين الْوُجُود والثبوت كَمَا يفرق ابْن عَرَبِيّ وَلَا يفرق بَين الْمُطلق والمعين كَمَا يفرق الرُّومِي وَلَكِن عِنْده مَا ثمَّ غير وَلَا سوى بِوَجْه من الْوُجُوه وَأَن العَبْد إِنَّمَا يشْهد السوى مَا دَامَ محجوبا فَإِذا انْكَشَفَ حجابه وَرَأى أَنه مَا ثمَّ غير يتَبَيَّن لَهُ الْأَمر وَلِهَذَا كَانَ يسْتَحل جَمِيع الْمُحرمَات حَتَّى حكى عَنهُ الثِّقَات أَنه كَانَ يَقُول الْبِنْت وَالأُم والأجنبية شيئ وَاحِد لَيْسَ فِي ذَلِك حرَام علينا وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ المحجوبون قَالُوا حرَام فَقُلْنَا حرَام عَلَيْكُم وَكَانَ يَقُول الْقُرْآن كُله شرك لَيْسَ فِيهِ تَوْحِيد وَإِنَّمَا التَّوْحِيد فِي كلامنا وَكَانَ يَقُول أَنا مَا أتمسك شَرِيعَة وَاحِدَة وَإِذا أحسن القَوْل يَقُول الْقُرْآن يُوصل إِلَى الْجنَّة وكلامنا يُوصل إِلَى الله تَعَالَى وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى على هَذَا الأَصْل الَّذِي لَهُ ولد ديوَان شعر قد صنع فِيهِ أَشْيَاء وشعره فِي صناعَة الشّعْر جيد وَلكنه كَمَا قيل لحم خِنْزِير فِي طبق صيني وصنف للنصيرية عقيدة وَحَقِيقَة أَمرهم أَن الْحق بِمَنْزِلَة الْبَحْر وأجزاء الموجودات بِمَنْزِلَة أمواجه وَأما ابْن سبعين فَإِنَّهُ فِي البدء والاحاطة يَقُول أَيْضا بوحدة الْوُجُود وَأَنه مَا ثمَّ غير وَكَذَلِكَ ابْن الفارض فِي آخر نظم السلوك لَكِن لم يُصَرح هَل يَقُول بِمثل قَول التلمساني أَو قَول الرُّومِي أَو قَول ابْن عَرَبِيّ وَهُوَ إِلَى كَلَام التلمساني أقرب لَكِن مَا رَأَيْت فيهم من كفر هَذَا الْكفْر الَّذِي مَا كفره اُحْدُ قطّ مثل التلمساني وَآخر يُقَال لَهُ البلناني من مَشَايِخ شيراز وَمن أشعارهم ... وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ... تدل على أَنه عينه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَأَيْضًا ... وَمَا انت غير الْكَوْن بل أَنْت عينه ... وَيفهم هَذَا السِّرّ من هُوَ ذائق ... وَأَيْضًا ... وتلتذ إِن مرت على جَسَدِي يَدي ... لاني فِي التَّحْقِيق لست سواكم ... وَأَيْضًا ... مَا بَال عَيْنك لَا يقر قَرَارهَا ... والى م ظلك لايني متنقلا فلسوف تعلم أَن سيرك لم يكن ... إِلَّا اليك اذا بلغت المنزلا ... وَأَيْضًا ... مَا الامر الا نسق وَاحِد ... مَا فِيهِ من حمد وَلَا ذمّ وانما الْعَادة قد خصصت ... والطبع والشارع بالحكم ... وَأَيْضًا ... يَا عاذلي أَنْت تنهاني وتأمرني ... والوجد أصدق نهاء وأمار فان أطعك وأعص الوجد نلْت عمى ... عَن العيان الى أَوْهَام أَخْبَار فعين مَا أَنْت تَدعُونِي اليه اذا ... حققته تره الْمنْهِي يَا جَار ... وَأَيْضًا ... وَمَا الْبَحْر الا الموج لَا شَيْء غَيره ... وان فرقته كَثْرَة المتعدد ... ألى أَمْثَال هَذِه الاشعار وَفِي النثر مَالا يُحْصى ويوهمون الْجُهَّال أَنهم مَشَايِخ الاسلام وأئمة الْهدى الَّذين جعل الله تَعَالَى لَهُم لِسَان صدق فِي الامة مثل سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَمَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ابْن انس والاوزاعي وابراهيم بن أدهم وسُفْيَان الثَّوْريّ والفضيل بن عِيَاض ومعروف الْكَرْخِي وَالشَّافِعِيّ وَأبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي وَأحمد ابْن حَنْبَل وَبشر الحافي وَعبد الله ابْن الْمُبَارك وشقيق الْبَلْخِي وَمن لَا يُحْصى كَثْرَة إِلَى مثل الْمُتَأَخِّرين مثل الْجُنَيْد بن مُحَمَّد القواريري وَسَهل ابْن عبد الله التسترِي وَعَمْرو بن عُثْمَان الْمَكِّيّ وَمن بعدهمْ الى أبي طَالب الْمَكِّيّ الى مثل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني وَالشَّيْخ عدي وَالشَّيْخ ابي الْبَيَان وَالشَّيْخ أبي مَدين وَالشَّيْخ عقيل وَالشَّيْخ أبي الْوَفَاء وَالشَّيْخ رسْلَان وَالشَّيْخ عبد الرحيم وَالشَّيْخ عبد الله اليونيني وَالشَّيْخ الْقرشِي وأمثال هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ الَّذين كَانُوا بالحجاز وَالشَّام وَالْعراق ومصر وَالْمغْرب وخراسان من الاولين والآخرين كل هَؤُلَاءِ متفقون على تَكْفِير هَؤُلَاءِ وَمن هُوَ أرجح مِنْهُم فان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ هُوَ خلقه وَلَا جُزْءا من خلقه وَلَا صفة لخلقه بل هُوَ سُبْحَانَهُ متميز بِنَفسِهِ المقدسة بَائِن بِذَاتِهِ المعظمة عَن مخلوقاته وَبِذَلِك جَاءَت الْكتب الاربعة الالهية من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن وَعَلِيهِ فطر الله تَعَالَى عباده وعَلى ذَلِك دلّت الْعُقُول وَكَثِيرًا مَا كنت أَظن أَن ظُهُور مثل هَؤُلَاءِ أكبر اسباب ظُهُور التتار واندراس شَرِيعَة الاسلام وَأَن هَؤُلَاءِ مُقَدّمَة الدَّجَّال الاعور الْكذَّاب الَّذِي يزْعم أَنه هُوَ الله فان هَؤُلَاءِ عِنْدهم كل شَيْء هُوَ الله وَلَكِن بعض الاشياء أكبر من بعض وَأعظم أما على رَأْي صَاحب (الفصوص (فَإِن بعض الْمظَاهر والمستجليات يكون أعظم لعظم ذَاته الثابته فِي الْعَدَم وَأما على رَأْي الرُّومِي فان بعض المتعينات يكون أكبر فان بعض جزئيات الْكُلِّي أكبر من بعض وَأما على رَأْي الْبَقِيَّة فَالْكل أَجزَاء مِنْهُ وَبَعض الاجزاء أكبر من بعض فالدجال عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 هَؤُلَاءِ مثل فِرْعَوْن من كبار العارفين وأكبر من الرُّسُل بعد نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام فموسى قَاتل فِرْعَوْن الَّذِي يَدعِي الربوبية ويسلط الله تَعَالَى مسيح الْهدى الَّذِي قيل فِيهِ إِنَّه الله تَعَالَى وَهُوَ بَرِيء من ذَلِك على مسيح الظلالة الَّذِي قَالَ إِنَّه الله وَلِهَذَا كَانَ بعض النَّاس يعجب من كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّه أَعور (وَكَونه قَالَ (وَاعْلَمُوا أَن أحدا مِنْكُم لن يرى ربه حَتَّى يَمُوت (وَابْن الْخَطِيب أنكر أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا لِأَن ظُهُور دَلَائِل الْحُدُوث وَالنَّقْص على الدَّجَّال أبين من أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَعور فَلَمَّا رَأينَا حَقِيقَة قَول هَؤُلَاءِ الاتحادية وتدبرنا مَا وَقعت فِيهِ النَّصَارَى الحلولية ظهر سر دلَالَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامته بِهَذِهِ الْعَلامَة فانه بعث رَحْمَة للْعَالمين فاذا كَانَ كثير من الْخلق يجوز ظُهُور الرب فِي الْبشر اَوْ يَقُول إِنَّه هُوَ الْبشر كَانَ الِاسْتِدْلَال على ذَلِك بالعور دَلِيلا على انْتِفَاء الآلهية عَنهُ وَقد خاطبني قَدِيما شخص من خِيَار أَصْحَابنَا كَانَ يمِيل الى الِاتِّحَاد ثمَّ تَابَ مِنْهُ وَذكر هَذَا الحَدِيث فبينت لَهُ وَجهه وَجَاء الينا شخص كَانَ يَقُول إِنَّه خَاتم الاولياء فَزعم أَن الحلاج لما قَالَ أَنا الْحق كَانَ الله تَعَالَى هُوَ الْمُتَكَلّم على لِسَانه كَمَا يتَكَلَّم الجني على لِسَان المصروع وَأَن الصَّحَابَة لما سمعُوا كَلَام الله تَعَالَى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من هَذَا الْبَاب فبينت لَهُ فَسَاد هَذَا وَأَنه لَو كَانَ كَذَلِك كَانَ الصَّحَابَة بمنزل مُوسَى بن عمرَان وَكَانَ من خاطبه من هَؤُلَاءِ أعظم من مُوسَى لِأَن مُوسَى سمع الْكَلَام الالهي من الشَّجَرَة وَهَؤُلَاء يسمعُونَ من الْحَيّ النَّاطِق وَهَذَا يَقُوله قوم من الاتحادية لَكِن أَكْثَرهم جهال لَا يفرقون بَين الِاتِّحَاد الْعَام الْمُطلق الَّذِي يذهب اليه الْفَاجِر التلمساني وذووه وَبَين الِاتِّحَاد الْمعِين الَّذِي يذهب اليه النَّصَارَى والغالية وَقد كَانَ سلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الامة وسادات الائمة يرَوْنَ كفر الْجَهْمِية أعظم من كفر الْيَهُود كَمَا قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وانما كَانُوا يلوحون تَلْوِيحًا وَقل أَن كَانُوا يصرحون بِأَن ذَاته فِي كل مَكَان وَأما هَؤُلَاءِ الاتحادية فانهم أَخبث وأكفر من أُولَئِكَ الْجَهْمِية وَلَكِن السّلف والائمة أعلم بالاسلام وبحقائقه فان كثيرا من النَّاس قد لَا يفهم تغليظهم فِي ذمّ الْمقَالة حَتَّى يتدبرها ويرزق نور الْهدى فَلَمَّا طلع السّلف على سر القَوْل نفروا مِنْهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ بعض النَّاس متكلمة الْجَهْمِية لَا يعْبدُونَ شَيْئا ومتعبدة الْجَهْمِية يعْبدُونَ كل شَيْء وَذَلِكَ لِأَن متكلمهم لَيْسَ فِي قلبه تأله وَلَا تعبد فَهُوَ يصف ربه بِصِفَات الْعَدَم وَالْمَوْت وَأما المتعبد فَفِي قلبه تأله وَتعبد وَالْقلب لَا يقْصد الا مَوْجُودا لَا مَعْدُوما فَيحْتَاج أَن يعبد الْمَخْلُوقَات إِمَّا الْوُجُود الْمُطلق وَإِمَّا بعض الْمظَاهر كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر والبشر والاوثان وَغير ذَلِك فان قَول الاتحادية يجمع كل شرك فِي الْعَالم ويعم وَلَا يوحدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وانما يوحدون الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْمَخْلُوقَات فهم برَبهمْ يعدلُونَ وَلِهَذَا حدث الثِّقَة أَن ابْن سبعين كَانَ يُرِيد الذّهاب الى الْهِنْد وَقَالَ إِن ارْض الاسلام لَا تسعه لَان الْهِنْد مشركون يعْبدُونَ كل شَيْء حَتَّى النَّبَات وَالْحَيَوَان وَهَذَا حَقِيقَة قَول الاتحادية وَأعرف نَاسا لَهُم اشْتِغَال فِي الفلسفة وَالْكَلَام وَقد تألهوا على طَرِيق هَؤُلَاءِ الاتحادية فَإِذا أخذُوا يصفونَ الرب سُبْحَانَهُ بالْكلَام قَالُوا لَيْسَ بِكَذَا لَيْسَ بِكَذَا ووصفوه بِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَات كَمَا يَقُوله الْمُسلمُونَ لَكِن يجحدون صِفَات الاثبات الَّتِي جَاءَت بهَا الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام واذا صَار لاحدهم ذوق وَوجد لَهُ تأله وسلك طَرِيق الاتحادية وَقَالَ إِنَّه هُوَ الموجودات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كلهَا فاذا قيل لَهُ إِن ذَلِك النَّفْي من هَذَا الاثبات قَالَ ذَلِك عقدي وَهَذَا ذوقي فَيُقَال لهَذَا الضال كل ذوق وَوجد لَا يُطَابق الِاعْتِقَاد فأحدهما اَوْ كِلَاهُمَا بَاطِل وأنما الاذواق والمواجيد نتائج المعارف والاعتقادات فان علم الْقلب وحاله متلازمان فعلى قدر الْعلم والمعرفة يكون الوجد والمحبة والمحاك وَلَو سلك هَؤُلَاءِ طَرِيق الانبياء وَالْمُرْسلِينَ عَلَيْهِم السَّلَام الَّذين أمروا بِعبَادة الله وَحده لَا شريك لَهُ ووصفوه بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَبِمَا وَصفته بِهِ رسله وَاتبعُوا طَرِيق السَّابِقين الاولين لسلكوا طَرِيق الْهدى ووجدوا برد الْيَقِين وقرة الْعين فان الامر كَمَا قَالَ بعض النَّاس إِن الرُّسُل جاؤوا باثبات مفصل وَنفي مُجمل والصابئة المعطلة جاؤوا بِنَفْي مفصل والثبات مُجمل فالقرآن مَمْلُوء من قَوْله تَعَالَى {إِن الله بِكُل شَيْء عليم} العنكبوت 62 و {على كل شَيْء قدير} الْملك 1 و {إِن الله سميع بَصِير} الْحَج 75 {رَبنَا وسعت كل شَيْء رَحْمَة وعلما} غَافِر 7 وَفِي النَّفْي {لَيْسَ كمثله شَيْء} الشورى 11 {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} الصَّمد 4 {هَل تعلم لَهُ سميا} مَرْيَم 65 {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين} الصافات 180 181 انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ وَنقل الْحَافِظ الْحجَّة شمس الدّين ابو الْخَيْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي فِي كتاب (القَوْل المنبي عَن تَرْجَمَة ابْن عَرَبِيّ (عَن الْعَلامَة سيف الدّين عبد اللَّطِيف بن عبد الله السعودي الْحَنَفِيّ أَنه رفع سؤالا إِلَى الْعلمَاء على رَأس الْقرن السَّابِع عَن كتاب (الفصوص (لِابْنِ عَرَبِيّ وَنَصه مَا تَقول السَّادة الْعلمَاء أَئِمَّة الدّين وَهُدَاة الْمُسلمين عَن كتاب بَين أظهر النَّاس زعم مُصَنفه أَنه وَضعه وَأخرجه للنَّاس باذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَام زعم أَنه رَآهُ وَأكْثر كِتَابه ضد لما أنزل الله من كتبه الْمنزلَة وَعكس وَصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عَن قَول أَنْبيَاء الله الْمُرْسلَة فمما قَالَ فِيهِ إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا سمي انسانا لِأَنَّهُ للحق تَعَالَى بِمَنْزِلَة إِنْسَان الْعين من الْعين الَّذِي يكون بِهِ النّظر وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِن الْحق المنزه هُوَ الْخلق الْمُشبه وَقَالَ فِي قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُم لَو تركُوا عِبَادَتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر لجهلوا من الْحق بِقدر مَا تركُوا من هَؤُلَاءِ ثمَّ قَالَ فان للحق فِي كل معبود وَجها يعرفهُ من عرفه ويجهله من جَهله فالعالم يعلم من عبد وَفِي أَي سُورَة ظهر حَتَّى عبد وَإِن التَّفْرِيق وَالْكَثْرَة كالاعضاء فِي الصُّورَة المحسوسة ثمَّ قَالَ فِي قوم هود عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُم حصلوا فِي عين الْقرب فَزَالَ مُسَمّى جَهَنَّم فِي حَقهم ففازوا بنعيم الْقرب من جِهَة اللإستحقاق فَمَا أَعْطَاهُم هَذَا الْمقَام الذوقي اللذيذ من جِهَة الْمِنَّة وانما أَخَذُوهُ بِمَا اسْتحقَّت حقائقهم من أَعْمَالهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَكَانُوا على صِرَاط الرب الْمُسْتَقيم ثمَّ انه أنكر فِيهِ حكم الْوَعيد فِي حق من حقت عَلَيْهِ كلمة الْعَذَاب من سَائِر العبيد فَهَل يكفر من يصدقهُ فِي ذَلِك أَو يرضى بِهِ مِنْهُ أم لَا وَهل يَأْثَم سامعه إِذا كَانَ بَالغا عَاقِلا وَلم يُنكره بِلِسَانِهِ أَو بِقَلْبِه أفتونا بالوضوح وَالْبَيَان كَمَا أَخذ الْمِيثَاق والتبيان فقد أضرّ الإهمال بالضعفاء والجهال وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وعَلى الله الاتكال أَن يعجل للملحدين النكال لصلاح الْحَال وحسم مَادَّة الضال فَأجَاب عَن هَذَا السُّؤَال جهابذة الاسلام وَالْعُلَمَاء الاعلام كَالشَّمْسِ مُحَمَّد بن يُوسُف الْجَزرِي والحافظ الْحجَّة سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَالشَّيْخ نور الدّين الْبكْرِيّ والزواوي الْمَالِكِي وَشَيخ الاسلام ابْن تَيْمِية والامام نجم الدّين مُحَمَّد بن عقيل البالسي وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة بأجوبة طَوِيلَة كَافِيَة شافية ذكرهَا السخاوي رَحمَه الله وَتَركنَا ذكرهَا اختصارا ثمَّ قَالَ السخاوي رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأت لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 يَعْنِي السَّيْف السعودي مصنفا أفادنيه الْعَلامَة مفخر الزَّمَان الامين أَبُو زَكَرِيَّا الأقصرائي الْحَنَفِيّ فسح الله فِي اجله وَهُوَ بِخَط أَحْمد بن آقش الشبلي جمعه السَّيْف فِي شهور سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة وَسَماهُ (بَيَان حكم مَا فِي الفصوص (من الاعتقادات المفسوة والاعتقادات الْبَاطِلَة الْمَرْدُودَة (الَّتِي من اعتقدها كفر وَمن لم ينكرها أَثم وخسر وَالِاسْتِدْلَال لصِحَّة ذَلِك بِالْكتاب وَالسّنة الْوَاضِحَة عَنهُ اهل الْمعرفَة والفطنة وَنسخ فَتَاوَى أهل الْعلم والائمة من أهل الْمَرَاتِب والحلم على اخْتِلَاف مذاهبهم واتفاق مطالبهم لنصرة دين الله وَاتِّبَاع رَسُوله الْخَاتم فَمن خالفهم بعد ذَلِك فَهُوَ بالمخالفة ضال ظَالِم وافتتحه بقصيدتين من نظمه قافية الاولى على الْهَاء والمكسورة مطْلعهَا ... عجبت لمنكر إِنْكَار قوم ... على منشي (الفصوص (ومفتريه ... وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَالثَّانيَِة أَولهَا ... فرض علينا اتِّبَاع نَبينَا ... بِحَقِيقَة منا وَحكم جازم ... وَذكرهَا وَهِي سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا ثمَّ قَالَ وَهَذِه قصيدة ثَالِثَة أوردهَا النَّاظِم أثْنَاء كِتَابه وَقَالَ إِنَّه لقبها ب (جلاء (الفصوص (على فهم كل تَقِيّ مَخْصُوص (فقدمتها هُنَا ... تفنى المحابر دون شرح كَلَامه ... فِي وصف جرأته وَفِي إقدامه من يستبيح بِأَن يَقُول تعمدا ... كذبا على الْهَادِي بزور مَنَامه أَقْوَاله تنبي اللبيب بِأَنَّهُ ... كذب بِلَا شكّ لسوء مرامه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 .. لَوْلَا الْحَلِيم بحلمه عَم الورى ... فضلا وجودا ذَاك من إنعامه لاندكت الاجبال مِمَّا قَالَه ... فِي حق منشيه وَفِي علامه اذ قَالَ فِيهِ إِنَّه هُوَ خلقه ... والخلق يَشْمَل ذكر كل هوامه وَيَرَاهُ صُورَة كل شَيْء قد بدا ... وعيونه وَوُجُود وصف قوامه وَهُوَ الْمُنعم بالملاذ وضدها ... يتألم الوجدان من إيلامه وَيَقُول نَحن غذاؤه بالحكم هَل ... صَمد يكون لَهُ غذَاء كطعامه مَا كل مَا قد قَالَ يُمكن شَرحه ... لقبيح مَفْهُوم وَثَبت حرَامه جلّ الْمُقَدّس والمعظم دَائِما ... عَن كل فهم جلّ عَن إعظامه هِيَ فتْنَة للامتحان بلية ... لبَيَان دين الْقَوْم عِنْد كَلَامه فالمؤمنون المتقون تراهم ... قَامُوا لنصر الدّين حق قِيَامه غضبوا فَلَمَّا يرضهم انكاره ... بالْقَوْل فِيهِ كلائم لغلامه لكِنهمْ لَو مكنوا لرأيتهم ... كلا مَكَان القَوْل ضرب حسامه للملحدين الزاعمين لوحدة ... فِيهَا استباح القَوْل نَص حرَامه وَعبادَة الْأَصْنَام عرفان لَهُم ... وبذاك كل سل من إِسْلَامه سجدوا بِمَا زَعَمُوا وَإِن لم يسجدوا ... مَعَ كل ذِي شرك لَدَى أصنامه قَامُوا بِكفْر الْكَافرين بأسرهم ... قصدا وعقدا ثمَّ فِي إبرامه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 .. ومصدق لَهُم بِحكم مثلهم ... وسط الضَّلَالَة بِاتِّبَاع إِمَامه قد حَاز كل الاثم مِمَّن قد مضى ... وَله مزِيد الكفل مَعَ آثامه هَذَا نصيب رئيسهم وإمامهم ... فِي الْورْد اذ ورد وعَلى أقدامه من قَالَ فِي أَعدَاء نوح إِنَّهُم ... كَانُوا على حق وجوب لزامه وَلَو اسْتَجَابُوا تاركي اصنامهم ... جهلوا حقائق فِيهِ حق تَمَامه من قَالَ فِي عَاد بِأَنَّهُم ثووا ... فِي عين قرب وسط دَار سَلَامه سلكوا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بجرمهم ... وَبِه استحقوا الْجُود من إكرامه مَا نيلهم للقرب مِنْهُ منَّة ... لكنه حق يرى بقيامه من قَالَ فِي حق الْخَلِيل بِأَنَّهُ ... لم يدر تعبيرا لحلم مَنَامه من بعد حصر صِفَات ذَات قدست ... إِثْبَات مَا لم يرتقي لمرامه فَأَرَادَ يذبح إبنه بتوهم ... فَفَدَاهُ رب الْعَرْش من أَوْهَامه من قَالَ فِي إِسْمَاعِيل مرضِي لَهُ ... وكذاك مرضِي جَمِيع أنامه هَذَا الْكَلَام جَمِيعه متناقض ... فِي الحكم مَعْنَاهُ لَدَى فهامه من قَالَ فِي فِرْعَوْن مَا قد قَالَه ... فَهُوَ البريء لَدَيْهِ من اجرامه وَيَقُول مَاتَ مطهرا فِي وقته ... من كفره حكما وَمن آثامه علم الجهول بِحكم مَا لم يُبْدِهِ ... مُوسَى الرَّسُول الْمُصْطَفى لكَلَامه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 .. وَكَذَا النَّبِي الْمُصْطَفى لم يُبْدِهِ ... بمقالة للنَّاس فِي إفهامه من قَالَ فِي مُوسَى الكليم بِأَنَّهُ ... لما بدا بعتابه وخصامه لِأَخِيهِ هَارُون النَّبِي معنفا ... لم لَا اتسعت وَذَاكَ من افهامه إِن الْعِبَادَة صادفت من قومه ... فِي الْعجل عين الْحق فِي اقسامه لَو كَانَ ذَلِك لم يحرق عجلهم ... وبنسفه فِي اليم محو نظامه من قَالَ فِي أَيُّوب جهل صبره ... اذ لم يعجل باشتكاء سقامه من قَالَ ان عَذَاب خلد ذوقه ... كنعيم خلد لذ فِي إلمامه فِي حق كل الْكَافرين بأسرهم ... وَالْفرق رَأْي الْعين وصف قِيَامه فَعَسَى يكون نصِيبه مَا قَالَه ... من وهمه يلقاه بعد حمامه فَيرى خلاف فَسَاد وهم ظنونه ... نزع الشوى مِنْهُ وحطم عِظَامه من جهل الرُّسُل الْكِرَام بأسرهم ... بمقاله فيهم وَسُوء مسامه فشهادتاه هُوَ الخداع وَهَكَذَا ... حكم الصَّلَاة وَحكم وصف قِيَامه يحمي بِهِ النَّفس الخبيثة خَائفًا ... من قَتلهَا كفرا لَدَى حكامه جهل الشَّرَائِع والحقائق كلهَا ... هلك الَّذِي وَالَاهُ باستسلامه خَابَ الْمُقَلّد غير مَعْصُوم وَقد أبدى خلاف الْحق فِي إيهامه ... من كَانَ مُتبع الرَّسُول فَحكمه فِيهِ مكعصوم لفضل امامه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 .. من صد عَنهُ مُخَالفا بتعمد أصماه راميه بِوَقع سهامه ... إِبْلِيس قَوس الرَّمْي هَذَا وَصفه وسهامه الاقوال من إِلْزَامه ... من نقص الْمُخْتَار ضل عَن الْهدى فِي قَوْله فِيهِ بِنَقْض ختامه ... ومقاله فِي إستقم لم يدر مَا مِنْهُ المُرَاد فشاب من إيهامه ... مَا شكّ قطّ الْمُصْطَفى فِي قربه وَبسر عصمته علو مقَامه ... فَيَقُول شَاب لانه لم يدر هَل قَول اسْتَقِم فِي الامر من اقسامه ... وَيَقُول فِي غير النَّبِي بِأَنَّهُ سَاوَى الآله بِعِلْمِهِ لدوامه ... فِي حكم أقدار عَلَيْهِ مفصلا أبدا يُحَقّق ذَاك فِي أَحْكَامه ... من يسْتَحق سواهُ مَا قد قَالَه فِي تَابع إِن صَحَّ من خُدَّامه ... من جهل الصّديق فِيمَا قَالَه من عجز إِدْرَاك لعظم مرامه ... هَل بعد جملَة مَا ذكرت ضَلَالَة قد عَم ظلمَة من مضى بظلامه ... أَقْوَال ضد للشرائع كلهَا ومخالف العلام فِي إِعْلَامه ... فَعَلَيهِ من غضب الاله بِعِلْمِهِ مَا يسْتَحق بظنه وَكَلَامه ... وعَلى مصدقه وَمن يرضى بِهِ أبدا يجدد مَعَ مدى أَيَّامه ... واغفر لناظمها وكل موفق لبَيَان وَجه الْحق باستلزامه ... عبد اللَّطِيف مُرَاده فِي وَضعهَا ... تبيان لبس القَوْل فِي إعجامه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 .. لزوَال وهم تخيل عَن فهم من قد صد ظنا مِنْهُ فِي احجامه ... لتابع الْحق الْمُبين بِلَا امترا فينال فضل الْجُود من قسامه ... فِيهَا نصيحة كل بر صَالح وعداوة الْمفْتُون مَعَ اغمامه ... وشفاء صدر سَالم من غله ومزيد ذِي الاصمام من اصمامه ... من صد عَنْهَا معرضًا متعللا متوقفا بالوهم مَعَ أخصامه ... دع مَا يَقُول وتابع الْهَادِي الَّذِي تهدي بِهِ وَتحل بَين خيامه ... فَتَصِير مَعَ أهل الْخيام برملة وتنال مِنْهُ حَقِيقَة لذمامه ... فبها النجَاة لكل عبد مُسلم فَعَلَيهِ من رَبِّي دوَام سَلَامه ... وعَلى النَّبِي وَآله مَعَ صَحبه عُلَمَاء أصل الدّين عقد نظامه ... وَالْحَمْد لله الْعَظِيم ختامها حمدا وشكرا فَهُوَ من إلهامه ... حمدا بدا من جوده اجزاوه وَعَلِيهِ بالافضال حكم تَمَامه ... فِيهِ الْوُصُول لواصل لمراده وَبِه تمسك وَاتَّقَى بعصامه ... ثمَّ قَالَ النَّاظِم تمت الابيات مختصرة الْمعَانِي صَحِيحَة المباني متضمنة اعْتِقَاده ومبينة لكل لَبِيب فَسَاده بِذكر مَا زَعمه وأراده فلنورد مُقَدمَات الْفَتَاوَى مَعَ بَيَان مَا أوجب ذَلِك من الْكتاب وَالسّنة مِمَّا هُوَ ظَاهر لِذَوي البصائر والفطنة ثمَّ أجوبة الْعلمَاء التَّابِعين لخاتم الانبياء بتكفير صَاحب (الفصوص (والمصدق لَهُ فِيمَا أوردهُ من مُخَالفَة النُّصُوص وتحذير من لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 يُنكره من الْوُقُوع فِي الْمُخَالفَة والمحنة وَبَيَان أَنه مِمَّن أَخطَأ طَرِيق الْجنَّة الا أَن كَانَ غير عَالم بِمَا وَجب عَلَيْهِ وَندب من الله وَرَسُوله إِلَيْهِ من الْقيام بالانكار وابداء الْعَدَاوَة لأعداء الله الْفجار قَالَ وَكَانَ الْوَاجِب لاخذ هَذِه الْفَتَاوَى مَا قَرَّرَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (من حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا (الدّين النَّصِيحَة (قُلْنَا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولائمة الْمُسلمين وعامتهم (فمفهوم مَضْمُون هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يحل لمُسلم يسمع فِي حق الله مَا لَا يَلِيق بِكَمَالِهِ وعظمته وجلاله اَوْ يسمع من يلْحد فِي آيَاته ويخوض فِي مَعَاني كِتَابه الْعَزِيز بباطل تأويلاته ويحرفه عَن موَاضعه أَو يُخرجهُ فِي الاحكام عَن مواقعه كتحليل حرَامه أَو تَحْرِيم حَلَاله أَو تَغْيِير كَلَامه أَو مناقضة شَيْء من أَحْكَامه اَوْ يسمع من يتنقص رسله الْكِرَام اَوْ يرد قولا من أَقْوَال نبيه عَلَيْهِ السَّلَام اَوْ يغض من قدره بِصَرِيح لفظ مَعْلُوم اَوْ بتلويح مشْعر بذلك لارباب الفهوم ثمَّ يسكت إِن امكنه الْكَلَام اَوْ يرضى بِهِ من أحد من الانام أَن وَسعه السُّكُوت والنصيحة لائمة الْمُسلمين مَفْهُومه بالمناصحة فِي الدّين واعانتهم على مصَالح الْمُسلمين وَأما النَّصِيحَة لعامتهم فبمَا يَأْمُرهُم بِهِ من الْمَعْرُوف وينهاهم عَن الْمُنكر والمساعدة والعون بِمَا تصل أليه الْقُدْرَة مِمَّا حض الله وَرَسُوله عَلَيْهِ وَدفع ضَرَر الاديان أهم وَهُوَ فِي النَّفْع أخص وَفِي بذل النَّصِيحَة أَعم وَيُؤَيّد الْمَقْصُود فِي هَذَا الْمَعْنى مَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا من نَبِي بَعثه الله فِي أمته قبلي الا كَانَ لَهُ من امته حواريون وَأَصْحَاب يَأْخُذُونَ بسنته ويقتدون بأَمْره ثمَّ انها تخلف من بعدهمْ خلوف يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ويفعلون مَا لَا يؤمرون فَمن جاهدهم بِيَدِهِ فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 مُؤمن وَمن جاهدهم بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِقَلْبِه فَهُوَ مُؤمن وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خرذل (وَقَالَ تَعَالَى {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} الْحَج 78 الْآيَة فقد ثَبت وَتعين وجوب الْجِهَاد على أهل الْإِيمَان فِي كل زمَان وَمَكَان وبذل الْغَضَب لله والمجاهدة فِي سَبيله دينا ومذهبا لكَونه صَار فِي الذِّمَّة حتما مُرَتبا وَقَالَ عز من قَائِل {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم} المجادلة 2 3 الْآيَة وَقد علمنَا أَن الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى قد شَرط فِي صِحَة الْإِيمَان بِهِ الْكفْر بالطاغوت لقَوْله {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى} الْبَقَرَة 256 فَصَارَ الْكفْر بالطاغوت شرطا فِي صِحَة الْإِيمَان بِاللَّه وَاجِبا لَا يُمكن وجود الْإِيمَان إِلَّا بِوُجُودِهِ وَصَاحب (الفصوص (زعم فِي التَّوْحِيد أَن ترك عبَادَة الْأَصْنَام جهل وَذَا كَاف لمن رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا هُوَ الْمُوجب للْقِيَام وَأخذ الْفَتَاوَى ليرتدع المشاقق والمناوئ بعد أَن رَأَيْت من يعْتَقد صِحَة مقاله وَيَزْعُم أَنه حق فبادرت لبَيَان ضلاله وَإِثْبَات محاله فَإِن فِي قَوْله ذَلِك عدَّة أَنْوَاع من الْكفْر لمن ميزه واعتبره وأبدا مَا أظهره خَفِي مَا أضمره من رده نَص مُحكم الْكتاب وتصويبه الْكفْر السَّرِيع الانقلاب وتميزه من تعاطاه على من أنكرهُ وَقد ثَبت فِي الاحكام وشاع فهمه بَين الْأَنَام أَنه مَا عبد الْأَصْنَام إِلَّا أَجْهَل الْخلق اللئام وَلَا أنكرهُ عَلَيْهِم إِلَّا أفضل الْخلق وأعلمهم بِاللَّه أَعنِي الرُّسُل الْكِرَام والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَانْظُر إِلَى هَذَا الْإِقْدَام والتجرئ على الله بِمَا يُخَالف مِلَّة الْإِسْلَام بل سَائِر الْملَل عِنْد ذَوي الأفهام إِلَى أَن قَالَ بعد خطْبَة الْكتاب وَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كملت الْمِائَة السَّادِسَة من الْهِجْرَة ظَهرت مبادئ تِلْكَ الفترة بِظُهُور من ينْسب إِلَى الْعلم والتصوف مِمَّن أعطي فِي أَلْفَاظه نوعا من التَّصَرُّف لاكتسابه الْعُلُوم الفلسفية والطبيعية وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الَّتِي لَا يُرْجَى خَيرهَا فتولد من هَذِه المركبات فِي الذِّهْن عِبَارَات وأنواع إشارات بِلِسَان يستغرب وَعند غير الْعَارِف الذكي تستعذب وَهِي فَاسِدَة الْمعَانِي واهية المباني مُخَالفَة لظواهر النُّصُوص معاكسة لقَوْل كل نَبِي مَخْصُوص مَعَ تحريفه تَأْوِيل مَا يعتضد بِهِ من الْمَنْقُول على حكم اعْتِقَاده فِي الْوحدَة أَو الِاتِّحَاد والحلول وتزايد بِهِ الْأَمر حَتَّى أقدم على المضادة وَأظْهر الْمُخَالفَة والمعاندة بِمَا وَضعه فِي كتاب (الفصوص (المشارك لَهُ فِي وَضعه إِبْلِيس قصدا للتدليس وإظهارا للتلبيس فأظهر الله بالتحقيق ذَلِك لِذَوي التَّوْفِيق فَمن أعظم تحيلاته وَكذبه على الله وافتئاته مَا زَعمه فِي مُقَدّمَة الْكتاب الْمَذْكُور من البهتنان والزور حَيْثُ قَالَ إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَبِيَدِهِ كتاب فَقَالَ لَهُ هَذَا كتاب (فصوص الحكم (خُذْهُ وَأخرجه إِلَى النَّاس يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَنه أخرجه كَمَا حَده لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان فَانْظُر إِلَى هَذَا الْخلَل وَظُهُور دَلَائِل الزلل وَذَلِكَ أَنه زعم أَنه نَاوَلَهُ إِيَّاه وَسَماهُ لَهُ وَلم يقل قرأته عَلَيْهِ وَلَا انْتَبَهت فَوَجَدته فِي يَدي فَكيف عرف حَده وكل مَا فِيهِ من قَول وَمعنى من نظم ونثر واستدلال بعلوم فلسفية وطبيعية وهندسية من الْعُلُوم الَّتِي لَا تنْسب إِلَى الحضرة المحمدية وَمَا فِيهَا من الشّعْر فَلَا ينْسب إِلَى نَبِي وَلَا ملك وَلَا إِلَى حَضْرَة إلهية من مبادئ تجليات الْحق سُبْحَانَهُ فِي الْمَنَام وَلَا غَيره هَذَا إِذا كَانَ الشّعْر وَالْكَلَام مُوَافقا لما جَاءَت بِهِ الرُّسُل الْكِرَام فظهرت دَلَائِل كذبه فِيمَا جعله لدفع الشُّبْهَة عَنهُ من أقوى سَببه لبلفت بِهِ إِلَيْهِ الْعَوام ويصغي نَحوه أهل البلادة بالإيهام فَيحصل مِنْهُم عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فِيمَا ينكرونه عَلَيْهِ الإحجام وَكَانَ أول مُنكر بَدَأَ بالإنكار عَلَيْهِ وَثَبت كفره وَكذبه لَدَيْهِ شيخ الْإِسْلَام ومفتي الانام عز الدّين بن عبد السَّلَام من أَنه مااتصل بِنَا أَنه وقف على كتاب (الفصوص (ومخالفته فِيهِ لصريح أَحْكَام الله فِي النُّصُوص بل ذَلِك بِمَا بلغه من فَاسد أَقْوَاله وتبت عِنْده من مُخَالفَة طرق أهل الْحق فِي انتحاله ثمَّ تَابعه فِي الْإِنْكَار الشَّيْخ الإِمَام بركَة الاسلام القطب الْقُسْطَلَانِيّ تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ أعالى غرف جنته وحذر النَّاس من تَصْدِيقه وَبَين فِي مصنفاته فَسَاد قَاعِدَته 2 وضلال طَرِيقه فِي كتاب سَمَّاهُ (ب (الارتباط (ذكر فِيهِ جمَاعَة من هَؤُلَاءِ الأنماط ثمَّ الشَّيْخ الصَّالح الْعَارِف الْمُحَقق برهَان الدّين الجعبري قدس الله روحه بِمَا نقلته عَنهُ الْعُدُول مِمَّا هُوَ مَذْكُور عَنهُ ومنقول ثمَّ بعد ذَلِك تَوَاتر الْإِنْكَار من الصلحاء الْعباد والأتقياء الزهاد وَأهل الْوَرع من الْأَفْرَاد مِمَّا لَا سَبِيل لحصرهم وَلَا تَفْصِيل ذكرهم إِلَى أَن أَقَامَ الله فِي ذَلِك من أَقَامَ وَنبهَ عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام وأذهب عَن المنكرين ببيانه الإحجام وأزال بتبيانه الشُّبْهَة عَن الأوهام واستضاء أهل البصائر من أولي التَّوْفِيق بِنور الْقُرْآن إِذْ علمُوا أَن بِهِ يَتَّضِح الْفرْقَان وَإِن صَحِيح الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة عُمْدَة أهل الْعرْفَان وتحققوا أَن من خَالف الْكتاب وَالسّنة فَقَوله مَرْدُود وَهُوَ عَن جناب الْحق مبعود وَمن صدقه ضل وَعقد دينه بتصديقه انحل فَنَهَضت عَلَيْهِ أنصار الْحق من عُلَمَاء الصدْق بسيوف فتاوابهم القاطعة وأنوار أدلتهم الساطعة لما سمعُوا مُنَادِي الْإِسْلَام يُنَادي الصَّلَاة جَامِعَة بِصَحِيح عقد جازم للْقِيَام بِوُجُوب فرض لَازم نصيحة لرب الْعَالمين وَنَصره لكتابه الْمُبين وتأييدا لدينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ وأظهره على كل دين وانتصارا لرسله الْكِرَام وأنبيائه عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام من كيد الحاد الْمُلْحِدِينَ مِمَّن جعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْكفْر إِيمَانًا وَالْجهل عرفانا والشرك توحيدا والعصيان طَاعَة لَا يسْتَحق العَاصِي عَلَيْهِ وعيدا وَلم يفرق بَين عبَادَة الصَّنَم والصمد بل عِنْده من سجد للصنم أَعلَى مِمَّن كفر بِهِ وَجحد فَأصَاب الْعلمَاء الْمفْتُون واستجابوا لداعي الْحق بِالصّدقِ وهم منتصرون ثمَّ إِنِّي خشيت نِسْيَان أَقْوَال أهل الإرشادواستمرار مَا تقدم وَصفه بَين أظهر الْمُسلمين من الْفساد فاستخرت الله فِي كِتَابَة فتيا متضمنة لنبذة من كَلَامه منبئة عَن مَفْهُوم معتقده الْفَاسِد ومرامه ليشملها خطوط الْعلمَاء السَّادة الَّذين أورثهم الله بِالْعلمِ الخشية فاغتبطوا بالإفادة فَأَسْرعُوا بِالْبَيَانِ والإيضاح والتبيان قيَاما بِمَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق فِي بَيَانه للنَّاس وَهُوَ فِي كل زمَان فرض بَاقٍ وَكتب عَلَيْهَا كل من راقب الله وخشيه وَامْتنع من التبسه مَخَافَة غَيره وخشيه فالكاتب قد قَامَ لله بلوازم فَرْضه والممتنع مسؤول عَن ذَلِك يَوْم عرضه بل زعم أَنه ترك ذَلِك خوف الْفِتْنَة من الْمُخَالفين فَتلك محنة فِي الدّين وَكفى بِاللَّه رقيبا وعَلى كل شيئ حسيبا وهوالغني بِعِلْمِهِ الْمُحِيط عَن أَخْبَار المخبرين المطلع على سرائر الصامتين وضمائر المخبتين ثمَّ كتب السُّؤَال الْمَاضِي ذكره وسَاق أَلْفَاظ المجيبين وهم ابْن جمَاعَة الْحَارِثِيّ والجزري والكناني والبكري والزواوي والباسلي وَقَالَ وَلما تمت الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَة المرموقة المسطورة قَالَ لي بعض الْفُضَلَاء الْعُقَلَاء الَّذين يَقُولُونَ الْحق ويعتمدون الصدْق فِي النصح بَين الْخلق لم لَا سَأَلت التقي ابْن تَيْمِية فَأن غيرته فِي دين الله قَوِيَّة ومعرفته بأقوال المبتدعين وَفِيه فَقلت لَهُ إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنه لَهُم غريما وبمعاداتهم فِي دين الله موسوما فَقَالَ الْعَالم لَا يستخصم وَالْحَاكِم الْعَادِل لَا يستظلم والمفتي لَا يكْتب بقلمه إِلَّا مَا يتعضد فِيهِ بِالْكتاب وَالسّنة بعد أَن يعرض نَفسه على النَّار وَالْجنَّة وَيعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أَنه مسؤول عَمَّا كتب إِمَّا فِي الدُّنْيَا من ذَوي الحكم وأرباب الرتب أَو فِي الْآخِرَة من الرب الْعَظِيم الَّذِي يخْشَى ويرتقب فِي يَوْم تجثو فِيهِ الْأُمَم على الركب فَبَان لي وَجه الصَّوَاب فِي قَول الْقَائِل وأضربت عَن تَأْوِيل الْمعَارض الْجَاهِل وَأرْسلت إِلَيْهِ فبادر بِالْجَوَابِ وَرفع الله عَن قلبه فِي ذَلِك كل حجاب وَمَا رَاعى غير الله فِيمَا علم وَلَا أبقى مُمكنا فِيمَا إِظْهَاره لزم ثمَّ أورد الْجَواب وَفِيه طول تَرَكْنَاهُ اختصارا ودعا لَهُ بالتأييد فِيمَا يرومه من أظهار الْحق للحق بِالْحَقِّ فِي الْخلق ويقصده من قِيَامه ونصرته فَإِنَّهُ أشفى وَمَا أشتفى وكف مظَاهر الْمُلْحِدِينَ وَمَا اكْتفى فَإِن الْغَضَب إِذا كَانَ لله لَا يَزُول مُدَّة إِلَّا بِزَوَال مُوجبه وَلَكِن المرجو من الله استئصال أَهله وَكتبه ثمَّ سَاق السَّيْف عَن أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ قَوْله فِي عقيدته الْمَشْهُورَة إِن الله تَعَالَى مَا زَالَ بصفاته قَدِيما قبل خلقه لم يزدْ بكونهم شَيْئا لم يكن قبلهم من صفته وكما كَانَ بصفاته أزليا كَذَلِك لَا يزَال عَلَيْهَا أبديا لَيْسَ مُنْذُ خلق الْخلق اسْتَفَادَ الْخَالِق وَلَا بإحداثه الْبَريَّة اسْتَفَادَ الْبَارِي لَهُ معنى الربوبية وَلَا مربوب وَمعنى الخالقية وَلَا مَخْلُوق وكما أَنه مُحي الْمَوْتَى بعد مَا أحيى اسْتحق هَذَا الإسم قبل إحيائهم وَكَذَلِكَ اسْتحق اسْم الْخَالِق قبل إنشائهم ذَلِك أَنه على كل شيئ قدير وكل شيئ إِلَيْهِ فَقير وكل أَمر عَلَيْهِ يسير لَا يحْتَاج إِلَى شيئ لَيْسَ كمثله شيئ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير فَهَذَا فصل من عقائد الْمُسلمين يتَضَمَّن بمعانيها وَمَفْهُوم ألفاظها ضِدّه قَول صَاحب (الفصوص (اللعين ثمَّ قا 6 ل الطَّحَاوِيّ فِيهَا إِنَّه من وصف الله بِمَعْنى من مَعَاني الْبشر فقد كفر فَكيف بِصَاحِب (الفصوص (الْقَائِل بِأَن الْحق المنزه هُوَ الْخلق الْمُشبه وَأَن الْعَالم صورته وهويته وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ إِن من رد حكم كتاب الله عز وَجل فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 من الْكَافرين وَكم قد رد صَاحب (الفصوص (من حك الله من أصُول الشَّرَائِع الَّتِي لَا تنقض وَلَا تنسخ ككفر عباد الْأَصْنَام وضلال مخالفي الرُّسُل وَأَنَّهُمْ بمخالفتهم أَعدَاء الله وَأَنَّهُمْ أهل النَّار وَلَهُم فِيهَا الخزي وَالْعَذَاب الشَّديد السرمد وَقَالَ فِي الْجنَّة وَالنَّار إنَّهُمَا وَاحِد فِي الذَّوْق وَإِنَّمَا التغاير فِي اللَّوْن هَذِه خضراء وَتلك سَوْدَاء أَو حَمْرَاء وَإِن الطائع والعاصي وَالْمُؤمن وَالْكَافِر الْكل مرضيون مستحقون الْوَعْد وَمَا ثمَّ وَعِيد أصلا وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي العقيدة الْمشَار إِلَيْهَا إِن الْأَمْن واليأس ينتقلان عَن الْملَّة وَإِن إعتقاد عدم حكم الْوَعيد فِي حق من حقت عَلَيْهِ كلمة الْعَذَاب غَايَة الْأَمْن وَنِهَايَة الْكفْر نسْأَل الله السَّلامَة ثمَّ نقل السَّيْف عَن الأوسي الْحَنَفِيّ فِي تصنيف لَهُ فِي الْأُصُول أَن من تكلم بِكَلِمَة الْكفْر فَضَحِك غَيره وَاسْتحْسن كفر وَكَذَا من وصف الله بِمَا لَا يَلِيق بِهِ كفر وَمن أنكر وعده أَو وعيده كفر أَو قَالَ الله فِي سِتّ جِهَات أَو قَالَ يُوجد فِي كل مَكَان وَمن عَابَ نَبيا من الْأَنْبِيَاء أَو صغر اسْمه أَو لم يرض بسنته أَو سمع القَوْل بِأَنَّهُ كَانَ يحب القرع أَو الْخلّ فَقَالَ أَنا لَا أحبه أَو سخر بالشريعة أَو بِحكم من أَحْكَامهَا أَو قَالَ إِن الْخمر لم يثبت تَحْرِيمه بِالْقُرْآنِ أَو صدق كَلَام أهل الْأَهْوَاء أَو قَالَ إِنَّه كَلَام معنوي أَوله معنى صَحِيح أَو من يعرف أَن الله يرحم الْكَافِر أَو الشَّيْطَان وَأهل الاهواء فَإِنَّهُ يكفر بذلك كُله فَكيف بِمن اعْتقد ذَلِك فِي قوم نوح وَقوم هود وَفرْعَوْن وَجعل كل كَافِر وَفَاجِر وفاسق وعاص عِنْد ربه مرضيا فعلى قَائِل ذَلِك ومعتقده اللَّعْنَة إِن مَاتَ على اعْتِقَاد مَا وَضعه فِي كِتَابه الْمَذْكُور ثمَّ نقل عَن القَاضِي عِيَاض قَوْله فِي (الشِّفَاء (اعْلَم وفقنا الله وَإِيَّاك أَن جَمِيع من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أَو عابه أَو الْحق بِهِ نقصا فِي نَفسه أَو نسبه أَو دينه أَو خصْلَة من خصائله أَو عرض بِهِ أَو شبهه بِشَيْء على طَرِيق السب لَهُ والازراء عَلَيْهِ أَو التصغير لشأنه أَو الغض مِنْهُ وَالْعَيْب لَهُ فَهُوَ سَاب لَهُ وَالْحكم فِيهِ حكم الساب يقتل كَمَا بَينته وَلَا نستثني فصلا من فُصُول هَذَا الْبَاب على هَذَا الْمَقْصد وَلَا نمتري فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَو تَلْوِيحًا وَنقل عَن ابْن عتاب انه قَالَ الْكتاب وَالسّنة موجبان إِن من قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذى أَو نقص معرضًا أَو مُصَرحًا وَإِن قل فَقتله وَاجِب قَالَ وَقد علمت تنقيص صَاحب (الفصوص (للمرسلين والانبياء تَصْرِيحًا لَا تَلْوِيحًا وَأورد من كَلَامه قَوْله وَأما العارفون بِالْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ فيظهرون صُورَة الانكار لما عبد من الصُّور لِأَن مرتبتهم فِي الْعلم تعطيهم أَن يَكُونُوا بِحكم الْوَقْت بِحكم الرَّسُول الَّذِي آمنُوا بِهِ عَلَيْهِم الَّذِي بِهِ سموا مُؤمنين فهم عباد الْوَقْت مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم مَا عبدُوا من تِلْكَ الصُّور أعيانها وَإِنَّمَا عبدُوا الله فِيهَا بِحكم سُلْطَان التجلي الَّذِي عرفوه مِنْهُم وجهله الْمُنكر الَّذِي لَا علم لَهُ بِمَا تجلى فيا أهل الْعلم والمتقين من أولي الْفَهم مَعْلُوم باجماع الْمُسلمين من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن مَا عبد الاصنام وَغَيرهَا من الاوثان على اخْتِلَاف أَصْنَاف مَا عبدته الْكفَّار إِلَّا أَجْهَل النَّاس فِي كل زمَان وَمَا أنكرهُ عَلَيْهِم سوى الْمُرْسلين والانبياء وَمن تَبِعَهُمْ من الصديقين وَصَالح الْمُؤمنِينَ الموفقين وَقد عمم هَذَا الضال بِهَذِهِ الْمقَالة تنقيص الْجَمِيع ونسبهم الى الْجَهْل وَعدم الْفَهم وَأثبت لعباد الاصنام والاوثان الاصابة والمعرفة بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فَعَلَيهِ إِن مَاتَ عَلَيْهِ وَكَانَ معتقده لعنة الله وغضبه وَالنَّاس أَجْمَعِينَ انْتهى كَلَامه أَقُول مَا ذَكرْنَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الائمة عَن ابْن عَرَبِيّ وَأَتْبَاعه من الشناعات والكفريات قَلِيل من كثير وغيض من فيض وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن ابْن عَرَبِيّ وَنَحْوه لَا يتجاسرون على إعلان هَذِه الكفريات وَإِنَّمَا يدسونها دسا فِي كتبهمْ لَان الاسلام قد بقيت مِنْهُ بَقِيَّة وَالْعُلَمَاء والسلاطين قائمون فِي نحر من يُبْدِي شَيْئا من هَذِه الضلالات فَلَمَّا ضعف الاسلام وانحلت عراه واشتدت غربته صَار هَؤُلَاءِ الابالسة لَا يتحاشون من إِطْلَاق هَذِه الكفريات وَصَارَ كثير من الْخَواص واكثر الْعَوام يَعْتَقِدُونَ فيهم أَنهم صفوة الاولياء وخلاصة الاتقياء فَلَا تسْأَل عَمَّا أحدثه هَؤُلَاءِ الطواغيت وان شِئْت فَانْظُر كتاب (الانسان الْكَامِل (لعبد الْكَرِيم الجيلي ترى مَا فِيهِ من الطَّامَّات والامور الفظيعة والقبائح الشنيعة فَالله الْمُسْتَعَان وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... قَالُوا وَلم يَك كَافِرًا فِي قَوْله ... أَنا ربكُم فِرْعَوْن ذُو الطغيان ... أَقُول قَالَ ابْن عَرَبِيّ فِي (الفصوص (لما كَانَ فِرْعَوْن فِي منصب الحكم صَاحب السَّيْف وَإِن جَازَ فِي الْعرف الناموسي لذَلِك قَالَ أَنا ربكُم الاعلى أَي وان كَانَ الْكل أَرْبَابًا نِسْبَة مَا فَأَنا أَعلَى مِنْكُم بِمَا أَعْطيته فِي الظَّاهِر من الحكم فِيكُم وَلما علمت السَّحَرَة صدق فِرْعَوْن فِيمَا قَالَه أقرُّوا لَهُ وَقَالُوا {فَاقْض مَا أَنْت قَاض إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} طه 72 فصح قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فِرْعَوْن أَنا ربكُم الاعلى فَكَانَ فِرْعَوْن عين الْحق وَقد صنف الشَّيْخ مُحَمَّد سعيد الدواني الْمدنِي مصنفا فِي إِيمَان فِرْعَوْن مُتَابعَة لِابْنِ عَرَبِيّ وَقد رد عَلَيْهِ الْعَلامَة الملا عَليّ بن مُحَمَّد الْقَارِي الْهَرَوِيّ برسالة سَمَّاهَا (فر العون عَن مدعي إِيمَان فِرْعَوْن (أَجَاد فِيهَا وَأفَاد جزاه الله خيرا قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَوَاب لَهُ عَن هَؤُلَاءِ الوجودية بعد أَن حكى عَنْهُم القَوْل بِإِيمَان فِرْعَوْن قَالَ وَهَذَا القَوْل كفر مَعْلُوم فَسَاده بالاضطرار من دين الاسلام لم يسْبق ابْن عَرَبِيّ اليه فِيمَا أعلم أحد من أهل الْقبْلَة وَلَا من الْيَهُود وَلَا من النَّصَارَى بل جَمِيع أهل الْملَل مطبقون على كفر فِرْعَوْن وَهَذَا عِنْد الْخَاصَّة والعامة أبين من أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِدَلِيل فَإِنَّهُ لم يكفر أحد بِاللَّه وَيَدعِي لنَفسِهِ الربوبية والآلهية مثل فِرْعَوْن وَأطَال الْكَلَام قَوْله وَلَقَد رأى ابليس عارفهم الخ لم أَقف على اسْم هَذَا الْعَارِف وَلَعَلَّه ابْن عَرَبِيّ وَالله اعْلَم قَوْله ثغرة الطعان الثغرة نقرة النَّحْر بَين الترقوتين قَالَه فِي (الْقَامُوس (وَمِمَّنْ جَاهد أَتبَاع هَؤُلَاءِ الملاعين حق الْجِهَاد وَبلغ جهده فِي قمع أهل الزندقة والالحاد الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن أبي بكر بن عبد الله بن الْمقري الشَّافِعِي صَاحب (عنوان الشّرف (و (مُخْتَصر الْحَاوِي (و (الرَّوْضَة (وَغَيرهمَا من التصانيف البديعة فانه قَامَ فِي تقبيح ابْن عَرَبِيّ وَأَتْبَاعه أتم قيام وَصَارَ ينظم القصائد الحسان فِي ذكر قبائح المنتمين إِلَى هَذَا الْمَذْهَب والانتصار عَلَيْهِم بالعملاء وَالسُّلْطَان وأفرد من (الفصوص (كراسة وقف عَلَيْهَا الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَأكْثر من النّظم فِي ذَلِك نظما رائقا يرسخ بِسَمَاعِهِ الايمان فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ وتنسجم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 عبرات المحبين لشرائع النَّبِيين وتتزلزل بِهِ أَقْدَام المبتدعين وانتشرت قصائده وَظَهَرت بهَا فضائحهم عِنْد أهل تهَامَة وَأهل الْجبَال اذ نقلت الى الامام عَليّ بن صَلَاح بِصَنْعَاء ونظم بعض فُقَهَاء الاشراف على نَحْو نظمه شكرا لَهُ وتحريضا فشاع فِي النَّاس تَكْفِير من يتدين بِمذهب ابْن عَرَبِيّ من الوصفية ب زبيد وَقَالَ التقي الفاسي انه حَدثهُ من حَال ابْن عَرَبِيّ بِملَّة لم يُبينهُ غَيره لَان جمَاعَة من صوفية زبيد أوهموا من لَيْسَ كَبِير نباهة علو مرتبَة ابْن عَرَبِيّ وَنفي الْعَيْب عَن كَلَامه قَالَ وَقد ذكر ذَلِك ابْن الْمقري مَعَ شَيْء من حَال المتصوفة الْمشَار اليهم فِي قصيدة طَوِيلَة من نظمه وَهِي على قافية الرَّاء الْمَكْسُورَة وَقد سَمَّاهَا ناظمها (الْحجَّة الدامغة لرجال الفصوص الزائغة (وَهِي مِائَتَان وَثَلَاثَة واربعون بَيْتا مَوْجُودَة فِي ديوانه قصيدة أُخْرَى يحض فِيهَا سُلْطَان الْيمن على نصر السّنة وخذلان هَذِه الطَّائِفَة وَهِي إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَيْتا وصنف رَحمَه الله تصنيفين فِي هَذَا الْمَعْنى سمى أَحدهمَا (النَّصِيحَة (وَالْآخر (الذريعة إِلَى مَكَارِم الشَّرِيعَة (قَالَ الْحَافِظ السخاوي فِي (القَوْل المنبي (وَقد قَالَ ابْن الْمقري فِي الرِّدَّة من كتاب (الرَّوْض (مُخْتَصر (الرَّوْضَة (من تردد فِي تَكْفِير الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَابْن عَرَبِيّ وطائفته فَهُوَ كَافِر وَقد ترْجم لَهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي (طَبَقَات الشَّافِعِيَّة (وَقَالَ بعد أَن بَالغ فِي مدحه نَاظر أَتبَاع ابْن عَرَبِيّ حَتَّى عميت مِنْهُم الابصار وذمغهم بِمَا بلغ حجَّة فِي الافكار انْتهى قَوْله نَص (الفصوص (هُوَ كتاب لِابْنِ عَرَبِيّ الطَّائِي الْمَشْهُور وَهُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو بكر الْحَاتِمِي الطَّائِي ولد بمرسية سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بهَا وانتقل الى اشبيلية سنة 578 ثمَّ ارتحل وَطَاف الْبلدَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فطوف بِلَاد الشَّام وَالروم والمشرق وَدخل بَغْدَاد وَحدث بهَا بِشَيْء من مصنفاته وَله التآ الْكَثِيرَة توفّي فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة 638 ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق فِي دَار القَاضِي مُحي الدّين بن الزكي وَحمل الى قاسيون فَدفن فِي تربته الْمَعْلُومَة وَهُوَ صَاحب المقالات الشنيعة والكفريات الفظيعة أسأَل الله الْعَافِيَة وَقد صنف الْعلمَاء قَدِيما وحديثا فِي الرَّد على (الفصوص (وَصَاحبه فَمن ذَلِك كتاب (اشعة النُّصُوص فِي هتك استار الفصوص (للشَّيْخ الامام الاوحد أَحْمد بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شيخ الخزاميين وَكتاب (تسورات النُّصُوص على تهورات الفصوص (للشَّيْخ الامام شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد العيزري تلميذ التَّاج السُّبْكِيّ والعلامة الملا عَليّ بن مُحَمَّد الْقَارِي والحافظ جمال الدّين ابْن الْخياط اليمني والفقيه مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن نور الدّين الموزعي الْيَمَانِيّ وَغَيرهم وَقَالَ الْعَلامَة سِيبَوَيْهٍ زَمَانه جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن هِشَام الانصاري النَّحْوِيّ صَاحب (الْمُغنِي (و (التَّوْضِيح (وَغَيرهمَا لما وقف على (الفصوص (مَا نَصه ... هَذَا الَّذِي بضلاله ضلت أَوَائِل مَعَ أَوَاخِر ... من ظن فِيهِ غير ذَا فلينأ عني فَهُوَ كَافِر ... هَذَا كتاب فصوص الظُّلم ونقيض الحكم وضلال الامم كتاب يعجز الذام عَن وَصفه وَقد اكتنفه الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه لقد ضل مُؤَلفه ضلالا بَعيدا وخسر خسرانا مُبينًا لانه مُخَالف لما أرسل بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه وَفطر عَلَيْهِ خليقته وَذَلِكَ أَنِّي لما وقفت على هَذَا الْكتاب وجدته قد عقد لكل نَبِي من الانبياء فصا فوقفت على فص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ فِيهِ لَو قَالَ بدل قَوْله {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا} الى آخر كَلَامه ادعوا ربكُم ليكشف لكم الْحجاب لأجابوه انْتهى وَقد أدرجه العيزري فِيمَن كفره وَذكر الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن السخاوي فِي كتاب (القَوْل المنبي عَن تَرْجَمَة ابْن الْعَرَبِيّ (وَهُوَ مُجَلد عَن الْحَافِظ الجهبذ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ أَنه قَالَ بعد كَلَام حَكَاهُ عَن ابْن عَرَبِيّ بعد حكايته اسْتَغْفرُوا الله وحاكي الْكفْر لَيْسَ بِكَافِر ثمَّ حكى عَن الذَّهَبِيّ كَلَامه فِي ابْن عَرَبِيّ فِي (العبر (و (الْمِيزَان (الى ان قَالَ الذَّهَبِيّ وَمن أمعن النّظر فِي (فصوص (الحكم وانعم التَّأَمُّل لَاحَ لَهُ الْعجب فان الذكي إِذا تَأمل من ذَلِك الاقوال والنظائر والاشباه فَهُوَ اُحْدُ رجلَيْنِ اما من الاتحادية فِي الْبَاطِن وَإِمَّا من الْمُؤمنِينَ بِاللَّه الَّذين يعدون هَذِه النحلة من أكفر الْكفْر نسْأَل الله الْعَافِيَة وَأَن يكْتب الايمان فِي قُلُوبنَا وَأَن يثبتنا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الاخرة فوَاللَّه لِأَن يعِيش الْمُسلم جَاهِلا خلف الْبَقر لَا يعرف من الْعلم شَيْئا سوى سور من الْقُرْآن يُصَلِّي بهَا الصَّلَوَات ويؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الاخر خير لَهُ بِكَثِير من هَذَا الْعرْفَان وَهَذِه الْحَقَائِق وَلَو قَرَأَ مائَة كتاب أَو عمل مائَة خلْوَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي الْحسن بن مَنْصُور الحريري من (تَارِيخه الْكَبِير (بعد أَن نقل كلَاما للسيف بن الْمجد فِيهِ رحم الله السَّيْف بن الْمجد وَرَضي الله عَنهُ فَكيف لَو رأى كَلَام الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ الَّذِي هُوَ مَحْض الْكفْر والزندقة لقَالَ ان هَذَا الدَّجَّال المنتظر وَلَكِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ منقبضا عَن النَّاس انما يجْتَمع بِهِ آحَاد الاتحادية وَلَا يُصَرح بأَمْره لكل أحد وَلم تشتهر كتبه الا بعد مَوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 بِمدَّة وَلِهَذَا تَمَادى أمره فَلَمَّا كَانَ على رَأس السبعمائة جدد الله لهَذِهِ الامة دينهَا بهتكه وفضيحته وَدَار بَين الْعلمَاء كِتَابه (الفصوص (وَقد حط عَلَيْهِ الشَّيْخ الْقدْوَة الصَّالح ابراهيم بن معضاد الجعبري فِيمَا حَدثنِي بِهِ شَيخنَا ابْن تَيْمِية عَن التَّاج البرنباري أَنه سمع الشَّيْخ ابراهيم يذكر ابْن عَرَبِيّ قَالَ كَانَ يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا وَسَاقه الذَّهَبِيّ فِي مَوضِع آخر عَن الجعبري بِغَيْر اسناد قلت وَرَأَيْت فِي جَوَاب لشيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى عَن سُؤال سُئِلَ فِيهِ عَن بَيَان حَقِيقَة مَذْهَب الاتحادية قَالَ حَدثنِي تَاج الدّين البرنباري الْفَقِيه الْمصْرِيّ الْفَاضِل أَنه سمع الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري يَقُول رَأَيْت ابْن عَرَبِيّ شَيخا مخضوب اللِّحْيَة وَهُوَ شيخ نحس يكفر بِكُل كتاب أنزلهُ الله وَبِكُل نَبِي ارسله الله قَالَ وحَدثني الشَّيْخ رشيد الدّين بن الْمعلم أَنه قَالَ كنت وَأَنا شَاب بِدِمَشْق أسمع النَّاس يَقُولُونَ عَن ابْن عَرَبِيّ والخسر وشاهي إِن كِلَاهُمَا زنديق أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وحَدثني الْفَقِيه الْفَاضِل تَاج الدّين البرنباري أَنه سمع الشَّيْخ الْعَارِف ابراهيم الجعبري يَقُول رَأَيْت فِي مَنَامِي ابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض وهما شَيْخَانِ اعميان يمشيان ويقرآن ويقولان كَيفَ الطَّرِيق أَيْن الطَّرِيق وحَدثني شهَاب الدّين بن مري عَن شرف الدّين ابْن الشَّيْخ نجم الدّين ابْن الحكم عَن أَبِيه أَنه قَالَ قدمت دمشق فصادفت موت ابْن عَرَبِيّ فَرَأَيْت جنَازَته كَأَنَّمَا ذَر عَلَيْهَا الرماد فرأيتها لَا تشبه جنائز الاولياء أَو قَالَ فَعلمت ان هَذِه أَو نَحْوهَا هَذَا وَعَن أَبِيه عَن الشَّيْخ عَن اسماعيل الكوراني أَنه كَانَ يَقُول ابْن عَرَبِيّ شَيْطَان وَنقل الذَّهَبِيّ عَن الْقدْوَة الْعَارِف الْعَلامَة شيخ الْوَقْت ابراهيم الرقي أَنه حذر من (الفصوص (وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَمِمَّنْ حط عَلَيْهِ وحذر من كَلَامه الشَّيْخ الْقدْوَة الْوَلِيّ ابراهيم الرقي قَالَ السخاوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ثمَّ ظَفرت فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور الْحَنْبَلِيّ من (تَارِيخ الاسلام (نقلا عَن الرقي أَنه قَالَ فِي كَلَام ابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض مثله مثل عسل أديف فِيهِ سم فيستعمله الشَّخْص ويستلذ بالعسل وحلاوته وَلَا يشْعر بالسم فيسري فِيهِ وَهُوَ لَا يشْعر فَلَا يزَال فِيهِ حَتَّى يهلكه قَالَ السخاوي وَكَذَا قَالَ شَيخنَا الْمُحب الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِيمَا سَمعه من الْبَدْر الدَّمِيرِيّ عَن ابْن الفارض أَنه أَخذ شَهدا أَدخل فِيهِ سما قَالَ السخاوي أنبأني الْعِزّ ابو مُحَمَّد الْحَنَفِيّ رَحمَه الله عَن الصّلاح أبي الصَّفَا خَلِيل ابْن إيبك الصَّفَدِي أَنه سمع الْحَافِظ ابْن سيد النَّاس يَقُول سَمِعت ابْن دَقِيق الْعِيد يَقُول سَأَلت ابْن عبد السَّلَام عَن ابْن عَرَبِيّ فَقَالَ شيخ سوء كَذَّاب يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا انْتهى وَقَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية قَالَ الْفَقِيه ابو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام لما قدم الْقَاهِرَة وسألوه عَنهُ فَقَالَ هُوَ شيخ سوء كَذَّاب مقبوح يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا وَقَالَ ابْن مَرْزُوق حَدثنِي غير وَاحِد من أشياخنا عَن شيخهم عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه قَالَ فِيهِ شيخ سوء كَذَّاب وَذكر مَا سَمعه مِمَّا يَقْتَضِي كذبه وافتى هُوَ وَابْن الْحَاجِب بتكفيره انْتهى قَالَ السخاوي أخبرناه بإختصار ابو مُحَمَّد اللَّخْمِيّ بِمَكَّة مشافهة قَالَ أنبأ وَالِدي أَبُو اسحق عَن الْحَافِظ ابي الْفَتْح الْيَعْمرِي فِيمَا وجد بِخَطِّهِ قَالَ سَمِعت الامام الْحَافِظ الزَّاهِد الْعَلامَة أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب الْقشيرِي يَقُول سَمِعت شَيخنَا الامام أَبَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَجرى ذكر ابي عبد الله مُحَمَّد بن عَرَبِيّ فَقَالَ شيخ سوء مقبح كَذَّاب فَقلت لَهُ وَكَذَّاب أَيْضا قَالَ نعم تَذَاكرنَا يَوْمًا بِمَسْجِد الْجَامِع بِدِمَشْق التَّزْوِيج بِجوَارِي الْجِنّ فَقَالَ هَذَا فرض محَال لِأَن الانس جنس كثيف وَالْجِنّ روح لطيف وَلنْ يعلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْجِسْم الكثيف الرّوح اللَّطِيف ثمَّ بعد قَلِيل رَأَيْته وَبِه شجة فَسَأَلته عَن سَببهَا فَقَالَ تزوجت امْرَأَة من الْجِنّ وَرزقت مِنْهَا ثَلَاثَة اولاد فاتفق أَن تفاوضنا فأغضبتها فضربتني بِعظم حصلت مِنْهُ هَذِه الشَّجَّة فَانْصَرَفت فَلم أرها بعد هَذَا اَوْ مَعْنَاهُ وَقَالَ الشَّمْس ابْن الْجَزرِي شيخ الْقُرَّاء حَدثنِي شَيخنَا الامام المُصَنّف شيخ الاسلام الَّذِي لم تَرَ عَيْنَايَ مثله عماد الدّين بن ابي عمر ابْن كثير من لَفظه غير مرّة قَالَ حَدثنِي شيخ الاسلام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابو الْحسن عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ الشُّيُوخ قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن اسماعيل القونوي قَالَ حَدثنِي شيخ الاسلام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ الْقشيرِي الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الْقَائِل فِي أَوَاخِر عمره لي أَرْبَعُونَ سنة مَا تَكَلَّمت بِكَلِمَة الا واعددت لَهَا جَوَابا بَين يَدي الله تَعَالَى قَالَ سَأَلت شَيخنَا سُلْطَان الْعلمَاء عز الدّين ابا مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام السّلمِيّ الدِّمَشْقِي عَن ابْن عَرَبِيّ قَالَ شيخ سوء كَذَّاب يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا ثمَّ قَالَ ابْن الْجَزرِي كَذَا حَدثنِي شَيخنَا ابْن كثير من لَفظه وَرَأَيْت ذَلِك فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَفِيه زِيَادَة رَوَاهَا بَعضهم عَن ابْن عبد السَّلَام وَهِي أَنه وَقع بيني وَبَينه يَوْمًا كلَاما فِي وجود الْجِنّ فَأنْكر وجودهم ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فَقَالَ رجعت عَن ذَلِك القَوْل وَأَنِّي قد تزوجت بجنية وَولدت لي وغضبت على يَوْمًا فشجتني فِي وَجْهي وَهَذِه الشَّجَّة مِنْهَا وَأَشَارَ الى وَجهه انْتهى قَالَ الذَّهَبِيّ وَمِمَّنْ أفتى بِأَن كِتَابَة (الفصوص (فِيهِ الْكفْر الاكبر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة سعد الدّين مَسْعُود الْحَارِثِيّ والعلامة زين الدّين عمر بن أبي الحزم الْكِنَانِي وَجَمَاعَة سواهُم قَالَ الذَّهَبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَلَقَد اجْتمعت بِغَيْر وَاحِد مِمَّن كَانَ يَقُول بوحدة الْوُجُود ثمَّ رَجَعَ وجدد إِسْلَامه وبينوا أَن مقاله هَؤُلَاءِ إِن الْوُجُود هُوَ الله تَعَالَى وانه تَعَالَى يظْهر فِي الصُّورَة المليحة والاشياء البديعة تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الْمُلْحِدُونَ علوا كَبِيرا وَقَالَ الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الغرناطي فِي تَفْسِير سُورَة (الْمَائِدَة) من كِتَابه (الْبَحْر الْمُحِيط (عِنْد قَوْله تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} الْمَائِدَة 72 وَمن بعض اعتقادات النَّصَارَى استنبط بعض من تستر بالاسلام وانتمى الى الصُّوفِيَّة حُلُول الله تَعَالَى فِي الصُّور الجميلة وَمن ذهب من ملاحدتهم الى القَوْل بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشوذي وَابْن أجلى وَابْن عَرَبِيّ الْمُقِيم بِدِمَشْق وَابْن الفارض وَأَتْبَاع هَؤُلَاءِ كَابْن سبعين والششتري تِلْمِيذه وَابْن مطرف الْمُقِيم ب (مرسية (والصفار الْمَقْتُول ب (غرناطة (وَابْن لباح وَأَبُو الْحسن الْمُقِيم كَانَ ب (لورقة (وَمِمَّنْ رَأَيْنَاهُ يرْمى بِهَذَا الْمَذْهَب الملعون الْعَفِيف التلمساني وَله فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة وَابْن عَيَّاش المالقي الاسود الاقطع الْمُقِيم كَانَ ب (دمشق (وَعبد الْوَاحِد بن الْمُؤخر الْمُقِيم كَانَ ب صَعِيد مصر والأيكي العجمي الَّذِي كَانَ تولى المشيخة ب (خانكان سعيد السعدا (بِالْقَاهِرَةِ من ديار مصر وَأَبُو يَعْقُوب بن مُبشر تلميذ الششتري الْمُقِيم كَانَ ب (حارة زويلة (بِالْقَاهِرَةِ وانما سردت الْمسَاء هَؤُلَاءِ نصحا للدّين يعلم الله ذَلِك وشفقة على ضعفاء الْمُسلمين ليحذروهم فهم شَرّ من الفلاسفة الَّذين يكذبُون الله وَرَسُوله وَيَقُولُونَ بقدم الْعَالم وَيُنْكِرُونَ الْبَعْث وَقد أولع جمَاعَة مِمَّن ينتمي الى التصوف بتعظيم هَؤُلَاءِ وادعائهم أَنهم صفوة الله وأولياؤه والامر فيهم كَمَا ذكرت وَالرَّدّ على النَّصَارَى والحلولية والقائلين بالوحدة هُوَ من علم أصُول الدّين انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَقَالَ السخاوي فِي (القَوْل النَّبِي (نقلا عَن شيخ الاسلام سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وقرأت بِخَطِّهِ على فتيا أَيْضا مَا نَصه لم يكن هَذَا الْفَاجِر الْمَذْكُور يَعْنِي ابْن عَرَبِيّ على الْكتاب وَالسّنة بل كَانَ مُخَالفا وَلَا يحل اعْتِقَاد عقيدته وَلَا الْعَمَل بِمَا يَأْتِي بِهِ من الْبَاطِل وَلَيْسَ كَلَامه ومعتقده الْفَاسِد تَأْوِيل يَقْتَضِي مُوَافقَة الْكتاب وَالسّنة وَمن اعْتقد عقد الْبَاطِل اَوْ تمسك بِهِ فَلَيْسَ على طَرِيق الْحق بل هُوَ على طَرِيق الْبَاطِل فَيلْزم من اعْتقد ذَلِك أَو تمسك بِهِ أَن يَتُوب الى الله تَعَالَى من كفره والحاده وزندقته فان تَابَ والا ضربت عُنُقه لزندقته وَقد كتبت على ذَلِك كراريس بِالْقَاهِرَةِ ودمشق بيّنت فِيهَا أَنه أَتَى بأنواع من الْكفْر والالحاد والزندقة وَلم يَأْتِ بهَا غَيره فنعوذ بِاللَّه من طَريقَة هَذَا الشَّيْطَان وَمن طَريقَة من اتبعهُ وَأَن يجنبنا مَا ابتدعه وَالْحَال مَا ذكر وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ قَالَ السخاوي وَسمعت شَيخنَا حَافظ الْعَصْر فريد الدَّهْر الشهَاب أَبَا الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد الْعَسْقَلَانِي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن حجر سمعته يَقُول مرَارًا إِنَّه جرى بيني وَبَين شخص يُقَال لَهُ ابْن الامين من المحبين لِابْنِ عَرَبِيّ مُنَازعَة كَبِيرَة فِي أَمر ابْن عَرَبِيّ حَتَّى نلْت من ابْن عَرَبِيّ لسوء مقَالَته فَلم يسهل ذَلِك بِالرجلِ المنازع لي فِي امْرَهْ وَكَانَ بِمصْر شيخ يُقَال لَهُ الشَّيْخ صفا يَعْتَقِدهُ الظَّاهِر برقوق فهددني الْمَذْكُور بِأَنَّهُ يغريه بِي فيذكر للسُّلْطَان أَن بِمصْر جمَاعَة مِنْهُم فلَان يذكرُونَ الصَّالِحين بالسوء وَنَحْو ذَلِك فَقلت مَا للسطان فِي هَذَا مدْخل لَكِن نتباهل أَنا وَإِيَّاك فِي امْرَهْ لانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 قل مَا يتباهل اثْنَان فَكَانَ أَحدهمَا كَاذِبًا إِلَّا وَأُصِيب فَأجَاب للمباهلة قَالَ شَيخنَا فَقلت لَهُ قل اللَّهُمَّ إِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ على ضلال فالعني بلغتك فَقَالَ ذَلِك وَقلت أَنا اللَّهُمَّ إِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا قَالَ وَكَانَ يسكن الرَّوْضَة فاستضافه شخص من أَبنَاء الْجند جميل الصُّورَة فَحَضَرَ عِنْده لضيافته ثمَّ بدا لَهُ عدم الْمبيت عِنْده وَخرج فِي اول اللَّيْل وَصَحبه من يشيعه الى الشختور فَلَمَّا رَجَعَ أحس بِشَيْء مر على رجله فَقَالَ لأَصْحَابه مر على رجْلي شَيْء ناعم فانظروا فَلم يرَوا شَيْئا وَمَا رَجَعَ الى منزله الا وَقد عمي بَصَره وَمَا أصبح الا مَيتا وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَكَانَت المباهلة فِي رَمَضَان مِنْهَا قَالَ وَكنت عِنْد وُقُوع المباهلة عرفت من حضر أَن من كَانَ مُبْطلًا فِي المباهلة لَا تمْضِي عَلَيْهِ السّنة انْتهى وَقد حَكَاهَا القَاضِي التقي الفاسي فِي تصنيفه فَقَالَ سَمِعت الْحَافِظ شهَاب الدّين ابْن حجر وَذكر مَعْنَاهَا وَأَنه كتبهَا لَهُ بِخَطِّهِ قلت واحوال هَذَا الرجل وَمَا أظهر من الكفريات والضلالات والزندقة كثير شهير وَمن أَرَادَ استقصاء ذَلِك فليطالع كتاب (القَوْل المنبي عَن تَرْجَمَة ابْن عَرَبِيّ (وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَلَقَد أحسن الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد اسماعيل ابْن أبي بكر الْمقري اليمني الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى حَيْثُ يَقُول فِي منظومته الرائية الَّتِي سَمَّاهَا (الْحجَّة الدامغة لرجال الفصوص الزائغة) ... فقد حدثت فِي الْمُسلمين حوادث كبار الْمعاصِي عِنْدهَا كالصغائر ... حوتهن كتب حَارب الله رَبهَا وَبهَا عز من عز بَين الحواضر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 .. تجاسر فِيهَا ابْن العرابي واجترى على الله فِيمَا قَالَ كل التجاسر ... فَقَالَ بِأَن الرب وَالْعَبْد وَاحِد فربي مربوب بِغَيْر تغاير ... وَأنكر تكليفا إِذْ العَبْد عِنْده إِلَه وَعبد فَهُوَ إِنْكَار جَائِر ... وَخطأ إِلَّا من يرى الْخلق صُورَة وهوية لله عِنْد التناظر ... وَقَالَ يحل الْحق فِي كل صُورَة تجلى عَلَيْهَا فَهِيَ احدى الْمظَاهر ... وَأنكر ان الله يغنى عَن الورى ويغنون عَنهُ لِاسْتِوَاء المقادر ... كَمَا ظلّ فِي التهليل يهزا بنفيه وإثبائه مستجهلا للمغاير ... وَقَالَ الَّذِي يَنْفِيه عين الَّذِي أَتَى بِهِ مثبتا لَا غير عِنْد التحاذر ... فأفسد معنى مَا بِهِ النَّاس اسلموا ... ولألغاه الغابينات التهاتر ... فسبحان رب الْعَرْش عَمَّا يَقُوله ... أعاديه من أَمْثَال هذي الاكابر وَقَالَ عَذَاب الله عذب وربنا ... ينعم فِي نيرانه كل فَاجر وَقَالَ بِأَن الله لم يعْص فِي الورى ... فَمَا ثمَّ مُحْتَاج لعاف وغافر وَقَالَ مُرَاد الله وفْق لامره ... فَمَا كَافِر إِلَّا مُطِيع الاوامر وكل امرىء عِنْد الْمُهَيْمِن مرتضى ... سعيد فَمَا عَاص لَدَيْهِ بخاسر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 .. وَقَالَ يَمُوت الْكَافِرُونَ جَمِيعهم ... وَقد آمنُوا غير المفاجي المبادر وَمَا خص بالايمان فِرْعَوْن وَحده ... لَدَى مَوته بل عَم كل الكوافر فكذبه يَا هَذَا تكن خير مُؤمن ... وَإِلَّا فَصدقهُ تكن شَرّ كَافِر واثنى على من لم يجب نوح اذدعا ... إِلَى ترك ود أَو سواع وناسر وسمى جهولا من يطاوع أمره ... على تَركهَا قَول الكفور المجاهر وَلم ير بالطوفان إغراق قومه ... ورد على من قَالَ رد المناكر وَقَالَ بلَى قد أغرقوا فِي معارف ... من الْعلم والباري لَهُم خير نَاصِر كَمَا قَالَ فازت عَاد بِالْقربِ واللقا ... من الله فِي الدُّنْيَا وَفِي الْيَوْم الاخر وَقد أخبر الْبَارِي بلعنته لَهُم ... وابعادهم فاعجب لَهُ من مكابر وَصدق فِرْعَوْن وَصحح قَوْله ... أَنا الرب الاعلى وارتضى كل سامر واثنى على فِرْعَوْن بِالْعلمِ والذكا ... وَقَالَ لمُوسَى عجلة الْمُتَبَادر وَقَالَ خَلِيل الله فِي الذّبْح واهم ... ورؤيا ابْنه تحْتَاج تَعْبِير عَابِر ويعظم أهل الْكفْر والانبياء لَا ... يعاملهم الا بحط المقادر يثني على الاصنام خيرا وَلَا يرى ... لَهَا عابدا مِمَّن عصى أَمر آمُر وَكم من جرآت على الله قَالَهَا ... وتحريف آيَات بِسوء تفاسر وَلم يبْق كفر لم يلابسه عَامِدًا ... وَلم يتورط فِيهِ غير محاذر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 .. وَقَالَ سيأتينا من الصين خَاتم ... من الاولياء الاولياء الاكابر لَهُ رُتْبَة فَوق النَّبِي ورتبة ... لَهُ دونه فاعجب لهَذَا التنافر فرتبته الْعليا يَقُول لانه ... من التابعية فِي الامور الظَّوَاهِر وَقَالَ اتِّبَاع الْمُصْطَفى لَيْسَ وَاضِعا ... لمقداره الاعلى وَلَيْسَ بحاقر فَإِن يدن عَنهُ لاتباع فانه ... يرى مِنْهُ أعلا من وُجُوه أَوَاخِر ترى خَال نقصا فِي (جوب) اتِّبَاعه ... لاحمد حَتَّى جا بهذي المعاذر فَلَا قدس الرَّحْمَن شخصا بحبه ... على مَا يرى من قبح هذي المخابر وَقَالَ بِأَن الانبياء جَمِيعهم ... بمشكاة هَذَا تستضىء فِي الدياجر ... الى ان قَالَ ... فَهَل أَبْصرت يَا ابْن الاحاير ... بأكذب من هَذَا وأكفر فِي الورى وأجرى على غشيان هذي البواطن ... فَلَا يَدعِي من صدقوه ولَايَة وَقد ختمت فليؤخذوا بالاقادر ... فيا لعباد الله مَا ثمَّ ذُو حجى لَهُ بعض تَمْيِيز بقلب وناظر اذا كَانَ ذُو كفر مُطيعًا كمؤمن ... وَلَا فرق فِينَا بَين بر وَفَاجِر كَمَا قَالَ هَذَا إِن كل أوَامِر ... من الله جَاءَت فَهِيَ وفْق المقادر فَلم بعثت رسل وسنت شرائع ... وَأنزل قُرْآن بهذي الزواجر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 .. ايخلع مِنْكُم ربقة الدّين عَاقل ... لقَوْل غريق فِي الضَّلَالَة حائر وَيتْرك مَا جائت بِهِ الرُّسُل من هدى ... لاقوال هَذَا الفيلسوف المغادر فيا محسني ظن بِمَا فِي (فصوصه ( ... وَمَا فِي (فتوحات الشرور (الدَّوَائِر عَلَيْكُم بدين الله لَا تصبحوا غَدا ... مساعر نَار قبحت من مساعر فَلَيْسَ عَذَاب الله عذبا كَمثل مَا ... يمينكم بعض الشُّيُوخ المدابر وَلَكِن أَلِيم مثل مَا قَالَ رَبنَا ... بِهِ الْجلد ينضج ان يُبدل بآخر غَدا تعلمُونَ الصَّادِق القَوْل مِنْهُمَا ... اذا لم يتوبوا الْيَوْم علم مبَاشر وييبدو لكم غير الَّذِي يعدونكم ... بِأَن عَذَاب الله لَيْسَ بضائر وَيحكم رب الْعَرْش بَين مُحَمَّد ... وَمن سنّ علم الْبَاطِن المتهاتر وَمن جا بدين مفتر غير دينه ... فَأهْلك أَغْمَارًا بِهِ كالاباقر فَلَا تخذلن الْمُسلمين عَن الْهدى ... وَمَا للنَّبِي الْمُصْطَفى من مآثر ... 2 ... وَلَا تؤثروا غير النَّبِي على النَّبِي ... فَلَيْسَ كنور الصُّبْح ظلم الدياجر دعوا كل ذِي قَول لقَوْل مُحَمَّد ... فَمَا آمن فِي دينه كمخاطر وَأما رجالات (الفصوص (فانهم ... يعومون فِي بَحر من الْكفْر ظَاهر إِذا رَاح بِالرِّيحِ المتابع أحمدا ... على هَدْيه راحوا بصفقة خاسر سيحكي لَهُم فِرْعَوْن فِي دَار خلده ... باسلامه المقبول عِنْد التحاور ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 .. وَيَا أَيهَا الصُّوفِي خف من (فصوصه ( ... خَوَاتِم سوء غَيرهَا فِي الخناصر فلاسفة باسم التصوف أبرزوا ... عقائد كفر بالمهيمن ظَاهر كَلَام (الفصوص (احذره فَهُوَ كَمَا ترى ... وَتسمع لَا تعدل بِهِ كفر كَافِر وحاربه فِي الْبَارِي فقد ضل واعتدى ... وَكَانَ على الْإِسْلَام أجور جَائِر وَفِي بعض مَا أمليته من كَلَامه ... غنى بعضه كَاف لأهل البصائر وَيَا عُلَمَاء الدّين مَا الْعذر فِي غَد ... من الله إِن عوتبتم فِي التدابر أما أَخذ الْمِيثَاق فِي أَن تبينوا ... علومكم للنَّاس عِنْد التذاكر وَأوجب لعنا مِنْهُ فِي معشر عصوا ... وَلم يتناهوا عَن فعال المناكر يسب إِلَه الْعَرْش فِيكُم وكلكم ... حُضُور ألالا قدست من محَاضِر يُقَال بِأَن الرب عبد وَعَبده ... هُوَ الرب والتكليف لَيْسَ بِظَاهِر وَإِن رَسُول الله يَأْتِي وَرَاءه ... من الصين من يعلوه عِنْد التفاخر ويطرق سمعا بَيْنكُم مثل هَذِه ... وينهيكم طعم الْكرَى فِي المحاجر أيدعى بمحيى الدّين هَذَا افتسكتوا ... بَرِئت إِلَى الرَّحْمَن من كل غادر أما لكم فِي الله وَالرسل غيرَة ... أما رجل مِنْكُم شَدِيد المرائر أعيذكم أَن تسمعوا فيهم الْأَذَى ... وتبدون حلم الموجع المتصابر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 .. فَإِن لم تصبكم فِي الْإِلَه حمية ... وتفتوا بِمَا دونتم فِي الدفاتر وَإِلَّا فَلَا أبدت لكم صفحاتها وَلَا وضعت أقلامكم فِي المحابر ... لمن تحفظون الْعلم أَو تدخرونه إِذا لم تقوموا عِنْد هذي الجرائر ... أَفِي الله أوفي الْمُصْطَفى ذُو صداقة تحابونه أوذوا وداد معاشر ... وَهل من عَزِيز عنْدكُمْ تؤثرونه على الله وَالْمُخْتَار عِنْد التضافر ... تبَاع وتقرأ هَذِه الْكتب فِيكُم وَأَنْتُم سَوَاء وَالَّذِي فِي الْمَقَابِر ... فَإِن قُلْتُمْ لم تنه فِينَا علومه فها أَنا قد أنهيت هَل من مبازر ... أما أحرقت فِي مصر وَالشَّام كتبه باجماع أهل الْعلم باد وحاضر ... أما رجعُوا فِيهَا إِلَى ملك أَرضهم فَشد لنصر الله عقد المآزر ... وذب عَن الدّين الحنيفي بِسَيْفِهِ برغم عرانين الأنوف الصواغر ... فَمَا الْعذر إِن لم تنهضوا وتناصروا على مَا أمرْتُم عِنْده بالتناصر ... وللطير فِي الْخطب اجْتِمَاع وضجة فَهَل أَنْتُم فِي الضعْف دون العصافر ... إِلَى أَن قَالَ فِي مُخَاطبَة بعض من حاوره فِي ابْن عَرَبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 .. فَإِن قلت دين ابْن العرابي ديننَا وتكفيره تكفيرنا فالتحاذر ... أقل إِنَّك الْآن الْمُكَفّر نَفسه وَأَنت الَّذِي ألقيتها فِي التهاتر ... فَذَلِك دين غير دين مُحَمَّد وَكفر لجوج فِي الضَّلَالَة ماهر ... اتى بمحال لَو عقلت رفضته وَكنت لَهُ فِي الله أول هَاجر ... كَلَام كأقوال المجانين بثه إِلَيْكُم على جرف من الْكفْر هائر ... أضلّ بِهِ من يقتفيه من الورى فَمَا مِنْكُم للمقتفين بعاذر ... تجنيت لي ذَنبا بذمي (فصوصكم ( وَذَلِكَ عِنْد الله إِحْدَى ذخائري ... هلا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ عنْدك غيبَة وَهل سبّ عرضا من نهى عَن مناكر ... وَهِي طَوِيلَة نَحْو مِائَتَيْنِ وَثَلَاث وَأَرْبَعين بَيْتا وَأما ابْن سبعين فَهُوَ عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الْإِسْلَام) عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الضال أَبُو مُحَمَّد المريسي الصُّوفِي الفيلسوف وَله كَلَام فِي الْحَقِيقَة على طَريقَة الِاتِّحَاد مَاتَ بِمَكَّة سنة 669 وَسبب نُزُوله مَكَّة أَنه ظهر مِنْهُ كَلَام أوجب للْعُلَمَاء الْفَتْوَى بقتْله فهرب إِلَيْهَا وَأظْهر لأبي نمي يَعْنِي الشريف صَاحب مَكَّة اشياء من السيماء والكيمياء حَتَّى صَار عِنْده فِي الذرْوَة وأحدث لَهُ ابْن سبعين هَذِه الْخطْبَة الَّتِي يخْطب فِيهَا الْمُؤَذّن على قبَّة زَمْزَم وَيذكر نسبه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ ابْن سبعين لأبي نمي دَعْنِي أخرب هَذَا الرُّكْن الْأسود وأستخرج لَك من تَحْتَهُ سرا لَيْسَ عنْدك ملك مثله قَالَ فحكاها لخطيب مَكَّة فَزَاد فِيهَا أَنه قَالَ وأحفر دَاخل الْبَيْت عَن دفائن وخبايا وَكَانَ يعيب الطائفين وَيَقُول لماذا يَدُور احدهم حول الْبَيْت وَكَانَ يخرج إِلَى مفازة ظَاهر مَكَّة فَيسْجد للشمس وَكَانَ يسْجد للقطب الشمالي وَلما مَاتَ لم يشيعه إِلَّا نفر قَلِيل جدا فَإِن النَّاس شكوا فِي أمره وَظهر عَنهُ أَعمال من جنس السحر انْتهى قَالَ الذَّهَبِيّ قلت مَا زَالَ ابْن سبعين بِحَمْد الله تَعَالَى ممقوتا عِنْد عُلَمَاء الْإِسْلَام إِلَّا من كَانَ على خَبِيث نحلته قَالَ والسبعينية فُقَهَاء زنادقة يتركون الصَّلَاة ويفعلون العظائم وَلَهُم رموز وإشارات أكره أَن أتفوه بهَا ثمَّ قَالَ إِن فتحنا بَاب التَّأْوِيل عَن المقالات والضلالات بطلت دواوين الْملَل والنحل لِأَن أَبَا حَامِد ذكر فِي (مشاكة الْأَنْوَار (فصلا فِي حَال الْحُسَيْن الحلاج وَأخذ يعْتَذر عَمَّا صدر مِنْهُ من الاطلاقات الكفرية وَأَقْبل يحملهَا على محامل بعيدَة وَقَالَ هَذَا من شدَّة الوجد كَمَا قيل ... أَنا من أَهْوى ... وَمن أَهْوى أَنا ... قَالَ الذَّهَبِيّ قلت كَانَ البدريون أَشد حبا لله فَمَا نطقوا بِهَذَا وَقد يَقُول الْعَارِف كلَاما لَا بَأْس بالاعتذار عَنهُ أما من يَقُول إِن هَذَا الْعَالم هُوَ حَقِيقَة الله فَهَذَا لعين وَالْمُسلم إِذا تَأمل كتب هَؤُلَاءِ وأمعن النّظر فِيهَا حصل لَهُ مَا لَا ينْدَفع أَنهم فرقة مارقة عَن الْإِسْلَام وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِن الْخَالِق هُوَ عين المخلوقين تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا لَكِن من لطف الله تَعَالَى أَن هَؤُلَاءِ الباطنية خاملون لَا يجسرون أَن يعلنوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 بإفكهم فِي مَسَاجِد الْإِسْلَام وَلَا فِي بِلَاد الْكتاب وَالسّنة فسل رَبك الثَّبَات على كلمة التَّقْوَى انْتهى كَلَامه وَذكره ابْن عبد الْملك فِي (التكملة (وَقَالَ فِيهِ كثر اتِّبَاعه على مذ 4 هبه الَّذِي كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ من التصوف نحلة ارتسموا بهَا من غير تَحْصِيل لَهَا وصنف فِي ذَلِك أوضاعا كَثِيرَة تلقوها مِنْهُ ونقلوها عَنهُ وبثوها فِي الْبِلَاد شرقا وغربا لَا يخلى أحد مِنْهَا بطائل وَهِي إِلَى وساوس المخبولين وهذيان الممرورين أقرب مِنْهَا إِلَى مُنَازع أهل الْعلم وَلَفظه غير بلد وصقع لما كَانَ يرْمى بِهِ من بلايا الله أعلم بحقيقتها ومطلع على سَرِيرَته فِيهَا وَتعقبه بعض عُلَمَاء السّنة من المغاربة فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يُثبتهُ فِي مُصَنفه فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَعَ أهل الْعلم وَالتَّفْسِير وَلَا كَرَامَة وَلَا وَالله مَعَ أهل التَّوْحِيد وَأما الْعَفِيف التلمساني فَهُوَ سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله التلمساني الأديب قَالَ الذَّهَبِيّ من فحول الشُّعَرَاء وكبار الاتحادية يدعى الْعرْفَان لَهُ شعر رائق وَكَانَ كَاتبا على سوق الْغنم بِدِمَشْق لَهُ هَيْئَة وَحُرْمَة وَكَانَ يتعاطى الْخمر ويتملطخ بمعايب نسْأَل الله الْعَفو وَكَانَ قد دخل الرّوم وَعمل الْخلْوَة وجاع وَشرح (مَوَاقِف النفري (وَهُوَ الْقَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 .. إِلَى الراح هبوا حِين تَدْعُو المثالث فَمَا الراح للأرواح الابواعث ... هِيَ الْجَوْهَر الصّرْف الْقَدِيم فَإِن بَدَت لَهَا حبب زينت بهَا وَهُوَ حَادث مَاتَ سنة 609 وَذكره ابو حَيَّان فَقَالَ وَرَأَيْت بِالْقَاهِرَةِ الْعَفِيف أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَليّ بن ثَابت الْكُوفِي وَكَانَ يحضر عِنْدِي 1 فِي بَيْتِي فِي الْمدرسَة الصالحية وَينظر فِي شَيْء من النَّحْو وَأنْشد لي قطعا من شعره وَكَانَ قد تزوج بنت ابْن سبعين وأولدها ولدا يُسمى مُحَمَّدًا وَكَانَ شَاعِرًا ظريفا وَمَات وَهُوَ شَاب وَلما حضر مَعنا للْقِرَاءَة على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الْأَصْبَهَانِيّ سَأَلَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا ابْن مملوكك الْعَفِيف التلمساني فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أَنْت عريق فِي الألوهية وأمك بنت سبعين وَأَبُوك الْعَفِيف التلمساني وَكَانَ التلمساني متقلبا فِي احواله فَتَارَة يكون شيخ زَاوِيَة وَتارَة يشْتَغل فِي ديوَان الخدم قدم علينا الْقَاهِرَة فَنزل فِي (خانكاة سعيد السُّعَدَاء (فِي أيالة شيخ الشُّيُوخ إِذْ ذَاك وَأقَام أشهرا ثمَّ حُكيَ عَنهُ أَنه حضر مجْلِس أنس وَمَعَهُمْ مغن مليح فشاع عَنهُ أَنه قبل الْمُغنِي وَقَالَ أَنْت الله فَرمى الصَّبِي الطار من يَده ووجم لمقالة الْعَفِيف وَأصْبح أهل الْمجْلس يتحدثون بِمَا قَالَه الْعَفِيف فخاف على نَفسه وَخرج فَارًّا قبل الظّهْر إِلَى الشَّام قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى وحَدثني الشَّيْخ الْعَالم الْعَارِف كَمَال الدّين المراغي شيخ زَمَانه أَنه لما قدم وبلغه كَلَام هَؤُلَاءِ فِي التَّوْحِيد قَالَ قرات على الْعَفِيف التلمساني من كَلَامهم شَيْئا فرأيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة فَلَمَّا ذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ الْقُرْآن لَيْسَ فِيهِ تَوْحِيد بل الْقُرْآن كُله شرك وَمن اتبع الْقُرْآن لم يصل إِلَى التَّوْحِيد قَالَ قلت لَهُ مَا الْفرق عنْدكُمْ بَين الزَّوْجَة والأجنبية وَالْأُخْت الْكل وَاحِد قَالَ لَا فرق بَين ذَلِك عندنَا وانما هَؤُلَاءِ المحجوبون اعتقدوه حَرَامًا فَقُلْنَا هُوَ حرَام عَلَيْهِم عِنْدهم وَأما عندنَا فَمَا ثمَّ حرَام وحَدثني كَمَال الدّين ابْن المراغي أَنه لما تحدث مَعَ التلمساني فِي هَذَا الْمَذْكُور قَالَ وَكنت أَقرَأ عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَإِنَّهُم كَانُوا قد عظموه عندنَا وَنحن مشتاقون إِلَى معرفَة (فصوص الحكم (فَلَمَّا صَار يشرحه إِلَيّ أَقُول هَذَا خلاف الْقُرْآن والآحاديث فَقَالَ ارْمِ هَذَا كُله خلف الْبَاب وأحضر بقلب صَاف حَتَّى تتلقى هَذَا التَّوْحِيد أَو كَمَا قَالَ ثمَّ خَافَ أَن أشيع ذَلِك عَنهُ فجَاء إِلَيّ باكيا وَقَالَ اسْتُرْ عني مَا سمعته مني قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي قدوم ركب آخر ... وأتى فريق ثمَّ قَالَ وجدته بِالذَّاتِ مَوْجُودا بِكُل مَكَان ... هُوَ كالهواء بِعَيْنِه لَا عينه مَلأ الْخُلُو وَلَا يرى بعيان ... وَالْقَوْم مَا صانوه عَن بِئْر وَلَا قبر وَلَا حش وَلَا أعطان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 .. بل مِنْهُم من قد رأى تشبيهه بِالروحِ دَاخل هَذِه الْأَبدَان ... مَا فيهم من قَالَ لَيْسَ بداخل أَو خَارج عَن جملَة الأكوان ... لكِنهمْ حاموا على هَذَا وَلم يتجاسروا من عَسْكَر الْإِيمَان ... وَعَلَيْهِم رد الْأَئِمَّة أَحْمد وصحابه من كل ذِي عرفان ... فهم الْخُصُوم لكل صَاحب سنة وهم الْخُصُوم لمنزل الْقُرْآن ... وَلَهُم مقالات ذكرت أُصُولهَا لما ذكرت الجهم فِي الاوزان ... أَقُول هَذَا الَّذِي ذكره النَّاظِم هُوَ قَول النجارية وَهُوَ أَن الله تَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كل مَكَان وَأما الْجَهْمِية الفحول فهم يَقُولُونَ إِنَّه تَعَالَى لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم وَعَلَيْهِم رد الْأَئِمَّة أَحْمد الخ أَي أَن كَلَام الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّد على الْقَائِلين بِأَن الله فِي كل مَكَان قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي كتاب (الْإِيمَان (كَلَام السّلف كَانَ فِيمَا يظْهر لَهُم ويصل إِلَيْهِم من كَلَام أهل الْبدع كَمَا تجدهم فِي الْجَهْمِية إِنَّمَا يحكون عَنْهُم أَن الله فِي كل مَكَان وَهَذَا قَول طَائِفَة مِنْهُم كالنجارية 2 وَهُوَ قَول عوامهم وعبادهم وَأما جُمْهُور نظارهم من الْجَهْمِية والمعتزلة والضرارية وَغَيرهم فَإِنَّمَا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا هُوَ فَوق الْعَالم انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فصل فِي قدوم ركب آخر ... وأتى فريق ثمَّ قَارب وَصفه هَذَا وَلَكِن جد فِي الكفران ... فَأسر قَول معطل ومكذ ب فِي قالب التَّنْزِيه للرحمن ... إِذْ قَالَ لَيْسَ بداخل فِينَا وَلَا هُوَ خَارج عَن جملَة الأكوان ... بل قَالَ لَيْسَ ببائن عَنْهَا وَلَا فِيهَا وَلَا هُوَ عينهَا بِبَيَان ... كلا وَلَا فَوق السَّمَوَات العلى وَالْعرش من رب وَلَا رَحْمَن ... وَالْعرش لَيْسَ عَلَيْهِ معبود سوى الْعَدَم الَّذِي لَا شيئ فِي الْأَعْيَان ... بل حَظه من ربه حَظّ الثرى مِنْهُ وحظ قَوَاعِد الْبُنيان ... لَو كَانَ فَوق الْعَرْش كَانَ كهذه ال أجسام سُبْحَانَ الْعَظِيم الشان ... وَلَقَد وجدت لفاضل مِنْهُم مقا مَا قامه فِي النَّاس مُنْذُ زمَان ... قَالَ اسمعوا يَا قوم إِن نَبِيكُم قد قَالَ قولا وَاضح الْبُرْهَان ... لَا تحكموا بِالْفَضْلِ لي اصلا على ذِي النُّون يُونُس ذَلِك الغضبان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 .. هَذَا يرد على المجسم على قَوْله الله فَوق الْعَرْش والأكوان ... وَيدل أَن إلهنا سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ يلقى بِكُل مَكَان ... قَالُوا لَهُ بَين لنا هَذَا فَلم يفعل فَأَعْطوهُ من الْأَثْمَان ... ألفا من الذَّهَب الْعَتِيق فَقَالَ فِي تبيانه فاسمع لذا التِّبْيَان ... قد كَانَ يُونُس فِي قَرَار الْبَحْر تَحت المَاء فِي قبر من الْحيتَان ... وَمُحَمّد صعد السَّمَاء وَجَاوَزَ ال سبع الطباق وَجَاز كل عنان ... وَكِلَاهُمَا فِي قربه من ربه سُبْحَانَهُ إِذْ ذَاك مستويان ... فالعلو والسفل اللَّذَان كِلَاهُمَا فِي بعده من ضِدّه طرفان ... إِن ينسبا لله نزه عَنْهُمَا بالإختصاص بلَى هما سيان ... فِي قرب من أضحى مُقيما فيهمَا من ربه فكلاهما مثلان ... فلأجل هَذَا خص يُونُس دونهم بِالذكر تَحْقِيقا لهَذَا الشان فَأتى النثار عَلَيْهِ من أَصْحَابه ... من كل نَاحيَة بِلَا حسبان فاحمد إلهك أَيهَا السّني إِذْ ... عافاك من تَحْرِيف ذِي بهتان وَالله مَا يرضى بِهَذَا خَائِف ... من ربه أَمْسَى على الْإِيمَان هَذَا هُوَ الْإِلْحَاد حَقًا بل هُوَ الت ... حريف مَحْضا أبرد الهذيان وَالله مَا بلي المجسم قطّ ذِي ال ... بلوى وَلَا أَمْسَى بِذِي الخذلان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 .. أَمْثَال ذَا التَّأْوِيل أفسد هَذِه ال ... أَدْيَان حِين سرى إِلَى الْأَدْيَان وَالله لَوْلَا الله حَافظ دينه ... لتهدمت مِنْهُ قوى الْأَركان ... اقول هَذَا الركب هم الأشاعرة وَقَوله وَلَقَد وجدت لفاضل مِنْهُم الخ هذاالفاضل هُوَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك ابْن أبي مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مولده كَمَا فِي (الْكَامِل (سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَفِي (تَارِيخ ابْن أبي الدَّم (سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة (إِمَام الْعلمَاء فِي وقته فَحل الْمَذْهَب سَافر إِلَى بَغْدَاد ثمَّ إِلَى الْحجاز وَأقَام بِمَكَّة وَالْمَدينَة أَربع سِنِين يدرس ويفتي ويصنف وَأم فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَبِذَلِك لقب ثمَّ رَجَعَ إِلَى نيسابور وَجعل إِلَيْهِ الخطابة ومجلس الذّكر والتدريس ثَلَاثِينَ سنة وحظي عِنْد نظام الْملك وَمن تلاميذه الغز 2 الي وَأَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الكيا الهراسي وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الإجتهاد الْمُطلق لِأَن أَرْكَانه حَاصِلَة لَهُ ثمَّ عَاد إِلَى اللَّائِق بِهِ وتقليد الإِمَام الشَّافِعِي وَلما مرض حمل إِلَى قَرْيَة مَوْصُوفَة باعتدال الْهوى وخفة المَاء إسمها (بشنقان (فَمَاتَ بهَا وَنقل إِلَى نيسابور تِلْكَ اللَّيْلَة وَدفن من الْغَد فِي دَاره ثمَّ نقل بعد سِتّ سِنِين إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن فَدفن بِجنب أَبِيه وَصلى عَلَيْهِ وَلَده أَبُو الْقَاسِم فأغلقت ألأسواق يَوْم مَوته وَكسر منبره فِي الْجَامِع وَقعد النَّاس لعزائه ورثوه كثيرا وَمِنْه ... قُلُوب الْعَالمين على المقالي ... وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي ايثمر غُصْن أهل الْفضل يَوْمًا ... وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَكَانَت تلامذته يَوْمئِذٍ نَحْو أَرْبَعمِائَة وَمن مصنفاته (نِهَايَة الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب و (الشَّامِل (و (الْإِرْشَاد (كِلَاهُمَا فِي أصُول الدّين و (الرسَالَة النظامية فِي الْأَركان الإسلامية (و (الْبُرْهَان (فِي أصُول الْفِقْه وَغَيرهَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (النبلاء (فِي تَرْجَمَة الإِمَام ابي الْمَعَالِي كَانَ هَذَا الامام مَعَ فرط ذكائه وإمامته فِي الْفُرُوع وأصول الْمَذْهَب وَقُوَّة مناظرته لَا يدْرِي الحَدِيث كَمَا يَلِيق بِهِ لامتنا وَلَا إِسْنَادًا ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق على صِحَّته قلت بل مَدَاره على الْحَارِث ابْن عَمْرو وَفِيه جَهَالَة عَن رجال من أهل حمص عَن معَاذ فإسناده صَالح انْتهى وقصة مقَامه الْمَذْكُور ذكرهَا الإِمَام أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي (تَذكرته (فَقَالَ فصل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمن قَالَ أَنا خير من يُونُس بن مَتى فقد كذب (للْعُلَمَاء فِيهِ تأويلات أحْسنهَا وأجملها مَا ذكره القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ قَالَ أَخْبرنِي غير وَاحِد من أَصْحَابنَا عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي عبد الْملك بن عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ أَنه سُئِلَ هَل الْبَارِي فِي جِهَة فَقَالَ لَا هُوَ يتعالى عَن ذَلِك قيل لَهُ فَمَا الدَّلِيل عَلَيْهِ قَالَ الدَّلِيل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تفضلُونِي على يُونُس بن مَتى (فَقيل لَهُ مَا وَجه الدَّلِيل من هَذَا الْخَبَر فَقَالَ لَا أقوله حَتَّى ياخذ ضَيْفِي هَذَا ألف دِينَار يقْضِي بهَا دينا فَقَامَ رجلَانِ فَقَالَا هِيَ علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فَقَالَ لَا يتبع بهَا إثنين لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهِ فَقَالَ وَاحِد هِيَ عَليّ فَقَالَ إِن يُونُس بن مَتى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى بِنَفسِهِ فِي الْبَحْر فالتقمه الْحُوت وَصَارَ فِي قَعْر الْبَحْر فِي ظلمات ثَلَاثَة ونادى {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} الْأَنْبِيَاء 87 كَمَا أخبر الله وَلم يكن مُحَمَّد حِين جلس على الرفرف الْأَخْضَر وارتقى بِهِ صعدا حَتَّى انْتهى بِهِ إِلَى مَوضِع يسمع فِيهِ صريف الأقلام وناجاه ربه بِمَا ناجى بِهِ وأوحي إِلَيْهِ مَا أُوحِي بأقرب إِلَى الله من يُونُس فِي ظلمَة الْبَحْر انْتهى سِيَاق ال 6 قرطبي قلت كَانَ هَذَا الإِمَام مَعَ فرط ذكائه وغزارة علمه تتلون آراؤه فَفِي كتاب (الشَّامِل (وَكتاب (الارشاد (مَشى على تَأْوِيل الصفحات الخبرية وَفِي كتاب الرسَالَة النظامية مَشى على أَن التَّأْوِيل محرم قَالَ فِي (الرسَالَة النظامية (اخْتلف مسالك الْعلمَاء فِي هَذِه الظَّوَاهِر فَرَأى بَعضهم تَأْوِيلهَا وَالْتزم ذَلِك فِي آي الْكتاب وَمَا يَصح من السّنَن وَذهب أَئِمَّة السّلف إِلَى الانكفاف عَن التَّأْوِيل وإجراء الظَّوَاهِر على مواردها وتفويض مَعَانِيهَا إِلَى الرب عز وَجل وَالَّذِي نرتضيه دينا وندين الله بِهِ عقيدة اتِّبَاع سلف الْأمة وَالدَّلِيل الْقَاطِع السمعي فِي ذَلِك وَأَن إِجْمَاع الْأمة حجَّة متبعة فَلَو كَانَ تَأْوِيل هَذِه الظَّوَاهِر مسوغا أَو محتوما لَأَوْشَكَ أَن يكون أهتمامهم بهَا فَوق إهتمامهم بِفُرُوع الشَّرِيعَة إِذا انصرم عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على الإضراب عَن التَّأْوِيل كَانَ ذَلِك هُوَ الْوَجْه المتبع فلتجر آيَة الاسْتوَاء وَآيَة المجي وَقَوله (لما خلقت بيَدي ص 75 على ذَلِك قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (قَالَ الْحَافِظ الْحجَّة عبد الْقَادِر الرهاوي سَمِعت عبد الرَّحِيم ابْن أبي الْوَفَاء الحاجي يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 طَاهِر الْمَقْدِسِي يَقُول سَمِعت الأديب أَبَا الْحسن القيرواني بنيسابور يَقُول وَكَانَ يخْتَلف إِلَى دروس الاستاذ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ يقْرَأ عَلَيْهِ الْكَلَام يَقُول سَمِعت الاستاذ أَبَا الْمَعَالِي الْيَوْم يَقُول يَا أَصْحَابنَا لَا تشتغلوا بالْكلَام فَلَو عرفت أَن الْكَلَام يبلغ بِي إِلَى مَا بلغ مَا اشتغلت بِهِ وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو عبد الله الرستمي الَّذِي أجَاز لكريمة حكى لنا الامام أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على الامام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ نعوده فِي مرض مَوته فَقعدَ فَقَالَ لنا اشْهَدُوا على أَنِّي قد رجعت عَن كل مقَالَة قلتهَا أُخَالِف فِيهَا مَا قَالَ السّلف الصَّالح وَإِنِّي أَمُوت على مَا تَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور قَالَ أَبُو مَنْصُور بن الْوَلِيد الْحَافِظ فِي رِسَالَة لَهُ إِلَى الزنجاني أنبأ عبد الْقَادِر الْحَافِظ بحران أنبأ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء أنبأ أَبُو جَعْفَر بن أبي عَليّ الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله عز وَجل {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 فَقَالَ كَانَ الله وَلَا عرش وَجعل يتخبط فِي الْكَلَام فَقلت قد علمنَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فَهَل عنْدك للضرورات من حِيلَة فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَة فَقلت مَا قَالَ عَارِف قطّ يارباه إِلَّا قبل أَن يَتَحَرَّك لِسَانه قَامَ من بَاطِنه قصد لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة يقْصد الفوق فَهَل لهَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ عنْدك حِيلَة فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت وبكيت وَبكى الْخلق فَضرب الاستاذ بكمه على السرير وَصَاح بِالْحيرَةِ وخرق مَا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَت قِيَامَة فِي الْمَسْجِد وَنزل وَلم يجبني إِلَّا يَا حَبِيبِي الْحيرَة الْحيرَة والدهشة الدهشة فَسمِعت بعد ذَلِك أَصْحَابه يَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 سمعناه يَقُول حيرني الهمذاني توفّي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَله سِتُّونَ سنة وَكَانَ من بحور الْعلم فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع يتوقد ذكاء لَكِن قَول النَّاظِم يرحمه الله تَعَالَى عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي حِكَايَة مذْهبه وَيدل أَن إلهنا سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ يلقى بِكُل مَكَان فِيهِ نظر فَإِن القَوْل بِأَن الله تَعَالَى فِي كل مَكَان هُوَ القَوْل النجارية وَأما الأشاعرة فَقَوْلهم إِن الله تَعَالَى لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ وَلَا يُوصف بِأَن لَهُ مَكَانا فضلا عَن أَن يُقَال إِنَّه بِكُل مَكَان كَمَا ذكره النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي أول الأبيات وَلِهَذَا ذكر شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فِي التسعينية قَالَ لما نوظر ابْن فورك قُدَّام مَحْمُود بن سبكتكين أَمِير الْمشرق فَقيل لَهُ لَو وصف الْمَعْدُوم لم يُوصف إِلَّا بِمَا وصفت بِهِ الرب من كَونه لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه كتب إِلَى أبي إِسْحَاق الاسفراييني فِي ذَلِك وَلم يكن جوابهم إِلَّا أَنه لَو كَانَ خَارج الْعَالم للَزِمَ أَن يكون جسما انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي قدوم ركب آخر ... وأتى فريق ثمَّ قَارب وَصفه ... هَذَا وَزَاد عَلَيْهِ فِي الْمِيزَان قَالَ اسمعوا ياقوم لَا تلهيكم ... هذي الْأَمَانِي هن شَرّ أماني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 .. اتعبت رَاحِلَتي وكلت مهجتي ... وبذلت مجهودي وَقد أعياني فتشت فَوق وَتَحْت ثمَّ أمامنا ... ووراء ثمَّ يسَار مَعَ أَيْمَان مَا دلَّنِي اُحْدُ عَلَيْهِ هُنَاكُم ... كلا وَلَا بشر إِلَيْهِ هَدَانِي الا طوائف بِالْحَدِيثِ تمسكت ... تعزى مذاهبها إِلَى الْقُرْآن قالواالذي نبغيه فَوق عباده ... فَوق السَّمَاء وَفَوق كل مَكَان وَهُوَ الَّذِي حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى ... لكنه استولى على الأكوان وَإِلَيْهِ يصعد كل قَول طيب ... وَإِلَيْهِ يرفع سعي ذِي الشكران وَالروح والأملاك مِنْهُ تنزلت ... وَإِلَيْهِ تعرج عِنْد كل أَوَان وَإِلَيْهِ أَيدي السَّائِلين تَوَجَّهت ... نَحْو الْعُلُوّ بفطرة الرَّحْمَن وَإِلَيْهِ قد عرج الرَّسُول فقدرت ... من قربه من ربه قوسان وَإِلَيْهِ قد رفع الْمَسِيح حَقِيقَة ... ولسوف ينزل كي يرى بعيان وَإِلَيْهِ تصعد روح كل مُصدق ... عِنْد الْمَمَات فتنثني بِأَمَان وَإِلَيْهِ آمال الْعباد تَوَجَّهت ... نَحْو الْعُلُوّ بِلَا تواص ثَان بل فطْرَة الله الَّتِي لم يفطروا ... الاعليها الْخلق والثقلان ... يُشِير النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن هَذَا الركب أقرُّوا بِمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَأجْمع عَلَيْهِ سلف الْأمة وأئمتها من العقائد الَّتِي تضمنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 هَذَا الْفَصْل وَذكر نُصُوص الْفَوْقِيَّة والعلو والاستواء والصعود كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} االاعراف 54 {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} فصلت 11 وَقَوله تَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فاطر 10 وَقَوله تَعَالَى {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} المعارج 4 وَقَوله تَعَالَى {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} الْقدر 4 5 وَذكر مِعْرَاج الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله الَّذِي تَوَاتَرَتْ بِهِ الاحاديث وَأجْمع عَلَيْهِ سلف الامة وأئمتها عَن أنس ان مَالك بن صعصعة حَدثهُ أَن نَبِي الله حَدثهُ عَن لَيْلَة أسرِي بِهِ قَالَ (بَينا أَنا فِي الْحطيم وَرُبمَا قَالَ قَتَادَة فِي الْحجر مُضْطَجعا إِذْ اتاني آتٍ (فَذكر الحَدِيث وَفِيه قَالَ (ثمَّ أتيت بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار أَبيض يَقع خطوه عِنْد أقْصَى طرفه قَالَ فَحملت عَلَيْهِ فَانْطَلق بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى بِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أوقد أرسل اليه قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت إِذا فِيهَا آدم قَالَ هَذَا أَبوك آدم فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح قَالَ ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 السَّمَاء الثَّانِيَة (فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد أرسل اليه قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فَإِذا يحيى وَعِيسَى وهما ابْنا الْخَالَة قَالَ هَذَا يحيى وَعِيسَى فَسلم عَلَيْهِمَا فَسلمت فَردا السَّلَام وَقَالا مرْحَبًا بالاخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد أرسل قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت إِذا يُوسُف قَالَ هَذَا يُوسُف فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أوقد أرسل اليه قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فاذا إِدْرِيس قَالَ هَذَا ادريس فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالاخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح قَالَ ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل وَقيل من مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد أرسل اليه قَالَ نعم قَالَ مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فاذا هَارُون قَالَ هَذَا هَارُون فَسلم عَلَيْهِ قَالَ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بالاخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد أرسل اليه قَالَ نعم قَالَ مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فاذا أَنا بمُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالاخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح قَالَ فَلَمَّا تجاوزت بَكَى فَقيل مَا يبكيك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قَالَ أبْكِي لَان غُلَاما بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من امته اكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتِي ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد أرسل اليه قَالَ نعم قَالَ مرْحَبًا بِهِ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فَإِذا إِبْرَاهِيم قَالَ هَذَا ابراهيم فَسلم عَلَيْهِ قَالَ فَسلمت فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح قَالَ ثمَّ رفعت الى سِدْرَة الْمُنْتَهى ثمَّ رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور قَالَ ثمَّ فرضت عَليّ الصَّلَاة خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم فَرَجَعت فمررت على مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت فَقلت بِخَمْسِينَ صَلَاة كل يَوْم قَالَ إِن امتك لَا تَسْتَطِيع خمسين صَلَاة وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لامتك قَالَ فَرَجَعت فَوضع عني عشرا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت قلت بِأَرْبَعِينَ صَلَاة كل يَوْم قَالَ إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع أَرْبَعِينَ صَلَاة كل يَوْم واني قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لامتك فَرَجَعت فَوضع عني عشرا اخر فَرَجَعت الى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أمرت قلت أمرت بِثَلَاثِينَ صَلَاة كل يَوْم قَالَ ان أمتك لَا تَسْتَطِيع ثَلَاثِينَ صَلَاة كل يَوْم وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة فَارْجِع الى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لامتك فَرَجَعت فَوضع عني عشرا أخر فَرَجَعت الى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 قلت بِعشْرين صَلَاة كل يَوْم قَالَ إِن امتك لَا تَسْتَطِيع عشْرين صَلَاة كل يَوْم واني قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة فَارْجِع الى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لامتك قَالَ فَرَجَعت فَأمرت بِعشر صلوَات كل يَوْم فَرَجَعت الى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت فَقلت بِعشر صلوَات كل يَوْم قَالَ إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع عشر صلوَات كل يَوْم وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني اسرائيل أَشد المعالجة فَارْجِع الى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لامتك فَرَجَعت فَأمرت بِخمْس صلوَات كل يَوْم فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت قلت أمرت بِخمْس صلوَات كل يَوْم قَالَ إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع خمس صلوَات كل يَوْم وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة قلت قد سَأَلت رَبِّي حَتَّى استحييت وَلَكِنِّي أرْضى وَأسلم فَلَمَّا نفذت نَادَى مُنَاد قد أنفذت فريضتي وخففت عَن عبَادي (مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيّ ورحمه الله فِي (شرح مُسلم (نقلا عَن القَاضِي عِيَاض الْحق الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر النَّاس ومعظم السّلف وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء والمحدثين والمتكلمين أَنه أسرى بجسده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والْآثَار تدل عَلَيْهِ لمن طالعها وَبحث عَنْهَا وَلَا يعدل عَن ظَاهرهَا إِلَّا بِدَلِيل وَلَا اسْتِحَالَة فِي حملهَا عَلَيْهِ فَيحْتَاج الى تَأْوِيل انْتهى قَوْله فقدرت من قربه من ربه قوسان يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} النَّجْم 8 9 وَهَذَا على أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 التفسيرين فِي الْآيَة وَأَن الرب عز وَجل هُوَ الَّذِي دنا فَتَدَلَّى وَسَيَأْتِي بسط الْكَلَام على ذَلِك فِي شرح الدَّلِيل الْخَامِس من أَدِلَّة علو الرب تَعَالَى فَوق خلقه وَالله اعْلَم وَقَالَ تَعَالَى فِي حق الْمَسِيح صلوَات الله عَلَيْهِ {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء 158 الْآيَة وَقَوله واليه تصعد روح كل مُصدق الخ يَعْنِي ان روح الْمُؤمن الْمُصدق تصعد الى الله بعد الْمَوْت وَقد روى ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن عَطاء عَن سعيد بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فاذا كَانَ الرجل الصَّالح قَالُوا اخْرُجِي أيتها النَّفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب أَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ثمَّ يعرج بهَا الى السَّمَاء فيستفتح لَهَا فَيُقَال من هَذَا فَيُقَال فلَان فَيُقَال مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى ينتهى بهَا الى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله تَعَالَى وَذكر الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده (وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه (وَقَالَ هُوَ على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَرَوَاهُ أَئِمَّة عَن ابْن أبي ذِئْب وَقَوله فتنثني بِأَمَان يُشِير إِلَى مَا فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل من الانصار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حوله كَأَن على أكتافنا فلق الصخر وعَلى رؤوسنا الطير فأزم قَلِيلا والازمام السُّكُوت فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ (إِن الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة ودبر من الدُّنْيَا نزل عَلَيْهِ مَلَائِكَة من السَّمَاء مَعَهم حنوط من الْجنَّة وكفن من الْجنَّة فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد بَصَره وجاءه ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه ثمَّ يَقُول اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة اخْرُجِي الى رَحْمَة الله ورضوانه فتسيل نَفسه كَمَا تقطر القطرة من السقاء فَإِذا خرجت نَفسه صلى عَلَيْهِ كل ملك بَين السَّمَاء والارض الا الثقلَيْن ثمَّ يصعد بِهِ الى السَّمَاء فتفتح لَهُ السَّمَاء ويشيعه مقربوها الى السَّمَاء الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة وَالسَّابِعَة الى الْعَرْش مقربو كل سَمَاء فاذا انْتهى الى الْعَرْش كتب كِتَابه فِي عليين فَيَقُول الرب عز وَجل ردوا عَبدِي إِلَى مضجعه فَانِي وعدتهم أَنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة اخرى فَيرد إِلَى مضجعه وَذكر الحَدِيث قَوْله واليه آمال الْعباد تَوَجَّهت الخ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ربكُم حييّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ اليه يَدْعُو أَن يردهما صفرا لَيْسَ فيهمَا شَيْء (هَذَا حَدِيث مَشْهُور قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَنَظِير هَذَا أَنهم فطروا على ... إقرارهم لَا شكّ بالديان لَكِن أولو التعطيل مِنْهُم أَصْبحُوا ... مرضى بداء الْجَهْل والخذلان فَسَأَلت عَنْهُم رفقتي وأحبتي ... أَصْحَاب جهم حزب جنكسخان من هَؤُلَاءِ وَمن يُقَال لَهُم فقد ... جاؤوا بِأَمْر مَا لىء الآذان وَلَهُم علينا صولة مَا صالها ... ذُو بَاطِل بل صَاحب الْبُرْهَان أَو مَا سَمِعْتُمْ قَوْلهم وَكَلَامهم ... مثل الصواغر لَيْسَ ذَا لجبان جاؤوكم من فَوْقكُم وأتيتم ... من تَحْتهم مَا أَنْتُم نِسْيَان جاؤوكم بِالْوَحْي لَكِن جئْتُمْ ... بنحاة الافكار والاذهان ... قَالَ فِي (الْقَامُوس (نحته ينحته كيضربه وينصره ويعلمه براه والنحاته بِالضَّمِّ البراية ... قَالُوا مشبهة مجسمة فَلَا ... تسمع مقَال مجسم حَيَوَان والعنهم لعنا كَبِيرا واغزهم ... بعساكر التعطيل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 .. واحكم بسفك دِمَائِهِمْ وبحبسهم ... أَولا فشردهم عَن الاوطان حذر صحابك مِنْهُم فهم أضلّ ... من الْيَهُود وعابدي الصلبان وَاحْذَرْ تجادلهم بقال الله أَو ... قَالَ الرَّسُول فتنثني بهوان أَنى وهم أولى بِهِ قد أنفذوا ... فِيهِ قوى الاذهان وألابدان فاذا ابْتليت بهم فغالطهم على الت ... أويل للاخبار وَالْقُرْآن وكذاك غالطهم على التَّكْذِيب لل ... آحَاد ذَا لصاحبنا أصلان أوصى بِهِ أشياخنا أَشْيَاخهم ... فاحفظهما بيديك والاسنان واذا اجْتمعت وهم بمشهد مجْلِس ... فابدر بايراد وشغل زمَان لَا يملكوه عَلَيْك بالآثار وَال ... أَخْبَار وَالتَّفْسِير للفرقان فَتَصِير إِن وَافَقت مثلهم وان ... عارضت زنديقا أَخا كفران واذا سكت يُقَال هَذَا جَاهِل ... فابدر وَلَو بالفشر والهذيان ... الفشار الَّذِي تستعمله الْعَامَّة بِمَعْنى الهذيان لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب قَالَه فِي (الْقَامُوس ( ... هَذَا الَّذِي أوصى بِهِ أشياخنا ... فِي سالف الاوقات والازمان فَرَجَعت من سَفَرِي وَقلت لصاحبي ... ومطيتي قد آذَنت بحران ... قَالَ فِي (الْقَامُوس (حرنت الدَّابَّة كنصر وكرم حرانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بِالْكَسْرِ وَالضَّم فَهِيَ حرون وَهِي الَّتِي اذا استدر جربها وقفت خَاص بذوات الْحَافِر ... عطل ركابك واسترح من سَيرهَا ... مَا ثمَّ شَيْء غير ذِي الاكوان لَو كَانَ للاكوان رب خَالق ... كَانَ المجسم صَاحب الْبُرْهَان اَوْ كَانَ رب بَائِن عَن ذِي الورى ... كَانَ المجسم صَاحب الايمان ولكان عِنْد النَّاس أولى الْخلق بَال ... إِسْلَام والايمان والاحسان ولكان هَذَا الحزب فَوق رؤوسهم ... لم يخْتَلف مِنْهُم عَلَيْهِ اثْنَان ... أَي لَو كَانَت هَذِه الاقوال حَقًا وَهِي اعْتِقَاد المجسمة بزعمهم لكانوا عِنْد الله أولى بالاسلام والايمان والاحسان ولكان هَذَا الحزب فَوق رُؤُوس النَّاس ولاجمعوا على أَنهم أهل الْحق وَلم يختف مِنْهُم اثْنَان ... فدع التكاليف الَّتِي حملتها ... واخلع عذارك وارم بالارسان ... خلع العذار كِنَايَة ... مَا ثمَّ فَوق الْعَرْش من رب وَلم ... يتَكَلَّم الرَّحْمَن بِالْقُرْآنِ لَو كَانَ فَوق الْعَرْش رب نَاظر ... لزم التحيز وافتقار مَكَان ... أَي لَو نقُول بِأَن الله فَوق الْعَرْش لزم أَن يكون متحيزا يكون لَهُ مَكَان ... لَو كَانَ ذَا الْقُرْآن عين كَلَامه ... حرفا وصوتا كَانَ ذَا جثمان فَذا انْتَفَى هَذَا وَهَذَا مَا الَّذِي ... يبْقى على ذَا النَّفْي من إِيمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 أَي اذا نفوا علو الله سُبْحَانَهُ فَوق عَرْشه وَنَفَوْا أَن يكون هَذَا الْقُرْآن عين كَلَام الرب سُبْحَانَهُ فَكيف بَقَاء الايمان مَعَ ذَلِك ... فدع الْحَلَال مَعَ الْحَرَام لاهله ... فهما السياج لَهُم على الْبُسْتَان فاخرقه ثمَّ ادخل ترى فِي ضمنه ... قد هيئت لَك سَائِر الالوان وَترى بهَا مَا لَا يرَاهُ محجب ... من كل مَا تهوى بِهِ زوجان ... قَالَ فِي (الْقَامُوس (سياج ككتاب الْحَائِط وَمَا أحيط بِهِ على شَيْء مثل النّخل وَالْكَرم وَقد سيج حَائِطه تسييجا ... واقطع علائقك الَّتِي قد قيدت ... هَذَا الورى من سالف الازمان لتصير حرا لست تَحت أوَامِر ... كلا وَلَا نهي وَلَا فرقان لَكِن جعلت حجاب نَفسك اذ ترى ... فَوق السما للنَّاس من ديان لَو قلت مَا فَوق السَّمَاء مُدبر ... وَالْعرش تخليه من الرَّحْمَن وَالله لَيْسَ مكلما لِعِبَادِهِ ... كلا وَلَا متكلما بقرآن مَا قَالَ قطّ وَلَا يَقُول ولاله ... قَول بدا مِنْهُ الى انسان لَحللت طلسمه وفزت بكنزه ... وَعلمت أَن النَّاس فِي هذيان ... قَوْله مِنْهُ بدا قَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فِي (شرح عقيدة الاصفهاني (قد اتّفق سلف الامة وائمتها على أَن الله تَعَالَى مُتَكَلم بِكَلَام قَائِم بِهِ وَأَن كَلَامه تَعَالَى غير مَخْلُوق وانكروا على الْجَهْمِية وَمن وافقهم من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم فِي قَوْلهم إِن كَلَامه تَعَالَى مَخْلُوق خلقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فِي غَيره وَأَنه كلم مُوسَى بِكَلَام خلقه فِي الشَّجَرَة فَكلم جِبْرِيل بِكَلَام خلقه فِي الْهَوَاء وَاتفقَ أَئِمَّة السّلف على أَن كَلَام الله منزل غير مَخْلُوق مِنْهُ بَدَأَ واليه يعود قَالَ وَمعنى قَوْلهم مِنْهُ بَدَأَ أَي هُوَ الْمُتَكَلّم بِهِ لم يخلقه فِي غَيره كَمَا قَالَت الْجَهْمِية وَمن وافقهم من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم بِأَنَّهُ بَدَأَ من بعض الْمَخْلُوقَات وَأَنه سُبْحَانَهُ لم يقم بِهِ كَلَام قَالَ وَلم يرد عَن السّلف أَنه كَلَام فَارق ذَاته فان الْكَلَام وَغَيره من الصِّفَات لَا يُفَارق الْمَوْصُوف بل صفة الْمَخْلُوق لَا تُفَارِقهُ وتنتقل الى غَيره فَكيف صفة الْخَالِق تُفَارِقهُ وتنتقل إِلَى غَيره وَلِهَذَا قَالَ الامام أَحْمد كَلَام الله لَيْسَ بَائِن مِنْهُ قَالَ شيخ الاسلام وَمعنى قَول السّلف واليه يعود مَا جَاءَ فِي الْآثَار أَن الْقُرْآن يسرى بِهِ حَتَّى لَا يبْقى فِي الْمَصَاحِف مِنْهُ حرف وَلَا فِي الْقُلُوب مِنْهُ أَيَّة وَمَا جَاءَت بِهِ الاثار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين كالحديث الَّذِي رَوَاهُ الامام احْمَد فِي (الْمسند (وَكتبه الى المتَوَكل فِي رسَالَته الَّتِي أرسل بهَا اليه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (مَا تقرب الْعباد الى الله بِمثل مَا خرج بِهِ (يَعْنِي الْقُرْآن وَفِي لفظ (أحب اليه مِمَّا خرج مِنْهُ (وَقَول أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لما سمع كَلَام مُسَيْلمَة إِن هَذَا كَلَام لم يخرج من إل أَي من رب وَقَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما سمع قَائِلا يَقُول لمَيت لما وضع فِي لحده اللَّهُمَّ رب الْقُرْآن اغْفِر لَهُ فَالْتَفت اليه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ مَه الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمربوب مِنْهُ بَدَأَ واليه يعود وَهَذَا الْكَلَام مَعْرُوف عَن ابْن عَبَّاس وَقَول السّلف الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق مِنْهُ بَدَأَ واليه يعود كَمَا استفاضت الْآثَار عَنْهُم بذلك كَمَا هُوَ مَنْقُول عَنْهُم فِي الْكتب المسطورة بِالْأَسَانِيدِ الْمَشْهُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 قَالَ شيخ الاسلام فِي (شرح الاصفهانية (وَهَذِه الرِّوَايَات لَا يدل شيءمنها على أَن الْكَلَام يُفَارق الْمُتَكَلّم وينتقل الى غَيره وَإِنَّمَا تدل على ان الله هُوَ الْمُتَكَلّم بِالْقُرْآنِ وَمِنْه سمع لَا أَنه خلقه فِي غَيره كَمَا فسره بذلك الامام أَحْمد وَغَيره من الائمة قَالَ ابو بكر الْخلال سُئِلَ الامام احْمَد عَن قَوْله الْقُرْآن كَلَام الله مِنْهُ خرج واليه يعود يَعْنِي مَا قدمنَا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَكِن زعمت بَان رَبك بَائِن ... من خلقه إِذْ قلت موجودان وَزَعَمت أَن الله فَوق الْعَرْش وَال ... كرْسِي حَقًا فَوْقه القدمان وَزَعَمت أَن الله يسمع خلقه ... ويراهم من فَوق سِتّ ثَمَان وَزَعَمت أَن كَلَامه مِنْهُ بدا ... وَإِلَيْهِ يرجع آخر الازمان ووصفته بارادة وبقدرة ... وَكَرَاهَة ومحبة وحنان ووصفته بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر الَّذِي ... لَا يَنْبَغِي إِلَّا لذِي الجثمان وَزَعَمت أَن الله يعلم كل مَا فِي الْكَوْن من سر وَمن أعلان ... وَالْعلم وصف زَائِد عَن ذَاته عرض يقوم بِغَيْر ذِي جثمان ... وَزَعَمت أَن الله كلم عَبده مُوسَى فأسمعه ندا الرَّحْمَن ... أفتسمع ألآذان غير الْحَرْف وَال صَوت الَّذِي خصت بِهِ الاذنان ... وَكَذَا النداء فانه صَوت باج ماع النُّحَاة واهل كل لِسَان ... لكنه صَوت رفيع وَهُوَ ضد للنجاء كِلَاهُمَا صوتان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 .. فَزَعَمت ان الله ناداه ونا جاه وَفِي ذَا الزَّعْم محذوران ... قرب الْمَكَان وَبعده وَالصَّوْت بل نوعاه محذوران ممتنعان ... قَوْله ويراهم من فَوق سِتّ ثَمَان أَي السَّمَوَات السَّبع والارضين السَّبع قَوْله وَالْعلم وصف زَائِد عَن ذَاته لَا خُصُوصِيَّة للْعلم عَن سَائِر الصِّفَات فان مُرَاد أهل الاثبات بقَوْلهمْ نَحن نقُول باثبات صِفَات لله زَائِدَة على ذَاته فحقيقة ذَلِك أَنا نثبتها زَائِدَة على مَا أثْبته النفاة من الذَّات فان النفاة اعتقدوا ثُبُوت ذَات مُجَرّدَة عَن الصِّفَات فَقَالَ أهل الاثبات نَحن نقُول باثبات صِفَات زَائِدَة على مَا اثبته هَؤُلَاءِ وَأما الذَّات نَفسهَا الْمَوْجُودَة فَتلك لَا يتَصَوَّر أَن تتَحَقَّق بِلَا صفة أصلا بل هَذَا بِمَنْزِلَة من قَالَ اثْبتْ إنْسَانا لَا حَيَوَانا وَلَا ناطقا وَلَا قَائِما بِنَفسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا لَهُ قدرَة وَلَا حَيَاة وَلَا حَرَكَة وَلَا سُكُون وَنَحْو ذَلِك أَو قَالَ أثبت نَخْلَة لَيْسَ لَهَا سَاق وَلَا جذع وَلَا لِيف وَلَا غير ذَلِك فان هَذَا يثبت مَالا حَقِيقَة لَهُ فِي الْخَارِج وَلَا يعقل وَلِهَذَا كَانَ السّلف والائمة يسمون نفاة الصِّفَات معطلة لَان حَقِيقَة قَوْلهم تَعْطِيل ذَات الله وان كَانُوا هم قد لَا يعلمُونَ ان قَوْلهم مُسْتَلْزم التعطيل وَالله أعلم وَهَذَا الركب الرَّابِع الَّذِي ذكر النَّاظِم قَوْلهم هُوَ فِيمَا يظْهر الْفَخر الرَّازِيّ والاسدي والشهر ستاني والاثير الابهري وَنَحْوهم مِمَّن خلط الْكَلَام بالفلسفة فان لَهُم كلَاما يشبه مَا ذكره النَّاظِم خُصُوصا الْفَخر الرَّازِيّ فانه قَالَ فِي كتاب اقسام اللَّذَّات لما ذكر ان هَذَا الْعلم أشرف الْعُلُوم وَأَنه ثَلَاث مقامات الْعلم بِالذَّاتِ وَالصِّفَات والافعال وعَلى كل مقَام عقدَة فَعلم الذَّات عَلَيْهِ عقدَة هَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الْوُجُود هُوَ الْمَاهِيّة أَو زَائِد على الْمَاهِيّة وَعلم الصِّفَات عَلَيْهِ عقدَة هَل الصِّفَات زَائِدَة على الذَّات ام لَا وَعلم الافعال عَلَيْهِ عقدَة هَل الْفِعْل مُقَارن للذات أَو مُتَأَخّر عَنْهَا ثمَّ قَالَ وَمن الَّذِي وصل الى هَذَا الْبَاب أَو ذاق من هَذَا الشَّرَاب ثمَّ أنْشد ... نِهَايَة اقدام الْعُقُول عقال واكثر سعي الْعَالمين ضلال ... وأرواحنا فِي وَحْشَة من جسومنا وَحَاصِل دُنْيَانَا أَذَى ووبال ... وَلم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى ان جَمعنَا فِيهِ قيل وَقَالُوا ... لقد تَأَمَّلت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَمَا رَأَيْتهَا تشفي عليلا وَلَا تروي غليلا وَرَأَيْت أقرب الطّرق طَريقَة الْقُرْآن اقْرَأ فِي الاثبات {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فاطر 10 واقرأ فِي النَّفْي {لَيْسَ كمثله شَيْء} الشورى 11 {وَلَا يحيطون بِهِ علما} طه 110 {هَل تعلم لَهُ سميا} مَرْيَم 7 وَمن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي وَقَول النَّاظِم رَحمَه اله تَعَالَى وكذاك غالطهم على التَّكْذِيب للآحاد الخ يُشِير الى ان الْمُخَالفين للْكتاب وَالسّنة قد أعدُّوا لدفع الِاسْتِدْلَال بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله أصلين أَحدهمَا التَّأْوِيل للآيات والاحاديث وَالثَّانِي دَعْوَى أَن الاحاديث الصَّحِيحَة فِي ذَلِك أَخْبَار آحَاد وَهِي لَا تفِيد الْعلم وَالْيَقِين وللامام القَاضِي أبي يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذَلِك كتاب (إبِْطَال التَّأْوِيل (مُجَلد وَكَذَلِكَ للشَّيْخ الامام أبي مُحَمَّد موفق الدّين بن قدامَة الْمَقْدِسِي كتاب (ذمّ التَّأْوِيل (فِي جُزْء لطيف فَارْجِع اليهما إِن شِئْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَقَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي كَلَام لَهُ لهَذَا اعْترض عبد الْجَبَّار وَابْن خطيب الرّيّ على الحَدِيث وجعلوه من الْآحَاد لما رَأَوْا احاديث تخَالف الْعقل وَهِي فِي الاصل مَوْضُوعَة انْتهى وَيَنْبَغِي أَن نتكلم هُنَا على أَخْبَار الْآحَاد وَأَنَّهَا تفِيد الْعلم وَله أَدِلَّة كَثِيرَة ذكرهَا النَّاظِم فِي كتاب (الصَّوَاعِق ( الاول أَن الْمُسلمين لما أخْبرهُم الْعدْل الْوَاحِد وهم بقباء فِي صَلَاة الصُّبْح أَن الْقبْلَة قد حولت الى الْكَعْبَة قبلوا خَبره وَتركُوا الْجِهَة الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا واستداورا الى الْقبْلَة وَلم يُنكر عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل شكروا على ذَلِك وَكَانُوا على أَمر مَقْطُوع بِهِ من الْقبْلَة الاولى فلولا حُصُول الْعلم لَهُم بِخَبَر الْوَاحِد لم يتْركُوا الْمَقْطُوع بِهِ الْمَعْلُوم لخَبر لَا يُفِيد الْعلم وَغَايَة مَا يُقَال فِيهِ أَنه خبر اقْترن بِهِ قرينَة وَكثير مِنْهُم يَقُول لَا يُفِيد الْعلم بِقَرِينَة وَلَا غَيرهَا وَهَذَا فِي غَايَة المكابرة وَمَعْلُوم أَن قرينَة تلقي الامة لَهُ بِالْقبُولِ وَرِوَايَته قرنا بعد قرن من غير نَكِير من اقوى الْقَرَائِن وأظهرها فَأَي قرينَة فرضتها كَانَت تِلْكَ أقوى مِنْهَا الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الحجرات 6 وَفِي الْقِرَاءَة الاخرى {فتثبتوا} وَهَذَا يدل على الْجَزْم بِقبُول خبر الْوَاحِد لانه يحْتَاج الى التثبت وَلَو كَانَ خَبره لَا يُفِيد الْعلم لامر بالتثبت حَتَّى يحصل الْعلم وَأَيْضًا فالسلف الصَّالح وأئمة الاسلام لم يزَالُوا يَقُولُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَفعل كَذَا وَأمر بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا وَهَذَا مَعْلُوم فِي كَلَامهم بِالضَّرُورَةِ وَفِي (صَحِيح البُخَارِيّ (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدَّة مَوَاضِع وَكثير من آحاديث الصَّحَابَة يَقُول فِيهَا أحدهم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا سَمعه من صَحَابِيّ غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَهَذِه شَهَادَة من الْقَائِل وَجزم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا نسبه اليه من قَول أَو فعل فَلَو كَانَ خبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْعلم لَكَانَ شَاهدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر علم الثَّالِث أَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ لم يزَالُوا يَقُولُونَ صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ جزم مِنْهُم بِأَنَّهُ قَالَه الرَّابِع قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} التَّوْبَة 122 والطائفة تقع على الْوَاحِد فَمَا فَوْقه فَأخْبر أَن الطَّائِفَة تنذر قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم فَلَو كَانَ خبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْعلم لَكَانَ ذَلِك الانذار أمرا بِمَا لَا فَائِدَة فِيهِ الْخَامِس قَوْله {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} الاسراء 36 أَي لَا تتبعه وَلَا تعْمل بِهِ وَلم يزل الْمُسلمُونَ من عهد الصَّحَابَة يقفون أَخْبَار الْآحَاد ويعملون بهَا ويثبتون لله تَعَالَى بهَا الصِّفَات فلوا كَانَت لَا تفِيد علما لَكَانَ الصَّحَابَة والتابعون وتابعوهم وأئمة الاسلام كلهم قد قفوا مَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم السَّادِس قَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} النَّحْل 43 فَأمر من لم يعلم أَن يسْأَل أهل الذّكر وهم اولو الْكتاب وَالْعلم وَلَوْلَا أَن أخبارهم تفِيد الْعلم لم يَأْمر بسؤال من لَا يُفِيد خَبره علما وَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يقل سلوا عدد التَّوَاتُر بل أَمر بسؤال أهل الذّكر مُطلقًا فَلَو كَانَ وَاحِدًا لَكَانَ سُؤَاله وَجَوَابه كَافِيا السَّابِع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} الْمَائِدَة 67 وَقَالَ {وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْمَائِدَة 99 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بلغُوا عني (وَقَالَ لاصحابه فِي الْجمع الاعظم يَوْم عَرَفَة (أَنْتُم مسؤولون عني فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك بلغت وَأديت وَنَصَحْت (وَمَعْلُوم أَن الْبَلَاغ هُوَ الَّذِي تقوم بِهِ الْحجَّة على الْمبلغ وَيحصل بِهِ الْعلم فَلَو كَانَ خبر الْوَاحِد لَا يحصل بِهِ الْعلم لم يَقع بِهِ التَّبْلِيغ الَّذِي تقوم بِهِ حجَّة الله على العَبْد فان الْحجَّة انما تقوم بِمَا يحصل بِهِ الْعلم وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرْسل الْوَاحِد من أَصْحَابه يبلغ عَنهُ فتقوم الْحجَّة على من بلغه وَكَذَلِكَ قَامَت حجَّته علينا بِمَا بلغنَا الْعُدُول الثِّقَات من أَقْوَاله وأفعاله وسنته وَلَو لم يفد الْعلم لم تقم علينا بذلك حجَّة وَلَا على من بلغه وَاحِد اَوْ اثْنَان أَو ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو دون عدد التَّوَاتُر وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل فَيلْزم من قَالَ إِن أَخْبَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفِيد الْعلم أحد أَمريْن إِمَّا أَن يَقُول إِن الرَّسُول لم يبلغ غير الْقُرْآن وَمَا رَوَاهُ عَنهُ عدد التَّوَاتُر وَمَا سوى ذَلِك لم تقم بِهِ حجَّة وَلَا تَبْلِيغ واما أَن يَقُول إِن الْحجَّة والبلاغ حاصلان بِمَا لَا يُوجب علما وَلَا يَقْتَضِي علما واذا بَطل هَذَانِ الامران بَطل القَوْل بِأَن أخباره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات الْعُدُول الْحفاظ وتلقتها الامة بِالْقبُولِ لَا تفِيد علما وَهَذَا ظَاهر لاخفاء بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} الْبَقَرَة 143 وَقَوله {وَفِي هَذَا ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس} الْحَج 78 وَجه الِاسْتِدْلَال انه تَعَالَى أخبر أَنه جعل هَذِه الامة عُدُولًا خيارا ليشهدوا على النَّاس بِأَن رسلهم قد بلغوهم عَن الله رسَالَته وادوا عَلَيْهِم ذَلِك وَهَذَا يتَنَاوَل شَهَادَتهم على الامم الْمَاضِيَة وشهادتهم على أهل عصرهم وَمن بعدهمْ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهم بِكَذَا ونهاهم عَن كَذَا فهم حجَّة الله على من خَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزعم أَنه لم يَأْتهمْ من الله مَا تقوم بِهِ عَلَيْهِ الْحجَّة وَيشْهد كل وَاحِد بِانْفِرَادِهِ بِمَا وصل اليه من الْعلم الَّذِي كَانَ بِهِ من أهل الشَّهَادَة فَلَو كَانَت أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفِيد (الْعلم) لم يشْهد بِهِ الشَّاهِد وَلم تقم بِهِ الْحجَّة على الْمَشْهُود عَلَيْهِ التَّاسِع قَوْله تَعَالَى {وَلَا يملك الَّذين يدعونَ من دونه الشَّفَاعَة إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} الزخرف 86 وَهَذِه الاخبار الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات الْحفاظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا أَن تكون حَقًا وَإِمَّا أَن تكون بَاطِلا اَوْ مشكوكا فِيهَا وَلَا يدْرِي هَل هِيَ حق أم بَاطِل فَإِن كَانَت بَاطِلا أَو مشكوكا فِيهَا وَجب اطراحها وَألا يلْتَفت اليها وَهَذَا انسلاخ من الاسلام بِالْكُلِّيَّةِ وان كَانَت حَقًا فَتجب الشَّهَادَة بهَا على الْبَتّ أَنَّهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الشَّاهِد بذلك شَاهدا بِالْحَقِّ وَهُوَ يعلم صِحَة الْمَشْهُود بِهِ الْعَاشِر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (على مثلهَا فاشهد (وَأَشَارَ الى الشَّمْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَلم تزل الصَّحَابَة والتابعون وأئمة الحَدِيث يشْهدُونَ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْقطع أَنه قَالَ كَذَا وَأمر بِهِ وَنهى عَنهُ وَفعله لما بَلغهُمْ إِيَّاه الْوَاحِد والاثنان وَالثَّلَاثَة فَيَقُولُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَحرم كَذَا وأباح كَذَا وَهَذِه شَهَادَة جازمة يعلمُونَ أَن الْمَشْهُود بِهِ كَالشَّمْسِ فِي الوضوح وَلَا ريب أَن كل من لَهُ الْتِفَات إِلَى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واعتناء بهَا يشْهد شَهَادَة جازمة أَن الْمُؤمنِينَ يرَوْنَ رَبهم عيَانًا يَوْم الْقِيَامَة وَأَن قوما من أهل التَّوْحِيد يدْخلُونَ النَّار ثمَّ يخرجُون مِنْهَا بالشفاعة وَأَن الصِّرَاط حق وتكليم الله لِعِبَادِهِ يَوْم الْقِيَامَة كَذَلِك وَأَن الْوَلَاء لمن أعتق إِلَى غير أَضْعَاف أَضْعَاف ذَلِك بل يشْهد بِكُل خبر صَحِيح متلقى بِالْقبُولِ لم يُنكره أهل الحَدِيث شَهَادَة لَا يشك فِيهَا 3 الْحَادِي عشر أَن هَؤُلَاءِ المنكرين لإِفَادَة أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْعلم يشْهدُونَ شَهَادَة جازمة قَاطِعَة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم وَأَنَّهُمْ قَالُوا وَقيل لَهُم (وَلَو قيل لَهُم) إِنَّهَا لم تصح عَنْهُم لأنكروا ذَلِك غَايَة الْإِنْكَار وتعجبوا من جهل قَائِله وَمَعْلُوم أَن تِلْكَ الْمذَاهب لم يروها عَنْهُم إِلَّا الْوَاحِد والإثنان وَالثَّلَاثَة وَنَحْوهم لم يروها عَنْهُم عدد التَّوَاتُر وَهَذَا مَعْلُوم يَقِينا فَكيف حصل لَهُم الْعلم الضَّرُورِيّ أَو المقارب للضروري بِأَن أئمتهم وَمن قلدوهم دينهم أفتو بِكَذَا وذهبوا إِلَى كَذَا وَلم يحصل لَهُم الْعلم بِمَا أخبر بِهِ أَبُو بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَسَائِر الصَّحَابَة عَن رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بِمَا رَوَاهُ عَنْهُم التابعون وشاع الْأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وَكَانَ حرصه عَلَيْهِ أعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 بِكَثِير من حرص أُولَئِكَ على أَقْوَال متبوعهم إِن هَذَا لَهو الْعجب العجاب الثَّانِي عشر قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} الْأَنْفَال 24 وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن هَذَا أَمر لكل مُؤمن بلغته دَعْوَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ودعوته نَوْعَانِ مُوَاجهَة وَنَوع بِوَاسِطَة الْمبلغ وَهُوَ مَأْمُور بإجابة الدعوتين فِي الْحَالَتَيْنِ وَقد علم أَن حَيَاته فِي تِلْكَ الدعْوَة والاستجابة لَهَا وَمن الْمُمْتَنع أَن يَأْمُرهُ الله تَعَالَى بالإجابة لما لَا يُفِيد علما أَو يجِيبه بِمَا لَا يُفِيد علما أَو يتوعد على ترك الإستجابة لما لَا يُفِيد علما بِأَنَّهُ ان لم يفعل عاقبه وَحَال بَينه وَبَين قلبه الثَّالِث عشر قَوْله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} النُّور 63 وَهَذَا يعم كل مُخَالف بلغه أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلَو كَانَ مَا بلغه لم يفد علما لما كَانَ متعرضا بمخالفة مَا لَا يُفِيد علما للفتنة وَالْعَذَاب الْأَلِيم فَإِن هَذَا إِنَّمَا يكون بعد قيام الْحجَّة القاطعة الَّتِي لَا يبْقى مَعهَا لمخالف أمره عذر الرَّابِع عشر قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} النِّسَاء 59 إِلَى قَوْله {وَالْيَوْم الآخر} النِّسَاء 9 5 وَوجد الِاسْتِدْلَال أَنه أَمر أَن يرد مَا تنَازع فِيهِ المسلون إِلَى الله وَرَسُوله وَالرَّدّ إِلَى الله هُوَ الرَّد إِلَى كِتَابه وَالرَّدّ إِلَى الرَّسُول هُوَ الرَّد إِلَيْهِ فِي حَيَاته وَإِلَى سنته بعد وَفَاته فلولا أَن الْمَرْدُود إِلَيْهِ يُفِيد الْعلم وَفصل النزاع لم يكن فِي الرَّد إِلَيْهِ فَائِدَة إِذْ كَيفَ يرد حكم الْمُتَنَازع فِيهِ إِلَى مَا لَا يُفِيد علما الْبَتَّةَ وَلَا يدْرِي أَحَق هُوَ أم بَاطِل وَهَذَا برهَان قَاطع بِحَمْد الله فَلهَذَا قَالَ من زعم أَن أَخْبَار رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفِيد علما إِنَّا نرد مَا تنازعنا فِيهِ إِلَى الْعُقُول والآراء والأقيسة فَإِنَّهَا تفِيد الْعلم الْخَامِس عشر مَا احْتج الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أَبِيه عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فحفظها ووعاها وأداها فَرب حَامِل فقه إِلَى غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم إخلاص لله والنصيحة للْمُسلمين وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم قَالَ الشَّافِعِي فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها أَمر أَن يُؤَدِّيهَا وَلَو وَاحِد دلّ على أَنه لَا يَأْمر من يُؤَدِّي عَنهُ إِلَّا مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أدّى إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنهُ حَلَال يُؤْتى وَحرَام يتَجَنَّب وحد يُقَام وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطِي ونصيحة فِي دين وَدُنْيا وَدلّ على أَنه قد يحمل الْفِقْه غيرالفقيه يكون لَهُ حَافِظًا وَلَا يكون فِيهِ فَقِيها وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلُزُوم جمَاعَة الْمُسلمين مِمَّا يحْتَج بِهِ فِي أَن إِجْمَاع الْمُسلمين لَازم انْتهى وَالْمَقْصُود أَن خبر الْوَاحِد الْعدْل لَو لم يفد علما لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يقبل من أدّى إِلَيْهِ إِلَّا من عدد التَّوَاتُر الَّذِي لَا يحصل الْعلم إِلَّا بخبرهم وَلم يدع للحامل الْمُؤَدِّي وَإِن كَانَ وَاحِدًا لِأَن لِأَن مَا حمله لَا يُفِيد الْعلم فَلم يفعل مَا يسْتَحق الدُّعَاء وَحده إِلَّا بانضمامه إِلَى أهل التَّوَاتُر وَهَذَا خلاف مَا اقْتَضَاهُ الحَدِيث وَمَعْلُوم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ندب إِلَى ذَلِك وحث عَلَيْهِ وَأمر بِهِ لتقوم بِهِ الْحجَّة على من أدّى إِلَيْهِ فَلَو لم يفد الْعلم لم يكن فِيهِ حجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 السَّادِس عشر حَدِيث أبي رَافع الصَّحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا أَلفَيْنِ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي يَقُول لَا نَدْرِي مَا هَذَا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْقُرْآن إِلَّا وَإِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمثله مَعَه (وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن هَذَا نهي عَام لكل من بلغه حَدِيث صَحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُخَالِفهُ أَو يَقُول لَا أقبل إِلَّا الْقُرْآن بل هُوَ أَمر لَازم وَفرض حتم بِقبُول أخباره وسننه وإعلام مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا من الله أوحاها إِلَيْهِ فَلَو لم تفد علما لقَالَ من بلغته إِنَّهَا أَخْبَار آحَاد لَا تفِيد علما فَلَا يلْزَمنِي قبُول مَالا علم لي بِصِحَّتِهِ وَالله تَعَالَى لم يكلفني الْعلم بِمَا لم أعلم صِحَّته وَلَا اعْتِقَاده بل هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الَّذِي حذر مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته ونهاهم عَنهُ وَلما علم أَن فِي هَذِه الْأمة من يَقُول حذرهم مِنْهُ فَإِن الْقَائِل إِن أخباره لاتفيد الْعلم هَكَذَا يَقُول سَوَاء مَا نَدْرِي مَا هَذِه الْأَحَادِيث وَكَانَ سلف هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بَيْننَا وَبَيْنكُم الْقُرْآن وخلفهم يَقُولُونَ بَيْننَا وَبَيْنكُم أَدِلَّة الْعُقُول وَقد صَرَّحُوا بذلك وَقَالُوا نقدم الْعُقُول على هَذِه الاحاديث آحادها ومتواترها ونقدم الأقيسة عَلَيْهَا السَّابِع عشر مَا رَوَاهُ مَالك عَن اسحاق بن عبد الله ابْن أبي طَلْحَة عَن أنس بن مَالك قَالَ كنت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة ابْن الْجراح وَأَبا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ وَأبي بن كَعْب شرابًا من فضيخ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِن الْخمر قد حرمت فَقَالَ أَبُو طَلْحَة قُم يَا أنس إِلَى هَذِه الجرار فاكسرها فَقُمْت إِلَى مهراس لنا فضربتها بأسفله حَتَّى كسرتها وَجه الِاسْتِدْلَال أَن أَبَا طَلْحَة أقدم على قبُول خبر التَّحْرِيم حَيْثُ ثَبت بِهِ التَّحْرِيم لما كَانَ حَلَالا وَهُوَ يُمكنهُ أَن يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وأكد ذَلِك الْقبُول باتلاف الْإِنَاء وَمَا فِيهِ وَهُوَ مَال وَمَا كَانَ ليقدم على إِتْلَاف المَال بِخَبَر من لَا يُفِيد خبْرَة الْعلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جنبه فَقَامَ خبر ذَلِك الْآتِي عِنْده وَعند من مَعَه مقَام السماع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَيْثُ لم يشكوا وَلم يرتابوا فِي صدقه والمتكلفون يَقُولُونَ إِن مثل ذَلِك الْخَبَر لَا يُفِيد الْعلم لَا بِقَرِينَة وَلَا بِغَيْر قرينَة الثَّامِن عشر أَن خبر الْوَاحِد لَو لم يفد الْعلم لم يثبت بِهِ الصَّحَابَة التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم والاباحة والفروض وَيجْعَل ذَلِك دينا يدان بِهِ فِي الأَرْض إِلَى آخر الدَّهْر فَهَذَا الصّديق رضى الله عَنهُ زَاد فِي الْفُرُوض الَّتِي فِي الْقُرْآن فرض الْجدّة وَجعله شَرِيعَة مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِخَبَر مُحَمَّد ابْن مسلمة والمغيرة بن شُعْبَة فَقَط وَجعل حكم ذَلِك الْخَبَر فِي إِثْبَات هَذَا الْفَرْض حكم نَص الْقُرْآن فِي إِثْبَات فرض الْأُم ثمَّ اتّفق الصَّحَابَة والمسلمون بعدهمْ على إثْبَاته بِخَبَر الْوَاحِد وَأثبت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِخَبَر حمل بن مَالك دِيَة الْجَنِين وَجعلهَا فرضا لَازِما للْأمة وَأثبت مِيرَاث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا بِخَبَر الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي وَحده وَصَارَ ذَلِك شرعا مستمرا إِ لى يَوْم الْقِيَامَة وَأثبت عُثْمَان بن عَفَّان شَرِيعَة عَامَّة فِي سُكْنى الْمُتَوفَّى عَنْهَا بِخَبَر فريعة بنت مَالك وَحدهَا وهذاأكثر من أَن يذكر بل هُوَ إِجْمَاع مَعْلُوم مِنْهُم وَلَا يُقَال على هَذَا إِنَّمَا يدل على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد فِي الظنيات وَنحن لَا ننكر ذَلِك لأَنا قد قدمنَا أَنهم أَجمعُوا على قبُوله وَالْعَمَل بِمُوجبِه وَلَو جَازَ أَن يكون كذبا أَو غَلطا فِي نفس الْأَمر لكَانَتْ الامة مجمعة على قبُول الْخَطَأ وَالْعَمَل بِهِ وَهَذَا قدح فِي الدّين وَالْأمة التَّاسِع عشر أَن الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم كَانُوا يقبلُونَ خبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الْوَاحِد ويقطعون بمضمونه فَقبله مُوسَى من الَّذِي جَاءَ من أقْصَى الْمَدِينَة قَائِلا لَهُ {إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك} الْقَصَص 20 فَجزم بِخَبَرِهِ وَخرج هَارِبا من الْمَدِينَة وَقبل خبر ابْنة صَاحب مَدين لما قَالَت {إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا} الْقَصَص 25 وَقبل خبر أَبِيهَا فِي قَوْله هَذِه ابْنَتي وَتَزَوجهَا بِخَبَرِهِ وَقبل يُوسُف الصّديق خبر الرَّسُول الَّذِي جَاءَهُ من عِنْد الْملك وَقَالَ لَهُ {ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة} يُوسُف 50 وَقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر الْآحَاد الَّذين كَانُوا يخبرونه بِنَقْض عهد المعاهدين لَهُ وعزاهم بخبرهم واستباح دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ وسبى ذَرَارِيهمْ ورسل الله صلواته وَسَلَامه عَلَيْهِم لم يرتبوا على تِلْكَ الْأَخْبَار أَحْكَامهَا وهم يجوزون أَن تكون كذبا وغلطا وَكَذَلِكَ الْأمة لم تثبت الشَّرَائِع الْعَامَّة الْكُلية بأخبار الْآحَاد وهم يجوزون أَن تكون كذبا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفس الْأَمر وَلم يخبروا عَن الرب تبَارك وَتَعَالَى فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وأفعاله بِمَا لَا علم لَهُم بِهِ بل يجوز أَن يكون كذبا وَخطأ فِي نفس ألأمر هَذَا مِمَّا يقطع بِبُطْلَانِهِ كل عَالم مستبصر الْعشْرُونَ أَن خبر الْعدْل الْوَاحِد المتلقى بِالْقبُولِ لَو لم يفد الْعلم لم تجز الشَّهَادَة على الله وَرَسُوله بمضمونه وَمن الْمَعْلُوم الْمُتَيَقن أَن الْأمة من عهد الصَّحَابَة إِلَى الْآن لم تزل تشهد على الله وعَلى رَسُوله بمضمون هَذِه الْأَخْبَار جازمين بِالشَّهَادَةِ فِي تصانيفهم وخطابهم فَيَقُولُونَ شرع الله كَذَا وَكَذَا على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو لم يَكُونُوا عَالمين بِصدق تِلْكَ الْأَخْبَار جازمين بهَا لكانوا قد شهدُوا بِغَيْر علم وَكَانَت شَهَادَة زور وقولا على الله وَرَسُوله لغير علم لعمر الله هَذَا حَقِيقَة قَوْلهم وهم أولى بِشَهَادَة الزُّور من سَادَات الْأمة وعلمائها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَالَ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح وَقد ذكر الحَدِيث الصَّحِيح المتلقى بِالْقبُولِ الْمُتَّفق على صِحَّته وَهَذَا الْقسم جَمِيعه مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَالْعلم اليقيني النظري وَاقع بِهِ خلافًا لقَوْل من نفى ذَلِك محتجا بِأَنَّهُ لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن وَالظَّن قد يخطىء قَالَ وَقد كنت أميل إِلَى هَذَا وَأَحْسبهُ قَوِيا ثمَّ بَان لي الْمَذْهَب الَّذِي اخترناه هُوَ الصَّحِيح لِأَن ظن من هُوَ مَعْصُوم من الخطألا يخطىء وَالْأمة فِي إجماعها معصومة من الْخَطَأ وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَاع الْمَبْنِيّ على الإجتهاد حجَّة مَقْطُوعًا بهَا وَأكْثر إجماعات الْعلمَاء كَذَلِك وَهَذِه نُكْتَة نفيسة نافعة انْتهى وَنقل النَّاظِم أَيْضا قَالَ قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَقد قسم الْأَخْبَار إِلَى تَوَاتر وآحاد فَقَالَ بعد ذكر التَّوَاتُر وَأما الْقسم الثَّانِي من الْأَخْبَار فَهُوَ مَا لايرويه إِلَّا الْوَاحِد الْعدْل وَنَحْوه وَلم يتواتر لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ وَلَكِن تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ عملا بِهِ أَو تَصْدِيقًا لَهُ كَخَبَر عمر بن الْخطاب (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ (وَخبر ابْن عمر (نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته (وَخبر أنس (دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر (وكخبر أبي هُرَيْرَة (لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا (وَكَقَوْلِه (يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب (وَقَوله (إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها فقد وَجب الْغسْل وَقَوله فِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك (وَقَوله (لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ (وَقَوله (إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق (وَقَوله يَعْنِي ابْن عمر فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقه الْفطر فِي رَمَضَان على الصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وأمثال ذَلِك فَهَذَا يُفِيد الْعلم اليقيني عِنْد جَمَاهِير أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَوَّلين والآخرين أما السّلف فَلم يكن بَينهم فِي ذَلِك نزاع وَأما الْخلف فَهَذَا مَذْهَب الْفُقَهَاء الْكِبَار من أَصْحَاب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْمَسْأَلَة منقولة فِي كتب الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية مثل السَّرخسِيّ وَأبي بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ أبي الطّيب وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق من الشَّافِعِيَّة وَابْن خويز منداد وَغَيره من الْمَالِكِيَّة وَمثل القَاضِي أبي يعلى وَابْن أبي مُوسَى وَأبي الْخطاب وَغَيرهم من الحنبلية وَمثل إِسْحَق الأسفراييني وَابْن فورك وَأبي إِسْحَاق النظام من الْمُتَكَلِّمين وَإِنَّمَا نَازع فِي ذَلِك طَائِفَة كَابْن الباقلاني وَمن تبعه مثل أبي الْمَعَالِي وَالْغَزالِيّ وَابْن عقيل وَقد ذكر أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح القَوْل الأول وَصَححهُ وَاخْتَارَهُ وَلكنه لم يعلم كَثْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الْقَائِلين بِهِ ليتقوى بهم وَإِنَّمَا قَالَه بِمُوجب الْحجَّة الصَّحِيحَة وَظن من اعْترض عَلَيْهِ من الْمَشَايِخ الَّذين لَهُم علم وَدين وَلَيْسَ لَهُم بِهَذَا الْبَاب خبْرَة تَامَّة أَن هَذَا الَّذِي قَالَه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو انْفَرد بِهِ عَن الْجُمْهُور وَعذرهمْ أَنهم يرجعُونَ فِي هَذِه الْمسَائِل إِلَى مَا يجدونه من كَلَام ابْن الْحَاجِب وَإِن ارْتَقَوْا دَرَجَة صعدوا إِلَى السَّيْف الْآمِدِيّ وَإِلَى ابْن الْخَطِيب فَإِن علا سندهم صعدوا إِلَى الْغَزالِيّ والجويني والباقلاني قَالَ وَجَمِيع أهل الحَدِيث على مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَمْرو وَالْحجّة على قَول الْجُمْهُور أَن تلقي الْأمة للْخَبَر تَصْدِيقًا وَعَملا إِجْمَاع مِنْهُم وَالْأمة لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة كَمَا لَو اجْتمعت على مُوجب عُمُوم أَو مُطلق أَو اسْم حَقِيقَة أَو على مُوجب قِيَاس فَإِنَّهَا لَا تَجْتَمِع على خطأ وَإِن كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم لَو جرد النّظر إِلَيْهِ لم يُؤمن عَلَيْهِ الْخَطَأ فَإِن الْعِصْمَة ثبتَتْ بِالسنةِ الاجماعية كَمَا أَن خبر التَّوَاتُر يجوز الْخَطَأ وَالْكذب على وَاحِد من المخبرين بمفرد وَلَا يجوز على الْمَجْمُوع وَالْأمة معصومة من الْخَطَأ فِي رِوَايَتهَا ورأيها ورؤياها كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت على أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فَمن كَانَ متحريها فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَجعل تواطأ الرُّؤْيَا دَلِيلا على صِحَّتهَا والآحاد فِي هَذَا الْبَاب قد يكون ظنونا بشروطها فَإِذا قويت صَارَت علوما وَإِذا ضعفت صَارَت أوهاما وخيالات فَاسِدَة قَالَ وَأَيْضًا فَلَا يجوز أَن يكون فِي نفس الْأَمر كذبا على الله وَرَسُوله وَلَيْسَ فِي الْأمة من يُنكره إِذْ هُوَ خلاف مَا وَصفهم الله تَعَالَى بِهِ فَإِن قيل أما الْجَزْم بصدقه فَلَا يُمكن مِنْهُم وَأما الْعَمَل بِهِ فَهُوَ الْوَاجِب عَلَيْهِم وَإِن لم يكن صَحِيحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فِي الْبَاطِن وَهَذَا سُؤال ابْن الباقلاني قُلْنَا وَأما الْجَزْم بصدقه فَإِنَّهُ قد يحتف بِهِ من الْقَرَائِن مَا يُوجب الْعلم إِذْ الْقَرَائِن الْمُجَرَّدَة قد تفِيد الْعلم بمضمونها فَكيف إِذا احتفت بالْخبر والمنازع بني على هَذَا أَصله الواهي أَن الْعلم بِمُجَرَّد الْأَخْبَار لَا يحصل إِلَّا من جِهَة الْعدَد فَلَزِمَهُ ان يَقُول مَا دون الْعدَد لَا يُفِيد أصلا وَهَذَا غلط خَالفه فِيهِ حذاق أَتْبَاعه وَأما الْعَمَل بِهِ فَلَو جَازَ أَن يكون فِي الْبَاطِن كذبا وَقد وَجب علينا الْعَمَل بِهِ لَا نعقد الاجماع على مَا هُوَ كذب وَخطأ فِي نفس الْأَمر وَهَذَا بَاطِل فَإِذا كَانَ تلقي الْأمة لَهُ بِالْقبُولِ يدل على صدقه بِأَنَّهُ إِجْمَاع مِنْهُم على أَنه صدق مَقْبُول بِإِجْمَاع السّلف وَالصَّحَابَة أولى أَن يدل على صدقه فَإِنَّهُ لَا يُمكن أحد أَن يَدعِي إِجْمَاع الْأمة إِلَّا فِيمَا أجمع عَلَيْهِ سلفها من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأما بعد ذَلِك فقد انتشرت انتشارا لَا 2 تضبط أَقْوَال جَمِيعهَا قَالَ وَاعْلَم أَن جُمْهُور أَحَادِيث البُخَارِيّ وَمُسلم من هَذَا الْبَاب كَمَا ذكر الشَّيْخ أَبُو عَمْرو وَمن قبله الْعلمَاء كالحافظ أبي طَاهِر السلَفِي وَغَيره فَإِنَّمَا تَلقاهُ اهل الحَدِيث وعلماؤه بِالْقبُولِ والتصديق فَهُوَ مُحَصل للْعلم مُفِيد لليقين وَلَا عِبْرَة بِمن عداهم من الْمُتَكَلِّمين والأصوليين فَإِن الِاعْتِبَار فِي الاجماع على كل أَمر من الْأُمُور الدِّينِيَّة على أهل الْعلم بِهِ دون غَيرهم كَمَا لم يعْتَبر على الاجماع فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا الْعلمَاء بهَا دون الْمُتَكَلِّمين والنحاة والأطباء وَكَذَلِكَ لَا يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع على صدق الحَدِيث وَعدم صدقه إِلَّا أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وطرقه وَعلله وهم عُلَمَاء أهل الحَدِيث الْعَالمُونَ بأحوال نَبِيّهم الضابطون لأقواله وأفعاله المعتنون بهَا اشد من عناية المقلدين بأقوال متبوعهم فَكَمَا أَن الْعلم بالتواتر يَنْقَسِم إِلَى عَام وخاص فيتواتر عِنْد الْخَاصَّة مَالا يكون مَعْلُوما لغَيرهم فضلا أَن يتواتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 عِنْدهم فَأهل الحَدِيث لشدَّة عنايتهم بِسنة نَبِيّهم وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمُونَ من ذَلِك علما لَا يَشكونَ فِيهِ مِمَّا لَا شُعُور لغَيرهم بِهِ الْبَتَّةَ فخبر أبي بكر وَعمر بن الْخطاب ومعاذ بن جبل وَابْن مَسْعُود وَنَحْوهم يُفِيد الْعلم الْجَازِم الَّذِي يلْتَحق عِنْدهم بقسم الضروريات وَعند الْجَهْمِية والمعتزلة وَغَيرهم من أهل الْكَلَام لَا يُفِيد علما وَكَذَلِكَ يعلمُونَ بِالضَّرُورَةِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل ذَلِك ويعلمون بِالضَّرُورَةِ ان نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر عَن خُرُوج قوم من النَّار بالشفاعة وَعند الْمُعْتَزلَة والخوارج لم يقل ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فهم جازمون بِأَكْثَرَ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة قاطعون بِصِحَّتِهَا عَن وَغَيرهم لَا علم عِنْده بذلك وَالْمَقْصُود أَن هَذَا الْقسم من الْأَخْبَار يُوجب الْعلم عِنْد جُمْهُور الْعُقَلَاء انْتهى وَقد أَطَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام وَأكْثر النقول عَن الْعلمَاء فِي أَن أَخْبَار الْآحَاد تفِيد الْعلم وَالْيَقِين وَلَكِن تَرَكْنَاهُ اختصارا وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَالله أعلم وَقَول النَّاظِم ... وَزَعَمت أَن الله كلم عَبده مُوسَى فأسمعه ندا الرَّحْمَن ... أفتسمع الْأَذَان غير الْحَرْف وَالصَّوْت الَّذِي خصت بِهِ الأذنان ... وَكَذَا النداء فَإِنَّهُ صَوت بِإِجْمَاع النُّحَاة وَأهل كل لِسَان ... لكنه صَوت رفيع وَهُوَ ضد للنجاء كِلَاهُمَا صوتان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 .. فَزَعَمت أَن الله ناداه ونا جاه وَفِي ذَا الزَّعْم محذوران ... قرب الْمَكَان وَبعده وَالصَّوْت بل نَوْعَانِ محذوران ممتنعان ... هَذَا إِشَارَة إِلَى الرَّد على الْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ وَالْمعْنَى الْمُجَرّد قَالَ شيخ الْإِسْلَام فَقَوْل اله تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} النِّسَاء 164 {وَلما جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمه ربه} الْأَعْرَاف 143 {وناديناه من جَانب الطّور الْأَيْمن وقربناه نجيا} مَرْيَم 2 5 {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك فاخلع نعليك إِنَّك بالواد الْمُقَدّس طوى وَأَنا اخْتَرْتُك فاستمع لما يُوحى} طه 11 الْآيَات دَلِيل على تكليم يسمعهُ مُوسَى وَالْمعْنَى الْمُجَرّد لَا يسمع بِالضَّرُورَةِ وَمن قَالَ أَنه يسمع فَهُوَ مكابر وَدلّ الدَّلِيل على أَنه ناداه والنداء لَا يكون إِلَّا صَوتا مسموعا فَلَا يعقل فِي لُغَة الْعَرَب لفظ النداء بِغَيْر صَوت مسموع لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا انْتهى وَقَالَ الإِمَام موفق الدّين بن قدامَة فِي قَوْله تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} وَكَلمه ربه وَقَالَ تَعَالَى {وناديناه من جَانب الطّور الْأَيْمن} وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ ناداه ربه بالواد الْمُقَدّس طوى} أجمعنا على أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كَلَام الله تَعَالَى من الله لَا من شَجَرَة وَلَا من حجر وَلَا من غَيره لِأَنَّهُ لَو سمع من غير الله تَعَالَى لَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل أفضل فِي ذَلِك مِنْهُ لأَنهم سمعُوا من أفضل مِمَّن سمع مِنْهُ مُوسَى لكَوْنهم سمعُوا من مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ على زعمهم إِنَّمَا سمع من الشَّجَرَة ثمَّ يُقَال لَهُم لم سمي مُوسَى كليم الله وَإِذا ثَبت أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا سمع من الله عز وَجل لم يجز أَن يكون الْكَلَام الَّذِي سَمعه إِلَّا صَوتا وحرفا فَإِنَّهُ لَو كَانَ معنى فِي النَّفس وفكرة ورؤية لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 ذَلِك تكليما لمُوسَى وَلَا هُوَ شيئ يسمع والفكر لَا يُسمى مناداة فان قَالُوا نَحن لَا نُسَمِّيه صَوتا مَعَ كَونه مسموعا قُلْنَا هَذَا مُخَالفَة فِي اللَّفْظ مَعَ الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى فَإِنَّهُ لَا يعْنى بالصوت إِلَّا مَا كَانَ مسموعا ثمَّ إِن لفظ الصَّوْت قد صحت بِهِ الاخبار وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي (شرح البُخَارِيّ (وَمن نفى الصَّوْت يلْزمه أَن الله تَعَالَى لم يسمع أحدا من مَلَائكَته وَلَا رسله كَلَامه بل ألهمهم إِيَّاه إلهاما قَالَ وَحَاصِل الِاحْتِجَاج للنَّفْي الرُّجُوع الى الْقيَاس على اصوات المخلوقين لانها الَّتِي عهِدت ذَات مخارج كَمَا أَن الرُّؤْيَة قد تكون من غير اتِّصَال أشعة وَلَئِن سلم فَيمْنَع الْقيَاس الْمَذْكُور لَان صفة الْخَالِق لَا تقاس على صفة المخلوقين وَحَيْثُ ثَبت ذكر الصَّوْت بِهَذِهِ الاحاديث الصَّحِيحَة وَجب الايمان بِهِ وَقَالَ ابْن حجر أَيْضا فِي مَوضِع آخر من (شرح البُخَارِيّ (قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من قرب كَمَا يسمعهُ من بعد (حمله بعض الائمة على مجَاز يَأْمر من يُنَادي فاستبعده بعض من اثْبتْ الصَّوْت لِأَن فِي قَوْله (يسمعهُ من بعد (إِشَارَة الى أَنه لَيْسَ من الْمَخْلُوقَات لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثل هَذَا فيهم وَبِأَن الْمَلَائِكَة إِذا سَمِعُوهُ صعقوا واذا سمع بَعْضهَا بَعْضًا لم يصعقوا قَالَ فعلى هَذَا صَوته صفة من صِفَات ذَاته لَيْسَ يشبه صَوت غَيره اذ لَيْسَ يُوجد شَيْء من صِفَات المخلوقين قَالَ وَهَكَذَا قَرَّرَهُ المُصَنّف يَعْنِي الامام البُخَارِيّ فِي كتاب (خلق أَفعَال الْعباد (انْتهى وَمن الاحاديث فِي إِثْبَات الصَّوْت مَا رَوَاهُ جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت الى الشَّام الى عبد الله بن أنيس الانصاري رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عبد الله بن انيس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يحْشر الله الْعباد ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (النَّاس (وأو مأبيده الى الشَّام (حُفَاة عُرَاة غرلًا بهما (قَالَ لَيْسَ مَعَهم شَيْء قَالَ (فيناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب أَنا الْملك أَنا الديَّان لَا يَنْبَغِي لَاحَدَّ من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة وَأحد من اهل النَّار يَطْلُبهُ بمظلمة حَتَّى اللَّطْمَة وَلَا يَنْبَغِي لَاحَدَّ من أهل النَّار أَن يدْخل النَّار وَأحد من أهل الْجنَّة يَطْلُبهُ بمظلمة حَتَّى اللَّطْمَة (قُلْنَا كَيفَ وَإِنَّمَا نأتي حُفَاة عُرَاة غرلًا قَالَ (بِالْحَسَنَاتِ والسيئات (أخرج أَصله البُخَارِيّ تَعْلِيقا مستشهدا بِهِ ألى قَوْله (أَنا الْملك أَنا الديَّان (وَأخرجه الامام أَحْمد وَأَبُو يعلي الْموصِلِي وَالطَّبَرَانِيّ واخرجه الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي بِسَنَدِهِ الى جَابر ابْن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَلغنِي أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا فِي الْقصاص وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر فاشتريت بَعِيرًا فشددت عَلَيْهِ رحلا وسرت حَتَّى وَردت مصر فمضيت الى بَاب الرجل الَّذِي بَلغنِي عَنهُ الحَدِيث فقرعت بَابه فَخرج الي مَمْلُوكه فَنظر فِي وَجْهي وَلم يكلمني فَدخل الى سَيّده فَقَالَ أَعْرَابِي فَقَالَ سَله من أَنْت فَقَالَ جَابر بن عبد الله الانصاري فَخرج الي مَوْلَاهُ فَلَمَّا تراءينا اعتنق أَحَدنَا بِصَاحِبِهِ فَقَالَ يَا جَابر مَا جِئْت تعرف فَقلت حَدِيث بَلغنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقصاص وَلَا تَظنن أَن احدا مِمَّن مضى وَمِمَّنْ بَقِي أحفظ لَهُ مِنْك قَالَ نعم يَا جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (ان الله تَعَالَى يبعثكم يَوْم الْقِيَامَة من قبوركم حُفَاة عُرَاة غرلًا بهما ثمَّ يُنَادي بِصَوْت رفيع غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فظيع يسمعهُ من بعد كمن قرب أَنا الديَّان لَا تظالم الْيَوْم أما وَعِزَّتِي لَا يجاوزني الْيَوْم ظلم ظَالِم وَلَو لطمة بكف اَوْ يَد على يَد أَلا وَإِن أَشد مَا أَتَخَوَّف على أمتِي من بعدِي عمل قوم لوط فلترتقب أمتِي الْعَذَاب إِذا تكافأ النِّسَاء بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ (وَقد رَوَاهُ عبد الْحق الاشبيلي من طَرِيق الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَمن (مُسْنده (نَقله وخرجه عَليّ بن معبد الْبَغَوِيّ الملكي وَغَيره وَفِيه فابتعت بَعِيرًا فشددت عَلَيْهِ رحلي ثمَّ سرت اليه فسهرت شهرا حَتَّى قدمت الشَّام فَإِذا عبد الله بن أنيس الانصاري فَأتيت منزله فَأرْسلت اليه ان جَابِرا على الْبَاب فَرجع الرَّسُول الي فَقَالَ جَابر بن عبد الله قلت نعم فَرجع اليه فَخرج فاعتنقته فَقلت حَدِيث بَلغنِي أَنَّك سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَظَالِم لم أسمعهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يحْشر الله الْعباد (اَوْ قَالَ (النَّاس (الحَدِيث وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله إِذا تكلم بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَاء صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا فيصعقون فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فاذا جَاءَهُم جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ رَبك قَالَ فَيَقُول الْحق فينادون الْحق الْحق (أخرجه أَبُو دَاوُد وَرِجَاله ثِقَات وَنَحْوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَكَذَا روا هـ الامام احْمَد وَابْنه عبد الله وَقَالَ سَأَلت أبي فَقلت يَا أبي الْجَهْمِية يَزْعمُونَ أَن الله لَا يتَكَلَّم بِصَوْت فَقَالَ كذبُوا إِنَّمَا يدورون على التعطيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وروى الامام احْمَد رَضِي الله عَنهُ بِسَنَدِهِ الى عبد الله بن مَسْعُود قَالَ إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع صَوته أهل السَّمَاء قَالَ السجْزِي وَمَا فِي رُوَاة هَذَا الْخَبَر الا أَمَام مَقْبُول وتتمة الْخَبَر فَيَخِرُّونَ سجدا حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالَ سكن عَن قُلُوبهم قَالَ أهل السَّمَاء مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره وَمثل هَذَا لَا يَقُوله ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِلَّا توقيفا لانه إِثْبَات صفة للذات انْتهى وَقد رُوِيَ فِي أثبات الْحَرْف وَالصَّوْت أَحَادِيث تزيد على اربعين حَدِيثا بَعْضهَا صِحَاح وَبَعضهَا حسان ويحتج بهَا أخرجهَا الامام الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي وَغَيره وَأخرج الامام أَحْمد غالبها وَاحْتج بِهِ وَأخرج الْحَافِظ ابْن حجر غالبها أَيْضا فِي (شرح البُخَارِيّ (وَاحْتج بِهِ البُخَارِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث على أَن الْحق جلّ شَأْنه يتَكَلَّم بِحرف وَصَوت وَقد صححوا هَذَا الاصل واعتقدوه واعتمدوا على ذَلِك منزهين الله تَعَالَى عَمَّا لايليق بجلاله من شُبُهَات الْحُدُوث وسمات النَّقْص كَمَا قَالُوا فِي سَائِر الصِّفَات فاذا رَأينَا أحدا من النَّاس مِمَّن لَا يقدر عشر معشار هَؤُلَاءِ قد دونوا هَذِه الصِّفَات وَعمِلُوا بهَا ودانوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهَا وصرحوا بِأَن الله تَعَالَى تكلم بِحرف وَصَوت لَا يشبهان صَوت مَخْلُوق وَلَا حِرْفَة بِوَجْه الْبَتَّةَ معتمدين على مَا صَحَّ عِنْدهم عَن صَاحب الشَّرِيعَة الْمَعْصُوم فِي أَقْوَاله وأفعاله الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ الا وَحي يُوحى مَعَ اعْتِقَادهم الْجَازِم الَّذِي لَا يَعْتَرِيه شكّ وَلَا وهم وَلَا خيال نفي التَّشْبِيه والتمثيل والتحريف والتعطيل بل يَقُولُونَ فِي صفة الْكَلَام كَمَا يَقُولُونَ فِي سَائِر الصِّفَات اثباتا بِلَا تَمْثِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وتنزيها بِلَا تَعْطِيل كَمَا عَلَيْهِ سلف الامة وفحول الائمة فَهُوَ حق الْيَقِين وَمَا بعد الْحق الا الضلال قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَزَعَمت أَن مُحَمَّدًا أسرِي بِهِ لَيْلًا أليه فَهُوَ مِنْهُ دَان ... وَزَعَمت أَن مُحَمَّد يَوْم اللقا يُدْنِيه رب الْعَرْش بالرضوان ... حَتَّى يرى الْمُخْتَار حَقًا قَاعِدا مَعَه على الْعَرْش الرفيع الشان ... وَزَعَمت أَن لعرشه أطا بِهِ كلارحل أط بِرَاكِب عجلَان ... وَزَعَمت أَن الله أبدى بعضه للطور حَتَّى عَاد كالكثبان ... لما تجلى يَوْم تكليم الرضى مُوسَى الكليم مُكَلم الرَّحْمَن ... وَزَعَمت للمعبود وَجها بَاقِيا وَله يَمِين بل زعمت يدان ... وَزَعَمت ان يَدَيْهِ للسبع العلى والارض يَوْم الْحَشْر قابضتان ... وَزَعَمت ان يَمِينه ملأى من الْخيرَات مَا غاضت على الازمان ... وَزَعَمت ان الْعدْل فِي الاخرى بهَا ... رفع وخفض وَهُوَ بالميزان وَزَعَمت أَن الْخلق طرا عِنْده ... يَهْتَز فَوق اصابع الرَّحْمَن وَزَعَمت ايضا ان قلب العَبْد مَا ... بَين اثْنَتَيْنِ من الاصابع عان وَزَعَمت ان الله يضْحك عِنْدَمَا ... يتقابل الصفان يقتتلان من عَبده يَأْتِي فيبدي نَحره ... لعَدوه طلبا لنيل جنان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 .. وكذاك يضْحك عِنْدَمَا يثب الْفَتى ... من فرشه لتلاوة الْقُرْآن وكذاك يضْحك من قنوط عباده ... إِذْ أجدبوا والغيث مِنْهُم دَان وَزَعَمت ان الله يرضى عَن أولي الْحسنى ... ويغضب من أولي العصياني وَزَعَمت ان الله يسمع صَوته ... يَوْم الْمعَاد بعيدهم والداني لما يناديهم أَنا الديَّان لَا ... ظلم لدي فَيسمع الثَّقَلَان وَزَعَمت ان الله يشرق نوره ... فِي الارض يَوْم الْفَصْل وَالْمِيزَان وَزَعَمت ان الله يكْشف سَاقه ... فيخر ذَاك الْجمع للاذقان وَزَعَمت أَن الله يبسط كَفه ... لمسيئنا ليتوب من عصيان وَزَعَمت ان يَمِينه تطوى السما ... طي السّجل على كتاب بَيَان وَزَعَمت ان الله ينزل فِي الدجى ... فِي ثلث ليل آخر أَو ثَان فَيَقُول هَل من سَائل فَأُجِيبَهُ ... فَأَنا الْقَرِيب أُجِيب من ناداني وَزَعَمت أَن لَهُ نزولا ثَانِي ... يَوْم الْقِيَامَة للْقَضَاء الثَّانِي وَزَعَمت أَن الله يَبْدُو جهرة ... لِعِبَادِهِ حَتَّى يرى بعيان بل يسمعُونَ كَلَامه ويرونه ... فالمقلتان اليه ناظرتان وَزَعَمت أَن لربنا قدما وَأَن ... الله واضعها على النيرَان فهناك يدنو بَعْضهَا من بَعْضهَا ... وَتقول قطّ قطّ حَاجَتي وكفاني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 .. وَزَعَمت أَن النَّاس يَوْم ازيدهم ... كل يحاضر ربه ويداني بِالْحَاء مَعَ ضاد وجامع صادها ... وَجْهَان فِي ذَا اللَّفْظ محفوظان فِي التِّرْمِذِيّ ومسند وسواهما ... من كتب تجسيم بِلَا كتمان ووصفته بِصِفَات حَيّ فَاعل ... بِالِاخْتِيَارِ وذانك الاصلان اصل التَّفَرُّق بَين هَذَا الْخلق فِي الْبَارِي ... فَكُن فِي النَّفْي غير جبان اولا فَلَا تلعب بِدينِك ناقضا ... نفيا باثبات بِلَا فرقان فَالنَّاس بَين معطل أَو مُثبت ... اَوْ ثَالِث متناقض صنعان وَالله لست برابع لَهُم بلَى ... إِمَّا حمارا أَو من الثيران فاسمح بانكار الْجَمِيع وَلَا تكن ... متناقضا رجل لَهُ وَجْهَان أَولا فَفرق بَين مَا أثبتته ... ونفيته بِالنَّصِّ والبرهان فالباب بَاب وَاحِد فِي النَّفْي وَال ... إِثْبَات فِي عقل وَفِي ميزَان فَمَتَى أقرّ بِبَعْض ذَلِك مُثبت ... لزم الْجَمِيع أَو أئت بالفرقان وَمَتى نفى شَيْئا وَأثبت مثله ... فمجسم متناقض ديصان فذروا المراء وصرحوا بمذاهب ... القدماء وانسلخوا من الايمان ... قَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَزَعَمت ان مُحَمَّد أسرِي بِهِ الخ تقدم الْكَلَام فِي الاسراء بِمَا يُغني عَن الاعادة قَوْله وَزَعَمت أَن مُحَمَّدًا يَوْم اللقا يُدْنِيه رب الْعَرْش بالرضوان الخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ذكر الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (الْعُلُوّ (قَالَ أخبرنَا اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك أنبانا عبد الله بن أَحْمد الْفَقِيه أنبأ ابْن البطي أنبا ابْن خيرون أَنبأَنَا أَبُو عَليّ ابْن شَاذان أَنبأَنَا أَبُو سهل الْقطَّان ثَنَا عبد الْكَرِيم الدَّيْر عاقولي ثَنَا يحيى بن عبد الحميد وَغَيره قَالُوا أَنبأَنَا ابْن فُضَيْل عَن لَيْث عَن مُجَاهِد {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} الاسراء 79 قَالَ يجلسه أَو يقعده على الْعَرْش لهَذَا القَوْل طرق خَمْسَة وَأخرجه ابْن جرير فِي تَفْسِيره وَعمل فِيهِ الْمَرْوذِيّ مصنفا ثمَّ قَالَ الذَّهَبِيّ بعد ذَلِك فَأَما قَضِيَّة قعُود نَبينَا على الْعَرْش فَلم يثبت فِي ذَلِك نَص بل فِي الْبَاب حَدِيث واه وَمَا فسر بِهِ مُجَاهِد الْآيَة كَمَا ذَكرْنَاهُ فقد انكره بعض أهل الْكَلَام فَقَامَ الْمَرْوذِيّ وَقعد وَبَالغ فِي الِانْتِصَار لذَلِك وَجمع فِيهِ كتابا وطرق قَول مُجَاهِد مِنْهُ رِوَايَة لَيْث ابْن أبي سليم وَعَطَاء ابْن السَّائِب وَأبي يحيى القَتَّات وَجَابِر بن يزِيد فَمِمَّنْ افتى فِي ذَلِك الْعَصْر بِأَن هَذَا الاثر يسلم وَلَا يُعَارض ابو دَاوُد السجسْتانِي صَاحب (السّنَن (وابراهيم الْحَرْبِيّ وَخلق بِحَيْثُ أَن ابْن الامام أَحْمد قَالَ عقيب قَول مُجَاهِد أَنا مُنكر على كل من رد هَذَا الحَدِيث وَهُوَ عِنْدِي رجل سوء مِنْهُم سمعته من جمَاعَة وَمَا رَأَيْت مُحدثا يُنكره وَعِنْدنَا إِنَّمَا تنكره الْجَهْمِية وَقد حَدثنَا هَارُون ابْن مَعْرُوف ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن لَيْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} الاسراء 79 قَالَ يقعده على الْعَرْش فَحدثت بِهِ أبي رَحمَه الله فَقَالَ لم يقدر لي أَن أسمعهُ من ابْن فُضَيْل بِحَيْثُ أَن المروذوي روى حِكَايَة ينزل عَن ابراهيم بن غرفَة سَمِعت ابْن عُمَيْر يَقُول سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول هَذَا قد تَلَقَّتْهُ الْعلمَاء بِالْقبُولِ وَقَالَ الْمَرْوذِيّ قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي ثَنَا ابْن ابي صَفْوَان الثَّقَفِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ثَنَا يحيى ابْن كثير ثَنَا سَالم بن جَعْفَر وَكَانَ ثِقَة ثَنَا الْجريرِي ثَنَا سيف السدُوسِي عَن عبد الله بن سَلام قَالَ اذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جيىء بنبيكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يجلس بَين يَدي الله عز وَجل على كرسيه الحَدِيث وَقد رَوَاهُ ابْن جرير فِي تَفْسِيره أَعنِي قَول مُجَاهِد ثمَّ قَالَ ابْن جرير لَيْسَ فِي فرق الاسلام من يُنكر هَذَا لَا من يقر أَن الله فَوق الْعَرْش وَلَا من يُنكره وَكَذَلِكَ أخرجه النقاش فِي تَفْسِيره وَكَذَلِكَ رد شيخ الشَّافِعِيَّة ابْن سُرَيج على من انكره انْتهى قَوْله وَزَعَمت أَن لعرشه أطا بِهِ الخ عَن جُبَير بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَ اعرابي الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله نهكت الانفس وجاع العال وَهَلَكت الاموال فاستسق رَبك فانا لنستشفع بِاللَّه عَلَيْك وَبِك على الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله (فَمَا زَالَ يسبح حَتَّى عرف ذَلِك فِي وُجُوه أَصْحَابه ثمَّ قَالَ وَيحك أَتَدْرِي مَا الله إِن شَأْنه أعظم من ذَلِك إِنَّه لَا يستشفع بِهِ على أحد انه لفوق سمواته على عَرْشه وَإنَّهُ عَلَيْهِ لهكذا (وَأَشَارَ وهب بِيَدِهِ مثل الْقبَّة عَلَيْهِ وَأَشَارَ ابْن الازهر أَيْضا (وَأَنه ليئط بِهِ أطيط الرحل بالراكب (اخرجه ابو دَاوُد عَن احْمَد بن سعيد عَن وهب وَلَفظه إِن عَرْشه على سمواته سَاقه الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (من عدَّة طرق من طَرِيق ابْن اسحق ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب جدا فَرد وَابْن اسحق حجَّة فِي الْمَغَازِي اذا اسند وَله مَنَاكِير وعجائب فَالله أعلم هَل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا أم لَا وَالله عز وَجل لَيْسَ كمثله شَيْء جلّ جَلَاله وتقدست أسماؤه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَلَا إِلَه غَيره والاطيط الْوَاقِع بِذَات الْعَرْش من جنس الأطيط الْحَاصِل فِي الرحل فَذَاك صفة للرحل وللعرش ومعاذ الله أَن نعده صفة لله عز وَجل ثمَّ لفظ الاطيط لم يَأْتِ بِهِ نَص ثَابت وَقَوْلنَا فِي هَذِه الاحاديث إننا نؤمن بِمَا صَحَّ مِنْهَا وَبِمَا اتّفق السّلف على إمراره وَإِقْرَاره فاما مَا فِي إِسْنَاده مقَال وَاخْتلف الْعلمَاء فِي قبُوله وتأويله فانا لَا نتعرض لَهُ بتقرير بل نرويه فِي الْجُمْلَة ونبين حَاله وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا سقناه لما فِيهِ مِمَّا تَوَاتر من علو الله تَعَالَى فَوق عَرْشه مِمَّا يوفق آيَات الْكتاب انْتهى كَلَامه قَوْله وَزَعَمت أَن الله أبدى بعضه الخ روى التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه (عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} الاعراف 143 قَالَ حَمَّاد هَكَذَا وَأمْسك سُلَيْمَان بِطرف إبهامه على أُنْمُلَة أُصْبُعه الْيُمْنَى قَالَ فساخ الْجَبَل وخر مُوسَى صعقا قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح لَا نعرفه الا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة وروى ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب (السّنة (عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ مَا تجلى مِنْهُ إِلَّا مثل الْخِنْصر قَالَ فَجعله دكا قَالَ تُرَابا {وخر مُوسَى صعقا} عشي عَلَيْهِ {فَلَمَّا أَفَاق قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك} عَن أَن أَسأَلك الرُّؤْيَة {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} قَالَ أول من آمن بك من بني إِسْرَائِيل وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب اثبات الرُّؤْيَة لَهُ اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب ثَنَا مُحَمَّد بن اسحق يَعْنِي العدناني ثَنَا عَمْرو ابْن طَلْحَة فِي التَّفْسِير ثَنَا اسباط عَن السّديّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ تجلى مِنْهُ مثل طرف الْخِنْصر فَجعله دكا قَوْله وَزَعَمت للمعبود بَاقِيا وَله يَمِين الخ يَأْتِي الْكَلَام فِي الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَالْيَدَيْنِ ان شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله وَزَعَمت أَن يَدَيْهِ للسبع العلى الخ روى البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه (عَن عبد الله عَن نَافِع ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ان الله يقبض يَوْم الْقِيَامَة الارضين وَتَكون السَّمَوَات بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول أَنا الْملك (وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ (أَيْضا وَاللَّفْظ لمُسلم عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يطوي الله السَّمَوَات يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يأخذهن بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَيْن الجبارون أَيْن المتكبرون ثمَّ يطوي الارضين بِيَدِهِ الاخرى ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَيْن الجبارون أَيْن المتكبرون ( قَوْله وَزَعَمت أَن يَمِينه ملأى الخ يُشِير الى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَمِين الله ملأى لَا يغيضها نَفَقَة سحاؤ اللَّيْل وَالنَّهَار أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَوَات والارض فانه لم يغض مَا فِي يَمِينه وَفِي يَده الاخرى الْعدْل يخْفض بهَا وَيرْفَع (قَوْله وَزَعَمت أَن الله يضْحك عِنْدَمَا الخ يُشِير الى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يضْحك الله الى رجلَيْنِ يقتل أَحدهمَا الاخر يدخلَانِ الْجنَّة يُقَاتل هَذَا فِي سَبِيل الله فَيقْتل ثمَّ يَتُوب الله على الْقَاتِل فيستشهد ( قَوْله وَزَعَمت أَيْضا أَن قلب العَبْد مَا الخ عَن عبد الله بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِن قُلُوب بني آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ حَيْثُ شَاءَ (ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ مصرف الْقُلُوب ثَبت قُلُوبنَا على طَاعَتك (رَوَاهُ مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 قَوْله وكذاك يضْحك من قنوط عباده الخ يُشِير الى مَا فِي حَدِيث أبي رزين عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ضحك رَبنَا من قنوط عباده وَقرب غَيره ينظر اليكم أذلين قنطين ويظل يضْحك يعلم أَن فرجكم قريب (فَقَالَ لَهُ أَبُو رزين أَو يضْحك الرب قَالَ نعم فَقَالَ لن نعدم من رب يضْحك خيرا قَوْله وَزَعَمت ان الله يبسط كَفه الخ يُشِير الى حَدِيث أبي مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ان الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا (رَوَاهُ مُسلم (وَقَوله فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته (من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب وَلَا يقبل الله الا الطّيب تقبلهَا بِيَمِينِهِ (وَقَوله (مَا السَّمَوَات السَّبع والارضون السَّبع فِي كف الرَّحْمَن الا كخردلة فِي كف أحدكُم) قَالَ الْخلال فِي كتاب (السّنة (قَالَ حَنْبَل سَأَلت أَبَا عبد الله عَن الاحاديث الَّتِي تروى أَن الله تبَارك وَتَعَالَى ينزل الى سَمَاء الدُّنْيَا وَأَن الله يرى وَأَن الله يضع قدمه وَمَا أشبه هَذِه الاحاديث فَقَالَ ابو عبد الله نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا كَيفَ وَلَا معنى وَلَا نرد مِنْهَا شَيْئا ونعلم ان مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول حق اذا كَانَت باسانيد صِحَاح وَلَا نرد على الله قَوْله وَلَا يُوصف الله تبَارك وَتَعَالَى باكثر مِمَّا وصف بِهِ نَفسه بِلَا حد وَلَا غَايَة لَيْسَ كمثله شَيْء وَقَالَ حَنْبَل فِي مَوضِع آخر وَقَالَ لَيْسَ كمثله شَيْء فِي ذَاته كَمَا وصف بِهِ نَفسه وَقد أجمل تبَارك وَتَعَالَى بِالصّفةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 لنَفسِهِ فحد لنَفسِهِ صفة لَيْسَ يُشبههُ شَيْء فنعبد الله بصفاته غير محدودة وَلَا مَعْلُومَة الا بِمَا وصف الله نَفسه بِهِ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى 11 وَقَالَ حَنْبَل فِي مَوضِع آخر وَهُوَ سميع بَصِير بِلَا حد وَلَا تَقْدِير وَلَا يبلغ الواصفون صفته وَصِفَاته مِنْهُ وَله وَلَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث فَنَقُول كَمَا قَالَ وَنصفه كَمَا وصف نَفسه وَلَا نتعدى ذَلِك وَلَا تبلغه صفة الواصفين نؤمن بِالْقُرْآنِ كُله محكمَة ومتشابهه وَلَا نزيل عَنهُ صفة من صِفَاته لشناعة شنعت وَوصف وصف بِهِ نَفسه من كَلَام وخلوه بِعَبْدِهِ وَوَضعه كنفه عَلَيْهِ هَذَا كُله يدل على أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يرى فِي الاخرة والتحديد فِي هَذَا بِدعَة وَالتَّسْلِيم لله بأَمْره بِغَيْر صفة وَلَا حد إِلَّا بِمَا وصف بِهِ نَفسه سميع بَصِير لم يزل متكلما غَفُورًا علما عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة علام الغيوب فَهَذِهِ صِفَات وصف بهَا نَفسه لَا ترد وَلَا تدفع وَهُوَ على الْعَرْش بِلَا حد كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الاعراف 57 كَيفَ يَشَاء الْمَشِيئَة اليه عز وَجل والاستطاعة لَهُ لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ خَالق كل شَيْء وَهُوَ كَمَا وصف نَفسه سميع بَصِير بِلَا حد وَلَا تَقْدِير قَول ابراهيم لِأَبِيهِ {لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر} مَرْيَم 42 فَثَبت أَن الله سميع بَصِير صِفَاته مِنْهُ لَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْخَبَر يضْحك الله وَلَا نعلم كَيفَ ذَلِك إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول وتثبيت الْقُرْآن لَا يصفه الواصفون وَلَا يحده أحد تَعَالَى الله عَمَّا تَقول الْجَهْمِية والمشبهة قلت لَهُ والمشبه مَا يَقُولُونَ قَالَ من قَالَ بصر كبصري وَيَد كيدي انْتهى قَوْله فَالنَّاس بَين معطل أَو مُثبت الخ المعطلة كالجهمية والمعتزلة والمثبتة يَعْنِي السّلف وأتباعهم وَالثَّالِث المتناقض كَالَّذِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 يثبتون بعض الصِّفَات وينفون بَعْضهَا وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم فَمَتَى أقرّ بِبَعْض ذَلِك مُثبت لزم الْجَمِيع أَي انه يلزمكم اذا اثبتم بعض الصِّفَات أَن تثبتوا جَمِيعهَا وَإِلَّا فانفوها جَمِيعهَا إِذْ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ فرق صَحِيح وَسَيَأْتِي إبِْطَال مَا فرقوا بِهِ فِي كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَالله أعلم وَقَوله ديصان قَالَ النَّاظِم فِي (إغاثة اللهفان (وَحكى أَرْبَاب المقالات عَنْهُم أَي عَن الثنوية أَن قوما مِنْهُم يُقَال لَهُم الديصانية زَعَمُوا أَن طِينَة الْعَالم كَانَت طِينَة خشنة وَكَانَت تحاكي جسم النُّور الَّذِي هُوَ الْبَارِي عِنْدهم زَمَانا فتأذى بهَا فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ قصد تنحيتها عَنهُ فتوحل فِيهَا وَاخْتَلَطَ بهَا فتركب من بَينهمَا هَذَا الْعَالم الْمُشْتَمل على الظلمَة والنور فَمَا كَانَ من جِهَة الصّلاح فَمن النُّور وَمَا كَانَ من جِهَة الْفساد فَمن الظلمَة قَالَ وَهَؤُلَاء يغتالون النَّاس ويخنقونهم ويزعمون انهم يحسنون اليهم بذلك وانهم يخلصون الرّوح النورانية من الْجَسَد المظلم انْتهى وَقَوله القدماء يَعْنِي الفلاسفة ... اوقاتلوا مَعَ ايمة التجسيم والتشبيه ... تَحت لِوَاء ذِي الْقُرْآن اولا فَلَا تتلاعبوا بعقولكم ... وَكِتَابكُمْ وبسائر الاديان فجيمعها قد صرحت بصفاته ... وَكَلَامه وعلوه بِبَيَان وَالنَّاس بَين مُصدق أَو جَاحد ... اَوْ بَين ذَلِك أَو شَبيه أتان فَاصْنَعْ من التَّنْزِيه ترسا محكما ... وانف الْجَمِيع بصنعة وَبَيَان وكذاك لقب مَذْهَب الاثبات ... بالتجسيم ثمَّ احْمِلْ على الاقران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 .. فَمَتَى سمحت لَهُم بِوَصْف وَاحِد ... حملُوا عَلَيْك بحملة الفرسان فصرعت صرعة من غَدا متلبطا ... وسط العرين ممزق اللحمان فلذاك انكرنا الْجَمِيع مَخَافَة ... التجسيم ان صرنا الى الْقُرْآن وَلذَا خلعنا ربقة الاديان من ... أعناقنا فِي سالف الازمان وَلنَا مُلُوك قاوموا الرُّسُل الالى ... جاؤوا باثبات الصِّفَات كمان فِي آل فِرْعَوْن وَقَارُون وَهَا ... مان ونمروذ وجنكسخان ... قَوْله جنكسخان وَيُقَال جنكزخان هُوَ طاغية التتار وملكهم الاول الَّذِي خرب الْبِلَاد وَلم يكن للتتار قبله ذكر انما كَانُوا ببادية الصين فملكوه عَلَيْهِم واطاعوه طَاعَة أَصْحَاب نَبِي لنبيهم وَكَانَ مبدأ ملكه سنة (599) وَاسْتولى على بُخَارى وسمرقند 19 سنة وَاسْتولى على مدن خُرَاسَان 17 سنة وَلما رَجَعَ من حَرْب السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه على نهر السَّنَد وَوصل الى مَدِينَة مكب من بِلَاد الخطا فَمَرض بهَا وَمَات فِي رَابِع شهر رَمَضَان 624 فَكَانَت أَيَّام مَمْلَكَته خمْسا وَعشْرين سنة وَكَانَ اسْمه قبل أَن يَلِي الْملك تمرجي وَمَات على دينهم وكفرهم وَخلف من الاولاد سِتَّة وفوض الامر الى اركناي أحدهم بعد مَا اسْتَشَارَ الْخَمْسَة البَاقِينَ فَلَمَّا مَاتَ امْتنع أركناي من الْملك وَقَالَ فِي اخواني وأعمامي من هُوَ اكبر مني فَلم يزَالُوا بِهِ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى تملك عَلَيْهِم ولقبوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 القان الْأَعْظَم وَمَعْنَاهُ الْخَلِيفَة فِيمَا قيل وَبعث جُنُوده وَفتح الفتوحات وكطالت أَيَّامه وَولي بعده الْأَمر موتكوقا وَهُوَ القان الَّذِي هُوَ لاكو من بعض مقدميه وَولي بعده أَخُوهُ قبلاي وطالت أَيَّام قبلاي وَبَقِي فِي الْأَمر إِلَى 740 وَمَات بِمَدِينَة خَان بالق يُقَال أَنه لما كَانَ السُّلْطَان خوارزم شَاة يغز وَهَؤُلَاء التتار ويقتلهم وَيَسْبِي ذَرَارِيهمْ وَأَوْلَادهمْ ويمنعهم الْخُرُوج عَن حُدُود بِلَادهمْ احتمع التتار وَشَكوا مَا يلاقون من خوارزم شَاة وَمَا هم فِيهِ من الضّيق وَالْبَلَاء فَقَالَ لَهُم جنكز خَان إِن ملكتموني عَلَيْكُم والتزمتم لي بِالطَّاعَةِ وَاتِّبَاع الَّذِي أَضَعهُ لكم شرعة رددت خوارزم عَنْكُم فالتزموا لَهُ بذلك وَكَانَ مِمَّا وَضعه لَهُم أَن قَالَ كل من أحب أمْرَأَة بِنْتا كَانَت أَو غَيرهَا لَا يمْنَع من التَّزَوُّج وَلَو كَانَ زبالا وَالْمَرْأَة بنت ملك وَكَانَ غَرَضه أَن يتناحكوا بِشَهْوَة شَدِيدَة ويتضاعف نسلهم وَيكثر عَددهمْ فَلَمَّا تقرر ذَلِك دخلُوا على خوارزم شَاة وعقدوا مهادنته عشْرين سنة فَمَا جَاءَت الْعشْرين سنة إِلَّا وهم أُمَم لَا يُحصونَ وَلَا يحصرون وَكَانَ من جملَة مَا قَرَّرَهُ أَنه إِذا حرم القان على أحد شَيْئا فَلَا يحل لَهُ إِلَى أَن تَأتيه الْمَمَات وَقرر لَهُم أَن (من) رعف وَهُوَ يَأْكُل قتل كَائِنا من كَانَ وَقرر لَهُم أَن كل من لم يمض حكم اليسق قتل أَيْضا وَأَرَادَ أَن يذهب الْكِبَار الَّذين فيهم لعلمه أَنهم يداخلهم الْحَسَد لَهُ ويستصغرونه فتركهم يَوْمًا وهم على سماطه فرعف فَلم يَجْسُر اُحْدُ أَن يمْضِي فِيهِ حكمه لمهابته وجبروته فَتَرَكُوهُ وَلم يطالبوه بِمَا قرر وهابوه فِي ذَلِك فتركهم أَيَّامًا وجمعهم وَقَالَ لأي شيئ مَا أمضيتم حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أليسق فِي وَقد رعفت وَأَنا آكل بَيْنكُم فقالو لم نجسر على ذَلِك فَقَالَ لم تعلمُوا باليسق وَلَا أمضيتم أمره وَقد وَجب قتلكم فَقتل أكابرهم واستراح مِنْهُم وَالتّرْك يَزْعمُونَ أَنه ولد الشَّمْس لِأَن فِي صحاريهم أَمَاكِن فِيهَا غَابَ الغاب لَا يقربهُ أحد من الذكران وَأَن أمه اعتقت فرجهَا وراحت إِلَى ذَلِك الغاب وَغَابَتْ فِيهِ مُدَّة وأتتهم وَقَالَت هَذَا من الشَّمْس لِأَن الشَّمْس دخلت فِي فَرجي بعض الْأَيَّام وَأَنا أَغْتَسِل فَحملت بِهَذَا وَيُقَال إِنَّه كَانَ حدادا وَالله أعلم كَذَا فِي (تَارِيخ ابْن شَاكر ( قَوْله أتان بِفَتْح الْهمزَة هِيَ الْأُنْثَى من الْحمير قَالَ ابْن السّكيت وَلَا يُقَال أتانة وَجمع الْقلَّة أتن مثل عنق وأعنق وَجمع الْكَثْرَة إتن بِضَمَّتَيْنِ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلنَا الْأَئِمَّة كالفلاسفة الألى ... لم يعبؤوا أصلا بِذِي الْأَدْيَان مِنْهُم أرسطو ثمَّ شيعته إِلَى ... هَذَا الأوان وَعند كل أَوَان مَا فيهم من قَالَ إِن الله فو ... ق الْعَرْش خَارج هَذِه الأكوان كلا وَلَا قَالُوا بِأَن إلهنا ... مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن وَلأَجل هَذَا رد فِرْعَوْن على ... مُوسَى وَلم يقدر على الْإِيمَان إِذْ قَالَ مُوسَى رَبنَا مُتَكَلم ... فَوق السَّمَاء وَأَنه ناداني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 .. وَكَذَا ابْن سينا لم يكن مِنْكُم وَلَا ... أَتْبَاعه بل صانعوا بدهان وَكَذَلِكَ الطوسي لما أَن غَدا ... ذَا قدرَة لم يخْش من سُلْطَان قتل الْخَلِيفَة والقضاة وحاملي ... الْقُرْآن وَالْفُقَهَاء فِي الْبلدَانِ إِذْ هم مشبهة مجسمة وَمَا ... دانو أبدين أكَابِر اليونان وَلنَا الملاحة الفحول أَئِمَّة التعطيل والتشبيه آل سِنَان ... وَلنَا تصانيف بهَا غاليتم مثل (الشفا (و (رسائل الاخوان ( ... وَكَذَا الاشارات الَّتِي هِيَ عنْدكُمْ قد ضمنت لقواطع الْبُرْهَان ... قد صرحت بالضد مِمَّا جَاءَ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْفرْقَان هِيَ عنْدكُمْ مثل النُّصُوص وفوقها ... فِي حجَّة قطيعة وَبَيَان وَإِذا تحاكمنا فَإِن إِلَيْهِم ... يَقع التحاكم لَا إِلَى الْقُرْآن ... إِذْ قد تساعدنا بِأَن نصوصه لفظية عزلت عَن الايقان ... فَلذَلِك حكمنَا عَلَيْهِ وَأَنْتُم قَول الْمعلم أَولا وَالثَّانِي ... يَا وَيْح جهم وَابْن دِرْهَم والالى قَالُوا بقولهمَا من الخوران ... بقيت من التَّشْبِيه فِيهِ بَقِيَّة نقصت قَوَاعِده من الْأَركان ... يَنْفِي الصِّفَات مَخَافَة التجسيم لَا يلوي على خبر وَلَا قُرْآن ... وَيَقُول إِن الله يسمع أَو يرى وكذاك يعلم سر كل جنان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 .. وَيَقُول إِن الله قد شَاءَ الَّذِي هُوَ كَائِن من هَذِه الأكوان ... وَيَقُول إِن الْفِعْل مَقْدُور لَهُ والكون ينْسبهُ إِلَى الْحدثَان ... وبنفيه التسجيم يصْرخ فِي الورى وَالله مَا هَذَانِ متفقان ... لكننا قُلْنَا محَال كل ذَا حذرا من التَّشْبِيه والامكان ... أما بَان سينا فَهُوَ على مَا فِي (تَارِيخ ابْن خلكان (وَغَيره أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا البُخَارِيّ وَالِده من بَلخ وَسكن بُخَارى أَيَّام الْأَمِير نوح ثمَّ تزوج إمرأة بِقُرْبِهِ (أفشنة) وَبهَا ولد أَبُو عَليّ الْمَذْكُور الملقب بالرئيس وَختم الْقُرْآن وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَقَرَأَ الْحِكْمَة على أبي عبد الله الناتلي وَحل إقليدس والمجسطي والطب وَهُوَ ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة ثمَّ انْتقل من بُخَارى إِلَى جرجان وَغَيرهَا ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة مجد الدولة ابْن بويه بِالريِّ ثمَّ خدم قَابُوس بن شكمير ثمَّ قصد عَلَاء الدولة ابْن كاكوية بأصبهان وَتقدم عِنْده ثمَّ مرض بالصرع والقولنج وَترك الحمية وَمضى إِلَى همذان مَرِيضا وَمَات بهَا سنة 428 أَرْبَعمِائَة وثمان وَعشْرين وعمره إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة قَالَ ابْن خلكان ثمَّ إِن ابْن سينا لما أيس من الْعَافِيَة على مَا قيل ترك المداواة واغتسل وَتَابَ وَتصدق بِمَا مَعَه على الْفُقَرَاء ورد الْمَظَالِم على من عرفه وَأعْتق مماليكه وَجعل يخْتم فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام ختمة مَاتَ بهمذان يَوْم الْجُمُعَة من شهر رَمَضَان وَقيل مَاتَ فِي السجْن وولادته سنة ثَلَاثمِائَة وَسبعين وَالله أعلم وَله نَحْو مائَة مُصَنف مِنْهَا كتاب (الشِّفَاء (فِي الْحِكْمَة (والاشارات (وَفِي الطِّبّ (القانون (وَغَيره وَله شعر وَمِنْه القصيدة الشهيرة فِي الرّوح وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 .. هَبَطت إِلَيْك من الْمحل لارفع ... وَرْقَاء ذَات تعزز وتمنع ... وَأما النصير الطوسي فَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن نصير الدّين الطوسي صَاحب (الرياضي ((والرصد (كَانَ رَأْسا فِي علم الْأَوَائِل لَا سِيمَا فِي الأرصاد والمجسطي فَإِنَّهُ فاق الْكِبَار قَرَأَ على الْمعِين سَالم بن بدران المعتزلي الرافضي وَغَيره وَكَانَ ذَا حُرْمَة وافرة ومنزلة عالية عِنْد هولاكو وَكَانَ يطيعه فِيمَا يُشِير بِهِ عَلَيْهِ وَالْأَمْوَال فِي تصريفه وابتنى ب (مراغة) قبَّة ورصدا عَظِيما وَاتخذ فِي ذَلِك خزانَة عَظِيمَة فسيحة الأرجاء وملأها من الْكتب الَّتِي نهبت من بَغْدَاد وَالشَّام والجزيرة حَتَّى تجمع فِيهَا زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة ألف مُجَلد وَقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة والعقلاء وَجعل لَهُ أوقافا وَكَانَ حسن الصُّورَة سَمحا كَرِيمًا جوادا حَلِيمًا حسن الْعشْرَة غزير الْفَضَائِل وَاخْتصرَ (المحصل (للْإِمَام فَخر الدّين وهذبه وَزَاد فِيهِ وَشرح (الاشارات (ورد على الإِمَام فَخر الدّين فِي شَرحه وَقَالَ هَذَا جرح وَمَا هُوَ بشرح وَقَالَ فِيهِ حررته فِي عشْرين سنة وناقض فَخر الدّين كثيرا وَمن تصانيفه (التَّجْرِيد (فِي الْمنطق و (أَوْصَاف الْأَشْرَاف (و (قَوَاعِد العقائد (و (التَّلْخِيص (فِي علم الْكَلَام (وَشرح كتاب ثَمَرَة بطليموس (وَكتاب (المجسطي (و (شرح مَسْأَلَة الْعلم (و (رِسَالَة الامامة (و (رِسَالَة (إِلَى نجم الدّين الكاتبي فِي إِثْبَات الْوَاجِب وحواشي على كليات (القانون (وَغير ذَلِك وَقَالَ شمس الدّين ابْن الْمُؤَيد العرضي أَخذ النصير كَمَال الدّين بن يُونُس الْموصِلِي ومعين الدّين سَالم بن بدران الْمصْرِيّ المعتزلي وَغَيرهمَا وَكَانَ منجما لائقا بعد أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَكَانَ يعْمل الوزارة لهولاكو من غير ان يدْخل يَده فِي الْأَمْوَال واحتوى على عقله حَتَّى إِنَّه لَا يركب وَلَا يُسَافر إِلَّا فِي وَقت يَأْمُرهُ بِهِ ومولد النصير بطوس 597 سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة 673 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة بِبَغْدَاد وَدفن فِي مشْهد الكاظم انْتهى مُلَخصا من (تَارِيخ ابْن شَاكر ( قلت ذكر شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية فِي (منهاج السّنة النَّبَوِيَّة (فِي الرَّد على ابْن المطهر الرافضي لما ذكر قَوْله قَالَ شَيخنَا الْأَعْظَم خواجة نصر الْملَّة وَالْحق وَالدّين مُحَمَّد بن الْحسن الطوسي قدس الله روحه إِلَى آخر مَا ذكر ابْن المطهر فَقَالَ الشَّيْخ فِي الْجَواب الْجَواب من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذَا الأمامي قد كفر من قَالَ إِن الله مُوجب بِالذَّاتِ كَمَا تقدم من قَوْله يلْزم أَن يكون مُوجبا بِذَاتِهِ لَا مُخْتَارًا فَيلْزم الْكفْر وَهَذَا الَّذِي جعله شَيْخه الْأَعْظَم وَاحْتج بقوله هُوَ مِمَّن يَقُول بِأَن الله مُوجب بِالذَّاتِ وَيَقُول بقدم الْعَالم كَمَا ذكر ذَلِك فِي كتاب (شرح الاشارات (لَهُ فَيلْزم على قَوْله أَن يكون شَيْخه هَذَا الَّذِي احْتج بِهِ كَافِرًا وَالْكَافِر لَا يقبل قَوْله فِي دين الْمُسلمين الثَّانِي أَن هَذَا الرجل قد اشْتهر عِنْد الْخَاص وَالْعَام أَنه كَانَ وَزِير الملاحة الباطنية الاسماعيلية بالأموات ثمَّ لما قدم التّرْك الْمُشْركُونَ إِلَى بِلَاد الْمُسلمين وجاؤوا إِلَى بَغْدَاد دَار الْخلَافَة كَانَ هَذَا منجما مُشِيرا لملك التّرْك الْمُشْركين هولاكو أَشَارَ عَلَيْهِ بقتل الْخَلِيفَة وَقتل أهل الْعلم وَالدّين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الَّذين ينفعونه فِي الدُّنْيَا وَأَنه استولى على الْوَقْف الَّذِي للْمُسلمين وَكَانَ يُعْطي مِنْهُ مَا شَاءَ الله لعلماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الْمُشْركين وشيوخهم من النجشية السَّحَرَة وأمثالهم وَأَنه لما بنى الرصد الَّذِي ب (مراغة) على طَريقَة الصابئة كَانَ أحسن النَّاس نَصِيبا مِنْهُ من كَانَ إِلَى أهل الْملَل أقرب وأوفرهم نَصِيبا من كَانَ أبعد عَن الْملَل مثل الصابئة الْمُشْركين وَمثل المعطلة وَسَائِر الْمُشْركين وَإِن ارتزقوا بالنجوم والطب وَنَحْو ذَلِك وَمن الْمَشْهُور عَنهُ وَعَن أَتْبَاعه الاستهتار بواجبات الاسلام ومحرماته لَا يُحَافِظُونَ على الْفَرَائِض كالصلوات ولايزعمون عَن محارم الله من الْفَوَاحِش وَالْخمر وَغير ذَلِك من الْمُنْكَرَات حَتَّى إِنَّهُم فِي شهر رَمَضَان يذكر عَنْهُم من إِضَاعَة الصَّلَوَات وَالْفَوَاحِش وَشرب الْخُمُور مَا يعرفهُ أهل الْخِبْرَة بهم وَلم يكن لَهُم قُوَّة وَظُهُور إِلَّا مَعَ الْمُشْركين الَّذين دينهم شَرّ من دين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلِهَذَا كلما قوي الاسلام فِي المغول وَغَيرهم من التّرْك ضعف أَمر هَؤُلَاءِ لفرط معاداتهم لِلْإِسْلَامِ وَأَهله وَلِهَذَا كَانُوا من أنقص النَّاس منزلَة عِنْد الْأَمِير نوروز الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله الشَّهِيد الَّذِي دَعَا ملك المغول غازان إِلَى الْإِسْلَام وَالْتزم لَهُ أَن ينصره إِذا أسلم وَقتل الْمُشْركين الَّذين لم يسلمُوا من النجشية السَّحَرَة وَغَيرهم وَهدم البدخانان وَكسر الْأَصْنَام ومزق سدنتها كل ممزق وألزم الْيَهُود وَالنَّصَارَى بالجزية وَالصغَار وبسببه ظهر الْإِسْلَام فِي المغول وأتباعهم وَبِالْجُمْلَةِ فَأمر هَذَا الطوسي وَأَتْبَاعه فِي الاسلام وَالْمُسْلِمين أشهر وَأعرف من أَن يعرف ويوصف وَمَعَ هَذَا فقد قيل إِنَّه كَانَ فِي آخر عمره يحافظ على الصَّلَوَات الْخمس ويشتغل بتفسير الْبَغَوِيّ وبالفقه وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ قد تَابَ من الْإِلْحَاد فَالله يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَالله يَقُول {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم} الزمر 53 لَكِن مَا ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 عَنهُ هَذَا إِن كَانَ قبل التَّوْبَة لم يقبل قَوْله وَإِن كَانَ بعد التَّوْبَة لم يكن قد تَابَ من بَاب الرَّفْض بل من الالحاد وَحده وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يقبل قَوْله وَالْأَظْهَر أَنه كَانَ يجْتَمع بِهِ وبأمثاله لما كَانَ منجما للمغول الْمُشْركين والالحاد مَعْرُوف من حَاله إِذْ ذَاك انْتهى كَلَام شيخ الاسلام وَقَول النَّاظِم آل سِنَان هُوَ سِنَان الْبَصْرِيّ الَّذِي كَانَ بحصون الاسماعيلية بِالشَّام وَكَانَ يَقُول قد رفعت عَنْهُم الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالزَّكَاة وَأما (الشِّفَاء (فَهُوَ من مصنفات ابْن سينا وَكَذَا (الإشارات (من تصانيفه أَيْضا وَقَوله و (رسائل الاخوان (هِيَ (رسائل إخْوَان الصَّفَا (وَهِي على مافي (كشف الظنون (و (شرح عقيدة السفاريني (إِحْدَى وَخَمْسُونَ رِسَالَة وَهِي أصل مَذْهَب القرامطة وَرُبمَا نسبوها إِلَى جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ ترويجا وَقد صنفت بعد الْمِائَة الثَّالِثَة فِي دولة بني بويه أملاها أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن نصر البستي الْمَعْرُوف بالمقدسي وَأَبُو الْحسن عَليّ بن هَارُون الزنجاني وَأَبُو أَحْمد النهرجوري والعرفي يزِيد بن رِفَاعَة كلهم حكماء اجْتَمعُوا وصنفوا هَذِه الرسائل على طَرِيق الفلسفة الْخَارِجَة عَن مَسْلَك الشَّرِيعَة المطهرة وَفِي (فَتَاوَى ابْن حجر الحديثية (مَا نَصه نَسَبهَا كثير إِلَى جَعْفَر الصَّادِق وَهُوَ بَاطِل وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَن مؤلفها مسلمة بن قَاسم الأندلسي كَانَ جَامعا لعلوم الْحِكْمَة من الالهيات والطبيعيات والهندسة والتنجيم وعلوم الكيمياء وَغَيرهَا وَإِلَيْهِ انْتهى علم الْحِكْمَة بالأندلس وَعنهُ أَخذ حكماؤها وَتُوفِّي سنة 353 وَمِمَّنْ ذكره ابْن بشكوال وَكتابه فِيهِ أَشْيَاء حكمِيَّة وفلسفية وشرعية انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي (الْمِنْهَاج (حَتَّى إِن طَائِفَة من النَّاس يظنون أَن (رسائل إخْوَان الصَّفَا (مَأْخُوذَة عَن جَعْفَر الصَّادِق وَهَذَا من الْكَذِب الْمَعْلُوم فَإِن جعفرا توفّي سنة 148 ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَهَذِه الرسائل وضعت بعد ذَلِك بِنَحْوِ مِائَتي سنة وضعت لما ظَهرت دولة الاسماعلية الباطنية الَّذين بنوا الْقَاهِرَة المعزية سنة بضع وَخمسين وثلاثمائة وَفِي تِلْكَ الْأَوْقَات صنفت هَذِه الرسائل بِسَبَب ظُهُور هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ظَاهره الرَّفْض وباطنه الْكفْر الْمَحْض فأظهروا اتِّبَاع الشَّرِيعَة وَأَن لَهَا بَاطِنا مُخَالفا لظاهرها وباطن أَمرهم مَذْهَب الفلاسفة وعَلى هَذَا الْأَمر وضعت هَذِه الرسائل وَضعهَا طَائِفَة من المتفلسفة معروفون وَقد ذكرُوا فِي أَثْنَائِهَا مَا استولى عَلَيْهِ النَّصَارَى من أَرض الشَّام وَكَانَ أول ذَلِك بعد ثَلَاثمِائَة سنة 300 من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة فِي أَوَائِل الْمِائَة الرَّابِعَة اانتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم ... فلذاك حكمنَا عَلَيْهِ وَأَنْتُم قَول الْمعلم أَولا وَالثَّانِي ... الْمعلم الأول أرسطاطاليس والمعلم الثَّانِي هُوَ ابو نصر الفارابي وَهُوَ أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طرخان التركي صَاحب المصنفات الْمَشْهُورَة فِي الْمنطق وَالْحكمَة والموسيقى الَّتِي من ابْتغى الْهدى فِيهَا أضلّهُ الله مَاتَ سنة 339 تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ولد نَحْو من 80 سنة قَوْله ... يَا وَيْح جهم وَابْن دِرْهَم والالى ... قَالُوا بقولهمَا من الخوران ... هَذَا على سَبِيل التهكم والزام جهم والجعد بن دِرْهَم التَّنَاقُض أَي إِن الجهم يَقُول إِن الله يسمع وَيرى وَيعلم وَيثبت الْمَشِيئَة وَالْعلم لله وَمَعَ ذَلِك يَنْفِي التجسيم أَي فالتجسيم لَازم لَهُ إِذا أثبت هَذِه الصِّفَات وَهَذَا من الخور أَي الضعْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قَوْله يَا وَيْح وَيْح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وَقع فِي هلكة لَا يَسْتَحِقهَا قَالَ فِي (الْقَامُوس (وَيْح لزيد وويحا لَهُ كلمة رَحْمَة وَرَفعه على الِابْتِدَاء ونصبه باضمار فعل وويح ريد وياويحه بنصبهما أَيْضا وويحا زيد بِمَعْنَاهُ وَأَصله وي فوصلت بحاء مرّة وبلام مرّة انْتهى قَالَ شيخ الاسلام فِي كِتَابه (التسعينية (وَكَذَلِكَ الْجَهْمِية على ثَلَاث دَرَجَات فشرها الغالية الَّذين ينفون أَسمَاء الله وَصِفَاته وان سموهُ بِشَيْء من أَسْمَائِهِ الْحسنى قَالُوا هُوَ مجَاز فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة عِنْدهم لَيْسَ بحي وَلَا عَالم وَلَا قَادر وَلَا سميع وَلَا بَصِير وَلَا يكلم وَلَا يتَكَلَّم وَكَذَا وصف الْعلمَاء حَقِيقَة قَوْلهم كَمَا ذكره الامام احْمَد فِيمَا خرجه فِي الرَّد على الزَّنَادِقَة والجهمية قَالَ فَعِنْدَ ذَلِك تبين للنَّاس أَنهم لَا يثبتون شَيْئا لكِنهمْ يدْفَعُونَ عَن أنفسهم الشنعة بِمَا يقرونَ فِي الْعَلَانِيَة فَإِذا قيل لَهُم فَمن تَعْبدُونَ قَالُوا نعْبد من يدبر هَذَا الْخلق فَقُلْنَا فَهَذَا الَّذِي يدبر أَمر هَذَا الْخلق هُوَ مَجْهُول لَا يعرف بِصفة قَالُوا نعم قُلْنَا قد عرف الْمُسلمُونَ انكم لَا تثبتون شَيْئا انما تدفعون عَن انفسكم الشنعة بِمَا تظْهرُونَ فَقُلْنَا لَهُم هَذَا الَّذِي يدبر هُوَ الَّذِي كلم مُوسَى قَالُوا لم يتَكَلَّم وَلَا يتَكَلَّم لَان الْكَلَام لَا يكون إِلَّا بجارحة والجوارح عَن الله منفية واذا سمع الْجَاهِل قَوْلهم يظنّ أَنهم من أَشد النَّاس تَعْظِيمًا لله وَلَا يعلم أَنهم انما يقودهم قَوْلهم الى ضلال وَكفر قَالَ وَقَالَ ابو الْحسن الاشعري فِي فِي (المقالات (الْحَمد لله الَّذِي بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الَّذين نفوا صِفَات رب الْعَالمين وَقَالُوا ان الله جلّ ثَنَاؤُهُ وتقدست أسماؤه لَا صِفَات لَهُ وَلَا علم لَهُ وَلَا قدرَة لَهُ وَلَا حَيَاة لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَلَا سمع لَهُ وَلَا بصر لَهُ ولاعزة لَهُ وَلَا جلال لَهُ وَلَا عَظمَة لَهُ وَلَا كبرياء لَهُ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي سَائِر صِفَات الله تَعَالَى الَّتِي وصف بهَا نَفسه قَالَ وَهَذَا قَول أَخَذُوهُ عَن إخْوَانهمْ من المتفلسفة الَّذين يَزْعمُونَ أَن للْعَالم صانعا لم يزل لَيْسَ بعالم وَلَا قَادر وَلَا حَيّ وَلَا سميع وَلَا بَصِير وَلَا قدير وعبروا عَنهُ بِأَن قَالُوا نقُول عين لم يزل وَلم يزِيدُوا على ذَلِك غير أَن هَؤُلَاءِ الَّذين وَصفنَا قَوْلهم من الْمُعْتَزلَة فِي الصِّفَات لم يستطيعوا أَن يظهروا من ذَلِك مَا كَانَت الفلاسفة تظهره فأظهروا مَعْنَاهُ فنفوا أَن يكون للباري علم وقدرة وحياة وَسمع وبصر وَلَوْلَا الْخَوْف لاظهروا مَا كَانَت الفلاسفة تظهره من ذَلِك وأفصحوا بِهِ غير أَن الْخَوْف يمنعهُم من أظهار ذَلِك قَالَ وَقد أفْصح بذلك رجل يعرف ب (ابْن الايادي) كَانَ ينتحل قَوْلهم فَزعم أَن الْبَارِي عَالم قَادر سميع بَصِير فِي الْمجَاز لَا فِي الْحَقِيقَة وَهَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ قَول الغالية النفاة للاسماء حَقِيقَة هُوَ قَول القرامطة الباطنية وَمن سبقهمْ من إخْوَانهمْ الصائبة الفلاسفة والدرجة الثَّانِيَة من التجهم هُوَ تجهم الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم الَّذين يقرونَ بأسماء الله الْحسنى فِي الْجُمْلَة لَكِن ينفون صِفَاته وهم أَيْضا لَا يقرونَ بأسماء الله الْحسنى كلهَا على الْحَقِيقَة بل يجْعَلُونَ كثيرا مِنْهَا على الْمجَاز وَهَؤُلَاء هم الْجَهْمِية المشهورون وَأما الدرجَة الثَّالِثَة فهم الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية لَكِن فيهم نوع من التجهم كَالَّذِين يقرونَ بأسماء الله وَصِفَاته فِي الْجُمْلَة لَكِن يردون طَائِفَة من أَسْمَائِهِ وَصِفَاته الخبرية وَغير الخبرية إِلَى آخر مَا ذكره رَحمَه الله تَعَالَى وَقد تقدم مَا ذكره شيخ الاسلام فِي مَوضِع آخر والجهم هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 اعظم النَّاس نفيا للصفات بل وللاسماء الْحسنى قَوْله من جنس قَول الباطنية القرامطة حَتَّى ذكرُوا عَنهُ انه لَا يُسَمِّي الله شَيْئا وَلَا غير ذَلِك من الاسماء الَّتِي يُسمى بهَا الْمَخْلُوق لَان ذَلِك بِزَعْمِهِ من التَّشْبِيه الْمُمْتَنع وَهَذَا قَول القرامطة الباطنية وَحكي عَنهُ أَنه لَا يُسَمِّيه الا قَادِرًا فَاعِلا لَان العَبْد عِنْده لَيْسَ بِقَادِر وَلَا فَاعل إِذْ كَانَ هُوَ رَأس الْمُجبرَة انْتهى كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ النَّاظِم فصل فِي قدوم ركب الايمان وعسكر الْقرَان ... وأتى فريق ثمَّ قَالَ أَلا اسمعوا قد جِئتُكُمْ من مطلع الايمان ... من آرض طيبَة من مهَاجر أَحْمد بِالْحَقِّ والبرهان والتبيان ... سَافَرت فِي طلب الاله فدلني الْهَادِي عَلَيْهِ ومحكم الْقُرْآن ... مَعَ فطْرَة الرَّحْمَن جلّ جَلَاله وصريح عَقْلِي فاعتلى بِبَيَان ... فتوافق الْوَحْي الصَّرِيح وفطرة الرَّحْمَن والمعقول فِي ايمان ... شهدُوا بِأَن الله جلّ جَلَاله متفرد بِالْملكِ وَالسُّلْطَان ... وَهُوَ الاله الْحق لَا معبود الا وَجهه الاعلى الْعَظِيم الشان ... بل كل معبود سواهُ فَبَاطِل من عَرْشه حَتَّى الحضيض الداني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 .. وَعبادَة الرَّحْمَن غَايَة حبه مَعَ ذل عابده هما قطبان ... وَعَلَيْهِمَا فلك الْعِبَادَة دائر مَا دَار حَتَّى قَامَت القطبان ... ومداره بالامر أَمر رَسُوله لَا بالهوى وَالنَّفس والشيطان ... فقيام دين الله بالاخلاص والاحسان إنَّهُمَا لَهُ أصلان ... لم ينج من غضب الاله وناره الا الَّذِي قَامَت بِهِ الاصلان ... ينج بِفَتْح الْيَاء وَضم الْجِيم مَبْنِيّ للْفَاعِل أَي لم ينج من غضب الاله وناره الا الَّذِي قَامَ بِهِ الاخلاص والاحسان ... وَالنَّاس بعد فمشرك بآلهه أَو ذُو ابتداع أَوله الوصفان ... وَالله لَا يرضى بِكَثْرَة فعلنَا لَكِن بأحسنه مَعَ الايمان ... يُشِير الى قَول الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} الْملك 2 قَالَ أخلصه وأصوبه قَالُوا يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه فَقَالَ ان الْعَمَل اذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل واذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فالعارفون مُرَادهم إحسانه ... والجاهلون عموا عَن الاحسان ... وكذاك قد شهدُوا بِأَن الله ذُو سمع وَذُو بصر هما صفتان ... وَهُوَ الْعلي يرى وَيسمع خلقه من فَوق عرش فَوق سِتّ ثَمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 .. فَيرى دَبِيب النَّمْل فِي غسق الدجى وَيرى كَذَاك تقلب الاجفان ... وضجيج أصوات الْعباد بسمعه ولديه لَا تتشابه الصوتان ... وَهُوَ الْعَلِيم بِمَا يوسوس عَبده فِي نَفسه من غير نطق لِسَان ... بل يَسْتَوِي فِي علمه الداني مَعَ القاصي وَذُو الاسرار والاعلان ... وَهُوَ الْعَلِيم بِمَا يكون غَدا وَمَا قد كَانَ والمعلوم فِي ذَا الْآن ... وَبِكُل شَيْء لم يكن لَو كَانَ كَيفَ يكون مَوْجُودا لذِي الْأَعْيَان وَهُوَ الْقَدِير فَكل شَيْء فَهُوَ مَقْدُور لَهُ طَوْعًا بِلَا عصيان ... وَعُمُوم قدرته تدل بِأَنَّهُ هُوَ خَالق الافعال للحيوان ... هِيَ خلقه حَقًا وأفعال لَهُم حَقًا وَلَا يتناقض الامران ... لَكِن أهل الْجَبْر والتكذيب بَال أقدار مَا انفتحت لَهُم عينان ... نظرُوا بعيني أَعور اذ فاتهم نظر الْبَصِير وَغَارَتْ العينان ... فحقيقة الْقدر الَّذِي حَار الورى فِي شَأْنه هُوَ قدرَة الرَّحْمَن ... وَاسْتحْسن ابْن عقيل ذَا من أَحْمد لما حَكَاهُ عَن الرضى الرباني ... قَالَ الامام شفا الْقُلُوب بِلَفْظِهِ ذَات اخْتِصَار وَهِي ذَات بَيَان ... أَشَارَ رَحمَه الله بِهَذِهِ الابيات الى اثبات صِفَات الله تَعَالَى الَّتِي نطق بهَا كِتَابه وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمذهب سلف الامة وأئمتها اثبات صِفَات الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 تَعَالَى الَّتِي ورد بهَا الْكتاب وصحيح السّنة وحسنها اثباتا بِلَا تَمْثِيل وتنزيها بِلَا تَعْطِيل خلافًا للجهمية والمعتزلة والاشاعرة والامر كَمَا قَالَ نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ شيخ البُخَارِيّ من شبه الله بخلقه فقد كفر وَمن جحد مَا وصف الله بِهِ نَفسه فقد كفر وَلَيْسَ مَا وصف الله بِهِ نَفسه اَوْ وَصفه بِهِ رَسُوله تَشْبِيها انْتهى بل هُوَ اثبات على مَا يَلِيق بِجلَال الله وعظمته وكبريائه لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير قَوْله وَبِكُل شَيْء لم يكن لَو كَانَ كَيفَ يكون الخ وَذَلِكَ نَحْو خبر الله عَن أهل النَّار انهم {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} الانعام 28 وَأَنه {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} الانفال 23 وَأَنه {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الانبياء 22 وَأَنه {لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا} الاسراء 42 وَأَنه {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالا} التَّوْبَة 47 وَأَنه {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكى مِنْكُم من أحد أبدا} النُّور 21 وَنَحْو ذَلِك وَقد تقدّمت الاشارة الى اثبات الْحَرْف وَالصَّوْت فِي كَلَام الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ تقدم الْكَلَام فِي خلق أَفعَال الْعباد وَأما الْكَلَام فِي الْقدر فَهُوَ طَوِيل وَلَكِن نشِير الى ذَلِك اشارة فَنَقُول قَول النَّاظِم رَحمَه الله لَكِن أهل الْجَبْر والتكذيب بالاقدار الخ أَي ان الجبرية الَّذين غلوا فِي إِثْبَات الْقدر حَتَّى جعلُوا الْعباد مجبورين على أفعالهم من الطَّاعَات والمعاصي فأفعال الْعباد عِنْدهم بِمَنْزِلَة تَحْرِيك الْهَوَاء للأشجار وبمنزلة حَرَكَة المرتعش وقابلهم النفاة للقدر وهم الَّذين جعلُوا أَفعَال الْعباد غير مخلوقة لله تَعَالَى وَقد روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 عَن يحيى بن يعمر قَالَ كَانَ أول من تكلم فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبد الْجُهَنِيّ فَانْطَلَقت انا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين اَوْ معتمرين فَقُلْنَا لَو فلقينا احدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر فوفق لنا عبد الله بن عمر دَاخِلا الْمَسْجِد فاكتنفته أَنا وصاحبي فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام الي فَقلت ابا عبد الرَّحْمَن انه قد ظهر قبلنَا أنَاس يقرؤون الْقُرْآن ويتقفرون الْعلم يَزْعمُونَ أَن لَا قدر وَأَن الامر أنف فَقَالَ إِذا لقِيت أُولَئِكَ فاخبرهم أَنِّي مِنْهُم بَرِيء وَأَنَّهُمْ مني بُرَآء وَالَّذِي يحلف بِهِ عبد الله بن عمر لَو أَن لاحدهم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه فِي سَبِيل الله مَا قبله الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ ثمَّ قَالَ حَدثنِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسند رُكْبَتَيْهِ الى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الاسلام قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الاسلام أَن تشهد أَن لَا اله الا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت أَن اسْتَطَعْت اليه سَبِيلا (قَالَ صدقت فعجبنا لَهُ يسْأَله ويصدقه قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الايمان قَالَ (أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره (قَالَ صدقت قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الاحسان قَالَ (أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فانه يراك (قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ (مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل (قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أماراتها قَالَ (أَن تَلد الامة ربتها وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء بتطاولون فِي الْبُنيان (قَالَ فَانْطَلق فَلَبثت ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَة مُسلم مَلِيًّا ثمَّ قَالَ (يَا عمر أَتَدْرِي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 السَّائِل (قلت الله وَرَسُوله اعْلَم قَالَ (فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ ( وروى الامام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن عبَادَة بن الْوَلِيد بن عبَادَة حَدثنِي أبي قَالَ دخلت على عبَادَة وَهُوَ مَرِيض أتخايل فِيهِ الْمَوْت فَقلت يَا أبتاه أوصني واجتهد لي فَقَالَ أجلسوني فَقَالَ يَا بني أَنَّك لن تَجِد طعم الايمان وَلنْ تبلغ حَقِيقَة الْعلم بِاللَّه حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قلت يَا أبتاه كَيفَ أعلم مَا خير الْقدر وشره قَالَ أَن تعلم أَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَمَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك يَا بني سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجرى فِي تِلْكَ السَّاعَة بِمَا هُوَ كَائِن الى يَوْم الْقِيَامَة (يَا بني إِن مت وَلست على ذَلِك دخلت النَّار وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح غَرِيب وَفِي هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه بَيَان شُمُول علم الله تَعَالَى واحاطته بِمَا كَانَ وَمَا يكون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {الله الَّذِي خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما} الطَّلَاق 12 وَقد قَالَ الامام أَحْمد رَحمَه الله لما سُئِلَ عَن الْقدر قَالَ الْقدر قدرَة الرَّحْمَن وَاسْتحْسن ابْن عقيل هَذَا من أَحْمد كَمَا ذكره النَّاظِم وَالْمعْنَى أَنه لَا يمْنَع عَن قدرَة الله شَيْء ونفاة الْقدر قد جَحَدُوا كَمَال قدرَة الله تَعَالَى 2 فضلوا عَن سَوَاء السَّبِيل وَقد قَالَ بعض السّلف ناظروهم بِالْعلمِ فان أقرُّوا بِهِ خصموا وَأَن جحدوه كفرُوا وَفِي الْمسند (و (سنَن ابي دَاوُد (عَن ابْن الديلمي واسْمه عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ابْن فَيْرُوز قَالَ لَو أَن الله عذب اهل سمواته وَأهل أرضه لعذبهم وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم وَلَو رَحِمهم لكَانَتْ رَحمته خيرا لَهُم من اعمالهم وَلَو انفقت مثل اُحْدُ ذَهَبا مَا قبله الله مِنْك حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ وَتعلم أَن مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَمَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَلَو مت على غير هَذَا لَكُنْت من أهل النَّار قَالَ فَأتيت عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ مثل ذَلِك ثمَّ أتيت حُذَيْفَة بن الْيَمَان فَقَالَ مثل ذَلِك ثمَّ أتيت زيد بن ثَابت قَالَ فَحَدثني عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك وَأخرجه ابْن ماجة وَقَالَ الْعِمَاد ابْن كثير رَحمَه الله عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن ربعي بن خرَاش عَن رجل عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُؤمن عبد حَتَّى يُؤمن بِأَرْبَع يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ويؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ويؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره (وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور بِهِ وَرَوَاهُ من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن ربعي عَن عَليّ فَذكره وَقد ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم (من رِوَايَة عبد الله بن وهب وَغَيره عَن أبي هانىء الْخَولَانِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله كتب مقادير الْخلق قبل أَن يخلق السَّمَوَات والارض بِخَمْسِينَ الف سنة (زَاد ابْن وهب (وَكَانَ عَرْشه على المَاء (رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وكل هَذِه الاحاديث وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِيهَا الْوَعيد الشَّديد على عدم الايمان بِالْقدرِ وَهِي الْحجَّة على نفاة الْقدر من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَمن مَذْهَبهم تخليد أهل الْمعاصِي فِي النَّار وَهَذَا الَّذِي اعتقدوه من أكبر الْكَبَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَأعظم الْمعاصِي وَفِي الْحَقِيقَة إِذا اعْتبرنَا إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم بِمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ نُصُوص الْكتاب وَالسّنة من اثبات الْقدر فقد حكمُوا على انفسهم بالخلود فِي النَّار إِن لم يتوبوا وَهَذَا لَازم لَهُم على مَذْهَبهم هَذَا وَقد خالفوا مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة من إِثْبَات الْقدر وَعدم تخليد أهل الْكَبَائِر من الْمُوَحِّدين فِي النَّار وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَله الْحَيَاة كَمَا لَهَا فلأجل ذَا مَا للممات عَلَيْهِ من سُلْطَان ... وَكَذَلِكَ القيوم من أَوْصَافه مَا للمنام لَدَيْهِ من غشيان ... وكذاك أَوْصَاف الْكَمَال جَمِيعهَا ثبتَتْ لَهُ ومدارها الوصفان ... فمصحح الاوصاف والافعال وَال أَسمَاء حَقًا ذَانك الوصفان ... ولاجل ذَا جَاءَ الحَدِيث بِأَنَّهُ فِي آيَة الْكُرْسِيّ وَذي عمرَان ... اسْم الاله الاعظم اشتملا على اسْم الْحَيّ والقيوم مقترنان ... فَالْكل مرجعها الى الاسمين يَد ري ذَاك ذُو بصر بِهَذَا الشان ... أَي ومصحح الاوصاف والافعال والاسماء خقا ذَانك الوصفان وهما الْحَيّ القيوم وَقَوله ولاجل ذَا جَاءَ الحَدِيث الخ أَي جَاءَ الحَدِيث بِأَن الْحَيّ القيوم هما اسْما الله الاعظم يُشِير الى مَا رَوَاهُ ابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اسْم الله الاعظم فِي هاتبن الْآيَتَيْنِ {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْبَقَرَة 163 وفاتحة سُورَة آل عمرَان {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} واخرج الامام أَحْمد وَابْن ماجة من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ اني اسألك بِأَن لَك الْحَمد لَا اله الا أَنْت يَا حنان يَا منان يَا بديع السَّمَوَات والارض يَا ذَا الْجلَال والاكرام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد دَعَا الله باسمه الاعظم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب واذا سُئِلَ بِهِ أعْطى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه (وَالْحَاكِم وَزَاد هَؤُلَاءِ الاربعة (يَا حَيّ يَا قيوم (وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم وَزَاد الْحَاكِم فِي رِوَايَة لَهُ (أَسأَلك الْجنَّة وَأَعُوذ بك من النَّار ( وَفِي (جلاء الافهام (للناظم قَالَ وَفِي (مُسْند أبي يعلى (الْموصِلِي عَن بعض الصَّحَابَة أَنه طلب أَن يعرف اسْم الله الاعظم فَرَأى فِي مَنَامه مَكْتُوبًا فِي السَّمَاء بالنجوم يَا بديع السَّمَوَات والارض يَاذَا الْجلَال والاكرام انْتهى ... وَله الارادة وَالْكَرَاهَة والرضى وَله الْمحبَّة وَهُوَ ذُو الاحسان ... وَله الْكَمَال الْمُطلق العاري عَن التَّشْبِيه والتمثيل بالانسان ... وَكَمَال من أعْطى الْكَمَال بِنَفسِهِ أولى وأقدم وَهُوَ أعظم شان ... أَيكُون قد أعْطى الْكَمَال وَمَاله ذَاك الْكَمَال أذاك ذُو إِمْكَان ... أَيكُون إِنْسَان سميعا مبصرا متكلما بِمَشِيئَة وَبَيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 .. وَله الْحَيَاة وقدرة وَإِرَادَة وَالْعلم بالكلي والاعيان ... وَالله قد أعطَاهُ ذَاك وَلَيْسَ هَذَا وَصفه فاعجب من الْبُهْتَان ... بِخِلَاف نوم العَبْد ثمَّ جمَاعَة والاكل مِنْهُ وحاجة الابدان ... إِذْ تِلْكَ ملزومات كَون العَبْد مح تاجا وَتلك لَوَازِم النُّقْصَان ... وَكَذَا لَوَازِم كَونه جسدا نعم ولوازم الاحداث والامكان ... يتقدس الرَّحْمَن جلّ جَلَاله عَنْهَا وَعَن أَعْضَاء ذِي جثمان ... قَوْله وَله الْكَمَال الْمُطلق الخ اعْلَم أَن الْعلم الالهي لَا يجوز أَن يسْتَدلّ فِيهِ بِقِيَاس تَمْثِيل يَسْتَوِي فِيهِ الاصل وَالْفرع وَلَا بِقِيَاس شُمُول تستوي أَفْرَاده فَإِن الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ كمثله شَيْء فَلَا يجوز أَن يمثل بِغَيْرِهِ وَلَا يجوز أَن يدْخل هُوَ وَغَيره فِي قَضِيَّة كُلية تستوي أفرادها وَلِهَذَا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هَذِه الاقيسة فِي المطالب الالهية لم يصلوا بهَا الى الْيَقِين بل تناقضت ادلتهم وَغلب عَلَيْهِم بعد التناهي الْحيرَة وَالِاضْطِرَاب لما يرونه من فَسَاد أدلتهم اَوْ تكافئها وَلَكِن يسْتَعْمل فِي ذَلِك قِيَاس الاولى سَوَاء كَانَ تمثيلا اَوْ شمولا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} النَّحْل 60 مثل أَن يعلم أَن كل كَمَال ثَبت للمكن اَوْ للمحدث لَا نقص فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه وَهُوَ مَا كَانَ كمالا للموجود غير مُسْتَلْزم للعدم فَالْوَاجِب الْقَدِيم أولى بِهِ وكل كَمَال لَا نقص فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه ثَبت نَوعه للمخلوق المربوب الْمَعْلُول الْمُدبر فانما استفاده من خالقه وربه ومدبره فَهُوَ أَحَق بِهِ مِنْهُ وَأَن كل نقص وعيب فِي نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَهُوَ مَا تضمن سلب هَذَا الْكَمَال اذا وَجب نَفْيه عَن شَيْء مَا من أَنْوَاع الْمَخْلُوقَات والممكنات والمحدثات فانه يجب نَفْيه عَن الرب تبَارك وَتَعَالَى بطرِيق الاولى وَأَنه أَحَق بالامور الوجودية من كل مَوْجُود وَأما الامور العدمية فالممكن الْمُحدث بهَا أَحَق وَنَحْو ذَلِك وَمثل هَذِه الطّرق هِيَ الَّتِي كَانَ يستعملها السّلف والائمة فِي مثل هَذِه المطالب كَمَا اسْتعْمل نَحْوهَا الامام أَحْمد وَمن قبله وَبعده من أَئِمَّة الاسلام وبمثل ذَلِك جَاءَ الْقُرْآن فِي تَقْرِير أصُول الدّين فِي التَّوْحِيد وَالصِّفَات والمعاد وَنَحْو ذَلِك أَفَادَهُ شيخ الاسلام فِي كتاب الْعقل وَالنَّقْل ... وَالله رَبِّي لم يزل متكلما وَكَلَامه المسموع بالآذان ... صدقا وعدلا أحكمت كَلِمَاته طلبا واخبارا بِلَا نُقْصَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي إِثْبَات صفة الْكَلَام وَقد ذهب جُمْهُور أهل الحَدِيث وأئمتهم الى أَن الله تَعَالَى لم يزل متكلما إِذا شَاءَ وَأَنه يتَكَلَّم بِصَوْت كَمَا جَاءَت بِهِ الْآثَار وَالْقُرْآن وَغَيره من الْكتب الالهية وَهُوَ كَلَام الله تكلم الله بِهِ بمشيئته وَقدرته لَيْسَ ببائن (وَلَا) مَخْلُوق وَلَا يَقُولُونَ إِنَّه صَار متكلما بعد أَن لم يكن متكلما وَلَا إِن كَلَام الله من حَيْثُ هُوَ هُوَ حَادث بل مَا زَالَ متكلما إِذا شَاءَ وَإِن كَانَ كلم مُوسَى وناداه بمشيئته وَقدرته فَكَلَامه لَا ينْفد كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي} الْكَهْف 109 الْآيَة وَيَقُولُونَ بِمَا جائت بِهِ النُّصُوص النَّبَوِيَّة الصَّحِيحَة ودلت عَلَيْهِ الْعُقُول الزكية الصَّرِيحَة فَلَا ينفون عَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَات الْكَمَال ويجعلونه كالجمادات الَّتِي لَا تَتَكَلَّم وَلَا تسمع وَلَا تبصر فَلَا تكلم عابديها وَلَا تهديهم سَبِيلا وَلَا ترجع اليهم قولا وَلَا تملك لَهُم ضرا وَلَا نفعا وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 جعل كَلَام الله لَا يقوم الا بِغَيْرِهِ كَانَ المتصف بِهِ هُوَ ذَلِك الْغَيْر فَتكون الشَّجَرَة هِيَ القائلة لمُوسَى {إِنَّنِي أَنا الله} طه 14 وَلِهَذَا اشْتَدَّ نَكِير السّلف على من قَالَ ذَلِك وَقَالُوا هَذَا نَظِير قَول فِرْعَوْن {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} النازعات 24 أَي هَذَا كَلَام قَائِم بِغَيْر الله وَهَذَا كَلَام قَائِم بِغَيْر الله وَأهل هَذَا القَوْل الموافقون للسف لَا يَقُولُونَ إِن الرب كَانَ مسلوب صِفَات الْكَمَال فِي الازل وَإنَّهُ كَانَ عَاجِزا عَن الْكَلَام حَتَّى حدث لَهُ قدرَة عَلَيْهِ كالطفل وَالَّذين يَقُولُونَ إِن الْقُرْآن مَخْلُوق يجْعَلُونَ الْكَلَام لغيره فيسلبونه صِفَات الْكَمَال وَيَقُولُونَ إِنَّه لَا يقدر على الْكَلَام فِي الازل لَا على كَلَام مَخْلُوق وَلَا غَيره وهم وَإِن لم يصرحوا بِالْعَجزِ عَن الْكَلَام فَهُوَ لَازم لقَولهم قَوْله وَكَلَامه المسموع بالآذان أَي إِن كَلَام الله تَعَالَى يسمع كَمَا يسمعهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وكما سمع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَرَسُوله قد عاذ بالكلمات من لدغ وَمن عين وَمن شَيْطَان ... أيعاذ بالمخلوق حاشاه من ال إشراك وَهُوَ معلم الايمان ... بل عاذ بالكلمات وَهِي صِفَاته سُبْحَانَهُ لَيست من الاكوان ... وَكَذَلِكَ الْقُرْآن عين كَلَامه ال مسموع مِنْهُ حَقِيقَة بِبَيَان ... هُوَ قَول رَبِّي كُله لَا بعضه لفظا وَمعنى مَا هما خلقان ... تَنْزِيل رب الْعَالمين وَقَوله اللَّفْظ وَالْمعْنَى بِلَا روغان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 .. لَكِن أصوات الْعباد وفعلهم كمدادهم وَالرّق مخلوقات ... فالصوت للقاري وَلَكِن الكلا م كَلَام رب الْعَرْش ذِي الاحسان ... هَذَا اذا مَا كَانَ ثمَّ وساطة كَقِرَاءَة الْمَخْلُوق لِلْقُرْآنِ ... فاذا انْتَفَت تِلْكَ الوساطة مِثْلَمَا قد كلم الْمَوْلُود من عمرَان ... فهنالك الْمَخْلُوق نفس المستمع لَا شَيْء من المسموع فإفهم ذان ... هذي مقَالَة أَحْمد وَمُحَمّد وخصومهم من بعد طَائِفَتَانِ ... إِحْدَاهمَا زعمت بِأَن كَلَامه خلق لَهُ أَلْفَاظه وَمَعَان ... وَالْآخرُونَ أَبَوا وَقَالُوا شطره خلق وَشطر قَامَ بالرحمن ... زَعَمُوا الْقرَان عبارَة وحكاية قُلْنَا كَمَا زعموه قرآنان ... هَذَا الَّذِي نتلوه مَخْلُوق كَمَا قَالَ الْوَلِيد وَبعده الفئتان ... وَالْآخر الْمَعْنى الْقَدِيم فقائم بِالنَّفسِ لم يسمع من الديَّان ... والامر عين النَّهْي واستفهامه هُوَ عين اخبار وَذُو وحدان ... وَهُوَ الزبُور وَعين توارة وان جيل وَعين الذّكر وَالْفرْقَان ... الْكل شَيْء وَاحِد فِي نَفسه لايقبل التَّبْعِيض فِي الاذهان ... مَا إِن لَهُ كل وَلَا بعض وَلَا حرف ولاعربي وَلَا عبراني ... ودليلهم فِي ذَاك بَيت قَالَه فِيمَا يُقَال الاخطل النَّصْرَانِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 .. يَا قوم قد غلط النَّصَارَى قبل فِي معنى الْكَلَام وَمَا اهتدوا لبَيَان ... ولاجل ذَا جعلُوا الْمَسِيح إلههم اذ قيل كلمة خَالق رحمان ... وَلأَجل ذَا جَعَلُوهُ ناسوتا وَلَا هوتا قَدِيما بعد متحدان ... وَنَظِير هَذَا من يَقُول كَلَامه معنى قديم غير ذِي حدثان ... والشطر مَخْلُوق وَتلك حُرُوفه ناسوته لَكِن هما غيران ... فَانْظُر الى ذَا الِاتِّفَاق فانه عجب وطالع سنة الرَّحْمَن ... وتكايست أُخْرَى وَقَالَت إِن ذَا ... قَول محَال وَهُوَ خمس معَان تِلْكَ الَّتِي ذكرت وَمعنى جَامع ... لجميعها كالأس للبنيان فَيكون أنواعا وَعند نظيرهم ... أَوْصَافه وهما فمتفقان إِن الَّذِي جَاءَ الرَّسُول بِهِ لمخ ... لوق وَلم يسمع من الديَّان وَالْخلف بَينهم فَقيل مُحَمَّد ... أنشاه تعبيرا عَن الْقُرْآن وَالْآخرُونَ أَبَوا وَقَالُوا إِنَّمَا ... جِبْرِيل أنشاه عَن المنان وتكايست أُخْرَى وَقَالَت إِنَّه ... نقل من اللَّوْح الرفيع الشان فاللوح مبدؤه وَرب اللَّوْح قد ... أنشاه خلقا فِيهِ ذَا حدثان هذي مقالات لَهُم فَانْظُر ترى ... فِي كتبهمْ يَا من لَهُ عينان لَكِن أهل الْحق قَالُوا إِنَّمَا ... جِبْرِيل بلغَة عَن الرَّحْمَن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 .. أَلْقَاهُ مسسوعا لَهُ من ربه ... للصادق المصدوق بالبرهان ... قَوْله وَرَسُوله قد عاذ بالكلمات الخ أَقُول احْتج الامام أَحْمد وَغَيره على أَن كَلَام الله غير مَخْلُوق بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استعاذ بِكَلِمَات الله فِي غير حَدِيث فَقَالَ (أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة (فَفِي (صَحِيح البُخَارِيّ (عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن (أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة (وَذكر الحَدِيث وَفِي (صَحِيح مُسلم (عَن خَوْلَة بنت حَكِيم ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَو أَن أحدكُم إِذا نزل منزلا قَالَ أعوذ بِكَلِمَات الله التامات لم يضرّهُ شيئ حَتَّى يرحل من منزله ذَلِك (وَفِي (صَحِيح مُسلم (عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من قَالَ حِين يُمْسِي أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق (وَذكر الحَدِيث وَذَلِكَ فِي أَحَادِيث أخر قَالَ أَحْمد وَغَيره وَلَا يجوز أَن يُقَال أُعِيذك بالسماء أَو بالجبال أَو بالأنبياء أَو بِالْمَلَائِكَةِ أَو بالعرش أَو بالارض أَو بشيئ مِمَّا خلق الله وَلَا يتَعَوَّذ إِلَّا بِاللَّه أَو بكلماته قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَلَا يَصح أَن يستعيذ مَخْلُوق بمخلوق فَدلَّ على أَنه استعاذ بِصفة من صِفَات ذَاته وذاته غير مخلوقة ثمَّ قَالَ وَبَلغنِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كَانَ يسْتَدلّ بذلك على أَن الْقُرْآن غير مَخْلُوق وَقَول النَّاظِم هُوَ قَول رَبِّي كُله لَا بعضه إِلَخ هَذَا إِشَارَة إِلَى قَول أبي مُحَمَّد عبد الله بن سعيد بن كلاب وَمن اتبعهُ كالقلانسي وَأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيرهم إِن كَلَام الله معنى قَائِم بِذَات الله هُوَ الْأَمر بِكُل مَأْمُور أَمر بِهِ وَالْخَبَر عَن كل مخبر أخبر الله عَنهُ إِن عبر عَنهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِن عبر عَنهُ بالعبرية كَانَ توراة وَإِن عبر عَنهُ بالسُّرْيَانيَّة كَانَ إنجيلا وَالْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر لَيست أنواعا لَهُ يَنْقَسِم الْكَلَام إِلَيْهَا وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 كلهَا صِفَات لَهُ إضافيه كَمَا يُوصف الشَّخْص وَاحِد بِأَنَّهُ ابْن لزيد وَعم لعَمْرو وخال لبكر والقائلون بِهَذَا الْقبُول موافقون للمعتزلة فِي أَن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي بَين دفتي الْمُصحف مَخْلُوق وَإِنَّمَا الْخلاف بَين الطائفتبن ان الْمُعْتَزلَة لم تثبت لله كلَاما سوى هَذَا والأشعرية أَثْبَتَت الْكَلَام النَّفْسِيّ الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى وَأَن الْمُعْتَزلَة يَقُولُونَ إِن الْمَخْلُوق كَلَام الله والأشعرية لَا يَقُولُونَ إِنَّه كَلَام الله نعم يسمونه كَلَام الله مجَازًا هَذَا قَول جُمْهُور متقدميهم وَقَالَت طَائِفَة من متأخريهم لفظ الْكَلَام يُقَال على هَذَا الْكَلَام الْمنزل الَّذِي نقرؤه ونكتبه فِي مَصَاحِفنَا وعَلى الْكَلَام النَّفْسِيّ بالاشتراك اللَّفْظِيّ قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية لَكِن هَذَا ينقصضأصلهم فِي إبِْطَال قيام الْكَلَام بِغَيْر الْمُتَكَلّم بِهِ وهم مَعَ هَذَا لَا يَقُولُونَ إِن الْمَخْلُوق كَلَام الله حَقِيقَة كَمَا يَقُوله الْمُعْتَزلَة مَعَ قَوْلهم إِن كَلَامه حَقِيقَة بل يجْعَلُونَ الْقُرْآن الْعَرَبِيّ كحلاما لغير الله وَهُوَ كَلَامه حَقِيقَة قَالَ شيخ الْإِسْلَام وهذار من قَول الْمُعْتَزلَة وَهَذَا حَقِيقَة قَول الْجَهْمِية وَمن هَذَا الْوَجْه فَقَوْل الْمُعْتَزلَة أقرب قَالَ وَقَول الآخرين وَهُوَ قَول الْجَهْمِية الْمَحْضَة لَكِن الْمُعْتَزلَة فِي الْمَعْنى موافقون لهَؤُلَاء وَإِنَّمَا ينازعونهم فِي اللَّفْظ الثَّانِي إِن هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ كَلَام الله هُوَ معنى قديم قَائِم بِذَاتِهِ والخلقية يَقُولُونَ لَا يقوم بِذَاتِهِ كَلَام وَمن هَذَا الْوَجْه فالكلابية خير من الخلقية فِي الظَّاهِر لَكِن جُمْهُور الْمُحَقِّقين من عُلَمَاء السّلف يَقُولُونَ إِن أَصْحَاب هَذَا القَوْل عِنْد التَّحْقِيق لم يثبتوا كلَاما لَهُ حَقِيقَة غير الْمَخْلُوق لأَنهم يَقُولُونَ عَن الْكَلَام النَّفْسِيّ إِنَّه معنى وَاحِد هُوَ الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر إِن عبر عَنهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِن عبر عَنهُ بالعبرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 كَانَ توراة وَإِن عبر عَنهُ بالسريانيه كَانَ إنجيلا وَجُمْهُور الْعُقَلَاء يَقُولُونَ إِن فَسَاد هَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ بعد التَّصَوُّر التَّام فَإنَّا إِذا عربنا التَّوْرَاة والانجيل لم يكن مَعْنَاهُمَا معنى الْقُرْآن بل مَعَاني هَذَا لَيست مَعَاني هَذَا وَكَذَلِكَ {قل هُوَ الله أحد} لَيْسَ هُوَ معنى {تبت يدا أبي لَهب} وَلَا معنى آيَة الْكُرْسِيّ آيَة الدّين وَقَالُوا إِذا جوزتم أَن تكون الْحَقَائِق المتنوعة شَيْئا وَاحِدًا فجوزوا أَن يكون الْعلم وَالْقُدْرَة الْكَلَام والسمع وَالْبَصَر صفة وَاحِدَة فالتزم أَئِمَّة هَذَا القَوْل بِأَن هَذَا الالزام لَيْسَ لَهُم عَنهُ جَوَاب عَقْلِي ثمَّ مِنْهُم من قَالَ النَّاس فِي الصِّفَات إِمَّا مُثبت لَهَا وَإِمَّا ناف لَهَا وَأما إِثْبَاتهَا واتحادها فخلاف الْإِجْمَاع وَمِمَّنْ اعْترف بِأَن لَيْسَ لَهُ جَوَاب أَبُو الْحسن الْآمِدِيّ وَقَول النَّاظِم لَكِن أصوات الْعباد وفعلهم الخ أَي إِن مَذْهَب أَئِمَّة أهل الحَدِيث كَالْإِمَامِ أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا أَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَالسَّلَف وَالْأَئِمَّة متفقون على أَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَالْقُرْآن بلغَة جِبْرِيل عَن الله إِلَى مُحَمَّد وبلغة مُحَمَّد إِلَى الْخلق وَالْكَلَام الْمبلغ عَن قَائِله لَا يخرج عَن كَونه كَلَام الْمبلغ عَنهُ بل هُوَ كَلَام لمن قَالَه مبتدئا لَا كَلَام من بلغه عَنهُ مُؤديا فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل إمرئ مانوى (وَبلغ هَذَا الحَدِيث عَنهُ وَاحِد بعد وَاحِد حَتَّى وصل إِلَيْنَا كَانَ من الْمَعْلُوم أَنا إِذا سمعناه من الْمُحدث بِهِ إِنَّمَا سمعنَا كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي تكلم بِهِ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا سمعناه من الْمبلغ عَنهُ بِفِعْلِهِ وصوته وَنَفس الصَّوْت الَّذِي تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 نَسْمَعهُ وَإِنَّمَا سمعنَا صَوت الْمُحدث عَنهُ وَالْكَلَام كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا كَلَام الْمُحدث فَمن قَالَ إِن هَذَا الْكَلَام لَيْسَ كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مفتريا وَكَذَلِكَ من قَالَ إِن هَذَا لم يتَكَلَّم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا أحدثه فِي غَيره وَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَكَلَّم بِلَفْظِهِ وحروفه بل كَانَ ساكتا أَو عَاجِزا عَن التَّكَلُّم بذلك فَعلم غَيره مَا فِي نَفسه فنظم هَذِه الْأَلْفَاظ ليعبر عَمَّا فِي نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو نَحْو هَذَا الْكَلَام فَمن قَالَ هَذَا كَانَ مفتريا وَمن قَالَ إِن هَذَا الصَّوْت المسموع صَوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مفتريا فَإِذا كَانَ هَذَا معقولا فِي كَلَام الْمَخْلُوق فَكَلَام الْخَالِق أولى باثبات مَا يسْتَحقّهُ من صِفَات الْكَمَال وتنزيه الله أَن تكون صِفَاته وأفعاله هِيَ صِفَات الْعباد وأفعالهم أَو مثل صِفَات الْعباد وأفعالهم فالسلف وَالْأَئِمَّة كَانُوا يعلمُونَ أَن هَذَا الْقُرْآن الْمنزل المسموع من القارئين كَلَام الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} التَّوْبَة 6 لَيْسَ هُوَ كلَاما لغيره لَا لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ وَلَكِن ب 4 لغه عَنهُ جِبْرِيل وبلغه مُحَمَّد عَن جِبْرِيل وَلِهَذَا أَضَافَهُ الله إِلَى كل 2 من الرسولين لِأَنَّهُ بلغه وَأَدَّاهُ لَا لِأَنَّهُ أحدث لَا لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ إِذْ لَو كَانَ أَحدهمَا هُوَ الَّذِي أحدث ذَلِك لم يَصح اضافة الإحداث إِلَى الآخر فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ} الحاقة 40 42 فَهَذَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين مُطَاع ثمَّ أَمِين} التكوير 19 21 فَهَذَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقد توعد تَعَالَى من قَالَ {إِن هَذَا إِلَّا قَول الْبشر} المدثر 25 (وَمن) قَالَ إِن هَذَا الْقُرْآن قَول الْبشر فقد كفر وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بقول الوحيد الَّذِي أوعده سقر وَمن قَالَ إِن شَيْئا مِنْهُ فَوق الْبشر فقد قَالَ بِبَعْض قَوْله وَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بقول رَسُول كريم وَإِنَّمَا هُوَ قَول شَاعِر أَو مَجْنُون أَو مفتر أَو قَالَ هُوَ قَول شَيْطَان نزل بِهِ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ أَيْضا كَافِر مَلْعُون وَقد علم الْمُسلمُونَ الْفرق بَين أَن يسمع كَلَام الْمُتَكَلّم مِنْهُ أَو من الْمبلغ عَنهُ وَأَن مُوسَى سمع كَلَام الله من الله بِلَا وَاسِطَة وَأَنا نَحن إِنَّمَا نسْمع كَلَام الله من المبلغين عَنهُ وَإِذا كَانَ الْفرق ثَابتا بَين من سمع كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ وَمن سَمعه من الصاحب الْمبلغ عَنهُ فَالْفرق هُنَا أولى لِأَن أَفعَال الْمَخْلُوق وَصِفَاته أشبه بِأَفْعَال الْمَخْلُوق وَصِفَاته من أَفعاله وَصِفَاته بِأَفْعَال الله وَصِفَاته قَوْله وخصومهم من بعد طَائِفَتَانِ ... إِحْدَاهمَا زعمت بِأَن كَلَامه ... خلق لَهُ أَلْفَاظه وَمَعَان ... أَقُول هَذَا مَذْهَب الْجَهْمِية والمعتزلة وَقد تقدم حِكَايَة كَلَامهم فِي الْكَلَام بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته قَوْله 3 ... والآ خرون أَبَوا وَقَالُوا شطره ... خلق وَشطر قَامَ بالرحمن ... هَذَا قَول الأشعرية والكلابية كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَام على ذَلِك قَوْله زَعَمُوا الْقُرْآن عبارَة الخ أَي قَالَت الأشاعرة إِن الْقُرْآن عبارَة عَن الْمَعْنى وَابْن كلاب وَمن تَابعه قَالُوا حِكَايَة قَوْله ... ودليلهم فِي ذَاك بَيت قَالَه ... فِيمَا يُقَال الأخطل النَّصْرَانِي ... أَي ودليلهم على إِثْبَات الْكَلَام النَّفْسِيّ قَول الأخطل ... إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا ... جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَمن النَّاس من أنكر أَن يكون هَذَا من شعره وَقَالُوا انهم فتشوا ديوانه فَلم يجدوه وَهَذَا يروي عَن أبي مُحَمَّد بن الخشابقال بَعضهم لَفظه إِن الْبَيَان لفي الْفُؤَاد وَمن الْعجب أَنه لواحتج مُحْتَج فِي مَسْأَلَة بِحَدِيث أَخْرجَاهُ فِي (الصحيحن (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقالوا هَذَا خبر وَاحِد وَيكون مِمَّا اتّفق الْعلمَاء على تَصْدِيقه وتلقيه بِالْقبُولِ وَهَذَا الْبَيْت لم يثبت نَقله عَن قَائِله بِالْإِسْنَادِ لَا وَاحِد وَلَا أَكثر من وَاحِد وَلَا تَلقاهُ أهل الْعَرَبيَّة بِالْقبُولِ فَكيف يثبت بِهِ أدنى شيئ من اللُّغَة فضلا عَن مُسَمّى الْكَلَام وَيُقَال أَيْضا مُسَمّى الْكَلَام وَالْقَوْل وَنَحْوهمَا لَيْسَ هومما يحْتَاج فِيهِ إِلَى قَول شَاعِر فَإِن هَذَا مِمَّا تكلم بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ من أهل اللُّغَة وَعرفُوا مَعْنَاهُ فِي لغتهم كَمَا عرفُوا مُسَمّى الرَّأْس وَالْيَد وَالرجل وَأَيْضًا فالناطقون باللغة يحْتَج باستعمالهم للألفاظ فِي مَعَانِيهَا لَا بِمَا يذكرُونَهُ من الْحُدُود فَإِن أهل اللُّغَة الناطقين لَا يَقُول أحد مِنْهُم إِن الرَّأْس كَذَا وَالْيَد كَذَا وَالْكَلَام كَذَا واللون كَذَا بل ينطقون بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ دَالَّة على مَعَانِيهَا فتعرف لغتهم من إستعمالهم فَعلم أَن الأخطل لم يرد بِهَذَا أَن يذكر مُسَمّى الْكَلَام وَلَا أحد من الشُّعَرَاء يقْصد ذَلِك الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ إِن كَانَ قَالَ ذَلِك مَا فسر بِهِ الْمُفَسِّرُونَ للشعر أَي أصل الْكَلَام من الْفُؤَاد هُوَ الْمَعْنى فَإِذا قَالَ الْإِنْسَان بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قلبه فَلَا تثق بِهِ وَهَذَا كالأقوال الَّتِي ذكرهَا الله عَن الْمُنَافِقين وَذكر أَنهم يَقُولُونَ بألسنتهم 8 مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم وَلِهَذَا قَالَ الأخطل قبل ذَلِك ... لَا يعجبنك من خطيب خطْبَة ... حَتَّى يكون مَعَ الْكَلَام أصيلا إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا ... جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 نَهَاهُ أَن يعجب بقوله الظَّاهِر حَتَّى يعلم مَا فِي قبله فِي الأَصْل وَلِهَذَا قَالَ حَتَّى يكون مَعَ الْكَلَام أصيلا وَقَوله مَعَ الْكَلَام دَلِيل على أَن اللَّفْظ الظَّاهِر قد سَمَّاهُ كلَاما وَإِن لم يعلم قيام مَعْنَاهُ بقلب صَاحبه وَهَذَا حجَّة عَلَيْهِم فقد اشْتَمَل شعره على هَذَا وَهَذَا بل قَوْله مَعَ الْكَلَام مُطلق وَقَوله إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد أَرَادَ بِهِ أَصله وَمَعْنَاهُ وَالْمَقْصُود بِهِ وَاللِّسَان دَلِيل على ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فَمن احْتَاجَ إِلَى أَن يعرف مُسَمّى الْكَلَام فِي لُغَة الْعَرَب وَالْفرس وَالروم وَالتّرْك وَسَائِر أَجنَاس بني آدم بقول شَاعِر فَإِنَّهُ من أبعد النَّاس عَن معرفَة طرق الْعلم ثمَّ هُوَ من المولدين لَيْسَ من الشُّعَرَاء القدماء وَهُوَ نَصْرَانِيّ كَافِر مثلث واسْمه الأخطل والأخطل فَسَاد فِي الْكَلَام وَهُوَ نَصْرَانِيّ وَالنَّصَارَى قد أخطؤوا فِي مُسَمّى الْكَلَام فَجعلُوا الْمَسِيح الْقَائِم بِنَفسِهِ هُوَ نفس كلمة الله وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... يَا قوم قد غلط النَّصَارَى قبل فِي ... معنى الْكَلَام وَمَا اهتدوا لبَيَان ... قَالَ شيخ الْإِسْلَام فِي (التسعينية (بعد كَلَام سبق وَأَيْضًا فهم يعْنى الأشاعرة فِي لفظ الْقُرْآن الَّذِي حُرُوفه واشتماله على الْمَعْنى لَهُم مضاهاة قَوِيَّة بالنصارى فِي جَسَد الْمَسِيح الَّذِي (هُوَ) متدرع اللاهوت فَإِن هَؤُلَاءِ متفقون على أَن حُرُوف الْقُرْآن لَيست من كَلَام الله بل هِيَ مخلوقة كَمَا أَن النَّصَارَى متفقون على أَن جَسَد الْمَسِيح لم يكن من اللاهوت بل هُوَ مَخْلُوق ثمَّ يَقُولُونَ الْمَعْنى الْقَدِيم لما أنزلهُ بِهَذِهِ الْحُرُوف المخلوقة فَمنهمْ من يُسَمِّي الْحُرُوف كَلَام الله حَقِيقَة كَمَا يُسَمِّي الْمَعْنى كَلَام الله حَقِيقَة وَمِنْهُم من يَقُول بل هِيَ كَلَام الله مجَازًا كَمَا أَن النَّصَارَى مِنْهُم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 يَجْعَل لاهوتا حَقِيقَة لاتحاده باللاهوت واختلاطه بِهِ وَمِنْهُم من يَقُول هُوَ مَحل اللاهوت ودعاؤه ثمَّ النَّصَارَى تَقول هَذَا الْجَسَد إِنَّمَا عبد لكَونه مظهر اللاهوت وَإِن لم يكن هُوَ إِيَّاه وَلَكِن صَار هُوَ إِيَّاه بطرِيق الِاتِّحَاد وَهُوَ مَحَله بطرِيق الْحُلُول فَعظم لذَلِك وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ هَذِه الْحُرُوف لَيست من كَلَام الله وَلَا يجوز أَن يتَكَلَّم الله بهَا وَلَا تكلم بهَا بل لَا يدْخل فِي قدرته أَن يتَكَلَّم بهَا وَلَكِن خلقهَا فأظهر بهَا الْمَعْنى الْقَدِيم وَدلّ بهَا عَلَيْهِ فاستحقت الْإِكْرَام وَالتَّحْرِيم لذَلِك حَيْثُ تدخل فِي حكمه بِحَيْثُ لَا يفصل بَينهمَا أَو يفصل بِأَن يُقَال هَذَا مظهر هَذَا وَدَلِيله وجعلو مَا لَيْسَ هُوَ كَلَام الله وَلَا تكلم الله بِهِ قطّ كلَاما لله مُعظما تَعْظِيم كَلَام الله كَمَا جعلت الناسوت هُوَ الْكَلِمَة إِلَهًا وعظموه تَعْظِيم الاله الَّذِي هُوَ كلمة الله عِنْده وَمِنْهَا أَن النَّصَارَى على مَا حكى عَنْهُم المتكلمون كَابْن الباقلاني أَو غَيره ينفون الصِّفَات وَيَقُولُونَ إِن الأقانيم الَّتِي هِيَ الْوُجُود والحياة وَالْعلم هِيَ خَواص هِيَ صِفَات نفسية للجوهر لَيست صِفَات زَائِدَة على الذَّات وَيَقُولُونَ إِن الْكَلِمَة هِيَ الْعلم لَيست هِيَ كَلَام الله فَإِن كَلَامه صفة فعل وَهُوَ مَخْلُوق فق فِي هَذَا كَقَوْل نَفَاهُ الصفاة من الْجَهْمِية الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَهَذَا يكون قَول بَعضهم مِمَّن خاطبه متكلمو الْجَهْمِية من النسطورية وَغَيرهم وَمِمَّنْ تفلسف مِنْهُم على مَذْهَب نفاة الصِّفَات من المتفلسفة وَنَحْو هَؤُلَاءِ وَإِلَّا فَلَا ريب أَن النَّصَارَى مثبتة للصفات بل غَالِيَة فِي ذَلِك كَمَا أَن الْيَهُود أَيْضا فيهم المثبتة والنفاة وَالْمَقْصُود هُنَا أَن تسميتهم للْعلم كلمة دون الْكَلَام الَّذِي هُوَ الْكَلَام ثمَّ ذَلِك الْعلم لَيْسَ هُوَ أمرا معقولا كَمَا نعقل الصغات الْقَائِمَة بالموصوف ضاهاهم فِي ذَلِك هَؤُلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الَّذين يَقُولُونَ الْكَلَام هُوَ ذَلِك الْمَعْنى الْقَائِم بِالنَّفسِ دون الْكَلَام الَّذِي هُوَ الْكَلَام ثمَّ ذَلِك الْمَعْنى لَيْسَ هُوَ الْمَعْقُول من مَعَاني الْكَلَام فحرفوا اسْم الْكَلَام وَمَعْنَاهُ كَمَا حرفت النَّصَارَى اسْم الْكَلِمَة وَمَعْنَاهَا انْتهى كَلَامه قَوْله ... وتكايست اخرى وَقَالَت إِن ذَا ... قَول محَال وَهُوَ خمس معَان ... تكايست قَالَ فِي (الْقَامُوس (الْكيس خلاف الْحمق وَالْجِمَاع والطب والجود وَالْعقل وَالْغَلَبَة بالكياسة وَقد كاسه يكيسه ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك تكيس تظرف وكايسه غالبه فِي الْكيس قَالَ ألآمدي فِي (ابكار الافكار (فان قيل إِذا قُلْتُمْ إِن الْكَلَام قَضِيَّة وَاحِدَة وان اخْتِلَاف الْعبارَات عَنْهَا بِسَبَب المتعلقات الْخَارِجَة فَلم لم تجوزوا أَن تكون الارادة وَالْعلم وَالْقُدْرَة وَبَاقِي الصِّفَات رَاجِعَة الى معنى وَاحِد وَيكون اخْتِلَاف التعبيرات عَنهُ بِسَبَب المتعلقات لَا بِسَبَب اختلافه فِي ذَاته وَذَلِكَ بِأَن يُسمى ارادة عِنْد تعلقه بالتخصيص وَقدره عِنْد تعلقه بالايجاد وَهَكَذَا سَائِر الصِّفَات وان جَازَ ذَلِك فَلم لَا يجوز أَن يعود ذَلِك كُله الى نفس الذَّات من غير احْتِيَاج الى الصِّفَات وَقَالَ أجَاب الاصحاب عَن ذَلِك بِأَنَّهُ يمْتَنع ان يكون الِاخْتِلَاف بَين الْقُدْرَة والارادة بِسَبَب التعليقات والمتعلقات اذ الْقُدْرَة معنى من شَأْنه تَأتي الايجاد بِهِ والارادة معنى من شَأْنه تَأتي التَّخْصِيص الْحَادِث بِحَال دون حَال وَعند اخْتِلَاف التأثيرات لابد من الِاخْتِلَاف فِي نفس الْمُؤثر وَهَذَا بِخِلَاف الْكَلَام فان تعلقاته بمتعلقاته لَا يُوجب أثرا فضلا عَن كَونه مُخْتَلفا قَالَ وَفِيه نظر وَذَلِكَ انه وان سلم اقناع صُدُور الْآثَار الْمُخْتَلفَة عَن الْمُؤثر الْوَاحِد مَعَ امكان النزاع فِيهِ فَهُوَ مُوجب للِاخْتِلَاف فِي نفس الْقُدْرَة وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 لِأَن الْقُدْرَة مُؤثرَة فِي الْوُجُود والوجود عِنْد أَصْحَابنَا نفس الذَّات لَا أَنه زَائِد عَلَيْهَا وَإِلَّا كَانَت الذوات ثَابِتَة فِي الْعَدَم وَذَلِكَ مِمَّا لَا نقُول بِهِ واذا كَانَ الْوُجُود هُوَ نفس الذَّات فالذوات مُخْتَلفَة فتأثير الْقُدْرَة فِي آثَار مُخْتَلفَة فَيلْزم أَن تكون مُخْتَلفَة كَمَا قرروه وَلَيْسَ كَذَلِك وَأَيْضًا فان مَا ذَكرُوهُ من الْفرق وَإِن اسْتمرّ فِي الْقُدْرَة والاراد ة فَغير مُسْتَمر فِي بَاقِي الصِّفَات كَالْعلمِ والحياة والسمع وَالْبَصَر لعدم كَونهَا مُؤثرَة فِي اثر مَا قَالَ وَالْحق أَن مَا أوردوه من الاشكال على القَوْل باتحاد الْكَلَام وعود الِاخْتِلَاف الى التعلقات والمتعلقات مُشكل وَعَسَى أَن يكون عِنْد غَيْرِي حلّه ولعسر جَوَابه فر بعض أَصْحَابنَا الى القَوْل بِأَن كَلَام الله الْقَائِم بِذَاتِهِ خمس صِفَات مُخْتَلفَة وَهِي الامر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والاستخبار والنداء انْتهى كَلَامه قلت وَهَذَا الَّذِي ذكره الْآمِدِيّ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ النَّاظِم بقوله وتكايست أُخْرَى الخ فَيكون الامر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والاستخبار والنداء صِفَات للمعنى النَّفْسِيّ على مَا ذكره الْآمِدِيّ عَن هَؤُلَاءِ وَالصَّوَاب أَن الامر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والاستخبار والنداء أَنْوَاع للْكَلَام وَالله اعْلَم قَوْله ... وتكايست أُخْرَى وَقَالَت إِنَّه ... نقل من اللَّوْح الرفيع الشان ... قَالَ الاصفهاني فِي أوئل تَفْسِيره اتّفق اهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن الْقُرْآن منزل وَاخْتلفُوا فِي معنى الانزال فَمنهمْ من قَالَ اظهار الْقِرَاءَة وَمِنْهُم من قَالَ إِن الله تَعَالَى ألهم كَلَامه جِبْرِيل وَهُوَ فِي السَّمَاء وَهُوَ عَال عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الْمَكَان وَعلمه قِرَاءَته ثمَّ جِبْرِيل أَدَّاهُ فِي الارض وَهُوَ يهْبط فِي الْمَكَان وَفِي التَّنْزِيل طَرِيقَانِ أَحدهمَا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انخلع من صُورَة البشرية الى صُورَة الملكية وَأَخذه من جِبْرِيل وَالثَّانِي أَن الْملك انخلع الى البشرية حَتَّى يَأْخُذهُ الرَّسُول مِنْهُ والاول اصعب الْحَالين انْتهى وَقَالَ القطب الرَّازِيّ فِي حَوَاشِي (الْكَشَّاف (الانزال لُغَة بِمَعْنى الايواء وَبِمَعْنى تَحْرِيك الشَّيْء من علو الى اسفل وَكِلَاهُمَا لَا يتحققان فِي الْكَلَام فَهُوَ مُسْتَعْمل فِيهِ فِي معنى مجازي فَمن قَالَ الْقُرْآن معنى قَائِم بِذَات الله تَعَالَى فانزاله أَن يُوجد الْكَلِمَات والحروف الدَّالَّة على ذَلِك الْمَعْنى ويثبتها فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَمن قَالَ الْقُرْآن هُوَ الالفاظ فانزاله مُجَرّد اثباته فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهَذَا الْمَعْنى مُنَاسِب لكَونه مَنْقُولًا عَن الْمَعْنيين اللغويين وَيُمكن ان يكون المُرَاد بانزاله اثباته فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بعد الاثبات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهَذَا مُنَاسِب للمعنى الثَّانِي وَالْمرَاد بانزال الْكتب على الرُّسُل أَن يتلقفها الْملك من الله تلقفا روحانيا أَو يحفظها من اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَينزل بهَا فيلقيها عَلَيْهِم انْتهى وَذكر بَعضهم ان أحرف الْقُرْآن فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ كل حرف مِنْهَا بِقدر جبل قَاف وَأَن تَحت كل حرف مِنْهَا معَان لَا يُحِيط بهَا الا الله انْتهى وَقَالَ بَعضهم فِي الْمنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَأَن جِبْرِيل حفظ الْقُرْآن من اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَنزل بِهِ وَالثَّانِي أَن جِبْرِيل انما نزل بالمعاني خَاصَّة وانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم تِلْكَ الْمعَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَعبر عَنْهَا بلغَة الْعَرَب وَتمسك قَائِل هَذَا بِظَاهِر قَوْله تَعَالَى {نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك} الشُّعَرَاء 193 وَالثَّالِث أَن جِبْرِيل ألْقى اليه الْمَعْنى وانه عبر بِهَذِهِ الالفاظ بلغَة الْعَرَب وَأَن أهل السَّمَاء يقرؤونه بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ إِنَّه نزل بِهِ كَذَلِك بعد ذَلِك انْتهى وَلما أَشَارَ النَّاظِم الى هَذِه الاقوال الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان ناسب أَن نذكرها ليعلم حَقِيقَة حَالهَا ويتحقق بُطْلَانهَا وَالله اعْلَم قَوْله ... لَكِن أهل الْحق قَالُوا إِنَّمَا ... جِبْرِيل بلغه عَن الرَّحْمَن ... أَقُول قَالَ ابو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الكرجي الشَّافِعِي فِي كتاب (الْفُصُول فِي الاصول عَن الائمة الفحول (وَذكر اثْنَا عشر إِمَامًا وهم الشَّافِعِي وَمَالك وَالثَّوْري وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن عُيَيْنَة وَابْن الْمُبَارك والاوزاعي وَاللَّيْث بن سعد واسحق بن رَاهَوَيْه وابو زرْعَة وابو حَاتِم سَمِعت الامام ابا مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد يَقُول سَمِعت الامام ابا بكر عبد الله بن احْمَد يَقُول سَمِعت الشَّيْخ ابا حَامِد الاسفراييني يَقُول مذهبي وَمذهب الشَّافِعِي وفقهاء الامصار أَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَالْقُرْآن حمله جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مسموعا من الله تَعَالَى وَالصَّحَابَة سَمِعُوهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي نتلوه نَحن بألسنتنا وَفِيمَا بَين الدفتين وَمَا فِي صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومنقوشا وكل حرف مِنْهُ كالباء وَالتَّاء كُله كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر عَلَيْهِ لعائن الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مجامع طرق أهل الارض وَاخْتِلَافهمْ فِي الْقُرْآن ... وَإِذا أردْت مجامع الطّرق الَّتِي ... فِيهَا افْتِرَاق النَّاس فِي الْقُرْآن فمدارها أصلان قَامَ عَلَيْهِمَا ... هَذَا الْخلاف هما لَهُ ركنان هَل قَوْله بِمَشِيئَة أم لَا وَهل ... فِي ذَاته أم خَارج هَذَانِ أصل اخْتِلَاف جَمِيع أهل الارض فِي ال ... قُرْآن فاطلب مُقْتَضى الْبُرْهَان ثمَّ الالى قَالُوا بِغَيْر مَشِيئَة ... وَإِرَادَة مِنْهُ فطائفتان احداهما جعلته معنى قَائِما ... بِالنَّفسِ اَوْ قَالُوا بِخمْس معَان وَالله أحدث هَذِه الالفاظ كي ... تبديه معقولا الى الاذهان وكذاك قَالُوا انها لَيست هِيَ الْقُرْآن ... بل مخلوقة دلّت على الْقُرْآن ولربما سمي بهَا الْقُرْآن تَسْمِيَة ال ... مجَاز وَذَاكَ وضع ثَان وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فَقيل حِكَايَة ... عَنهُ وَقيل عبارَة لبَيَان اذ كَانَ مَا يحْكى كمحكي ... وَهَذَا اللَّفْظ وَالْمعْنَى فمختلفان وَلذَا يُقَال حكى الحَدِيث بِعَيْنِه ... اذ كَانَ أَوله نَظِير الثَّانِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 .. فلذاك قَالُوا لَا نقُول حِكَايَة ... ونقول ذَاك عبارَة الْفرْقَان والاخرون يرَوْنَ هَذَا الْبَحْث ... لفظيان وَمَا فِيهِ كَبِير معَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان طرق أهل الارض وَاخْتِلَافهمْ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَذكر أَن اخْتلَافهمْ يَدُور على أصلين وهما هَل قَوْله بِمَشِيئَة وَارِدَة ام هُوَ بِغَيْر مَشِيئَة وارادة وَهل كَلَامه تَعَالَى فِي ذَاته ام هُوَ خَارج الذَّات وَذكر ان الْقَائِلين بِأَنَّهُ بِغَيْر مَشِيئَة وارادة طَائِفَتَانِ إِحْدَاهمَا الْكلابِيَّة والاشاعرة والطائفة الثَّانِيَة اقترانية وهم السالمية أَتبَاع ابي الْحسن بن سَالم وَهَذَا هُوَ الْبناء الاصيل والبرهان الَّذِي يقوم عَلَيْهِ الدَّلِيل لَا مَا ذكره الدواني فِي معنى اخْتِلَاف النَّاس فِي الْقُرْآن من الْكَلَام الْجزَاف والهذيان الَّذِي بُطْلَانه غير خَافَ وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي شَرحه (العقائد العضدية (لَا خلاف بَين أهل الْملَّة فِي كَونه تَعَالَى متكلما أَي مَوْصُوفا بِهَذِهِ الصّفة لَكِن اخْتلفُوا فِي تَحْقِيق كَلَامه هَل هُوَ نَفسِي اَوْ لَفْظِي وحدوثه وقدومه وَذَلِكَ انهم لما رَأَوْا قياسين متعارضي النتيجة وهما كَلَام الله تَعَالَى صفة لَهُ وكل مَا هُوَ صفة لَهُ فَهُوَ قديم فَكَلَام الله تَعَالَى قديم وَكَلَام الله تَعَالَى مؤلف من حُرُوف وأصوات مترتبة متعاقبة فِي الْوُجُود وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حَادث فَكَلَام الله تَعَالَى حَادث اضطروا الى الْقدح فِي أحد القياسين ضَرُورَة امْتنَاع حقية النقيضين فَمنع كل طَائِفَة بعض الْمُقدمَات فالحنابلة ذَهَبُوا الى أَن كَلَام الله تَعَالَى حُرُوف واصوات وَهِي قديمَة وَمنعُوا أَن كل مَا هُوَ مؤلف من حُرُوف واصوات مترتبة فَهُوَ حَادث بل قَالَ بَعضهم بقدم الْجلد والغلاف قَالَ قلت مَا بالهم لم يَقُولُوا بقدم الْكَاتِب والمجلد قَالَ وَقيل انهم منعُوا اطلاق لفظ الْحَادِث على الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 اللَّفْظِيّ رِعَايَة للآدب واحترازا عَن ذهَاب الْوَهم الى حُدُوث الْكَلَام النَّفْسِيّ كَمَا قَالَ بعض الاشاعرة إِن كَلَامه تَعَالَى لَيْسَ قَائِما بِلِسَان اَوْ قلب وَلَا حَالا فِي مصحف أَو لوح وَمنع اطلاق القَوْل بحدوث كَلَامه وان كَانَ المُرَاد هُوَ اللَّفْظِيّ رِعَايَة للأدب واحترازا عَن ذهَاب الْوَهم الى حُدُوث الْكَلَام الازلي والمعتزلة قَالُوا بحدوث كَلَامه وانه مؤلف من اصوات وحروف وَهُوَ قَائِم بِغَيْرِهِ وَمعنى كَونه متكلما عِنْدهم أَنه موجد لتِلْك الْحُرُوف والاصوات فِي الْجِسْم كاللوح الْمَحْفُوظ اَوْ كجبريل اَوْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اَوْ غَيرهَا كشجرة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فهم منعُوا أَن الْمُؤلف من الْحُرُوف والاصوات صفة لله تَعَالَى قديمَة والكرامية لما رَأَوْا أَن مُخَالفَة الضَّرُورَة الَّتِي التزمها الْحَنَابِلَة أشنع من مُخَالفَة الدَّلِيل وَأَن مَا الْتَزمهُ الْمُعْتَزلَة من كَون كَلَامه تَعَالَى صفة لغيره وَأَن معنى كَونه متكلما كَونه خَالِقًا للْكَلَام فِي الْغَيْر مُخَالف للْعُرْف واللغة ذَهَبُوا الى أَن كَلَامه تَعَالَى صفة لَهُ مؤلفة من الْحُرُوف والاصوات الْحَادِثَة الْقَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى فهم منعُوا أَن كل مَا هُوَ صفة لَهُ فَهُوَ قديم والاشاعرة قَالُوا كَلَامه تَعَالَى معنى وَاحِد بسيط قَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى قديم فهم منعُوا أَن كَلَامه تَعَالَى مؤلف من الْحُرُوف والاصوات وَلَا نزاع بَين الشَّيْخ والمعتزلة فِي حُدُوث الْكَلَام اللَّفْظِيّ وانما نزاعهم فِي اثبات الْكَلَام النَّفْسِيّ وَعَدَمه وَذهب المُصَنّف الى أَن مَذْهَب الشَّيْخ يَعْنِي الاشعري أَن الالفاظ أَيْضا قديمَة وأفرد فِي ذَلِك مقَالَة ذكر فِيهَا ان لفظ الْمَعْنى يُطلق تَارَة على مَدْلُول اللَّفْظ واخرى على الْقَائِم بِالْغَيْر فالشيخ لما قَالَ هُوَ الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 النَّفْسِيّ فهم الاصحاب مِنْهُ أَن مُرَاده بِهِ مَدْلُول اللَّفْظ وَهُوَ الْقَدِيم عِنْده وَأما الْعبارَات فَإِنَّمَا سميت كلَاما مجَازًا لدلالتها على مَا هُوَ الْكَلَام الْحَقِيقِيّ حَتَّى صَرَّحُوا بِأَن الالفاظ حَادِثَة على مذْهبه وَلكنهَا لَيست كلَاما لَهُ تَعَالَى حَقِيقَة الى غير ذَلِك مِمَّا لَا يخفى على المتفطنين فِي الاحكام الدِّينِيَّة فَوَجَبَ حمل كَلَام الشَّيْخ على أَنه أَرَادَ بِهِ الْمَعْنى الثَّانِي فَيكون الْكَلَام النَّفْسِيّ عِنْده أمرا شَامِلًا للفظ وَالْمعْنَى جَمِيعًا قَائِما بِذَات الله تَعَالَى انْتهى كَلَام الدواني الَّذِي هُوَ فِي الوهي مثل بَيت العنكبوت وَأحسن مِنْهُ الْبكم وَالسُّكُوت وَفِيه اشياء يتَعَيَّن التَّنْبِيه عَلَيْهَا الاول قَوْله ان النَّاس لما رَأَوْا قياسين متعارضي النتيجة الخ يُقَال اكثر أهل الاسلام لم يرفعوا بالْمَنْطق رَأْسا وَلم يراعوا هَذِه الْقَوَاعِد وَإِذا شِئْت ان تعرف ذَلِك فَانْظُر الى ردود متكلمي أهل الاسلام على الْمنطق وَبَيَان فَسَاده وتناقضه كَأبي سعيد السيرافي النَّحْوِيّ وَالْقَاضِي ابي بكر ابْن الطّيب وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار المعتزلي والجبائي وَابْنه وَأبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأبي الْقَاسِم الانصاري وَشَيخ الاسلام ابْن تَيْمِية فَإِن لَهُ فِي نقضه كتابين صَغِير وكبير وَبِاللَّهِ الْعجب اترى المعزلة والكلابية والكرامية أسسوا مذاهبهم على قَوَاعِد الْمنطق فضلا عَن السّلف وأتباعهم هَذَا لَا يَظُنّهُ إِلَّا أَجْهَل الْخلق واشدهم غَفلَة عَن معرفَة ديانات النَّاس ونحلهم الثَّانِي قَوْله بعض الْحَنَابِلَة قَالَ بقدم الْجلد والغلاف ثمَّ تهكم بقوله مَا لَهُم لم يَقُولُوا بقدم الْكَاتِب والمجلد أَقُول انْظُر الى هَذَا الْكَذِب الْمُجَرّد فبالله قل لي من قَالَ هَذَا القَوْل مِنْهُم وَفِي أَي كتاب يُوجد من كتبهمْ وَنَحْو مِمَّا حَكَاهُ الدواني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مَا ذكره أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ قَالَ وَذهب الحشوية المنتمون الى الظَّاهِر الى ان كَلَام الله تَعَالَى قديم أزلي ثمَّ زَعَمُوا أَنه حُرُوف وأصوات وَقَطعُوا بِأَن المسموع من أصوات الْقُرَّاء ونغماتهم عين كَلَام الله تَعَالَى واطلق الرعاع مِنْهُم الْقَوْم بِأَن المسموع صَوت الله تَعَالَى عَن قَوْلهم وَهَذَا قِيَاس جهالاتهم ثمَّ قَالُوا اذا كتب كَلَام الله بجسم من الاجسام رقوما ورسوما واسطرا وكلمات فَهِيَ بِأَعْيَانِهَا كَلَام الله الْقَدِيم فقد كَانَ إِذا كَانَ جسما حَادِثا ثمَّ انْقَلب قَدِيما ثمَّ قضوا بِأَن المرئي من الاسطر هُوَ الْكَلَام الْقَدِيم الَّذِي هُوَ حرف وَصَوت وأصلهم أَن الاصوات على تقطيعها وتواليها كَانَت ثَابِتَة فِي الازل قَائِمَة بِذَات الْبَارِي تَعَالَى وقواعد مَذْهَبهم مَبْنِيَّة على دفع الضرورات انْتهى كَلَامه قَالَ شيخ الاسلام بعد أَن حكى هَذَا الْكَلَام عَن أبي الْمَعَالِي وَمَعْلُوم ان هَذَا القَوْل لَا يَقُوله عَاقل يتَصَوَّر مَا يَقُول وَلَا نَعْرِف هَذَا القَوْل عَن مَعْرُوف بِالْعلمِ من الْمُسلمين وَلَا رَأينَا هَذَا فِي شَيْء من كتب الْمُسلمين وَلَا سمعناه من أحد مِنْهُم فَمَا سمعنَا من اُحْدُ وَلَا رَأينَا فِي كتاب أحد أَن المداد الْحَادِث انْقَلب قَدِيما وَلَا أَن المداد الَّذِي يكْتب بِهِ الْقُرْآن قديم بل رَأينَا عَامَّة المصنفين من أَصْحَاب احْمَد وَغَيرهم يُنكرُونَ هَذَا القَوْل وينسبون ناقله عَن بَعضهم الى الْكَذِب وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَمْثَاله أجل من أَن يَقُول الْكَذِب لَكِن القَوْل المحكي قد يسمع من قَائِل لم يضبطه وَقد يكون الْقَائِل نَفسه لم يخبر قَوْلهم بل يذكر كلَاما مُجملا يتَنَاوَل النقيضين وَلَا يُمَيّز فِيهِ بَين لَوَازِم أَحدهمَا ولوازم آخر الى آخر مَا ذكره وأقبح من ذَلِك قَوْله أَي الدواني وَقيل انهم منعُوا إِطْلَاق لفظ الْحَادِث على الْكَلَام اللَّفْظِيّ رِعَايَة للادب واحترازا عَن ذهَاب الْوَهم الى حُدُوث الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 النَّفْسِيّ فيا لله الْعجب من هَذَا الِاعْتِذَار الْبَارِد فان الْحَنَابِلَة لَا يَعْتَقِدُونَ ثُبُوت الْكَلَام النَّفْسِيّ بل ينفونه أَشد النَّفْي ويرونه من أعظم الْبَاطِل وَالْكَلَام عِنْدهم اسْم اللَّفْظ وَالْمعْنَى جيمعا كَمَا هُوَ مَذْهَب السّلف رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَيسْأل هَذَا المتحذلق هَل يُوجد كَلَام لَفْظِي لَيْسَ لَهُ معنى اللَّهُمَّ الا كَلَام المجانين وَاللَّفْظ المهمل فَهُوَ لَا يُسمى كلَاما إِذْ لَيْسَ لَهُ معنى وَهَذَا معنى قَول النُّحَاة الْكَلَام لفظ مُفِيد فانه لَا يُفِيد حَتَّى يكون لَهُ معنى الثَّالِث قَوْله والكرامية لما رَأَوْا مُخَالفَة الضَّرُورَة الَّتِي التزمها الْحَنَابِلَة الخ يُقَال إِن كَانَ مُخَالفَة الضَّرُورَة ضارا فأصحابك الاشاعرة قد خالفوا الضَّرُورَة فِي إِثْبَات الْمَعْنى النَّفْسِيّ فالتزموا أَن السَّاكِت مُتَكَلم والاخرس مُتَكَلم وَغير ذَلِك من الشناعات الرَّابِع قَوْله والمعتزلة قَالُوا بحدوث كَلَامه وَأَنه مؤلف من أصوات وحروف وَهُوَ قَائِم بِغَيْرِهِ الخ يُقَال هَذَا فِي الْحَقِيقَة هُوَ قَول أَصْحَابك الاشاعرة فانهم قضوا بحدوث الْحُرُوف وَأَنَّهَا مخلوقة وصرحوا بانها إنْشَاء جِبْرِيل اَوْ انشاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اَوْ أَنَّهَا خلقت فِي مَحل آخر كاللوح الْمَحْفُوظ والشجرة أَو أَن جِبْرِيل أَخذهَا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَكَانَ حَقِيقَة قَوْلهم إِذا قَالُوا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنشأه هُوَ قَول من قَالَ {إِن هَذَا إِلَّا قَول الْبشر} المدثر 25 ثمَّ اصحابك أثبتوا شَيْئا لَا دَلِيل على ثُبُوته وَهُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ وخالفوا إِجْمَاع السّلف والمعتزلة جَمِيعًا فَإِن الْكَلَام عِنْد السّلف والحنابلة اسْم للفظ وَالْمعْنَى جَمِيعًا عندالمعتزلة لَا كَلَام لله تَعَالَى إِلَّا اللَّفْظ الْمَخْلُوق فِي مَحل وَإنَّهُ غير قَائِم بِاللَّه تَعَالَى وإلزم السّلف وَأَصْحَابك الْمُعْتَزلَة أَن الْكَلَام لَا يكون كلَاما إِلَى لمن قَامَ بِهِ الْكَلَام ثمَّ نقض من نقض من أَصْحَابك هَذَا الالزام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَقَالُوا الْكَلَام يُطلق على الْمَعْنى وَاللَّفْظ بالاشتراك فانهدم أصلهم الَّذِي ردوا بِهِ على الْمُعْتَزلَة وَلَا خلاف بَيْنكُم وَبَين الْمُعْتَزلَة فِي الْحَقِيقَة إِذْ الالفاظ عِنْدهم مخلوقة كَمَا هُوَ قَوْلكُم وَالْمعْنَى الَّذِي اثبتموه وخالفتم بِهِ جَمِيع فرق الامة هُوَ شَيْء لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ الا بَيت الاخطل إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد الخ وَهَذَا الْبَيْت لم ينْقل عَن قَائِله باسناد لَا وَاحِد وَلَا أَكثر وَلَو احْتج عَلَيْكُم مُحْتَج بِحَدِيث مخرج فِي (الصَّحِيحَيْنِ) لم تقبلوه وقلتم هَذِه أَخْبَار آحَاد الْخَامِس أَن أَصْحَابك خالفوا فرق الامة فِي إِثْبَات هَذَا الْمَعْنى والامر كَمَا قَالَ الامام أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ النَّحْوِيّ الْحَنَفِيّ قَالَ إِن الاشعري رَحمَه الله سلب الْكَلَام اسْمه وَسَماهُ عبارَة وسلب الْفِكر والروية اسْمهَا وسماهما كلَاما السَّادِس قَوْلك الاشاعرة قَالُوا كَلَامه تَعَالَى معنى وَاحِد بسيط ثمَّ نقلت عَن صَاحب (المواقف (أَنه أفرد لذَلِك مقَالَة حمل فِيهَا كَلَام الشَّيْخ ابي الْحسن الاشعري لما قَالَ هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ أَن ذَلِك يكون شَامِلًا للفظ وَالْمعْنَى جَمِيعًا ثمَّ سكت عَن إِنْكَاره فَكيف كَانَ فِي الاول بسيطا ثمَّ صَار مركبا من الْمَعْنى وَاللَّفْظ السَّابِع أَن تلميذك عفيف الدّين الايجي قد رد مَذْهَب أَصْحَابك وقدح فِيهِ غَايَة الْقدح فَقَالَ مَا حَاصله ان هَذَا الَّذِي تدعيه الاشاعرة من أَن الْكَلَام معنى آخر يُسمى النَّفْسِيّ بَاطِل فاذا قُلْنَا زيد قَائِم فهناك أَرْبَعَة اشياء الاول الْعبارَة الصادرة عَنهُ وَالثَّانِي مَدْلُول هَذِه الْعبارَة وَمَا وضعت لَهُ هَذِه الالفاظ من الْمعَانِي الْمَقْصُودَة بهَا الثَّالِث علمه بِثُبُوت تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 النِّسْبَة وانتفائها الرَّابِع ثُبُوت تِلْكَ النِّسْبَة وانتفاؤها بالواقع والاخيران ليسَا كلَاما اتِّفَاقًا والاول لَا يُمكن أَن يكون كَلَام الله حَقِيقَة على مَذْهَبهم فَبَقيَ الثَّانِي وَكَذَا نقُول فِي الامر وَالنَّهْي هَا هُنَا ثَلَاثَة أُمُور الاول الارادة وَالْكَرَاهَة الْحَقِيقِيَّة الثَّانِي اللَّفْظ الصا در عَنهُ الثَّالِث مَفْهُوم لَفظه وَمَعْنَاهُ والاول لَيْسَ كلَاما اتِّفَاقًا وَالثَّانِي كَذَلِك على مَذْهَبهم فَبَقيَ الثَّالِث وَبِه صرح اكثر محققيهم وَكَونه كلَاما نفسيا ثَابتا لله تَعَالَى شَأْنه مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَحْكَام مُخْتَلفَة بَاطِل من وُجُوه الاول أَنه مُخَالف للْعُرْف واللغة فان الْكَلَام فيهمَا لَيْسَ إِلَّا الْمركب من الْحُرُوف الثَّانِي أَنه لَا يُوَافق الشَّرْع إِذْ قد ورد فِيمَا لَا يُحْصى كتابا وَسنة ان الله تَعَالَى يُنَادي عباده وَلَا ريب ان النداء لَا يكون إِلَّا بِصَوْت بل قد صرح بِهِ فِي الاخبار الصَّحِيحَة وَبَاب الْمجَاز وَإِن لم يغلق بعد إِلَّا ان حمل مَا يزِيد على نَحْو مائَة الف من الصرائح على خلاف مَعْنَاهَا مِمَّا لَا يقبله الْعقل السَّلِيم الثَّالِث أَن مَا قَالُوهُ من كَون هَذَا الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَاحِدًا يُخَالف الْعقل فَإِنَّهُ لَا شكّ أَن مَدْلُول اللَّفْظ فِي الامر يُخَالف مدلولة فِي النَّهْي ومدلول الْخَبَر يُخَالف مَدْلُول الانشاء بل مَدْلُول أَمر مَخْصُوص غير مَدْلُول أَمر آخر وَكَذَا فِي الْخَبَر وَلَا يرتاب عَاقل أَن مَدْلُول اللَّفْظ لَا يُمكن أَن يكون غير الْقُرْآن وَسَائِر الْكتب السماوية فَيلْزم أَن يكون كل وَاحِد مُشْتَمِلًا على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الآخر وَلَيْسَ كَذَلِك وَكَيف يكون معنى وَاحِد خَبرا وانشاء مُحْتملا للتصديق والتكذيب وَغير مُحْتَمل وَهُوَ جمع بَين النَّفْي والاثبات انْتهى كَلَامه الثَّامِن قَوْله إِن الكرامية لما رَأَوْا مُخَالفَة الضَّرُورَة الَّتِي التزمها الْحَنَابِلَة يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 كلا لَيْسَ هَذَا مَأْخَذ الكرامية وَإِنَّمَا مأخذهم فِي ذَلِك أَنهم شاركوا الْجَهْمِية والمعتزلة فِي الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم بِدَلِيل الاكوان الْمَشْهُور الْمَبْنِيّ على منع التسلسل فَلهَذَا جعلُوا لكَلَام الله تَعَالَى اولا كَمَا جعلُوا لفعله اولا خوفًا من القَوْل بالتسلسل فيسد ذَاك عَلَيْهِم اثبات الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَكَلَامه كفعاله الْكل عِنْدهم لَهُ بداية فوضح بطلَان كَلَام الدواني من كل وَجه وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ولربما سمي بهَا الْقُرْآن تَسْمِيَة الْمجَاز وَذَاكَ وضع ثَان ... أَي إِن الْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ اخْتلفُوا فِي الْحُرُوف بعد اتِّفَاقهم على أَنَّهَا مخلوقة هَل تسمى كَلَام الله مجَازًا أَو يُطلق الْكَلَام عَلَيْهَا وعَلى الْمَعْنى بالاشتراك وَقد تقدم أَن القَوْل بالاشتراك يهدم مَذْهَبهم لانهم ألزموا الْمُعْتَزلَة أَن الْكَلَام لَا يكون كلَاما إِلَّا لمن قَامَ بِهِ الْكَلَام فَإِذا كَانَ كَلَام الله يُطلق على الْمَعْنى وعَلى الالفاظ بالاشتراك لَزِمَهُم مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَقَوله وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فَقيل حِكَايَة عَنهُ وَقيل عبارَة لبَيَان أَي إِن الْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ اخْتلفُوا فِي الحروب بعد اتِّفَاقهم على أَنَّهَا مخلوقة هَل تسمى كَلَام الله مجَازًا أَو يُطلق الْكَلَام عَلَيْهَا وعَلى الْمَعْنى بالإشتراك وَقد تقدم أَن القَوْل بالإشتراك يهدم مَذْهَبهم لانهم أزموا الْمُعْتَزلَة أَن الْكَلَام لَا يكون كلَاما إِلَّا لمن قَامَ بِهِ الْكَلَام فَإِذا كَانَ الْكَلَام الله يُطلق على الْمَعْنى وعَلى الْأَلْفَاظ بالإشتراك لَزِمَهُم مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَقَوله وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فَقيل حِكَايَة عَنهُ وَقيل عبارَة لبَيَان أَي إِن الْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ اخْتلفُوا فِي الْأَلْفَاظ الْحَادِثَة على مَذْهَبهم هَل يُقَال هِيَ حِكَايَة عَن الْمَعْنى الْقَدِيم كَمَا قَالَه ابْن كلاب أَو يُقَال عبارَة كَمَا قَالَ الاشعري فَابْن كلاب قَالَ الْحَرْف حِكَايَة عَن كَلَام الله وَلَيْسَت من كَلَام الله لَان الْكَلَام لابد أَن يقوم بالمتكلم وَالله يمْتَنع أَن يقوم بِهِ حُرُوف وأصوات فَوَافَقَ الْجَهْمِية والمعتزلة فِي هَذَا النَّفْي فجَاء الاشعري بعده وَهُوَ مُوَافق لِابْنِ كلاب على عَامَّة أُصُوله فَقَالَ الْحِكَايَة تَقْتَضِي أَن يكون مثل المحكي وَلَيْسَت الْحُرُوف مثل الْمَعْنى بل هِيَ عبارَة عَن الْمَعْنى ودالة وَبَعض الْقَائِلين بِهَذَا القَوْل يرَوْنَ هَذَا الْبَحْث لفظيا لَا طائل تَحْتَهُ كَمَا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مَذْهَب الاقترانية ... والفرقة الاخرى فَقَالَت انه لفظ وَمعنى لَيْسَ ينفصلان ... وَاللَّفْظ كالمعنى قديم قَائِم بِالنَّفسِ لَيْسَ بقابل الْحدثَان ... فالسين عِنْد الْبَاء لَا مسبوقة لَكِن هما حرفان مقترنان ... والقائلون بذا يَقُولُوا انما ترتيبها فِي السّمع بالآذان ... وَلها اقتران ثَابت لذواتها فاعجب لذا التَّخْلِيط والهذيان ... لَكِن زاغونيهم قد قَالَ ان ذواتها ووجودها غيران ... فترتبت بوجودها لاذاتها ... يَا للعقول وزيغة الاذهان لَيْسَ الْوُجُود سوى حَقِيقَتهَا لذِي ال ... أذهان بل فِي هَذِه الاعيان لَكِن اذا أَخذ الْحَقِيقَة خَارِجا ... ووجودها ذهنا فمختلفان وَالْعَكْس أَيْضا مثل ذَا فاذاهما ... اتحدا اعْتِبَارا لم يكن شَيْئَانِ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 .. وبذا تَزُول جَمِيع اشكالاتهم ... فِي ذَاته ووجوده الرَّحْمَن ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان مَذْهَب الاقترانية فِي الْقُرْآن وهم السالمية وَمن وافقهم وَذَلِكَ أَن كَلَام الله عِنْدهم حُرُوف وأصوات قديمَة أزلية وَلها مَعَ ذَلِك معَان تقوم بِذَات الْمُتَكَلّم ثمَّ إِن جُمْهُور هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِن تِلْكَ الاصوات هِيَ الاصوات المسموعة من الْقُرَّاء وَلَهُم فِي ذَلِك تفاصيل لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَكِن زاغونيهم قد قَالَ إِن ذواتها ووجودها غيران ... يَعْنِي ان الزَّاغُونِيّ من أَئِمَّة هَذِه الطَّائِفَة قَالَ إِن وجود هَذِه الْكَلِمَات غير ذواتها فَرد عَلَيْهِ النَّاظِم بقوله ياللعقول وزيغة الاذهان أَي كَيفَ يكون وجود الشَّيْء غير ذَاته ثمَّ قرر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى مَا هُوَ الْحق فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ ان الْوُجُود والماهية أَن أخذا ذهنين فالوجود الذهْنِي عين الْمَاهِيّة الذهنية وَكَذَلِكَ إِن أخذا خارجيين اتحدا أَيْضا فَلَيْسَ فِي الْخَارِج وجود زَائِد على الْمَاهِيّة الْخَارِجَة بِحَيْثُ يكون كَالثَّوْبِ الْمُشْتَمل على الْبدن هَذَا خيال مَحْض وَكَذَلِكَ حُصُول الْمَاهِيّة فِي الذِّهْن هُوَ عين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وجودهَا فَلَيْسَ فِي الذِّهْن مَاهِيَّة وَوُجُود متغايرين بل إِن اخذا أَحدهمَا ذهنيا والاخر خارجيا فأحدهما غير ألآخر وَلما قرر المُصَنّف هَذَا قَالَ ... وبذا تَزُول جَمِيع اشكالاتهم فِي ذَاته ووجوده الرَّحْمَن ... قَالَ النَّاظِم فصل فِي مَذَاهِب الْقَائِلين بِأَنَّهُ مُتَعَلق بِالْمَشِيئَةِ والارادة ... والقائلون بِأَنَّهُ بِمَشِيئَة وَارِدَة أَيْضا فهم صنفان ... احدهما جعلته خَارج ذَاته كمشيئة لِلْخلقِ والاكوان ... قَالُوا وَصَارَ كَلَامه باضافة التشريف مثل الْبَيْت ذِي الاركان ... مَا قَالَ عِنْدهم وَلَا هُوَ قَائِل وَالْقَوْل لم يسمع من الديَّان ... فَالْقَوْل مفعول لديهم قَائِم بِالْغَيْر كالاعراض والاكوان ... هذي مقَالَة كل جهمي وهم فِيهَا الشُّيُوخ معلمو الصّبيان ... لَكِن أهل الاعتزال قديمهم لم يذهبوا ذَا الْمَذْهَب الشيطاني ... وهم الالى اعتزلوا عَن الْحسن الرضى الْبَصْرِيّ ذَاك الْعَالم الرباني ... وكذاك أَتبَاع على منهاجهم من قبل جهم صَاحب الْحدثَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 لكنما متأخروهم بعد ذَا لَك وافقوا جهما على الكفران ... فهم بذا جهمية أهل اعتزال ثوبهم أضحى لَهُ علمَان ... وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي عشر من الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ ... واللالكائي الامام حَكَاهُ عَن هم بل حَكَاهُ قبله الطَّبَرَانِيّ ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان مَذَاهِب الْقَائِلين بِأَن كَلَام الله تَعَالَى مُتَعَلق بِالْمَشِيئَةِ والارادة فَذكر مَذْهَب الْجَهْمِية الْقَائِلين بِخلق الْقُرْآن وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُعْتَزلَة وَذَلِكَ ان الْكَلَام عِنْدهم صفة فعل قَالُوا وانما سمي كَلَام الله للتشريف كَمَا يُقَال بَيت الله والا فَالله تَعَالَى عِنْدهم مَا تكلم وَلَا يتَكَلَّم كَمَا قَالَ الامام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِيمَا خرجه فِي الرَّد على الْجَهْمِية بَيَان مَا انكرت الْجَهْمِية ان الله كلم مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى نَبينَا قُلْنَا لم أنكرتم ذَلِك قَالُوا لَان الله لم يتَكَلَّم وَلَا يتَكَلَّم وانما كَون شَيْئا فَعبر عَن الله وَخلق صَوتا فَسمع فزعمو ان الْكَلَام لَا يكون إِلَّا من جَوف وفم وشفتين ولسان فَقُلْنَا فَهَل يجوز لمكون اَوْ لغير الله أَن يَقُول لمُوسَى {لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} طه 14 {?} طه 12 فَمن زعم ذَلِك فقد زعم أَن غير الله ادّعى الربوبية وَلَو كَانَ كَمَا زعم الْجَهْمِية أَن الله كَون شَيْئا كَأَن يَقُول ذَلِك المكون يَا مُوسَى ان الله رب الْعَالمين لَا يجوز ان يَقُول إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين وَقد قَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ {وكلم الله مُوسَى تكليما} النِّسَاء 164 وَقَالَ {وَلما جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمه ربه} الاعراف 143 وَقَالَ {إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} الاعراف 144 فَهَذَا مَنْصُوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الْقُرْآن قَالَ واما مَا قَالُوا ان الله لم يتَكَلَّم وَلَا يتَكَلَّم فَكيف يصنعون بِحَدِيث سُلَيْمَان الاعمش عَن خَيْثَمَة عَن عدي بن حَاتِم الطَّائِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مِنْكُم من أحد الا سيكلمه الله لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان (قَالَ واما قَوْلهم إِن الْكَلَام لَا يكون إِلَّا من جَوف وفم وشفتين ولسان أَلَيْسَ قَالَ الله لِلسَّمَوَاتِ والارض {ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} فصلت 11 أَتَرَى انها قَالَت بجوف وشفتين ولسان وَقَالَ الله {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يسبحْنَ} الانبياء 79 أتراها أَنَّهَا سبحت بِفَم وجوف ولسان وشفتين والجوارح اذا شهِدت على الْكفَّار فَقَالُوا {لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء} فصلت 21 أتراها نطقت بجوف وشفتين وفم ولسان وَلَكِن الله انطقها كَيفَ شَاءَ من غير أَن يَقُول فَم ولسان وشفتين قَالَ فَلَمَّا خنقته الْحجَج قَالَ إِن الله كلم مُوسَى الا أَن كَلَامه غَيره فَقُلْنَا وَغَيره مَخْلُوق قَالَ نعم قُلْنَا هَذَا مثل قَوْلكُم الاول الا انكم تدفعون الشنعة عَن أَنفسكُم بِمَا تظْهرُونَ وَحَدِيث الزُّهْرِيّ قَالَ لما سمع مُوسَى كَلَام ربه قَالَ يَا رب هَذَا الْكَلَام الَّذِي سمعته هُوَ كلامك قَالَ نعم يَا مُوسَى هُوَ كَلَامي وانما كلمتك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان ولي قُوَّة الالسن كلهَا وَأَنا أقوى من ذَلِك وانما كلمتك على قدر مَا يُطيق بدنك وَلَو كلمتك باكثر من ذَلِك لمت قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى الى قومه قَالُوا لَهُ صف لنا كَلَام رَبك فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَهل أَسْتَطِيع أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 أصفه لكم قَالُوا شبهه قَالَ أسمعتم أَشد مَا يسمع من اصوات الصَّوَاعِق فَكَأَنَّهُ مثله قَالَ وَقُلْنَا للجهمية من الْقَائِل لعيسى يَوْم الْقِيَامَة {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} الْمَائِدَة 116 أَلَيْسَ الله هُوَ الْقَائِل قَالُوا يكون الله شَيْئا يعبر عَن الله كَمَا كَون لمُوسَى فَعبر فَقُلْنَا فَمن الْقَائِل {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} الاعراف 6 أَلَيْسَ الله هُوَ الَّذِي يسْأَل قَالُوا هَذَا كُله إِنَّمَا يكون الله شَيْئا فيعبر عَن الله قُلْنَا قد أعظمتم على الله الْفِرْيَة حِين زعمتم أَن الله لَا يتَكَلَّم فشبهتموه بالاصنام الَّتِي تعبد من دون الله لَان الاصنام لَا تَتَكَلَّم وَلَا تتحرك وَلَا تَزُول من مَكَان الى مَكَان فَلَمَّا ظَهرت عَلَيْهِ الْحجَّة قَالَ أَقُول ان الله قد يتَكَلَّم وَلَكِن كَلَامه مَخْلُوق قُلْنَا وَكَذَلِكَ بَنو آدم كَلَامهم مَخْلُوق فَفِي مذهبكم أَن الله قد كَانَ فِي وَقت من الاوقات لَا يتَكَلَّم حَتَّى خلق التَّكَلُّم وَكَذَلِكَ بَنو آدم كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خلق لَهُم كلَاما فقد جمعتم بَين كفر وتشبيه فتعالى الله عَن هَذِه الصّفة بل نقُول إِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ لم يزل متكلما إِذا شَاءَ وَلَا نقُول انه كَانَ وَلَا يتَكَلَّم حَتَّى خلق كلَاما وَلَا نقُول انه قد كَانَ لَا يعلم حَتَّى خلق علما فَعلم وَلَا نقُول إِنَّه قد كَانَ وَلَا قدرَة حَتَّى خلق لنَفسِهِ قدرَة وَلَا نقُول إِنَّه قد كَانَ وَلَا نور لَهُ حَتَّى خلق لنَفسِهِ نورا وَلَا نقُول إِنَّه كَانَ وَلَا عَظمَة حَتَّى خلق لنَفسِهِ عَظمَة فَقَالَت الْجَهْمِية لنا لما وَصفنَا من الله هَذِه الصِّفَات إِن زعمتم أَن الله ونوره وَالله وَقدرته وَالله وعظمته فقد قُلْتُمْ بقول النَّصَارَى حِين زعمتم أَن الله لم يزل ونوره وَلم يزل وَقدرته فَقُلْنَا لَا نقُول ان الله لم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَقدرته وَلم يزل ونوره وَلَكِن نقُول لم يزل بقدرته ونوره لَا مَتى قدر وَلَا كَيفَ قدر فَقَالُوا لَا تَكُونُونَ مُوَحِّدين أبدا حَتَّى تَقولُوا كَانَ الله وَلَا شَيْء فَقُلْنَا نَحن نقُول كَانَ الله وَلَا شَيْء وَلَكِن إِذا قُلْنَا ان الله لم يزل بصفاته كلهَا أَلَيْسَ انما نصف الها وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاته وضربنا لَهُم مثلا فِي ذَلِك فَقُلْنَا أخبرونا عَن هَذِه النَّخْلَة أَلَيْسَ لَهَا جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار وَاسْمهَا ام وَاحِد سميت نَخْلَة بِجَمِيعِ صفاتها فَكَذَلِك الله جلّ ثَنَاؤُهُ وَله الْمثل الاعلى بِجَمِيعِ صِفَاته إِلَه وَاحِد لَا نقُول إِنَّه قد كَانَ فِي وَقت من الاوقات وَلَا قدرَة لَهُ حَتَّى خلق قدرَة وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ قدرَة هُوَ عَاجز وَلَا نقُول انه قد كَانَ فِي وَقت من الاوقات وَلَا علم لَهُ حَتَّى خلق فَعلم وَالَّذِي لَا يعلم فَهُوَ جَاهِل وَلَكِن تَقول لم يزل الله قَادِرًا عَالما مَالِكًا لَا مَتى وَلَا كَيفَ وَقد سمى الله رجلا كَافِرًا اسْمه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي فَقَالَ {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا} المدثر 11 وَقد كَانَ لهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ الله {وحيدا} عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كَثِيرَة فقد سَمَّاهُ الله وحيدا بِجَمِيعِ صِفَاته فَكَذَلِك الله وَله الْمثل الاعلى هُوَ بجيمع صِفَاته إِلَه وَاحِد وَفِي (التسعينية (لشيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن الْجَهْمِية لما كَانَت فِي نفس الامر قَوْلهَا قَول أهل الشّرك والتعطيل لَيْسَ هُوَ قَول أحد من أهل الْكتب الْمنزلَة وَلَكِن لم يكن لَهُم بُد من مُوَافقَة أهل الْكتاب فِي الظَّاهِر وان كَانُوا فِي ذَلِك منافقين عَالمين بِنفَاق أنفسهم كَمَا عَلَيْهِ طواغيتهم الَّذين علمُوا بمخالفة أنفسهم للرسل وأقدموا على ذَلِك وَهَؤُلَاء) إِمَّا) مُنَافِقُونَ زنادقة وَإِمَّا جهال بِنفَاق أنفسهم صَارُوا فِي الْجمع بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 تكذيبهم الْبَاطِن وتصديقهم الظَّاهِر جامعين بَين النقيضين مضطرين الى السفسطة فِي العقليات والقرمطة فِي السمعيات مفسدين لِلْعَقْلِ وَالدّين وَقَوْلهمْ بِخلق الْقُرْآن وَنفي الصِّفَات من أصُول نفاقهم وَذَلِكَ أَنه من الْمَعْلُوم ببداية الْعُقُول أَن الْحَيّ لَا يكون حَيا أَلا بحياة تقوم بِهِ لَا يكون حَيا بِلَا حَيَاة أَو بحياة تقوم بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعَالم والقادر لَا يكون عَالما مَا وَلَا قَادِرًا الا بِعلم وقدرة تقوم بِهِ لَا يكون عَالما قَادِرًا بِلَا علم وَلَا قدرَة أَو بِعلم وقدرة تقوم بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْحَكِيم والرحيم والمريد لَا يكون حكيما وَلَا رحِيما اَوْ متكلما اَوْ مرِيدا الا بحكمة وَرَحْمَة تقوم بِغَيْرِهِ وَلَا يكون متكلما وَلَا وَلَا مرِيدا بِلَا كَلَام وَلَا إِرَادَة اَوْ بِكَلَام وارادة تقوم بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ من الْمَعْلُوم ببداية الْعُقُول أَن الْكَلَام والارادة وَالْعلم وَالْقُدْرَة لَا تقوم الا بِمحل اذ هَذِه صِفَات لَا تقوم بأنفسها وَمن الْمَعْلُوم ببداية الْعُقُول ان الْمحل الَّذِي يقوم بِهِ الْعلم يكون عَالما وَالَّذِي تقوم بِهِ الْقُدْرَة يكون قَادِرًا وَالَّذِي يقوم بِهِ الْكَلَام يكون متكلما وَالَّذِي تقوم بِهِ الرَّحْمَة يكون رحِيما وَالَّذِي تقوم بِهِ الارادة يكون مرِيدا فَهَذِهِ الامور مُسْتَقِرَّة فِي فطر النَّاس تعلمهَا قُلُوبهم علما فطريا ضَرُورِيًّا والالفاظ المعبرة عَن هَذِه الْمعَانِي هِيَ من اللُّغَات الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا بَنو آدم فَلَا يسمون عَالما قَادِرًا الا من قَامَ بِهِ الْعلم وَالْقُدْرَة وَمن قَامَ بِهِ الْعلم وَالْقُدْرَة سموهُ عَالما قَادِرًا وَهَذَا معنى قَول من قَالَ من أهل الاثبات ان الصّفة اذا قَامَت بِمحل عَاد حكمهَا الى ذَلِك الْمحل وَكَانَ ذَلِك الْمحل هُوَ الْعَالم الْمُتَكَلّم دون غَيره وَمعنى قَوْلهم ان الصّفة اذا قَامَت بِمحل اشتق لَهُ مِنْهَا اسْم كَمَا يشتق لم يحمل الْعلم عليم ولمحل الْكَلَام مُتَكَلم وَمعنى قَوْلهم ان صدق الْمُشْتَقّ لَا يَنْفَكّ عَن صدق الْمُشْتَقّ مِنْهُ ان لفظ الْعَلِيم الْمُتَكَلّم مُشْتَقّ من لفظ الْعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَالْكَلَام فاذا صدق فِي الْمَوْصُوف انه عليم لزم ان يصدق حُصُول الْعلم وَالْكَلَام لَهُ وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة السّلف الَّذين عرفُوا حَقِيقَة من قَالَ مَخْلُوق وان معنى ذَلِك ان الله لم يقم بِهِ كَلَام بل الْكَلَام قَائِم بجسم من الاجسام غَيره وَعَلمُوا ان هَذَا يُوجب بالفظرة الضرورية ان يكون ذَلِك الْجِسْم هُوَ الْمُتَكَلّم بذلك الْكَلَام دون الله وَأَن الله لَا يكون متكلما اصلا صَارُوا يذكرُونَ قَوْلهم بِحَسب مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفسه وَهُوَ ان الله لَا يتَكَلَّم وانما خلق شَيْئا تكلم عَنهُ هَكَذَا كَانَت الْجَهْمِية تَقول اولا ثمَّ انها زعمت ان الْمُتَكَلّم من فعل الْكَلَام وَلَو فِي غَيره وَاخْتلفُوا هَل يُسمى متكلما حَقِيقَة اَوْ مجَازًا على قَوْلَيْنِ فَلهم فِي تَسْمِيَة الله تَعَالَى متكلما بالْكلَام الْمَخْلُوق ثَلَاثَة اقوال احدها وَهُوَ حَقِيقَة قَوْلهم وهم فِيهِ أصدق لاظهارهم كفرهم ان الله لَا تكلم وَلَا يتَكَلَّم وَالثَّانِي وهم فِيهِ متوسطون فِي النِّفَاق انه يُسمى متكلما بطرِيق الْمجَاز وَالثَّالِث وهم فِيهِ مُنَافِقُونَ نفَاقًا مَحْضا انه يُسمى متكلما بطرِيق الْحَقِيقَة واساس النِّفَاق الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْكَذِب فَلهَذَا كَانُوا من أكذب النَّاس فِي تَسْمِيَة الله متكلما بِكَلَام لَيْسَ قَائِما بِهِ وانما هُوَ مَخْلُوق فِي غَيره كَمَا كَانُوا كاذبين مفترين فِي تَسْمِيَة الله عَالما قَادِرًا مرِيدا متكلما بِلَا علم يقوم بِهِ وَلَا قدرَة وَلَا ارادة وَلَا كَلَام وَكَانُوا وان نطقوا بأسمائه فهم كاذبون بتسميته بهَا وهم ملحدون فِي الْحَقِيقَة كالحاد الَّذين نفوا عَنهُ أَن يُسمى بالرحمن {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أنسجد لما تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا} الْفرْقَان 60 وَبِذَلِك وَصفهم الائمة وَغَيرهم مِمَّن خبر مقالاتهم كَمَا قَالَ الامام أَحْمد فِيمَا خرجه فِي الرَّد على الْجَهْمِية فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 قيل لَهُم من تَعْبدُونَ قَالُوا نعْبد من يدبر امْر هَذَا الْخلق قُلْنَا فَهَذَا الَّذِي يدبر امْر هَذَا الْخلق هُوَ مَجْهُول لَا يعرف بِصفة قَالُوا نعم قُلْنَا قد عرف الْمُسلمُونَ انكم لَا تثبتون شَيْئا انما تدفعون عَن انفسكم الشنعة بِمَا تظْهرُونَ وَقُلْنَا لَهُم هَذَا الَّذِي يدبر هُوَ الَّذِي كلم مُوسَى قَالُوا لم يتَكَلَّم وَلَا يتَكَلَّم لَان الْكَلَام لَا يكون الا بجارحة والجوارح عَن الله منفية فاذا سمع الْجَاهِل قَوْلهم يظنّ انهم من أَشد النَّاس تَعْظِيمًا لله وَلَا يعلم انهم انما يقودون قَوْلهم الى ضَلَالَة وَكفر انْتهى كَلَامه قَوْله ... لَكِن اهل الاعتزال قديمهم ... لم يذهبوا ذَا الْمَذْهَب الشيطاني ... أَي ان قدماء الْمُعْتَزلَة وَاصل بن عَطاء وَعَمْرو بن عبيد وَغَيرهمَا لم يذهبوا الى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَلَكِن متأخروهم بعد ذَلِك وافقوا الجهم على القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... فهم بذا جهمية أهل اعتزا ... ل ثوبهم أضحى لَهُ علمَان ... الْعلم رسم الثَّوْب ورقمه قَالَه فِي (الْقَامُوس ( قَوْله وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي عشر الخ أَي أَن الْقَائِلين بِخلق الْقُرْآن كفرهم خَمْسمِائَة عَالم من عُلَمَاء الْمُسلمين وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم وَلَقَد تقلد كفرهم خَمْسُونَ فِي عشر الخ قَوْله واللالكائي الامام حَكَاهُ عَنْهُم الخ قَالَ الامام الْحَافِظ ابو الْقَاسِم اللالكائي وَقد ذكر أَقْوَال السّلف والائمة بِأَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمَا ورد عَنْهُم من تَكْفِير من يَقُول ذَلِك ثمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ خَمْسمِائَة وَخَمْسُونَ نفسا واكثر من التَّابِعين وَأَتْبَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 التَّابِعين والائمة المرضيين سوى الصَّحَابَة الخبيرين على اخْتِلَاف الاعصار ومضي السنين والاعوام وَفِيهِمْ نَحْو من مائَة امام مِمَّن اخذ النَّاس بقَوْلهمْ وتدينوا بمذاهبهم قَالَ وَلَو اشتغلت بِنَقْل قَول الْمُحدثين لبلغت اسماؤهم الوفا كَثِيرَة لَكِن اختصرت فنقلت عَن هَؤُلَاءِ عصرا بعد عصر لَا يُنكر عَلَيْهِم مُنكر وَمن أنكر قَوْلهم استتابوه وَأمرُوا بقتْله أَو نَفْيه أَو صلبه قَالَ وَلَا خلاف بَين الامة أَن أول من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق الْجَعْد بن دِرْهَم ثمَّ الجهم بن صَفْوَان فَأَما جعد فَقتله خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي وَأما جهم فَقتل بمرو فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك وسأذكر قصتهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد حكى نَحوا من هَذَا الطَّبَرَانِيّ كَمَا ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مَذَاهِب الكرامية ... والقائلون بِأَنَّهُ بِمَشِيئَة فِي ذَاته أَيْضا فهم نَوْعَانِ ... إِحْدَاهمَا جعلته مبدوءا بِهِ نوعا حذار تسلسل الاعيان ... فيسد ذَاك عَلَيْهِم فِي زعمهم إِثْبَات خَالق هَذِه الاكوان ... فلذاك قَالُوا إِنَّه ذُو أول مَا للفناء عَلَيْهِ من سُلْطَان ... وَكَلَامه كفعاله وَكِلَاهُمَا ذُو مبدء بل لَيْسَ ينتهيان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 .. قَالُوا وَلم ينصف خصوم جعجعوا وَأتوا بتشنيع بِلَا برهَان ... قُلْنَا كَمَا قَالُوهُ فِي أَفعاله بل بَيْننَا بون من الْفرْقَان ... بل نَحن أسعد مِنْهُم بِالْحَقِّ إِذْ قُلْنَا هما بِاللَّه قائمتان ... وهم فَقَالُوا لم يقم بِاللَّه لَا فعل وَلَا قَول فتعطيلان لفعاله ومقاله شَرّ وأبطل ... من حُلُول حوادث بِبَيَان تعطيله عَن فعله وَكَلَامه ... شَرّ من التشنيع بالهذيان هذي مقالات ابْن كرام وَمَا ... ردوا عَلَيْهِ قطّ بالبرهان أَنى وَمَا قد قَالَ أقرب مِنْهُم ... لِلْعَقْلِ والاثار وَالْقُرْآن لكِنهمْ جاؤوا لَهُ بجعاجع ... وفراقع وقعاقع بشنان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ تَعَالَى يتَكَلَّم بِمَشِيئَة وارادة فَذكر مقَالَة الكرامية بتَشْديد الرَّاء وهم اتِّبَاع أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن كرام أَبُو عبد الله السجسْتانِي الزَّاهِد شيخ الطَّائِفَة الكرامية مَاتَ سنة 255 وَفِي (الْقَامُوس (وَمُحَمّد بن كرام كشداد امام الكرامية الْقَائِل بِأَن معبوده مُسْتَقر على الْعَرْش وَأَنه جَوْهَر تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كبييرا مَذْهَب الكرامية ان كَلَام الله تَعَالَى حَادث قَائِم بِذَات الله بعد أَن لم يكن متكلما بِكَلَام بل مَا زَالَ عِنْدهم قَادِرًا على الْكَلَام وَهُوَ عِنْدهم لم يزل متكلما بِمَعْنى أَنه لم يزل قَادِرًا على الْكَلَام والا فوجود الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 عِنْدهم فِي الازل مُمْتَنع كوجود الافعال عِنْدهم وَعند من وافقهم من أهل الْكَلَام كالمعتزلة واتباعهم وهم يَقُولُونَ إِنَّه حُرُوف وأصوات حَادِثَة بِذَات الرب بقدرته ومشيئته وَلَا يَقُولُونَ ان الاصوات المسموعة والمداد الَّذِي فِي الْمُصحف قديم بل يَقُولُونَ ان ذَلِك مُحدث قَوْله إِحْدَاهمَا جعلته مبدوءا بِهِ الى قَوْله ... وَكَلَام كفعاله وَكِلَاهُمَا ... ذُو مبدء بل لَيْسَ ينتهيان ... أَي ان الكرامية قَالَت ان كَلَام الله تَعَالَى لَهُ اول ولفعاله أول وَلَكِن لَا نِهَايَة لَهما عِنْدهم وَقَوله حذار تسلسل الاعيان أَي أَن الكرامية قَالُوا هَذَا القَوْل خوفًا من لُزُوم التسلسل وَذَلِكَ لانهم شاركوا الْجَهْمِية والمعتزلة والاشاعرة وَغَيرهم فِي الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم بِدَلِيل الاعراض الْمَشْهُور بَين الْمُتَكَلِّمين ومبنى الدَّلِيل على منع التسلسل قَالُوا فَلَو كَانَ الْبَارِي تَعَالَى متكلما فِي الازل بِكَلَام لَا أول لَهُ وفاعلا لافعال لَا أول لَهَا لزمنا القَوْل بالتسلسل فَبَطل دليلنا الَّذِي استدللنا بِهِ على حُدُوث الْعَالم وَقَوله قَالُوا وَلم ينصف خصوم جعجعوا الخ أَي قَالَت الكرامية لمن خالفهم من الْمُتَكَلِّمين الَّذين شنعوا عَلَيْهِم فِي مَسْأَلَة الْكَلَام انا قُلْنَا معشر الكرامية كَمَا قُلْتُمْ فِي أَفعاله تَعَالَى فان لَهَا أَولا عنْدكُمْ فَلْيَكُن كَلَامه كَذَلِك وَأَنْتُم قُلْتُمْ كَلَام الله وأفعاله غير قَائِمَة بِهِ وَهَذَا شَيْء غير مَعْقُول اذ لَا يُسمى متكلما إِلَّا من قَامَ بِهِ الْكَلَام وَلَا فَاعِلا الا من قَامَ بِهِ الْفِعْل وَأَنْتُم قُلْتُمْ هُوَ قَائِل بقول لَا يقوم بِهِ وفاعل بِفعل لَا يقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 بِهِ فَهَذَا تَعْطِيل لفعاله ومقاله وَهُوَ شَرّ من القَوْل بحلول الْحَوَادِث وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... هذي مقالات ابْن كرام وَمَا ... ردوا عَلَيْهِ قطّ بالبرهان ... وَقد قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي (الاربعين (ان مَسْأَلَة حُلُول الْحَوَادِث تلْزم عَامَّة الطوائف وَذكر فِي (الاربعين (أَنَّهَا تلْزم أَصْحَابه الاشاعرة أَيْضا فَقَالَ ان الكرامية يجوزون ذَلِك وينكره سَائِر الطّواف وَقيل اكثر الْعُقَلَاء يَقُولُونَ بِهِ وان انكروه بِاللِّسَانِ فان أَبَا عَليّ وَأَبا هَاشم من الْمُعْتَزلَة وأتباعهما قَالُوا انه يُرِيد بارادة حَادِثَة وَيكرهُ بِكَرَاهَة حَادِثَة لَا فِي مَحل الا أَن صفة المريدية والكارهية محدثة واذا حصل المرئي والمسموع حدث فِي ذَاته تَعَالَى صفة السامعية والمبصرية لكِنهمْ انما يطلقون لفظ التجدد دون الْحَادِث وابو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ يثبت فِي ذَاته علوما متجددة بِحَسب تجدّد المعلومات والاشعرية يثبتون نسخ الحكم مفسرين ذَلِك بِرَفْعِهِ اَوْ انتهائه والارتفاع والانتهاء عدم بعد الْوُجُود وَيَقُولُونَ انه عَالم بِعلم وَاحِد يتَعَلَّق قبل وُقُوع الْمَعْلُوم بِأَنَّهُ سيقع وَبعده يَزُول ذَلِك الْمُتَعَلّق وَيتَعَلَّق بِأَنَّهُ وَقع وَيَقُولُونَ بِأَن قدرته تتَعَلَّق بايجاد الْمعِين واذا وجد انْقَطع ذَلِك التَّعَلُّق لِامْتِنَاع ايجاد الْمَوْجُود وَكَذَلِكَ تعلق الارادة بترجيح الْمعِين وَأَيْضًا الْمَعْدُوم لَا يكون مرئيا وَلَا مسموعا وَعند الْوُجُود يصير مرئيا مسموعا فَهَذِهِ التعلقات حَادِثَة فان الْتزم جَاهِل كَون الْمَعْدُوم مرئيا مسموعا قُلْنَا الله تَعَالَى يرى الْمَعْدُوم مَعْدُوما لَا مَوْجُودا وَعند وجوده يرَاهُ مَوْجُودا لَا مَعْدُوما لَان رُؤْيَة الْمَوْجُود مَعْدُوما اَوْ بِالْعَكْسِ غلط وانه يُوجب مَا ذكرنَا والفلاسفة مَعَ بعدهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 عَن هَذَا يَقُولُونَ بِأَن الاضافات وَهِي الْقبلية والبعيدة والمعية مَوْجُودَة فِي الاعيان فَيكون الله مَعَ كل حَادث وَذَلِكَ الْوَصْف الاضافي حدث ذَاته وابو البركات من الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم صرح فِي (الْمُعْتَبر (بارادات محدثة وعلوم محدثة فِي ذَاته تَعَالَى زاعما بِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاعْتِرَاف بِكَوْنِهِ الها لهَذَا الْعَالم الا مَعَ هَذَا القَوْل ثمَّ قَالَ الاجلال من هَذَا الاجلال والتنزيه من هَذَا التَّنْزِيه وَاجِب قَالَ الرَّازِيّ وَاعْلَم أَن الصّفة اما حَقِيقَة عَارِية عَن الاضافة كالسواد وَالْبَيَاض اَوْ حَقِيقَة يلْزمهَا إِضَافَة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة فانه يلْزمهَا تعلق بالمعلوم والمقدور وَهُوَ اضافة مَخْصُوصَة بَينهمَا واما إضافية مَحْضَة ككون الشَّيْء قبل غَيره وَبعده وَيَمِينه ويساره فان تغير هَذِه الاشياء لَا يُوجب تغيرا فِي الذَّات وَلَا فِي صفة حَقِيقِيَّة مِنْهَا فَنَقُول تغير الإضافات لَا محيص عَنهُ واما تغير الصِّفَات الْحَقِيقِيَّة فالكرامية يثبتونه وَغَيرهم ينكرونه فَظهر الْفرق بَين مَذْهَب الكرامية لَا يُسمى ذَلِك صفة وَلَا نقُول ان ذَلِك تغير فِي الصِّفَات الْحَقِيقِيَّة انْتهى وَنقل السَّيِّد الشريف فِي (شرح المواقف (قَالَ وَقَالَت الكرامية الْعُقَلَاء يوفقوننا فِي قيام الصّفة الْحَادِثَة بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وان انكروا علينا بِاللِّسَانِ فان الجبائية قَالُوا بارادة وكراهية حادثتين لَا فِي مَحل لَكِن المريدية والكارهية (قَالُوا) حادثتان فِي ذَاته تَعَالَى وَكَذَا السامعية والمبصرية تحدث بحدوث المسموع والمبصر وَأَبُو الْحُسَيْن يثبت علوما متجددة والاشعرية يثبتون النّسخ وَهُوَ اما رفع الحكم الْقَائِم بِذَاتِهِ اَوْ انتهاؤه وهما عدم بعد الْوُجُود فيكونان حادثين انْتهى قَوْله لكِنهمْ جاؤوا لَهُ بجعاجع الخ الجعجعة صَوت الرَّحَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 والقعاقع تتَابع أصوات الرَّعْد فرقع الاصابع نقضهَا فتقرقعت وافرنقعت قَالَه فِي (الْقَامُوس ( قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي ذكر مَذْهَب أهل الحَدِيث ... والاخرون اولو الحَدِيث كأحمد ... وَمُحَمّد وأئمة الايمان قَالُوا بِأَن الله حَقًا لم يزل ... متكلما بِمَشِيئَة وَبَيَان إِن الْكَلَام هُوَ الْكَمَال فَكيف يَخْلُو ... عَنهُ فِي أزل بِلَا امكان وَيصير فِيمَا لم يزل متكلما ... مَاذَا اقْتَضَاهُ لَهُ من الامكان ... 5 وتعاقب الْكَلِمَات أَمر ثَابت للذات مثل تعاقب الازمان ... وَالله رب الْعَرْش قَالَ حَقِيقَة ... (حم) مَعَ (طه) بِغَيْر قرَان ... بل أحرف مترتبات مِثْلَمَا قد رتبت فِي مسمع الانسان ... وقتان فِي وَقت محَال هَكَذَا ... حرفان أَيْضا يوجدا فِي آن من وَاحِد مُتَكَلم بل يوجدا ... بالرسم أَو بتكلم الرّجلَانِ هَذَا هُوَ الْمَعْقُول أما الإقتران ... ن فَلَيْسَ معقولا لذِي الاذهان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 .. وَكَذَا كَلَام من سوى مُتَكَلم ... أَيْضا محَال لَيْسَ فِي الامكان الا لمن قَامَ الْكَلَام بِهِ فَذا ... ك كَلَامه الْمَعْقُول فِي الاذهان أَيكُون حَيا سَامِعًا اَوْ مبصرا ... من غير مَا سمع وَغير عيان والسمع والابصار قَامَ بِغَيْرِهِ ... هَذَا الْمحَال وواضح الْبُهْتَان وَكَذَا مريدوا الارادة لم تكن ... وَصفا لَهُ هَذَا من الهذيان وَكَذَا قدير مَاله من قدرَة قَامَت بِهِ من أوضح الْبطلَان ... وَالله جلّ جَلَاله مُتَكَلم بِالنَّقْلِ والمعقول والبرهان ... قد أَجمعت رسل الاله عَلَيْهِ لم يُنكره من أتباعهم رجلَانِ ... فَكَلَامه حَقًا يقوم بِهِ والا لم يكن متكلما بقران ... وَالله قَالَ وَقَائِل وَكَذَا يَقُول الْحق لَيْسَ كَلَامه بالفاني ... ويكلم الثقلَيْن يَوْم معادهم حَقًا فَيسمع قَوْله الثَّقَلَان ... وَكَذَا يكلم حزبه فِي جنَّة الْحَيَوَان بِالتَّسْلِيمِ والرضوان ... وَكَذَا يكلم رسله يَوْم اللقا حَقًا فيسألهم عَن التِّبْيَان ... وَيُرَاجع التكليم جلّ جَلَاله وَقت الْجِدَال لَهُ من الانسان ... ويكلم الْكفَّار فِي العرصات تو بيخا وتقريعا بِلَا غفران ... ويكلم الْكفَّار أَيْضا فِي الحجيم أَن اخسؤوا فِيهَا بِكُل هوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي مَذْهَب النَّوْع الثَّانِي الْقَائِلين بِأَنَّهُ تَعَالَى يتَكَلَّم بِمَشِيئَة وارادة وانه سُبْحَانَهُ يتَكَلَّم من ذَاته وهم أهل الحَدِيث فَقَالَ والاخرون أولو الحَدِيث كأحمد وَمُحَمّد الخ أَي أَن اصحاب الحَدِيث كالامام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا من الائمة قَالُوا بِأَن الله تَعَالَى لم يزل متكلما بمشيئته وَقدرته اذا شَاءَ وَذَلِكَ أَن الْكَلَام من صِفَات الْكَمَال فَالَّذِي لَا يتَكَلَّم اَوْ حدث لَهُ الْكَلَام بعد أَن لم يكن متكلما نَاقص وَهَذَا هُوَ معنى قَول النَّاظِم ... إِن الْكَلَام هُوَ الْكَمَال فَكيف يَخْلُو عَنهُ فِي أزل بِلَا إِمْكَان ... وَيصير فِيمَا لم يزل متكلما مَاذَا اقْتَضَاهُ لَهُ من الامكان ... أَي كَيفَ صَار متكلما بعد أَن لم يكن متكلما وَقَوله ... وَالله رب الْعَرْش قَالَ حَقِيقَة ... (حم) مَعَ (طه) بِغَيْر قُرْآن ... بل أحرف مترتبات مِثْلَمَا قد رتبت فِي مسمع الانسان ... هَذَا اشارة الى رد مَذْهَب السالمية وَمن وافقهم الْقَائِلين بِأَن كَلَام الله تَعَالَى حُرُوف واصوات قديمَة أزلية وَأَن لَهَا اقترانا ثَابتا لذواتها وان السِّين لَا تسبق الْبَاء الخ وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم وقتان فِي وَقت محَال هَكَذَا أَي كَمَا أَنه لَا يُمكن أَن يُوجد وقتان فِي وَقت فمحال ان يُوجد حرفان فِي آن أَي فِي وَقت من مُتَكَلم وَاحِد بل يُمكن ذَلِك فِي الرَّسْم أَي فِي الْخط اَوْ بتكلم رجلَيْنِ فَذَلِك يُمكن أَن يكون فِي وَقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَاحِد وَأما النُّطْق بحرفين مَعًا فَهُوَ محَال غير مُمكن ثمَّ أَشَارَ الى رد مَذْهَب الْجَهْمِية والمعتزلة الْقَائِلين بِأَن كَلَامه تَعَالَى هُوَ مَا يخلقه فِي غَيره وَذَلِكَ محَال أَيْضا فَلَا يُسمى متكلما الا من قَامَ بِهِ الْكَلَام وَكَذَا لَا يُسمى سَامِعًا اَوْ مبصرا الا من قَامَ بِهِ السّمع وَالْبَصَر والا فَلَا يُسمى سَامِعًا اَوْ مبصرا بسمع اَوْ بصر قَائِم بِغَيْرِهِ وَكَذَا لَا يُسمى مرِيدا وقديرا الا من قَامَت بِهِ الارادة وَالْقُدْرَة لَا يُسمى مرِيدا اَوْ قَدِيرًا بارادة اَوْ قدرَة بِغَيْرِهِ ثمَّ قَالَ النَّاظِم ... وَالله جلّ جَلَاله مُتَكَلم ... بِالنَّقْلِ والمعقول والبرهان ... وَقد تقدم بسط الْكَلَام فِي ذَلِك لما ذكرت مَذْهَب الْجَهْمِية والمعتزلة فِي الْقُرْآن بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالله قد نَادَى الكليم وَقَبله سمع الندا فِي الْجنَّة الابوان ... وأتى الندا فِي تسع آيَات لَهُ وَصفا فَرَاجعهَا من الْقُرْآن ... وَكَذَا يكلم جبرئيل بأَمْره حَتَّى ينفذهُ بِكُل مَكَان ... وَاذْكُر حَدِيثا (فِي صَحِيح مُحَمَّد ( ذَاك البُخَارِيّ الْعَظِيم الشان ... فِيهِ ندا الله يَوْم معادنا بالصوت يبلغ قاصيا والداني ... هَب أَن هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ بِثَابِت بل ذكره مَعَ حذفه سيان ... وَرَوَاهُ عنْدكُمْ البُخَارِيّ المجسم ... بل رَوَاهُ مجسم فوقان أيصبح فِي عقل وَفِي نقل ندا ... ء لَيْسَ مسموعا لنا بِأَذَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 .. أم أجمح الْعلمَاء والعقلاء من ... أهل اللِّسَان وَأهل كل لِسَان ان الندا الصَّوْت الرفيع وضده ... فَهُوَ النجَاة كِلَاهُمَا صوتان وَالله مَوْصُوف بِذَاكَ حَقِيقَة ... هَذَا الحَدِيث ومحكم الْقُرْآن وَاذْكُر حَدِيثا لِابْنِ مَسْعُود صَرِيحًا ... انه ذُو أحرف بِبَيَان للحرف مِنْهُ فِي الجزا عشر من ال ... حَسَنَات مَا فِيهِنَّ من نُقْصَان وَانْظُر الى السُّور الَّتِي افتتحت بأحرفها ... ترى سرا عَظِيم الشان لم يَأْتِ قطّ بِسُورَة الا أَتَى ... فِي إثْرهَا خبر عَن الْقُرْآن اذ كَانَ إِخْبَارًا بِهِ عَنْهَا وَفِي ... هَذَا الشِّفَاء لطَالب الايمان وَيدل أَن كَلَامه هُوَ نَفسهَا ... لَا غَيرهَا وَالْحق ذُو تبيان فَانْظُر الى مبدا الْكتاب وَبعدهَا (الاعراف) ثمَّ كَذَا الى (لُقْمَان) ... مَعَ تلوها ايضا وَمَعَ (حم) مَعَ (يس) وافهم مُقْتَضى الْفرْقَان ... قَوْله وأتى الندا فِي تسع آيَات لَهُ الخ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الاعراف {وناداهما ربهما} الاعراف 22 الْآيَة وَفِي مَرْيَم {وناديناه من جَانب الطّور الْأَيْمن وقربناه نجيا} مَرْيَم 52 وَفِي طه {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك} طه 11 12 الْآيَة وَفِي سُورَة الشُّعَرَاء {وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى أَن ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين} الشُّعَرَاء 10 وَفِي النَّمْل {فَلَمَّا جاءها نُودي أَن بورك من فِي النَّار} النَّمْل 8 وَفِي الْقَصَص {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي من شاطئ الواد الْأَيْمن فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة} الْقَصَص 30 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا} الْقَصَص 46 {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ} الْقَصَص 62 74 فِي موضِعين {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} الْقَصَص 65 وَفِي الصافات {وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} الصافات 104 105 وَفِي النازعات {هَل أَتَاك حَدِيث مُوسَى إِذْ ناداه ربه بالواد الْمُقَدّس طوى} النازعات 15 16 وَقَوله وَكَذَا يكلم جبرئيل بأَمْره يُشِير الى حَدِيث النواس بن سمْعَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أَرَادَ الله تبَارك وَتَعَالَى ان يوحي بالامر تكلم بِالْوَحْي فاذا تكلم بِالْوَحْي أخذت السَّمَوَات مِنْهُ رَجْفَة أَو قَالَ رعدة شَدِيدَة خوفًا من الله عز وَجل فَإِذا سمع ذَلِك أهل السَّمَوَات صعقوا وخروا لله سجدا فَيكون أول من يرفع رَأسه جِبْرِيل فيكلمه الله من وحيه بِمَا أَرَادَ ثمَّ يمر جِبْرِيل على الْمَلَائِكَة كلما مر بسماء سَأَلَهُ ملائكتها مَاذَا قَالَ رَبنَا يَا جِبْرِيل فَيَقُول جِبْرِيل قَالَ الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير سبأ 23 فَيَقُولُونَ كلهم مثل مَا قَالَ جِبْرِيل فينتهي جِبْرِيل بِالْوَحْي الى حَيْثُ أمره الله عز وَجل من السَّمَاء والارض رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم وَقَوله وَاذْكُر حَدِيثا فِي (صَحِيح مُحَمَّد (الخ يُشِير الى حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ فِي الْقصاص وَقد تقدم وَقَوله وَرَوَاهُ عنْدكُمْ البُخَارِيّ المجسم الخ يحْكى عَن الصاحب بن عباد انه قَالَ عَن البُخَارِيّ انه مجسم سَاقِط قَوْله أيصح فِي عقل وَفِي نقل ندا قَالَ شيخ الاسلام فِي (منهاج السّنة (النداء لَا يكون الا اصواتا بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة وَسَائِر النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَقَول النَّاظِم وأتى الندا فِي تسع آيَات لَهُ الخ بل أَتَى النداء فِي عشرَة مَوَاضِع أَو أَكثر كَمَا فِي (الْمِنْهَاج ( قَوْله وَاذْكُر حَدِيثا لِابْنِ مَسْعُود هُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من قَرَأَ حرفا من كتاب الله عز وَجل فَلهُ عشر حَسَنَات قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَرَوَاهُ غَيره من الائمة وَفِيه (أما إِنِّي لَا أَقُول (الم) حرف وَلَكِن الف حرف وَلَام حرف وَمِيم حرف ( قَوْله وَانْظُر الى السُّور الَّتِي افتتحت الخ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (بَدَائِع الْفَوَائِد (تَأمل سر (الم) كَيفَ اشْتَمَلت على هَذِه الاحرف الثَّلَاثَة فالالف اذا بدىء بهَا أَولا كَانَت همزَة وَهِي أول المخارج من أقْصَى الصَّدْر وَاللَّام من وسط مخارج الْحُرُوف اعْتِمَادًا على اللِّسَان وَالْمِيم آخر الْحُرُوف ومخرجها من الْفَم وَهَذِه الثَّلَاثَة هِيَ أصل مخارج الْحُرُوف أَعنِي الْحلق وَاللِّسَان والشفتين وتنزلت فِي التَّنْزِيل من الْبِدَايَة الى الْوسط الى النِّهَايَة فَهَذِهِ الْحُرُوف تعتمد (على) المخارج الثَّلَاثَة الَّتِي يتَفَرَّع مِنْهَا سِتَّة عشر مخرجا فَيصير مِنْهَا ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا عَلَيْهَا مدَار كَلَام الامم الاولين والاخرين مَعَ تظمنها سرا عجيبا وَهُوَ ان الالف للبداية وَاللَّام للتوسط وَالْمِيم للنِّهَايَة فاشتملت الاحرف الثَّلَاثَة على الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة والواسطة بَينهمَا وكل سُورَة استفتحت بِهَذِهِ الاحرف الثَّلَاثَة فَهِيَ مُشْتَمِلَة على بَدْء الْخلق ونهايته وتوسطه فمشتملة على تخليق الْعَالم وغايته وعَلى الْمُتَوَسّط بَين الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة من التشريع والاوامر وَتَأمل اقتران الطَّاء بِالسِّين وَالْهَاء فِي الْقُرْآن فَإِن الطَّاء جمعت من صِفَات الْحُرُوف خمس صِفَات لم يجمعها غَيرهَا وَهِي الْجَهْر والشدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 والاستعلاء والقلقلة والاطباق وَالسِّين حرف مهموس رخو مُسْتَقل صَغِير منفتح فَلَا يُمكن أَن يجمع الى الطَّاء الاحرف (الَّتِي) يقابلها كالسين وَالْهَاء فَذكر الحرفين اللَّذين جمعا صِفَات الْحُرُوف وَتَأمل السُّور الَّتِي اجْتمعت على الْحُرُوف المفردة كَيفَ تَجِد السُّورَة مَبْنِيَّة على كلمة ذَلِك الْحَرْف فَمن ذَلِك (ق) وَالسورَة مَبْنِيَّة على الْكَلِمَات القافية من ذكر الْقُرْآن وَذكر الْخلق وتكرر القَوْل مُرَاجعَته مرَارًا والقرب من ابْن آدم وتلقي الْملكَيْنِ قَول العَبْد وَذكر الرَّقِيب وَذكر السَّائِق والقرين وَذكر الْقبل مرَّتَيْنِ وتشقق الارض وإلقاء الرواسِي فِيهَا وبسوق النّخل والرزق وَذكر الْقَوْم وَحُقُوق الْوَعيد وَلَو لم يكن الا تكْرَار القَوْل والمحاورة وسر آخر وَهُوَ أَن كل مَعَاني هَذِه السُّورَة مُنَاسبَة لما فِي حرف الْقَاف من الشدَّة والجهر والعلو والانفتاح وَإِذا أردْت زِيَادَة ايضاح فَتَأمل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ سُورَة (ص) من الْخُصُومَات المتعددة فأولها خُصُومَة الْكفَّار مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوْلهمْ {أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا} ص 5 الى آخر كَلَامهم ثمَّ اختصام الْخَصْمَيْنِ عِنْد دَاوُد ثمَّ تخاصم أهل النَّار ثمَّ اختصام الملا الاعلى فِي الْعلم وَهُوَ الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات ثمَّ مخاصمة إِبْلِيس واعتراضه على ربه فِي أمره بِالسُّجُود لآدَم ثمَّ خصامه ثَانِيًا فِي شَأْن بنيه وحلفه ليغوينهم أَجْمَعِينَ الا أهل الاخلاص مِنْهُم فَلْيتَأَمَّل اللبيب الفطن هَل يَلِيق بِهَذِهِ السُّورَة غير (ص) وَسورَة (ق) غير حرفها وَهَذِه قَطْرَة من بعض أسرار هَذِه الْحُرُوف وَالله سُبْحَانَهُ اعْلَم آخر كَلَامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الزامهم التشبية للرب بالجماد النَّاقِص اذا انْتَفَت صفة الْكَلَام ... وَالله عز وَجل موص آمُر ... ناه مثيب مُرْسل لبَيَان ومخاطب ومحاسب ومنبىء ... ومحدث ومخبر بالشان ومكلم مُتَكَلم بل قَائِل ... ومحذر ومبشر بِأَمَان هاد يَقُول الْحق يرشد خلقه ... بِكَلَامِهِ للحق والايمان فاذا انْتَفَت صفة الْكَلَام فَكل هـ ... ذَا مُنْتَفٍ مُتَحَقق الْبطلَان واذا انْتَفَت صفة الْكَلَام كَذَلِك ال ... إرْسَال منفي بِلَا فرقان فرسالة الْمَبْعُوث تَبْلِيغ كلا ... م الْمُرْسل الدَّاعِي بِلَا نُقْصَان وَحَقِيقَة الارسال نفس خطابه ... للمرسلين وانه نَوْعَانِ ... نوع بِغَيْر وساطة ككلامه مُوسَى وَجِبْرِيل الْقَرِيب الداني ... مِنْهُ اليه من وَرَاء حجابه اذ لَا ترَاهُ هَاهُنَا العينان ... والاخر التكليم مِنْهُ بالوسا طة وَهُوَ أَيْضا عِنْده ضَرْبَان ... وَحي وإرسال اليه وَذَاكَ فِي الشورى أَتَى فِي أحسن التِّبْيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مَضْمُون هَذَا الْفَصْل الزام المعطلة النافين لصفة الْكَلَام نفي الرسَالَة اذ حَقِيقَة الرسَالَة تَبْلِيغ كَلَام الْمُرْسل فَإِذا انْتَفَت صفة الْكَلَام لزم نفي الرسَالَة ثمَّ ذكر أَن حَقِيقَة الارسال نفس خطابه تَعَالَى للمرسلين وَهُوَ نَوْعَانِ بِغَيْر وساطة ككلامه تَعَالَى لجبريل ومُوسَى من وَرَاء حجاب وَالنَّوْع الثَّانِي تكليم بالوساطة كتكليمه سُبْحَانَهُ الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام على لِسَان جِبْرِيل كَمَا قالى تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} الشورى 51 الْآيَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الزامهم القَوْل بِنَفْي الرسَالَة اذا انْتَفَت صفة الْكَلَام ... فاذا انْتَفَت صفة الْكَلَام فضدها خرس وَذَلِكَ غَايَة النُّقْصَان ... فلئن زعمتم أَن ذَلِك فِي الَّذِي هُوَ قَابل من أمة الْحَيَوَان ... والرب لَيْسَ بقابل صفة الكلا م فنفيها مَا فِيهِ من نُقْصَان ... فَيُقَال سلب كَلَامه وقبوله صفة الْكَلَام أتم للنقصان ... اذ أخرس الانسان أكمل حَالَة من ذَا الجماد بأوضح الْبُرْهَان ... فَجحدت أَوْصَاف الْكَمَال مَخَافَة التجسيم والتشبيه بالانسان ... وَوَقعت فِي تَشْبِيه بالجمادا ت الناقصات وَذَا من الخذلان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 .. الله أكبر هتكت أستاركم ... حَتَّى غدوتم ضحكة الصّبيان ... قَول النَّاظِم ... فاذا انْتَفَت صفة الْكَلَام فضدها ... خرس وَذَلِكَ غَايَة النُّقْصَان ... لاشك ان الْكَلَام صفة كَمَال وكل كَمَال اتّصف بِهِ الْمَخْلُوق اذا لم يكن فِيهِ نقص بِوَجْه مَا فالخالق أَحَق بِهِ لانه هُوَ الَّذِي خلقه وكل كَمَال اتّصف بِهِ مَوْجُود مُمكن وحادث فالموجود الْوَاجِب الْقَدِيم أولى بِهِ وكل نقص تنزه عَنهُ مَخْلُوق مَوْجُود حَادث فالخالق أولى بتنزيهه عَنهُ قَوْله فلئن زعمتم ان ذَلِك فِي الَّذِي هُوَ قَابل الخ قَالَت النفاة من الباطنية من المتفلسفة وَغَيرهم لما قيل لَهُم اذا لم يُوصف بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة والحياة وَالْكَلَام لزم أَن يَتَّصِف بِمَا يُقَابل ذَلِك كالعجز وَالْجهل وَالْمَوْت والبكم فَقَالُوا انما يلْزم ذَلِك لَو كَانَ قَابلا للإتصاف بذلك فان المتقابلين تقَابل السَّلب والايجاب كالوجود والعدم اذا عدم أَحدهمَا ثَبت الاخر واما التقابلان تقَابل الْعَدَم والملكة كالحياة وَالْمَوْت والعمى وَالْبَصَر فقد يَخْلُو الْمحل عَنْهُمَا كالجماد فَإِنَّهُ لَا يُوصف لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا فَقَالَ لَهُم أهل الاثبات فررتم (من) تَشْبِيه بِالْحَيَوَانِ النَّاقِص الَّذِي لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يتَكَلَّم مَعَ امكان ذَلِك مِنْهُ فشبهتموه بالجماد الَّذِي لايقبل الاتصاف لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا فَكَانَ مَا فررتم اليه شرا مِمَّا فررتم مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الزامهم بالْقَوْل بِأَن كَلَام الْخلق حَقه وباطله عين كَلَام الله سُبْحَانَهُ ... أَو لَيْسَ قد قَامَ الدَّلِيل بِأَن أَفعَال الْعباد خَلِيقَة الرَّحْمَن ... من ألف وَجه أَو قريب الالف يحصيها الَّذِي يعْنى بِهَذَا الشان ... فَيكون كل كَلَام هَذَا الْخلق عين كَلَامه سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَان ... اذ كَانَ مَنْسُوبا اليه كَلَامه خلقا كبيت الله ذِي الاركان ... هَذَا ولازم قَوْلكُم قد قَالَه ذُو الِاتِّحَاد مُصَرحًا بِبَيَان ... حذر التَّنَاقُض إِذْ تناقضتم وَلَكِن طرده فِي غَايَة الكفران ... فلئن زعمتم أَن تَخْصِيص القرا ن كبيته وَكِلَاهُمَا خلقان ... فَيُقَال ذَا التَّخْصِيص لَا يَنْفِي العمو م (وَلَا الْخُصُوص) كرب ذِي الاكوان ... وَيُقَال رب الْعَرْش أَيْضا هَكَذَا تَخْصِيصه لاضافة الْقُرْآن ... لَا يمْنَع التَّعْمِيم فِي الْبَاقِي وَذَا فِي غَايَة الايضاح والتبيان ... هَذَا الالزام الَّذِي ذكره النَّاظِم هُوَ إِلْزَام مَشْهُور للسلف الزموا بِهِ الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَن كَلَام الله مَخْلُوق وَأَن إِضَافَته الى الله اضافة تشريف وتعظيم كَمَا يُقَال بَيت الله وناقة الله فألزمهم السّلف بِأَن جَمِيع كَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الْخلق عين كَلَام الله قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد الْهَاشِمِي من قَالَ إِن الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر واذا كَانَ الْقُرْآن مخلوقا كَمَا زَعَمُوا فَلم صَار فِرْعَوْن أولى بِأَن يخلد فِي النَّار اذ قَالَ {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} النازعات 24 وَزَعَمُوا أَن هَذَا مَخْلُوق وَقَالَ {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني} طه 14 فقد ادّعى مَا ادّعى فِرْعَوْن فَلَمَّا صَار فِرْعَوْن اولى بِأَن يخلد فِي النَّار اذ قَالَ {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} من هَذَا وَكِلَاهُمَا عِنْده مَخْلُوق فَأخْبر بذلك ابو عبيد فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَعْجَبهُ ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي كتاب خلق (أَفعَال الْعباد (وَكَذَلِكَ ذكر نَظِير هَذَا عبد الله بن الْمُبَارك وَعبد الله بن ادريس وَيحيى ابْن سعيد الْقطَّان وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم هَذَا ولازم قَوْلكُم قد قَالَه ذُو الِاتِّحَاد أَي أَن الاتحادية صَرَّحُوا بِهَذَا اللَّازِم فَقَالُوا ... وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه ... سَوَاء علينا نثره ونظامه ... وَلَكِن طرد هَذَا كَمَا قَالَ النَّاظِم فِي غَايَة الكفران أَي ان القَوْل بِهَذَا هُوَ غَايَة الكفران بل لَا أكفر مِمَّن يَقُول ذَلِك نَعُوذ بِاللَّه قَوْله فلئن زعمتم ان تَخْصِيص الْقرَان الخ أَي كَمَا أَنه اذا قيل رب الاكوان وَرب الْمَخْلُوقَات فالعرش دَاخل فِي عُمُوم الاكوان والمخلوقات فاذا قُلْتُمْ ان اضافة الْقُرْآن اليه تَعَالَى للتشريف لزمكم أَن جَمِيع كَلَام الْخلق كَلَام الله والتخصيص فِي الْقُرْآن لَا يَنْفِي الْعُمُوم كَمَا اذا قيل رب الْعَرْش وَرب الاكوان كَمَا لَا يخفى وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي التَّفْرِيق بَين الْخلق والامر ... وَلَقَد أَتَى الْفرْقَان بَين الْخلق وَال أَمر الصَّرِيح وَذَاكَ فِي الْفرْقَان ... وَكِلَاهُمَا عِنْد المنازع وَاحِد وَالْكل خلق مَا هُنَا شَيْئَانِ ... والعطف عِنْدهم كعطف الْفَرد من نوع عَلَيْهِ وَذَاكَ فِي الْقُرْآن ... فَيُقَال هَذَا ذُو امْتنَاع ظَاهر فِي آيَة التَّفْرِيق ذُو تبيان ... فَالله بعد الْخلق أخبر أَنَّهَا قد سخرت وَالْأَمر للجريان وَأَبَان عَن تسخيرها سُبْحَانَهُ ... بالامر بعد الْخلق والتبيان والامر إِمَّا مصدر اَوْ كَانَ مَفْعُولا ... هما فِي ذَاك مستويان مأموره هُوَ قَابل للامر ... كالمصنوع قَابل صَنْعَة الرَّحْمَن فَإِذا انْتَفَى الامر انْتَفَى الْمَأْمُور ... كالمخلوق ينفى لانْتِفَاء الْحدثَان وَانْظُر الى نظم السِّيَاق تَجِد بِهِ ... سرا عجيبا وَاضح الْبُرْهَان ذكر الْخُصُوص وَبعده مُتَقَدما ... وَالْوَصْف والتعميم فِي ذَا الثَّانِي فَأتى بنوعي خلقه وبأمره ... فعلا ووصفا موجزا بِبَيَان فَتدبر الْقُرْآن إِن رمت الْهدى ... فالعلم تَحت تدبر الْقُرْآن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قَوْله وَلَقَد أَتَى الْفرْقَان بَين الْخلق والامر الخ أَي ان الله فرق بَين الْخلق والامر فِي قَوْله تَعَالَى {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} الاعراف 54 فَجعل الْخلق غير الامر وَلَكِن الْجَهْمِية وَمن تَبِعَهُمْ قَالُوا ان الْخلق هُنَا هُوَ الامر وَقَالُوا الْعَطف لَا يَقْتَضِي الْمُغَايرَة بل هُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم والعطف عِنْدهم كعطف الْفَرد من نوع عَلَيْهِ الخ وَهَذَا مَرْدُود لَان الله سُبْحَانَهُ أخبر فِي هَذِه الْآيَة انها بعد الْخلق قد سخرت بالامر قَوْله والامر إِمَّا مصدر الخ أَي ان الامر فِي الْآيَة إِمَّا ان يكون مصدرا كَمَا هُوَ الاظهر وَإِمَّا ان يكون المُرَاد بِهِ الْمَأْمُور كَمَا يَقُوله أهل التَّأْوِيل فهما سَوَاء فَإِن الْمَأْمُور لابد لَهُ من آمُر وَلذَلِك سمي مَأْمُورا كَمَا ان الْمَخْلُوق ينفى اذ انْتَفَى الْحدثَان وَقَالَ الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الزَّرْكَشِيّ فِي شرح (جمع الْجَوَامِع (قَالَ الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي انما خلق الله الْخلق ب (كن) فَلَو كَانَت هِيَ مخلوقة فمخلوق خلق مخلوقا قَالَ الْأَئِمَّة وَلَو كَانَ كن الأول مخلوقا فَهُوَ مَخْلُوق بِأُخْرَى وَأُخْرَى الى مَا لَا يتناهى وَهُوَ مُسْتَحِيل وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} الاعراف 54 الامر الْقُرْآن ففصل بَين الْمَخْلُوق والامر وَلَو كَانَ الامر مخلوقا لم يكن لتفصيله معنى قَالَ ابْن عُيَيْنَة فرق بَين الامر والخلق فَمن جمع بَينهمَا فقد كفر وَأما ان الْقُرْآن هُوَ الامر فَلقَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم أمرا من عندنَا} الدُّخان 3 5 وَرُوِيَ هَذَا الاستنباط عَن احْمَد بن حَنْبَل وَمُحَمّد ابْن يحيى الذهلي وَاحْمَدْ بن سِنَان وَغَيرهم من الائمة وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 صَحِيح عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَمِعت مشيختنا مُنْذُ سبعين سنة يَقُولُونَ الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ مخلوقا قَالَ ومشيخته جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر وَابْن الزبير وأكابر التَّابِعين ثمَّ قَالَ وروينا هَذَا القَوْل عَن اللَّيْث بِهِ سعد وسُفْيَان وَابْن الْمُبَارك وَحَمَّاد ابْن زيد وَابْن مهْدي وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَأبي عبيد وَالْبُخَارِيّ ومشيخة سواهُم وانما أحدث هَذِه الْبِدْعَة الْجَعْد بن دِرْهَم وَعنهُ كَانَ يَأْخُذ الجهم فذبحه خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي يَوْم الاضحى انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي التَّفْرِيق بَين مَا يُضَاف الى الرب تَعَالَى من الاوصاف والاعيان ... وَالله أخبر فِي الْكتاب بِأَنَّهُ ... مِنْهُ ومجرور بِمن نَوْعَانِ عين وَوصف قَائِم بِالْعينِ كال ... أَعْيَان خلق الْخَالِق الرَّحْمَن وَالْوَصْف بالمجرور قَامَ لانه ... أولى بِهِ فِي عرف كل لِسَان وَنَظِير ذَا أَيْضا سَوَاء مَا يُضَاف اليه من صفة وَمن أَعْيَان ... فاضافة الاوصاف ثَابِتَة لمن قَامَت بِهِ كارادة الرَّحْمَن ... وَإِضَافَة الْأَعْيَان ثَابِتَة لَهُ ... ملكا وخلقا مَا هما سيان فَانْظُر الى بَيت الاله وَعلمه ... لما أضيف كَيفَ يفترقان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 .. وَكَلَامه كحياته وكعلمه ... فِي ذِي الاضافة اذ هما وصفان لَكِن نَاقَته وَبَيت الهنا ... فكعبده أَيْضا هما ذاتان فَانْظُر الى الجهمي لما فَاتَهُ الْحق ... الْمُبين وَاضح الْفرْقَان كَانَ الْجَمِيع لَدَيْهِ بَابا وَاحِدًا ... وَالصُّبْح لَاحَ لمن لَهُ عينان ... قَوْله وَالله اخبر فِي الْقرَان بِأَنَّهُ الخ أَي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} النَّحْل 102 وَقَالَ {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ} الانعام 114 وَقَالَ تَعَالَى عَن الْمَسِيح {وروح مِنْهُ} النِّسَاء 171 وَمن لابتداء الْغَايَة وَقَالَ تَعَالَى {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} الجاثية 13 وَمن لابتداء الْغَايَة قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى الْمُضَاف الى الله تَعَالَى اذا كَانَ معنى لَا يقوم بِنَفسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ من الْمَخْلُوقَات وَجب ان يكون ضفة لله تَعَالَى قَائِمَة بِهِ وَامْتنع اضافته اضافة مَخْلُوق مربوب وَإِذا كَانَ الْمُضَاف عينا قَائِمَة بِنَفسِهَا كجبريل وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وأرواح بني آدم امْتنع ان يكون صفة لله تَعَالَى لِأَن مَا قَامَ بِنَفسِهِ لَا يكون صفة لغيره لَكِن الاعيان المضافة الى الله تَعَالَى على وَجْهَيْن أَحدهمَا ان تُضَاف اليه بِكَوْنِهِ خلقهَا وأبدعها فَهَذَا شَامِل لجيمع الْمَخْلُوقَات كَقَوْلِهِم سَمَاء الله وَأَرْض الله فجيمع المخلوقين عبيد الله وجيمع المَال مَال الله وَالْوَجْه الثَّانِي ان يُضَاف اليه لما خصّه بِهِ من معنى يُحِبهُ وبأمر بِهِ ويرضاه كَمَا خص الْبَيْت الْعَتِيق بِعبَادة فِيهِ لَا تكون فِي غَيره وكما يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فِي مَال الْخمس والفيء هُوَ مَال الله وَرَسُوله وَمن هَذَا الْوَجْه فَعبَّاد الله هم الَّذين عبدوه أوطاعوا أمره فَهَذِهِ اضافة تَتَضَمَّن ألوهيته وشرعه وَدينه وَتلك اضافة تَتَضَمَّن ربوبيته وخلقه انْتهى مُلَخصا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... واتى ابْن حزم بعد ذَاك فَقَالَ مَا ... للنَّاس قُرْآن وَلَا إثنان بل أَربع كل يُسمى بالقرآ ... ن وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان هَذَا الَّذِي يُتْلَى وَآخر ثَابت ... فِي الرَّسْم يدعى الْمُصحف العثماني وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ بَين صدورنا ... هذي الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم كعلمه ... كل يعبر عَنهُ بِالْقُرْآنِ وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد ... عَنهُ عبارَة نَاطِق بِبَيَان إِن الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع ... عقلت فَلَا تخفى على إِنْسَان فِي الْعين ثمَّ الذِّهْن ثمَّ اللَّفْظ ثمَّ ... الرَّسْم حِين تخطه ببنان وعَلى الْجَمِيع الِاسْم يُطلق لَكِن ال ... أولى بِهِ الْمَوْجُود فِي الاعيان بِخِلَاف قَول ابْن الْخَطِيب فانه ... قد قَالَ ان الْوَضع للاذهان فالشيء شَيْء وَاحِد لَا أَربع ... فدهى ابْن حزم قلَّة الْعرْفَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ابْن حزم هُوَ الامام أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم الْقُرْطُبِيّ الظَّاهِرِيّ الْمَشْهُور عَالم الاندلس صَاحب المصنفات الْمَشْهُورَة ك (الْملَل والنحل (و (الْمحلى شرح المجلى (وَكتاب (الاجماع (وَكتاب (الايصال (وَغير ذَلِك وشهرته تغني عَن الاطناب فِي ذكره والاسهاب فِي أمره وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تذكرة الْحَافِظ (ولد رَحمَه الله تَعَالَى بقرطبة سنة 384 أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَسمع من أبي عمر أَحْمد بن الحسور ويحي بن مَسْعُود ويوسف بن عبد الله القَاضِي وحمام بن أَحْمد القَاضِي وَعبد الله ابْن ربيع التَّمِيمِي وَأبي عمر الطلمنكي وَخلق روى عَنهُ ابوعبد الله الْحميدِي فَأكْثر وَابْنه ابو رَافع الْفضل وَطَائِفَة وَكَانَ أليه الْمُنْتَهى فِي الذكاء وَالْحِفْظ وسعة الدائرة فِي الْعُلُوم وَكَانَ شافعيا ثمَّ انْتقل الى القَوْل بِالظَّاهِرِ وَنفى القَوْل بِالْقِيَاسِ وَتمسك بِالْعُمُومِ والبراءة الاصلية وَكَانَ صَاحب فنون فِيهِ دين وتورع وتزهد وتحر للصدق وَكَانَ أَبوهُ وزيرا جَلِيلًا محتشما كَبِير الشَّأْن وَكَانَ لابي مُحَمَّد كتب عَظِيمَة لَا سِيمَا كتب الحَدِيث وَالْفِقْه وَقد صنف كتابا كَبِيرا فِي فقه الحَدِيث سَمَّاهُ (الايصال الى فهم كتاب الْخِصَال الجامعة لجمل شرائع الاسلام والحلال وَالْحرَام (اورد فِيهِ أَقْوَال الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ وَالْحجّة لكل قَول وَله كتاب (الاحكام لاصول الاحكام (مجلدان وَكتاب (المجلى (فِي الْفِقْه على مذْهبه واجتهاده مُجَلد وَشَرحه وَهُوَ (الْمحلى فِي ثَمَانِي مجلدات وَكتاب (الْفَصْل فِي الْملَل والنحل (ثَلَاث مجلدات وَكتاب (إِظْهَار تَبْدِيل الْيَهُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَالنَّصَارَى للكتابين التَّوْرَاة والانجيل (وَكتاب (التَّقْرِيب لحد الْمنطق (والمدخل اليه بِأَلْفَاظ أهل الْعلم لَا بِأَلْفَاظ أهل الفلسفة وَمثله بالامثلة الْفِقْهِيَّة أَخذ الْمنطق عَن مُحَمَّد بن الْمذْحِجِي وأمعن فِيهِ فَبَقيَ فِيهِ قسط من نحلة الْحُكَمَاء قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ وجدت فِي اسماء الله تَعَالَى كتابا أَلفه أَبُو مُحَمَّد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه وَقَالَ صاعد بن أَحْمد كَانَ ابْن حزم أجمع أهل الاندلس قاطبة لعلوم الاسلام وأوسعهم معرفَة مَعَ توسعه فِي علم اللِّسَان ووفور حَظه من البلاغه وَالشعر ومعرفته بالسنن والْآثَار اخبرني وَلَده الْفضل أَنه اجْتمع عِنْده بِخَط أَبِيه أبي مُحَمَّد من تآليفه أَرْبَعمِائَة مُجَلد يحتوي على نَحْو من ثَمَانِينَ الف ورقة قَالَ الْحميدِي كَانَ أَبُو مُحَمَّد حَافِظًا للْحَدِيث وفقهه مستنبطا للاحكام من الْكتاب وَالسّنة متقنا فِي عُلُوم جمة عَاملا بِعِلْمِهِ مَا رَأينَا مثله فِيمَا اجْتمع لَهُ من الذكاء وَسُرْعَة الْحِفْظ وكرم النَّفس والتدين وَكَانَ لَهُ فِي الادب وَالشعر نفس وَاسع وَبَاعَ طَوِيل مَا رَأَيْت من يَقُول الشّعْر على البديهة أسْرع مِنْهُ وشعره كثير جمعه على حُرُوف المعجم قَالَ ابو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد المغربي صَحِبت ابْن حزم سَبْعَة أَعْوَام وَسمعت مِنْهُ جَمِيع مصنفاته سوى المجلد الاخير من كتاب (الْفَصْل (وقرأنا عَلَيْهِ من كتاب (الايصال (سبع مجلدات فِي سنة سِتّ وَخمسين وَهُوَ اربعة وَعِشْرُونَ مجلدا وَمن تآليفه كتاب (الصادع (فِي الرَّد على من قَالَ بالتقليد وَكتاب (شرح أَحَادِيث الْمُوَطَّأ (وَكتاب (الْجَامِع (فس صَحِيح الحَدِيث بِاخْتِصَار الاسانيد وَكتاب (منتقى الاجماع (وَكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 (كشف الالتباب لما بَين الظَّاهِرِيَّة وَأَصْحَاب الْقيَاس (وَله (السِّيرَة النَّبَوِيَّة (فِي مُجَلد وتصانيفه كَثِيرَة قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان كَانَ ابْن حزم حَامِل فنون من حَدِيث وَفقه وجدل وَنسب وَمَا يتَعَلَّق بأذيال الادب مَعَ الْمُشَاركَة فِي أَنْوَاع التعاليم الْقَدِيمَة من الْمنطق والفلسفة وَله كتب كَثِيرَة لم يخل فِيهَا من غلط لجراءته فِي التسور على الْفُنُون لاسيما الْمنطق فَإِنَّهُم زَعَمُوا انه زل هُنَالك وضل فِي سلوك المسالك وَخَالف أرسطو وَاضعه مُخَالفَة من لم يفهم غَرَضه وَلَا ارتاض وَمَال اولا فِي النّظر الى الشَّافِعِي وناضل عَنهُ حَتَّى وسم بِهِ فاستهدف بذلك لكثير من الْفُقَهَاء وعيب بالشذوذ ثمَّ عدل عَن ذَلِك الى الظَّاهِر فنقحه وجادل عَنهُ وَلم يكن يلطف صدعه بِمَا عِنْده بتعريض وَلَا بتدريج بل يصك بِهِ معارضه صك الجندل وينشقه انْشِقَاق الْخَرْدَل فتنفر عَنهُ الْقُلُوب وَتَقَع بِهِ الندوب حَتَّى استهدف الى فُقَهَاء وقته فتمالؤوا عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا على تضليله وشنعوا عَلَيْهِ وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عَن الدنو مِنْهُ فَطَفِقَ الْمُلُوك يقصدونه ويسيرونه عَن بِلَادهمْ الى ان انْتَهوا بِهِ مُنْقَطع أَثَره وَهِي بَلْدَة من بادية لبلة وَهُوَ فِي ذَلِك غير مرتدع وَلَا رَاجع الى آخر كَلَام لابي حَيَّان تركته اختصارا انْتهى توفّي 456 سنة سِتَّة وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَله اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَوله فِي الْقُرْآن قَول مهجور لَا نعلم قَائِلا بِهِ وَهُوَ من جملَة مجازفته وتهوره رَحمَه الله وَلَكِن النَّاظِم لما ذكر جَمِيع مَا قَالَه النَّاس فِي الْقُرْآن الْعَظِيم ذكر هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ من جملَة الْأَقْوَال الَّتِي قيلت وَإِلَّا فَشَيْخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى قد ذكر فِي الْمَسْأَلَة المصرية أَقْوَال النَّاس فِي الْقُرْآن فبلغت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 سَبْعَة أَقْوَال أَو ثَمَانِيَة وَلم يذكر قَول ابْن حزم هَذَا وَحَيْثُ ذكره النَّاظِم فَلَا بُد من بَيَان مَعْنَاهُ فَقَوله بل أَربع كل يُسمى بِالْقُرْآنِ هَذَا الَّذِي يُتْلَى وَالثَّانِي الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ فِي الصُّدُور وَالْمرَاد بالرسم الْخط وَقَوله هَذِه الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن وَهَذَا القَوْل من أبطل الاقوال الَّتِي قيلت فِي الْقُرْآن وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان قَوْله وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم الخ كَأَنَّهُ وَالله أعلم وَافق الاشاعرة والكلابية فِي إِثْبَات الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَقد تقدم القَوْل فِي الْمَعْنى النَّفْسِيّ بِمَا أغْنى عَن الاعادة وَقَول النَّاظِم وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد الى قَوْله ان الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع الخ أَي ان الْمعِين كزيد مثلا لَهُ أَربع وجودات وجود خارجي وَوُجُود ذهني وَوُجُود لَفْظِي أَي فِي اللَّفْظ اذا تلفظت بِلَفْظ زيد وَوُجُود رسمي أَي خطي فَهَذِهِ الوجودات الاربعة وَهِي الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم} الْقَلَم 1 4 فَذكر الْمَرَاتِب الاربعة وَهِي الْوُجُود الْعَيْنِيّ الْخَارِجِي الَّذِي هُوَ خلقه وَذكر الْوُجُود الرسمي المطابق للفظي الدَّال على العلمي فمذهب ابْن حزم أَن الْقُرْآن فِي الْمَرَاتِب الثَّلَاثَة مَخْلُوق وَهِي وجوده الْعَيْنِيّ واللفظي والرسمي وَلَكِن الاولى بِالتَّسْمِيَةِ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ وجوده الْعَيْنِيّ بَقِي عِنْده الْمَعْنى الْقَدِيم فَهُوَ غير مَخْلُوق كَالْعلمِ وَقَول النَّاظِم بِخِلَاف قَول ابْن الْخَطِيب الخ أَي أَن قَول ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الْخَطِيب أَي الْفَخر الرَّازِيّ قَالَ ان الْكَلَام مَوْضُوع لما فِي الذِّهْن وهوالمعنى النَّفْسِيّ على مَا هُوَ مَعْرُوف من مَذْهَب الاشاعرة وَإنَّهُ معنى وَاحِد وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالله أخبر أَنه سُبْحَانَهُ ... مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْفرْقَان وكذاك أخبرنَا بِأَن كَلَامه ... بصدور أهل الْعلم والايمان وكذاك أخبر أَنه الْمَكْتُوب فِي ... صحف المطهرة من الرَّحْمَن وكذاك أخبر أَنه المتلو وَال ... مقروء عِنْد تِلَاوَة الانسان وَالْكل شَيْء وَاحِد لَا انه ... هُوَ أَربع وَثَلَاثَة وَاثْنَانِ وتلاوة الْقُرْآن أَفعَال لنا ... وَكَذَا الْكِتَابَة فَهِيَ خطّ بنان لكنما المتلو والمكتوب وَال ... مَحْفُوظ قَول الْوَاحِد المنان وَالْعَبْد يَقْرَؤُهُ بِصَوْت طيب ... وبضده فهما لَهُ صوتان وكذاك يَكْتُبهُ بِخَط جيد ... وبضده فهما لَهُ خطان أصواتنا ومدادنا وأداتنا ... وَالرّق ثمَّ كِتَابَة الْقُرْآن وَلَقَد أَتَى فِي نظمه من قَالَ قو ... ل الْحق فِيهِ وَهُوَ غير جبان ان الَّذِي هُوَ فِي الْمَصَاحِف مُثبت ... بأنامل الاشياخ والشبان هُوَ قَول رَبِّي آيه وحروفه ... ومدادنا وَالرّق مخلوقان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 .. فشفى وَفرق بَين متلو ... ومصنوع وَذَاكَ حَقِيقَة الْعرْفَان الْكل مَخْلُوق وَلَيْسَ كَلَامه المتلو ... مخلوقا هما شَيْئَانِ فَعَلَيْك بالتفصيل والتمييز فال ... إِطْلَاق والاجمال دون بَيَان قد أفسدا هَذَا الْوُجُود وخبطا ... الاذهان والآراء كل زمَان وتلاوة الْقُرْآن فِي تَعْرِيفهَا ... بِاللَّامِ قد يعْنى بهَا شَيْئَانِ يعْنى بهَا المتلو فَهُوَ كَلَامه ... هُوَ غير مَخْلُوق كذي الاكوان وَيُرَاد افعال الْعباد كصوتهم ... وأدائهم وَكِلَاهُمَا خلقان هَذَا الَّذِي نصت عَلَيْهِ أَئِمَّة ال ... إِسْلَام اهل الْعلم والعرفان وَهُوَ الَّذِي قصد البُخَارِيّ الرضى ... لَكِن تقاصر قَاصِر الاذهان عَن فهمه كتقاصر الافهام عَن ... قَول الامام الاعظم الشَّيْبَانِيّ فِي اللَّفْظ لما أَن نفى الضدين عَنهُ ... واهتدى للنَّفْي ذُو عرفان فاللفظ يصلح مصدرا هُوَ فعلنَا ... كتلفظ بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَكَذَلِكَ يصلح نفس ملفوظ بِهِ ... وَهُوَ الْقُرْآن فذان محتملان فلذاك انكر أَحْمد الاطلاق فِي ... نفي وَإِثْبَات بِلَا فرقان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان الْقِرَاءَة والمقروء والتلاوة والمتلو وَا لكتابة والمكتوب وَالْمَحْفُوظ وَاللَّفْظ والملفوظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَأَطْنَبَ فِي ذَلِك لِكَثْرَة مَا وَقع فِي ذَلِك من التخبيط والتخليط فَقَالَ وَالله أخبر أَنه سُبْحَانَهُ مُتَكَلم الخ كَمَا قَالَ تَعَالَى {حَتَّى يسمع كَلَام الله} التَّوْبَة 6 وَقَالَ تَعَالَى {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} العنكبوت 49 وَقَالَ تَعَالَى {فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة} عبس 13 14 وَقَالَ {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} الْقِيَامَة 18 ثمَّ قَالَ وَالْكل شَيْء وَاحِد لانه هُوَ أَربع وَثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثمَّ قَالَ ... وتلاوة الْقُرْآن أَفعَال لنا ... وَكَذَا الْكِتَابَة فَهِيَ خطّ بنان ... قَالَ شيخ الاسلام بعد كَلَام سبق وَكَانَ أهل الحَدِيث قد افْتَرَقُوا فِي ذَلِك أَي فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ فِي الْقُرْآن فَصَارَ طَائِفَة مِنْهُم يَقُولُونَ لفظنا بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق ومرادهم أَن الْقُرْآن المسموع غير مَخْلُوق وَلَيْسَ مُرَادهم صَوت العَبْد كَمَا يذكر ذَلِك عَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن دَاوُد المصِّيصِي وَطَوَائِف غير هَؤُلَاءِ وَفِي أَتبَاع هَؤُلَاءِ من قد يدْخل صَوت العَبْد أَو فعله فِي ذَلِك أَو يقف فِيهِ ففهم ذَلِك بعض الائمة فَصَارَ يَقُول أَفعَال الْعباد (و) أَصْوَاتهم مخلوقة ردا لهَؤُلَاء كَمَا فعل البُخَارِيّ وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وَغَيرهمَا من أهل الْعلم وَالسّنة وَصَارَ يحصل بِسَبَب كَثْرَة الْخَوْض فِي ذَلِك الفاظ مُشْتَركَة وَأَهْوَاء للنفوس حصل بِسَبَب ذَلِك نوع من الْفرْقَة والفتنة وَحصل بَين البُخَارِيّ وَبَين مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي ذَلِك مَا هُوَ مَعْرُوف وَصَارَ قوم مَعَ البُخَارِيّ كمسلم بن الْحجَّاج وَنَحْوه وَقوم عَلَيْهِ كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَنَحْوهمَا وكلا هَؤُلَاءِ من أهل الْعلم وَالسّنة والْحَدِيث وهم من أَصْحَاب أَحْمد بن حَنْبَل وَلِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة إِن أهل السّنة لم يَخْتَلِفُوا فِي شَيْء من أقواهم إِلَّا فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ وَصَارَ قوم يطلقون القَوْل بِأَن التِّلَاوَة هِيَ المتلو وَالْقِرَاءَة هِيَ المقروء وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 مُرَادهم بالتلاوة الْمصدر فَالَّذِينَ قَالُوا التِّلَاوَة هِيَ المتلو من أهل الْعلم وَالسّنة قصدُوا بذلك أَن التِّلَاوَة هِيَ القَوْل وَالْكَلَام المقترن بالحركة وَهِي الْكَلَام المتلو وَآخَرُونَ قَالُوا بل التِّلَاوَة غير المتلو وَالْقِرَاءَة غير المقروء وَالَّذين قَالُوا ذَلِك من أهل السّنة والْحَدِيث أَرَادو بذلك أَن أَفعَال الْعباد لَيست هِيَ كَلَام الله وَلَا أصوات الْعباد هِيَ صَوت الله وَهَذَا الَّذِي قَصده البُخَارِيّ وَهُوَ مَقْصُود صَحِيح انْتهى كَلَامه مُلَخصا من كتاب (الْعقل وَالنَّقْل ( وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْحَافِظ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفضل الصَّيْدَاوِيُّ سَمِعت اسحق بن دَاوُد الشعراني يذكر أَنه عرض على مُحَمَّد بن أسلم الطوسي كَلَام بعض من تكلم فِي الْقُرْآن فَقَالَ مُحَمَّد الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق أَيْن ماتلي وَحَيْثُ ماكتب لَا يتَغَيَّر وَلَا يتَحَوَّل وَلَا يتبدل قَالَ الذَّهَبِيّ صدق وَالله فانك تنقل من الْمُصحف مائَة مصحف وَذَاكَ الاول لايتحول فِي نَفسه وَلَا يتَغَيَّر وتلقن الْقُرْآن ألف نفس وَمَا فِي نَفسك بَاقٍ بهيئته لَا يفصل عَنْك وَلَا يتَغَيَّر وَذَلِكَ لِأَن الْمَكْتُوب وَاحِد وَالْكِتَابَة تعدّدت وَالَّذِي فِي صدرك وَاحِد وَمَا فِي صُدُور المقرئين هُوَ عين مَا فِي صدرك سَوَاء والمتلو وان تعدد التالون بِهِ وَاحِد مَعَ كَونه سور وآيات وأجزاء مُتعَدِّدَة وَهُوَ كَلَام الله ووحيه وتنزيله وإنشاؤه لَيْسَ هُوَ بكلامنا أصلا نعم وتكلمنا بِهِ وتلاوتنا لَهُ ونطقنا بِهِ من أفعالنا وَكَذَلِكَ كتابتنا لَهُ وأصواتنا بِهِ من أَعمالنَا قَالَ الله عز وَجل {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} الصافات 96 فالقرآن المتلو مَعَ قطع النّظر عَن أَعمالنَا كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق وَهَذَا إِنَّمَا يحصله الذِّهْن وَأما فِي الْخَارِج فَلَا يَتَأَتَّى وجود الْقُرْآن إِلَّا من تال وَفِي مصحف فَإِذا سَمعه الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 رب الْعَالمين فالتلاوة اذا ذَاك والمتلو ليسَا بمخلوقين وَلِهَذَا يَقُول الامام أَحْمد من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق يُرِيد بِهِ الْقُرْآن فَهُوَ جهمي فَتَأمل هَذَا فَالْمَسْأَلَة صعبة وَمَا فصلته فِيهَا وَإِن كَانَ حَقًا فَأَحْمَد رَحمَه الله تَعَالَى وعلماء السّلف لم يأذنوا فِي التَّعْبِير عَن ذَلِك وفروا عَن الْجَهْمِية وَمن الْكَلَام بِكُل مُمكن حَتَّى إِن حَرْب بن اسماعيل قَالَ سَمِعت ابْن رَاهَوَيْه وَسُئِلَ عَن الرجل يَقُول الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق وقراءتي إِيَّاه مخلوقة لِأَنِّي أحكيه فَقَالَ هَذَا بِدعَة لَا يقار على هَذَا حَتَّى يدع قَوْله قلت أَظن اسحق نفر من قَوْله لاني أحكيه بِحَيْثُ أَن الْحَافِظ الثبت عبد الله بن الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَأَلت أبي فِي رجل قَالَ التِّلَاوَة مخلوقة وألفاظنا بِالْقُرْآنِ مخلوقة وَالْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق قَالَ هَذَا كَلَام الْجَهْمِية قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} التَّوْبَة 6 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَتَّى أبلغ كَلَام رَبِّي (وَقَالَ (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَكَانَ أبي يكره أَن يتَكَلَّم فِي اللَّفْظ بِشَيْء اَوْ يُقَال مَخْلُوق أوغير مَخْلُوق قلت فعل الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ هَذَا حسما للمادة والا فالملفوظ كَلَام الله والتلفظ بِهِ فَمن كسبنا انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ وَقَول النَّاظِم وَهُوَ الَّذِي قصد البُخَارِيّ الرضى الى آخِره يَعْنِي ان الامام أَحْمد قَالَ فِيمَا نقل عَنهُ نقلا مستفيضا أَنه قَالَ من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي وَمن قَالَ غير مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع قَالَ النَّاظِم فِي كتاب (الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة (فان قيل فاذا كَانَ الامر كَمَا قررتم فَكيف أنكر الامام احْمَد على من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وبدعة وَنسبه الى التجهم وَهل كَانَت محنة أبي عبد الله البُخَارِيّ الا على ذَلِك حَتَّى هجره أهل الحَدِيث ونسبوه الى القَوْل بِخلق الْقُرْآن قيل معَاذ الله أَن يظنّ بأئمة الاسلام هَذَا الظَّن الْفَاسِد فقد صرح البُخَارِيّ فِي كِتَابه (خلق أَفعَال الْعباد (وَفِي آخر (الْجَامِع (بِأَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَقَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ أدْركْت مشيختنا مُنْذُ سبعين سنة مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار يَقُولُونَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق الى أَن قَالَ فَالْبُخَارِي أعلم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَأولى بِالصَّوَابِ فِيهَا من جَمِيع من خَالفه وَكَلَامه أوضح وأمتن من كَلَام أبي عبد الله فان الامام احْمَد سد الذريعة حَيْثُ منع اطلاق لفظ الْمَخْلُوق نفيا وإثباتا على اللَّفْظ وَهَذَا الْمَنْع فِي النَّفْي والاثبات من كَمَال علمه باللغة وَالسّنة وتحقيقه لهَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ امتحن بِمَا لم يمْتَحن بِهِ غَيره وَصَارَ كَلَامه قدوة وإماما لحزب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى يَوْم الْقِيَامَة وَالَّذِي قَصده حمد ن اللَّفْظ يُرَاد بِهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الملفوظ نَفسه وَهُوَ غير مَقْدُور للْعَبد وَلَا فعل لَهُ وَالثَّانِي التَّلَفُّظ بِهِ والادالة وَفعل العَبْد فاطلاق الْخلق على اللَّفْظ قد يُوهم الْمَعْنى الاول وَهُوَ خطأ واطلاق نفي الْخلق عَلَيْهِ قد يُوهم الْمَعْنى الثَّانِي وَهُوَ خطأ فَمنع الاطلاقين وَأَبُو عبد الله البُخَارِيّ ميز وَفصل وَأَشْبع الْكَلَام فِي ذَلِك وَفرق بَين مَا قَامَ بالرب وَبَين مَا قَامَ بِالْعَبدِ وأوقع الْمَخْلُوق على تلفظ الْعباد وأصواتهم وحركاتهم وأكسابهم وَنفى اسْم الْخلق عَن الملفوظ وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي سَمعه جِبْرِيل من الله تَعَالَى وسَمعه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِبْرِيل وَقد شفى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب (خلق أَفعَال الْعباد (وأتى فِيهَا من الْفرْقَان وَالْبَيَان بِمَا يزِيل الشُّبْهَة ويوضح الْحق وَيبين مَحَله من الامامة وَالدّين ورد على الطَّائِفَتَيْنِ أحسن الرَّد وَقَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فَأَما مَا احْتج بِهِ الْفَرِيقَانِ لمَذْهَب احْمَد ويدعيه كل لنَفسِهِ فَلَيْسَ بِثَابِت كثير من اخبارهم وَرُبمَا لم يفهموا دقة مذْهبه بل الْمَعْرُوف عَن احْمَد وَأهل الْعلم ان كَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق وَمَا سواهُ فَهُوَ مَخْلُوق وانهم كَرهُوا الْبَحْث والتفتيش عَن الاشياء الغامضة و (كَانَ) يجْتَنب اهل الْكَلَام والخوض والتنازع الا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْعلم وَبَينه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفَرِيقَانِ اللَّذين عناهما البُخَارِيّ وتصدى للرَّدّ عَلَيْهِمَا وابطال قَوْلهمَا ثمَّ أخبر البُخَارِيّ ان كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ الزائغتين تحتج بِأَحْمَد وتزعم ان قَوْلهَا قَوْله وَهُوَ كَمَا قَالَ رَحمَه الله فَإِن اولئك اللفظية يَزْعمُونَ أَنه كَانَ يَقُول لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق وَأَنه على ذَلِك اسْتَقر أمره وَهَذَا قَول من يَقُول التِّلَاوَة هِيَ المتلو وَالْقِرَاءَة هِيَ المقروء وَالْكِتَابَة هِيَ الْمَكْتُوب والطائفة الثَّانِيَة الَّذين يَقُولُونَ التِّلَاوَة وَالْقِرَاءَة مخلوقة وَيَقُولُونَ ألفاظنا بِالْقُرْآنِ مخلوقة ومرادهم بالتلاوة وَالْقِرَاءَة نفس أَلْفَاظ الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمتلو والمقروء عِنْدهم هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِالنَّفسِ وَهُوَ غير مَخْلُوق وَهُوَ اسْم لِلْقُرْآنِ فاذا قَالُوا الْقُرْآن غير مَخْلُوق أَرَادوا بِهِ ذَلِك الْمَعْنى وَهُوَ المتلو والمقروء واما المقروء والمسموع الْمُثبت فِي الْمَصَاحِف فَهُوَ عبارَة عَنهُ وَهُوَ مَخْلُوق وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ التِّلَاوَة غير المتلو وَالْقِرَاءَة غير المقروء وَالْكِتَابَة غير الْمَكْتُوب وَهِي مخلوقة والمتلو المقروء غير مَخْلُوق وَهُوَ غير مسموع فانه لَيْسَ بحروف وَلَا أصوات وَالْفَرِيقَانِ مَعَ كل مِنْهُمَا حق وباطل فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق اما الْفَرِيق الاول فَأَصَابُوا فِي قَوْلهم إِن الله تَعَالَى تكلم بِهَذَا الْقُرْآن على الْحَقِيقَة حُرُوفه ومعانيه تكلم بِهِ بِصَوْتِهِ وأسمعه من شَاءَ من مَلَائكَته وَلَيْسَ هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ مخلوقا من جملَة الْمَخْلُوقَات وأخطؤوا فِي قَوْلهم إِن هَذَا الصَّوْت المسموع من القارىء هُوَ الصَّوْت الْقَائِم بِذَات الرب تَعَالَى وانه غير مَخْلُوق وان تلاوتهم قراءتهم وَأَلْفَاظهمْ الْقَائِمَة بهم غير مخلوقة فَهَذَا غلو فِي الاثبات يجمع بَين الْحق وَالْبَاطِل وَأما الْفَرِيق الثَّانِي فَأَصَابُوا فِي قَوْلهم إِن أصوات الْعباد وتلاوتهم وقراءتهم وَمَا قَامَ بهم من أفعالهم وتلفظهم بِالْقُرْآنِ وكتابتهم لَهُ مَخْلُوق وأخطؤوا فِي قَوْلهم إِن هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي بلغه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الله مَخْلُوق وَلم يتَكَلَّم بِهِ الرب وَلَا سمع مِنْهُ وَإِن كَلَام الله هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ بحروف وَلَا سور وَلَا آيَات وَلَا لَهُ بعض وَلَا كل وَلَيْسَ بعربي وَلَا عبراني بل هَذِه عِبَارَات مخلوقه تدل على هَذَا الْمَعْنى وَالْحَرب وَاقع بَين هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ من بعد موت الامام أَحْمد الى الْآن فانه لما مَاتَ الامام أَحْمد قَالَ طَائِفَة مِمَّن ينْسب اليه مِنْهُم مُحَمَّد بن دَاوُد المصِّيصِي وَغَيره ألفاظنا بِالْقُرْآنِ غير مخلوقة وحكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ذَلِك عَن الامام أَحْمد فَأنْكر عَلَيْهِم صَاحب الامام أَحْمد وأخص النَّاس بِهِ أَبُو بكر الْمَرْوذِيّ ذَلِك وصنف كتابا مَشْهُورا ذكره الْخلال فِي (السّنة ثمَّ نصر هَذَا القَوْل أَبُو عبد الله بن حَامِد وَأَبُو نصر السجْزِي وَغَيرهمَا ثمَّ نصرهما بعده القَاضِي أَبُو يعلى وَغَيره ثمَّ ابْن الزَّاغُونِيّ وَهُوَ خطأ على أَحْمد فقابل هَؤُلَاءِ الْفَرِيق الثَّانِي وَقَالُوا إِن نفس هَذِه الالفاظ مخلوقة لم يتَكَلَّم الله بهَا وَلم تسمع مِنْهُ وَإِنَّمَا كَلَامه هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِنَفسِهِ وَقَالُوا هَذَا قَول أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وأئمة السّنة برَاء من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ وَالثَّابِت الْمُتَوَاتر عَن الامام أَحْمد هُوَ مَا نَقله عَنهُ خَواص أَصْحَابه وثقاتهم كابنيه صَالح وَعبد الله والمروذي وَغَيرهم الانكار على الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا ذكره البُخَارِيّ فَأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ على خلاف قَول الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ يَقُول من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي وَمن قَالَ غير مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع وَإِن الْقُرْآن وَإِن الْقُرْآن الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسلمُونَ هُوَ كَلَام الله على الْحَقِيقَة وَحَيْثُ تعرف كَلَام الله فَهُوَ غير مَخْلُوق وَكَانَ يَقُول بِخلق أَفعَال الْعباد وأصواتهم وَأَن الصَّوْت المسموع من القارىء هُوَ صَوته وَهُوَ مَخْلُوق وَيَقُول فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ (مَعْنَاهُ يُحسنهُ بِصَوْتِهِ كَمَا قَالَ (زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ (انْتهى كَلَام النَّاظِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 قَالَ النَّاظِم رَحمَه اله تَعَالَى فصل فِي مقالات الفلاسفة والقرامطة فِي كَلَام الرب جلّ جَلَاله ... وأتى ابْن سينا القرمطي مصانعا ... للْمُسلمين بافك ذِي بهتان فَرَآهُ فيضا فاض من عقل هُوَ الفعال عِلّة هَذِه الأكوان ... حَتَّى تَلقاهُ زكي فَاضل حسن التخيل جيد التِّبْيَان ... فَأتى بِهِ للْعَالمين خطابة مواعظا عريت عَن الْبُرْهَان ... مَا صرحت أخباره بِالْحَقِّ بل رمزت إِلَيْهِ إِشَارَة لمعان ... وخطاب هَذَا الْحق وَالْجُمْهُور بِالْحَقِّ الصَّرِيح فَغير ذِي إِمْكَان لَا يقبلُونَ حقائق الْمَعْقُول إِلَّا فِي مِثَال الْحس والأعيان ... ومشارب الْعُقَلَاء لَا يردونها إِلَّا إِذا وضعت لَهُم بأوان ... من جنس مَا ألفت طباعهم من المحسوس فِي ذَا الْعَالم الجثمان فَأتوا بتشبيه وتمثيل وتجسيم وتخييل إِلَى الأذهان ... ولذاك يحرم عِنْدهم تَأْوِيله لكنه حل لذِي الْعرْفَان ... فَإِذا تأولناه كَانَ جِنَايَة منا وخرق سياج ذَا الْبُسْتَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 .. لَكِن حَقِيقَة قَوْلهم أَن قد أَتَوْ بِالْكَذِبِ عِنْد مصَالح الْإِنْسَان ... والفيلسوف وَذَا الرَّسُول لديهم متفاوتان وَمَا هما عَدْلَانِ ... أما الرَّسُول ففيلسوف عوامهم والفيلسوف نَبِي ذِي الْبُرْهَان ... وَالْحق عِنْدهم فَفِيمَا قَالَه وَأَتْبَاع صَاحب منطق اليونان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى كَلَام المتفلسفة فِي كَلَام الله تَعَالَى كَابْن سينا وَأَتْبَاعه وَمن وافقهم من متصوف ومتكلم فَإِن كَلَام الله عِنْدهم لَيْسَ لَهُ وجود خَارج عَن نفوس الْعباد بل هُوَ مَا يفِيض على النُّفُوس من الْمعَانِي إعلاما أَو طلبا إِمَّا من الْعقل الفعال كَمَا يَقُوله كثير من المتفلسفة وَإِمَّا مُطلقًا كَمَا يَقُوله بعض متصوفة الفلاسفة أَفَادَهُ شيخ الْإِسْلَام وَقَالَ فِي كَلَامه على حَدِيث النُّزُول بعد كَلَام سبق ثمَّ لما أَرَادوا تَقْرِير النُّبُوَّة جعلوها فيضا يفِيض على نفس النَّبِي من الْعقل الفعال أَو غَيره من غير أَن يكون رب الْعَالمين يعلم لَهُ رَسُولا معينا وَلَا يُمَيّز بَين مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلَا يعلم الجزئيات وَلَا نزل من عِنْده ملك بل جِبْرِيل هُوَ خيال يتخيل فِي نفس النَّبِي وَهُوَ الْعقل الفعال وأنكروا أَن تكون السَّمَوَات تَنْشَق وتنفطر وَغير ذَلِك مِمَّا أخبر بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَعَمُوا أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خطاب الْجُمْهُور بِمَا يخيل إِلَيْهِم بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ من غير أَن يكون الْأَمر فِي نَفسه كَذَلِك وَمن غير أَن تكون الرُّسُل بيّنت الْحَقَائِق وَعلمت النَّاس مَا الْأَمر عَلَيْهِ ثمَّ مِنْهُم من يفضل الفيلسوف على النَّبِي وَحَقِيقَة قَوْلهم أَن الْأَنْبِيَاء كذبُوا للْمصْلحَة لما ادعوهُ من نفع النَّاس وَهل كَانُوا جهلاء على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 قَوْلَيْنِ لَهُم إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الْإِلْحَاد وَالْكفْر الصَّرِيح وَالْكذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَقد بَين فِي غير هَذَا الْموضع أَن هَؤُلَاءِ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بعد النّسخ والتبديل وَأَن تظاهروا الْإِسْلَام فَإِنَّهُم يظهرون من مُخَالفَة الْإِسْلَام أعظم مِمَّا كَانَ يظهره المُنَافِقُونَ الَّذين كَانُوا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ المُنَافِقُونَ الْيَوْم شَرّ من الْمُنَافِقين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل وَلم ذَلِك قَالَ لأَنهم كَانُوا يسرون نفاقهم وهم الْيَوْم يعلنونه وَلم يكن على عهد حُذَيْفَة من وصل إِلَى هَذَا النِّفَاق وَلَا إِلَى قريب مِنْهُ انْتهى قَوْله خطابة بِفَتْح الْخَاء مَا ركب من مُقَدمَات مَقْبُولَة أَو من مُقَدمَات مظنونة وَسميت بذلك لِأَن الْقَصْد مِنْهَا ترغيب الْمُخَاطب فِيمَا يَفْعَله الخطباء كَذَا ذكر المنطقيون قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَمضى على هدي الْمقَالة أمة خلف ابْن سينا فاغتذروا بلبان ... مِنْهُم نصير الْكفْر فِي أَصْحَابه الناصرين لملة الشَّيْطَان ... فاسال بهم ذَا خبْرَة تلقاهم أَعدَاء كل موحد رباني ... واسأل بهم ذَا خبْرَة تلقاهم أَعدَاء رسل الله وَالْقُرْآن ... صوفيهم عبد الْوُجُود الْمُطلق الْمَعْدُوم عِنْد الْعقل فِي الْأَعْيَان أَو ملحد بالاتحاد يدين لَا التَّوْحِيد منسلخ من الْأَدْيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 .. معبوده موطوؤه فِيهِ يرى وصف الْجمال ومظهر الاحسان ... الله أكبر كم على ذَا الْمَذْهَب الملعون بَين النَّاس من شَيْخَانِ يَبْغُونَ مِنْهُم دَعْوَة ويقبلو ... ن أياديا مِنْهُم رجا الغفران لَو أَنهم عرفُوا حَقِيقَة أَمرهم ... رجموهم لَا شكّ بالصوان فابذر لَهُم إِن كنت تبغي كشفهم ... وافرش لَهُم كفا من الأتبان وَأظْهر بمظهر قَابل مِنْهُم وَلَا ... تظهر بمظهر صَاحب النكران وَانْظُر إِلَى أَنهَار كفر فجرت وتهم لَوْلَا السَّيْف بالجريان ... يَقُول النَّاظِم إِنَّه قد مضى على هَذِه الْمقَالة أمة خلف ابْن سينا مِنْهُم نصير الْكفْر وَأَصْحَابه يَعْنِي النصير الطوسي وَنَحْوه قَوْله فاغتذروا بلبان اللبان بِكَسْر اللَّام قَالَ الأعلم هُوَ للآدمين وَاللَّبن لغَيرهم وَقد يكون جمع لبن فِي هَذَا الْموضع قَوْله صوفيهم عبد الْوُجُود الْمُطلق الخ أَي أَن صوفيتهم عِنْدهم أَن الرب تَعَالَى عَن قَوْلهم هُوَ الْوُجُود الْمُطلق الساري فِي الموجوات والوجود الْمُطلق لَا يُوجد إِلَّا فِي الذِّهْن وَقد تقدم حِكَايَة مذاهبهم فِي الْفَصْل الَّذِي فِيهِ قدوم ركبهمْ قَوْله معبوده موطوؤه أَي أَن الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود يَعْتَقِدُونَ ذَلِك لأَنهم يعْبدُونَ الْوُجُود الْمُطلق قَوْله ... الله أكبر كم على ذَا الْمَذْهَب الم ... لمعون بَين النَّاس من شَيْخَانِ ... أَي كم على هَذَا الْمَذْهَب من مَشَايِخ الضلال المنتحلين لأنواع الْكفْر والمحال قَوْله من شَيْخَانِ بِكَسْر الشين هُوَ جمع شيخ أَي على ذَا الْمَذْهَب مشابخ كَثِيرُونَ وَالنَّاس يعظمونهم لعدم معرفتهم بأقوالهم وَلِأَنَّهُم يظهرون التقى والتقشف ويربطون الْعَوام بالحث على لُزُوم الْكتاب وَالسّنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وتعظيم الرُّسُل ظَاهرا ويعظمون مَشَايِخ الزّهْد والتصوف وينتحلون أَقْوَالهم ويعظمونها فَلهَذَا الْتبس امرهم على النَّاس وَقد يُوجد فِي كَلَام بَعضهم كَابْن عَرَبِيّ تنقص الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ يُوجد فِي كَلَامه تنقص مَشَايِخ الزّهْد والتصوف المتبعين للْكتاب وَالسّنة كالجنيد وَأَمْثَاله ويمدح المذمومين عِنْد الْمُسلمين كالحلاج وَأَمْثَاله وَفِي كتاب (الْفرْقَان (لشيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى وَلما كَانَت أَحْوَال هَؤُلَاءِ شيطانية كَانُوا مناقضين للرسل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم كَمَا يُوجد فِي كَلَام صَاحب (الفتوحات (المكية و (الفصوص (وَأَشْبَاه ذَلِك بمدح الْكفَّار مثل قوم نوح وَهود وَفرْعَوْن وَغَيرهم ويتنقص بالأنبياء كنوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وهرون ويذم شُيُوخ الْمُسلمين المحمودين عِنْد الْمُسلمين كالجنيد بن مُحَمَّد وَسُهيْل بن عبد الله التسترِي ويمدح المذمومين عِنْد الْمُسلمين كالحلاج وَنَحْوه انْتهى وَقَوله يَبْغُونَ مِنْهُم دَعْوَة ويقبلون اياديا هِيَ جمع يَد أَي أَن النَّاس يقبلُونَ أيادي الْمَشَايِخ الْمَذْكُورين وَيطْلبُونَ مِنْهُم الدُّعَاء وَلَو علمُوا حَقِيقَة قَوْلهم أَي لَو علمُوا مَا يَقُولُونَ بِهِ من وحدة الْوُجُود لرجموهم لَا شكّ بالصوان أَي بِالْحِجَارَةِ الصوانه مُشَدّدَة ضرب من الْحِجَارَة شَدِيد جمع صوان قَالَه فِي (الْقَامُوس ( وَقَوله فابذر لَهُم إِن كنت تبغي كشفهم الخ أَي إِن أردْت أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 يظهروا لَك حَقِيقَة اعْتِقَادهم فأعطهم شَيْئا من حطام الدُّنْيَا واظهر بمظهر قَابل مِنْهُم وَلَا تبدلهم الانكار فانك إِذا فعلت ذَلِك أظهرُوا لَك أَقْوَالهم الكفرية المتضمنة للكذب والسخرية وَقَوله ... وَانْظُر الى انهار كفر فجرت وتهم لَوْلَا السَّيْف بالجريان ... يُقَال وَالله الْمُسْتَعَان قد جرت تِلْكَ الانهار حَتَّى مَلَأت الديار والقفار وَقد أثقلت كتب هَؤُلَاءِ الملاعين ظهر البسيطة فَانْظُر ترى يَا من لَهُ عينان وَالله الْمُسْتَعَان وان شِئْت أَن تعرف ذَلِك فطالع كتب ابْن عَرَبِيّ ك (الفتوحات المكية (و (الفصوص (وشروحها و (تائية ابْن الفارض (وشروحها وتصانيف الْعَفِيف التلمساني وَالشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي ومؤلفات عبد الرزاق الكاشي وَكتاب (الانساني الْكَامِل (للجيلي وقصيدته العينية وَغَيرهَا وَالله الْموعد وَلَقَد أحسن أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ فِي قَوْله ... حلبت الدَّهْر أشطره زَمَانا وأغناني العيان عَن السُّؤَال ... فَمَا أَبْصرت من خل وَفِي وَلَا ألفيت مشكور الْخلال ... ذئاب فِي ثِيَاب قد تبدت لرائيها بأشكال الرِّجَال ... فَمن يَك يَدعِي مِنْهُم صلاحا فزنديق تغلغل فِي الضلال ... فَيَأْخُذ مَا لَهُم ويصيب مِنْهُم نِسَاءَهُمْ بمقبوح الفعال ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 .. وَيَأْخُذ حَاله زورا فَيَرْمِي ... عمَامَته ويهرب فِي الرمال ويجرون التيوس وَرَاء رِجْس ... تقرمط فِي العقيدة والفعال ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مقالات طوائف الاتحادية فِي كَلَام الرب جلّ جَلَاله ... وَأَتَتْ طوائف الِاتِّحَاد بِملَّة ... طمت على مَا قَالَ كل لِسَان قَالُوا كَلَام الله كل كَلَام هَذَا ... الْخلق من جن وَمن إِنْسَان نظما ونثرا زوره وَصَحِيحه ... صدقا وكذبا وَاضح الْبطلَان فالسب والشتم الْقَبِيح وقذفهم ... للمحصنات وكل نوع أغان وَالنوح والتعزيم وَالسحر الْمُبين ... وَسَائِر الْبُهْتَان والهذيان هُوَ عين قَول الله جلّ جَلَاله ... وَكَلَامه حَقًا بِلَا نكران هَذَا الَّذِي أدّى اليه أصلهم ... وَعَلِيهِ قَامَ مكسح الْبُنيان إِذْ أصلهم أَن الاله حَقِيقَة ... عين الْوُجُود وَعين ذِي الاكوان فكلامها وصفاتها هُوَ قَوْله ... وَصِفَاته مَا هَا هُنَا قَولَانِ وكذاك قَالُوا إِنَّه الْمَوْصُوف بالضدين ... من قبح وَمن احسان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 .. وكذاك قد وصفوه أَيْضا بالكما ... ل وضده من سَائِر النُّقْصَان هذي مقالات الطوائف كلهَا ... حملت اليك رخيصة الاثمان وأظن لَو فتشت كتب النَّاس مَا ... ألفيتها أبدا بذا التِّبْيَان زفت اليك فان يكن لَك نَاظر ... أَبْصرت ذَات الْحسن والاحسان ... أَقُول حَاصِل كَلَام الاتحادية كَمَا قَالَ النَّاظِم ان جَمِيع كَلَام الْخلق كَلَام الله نظمه ونثره زوره وَصَحِيحه صدقه وَكذبه جَمِيعه كَلَام الله تَعَالَى عَن ذَلِك كَمَا قَالُوا ... وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه ... سَوَاء كَانَ علينا نثره ونظامه ... عَلَيْهِم لعائن الله المتتابعة الى يَوْم الدّين قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فاعطف على الْجَهْمِية الْمغل الالى ... خرقوا سياج الْعقل وَالْقُرْآن ... تقدم معنى السياج ... شرد بهم من خَلفهم واكسرهم ... بل نَاد فِي ناديهم بِأَذَان أفسدتم الْمَنْقُول والمعقول والمسموع ... من لُغَة بِكُل لِسَان أيصح وصف الشَّيْء بالمشتق للمسلوب ... مَعْنَاهُ لذِي الاذهان أيصح صبار وَلَا صَبر لَهُ ... وَيصِح شكار بِلَا شكران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 .. وَيصِح علام وَلَا علم لَهُ ... وَيصِح غفار بِلَا غفران وَيُقَال هَذَا سامع أَو مبصر ... والسمع والابصار مفقودان هَذَا محَال فِي الْعُقُول وَفِي النقول ... وَفِي اللُّغَات وَغير ذِي إِمْكَان فلئن زعمتم انه مُتَكَلم ... لَكِن بقول قَامَ بالانسان اَوْ غَيره فَيُقَال هَذَا بَاطِل ... وَعَلَيْكُم فِي ذَاك محذوران نفي اشتقاق اللَّفْظ للموجود ... مَعْنَاهُ بِهِ وثبوته للثَّانِي أَعنِي الَّذِي مَا قَامَ مَعْنَاهُ بِهِ ... قلب الْحَقَائِق أقبح الْبُهْتَان وَنَظِير ذَا اخوان هَذَا مبصر ... وَأَخُوهُ مَعْدُود من العميان سميتم الْأَعْمَى بَصيرًا إِذْ أَخُو ... هـ مبصر وبعكسه فِي الثَّانِي فلئن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت ... فِي فعله كالخلق للاكوان وَالْفِعْل لَيْسَ بقائم بإلهنا ... إِذْ لَا يكون مَحل ذِي حدثان وَيصِح أَن يشتق مِنْهُ خَالق ... فَكَذَلِك الْمُتَكَلّم الوحدان ... هُوَ فَاعل لكَلَامه وَكتابه ... لَيْسَ الْكَلَام لَهُ بِوَصْف معَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي توضيح مَا تقدم فَقَالَ فاعطف على الْجَهْمِية الْمغل الالى الخ أَي أَن الْجَهْمِية خالفوا الْعقل وَالنَّقْل فَلهَذَا قَالَ شرد بهم من خَلفهم والتشريد التَّفْرِيق مَعَ الِاضْطِرَاب والازعاج قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {فشرد بهم من خَلفهم} الانفال 57 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 قَالَ شردهم سمع بهم وَقَالَ الزّجاج افْعَل بهم فعلا من الْقَتْل تفرق بِهِ من خَلفهم يُقَال شَردت بني فلَان قلعتهم عَن مواضعهم وطردتهم عَنْهَا حَتَّى فارقوها وَمِنْه شرد الْبَعِير إِذا فَارق صَاحبه بل نَاد فِي ناديهم بِأَذَان أَي ارْفَعْ صَوْتك فِي ناديهم أَي مجلسهم والنادي قَالَ فِي (الْقَامُوس (النادي والندوة والمنتدى مجْلِس الْقَوْم نَهَارا أَو الْمجْلس مَا داموا مُجْتَمعين فِيهِ والاذان فِي اللُّغَة الاعلام قَالَ الله تَعَالَى {وأذان من الله وَرَسُوله} التَّوْبَة 3 أَي قل للجهمية أفسدتم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول واللغة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَقل أيصح وصف الشَّيْء بالمشتق للمسلوب مَعْنَاهُ فَهَل يَصح صبار وَلَا صَبر لَهُ وَهل يَصح شكار وَلَا شكر لَهُ وَيصِح علام وَلَا علم لَهُ وَيصِح غفار بِلَا مغْفرَة وَيصِح ان يُقَال هَذَا سامع اَوْ مبصر لمن لَا سمع لَهُ وَلَا بصر ان هَذَا محَال فِي الْعقل وَالنَّقْل واللغة قَوْله مكسح الْبُنيان هُوَ اسْم مفعول من كسح يكسح كسحا فَهُوَ مكسح قَالَ فِي (الْقَامُوس (الكساحة الكناسة والزمانة فِي الْيَدَيْنِ كسح كفرح وَهُوَ أكسح وكسحان والكساح دَاء لِلْإِبِلِ والمكسح المقشر والكسيح الْعَاجِز والاكسح الاعرج والمقعد جمع كسحان انْتهى ثمَّ قَالَ ... فلئن زعمتم انه مُتَكَلم لَكِن بقول قَامَ بالانسان ... اَوْ غَيره فَيُقَال هَذَا بَاطِل وَعَلَيْكُم فِي ذَاك محذوران ... نفى اشتقاق اللَّفْظ الخ أَي أَنه يلزمكم إِذا قُلْتُمْ بذلك أَن تنفوا اشتقاق اللَّفْظ للموجود مَعْنَاهُ بِهِ الخ لَان لفظ مُتَكَلم مُشْتَقّ من الْكَلَام واذا أضفتم الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الى غير من قَامَ بِهِ كَانَ ذَلِك محالا وَهُوَ قلب للحقائق وَهُوَ بِمَنْزِلَة أَخَوَيْنِ بَصِير واعمى فَهَل يُسمى الاعمى بَصيرًا لَان أَخَاهُ مبصر وَهل يُسمى المبصر أعمى لَان أَخَاهُ أعمى فَهَل فِي قلب الْحَقَائِق مثل هَذَا وَقَوله فلئن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت فِي فعله الخ أَي إِن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت فِي فعله أَي لَان الْفِعْل عِنْدهم هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل لَيْسَ قَائِما بِاللَّه تَعَالَى عِنْدهم لِئَلَّا تقوم بِهِ الْحَوَادِث عِنْدهم وَلَكِن يَصح أَن يشتق مِنْهُ خَالق فَكَذَلِك الْكَلَام فَهُوَ عِنْدهم فَاعل لكَلَامه وَكتابه وَلم يزدْ النَّاظِم على هَذَا القَوْل هُنَا لانه سيبسط الْكَلَام عَلَيْهِ فِيمَا بعد قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ومخالف الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول والفطرات والمسموع للانسان ... من قَالَ إِن كَلَامه سُبْحَانَهُ وصف قديم أحرف وَمَعَان ... وَالسِّين عِنْد الْبَاء لَيست بعْدهَا لَكِن هما حرفان مقترنان ... أَو قَالَ إِن كَلَامه سُبْحَانَهُ معنى قديم قَامَ بالرحمن ... مَا إِن لَهُ كل وَلَا بعض وَلَا الْعَرَبِيّ حَقِيقَته وَلَا العبراني والامر عين النَّهْي واستفهامه ... هُوَ عين إِخْبَار بِلَا فرقان وَكَلَامه كحياته مَا ذَاك مَقْدُورًا ... لَهُ بل لَازم الرَّحْمَن هَذَا الَّذِي قد خَالف الْمَعْقُول ... وَالْمَنْقُول والفطرات للانسان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 .. أما الَّذِي قد قَالَ إِن كَلَامه ... ذُو أحرف قد رتبت بِبَيَان وَكَلَامه بِمَشِيئَة وإدارة ... كالفعل مِنْهُ كِلَاهُمَا سيان فَهُوَ الَّذِي قد قَالَ قولا يعلم الْعُقَلَاء ... صِحَّته بِلَا نكران فلأي شَيْء كَانَ مَا قد قُلْتُمْ ... أولى وَأقرب مِنْهُ للبرهان ولأي شَيْء دَائِما كَفرْتُمْ ... أَصْحَاب هَذَا القَوْل بالعدوان فدعوا الدعاوي وابحثوا مَعنا ... بتحقيق وإنصاف بِلَا عدوان وارفوا مذاهبكم ومدو خرقها ... أَن كَانَ ذَاك الرفو فِي الامكان فاحكم هداك الله بَينهم فقد ... أدلوا اليك بِحجَّة وَبَيَان لَا تنصرن سوى الحَدِيث وَأَهله ... هم عَسْكَر الْقُرْآن والايمان وتحيزن اليهم لَا غَيرهم ... لتَكون منصورا لَدَى الرَّحْمَن ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله مَذْهَب الاقترانية وَمذهب الْكلابِيَّة والاشاعرة فِي كَلَام الله تَعَالَى وَقد تقدم رد مَذْهَبهم بِمَا فِيهِ كِفَايَة ثمَّ بسط الْكَلَام فِي مَسْأَلَة هَل الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق فَقَالَ ... فَنَقُول هَذَا الْقدر قد اعيى على ... أهل الْكَلَام وقاده أصلان إِحْدَاهمَا هَل فعله مَفْعُوله ... أَو غَيره فهما لَهُم قَولَانِ والقائلون بِأَنَّهُ هُوَ عينه ... فروا من الاوصاف بالحدثان لَكِن حَقِيقَة قَوْلهم وصريحه ... تَعْطِيل خَالق هَذِه الاكوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 .. عَن فعله إِذْ فعله مَفْعُوله ... لكنه مَا قَامَ بالرحمن فعلى الْحَقِيقَة مَا لَهُ فعل اذ الْمَفْعُول ... مُنْفَصِل عَن الديَّان والقائلون بِأَنَّهُ غير لَهُ ... متنازعون وهم فطائفتان إِحْدَاهمَا قَالَت قديم قَائِم ... بِالذَّاتِ وَهُوَ كقدرة المنان سموهُ تكوينا قَدِيما قَالَه ... أَتبَاع شيخ الْعَالم النُّعْمَان وخصومهم لم ينصفوا فِي رده ... بل كابروهم مَا أَتَوا بِبَيَان وَالْآخرُونَ رَأَوْهُ أمرا حَادِثا ... بِالذَّاتِ قَامَ وَأَنَّهُمْ نَوْعَانِ إِحْدَاهمَا جعلته مفتتحا بِهِ ... حذر التسلسل لَيْسَ ذَا إِمْكَان هَذَا الَّذِي قالته كرامية ... ففعاله وَكَلَامه سيان وَالْآخرُونَ أولو لنحديث كأحمد ... ذَاك ابْن حَنْبَل الرضى الشَّيْبَانِيّ قد قَالَ إِن الله حَقًا لم يزل ... متكلما ان شَاءَ ذُو إِحْسَان جعل الْكَلَام صِفَات فعل قَائِم ... بِالذَّاتِ لم يفقد من الرَّحْمَن وكذاك نَص على دوَام الْفِعْل بَال ... إِحْسَان أَيْضا فِي مَكَان ثَان وَكَذَا ابْن عَبَّاس فراجع قَوْله ... لما أجَاب مسَائِل الْقُرْآن وكذاك جَعْفَر الامام الصَّادِق المقبول ... عِنْد الْخلق ذِي الْعرْفَان قد قَالَ لم يزل الْمُهَيْمِن محسنا ... برا جوادا عِنْد كل اوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 .. وَكَذَا الامام الدَّارمِيّ فانه ... قد قَالَ مَا فِيهِ هدى الحيران قَالَ الْحَيَاة مَعَ الفعال كِلَاهُمَا ... متلازمان فَلَيْسَ يفترقان صدق الامام فَكل حَيّ فَهُوَ فعا ... ل وَذَا فِي غَايَة التِّبْيَان الا اذا مَا كَانَ ثمَّ مَوَانِع ... من آفَة أَو قاسر الْحَيَوَان والرب لَيْسَ لفعله من مَانع ... مَا شَاءَ كَانَ بقدرة الديَّان ومشيئة الرَّحْمَن لَازمه لَهُ ... وكذاك قدرَة رَبنَا الرَّحْمَن هَذَا وَقد فطر الاله عباده ... ان الْمُهَيْمِن دَائِم الاحسان أولست تسمع قَول كل موحد ... يَا دَائِم الْمَعْرُوف وَالسُّلْطَان وقديم الاحسان الْكثير ودائم الْجُود ... الْعَظِيم وَصَاحب الغفران من غير إِنْكَار عَلَيْهِم فطْرَة ... فطروا عَلَيْهَا لَا تواص ثَان اوليس فعل الرب تَابع وَصفه ... وكما لَهُ أفذاك ذُو حدثان وكما لَهُ سَبَب الفعال وخلقه ... أفعالهم سَبَب الْكَمَال الثَّانِي أَو مَا فعال الرب عين كَمَاله ... أفذاك مُمْتَنع على المنان أزلا الى أَن صَار فِيمَا لم يزل ... مُتَمَكنًا وَالْفِعْل ذُو إِمْكَان تالله قد ضلت عقول الْقَوْم إِذا ... قَالُوا بِهَذَا القَوْل ذِي الْبطلَان مَاذَا الَّذِي أضحى لَهُ متجددا ... حَتَّى تمكن فانطقوا بِبَيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 .. والرب لَيْسَ معطلا عَن فعله ... بل كل يَوْم رَبنَا فِي شان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى النزاع فِي الاصل الْمَشْهُور وَهُوَ أَنه هَل الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول وَمعنى ذَلِك أَن النَّاس تنازعوا فِي الافعال اللَّازِمَة المضافة الى الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل الْمَجِيء والاتيان والاستواء الى السَّمَاء والى الْعَرْش بل وَفِي الافعال المتعدية مثل الْخلق والاحسان وَالْعدْل وَغير ذَلِك هَل يكون خلقه لِلسَّمَوَاتِ والارض فعلا فعله غير الْمَخْلُوق أم فعله هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق على قَوْلَيْنِ معروفين والاول هُوَ الْمَأْثُور عَن السّلف وَهُوَ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب (خلق الافعال (عَن الْعلمَاء مُطلقًا وَلم يذكرُوا فِيهِ نزاعا قَالَ البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (خلق الافعال (اخْتلف النَّاس فِي الْفَاعِل وَالْفِعْل وَالْمَفْعُول فَقَالَت الْقَدَرِيَّة الافاعيل كلهَا من الْبشر وَقَالَت الجبرية الافاعيل كلهَا من الله وَقَالَت الْجَهْمِية الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَاحِد لذَلِك قَالُوا (كن) مَخْلُوق وَقَالَ التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة فَفعل الله صفة الله وَالْمَفْعُول من سواهُ من الْمَخْلُوقَات انْتهى وَكَذَلِكَ ذكره الْبَغَوِيّ وَغَيره عَن مَذْهَب أهل السّنة وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ والضبعي وَغَيرهمَا من أَصْحَاب ابْن خُزَيْمَة فِي العقيدة الَّتِي اتَّفقُوا هم وَابْن خُزَيْمَة على أَنَّهَا مَذْهَب أهل السّنة وَكَذَلِكَ ذكره الكلاباذي فِي كتاب (التعرف لمَذْهَب التصوف (أَنه مَذْهَب الصُّوفِيَّة وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَهُوَ مَشْهُور عِنْدهم وَهُوَ قَول السّلف وَجُمْهُور الطوائف وَهُوَ قَول جُمْهُور أَصْحَاب أَحْمد متقدميهم وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَهُوَ آخر قولي القَاضِي أبي يعلى وَكَذَلِكَ قَول أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة والمالكية وَأهل الحَدِيث وَأكْثر أهل الْكَلَام كالهشامية والكلابية والكرامية كلهم وَبَعض الْمُعْتَزلَة وَكثير من أساطين الفلاسفة وَذهب متقدموهم ومتأخروهم وَآخَرُونَ من أهل الْكَلَام الْجَهْمِية والمعتزلة والاشعرية الى أَن الْخلق هُوَ نفس الْمَخْلُوق وَلَيْسَ لله عِنْد هَؤُلَاءِ صنع وَلَا خلق وَلَا فعل وَلَا إبداع الا الْمَخْلُوقَات أَنْفسهَا وَهُوَ قَول طَائِفَة من الفلاسفة الْمُتَأَخِّرين اذ قَالُوا بِأَن الرب مبدع كَابْن سيناء وَنَحْوه قَوْله والقائلون بِأَنَّهُ غير أَي الْقَائِلُونَ بِأَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق فروا من قيام الْحَوَادِث بالرب تَعَالَى وَالْحجّة الْمَشْهُورَة لِلْقَائِلين بِأَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق أَنه لَو كَانَ خلق الْمَخْلُوقَات بِخلق لَكَانَ ذَلِك الْخلق إِمَّا قَدِيما وَإِمَّا حَادِثا فَإِن كَانَ قَدِيما لزم قدم كل مَخْلُوق وَهَذَا مُكَابَرَة وَإِن كَانَ حَادِثا فَإِن قَامَ بالرب لزم قيام الْحَوَادِث بِهِ وان لم يقم بِهِ كَانَ الْخلق قَائِما بِغَيْر الْخَالِق وَهَذَا مُمْتَنع وَسَوَاء قَامَ بِهِ أَو لم يقم بِهِ يفْتَقر ذَلِك الْخلق الى خلق آخر وَيلْزم التسلسل هَذَا عمدتهم وَقد أجابهم الْقَائِلُونَ بِأَن الْخلق غير الْمَخْلُوق بأجوبة شافية كَافِيَة فلتطلب من المطولات وَأما حجَّة الْقَائِلين بِأَن الْخلق غير الْمَخْلُوق فقد ذكرهَا النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَلَكِن الكرامية كَمَا ذكر النَّاظِم جعلت لَهُ اولا خوفًا من القَوْل بالتسلسل وَقَوله إِحْدَاهمَا قَالَت قديم قَائِم الخ أَي إِن أَتبَاع شيخ الْعَالم بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الامام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت الْكُوفِي عَالم الْعرَاق رَحمَه الله تَعَالَى قد قَالُوا ان التكوين قديم قَائِم بِالذَّاتِ والمكون حَادث وَهُوَ كقدرته سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ الامام ابو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ فِي عقيدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الْمَشْهُورَة إِن الله تَعَالَى مَا زَالَ بصفاته قَدِيما قبل خلقه لم يَزْدَدْ بكونهم شَيْئا لم يكن قبلهم من صفته وكما كَانَ بصفاته أزليا كَذَلِك لَا يزَال عَلَيْهَا أبديا لَيْسَ مُنْذُ خلق الْخلق اسْتَفَادَ الْخَالِق وَلَا باحداثه الْبَريَّة اس 4 تفاد الْبَارِي لَهُ معنى الربوبية وَلَا مربوب وَمعنى الخالقية وَلَا مَخْلُوق وكما أَنه محيي الْمَوْتَى بعد مَا أحيى اسْتحق هَذَا الِاسْم قبل إحيائهم كَذَلِك اسْتحق اسْم الْخَالِق قبل إنشائهم ذَلِك أَنه على كل شَيْء قدير وكل شَيْء اليه فَقير وكل أَمر عَلَيْهِ يسير لَا يحْتَاج الى شَيْء لَيْسَ كمثله شَيْء هوه السَّمِيع الْبَصِير انْتهى قَوْله وَالْآخرُونَ رَأَوْهُ أمرا حَادِثا بِالذَّاتِ قَامَ الخ أَي أَن الكرامية رَأَوْا أَن الْفِعْل أَمر حَادث قَائِم بِذَات الله وَلَكِن لَهُ أول وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم عَنْهُم ففعاله وَكَلَامه سيان يَعْنِي أَن كَلَامه لَهُ أول وفعاله لَهَا أول عِنْد الكرامية قَوْله وَالْآخرُونَ أولو الحَدِيث كأحمد الخ أَي أَن مَذْهَب أهل الحَدِيث كأحمد بن حَنْبَل وَغَيره أَن الله تَعَالَى لم يزل متكلما وَلم يزل فعالا وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم عَن الامام أَحْمد إِن الله حَقًا لم يزل متكلما إِن شَاءَ قَالَ الامام أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل لم يزل الله عَالما متكلما غَفُورًا وَقَالَ فِي الرَّد على الْجَهْمِية لم يزل الله عَالما قَادِرًا مَالِكًا لَا مَتى وَلَا كَيفَ قَوْله وَكَذَا ابْن عَبَّاس فراجع قَوْله الخ يُرِيد مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه (عَن سعيد بن جُبَير أَن رجلا سَأَلَ ابْن عَبَّاس قَالَ إِنِّي أجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تخْتَلف عَليّ فَذكر مسَائِله وَمِنْهَا قَالَ وَقَوله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} النِّسَاء 96 {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} النِّسَاء 158 {وَكَانَ الله سميعا بَصيرًا} النِّسَاء 134 وَكَأَنَّهُ كَانَ ثمَّ مضى فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَقَوله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} سمى نَفسه ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله أَي لم أزل كَذَلِك هَذَا لفظ البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ وَاخْتصرَ الحَدِيث وَرَوَاهُ البرقاني عَن طَرِيق شيخ البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس فَأَما قَوْله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} {وَكَانَ الله سميعا بَصيرًا} فان الله جعل نَفسه ذَلِك وسمى نَفسه ذَلِك وَلم ينحله أحدا غَيره وَكَانَ الله أَي لم يزل كَذَلِك هَذَا لفظ الْحميدِي صَاحب (الْجمع (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن البرقاني من حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجي عَن يُوسُف بن عدي شيخ البُخَارِيّ قَالَ إِن الله سمى نَفسه ذَلِك وَلم ينحله غَيره فَذَلِك قَوْله {وَكَانَ الله} أَي لم يزل كَذَلِك وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن يُوسُف وَلَفظ ابْن عَبَّاس فَإِن الله سمى نَفسه ذَلِك وَلم يَجعله غَيره فَذَلِك قَوْله {وَكَانَ الله} أَي لم يزل قَوْله وكذاك جَعْفَر الامام الخ يَعْنِي مَا رَوَاهُ الثعالبي فِي تَفْسِيره باسناده عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} الْمُؤْمِنُونَ 115 لم خلق الْخلق فَقَالَ لَان الله كَانَ محسنا بِمَا لم يزل فِيمَا لم يزل الى مَا لم يزل فَأَرَادَ تَعَالَى أَن يفِيض إحسانه الى خلقه وَكَانَ غَنِيا عَنْهُم لم يخلقهم لجر مَنْفَعَة وَلَا لدفع مضرَّة وَلَكِن خلقهمْ وَأحسن اليهم وَأرْسل اليهم الرُّسُل حَتَّى يفصلوا بَين الْحق وَالْبَاطِل فَمن أحسن كافأه بِالْجنَّةِ وَمن عصى كافأه بالنَّار قَوْله وَكَذَا الامام الدَّارمِيّ الخ قَالَ الامام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فِي كتاب (النَّقْض على المريسي (حِين احْتج بقوله تَعَالَى {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} الْبَقَرَة 255 وَادّعى أَن تَفْسِير القيوم الَّذِي لَا يَزُول يَعْنِي الَّذِي لَا ينزل وَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يقبض وَلَا يبسط قَالَ عُثْمَان وَكَانَ وَاضحا عِنْد الْعلمَاء وَأهل الْبَصَر بِالْعَرَبِيَّةِ أَن معنى لَا يَزُول لَا يفنى وَلَا يبيد لِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّك وَلَا يَزُول من مَكَان الى مَكَان إِذا شَاءَ كَمَا كَانَ يُقَال فِي الشَّيْء الفاني هُوَ زَالَ كَمَا قَالَ لبيد ... الا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... وكل نعيم لَا محَالة زائل ... يَعْنِي فَإِن لَا أَنه متحرك فَإِن أَمارَة مَا بَين الْحَيّ وَالْمَيِّت التحرك وَمَا لَا يَتَحَرَّك فَهُوَ ميت لَا يُوصف بحياة كَمَا لَا تُوصَف الاصنام الْميتَة (بِالْحَيَاةِ قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يدعونَ من دون الله لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون أموات غير أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون} النَّحْل 20 21 فَالله الْحَيّ القيوم الْقَابِض الباسط يَتَحَرَّك اذا شَاءَ وَيفْعل مَا يَشَاء بِخِلَاف الاصنام الَّتِي لَا تَزُول حَتَّى تزَال وَقَالَ البُخَارِيّ وَلَقَد بَين نعيم بن حَمَّاد أَن كَلَام الرب لَيْسَ بِخلق وَأَن الْعَرَب لَا تعرف الْحَيّ من الْمَيِّت الا بِالْفِعْلِ فَمن كَانَ لَهُ فعل فَهُوَ حَيّ وَمن لم يكن لَهُ فعل فَهُوَ ميت وَأَن أَفعَال الْعباد مخلوقة فضيق عَلَيْهِ حَتَّى مضى لسبيله وتوجع أهل الْعلم لما نزل بِهِ قَالَ وَفِي اتِّفَاق الْمُسلمين دَلِيل على أَن نعيما وَمن نحا نَحوه لَيْسَ بمارق وَلَا مُبْتَدع بل الْبدع والترؤس بِالْجَهْلِ لغَيرهم أولى اذ يفتون بالآراء الْمُخْتَلفَة مِمَّا لم يَأْذَن بِهِ الله انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... والامر والتكوين وصف كَمَا لَهُ ... مَا فقد ذَا ووجوده سيان وتخلف التَّأْثِير بعد تَمام مو ... جبه محَال لَيْسَ فِي الامكان وَالله رَبِّي لم يزل ذَا قدرَة ... ومشيئة ويليهما وصفان الْعلم مَعَ وصف الْحَيَاة وَهَذِه ... اوصاف ذَات الْخَالِق المنان وَبهَا تَمام الْفِعْل لَيْسَ بِدُونِهَا ... فعل يتم بواضح الْبُرْهَان فلأي شَيْء قد تَأَخّر فعله ... مَعَ مُوجب قد تمّ بالاركان مَا كَانَ مُمْتَنعا عَلَيْهِ الْفِعْل بل ... مَا زَالَ فعل الله ذَا إِمْكَان 5 ... وَالله عَابَ الْمُشْركين بِأَنَّهُم ... عبدُوا الْحِجَارَة فِي رضى الشَّيْطَان 5 ... ونعى عَلَيْهِم كَونهَا لَيست بخا لقة وَلَيْسَت ذَات نطق بَيَان ... فأبان أَن الْفِعْل والتكليم من أوثانهم لَا شكّ مفقودان ... فَإِذا هما فقدا فَمَا مسلوبها باله حق وَهُوَ ذُو بطلَان ... وَالله فَهُوَ إِلَه حق دَائِما أفعنه ذَا الوصفان مسلوبان ... أزلا وَلَيْسَ لفقدها من غَايَة هَذَا الْمحَال واعظم الْبطلَان ... إِن كَانَ رب الْعَرْش حَقًا لم يزل أبدا إِلَه الْحق ذَا سُلْطَان ... فكذاك أَيْضا لم يزل متكلما بل فَاعِلا مَا شَاءَ ذَا إِحْسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَالله مَا فِي الْعقل مَا يقْضِي لذا ... بِالرَّدِّ والابطال والنكران بل لَيْسَ فِي الْمَعْقُول غير ثُبُوته ... للخالق الازلي ذِي الاحسان هَذَا وَمَا دون الْمُهَيْمِن حَادث ... لَيْسَ الْقَدِيم سواهُ فِي الاكوان وَالله سَابق كل شَيْء غَيره ... مَا رَبنَا والخلق مقترنان وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره ... سُبْحَانَهُ جلّ الْعَظِيم الشان لسنا نقُول كَمَا يَقُول الملحد الزنديق ... صَاحب منطق اليونان بدوام هَذَا الْعَالم الْمَشْهُود وَال ... أَرْوَاح فِي أزل وَلَيْسَ بفان هذي مقالات الْمَلَاحِدَة الالى ... كفرُوا بخالق هَذِه الاكوان ... قَوْله ... وتخلف التَّأْثِير بعد تَمام مو ... جبه محَال لَيْسَ فِي الامكان ... وَالْمولى سُبْحَانَهُ لم يزل ذَا قدرَة ومشيئة وَعلم وحياة وَهَذِه كَمَا قَالَ النَّاظِم أَوْصَاف ذَات الْخَالِق المنان وَبهَا تَمام الْفِعْل وَمَعَ وجود الْمُؤثر التَّام يلْزم وجود الاثر وَقد تقدم بسط الْكَلَام فِي ذَلِك فالرب سُبْحَانَهُ لم يزل فعالا متكلما إِذا شَاءَ وَلِهَذَا لما قَالَ المتكلمون بِوُجُوب تَأَخّر الاثر اورد عَلَيْهِم من الاشكالات مَا لَا جَوَاب لَهُم عَنهُ ثمَّ قَالَ النَّاظِم وَالله عَابَ الْمُشْركين بِأَنَّهُم عبدُوا الْحِجَارَة الخ أَي أَن الله عَابَ على الْمُشْركين عبَادَة الاصنام ونعى عَلَيْهِم كَونهَا لَا تخلق وَلَا تَتَكَلَّم واذا فقد الْفِعْل وَالْكَلَام فَلَيْسَ مسلوبهما بِاللَّه حق وَالله تَعَالَى وتقدس لم يزل متكلما فعالا محسنا وَمَا سواهُ حَادث كَمَا قَالَ النَّاظِم هَذَا وَمَا دون الْمُهَيْمِن حَادث وَقَوله وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره الخ أَي ان الْمولى سُبْحَانَهُ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَلَيْسَ مَعَه شَيْء من خلقه كَمَا قَالَ مَا رَبنَا والخلق مقترنان وَقَوله مَا رَبنَا والخلق مقترنان هَذَا إِشَارَة الى الرَّد على ابْن سينا وَأَتْبَاعه الْقَائِلين بِأَن الْعَالم مَعْلُول لعِلَّة قديمَة أزلية وَأَن الْعَالم لم يزل مَعَ الله أزلا وأبدا وَيَقُولُونَ الْعلَّة مُتَقَدّمَة على الْمَعْلُول وَإِن قارنته بِالزَّمَانِ فَيُقَال لَهُم إِن أردتم بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ شَرط فِي وجود الْمَعْلُول لَا مبدعا لَهُ كَانَ حَقِيقَة ذَلِك أَن وَاجِب الْوُجُود لَيْسَ مبدعا للممكنات وَلَا رَبًّا لَهَا بل وجوده شَرط فِي وجودهَا وَهَذَا حَقِيقَة قَول هَؤُلَاءِ فالرب على أصلهم والعالم متلازمان كل مِنْهُمَا شَرط فِي الآخر والرب مُحْتَاج إِلَى الْعَالم كَمَا أَن الْعَالم مُحْتَاج الى الرب وهم يبالغون فِي اثبات غناهُ عَن غَيره وعَلى أصلهم فقره الى غَيره كفقر بعض الْمَخْلُوقَات وَإِن ارادوا بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ مبدع للمعلول فَهَذَا لَا يعقل مَعَ كَون زَمَانه زمَان الْمَعْلُول لم يتَقَدَّم على الْمَعْلُول تقدما حَقِيقِيًّا وَهُوَ التَّقَدُّم الْمَعْقُول واذا شبهوا وجود الْفلك مَعَ الرب بالصوت مَعَ الْحَرَكَة والضوء مَعَ الشَّمْس كَانَ هَذَا وَنَحْوه تَشْبِيها بَاطِلا لَا يُفِيد امكان صِحَة قَوْلهم فضلا عَن إِثْبَات صِحَّته فان هَذِه الامور وأمثالها إِمَّا أَن يُقَال فِيهَا إِن الثَّانِي مَوْجُود مُتَّصِل بالاول كاجزاء الزَّمَان وَالْحَرَكَة لانه مَعَه فِي الزَّمَان وَأما أَن يُقَال الثَّانِي مَشْرُوط بالاول لَا أَن الاول مبدع للثَّانِي فَاعل لَهُ فَلَا يُمكنهُم أَن يذكرُوا وجود فَاعل لغيره مَعَ أَن زمانهما مَعًا أصلا وَعَامة الْعُقَلَاء مطبقون على أَن الْعلم بِكَوْن الشَّيْء الْمعِين مرَادا مَقْدُورًا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ حَادِثا بعد أَن لم يكن بل هَذَا عِنْدهم من الامور الضَّرُورَة وَلِهَذَا كَانَ مُجَرّد تصور الْعُقَلَاء أَن الشَّيْء مَقْدُور للْفَاعِل مُرَاد لَهُ فعله بمشيئته وَقدرته يُوجب الْعلم بِأَنَّهُ حَادث بل مُجَرّد تصورهم كَون الشَّيْء مَفْعُولا أَو مخلوقا أَو مصنوعا أَو نَحْو ذَلِك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 العيارات يُوجب الْعلم بِأَنَّهُ مُحدث كَائِن بعد أَن لم يكن ثمَّ بعد هَذَا ينظر فِي انه فعله بمشيئته وَقدرته وَإِذا علم أَن الْفَاعِل لَا يكون فَاعِلا إِلَّا بمشيئته وَقدرته وَمَا كَانَ مَقْدُورًا ومرادا فَهُوَ مُحدث كَانَ هَذَا أَيْضا دَلِيلا ثَابتا على أَنه مُحدث وَلِهَذَا كَانَ كل من تصور من الْعُقَلَاء أَن الله خلق االسموات وَالْأَرْض أَو خلق شَيْئا من الْأَشْيَاء كَانَ هَذَا مستلزما لكَون ذَلِك الْمُحدث مخلوقا كَائِنا بعد أَن لم يكن وَإِذا قيل لبَعْضهِم هُوَ قديم مَخْلُوق أَو قديم وعنى بالمخلوق مَا يعنيه هَؤُلَاءِ المتفلسفة الدهرية الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين يُرِيدُونَ بِلَفْظ الْمُحدث انه مَعْلُول وَيَقُولُونَ إِنَّه قديم ازلي مَعَ كَونه معلولا مُمكنا يقبل الْوُجُود والعدم فَإِذا تصور الْعقل هَذَا الْمَذْهَب جزم بتناقضه وَأَن أَصْحَابه جمعُوا بَين النقيضين حَيْثُ قدرُوا مخلوقا مُحدثا معلولا مَفْعُولا مُمكنا أَن يُوجد وَأَن يعْدم وقدروه مَعَ ذَلِك قَدِيما أزليا وَاجِب الْوُجُود بِغَيْرِهِ يمْتَنع عَدمه قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى وَقد بسطنا هَذَا فِي الْكَلَام على المحصل وَغَيره وَذكرنَا أَن مَا ذكره الرَّازِيّ عَن أهل الْكَلَام من أَنهم يجوزون وجود مفعول مَعْلُول أزلي للموجب بِذَاتِهِ أَنه لم يقلهُ أحد مِنْهُم بل هم متفقون على أَن كل مفعول فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا مُحدثا وكل مَا قدر أَنه مَعْلُول لعِلَّة فاعلة فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا مُحدثا وَمَا ذكره هُوَ وامثاله مُوَافقَة لِابْنِ سينا من أَن الْمُمكن وجوده وَعَدَمه قد يكون قَدِيما أزليا قَول بَاطِل عِنْد جَمَاهِير الْعُقَلَاء من الْأَوَّلين والآخرين حَتَّى عِنْد أرسطو وَأَتْبَاعه القدماء والمتأخرين فَإِنَّهُم موافقون لسَائِر الْعُقَلَاء من أَن كل مُمكن يُمكن وجوده وَعَدَمه لَا يكون إِلَّا مُحدثا كَائِنا بعد أَن لم يكن وأرسطو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 إِذا قَالَ إِن الْفلك قديم لم يَجعله مَعَ ذَلِك مُمكنا يُمكن وجوده وَعَدَمه وَالْمَقْصُود ان الْعلم بِكَوْن الشيئ مَقْدُورًا مرَادا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ مُحدثا بل الْعلم بِكَوْنِهِ مَفْعُولا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ مُحدثا فَأن الْفِعْل والخلق والإبداع والصنع وَنَحْو ذَلِك لَا يعقل إِلَّا مَعَ قُصُور حُدُوث الْمَفْعُول وَأَيْضًا فالجمع بَين كَون الشَّيْء مَفْعُولا وَبَين كَونه قَدِيما أزليا مُقَارنًا للْفَاعِل فِي الزَّمَان جمع بَين المتناقضين وَلَا يعقل قطّ فِي الْوُجُود فَاعل قارنه مَفْعُوله الْمعِين سَوَاء سمي عِلّة أَو لَو يسم وَلَكِن يعقل كَون الشَّرْط مُقَارنًا للمشروط والمثل الَّذِي يذكرُونَهُ من قَوْلهم حركت يَدي فَتحَرك خَاتمِي أَو كمي أَو الْمِفْتَاح وَنَحْو ذَلِك حجَّة عَلَيْهِم لَا لَهُم فَإِن حَرَكَة الْيَد لَيست هِيَ الْعلَّة التَّامَّة وَلَا الْفَاعِل لحركة الْخَاتم بل الْخَاتم مَعَ الْأصْبع كالإصبع من الْكَفّ فالخاتم مُتَّصِل بالإصبع والإصبع مُتَّصِلَة بالكف لَكِن الْخَاتم يُمكن نَزعه بِلَا ألم بِخِلَاف الْكَفّ وَقد يفْرض بَين الْأصْبع والخاتم تقدم بِيَسِير بِخِلَاف أبعاض الْكَفّ وَلَكِن حَرَكَة الإصبع شَرط فِي حَرَكَة الْخَاتم كَمَا أَن حَرَكَة الْكَفّ شَرط فِي حَرَكَة الإصبع أَعنِي فِي الْحَرَكَة الْمعينَة الَّتِي مبدؤها من الْيَد بِخِلَاف الْحَرَكَة الَّتِي تكون للخاتم أَو الاصبع إبتداء فَإِن هَذِه تتصل مِنْهَا إِلَى الْكَفّ كمن يجر أصْبع غَيره فيجر مَعَه كَفه وَمَا يذكرُونَهُ من أَن التَّقْدِيم يكون بِالذَّاتِ وَالْعلَّة كحركة الاصبع وَيكون بالطبع كتقدم الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ وَتَكون بالمكانة كتقدم الْعَالم على الجاهويكون بِالْمَكَانِ كتقدم الصَّفّ الأول على الثَّانِي وَتقدم مقدم الْمَسْجِد على مؤخره وَتَكون بِالزَّمَانِ كَلَام مُسْتَدْرك فَإِن التَّقَدُّم والتأخر الْمَعْرُوف هُوَ التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَإِن قبل وَبعد وَمَعَ وَنَحْو ذَلِك مَعَانِيهَا لَازِمَة لتقدم والتأخر الزماني وَأما التَّقَدُّم بالعلية أَو الذَّات مَعَ الْمُقَارنَة فِي الزَّمَان فَهَذَا لَا يعقل الْبَتَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَلَا لَهُ مِثَال مُطَابق فِي الْوُجُود بل هُوَ مُجَرّد تخييل لَا حَقِيقَة لَهُ وَأما تقدم الْوَاحِد على الأثنين فَإِن عني بِهِ أَن الْوَاحِد الْمُطلق قبل الأثنين الْمُطلق فَيكون مقدما فِي التَّصَوُّر تقدما زمنيا وَإِن لم يعن بِهِ هَذَا فَلَا تقدم بل الْوَاحِد شَرط فِي الأثنين مَعَ كَون الشَّرْط لَا يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط بل قد يقارنه وَقد يكون مَعَه فَلَيْسَ هُنَا تقدم وَاجِب غير التَّقَدُّم الزماني وَأما التَّقَدُّم بِالْمَكَانِ فَذَاك نوع آخر وَأَصله من التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَإِن مقدم الْمَسْجِد تكون فِيهِ الْأَفْعَال الْمُتَقَدّمَة بِالزَّمَانِ على مؤخره فالإمام يتَقَدَّم فعله بِالزَّمَانِ لفعل الْمَأْمُوم فَسُمي مَحل الْفِعْل الْمُتَقَدّم مُتَقَدما وَأَصله هَذَا وَكَذَلِكَ التَّقَدُّم بالرتبة فَإِن أهل الْفَضَائِل مقدمون فِي الْأَفْعَال الشَّرِيفَة والأمكنة وَغير ذَلِك على من دونهم فَسُمي ذَلِك تقدما وَأَصله هَذَا وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ الرب هُوَ الأول الْمُتَقَدّم على كل مَا سواهُ كَانَ كل شيئ مُتَأَخِّرًا عَنهُ وَإِن قدر أَنه لم يزل فَاعِلا فَكل فعل معِين فَهُوَ مُتَأَخّر عَنهُ وَإِذا قيل الزَّمَان مِقْدَار الْحَرَكَة فَلَيْسَ هُوَ مِقْدَار حَرَكَة مُعينَة كحركة الشَّمْس أَو الْفلك بل الزَّمَان الْمُطلق مِقْدَار الْحَرَكَة الْمُطلقَة وَقد كَانَ قبل أَن تخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر حركات وأزمنة وَبعد أَن يُقيم الله الْقِيَامَة ت فتذهب الشَّمْس وَالْقَمَر وَيكون فِي الْجنَّة حركات كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} مَرْيَم 62 وَجَاء فِي الْآثَار أَنهم يعْرفُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار بأنوار تظهر من جِهَة الْعَرْش وَكَذَلِكَ لَهُم فِي الْآخِرَة يَوْم الْمَزِيد يَوْم الْجُمُعَة يعرف بِمَا يظْهر فِيهِ من الْأَنْوَار الجديدة القوية وَإِن كَانَت الْجنَّة كلهَا نورا يزهر ونهرا يطرد لَكِن يظْهر (فِي) بعض الْأَوْقَات نورا آخر يتَمَيَّز بِهِ اللَّيْل عَن النَّهَار فالرب سُبْحَانَهُ إِذا لم يزل متكلما بمشيئته كَانَ مِقْدَار كَلَامه وفعاله الَّذِي لم يزل هُوَ الْوَقْت الَّذِي يحدث مَا يحدث فِيهِ من مفعولاته وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُتَقَدم على كل مَا سواهُ التَّقَدُّم الحقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الْعُقَلَاء من الفلاسفة والمتكلمين وَغَيرهم حَتَّى إِنَّه هُوَ تنَاقض فِي ذَلِك فَوَافَقَ سلفه وَجَمِيع الْعُقَلَاء وَصرح بِأَن الْمُمكن لَا يكون إِلَّا مَا يقبل الْوُجُود والعدم وطريقته هَذِه لم يسلكها سلفه الفلاسفة كارسطو وَأَصْحَابه بل وَلَا سلكها جَمَاهِير الفلاسفة بل كثير من الفلاسفة ينازعونه فِي نَفْيه لقِيَام الصِّفَات بِذَات وَاجِب الْوُجُود وَيَقُولُونَ إِنَّه تقوم بِهِ الصِّفَات والإرادات وَإِن كَونه وَاجِبا بِنَفسِهِ لَا يُنَافِي ذَلِك كَمَا لَا يُنَافِي عِنْدهم جَمِيعًا كَونه قَدِيما وَلَكِن ابْن سينا وَأَتْبَاعه لما شاركوا الْجَهْمِية فِي نفي الصِّفَات وشاركوا سلفهم الدهرية فِي القَوْل بقدم الْعَالم سلكوا فِي إِثْبَات رب الْعَالمين طَرِيقا غير طَريقَة سلفهم الْمَشَّائِينَ كأرسطو وَأَتْبَاعه الَّذين أثبتوا الْعلَّة الأولى بحركة الْفلك الإرادية وَأَن لَهَا محركا يحركها كحركة المعشوق لعاشقه وَهُوَ يُحَرك الْفلك للتشبيه بِالْعِلَّةِ الأولى فَعدل ابْن سينا عَن تِلْكَ الطَّرِيقَة إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي سلخها من طَريقَة أهل الْكَلَام الَّذين يحتجون بالمحدث على الْمُحدث وَهُوَ لَا يَقُول بحدوث الْعَالم فَجعل طَرِيقَته الِاسْتِدْلَال بالممكن على الْوَاجِب وَرَأى أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمين قسموا الْوُجُود إِلَى قديم ومحدث فَقَسمهُ هُوَ إِلَى وَاجِب وممكن وَأثبت الْوَاجِب بِهَذَا الطَّرِيق وَابْن سينا يعجب بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وَيَقُول إِنَّه أث 2 بت وَاجِب الْوُجُود من من نفس الْمَوْجُود من غير احْتِيَاج إِلَى الِاسْتِدْلَال بالحركة كَمَا فعل أسلافه قَالَ شيخ الاسلام فِي كتاب (الْعقل وَالنَّقْل (وكل هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا كَانَ معلولا لَا يُمكن وجوده وَيُمكن عَدمه لَا يكون إِلَّا حَادِثا مَسْبُوقا بِالْعدمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أرسطو وَأَتْبَاعه حَتَّى ابْن سينا وَأَمْثَاله صَرَّحُوا بذلك لَكِن ابْن سينا تنَاقض مَعَ ذَلِك فَزعم أَن الْفلك هُوَ قديم أزلي مَعَ كَونه مُمكنا يقبل الْوُجُود والعدم وَهَذَا مُخَالف لما صرح بِهِ هُوَ وَصرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 لت التَّقْسِيم أَنه اعْتقد فِي السَّمَاء أَنَّهَا فِي جوهرها وَاجِبَة من غَيرهَا مُمكنَة من ذَاتهَا وَقد قُلْنَا فِي غير مَا مَوضِع ان هَذَا لَا يَصح بالبرهان الَّذِي اسْتَعْملهُ ابْن سينا فِي وَاجِب الْوُجُود مَتى لم يفصل هَذَا التَّفْصِيل وَعين هَذَا التَّعْيِين كَانَ من طبيعة الاقاويل الْعَامَّة الجدلية وَمَتى حصل كَانَ من طبيعة الاقاويل البرهانية انْتهى كَلَامه قَوْله وَكَذَا أَتَى الطوسي بِالْحَرْبِ الصَّرِيح الخ تقدّمت تَرْجَمَة الطوسي وَذكر شَيْء من أَحْوَاله وَمَا فعله بِالْمُسْلِمين مَعَ هولاكو ملك التتار شَائِع ذائع أَشَارَ النَّاظِم الى ذَلِك بقوله فَأَشَارَ أَن يضع التتار سيوفهم الخ وَذَلِكَ لما قَاتل التتار الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَالْمُسْلِمين فِي بَغْدَاد والقصة مَشْهُورَة فِي التَّارِيخ فَأَما مَا جرى على بَغْدَاد فقد ذكر ذَلِك الذَّهَبِيّ وَغَيره قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الاسلام (وَفِي سنة 656 أحَاط أَمر الله بِبَغْدَاد فَأَصْبَحت خاوية على عروشها وَبقيت حصيدا كَأَن لم تغن بالامس فانا لله وانا اليه رَاجِعُون نازلها المغول فِي أخلاط من السّفل وأوباش من الْمُنَافِقين وكل من لم يُؤمن بالاب قَالَ وَكَانَ ابْن العلقمي الْوَزير واليا على الْمُسلمين وَكَانَ رَافِضِيًّا جلدا فَلَمَّا استداروا بِبَغْدَاد وخارت القوى وجف الرِّيق وانخلعت الافئدة اشار الْوَزير على الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه بمصانعة الْعَدو وَقَالَ دَعْنِي أخرج اليهم فِي تَقْرِير الصُّلْح فَخرج فاستوثق لنَفسِهِ وَلمن أَرَادَ وَجَاء الى الْخَلِيفَة وَقَالَ إِن الْملك قد رغب أَن يُزَوّج ابْنَته بابنك أبي بكر ويبقيك فِي الْخلَافَة كَمَا كَانَ الْخُلَفَاء مَعَ السلجوقية ويرحل عَنْك فأجبه الى ذَلِك فان فِيهِ حقن الدِّمَاء وَأرى أَن تخرج اليه فَخرج الْخَلِيفَة فِي جمع من الاعيان الى السُّلْطَان هولاكو فأنزله فِي خيمة ثمَّ دخل الْوَزير فاستدعى الاكابر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 لحضور العقد فحضرو اوضربت أَعْنَاقهم وَصَارَ كَذَلِك يخرج طَائِفَة بعد طَائِفَة فيقتلون ثمَّ صِيحَ فِي الْبَلَد وبذل السَّيْف وَاسْتمرّ الْقَتْل والسبي والحريق والنهب وَقَامَت قِيَامَة بَغْدَاد فَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه بضعا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا كل صباح يدْخل فرقة من التتار فيحصدون محلّة حَتَّى جرت السُّيُول من الدِّمَاء وردمت فجاج الْمَدِينَة من الْقَتْلَى حَتَّى قيل إِنَّه رَاح تَحت السَّيْف ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف قَالَ والاصح أَنهم بلغُوا نَحوا من ثَمَانمِائَة ألف وَهَذَا شَيْء لَا يكَاد يَنْضَبِط فَإِنَّهُم قتلوا فِي الطّرق والجوامع والبيوت والاسطحة وبظاهر الْبَلَد مَا لَا يُحْصى بل هِيَ ملحمة مَا جرى قطّ فِي الاسلام مثلهَا وَسبوا من النِّسَاء وَالصغَار مَا مَلأ الفضاء وَمِمَّنْ أسر ولد الْخَلِيفَة الصَّغِير وإخوانه وَقتل الْخَلِيفَة وابناه أَحْمد وَعبد الرَّحْمَن وَمِمَّنْ قتل مَعَ الْخَلِيفَة من الاعيان أَعْمَامه عَليّ وَالْحُسَيْن ويوسف وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَأخرج الصاحب محيي الدّين الرئيس الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ وَبَنوهُ عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الْكَرِيم فَضربت أَعْنَاقهم وَمِمَّنْ قتل صبرا جمَاعَة مستكثرون من الْعلمَاء والامراء والاكابر وخلت بَغْدَاد من أَهلهَا ودثرت الْمحَال وَاسْتولى عَلَيْهَا الْحَرِيق واحترقت دَار الْخلَافَة وَالْجَامِع الْكَبِير حَتَّى وصلت النَّار الى خزانَة الْكتب وَعم الْحَرِيق جَمِيع الْبِلَاد وَمَا سلم الا مَا فِيهِ (من) هَؤُلَاءِ الملاعين وَضَاقَتْ بالقتلى وانداسوا بالارجل وَلم يبْق ممر الا على الْقَتْلَى وَكَانَ الاطفال يَتَقَلَّبُونَ فِي الوحل الى أَن يموتوا وعاين من سلم من الاهوال مَا لَا يعبر عَنهُ ثمَّ وَقع الوباء وَكثر الْمَوْت وَكثر الذُّبَاب جدا حَتَّى غطى الجدران وَلزِمَ النَّاس البصل من جيفة الدُّنْيَا وَجَاءَت القوافل بالجلب من (الْحلَّة) بِخبْز وَجبن وبيض وتعوض أهل الجلب بالكتب يَأْخُذُونَ المجلد بفلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ورميت الْكتب مُدَّة النهب تَحت أرجل الْخَيل وَأُلْقِي خلق من الْقَتْلَى فِي دجلة وحفرت حفائر وطمت على خلق كثير جعل الله ذَلِك كَفَّارَة وتمحيصا وَزعم العلقمي أَنه يحسن لهولاكو أَن يُقيم بِبَغْدَاد خَليفَة علويا فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك ثمَّ لم يلبث أَن هلك وَلم يبْق من بَغْدَاد واهلها الا مِقْدَار الثّمن وَنَحْو ذَلِك وَفِي أثْنَاء ذَلِك الْعَام فسد الْهَوَاء لملحمة بَغْدَاد واتصل الوباء بِالشَّام وَمَات أُمَم بِدِمَشْق وَغَيرهَا انْتهى كَلَامه وَمعنى مَا ذكره النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله فغدا على سيف التتار الالف فِي مثل لَهَا مَضْرُوبَة بوزان وَكَذَا ثَمَان مئينها فِي ألفها الخ أَي أَن الْقَتْلَى فِي بَغْدَاد بلغُوا ألف ألف وَثَمَانمِائَة الف لَكِن فِي هَذَا نظر كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ قَالَ والاصح أَنهم بلغُوا نَحوا من ثَمَانمِائَة ألف وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فشفى اللعين النَّفس من حزب الرَّسُول الخ قَوْله وبوده لَو كَانَ فِي اُحْدُ وَقد شهد الوقيعة مَعَ أبي سُفْيَان أَي ان النصير يود لَو أَنه شهد أحدا مَعَ أبي سُفْيَان قَائِد جَيش قُرَيْش حَتَّى يبلغ اربه وَيَقْضِي وطره من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واصحابه وَهَذَا نِهَايَة الْعَدَاوَة للرسول وَأَصْحَابه وَحزبه نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وشواهد الاحداث ظَاهِرَة على ... ذَا الْعَالم الْمَخْلُوق بالبرهان وأدلة التَّوْحِيد تشهد كلهَا ... بحدوث كل مَا سوى الرَّحْمَن لَو كَانَ غير الله جلّ جَلَاله ... مَعَه قَدِيما كَانَ رَبًّا ثَانِي إِذْ كَانَ عَن رب العلى مستغنيا ... فَيكون حِينَئِذٍ لنا ربان والرب باستقلاله متوحد ... أفممكن أَن يسْتَقلّ اثْنَان لوكان ذَاك تنافيا وتساقطا ... فاذا هما عدمان ممتنعان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 .. والقهر والتوحيد يشْهد مِنْهُمَا ... كل لصَاحبه هما عَدْلَانِ وَلذَلِك اقترنا جَمِيعًا فِي صفا ... ت الله فَانْظُر ذَاك فِي الْقُرْآن فالواحد القهار حَقًا لَيْسَ فِي ال ... إِمْكَان أَن تحظى بِهِ ذاتان ... أَقُول شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي سِيَاق دَلِيل التمانع الْمَشْهُور بَين الْمُتَكَلِّمين قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه (شرح عقيدة الاصبهاني (وَهَذَا التَّوْحِيد يَعْنِي تَوْحِيد الربوبية لم يذهب الى نقيضه طَائِفَة مَعْرُوفَة من بني آدم وَلم يعرف عَن اُحْدُ من الطوائف أَنه قَالَ إِن الْعَالم لَهُ صانعان متماثلان فِي الصِّفَات والافعال قَالَ فان الثنوية من الْمَجُوس والمانوية الْقَائِلين بالاصلين النُّور والظلمة وَأَن الْعَالم صدر عَنْهُمَا متفقون على أَن النُّور خير من الظلمَة وَهُوَ الاله الْمَحْمُود عِنْدهم وَأَن الظلمَة شريرة مذمومة وهم متنازعون فِي الظلمَة هَل هِيَ قديمَة اَوْ محدثة فَلم يسووا بَين ربين متماثلين وهم كفار ضلال وَأما النَّصَارَى الْقَائِلُونَ بالتثليث فانهم لم يثبتوا للْعَالم ثَلَاثَة أَرْبَاب يفضل بَعضهم عَن بعض بل هم متفقون على أَن صانع الْعَالم وَاحِد وَيَقُولُونَ باسم الاب والإبن وَالِابْن وروح الْقُدس اله وَاحِد وَقَوْلهمْ فِي التَّثْلِيث قَول متناقض فِي نَفسه وَقَوْلهمْ فِي الْحُلُول أفسد مِنْهُ وَلِهَذَا كَانُوا يكتمون قَوْلهم عَن كثير من أَصْحَابهم فانهم إِذا فهموه نفروا مِنْهُ بفطرة عُقُولهمْ وَهَذَا دأب كل مضل ملحد فِي كل شَرِيعَة وملة يكتم الالحاد والضلال عَن اكثر أَتْبَاعه لَان المقالات الْفَاسِدَة فِي الهيئات قد فطر الله عباده على الْعلم بفسادها بعد التَّصَوُّر التَّام وَلِهَذَا لَا يكَاد أحد من النَّصَارَى يعبر عَن قَوْلهم بِمَعْنى مَعْقُول وَلَا يكَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 اثْنَان مِنْهُم يتفقان على قَول وَاحِد فانهم يَقُولُونَ هُوَ وَاحِد بِالذَّاتِ ثَلَاثَة بالاقنوم والاقانيم تفسر تَارَة بالخواص وَتارَة بِالصِّفَاتِ وَتارَة بالاشخاص وَيَقُولُونَ إِن الاقانيم هِيَ أقنوم الاب وأقنوم الابْن وأقنوم روح الْقُدس وَكَلَام النَّصَارَى على غَايَة من الفهاهة والبلادة وهم أمة ضَالَّة تائهة حَتَّى قَالَ بعض الْفُضَلَاء لَو اجْتمع عشرَة من عُلَمَاء النَّصَارَى لَا فترقوا عَن أحد عشر مذهبا وَالْحَاصِل أَنهم لَا يَقُولُونَ خَالق الْخلق ثَلَاثَة بل وَاحِد بِالذَّاتِ وَالله اعْلَم وَالْمَقْصُود هُنَا أَنه لَيْسَ فِي الطوائف من يثبت للْعَالم صانعين متماثلين مَعَ أَن كثيرا من أهل الْكَلَام وَالنَّظَر والفلسفة تعبوا فِي بَيَان هَذَا الْمَطْلُوب وَتَقْرِيره وَمِنْهُم من اعْترف بِالْعَجزِ عَن تَقْرِير هَذَا بِالْعقلِ وَزعم أَنه يتلَقَّى من السّمع وَالْمَشْهُور عِنْد النظار إثْبَاته بِدَلِيل التمانع وَهُوَ دَلِيل صَحِيح فِي نَفسه وَهُوَ أَنه لَو كَانَ للْعَالم صانعان متكافئان فَعِنْدَ اخْتِلَافهمَا مثل أَن يُرِيد أَحدهمَا تَحْرِيك جسم وَيُرِيد الآخر تسكينه أَو يُرِيد (أَحدهمَا) إحياءه وَيُرِيد الاخر إماتته فاما أَن يحصل مرادهما اَوْ مُرَاد أَحدهمَا اَوْ لَا يحصل مُرَاد وَاحِد مِنْهُمَا والاول مُمْتَنع لانه يسْتَلْزم الْجمع بَين الضدين وَالثَّالِث مُمْتَنع لِأَنَّهُ يسْتَلْزم خلو الْجِسْم عَن الْحَرَكَة والسكون ويستلزم أَيْضا عجز كل مِنْهُمَا وَالْعَاجِز لَا يكون إِلَهًا ولان الْمَانِع من فعل أَحدهمَا هُوَ فعل الاخر فَلَو امْتنع مرادهما لزم كَون كل مِنْهُمَا مَانِعا للْآخر وَذَلِكَ يسْتَلْزم كَون كل مِنْهُمَا قَادِرًا غير قَادر لَان كَونه مَانِعا يَقْتَضِي الْقُدْرَة وَكَونه مَمْنُوعًا يَقْتَضِي الْعَجز وَذَلِكَ تنَاقض واذا حصل مُرَاد أَحدهمَا دون الاخر كَانَ هَذَا هُوَ الاله الْقَادِر وَالْآخر عَاجِزا لَا يصلح للالهية وَكثير من أهل النّظر يَزْعمُونَ أَن دَلِيل التمانع هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الانبياء 22 لاعتقادهم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 تَوْحِيد الربوبية الَّذِي قرروه هُوَ تَوْحِيد الالهية الَّذِي بَينه الْقُرْآن ودعت اليه الرُّسُل وَلَيْسَ الامر كَذَلِك وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَقد نقلنا أَنه لَيْسَ فِي أهل الارض من أثبت للْعَالم خالقين متماثلين فِي الصِّفَات والافعال بل هَذَا مُمْتَنع لذاته وامتناعه ظَاهر فِي الْعُقُول بِخِلَاف مَا يَظُنّهُ كثير من أهل الْكَلَام والفلسفة نعم بعض أهل الضلال يزْعم أَن ثمَّ خَالِقًا لبَعض الْعَالم كالثنوية فِي الظلمَة وكالقدرية فِي أَفعَال الْحَيَوَان وكالفلاسفة الدهرية فِي حَرَكَة الافلاك اَوْ حركات النُّفُوس والاجسام الطبيعية فان من هَؤُلَاءِ الْفرق الضَّالة من يثبت امورا محدثة بِدُونِ إِحْدَاث الله تَعَالَى إِيَّاهَا فهم الْمُشْركُونَ فِي بعض الربوبية وَكثير من مُشْركي الْعَرَب وَغَيرهم قد يظنّ فِي إلهته شَيْئا من هَذَا وَأَنَّهَا تَنْفَعهُ وتضره بِدُونِ أَن يخلق الله ذَلِك فَلَمَّا كَانَ هَذَا الشّرك فِي الربوبية مَوْجُودا فِي النَّاس بَين الْقُرْآن بُطْلَانه بقوله تَعَالَى {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} الْمُؤْمِنُونَ 91 وَالْمَوْجُود خلاف هَذَا فَإِن الْعَالم مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض مَا من مَخْلُوق الا وَهُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ من الْمَخْلُوقَات مُحْتَاج اليه فالحيوان الْوَاحِد والنبات الْوَاحِد من أصل وَذَلِكَ الاصل من غَيره وهلم جرا وَهُوَ أَيْضا مفتقرا الى الْهَوَاء وَالْمَاء وَالتُّرَاب بل والى أَنْوَاع النباتات والحيوانات ومفتقر الى أثر الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك والفلك مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض والافلاك مفتقرة بَعْضهَا الى بعض والعالم الْعلوِي مفتقر الى الْعَالم السفلي فَلَو قدر ان صانع الارض غير صانع السَّمَاء وانه مستغن عَنهُ لَا يُغير أَحدهمَا مَصْنُوع الاخر لزم من ذَلِك أَن لَا يكون مَا فِي السَّمَاء مؤثرا فِي الارض فَلَا تُؤثر الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الارض وان يكون مَا يصعد من الادخنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 والابخرة والاغيرة لَا يُؤثر فِي نور الشَّمْس وَالْقَمَر والهواء وَالْوَاقِع خِلَافه وَتَقْرِير هَذَا يطول انْتهى كَلَامه وَقَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي معنى قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الانبياء 22 الْآيَة قَالَ فان قوام السَّمَوَات والارض والخليقة بِأَن تأله الآله الْحق فَلَو كَانَ فيهمَا آلِهَة أُخْرَى غير الله لم يكن إِلَهًا حَقًا اذ الآله الْحق لَا شريك لَهُ وَلَا سمي لَهُ وَلَا مثل لَهُ فَلَو تألهت غَيره لفسدت كل الْفساد بِانْتِفَاء مَا فِيهِ صَلَاحهَا بتأله الآله الْحق كَمَا أَنَّهَا لَا تُوجد الا باسنادها الى الرب الْوَاحِد القهار ويستحيل أَن تستند فِي وجودهَا الى ربين متكافئين فَكَذَلِك يَسْتَحِيل أَن تستند فِي تألهها الى إِلَهَيْنِ متساويين انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي اعتراضهم على القَوْل بدوام فاعلية الرب تَعَالَى وَكَلَامه والانفصال عَنهُ ... فلئن زعمتم ان ذَاك تسلسل ... قُلْنَا صَدقْتُمْ وَهُوَ ذُو إِمْكَان كتسلسل التَّأْثِير فِي مُسْتَقْبل ... هَل بَين ذَيْنك قطّ من فرقان وَالله مَا افْتَرقَا لَدَى عقل وَلَا ... نقل وَلَا نظر وَلَا برهَان فِي سلب إِمْكَان وَلَا فِي ضِدّه ... هذي الْعُقُول وَنحن ذُو أذهان فليأت بالفرقان من هُوَ فَارق ... فرقا يبين لصالح الاذهان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 .. وكذاك سوى الجهم بَينهمَا كَذَا ... العلاف فِي الانكار والبطلان وَلأَجل ذَا حكما بِحكم بَاطِل ... قطعا على الجنات والنيران فالجهم افنى الذَّات والعلاف ... للحركات أفنى قَالَه الثوران وَأَبُو عَليّ وَابْنه والاشعري ... وَبعده ابْن الطّيب الرباني وَجَمِيع أَرْبَاب الْكَلَام الْبَاطِل ... المذموم عِنْد أَئِمَّة الايمان فرقوا وَقَالُوا ذَاك فِيمَا لم يزل ... حق وَفِي أزل بِلَا إِمْكَان قَالُوا لاجل تنَاقض الازلي وَال ... احداث مَا هَذَانِ يَجْتَمِعَانِ لَكِن دوَام الْفِعْل فِي مُسْتَقْبل ... مَا فِيهِ مَحْذُور من النكران فَانْظُر الى التلبيس فِي ذَا الْفرق تَرَ ... ويجا على العوران والعميان مَا قَالَ ذُو عقل بِأَن الْفَرد ذُو ... أزل لذِي ذهن وَلَا أَعْيَان بل كل فَرد فَهُوَ مَسْبُوق بفر ... ذ قبله ابدا بِلَا حسبان وَنَظِير هَذَا كل فَرد فَهُوَ ملحوق ... بفرد بعده حكمان النَّوْع والآحاد مَسْبُوق وملحوق ... وكل فَهُوَ مِنْهَا فان وَالنَّوْع لَا يفنى أخيرا فَهُوَ لَا ... يفنى كَذَلِك اولا بِبَيَان وتعاقب الآنات أَمر ثَابت ... فِي الذِّهْن وَهُوَ كَذَاك فِي الاعيان ... أما تَعْرِيف التسلسل فَهُوَ تَرْتِيب أُمُور غير متناهية وَاعْلَم أَن التسلسل نَوْعَانِ تسلسل فِي المؤثرين وتسلسل فِي الْآثَار فَأَما الأول فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 محَال بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء وَأما الثَّانِي فَفِيهِ قَولَانِ للنظار وَغَيرهم وَجوزهُ قَول الاثير الابهري والارموي فَقَوْل النَّاظِم فلئن زعمتم أَن ذَاك تسلسل أَي إِن زعمتم أَن القَوْل بدوام فاعلية الرب تَعَالَى تسلل قُلْنَا نعم وَذَلِكَ صَحِيح كَمَا جوز ارباب الْكَلَام كالأشعري وَابْن الباقلاني وَغَيرهمَا من الصفاتية القَوْل بذلك فِي الابد والمستقبل وَكَذَلِكَ أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة كَأبي عَليّ وَابْنه أبي هَاشم وَغَيرهمَا من الْمُعْتَزلَة جوزو ذَلِك فِي الابد فألزمهم النَّاظِم القَوْل بِجَوَاز التسلسل فِي الازل كَمَا جوزوه فِي الابد وَأما الْجَهْمِية وَأَبُو الْهُذيْل العلاف فَقَالُوا بامتناع التسلسل فِي الطَّرفَيْنِ الازل والابد لانهم قَالُوا إِذا قُلْنَا كل خلق قبله لَا الى غَايَة وكل خلق بعده لَا الى نِهَايَة لزمنا القَوْل بِعَدَمِ الْعَالم وانما قَالَ الْجَمِيع بذلك لِئَلَّا يبطل عَلَيْهِم دَلِيل الاكوان الَّذِي استدلوا بِهِ على حُدُوث الْعَالم لَان مبناه على امْتنَاع التسلسل وَسَيَرِدُ النَّاظِم عَلَيْهِم هَذَا القَوْل فِيمَا يَأْتِي والاشعري هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن اسماعيل ابْن أبي بشر بن أسْحَاق بن سَالم بن اسماعيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال ابْن ابي بردة ابْن ابي مُوسَى عبد الله بن قيس الاشعري قدم بَغْدَاد أَخذ الْفِقْه عَن زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي وتفقه فضائحهم وقبائحم وَذكر لَهُ من التصانيف (الموجز (وَغَيره وَحكي عَن بِابْن سريح وَقد كَانَ مُعْتَزِلا فَتَابَ بِالْبَصْرَةِ فَوق الْمِنْبَر وَأظْهر ابْن حزم أَنه صنف خَمْسَة وَخمسين تصنيفا وَذكر أَن دخله فِي كل سنة كَانَ سَبْعَة عشر درهما وَأَنه كلن من أَكثر دعابة وَأَنه ولد سنة وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة 260 سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات سنة 324 أَربع وَعشْرين وثلاثمائة وَقيل 30 سنة وَقيل سنة بضع وَثَلَاثِينَ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 قلت وللحافظ ابْن عَسَاكِر كتاب (تَبْيِين كذب المفتري فِيمَا نسب الى الشَّيْخ ابي الْحسن الاشعري (مُجَلد وَابْن الطّيب هُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الطّيب الباقلاني القَاضِي رَأس الْمُتَكَلِّمين على مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الاشعري وَمن اكثر النَّاس كلَاما وتصنيفا فِي الْكَلَام يُقَال إِنَّه كَانَ لَا ينَام كل لَيْلَة حَتَّى يكْتب عشْرين ورقة فِي مُدَّة طَوِيلَة من عمره فانتشرت عَنهُ تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا كتاب (التَّبْصِرَة (و (دقائق الْحَقَائِق (و (التَّمْهِيد (فِي أصُول الْفِقْه و (شرح الابانة (وَغير ذَلِك من المجاميع الْكِبَار وَالصغَار وَمن أحْسنهَا كتاب الرَّد على الباطنية الَّذِي سَمَّاهُ (كشف الاسرار وهتك الاستار (وَقد اخْتلفُوا فِي مذْهبه على الْفُرُوع فَقيل شَافِعِيّ وَقيل مالكي حكى ذَلِك عَنهُ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَقد قيل إِنَّه كَانَ يكْتب على الفتاوي كتبه مُحَمَّد بن الطّيب الْحَنْبَلِيّ وَقد كَانَ فِي غَايَة الذكاء والفطنة مَاتَ فِي الْحجَّة سنة 403 ثَلَاث واربعمائة وَأَبُو عَليّ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سَلام بن يزِيد بن ابي السكن الجبائي ولد سنة 235 خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من معتزلة الْبَصْرَة وَهُوَ الَّذِي ذلل الْكَلَام وسهله وَإِلَيْهِ انْتَهَت رئاسة الْمُعْتَزلَة فِي زَمَانه لَا يدافعه أحد عَن ذَلِك أَخذ عَن أبي يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الله الشحام وَتُوفِّي سنة 303 ثَلَاث وثلاثمائة فَدفن ب (جبى) وَله خمس وَسَبْعُونَ مصنفا وَابْنه أَبُو هَاشم وَهُوَ عبد السَّلَام ابْن أبي عَليّ الجبائي قدم بَغْدَاد سنة 314 أَربع عشرَة وثلاثمائة وَتُوفِّي سنة 321 إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ذكيا حسن الْفَهم ثاقب الفطنة صانعا للْكَلَام مقتدرا عَلَيْهِ قيمًا بِهِ لَهُ مصنفات قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فاذا أَبَيْتُم ذَا وقلتم أول الاانات مفتتح بِلَا نكران ... مَا كَانَ ذَاك الْآن مَسْبُوقا يرى الا بسبل وجوده الحقان ... فَيُقَال مَا تعنون بالانات هَل تعنون مُدَّة هَذِه الازمان ... من حِين إِحْدَاث السَّمَوَات العلى والارض والافلاك والقمران ... ونظنكم تعنون ذَاك وَلم يكن من قبلهَا شَيْء من الاكوان 5 ... هَل جَاءَكُم فِي ذَاك من أثر وَمن نَص وَمن نظر وَمن برهَان ... هَذَا الْكتاب وَهَذِه الاثار والمعقول فِي الفطرات والاذهان ... إِنَّا نحاكمكم الى مَا شِئْتُم مِنْهَا فَحكم الْحق فِي تبيان ... اوليس خلق الْكَوْن فِي الايام كَا ن وَذَاكَ مَأْخُوذ من الْقُرْآن ... اَوْ لَيْسَ ذَلِكُم الزَّمَان بِمدَّة لحدوث شَيْء وَهُوَ عين زمَان ... فحقيقة الازمان نِسْبَة حَادث لسواه تِلْكَ حَقِيقَة الازمان ... وَاذْكُر حَدِيث السَّبق للتقدير والتوقيت قبل جَمِيع ذِي الاعيان ... خمسين ألفا من سِنِين عدهَا الْمُخْتَار سَابِقَة لذِي الاكوان ... هَذَا وعرش الرب فَوق المَاء من قبل السنين بِمدَّة وزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 يَقُول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فاذا أَبَيْتُم مَا ذكرنَا وقلتم ان الانات لَهَا اول وَلَا يصير ذَاك اولا الا بسلب وجوده والا لم يكن أَولا فَنَقُول مَا تعنون بالانات هَل تعنون مُدَّة هَذِه الازمان أَي من حِين خلق الله السَّمَوَات وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والارض وَأَن عنْدكُمْ لم يكن قبلهَا شَيْء من الاكوان أَي من الْمَخْلُوقَات فَهَل عنْدكُمْ حجَّة على أَنه لَيْسَ قبلهَا شَيْء فهاتوا برهانكم على ذَاك من الاثر وَالنَّظَر وَنحن نحاكمكم الى مَا شِئْتُم من ذَلِك وَيدل على أَن قبلهَا مخلوقات أَن الله أخبر فِي الْقُرْآن بانه خلق السَّمَوَات والارض فِي سِتَّة أَيَّام فَتلك الايام قبل وجود السَّمَوَات والارض والنجوم وَالْجِبَال وَيدل على ذَلِك حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله كتب مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات والارض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء (وَهَذَا معنى هَذِه الابيات الَّتِي ذكرهَا النَّاظِم قَوْله فحقيقة الازمان نِسْبَة حَادث الخ أَي أَن نفس قدر الْفِعْل هُوَ الْمُسَمّى بِالزَّمَانِ فان الزَّمَان إِذا قيل إِنَّه مِقْدَار حَرَكَة الشَّمْس أَو الْفلك وَأهل الْملَل متفقون على أَن الله خلق السَّمَوَات والارض فس سِتَّة أَيَّام وَخلق ذَلِك من مَادَّة كَانَت مَوْجُودَة قبل هَذِه السَّمَوَات وَهُوَ الدُّخان الَّذِي هُوَ البخار كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ني ... هَل كَانَ قبل الْعَرْش أَو هُوَ بعده قَولَانِ عِنْد أبي العلى الهمذاني ... وَالْحق أَن الْعَرْش قيل لانه قبل الْكِتَابَة كَانَ ذَا أَرْكَان ... وَكِتَابَة الْقَلَم الشريف تعقبت إجاده من غير فصل زمَان ... لما براه الله قَالَ اكْتُبْ كَذَا فغدا بِأَمْر الله ذَا جَرَيَان ... فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن ابدا الى يَوْم الْمعَاد بقدرة الرَّحْمَن ... أَفَكَانَ رب الْعَرْش جلّ جَلَاله من قبل ذَا عجز وَذَا نُقْصَان ... أم لم يزل ذَا قدرَة وَالْفِعْل مَقْدُور لَهُ أبدا وَذُو إِمْكَان ... قَوْله وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ الخ قَالَ شيخ الاسلام قد ذكرنَا أَن للسلف فِي الْعَرْش والقلم أَيهمَا خلق قبل الآخر قَوْلَيْنِ كَمَا ذكر ذَلِك الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَغَيره أَحدهمَا أَن الْقَلَم خلق أَولا كَمَا أطلق ذَلِك غير وَاحِد وَهَذَا هُوَ الَّذِي يفهم فِي الظَّاهِر من كتب من صنف فِي الاوائل كَابْن أبي عرُوبَة الْحَرَّانِي وَأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ للْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه (عَن عبَادَة بن الصَّامِت وفيسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ اكْتُبْ (الحَدِيث وَالثَّانِي أَن الْعَرْش خلق أَولا قَالَ الامام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي مُصَنفه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الرَّد على الْجَهْمِية حَدثنَا ابْن كثير الْعَبْدي أَنبأَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنَا أَبُو هَاشم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله كَانَ على عَرْشه قبل أَن يخلق شَيْئا فَكَانَ أول مَا خلق الله الْقَلَم فَأمره أَن يكْتب مَا هُوَ كَائِن وَإِنَّمَا يجْرِي النَّاس على أَمر قد فرغ مِنْهُ وَكَذَلِكَ ذكر الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات لما ذكر بَدْء الْخلق ثمَّ ذكر حَدِيث الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَول الله تَعَالَى {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} على أَي شَيْء كَانَ المَاء قَالَ عَن متن الرّيح وَرُوِيَ حَدِيث الْقَاسِم ابْن أبي بردة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول شَيْء خلقه الله الْقَلَم وَأمره فَكتب كل شَيْء يكون قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا إأراد وَالله أعلم أول شَيْء خلقه بعد المَاء وَالرِّيح وَالْعرش والقلم وَذَلِكَ فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أَقُول حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من غير وَجه مَرْفُوعا كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكتب فِي الذّكر كل شَيْء وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن هَارُون الرويا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 فِي (مُسْنده (وَعُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي وَغَيرهمَا من حَدِيث الثِّقَات الْمُتَّفق على ثقتهم عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن الْأَعْمَش عَن جَامع بن شَدَّاد عَن صَفْوَان بن مُحرز عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كَانَ الله وَلم يكن شيئ غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر كل شيئ ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض (وَذكر أَحَادِيث وآثارا ثمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ فَثَبت بالنصوص الصَّحِيحَة أَن الْعَرْش خلق أَولا قَالَ ابْن كثير قَالَ قَائِلُونَ خلق الْقَلَم أَولا وَهَذَا اخْتِيَار ابْن جرير وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهمَا قَالَ ابْن جرير وَبعد الْقَلَم السَّحَاب الرَّقِيق وَبعده الْعَرْش وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عبَادَة وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن الْعَرْش مَخْلُوق قبل ذلأك كَمَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (يَعْنِي حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ الَّذِي تقدم قَالُوا وَهَذَا التَّقْدِير هُوَ كِتَابه بالقلم الْمَقَادِير وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث ان ذَلِك بعد خلق الْعَرْش فَثَبت تقدم الْعَرْش على الْقَلَم الَّذِي كتب بِهِ الْمَقَادِير كَمَا ذهب إِلَى ذَلِك الجماهير وحملوا حَدِيث الْقَلَم على أَنه أول الْمَخْلُوقَات من هَذَا الْعَالم انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فلئن سَأَلت وَقلت مَا هَذَا الَّذِي أداهم لخلاف ذَا التِّبْيَان ... ولاي شَيْء لم يَقُولُوا إِنَّه سُبْحَانَ هُوَ دَائِم الاحسان ... فَاعْلَم بِأَن الْقَوْم لما أسسوا أصل الْكَلَام عموا عَن الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 .. وجنوا على الاسلام كل جِنَايَة إِذْ سلطوا الاعداء بالعدوان ... حملُوا بأسلحة الْمحَال فخانهم ذَاك السِّلَاح فَمَا اشتفوا بطعان ... وأتى الْعَدو الى سِلَاحهمْ فقا تلهم بِهِ فِي غيبَة الفرسان ... يَا محنة الاسلام وَالْقُرْآن من جهد الصّديق وبغي ذِي طغيان ... وَالله لَوْلَا الله نَاصِر دينه وَكتابه بِالْحَقِّ والبرهان ... لتخطفت أعداؤه أَرْوَاحنَا ولقطتعت منا عرى الايمان ... أَيكُون حَقًا ذَا الدَّلِيل وَمَا اهْتَدَى خير الْقُرُون لَهُ محَال ذان ... وفقتم للحق اذ حرمُوهُ فِي أصل الْيَقِين ومقعد الْعرْفَان ... وهديتمونا للَّذي لم يهتدوا أبدا بِهِ واشدة الحرمان ... ودخلتم للحق من بَاب وَمَا دَخَلُوهُ وَاعجَبا لذا الخذلان ... وملكتم طرق الْهدى وَالْعلم دو ن الْقَوْم وَاعجَبا لذا الْبُهْتَان ... وعرفتم الرَّحْمَن بالاجسام وَال أَعْرَاض والحركات والالوان ... وهم فَمَا عرفوه مِنْهَا بل من ال آيَات وَهِي فَغير ذِي برهَان الله أكبر أَنْتُم أَو هم على ... حق وَفِي غي وَفِي خسران دع ذَا األيس الله قد أبدى لنا ... حق الادلة وَهِي فِي الْقُرْآن متنوعات صرفت وتظاهرت ... فِي كل وَجه فَهِيَ ذُو أفنان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 .. مَعْلُومَة لِلْعَقْلِ أَو مَشْهُودَة ... للحس أَو فِي فطْرَة الرَّحْمَن أسمعتم لدليلكم فِي بَعْضهَا ... خَبرا اَوْ احسستم لَهُ بِبَيَان أَيكُون أصل الدّين مَا تمّ الْهدى ... إِلَّا بِهِ وَبِه قوى الايمان وسواه لَيْسَ بِمُوجب من لم يحط ... علما بِهِ لم ينج من كفران وَالله ثمَّ رَسُوله قد بَينا ... طرق الْهدى فِي غَايَة التِّبْيَان فلأي شَيْء إعرضا عَنهُ وَلم ... نَسْمَعهُ فِي أثر وَلَا قُرْآن لَكِن أَتَانَا بعد خير قروننا ... فظهور أَحْدَاث من الشَّيْطَان وعَلى لِسَان الجهم جَاءَ وَحزبه ... من كل صَاحب بِدعَة حيران وَلذَلِك اشْتَدَّ النكير عَلَيْهِم ... من سَائِر الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ صاحوا بهم فِي كل قطر بل رموا ... فِي إثرهم بثواقب الشهبان عرفُوا الَّذِي يُفْضِي اليه قَوْلهم ... ودليلهم بِحَقِيقَة الْعرْفَان وأخو الْجَهَالَة فِي خفارة جَهله ... وَالْجهل قد يُنجي من الكفران ... أَقُول قد تقدم الْكَلَام فِي دَلِيل الاكوان مَبْسُوطا فِي الْفَصْل الَّذِي أَوله وَقضى بِأَن الله كَانَ معطلا عَن شيخ الاسلام وَغَيره وَنحن نشِير الى ذَلِك بعض الاشارة قَالَ شيخ الاسلام فِي كتاب (الْعقل وَالنَّقْل (فِي الْكَلَام على اصول الدّين بعد كَلَام سبق وَأما مَا يدْخلهُ بعض النَّاس فِي هَذَا الْمُسَمّى من الْبَاطِل فَلَيْسَ ذَلِك من أصُول الدّين وان أدخلهُ فِيهِ مثل الْمسَائِل والدلائل الْفَاسِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 مثل الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم بحدوث الاعراض الَّتِي هِيَ صِفَات الاجسام الْقَائِمَة بهَا إِمَّا الاكوان وَإِمَّا غَيرهَا وَتَقْرِير الْمُقدمَات الَّتِي يحْتَاج اليها هَذَا الدَّلِيل من إِثْبَات الاعراض الَّتِي هِيَ الصِّفَات أَولا أَو إِثْبَات بَعْضهَا كالاكوان الَّتِي هِيَ الْحَرَكَة والسكون والاجتماع والافتراق واثبات حدوثها باثبات إبِْطَال ظُهُورهَا بعد الكمون وابطال انتقالها من مَحل الى مَحل ثمَّ اثبات امْتنَاع خلو الْجِسْم إِمَّا عَن كل جنس من أَجنَاس الاعراض باثبات أَن الْجِسْم قَابل لَهَا وان الْقَابِل للشَّيْء لَا يَخْلُو عَنهُ وَعَن ضِدّه وَإِمَّا عَن الاكوان وَامْتِنَاع حوادث لَا أول لَهَا رَابِعا وَهُوَ مَبْنِيّ على مقدمتين احداهما ان الْجِسْم لَا يَخْلُو عَن الاعراض باثبات أَن الْجِسْم لَا يَخْلُو عَن الاعراض الَّتِي هِيَ الصِّفَات وَالثَّانيَِة أَن مَا لَا يَخْلُو عَن الصِّفَات الَّتِي هِيَ الاعراض فَهُوَ مُحدث لِأَن الصِّفَات الَّتِي هِيَ الاعراض لاتكون إِلَّا محدثة وَقد يفرضون ذَلِك فِي بعض الصِّفَات الَّتِي هِيَ الْإِعْرَاض كالالوان وَمَا لَا يخلوا عَن جنس الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث لِامْتِنَاع حوادث لَا تتناهى فَهَذِهِ الطَّرِيقَة مِمَّا يعلم بالاضطرار أَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدع النَّاس بهَا الى الاقرار بالخالق ونبوة أنبيائه ولهذ اقد اعْترف حذاق أهل الْكَلَام كالاشعري وَغَيره انها لَيست طَريقَة الرُّسُل وأتباعهم وَلَا سلف الامة وأئمتها وَذكروا انها مُحرمَة عِنْدهم بل الْمُحَقِّقُونَ على انها طَريقَة بَاطِلَة وَأَن مقدماتها فِيهَا تَفْصِيل وتقسيم يمْنَع ثُبُوت الْمُدعى بهَا مُطلقًا وَلِهَذَا تَجِد من اعْتمد عَلَيْهَا فِي أصُول دينه فأحد الامرين لَازم لَهُ إِمَّا أَن يطلع على ضعفها ويقابل بَينهَا وَبَين أَدِلَّة الْقَائِلين بقدم الْعَالم فتتكافأ عِنْده الادلة أَو يرجح هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة كَمَا هُوَ حَال طوائف مِنْهُم وَإِمَّا أَن يلْتَزم لاجلها لَوَازِم مَعْلُومَة الْفساد فِي الشَّرْع وَالْعقل كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الْتزم جهم لاجلها فنَاء الْجنَّة وَالنَّار وَالْتزم لاجلها أَبُو الْهُذيْل انْقِطَاع حركات أهل الْجنَّة وَالْتزم قوم لاجلها كالاشعري وَغَيره ان المَاء والهواء وَالتُّرَاب وَالنَّار لَهُ طعم ولون وريح وَنَحْو ذَلِك وَالْتزم قوم لاجلها وَأجل غَيرهَا ان جَمِيع الاعراض كالطعم واللون وَغَيرهمَا لَا يجوز بَقَاؤُهَا بِحَال لإنهم احتاجوا الى جَوَاب النَّقْض الْوَارِد عَلَيْهِم لما أثبتوا الصِّفَات لله مَعَ الِاسْتِدْلَال على حُدُوث الاجسام بصفاتها فَقَالُوا صِفَات الاجسام أَعْرَاض أَي انها تعرض فتزول بِخِلَاف صِفَات الله فانها بَاقِيَة وَأما مَا اعْتمد عَلَيْهِ طَائِفَة مِنْهُم من أَن الْعرض لَو بَقِي لم يُمكن عَدمه لَان عَدمه إِمَّا أَن يكون باحداث ضد أَو بِفَوَات شَرط اَوْ اخْتِيَار الْفَاعِل وكل ذَلِك مُمْتَنع فَهَذِهِ الْعُمْدَة لَا يختارها آخَرُونَ مِنْهُم بل يجوزون أَن الْفَاعِل الْمُخْتَار بِعَدَمِ الْمَوْجُود كَمَا يحث الْمَعْدُوم وَلَا يَقُولُونَ إِن عدم الاجسام لَا يكون الا بِقطع الاعراض عَنْهَا كَمَا قَالَه أُولَئِكَ وَلَا يخلق ضد هُوَ الفناء لافي مَحل كَمَا قَالَه من قَالَه من الْمُعْتَزلَة وَأما جُمْهُور عقلاء بني آدم فَقَالُوا هَذِه مُخَالفَة للمعلوم بالحس وَالْتزم طوائف من أهل الْكَلَام من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم لأَجلهَا نفي صِفَات الرب مُطلقًا أَو نفي بَعْضهَا لِأَن الدَّال عِنْدهم على حُدُوث هَذِه الاشياء هُوَ قيام الصِّفَات بهَا وَالدَّلِيل يجب طرده فالتزموا حُدُوث كل مَوْصُوف بِصفة قَائِمَة بِهِ وَهُوَ ايضا فِي غَايَة الْفساد والضلال وَلِهَذَا التزموا القَوْل بِخلق الْقُرْآن وانكار رُؤْيَة الله فِي الْآخِرَة وعلوه على عَرْشه الى امثال ذَلِك من اللوازم الَّتِي التزمها من طرد مُقَدمَات هَذِه الْحجَّة الَّتِي جعلهَا الْمُعْتَزلَة وَمن اتبعهم أصل دينهم فَهَذِهِ دَاخِلَة فِيمَا سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ أصُول الدّين وَلَكِن لَيست فِي الْحَقِيقَة من أصُول الدّين الَّذِي شَرعه الله لِعِبَادِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَقَالَ فِي كَلَامه على (حَدِيث النُّزُول (لما تكلم على هَذِه الطَّرِيقَة أما قَوْلكُم إِن هَذَا الطَّرِيق هُوَ الاصل فِي معرفَة دين الاسلام ونبوة الرُّسُل فَهَذَا مِمَّا يعلم بالاضطرار من دين الاسلام فَسَاده فانه من الْمَعْلُوم لكل من علم حَال الرَّسُول وَأَصْحَابه وَمَا جَاءَ بِهِ من الايمان وَالْقُرْآن انه لم يدع النَّاس بِهَذِهِ الطَّرِيقَة أبدا وَلَا تكلم بهَا أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين لَهُم باحسان فَكيف تكون هِيَ أصل الايمان وَالَّذِي جَاءَ بالايمان وَأفضل النَّاس إِيمَانًا لم يتكلموا بهَا الْبَتَّةَ وَلَا سلكها مِنْهُم أحد وَالَّذين علمُوا ان هَذِه طَريقَة مبتدعة حزبان حزب ظنُّوا أَنَّهَا صَحِيحَة فِي نَفسهَا لَكِن أعرض السّلف عَنْهَا لطول مقدماتها وغموضها وَمَا يخَاف على سالكها من الشَّك والتطويل وَهَذَا قَول جمَاعَة كالاشعري فِي رسَالَته الى الثغر الْخطابِيّ والحليمي وَالْقَاضِي ابي يعلى وَابْن عقيل وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَغير هَؤُلَاءِ وَالثَّانِي قَول من يَقُول بل هَذِه الطَّرِيقَة بَاطِلَة فِي نَفسهَا وَلِهَذَا ذمها السّلف وَعدلُوا عَنْهَا وَهَذَا قَول أَئِمَّة السّلف كَابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ابْن حَنْبَل واسحق بن رَاهْوَيْةِ وَأبي يُوسُف وَمَالك بن أنس وَابْن الماجسون عبد الْعَزِيز وَغير هَؤُلَاءِ من السّلف انْتهى وَقَالَ الامام الْحَافِظ ابو عمر بن عبد الْبر الَّذِي أَقُول إِنَّه إِذا نظر الى إِسْلَام ابي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَسَائِر الْمُهَاجِرين والانصار وَجَمِيع الْوُفُود الَّذين دخلُوا فِي دين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الله افواجا علم أَن الله عز وَجل لم يعرفهُ وَاحِد مِنْهُم الا بِتَصْدِيق النَّبِيين وأعلام النُّبُوَّة وَدَلَائِل الرسائل لَا من قبل حَرَكَة وَسُكُون وَلَا من بَاب الْكل وَالْبَعْض وَلَا من بَاب كَانَ وَيكون وَلَو كَانَ النّظر فِي الْحَرَكَة والسكون عَلَيْهِم وَاجِبا وَفِي الْجِسْم ونفيه والتشبيه ونفيه لَازِما مَا أضاعوه وَلَو أضاعوا الْوَاجِب لما نطق الْقُرْآن بتزكيتهم وتقديمهم وَلَا أطنب فِي مدحهم وتعظيمهم وَلَو كَانَ من علمهمْ مَشْهُورا وَمن أَخْلَاقهم مَعْرُوفا لاستفاض عَنْهُم وشهروا بِهِ كَمَا شهروا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَات انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الرَّد على الْجَهْمِية المعطلة الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَيْسَ على الْعَرْش اله يعبد وَلَا فَوق السَّمَوَات اله يصلى لَهُ وَيسْجد وَبَيَان فَسَاد قَوْلهم عقلا ونقلا ولغة وفطرة ... وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره ... وبرى الْبَريَّة وَهِي ذُو حدثان فسل الْمُعَطل هَل يَرَاهَا خَارِجا ... عَن ذَاته أم فِيهِ حلت ذان لابد من إِحْدَاهمَا أَو أَنَّهَا ... هِيَ عينه مَا ثمَّ موجودان مَا ثمَّ مَخْلُوق وخالقه وَمَا ... شَيْء مُغَاير هَذِه الاعيان لابد من احدى ثَلَاث مَالهَا ... من رَابِع خلو عَن الروغان ولذاك قَالَ مُحَقّق الْقَوْم الَّذِي ... رفع الْقَوَاعِد مدعي الْعرْفَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 .. هُوَ عين هَذَا الْكَوْن لَيْسَ بِغَيْرِهِ ... أَنى وَلَيْسَ مباين الاكوان كلا وَلَيْسَ مجانبا ايضا لَهَا ... فَهُوَ الْوُجُود بِعَيْنِه وعيان ان لم يكن فَوق الْخَلَائق رَبهَا ... فَالْقَوْل هَذَا القَوْل فِي الْمِيزَان اذ لَيْسَ يعقل بعد إِلَّا أَنه ... قد حل فِيهَا وَهِي كالابدان وَالروح ذَات الْحق جلّ جَلَاله ... حلت بهَا كمقالة النَّصْرَانِي فاحكم على من قَالَ لَيْسَ بِخَارِج ... عَنْهَا وَلَا فِيهَا بِحكم بَيَان بِخِلَافِهِ الوحيين والاجماع وَالْعقل ... الصَّرِيح وفطرة الرَّحْمَن فَعَلَيهِ اوقع حد مَعْدُوم بلَى ... حد الْمحَال بِغَيْر مَا فرقان يَا للعقول اذا نفيتم مخبرا ... ونقيض حد ذَاك فِي امكان ان كَانَ نفي دُخُوله وَخُرُوجه ... لَا يصدقان مَعًا لذى امكان الا على عدم صَرِيح نَفْيه ... مُتَحَقق ببديهة الانسان أيصح فِي الْمَعْقُول يَا أهل النهى ... ذاتان لَا بِالْغَيْر قائمتان لَيست تبَاين مِنْهُمَا ذَات لاخرى ... أَو تحايثها فيجتمعان ... قَوْله أَو تحايثها قَالَ فِي الْقَامُوس حَيْثُ كلمة دَالَّة على الْمَكَان كحين فِي الزَّمَان ويثلث آخِره انْتهى ... ان كَانَ فِي الدُّنْيَا محَال فَهُوَ ذَا ... فَارْجِع الى الْمَعْقُول والبرهان فلئن زعمتم ان ذَلِك فِي الَّذِي ... هُوَ قَابل من جسم أَو جثمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 .. والرب لَيْسَ كَذَا فنفي دُخُوله ... وَخُرُوجه مَا فِيهِ من بطلَان فَيُقَال هَذَا أَولا من قَوْلكُم ... دَعْوَى مُجَرّدَة بِلَا برهَان ذَاك اصْطِلَاح من فريق فارقوا الْوَحْي ... الْمُبين بحكمة اليونان ... احْتج النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى على بطلَان قَول الْجَهْمِية النفاة لعلو الله سُبْحَانَهُ على خلقه بِهَذِهِ الْحجَج القاطعة والبراهين الساطعة فَقَالَ وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره يُشِير الى الحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْفُوع (كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء يَقُول إِذا كَانَ الله تَعَالَى فِي الْأَزَل لم يكن مَعَه غَيره وَخلق الْمَخْلُوقَات وَهَذَا معنى قَوْله وبرى الْبَريَّة الخ فسل الْمُعَطل هَل خلقهَا خَارِجا عَن ذَاته المقدسة أَو خلقهَا فِي ذَاته المقدسة تَعَالَى عَن ذَلِك أَو هِيَ عينه كَمَا يَقُوله الوجودية لعنهم الله تَعَالَى وَهَذِه قسْمَة حاصرة لَان الْمَخْلُوقَات إِمَّا أَن تكون خلقهَا فِي ذَاته أَو خَارِجهَا عَنْهَا أَو هِيَ عينه وَلَا قسم غير هَذِه الثَّلَاثَة وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم ولذاك قَالَ مُحَقّق الْقَوْم الَّذِي رفع الْقَوَاعِد يَعْنِي الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود فانهم قَالُوا وجود الْمَخْلُوقَات هُوَ عين وجود الْخَالِق مَا ثمَّ غير وَلَا سوى الْبَتَّةَ تَعَالَى الله عَن قَوْلهم علوا كَبِيرا وَلِهَذَا قَالَ إِن لم يكن فَوق الْخَلَائق رَبهَا الخ أَي إِن لم يكن الرب تَعَالَى فَوق خلقه فَالْقَوْل هَذَا القَوْل فِي الْمِيزَان أَي فِي الْعدْل وَالْقِيَاس فانه إِذا لم يكن تَعَالَى مباينا للاكوان وَلَا محايثا لَهَا دَاخِلا فِيهَا لم يبْق الا هَذَا القَوْل إِذْ لَيْسَ يعقل الا هَذَا وَأَن الرّوح ذَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الْحق تَعَالَى حلت بِهَذَا الْعَالم كَمَا تَقوله النَّصَارَى فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله فاحكم على من قَالَ لَيْسَ بِخَارِج الخ هَذَا الْكَلَام لابي مُحَمَّد عبد الله بن سعيد بن كلاب الْقطَّان حَكَاهُ عَنهُ الامام ابو بكر ابْن فورك فِي كتاب (الْمُجَرّد (فِيمَا جمعه من كَلَام ابْن كلاب أَنه قَالَ وَأخرج من الْخَبَر وَالنَّظَر قَول من قَالَ لَا هُوَ فِي الْعَالم وَلَا خَارِجا مِنْهُ فنفاه نفيا مستويا لانه لَو قيل لَهُ صفة بِالْعدمِ لما قدر أَن يَقُول أَكثر من هَذَا ورد أَخْبَار الله أَيْضا وَقَالَ فِي ذَلِك مَالا يجوز فِي نَص وَلَا مَعْقُول ثمَّ قَالَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صفوة الله من خلقه وَخيرته من بريته أعلمهم بالاين واستصوب قَول الْقَائِل إِنَّه فِي السَّمَاء وَشهد لَهُ بالايمان عِنْد ذَلِك وجهم بن صَفْوَان وَأَصْحَابه لَا يجيزون الاين ويحيلون القَوْل بِهِ قَالَ وَلَو كَانَ خطأ لَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق بالانكار لَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول لَهَا لَا تقولي ذَلِك فتوهمي أَنه مَحْدُود وَأَنه فِي مَكَان دون مَكَان وَلَكِن قولي إِنَّه فِي كل مَكَان لانه هُوَ الصَّوَاب دون مَا قلت كلا فقد أجَازه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ علمه بِمَا فِيهِ وانه من الايمان بل الامر الَّذِي يجب بِهِ الايمان لقائله وَمن أَجله شهد لَهَا بالايمان حِين قالته وَكَيف يكون الْحق فِي خلاف ذَلِك وَالْكتاب نَاطِق بذلك وَشَاهد لَهُ وَقد غرس فِي نبيه الْفطْرَة ومعارف الْآدَمِيّين من ذَلِك مَا لَا شَيْء أبين مِنْهُ وَلَا أوكد لانك لَا تسْأَل أحدا من النَّاس عَنهُ عَرَبيا وَلَا عجميا وَلَا مُؤمنا وَلَا كَافِرًا فَتَقول أَيْن رَبك إِلَّا قَالَ فِي السَّمَاء أفْصح أَو أَوْمَأ بِيَدِهِ أَو أَشَارَ بطرفه إِن كَانَ لَا يفصح وَلَا يُشِير الى غير ذَلِك وَمَا رَأينَا أحدا إِذا عَن لَهُ دُعَاء الا رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء وَلَا وجدنَا أحدا غير الْجَهْمِية يسْأَل عَن ربه فَيَقُول فِي كل مَكَان كَمَا يَقُولُونَ وهم يدعونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 أَنهم أفضل النَّاس كلهم فتاهت الْعُقُول وَسَقَطت الاخبار واهتدى جهم وَخَمْسُونَ رجلا مَعَه نَعُوذ بِاللَّه من مضلات الْفِتَن انْتهى كَلَامه قَوْله ياللعقول اذا نفيتم مخبرا الخ بِفَتْح اللَّام اسْم منادى مجرور بِاللَّامِ إِذا استغيث اسْم منادى وَجب كَون الْحَرْف يَا وَكَونهَا مَذْكُورَة وَغلب جَرّه بلام وَاجِبَة الْفَتْح كَقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ يالله للْمُسلمين معنى كَلَام النَّاظِم إِنَّكُم نفيتم عَنهُ تَعَالَى النقيضين وهما لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان فَإِذا كَانَ تَعَالَى عنْدكُمْ لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه فَهَذَا حد الْمَعْدُوم لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه فهم وصفوا وَاجِب الْوُجُود تَعَالَى بِمَا يمْتَنع مَعَه وجوده فضلا عَن وُجُوبه لَان الْمَعْدُوم لَا يُوصف الا بِمَا وصفوا بِهِ وَاجِب الْوُجُود تَعَالَى ثمَّ قَالَ النَّاظِم فلئن زعمتم أَن ذَلِك فِي الَّذِي هُوَ قَابل الخ أَي أَن هَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الاجسام الَّتِي تقبل أَن تُوصَف بذلك والرب تَعَالَى لَيْسَ بجسم فوصفه بِأَنَّهُ لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه غير مَحْذُور فأجابهم النَّاظِم بقوله فَيُقَال هَذَا اولا من قَوْلكُم دَعْوَى الخ هَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة عَن الْبُرْهَان وَإِنَّمَا هِيَ من اصْطِلَاح فلاسفة اليونان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالشَّيْء يصدق نَفْيه عَن قَابل ... وسواه فِي مَعْهُود كل لِسَان أنسيت نفي الظُّلم عَنهُ وقولك ... الظُّلم الْمحَال وَلَيْسَ ذَا إِمْكَان ونسيت نفي النّوم وَالسّنة الَّتِي ... لَيست لرب الْعَرْش فِي الْإِمْكَان ونسيت نفي الطّعْم عَنهُ وَلَيْسَ ذَا ... مَقْبُولَة وَالنَّفْي فِي الْقُرْآن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 .. ونسيت نفي ولادَة أَو زَوْجَة ... وهما على الرَّحْمَن ممتنعان وَالله قد وسف الجماد بِأَنَّهُ ... ميت أَصمّ وَمَاله عينان وَكَذَا نفى عَنهُ الشُّعُور ونطقه ... والخلق نفيا وَاضح التِّبْيَان هَذَا وَلَيْسَ لَهَا قبُول للَّذي ... يَنْفِي وَلَا من جملَة الْحَيَوَان ... معنى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الشَّيْء يصدق نَفْيه عَن قَابل وَغير قَابل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} الْبَقَرَة 255 مَعْنَاهُ أَن الرب تَعَالَى لَا يجوز عَلَيْهِ النّوم وَالسّنة كَمَا نفى الطّعْم عَنهُ سُبْحَانَهُ فِي قَوْله {وَهُوَ يطعم وَلَا يطعم} الانعام 14 وكما فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون} الذاريات 56 57 وكما نفى سُبْحَانَهُ الظُّلم عَن نَفسه وَهُوَ عنْدكُمْ محَال فِي حق الرب وَلَيْسَ بممكن وَقد تقدم معنى ذَلِك فِي قَول النَّاظِم وَالظُّلم عِنْدهم الْمحَال لذاته الخ بِمَا يُغني عَن الاعادة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَيُقَال أَيْضا ثَانِيًا لَو صَحَّ هَذَا ... الشَّرْط كَانَ لما هما ضدان لَا فِي النقيضين اللَّذين كِلَاهُمَا ... لَا يثبتان وَلَيْسَ يرتفعان ... يتَوَقَّف فهم كَلَام النَّاظِم على معرفَة النقيضين والضدين فالنقيضان هما اللَّذَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان كالحركة والسكون والضدان هما اللَّذَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَقد يرتفعان كالسواد وَالْبَيَاض فَمَعْنَى كَلَام النَّاظِم أَن هَذَا الشَّرْط لَو صَحَّ وَهُوَ ان النَّفْي لَا يَصح إِلَّا عَن الْقَابِل لَكَانَ ذَلِك فِي الضدين لَا فِي النقيضين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَيُقَال أَيْضا نفيكم لقبوله ... لَهما يزِيل حَقِيقَة الامكان بل ذَا كنفي قِيَامه بِالنَّفسِ أَو ... بِالْغَيْر فِي الفطرات والاذهان فَإِذا الْمُعَطل قَالَ إِن قِيَامه ... بِالنَّفسِ اَوْ بِالْغَيْر ذُو بطلَان إِذْ لَيْسَ يقبل وَاحِدًا من ذَيْنك ال ... أَمريْن إِلَّا وَهُوَ ذُو إِمْكَان جسم يقوم بِنَفسِهِ أَيْضا كَذَا ... عرض يقوم بِغَيْرِهِ أَخَوان فِي حكم إِمْكَان وَلَيْسَ بِوَاجِب ... مَا كَانَ فِيهِ حَقِيقَة الامكان ... أَي اذا نفيتم قبُوله سُبْحَانَهُ لَان يكون دَاخل الْعَالم أَو خَارجه فَهَذَا كنفي قِيَامه بِالنَّفسِ اَوْ بِالْغَيْر فاذا قَالَ الْمُعَطل إِن قِيَامه بِنَفسِهِ اَوْ بِغَيْرِهِ بَاطِل فعلى هَذَا يَسْتَحِيل وجوده تَعَالَى وتقدس وَمَعْلُوم أَن الْخُلُو عَن النقيضين مُمْتَنع كَمَا أَن الْجمع بَين النقيضين مُمْتَنع لانه قد يُقَال إِن جَمِيع الممتنعات ترجع الى الْجمع بَين النقيضين قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي (الصَّوَاعِق (هَذِه الْحجَّة الْعَقْلِيَّة وَهِي الِاحْتِجَاج بِكَوْن الرب تَعَالَى قَائِما بِنَفسِهِ على كَونه مباينا للْعَالم وَذَلِكَ ملزوم بِكَوْنِهِ فَوْقه عَالِيا عَلَيْهِ بِالذَّاتِ لما كَانَت حجَّة صَحِيحَة لَا يُمكن مدافعتها وَكَانَت مِمَّا نَاظر بهَا الكرامية لأبي اسحق الاسفراييني فر أَبُو اسحاق الى كَون الرب قَائِما بِنَفسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُول وَقَالَ لَا نسلم أَنه قَائِم بِنَفسِهِ إِلَّا بِمَعْنى أَنه غَنِي عَن الْمحل فَجعل قِيَامه بِنَفسِهِ وَصفا عدميا لَا ثبوتيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَهَذَا لَازم لسَائِر المعطلة النفاة لعلوه وَمن الْمَعْلُوم أَن كَون الشَّيْء قَائِما بِنَفسِهِ أبلغ من كَونه قَائِما بِغَيْرِهِ وَإِذا كَانَ قيام الْعرض بِغَيْرِهِ يمْتَنع ان يكون عدميا بل وجوديا فقيام الشَّيْء بِنَفسِهِ إحق ان لَا يكون أمرا عدميا بل وجوديا وَإِذا كَانَ قيام الْمَخْلُوق بِنَفسِهِ صفة كَمَال وَهُوَ مفتقر بِالذَّاتِ الى غَيره فقيام الْغَنِيّ بِذَاتِهِ بِنَفسِهِ أَحَق وَأولى انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فكلاكما يَنْفِي الاله حَقِيقَة ... وكلا كَمَا فِي نَفْيه سيان مَاذَا يرد عَلَيْهِ من هُوَ مثله ... فِي النَّفْي صرفا إِذْ هما عَدْلَانِ وَالْفرق لَيْسَ بممكن لَك بَعْدَمَا ... ضاهيت هَذَا النَّفْي فِي الْبطلَان فوزان هَذَا النَّفْي مَا قد قلته ... حرفا بِحرف انتما صنْوَان والخصم يزْعم أَن مَا هُوَ قَابل ... لكليهما فكقابل لمَكَان فافرق لنا فرقا يبين مواقع ال ... إِثْبَات والتعطيل بالبرهان أَولا فاعط الْقوس باريها وخل الفشر عَنْك وَكَثْرَة الهذيان ... قَالَ الرضي فِي (شرح الكافية (قد يقدر نصب الْيَاء فِي السعَة أَيْضا وَذكر الْمثل فَأن (باريها (مفعول أعْط وَهُوَ سَاكن الْيَاء وَهُوَ فِي هَذَا تَابع للزمخشري فِي (الْمفصل (قَالَ الميداني فِي أَمْثَاله أَي اسْتَعِنْ على عَمَلك بِأَهْل الْمعرفَة والحذق فِيهِ وينشد ... يَا باري الْقوس بريا لست تحسنها ... لَا تفسدنها وَأعْطِ الْقوس باريها ... قَوْله فكلاكما يَنْفِي الاله حَقِيقَة الخ أَي ان الْمُعَطل إِذا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 إِن قِيَامه تَعَالَى بِنَفسِهِ اَوْ بِغَيْرِهِ بَاطِل فقولكم إِنَّه تَعَالَى لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه مثله فِي الْبطلَان فكلاكما يَنْفِي الاله حَقِيقَة وكلاكما سَوَاء فِي نَفْيه وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي سِيَاق هَذَا الدَّلِيل على وَجه آخر ... وسل الْمُعَطل عَن مسَائِل خَمْسَة تردي قَوَاعِده من الاركان ... قل للمعطل هَل تَقول إلهنا المعبود حَقًا خَارج الاذهان ... فَإِذا نفى هَذَا فَذَاك معطل للرب حَقًا بَالغ الكفران ... وَإِذ أقربه فسله ثَانِيًا أتراه غير جَمِيع ذِي الاكوان ... فَإِذا نفى هَذَا وَقَالَ بِأَنَّهُ هُوَ عينهَا مَا هَا هُنَا غيران ... فقد ارتدى بالاتحاد مُصَرحًا بالْكفْر جَاحد ربه الرَّحْمَن ... حاشا النَّصَارَى أَن يَكُونُوا مثله وهم الْحمير وعابدو الصلبان ... هم خصصوه بالمسيح وامه ... وأولاء مَا صانوه عَن حَيَوَان وَإِذ أقرّ بِأَنَّهُ غير الورى ... عبد ومعبود هما شَيْئَانِ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 .. فَاسْأَلْهُ هَل هَذَا الورى فِي ذَاته ... أم ذَاته فِيهِ هُنَا أَمْرَانِ فَإِذا اقر بِوَاحِد من ذَيْنك الْأَمريْنِ قبل حَده النَّصْرَانِي ... وَيَقُول أَهلا بِالَّذِي هُوَ مثلنَا خشداشنا وحبيبنا الحقان ... وَإِذا نفى الامرين فَاسْأَلْهُ اذا هَل ذَاته استغنت عَن الاكوان ... فلذاك قَامَ بِنَفسِهِ أم قَامَ بَال أَعْيَان كالاعراض والالوان ... فاذا أقرّ وَقَالَ بل هُوَ قَائِم بِالنَّفسِ فَاسْأَلْهُ وَقل ذاتان ... بِالنَّفسِ قائمتان أَخْبرنِي هما مثلان أَو ضدان أَو غيران ... وعَلى التقادير الثَّلَاث فَإِنَّهُ لَوْلَا التباين لم يكن شَيْئَانِ ... ضدين أَو مثلين أَو غيرين كَا نابل هما لَا شكّ متحدان ... فلذاك قُلْنَا إِنَّكُم بَاب لمن بالاتحاد يَقُول بل بَابَانِ ... نقطتم لَهُم وهم خطوا على نقط لكم كمعلم الصّبيان ... حَاصِل هَذِه الابيات هُوَ أَن النَّاظِم يَقُول سل الْمُعَطل عَن خمس مسَائِل الاولى هَل تَقول إِن الله تَعَالَى خَارج الاذهان فان نفى ذَلِك فقد كفر حَقًا بِلَا شكّ وَالثَّانيَِة سَله إِن أقرّ بذلك عَن الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهُوَ أَنه هَل هُوَ الاكوان اَوْ غَيرهَا فَإِنَّهُ لابد ان يَقُول هُوَ الاكوان اَوْ غَيرهَا فاذا قَالَ هُوَ عين الاكوان فقد قَالَ بالاتحاد وَهُوَ أكفر قَول واشنع مَذْهَب بل الْقَائِل بذلك أكفر من النَّصَارَى لَان النَّصَارَى خصصوه بالمسيح وَأمه وَهَؤُلَاء عمموه بِكُل مَوْجُود وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 حاشا النَّصَارَى ان يَكُونُوا مثله الخ وَإِذا اقر الْمُعَطل بِأَنَّهُ غير الورى فسله ثَالِثا هَل هَذَا الورى فِي ذَاته اَوْ ذَاته فِيهِ فاذا أقرّ بِوَاحِد من هذَيْن فقد قَالَ بالحلول وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... فاذا اقر بِوَاحِد من ذَيْنك الامرين قبل خَدّه النَّصْرَانِي ... وَقَوله خشداشنا هَذِه كلمة تَعْظِيم وَهِي غير عَرَبِيَّة وَإِن نفى الْمُعَطل الامرين أَي أَن نفى ان ذَاته خلت فِي الورى اَوْ حل الورى فِي ذَاته فَاسْأَلْهُ هَل ذَاته تَعَالَى استغنت عَن الاكوان وَلذَلِك قَامَ بِنَفسِهِ ام قَامَ بالاعراض وَا لالوان وَإِن أقرّ وَقَالَ بل هُوَ قَائِم بِالنَّفسِ فَاسْأَلْهُ وَقل ذاتان قامتا بِالنَّفسِ أَخْبرنِي هَل هما مثلان اَوْ ضدان اَوْ غيران الضدان هما اللَّذَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَقد يرتفعان كالسواد وَالْبَيَاض والمثلان لَا يَجْتَمِعَانِ ويرتفعان لتساوي الْحَقِيقَة كبياض وَبَيَاض والغيران هما المختلقان وَقيل هما الموجودان اللَّذَان يُمكن أَن يُفَارق أَحدهمَا الاخر بِوَجْه والخلافان مَا قَامَ أَحدهمَا مقَام الاخر وسد مسده وَعمل عمله وَقيل هما اللَّذَان يَشْتَرِكَانِ فِي الصّفة اللَّازِمَة فهما لَا يَجْتَمِعَانِ ويرتفعان لتساوي الْحَقِيقَة كبياض وَبَيَاض كل موجودين غير متفقين فِي جَمِيع صِفَات النَّفس والغيران نَحْو مِنْهُمَا والمثلان ضد لَهما وَقَول النَّاظِم ... وعَلى التقادير الثَّلَاث فانه لَوْلَا التباين لم يكن شَيْئَانِ ... أَي لَان الْمَوْجُودين إِمَّا ان يَكُونَا ضدين اَوْ مثلين اَوْ غيرين وعَلى جَمِيع هَذِه التقادير فلابد من ثُبُوت شَيْئَيْنِ ثمَّ قَالَ فَلِذَا قُلْنَا إِنَّكُم بَاب لمن يَقُول بالاتحاد بل بَابَانِ نقطتم لَهُم وهم خطوا على نقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 لكم أَي كَمَا أَن معلم الصَّبِيَّيْنِ اولا ينقط لَهُم حُرُوف الهجاء ثمَّ يَكْتُبهَا فَكَذَلِك انتم وَمن يَقُول بالاتحاد وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الاشارة الى الطّرق النقلية الدَّالَّة على أَن الله سُبْحَانَهُ فَوق سمواته على عَرْشه ... وَلَقَد اتى فِي عشر أَنْوَاع من الْمَنْقُول فِي فوقية الرَّحْمَن مَعَ مثلهَا أَيْضا يزِيد بِوَاحِد ... هَا نَحن نسردها بِلَا كتمان مِنْهَا اسْتِوَاء الرب فَوق الْعَرْش فِي ... سبع أَتَت فِي مُحكم الْقُرْآن وَكَذَلِكَ اطردت بِلَا لَام وَلَو ... كَانَت بِمَعْنى اللَّام فِي الاذهان لآتت بهَا فِي مَوضِع كي يحمل الْبَاقِي ... عَلَيْهَا بِالْبَيَانِ الثَّانِي وَنَظِير ذَا إضمارهم فِي مَوضِع ... حملا على الْمَذْكُور فِي التِّبْيَان لَا يضمرون مَعَ اطراد دون ذكر ... الْمُضمر الْمَحْذُوف دون بَيَان بل فِي مَحل الْحَذف يكثر ذكره ... فَإِذا هم الفوه ألف لِسَان حذفوه تَخْفِيفًا وإيجازا فَلَا ... يخفى المُرَاد بِهِ على الانسان هَذَا وَمن عشْرين وَجها يبطل التَّفْسِير باستولى لذِي الْعرْفَان ... قد أفردت بمصنف لامام هَذَا الشَّأْن بَحر الْعَالم الْحَرَّانِي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 هَذَا هُوَ الدَّلِيل الاول من أَدِلَّة علو الله سُبْحَانَهُ على عَرْشه قَوْله فِي سبع أَتَت فِي مُحكم الْقُرْآن وَهِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الاعراف {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الاعراف 54 وَفِي سُورَة يُونُس {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} يُونُس 3 وَفِي سُورَة الرَّعْد {الله الَّذِي رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الرَّعْد 2 وَفِي سُورَة الْفرْقَان {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن} الْفرْقَان 59 وَفِي طه {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَفِي سُورَة السَّجْدَة {الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} السَّجْدَة 4 وَفِي سُورَة الْحَدِيد {هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا} الْحَدِيد 4 الْآيَة قَوْله وَكَذَلِكَ اطردت بِلَا لَام الخ أَي أَن لَفْظَة اسْتَوَى اطردت بِلَا لَام أَي بِلَا لَام اسْتَوَى فَلَو كَانَت بِمَعْنى اللَّام لاتمت بِاللَّامِ فِي بعض الْمَوَاضِع كي يحمل الْبَاقِي عَلَيْهَا كَمَا انهم يضمرون فِي مَوضِع ليحمل الْبَاقِي عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع أخر وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي (الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة (فِي إبِْطَال تَفْسِير الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ الْوَجْه الرَّابِع أَن هَذَا اللَّفْظ قد اطرد فِي الْقُرْآن وَالسّنة حَيْثُ ورد لفظ الاسْتوَاء دون الِاسْتِيلَاء وَلَو كَانَ مَعْنَاهُ استولى لَكَانَ اسْتِعْمَاله فِي اكثر موارده كَذَلِك فاذا جَاءَ مَوضِع اَوْ موضعان بِلَفْظ اسْتَوَى حمل على معنى استولى لانه المألوف الْمَعْهُود وَأما أَن ياتي إِلَى لفظ قد اطرد اسْتِعْمَاله فِي جَمِيع موارده على معنى وَاحِد فيدعى صرفه فِي الْجَمِيع الى معنى لم يعْهَد اسْتِعْمَاله فِيهِ فَفِي غَايَة الْفساد هَذَا وَلم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فِي السِّيَاق مَا يَأْبَى حمله على غير مَعْنَاهُ الَّذِي اطرد اسْتِعْمَاله فِيهِ فَكيف وَفِي السِّيَاق مَا يَأْبَى ذَلِك انْتهى قَوْله هَذَا وَمن عشْرين وَجها يبطل التَّفْسِير باستولى الخ أَي أَن شيخ الاسلام أفرد مصنفا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وأبطل تَفْسِير الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ من عشْرين وَجها وَزَاد النَّاظِم وَجها فَصَارَت إِحْدَى وَعشْرين وَفِي (الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة رد تَفْسِير الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ من أَرْبَعِينَ وَجها قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وَثَانِيها صَرِيح علوه ... وَله بِحكم صَرِيحه لفظان لفظ الْعلي وَلَفظه الاعلى معرفَة (أتتك هُنَا) لقصد بَيَان إِن الْعُلُوّ لَهُ بمطلقه على التَّعْمِيم والاطلاق بالبرهان ... وَله الْعُلُوّ من الْوُجُوه جَمِيعهَا ذاتا وقهرا مَعَ علو الشاني ... لَكِن نفاة علوه سلبوه إكما ل الْعُلُوّ فَصَارَ ذَا نُقْصَان ... حاشاه من إفْك النفاة وسلبهم فَلهُ الْكَمَال الْمُطلق الرباني ... وعلوه فَوق الخلقية كلهَا ... فطرت عَلَيْهِ الْخلق والثقلان معطل تبديلها ... أبدا وَذَلِكَ سنة الرَّحْمَن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 .. كل إِذا مَا نابه أَمر يرى مُتَوَجها بضرورة الانسان ... نَحْو الْعُلُوّ فَلَيْسَ يطْلب خَلفه وأمامه أَو جَانب الانسان ... وَنِهَايَة الشُّبُهَات تشكيك وتخميش وتغيير على الايمان ... لَا يَسْتَطِيع تعَارض الْمَعْلُوم والمعقول عِنْد بداية الاذهان فَمن الْمحَال الْقدح فِي الْمَعْلُوم بِالشُّبُهَاتِ ... هَذَا بَين الْبطلَان واذا الْبِدَايَة قابلتها هَذِه الشُّبُهَات ... لم تحتج الى بطلَان شتان بَين مقَالَة أوصى بهَا ... بعض لبَعض أول للثَّانِي ومقالة فطر الاله عباده ... حَقًا عَلَيْهَا مَا هما عَدْلَانِ ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الثَّانِي من أَدِلَّة علو الله على خلقه وَحَاصِل كَلَام النَّاظِم أَن الله تَعَالَى وصف نَفسه بالعلو وأتى فِي ذَلِك لفظان أَحدهمَا لفظ الْعلي فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} الْبَقَرَة 255 وَالثَّانِي لفظ الاعلى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} الاعلى 1 وَذَلِكَ لبَيَان أَن الْعُلُوّ مُطلقًا لَهُ سُبْحَانَهُ أَي علو الذَّات وعلو الْقدر وعلو الْقَهْر وَأما النفاة فَلم يثبتوا لَهُ سُبْحَانَهُ الا علو الْقدر وعلو الْقَهْر وَنَفَوْا علو الذَّات تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ وَقد احْتج النَّاظِم عَلَيْهِم بِمَا فطر الله تَعَالَى عَلَيْهِ الخليقة مسلمها وكافرها بل هُوَ شَيْء فطر الله عَلَيْهِ الثقلَيْن وَلِهَذَا ترى الْخلق مُجْمِعِينَ على ذَلِك فترى من نابه أَمر يتَوَجَّه نَحْو الْعُلُوّ ضَرُورَة وَقد تقدم مَا أوردهُ أَبُو جَعْفَر الْهَمدَانِي على إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وَأَنه قَالَ لَهُ يَا أستاذ أخبرنَا عَن هَذِه الضروة الَّتِي نجدها فِي قُلُوبنَا مَا قَالَ قطّ عَارِف يَا الله الا وجد فِي قلبه ضَرُورَة تطلب الْعُلُوّ لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة أَرَادَ الشَّيْخ أَن إِقْرَار الْفطر بِأَن معبودها ومدعوها فَوق هُوَ أَمر ضَرُورِيّ عَقْلِي فطري وَأَنت دليلك فِي نفي الْعُلُوّ نَظَرِي والنطري لَا يُعَارض الضَّرُورِيّ وَذَلِكَ نَحْو مَا يجيبون بِهِ عَن هَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ مثل قَوْلهم إِن السَّمَاء قبْلَة الدُّعَاء وَمثل معارضتهم ذَلِك بِوَضْع الساجد جَبهته على الارض وَنَحْو ذَلِك كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك النَّاظِم بقوله وَنِهَايَة الشُّبُهَات تشكيك وتخميش وَقَوله وَإِذا الْبِدَايَة قابلتها هَذِه الشُّبُهَات أَي أَن علو الرب سُبْحَانَهُ فَوق خلقه أَمر مَعْلُوم بالفطرة والبداهة فَلَا يُعَارض بالنظريات والشبهات فَأَما قَوْلهم إِن السَّمَاء قبْلَة الدُّعَاء فَقَوْل بَاطِل لم يقلهُ أحد من سلف الامة وَلَا أنزل الله بِهِ من سُلْطَان وَالَّذِي صَحَّ أَن قبْلَة الدُّعَاء هِيَ قبْلَة الصَّلَاة وَقد صرح الْعلمَاء بِأَنَّهُ يسْتَحبّ للداعي أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة وَقد اسْتقْبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَعْبَة فِي دُعَائِهِ فِي مَوَاطِن كَثِيرَة فَمن قَالَ ان للدُّعَاء قبْلَة غير قبْلَة الصَّلَاة فقد ابتدع فِي الدّين وَخَالف جمَاعَة الْمُسلمين وَأما ثَانِيًا فَلِأَن الْقبْلَة مَا يستقبله الدَّاعِي بِوَجْهِهِ كَمَا نستقبل الْكَعْبَة فِي الصَّلَاة وَمَا حاذاه الانسان بيدَيْهِ اَوْ رَأسه مثلا لَا يُسمى قبْلَة اصلا فَلَو كَانَت السَّمَاء قبْلَة الدُّعَاء لَكَانَ الْمَشْرُوع أَن يُوَجه الدَّاعِي وَجهه اليها وَلم يثبت ذَلِك فِي شرع أصلا وَأما النَّقْض بِوَضْع الْجَبْهَة فَمَا أفْسدهُ من نقض فَإِن وَاضع الْجَبْهَة إِنَّمَا قَصده الخضوع لمن فَوْقه بالذل لَا أَن يمِيل اليه إِذْ هُوَ تَحْتَهُ بل هَذَا لَا يخْطر بقلب ساجد وَأَيْضًا فالساجد فِي نفس السُّجُود يُصَرح بِأَن ربه هُوَ الاعلى سُبْحَانَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَتَعَالَى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وَثَالِثهَا صَرِيح الفوق مصحوبا بِمن وبدونها نَوْعَانِ ... إِحْدَاهمَا هُوَ قَابل التَّأْوِيل وَال اصل الْحَقِيقَة وَحدهَا بِبَيَان ... فَإِذا ادّعى تَأْوِيل ذَلِك مُدع لم تقبل الدَّعْوَى بِلَا برهَان ... لكنما الْمَجْرُور لَيْسَ بقابل التَّأْوِيل فِي لُغَة وَعرف لِسَان وأصخ لفائدة جليل قدرهَا ... تهديك للتحقيق والعرفان إِن الْكَلَام إِذا أَتَى بسياقه ... يُبْدِي المُرَاد لمن لَهُ أذنان أضحى كنص قَاطع لَا يقبل التَّأْوِيل يعرف ذَا أولو الأذهان ... فسياقه الْأَلْفَاظ مثل شَوَاهِد ال أَحْوَال إنَّهُمَا لنا صنْوَان ... إِحْدَاهمَا للعين مشهود بهَا لَكِن ذَاك لمسمع الْإِنْسَان ... فَإِذا أَتَى التَّأْوِيل بعد سِيَاقه تبدي المُرَاد أَتَى على إستهجان ... وَإِذا أَتَى الكتمان بعد شَوَاهِد ال أَحْوَال كَانَ كأقبح الكتمان ... فَتَأمل الْأَلْفَاظ وَانْظُر مَا الَّذِي سيقت لَهُ إِن كنت ذَا عرفان ... والفوق وصف ثَابت بِالذَّاتِ من كل الْوُجُوه لفاطر الأكوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 .. لَكِن نفاة الفوق ماوفوا بِهِ جَحَدُوا كَمَال الفوق للديان ... بل فسروه بِأَن قدر الله أَعلَى لَا يفوق الذَّات للرحمن قَالُوا وَهَذَا مثل قَول النَّاس فِي ... ذهب يرى من خَالص العقيان هُوَ فَوق جنس الْفضة الْبَيْضَاء لَا ... بِالذَّاتِ بل فِي مُقْتَضى الْأَثْمَان والفوق أَنْوَاع ثَلَاث كلهَا ... لله ثَابِتَة بِلَا نكران هَذَا الَّذِي قَالُوا وَفَوق الْقَهْر والفوقية الْعليا على الأكوان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الثَّالِث من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ صَرِيح الفوق مصحوبا ب (من) كَمَا فِي قَوْله سُبْحَانَهُ {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} النَّحْل 50 وأتى صَرِيح الفوق أَيْضا غير مصحوب ب (من) كَقَوْلِه تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} الْأَنْعَام 18 61 وَذكر رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْمَجْرُور ب (من) لَا يقبل التَّأْوِيل أصلا وَأما غير الْمَجْرُور ب (من) فَإِن ادّعى مُدع تَأْوِيله لم يقبل مِنْهُ لِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة فَلَا تقبل دَعْوَى الْمجَاز بِغَيْر دَلِيل وَلَا دَلِيل هُنَاكَ وَهَذَا فِي غَايَة الظُّهُور قَوْله واصخ لفائدة جليل قدرهَا الخ مَضْمُون هَذِه الْفَائِدَة قد ذكره النَّاظِم فِي مَوضِع آخر فَقَالَ الْمجَاز والتأويل لَا يدْخل فِي النُّصُوص وَإِنَّمَا يدْخل فِي الظَّاهِر الْمُحْتَمل لَهُ وَكَون اللَّفْظ نصا يعرف بشيئين أَحدهمَا عدم إحتماله لغير مَعْنَاهُ وضعا وَالثَّانِي مَا اطرد اسْتِعْمَاله على طَريقَة وَاحِدَة فِي جَمِيع موارده فَإِنَّهُ نَص فِي مَعْنَاهُ لَا يقبل تَأْوِيلا وَلَا مجَازًا وَإِن قدر تطرق ذَلِك إِلَى بعض أَفْرَاده وَصَارَ بِمَنْزِلَة خبر التَّوَاتُر لَا يتَطَرَّق إحتمال الْكَذِب إِلَيْهِ وَإِن تطرق إِلَى كل وَاحِد بمفرده وَهَذِه قَاعِدَة نافعة تدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 على خطأ كثير من التأويلات للسمعيات الَّتِي أطْرد إستعمالها فِي ظَاهرهَا وتأويلها وَالْحَالة هَذِه غلط فَإِن التَّأْوِيل إِنَّمَا يكون لظَاهِر قد ورد شاذا مُخَالفا لغيره من السمعيات فَيحْتَاج إِلَى تَأْوِيله ليوافقها وَأما إِذا إطردت كلهَا على وتيرة وَاحِدَة صَارَت بِمَنْزِلَة النَّص وَأقوى وتأويلها مُمْتَنع انْتهى قَوْله ... والفوق وصف ثَابت بِالذَّاتِ ... من كل الْوُجُوه لربنا الرَّحْمَن ... أَي فوقية الذَّات وفوقية الْقدر وفوقية الْقَهْر ثَابِتَة لربنا سُبْحَانَهُ لَكِن المعطلة جَحَدُوا فوقية الذَّات وتأولوها بقَوْلهمْ إِن هَذَا مثل قَول النَّاس فِي الذَّهَب وَإنَّهُ فَوق الْفضة أَي فوقية الْقدر والأمير فَوق الْوَزير وَمَعْلُوم أَن هَذَا مِمَّا تنفر من الْعُقُول السليمة فَإِن قَول الْقَائِل إبتداء الله خير من عباده أَو خير من عَرْشه من جنس قَوْله الثَّلج بَارِد وَالنَّار حارة وَالشَّمْس أضوء من السراج وَالسَّمَاء أَعلَى من سقف الدَّار وَنَحْو ذَلِك وَلَيْسَ فِي ذَلِك أَيْضا تمجيد وَلَا تَعْظِيم لله تَعَالَى بل هُوَ من أرذل الْكَلَام فَكيف يَلِيق حمل الْكَلَام الْمجِيد عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لَو اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وَرَابِعهَا عروج الرّوح وَال ... أَمْلَاك صاعدة إِلَى الرَّحْمَن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 .. وَلَقَد أَتَى فِي سورتين كِلَاهُمَا اشتملا على التَّقْدِير بالأزمان فِي سُورَة فِيهَا المعارج قدرت ... خمسين ألفا كَامِل الحسبان وبسجدة التَّنْزِيل ألفا قدرت ... فلأجل ذَا قَالُوا هما يَوْمَانِ يَوْم الْمعَاد بِذِي المعارج ذكره ... وَالْيَوْم فِي تَنْزِيل فِي ذَا الْآن وَكِلَاهُمَا عِنْدِي فَيوم وَاحِد ... وعروجهم فِيهِ إِلَى الديَّان فالألف فِيهِ مَسَافَة لنزولهم ... وصعودهم نَحْو الرفيع الداني هذي السَّمَاء فَإِنَّهَا قد قدرت ... خمسين فِي عشر وَذَا ضعفان لكنما الْخَمْسُونَ الف مَسَافَة السَّبع الطباق وَبعد ذِي الأكوان ... من عرش رب الْعَالمين إِلَى الثرى عِنْد الحضيض الْأَسْفَل التحتاني ... وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل فِي تَفْسِيره الْبَغَوِيّ ذَاك الْعَالم الرباني وَمُجاهد قد قَالَ هَذَا القَوْل لَكِن ابْن إِسْحَاق الْجَلِيل الشان ... قَالَ الْمسَافَة بَيْننَا وَالْعرش ذَا الْمِقْدَار فِي سير من الْإِنْسَان وَالْقَوْل الأول قَول عِكْرِمَة وقو ... ل قَتَادَة وهما لنا علمَان وَاخْتَارَ الْحسن الرضى وَرَوَاهُ عَن ... بَحر الْعُلُوم مُفَسّر الْقُرْآن ويرجح القَوْل الَّذِي قد قَالَه ... سَادَاتنَا فِي فرقهم أَمْرَانِ إِحْدَاهمَا مَا فِي الصَّحِيح الْمَانِع ... لزكانه من هَذِه الْأَعْيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 .. يكوى بهَا يَوْم الْقِيَامَة ظَهره ... وجبينه وَكَذَلِكَ الجنبان خَمْسُونَ ألفا قدر ذَاك الْيَوْم فِي ... هَذَا الحَدِيث وَذَاكَ ذُو تبيان فَالظَّاهِر اليومان فِي الْوَجْهَيْنِ يو ... م وَاحِد مَا أَن هما يَوْمَانِ قَالُوا قَالُوا وإيراد السِّيَاق يبين المضون مِنْهُ بأوضح التِّبْيَان ... فَانْظُر إِلَى الْإِضْمَار ضمن يرونه ونراه مَا تَفْسِيره بِبَيَان فاليوم بالتفسير أولى من عذا ... ب وَاقع للقرب وَالْجِيرَان وَيكون ذكر عروجهم فِي هَذِه الدُّنْيَا وَيَوْم قِيَامَة الْأَبدَان ... فنزولهم أَيْضا هُنَالك ثَابت كنزولهم أَيْضا هُنَا للشان ... وعروجهم بعد القضا كعروجهم أَيْضا هُنَا فَلهم إِذا شأنان ... وَيَزُول هَذَا السّقف يَوْم معادنا فعروجهم للعرش والرحمن ... هَذَا وَمَا نَضِجَتْ لدي وَعلمهَا الموكول بعد لمنزل الْقُرْآن وَأَعُوذ بالرحمن من جزم بِلَا ... علم وَهَذَا غَايَة الأمكان وَالله أعلم بالمراد بقوله ... وَرَسُوله الْمَبْعُوث بالفرقان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الرَّابِع من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ عروج الرّوح وَالْمَلَائِكَة إِلَيْهِ تَعَالَى قَوْله وَلَقَد أَتَى فِي سورتين كِلَاهُمَا ألخ فَفِي سُورَة المعارج قَالَ {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} المعارج 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وَفِي سُورَة السَّجْدَة قَالَ {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} السَّجْدَة 5 وَالْمرَاد بِالروحِ هُنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يعرج إِلَى الله تَعَالَى وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِير الْآيَتَيْنِ وَقد حكى النَّاظِم ذَلِك الإختلاف وَاخْتَارَ أَنَّهُمَا يَوْم وَاحِد وَأَن المُرَاد فِي آيَة السَّجْدَة من الأَرْض إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ألف سنة مَسَافَة لصعودهم ونزولهم وَذَلِكَ ألف سنة وَأما فِي سُورَة (المعارج) فَالْمَعْنى أَن ذَلِك مَسَافَة السَّبع الطباق من الْعَرْش إِلَى الثرى أَي أَسْفَل الأَرْض السَّابِعَة وَذكر أَن الْبَغَوِيّ اخْتَار هَذَا القَوْل وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالْقَوْل الأول قَول عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالْحسن وَعبارَة الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره قَالَ قَوْله تَعَالَى {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} من سنى الدُّنْيَا لَو صعد غير الْملك وَذَلِكَ أَنَّهَا تصعد من مُنْتَهى أَمر الله من الأَرْض السَّابِعَة إِلَى مُنْتَهى أَمر الله فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وروى لَيْث عَن مُجَاهِد أَن مِقْدَار هَذَا خمسين ألف سنة وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق لَو سَار بَنو آدم من الدُّنْيَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مَوضِع الْعَرْش سَارُوا خمسين ألف سنة وَقَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَأَرَادَ أَن موقفهم لِلْحسابِ حَتَّى يفصل بَين النَّاس خمسين ألف سنة من سني الدُّنْيَا لَيْسَ يعْنى بِهِ أَن مِقْدَار طوله هَذَا دون غَيره لِأَن يَوْم الْقِيَامَة لَهُ أول وَلَيْسَ لَهُ آخر لِأَنَّهُ يَوْم مَحْدُود ولوكان لَهُ آخر كَانَ مُنْقَطِعًا وَرُوِيَ عَن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ يَوْم الْقِيَامَة يكون على الْكَافِر مِقْدَار خمسين ألف سنة ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة فَمَا أطول هَذَا الْيَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخف على الْمُؤمن حَتَّى يكون أخف عَلَيْهِ من صَلَاة مَكْتُوبَة يُصليهَا فِي الدُّنْيَا (وَقيل معن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 قَوْله وَكَذَا صعُود تصدق من طيب الخ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب وَلَا يصعد إِلَى الله إِلَّا الطّيب فَإِن الله يتقبلها بِيَمِينِهِ ثمَّ يُرَبِّيهَا لصَاحِبهَا كَمَا يُربي أحدكُم فلوه حَتَّى تكون مثل الْجَبَل (مُتَّفق عَلَيْهِ وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْمَلَائِكَة يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ ويجتمعون فِي صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعَصْر ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فِيكُم فيسألهم وَهُوَ أعلم بهم كَيفَ تركْتُم عبَادي فَيَقُولُونَ أتيناهم وهم يصلونَ وتركناهم وهم يصلونَ (مُتَّفق عَلَيْهِ قَوْله وكذاك سعي اللَّيْل يرفعهُ الخ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل حجابه النَّار أوالنور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا إنتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه (رَوَاهُ مُسلم وكذاك مِعْرَاج الرَّسُول الخ تقدم الْكَلَام فِي الْمِعْرَاج وَقَوله وكذاك رفع الرّوح عِيسَى المرتضى يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء ك 158 قَوْله وكذاك تصعد روح كل مُصدق الخ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح قَالُوا اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب أَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ثمَّ يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فيستفتح لَهَا فَيُقَال من هَذَا فَيُقَال فلَان فَيُقَال مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى ينتهى بهَا إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله تَعَالَى وَذكر الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده (وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه (وَقَالَ هُوَ على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَرَوَاهُ أَئِمَّة عَن ابْن أبي ذِئْب قَوْله وَكَذَا دَعَا الْمَظْلُوم أَيْضا صاعد عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتقو دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا تصعد إِلَى الله كَأَنَّهَا شرارة (قَالَ الذَّهَبِيّ غَرِيب وَإِسْنَاده جيد وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من حافظين يرفعان إِلَى الله عز وَجل مَا حفظا يرى فِي أول الصَّحِيفَة خيرا وَفِي آخرهَا خيرا إِلَّا قَالَ الله لملائكته أشهدكم أَنِّي قد غفرت لعبدي مَا بَين طرفِي الصَّحِيفَة (رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّاز قَوْله وَقد دنا مِنْهُ إِلَى أَن قدرت قوسان ظَاهر كَلَام النَّاظِم عود الضَّمِير إِلَى الرب عز وَجل وَأَنه هُوَ الَّذِي دنا فَتَدَلَّى وَهَذَا على أحد التفسيرين فِي الْآيَة وَلَكِن هَذَا خلاف مَا اخْتَارَهُ فِي غير هَذَا الْموضع فَإِنَّهُ قَالَ بعد كَلَام ذكره لِأَن جِبْرِيل هُوَ الْمَوْصُوف بِمَا ذكر من أول السُّورَة إِلَى قَوْله {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى} النَّجْم 14 13 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 هَكَذَا فسره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح لعَائِشَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ (ذَاك جِبْرِيل لم أره فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا إِلَّا مرَّتَيْنِ (رَوَاهُ مُسلم قَالَ وَلَفظ الْقُرْآن لَا يدل على غير ذَلِك ثمَّ سَاق سَبْعَة أوجه دَالَّة على ذَلِك قَالَ وَأما مَا وَقع فِي البُخَارِيّ من رِوَايَة شريك عَن أنس (ودنا الْجَبَّار رب الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى (فقد تكلم النَّاس فِيهِ وَقَالُوا إِن شَرِيكا غلط فِيهِ وَذكر فِيهِ أمورا مُنكرَة قَالَ والدنو والتدلي الَّذِي فِي حَدِيث شريك غير هَذَا وَجزم ابْن كثير بِأَن الدنو والتدلي الَّذِي فِي حَدِيث شريك غير الَّذِي فِي الْآيَة وَقَالَ أَيْضا فِي تَفْسِير الَّذِي (دنا فَتَدَلَّى) إِنَّه جِبْرِيل هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي التَّفْسِير كَمَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَاخْتلف فِي المُرَاد من قَوْله تَعَالَى {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} أَي حدث الْوتر من الْقوس قَالَه مُجَاهِد وَقَالَ أَبُو عبيده قاب قوسين أَي دَار قوسين أَو أدنى أَو أقرب والقاب مَا بَين القبضة والسية من الْقوس قَالَ الواحدي هَذَا قَول الْجُمْهُور من الْمُفَسّرين أَن المُرَاد بِالْقَوْسِ الَّذِي يرْمى بهَا قَالَ وَهل المُرَاد بهَا الذِّرَاع لِأَنَّهُ يُقَاس بهَا الشيئ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي (فتح الْبَارِي (وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا القَوْل هُوَ الرَّاجِح فقد أخرج ابْن مَرْوُدَيْهِ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ القاب الْقدر والقوسان الذراعان وَيُؤَيِّدهُ أَنه لَو كَانَ المُرَاد بِهِ الْقوس الَّتِي يَرْمِي بهَا لم يمثل بذلك ليحتاج إِلَى التَّنْبِيه فَكَانَ يُقَال مثلا قاب رمح أَو نَحْو ذَلِك انْتهى والقاب والقيب والقاد والقيد الْمِقْدَار ذكر مَعْنَاهُ فِي الصِّحَاح انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وسادسها وسابعها النز ... ل كَذَلِك التَّنْزِيل لِلْقُرْآنِ وَالله أخبرنَا بِأَن كِتَابه ... تَنْزِيله بِالْحَقِّ والبرهان أَيكُون تَنْزِيلا وَلَيْسَ كَلَام من ... فَوق الْعباد أذاك ذُو إِمْكَان أَيكُون تَنْزِيلا من الرَّحْمَن والرحمن ... لَيْسَ مباين الأكوان وَكَذَا نزُول الرب جَلَاله ... فِي النّصْف من ليل وَذَاكَ الثَّانِي من ذَاك يسألني فيعطي سؤله ... من ذَا يَتُوب إِلَيّ من عصيان فَيَقُول لست بسائل غَيْرِي بأحوال ... الْعباد أَنا الْعَظِيم الشان من ذَاك يسألني فَأغْفِر ذَنبه ... فَأَنا الْوَدُود الْوَاسِع الغفران من ذَا يُرِيد شفاءه من سقمه ... فَأَنا الْقَرِيب مُجيب من ناداني ذَا شَأْنه سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ ... حَتَّى يكون الْفجْر فجرا ثَانِي يَا قوم لَيْسَ نُزُوله وعلوه ... حَقًا لديكم بل هما عدمان كَذَاك لَيْسَ يَقُول شَيْئا عنْدكُمْ ... لَا ذَا وَلَا قولا سواهُ ثَان كل مجَاز لَا حَقِيقَة تَحْتَهُ ... أول وزد وأنقص بِلَا برهَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الدَّلِيل السَّادِس وَالسَّابِع من أَدِلَّة الْعُلُوّ وهما التَّنْزِيل وَالنُّزُول قَالَ الله تَعَالَى {تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 غَافِر 2 وَقَالَ تَعَالَى {قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} النَّحْل 102 وَقَالَ تَعَالَى {تَنْزِيل من حَكِيم حميد} فصلت 42 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد) فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم} غَافِر 2 إِلَى قَوْله {الْمصير} غَافِر 3 افْتتح الْآيَة بقوله تَعَالَى {تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم} والتنزيل يسْتَلْزم علو الْمنزل عِنْد (من) لَا تعقل الْعَرَب من لغاتها بل وَلَا غَيرهَا من الْأُمَم إِلَّا ذَلِك وَقد أخبر أَن تَنْزِيل الْكتاب مِنْهُ فَهَذَا يدل على شَيْئَيْنِ أَحدهمَا علوه تبَارك وَتَعَالَى على خلقه وَالثَّانِي أَنه هُوَ الْمُتَكَلّم بِالْكتاب الْمنزل لَا غَيره فَإِنَّهُ أخبر أَنه مِنْهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون مِنْهُ قولا كَمَا أَنه مِنْهُ تَنْزِيلا فَإِن غَيره لَو كَانَ هُوَ الْمُتَكَلّم بِهِ لَكَانَ الْكتاب من ذَلِك الْغَيْر فَإِن الْكَلَام إِنَّمَا يُضَاف إِلَى الْمُتَكَلّم بِهِ وَمثل هَذَا {وَلَكِن حق القَوْل مني} السَّجْدَة 13 وَمثله {نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} النَّحْل 102 وَمثله {تَنْزِيل من حَكِيم حميد} فصلت 42 فَاسْتَمْسك بِحرف (من) فِي هَذِه الْمَوَاضِع فَإِنَّهُ يقطع شغب الْمُعْتَزلَة والجهمية وَتَأمل كَيفَ قَالَ تَنْزِيل مِنْهُ وَلم يقل تَنْزِيله فتضمنت الْآيَة إِثْبَات علوه وَكَلَامه وَثُبُوت الرسَالَة انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ وَقَوله وَكَذَا نزُول الرب الخ يُشِير إِلَى حَدِيث النُّزُول وَهُوَ متواتر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ينزل رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى كل لَيْلَة حِين يبْقى ثلث اللَّيْل فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ (أخرجه أَصْحَاب الصِّحَاح كالبخاري وَمُسلم وَأخرجه غَيرهمَا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَقد ألفت أَحَادِيث النُّزُول فِي جُزْء وَذَلِكَ متواتر أقطع بِهِ قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي (شرح الْمُوَطَّأ (لما تكلم على حَدِيث النُّزُول قَالَ هَذَا حَدِيث ثَابت من جِهَة النَّقْل صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الْإِسْنَاد لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَّته وَهُوَ مَنْقُول من طرق سوى هَذِه من أَخْبَار الْعُدُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه دَلِيل على أَن الله عز وَجل فِي السَّمَاء على الْعَرْش من فَوق سبع سموات كَمَا قَالَه الْجَمَاعَة وَهُوَ من حجتهم على الْمُعْتَزلَة فِي قَوْلهم إِن الله تَعَالَى فِي كل مَكَان بِذَاتِهِ المقدسة قَالَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَول أهل الْحق قَول الله تَعَالَى وَذكر بعض الْآيَات إِلَى أَن قَالَ وَهَذَا أشهر وَأعرف عِنْد الْعَامَّة والخاصة من أَن يحْتَاج إِلَى أَكثر من حكايته لِأَنَّهُ إضطرار لم يخالفهم عَلَيْهِ أحد وَلَا انكره عَلَيْهِم مُسلم وَقَول النَّاظِم فَيَقُول لست بسائل غَيْرِي الخ يُشِير إِلَى الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَغَيرهمَا بِسَنَد صَحِيح انه تَعَالَى يَقُول لَا يسْأَل عَن عبَادي غَيْرِي وَقَوله يَا قوم لَيْسَ نُزُوله وعلوه حَقًا لديكم بل هما عدمان يَعْنِي أَن النُّزُول والعلو عِنْدهم باطلين فَلهَذَا حرفوا نُصُوص الْفَوْقِيَّة وَالنُّزُول كَمَا روى بَعضهم حَدِيث النُّزُول (ينزل) بِالضَّمِّ وَهَذَا كَمَا قَرَأَ بَعضهم {وكلم الله مُوسَى تكليما} النِّسَاء 164 وَنَحْو ذَلِك من تحريفهم اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَبَعْضهمْ يُفَسر النُّزُول بنزول الرَّحْمَة أَو نزُول ملك أَو غير ذَلِك فَيُقَال لَهُ الرَّحْمَة الَّتِي تثبتها إِمَّا أَن تكون عينا قَائِمَة بِنَفسِهَا وَإِمَّا أَن تكون صفة قَائِمَة بغَيْرهَا فَإِن كَانَت عينا وَقد نزلت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا لم يُمكن أَن تَقول (من يدعوني فأستجيب لَهُ كَمَا لَا يُمكن الْملك أَن تَقول ذَلِك وَأَن كَانَت صفة من الصِّفَات فَهِيَ لَا تقوم بِنَفسِهَا بل لَا بُد لَهَا من مَحل ثمَّ لايمكن الصّفة أَن تَقول هَذَا الْكَلَام أَو محلهَا ثمَّ إِذا نزلت الرَّحْمَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا وَلم تنزل إِلَيْنَا فَأَي مَنْفَعَة فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وَالْحَاصِل كَمَا قَالَ النَّاظِم إِن هَذِه النُّصُوص عِنْد المعطلة مجَاز لَا حَقِيقَة وَلِهَذَا قَالَ عَنْهُم أول وزد وانقص بِلَا برهَان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وثامنها بِسُورَة غَافِر ... هُوَ رفْعَة الدَّرَجَات للرحمن درجاته مَرْفُوعَة كمعارج ... أَيْضا لَهُ وَكِلَاهُمَا رفعان وفيعيل فِيهَا لَيْسَ معنى فَاعل ... وسياقها يأباه ذُو التِّبْيَان لَكِنَّهَا مَرْفُوعَة درجاته ... لكَمَال رفعته على الاكوان هَذَا هُوَ القَوْل الصَّحِيح فَلَا تحد ... عَنهُ وَخذ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآن فنظيرها المبدي لنا تَفْسِيرهَا ... فِي ذِي المعارج لَيْسَ يفترقان وَالروح والاملاك تصعد فِي معارجه ... إِلَيْهِ جلّ ذُو السُّلْطَان ذَا رفْعَة الدَّرَجَات حَقًا مَا هما ... إِلَّا سَوَاء اَوْ هما شبهان فَخذ الْكتاب بِبَعْضِه بَعْضًا كَذَا ... تَفْسِير أهل الْعلم لِلْقُرْآنِ ذكر النَّاظِم الدَّلِيل الثَّامِن على الْعُلُوّ وَهُوَ رفْعَة الدَّرَجَات وَمعنى رفْعَة الدَّرَجَات أَن درجاته تَعَالَى مَرْفُوعَة لكَمَال رفعته وَلَيْسَ رفيع هُنَا بِمَعْنى رَافع كَمَا تَقوله المعطلة وَأَشَارَ الى ذَلِك بقوله وفعيل فِيهَا لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 معنى فَاعل قَالَ ابْن كثير فِي (تَفْسِيره (تَحت قَوْله تَعَالَى {رفيع الدَّرَجَات ذُو الْعَرْش} غَافِر 15 الاية يَقُول تَعَالَى مخبرا عَن عَظمته وكبريائه وارتفاع عَرْشه الْعَظِيم العالي على جَمِيع مخلوقاته كالسقف لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {من الله ذِي المعارج تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} المعارج 3 4 وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَيَان أَن هَذِه مَسَافَة مَا بَين الْعَرْش الى الارض السَّابِعَة فِي قَول جمَاعَة من السّلف وَالْخلف وَهُوَ الارجح إِن شَاءَ الله وَقد ذكر غير وَاحِد أَن الْعَرْش من ياقوتة حَمْرَاء اتساع مَا بَين قطريه مسيرَة خمسين ألف سنة وارتفاعه من الارض السَّابِعَة مسيرَة خمسين ألف سنة وَفِي حَدِيث الاوعال مَا يدل على ارتفاعه عَن السَّمَوَات السَّبع بِشَيْء عَظِيم انْتهى قَوْله فنظيرها المبدي لنا تَفْسِيرهَا الْآيَة أَي أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة تَفْسِير آيَة سُورَة هِيَ غَافِر وَقَوله تَعَالَى {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} المعارج 4 فَالْمَعْنى أَن الرّوح والاملاك تصعد فِي معارجه اليه تَعَالَى قَوْله فَخذ الْكتاب بِبَعْضِه أَي فسر بعض الْقُرْآن بِبَعْض كَمَا هُوَ سَبِيل أهل الْعلم والايمان جعلنَا الله مِنْهُم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وتاسعها النُّصُوص بِأَنَّهُ فَوق السَّمَاء وَذَا بِلَا حسبان ... فَاسْتَحْضر الوحيين وَانْظُر ذَاك تَلقاهُ مُبينًا وَاضح التِّبْيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 .. ولسوف نذْكر بعض ذَلِك عَن قريب كي تقوم شَوَاهِد الايمان ... واذا أتتك فَلَا تكن مستوحشا مِنْهَا وَلَا تَكُ عِنْدهَا بجبان ... لَيست تدل على انحصار إلهنا عقلا وَلَا عرفا وَلَا بِلِسَان ... إِذْ أجمع السّلف الْكِرَام بِأَن مَعْنَاهَا كمعنى فَوق بالبرهان اَوْ ان لفظ سمائه يعْنى بِهِ ... نفس الْعُلُوّ الْمُطلق الحقان والرب فِيهِ وَلَيْسَ يحصره من ... الْمَخْلُوق شَيْء ذُو السُّلْطَان كل الْجِهَات بأسرها عدمية ... من حَقه هُوَ فَوْقهَا بِبَيَان قد بَان عَنْهَا كلهَا فَهُوَ الْمُحِيط ... وَلَا يحاط بخالق الاكوان مَا ذَاك ينقم بعد ذُو التعطيل فِي ... وصف الْعُلُوّ لربنا الرَّحْمَن ايرد ذُو عقل سليم قطّ ذَا ... بعد التَّصَوُّر يَا اولي الاذهان وَالله مَا رد امْرُؤ هَذَا بِغَيْر ... الْجَهْل اَوْ بحمية الشَّيْطَان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل التَّاسِع على علو الرب سُبْحَانَهُ فَوق خلقه وَهَذِه نُصُوص الْفَوْقِيَّة من الْكتاب وَالسّنة كَقَوْلِه تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} الانعام 61 الْآيَة وروى الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} قَالَ لم يَسْتَطِيع أَن يَقُول {من فَوْقهم} علم أَن الله تَعَالَى من فَوْقهم وَأما الاحاديث فَعَن زَيْنَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 بنت جحش أَنَّهَا كَانَت تَقول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوجنيك الرَّحْمَن من فَوق عَرْشه وَفِي لفظ البُخَارِيّ كَانَت تَقول إِن الله أنكحني من فَوق سبع سموات وروى البُخَارِيّ عَن انس رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ زيد ابْن حَارِثَة يشكو فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (اتَّقِ الله الحَدِيث (وَفِيه وَكَانَت تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن انس وَكَانَت تَفْخَر على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت تَقول إِن الله أنكحني فِي السَّمَاء وَعَن سعد ابْن أبي وَقاص أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لسعد يعْنى ابْن معَاذ (لقد حكمت الْيَوْم فيهم يَعْنِي بني قُرَيْظَة بِحكم الْملك من فَوق سبع سموات (قَالَ الذَّهَبِيّ هذاحديث صَحِيح وَقد رَوَاهُ الاموي فِي الْمَغَازِي عَن ابْن عَبَّاس ان سعد بن معَاذ لما حكم فِي بني قُرَيْظَة قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد حكمت فيهم بِحكم الْملك من فَوق سبع أَرقعَة (وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فاذا الرب قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة قَالَ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس 58 قَالَ فَينْظر اليهم وَيَنْظُرُونَ اليه فَلَا يلفتون إِلَى شَيْء من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يحتجب عَنْهُم وَيبقى نوره (رَوَاهُ ابْن ماجة وَعَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ كُنَّا بالبطحاء جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمرت سَحَابَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتدرون مَا هَذَا قُلْنَا السَّحَاب قَالَ (والمزن (قُلْنَا والمزن قَالَ والعنان فسكتنا قَالَ (هَل تَدْرُونَ كم بَين السَّمَاء والارض (قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وَمن كل سَمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الى سَمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة وكثف كل سَمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وَفَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ كَمَا بَين السَّمَاء والارض وَالله تَعَالَى فَوق ذَلِك وَلَيْسَ يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أَعمال بني آدم وَعَن الاحنف بن قيس عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه أخرجه أَبُو دَاوُد وَأخرجه ابْن ماجة بِلَفْظ آخر وَيَرْوِيه ابراهيم بن طهْمَان وَعَمْرو بن (أبي) قيس عَن سماك وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ وَأخرجه الْحَافِظ الضياء فِي (المختارة (وَأخرجه الذَّهَبِيّ من طَرِيق آخر وَفِيه ثمَّ عد سبع سموات كَذَلِك ثمَّ فَوق ذَلِك بَحر بَين أَعْلَاهُ واسفله كَمَا بَين سَمَاء الى سَمَاء وَفَوق ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين إظلافهن وركبهن مَا بَين سَمَاء الى سَمَاء وَالْعرش فَوق ذَلِك وَالله فَوق الْعَرْش اخرجه الْحَافِظ ابو عبد الله ابْن مندة فِي كتاب (التَّوْحِيد (قَالَ الذَّهَبِيّ قَرَأَ على عمر بن عبد الْمُنعم ب (عربيل) وَأَنا أسمع عَن ابي الْقَاسِم الحرستاني عَن ابي عبد الله الغراوي قَالَ أنبا أَبُو بكر بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب (الاسماء وَالصِّفَات (لَهُ قَالَ وأنبأنا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَأَبُو سعيد ابْن أبي عمر وَقَالا ثَنَا مُحَمَّد ثَنَا هَارُون بن سُلَيْمَان ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ بَين السَّمَاء وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَة عَام وَبَين كل سماءين خَمْسمِائَة عَام وَبَين السَّابِعَة والكرسي خَمْسمِائَة عَام وَبَين الْكُرْسِيّ وَالْمَاء خَمْسمِائَة عَام والكرسي فَوق المَاء وَالله فَوق الْكُرْسِيّ وَيعلم مَا انتم عَلَيْهِ رَوَاهُ بِنَحْوِهِ المَسْعُودِيّ عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن أبي وَائِل بدل (زر) عَن عبد الله وَلَفظه وَالله فَوق ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أَعمالكُم وَله طرق انْتهى كَلَامه قَوْله ولسوف نذْكر بعض ذَلِك عَن قريب الخ يُشِير الى قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء} الْملك 16 والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ (حَتَّى ينتهى بهَا الى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله (وَنَحْو ذَلِك وَذكر رَحمَه الله تَعَالَى أَن هَذِه النُّصُوص لَا تدل على انحصار إلهنا تَعَالَى وتقدس لَا عقلا وَلَا عرفا إِذْ أجمع السّلف على أَن مَعْنَاهَا كمعنى فَوق وَأَن لفظ السَّمَاء يَعْنِي بِهِ نفس الْعُلُوّ الْمُطلق وَسَيَأْتِي بسظ الْكَلَام فِي ذَلِك وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وعاشرها اخْتِصَاص الْبَعْض من ... أملاكه بالعند للرحمن وَكَذَا اخْتِصَاص كتاب رَحمته بعند ... الله فَوق الْعَرْش ذُو تبيان لَو لم يكن سُبْحَانَهُ فَوق الورى ... كَانُوا جَمِيعًا عِنْد ذِي السُّلْطَان وَيكون عِنْد الله ابليس وَجِبْرِيل هما فِي العند مستويان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الْعَاشِر من أَدِلَّة علو الرب تَعَالَى فَوق خلقه وَهُوَ اخْتِصَاص بعض الْمَخْلُوقَات بالعندية لَهُ سُبْحَانَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} الاعراف 206 وَقَوله تَعَالَى {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده} الانبياء 29 الْآيَة وَعَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَنهُ وَسلم (لما قضى الله الْخلق كتب فِي كتاب فَهُوَ عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فَوق الْعَرْش إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي (وَفِي لفظ عَن ابي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (ان الله كتب كتابا قبل أَن يخلق الْخلق إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش (وَفِي لفظ عَن ابي هُرَيْرَة (لما خلق الله الْخلق كتب فِي كتاب كتبه على نَفسه فَهُوَ مَرْفُوع فَوق الْعَرْش ان رَحْمَتي تغلب غَضَبي (وَفِي لفظ عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لما خلق الله الْخلق كتب بِيَدِهِ على نَفسه ان رَحْمَتي تغلب غَضَبي (فَلَو لم يكن الله جلّ وَعلا فَوق عَرْشه لما كَانَ لتخصيص بعض الْمَلَائِكَة بالعند معنى ولكان إِبْلِيس وَجِبْرِيل فِي العندية سَوَاء نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَتَمام ذَاك القَوْل ان محبَّة الرَّحْمَن غير ارادة الاكوان ... وكلامها محبوبه وَمرَاده ... وكلامها هُوَ عِنْده سيان ان قُلْتُمْ عندية التكوين فالذاتان عِنْد الله مخلوقان ... أَو قُلْتُمْ عندية التَّقْرِيب تقريب الحبيب وَمَا هما عَدْلَانِ فالحب عنْدكُمْ الْمَشِيئَة نَفسهَا ... وَكِلَاهُمَا فِي حكمهَا مثلان لَكِن منازعكم يَقُول بِأَنَّهَا ... عندية حَقًا بِلَا روغان جمعت لَهُ حب الاله وقربه ... من ذَاته وكرامة الْإِحْسَان وَالْحب وصف وَهُوَ غير مَشِيئَة ... والعند قرب ظَاهر التِّبْيَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 حَاصِل هَذِه الابيات أَن محبَّة الله تَعَالَى عنْدكُمْ عين إِرَادَته فَلَا يظْهر وَجه اخْتِصَاص العند بِالْمَلَائِكَةِ لأنكم إِن قُلْتُمْ إِن المُرَاد بالعندية التكوين فإبليس وَجِبْرِيل كِلَاهُمَا عِنْد الله مخلوقان مكونان فَلَا يبْقى لتخصيص بالعندية معنى وان قُلْتُمْ إِن المُرَاد بالعندية عندية الْمحبَّة فَهُوَ أَيْضا لَا يَصح بِنَاء على قَوْلكُم لِأَن الْمحبَّة عنْدكُمْ هِيَ الْمَشِيئَة نَفسهَا وَجِبْرِيل وإبليس فِي نفس الْمَشِيئَة متساويان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وحادي عشرهن اشارة ... نَحْو الْعُلُوّ بأصبع وبنان لله جلّ جَلَاله لَا غَيره ... إِذْ ذَاك اشراك من الانسان وَلَقَد أَشَارَ رَسُوله فِي مجمع الْحَج الْعَظِيم بموقف الغفران ... نَحْو السَّمَاء بأصبع قد كرمت مستشهدا للْوَاحِد الرَّحْمَن ... يَا رب فاشهد انني بلغتهم وَيُشِير نحوهم لقصد بَيَان ... فغدا البنان مرفعا ومصوبا صلى عَلَيْك الله ذُو الغفران ... أدّيت ثمَّ نصحت إِذْ بلغتنا حق الْبَلَاغ الْوَاجِب الشكران ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الْحَادِي عشر من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ إِشَارَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأُصْبُعِهِ نَحْو السَّمَاء وينكبها الى النَّاس وَيَقُول (اللَّهُمَّ اشْهَدْ ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي خطبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة وَفِيه (فقد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعد إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كتاب الله وَأَنْتُم تسْأَلُون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ (قَالُوا نشْهد أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة يرفعها الى السَّمَاء وينكبها الى النَّاس اللَّهُمَّ اشْهَدْ (ثَلَاث مَرَّات قَوْله ينكبها يُقَال نكب أُصْبُعه أمالها الى النَّاس يُرِيد بذلك أَن يشْهد الله عَلَيْهِم قَالَه ابْن الاثير فِي غَرِيب (جَامع الاصول ( قو لَهُ ومصوبا الصوب الْمَجِيء من عل (قَامُوس ( قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وَثَانِي عشرهَا وصف الظهو ر لَهُ كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن ... وَالظَّاهِر العالي الَّذِي مَا فَوْقه شَيْء كَمَا قد قَالَ ذُو الْبُرْهَان ... حَقًا رَسُول الله ذَا تَفْسِيره وَلَقَد رَوَاهُ مُسلم بِضَمَان ... فاقبله لَا تقبل سواهُ من التفا سير الَّتِي قيلت بِلَا برهَان ... وَالشَّيْء حِين يتم مِنْهُ علوه فظهوره فِي غَايَة التِّبْيَان ... أَو مَا ترى هذي السما وعلوها وظهورها وَكَذَلِكَ القمران ... وَالْعَكْس أَيْضا ثَابت فسفوله وخفاؤه اذ ذَاك مصطحبان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 .. فَانْظُر الى علو الْمُحِيط وَأَخذه صفة الظُّهُور وَذَاكَ ذُو تبيان ... وَانْظُر خَفَاء المركز الادنى وَوصف السّفل فِيهِ وَكَونه تحتاني وظهوره سُبْحَانَهُ بِالذَّاتِ مثل علوه فهما لَهُ صفتان ... لاتجحدنهما جحود الجهم أَو صَاف الْكَمَال تكون ذَا بهتان ... وظهوره هُوَ مُقْتَض لعلوه وعلوه لظُهُوره بِبَيَان ... وكذاك قد دخلت هُنَاكَ الْفَاء للتسبيب مؤذنة بِهَذَا الشان فتأملن تَفْسِير أعلم خلقه ... بصفاته من جَاءَ بِالْقُرْآنِ إِذْ قَالَ أَنْت كَذَا فَلَيْسَ لضده ... أبدا اليك تطرق الاتيان ... ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (اللَّهُمَّ أَنْت الاول فَلَيْسَ قبلك شَيْء وَأَنت الاخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء (وَعَن مقَاتل بن سُلَيْمَان قَالَ بلغنَا وَالله إعلم فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأول} الْحَدِيد 3 قَالَ قبل كل شَيْء وَالْآخر قَالَ بعد كل شَيْء وَالظَّاهِر قَالَ فَوق كل شَيْء وَالْبَاطِن قَالَ أقرب من كل شَيْء قَوْله وَالشَّيْء حِين يتم مِنْهُ علوه الخ أَي ان الشَّيْء اذا كَانَ فِي غَايَة الْعُلُوّ ضوءا ظهر مَا يكون وَالْعَكْس أَيْضا ثَابت أَي كلما سفل الشَّيْء كَانَ فِي غَايَة الخفاء ثمَّ مثل لذَلِك بالمحيط والمركز فَإِن الْمُحِيط لتَمام علوه فِي غَايَة الظُّهُور والمركز لسفوله فِي غَايَة الخفاء وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم وظهوره سُبْحَانَهُ بِالذَّاتِ مثل علوه أَي أَن ظُهُوره سُبْحَانَهُ مُقْتَض لعلوه وعلوه مُقْتَض لظُهُوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَقَوله ولذاك قد دخلت هُنَاكَ الْفَاء للتسبيب الخ يَعْنِي الْفَاء الَّتِي فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وانت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء (يَعْنِي انها فَاء السَّبَبِيَّة وَالْمرَاد بالمحيط هُنَا الْفلك والمركز وسط الارض قَالَ النَّاظِم فصل ... هَذَا وثالث عشرهَا أخباره ... انا نرَاهُ بجنة الْحَيَوَان فسل الْمُعَطل هَل يرى من تحتنا ... أم عَن شَمَائِلنَا وَعَن أَيْمَان أم خلفنا وأمامنا سُبْحَانَهُ ... أم هَل يرى من فَوْقنَا بِبَيَان يَا قوم مَا فِي الامر شَيْء غير ذَا ... أَو أَن رُؤْيَته بِلَا إِمْكَان إِذْ رُؤْيَة لَا فِي مُقَابلَة من الرَّائِي ... محَال لَيْسَ فِي الامكان وَمن ادّعى شَيْئا سوى ذَا كَانَ دَعْوَاهُ مُكَابَرَة على الاذهان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الثَّالِث عشر من أَدِلَّة علو الله على خلقه وَهُوَ رُؤْيَته تَعَالَى فِي الْجنَّة كَمَا أخبر بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم اذ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب جلّ جَلَاله قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة فَذَلِك قَوْله عز وَجل {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس 58 رَوَاهُ ابْن ماجة فِي (سنَنه (وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي يَده مرْآة بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 مَا هَذِه يَا جِبْرِيل قَالَ هَذِه الْجُمُعَة يعرضهَا عَلَيْك رَبك عز وَجل لتَكون لَك عيدا ولقومك من بعْدك تكون أَنْت الاول وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بعْدك فَقلت مَا لنا فِيهَا قَالَ لكم فِيهَا خيرفيها سَاعَة من دَعَا الله تَعَالَى فِيهَا بِخَير هُوَ لَهُ قسم إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه أَو لَيْسَ لَهُ يقسم إِلَّا ادخر لَهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ قلت مَا هَذِه النُّكْتَة السَّوْدَاء فِيهَا قَالَ هِيَ السَّاعَة تقوم يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ سيد الايام عندنَا وَنحن نَدْعُوهُ يَوْم الْمَزِيد فِي الاخرة قلت وَلم تَدعُونَهُ يَوْم الْمَزِيد قَالَ إِن رَبك اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح من مسك أَبيض فاذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة نزل تبَارك وَتَعَالَى من عليين على كرسيه ثمَّ حف الْكُرْسِيّ بمنابر من نور ثمَّ جَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ حف المنابر بكراسي من ذهب ثمَّ جَاءَ الصديقون وَالشُّهَدَاء حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ جَاءَ أهل الْجنَّة حَتَّى يجلسوا على الْكَثِيب فيتجلى لَهُم رَبهم عز وَجل حَتَّى ينْظرُوا الى وَجهه ثمَّ يَقُول أَنا الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي وَهَذَا مَحل كَرَامَتِي ويسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم فَيفتح لَهُم عِنْد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر إِلَى أَوَان منصرف النَّاس من يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يصعد على كرسيه ويصعد مَعَه الصديقون وَالشُّهَدَاء وَيرجع أهل الغرف الى غرفهم درة بيضًا لَا فَصم فِيهَا وَلَا وصم أَو ياقوته حَمْرَاء اَوْ زبرجدة خضراء مِنْهَا غرفها وأبوابها مطردَة فِيهَا انهارها متدلية فِيهَا ثمارها فِيهَا أزواجها وخدمها فليسوا الى شَيْء أحْوج مِنْهُم الى يَوْم الْجُمُعَة ليزدادوا نظرا الى وَجهه فَلذَلِك دعِي يَوْم الْمَزِيد (قَالَ الذَّهَبِيّ هَذَا حَدِيث مَشْهُور وافر الطّرق اخرجه عبد الله بن احْمَد فِي كتاب السّنة لَهُ عَن عبد الاعلى بن حَمَّاد النَّرْسِي عَن عمر بن يُونُس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ولذاك قَالَ مُحَقّق مِنْكُم لأهل الاعتزال مقالى بِأَمَان ... مَا بَيْننَا خلف وَبَيْنكُم لَدَى التَّحْقِيق فِي معنى فيا إخْوَان 5 ... شدوا بأجمعنا لنحمل حَملَة تذر المجسم فِي أذلّ هوان ... اذ قَالَ إِن إلهنا حَقًا يرى يَوْم الْمعَاد كَمَا يرى القمران ... وَتصير أبصار الْعباد نواظرا حَقًا اليه رُؤْيَة بعيان ... لَا ريب أَنهم اذا قَالُوا بذا لزم الْعُلُوّ لفاطر الاكوان ... وَيكون فَوق الْعَرْش جلّ جَلَاله فلذاك نَحن وحزبهم خصمان ... لكننا سلم وانتم اذ تساعدنا على نفي الْعُلُوّ لربنا الرَّحْمَن ... فَعَلُوهُ عين الْمحَال وَلَيْسَ فو ق الْعَرْش من رب وَلَا ديان ... لَا تنصبوا مَعنا الْخلاف فَمَاله طعم فَنحْن وَأَنْتُم سلمَان ... هَذَا الَّذِي وَالله مُودع كتبهمْ فَانْظُر ترى يَا من لَهُ عينان ... لما ذكر النَّاظِم أَن اهل الْجنَّة يرونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَن رُؤْيَته تَعَالَى لَا تكون الا من فَوق والا فرؤيته سُبْحَانَهُ محَال وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِه الابيات وَلِهَذَا قَالَ مُحَقّق مِنْكُم لاهل الاعتزال الخ قَوْله مِنْكُم أَي من الاشاعرة وَلم اقف على تعْيين هَذَا الْمُحَقق وَقد قَالَ شيخ الاسلام فِي كتاب (الْعقل وَالنَّقْل (وَالْمَقْصُود هُنَا أَن نفاة الرُّؤْيَة من الْجَهْمِية والمعتزلة وَغَيرهم اذا قَالُوا اثباتها يسلتزم أَن يكون الله جسما وَذَلِكَ مُنْتَفٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وَادعوا أَن الْعقل دلّ على المقدمتين احْتِيجَ حِينَئِذٍ الى بَيَان بطلَان المقدمتين أَو احداهما فاما ان يبطل نفي التلازم اَوْ نفي اللَّازِم اَوْ المقدمتان جَمِيعًا وَهنا افْتَرَقت طرق مثبتة الرُّؤْيَة فطائفة نازعت فِي الاولى كالاشعري وَأَمْثَاله وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الاشعري عَن أهل الحَدِيث واصحاب السّنة وَقَالُوا لَا نسلم أَن كل مرئي يجب أَن يكون جسما فَقَالَت النفاة لَان كل مرئي فِي جِهَة وَمَا كَانَ فِي جِهَة فَهُوَ جسم فافترقت نفاة الْجِسْم على قَوْلَيْنِ طَائِفَة قَالَت لَا نسلم أَن كل مرئي يكون فِي جِهَة فَهُوَ جسم فادعت نفاة الرُّؤْيَة أَن الْعلم الضَّرُورِيّ حَاصِل بالمقدمتين وَأَن المنازع فِيهَا مكابر وَهَذَا هُوَ الْبَحْث الْمَشْهُور بَين الْمُعْتَزلَة والاشعرية فَلهَذَا صَار الحذاق من متأخري الاشعرية على نفي الرُّؤْيَة وموافقة الْمُعْتَزلَة فاذا اطلقوها مُوَافقَة لأهل السّنة فسروها بِمَا تفسرها بِهِ الْمُعْتَزلَة وَقَالُوا النزاع بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة لَفْظِي قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا ورابع عشرهَا إِقْرَار سا ئله بِلَفْظ الاين للرحمن ... وَلَقَد رَوَاهُ أَبُو رزين بَعْدَمَا سَأَلَ الرَّسُول بِلَفْظِهِ بوزان ... وَرَوَاهُ تبليغا لَهُ ومقررا لما أقربه بِلَا نكران ... هَذَا وَمَا كَانَ الْجَواب جَوَاب من لَكِن جَوَاب اللَّفْظ بالميزان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 .. كلا وَلَيْسَ لمن دُخُول قطّ فِي هَذَا السِّيَاق لمن لَهُ أذنان ... دع ذَا فقد قَالَ الرَّسُول بِنَفسِهِ أَيْن الاله لعالم بِلِسَان ... وَالله مَا قصد الْمُخَاطب غير مَعْنَاهَا الَّذِي وضعت لَهُ الحقان ... وَالله مَا فهم الْمُخَاطب غَيره وَاللَّفْظ مَوْضُوع لقصد بَيَان ... ياقوم لفظ الأين مُمْتَنع على الرَّحْمَن عنْدكُمْ وَذُو بطلَان ويكاد قائلكم يكفرنا بِهِ ... بل قد وَهَذَا غَايَة الْعدوان لفظ صَرِيح جَاءَ عَن خير الورى ... قولا وإقرارا هما نَوْعَانِ وَالله مَا كَانَ الرَّسُول بعاجز ... عَن لفظ من مَعَ أَنَّهَا حرفان والاين أحرفها ثَلَاث وَهِي ذُو ... لبس وَمن فِي غَايَة التِّبْيَان وَالله مَا الْملكَانِ أفْصح مِنْهُ إِذْ ... فِي الْقَبْر من رب السما يسلان وَيَقُول أَيْن الله يَعْنِي من فَلَا ... وَالله مَا اللفظان متحدان كلا وَلَا مَعْنَاهُمَا أَيْضا لذِي ... لُغَة وَلَا شرع وَلَا انسان هَذَا هُوَ الدَّلِيل الرَّابِع عشر من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه قَوْله وَلَقَد رَوَاهُ أَبُو رزين الخ عَن أبي رزين الْعقيلِيّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق السَّمَوَات والارض قَالَ كَانَ فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء ثمَّ خلق الْعَرْش ثمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة قَالَ الذَّهَبِيّ واسناده حسن رَوَاهُ إِسْحَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ابْن رَاهْوَيْةِ عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن حَمَّاد وَعِنْده (ثمَّ كَانَ الْعَرْش فارتفع على عَرْشه (وروى حَرْب عَن ابْن رَاهْوَيْةِ (تَحْتَهُ هَوَاء وفوقه هَوَاء (يَعْنِي السَّحَاب وَمن الاحاديث المتواترة حَدِيث مُعَاوِيَة ابْن الحكم السّلمِيّ قَالَ كَانَت لي غنم قبل اُحْدُ والجوانية وفيهَا جَارِيَة لي فاطلعت ذَات يَوْم فَإِذا الذِّئْب قد ذهب مِنْهَا بِشَاة وَأَنا رجل من بني آدم فأسفت فصككتها فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَعظم ذَلِك عَليّ فَقلت يَا رَسُول الله أَفلا أعْتقهَا قَالَ ادعها فدعوتها قَالَ فَقَالَ لَهَا (أَيْن الله (قَالَت فِي السَّمَاء قَالَ (من أَنا (قَالَت أَنْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْك وَسلم قَالَ (اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة (هَذَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن هِلَال ابْن أبي مَيْمُونَة عَن عَطاء بن يسَار عَن مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغير وَاحِد من الائمة قَالَ الذَّهَبِيّ أخبرنَا أَحْمد بن ابراهيم الْخَطِيب وَمُحَمّد بن أَحْمد الْعقيلِيّ وَمُحَمّد بن المظفر قَالُوا أَنبأَنَا السخاوي أَنبأَنَا السلَفِي أَنبأَنَا الْخَلِيل بن عبد الْجَبَّار بقزوين أَنا عَليّ بن الْحُسَيْن بن جَابر أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عَليّ النقاش ثَنَا الْقَاسِم بن اللَّيْث ثَنَا الْمعَافى بن سُلَيْمَان ثَنَا فليح بن سُلَيْمَان عَن هِلَال بن عَليّ بن يسَار عَن مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ كَانَت لي غنم ترعى بالعذيب فَكنت أتعهدها وفيهَا جَارِيَة لي سَوْدَاء فجئتها يَوْمًا ففقدت شَاة من خِيَار الْغنم فَقلت أَيْن الْفُلَانِيَّة قَالَت أكلهَا الذِّئْب فأسفت وَأَنا من بني آدم فَضربت وَجههَا ثمَّ نَدِمت على مَا صنعت فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أضربت وَجههَا وَعظم ذَلِك تَعْظِيمًا شَدِيدا فَقلت يَا رَسُول الله إِن من تَوْبَتِي أَن أعْتقهَا قَالَ فائتني بهَا قبل أَن تعتقها فَجِئْته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 بهَا فَقَالَ لَهَا (من رَبك (قَالَت الله قَالَ (وَأَيْنَ هُوَ (قَالَت فِي السَّمَاء قَالَ (فَمن أَنا (قَالَت أَنْت رَسُول الله قَالَ (اعتقها فانها مُؤمنَة (هَذَا حَدِيث صَحِيح قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَكَذَا رَأينَا كل من يسْأَل أَيْن الله يُبَادر وَيَقُول فِي السَّمَاء فَفِي الْخَبَر مَسْأَلَتَانِ أحداهما شَرْعِيَّة قَول الْمُسلم أَيْن الله وَثَانِيهمَا قَول المسؤول فِي السَّمَاء فَمن أنكر هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّمَا يُنكر على الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى وَقَول النَّاظِم هَذَا وَمَا كَانَ الْجَواب جَوَاب من الخ أَي لِأَن النفاة اولوا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ايْنَ الله (بِمَعْنى من الله قَالَ شيخ الاسلام (فِي الْعقل وَالنَّقْل (بعد كَلَام سبق وَهَذَا مِمَّا يبين أَن سُؤال السَّائِل أَيْن كَانَ رَبنَا فِي حَدِيث ابْن رزين لم يكن هَذَا السُّؤَال فَاسِدا عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كسؤال السَّائِل من خلق الله فَإِنَّهُ لم ينْه السَّائِل عَن ذَلِك وَلَا أمره بالإستعاذه بل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ بذلك لغير وَاحِد فَقَالَ لَهُ أَيْن الله وَهُوَ منزه أَن يسْأَل سؤالا فَاسِدا وَسمع الْجَواب عَن ذَلِك وَهُوَ منزه عَن أَن يقر على جَوَاب فَاسد لما سُئِلَ عَن ذَلِك أجَاب فَكَانَ سَائِلًا بِهِ تَارَة ومجيبا عَنهُ أُخْرَى وَلَو كَانَ الْمَقْصُود مُجَرّد التَّمْيِيز بَين الرب والصنم مَعَ علم الرَّسُول ان السُّؤَال وَالْجَوَاب فاسدان كَانَ فِي الاسئلة الصَّحِيحَة مَا يُغني غير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الاسئلة الْفَاسِدَة فَكيف يكون الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَانَ يُمكن أَن يَقُول من رَبك من تعبدين كَمَا قَالَ لحصين الْخُزَاعِيّ يَا حُصَيْن كم تعبد الْيَوْم إِلَهًا قَالَ أعبد سَبْعَة آلِهَة سِتَّة فِي الارض وواحدا فِي السَّمَاء قَالَ فَمن الَّذِي تعد لرغبتك ورهبتك (قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء فَقَالَ (أسلم حَتَّى إعلمك كلمة ينفعك الله بهَا (فَلَمَّا أسلم سَأَلَهُ عَن الدعْوَة فَقَالَ (قل اللَّهُمَّ ألهمني رشدي وقني شَرّ نَفسِي رَوَاهُ أَحْمد فِي (الْمسند (و (رَوَاهُ) غير أَحْمد انْتهى قَوْله يَا قوم لفظ الاين مُمْتَنع على الرَّحْمَن الخ أَي أَنه لَا يجوز عِنْدهم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 يُقَال أَيْن الله ويكاد قائلكم يكفرنا بِهِ بل قد أَي يُقَارب قائلكم أَن يكفرنا بِهِ بل قد أَي كفرنا بِهِ وَهَذَا على طَرِيق الإكتفاء وَقد عرفه عُلَمَاء البديع بِأَنَّهُ هُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت من الشّعْر وقافيته مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف فَلم يفْتَقر إِلَى ذكر الْمَحْذُوف لدلَالَة بَاقِي لفظ الْبَيْت عَلَيْهِ ويكتفى بِمَا هُوَ مَعْلُوم فِي الذِّهْن كَقَوْلِه لَا أَنْتَهِي لَا أنثني لَا أرعوي مَا دمت فِي قيد الحياه وَلَا إِذا وَقَوله وَالله مَا كَانَ الرَّسُول بعاجز عَن لفظ من أَي لَو كَانَ مُرَاده بقوله أَيْن الله السُّؤَال من الله لما كَانَ عَاجِزا عَن ذَلِك وَلَفظ (من) حرفان وَلَفظ أَيْن ثَلَاثَة أحرف وَقَوله وَالله مَا الْملكَانِ أفْصح مِنْهُ إِذْ أَي مَا الْملكَانِ اللَّذَان يسألان الْمَيِّت فَيَقُولَانِ من رَبك وَمن نبيك وَمَا دينك بأفصح مِنْهُ أفيقول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن الله يَعْنِي من الله فَلَا وَالله مَا اللفظان بِسَوَاء ولامعناهما أَيْضا بِسَوَاء لَا فِي لُغَة وَلَا شرع وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وخامس عشرهَا الْإِجْمَاع من رسل الْإِلَه الْوَاحِد المنان ... فالمرسلون جَمِيعهم مَعَ كتبهمْ قد صَرَّحُوا بالفوق للرحمن ... وَحكى لنا إِجْمَاعهم شيخ الورى وَالدّين عبد الْقَادِر الجيلاني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 لَا ... وَأَبُو الْوَلِيد الْمَالِكِي أَيْضا حكى إِجْمَاعهم أَعنِي ابْن رشد الثَّانِي وَكَذَا أَبُو الْعَبَّاس أَيْضا قد حكى ... إِجْمَاعهم علم الْهدى الْحَرَّانِي وَله إِ طلاع لم يكن من قبله ... لسواه من مُتَكَلم بِلِسَان ... قَالَ الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام سيد الوعاأبو مُحَمَّد عبد الْقَادِر ابْن أبي صَالح الجيلي فِي كتاب (الغنية (لَهُ أما معرفَة الصَّانِع بِالْآيَاتِ والإختصار فَهُوَ أَن يعرف ويتيقن أَن الله وَاحِد أحد إِلَى أَن قَالَ وَهُوَ بِجِهَة الْعُلُوّ مستو على الْعَرْش يحنو على الْملك مُحِيط علمه بالأشياء إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ وَلَا يجوز وَصفه بِأَنَّهُ فِي كل مَكَان بل يُقَال إِنَّه فِي السَّمَاء على الْعَرْش كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَذكر آيَات وَأَحَادِيث إِلَى أَن قَالَ وَيَنْبَغِي إِطْلَاق صفة الإستواء من غير تَأْوِيل وَإنَّهُ إستواء الذَّات على الْعَرْش قَالَ وَكَونه على الْعَرْش مَذْكُور فِي كل كتاب أنزل على كل نَبِي أرسل بِلَا كَيفَ وَذكر كلَاما طَويلا وَقَالَ النَّاظِم فِي كِتَابه (إغاثة اللهفان (قَالَ أَبُو الْوَلِيد ابْن رشد فِي كتاب (الْكَشْف (عَن مناهج الْأَدِلَّة القَوْل فِي الْجِهَة أما هَذِه الصّفة فَلم يزل أهل الشَّرِيعَة من أول الْأَمر بثبوتها لله سُبْحَانَهُ حَتَّى نفتها الْمُعْتَزلَة ثمَّ تَبِعَهُمْ على نَفيهَا متأخرو الأشاعرة كَأبي الْمَعَالِي وَمن اقْتدى بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 عى إِلَى أَن قَالَ والشرائع كلهَا مبينَة على أَن الله فِي السَّمَاء وَأَن مِنْهَا تنزل الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي إِلَى النَّبِيين وَأَن من السَّمَوَات أنزلت الْكتب وإليها كَانَ الْإِسْرَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمِيع الْحُكَمَاء قد اتَّفقُوا على أَن الله وَالْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء كَمَا اتّفق جَمِيع الشَّرَائِع على ذَلِك ثمَّ ذكر تَقْرِير ذَلِك بالمعقول وَبَين بطلَان الشُّبْهَة الَّتِي لأَجلهَا نفتها الْجَهْمِية وَمن وافقهم إِلَى أَن قَالَ فقد ظهر لَك من هَذَا أَن إِثْبَات الْجِهَة وَاجِب بِالشَّرْعِ وَالْعقل وَأَن إِبْطَاله إبِْطَال الشَّرَائِع كلهَا انْتهى وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى فِي بعض أجوبته بعد كَلَام سبق مَعَ أَن أصل الإستواء على الْعَرْش ثَابت بِالْكتاب وَالسّنة وإتفاق سلف الْأمة وأئمة السّنة بل هُوَ ثَابت فِي كل كتاب أنزل على كل نَبِي أرسل فَهَذَا إِجْمَاع الرُّسُل الَّذِي نقل شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا ونقطع نَحن أَيْضا أَنه ... إِجْمَاعهم قطعا على الْبُرْهَان وكذاك نقطع أَنهم جاؤوا بِإِثْبَات الصِّفَات لخالق الأكوان ... وكذاك نقطع أَنهم جاؤوا بِإِثْبَات الْكَلَام لربنا الرَّحْمَن وكذاك نقطع أَنهم جاؤوا بِإِثْبَات الْمعَاد لهَذِهِ الْأَبدَان ... وكذاك نقطع أَنهم جاؤوا بتوحيد الْإِلَه وَمَاله من ثَان وكذاك نقطع أَنهم جاؤوا بِإِثْبَات الْقَضَاء وَمَا لَهُم قون ... فالرسل متفقون قطعا فِي أصُول الدّين دون شرائع الْإِيمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 كل لَهُ شرع ومنهاج وَذَا ... فِي الْأَمر لَا التَّوْحِيد فَافْهَم ذان فالدين فِي التَّوْحِيد دين وَاحِد ... لم يخْتَلف مِنْهُم عَلَيْهِ إثنان دين الْإِلَه اخْتَارَهُ لِعِبَادِهِ ... ولنفسه هُوَ قيم الْأَدْيَان فَمن الْمحَال بِأَن يكون لرسله ... فِي وَصفه خبران مُخْتَلِفَانِ ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي ذكر أَشْيَاء مِمَّا يقطع بِأَنَّهَا دين الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَذَلِكَ كعلو الله تَعَالَى على خلقه وَإِثْبَات صِفَاته تَعَالَى وَكَلَامه وَإِثْبَات معاد الْأَبدَان والتوحيد وَإِثْبَات الْقَضَاء وَالْقدر وَذَلِكَ مِمَّا يقطع بِهِ ضَرُورَة ثمَّ قَالَ فالرسل متفقون قطعا فِي أصُول الدّين وَذَلِكَ بِغَيْر شكّ وَأما شرائعهم فمختلفة كَمَا قَالَ تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا} الْمَائِدَة 48 قَالَ ابْن كثير قَالَ ابْن ابي حَاتِم وسَاق السَّنَد إِلَى ابْن عَبَّاس {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة} قَالَ سَبِيلا وسَاق أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس (منهاجا) قَالَ وَسنة وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس (شرعة ومنهاجا) أَي سَبِيلا وَسنة وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك والس دي وَأبي إِسْحَاق السبيعِي أَنهم قَالُوا فِي قَوْله (شرعة ومنهاجا) أَي سَبِيلا وَسنة وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا وَمُجاهد وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي عَكسه أَي سنة وسبيلا وَالْأول أنسب فَإِن الشرعة هِيَ مَا يبتدأ فِيهِ إِلَى الشيئ وَمِنْه يُقَال شرع فِي كَذَا أَي أبتدأ فِيهِ وَكَذَا الشَّرِيعَة وَهِي مَا يشرع فِيهَا المَاء أما الْمِنْهَاج فَهُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح السهل وَالسّنَن الطرائق فتفسير قَوْله (شَرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 .. تِلْكَ الْأُصُول للإعتزال وَكم لَهَا ... فرع فَمِنْهُ الْخلق لِلْقُرْآنِ وجحود أَوْصَاف الْإِلَه ونفيهم ... لعلوه والفوق للرحمن ... وكذاك نفيهم لرؤيتنا لَهُ يَوْم اللِّقَاء كَمَا يرى القمران ... وَنَفَوْا قَضَاء الرب وَالْقدر الَّذِي سبق الْكتاب بِهِ هما حتمان ... من أجل هاتيك الْأُصُول وخلدوا أهل الْكَبَائِر فِي لظى النيرَان ... ولأجلها نفوا الشَّفَاعَة فيهم ورموا رُوَاة حَدِيثهَا بطعان ... ولأجلها قَالُوا بِأَن الله لم يقدر على إصْلَاح ذِي الْعِصْيَان ... ولأجلها قَالُوا بِأَن الله لم يقدر على إِيمَان ذِي الكفران ... ولأجلها حكمُوا على الرَّحْمَن بِالشَّرْعِ الْمحَال شَرِيعَة الْبُهْتَان ولأجلها هم يوجبون رِعَايَة للأصلح الْمَوْجُود فِي الْإِمْكَان ... حَقًا على رب الورى بعقولهم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان ... أَي نقطع أَن الرُّسُل دعوا لأصول الْإِيمَان الْخَمْسَة وَهِي الْإِيمَان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَقَوله ... هذي أصُول الدّين حَقًا لَا الأصو ... ل الْخمس للْقَاضِي هُوَ الهمذاني ... أَي أَن هَذِه أصُول الدّين لَا الْأُصُول الْخَمْسَة للمعتزلة وَذَلِكَ أَن أصولهم خَمْسَة يسمونها التَّوْحِيد وَالْعدْل والمنزلة بَين المنزلتين وإنفاذ الْوَعيد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَكِن معنى التَّوْحِيد عِنْدهم يتَضَمَّن نفي الصِّفَات وَلِهَذَا سمي ابْن التومرت أَصْحَابه الْمُوَحِّدين وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 إلحاد فِي اسماء الله وآياته وَمعنى الْعدْل عِنْدهم يتَضَمَّن التَّكْذِيب بِالْقدرِ وَهُوَ خلق أَفعَال الْعباد وَإِرَادَة الكائنات أَو الْقُدْرَة على شيئ وَمِنْهُم من يُنكر تقدم الْعلم بِالْكتاب لَكِن هَذَا لَيْسَ قَول أئمتهم وَأما الْمنزلَة بَين المنزلتين فَهِيَ عِنْدهم أَن الْفَاسِق لَا يُسمى مُؤمنا بِوَجْه من الْوُجُوه كَمَا لَا يُسمى كَافِرًا فنزلوه منزلَة بَين منزلتين وإنفاذ الْوَعيد عِنْدهم مَعْنَاهُ أَن فساق الْملَّة مخلدون فِي الدَّار لَا يخرجُون مِنْهَا بشفاعة وَلَا غير ذَلِك كَمَا تَقوله الْخَوَارِج وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر يتَضَمَّن عِنْدهم جَوَاز الْخُرُوج على الْأَئِمَّة وقتالهم بِالسَّيْفِ وَقَول النَّاظِم تِلْكَ الْأُصُول للإعتزال وَكم لَهَا فرع فَمِنْهُ الخ أَي أَن الْمُعْتَزلَة قَالُوا بِخلق الْقُرْآن وَنَفَوْا صِفَات الله تَعَالَى وعلوه على خلقه وَنَفَوْا رُؤْيَته تَعَالَى فِي الْآخِرَة وَنَفَوْا الْقَضَاء وَالْقدر والشفاعة فِي عصاة الْمُوَحِّدين وَقَالُوا بِأَن الله لَا يقدر على إصْلَاح العصاة وَلَا يقدر على إِيمَان الْكفَّار وأوجبوا على الله رِعَايَة الْأَصْلَح وَنَحْو ذَلِك وَقَوله للْقَاضِي هُوَ الهمذاني أَي القَاضِي عبد الْجَبَّار بن احْمَد الهمذاني المعتزلي شَافِعِيّ الْفُرُوع معتزلي الْأُصُول وَهُوَ عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن الْخَلِيل أَبُو الْحُسَيْن الهمذاني قَاضِي الرّيّ وأعمالها وَكَانَ شيخ الْمَذْهَب وَهُوَ مَعَ ذَلِك شيخ الإعتزال قَالَ ابْن كثير فِي (تَارِيخه (وَمن أجل مصنفاته واعظمها كتاب (دَلَائِل النُّبُوَّة (فِي مجلدين ابان فِيهِ عَن علم وبصيرة جَيِّدَة وَقد طَال عمره ورحل النَّاس إِلَيْهِ من الأقطار واستفادوا بِهِ مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة 415 خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وسادس عشرهَا إِجْمَاع أهل الْعلم أَعنِي حجَّة الْأَزْمَان من كل صَاحب سنة شهِدت لَهُ ... أهل الحَدِيث وعسكر الْقُرْآن لَا عِبْرَة بمخالف لَهُم وَلَو ... كَانُوا عديد الشَّاء والبعران إِن الَّذِي فَوق السَّمَوَات العلى ... وَالْعرش وَهُوَ مباين الأكوان هُوَ رَبنَا سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ ... حَقًا على الْعَرْش استو الرَّحْمَن فاسمع إِذا أَقْوَالهم واشهد عَلَيْهِم بعْدهَا بالْكفْر وَالْإِيمَان ... واقرا تفاسير الْأَئِمَّة ذاكري الْإِسْنَاد فَهِيَ هِدَايَة الحيران ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل السَّادِس عشر من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ إِجْمَاع الْعلمَاء من أهل السّنة وَأَصْحَاب الحَدِيث قَالَ ... وَانْظُر إِلَى قَول ابْن عَبَّاس بتفسير اسْتَوَى إِن كنت ذَا عرفان ... قَالَ الْبَغَوِيّ فِي (تَفْسِيره) الْمَشْهُور قَالَ ابْن عَبَّاس وَأكْثر مفسري السّلف اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ارْتَفع إِلَى السَّمَاء ... وَانْظُر إِلَى أَصْحَابه من بعده ... كمجاهد وَمُقَاتِل حبران ... قَالَ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه (بَاب قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} هود 7 قَالَ أَبُو الْعَالِيَة اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ارْتَفع وَقَالَ مُجَاهِد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 اسْتَوَى علا على الْعَرْش وروى عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد فِي كتاب (السّنة (لَهُ عَن أَبِيه عَن نوح بن مَيْمُون عَن بكير بن مَعْرُوف عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة 7 قَالَ هُوَ على عَرْشه وَعلمه مَعَهم وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ بلغنَا وَالله أعلم فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأول وَالْآخر} الْحَدِيد 3 قَالَ هُوَ الأول قبل كل شيئ وَالْآخر بعد كل شيئ وَالظَّاهِر فَوق كل شيئ وَالْبَاطِن أقرب من كل شيئ وَإِنَّمَا قربه بِعِلْمِهِ وَهُوَ فَوق عَرْشه ... وَانْظُر إِلَى الْكَلْبِيّ ايضا وَالَّذِي ... قد قَالَه من غير مَا نكران ... روى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} يَقُول اسقر على الْعَرْش ... وَكَذَا رفيع التَّابِعِيّ أَجلهم ... ذَاك الريَاحي الْعَظِيم الشان ... رفيع بِضَم الرَّاء مُصَغرًا وَهُوَ أَبُو الْعَالِيَة وَقد تقدم مَا نَقله البُخَارِيّ عَنهُ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ارْتَفع ... كم صَاحب ألْقى إِلَيْهِ علمه فلذاك مَا اخْتلفَا عَلَيْهِ إثنان ... فليهن من قد سبه إِذْ لم يوا فق قَوْله تَحْرِيف ذِي الْبُهْتَان ... فَلهم عِبَارَات عَلَيْهَا أَربع قد حصلت للفارس الطعان ... وَهِي اسْتَقر وَقد علا وَكَذَلِكَ ار تفع الَّذِي مَا فِيهِ من نكران ... وكذاك قد صعد الَّذِي هُوَ رَابِع وَأَبُو عُبَيْدَة صَاحب الشَّيْبَانِيّ ... يخْتَار هَذَا القَوْل فِي تَفْسِيره أَدْرِي من الجهمي بِالْقُرْآنِ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 حكى الْفراء عَن ابْن عَبَّاس (ثمَّ اسْتَوَى) صعد أَبُو عُبَيْدَة هُوَ معمر ابْن الْمثنى التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ قَوْله صَاحب الشَّيْبَانِيّ هُوَ أَبُو عَمْرو بن العلاءواسمه إِسْحَق كَمَا ذكر ذَلِك الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الْإِسْلَام (وَقيل إِنَّمَا قيل لَهُ الشَّيْبَانِيّ لانقطاعه إِلَى أنَاس من بني شَيبَان ... والأشعري يَقُول تَفْسِير اسْتَوَى بِحَقِيقَة استولى من الْبُهْتَان ... هُوَ قَول أهل الاعتزال وَقَول أَتبَاع لجهم وَهُوَ ذُو بطلَان فِي كتبه قد قَالَه من موجز ... وإبانة ومقالة بِبَيَان ... أَي أَن الْأَشْعَرِيّ ذكر إبِْطَال تَأْوِيل الإستواء بِالِاسْتِيلَاءِ فِي كثير من كتبه ك (الموجز (و (الْإِبَانَة (و (المقالات (قَالَ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَابه (الْإِبَانَة فِي أصُول الدّيانَة (لَهُ فِي بَاب الاسْتوَاء فَإِن قَالَ قَائِل مَا تَقولُونَ فِي الاسْتوَاء قيل نقُول لَهُ إِن الله مستو على عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَقَالَ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} فاطر 10 وَقَالَ {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء 158 وَقَالَ حِكَايَة عَن فِرْعَوْن {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 36 كذب مُوسَى فِي قَوْله إِن الله فَوق السَّمَوَات وَقَالَ عز وَجل {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الْملك 16 فالسموات فَوْقهَا الْعَرْش فَلَمَّا كَانَ الْعَرْش فَوق السَّمَوَات وكل مَا علا فَهُوَ سَمَاء وَلَيْسَ إِذا قَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء} يَعْنِي جَمِيع السَّمَوَات وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْش الَّذِي هُوَ أَعلَى السَّمَوَات أَلا ترى أَنه ذكر السَّمَوَات فَقَالَ {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} نوح 16 وَلم يرد أَنه يملأهن جَمِيعًا قَالَ ورأينا الْمُسلمين جَمِيعًا يرفعون أَيْديهم إِذا دعوا نَحْو السَّمَاء لِأَن الله مستو على الْعَرْش الَّذِي هُوَ فَوق السَّمَوَات فلولا أَن الله على الْعَرْش لم يرفعوا أَيْديهم نَحْو الْعَرْش وَقد قَالَ قَائِلُونَ من الْمُعْتَزلَة والجهمية والحرورية إِن معنى اسْتَوَى استولى وَملك وقهر وَإنَّهُ تَعَالَى فِي كل مَكَان وجحدوا أَن يكون على عَرْشه كَمَا قَالَ أهل الْحق وذهبوا فِي الإستواء إِلَى الْقُدْرَة فَلَو كَانَ كَمَا قَالُوا لَا فرق بَين الْعَرْش وَبَين الأَرْض السَّابِعَة لِأَنَّهُ قَادر على كل شيئ وَالْأَرْض فَللَّه قَادر عَلَيْهَا وعَلى الحشوش وَكَذَا لَو كَانَ مستويا على بِمَعْنى الإستيلاء لجَاز أَن يكون مستويا على الْأَشْيَاء كلهَا وَلم يجز عِنْد أحد من الْمُسلمين أَن يَقُول أَن الله مستو على الأخلية والحشوش فَبَطل أَن يكون الأستواء الإستيلاء وَذكر أَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة وَالْعقل سوى ذَلِك وَكتاب (الْإِبَانَة (من أشهر تصانيف أبي الْحسن شهرة والحافظ ابْن عَسَاكِر اعْتمد عَلَيْهِ ونسخه بخطة الإِمَام مُحي الدّين النَّوَوِيّ كَذَا ذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَكَذَلِكَ الْبَغَوِيّ أَيْضا قد حكا ... هـ عَنْهُم بمعالم الْقُرْآن ... قَالَ الإِمَام مُحي السّنة أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ الشَّافِعِي صَاحب (معالم التَّنْزِيل (عِنْد قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الْأَعْرَاف 54 قَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل اسْتَقر وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة صعد ثمَّ قَالَ الْبَغَوِيّ وأولت الْمُعْتَزلَة الإستواء بالإستيلاء وَأما أهل السّنة فَيَقُولُونَ الإستواء على الْعَرْش صفة لله بِلَا كَيفَ يجب الْإِيمَان بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} الْبَقَرَة 29 قَالَ ابْن عَبَّاس وَأكْثر مفسري السّلف ارْتَفع إِلَى السَّمَاء وَقَالَ فِي قَوْله {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله} الْبَقَرَة 210 الأولى فِي هَذِه الْآيَة وَمَا شاكلها أَن يُؤمن الْإِنْسَان بظاهرها ويكل علمهَا إِلَى الله ويعتقد أَن الله أمنزه عَن سمات الْحُدُوث على ذَلِك مَضَت أَئِمَّة السّلف وعلماء السّنة وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة 7 أَي من سرار ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم بِالْعلمِ انْتهى ... وَانْظُر كَلَام إمامنا هُوَ مَالك ... قد صَحَّ عَنهُ قَول ذِي إتقان فِي الإستواء بِأَنَّهُ الْمَعْلُوم لَكِن كيفه خَافَ على الأذهان ... روى الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ عَن يحيى بن يحيى قَالَ كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس فجَاء رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ مَالك بِرَأْسِهِ حَتَّى علاهُ الرحضاء ثمَّ قَالَ الإستواء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ أَن يخرج وسَاق الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي الرّبيع الرشديني عَن ابْن وهب قَالَ كنت عِنْد مَالك فَدخل رجل فَقَالَ با أَبَا عبد الله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 كَيفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ مَالك (رَأسه) وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع راسه فَقَالَ الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى كَمَا وصف نَفسه وَلَا يُقَال كَيفَ وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (بعد مَا سَاق كَلَام الإِمَام مَالك وَهَذَا قَول أهل السّنة قاطبة أَن كَيْفيَّة الإستواء لَا نعقلها بل نجهلها وَأَن استواءه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 مَعْلُوم كَمَا أخبر بِهِ فِي كِتَابه وَأَنه كَمَا يَلِيق بِهِ لَا نعمق وَلَا نتخذلق وَلَا نَخُوض فِي لَوَازِم ذَلِك نفيا وَلَا إِثْبَاتًا بل نسكت ونقف كَمَا وقف السّلف ونعلم يَقِينا مَعَ ذَلِك أَن الله جلّ جَلَاله لَا مثل لَهُ فِي صِفَاته وَلَا فِي إستوائه وَلَا فِي نُزُوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا ... وروى ابْن نَافِع الصدوق سَمَاعه مِنْهُ على التَّحْقِيق والإتقان ... الله حَقًا فِي السَّمَاء وَعلمه سُبْحَانَهُ حَقًا بِكُل مَكَان ... فَانْظُر إِلَى التَّفْرِيق بَين الذَّات والمعلوم من ذَا الْعَالم الرباني فالذات خصت بالسماء وَإِنَّمَا الْمَعْلُوم عَم جَمِيع ذِي الأكوان ... ذَا ثَابت عَن مَالك من رده فلسوف يلقى مَالِكًا بهوان ... قَالَ عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل فِي الرَّد على الْجَهْمِية حَدثنِي أبي ثَنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان عَن عبد الله بن نَافِع قَالَ قَالَ مَالك بن أنس الله فِي السَّمَاء وَعلمه فِي كل مَكَان لَا يَخْلُو مِنْهُ شيئ فَانْظُر كَيفَ فرق مَالك رَحمَه الله تَعَالَى بَين الذَّات والمعلوم فَخص الذَّات بالسماء وَأما الْمَعْلُوم فَهُوَ عَام كل شيئ وَالْمرَاد بالمعلوم هُنَا الْعلم كَمَا ذكره النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَقَوله ذَا ثَابت عَن مَالك الخ يَعْنِي بقوله فلسوف يلقى مَالِكًا خَازِن النَّار نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك وَلَكِن لَا يَخْلُو كَلَامه من مُبَالغَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وكذاك قَالَ التِّرْمِذِيّ بِجَامِع ... عَن بعض أهل الْعلم وَالْإِيمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 .. الله فَوق الْعَرْش لَكِن علمه ... مَعَ خلقه تفسيرذي إِيمَان ... ذكر الْحَافِظ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه (لما روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَهُوَ خبر مُنكر (لَو أَنكُمْ دليتم بِحَبل إِلَى الأَرْض السُّفْلى لهبط على الله (فَقَالَ أهل الْعلم أَرَادَ لهبط على علم الله وَهُوَ على الْعَرْش كَمَا وصف نَفسه فِي كِتَابه وَقَالَ أَبُو عِيسَى إِثْر مَا روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة (إِن الله يقبل الصَّدَقَة ويأخذها بِيَمِينِهِ فيربيها (رَوَت عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه وَقد قَالَ غير وَاحِد من أهل الْعلم فِي هَذَا وَمَا يُشبههُ من الصِّفَات ونزول الرب نثبت هَذِه الرِّوَايَات فِي هَذَا ونؤمن بِهِ وَلَا يتَوَهَّم وَلَا يُقَال كَيفَ هَذَا رُوِيَ عَن مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَابْن الْمُبَارك أَنهم قَالُوا فِي هَذِه الْأَحَادِيث أمروها بِلَا كَيفَ وَهَكَذَا قَول أهل الْعلم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأما الْجَهْمِية فأنكرت هَذِه الرِّوَايَات وَقَالُوا هَذَا تَشْبِيه وفسروها على غير مَا فسر أهل الْعلم وَقَالُوا إِن الله لم يخلق آدم بِيَدِهِ وَإِنَّمَا معنى الْيَد هَاهُنَا النِّعْمَة وَهَذَا القَوْل فِي بَاب فضل الصَّدَقَة من الْجَامِع وَقَالَ نَحوا من ذَلِك أَيْضا فِي تَفْسِير {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} الْمَائِدَة 64 ... وكذاك أوزاعيهم أَيْضا حكى عَن سَائِر الْعلمَاء فِي الْبلدَانِ ... من قرنه وَالتَّابِعِينَ جَمِيعهم متوافرين وهم أولو الْعرْفَان ... إِيمَانهم بعلوه سُبْحَانَهُ فَوق الْعباد وَفَوق ذِي الاكوان ... روى الْبَيْهَقِيّ فِي (الاسماء وَالصِّفَات (باسناد صَحِيح عَن الاوزاعي قَالَ كُنَّا والتابعون متوافرون نقُول أَن الله تَعَالَى ذكره فَوق عَرْشه ونؤمن بِمَا وَردت بِهِ السّنة من صِفَاته وروى أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 (السّنة (عَن الاوزاعي قَالَ سُئِلَ مَكْحُول وَالزهْرِيّ عَن تَفْسِير الاحاديث فَقَالَ أمروها كَمَا جَاءَت وَرُوِيَ أَيْضا عَن الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ سَأَلت مَالك بن أنس وسُفْيَان الثَّوْريّ وَاللَّيْث بن سعد والاوزاعي عَن الاخبار الَّتِي جَاءَت فِي الصِّفَات فَقَالُوا أمروها كَمَا جَاءَت وَفِي رِوَايَة فَقَالُوا أمروها كَمَا جَاءَت بِلَا كَيفَ ... وكذاك قَالَ الشَّافِعِي حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَشَيْخه الرباني حَقًا قضى الله الْخلَافَة رَبنَا ... فَوق السَّمَاء لأصدق العبدان حب الرَّسُول وقائم من بعده ... بِالْحَقِّ لَا فشل وَلَا متوان فَانْظُر الى الْمقْضِي فِي ذِي الارض لَكِن فِي السَّمَاء قَضَاء ذِي السُّلْطَان ... وقضاؤه وصف لَهُ لم ينْفَصل عَنهُ وَهَذَا وَاضح الْبُرْهَان ... قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ حق قَضَاهَا الله فِي سمائه وَجمع عَلَيْهَا قُلُوب عباده انْتهى أَي أَن الْمقْضِي فِي الارض وَالْقَضَاء فِي السَّمَاء وَهُوَ فعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المتضمن لمشيئته وَقدرته قَوْله حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَشَيْخه الرباني مُرَاده بشيخ الْبَيْهَقِيّ الْحَافِظ ابو عبد الله الْحَاكِم رحمهمَا الله تَعَالَى قَوْله العبدان جمع عبد وَقَوله حب الرَّسُول الخ يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الامام ابْن الامام عبد الرَّحْمَن ابْن ابي حَاتِم الرَّازِيّ رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا ابو شُعَيْب وَأَبُو ثَوْر عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ القَوْل فِي السّنة الَّتِي أَنا عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَرَأَيْت أَصْحَابنَا عَلَيْهَا أهل الحَدِيث الَّذين رَأَيْتهمْ وَأخذت عَنْهُم مثل سُفْيَان وَمَالك وَغَيرهمَا الاقرار بِشَهَادَة أَن لَا أَله الا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن الله تَعَالَى على عَرْشه فِي سمائه يقرب من خلقه كَيفَ شَاءَ وَأَن الله تَعَالَى ينزل الى السَّمَاء الدُّنْيَا كَيفَ شَاءَ قَالَ ... وَكَذَلِكَ النُّعْمَان قَالَ وَبعده يَعْقُوب والالفاظ للنعمان ... من لم يقر بِعَرْشِهِ سُبْحَانَهُ فَوق السَّمَاء وَفَوق كل مَكَان ... ويقر أَن الله فَوق الْعَرْش لَا تخفى عَلَيْهِ هواجس الاذهان ... فَهُوَ الَّذِي لَا شكّ فِي تكفيره لله دَرك من إِمَام زمَان ... هَذَا الَّذِي فِي الْفِقْه الاكبر عِنْدهم وَله شُرُوح عدَّة لبَيَان ... قَوْله النُّعْمَان هُوَ الامام عَالم الْعرَاق أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت وَقَوله يَعْقُوب هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم أَبُو يُوسُف القَاضِي قلت قَالَ فِي كتاب (الْفِقْه الاكبر (الْمَشْهُور الْمَرْوِيّ بالاسناد عَن ابي مُطِيع الحكم بن عبد الله الْبَلْخِي قَالَ سَأَلت أَبَا حنيفَة عَمَّن يَقُول لَا أعرف رَبِّي فِي السَّمَاء أَو فِي الارض قَالَ قد كفر لِأَن الله يَقُول {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وعرشه فَوق سمواته فَقلت إِنَّه يَقُول أَقُول على الْعَرْش اسْتَوَى وَلَكِن قَالَ لَا يدْرِي الْعَرْش فِي السَّمَاء أَو فِي الارض فَقَالَ إِذا أنكر أَنه فِي السَّمَاء فقد كفر رَوَاهَا صَاحب الْفَارُوق باسناد عَن أبي بكر نصير بن يحيى عَن الحكم قَالَ الذَّهَبِيّ وَسمعت القَاضِي الامام تَاج الدّين عِنْد الْخَالِق بن علوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 قَالَ سَمِعت الامام أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن احْمَد الْمَقْدِسِي مؤلف (الْمقنع (رحم الله ثراه وَجعل الْجنَّة مثواه يَقُول بَلغنِي عَن ابي حنيفَة رَحمَه الله أَنه قَالَ من أنكر أَن الله عز وَجل فِي السَّمَاء فقد كفر ... وَانْظُر مقَالَة أَحْمد ونصوصه فِي ذَاك تلقاها بِلَا حسبان ... فجميعها قد صرحت بعلوه وبالاستوا والفوق للرحمن ... وَله نُصُوص واردات لم تقع لسواه من فرسَان هَذَا الشان ... اذ كَانَ ممتحنا باعداء الحَدِيث وشيعة التعطيل والكفران واذا أردْت نصوصه فَانْظُر الى ... مَا قد حكى الْخلال ذُو الاتقان ... يَعْنِي أَن الامام أَحْمد لَهُ من النُّصُوص وَالْكَلَام فِي صِفَات الله تَعَالَى وَفِي كَلَامه مَا لَيْسَ لغيره من الائمة لِأَنَّهُ كَانَ ممتحنا بالمعطلة والجهمية وَمَا جرى عَلَيْهِ من المحنة فِي ذَلِك وَالضَّرْب مَشْهُور مَذْكُور فِي الْكتب الَّتِي صنفت فِي مناقبه كمناقبه للامام ابي اسماعيل الانصاري وللحافظ ابي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ والحافظ ابي بكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم وَكَذَلِكَ كتب التواريخ وَقَوله الْخلال هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَارُون أَبُو بكر الْخلال كَانَ أحد من صرف عنايته الى جمع عُلُوم الامام أَحْمد بن حَنْبَل وسافر الى الْبِلَاد لأَجلهَا وسمعها عالية ونازلة وصنف كتاب (الْجَامِع (وَهُوَ فِي عدَّة مجلدات وَكتاب (السّنة (وَكتاب (الْعِلَل (لِأَحْمَد بن حَنْبَل وَغير ذَلِك قَالَ ابو بكر بن شهرباز كلنا تبع للخلال لِأَنَّهُ لم يسبقنا الى جمع علم أَحْمد أحد قبله قَالَ الْخَطِيب جمع يَعْنِي الْخلال عُلُوم أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وطلبها وسافر لأَجلهَا وكتبها وصنفها كتبا وَلم يكن فِيمَن ينتحل مَذْهَب أَحْمد أحد أجمع مِنْهُ لذَلِك توفّي فِي ربيع الاول سنة 321 إِحْدَى وَعشْرين وثلثمائة وَقد نَيف عَن الثَّمَانِينَ انْتهى مُلَخصا من (تَارِيخ الذَّهَبِيّ (وَأما نُصُوص الامام أَحْمد فِي ذَلِك فَنَذْكُر مِنْهَا قَلِيلا من كثير قَالَ يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان شيخ أبي بكر الْخلال قيل لأبي عبد الله الله فَوق السَّمَاء السَّابِعَة على عَرْشه بَائِن من خلقه وَقدرته وَعلمه بِكُل مَكَان قَالَ نعم هُوَ على عَرْشه وَلَا يَخْلُو شَيْء من علمه وَقَالَ أَبُو طَالب أَحْمد بن حميد سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن رجل قَالَ الله مَعنا وتلا {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} فَقَالَ قد تجهم هَذَا يَأْخُذُونَ بآخر الاية وَيدعونَ أَولهَا قَرَأت عَلَيْهِ {ألم تَرَ أَن الله يعلم} المجادلة 7 فَعلمه مَعَهم وَقَالَ فِي سُورَة ق {ونعلم مَا توسوس بِهِ نَفسه وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} ق 16 فَعلمه مَعَهم قَالَ الْمَرْوذِيّ قلب لابي عبد لله إِن رجلا قَالَ أَقُول كَمَا قَالَ الله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} أَقُول هَذَا وَلَا أجاوزه الى غَيره فَقَالَ هَذَا كَلَام الْجَهْمِية بل علمه مَعَهم فَأول الاية يدل على أَنه علمه رَوَاهُ ابْن بطة فِي كتاب (الابانة (عَن عمر بن مُحَمَّد بن رَجَاء عَن مُحَمَّد بن دَاوُد عَن الْمَرْوذِيّ وَقَالَ حَنْبَل ابْن اسحق قيل لأبي عبد الله مَا معنى {وَهُوَ مَعكُمْ} قَالَ علمه مُحِيط بِالْكُلِّ وربنا على الْعَرْش بلاحد وَلَا صفة وَكَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا كثير شهير وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة ... وكذاك اسحاق الامام فانه ... قد قَالَ مَا فِيهِ هدى الحيران ... قَالَ الْخلال انا الْمَرْوذِيّ قَالَ قَالَ اسحق بن ابراهيم بن رَاهَوَيْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 اجماع أهل الْعلم أَنه فَوق الْعَرْش اسْتَوَى وَيعلم كل شَيْء فِي أَسْفَل الارض السَّابِعَة وَفِي قعور الْبحار ورؤوس الاكام وبطون الاودية وَفِي كل مَوضِع كَمَا يعلم علم مَا فِي السَّمَوَات السَّبع وَمَا فَوق الْعَرْش أحَاط بِكُل شَيْء علما فَلَا تسْقط من ورقة الا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر الا قد عرف ذَلِك كُله وأحصاه فَلَا تعجزه معرفَة شَيْء عَن معرفَة غَيره ... وَابْن الْمُبَارك قَالَ قولا شافيا ... إِنْكَاره علم على الْبُهْتَان قَالُوا لَهُ مَا ذَاك نَعْرِف رَبنَا ... حَقًا بِهِ لنكون ذَا ايمان فَأجَاب نعرفه بِوَصْف علوه ... فَوق السَّمَاء مباين الاكوان وَبِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَقًا على الْعَرْش الرفيع فجل ذُو السُّلْطَان ... قَالَ الْخلال ثَنَا أَبُو بكر الْمَرْوذِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله قيل لَهُ روى عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق عَن ابْن الْمُبَارك انه قيل لَهُ كَيفَ نَعْرِف الله عز وَجل قَالَ على الْعَرْش بِحَدّ قَالَ قد بَلغنِي ذَلِك عَنهُ وَأَعْجَبهُ ثمَّ قَالَ ابو عبد الله {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة 210 ثمَّ قَالَ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 وروى شيخ الاسلام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي باسناده الثَّابِت عَن عبد الله بن الْمُبَارك انه قَالَ نَعْرِف رَبنَا بانه فَوق سبع سمواته بَائِنا من خلقه وَلَا نقُول كَمَا قَالَ الْجَهْمِية بِأَنَّهُ هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ الى الارض وَهُوَ عبد الله بن الْمُبَارك أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمروزِي كَانَ أَبوهُ تركيا مولى لرجل من التُّجَّار من بني حَنْظَلَة من أهل هَمدَان فَكَانَ ابْن الْمُبَارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 إِذا قدمهَا أحسن الى ولد مَوْلَاهُم وَكَانَت امهِ خوارزمية ولد سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَة وَسمع اسماعيل ابْن أبي خَالِد والاعمش وَهِشَام بن عُرْوَة وَحميد الطَّوِيل وَغَيرهم من أَئِمَّة التَّابِعين وَحدث عَنهُ خلائق من النَّاس وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْحِفْظِ وَالْفِقْه والعربية والزهد وَالْكَرم والشجاعة وَله التصانيف الحسان وَالشعر المتضمن حكما جمة وَكَانَ كثير الْغَزْو وَالْحج وَكَانَ لَهُ رَأس مَال نَحْو اربعمائة الف تَدور بِتِجَارَة فِي الْبلدَانِ فَحَيْثُ اجْتمع بعالم بَلْدَة أحسن اليه وَكَانَ يَرْبُو كَسبه فِي كل سنة على مائَة الف ينفقها كلهَا فِي اهل الْعلم وَالْعِبَادَة وَرُبمَا انفق من رَأس المَال قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة نظرت أَمر الصَّحَابَة فَمَا رَأَيْتهمْ يفضلون عَلَيْهِ الا بصحبتهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اسمعيل بن عَيَّاش مَا أعلم على وَجه الارض مثله وَمَا اعْلَم خصْلَة (من) الْخَيْر الا وَقد جعلهَا الله فِي ابْن الْمُبَارك وَلَقَد حَدثنِي أَصْحَابه انهم صحبوه من مصر الى مَكَّة فَكَانَ يُطعمهُمْ الخبيص وَهُوَ الدَّهْر صَائِم وَقد قدم مرّة الى (الرقة (وَبهَا هَارُون الرشيد فَلَمَّا دَخلهَا الجفل النَّاس يهرعون الى ابْن الْمُبَارك وازدحم النَّاس حوله فاشرفت ام ولد للرشيد من قصر فَقَالَت مَا للنَّاس فَقيل هَذَا رجل من عُلَمَاء خُرَاسَان يُقَال لَهُ ابْن الْمُبَارك فَقَالَت الْمَرْأَة هَذَا هُوَ الْملك لَا ملك هَارُون الَّذِي يجمع النَّاس بِالسَّوْطِ والعصا وَقد قَالَ الشَّيْخ ابو عمر ابْن عبد الْبر أجمع الْعلمَاء على قبُوله وجلالته وإمامته وعدالته توفّي ب (هيت (فِي سنة 181 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة فِي رَمَضَان عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة ... وَهُوَ الَّذِي قد شجع ابْن خُزَيْمَة ... اذ سل سيف الْحق والعرفان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَقضى بقتل المنكرين علوه بعد استتابتهم من الكفران ... وبأنهم يلقون بعد الْقَتْل فو ق مزابل الميتات والانتان ... فشفى الامام الْعَالم الحبر الَّذِي يدعى إِمَام أَئِمَّة الازمان ... وَلَقَد حَكَاهُ الْحَاكِم الْعدْل الرضى فِي كتبه عَنهُ بِلَا نكران ... قَالَ شيخ الاسلام ابو عُثْمَان اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي فِي (عقيدته (أخبرنَا ابو عبد الله الْحَافِظ يَعْنِي الْحَاكِم فِي كتاب (التَّارِيخ (الَّذِي جمعه لأهل نيسابور وَفِي كتاب (معرفَة أصُول الحَدِيث) اللَّذين جَمعهمَا وَلم يسْبق الى مثلهمَا قَالَ سَمِعت ابا جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن هانىء سَمِعت الامام أَبَا بكر مُحَمَّد بن اسحق ابْن خُزَيْمَة يَقُول من لم يقر أَن الله على عَرْشه قد اسْتَوَى فَوق سبع سمواته فَهُوَ كَافِر بِهِ حَلَال الدَّم يُسْتَتَاب فان تَابَ والا ضربت عُنُقه وَأُلْقِي على بعض الْمَزَابِل ... وَحكى ابْن عبد الْبر فِي تمهيده وَكتاب الاستذكار غير جبان ... إِجْمَاع أهل الْعلم أَن الله فو ق الْعَرْش لم يُنكره ذُو إِيمَان ... وأتى هُنَاكَ بِمَا شفى أهل الْهدى لكنه مرض على العميان ... قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي (شرح الْمُوَطَّأ (لما ذكر حَدِيث النُّزُول قَالَ هَذَا حَدِيث ثَابت من جِهَة النَّقْل صَحِيح الاسناد لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَّته وَهُوَ مَنْقُول من طرق سوى هَذِه من أَخْبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الْعُدُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه دَلِيل على أَن الله تَعَالَى فِي السَّمَاء على الْعَرْش من فَوق سبع سموات كَمَا قَالَ الْجَمَاعَة وَهُوَ من حجتهم على الْمُعْتَزلَة فِي قَوْلهم إِن الله بِكُل مَكَان قَالَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَول أهل الْحق قَوْله عز وَجل {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَقَوله عز وَجل {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الاعراف 24 وَقَالَ سُبْحَانَهُ {أأمنتم من فِي السَّمَاء} الْملك 16 وَقَالَ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} فاطر 10 وَقَالَ {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} النَّحْل 5 وَقَالَ {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ} السَّجْدَة 5 وَقَالَ {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} المعارج 4 وَقَالَ {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} الانعام 18 61 وَقَالَ لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ} آل عمرَان 55 وَقَالَ {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء 158 وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي موضِعين من كِتَابه عَن فِرْعَوْن أَنه قَالَ {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 36 37 يَعْنِي أَظن مُوسَى كَاذِبًا أَن لَهُ إِلَهًا فِي السَّمَاء هَذِه الاية تدل على أَن مُوسَى كَانَ يَقُول إلهي فِي السَّمَاء وَفرْعَوْن يَظُنّهُ كَاذِبًا قَالَ وَمن الْحجَّة أَيْضا فِي انه على الْعَرْش فَوق السَّمَوَات السَّبع أَن الْمَوْجُودين أَجْمَعِينَ من الْعَرَب والعجم اذا كربهم امْر أَو نزلت بهم شدَّة رفعوا أَيْديهم ووجوههم الى السَّمَاء ونصبوا أَيْديهم رافعين لَهَا مشيرين بهَا الى السَّمَاء يستغيثون الله رَبهم تبَارك وَتَعَالَى وَهَذَا اشهر وَأعرف عِنْد الْخَاصَّة والعامة من أَن يحْتَاج الى أَكثر من حكايته لِأَنَّهُ اضرار لم يواقفهم عَلَيْهِ اُحْدُ وَلَا أنكرهُ عَلَيْهِم مُسلم وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للامة الَّتِي اراد مَوْلَاهَا عتقهَا وَكَانَت عَلَيْهِ رَقَبَة مُؤمنَة فاختبرها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 بِأَن قَالَ لَهَا (أَيْن الله (فَأَشَارَتْ الى السَّمَاء قَالَ (من أَنا (قَالَت رَسُول الله قَالَ (اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة (فَاكْتفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برفعها رَأسهَا الى السَّمَاء وَاسْتغْنى بذلك عَمَّا سواهُ قَالَ ابو عمر رَضِي الله عَنهُ أهل السّنة مجمعون على الاقرار بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَة كلهَا فِي الْقُرْآن وَالسّنة والايمان بهَا وَحملهَا على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز وَأما أهل الْبدع الْجَهْمِية والمعتزلة كلهَا والخوارج فكلهم ينكرها وَلَا يحمل مِنْهَا شَيْئا على الْحَقِيقَة ويزعمون أَن من أقربها مشبه وهم عِنْد من أقربها نافون للمعبود وَالْحق فِيمَا قَالَه الْقَائِلُونَ بِمَا نطق بِهِ كتاب الله وَسنة رَسُوله وهم أَئِمَّة الْجَمَاعَة وَالْحَمْد لله انْتهى كَلَامه ... وَكَذَا عَليّ الاشعري فانه فِي كتبه قد جَاءَ بالتبيان ... من موجز وإبانة ومقالة ورسائل للثغر ذَات بَيَان ... وأتى بتقرير اسْتِوَاء الرب فو ق الْعَرْش بالايضاح والبرهان ... وأتى بتقرير الْعُلُوّ بِأَحْسَن التَّقْرِير فَانْظُر كتبه بعيان وَالله مَا قَالَ المجسم مثل مَا ... قد قَالَه ذَا الْعَالم الرباني فارموه وَيحكم بِمَا ترموا بِهِ ... هَذَا المجسم يَا أولي الْعدوان أَولا فَقولُوا إِن ثمَّ حزازة ... وتنفس الصعداء من حران فَسَلُوا الاله شِفَاء ذَا الدَّاء العضا ... ل مُجَانب الاسلام والايمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 يَعْنِي ان الامام أَبَا الْحسن الاشعري قد اوضح فِي كتبه ك (الابانة (و (الموجز (و (مقالات الاسلاميين (ورسائله الى الثغر اسْتِوَاء الرب فَوق عَرْشه وَبرهن على ذَلِك وَقَررهُ بِأَحْسَن تَقْرِير وَذَلِكَ فِي كتبه فانظرها إِن شِئْت وَقد تقدم بعض كَلَامه فِي ذَلِك قَوْله وَالله مَا قَالَ المجسم مثل مَا قد قَالَه ذَا الْعَالم الرباني أَي مَا قَالَ المنبوذ عنْدكُمْ بالتجسيم مثل مَا قد قَالَ الاشعري قَوْله فارموه وَيحكم بِمَا ترموا بِهِ هَذَا المجسم الخ أَي فشنعوا بِمثل مَا شنعتم بِهِ على اصحاب الحَدِيث الَّذين هم عنْدكُمْ مجسمة وَقَوله بِمَا ترموا بِهِ الاصل ترمون بِهِ وَلَكِن حذف النُّون للوزن وَقَوله تنفس الصعداء كالبرحاء تنفس طَوِيل قَالَه فِي (الْقَامُوس (وَقَوله الدَّاء العضال قَالَ فِي (الْقَامُوس (دَاء عضال كغراب يَعْنِي غَالب قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَأنْظر الى حَرْب وَإِجْمَاع حكى ... لله دَرك من فَتى كرمان ... حَرْب هُوَ ابو مُحَمَّد حَرْب بن اسماعيل الْكرْمَانِي صَاحب الامام احْمَد صَاحب الْمسَائِل الْمَعْرُوفَة الَّتِي نقلهَا عَن أَحْمد واسحاق وَغَيرهمَا وَذكر مَعهَا من الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَغَيرهم مَا ذكره وَهُوَ كتاب كَبِير صنفه على طَريقَة (الْمُوَطَّأ (وَنَحْوه من المصنفات قَالَ فِي آخِره فِي (الْجَامِع (بَاب القَوْل فِي الْمَذْهَب هَذَا مَذْهَب أَئِمَّة الْعلم وَأَصْحَاب الاثر وَأهل السّنة المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا وَأدْركت من أدْركْت من عُلَمَاء أهل الْعرَاق والحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب أَو طعن فِيهَا أَو عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد واسحق بن ابراهيم بن مخلد وَعبد الله بن الزبيير الْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَغَيرهم مِمَّن جالسنا وأخذنا عَنْهُم الْعلم وَذكر الْكَلَام فِي الايمان وَالْقدر والوعيد والامامة وَمَا أخبر بِهِ الرَّسُول من أَشْرَاط السَّاعَة وَأمر البرزخ وَالْقِيَامَة وَغير ذَلِك الى أَن قَالَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ بَائِن من خلقه لَا يَخْلُو من علمه مَكَان وَللَّه عرش وللعرش حَملَة يحملونه وَله حد وَالله أعلم بحده وَالله على عَرْشه عز ذكره وَتَعَالَى جده والا اله غَيره وَالله تَعَالَى سميع لَا يشك بَصِير لَا يرتاب عليم لَا يجهل جواد لَا يبخل حَلِيم لَا يعجل حفيظ لَا ينسى يقظان لَا يسهو رَقِيب لَا يغْفل يتَكَلَّم ويتحرك وَيسمع ويبصر وَينظر وَيقبض ويبسط ويفرح وَيُحب وَيكرهُ وَيبغض ويرضى ويسخط ويغضب وَيرْحَم وَيَعْفُو وَيغْفر وَيُعْطِي وَيمْنَع وَينزل كل لَيْلَة الى السَّمَاء الدُّنْيَا كَيفَ شَاءَ وكما شَاءَ لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الى أَن قَالَ وَلم يزل الله متكلما عَالما فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ ... وَانْظُر الى قَول ابْن وهب اوحد الْعلمَاء مثل الشَّمْس فِي الْمِيزَان ... ابْن وهب هُوَ الامام عبد الله بن وهب بن مُسلم الْقرشِي الْمصْرِيّ صَاحب الامام مَالك بن انس وَلم أَقف على كَلَامه فأحكيه ... وَانْظُر الى مَا قَالَ عبد الله فِي تِلْكَ الرسَالَة مفصحا بِبَيَان ... من أَنه سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ بِالذَّاتِ فَوق الْعَرْش والاكوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 قَالَ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد ابْن أبي زيد المغربي القيرواني شيخ الْمَالِكِيَّة فِي وقته فِي أول رسَالَته الْمَشْهُورَة فِي مَذْهَب الإِمَام مَالك وَإنَّهُ تَعَالَى فَوق عَرْشه الْمجِيد بِذَاتِهِ وَأَنه فِي كل مَكَان بِعِلْمِهِ وَذكر ابْن أبي زيد أَيْضا فِي كتاب (الْفَرد (فِي السّنة تَقْرِير الْعُلُوّ واستواء الرب على الْعَرْش بِذَاتِهِ وَقَررهُ أتم تَقْرِير وَقَالَ فِي (مُخْتَصر الْمُدَوَّنَة (وَإنَّهُ تَعَالَى فَوق عَرْشه بِذَاتِهِ فَوق سمواته دون أرضه ... وَانْظُر إِلَى مَا قَالَه الْكَرْخِي فِي شرح لتصنيف امْرِئ رباني ... وَانْظُر إِلَى الأَصْل الَّذِي هُوَ شَرحه فهما الْهدى لملحد حيران ... لم اقف على شرح الْكَرْخِي وَلَا أَصله فاسوقه ... وَانْظُر إِلَى تَفْسِير عبد مَا الَّذِي فِيهِ من الْآثَار فِي ذَا الشان وَانْظُر إِلَى تَفْسِير ذَاك الْفَاضِل الثبت الرضى المتضلع الرباني ... ذَاك الإِمَام ابْن الإِمَام وَشَيْخه وَأَبوهُ سُفْيَان فرازيان ... يُرِيد التَّفْسِير الْمَشْهُور تأليف الإِمَام الْحَافِظ الثبت أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن أبي حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى وَتَفْسِيره الْمَذْكُور فِي أَربع مجلدات وَالْبَيْت الثَّانِي فِيهِ قلق وَلم يظْهر المُرَاد مِنْهُ قَوْله وَشَيْخه وَأَبوهُ سُفْيَان أما أَبوهُ فَهُوَ الْحَافِظ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ الْحَنْظَلِي وَأما قَوْله وَأَبوهُ سُفْيَان فَلَا نعلم مَا المُرَاد بِهِ وَفِي بعض النّسخ فَانْظُر ذان وَفِي بَعْضهَا فرازيان ... وَانْظُر إِلَى النَّسَائِيّ فِي تَفْسِيره ... هُوَ عندنَا سفر جليل معَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 النَّسَائِيّ هُوَ الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ صَاحب (السّنَن ( ... وإقرأ كتاب الْعَرْش للعبسي وَهُوَ مُحَمَّد الْمَوْلُود من عُثْمَان ... قَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة الْعَبْسِي مُحدث الْكُوفَة فِي وقته قَالَ فِي كتاب (الْعَرْش (وَذكروا أَن الْجَهْمِية يَقُولُونَ لَيْسَ بَين الله وَبَين خلقه حجاب وأنكروا الْعَرْش وَأَن يكون الله فَوْقه وَقَالُوا إِنَّه فِي كل مَكَان ففسرت الْعلمَاء {وَهُوَ مَعكُمْ} الْحَدِيد 4 يَعْنِي علمه ثمَّ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار أَن الله تَعَالَى خلق الْعَرْش فَاسْتَوَى عَلَيْهِ فَهُوَ فَوق الْعَرْش متخلصا من خلقه بَائِنا مِنْهُم انْتهى كَلَامه ... واقرأ لمُسْند عَمه ومصنف ... أتراهما نجمين بل شمسان واقرأ كتاب الإستقامة للرضى ... ذَاك ابْن اصرم حَافظ رباني واقرأ كتاب الْحَافِظ الثِّقَة الرضى ... فِي السّنة الْعليا فَتى الشَّيْبَانِيّ ذَاك ابْن أَحْمد أوحد الْحَافِظ قد ... شهِدت لَهُ الْحَافِظ بالإتقان ... هُوَ الإفمام الْحَافِظ الثِّقَة عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رحمهمَا الله تَعَالَى وَكتابه الْمَشْهُور فِي (السّنة (نَحْو مُجَلد ... واقرأ كتاب الْأَثْرَم الْعدْل الرضى ... فِي السّنة الأولى إِمَام زمَان ... هُوَ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَانِئ أَبُو بكر الْأَثْرَم ... وَكَذَا الإِمَام ابْن الإِمَام المرتضى ... حَقًا أبي دَاوُد ذِي الْعرْفَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 .. ... تصنيفه نثرا ونظما وَاضحا ... فِي السّنة المثلى هما نجمان ... قَالَ الحافظي الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (اُخْبُرْنَا أَحْمد بن عبد الحميد أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد بن قدامَة سنة ثَمَانِي عشرَة وسِتمِائَة أخبرتنا فَاطِمَة بنت عَليّ أَنبأَنَا عَليّ بن بَيَان أَنبأَنَا الْحُسَيْن بن عَليّ الطناجيري انبأنا أَبُو حَفْص ابْن شاهين قَالَ شَيخنَا أَبُو بكر عبد الله بن سُلَيْمَان هَذِه القصيدة وَجعلهَا محنة ... تمسك بِحَبل الله وَاتبع الْهدى ... وَلَا تَكُ بدعيا لَعَلَّك تفلح وَدَن بِكِتَاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... أَتَت عَن رَسُول لَهُ تنجو وتربح وَقل غير مَخْلُوق كَلَام مليكنا ... بذلك دَان الأتقياء وأفصحوا وَلَا تقل الْقُرْآن خلق قِرَاءَة ... فَإِن كَلَام الله بِاللَّفْظِ يُوضح وَقل يتجلى الله لِلْخلقِ جهرة ... كَمَا الْبَدْر لَا يخفى وَرَبك أوضح وَلَيْسَ بمولود وَلَيْسَ بوالد ... وَلَيْسَ لَهُ شبه تَعَالَى المسبح وَقد يُنكر الجهمي هَذَا وَعِنْدنَا ... بمصداق مَا قُلْنَا حَدِيث مُصَرح رَوَاهُ جرير عَن مقَال مُحَمَّد ... فَقل مثل مَا قد قَالَ فِي ذَاك تنجح وَقل ينزل الْجَبَّار فِي كل لَيْلَة ... بِلَا كَيفَ جلّ الْوَاحِد المتمدح إِلَى طبق الدُّنْيَا يمن بفضله ... فتفرج أَبْوَاب السَّمَاء وتفتح يَقُول أَلا مُسْتَغْفِر يَلِيق غافرا ... ومستمنح خيرا وَرِزْقًا فيمنح روى ذَاك قوم لَا يرد حَدِيثهمْ ... أَلا خَابَ قوم كذبوهم وقبحوا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 .. وَقل إِن خير النَّاس بعد مُحَمَّد ... وزيراه قدما ثمَّ عُثْمَان الْأَرْجَح ورابعهم خير الْبَريَّة بعدهمْ عَليّ حَلِيف الْخَيْر بِالْخَيرِ ممنح ... وَإِنَّهُم والرهط لَا ريب فيهم على نجب الفردوس بِالنورِ تسرح ... سعيد وَسعد وَابْن عَوْف وَطَلْحَة ... وعامر فهر وَالزُّبَيْر الممدح وَقل خير قَول فِي الصَّحَابَة كلهم ... وَلَا تَكُ طعانا تعيب وتجرح فقد نطق الْوَحْي الْمُبين بفضلهم ... وَفِي الْفَتْح آي فِي الصَّحَابَة تمدح وبالقدر الْمَقْدُور أَيقَن فَإِنَّهُ ... دعامة عقد الدّين وَالدّين أفيح وَلَا تنكرن جهلا نكيرا ومنكرا ... وَلَا الْحَوْض وَالْمِيزَان إِنَّك تنصح وَقل يخرج الله الْعَظِيم بفضله ... من النَّار أجسادا من الفحم تطرح على النَّهر فِي الفردوس تحيى بِمِائَة ... كحبة حمل السَّيْل إِذْ جَاءَ يطفح وَإِن رَسُول الله لِلْخلقِ شَافِع ... وَقل فِي عَذَاب الْقَبْر حق موضح وَلَا تكفرن أهل الصَّلَاة وَإِن عصوا ... وَكلهمْ يَعْصِي وَذُو الْعَرْش يصفح وَلَا تعتقد رَأْي الْخَوَارِج إِنَّه ... مقَال لمن يهواه يردي ويفضح وَلَا تَكُ مرجيا لعوبا بِدِينِهِ ... أَلا إِنَّمَا المرجي بِالدّينِ يمزح وَقل إِنَّمَا الْإِيمَان قَول وَنِيَّة ... وَفعل على قَول النَّبِي مُصَرح وَينْقص طورا بِالْمَعَاصِي وَتارَة ... بِطَاعَتِهِ ينمي وَفِي الْوَزْن يرجح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 .. ودع آراء الرِّجَال وَقَوْلهمْ ... فَقَوْل رَسُول الله أزكى وأشرح وَلَا تَكُ من قوم تلهوا بدينهم ... فتطعن فِي أهل الحَدِيث وتقدح إذاما اعتقدت الدَّهْر ياصاح هَذِه ... فَأَنت على خير تبيت وتصبح ... هَذِه قصيدة متواترة عَن ناظمها رَوَاهَا الْآجُرِيّ قلت وَقد شرحها أَيْضا أَبُو عَليّ ابْن الْبَنَّا الْحَنْبَلِيّ وصنف لَهَا شرحا وَأَبُو عبد الله ابْن بطة فِي (الْإِبَانَة (قَالَ ابْن أبي دَاوُد هَذَا قَول أبي وَقَول شُيُوخنَا وَقَول الْعلمَاء مِمَّن لم نرهم كَمَا بلغنَا عَنْهُم فَمن قَالَ غير ذَلِك فقد كذب كَانَ أَبُو بكر من الْحفاظ المبرزين مَا هُوَ بِدُونِ أَبِيه صنف التصانيف انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد توفّي سنة 316 انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ ... واقرأ كتاب السّنة الأولى الَّذِي ... أرواه مضطلع من الْإِيمَان ذَاك النَّبِيل ابْن النَّبِيل كِتَابه ... أَيْضا نبيل وَاضح الْبُرْهَان ... قَالَ الْحَافِظ الإِمَام قَاضِي أَصْبَهَان وَصَاحب التصانيف أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو ابْن أبي عَاصِم الشَّيْبَانِيّ جَمِيع مَا فِي كتَابنَا كتاب (السّنة الْكَبِير (الَّذِي فِيهِ الْأَبْوَاب من الْأَخْبَار الَّتِي ذكرنَا أَنَّهَا توجب الْعلم فَنحْن نؤمن بهَا لصحتها وعدالة نَاقِلِيهَا وَيجب التَّسْلِيم لَهَا على ظَاهرهَا وَترك تكلّف الْكَلَام فِي كيفيتها فَذكر من ذَلِك النُّزُول إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا والإستواء على الْعَرْش سَمِعت عَاتِكَة بنت أبي بكر هَذَا الْكَلَام من أَبِيهَا وَكَانَت فقيهة عَالِمَة وَكَانَ أَبوهَا شيخ الظَّاهِرِيَّة بأصبهان كَمَا أَن شيخهم بالعراق دَاوُد بن عَليّ روى عَن أَصْحَاب شعبه وَحَمَّاد بن سَلمَة وَقع لنا جملَة من تصانيفه وَمَات سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ (287) لم يلْحق جده أَبَا عَاصِم النَّبِيل وَلحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 جده لأمه مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي ... وَانْظُر إِلَى قَول ابْن أَسْبَاط الرضى ... وَانْظُر إِلَى قَول الرضى سُفْيَان ... أَي سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي حَدثنِي أَحْمد بن نصر قَالَ سَأَلت سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَنا فِي منزله بعد الْعَتَمَة فَجعلت الح عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة فَقَالَ دَعْنِي أتنفس فَقلت كَيفَ حَدِيث عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن الله يحمل السَّمَوَات على أصْبع وَالْأَرضين على أصْبع (وحد يث (إِن قُلُوب الْعباد بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن (وَحَدِيث (أَن الله يعجب أَو يضْحك مِمَّن يذكرهُ فِي الْأَسْوَاق (فَقَالَ سُفْيَان هِيَ كَمَا جَاءَت نقر بهَا ونحدث بهَا بِلَا كَيفَ ... وَانْظُر إِلَى قَول ابْن زيد ذَاك حَمَّاد وَحَمَّاد الإِمَام الثَّانِي ... حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم الْأَزْدِيّ الْجَهْضَمِي أَبُو إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ مولى آل جرير بن حَازِم وَكَانَ جده دِرْهَم من سبي سجستان روى عَن أنس ابْن سِيرِين وثابت الْبنانِيّ وَحميد الطَّوِيل وَأبي حَازِم مسلمة بن دِينَار وَعَمْرو بن دِينَار وَأبي جَمْرَة نصر بن عمرَان الضبعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَهَؤُلَاء كلهم تابعيون فِي جمَاعَة آخَرين وَعنهُ الْأسود بن عَامر شَاذان وَسَعِيد بن مَنْصُور وسُفْيَان الثَّوْريّ وَهُوَ أكبر مِنْهُ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَهُوَ من أقرانه وَعبد الله بن مبارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَعبد الله بن وهب وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَعلي بن الْمَدِينِيّ ووكيع والهيثم بن سُهَيْل التسترِي وَهُوَ آخر من روى عَنهُ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَئِمَّة النَّاس فِي زمانهم أَرْبَعَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي الْكُوفَة وَمَالك للحجاز والأوازعي بِالشَّام وَحَمَّاد بن زيد بِالْبَصْرَةِ وَقَالَ لم أر أحدا قطّ أعلم بِالسنةِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي يدْخل فِي السّنة من حَمَّاد بن زيد وَقَالَ مرّة مَا رَأَيْت بِالْبَصْرَةِ أفقه مِنْهُ وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل حَمَّاد بن زيد احب إِلَيْنَا من عبد الْوَارِث حَمَّاد بن زيد من أَئِمَّة الْمُسلمين من أهل الدّين وَالْإِسْلَام وهوأحب إِلَيّ من حَمَّاد بن سَلمَة وفال أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ سَمِعت أَبَا عَاصِم يَقُول مَاتَ حَمَّاد بن زيد يَوْم مَاتَ ولاأعلم لَهُ فِي الْإِسْلَام نظيرا فِيمَا أَظُنهُ قَالَ وسمعته وَكَانَ عبد الله بن الْمُبَارك ينشد ... أَيهَا الطَّالِب علما إئت حَمَّاد بن زيد ... فَخذ الْعلم بحلم ثمَّ قَيده بِقَيْد ... لَا كثور وكجهم وكعمرو بن عبيد ... مَاتَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة قَالَه جمَاعَة مِنْهُم عَارِم وَالْفَلَّاس زَاد عَارِم يَوْم الْجُمُعَة لعشر لَيَال خلون من رَمَضَان روى لَهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة قَالَ عبد الرَّحْمَن ابْن أبي حَاتِم الرَّازِيّ الْحَافِظ فِي كتاب (الرَّد على الْجَهْمِية ثَنَا أبي ثَنَا سُلَيْمَان بن حَرْب سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول إِنَّمَا يدورون على أَن يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاء إِلَه يعْنى الْجَهْمِية قَوْله وَحَمَّاد الإِمَام الثَّانِي وَهُوَ حَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار الإِمَام الْعَالم أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ عَن أبي عمرَان الْجونِي وثابت وَابْن مليك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَعبد الله بن كثير وَخلق وَعنهُ مَالك وَشعْبَة وسُفْيَان وَابْن مهْدي وعارم وَعَفَّان وأمم وَكَانَ ثِقَة لَهُ أَوْهَام قَالَ أَحْمد هُوَ أعلم النَّاس بِحَدِيث خَاله حميد الطَّوِيل وأثبتهم فِيهِ وَقَالَ ابْن معِين هُوَ أعلم النَّاس بِثَابِت وَقَالَ آخر إِذا رَأَيْت الرجل يَقع فِي حَمَّاد فاتهمه على الْإِسْلَام قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ كَانَ عِنْد يحيى بن الضَّرِير عَن حَمَّاد عشرَة آلَاف حَدِيث وَقَالَ عَمْرو بن سَلمَة كتبت عَن حَمَّاد بن سَلمَة بضعَة عشرَة الف حَدِيث وَقَالَ ابْن الْمُبَارك مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أشبه بِمَالك الأول من حَمَّاد بن زيد وروى الكوسج عَن ابْن معِين ثِقَة وَقَالَ آخر كَانَ من الابدال وعلامة الْإِبْدَال أَن لَا يُولد لَهُم تزوج سبعين إمرأة فَلم يُولد لَهُ قَالَ أَبُو عَمْرو الْجرْمِي مَا رايت فَقِيها قطّ أفْصح من عبد الوارث إِلَّا حَمَّاد ابْن سَلمَة وَقَالَ عَفَّان رَأَيْت من هُوَ أعبد من حَمَّاد لَكِن مَا رايت أَشد مواظبة على الْخَيْر وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالْعَمَل لله مِنْهُ وَلَو قلت إِنَّنِي مَا رايتهضاحكا قطّ صدقت كَانَ مَشْغُولًا بِنَفسِهِ إِمَّا يقْرَأ أَو يسبح أَو يحدث أَو يُصَلِّي وَقَالَ ابْن مهْدي لَو قيل لحماد إِنَّك تَمُوت غَدا مَا قدر أَن يزِيد فِي عمله شَيْئا وَقَالَ يُونُس الْمُؤَدب مَاتَ حَمَّاد فِي الْمَسْجِد وَهُوَ يُصَلِّي وَقَالَ ابْن حبَان لم ينصف من جَانب حَدِيث حَمَّاد وَاحْتج بِأبي بكر ابْن عَيَّاش وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار وَكَانَ خزازا من الْعباد المجابي الدعْوَة وَقَالَ وهيب كَانَ حَمَّاد بن سَلمَة سيدنَا وَأَعْلَمنَا وَقَالَ عَفَّان اخْتلف اصحابنا فِي سعيد بن أبي عرُوبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة فصرنا إِلَى خَالِد بن الْحَارِث فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ حَمَّاد احسنهما حَدِيثا وأثبتهما لُزُوما للسّنة فرجعنا إِلَى يحيى الْقطَّان فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ أقَال لكم وأحفظهما قُلْنَا لَا وَقَالَ أَحْمد وَيحيى ثِقَة وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 سمعتموه يتَكَلَّم فِي حَمَّاد فاتهموه وَقَالَ رجل لعفان أحَدثك عَن حَمَّاد قَالَ من حَمَّاد وَيلك قَالَ ابْن سَلمَة قَالَ أَلا تَقول امير الْمُؤمنِينَ مَاتَ حَمَّاد رَحمَه الله تَعَالَى سنة 167 سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة انْتهى مُلَخصا من (الْمِيزَان (للذهبي رَحمَه الله تَعَالَى ... وَانْظُر إِلَى مَا قَالَه علم الْهدى عُثْمَان ذَاك الدِّرَامِي الرباني ... فِي نقضه وَالرَّدّ يَا لَهما كتا با سنة وهما لنا علمَان ... هدمت قَوَاعِد فرقة جهمية خرت سقوفهم على الْحِيطَان ... أَي وَانْظُر إِلَى مَا قَالَه الإِمَام الْعَلامَة عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى (رد عُثْمَان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فِيمَا افترى على الله فِي التَّوْحِيد (وَكتاب (الرَّد على الْجَهْمِية (فَإِنَّهُمَا كِتَابَانِ حافلان بِنَقْض شُبُهَات الْجَهْمِية وقمع اضاليلهم وَقطع أباطيلهم فرحمه الله من إِمَام ... وَانْظُر إِلَى مَا فِي صَحِيح مُحَمَّد ذَاك البُخَارِيّ الْعَظِيم الشان ... من رده مَا قَالَه الجهمي بِالنَّقْلِ الصَّحِيح الْوَاضِح الْبُرْهَان وَانْظُر إِلَى تِلْكَ التراجم مَا الَّذِي ... فِي ضمنهَا إِن كنت ذَا عرفان وَانْظُر إِلَى مَا قَالَه الطَّبَرِيّ فِي الشَّرْح الَّذِي هوعندكم سفران ... أَعنِي الْفَقِيه الشَّافِعِي اللا لكائي المسدد نَاصِر الْإِيمَان ... أَي وَانْظُر إِلَى مَا قَالَه أبوالقاسم هبة الله بن الْحسن اللالكائي الطَّبَرِيّ فِي كتاب (شرح إعتقاد اهل السّنة (وَهُوَ مُجَلد ضخم قَالَ الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْحسن الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي مُصَنف كتاب (شرح إعتقاد أهل السّنة (سِيَاق مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَإِن الله على عَرْشه قَالَ الله عز وَجل {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} فاطر 10 وَقَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء} الْملك 16 وَقَالَ {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} الْأَنْعَام 18 61 فدلت هَذِه الايات أَنه فِي السَّمَاء وَعلمه بِكُل مَكَان رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة وَمن التَّابِعين ربيعَة وَسليمَان التَّيْمِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَبِه قَالَ مَالك وَالثَّوْري وَأحمد ... وَانْظُر الى مَا قَالَه علم الْهدى التميي فِي ايضاح وَبَيَان ... ذَاك الَّذِي هُوَ صَاحب التَّرْغِيب والترهيب ممدوح بِكُل لِسَان قَالَ الامام الْحَافِظ ابو الْقَاسِم اسماعيل بن مُحَمَّد بن الْفضل التَّيْمِيّ الطلحي الاصبهاني مُصَنف (التَّرْغِيب والترهيب (وَقد سُئِلَ عَن صِفَات الرب فَقَالَ مَذْهَب مَالك وَالثَّوْري والاوزاعي وَالشَّافِعِيّ وَحَمَّاد ابْن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد وَأحمد وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي واسحاق بن رَاهَوَيْه ان صِفَات الله الَّتِي وصف بهَا نَفسه اَوْ وَصفه بهَا رَسُوله من السّمع وَالْبَصَر وَالْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَسَائِر أَوْصَافه إِنَّمَا هِيَ على ظَاهرهَا الْمَعْرُوف الْمَشْهُور من غير كَيفَ يتَوَهَّم فِيهَا وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَأْوِيل قَالَ ابْن عُيَيْنَة كل شَيْء وصف الله بِهِ نَفسه فقراءته تَفْسِيره ثمَّ قَالَ أَي هُوَ على ظَاهره لَا يجوز صرفه الى الْمجَاز بِنَوْع من التَّأْوِيل وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (الْحجَّة (قَالَ عُلَمَاء السّنة إِن الله عز وَجل على عَرْشه بَائِن من خلقه وَقَالَت الْمُعْتَزلَة وَهُوَ بِذَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فِي كل مَكَان قَالَ وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة 7 قَالَ هُوَ على عَرْشه وَعلمه فِي كل مَكَان قَالَ وَزعم هَؤُلَاءِ أَن معنى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 25 أَي ملكه وَأَنه لَا اخْتِصَاص لَهُ بالعرش أَكثر مِمَّا لَهُ بالأمكنة وَهَذَا إِلْغَاء لتخصيص الْعَرْش وتشريفه قَالَ أهل السّنة اسْتَوَى على الْعَرْش وَبعد خلق السَّمَوَات والارض على مَا ورد بِهِ النَّص وَلَيْسَ مَعْنَاهُ المماسة بل هُوَ مستو على عَرْشه بِلَا كَيفَ كَمَا أخبر عَن نَفسه قَالَ وَزعم هَؤُلَاءِ أَنه لَا يجوز الاشارة الى الله بالرؤوس والاصابع الى فَوق فان ذَلِك يُوجب التَّحْدِيد وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَن الله هُوَ الْعلي الاعلى ونطق بذلك الْقُرْآن فَزعم هَؤُلَاءِ أَن ذَلِك بِمَعْنى علو الْغَلَبَة لَا علو الذَّات وَعند الْمُسلمين أَن لله علو الْغَلَبَة والعلو من سَائِر وُجُوه الْعُلُوّ لِأَن صفة الْعُلُوّ صفة مدح فَثَبت أَن لله تَعَالَى علو الذَّات وعلو الصِّفَات وعلو الْقَهْر وَالْغَلَبَة وَفِي مَنعهم الاشارة الى الله من جِهَة الفوق خلاف لسَائِر الْملَل لَان الْمُسلمين وَقع مِنْهُم الاجماع على الاشارة الى الله من جِهَة الفوق فِي الدُّعَاء وَالسُّؤَال واتفاقهم بأجمعهم على ذَلِك حجَّة وَقد أخبر عَن فِرْعَوْن أَنه قَالَ {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 36 37 فَكَانَ فِرْعَوْن قد فهم عَن مُوسَى أَنه كَانَ يثبت إِلَهًا فَوق السَّمَاء حَتَّى رام بصرحه أَن يطلع اليه واتهم مُوسَى بِالْكَذِبِ فِي ذَلِك والجهمية لَا تعلم أَن الله فَوْقهَا بِوُجُود ذَاته فهم أعجز فهما من فِرْعَوْن بل اضل وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حكم بايمان الْجَارِيَة حِين قَالَت إِن الله فِي السَّمَاء وَحكم الجهمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 زم يكفر من يَقُول ذَلِك انْتهى كَلَام أبي الْقَاسِم رَحمَه الله تَعَالَى توفّي سنة 535 قَالَ النَّاظِم ... وَانْظُر الى مَا قَالَه فِي السّنة الْكُبْرَى سُلَيْمَان هُوَ الطَّبَرَانِيّ ... صنف الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد بن أَيُّوب اللَّخْمِيّ الشَّامي نزيل أَصْبَهَان كتاب (السّنة (قَالَ فِيهِ بَاب مَا جَاءَ فِي اسْتِوَاء الله على عَرْشه بَائِن من خلقه فساق فِي الْبَاب حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ قلت يَا رَسُول الله أَيْن كَانَ رَبنَا وَحَدِيث عبد الله بن خَليفَة عَن عمر فِي علو الرب على عَرْشه وَحَدِيث الاوعال وأ الْعَرْش على ظهورهن وَأَن الله فَوْقه وَقَول مُجَاهِد فِي الْمقَام الْمَحْمُود توفّي رَحمَه الله سنة 360 سِتِّينَ وثلاثمائة رَحمَه الله تَعَالَى ... وَانْظُر الى مَا قَالَه شيخ الْهدى ... يدعى بطلمنكيهم ذُو شان ... قَالَ الْحَافِظ الامام أَبُو عمر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الاندلسي الطلمنكي الْمَالِكِي فِي كتاب (الْوُصُول الى معرفَة الاصول (وَهُوَ مجلدان أجمع الْمُسلمُونَ من أهل السّنة على أَن معنى قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم} الْحَدِيد 4 وَنَحْو ذَلِك من الْقُرْآن انه علمه وان الله تَعَالَى فَوق السَّمَوَات بِذَاتِهِ مستو على عَرْشه كَيفَ شَاءَ وَقَالَ أهل السّنة فِي قَوْله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 إِن الاسْتوَاء من الله على عَرْشه على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز فقد قَالَ قوم من الْمُعْتَزلَة والجهمية لَا يجوز أَن يُسمى الله عز وَجل بِهَذِهِ الاسماء على الْحَقِيقَة وَيُسمى بهَا الْمَخْلُوق فنفوا عَن الله الحقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وأيقنوا أَنه كَلَام الله بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بمخلوق فَمن سَمعه وَزعم أَنه كَلَام الْبشر فقد كفر والرؤية لأهل الْجنَّة حق بِغَيْر احاطة وَلَا كَيْفيَّة وكل مَا فِي ذَلِك من الصَّحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَعْنَاهُ على مَا أَرَادَ لَا ندخل فِي ذَلِك متأولين بآرائنا وَلَا يثبت قدم الاسلام الا على التَّسْلِيم والاستسلام فَمن رام مَا حظر عَنهُ علمه وَلم يقنع بِالتَّسْلِيمِ فهمه حجبه مرامه عَن خَالص التَّوْحِيد وصحيح الايمان وَمن لم يتوق النَّفْي والتشبيه زل وَلم يصب التَّنْزِيه الى ان قَالَ وَالْعرش والكرسي حق كَمَا بَين فِي كِتَابه وَهُوَ مستغن عَن الْعَرْش وَمَا دونه مُحِيط بِكُل شَيْء وفوقه انْتهى ... وَكَذَلِكَ القَاضِي ابو بكر هُوَ ابْن الباقلاني قَائِد الفرسان ... قد قَالَ فِي تمهيده ورسائل وَالشَّرْح مَا فِيهِ جلي بَيَان ... فِي بَعْضهَا حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى لكنه استولى على الاكوان ... وأتى بتقرير الْعُلُوّ وأبطل اللَّام الَّتِي زيدت على الْقُرْآن من أوجه شَتَّى وَذَا فِي كتبه ... باد لمن كَانَت لَهُ عينان ... قَالَ القَاضِي ابو بكر مُحَمَّد بن الطّيب الباقلاني الاشعري فِي كِتَابه (التَّمْهِيد فِي أصُول الدّين (وَهُوَ من أشهر كتبه فا ن قَالَ قَائِل فَهَل تَقولُونَ إِنَّه فِي كل مَكَان قيل معَاذ الله بل هُوَ مستو على عَرْشه كَمَا أخبر فِي كِتَابه فَقَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 وَقَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} الْملك 16 وَلَو كَانَ فِي كل مَكَان لَكَانَ فِي جَوف الانسان وف فَمه وَفِي الحشوش والمواضع القذره الَّتِي يرغب عَن ذكرهَا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا ثمَّ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} الزخرف 84 المُرَاد انه إِلَه عِنْد أهل السَّمَاء وأله عِنْد أهل الارض كَمَا يُقَال فلَان سيد مُطَاع فِي المصرين أَي عِنْد أَهلهَا وَلَيْسَ يعنون أَن ذَات الْمَذْكُور بالحجاز وبالعراق مَوْجُودَة وَقَوله {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} النَّحْل 128 يَعْنِي بِالْحِفْظِ والنصر والتأييد وَلم يرد أَن ذَاته مَعَهم تَعَالَى وَقَوله {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} طه 46 مَحْمُول على هَذَا التَّأْوِيل وَقَوله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة 7 إِنَّه عَالم بهم وَبِمَا خَفِي من سرهم ونجواهم وَهَذَا انما يسْتَعْمل كَمَا ورد بِهِ الْقُرْآن فَلَا يجوز أَن يُقَال قِيَاسا على هَذَا إِن الله بالقيروان ومدينة السَّلَام ودمشق وَإنَّهُ مَعَ الثور وَالْحمار وَإنَّهُ مَعَ الْفُسَّاق وَمَعَ المصعدين الى حلوان قِيَاسا على قَوْله {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} النَّحْل 128 فَوَجَبَ التَّأْوِيل على مَا وَصفنَا وَلَا يجوز أَن يكون معنى استوائه على الْعَرْش هُوَ استيلاؤه كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق ... لَان الِاسْتِيلَاء هُوَ الْقُدْرَة والقهر وَالله تَعَالَى لم يزل قَادِرًا قاهرا وَقَوله {ثمَّ اسْتَوَى} يَقْتَضِي استفتاح هَذَا الْوَصْف بعد أَن لم يكن فَبَطل مَا قَالُوهُ وَقَالَ فِي كتاب (الذب عَن أبي الْحسن الاشعري (كَذَلِك قَوْلنَا فِي جَمِيع الْمَرْوِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فس صِفَات الله إِذا صَحَّ من اثبات الْيَدَيْنِ وَالْوَجْه والعينين ونقول إِنَّه يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلل من الْغَمَام وَإنَّهُ ينزل الى السَّمَاء الدُّنْيَا وانه مستو على عَرْشه الى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 قَالَ وَقد بَينا دين الائمة وَأهل السّنة ان هَذِه الصِّفَات تمر كَمَا جَاءَت بِغَيْر تكييف وَلَا تَحْدِيد وَلَا تجنيس وَلَا تَصْوِير كَمَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَعَن مَالك فِي الاسْتوَاء فَمن تجَاوز هَذَا فقد تعدى وابتدع وضل قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فَهَذَا نفس هَذَا الامام وَأَيْنَ مثله فِي تبحره وذكائه وبصره بالملل والنحل فَلَقَد امْتَلَأَ الْوُجُود بِقوم لَا يَدْرُونَ مَا السّلف وَلَا يعْرفُونَ الا السَّلب وَنفي الصِّفَات وردهَا صم بكم غنم عجم يدعونَ الى الْعقل وَلَا يكونُونَ على النَّقْل فانا لله وانا اليه لااجعون مَاتَ القَاضِي أَبُو بكر رَحمَه الله فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ فِي عشر السّبْعين وَقد سَارَتْ بمصنفاته الركْبَان ... وَانْظُر الى قَول ابْن كلاب وَمَا يقْضِي بِهِ لمعطل الرَّحْمَن ... أخرج من النَّقْل الصَّحِيح وعقله من قَالَ قَول الزُّور والبهتان ... لَيْسَ الاله بداخل فِي خلقه أَو خَارج من جملَة الاكوان ... قد تقدم نقل كَلَام ابْن كلاب بِمَا يُغني عَن الاعادة ... وَانْظُر الى مَا قَالَه الطَّبَرِيّ فِي التَّفْسِير والتهذيب قَول معَان ... وَانْظُر الى مَا قَالَه فِي سُورَة الاعراف مَعَ طه وَمَعَ سُبْحَانَ ... أَي وَانْظُر الى مَا قَالَه الامام أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي (تَفْسِيره (وَفِي (تَهْذِيب الْآثَار (قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (أخبرنَا ابو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أنبأ زين الامناء الْحسن بن مُحَمَّد أنبأ أَبُو الْقَاسِم الاسدي أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم ابْن أبي الْعَلَاء أنبأ عبد الرَّحْمَن ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 أبي نصر أنبأ أَبُو سعيد الدينَوَرِي مستملي مُحَمَّد بن جرير قَالَ قرى على أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وانا أسمع فِي عقيدته قَالَ وَحسب امرىء أَن يعلم أَن ربه هُوَ الَّذِي على الْعَرْش اسْتَوَى فَمن تجَاوز ذَلِك فقد خَابَ وخسر انْتهى (تَفْسِير ابْن جرير (مشحون بأقوال السّلف على الاثبات نقل فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} الْبَقَرَة 29 عَن الرّبيع بن أنس {اسْتَوَى} بِمَعْنى ارْتَفع وَنقل فِي تَفْسِير {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الاعراف 54 فِي الْمَوَاضِع كلهَا أَي علا وارتفع وَقد روى قَول مُجَاهِد ثمَّ قَالَ لَيْسَ فِي فرق الاسلام من يُنكر هَذَا لَا من يقر أَن الله فَوق الْعَرْش وَلَا من يُنكره من الْجَهْمِية وَنَحْوهم وَقَالَ فِي كتاب (التبصير فِي معالم الدّين (القَوْل فِيمَا أدْرك علمه من الصِّفَات خَبرا وَذَلِكَ نَحْو إخْبَاره عز وَجل انه سميع بَصِير وَأَن لَهُ يدين بقوله {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة 64 وَأَن لَهُ وَجها بقوله {وَيبقى وَجه رَبك} الرَّحْمَن 27 وان لَهُ قدما بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَتَّى يضع الرب فِيهَا قدمه (وَأَنه يضْحك بقوله (لَقِي الله وَهُوَ يضْحك إِلَيْهِ (وَأَنه يهْبط الى سَمَاء الدُّنْيَا لخَبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَأَن لَهُ أصبعا بقول رَسُوله (مَا من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن (فان هَذِه الْمعَانِي الَّتِي وصفت ونظائرها مِمَّا وصف الله بِهِ نَفسه وَرَسُوله مَا لَا يثبت حَقِيقَة علمه بالفكر والروية لَا نكفر بِالْجَهْلِ بهَا أحدا الا بعد انتهائها اليه أخرج هَذَا الْكَلَام لِابْنِ جرير القَاضِي أَبُو يعلى فِي كتاب (إبِْطَال التَّأْوِيل (لَهُ وَقَالَ فِي قَوْله عز وَجل {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 36 37 يَقُول وَإِنِّي لاظن مُوسَى كَاذِبًا فِيمَا يَقُول وَيَدعِي أَن لَهُ رَبًّا فِي السَّمَاء ارسله الينا توفّي ابْن جرير رَحمَه الله سنة 310 عشر وثلاثمائة ... وَانْظُر الى مَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره وَالشَّرْح يالاحسان ... فِي سُورَة الاعراف عِنْد الاستوا فِيهَا وَفِي الاولى من الْقُرْآن ... قَالَ الامام محيي السّنة أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الاعراف 54 قَالَ الْكَلْبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَمُقَاتِل اسْتَقر وَقَالَ ابو عُبَيْدَة صعد وأولت الْمُعْتَزلَة الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَأما أهل السّنة فَيَقُولُونَ الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة لله بِلَا كَيفَ يجب الايمان بِهِ وَقَالَ فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} الْبَقَرَة 29 قَالَ ابْن عَبَّاس وَأكْثر مفسري السّلف ارْتَفع الى السَّمَاء وَقَالَ فِي قَوْله {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} الْبَقَرَة 210 الاولى فِي هَذِه الاية وَمَا شاكلها أَن يُؤمن الانسان بظاهرها ويكل علمهَا الى الله ويعتقد أَن الله منزه عَن سمات الْحَدث على ذَلِك مَضَت السّلف وعلماء السّنة وَقَالَ فِي قَوْله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة 7 أَي من سرار ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم بِالْعلمِ كَانَ محيي السّنة من كبار أَئِمَّة مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَهُوَ الْحُسَيْن بن مَسْعُود ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْبَغَوِيّ صَاحب (التَّفْسِير (و (شرح السّنة (و (التَّهْذِيب (فِي الْفِقْه و (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ (و (المصابيح (فِي الصِّحَاح والحسان وَغير ذَلِك تفقه على القَاضِي حُسَيْن وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم وَكَانَ عَلامَة زَمَانه فِيهَا وَكَانَ دينا ورعا زاهدا عابدا صَالحا توفّي فِي شَوَّال سنة 516 سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَقيل سنة عشر ... وَانْظُر الى مَا قَالَه ذُو سنة ... وَقِرَاءَة ذَاك الامام الداني ... قَالَ الْحَافِظ امام الْقُرَّاء أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن سعيد الداني صَاحب (التَّيْسِير (فِي أرجوزته الَّتِي فِي عُقُود الدّيانَة ... كلم مُوسَى عَبده تكليما وَلم يزل مُدبرا حكيما ... كَلَامه وَقَوله قديم وَهُوَ فَوق عشره عَظِيم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 .. وَالْقَوْل فِي كِتَابه الْمفضل بِأَنَّهُ كَلَامه الْمنزل ... على رَسُوله النَّبِي الصَّادِق لَيْسَ بمخلوق وَلَا بخالق ... توفّي الداني رَحمَه الله فِي شَوَّال سنة 444 أَربع واربعين وَأَرْبَعمِائَة ب (دانية (من الاندلس وَمَشى السُّلْطَان أَمَام نعشه ... وكذاك سنة الاصبهاني أبي الشَّيْخ الرضى المستل من حَيَّان ... قَالَ مُحدث أَصْبَهَان مَعَ الطَّبَرَانِيّ أَبُو مُحَمَّد ابْن حَيَّان رَحمَه الله فِي كتاب (العظمة (لَهُ ذكر عرش الرب تبَارك وَتَعَالَى وكرسيه وَعظم خلقهما وعلو الرب فَوق عَرْشه ثمَّ سَاق جملَة من الاحاديث فِي ذَلِك أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان الانصاري صَاحب المصنفات السائرة وَيعرف بِأبي الشَّيْخ ولد سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وهلم جرا وَكتب العالي والنازل وَلَقي الْكِبَار وَسمع من جده لامه الزَّاهِد مَحْمُود بن الْفرج وابراهيم بن سَعْدَان وَمُحَمّد بن عبد الله بن الْحسن بن حَفْص الْهَمدَانِي رَئِيس أَصْبَهَان وَأبي بكر ابْن أبي عَاصِم وَأبي يعلي الْموصِلِي وَأبي عرُوبَة الْحَرَّانِي وَكَانَ مَعَ سَعَة علمه وغزارة حفظه صَالحا خيرا قَانِتًا لله صَدُوقًا حدث عَنهُ أَبُو بكر أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشِّيرَازِيّ وَأَبُو بكر ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو سعيد الْمَالِينِي وَأَبُو نعيم وَالْفضل بن مُحَمَّد القاشاني وَأَبُو طَاهِر بن عبد الرَّحِيم الْكَاتِب وَخلق كثير قَالَ ابْن مرْدَوَيْه ثِقَة مَأْمُون صنف (التَّفْسِير (والكتب الْكَثِيرَة فِي الاحكام وَغير ذَلِك وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب كَانَ حَافِظًا ثبتا متقنا وَرُوِيَ عَن بعض الْعلمَاء قَالَ مَا دخلت على الطَّبَرَانِيّ الا وَهُوَ يمزح أَو يضْحك وَمَا دخلت على ابي الشَّيْخ الا وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ ابو نعيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 كَانَ أحد الاعلام صنف (الاحكام (و (التَّفْسِير (وَكَانَ يُفِيد عَن الشُّيُوخ ويصنف لَهُم سِتِّينَ سنة وَكَانَ ثِقَة قَالَ الذَّهَبِيّ وَله كتاب (السّنة (وَكتاب (فَضَائِل الاعمال (و (السّنة الْكَبِير (وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث رفيع الاسناد توفّي سنة 369 تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ فِي عشر الْمِائَة ... وَانْظُر مَا قَالَه ابْن سُرَيج ذَاك الْبَحْر الخضم الشَّافِعِي الثَّانِي ... سُرَيج بِضَم السِّين وَفتح الرَّاء وَبعدهَا يَاء ثمَّ جِيم وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن سُرَيج فَقِيه الْعرَاق قَالَ أَبُو الْقَاسِم سعد بن عَليّ الزنجاني سَأَلت أيدك الله بَيَان مَا صَحَّ لدي من مَذْهَب السّلف وصالحى الْخلف فِي الصِّفَات فاستخرج فاستخرت الله تَعَالَى وأجبت بِجَوَاب الْفَقِيه أَحْمد بن عمر بن سُرَيج رَحمَه الله وَقد سُئِلَ عَن هَذَا ذكره ابو سعيد عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الْفَقِيه قَالَ سَمِعت بعض شويخنا يَقُول سُئِلَ ابْن سُرَيج رَحمَه الله عَن صِفَات الله تَعَالَى فَقَالَ حرَام على الْعُقُول أَن تمثل الله وعَلى الاوهام أَن تحده وعَلى الالباب أتصفه الا بِمَا وصف بِهِ نَفسه فِي كِتَابه اَوْ على لِسَان رَسُوله وَقد صَحَّ عِنْد جَمِيع أهل الدّيانَة وَالسّنة الى زَمَاننَا هَذَا أَن جَمِيع الْآي والاخبار الصادقة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجب على الْمُسلمين الايمان بِكُل وَاحِد مِنْهُ كَمَا ورد وَأَن السُّؤَال عَن مَعَانِيهَا بِدعَة وَالْجَوَاب كفر وزندقة مثل قَوْله {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة 210 وَقَوله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 ونظائرها مِمَّا نظق بِهِ الْقُرْآن كَا لفوقية وَالنَّفس وَالْيَدَيْنِ والسمع وَالْبَصَر وصعود الْكَلم اليه والضحك والتعجب وَالنُّزُول الى أَن قَالَ اعتقادنا فِيهِ وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْآي الْمُتَشَابه فِي الْقُرْآن ان نقبلها وَلَا نردها وَلَا نتأولها بِتَأْوِيل الْمُخَالفين وَلَا نحملها على تَشْبِيه المشبهين وَلَا نترجم عَن صِفَاته بلغَة غير الْعَرَبيَّة ونسلم الْخَبَر الظَّاهِر وَالْآيَة الظَّاهِر تنزيلها كَانَ ابْن سُرَيج اليه الْمُنْتَهى فِي معرفَة الْمَذْهَب بِحَيْثُ انه كَانَ (يفضل) على جَمِيع أَصْحَاب الشَّافِعِي حَتَّى على الْمُزنِيّ قَالَ الامام أَبُو اسحاق صَاحب (التَّنْبِيه (سَمِعت أَبَا الْحسن الشيرجي يَقُول إِن فهرست كتب أبي الْعَبَّاس تشْتَمل على أَرْبَعمِائَة مُصَنف وَكَانَ الْعَلامَة أَبُو حَامِد الاسفراييني يَقُول نَحن نجري مَعَ أبي الْعَبَّاس فِي ظواهر الْفِقْه دون الدقاق توفّي سنة 306 سِتّ وثلاثمائة رَحمَه الله تَعَالَى ... وَانْظُر الى مَا قَالَه علم الْهدى ... أَعنِي أَبَا الْخَيْر الرضى النُّعْمَان وَكتابه فِي الْفِقْه وَهُوَ بَيَانه ... يُبْدِي مكانته من الايمان ... قَالَ النَّاظِم فِي (الجيوش الاسلامية (لَهُ كتاب لطيف فِي السّنة على مَذْهَب أهل الحَدِيث صرح فِيهِ فِي مَسْأَلَة الْفَوْقِيَّة والعول والاستواء حَقِيقَة وَتكلم الله عز وَجل بِهَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ المسموع بالآذان حَقِيقَة وَأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام سَمعه من الله سُبْحَانَهُ حَقِيقَة وَصرح فِيهِ باثبات الصِّفَات الخبرية وَاحْتج لذَلِك وَنَصره وَصرح بمخالفة الْجَهْمِية والنفاة ... وَانْظُر الى السّنَن الَّتِي قد صنف الْعلمَاء بالآثار وَالْقُرْآن ... زَادَت على الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا مُفْرد أوفى من الْخمسين فِي الحسبان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 .. مِنْهَا لاحمد عدَّة مَوْجُودَة فِينَا رسائله الى الاخوان ... واللائي فِي ضمن التصانيف الَّتِي شهرت فَلم تحتج الى حسبان ... فكثيرة جدا فَمن يَك رَاغِبًا فِيهَا يجد فِيهَا هدى الْحَيَوَان ... أَصْحَابهَا هم حافظو الاسلام لَا أَصْحَاب جهم حافظو الكفران ... وهم النُّجُوم لكل عبد سَائِر يَبْغِي الاله وجنة الْحَيَوَان ... وسواهم وَالله قطاع الطَّرِيق أَئِمَّة تَدْعُو الى النيرَان مَا فِي الَّذين حكيت عَنْهُم آنِفا ... من حنبلي وَاحِد بِضَمَان بل كلهم وَالله شيعَة أَحْمد ... فأصوله وأصولهم سيان ... أَقُول فِي كَلَامه نظر فان عبد الله ابْن أبي دَاوُد والاثرم والخلال وَعبد الله ابْن الامام أَحْمد وَحرب الْكرْمَانِي كلهم معدودون من الْحَنَابِلَة والاصحاب يذكرونهم فِي (طَبَقَات الْحَنَابِلَة (وَهُوَ رحة الله قد حكى كَلَام الْمَذْكُورين وَهَؤُلَاء وان لم يَكُونُوا متبعين للامام أَحْمد على سَبِيل التَّقْلِيد الصّرْف فهم يعدون فِي الْحَنَابِلَة وَالله أعلم قَوْله ... مِنْهَا لاحمد عدَّة مَوْجُودَة ... فِينَا رسائله الى الاخوان ... مِنْهَا رسَالَته الى مُسَدّد بن مسرهد وَغَيرهَا وَهِي مَذْكُورَة فِي (مَنَاقِب الامام أَحْمد (لِابْنِ الْجَوْزِيّ ... وبذاك فِي كتب لَهُم قد صَرَّحُوا ... وأخو العماية مَاله عينان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 أتظنهم لفظية جهلية مثل الْحمير تقاد بالارسان ... حاشوهم من ذَاك بل وَالله هم أهل الْعُقُول وَصِحَّة الاذهان ... فَانْظُر الى تقريرهم لعلوه بِالنَّقْلِ والمعقول والبرهان ... عقلان عقل بالنصوص مؤيد ومؤيد بالمنظق اليونان ... وَالله مَا اسْتَويَا وَلنْ يتلاقيا حَتَّى تشيب مفارق الْغرْبَان ... أفتقذفون أولاء بل أضعافهم من سادة الْعلمَاء كل زمَان ... بِالْجَهْلِ والتشبيه والتجسيم والتبديع والتضليل والبهتان يَا قَومنَا الله فِي إسلامكم ... لَا تفسدوه بنخوة الشَّيْطَان يَا قَومنَا اعتبروا بمصرع من خلا ... من قبلكُمْ فِي هَذِه الازمان لم يغن عَنْهُم كذبهمْ ومحالهم ... وقتالهم بالزور والبهتان كلا وَلَا التَّدْلِيس والتلبيس عِنْد النَّاس والحكام وَالسُّلْطَان ... وبدا لَهُم عِنْد انكشاف غطائهم مَا لم يكن للْقَوْم فِي حسبان ... وبدا لَهُم عَن انكشاف حقائق ال ايمان أَنهم على البظلان ... مَا عِنْدهم وَالله غير شكاية فَأتوا بِعلم وانطقوا بِبَيَان ... مَا يشتكي الا الَّذِي هُوَ عَاجز فاشكوا لنعذركم الى الْقُرْآن ... ثمَّ اسمعوا مَاذَا الَّذِي يقْضِي لكم وَعَلَيْكُم فَالْحق فِي الْفرْقَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 .. لبستم معنى النُّصُوص وَقَوْلنَا فغدا لكم للحق تلبيسان ... من حرف النَّص الصَّرِيح فَكيف لَا يَأْتِي بتحريف على الانسان ... يَا قوم وَالله الْعَظِيم أساتم بأئمة الاسلام ظن الشان ... مَا ذنبهم ونبيهم قد قَالَ مَا قَالُوا كَذَاك منزل الْفرْقَان ... مَا الذَّنب الا للنصوص لديكم إِذْ جسمت بل شبهت صنفان ... مَا ذَنْب من قد قَالَ مَا نطقت بِهِ من غير تَحْرِيف وَلَا عدوان ... هَذَا كَمَا قَالَ الْخَبيث لصحبه كلب الروافض أَخبث الْحَيَوَان ... لما أفاضوا فِي حَدِيث الرَّفْض عِنْد الْقَبْر لَا تخشون من إِنْسَان يَا قوم أصل بلائكم ومصابكم ... من صَاحب الْقَبْر الَّذِي تريان كم قدم ابْن أبي قُحَافَة بل غَدا ... يثني عَلَيْهِ ثَنَاء ذِي شكران وَيَقُول فِي مرض الْوَفَاة يؤمكم ... عني ابو بكر بِلَا روغان ويظل يمْنَع من إِمَامَة غَيره ... حَتَّى يرى فِي صُورَة الغضبان وَيَقُول لَو كنت الْخَلِيل لوَاحِد ... فِي النَّاس كَانَ هُوَ الْخَلِيل الداني لكنه الاخ والرفيق وصاحبي ... وَله علينا منَّة الاحسان وَيَقُول للصديق يَوْم الْغَار لَا ... تحزن فَنحْن ثَلَاثَة لَا إثنان الله ثالثنا وَتلك فَضِيلَة ... مَا حازها إِلَّا فَتى عُثْمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 يَا قوم مَا ذَنْب النواصب بعد ذَا لم يدهكم الا كَبِير الشان ... فتفرقت تِلْكَ الروافض كلهم قد أطبقت أَسْنَانه الشفتان ... وَكَذَلِكَ الجهمي ذَاك رضيعهم فهما رضيعا كفرهم بلبان ... ثَوْبَان قد نسجا على المنوال يَا عُرْيَان لَا تلبس فَمَا ثَوْبَان ... وَالله شَرّ مِنْهُمَا فهما على أهل الضَّلَالَة والشقا علمَان ... أَقُول لم أَقف على تعْيين هَذَا الرافضي الَّذِي قَالَ هَذَا القَوْل وَالْمعْنَى ان هَذَا الرافضي قَالَ لاصحابه لما أفاضوا فِي حَدِيثهمْ عِنْد الْقَبْر المكرم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا قوم أصل بلائكم ومصابكم من صَاحب هَذَا الْقَبْر لِأَنَّهُ كم قدم ابْن ابي قُحَافَة يعْنى ابا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ويثني عَلَيْهِ وَيَقُول فِي مرض مَوته يؤمكم ابو بكر وَيمْنَع من إِمَامه عمر رَضِي الله عَنهُ وَيَقُول (لَو كنت متخذا من أهل الارض (خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَيَقُول للصديق يَوْم الْغَار (لَا تحزن إِن الله مَعنا (وَتلك فَضِيلَة مَا حازها الا فَتى عُثْمَان يَعْنِي ابا بكر رَضِي الله عَنهُ فانه عبد الله بن عُثْمَان فَيَقُول ذَلِك الرافضي لاصحابه مَا ذَنْب النواصب بعد هَذَا أَي فان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي قدم أَبَا بكر فَلَا لوم على النواصب قَوْله النواصب قَالَ فِي (الْقَامُوس (النواصب والناصبة وَأهل النصب المتدينون ببغضه عَليّ رَضِي الله عَنهُ لانهم نصبوا لَهُ أَي عادوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 قَوْله ... وَكَذَلِكَ الجهمي ذَاك رضيعهم ... فهما رضيعا كفرهم بلبان ... رضع أمه كسمع وَضرب رضعا ويحرك ورضاعا ورضاعة ويكسران ورضعا ككتف امتص ثديها قَالَه فِي (الْقَامُوس (واللبان بِكَسْر اللَّام قَالَ الاعلم هُوَ للادميين وَاللَّبن لغَيرهم وَقد يكون جمع لبن فِي هَذَا الْموضع قَالَ ابْن السّكيت يُقَال هُوَ أَخُوهُ بلبان امهِ وَلَا يُقَال بِلَبن أمه انما اللَّبن الَّذِي يشرب انْتهى أَي فعلى زعم الجهمي لَا ذَنْب للمجسمة اذ قَالُوا بالنصوص الدَّالَّة على الاسْتوَاء وَالنُّزُول والمجيء وَالصِّفَات كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالْقُدْرَة والارادة والرضى والسخط وَالْحب وَغَيرهَا مِمَّا تقدم قَوْله أَبُو قُحَافَة قَالَ فِي (الْقَامُوس (وسيل) قحاف كغراب (جراف) وَبَنُو قُحَافَة بطن من خثعم وَأَبُو قُحَافَة عُثْمَان بن عَامر صَحَابِيّ وَالِد الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا فصل ... هَذَا وسابع عشرهَا أخباره سُبْحَانَهُ فِي مُحكم الْقُرْآن ... عَن عَبده مُوسَى الكليم وحربه فِرْعَوْن ذِي التَّكْذِيب والطغيان ... تَكْذِيبه مُوسَى الكليم بقوله الله رَبِّي فِي السما نباني ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 .. ... وَمن المصائب قَوْلهم إِن اعتقا د الفوق من فِرْعَوْن ذِي الكفران فاذا اعتقم ذَا فأشياع لَهُ ... أَنْتُم وَذَا من أعظم الْبُهْتَان فاسمع اذا من ذَا الَّذِي أولى بفر ... عون الْمُعَطل جَاحد الرَّحْمَن وَانْظُر الى مَا جَاءَ فِي الْقَصَص الَّتِي ... تحكي مقَال امامهم بِبَيَان ... وَالله قد جعل الضَّلَالَة قدوة بأئمة تَدْعُو الى النيرَان ... فامام كل معطل فِي نَفْيه فِرْعَوْن مَعَ نمْرُود مَعَ هامان ... طلب الصعُود الى السَّمَاء مُكَذبا مُوسَى ورام الصرح بالبنيان ... بل قَالَ مُوسَى كَاذِب فِي زَعمه فَوق السَّمَاء الرب ذُو السُّلْطَان ... فابنوا لي الصرح الرفيع لعلني أرقى اليه بحيلة الانسان ... وأظن مُوسَى كَاذِبًا فِي قَوْله الله فَوق الْعَرْش ذُو سُلْطَان ... وكذاك كذبه بِأَن الهه ناداه بالتكليم دون عيان ... هُوَ أنكر التكليم والفوقية الْعليا ... 5 كَقَوْل الجهم ذِي صَفْوَان فَمن الَّذِي أولى بفرعون اذا ... منا ومنكم بعد ذَا التِّبْيَان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل السَّابِع عشر من أَدِلَّة علو الله على خلقه وَهُوَ أَنه سُبْحَانَهُ أخبر عَن عَبده مُوسَى الكليم وعدوه فِرْعَوْن أَن فِرْعَوْن اللعين كذب مُوسَى فِي قَوْله رَبِّي فِي السَّمَاء وَأَنه بنى الصرح ورام الصعُود الى السَّمَاء وَقَالَ {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 غَافِر 36 37 فِي قَوْله إِن الله فِي السَّمَاء وَقد قَالَ ابو الْحسن الاشعري فِي (الابانة (لما ذكر بعض الآيا ت الدَّالَّة على علو الله تَعَالَى على عَرْشه قَالَ وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعَوْن {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 36 37 كذب مُوسَى فِي قَوْله إِن الله فَوق السَّمَوَات انْتهى كَلَامه قَوْله وَمن المصائب قَوْلهم إِن اعْتِقَاد الفوق من فِرْعَوْن ذِي الكفران الخ أَي من المصائب قَول النفاة إِن اعْتِقَاد الْعُلُوّ هُوَ مَذْهَب فِرْعَوْن فاذا اعتقدتموه فَأنْتم أشياع لَهُ وعَلى مذْهبه كَمَا قَالَ بَعضهم فِي تَفْسِير قَوْله {وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر 37 فِيمَا يَقُول من أَن لَهُ رَبًّا فِي السَّمَاء وَمَا قَالَ مُوسَى لَهُ ذَلِك قطّ وَلكنه لما قَالَ لَهُ {وَمَا رب الْعَالمين} الشُّعَرَاء 23 قَالَ مُوسَى {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الشُّعَرَاء 24 ظن باعتقاده الْبَاطِل أَنه لما لم ير فِي الارض أَنه فِي السَّمَاء فرام الصعُود الى السَّمَاء لرؤية إِلَه مُوسَى انْتهى ثمَّ بَين النَّاظِم وَجه أولويتهم بفرعون وَأَن مذْهبه جحد الْعُلُوّ فانه طلب الصعُود الى السَّمَاء مُكَذبا لمُوسَى ورام بِنَاء الصرح وَقَالَ أَظن مُوسَى كَاذِبًا فِي زَعمه إِن الله فَوق السَّمَاء وَكَذَلِكَ كذب فِرْعَوْن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله إِن الله تَعَالَى ناداه وَكَلمه فَكَانَ مذْهبه انكار التكليم وفوقية كَقَوْل جهم وَأَتْبَاعه فقد تبين الْآن من هُوَ أولى بفرعون وان المعطلة اولى بِهِ فِي كل حَالَة وَالله اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 قَالَ النَّاظِم ... يَا قوم وَالله الْعَظِيم لقولنا ... ألف تدل عَلَيْهِ بل أَلفَانِ عقلا ونقلا مَعَ صَرِيح الْفطْرَة ال ... أولى وذوق حلاوة الايمان كل يدل بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ... فَوق السَّمَاء مباين الاكوان أَتَرَوْنَ أَنا ناركو ذَا كُله ... لجعاجع التعطيل والهذيان يَا قوم مَا أَنْتُم على شَيْء الى أَن ترجعوا للوحي بالاذعان ... وتحكموه فِي الْجَلِيل ودقه تحكيم تَسْلِيم مَعَ الرضْوَان ... قد أقسم الله الْعَظِيم بِنَفسِهِ ... 5 قسما يبين حَقِيقَة الايمان أَن لَيْسَ يُؤمن من يكون محكما ... غير الرَّسُول الْوَاضِح الْبُرْهَان بل لَيْسَ يُؤمن غير من قد حكم الوحيين حسب فَذَاك ذُو ايمان ... هَذَا وَمَا ذَاك الْمُحكم مُؤمنا إِن كَانَ ذَا حرج وضيق بطان ... هَذَا وَلَيْسَ بِمُؤْمِن حَتَّى يسلم للَّذي يقْضِي بِهِ الوحيان يَا قوم بِاللَّه الْعَظِيم نشدتكم ... وبحرمة الايمان وَالْقُرْآن هَل حدثتكم قطّ أَنفسكُم بذا ... فَسَلُوا نفوسكم عَن الايمان لَكِن رب الْعَالمين وجنده ... وَرَسُوله الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ هم يشْهدُونَ بأنكم أَعدَاء من 5 ... ذَا شَأْنه ابدا بِكُل زمَان ... 5 ولاي شَيْء كَانَ أَحْمد خصمكم ... 5 أَعنِي ابْن حَنْبَل الرضى الشَّيْبَانِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 .. ولاي شَيْء كَانَ بعد خصومكم أهل الحَدِيث وعسكر الْقُرْآن ... ولاي شَيْء كَانَ أَيْضا خصمكم شيخ الْوُجُود الْعَالم الْحَرَّانِي ... أَعنِي أَبَا الْعَبَّاس نَاصِر سنة الْمُخْتَار قامع سنة الشَّيْطَان وَالله لم يَك ذَنبه شَيْئا سوى ... تجريده لحقيقة الايمان إِذْ جرد التَّوْحِيد عَن شرك كَذَا ... تجريده للوحي عَن بهتان فتجرد الْمَقْصُود عَن قصد لَهُ ... فلذاك لم ينضف الى انسان مَا مِنْهُم أحد دَعَا لمقالة ... غير الحَدِيث وَمُقْتَضى الْفرْقَان فالقوم لم يدعوا الى غير الْهدى ... ودعوتم أَنْتُم لرأي فلَان شتان بَين الدعوتين فحسبكم ... يَا قوم مَا بكم من الخذلان ... قَالُوا لنا لما دعوناهم الى ... هَذَا مقَالَة ذِي هوى ملآن ... ذهبت مقادير الشُّيُوخ وَحُرْمَة الْعلمَاء بل عبرتهم العينان وتركتم أَقْوَالهم هدرا وَمَا ... أصغت اليها مِنْكُم أذنان لَكِن حفظنا نَحن حرمتهم وَلم ... نعد الَّذِي قَالُوهُ قدر بنان يَا قوم وَالله الْعَظِيم كَذبْتُمْ ... وأتيتم بالزور والبهتان ونسبتم الْعلمَاء للامر الَّذِي ... هم مِنْهُ أهل بَرَاءَة وأمان وَالله مَا أوصوكم أَن تتركوا ... قَول الرَّسُول لقَولهم بِلِسَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 لَهُ ... كلا وَلَا فِي كتبهمْ هَذَا بِلَا ... بِالْعَكْسِ أوصوكم بِلَا كتمان إِذْ قد أحَاط الْعلم مِنْهُم أَنهم ... لَيْسُوا بمعصومين بالبرهان كلا وَمَا مِنْهُم أحَاط بِكُل مَا ... قد قَالَه الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ فلذاك أوصوكم بِأَن لَا تجْعَلُوا ... أَقْوَالهم كالنص فِي الْمِيزَان لَكِن زنوها بالنصوص فان توا ... فقها فَتلك صَحِيحَة الاوزان لكنكم قدمتم أَقْوَالهم ... أبدا على النَّص الْعَظِيم الشان وَالله لَا لوَصِيَّة الْعلمَاء نفذتم وَلَا لوَصِيَّة الرَّحْمَن ... وركبتم الجهلين ثمَّ تركْتُم النصين مَعَ ظلم وَمَعَ عدوان قُلْنَا لكم فتعلموا قُلْتُمْ أما ... نَحن الائمة فاضلو الازمان من أَيْن وَالْعُلَمَاء أَنْتُم فاستحوا ... أَيْن النُّجُوم من الثرى التحتاني لم يشبه الْعلمَاء الا انتم ... أشبهتم الْعلمَاء فِي الاذقان وَالله لَا علم وَلَا دين وَلَا ... عقل وَلَا بمروءة الانسان عاملتم الْعلمَاء حِين دعوكم ... للحق بل بالبغي والعدوان إِن أَنْتُم الا الذُّبَاب اذا رأى ... طعما فِي المساقط الذبان واذا رآ فَزعًا تطاير قلبه ... مثل البغاث يساق بالعقبان واذا دعوناكم الى الْبُرْهَان كَا ... ن جوابكم جهلا بِلَا برهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 .. نَحن المقلدة الالى ألفوا كَذَا ... آبَاءَهُم فِي سالف الازمان قُلْنَا فَكيف تكفرون وَمَا لكم ... علم بتكفير وَلَا ايمان اذ أجمع الْعلمَاء أَن مُقَلدًا ... للنَّاس كالاعمى هما أَخَوان وَالْعلم معرفَة الْهدى بدليله ... مَا ذَاك والتقليد مستويان حرنا بكم وَالله لَا أَنْتُم مَعَ الْعلمَاء تنقادون للبرهان ... كلا وَلَا متعلمون فَمن ترى تَدعُوهُ نحسبكم من الثيران ... لَكِنَّهَا وَالله أَنْفَع مِنْكُم للارض فِي حرث وَفِي دوران ... نَالَتْ بهم خيرا ونالت مِنْكُم الْمَعْهُود من بغي وَمن عدوان فَمن الَّذِي خير وأنفع للورى ... أَنْتُم أم الثيران بالبرهان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي ذكر الادلة الدَّالَّة على ثُبُوت الْعُلُوّ إِجْمَالا فَقَالَ يَا قوم وَالله الْعَظِيم لقولنا الخ أَي أَن الدَّلَائِل الدَّالَّة على علوه تَعَالَى على خلقه ومباينته لَهُم من الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول والفطرة ألف دَلِيل بل ألفا دَلِيل وَذَلِكَ ظَاهر بِحَمْد الله لمن تتبعه ثمَّ شرع فِي بَيَان وجوب تحكيم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدق والجل وَالتَّسْلِيم لَهُ والرضى بِحكمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} النِّسَاء 65 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أقسم سُبْحَانَهُ بِأَجل مقسم بِهِ وَهُوَ نَفسه عز وَجل على أَنه لَا يثبت لَهُم الايمان وَلَا يكونُونَ من أَهله حَتَّى يحكموا رسو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 زه ويذهبون الى رَأْي سُفْيَان فَقَالَ أعجب لقوم سمعُوا الحَدِيث وَعرفُوا الاسناد وَصِحَّته يَدعُونَهُ ويذهبون الى رَأْي سُفْيَان وَغَيره قَالَ الله {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} النُّور 63 أَتَدْرِي مَا الْفِتْنَة الْفِتْنَة الْكفْر قَالَ الله تَعَالَى {والفتنة أكبر من الْقَتْل} الْبَقَرَة 217 فَيدعونَ الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتغلبهم أهواؤهم الى الرَّأْي ذكر ذَلِك شيخ الاسلام وَقَالَ الامام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ لَا تقلدوني وَلَا تقلدوا مَالِكًا وَالثَّوْري والاوزاعي وَلَكِن تعلمُوا كَمَا تعلمنا قَوْله اذ أجمع الْعلمَاء أَن مُقَلدًا الخ قد نقل هَذَا الاجماع الْحَافِظ ابو عمر بن عبد الْبر قَوْله مثل البغاث قَالَ الْفراء بغاث الطير بِفَتْح الْبَاء وضمهوكسرها شِرَارهَا اومالا يصيد مِنْهَا ثمَّ قيل هُوَ جمع بغاثة وَهِي اسْم للذّكر والانثى مثل نعَامَة ونعام وَقيل هُوَ فَرد وَجمعه بفتان كغزال وغزلان قَالَه فِي (مُخْتَار الصِّحَاح (والعقبان جمع عِقَاب بِضَم الْعين طَائِر مَعْرُوف قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وثامن عشرهَا تنزيهه ... سُبْحَانَهُ عَن مُوجب النُّقْصَان وَعَن الْعُيُوب وَمُوجب التَّمْثِيل والتشبيه جلّ الله ذُو السُّلْطَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 .. ولذاك نزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَن أَن يكون لَهُ شريك ثَان ... اَوْ أَن يكون لَهُ ظهير فِي الورى سُبْحَانَهُ عَن إفْك ذِي بهتان ... أَو أَن يوالي خلقه سُبْحَانَهُ من حَاجَة أَو ذلة وهوان ... أَو أَن يكون لَدَيْهِ أصلا شَافِع الا بِإِذن الْوَاحِد المنان ... وكذاك نزه نَفسه عَن وَالِد وكذاك عَن ولدهما نسبان ... وكذاك نزه نَفسه عَن زوجه وكذاك عَن كُفْء يكون مدان ... وَلَقَد أَتَى التَّنْزِيه عَمَّا لم يقل كي لَا يَدُور بخاطر الانسان ... فَانْظُر الى التَّنْزِيه عَن طعم وَلم ينْسب اليه قطّ من انسان ... وَكَذَلِكَ التَّنْزِيه عَن موت وَعَن نوم وَعَن سنة وَعَن غشيان ... وكذإلك التَّنْزِيه عَن نسيانه والرب لم ينْسب الى نِسْيَان ... وَكَذَلِكَ التَّنْزِيه عَن ظلم وَفِي الى أَفعَال عَن عَبث وَعَن بطلَان ... وَكَذَلِكَ التَّنْزِيه عَن تَعب وَعَن عجز يُنَافِي قدرَة الرَّحْمَن ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الثَّامِن عشر من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ انه سُبْحَانَهُ نزه نَفسه عَن مُوجب النُّقْصَان وَعَما يُوجب التَّمْثِيل والتشبيه ونزه سُبْحَانَهُ نَفسه عَن الشّركَة وَعَن أَن يكون لَهُ ظهير فِي الورى أَو أَن يشفع عِنْده أحد الا باذنه اَوْ ان يوالي خلقه من حَاجَة أَو ذلة وَكَذَا نزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَن الْوَالِد وَالْولد وَالزَّوْجَة والكفء وَكَذَا ن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 نَفسه سُبْحَانَهُ عَمَّا لم يقل أَي نزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَن اشياء لم يقلها أحد فِيهِ تَعَالَى كالطعم وَالْمَوْت وَالنَّوْم وَالسّنة والغشيان وَالنِّسْيَان وَالظُّلم والتعب وَالْعجز فاذا كَانَ سُبْحَانَهُ قد نزه نَفسه عَمَّا يُوجب النَّقْص مِمَّا قيل وَمَا لم يقل وَمَعْلُوم أَن القَوْل بعلو الله تَعَالَى على خلقه ومباينته لَهُم قد طبقت شَرق الْبِلَاد وغربها فلاي شي لم ينزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَنْهَا فِي الْقُرْآن وَكَذَا لم ينزه الرَّسُول ربه سُبْحَانَهُ عَنْهَا فِي السّنة بل دَائِما يُبْدِي سُبْحَانَهُ فِي الْقُرْآن إِثْبَاتهَا بأنواع الادلة وَكَذَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا وَتلك الْمقَالة عِنْد المعطلة كعبادة الاوثان أَو كَقَوْل الْمُثَلَّثَة عباد الصَّلِيب وهم النَّصَارَى فلأي شَيْء لم يحذر الله تَعَالَى خلقه عَنْهَا وينزه نَفسه عَنْهَا كَمَا نزه نَفسه عَمَّا يُوجب النَّقْص اَوْ التَّشْبِيه والتمثيل قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد حكى الرَّحْمَن قولا قَالَه فنحَاص ذُو الْبُهْتَان والكفران ... إِن الْإِلَه هُوَ الْفَقِير وَنحن أَصْحَاب الْغَنِيّ ذُو الْجد والامكان ولذاك أضحى رَبنَا مستقرضا ... أَمْوَالنَا سُبْحَانَ ذِي الاحسان ... أما قصَّة فنحَاص الْمَذْكُورَة فَهِيَ على مَا حكى ابْن اسحاق فِي (سيرته (قَالَ دخل ابو بكر بَيت الْمِدْرَاس على يهود فَوجدَ مِنْهُم نَاسا كثيرا كَانُوا قد اجْتَمعُوا الى رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ فنحَاص وَكَانَ من عُلَمَائهمْ وَأَحْبَارهمْ وَمَعَهُ حبر من أَحْبَارهم يُقَال لَهُ أشيع فَقَالَ أَبُو بكر لفنحاص وَيلك يَا فنحَاص أسلم فوَاللَّه إِنَّك لتعلم ان مُحَمَّدًا رَسُول الله قد جَاءَكُم بِالْحَقِّ من عِنْد الله تجدونه مَكْتُوبًا عنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة والانجيل فَقَالَ فنح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَحكى مقَالَة قَائِل من قومه ان الْعَزِيز ابْن من الرَّحْمَن ... هَذَا وَمَا الْقَوْلَانِ قطّ مقَالَة منصورة فِي مَوضِع وزمان ... يَعْنِي أَن الله سُبْحَانَهُ قد حكى قَول الْيَهُود إِن عُزَيْر ابْن الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} التَّوْبَة 30 وَحكى مقَالَة فنحَاص لَعنه الله وَمَا الْقَوْلَانِ منصورين فَلَو كَانَت الْمقَالة الْمَذْكُورَة وَهِي إِثْبَات علو الله تَعَالَى على خلقه بَاطِلا لحكاه الله سُبْحَانَهُ وَنهى عَنْهَا لَا سِيمَا وَتلك الْمقَالة عِنْد المعطلة كعبادة الاوثان اَوْ كمقالة الْمُثَلَّثَة عباد الصَّلِيب وَلم تزل المعطلة ينبزون المثبتة بالالقاب القبيحة ويرمونهم بالعظائم والبهت وَالْكذب الْفَاحِش وَقد حكى الْحَافِظ ابو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن رَجَب فِي (طَبَقَات الْحَنَابِلَة (فِي تَرْجَمَة شيخ الاسلام ابي اسماعيل عبد الله بن مُحَمَّد الانصاري قَالَ قَالَ ابْن طَاهِر وَسمعت بعض أَصْحَابنَا ب (هراة (يَقُولُونَ لما قدم السُّلْطَان ألب ارسلان هراة فِي بعض قدماته اجْتمع مَشَايِخ الْبَلَد ورؤساؤه ودخلوا على الشَّيْخ ابي اسماعيا الأنصارى وسلموا عَلَيْهِ وَقَالُوا قد ورد السُّلْطَان وَنحن عزم أَن خرج ونسلم عَلَيْهِ فأحببنا أَن نبدأ بِالسَّلَامِ على الشَّيْخ الامام ثمَّ نخرج (الى) هُنَا وَقد تواطؤوا على أَن حملُوا مَعَهم صنما صَغِيرا من صفر وجعلوه فِي الْمِحْرَاب تَحت سجادة الشَّيْخ وَخَرجُوا وَخرج الشَّيْخ من ذَلِك الْموضع الى خلوته ودخلوا على السُّلْطَان واستغاثوا من الانصاري وَقَالُوا إِنَّه مجسم وَإنَّهُ يتْرك فِي محرابه صنما يَقُول إِن الله عز وَجل على صورته وَإِن يبْعَث السُّلْطَان الْآن اليه يجد الصَّنَم فِي قبْلَة الْمَسْجِد فَعظم ذَلِك على السُّلْطَان وَبعث غُلَاما وَمَعَهُ جمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 ودخلوا الدَّار وقصدوا الْمِحْرَاب وَأخذُوا الصَّنَم من تَحت السجادة وَرجع الْغُلَام بالصنم فَوَضعه بَين يَدي السُّلْطَان فَبعث السُّلْطَان بغلمان فأحضروا الانصاري فَلَمَّا دخلُوا رأى شُيُوخ الْبَلَد جُلُوسًا وَرَأى ذَلِك الصَّنَم بَين يَدي السُّلْطَان مطروحا وَالسُّلْطَان قد اشْتَدَّ غَضَبه فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان مَا هَذَا قَالَ هَذَا صنم يعْمل من الصفر شبه اللعبة فَقَالَ لست عَن هَذَا أَسأَلك فَقَالَ عَمَّا ذَا يسْأَل السُّلْطَان قَالَ إِن هَؤُلَاءِ يَزْعمُونَ أَنَّك تعبد هَذَا وانك تَقول إِن الله عز وَجل على صورته فَقَالَ الانصاري سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم بِصَوْت جَهورِي وصولة فَوَقع فِي قلب السُّلْطَان أَنهم كذبُوا عَلَيْهِ فَأمر بِهِ فَأخْرج الى دَاره مكرما وَقَالَ لَهُم تصدقوني الْقِصَّة أَو أفعل بكم وأفعل وَذكر تهديدا عَظِيما فَقَالُوا نَحن فِي يَد هَذَا الرجل فِي بلية من استيلائه علينا بالعامة وأردنا ان نقطع شَره عَنَّا فَأمر بهم ووكل بِكُل وَاحِد مِنْهُم فَلم يرجع الى منزله حَتَّى كتب بِخَطِّهِ مبلغا عَظِيما من المَال يُؤَدِّيه الى خزانَة السُّلْطَان جِنَايَة لما فَعَلُوهُ وسلموا بأرواحهم بعد الهوان الْعَظِيم انْتهى وَكَذَلِكَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية فَلَا يخفى مَا افتروه عَلَيْهِ ورموه بِهِ من الافك وجعلوه يَقُول بالتجسيم وحاشاه وَذكر ابْن بطوطة فِي رحلته الْمَشْهُورَة قَالَ وَكَانَ دخولي لبعلبك عَشِيَّة النَّهَار وَخرجت مِنْهَا بِالْغُدُوِّ لفرط اشتياقي الى دمشق وصلت يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع من شهر رَمَضَان الْمُعظم عَام سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة الى مَدِينَة دمشق الشَّام فَنزلت فِيهَا بمدرسة الْمَالِكِيَّة الْمَعْرُوفَة ب (الشرابيشية) الى أَن قَالَ وَكَانَ بِدِمَشْق من كبار الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية كَبِير الشَّام يتَكَلَّم فِي الْفُنُون الى أَن قَالَ فحضرته يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يعظ النَّاس على مِنْبَر الْجَامِع وَيذكرهُمْ فَكَانَ من جملَة كَلَامه أَن قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 إِن الله ينزل الى سَمَاء الدُّنْيَا كنزولي هَذَا وَنزل دَرَجَة من الْمِنْبَر فعارضه فَقِيه مالكي يعرف بِابْن الزهراء الى آخر مَا هَذَا بِهِ ابْن بطوطة أَقُول وأغوثاه بِاللَّه من هَذَا المكذب الَّذِي لم يخف الله كاذبه وَلم يستحي مفتريه وَفِي الحَدِيث (إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت) ووضوح هَذَا الْكَذِب أظهر من أَن يحْتَاج الى الاطناب وَالله حسيب هَذَا المفتري الْكذَّاب فانه ذكر أَنه دخل دمشق فى 9 رَمَضَان سنة 726 وَشَيخ الاسلام ابْن تَيْمِية اذ ذَاك قد حبس فِي القلعة كَمَا ذكر ذَلِك الْعلمَاء الثِّقَات كتلميذه الْحَافِظ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي والحافظ ابي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب فِي (طَبَقَات الْحَنَابِلَة (قَالَ فى تَرْجَمَة الشَّيْخ من (طبقاته (الْمَذْكُورَة مكث الشَّيْخ فِي القلعة من شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين الى ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَزَاد ابْن عبد الْهَادِي انه دَخلهَا فِي سادس شعْبَان فَانْظُر الى هَذَا المفتري يذكر انه حَضَره وَهُوَ يعظ النَّاس على مِنْبَر الْجَامِع فياليت شعري هَل انْتقل مِنْبَر الْجَامِع الى دَاخل قلعة دمشق وَالْحَال أَن الشَّيْخ رَحمَه الله لما دخل القلعة الْمَذْكُورَة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور لم يخرج مِنْهَا الا على النعش وَكَذَا ذكر الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير فِي (تَارِيخه (قَالَ وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد الْعَصْر السَّادِس من شعْبَان سنة 726 اعتقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية بقلعة دمشق حضر إِلَيْهِ من جِهَة نَائِب السلطنة مشد الاوقاف وَابْن الخطير أحد الْحجاب وأخبراه أَن مرسوم السُّلْطَان حضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 بذلك وأحضر إِلَيْهِ مَعَهُمَا مركوبا وَأظْهر السرُور بذلك وَقَالَ أَنا كنت منتظرا لذَلِك وَفِيه خير كثير وركبوا جَمِيعًا من دَاره الى بَاب القلعة واخليت لَهُ قاعة واجري إِلَيْهَا المَاء ورسم لَهُ بالاقامة فِيهَا وَكَانَ مَعَه اخوه زين الدّين يَخْدمه باذن السُّلْطَان ورسم بِمَا يقوم بكفايته انْتهى كَلَامه فَانْظُر كَلَام تلامذته وَغَيرهم من العارفين بِحَالهِ أهل الْوَرع والامانة والديانة يَتَّضِح لَك كذب هَذَا المغربي عَامله الله بِمَا يسْتَحق وَالله اعْلَم وَكم كذبُوا عَلَيْهِ وبهتوه وقالوه اشياء هُوَ بَرِيء مِنْهَا والامر كَمَا قَالَ تِلْمِيذه النَّاظِم ... فالبهت عنْدكُمْ رخيص سعره ... حثوا بِلَا كيل وَلَا ميزَان ... وَللَّه در الْقَائِل ... إِن كَانَ إِثْبَات الصِّفَات لديكم فِيمَا أَتَى مستوجبا لومي ... وأصير تيميا بذلك عنْدكُمْ فالمسلمون جَمِيعهم تيمى ... وَكَذَا كذبُوا على غَيره من عُلَمَاء الاثبات رَحِمهم الله تَعَالَى وَعَفا عَنْهُم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... لَكِن مقَالَة كَونه فَوق الورى وَالْعرش وَهُوَ مباين الاكوان ... قد طبقت شَرق الْبِلَاد وغربها وغدت مقررة لذِي الاذهان ... فلأي شَيْء لم ينزه نَفسه سُبْحَانَهُ فِي مُحكم الْقُرْآن ... عَن ذِي الْمقَالة مَعَ تفاقم أمرهَا وظهورها فِي سَائِر الاديان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 .. بل دَائِما لنا إِثْبَاتهَا ويعيده بأدلة التِّبْيَان ... لَا سِيمَا تِلْكَ الْمقَالة عنْدكُمْ مقرونة بِعبَادة الاوثان ... أَو انها كمقالة لمثلث عبد الصَّلِيب الْمُشرك النَّصْرَانِي ... إِذْ كَانَ جسما كل مَوْصُوف بهَا لَيْسَ الاله منزل الْفرْقَان ... فالعابدون لمن على الْعَرْش اسْتَوَى بِالذَّاتِ لَيْسُوا عابدي الديَّان ... لكِنهمْ عباد أوثان لَدَى هَذَا الْمُعَطل جَاحد الرَّحْمَن ... ولذاك قد جعل الْمُعَطل كفرهم هُوَ مُقْتَضى الْمَعْقُول والبرهان ... هَذَا رَأَيْنَاهُ بكتبهم وَلم نكذب عَلَيْكُم فعل ذِي الْبُهْتَان ... ولاي شَيْء لم يحذر خلقه عَنْهَا وَهَذَا شَأْنهَا بِبَيَان ... هَذَا وَلَيْسَ فَسَادهَا بمبين حَتَّى يُحَال لنا على الاذهان ... ولذاك قد شهِدت فأفضلكم لَهَا بظهورها للوهم فِي الانسان ... وخفاء مَا قَالُوهُ من نفي على الاذهان بل تحْتَاج للبرهان ... مَضْمُون هَذِه الابيات أَن القَوْل بعلو الله تَعَالَى على خلقه صرحت بِهِ الْكتب الالهية كالتوراه والانجيل وَكَذَا الْفرْقَان يُبْدِي إِثْبَاتهَا ويعيده بِجَمِيعِ انواع الادلة فَلَو كَانَ هَذَا كفرا كَمَا زعمت المعطلة لنهى عَنْهَا الْقُرْآن لانها عِنْد المعطلة كالشرك وَعبادَة الاوثان وَهَذَا أظهر من الشَّمْس لمن لَهُ عينان ونعوذ بِاللَّه من الخذلان قَوْله ولذاك قد شهِدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 أفاضلكم الخ أَي أفاضل النفاة قد شهدُوا بِظُهُور مقَالَة الاثبات فِي الْكتاب وَالسّنة وخفاء مَا قَالُوا من النَّفْي كَمَا قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ فِي (شرح الْمَقَاصِد (فَإِن قيل إِذا كَانَ الدّين الْحق نفي الحيز والجهة فَمَا بَال الْكتب السماوية والاحايث النَّبَوِيَّة مشعرة فِي مَوَاضِع لَا تحصى بِثُبُوت ذَلِك من غير أَن يَقع فِي مَوضِع مِنْهَا تَصْرِيح بِنَفْي ذَلِك وَتَحْقِيق كَذَا كَمَا كررت الدّلَالَة على وجود الصَّانِع ووحدته وَعلمه وَقدرته وَحَقِيقَة الْمعَاد وَحشر الاجساد فِي عدَّة مَوَاضِع وأكدت غَايَة التَّأْكِيد مَعَ أَن هَذَا أَيْضا حقيق بغاية التَّأْكِيد وَالتَّحْقِيق لما تقرر فِي فطْرَة الْعُقَلَاء مَعَ اخْتِلَاف الاديان والآراء فِي التَّوْحِيد إِلَى الْعُلُوّ عِنْد الدُّعَاء وَرفع الايدي الى السَّمَاء ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك التَّفْتَازَانِيّ بِمَا يظْهر ضعفه من اول وهلة وَكَذَا ذكر ذَلِك غَيره قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وتاسع عشرهَا الزام ذِي التعطيل أفسد لَازم بِبَيَان ... وَفَسَاد لَازم قَوْله هُوَ مُقْتَض لفساد ذَاك القَوْل بالبرهان ... فسل الْمُعَطل عَن ثَلَاث مسَائِل تقضي على التعطيل بِالْبُطْلَانِ مَاذَا تَقول أَكَانَ يعرف ربه ... هَذَا الرَّسُول حَقِيقَة الْعرْفَان أم لَا وَهل كَانَت نصيحة لنا ... كل النَّصِيحَة لَيْسَ بالخوان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 .. أم لَا وَهل حَاز البلاغة كلهَا ... فاللفظ وَالْمعْنَى لَهُ طوعان فَإِذا انْتَهَت هذي الثَّلَاثَة فِيهِ كَا ... مِلَّة مبرأة من النُّقْصَان فلأي شَيْء عَاشَ فِينَا كَاتِما ... للنَّفْي والتعطيل فِي الازمان بل مفصحا بالضد مِنْهُ حَقِيقَة ال ... إفصاح مُوضحَة بِكُل بَيَان ولأي شَيْء لم يُصَرح بِالَّذِي ... صرحتم فِي رَبنَا الرَّحْمَن ألعجزه عَن ذَاك أم تَقْصِيره ... فِي النصح أم لخفاء هَذَا الشان حاشاه بل ذَا وصفكم يَا أمة التعطيل لَا الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل التَّاسِع عشر من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَحَاصِله أَن النَّاظِم سَأَلَ عَن ثَلَاث مسَائِل وَكلهَا مسلمة عِنْد المنازعين وَهُوَ أَن تسْأَل الْمُعَطل هَل تَقول إِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرف ربه فبالضرورة يَقُول نعم ثمَّ سَله هَل كَانَ فِي غَايَة النصح فَلَا بُد أَن يَقُول نعم ثمَّ سَله هَل حَاز البلاغة كلهَا فَلَا بُد ان يَقُول نعم فَإِذا أقرّ بِهَذِهِ الثَّلَاثَة فَقل لَهُ فلأي شَيْء عَاشَ مُنْذُ أرْسلهُ الله تَعَالَى الى أَن توفّي صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَهُوَ يفصح بالاثبات وَيُعِيد فِيهِ فِي كل محْضر وَمجمع ولأي شَيْء كتم النَّفْي والتعطيل ولأي شَيْء لم يُصَرح بِمَا صرحتم بِهِ فِي رَبنَا تَعَالَى وَهل كَانَ عَاجِزا عَن أَن يَقُول استولى وَينزل أمره أَو ملك وَيَقُول (من الله) مَوضِع (أَيْن الله) فلازم قَوْلكُم عدم معرفَة الرَّسُول بربه اَوْ عدم النصح اَوْ عدم البلاغة وَهَذَا اللَّازِم من أفسد اللوازم وأبطلها فَيدل على فَسَاد لَازمه وبطلانه لَان فَسَاد اللَّازِم يدل على فَسَاد الْمَلْزُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ولأي شَيْء كَانَ يذكر ضد ذَا ... فِي كل مُجْتَمع وكل زمَان ... أتراه أصبح عَاجِزا عَن قَوْله استولى وَينزل أمره وَفُلَان وَيَقُول أَيْن الله يَعْنِي من بِلَفْظ الاين هَل هَذَا من التِّبْيَان ... وَالله مَا قَالَ الائمة كل مَا قد قَالَه من غير مَا كتمان لَكِن لَان عقول أهل زمانهم ... ضَاقَتْ بِحمْل دقائق الايمان وغدت بصائرهم كخفاش أَتَى ... ضوء النَّهَار فَكف عَن طيران حَتَّى اذا مَا اللَّيْل جَاءَ ظلامه ... ابصرته يسْعَى بِكُل مَكَان وَكَذَا عقولكم لَو استشعرتم ... يَا قوم كالحشرات والفئران أنست بايحاش الظلام وَمَا لَهَا ... بمطالع الانوار قطّ يدان ... الخفاش مَعْرُوف تقدم تَعْرِيفه والحشرات قَالَ فِي (الْقَامُوس (الْهَوَام اَوْ الدَّوَابّ الصغار كالحشرة محركة فيهمَا انْتهى والفئران جمع فأر بِالْهَمْز وَهُوَ حَيَوَان مَعْرُوف يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن هَؤُلَاءِ المعطلة ضَاقَتْ عُقُولهمْ عَن حمل دقائق الايمان فصاروا كالحشرات والخفاش الَّتِي لَا تسْعَى الا بِاللَّيْلِ فان هَؤُلَاءِ المعطلة لم تحمل عُقُولهمْ مَا فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا وصف الرب تَعَالَى بِهِ نَفسه اَوْ وَصفه بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَ ذَلِك لبصائر المعطلة كالنهار لابصار الخفاش والحشرات وَنَحْوهَا نَعُوذ بِاللَّه من عمى البصائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَو كَانَ حَقًا مَا يَقُول معطل ... لعلوه وَصِفَاته الرَّحْمَن لزمتكم شنع ثَلَاث فأرتؤوا ... أَو خلة مِنْهُنَّ أَو ثِنْتَانِ تقديمهم فِي الْعلم أَو فِي نصحهمْ ... أَو فِي الْبَيَان أذاك ذُو إِمْكَان إِن كَانَ مَا قد قُلْتُمْ حَقًا فقد ... ضل الورى بِالْوَحْي وَالْقُرْآن إِذْ فيهمَا ضد الَّذِي قُلْتُمْ وَمَا ... ضدان فِي الْمَعْقُول يَجْتَمِعَانِ بل كَانَ أولى أَن يعطل مِنْهُمَا ... ويحال فِي علم وَفِي عرفان أما على جهم وجعد أَو على النظام أَو ذِي الْمَذْهَب اليونان ... وكذاك أَتبَاع لَهُم فقع الفلا صم وبكم تابعو العميان ... وكذاك أفراخ القرامطة الالى قد جاهزوا بعداوة الرَّحْمَن ... كالحاكمية والالى وألوهم كَأبي سعيد ثمَّ آل سِنَان ... وَكَذَا ابْن سينا والنصير نصير أهل الشّرك والتكذيب والكفران وكذاك أفراخ الْمَجُوس وشبههم ... والصائبين وكل ذِي بهتان إخْوَان ابليس اللعين وجنده ... لَا مرْحَبًا بعساكر الشَّيْطَان أَفَمَن حوالته على التَّنْزِيل وَالْوَحي الْمُبين ومحكم الْقُرْآن ... كمحير أضحت حوالته على أَمْثَاله أم كَيفَ يستويان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 .. أم كَيفَ يشْعر تائه بمصابه وَالْقلب قد جعلت لَهُ قفلان ... قفل من الْجَهْل الْمركب فَوْقه قفل التعصب كَيفَ ينفتحان ... ومفاتح الاقفال فِي يَد من لَهُ التصريف سُبْحَانَ الْعَظِيم الشان فَاسْأَلْهُ فتح القفل مُجْتَهدا على ال ... أَسْنَان ان الْفَتْح بَال بالأسنان ... أَي إِن كَانَ حَقًا مَا تَقوله المعطلة لعلو الرب وَصِفَاته لزمتم ثَلَاث شناعات وَقَوله فارتؤوا أَي اطْلُبُوا رَأيا تخلصون بِهِ من هَذِه الشنع لَان الْكتاب وَالسّنة ضد لما قَالُوهُ والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَانَ الْكتاب وَالسّنة على هَذَا سَببا لاضلال النَّاس فَكَانَ ترك النَّاس بِلَا كتاب وَلَا سنة أهْدى لَهُم ويحالون فِي الْعلم والعرفان على جهم وجعد والنظام وحكماء اليونان والقرامطة وَنَحْوهم وَهَذَا معنى مَا ذكره شيخ الاسلام فِي مُقَدّمَة (الحموية (قَالَ فَلَو كَانَ الْحق فِيمَا يَقُول هَؤُلَاءِ السالبون النافون للصفات الثَّابِتَة فِي الْكتاب وَالسّنة من هَذِه الْعبارَات وَنَحْوهَا دون مَا يفهم من الْكتاب وَالسّنة إِمَّا نصا وَإِمَّا ظَاهرا فَكيف يجوز على الله ثمَّ على رَسُوله ثمَّ على خير الامة أَنهم يَتَكَلَّمُونَ دَائِما بِمَا هُوَ نَص أَو ظَاهر فِي خلاف الْحق ثمَّ الْحق الَّذِي يجب اعْتِقَاده أَن لَا يبوحوا بِهِ قطّ وَلَا يدلون عَلَيْهِ قطّ لَا نصا وَلَا ظَاهرا حَتَّى يَجِيء انباط الْفرس والروس وفروخ الْيَهُود والفلاسفة يبينون للامة العقيدة الصَّحِيحَة الَّتِي يجب على كل مُكَلّف اَوْ كل فَاضل ان يعتقدها لَئِن كَانَ مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ المتكلمون المتكلفون هُوَ الِاعْتِقَاد الْوَاجِب وهم مَعَ ذَلِك احيلوا فِي مَعْرفَته على مُجَرّد عُقُولهمْ وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 يدفعوا بِمُقْتَضى قِيَاس عُقُولهمْ مَا د ل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة نصا اَوْ ظَاهرا لقد كَانَ ترك النَّاس بِلَا كتاب وَلَا سنة أهْدى لَهُم وانفع على هَذَا التَّقْدِير بل كَانَ وجود الْكتاب وَالسّنة ضَرَرا مَحْضا فِي أصل الدّين فان حَقِيقَة الامر على مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ أَنكُمْ يَا معاشر الْعباد لَا تطلبون معرفَة الله وَمَا يسْتَحقّهُ من الصِّفَات نفيا واثباتا لَا من الْكتاب وَلَا من وَالسّنة وَلَا من طَرِيق سلف الامة وَلَكِن انْظُرُوا انتم فَمَا وجدتموه مُسْتَحقّا لَهُ من الصِّفَات فصفوة بِهِ سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الْكتاب وَالسّنة أَو لم يكن وَمَا لم تَجِدُوهُ مُسْتَحقّا لَهُ فِي عقولكم فَلَا تصفوه بِهِ ثمَّ هم هُنَا فريقان أَكْثَرهم يَقُولُونَ مَا لم تثبته عقولكم فانفوه وَمِنْهُم من يَقُول بل توقفوا فِيهِ وَمَا نَفَاهُ قِيَاس عقولكم الَّذِي انتم فِيهِ مُخْتَلفُونَ ومضطربون اخْتِلَافا اكثر من جَمِيع اخْتِلَاف (النَّاس) على وَجه الارض فانفوه واليه عِنْد التَّنَازُع فَارْجِعُوا فانه الْحق الَّذِي تعبدتكم بِهِ وَمَا كَانَ مَذْكُورا فِي الْكتاب وَالسّنة مِمَّا يُخَالف مقاييس عقولكم اَوْ يثبت مَا لم تُدْرِكهُ عقولكم على طَريقَة أَكْثَرهم فاعلموا أَنِّي أمتحنتكم بتنزيله لَا لِتَأْخُذُوا الْهدى مِنْهُ لَكِن ليجتهدوا فِي تَخْرِيجه على شواذ اللُّغَة وَوَحْشِي الالفاظ وغرائب الْكَلَام اَوْ ان تسكتوا عَنهُ مفوضين علمه الى الله مَعَ طي دلَالَته على شَيْء من الصِّفَات وَهَذَا حَقِيقَة الامر على رَأْي هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمين وَهَذَا كَلَام رَأَيْته قد صرح بِمَعْنَاهُ طَائِفَة مِنْهُم وَهُوَ لَازم لجماعتهم لُزُوما لَا محيد عَنهُ ومضمونه أَن كتاب الله لَا يَهْتَدِي بِهِ فِي معرفَة الله وَأَن الرَّسُول مَعْزُول عَن التَّعْلِيم والاخبار بِصِفَات من أرْسلهُ وَأَن النَّاس عِنْد التَّنَازُع لَا يردون مَا تنازعوا فِيهِ الى الله وَالرَّسُول بل الى مثل مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة اَوْ الى مثل من يتحاكم اليه من لَا يُؤمن بالانبياء كالبراهمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 والفلاسفة وهم الْمُشْركُونَ وَالْمَجُوس وَبَعض الصابئين وان كَانَ هَذَا الرَّد لَا يزِيد الامر الا شدَّة وَلَا يرْتَفع الْخلاف بِهِ اذ لكل فريق طواغيت يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا اليهم وَقد أمروا ان يكفروا بهم وَقَوله فقع الفلا قَالَ فِي (الْقَامُوس (الفقع وَيكسر الْبَيْضَاء الرخوة من الكمأة جمع كعنبة وَيُقَال للذيل هُوَ أذلّ من فقع بقرقرة لانه لَا يمْتَنع على من اجتناه أَو لانه يُوطأ بالارجل قَوْله أفراخ قَالَ فِي (الْقَامُوس (الفرخ ولد الطَّائِر وكل صَغِير من الْحَيَوَان والنبات جمع أفرخ وافراخ وفراخ وفروخ وأفرخة وفرخان وَالرجل الذَّلِيل المطرود انْتهى قَوْله والحاكمية هم شيعَة الْحَاكِم العبيدي المعتقدون فِيهِ الالهية وَهُوَ ابو عَليّ مَنْصُور بن نزار الْعَزِيز بِاللَّه ابْن معد الْمعز لدين الله العبيدي لاتباعه فِيهِ من الاعتقادات الخبيثة مَا تصم عَنهُ الاذان وَيَقْضِي على معتقده بالزور والبهتان وَقد ذكر طرفا من ذَلِك الْحَافِظ الذَّهَبِيّ والحافظ ابْن كثير فِي (تاريخهما (وَغَيرهمَا والامام أَبُو شامة فِي كتاب (الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين (وَأَبُو سعيد هُوَ الْحسن بن بهْرَام القرمطي رَئِيس القرامطة قَالَ الشَّيْخ عز الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الاثير الْجَزرِي فِي تَارِيخه الْكَبِير الْمُسَمّى ب (الْكَامِل (قَالَ فِي هَذِه السّنة يَعْنِي سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ تحرّك قوم بسواد الْكُوفَة يعْرفُونَ بالقرامطة ثمَّ بسط القَوْل فِي ابْتِدَاء امرهم وَحَاصِله أَن رجلا اظهر الْعِبَادَة والزهد والتقشف وَكَانَ يسف الخوص وَيَأْكُل من كَسبه كَانَ يَدْعُو النَّاس الى امام من اهل الْبَيْت رَضِي الله عَنْهُم واقام على ذَلِك مُدَّة فَاسْتَجَاب لَهُ خلق كثير وَجَرت لَهُ أَحْوَال اوجبت لَهُ حسن الِاعْتِقَاد فِيهِ وانتشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 ذكرهم بسواد الْكُوفَة ثمَّ قَالَ ابْن الاثير بعد هَذَا فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذِه السّنة ظهر رجل من القرامطة يعرف بِأبي سعيد الجنابي بِالْبَحْرَيْنِ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ نَاس كثير من الاعراب والقرامطة وَقَوي أمره فَقتل من حوله من أهل تِلْكَ الْقرى وَكَانَ أَبُو سعيد الْمَذْكُور يَبِيع النَّاس الطَّعَام ويحسب لَهُم بيعهم ثمَّ عظم أَمرهم وقربوا من نواحي الْبَصْرَة فَجهز اليهم الْخَلِيفَة المقتدر بِاللَّه جَيْشًا فَقَاتلهُمْ مقدمه الْعَبَّاس بن عَمْرو الغنوي فتواقعوا وقْعَة شَدِيدَة وَانْهَزَمَ أَصْحَاب الْعَبَّاس واسر الْعَبَّاس وَكَانَ ذَلِك فِي آخر شعْبَان من سنة سبع وَثَمَانِينَ فِيمَا بَين الْبَصْرَة والبحرين وَقتل ابو سعيد الاسرى وَأَحْرَقَهُمْ واستبقى الْعَبَّاس ثمَّ أطلقهُ بعد أَيَّام وَقَالَ لَهُ امْضِ إِلَى صَاحبك وعرفه مَا رَأَيْت فَدخل بَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان من السّنة وَحضر بَين يَدي المقتدر فَخلع عَلَيْهِ ثمَّ إِن القراقطة دخلُوا بِلَاد الشَّام فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَجَرت بَين الطَّائِفَتَيْنِ وقعات يطول شرحها ثمَّ قتل ابو سعيد الْمَذْكُور فِي سنة إِحْدَى وثلاثمائة فتله خَادِم لَهُ فِي الْحمام وَقَامَ مقَامه وَلَده ابو طَاهِر سُلَيْمَان بن ابي سعيد وَلما قتل ابوه ابو سعيد كَانَ قد استولى على هجر والقطيف والطائف وَسَائِر بِلَاد الْبَحْرين وَفِي سنة احدى عشرَة وثلاثمائة فِي شهر ربيع الآخر مِنْهَا قصد ابو طَاهِر وَعَسْكَره الْبَصْرَة وملكها بِغَيْر قتال بل صعدوا إِلَيْهَا بلَيْل بسلالم الشّعْر فَلَمَّا حصلوا بهَا وأحسوا بهم ثَارُوا اليهم فَقتلُوا مُتَوَلِّي الْبَلَد وَوَضَعُوا السَّيْف فِي النَّاس فَهَرَبُوا مِنْهُم وَأقَام ابو طَاهِر سَبْعَة عشر يَوْمًا يحمل مِنْهُم الاموال ثمَّ عَاد الى بَلَده وَلم يزَالُوا يعيثون فِي الْبِلَاد ويكثرون فِيهَا الْفساد من الْقَتْل والسبي والنهب والحريق الى سنة سبع عشرَة وثلاثمائة فحج النَّاس فِيهَا وسلموا فِي طريقهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 ثمَّ وافاهم ابو طَاهِر القرمطي بِمَكَّة يَوْم التَّرويَة فنهبوا أَمْوَال الْحَاج وقتلوهم حَتَّى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي الْبَيْت نَفسه وَقلع الْحجر الاسود وانفذه الى هجر فَخرج اليه أَمِير مَكَّة فِي جمَاعَة من الاشراف فقاتلوهم فَقَتلهُمْ أَجْمَعِينَ وَقلع بَاب الْكَعْبَة وأصعد رجلا ليقلع الْمِيزَاب فَسقط فَمَاتَ فَطرح الْقَتْلَى فِي بِئْر زَمْزَم وَدفن البَاقِينَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام من غير كفن وَلَا غسل وَلَا صَلَاة على أحد مِنْهُم وَأخذ كسْوَة الْبَيْت فَقَسمهَا فِي اصحابه وَنهب دور أهل مَكَّة ثمَّ ذكر ابْن الاثير فِي سنة سِتِّينَ وثلاثمائة ان القرامطة وصلوا الى دمشق فملكوها وَقتلُوا جَعْفَر بن فلاح نَائِب المصريين ثمَّ بلغ عَسْكَر القرامطة الى عين شمس وَهِي على بَاب الْقَاهِرَة وظهروا عَلَيْهِم ثمَّ انتصر أهل مصر عَلَيْهِم فَرَجَعُوا عَنْهُم انْتهى قَالَ ابْن خلكان وعَلى الْجُمْلَة فَالَّذِي فَعَلُوهُ فِي الاسلام لم يَفْعَله أحد قبلهم وَلَا بعدهمْ من الْمُسلمين وملكوا كثيرا من بِلَاد الْعرَاق والحجاز وبلاد الشرق وبلاد الشَّام الى بَاب مصر وَلما أخذُوا الْحجر تَرَكُوهُ عِنْدهم فِي هجر وَقتل أَبُو طَاهِر الْمَذْكُور فِي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة والقرمطي بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْمِيم وَبعدهَا طاء مُهْملَة والقرمطة فِي اللُّغَة تقَارب الشَّيْء بعضه من بعض يُقَال خطّ مقرمط ومشي مقرمط اذا كَانَ كَذَلِك وَكَانَ أَبُو سعيد الْمَذْكُور قَصِيرا مُجْتَمع الْخلق اسمر كريه المنظر فَلذَلِك قيل لَهُ قرمطي وَقد ذكر القَاضِي ابو بكر البا قلاني فصلا طَويلا من أَحْوَالهم فِي كتاب (كشف اسرار الباطنية (وَأما الجنابي فَإِنَّهُ بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد النُّون وَبعد الالف بَاء مُوَحدَة وَهَذِه النِّسْبَة الى جَنَابَة وَهِي بَلْدَة من اعمال فَارس مُتَّصِلَة بِالْبَحْرَيْنِ عِنْد سيراف والقرامطة مِنْهَا فنسبوا اليها انْتهى كَلَام ابْن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 قَوْله ثمَّ آل سِنَان هُوَ الْبَصْرِيّ الَّذِي كَانَ بحصون الاسماعيلية بِالشَّام وَكَانَ يَقُول قد رفعت عَنْهُم الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج وَالزَّكَاة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وَخَاتم هَذِه الْعشْرين وَجها ... وَهُوَ أقربها الى الاذهان سرد النُّصُوص فانها قد نوعت ... طرق الادلة فِي أتم بَيَان وَالنّظم يَمْنعنِي من استيفائها ... وسياقه الالفاظ بالميزان فاشير بعض إِشَارَة لمواضع ... مِنْهَا وَأَيْنَ الْبَحْر من خلجان فاذكر نُصُوص الاسْتوَاء فانها ... فِي سبع آيَات من الْقُرْآن وَاذْكُر نُصُوص الفوق أَيْضا فِي ثلا ... ث قد غَدَتْ مَعْلُومَة التِّبْيَان وَاذْكُر نُصُوص علوه فِي خَمْسَة ... مَعْلُومَة بَرِئت من النُّقْصَان وَاذْكُر نصوصا فِي الْكتاب تَضَمَّنت ... تَنْزِيله من رَبنَا الرَّحْمَن فتضمنت أصلين قَامَ عَلَيْهِمَا ال ... اسلام والايمان كالبنيان كَون الْكتاب كَلَامه سُبْحَانَهُ ... وعلوه من فَوق كل مَكَان وعدداها سَبْعُونَ حِين تعدأو ... زَادَت على السّبْعين فِي الحسبان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الْعشْرُونَ من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 النُّصُوص الدَّالَّة على ذَلِك من الْكتاب الْعَزِيز قَوْله فاذكر نُصُوص الاسْتوَاء الخ تقدم ذكر آيَات الاسْتوَاء قَوْله وَاذْكُر نُصُوص الفوق ايضا فِي ثَلَاث الخ وَهِي قَوْله تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} النَّحْل 50 وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير} الانعام 18 وَقَوله سُبْحَانَهُ {وَهُوَ القاهر فَوق عباده وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} الانعام 61 الْآيَة قَوْله وَاذْكُر نُصُوص علوه فِي خَمْسَة الخ وَهِي قَوْله تَعَالَى فِي آيَة الْكُرْسِيّ {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} الْبَقَرَة 255 وَفِي الرَّعْد 9 {الْكَبِير المتعال} وَقَوله فِي الشورى 4 {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة غَافِر 12 {فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير} وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة سبح 1 {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَوْله وَاذْكُر نصوصا فِي الْكتاب الخ تقدم الْكَلَام فِي ذَلِك بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر نصوصا ضمنت رفعا ومعراجا واصعادا الى الديَّان ... هِيَ خَمْسَة مَعْلُومَة بالعد والحسبان فاطلبها من الْقُرْآن ... وَهِي قَوْله تَعَالَى عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء 158 وَقَوله فِي سُورَة سَأَلَ 4 {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} وَقَوله فِي سُورَة السَّجْدَة 5 {ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وَقَوله تَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فاطر 10 وَقَوله تَعَالَى عَن عِيسَى {إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ} آل عمرَان 55 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد أَتَى فِي سُورَة الْملك الَّتِي ... تنجي لقاريها من النيرَان نصان إِن الله فَوق سمائه ... عِنْد المحرف مَا هما نصان ... قَوْله فِي سُورَة الْملك الخ روى أَحْمد وَالْحَاكِم وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ (سوة الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة تشفع لصَاحِبهَا حَتَّى يغْفر لَهُ وَهِي {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سُورَة فِي الْقُرْآن خَاصَمت عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته الْجنَّة (تبَارك) الاية اخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الاوسط (وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي (المختارة (والنصان هما قَوْله تَعَالَى {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض فَإِذا هِيَ تمور} الْملك 16 {أم أمنتم من فِي السَّمَاء أَن يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا} الْملك 17 الاية لَان (فِي) بِمَعْنى (على) أَو المُرَاد بذلك مُطلق الْعُلُوّ فِي الْآيَتَيْنِ كَمَا هُوَ مَبْسُوط فِي مَوْضِعه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد أَتَى التَّخْصِيص بالعند الَّذِي ... قُلْنَا بِسبع بل أَتَى بثمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 .. مِنْهَا صَرِيح موضعان بِسُورَة ال ... أعراف ثمَّ الانبياء الثَّانِي فَتدبر النصين وَانْظُر مَا الَّذِي ... لسواه لَيست تَقْتَضِي النصان وبسورة التَّحْرِيم أَيْضا ثَالِث ... بَادِي الظُّهُور لمن لَهُ أذنان ولديه فِي مزمل قد بيّنت ... نفس المُرَاد وقيدت بِبَيَان لَا تنقص الْبَاقِي فَمَا لمعطل ... من رَاحَة فِيهَا وَلَا تبيان ... فِي سُورَة الاعراف 187 {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} الى قَوْله {قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله} {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} الاعراف 206 وَفِي الانبياء 19 {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده} الاية وَفِي سُورَة التَّحْرِيم 11 {رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} الاية وَفِي سُورَة المزمل 20 {وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خير تَجِدُوهُ عِنْد الله} وَفِي سُورَة الْقَمَر 55 {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} قَوْله لَا تنقص الْبَاقِي هُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة أَي لَا تنقص الْمَوَاضِع السَّبْعَة الَّتِي ذكرهَا النَّاظِم لانه لم يذكر الا بَعْضهَا وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وبسورة الشورى وَفِي مزمل ... 5 سر عَظِيم شَأْنه ذُو شان فِي ذكر تفطير السَّمَاء فَمن يرد ... علما بِهِ فَهُوَ الْقَرِيب الداني لم يسمح الْمُتَأَخّرُونَ بنقله ... جنبا وضعفا عَنهُ فِي الايمان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 .. بل قَالَه المتقدمون فوارس ال ... إِسْلَام هم أُمَرَاء هَذَا الشان وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي ... تَفْسِيره حكيت بِهِ الْقَوْلَانِ ... يَعْنِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الشورى 5 {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن وَالْمَلَائِكَة يسبحون بِحَمْد رَبهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} الاية وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة المزمل 17 18 {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا السَّمَاء منفطر بِهِ} الابه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... هَذَا وحاديها وَعشْرين الَّذِي ... قد جَاءَ فِي الاخبار وَالْقُرْآن إتْيَان رب الْعَرْش جلّ جَلَاله ... ومجيئه للفصل بالميزان فَانْظُر الى التَّقْسِيم والتنويع فِي الْقُرْآن تلفيه صَرِيح بِبَيَان ... ان الْمَجِيء لذاته لَا أمره كلا وَلَا ملك عَظِيم الشان ... اذ ذَانك الامران قد ذكرا وَبَينهمَا مَجِيء الرب ذِي الغفران وَالله مَا احْتمل المجيىء سوى مجيى ... ء الذَّات بعد تبين الْبُرْهَان من أَيْن يَأْتِي يَا أولي الْمَعْقُول إِن ... كُنْتُم ذَوي عقل مَعَ الْعرْفَان من فَوْقنَا أَو تحتنا (وأمامنا) أَو عَن شَمَائِلنَا وَعَن أَيْمَان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 .. وَالله لَا يَأْتِيهم من تَحْتهم ... أبدا تَعَالَى الله ذُو السُّلْطَان كلا وَلَا من خَلفهم وأمامهم ... وَعَن الشَّمَائِل أَو عَن الايمان وَالله لَا يَأْتِيهم الا من ال ... علو الَّذِي هُوَ فَوق كل مَكَان ... هَذَا هُوَ الدَّلِيل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من أَدِلَّة علو الله تَعَالَى على خلقه وَهُوَ إتْيَان رب الْعَرْش جلّ جَلَاله ومجيئه الَّذِي جَاءَ فِي الْقُرْآن والاحاديث قَالَ الله تَعَالَى {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 وَقَالَ {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي رَبك أَو يَأْتِي بعض آيَات رَبك} الانعام 158 وَقَالَ تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} الْبَقَرَة 210 الْآيَة وَيَأْخُذ من الْقُرْآن ان المجىء لذاته لَا أَمر وَلَا ملك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي رَبك أَو يَأْتِي بعض آيَات رَبك} الْأَنْعَام 158 لِأَن المعطلة يفسرون المجىء والآتيان بمجىء امْرَهْ اَوْ ملك والمجىء فِي الآيه وهى قَوْله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة} الانعام 158 لَا يحْتَمل غير مَجِيء الرب بِذَاتِهِ تَعَالَى لَان مَجِيء الْمَلَائِكَة قد تقدم ومجيء الامر وَهُوَ بعض الْآيَات تَأَخّر ومجيء الرب بَينهمَا فَلَا يحْتَمل ذَلِك غير مَجِيء الرب سُبْحَانَهُ قَالَ شيخ الاسلام ابو عُثْمَان الصَّابُونِي فِي (عقيدته وَيثبت اصحاب الحَدِيث نزُول الرب كل لَيْلَة الى السَّمَاء الدُّنْيَا من غير تَشْبِيه لَهُ بنزول المخلوقين وَلَا تَمْثِيل وَلَا تكييف بل يثبتون مَا أثْبته رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وينتهون فِيهِ اليه ويمرون الْخَبَر الصَّحِيح الْوَارِد على ظَاهره ويكلون علمه الى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ يثبتون مَا أنزلهُ الله فِي كِتَابه من ذكر الْمَجِيء والاتيان الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة 210 وَقَوله عز وَجل {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 قَالَ وَأخْبرنَا ابو بكر بن زَكَرِيَّا سَمِعت أَبَا حَامِد ابْن الشَّرْقِي سَمِعت حمدَان السّلمِيّ وَأَبا دَاوُد الْخفاف قَالَا سمعنَا اسحاق ابْن ابراهيم الْحَنْظَلِي يَقُول قَالَ لي الامير ابو عبد الله بن طَاهِر يَا أَبَا يَعْقُوب هَذَا الحَدِيث الَّذِي ترويه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ينزل رَبنَا كل لَيْلَة الى السَّمَاء الدُّنْيَا (كَيفَ ينزل قَالَ قلت أعز الله الامير لَا يُقَال لامر الرب كَيفَ إِنَّمَا ينزل بِلَا كَيفَ قَالَ وَسمعت أَبَا عبد الله الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن ابراهيم الْعَنْبَري سَمِعت ابراهيم ابْن أبي طَالب سَمِعت أَحْمد بن سعيد بن ابراهيم ابا عبد الله الرباطي يَقُول حضرت مجْلِس الامير عبد الله بن طَاهِر ذَات يَوْم وَحضر اسحاق ابْن إِبْرَاهِيم فَسئلَ عَن حَدِيث النُّزُول أصحيح هُوَ قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ بعض قواد عبد الله يَا أَبَا عبد الله تزْعم أَن الله ينزل كل لَيْلَة قَالَ نعم قَالَ كَيفَ ينزل قَالَ اسحاق أثْبته فَوق فَقَالَ أثْبته فَوق فَقَالَ اسحاق قَالَ الله عز وَجل {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 فَقَالَ الامير عبد الله هَذَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ اسحاق إعز الله الامير من يجيىء يَوْم الْقِيَامَة من يمنعهُ الْيَوْم وَقَالَ ابو عُثْمَان قَرَأت فِي رِسَالَة أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 بكر الاسماعيلي إِلَى أهل جيلان إِ ن الله ينزل الى السَّمَاء الدُّنْيَا على مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ الله عز وَجل {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة 210 وَقَالَ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر 22 تؤمن بذلك كُله على مَا جَاءَ بِلَا كَيفَ فَلَو شَاءَ سُبْحَانَهُ أَن يبين كَيفَ ذَلِك فعل فَانْتَهَيْنَا الى مَا أحكمه وكفينا عَن الَّذِي تشابه إِذْ كُنَّا قد أمرنَا بِهِ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب} آل عمرَان 7 انْتهى فاذا قد ثَبت مَجِيء الرب تَعَالَى وإتيانه من الْكتاب وَالسّنة فمعلوم انه لَا يَأْتِي الا من فَوق تَعَالَى الله عَمَّا يصفه بِهِ الجاحدون والمعطلون علوا كَبِيرا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الاشارة الى ذَلِك من السّنة ... وَاذْكُر حَدِيثا فِي الصَّحِيح تَضَمَّنت ... كَلِمَاته تَكْذِيب ذِي الْبُهْتَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 .. لما قضى الله الخليقة رَبنَا كتبت يَدَاهُ كتاب ذِي الاحسان ... وَكتابه هُوَ عِنْده على الْعَرْش الْمجِيد الثَّابِت الاركان 5 ... إِنِّي أَنا الرَّحْمَن تسبق رَحْمَتي ... غَضَبي وَذَاكَ لرأفتي وحناني ... يُشِير الى حَدِيث ابي الزِّنَاد عَن الاعرج عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (ان الله كتب كتابا قبل ان يخلق الْخلق إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش (اخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَذكره الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (بِلَفْظ آخر عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قضى الله الْخلق كتب فِي كِتَابه فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش ان رَحْمَتي سبقت غَضَبي (قَالَ وَلَفظ حَدِيث الثَّوْريّ عَن الاعمش عَن ابي صَالح عَن ابي هُرَيْرَة رَفعه (لما خلق الله الْخلق كتب فِي كتاب كتبه على نَفسه فَهُوَ مَرْفُوع فَوق الْعَرْش ان رَحْمَتي تغلب غَضَبي (وَفِي حَدِيث صَفْوَان بن عِيسَى ثَنَا ابْن عجلَان عَن ابيه عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لما خلق الله الْخلق كتب بِيَدِهِ على نَفسه إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي ( قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد أَشَارَ نَبينَا فِي خطبه نَحْو السَّمَاء بأصبع وبنان ... مستشهد رب السَّمَوَات العلى ليرى وَيسمع قَوْله الثَّقَلَان ... أتراه أَمْسَى للسما مستشهدا أم للَّذي هُوَ فَوق ذِي الاكوان ... يعْنى حَدِيث جَابر فِي خطبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة وَقد تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 قَالَ النَّاظِم ... وَلَقَد أَتَى فِي رقية المرضى عَن الْهَادِي الْمُبين أتم مَا تبيان نَص بِأَن الله فَوق سمائه ... فأسمعه إِن سمحت لَك الاذنان ... يُشِير الى حَدِيث ابي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (من اشْتَكَى مِنْكُم شَيْئا اَوْ اشْتَكَى أَخ لَهُ فَلْيقل رَبنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاء تقدس اسْمك أَمرك فِي السَّمَاء والارض كَمَا رحمتك فِي السَّمَاء فَاجْعَلْ رحمتك فِي الارض اغْفِر لنا حوبنا وحطايانا أَنْت رب الطيبين انْزِلْ علينا رَحْمَة من رحمتك وشفاء من شفائك على هَذَا الوجع فَيبرأ (أخرجه ابو دَاوُد فِي (سنَنه ( قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد أَتَى خبر رَوَاهُ عَمه الْعَبَّاس صنوابيه ذُو الاحسان ... إِن السَّمَوَات العلى من فَوْقهَا الْكُرْسِيّ عَلَيْهِ الْعَرْش للرحمن وَالله فَوق الْعَرْش يبصر خلقه ... فَانْظُر إِن سمحت لَك العينان ... يُشِير الى حَدِيث الاوعال وَهُوَ حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ كنت بالبطحاء فِي عِصَابَة فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمرت بهم سَحَابَة فَنظر اليها فَقَالَ (مَا تسمون هَذِه (قَالُوا السَّحَاب قَالَ (والمزن (قَالُوا والمزن قَالَ (والعنان (قَالُوا والعنان قَالَ (هَل تَدْرُونَ مَا بعد مَا بَين السَّمَاء والارض (قَالُوا لَا نَدْرِي قَالَ (إِن بعد مَا بَينهمَا إِمَّا وَاحِدَة أَو اثْنَتَانِ أَو ثَلَاث وَسَبْعُونَ سنة ثمَّ السَّمَاء فَوْقهَا كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 حَتَّى عد سبع سموات ثمَّ فَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ مثل مَا بَين سَمَاء إِلَى سَمَاء ثمَّ فَوق ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين اظلافهم وركبهم مثل مَا بَين سَمَاء الى سَمَاء ثمَّ على ظُهُورهمْ الْعَرْش بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ مثل مَا بَين سَمَاء الى سَمَاء ثمَّ الله تَعَالَى فَوق ذَلِك (رَوَاهُ ابو دَاوُد وَابْن ماجة وَله طرق قَوْله صنو أَبِيه قَالَ ابْن الاعرابي الصنو الْمثل أَرَادَ مثل أَبِيه وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {صنْوَان وَغير صنْوَان} الرَّعْد 4 أَن يكون الاصل وَاحِدًا وَفِيه النخلتان وَالثَّلَاث والاربع قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر حَدِيث حُصَيْن بن الْمُنْذر الثِّقَة الرضى أَعنِي أَبَا عمرَان ... إِذْ قَالَ رَبِّي فِي السَّمَاء لرغبتي ولرهبتي أَدْعُوهُ كل أَوَان ... فأقره الْهَادِي البشير وَلم ويقل أَنْت المجسم قَائِل بمَكَان ... حيزت بل جهيت بل شبهت بل جسمت لست بعارف الرَّحْمَن ... هذي مقالتهم لمن قد قَالَ مَا قد قَالَه حَقًا أَبُو عمرَان ... فَالله يَأْخُذ حَقه مِنْهُم وَمن أتباعهم فَالْحق للرحمن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 يَعْنِي حَدِيث حُصَيْن بن الْمُنْذر الْخُزَاعِيّ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عمرَان بن خَالِد ابْن طليق حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ اخْتلفت قُرَيْش الى حُصَيْن وَالِد عمرَان فَقَالُوا إِن هَذَا الرجل يذكر آلِهَتنَا فَنحب أَن تكَلمه وتعظه فَمَشَوْا الى قريب من بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجلسوا وَدخل حُصَيْن فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أوسعوا للشَّيْخ (فأوسعوا لَهُ وَعمْرَان وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوافرون فَقَالَ حُصَيْن مَا هَذَا الَّذِي بلغنَا عَنْك إِنَّك تَشْتُم آلِهَتنَا وتذكرهم وَقد كَانَ أَبوك حَصِينَة وَخيرا (فَقَالَ يَا حُصَيْن كم إِلَهًا تعبد الْيَوْم (قَالَ سَبْعَة سِتَّة فِي الارض وإلها فِي السَّمَاء قَالَ (فَإِذا اصابك الضّر فَمن تَدْعُو (قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء قَالَ (فاذا هلك المَال فَمن تَدْعُو (قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء قَالَ (فيستجيب لَك وَحده وتشركهم مَعَه (قَالَ رضيته فِي الشُّكْر اَوْ كلمة نَحْوهَا أم تخَاف أَن يغلب عَلَيْك قَالَ وَلَا وَاحِدَة من هَاتين وَعرفت أَنِّي لم أكلم مثله فَقَالَ يَا حُصَيْن اسْلَمْ تسلم وَذكر الحَدِيث أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي كتاب (التَّوْحِيد ( وَقَول النَّاظِم حيزت الخ أَي اذا قلت بِمَا قَالَ حُصَيْن بن الْمُنْذر قَالُوا حيزت أَي قلت بِأَن الله فِي حيّز وجهيت أَي قلت بِأَن الله تَعَالَى فِي جِهَة وشبهت أَي قلت بِمَا يَقْتَضِي التَّشْبِيه وجسمت أَي قلت بِأَن الله تَعَالَى جسم تَعَالَى الله عَن ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَاذْكُر شَهَادَته لمن قد قَالَ رَبِّي فِي السما بِحَقِيقَة الايمان وَشَهَادَة الْعدْل الْمُعَطل للَّذي ... قد قَالَ ذَا بِحَقِيقَة الكفران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 .. واحكم بِأَيِّهِمَا تشَاء وإنني لاراك تقبل شَاهد الْبطلَان ... ان كنت من أَتبَاع جهم صَاحب التعطيل والبهتان والعدوان ... يُشِير الى حَدِيث الْجَارِيَة وَقد تقدم بِبَعْض أَلْفَاظه قَالَ النَّاظِم ... وَاذْكُر حَدِيثا لِابْنِ اسحاق الرضى ... ذَاك الصدوق الْحَافِظ الرباني فِي قصَّة استسقائهم يستشفعو ... ن الى الرَّسُول بربه المنان فاستعظم الْمُخْتَار ذَاك وَقَالَ شأ ... ن الله رب الْعَرْش أعظم شان الله فَوق الْعَرْش فَوق سمائه ... سُبْحَانَ ذِي الملكوت وَالسُّلْطَان ولعرشه مِنْهُ أطيط مثل مَا ... قد أط رَحل الرَّاكِب العجلان لله مَا لَقِي ابْن اسحاق من الجهمي إِذْ يرميه بالعدوان ... ويظل يمدحه اذا كَانَ الَّذِي يروي يُوَافق مَذْهَب الطعان ... كم قد رَأينَا مِنْهُم أَمْثَال ذَا فَالْحكم لله الْعلي الشان ... هَذَا هُوَ التطفيف لَا التطفيف فِي ذرع وَلَا كيل وَلَا ميزَان ... يَعْنِي النَّاظِم حَدِيث ابْن اسحاق وَقد رَوَاهُ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (فَقَالَ اُخْبُرْنَا التَّاج عبد الْخَالِق وَبنت عَمه سِتّ الاهل قَالَا أَنبأَنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم أنبأ عبد المغيث بن زُهَيْر أَنبأَنَا ابو الْعِزّ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 كادش أَنبأَنَا أَبُو طَالب مُحَمَّد بن عَليّ أَنبأَنَا أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ ثَنَا يحيى بن صاعد ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد أخي كرخويه ثَنَا وهب بن جرير ثَنَا أبي سَمِعت ابْن اسحاق يحدث عَن يَعْقُوب بن عتبَة عَن جُبَير عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعرابي فَقَالَ يَا رَسُول الله جهدت الانفس وَضاع الْعِيَال وَهَلَكت الانعام ونهكت الاموال فاستسق الله لنا فانا لنستشفع بِاللَّه عَلَيْك وَبِك على الله فَقَالَ وَيحك اتدري مَا تَقول ان الله لايستشفع بِهِ على أحد من خلقه شَأْن الله أعظم من ذَلِك وَيحك أَتَدْرِي مَا الله إِن عَرْشه لعلى سمواته وأرضه هَكَذَا قَالَ وأرانا وهب بِيَدِهِ هَكَذَا وَقَالَ مثل الْقبَّة وانه ليئط أطيط الرحل بالراكب (قَالَ الذَّهَبِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب جدا وَابْن اسحاق حجَّة فِي الْمَغَازِي إِذا أسْند وَله مَنَاكِير وعجائب فَالله أعلم هَل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا أم لَا وَالله عز وَجل لَيْسَ كمثله شَيْء جلّ جَلَاله وتقدست أسماؤه وَلَا اله غَيره والاطيط الواقغ بِذَات الْعَرْش من جنس الاطيط الْحَاصِل فِي الرحل فَذَاك صفة للرحل وَالْعرش ومعاذ الله أَن نعده صفة لله عز وَجل ثمَّ لفظ (الاطيط) لم يَأْتِ بِهِ نَص ثَابت وَقَوْلنَا فِي هَذِه الاحاديث إننا نؤمن يما صَحَّ مِنْهَا وَمَا اتّفق السّلف على إِقْرَاره وإمراره فَأَما مَا فِي اسناده مقَال اَوْ اخْتلف الْعلمَاء فِي قبُوله اَوْ تَأْوِيله فإننا لَا نتعرض لَهُ بتقرير بل نروي هـ فِي الْجُمْلَة ونبين حَاله وَهَذَا الحَدِيث انما سقناه لما فِيهِ مِمَّا تَوَاتر من علو الله تَعَالَى فَوق عَرْشه مِمَّا يُوَافق آيَات الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَاذْكُر حَدِيث نُزُوله نصف الدجى فِي ثلث ليل آخر أَو ثَان ... فنزول رب لَيْسَ فَوق سمائه فِي الْعقل مُمْتَنع وَفِي الْقُرْآن ... تقدم سِيَاق حَدِيث النُّزُول وَقَول النَّاظِم فنزول رب لَيْسَ فَوق سمائه الخ هَذَا نَحْو مَا ذكر شيخ الاسلام فِي كَلَامه على حَدِيث النُّزُول قَالَ سُئِلَ بعض أَئِمَّة نفاة الْعُلُوّ عَن النُّزُول فَقَالَ ينزل أمره فَقَالَ لَهُ السَّائِل فَمِمَّنْ ينزل مَا عنْدك فَوق الْعَرْش شَيْء فَمِمَّنْ ينزل الامر من الْعَدَم الْمَحْض فبهت قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَاذْكُر حَدِيث الصَّادِق ابْن رَوَاحَة فِي شَأْن جَارِيَة لَدَى الغشيان ... فِيهِ الشَّهَادَة أَن عرش الله فو ق المَاء خَارج هَذِه الاكوان ... وَالله فَوق الْعَرْش جلّ جَلَاله سُبْحَانَهُ عَن نفي ذِي الْبُهْتَان 5 ... ذكر ابْن عبد الْبر فِي استيعابه هَذَا وَصَححهُ بِلَا نكران ... قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب (الِاسْتِيعَاب (روينَا من وُجُوه صِحَاح أَن عبد الله بن رَوَاحَة مشي لَيْلَة إِلَى أمة لَهُ فنالها فرأته امْرَأَته فَلَامَتْهُ فجحدها فَقَالَت لَهُ إِن كنت صَادِقا فاقرأ الْقُرْآن فان الْجنب لَا يقرآ القرأن فَقَالَ ... شهِدت بِأَن وعد الله حق ... وَأَن النَّار مثوى الكافرينا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 .. وَأَن الْعَرْش فَوق المَاء طَاف ... وَفَوق الْعَرْش رب العالمينا ... قَالَت امْرَأَته صدق الله وكذبت عَيْني وَكَانَت لَا تحفظ الْقُرْآن وَلَا تقرؤه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَحَدِيث مِعْرَاج الرَّسُول فثابت وَهُوَ الصَّرِيح بغاية التِّبْيَان ... وَإِلَى إِلَه الْعَرْش كَانَ عروجه لم يخْتَلف من صَحبه رجلَانِ ... تقدم الْكَلَام على الْمِعْرَاج بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر بِقصَّة خَنْدَق حكما جرى لقريظة من سعد الرباني ... شهد الرَّسُول بِأَن حكم الهنا من فَوق سبع وَفقه بوزان ... قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين بن قدامَة قَرَأَ على عبد الله بن مَنْصُور وَأَنا أسمع أخْبركُم ابو الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار أنبأ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد أنبأ أَبُو بكر بن شَاذان أنبأ أَبُو عبد الله الْمُغلس ثَنَا سعيد بن يحيى الاموي قَالَ حَدثنِي ابي ثَنَا مُحَمَّد بن اسحاق عَن معبد بن كَعْب بن مَالك أَن سعد بن معَاذ لما حكم فِي بني قُرَيْظَة قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد حكمت فيهم حكما حكم الله بِهِ من فَوق سَبْعَة أَرقعَة (وأصل الْقِصَّة فِي (الصَّحِيحَيْنِ ( قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر حَدِيثا للبراء رَوَاهُ اصحاب المساند مِنْهُم الشيبانى ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 .. وَأَبُو عوَانَة ثمَّ حاكمنا الرضى وَأَبُو نعيم الْحَافِظ الرباني ... قد صححوه وَفِيه نَص ظَاهر مَا لم يحرفه أولو الْعدوان ... فِي شَأْن روح العَبْد عِنْد وداعها وفراقها لمساكن الابدان ... فتظل تصعد فِي سَمَاء فَوْقهَا أُخْرَى إِلَى خلاقها الرَّحْمَن ... حَتَّى تصير إِلَى سَمَاء رَبهَا فِيهَا وَهَذَا نَصه بِأَمَان ... تقدم الحَدِيث بِبَعْض طرقه وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر حَدِيثا فِي الصَّحِيح وَفِيه تحذير لذات البعل من هجران من سخط رب فِي السَّمَاء على الَّتِي ... هجرت بِلَا ذَنْب وَلَا عدوان ... يُشِير الى حَدِيث ابي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من رجل يدعوا الْمَرْأَة الى فراشها فتأبى عَلَيْهِ الا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء ساخطا عَلَيْهَا حَتَّى يرضى (اخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر حَدِيثا قد رَوَاهُ جَابر ... فِيهِ الشِّفَاء لطَالب الايمان فِي شَأْن أهل الْجنَّة الْعليا وَمَا ... يلقون من فضل وَمن إِحْسَان بيناهم فِي عيشهم ونعيمهم واذا بِنور سَاطِع الغشيان لكِنهمْ رفعوا اليه رؤوسهم ... فَإِذا هُوَ الرَّحْمَن ذُو الغفران ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 .. فَيسلم الْجَبَّار جلّ جَلَاله ... حَقًا عَلَيْهِم وَهُوَ ذُو الاحسان ... قد تقدم حَدِيث جَابر قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر حَدِيثا قد رَوَاهُ الشَّافِعِي طَرِيقه فِيهِ أَبُو الْيَقظَان ... فِي فضل يَوْم الْجُمُعَة الْيَوْم الَّذِي بِالْفَضْلِ قد شهِدت لَهُ النصان ... يَوْم اسْتِوَاء الرب جلّ جَلَاله حَقًا على الْعَرْش الْعَظِيم الشان ... هَذَا الحَدِيث سَاقه الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (فَقَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الْمُنعم الْقزْوِينِي أنبأ مُحَمَّد بن سعيد بِبَغْدَاد وأنبأ عَليّ بن مُحَمَّد وَجَمَاعَة قَالُوا أنبأ ابْن الزبيدِيّ ح وأنبأ التَّاج أَبُو مُحَمَّد المغربي أنبأ عبد الله بن أَحْمد الْفَقِيه ببعلبك قَالُوا أنبأ أَبُو زرْعَة أنبأ مكي بن مَنْصُور أَبُو بكر الْحِيرِي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الاصم ح وأنبأ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أنبأ ابْن رِفَاعَة أنبأ الخلعي أنبأ أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْحَاج الاسبيلي حَدثنَا ابو الفوارس أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّابُونِي إملاء قَالَا ثَنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان ثَنَا الشَّافِعِي أنبأ ابراهيم بن مُحَمَّد حَدثنِي مُوسَى بن عَبدة حَدثنِي أَبُو الازهر مُعَاوِيَة بن اسحاق بن طَلْحَة عَن عبيد الله بن عُمَيْر أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول أَتَى جِبْرِيل بِمِرْآة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 بَيْضَاء فِيهَا وكتة سَوْدَاء الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا هَذِه (قَالَ هَذِه الْجُمُعَة فضلت بهَا أَنْت وَأمتك وَالنَّاس لكم فِيهَا تبع الْيَهُود وَالنَّصَارَى لكم فِيهَا خير وفيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُؤمن يَدْعُو (الله) بِخَير الا اسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عندنَا يَوْم الْمَزِيد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمَا يَوْم الْمَزِيد (قَالَ ان رَبك اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح فِيهِ كثب من مسك فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة انْزِلْ الله فِيهِ من شَاءَ من الْمَلَائِكَة وَحَوله الصديقون وَالشُّهَدَاء فَيَجْلِسُونَ من ورائهم على تِلْكَ الْكتب فَيَقُول الله تَعَالَى أَنا ربكُم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم فيقلون رَبنَا نَسْأَلك الرضى فَيَقُول رضيت عَنْكُم وَلكم مَا شِئْتُم وَلَدي مزِيد فهم يحبونَ يَوْم الْجُمُعَة لما يعطيهم رَبهم من الْخَيْر وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبك على الْعَرْش وَفِيه خلق آدم وَفِيه تقوم السَّاعَة (إِبْرَاهِيم ومُوسَى ضعفا أخرجه الامام مُحَمَّد بن ادريس فِي (مُسْنده (وَقد اخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق حَمْزَة ابْن وَاصل الْمنْقري عَن قَتَادَة عَن أنس وَمن طَرِيق عَنْبَسَة الرَّازِيّ عَن أبي الْيَقظَان عُثْمَان بن عُمَيْر عَن انس (وَأخرجه عُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي قَالَ حَدثنَا هِشَام بن خَالِد الدِّمَشْقِي وَكَانَ ثِقَة ثَنَا) مُحَمَّد بن شُعَيْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 شَابُور عَن عمر مولى غفرة عَن أنس وَأخرجه القَاضِي أَبُو أَحْمد الْعَسَّال فِي فِي كتاب (الْمعرفَة (لَهُ عَن رِجَاله عَن جرير بن عبد الحميد عَن لَيْث ابْن أبي سليم عَن عُثْمَان بن أبي حميد وَهُوَ أَبُو الْيَقظَان عَن أنس وَرَوَاهُ من طَرِيق سَلام بن سُلَيْمَان عَن شُعْبَة واسرائيل وورقاء عَن لَيْث أَيْضا وَسَاقه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة شُجَاع بن الْوَلِيد عَن زِيَاد بن خَيْثَمَة عَن عُثْمَان بن ابي سُلَيْمَان عَن أنس وَالظَّاهِر أَن عُثْمَان أَبُو الْيَقظَان وَحدث بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان عَن سَالم بن عبد الله عَن أنس بن مَالك وَهَذِه طرق يعضد بَعْضهَا بَعْضًا رزقنا الله واياكم لَذَّة النّظر الى وَجهه الْكَرِيم انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر مقَالَته السِّت امين من فَوق السَّمَاء الْوَاحِد المنان ... وَاذْكُر حَدِيث ابي رزين ثمَّ سقه بِطُولِهِ كم فِيهِ من عرفان وَالله مالمعطل بِسَمَاعِهِ ... أبدا قوى إِلَّا على النكران فأصول دين نَبينَا فِيهِ أَتَت ... فِي غَايَة الايضاح والتبيان ... وبطوله قد سَاقه ابْن إمامنا فِي سنة والحافظ الطَّبَرَانِيّ ... وَكَذَا أَبُو بكر بتاريخ لَهُ وَأَبوهُ ذَاك زُهَيْر الرباني ... يُشِير بقوله أَلَسْت أَمِين الخ الى حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ بعث عَليّ من الْيمن الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذهبه فِي أَدِيم مقروظ لم تحصل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 قلت هَذَا كَلَام الذَّهَبِيّ وَقد سَاقه بِتَمَامِهِ النَّاظِم فِي كتاب (الْهَدْي (وَقَالَ هَذَا حَدِيث كَبِير جليل الشَّأْن يُنَادي جلالته وفخامته وعظمته على أه قد خرج من مشكاة النُّبُوَّة الى أَن قَالَ وَلم يطعن أحد فِيهِ وَفِي أحد من رُوَاته فَمِمَّنْ رَوَاهُ الامام بن الامام أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي (مُسْند أَبِيه (وَفِي كتاب (السّنة (وَمِنْهُم الْحَافِظ الْجَلِيل ابو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم النَّبِيل فِي كتاب (السّنة (لَهُ والحافظ أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد الغسال فِي كتاب (الْمعرفَة (وحافظ زَمَانه أَبُو الْقَاسِم سُلَيْمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ والحافظ ابو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن حَيَّان أَبُو الشَّيْخ الاصبهاني فِي كتاب السّنة وحافظ عصره ابو نعيم احْمَد بن عبد الله الأصبهانى وَجَمَاعَة من الْحفاظ يطول ذكرهم قَالَ ابْن مَنْدَه روى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن اسحاق الصغاني وع الله ابْن أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا وَقد رَوَاهُ بالعراق بمجمع من الْعلمَاء وَأهل الدّين جمَاعَة من الائمة مِنْهُم أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن اسماعيل وَلم يُنكره أحد وَلم يتَكَلَّم فِي اسناده بل رَوَوْهُ على سَبِيل الْقبُول وَالتَّسْلِيم وَلَا يُنكر هَذَا الحَدِيث الا جَاهِل أَو مُخَالف للْكتاب وَالسّنة هَذَا كَلَام أبي عبد الله بن مَنْدَه انْتهى كَلَام النَّاظِم مُلَخصا قَوْله وبطوله قد سَاقه ابْن أمامنا أَي سَاقه عبد الله ابْن الامام أَحْمد فِي كتاب (السّنة (لَهُ قَوْله وَكَذَا أَبُو بكر بتاريخ لَهُ أَي أَبُو بكر ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه (وَأَبوهُ زُهَيْر بن حَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاذْكُر كَلَام مُجَاهِد فِي قَوْله أقِم الصَّلَاة وَتلك فِي سُبْحَانَ ... فِي ذكر تَفْسِير الْمقَام لاحمد مَا قيل ذَا بِالرَّأْيِ والحسبان ... ان كَانَ تجسيما فان مُجَاهدًا هُوَ شيخهم بل شَيْخه بل شَيْخه الفوقاني ... وَلَقَد أَتَى ذكر الْجُلُوس بِهِ وَفِي أثر رَوَاهُ جَعْفَر الرباني ... اعني ابْن عَم نَبينَا وَبِغَيْرِهِ أَيْضا أَتَى وَالْحق ذُو تبيان ... قد تقدم ذكر كَلَام مُجَاهِد فِي ذَلِك وبسطنا الْكَلَام فِيهِ بِمَا أغْنى عَن الاعادة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالدَّارَقُطْنِيّ الامام يثبت ال آثَار فِي ذَا الْبَاب غير جبان ... وَله قصيد ضمنت هَذَا وَفِي هَا لست للمروي ذَا نكران ... وَجَرت لذَلِك فتْنَة فِي وقته من فرقة التعطيل والعدوان ... وَالله نَاصِر دينه وَكتابه وَرَسُوله فِي سَائِر الازمان ... لَكِن بمحنة حزبه من حربه ذَا حِكْمَة مذ كَانَت الفئتان ... قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (كَانَ الْعَلامَة الْحَافِظ ابو الْحسن عَليّ بن عمر نادرة الْعَصْر وفرد الجهابذة ختم بِهِ هَذَا الشَّأْن فمما صنف كتاب (الرُّؤْيَة (وَكتاب (الصِّفَات (وَكَانَ اليه المنتهي فِي السّنة ومذاهب السّلف وَهُوَ الْقَائِل مَا أنبأني أَحْمد بن سَلامَة عَن يحيى بن بوش أنبا بن كادش أنشدنا أَبُو طَالب العشاري أنشدنا الدراقطني رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 .. حَدِيث الشَّفَاعَة فِي أَحْمد الى أَحْمد الْمُصْطَفى نسنده ... وَأما حَدِيث بإقعاده على الْعَرْش أَيْضا فَلَا نجحده ... أمروا الحَدِيث على وَجهه وَلَا تدْخلُوا فِيهِ مَا يُفْسِدهُ ... توفّي الدَّارَقُطْنِيّ رَحمَه الله سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ وَلم أَقف على المحنة الَّتِي ذكرهَا النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَهِي الَّتِي جرت للدارقطني عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن مهْدي بن مَسْعُود بن دِينَار بن عبد الله أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ الْحَافِظ الْكَبِير أستاذ هَذِه الصِّنَاعَة فِي زَمَانه وَقبلهَا بِمدَّة وَبعدهَا الى زَمَاننَا هَذَا سمع الْكثير وَجمع وصنف وَألف وأجاد وَأفَاد وَأحسن النّظر وَالتَّعْلِيل والاعتقاد والانتقاد وَكَانَ فريد عصره ونسيج وَحده وامام دهره فِي اسماء الرِّجَال وصناعة التَّعْلِيل وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل وَحسن التصنيف والتأليف والترصيف واتساع الرِّوَايَة والاطلاع التَّام فِي الدِّرَايَة لَهُ كتاب (السّير (الْمَشْهُور من أحسن المصنفات فِي بَابه لم يسْبق الى مثله وَلَا يلْحق فِي شكله الا من استمد من بحره وَعمل كعمله وَله كتاب (الْعِلَل (بَين فِيهِ الصَّوَاب من الزلل والمتصل من الْمُرْسل والمنقطع والمعضل وَكتاب (الافراد (الَّذِي لَا يفهمهُ فضلا عَن أَن ينظمه الا هُوَ من الْحفاظ الافراد والائمة النقاد والجهابذه الْجِيَاد وَله غير ذَلِك من المصنفات الَّتِي هِيَ كالعقود فِي الاجياد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد اجْتمع فِيهِ مَعَ معرفَة الحَدِيث الْعلم بالقراآت والنحو وَالْفِقْه وَالشعر مَعَ الامامة وَالْعَدَالَة وَصِحَّة العقيدة وَقد كَانَت وَفَاته يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 ذِي الْقعدَة سنة 385 وَله من الْعُمر تسع وَسَبْعُونَ سنة وَدفن من الْغَد بمقربة مَعْرُوف الْكَرْخِي قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَقد اقتصرت على يسير من كثير فَائت للعد والحسبان ... مَا كل هَذَا قَابل التَّأْوِيل بالتحريف فاستحيوا من الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 فصل فِي جِنَايَة التَّأْوِيل على مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَالْفرق بَين الْمَرْدُود والمقبول شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي ذكر التَّأْوِيل وَمَا جنى على الشَّرِيعَة المطهرة من البلايا والمحن والشرور والفتن وَذكر مَا يقبل مِنْهُ وَمَا يرد قَالَ ... هَذَا وأصل بلية الْإِسْلَام من تَأْوِيل ... ذِي التحريف والبطلان وَهُوَ الَّذِي قد فرق السّبْعين بل زَادَت ثَلَاثًا قَول ذِي الْبُرْهَان ... يُشِير إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة الحَدِيث ... وَهُوَ الَّذِي قتل الْخَلِيفَة جَامع الْقُرْآن ذَا النورين والاحسان ... يَعْنِي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ ... وَهُوَ الَّذِي قتل الْخَلِيفَة بعده ... أَعنِي عليا قَاتل الأقران ... وَهُوَ الَّذِي قتل الْحُسَيْن وَأَهله ... فَغَدوْا عَلَيْهِ ممزقي اللحمان ... وَهُوَ الَّذِي فِي يَوْم حرتهم أَبَا ... ح حمى الْمَدِينَة معقل الايمان حَتَّى جرت تِلْكَ الدِّمَاء كَأَنَّهَا ... فِي يَوْم عيد سنة القربان ... أَي وقْعَة الْحرَّة وَذَلِكَ أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَجه مُسلم بن عقبَة المري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 فِي جَيش عَظِيم من أهل الشَّام فَنزل بِالْمَدِينَةِ فقاتل أَهلهَا فَهَزَمَهُمْ وقتلهم بحرة الْمَدِينَة قتلا ذريعا واستباح الْمَدِينَة ثَلَاثَة أَيَّام فسميت وقْعَة الْحرَّة لذَلِك وفيهَا يَقُول الشَّاعِر ... فان تقتلونا يَوْم حرَّة واقم ... فانا على الاسلام أول من قتل ... وَكَانَت وقْعَة الْحرَّة يَوْم الاربعاء لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَيُقَال لَهَا حرَّة زهرَة وَكَانَت الْوَقْعَة بِموضع يعرف ب واقم على ميل من مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقتل بهَا بقايا الْمُهَاجِرين والانصار وَخيَار التَّابِعين وهم الف وَسَبْعمائة وَقتل من أخلاط النَّاس عشرَة آلَاف سوى النِّسَاء وَالصبيان وَقتل بهَا من حَملَة الْقُرْآن سَبْعمِائة رجل من قُرَيْش سَبْعَة وَتسْعُونَ قتلوا جَهرا ظلما فِي الْحَرْب وصبرا كَذَا ذكر الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله فِي التَّذْكِرَة وَفِي كتاب آكام المرجان فِي أَحْكَام الجان للشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الشبلي الصَّفَدِي الْحَنَفِيّ قَالَ كَانَت وقْعَة الْحرَّة لثلاث لَيَال بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ على بَاب طيبَة وَاسْتشْهدَ فِيهَا خلق كثير وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة قَالَ خَليفَة فَجَمِيع من أُصِيب من قُرَيْش والانصار ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ وَرُوِيَ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على الْحرَّة وَقَالَ ليقْتلن بِهَذَا الْمَكَان رجال هم خِيَار امتي بعد أَصْحَابِي وَكَانَ سَببهَا ان اهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد بن مُعَاوِيَة واخرجوا مَرْوَان بن الحكم وَبني أُميَّة وَأمرُوا عَلَيْهِم حَنْظَلَة بن عبد الله الغسيل وَلم يُوَافق أهل الْمَدِينَة أحد من أكَابِر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين كَانُوا فيهم فَجهز اليهم يزِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 ابْن مُعَاوِيَة مُسلم بن عقبَة فأوقع بهم قَالَ السُّهيْلي وَقتل فِي ذَلِك الْيَوْم من وُجُوه الْمُهَاجِرين والانصار ألف وَسَبْعمائة وَقتل من أخلاط النَّاس عشرَة آلَاف قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ ابو عبد الله الذَّهَبِيّ هَذَا خسف ومجازفة والحرة الَّتِي تعرف بهَا هَذَا الْيَوْم يُقَال لَهَا حرَّة زهرَة وَعرفت حرَّة زهرَة بقرية كَانَت لبني زهرَة قوم من الْيَهُود قَالَ الزبير فِي فَضَائِل الْمَدِينَة كَانَت قَرْيَة كَبِيرَة فِي الزَّمن الْقَدِيم وَكَانَ فِيهَا ثلثمِائة صائغ وَكَانَ يزِيد قد أعذر الى أهل الْمَدِينَة وبذل لَهُم من الْعَطاء أَضْعَاف اضعاف مَا يُعْطي النَّاس واجتهد فِي استمالتهم الى الطَّاعَة والتحذير من الْخلاف وَلَكِن أَبى الله الا مَا أَرَادَ وَالله يحكم بَين عباده فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ انْتهى ... وَغدا لَهُ الْحجَّاج يسفكها وَيقتل صَاحب الايمان وَالْقُرْآن ... وَجرى بِمَكَّة مَا جرى من أَجله ... من عَسْكَر الْحجَّاج ذِي الْعدوان ... وهوالذي أنشأ الْخَوَارِج مِثْلَمَا ... أنشا الروافض أَخبث الْحَيَوَان ولأجله شتموا خيارا الْخلق بعد الرُّسُل بالعدوان والبهتان ولأجله سل الْبُغَاة سيوفهم ... ظنا بِأَنَّهُم ذَوُو إِحْسَان ... ولأجله قد قَالَ أهل الاعتزا ... ل مقَالَة هدت قوى الايمان ولأجله قَالُوا بِأَن كَلَامه سُبْحَانَهُ خلق من الأكوان ... ولأجله قد كذبت بِقَضَائِهِ شبه الْمَجُوس العابدي النيرَان ولأجله قد خلدوا أهل الْكَبَائِر فِي الْجَحِيم كعابدي الْأَوْثَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 .. ولأجله قد انكروا لشفاعة الْمُخْتَار فيهم غَايَة النكران ولأجله ضرب الامام بسوطهم صديق أهل السّنة الشَّيْبَانِيّ ولأجله قد قَالَ جهم لَيْسَ رب الْعَرْش خَارج هَذِه الأكوان كلا وَلَا فَوق السَّمَاوَات العلى ... وَالْعرش من رب وَلَا رحمان ... مَا فَوْقهَا رب يطاع جباهنا تهوي لَهُ بسجود ذِي خضعان ولأجله جحدت صِفَات كَمَاله ... وَالْعرش أخلوه من الرَّحْمَن ولأجله أفنى الْجَحِيم وجنة المأوى مقَالَة كَاذِب فتان ... ولأجله قَالُوا الاله معطل ... أزلا بِغَيْر نِهَايَة وزمان ... ولأجله قد قَالَ لَيْسَ لفعله من غَايَة هِيَ حِكْمَة الديَّان ولأجله قد كذبُوا بنزوله ... نَحْو السَّمَاء بِنصْف ليل ثَان ... ولأجله زَعَمُوا الْكتاب عبارَة ... وحكاية عَن ذَلِك الْقُرْآن مَا عندنَا شَيْء سوى الْمَخْلُوق وَالْقُرْآن لم يسمع من الرَّحْمَن مَاذَا كَلَام الله قطّ حَقِيقَة ... لَكِن مجَاز وَيْح ذِي الْبُهْتَان ولأجله قتل ابْن نصر أحمدا ذَاك الْخُزَاعِيّ الْعَظِيم الشان ... إِذْ قَالَ ذَا الْقُرْآن نفس كَلَامه ... مَا ذَاك مَخْلُوق من الأكوان ... أَي ولأجله قتل الواثق أَحْمد بن نصر بن مَالك الْخُزَاعِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وقصته مَعْرُوفَة ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَنَاقِب الامام احْمَد رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي مَنَاقِب الامام احْمَد أَحْمد بن نصر بن مَالك بن الْهَيْثَم الْخُزَاعِيّ كَانَ من اهل الدّين وَالصَّلَاح والامارين بِالْمَعْرُوفِ وَسمع الحَدِيث من مَالك بن انس وَحَمَّاد بن زيد وهشيم فِي آخَرين وَقد روى عَنهُ يحيى بن معِين وَغَيره وَكَانَ قد اتهمَ بِأَنَّهُ يُرِيد الْخلَافَة فَأخذ وَحمل الى الواثق فَقَالَ لَهُ دع مَا أخذت لَهُ مَا تَقول فِي الْقُرْآن قَالَ كَلَام الله قَالَ أمخلوق هُوَ قَالَ هُوَ كَلَام الله قَالَ أفترى رَبك فِي الْقِيَامَة قَالَ كَذَا جَاءَت الرِّوَايَة قَالَ وَيحك وكما يرى الْمَحْدُود المجسم ودعا بِالسَّيْفِ وَأمر بالنطع فأجلس عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيّد وَأمر بشد رَأسه بِحَبل وَأمرهمْ أَن يمدوه وَمَشى إِلَيْهِ حَتَّى ضرب عُنُقه وَأمر بِحمْل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فنصب بالجانب الشَّرْقِي أَيَّامًا وَفِي الْجَانِب الغربي أَيَّامًا أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز باسناده عَن ابي بكر الْمَرْوذِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل وَذكر أَحْمد بن نصر فَقَالَ رَحمَه الله مَا كَانَ اسخاه لقد جاد بِنَفسِهِ قَالَ الْخَطِيب وَلم يزل رَأس أَحْمد بن نصر مَنْصُوبًا بِبَغْدَاد وَجَسَده مصلوبا ب سر من رأى سِتّ سِنِين الى ان حط وَجمع بَين راسه وبدنه وَدفن بالجانب الشَّرْقِي فِي الْمقْبرَة الْمَعْرُوفَة بالمالكية وَدفن فِي شَوَّال سنة سبع وَثَلَاثِينَ ... وَهُوَ الَّذِي جر ابْن سينا والألى ... قَالُوا مقَالَته على الكفران ... فتأولوا خلق السَّمَاوَات العلى ... وحدوثها بِحَقِيقَة الامكان وتأولوا علم الْإِلَه وَقَوله ... وَصِفَاته بالسلب والبطلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 .. وتأولوا الْبَعْث الَّذِي جَاءَت بِهِ ... رسل الْإِلَه لهَذِهِ الْأَبدَان بفراقها لعناصر قد ركبت ... حَتَّى تعود بسيطة الْأَركان وَهُوَ الَّذِي جر القرامطة الالى ... يتأولون شرائع الايمان فتأولوا العملي مثل تَأْوِيل العلمي عنْدكُمْ بِلَا فرقان ... وَهُوَ الَّذِي جر النصير وَحزبه ... حَتَّى اتوا بعساكر الكفران ... فَجرى على الاسلام اعظم محنة وخمارها فِينَا الى ذَا الْآن ... قَوْله وخمارها فِينَا إِلَى ذَا الْآن أَي ان فتن التتار لم تزل إِلَى زمَان النَّاظِم وَقد تقدم بعض مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَاد فِي الْفَصْل الَّذِي أَوله ... وأتى ابْن سينا بعد ذَاك مصانعا ... للْمُسلمين فَقَالَ بالامكان ... وَمَا جرى على الاسلام من هَؤُلَاءِ الملاعين كثير شهير فان حَدِيثهمْ يَأْكُل الاحاديث وَلَكِن نشِير إِلَى بعض مَا جرى فِي عصر النَّاظِم وَقَبله وَمَا فعله شيخ الاسلام رَحمَه الله فان لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء فِي جهادهم قَرَأت فِي تَرْجَمته لبَعض أَصْحَابه قَالَ وَفِي أول رَمَضَان سنة ثِنْتَيْنِ وَسَبْعمائة كَانَت وقْعَة شقحب الْمَشْهُورَة وَحصل للنَّاس شدَّة عَظِيمَة وَظهر فِيهَا من كرامات الشَّيْخ وَإجَابَة دُعَائِهِ وعظيم جهاده وفرط شجاعته وَنِهَايَة كرمه ونصحه للاسلام وَغير ذَلِك مَا يتَجَاوَز الْوَصْف قَالَ بعض أَصْحَابه ثمَّ سَاق الله جَيش الاسلام العرمرم الْمصْرِيّ صُحْبَة امير الْمُؤمنِينَ وَالْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سوقا حثيثا للقاء التتار فَاجْتمع الشَّيْخ بالخليفة وَالسُّلْطَان وأعيان الامراء وكلمهم بمرج الصفر قبلي دمشق وَبينهمْ وَبَين التتار أقل من مِقْدَار ثَلَاث سَاعَات وَبَقِي الشَّيْخ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 عَن وَأَخُوهُ وَأَصْحَابه وَمن مَعَه من الْغُزَاة قَائِما بجهاده ولأمه حَرْبَة يُوصي النَّاس بالثبات ويعدهم النَّصْر ويبشرهم بِالْغَنِيمَةِ والفوز بِإِحْدَى الحسنيين إِلَى أَن صدق الله وعده وأعز جنده وَهزمَ التتار وَحده وَدخل جَيش الاسلام إِلَى دمشق وَالشَّيْخ فِي أَصَابَهُ شَاك فِي سلاحة وداخلا مَعَهم عالية كَلمته مقبوله شَفَاعَته مكرما مُعظما يَقُول للمداحين أَنه رجل مِلَّة لَا رجل دولة وَأَخْبرنِي حَاجِب من الْحجاب ذُو دين وَأَمَانَة وَصدق قَالَ قَالَ لي الشَّيْخ يَوْم اللِّقَاء يَا فلَان الدّين أوقفني موقف الْمَوْت فسقته إِلَى مُقَابلَة الْعَدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تَحت الْغُبَار فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء وحرك شَفَتَيْه ثمَّ انْبَعَثَ وَأَقْبل على الْقِتَال ثمَّ حَال الْقِتَال والالتحام وَمَا عدت رَأَيْته حَتَّى فتح الله وانحاز التتار الى جبل صَغِير عصموا أنفسهم بِهِ من سيوف الْمُسلمين آخر النَّهَار وَإِذا بالشيخ وأخيه يصيحان تحريضا على الْقِتَال وتخويفا للنَّاس الْفِرَار فَقلت لَك الْبشَارَة بالنصر فهاهم محصورون بِهَذَا السفح وفغد إِن شَاءَ الله يؤخذون عَن آخِرهم قَالَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ودعا دُعَاء رَأَيْت بركته فِي ذَلِك الْوَقْت وَبعده وَقَالَ ابْن فضل الله وَحكي من شجاعته فِي مَوَاقِف الحروب نوبَة شقحب ونوبة كسروان مَا لم يسمع الا عَن صَنَادِيد الرِّجَال وأبطال اللِّقَاء وأحلاس الْحَرْب تَارَة يُبَاشر الْقِتَال وَتارَة يحرض عَلَيْهِ وَركب الْبَرِيد الى مهنا بن عِيسَى امير الْعَرَب واستحضره إِلَى الْجِهَاد وَركب بعْدهَا إِلَى السُّلْطَان واستنفره وواجه بالْكلَام الغليظ أمراءه وَعَسْكَره وَلما جَاءَ السُّلْطَان إِلَى شقحب لاقاه إِلَى قرب الْحرَّة وَجعل يشجعه ويثبته فَلَمَّا رأى السُّلْطَان كَثْرَة التتار قَالَ يَا لخَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ لَهُ لَا تقل هَذَا بل قل يَا الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 واستغث بِاللَّه رَبك وَحده وَوَحدهُ تنصر وَقل يَا مَالك يَوْم الدّين إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين ثمَّ صَار تَارَة يقبل على الْخَلِيفَة وَتارَة على السُّلْطَان ويهديهما ويربط جأشهما حَتَّى جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَحكي أَنه قَالَ للسُّلْطَان أثبت فانك مَنْصُور فَقَالَ لَهُ بعض الْأُمَرَاء قل 6 إِن شَاءَ الله فَقَالَ إِن شَاءَ الله تَحْقِيقا لَا تَعْلِيقا فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقبل ذَلِك فِي نوبَة غازان فعل من أَنْوَاع الْجِهَاد وأنواع الْخَيْر من انفاق الاموال وإطعام الطَّعَام وَغير ذَلِك مَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور فرحمه الله وَرَضي عَنهُ ... وَجَمِيع مَا فِي الْكَوْن من بدع وأحداث تخَالف مُوجب الْقُرْآن فأساسها التَّأْوِيل ذُو الْبطلَان لَا تَأْوِيل أهل الْعلم والأيمان ... إِذْ ذَاك تَفْسِير المُرَاد وكشفه ... وَبَيَان مَعْنَاهُ الى الاذهان ... قد كَانَ أعلم خلقه بِكَلَامِهِ ... صلى عَلَيْهِ الله كل أَوَان يتَأَوَّل الْقُرْآن عِنْد رُكُوعه وَسُجُوده تَأْوِيل ذِي برهَان هَذَا الَّذِي قالته أم الْمُؤمنِينَ حِكَايَة عَنهُ لَهَا بِلِسَان ... فَانْظُر إِلَى التَّأْوِيل مَا تَعْنِي بِهِ ... خير النِّسَاء وأفقه النسوان أتظنها تَعْنِي بِهِ صرفا عَن الْمَعْنى الْقوي لغير ذِي الرجحان ... وَانْظُر إِلَى التَّأْوِيل حِين يَقُول علمه لعبد الله فِي الْقُرْآن مَاذَا أَرَادَ بِهِ سوى تَفْسِيره ... وَظُهُور مَعْنَاهُ لَهُ بِبَيَان قَوْله ابْن عَبَّاس هُوَ التَّأْوِيل لَا ... تَأْوِيل جهمي أخي بهتان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 .. وَحَقِيقَة التَّأْوِيل مَعْنَاهُ الرُّجُوع الى الْحَقِيقَة لَا الى الْبطلَان ... وكذاك تَأْوِيل الْمَنَام حيقيقة المرئي لَا التحريف بالبهتان وكذاك تَأْوِيل الَّذِي قد أخْبرت ... رسل الْإِلَه بِهِ من الْإِيمَان نفس الْحَقِيقَة إِذْ تشاهدها لَدَى ... يَوْم الْمعَاد بِرُؤْيَة وعيان لَا خلف بَين أَئِمَّة التَّفْسِير فِي ... هَذَا وَذَلِكَ وَاضح الْبُرْهَان هَذَا كَلَام الله ثمَّ رَسُوله وأئمة التَّفْسِير لِلْقُرْآنِ تَأْوِيله هُوَ عِنْدهم تَفْسِيره ... بِالظَّاهِرِ الْمَفْهُوم للأذهان ... مَا قَالَ مِنْهُم قطّ شخص وَاحِد ... تَأْوِيله صرف عَن الرجحان ... كلا وَلَا نفي الْحَقِيقَة لَا وَلَا ... عزل النُّصُوص عَن الْيَقِين فذان تَأْوِيل أهل الْبَاطِل الْمَرْدُود عِنْد أَئِمَّة الْعرْفَان والايمان ... وَهُوَ الَّذِي لَا شكّ فِي بُطْلَانه ... وَالله يقْضِي فِيهِ بِالْبُطْلَانِ فجعلتهم للفظ معنى غير مَعْنَاهُ لديهم باصطلاح ثَان ... وحملتم لفظ الْكتاب عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَكُم من ذَاك محذوران كذب على الالفاظ مَعَ كذب على ... من قَالَهَا كذبان مقبوحان وتلاهما أَمْرَانِ أقبح مِنْهُمَا ... جحد الْهدى وَشَهَادَة الْبُهْتَان إِذْ يشْهدُونَ الزُّور إِن مُرَاده ... غير الْحَقِيقَة وَهِي ذُو بطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ووأصوله ان التاويل هُوَ صرف اللَّفْظ عَن الِاحْتِمَال الرَّاجِح إِلَى الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح لدَلِيل يقْتَرن بِهِ وَهَذَا الَّذِي عناه اكثر من تكلم من الْمُتَأَخِّرين فِي تَأْوِيل نُصُوص الصِّفَات وَترك تَأْوِيلهَا وَهل ذَلِك مَحْمُود اَوْ مَذْمُوم اَوْ حق اَوْ بَاطِل وَالثَّانِي ان التَّأْوِيل بِمَعْنى التَّفْسِير وَهَذَا هُوَ الْغَالِب على اصْطِلَاح الْمُفَسّرين لِلْقُرْآنِ كَمَا يَقُول ابْن جر وَأَمْثَاله من الْمُفَسّرين وَاخْتلف عُلَمَاء التَّأْوِيل وَمُجاهد إِمَام الْمُفَسّرين قَالَ الثَّوْريّ إِذا جَاءَك التَّفْسِير عَن مُجَاهِد فحسبك بِهِ وعَلى تَفْسِيره يعْتَمد الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا فاذا ذكر انه يعلم تَأْوِيل الْمُتَشَابه فَالْمُرَاد معرفَة تَفْسِيره الثَّالِث من مَعَاني التَّأْوِيل هُوَ الْحَقِيقَة الَّتِي يؤول اليها الْكَلَام كَمَا قَالَ تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله يَقُول الَّذين نسوه من قبل قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ} الاعراف فَتَأْوِيل مَا فِي الْقُرْآن من أَخْبَار الْمعَاد هُوَ مَا أخبر الله بِهِ فِيهِ مِمَّا يكون من الْقِيَامَة والحساب وَالْجنَّة النَّار وَنَحْو ذَلِك كَمَا قَالَ فِي قصَّة يُوسُف لما سجد أَبَوَاهُ وأخوته {يَا أَبَت هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ من قبل} يُوسُف فَجعل عين مَا وجد فِي الْخَارِج هُوَ تَأْوِيل الرُّؤْيَا فالتأويل الثَّانِي هُوَ تَفْسِير الْكَلَام وَهُوَ الْكَلَام الَّذِي يُفَسر بِهِ اللَّفْظ حَتَّى يفهم مَعْنَاهُ اَوْ تعرف علته اَوْ دَلِيله وَهَذَا التَّأْوِيل الثَّالِث هُوَ عين مَا هُوَ مَوْجُود فِي الْخَارِج وَمِنْه قَول عَائِشَة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي يتَأَوَّل الْقُرْآن يَعْنِي قَوْله {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ} النَّصْر وَقَول سُفْيَان بن عُيَيْنَة السّنة هِيَ تَأْوِيل الْأَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَالنَّهْي فان نفس الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ هُوَ تَأْوِيل الامر بِهِ وَنَفس الْمَوْجُود الْمخبر عَنهُ هُوَ تَأْوِيل الْخَبَر وَالْكَلَام خبر وَأمر وَلِهَذَا يَقُول أَبُو عبيد وَغَيره الْفُقَهَاء اعْلَم بالتأويل من أهل اللُّغَة كَمَا ذكرُوا ذَلِك فِي اشْتِمَال الصماء لِأَن الْفُقَهَاء يعلمُونَ تَفْسِير مَا أَمر بِهِ وَنهى عَنهُ لعلمهم بمقاصد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعلم أَتبَاع بقراط وسيبويه وَنَحْوهمَا من مقاصدهما مَا لَا يعلم بِمُجَرَّد اللُّغَة وَلَكِن تَأْوِيل الْأَمر وَالنَّهْي لَا (بُد) من مَعْرفَته بِخِلَاف تَأْوِيل الْخَبَر اذا عرف ذَلِك فَتَأْوِيل مَا اخبر الله تَعَالَى بِهِ عَن نَفسه المقدسة المتصفة بِمَا لَهَا من حقائق الْأَسْمَاء وَالصِّفَات هُوَ حَقِيقَة نَفسه المقدسة المتصفة بِمَا لَهَا من حقائق الصِّفَات وَتَأْويل مَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ من الْوَعْد والوعيد هُوَ نفس مَا يكون من الْوَعْد والوعيد وَلِهَذَا مَا يَجِيء فِي الحَدِيث يعْمل بمحكمة ويؤمن بمتشابهه لِأَن مَا أخبر الله عَن نَفسه وَعَن الْيَوْم الاخر فِيهِ أَلْفَاظ متشابهة يشبه مَعَانِيهَا مَا نعلمهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا أخبر أَفِي الْجنَّة لَحْمًا ولبنا وَعَسَلًا وخمرا وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا يشبه مَا فِي الدُّنْيَا لفظا وَمعنى وَلَكِن لَيْسَ هُوَ مثله وَلَا حَقِيقَته كحقيقته فاسماء الله تَعَالَى وَصِفَاته أولى وان كَانَ بَينهَا وَبَين اسماء الْعباد وصفاتهم تشابه ان لَا يكون لأَجلهَا الْخَالِق مثل وَلَا حَقِيقَته كحقيقته والاخبار عَن الْغَائِب لَا يفهم إِن لم يعبر عَنهُ بالاسماء الْمَعْلُومَة مَعَانِيهَا فِي الشَّاهِد وَيعلم بهَا مَا فِي الْغَائِب بِوَاسِطَة الْعلم بِمَا فِي الشَّاهِد مَعَ الْعلم بالفارق الْمُمَيز وَأَن مَا أخبر الله بِهِ من الْغَيْب أعظم مِمَّا فِي الشاهوفي الْغَائِب مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر فَنحْن إِذا أخبرنَا بِالْغَيْبِ الَّذِي اخْتصَّ بِهِ من الْجنَّة وَالنَّار علمنَا معنى ذَلِك وفهمنا مَا أُرِيد منا فهمه بذلك الْخطاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وفسرنا ذَلِك واما نفس الْحَقِيقَة الْمخبر عَنْهَا مثل الَّتِي لم يكن بعد وَإِنَّمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك من التَّأْوِيل الَّذِي لَا يُعلمهُ الا الله وَلِهَذَا لما سُئِلَ مَالك وَغَيره من السّلف عَن قَوْله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه قَالُوا الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيف مَجْهُول والايمان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَكَذَلِكَ قَالَ ربيعَة شيخ مَالك قبله الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيف مَجْهُول وَمن الله الْبَيَان وعَلى الرَّسُول الْبَلَاغ وعلينا الايمان فَبين ان الاسْتوَاء مَعْلُوم وَإِن كَيْفيَّة ذَلِك مَجْهُولَة وَمثل هَذَا يُوجد كثيرا فِي كَلَام السّلف وَالْأَئِمَّة ينفون علم الْعباد بكيفية صِفَات الله تَعَالَى وَأَنه لَا يعلم كَيفَ الله الا الله فَلَا يعلم مَا هُوَ إِلَّا هُوَ وَقد قَالَ النَّبِي ص الله سُبْحَانَهُ لى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك انت كَمَا اثنيت على نَفسك وَهَذَا فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره وَقَالَ فِي الحَدِيث الآخر اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو نزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو أستأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك والْحَدِيث فِي الْمسند وصحيح أبي حَاتِم وَأطَال الْكَلَام وَهُوَ كَلَام نَفِيس وَهُوَ معنى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِيمَا يلْزم مدعي التَّأْوِيل لتصحيح دَعْوَاهُ ... وَعَلَيْكُم فِي ذَا وظائف أَربع ... وَالله لَيْسَ لكم بِهن يدان مِنْهَا دَلِيل صَارف للفظ عَن ... مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ بالبرهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 .. إِذْ مدعى نفس الْحَقِيقَة مُدع ... للْأَصْل لم يحْتَج إِلَى برهَان فاذا استقام لكم دَلِيل الصّرْف يَا ... هَيْهَات طولبتم بِأَمْر ثَان وَهُوَ احْتِمَال اللَّفْظ للمعنى الَّذِي ... قُلْتُمْ هُوَ الْمَقْصُود بالتبيان فاذا أتيتم ذَاك طولبتم بِأَمْر ثَالِث من بعد هَذَا الثَّانِي ... إِذْ قُلْتُمْ إِن المُرَاد كَذَا فَمَا ... ذَا دلكم أتخرص الْكُهَّان هَب أَنه لم يقْصد الْمَوْضُوع لَكِن قد يكون الْقَصْد معنى ثَان ... غير الَّذِي عينتموه وَقد يكو ... ن اللَّفْظ مَقْصُودا بِدُونِ معَان ... كتعبد وتلاوة ويكو ذَا ... ك الْقَصْد أَنْفَع وَهُوَ ذُو إِمْكَان من قصد تَحْرِيف لَهَا يُسمى بتأ ... ويل مَعَ الاتعاب للاذهان وَالله مَا القصدان فِي حدسوا حِكْمَة الْمُتَكَلّم المنان ... بل حِكْمَة الرَّحْمَن تبطل قَصده التحريف حاشا حِكْمَة الرَّحْمَن وكذاك تبطل قَصده إنزالها ... من غير معنى وَاضح التِّبْيَان وهما طَرِيقا فرْقَتَيْن كِلَاهُمَا عَن مقصد الْقُرْآن منحرفان ... حَاصِل كَلَام النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل إِلْزَام أهل التَّأْوِيل أَرْبَعَة لَوَازِم وَلَا سَبِيل لَهُم إِلَى دَلِيل قَاطع بهَا الأول الْمُطَالبَة بِدَلِيل صَارف للفظ عَن مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ وَهُوَ أَن الاصل فِي الْأَلْفَاظ الْحَقِيقِيَّة فالمدعي النَّقْل عَن الْحَقِيقَة يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع فاذا أَقَامُوا الدَّلِيل الْمُوجب للصرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 .. فتسلط التَّأْوِيل إبِْطَال لهَذَا الْقَصْد وَهُوَ جِنَايَة من جَان هَذَا الَّذِي قد قَالَه مَعَ نَفْيه ... لحقائق الالفاظ فِي الأذهان وَطَرِيقَة التَّأْوِيل أَيْضا قد غَدَتْ ... مُشْتَقَّة من هَذِه الخلجان وَكِلَاهُمَا اتفقَا على ان الْحَقِيقَة مُنْتَفٍ مضمونها بِبَيَان ... لَكِن قد اخْتلفَا فَعِنْدَ فريقكم ... مَا إِن أريدت قطّ بالتبيان ... لَكِن عِنْدهم اريد ثُبُوتهَا ... فِي الذِّهْن إِذْ عدمت من الْإِحْسَان اذ ذَاك مصلحَة الْمُخَاطب عِنْدهم ... وَطَرِيقَة الْبُرْهَان أَمر ثَان فكلاهما ارتكبا أَشد جِنَايَة ... جنيت على الْقُرْآن وَالْإِيمَان جعلُوا النُّصُوص لأَجلهَا غَرضا لَهُم ... قد خرقوه بأسهم الهذيان ... يَعْنِي النَّاظِم أَن ابْن سينا وَأَمْثَاله من الملاح الفلاسفة لما فتح المتكلمون بَاب التَّأْوِيل الَّذِي هُوَ تَحْرِيف النُّصُوص فَإِن حَقِيقَة قَول الْمُتَكَلِّمين إِن الرب لم يكن قَادِرًا وَلَا كَانَ الْكَلَام وَالْفِعْل مُمكنا لَهُ وَلم يزل كَذَلِك دَائِما مُدَّة أَو تَقْدِير مُدَّة لَا نِهَايَة لَهَا ثمَّ إِنَّه تكلم وَفعل من غير سَبَب اقْتضى ذَلِك وَجعلُوا مَفْعُوله هُوَ فعله وإرادته بعلة أزلية وَالْمَفْعُول مُتَأَخِّرًا وَجعلُوا الْقَادِر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بِلَا مُرَجّح وكل هَذَا خلاف الْمَعْقُول الصَّرِيح وَخلاف الْكتاب وَالسّنة وأنكروا صِفَاته ورؤيته وَقَالُوا كَلَامه مَخْلُوق وَهُوَ خلاف دين الْإِسْلَام وَالَّذين اتبعُوا هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمين وأثبتوا الصِّفَات قَالُوا يُرِيد جَمِيع المرادات بِإِرَادَة وَاحِدَة وكل كَلَام تكلم بِهِ أَو يتَكَلَّم بِهِ إِنَّمَا هُوَ شئ وَاحِد لَا يَتَعَدَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَلَا يَتَبَعَّض وَإِذا رُؤِيَ بِلَا مُوَاجهَة وَلَا مُعَاينَة وَإنَّهُ لم يسمع وَلم ير الْأَشْيَاء حَتَّى وجدت لم يقم بِهِ أَنه مَوْجُود بل حَاله قبل أَن يسمع ويبصر كحاله بعد ذَلِك إِلَى أَمْثَال هَذِه الْأَقْوَال الَّتِي تخَالف الْمَعْقُول الصَّرِيح وَالْمَنْقُول الصَّحِيح فَلَمَّا رَأَتْ الفلاسفة أَن هَذَا مبلغ علم هَؤُلَاءِ وَأَن هَذَا هُوَ الْإِسْلَام الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ وَعَلمُوا فَسَاد هَذَا أظهرُوا قَوْلهم بقدم الْعَالم وَاحْتَجُّوا بِأَن تجدّد الْفِعْل بعد أَن لم يكن مُمْتَنع بل لَا بُد لكل متجدد من سَبَب حَادث فَيكون الْفِعْل دَائِما ثمَّ ادعوا دَعْوَى كَاذِبَة لم يحسن أُولَئِكَ أَن يبينوا فَسَادهَا وَهُوَ انه إِذا كَانَ الْفِعْل دَائِما لزم قدم الأفلاك والعناصر ثمَّ لما أَرَادوا تَقْرِير النُّبُوَّة جعلوها فيضا فاض من الْعقل الفعال أَو غَيره من غير أَن يكون رب الْعَالمين يعلم ان لَهُ رَسُولا معينا وَلَا يُمَيّز بَين مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلَا يعلم الجزئيات وَلَا نزل من عِنْده ملك بل جِبْرِيل هُوَ خيال يتخيل فِي نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْعقل الفعال وأنكروا ان تكون السَّمَاوَات تَنْشَق وتنفطر وَغير ذَلِك مِمَّا أخبرنَا بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَعَمُوا أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خطاب الْجُمْهُور بِمَا يخيل إِلَيْهِم بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ من غير أَن يكون الامر فِي نَفسه كَذَلِك وَمن غير أَن تكون الرُّسُل بيّنت الْحَقَائِق وَعلمت النَّاس مَا الْأَمر عَلَيْهِ وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم حِكَايَة عَن ابْن سينا قَالَ المُرَاد حقائق الْأَلْفَاظ تخييلا وتقريبا إِلَى الأذهان لِأَن الْجُمْهُور لَا يُمكنهُم إِدْرَاك الْمَعْقُول إِلَّا فِي مِثَال محسوس فأبرزت الرُّسُل الْمَعْقُول فِي المحسوس حَتَّى تقبله أذهان الْجُمْهُور فَيَقُول النَّاظِم هَذَا هُوَ الَّذِي قد قَالَه ابْن سينا مَعَ نَفْيه لحقائق الْأَلْفَاظ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 الاذهان فالتأويل عِنْد ابْن سينالأجل إبِْطَال هَذَا الْقَصْد وَلِهَذَا يحرم التَّأْوِيل عِنْد الفلاسفة إِلَّا للعارف وَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى ذَلِك بقوله ... فلذاك يحرم عِنْدهم تَأْوِيله ... لكنه حل لذِي الْعرْفَان ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وتسلط الأوغاد والأوقاح والأرذال بالتحريف والبهتان كل إِذا قابلته بِالنَّصِّ قا ... بله بِتَأْوِيل بِلَا برهَان ... وَيَقُول تأويلي كتأويل الَّذين تأولوا فوقية الرَّحْمَن بل دونه فظهورها فِي الْوَحْي بالنصين مثل الشَّمْس فِي التِّبْيَان أيسوغ تَأْوِيل الْعُلُوّ لكم وَلَا تتأولوا الْبَاقِي بِلَا فرقان ... وكذاك تَأْوِيل الصِّفَات مَعَ انها ... ملْء الحَدِيث وملء ذِي الْقُرْآن وَالله تَأْوِيل الْعُلُوّ اشد من تأويلنا لقيامة الْأَبدَان وَأَشد من تاويلنا لِحَيَاتِهِ ... ولعلمه ومشيئة الاكوان ... وَأَشد من تأويلنا لحدوث هَذَا الْعَالم المحسوس بالإمكان وَأَشد من تأويلنا بعض الشرا ... ئع عِنْد ذِي الانصاف وَالْمِيزَان وَأَشد من تأويلنا لكَلَامه ... بالفيض من فعال ذِي الاكوان وَأَشد من تَأْوِيل اهل الرَّفْض أخبارالفضائل حازها الشَّيْخَانِ ... واشد من تَأْوِيل كل مؤول نصا بَان مُرَاده الوحيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 .. إِذْ صرح الوحيان مَعَ كتب الْإِلَه جَمِيعهَا بالفوق للرحمن ... فلأي شَيْء نَحن كفار بذا التَّأْوِيل بل أَنْتُم على الايمان إِنَّا تأويلنا وَأَنْتُم قد تأولتم فهاتوا وَاضح الْفرْقَان ... ألكم على تأويلكم أَجْرَانِ حَيْثُ لنا على تأويلنا وزران هذي مقالتهم لكم فِي كتبهمْ ... مِنْهَا نقلناها بِلَا عدوان ردوا عَلَيْهِم إِن قدرتم أَو فنحوا عَن طَرِيق عَسَاكِر الايمان ... لاتحطمنكم جنودهم كحطم السَّيْل مَا لَاقَى من الديدان ... الأوغاد جمع وغد وَهُوَ الَّذِي يخْدم بملء بَطْنه والأوقاح جمع وقح وَهُوَ الَّذِي لاحياء لَهُ يَعْنِي أَن الأوغاد والأوقاح والأرذال من الباطنية والفلاسفة وَغَيرهم لما رَأَوْا تَأْوِيل الْمُتَكَلِّمين لعلو الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفوقيته على خلقه وَكَذَا تأويلهم لصفاته تَعَالَى فَقَالَ أُولَئِكَ للمتكلمين تأويلكم للعلو أعظم من تأويلنا للقيامة واشد من تأويلنا لِحَيَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَعلمه ومشيئته وَأَشد من تأويلنا لحدوث الْعَالم بالإمكان وَأعظم من تأويلنا لكَلَامه بِأَنَّهُ فاض من الْعقل الفعال وَأَشد من تَأْوِيل الروافض للْأَخْبَار الَّتِي فِي فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَشد من تَأْوِيل كل مؤول لِأَنَّهُ قد صرح الوحيان وَجَمِيع الْكتب الإلهية بالفوقية فلأي شَيْء نكفر بتأويلنا وَأَنْتُم مُؤمنُونَ فَنحْن قد تأولنا كَمَا تأولتم فهاتوا فرقا وَاضحا وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم هذي مقالتهم لكم فِي كتبهمْ الخ فَردُّوا عَلَيْهِم إِن قدرتم وهيهات وَإِلَّا فتنحوا عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 طَرِيق عَسَاكِر الْإِيمَان فهم الَّذين يردون على أُولَئِكَ الأوغاد وَذَلِكَ أَنهم قبلوا مَا أخبر الله بِهِ عَن نَفسه أَو أخبر بِهِ رَسُوله إِثْبَاتًا بِلَا تَأْوِيل وتنزيها بِلَا تَعْطِيل وقبلوا مَا جَاءَ عَن الله وَرَسُوله وَقَالُوا آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَالْحَمْد لله وَحده قَالَ النَّاظِم ... وَكَذَا نطالبكم بِأَمْر رَابِع ... وَالله لَيْسَ لكم بذا إِمْكَان وَهُوَ الْجَواب عَن الْمعَارض إِذْ بِهِ الد ... عوى تتمّ سليمَة الْأَركان لَكِن ذاعين الْمحَال ولويسا عدكم عَلَيْهِ رب كل لِسَان ... فأدله الْإِثْبَات حَقًا لَا يقو ... م لَهَا الْجبَال وَسَائِر الاكوان تَنْزِيل رب الْعَالمين ووحيه مَعَ فطْرَة الرَّحْمَن والبرهان ... أَنى يعارضها كناسَة هَذِه الأذهان بِالشُّبُهَاتِ والهذيان وجعاجع وفراقع مَا تحتهَا ... إِلَّا السراب لوارد ظمآن فلتهنكم هذي الْعُلُوم اللاء قد ... ذخرت لكم عَن تَابع الاحسان بل عَن مشايخهم جَمِيعًا ثمَّ وفقتم لَهَا من بعد طول زمَان ... وَالله مَا ذخرت لكم لفضيلة ... لكم عَلَيْهِم يَا أولي النُّقْصَان لَكِن عقول الْقَوْم كَانَت فَوق ذَا ... قدرا وشأنهم فأعظم شان وهم اجل وعلمهم أَعلَى وأشرف أَن يشاب بزخرف الهذيان ... فلذاك صانهم الْإِلَه عَن الَّذِي ... فِيهِ وَقَعْتُمْ صون ذِي إِحْسَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 .. سميتهم التحريف تَأْوِيلا كَذَا العطيل تَنْزِيها هما لقبان وأضفتم أمرا إِلَى ذَا ثَالِثا ... شرا وأقبح مِنْهُ ذَا بهتان فجعلتم الْإِثْبَات تجسيما وتشبيها وَذَا من أقبح الْعدوان ... فقلبتم تِلْكَ الْحَقَائِق مثل مَا ... قلبت قُلُوبكُمْ عَن الايمان ... وجعلتم الممدوح مذموما كَذَا ... بِالْعَكْسِ حَتَّى اسْتكْمل اللبسان وأردتم ان تحمدوا بالاتبا ... ع نعم لمن يَا فرقة الْبُهْتَان وبغيتم أَن تنسبوا للابتدا ... ع عَسَاكِر الْآثَار وَالْقُرْآن وجعلتم الوحيين غير مفيدة للْعلم وَالتَّحْقِيق والبرهان لَكِن عقول الناكبين عَن الْهدى لَهما تفِيد ومنطق اليونان وجعلتم الايمان كفرا وَالْهدى عين الضلال وَذَا من الطغيان ثمَّ استخفيتم عقولا مَا أرا ... د الله ان تزكو على الْقُرْآن حَتَّى اسْتَجَابُوا مهطعين لدَعْوَة التعطيل قد هربوا من الْإِيمَان ... يَا ويحهم لَو يَشْعُرُونَ بِمن دَعَا وَلما دَعَا قعدوا جبان ... هَذَا هُوَ الرَّابِع من الامور الَّتِي تقدّمت فِي ال ْفَصْل قبله لِأَنَّهُ طالبهم بِثَلَاثَة أَشْيَاء وَبَقِي الرَّابِع وَهُوَ انا نطالبهم بِالْجَوَابِ عَن الْمعَارض لَهُم وَهُوَ أَدِلَّة الْإِثْبَات وجوابهم عَنْهَا عين الْمحَال وَكَيف يُعَارض النُّصُوص القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة والفطرة كناسَة الآراء والأذهان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 هم وجعاجع وفراقع مَا تحتهَا إِلَّا السراب للوارد الظمآن فليهنهم الِاعْتِيَاض بِهَذِهِ الْعُلُوم الَّتِي قد ذخرت عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والائمة المهديين فَإِن الله تَعَالَى صانهم ونزههم عَن هَذَا الَّذِي وَقع فِيهِ هَؤُلَاءِ نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان وَقَوله سميتم التحريف تَأْوِيلا الخ أَي أَنهم سموا تحريفاتهم تَأْوِيلا وَسموا التعطيل تَنْزِيها وأضافوا إِلَى ذَلِك أمرا ثَالِثا أقبح واشنع وَهُوَ انهم سموا الاثبات تجسيما وتشبيها فقلبوا الْحَقَائِق وَجعلُوا الممدوح مذموما والمذموم ممدوحا فدلسوا ولبسوا وَقَوله وأردتم أَن تحمدوا بالاتباع الخ أَي أَنهم أَرَادوا ان يحْمَدُوا بِاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وهم عَن ذَلِك بمراحل وَهَذَا معنى قَوْله لَكِن لمن وَمَعَ ذَلِك نسبوا للابتداع عَسَاكِر الْآثَار وَالْقُرْآن وصرحوا بِأَن نُصُوص الوحيين لَا تفِيد الْيَقِين وان الْعلم وَالْيَقِين إِنَّمَا يُسْتَفَاد من غَيرهمَا كعقولهم ومنطق اليونان وَقَالُوا إِذا تَعَارَضَت الْأَدِلَّة اللفظية والقواطع الْعَقْلِيَّة بزعمهم قدمنَا القواطع الْعَقْلِيَّة وَجعلُوا الايمان كفرا وَالْهدى ضلالا ثمَّ استخفوا أَصْحَاب الْعُقُول الضعيفة غير الزكية فاستجابواهطعين لدعوتهم واتبعوهم على تحريفهم وتأويلهم فصل فِي شبه المحرفين للنصوص باليهود وإرثهم التحريف مِنْهُم وَبَرَاءَة أهل الْإِثْبَات مِمَّا رموهم بِهِ من هَذِه الشّبَه ... هَذَا وَثمّ بلية مستورة ... فيهم سأبديها لكم بِبَيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 .. ورث المحرف من يهود وهم أولو التحريف والتبديل والكتمان فَأَرَادَ مِيرَاث الثَّلَاثَة مِنْهُم ... فعصت عَلَيْهِ غَايَة الْعِصْيَان ... إِذْ كَانَ لفظ النَّص مَحْفُوظًا فَمَا التبديل والكتمان فِي الْإِمْكَان فَأَرَادَ تَبْدِيل الْمعَانِي إِذْ هِيَ الْمَقْصُود من تَعْبِير كل لِسَان ... فَأتى اليها وَهِي بارزة من ال الْأَلْفَاظ ظَاهِرَة بِلَا كتمان فنفى حقائقها وَأعْطى لَفظهَا ... معنى سوى مَوْضُوعه الحقان فجنى على الْمَعْنى جِنَايَة جَاحد ... وجنى على الْأَلْفَاظ بالعدوان وأتى الى حزب الْهدى أَعْطَاهُم ... شبه الْيَهُود وَذَا من الْبُهْتَان إِذْ قَالَ إِنَّهُم مشبهة وَأَنْتُم مثلهم فَمن الَّذِي يلحاني ... فِي هتك أَسْتَار الْيَهُود وشبههم من فرقة التحريف لِلْقُرْآنِ ... مُرَاد النَّاظِم رَحمَه الله أَن المحرف أَي المؤول ورث التحريف من الْيَهُود وهم اولو التحريف والتبديل والكتمان فَأَرَادَ المحرف مِيرَاث الثَّلَاثَة مِنْهُم فعصت عَلَيْهِ وَلم يُمكنهُ ذَلِك لِأَن لفظ النَّص مَحْفُوظ قد تولى الله حفظه كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} الْحجر فَعدل إِلَى التبديل الْمعَانِي لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَة بالتعبير وَلم يُمكنهُ الكتمان أَيْضا فنفى حقائقها وَأعْطى لَفظهَا معنى غير مَعْنَاهُ الْمَوْضُوع لَهُ فَجحد الْمَعْنى وجنى على اللَّفْظ بالعدوان ثمَّ بعد ذَلِك سمى أهل الاثبات وَالْهدى مشبهة وَأَنَّهُمْ مثل الْيَهُود وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فَمن الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 يلحاني فِي هتك أَسْتَار الْيَهُود وشبههم وَمعنى يلحاني يُنَازعنِي قَالَ فِي الْقَامُوس لاحاه ملاحاة ولحاء نازعه انْتهى أَي من يُنَازعنِي فِي هتك أَسْتَار المعطلة وتشبيههم باليهود ثمَّ شرع النَّاظِم فِي بَيَان شبههم الْمُحَقق باليهود فَقَالَ ... يَا مُسلمين بِحَق ربكُم اسمعوا ... قولي وعوه وعي ذِي عرفان ثمَّ احكموا من بعد من هَذَا الَّذِي أولى بِهَذَا الشّبَه بالبرهان امْر الْيَهُود بِأَن يَقُولُوا حطة فَأَبَوا وَقَالُوا حطة لهوان وَكَذَلِكَ الجهمي قيل لَهُ اسْتَوَى فَأبى وَزَاد الْحَرْف للنقصان قَالَ اسْتَوَى استولى وَذَا من جَهله لُغَة وعقلا مَا هما سيان ... عشرُون وَجها تبطل التَّأْوِيل باستولى فَلَا تخرج عَن الْقُرْآن قد أفردت بمصنف هُوَ عندنَا تصنيف حبر عَالم رباني وَلَقَد ذكرنَا أَرْبَعِينَ طَريقَة قد أبطلت هَذَا بِحسن بَيَان هِيَ فِي الصَّوَاعِق إِن ترد تحقيقها لَا تختفي إِلَّا على العميان نون الْيَهُود وَلَام جهمي هما ... فِي وَحي رب الْعَرْش زائدتان وَكَذَلِكَ الجهمي هما ... ويهود قد وصفوه بِالنُّقْصَانِ فهما اذا فِي نفيهم لصفاته الْعليا كَمَا بَينته أَخَوان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي إِيضَاح مَا ذكره من شبه المعطلة باليهود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَأَنَّهُمْ ورثوا مِنْهُم التحريف فَذكر ان الْيَهُود قيل لَهُم {وَقُولُوا حطة} الْبَقَرَة والاعراف فَأَبَوا وَقَالُوا حِنْطَة وَكَذَلِكَ الْجَهْمِية قيل لَهُم اسْتَوَى فَأَبَوا وَقَالُوا استولى وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن هَذَا من جهل الجهمي بِمَعْنى اسْتَوَى لُغَة وعقلا وَذكر ان تَفْسِير الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ بَاطِل من عشْرين وَجها أفردها شيخ الاسلام فِي مُصَنف مُفْرد وَقد سَاقهَا النَّاظِم فِيمَا تقدم وَزَاد وَجها فَصَارَت إِحْدَى وَعشْرين وَجها قَوْله وَلَقَد ذكرنَا اربعين طَريقَة أَي وَقد أبطلنا تَفْسِير الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ من اربعين طَرِيقا ذكرهَا النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة على الْجَهْمِية والمعطلة وَهُوَ فِي مجلدات فِي غَايَة الاجادة والنفاسة فجزاه الله عَن الاسلام خيرا وَقَوله قد أفردت بمصنف هُوَ عندنَا الخ يَعْنِي بِهِ شيخ الاسلام كَمَا تقدم قَوْله ... وَكَذَلِكَ الجهمي عطل وَصفه ... ويهود قد وصفوه بِالنُّقْصَانِ ... أَي أَن الْجَهْمِية شابهوا الْيَهُود أَيْضا فالجهمية نفوا صِفَات الرب سُبْحَانَهُ وَالْيَهُود وصفوه بِالنُّقْصَانِ فوصفوه بِأَنَّهُ فَقير تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَأَن يَد مغلولة ووصفوه بالندم والتعب تَعَالَى الله وتقدس عَن إفْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 فصل فِي بَيَان بهتانهم فِي تَشْبِيه أهل الاثبات بفرعون وَقَوْلهمْ إِن مقَالَة الْعُلُوّ عَنهُ أخذوها وَإِنَّهُم أولى بفرعون وَأَنَّهُمْ أشباهه ... وَمن الْعَجَائِب قَوْلهم فِرْعَوْن مذ ... هبه الْعُلُوّ وَذَاكَ فِي الْقُرْآن ... ولذاك قد طلب الصعُود اليه بالصرح الَّذِي قد رام من هامان هَذَا رَأَيْنَاهُ بكتبهم وَمن ... أَفْوَاههم سمعا إِلَى الآذان فاسمع إِذا من الَّذِي أولى بفر ... عون الْمُعَطل جَاحد الرَّحْمَن وَانْظُر الى من قَالَ مُوسَى كَاذِب ... حِين ادّعى فوقية الرَّحْمَن فَمن المصائب أَن فرعونيكم أضحى يكفر صَاحب الايمان ... وَيَقُول ذَاك مبدل للدّين سا ... ع بِالْفَسَادِ وَذَا من الْبُهْتَان ان الْمُورث ذَا لَهُم فِرْعَوْن حِين رمى بِهِ الْمَوْلُود من عمرَان ... فَهُوَ الامام لَهُم وهاديهم بمتبوع يقودهم الى النيرَان هُوَ انكر الوصفين وصف الفوق والتكليم انكارا على الْبُهْتَان إِذْ قَصده إِنْكَار ذَات الرب فالتعطيل مرقاة لذا النكران وسواه جَاءَ بسلم وبآلة ... وأتى بقانون على بُنيان وأتى بِذَاكَ مفكرا ومقدرا ورث الْوَلِيد العابد الاوثان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 .. وأتى الى التعطيل من أبوابه لَا من ظُهُور الدَّار والجدران وأتى بِهِ فِي قالب التَّنْزِيه والتعظيم تلبيسا على العميان وأتى إِلَى وصف الْعُلُوّ فَقَالَ ذَا التجسيم لَيْسَ يَلِيق بالرحمن ... فاللفظ قد أنشاه من تلقائه وكساه وصف الْوَاحِد المنان وَالنَّاس كلهم صبي الْعقل لم ... يبلغ وَلَو كَانُوا من الشَّيْخَانِ الا اناسا سلمُوا للوحي هم ... اهل الْبلُوغ وأعقل الانسان فَأتى الصّبيان فانقادوا لَهُ ... كالشاء اذ تنقاد للجوبان فَانْظُر إِلَى عقل صَغِير فِي يَدي شَيْطَان مَا يلقى من الشَّيْطَان ... أَي وَمن الْعَجَائِب ان المعطلة تزْعم ان الْعُلُوّ مَذْهَب فِرْعَوْن وَهَذَا من قلب الْحَقَائِق وَقد تقدم توضيح ذَلِك قَوْله إِذْ قَصده إِنْكَار ذَات الرب تَعَالَى الخ أَي إِن قصد فِرْعَوْن اللعين إِنْكَار ذَات الرب تَعَالَى قَوْله وسواه جَاءَ بسلم وبآلة الخ أَي ان هَؤُلَاءِ النفاة وضعُوا القوانين فِيمَا جَاءَت بِهِ الانبياء عَن الله فَمَا وَافق تِلْكَ القوانين قبلوه وَمَا خالفها لم يتبعوه وتأولوه أَو فوضوه قَوْله وأتى بِذَاكَ مفكرا ومقدرا أَي النَّافِي فكر وَقدر فِيمَا وصف الله بِهِ نَفسه اَوْ وَصفه بِهِ رسله وَأَنه ورث بذلك الْوَلِيد بن الْمُغيرَة الَّذِي ذكره الله تَعَالَى فِي قَوْله {إِنَّه فكر وَقدر} المدثر الْآيَة ورحم الله النَّاظِم فَلَقَد استعظم نسبتهم مَذْهَب الْعُلُوّ إِلَى فِرْعَوْن فَلَو دفع إِلَى زمن من زَاد فِي الطنبور نَغمَة وصنف مصنفا فِي إِيمَان فِرْعَوْن وَإِن كَانَ المحيي ابْن عَرَبِيّ قد زعم ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 فمذهبه مَعْلُوم ومشربه مَذْمُوم فَالله الْمُسْتَعَان قَوْله إِذْ تنقاد للجوبان وَهُوَ الرَّاعِي فصل فِي بَيَان تدليسهم وتلبيسهم الْحق بِالْبَاطِلِ ... قَالُوا اذا قَالَ المجسم رَبنَا ... حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى بِلِسَان ... فسلوه كم للعرش معنى واستوى ... أَيْضا لَهُ فِي الْوَضع خمس معَان ... وعَلى فكم معنى لَهَا أَيْضا لَدَى ... عَمْرو فَذَاك إِمَام هَذَا الشان بَين لنا تِلْكَ الْمعَانِي وَالَّذِي ... مِنْهَا أُرِيد بواضح التِّبْيَان ... يَعْنِي أَن المعطلة لشدَّة تدليسهم وتلبيسهم قَالُوا إِذا قَالَت المثبتة إِن الله اسْتَوَى على الْعَرْش فسلوه كم للعرش معنى واستوى كم معنى لَهَا لَدَى عَمْرو أَي عِنْد عَمْرو وَهُوَ سِيبَوَيْهٍ إِمَام النُّحَاة فَإِن اسْمه عَمْرو بن عُثْمَان بن قنبر قَالَ صَاحب العواصم والقواصم إِذا قَالَ لَك المجسم {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه فَقل اسْتَوَى على الْعَرْش تسْتَعْمل على خَمْسَة عشر وَجها فأيها تُرِيدُ انْتهى قَالَ شيخ الاسلام فِي تَفْسِير سُورَة الْإِخْلَاص وَمن قَالَ الاسْتوَاء لَهُ معَان مُتعَدِّدَة فقد اجمل كَلَامه فَإِنَّهُم يَقُولُونَ اسْتَوَى فَقَط وَلَا يصلونه بِحرف وَهَذَا لَهُ معنى وَيَقُولُونَ اسْتَوَى على كَذَا وَله معنى واستوى إِلَى كَذَا وَله معنى واستوى مَعَ كَذَا وَله معنى فتنوع مَعَانِيه بِحَسب صلَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَأما اسْتَوَى على كَذَا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن ولغة الْعَرَب الْمَعْرُوفَة إِلَّا بِمَعْنى وَاحِد قَالَ تَعَالَى {فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه} الْفَتْح وَقَالَ {واستوت على الجودي} هود وَقَالَ {لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} الزخرف وَقد أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَابَّة ليرْكبَهَا فَلَمَّا وضع رجله فِي الغرز قَالَ بِسم الله فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا قَالَ الْحَمد لله وَقَالَ ابْن عمر اهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ فَلَمَّا اسْتَوَى على بعيره وَهَذَا الْمَعْنى يتَضَمَّن شَيْئَيْنِ علوه على مَا اسْتَوَى عَلَيْهِ واعتداله أَيْضا فَلَا يسمون المائل على الشَّيْء مستويا عَلَيْهِ وَمِنْه حَدِيث الْخَلِيل بن احْمَد لما قَالَ اسْتَووا وَقَوله ... قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق ... من غير سيف وَدم مهراق ... هُوَ من هَذَا الْبَاب فان المُرَاد بِهِ بشر بن مَرْوَان واستواؤه عَلَيْهَا أَي على كرْسِي ملكهَا لم يرد بذلك مُجَرّد الِاسْتِيلَاء بل اسْتِوَاء مِنْهُ عَلَيْهَا إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ عبد الْملك الَّذِي هُوَ الْخَلِيفَة قد اسْتَوَى أَيْضا على الْعرَاق وعَلى سَائِر مملكة الاسلام ولكان عمر بن الْخطاب قد اسْتَوَى على الْعرَاق وخراسان وَالشَّام ومصر وَسَائِر مَا فَتحه ولكان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتَوَى على الْيمن وَغَيرهَا مِمَّا فَتحه وَمَعْلُوم أَنه لم يُوجد فِي كَلَامهم اسْتِعْمَال الاسْتوَاء فِي شَيْء من هَذَا وَإِنَّمَا قيل فِيمَن اسْتَوَى بِنَفسِهِ على بلد فَإِنَّهُ مستو على سَرِير ملكه كَمَا يُقَال جلس فلَان على السرير وَقعد على التخت وَمِنْه قَوْله {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش وخروا لَهُ سجدا} يُوسُف وَقَوله {إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش عَظِيم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 النَّمْل وَقَول الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره اسْتَوَى على كَذَا بِمَعْنى ملك دَعْوَى مُجَرّدَة فَلَيْسَ لَهَا شَاهد فِي كَلَام الْعَرَب وَلَو قدر ذَلِك لَكَانَ بِهَذَا الْمَعْنى بَاطِلا فِي اسْتِوَاء الله على الْعَرْش لِأَنَّهُ أخبر أَنه خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش وَقد أخبر أَن الْعَرْش كَانَ مَوْجُودا قبل خلق السَّمَاوَات والارض كَمَا دلّ على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ من حِين خلق الْعَرْش مَالك لَهُ مستول عَلَيْهِ فَكيف يكون الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ مُؤَخرا عَن خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَيْضًا فَهُوَ مَالك لكل شَيْء مستول عَلَيْهِ لَا يخص الْعَرْش بالاستواء وَلَيْسَ هَذَا كتخصيصه بالربوبية فِي قَوْله {وَرب الْعَرْش} الْمُؤْمِنُونَ فانه قد يخص لعظمته وَلَكِن يجوز ذَلِك فِي سَائِر الْمَخْلُوقَات فَيُقَال رب الْعَرْش وَرب كل شَيْء وَأما الاسْتوَاء الْمُخْتَص بالعرش فَلَا يُقَال اسْتَوَى على الْعَرْش وعَلى كل شئ وَلَا اسْتعْمل ذَلِك أحد من الْمُسلمين فِي كل شَيْء وَلَا وجد فِي كتاب وَلَا سنة كَمَا اسْتعْمل لفظ الربوبية فِي الْعَرْش خَاصَّة وَفِي كل شَيْء عَامَّة وَكَذَلِكَ لفظ الْخلق وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الَّتِي تخص وتعم كَقَوْلِه تَعَالَى {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق} العلق فالاستواء من الالفاظ المختصة بالعرش لَا تُضَاف إِلَى غَيره لَا خُصُوصا وَلَا عُمُوما وَهَذَا مَبْسُوط فِي مَوضِع آخر انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم ... فاسمع فدَاك معطل هذي الجعاجع مَا الَّذِي فِيهَا من الهذيان ... قل للمجعجع وَيحك اعقل مَا الَّذِي ... قد قلته إِن كنت ذَا عرفان ... الْعَرْش عرش الرب جلّ جَلَاله ... وَاللَّام للمعهود فِي الاذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 .. مَا فِيهِ إِجْمَال وَلَا هُوَ موهم ... نقل الْمجَاز وَلَا لَهُ وضعان وَمُحَمّد والانبياء جَمِيعهم ... شهدُوا بِهِ للخالق الرَّحْمَن مِنْهُم عَرفْنَاهُ وهم عرفوه من ... رب عَلَيْهِ قد اسْتَوَى ديان لم تفهم الأذهان مِنْهُ سَرِير بلقيس وَلَا بَيْتا على الْأَركان ... كلا وَلَا عرشا على بَحر وَلَا عرشا لجبريل بِلَا بُنيان كلا وَلَا الْعَرْش الَّذِي إِن ثل من ... عبد هوى تَحت الحضيض الداني كلا وَلَا عرش الكروم وَهَذِه الأعناب فِي حرث وَفِي بُسْتَان ... لَكِنَّهَا فهمت بِحَمْد الله عرش الرب فَوق جَمِيع ذِي الأكوان وَعَلِيهِ رب الْعَالمين قد اسْتَوَى حَقًا كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن ... أَي أَن قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الْأَعْرَاف المُرَاد بِهِ عرش الرب سُبْحَانَهُ وَاللَّام للْعهد الذهْنِي وَلَا تفهم الاذهان من الْعَرْش غير ذَلِك كعرش بلقيس الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَلها عرش عَظِيم} النَّحْل وَلَا بَيْتا على الاركان كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خاوية على عروشها} الْبَقَرَة وَلَا عرشا على المَاء الْمَذْكُور فِي حَدِيث رَوَاهُ سنيد بن دَاوُد فِي تَفْسِيره مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن إِبْلِيس اتخذ عرشا على المَاء مثل عرش الرَّحْمَن عز وَجل الحَدِيث وَهُوَ حَدِيث مُنكر وَلَا عرشا لجبريل وَلَا الْعَرْش الْمَذْكُور فِي قَوْلهم ثل عَرْشه أَي ذهب سُلْطَانه وجاهه وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ كَاد عَرْشِي ان يثل وَلَا عرش الكروم قَالَ ابْن عَبَّاس معروشا مَا يعرش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 سم من الْكَرم والعروش الْأَبْنِيَة وعرش الْبَيْت سقفه وَلَا العروش الَّتِي هِيَ الْبيُوت من سقف وَنَحْوه وَهَذَا بِحَمْد الله من أظهر المعارف الَّتِي لَا تحْتَاج الى الاسهاب والاطناب قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَكَذَا اسْتَوَى الْمَوْصُول بالحرف الَّذِي ... ظهر المُرَاد بِهِ ظُهُور بَيَان ... لَا فِيهِ إِجْمَال وَلَا هُوَ مفهم ... للاشتراك وَلَا مجَاز ثَانِي تركيبه مَعَ حرف الاستعلاء نَص فِي الْعُلُوّ بِوَضْع كل لِسَان ... فاذا تركب مَعَ الى فالقصد مَعَ ... معنى الْعُلُوّ لوضعه بِبَيَان ... وَإِلَى السَّمَاء قد اسْتَوَى فمقيد ... بِتمَام صنعتها مَعَ الاتقان لَكِن على الْعَرْش اسْتَوَى هُوَ مُطلق ... من بعد مَا قد تمّ بالاركان لكنما الجهمي يقصر فهمه عَن ذَا فَتلك مواهب المنان ... فاذا اقْتضى وَاو الْمَعِيَّة كَانَ مَعْنَاهُ استواه مقدم وَالثَّانِي فاذا أَتَى من غير حرف كَانَ مَعْنَاهُ الْكَمَال فَلَيْسَ ذَا نُقْصَان ... لَا تلبسوا بِالْبَاطِلِ الْحق الَّذِي ... قد بَين الرَّحْمَن فِي الْفرْقَان ... وعَلى للاستعلاء فَهِيَ حَقِيقَة ... فِيهِ لَدَى أَرْبَاب هَذَا الشان ... أما الاسْتوَاء الْمُطلق فَلهُ عدَّة معَان فَإِن الْعَرَب تَقول اسْتَوَى كَذَا أَي انْتهى وكمل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلما بلغ أشده واستوى} الْقَصَص وَتقول اسْتَوَى وَكَذَا نَحْو قَوْلهم اسْتَوَى المَاء والخشبه واستوى اللَّيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَالنَّهَار إِذا ساواه وَتقول اسْتَوَى إِلَى كَذَا إِذا قصد إِلَيْهِ علوا وارتفاعا نَحْو اسْتَوَى إِلَى السَّطْح والجبل واستوى على كَذَا أَي ارْتَفع عَلَيْهِ وَلَا تعرف الْعَرَب غير هَذَا فالاستواء فِي هَذَا التَّرْكِيب نَص لَا يحْتَمل غير مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ نَص فِي قَوْله تَعَالَى {وَلما بلغ أشده واستوى} الْقَصَص لَا يحْتَمل غير مَعْنَاهُ وَنَصّ فِي قَوْلهم اسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار فِي مَعْنَاهُ لَا يحْتَمل غَيره وَقَول النَّاظِم تركيبه مَعَ حرف الاستعلاء نَص الخ أَي ان اسْتِوَاء الرب سُبْحَانَهُ المعدى بأداة على الْمُعَلق بِعَرْشِهِ الْمُعَرّف بِاللَّامِ الْمَعْطُوف بثم على خلق السَّمَاوَات والارض المطرد فِي موارده على أسلوب وَاحِد لَا يحْتَمل مَعْنيين الْبَتَّةَ فاستواء الرب على عَرْشه الْمُخْتَص بِهِ الْمَوْصُول بأداة على نَص فِي مَعْنَاهُ لَا يحْتَمل سواهُ وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله ... وَكَذَلِكَ الرَّحْمَن جلّ جَلَاله ... لم يحْتَمل معنى سوى الرَّحْمَن يَا ويحه بعماه لَو وجد اسْمه الرَّحْمَن مُحْتملا لخمس معَان ... لقضى بِأَن اللَّفْظ لَا معنى لَهُ ... إِلَّا التِّلَاوَة عندنَا بِلِسَان ... فلذاك قَالَ ائمة الاسلام فِي ... مَعْنَاهُ مَا قد ساءكم بِبَيَان وَلَقَد أحلناكم على كتب لَهُم ... هِيَ عندنَا وَالله بالكيمان ... يَقُول النَّاظِم رَحمَه الله وَكَذَلِكَ اسْم الرَّحْمَن لَا يحْتَمل معنى سوى الرَّحْمَن قَوْله يَا ويحه بعماه أَي يَا وَيْح الْمُعَطل بِسَبَب عماه لَو وجد ا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الرَّحْمَن مُحْتملا لخمسة معَان لأظهرها وَقضى أَي حكم بِأَنَّهُ لَا معنى للرحمن الا التِّلَاوَة وَقد قَالَ ائمة الاسلام فِي مَعْنَاهُ مَا ساءكم أَيهَا المعطلة وَهُوَ مَوْجُود فِي كتبهمْ بالكيمان أَي بِالْكَثْرَةِ ولنذكر بعض مَا ذكره الْعلمَاء فِي معنى الرَّحْمَن الرَّحِيم كَمَا أحَال على ذَلِك النَّاظِم فهما اسمان مشتقان من رحم يَجعله لَازِما بنقله إِلَى بَاب فعل بِضَم الْعين وبتنزيله منزلَة اللَّازِم إِذْ هما صفتان مشبهتان وَهِي لَا تشتق من مُتَعَدٍّ والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لِأَن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا كَمَا فِي قطع وَقطع وَمن غير الْغَالِب قد يُفِيد نقص الْبناء مَا لَا يفِيدهُ زائده من الْمُبَالغَة كحذر وحاذر فان حذر أبلغ من حاذر فالرحمن صفة فِي الاصل بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة جدا ثمَّ غلب على الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها وَهُوَ الله والرحيم ذُو الرَّحْمَة الْكَثِيرَة وَقَالَ النَّاظِم فِي بَدَائِع الْفَوَائِد أسماه الرب تَعَالَى أسماه ونعوت فَإِنَّهَا دَالَّة على صِفَات كَمَاله فَلَا تنَافِي فِيهَا بَين العلمية والوصفية فالرحمن اسْمه تَعَالَى وَوَصفه لَا يُنَافِي اسميته ووصفيته فَمن حَيْثُ هُوَ صفة جرى تَابعا على اسْم الله وَمن حَيْثُ هُوَ اسْم فِي الْقُرْآن ورد غير تَابع معنى كَقَوْلِه تَعَالَى الرَّحْمَن علم الْقُرْآن {الرَّحْمَن} الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى {طه} من هَذَا الَّذِي هُوَ جند لكم ينصركم من دون الرَّحْمَن الْملك وَهَذَا شَأْن الِاسْم الْعلم وَلما كَانَ هَذَا الِاسْم مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى حسن مَجِيئه مُفردا غير تَابع كمجيء اسْمه الله كَذَلِك وَهَذَا لَا يُنَافِي دلَالَته على صفة الرَّحْمَن كاسمه الله فَإِنَّهُ دَال على صفة الألوهية وَلم يَجِيء قطّ تَابعا لغيره بل متبوعا بِخِلَاف الْعَلِيم والقدير والسميع والبصير وَلِهَذَا لَا تَجِيء هَذِه وَنَحْوهَا مُفْردَة بل تَابَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 .. بالمخاطب بِكَسْر الطَّاء فَيكون خطابه عِنْدهم نصا قَاطعا واما الطَّائِفَة الاخرى فهم لنقصهم عَن الْأَوَّلين فِي تِلْكَ الْخِصَال الَّتِي تقدّمت يرَوْنَ ذَلِك ظَاهرا أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم لَا إِلَى غَيرهم وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم وَلَيْسَ بقاطع الخ وَأما كَلَام من هُوَ مقتد بِكَلَامِهِ من الْعلمَاء فَهُوَ لإلفه بِكَلَامِهِ يقطع بمره وَكَلَامه عِنْده نَص وَاضح قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... والفتنة الْعُظْمَى من المتسلق المخدوع ذِي الدَّعْوَى أخي الهذيان ... لم يعرف الْعلم الَّذِي فِيهِ الكلا ... م وَلَا لَهُ إلْف بِهَذَا الشان ... لكنه مِنْهُ غَرِيب لَيْسَ من ... سكانه كلا وَلَا وَالْجِيرَان فَهُوَ الزنيم دعِي قوم لم يكن مِنْهُم وَلم يصحبهم بمَكَان وَكَلَامهم أبدا لَدَيْهِ مُجمل ... وبمعزل عَن إمرة الايقان ... شدّ التِّجَارَة بالزيوف يخالها ... نَقْدا صَحِيحا وَهُوَ ذُو بطلَان ... حَتَّى إِذا ردَّتْ إِلَيْهِ ناله ... من ردهَا خزي وَسُوء هوان فَأَرَادَ تَصْحِيحا لَهَا إِذْ لم يكن نقد الزُّيُوف يروج فِي الْأَثْمَان ... وَرَأى اسْتِحَالَة ذَا بِدُونِ الطعْن فِي ... بَاقِي النُّقُود فجَاء بالعدوان ... واستعرض الثّمن الصَّحِيح بجهله ... وبظلمه يبغيه بالبهتان عوجا ليسلم نَقده بَين الورى ... ويروج فيهم كَامِل الأوزان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 اشار النَّاظِم رَحمَه الله بِهَذِهِ الأبيات إِلَى الْقَائِلين بالإجمال وهم المدعون الَّذين لم يعرفوا الْعلم الَّذِي فِيهِ الْكَلَام وَلَا إلْف لَهُم بِهِ فهم غرباء مِنْهُ لَيْسُوا من سكانه وَلَا جِيرَانه فاذا وجدوا الْكَلَام فَهُوَ لديهم مُجمل وبمعزل عَن الْيَقِين قَوْله فَهُوَ الزنيم دعِي قوم الخ قَالَ فِي الْقَامُوس الزنيم الْمُسْتَلْحق فِي قوم والدعي مزنم كمعظم اللَّئِيم الْمَعْرُوف بلؤمه أَو شَره انْتهى وَفِي مُخْتَار الصِّحَاح الزنيم المستحلق فِي قوم لَيْسَ مِنْهُم لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَكَأَنَّهُ فيهم زنمة وَهِي شَيْء يكون للمعز فِي آذانها كالقرط وَهِي أَيْضا شَيْء يقطع من اذن الْبَعِير وَيتْرك مُعَلّقا وَقَوله تَعَالَى {عتل بعد ذَلِك زنيم} الْقَلَم قَالَ عِكْرِمَة هُوَ اللَّئِيم يعرف بلؤمه كَمَا تعرف الشَّاة بزنمتها انْتهى قَوْله شدّ التِّجَارَة بالزيوف الخ قَالَ فِي الْقَامُوس وَالدَّرَاهِم زُيُوفًا صَارَت مَرْدُودَة لغش دِرْهَم زيف وزائف أَو الأولى ردية جمع زياف وَفُلَان الدَّرَاهِم جعلهَا زُيُوفًا كزيفها هِيَ أَي ان تِجَارَته وبضاعته فِي الْعلم زيوف وَهُوَ يَظُنهَا نقودا صَحِيحَة فَلَمَّا ردَّتْ عَلَيْهِ ناله من ردهَا أَشد الخزي وَأعظم الهوان فاراد تصحيحها وأنى ذَلِك فَصَارَ يطعن فِي بَاقِي النُّقُود الصَّحِيحَة بجهله وظلمه يبغيها عوجا حَتَّى يسلم ذَلِك النَّقْد الزائف بَين النَّاس ويروج بَين الْجُهَّال والطغام ثمَّ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالنَّاس لَيْسُوا أهل نقد للَّذي قد قيل إِلَّا الْفَرد فِي الازمان ... والزيف بَينهم هُوَ النَّقْد الَّذِي ... قد راج فِي الْأَسْفَار والبلدان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 .. والمفردات بِغَيْر تركيب كَمثل الصَّوْت تنعقه بِتِلْكَ الضان وهنالك الاجمال والتشكيك والتجهيل والتحريف والاتيان بِالْبُطْلَانِ ... فاذا هم فَعَلُوهُ راموا نَقله ... لمركب قد حف بالتبيان ... وقضوا على التَّرْكِيب بالحكم الَّذِي ... حكمُوا بِهِ للمفرد الوحدان جهلا وتجهيلا وتدليسا وتلبيسا وترويجا على العيان ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله أَن اللَّفْظ حِين يساق بالتركيب فمحفوف بِهِ من الْقَرَائِن مَا يبين المُرَاد وَذَلِكَ معنى قَوْله جند يُنَادي عَلَيْهِ الخ أَي فَإِذا أَتَى معاند وَفك تركيب الْكَلَام وقلقل أَرْكَانه وَأَرَادَ مِنْهُ لَفْظَة قد حملت معنى آخر فِي كَلَام ثَان وَقَوله فَيكون دبوس السلاق قَالَ فِي الْقَامُوس دبوس كتنور وَاحِد الدبابيس للمقامع كَأَنَّهُ مُعرب سلق الْعظم التحاه وَفُلَانًا طعنه فَيَقُول يحْتَمل وَيحْتَمل وَهَذَا اللَّفْظ مُجمل فبذاك تفْسد عُلُوم الورى لِأَن أَكثر الْأَلْفَاظ تقبل ذَاك فِي الْإِفْرَاد قبل التَّرْكِيب وَلَكِن الْأَمر كَمَا قَالَ النَّاظِم التَّجْرِيد مُمْتَنع وَإِن فرض فَهُوَ فِي الأذهان وَأما الْمُفْردَات فَهِيَ كَمثل الصَّوْت تنعقه بالضان وقصدهم بذلك التشكيك والتجهيل والتحريف وَالله الْمُسْتَعَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 م فصل فِي بَيَان شبه غلطهم فِي تَجْرِيد الْأَلْفَاظ بغلط الفلاسفة فِي تَجْرِيد الْمعَانِي ... هَذَا هداك الله من إضلالهم ... وضلالهم فِي الْمنطق اليونان ... كمجردات فِي الخيال وَقد بنى ... قوم عَلَيْهَا أوهن الْبُنيان ظنُّوا بِأَن لَهَا وجودا خَارِجا ووجودها لَو صَحَّ فِي الأذهان ... أَنى وَتلك مشخصات حصلت ... فِي صُورَة جزئية بعيان ... لَكِنَّهَا كُلية إِن طابقت ... أفرادها كاللفظ فِي الْمِيزَان يَدعُونَهُ الْكُلِّي وَهُوَ معِين ... فَرد كَذَا الْمَعْنى هما سيان تَجْرِيد ذَا فِي الذِّهْن أَو فِي خَارج ... عَن كل قيد لَيْسَ فِي الْإِمْكَان لَا الذِّهْن يعقله وَلَا هُوَ خَارج ... هُوَ كالخيال لَطِيفَة السَّكْرَان لَكِن تجردها الْمُقَيد ثَابت وسواه مُمْتَنع بِلَا إِمْكَان ... فتجرد الاعيان عَن وصف وَعَن ... وضع وَعَن وَقت لَهَا وَمَكَان ... فرض من الاذهان يفرضه كفر ... ض المستحيل هما لَهَا فرضان الله أكبرهم دهى من فَاضل ... هَذَا التجرد من قديم زمَان تَجْرِيد ذِي الالفاظ عَن تركيبها ... وكذاك تَجْرِيد الْمعَانِي الثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 ذَا ... وَالْحق أَن كليهمَا فِي الذِّهْن مَفْرُوض فَلَا تحكم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الأذهان ... فيقودك الْخصم المعاند بِالَّذِي ... سلمته للْحكم فِي الْأَعْيَان ... فَعَلَيْك بالتفصيل إِن هم اطلقوا ... أَو أجملوا فَعَلَيْك بالتبيان ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن غلط اتكلمين فِي تَجْرِيد الْأَلْفَاظ يشبه غلط الفلاسفة فِي تَجْرِيد الْمعَانِي وَذَلِكَ أَن الفلاسفة يَزْعمُونَ أَن الْجَوَاهِر الْعَقْلِيَّة الَّتِي هِيَ الْعقل وَالنَّفس والمادة وَالصُّورَة لَهَا حَقِيقَة فِي الْخَارِج وَالصَّوَاب أَنه لَا حَقِيقَة لَهَا فِي الْخَارِج وَإِنَّمَا هِيَ أُمُور معقوله فِي الذِّهْن يجردها الْعقل من الامور الْمعينَة كَمَا يجوز الْعقل الكليات الْمُشْتَركَة بَين الْأَصْنَاف كالحيوانية الْكُلية والانسانية الْكُلية والكليات إِنَّمَا تكون كليات فِي الأذهان لَا فِي الْأَعْيَان وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم يَدعُونَهُ الْكُلِّي وَهُوَ معِين الخ وَمن هَؤُلَاءِ من يظنّ أَنَّهَا تكون فِي الْخَارِج كليات وان فِي الْخَارِج ماهيات كُلية مُقَارنَة للأعيان غير الموجودات الْمعينَة وَكَذَلِكَ مِنْهُم من يثبت كليات مُجَرّدَة عَن الْأَعْيَان يسمونها الْمثل الأفلاطونية مِنْهُم يثبت دهرا مُجَردا عَن المتحرك وَالْحَرَكَة وَيثبت خلاءا مُجَردا لَيْسَ متحيزا لَا قَائِما بمتحيز وَيثبت هيولي مُجَرّدَة عَن جَمِيع الصُّور الهيولي فِي لغتهم بِمَعْنى الْمحل يُقَال لِلْفِضَّةِ هيولي الْخَاتم وَالدِّرْهَم والخشب هيولي الْكُرْسِيّ أَي هَذَا الْمحل الَّذِي تصنع فِيهِ هَذِه الصُّورَة وَهَذِه الصُّورَة الصناعية عرض من الاعراض وَيدعونَ ان الْجِسْم هيولي مَحل الصُّورَة الجسمية غير نفس الْجِسْم الْقَائِم بِنَفسِهِ وَهَذَا غلط وَإِنَّمَا هَذَا يقدر فِي النَّفس كَمَا يقدر امتداد مُجَرّد عَن كل ممتد وَعدد مُجَرّد عَن كل مَعْدُود وَمِقْدَار مُجَرّد عَن كل مُقَدّر وَهَذِه كلهَا امور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 مقدرَة فِي الاذهان لَا وجود لَهَا فِي الاعيان وَهَؤُلَاء الَّذين جردوا الْحَقَائِق عَن قيودها وأخذوها مُطلقَة أخرجوها عَن مسمياتها وماهياتها جَمِيع الْقُيُود الْخَارِجَة فَلم يجعلوها دَاخِلَة فِي حَقِيقَتهَا فأثبتوا إنْسَانا لَا طَويلا وَلَا قَصِيرا وَلَا أسود وَلَا أَبيض وَلَا فِي زمَان وَلَا فِي مَكَان وَلَا سَاكِنا وَلَا متحركا وَلَا هُوَ فِي الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا لَهُ لحم وَلَا لَهُ عظم وَلَا عصب وَلَا ظفر وَلَا لَهُ شخص وَلَا ظلّ وَلَا يُوصف بِصفة وَلَا يتَقَيَّد بِقَيْد ثمَّ رَأَوْا الانسان الْخَارِجِي بِخِلَاف ذَلِك كُله فَقَالُوا هَذِه عوارض خَارِجَة عَن حَقِيقَته وَجعلُوا حَقِيقَته تِلْكَ الصُّورَة الخالية الَّتِي جردوها فَهِيَ الْمَعْنى لحقيقة هَؤُلَاءِ الَّذين اعتبروها مُجَرّدَة عَن سَائِر الْقُيُود وجعلهم تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي لَا تكون إنْسَانا فِي الْخَارِج لِأَنَّهَا خَارِجَة عَن حَقِيقَته كجعل هَؤُلَاءِ الْقُيُود الَّتِي لَا يكون اللَّفْظ مُقَيّدا إِلَّا بهَا مقتضية لمجازه فَتَأمل هَذَا التشابه والتناسب بَين الْفَرِيقَيْنِ هَؤُلَاءِ فِي تَجْرِيد الْمعَانِي وَهَؤُلَاء فِي تَجْرِيد الْأَلْفَاظ وَتَأمل مَا دخل على هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء من الْفساد فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وبسبب هَذَا الْغَلَط دخل من الْفساد فِي الْعُلُوم مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فتجرد الْأَعْيَان عَن وصف الخ أَي إِن تجرد الْمعِين عَن الْوَصْف والوضع وَالْوَقْت وَالْمَكَان إِنَّمَا هُوَ شَيْء يفرضه الذِّهْن كفرض المستحيل قَوْله الله أكبركم دهي من فَاضل فاياك والإصغاء إِلَى التجريدين لِأَن الْحق أَنَّهُمَا مفروضان فِي الذِّهْن فَلَا تسلإم مَا ادَّعَاهُ المتكلمون والفلاسفة فيهمَا فيقودك الْخصم المعاند بِهَذَا الَّذِي سلمته وَتصير مَغْلُوبًا مَعَه مقهورا وَالله اع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 ذَلِك إبطالا لما قصدوه فلذاك حملُوا نصوصهم على ظواهرها واعتقدوها على حَقِيقَتهَا فياليتهم أجروا نُصُوص الْكتاب وَالسّنة هَذَا المجرى وَلَكِن عِنْدهم ان نُصُوص الْكتاب وَالسّنة ظواهر لفظية لَا تفِيد الْيَقِين وَلذَلِك سطوا عَلَيْهَا بالتحريف وسموه تَأْوِيلا وتأويلهم هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَعْنى بالتأويل فِي الْكتاب وَالسّنة وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم فَانْظُر إِلَى الاعراف الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله} الْأَعْرَاف وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة يُوسُف {يَا أَبَت هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ من قبل} يُوسُف وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة الْكَهْف عَن الْخضر فِي قصَّة مُوسَى {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} الْكَهْف قَوْله فاذا مَرَرْت بآل عمرَان الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ آل عمرَان قَالَ شيخ الاسلام إِن الصَّوَاب قَول من يَجعله مَعْطُوفًا وَتَكون الْوَاو لعطف الْمُفْرد على مُفْرد أَو يكون كلا الْقَوْلَيْنِ حَقًا وَهِي قراءتان والتأويل الْمَنْفِيّ غير التَّأْوِيل الْمُثبت وَأَن الصَّوَاب هُوَ قَول من يَجْعَلهَا وَاو اسْتِئْنَاف فَيكون التاويل الْمَنْفِيّ علمه عَن غير الله هُوَ الكيفيات الَّتِي لَا يعلمهَا غَيره وَهَذَا فِيهِ نظر وَابْن عَبَّاس جَاءَ عَنهُ انه قَالَ أَنا من الراسخين الَّذين يعلمُونَ تَأْوِيله وَجَاء عَنهُ ان الراسخين لَا يعلمُونَ تَأْوِيله وَجَاء عَنهُ انه قَالَ التَّفْسِير على اربعة اوجه تَفْسِير تعرفة الْعَرَب من كَلَامهَا وَتَفْسِير لَا يعْذر اُحْدُ بجهالته وَتَفْسِير يُعلمهُ الْعلمَاء وَتَفْسِير لَا يُعلمهُ إِلَّا الله وَمن ادّعى علمه فَهُوَ كَاذِب وَهَذَا القَوْل يجمع الْقَوْلَيْنِ وَيبين ان الْعلمَاء يعلمُونَ من تَفْسِيره مَا لَا يعل غَيرهم وان فِيهِ مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَأَما من جعل الصَّوَاب قَول من جعل الْوَقْف عِنْد قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الا الله آل عمرَان جعل التَّأْوِيل بِمَعْنى التَّفْسِير فَهَذَا خطأ قطعا انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَعلمت ان حَقِيقَة التَّأْوِيل تَبْيِين الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز الثَّانِي ... وَرَأَيْت تَأْوِيل النفاة مُخَالفا ... لجَمِيع هَذَا لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ اللَّفْظ هم أنشوا لَهُ بِمَعْنى بذا ... ك الِاصْطِلَاح وَذَاكَ امْر دَان وَأتوا الى الالحاد فِي الْأَسْمَاء والتحريف للألفاظ بالبهتان ... فكسوه هَذَا اللَّفْظ تلبيسا وتد ... ليسَا على العميان والعوران تقدم معنى هَذِه الأبيات قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فاستن كل مُنَافِق إومكذب ... من باطني قرمطي جاني ... فِي ذَا بسنتهم وسمى جَحده ... للحق تَأْوِيلا بِلَا فرقان ... وأتى بِتَأْوِيل كتأويلاتهم ... شبْرًا بشبر صَارِخًا بِأَذَان إِنَّا تأولنا كَمَا اولتم فَأتوا نحاكمكم الى الْوزان ... فِي الكفتين تحط تأويلاتنا ... وكذاك تأويلاتكم بوزان ... هَذَا وَقد أقررتم أَنا بِأَيْدِينَا صَرِيح الْعدْل وَالْمِيزَان وغدوتم فِيهِ تلاميذا لنا ... اَوْ لَيْسَ ذَلِك منطق اليونان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 .. منا تعلمتم وَنحن شيوخكم ... لَا تجحدونا مِنْهُ الاحسان ... فَسَلُوا مباحثكم سُؤال تفهم ... وسلوا الْقَوَاعِد ربة الاركان ... من أَيْن جاءتكم وَأَيْنَ أُصُولهَا ... وعَلى يَدي من يَا اولي النكران فلأي شَيْء نَحن كفار وَأَنْتُم مُؤمنُونَ وَنحن متفقان ... إِن النُّصُوص أَدِلَّة لفظية ... لم تفض قطّ بِنَا إِلَى إيقان ... فلذاك حكمنَا الْعُقُول وَأَنْتُم ... أَيْضا كَذَاك فَنحْن مصطلحان فلأي شَيْء قد رميتم بَيْننَا ... حَرْب الحروب وَنحن كالأخوان الاصل مَعْقُول والفظ الْوَحْي مَعْزُول وَنحن وانتم صنْوَان لَا بالنصوص نقُول نَحن وَأَنْتُم ... أَيْضا كَذَاك فَنحْن مصطلحان ... فذروا عداوتنا فان وَرَاءَنَا ... ذَاك الْعَدو الثّقل ذُو الاضغان ... فهم عَدوكُمْ وهم أعداؤنا ... فجميعا فِي حربهم سيان ... تقدم الْكَلَام فِي معنى هَذِه الأبيات وَمعنى ذَلِك ان القرامطة والباطنية وَنَحْوهم من اعداء الشَّرِيعَة كلهم يَقُولُونَ لنفاة علو الرب تَعَالَى على عَرْشه وَصِفَاته تأويلنا مَا فِي الْكتاب وَالسّنة من ذكر الْمعَاد وحياة الرب ومشيئته وَعلمه وتأويلنا لحدوث الْعَالم وَنَحْو ذَلِك كتأويلكم فلأي شَيْء نَحن كفار وانتم مُؤمنُونَ فهاتوا وَاضح الْفرق بَيْننَا وَبَيْنكُم وَلنْ يجد المتكلمون إِلَى ذَلِك سَبِيلا فَإِن القرامطة والباطنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 .. واليه قد عرج الرَّسُول حَقِيقَة وَكَذَا ابْن مَرْيَم مصعد الابدان وكذاك قَالُوا إِنَّه بِالذَّاتِ فو ... ق الْعَرْش قدرته بِكُل مَكَان وكذاك ينزل كل آخر لَيْلَة ... نَحْو السَّمَاء فهاهنا جهتان للابتداء والانتهاء وذان لل أجسام أَيْن الله من هَذَانِ ... وكذاك قَالُوا إِنَّه مُتَكَلم ... قَامَ الْكَلَام بِهِ فيا إخْوَان ... أَيكُون ذَاك بِغَيْر حرف أم بِلَا ... صَوت فَهَذَا لَيْسَ فِي الامكان وكذاك قَالُوا مَا حكينا عَنْهُم ... من قبل قَول مشبه الرَّحْمَن فذروا الحراب لنا وشدوا كلنا ... جمعا عَلَيْهِم حَملَة الفرسان حَتَّى نسوقهم بأجمعنا الى ... وسط العرين ممزقي اللحمان ... قَالَ فِي الْقَامُوس العرين كأمير مأوى الاسد والضبع وَالذِّئْب والحية انْتهى ... وَلَقَد كوونا بالنصوص ومالنا ... بلقائها أَبَد الزَّمَان يدان كم ذَا بقال الله قَالَ رَسُوله ... من فَوق أَعْنَاق لنا وبنان اذ نَحن قُلْنَا قَالَ آرسطو الْمعلم اولا اَوْ قَالَ ذَاك الثَّانِي ... وكذاك ان قُلْنَا ابْن سينا قَالَ ذَا ... اَوْ قَالَه الرَّازِيّ ذُو التِّبْيَان قَالُوا لنا قَالَ الرَّسُول وَقَالَ فِي الْقُرْآن كَيفَ الدّفع لِلْقُرْآنِ ... وكذاك أَنْتُم مِنْهُم أَيْضا بِهَذَا الْمنزل الضنك الَّذِي تريان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 .. ان جئتموهم بالعقول أَتَوْكُم ... بِالنَّصِّ من اثر وَمن قُرْآن فتحالفوا إِنَّا عَلَيْهِم كلنا ... حزب وَنحن وَأَنْتُم سلمَان فاذا فَرغْنَا مِنْهُم فخلافنا ... سهل فَنحْن وَأَنْتُم اخوان فالعرش عِنْد فريقنا وفريقكم ... مَا فَوْقه اُحْدُ بِلَا كتمان مَا فَوْقه شئ سوى الْعَدَم الَّذِي لَا شئ فِي الاعيان والاذهان مَا الله مَوْجُود هُنَاكَ وانما الْعَدَم الْمُحَقق فَوق ذِي الاكوان ... وَالله مَعْدُوم هُنَاكَ حَقِيقَة ... بِالذَّاتِ عكس مقَالَة الديصان هَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد فريقنا ... وفريقكم وَحَقِيقَة الْعرْفَان وَكَذَا جماعتنا على التَّحْقِيق فِي التَّوْرَاة والانجيل وَالْفرْقَان ... لَيست كَلَام الله بل فيض من الفعال اَوْ خلق من الاكوان فالارض مَا فِيهَا لَهُ قَول وَلَا ... فَوق السما لِلْخلقِ من ديان بشر اتى بِالْوَحْي وَهُوَ كَلَامه ... فِي ذَاك نَحن وانتم مثلان ولذاك قُلْنَا إِن رؤيتنا لَهُ عين الْمحَال وَلَيْسَ فِي الامكان ... وزعمتم انا نرَاهُ رُؤْيَة الْمَعْدُوم لَا الْمَوْجُود فِي الاعيان اذ كل مرئي يقوم بِنَفسِهِ ... اَوْ غَيره لَا بُد فِي الْبُرْهَان من ان يُقَابل من يرَاهُ حَقِيقَة ... من غير بعد مفرط وتدان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 .. وَلَقَد تساعدنا على ابطال ذَا ... أَنْتُم وَنحن فَمَا هُنَا قَولَانِ اما البلية فَهِيَ قَول مجسم ... قَالَ الْقُرْآن بدا من الرَّحْمَن هُوَ قَوْله وَكَلَامه مِنْهُ بدا ... لفظا وَمعنى لَيْسَ يفترقان سمع الامين كَلَامه مِنْهُ وَأَدَّاهُ الى الْمُخْتَار من انسان ... فَلهُ الْأَدَاء كَمَا الأدا لرَسُوله وَالْقَوْل قَول الله ذِي السُّلْطَان هَذَا الَّذِي قُلْنَا وانتم إِنَّه ... عين الْمحَال وَذَاكَ ذُو بطلَان فاذا تساعدنا جَمِيعًا انه مَا ... بَيْننَا لله من قُرْآن إِلَّا كبيت الله تِلْكَ اضافة الْمَخْلُوق لَا الاوصاف للديان ... فعلام هَذَا الْحَرْب فِيمَا بَيْننَا ... مَعَ ذَا الْوِفَاق وَنحن مصطلحان فاذا أَبَيْتُم سلمنَا فتحيزوا لمقالة التجسيم بالاذعان ... عودوا مجسمة وَقُولُوا ... ديننَا ال إِثْبَات دين مشبه الديَّان أَولا فَلَا منا وَلَا مِنْهُم وَذَا شَأْن الْمُنَافِق إِذْ لَهُ وَجْهَان ... هَذَا بقول مجسم وخصومه ... ترميه بالتعطيل والكفران ... هُوَ قَائِم هُوَ قَاعد هُوَ جَاحد ... هُوَ مُثبت تَلقاهُ ذَا لونان يَوْمًا بِتَأْوِيل يَقُول وَتارَة يَسْطُو على التَّأْوِيل بالنكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الْمُطَالبَة بِالْفرقِ بَين مَا يتَأَوَّل وَمَا لَا يتَأَوَّل ... فَنَقُول فرق بَين مَا اولته ... ومنعته تَفْرِيق ذِي برهَان ... فَيَقُول مَا يُفْضِي الى التجسيم أَو لناه من خبر وَمن قُرْآن كالاستواء مَعَ التَّكَلُّم هَكَذَا ... لفظ النُّزُول كَذَاك لفظ يدان إِذْ هَذِه أَوْصَاف جسم مُحدث ... لَا يَنْبَغِي للْوَاحِد المنان فَنَقُول أَنْت وَصفته أَيْضا بِمَا ... يُفْضِي الى التجسيم والحدثان فَوَضَعته بِمَشِيئَة مَعَ قدرَة ... وَكَلَامه النَّفْسِيّ وَهُوَ معَان أَو وَاحِد والجسم حَامِل هَذِه ال أَوْصَاف حَقًا فأت بالفرقان ... بَين الَّذِي يُفْضِي الى التجسيم اَوْ لَا يَقْتَضِيهِ بواضح الْبُرْهَان وَالله لَو نشرت شيوخك كلهم ... لم يقدروا أبدا على الْفرْقَان ... شرح النَّاظِم رَحمَه الله فِي مُطَالبَة الْمُتَكَلِّمين فِي الْفرق بَين مَا يتَأَوَّل ومالا يتَأَوَّل من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وَذَلِكَ أَن بعض الْمُتَكَلِّمين يثبت الصِّفَات السَّبْعَة كالحياة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والارادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَبَعْضهمْ يزِيد على هَذِه الصِّفَات صفة التكوين فَتَصِير الصِّفَات الثَّابِتَة عِنْدهم ثَمَانِيَة فَيُقَال لهَؤُلَاء لَا فرق بَين مَا أثبتموه ونفيتموه بل القَوْل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 أَحدهمَا كالقول فِي الآخر فان قُلْتُمْ إِن ارادته مثل إِرَادَة المخلوقين فَكَذَلِك محبته وَرضَاهُ وغضبه وَهَذَا هُوَ التَّمْثِيل وَإِن قُلْتُمْ لَهُ ارادة تلِيق بِهِ قيل لكم وَكَذَلِكَ لَهُ محبَّة تلِيق بِهِ وللمخلوق محبَّة تلِيق بِهِ وَله سُبْحَانَهُ رضى وَغَضب يَلِيق بِهِ وللمخلوق رضى وَغَضب يَلِيق بِهِ وان قُلْتُمْ الْغَضَب غليان دم الْقلب لطلب الانتقام فَيُقَال لكم الارادة ميل النَّفس الى جلب مَنْفَعَة اَوْ دفع مضرَّة فان قُلْتُمْ هَذِه ارادة الْمَخْلُوق قيل لكم وَهَذَا غضب الْمَخْلُوق وَكَذَلِكَ يلزمون بالْقَوْل فِي كَلَامه وسَمعه وبصره وَعلمه وَقدرته إِن نفوا عَنهُ الْمحبَّة والرضى وَالْغَضَب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ من خَصَائِص المخلوقين فَهَذَا مُنْتَفٍ عَن السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَجَمِيع الصِّفَات وان قُلْتُمْ إِنَّه لَا حَقِيقَة لهَذَا إِلَّا مَا يخْتَص بالمخلوقين قيل لكم وَهَكَذَا السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَالْقُدْرَة وَالْعلم فَهَذَا المفرق بَين بعض الصِّفَات وَبَعض يُقَال لَهُ فِيمَا نَفَاهُ كَمَا يَقُوله هُوَ لمنازعة فِيمَا أثْبته وَهَذَا هُوَ معنى قَول النَّاظِم فَيَقُول مَا يُفْضِي الى التجسيم الخ وَهَذَا الالزام لَازم لَهُم كَمَا ترى وجوابهم عَنهُ فِي غَايَة الصعوبة وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... وَالله لَو نشرت شيوخك كلهم ... لم يقدروا أبدا على الْفرْقَان ... وَقَوله فأت الْقُرْآن كَذَا فِي النّسخ وَالصَّوَاب فأت بالفرقان أَي بالفرقان بَين مَا يتَأَوَّل وَمَا لَا يتَأَوَّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فصل فِي ذكر فرق آخر لَهُم وَبَيَان بُطْلَانه ... فلذاك قَالَ زعيمهم فِي نَفسه ... فرقا سوى هَذَا الَّذِي تريان هذي الصِّفَات عقولنا دلّت على ... إِثْبَاتهَا مَعَ ظَاهر الْقُرْآن فلذاك صناها عَن التَّأْوِيل فاعجب يَا أَخا التَّحْقِيق والعرفان ... كَيفَ اعْتِرَاف الْقَوْم ان عُقُولهمْ ... دلّت على التجسيم بالبرهان فَيُقَال هَل فِي الْعقل تجسيم ام الْمَعْقُول يَنْفِيه كَذَا النُّقْصَان ... إِن قُلْتُمْ يَنْفِيه فانفوا هَذِه ال أَوْصَاف وانسلخوا من الْقُرْآن أَو قُلْتُمْ يقْضِي باثبات لَهُ ... ففراركم مِنْهَا لأي معَان أَو قُلْتُمْ يَنْفِيه فِي وصف وَلَا يَنْفِيه فِي وصف بِلَا برهَان ... فَيُقَال مَا الْفرْقَان بَينهمَا وَمَا الْبُرْهَان فَأتوا الْآن بالفرقان وَيُقَال قد شهد العيان بِأَنَّهُ ... ذُو حِكْمَة وعناية وحنان مَعَ رأفة ومحبة لِعِبَادِهِ ... أهل الْوَفَاء وتابعي الْقُرْآن ولذاك خصوا بالكرامة دون اعداء الْإِلَه وشيعة الكفران ... وَهُوَ الدَّلِيل لنا على غضب وبغض مِنْهُ مَعَ مقت لذِي الْعِصْيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 .. وَالنَّص جَاءَ بِهَذِهِ الاوصاف مَعَ ... مثل الصِّفَات السَّبع فِي الْقُرْآن وَيُقَال سلمنَا بِأَن الْعقل لَا ... يقْضِي اليها فَهِيَ فِي الْفرْقَان أفنفي آحَاد الدَّلِيل يكون للمدلول نفيا يَا أولي الْعرْفَان ... اَوْ نفي مُطلقَة يدل على انتفا الْمَدْلُول فِي عقل وَفِي قُرْآن أفبعد ذَا الانصاف وَيحكم سوى ... مَحْض العناد ونخوة الشَّيْطَان وتحيز مِنْكُم اليهم يَا أولي الْقُرْآن والاثار والايمان ... ذكر النَّاظِم لمثبتي بعض الصِّفَات دون بعض فرقا آخر وَبَين بُطْلَانه وَذَلِكَ أَنهم إِن قَالُوا أثبتنا تِلْكَ الصِّفَات لِأَن الْعقل دلّ على إِثْبَاتهَا مَعَ النَّقْل فان الْفِعْل الْحَادِث دلّ على الْقُدْرَة والتخصيص دلّ على الْإِرَادَة والإحكام دلّ على الْعلم وَهَذَا الصِّفَات مستلزمة للحياة والحي لَا يَخْلُو عَن السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام اَوْ ضد ذَلِك لَهُم عَن هَذَا جوابان أَحدهمَا ان يُقَال عدم الدَّلِيل الْمعِين لَا يسْتَلْزم عدم الْمَدْلُول الْمعِين فَهَب ان مَا سلكتموه من الدَّلِيل الْعقلِيّ لَا يثبت ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيه وَلَيْسَ لكم ان تنفوه بِغَيْر دَلِيل لَان النَّافِي عَلَيْهِ الدَّلِيل كَمَا على الْمُثبت والسمع قد دلّ عَلَيْهِ وَلم يُعَارض ذَلِك معَارض عَقْلِي وَلَا سَمْعِي فَيجب اثبات مَا أثْبته الدَّلِيل السَّالِم عَن الْمعَارض المقاوم الثَّانِي ان يُقَال يُمكن إِثْبَات هَذِه الصِّفَات بنظير مَا اثبتم بِهِ تِلْكَ من العقليات فَيُقَال نفع الْعباد بالاحسان اليهم يدل على الرَّحْمَة كدلالة التَّخْصِيص على الْمَشِيئَة واكرام الطائعين يدل على محبتهم وعقاب الْكَافرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 يدل على بغضهم كَمَا قد ثَبت بِالشَّهَادَةِ وَالْخَبَر من اكرام أوليائه وعقاب اعدائه والغايات الْمَوْجُودَة فِي مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة تدل على حكمته الْبَالِغَة كَمَا يدل التَّخْصِيص على الْمَشِيئَة وَأولى لقُوَّة الْعلَّة الغائية وَلِهَذَا كَانَ مَا فِي الْقُرْآن من بَيَان مَا فِي الْمَخْلُوقَات من النعم وَالْحكم أعظم مِمَّا فِي الْقُرْآن من بَيَان مَا فِيهَا من الدّلَالَة على مَحْض الْمَشِيئَة وَهَذَا شرح كَلَام النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل وَالله أعلم فصل فِي بَيَان مُخَالفَة طريقهم لطريق أهل الاسْتقَامَة عقلا ونقلا ... وَاعْلَم بِأَن طريقهم عكس الطَّرِيق الْمُسْتَقيم لمن لَهُ عينان جعلُوا كَلَام شيوخهم نصا لَهُ الاحكام مَوْزُونا بِهِ النصان ... وَكَلَام رب الْعَالمين وَعَبده ... متشابها متحملا لمعان ... فتولدت من ذَيْنك الْأَصْلَيْنِ أَو ... لاد أَتَت للغي والبهتان إِذْ من سفاح لَا نِكَاح كَونهَا ... بئس الْوَلِيد وبئست الألوان عرضوا النُّصُوص على كَلَام شيوخهم ... فَكَأَنَّمَا جَيش لذِي سُلْطَان والعزل والابقاء مرجعه الى السُّلْطَان دون رعية السُّلْطَان ... وكذاك أَقْوَال الشُّيُوخ فَإِنَّهَا الْمِيزَان دون النَّص وَالْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 .. إِن وافقا قَول الشُّيُوخ فمرحبا ... أَو خَالَفت فالدفع بِالْإِحْسَانِ إِمَّا بِتَأْوِيل فَإِن اعيى فتفويض ونتركها لقَوْل فلَان ... إِذْ قَوْله نَص لدينا مُحكم ... فظواهر الْمَنْقُول ذَات معَان ... وَالنَّص فَهُوَ بِهِ عليم دُوننَا ... وبحاله مَا حِيلَة العميان الا تمسكهم بأيدي مبصر ... حَتَّى يقودهم كذي الأرسان فاعجب لعميان البصائر أبصروا كَون الْمُقَلّد صَاحب الْبُرْهَان ... ورأوه بالتقليد أولى من سوا ... هـ بغَيْرهَا هدي وَلَا برهَان ... وعموا عَن الوحيين إِذْ لم يفهموا ... مَعْنَاهُمَا عجبا لذِي الحرمان ... أَشَارَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى لهَذِهِ الأبيات إِلَى ان طَرِيق النفاة عكس طَرِيق أهل الاسْتقَامَة فَإِن النفاة جعلُوا كَلَام شيوخهم نصا محكما وَقَول النَّاظِم جعلُوا كَلَام شيوخهم نصا لَهُ الاحكام هُوَ بِكَسْر الْهمزَة أَي محكما وَكَلَام شيوخهم نصا لَهُ الاحكام هُوَ بِكَسْر الْهمزَة أَي محكما وَكَلَام الله وَرَسُوله متشابها مُجملا فَلَمَّا بنوا الامر على هذَيْن الاصلين الباطلين تولد من ذَلِك انهم يعرضون النُّصُوص على كَلَام مشايخهم فَإِن وافقتها قبلوها وَإِن خالفتها دفعُوا إِمَّا بالتأويل فَإِن عجزوا عَن ذَلِك فالتفويض وَيَقُولُونَ كَلَام الشَّيْخ أولى وَهُوَ أعلم منا بالنصوص وَنحن مقلدون وَنحن كالعميان والاعمى لَا بُد لَهُ من قَائِد وَنَحْو ذَلِك قَالَ النَّاظِم فاعجب لعميان البصائر أبصروا كَون الْمُقَلّد صَاحب الْبُرْهَان الْمُقَلّد بِفَتْح اللَّام أَي عجبا لعميان البصائر كَيفَ أبصروا ان مقلدهم اولى بِالصَّوَابِ من غَيره من المقلدين فاعجب لهَذَا الحرمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... قَول الشُّيُوخ أتم تبيانا على الوحيين لَا وَالْوَاحد المنان ... النَّقْل نقل صَادِق وَالْقَوْل من ... ذِي عصمَة فِي غَايَة التِّبْيَان ... وسواه إِمَّا كَاذِب أَو صَحَّ لم ... يَك قَول مَعْصُوم وَذي تبيان أفيستوي النقلان يَا أهل النهى ... وَالله لَا يتماثل النقلان هَذَا الَّذِي القى الْعَدَاوَة بَيْننَا ... فِي الله نَحن لأَجله خصمان ... أَي أَنهم لما عموا عَن الوحيين وَزَعَمُوا انهم لَا يفهمون مَعْنَاهُمَا فَكيف يفهمون كَلَام الشُّيُوخ مَعَ ان الوحيين اتم بَيَانا من كَلَامهم ولان الوحيين نقل صَادِق عَن قَائِل مَعْصُوم واما قَوَّال الشُّيُوخ فَهِيَ إِمَّا نقل كَاذِب وان صحت فَهِيَ عَن غير مَعْصُوم فَهَل يَسْتَوِي النقلان كلا وهيهات قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... نصروا الضَّلَالَة من سفاهة رَأْيهمْ ... لَكِن نصرنَا مُوجب الْقُرْآن وَلنَا سلوك ضد مسلكهم فَمَا ... رجلَانِ منا قطّ يَلْتَقِيَانِ إِنَّا أَبينَا ان ندين بِمَا بِهِ ... دانوا من الآراء والبهتان إِنَّا عزلناها وَلم نعبأ بهَا ... يَكْفِي الرَّسُول ومحكم الْفرْقَان من لم يكن ي 4 كفيه ذان فلاكفا ... هـ الله شَرّ حوادث الْأَزْمَان من لم يكن يشفيه ذان فَلَا شفا ... هـ الله فِي قلب وَلَا أبدان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 .. من لم يكن يُغْنِيه ذان رَمَاه رب الْعَرْش بالإعدام والحرمان ... من لم يكن يهديه ذان فَلَا هدا ... هـ الله سبل الْحق وَالْإِيمَان إِن الْكَلَام مَعَ الْكِبَار وَلَيْسَ مَعَ تِلْكَ الأراذل سفلَة الْحَيَوَان ... أوساخ هَذَا الْخلق بل إنتانه ... جيف الْوُجُود أَخبث الانتان الطالبين دِمَاء أهل الْعلم بالكفران والعدوان والبهتان ... الشاتمي أهل الحَدِيث عَدَاوَة ... للسّنة الْعليا مَعَ الْقُرْآن جعلُوا مسبتهم طَعَام حُلُوقهمْ فَالله يقطعهَا من الاذقان ... كبرا وإعجابا وتيها زَائِدا ... وتجاوزا لمراتب الانسان ... لَو كَانَ هَذَا من وَرَاء كِفَايَة ... كُنَّا حملنَا راية الشكران لكنه من خلف كل مخلف ... عَن رُتْبَة الايمان وَالْإِحْسَان ... قَوْله كبرا وإعجابا الخ هَذَا مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل ... حجاب وَإِعْجَاب وفرط تصلف ... وَمد يَد نَحْو العلى بتكلف فَلَو كَانَ هَذَا من وَرَاء كِفَايَة ... لهان وَلَكِن من وَرَاء تخلف ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... من لي بشبه خوارج قد كفرُوا ... بالذنب تَأْوِيلا بِلَا إِحْسَان وَلَهُم نُصُوص قصروا فِي فهمها ... فَأتوا من التَّقْصِير فِي الْعرْفَان وخصومنا قد كفرونا بِالَّذِي ... هُوَ غَايَة التَّوْحِيد وَالْإِيمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 يَقُول النَّاظِم إِن الْخَوَارِج احسن حَالا مِنْكُم ايها الْخُصُوم لِأَن الْخَوَارِج فِي تكفيرهم بِالذنُوبِ أخذُوا بنصوص الْوَعيد لَكِن أخطؤوا فِي ذَلِك وَقصرت أفهامهم وَأما أَنْتُم فخالفتم النُّصُوص وكفرتم من أَخذ بهَا وقدمها على غَيرهَا بل كَفرْتُمْ بِمَا هُوَ غَايَة التَّوْحِيد والايمان فصل فِي بَيَان كذبهمْ ورميهم أهل الْحق بِأَنَّهُم أشباه الْخَوَارِج وَبَيَان شبههم الْمُحَقق بالخوارج ... وَمن الْعَجَائِب أَنهم قَالُوا لمن قد حَان بالآثار وَالْقُرْآن ... أَنْتُم بذا مثل الْخَوَارِج إِنَّهُم أخذُوا الظَّوَاهِر اهتدوا لمعان فَانْظُر الى ذَا البهت هَذَا وَصفهم نسبوا إِلَيْهِ شيعَة الْإِيمَان ... سلوا على سنَن الرَّسُول وَحزبه سيفين سيف يَد وَسيف لِسَان خَرجُوا عَلَيْهِم مِثْلَمَا خرج الألى من قبلهم بالغي والعدوان ... وَالله مَا كَانَ الْخَوَارِج هَكَذَا وهم الْبُغَاة أَئِمَّة الطغيان كَفرْتُمْ أَصْحَاب سنته وهم فساق مِلَّته فَمن يلحاني إِن قلت هم خير واهدى مِنْكُم وَالله مَا الفئتان مستويان شتان بَين مكفر بِالسنةِ الْعليا وَبَين مكفر الْعِصْيَان ... قُلْتُمْ تأولنا كَذَاك تأولوا ... وكلاكما فئتان باغيتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 .. وَلكم عَلَيْهِم ميزة التعطيل والتحريف والتبديل والبهتان وَلَهُم عَلَيْكُم ميزة الاثبات والتصديق مَعَ خوف من الرَّحْمَن ... ألكم على تأويلكم أَجْرَانِ إِذْ ... لَهُم على تأويلهم وزران ... حاشا رَسُول الله من ذَا الحكم بل ... أَنْتُم وهم فِي حكمه سيان وكلاكما للنَّص فَهُوَ مُخَالف ... هَذَا وبينكما من الْفرْقَان هم خالفوا نصا لنَصّ مثله ... لم يفهموا التَّوْفِيق بِالْإِحْسَانِ لكنكم خالفتم الْمَنْصُوص للشبه الَّتِي هِيَ فكرة الأذهان ... فلأي شئ أَنْتُم خير وَأقرب مِنْهُم للحق والايمان هم قدمُوا الْمَفْهُوم من لفظ الكتا ... ب على الحَدِيث الْمُوجب التِّبْيَان لكنكم قدمتم رَأْي الرجا ... ل عَلَيْهِمَا أفأنتم عَدْلَانِ أم هم إِلَى الْإِسْلَام أقرب مِنْكُم ... لَاحَ الصَّباح لمن لَهُ عينان وَالله يحكم بَيْنكُم يَوْم الجزا ... بِالْعَدْلِ والإنصاف وَالْمِيزَان هَذَا وَنحن فَمنهمْ بل مِنْكُم بُرَآء الا من هدى وَبَيَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان كذبهمْ فِي رميهم أهل الْحق بِأَنَّهُم أشباه الْخَوَارِج وأوضح شبههم الْمُحَقق بالخوارج وَذَلِكَ أَن النفاة قَالُوا للمثبتة انتم اخذتم بالظواهر وَلم تهتدوا للمعاني كالخوارج قَالَ النَّاظِم فَانْظُر إِلَى ذَا البهت هَذَا وَصفهم أَي انهم وصفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 المثبتة بِمَا هُوَ وَصفهم وَذَلِكَ أَنهم سلوا السيوف على السّنة وَأَهْلهَا وَخَرجُوا عَلَيْهِم كخروج الْخَوَارِج على الامة لَكِن الْخَوَارِج مَعَ بغيهم وطغيانهم كفرُوا فساق المللة واما هم فَكَفرُوا من اتبع الْكتاب وَالسّنة فَيَقُول النَّاظِم فَمن يلحاني أَي يُنَازعنِي إِن قلت إِن الْخَوَارِج خير وَأهْدى مِنْكُم وشتان بَيْنكُم وَبينهمْ لانكم تكفرون بِاتِّبَاع السّنة وَتَقْدِيم النُّصُوص على غَيرهَا وهم يكفرون بِالذنُوبِ والمعاصي وَإِذ قُلْتُمْ تأولنا فهم كَذَلِك تأولوا كلاكما فئتان باغيتان وَلَكِن زدتم عَلَيْهِم بالتعطيل والتحريف والتبديل والبهتان وهم تميزوا عَنْكُم بالإثبات والتصديق وَالْخَوْف من الله أفلكم على تأويلكم أَجْرَانِ إِذْ لَهُم على تأويلهم وزران وحاشا رَسُول الله من هَذَا الحكم بل انتم وهم فِي حكمه سيان وَمَعَ هَذَا فكلاكما مُخَالف للنَّص وَلَكِن بَيْنكُمَا فرق كثير لأَنهم خالفوا نصا لنَصّ آخر لما لم يفهموا التَّوْفِيق بَين النُّصُوص وَأما أَنْتُم فخالفتم النُّصُوص بالعدوان والشبه الَّتِي مَا نزل الله بهَا من سُلْطَان وهم أَيْضا قدمُوا مَا فهموه من الْقُرْآن على الحَدِيث وَأما أَنْتُم فخالفتم الْقُرْآن والْحَدِيث وقدمتم عَلَيْهِمَا آراء الرِّجَال فهم اقْربْ مِنْكُم إِلَى الاسلام وَالله يحكم بَيْنكُم وَبينهمْ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم وَمَعَ هَذَا فَنحْن مِنْكُم وَمِنْهُم برَاء إِلَّا من هدى وَبَيَان ثمَّ شرع النَّاظِم فِي بَيَان الموازنة بَينهم وَبَين الْخَوَارِج وترجيح الْخَوَارِج عَلَيْهِم فَقَالَ ... فاسمع إِذا قَول الْخَوَارِج ثمَّ قو ل خصومنا واحكم بِلَا ميلان من ذَا الَّذِي منا إِذا أشباههم ... إِن كنت ذَا علم وَذَا عرفان ... قَالَ الْخَوَارِج للرسول اعْدِلْ فَلم ... تعدل وَمَا ذِي قسْمَة الديَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 .. وَكَذَلِكَ الجهمي قَالَ نَظِير ذَا ... لكنه قد زَاد فِي الطغيان قَالَ الصَّوَاب بِأَنَّهُ استولى فَلم ... قلت اسْتَوَى وَعدلت عَن تبيان ... أَي ان الْخَوَارِج قَالَ قَائِلهمْ وَهُوَ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقسم اعْدِلْ يَا رَسُول الله كَمَا فِي الصَّحِيح عَن ابي سعيد قَالَ بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم جَاءَ عبد الله ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي فَقَالَ اعْدِلْ يَا رَسُول الله فَقَالَ وَيلك وَمن يعدل إِذا لم أعدل قَالَ عمر بن الْخطاب ائْذَنْ لي فَأَضْرب عُنُقه قَالَ دَعه فَإِن لَهُ أصحابا يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية الحَدِيث وَكَذَلِكَ الجهمي قَالَ الصَّوَاب استولى على الْعَرْش فَلم قلت يَا رَسُول الله اسْتَوَى ... وكذاك ينزل أمره سُبْحَانَهُ ... لم قلت ينزل صَاحب الغفران مَاذَا بِعدْل فِي الْعبارَة وَهِي موهمة التحيز وانتقال مَكَان ... أَي وَكَذَلِكَ الجهمي لما قَالَ الرَّسُول ينزل رَبنَا قَالَ الجهمي بل ينزل امْرَهْ لَان النُّزُول يَقْتَضِي الْحَرَكَة والانتقال ... وكذاك قلت بِأَن رَبك فِي السما أوهمت حيّز خَالق الإكوان ... كَانَ الصَّوَاب بِأَن يُقَال بِأَنَّهُ فَوق السما ... سُلْطَان ذِي سُلْطَان ... أَي قَالَ الجهمي إِنَّك قلت أَيهَا الرَّسُول عَن الله إِنَّه فِي السَّمَاء وَذَلِكَ يَقْتَضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 التحيز وَالْمَكَان لله كَانَ الصَّوَاب بِأَن يُقَال بِأَنَّهُ فَوق السَّمَاء سُلْطَانه سُبْحَانَهُ ... وكذاك قلت اليه يعرج والصوا ... ب إِلَى كَرَامَة رَبنَا المنان أَي ان الجهمي لنفيه علو الرب سُبْحَانَهُ فَوق خلقه يَقُول الصَّوَاب ان العروج إِلَى كَرَامَة الله لَا إِلَى الله قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَكَذَلِكَ قلت بِأَن مِنْهُ ينزل الْقُرْآن تَنْزِيلا من الرَّحْمَن ... كَانَ الصَّوَاب بِأَن يُقَال نُزُوله ... من لوحه اَوْ من مَحل ثَان ... أَي ان الجهمي قَالَ للرسول لم ذكرت ان الْقُرْآن ينزل من الرَّحْمَن وَالصَّوَاب ان نُزُوله من اللَّوْح الْمَحْفُوظ اَوْ من مَحل آخر ... وَتقول أَيْن الله والأين فممتنع عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْإِمْكَان ... لَو قلت من كَانَ الصَّوَاب كَمَا ترى ... فِي الْقَبْر يسْأَل ذَلِك الْملكَانِ ... أَي يَقُول الجهمي للرسول إِنَّك تَقول أَيْن الله والاين مُمْتَنع على الله تَعَالَى ومحال وَلَيْسَ بممكن وَالصَّوَاب ان تَقول من الله كَمَا يسْأَل الْملكَانِ فِي الْقَبْر الْمَيِّت فَيَقُولَانِ من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَتقول الله أَنْت الشَّاهِد الا أَعلَى تُشِير بأصبع وبنان نَحْو السَّمَاء وَمَا إشارتنا لَهُ ... حسية بل تِلْكَ فِي الأذهان وَالله مَا نَدْرِي الَّذِي نبديه فِي ... هَذَا من التَّأْوِيل للاخوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 .. قُلْنَا لَهُم إِن السما هِيَ قبْلَة الدَّاعِي كبيت الله ذِي الاركان قَالُوا لنا هَذَا دَلِيل أَنه ... فَوق السما بأوضح الْبُرْهَان ... فَالنَّاس طرا إِنَّمَا يَدعُونَهُ من فَوق هذي فطْرَة الرَّحْمَن لَا يسْأَلُون الْقبْلَة الْعليا وَلَكِن يسْأَلُون الرب ذَا الاحسان ... قَالُوا وَمَا كَانَت إِشَارَته إِلَى غير الشَّهِيد منزل الْفرْقَان أتراه أَمْسَى للسما مستشهدا حاشاه من تَحْرِيف ذِي الْبُهْتَان ... أَي ان الجهمي يَقُول للرسول إِنَّك تُشِير بأصبعك إِلَى السَّمَاء فِي خطبَته بِعَرَفَة فِي الْموقف الْعَظِيم وَتقول اللَّهُمَّ أشهد وَنحن لَا نَدْرِي مَا تبديه من التَّأْوِيل فِي هَذَا فَإِن قُلْنَا للنَّاس ان السَّمَاء قبْلَة الدَّاعِي كبيت الله قَالُوا لنا هَذَا دَلِيل أَنه فَوق السَّمَاء لَان النَّاس إِنَّمَا يَدعُونَهُ من فَوق وعَلى هَذَا فطر الله الْخلق وَمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنهم لَا يسْأَلُون الْقبْلَة وَكَذَلِكَ مَعْلُوم أَنهم لَا يستشهدون السَّمَاء وَإِنَّمَا يستشهدون من فَوْقهَا سُبْحَانَهُ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وكذاك قلت بِأَنَّهُ مُتَكَلم ... وَكَلَامه المسموع بالآذان ... نَادَى الكليم بِنَفسِهِ وكذاك قد ... سمع الندا فِي الْجنَّة الأبوان ... وَكَذَا يُنَادي الْخلق يَوْم معادهم ... بالصوت يسمع صَوته الثَّقَلَان إِنِّي أَنا الديَّان آخذ حق مظلوم من العَبْد الظلوم الْجَانِي ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 .. وَتقول إِن الله قَالَ وَقَائِل ... وَكَذَا يَقُول وَلَيْسَ فِي الْإِمْكَان ... قَول بِلَا حرف وَلَا صَوت يرى ... من غير مَا شفة وَغير لِسَان ... أوقعت فِي التَّشْبِيه والتجسيم من لم ينف مَا قد قلت فِي الرَّحْمَن لَو لم تقل فَوق السَّمَاء وَلم تشر ... باشارة حسية بِبَيَان ... وَسكت عَن تِلْكَ الْأَحَادِيث الَّتِي ... قد صرحت بالفوق للديان وَذكرت أَن الله لَيْسَ بداخل فِينَا وَلَا هُوَ خَارج الأكوان ... كُنَّا أنتصفنا من أولي التجسيم بل ... كَانُوا لنا أسرى عبيد هوان ... لَكِن منحتهم سِلَاحا كلما ... شاؤوا لنا مِنْهُم أَشد طعان وغدوا بأسهمك الَّتِي اعطيتهم ... يرموننا غَرضا بِكُل مَكَان لَو كنت تعدل فِي الْعبارَة بَيْننَا ... مَا كَانَ يُوجد بَيْننَا رجفان هَذَا لِسَان الْحَال مِنْهُم وَهُوَ فِي ... ذَات الصُّدُور يغل الكتمان يَبْدُو على فلتات ألسنهم وَفِي ... صفحات أوجههم يرى بعيان سِيمَا إِذا قرىء الحَدِيث عَلَيْهِم ... وتلوت شَاهده من الْقُرْآن فهناك بَين النازعات وكورت ... تِلْكَ الْوُجُوه كَثِيرَة الألوان ويكاد قَائِلهمْ يُصَرح لَو يرى ... من قَابل فتراه ذَا كتمان ... يَعْنِي ان الجهمي يَقُول إِنَّك يَا رَسُول الله قلت بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَكَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 بِكَلَام مسموع وَذكرت انه نَادَى الكليم وَكَذَا نَادَى الْأَبَوَيْنِ فِي الْجنَّة وانه يُنَادي الْخلق يَوْم الْمعَاد وَتقول إِن الله قَالَ وَقَائِل وَيَقُول وَلَا يُمكن قَول بِلَا حرف وَلَا صَوت وَلَا شفة وَلَا لِسَان فَإِذا نَحن لم ننف مَا قلته فِي الرَّحْمَن وقعنا فِي التَّشْبِيه والتجسيم وَلَكِن لَو لم تقل فَوق السَّمَاء وَلم تشر إِلَيْهِ الْإِشَارَة الحسية وَلم تنطق بالأحاديث الَّتِي صرحت بالفوقية وَذكرت ان الله لَيْسَ بداخل الْعَالم وَلَا خَارجه كُنَّا انتصفنا من المجسمة وَكَانُوا لنا اسرى وَلَكِنَّك منحتهم سِلَاحا كلما شاؤوا طاعنونا بِهِ اشد المطاعنة وغدوا يرموننا بِتِلْكَ الاسهم الَّتِي اعطيتهم وصرنا لَهُم غَرضا بِكُل مَكَان وَالْغَرَض قَالَ فِي الْقَامُوس الْغَرَض محركة هدف يرْمى فِيهِ جمعه أغراض فَلَو كنت عدلت بَيْننَا فِي الْعبارَة لم يُوجد بَيْننَا رجفان قَالَ فِي الْقَامُوس رجف حرك وتحرك واضطراب شَدِيدا رجفا ورجفانا ورجوفا ورجيفا قَوْله هَذَا لِسَان الْحَال مِنْهُم الخ أَي انهم يَقُولُونَ هَذَا بِلِسَان حَالهم وَلكنه مَكْتُوم فِي صُدُورهمْ مغلول وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يَبْدُو على فلتات السنتهم وَيرى فِي صفحات وُجُوههم لَا سِيمَا إِذا قرىء الحَدِيث عَلَيْهِم وتلي شَاهده من الْقُرْآن فهناك بَين النازعات وكورت أَي إِنَّك إِذا قَرَأت عَلَيْهِم الحَدِيث وتلوت مَا يصدقهُ من الْقُرْآن تلونت وُجُوههم فَتَارَة تظلم وَتارَة تصفر وَتغَير كحالة من فِي نزع الْمَوْت والنازعات فِي قَوْله تَعَالَى {والنازعات غرقا} النازعات هِيَ الْمَلَائِكَة الَّتِي تنْزع ارواح الْعباد عَن اجسادهم على قَول اكثر الْمُفَسّرين وَقَوله تَعَالَى {إِذا الشَّمْس كورت} التكوير قَالَ ابْن عَبَّاس اظلمت وَقَالَ مقَاتل والكلبي ذهب ضوؤها وَقَالَ مُجَاهِد اضمحلت وَقيل غورت وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قَوْله ويكاد قَائِلهمْ يُصَرح أَي بِمَا فِي نَفسه لَو يرى قَابلا بل ذكر شيخ الاسلام فِي بعض رسائله ان بعض من خاطبه صرح بانه لَا يقبل من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَقُوله فِي هَذَا الْبَاب قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... يَا قوم شاهدنا رؤوسكم على ... هَذَا وَلم نشهده من إِنْسَان إِلَّا وحشو فُؤَاده غل على ... سنَن الرَّسُول وشيعة الْقُرْآن ... أَي إِنَّا رَأينَا رؤوسهم على هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَلم نشهده من اُحْدُ الا وفؤاده محشو غلا على سنَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشيعة الْقُرْآن قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَهُوَ الَّذِي فِي كتبهمْ لَكِن بلطف عبارَة مِنْهُم وَحسن بَيَان واخو الْجَهَالَة نِسْبَة للفظ وَالْمعْنَى فنسب الْعَالم الرباني ... يَقُول النَّاظِم إِن هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنْهُم هُوَ الَّذِي فِي كتبهمْ لكِنهمْ يلطفون الْعبارَة ويحسنون الْكَلَام وَلَكِن الْجَاهِل نِسْبَة للفظ وَالْمعْنَى فنسب الْعَالم الرباني أَي ان الْعَالم الرباني نظره إِلَى مَا يتضمنه اللَّفْظ واما الْجَاهِل فنظره مَقْصُور على اللَّفْظ وَقَوله نِسْبَة بِفَتْح النُّون وَإِسْكَان السِّين وَضم الْبَاء أَي ان الْعَالم ينْسب إِلَى الْمعَانِي واما الْجَاهِل فَهُوَ ينْسب الى الالفاظ فَهُوَ دائر مَعهَا ثمَّ اعتذر النَّاظِم عَمَّا لَعَلَّه ينْسبهُ من لَا علم عِنْده الى الحيف عَلَيْهِم فِيمَا نسبه إِلَيْهِم فَقَالَ ... يَا من يظنّ بأننا حفنا عَلَيْهِم كتبهمْ تنبيك عَن ذَا الشان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 أَي ظلمناهم وجرنا عَلَيْهِم قَالَ فِي الْقَامُوس الحيف الْجور وَالظُّلم ... فَانْظُر ترى لَكِن نرى لَك تَركهَا ... حذرا عَلَيْك مصائد الشَّيْطَان فشباكها وَالله لم يعلق بهَا ... من ذِي جنَاح قَاصِر الطيران أَلا رَأَيْت الطير فِي قفص الردى ... يبكي لَهُ نوح على الاغصان ويظل يخبط طَالبا لخلاصه فتضيق عَنهُ فرجه العيدان ... والذنب ذَنْب الطير خلى أطيب الثمرات فِي عَال من الافنان وأتى الى تِلْكَ الْمَزَابِل يَبْتَغِي الفضلات كالحشرات والديدان ... يَا قوم وَالله الْعَظِيم نصيحة ... من مُشفق وَأَخ لكم معوان ... جربت هَذَا كُله وَوَقعت فِي تِلْكَ ... الشباك وَكنت ذَا طيران ... يَقُول النَّاظِم رَحمَه الله يَا من يظنّ بِأَنا حفنا عَلَيْهِم أَي على النفاة أَي جرنا عَلَيْهِم وظلمناهم كتبهمْ تنبئك عَمَّا ذكرنَا وَقد أثقلت ظهر البسيطة فطالعها إِن شِئْت لَكِن نرى لَك تَركهَا حذرا عَلَيْك ان تصيدك شبههم الشيطانية فكم وَقع فِي تِلْكَ الشباك من قَاصِر الطيران فتراه عِنْد وُقُوعه فِي تِلْكَ المصائد حائرا ندمانا يبكي لوُقُوعه فِي مهامه الْحيرَة والشكوك وكل هَذَا على طَرِيق النصح من النَّاظِم فجزاه الله تَعَالَى خير الْجَزَاء عملا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدّين النَّصِيحَة ثمَّ بيني انه قد جرب ذَلِك وانه وَقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 فِي بعض تِلْكَ الشباك والمصائد حَتَّى اتاح لَهُ الْمولى بفضله من اوضح لَهُ تِلْكَ الشّبَه وازاح عَنهُ تِلْكَ الشكوك وَهُوَ شيخ الاسلام واشار إِلَى ذَلِك بقوله ... حَتَّى أتاح لي الْإِلَه بفضله ... من لَيْسَ تجزيه يَدي ولساني حبره أَتَى من أَرض حران فيا أَهلا بِمن قد جَاءَ من حران ... فَالله يجْزِيه الَّذِي هُوَ أَهله من جنَّة المأوى مَعَ الرضْوَان أخذت يَدَاهُ يَدي وَسَار فَلم يرم ... حَتَّى أَرَانِي مطلع الايمان وَرَأَيْت اعلام الْمَدِينَة حولهَا ... نزل الْهدى وعساكر الْقُرْآن وَرَأَيْت آثارا عَظِيما شَأْنهَا محجوبة عَن زمرة العميان ... ووردت رَأس المَاء أَبيض صافيا حصباؤه كلالئ التيجان وَرَأَيْت أكوابا هُنَاكَ كَثِيرَة مثل النُّجُوم لوارد ظمآن ... وَرَأَيْت حَوْض الْكَوْثَر الصافي الَّذِي ... لَا زَالَ يشخب فِيهِ مِيزَابَانِ ... ميزاب سنته وَقَول إلهه ... وهما مدى الايام لَا ينيان وَالنَّاس لَا يردونه إِلَّا من الالآف أفرادا ذَوُو إِيمَان ... وردوا عَذَاب مناهل أكْرم بهَا ... ووردتم أَنْتُم عَذَاب هوان ... قَوْله حران قَالَ فِي الْقَامُوس حران كشداد مَوضِع بِالشَّام وَالنِّسْبَة حرناني وَلَا تقل حراني وان كَانَ قِيَاسا قَوْله حَتَّى أتاح لي الْإِلَه بفضله الخ قَالَ فِي الْقَامُوس تاح لَهُ الشَّيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 يتيح يتهيأ انْتهى وَكم أنقذ الله بشيخ الاسلام ومصنفاته الْعِظَام من حيرة تِلْكَ الشُّبُهَات والأضاليل وَكَاد يخرج بهَا عَن سَوَاء السَّبِيل قَالَ الشَّيْخ الامام أَبُو حَفْص عمر بن عَليّ الْبَزَّاز اُحْدُ تلامذة شيخ الاسلام فِي تَرْجَمته حَدثنِي غير وَاحِد من الْعلمَاء الْفُضَلَاء النبلاء الممعنين بالخوض فِي أقاويل الْمُتَكَلِّمين لاصابة الصَّوَاب وتمييز القشر من اللّبَاب إِن كلا مِنْهُم لم يزل حائرا فِي تجاذب أَقْوَال الاصوليين ومعقولاتهم وَإنَّهُ لم يسْتَقرّ فِي قلبه مِنْهَا قَول وَلم يبن لَهُ من مضمونها حق بل رَآهَا كلهَا موقعة فِي الْحيرَة والتضليل وجلها مذعن بتكافىء الْأَدِلَّة والتعطيل وَإنَّهُ كَانَ خَائفًا على نَفسه من الْوُقُوع بِسَبَبِهَا فِي التشكيك والتعطيل حَتَّى من الله عَلَيْهِ بمطالعة مؤلفات هَذَا الامام احْمَد بن تَيْمِية شيخ الاسلام مِمَّا اورده من النقليات والعقليات فِي هَذَا النظام فَمَا هُوَ إِلَّا ان وقف عَلَيْهَا وفهمها فرآها مُوَافقَة لِلْعَقْلِ السَّلِيم وَعلمهَا حَتَّى انجلى مَا كَانَ قد غشيه من اقوال الْمُتَكَلِّمين من الظلام وَزَالَ عَنهُ مَا خَافَ ان يَقع فِيهِ من الشَّك فظفر بالمرام انْتهى قَوْله وَرَأَيْت أكوابا وَهِي جمع كوب وَهِي أقداح بِلَا عرى وَقَوله وردوا عَذَاب الخ بِكَسْر الْعين وَعَذَاب هوان بِالْفَتْح أَي وردوا المناهل الحلوة العذبة من الْكتاب وَالسّنة ووردتم الشكوك والحيرة وَهِي الْعَذَاب بِعَيْنِه بل رُبمَا تُفْضِي الى الْعَذَاب الاكبر نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فَبِحَق من اعطاكم ذَا الْعدْل وَال انصاف والتخصيص بالعرفان من ذَا على دين الْخَوَارِج بعدذا ... أَنْتُم ام الحشوي مَا تريان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 .. وَالله مَا أَنْتُم لَدَى الحشوي أَهلا ان يقدمكم على عُثْمَان ... فضلا عَن الْفَارُوق وَالصديق فضلا عَن رَسُول الله وَالْقُرْآن وَالله لَو أبصرتم لرأيتم الحشوي حَامِل راية الْإِيمَان ... وَكَلَام رب الْعَالمين وَعَبده ... فِي قلبه اعلى واكبر شان من ان يحرف عَن موَاضعه وان يقْضِي لَهُ بِالْعَزْلِ عَن إيقان ... وَيرى الْولَايَة لِابْنِ سينا اَوْ ابي نصر اَوْ الْمَوْلُود من صَفْوَان اَوْ من يتابعهم على كفرانهم ... اَوْ من يقلدهم من العميان يَا قَومنَا بِاللَّه قومُوا وانظروا ... وتفكروا فِي السِّرّ والاعلان نظرا وَإِن شِئْتُم مناظرة فَمن ... مثنى على هَذَا وَمن وحدان أَي الطوائف بعد ذَا ادنى إِلَى ... قَول الرَّسُول ومحكم الْقُرْآن فاذا تبين ذَا فإمَّا تتبعوا ... أَو تعذروا اَوْ تؤذنوا بطعان ... اقْسمْ النَّاظِم على النفاة بِحَق الله الَّذِي اعطاهم الْعدْل والانصاف وَهَذَا على طَرِيق التهكم أَي إِذا سَمِعْتُمْ مَا تقدم فَهَل انتم مثل الخواج اَوْ اعظم مِنْهُم مضرَّة على الدّين ام المنبوذ عنْدكُمْ بالحشو ثمَّ اقْسمْ قسما آخر انكم لَسْتُم بَاهل ان يقدمكم على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فضلا عَن الْفَارُوق وَالصديق فضلا عَن رَسُول الله وَالْقُرْآن وان كَلَام رب الْعَالمين وَعَبده اعلى فِي قلبه من ان يحرفه عَن موَاضعه وان يرميه بانها نُصُوص لفظية لَا تفِيد الْيَقِين وَيرى الْولَايَة لِابْنِ سينا اَوْ ابي نصر هُوَ الفارابي اَوْ الْمَوْلُود من صَفْوَان وهم الجهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 فصل فِي تلقيبهم اهل السّنة بالحشوية وَبَيَان من اولى بِالْوَصْفِ المذموم من هَذَا اللقب من الطائفين وَذكر اول من لقب بِهِ اهل السّنة من اهل الْبِدْعَة ... وَمن الْعَجَائِب قَوْلهم لمن اقْتدى ... بِالْوَحْي من أثر وَمن قُرْآن حشوية يعنون حَشْوًا فِي الْوُجُود وفضله فِي أمة الانسان ... ويظن جاهلهم بانهم حَشْو ... ارب الْعباد بداخل الاكوان ... إِذْ قَوْلهم فَوق الْعباد وَفِي السما ... ء الرب ذُو الملكوت وَالسُّلْطَان ظن الْحمير بِأَن فِي للظرف والرحمن محوي بظرف مَكَان ... وَالله لم يسمع بذا من فرقة ... قالته فِي زمن من الْأَزْمَان لَا تبهتوا اهل الحَدِيث بِهِ فَمَاذَا قَوْلهم تَبًّا لذِي الْبُهْتَان ... بل قَوْلهم إِن السَّمَاوَات العلى ... فِي كف خَالق هَذِه الأكوان حَقًا كخردلة ترى فِي كف ممسكها تَعَالَى الله ذُو السُّلْطَان ... أترونه المحصور بعد ام السما ... يَا قَومنَا ارتدعوا عَن الْعدوان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي بَيَان عدوان النفاة وتلقيبهم اهل السّنة والْحَدِيث بالالقاب الشنيعة لتنفير الطغام وَأَشْبَاه الْأَنْعَام كَمَا لقبوهم بالحشوية وَغير ذَلِك من الالقاب الْآتِيَة والحشوية قَالَ فِي شرح مُخْتَصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 التَّحْرِير سموا حشوية لأَنهم كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلقَة الْحسن الْبَصْرِيّ امامه فَلَمَّا انكر كَلَامهم قَالَ جردوهم إِلَى حَشْو الْحلقَة أَي جَانبهَا وَقَالَ ابْن الصّلاح فتح الشين غلط وَإِنَّمَا هُوَ بالاسكان وَكَذَلِكَ قَالَ الْبرمَاوِيّ بِالسُّكُونِ لِأَنَّهُ إِمَّا من الحشو لانهم يَقُولُونَ بِوُجُود الحشو فِي كَلَام الْمَعْصُوم اَوْ نَحْو ذَلِك وَرَأَيْت كلَاما لشيخ الاسلام فِي معنى الحشو فِيهِ مُخَالفَة لهَذَا وَقد فسر النَّاظِم معنى الحشوية بقوله يعنون حَشْوًا فِي الْوُجُود وفضله الخ أَي ان المعطلة يعنون بقَوْلهمْ حشوية ان المثبتة حَشْو فِي الْوُجُود وفضله فِي النَّاس وجهالهم يظنون ان معنى الحشو انهم بقَوْلهمْ ان الله سُبْحَانَهُ فِي السَّمَاء وَفَوق خلقه قد حَشْوًا رب الْعباد بالأكوان وَهَذَا معنى قَوْله ظن الْحمير الخ قَوْله ظن الْحمير بِأَن فِي للظرف أَي اذا ظنُّوا انا إِذا قُلْنَا الله فِي السَّمَاء فَفِي للظرفية تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ وَالله لم يسمع بذا من فرقة قالته فِي زمن من الازمان وَقد صنف ابو اسحاق ابراهيم بن عُثْمَان ابْن درباس الشَّافِعِي مصنفا سَمَّاهُ تَنْزِيه ائمة الشَّرِيعَة عَن الالقاب الشنيعة وَقَوله بل قَوْلهم إِن السَّمَاوَات العلى الخ أَي ان قَول اهل السّنة والْحَدِيث إِن السَّمَاوَات السَّبع فِي كف الرَّحْمَن جلّ وَعلا كخردلة فِي كف ممسكها كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ يقبض الله تَعَالَى الارض يَوْم الْقِيَامَة ويطوي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول انا الْملك ايْنَ مُلُوك الارض وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظ لمُسلم عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوي الله السَّمَاوَات يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يأخذهن بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَيْن الجبارون ايْنَ المتكبرون ثمَّ يطوي الْأَرْضين بِشمَالِهِ ثمَّ يَقُول انا الْملك أَيْن الجبارون ايْنَ المتكبرون وَفِي لفظ فِي الصَّحِيح عَن عبد الله بن مقسم انه نظر إِلَى عبد الله بن عمر كَيفَ يَحْكِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَأْخُذ الله عز وَجل سماواته وأرضيه بيدَيْهِ وَيَقُول انا الله وَيقبض أَصَابِعه ويبسطها انا الْملك حَتَّى نظرت إِلَى الْمِنْبَر يَتَحَرَّك من اسفل شَيْء مِنْهُ حَتَّى إِنِّي أَقُول أساقط هُوَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي لفظ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول يَأْخُذ الْجَبَّار عز وَجل سماواته وأرضيه وَقبض بِيَدِهِ وَجعل يقبضهَا ويبسطها وَيَقُول انا الرَّحْمَن انا الْملك انا السَّلَام انا الْمُؤمن انا الْعَزِيز انا الْجَبَّار انا المتكبر انا الَّذِي بدأت الدُّنْيَا وَلم تَكُ شَيْئا انا الَّذِي أعيدها ايْنَ الْمُلُوك ايْنَ الجبارون وَفِي لفظ أَيْن الجبارون ايْنَ المتكبرون ويتميل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَمِينه وعَلى شِمَاله حَتَّى نظرت إِلَى الْمِنْبَر يَتَحَرَّك من اسفل شَيْء مِنْهُ حَتَّى إِنِّي أَقُول أساقط هُوَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والْحَدِيث مَرْوِيّ فِي الصَّحِيح وَالْمَسَانِيد وَغَيرهَا بِأَلْفَاظ يصدق بَعْضهَا بَعْضًا وَفِي بعض الفاظه قَالَ قَرَأَ على الْمِنْبَر {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} الزمر الْآيَة قَالَ مطوية فِي كَفه يَرْمِي بهَا كَمَا يَرْمِي الْغُلَام بالكرة وَفِي لفظ يَأْخُذ الْجَبَّار سمواته وأرضه بِيَدِهِ فيجعلهما فِي كَفه ثمَّ يَقُول بهما هَكَذَا كَمَا يَقُول الصّبيان بالكرة أَنا الله الْوَاحِد وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَا السَّمَاوَات السَّبع ولأرضون السَّبع وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَينهُنَّ فِي يَد الرَّحْمَن إِلَّا كخردلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 فِي يَد أحدكُم قَالَ شيخ الاسلام فِي كتاب الْعَرْش وَهَذِه الْآثَار مَعْرُوفَة قَالَ النَّاظِم ... كم ذَا مشبهة وَكم حشوية ... فالبهت لَا يخفى على الرَّحْمَن يَا قوم إِن كَانَ الْكتاب وَسنة الْمُخْتَار حَشْوًا فَاشْهَدُوا بِبَيَان ... إِنَّا بِحَمْد إلهنا حشوية ... صرف بِلَا جحد وَلَا كتمان تَدْرُونَ من سمت شيوخكم بِهَذَا الِاسْم فِي الْمَاضِي من الْأَزْمَان ... سمي بِهِ ابْن عبيد عبد الله ذَا ... ك بن الْخَلِيفَة طارد الشَّيْطَان فورثتم عمرا كَمَا ورثوا لعبد الله أَنى يستوى الارثان ... تَدْرُونَ من اولى بِهَذَا الِاسْم وَهُوَ مُنَاسِب احواله بوزان من قد حشى الأوراق والأذهان من بدع تخَالف مُوجب الْقُرْآن ... هَذَا هُوَ الحشوي لَا أهل الحَدِيث أَئِمَّة الاسلام وَالْإِيمَان وردوا عَذَاب مناهل السّنَن الَّتِي لَيست زبالة هَذِه الأذهان ... ووردتم القلوط مجْرى كل ذِي الأوساخ والاقذار والانتان وكسلتم ان تصعدوا للورد من ... رَأس الشَّرِيعَة خيبة الكسلان ... يَقُول النَّاظِم كم ذَا تنبزون اهل الْإِثْبَات بِهَذَا البهت وَالْكذب الصَّرِيح فَإِن كَانَ الْكتاب وَالسّنة حَشْوًا فَاشْهَدُوا انا حشوية بِلَا جحد وَلَا كتمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَنَحْو من هَذَا قَوْله رَحمَه الله ... فان كَانَ تجسيما ثُبُوت صِفَاته ... وتنزيها عَن كل تَأْوِيل مفتري فَانِي بِحَمْد الله رَبِّي مجسم ... هلموا شُهُودًا واملؤوا كل محْضر ... قَوْله سمي بِهِ ابْن عبيد عبد الله أَي اول من نطق بِهَذَا الِاسْم هُوَ عَمْرو بن عبيد المعتزلي قَالَ كَانَ عبد الله بن عمر حشويا يَعْنِي عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم ذَاك ابْن الْخَلِيفَة طارد الشَّيْطَان وَمرَاده بالخليفة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقَوله طارد الشَّيْطَان يُشِير إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر مَا رآك الشَّيْطَان سالكا فجا إِلَّا سلك فجا غير فجك قَوْله تَدْرُونَ من أولى بِهَذَا الِاسْم الخ أَي ان الاولى والاحق بِهَذَا الِاسْم مِنْهُ حَشْو الأوراق والأذهان من الْبدع المضلة والآراء المضمحلة الْمُخَالفَة لِلْقُرْآنِ وَالسّنة فَهَذَا هُوَ الحشوي على الْحَقِيقَة لَا أَئِمَّة الحَدِيث وأئمة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان قَوْله مُوجب الْقُرْآن هُوَ بِفَتْح الْجِيم قَوْله وردوا عَذَاب مناهل السّنَن الَّتِي لَيست زبالة هَذِه الأذهان أَي ان اهل الحَدِيث وَالسّنة وردوا مناهل السّنَن العذبة الَّتِي لَيست زبالة الأذهان والزبالة قَالَ فِي الْقَامُوس زبل زرْعَة يزبله سمده وككتاب مَا تحمله النحلة ووردتم القلوط الخ سَيَأْتِي بَيَان القلوط فِي الْفَصْل الْمَعْقُود لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 فصل فِي بَيَان عداوتهم فِي تلقيب أهل الْقُرْآن والْحَدِيث بالمجسمة وَبَيَان أَنهم اولى بِكُل لقب خَبِيث ... كم ذَا مشبهة مجسمة نوا ... بتة مشبة جَاهِل فتان أَسمَاء سميتم بهَا أهل الحَدِيث وناصري الْقُرْآن والايمان ... سميتموهم أَنْتُم وشيوخكم ... بهتا بهَا من غير مَا سُلْطَان ... وجعلتموها سبة لتنفروا ... عَنْهُم كَفعل السَّاحر الشَّيْطَان مَا ذنبهم وَالله إِلَّا أَنهم ... أخذُوا بِوَحْي الله وَالْفرْقَان وأبوا بِأَن يتحيزوا لمقالة ... غير الحَدِيث وَمُقْتَضى الْقُرْآن وَأَبُو يدينوا بِالَّذِي دنتم بِهِ ... من هَذِه الآراء والهذيان وصفوه بالأوصاف فِي النصين من ... خبر صَحِيح ثمَّ من قُرْآن إِن كَانَ ذَا التجسيم عنْدكُمْ فيا ... أَهلا بِهِ مَا فِيهِ من نكران إِنَّا مجسمة بِحَمْد الله لم ... نجحد صِفَات الْخَالِق الرَّحْمَن وَالله مَا قَالَ امْرُؤ منا بِأَن الله جسم يَا أولي الْبُهْتَان ... وَالله يعلم أننا فِي وَصفه ... لم نعو مَا قد قَالَ فِي الْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 .. أَو قَالَه أَيْضا رَسُول الله فَهُوَ الصَّادِق المصدوق بالبرهان أَو قَالَه أَصْحَابه من بعده ... فهم النُّجُوم مطالع الْإِيمَان سموهُ تجسيما وتشبيها فلسنا جاحديه لذَلِك الهذيان ... أَي أَن النفاة والمعطلة سموا اهل الْإِثْبَات بأسماء بشعة قصدا للتنفير عَنْهُم فَإِنَّهُم يسمونهم مشبهة أَي أَنهم يشبهون الله بخلقه وسموهم مجسمة أَي يَقُولُونَ بِأَن الله جسم تَعَالَى عَن ذَلِك وسموهم نوابت والنوابت هم كَمَا قَالَ فِي الْقَامُوس الأغمار من الْأَحْدَاث ونبتت لَهُم نابتة نَشأ لَهُم نَشأ صغَار وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْحَنْظَلِي الرَّازِيّ عَلامَة اهل الْبدع الوقيعة فِي اهل الْأَثر وعلامة الْجَهْمِية ان يسموا أهل السّنة مشبهة ونابتة وعلامة الْقَدَرِيَّة أَن يسموا أهل السّنة مجبرة وعلامة الزَّنَادِقَة أَن يسموا أهل الْأَثر حشوية انْتهى نَقله عَنهُ الذَّهَبِيّ فِي كتاب الْعُلُوّ قَوْله لتنفروا عَنْهُم الخ أَي انهم سموا اهل الحَدِيث بِهَذِهِ الْأَسْمَاء ولقبوهم بِهَذِهِ الألقاب للتنفير عَنْهُم وَإِلَّا فهم لم يتعدوا مَا قَالَ الله وَرَسُوله وَلم يقل اُحْدُ مِنْهُم إِن الله تَعَالَى جسم جلّ عَن ذَلِك وَمَعَ ذَلِك فَأهل الْأَثْبَات لما أثبتوا مَا أثْبته الله وَرَسُوله لنَفسِهِ من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تَمْثِيل وَإِن سمت المعطلة ذَلِك تَشْبِيها وتجسيما فَأهل الْإِثْبَات لَا يجحدونه لأجل تشنيعاتهم وهذيانهم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... بل بَيْننَا فرق لطيف بل هُوَ الْفرق الْعَظِيم لمن لَهُ عينان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 .. إِن الْحَقِيقَة عندنَا مَقْصُودَة ... بِالنَّصِّ وَهُوَ مُرَاده التِّبْيَان ... لَكِن لديكم فَهِيَ غير مُرَادة ... أَنى يُرَاد مُحَقّق الْبطلَان فَكَلَامه فِيمَا لديكم لَا حَقِيقَة تَحْتَهُ تبدو الى الأذهان ... فِي ذكر آيَات الْعُلُوّ وَسَائِر الْأَوْصَاف وَهِي الْقلب لِلْقُرْآنِ بل قَول رب النَّاس لَيْسَ حَقِيقَة فِيمَا لديكم يَا أولي الْعرْفَان ... وَإِذا جعلتم ذَا مجَازًا صَحَّ ان ... ينفى على الأطلاق والامكان ... وحقائق الْأَلْفَاظ بِالْعقلِ انْتَفَت ... فِيمَا زعمتم فَاسْتَوَى النفيان نفي الْحَقِيقَة وَانْتِفَاء اللَّفْظ إِن ... دلّت عَلَيْهِ فحظكم نفيان ونصيبنا اثبات ذَاك جَمِيعه ... لفظا وَمعنى ذَاك اثباتان فَمن الْمُعَطل فِي الْحَقِيقَة غَيْركُمْ ... لقب بِلَا كذب وَلَا عدوان وَإِذا سببتم بالمحال فسبنا ... بأدلة وحجاج ذِي برهَان تبدي فضائحكم وتهتك ستركم ... وَتبين جهلكم مَعَ الْعدوان يَا بعد مَا بَين السباب بذاكم ... وسبابكم بِالْكَذِبِ والطغيان من سبّ بالبرهان لَيْسَ بظالم ... وَالظُّلم سبّ العَبْد بالبهتان فحقيقة التجسيم ان يَك عنْدكُمْ ... وصف الْإِلَه الْخَالِق الديَّان بصفاته الْعليا الَّتِي شهِدت بهَا ... آيَاته وَرَسُوله العدلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 .. فَتَحملُوا عَنَّا الشَّهَادَة واشهدوا ... فِي كل مُجْتَمع وكل مَكَان انا مجسمة بِفضل الله وليشهد بذلك مَعكُمْ الثَّقَلَان ... الله أكبر كشرت عَن نابها الْحَرْب الْعوَان وصيح بالأقران وتقابل الصفان وانقسم الورى ... قسمَيْنِ واتضحت لنا القسمان ... معنى كَلَام النَّاظِم ان الْحَقِيقَة عِنْد المثبتة مَقْصُودَة بِالنَّصِّ وَالْمرَاد بِهِ التِّبْيَان وَأما عنْدكُمْ أَيهَا النفاة فَهِيَ غير مُرَادة لِأَن الْحَقِيقَة عنْدكُمْ لم تدل إِلَّا على التَّشْبِيه والتجسيم فَكَلَام الله وَرَسُوله فِي آيَات الْعُلُوّ وَالصِّفَات وَكَذَا كَلَام رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بِحَقِيقَة بل هُوَ مجَاز وَالْمجَاز هُوَ مَا يَصح نَفْيه وحقائق الْأَلْفَاظ دلّ الْعقل بزعمكم على نَفيهَا فَاسْتَوَى أَي تمّ عنْدكُمْ نفيان نفي الْحَقِيقَة وَنفي الدّلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهَا واما المثبتة فهم أثبتوا اللَّفْظ وَالْمعْنَى بِغَيْر تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل فَلهم اثباتان فَأنْتم المعطلة حَقًا وَإِذا سببتم بِالْكَذِبِ والمحال فسبنا بالأدلة والحجج وَيَا بعد مَا بَين السبابين لأنكم تسبون بِالْكَذِبِ والطغيان وَنحن نسب بالبرهان فَمن سبّ بالبرهان فَلَيْسَ بظالم وَإِنَّمَا الظُّلم هُوَ السب بالبهتان وَقَوله كشرت عَن نابها الخ قَالَ فِي الْقَامُوس كشر عَن أَسْنَانه يكشر كشرا أبدى يكون فِي الضحك وَغَيره قَوْله الْعوَان هِيَ الْحَرْب بعد الْحَرْب قَالَ فِي مُخْتَار الصِّحَاح الْعوَان النّصْف فِي سنّهَا من كل شَيْء وَالْجمع عون والعوان من الْحَرْب الَّتِي قوتل فِيهَا مرّة بعد مرّة كَأَنَّهُمْ جعلو الاولى بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فصل فِي بَيَان مورد أهل التعطيل وانهم تعرضوا بالقلوط عَن مورد السلسبيل ... يَا وَارِد القلوط وَيحك لَو ترى ... مَاذَا على شفتيك والاسنان أَو مَا ترى آثارها فِي الْقلب والنيات والاعمال والاركان ... لَو طَابَ مِنْك الْورْد طابت كلهَا ... أَنى تطيب موارد الانتان ... يَا وَارِد القلوط طهر فَاك من ... خبث بِهِ واغسله من انتان ثمَّ اشتم الحشوي حَشْو الدّين وَالْقُرْآن والْآثَار والايمان ... اهلا بهم حَشْو الْهدى وسواهم ... حَشْو الضلال فَمَا هما سيان ... أَهلا بهم حَشْو الْيَقِين وَغَيرهم ... حَشْو الشكوك فَمَا هما صنْوَان أَهلا بهم حَشْو الْمَسَاجِد والسوى ... حَشْو الكنيف فَمَا هما عَدْلَانِ أَهلا بهم حَشْو الْجنان وَغَيرهم ... حَشْو الْجَحِيم أيستوي الحشوان يَا وَارِد القلوط وَيحك لَو ترى الحشوي وَارِد منهل الْقُرْآن ... وتراه من رَأس الشَّرِيعَة شاربا ... من كف من قد جَاءَ بالفرقان ... وتراه يسْقِي النَّاس فضلَة كأسه ... وختامها مسك على ريحَان لعذرته إِن بَال فِي القلوط لم ... يشرب بِهِ مَعَ جملَة العميان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 .. يَا وَارِد القلوط لَا تكسل فرا ... س المَاء فاقصده قريب دَان هُوَ منهل سهل قريب وَاسع ... كَاف اذا نزلت بِهِ الثَّقَلَان وَالله لَيْسَ بأصعب الوردين بل ... هُوَ أسهل الوردين للظمآن ... القلوط بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد اللَّام وبالطاء الْمُهْملَة هُوَ نهر بِدِمَشْق الشَّام يحمل أقذار الْبَلَد وأوساخه وإنتانه وَيُسمى فِي هَذَا الْوَقْت قليطا بِالتَّصْغِيرِ وَالله أعلم فصل فِي بَيَان هدمهم لقواعد الْإِسْلَام وَالْإِيمَان بعزلهم نُصُوص السّنة وَالْقُرْآن ... يَا قوم بِاللَّه انْظُرُوا وتفكروا ... فِي هَذِه الْأَخْبَار وَالْقُرْآن مثل التدبر والتفكر للَّذي ... قد قَالَه ذُو الرَّأْي والحسبان فَأَقل شَيْء أَن يَكُونُوا عنْدكُمْ ... حدا سَوَاء يَا أولي الْعدوان وَالله مَا اسْتَويَا لَدَى زعمائكم ... فِي الْعلم وَالتَّحْقِيق والعرفان عزلوهما بل صَرَّحُوا بِالْعَزْلِ عَن ... نيل الْيَقِين ورتبة الْبُرْهَان قَالُوا وَتلك أَدِلَّة لفظية ... لسنا نحكمها على الايقان مَا أنزلت لينال مِنْهَا الْعلم با ل إِثْبَات للأوصاف للرحمن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 .. بل بالعقول ينَال ذَاك وَهَذِه ... عَنهُ بمعزل غير ذِي سُلْطَان ... فبجهدنا تَأْوِيلهَا وَالدَّفْع فِي ... أكنافها دفعا لذِي الصولان ... أَشَارَ النَّاظِم رَحمَه الله الى انهم بِمَا فَعَلُوهُ وَهُوَ عزلهم النُّصُوص عَن إِفَادَة الْيَقِين هدموا قَوَاعِد الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فَقَالَ يَا قوم بِاللَّه انْظُرُوا الخ أَي تَفَكَّرُوا وتدبروا فِي الْكتاب وَالسّنة كتدبركم وتفكركم فِي كَلَام الْمَشَايِخ فَأَقل شَيْء أَن يَكُونَا عنْدكُمْ سَوَاء ثمَّ أقسم أَنَّهُمَا مَا اسْتَويَا عِنْد زعمائكم فِي الْعلم وَالتَّحْقِيق والعرفان بل يَقُولُونَ تِلْكَ أَدِلَّة لفظية وَمَا وَضعه مَشَايِخنَا قواطع عقلية وَتلك الظَّوَاهِر اللفظية لم تنزل لتعلم مِنْهَا صِفَات الرب عز وَجل وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك بِالْعقلِ وَمَعَ ذَلِك فنجتهد فِي دَفعهَا كدفع الصَّائِل فَإِن امكن تَأْوِيلهَا فَذَاك وَإِلَّا فآخر الْأَمر التَّفْوِيض قَوْله فِي أكنافها الكنف الْجَانِب والظل والناحية قَالَه فِي الْقَامُوس ثمَّ ضرب النَّاظِم لذَلِك مثلا فَقَالَ ... ككبير قوم جَاءَ يشْهد عِنْد ذِي ... حكم يُرِيد دفاعه بليان ... فَيَقُول قدرك فَوق ذَا وَشَهَادَة ... لسواك تصلح فاذهبن بِأَمَان وبوده لَو كَانَ شَيْء غير ذَا ... لَكِن مَخَافَة صَاحب السُّلْطَان ... أَي أَن مثل نُصُوص الْكتاب وَالسّنة الدَّالَّة على إِثْبَات الْعُلُوّ وَالصِّفَات عِنْدهم كَرجل كَبِير ذِي منصب جَاءَ يشْهد عِنْد بعض الْحُكَّام وَهُوَ يُرِيد ان لَا يقبل شَهَادَته وَيُرِيد دَفعه بالأسهل فَيَقُول أَنْت جليل الْقدر عَظِيم لمنصب وقدرك فَوق هَذَا وَالشَّهَادَة تصلح لسواك مَعَ أَن ذَلِك الْحَاكِم يود أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 يردهُ بِغَيْر هَذَا الرَّد لَكِن لأجل مَخَافَة صَاحب السُّلْطَان يَدْفَعهُ بِهَذَا الدّفع قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فَلَقَد أَتَانَا عَن كَبِير فيهم ... وَهُوَ الحقير مقَالَة الكفران لَو كَانَ يمكني وَلَيْسَ بممكن ... لحككت من ذَا الْمُصحف العثماني ذكر اسْتِوَاء الرب فَوق الْعَرْش لَكِن ذَاك مُمْتَنع على الانسان ... يَعْنِي جَهَنَّم بن صَفْوَان وَقد تقدّمت قصَّته هَذِه أول الشَّرْح وَقد رَوَاهَا ابْن ابي حَاتِم كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ فِي كتاب الْعُلُوّ قَالَ ابي حَاتِم ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفضل الْأَسدي ثَنَا يحيى بن أَيُّوب ثَنَا أَبُو نعيم الْبَلْخِي وَكَانَ قد أدْرك جهما قَالَ كَانَ لجهم صَاحب يُكرمهُ ويقدمه على غَيره فَإِذا هُوَ قد صِيحَ بِهِ وندر بِهِ وَوَقع فِيهِ فَقلت لَهُ قد كَانَ يكرمك فَقَالَ إِنَّه قد جَاءَ مِنْهُ مَا لَا يحْتَمل بَينا هُوَ يقْرَأ طه والمصحف فِي حجره فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه قَالَ لَو وجدت السَّبِيل إِلَى أَن أحكها من الْمُصحف لفَعَلت فاحتملت هَذِه ثمَّ إِنَّه بَينا هُوَ يقْرَأ آيَة إِذْ قَالَ مَا أظرف مُحَمَّدًا إِذْ قَالَهَا ثمَّ إِنَّه بَينا هُوَ يقْرَأ طسم الْقَصَص والمصحف فِي حجره إِذْ مر بِذكر مُوسَى فَرفع الْمُصحف بِيَدِهِ وَرجلَيْهِ وَقَالَ أَي شَيْء هَذَا ذكره هُنَا فَلم يتم ذكره ثمَّ قَالَ الذَّهَبِيّ أخرجهَا عبد الله بن احْمَد عَن الصَّنْعَانِيّ عَن يحيى بن ايوب انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالله لَوْلَا هَيْبَة الاسلام وَالْقُرْآن والأمراء وَالسُّلْطَان لأتوا بِكُل مُصِيبَة ولدكدكوا ال إِسْلَام فَوق قَوَاعِد الاركان ... فَلَقَد رَأَيْتُمْ مَا جرى لأئمة ال إِسْلَام من محن على الازمان لَا سِيمَا لما استمالوا جَاهِلا ... ذَا قدرَة فِي النَّاس مَعَ سُلْطَان وَسعوا إِلَيْهِ بِكُل إفْك بَين ... بل قاسموه بأغلظ الْأَيْمَان أَن النَّصِيحَة قصدهم كنصيحة الشَّيْطَان حِين خلا بِهِ الأبوان ... يُشِير النَّاظِم بِهَذِهِ الأبيات إِلَى أَنه لَوْلَا هَيْبَة الْإِسْلَام وَالْقُرْآن والأمراء لأتت المبتدعة بِكُل مُصِيبَة ولدكدوا الْإِسْلَام وَشَاهد هَذَا أَنهم لما استمالوا الْمَأْمُون عبد الله بن الرشيد العباسي وَقَامَ بامتحان النَّاس بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق وَحصل للأئمة مَا حصل من الكروب والمشاق وَلَكِن أعجلته الْمنية فأوصى الى أَخِيه أبي اسحق المعتصم وَحصل مَا حصل من المحن وحبسوا الامام احْمَد وضربوه وَبعد ذَلِك فِي خلَافَة الواثق قتل احْمَد ابْن نصر الْخُزَاعِيّ وامتحن الإِمَام مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الأدرمي وَكَانُوا لايولون قَاضِيا وَلَا غَيره إِلَّا إِن كَانَ مِمَّن يَقُول بِخلق الْقُرْآن وَذَلِكَ مَشْهُور فِي كتب التواريخ مَعَ ان الْمَأْمُون قبل ذَلِك لم يزل يُدَارِي الْعلمَاء فِي القَوْل بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة ثمَّ صدع بذلك قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الاسلام أَخْبرنِي جمَاعَة إجَازَة أَن الْكِنْدِيّ أخْبرهُم أَنبأَنَا الْقَزاز أنبأ الْخَطِيب أنبأ أَبُو بكر الْحِيرِي ثَنَا الْأَصَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 ثَنَا يحيى بن أبي طَالب أَخْبرنِي الْحسن بن شَاذان الوَاسِطِيّ الْحَافِظ حَدثنِي ابْن عرْعرة حَدثنِي يحيى بن اكثم قَالَ قَالَ لنا الْمَأْمُون لَوْلَا مَكَان يزِيدُونَ هَارُون لأظهرت الْقُرْآن مَخْلُوق فَقيل وَمن يزِيد حَتَّى يتقى فَقَالَ وَيحك إِنِّي لَا أتقيه لِأَن لَهُ سلطنة وَلَكِن أَخَاف إِن أظهرته فَيرد عَليّ فيختلف النَّاس وَيكون فتْنَة وَأما الْمَأْمُون فَهُوَ عبد الله الْمَأْمُون بن هَارُون الرشيد بن مُحَمَّد بن الْمهْدي بن عبد الله الْمَنْصُور ابو الْعَبَّاس الْهَاشِمِي الْهَاشِمِي ولد سنة سبعين وَمِائَة عِنْدَمَا اسْتخْلف ابوه الرشيد وَقَرَأَ الْعلم فِي صغره وَسمع من هشيم وَعباد بن الْعَوام ويوسف بن عطيه وَأبي مُعَاوِيَة الضَّرِير وطبقتهم وبرع فِي الْفِقْه والعربية وَأَيَّام النَّاس وَلما كبر عني بالفلسفة وعلوم الاوائل وَمهر فِيهَا فمجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن روى عَنهُ وَلَده الْفضل وَيحيى بن أَكْثَم والأمير عبد الله بن طَاهِر ودعبل الخزعلي وَآخَرُونَ وَكَانَ من رجال بني الْعَبَّاس حزما وعزما وحلما وعلما ورأيا ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤددا وسماحة وَله محَاسِن وسيرة طَوِيلَة وَأما مَسْأَلَة خلق الْقُرْآن فَلم يرجع عَنْهَا وصمم عَلَيْهَا فِي سنة 218 وامتحن الْعلمَاء فعوجل وَلم يُمْهل مَاتَ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة 218 انْتهى مُلَخصا من تَارِيخ الاسلام للذهبي رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله بل قاسموه بأعظم الْأَيْمَان ان النَّصِيحَة قصدهم الخ أَي يحلفُونَ لَهُ بأعظم الايمان أَن قصدهم النَّصِيحَة كَمَا قَاسم ابليس الْأَبَوَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} الْأَعْرَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فَيرى عمائم ذَات أَذْنَاب على ... تِلْكَ الفشور طَوِيلَة الأردان ... وَيرى هيولي لَا تهول لمبصر ... وتهول أعمى فِي ثِيَاب جبان ... فَإِذا أصاخ بسمعة ملؤوه من ... كذب وتلبيس وَمن بهتان فَيرى وَيسمع فشرهم وفشارهم ... يَا محنة الْعَينَيْنِ والآذان فتحُوا جراب الْجَهْل مَعَ كذب فَخذ ... واحمل بِلَا كيل وَلَا ميزَان وَأتوا إِلَى قلب المطاع ففتشوا ... عَمَّا هُنَاكَ ليدخلوا بِأَمَان فاذا بدا غَرَض لَهُم دخلُوا بِهِ ... مِنْهُ اليه كحيلة الشَّيْطَان فاذا رَأَوْهُ هش نَحْو حَدِيثهمْ ... ظفروا وَقَالُوا وَيْح آل فلَان هوفي الطَّرِيق يعوق مَوْلَانَا عَن الْمَقْصُود وَهُوَ عَدو هَذَا الشان ... فَإِذا هم غرسوا الْعَدَاوَة واظبوا ... سقِِي الْغِرَاس كَفعل ذِي الْبُسْتَان ... حَتَّى إِذا مَا أثمرت ودنا لَهُم ... وَقت الْجذاذ وَصَارَ ذَا إِمْكَان ركبُوا على جرد لَهُم وحمية ... واستنجدوا بعساكر الشَّيْطَان فهنالك ابْتليت جنود الله من ... جند اللعين بِسَائِر الالوان ضربا وحبسا ثمَّ تكفيرا وتبعيدا وشتما ظَاهر الْبُهْتَان ... تقدم الْكَلَام فِي تَفْسِير الهيولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 قَوْله ظفروا وَقَالُوا وَيْح آل فلَان يحْتَمل أَنه بالظاء المشالة من الظفر وَيحْتَمل أَنه بِالطَّاءِ وَهُوَ الوثب فِي ارْتِفَاع قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فَلَقَد رَأينَا من فريق مِنْهُم ... أمرا تهد لَهُ قوى الْإِيمَان ... من سبهم أهل الحَدِيث وَدينهمْ ... أَخذ الحَدِيث وَترك قَول فلَان ... يَا أمة غضب الْإِلَه عَلَيْهِم ... الْأَجَل هَذَا تشتموا بهوان تَبًّا لكم إِذْ تشتمون زوامل ال إِسْلَام حزب الله وَالْقُرْآن ... وسببتموهم ثمَّ لَسْتُم كفأهم ... فَرَأَوْا مسبتكم من النُّقْصَان ... هَذَا وهم قبلوا وَصِيَّة رَبهم ... فِي تَركهم لمسبة الْأَوْثَان حذر الْمُقَابلَة القبيحة مِنْهُم ... بمسبة الْقُرْآن والرحمن وكذاك أَصْحَاب الحَدِيث فَإِنَّهُم ... ضربت لَهُم وَلكم بذا مثلان سبوكم جهالهم فسببتم ... سنَن الرَّسُول وعسكر الْإِيمَان وصددتم سفهاءكم عَنْهُم وَعَن ... قَول الرَّسُول وَذَا من الطغيان ودعوتموهم للَّذي قالته أَشْيَاخ لكم بالخرص والحسبان ... فَأَبَوا إجابتكم وَلم يتحيزوا ... إِلَّا إِلَى الْآثَار وَالْقُرْآن ... وَإِلَى أولي الْعرْفَان من أهل الحَدِيث خُلَاصَة الانسان والأكوان ... يُشِير الى ان المعطلة يسبون أَصْحَاب الحَدِيث غَايَة السب ويثلبونهم أعظم الثلب وان اهل الحَدِيث قبلوا وَصِيَّة رَبهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله فيسبوا الله عدوا بِغَيْر علم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الْأَنْعَام فَالله سُبْحَانَهُ قد نهى عَن سبّ معبودات الْمُشْركين لِئَلَّا يسبوا الله سُبْحَانَهُ فَكَذَلِك أَصْحَاب الحَدِيث تركُوا مسَبَّة النفاة والمعطلة لِئَلَّا يسبوهم فيتعدى السب إِلَى الرَّحْمَن وَالْقُرْآن وَالسّنة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... قوم أقامهم الْإِلَه لحفظ هَذَا الدّين من ذِي بِدعَة شَيْطَان وأقامهم حرسا من التبديل والتحريف والتتميم وَالنُّقْصَان ... يزك على الاسلام بل حصن لَهُ ... يأوي اليه عَسَاكِر الْفرْقَان ... فهم المحك فَمن يرى متنقصا ... لَهُم فزنديق خَبِيث جنان إِن تتهمه فقبلك السّلف الألى ... كَانُوا على الْإِيمَان وَالْإِحْسَان أَيْضا قد اتهموا الْخَبيث على الْهدى ... وَالْعلم والْآثَار وَالْقُرْآن وَهُوَ الْحقيق بِذَاكَ إِذْ عادى روا ... ة الدّين وَهِي عَدَاوَة الديَّان فاذا ذكرت الناصحين لرَبهم ... وَكتابه وَرَسُوله بِلِسَان فاغسله وَيلك من دم التعطيل والتكذيب والكفران والبهتان ... أتسبهم عدوا وَلست بكفئهم ... فَالله يفْدي حزبه بالجاني ... قوم هم بِاللَّه ثمَّ رَسُوله ... أولى وَأقرب مِنْك للايمان شتان بَين التاركين نصوصه ... حَقًا لأجل زبالة الأذهان والتاركين لأَجلهَا آراء من ... آرائهم ضرب من الهذيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 .. لما فسا الشَّيْطَان فِي آذانهم ... ثقلت رؤوسهم عَن الْقُرْآن فلذاك نَامُوا عَنهُ حَتَّى أَصْبحُوا ... يتلاعبون تلاعب الصّبيان والركب قد وصلوا العلى وتيمموا ... من أَرض طيبَة مطلع الايمان وَأتوا الى روضاتها وتيمموا ... من أَرض مَكَّة مطلع الْقُرْآن قوم إِذا مَا ناجذ النَّص بدا ... طاروا لَهُ بِالْجمعِ والوحدان وَإِذا بدا علم الْهدى استبقوا لَهُ ... كتسابق الفرسان يَوْم رهان وَإِذا هم سمعُوا بِمُبْتَدعٍ هذي ... صاحوا بِهِ طرا بِكُل مَكَان ورثوا رَسُول الله لَكِن غَيرهم ... قد رَاح بِالنُّقْصَانِ والحرمان وَإِذا استهاب سواهُم بالنصر لم ... يرفع بِهِ رَأْسا من الخسران عضوا عَلَيْهِ بالنواجذ رَغْبَة ... فِيهِ وَلَيْسَ لديهم بمهان لَيْسُوا كمن نبذ الْكتاب حَقِيقَة ... وتلاوة قصدا بترك فلَان عزلوه فِي الْمَعْنى وولوا غَيره ... كَأبي الرّبيع خَليفَة السُّلْطَان ... أَي أَن النفاة والمعطلة نزلُوا كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزلَة الْخَلِيفَة أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بامر الله وَقد بُويِعَ الْمَذْكُور بالخلافة بِعَهْد من أَبِيه فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة لَان الْخَلِيفَة الْمَذْكُور يدعى لَهُ على المنابر وَيضْرب اسْمه فَوق السِّكَّة وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء فحال كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهم كَحال ابي الرّبيع مَعَ السُّلْطَان مُحَمَّد بن قلاوون الألفي قَول يزك على الْإِسْلَام قَالَ فِي الْقَامُوس زك يزك زكا وزككا وزكيكا وزكزك مر يُقَارب خطْوَة ضعفا ومشي زكيك مقرمط والزكة بِالْكَسْرِ السِّلَاح وبالضم الغيظ وَالْغَم وتزكزك أَخذ عدته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 قَوْله فهم المحك يشبه هَذَا مَا أنْشدهُ ابْن أعين فِي الامام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ ... أضحى ابْن حَنْبَل محنة مَأْمُونَة ... وبحب احْمَد يعرف المتنسك وَإِذا رَأَيْت لِأَحْمَد متنقصا ... فَاعْلَم بِأَن ستوره ستهتك ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ذَكرُوهُ فَوق مَنَابِر وبسكة ... رقموا اسْمه فِي ظَاهر الْأَثْمَان وَالْأَمر وَالنَّهْي المطاع لغيره ... ولمهتد ضربت بذا مثلان يَا للعقول أيستوي من قَالَ بِالْقُرْآنِ والْآثَار والبرهان ... ومخالف هَذَا وفطرة ربه ... الله أكبر كَيفَ يستويان ... بل فطْرَة الله الَّتِي فطروا على ... مضمونها وَالْعقل مقبولان وَالْوَحي جَاءَ مُصدقا لَهما فَلَا ... تلق الْعَدَاوَة ماهما حربان سلمَان عِنْد موفق ومصدق ... وَالله يشْهد إنَّهُمَا سلمَان فاذا تعَارض نَص لفظ وَارِد ... وَالْعقل حَتَّى لَيْسَ يَلْتَقِيَانِ فالعقل إِمَّا فَاسد ويظنه الرَّائِي صَحِيحا وَهُوَ ذُو بطلَان ... أَو أَن ذَاك النَّص لَيْسَ بِثَابِت ... مَا قَالَه الْمَعْصُوم بالبرهان ... ونصوصه لَيْسَ تعَارض بَعْضهَا ... بَعْضًا فسل عَنْهَا عليم زمَان وَإِذا ظَنَنْت تَعَارضا فِيهَا فَذا ... من آفَة الأفهام والأذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 .. أَو أَن يكون الْبَعْض لَيْسَ بِثَابِت ... مَا قَالَه الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ لَكِن قَول مُحَمَّد والجهم فِي ... قلب الموحد لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ إِلَّا ويطرد كل قَول ضِدّه ... فَإِذا هما اجْتمعَا فمقتتلان ... يَقُول النَّاظِم إِذا تعَارض النَّقْل وَالْعقل فإمَّا أَن يكون الْعقل فَاسِدا وَإِمَّا أَن يكون النَّص لَيْسَ بِثَابِت والنصوص لَا تتعارض وَمَا يظنّ فِيهَا من التَّعَارُض فَهُوَ من آفَة الأفهام والاذهان أَو بَعْضهَا لَيْسَ بِثَابِت مَا قَالَه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله إنَّهُمَا سلمَان هُوَ بِكَسْر الْهمزَة وتسكين النُّون للوزن وَأَصله إِن الْمُؤَكّدَة ثمَّ قَالَ النَّاظِم لَكِن قَول مُحَمَّد والجهم فِي قلب الموحد لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ إِلَّا ويطرد كل قَول ضِدّه ... وَالنَّاس بعد على ثَلَاث حزبه ... أَو حربه أَو فارغ متوان ... قَوْله حزبه الخ الحزب الْورْد والطائفة وَالسِّلَاح وَجَمَاعَة النَّاس قَوْله اَوْ حربه الْحَرْب مَعْرُوف وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء وبالراء الساكنة وَيذكر مُفْرد حروب وَدَار الْحَرْب بِلَاد الْمُشْركين الَّذين لَا صلح بَيْننَا وَبينهمْ ... فاختر لنَفسك ايْنَ تجعلها فَلَا ... وَالله لست برابع الْأَعْيَان من قَالَ بالتعطيل فَهُوَ مكذب ... بِجَمِيعِ رسل الله وَالْفرْقَان إِن الْمُعَطل لَا إِلَه لَهُ سوى المنحوت بالأفكار فِي الأذهان ... وَكَذَا إِلَه الْمُشْركين نحيتة الْأَيْدِي هما فِي نحتهم سيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 قَوْله نحيتة هِيَ فعيلة بِمَعْنى مفعولة أَي منحوتة قَالَ فِي الْقَامُوس نحته ينحته كيضربه وينصره ويعلمه براه انْتهى ... لَكِن إِلَه الْمُرْسلين هُوَ الَّذِي ... فَوق السَّمَاء مكون الاكوان تالله قد نسب الْمُعَطل كل من ... بِالْبَيِّنَاتِ اتى إِلَى الكتمان وَالله مَا فِي الْمُرْسلين معطل ... نافي صِفَات الْوَاحِد الرَّحْمَن كلا وَلَا فِي الْمُرْسلين مشبه ... حاشاهم من إفْك ذِي بهتان فَخذ الْهدى من عَبده وَكتابه ... فهما إِلَى سبل الْهدى سببان ... فصل فِي بَيَان بطلَان قَول الْمُلْحِدِينَ إِن الِاسْتِدْلَال بِكَلَام الله وَرَسُوله لَا يُفِيد الْعلم وَالْيَقِين ... وَاحْذَرْ مقالات الَّذين تفَرقُوا ... شيعًا وَكَانُوا شيعَة الشَّيْطَان واسأل خَبِيرا عَنْهُم ينبيك عَن ... أسرارهم بنصيحة وَبَيَان قَالُوا الْهدى لَا يُسْتَفَاد بِسنة ... كلا وَلَا أثر وَلَا قُرْآن إِذْ كل ذَاك أَدِلَّة لفظية ... لم تبد عَن علم وَلَا إيقان فِيهَا اشْتِرَاك ثمَّ إِجْمَال يرى ... وَتجوز بالزيد وَالنُّقْصَان ... وَكَذَلِكَ الْإِضْمَار والتخصيص والحذف الَّذِي لم يبد عَن تبيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 .. وَالنَّقْل آحَاد فموقوف على ... صدق الروَاة وَلَيْسَ ذَا برهَان ... إِذْ بَعضهم فِي الْبَعْض يقْدَح دَائِما ... والقدح فيهم فَهُوَ ذُو إِمْكَان وتواتر وَهُوَ الْقَلِيل وناد ... جدا فَأَيْنَ الْقطع بالبرهان هَذَا وَيحْتَاج السَّلامَة بعد من ... ذَاك الْمعَارض صَاحب السُّلْطَان وَهُوَ الَّذِي بِالْعقلِ يعرف صدقه ... وَالنَّفْي مظنون لَدَى الانسان فلأجل هَذَا قد عزلناها وولينا الْعُقُول ومنطق اليونان ... فَانْظُر الى الْإِسْلَام كَيفَ بَقَاؤُهُ ... من بعد هَذَا القَوْل ذِي الْبطلَان وَانْظُر إِلَى الْقُرْآن معزولا لديهم عَن نُفُوذ ولَايَة الايقان ... وَانْظُر إِلَى قَول الرَّسُول كَذَاك معزولا لديهم لَيْسَ ذَا سُلْطَان وَالله مَا عزلوه تَعْظِيمًا لَهُ ... أيظن ذَلِك قطّ ذُو عرفان يَا ليتهم إِذْ يحكمون بعزله ... لم يرفعوا رايات جنكسخان يَا ويلهم ولوا نتائج فكرهم ... وقضوا بهَا قطعا على الْقُرْآن ورذالهم وَلَو إشارات ابْن سينا حِين ولوا منطق اليونان ... وَانْظُر إِلَى نَص الْكتاب مجدلا وسط العرين ممزق اللحمان بالطعن بالاجمال والاضمار والتخصيص والتأويل بالبهتان ... والاشتراك وبالمجاز وَحذف مَا ... شاؤوا بدعواهم بِلَا برهَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 .. وَانْظُر إِلَيْهِ لَيْسَ ينفذ حكمه ... بَين الْخُصُوم وَمَاله من شان ... وَانْظُر إِلَيْهِ لَيْسَ يقبل قَوْله ... فِي الْعلم بالأوصاف للرحمن لكنما المقبول حكم الْعقل لَا ... احكامه لَا يَسْتَوِي الحكمان يبكي عَلَيْهِ اهله وَجُنُوده ... بدمائهم ومدامع الأجفان عهدوه قدما لَيْسَ يحكم غَيره ... وسواه مَعْزُول عَن السُّلْطَان إِن غَابَ ثَابت عَنهُ أَقْوَال الرسو ... ل همالهم دون الوري حكمان فَأَتَاهُم مالم يكن فِي ظنهم ... فِي حكم جنكسخان ذِي الطغيان بِجُنُود تَعْطِيل وكفران من المغول ثمَّ اللاص والعلان فعلوا بملته وسنته كَمَا ... فعلوا بأمته من الْعدوان ... وَالله مَا أنقادوا لجنكسخان حَتَّى أَعرضُوا عَن مُحكم الْقُرْآن ... وَالله مَا ولوه إِلَّا بعد عز ... ل الوحى عَن علم وَعَن إيقان ... عزلوه عَن سُلْطَانه وَهُوَ الْيَقِين الْمُسْتَفَاد لنا من السُّلْطَان هَذَا وَلم يكف الَّذِي فَعَلُوهُ حَتَّى تمموا الكفران بالبهتان ... جعلُوا الْقُرْآن عضين إِذْ عضوه أنواعا معددة من النُّقْصَان مِنْهَا انْتِفَاء خُرُوجه من رَبنَا ... لم يبد من رب وَلَا رَحْمَن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 .. لكنه خلق من اللَّوْح ابتدا ... ء وجبرئيل أَو الرَّسُول الثَّانِي مَا قَالَه رب السَّمَاوَات العلى ... لَيْسَ الْكَلَام بِوَصْف ذِي الغفران تَبًّا لَهُم سلبوه أكمل وَصفه ... عضهوه عضه الريب والكفران هَل يَسْتَوِي بِاللَّه نسبته الى ... بشر ونسبته الى الرَّحْمَن من ايْنَ للمخلوق عز صِفَاته ... الله أكبر لَيْسَ يستويان بَين الصِّفَات وَبَين مَخْلُوق كَمَا ... بَين الْإِلَه وَهَذِه الأكوان هَذَا وَقد عضهوه أَن نصوصه ... معزولة عَن أمرة الإيقان لَكِن غايتها الظنون وليته ... ظنا يكون مطابقا بِبَيَان لَكِن ظواهر لَا يُطَابق ظَنّهَا ... مَا فِي الْحَقِيقَة عندنَا بوزان إِلَّا إِذا مَا أولت فمجازها ... بِزِيَادَة فِيهَا أَو النُّقْصَان أَو بِالْكِنَايَةِ واستعارات وتشبيه وأنواع الْمجَاز الثَّانِي ... فالقطع لَيْسَ يفِيدهُ وَالظَّن منفي كَذَلِك فَانْتفى الْأَمْرَانِ فَلم الْمَلَامَة اذ عزلناها وولينا الْعُقُول وفكرة الأذهان ... فَالله يعظم فِي النُّصُوص أجوركم ... يَا أمة الْآثَار وَالْقُرْآن ... مَاتَت لَدَى الأقوام لَا يحيونها ... أبدا وَلَا تحييهم لهوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الرَّد على الْمُلْحِدِينَ الْقَائِلين بِأَن الِاسْتِدْلَال بِكَلَام الله وَرَسُوله لَا يُفِيد الْيَقِين وَهُوَ المُرَاد عِنْدهم بالأدلة اللفظية وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا الِاسْتِدْلَال بِكَلَام الله وَرَسُوله مَوْقُوف على مُقَدمَات ظنية مثل نقل اللُّغَة والنحو والتصريف وَنفي الْمجَاز والإضمار والتخصيص والاشتراك وَالنَّقْل ومعارضة الْعقل للسمع وانتقاؤها مظنون وَالْمَوْقُوف على المظنون مظنون قَالَ شيخ الاسلام فِي اول الْكتاب الْعقل وَالنَّقْل ذكر الرَّازِيّ فِي اول كِتَابه نِهَايَة الْعُقُول ان الِاسْتِدْلَال بالسمعيات فِي الْمسَائِل الاصولية لَا يُمكن بِحَال لَان الِاسْتِدْلَال بهَا مَوْقُوف على مُقَدمَات ظنية وعَلى دفع الْمعَارض الْعقلِيّ وان الْعلم بِانْتِفَاء الْمعَارض لَا يُمكن اذ يجوز ان يكون فِي نفس الْأَمر دَلِيل عَقْلِي يُنَاقض مَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَلم يخْطر ببال المستمع وَقد بسطنا الْكَلَام على مَا زَعمه هَؤُلَاءِ من ان الِاسْتِدْلَال بالادلة السمعية مَوْقُوف على مُقَدمَات ظنية مثل نقل اللُّغَة والنحو والتصريف وَنفي الْمجَاز والاضمار والتخصيص والاشتراك وَالنَّقْل والمعارض الْعقلِيّ بالسمعي وَقد كُنَّا صنفنا فِي فَسَاد هَذَا الْكَلَام مصنفا قَدِيما من نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَذكرنَا طرفا من بَيَان فَسَاده فِي الْكَلَام على المحصل وَفِي غير ذَلِك فَذَاك كَلَام فِي تَقْرِير الْأَدِلَّة السمعية وَبَيَان انها قد تفِيد الْيَقِين وَالْقطع انْتهى كَلَامه قَوْله جعلُوا الْقُرْآن عضين الخ العضين جمع عضة واصلها عضوة فعلة من عضه الشَّاة إِذا جعلهَا اعضاء واجزاء فَيكون الْمَعْنى على هَذَا الَّذِي جَعَلُوهُ اجزاء مُتَفَرِّقَة بعضه شعر وَبَعضه سحر وَبَعضه كهَانَة وَنَحْو ذَلِك وَنَذْكُر هُنَا مَا ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الْحجر عَن الْمُشْركين ثمَّ نبين كَيْفيَّة جعل الْمُلْحِدِينَ الْقُرْآن عضين روى البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس جعلُوا الْقُرْآن عضين قَالَ هم اهل الْكتاب جزؤوه اجزاء فآمنوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا بِبَعْضِه وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {كَمَا أنزلنَا على المقتسمين} الْحجر قَالَ آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالَ ابْن ابي حَاتِم وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَغَيرهم نَحْو ذَلِك وَقَالَ الحكم بن ابان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {جعلُوا الْقُرْآن عضين} قَالَ السحر وَقَالَ عِكْرِمَة العضة السحر بِلِسَان قُرَيْش يَقُول السَّحَرَة إِنَّهَا الكهانة وَقَالَ مُجَاهِد عضوه أَعْضَاء قَالُوا سحر وَقَالُوا كهَانَة وَقَالُوا اساطير الاولين وَقَالَ عَطاء قَالَ بَعضهم سَاحر وَقَالُوا مَجْنُون وَقَالُوا كَاهِن فَذَلِك العضين وَكَذَا رُوِيَ عَن الضَّحَّاك وَغَيره وَمعنى كَلَام النَّاظِم إِن هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ جعلُوا الْقُرْآن أَجزَاء ونقصوه أعظم النُّقْصَان مِنْهَا انهم قَالُوا لم يبْدَأ من الله سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا بَدَأَ من غَيره إِمَّا أَنه خلق من اللَّوْح الْمَحْفُوظ اَوْ انشأه جِبْرِيل اَوْ الرَّسُول الثَّانِي وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والقائلون بالْكلَام النَّفْسِيّ جعلُوا بعضه كَلَام الله وَهُوَ الْمَعْنى وَبَعضه كَلَام غَيره وَهُوَ الالفاظ فسلبوه بذلك أكمل وَصفه إِذْ قَالُوا لم يتَكَلَّم الله بِهِ وعضهوه ايضا أَي نقصوه بَان قَالُوا إِن نصوصه لَا تفِيد الْيَقِين واي تنقص أعظم من هَذَا نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه قَوْله مِنْهَا انْتِفَاء خُرُوجه من رَبنَا الخ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تقرب الْعباد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن وَقَالَ خباب بن الْأَرَت يَا هنتاه تقرب إِلَى الله بِمَا اسْتَطَعْت فَلَنْ تقرب إِلَيْهِ بِشَيْء أحب اليه مِمَّا خرج مِنْهُ وَقَالَ ابو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لما قريء عَلَيْهِ قُرْآن مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَقَالَ إِن هَذَا كَلَام لم يخرج من ال يَعْنِي رب قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَقَوْلهمْ خلاف الْحسن والمعقول وَالْمَنْقُول والبرهان ... مَعَ كَونه أَيْضا خلاف الْفطْرَة ال أولى وَسنة رَبنَا الرَّحْمَن وَالله قد فطر الْعباد على التفا ... هم بِالْخِطَابِ لمقصد التِّبْيَان كل يدل على الَّذِي فِي نَفسه بِكَلَامِهِ من اهل كل لِسَان ... فترى الْمُخَاطب قَاطع بمراده ... هَذَا مَعَ التَّقْصِير فِي الانسان ... اذكل لفظ غير لفظ نَبينَا ... هُوَ دونه فِي ذابلا نكران ... شرع النَّاظِم فِي بَيَان بطلَان قَول النفاة وانه خلاف الْحس وَالْعقل وَالنَّقْل والفطرة وَذَلِكَ ان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فطر الْعباد على التفاهم بِالْخِطَابِ فَكل يدل على الَّذِي فِي نَفسه بِكَلَامِهِ من جَمِيع الْأَلْسِنَة قَوْله فترى الْمُخَاطب قَاطع بمراده أَي ترى الْمُخَاطب بِفَتْح الطَّاء قَاطع بِمُرَاد الْمُخَاطب بِكَسْر الطَّاء وَذَلِكَ مَعَ التَّقْصِير فِي الْإِنْسَان إِذْ كل لفظ غير لفظ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ دونه بِغَيْر شكّ حاشا كَلَام الله تَعَالَى فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الْغَايَة القصوى فِي التِّبْيَان وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... حاشا كَلَام الله فَهُوَ الْغَايَة القصوى لَهُ أَعلَى ذرى التِّبْيَان ... لم يفهم الثَّقَلَان من لفظ كَمَا ... فَهموا من الْأَخْبَار وَالْقُرْآن فَهُوَ الَّذِي استولى على التِّبْيَان كاستيلاء حَقًا على الْإِحْسَان ... مَا بعد تبيان الرَّسُول لناظر ... إِلَّا الْعَمى وَالْعَيْب فِي العميان ... ثمَّ شرع النَّاظِم فِي بَيَان أَن بَيَان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق كل بَيَان فَقَالَ ... فَانْظُر الى قَول الرَّسُول لسائل ... من صَحبه عَن رُؤْيَة الرَّحْمَن ... حَقًا ترَوْنَ الهكم يَوْم اللقا ... رُؤْيا العيان كَمَا يرى القمران كالبدر ليل تَمَامه وَالشَّمْس فِي ... نحر الظهيرة مَا هما مثلان بل قَصده تَحْقِيق رؤيتنا لَهُ ... فَأتى بأظهر مَا يرى بعيان وَنفى السَّحَاب وَذَاكَ أَمر مَانع ... من رُؤْيَة القمرين فِي ذَا الْآن فَإِذا أَتَى بالمقتضي وَنفى الموا ... نع خشيَة التَّقْصِير فِي التِّبْيَان صلى عَلَيْهِ الله مَا هَذَا الَّذِي ... يَأْتِي بِهِ من بعد ذَا التِّبْيَان مَاذَا يَقُول القاصد التِّبْيَان يَا ... أهل الْعَمى من بعد ذَا التِّبْيَان فَبِأَي لفظ جَاءَكُم قُلْتُمْ لَهُ ... ذَا اللَّفْظ مَعْزُول عَن الايقان وضربتم فِي وَجهه بعساكر التَّأْوِيل دفعا مِنْكُم بليان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 يَعْنِي النَّاظِم بِهَذِهِ الأبيات ان بَيَان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق كل بَيَان كَمَا روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان اناسا قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا يَا رَسُول قَالَ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس لَيْسَ دونهَا حجاب قَالُوا لَا قَالَ فأنكم تَرَوْنَهُ كَذَلِك الحَدِيث وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ ان نَاسا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَهَل تضَارونَ فِي روية الشَّمْس بالظهيرة صحوا لَيْسَ دونهَا سَحَاب وَهل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر صحوا لَيْسَ فِيهَا سَحَاب قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ مَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة الله تبَارك وَتَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا الحَدِيث فَهَل بعد هَذَا الْبَيَان والإيضاح شَيْء قَوْله فَإِذا أَتَى بالمقتضى هُوَ بِكَسْر الضَّاد اسْم فَاعل وَهُوَ ان لَيْسَ دون الرُّؤْيَة سَحَاب وَالشَّمْس فِي نحر الظهيرة فَإِذا تمّ الْمُقْتَضِي حصل الْمُقْتَضى وَلَكِن لَا حِيلَة فِي أهل التحريف والتعطيل قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَو أَنكُمْ وَالله عاملتم بذا ... أهل الْعُلُوم وكتبهم بوزان ... فَسدتْ تصانيف الْوُجُود بأسرها ... وغدت عُلُوم النَّاس ذَات هوان ... هَذَا وَلَيْسوا فِي بَيَان علومهم ... مثل الرَّسُول ومنزل الْقُرْآن وَالله لَو صَحَّ الَّذِي قد قُلْتُمْ ... قطعت سَبِيل الْعلم والايمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 فالعقل لَا يهدي إِلَى تفصيلها ... لَكِن مَا جَاءَت بِهِ الوحيان فَإِذا غَدا التَّفْصِيل لفظيا ومعزولا عَن الايقان والرجحان ... فهناك لَا علم أفادت لَا وَلَا ... ظنا وَهَذَا غَايَة الحرمان ... لَو صَحَّ ذَاك القَوْل لم يحصل لنا ... قطع بقول قطّ من إِنْسَان وَغدا التخاطب فَاسِدا وفساده ... أصل الْفساد لنَوْع ذَا الانسان مَا كَانَ يحصل علمنَا بِشَهَادَة ... وَوَصِيَّة كلا وَلَا إِيمَان وَكَذَلِكَ الاقرار يصبح فَاسِدا ... إِذْ كَانَ مُحْتملا لسبع معَان وَكَذَا عُقُود الْعَالمين بأسرها ... بِاللَّفْظِ إِذْ يتخاطب الرّجلَانِ أيسوغ للشهدا شَهَادَتهم بهَا ... من غير علم مِنْهُم بِبَيَان إِذْ تلكم الْأَلْفَاظ غير مفيدة ... للْعلم بل للضر ذِي الرجحان بل لَا يسوغ لشاهد أبدا شها ... دته على مَدْلُول نطق لِسَان بل لَا يراق دم بِلَفْظ الْكفْر من ... مُتَكَلم بِالظَّنِّ والحسبان بل لَا يُبَاح الْفرج بالاذن الَّذِي ... هُوَ شَرط صِحَّته من النسوان أيسوغ للشهداء جزمهم بِأَن ... رضيت بِلَفْظ قَابل لمعان هَذَا وَجُمْلَة مَا يُقَال بِأَنَّهُ ... فِي ذَا فَسَاد الْعقل والأديان ... أَي لَو أَنكُمْ عاملتم اهل الْكتاب وكتبهم بِمَا عاملتم بِهِ الوحيين لفسدت تصانيف النَّاس وَأَيْضًا لَو صَحَّ هَذَا الَّذِي قلتموه لانقطعت سَبِيل الْعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَالْإِيمَان لِأَن الْعقل لَا يهدي إِلَى تفصيلها وَلَا سَبِيل الى تفصيلها أَلا بِمَا جَاءَ عَن الله وَرَسُوله فَإِذا صَار التَّفْصِيل لفظيا وَهُوَ مَعْزُول عَن الْيَقِين فَحِينَئِذٍ لَا تفِيد علما وَلَا ظنا وَأَيْضًا لَو صَحَّ مَا قلتموه فسد التخاطب وَلم يَصح لنا قطع بقول من إِنْسَان فَلَا يَصح لنا علم بِشَهَادَة وَلَا وَصِيَّة وَلَا يَمِين وَلَا إِقْرَار بل لَا يراق دم بِلَفْظ كفر وَلَا يُبَاح فرج بِالْإِذْنِ الَّذِي هُوَ شَرط صِحَّته من النِّسَاء وَلَا يسوغ للشهداء جزمهم بِأَنَّهَا رضيت إِذْ ذَاك قَابل الْمعَانِي الْمَذْكُورَة بل تفْسد بذلك الْعُقُول والأديان ونعوذ بِاللَّه من الْعَمى والخذلان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَمن بهتانهم أَن اللغا ... ت أَتَت بِنَقْل الْفَرد والوحدان فَانْظُر الى الْأَلْفَاظ فِي جريانها ... فِي هَذِه الْأَخْبَار وَالْقُرْآن أتظنها تحْتَاج نقلا مُسْندًا ... متواترا اَوْ نقل ذِي وحدان ام قد جرت مجْرى الضروريات لَا ... تحْتَاج نقلا وَهِي ذَات بَيَان إِلَّا الاقل فَإِنَّهُ يحْتَاج للنَّقْل الصَّحِيح وَذَاكَ ذُو تبيان ... حَاصِل معنى هَذِه الأبيات ان المعطلة يَقُولُونَ إِن اللُّغَات أَتَت بِنَقْل الْآحَاد وَهَذَا تَدْلِيس وتلبيس لِأَن الْأَلْفَاظ من الْأَخْبَار وَالْقُرْآن يفهم مِنْهَا مُرَاد الْمُتَكَلّم بِمُجَرَّد سماعهَا من غير حَاجَة إِلَى النَّقْل اللَّهُمَّ إِلَّا الاقل كَمَا قَالَ النَّاظِم فَإِنَّهُ يحْتَاج للنَّقْل الصَّحِيح قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَمن المصائب قَول قَائِلهمْ بِأَن الله أظهر لَفظه بِلِسَان ... وخلافهم فِيهِ كثير ظَاهر ... عَرَبِيّ وضع ذَاك ام سرياني ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 .. وَكَذَا اخْتلَافهمْ أمشقا يرى ... أم جَامِدا قَولَانِ مشهوارن وَالْأَصْل مَاذَا فِيهِ خلف ثَابت ... عِنْد النُّحَاة وَذَاكَ ذُو الألوان هَذَا وَلَفظ الله أظهر لَفْظَة ... نطق اللِّسَان بهَا مدى الْأَزْمَان فَانْظُر بِحَق الله مَاذَا فِي الَّذِي قَالُوهُ من لبس وَمن بهتان ... هَل خَالف الْعُقَلَاء أَن الله رب الْعَالمين مُدبر الأكوان مَا فِيهِ إِجْمَال وَلَا موهم ... نقل الْمجَاز وَلَا لَهُ وضعان وَالْخلف فِي أَحْوَال ذَاك اللَّفْظ لَا فِي وَضعه لم يخْتَلف رجلَانِ وَإِذا هم اخْتلفُوا بِلَفْظَة مَكَّة ... فِيهِ لَهُم قَولَانِ معروفان ... أفبينهم خلف بَان مُرَادهم ... حرم الْإِلَه وقبلة الْبلدَانِ ... وَإِذا هم اخْتلفُوا بِلَفْظَة أَحْمد ... فيدلهم قَولَانِ مذكوران أفبينهم خلف بِأَن مُرَادهم مِنْهُ رَسُول الله ذُو الْبُرْهَان ... وَنَظِير هَذَا لَيْسَ يحصر كَثْرَة ... يَا قوم فاستحيوا من الرَّحْمَن ... أبمثل ذَا الهذيان قد عزلت نصو ... ص الْوَحْي عَن علم وَعَن إيقان فَالْحَمْد لله الْمعَانِي عَبده ... مِمَّا بلاكم يَا ذَوي الْعرْفَان فلأجل ذَا نبذوا الْكتاب وَرَاءَهُمْ ومضوا على آثَار كل مهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 .. وَلأَجل ذَاك غدوا على السّنَن الَّتِي جَاءَت وأهليها ذَوي اضغان يرمونهم كذبا بِكُل عَظِيمَة ... حاشاهم من إفْك ذِي بهتان ... أَي وَمن المصائب الَّتِي تلبس بهَا المعطلة إِنَّهُم قَالُوا بِأَن لَفْظَة الله فِيهَا خلاف هَل هُوَ عَرَبِيّ ام سرياني وَكَذَا فِيهِ اخْتِلَاف هَل هُوَ مُشْتَقّ ام هُوَ جامد وَأَصله مَاذَا وَمَعَ هَذَا فَلفظ الله أظهر لَفْظَة نطق اللِّسَان بهَا فَانْظُر أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْكتاب مَا فِي هَذَا الْكَلَام من التلبيس والبهتان وَذَلِكَ أَنه لَا خلاف بَين الْعُقَلَاء ان الله اسْم لرب الْعَالمين خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَهُوَ رب كل شَيْء ومليكه فهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ان هَذَا الِاسْم يُرَاد بِهِ هَذَا الْمُسَمّى وَهُوَ أشهر عِنْدهم وَأعرف من كل اسْم وضع لكل مُسَمّى وَإِن كَانَ النَّاس متنازعين فِي اشتقاقه فَلَيْسَ ذَلِك بنزاع فِي مَعْنَاهُ وَلَا يتَطَرَّق الى ذَلِك إِجْمَال وَلَا مجَاز وَمن غير نظر إِلَى أَنه عَرَبِيّ ام سرياني وَهل هُوَ مُشْتَقّ ام جامد فَإِن هَذَا خلاف فِي أَحْوَال اللَّفْظ لَا فِي وَضعه ثمَّ ضرب النَّاظِم لذَلِك مثلا فَقَالَ وَإِذا هم اخْتلفُوا بِلَفْظَة مَكَّة الخ وَفِيه لَهُم قَولَانِ فَلَيْسَ بَينهم خلاف بِأَن مُرَادهم حرم الله وقبلة الْمُسلمين وَنَظِير هَذَا إِذا اخْتلفُوا بِلَفْظَة احْمَد وَلَهُم فِي ذَلِك قَولَانِ فَلَيْسَ بَينهم خلف بِأَن مُرَادهم مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونظائر هَذَا لَا تحصى أفبمثل هَذَا الهذيان تعزل نُصُوص الْكتاب وَالسّنة عَن إِفَادَة الْيَقِين ثمَّ حمد على المعافاة مِمَّا ابْتَلَاهُم بِهِ من المحنة وَخلاف نُصُوص الْكتاب وَالسّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 فصل فِي تَنْزِيه أهل الحَدِيث والشريعة عَن الألقاب القبيحة الشنيعة ... فَرَمَوْهُمْ بغيا بِمَا الرَّامِي بِهِ ... أولى ليدفع عَنهُ فعل الْجَانِي ... يَرْمِي البريء بِمَا جناه مباهتا ... ولذاك عِنْد الغر يشتبهان سموهم حشوية ونوابتا ... ومجسمين وعابدي أوثان وكذاك أَعدَاء الرَّسُول وَصَحبه ... وهم الروافض أَخبث الْحَيَوَان نصبوا الْعَدَاوَة للصحابة ثمَّ سموا بالنواصب شيعَة الرَّحْمَن ... وَكَذَا الْمُعَطل شبه الرَّحْمَن بالمعدوم فاجتمت لَهُ الوصفان وكذاك شبه قَوْله بكلامنا ... حَتَّى نَفَاهُ وذان تشبيهان وكذاك شبه وَصفه بصفاتنا ... حَتَّى نفاها عَنهُ بالبهتان وأتى إِلَى وصف الرَّسُول لرَبه ... سَمَّاهُ تَشْبِيها فيا اخوان بِاللَّه من اولى بِهَذَا الِاسْم من ... هَذَا الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان إِن كَانَ تَشْبِيها ثُبُوت صِفَاته ... سُبْحَانَهُ فبأكمل ذِي شان لَكِن نفي صِفَاته تشبيهه ... بالجامدات وكل ذِي نُقْصَان بل بِالَّذِي هُوَ غير شَيْء وَهُوَ مَعْدُوم وَإِن يفْرض فَفِي الأذهان ... فَمن الْمُشبه بِالْحَقِيقَةِ أَنْتُم ... ام مُثبت الاوصاف للرحمن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 أَي إِن المعطلة رموا أهل الحَدِيث بألقاب قبيحة شنيعة ولقبوهم بِمَا هم أولى بِهِ أَعنِي النفاة فسموهم حشوية ونوابت ومجسمة وَعباد اوثان وَقد تقدم معنى ذَلِك وكذاك الروافض أَعدَاء الرَّسُول وَصَحبه نصبوا الْعَدَاوَة للصحابة رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ سموا أهل السّنة نواصب وَكَذَلِكَ المعطلة شبهوا الله تَعَالَى بالمعدوم وَلم يفهموا من صِفَات من صِفَات الله تَعَالَى الَّتِي وصف بهَا نَفسه وَوَصفه بهَا رَسُوله إِلَّا التَّشْبِيه فنفوا من صِفَات الله تَعَالَى بالمعدوم فَجمعُوا الوصفين شبهوا أَولا عطلوا ثَانِيًا وَسموا أهل الحَدِيث ايضا مشبهة وهم قد شبهوا الله تَعَالَى وتقدس بالجامدات وكل ذِي نقص بل شبهوه بالمعدوم فَيَقُول النَّاظِم فَمن الَّذِي أولى بِهَذَا الِاسْم يَعْنِي التَّشْبِيه أَنْتُم ام المثبتة وحاشا المثبتة فهم أولى بِاللَّه وَرَسُوله وَقَوْلهمْ هُوَ الْحق الَّذِي دلّ عَلَيْهَا النَّقْل الصَّرِيح فصل فِي نُكْتَة بديعة تبين مِيرَاث الملقبين من الْمُشْركين والموحدين والملقبين الأولى بِفَتْح الْقَاف وَالثَّانيَِة بِكَسْرِهَا ... هَذَا وَثمّ لَطِيفَة عجب سأبديها لكم يَا معشر الاخوان فاسمع فَذَاك معطل ومشبه ... واعقل فَذَاك حَقِيقَة الانسان لَا بُد أَن يَرث الرَّسُول وضده فِي النَّاس طَائِفَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 .. فالوارثون لَهُ على منهاجه ... والوارثون لضده فئتان ... إِحْدَاهمَا حَرْب لَهُ ولحزبه ... مَا عِنْدهم فِي ذَاك من كتمان ... فَرَمَوْهُ من ألقابهم بعظائم ... هم أَهلهَا لَا خيرة الرَّحْمَن فَأتى الألى ورثوهم فرموا بهَا ... وراثه بالبغي والعدوان هَذَا يُحَقّق إِرْث كل مِنْهُمَا ... فاسمع وعه يامن لَهُ أذنان وَالْآخرُونَ أولو النِّفَاق فأضمروا ... شَيْئا وَقَالُوا غَيره بِلِسَان وَكَذَا الْمُعَطل مُضْمر تعطيله ... قد أظهر التَّنْزِيه للرحمن هذي مَوَارِيث الْعباد تقسمت ... بَين الطوائف قسْمَة المنان ... أَي من الْمَعْلُوم انه لَا بُد ان يَرث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضده طَائِفَتَانِ إِحْدَاهمَا حَرْب لَهُ أَي محَارب لَهُ ولدينه وَالثَّانيَِة ورثته وَأَتْبَاع سنته قَوْله فَرَمَوْهُ من ألقابهم بعظائم الخ أَي إِن أَعدَاء الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين فِي وقته رَمَوْهُ بعظائم كَقَوْلِهِم سَاحر وَمَجْنُون كَذَّاب ومفتر مذمم وَكَذَا وَرَثَة أعدائه رموا بِهِ وراثة بغيا وعدوانا وَهَذَا يُحَقّق إِرْث كل مِنْهُمَا قَوْله فاسمع وعه فعل أَمر من الوعي وأتى بهاء السكت لاستجلاب النُّطْق بالساكن أَي إِن الْمُنَافِقين أضمروا النِّفَاق وأظهروا غَيره وَكَذَا الْمُعَطل أظهر التَّنْزِيه وأضمر غَيره وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَثمّ لَطِيفَة أُخْرَى بهَا ... سلوان من قد سبّ بالبهتان تَجِد الْمُعَطل لاعنا لمجسم ... ومشبه لله بالإنسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 .. وَالله يصرف ذَاك عَن اهل الْهدى ... كمحمد ومذمم اسمان هم يشتمون مذمما وَمُحَمّد ... عَن شتمهم فِي معزل وصيان صان الْإِلَه مُحَمَّدًا عَن شتمهم ... فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى هما صنْوَان كصيانة الأتباع عَن شتم الْمُعَطل للمشبه هَكَذَا الإرثان ... والسب مرجعه عَلَيْهِم إِذْ هم ... أهل لكل مذمة وهوان ... وَكَذَا الْمُعَطل يلعن اسْم مشبه ... وَاسم الموحد فِي حمى الرَّحْمَن هذي حسان عرائس زفت لكم ... ولدى الْمُعَطل هن غير حسان وَالْعلم يدْخل قلب كل موفق ... من غير بواب وَلَا اسْتِئْذَان وَيَردهُ المحروم من خذلانه ... لاتشقنا اللَّهُمَّ بالحرمان يَا فرقة نفت الاله وَقَوله ... وعلوه بالمجد والكفران موتوا بغيظكم فربي عَالم ... بسرائر مِنْكُم وخبث جنان فَالله نَاصِر دينه وَكتابه ... وَرَسُوله بِالْعلمِ وَالسُّلْطَان وَالْحق ركن لَا يقوم لهده ... أحد وَلَو جمعت لَهُ الثَّقَلَان تُوبُوا إِلَى الرَّحْمَن من تعطيلكم ... فالرب يقبل تَوْبَة الندمان من تَابَ مِنْكُم فالجنان مصيره ... أَو مَاتَ جهميا فَفِي النيرَان ... مَضْمُون هَذِه اللطيفة الَّتِي ابداها النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ان المعطلة دَائِما يلعنون المجسمة والمشبهة وَالله يصرف ذَلِك عَن اهل الْهدى وَالسّنة المتبعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 لما أثبت الله وَرَسُوله من صِفَات الله تَعَالَى بِغَيْر تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَكَذَلِكَ كَانَت حَال قُرَيْش مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمونه اسْم مذمم يعنون بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم يسمونه مذمما وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي معزل عَن سبهم وصيانة من الله تَعَالَى فَفِي هَذَا تَسْلِيَة للسلف فأتباعهم لِأَن السب يرجع إِلَى المعطلة لأَنهم أهل كل مذمة وهوان وَكَذَا الْمُعَطل يلعن اسْم مشبه وَاسم الموحد فِي حمى الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى قَالَ ابْن اسحاق فِي سيرته وَكَانَت قُرَيْش إِنَّمَا تسمي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مذمما ثمَّ يَسُبُّونَهُ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا تعْجبُونَ لما يصرف الله عني من قُرَيْش يسبون ويهجون مذمما وَأَنا مُحَمَّد فصل فِي بَيَان اقْتِضَاء التجهم والجبر والارجاء لِلْخُرُوجِ عَن جَمِيع ديانات الانبياء ... واسمع وعه سرا عجيبا كَانَ مكتوما من الأقوام مُنْذُ زمَان ... فأذعته بعد اللتيا وَالَّتِي ... نصحا وَخَوف معرة الكتمان ... جِيم وجيم ثمَّ جِيم مَعَهُمَا ... مقرونة مَعَ احرف بوزان فِيهَا لَدَى الأقوام طلسم مَتى ... تحلله تحلل ذرْوَة الْعرْفَان فَإِذا رَأَيْت النُّور فِيهِ تقارن الجيمات بالتثليث شَرّ قرَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 .. دلّت على ان النحوس جَمِيعهَا ... سهم الَّذِي قد فَازَ بالخذلان ... جبروا رَجَاء ثمَّ جِيم ... تجهم فَتَأمل الْمَجْمُوع فِي الْمِيزَان ... قَوْله بعد اللتيا وَالَّتِي هما من اسماء الدَّوَاهِي واللتيا أَصْغَر من الَّتِي وَهِي فِي الاصل تصغيرها ثمَّ هما من الاسماء الموصولة وحذفت صلتها وَذَلِكَ فِي عظم الْأَمر وشدته كَأَنَّهُ قَالَ كفيته الَّتِي عظمت شدتها وَتَنَاهَتْ بليتها وَكَأَنَّهُ يُرِيد باللتيا صغَار المغارم أَي غرمها فِي مَاله وبالتي عظامها كَالدَّمِ يعقله عَن الْقَاتِل وَنَحْوه قَوْله جِيم وجيم الخ أَي تِلْكَ الحبيمات مقرونة مَعَ احرف أَي جبرو وإرجاء وتجهم قَوْله طلسم هُوَ وَاحِد الطلاسم وَهِي اسماء مَخْصُوصَة لَهَا تعلق بالأفلاك وَالْكَوَاكِب فِي اجسام مَخْصُوصَة كالمعارف وَغَيرهَا مَعَ قُوَّة نفس صَالِحَة لهَذَا الْعَمَل فَتحدث عِنْدهَا احكام مَخْصُوصَة كَمَا زعم أربابه قَوْله فَإِذا رَأَيْت الثور فِيهِ تقارن الجيمات بالتثليث هَذَا شَيْء عِنْد المنجمين يُسمى بالتثليت والتربيع ويسمونه النصبة أَي إِذا تقارنت الجيمات الثَّلَاث فِي برج الثور وَهُوَ اُحْدُ البروج الاثْنَي عشر الْمَذْكُورَة فِي قَوْله ... حمل الثور جوزة السرطان ... ورعى اللَّيْث سنبل الْمِيزَان ... ورمت عقرب بِالْقَوْسِ جديا ... فملا الدَّلْو بركَة الْحيتَان ... يَقُول النَّاظِم إِذا حصل هَذَا الْقُرْآن فِي البرج الْمَذْكُور فاحكم لمن حصل لَهُ هَذَا الطالع بخلاصه من ربقه الايمان ثمَّ شرع النَّاظِم فِي بَيَان كَيْفيَّة الْخُرُوج عَن جَمِيع ديانات الْأَنْبِيَاء لمن حصلت لَهُ هَذِه الجيمات فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 .. فاحكم بطالعها لمن حصلت لَهُ ... بخلاصه من ربقة الْإِيمَان فاحمل على الاقدار ذَنْبك كُله ... حمل الْجُذُوع على قوى الجدران وَافْتَحْ لنَفسك بَاب عذرك إِذْ ترى الْأَفْعَال فعل الْخَالِق الديَّان ... فالجبر يشهدك الذُّنُوب جَمِيعهَا ... مثل ارتعاش الشَّيْخ ذِي الرجفان لَا فَاعل أبدا وَلَا هُوَ قَادر ... كالميت أدرج دَاخل الأكفان ... وَالْأَمر وَالنَّهْي اللَّذَان توجها ... فهما كأمر العَبْد بالطيران وكأمره الْأَعْمَى بنقط مصاحف ... أَو شكلها حذرا من الالحان ... وَهَذِه جِيم الْجَبْر لِأَن عِنْد الجبرية ان الْعباد مَجْبُورُونَ على افعالهم وَأَنَّهَا مثل ارتعاش المرتعش أَو كالميت يدرج فِي الأكفان وكأمر الْأَعْمَى بنقط الْمَصَاحِف أَو شكلها قَوْله ... واذا ارْتَفَعت دريجة أُخْرَى رَأَيْت الْكل طاعات بِلَا عصيان ... إِن قيل قد خَالَفت أَمر الشَّرْع قل ... لَكِن أَطَعْت إِرَادَة الرَّحْمَن ومطيع أَمر الله مثل مُطِيع مَا يقْضِي بِهِ وَكِلَاهُمَا عَبْدَانِ عبد الْأَوَامِر مثل عبد مَشِيئَة عِنْد الْمُحَقق لَيْسَ يفترقان فَانْظُر إِلَى مَا قادت الْجِيم الَّتِي ... للجبر من كفر وَمن بهتان ... أَي إِذا ارْتَفع الجبري دَرَجَة أُخْرَى رأى الْكل طاعات وَفِي هَذِه الْحَال يَقُول قَائِلهمْ ... أَصبَحت منفعلا لما تختاره ... مني ففعلي كُله طاعات ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَيَقُول إِن خَالَفت الشَّرْع فقد أَطَعْت الْقدر والإرادة ومطيع الْأَمر مثل مُطِيع الْقَضَاء وَعبد الْأَمر مثل عبد الْمَشِيئَة وَنَحْو ذَلِك قَوْله عِنْد الْمُحَقق أَي بزعمهم فَهَذَا مَا قادته جِيم الْجَبْر من الْكفْر والبهتان قَوْله ... وَكَذَلِكَ الارجاء حِين تقر بالمعبود تصبح كَامِل الايمان فارم الْمَصَاحِف فِي الحشوش وَخرب الْبَيْت الْعَتِيق وجد فِي الْعِصْيَان ... واقتل إِذا مَا اسطعت كل موحد ... وتمسحن بالقس والصلبان ... واشتم جَمِيع الْمُرْسلين وَمن أَتَوا ... من عِنْده جَهرا بِلَا كتمان وَإِذا رَأَيْت حِجَارَة فاسجد لَهَا ... بل خر للأصنام والأوثان وَأقر أَن الله جلّ جَلَاله ... هُوَ وَحده البادي لذِي الأكوان وَأقر أَن رَسُوله حَقًا أَتَى ... من عِنْده بِالْوَحْي وَالْقُرْآن فَتكون حَقًا مُؤمنا وَجَمِيع ذَا ... وزر عَلَيْك وَلَيْسَ بالكفران هَذَا هُوَ الإرجاء عِنْد غلاتهم ... من كل جهمي أخي الشَّيْطَان فأضف الى الجيمين جِيم تجهم وانف الصِّفَات والق بالأرسان ... قل لَيْسَ فَوق الْعَرْش رب عَالم ... بسرائر منا وَلَا إعلان ... بل لَيْسَ فَوق الْعَرْش ذُو سمع وَلَا ... بصر وَلَا عدل وَلَا إِحْسَان بل لَيْسَ فَوق الْعَرْش معبود سوى الْعَدَم الَّذِي لَا شَيْء فِي الْأَعْيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 .. بل لَيْسَ فَوق الْعَرْش من مُتَكَلم ... بأوامر وزواجر وقران ... كلا وَلَا كلم إِلَيْهِ صاعد ... أبدا وَلَا عمل لذِي شكران ... إِنِّي وحظ الْعَرْش مِنْهُ كحظ مَا ... تَحت الثرى عِنْد الحضيض الداني بل نِسْبَة الرَّحْمَن عِنْد فريقهم ... للعرش نسبته الى الْبُنيان فعلَيْهِمَا استولى جَمِيعًا قدرَة ... وَكِلَاهُمَا من ذَاته خلوان هَذَا الَّذِي أَعطَتْهُ جِيم تجهم ... حَشْوًا بِلَا كيل وَلَا ميزَان تالله مَا استجمعن عِنْد معطل ... جيماتها ولديه من إِيمَان ... شرع النَّاظِم فِي بَيَان مَا تقضيه جِيم الإرجاء وَهُوَ ان عِنْدهم إِذا أقرّ الْإِنْسَان بِأَن الله وَحده هُوَ الْخَالِق وَأَن رَسُوله حق أَتَى من عِنْد الله فَهَذَا هُوَ الْإِيمَان عِنْدهم وَإِن فعل مَا فعل فَهُوَ ذَنْب ووزر وَلَيْسَ بِكفْر قَوْله فارم الْمَصَاحِف فِي الحشوش وَخرب الْبَيْت الْعَتِيق واقتل إِن اسْتَطَعْت الْمُوَحِّدين واشتم جَمِيع الْمُرْسلين واسجد للأصنام وَلَا يَضرك ذَلِك إِذا أَقرَرت بِأَن الله الْخَالِق وان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق فَهَذَا هُوَ الإرجاء عِنْد غلاة الْجَهْمِية قَوْله فأضف الى الجيمين جِيم تجهم وَهَذِه الْجِيم تَقْتَضِي نفي الصِّفَات وان الله سُبْحَانَهُ لَيْسَ فَوق الْعَرْش بل لَيْسَ فَوق الْعَرْش معبود سوى الْعَدَم وَلَيْسَ فَوق الْعَرْش رب مُتَكَلم وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء وَلَا ينزل من عِنْده شَيْء بل نِسْبَة الرَّحْمَن عِنْدهم للعرش والحضيض التحتاني سَوَاء وَهُوَ سُبْحَانَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 قد استولى عَلَيْهِمَا بِالْقُدْرَةِ فَهَذَا الَّذِي أَعطَتْهُ جِيم التجهم ثمَّ أقسم النَّاظِم أَن من اجْتمعت لَهُ هَذِه الجيمات الثَّلَاث فقد خلص من ربقة الْإِيمَان ثمَّ قَالَ ... والجهم أَصْلهَا جَمِيعًا فاغتدت ... مقسومة فِي النَّاس بالميزان والوارثون لَهُ على التَّحْقِيق هم ... أَصْحَابهَا لَا شيعَة الْإِيمَان لَكِن تقسمت الطوائف قَوْله ... ذُو السهْم والسهمين والسهمان لَكِن نجا أهل الحَدِيث الْمَحْض أَتبَاع الرَّسُول وتابعوا الْقُرْآن ... عرفُوا الَّذِي قد قَالَ مَعَ علم بِمَا ... قَالَ الرَّسُول فهم أولو الْعرْفَان وسواهم فِي الْجَهْل وَالدَّعْوَى مَعَ الْكبر الْعَظِيم وَكَثْرَة الهذيان ... مدوا يدا نَحْو العلى بتكلف ... وتخلف وتكبر وتوان ... أَتَرَى ينالوها وَهَذَا شَأْنهمْ ... حاشا العلى من ذَا الزبون الفاني ... قَوْله والجهم أَصْلهَا بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الصَّاد أَي أسسها وَلَكِن تقاسمها النَّاس فبعضهم أَخذ سَهْما وَبَعْضهمْ سَهْمَيْنِ وَبَعْضهمْ أَخذ السِّهَام الثَّلَاثَة نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك والسهمان بِضَم السِّين جمع سهم وَلم ينج من هَذِه الجيمات إِلَّا أهل الحَدِيث الْمَحْض الَّذين تبعوا الْقُرْآن وَالرَّسُول وعضوا على سنته بالنواجذ وَالْحَمْد لله على الْإِسْلَام وَالسّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 فصل فِي جَوَاب الرب تبَارك وَتَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة إِذا سُئِلَ الْمُعَطل والمثبت عَن قَول كل وَاحِد مِنْهُمَا ... وسل الْمُعَطل مَا تَقول إِذا أَتَى ... فئتان عِنْد الله تختصمان إِحْدَاهمَا حكمت على معبودها ... بعقولها وبفكرة الأذهان سمته معقولا وَقَالَت إِنَّه ... أولى من الْمَنْصُوص بالبرهان وَالنَّص قطعا لَا يُفِيد فَنحْن أولنا وفوضنا لنا قَولَانِ ... قَالَت وَقُلْنَا فِيك لست بداخل ... فِينَا وَلست بِخَارِج الأكوان ... وَالْعرش أخليناه مِنْك فلست فو ... ق الْعَرْش لست بقابل لمَكَان وكذاك لست بقائل الْقُرْآن بل ... قد قَالَه بشر عَظِيم الشان ونسبته حَقًا إِلَيْك بِنِسْبَة التشريف تَعْظِيمًا لذِي الْقُرْآن ... وكذاك قُلْنَا لست تنزل فِي الدجى ... إِن النُّزُول صِفَات ذِي الجثمان ... وكذاك قلت أَلَسْت ذَا وَجه وَلَا ... سمع وَلَا بصر فَكيف يدان وكذاك قُلْنَا لَا ترى فِي هَذِه الدُّنْيَا وَلَا يَوْم الْمعَاد الثَّانِي وَكَذَلِكَ قُلْنَا مَا لفعلك حِكْمَة ... من أجلهَا خصصته بِزَمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 .. مَا ثمَّ غير مَشِيئَة قد رجحت ... مثلا على مثل بِلَا رُجْحَان ... لَكِن منا من يَقُول بحكمة ... لَيست بِوَصْف قَامَ بالرحمن ... هَذَا وَقُلْنَا مَا اقتضته عقولنا ... وعقول أَشْيَاخ ذَوي عرفان قَالُوا لنا لَا تَأْخُذُوا بظواهر الوحيين تنسلخوا من الْإِيمَان ... بل فَكروا بعقولكم إِن شِئْتُم ... أَو فاقبلوا آراء عقل فلَان ... فلأجل هَذَا لم نحكم لفظ آ ... ثار وَلَا خبر وَلَا قُرْآن إِذْ كل تِلْكَ أَدِلَّة لفظية ... معزولة عَن مُقْتَضى الْبُرْهَان ... فصل ... وَالْآخرُونَ أَتَوا بِمَا قد قَالَه ... من غير تَحْرِيف وَلَا كتمان قَالُوا تلقينا عقيدتنا عَن الوحيين بالأخبار وَالْقُرْآن ... فَالْحكم مَا حكما بِهِ لَا رَأْي أهل الِاخْتِلَاف وَظن ذِي الحسبان آراؤهم أَحْدَاث هَذَا الدّين نَا ... قضة لأصل طَهَارَة الْإِيمَان آراؤهم ريح المقاعد أَيْن تِلْكَ الرّيح من روح وَمن ريحَان ... قَالُوا وَأَنت رقيبنا وشهيدنا ... من فَوق عرشك يَا عَظِيم الشان ... إِنَّا أَبينَا أَن ندين ببدعة ... وضلالة أَو إفْك ذِي بهتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 .. لَكِن بِمَا قلته أَو قَالَه ... من قد أَتَانَا عَنْك بالفرقان وكذاك فارقناهم حِين احْتِيَاج النَّاس للْأَنْصَار والأعوان ... كَيْلا نصير مصيرهم فِي يَوْمنَا ... هَذَا ونطمع مِنْك بالغفران ... فَمن الَّذِي منا أَحَق بأمنه ... فاختر لنَفسك يَا أَخا الْعرْفَان لَا بُد أَن نَلْقَاهُ نَحن وَأَنْتُم ... فِي موقف الْعرض الْعَظِيم الشان وَهُنَاكَ يسألنا جَمِيعًا رَبنَا ... ولديه قطعا نَحن مختصمان فَنَقُول قلت كَذَا وَقَالَ نَبينَا ... أَيْضا كَذَا فإمامنا الوحيان فافعل بِنَا مَا انت أهل بعد ذَا ... نَحن العبيد وَأَنت ذُو الْإِحْسَان أفتقدرون على جَوَاب مثل ذَا ... أم تعدلون إِلَى جَوَاب ثَان مَا فِيهِ قَالَ الله قَالَ رَسُوله بل فِيهِ قُلْنَا مثل قَول فلَان وَهُوَ الَّذِي أدَّت إِلَيْهِ عقولنا لما وزنا الْوَحْي بالميزان ... إِن كَانَ ذَلِكُم الْجَواب مخلصا ... فامضوا عَلَيْهِ يَا ذَوي الْعرْفَان تالله مَا بعد الْبَيَان لمنصف إِلَّا العناد ومركب الخذلان ... حصل كَلَام النَّاظِم فِي هذَيْن ال ْفَصْلَ يْنِ أَنه يَحْكِي جَوَاب الْمُعَطل والمثبت عَن قَول كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا سَأَلَهُمَا الرب تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَمعنى مَا ذكره ان الْمُعَطل يَقُول لرَبه إِذا سَأَلَهُ يَوْم الْقِيَامَة يَا رب إِنِّي حكمت عَلَيْك بِالْعقلِ والفكرة وَهَذَا اولي من الْمَنْصُوص وَقلت إِنَّك لست بداخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَإنَّك لست فَوق الْعَرْش وَإنَّك لست بقائل الْقُرْآن بل هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 عبارَة أَو حِكَايَة عبر بهَا رَسُولك البشري وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَإِن نسبته إِلَيْك نِسْبَة شريفة كَمَا يُقَال بَيت الله وكذاك قُلْنَا لست تنزل فِي الدجى لِأَن النُّزُول من صِفَات الاجسام وَكَذَا قُلْنَا لَا وَجه لَك وَلَا سمع وَلَا بصر وَلَا يدان وَكَذَا قُلْنَا إِنَّك لَا ترى فِي الْآخِرَة وَكَذَا قُلْنَا مَا لفعلك حِكْمَة وَلَيْسَ ثمَّ غير مَشِيئَة قد رجحت مثلا على مثل وَمَعَ ذَلِك فمنا من يَقُول الْحِكْمَة لَيست تقوم بالرحمن سُبْحَانَهُ لِأَن ذَلِك يسْتَلْزم قيام الْحَوَادِث بِهِ تَعَالَى وَقُلْنَا مَا اقتضته عقولنا وعقول أشياخنا وهم قد قَالُوا لَا تَأْخُذُوا بظواهر الوحيين بل فَكروا بعقولكم أَو فاقبلوا رَأْي فلَان وَفُلَان قَالُوا فلأجل هَذَا لم نحكم لفظ آثَار وَلَا قُرْآن لِأَنَّهَا أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد الْيَقِين وَأما الْآخرُونَ وهم المثبتة فَإِنَّهُم أَتَوا بِمَا قد قَالَه الله وَرَسُوله من غير تَحْرِيف وَلَا كتمان وَقَالُوا تلقينا عقيدتنا عَن الوحيين وَالْحكم عندنَا مَا حكما بِهِ لَا رَأْي أهل الِاخْتِلَاف والظنون الْفَاسِدَة قَالُوا لَا بُد أَن نَلْقَاهُ نَحن وَأَنْتُم فِي موقف الْعرض وَهُنَاكَ يسألنا جَمِيعًا رَبنَا فَنَقُول قلت كَذَا وَقَالَ نَبينَا كَذَا فافعل بِنَا مَا انت أهل لَهُ فَنحْن عبيدك وَأَنت ذُو الْإِحْسَان أفتقدرون أَيهَا المعطلة على مثل هَذَا الْجَواب أم تجيبون بِجَوَاب لَيْسَ فِيهِ قَالَ الله قَالَ رَسُوله بل تَقولُونَ قَوْلنَا مثل قَول فلَان وَهَذَا هُوَ الَّذِي أدَّت إِلَيْهِ عقولنا فَإِن كَانَ هَذَا الْجَواب مخلصا لكم فامضوا عَلَيْهِ وَالله الْمُوفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 فصل فِي تحميل أهل الْإِثْبَات للمعطلين شَهَادَة تُؤَدّى عِنْد رب الْعَالمين ... يَا أَيهَا الْبَاغِي على أَتْبَاعه ... بالظلم والبهتان والعدوان ... قد حملوك شَهَادَة فاشهد بهَا ... إِن كنت مَقْبُولًا لَدَى الرَّحْمَن ... واشهد عَلَيْهِم إِن سَأَلت بِأَنَّهُم ... قَالُوا إِلَه الْعَرْش والأكوان فَوق السَّمَاوَات العلى حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَان ... وَالْأَمر ينزل مِنْهُ ثمَّ يسير فِي الأقطار سُبْحَانَ الْعَظِيم الشان وَإِلَيْهِ يصعد مَا يَشَاء بأَمْره ... من طَيّبَات القَوْل والشكران وَإِلَيْهِ قد صعد الرَّسُول وَقَبله ... عِيسَى بن مَرْيَم كاسر الصلبان وَكَذَلِكَ الْأَمْلَاك تصعد دَائِما ... من هَهُنَا حَقًا إِلَى الديَّان وكذاك روح العَبْد بعد مماتها ترقى اليه وَهُوَ ذُو إِيمَان ... واشهد عَلَيْهِم أَنه سُبْحَانَهُ ... مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن ... سمع الْأمين كَلَامه مِنْهُ وأدا هـ إِلَى الْمَبْعُوث بالفرقان هُوَ قَول رب الْعَالمين حَقِيقَة ... لفظا وَمعنى لَيْسَ يفترقان ... واشهد عَلَيْهِم أَنه سُبْحَانَهُ ... قد كلم الْمَوْلُود من عمرَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 .. سمع ابْن عمرَان الرَّسُول كَلَامه ... مِنْهُ إِلَيْهِ مسمع الآذان واشهد عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا بَان الله ناجاه بِلَا كتمان ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا بِأَن الله نَادَى قبله الأبوان واشهد عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا بِأَن الله يسمع صَوته الثَّقَلَان ... وَالله قَالَ بِنَفسِهِ لرَسُوله ... إِنِّي أَنا الله الْعَظِيم الشان ... وَالله قَالَ بِنَفسِهِ لرَسُوله ... إذهب الى فِرْعَوْن ذِي الطغيان وَالله قَالَ بِنَفسِهِ حم مَعَ طه وَمَعَ يس قَول بَيَان ... واشهد عَلَيْهِم انهم وصفوا الْإِلَه بِكُل مَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن وَبِكُل مَا قَالَ الرَّسُول حَقِيقَة من غير تَحْرِيف وَلَا عدوان ... واشهد عَلَيْهِم ان قَول نَبِيّهم ... وَكَلَام رب الْعَرْش ذَا التِّبْيَان نَص يُفِيد لديهم علم الْيَقِين إِفَادَة الْمَعْلُوم بالبرهان ... واشهد عَلَيْهِم انهم قد قابلوا التعطيل والتمثيل بالنكران إِن الْمُعَطل والممثل مَا هما ... متيقنين عبَادَة الرَّحْمَن ذَا عَابِد الْمَعْدُوم لَا سُبْحَانَهُ ... أبدا وَهَذَا عَابِد الْأَوْثَان واشهد عَلَيْهِم أَنهم قد أثبتوا الْأَسْمَاء والأوصاف للديان ... وَكَذَلِكَ الْأَحْكَام أَحْكَام الصَّفَا ... ت وَهَذِه الْأَركان للْإيمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 .. قَالُوا عليم وَهُوَ ذُو علم وَيعلم غَايَة الْإِسْرَار والإعلان وَكَذَا بَصِير وَهُوَ ذُو بصر ويبصر كل مرئي وَذي الأكوان ... وَكَذَا سميع وَهُوَ ذُو سمع وَيسمع كل مسموع من الأكوان مُتَكَلم وَله كَلَام وَصفه ... ويكلم الْمَخْصُوص بالرضوان وَهُوَ الْقوي بِقُوَّة هِيَ وَصفه ... وَعَلَيْك يقدر يَا أَخا السُّلْطَان وَهُوَ المريد لَهُ الارادة هَكَذَا ... أبدا يُرِيد صنائع الاحسان ... حَاصِل كَلَام النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات ان المثبتة قد حملُوا المعطلة شَهَادَة تُؤدِّي عِنْد رَبهم سُبْحَانَهُ باثبات مَا أثْبته الله لنَفسِهِ أَو أثْبته لَهُ رَسُوله من الصِّفَات من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل وَذَلِكَ كعلو الله تَعَالَى على خلقه ونزول الْأَوَامِر مِنْهُ سُبْحَانَهُ وصعود الْكَلم الطّيب اليه ومعراج الرَّسُول اليه وَرفع عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام الى الله وَكَذَا صعُود الْمَلَائِكَة اليه دَائِما وَكَذَا روح الْمُصدق بعد الْمَمَات تصعد اليه وَأَنه سُبْحَانَهُ مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن وان الامين جِبْرِيل سمع كَلَامه وَأَدَّاهُ الى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه قَول رب الْعَالمين حَقِيقَة لَفظه وَمَعْنَاهُ واشهد عَلَيْهِم أَيهَا الْمُعَطل انه سُبْحَانَهُ كلم الْمَوْلُود من عمرَان وَهُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وان الله ناداه وناجاه وَكَذَا اشْهَدْ عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا بِأَن الله نَادَى قبله الْأَبَوَيْنِ آدم وحواء واشهد عَلَيْهِم انهم قَالُوا بِأَن الله يُنَادي خلقه يَوْم الْقِيَامَة بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب واشهد عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا إِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ بِنَفسِهِ {حم} و {طه} و {يس} وانهم وصفوه سُبْحَانَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 بِكُل مَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن وَبِكُل مَا قَالَ الرَّسُول من غير تَحْرِيف وَلَا عدوان واشهد عَلَيْهِم أَن كَلَام الله وَرَسُوله عِنْدهم نَص يُفِيد علم الْيَقِين واشهد عَلَيْهِم انهم أَنْكَرُوا التعطيل والتمثيل وان الْمُعَطل والممثل غير متيقنين عبَادَة الرَّحْمَن عز وَجل لِأَن الْمُعَطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما تَعَالَى الله وتقدس واشهد عَلَيْهِم أَيهَا الْمُعَطل أَنهم قد أثبتوا أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته المقدسة وَكَذَا أثبتوا أَحْكَام الصِّفَات وَأَنه سُبْحَانَهُ عليم يعلم وَيعلم السِّرّ وأخفى وَكَذَا أثبتوا انه سُبْحَانَهُ يصير وَذُو بصر ويبصر كل شَيْء وَكَذَا أثبتوا أَنه سُبْحَانَهُ سميع وَذُو سمع وَيسمع كل مسموع وانه سُبْحَانَهُ مُتَكَلم وَله كَلَام ويكلم من شَاءَ سُبْحَانَهُ وَكَذَا اثبتوا لَهُ سُبْحَانَهُ الْقُوَّة بِقُوَّة هِيَ وَصفه وَهُوَ على كل شَيْء قدير واثبتوا انه تَعَالَى مُرِيد وَله الارادة وَيُرِيد سُبْحَانَهُ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالْوَصْف معنى قَائِم بِالذَّاتِ وَال أَسمَاء إِعْلَام لَهُ بوزان ... أسماؤه دلّت على أَوْصَافه ... مُشْتَقَّة مِنْهَا اشتقاق معَان ... وَصِفَاته دلّت على أَسْمَائِهِ ... وَالْفِعْل مُرْتَبِط بِهِ الْأَمْرَانِ وَالْحكم نسبتها إِلَى مُتَعَلقا ... ت تَقْتَضِي آثارها بِبَيَان ولربما يَعْنِي بِهِ الاخبار عَن ... آثارها يَعْنِي بِهِ أَمْرَانِ وَالْفِعْل إِعْطَاء الارادة حكمهَا ... مَعَ قدرَة الفعال والإمكان فاذا انْتَفَت أَوْصَافه سُبْحَانَهُ ... فَجَمِيع هَذَا بَين الْبطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 أَي أَن صِفَاته سُبْحَانَهُ معَان قَائِمَة بِذَاتِهِ والأسماء أَعْلَام والأسماء تدل على الصِّفَات وَهِي مُشْتَقَّة مِنْهَا وَصِفَاته دلّت على اسمائه وتوضيح ذَلِك انه لما اتّصف سُبْحَانَهُ بِالْعلمِ اشتق لَهُ مِنْهُ اسْم الْعَلِيم وَلما اتّصف سُبْحَانَهُ بِالرَّحْمَةِ اشتق لَهُ مِنْهَا اسْم الرَّحْمَن وَهَكَذَا قَوْله وَالْحكم نسبتها الى متعلقات تَقْتَضِي آثارها بِبَيَان يَعْنِي أَن أَحْكَام الصِّفَات تنْسب الى متعلقات تَقْتَضِي آثارها وَذَلِكَ أَن نقُول هُوَ سُبْحَانَهُ عليم وَيعلم كل شَيْء بَصِير ويبصر كل شَيْء سميع وَيسمع كل شَيْء كَمَا تقدم فِي الأبيات قَوْله فَإِذا انْتَفَت أَوْصَافه سُبْحَانَهُ الخ أَي اذا انْتَفَت صِفَاته سُبْحَانَهُ فَجَمِيع هَذَا بَاطِل بِغَيْر شكّ وَأهل الاثبات يثبتون جَمِيع ذَلِك خلافًا للمعطلة الْقَائِلين بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عليم بِلَا علم قدير بِلَا قدرَة بَصِير بِلَا بصر وَنَحْو ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا بِهَذَا كُله جَهرا بِلَا كتمان ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم بُرَآء من ... تَأْوِيل كل محرف شَيْطَان ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم يتأولو ... ن حَقِيقَة التَّأْوِيل فِي الْقُرْآن هم فِي الْحَقِيقَة أهل تَأْوِيل الَّذِي ... يَعْنِي بِهِ لَا قَائِل الهذيان واشهد عَلَيْهِم أَن تأويلاتهم ... صرف عَن الْمَرْجُوح للرجحان ... أَي واشهد عَلَيْهِم أَيهَا الْمُعَطل انهم يتأولون وَلَكِن لَا بِالْمَعْنَى المصطلح عَلَيْهِ عِنْد كثير من الْمُتَأَخِّرين الَّذين تكلمُوا فِي الْفِقْه وأصوله وَهُوَ صرف اللَّفْظ عَن الِاحْتِمَال الرَّاجِح الى الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح لدَلِيل يقْتَرن بِهِ فَهَذَا الْقسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 من التَّأْوِيل بَاطِل عِنْد المثبتة والتأويل الَّذِي يثبتونه هُوَ بِمَعْنى التَّفْسِير وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم هم فِي الْحَقِيقَة اهل تَأْوِيل الَّذِي يَعْنِي بِهِ الخ وَذَلِكَ كَمَا يَقُول ابْن جرير وَأَمْثَاله من الْمُفَسّرين وَمُجاهد إِمَام الْمُفَسّرين وعَلى تَفْسِيره يعْتَمد الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا فاذا ذكر أَنه يعلم تَأْوِيل الْمُتَشَابه فَالْمُرَاد معرفَة تَفْسِيره قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم حملُوا النصو ... ص على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز الثَّانِي الا اذا مَا اضطرهم لمجازها الْمُضْطَر من حس وَمن برهَان ... فهناك عصمتها اباحته بِغَيْر تجانف للاثم والعدوان ... حَاصِل مَا نتكلم بِهِ فِي هَذِه الأبيات أَن نذْكر كَلَام الْعلمَاء فِي الْمجَاز وثبوته أَو نَفْيه ثمَّ نتكلم على معنى الأبيات الثَّلَاثَة بِمَا يسره الله تَعَالَى فَنَقُول قَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرداوي فِي كتاب التَّحْرِير فِي اصول الْفُقَهَاء الاربعة وَغَيرهم الْمجَاز وَاقع وَخَالف الْأُسْتَاذ وَالشَّيْخ وَغَيرهمَا وردوه إِلَى المتواطيء وعَلى الأول لَيْسَ الْمجَاز بأغلب فِي الْأَصَح وَهُوَ فِي الْقُرْآن عِنْد أَحْمد وَأكْثر أَصْحَابه وَالْأَكْثَر وَعنهُ لَا اخْتَارَهُ ابْن حَامِد والتميمي والخرزي وَغَيرهم وَقيل وَلَا فِي الحَدِيث أَيْضا انْتهى كَلَامه وَمعنى كَلَامه أَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم ذَهَبُوا الى وُقُوع الْمجَاز وَخَالف فِي ذَلِك الاستاذ يَعْنِي الشَّيْخ أَبَا اسحق الاسفراييني الشَّافِعِي وَالشَّيْخ يَعْنِي بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 شيخ الاسلام رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَلَامه رَحمَه الله مَعْرُوف فِي كتاب الايمان وَهُوَ انه اخْتَار نفي الْمجَاز فِي الْكتاب وَالسّنة ولغة الْعَرَب والناظم رَحمَه الله فِي هَذَا الْموضع اخْتَار فِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيلًا وَهُوَ ان النُّصُوص تحمل على الْحَقِيقَة إِلَّا عِنْد الِاضْطِرَار الى الْمجَاز فتصرف اليه وَقد قَالَ فِي كَلَام لَهُ الْمجَاز والتأويل لَا يدْخل فِي النُّصُوص وَإِنَّمَا يدْخل فِي الظَّاهِر الْمُحْتَمل لَهُ وَكَون اللَّفْظ نصا يعرف بشيئين أَحدهمَا عدم احْتِمَاله لغير مَعْنَاهُ وضعا وَالثَّانِي مَا اطرد اسْتِعْمَاله على طَريقَة وَاحِدَة فِي جَمِيع موارده فانه نَص فِي مَعْنَاهُ لَا يقبل تَأْوِيلا وَلَا مجَازًا وان قدر تطرق ذَلِك الى بعض أَفْرَاده وَصَارَ بمنزله خبر التَّوَاتُر لَا يتَطَرَّق احْتِمَال الْكَذِب اليه وان تطرق الى وَاحِد بمفرده وَهَذِه قَاعِدَة نافعة تدل على خطأ كثير من التأويلات للسمعيات الَّتِي اطرد اسْتِعْمَالهَا فِي ظَاهرهَا وتأويلها وَالْحَالة هَذِه غلط فان التَّأْوِيل إِنَّمَا يكون لظَاهِر قد ورد شاذا مُخَالفا لغيره من السمعيات فَيحْتَاج الى تَأْوِيله ليوافقها واما اذا اطردت كلهَا على وتيرة وَاحِدَة فقد صَارَت بِمَنْزِلَة النَّص واقوى وتأويلها مُمْتَنع انْتهى كَلَامه وَهَذَا الَّذِي ذكره قد ذكره غَيره من الْعلمَاء وَهُوَ انهم قَالُوا إِن الْأَدِلَّة إِذا تكاثرت ودلت على معنى ثمَّ ورد دَلِيل وَاحِد يُخَالف تِلْكَ الْأَدِلَّة وَجب الْأَخْذ بِتِلْكَ الْأَدِلَّة وَتَأْويل ذَلِك الدَّلِيل الْوَاحِد حَتَّى يُوَافِقهَا قد رَأَيْت شيخ الاسلام أثبت الْمجَاز فِي بعض كَلَامه قَالَ فِي الْفتيا الدمشقية وَاعْلَم ان من لم يحكم دلالات اللَّفْظ وَيعلم ان ظُهُور الْمَعْنى من اللَّفْظ تَارَة يكون بِالْوَضْعِ اللّغَوِيّ أَو الْعرفِيّ اَوْ الشَّرْعِيّ إِمَّا فِي الألفظ المفردة وَإِمَّا فِي المركبة وَتارَة بِمَا اقْترن بِاللَّفْظِ الْمُفْرد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 التَّرْكِيب الَّذِي يتَغَيَّر بِهِ دلَالَته فِي نَفسه وَتارَة بِمَا اقْترن بِهِ من الْقَرَائِن اللفظية الَّتِي تجعلها مجَازًا وَتارَة بِمَا يدل عَلَيْهِ حَال الْمُتَكَلّم والمخاطب والمتكلم فِيهِ وَسِيَاق الْكَلَام الَّذِي يعين اُحْدُ محتملات اللَّفْظ اَوْ يبين ان المُرَاد بِهِ هُوَ مجازه إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي تُعْطِي اللَّفْظ صفة الظُّهُور وَإِلَّا فقد يتخبط فِي هَذِه الْمَوَاضِع نعم اذا لم يقْتَرن بِاللَّفْظِ قطّ شئ من الْقَرَائِن الْمُتَّصِلَة تبين مُرَاد الْمُتَكَلّم بل علم مُرَاده بِدَلِيل آخر لَفْظِي مُنْفَصِل فَهُنَا أُرِيد بِهِ خلاف الظَّاهِر كالعموم الْمَخْصُوص بِدَلِيل مُنْفَصِل الى ان قَالَ إِن الْأَلْفَاظ نَوْعَانِ احدهما مَا مَعْنَاهُ مُفْرد كَلَفْظِ الاسد وَالْحمار وَالْبَحْر وَالْكَلب فَهَذَا اذا قيل أَسد الله واسد رَسُوله أَو قيل للبليد حمَار اَوْ قيل للْعَالم اَوْ السخي اَوْ الْجواد امن الْخَيل بحرا وَقيل للاسد كلب فَهَذَا مجَاز ثمَّ اقترنت بِهِ قرينَة تبين المُرَاد كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفرس ابي طَلْحَة ان وَجَدْنَاهُ لبحرا وَقَوله إِن خَالِدا سيف من سيوف الله سَله الله على الْمُشْركين وَقَوله لعُثْمَان ان الله مقمصك قَمِيصًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وَقَول ابْن عَبَّاس الْحجر الاسود يَمِين الله فِي الارض فَمن استلمه وَصَافحهُ فَكَأَنَّمَا بَايع ربه أَو كَمَا قَالَ وَنَحْو ذَلِك فَهُنَا اللَّفْظ فِيهِ تجوز إِلَى آخر كَلَامه فَهَذَا ظَاهر فِي اثبات الْمجَاز وَالله اعْلَم وَأما النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فقد رَأَيْت فِي كَلَامه فِي النّظم وَفِي كَلَامه الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنهُ وَلكنه قد بَالغ فِي كتاب الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة فِي أبطال الْمجَاز وَاسْتدلَّ لذَلِك بِنَحْوِ خمسين وَجها ورد على ابْن جني كَلَامه فِي الْمجَاز من أوجه كَثِيرَة وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم لَا يكفرو ... نكم بِمَا قُلْتُمْ من الكفران اذ انتم أهل الْجَهَالَة عِنْدهم ... لَسْتُم أولي كفر وَلَا إِيمَان لَا تعرفُون حَقِيقَة الكفران بل ... لَا تعرفُون حَقِيقَة الْإِيمَان الا اذا عاندتم ورددتم ... قَول الرَّسُول لاجل قَول فلَان فهناك انتم أكفر الثقلَيْن من ... انس وجن سَاكِني النيرَان ... يَأْتِي الْكَلَام فِي مَسْأَلَة التَّكْفِير ان شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْفَصْل الَّذِي اوله وَمن الْعَجَائِب أَنكُمْ كَفرْتُمْ اهل الحَدِيث وشيعة الْقُرْآن قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... واشهد عَلَيْهِم أَنهم قد أثبتوا ال أقدار وَارِدَة من الرَّحْمَن ... واشهد عَلَيْهِم أَن حجَّة رَبهم ... قَامَت عَلَيْهِم وَهُوَ ذُو غفران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 .. واشهد عَلَيْهِم أَنهم هم فاعلو ... ن حَقِيقَة الطَّاعَات والعصيان ... والجبر عِنْدهم محَال هَكَذَا ... نفي الْقَضَاء فبئست الرأيان واشهد عَلَيْهِم ان ايمان الورى ... قَول وَفعل ثمَّ عقد جنان وَيزِيد بالطاعات قطعا هَكَذَا ... بالضد يُمْسِي وَهُوَ ذُو نُقْصَان وَالله مَا ايمان عاصينا كايمان الامين منزل الْقُرْآن ... كلا وَلَا ايمان مؤمننا كايمان الرَّسُول معلم الايمان واشهد عَلَيْهِم انهم لم يخلدوا ... اهل الْكَبَائِر فِي حميم آن بل يخرجُون باذنه بشفاعة ... وبدونها لمساكن بجنان واشهد عَلَيْهِم ان رَبهم يرى ... يَوْم الْمعَاد كَمَا يرى القمران واشهد عَلَيْهِم ان أَصْحَاب الرَّسُول خِيَار خلق الله من انسان ... حاشا النَّبِيين الْكِرَام فانهم ... خير الْبَريَّة خيرة الرَّحْمَن ... وخيارهم خلفاؤه من بعده ... وخيارهم حَقًا هما الْعمرَان وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ أَحَق بالتقديم مِمَّن بعدهمْ بِبَيَان ... كل بِحَسب السَّبق أفضل رُتْبَة ... من لَاحق وَالْفضل للمنان ... قد تكلمنا على أَكثر مَضْمُون هَذِه الأبيات فِي غُضُون هَذَا الشَّرْح واما مَسْأَلَة خلق افعال الْعباد وَمَسْأَلَة الايمان وَأَنه قَول وَعمل وَنِيَّة و الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 يزِيد وَينْقص فينبسط الْكَلَام عَلَيْهَا بعض الْبسط لانها من الاصول الْكِبَار لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَنَقُول قَوْله واشهد عَلَيْهِم أَنهم فاعلون حَقِيقَة الطَّاعَات الخ أَي ان اهل الْإِثْبَات اهل السّنة وَالْجَمَاعَة يُؤمنُونَ بِالْقدرِ خَيره وشره وَالْإِيمَان بِالْقدرِ على دَرَجَتَيْنِ كل دَرَجَة تَتَضَمَّن شَيْئَيْنِ فالدرجة الأولى الْإِيمَان بِأَنَّهُ تَعَالَى علم مَا الْخلق عاملون بِعِلْمِهِ الْقَدِيم الَّذِي هُوَ مَوْصُوف بِهِ أزلا وأبدا وَعلم جَمِيع أَحْوَالهم من الطَّاعَات والمعاصي والآجال ثمَّ كتب الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مقادير الْخلق فَأول مَا خلق الْقَلَم فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أكتب فَقَالَ اكْتُبْ ماهو كَائِن الى يَوْم الْقِيَامَة فَمَا أصَاب الانسان لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {ألم تَرَ أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} المجادلة وَقَالَ تَعَالَى {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} الْحَدِيد وَهَذَا التَّقْدِير التَّابِع لعلمه سُبْحَانَهُ يكون فِي مَوَاضِع جملَة وتفصيلا فقد كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَإِذا خلق جَسَد الْجَنِين قبل نفخ الرّوح بعث إِلَيْهِ ملك فيأمر بِأَرْبَع كَلِمَات فَيُقَال اكْتُبْ رزقة وأجله وَعَمله وشقي أَو سعيد وَأما الدرجَة الثَّانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 فَهُوَ مَشِيئَة الله تَعَالَى النافذة وَقدرته الشاملة وَهُوَ الْإِيمَان بِأَن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَنه مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض من حَرَكَة وَلَا سُكُون إِلَّا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى لَا يكون فِي ملكه مَا لَا يُريدهُ سُبْحَانَهُ وَأَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كل شَيْء قدير من الموجودات والمعدومات فَمَا من مَخْلُوق فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء الا الله سُبْحَانَهُ خالقه وَلَا خَالق غَيره وَلَا رب سواهُ وَقد امْر الْعباد بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُوله ونهاهم عَن مَعْصِيَته وَهُوَ سُبْحَانَهُ يحب الْمُتَّقِينَ والمحسنين والمقسطين ويرضى عَن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا يحب الْكَافرين وَلَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين وَلَا يَأْمر بالفحشاء وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَلَا يحب الْفساد والعباد فاعلون حَقِيقَة وَالله خَالق أفعالهم وَالْعَبْد هُوَ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالْمُصَلي وللعباد قدرَة على أَعْمَالهم وَإِرَادَة وَالله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كَمَا قَالَ {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} التكوير وَهَذِه الدرجَة من الْقدر يكذب بهَا عَامَّة الْقَدَرِيَّة الَّذين سماهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مجوس هَذِه الْأمة ويغلو فِيهَا قوم من أهل الْإِثْبَات حَتَّى يسلبوا العَبْد قدرته واختياره ويخرجونه عَن افعال الله وَحكمهَا ومصالحها قَوْله والجبر عِنْدهم الْمحَال الخ اعْلَم ان ائمة السّلف رَحمَه الله عَلَيْهِم أَنْكَرُوا الْجَبْر قَالَ الْخلال فِي كتاب السّنة الرَّد على الْقَدَرِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَقَوْلهمْ إِن الله أجبر الْعباد على الْمعاصِي ثمَّ رُوِيَ عَن عمر وَابْن عُثْمَان عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد قَالَ سَأَلت الزبيدِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ عَن الْجَبْر فَقَالَ الزبيدِيّ أَمر الله أعظم وَقدرته أعظم من ان يجْبر اَوْ يعضل وَلَكِن يقْضِي وَيقدر ويخلق ويجبل عَبده على مَا احب وَقَالَ الاوزاعي مَا أعرف للجبر أصلا من الْقُرْآن وَلَا السّنة فأهاب ان أَقُول ذَلِك وَلَكِن الْقَضَاء وَالْقدر والخلق والجبل فَهَذَا يعرف فِي الْقُرْآن والْحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا وضعت هَذَا مَخَافَة أَن يرتاب رجل من اهل الْجَمَاعَة والتصديق قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فهذان الجوابان اللَّذَان ذكرهمَا هَذَانِ الإمامان فِي عصر تَابِعِيّ التَّابِعين من احسن الْأَجْوِبَة أما الزبيدِيّ مُحَمَّد بن الْوَلِيد صَاحب الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ امْر الله اعظم وَقدرته اعظم من ان يجْبر اَوْ يعضل فنفى الْجَبْر وَذَلِكَ لِأَن الْجَبْر الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة هُوَ إِلْزَام الْإِنْسَان بِخِلَاف رِضَاهُ كَمَا يَقُول الْفُقَهَاء فِي بَاب النِّكَاح هَل تجبر الْمَرْأَة على النِّكَاح اَوْ لَا تجبر وَإِذا عضلها الْوَلِيّ مَاذَا تصنع فيعنون بجبرها إنكاحها بِدُونِ رِضَاهَا واختيارها ويعنون بعضلها منعهَا بِمَا ترضاه وتختاره فَقَالَ الله اعظم من ان يجْبر أَو يعضل لِأَن 2 الله سُبْحَانَهُ قَادر على ان يَجْعَل العَبْد مُخْتَارًا رَاضِيا لما يَفْعَله ومبغضا وكارها لما يتْركهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِع فَلَا يكون العَبْد مجبورا على مَا يُحِبهُ ويرضاه ويريده وَهِي أَفعاله الاختيارية وَلَا يكون معضولا عَمَّا يتْركهُ فَيبْغضهُ ويكرهه اَوْ لَا يُريدهُ وَهِي تروكه الاختيارية واما الاوزاعي فَإِنَّهُ منع من إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ وَإِن عَنى بِهِ هَذَا الْمَعْنى حَيْثُ لم يكن لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة فيفضي الى اطلاق لفظ مُبْتَدع ظَاهر فِي إِرَادَة الْبَاطِل وَذَلِكَ لَا يسوغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 فان قيل إِنَّه يُرَاد بِهِ معنى صَحِيح قَالَ الْخلال انا ابو بكر الْمَرْوذِيّ قَالَ سَمِعت بعض المشيخة يَقُول سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول أنكر سُفْيَان الثَّوْريّ الْجَبْر وَقَالَ الله جبل الْعباد وَقَالَ الْمَرْوذِيّ أَظُنهُ أَرَادَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأشج عبد الْقَيْس يَعْنِي قَوْله الَّذِي فِي صَحِيح مُسلم إِن فِيك لخلتين يحبهما الله الْحلم والأناة فَقَالَ أخلقين تخلقت بهما اَوْ خلقين جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ بل خلقين جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جبلني على خلقين يحبهما الله وَلِهَذَا احْتج البُخَارِيّ وَغَيره على خلق افعال الْعباد بقوله تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا} المعارج فَأخْبر أَنه خلق على هَذِه الصّفة وَاحْتج غَيره بقول الْخَلِيل {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} ابراهيم وَقَوله {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} الْبَقَرَة وَجَوَاب الْأَوْزَاعِيّ أقوم من جَوَاب الزبيدِيّ لِأَن الزبيدِيّ نفى الْجَبْر وَالْأَوْزَاعِيّ منع إِطْلَاقه إِذْ هَذَا اللَّفْظ قد يحْتَمل معنى صَحِيحا فنفيه قد يَقْتَضِي نفي الْحق وَالْبَاطِل كَمَا ذكر الْخلال مَا ذكره عبد الله بن احْمَد فِي كتاب السّنة فَقَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن بكار ثَنَا ابو معشر ثَنَا بن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ إِنَّمَا سمي الْجَبَّار لِأَنَّهُ يجْبر الْخلق على مَا أورد فَإِذا امْتنع من إِطْلَاق اللَّفْظ الْمُجْمل المشتبه زَالَ الْمَحْذُور وَكَانَ احسن من نَفْيه وَإِن كَانَ ظَاهرا فِي الْمَعْنى الْفَاسِد خشيَة ان يظنّ أَنه ينفى المعنين جَمِيعًا وَهَكَذَا يُقَال فِي نفي الطَّاقَة عَن الْمَأْمُور فَإِن إِثْبَات الْجَبْر فِي الْمَحْظُور نَظِير سلب الطَّاقَة فِي الْمَأْمُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَهَكَذَا كَانَ يَقُول الامام احْمَد وَغَيره من ائمة السّنة قَالَ الْخلال أنبا الْمَيْمُونِيّ قَالَ سَمِعت ابا عبد الله يَعْنِي احْمَد بن حَنْبَل يناظر خَالِد بن خرَاش يَعْنِي فِي الْقدر فَذكرُوا رجلا فَقَالَ عبد الله إِنَّمَا كره من هَذَا ان تَقول أجبر الله وَقَالَ أنبأ الْمَرْوذِيّ قلت لأبي عبد الله رجل يَقُول إِن الله أجبر الْعباد فَقَالَ هَكَذَا لَا نقُول وَأنكر هَذَا وَقَالَ يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء قَالَ أنبأ الْمَرْوذِيّ قَالَ كتب الى عبد الْوَهَّاب فِي امْر حسن بن خلف العكبري وَقَالَ إِنَّه تنزه عَن مِيرَاث أَبِيه فَقَالَ رجل قدري قَالَ إِن الله لم يجْبر الْعباد على الْمعاصِي فَرد عَلَيْهِ احْمَد بن رَجَاء فَقَالَ إِن الله جبر الْعباد على مَا أَرَادَ اراد بذلك إِثْبَات الْقدر فَوضع احْمَد بن عَليّ كتابا يحْتَج فِيهِ فأدخلته على أبي عبد الله فَأَخْبَرته بالقصة فَقَالَ وَيَضَع كتابا وَأنكر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا على ابْن رَجَاء حِين قَالَ جبر الْعباد وعَلى القدري حِين قَالَ يجْبر وانكر على أَحْمد ابْن عَليّ وَضعه الْكتاب واحتجاجه وَأمر بهجرانه لوضعه الْكتاب وَقَالَ لي يجب على ابْن رَجَاء ان يسْتَغْفر ربه لما قَالَ جبر الْعباد فَقلت لأبي عبد الله فَمَا الْجَواب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء قَالَ الْمَرْوذِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّه سمع أَبَا عبد الله لما أنكر على الَّذِي قَالَ لم يجْبر وعَلى من رد عَلَيْهِ جبر فَقَالَ أَبُو عبد الله كلما ابتدع رجل بِدعَة اتَّسع النَّاس فِي جوابها وَقَالَ يسْتَغْفر ربه الَّذِي رد عَلَيْهِم بمحدثة وَأنكر على من رد بِشَيْء من جنس الْكَلَام إِذا لم يكن لَهُ فِيهَا إِمَام تقدم قَالَ الْمَرْوذِيّ فَمَا كَانَ بأسرع من ان قدم احْمَد بن عَليّ عَن عكبر وَمَعَهُ مشيخة وَكتاب من اهل عكبر فأدخلت أَحْمد بن عَليّ على ابي عبد الله فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 يَا أَبَا عبد الله هُوَ ذَا الْكتاب ادفعه الى أبي بكر حَتَّى يقطعهُ وانا أقوم على مِنْبَر عبكر وَأَسْتَغْفِر الله عز وَجل فَقَالَ أَبُو عبد الله لي يَنْبَغِي أَن يقبلُوا مِنْهُ فَرَجَعُوا لَهُ وَقد بسطنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام فِي غير هَذَا الْموضع انْتهى كَلَام شيخ الاسلام قَوْله وَأشْهد عَلَيْهِم أَن ايمان الورى قَول وَفعل الخ هَذِه الْمَسْأَلَة من مسَائِل الْأُصُول الْكِبَار وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن الْإِيمَان تَصْدِيق بالجنان وَعمل بالأركان وَقَول بِاللِّسَانِ وَأَنه يزِيد وَينْقص وَذهب جهم والصالحي والأشعري فِي الْمَشْهُور من قوليه إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ تَصْدِيق الْقلب وَذَهَبت المرجئة إِلَى أَن الْإِيمَان هُوَ قَول اللِّسَان وتصديق الْقلب وَذَهَبت الكرامية إِلَى إِن الْإِيمَان هُوَ تَصْدِيق اللِّسَان فَقَط قَالَ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الام وَكَانَ الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من بعدهمْ وَمن أدركناهم يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان قَول وَعمل وَنِيَّة لَا تجزيء وَاحِدَة من الثَّلَاثَة الا بِالْأُخْرَى وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله وَلِهَذَا كَانَ القَوْل إِن الْإِيمَان قَول وَعمل عِنْد اهل السّنة وَمن شَعَائِر السّنة وروى أَبُو عمر الطلمنكي بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوف عَن مُوسَى بن هَارُون الْحمال قَالَ أمْلى علينا اسحاق بن رَاهَوَيْه أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص لَا شكّ أَن ذَلِك كَمَا وَصفنَا وَإِنَّمَا عقلنا هَذَا بالروايات الصَّحِيحَة والْآثَار الْعَامَّة المحكمة وأقوال أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالتَّابِعِينَ هَلُمَّ جرا على ذَلِك وَكَذَلِكَ بعد التَّابِعين من اهل الْعلم على شَيْء وَاحِد لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَكَذَلِكَ فِي عهد الاوزاعي بِالشَّام وسُفْيَان الثَّوْريّ بالعراق وَمَالك بن انس بالحجاز وَمعمر بِالْيمن على مَا فسرنا وَبينا أَن الايمان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَقَالَ اسحاق من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا حَتَّى ذهب وَقتهَا الظّهْر الى الْمغرب وَالْمغْرب الى نصف اللَّيْل فانه كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم يستاب ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن لم يرجع وَقَالَ تَركهَا كفرا ضربت عُنُقه يَعْنِي تَركهَا وَقَالَ ذَلِك وَأما اذا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ذَلِك فَهَذِهِ مَسْأَلَة اجْتِهَاد قَالَ واتبعهم على مَا وَصفنَا من بعدهمْ من عصرنا هَذَا أهل الْعلم إِلَّا من باين الْجَمَاعَة وَاتبع الاهواء الْمُخْتَلفَة فَأُولَئِك لَا يعبأ الله بهم لما باينوا الْجَمَاعَة قَوْله وَيزِيد بالطاعات قطعا الخ أَي أَن اهل السّنة والْحَدِيث على ان الايمان يتفاضل وجمهورهم يَقُول يزِيد وَينْقص وَمِنْهُم من يَقُول يزِيد وَلَا ينقص كَمَا رُوِيَ عَن مَالك فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من يَقُول يتفاضل كَعبد الله بن الْمُبَارك وَقد ثَبت لفظ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مِنْهُ عَن الصَّحَابَة وَلم يعرف فِيهِ مُخَالف مِنْهُم فروى النَّاس من وُجُوه كَثِيرَة مَشْهُورَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابي جَعْفَر عَن جده عُمَيْر بن حبيب وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص قيل لَهُ وَمَا زِيَادَته ونقصانه قَالَ إِذا ذكرنَا الله وحمدناه وسبحناه فَتلك زِيَادَته واذا غفلنا ونسينا فَتلك نقصانه وروى اسماعيل بن عَيَّاش عَن جرير بن عُثْمَان عَن الْحَارِث بن مُحَمَّد عَن ابي الدَّرْدَاء قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا يزِيد ثَنَا جرير بن عُثْمَان قَالَ سَمِعت أشياخنا أَو بعض اشياخنا ان ابا الدَّرْدَاء قَالَ من فقه العَبْد ان يتَعَاهَد إيمَانه وَمَا ينقص مِنْهُ وَمن فقه العَبْد ان يعلم أيزداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 إيمَانه ام ينقص وَإِن من فقه الرجل ان يعلم نزعات الشَّيْطَان أَنى تَأتيه وروى اسماعيل بن عَيَّاش عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الله بن ربيعَة الْحَضْرَمِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ الايمان يزِيد وَينْقص وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا يزِيد بن هَارُون ثَنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن زبيد عَن ذَر قَالَا كَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لأَصْحَابه هلموا نَزْدَدْ إِيمَانًا فَيذكرُونَ الله عز وَجل وَقَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب فِي حَدِيث عَليّ إِن الْإِيمَان يَبْدُو لمظة فِي الْقلب كلما ازْدَادَ الايمان ازدادت اللمظة وَرُوِيَ ذَلِك عَن عُثْمَان بن عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد الحملي عَن عَليّ قَالَ الْأَصْمَعِي اللحظة مثل النُّكْتَة اَوْ نَحْوهَا وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل ثَنَا وَكِيع عَن شريك عَن هِلَال عَن عبد الله ابْن عكيم قَالَ سَمِعت ابْن مَسْعُود يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وايقانا وفقها وروى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَامع بن شَدَّاد عَن سَواد بن هِلَال قَالَ كَانَ معَاذ بن جبل يَقُول للرجل اجْلِسْ بِنَا نؤمن سَاعَة نذْكر الله تَعَالَى وروى ابو الْيَمَان ثَنَا صَفْوَان عَن شُرَيْح بن عبيد ان عبد الله بن رَوَاحَة كَانَ يَأْخُذ بيد الرجل من اصحابه يَقُول قُم بِنَا نؤمن سَاعَة فنجلس فِي مجْلِس ذكر وَهَذِه الزِّيَادَة قد ذكرهَا الصَّحَابَة واثبتوها بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزول الْقُرْآن كُله وَصَحَّ عَن عمار بن يَاسر أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ فقد اسْتكْمل الايمان الانصاف من نَفسه والانفاق من الاقتار وبذل السَّلَام للْعَالم ذكره البُخَارِيّ عَنهُ فِي صَحِيحه وَقَالَ جُنْدُب بن عبد الله وَابْن عمر وَغَيرهمَا تعلمنا الْإِيمَان تعلمنا الْقُرْآن فازددنا إِيمَانًا والْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة رَوَاهَا المصنفون فِي هَذَا الْبَاب عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي كتب كَثِيرَة مَعْرُوفَة وَقَالَ الْحَافِظ ابو عمر بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد أجمع أهل الْفِقْه والْحَدِيث على ان الايمان قَول وَعمل وَلَا عمل إِلَّا بنية والايمان عِنْدهم يزِيد بالطاعات وَينْقص بالمعصية الطَّاعَات كلهَا عِنْدهم إِيمَان إِلَّا مَا ذكر عَن ابي حنيفَة وَأَصْحَابه فَإِنَّهُم ذَهَبُوا الى ان الطَّاعَات لَا تسمى إِيمَانًا قَالُوا إِنَّمَا الايمان التَّصْدِيق والاقرار وَمِنْهُم من زَاد الْمعرفَة وَذكر مَا احْتَجُّوا بِهِ إِلَى أَن قَالَ وَأما 6 سَائِر الْفُقَهَاء من اهل الرَّأْي والْآثَار بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام ومصر مِنْهُم مَالك بن انس وَاللَّيْث بن سعد وسُفْيَان الثَّوْريّ والاوزاعي وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ بن حَنْبَل واسحاق بن رَاهَوَيْه وابو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَدَاوُد بن عَليّ والطبري وَمن سلك سبيلهم فَقَالُوا الايمان قَول وَعمل قَول بِاللِّسَانِ وَهُوَ الْإِقْرَار واعتقاد بِالْقَلْبِ وَعمل بالجوارح مَعَ الاخلاص بِالنِّيَّةِ الصادقة قَالُوا وكل مَا يطاع الله عز وَجل بِهِ من فَرِيضَة ونافلة فَهُوَ من الايمان والايمان يزِيد بالطاعات وَينْقص بِالْمَعَاصِي واهل الذُّنُوب عِنْدهم مُؤمنُونَ غير مستكملي الْإِيمَان من اجل ذنوبهم وَإِنَّمَا صَارُوا ناقصي الْأَيْمَان بارتكابهم الْكَبَائِر الا ترى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن الحَدِيث يُرِيد مُسْتَكْمل الايمان وَلم يرد بِهِ نفي جَمِيع الايمان عَن فَاعل ذَلِك بِدَلِيل الاجماع على تَوْرِيث الزَّانِي وَالسَّارِق والشارب للخمر إِذا صلوا الى الْقبْلَة وانتحلوا دَعْوَة الاسلام من قراباتهم الْمُؤمنِينَ الَّذين لَيْسُوا بِتِلْكَ الْأَحْوَال وَاحْتَجُّوا على ذَلِك ثمَّ قَالَ وَأكْثر أَصْحَاب مَالك قَالُوا إِن الْإِيمَان والاسلام شَيْء وَاحِد قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَأما قَول الْمُعْتَزلَة فالايمان عِنْدهم جماع الطَّاعَات وَمن قصر عَن شَيْء مِنْهَا فَهُوَ فَاسق لَا مُؤمن وَلَا كَافِر وَهَؤُلَاء هم الْمُحَقِّقُونَ بالاعتزال اصحاب الْمنزلَة بَين المنزلتين الى ان قَالَ وعَلى ان الايمان يزِيد وَينْقص يزِيد بِالطَّاعَةِ وَينْقص بالمعصية جمَاعَة أهل الاثر وَالْفُقَهَاء من اهل الْفتيا فِي فِي الامصار وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك ان الايمان يزِيد وَتوقف فِي نقصانه وروى عَنهُ عبد الرَّزَّاق ومعن بن عِيسَى وَابْن نَافِع انه يزِيد وَينْقص وعَلى هَذَا مَذْهَب الْجَمَاعَة من اهل الحَدِيث وَالْحَمْد لله ثمَّ ذكر حجج المرجئة ثمَّ حجج اهل السّنة ورد على الْخَوَارِج التَّكْفِير بالحدود الْمَذْكُورَة للعصاة فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَنَحْو ذَلِك وبالموراثة وَبِحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت من اصاب ذَلِك شَيْئا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَقَالَ الايمان مَرَاتِب بَعْضهَا فَوق بعض فَلَيْسَ نَاقص الايمان ككامل الايمان قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} الى قَوْله 6 {أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} الْأَنْفَال وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن من أَمنه النَّاس من الْمُسلم سلم النَّاس من لِسَانه وَيَده أَي حَقًا وَمن هَذَا قَوْله أكمل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا وَمَعْلُوم ان هَذَا لَا يكون أكمل حَتَّى يكون غَيره أنقص وَقَوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 أوثق عرى الايمان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وَقَوله لاايمان لمن لَا امانة لَهُ يدل على ان بعض الايمان أوثق وأكمل من بعض وَذكر الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره من أحب لله وَأبْغض لله الحَدِيث وَكَذَلِكَ ذكر لأبو عمر الطلمنكي إِجْمَاع أهل السّنة على أَن الايمان قَول وَعمل وَنِيَّة واصابة السّنة وَمن حجج الْجَهْمِية على أَن الْأَعْمَال لَيست من الْأَيْمَان أَنهم قَالُوا ان الْقرَان نفى الايمان عَن غير هَؤُلَاءِ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} الْأَنْفَال الايات وَلم يقل ان هَذِه الْأَعْمَال من الْإِيمَان قَالُوا فَنحْن نقُول من لم يعْمل هَذِه الْأَعْمَال لم يكن مُؤمنا لِأَن انتفاءها دَلِيل على انْتِفَاء الْعلم من قلبه وَالْجَوَاب عَن هَذَا من وُجُوه أَحدهَا أَنهم سلمُوا أَن هَذِه الْأَعْمَال لَازِمَة لايمان الْقلب فَإِذا انْتَفَت لم يبْق فِي الْقلب ايمان وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب وَبعد هَذَا فكونها لَازِمَة أَو جُزْء نزاع لَفْظِي وَالثَّانِي أَن نصوصا صرحت بِأَنَّهَا جُزْء كَقَوْلِه الايمان بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة أَو سِتّ وَسَبْعُونَ شُعْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 الثَّالِث أَنكُمْ أَن قُلْتُمْ بِأَن من انْتَفَى عَنهُ هَذِه الْأُمُور فَهُوَ كَافِر خَال من كل ايمان كَانَ قَوْلكُم قَول الْخَوَارِج وانتم فِي طرف والخوارج فِي طرف فَكيف توافقونهم فِي هَذِه الْأُمُور وَمن هَذِه الْأُمُور إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَالْحج وَالْجهَاد والإجابة الى حكم الله وَرَسُوله وَغير ذَلِك مِمَّا لَا تكفرون تَارِك وان كفرتموه كَانَ قَوْلكُم قَول الْخَوَارِج الرَّابِع ان قَول الْقَائِل إِن انْتِفَاء بعض هَذِه الْأَعْمَال يسْتَلْزم أَن لَا يكون فِي قلب الانسان شَيْء من التَّصْدِيق بِأَن الرب حق قَول يعلم فَسَاده بالاضطرار الْخَامِس أَن هَذَا إِذا ثَبت فِي سَائِر الْوَاجِبَات فيرتفع النزاع الْمَعْنَوِيّ وَمن حججهم الْعَقْلِيَّة أَيْضا أَن الشَّيْء الْمركب إِذا زَالَ بعض أَجْزَائِهِ لزم زَوَاله كُله وَلِهَذَا لما صنف الْفَخر الرَّازِيّ مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي ذكر قَوْله فِي الايمان وَقَول الشَّافِعِي قَول الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقد ذكر الشَّافِعِي أَنه احماع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فاستشكل الرَّازِيّ قَول الشَّافِعِي جدا لِأَنَّهُ كَانَ قد انْعَقَد فِي نَفسه شُبْهَة أهل الْبدع فِي الايمان من الْخَوَارِج والمعتزلة والجهمية والكرامية وَسَائِر المرجئة وَهُوَ أَن الشَّيْء الْمركب إِذا زَالَ بعض أَجْزَائِهِ لزم زَوَاله كُله لَكِن هُوَ لم يذكر الا ظَاهر شبهتهم قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله وَالْجَوَاب عَمَّا ذكره هُوَ سهل فانه يسلم لَهُ ان الْهَيْئَة الاجتماعية لم تبْق مجتمعة كَمَا كَانَت لَكِن لَا يلْزم من زَوَال بَعْضهَا زَوَال سَائِر الاجزاء وَالشَّافِعِيّ مَعَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَسَائِر السّلف يَقُولُونَ إِن الذَّنب يقْدَح فِي كَمَال الايمان وَلِهَذَا نفى الشَّارِع الايمان عَن هَؤُلَاءِ فَلذَلِك الْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ الايمان لم يبْق مجموعا مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 الذُّنُوب لَكِن يَقُولُونَ بَقِي بعضه إِمَّا أَصله وَأَكْثَره وَأما غير ذَلِك فَيَعُود الْكَلَام إِلَى أَنه يذهب بعضه وَيبقى بعضه وَلِهَذَا كَانَت المرجئة تنفر من لفظ النَّقْص اعظم من نفرتها من لفظ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ إِذا نقص لزم ذَهَابه كُله عِنْدهم إِن كَانَ مُتَعَددًا متبعضا عِنْد من يَقُول بذلك وهم الْخَوَارِج والمعتزلة وَأما الْجَهْمِية فَهُوَ وَاحِد عِنْدهم لَا يقبل التَّعَدُّد فيثبتون وَاحِدًا لَا حَقِيقَة لَهُ كَمَا قَالُوا مثل ذَلِك فِي وحدانية الرب ووحدانية صِفَاته عِنْد من أثبتها مِنْهُم وَمن الْعجب ان الاصل الَّذِي اوقعهم فِي هَذَا الِاعْتِقَاد اعْتِقَادهم أَنه لَا يجْتَمع فِي الانسان بعض الايمان وَبَعض الْكفْر اَوْ مَا هُوَ ايمان وَمَا هُوَ كفر واعتقدوا ان هَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمُسلمين كَمَا ذكر ذَلِك ابو الْحسن وَغَيره فلأجل اعْتِقَادهم هَذَا الاجماع وَقَعُوا فِيمَا هُوَ مُخَالف للاجماع الْحَقِيقِيّ اجماع السّلف الَّذِي ذكر غير وَاحِد من الائمة بل وَصرح غير وَاحِد مِنْهُم بِكفْر من قَالَ بقول جهم فِي الايمان انْتهى الْمَقْصُود من كَلَامه وَقد بسط رَحمَه الله الْكَلَام فِي الايمان وَكَلَام النَّاس فِيهِ وَمَا لَهُم وَعَلَيْهِم فِي كتاب الايمان الْكَبِير فَمن اراد ذَلِك فليراجعه وَالله اعْلَم قَوْله الْعمرَان يَعْنِي ابا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَهَذَا من بَاب التغليب كَمَا قَالُوا سيرة العمرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 فصل فِي عهود المثبين مَعَ رب الْعَالمين ... يَا نَاصِر الاسلام وَالسّنَن الَّتِي ... جَاءَت عَن الْمَبْعُوث بالفرقان ... يَا من هُوَ الْحق الْمُبين وَقَوله ... ولقاؤه وَرَسُوله بِبَيَان اشرح لدينك صدر كل موحد ... شرحا ينَال بِهِ ذرى الايمان واجعله مؤتما بوحيك لَا بِمَا ... قد قَالَه ذُو الافك والبهتان وانصر بِهِ حزب الْهدى واكتب بِهِ ... حزب الضلال وشيعة الشَّيْطَان وانعش بِهِ من قَصده إحياؤه ... واعصمه من كيد امْرِئ فتان وَاضْرِبْ بحقك عنق اهل الزيغ والتبديل والتكذيب والطغيان ... فوحق نِعْمَتك الَّتِي أوليتني ... وَجعلت قلبِي واعي الْقُرْآن ... وكتبت فِي قلبِي مُتَابعَة الْهدى ... فَقَرَأت فِيهِ أسطر الايمان ونشلتني من حب أَصْحَاب الْهوى ... بحبائل من مُحكم الْفرْقَان وَجعلت شربي المنهل العذب الَّذِي ... هُوَ رَأس مَاء الْوَارِد الظمآن وعصمتني من شرب سفل المَاء تَحت نَجَاسَة الآراء والأذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 .. وحفظتني مِمَّا ابْتليت بِهِ الألى ... حكمُوا عَلَيْك بشرعة الْبُهْتَان ... نبذوا كتابك من وَرَاء ظُهُورهمْ ... وتمسكوا بزخارف الهذيان وأريتني الْبدع المضلة كَيفَ يلقيها مزخرفة الى الانسان ... شَيْطَانه فيظل ينقشها لَهُ ... نقش الْمُشبه صُورَة بدهان فيظنها الْمَغْرُور حَقًا وَهِي فِي التَّحْقِيق مثل الْآل فِي القيعان ... لأجاهدن عداك مَا أبقيتني ... ولأجعلن قِتَالهمْ ديداني ... ولأفضحن على روس الملا ... ولأفرين أديمهم بِلِسَان ولأكشفن سرائرا خفيت على ... ضعفاء خلقك مِنْهُم بِبَيَان ولأتبعنهم الى حَيْثُ انْتَهوا ... حَتَّى يُقَال أبعد عبادان ... عبادان بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِيه الْمثل الْمَعْرُوف لَيْسَ وَرَاء عبادان قَرْيَة فِي الْقَامُوس عبادان جَزِيرَة احاط بهَا شعبتا دجلة ساكبتين فِي بَحر فَارس انْتهى ... ولأرجمنهم بأعلام الْهدى ... رجم المريد بثاقب الشهبان ولأقعدن لَهُم مراصد كيدهم ... ولأحصرنهم بِكُل مَكَان ولأجعلن لحومهم ودماءهم فِي يَوْم نصرك أعظم القربان ... ولأحملن عَلَيْهِم بعساكر لَيْسَ تَفِر إِذا التقى الزحفان بعساكر الْوَجْهَيْنِ والفطرات والمعقول وَالْمَنْقُول بالاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 .. حَتَّى يبين لمن لَهُ عقل من الأولى بِحكم الْعقل والبرهان ... ولأنصحن الله ثمَّ رَسُوله ... وَكتابه وَشَرَائِع الايمان إِن شَاءَ رَبِّي ذَا يكون بحوله ... أَو لم يَشَأْ فَالْأَمْر للرحمن ... قَوْله نقش الْمُشبه صُورَة بدهان الْمُشبه المصور أَي كَمَا ينقش المصور الصُّور المنقوشة فِي الْحِيطَان بالدهانات من احمر وأخضر وأصفر وَنَحْو ذَلِك قَالَ فِي الْقَامُوس النقش تلوين الشئ بلونين اَوْ ألوان كالتنقيش انْتهى قَوْله الْآل هُوَ السراب قَوْله القيعان قَالَ فِي الْقَامُوس القاع أَرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عَنْهَا الْجبَال والآكام جمع قيع وقيعة وقيعان بكسرهن وأقواع وأقوع انْتهى قَوْله ولأفرين قَالَ فِي الْقَامُوس فراه يفريه شقَّه فَاسِدا اَوْ صَالحا كفراه وأفراء انْتهى يُقَال فلَان يفري الفرى أَي يعْمل الْعَمَل الْبَالِغ قَوْله المريد مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة فَهُوَ مارد ومريد ومتمرد قَامُوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 فصل فِي شَهَادَة أهل الاثبات على اهل التعطيل انه لَيْسَ فِي السَّمَاء إِلَه يعبد وَلَا لله بَيْننَا كَلَام وَلَا فِي الْقَبْر رَسُول الله ... أَنا تحملنا الشَّهَادَة بِالَّذِي ... قُلْتُمْ نؤديها لَدَى الرَّحْمَن مَا عنْدكُمْ فِي الأَرْض قُرْآن كلا ... م الله حَقًا يَا أولي الْعدوان كلا وَلَا فَوق السَّمَاوَات العلى ... رب يطاع بِوَاجِب الشكران كلا وَلَا فِي الْقَبْر أَيْضا عنْدكُمْ ... من مُرْسل وَالله عِنْد لِسَان هاتيك عورات ثَلَاث قد بَدَت ... مِنْكُم فغطوها بِلَا روغان فالروح عنْدكُمْ من الاعراض قا ... ئمة بجسم الْحَيّ كالألوان وَكَذَا صِفَات الْحَيّ قَائِمَة بِهِ ... مَشْرُوطَة بحياة ذِي الجثمان فاذا انْتَفَت تِلْكَ الْحَيَاة فَيَنْتَفِي ... مشروطها بِالْعقلِ والبرهان ورسالة الْمَبْعُوث مَشْرُوط بهَا ... كصفاته بِالْعلمِ والايمان فاذا انْتَفَت تِلْكَ الْحَيَاة فَكل مَشْرُوط بهَا عدم لَدَى الاذهان ... أَقُول رَأَيْت فِي كتاب القَوْل الْمُفِيد فِي مدح النّظر وذم التَّقْلِيد لبَعض الشَّافِعِيَّة ونقلته من خطّ مُصَنفه قَالَ قَالَ ابْن حزم فِي كتاب الْملَل والنحل عَن الشَّيْخ ابي الْحسن الاشعري انه يعْتَقد إِذا حَاضَت الْجَارِيَة اَوْ بلغ الْغُلَام وَنبت شعر عانته وَلم يعرف الله بِالدَّلِيلِ والبرهان فَكل مِنْهُمَا كَافِر حَلَال الدَّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 هَذَا قَوْله عَنهُ فِي هَذَا الْكتاب وَهَذَا القَوْل فِي غَايَة البشاعة وَمَا رَأَيْت هَذَا فِي كَلَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَقد يكون ابو مُحَمَّد اطلع على مالم اطلع انا عَلَيْهِ فانه لَا يشك اُحْدُ فِي فضيلته وَكَثْرَة علمه وانما كَانَ فِيهِ حط على الْعلمَاء خُصُوصا الْأَشْعَرِيّ فانه ذكر عَنهُ انه كَانَ يعْتَقد ان الرّوح عرض وان الانسان إِذا مَاتَ لم يبْق لَهُ وجود وسفه ابْن حزم هَذَا الرَّأْي وَقَالَ انه يلْزم مِنْهُ خطأ كثير وَإِن سَائِر الأكابر من الْخلق من الانبياء والأولياء إِذا قَالَ اُحْدُ صلى الله عَلَيْهِم اَوْ رَحِمهم الله كَانَ الْكَلَام فَاسِدا لَا طائل فِيهِ لأَنهم لَيْسُوا موجودين فَيكون كل الْخلق مُجْمِعِينَ على الْبَاطِل وَهَذَا الْكَلَام مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَاسْتشْهدَ على تزييف هَذَا القَوْل بآيَات من الْكتاب الْعَزِيز وَأَحَادِيث صَحِيحَة من السّنة وَأما آيَات الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} آل عمرَان وَلَا شكّ ان ابدانهم موتى مُشَاهدَة بالحس فَالْكَلَام عَن أَرْوَاحهم قَالَ تَعَالَى عَن آل فِرْعَوْن {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} غَافِر وَلَا شكّ ان اجسادهم غرقى موَات وَأكل أَكْثَرهم السّمك وفنوا فَهُوَ عَن أَرْوَاحهم وَمَتى قَالَ قَائِل إِن الْموَات الجماد اَوْ الفاني يدْرك اَوْ يحس كَانَ هَذَا الْكَلَام سفسطة وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي السّنة الشَّرِيفَة من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وقف على قليب بدر وَفِيه جثث الْمُشْركين يَا أَبَا جهل بن هِشَام يَا عتبَة وَرَبِيعَة ابْني شيبَة يَا فلَان يَا فلَان قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وَعدكُم حَقًا قَالُوا يَا رَسُول الله أتخاطب الجمادات قَالَ إِنَّهُم لأسْمع مِنْكُم وَلَكِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 لَا يَسْتَطِيعُونَ الْكَلَام وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لأرواحهم وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض خطبه حَتَّى إِذا حمل الْمَيِّت على نعشه رَفْرَف روحه فَوق النعش يَقُول يَا أَهلِي وَيَا وَلَدي لَا تلعبن بكم الدُّنْيَا كَمَا لعبت بِي جمعت المَال من حلّه وَمن غير حلّه فالمهنأة لغيري والتبعة عَليّ فأحذروا مَا حل بِي فَهَذَا قَول الرّوح والجسد ميت فَوق النعش فَلَو كَانَت الرّوح عرضا لعدمت عِنْد عدم الْجِسْم فان الْعرض يبطل بِبُطْلَان الْحَامِل لَهُ وَهُوَ الْجِسْم فَمَتَى كَانَ يرفرف وَيتَكَلَّم بذلك الْكَلَام والجسم ميت قَالَ صَاحب القَوْل الْمُفِيد اقول وَمِمَّا يشد كَلَام ابْن حزم انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بالأنبياء لَيْلَة الاسراء فَلَا يَخْلُو إِمَّا ان يكون صلى بأرواحهم اَوْ بادانهم لَا جَائِز ان يكون بأبدانهم فَإِن الْأَبدَان موتى مدفونين بِالْأَرْضِ فَبَقيَ ان يكون بأرواحهم وان كَانَ يَقُول إِن الله احياهم على طَرِيق المعجزة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَنَقُول إِمَّا ان يكون استمروا احياء اَوْ عَادوا مَاتُوا لَا يحوز القَوْل بموتهم لقَوْله تَعَالَى عَن اهل السَّعَادَة {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} الدُّخان فَكيف يُمكن ان يَمُوت من وصل بهم اهل السَّعَادَة الى مرتبَة السَّعَادَة مرَّتَيْنِ وَغَيرهم مرّة وَاحِدَة هَذَا فَاسد وَلَا يَصح استمرارهم احياء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انا اول من تَنْشَق عَنهُ الارض وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام انا اول النَّاس بعثا يَوْم الْقِيَامَة فَمَا بَقِي الا ان يكون صلى بارواحهم والاشعري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 لَا يَقُول بالأرواح على مَا ذكره عَنهُ ابْن حزم وَأَنَّهَا عرض وَالْعرض يفنى عَنهُ فَسَاد الْأَجْسَام فان الْعرض وجوده بِوُجُود الْجِسْم فاذا فسد الْحَامِل فسد الْمَحْمُول انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الجيوش الاسلامية وَهَذَا القَوْل فِي النُّبُوَّة بِنَاء على أصل الْجَهْمِية وأفراخهم ان الرّوح عرض من أَعْرَاض الْبدن كالحياة وصفات الْحَيّ مَشْرُوطَة بهَا فاذا زَالَت بِالْمَوْتِ تبعها صِفَاته فَزَالَتْ بزوالها وَنَجَا متأخروهم من هَذَا الالزام وفروا الى القَوْل بحياة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي قُبُورهم فَجعلُوا لَهُم معادا يخْتَص بهم قبل الْمعَاد الْأَكْبَر إِذْ لم يُمكنهُم التَّصْرِيح بِأَنَّهُم لم يَذُوقُوا الْمَوْت وَقد أشبعنا الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وَاسْتِيفَاء الْحجَج لَهُم وَبَيَان مَا فِي ذَلِك فِي كتاب الكافية الشَّافِعِيَّة انْتهى وَنقل الْحَافِظ ابو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن رَجَب فِي طَبَقَات الْحَنَابِلَة تَرْجَمَة الشَّيْخ ابي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ أَنه قَالَ يَوْمًا على الْمِنْبَر اهل الْبدع تَقول مَا فِي السَّمَاء اُحْدُ وَلَا فِي الْمُصحف قُرْآن وَلَا فِي الْقَبْر نَبِي ثَلَاث عورات لكم وَنقل الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي تَرْجَمَة الامام شيخ الاسلام عبد الله ابْن مُحَمَّد الانصاري الْحَنْبَلِيّ عَن مُحَمَّد بن طَاهِر قَالَ سَمِعت احْمَد بن اميرجه القلانسي خَادِم الْأنْصَارِيّ يَقُول حضرت مَعَ الشَّيْخ للسلام على الْوَزير الطوسي وَكَانَ أَصْحَابه كلفوه الْخُرُوج اليه وَذَلِكَ بعد المحنة ورجوعه من بَلخ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ اكرمه وأجله وَكَانَ فِي الْعَسْكَر أَئِمَّة من الْفَرِيقَيْنِ فِي ذَلِك الْيَوْم وَقد علمُوا انه يحضر فاتفقوا جَمِيعًا على ان يسألوه عَن مَسْأَلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 بَين يَدي الْوَزير فان اجاب بِمَا يُجيب بِهِ ب هراة سقط من عين الْوَزير وَإِن لم يجب سقط من عُيُون أَصْحَابه وَأهل مذْهبه فَلَمَّا دخل وَاسْتقر بِهِ الْمجْلس انتدب لَهُ رجل من أَصْحَاب الشَّافِعِي يعرف بالعلوي الدبوسي فَقَالَ يَأْذَن الشَّيْخ الامام ان أسأَل مَسْأَلَة فَقَالَ سل فَقَالَ لم تلعن فلَانا فَسكت وأطرق الْوَزير لما علم من جَوَابه فَلَمَّا كَانَ بعد سَاعَة قَالَ لَهُ الْوَزير أجبه فَقَالَ لَا أعرف فلَانا وانما الْعَن من لم يعْتَقد أَن الله عز وَجل فِي السَّمَاء وان الْقُرْآن فِي الْمُصحف وان النَّبِي الْيَوْم نَبِي ثمَّ قَامَ وَانْصَرف فَلم يُمكن احدا ان يتَكَلَّم بِكَلِمَة من هيبته وصلابته وصولته فَقَالَ الْوَزير للسَّائِل وَمن مَعَه هَذَا أردتم كُنَّا نسْمع انه يذكر هَذَا ب هراة فاجتهدتم ثمَّ حَتَّى سمعناه بآذاننا وَمَا عَسى ان افْعَل بِهِ ثمَّ بعث خَلفه وصلَة فَلم يقبلهَا وَخرج من فَور الى هراة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي الْكَلَام فِي حَيَاة الانبياء فِي قُبُورهم ... وَلأَجل هَذَا رام نَاصِر قَوْلكُم ... ترقيعه يَا كَثْرَة الخلقان ... قَالَ الرَّسُول بقبره حَيّ كَمَا ... قد كَانَ فَوق الارض والرجمان من فَوْقه أطباق ذَاك التُّرَاب واللبنات قد عرضت على الجدران ... لَو كَانَ حَيا فِي الضريح حَيَاته ... قبل الْمَمَات بِغَيْر مَا فرقان ... مَا كَانَ تَحت الأَرْض بل من فَوْقهَا ... وَالله هذي سنة الرَّحْمَن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 أتراه تَحت الارض حَيا ثمَّ لَا ... يفتيهم بشرائع الايمان ... ويريح امته من الآراء وَالْخلف الْعَظِيم وَسَائِر الْبُهْتَان ام كَانَ حَيا عَاجِزا عَن نطقه ... وَعَن الْجَواب لسائل لهفان وَعَن الحراك فَمَا الْحَيَاة اللات قد ... أثبتموها أوضحُوا بِبَيَان ... لما ذكر النَّاظِم قَول الْقَائِلين بِأَن الرّوح عرض وَالْعرض لَا يقوم بِنَفسِهِ بل لَا يقوم إِلَّا بِغَيْرِهِ كالألوان أَي كَمَا ان الالوان الَّتِي هِيَ الْأَعْرَاض كالحمرة والصفرة والخضرة وَنَحْوهَا لَا تقوم الا بجسم فاذا كَانَت الرّوح عرضا لَا تقوم بغَيْرهَا وَفَارَقت الْجِسْم بطلت صِفَات الْجِسْم والرسالة صفة للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيلزمهم ان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما مَاتَ انْتَفَت صفة الرسَالَة فَلَمَّا رَأَوْا شناعة هَذَا اللَّازِم فروا إِلَى القَوْل بِأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ فِي قَبره حكياته على وَجه الأَرْض وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم وَلأَجل هَذَا رام نَاصِر قَوْلكُم ترقيعه الخ فاحتج النَّاظِم عَلَيْهِم بِأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ حَيا فِي الضريح كحياته قبل الْموَات فَأَي حَاجَة إِلَى دَفنه بل يكون فَوق الارض وَهَذِه سنة الله فِي الْأَحْيَاء وَكَيف يكون حَيا تَحت الارض كحياته على وَجههَا ثمَّ لَا يُفْتِي أَصْحَابه بالشرائع وَلَا يرِيح امته من الآراء والاختلافات الْعَظِيمَة الَّتِي حدثت بعده فان كَانَ عَاجِزا عَن النُّطْق وَالْجَوَاب وَالْحَرَكَة فَمَا الْحَيَاة الَّتِي اثبتموها قَوْله الرجمان هُوَ جمع رجم بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْقَبْر قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَلم لَا جَاءَهُ أَصْحَابه ... يَشكونَ بَأْس الْفَاجِر الفتان إِذْ كَانَ ذَلِك دأبهم ونبيهم ... حَيّ يشاهدهم شُهُود عيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 .. هَل جَاءَكُم أثر بِأَن صحابه ... سَأَلُوهُ فتيا وَهُوَ فِي الأكون فأجابهم بِجَوَاب حَيّ نَاطِق ... وَأتوا إِذا بِالْحَقِّ والبرهان هلا أجابهم جَوَابا شافيا ... إِن كَانَ حَيا ناطقا بِلِسَان هَذَا وَمَا شدت ركائبه عَن الحجرات للقاصي من الْبلدَانِ ... مَعَ شدَّة الْحِرْص الْعَظِيم لَهُ على ... إرشادهم بطرائق التِّبْيَان ... أتراه يشْهد رَأْيهمْ وخلافهم ... وَيكون للتبيان ذَا كتمان ... أَي اذا كَانَ حَيا فِي قَبره كحياته على وَجه الارض فَلم لم يشك اصحابه إِلَيْهِ باس الْفَاجِر الفتان يُشِير إِلَى وقْعَة الْحرَّة لما قَاتلهم مُسلم بن عقبَة المري وَقتل من اهل الْمَدِينَة من شَاءَ الله واستباح الْمَدِينَة المنورة ثَلَاثَة أَيَّام وَذَلِكَ بِأَمْر الْفَاجِر الفتان يزِيد بن مُعَاوِيَة قَوْله إِذا كَانَ ذَاك دأبهم ونبيهم حَيّ يشاهدهم الخ أَي ان هَذَا دأبهم فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهُم كَانُوا يَشكونَ اليه كَمَا كَانُوا يَشكونَ اليه إِذا نزل بهم الْقَحْط وَغير ذَلِك قَوْله هَل جَاءَكُم أثر بِأَن صحابه الخ أَي هَل جَاءَكُم أثر بِأَن اصحابه استفتوه بعد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأجابهم بِجَوَاب حَيّ نَاطِق وَهُوَ عِنْدهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا مَعَ شدَّة حرصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إرشادهم كَمَا نَعته الله عز وَجل بقوله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} الْآيَة التَّوْبَة فَهَل يجوز ان يُقَال بِأَنَّهُ يُشَاهد اخْتلَافهمْ ويكتم التِّبْيَان حاشاه من ذَلِك قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... إِن قُلْتُمْ سبق الْبَيَان صَدقْتُمْ ... قد كَانَ بالتكرار ذَا إِحْسَان هَذَا وَكم من أَمر اشكل بعده ... أَعنِي على عُلَمَاء كل زمَان اَوْ مَا ترى الْفَارُوق ود بِأَنَّهُ ... قد كَانَ مِنْهُ الْعَهْد ذَا تبيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 .. بالجد فِي مِيرَاثه وكلالة ... وببعض أَبْوَاب الربى الفتان قد قصر الْفَارُوق عِنْد فريقكم ... إِذْ لم يَسلهُ وَهُوَ فِي الأكفان أَترَاهُم يأْتونَ حول ضريحه ... لسؤال امهم اعز حصان ونبيهم حَيّ يشاهدهم وَيسْمعهُمْ وَلَا يَأْتِي لَهُم بِبَيَان ... أَفَكَانَ يعجز ان يُجيب بقوله ... إِن كَانَ حَيا دَاخل الْبُنيان يَا قَومنَا اسْتَحْيوا من الْعُقَلَاء والمبعوث بِالْقُرْآنِ والرحمن ... وَالله لَا قدر الرَّسُول عَرَفْتُمْ ... كلا وَلَا للنَّفس والانسان ... من كَانَ هَذَا الْقدر مبلغ علمه ... فليستتر بِالصَّمْتِ والكتمان وَلَقَد أبان الله أَن رَسُوله ... ميت كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن أفجاء أَن الله باعثه لنا فِي الْقَبْر قبل قِيَامَة الْأَبدَان ... أَثلَاث موتات تكون لرسله ... ولغيرهم من خلقه موتان ... إِذْ عِنْد نفخ الصُّور لَا يبْقى امْرُؤ ... فِي الأَرْض حَيا قطّ بالبرهان أفهل يَمُوت الرُّسُل أم يبقوا أذا ... مَاتَ الورى ام هَل لكم قَولَانِ فتكلموا بِالْعلمِ لَا الدَّعْوَى وجيؤوا بِالدَّلِيلِ فَنحْن ذُو أذهان ... اَوْ لم يقل من قبلكُمْ للرافعي الْأَصْوَات حول الْقَبْر بالنكران لَا تَرفعُوا الْأَصْوَات حُرْمَة عَبده ... مَيتا كحرمته لَدَى الْحَيَوَان ... قد كَانَ يُمكنهُم يَقُولُوا إِنَّه ... حَيّ فغضوا الصَّوْت بِالْإِحْسَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 .. لكِنهمْ بِاللَّه أعلم مِنْكُم ... وَرَسُوله وحقائق الايمان ... وَلَقَد أَتَوا يَوْمًا الى الْعَبَّاس يستسقون من قحط وجدب زمَان هَذَا وَبينهمْ وَبَين نَبِيّهم ... عرض الْجِدَار وحجرة النسوان فنبيهم حَيّ ويستسقون غير نَبِيّهم حاشا أولي الْإِيمَان ... يَقُول النَّاظِم إِن قُلْتُمْ سبق الْبَيَان من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا صَدقْتُمْ لَكِن يحسن تكْرَار الْبَيَان لَا سِيمَا لما وَقعت تِلْكَ الْحَوَادِث المهمة والبدع المدلهمة فيرشدهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى الصَّوَاب ويريحهم من تِلْكَ الْفِتَن الشَّدِيدَة الالتهاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكم أشكل بعده من الْأُمُور وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ ثَلَاث وددت أَنِّي سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُن الْجد والكلالة وأبواب من الرِّبَا فعلى هَذَا قد قصر الْفَارُوق رَضِي الله عنْدكُمْ فلسان حالكم يَقُول قصرت يَا عمر هلا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ هُوَ عنْدك حَيّ فَهُوَ يجيبك قَوْله أَترَاهُم يأْتونَ حول ضريحه لسؤال أمّهم الخ أَترَاهُم بِضَم التَّاء أَي أتظنهم يأْتونَ الى امهم عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يسألونها ونبيهم حَيّ يشاهدهم وَيسْمعهُمْ ثمَّ لَا يسألونه وَلَا يبين لَهُم مَا أشكل عَلَيْهِم هَذَا محَال من اعظم المحالات وَلِهَذَا قَالَ يَا قَومنَا اسْتَحْيوا من الْعُقَلَاء فانكم لم تعرفوا قدر الرَّسُول وَلَا قدر النَّفس وَمن كَانَ مبلغ علمه فالصمت أستر لَهُ والكتمان أولى بِهِ قَوْله وَلَقَد أبان الله أَن رَسُوله الخ أَي أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فِي الْقُرْآن {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} الزمر فاذا صَحَّ وَثَبت أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ فَهَل جَاءَ عَنهُ ان الله باعثه فِي الْقَبْر قبل الْقِيَامَة فاذا قُلْتُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 بذلك فَهَل يكون للرسل ثَلَاث موتات ولغيرهم موتتين وَذَلِكَ انه عِنْد النفخ فِي الصُّور لَا يبْقى على وَجه الأَرْض أحد إِلَّا مَاتَ فاذا كَانَت الرُّسُل أَحيَاء عِنْد النفخ فِي الصُّور فَهَل يموتون أم يبقون إِذا مَاتَ النَّاس فتكلموا بِالْعلمِ لَا بِالدَّعْوَى قَوْله أعز حصان بِفَتْح الْحَاء أَي عفيفة وَمِنْه احصنت فرجهَا وأحصنت المراة أَي تزوجت وَتَأْتِي بِمَعْنى الْعِفَّة وَالْحريَّة والاسلام قَوْله أَو لم يقل من قلبكم للرافعي الْأَصْوَات حول الْقَبْر بالنكران الى آخر الأبيات قَوْله من قبلكُمْ بِفَتْح الْقَاف يُشِير إِلَى مَا وَرَاء القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء من رِوَايَة مُحَمَّد بن حميد قَالَ نَاظر أَبُو جَعْفَر أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالِكًا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ترفع صَوْتك فِي هَذَا الْمَسْجِد فان الله تَعَالَى أدب قوما فَقَالَ {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة الحجرات ومدح قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله} الْآيَة الحجرات وان حرمته مَيتا كحرمته حَيا فاستكان لَهَا ابو جَعْفَر الى آخر الْحِكَايَة تَنْبِيه إِنَّمَا ذكر النَّاظِم هَذِه الْحِكَايَة فِي معرض الِاحْتِجَاج والالزام وَإِلَّا فمحمد بن حميد ضَعِيف وَقد أَطَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي فِي الصارم المنكي الْكَلَام على هَذِه الْحِكَايَة وَبَيَان حَال مُحَمَّد بن حميد الى ان قَالَ فَانْظُر هَذِه الْحِكَايَة وضعفها وانقطاعها ونكارتها وجهالة بعض رواتها ومخالفتها لما ثَبت عَن مَالك وَغَيره من الْعلمَاء انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 قَوْله وَلَقَد أَتَوا يَوْمًا الى الْعَبَّاس يستسقون الخ يُشِير الى مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن انس ان عمر رَضِي الله عَنهُ استسقى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا اذا أجدبنا توسلنا بنبيك فتسقينا وَإِنَّا نتوسل اليك بعم نَبينَا فاسقنا فيسقون أفتراهم يَعْتَقِدُونَ حَيَاة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كحياته على وَجه الأَرْض ويستسقون بِغَيْرِهِ حاشاهم من ذَلِك فصل فِيمَا احْتَجُّوا على حَيَاة الرُّسُل فِي الْقُبُور ... فان احتججتم بالشهيد بِأَنَّهُ ... حَيّ كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن ... وَالرسل أكمل حَالَة مِنْهُ بِلَا ... شكّ وَهَذَا ظَاهر التِّبْيَان ... فلذاك كَانُوا بِالْحَيَاةِ أَحَق من ... شهدائنا بِالْعقلِ والبرهان وَبِأَن عقد نِكَاحه لم يَنْفَسِخ ... فنساؤه فِي عصمَة وصيان وَلأَجل هَذَا لم يحل لغيره ... مِنْهُنَّ وَاحِدَة مدى الْأَزْمَان أفليس فِي هَذَا دَلِيل أَنه ... حَيّ لمن كَانَت لَهُ أذنان أَو لم ير الْمُخْتَار مُوسَى قَائِما ... فِي قَبره لصَلَاة ذِي القربان أفميت يَأْتِي الصَّلَاة وَأَن ذَا ... عين الْمحَال وواضح الْبطلَان أَو لم يقل إِنِّي أرد على الَّذِي ... يَأْتِي بِتَسْلِيم مَعَ الْإِحْسَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 .. أيرد ميت السَّلَام على الَّذِي ... يَأْتِي بِهِ هَذَا من الْبُهْتَان هَذَا وَقد جَاءَ الحَدِيث بِأَنَّهُم ... أَحيَاء فِي الأجداث ذَا تبيان وَبِأَن أَعمال الْعباد عَلَيْهِ تعرض دَائِما فِي جُمُعَة يَوْمَانِ ... يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الأثنين الَّذِي قد خص بِالْفَضْلِ الْعَظِيم الشان معنى هَذِه الأبيات أَن الْقَائِلين بحياة الرُّسُل فِي الْقُبُور احْتَجُّوا بأَشْيَاء مِنْهَا الشُّهَدَاء فانهم أَحيَاء بِنَصّ الْقُرْآن كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان وَالرسل أكمل من الشُّهَدَاء بِغَيْر شكّ فهم احق بِالْحَيَاةِ من الشُّهَدَاء وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن عقد نِكَاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَنْفَسِخ من أَزوَاجه وأنهن فِي عصمته وَلِهَذَا لم يحل نِكَاحهنَّ لغيره وَاحْتَجُّوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مُوسَى لَيْلَة الْمِعْرَاج يُصَلِّي فِي قَبره وَبِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد السَّلَام على الْمُسلمين عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يسلم عَليّ الا رد الله عَليّ روحي حَتَّى ارد عَلَيْهِ السَّلَام وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ بِأَنَّهُم أَحيَاء فِي قُبُورهم وَاحْتَجُّوا أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 بِأَن اعمال الْعباد تعرض عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الِاثْنَيْنِ ثمَّ شرع النَّاظِم فِي الْجَواب عَن حججهم فَقَالَ فصل فِي الْجَواب عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ... فَيُقَال أصل دليلكم فِي ذَاك حجتنا عَلَيْكُم وَهِي ذَات بَيَان إِن الشَّهِيد حَيَاته منصوصة ... لَا بِالْقِيَاسِ الْقَائِم الْأَركان هَذَا مَعَ النَّهْي الْمُؤَكّد أننا ... نَدْعُوهُ مَيتا ذَاك فِي الْقُرْآن ونساؤه حل لنا من بعده ... وَالْمَال مقسوم على السهْمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 .. هَذَا وان الارض تَأْكُل لَحْمه ... وسباعها مَعَ أمة الديدان لكنه مَعَ ذَاك حَيّ فارح ... مُسْتَبْشِرٍ بكرامة الرَّحْمَن فالرسل اولى بِالْحَيَاةِ لَدَيْهِ مَعَ ... موت الجسوم وَهَذِه الْأَبدَان وَهِي الطرية فِي التُّرَاب وأكلها ... فَهُوَ الْحَرَام عَلَيْهِ بالبرهان ولبعض أَتبَاع الرَّسُول يكون ذَا ... أَيْضا وَقد وجدوه رَأْي عيان فَانْظُر إِلَى قلب الدَّلِيل عَلَيْهِم ... حرفا بِحرف ظَاهر التِّبْيَان ... معنى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن دَلِيل الْقَائِلين بحياة الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهم هُوَ حجتنا عَلَيْهِم وَلِهَذَا قَالَ فَيُقَال أصل دليلكم فِي ذَاك هُوَ حجتنا عَلَيْكُم وَهُوَ ان الشَّهِيد ثبتَتْ حَيَاته بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} آل عمرَان قَوْله مَعَ النَّهْي الْمُؤَكّد اننا نَدْعُوهُ مَيتا يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون} الْبَقَرَة فَمَعَ ثُبُوت حَيَاة الشَّهِيد بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ فنساؤه حل لنا من بعده بِالنِّكَاحِ وَمَاله مقسوم بِالْمِيرَاثِ مَعَ هَذِه الْحَيَاة وَمَعَ النَّهْي الْمُؤَكّد عَن ان نَدْعُوهُ مَيتا والارض وَالسِّبَاع والديدان تَأْكُل لَحْمه وَلكنه مَعَ ذَلِك حَيّ فارح مُسْتَبْشِرٍ بكرامة الله كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم} آل عمرَان فالرسل أولى بِالْحَيَاةِ مَعَ موت جسومهم وَهِي طرية فِي التُّرَاب وَقد حرم الله على الارض ان تَأْكُل اجساد الْأَنْبِيَاء كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة وليلتها فان صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ قَالُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 كَيفَ تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت أَي بليت فَقَالَ إِن الله حرم على الارض ان تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء قَوْله ولبعض أَتبَاع الرَّسُول يكون ذَا أَي أَن بعض أَتبَاع الرَّسُول يكون كَذَلِك أَي ان الأَرْض لَا تَأْكُل لَحْمه وَقد شوهد ذَلِك رَأْي عيان أَي رُؤِيَ ذَلِك بِعَين الْمُشَاهدَة فَانْظُر كَيفَ قلبنا الدَّلِيل عَلَيْهِم حرفا بِحرف وَهَذَا ظَاهر بِحَمْد الله قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَكِن رَسُول الله خص نساؤه ... بخصيصة عَن سَائِر النسوان خيرن بَين رَسُوله وسواه فاخترن الرَّسُول لصِحَّة الْإِيمَان ... شكر الْإِلَه لَهُنَّ ذَاك وربنا ... سُبْحَانَهُ للْعَبد ذُو شكران ... قصر الرَّسُول على أُولَئِكَ رَحْمَة ... مِنْهُ بِهن وشكر ذِي الْإِحْسَان وكذاك أَيْضا قصرهن عَلَيْهِ مَعْلُوم بِلَا شكّ وَلَا حسبان ... زَوْجَاته فِي هَذِه الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى يَقِينا وَاضح الْبُرْهَان فَلِذَا حرمن على سواهُ بعده ... إِذْ ذَاك صون عَن فرَاش ثَان لَكِن أتين بعدة شَرْعِيَّة ... فِيهَا الْحداد وملزم الأوطان ... يُشِير النَّاظِم الى الْجَواب عَن قَوْلهم إِن نساؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَنْفَسِخ نِكَاحهنَّ وإنهن حرمن على غَيره وَوجه ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ خيرهن بَين رَسُوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَبَين من سواهُ فاخترن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصِحَّة إيمانهن فَشكر الله لَهُنَّ ذَلِك وَقصر رَسُوله عَلَيْهِنَّ بقوله {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} الْأَحْزَاب رَحْمَة مِنْهُ بِهن وشكرا لَهُنَّ وَكَذَلِكَ أَيْضا قصرهن عَلَيْهِ وَهن زَوْجَاته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلذَلِك حرمن من على من سواهُ بعده وَلَكِن مَعَ ذَلِك لما توفّي صلى الله وَعَلِيهِ وَسلم أتين بعدة شَرْعِيَّة وَالله أعلم قَوْله ... هَذَا ورؤيته الكليم مُصَليا ... فِي قَبره أثر عَظِيم الشان فِي الْقلب مِنْهُ حسيكة هَل قَالَه ... فَالْحق مَا قد قَالَه الْبُرْهَان ولذاك أعرض فِي الصَّحِيح مُحَمَّد ... عَنهُ على عمد بِلَا نِسْيَان وَالدَّارَقُطْنِيّ الإِمَام أعله ... بِرِوَايَة مَعْلُومَة التِّبْيَان أنس يَقُول رأى الكليم مُصَليا ... فِي قَبره فاعجب لذا الْفرْقَان فَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بالمرفوع واشوقا إِلَى الْعرْفَان ... بَين السِّيَاق إِلَى السِّيَاق تفَاوت لَا تطرحنه فَمَا هما سيان لَكِن تقلد مُسلما وسواه مِمَّن صَحَّ هَذَا عِنْده بِبَيَان ... فرواته الاثبات أَعْلَام الْهدى ... حفاظ هَذَا الدّين فِي الْأَزْمَان ... لَكِن هَذَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ ... وَالله ذُو فضل وَذُو إِحْسَان فروى ابْن حبَان الصدوق وَغَيره ... خَبرا صَحِيحا عِنْده ذَا شان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 .. فِيهِ صَلَاة الْعَصْر فِي قبر الَّذِي ... قد مَاتَ وَهُوَ مُحَقّق الْإِيمَان فتمثل الشَّمْس الَّتِي قد كَانَ ير ... عاها لأجل صَلَاة ذِي القربان عِنْد الْغُرُوب يخَاف فَوت صلَاته ... فَيَقُول للملكين هَل تدعان حَتَّى اصلي الْعَصْر قبل فَوَاتهَا ... قَالَا ستفعل ذَاك بعد الْآن هَذَا مَعَ الْمَوْت الْمُحَقق لَا الَّذِي ... حكيت لنا بِثُبُوتِهِ الْقَوْلَانِ ... قَوْله هَذَا ورؤيته الكليم مُصَليا الخ أَي وَأما احتجاجهم بِرُؤْيَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي فِي قَبره فَفِيهِ نظر وَذَلِكَ ان الامام الدَّارَقُطْنِيّ اعله بِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفا على أنس وَلذَلِك أعرض عَنهُ البُخَارِيّ فَلم يروه فِي صَحِيحه وَأما مُسلم فَرَوَاهُ مَوْقُوفا وَتفرد بِهِ عَن البُخَارِيّ وعَلى تَقْدِير رَفعه فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فقد روى ابْن حبَان وَغَيره عَن ابي هُرَيْرَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان الْمَيِّت اذا وضع فِي قَبره إِنَّه ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون عَنهُ قَالَ فان كَانَ مُؤمنا كَانَت الصَّلَاة عِنْد رَأسه وَالصِّيَام عَن يَمِينه وَالزَّكَاة عَن شِمَاله وَكَانَ فعل الْخيرَات من الصَّدَقَة والصلة وَالْمَعْرُوف والاحسان عِنْد رجلَيْهِ فَيُؤتى من قبل رَأسه فَتَقول الصَّلَاة مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى عَن يَمِينه فَيَقُول الصّيام مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى عَن يسَاره فَتَقول الزَّكَاة مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى من قبل رجلَيْهِ فَتَقول فعل الْخيرَات من الصَّدَقَة والصلة وَالْمَعْرُوف والاحسان مَا قبلي مدْخل فَيَقُول لَهُ اجْلِسْ فيجلس وَقد مثلت لَهُ الشَّمْس وَقد دنت للغروب فَيَقُول لَهُ هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم مَا تَقول فِيهِ وَمَا تشهد بِهِ عَلَيْهِ فَيَقُول دَعونِي حَتَّى اصلي فَيَقُولُونَ إِنَّك ستصلي أخبرنَا عَمَّا نَسْأَلك عَنهُ الحَدِيث وَقد رَوَاهُ الامام أَحْمد فِي الْمسند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَقَوله هَذَا مَعَ الْمَوْت الْمُحَقق الخ أَي ان هَذَا الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث مُحَقّق الْمَوْت وَقد طلب الصَّلَاة وَهِي فِي الْقَبْر وَالصَّلَاة فِي الْقَبْر لَيست مُخْتَصَّة بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَوله لَا الَّذِي حكيت بِهِ الْقَوْلَانِ أَي ان صَلَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَبره لَيْلَة الْمِعْرَاج قد رُوِيَ فِيهَا الحَدِيث وَتقدم ان الدَّارَقُطْنِيّ اعله بِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفا على أنس وَلِهَذَا لم يروه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَأما مُسلم فَرَوَاهُ مَرْفُوعا فَهَذَا معنى قَول النَّاظِم لَا الَّذِي حكيت بِهِ الْقَوْلَانِ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وثابت الْبنانِيّ قد دعى الرَّحْمَن دَعْوَة صَادِق الايقان ... أَن لَا يزَال مُصَليا فِي قَبره ... إِن كَانَ أعْطى ذَاك من إِنْسَان ... أَي ان ثَابت الْبنانِيّ رَحمَه الله قد دعى الله أَن يرزقه الصَّلَاة فِي قَبره كَمَا قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَابْن ابي شيبَة فِي المُصَنّف والامام احْمَد فِي الزّهْد مَعًا أخبرنَا عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت احدا الصَّلَاة فِي قَبره فَأعْطِنِي الصَّلَاة فِي قَبْرِي وروى أَبُو نعيم عَن يُوسُف بن عَطِيَّة قَالَ سَمِعت ثَابتا يَقُول لحميد الطَّوِيل هَل بلغك أَن أحدا يُصَلِّي فِي قَبره إِلَّا الْأَنْبِيَاء قَالَ لَا قَالَ ثَابت اللَّهُمَّ إِن أَذِنت لأحد أَن يُصَلِّي فِي قَبره فَأذن لِثَابِت ان يُصَلِّي فِي قَبره وروى ايضا عَن جُبَير قَالَ أَنا وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أدخلت ثَابتا الْبنانِيّ لحده وَمَعِي حميد الطَّوِيل فَلَمَّا سوينا عَلَيْهِ اللَّبن سَقَطت لبنة فاذا أَنا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبره وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت أحدا من خلقك الصَّلَاة فِي قَبره فأعطنيها فَمَا كَانَ الله ليرد دعاءه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَكِن رُؤْيَته لمُوسَى لَيْلَة الْمِعْرَاج فَوق جَمِيع ذِي الأكوان يرويهِ اصحاب الصِّحَاح جَمِيعهم ... وَالْقطع مُوجبه بِلَا نكران ولذاك ظن مُعَارضا لصلاته ... فِي قَبره إِذْ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ أسرِي بِهِ ... ليراه ثمَّ مشاهدا بعيان فَرَآهُ ثمَّ وَفِي الضريح وَلَيْسَ ذَا ... بتناقض إِذْ أمكن الوقتان ... أَي أَن رُؤْيَته مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَة الْمِعْرَاج فِي السَّمَاء يرويهِ أَصْحَاب الصِّحَاح جَمِيعهم وَهُوَ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَلذَلِك ظن مُعَارضا لصلاته فِي قَبره وَلَكِن أُجِيب عَنهُ كَمَا قَالَ النَّاظِم بِأَنَّهُ أسرِي بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليراه هُنَاكَ وَرَآهُ أَيْضا فِي الضريح وَهَذَا لَيْسَ بتناقض لِأَن ذَلِك مُمكن أَي أَن رُؤْيَته فِي السَّمَاء وَفِي الْقَبْر مُمكنَة وَالله اعْلَم وَقد قَالَ النَّاظِم فِي كتاب الرّوح وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى مُوسَى قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره لَيْلَة الاسراء وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة أَو السَّابِعَة فالروح كَانَت هُنَاكَ وَلها اتِّصَال بِالْبدنِ فِي الْقَبْر واشراف عَلَيْهِ وَتعلق بِهِ بِحَيْثُ يُصَلِّي فِي قَبره وَيرد سَلام من يسلم عَلَيْهِ وَهِي فِي الرفيق الاعلى وَلَا تنَافِي بَين الْأَمريْنِ فَإِن شَأْن الْأَرْوَاح غير شَأْن الْأَبدَان وَهَذَا جمع حسن وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا ورد نَبينَا لسلام من ... يَأْتِي بِتَسْلِيم مَعَ الاحسان مَا ذَاك مُخْتَصًّا بِهِ أَيْضا كَمَا ... قد قَالَه الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 .. من زار قبر أَخ لَهُ فَأتى بِتَسْلِيم عَلَيْهِ وَهُوَ ذُو ايمان ... رد الْإِلَه عَلَيْهِ حَقًا روحه ... حَتَّى يرد عَلَيْهِ رد بَيَان ... يُشِير الى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد حسن عَن ابي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يسلم عَليّ إِلَّا رد الله عَليّ روحي حَتَّى ارد عَلَيْهِ السَّلَام وَيُجَاب عَنهُ بِأَن ذَلِك لَيْسَ خَاصّا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد روى أَبُو عمر ابْن عبد الْبر من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من رجل يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فَيسلم عَلَيْهِ الا عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام تَنْبِيه اعْلَم ان الْقَائِلين بحياة الانبياء فِي الْقُبُور أشكل عَلَيْهِم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا رد الله عَليّ روحي وَأَجَابُوا عَنهُ بجوابين أَحدهمَا ذكره الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ ان الْمَعْنى إِلَّا وَقد رد الله عَليّ روحي يَعْنِي ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا مَاتَ وَدفن رد الله عَلَيْهِ روحه لأجل سَلام من يسلم عَلَيْهِ واستمرت فِي جسده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَواب الثَّانِي انه يحْتَمل ان يكون ردا معنويا وان تكون روحه الشَّرِيفَة مشتغلة بِشُهُود الحضرة الالهية وَالْمَلَأ الْأَعْلَى عَن هَذَا الْعَالم فاذا سلم عَلَيْهِ أَقبلت روحه الشَّرِيفَة على هَذَا الْعَالم لتدرك سَلام من يسلم عَلَيْهِ وَترد عَلَيْهِ وَالْجَوَاب ان فِي كل وَاحِد من الجوابين نظر اما الاول وَهُوَ الَّذِي ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْجُزْء الَّذِي جمعه فِي حَيَاة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام بعد وفاتهم فمضمونه رد روحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَوته الى جسده واستمرارها فِيهِ قبل سَلام من يسلم عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنى مَذْكُورا فِي الحَدِيث وَلَا هُوَ ظَاهره بل هُوَ مُخَالف لظاهره فَإِن قَوْله الا رد الله عَليّ روحي بعد قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مَا من اُحْدُ يسلم عَليّ يَقْتَضِي رد الرّوح بعد السَّلَام وَلَا يَقْتَضِي استمرارها فِي الْجَسَد وليعلم ان رد الرّوح فِي الْبدن وعودها الى الْجَسَد بعد الْمَوْت لَا يَقْتَضِي استمرارها فِيهِ وَلَا يسْتَلْزم حَيَاة اخرى قبل يَوْم النشور نَظِير الْحَيَاة الْمَعْهُودَة بل إِعَادَة الرّوح الى الْجَسَد فِي البرزخ إِعَادَة برزخية لَا تزيل عَن الْمَيِّت اسْم الْمَوْت وَقد ثَبت فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الطَّوِيل الْمَشْهُور فِي عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وَفِي بَيَان الْمَيِّت وحاله ان روحه تُعَاد الى جسده مَعَ الْعلم بِأَنَّهَا غير مستمرة فِيهِ وان هَذِه الاعادة لَيست مستلزمة لإِثْبَات حَيَاة مزيلة لاسم الْمَيِّت بل هِيَ نوع حَيَاة برزخية والحياة جنس تحتهَا انواع وَكَذَلِكَ الْمَوْت فإثبات بعض انواع الْمَوْت لَا يُنَافِي الْحَيَاة كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا اسْتَيْقَظَ من النّوم قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا واليه النشور وَتعلق الرّوح بِالْبدنِ واتصالها بِهِ يتنوع أنواعا أَحدهَا تعلقهَا بِهِ فِي هَذَا الْعَالم يقظة ومناما الثَّانِي تعلقهَا بِهِ فِي البرزخ والأموات متفاوتون فِي ذَلِك فَالَّذِي للرسل والانبياء أكمل مِمَّا للشهداء وَلِهَذَا لَا تبلى أَجْسَادهم وَالَّذِي للشهداء أكمل مِمَّا لغَيرهم من الْمُؤمنِينَ الَّذين لَيْسُوا بشهداء وَالثَّالِث تعلقهَا بِهِ يَوْم الْبَعْث والنشور فِي الْيَوْم الآخر ورد الرّوح الى الْبدن فِي البرزخ لَا يسْتَلْزم الْحَيَاة الْمَعْهُودَة وَمن زعم استلزمه لَهَا لزمَه ارْتِكَاب أُمُور بَاطِلَة مُخَالفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 للحس وَالشَّرْع وَالْعقل وَهَذَا الْمَعْنى الْمَذْكُور فِي حَدِيث ابي هُرَيْرَة من رده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام على من يسلم عَلَيْهِ قد ورد نَحوه فِي الرجل يمر بِقَبْر أَخِيه كَمَا تقدم وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَحَدِيث ذكر حياتهم بقبورهم ... لما يَصح وَظَاهر النكران ... فَانْظُر الى الاسناد تعرف حَاله ... ان كنت اذا علم بِهَذَا الشان ... اما حَدِيث حَيَاة الانبياء فِي قُبُورهم وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَنْبِيَاء احياء فِي قُبُورهم يصلونَ وَقد أجَاب النَّاظِم عَنهُ بِأَنَّهُ غير صَحِيح وَلَكِن على تَقْدِير صِحَّته فَلَا شكّ أَنه لَا يُرَاد بِهَذِهِ الْحَيَاة الْحَقِيقَة وَلَو أريدت لاقتضت جَمِيع لوازمها من اعمال وتكليف وَعبادَة ونطق وَغير ذَلِك وَحَيْثُ انْتَفَت حَقِيقَة هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة بِانْتِفَاء لوازمها وبحصول الإنتقال من هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة الْحَقِيقِيَّة الى تِلْكَ الْحَيَاة البرزخية وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم ... هَذَا وَنحن نقُول هم أَحيَاء لَكِن عندنَا كحياة ذِي الابدان ... والترب تَحْتهم وَفَوق رؤوسهم ... وَعَن الشَّمَائِل ثمَّ عَن ايمان ... مثل الَّذِي قد قلتموه معاذنا ... بِاللَّه من إفْك وَمن بهتان بل عِنْد رَبهم تَعَالَى مِثْلَمَا ... قد قَالَ فِي الشُّهَدَاء فِي الْقُرْآن لَكِن حياتهم أجل وحالهم أَعلَى وأكمل عِنْد ذِي الاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 قَوْله لَكِن عندنَا كحياة ذِي الْأَبدَان هَذَا مَوْصُوف صفة أَي مثل الَّذِي قد قلتموه لَا نقُول بذلك معَاذ الله أَي لَا نقُول كَمَا قُلْتُمْ إِن حياتهم عندنَا كحياتهم على وَجه الأَرْض نَعُوذ بِاللَّه من إفْك وَمن بهتان بل هم أَحيَاء عِنْد الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان لَكِن حَيَاة أجل وَأَعْلَى من حَيَاة الشُّهَدَاء وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا واما عرض أَعمال العبا ... د عَلَيْهِ فَهُوَ الْحق ذُو إِمْكَان ... وأتى بِهِ اثر فان صَحَّ الحَدِيث بِهِ فَحق لَيْسَ ذَا نكران لَكِن هَذَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ ... أَيْضا بآثار روين حسان فعلى أبي الانسان يعرض سَعْيه ... وعَلى أَقَاربه مَعَ الإخوان إِن كَانَ سعيا صَالحا فرحوا بِهِ ... وَاسْتَبْشَرُوا يَا لَذَّة الفرحان أَو كَانَ سعيا سَيِّئًا حزنوا ... وَقَالُوا رب رَاجعه إِلَى الْإِحْسَان وَلذَا استعاذ من الصَّحَابَة من روى ... هَذَا الحَدِيث عَقِيبه بِلِسَان يَا رب إِنِّي عَائِذ من خزية أخزي بهَا عِنْد الْقَرِيب الداني ... ذَاك الشَّهِيد المرتضى ابْن رَوَاحَة المحبو بالغفران والرضوان لَكِن هَذَا ذُو اخْتِصَاص وَالَّذِي ... للمصطفى مَا يعْمل الثَّقَلَان ... يُرِيد مَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره من حَدِيث أَوْس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا أفضل ايامكم يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم وَفِيه قبض وَفِيه النفخة وَفِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الصعقة فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ قَالُوا وَكَيف تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت أَي بليت فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ان الله حرم على الارض ان تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء وَقد أجَاب عَنهُ النَّاظِم بِأَن هَذَا لَيْسَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا روى أَحْمد وَابْن مندة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَعمالكُم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الاموات فان كَانَ خيرا اسْتَبْشَرُوا وان كَانَ غير ذَلِك قَالُوا اللَّهُمَّ ألهمهم ان يعملوا بطاعتك وروى الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن ابي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن النُّعْمَان بن بشير سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اتَّقوا الله فِي اخوانكم من اهل الْقُبُور فان اعمالكم تعرض عَلَيْهِم وروى ابْن ابي الدُّنْيَا والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفضحوا مَوْتَاكُم بسيئات أَعمالكُم فانها تعرض على أوليائكم من اهل الْقُبُور قَوْله وَلذَا استعاذ من الصَّحَابَة من روى الخ روى ابْن الْمُبَارك والاصبهاني عَن ابي الدَّرْدَاء قَالَ إِن أَعمالكُم تعرض على مَوْتَاكُم فيسرون ويساؤون وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي اعوذ بك أَن أعمل عملا تخزي بِهِ عبد الله ابْن رَوَاحَة وَلَكِن يُجَاب عَن ذَلِك أَيْضا بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِك لَا يجوز ان يطْلب مِنْهُم شَيْء وَلَا يسْأَلُون شَيْئا بعد وفاتهم سَوَاء كَانَ بِلَفْظ استغاثة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 توجه أَو استشفاع أَو غير ذَلِك فَجَمِيع ذَلِك من وظائف الألوهية فَلَا يَلِيق جعله لمن يَتَّصِف بالعبودية وَلَا مُلَازمَة بَين مَسْأَلَة الْحَيَاة وَبَين مَسْأَلَة الاستغاثة وَمِمَّا يقطع بِهِ ان أحدا فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مِمَّن بعده فِي الْقُرُون الثَّلَاثَة الْمَشْهُود لأَهْلهَا بالنجاة والصدق وهم أعلم منا بِهَذِهِ المطالب وأحرص على نيل مثل تِلْكَ الرغائب مَا اسْتَغَاثَ بِمن يزِيل كربته الَّتِي لَا يقدر على ازالتها إِلَّا سُبْحَانَهُ بل كَانُوا يقصرون الاستغاثة على مَالك الْأُمُور وَلم يعبدوا إِلَّا إِيَّاه وَلَقَد جرت عَلَيْهِم أُمُور مهمة وشدائد مدلهمة فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعد وَفَاته فَهَل سَمِعت عَن اُحْدُ مِنْهُم أَنه اسْتَغَاثَ بِسَيِّد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَالُوا إِنَّا مستغيثون بك يَا رَسُول الله أم بلغك أَنهم لاذوا بقبره الشريف وَهُوَ سيد الْقُبُور حِين ضَاقَتْ مِنْهُم الصُّدُور كلا لَا يُمكن لَهُم ذَلِك بل الْأَمر بعكس مَا هُنَالك فَلَقَد أثنى الله عَلَيْهِم وَرَضي عَنْهُم فَقَالَ عز وَجل من قَائِل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم} الْأَنْفَال مُبينًا سُبْحَانَهُ ان هَذِه الاستغاثة هِيَ اخص الدُّعَاء وَأجل أَحْوَال الالتجاء فَفِي استغاثة الْمُضْطَرين بِغَيْرِهِ تَعَالَى عِنْد كربته تَعْطِيل لتوحيد مُعَامَلَته الْخَاصَّة بِهِ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هذي نهايات لأقدام الورى ... فِي ذَا الْمقَام الضنك صَعب الشان وَالْحق فِيهِ لَيْسَ تحمله عقو ل بني الزَّمَان لغلظة الأذهان ... ولجهلهم بِالروحِ مَعَ أَحْكَامهَا وصفاتها للالف بالأبدان فارض الَّذِي رَضِي الاله لَهُم بِهِ أَتُرِيدُ تنقض حِكْمَة الديَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 .. هَل فِي عُقُولهمْ بِأَن الرّوح فِي ... أَعلَى الرفيق مُقِيمَة بجنان ... وَترد فِي أَوْقَات السَّلَام عَلَيْهِ من ... أَتْبَاعه فِي سَائِر الْأَزْمَان ... وكذاك إِن زرت الْقُبُور مُسلما ... ردَّتْ لَهُم أَرْوَاحهم للآن فهم يردون السَّلَام عَلَيْك لَكِن لست تسمعه بِذِي الأذنان ... هَذَا وأجواف الطُّيُور الْخضر مَسْكَنهَا لَدَى الجنات والرضوان من لَيْسَ يحمل عقله هَذَا فَلَا ... تظلمه واعذره على النكران للروح شَأْن غير ذِي الْأَجْسَام لَا ... تهمله شَأْن الرّوح أعجب شان وَهُوَ الَّذِي حَار الورى فِيهِ فَلم ... يعرفهُ غير الْفَرد فِي الازمان هَذَا وَأمر فَوق ذَا لَو قلته ... بادرت بالانكار والعدوان فلذاك أَمْسَكت الْعَنَان وَلَو أرى ... ذَاك الرفيق جريت فِي الميدان ... قَالَ النَّاظِم فِي كتاب الرّوح لَهُ مَا نَصه واما السَّلَام على اهل الْقُبُور وخطابهم فَلَا يدل على ان أَرْوَاحهم لَيست فِي الْجنَّة وانها على أفنية الْقُبُور فَهَذَا سيد ولد آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي روحه فِي أَعلَى عليين مَعَ الرفيق الْأَعْلَى يسلم عَلَيْهِ عِنْد قَبره وَيرد سَلام الْمُسلم عَلَيْهِ وَقد وَافق ابو عمر رَحمَه الله تَعَالَى على ان ارواح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَيسلم عَلَيْهِم عِنْد قُبُورهم كَمَا يسلم على غَيرهم كَمَا علمنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسلم عَلَيْهِم وكما كَانَ الصَّحَابَة يسلمُونَ على شُهَدَاء اُحْدُ وَقد ثَبت ان ارواحهم فِي الْجنَّة تسرح حَيْثُ شَاءَت كَمَا تقدم وَلَا يضيق عطنك عَن كَون الرّوح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 فِي الْمَلأ الْأَعْلَى تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَتسمع سَلام الْمُسلم عَلَيْهَا عِنْد قبرها وتدنو حَتَّى ترد عَلَيْهِ السَّلَام وللروح شَأْن آخر غير شَأْن الْبدن وَهَذَا جِبْرِيل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ سِتّمائَة جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ قد سد بهما مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَكَانَ يدنو من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضع ركبته وَيَديه على فَخذيهِ وَمَا اظنك يَتَّسِع بطانك أَنه كَانَ حِينَئِذٍ فِي الْمَلأ الاعلى فَوق السَّمَاوَات حَيْثُ هُوَ مستقره وَقد دنا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الدنو فَإِن التَّصْدِيق بِهَذَا لَهُ قُلُوب خلقت لَهُ وأهلت لمعرفته وَمن لم يَتَّسِع بطانه لهَذَا فَهُوَ اضيق ان يَتَّسِع للايمان بالتنزل الإلهي الى سَمَاء الدُّنْيَا كل لَيْلَة وَهُوَ فَوق سمواته على عَرْشه لَا يكون فَوْقه شَيْء الْبَتَّةَ بل هُوَ العالي على كل شَيْء وعلوه من لَوَازِم ذَاته وَكَذَلِكَ دنوه عَشِيَّة عَرَفَة من اهل الْموقف وَكَذَلِكَ مَجِيئه يَوْم الْقِيَامَة لمحاسبة خلقه وإشراق الأَرْض بنوره وَكَذَلِكَ مَجِيئه الى الارض حِين دحاها وسواها ومدها وبسطها وهيأها لما يُرَاد مِنْهَا وَكَذَلِكَ مَجِيئه إِلَيْهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة حِين يقبض من عَلَيْهَا وَلَا يبْقى اُحْدُ كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأصْبح رَبك يطوف فِي الارض وَقد خلت عَنهُ الْبِلَاد هَذَا وَهُوَ فَوق سمواته على عَرْشه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَقَوْلِي إِنَّهَا مخلوقة ... وحدوثها الْمَعْلُوم بالبرهان هَذَا وَقَوْلِي إِنَّهَا لَيست كَمَا ... قد قَالَ اهل الافك والبهتان لَا دَاخل فِينَا وَلَا هِيَ خَارج ... عَنَّا كَمَا قَالُوهُ فِي الديَّان وَالله لَا الرَّحْمَن أثبتم وَلَا ... أرواحكم يَا مدعي الْعرْفَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 .. عطلتم الْأَبدَان من أرواحها ... وَالْعرش عطلتم من الرَّحْمَن ... قَوْله هَذَا وَقَوْلِي إِنَّهَا مخلوقة الخ هَذِه الْمَسْأَلَة ذكرهَا النَّاظِم فِي كتاب الرّوح وَحَاصِل كَلَامه انه قَالَ أَجمعت الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم على ان روح الانسان محدثة مخلوفة مصنوعة مربوبة وَهَذَا مَعْلُوم بالاضطرار من دين الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم كَمَا يعم بالإضطرار من دينهم أَن الْعَالم حَادث وان معاد الْأَبدَان وَاقع وَأَن الله تَعَالَى وَحده الْخَالِق وكل مَا سواهُ لَهُ وَقد انطوى عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وهم الْقُرُون المفضلة وهم على ذَلِك من غير اخْتِلَاف بَينهم فِي حدوثها وَأَنَّهَا مخلوقة حَتَّى نبغت نَابِغَة مِمَّن قصر فهمه فِي الْكتاب وَالسّنة فَزعم أَنَّهَا قديمَة غير مخلوقة حَتَّى نبغت نَابِغَة مِمَّن قصر فهمه فِي الْكتاب وَالسّنة ن فَزعم انها قديمَة غير مخلوقة وَاحْتج لذَلِك انها من امْر الله وامر الله غير مَخْلُوق وَبِأَن الله أضافها اليه كَمَا أضَاف اليه علمه وَكتابه وَقدرته وسَمعه وبصره وَيَده وَتوقف آخَرُونَ فَقَالُوا لَا نقُول مخلوقة وَلَا غير مخلوقة وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك حَافظ اصبهان أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فَقَالَ اما بعد فان سَائِلًا سَأَلَ عَن الرّوح الَّتِي جعلهَا الله سُبْحَانَهُ قوام أنفس الْخلق وأبدانهم وَذكر ان اقواما تكلمُوا فِي الرّوح وَزَعَمُوا انها غير مخلوقة وَخص بَعضهم مِنْهَا أَرْوَاح الْقُدس وَأَنَّهَا من ذَات الله قَالَ وَأَنا أذكر أقاويل متقدميهم وَأبين مَا يُخَالف أقاويلهم من الْكتاب والأثر وأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْعلم وأوضح خطأ الْمُتَكَلّم فِي الرّوح بِغَيْر علم وان كَلَامهم يُوَافق قَول جهم بن صَفْوَان وَأَصْحَابه فَذكر ان النَّاس اخْتلفُوا فِي معرفَة الْأَرْوَاح ومحلها من النَّفس فَقَالَ بَعضهم الارواح كلهَا مخلوقة قَالَ وَهَذَا مَذْهَب اهل الْجَمَاعَة والأثر واحتجت بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الارواح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف رَوَاهُ الامام أَحْمد وَمُسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي وَعبد الله بن عَبَّاس وأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عنسبة رَضِي الله عَنْهُم والجنود المجندة لَا تكون إِلَّا مخلوقة وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح من أَمر الله اخفى الله حَقِيقَتهَا وَعلمهَا عَن الْخلق واحتجت بقول الله تَعَالَى {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} الاسراء وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح نور من نور الله تَعَالَى وحياة من حَيَاته وَاحْتَجُّوا بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق خلقه من ظلمَة ثمَّ القى عَلَيْهِم من نوره وَتَمام الحَدِيث فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور يَوْمئِذٍ اهْتَدَى وَمن أخطأه ضل رَوَاهُ الامام احْمَد وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كِتَابه تَأَول صنف من الزَّنَادِقَة وصنف من الروافض فِي روح ابْن آدم مَا تأولته النَّصَارَى فِي روح عِيسَى وَمَا تَأَوَّلَه قوم من ان الرّوح انْفَصل من ذَات الله تَعَالَى وتقدست أسماؤه فَصَارَ فِي الْمُؤمن فعبد صنف من النَّصَارَى عِيسَى وَمَرْيَم جَمِيعًا لَان عِيسَى عِنْدهم روح من الله فَصَارَ فِي مَرْيَم فَهُوَ غير مَخْلُوق عِنْدهم وَقَالَ صنف من الزَّنَادِقَة وصنف من الروافض إِن روح آدم عَلَيْهِ السَّلَام مثل ذَلِك أَنه غير مَخْلُوق وتأولوا قَوْله {ونفخت فِيهِ من روحي} الْحجر وَقَوله {ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه} السَّجْدَة فزعموا أَن روح ابْن آدم لَيْسَ بمخلوق كَمَا تَأَول من قَالَ إِن النُّور من الرب غير مَخْلُوق قَالُوا ثمَّ صَار بعد آدم فِي الْوَصِيّ بعده ثمَّ هُوَ فِي كل نَبِي ووصي الى ان صَار فِي عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ ثمَّ فِي ابنية الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ فِي كل وَصِيّ وَإِمَام فِيهِ يعلم الامام كل شَيْء لَا يحْتَاج ان يتَعَلَّم من اُحْدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَقَالَ وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَن الْأَرْوَاح فِي آدم وبنيه وَعِيسَى وَمن سواهُ من بني آدم كلهَا مخلوقة الله خلقهَا وأنشأها وَكَونهَا وَأخْبر عَنْهَا ثمَّ أضافها إِلَى نَفسه كَمَا أضَاف اليه سَائِر خلقه قَالَ تَعَالَى {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} الجاثية قَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله روح الْآدَمِيّ مخلوقة مبدعة بِاتِّفَاق سلف الْأمة وأئمتها وَسَائِر أهل السّنة وَقد حكى إِجْمَاع الْعلمَاء على انها مخلوقة غير وَاحِد من أَئِمَّة الْمُسلمين مثل مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي الامام الْمَشْهُور الَّذِي هُوَ من اعْلَم اهل زَمَانه بالاجماع وَالِاخْتِلَاف وَكَذَلِكَ أَبُو مُحَمَّد ابْن قُتَيْبَة قَالَ النَّاظِم فِي كتاب الرّوح قد تكلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة طوائف من اكابر الْعلمَاء والمشايخ وردوا على من يزْعم أَنَّهَا غير مخلوقة وصنف الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مندة فِي ذَلِك كتابا كَبِيرا وَقَبله الامام مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي وَغَيره وَالشَّيْخ ابو سعيد الخرار وَأَبُو يَعْقُوب النهرجوري وَالْقَاضِي أَبُو يعلى وَقد نَص على ذَلِك الْأَئِمَّة الْكِبَار وَاشْتَدَّ نكيرهم على من يَقُول ذَلِك فِي روح عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فَكيف بِروح غَيره كَمَا ذكره الامام احْمَد رَضِي الله عَنهُ فِيمَا كتبه فِي محبسه فِي الرَّد على الزَّنَادِقَة والجهمية انْتهى قَوْله هَذَا وَقَوْلِي إِنَّهَا لَيست كَمَا قد قَالَ اهل الافك والبهتان الخ قَالَ النَّاظِم فِي كتاب الرّوح فِي الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة لما سُئِلَ عَن حَقِيقَة الرّوح وَهل هِيَ النَّفس اَوْ غَيرهَا وَذكر مَذَاهِب النَّاس فِي ذَلِك قَالَ وَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ النَّفس جسما وَلَا عرضا وَلَيْسَت فِي مَكَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَلَا لَهَا طول وَلَا عرض وَلَا عمق وَلَا لون وَلَا بعض وَلَا هِيَ فِي الْعَالم وَلَا خَارج الْعَالم وَلَا مجانبة وَلَا مباينة وَهَذَا قَول الْمَشَّائِينَ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْأَشْعَرِيّ عَن أرسطاطاليس وَزَعَمُوا ان تعلقهَا بِالْبدنِ لَا بالحلول فِيهِ وَلَا بالمجاورة وَلَا بالمساكنة وَلَا بالاتصال وَلَا بالمقابلة وانما هُوَ التَّدْبِير فَقَط وَاخْتَارَ هَذَا الْمَذْهَب البوشنجي وَمُحَمّد بن النُّعْمَان الملقب بالمفيد وَالْغَزالِيّ وَهُوَ قَول ابْن سينا وَأَتْبَاعه وَهُوَ ارادأ الْمذَاهب وأبطلها وابعدها من الصَّوَاب ثمَّ ذكر على ابطال هَذَا الْمَذْهَب نَحْو مائَة وَسِتَّة عشر دَلِيلا ثمَّ اجاب عَن أَدِلَّة المنازعين بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي كسر المنجنيق الَّذِي نَصبه اهل التعطيل على معاقل الاسلام وحصونه جيلا بعد جيل ... لَا يفزعنك قراقع وفراقع وجعاجع عريت عَن الْبُرْهَان ... مَا عِنْدهم شَيْء يَهو لَك غير ذَا ... ك المنجنيق مقطع الاركان وَهُوَ الَّذِي يَدعُونَهُ التَّرْكِيب مَنْصُوبًا على الاثبات مُنْذُ زمَان ... أَرَأَيْت هَذَا المنجنيق فانهم ... نصبوه تَحت معاقل الايمان ... بلغت حجارته الْحُصُون فهدت الشرفات واستولت على الجدران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 .. لله كم حصن عَلَيْهِ استولت الْكفَّار من ذَا المنجنيق الْجَانِي ... وَالله مَا نصبوه حَتَّى عبروا ... قصدا على الْحصن الْعَظِيم الشان وَمن البلية ان قوما بَين اهل الْحصن واطوهم على الْعدوان ... ورموا بِهِ مَعَهم وَكَانَ مصاب اهل الْحصن مِنْهُم فَوق ذِي الكفران فتركبت من كفرهم ووفاق من ... فِي الْحصن أَنْوَاع من الطغيان وَجَرت على الاسلام اعظم محنة ... من ذين تَقْديرا من الرَّحْمَن وَالله لَوْلَا أَن تدارك دينه الرَّحْمَن كَانَ كَسَائِر الاديان ... لَكِن أَقَامَ لَهُ الاله بفضله ... يزكا من الانصار والاعوان ... فرموا على ذَا المنجنيق صواعقا ... وحجارة هدته للأركان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْجَواب عَن شبهتهم الْعُظْمَى الَّتِي بهَا يصولون وعمدتهم الْكُبْرَى الَّتِي بهَا يهولون وَهِي حجَّة التَّرْكِيب قَوْله لَا يفزعنك فعل مضارع مَبْنِيّ على الْفَتْح لاتصاله بنُون التَّأْكِيد الْخَفِيفَة قَوْله المنجنيق آلَة ترمي بهَا الْحِجَارَة كالمنجنوق معربة جمع منجنيقات ومجانق ومجانيق وَقد جنقوا يجنقون وجنقوا تجنيقا قَوْله معاقل الاسلام جمع معقل وَهُوَ الْحصن والملجأ أَي حصون الاسلام ... فاسألهم مَاذَا الَّذِي يعنون بالتركيب فالتركيب سِتّ معَان ... إِحْدَى مَعَانِيه هُوَ التَّرْكِيب من ... متباين كتركب الْحَيَوَان ... من هَذِه الأعضا كَذَا أعضاؤه قد ركبت من أَربع الْأَركان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 .. أفلازم ذَا للصفات لربنا ... وعلوه من فَوق كل مَكَان ... وَلَعَلَّ جاهلكم يَقُول مباهتا ... ذَا لَازم الاثبات بالبرهان ... فالبهت عنْدكُمْ رخيص سعره ... حثوا بِلَا كيل وَلَا ميزَان ... هَذَا هُوَ الْمَعْنى الاول من مَعَاني التَّرْكِيب فان النَّاظِم ذكر ان للتركيب سِتّ معَان وَهَذَا التَّرْكِيب كَمَا قَالَ النَّاظِم كتركب الْحَيَوَان من هَذِه الْأَعْضَاء وَكَذَلِكَ تركب الْأَعْضَاء من الاركان الاربعة وَهِي المَاء والهواء وَالتُّرَاب وَالنَّار والرب تَعَالَى مَوْصُوف بصفاته العلى وَلَا يلْزم هَذَا التَّرْكِيب وَقَوله أفلازم ذَا الصِّفَات لربنا وَهَذَا اسْتِفْهَام انكار أَي لَيْسَ بِلَازِم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وَثَانِيها فتركيب الجوا ... ر وَذَاكَ بَين اثْنَيْنِ يفترقان كالجسر وَالْبَاب الَّذِي تركيبه ... بجواره لمحله من بَان والاول الْمَدْعُو تركيب امتزا ... ج واختلاط وَهُوَ ذُو تبيان أفلازم ذَا من ثُبُوت صِفَاته ... أَيْضا تَعَالَى الله ذُو السُّلْطَان ... هَذَا هُوَ الْمَعْنى الثَّانِي من مَعَاني التَّرْكِيب وَهُوَ تركيب الْجوَار كتركيب الْبَاب على الجسر وَالْأول يُسمى تركيب امتزاج قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالثَّالِث التَّرْكِيب من متماثل ... يدعى الْجَوَاهِر فردة الْأَركان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 هَذَا هُوَ الْمَعْنى الثَّالِث من مَعَاني التَّرْكِيب وَهُوَ التَّرْكِيب من الْجَوَاهِر المنفردة وَإِثْبَات ذَلِك هُوَ قَول بعض الْمُتَكَلِّمين وإنكار ذَلِك هُوَ قَول ابْن كلاب واتباعه وَهُوَ قَول الهاشمية والنجارية والضرارية وَبَعض الكرامية وَسَتَأْتِي الْإِشَارَة لى بُطْلَانه من كَلَام النَّاظِم ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالرَّابِع الْجِسْم الْمركب من هيو ... لاه وَصورته لذِي اليونان ... فالجسم فَهُوَ مركب من ذين عِنْد الفيلسوف وَذَاكَ ذُو بطلَان ... وَمن الْجَوَاهِر عِنْد ارباب الكلا ... م وَذَاكَ ايضا وَاضح الْبطلَان ... هَذَا هُوَ الْمَعْنى الرَّابِع من مَعَاني التَّرْكِيب وَهُوَ التَّرْكِيب من الهيولي وَالصُّورَة عِنْد الفلاسفة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فالمثبتون الْجَوْهَر الْفَرد الَّذِي ... زعموه أصل الدّين والايمان قَالُوا بِأَن الْجِسْم مِنْهُ مركب وَلَهُم خلاف وَهُوَ ذُو ألوان ... هَل يُمكن التَّرْكِيب من جزئين أَو ... من أَربع أَو سِتَّة وثمان ... أَو سِتّ عشرَة قد حَكَاهُ الْأَشْعَرِيّ لذِي مقالات على التِّبْيَان أفلازم ذَا من ثُبُوت صِفَاته ... وعلوه سُبْحَانَ ذِي السبحان ... وَالْحق أَن الْجِسْم لَيْسَ مركبا ... من ذَا وَلَا هَذَا هما عدمان والجوهر الْفَرد الَّذِي قد أثبتو ... هـ لَيْسَ ذَا أبدا وَذَا إِمْكَان ... لَو كَانَ ذَلِك ثَابتا لزم المحا ... ل لواضح الْبطلَان والبهتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 .. من أوجه شَتَّى ويعسر نظمها ... جدا وَلأَجل صعوبة الاوزان أتكون خردلة تَسَاوِي الطود فِي الْأَجْزَاء فِي شَيْء من الأذهان إِذْ كَانَ كل مِنْهُمَا أجزاؤه ... لَا تَنْتَهِي بالعد والحسبان ... وَإِذا وضعت الجوهرين وثالثا ... فِي الْوسط وَهُوَ الحاجز الوسطان ... فلأجله افْتَرقَا فَلَا يتلاقيا ... حَتَّى يَزُول اذا فيلتقيان مَا مَسّه إِحْدَاهمَا مِنْهُ هُوَ الممسوس للثَّانِي بِلَا فرقان ... هَذَا محَال أَو تَقولُوا غَيره ... فَهُوَ انقسام وَاضح التِّبْيَان ... شرع النَّاظِم رَحْمَة الله تَعَالَى فِي إبِْطَال القَوْل بالجوهر الْفَرد مَعَ ان الْقَائِلين بِهِ من الْمُتَكَلِّمين يَزْعمُونَ أَن إثْبَاته هُوَ أصل الدّين وَالْإِيمَان قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَغَيره اتّفق الْمُسلمُونَ على ان الاجسام تتناهى فِي تجزئتها وانقسامها حَتَّى تصير أفرادا وَمَعَ هَذَا فقد شكّ هُوَ فِيهِ وَكَذَلِكَ شكّ فِيهِ أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو عبد الله الرَّازِيّ قَالَ شيخ الاسلام وَمَعْلُوم ان هَذَا القَوْل لم يقلهُ أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين وَلَا من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين لَهُم باحسان وَلَا أحد من ائمة الْعلم الْمَشْهُورين بَين الْمُسلمين وَأول من قَالَ ذَلِك فِي الاسلام طَائِفَة من الْجَهْمِية والمعتزلة وَهَذَا من الْكَلَام الَّذِي ذمه السّلف وعابوه وَلَكِن حاكي هَذَا الاجماع لما لم يعرف أصُول الدّين إِلَّا مَا فِي كتب الْكَلَام وَلم يجد الا من يَقُول بذلك اعْتقد هَذَا إِجْمَاع الْمُسلمين وَالْقَوْل بالجوهر الْفَرد بَاطِل وَالْقَوْل بالهيولي وَالصُّورَة بَاطِل انْتهى كَلَامه قَوْله هَل يُمكن التَّرْكِيب من جزئين الخ أَي ان الْقَائِلين بالجوهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 الْفَرد اخْتلفُوا هَل يُمكن تركيب الْجِسْم من جزئين أَو أَرْبَعَة اَوْ سِتَّة أَو ثَمَانِيَة أَو سِتَّة عشر على خلاف بَينهم حَكَاهُ الْأَشْعَرِيّ فِي المقالات وَفِي الْعقل وَالنَّقْل لشيخ الاسلام من يثبت الْجَوْهَر الْفَرد وَيَقُول بتماثل الاجسام وَأَن مَا يحدثه الله تَعَالَى من الْحَوَادِث انما هُوَ تَحْويل الْجَوَاهِر الَّتِي هِيَ أجسام من صفة إِلَى صفة مَعَ بَقَاء أعيانها وَيُنْكِرُونَ الاستحالة وَجُمْهُور الْعُقَلَاء وَأهل الْعلم من الْفُقَهَاء وَغَيرهم متفقون على بطلَان قَوْلهم وان الله تَعَالَى يحدث الْأَعْيَان ويبدعها وان كَانَ يحِيل الْجِسْم الاول الى جرم آخر فَلَا يَقُولُونَ إِن جرم النُّطْفَة بَاقٍ فِي بدن الانسان وَلَا جرم النواة بَاقٍ فِي النَّخْلَة انْتهى كَلَامه وَقَول النَّاظِم أتكون خردلة تَسَاوِي الطود الخ أَي أتكون الخردلة الَّتِي فِي غَايَة الصغر والحقارة تَسَاوِي الْجَبَل الْعَظِيم بِجَامِع أَن أَجزَاء كل مِنْهُمَا لَا تَنْتَهِي بِالْحَدِّ والحسبان هَذَا فِي غَايَة الاحالة ثمَّ ذكر النَّاظِم دَلِيلا آخر على بطلَان هَذَا الْمَذْهَب فَقَالَ واذا وضعت الجوهرين وثالثا الخ أَي اذا فَرضنَا جُزْءا بَين جزئين فاما ان يكون الْوسط حاجبا للطرفين عَن التمَاس اَوْ لَا فعلى الأول يكون للوسط طرفان بِأَحَدِهِمَا يماس اُحْدُ الجزئين وبالآخر يماس الآخر فَلَا محَالة يكون بَين جهتيه امتداد قَابل للْقِسْمَة وَلَو وهما وَكَذَا يكون للجزئين الطَّرفَيْنِ جهتان باحداهما يماس كل من ذَيْنك الجزئين الْوسط وبالآخر يكون فَارغًا من لِقَائِه فيكونان منقسمين وعَلى الثَّانِي فَأَما ان يكون الْوسط متداخلا فِي اُحْدُ الطَّرفَيْنِ وَفِي كليهمَا فَلَا يحصل مِنْهُمَا حجم فَلَا يتألف مِنْهُمَا جسم أَو لَا يكون بَين تِلْكَ الْأَجْزَاء تَرْتِيب فَلَا يتَصَوَّر مِنْهُمَا تركيب وللقائلين بِإِبْطَال الْجَوْهَر الْفَرد أَذِلَّة أُخْرَى على بُطْلَانه تركناها اختصارا وَالله اعْلَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالْخَامِس التَّرْكِيب من ذَات مَعَ ال أَوْصَاف هَذَا باصطلاح ثَان سموهُ تركيبا وَذَلِكَ وضعهم ... مَا ذَاك فِي عرف وَلَا قُرْآن لسنا نقر بِلَفْظَة مَوْضُوعَة ... بالاصطلاح لشيعة اليونان أَو من تلقى عَنْهُم من فرقة ... جهمية لَيست بِذِي عرفان من وَصفه سُبْحَانَهُ بصفاته الْعليا وَيتْرك مُقْتَضى الْقُرْآن ... وَالْعقل والفطرات أَيْضا كلهَا ... قبل الْفساد وَمُقْتَضى الْبُرْهَان سموهُ مَا شِئْتُم فَلَيْسَ الشَّأْن فِي ال أَسمَاء بالالقاب ذَات الشان ... هَل من دَلِيل يَقْتَضِي إبِْطَال ذَا التَّرْكِيب من عقل وَمن فرقان وَالله لَو نشرت شيوخكم لما ... قدرُوا عَلَيْهِ لَو أَتَى الثَّقَلَان ... هَذَا هُوَ الْقسم الْخَامِس من اقسام التَّرْكِيب عِنْدهم وَهُوَ التَّرْكِيب من ذَات وصفات وَهَذَا على اصْطِلَاح اليونان وَمن وافقهم من الْجَهْمِية وَهُوَ من أظهر الْأُمُور بطلانا وَسَيَأْتِي إِبْطَاله فِي كَلَام النَّاظِم وَقَول النَّاظِم لسنا نقر بِلَفْظَة مَوْضُوعَة الخ كَذَا فِي جَمِيع مَا رَأينَا من النّسخ نقر بِالْقَافِ من الْإِقْرَار وصواب اللَّفْظَة نفر بِالْفَاءِ أَي لَيْسَ نفر بِسَبَب هَذَا الِاصْطِلَاح الَّذِي اصطلحتموه من وَصفه سُبْحَانَهُ بصفاته الْعليا وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ قَوْله من وَصفه مُتَعَلق ب نفر وَالله اعْلَم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالسَّادِس التَّرْكِيب من مَاهِيَّة ... ووجودها مَا هَا هُنَا شَيْئَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 .. الا اذا اخْتلف اعتبارهما فَذا ... فِي الذِّهْن وَالثَّانِي فَفِي الْأَعْيَان فهناك يعقل كَون ذَا غير لذا ... فعلى اعتبارهما هما غيران أما اذا اتَّحد اعْتِبَارا كَانَ نفس وجودهَا هُوَ ذَاتهَا لَا ثَان ... من قَالَ شَيْئا غير ذَا كَانَ الَّذِي ... قد قَالَه ضرب من الفعلان ... هَذَا وَكم خبط هُنَا قد زَالَ بالتفصيل وَهُوَ الاصل فِي العرفات ... هَذَا هُوَ الْقسم السَّادِس من أَقسَام التَّرْكِيب وَهُوَ التَّرْكِيب من الْوُجُود والماهية وَحَاصِل كَلَام النَّاظِم هُنَا ان الْوُجُود والماهية اذا اخْتلف اعتبارهما فَأخذ أَحدهمَا ذهنيا وَالْآخر خارجيا فالوجود غير الْمَاهِيّة وَإِن أخذا ذهنين فالوجود هُوَ الْمَاهِيّة وَكَذَا إِن أخذا خارجيين فالوجود هُوَ الْمَاهِيّة قَوْله من الفعلان هُوَ بِضَم الْفَاء وَإِسْكَان الْعين يَعْنِي كلمة فِي وزن الفعلان كالبهتان والبطلان وَنَحْوهمَا وَهَذَا كَمَا فِي قَول المتنبي فِي رثاء أُخْت سيف الدولة ابْن حمدَان وَاسْمهَا خَوْلَة ... كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها ديار بكر وَلم تخلع وَلم تهب ... وَذَلِكَ أَن المتنبي لم يُصَرح باسمها استعظاما لكَونهَا ملكه بل كنى عَن اسْمهَا بفعلة فَلفظ فعلة حكمهَا حكم موزونها مُمْتَنع من الصّرْف للعلمية والتأنيث فَكَذَا فعلة مُمْتَنع قَالَ ابْن جني كنى بفعلة عَن اسْمهَا وَاسْمهَا خَوْلَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَابْن الْخَطِيب وَحزبه من بعده ... لم يهتدوا لمواقع الْفرْقَان ... بل خبطوا نقلا وبحثا أوجبا ... شكا لكل ملدد حيران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 .. هَل ذَات رب الْعَالمين وجوده ... أم غَيره فهما إِذا شَيْئَانِ فَيكون تركيبا محالا ذَاك إِن ... قُلْنَا بِهِ فَيصير ذَا إِمْكَان واذا نَفينَا ذَاك صَار وجوده كالمطلق الْمَوْجُود فِي الأذهان ... وحكوا أقاويلا ثَلَاثًا ذَيْنك ال أَعلَى وَبَين وجود ذِي الْإِمْكَان وسطوا عَلَيْهَا كلهَا بِالنَّقْصِ وَال ... إبِْطَال والتشكيك للانسان ... قَوْله ابْن الْخَطِيب يَعْنِي الْفَخر الرَّازِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن بن الْحسن ابْن عَليّ الْعَلامَة سُلْطَان الْمُتَكَلِّمين صَاحب التصانيف أَبُو عبد الله الْقرشِي الْبكْرِيّ التَّمِيمِي الطبرستاني الأَصْل ثمَّ الرَّازِيّ ابْن خطيبها الْمُفَسّر امام وقته فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَأحد الْأَئِمَّة فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة قَالَ الْحَافِظ رَحمَه الله تَعَالَى الْفَخر ابْن الْخَطِيب صَاحب التصانيف رَأس فِي الذكاء والعقليات وَلكنه عري من الْآثَار وَله تشكيكات على مسَائِل من اصول الدّين تورث حيرة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي لِسَان الْمِيزَان مثل مَا ذكرنَا عَن الذَّهَبِيّ فِي شَأْنه وَزَاد أَنه كَانَ يَقُول مَعَ تبحره فِي الْأُصُول من الْتزم دين الْعَجَائِز فَهُوَ الفائز وَكَانَ يعاب ايراد الشّبَه الشَّدِيدَة وَيقصر فِي حلهَا حَتَّى قَالَ بعض المغاربة يُورد الشُّبْهَة نَقْدا ويحلها نَسِيئَة وَقد ذكره ابْن دحْيَة فمدح وذم وَذكره ابو شامة فَحكى عَنهُ أَشْيَاء رَدِيئَة وَذكر النَّجْم الطوفي فِي الاكسير فِي علم التَّفْسِير مَا ملخصه مَا رَأَيْت فِي التفاسير أجمع لغالب علم التَّفْسِير من الْقُرْطُبِيّ وَمن تَفْسِير الامام فَخر الدّين إِلَّا أَنه كثير الْعُيُوب فَحَدثني شرف الدّين النصيبي عَن شَيْخه سراج الدّين السرمساجي المغربي أَنه صنف كتاب المأخذ فِي مجلدين بَين فيهمَا مافي تَفْسِير الْفَخر من الزيف والبهرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وَكَانَ ينقم عَلَيْهِ كثيرا وَيَقُول يُورد شبه الْمُخَالفين فِي الْمَذْهَب وَالدّين على غَايَة مَا يكون من التَّحْقِيق ثمَّ يُورد مَذْهَب أهل السّنة وَالْحق على غَايَة من الوهن قَالَ الطوفي ولعمري إِن هَذَا دأبه فِي كتبه الكلامية حَتَّى اتهمه بعض النَّاس وَلكنه خلاف ظَاهر حَاله لِأَنَّهُ لَو كَانَ اخْتَار قولا اَوْ مذهبا مَا كَانَ عِنْده من يخَاف مِنْهُ حَتَّى يسْتَتر عَنهُ وَلَعَلَّ سَببه أَنه كَانَ يستفرغ قواه فِي تَقْرِير دَلِيل الْخصم فاذا انْتهى الى تَقْرِير دَلِيل نَفسه لَا يبْقى عِنْده شَيْء من القوى وَلَا شكّ أَن القوى النفسانية تَابِعَة للقوى الْبَدَنِيَّة وَقد صرح فِي مُقَدّمَة نِهَايَة الْعُقُول أَنه يُقرر مَذْهَب خَصمه تقريرا لَو أَرَادَ خَصمه أَن يقرره لم يقدر على الزِّيَادَة على ذَلِك وَذكر ابْن خَلِيل السكونِي فِي كتاب الرَّد على الْكَشَّاف انا الامام الرَّازِيّ ابْن الْخَطِيب قَالَ فِي كتبه فِي الْأُصُول إِن مَذْهَب الْجَبْر هُوَ الْمَذْهَب هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَقَالَ فِي التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} الْأَنْفَال كلَاما يدل على أَن مَذْهَب الْجَبْر هُوَ الْحق حَيْثُ قَالَ وَقد دللنا بالبراهين الْعَقْلِيَّة على صِحَة ان الامر كَذَلِك أَي العَبْد مجبور نَعُوذ بِاللَّه من أَمْثَال ذَلِك وَقَالَ بِصِحَّة بَقَاء الْأَعْرَاض وبنفي صِفَات الله الْحَقِيقِيَّة وَزعم أَنَّهَا مُجَرّد نسب وإضافات كَقَوْل الفلاسفة وسلك طَرِيق أرسطو فِي دَلِيل التمانع وَنقل عَن تِلْمِيذه التَّاج الأرموي أَنه نظر فِي كَلَامه فهجره الى مصر وهموا بِهِ فاستتر وَنقل عَنهُ انه قَالَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا مائَة شُبْهَة على القَوْل بحدوث الْعَالم وَمِنْه مَا قَالَه شَيْخه ابْن الْخَطِيب فِي آخر الْأَرْبَعين والمتكلم يسْتَدلّ على الْقدَم بِوُجُوب تَأَخّر الْفِعْل والفيلسوف يدل على قدسه باستحالة تعطل الْفَاعِل عَن أَفعاله ثمَّ أسْند عَن ابْن الطباخ ان الْفَخر كَانَ شِيعِيًّا يقدم محبَّة اهل الْبَيْت كمحبة الشِّيعَة حَتَّى قَالَ فِي بعض تصانيفه وَكَانَ عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 شجاعا بِخِلَاف غَيره وَعَابَ عَلَيْهِ تَسْمِيَته لتفسيره مَفَاتِيح الْغَيْب ولمختصره فِي الْمنطق الْآيَات الْبَينَات وَتَقْرِيره لتلاميذه فِي وَصفه بِأَنَّهُ الامام الْمُجْتَبى أستاذ الدُّنْيَا أفضل الْعَالم فَخر بني آدم حجَّة الله على الْخلق صدر صُدُور الْعَرَب والعجم هَذَا آخر كَلَامه وَقد مَاتَ الْفَخر سنة سِتّ وسِتمِائَة بِمَدِينَة هراة واوصى بِوَصِيَّة تدل على أَنه حسن اعْتِقَاده انْتهى عبارَة اللِّسَان وَمِمَّا قَالَ فِيهِ إِن لَهُ كتاب السِّرّ المكتوم فِي مُخَاطبَة النُّجُوم سحر صَرِيح فَلَعَلَّهُ تَابَ من تأليفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قلت ولد فِي رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَقيل سنة ثَلَاث واشتغل أَولا على وَالِده ضِيَاء الدّين عمر وَهُوَ من تلامذة الْبَغَوِيّ على الْكَمَال السمناني وَالْمجد الجيلي صَاحب مُحَمَّد بن يحيى وأتقن علوما كَثِيرَة وبرز فِيهَا وساد وقصده الطّلبَة من سَائِر الْبِلَاد وصنف فِي فنون كَثِيرَة وَكَانَ لَهُ مجْلِس كَبِير فِي الْوَعْظ يحضرهُ الْخَاص وَالْعَام وَيلْحق فِيهِ حَال وَوجد وَجَرت بَينه وَبَين جمَاعَة من الكرامية مخاصمات وَفتن وأوذي بسببهم وَكَانَ ينَال مِنْهُم فِي مَجْلِسه وينالون مِنْهُ وَكَانَ إِذا ركب مَشى حوله نَحْو ثَلَاثمِائَة تلميذ فُقَهَاء وَغَيرهم وَقيل كَانَ يحفظ الشَّامِل لإِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْكَلَام وَنَدم على دُخُوله فِي الْكَلَام وَرُوِيَ عَنهُ انه قَالَ لقد أختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَلم أَجدهَا تروي غليلا وَلَا تشفي عليلا ورايت اصح الطّرق طَريقَة الْقُرْآن أَقرَأ فِي التَّنْزِيه {وَالله الْغَنِيّ وَأَنْتُم الْفُقَرَاء} مُحَمَّد وَقَوله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} الشورى و {قل هُوَ الله أحد} واقرأ فِي الاثبات {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} النَّحْل {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} فاطر واقرأ فِي أَن الْكل من عِنْد الله {قل كل من عِنْد الله} النِّسَاء ثمَّ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَأَقُول من صميم الْقلب وَمن دَاخل الرّوح إِنِّي مقرّ بِأَن كل مَا هُوَ الْأَفْضَل الْأَعْظَم الْأَجَل فَهُوَ لَك وكل مَا هُوَ عيب اَوْ نقص فَأَنت منزه عَنهُ وَكَانَت وَفَاته ب هراة يَوْم عيد الْفطر سنة سِتّ وسِتمِائَة قَالَ أَبُو شامة وَبَلغنِي أَنه خلف من الذَّهَب ثَمَانِينَ ألف دِينَار سوى الدَّوَابّ وَالْعَقار وَغير ذَلِك وَمن تصانيفه التَّفْسِير الْكَبِير لم يتمه فِي اثْنَي عشر مجلدا كبارًا أسماه مَفَاتِيح الْغَيْب وَكتاب الْمَحْصُول والمنتخب وَكتاب الاربعين وَنِهَايَة الْعُقُول والتبيان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان المباحث الْعمادِيَّة فِي المطالب المعادية تأسيس التَّقْدِيس فِي تَأْوِيل الصِّفَات إرشاد النظار إِلَى لطائف الاسرار المعالم فِي أصُول الدّين المعالم فِي أصُول الْفِقْه شرح اسماء الله الْحسنى شرح الاشارات الملخص فِي الفلسفة وَيُقَال إِنَّه شرح نصف الْوَجِيز للغرالي وَشرح سقط الزند للمعري وَله طَريقَة فِي الْخلاف وَشرح كليات القانون وصنف فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الى غير ذَلِك ورزق السَّعَادَة فِي مصنفاته حَتَّى انتشرت فِي الْآفَاق وَأَقْبل النَّاس على الِاشْتِغَال بهَا وَذَلِكَ أَن الْفَخر الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه حكوا للنَّاس فِي وجود الرب تَعَالَى إِلَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا ان الْوُجُود مقول بالاشتراك اللَّفْظِيّ فَقَط وَالثَّانِي أَن وجود الْوَاجِب زَائِد على ماهيته وَالثَّالِث أَنه وجود مُطلق لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة غير الْوُجُود الْمَشْرُوط بسلب كل مَاهِيَّة ثبوتية قَالَ شيخ الاسلام فَيُقَال لَهُم الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بَاطِلَة وَالْقَوْل الْحق لَيْسَ وَاحِدًا من الثَّلَاثَة وانما أصل الْغَلَط هُوَ توهمهم انا اذا قُلْنَا ان الْوُجُود يَنْقَسِم الى وَاجِب وممكن لزم أَن يكون فِي الْخَارِج وجود هُوَ نَفسه فِي الْوَاجِب وَهُوَ نَفسه فِي الْمُمكن وَهَذَا غلط فَلَيْسَ فِي الْخَارِج بَين الْمَوْجُودين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 شَيْء هُوَ نَفسه فيهمَا وَلَكِن لفظ الْوُجُود وَمَعْنَاهُ الَّذِي فِي الذِّهْن والخط الَّذِي يدل على اللَّفْظ يتَنَاوَل الْمَوْجُودين ويعمهما يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فشمول معنى الْوُجُود الَّذِي فِي الذِّهْن لَهما كشمول لفظ الْوُجُود والخط الَّذِي يكْتب بِهِ هَذَا اللَّفْظ لَهما فهما مشتركان فِي هَذَا فَأَما نفس مَا يُوجد فِي الْخَارِج فانما يشتبهان فِيهِ من بعض الْوُجُوه فاما ان تكون نفس هَذَا وَصفته فِيهَا شَيْء من ذَات هَذَا وَصفته فَهَذَا مِمَّا يعلم فَسَاده كل من تصَوره وَمن توقف فِيهِ فلعدم تصَوره لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْل فِي اسْم الْوُجُود كالقول فِي اسْم الذَّات وَالْعين والماهية وَالنَّفس والحقيقة وكما ان الْحَقِيقَة تَنْقَسِم الى حَقِيقَة وَاجِبَة وَحَقِيقَة مُمكنَة وَكَذَلِكَ لفظ الْمَاهِيّة وَلَفظ الذَّات وَنَحْو ذَلِك فَكَذَلِك لفظ الْوُجُود فاذا قُلْنَا إِن الْحَقِيقَة أَو الْمَاهِيّة تَنْقَسِم الى وَاجِبَة وممكنة لم يلْزم أَن تكون مَاهِيَّة الْوَاجِب فِيهَا شَيْء من مَاهِيَّة الْمُمكن فَكَذَلِك اذا قيل الْوُجُود يَنْقَسِم الى وَاجِب وممكن لم يلْزم أَن يكون مَاهِيَّة الْوَاجِب فِيهَا شئ من مَاهِيَّة الْمُمكن فَكَذَلِك اذا قيل الْوُجُود يَنْقَسِم الى وَاجِب وممكن لم يلْزم أَن يكون الْوُجُود الْوَاجِب فِيهِ شَيْء من وجود غَيره بل لَيْسَ فِيهِ وجود مُطلق وَلَا مَاهِيَّة مُطلقَة بل ماهيته هِيَ حَقِيقَته وَهِي وجوده واذا كَانَ الْمَخْلُوق الْمعِين وجوده الَّذِي فِي الْخَارِج هُوَ نفس ذَاته وَحَقِيقَته وماهيته الَّتِي فِي الْخَارِج لَيْسَ فِيهِ من الْخَارِج شَيْئَانِ فالخالق تَعَالَى أولى أَن تكون حَقِيقَته هِيَ وجوده الثَّابِت الَّذِي لَا يشركهُ فِيهِ أحد وَهُوَ نفس ماهيته الَّتِي هِيَ حَقِيقَته الثابته فِي نفس الْأَمر وَلَو قدر أَن الْوُجُود الْمُشْتَرك بَين الْوَاجِب والممكن مَوْجُود فيهمَا فِي الْخَارِج وَأَن الجوانية الْمُشْتَركَة هِيَ بِعَينهَا فِي النَّاطِق والأعجم كَأَن يُمَيّز أَحدهمَا عَن الآخر بِوُجُود خَاص كَمَا يتَمَيَّز الانسان بحيوانية تخصه وكما ان السوَاد وَالْبَيَاض اذا اشْتَركَا فِي مُسَمّى اللَّوْن تميز أَحدهمَا بلونه الْخَاص عَن الآخر وَهَؤُلَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 لضالون يجْعَلُونَ الْوَاحِد اثْنَيْنِ والاثنين وَاحِدًا فيجعلون هَذِه الصّفة هِيَ هَذِه الصّفة ويجعلون الصّفة هِيَ الْمَوْصُوف فيجعلون الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا كَمَا قَالُوا إِن الْعلم هُوَ الْقُدْرَة وَهُوَ الْإِرَادَة وَالْعلم هُوَ الْعَالم ويجعلون الْوَاحِد اثْنَيْنِ كَمَا يجْعَلُونَ الشَّيْء الْمعِين الَّذِي هُوَ هَذَا الانسان هُوَ عدَّة جَوَاهِر انسان وحيوان وناطق وحساس ومتحرك بالارادة ويجعلون كلا من هَذِه الْجَوَاهِر غير الآخر وَمَعْلُوم انه جَوْهَر وَاحِد لَهُ صِفَات مُتعَدِّدَة وكما يفرقون بَين الْمَادَّة وَالصُّورَة ويجعلونهما جوهرين عقليين قَائِمين بأنفسهما وانما الْمَعْقُول هُوَ قيام الصِّفَات بالموصوفات والأعراض بالجواهر كالصورة الصناعية مثل صُورَة الْخَاتم وَالدِّرْهَم والسرير وَالثَّوْب فانه عرض قَائِم بجوهر هُوَ الْفضة والخشب والغزل وَكَذَلِكَ الِاتِّصَال والانفصال قائمان بِمحل هُوَ الْجِسْم وَهَكَذَا يجْعَلُونَ الصُّورَة الذهنية ثَابِتَة فِي الْخَارِج كَقَوْلِهِم فِي المجردات المفارقات للمادة وَلَيْسَ مَعَهم مَا يثبت أَنه مفارق لَا النَّفس الناطقة اذا فَارَقت الْبدن بِالْمَوْتِ والمجردات هِيَ الكليات الَّتِي تجردها النَّفس من الاعيان المشخصة فَيرجع الامر الى النَّفس وَمَا يقوم بهَا ويجعلون الْمَوْجُود فِي الْخَارِج فِي الذِّهْن كَمَا يجْعَلُونَ الْوُجُود الْوَاجِب هُوَ الْوُجُود الْمُطلق فَهَذِهِ الْأُمُور من أصُول ضلالهم حَيْثُ جعلُوا مَا فِي الْخَارِج فِي الذِّهْن وَلزِمَ من ذَلِك أَن يجْعَلُوا الثَّابِت منتفيا والمنتفي ثَابتا فَهَذِهِ الْأُمُور من أَجنَاس ضلالهم وَهَذَا كُله مَبْسُوط فِي غيرهذا الْموضع انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... حَتَّى اتى من ارْض امدا خرا ... ثَوْر كَبِير بل حقير الشان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 .. قَالَ الصَّوَاب الْوَقْف فِي ذَا كُله ... وَالشَّكّ فِيهِ ظَاهر التِّبْيَان هَذَا قصارى بَحثه وعلومه ... إِن شكّ فِي الله الْعَظِيم الشان ... الْآمِدِيّ هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم الثَّعْلَبِيّ سيف الدّين ولد بآمد سنة 551 قَرَأَ على مَشَايِخ بَلَده القراآت وَحفظ كتابا على مَذْهَب احْمَد بن حَنْبَل وَبَقِي على ذَلِك مُدَّة فَكَانَ فِي أول اشْتِغَاله حنبلي الْمَذْهَب انْتقل الى مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ رَحل الى الْعرَاق وَأقَام فِي الطّلب مُدَّة بِبَغْدَاد وَحصل علم الجدل وَالْخلاف والمناظرة ثمَّ انْتقل الى الشَّام واشتغل بفنون الْمَعْقُول وَحفظ مِنْهُ الْكثير وتمهر فِيهِ وَلم يكن فِي زَمَانه أحفظ مِنْهُ لهَذِهِ الْعُلُوم وصنف فِي أصُول الدّين والمنطق وَالْحكمَة وَالْخلاف وكل تصانيفه مفيدة وَكَانَ قد أَخذ عُلُوم الاوائل من نَصَارَى الكرخ ويهودها فاتهم لذَلِك فِي عقيدته ففر الى مصر خوفًا من الْفُقَهَاء سنة 593 وناظر بهَا وحاضر واظهر تصانيف فِي عُلُوم الْأَوَائِل تعصبوا عَلَيْهِ فَخرج من الْقَاهِرَة مستخفيا ثمَّ استوطن حماة أَو دمشق وَتَوَلَّى بهَا التدريس وَمَات فِيهَا سنة 631 وَمن مصنفاته الماهر فِي عُلُوم الْأَوَائِل والأواخر خمس مجلدات وَكتب أبكار الأفكار فِي أصُول الدّين أَربع مجلدات وَكتاب دقائق الْحَقَائِق فِي الفلسفة وَقد دفن فِي سفح قاسيون وَكَانَت وِلَادَته سنة 551 والآمدي نِسْبَة الى آمد وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة فِي ديار بكر مجاورة لبلاد الرّوم قَوْله آخرا هُوَ بِكَسْر الْخَاء أَي آخر الْأَمر أَي أَن الْآمِدِيّ قوتف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم اطلع انا على كَلَامه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي أَحْكَام هَذِه التراكيب السِّتَّة ... فالأولان حَقِيقَة التَّرْكِيب لَا ... تعدوهما فِي اللَّفْظ والأذهان وَكَذَلِكَ الْأَعْيَان أَيْضا إِنَّمَا التَّرْكِيب فِيهَا ذَانك النوعان ... أَي الْأَوَّلَانِ اللَّذَان هما تركيب الامتزاج والاختلاط وتركيب الْجواد أَي التَّرْكِيب حَقِيقَة فِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... والأوسطان هما اللَّذَان تنَازع الْعُقَلَاء فِي تركيب ذِي الجثمان وَلَهُم أقاويل ثَلَاث قد حكيناها وَبينا أتم بَيَان ... وَلَهُم أقاويل ثَلَاث قد حكيناها وبيناها أتم بَيَان أَي التَّرْكِيب من الْجَوَاهِر المنفردة وَمن الْمَادَّة وَالصُّورَة ... والآخران هما اللَّذَان عَلَيْهِمَا ... دارت رحى الْحَرْب الَّتِي تريان ... أَنْتُم جعلتم وَصفه سُبْحَانَهُ ... بعلوه من فَوق ذِي الأكوان وَصِفَاته الْعليا الَّتِي ثبتَتْ لَهُ ... بِالنَّقْلِ والمعقول ذِي الْبُرْهَان من جملَة التَّرْكِيب ثمَّ نفيتم ... مضمونها من غير مَا برهَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 .. فجعلتم الْمرقاة للتعطيل هَذَا الِاصْطِلَاح وَذَا من الْعدوان ... لَكِن إِذا قيل اصْطِلَاح حَادث ... لَا حجر فِي هَذَا على إِنْسَان فَنَقُول نفيكم بِهَذَا الِاصْطِلَاح صِفَاته هُوَ أبطل الْبطلَان ... وكذاك نفيكم بِهِ لعلوه ... فَوق السَّمَاء وَفَوق كل مَكَان ... وكذاك نفيكم بِهِ لكَلَامه ... بِالْوَحْي كالتوراة وَالْقُرْآن وكذك نفيكم لرؤيتنا لَهُ ... يَوْم الْمعَاد كَمَا يرى القمران وكذاك نفيكم لسَائِر مَا أَتَى ... فِي النَّقْل من وصف بِغَيْر معَان كالوجه وَالْيَد والاصابع وَالَّذِي ... أبدا يسوؤكم بِلَا كتمان وبودكم لَو لم يقلهُ رَبنَا ... وَرَسُوله الْمَبْعُوث بالبرهان وبودكم وَالله لما قَالَه ... أَن لَيْسَ يدْخل مسمع الانسان قَامَ الدَّلِيل على استناد الْكَوْن أجمعه الى خلاقه الرَّحْمَن ... مَا قَامَ قطّ على انْتِفَاء صِفَاته ... وعلوه من فَوق ذِي الأكوان ... هُوَ وَاحِد فِي وَصفه وعلوه ... ماللورى رب سواهُ ثَان فلأي معنى يجحدون علوه ... وَصِفَاته بالفشر والهذيان هَذَا وَمَا الْمَحْذُور الا إِن يقا ... ل مَعَ الْإِلَه لنا إِلَه ثَان أَو أَن يعطل عَن صِفَات كَمَاله ... هَذَانِ محذوران محظوران أما إِذا مَا قيل رب وَاحِد ... أَوْصَافه أربت على الحسبان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 .. وَهُوَ الْقَدِيم فَلم يزل بصفاته ... متوحدا بل دَائِم الْإِحْسَان ... أَي لَا مَحْذُور فِي إِثْبَات صِفَات الْكَمَال لله سُبْحَانَهُ وَإنَّهُ وَاحِد لم يزل بصفاته إِلَهًا وَاحِدًا وانما الْمَحْذُور أَن يَجْعَل مَعَ الله إِلَه آخر وتعطل صِفَات كَمَاله فهذان كَمَا قَالَ النَّاظِم محذوران محظوران قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فَبِأَي برهَان نفيتم ذَا وقلتم لَيْسَ هَذَا قطّ فِي الامكان فلئن زعمتم انه نقص فَذا ... بهت فَمَا فِي ذَاك من نُقْصَان ... النَّقْص فِي أَمريْن سلب كَمَاله ... أَو شركه بِالْوَاحِدِ الرَّحْمَن ... أتكون أَوْصَاف الْكَمَال نقيصة ... فِي أَي عقل ذَاك أم قُرْآن إِن الْكَمَال بِكَثْرَة الْأَوْصَاف لَا ... فِي سلبها ذَا وَاضح الْبُرْهَان مَا النَّقْص غير السَّلب حسب وكل نقص أَصله سلب هَذَا وَاضح التِّبْيَان ... فالجهل سلب الْعلم وَهُوَ نقيصة ... وَالظُّلم سلب الْعدْل والاحسان ... متنقص الرَّحْمَن سالب وَصفه ... حَقًا تَعَالَى الله عَن نُقْصَان وَكَذَا الثَّنَاء عَلَيْهِ ذكر صِفَاته ... وَالْحَمْد والتمجيد كل اوان ولذاك أعلم خلقه أدراهم ... بصفاته من جَاءَ بِالْقُرْآنِ وَله صِفَات لَيْسَ يحصيها سوا ... هـ من مَلَائِكَة وَلَا انسان ولذاك يثني فِي الْقِيَامَة سَاجِدا ... لما يرَاهُ الْمُصْطَفى بعيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 .. بثناء حمد لم يكن فِي هَذِه الدُّنْيَا ليحصيه مدى الازمان ... وثناؤه بصفاته لَا بالسلو ... ب كَمَا يَقُول العادم الْعرْفَان ... حَاصِل هَذِه الأبيات أَنكُمْ أَيهَا المعطلة لماذا نقيتم الصِّفَات فان زعمتم انها نقص فَهَذَا كذب وبهت وانما النَّقْص فِي امرين إِمَّا سلب الْكَمَال أون إِثْبَات شريك لله تَعَالَى وَأما أَوْصَاف الْكَمَال فحاشا أَن تكون نقصا والكمال بِكَثْرَة الْأَوْصَاف لَا فِي سلبها اذ السَّلب الْمَحْض لَا كَمَال فِيهِ الا إِذا تضمن تَنْزِيها عَن نقص كَمَا فِي سلب النّوم وَالسّنة واللغوب والطعم عَنهُ تَعَالَى وتقدس قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالْعقل دلّ على انْتِهَاء الْكَوْن أجمعه الى رب عَظِيم الشان وَثُبُوت أَوْصَاف الْكَمَال لذاته ... لَا يَقْتَضِي إبِْطَال ذَا الْبُرْهَان والكون يشْهد أَن خالقه تعا ... لى ذُو الْكَمَال ودائم السُّلْطَان وكذاك يشْهد أَنه سُبْحَانَهُ فَوق الْوُجُود وَفَوق كل مَكَان ... وكذاك يشْهد أَنه سُبْحَانَهُ المعبود لَا شَيْء من الاكوان وكذاك يشْهد أَنه سُبْحَانَهُ ... ذُو حِكْمَة فِي غَايَة الاتقان وكذاك يشْهد أَنه ذُو قدرَة ... حَيّ عليم دَائِم الاحسان وكذاك يشْهد أَنه الفعال حَقًا كل يَوْم رَبنَا فِي شان ... وكذاك يشْهد أَنه الْمُخْتَار فِي ... أَفعاله حَقًا بِلَا نكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 .. وكذاك يشْهد أَنه الْحَيّ الَّذِي ... مَا للممات عَلَيْهِ من سُلْطَان ... وكذاك يشْهد انه القيوم قا ... م بِنَفسِهِ ومقيم ذِي الأكوان وكذاك يشْهد أَنه وَرَحْمَة ... وَإِرَادَة ومحبة وحنان وكذاك يشْهد أَنه سُبْحَانَهُ ... مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن وكذاك يشْهد أَنه سُبْحَانَهُ الخلاق باعث هَذِه الْأَبدَان ... لَا تجعلوه شَاهدا بالزور والتعطيل تِلْكَ شَهَادَة الْبطلَان واذا تَأَمَّلت الْوُجُود رَأَيْته ... إِن لم تكن من زمرة العميان بِشَهَادَة الاثبات حَقًا قَائِم ... لله لَا بِشَهَادَة النكران وكذاك رسل الله شاهدة بِهِ ... أَيْضا فسل عَنْهُم عليم زمَان وكذاك كتب الله شاهدة بِهِ ... أَيْضا فَهَذَا مُحكم الْقُرْآن وَكَذَلِكَ الْفطر الَّتِي مَا غيرت ... عَن أصل خلقتها بِأَمْر ثَان وَكَذَا الْعُقُول المستنيرات الَّتِي ... فِيهَا مصابيح الْهدى الرباني أَتَرَوْنَ أَنا تاركو ذَا كُله ... لشهادة الجهمي واليونان هذي الشُّهُود فان طلبتم شَاهدا ... من غَيرهَا سيقوم بعد زمَان إِذْ ينجلي هَذَا الْغُبَار فَيظْهر الْحق الْمُبين مشاهدا بعيان ... هَذِه الابيات وَاضِحَة بِحَمْد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فاذا نفيتم ذَا وقلتم إِنَّه ... ملزوم تركيب فَمن يلحاني ... إِن قلت لَا عقل وَلَا سمع لكم ... وصرخت فِيمَا بَيْنكُم بِأَذَان هَل يَجْعَل الْمَلْزُوم عين اللَّازِم الْمَنْفِيّ هَذَا بَين الْبطلَان ... فالشيء لَيْسَ لنَفسِهِ يَنْفِي لَدَى ... عقل سليم يَا ذَوُو الْعرْفَان ... قُلْتُمْ نَفينَا وَصفه وعلوه ... من خشيَة التَّرْكِيب والامكان لَو كَانَ مَوْصُوفا لَكَانَ مركبا ... فالوصف والتركيب متحدان أَو كَانَ فَوق الْعَرْش كَانَ مركبا ... فالفوق والتركيب متفقان فنفيتم التَّرْكِيب بالتركيب مَعَ ... تَغْيِير إِحْدَى اللفظتين بثان بل صُورَة الْبُرْهَان أصبح شكلها ... شكلا عقيما لَيْسَ ذَا برهَان فاذا جعلتم لَفْظَة التَّرْكِيب بِالْمَعْنَى الصَّحِيح امارة الْبطلَان ... جِئْنَا الى الْمَعْنى فخلصناه مِنْهَا واطرحناها اطراح مهان هِيَ لَفْظَة مقبوحة بدعية ... مذمومة منا بِكُل لِسَان وَاللَّفْظ بِالتَّوْحِيدِ نجعله مكا ... ن اللَّفْظ بالتركيب فِي التِّبْيَان وَاللَّفْظ بِالتَّوْحِيدِ اولى بالصفا ... ت وبالعلو لمن لَهُ أذنان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 .. هَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد الرُّسُل لَا ... أَصْحَاب جهم شيعَة الكفران ... أَي ان الفلاسفة والجهمية يَقُولُونَ إِن اثبات الصِّفَات يلْزم مِنْهُ التَّرْكِيب قَالَ النَّاظِم فاذا نفيتم الصِّفَات وقلتم إِنَّه ملزوم التَّرْكِيب فَكيف تَجْعَلُونَ الْمَلْزُوم الَّذِي هُوَ أثبات الصِّفَات عين اللَّازِم الَّذِي هُوَ إِثْبَات الصِّفَات فَصَارَ الْمَعْنى إِثْبَات الصِّفَات يسْتَلْزم إِثْبَات الصِّفَات فَيجب نَفسه فهم على هَذَا نفوا التَّرْكِيب بالتركيب فاذا نفوا التَّرْكِيب بِكَوْنِهِ تركيبا فَفِيهِ إبِْطَال الشَّيْء بِنَفسِهِ وَهُوَ محَال فان الشَّيْء لَا يَنْفِيه عينه قَالَ النَّاظِم بل صُورَة الْبُرْهَان أصبح شكلها ... شكلا عقيما لَيْسَ ذَا برهَان ... وَحَاصِل مَا ابطلوا بِهِ إِثْبَات الصِّفَات بِأَن الْمَعْنى لَو كَانَ مَوْصُوفا لَكَانَ مَوْصُوفا فَتَأمل قَوْله فاذا جعلتم لَفْظَة التَّرْكِيب الخ أَي إِذا جعلتم لَفْظَة التَّرْكِيب إِمَارَة الْبطلَان خلصنا الْمَعْنى الصَّحِيح مِنْهَا واطرحنا تِلْكَ اللَّفْظَة وَهِي لَفْظَة التَّرْكِيب لِأَنَّهَا لَفْظَة مقبوحة بدعية مذمومة وأبدلنا وَكَأَنَّهَا التَّوْحِيد لِأَنَّهُ أولى بِالصِّفَاتِ وبالعلو وَهَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد الرُّسُل وأتباعهم لَا أَصْحَاب جَهَنَّم شيعَة الكفران وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي أَقسَام التَّوْحِيد وَالْفرق بَين تَوْحِيد الْمُرْسلين وتوحيد النفاة المعطلين ... فاسمع إِذا أَنْوَاعه هِيَ خَمْسَة قد حصلت أقسامها بِبَيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 .. تَوْحِيد أَتبَاع ابْن سينا وَهُوَ مَنْسُوب لآرسطو من اليونان مَا للاله لديهم مَاهِيَّة ... غير الْوُجُود الْمُطلق الواجدان مسلوب أَوْصَاف الْكَمَال جَمِيعهَا ... لَكِن وجود حسب لَيْسَ بفان مَا أَن لَهُ ذَات سوى نفس الوجو ... د الْمُطلق المسلوب كل معَان فلذاك لاسمع ولابصر وَلَا ... علم ولاقول من الرَّحْمَن ولذاك قَالُوا لَيْسَ ثمَّ مَشِيئَته ... وَإِرَادَة لوُجُود ذِي الأكوان بل تِلْكَ لَازِمَة لَهُ بِالذَّاتِ لم ... تنفك عَنهُ قطّ فِي الْأَزْمَان مَا اخْتَار شَيْئا قطّ يَفْعَله وَلَا هَذَا لَهُ أبدا بِذِي إِمْكَان ... وبنوا على هَذَا اسْتِحَالَة خرق ذَا الأفلاك يَوْم قِيَامَة الْأَبدَان ولذاك قَالُوا لَيْسَ يعلم قطّ شَيْئا مَا من الْمَوْجُود فِي الْأَعْيَان ... لَا يعلم الأفلاك كم أعدادها ... وَكَذَا النُّجُوم وذانك القمران ... بل لَيْسَ يسمع صَوت كل مصوت ... كلا وَلَيْسَ يرَاهُ رَأْي عيان بل لَيْسَ يعلم حَالَة الانسان تَفْصِيلًا من الطَّاعَات والعصيان ... كلا وَلَا علم لَهُ بتساقط الأوراق أَو بمنابت الأغصان علما على التَّفْصِيل هَذَا عِنْدهم ... عين الْمحَال ولازم الامكان بل نفس آدم عِنْدهم عين المحا ... ل وَلم يكن فِي سالف الْأَزْمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 .. مَا زَالَ نوع النَّاس مَوْجُودا وَلَا ... ينفى كَذَاك الدَّهْر والملوان هَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد فريقهم ... مثل ابْن سينا والنصير الثَّانِي قَالُوا وألجأنا الى ذَا خشيَة التَّرْكِيب والتجسيم ذِي الْبطلَان ... ولذاك قُلْنَا مَاله سمع وَلَا ... بصر وَلَا علم فَكيف يدان وكذاك قُلْنَا لَيْسَ فَوق الْعَرْش إِلَّا المستحيل وَلَيْسَ ذَا إِمْكَان ... جسم على جسم كلا الجسمين مَحْدُود يكون كِلَاهُمَا صنْوَان فبذاك حَقًا صَرَّحُوا فِي كتبهمْ ... وهم الفحول أَئِمَّة الكفران لَيْسُوا مخانيث الْوُجُود فَلَا إِلَى الكفران ينحازوا وَلَا الْإِيمَان ... والشرك عِنْدهم ثُبُوت الذَّات والأوصاف إِذْ يبْقى هُنَاكَ اثْنَان غير الْوُجُود فَصَارَ ثمَّ ثَلَاثَة ... فَلِذَا نَفينَا اثْنَيْنِ بالبرهان نفي الْوُجُود فَلَا يُضَاف اليه شَيْء ... غَيره فَيصير ذَا إِمْكَان ... قَالَ النَّاظِم فِي الصَّوَاعِق فِي بَيَان تَوْحِيد الفلاسفة هُوَ إِنْكَار مَاهِيَّة الرب الزَّائِد على وجوده وإنكار صِفَات كَمَاله وَأَنه لَا سمع لَهُ وَلَا بصر وَلَا قدرَة وَلَا حَيَاة وَلَا ارادة وَلَا كَلَام وَلَا وَجه وَلَا يدين وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنيانِ يتَمَيَّز احدهما عَن الآخر الْبَتَّةَ قَالُوا لانه لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ مركبا وَكَانَ جسما مؤلفا وَلم يكن وَاحِدًا من كل وَجه فجعلوه من جنس الْجَوْهَر الْفَرد الَّذِي لَا يحس وَلَا يرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَلَا يتَمَيَّز مِنْهُ جَانب عَن جَانب بل الْجَوْهَر الْفَرد يُمكن وجوده وَهَذَا الْوَاحِد الَّذِي جَعَلُوهُ حَقِيقَة رب الْعَالمين يَسْتَحِيل وجوده وَقَالُوا لَو كَانَ لَهُ صفة اَوْ كَلَام أَو مَشِيئَة أَو علم أَو حَيَاة أَو قدرَة أَو سمع أَو بصر لم يكن وَاحِدًا وَكَانَ مركبا مؤلفا فسموا أعظم التعطيل بِأَحْسَن الْأَسْمَاء وَهُوَ التَّوْحِيد وَسموا أصح الْأَشْيَاء وأحقها بالثبوت وَهُوَ صِفَات الرب بأقبح الْأَسْمَاء وَهُوَ التَّرْكِيب والتأليف فتولد من بَين هَذِه التَّسْمِيَة الصَّحِيحَة للمعنى الْبَاطِل جحد حقائق أَسمَاء الرب وَصِفَاته بل وَجحد ماهيته وذاته وَتَكْذيب رسله وَنَشَأ من نَشأ على اصطلاحهم مَعَ إعراضه عَن استفادة الْهدى وَالْحق من الْوَحْي فَلم يعرف سوى الْبَاطِل الَّذِي اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فجعلوه أصلا لدينِهِ فَلَمَّا رأى مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل بعارضه قَالَ إِذا تعَارض الْعقل وَالنَّقْل قدم الْعقل انْتهى كَلَامه قَوْله بل نفس آدم عِنْدهم عين الْمحَال أَي أَن نوع الانسان لم يزل وَلَا يزَال فَلَا بداية لَهُ وَلَا نِهَايَة فَلم يُوجد آدم فضلا عَن أَن يكون النَّوْع الانساني نَسْلًا لَهُ قَوْله والشرك عِنْدهم ثُبُوت الذَّات والأوصاف الخ أَي أَنهم يَقُولُونَ إِذا أثبتنا ذاتا وصفات ووجودا لزم التَّرْكِيب فَلهَذَا نَفينَا اثْنَيْنِ بالبرهان فَيبقى الْوُجُود فَقَط فوجود الرب عِنْدهم وجود مُطلق كَمَا تقدم ذَلِك فِي كَلَام النَّاظِم وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فصل فِي النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع التَّوْحِيد لأهل الالحاد ... هَذَا وَثَانِيها فتوحيد ابْن سبعين وشيعته أولي الْبُهْتَان ... كل اتحادي خَبِيث عِنْده ... معبوده موطوؤه الحقان ... توحيدهم إِن الْإِلَه هُوَ الوجو ... د الْمُطلق المثبوت فِي الْأَعْيَان هُوَ عينهَا لَا غير هَا مَا هَاهُنَا ... رب وَعبد كَيفَ يفترقان لَكِن وهم العَبْد ثمَّ خياله فِي ذِي الْمظَاهر ظَاهر دَائِما يلجان ... فلذاك حكمهمَا عَلَيْهِ نَافِذ ... فَابْن الطبيعة ظَاهر النُّقْصَان ... فاذا تجرد علمه عَن حسه ... وخياله بل ثمَّ تجريدان تجريده عَن عقله أَيْضا فان الْعقل لَا يُدْنِيه من ذَا الشان ... بل يخرق الْحجب الكثيفة كلهَا ... وهما وحسا ثمَّ عقل وان ... فالوهم مِنْهُ وحسه وخياله ... وَالْعلم والمعقول فِي الاذهان حجب على ذَا الشان فاخرقها والا ... كنت محجوبا عَن الْعرْفَان هداوأكثفها حجاب الْحس والمعقول ذَانك صَاحب الْفرْقَان ... فهناك صرت موحدا حَقًا ترى ... هَذَا الْوُجُود حَقِيقَة الديَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 .. والشرك عِنْدهم فتنويع الوجو ... د وَقَوْلنَا إِن الْوُجُود اثْنَان ... وَاحْتج يَوْمًا بِالْكتاب عَلَيْهِم ... شخص فَقَالُوا الشّرك فِي الْقُرْآن لكنما التَّوْحِيد عِنْد الْقَائِلين بالاتحاد فهم اولو الْعرْفَان ... رب وَعبد كَيفَ ذَاك وانما ال ... مَوْجُود فَرد مَاله من ثَان ... هَذَا هُوَ النَّوْع الثَّانِي من انواع التَّوْحِيد للملحدين وَهُوَ تَوْحِيد الوجودية الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود لعنهم الله تَعَالَى وَقد بَينا مذاهبهم عِنْد ذكر ركبهمْ فِي اول هَذَا النّظم ونشير الى ذَلِك هُنَا بعض الاشارة فالتوحيد عِنْدهم كَمَا قَالَ النَّاظِم إِن الاله هُوَ الْوُجُود الْمُطلق الثُّبُوت فِي الْأَعْيَان وَإنَّهُ عينهَا لَا غَيرهَا وَإنَّهُ لَيْسَ ثمَّ عبد وَرب بل الرب هُوَ العَبْد وَالْعَبْد هُوَ الرب كَمَا قَالَ صَاحب الفتوحات المكية فِي أَولهَا ... الرب حق وَالْعَبْد حق ... ياليت شعري من الْمُكَلف ... إِن قلت عبد فَذَاك ميت ... أَو قلت رب أَنى يُكَلف ... قَالُوا وَلَكِن الْوَهم والخيال يلجآن دَائِما فِي الْمظَاهر فاذا تجرد الانسان عَن الْعلم وَالْعقل والحس وَالوهم والخيال حصل لَهُ هَذَا الْعرْفَان وأكثفها حجاب الْحس والمعقول فاذا خرق هَذِه الْحجب صَار موحدا حَقًا يرى هَذَا الْوُجُود حَقِيقَة الديَّان تَعَالَى الله عَن إفْك الزائغين والملحدين علوا كَبِيرا قَوْله وَاحْتج يَوْمًا بِالْكتاب عَلَيْهِم الخ الَّذِي قَالَ هَذَا الْكَلَام هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 الْعَفِيف التلمساني لَعنه الله تَعَالَى فقد ذكر شيخ الاسلام والذهبي وَغَيرهمَا عَنهُ أَنه لما قَرَأَ الفصوص قيل لَهُ الْقُرْآن يُخَالف فصوصكم فَقَالَ الْقُرْآن كُله شرك وَإِنَّمَا التَّوْحِيد فِي كلامنا فَقيل لَهُ فَمَا بَال نِكَاح الْبِنْت وَالْأُخْت وَالأُم حرَام فَقَالَ هُوَ عندنَا حَلَال وَلَكِن هَؤُلَاءِ المحجوبون قَالُوا حرَام فَقُلْنَا حرَام عَلَيْكُم نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه وأليم عِقَابه والشرك عِنْد هَؤُلَاءِ هُوَ تنويع الْوُجُود وَأَن قَالَ الْوُجُود اثْنَان فصل فِي النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع التَّوْحِيد لأهل الالحاد ... هَذَا وَثَالِثهَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد الجهم تَعْطِيل بِلَا إِيمَان ... نفي الصِّفَات مَعَ الْعُلُوّ كَذَاك نفي كَلَامه بِالْوَحْي وَالْقُرْآن فالعرش لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء بتة ... لكنه خلو من الرَّحْمَن مَا فَوْقه رب يطاع وَلَا عَلَيْهِ للورى من خَالق رَحْمَن ... بل حَظّ عرش الرب عِنْد فريقهم ... مِنْهُ كحظ الْأَسْفَل التحتاني ... فَهُوَ الْمُعَطل عَن نعوت كَمَاله ... وَعَن الْكَلَام وَعَن جَمِيع معَان وَانْظُر الى مَا قد حكينا عَنهُ فِي ... مبدأ القصيد حِكَايَة التِّبْيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 .. هَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد فريقهم ... تلو الفحول مقدمي الْبُهْتَان والشرك عِنْدهم فاثبات الصَّفَا ... ت لربنا وَنِهَايَة الكفران إِن كَانَ شركا ذَا وكل الرُّسُل قد ... جاؤوا بِهِ يَا خيبة الانسان ... هَذَا وَثَالِثهَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد الجهم تَعْطِيل بِلَا إِيمَان وَقد تقدم شرح مَذْهَبهم وَأَتْبَاعه فِي الصِّفَات والعلو وَالْقُرْآن مِمَّا أغْنى عَن إِعَادَته فِي اول هَذَا النّظم فصل فِي النَّوْع الرَّابِع من أَنْوَاعه ... هَذَا وَرَابِعهَا فتوحيد لَدَى ... جبريهم هُوَ غَايَة الْعرْفَان العَبْد ميت مَاله فعل وَلَكِن مَا ترى هُوَ فعل ذِي السُّلْطَان ... وَالله فَاعل فعلنَا من طَاعَة ... وَمن الفسوق وَسَائِر الْعِصْيَان ... هِيَ فعل رب الْعَالمين حَقِيقَة ... لَيست بِفعل قطّ للْإنْسَان فَالْعَبْد ميت وَهُوَ مجبور على ... أَفعاله كالميت فِي الأكفان وَهُوَ الملوم على فعال إلهه ... فِيهِ وداخل جاحم النيرَان يَا ويحة الْمِسْكِين مظلوم يرى ... فِي صُورَة العَبْد الظلوم الْجَانِي لَكِن نقُول بِأَنَّهُ هُوَ ظَالِم ... فِي نَفسه أدبا مَعَ الرَّحْمَن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 .. هَذَا هُوَ التَّوْحِيد عِنْد فريقهم ... من كل جبري خَبِيث جنان وَالْكل عِنْد غلاتهم طاعاتنا ... مَا ثمَّ فِي التَّحْقِيق من عصيان والشرك عِنْدهم اعتقادك فَاعِلا ... غير الْإِلَه الْمَالِك الديَّان فَانْظُر الى التَّوْحِيد عِنْد الْقَوْم مَا ... فِيهِ من الْإِشْرَاك والكفران مَا عِنْدهم وَالله شَيْء غَيره ... هاتيك كتبهمْ بِكُل مَكَان أَتَرَى أَبَا جهل وشيعته رؤوه ... من خَالق ثَان لذِي الأكوان أم كلهم جمعا أقرُّوا أَنه ... هُوَ وَحده الخلاق للانسان فاذا ادعيتم أَن هَذَا غَايَة التَّوْحِيد صَار الشّرك ذَا بطلَان ... فَالنَّاس كلهم أقرُّوا أَنه ... هُوَ وَحده الخلاق لَيْسَ اثْنَان ... إِلَّا الْمَجُوس فانهم قَالُوا بِأَن الشّرك خالقه إِلَه ثَان ... وَقد تقدم الْكَلَام فِي ذَلِك أول هَذَا الشَّرْح بِمَا أغْنى عَن الاعادة فصل فِي تَوْحِيد الانبياء وَالْمُرْسلِينَ ومخالفته لتوحيد الْمَلَاحِدَة والمعطلين ... فاسمع إِذا تَوْحِيد رسل الله ثمَّ اجْعَلْهُ دَاخل كفة الْمِيزَان ... مَعَ هَذِه الْأَنْوَاع وَانْظُر أَيهَا ... اولى لَدَى الْمِيزَان بالرجحان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 .. توحيدهم نَوْعَانِ قولي وفعلي كلا نوعيه ذُو برهَان ... فَالْأول القولي ذُو نَوْعَيْنِ أَيْضا فِي كتاب الله موجودان إِحْدَاهمَا سلب وَذَا نَوْعَانِ أَيْضا فِي كتاب الله مذكوران ... سلب النقائص والعيوب جَمِيعهَا ... عَنهُ هما نَوْعَانِ معقولان ... سلب لمتصل ومنفصل هما ... نَوْعَانِ معروفان أما الثَّانِي ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي بَيَان تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَذكر أَنه نَوْعَانِ قولي وفعلي ثمَّ ذكر أَن القولي نَوْعَانِ أَيْضا فِي الْقُرْآن أَحدهمَا سلب وَهُوَ نَوْعَانِ أَيْضا سلب النقائص والعيوب وَهُوَ نَوْعَانِ أَيْضا أَحدهمَا سلب النقائص والعيوب الْمُتَّصِلَة وَالثَّانِي سلب النقائص والعيوب الْمُنْفَصِلَة وَأَشَارَ بقوله أما الثَّانِي الى سلب النقائص والعيوب الْمُنْفَصِلَة فَقَالَ ... سلب الشَّرِيك مَعَ الظهير مَعَ الشَّفِيع بِدُونِ إِذن الْمَالِك الديَّان ... وَهَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله لَا يملكُونَ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض وَمَا لَهُم فيهمَا من شرك وَمَا لَهُ مِنْهُم من ظهير وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ} سبأ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وكذاك سلب الزَّوْج وَالْولد الَّذِي ... نسبوا اليه عابدو الصلبان ... وكذاك نفي الْكَفّ أَيْضا وَالْوَلِيّ ... لنا سوى الرَّحْمَن ذِي الغفران ... أَي وَمن الْعُيُوب الْمُنْفَصِلَة سلب الزَّوْج عَنهُ تَعَالَى وَالْولد اما نفي الزَّوْج وَالْولد فَفِي قَوْله تَعَالَى {بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنى يكون لَهُ ولد وَلم تكن لَهُ صَاحِبَة} الْأَنْعَام وَنفي الْوَلَد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} الْآيَة التَّوْبَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} الاخلاص واما نفي الْوَلِيّ فَفِي قَوْله تَعَالَى {أم اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء فَالله هُوَ الْوَلِيّ} الشورى ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم الى سلب النقائص والعيوب الْمُتَّصِلَة بقوله ... وَالْأول التَّنْزِيه للرحمن عَن ... وصف الْعُيُوب وكل ذِي نُقْصَان ... كالموت والإعياء والتعب الَّذِي ... يَنْفِي اقتدار الْخَالِق المنان وَالنَّوْم وَالسّنة الَّتِي هِيَ أَصله ... وعزوب شَيْء عَنهُ فِي الأكوان وَكَذَلِكَ الْعَبَث الَّذِي تنفيه حكمته وَحمد الله ذِي الاتقان ... وكذاك ترك الْخلق إهمالا سدى ... لَا يبعثون الى معاد ثَان ... كلا وَلَا أَمر وَلَا نهي عَلَيْهِم من إِلَه قَادر ديان ... وكذاك ظلم عباده وَهُوَ الْغَنِيّ ... فَمَا لَهُ وَالظُّلم للانسان وكذاك غفلته تَعَالَى وَهُوَ علام الغيوب فَظَاهر الْبطلَان ... وَكَذَلِكَ النسْيَان جلّ إلهنا ... لَا يَعْتَرِيه قطّ من نِسْيَان ... وكذاك حَاجته الى طعم ورز ... ق وَهُوَ رزاق بِلَا حسبان ... وَذَلِكَ ظَاهر فِي كتاب الله تَعَالَى أما سلب الْمَوْت فَفِي قَوْله تَعَالَى {وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت} الْفرْقَان الْآيَة وَأما الإعياء والتعب فَفِي قَوْله {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} فاطر وَهُوَ التَّعَب والاعياء وَأما النّوم وَالسّنة فَفِي قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} الْبَقَرَة والعبث كَمَا فِي قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} الْمُؤْمِنُونَ واما ترك الْخلق هملا فَفِي قَوْله تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} الْقِيَامَة وَأما نفي الظُّلم فَفِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا} يُونُس الْآيَة وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة} النِّسَاء وَأما نفي النسْيَان والغفلة فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} مَرْيَم وَأما نفي الطّعْم فَفِي قَوْله تَعَالَى {قل أغير الله أَتَّخِذ وليا فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ يطعم وَلَا يطعم} الْأَنْعَام وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين} الذاريات ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي السَّلب فَقَالَ ... هَذَا وَثَانِي نَوْعي السَّلب الَّذِي ... هُوَ أول الْأَنْوَاع فِي الاوزان ... أَي فِي قَوْله فِي اول الْفَصْل إِحْدَاهمَا سلب وَذَا نَوْعَانِ فَذكر الأول وَهُوَ سلب النقائص والعيوب ثمَّ ذكر الثَّانِي بقوله هَذَا وَثَانِي نَوْعي السَّلب الخ ... تَنْزِيه اوصاف الْكَمَال لَهُ عَن التَّشْبِيه والتمثيل والنكران ... لسنا نشبه وَصفه بصفاتنا ... ان الْمُشبه عَابِد الْأَوْثَان ... كلا وَلَا نخليه من أَوْصَافه ... إِن الْمُعَطل عَابِد الْبُهْتَان من مثل الله الْعَظِيم بخلقه ... فَهُوَ النسيب لِمُشْرِكٍ نَصْرَانِيّ أَو عطل الرَّحْمَن من أَوْصَافه ... فَهُوَ الكفور وَلَيْسَ ذَا إِيمَان ... هَذَا هُوَ الثَّانِي من نَوْعي السَّلب وَهُوَ تَنْزِيه صِفَات الرب تَعَالَى الَّتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وصف بهَا نَفسه اَوْ وَصفه بهَا رَسُوله عَن التَّشْبِيه والتمثيل وَعَن التحريف والتعطيل بل ثبتَتْ إِثْبَاتًا بِلَا تَشْبِيه وينزه تَنْزِيها بِلَا تَعْطِيل كَمَا قَالَ نعيم ابْن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ من شبه الله بخلقه فقد كفر وَمن جحد مَا وصف الله بِهِ نَفسه فقد كفر وَلَيْسَ مَا وصف الله بِهِ نَفسه وَلَا مَا وَصفه رَسُوله بِهِ تَشْبِيها قَوْله فَهُوَ النسيب الخ قَالَ فِي الْقَامُوس النّسَب وَالنِّسْبَة بِالْكَسْرِ الْقَرَابَة والمناسبة المشاكلة انْتهى وَالْمرَاد هُنَا المشاكلة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي النَّوْع الثَّانِي من النَّوْع الأول وَهُوَ الثُّبُوت أَي من نَوْعي التَّوْحِيد القولي الَّذِي ذكره أول الْفَصْل ... هَذَا وَمن توحيدهم إِثْبَات أَو ... صَاف الْكَمَال لربنا الرَّحْمَن كعلوه سُبْحَانَهُ فَوق السَّمَاوَات العلى بل فَوق كل مَكَان ... فَهُوَ الْعلي بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... إِذْ يَسْتَحِيل خلاف ذَا بِبَيَان ... وَهُوَ الَّذِي حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى ... قد قَامَ بِالتَّدْبِيرِ للأكوان حَيّ مُرِيد قَادر مُتَكَلم ... ذُو رَحْمَة وَإِرَادَة وحنان هُوَ اول هُوَ آخر هُوَ ظَاهر ... هُوَ بَاطِن هِيَ أَربع بوزان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 .. مَا قبله شَيْء كَذَا مَا بعده ... شَيْء تَعَالَى ذُو السُّلْطَان مَا فَوْقه شَيْء كَذَا مَا دونه ... شَيْء وَذَا تَفْسِير ذِي الْبُرْهَان فَانْظُر الى تَفْسِيره بتدبر ... وتبصر وتعقل لمعان وَانْظُر إِلَى مَا فِيهِ من أَنْوَاع معرفَة لخالقنا الْعَظِيم الشان ... وَهُوَ الْعلي فَكل أَنْوَاع الْعُلُوّ لَهُ فثابتة لَهُ بِلَا نكران ... تقدم الْكَلَام على مَعَاني هَذِه الأبيات قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَهُوَ الْعَظِيم بِكُل معنى يُوجب التَّعْظِيم لَا يُحْصِيه من إِنْسَان ... وَهُوَ الْجَلِيل فَكل أَوْصَاف الجلا ... ل لَهُ مُحَققَة بِلَا بطلَان ... وَهُوَ الْجَمِيل على الْحَقِيقَة كَيفَ لَا ... وجمال سَائِر هَذِه الأكوان من بعض آثَار الْجَمِيل فربها ... أولى وأجدر عِنْد ذِي الْعرْفَان فجماله بِالذَّاتِ والأوصاف وَالْأَفْعَال والأسماء بالبرهان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذِه الْفُصُول كثيرا من اسماء الرب سُبْحَانَهُ وَقد أفرد الْعلمَاء للْكَلَام على مَعَانِيهَا مصنفات مَعْرُوفَة ككتاب الْكَلَام على أَسمَاء الله الْحسنى للناظم والأسنى فِي شرح أَسمَاء الله الْحسنى للشَّيْخ أبي عبد الله الْقُرْطُبِيّ وَالْإِمَام ابي حَامِد الْغَزالِيّ وَشرح الْأَسْمَاء الحسني للحليمي وَشرح اسماء الله الْحسنى لأبي حَكِيم ابْن برجان وَشرح اسماء الله الْحسنى لِلْحَافِظِ ابي بكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 .. لَا شَيْء يشبه ذَاته وَصِفَاته ... سُبْحَانَهُ عَن إفْك ذِي الْبُهْتَان ... وَهُوَ الْمجِيد صِفَاته أَوْصَاف تَعْظِيم فشأن الْوَصْف أعظم شان وَهُوَ السَّمِيع يرى وَيسمع كل مَا ... فِي الْكَوْن من سر وَمن إعلان وَلكُل صَوت مِنْهُ سمع حَاضر ... فالسر والإعلان مستويان والسمع مِنْهُ وَاسع الْأَصْوَات لَا ... يخفى بعيدها والداني وَهُوَ الْبَصِير يرى دَبِيب النملة السَّوْدَاء تَحت الصخر والصوان ... وَيرى خيانات الْعُيُون بلحظها ... وَيرى كَذَاك تقلب الأجفان وَهُوَ الْعَلِيم أحَاط علما بِالَّذِي فِي الْكَوْن من سر وَمن اعلان ... وَبِكُل شَيْء علمه سُبْحَانَهُ ... فَهُوَ الْمُحِيط وَلَيْسَ ذَا نِسْيَان ... وكذاك يعلم مَا يكون غَدا وَمَا ... قد كَانَ وَالْمَوْجُود فِي ذَا الْآن وكذاك أَمر لم يكن لَو كَانَ كَيفَ يكون ذَاك الامر ذَا إِمْكَان ... فصل ... وَهُوَ الحميد فَكل حمد وَاقع ... أَو كَانَ مَفْرُوضًا مدى الْأَزْمَان ... مَلأ الْوُجُود جمعيه وَنَظِيره ... من غير مَا عدا وَلَا حسبان ... هُوَ أَهله سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ ... كل المحامد وصف ذِي الاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَدَائِع الْفَوَائِد تَنْبِيهَات الاول مَا يجْرِي صفة اَوْ خَبرا على الرب تبَارك وَتَعَالَى أَقسَام احدها مَا يرجع الى نفس الذَّات كَقَوْلِك ذَات وَوُجُود وَشَيْء الثَّانِي مَا يرجع الى صِفَات معنوية كالعليم والقدير والسميع والبصير الثَّالِث مَا يرجع إِلَى افعاله نَحْو الْخَالِق والرازق الرَّابِع مَا يرجع الى التَّنْزِيه الْمَحْض وَلَا بُد من تضمنه ثبوتا اذ لَا كَمَال فِي الْعَدَم الْمَحْض كالقدوس السَّلَام الْخَامِس مَا دلّ على جملَة اوصاف عديدة لَا تخْتَص بِصفة مُعينَة بل هُوَ دَال على معَان نَحْو الْمجِيد الْعَظِيم الصَّمد فان الْمجِيد من اتّصف بِصِفَات مُتعَدِّدَة من صِفَات الْكَمَال وَلَفظه يدل على هَذَا فانه مَوْضُوع للسعة وَالْكَثْرَة وَالزِّيَادَة وَمِنْه قَوْلهم فِي كل شَجَرَة نَار واستمجد المرخ والعفار وامجد النَّاقة علفا وَمِنْه رب الْعَرْش الْمجِيد لسعة الْعَرْش وعظمته والعظيم من اتّصف بِصِفَات كَثِيرَة من صِفَات الْكَمَال وَكَذَلِكَ الصَّمد السَّادِس صفة تحصل من اقتراب اُحْدُ الاسمين والوصفين بِالْآخرِ وَذَلِكَ قدر زَائِد على مفرديهما نَحْو الْغَنِيّ الْعَفو الْقَدِير الحميد الْمجِيد وَنَحْو ذَلِك فان الْغَنِيّ من صِفَات الْكَمَال وَالْحَمْد كَذَلِك واجتماع الْغنى مَعَ الْحَمد كَمَال آخر فَلهُ ثَنَاء من غناهُ وثناء من حَمده وثناء من اجْتِمَاعهمَا وَكَذَلِكَ نظائرها وَأما صِفَات السَّلب الْمَحْض فَلَا تدخل فِي أَوْصَافه تَعَالَى الا ان تكون متضمنة لثُبُوت كالأحد المتضمن لسلامته من كل نقص وبراءته من كل مَا يضاد كَمَاله وَكَذَلِكَ الاخبار عَنهُ بالسلوب إِنَّمَا هُوَ لتضمنها ثبوتا كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} الْبَقَرَة فانه مُتَضَمّن لكَمَال حَيَاته وقيوميته وَكَذَلِكَ قَوْله {وَمَا مسنا من لغوب} فاطر مُتَضَمّن لكَمَال قدرته وَكَذَلِكَ قَوْله {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 يُونُس مُتَضَمّن لكَمَال علمه ونظائر ذَلِك الثَّانِي يجب ان يعلم مَا يدْخل فِي بَاب الاخبار عَنهُ تَعَالَى أوسع مِمَّا يدْخل فِي بَاب أَسْمَائِهِ وَصِفَاته كالشيء وَالْمَوْجُود والقائم بِنَفسِهِ فان هَذَا يخبر بِهِ عَنهُ وَلَا يدْخل فِي أَسْمَائِهِ الْحسنى وَصِفَاته العلى الثَّالِث اسماؤه الْحسنى اعلام واوصاف فالوصف فِيهَا لَا يُنَافِي العلمية وَهَذَا بِخِلَاف أَوْصَاف الْعباد ثمَّ إِن الِاسْم من أَسْمَائِهِ لَهُ دلالات دلَالَة على الذَّات وَالصّفة بالمطابقة وَدلَالَة على احداهما بالتضمن وَدلَالَة على الصّفة الْأُخْرَى باللزوم ولأسمائه الْحسنى اعتباران احدهما من حَيْثُ الذَّات وَالثَّانِي من حَيْثُ الصِّفَات فَهِيَ بِالِاعْتِبَارِ الأول مترادفة وبالاعتبار الثَّانِي متباينة انْتهى كَلَامه وَهُوَ كَلَام نَفِيس جدا آثرت نَقله لنفاسته قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... وَهُوَ المكلم عَبده مُوسَى بِتَكْلِيم الْخطاب وَقَبله الأبوان ... كَلِمَاته جلت عَن الاحصاء والتعداد بل عَن حصر ذِي الحسبان لَو أَن أَشجَار الْبِلَاد جَمِيعهَا ال اقلام تَكْتُبهَا بِكُل بنان ... وَالْبَحْر تلقى فِيهِ سَبْعَة أبحر ... لكتابة الْكَلِمَات كل زمَان ... نفدت وَلم تنفد بهَا كَلِمَاته ... لَيْسَ الْكَلَام من الاله بفان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 .. وَهُوَ الْقَدِير وَلَيْسَ يعجزه اذا ... مَا رام شَيْئا قطّ ذُو سُلْطَان وَهُوَ الْقوي لَهُ القوى جمعا تَعَالَى رب ذِي الأكوان والأزمان ... وَهُوَ الْغَنِيّ بِذَاتِهِ فغناه ذَا ... تي لَهُ كالجود والاحسان ... وَهُوَ الْعَزِيز فَلَنْ يرام جنابه ... أَنى يرام جناب ذِي السُّلْطَان وَهُوَ الْعَزِيز القاهر الغلاب لم ... يغلبه شَيْء هَذِه صفتان وَهُوَ الْعَزِيز بِقُوَّة هِيَ وَصفه ... فالعز حِينَئِذٍ ثَلَاث معَان وَهِي الَّتِي كملت لَهُ سُبْحَانَهُ ... من كل وَجه عادم النُّقْصَان ... قد شرح النَّاظِم رَحمَه الله جَمِيع هَذِه الأبيات فِي نفس النّظم بِمَا هُوَ وَاضح قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَهُوَ الْحَكِيم وَذَاكَ من اوصافه نَوْعَانِ أَيْضا مَا هما عدمان ... حكم واحكام فَكل مِنْهُمَا ... نَوْعَانِ أَيْضا ثَابتا الْبُرْهَان ... وَالْحكم شَرْعِي وكوني وَلَا ... يتلازمان وَمَا هما سيان بل ذَاك يُوجد دون هَذَا مُفردا ... وَالْعَكْس أَيْضا ثمَّ يَجْتَمِعَانِ لن يَخْلُو المربوب من إِحْدَاهمَا ... أَو مِنْهُمَا بل لَيْسَ ينتفيان لكنما الشَّرْعِيّ مَحْبُوب لَهُ ... أبدا وَلنْ يَخْلُو من الأكوان هُوَ أمره الديني جَاءَت رسله ... بقيامه فِي سَائِر الْأَزْمَان لكنما الكوني فَهُوَ قَضَاؤُهُ ... فِي خلقه بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 .. هُوَ كُله حق وَعدل ذُو رضى ... والشأن فِي الْمقْضِي كل الشان فلذاك نرضى بِالْقضَاءِ ونسخط الْمقْضِي حِين يكون بالعصيان ... فَالله يرضى بِالْقضَاءِ ويسخط الْمقْضِي مَا الْأَمْرَانِ متحدان فقضاؤه صفة بِهِ قَامَت وَمَا الْمقْضِي الا صنعه الْإِنْسَان ... والكون مَحْبُوب ومبغوض لَهُ ... وَكِلَاهُمَا بِمَشِيئَة الرَّحْمَن ... هَذَا الْبَيَان يزِيل لبسا طالما ... هَلَكت عَلَيْهِ النَّاس كل زمَان وَيحل مَا قد عقدوا بأصولهم ... وبحوثهم فافهمه فهم بَيَان من وَافق الكوني وَافق سخطه ... أفلم يُوَافق طَاعَة الديَّان فلذاك لَا يعدوه ذمّ أَو فوا ... ت الْحَمد مَعَ أجر وَمَعَ رضوَان وموافق الديني لَا يعدوه أجر بل لَهُ عِنْد الصَّوَاب اثْنَان ... حَاصِل مَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات أَن الْحَكِيم من أَوْصَافه سُبْحَانَهُ وان ذَاك نَوْعَانِ احدهما حكم وَالثَّانِي احكام ثمَّ ذكر ان الحكم شَرْعِي وكوني وأنهما لَا يتلازمان وَهَذَا لَا يتمشى على أصُول من يَجْعَل محبَّة الرب وَرضَاهُ ومشيئته وَاحِدَة فان من قَالَ كل مَا شاءه الله تَعَالَى وقضاة فقد أحبه ورضيه لَا يحسن مِنْهُ وَلَا عِنْده هَذَا التَّفْصِيل كَمَا لَا يخفى وَأَيْضًا هَذَا إِنَّمَا يَصح عِنْد من جعل الْقَضَاء غير الْمقْضِي وَالْفِعْل غير الْمَفْعُول وَهُوَ مَذْهَب السّلف وَأما من لم يفرق بَينهمَا فَكيف يَصح هَذَا عِنْده قَالَ النَّاظِم فِي شرح منَازِل السائرين إِنَّمَا نَشأ الاشكال من جعلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 الْمَشِيئَة نفس الْمحبَّة ثمَّ زادوه بجعلهم الْفِعْل نفس الْمَفْعُول وَالْقَضَاء عين الْمقْضِي فَنَشَأَ من ذَلِك إلزامهم بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَاضِيا محبا لذَلِك وَالْتزم رضاهم بِهِ وَالَّذِي يكْشف هَذِه الْغُمَّة وينجي من هَذِه الورطة التَّفْرِيق بَين مَا فرق الله بَينه وَهُوَ الْمَشِيئَة والمحبة فليسا وَاحِدًا وَلَا هما متلازمان بل قد يَشَاء مَا لَا يُحِبهُ وَيُحب مَا لَا يَشَاء كَونه فَالْأول كمشيئته وجود إِبْلِيس وَجُنُوده ومشيئته الْعَامَّة لجَمِيع مَا فِي الْكَوْن مَعَ بغضه لبعضه وَالثَّانِي كمحبة إِيمَان الْكفَّار وطاعات الْفجار وَعدل الظَّالِمين وتوبة الْفَاسِقين وَلَو شَاءَ ذَلِك لوجد كُله فانه مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَإِذا تقرر هَذَا الأَصْل ان الْفِعْل غير الْمَفْعُول وَالْقَضَاء غير الْمقْضِي وان الله جلّ شَأْنه لم يَأْمر عباده بالرضى بِكُل مَا خلقه وشاءه وَقد زَالَت الشُّبُهَات وانحلت الاشكالات إِذا عرف هَذَا فالرضى بِالْقضَاءِ الديني الشَّرْعِيّ وَاجِب وَهُوَ أساس الاسلام وَقَاعِدَة الايمان فَيجب على العَبْد ان يكون رَاضِيا بِهِ بِلَا حرج وَلَا مُنَازعَة وَلَا مُعَارضَة وَلَا اعْتِرَاض قَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} النِّسَاء فأقسم الله تَعَالَى أَنهم لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يحكموا رَسُوله ويرتفع الْحَرج من نُفُوسهم من حكمه ويسلموا لحكمه وَهَذَا حَقِيقَة الرضى بِحكمِهِ فالتحكيم فِي مقَام الاسلام وَانْتِفَاء الْحَرج فِي مقَام الايمان وَالتَّسْلِيم فِي مقَام الاحسان وَمَتى خالطت الْقلب بشاشة الايمان واكتحلت بصيرته بِحَقِيقَة الْيَقِين وحيي بِروح الْوَحْي وتمهدت طَبِيعَته وانقلبت النَّفس الامارة مطمئنة راضية وَادعَة وتلقى الاسلام بصدر منشرح فقد رَضِي كل الرضى بِهَذَا الْقَضَاء المحبوب لله وَرَسُوله انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 .. وَقد أَحْبَبْت ان اذكر هُنَا الأبيات الَّتِي أظهرها بعض الزَّنَادِقَة على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَبَعض جَوَاب شيخ الاسلام عَنْهَا وَقد ذكرهَا الْحَافِظ مُحَمَّد ابْن عبد الْهَادِي فِي مَنَاقِب الشَّيْخ وَذكرهَا ابْن السُّبْكِيّ فِي طبقاته قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ وَلما ظهر السُّؤَال الَّذِي أظهره بعض الْمُعْتَزلَة وكتم اسْمه وَجعله على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَهُوَ ... أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ ... تحير دلوه بأوضح حجَّة إِذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم ... وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي دَعَاني وسد الْبَاب عني فَهَل إِلَى ... دخولي سَبِيل بينوا لي قضيتي قضا بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا ... فَمَا أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي فَإِن كنت بالمقضي يَا قوم رَاضِيا ... فربي لَا يرضى بشؤم شكيتي وَهل لي رضى مَا لَيْسَ يرضاه سَيِّدي ... فقد حرت دلوني على كشف حيرتي إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة ... فَهَل أَنا عَاص فِي اتِّبَاع الْمَشِيئَة وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حكمه ... فبالله فاشفوا بالبراهين علتي ... قَالَ أجَاب الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ الشَّافِعِي فَقَالَ ... أيا عَالما أبدى دَلَائِل حيرة ... يروم اهتداء من أهيل فَضِيلَة لقد سرني أَن كنت للحق طَالبا ... عَسى نفحة للحق من سحب رَحْمَة فبالحق نيل الْحق فالجأ بِبَابِهِ ... كَأَهل النهى واترك حبائل حِيلَة قضى الله قدما بالضلالة وَالْهدى بقدرة فعال بِأَحْكَم حِكْمَة ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 .. إِذا الْعقل بل تحسينه بعض خلقه ... وَلَيْسَ على الخلاق حكم الخليقة ... وأفعالنا من خلقه كذواتنا ... وَمَا فيهمَا خلق لنا بِالْحَقِيقَةِ ... وَلكنه أجْرى على الْخلق خلقه ... دَلِيل على تِلْكَ الْأُمُور الْقَدِيمَة عرفنَا بِهِ أهل السَّعَادَة والشقا ... كَمَا شاءه فِينَا بمحض الْمَشِيئَة لِبَاس أَثوَاب جعلن أَمارَة ... على حالتي حب وَسخط لرؤية تصاريفه فِينَا تصاريف مَالك ... سما عَن سُؤال الكيف والسببية أمات وأحيى ثمَّ صَار معافيا ... وقبح تَحْسِين الْعُقُول الضعيفة فَكُن رَاضِيا نفس الْقَضَاء وَلَا تكن ... بمقضي كفر رَاضِيا ذَا خَطِيئَة وتكليفنا بِالْأَمر وَالنَّهْي قَاطع ... بأعذارنا فِي يَوْم بعث البربة فَعبر بسد أَو بِفَتْح وعد عَن ... ضَلَالَة تشكيك بأوضح حجَّة وَقد بَان وَجه الامر وَالنَّهْي وَاضحا ... وَلَا شكّ فِيهِ بل وَلَا وهم شُبْهَة ... قلت هَذَا الْجَواب مَبْنِيّ على انكار التحسين والتقبيح العقليين كَمَا هُوَ مَذْهَب الأشاعرة وَمن وافقهم من اصحاب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأهل الحَدِيث وَغَيرهم وَأجَاب شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ ... سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند ... تخاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّة وَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ العلى ... قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البلية ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 .. وأصل ضلال الْخلق من كل فرقة ... هُوَ الْخَوْض فِي فعل الاله بعلة فان جَمِيع الْكَوْن أوجب فعله ... مَشِيئَة رب الْعَرْش باري الخليقة وَذَات إِلَه الْخلق وَاجِبَة بِمَا ... لَهَا من صِفَات وَاجِبَات قديمَة فقولك لم قد شَاءَ مثل سُؤال من ... يَقُول فَلم قد كَانَ فِي الأزلية وَذَاكَ سُؤال يبطل الْعقل وَجهه ... وتحريمه قد جَاءَ فِي كل شرعة وَفِي الْكَوْن تَخْصِيص كثير يدل من ... لَهُ نوع عقل أَنه بارادة وإصداره عَن وَاحِد بعد وَاحِد ... أَو القَوْل بالتجويز رمية حيرة وَلَا ريب فِي تَعْلِيق كل مسبب بِمَا قبله من عِلّة موجبية ... بل الشَّأْن فِي الْأَسْبَاب أَسبَاب مَا ترى ... وإصدارها عَن حكم مَحْض الْمَشِيئَة ... وقولك لم شَاءَ الاله هُوَ الَّذِي ... ازل عقول الْخلق فِي قَعْر حُفْرَة فان الْمَجُوس الْقَائِلين بخالق ... لنفع وَرب مبدع للمضرة سُؤَالهمْ عَن عِلّة الشَّرّ أوقعت ... رؤوسهم فِي شُبْهَة المثنوية وَإِن ملاحيد الفلاسفة الألى ... يَقُولُونَ بِالْفِعْلِ الْقَدِيم بعلة بغواعله للكون بعد انعدامه ... فَلم يَجدوا ذَا كم فضلوا بضلة وَإِن مباديء الشَّرّ فِي كل أمة ... ذَوي مِلَّة مَيْمُونَة نبوية بخوضهم فِي ذاكم صَار شركهم ... وَجَاء دروس الْبَينَات لفترة وَيَكْفِيك نقضا أَن مَا قد سَأَلته ... من الْعذر مَرْدُود لَدَى كل فطْرَة ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 .. وهبك كَفَفْت اللوم عَن كل كَافِر ... وكل غوي خَارج عَن محجة فيلزمك الْإِعْرَاض عَن كل ظَالِم ... من النَّاس فِي نفس وَمَال وَحُرْمَة فَلَا تغضبن يَوْمًا على سافك دَمًا ... وَلَا سَارِق مَالا لصَاحب فاقة وَلَا شاتم عرضا مصونا وان علا ... وَلَا ناكح فرجا على وَجه غية وَلَا قَاطع للنَّاس نهج سبيلهم ... وَلَا مُفسد فِي الأَرْض من كل وجهة وَلَا شَاهد بالزور إفكا وفرية ... وَلَا قَاذف للمحصنات بريبة وَلَا مهلك للحرث والنسل عَامِدًا ... وَلَا حَاكم للْعَالمين برشوة وكف لِسَان اللوم عَن كل مُفسد ... وَلَا تأخذن ذَا جرمة بعقوبة وَسَهل سَبِيل الْكَاذِبين تعمدا ... على رَبهم من كل جَاءَ بفرية وَهل فِي عقول النَّاس أَو فِي طباعهم ... قيول لقَوْل النذل مَا وَجه حيلتي كآكل سم أوجب الْمَوْت أكله ... وكل بِتَقْدِير لرب الْبَريَّة فكفرك يَا هَذَا كسم أَكلته ... وتعذيب نَار مثل جرعة غُصَّة أَلَسْت ترى فِي هَذِه الدَّار من جنى ... يُعَاقب إِمَّا بالقضا أَو بشرعة وَلَا عذر للجاني بِتَقْدِير خَالق ... كَذَلِك فِي الْأُخْرَى بِلَا مثنوية فان كنت ترجو أَن تجاب بِمَا عَسى ... ينجيك من نَار الاله الْعَظِيمَة فدونك رب الْعَرْش فاقصده ضارعا ... مرِيدا لَان يهديك نَحْو الْحَقِيقَة وذلل قياد النَّفس للحق واسمعن ... وَلَا تعرضن عَن فكرة مُسْتَقِيمَة ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 .. وَمَا بَان حق فَلَا تتركنه ... وَلَا تعص من يَدْعُو لأَقوم ريعة وَأما رضانا بِالْقضَاءِ فَإِنَّمَا ... أمرنَا بِأَن نرضى بِمثل الْمُصِيبَة كسقم وفقر ثمَّ ذل وغربة ... وَمَا كَانَ من سوء بِدُونِ جريمة وَأما الأفاعيل الَّتِي كرهت لنا ... فَلَا تَرْتَضِي مسخوطة لمشيئة وَقد قَالَ قوم من أولي الْعلم لَا رضى ... بِفعل الْمعاصِي والذنُوب الكريهة وَقَالَ فريق نرتضي بِقَضَائِهِ وَلَا نرتضي الْمُقْتَضِي لأقبح خلة ... وَقَالَ فريق نرتضي باضافة اليه وَمَا فِينَا فنلقي بسخطه فنرضى من الْوَجْه الَّذِي هُوَ خلقه ونسخط من وَجه اكْتِسَاب بحيلة ... وَأطَال رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ جَوَاب فِي غَايَة النفاسة وَالْوَفَاء بِالْمَقْصُودِ تركنَا نقل جَمِيعه اختصارا قَول النَّاظِم هَذَا الْبَيَان يزِيل لبسا طالما هَلَكت عَلَيْهِ النَّاس الخ أَي إِن هَذَا الَّذِي ذكره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يزِيل جَمِيع الاشكالات فِيهَا قَوْله أَي من وَافق الحكم القدري الكوني وَافق سخطَة الله إِذْ لم يُوَافق الحكم الديني الشَّرْعِيّ فَلَا يعدوه أجر إِن خطأ أَو أَجْرَانِ إِن أصَاب وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل وَالْحكمَة الْعليا على نَوْعَيْنِ أَيْضا حصلا بقواطع الْبُرْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 .. إِحْدَاهمَا فِي خلقه سُبْحَانَهُ ... نَوْعَانِ أَيْضا لَيْسَ يفترقان ... أَحْكَام هَذَا الْخلق إِذْ إيجادة ... فِي غَايَة الإحكام والاتقان ... وصدوره من أجل غايات لَهُ ... وَله عَلَيْهَا حمد كل لِسَان وَالْحكمَة الْأُخْرَى فحكمة شَرعه ... أَيْضا وفيهَا ذَلِك الوصفان غاياتها اللَّاتِي حمدن وَكَونهَا ... أَيْضا وفيهَا الإتقان وَالْإِحْسَان ... قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله لأهل السّنة فِي تَعْلِيل افعال الله تَعَالَى وَأَحْكَامه قَولَانِ وَالْأَكْثَرُونَ على التَّعْلِيل وَالْحكمَة وَهل هِيَ مُنْفَصِلَة عَن الرب لَا تقوم بِهِ أَو قَائِمَة مَعَ ثُبُوت الحكم الْمُنْفَصِل لَهُم فِيهِ أَيْضا قَولَانِ وَهل يتسلسل الحكم أَو لَا يتسلسل أَو يتسلسل فِي الْمُسْتَقْبل دون الْمَاضِي فِيهِ اقوال قَالَ احْتج المثبتون للحكمة وَالْعلَّة بقوله تَعَالَى {من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} الْمَائِدَة وَقَوله كي لَا يكون دولة الْحَشْر وَقَوله {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا} الا لنعلم الْبَقَرَة ونظائرها لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكِيم شرع الْأَحْكَام لحكمة ومصلحة لقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} الْأَنْبِيَاء والاجماع وَاقع على اشْتِمَال الْأَفْعَال على الحكم والمصالح جَوَازًا عِنْد اهل السّنة ووجوبا عِنْد الْمُعْتَزلَة فيفعل مَا يُرِيد بِحِكْمَتِهِ والنافون للحكمة وَالْعلَّة احْتَجُّوا أَنه يلْزم من قدم الْعلَّة قدم الْمَعْلُول وَهُوَ محَال وَمن حدوثها افتقارها الى عِلّة أُخْرَى وَأَنه يلْزم التسلسل وَقد أجلب النَّاظِم وَأَطْنَبَ فِي كِتَابه شرح منَازِل السائرين ومفتاح السَّعَادَة وَغَيرهمَا فمما احْتج بِهِ فِي مِفْتَاح دَار السَّعَادَة قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 تَعَالَى {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون} فَدلَّ على ان هَذَا الحكم بِشَيْء قَبِيح يتنزه الله عَنهُ فَأنكرهُ من جِهَة قبحه فِي نَفسه لَا من جِهَة كَونه انه لَا يكون وَمن هَذَا إِنْكَاره سُبْحَانَهُ على من جوز أَن يتْرك عباده سدى لَا يَأْمُرهُم وَلَا ينهاهم وَلَا يثيبهم وَلَا يعاقبهم وَأَن هَذَا الْحساب بَاطِل وَالله يتعالى عَنهُ لمنافاته لحكمته فَقَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} الْقِيَامَة فَأنْكر سُبْحَانَهُ على من زعم أَنه يتْرك سدى إِنْكَار من جعل فِي الْعقل استقباح ذَلِك واستهجانه وَأَنه لَا يَلِيق أَن ينْسب ذَلِك إِلَى أحكم الْحَاكِمين وَمثله قَوْله تَعَالَى أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم الينا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم الْمُؤْمِنُونَ فنزه نَفسه سُبْحَانَهُ وباعدها عَن هَذَا الحسبان وَأَنه متعال عَنهُ فَلَا يَلِيق بِهِ لقبحه ومنافاته الْحِكْمَة ثمَّ إِنَّه رَحمَه الله بسط القَوْل فِي ذَلِك بسطا كثيرا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْموضع وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... وَهُوَ الْحَيِي فَلَيْسَ يفضح عَبده ... عِنْد التجاهر مِنْهُ بالعصيان لكنه يلقِي عَلَيْهِ ستره ... فَهُوَ الستير وَصَاحب الغفران وَهُوَ الْحَلِيم فَلَا يعاجل عَبده ... بعقوبة ليتوب من عصيان وَهُوَ الْعَفو فعفوه وسع الورى ... لولاه غَار الأَرْض بالسكان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 .. وَهُوَ الصبور على أَذَى أعدائه ... شتموه بل نسبوه للبهتان قَالُوا لَهُ ولد وَلَيْسَ يعيدنا ... شتما وتكذيبا من الْإِنْسَان هَذَا وَذَاكَ بسمعه وبعلمه ... لَو شَاءَ عاجلهم بِكُل هوان لَكِن يعافيهم ويرزقهم وهم ... يؤذونه بالشرك والكفران ... فصل ... وَهُوَ الرَّقِيب على الخواطر واللوا ... حَظّ كَيفَ بالأفعال بالاركان وَهُوَ الحفيظ عَلَيْهِم وَهُوَ الْكَفِيل بحفظهم من كل أَمر عان ... وَهُوَ اللَّطِيف بِعَبْدِهِ ولعبده ... واللطف فِي أَوْصَافه نَوْعَانِ ... إِدْرَاك أسرار الْأُمُور بخبرة ... وَاللَّفْظ عِنْد مواقع الاحسان فيريك عزته ويبدي لَفظه ... وَالْعَبْد فِي الغفلات عَن ذَا الشان ... قَوْله وَهُوَ اللَّطِيف الخ فسر النَّاظِم اللطف فِي أَوْصَافه سُبْحَانَهُ بنوعين من اللطف أَحدهمَا إِدْرَاك اسرار الْأُمُور بخبرة وَالثَّانِي اللطف عِنْد مواقع الاحسان وَهَذَا معنى قَول من فسر اللطف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوصل اليك أربك فِي رفق وَقيل هُوَ الَّذِي لطف عَن ان يدْرك بالكيفية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 فصل ... وَهُوَ الرفيق يحب اهل الرِّفْق بل ... يعطيهم بالرفق فَوق أَمَان وَهُوَ الْقَرِيب وقربه الْمُخْتَص بالداعي وعابده على الايمان ... وَهُوَ الْمُجيب يَقُول من يَدْعُو أجبه أَنا الْمُجيب لكل من ناداني وَهُوَ الْمُجيب لدَعْوَة الْمُضْطَر اذ ... يَدعُوهُ فِي سر وَفِي اعلان وَهُوَ الْجواد فجوده عَم الْوُجُود جَمِيعه بِالْفَضْلِ والاحسان ... وَهُوَ الْجواد فَلَا يخيب سَائِلًا ... وَلَو أَنه من امة الكفران ... وَهُوَ المغيث لكل مخلوقاته ... وَكَذَا يُجيب اغاثة اللهفان ... قَوْله وَهُوَ الْقَرِيب وقربه الْمُخْتَص بالداعي وعابده على الايمان يَعْنِي ان الْقرب الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْبَقَرَة إِن هَذَا الْقرب مُخْتَصّ بالداعي فَهُوَ سُبْحَانَهُ قريب مِمَّن دَعَاهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَكَانُوا يرفعون أَصْوَاتهم بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أربعوا على أَنفسكُم فانكم لَا تدعون أَصمّ وَلَا غَائِبا إِنَّمَا تدعون سميعا قَرِيبا إِن الَّذِي تَدعُونَهُ أقرب الى احدكم من عنق رَاحِلَته وَكَذَلِكَ قَول صَالح عَلَيْهِ السَّلَام وان اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا اليه إِن رَبِّي قريب مُجيب فَقَوله قريب مُجيب مقرون بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار أَرَادَ قريب مُجيب لاستغفار المستغفرين التائبين اليه كَمَا انه رَحِيم ودود وَقد قرن الْقَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 بالمجيب وَمَعْلُوم أَنه لَا يُقَال إِنَّه مُجيب لكل مَوْجُود وانما الاجابة لمن سَأَلَهُ وَدعَاهُ فصل ... وَهُوَ الْوَدُود يُحِبهُمْ وَيُحِبهُ ... أحبابه وَالْفضل للمنان وَهُوَ الَّذِي جعل الْمحبَّة فِي قلو ... بهم وجازاهم بحب ثَان هَذَا هُوَ الاحسان حَقًا لامعا ... وضه وَلَا لتوقع الشكران لَكِن يحب شكورهم وَهُوَ شكورهم ... لَا لاحتياج مِنْهُ للشكران وَهُوَ الشكُور فَلَنْ يضيع سَعْيهمْ ... لَكِن يضاعفه بِلَا حسبان مَا للعباد عَلَيْهِ حق وَاجِب ... هُوَ اوجب الاجر الْعَظِيم الشان كلا وَلَا عمل لَدَيْهِ ضائع ... إِن كَانَ بالاخلاص والاحسان ان عذبُوا فبعدله اَوْ نعموا فبفضله وَالْحَمْد للمنان ... قَوْله وَهُوَ الْوَدُود قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الغفور الْوَدُود} والبروج أَي بَالغ الْمَغْفِرَة لذنوب عباده الْمُؤمنِينَ لَا يفضحهمم بهَا بَالغ الْمحبَّة للمطيعين من أوليائه قَالَ مُجَاهِد الواد لأوليائه فَهُوَ فعول بِمَعْنى فَاعل وَقَالَ ابْن زيد معنى الْوَدُود الرَّحِيم وَقيل الْوَدُود بِمَعْنى المورود أَي يوده عباده الصالحون وَيُحِبُّونَهُ كَذَا قَالَ الْأَزْهَرِي قَالَ وَيجوز أَن يكون فعولًا بِمَعْنى فَاعل أَي يكون محبا لَهُم قَالَ وكلتا الصفتين مدح لِأَنَّهُ جلّ ذكره إِن احب عباده المطيعين فَهُوَ فضل مِنْهُ وَإِن احبه عباده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 العارفون فَلَمَّا تقرر عِنْدهم من كريم إحسانه قَالَ ابْن عَبَّاس الْوَدُود الحبيب قَوْله يحب شكورهم الخ الاول بِفَتْح الشين اسْم فَاعل من شكر يشْكر شكرا فَهُوَ شكور وَالثَّانِي بِضَم الشين مصدر فصل ... وَهُوَ الغفور فَلَو أَتَى بقرابها من غير شرك بل من الْعِصْيَان ... لأتاه بالغفران ملْء قرابها ... سُبْحَانَهُ هُوَ وَاسع الغفران وَكَذَلِكَ التواب من أَوْصَافه ... والتوب فِي أَوْصَافه نَوْعَانِ إِذن بتوبة عَبده وقبولها ... بعد المتاب بمنة المنان ... يُشِير الى الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنة عَن أنس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى يَا ابْن آدم إِنَّك مَا دعوتني ورجوتني غفرت لَك على مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي يَا ابْن آدم لَو بلغت ذنوبك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتني غفرت لَك وَلَا أُبَالِي يَا ابْن آدم إِنَّك لَو أتيتني بقراب الأَرْض خَطَايَا ثمَّ لقيتني لَا تشرك بِي شَيْئا لأتيتك بقرابها مغْفرَة فصل ... وَهُوَ الاله السَّيِّد الصَّمد ... الَّذِي صمدت اليه الْخلق بالاذعان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 .. الْكَامِل الاوصاف من كل الوجو ... هـ كَمَاله مافيه من نُقْصَان ... قَالَ شيخ الاسلام فِي مَسْأَلَة حسن إِرَادَة الله تَعَالَى روينَا من طَرِيق غير وَاحِد كعثمان بن سعيد الدَّارمِيّ وابي جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم فِي تَفْسِير عَليّ ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الصَّمد} قَالَ السَّيِّد الَّذِي كمل فِي سؤدده والشريف الَّذِي قد كمل فِي شرفه والعظيم الَّذِي قد كمل فِي عَظمته والحكيم الَّذِي قد كمل فِي حكمته والغني الَّذِي قد كمل فِي غناهُ والجبار الَّذِي قد كمل فِي جبروته والعالم الَّذِي قد كمل فِي علمه والحليم الَّذِي قد كمل فِي حلمه وَهُوَ الَّذِي قد كمل فِي أَنْوَاع الشّرف والسؤدد وَهُوَ الله عز وَجل هَذِه صفته لَا تنبغي إِلَّا لَهُ لَيْسَ لَهُ كفاء وَلَيْسَ كمثله شَيْء سُبْحَانَ الله الْوَاحِد القهار ... وَكَذَلِكَ القهار من اوصافه ... فالخلق مقهورون بالسلطان لَو لم يكن حَيا عَزِيزًا قَادِرًا ... مَا كَانَ من قهر وَلَا سُلْطَان وَكَذَلِكَ الْجَبَّار من أَوْصَافه ... والجبر فِي أَوْصَافه قِسْمَانِ جبر الضَّعِيف وكل قلب قد غَدا ... ذَا كسرة فالجبر مِنْهُ دَان وَالثَّانِي جبر الْقَهْر بالعز الَّذِي ... لَا يَنْبَغِي لسواه من انسان وَله مُسَمّى ثَالِث وَهُوَ الْعُلُوّ فَلَيْسَ يدنو مِنْهُ من انسان من قَوْلهم جبارَة للنخلة الْعليا الَّتِي فَاتَت لكل بنان ... قَوْله والجبر فِي أَوْصَافه قِسْمَانِ ذكر للجبر معنين فِي أَوْصَاف الرب سُبْحَانَهُ أَحدهمَا جبر الضَّعِيف وكل قلب قد غَدا الخ وَمِنْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الحَدِيث أَنا عِنْد المنكسرة قُلُوبهم من اجلي وَالثَّانِي جبر الْقَهْر بالعز الَّذِي لَا يَنْبَغِي لسواه سُبْحَانَهُ قَوْله وَله مُسَمّى ثَالِث وَهُوَ الْعُلُوّ وَالْمعْنَى أَنه لَا يدنو مِنْهُ انسان وَمِنْه قَوْلهم جبارَة للنخلة الْعليا المرتفعة وَالله اعْلَم فصل ... وَهُوَ الحسيب كِفَايَة وحماية ... والحسب كَافِي العَبْد كل أَوَان ... وَهُوَ الرشيد فَقَوله وفعاله ... رشد وَرَبك مرشد الحيران وَكِلَاهُمَا حق فَهَذَا وَصفه ... وَالْفِعْل للارشاد ذَاك الثَّانِي وَالْعدْل من اوصافه فِي فعله ... ومقاله وَالْحكم بالميزان فعلى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم إلهنا ... قولا وفعلا ذَاك فِي الْقُرْآن ... تقدم الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} فِي أَوَائِل هَذَا النّظم فصل ... هَذَا وَمن أَوْصَافه القدوس ذُو التَّنْزِيه بالتعظيم للرحمن وَهُوَ السَّلَام على الْحَقِيقَة سَالم ... من كل تَمْثِيل وَمن نُقْصَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وَالْبر فِي أَوْصَافه سُبْحَانَهُ ... هُوَ كَثْرَة الْخيرَات والاحسان ... صدرت عَن الْبر الَّذِي هُوَ وَصفه ... فالبر حِينَئِذٍ لَهُ نَوْعَانِ وصف وَفعل فَهُوَ بر محسن مولى الْجَمِيل ودائم الْإِحْسَان ... وَكَذَلِكَ الْوَهَّاب من أَسْمَائِهِ ... فَانْظُر مواهبه مدى الازمان ... اهل السَّمَاوَات العلى والارض عَن ... تِلْكَ الْمَوَاهِب لَيْسَ ينفكان وَكَذَلِكَ الفتاح من اسمائه ... وَالْفَتْح فِي اوصافه امران فتح بِحكم وَهُوَ شرع إلهنا ... وَالْفَتْح بالاقدار فتح ثَان والرب فتاح بذين كليهمَا ... عدلا واحسانا من الرَّحْمَن وَكَذَلِكَ الرَّزَّاق من اسمائه والرزق من افعاله نَوْعَانِ ... رزق على يَد عَبده وَرَسُوله ... نَوْعَانِ أَيْضا ذان معروفان رزق الْقُلُوب الْعلم والايمان والرزق الْمعد لهَذِهِ الابدان ... هَذَا هُوَ الرزق الْحَلَال وربنا ... رزاقه وَالْفضل للمنان ... وَالثَّانِي سوق الْقُوت للأعضاء فِي ... تِلْكَ المجاري سوقه بوزان هَذَا يكون من الْحَلَال كَمَا يكون من الْحَرَام كِلَاهُمَا رزقان وَالله رازقه بِهَذَا الاعتبا ... ر وَلَيْسَ بالاطلاق دون بَيَان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله فِي هَذِه الأبيات أَن الرزق نَوْعَانِ رزق الْقُلُوب الْعلم والايمان على يَد عَبده وَرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّوْع الثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 الرزق الْمعد للأبدان وَالله تَعَالَى هُوَ رازقه لكنه يساق الى الاعضاء وَيكون من الْحَلَال وَالْحرَام وَالله رازقه بِهَذَا الِاعْتِبَار وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد اخْتلف فِيهَا فَقيل إِن الْحَرَام رزق وكل يَسْتَوْفِي رزقه حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا لحُصُول التغذي بهَا جَمِيعًا غير ان العَبْد يسْتَحق الذَّم وَالْعِقَاب على أكل الْحَرَام خلافًا للمعتزلة فانهم قَالُوا الْحَرَام لَيْسَ برزق وفسروه تَارَة بمملوك يَأْكُلهُ الْمَالِك وَتارَة بِمَا لَا يمْنَع عَن الِانْتِفَاع بِهِ وَذَلِكَ لَا يكون الا حَلَالا فيلزمهم على التَّفْسِير الأول أَن مَا يَأْكُلهُ الدَّوَابّ لَيْسَ برزق مَعَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} هود فَيكون مصادما لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن تكون كل دَابَّة مرزوقة وَلَا يَنْفَعهُمْ زعمهم ان تَسْمِيَة مَا يَأْكُلهُ الدَّوَابّ رزقا مَبْنِيّ على تشبيهه بِمَا هُوَ مَمْلُوك الانسان فيأكله فَيكون لفظ الرزق مجَازًا عَمَّا تَأْكُله الدَّوَابّ فَلَا يلْزم أَن تكون كل دَابَّة مرزوقة حَقِيقَة لأَنا نقُول هَذَا التَّأْوِيل مُخَالف لظَاهِر الْقُرْآن وَهُوَ خلاف الْمُتَعَارف فِي اللُّغَة فَلَا يَصح ارتكابه من غير ضَرُورَة ثمَّ إِن تفسيرهم الرزق بذلك لَيْسَ بمطرد وَلَا منعكس لدُخُول ملك الله تَعَالَى وَخُرُوج رزق الدَّوَابّ وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء يلْزمهُم أَيْضا على الْوَجْهَيْنِ أَن من اكل الْحَرَام طول عمره لم يرزقه الله تَعَالَى أصلا وَهُوَ خلاف الاجماع الْحَاصِل من الامة قبل ظُهُور الْمُعْتَزلَة ان لَا رَازِق الا الله وَإِن اسْتحق العَبْد اللوم والذم على اكل الْحَرَام وَالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم الرزق وكل أحد مستوف رزق نَفسه حَلَالا كَانَ اَوْ حَرَامًا وَلَا يتَصَوَّر ان يَأْكُل الانسان رزقه أَو يَأْكُل غير رزقه لِأَن مَا قدر الله تَعَالَى غذَاء لشخص يجب أَن يَأْكُلهُ وَيمْتَنع أَن يَأْكُلهُ غَيره وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 فصل ... هَذَا وَمن اوصافه القيوم والقيوم فِي أَوْصَافه أَمْرَانِ ... احداهما القيوم قَامَ بِنَفسِهِ ... والكون قَامَ بِهِ هما الامران فَالْأول استغناؤه عَن غَيره ... والفقر من كل اليه الثَّانِي وَالْوَصْف بالقيوم ذُو شَأْن عَظِيم هَكَذَا موصوفه أَيْضا عَظِيم الشان ... والحي يتلوه فأوصاف الكما ... ل هما لأفق سمائها قطبان فالحي والقيوم لن تتختلف ال اوصاف أصلا عَنْهُمَا بِبَيَان ... هُوَ قَابض هُوَ باسط هُوَ خافظ ... هُوَ رَافع بِالْعَدْلِ وَالْمِيزَان ... وَهُوَ الْمعز لأهل طَاعَته وَذَا ... عز حَقِيقِيّ بِلَا بطلَان وَهُوَ المذل لمن يَشَاء بذلة الدَّاريْنِ ذل شقا وذل هوان ... هُوَ مَانع معط فَهَذَا فَضله ... وَالْمَنْع عين الْعدْل للمنان ... يُعْطي برحمته من يشا ... ء بحكمة وَالله ذُو سُلْطَان ... قَوْله والقيوم فِي أَوْصَافه أَمْرَانِ الخ أَي إِن القيوم هُوَ الَّذِي قَامَ بِنَفسِهِ وَقَامَ بِهِ الْكَوْن فالاول هُوَ استغناؤه عَن غَيره وَالثَّانِي افتقار كل شَيْء اليه قَالَ الْمُفَسِّرُونَ {القيوم} الْقَائِم على كل نفس بِمَا كسبت وَقيل الْقَائِم بِذَاتِهِ الْمُقِيم لغيره وَقيل الْقَائِم بتدبير خلقه وَحفظه وَقيل هُوَ الَّذِي لَا ينَام وَقيل الَّذِي لَا بديل لَهُ وَقَرَأَ جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 {الْقيام} بِالْألف وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله عَنهُ و {الْحَيّ} يتلوه {القيوم} فهما كَمَا قَالَ النَّاظِم لأفق سمائها أَي الصِّفَات قطبان فالصفات لاتتخلف عَنْهُمَا كَمَا مثل بِهِ من قَوْله هُوَ قَابض هُوَ باسط هُوَ خافض الخ فصل ... والنور من أَسْمَائِهِ ايضا وَمن ... اوصافه سُبْحَانَ ذِي الْبُرْهَان قَالَ ابْن مَسْعُود كلَاما قد حكا ... هـ الدَّارمِيّ عَنهُ بِلَا نكران مَا عِنْده ليل يكون ولانها ... ر قلت تَحت الْفلك يُوجد ذان نور السَّمَاوَات العلى من نوره ... وَالْأَرْض كَيفَ النَّجْم والقمران من نور وَجه الرب جلّ جَلَاله ... وَكَذَا حَكَاهُ الْحَافِظ الطَّبَرَانِيّ فبه استنار الْعَرْش والكرسي مَعَ ... سبع الطباق وَسَائِر الاكوان ... قَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَيْسَ عِنْد ربكُم ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات من نور وَجهه ... وَكتابه نور كَذَلِك شَرعه ... نور كَذَا الْمَبْعُوث بالفرقان وَكَذَلِكَ الايمان فِي قلب الْفَتى ... نور على نور مَعَ الْقُرْآن وحجابه نور فَلَو كشف الحجا ... ب لأحرق السبحات للاكوان ... تقدم حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ ان ينَام يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ يرفع اليه عمل النَّهَار قبل اللَّيْل وَعمل اللَّيْل قبل النَّهَار حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه كل شئ أدْركهُ بَصَره رَوَاهُ مُسلم ... وَإِذا أَتَى لل فصل يشرق نوره ... فِي الأَرْض يَوْم قِيَامَة الابدان ... قَالَ تَعَالَى {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} الزمر فَأخْبر ان الارض يَوْم الْقِيَامَة تشرق بنوره وَهُوَ نوره الَّذِي نوره فانه سُبْحَانَهُ ياتي لفصل الْقَضَاء بَين عباده وَينصب كرسيه بِالْأَرْضِ فَإِذا جَاءَ الله تَعَالَى أشرقت الأَرْض وَحقّ لَهَا أَن تشرق بنوره وَعند المعطلة لَا يَأْتِي وَلَا يَجِيء وَلَا لَهُ نور تشرق لَهُ الارض كَذَا أَفَادَهُ النَّاظِم فِي كتاب الصَّوَاعِق ... وكذاك دَار الرب جنَّات العلى ... نور تلألأ لَيْسَ ذَا بطلَان والنور ذُو نَوْعَيْنِ مَخْلُوق وَوصف ماهما وَالله متحدان ... وَكَذَلِكَ الْمَخْلُوق ذُو نَوْعَيْنِ محسوس ومعقول هما شَيْئَانِ أحذر تزل فتحت رجلك هوة ... كم قد هوى فِيهَا على الازمان من عَابِد بِالْجَهْلِ زلت رجله فِيهِ الى قَعْر الحضيض الداني ... لاحت لَهُ أنوار آثَار العبا ... دة ظَنّهَا الانوار للرحمن ... فَأتى بِكُل مُصِيبَة وبلية ... ماشئت من شطح وَمن هذيان وَكَذَا الحلولي الَّذِي هُوَ خدنه ... من هَاهُنَا حَقًا هما أَخَوان ويقابل الرجلَيْن ذُو التعطيل والحجب الكثيفة ماهما سيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 .. ذافي كَثَافَة طبعه وظلامه ... وبظلمة التعطيل هَذَا الثَّانِي ... والنور حجوب فَلَا هَذَا وَلَا ... هَذَا لَهُ من ظلمَة يريان ... قَوْله احذر تزل فتحت رجلك هوة الخ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح منَازِل السائرين فِي شرح الدرجَة الثَّالِثَة من منزلَة الْعَطش على قَول صَاحب الْمنَازل وَلَا يعرج دونهَا على انْتِظَار بعد كَلَام سبق وَلَا سَبِيل لأحد قطّ فِي الدُّنْيَا إِلَى مُشَاهدَة الْحق وَإِنَّمَا وُصُوله الى شَوَاهِد الْحق وَمن زعم غير هَذَا فلغلبة الْوَهم عَلَيْهِ وَحسن ظَنّه بترهات الْقَوْم وخيالاتهم وَللَّه در الشبلي حَيْثُ سُئِلَ عَن الْمُشَاهدَة فَقَالَ من أَيْن لنا مُشَاهدَة الْحق لنا شَاهد الْحق هَذَا وَهُوَ صَاحب الشطحات الْمَعْرُوفَة وَهَذَا من أحسن كَلَامه وأبينه وَأَرَادَ بِشَاهِد الْحق مَا يغلب على الْقُلُوب الصادقة العارفة الصافية من ذكره ومحبته واجلاله وتعظيمه ووقاره بِحَيْثُ يكون ذَلِك حَاضرا فِيهَا مشهودا لَهَا غير غَائِب عَنْهَا وَمن أَشَارَ الى غير ذَلِك فمغرور مخدوع وغايته ان يكون فِي حقارة صدقه وَضعف تَمْيِيزه وَعلمه وَلَا ريب ان الْقُلُوب تشاهد أنوارا بِحَسب استعدادها تقوى تَارَة وتضعف أُخْرَى وَلَكِن تِلْكَ انوار الاعمال والايمان والمعارف وصفاء البواطن والاسرار لَا أَنَّهَا نور الذَّات المقدسة فان الْجَبَل لم يثبت للسير من ذَلِك النُّور حَتَّى تدكدك وخر الكليم صعقا مَعَ عدم تجليه لَهُ فَمَا الظَّن بِغَيْرِهِ فإياك ثمَّ إياك وترهات الْقَوْم وخيالاتهم وأوهامهم فَإِنَّهَا عِنْد العارفين أعظم من حجاب النَّفس وأحكامها فَإِن المحجوب بِنَفسِهِ معترف بِأَنَّهُ فِي ذَلِك الْحجاب وَصَاحب هَذِه الخيالات والأوهام يرى ان الْحَقِيقَة قد تجلت لَهُ أنوارها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَلم يحصل ذَلِك لمُوسَى بن عمرَان كليم الرَّحْمَن فحجاب هَؤُلَاءِ أغْلظ بِلَا شكّ من حجاب أُولَئِكَ وَلَا يقر لنا بِهَذَا إِلَّا عَارِف قد اشرق فِي بَاطِنه نور المحمدية فَرَأى مَا للنَّاس فِيهِ وَمَا اعز ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَمَا أغربه بَين الْخلق وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان انْتهى كَلَامه وَقَوله هوة قَالَ فِي الْقَامُوس الهوة كقوة مَا انهبط من الارض أَو الوهدة الغامضة مِنْهَا كالهوانة كرمانة انْتهى قَوْله والنور ذُو نَوْعَيْنِ الخ قَالَ النَّاظِم فِي الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة قد ورد النَّص بِتَسْمِيَة الرب نورا وَبِأَن لَهُ نورا مُضَافا اليه وَبِأَنَّهُ نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَبِأَن حجابه نوره فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع فالاول يُقَال عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بالاطلاق فانه النُّور الْهَادِي وَالثَّانِي يُضَاف اليه كَمَا يُضَاف اليه حَيَاته وسَمعه وبصره وعزته وَقدرته وَعلمه وَتارَة يُضَاف الى وَجهه وَتارَة يُضَاف الى ذَاته فالاول كَقَوْلِه اعوذ بِنور وَجهك وَقَوله نور السَّمَاوَات والارض من وَجهه وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} الزمر وَقَول ابْن عَبَّاس ذَاك نوره الَّذِي اذا تجلى بِهِ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَإِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة ثمَّ ألْقى عَلَيْهِم من نوره الحَدِيث وَالثَّالِث وَهُوَ إِضَافَة نوره الى السَّمَاوَات والارض كَقَوْلِه تَعَالَى {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} النُّور الرَّابِع كَقَوْلِه حجابه النُّور فَهَذَا النُّور الْمُضَاف اليه يَجِيء على اُحْدُ الْوُجُوه الاربعة والنور الَّذِي احتجت بِهِ سمي نورا وَنَارًا كَمَا وَقع التَّرَدُّد فِي لَفظه فِي الحَدِيث الصَّحِيح حَدِيث أبي مُوسَى الاشعري وَهُوَ قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 حجابة النُّور وَالنَّار فان هَذِه النَّار هِيَ نور وَهِي الَّتِي كلم الله كليمه مُوسَى مِنْهَا وَهِي نَار صَافِيَة لَهَا إشراق بِلَا احراق فالاقسام ثَلَاثَة إشراق بِلَا إحراق كنور الْقَمَر وإحراق بِلَا إشراق وَهِي نَار جَهَنَّم فانها سَوْدَاء محرقة لَا تضيء وإشراق باحراق وَهِي هَذِه النَّار المضيئة وَكَذَلِكَ نور الشَّمْس لَهُ الاشراق والاحراق فَهَذَا فِي الْأَنْوَار المشهودة المخلوقة وحجاب الرب تبَارك وَتَعَالَى نور وَهُوَ نَار وَهَذِه الْأَنْوَاع كلهَا حَقِيقَة بِحَسب مراتبها فنور وَجهه حَقِيقَة لَا مجَاز واذا كَانَ نور مخلوقاته كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر وَالنَّار حَقِيقَة فَكيف يكون نوره الَّذِي نِسْبَة الْأَنْوَار المخلوقة اليه اقل من نِسْبَة سراج ضَعِيف ألى قرص الشَّمْس فَكيف لَا يكون هَذَا النُّور حَقِيقَة انْتهى كَلَامه فصل ... وَهُوَ الْمُقدم والمؤخر ذَانك الصفان للأفعال تابعان وهما صِفَات الذَّات أَيْضا إِذْ هما ... بِالذَّاتِ لَا بِالْغَيْر قائمتان ولذاك قد غلط الْمقسم حِين ظن صِفَاته نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين ... إِن لم يرد هَذَا وَلَكِن قد أرا ... د قِيَامهَا بِالْفِعْلِ ذِي الامكان وَالْفِعْل وَالْمَفْعُول شَيْء وَاحِد عِنْد الْمقسم ماهما شَيْئَانِ ... فلذاك وصف الْفِعْل لَيْسَ لَدَيْهِ إِلَّا نِسْبَة عدمية بِبَيَان فَجَمِيع اسماء الفعال لَدَيْهِ لَيست قطّ ثَابِتَة ذَوَات معَان ... مَوْجُودَة لَكِن امور كلهَا ... نسب ترى عدمية الوجدان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 .. هَذَا هُوَ التعطيل للأفعال كالتعطيل للأوصاف بالميزان فَالْحق أَن الْوَصْف لَيْسَ بمورد التَّقْسِيم هَذَا مُقْتَضى الْبُرْهَان ... بل مورد التَّقْسِيم مَا قد قَامَ بِالذَّاتِ الَّتِي للْوَاحِد الرَّحْمَن فهما اذا نَوْعَانِ اوصاف وأفعال فهذي قسْمَة التِّبْيَان ... فالوصف بالافعال يَسْتَدْعِي قيا ... م الْفِعْل بالموصوف بالبرهان ... فالوصف بِالْمَعْنَى سوى الافعال مَا ... إِن بَين ذَيْنك قطّ من فرقان وَمن الْعَجَائِب أَنهم ردوا على ... من أثبت الْأَسْمَاء دون معَان قَامَت بِمن هِيَ وَصفه هَذَا محا ... ل غير مَعْقُول لذِي الأذهان وأتو الى الاوصاف باسم الْفِعْل قا ... لوا لم تقم بِالْوَاحِدِ الديَّان فَانْظُر اليهم أبطلوا الاصل الَّذِي ... ردوا بِهِ أَقْوَالهم بوزان ان كَانَ هَذَا مُمكنا فكذاك قو ل خصومكم أَيْضا فذو إِمْكَان ... وَالْوَصْف بالتقديم وَالتَّأْخِير كو ... ني وديني وهما نَوْعَانِ وَكِلَاهُمَا أَمر حَقِيقِيّ ونسبي وَلَا يخفى الْمِثَال على أولي الأذهان ... وَالله قدر ذَاك أجمعه باحكام واتقان من الرَّحْمَن ... قَوْله وَلذَلِك قد غلط الْمقسم أَي إِن الْجَهْمِية وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُعْتَزلَة والاشعرية قَالُوا إِن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِيمَا تقدم ولنزد ذَلِك أيضاحا فَنَقُول قَالَ النَّسَفِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 رَحمَه الله فِي عقائده الْمَشْهُورَة والتكوين صفة لله أزلية وَهُوَ تكوينه للْعَالم وكل جُزْء من أَجْزَائِهِ وَهُوَ غير المكون عندنَا قَالَ شارحها الْمُحَقق سعد الدّين التَّفْتَازَانِيّ التكوين هُوَ معنى الْمعبر عَنهُ بِالْفِعْلِ والخلق والتخليق والايجاد والاحداث والاختراع وَنَحْو ذَلِك ويفسر باخراج الْمَعْدُوم من الْعَدَم الى الْوُجُود صفة لله تَعَالَى لإطباق الْعقل وَالنَّقْل على أَنه خَالق للْعَالم مكون لَهُ وَامْتِنَاع اطلاق اسْم الْمُشْتَقّ على الشَّيْء من غير أَن يكون مَأْخَذ الِاشْتِقَاق وَصفا قَائِما بِهِ أزلية لوجوه الأول أَن يمْتَنع قيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ تَعَالَى الثَّانِي أَنه وصف ذَاته فِي كَلَامه الأزلي بِأَنَّهُ الْخَالِق فَلَو لم يكن فِي الازل خَالِقًا للَزِمَ الْكَذِب أَو الْعُدُول الى الْمجَاز أَي الْخَالِق فِيمَا يسْتَقْبل اَوْ الْقَادِر على الْخلق من غير تعذر الْحَقِيقَة على أَنه لَو جَازَ إِطْلَاق الْخَالِق عَلَيْهِ بِمَعْنى الْقَادِر لجَاز اطلاق كل مَا يقدر عَلَيْهِ من الاعراض الثَّالِث أَنه لَو كَانَ حَادِثا فاما بتكوين آخر فَيلْزم التسلسل وَهُوَ محَال وَيلْزم مِنْهُ اسْتِحَالَة تكون مَعَ أَنه مشَاهد وَإِمَّا بِدُونِهِ فيستغني الْحَادِث عَن الْمُحدث والاحداث وَفِيه تَعْطِيل الصَّانِع الرَّابِع أَنه لَو حدث لحَدث إِمَّا فِي ذَاته تَعَالَى فَيصير محلا للحوادث أَو فِي غَيره كَمَا ذهب اليه أَبُو الْهُذيْل من ان تكوين كل جسم قَائِم بِهِ فَيكون كل جسم خَالِقًا ومكونا لنَفسِهِ ولاخفاء فِي استحالته ومبني هَذِه الادلة أَن التكوين صفة حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة قَالَ والمحققون من الْمُتَكَلِّمين على أَنه من الاضافات والاعتبارات الْعَقْلِيَّة مثل كَون الصَّانِع تَعَالَى وتقدس قبل كل شَيْء وَمَعَهُ وَبعده ومذكورا بالسنتنا ومعبودا لنا ومميتا ومحييا وَنَحْو ذَلِك قَالَ وَالْحَاصِل فِي الازل هُوَ مبدأ التخليق والترزيق والإماتة والإحياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَغير ذَلِك وَلَا دَلِيل على كَونه صفة أُخْرَى سوى الْقُدْرَة والارادة وان كَانَت نسبتها الى وجود المكون وَعَدَمه على السوَاء لَكِن مَعَ انضمام الارادة بتخصيص أحد الْجَانِبَيْنِ قَالَ وَلما اسْتدلَّ الْقَائِلُونَ بحدوث التكوين بِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر بِدُونِ المكون كالضرب بِدُونِ الْمَضْرُوب فَلَو كَانَ قَدِيما لزم قدم المكونات وَهُوَ محَال أَشَارَ النَّسَفِيّ الى الْجَواب بقوله وَهُوَ أَي التكوين تكوينه للْعَالم وَلكُل من أَجْزَائِهِ لَا فِي الْأَزَل بل لوقت وجوده على حسب علمه وارادته فالتكوين بَاقٍ أزلا وأبدا والمكون حَادث بحدوث التَّعَلُّق كَمَا فِي الْعلم وَالْقُدْرَة وَغَيرهمَا من الصِّفَات الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يلْزم من قدمهَا قدم متعلقاتها لكَون تعلقاتها حَادِثَة وَهَذَا تَحْقِيق مَا يُقَال إِن وجود الْعَالم إِن لم يتَعَلَّق بِذَات الله تَعَالَى أَو صفة من صِفَاته لزم تَعْطِيل الصَّانِع واستغناء الْحَوَادِث عَن الموجد وَهُوَ محَال وَإِن تعلق فإمَّا أَن يسْتَلْزم ذَلِك قدم مَا يتَعَلَّق وجوده بِهِ فَيلْزم قدم الْعَالم وَهُوَ بَاطِل أَولا فَلْيَكُن التكوين أَيْضا قَدِيما مَعَ حُدُوث المكون الْمُتَعَلّق بِهِ وَمَا يُقَال بِأَن القَوْل بتعلق وجود المكون بالتكوين قَول بحدوثه إِذْ الْقَدِيم مَا لَا يتَعَلَّق وجوده بِالْغَيْر والحادث مَا يتَعَلَّق بِهِ فمنظور فِيهِ لِأَن هَذَا معنى الْقَدِيم والحادث بِالذَّاتِ على مَا يَقُول بِهِ الفلاسفة وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فالحادث مَا لوُجُوده بداية أَي يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ وَالْقَدِيم بِخِلَافِهِ وَمُجَرَّد تعلق وجوده بِالْغَيْر لَا يسْتَلْزم حُدُوثه بِهَذَا الْمَعْنى لجَوَاز أَن يكون مُحْتَاجا الى الْغَيْر صادرا عَنهُ دَائِما بدوامه كَمَا ذهب اليه الفلاسفة فِيمَا ادعوا قدمه من الممكنات كالهيولي مثلا نعم إِذا أثبتنا صُدُور الْعَالم عَن الصَّانِع بِالِاخْتِيَارِ دون الايجاب بِدَلِيل لَا يتَوَقَّف على حُدُوث الْعَالم كَانَ القَوْل بتعلق وجوده بتكوين الله تَعَالَى قولا بحدوثه وَمن هُنَا يُقَال ان التَّنْصِيص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 على كل جُزْء من أَجزَاء الْعَالم إِشَارَة الى الرَّد على من زعم قدم بعض الْأَجْزَاء كالهيولي وَإِلَّا فهم إِنَّمَا يَقُولُونَ بقدمها بِمَعْنى عدم المسبوقية بِالْعدمِ لَا بِمَعْنى عدم تكونه بِالْغَيْر وَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَنه لَا يتَصَوَّر التكوين بِدُونِ المكون وَأَن وازنه مَعَه وزان الضَّرْب مَعَ الْمَضْرُوب فان الضَّرْب صفة إضافية لَا يتَصَوَّر بِدُونِ المضافين اعني الضَّارِب والمضروب وَقد بَينا أَن التكوين صفة حَقِيقِيَّة هِيَ مبدأ الاضافة الَّتِي هِيَ إِخْرَاج الْمَعْدُوم من الْعَدَم الى الْوُجُود لَا عينهَا حَتَّى لَو كَانَت عينهَا على مَا وَقع فِي عبارَة بعض الْمَشَايِخ لَكَانَ القَوْل بتحققها بِدُونِ المكون مُكَابَرَة وانكارا للضَّرُورَة فَلَا ينْدَفع بِمَا يُقَال من ان الضَّرْب مُسْتَحِيل الْبَقَاء فَلَا بُد لتَعَلُّقه بالمفعول ووصول الْأَلَم اليه من وجود الْمَفْعُول مَعَه إِذْ لَو تَأَخّر لانعدم كَذَا قيل وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لفعل الْمَخْلُوق وَهُوَ بِخِلَاف فعل الْبَارِي فانه ازلي الدَّوَام يبْقى الى وَقت وجود الْمَفْعُول فالتكوين غير المكون عندنَا لِأَن الْفِعْل يغاير الْمَفْعُول بِالضَّرُورَةِ كالضرب مَعَ الْمَضْرُوب وَالْأكل مَعَ الْمَأْكُول وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ نفس المكون لزم أَن يكون المكون مكونا مخلوقا بِنَفسِهِ ضَرُورَة أَنه مكون بالتكوين الَّذِي هُوَ عينه فَيكون قَدِيما مستغنيا عَن الصَّانِع وَهُوَ محَال وان لَا يكون للخالق تعلق بالعالم سوى أَنه أقدم مِنْهُ وقادر عَلَيْهِ من غير صنع وتأثير فِيهِ ضَرُورَة تكونه بِنَفسِهِ وَهَذَا لَا يُوجب كَونه خَالِقًا للْعَالم والعالم مخلوقا فَلَا يَصح القَوْل بِأَنَّهُ خَالق الْعَالم وصانعه وَهَذَا خلق وَأَن لَا يكون الله مكونا للاشياء ضَرُورَة أَنه لَا معنى للمكون إِلَّا من قَامَ بِهِ التكوين والتكوين اذا كَانَ عين المكون لَا يكون قَائِما بِذَات الله تَعَالَى وَإِن يَصح القَوْل بِأَنَّهُ خَالق سَواد هَذَا الْحجر أسود وَهَذَا الْحجر خَالق السوَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 إِذْ لَا معنى للخالق وَالْأسود إِلَّا من قَامَ بِهِ الْخلق والسواد وهما وَاحِد فمحلهما وَاحِد هَذَا كُله تَنْبِيه على كَون الحكم بتغاير الْفِعْل وَالْمَفْعُول ضَرُورِيًّا ثمَّ قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ وَهَذَا يَعْنِي إبِْطَال القَوْل بِأَن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول لَا يتم إِلَّا بِإِثْبَات أَن تكون الْأَشْيَاء وصدورها عَن الْبَارِي تَعَالَى يتَوَقَّف على صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِالذَّاتِ مُغَايرَة للقدرة والارادة قَالَ وَالتَّحْقِيق أَن تعلق الْقُدْرَة على وفْق الارادة بِوُجُود الْمَقْدُور لوقت وجوده إِذا نسب للقدرة يُسمى أيجابها لَهُ واذا نسب الى الْقَادِر يُسمى الْخلق والتكوين وَنَحْو ذَلِك فحقيقة كَون الذَّات بِحَيْثُ تعلّقت قدرته بِوُجُود الْمَقْدُور لوقته ثمَّ يتَحَقَّق بِحَسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الافعال كالترزيق والتصوير والاحياء والإماتة وَغير ذَلِك الى مَا لَا نِهَايَة لَهُ قَالَ وَأما كَون كل من ذَلِك صفة حَقِيقِيَّة أزلية فمما تفرد بِهِ عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر وَفِيه تَكْثِير للقدماء جدا وَإِن لم تكن مُتَغَايِرَة قَالَ وَالْأَقْرَب مَا ذهب اليه الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم وَهُوَ ان مرجع الْكل الى التكوين فانه ان تعلق بِالْحَيَاةِ سمي إحْيَاء وبالموت سمي إماتة وبالصورة تصويرا وبالرزق ترزيقا الى غير ذَلِك فَالْكل تكوين وانما الْخُصُوص بِخُصُوص التعلقات انْتهى قلت مُرَاده بقوله مِمَّا تفرد بِهِ بعض عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر عُلَمَاء الْكَلَام والا فَهُوَ مَذْهَب السّلف كَمَا تقدّمت الاشارة اليه وَهُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَلِهَذَا قَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد الاصفهانية الصَّوَاب ان الْخلق غير الْمَخْلُوق قَالَ وَالَّذين يَقُولُونَ الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق قَوْلهم فَاسد وَبَين وَجه فَسَاده وَمَا ذكر من الْآيَات القرآنية وَالْأَخْبَار النَّبَوِيَّة الدَّالَّة على هَذَا الاصل شَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 كثيرا مثل {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} الرَّحْمَن {ذَلِك بِأَنَّهُم اتبعُوا مَا أَسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أَعْمَالهم} مُحَمَّد وَقَوله {إِن تكفرُوا فَإِن الله غَنِي عَنْكُم وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا يرضه لكم} الزمر فَأخْبر أَن طَاعَته سَبَب لمحبته وَرضَاهُ ومعصيته سَبَب لسخطه وغضبه وَقَالَ تَعَالَى {فاذكروني أذكركم} الْبَقَرَة وَجَوَاب الشَّرْط كالمسبب مَعَ السَّبَب وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يروي عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى أَنه قَالَ من ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَمن ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم وَمن تقرب الي شبْرًا تقربت اليه ذِرَاعا وَمن تقرب الي ذِرَاعا تقربت اليه باعا وَمن اتاني يمشي أَتَيْته هرولة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده الْمُؤمن مِمَّن أضلّ رَاحِلَته بِأَرْض دوية مهلكة عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَنَامَ تَحت شَجَرَة ينْتَظر الْمَوْت فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذا هُوَ بدابته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَالله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من هَذَا براحلته وَفِي الصَّحِيح يضْحك الله الى الرجلَيْن يقتل احدهما الآخر كِلَاهُمَا يدْخل الْجنَّة وَفِي الصِّحَاح وَالسّنَن والمساند من هَذَا شَيْء كثير يتَعَذَّر أَو يتعسر إحصاؤه وَقد ذكر من ذَلِك شَيْئا كثيرا ثمَّ قَالَ وَبِهَذَا الاصل الْعَظِيم وَكَانَ عَلَيْهِ سلف الامة وأئمتها بل وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعُقَلَاء وأكابرهم من جَمِيع الطوائف حَتَّى من الفلاسفة يظْهر بطلَان مَذْهَب الْقَائِلين بالقدماء الْخَمْسَة انْتهى قَول النَّاظِم فلذاك وصف الْفِعْل لَيْسَ الا نِسْبَة عدمية الخ يَعْنِي ان الْقَائِلين بِأَن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول عِنْدهم أَن صفة الْفِعْل نِسْبَة وَالنّسب أُمُور عدمية فَجَمِيع أَسمَاء الفعال عِنْدهم نسب وَالنّسب أَمر عدمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فَهَذَا مِنْهُم تَعْطِيل للأفعال كَمَا عطلوا الصِّفَات قَوْله وَالْحق ان الْوَصْف لَيْسَ بمورد التَّقْسِيم أَي بل مورد التَّقْسِيم مَا قَامَ بِالذَّاتِ وَهِي اوصاف وأفعال فالوصف بالافعال يَسْتَدْعِي قيام الْفِعْل بالموصوف بالبراهين القاطعة عقلا ونقلا قَوْله وَمن الْعَجَائِب انهم ردوا على من أثبت الاسماء دون معَان أَي وَمن الْعَجَائِب أَن الأشاعرة ردوا على الْمُعْتَزلَة فِي اثباتهم الاسماء دون مَعَانِيهَا كَقَوْلِهِم قدير بِلَا قدرَة سميع بِلَا سمع بَصِير بِلَا بصر مُرِيد بِلَا إِرَادَة وَنَحْو ذَلِك ثمَّ أَتَوا الى الاوصاف باسم الْفِعْل فَقَالُوا لم يقم بِاللَّه تَعَالَى فأبطلوا الاصل الَّذِي ردوا بِهِ على الْمُعْتَزلَة وَالله أعلم فصل ... هَذَا وَمن أَسْمَائِهِ مَا لَيْسَ يفرد بل يفال إِذا أَتَى بقران ... وَهِي الَّتِي تدعى بمزدواجتها ... أفرادها خطر على الْإِنْسَان إِذْ ذَاك موهم نوع نقص جلّ رب الْعَرْش عَن عيب وَعَن نُقْصَان ... كالمانع الْمُعْطِي وكالضار الَّذِي ... هُوَ نَافِع وكماله الْأَمْرَانِ وَنَظِير هَذَا الْقَابِض المقرون باسم الباسط اللفظان مقترنان ... وَكَذَا الْمعز مَعَ المذل وخافض ... مَعَ رَافع لفظان مزدوجان ... وَحَدِيث افراد اسْم منتقم فمو ... قوف كَمَا قد قَالَ ذُو الْعرْفَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 .. مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن غير مُقَيّد ... بالمجرمين وجابذو نَوْعَانِ ... قَالَ النَّاظِم فِي بَدَائِع الْفَوَائِد بعد كَلَام سبق السَّادِس صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بِالْآخرِ وَذَلِكَ قدر زَائِد على مفرديهما نَحْو الْغَنِيّ الغفور الْقَدِير الحميد الْمجِيد وَهَكَذَا عَامَّة الصِّفَات المقترنة والاسماء المزدوجة فِي الْقُرْآن فان الْغناء صفة كَمَال وَالْحَمْد كَذَلِك واجتماع الْغناء مَعَ الْحَمد كَمَال آخر فَلهُ ثَنَاء من غناهُ وثناء من حَمده وثناء من اجْتِمَاعهمَا وَكَذَلِكَ الغفور الْقَدِير والحميد الْمجِيد والعزيز الْحَكِيم فَتَأَمّله فانه من أشرف المعارف وَقَالَ فِي مَوضِع أخر وَمِنْهَا مَا لَا يُطلق عَلَيْهِ بمفرده بل مَقْرُونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم فَلَا يجوز أَن يفرد هَذَا عَن مُقَابِله فانه مقرون بالمعطي والنافع وَالْعَفو فَهُوَ الْمُعْطِي الْمَانِع الضار النافع الْعَفو المنتقم الْمعز المذل لِأَن الْكَمَال فِي اقتران كل اسْم من هَذِه بِمُقَابلَة لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ أَنه الْمُنْفَرد بالربوبية وتدبير الْخلق وَالتَّصَرُّف فيهم عَطاء ومنعا ونفعا وضرا وعفوا وانتقاما واما ان يثني عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الْمَنْع والإنتقام والإضرار فَلَا يسوغ فَهَذِهِ الْأَسْمَاء المزدوجة يجْرِي الاسمان مجْرى الِاسْم الْوَاحِد الَّذِي يمْتَنع فصل بعض حُرُوفه عَن بعض فَهِيَ وَإِن تعدّدت جَارِيَة مجْرى الِاسْم الوحد وَلذَلِك لم تَجِيء مُفْردَة وَلم تطلق عَلَيْهِ الا مقترنة فاعلمه فَلَو قلت يَا مذل يَا ضار يَا مَانع أَو اخبرت بذلك لم تكن مثنيا عَلَيْهِ وَلَا حامدا حى تذكر مُقَابِله وَأما الحَدِيث الَّذِي فِيهِ إِفْرَاد اسْم المنتقم فَهُوَ مَوْقُوف كَمَا قَالَ النَّاظِم وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 فصل ... وَدلَالَة الاسماء أَنْوَاع ثلا ... ث كلهَا مَعْلُومَة بِبَيَان دلّت مُطَابقَة كَذَاك تضمنا ... وَكَذَا التزاما وَاضح الْبُرْهَان أما مُطَابقَة الدّلَالَة فَهِيَ ان الِاسْم يفهم مِنْهُ مفهومان ... ذَات الْإِلَه وَذَلِكَ الْوَصْف الَّذِي ... يشتق مِنْهُ الِاسْم بالميزان ... لَكِن دلَالَته على إِحْدَاهمَا ... بتضمن فافهمه فهم بَيَان وَكَذَا دلَالَته على الصّفة الَّتِي ... مَا اشتق مِنْهَا فالتزام دَان وَإِذا أردْت لذا مِثَالا بَينا ... فمثال ذَلِك لَفْظَة الرَّحْمَن ذَات الْإِلَه وَرَحْمَة مدلولها ... فهما لهَذَا اللَّفْظ مدلولان إِحْدَاهمَا بعض لذا الْمَوْضُوع فَهِيَ تضمن ذَا وَاضح التِّبْيَان ... لَكِن وصف الْحَيّ لَازم ذَلِك الْمَعْنى لُزُوم الْعلم للرحمن فَلِذَا دلَالَته عَلَيْهِ بِالْتِزَام ... بَين وَالْحق ذُو تبيان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان أَنْوَاع الدلالات الثَّلَاثَة وَهِي الْمُطَابقَة والتضمن والالتزام وَذَلِكَ مثل مَا مثل بِهِ النَّاظِم وَهُوَ لَفْظَة الرَّحْمَن فانها دلّت على الصّفة الْمُشْتَقّ مِنْهَا وعَلى ذَات الرب سُبْحَانَهُ لَكِن دلَالَته على أحداهما بالتضمن وَأما دلالتها على الصّفة الَّتِي لم يشتق مِنْهَا اللَّفْظ كالحياة وَالْعلم فَهِيَ بالالتزام وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمنَازل الِاسْم من أَسْمَائِهِ تبَارك وَتَعَالَى كَمَا يدل على الذَّات وَالصّفة الَّتِي اشتق مِنْهُ بالمطابقة فانه يدل دلالتان آخرتان بالتضمن واللزوم فَيدل على الصّفة بمفردها بالتضمن وَكَذَلِكَ على الذَّات الْمُجَرَّدَة عَن الصّفة وَيدل على الصّفة الْأُخْرَى باللزوم فان اسْم السَّمِيع يدل على ذَات الرب وسَمعه بالمطابقة وعَلى الذَّات وَحدهَا والسمع وَحده بالتضمن وَيدل على اسْم الْحَيّ وَصفَة الْحَيَاة بالالتزام انْتهى وَهَذَا وَاضح فِي بَيَان كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي بَيَان حَقِيقَة الالحاد فِي أَسمَاء رب الْعَالمين وَذكر انقسام الْمُلْحِدِينَ ... أسماؤه أَوْصَاف مدح كلهَا ... مُشْتَقَّة قد حملت لمعان إياك والإلحاد فِيهَا إِنَّه ... كفر معَاذ الله من كفران وَحَقِيقَة الالحاد فِيهَا الْميل بالاشراك والتعطيل والنكران ... فالملحدون اذا ثَلَاث طوائف ... فَعَلَيْهِم غضب من الرَّحْمَن الْمُشْركُونَ لأَنهم سموا بهَا ... أوثانهم قَالُوا إِلَه ثَان هم شبهوا الْمَخْلُوق بالخلاق عكس مشبه الخلاق بالانسان ... وكذاك أهل الِاتِّحَاد فانهم ... اخوانهم من اقْربْ الإخوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 .. أعْطوا الْوُجُود جَمِيعه اسماءه ... إِذْ كَانَ عين الله ذِي السُّلْطَان ... وَالْمُشْرِكُونَ أقل شركا مِنْهُم ... هم خصصوا ذَا الِاسْم بالأوثان ولذاك كَانُوا أهل شرك عِنْدهم ... لَو عمموا مَا كَانَ من كفران ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله فِي أول الأبيات أَن أسماءه سُبْحَانَهُ أَوْصَاف مدح فَهِيَ أَعْلَام وأوصاف وَالْوَصْف فِيهَا لَا يُنَافِي العلمية بِخِلَاف اوصاف الْعباد فانها تنَافِي علميتهم لَان اوصافهم مُشْتَركَة ففاتتها العلمية المختصة بِخِلَاف اوصافه تَعَالَى قَوْله مُشْتَقَّة الخ أَي إِذا أطلق الِاسْم عَلَيْهِ تَعَالَى جَازَ ان يشتق مِنْهُ الْمصدر وَالْفِعْل فيخبر عَنهُ فعلا أَو مصدرا نَحْو السَّمِيع الْبَصِير الْقَدِير يُطلق عَلَيْهِ من اسْم السّمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة ويخبر عَنهُ بالأفعال من ذَلِك نَحْو قد سمع الله المجادلة وَقد رأى الله فَنعم القادرون المرسلات هَذَا إِذا كَانَ الْفِعْل مُتَعَدِّيا فَإِن كَانَ لَازِما لم يخبر عَنهُ بِهِ نَحْو الْحَيّ بل يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم والمصدر دون الْفِعْل فَلَا يُقَال حَيّ كَذَا أَفَادَهُ النَّاظِم فِي بَدَائِع الْفَوَائِد وَيَنْبَغِي ان يعلم ان الاسماء الْحسنى لَهَا اعتباران اعْتِبَار من حَيْثُ الاسماء وَاعْتِبَار من حَيْثُ الصِّفَات فَهِيَ بِالِاعْتِبَارِ الأول مترادفة وبالاعتبار الثَّانِي متباينة وَالله اعْلَم قَوْله إياك والالحاد فِيهَا الخ اعْلَم ان الالحاد فِي اسمائه سُبْحَانَهُ هُوَ الْعُدُول بهَا وبجهاتها ومعانيها عَن الْحق الثَّابِت لَهَا وَهُوَ مَأْخُوذ من الْميل كَمَا يدل عَلَيْهِ مَادَّة لحد وَمِنْه اللَّحْد وَهُوَ الشق فِي جَانب الْقَبْر الَّذِي قد مَال عَن الْوسط وَمِنْه الملحد فِي الدّين المائل عَن الْحق الى الْبَاطِل قَالَ ابْن السّكيت الملحد المائل عَن الْحق الْمدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَمِنْه الملتحد وَهُوَ مفتعل وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلنْ تَجِد من دونه ملتحدا} الْجِنّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 أَي من تعدل اليه وتهرب اليه وتلتجيء اليه وتبتهل اليه غَيره تَقول الْعَرَب التحد فلَان الى فلَان اذا عدل اليه إاذ عرف هَذَا فالالحاد فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى انواع احدها ان تسمى الاصنام بهَا كتسميتهم اللات من الْإِلَه والعزى من الْعَزِيز وتسميتهم الصَّنَم إِلَهًا وَهَذَا إلحاد حَقِيقَة فانهم عدلوا بأسمائه الى اوثانهم وآلهتهم الْبَاطِلَة قَوْله وكذاك اهل الِاتِّحَاد الخ أَي ان اهل الِاتِّحَاد الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود أعْطوا الْوُجُود اسماءه تَعَالَى وَالْمُشْرِكُونَ أقل مِنْهُم شركا لَان الْمُشْركين خصصوا الْعِبَادَة بالأوثان وَهَؤُلَاء عمموا كل شَيْء بِالْعبَادَة قَالُوا وَإِنَّمَا كَانُوا مُشْرِكين تَعَالَى الله عَن قَوْلهم كَمَا قَالَ فِي الفصوص فِي قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُم لَو تركُوا عِبَادَتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر لجهلوا من الْحق بِقدر مَا تركُوا من هَؤُلَاءِ ثمَّ قَالَ فَإِن للحق فِي كل معبود وَجها يعرفهُ من عرفه ويجهله من عرفه ويجهله من جَهله فالعالم يعلم من عبد وَفِي أَي صُورَة يظْهر ظهر حَتَّى عبد قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... والملحد الثَّانِي فذو التعطيل إِذْ ... ينفى حقائقها بِلَا برهَان مَا ثمَّ غير الِاسْم أَوله بِمَا ... يَنْفِي الْحَقِيقَة ذِي بطلَان فالقصد دفع النَّص عَن معنى الْحَقِيقَة فاجتهد فِيهِ بِلَفْظ بَيَان ... عطل وحرف ثمَّ أول وانفها ... واقذف بتجسيم وبالكفران للمثبتين حقائق الاسماء والأوصاف بالأخبار وَالْقُرْآن ... فاذا هم احْتَجُّوا عَلَيْك فَقل لَهُم ... هَذَا مجَاز وَهُوَ وضع ثَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 .. فاذا غلبت عَن الْمجَاز فَقل لَهُم ... لَا يُسْتَفَاد حَقِيقَة الايقان اني وَتلك أَدِلَّة لفظية ... عزلت عَن الايقان مُنْذُ زمَان ... فاذا تضافرت الْأَدِلَّة كَثْرَة ... وغلبت عَن تَقْرِير ذَا بِبَيَان فَعَلَيْك حِينَئِذٍ بقانون وضعناه لدفع أَدِلَّة الْقُرْآن ... وَلكُل نَص لَيْسَ يقبل أَن يؤو ... ل بالمجاز وَلَا بِمَعْنى ثَان ... قل عَارض الْمَنْقُول مَعْقُول وَمَا الْأَمْرَانِ عِنْد الْعقل يتفقان مَا ثمَّ إِلَّا وَاحِد من أَربع ... متقابلات كلهَا بوزان ... اعمال ذين وَعَكسه أَو تلْغي الْمَعْقُول مَا هَذَا بِذِي إِمْكَان الْعقل أصل النَّقْل وَهُوَ أَبوهُ أَن تبطله يبطل فَرعه التحتاني ... فَتعين الاعمال للمعقول وَال إِلْغَاء للمنقول ذِي الْبُرْهَان إعماله يُفْضِي الى إلغائه ... فاهجره هجر التّرْك وَالنِّسْيَان وَالله لم نكذب عَلَيْهِم اننا وهم لَدَى الرَّحْمَن مختصمان ... وَهُنَاكَ يَجْزِي الْمُلْحِدُونَ وَمن نفي ال إلحاد يَجْزِي ثمَّ بالغفران فاصبر قَلِيلا انما هِيَ سَاعَة ... يَا مُثبت الْأَوْصَاف للرحمن فلسوف تجني أجر صبرك حِين يجني الْغَيْر وزر الاثم والعدوان ... فَالله سائلنا وسائلهم عَن ال إِثْبَات والتعطيل بعد زمَان فأعد حِينَئِذٍ جَوَابا كَافِيا ... عِنْد السُّؤَال يكون ذَا تبيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 قَوْله والملحد الثَّانِي فذو التعطيل الخ هَذَا الحاد الطَّائِفَة الثَّانِيَة من الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ إلحاد أهل التعطيل الَّذين عطلوا الاسماء الْحسنى من مَعَانِيهَا وجحدوا حقائقها كَقَوْل من يَقُول من الْجَهْمِية وأتباعهم إِنَّهَا أَلْفَاظ مُجَرّدَة لَا تَتَضَمَّن صِفَات وَلَا معَان فيطلقون عَلَيْهِ اسْم السَّمِيع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد وَيَقُولُونَ لَا حَيَاة لَهُ وَلَا سمع وَلَا بصر وَلَا كَلَام وَلَا إِرَادَة تقوم بِهِ وَهَذَا من أعظم الالحاد فِيهَا عقلا وَشرعا ولغة وفطرة وَهُوَ مُقَابل لإلحاد الْمُشْركين فان أُولَئِكَ أعْطوا اسماءه وَصِفَاته لآلهتهم وَهَؤُلَاء سلبوه صِفَات كَمَاله وجحدوا وعطلوها فكلاهما ملحد فِي أَسْمَائِهِ ثمَّ الْجَهْمِية وفروخهم متفاوتون فِي هَذَا الْإِلْحَاد فيهم العالي والمتوسط والمتلون وكل من جحد شَيْئا مِمَّا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله فقد ألحد فِي ذَلِك فليستقل أَو ليستكثر قَوْله فالقصد دفع النَّص عَن معنى الْحَقِيقَة أَي ان هَذَا الْقسم من الْمُلْحِدِينَ قصدهم دفع النَّص عَن معنى الْحَقِيقَة بالتحريف والتعطيل وَالنَّفْي وَقذف المثبتة ونبزهم بالتجسيم ورميهم بالْكفْر وَيَقُولُونَ إِذا احتجت المثبتة عَلَيْك بالنصوص القرأنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة فادفعها بضروب من الدّفع مثل دَعْوَى أَنَّهَا مجَاز فاذا غلبت على الْمجَاز فَقل هِيَ أَدِلَّة لفظية لَا تفِيد الْعلم وَالْيَقِين فاذا تكاثرت الْأَدِلَّة وتضافرت فَعَلَيْك بالقوانين الْمَوْضُوعَة لدفع أَدِلَّة الْقُرْآن وَلكُل نَص لَا يقبل التَّأْوِيل وَقل عَارض الْمَنْقُول مَعْقُول واذا تعَارض الْعقل وَالنَّقْل فَمَا ثمَّ إِلَّا وَاحِد من أَربع إِمَّا أَن نعملها وَإِمَّا أَن نهملها وَإِمَّا ان نعمل النَّقْل ونلغي الْعقل وَهُوَ غير مُمكن لِأَن الْعقل أصل النَّقْل وَالنَّقْل فَرعه فان أبطلناها أبطلنا النَّقْل لأَنا صدقنا النَّقْل بِهِ فأعماله إِلَى الغائه فَتعين الإعمال للمعقول وإلغاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 الْمَنْقُول بالقانون ذِي الْبُرْهَان وَقد بسط شيخ الاسلام رَحمَه الله الْكَلَام على هَذَا أتم بسط فِي أول كتاب دَرْء تعَارض الْعقل وَالنَّقْل فَارْجِع اليه إِن شِئْت وَكَذَلِكَ الْعَلامَة النَّاظِم فانه بسط ذَلِك وَأَطْنَبَ فِي كِتَابه الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وثالثهم فنافيها ونا ... فِي مَا تدل عَلَيْهِ بالبهتان ذَا جَاحد الرَّحْمَن رَأْسا لم يقر بخالق أبدا وَلَا رَحْمَن هَذَا هُوَ الالحاد فاحذره لَعَلَّ الله أَن ينجيك من نيران وتفوز بالزلفى لَدَيْهِ وجنة المأوى مَعَ الغفران والرضوان ... لَا توحشنك غربَة بَين الورى ... فَالنَّاس كالأموات فِي الْحَيَّانِ أَو ماعلمت بِأَن أهل السّنة الغرباء حَقًا عِنْد كل زمَان ... قل لي مَتى سلم الرَّسُول وَصَحبه ... والتابعون لَهُم على الاحسان ... من جَاهِل ومعاند ومنافق ... ومحارب بالبغي والعدوان وتظن أَنَّك وَارِث لَهُم وَمَا ... ذقت الْأَذَى فِي نصْرَة الرَّحْمَن كلا وَلَا جاهدت حق جهاده ... فِي الله لَا بيد وَلَا بِلِسَان منتك وَالله الْمحَال النَّفس فاستحدث سوى ذَا الرَّأْي والحسبان لَو كنت وَارثه لآذتك الألى ... ورثوا عداهُ بِسَائِر الألوان ... ذكر فِي هَذَا الْفَصْل إلحاد الطَّائِفَة الثَّالِثَة من أهل الْإِلْحَاد وَهُوَ إلحاد النفاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الجاحدين لله ولكتبه وَرُسُله وَهَذَا هُوَ الْإِلْحَاد حَقًا كَمَا قَالَ النَّاظِم نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه وأليم عِقَابه شرع النَّاظِم فِي تَعْزِيَة أهل السّنة وَأَنَّهُمْ هم الغرباء فِي كل زمَان وَلَقَد أحسن الْقَائِل ... قد عرف الْمُنكر واستن ... كرّ الْجَهْل فِي رُتْبَة ... فَقلت للأبرار أهل التقى ... وَالدّين لما اشتدت الْكُرْبَة ... لَا تنكروا أحوالكم قد أَتَت ... نوبتكم فِي زمن الغربة ... وللحافظ عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب كتاب كشف الْكُرْبَة فِي وصف حَال اهل الغربة فصل فِي النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ الْمُخَالف لتوحيد المعطلين وَالْمُشْرِكين ... هَذَا وَثَانِي نَوْعي التَّوْحِيد تو ... حيد الْعِبَادَة مِنْك للرحمن أَن لَا تكون لغيره عبدا وَلَا ... تعبد بِغَيْر شَرِيعَة الايمان فتقوم بالاسلام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان فِي سر وَفِي إعلان والصدق والاخلاص ركنا ذَلِك التَّوْحِيد كالركنين للبنيان وَحَقِيقَة الاخلاص تَوْحِيد المُرَاد فَلَا يزاحمه مُرَاد ثَان ... لَكِن مُرَاد العَبْد يبْقى وَاحِدًا مَا فِيهِ تَفْرِيق لَدَى الانسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 .. إِن كَانَ رَبك وَاحِدًا سُبْحَانَهُ ... فاخصصه بِالتَّوْحِيدِ مَعَ إِحْسَان إِن كَانَ رَبك وَاحِدًا أنشاك لم ... يشركهُ اذ أنشأك رب ثَان فكذاك أَيْضا وَحده فاعبده لَا ... تعبد سواهُ يَا أَخا الْعرْفَان والصدق تَوْحِيد الارادة وَهُوَ بذ ... ل الْجهد لَا كسلا وَلَا متوان وَالسّنة المثلى لسالكها فتو ... حيد الطَّرِيق الْأَعْظَم السُّلْطَان فلواحد كن وَاحِدًا فِي وَاحِد ... أعنى سَبِيل الْحق والايمان هذي ثَلَاث مسعدات للَّذي ... قد نالها وَالْفضل للمنان فاذا هِيَ اجْتمعت لنَفس حرَّة ... بلغت من العلياء كل مَكَان لله قلب شام هاتيك البرو ... ق من الْخيام فهم بالطيران لَوْلَا التعلل بالرجاء تصدعت ... أعشاره كتصدع الْبُنيان وتراه يبسطه الرَّجَاء فينثني ... متمايلا كتمايل النشوان وَيعود يقبضهُ الاياس لكَونه ... مُتَخَلِّفًا عَن رفْقَة الْإِحْسَان فتراه بَين الْقَبْض والبسط اللذا ... ن هما لأفق سمائه قطبان وبدا لَهُ سعد السُّعُود فَصَارَ مسراه عَلَيْهِ لاعلى الدبران ... لله ذياك الْفَرِيق فانهم ... خصوا بخالصة من الرَّحْمَن ... شدت ركائبهم الى معبودهم ... وَرَسُوله يَا خيبة الكسلان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوْع الثَّانِي من تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَهُوَ تَوْحِيد الْعِبَادَة وَالْعِبَادَة فِي اللُّغَة الذل يُقَال بعير معبد أَي مذلل وَطَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا قد وطئته الْأَقْدَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَأما الْعِبَادَة فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء فقد عرفهَا طَائِفَة بقَوْلهمْ الْعِبَادَة مَا أَمر بِهِ شرعا من غير اطراد عرفي وَلَا اقْتِضَاء عَقْلِي وَعرفهَا طَائِفَة بانها كَمَال الْحبّ مَعَ كَمَال الخضوع وَقَالَ شيخ الاسلام هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وبر الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ والاحسان الى الْجَار واليتيم الْمِسْكِين والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال ذَلِك من الْعِبَادَة وَكَذَلِكَ حب الله وَرَسُوله وخشية الله والانابة إِلَيْهِ وإخلاص الدّين لَهُ وَالصَّبْر لحكمه وَالشُّكْر لنعمه والرضى بِقَضَائِهِ والتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْف من عَذَابه وأمثال ذَلِك فالدين كُله دَاخل فِي الْعِبَادَة انْتهى وكل هَذِه التعريفات لِلْعِبَادَةِ مَعْنَاهَا وَاحِد وَإِذا عرفت معنى الْعِبَادَة فَاعْلَم أَن التَّوْحِيد نَوْعَانِ تَوْحِيد فِي الْمعرفَة والاثبات وَهُوَ تَوْحِيد الربوبية والأسماء وَالصِّفَات وتوحيد فِي الطّلب وَالْقَصْد وَهُوَ تَوْحِيد الالهية وَالْعِبَادَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَأما التَّوْحِيد الَّذِي دعت اليه الرُّسُل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَنزلت بِهِ الْكتب فَهُوَ نَوْعَانِ تَوْحِيد فِي الْمعرفَة والاثبات وتوحيد فِي الطّلب وَالْقَصْد فَالْأول هُوَ إِثْبَات حَقِيقَة ذَات الرب تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه من شَاءَ من عباده وَإِثْبَات عُمُوم قَضَائِهِ وَقدره وحكمته وَقد أفْصح الْقُرْآن عَن هَذَا النَّوْع حد الافصاح كَمَا فِي أول الْحَدِيد وَسورَة طه وَآخر الْحَشْر وَأول تَنْزِيل السَّجْدَة وَسورَة الاخلاص بكمالها وَغير ذَلِك النَّوْع الثَّانِي مَا تضمنه سُورَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَقَوله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا} آل عمرَان الْآيَة وَأول سُورَة تَنْزِيل الْكتاب وَآخِرهَا وَأول سُورَة الْمُؤمن ووسطها وَآخِرهَا وَأول سُورَة الْأَعْرَاف وَآخِرهَا وَجُمْلَة سُورَة الْأَنْعَام وغالب سور الْقُرْآن بل كل سُورَة فِي الْقُرْآن فَهِيَ متضمنة لنوعي التَّوْحِيد شاهدة بِهِ دَاعِيَة اليه فان الْقُرْآن إِمَّا خبر عَن الله واسمائه وَصِفَاته وأفعاله وأقواله فَهُوَ التَّوْحِيد العلمي الخبري وَإِمَّا دَعْوَة الى عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وخلع مَا يعبد من دونه فَهُوَ التَّوْحِيد الارادي الطلبي وَإِمَّا أَمر وَنهي وإلزام بِطَاعَتِهِ وَأمره وَنَهْيه فَهُوَ حُقُوق التَّوْحِيد ومكملاته وَإِمَّا خبر عَن إكرام أهل التَّوْحِيد وَمَا فعل بهم فِي الدُّنْيَا ويكرمهم بِهِ فِي الْآخِرَة فَهُوَ جَزَاء أهل توحيده وَإِمَّا خبر عَن أهل الشّرك وَمَا فعل بهم فِي الدُّنْيَا من النكال وَمَا يحل بهم فِي العقبى من الْعَذَاب فَهُوَ جَزَاء من خرج عَن حكم التَّوْحِيد فالقرآن كُله فِي التَّوْحِيد وحقوقه وجزائه وَفِي شَأْن الشّرك وَأَهله وجزائهم انْتهى قَالَ شيخ الاسلام التَّوْحِيد الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُول إِنَّمَا يتَضَمَّن إِثْبَات الإلهية لله وَحده بِأَن يشْهد أَن لَا إِلَه الا الله فَلَا يعبد إِلَّا إِيَّاه وَلَا يتوكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يوالي الا لَهُ وَلَا يعادي إِلَّا فِيهِ وَلَا يعْمل الا لأَجله وَذَلِكَ يتَضَمَّن أثبات مَا أثْبته لنَفسِهِ من الاسماء وَالصِّفَات قَالَ تَعَالَى {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْبَقَرَة وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ الله {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد فإياي فارهبون} النَّحْل وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يدع مَعَ الله إِلَهًا آخر لَا برهَان لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ تَعَالَى {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ} الزخرف وَأخْبر عَن كل نَبِي من الْأَنْبِيَاء أَنهم دعوا النَّاس الى عبَادَة الله وَحده لَا شريك لَهُ وَقَالَ {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا بُرَآء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} الممتحنة وَقَالَ عَن الْمُشْركين {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أئنا لتاركوا آلِهَتنَا لشاعر مَجْنُون} الصافات وَهَذَا فِي الْقُرْآن كثير وَلَيْسَ المُرَاد بِالتَّوْحِيدِ مُجَرّد تَوْحِيد الربوبية وَهُوَ اعْتِقَاد أَن الله وَحده خلق الْعَالم كَمَا يظنّ ذَلِك من يَظُنّهُ من اهل الْكَلَام والتصوف ويظن هَؤُلَاءِ أَنهم اذا أثبتوا ذَلِك بِالدَّلِيلِ فقد أثبتوا غَايَة التَّوْحِيد وَأَنَّهُمْ اذا أشهدوا هَذَا وفنوا فِيهِ فقد فنوا فِي غَايَة التَّوْحِيد فان الرجل لَو أقرّ بِمَا يسْتَحق الرب تَعَالَى من الصِّفَات ونزهه عَن كل مَا يتنزه عَنهُ وَأقر بِأَنَّهُ وَحده خَالق كل شئ لم يكن موحدا حَتَّى يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده فَيقر بِأَن الله وَحده هُوَ الْإِلَه الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ ويلتزم بِعبَادة الله وَحده لَا شريك لَهُ والإله هُوَ المألوه المعبود الَّذِي يسْتَحق الْعِبَادَة وَلَيْسَ هُوَ الْإِلَه بِمَعْنى الْقَادِر على الاختراع فاذا فسر الْمُفَسّر الْإِلَه بِمَعْنى الْقَادِر على الاختراع واعتقد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 هَذَا الْمَعْنى هُوَ اخص وصف الْإِلَه وَجعل إِثْبَات هَذَا هُوَ الْغَايَة فِي التَّوْحِيد كَمَا يفعل ذَلِك من يَفْعَله من متكلمة الصفاتية وَهُوَ الَّذِي يَقُولُونَهُ عَن ابي الْحسن وَأَتْبَاعه لم يعرفوا حَقِيقَة التَّوْحِيد الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فان مُشْركي الْعَرَب كَانُوا مقرين بِأَن الله وَحده خَالق شَيْء وَكَانُوا مَعَ هَذَا مُشْرِكين قَالَ تَعَالَى {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} يُوسُف قَالَ طَائِفَة من السّلف تَسْأَلهُمْ من خلق السَّمَاوَات والارض فَيَقُولُونَ الله وهم مَعَ هَذَا يعْبدُونَ غَيره قَالَ تَعَالَى {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِن كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ} الى قَوْله فَأنى تسحرون الْمُؤْمِنُونَ فَلَيْسَ كل من أقل بَان الله تَعَالَى رب كل شَيْء وخالقه يكون عابدا لَهُ دون مَا سواهُ دَاعيا لَهُ دون مَا سواهُ راجيا لَهُ خَائفًا مِنْهُ دون مَا سواهُ يوالي فِيهِ ويعادي فِيهِ ويطيع رَسُوله وَيَأْمُر بِمَا أَمر بِهِ وَينْهى عَمَّا نهى عَنهُ وَعَامة الْمُشْركين أقرُّوا بِأَن الله خَالق كل شئ وابتغوا الشفعاء الَّذين يشركونهم بِهِ وَجعلُوا لَهُ أندادا قَالَ الله تَعَالَى {أم اتَّخذُوا من دون الله شُفَعَاء قل أولو كَانُوا لَا يملكُونَ شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الزمر وَقَالَ تَعَالَى {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله} الى قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ يُونُس وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد جئتموها فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وتركتم مَا خولناكم وَرَاء ظهوركم وَمَا نرى مَعكُمْ شفعاؤكم الَّذين زعمتم أَنهم فِيكُم شُرَكَاء لقد تقطع بَيْنكُم وضل عَنْكُم مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ {الْأَنْعَام} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} الْبَقَرَة وَلِهَذَا كَانَ من أَتبَاع هَؤُلَاءِ من يسْجد للشمس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب ويدعوها ويصوم وينسك لَهَا ويتقرب اليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ثمَّ يَقُول إِن هَذَا لَيْسَ بشرك إِنَّمَا الشّرك إِذا اعتقدت أَنَّهَا الْمُدبرَة لي فاذا جَعلتهَا سَببا وواسطة لم أكن مُشْركًا وَمن الْمَعْلُوم بالاضطرار من دين الاسلام ان هَذَا شرك انْتهى كَلَامه قَوْله والصدق والاخلاص ركنا ذَلِك التَّوْحِيد جعل الاخلاص أحد ركني تَوْحِيد الْعِبَادَة والصدق رُكْنه الآخر وَفسّر الصدْق بِمَا ذكر وَقَالَ النَّاظِم فِي بعض كَلَامه ومقام الصدْق جَامع للاخلاص والعزم فباجتماعهما يَصح لَهُ مقَام الصدْق فَظهر من كَلَامه أَن تَوْحِيد الْعِبَادَة أَعم من الاخلاص قَوْله فلواحد يُرِيد بِهِ الاخلاص لله الْوَاحِد وَهَذَا هُوَ تَوْحِيد المُرَاد قَوْله كن وَاحِدًا يُرِيد بِهِ الصدْق وَهُوَ تَوْحِيد الارادة قَوْله فِي وَاحِد يُرِيد بِهِ تَوْحِيد الطَّرِيق وَهُوَ اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وَذَلِكَ معنى قَوْله وَالسّنة المثلى لسالكها فتوحيد الطَّرِيق الخ قَوْله شام هُوَ فعل مَاض يُقَال شام يشيم شيما اذا نظر من بعد فصل ... والشرك فاحذره فشرك ظَاهر ... ذَا قسم لَيْسَ بقابل الغفران وَهُوَ اتِّخَاذ الند للرحمن أيا كَانَ من حجر وَمن انسان ... يَدعُوهُ اَوْ يرجوه ثمَّ يخافه ... وَيُحِبهُ كمحبة الديَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 .. وَالله مَا ساووهم بِاللَّه فِي ... خلق وَلَا رزق وَلَا إِحْسَان فَالله عِنْدهم هُوَ الخلاق والرزاق مولى الْفضل وَالْإِحْسَان ... لكِنهمْ ساووهم بِاللَّه فِي ... حب وتعظيم وَفِي ايمان ... جعلُوا محبتهم مَعَ الرَّحْمَن مَا ... جعلُوا الْمحبَّة قطّ للرحمن لَو كَانَ حبهم لأجل الله مَا ... عَادوا أحبته على الايمان وَلما أَحبُّوا سخطه وتجنبوا ... محبوبه ومواقع الرضْوَان شَرط الْمحبَّة أَن توَافق من تحب على محبته بِلَا عصيان فاذا ادعيت لَهُ الْمحبَّة مَعَ خلا ... فك مَا يحب فَأَنت ذُو بهتان ... أَتُحِبُّ أَعدَاء الحبيب وتدعي ... حبا لَهُ مَا ذَاك فِي إِمْكَان ... وَكَذَا تعادي جاهدا أحبابه ... إِن الْمحبَّة يَا أَخا الشَّيْطَان لَيْسَ الْعِبَادَة غير تَوْحِيد الْمحبَّة مَعَ خضوع الْقلب والأركان ... وَالْحب نفس وفاقه فِيمَا يحب وَيبغض مَا لَا يرتضي بجنان ووفاقه نفس اتباعك أمره ... وَالْقَصْد وَجه الله ذِي الْإِحْسَان هَذَا هُوَ الأحسان شَرط فِي قبو ... ل السَّعْي فافهمه من الْقُرْآن والاتباع بِدُونِ شرع رَسُوله ... عين الْمحَال وأبطل الْبطلَان فاذا نبذت كِتَابه وَرَسُوله ... وتبعت أَمر النَّفس والشيطان وتخذت أندادا تحبهم كحب الله كنت مُجَانب الْإِيمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 .. وَلَقَد رَأينَا من فريق يدعى الْإِسْلَام شركا ظَاهر التِّبْيَان جعلُوا لَهُ شُرَكَاء وَالوهم وسووهم بِهِ فِي الْحبّ لَا السُّلْطَان ... وَالله مَا ساووهم بِاللَّه بل ... زادوهم حبا بِلَا كتمان ... وَالله مَا غضبوا إِذا انتهكت محا ... رم رَبهم فِي السِّرّ والإعلان حَتَّى إِذا مَا قيل فِي الوثن الَّذِي ... يَدعُونَهُ مَا فِيهِ من نُقْصَان فأجارك الرَّحْمَن من غضب وَمن ... حَرْب وَمن شتم وَمن وعدوان وأجارك الرَّحْمَن من ضرب وتعزيز وَمن سبّ وَمن سجان ... وَالله لَو عطلت كل صِفَاته ... مَا قابلوك بِبَعْض ذَا الْعدوان ... وَالله لَو خَالَفت نَص رَسُوله ... نصا صَرِيحًا وَاضح التِّبْيَان وتبعت قَول شيوخهم أَو غَيرهم ... كنت الْمُحَقق صَاحب الْعرْفَان حَتَّى إِذا خَالَفت آراء الرجا ... ل لسنة الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ نادوا عَلَيْك ببدعة وضلالة ... قَالُوا وَفِي تكفيره قَولَانِ قَالُوا تنقصت الْكِبَار وَسَائِر الْعلمَاء بل جاهرت بالبهتان ... هَذَا وَلم نسلبهم حَقًا لَهُم ... ليَكُون ذَا كذب وَذَا عدوان ... وَإِذا سلبت صِفَاته وعلوه ... وَكَلَامه جَهرا بِلَا كتمان لم يغضبوا بل كَانَ ذَلِك عِنْدهم ... عين الصَّوَاب وَمُقْتَضى الْإِحْسَان وَالْأَمر وَالله الْعَظِيم يزِيد فو ... ق الْوَصْف لَا يخفى على العميان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 .. وَإِذا ذكرت الله توحيدا رَأَيْت وُجُوههم مكسوفة الألوان ... بل ينظرُونَ اليك شزرا مثل مَا ... نظر التيوس الى عَصا الجوبان ... وَإِذا ذكرت بمدحه شركاءهم ... يستبشرون تباشر الفرحان وَالله مَا شتموا رَوَائِح دينه ... يَا زكمة أعيت طَبِيب زمَان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه فِي الأبيات الشّرك وَذكر أَن الله لَا يغفره كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} النِّسَاء وَقَوله وَهُوَ اتِّخَاذ الند للرحمن الخ أَي إِن الشّرك هُوَ اتِّخَاذ ند من دون الله يَدعُوهُ كَمَا يَدْعُو الله ويرجوه كَمَا يَرْجُو الله ويخافه كَمَا يخَاف الله وَيُحِبهُ كَمَا يحب الله وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا هُوَ الشّرك الْأَكْبَر الَّذِي أرسل الله الرُّسُل وَأنزل الْكتب للنَّهْي عَنهُ وتكفير أَهله واستباحة دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ قَوْله وَالله مَا ساووهم بِاللَّه فِي خلق الخ أَي إِن الْمُشْركين مَا ساووا معبوديهم بِاللَّه فِي الْخلق والرزق والاحسان وَإِنَّمَا ساووهم بِاللَّه فِي الْمحبَّة وَالْخَوْف والرجاء وَالدُّعَاء وَنَحْو ذَلِك كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن الْمُشْركين إِنَّهُم يَقُولُونَ لآلهتهم {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} الشُّعَرَاء وَمَعْلُوم أَنهم مَا ساووهم بِاللَّه فِي الْخلق والرزق وانما ساووهم بِهِ فِي الْمحبَّة والتعظيم وَإِلَّا فهم يَعْتَقِدُونَ أَنهم مخلوقون مربوبون كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِن كُنْتُم تعلمُونَ} الأيات الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} الزمر وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ فِي تلبيهم لبيْك لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 شريك لَك هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك وَقَالَ تَعَالَى {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله لَا يملكُونَ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} الاية سبأ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمنَازل فِي الْكَلَام على هَذِه الْآيَات وَقد قطع الله الاسباب الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الْمُشْركُونَ جَمِيعهَا قطعا يعلم من تَأمله وعرفه أَن من اتخذ من دون الله وليا اَوْ شَفِيعًا فَهُوَ كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وان أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت فَقَالَ تَعَالَى {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله لَا يملكُونَ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض وَمَا لَهُم فيهمَا من شرك وَمَا لَهُ مِنْهُم من ظهير وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ} سبأ فالمشرك انما يَتَّخِذهُ معبوده لما يحصل لَهُ من النَّفْع والنفع لَا يكون الا مِمَّن خصْلَة من هَذِه الاربع اما مَالِكًا لما يُرِيد عابده مِنْهُ فان لم يكن مَالِكًا كَانَ شَرِيكا للْمَالِك فان لم يكن شَرِيكا لَهُ كَانَ معينا وظهيرا فان لم يكن معينا وَلَا ظهيرا كَانَ شَفِيعًا عِنْده فنفى سُبْحَانَهُ الْمَرَاتِب الاربع نفيا مُرَتبا منتقلا من الاعلى الى الادنى فنفى الْملك وَالشَّرِكَة والمظاهرة والشفاعة الَّتِي يطْلبهَا الْمُشرك أثبت شَفَاعَة لَا نصيب فِيهَا لِمُشْرِكٍ وَهِي الشَّفَاعَة باذنه فَكفى بِهَذِهِ الْآيَة نورا وبرهانا وَتَجْرِيد للتوحيد وقطعا لأصول الشّرك ومواده لمن عقلهَا وَالْقُرْآن مَمْلُوء من أَمْثَالهَا ونظائرها وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يَشْعُرُونَ بِدُخُول الْوَاقِع تَحْتَهُ وتضمنه لَهُ ويظنه فِي نوع وَقوم قد خلوا من قبل وَلم يعقبوا وَارِثا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يحول بَين الْقلب وَبَين فهم الْقُرْآن ولعمر الله إِن كَانَ أُولَئِكَ قد خلوا فقد ورثهم من هُوَ مثلهم أَو شَرّ مِنْهُم اَوْ دونهم وَتَنَاول الْقُرْآن لَهُم كتناوله لأولئك ثمَّ قَالَ وَمن أَنْوَاعه أَي الشّرك طلب الْحَوَائِج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 من الْمَوْتَى والاستغاثة بهم وَهَذَا أصل شرك الْعَالم فان الْمَيِّت قد انْقَطع عمله وَهُوَ لَا يملك لنَفسِهِ نفعا وَلَا ضرا فضلا لمن اسْتَغَاثَ بِهِ وَسَأَلَهُ أَن يشفع لَهُ الى الله وَهَذَا من جَهله بالشافع والمشفوع عِنْده كَأَنَّهُ لَا يقدر أَن يشفع عِنْد الله الا باذنه وَالله لم يَجْعَل استغاثته وسؤاله سَببا لاذنه وانما السَّبَب كَمَال التَّوْحِيد فجَاء هَذَا الْمُشرك بِسَبَب يمْنَع الاذن وَهُوَ بِمَنْزِلَة من اسْتَعَانَ فِي حَاجته بِمَا يمْنَع حُصُولهَا وَهَذِه حَالَة كل مُشْرك فَجمعُوا بَين الشّرك بالمعبود وَتغَير دينه ومعادات أهل التَّوْحِيد وَنسبَة أَهله الى التنقيص بالأموات وهم قد تنقصوا الْخَالِق بالشرك وأوليائه الْمُوَحِّدين بذمهم وعيبهم ومعاداتهم وتنقصوا من أشركوا بِهِ غَايَة التنقص إِذْ ظنُّوا أَنهم راضون مِنْهُم بِهَذَا وَأَنَّهُمْ أمروهم بِهِ وَأَنَّهُمْ يوالونهم عَلَيْهِ وَهَؤُلَاء هم اعداء الرُّسُل فِي كل زمَان وَمَكَان وَمَا أَكثر المستجيبين لَهُم ومانجا من شرك هَذَا الشّرك الْأَكْبَر إِلَّا من جرد توحيده لله وعادى الْمُشْركين فِي الله وتقرب سمعتهم الى الله وَاتخذ الله وَحده وليه والهه ومعبوده فَجرد حبه لله وخوفه لله ورجاءه لله وتوكله على الله واستعانته بِاللَّه والتجاءه الى الله واستغاثته بِاللَّه وقصده لله مُتبعا لأَمره متطلبا لمرضاته اذا سَأَلَ سَأَلَ الله واذا اسْتَعَانَ اسْتَعَانَ بِاللَّه واذا عمل عمل لله فَهُوَ لله وَبِاللَّهِ وَمَعَ الله انْتهى كَلَامه قَوْله وَلَقَد راينا من فريق يَدعِي الاسلام الخ قد ذكر النَّاظِم فِي شرح الْمنَازل كلَاما كالشرح لكَلَامه هَذَا قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَأما الشّرك فَهُوَ نَوْعَانِ أكبر وأصغر فالاكبر لَا يغفره الله الا بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ وَهُوَ أَن يتَّخذ من دون الله ندا يُحِبهُ كَمَا يحب الله وَهُوَ الشّرك الَّذِي تضمن تَسْوِيَة آلِهَة الْمُشْركين بِرَبّ الْعَالمين وَلِهَذَا قَالُوا لآلهتهم فِي النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} الشُّعَرَاء مَعَ اقرارهم بِأَن الله وَحده خَالق كل شَيْء وربه وملكيه وان آلِهَتهم لَا تخلق وَلَا ترزق وَلَا تميت وَلَا تحيي وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه التَّسْوِيَة فِي الْمحبَّة والتعظيم وَالْعِبَادَة كَمَا هُوَ حَال مُشْركي الْعَالم بل كلهم يحبونَ معبوديهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله وَكثير مِنْهُم بل أَكْثَرهم يحبونَ آلِهَتهم اعظم من محبَّة الله ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إِذا ذكر الله وَحده ويغضبون لتنقص معبوديهم وآلهتهم من الْمَشَايِخ أعظم مِمَّا يغضبون اذ انْتقصَ أحد رب الْعَالمين واذا انتهكت حُرْمَة من حرمات آلِهَتهم ومعبوديهم غضبوا غضب اللَّيْث واذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لَهَا بل اذا قَامَ المنتهك لَهَا باطعامهم شَيْئا اعرضوا عَنهُ وَلم تتنكر لَهُ قُلُوبهم وَقد شاهدنا هَذَا نَحن وغيرنا مِنْهُم جهرة وَترى احدهم قد اتخذ ذكر آلهه ومعبوده من دون الله على لِسَانه ان قَامَ وان قعد وان عثر وان استوحى فَذكر الهه ومعبوده من دون الله هُوَ الْغَالِب على قلبه وَلسَانه وَهُوَ لَا يُنكر ذَلِك وَيَزْعُم انه بَاب حَاجته الى الله وشفيعه عِنْده ووسيلته اليه وَهَكَذَا كَانَ عباد الْأَصْنَام سَوَاء وَهَذَا الْقدر هُوَ الَّذِي قَامَ بقلوبهم وتوارثه الْمُشْركُونَ بِحَسب اخْتِلَاف آلِهَتهم فَأُولَئِك كَانَت من الْحجر وَغَيرهم اتخذها من الْبشر قَالَ تَعَالَى حاكيا عَن اسلاف هَؤُلَاءِ الْمُشْركين {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى إِن الله يحكم بَينهم فِيمَا هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} الزمر ثمَّ شهد عَلَيْهِم بِالْكَذِبِ وَالْكفْر وَأخْبر أَنه لَا يهْدِيهم فَقَالَ {إِن الله لَا يهدي من هُوَ كَاذِب كفار} الزمر فَهَذِهِ حَال من اتخذ من دون الله وليا يزْعم أَنه يقرب الى الله وَمَا أعز من تخلص من هَذَا بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 مَا اعز من لَا يعادي من انكره وَالَّذِي فِي قُلُوب هَؤُلَاءِ الْمُشْركين وسلفهم أَن آلِهَتهم تشفع لَهُم عِنْد الله وَهَذَا عين الشّرك وَقد أنكر الله عَلَيْهِم ذَلِك فِي كِتَابه وأبطله وَاخْبَرْ أَن الشَّفَاعَة كلهَا لَهُ وَأَنه لَا يشفع عِنْده اُحْدُ الا لمن أذن الله أَن يشفع فِيهِ وَرَضي قَوْله وَعَمله وهم أهل التَّوْحِيد الَّذين لم يتخذوا من دون الله شُفَعَاء فَإِنَّهُ يَأْذَن سُبْحَانَهُ لمن يَشَاء فِي الشَّفَاعَة لَهُم حَيْثُ لم يتخذوا شُفَعَاء من دونه فَيكون أسعد النَّاس بشفاعة من يَأْذَن لَهُ صَاحب التَّوْحِيد الَّذِي لم يتَّخذ شَفِيعًا من دون الله والشفاعة الَّتِي أثبتها الله وَرَسُوله الشَّفَاعَة الصادرة عَن اذنه لمن وَحده والشفاعة الَّتِي نفاها الله الشَّفَاعَة الشركية فِي قُلُوب الْمُشْركين المتخذين من دون الله شُفَعَاء فيعاملون بنقيض قصدهم من شفاعتهم ويفوز بهَا الموحدون فَتَأمل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة وَقد سَأَلَهُ من أسعد النَّاس بشفاعتك يَا رَسُول الله قَالَ أسعد النَّاس بشفاعتي من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله كَيفَ جعل اعظم الاسباب الَّتِي تنَال بهَا شَفَاعَته تَجْرِيد التَّوْحِيد عكس مَا عِنْد الْمُشْركين أَن الشَّفَاعَة تنَال باتخاذهم شُفَعَاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله فَقلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فِي زعمهم الْكَاذِب وَأخْبر ان سَبَب الشَّفَاعَة تَجْرِيد التَّوْحِيد فَحِينَئِذٍ يَأْذَن الله للشافع أَن يشفع وَمن جهل الْمُشرك اعْتِقَاده أَن من اتخذ وليا أَو شَفِيعًا أَنه يشفع لَهُ وينفعه عِنْد الله كَمَا يكون خَواص الْمُلُوك والولاة تَنْفَع من والاهم وَلم يعلمُوا ان الله لَا يشفع عِنْده اُحْدُ فِي الشَّفَاعَة الا بِإِذْنِهِ وَلَا يَأْذَن فِي الشَّفَاعَة الا لمن رَضِي قَوْله وَعَمله كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْفَصْل الأول {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} الْبَقَرَة وَفِي الْفَصْل الثَّانِي {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} الْأَنْبِيَاء وَبَقِي فصل ثَالِث وَهُوَ أَنه لَا يرضى من القَوْل وَالْعَمَل إِلَّا التَّوْحِيد وَاتِّبَاع الرَّسُول وَعَن هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ يسْأَل الألون وَالْآخرُونَ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة كلمتان يسْأَل عَنْهُمَا الاولون وَالْآخرُونَ مَاذَا كُنْتُم تَعْبدُونَ وماذا أجبتم الْمُرْسلين فَهَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 ثَلَاثَة أصُول تقطع شَجَرَة الشّرك من قلب من وعاها وعقلها لَا شَفَاعَة إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يَأْذَن إِلَّا لمن رَضِي قَوْله وَعَمله وَلَا يرضى من القَوْل الا توحيده وَاتِّبَاع رَسُوله فان الله تَعَالَى لَا يغْفر شرك العادلين بِهِ غَيره فِي الْعِبَادَة والموالاة والمحبة كَمَا فِي الْآيَة الْأُخْرَى {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} الشُّعَرَاء وكما فِي آيَة الْبَقَرَة {يحبونهم كحب الله} الْبَقَرَة وَترى الْمُشرك يكذب حَاله وَعَمله قَوْله فانه يَقُول لَا نحبهمْ كحب الله وَلَا نسويهم بِاللَّه ثمَّ يغْضب لَهُم ولحرماتهم إِذا انتهكت أعظم مِمَّا يغضبه لله ويستبشر بذكرهم سِيمَا إِذا ذكر عَنْهُم مَا لَيْسَ فيهم من إغاثة اللهفات وتفريج الكربات وَقَضَاء الْحَاجَات وَأَنَّهُمْ بَاب بَين الله وعباده فترى الْمُشرك يفرح وَيسر ويحن قلبه ويهبج مِنْهُ لواعج التَّعْظِيم والخضوع لَهُم والموالاة وَإِذا ذكرت الله وَحده وجردت توحيده لحقته وَحْشَة وضيق وحرج ورماك بتنقص الْآلهَة الَّتِي لَهُ وَرُبمَا عاداك رَأينَا هَذَا وَالله مِنْهُم عيَانًا ورمونا بعداوتهم وبغوا لنا الغوائل وَالله مخزيهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلم يكن حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا كَمَا قَالَ إخْوَانهمْ عَابَ آلِهَتنَا فَقَالَ هَؤُلَاءِ تنقصتم مَشَايِخنَا وأبواب حوائجنا الى الله وَهَكَذَا قَالَ النَّصَارَى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ لَهُم ان الْمَسِيح عبد تنقصت الْمَسِيح وعبته وَهَكَذَا أشباه المشوكين لمن منع اتِّخَاذ الْقُبُور أوثانا تعبد ومساجد وَأمر بزيارتها على الْوَجْه الَّذِي أذن الله فِيهِ وَرَسُوله قَالُوا تنقصت أَصْحَابهَا فَانْظُر الى هَذَا التشابه بَين قُلُوبهم حَتَّى كَأَنَّهُمْ قد تواصوا بِهِ وَمن يهد الله فَهُوَ المهتد وَمن يضلل فَلَنْ تَجِد لَهُ وليا مرشدا انْتهى كَلَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 قَوْله حَرْب يحْتَمل أَنه يكون بِسُكُون الرَّاء وَهُوَ مَعْرُوف جمعه حروب وَيحْتَمل أَنه بِفَتْح الرَّاء مصدر حَرْب قَالَ فِي الْقَامُوس حَرْب كفرح كلب وَاشْتَدَّ غَضَبه فَهُوَ حَرْب قَوْله مكسوفة الالوان هُوَ بِالسِّين الْمُهْملَة قَالَ فِي الْقَامُوس وَرجل كاسف البال سيء الْحَال وكاسف الْوَجْه عابسه قَوْله شزر الخ قَالَ فِي الْقَامُوس شزره واليه يشزره نظر مِنْهُ فِي اُحْدُ شقيه وَهُوَ نظر فِيهِ إِعْرَاض أَو نظر الغضبان بمؤخر الْعين اَوْ النّظر يَمِينا وَشمَالًا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي صف العسكرين وتقابل الصفين واستدارة رحى الْحَرْب الْعوَان وتصاول الأقران الْعوَان بِفَتْح الْعين أَي حَرْب بعد حَرْب ... يَا من يشب الْحَرْب جهلا مالكم ... بِقِتَال حزب الله قطّ يدان أَنى يُقَاوم جندكم لجنودهم ... وهم الهداة وعسكر الْقُرْآن وجنودكم مَا بَين كَذَّاب ودجا ... ل ومحتال وَذي بهتان من كل أرعن يَدعِي الْمَعْقُول وَهُوَ مُجَانب لِلْعَقْلِ والايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 قَالَ فِي الْقَامُوس الأرعن الأهوج فِي مَنْطِقه الأحمق المسترخي وَقد رعن مثلثه رعونة ورعنا محركة وَمَا أرعنه انْتهى ... أَو كل مُبْتَدع وجهمي غَدا فِي قلبه حرج من الْقُرْآن أَو كل من قد دَان دين شُيُوخ أهل الاعتزال الْبَين الْبطلَان ... أَو قَائِل بالاتحاد وَأَنه ... عين الاله وَمَا هما شيآن ... أَو من غَدا فِي دينه متحيرا ... أَتبَاع كل ملدد حيران وجنودهم جِبْرِيل مَعَ ميكال مَعَ ... بَاقِي الملائك ناصري الْقُرْآن وَجَمِيع رسل الله من نوح الى ... خير الورى الْمَبْعُوث من عدنان فالقلب خمستهم اولو الْعَزْم الألى ... فِي سُورَة الشورى أَتَوا بِبَيَان فِي أول الْأَحْزَاب أَيْضا ذكرهم ... هم خير خلق الله من إِنْسَان ... قَوْله فِي سُورَة الشورى الخ فِي قَوْله تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى} الْآيَة الاحزاب {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم} الاحزاب الْآيَة ... ولواؤهم بيد الرَّسُول مُحَمَّد ... وَالْكل تَحت لِوَاء ذِي الْفرْقَان وَجَمِيع اصحاب الرَّسُول عِصَابَة الاسلام اهل الْعلم والايمان ... والتابعون لَهُم بِإِحْسَان على ... طبقاتهم فِي سَائِر الْأَزْمَان ... أهل الحَدِيث جَمِيعهم وأئمة ال ... فَتْوَى وأصل حقائق الْعرْفَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 .. العارفون برَبهمْ ونبيهم ... ومراتب الْأَعْمَال فِي الرجحان صوفية سنية نبوية لَيْسُوا أولي شطح وَلَا هذيان ... هَذَا كَلَامهم لدينا حَاضر ... من غير مَا كذب وَلَا كتمان ... فاقبل حِوَالَة من أحَال عَلَيْهِم ... هم أملياؤهم اولو إِمْكَان ... أَي إِن كَلَام الْمَذْكُورين لدينا حَاضر وَقد أحلنا كم عَلَيْهِ فاقبل ايها الْمحَال الْحِوَالَة كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أُحِيل على مليئ فَليتبعْ ... فاذا بعثنَا غَارة من أخريا ... ت الْعَسْكَر الْمَنْصُور بِالْقُرْآنِ طحنتكم طحن الرَّحَى للحب حَتَّى صرتم كالبعر فِي القيعان ... أَنى يُقَاوم ذَا العساكر طمطم ... اَوْ تنكلوشا أَو أَخُو اليونان ... طمطم وتنكلوشا من فلاسفة الْهِنْد ... أَعنِي أرسطو عَابِد الْأَوْثَان أَو ... ذَاك الكفور معلم الالحان ذَاك الْمعلم أَولا للحرف وَالثَّانِي لصوت بئست العلمان ... هَذَا أساس الْفسق والحرف الَّذِي ... وضعُوا اساس الْكفْر والهذيان ... يَعْنِي ان ارسطو هُوَ معلم الْحَرْف وَالْمرَاد بِهِ الْمنطق لِأَنَّهُ اول من وضع التعاليم المنطقة والمعلم الثَّانِي هُوَ الفارابي وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو نصر الفارابي التركي الفيلسوف وَكَانَ من أعلم النَّاس بالموسيقى بِحَيْثُ كَانَ يتَوَصَّل بصناعته الى التَّأْثِير فِي الْحَاضِرين من مستمعيه إِن شَاءَ حرك مَا يبكي اَوْ مَا يضْحك أَو مَا ينوم كَانَ حاذقا فِي الفلسفة وَمن كتبه تفقه ابْن سينا وَكَانَ يَقُول بالمعاد الروحاني لَا الجسماني وَتَخْصِيص الْمعَاد للأرواح العالمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 لَا الجاهلة وَله مَذَاهِب فِي ذَلِك تخَالف الْمُسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين فَعَلَيهِ ان مَاتَ على ذَلِك لعنة رب الْعَالمين وَقد كَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فِيمَا قَالَه ابْن الاثير فِي كَامِله فِي سنة 339 ... أَو ذَلِك المخدوع حَامِل راية ال ... لحاد ذَاك خَليفَة الشَّيْطَان ... أَعنِي ابْن سينا ذَلِك المحلول من ... أَدْيَان أهل الأَرْض ذَا الكفران وَكَذَا نصير الشّرك فِي أَتْبَاعه ... أَعدَاء رسل الله والايمان نصروا الضَّلَالَة من سفاهة رَأْيهمْ ... وغزوا جيوش الدّين وَالْقُرْآن فَجرى على الاسلام أعظم محنة ... لم تجر قطّ بسالف الْأَزْمَان أَو جعد أوجهم وَأَتْبَاع لَهُم ... هم أمة التعطيل والبهتان أَو حَفْص أَو بشر أَو النظام ذَا ... ك مقدم الْفُسَّاق والمجان والجعفران كَذَاك شَيْطَان وَيَد ... عى الطاق لَا حييت من شَيْطَان وَكَذَلِكَ الشحام والعلاف والنجار أهل الْجَهْل بِالْقُرْآنِ ... وَالله مَا فِي الْقَوْم شخص رَافع ... بِالْوَحْي رَأْسا بل بِرَأْي فلَان ... وَخيَار عسكركم فَذَاك الْأَشْعَرِيّ ... القرم ذَاك مقدم الفرسان لكنكم وَالله مَا أَنْتُم على ... إثْبَاته وَالْحق ذُو برهَان هُوَ قَالَ إِن الله فَوق الْعَرْش وَاسْتولى مقَالَة كل ذِي بهتان ... فِي كتبه طرا وَقرر قَول ذِي الْإِثْبَات تقريرا عَظِيم الشان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 .. لكنكم أكفرتموه وقلتمم من قَالَ هَذَا فَهُوَ ذُو كفران ... فخيار عسكركم فَأنْتم مِنْهُم بُرَآء إِذْ قربوا من الايمان ... تقدّمت تَرْجَمَة ابْن سينا والنصير الطوسي والجعفران هما جَعْفَر بن مُبشر وجعفر بن حَرْب وَحَفْص هُوَ حَفْص الْفَرد الَّذِي كَانَ يناظر الشَّافِعِي وَهُوَ من تلاميذ حُسَيْن النجار وَبشر هُوَ ابْن غياث المريسي والنظام هُوَ ابراهيم بن سيار النظام وَشَيْطَان الطاق هُوَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن النُّعْمَان الْكُوفِي المعتزلي الشيعي الصَّيْرَفِي الْمَعْرُوف بِشَيْطَان الطاق من أجل أَنه كَانَ صيرفيا بطاق المخامل من بَغْدَاد فَاخْتلف هُوَ وصيرفي فِي نقد دِرْهَم فغلبه فَقَالَ متبجحا أَنا شَيْطَان الطاق فغلب عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم والرافضة تنتحله وتسميه مَيْمُون الطاق وَله قَضِيَّة مَعَ ابي حنيفَة رَحمَه الله وَله شعر جيد قَالَ بشار بن برد شَيْطَان الطاق أشعر مني ومذهبه ان الامامة لم تزل الى مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق فَلَمَّا مَاتَ مُوسَى قطع الامامة وَوَافَقَ هِشَام ابْن الحكم فِي قَوْله ان الله تَعَالَى يعلم الاشياء بعد وُقُوعهَا وَلَا يعلم أَنَّهَا ستقع وَزعم ان الله تَعَالَى على صُورَة الانسان لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله تَعَالَى خلق آدم على صُورَة الرَّحْمَن لَيْسَ بجسم وَله كتب عديدة مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 كتاب افْعَل لما فعلت وَكتاب افْعَل لَا تفعل وَعِنْده أَن كبار الْفرق أَرْبَعَة الْقَدَرِيَّة والخوارج والعامة والشيعة فالناجي فِي الْآخِرَة من الْفرق الشِّيعَة وَمن رَأْيه ورأي هِشَام الامساك عَن الْكَلَام فِي الله تَعَالَى بقوله تَعَالَى {وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى} النَّجْم أَي اذا بلغ الْكَلَام الى الله تَعَالَى فأمسكوا قَالَا وَلذَلِك أمسكنا عَن القَوْل فِي الله والتكفير فِيهِ وَقيل لَهُ وَيحك أما استحيت أما اتَّقَيْت الله تَعَالَى أَن تَقول فِي كتاب الامامة إِن الله لم يقل قطّ فِي الْقُرْآن {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} فَضَحِك طَويلا وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَمِائَة وَمن شعره ... وَلَا تكن فِي حب الأخلاء مفرطا ... وَإِن أَنْت أبغضت البغيض فأجمل فَإنَّك لَا تَدْرِي مَتى أَنْت مبغض ... صديقك أَو تعذر عَدوك فاعقل ... وَأَبُو الْهُذيْل مُحَمَّد بن الْهُذيْل العلاف والنجار هُوَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد النجار قَوْله القرم السَّيِّد أَصله فَحل الابل قَالَ الْخطابِيّ مَعْنَاهُ الْمُقدم فِي الْمعرفَة بالأمور والرأي وَقَوله لكنكم كفرتموه الخ هَذَا تَكْفِير باللزوم أَي لأَنهم كفرُوا من قَالَ بِهَذَا القَوْل قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هذي العساكر قد تلاقت جهرة ... ودنا الْقِتَال وصيح بالأقران صفوا الجيوش وعبئوها وابرزوا ... للحرب واقتربوا من الفرسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 .. فهم الى لقياكم بالشوق كي ... يوفوا بنذرهم من القربان وَلَهُم اليكم شوق ذِي قرم فَمَا ... يشفيه غير مَوَائِد اللحمان ... قَالَ فِي الْقَامُوس القرم محركة شدَّة شَهْوَة اللَّحْم كثر حَتَّى قيل فِي الشوق الى الحبيب ... تَبًّا لكم لَو تعقلون لكنتم ... خلف الْخُدُور كأضعف النسوان من أَيْن أَنْتُم والْحَدِيث وَأَهله ... وَالْوَحي والمعقول بالبرهان ماعندكم الا الدعاوي والشكا ... وي أَو شَهَادَات على الْبُهْتَان هَذَا الَّذِي وَالله نلنا مِنْكُم ... فِي الْحَرْب إِذْ يتقابل الصفان وَالله مَا جئْتُمْ بقال الله أَو ... قَالَ الرَّسُول وَنحن فِي الميدان إِلَّا بجعجعة وفرقعة وغمغمة ... وَقَعْقَعَة بِكُل شنان ويحق ذَاك لكم وَأَنْتُم أَهله ... أَنْتُم بحاصلكم أَو لَو عرفان وبحقكم تحموا مناصبكم وان ... تحموا مآكلكم بِكُل سِنَان وبحقنا نحمي الْهدى ونذب عَن ... سنَن الرَّسُول وَمُقْتَضى الْقُرْآن قبح الْإِلَه مناصبا ومآكلا ... قَامَت على الْعدوان والطغيان وَالله لَو جئْتُمْ بقال الله اَوْ ... قَالَ الرَّسُول كَفعل ذِي الايمان كُنَّا لكم شاويش تَعْظِيم وإجلال كشاويش لذِي سُلْطَان ... لَكِن هجرتم ذَا وجئتم بِدعَة وأردتم التَّعْظِيم بالبهتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 فصل ... الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... قَالَ الصَّحَابَة هم أولو الْعرْفَان مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة ... بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي فلَان كلا وَلَا جحد الصِّفَات لربنا ... فِي قالب التَّنْزِيه والسبحان كلا وَلَا نفي الْعُلُوّ لفاطر الأكوان فَوق جَمِيع الأكوان ... كلا وَلَا عزل النُّصُوص وانها ... لَيست تفِيد حقائق الايمان ... إِذْ لَا تفيدكم يَقِينا لَا وَلَا ... علما فقد عزلت عَن الإيقان وَالْعلم عنْدكُمْ ينَال بغَيْرهَا ... بزبالة الأفكار والأذهان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الزبل بِالْكَسْرِ وكأمير السرقين والزبلة بِضَم الْبَاء ملقاه وموضعه وزبل زرعه يزبله سمده وككتاب مَا تحمله النَّخْلَة ... سميتموه قواطعا عقلية ... وَهِي الظَّوَاهِر حاملات معَان ... أَي إِنَّكُم سميتم مَا وضعتموه من الفعليات قواطع عقلية بزعمكم وَأما الْكتاب وَالسّنة فَهِيَ أَدِلَّة لفظية مُحْتَملَة لمعان وَهِي الِاحْتِمَالَات التِّسْعَة أَو الْعشْرَة وَقد تقدّمت فَلذَلِك لَا تفِيد الْيَقِين ... كلا وَلَا إحصاء آراء الرجا ... ل وضبطها بالحصر والحسبان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 .. كلا وَلَا التَّأْوِيل والتبديل والتحريف للوحيين بالبهتان ... كلا وَلَا الاشكال والتشكيك وَالْوَقْف الَّذِي مَا فِيهِ من عرفان هذي علومكم الَّتِي من أجلهَا ... عاديتمونا يَا أولي الْعرْفَان ... هَذِه الأبيات الَّتِي صدر بهَا النَّاظِم هَذَا الْفَصْل تشابه مَا أنْشدهُ الْحَافِظ مؤرخ الاسلام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ... الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... قَالَ الصَّحَابَة لَيْسَ خلف فِيهِ مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة ... بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي سَفِيه كلا وَلَا نصب الْخلاف جَهَالَة ... بَين النُّصُوص وَبَين رَأْي فَقِيه كلا وَلَا رد النُّصُوص تعمدا ... حذرا من التجسيم والتشبيه حاشا النُّصُوص من الَّذِي رميت بِهِ ... من فرقة التعطيل والتمويه ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي عقد الْهُدْنَة والأمان الْوَاقِع بَين المعطلة واهل الالحاد حزب جنكسخان قَالَ فِي الْقَامُوس الْهُدْنَة بِالضَّمِّ الْمُصَالحَة كالمهادنة ... يَا قوم صالحتم نفات الذَّات والأوصاف صلحا مُوجبا لأمان ... وأغرتم وَهنا عَلَيْهِم غَارة ... قعقعتم فِيهَا لَهُم بشنان ... مَا كَانَ فِيهَا من قَتِيل مِنْهُم ... كلا وَلَا فِيهَا أَسِير عان ولطفتم فِي القَوْل أوصانعتم ... وأتيتم فِي بحثكم بدهان وجلستم مَعَهم مجالسكم مَعَ الْأُسْتَاذ بالآداب وَالْمِيزَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 .. وضرعتم لِلْقَوْلِ كل ضراعة ... حَتَّى أعاروكم سلَاح الْجَانِي ... فغزو ثمَّ بسلاحهم لعساكر الْإِثْبَات والْآثَار وَالْقُرْآن وَلأَجل ذَا صانعتموهم عِنْد حر بكم لَهُم باللطف والإذعان ... وَلأَجل ذَا كُنْتُم مخانيثا لَهُم ... لم تنفتح مِنْكُم لَهُم عينان ... حذرا من استرجاعهم لسلاحهم فترون ... بعد السَّلب كالنسوان ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْمُكَلّفين من الْجَهْمِية والمعتزلة وَمن تَبِعَهُمْ لما ابتدعوا دَلِيل الاكوان الْمَعْرُوف وقصدوا بذلك الرَّد على الفلاسفة قَالَ شيخ الاسلام وَقَالُوا إِن دين الاسلام إِنَّمَا يقوم على هَذَا الأَصْل وانه لَا يعرف ان مُحَمَّدًا رَسُول الله الا بِهَذَا الأَصْل فان معرفَة الرَّسُول متوقفة على معرفَة الْمُرْسل فَلَا بُد من إِثْبَات الْعلم الصَّانِع اولا وَمَعْرِفَة مَا يجوز عَلَيْهِ وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ قَالُوا وَهَذَا لَا يُمكن مَعْرفَته الا بِهَذَا الطَّرِيق وَيَقُول كثير مِنْهُم إِن هَذِه طَريقَة ابراهيم الْخَلِيل الْمَذْكُورَة فِي قَوْله لَا احب الآفلين الْأَنْعَام قَالُوا فان ابراهيم اسْتدلَّ بالأفول وَهُوَ الْحَرَكَة والانتقال على ان المتحرك لَا يكون إِلَهًا قَالُوا وَلِهَذَا يجب تَأْوِيل مَا ورد عَن الرَّسُول مُخَالفا لذَلِك عَن وصف الرب بالاتيان والمجيء وَالنُّزُول وَغير ذَلِك فَإِن كَونه نَبيا لم يعرف إِلَّا بِهَذَا الدَّلِيل الْعقلِيّ فَلَو قدح فِي ذَلِك لزم الْقدح فِي دَلِيل نبوته فَلم يعرف أَنه رَسُول الله وَهَذَا وَنَحْوه هُوَ الدَّلِيل الْعقلِيّ الَّذِي نقُول إِنَّه عَارض السّمع ونقول إِذا تعَارض السّمع وَالْعقل امْتنع تصديقهما وتكذيبهما وتصديق السّمع دون الْعقل لِأَن الْعقل هُوَ اصل السّمع فَلَو جرح أصل الشَّرْع كَانَ جرحا لَهُ وَلأَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 هَذَا الطَّرِيق نفت الْجَهْمِية والمعتزلة الصِّفَات والرؤية وَقَالُوا الْقُرْآن مَخْلُوق ولأجلها قَالَت الْجَهْمِية بِفنَاء الْجنَّة وَالنَّار ولأجلها قَالَ العلاف بِفنَاء حركتها وَالْتزم قوم لأَجلهَا أَن كل جسم لَهُ طعم ولون وريح فَقَالَ لَهُم النَّاس أما قَوْلكُم إِن هَذِه الطَّرِيقَة هُوَ الاصل فِي معرفَة الاسلام ونبوة الرُّسُل فَهَذَا مَا يعلم فَسَاده بالإضطرار من دين الْإِسْلَام فانه من الْمَعْلُوم لكل من عرف حَال الرَّسُول واصحابه وَمَا جَاءَ بِهِ من الايمان وَالْقُرْآن أَنه لم يدع النَّاس بِهَذِهِ الطَّرِيقَة أبدا وَلَا تكلم بهَا اُحْدُ من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين لَهُم باحسان فَكيف تكون هِيَ اصل الايمان وَالَّذِي جَاءَ بِالْإِيمَان وَأفضل النَّاس إِيمَانًا لم يتكلموا بهَا الْبَتَّةَ وَلَا سلكها مِنْهُم أحد وَالَّذين علمُوا ان هَذِه طَريقَة مبتدعة حزبان حزب ظنُّوا أَنَّهَا صَحِيحَة فِي نَفسهَا لَكِن أعرض السّلف عَنْهَا لطول مقدماتها وغموضها وَمَا يخَاف على سالكها من الشَّك والتطويل وَهَذَا قَول جمَاعَة كالأشعري فِي رسَالَته الى الثغر والخطابي والحليمي وَالْقَاضِي أبي يعلى وَابْن عقيل وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَغير هَؤُلَاءِ وَالثَّانِي قَول من يَقُول بل هَذِه طَريقَة بَاطِلَة فِي نَفسهَا وَلِهَذَا ذمها السّلف وَعدلُوا عَنْهَا وَهَذَا قَول ائمة السّلف كَابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ بن حَنْبَل واسحاق بن رَاهْوَيْةِ وابي يُوسُف وَمَالك ابْن انس وَعبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون وَغير هَؤُلَاءِ من السّلف وَحَفْص الْفَرد لما نَاظر الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن وَقَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق وكفره الشَّافِعِي كَانَ قد ناظره بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وَكَذَلِكَ أَبُو عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى برغوث كَانَ من المناظرين للامام احْمَد فِي مسالة الْقُرْآن بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وَقَالَ لَهُم النَّاس إِن هَذَا الاصل الَّذِي ادعيتم اثبات الصَّانِع بِهِ وانه لَا يعرف إِثْبَات خَالق للمخلوقات إِلَّا بِهِ هُوَ بعكس مَا قُلْتُمْ بل هَذَا الاصل يُنَاقض كَون الرب خَالِقًا للْعَالم وَلَا يُمكن مَعَ القَوْل بِهِ القَوْل بحدوث الْعَالم وَلَا الرَّد على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 الفلاسفة فالمتكلمون الَّذين ابتدعوه وَزَعَمُوا أَنهم بِهِ نصروا الاسلام وردوا بِهِ على أعدائه كالفلاسفة لَا للاسلام نصروا وَلَا لعَدوه كسروا بل كَانَ مَا ابتدعوه مِمَّا افسدوا بِهِ حَقِيقَة الاسلام على من تَبِعَهُمْ فأفسدوا عقله وَدينه واعتدوا بِهِ على من نازعهم من الْمُسلمين وفتحوا لعدو الاسلام بَابا إِلَى مَقْصُوده فان حَقِيقَة قَوْلهم ان الرب لم يكن قَادِرًا وَلَا كَانَ الْكَلَام وَالْفِعْل مُمكنا لَهُ وَلم يزل كَذَلِك دَائِما مُدَّة اَوْ تَقْدِير مُدَّة لَا نِهَايَة لَهَا ثمَّ انه تكلم وَفعل من غير سَبَب اقْتضى ذَلِك وَجعلُوا مَفْعُوله هُوَ فعله وَجعلُوا فعله وارادته بعلة قديمَة أزلية وَالْمَفْعُول مُتَأَخِّرًا وجلوا الْقَادِر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بِلَا مُرَجّح وكل هَذَا خلاف الْمَعْقُول الصَّرِيح وَخلاف الْكتاب السّنة وأنكروا صِفَاته ورؤيته وَقَالُوا ورؤيته وَقَالُوا كَلَامه مَخْلُوق وَهُوَ خلاف دين الاسلام وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ وأثبتوا الصِّفَات قَالُوا يُرِيد جَمِيع المرادات بارادة وَاحِدَة وكل كَلَام تكلم بِهِ أَو يتَكَلَّم بِهِ انما هُوَ شَيْء وَاحِد لَا يَتَعَدَّد وَلَا يَتَبَعَّض واذا رُؤِيَ رُؤِيَ لَا بمواجهة وَلَا مُعَاينَة وَإنَّهُ لم يسمع وَلم يرى الاشياء حَتَّى وجدت لم يقم بِهِ انه مَوْجُود بل حَاله قبل ان يسمع ويبصر كحاله بعد ذَلِك الى امثال هَذِه الْأَقْوَال الَّتِي تخَالف الْمَعْقُول الصَّرِيح وَالْمَنْقُول الصَّحِيح ثمَّ لما رَأَتْ الفلاسفة ان هَذَا مبلغ علم هَؤُلَاءِ وان هَذَا هُوَ الاسلام الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ علمُوا فَسَاد هَذَا أظهرُوا قَوْلهم بقدم الْعَالم وَاحْتَجُّوا بِأَن تجدّد الْفِعْل بعد ان لم يكن مُمْتَنع بل لَا بُد لكل متجدد من سَبَب حَادث فَيكون الْفِعْل دَائِما ثمَّ ادعوا دَعْوَى كَاذِبَة لم يحسن أُولَئِكَ أَن يبينوا فَسَادهَا وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ الْفِعْل دَائِما لزم قدم الأفلاك والعناصر ثمَّ لما أَرَادوا تَقْرِير النُّبُوَّة جعلوها فيضا يفيص على نفس النَّبِي من الْعقل الفعال أَو غَيره من غير ان يكون رب الْعَالمين يعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 لَهُ رَسُولا معينا وَلَا يُمَيّز بَين مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلَا يعلم الجزئيات وَلَا نزل من عِنْده ملك بل جِبْرِيل هُوَ خيال يتخيل فِي نفس النَّبِي وَهُوَ الْعقل الفعال وأنكروا ان تكون السَّمَاوَات تَنْشَق وتنفطر وَغير ذَلِك مِمَّا اخبر بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَعَمُوا ان مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خطاب الْجُمْهُور بِمَا يخيل اليهم بِمَا يَنْتَفِعُونَ اليه من غير ان يكون الامر فِي نَفسه كَذَلِك وَمن غير ان تكون الرُّسُل بيّنت الْحَقَائِق وَعلمت النَّاس مَا الامر عَلَيْهِ ثمَّ مِنْهُم من يفضل الفيلسوف على النَّبِي وَحَقِيقَة قَوْلهم ان الانبياء كذبُوا للْمصْلحَة لما ادعوهُ من نفع النَّاس وَهل كَانُوا جهلاء على قَوْلَيْنِ لَهُم إِلَى غير ذَلِك من انواع الالحاد وَالْكفْر الصَّرِيح وَالْكذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الانبياء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِلَى آخر مَا ذكره رَحمَه الله تَعَالَى وَقَول شيخ الاسلام إِنَّهُم يَعْنِي الْمُتَكَلِّمين لَا للاسلام نصروا وَلَا لعَدوه كسروا هُوَ معنى قَول النَّاظِم وأغرتم وَهنا عَلَيْهِم غَارة الخ قَوْله ولطفتم فِي القَوْل أَو صانعتم يَعْنِي أَنكُمْ لضعف دليلكم صانعتم الفلاسفة وتلطفتم بِالرَّدِّ عَلَيْهِم لِأَن بعض الْمُتَكَلِّمين يصرحون بتكافيء الْأَدِلَّة كَمَا قَالَ الامام شيخ الاسلام ابو اسماعيل عبد الله بن مُحَمَّد الانصاري فِي كتاب ذمّ الْكَلَام قَالَ وَقد سَمِعت مُحَمَّد بن زيد الْعمريّ النسابة اُخْبُرْنَا الْمعَافى سَمِعت ابا الْفضل الْحَارِثِيّ القَاضِي بسرخس يَقُول سَمِعت زَاهِر بن احْمَد يَقُول اشْهَدْ لمات فلَان متحيرا لسَبَب مَسْأَلَة تكافيء الْأَدِلَّة وَذكر إِمَامًا من أَئِمَّة الْمُتَكَلِّمين وَنقل شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية فِي كتاب الْعقل وَالنَّقْل قَالَ وَقد بَلغنِي باسناد مُتَّصِل عَن بعض رؤوسهم وَهُوَ عِنْد كثير مِنْهُم غَايَة فِي هَذَا الْفَنّ انه قَالَ عِنْد الْمَوْت أَمُوت وَمَا علمت شَيْئا الا ان الْمُمكن يفْتَقر الى الْوَاجِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 ثمَّ قَالَ الافتقار وصف عدمي أَمُوت وَمَا علمت شَيْئا وَكَذَلِكَ الاصبهاني اجْتمع بالشيخ ابراهيم الجعبري يَوْمًا فَقَالَ لَهُ بت البارحة أفكر إِلَى الصَّباح فِي دَلِيل على التَّوْحِيد سَالم عَن الْمعَارض فَمَا وجدته وَكَذَلِكَ حَدثنِي من قَرَأَ على ابْن وَاصل الْحَمَوِيّ أَنه قَالَ أَبيت بِاللَّيْلِ واستلقي على ظَهْري وَاضع الملحفة على وَجْهي وابيت أقابل أَدِلَّة هَؤُلَاءِ بأدلة هَؤُلَاءِ وَبِالْعَكْسِ وَأصْبح وَمَا ترجح عِنْدِي شَيْء كَأَنَّهُ يَعْنِي أَدِلَّة الْمُتَكَلِّمين من الفلاسفة انْتهى كَلَام الشَّيْخ قَوْله قعقعة فِيهَا لَهُم بشنان القعقعة تَحْرِيك الشَّيْء الْيَابِس الصلب مَعَ صَوت مثل السِّلَاح وَغَيره الشنان جمع شن وَهُوَ الْقرْبَة البالية وهم يحركونها اذا أَرَادوا حث الْإِبِل على السّير لتفزع فتسرع قَالَ النَّابِغَة ... كَأَنَّك من جمال بَين اقيش ... يقعقع خلف رجلَيْهِ بشن مثل يضْرب لمن لَا يتضعضع لما ينزل بِهِ من حوادث الدَّهْر وَلَا يروعه مَا لَا حَقِيقَة لَهُ وَمعنى كَلَام النَّاظِم رَحمَه فِي هَذَا الْفَصْل إِنَّكُم أَيهَا النقاة صانعتم الفلاسفة وناظرتموهم مناظرة ضَعِيفَة لم تزدهم الاشرا وإغراء قَوْله وَلأَجل ذَا صرتم مخانيثا لَهُم الخ هَذَا كَمَا يُقَال الْمُعْتَزلَة مخانيث الفلاسفة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وبحثتم مَعَ صَاحب الاثبات بالتكفير والتضليل والعدوان وقلبتم ظهر الْمِجَن لَهُ وأجلبتم عَلَيْهِ بعسكر الشَّيْطَان ... وَالله هذي رُتْبَة لَا يختفي ... مضمونها إِلَّا على الثيران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 .. هَذَا وَبَينهمَا أَشد تفَاوت ... فئتان فِي الرَّحْمَن مختصمان ... هَذَا نفي ذَات الاله وَوَصفه ... نفيا صَرِيحًا لَيْسَ بِالْكِتْمَانِ لَكِن ذَا وصف الاله بِكُل اَوْ ... صَاف الْكَمَال الْمُطلق الرباني وَنفى النقائص والعيوب كنفيه التَّشْبِيه للرحمن بالانسان ... فلأي شَيْء كَانَ حربكم لَهُ ... بالجد دون معطل الرَّحْمَن ... قَوْله وبحثتم مَعَ صَاحب الاثبات الخ أَي انكم خَرجْتُمْ عَن الْحَد فِي بحثكم مَعَ صَاحب الاثبات وكفرتموه وضللمتموه واعتديتم عَلَيْهِ قَوْله وقلبتم ظهر الْمِجَن قَالَ فِي الْقَامُوس الْمِجَن والمجنة بكسرهما والجنان بِالضَّمِّ الترس وقلب مجنه اسقط الْحيَاء وَفعل مَا شَاءَ أَو ملكه أمره أَو اشْتَدَّ بِهِ قَوْله هَذَا نفى ذَات الاله وَوَصفه الخ أَي إِن الْمُعَطل نفى ذَات الرب سُبْحَانَهُ وَصِفَاته وَهَذَا من النَّاظِم فِي نفي ذَات الرب سُبْحَانَهُ على سَبِيل الالزام والمثبت أثبت صِفَات الْكَمَال لرَبه سُبْحَانَهُ وَنفى عَنهُ النقائص والعيوب فلاي شَيْء كَانَ حربكم للمثبت بِالْحَدِّ أَي حاربتموهم أَشد الْحَرْب وَأما المعطلة فصانعتموهم وداهنتموهم فِي الْبَحْث وتأدبتم مَعَهم وانما ذَلِك لخوف استرجاعهم سِلَاحهمْ الَّذِي تسلحتم على نفي صِفَات الرب سُبْحَانَهُ قَالَ النَّاظِم ... قُلْنَا نعم هَذَا المجسم كَافِر ... أَفَكَانَ ذَلِك كَامِل الايمان ... لَا تنطفي نيران غيظكم على ... هَذَا المجسم يَا أولي النيرَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 .. فَالله يوقدها وَيُصلي حرهَا ... يَوْم الْحساب محرف الْقُرْآن يَا قَومنَا لقد ارتكبتم خطة ... لم يرتكبها قطّ ذُو عرفان وأعنتم أعداءكم بوفاقكم لَهُم على شَيْء من الْبطلَان ... أَي لما قُلْنَا للمتكلمين لأي شَيْء كَانَ حربكم للمثبتة اشد الْحَرْب دون المعطلة قَالُوا لنا فِي الْجَواب إِن الْمُثبت كَافِر فَيُقَال لَهُم فَهَل الْمُعَطل كَامِل الايمان قَوْله وأعنتم أعداءكم بوفاقكم الخ أَي إِنَّكُم معاشر الْمُتَكَلِّمين أعنتم أعداءكم المعطلة على شَيْء من الْبَاطِل كنفي صِفَات الرب سُبْحَانَهُ اَوْ بَعْضهَا وقولكم بِخلق الْقُرْآن وإنكار رُؤْيَة الله سُبْحَانَهُ فِي الْآخِرَة وَغير ذَلِك قَالَ النَّاظِم ... أخذُوا نواصيكم بهَا ولحاكم ... فغدت تجر بذلة وهوان ... قُلْتُمْ بقَوْلهمْ ورمتم كسرهم ... أَنى وَقد غلقوا لكم برهَان وكسرتم الْبَاب الَّذِي من خَلفه ... أَعدَاء رسل الله والايمان ... فَأتى عَدو مالكم بقتالهم ... وبحربهم أَبَد الزَّمَان يدان ... أَي إِن الْمُتَكَلِّمين لما قَالُوا بِبَعْض أَقْوَال المعطلة صَعب الرَّد عَلَيْهِم مِنْهُم لأَنهم قد غلقوا لَهُم برهَان فَلهَذَا عجزوا عَن الرَّد عَلَيْهِم قَالَ النَّاظِم ... فغدوتم أسرى لَهُم بحبالهم ... أَيْدِيكُم شدت الى الأذقان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 .. حملُوا عَلَيْكُم كالسباع اسْتقْبلت ... حمرا معقرة ذَوي أرسان صالوا عَلَيْكُم بِالَّذِي صلتم بِهِ ... أَنْتُم علينا صولة الفرسان لَوْلَا تحيزكم الينا كُنْتُم ... وسط العرين ممزقي اللحمان لَكِن بِنَا استنصرتم وبقولنا ... صلنا عَلَيْهِم صولة الشجعان وليتم الاثبات اذ صلتم بِهِ ... وعزلتم التعطيل عزل مهان وأتيتم تَغْزُونَا بسرية ... من عَسْكَر التعطيل والكفران من ذَا بِحَق الله أَجْهَل مِنْكُم ... وأحقنا بِالْجَهْلِ والعدوان تالله مَا يدْرِي الْفَتى بمصابه ... وَالْقلب تَحت الْخَتْم والخذلان ... قَوْله لَوْلَا تحيزكم الينا الخ يَعْنِي إِن الْمُتَكَلِّمين فِي بعض الْأَحْوَال يتحيزون الى المثبتة وَأهل الحَدِيث كَمَا صنف الامام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ المصنفات الْكَثِيرَة بعد رُجُوعه عَن مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة فِي نصْرَة اهل السّنة واصحاب الحَدِيث كالإبانة فِي أصُول الدّيانَة ومقالات الاسلاميين ورسائل الثغر وَغير ذَلِك وكما قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي آخر مصنفاته وَهُوَ كتاب أَقسَام اللَّذَّات لقد تَأَمَّلت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَمَا رَأَيْتهَا تشفي عليلا وَلَا تروي غليلا وَرَأَيْت أقرب الطّرق طَريقَة الْقُرْآن اقْرَأ فِي الاثبات {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه واليه يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ فاطر واقرأ فِي النَّفْي لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الشورى {وَلَا يحيطون بِهِ علما} طه وَمن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مصَارِع النفاة والمعطلين بأسنة أُمَرَاء الاثبات الْمُوَحِّدين الأسنة جمع سِنَان بِكَسْر السِّين وَهُوَ الرمْح ... واذا أردْت ترى مصَارِع من خلا ... من أمة التعطيل والكفران وتراهم أسرى حَقِيرًا شَأْنهمْ ... أَيْديهم غلت إِلَى الأذقان وتراهم تَحت الرماح دريئة ... مَا فيهم من فَارس طعان ... تقدم معنى الدريئة ... وتراهم تَحت السيوف تنوشهم ... من عَن شمائلهم وَعَن ايمان وتراهم انسلخوا من الوحيين وَالْعقل الصَّرِيح وَمُقْتَضى الْقُرْآن ... وتراهم وَالله ضحكة ساخر ... ولطالما سخروا من الايمان ... قد أوحشت مِنْهُم ربوع زَادهَا الْجَبَّار إيحاشا مدى الْأَزْمَان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الرّبع الدَّار بِعَينهَا حَيْثُ كَانَت جمع رباع وربوع وَأَرْبع وأرباع والمحلة والمنزل وَالنَّفس وَجَمَاعَة النَّاس والموضع يرتبعون فِيهِ فِي الرّبيع كالمربع كمقعد انْتهى ... وخلت دِيَارهمْ وشتت شملهم ... مَا فيهم رجلَانِ مجتمعان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 .. قد عطل الرَّحْمَن أَفْئِدَة لَهُم ... من كل معرفَة وَمن ايمان ... إِذْ عطلوا الرَّحْمَن من أَوْصَافه ... وَالْعرش أخلوه من الرَّحْمَن ... بل عطلوه عَن الْكَلَام وَعَن صفا ... ت كَمَاله بِالْجَهْلِ والبهتان فاقرأ تصانيف الامام حَقِيقَة ... شيخ الْوُجُود الْعَالم الرباني أَعنِي أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد ذَلِك الْبَحْر الْمُحِيط بِسَائِر الخلجان ... الخليج من الْبَحْر شرم مِنْهُ وَهُوَ أَيْضا النَّهر وَقيل جانباه خليجاه وَالْجمع خلج بِضَمَّتَيْنِ قَالَه فِي مُخْتَار الصِّحَاح ... واقرأ كتاب الْعقل وَالنَّقْل الَّذِي ... مَا فِي الْوُجُود لَهُ نَظِير ثَان ... وكذاك منهاج لَهُ فِي رده ... قَول الروافض شيعَة الشَّيْطَان ... وكذاك أهل الاعتزال فانه ... أَرَادَهُم فِي حُفْرَة الجبان وَكَذَلِكَ التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للْعَالم الرباني ... التأسيس الْمَذْكُور هُوَ تأسيس التَّقْدِيس للفخر الرَّازِيّ فِي تَأْوِيل الصِّفَات الخبرية صنفه للْملك الْعَادِل أَي بكر بن أَيُّوب وَقد نقض شيخ الاسلام بِكِتَاب تَخْلِيص التلبيس من تأسيس التَّقْدِيس وَيُسمى ايضا بَيَان تلبيس الْجَهْمِية فِي تأسيس بدعهم الكلامية وَهُوَ كتاب عَظِيم نَفِيس قَالَ تِلْمِيذه الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي فِي تَرْجَمته المبسوطة لَو سَافر رجل الى الصين فِي تَحْصِيله لما كَانَ كثيرا هُوَ كَمَا قَالَ ... وكذاك أجوبة لَهُ مصرية ... فِي سِتّ أسفار كتبن سمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 .. وَكَذَا جَوَاب لِلنَّصَارَى فِيهِ مَا ... يشفي الصُّدُور وَأَنه سفران ... وَهُوَ الْمُسَمّى بِالْجَوَابِ الصَّحِيح لمن بدل دين الْمَسِيح ... وكذاك شرح عقيدة للاصبها ... ني شَارِح الْمَحْصُول شرح بَيَان فِيهَا النبوات الَّتِي إِثْبَاتهَا ... فِي غَايَة التَّقْرِير والتبيان وَالله مَا لأولي الْكَلَام نَظِيره ... أبدا وكتبهم بِكُل مَكَان وَكَذَا حُدُوث الْعَالم الْعلوِي والسفلي فِيهِ فِي أتم بَيَان ... وَكَذَا قَوَاعِد الاسْتقَامَة أَنَّهَا ... سفران فِيمَا بَيْننَا ضخمان ... وقرأت أَكْثَرهَا عَلَيْهِ فزادني ... وَالله فِي علم وَفِي إِيمَان هَذَا وَلَو حدثت نَفسِي أَنه ... قبلي يَمُوت لَكَانَ غير الشان وَكَذَلِكَ تَوْحِيد الفلاسفة الألى ... توحيدهم هُوَ غَايَة الكفران سفر لطيف فِيهِ نقض أصولهم ... بِحَقِيقَة الْمَعْقُول والبرهان وكذاك تسعينية فِيهَا لَهُ ... رد على من قَالَ بالنفساني تسعون وَجها بيّنت بُطْلَانه أَعنِي كَلَام النَّفس ذَا الوحدان ... أَي إِنَّه رَحمَه الله صنف الْكتاب الْمُسَمّى بالتسعينية وَهُوَ رد على الْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ وان كَلَام الله تَعَالَى معنى وَاحِد قَائِم بِالنَّفسِ على مَا هُوَ مَعْرُوف وَقَوله ذَا الوحدان بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي إِنَّه معنى وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 .. وَكَذَا قَوَاعِده الْكِبَار وانها ... أوفى من الْمِائَتَيْنِ فِي الحسبان ... لم يَتَّسِع نظمي لَهَا فأسوقها ... فأشرت بعض إِشَارَة لبَيَان وَكَذَا رسائله الى الْبلدَانِ وَال أَطْرَاف والاصحاب والاخوان ... هِيَ فِي الورى مبثوثة مَعْلُومَة تبْتَاع بالغالي من الْأَثْمَان وَكَذَا فَتَاوَاهُ فَأَخْبرنِي الَّذِي ... أضحى عَلَيْهَا دَائِم الطوفان بلغ الَّذِي أَلْقَاهُ مِنْهَا عدَّة الْأَيَّام من شهر بِلَا نُقْصَان ... سفر يُقَابل كل يَوْم وَالَّذِي ... قد فَاتَنِي مِنْهَا بِلَا حسبان ... أَي إِن فتاوله بلغت ثَلَاثِينَ سفرا ... هَذَا وَلَيْسَ يقصر التَّفْسِير عَن ... عشر كبار لَيْسَ ذَا نُقْصَان وَكَذَا المفاريد الَّتِي فِي كل مَسْأَلَة فسفر وَاضح التِّبْيَان ... مَا بَين عشر أَو تزيد بضعفها ... هِيَ كَالنُّجُومِ لسالك حيران وَله المقامات الشهيرة فِي الورى ... قد قامها لله غير جبان ... نصر الاله وَدينه وَكتابه ... وَرَسُوله بِالسَّيْفِ والبرهان أبدى فضائحهم وَبَين جهلهم ... وَأرى تناقضهم بِكُل مَكَان وأصارهم وَالله تَحت نعال أهل الْحق بعد ملابس التيجان ... وأصارهم تَحت الحضيض وطالما ... كَانُوا هم الاعلام للبلدان ... وَمن الْعَجَائِب أَنه بسلاحهم ... أرداهم تَحت الحضيض الداني ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 .. كَانَت نواصينا بِأَيْدِيهِم فَمَا ... منالهم إِلَّا أَسِير عان فغدت نواصيهم بِأَيْدِينَا فَلَا ... يلقوننا الا بِحَبل أَمَان وغدت مُلُوكهمْ مماليكا لأنصار الرَّسُول بمنة الرَّحْمَن ... وَأَتَتْ جنودهم الَّتِي صالوا بهَا ... منقادة لعساكر الايمان ... يدْرِي بِهَذَا من لَهُ خبر بِمَا ... قد قَالَه فِي ربه الفئتان والقدم يوحشنا وَلَيْسَ هُنَاكُم ... فحضوره ومغيبه سيان ... حَاصِل كَلَامه فِي هَذَا الْفَصْل ذكر بعض مؤلفات شَيْخه شيخ الاسلام وَذكر بعض مناقبه وَهِي بَحر لَا سَاحل لَهُ وَقد أفردت المصنفات الْكَثِيرَة فِي مناقبه كالعقود الدرية فِي مَنَاقِب شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية لتلميذه الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي فِي مُجَلد وَعدد أَسمَاء تصانيفه فِي نَحْو كراس ومناقبه لتلميذه أَي حَفْص الْبَزَّاز فِي كراسين وترجمته المفردة لِلْحَافِظِ ابي عبد الله الذَّهَبِيّ وَهِي غير تراجمه الَّتِي ذكرهَا فِي تواريخه وَقد ذكره الشَّيْخ أَبُو حَفْص عمر بن الوردي فِي تَارِيخه وَأَطْنَبَ فِي تَرْجَمته وَكَذَا ذكره الامام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن فضل الله الْعمريّ فِي تَارِيخه مسالك الْأَبْصَار فِي ممالك الْأَمْصَار وأسهب وَأَطْنَبَ والحافظ عماد الدّين بن كثير فِي كتاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة والحافظ أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب فِي طَبَقَات الْحَنَابِلَة وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن شَاكر فِي ذيله على تَارِيخ ابْن خلكان والحافظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي والامام ابْن الْعِمَاد فِي شذرات الذَّهَب وَغَيرهم وَمن أَرَادَ معرفَة تصانيفه وعلومه الْعَظِيمَة فَليرْجع الى هَذِه المصنفات ير فِيهَا مَا يثلج صَدره وَالله تَعَالَى يغْفر لَهُ ويرحمه ويجزيه عَن الاسلام خيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 تَنْبِيه قد نبغ فِي آخر الْقرن الثَّامِن رجل يُقَال لَهُ عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد البُخَارِيّ تكلم فِي شيخ الاسلام بِمَا هُوَ من كَلَام الطغام وَأَشْبَاه الْأَنْعَام وَزعم أَن من سَمَّاهُ شيخ الاسلام فَهُوَ كَافِر وَقد تصدى للرَّدّ عَلَيْهِ فِي هَذِه الضَّلَالَة وقبيح هَذِه الْمقَالة الشَّيْخ الامام الْعَلامَة والمحدث الفهامة الْحَافِظ ابو عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بِكِتَاب سَمَّاهُ الرَّد الوافر على من زعم أَن من سمى ابْن تَيْمِية شيخ الاسلام كَافِر وَقد أَجَاد فِيهِ وَأفَاد وَبلغ فِي إفحام الْخصم الْغَايَة وَالْمرَاد وَهُوَ فِي مُجَلد لطيف وَقد مدح هَذَا التَّأْلِيف مَشَايِخ الاسلام وقرظوه بِمَا يشفي الأوام كشيخ الاسلام أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي صَاحب فتح الْبَارِي وقاضي الْقُضَاة شيخ الاسلام صَالح بن عمر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي والامام قَاضِي الْقُضَاة عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ والعلامة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي والعلامة الْحَافِظ قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين مَحْمُود بن أَحْمد الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ والامام الْهمام الْعَلامَة الفهامة أَحْمد ابْن نصر الله الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ الامام الْعَالم الْهمام ابراهيم بن مُحَمَّد الْحلَبِي وَالشَّيْخ الامام الْعَلامَة مُفِيد الْقَاهِرَة رضوَان بن مُحَمَّد أَبُو النَّعيم قَوْله والفدم قَالَ فِي الْقَامُوس الفدم العيي عَن الْكَلَام فِي ثقل ورخاوة وَقلة فهم والغليظ الاحمق الجافي جمع فدام وَهِي بهاء فدم ككرم فدامة وفدومة انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 فصل فِي بَيَان أَن الْمُصِيبَة الَّتِي حلت بِأَهْل التعطيل والكفران من جِهَة الْأَسْمَاء الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان ... يَا قوم أصل بلائكم اسماء لم ... ينزل بهَا الرَّحْمَن من سُلْطَان هِيَ عكستكم غَايَة التعكيس واقتلعت دِيَاركُمْ من الاركان ... فتهدمت تِلْكَ الْقُصُور وأوحشت مِنْكُم ربوع الْعلم والايمان والذنب ذنبكم قبلتم لَفظهَا ... من غير تَفْصِيل وَلَا فرقان وَهِي الَّتِي اشْتَمَلت على أَمريْن من ... حق وَأمر وَاضح الْبطلَان سميتم عرش المهمين حيزا ... والاستواء تحيزا بمَكَان وجعلتم فَوق السَّمَاوَات العلى ... جِهَة وسقتم نفي ذَا بوزان ... يَعْنِي أَن الْمُصِيبَة وَالْبَلَاء الَّذِي حل بِأَهْل التعطيل والكفران من جِهَة الاسماء الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان وَذَلِكَ أَنهم سموا عرش الْمُهَيْمِن سُبْحَانَهُ حيزا وَسموا الاسْتوَاء تحيزا وجهة قَالَ ... وجعلتم الاثبات تَشْبِيها وتجسيما وَهَذَا غَايَة الْبُهْتَان ... وجعلتم الْمَوْصُوف جسما قَابل الاعراض والاكوان والألوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 .. وجعلتم أَوْصَافه عرضا وَهَذَا كُله جسر الى النكران ... أَي أَنكُمْ أَيهَا المعطلة سميتم تَشْبِيها وتجسيما وقلتم اذا وصفتم الله بصفاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه وَوَصفه بهَا رَسُوله فقد قُلْتُمْ بِأَن الله جسم قَابل للأعراض وَهِي الألوان وَنَحْوهَا والأكوان الاربعة وَهِي الِاجْتِمَاع والافتراق وَالْحَرَكَة والسكون تَعَالَى الله عَن ذَلِك قَالَ ... وكذاك سميتم حُلُول حوادث ... أَفعاله تلقيب ذِي عدوان ... اذ تنفر الاسماع من ذَا اللَّفْظ نفرتها من التَّشْبِيه وَالنُّقْصَان فكسوتم أَفعاله لفظ الحوا ... دث ثمَّ قُلْتُمْ قَول ذِي بطلَان لَيست تقوم بِهِ الْحَوَادِث والمرا ... د النَّفْي للأفعال للديان فاذا انْتَفَت أَفعاله وَصِفَاته ... وَكَلَامه وعلو ذِي سُلْطَان فَبِأَي شئ كَانَ رَبًّا عنْدكُمْ ... يَا فرقة التَّحْقِيق والعرفان وَالْقَصْد نفي فعاله عَنهُ بذا التلقيب فعل الشَّاعِر الفتان ... وكذاك حِكْمَة رَبنَا سميتم ... عللا وأغراضا وذان اسمان ... لَا يشعران بمدحه بل ضدها ... فيهون حِينَئِذٍ على الاذهان نفي الصِّفَات وَحِكْمَة الخلاق والأفعاله إنكارا لهَذَا الشان ... وَكَذَا اسْتِوَاء الرب فَوق الْعَرْش قُلْتُمْ إِنَّه التَّرْكِيب ذُو بطلَان وكذاك وَجه الرب جلّ جَلَاله ... وكذاك لفظ يَد وَلَفظ يدان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 .. سميتم ذَا كُله الاعضاء بل ... سميتموه جوارح الانسان وسطوتم بِالنَّفْيِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ كنفينا للعيب مَعَ نُقْصَان ... قُلْتُمْ ننزهه عَن الاعراض والأغراض والابعاض والجثمان وَعَن الْحَوَادِث أَن تحل بِذَاتِهِ ... سُبْحَانَهُ من طَارق الْحدثَان وَالْقَصْد نفي صِفَاته وفعاله ... والاستواء وَحِكْمَة الرَّحْمَن ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن المعطلة سموا صِفَات الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعراضا وَسموا حكمته أغراضا وعللا وَسموا إِثْبَات وَجهه وَيَده أَو يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ أبعاضا وَقَالُوا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منزه عَن الاعراض والأغراض والابعاص وَكَذَا سموا قيام أَفعاله بِهِ سُبْحَانَهُ حُلُول الْحَوَادِث وَذَلِكَ كُله لأجل التشنيع على من تبع مَذْهَب السّلف الَّذِي دلّ عَلَيْهِ صَحِيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم فاذا انْتَفَت أَفعاله وَكَلَامه وَصِفَاته وعلوه على عَرْشه فَبِأَي شَيْء كَانَ رَبًّا عنْدكُمْ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَالنَّاس أَكْثَرهم بسجن اللَّفْظ محبوسون خوف معرة السجان ... وَالْكل إِلَّا الْفَرد يقبل مذهبا ... فِي قالب وَيَردهُ فِي ثَان وَالْقَصْد أَن الذَّات والاوصاف وَالْأَفْعَال لَا تنفى بذا الهذيان ... سموهُ مَا شِئْتُم فَلَيْسَ الشَّأْن فِي الْأَسْمَاء بل فِي مقصد وَمَعَان كم ذَا توسلتم بِلَفْظ الْجِسْم والتجسيم للتعطيل والكفران ... وجعلتموه الترس ان قُلْنَا لكم ... الله فَوق الْعَرْش والاكوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 .. قُلْتُمْ لنا جسم على جسم تَعَالَى الله عَن جسم وَعَن جثمان وكذاك ان قُلْنَا الْقُرْآن كَلَامه ... مِنْهُ بدا لم يبد من انسان كلا وَلَا ملك وَلَا لوح وَلَا ... كن قَالَه الرَّحْمَن قَوْله بَيَان ... تقدم معنى أَن الْكَلَام بدا مِنْهُ تَعَالَى وَمعنى بدايته ... قُلْتُمْ لنا إِن الْكَلَام قِيَامه ... بالجسم أَيْضا وَهُوَ ذُو حدثان عرض يقوم بِغَيْر جسم لم يكن ... هَذَا بمعقول لَدَى الأذهان ... أَي قَالَت النفاة إِذْ قُلْتُمْ إِن كَلَام الله تَعَالَى بدا مِنْهُ لم يبد من انسان وَلَا ملك وَلَا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَتَقول النفاة الْكَلَام عرض وَالْعرض لَا يقوم بِغَيْر جسم فكلامكم أَيهَا المثبتة غير مَعْقُول ... وكذاك حِين نقُول ينزل رَبنَا ... فِي ثلث ليل آخر أَو ثَان قُلْتُمْ لنا إِن النُّزُول لغير أجسام محَال لَيْسَ ذَا إِمْكَان ... وكذاك ان قُلْنَا يرى سُبْحَانَهُ ... قُلْتُمْ أجسم كي يرى بعيان ... أَي إِذا قُلْنَا إِنَّه سُبْحَانَهُ يرى فِي الْآخِرَة قَالَت المعطلة يلْزم أَنه جسم وَأَن لَهُ جِهَة ... أم كَانَ ذَا جِهَة تَعَالَى رَبنَا ... عَن ذَا فَلَيْسَ يرَاهُ من إِنْسَان ... أما اذا قُلْنَا لَهُ وَجه كَمَا ... فِي النَّقْص أَو قُلْنَا كَذَاك يدان وكذاك ان قُلْنَا كَمَا فِي النَّص إِن الْقلب بَين أَصَابِع الرَّحْمَن ... وكذاك إِن قُلْنَا الاصابع فَوْقهَا ... كل العوالم وَهِي ذُو رجفان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 .. وكذاك ان قُلْنَا يَدَاهُ لأرضه ... وسمائه فِي الْحَشْر قابضتان ... وكذاك ان قُلْنَا سيكشف سَاقه ... فيخر ذَاك الْجمع للأذقان وكذاك ان قُلْنَا يجِئ لفصله ... بَين الْعباد بِعدْل ذِي سُلْطَان قَامَت قيامتكم كَذَاك قِيَامَة ال ... آتِي بِهَذَا القَوْل فِي الرَّحْمَن ... أَي إِذا قُلْنَا إِن لَهُ تَعَالَى وَجها كَمَا ورد بِهِ النَّص كَمَا يَلِيق بجلاله أَو قُلْنَا إِن لَهُ سُبْحَانَهُ يدين أَو قُلْنَا كَمَا فِي النَّص ان الْقلب بَين اصابع الرَّحْمَن اَوْ ان الاصابع فَوْقهَا العوالم وانه يقبض أرضه وسماءه فِي الْحَشْر وَأَنه سيكشف عَن سَاق وَأَنه سُبْحَانَهُ يَجِيء لفصل الْقَضَاء وَغير ذَلِك مِمَّا فِي كتاب الله أَو فِي صَحِيح السّنة وحسنها من غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل قَامَت قيامتكم ورميتمونا بِكُل حجر ومدر ولنبسط الْكَلَام فِي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فَنَقُول وَجه الرب سُبْحَانَهُ حَيْثُ ورد فِي الْكتاب وَالسّنة فَلَيْسَ بمجاز بل على حَقِيقَته وَاخْتلف المعطلة فِي جِهَة التَّجَوُّز فِي هَذَا فَقَالَت طَائِفَة لفظ الْوَجْه زَائِد وَالتَّقْدِير وَيبقى رَبك إِلَّا ابْتِغَاء ربه الْأَعْلَى ويريدون رَبهم وَقَالَت فرقة الْوَجْه بِمَعْنى الذَّات وَهَذَا قَول أُولَئِكَ وان اخْتلفُوا فِي التَّعْبِير عَنهُ وَقَالَت فرقة ثَوَابه وجزاؤه فجلعه هَؤُلَاءِ مخلوقا مُنْفَصِلا قَالُوا لِأَن الَّذِي يُرَاد هُوَ الثَّوَاب قَالَ عُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي وَقد حكى قَول المريسي انه قَالَ فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي اقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ يحْتَمل ان يقبل الله عَلَيْهِ بنعمته وإحسانه وأفعاله وَمَا أوجب للْمُصَلِّي من الثَّوَاب فَقَوله {وَيبقى وَجه رَبك} الرَّحْمَن أَي مَا توجه بِهِ رَبك من الْأَعْمَال الصَّالِحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَقَوله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} الْبَقَرَة أَي قبْلَة الله قَالَ الدَّارمِيّ لما فرغ المريسي من إِنْكَار الْيَدَيْنِ ونفيهما عَن الله أقبل قبل وَجه الله ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام لينفيه عَنهُ كَمَا نفى عَنهُ الْيَدَيْنِ فَلم يدع غَايَة فِي إِنْكَار وَجه الله ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام والجحود بِهِ حَتَّى ادّعى ان وَجه الله الَّذِي وَصفه بِأَنَّهُ ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام مَخْلُوق لِأَنَّهُ ادّعى انه أَعمال مَخْلُوق يتَوَجَّه بهَا إِلَيْهِ وثواب وإنعام مَخْلُوق يثيب بِهِ الْعَامِل وَزعم أَنه قبْلَة الله وقبلة الله لَا شكّ مخلوقة ثمَّ سَاق الْكَلَام فِي الرَّد عَلَيْهِ وَذكر الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا قَالُوا لما اضاف الْوَجْه إِلَى الذَّات وأضاف النَّعْت الى الْوَجْه فَقَالَ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن دلّ على أَن ذكر الْوَجْه لَيْسَ بصلَة وَأَن قَوْله {ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} صفة للْوَجْه وَأَن الْوَجْه صفة للذات قَالَ النَّاظِم فِي الصَّوَاعِق فَتَأمل رفع قَول ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام عِنْد ذكر الْوَجْه وجره فِي قَول {تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن فذو الْوَجْه الْمُضَاف بالجلال وَالْإِكْرَام لما كَانَ الْقَصْد الاخبار عَنهُ وَذي الْوَجْه الْمُضَاف اليه بالجلال وَالْإِكْرَام فِي آخر السُّورَة لما كَانَ الْمَقْصُود عين الْمُسَمّى دون الِاسْم فَتَأَمّله ثمَّ اسْتدلَّ رَحمَه الله تَعَالَى على إبِْطَال هَذِه التأويلات بأوجه مِنْهَا أَنه لَا يعرف فِي لُغَة من لُغَات الْأُمَم وَجه الشَّيْء بِمَعْنى ذَاته وَنَفسه وَغَايَة ماشبه بِهِ الْمُعَطل وَجه الرب أَن قَالَ هُوَ كَقَوْل الْقَائِل وَجه الْحَائِط وَوجه الثَّوْب وَوجه النَّهَار فَيُقَال للمعطل الْمُشبه بِهِ لَيْسَ الْوَجْه فِي ذَلِك بِمَعْنى الذَّات بل هَذَا مُبْطل لِقَوْلِك فان وَجه الْحَائِط أحد جانبيه فَهُوَ مُقَابل لدبره وَمثل هَذَا وَجه الْكَعْبَة ودبرها فَهُوَ وَجه حَقِيقَة وَلكنه بِحَسب الْمُضَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 اليه فَلَمَّا كَانَ الْمُضَاف اليه بِنَاء كَانَ وَجهه من جنسه وَكَذَلِكَ وَجه الثَّوْب اُحْدُ جانبيه وَهُوَ من جنسه وَكَذَلِكَ وَجه النَّهَار أَوله وَلَا يُقَال لجَمِيع النَّهَار وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَجه النَّهَار اوله وَمِنْه قَوْلهم صدر النَّهَار قَالَ ابْن الاعرابي اتيته بِوَجْه نَهَار وَصدر نَهَار وَأنْشد للربيع بن زِيَاد ... من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مَالك ... فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار ... وَمِنْهَا أَن حمله على الثَّوَاب الْمُنْفَصِل من أبطل الْبَاطِل فان اللُّغَة لَا تحْتَمل ذَلِك وَلَا يعرف أَن الْجَزَاء يُسمى وَجها للمجاز وَأَيْضًا فالثواب مَخْلُوق وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه استعاذ بِوَجْه الله فَقَالَ أعوذ بِوَجْهِك الْكَرِيم ان تضلني لَا إِلَه أَلا أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنّ والانس يموتون رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَمن دُعَائِهِ يَوْم الطَّائِف أعوذ بِوَجْهِك الْكَرِيم الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا يظنّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستعيذ بمخلوق وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اسألك لَذَّة النّظر الى وَجهك والشوق الى لقائك وَلم يكن ليسأل لَذَّة النّظر الى ثَوَاب الْمَخْلُوق وَلَا يعرف تَسْمِيَة ذَلِك وَجها لُغَة وَلَا شرعا وَلَا عرفا وَمِنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من استعاذ بِاللَّه فأعيذوه وَمن سَأَلَ بِوَجْه الله فَأَعْطوهُ وَفِي السّنَن من حَدِيث جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يسْأَل بِوَجْه الله الا الْجنَّة فَكَانَ طَاوس يكره أَن يسْأَل الانسان بِوَجْه الله وروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ يرفع اليه عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى اليه بَصَره من خلقه وَمِنْهَا قَول عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عِنْد ربكُم ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات والارض من نور وَجهه فَهَل يَصح أَن يحمل الْوَجْه فِي هَذَا على مَخْلُوق أَو يكون صلَة لَا معنى لَهُ أَو يكون بِمَعْنى الْقبْلَة والجهة وَهَذَا مُطَابق لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات فأضاف النُّور إِلَى الْوَجْه وَالْوَجْه الى الذَّات واستعاذ بِنور الْوَجْه الْكَرِيم فَعلم أَن نوره صفة لَهُ كَمَا أَن الْوَجْه صفة ذاتية وَهُوَ الَّذِي قَالَه ابْن مَسْعُود وَهُوَ تَفْسِير قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} النُّور فَلَا تشتغل بأقوال الْمُتَأَخِّرين الَّذين غشت بصائرهم عَن معرفَة ذَلِك فَخذ الْعلم عَن أَهله فَهَذَا تَفْسِير الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمِنْهَا أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيع أهل السّنة والْحَدِيث وَالْأَئِمَّة الاربعة وَأهل الاسْتقَامَة من أتباعهم متفقون على أَن الْمُؤمنِينَ يرَوْنَ وَجه رَبهم فِي الْجنَّة وَهِي الزِّيَادَة الَّتِي فسر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس فروى مُسلم فِي صَحِيحه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس قَالَ النّظر الى وَجه الله تَعَالَى فَمن أنكر حَقِيقَة الْوَجْه لم يكن للنَّظَر عِنْده حَقِيقَة وَلَا سِيمَا إِذا أنكر الْوَجْه والعلو فَيَعُود النّظر عِنْده الى خيال مُجَرّد وان احسن الْعبارَة قَالَ هُوَ معنى يقوم بِالْقَلْبِ نسبته اليه كنسبة النّظر الى الْعين وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة عِنْده نظر وَلَا وَجه وَلَا لَذَّة تحصل للنَّاظِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وَمِنْهَا أَن تَفْسِير وَجه الله بقبلة الله وان قَالَه بعض السّلف كمجاهد وَتَبعهُ الشَّافِعِي فانما قَالُوهُ فِي مَوضِع وَاحِد لَا غير وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} الْبَقَرَة فَهَب ان هَذَا كَذَلِك فِي هَذَا الْموضع فَهَل يَصح أَن يُقَال ذَلِك فِي غَيره من الْمَوَاضِع الَّتِي ذكر الله تَعَالَى فِيهَا الْوَجْه فَمَا يفيدكم هَذَا فِي قَوْله وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام الرَّحْمَن وَقَوله الا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى اللَّيْل وَقَوله إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله الدَّهْر على أَن الصَّحِيح فِي قَوْله فثم وَجه الله الْبَقَرَة أَنه كَقَوْلِه فِي سَائِر الْآيَات الَّتِي فِيهَا ذكر الْوَجْه فانه قد اطرد مجيئة فِي الْقُرْآن وَالسّنة مُضَافا الى الرب تَعَالَى على طَريقَة وَاحِدَة وَمعنى وَاحِد فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنيانِ مُخْتَلِفَانِ فِي جَمِيع الْمَوَاضِع غير الْموضع الَّذِي ذكره فِي سُورَة الْبَقَرَة وَهُوَ قَوْله فثم وَجه الله وَهَذَا لَا يتَعَيَّن حمله على الْقبْلَة أَو الْجِهَة وَلَا يمْنَع أَن يُرَاد بِهِ وَجه الرب حَقِيقَة فَحَمله على موارده ونظائره كلهَا أولى وَمِنْهَا أَنه لَا يعرف إِطْلَاق وَجه الله على الْقبْلَة لُغَة وَلَا شرعا وَلَا عرفا بل الْقبْلَة لَهَا اسْم يَخُصهَا وَالْوَجْه لَهُ اسْم يَخُصُّهُ فَلَا يدْخل أَحدهمَا على الآخر وَلَا يستعار اسْمه لَهُ نعم الْقبْلَة تسمى وجهة كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلكُل وجهة هُوَ موليها فاستبقوا الْخيرَات أَيْنَمَا تَكُونُوا} الْبَقَرَة وَقد تسمى جِهَة وَأَصلهَا وجهة لَكِن أعلت بِحَذْف فائها كزنة وعدة وَإِنَّمَا سميت قبْلَة ووجهة لِأَن الرجل يقابلها ويواجهها بِوَجْهِهِ وَأما تَسْمِيَتهَا وَجها فَلَا عهد بِهِ فَكيف إِذا أضيف الى الله تَعَالَى مَعَ أَنه لَا يعرف تَسْمِيَة الْقبْلَة وجهة الله فِي شَيْء من الْكَلَام مَعَ أَنَّهَا تسمى وجهة فَكيف يُطلق عَلَيْهَا وَجه الله وَلَا يعرف تَسْمِيَتهَا وَجها وايضا فَمن الْمَعْلُوم أَن قبْلَة الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 الَّتِي نصبها لِعِبَادِهِ هِيَ قبْلَة وَاحِدَة وَهِي الْقبْلَة الَّتِي أَمر الله عباده أَن يتوجهوا اليها حَيْثُ كَانُوا لاكل جِهَة يولي وَجهه اليها فانه يولي وَجهه الى الْمشرق وَالْمغْرب وَالشمَال وَمَا بَين ذَلِك وَلَيْسَت تِلْكَ الْجِهَات قبْلَة الله فَكيف يُقَال أَي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فَهِيَ قبْلَة الله فان قيل هَذَا عِنْد اشْتِبَاه الْقبْلَة على الْمُصَلِّي وَعند صلَاته النَّافِلَة فِي السّفر قيل اللَّفْظ لَا شعار لَهُ بذلك الْبَتَّةَ بل هُوَ عَام مُطلق فِي الْحَضَر وَالسّفر وَحَال الْعلم والاشتباه وَالْقُدْرَة وَالْعجز يُوضحهُ أَن إِخْرَاج الِاسْتِقْبَال الْمَفْرُوض والاستقبال فِي الْحَضَر وَعند الْعلم وَالْقُدْرَة وَهُوَ أَكثر أَحْوَال الْمُسْتَقْبل وَحمل الْآيَة على اسْتِقْبَال الْمُسَافِر فِي التنقل على الرَّاحِلَة وَحَال الْغَيْم وَنَحْوه بعيد جدا عَن ظَاهر الْآيَة وإطلاقها وعمومها وَمَا قصد بهَا فان أَيْن من أدوات الْعُمُوم وَقد أكد عمومها بِمَا اراده لتحقيق الْعُمُوم كَقَوْلِه {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} الْبَقَرَة وَالْآيَة صَرِيحَة فِي أَنه أَيْنَمَا ولى العَبْد فثم وَجه الله من حضر أَو سفر فِي صَلَاة وَغَيرهَا وَذَلِكَ أَن الْآيَة لَا تعرض فِيهَا للْقبْلَة وَلَا لحكم الِاسْتِقْبَال بل سياقها لِمَعْنى آخر وَهُوَ بَيَان عَظمَة الرب تَعَالَى وسعته وَأَنه أكبر من كل شَيْء وَأعظم مِنْهُ وَأَنه مُحِيط بالعالم الْعلوِي والسفلي فَذكر فِي أول الْآيَة إحاطة ملكه فِي قَوْله وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب الْبَقَرَة منبها بذلك على ملكه لما ابينهما ثمَّ ذكر عَظمته سُبْحَانَهُ وَأَنه أكبر وَأعظم من كل شئ فأينما ولى العَبْد وَجهه فثم وَجه الله ثمَّ ختم باسمين دالين على السعَة والاحاطة فَقَالَ {إِن الله وَاسع عليم} فَذكر اسْمه الْوَاسِع عقيب قَول فأينما توَلّوا فثم وَجه الله كالتفسير وَالْبَيَان والتقرير لَهُ فَتَأَمّله فَهَذَا السِّيَاق لم يقْصد بِهِ الِاسْتِقْبَال فِي الصَّلَاة بِخُصُوصِهِ وَإِن دخل فِي عُمُوم الْخطاب حضرا وسفرا بِالنِّسْبَةِ الى الْفَرْض وَالنَّفْل وَالْقُدْرَة وَالْعجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وعَلى هَذَا فالآية بَاقِيَة على عمومها وأحكامها لَيْسَ مَنْسُوخَة وَلَا مَخْصُوصَة بل لَا يَصح دُخُول النّسخ فِيهَا لِأَنَّهَا خبر عَن ملكه للمشرق وَالْمغْرب وَأَنه أَيْنَمَا ولى الرجل وَجهه فثم وَجه الله وَعَن سعته وَعلمه فَكيف يُمكن دُخُول النّسخ والتخصيص فِي ذَلِك وَأَيْضًا هَذِه الْآيَة ذكرت مَا بعْدهَا لبَيَان عَظمَة الرب وَالرَّدّ على من جعل لَهُ عدلا من خلقه الشّركَة مَعَه فِي الْعِبَادَة وَلِهَذَا ذكرهَا بعد الرَّد على من جعل لَهُ ولدا فَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ بل لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله كن فَيكون الْبَقَرَة فَهَذَا السِّيَاق لَا تعرض فِيهِ للْقبْلَة وَلَا سيق الْكَلَام لأَجلهَا وَإِنَّمَا سيق لذكر عَظمَة الرب وَبَيَان سَعَة علمه وحلمه والواسع من أَسْمَائِهِ فَكيف تَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكا بِسَبَبِهِ وتمنعون بيوته ومساجده ان يذكر فِيهَا اسْمه تسعون فِي خرابها فَهَذَا للْمُشْرِكين ثمَّ ذكر مَا نسبه اليه النَّصَارَى من اتِّخَاذ الْوَلَد ووسط بَين كفر هَؤُلَاءِ وَقَوله تَعَالَى وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب الْبَقَرَة فالمقام مقَام تَقْرِير لأصول التَّوْحِيد والايمان وَالرَّدّ على الْمُشْركين لَا بَيَان فرع معِين جزئي وَمِنْهَا انه لَو أُرِيد بِالْوَجْهِ فِي الْآيَة الْجِهَة والقبلة لَكَانَ وَجه الْكَلَام ان يُقَال فأينما توَلّوا فَهُوَ وَجه الله لِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بِالْوَجْهِ الْجِهَة فَهِيَ الَّتِي تولي نَفسهَا وَإِنَّمَا يُقَال ثمَّ كَذَا اذا كَانَ أَمْرَانِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيما وملكا كَبِيرا} الدَّهْر فالنعيم وَالْملك ثمَّ لَا إِنَّه نفس الظّرْف وَالْوَجْه لَو كَانَ المُرَاد بِهِ الْجِهَة نَفسهَا لم يكن ظرفا لنَفسهَا فان الشَّيْء لَا يكون ظرفا لنَفسِهِ فَتَأَمّله أَلا ترى أَنَّك إِذا أَشرت الى جِهَة الشرق والغرب لَا يَصح أَن تَقول ثمَّ جِهَة الشرق ثمَّ جِهَة الغرب بل تَقول هَذِه جِهَة الشرق وَهَذِه جِهَة الغرب وَلَو قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 هُنَاكَ جِهَة الشرق والغرب لَكَانَ ذكر الظّرْف لَغوا وَذَلِكَ لِأَن ثمَّ إِشَارَة الى الْمَكَان الْبعيد فَلَا يشار بهَا الى قريب والجهة والوجهة مِمَّا يحاذيك الى آخرهَا فجهة الشرق والغرب ووجهة الْقبْلَة مِمَّا يتَّصل الى حَيْثُ يَنْتَهِي فَكيف يُقَال فِيهَا ثمَّ اشارة الى الْبعيد بِخِلَاف الاشارة الى وَجه الرب تبَارك وَتَعَالَى فَإِنَّهُ يشار الى ذَاته وَلِهَذَا قَالَ غير وَاحِد من السّلف فثم الله تَحْقِيقا لَان المُرَاد وَجهه الَّذِي هُوَ من صِفَات ذَاته والاشارة اليه بِأَنَّهُ ثمَّ كاشارة اليه بِأَنَّهُ فَوق سمواته وعَلى الْعَرْش وَفَوق الْعَالم وَمِنْهَا أَن تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ هُوَ أولى التفاسير مَا وجد اليه السَّبِيل وَلِهَذَا كَانَ يعتمده الصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة بعدهمْ وَالله تَعَالَى ذكر فِي الْقُرْآن الْقبْلَة باسم الْقبْلَة وَالْوُجُوه وَذكر وَجهه الْكَرِيم باسم الْوَجْه الْمُضَاف اليه فتفسيره فِي هَذِه الْآيَة بنظائره هُوَ الْمُتَعَيّن وَمِنْهَا أَنَّك إِذا تَأَمَّلت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَجدتهَا مفسرة لِلْآيَةِ مُشْتَقَّة مِنْهَا كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا قَامَ احدكم الى الصَّلَاة فانما يسْتَقْبل ربه وَقَوله فان الله يقبل اليه بِوَجْهِهِ عَنهُ وَقَوله اذا قَامَ أحدكُم الى الصَّلَاة فَلَا يبصقن قبل وَجهه وَقَوله فان الله بَينه وَبَين الْقبْلَة وَقَوله ان الله يَأْمُركُمْ بِالصَّلَاةِ فاذا صليتم فَلَا تلتفتوا فان الله ينصب وَجهه لوجه عَبده فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ ان العَبْد اذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ الى الصَّلَاة أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَلَا ينْصَرف عَنهُ حَتَّى ينْصَرف أَو يحدث حدث سوء وَقَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فاذا الْتفت أعرض الله عَنهُ وَقَالَ يَا ابْن آدم انا خير مِمَّن تلْتَفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 اليه فاذا أقبل على صلَاته أقبل الله عَلَيْهِ فاذا الْتفت أعرض الله عَنهُ انْتهى كَلَام النَّاظِم بِاخْتِصَار قَوْله وَكَذَلِكَ لفظ يَد وَلَفظ يدان قَالَ تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة قَالَت الْجَهْمِية وَمن تَبِعَهُمْ هَذَا مجَاز فِي النِّعْمَة أَو الْقُدْرَة وَهَذَا فِي الأَصْل قَول الْجَهْمِية وتبعهم الْمُعْتَزلَة وَبَعض الْمُتَأَخِّرين مِمَّن ينتسب الى الاشعري والأشعري وقدماء أَصْحَابه يردون على هَؤُلَاءِ ويبدعونهم ويثبتون الْيَد حَقِيقَة قَالَ عبد الْعَزِيز بن يحيى الْكِنَانِي الْمَالِكِي جليس الشَّافِعِي والخصيص بِهِ وَقد مَاتَ قبل الامام احْمَد فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية والزنادقة قَالَ يُقَال للجهمي أَتَقول إِن لله وَجها وَله نفس وَله يَد فَيَقُول نعم وَلَكِن معنى وَجه الله هُوَ الله وَمعنى نَفسه عينه وَمعنى يَده نعْمَته قَالَ وَالْجَوَاب ان يُقَال لَهُ فَذكر كلَاما يتَعَلَّق بِالْوَجْهِ وَالنَّفس ثمَّ قَالَ وَأما قَوْله فِي الْيَد أَنَّهَا يَد النِّعْمَة كَمَا تَقول الْعَرَب لَك عِنْدِي يَد فقد قَالَ الله تَعَالَى بِيَدِك الْخَيْر آل عمرَان وَقَالَ فسبحان الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء يس وَقَالَ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} الْملك وَقَالَ يَد الله فَوق أَيْديهم الْفَتْح وَقَالَ بل يَدَاهُ مبسوطتان الْمَائِدَة قَالَ فَزعم الجهمي ان يَد الله نعْمَته فبدل قولا غير الَّذِي قيل لَهُ فَأَرَادَ الجهمي أَن يُبدل كَلَام الله إِذْ أخبر الله أَن لَهُ يدا بهَا ملكوت كل شَيْء فبدل مَكَان الْيَد نعْمَة وَقَالَ الْعَرَب تسمي الْيَد نعْمَة قُلْنَا لَهُ الْعَرَب تسمي النِّعْمَة يدا وتسمي يَد الانسان يدا فاذا أردْت يَد الذَّات جعلت على قَوْلهَا علما ودليلا يعقل بِهِ السَّامع أَنَّهَا ارادت يَد الذَّات وَإِذا أَرَادَت يَد النِّعْمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 جعلت على قَوْلهَا علما ودليلا يعقل السَّامع كَلَامهَا أَنَّهَا تُرِيدُ يَد النِّعْمَة وَلَا تجْعَل كَلَامهَا مشتبها على سامعه وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر ... ناولت زيدا بيَدي عَطِيَّة ... يدبها رمى كتابا مخضب ... فَدلَّ بِهَذَا القَوْل على يَد الذَّات بالمناولة وبالباء حِين قَالَ بيَدي فَجعل الْبَاء استقصاء للعدد حِين لم يكن لَهُ غير يدين وَقَالَ الآخر حِين أَرَادَ يَد النِّعْمَة ... أشكر يدين لنا عَلَيْك وأنعما ... شكرا يكون مكافيا للمنعم ... فَدلَّ على يَد النِّعْمَة بقوله لنا عَلَيْك ثمَّ قَالَ وأنعما ثمَّ قَالَ يدين فَجعل النُّون مَكَان الْيَاء لم يستقص بهما الْعدَد فَهَذَا قَول الْعَرَب ومذهبها فِي لغاتها وَالله تَعَالَى لم يسم فِي كِتَابه يدا بِنِعْمَة وَلم يسم نعْمَة يدا سمى سُبْحَانَهُ الْيَد يدا وَالنعْمَة نعْمَة فِي جَمِيع الْقُرْآن فَأَما مَا ذكره سُبْحَانَهُ من يدين وَيَد فقد ذكرت ذَلِك فِي صدر الْكَلَام وَأما النِّعْمَة الَّتِي هِيَ عَن الْيَد فَمن ذَلِك قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم} آل عمرَان وَقَوله وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله النَّحْل وَقَوله وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي الْمَائِدَة وَقَوله {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ} الْأَحْزَاب فَسمى الله النعم باسم النِّعْمَة وَلم يسمهَا بِغَيْر أسمائها وَمثل هَذَا فِي الْقُرْآن كثير وَذكر الله تَعَالَى أَيدي المخلوقين فسماها بِالْأَيْدِي فَقَالَ تَعَالَى وَلَا تجْعَل يدك مغلولة الى عُنُقك الأسراء وَقَالَ تَعَالَى وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا الْمَائِدَة وَقَالَ وَالْمَلَائِكَة باسطو أَيْديهم الْأَنْعَام فَهَذِهِ أيد لَا نعْمَة وَذكر نعْمَته على يَد ونعمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسماها نعْمَة وَلم يسميها يدا ثمَّ أخبر سُبْحَانَهُ عَن يَدَيْهِ أَنَّهُمَا يدان لَا ثَلَاثَة وَجعل الْبَاء استقصاء للعدد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 حِين قَالَ {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} فَدلَّ على أَنَّهُمَا يَدي الذَّات لَا يتعارف الْعَرَب فِي لغاتها وَلَا أشعارها الا أَن هَاتين الْيَدَيْنِ يَدي الذَّات لاستقصاء الْعدَد بِالْبَاء وَأما نعم الله فَهِيَ أَكثر وَأعظم من أَن تحصر أَو تعد كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} ابراهيم قَالَ وَاعْلَم رَحِمك الله أَن قَائِل هَذِه الْمقَالة جَاهِل بلغَة الْقُرْآن وبلغة الْعَرَب ومعانيها وكلامها وَذَلِكَ أَن الله إِذا افْتتح الْخَبَر عَن نَفسه بِلَفْظ الْجمع ختم الْكَلَام بِلَفْظ الْجمع واذا افْتتح الْكَلَام بِلَفْظ الْوَاحِد ختم الْكَلَام بِلَفْظ الْوَاحِد وانما يُغني الْخَبَر عَن نَفسه وان كَانَ اللَّفْظ جمعا فَأَما مَا كَانَ من لفظ الْوَاحِد فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الأسراء فَافْتتحَ الْخَبَر عَن نَفسه بِلَفْظ الْوَاحِد وبمثله ختم الْكَلَام فَقَالَ {أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الاسراء وَقَالَ رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا الأسراء وَقَالَ ربكُم اعْلَم بكم الاسراء وَأما مَا افتتحه بِلَفْظ الْجمع فَهُوَ قَوْله وقضينا الى بني اسرائيل فِي الْكتاب الاسراء فافتتحه بِلَفْظ الْجمع ثمَّ خَتمه بِمثل مَا افتتحه بِهِ فَقَالَ {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا} الاسراء وَإِنَّمَا عَنى بذلك نَفسه لِأَنَّهَا كلمة ملوكية تَقُولهَا الْعَرَب وَرُوِيَ ان ابْن عَبَّاس لَقِي أَعْرَابِيًا وَمَعَهُ نَاقَة فَقَالَ لمن هَذِه فَقَالَ الْأَعرَابِي فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس كم أَنْتُم فَقَالَ أَنا وَاحِد فَقَالَ ابْن عَبَّاس هَكَذَا قَول الله تَعَالَى نَحن وخلقناه وقضينا انما يَعْنِي نَفسه والمبهم يرد الى الْمُحكم فَكل كلمة فِي الْقُرْآن من لفظ جمع قبلهَا مُحكم من التَّوْحِيد ترد اليه فَمن ذَلِك قَوْله {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} الاسراء يرد الى قَوْله وَقضى رَبك الا تعبدوا الا اياه الاسراء وَقَوله {وخلقناكم أَزْوَاجًا} النبأ يرد الى قَوْله انما أمره يس وَقَوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 {لما جَاءَ أَمر رَبك} هود وَكَذَلِكَ قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} يس يرد إِلَى قَوْله {لما خلقت بيَدي} فَلَمَّا افْتتح الْكَلَام بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم} يس قَالَ أَيْدِينَا وَلما افْتتح بقوله مَا مَنعك ان تسْجد لما خلقت بيَدي ختم الْكَلَام على مَا افتتحه بِهِ فَهَذَا بَيَان لقوم يفقهُونَ وَقد كَانَ أَكثر قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا أقسم أَن يَقُول لَا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَهَذَا لَا يَلِيق بِهِ النِّعْمَة وَهَذَا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصدق كتاب الله انْتهى كَلَامه الْأَشْعَرِيّ فِي كتبه يُصَرح باثبات الصِّفَات الخبرية فِي كتبه كلهَا وَمَعْلُوم أَن أحدا لَا يُنكر لَفظهَا وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا حقائقها ومعانيها الظَّاهِرَة وَكَلَام الْأَشْعَرِيّ مَوْجُود فِي الابانة والموجز والمقالات وموجود فِي تصانيف أَئِمَّة أَصْحَابه وأجلهم على الاطلاق القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب وَقد ذكر ذَلِك فِي كتاب الابانة والتمهيد وَغَيرهمَا وَذكره ابْن فورك فِيمَا جمعه من كَلَام ابْن كلاب وَكَلَام الْأَشْعَرِيّ وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والاعتقاد وَذكره ابو الْقَاسِم الْقشيرِي فِي كتاب الشكاية لَهُ وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي كتاب تَبْيِين كذب المفتري حَتَّى الْفَخر الرَّازِيّ وَالسيف الْآمِدِيّ حكوا ذَلِك عَن الْأَشْعَرِيّ وَأَنه أثبت الْيَدَيْنِ صفة لله وَلَكِن غلطوا حَيْثُ ظنُّوا أَن لَهُ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك وَهَذِه كتبه كلهَا لَيْسَ فِيهَا الا الاثبات فَهُوَ الَّذِي يحكيه عَن أهل السّنة وينصره ويحكي خِلَافه عَن الْجَهْمِية والمعتزلة نعم كَانَ قبل ذَلِك يَقُول بقول الْمُعْتَزلَة ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَصرح بمخالفتهم وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَالَ ابو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كتاب الابانة الَّذِي ذكر ابْن عَسَاكِر أَنه آخر كتبه وَعَلِيهِ اعْتمد فِي ذكر مناقبه واعتقاده قَالَ فان سَأَلنَا سَائل فَقَالَ أتقولون إِن لله يدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 قيل نعم نقُول ذَلِك لقَوْل الله تَعَالَى يَد الله فَوق أَيْديهم الْفَتْح وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله آدم بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ وَقَالَ تَعَالَى بل يَدَاهُ مبسوطتان الْمَائِدَة وَفِي الحَدِيث كلتا يَدَيْهِ يَمِين وَلَيْسَ يجوز فِي لِسَان الْعَرَب وَلَا فِي عَادَة أهل الْخطاب أَن يَقُول الْقَائِل عملت كَذَا وَكَذَا بيَدي وَهُوَ بِمَعْنى النِّعْمَة اذا كَانَ الله خَاطب الْعَرَب بلغاتها وَمَا تَجدهُ مفهوما فِي كَلَامهَا ومعقولا فِي خطابها واذ لَا يجوز فِي خطابها أَن يَقُول الْقَائِل فعلت بيَدي وَيَعْنِي النِّعْمَة بَطل أَن يكون معنى بيَدي النِّعْمَة وسَاق الْكَلَام فِي إِنْكَار هَذَا التَّأْوِيل وأطاله جدا وَقرر أَن لفظ الْيَدَيْنِ على حَقِيقَته وَظَاهره وَبَين ان اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن لَا تحْتَمل مَا تأولته الْجَهْمِية وَقَالَ لِسَان اصحابه وأجلهم أَبُو بكر مُحَمَّد بن الطّيب الباقلاني فِي كتاب التَّمْهِيد وَهُوَ أشهر كتبه فان قَالَ الْقَائِل فَمَا الْحجَّة فِي أَن لله وَجها ويدين قيل قَوْله تَعَالَى {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن وَقَوله {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} فَأثْبت لنَفسِهِ وَجها ويدين فان قَالُوا انما أنكرتم أَن يكون الْمَعْنى خلقت بيَدي أَنه خلقه بقدرته لِأَن الْيَدَيْنِ فِي اللُّغَة تكون بِمَعْنى النِّعْمَة وَبِمَعْنى الْقُدْرَة كَمَا يُقَال لفُلَان عِنْدِي يَد بَيْضَاء وَهَذَا الشَّيْء فِي يَد فلَان وَتَحْت يَده وَيُقَال رجل أيد اذا كَانَ قَادِرًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} يس يُرِيد عَملنَا بقدرتنا وَقَالَ الشَّاعِر ... إِذا مَا راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ ... وَكَذَلِكَ قَوْله خلقت بيَدي يَعْنِي بقدرته وَنعمته قَالَ فَيُقَال لَهُ هَذَا بَاطِل لَان قَوْله بيَدي يَقْتَضِي إِثْبَات يدين هما صفة لَهُ فَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 كَانَ المُرَاد بهما الْقُدْرَة لوَجَبَ أَن يكون لَهُ قدرَة وَلَا تَزْعُمُونَ أَن لله تَعَالَى قدرَة وَاحِدَة فَكيف يجوز أَن تثبتوا قدرتين وَقد أجمع الْمُسلمُونَ المثبتون للصفات والنافون لَهَا على أَنه لَا يجوز أَن يكون لله تَعَالَى قدرتان فَبَطل مَا قُلْتُمْ وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يكون خلق الله آدم بنعمتين لِأَن نعم الله تَعَالَى على آدم وَغَيره لَا تحصى وَلِأَن الْقَائِل لَا يجوز أَن يَقُول رفعت الشَّيْء أَو وَضعته بيَدي أَو تَوليته بيَدي وَهُوَ يُرِيد نعْمَته وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يُقَال لي عِنْد فلَان يدان يَعْنِي نعمتين وانما يُقَال لي عِنْده يدان بيضاوان ولان فعلته بيَدي لَا يسْتَعْمل الا فِي الْيَد الَّتِي هِيَ صفة الذَّات وَيدل على فَسَاد تأويلهم ايضا أَنه لَو كَانَ الامر على مَا قَالُوهُ لم يغْفل عَن ذَلِك إِبْلِيس وَأَن يَقُول وَأي فضل لآدَم عَليّ يَقْتَضِي أَن أَسجد لَهُ وانا أَيْضا بِيَدِك خلقتني وَفِي الْعلم أَن الله تَعَالَى فضل آدم عَلَيْهِ بخلقه بيدَيْهِ دَلِيل على فَسَاد مَا قَالُوهُ فان قَالَ الْقَائِل فَمَا أنكرتم ان يكون يَده وَوَجهه جارحة إِذْ كُنْتُم لَا تعقلون يدا ووجها هما صفة الْجَارِحَة قُلْنَا لَا يجب ذَلِك كَمَا لَا يجب اذا لم نعقل حَيا عَالما قَادِرًا إِلَّا جسما أَن نقضي نَحن وَأَنْتُم ذَلِك على الله وكما لَا يجب اذا كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ أَن يكون جوهرا لأَنا وَإِيَّاكُم لم نجد قَائِما بِنَفسِهِ فِي شاهدنا إِلَّا كَذَلِك وَكَذَلِكَ الْجَواب لَهُم إِن قَالُوا فَيجب أَن يكون علمة وَكَلَامه وحياته وَسَائِر صِفَات ذَاته أعراضا أَو أجساما أجناسا أَو حوادث أَو أغيارا لَهُ تَعَالَى ومحتاجة الى قلب انْتهى ... وَالله لَو قُلْنَا الَّذِي قَالَ الصحا ... بة والالى من بعدهمْ بِلِسَان لرجمتمونا بِالْحِجَارَةِ ان قدر ... تمّ بعد رجم الشتم والعدوان وَالله قد كَفرْتُمْ من قَالَ بعض مقالهم يَا أمة الْعدوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 .. وجعلتم الْجِسْم الَّذِي قدرتم ... بُطْلَانه طاغوت ذِي الْبطلَان ... ووضعتمم للجسم معنى غير مَعْرُوف بِهِ فِي وضع كل لِسَان وبنيتم نفي الصِّفَات عَلَيْهِ فاجتمعت لكم إِذا ذَاك محذوران ... كذب على لُغَة الرَّسُول وَنفي اثبات الْعُلُوّ لفاطر الاكوان ... أَي إِنَّكُم أَيهَا المعطلة وضعتم للجسم معنى غير مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف فِي لُغَة الْعَرَب وسميتم كل مَا هُوَ مركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة أَو من الْجَوَاهِر المنفردة أَو مَا يقبل الاشارة الحسية جسما وَلَيْسَ هَذَا معنى الْجِسْم فِي لُغَة الصَّحَابَة الَّتِي جَاءَ بهَا الْقُرْآن كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِي فِي صحاحه الْمَشْهُورَة قَالَ أَبُو زيد الْجِسْم والجسد وَكَذَلِكَ الجسمان والجثمان وَقَالَ الاصمعي الْجِسْم والجسمان الْجَسَد والجثمان والشخص قَالَ والأجسم الضخم الْبدن قَالَ شيخ الاسلام فِي كَلَامه على حَدِيث النُّزُول وَقد ادّعى طوائف من النفاة اهل الْكَلَام أَن الْجِسْم فِي اللُّغَة هُوَ الْمُؤلف الْمركب وان استعمالهم لفظ الْجِسْم فِي كل مَا يشار اليه مُوَافق للغة قَالُوا لَان كل مَا يشار اليه فانه يتَمَيَّز مِنْهُ شَيْء عَن شَيْء وكل مَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مركب من الْجَوَاهِر المنفردة الَّتِي كل وَاحِد مِنْهَا جُزْء لَا يتَجَزَّأ وَلَا يتَمَيَّز مِنْهُ جَانب عَن جَانب أَو من الْمَادَّة وَالصُّورَة اللَّذين هما جوهران عقليان كَمَا يَقُول ذَلِك بعض الفلاسفة قَالُوا واذا كَانَ هَذَا مركبا مؤلفا فالجسم فِي لُغَة الْعَرَب هُوَ الْمُؤلف الْمركب بِدَلِيل انهم يَقُولُونَ رجل جسيم وَزيد أجسم من عَمْرو إِذْ أَكثر ذَهَابه فِي الْجِهَات لَيْسَ يقصدون بالمبالغة فِي قَوْلهم أجسم وجسيم الا لمن كثرت الْأَجْزَاء المتضمنة والتأليف لأَنهم لَا يَقُولُونَ أجسم فِيمَن كثرت علومه وَقدره وَسَائِر تَصَرُّفَاته غير الِاجْتِمَاع حَتَّى إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 كثر الِاجْتِمَاع فِيهِ بتزايد اجزائه قيل أجسم وَرجل جسيم فَدلَّ ذَلِك على أَن قَوْلهم جسم يُفِيد التَّأْلِيف فَهَذَا أصل قَول هَؤُلَاءِ النفاة وَهُوَ مَبْنِيّ على أصلين سَمْعِي لغَوِيّ ونظري عَقْلِي فطري أما السمعي اللّغَوِيّ فَقَوْلهم أَن أهل اللُّغَة يطلقون لفظ الْجِسْم على الْمركب وهم استدلوا عَلَيْهِ بقَوْلهمْ هُوَ أجسم إِذا كَانَ أغْلظ وَأكْثر ذَهَابًا فِي الْجِهَات وَإِن هَذَا يَقْتَضِي أَنهم اعتبروا كَثْرَة الْأَجْزَاء فَيُقَال اما الْمُقدمَة الأولى هُوَ ان اهل اللُّغَة يسمون كل مَا لَهُ مِقْدَار بِحَيْثُ يكون أكبر من غَيره أَو أَصْغَر جسما فَهَذَا لَا يُوجد فِي لُغَة الْعَرَب الْبَتَّةَ وَلَا يُمكن أحدا ان ينْقل عَنْهُم انهم يسمون الْهَوَاء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض جسما وَلَا يسمون روح الانسان جسما بل من الْمَشْهُور أَنهم يفرقون بَين الْجِسْم وَالروح وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم} المُنَافِقُونَ 4 يَعْنِي أبدانهم دون أَرْوَاحهم الْبَاطِنَة وَقد ذكر نَقله اللُّغَة ان الْجِسْم عِنْدهم هُوَ الْجَسَد وَمن الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَن هَذَا اللَّفْظ يتَضَمَّن الْغَلَط والكثافة فَلَا يسمون بِهِ الْأَشْيَاء الْقَائِمَة بِنَفسِهَا اذا كَانَت لَطِيفَة كالهواء وروح الانسان وان كَانَ لذَلِك مِقْدَار يكون بعضه أكبر من بعض لَكِن لَا يُسمى فِي اللُّغَة ذَلِك جسما وَلَا يَقُولُونَ هَذَا الْمَكَان الْوَاسِع أجسم من هَذَا الْمَكَان الضّيق وَإِن كَانَ أكبر مِنْهُ وَإِن كَانَت أجزاؤه زَائِدَة على أَجْزَائِهِ عِنْد من يَقُول بِأَنَّهُ مركب من الْأَجْزَاء لَيْسَ كل مَا هُوَ مركب عِنْدهم من الْأَجْزَاء يُسمى جسما وَلَا يُوجد فِي الْكَلَام قبض جِسْمه وَلَا صعد بجسمه الى السَّمَاء وَلَا أَن الله يقبض أجسامنا كَيفَ يَشَاء إِنَّمَا يسمون ذَلِك روحا وَيفرق بَين مُسَمّى الرّوح ومسمى الْجِسْم كَمَا يفرق بَين الْبدن وَالروح وكما يفرقون بَين الْجَسَد وَالروح فَلَا يطلقون لفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 الْجَسَد على الْهَوَاء فَلفظ الْجِسْم عِنْدهم يشبه لفظ الْجَسَد قَالَ الْجَوْهَرِي الْجَسَد وَالْبدن تَقول فِيهِ تجسد كَمَا تَقول الْجِسْم تجسم كَمَا تقدم نَقله عَن أَئِمَّة اللُّغَة ان الْجِسْم هُوَ الْجَسَد فَعلم ان هذَيْن اللَّفْظَيْنِ مُتَرَادِفَانِ اَوْ قريبان من الترادف وَلِهَذَا يَقُولُونَ لهَذَا الثَّوْب جَسَد كَمَا يَقُولُونَ لَهُ جسم إِذا كَانَ غليظا ثخينا صفيقا وَتقول الْعلمَاء النَّجَاسَة قد تكون مستخبثة كَالدَّمِ وَالْميتَة وَقد لَا تكون مستجسمة كالرطبة ويسمون الدَّم جسدا كَمَا قَالَ النَّابِغَة ... فَلَا لعَمْرو الَّذِي قد زرته حجَجًا ... وَمَا أريق على الانصاب من جَسَد ... الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَنه لَو سلم ذَلِك فَقَوْلهم إِن هَذَا يطلقونه عِنْد تزايد الْأَجْزَاء هُوَ مَبْنِيّ على أَن الْأَجْسَام مركبة من الْجَوَاهِر المنفردة وَهَذَا لَو قدر أَنه صَحِيح فَأهل اللُّغَة لم يعتبروه وَلَا قَالَ اُحْدُ مِنْهُم ذَلِك فَعلم انهم إِنَّمَا لحظوا غلظه وكثافته وَأما كَونهم اعتبروا كَثْرَة الْأَجْزَاء اَوْ قَتلهَا فَهَذَا لَا يتصوره أَكثر عقلاء بني آدم فضلا عَن أَن ينْقل عَن اهل اللُّغَة قاطبة انهم ارادوا ذَلِك بقَوْلهمْ جسيم وأجسم وَالْمعْنَى الْمَشْهُور فِي اللُّغَة لَا يكون مُسَمَّاهُ مَا لَا يفهمهُ إِلَّا بعض النَّاس واثبات الْجَوَاهِر المنفردة امْر خص بِهِ بعض النَّاس فَلَا يكون مُسَمّى الْجِسْم فِي اللُّغَة مَا لَا يعرفهُ إِلَّا بعض النَّاس وَهُوَ الْمركب من ذَلِك وَأما الأَصْل الثَّانِي الْعقلِيّ فَقَوْلهم إِنَّمَا يشار إِلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا وَهنا فانه مركب من الْجَوَاهِر المنفردة أَو من الْمَادَّة وَالصُّورَة وَهَذَا بحث عَقْلِي وَأكْثر عقلاء بني آدم من أهل الْكَلَام يُنكرُونَ ان يكون ذَلِك مركبا من الْجَوَاهِر المنفردة اَوْ من الْمَادَّة وَالصُّورَة وإنكار ذَلِك قَول ابْن كلاب وَأَتْبَاعه الْكلابِيَّة وَهُوَ قَول الهشامية والنجارية والضرارية وَبَعض الكرامية وَهَؤُلَاء الَّذين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 أثبتوا الْجَوْهَر الْفَرد وَزَعَمُوا انا لم نعلم لَا بالحس وَلَا بِالضَّرُورَةِ ان الله أبدع شَيْئا قَائِما بِنَفسِهِ وان جَمِيع مَا نشهده مخلوقا من السَّحَاب والمطر وَالْحَيَوَان والنبات والمعدن بني آدم وَغير بني آدم فانما فِيهِ أَنه أحدث أكوانا فِي الْجَوَاهِر المنفردة كالجمع والتفريق وَالْحَرَكَة والسكون وَأنكر هَؤُلَاءِ أَن يكون الله لما خلقنَا احدث أبدانا قَائِمَة بأنفسها أَو شَجرا اَوْ ثمرا اَوْ شَيْئا قَائِما بِنَفسِهِ وانما احدث عِنْدهم اعراضا واما الْجَوَاهِر المنفردة فَلم تزل مَوْجُودَة ثمَّ من يَقُول إِنَّهَا محدثة مِنْهُم من يَقُول إِنَّهَا محدثة وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّهُم علمُوا حدوثها بِأَنَّهَا لم تخل من الْحَوَادِث وَمَا لم يخل من الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث الى ان قَالَ وَلِهَذَا صَارَت النفاة اذا اثْبتْ اُحْدُ شَيْئا من الصِّفَات كَانَ ذَلِك مستلزما لِأَن يكون الْمَوْصُوف عِنْدهم جسما وَعِنْدهم الْأَجْسَام متماثلة فصاروا يسمونه مشبها بِهَذِهِ الْمُقدمَات الَّتِي يلْزمهُم مثل مَا ألزموه لغَيرهم وَهِي متناقضة لَا يتَصَوَّر أَن يَنْتَظِم مِنْهَا قَول صَحِيح وَكلهَا مُقَدمَات مَمْنُوعَة عِنْد جَمَاهِير الْعُقَلَاء وفيهَا من تَغْيِير اللُّغَة والمعقول مَا دخل بِسَبَبِهِ هَذِه الأغاليط والشبهات حَتَّى يبْقى الرجل حائرا لَا يهون عَلَيْهِ إبِْطَال عقله وَدينه وَالْخُرُوج عَن الايمان وَالْقُرْآن فان ذَلِك كُله متطابق على إِثْبَات الصِّفَات وَلَا يهون عَلَيْهِ الْتِزَام مَا يلزمونه من كَون الرب مركبا من الْأَجْزَاء أَو مماثلا للمخلوقات فانه يعلم أَيْضا بطلَان هَذَا وَأَن الرب عز وَجل يجب تنزيهه عَن هَذَا فانه سُبْحَانَهُ احْمَد صَمد والأحد يَنْفِي التَّمْثِيل والصمد يَنْفِي أَن يكون قَابلا للتفريق والتجسيم والبعضية سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فضلا عَن كَونه مؤلفا مركبا ألف من الْأَجْزَاء فيفهمون من يخاطبونه أَن مَا وصف بِهِ الرب نَفسه لَا يعقل الا فِي بدن مثل بدن الانسان بل وَقد يصرحون بذلك وَيَقُولُونَ الْكَلَام لَا يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 إِلَّا من صُورَة وَصُورَة مركبة مثل فَم الانسان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَدعُونَهُ وَإِذا قَالَ النفاة لَهُم مَتى قُلْتُمْ إِنَّه يرى لزم أَن يكون مركبا مؤلفا لِأَن المرئي لَا يكون إِلَّا بِجِهَة من الرَّائِي وَمَا يكون بِجِهَة من الرَّائِي لَا يكون إِلَّا جسما والجسم مؤلف مركب من الْأَجْزَاء وَقَالُوا إِذا تكلم بِالْقُرْآنِ أَو غَيره من الْكَلَام لزم ذَلِك واذا كَانَ فَوق الْعَرْش لزم ذَلِك صَار الْمُسلم الْعَارِف بِمَا قَالَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم أَنه يرى فِي الْآخِرَة لما تَوَاتر عِنْده من الْأَخْبَار عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يدل على ذَلِك مَعَ مَا يُوَافق ذَلِك من القضايا الفطرية الَّتِي خلق الله بهَا عباده وَإِذا قَالُوا هَذَا يسْتَلْزم أَن الله مركب من الْأَجْزَاء المنفردة والمركب لَا بُد لَهُ من مركب فَلَزِمَ أَن يكون الله مُحدثا إِذْ الْمركب يفْتَقر إِلَى أَجْزَائِهِ وأجزاؤه تكون غَيره وَمَا افْتقر إِلَى غَيره لم يكن غَنِيا وَاجِب الْوُجُود بِنَفسِهِ حيروه وشككوه إِن لم يَجْعَلُوهُ مُكَذبا لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْتَدا عَن بعض مَا كَانَ عَلَيْهِ من الايمان مَعَ أَن شكه وحيرته تقدح فِي إيمَانه وَدينه وَعلمه وعقله فَيُقَال أما كَون الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مركبا رَكبه غَيره فَهَذَا من أظهر الْأُمُور فَسَادًا وَهَذَا مَعْلُوم فَسَاده بضرورة الْعقل وَمن قَالَ هَذَا فَهُوَ من أَكثر النَّاس وأجهلهم وأشدهم محاربة لله وَلَيْسَ فِي الطوائف الْمَشْهُورَة من يَقُول بِهَذَا وَكَذَلِكَ إِذا قيل هُوَ مؤلف أَو مركب بِمَعْنى أَنه كَانَت أجزاؤه مفرقة فَجمع بَينهمَا كَمَا يجمع بَين أَجزَاء المركبات من اعتقده فِي الله فَهُوَ من اكفر النَّاس وأظلمهم وَلم يَعْتَقِدهُ أحد من الطوائف الْمَشْهُورَة فِي الْأمة بل أَكثر الْعُقَلَاء عِنْدهم أَن مخلوقات الرب لَيست مركبة هَذَا التَّرْكِيب وانما يَقُول بِهَذَا من يثبت الْجَوَاهِر المنفردة وَكَذَلِكَ من زعم ان الرب مركب مؤلف بِمَعْنى أَنه يقبل التَّفْرِيق والانقسام والتجزئة فَهَذَا من أكفر النَّاس وأجهلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَقَوله شَرّ من قَول الَّذين يَقُولُونَ إِن لله ولدا بِمَعْنى أَنه ان ْفَصل مِنْهُ فَصَارَ ولدا لَهُ وَقد بسطنا الْكَلَام على هَذَا فِي تَفْسِير {قل هُوَ الله أحد} وَفِي غير ذَلِك وَأطَال الْكَلَام رَحمَه الله وَهَذَا الَّذِي سقناه من كَلَامه كالشرح لهَذِهِ الأبيات فرحمه الله وَرَضي عَنهُ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وركبتم إِذا ذَاك تحريفين تَحْرِيف الحَدِيث ومحكم الْقُرْآن ... وكسبتم وزرين وزر النَّفْي والتحريف فاجتمعت لكم كفلان وعداكم أَجْرَانِ أجر الصدْق وَالْإِيمَان حَتَّى فاتكم حظان ... وكسبتم مقتين مقت الهكم ... وَالْمُؤمنِينَ فنالكم مقتان ... ولبستم ثَوْبَيْنِ ثوب الْجَهْل وَالظُّلم الْقَبِيح فبئست الثوبان وتخذتم طرزين طرز الْكَبِير والتيه الْعَظِيم فبئست الطرزان ومددتم نَحْو العلى باعين لَكِن لم تطل مِنْكُم لَهَا الباعان ... وأتيتموها من سوى أَبْوَابهَا ... لَكِن تسورتم من الْحِيطَان ... وغلقتم بَابَيْنِ لَو فتحا لكم ... فزتم بِكُل بِشَارَة وتهان بَاب الحَدِيث وَبَاب هَذَا الْوَحْي من ... يفتحهما فليهنه البابان وفتحتم بَابَيْنِ من يفتحهما ... تفتح عَلَيْهِ مواهب الشَّيْطَان بَاب الْكَلَام وَقد نهيتم عَنهُ وَالْبَاب الْحَرِيق فمنطق اليونان ... فدخلتم دارين دَار الْجَهْل فِي الدُّنْيَا وَدَار الخزي فِي النيرَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 .. وطعمتم لونين لون الشَّك والتشكيك بعد فبئست اللونان ... وركبتم أَمريْن كم قد أهلكا ... من أمة فِي سالف الْأَزْمَان ... تَقْدِيم آراء الرِّجَال على الَّذِي ... قَالَ الرَّسُول ومحكم الْقُرْآن وَالثَّانِي نسبتهم الى الألغاز والتلبيس والتدليس والكتمان ... ومكرتم مكرين لَو تمالكم ... لتفصمت فِينَا عرى الايمان أطفأتم نور الْكتاب وَسنة الْهَادِي بذا التحريف والهذيان ... لكنكم أوقدتم للحرب نَا ... را بَين طائفتين مُخْتَلِفَانِ ... وَالله مطفيها بألسنة الألى ... قد خصهم بِالْعلمِ وَالْإِيمَان وَالله لَو غرق المجسم فِي دم التجسيم من قدم إِلَى الآذان ... فالنص أعظم عِنْده وَأجل قد ... را أَن يُعَارضهُ بقول فلَان ... قَوْله طرزين قَالَ فِي الْقَامُوس الطرز الْهَيْئَة والطراز بِالْكَسْرِ علم الثَّوْب مُعرب وطرزه تطريزا أعلمهُ فتطرز وَمُرَاد النَّاظِم الْهَيْئَة أَي اتخذتم هيئتين هَيْئَة الْكبر وهيئة التيه وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 فصل فِي كسر الطاغوت الَّذِي نفوا بِهِ صِفَات ذِي الملكوت والجبروت ... أَهْون بذا الطاغوت لَا عزاسمه ... طاغوت ذِي التعطيل والكفران كم من أَسِير بل جريح بل قَتِيل تَحت ذَا الطاغوت فِي الْأَزْمَان ... وَترى الجبان يكَاد يخلع قلبه ... من لَفظه تَبًّا لكل جبان ... وَترى المخنث حِين يقرع سَمعه ... تبدو عَلَيْهِ شمائل النسوان ويظل منكوحا لكل معطل ... وَلكُل زنديق أخي كفران وَترى صبي الْعقل يفزعه اسْمه ... كالغول حِين يُقَال للصبيان كفران هَذَا الِاسْم لَا سُبْحَانَهُ ... أبدا وَسُبْحَان الْعَظِيم الشان ... قَوْله الطاغوت هُوَ مُشْتَقّ من طغا وَتَقْدِيره طغوت ثمَّ قلبت الْوَاو ألفا قَالَ الواحدي قَالَ جَمِيع أهل اللُّغَة الطاغوت كل مَا عبد دون الله يكون وَاحِدًا وجمعا وَيذكر وَيُؤَنث قَالَ الله تَعَالَى يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا الى الطاغوت وَقد أمروا أَن يكفروا بِهِ النِّسَاء 60 فَهَذَا فِي الْوَاحِد وَقَالَ فِي الْجمع {وَالَّذين كفرُوا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} الْبَقَرَة 257 وَقَالَ فِي الْمُؤَنَّث {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت أَن يعبدوها} الزمر 17 قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ اللَّيْث وَأَبُو عُبَيْدَة وَالْكسَائِيّ وجماهير أهل اللُّغَة الطاغوت كل مَا عبد من دون الله وَقَالَ الْجَوْهَرِي الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رَأس فِي الضلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 قَوْله اهون بذا الطاغوت هِيَ صِيغَة تعجب أَي مَا أهونه قَوْله تَبًّا التب والتبيب والتباب النَّقْص والخسار قَوْله المخنث هُوَ اسْم مفعول من خنث فَهُوَ مخنث وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء وَالنُّون وتشديدها قَالَ فِي الْقَامُوس الخنث ككتف من فِيهِ انخناث أَي تكسر وتثن وَقد خنث كفرح وتخنث وانخنث قَوْله شمائل النسوان الشمل الطَّبْع جمع شمائل قَالَه فِي الْقَامُوس قَوْله كالغول الغول بِضَم الْغَيْن اسْم وَجمعه أغوال وغيلان قَالَ أَبُو السعادات الغول وَاحِد الغيلان وَهُوَ جنس من الْجِنّ وَالشَّيَاطِين كَانَت الْعَرَب تزْعم أَن الغول فِي الفلوات تتراءى للنَّاس تتلون تلونا فِي صور شَتَّى وتغولهم أَي تضلهم عَن الطَّرِيق وتهلكهم فنفاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبطله انْتهى وَمعنى كَلَام النَّاظِم ان اسْم الغول اذا ذكر لصبي الْعقل لَا صبي السن أفزعه وهاله كَمَا يفزع الصَّبِي اذا خوف بالغول قَوْله كفران هَذَا الِاسْم هُوَ مصدر كفر يكفر كفرانا ... كم ذَا التترس بالمحال أما ترى ... قد مزقته كَثْرَة السهْمَان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الترس مَعْرُوف جمع أتراس وترسة وتراس وتروس والتراس صَاحبه وصانعه والتراسة صَنعته والتتريس والتترس التستر بِهِ ... جسم وتجسيم وتشبيه أما ... تعيون من فشر وَمن هذيان أَنْتُم وضعتم ذَلِك الطاغوت ثمَّ بِهِ نفيتم مُوجب الْقُرْآن ... وجعلتموه شَاهدا بل حَاكما ... هَذَا على من يَا أولي الْعدوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 .. أَعلَى كتاب الله ثمَّ رَسُوله ... بِاللَّه فاستحيوا من الرَّحْمَن فقضاؤه بالجور والعدوان مثل قِيَامه بالزور والعدوان ... وقيامه بالزور مثل قَضَائِهِ ... بالجور والعدوان والبهتان ... كم ذَا الجعاجع لَيْسَ شَيْء تحتهَا ... إِلَّا الصدى كالبوم فِي الخربان ... قَوْله إِلَّا الصدى قَالَ فِي مُخْتَار الصِّحَاح الصدى ذكر البوم والصدى أَيْضا الَّذِي يجيبك مثل صَوْتك فِي الْجبَال وَغَيرهَا وَقد أصدى الْجَبَل قَوْله كالبوم قَالَ فِي الْقَامُوس البوم والبومة بضمهما طَائِر كِلَاهُمَا للذّكر وَالْأُنْثَى وبومة لقب مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمُحدث ... وَنَظِير هَذَا قَول ملحدكم وَقد ... جحد الصِّفَات لفاطر الاكوان لَو كَانَ مَوْصُوفا لَكَانَ مركبا ... فالوصف والتركيب متحدان ذَا المنجنبق وَذَلِكَ الطاغوت قد ... هدما دِيَاركُمْ الى الْأَركان وَالله رَبِّي قد أعَان بِكَسْر ذَا وبقطع ذَا سُبْحَانَ ذِي الْإِحْسَان ... أَي أَن الله سُبْحَانَهُ قد أعَان بِكَسْر ذَا ... وبقطع ذَا سُبْحَانَ ذِي الْإِحْسَان ... أَي أَن الله سُبْحَانَهُ قد أعَان بِكَسْر الطاغوت وبقطع المنجنيق بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة ... فلئن زعمتم ان هَذَا لَازم ... لمقالكم حَقًا لُزُوم بَيَان ... فلنا جوابات ثَلَاث كلهَا ... مَعْلُومَة الايضاح والتبيان منع اللُّزُوم وَمَا بِأَيْدِيكُمْ سوى ... دَعْوَى مُجَرّدَة من الْبُرْهَان لَا يرتضيها عَالم أَو عَاقل ... بل تِلْكَ حِيلَة مُفلس فتان فلئن زعمتم أَن منع لُزُومه مِنْكُم مُكَابَرَة على الْبطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 معنى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله فِي هَذِه الأبيات إِنَّكُم معاشر المعطلة ألزمتم المثبتة إِذا أثبتوا صِفَات الْبَارِي سُبْحَانَهُ التجسيم والتركيب قَوْله فلئن زعمتم أَن هَذَا لَازم لمقالكم الخ قَوْله فلنا جوابات ثَلَاث إِلَى قَوْله منع اللُّزُوم وَمَا بِأَيْدِيكُمْ سوى دَعْوَى مُجَرّد بِلَا برهَان أَي أَن ذَلِك لَا يلْزم المثبتة لِأَن لَازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب قَوْله فلئن زعمتم ان منع لُزُومه أَي إِذا قُلْنَا باثبات الصِّفَات لم يلْزمنَا تجسيم فان زعمتم ان ذَلِك مُكَابَرَة فلنا جَوَاب ثَان وَهُوَ قَوْله ... فجوابنا الثَّانِي امْتنَاع النَّفْي فِي ... مَا تدعون لُزُومه بِبَيَان ... إِن كَانَ ذَلِك لَازِما للنَّص فالملزوم حق وَهُوَ ذُو برهَان وَالْحق لَازمه فَحق مثله ... أَنى يكون الشَّيْء ذَا بطلَان وَيكون ملزوما بِهِ حَقًا فَذا ... عين الْمحَال وَلَيْسَ ذَا إِمْكَان فَتعين الْإِلْزَام حِينَئِذٍ على ... قَول الرَّسُول ومحكم الْقُرْآن وجعلتم أنباءه مَا تسترا ... خوفًا من التَّصْرِيح والكفران وَالله مَا قُلْنَا سوى مَا قَالَه ... هذي مقالتنا بِلَا كتمان فجعلتمونا جنَّة وَالْقَصْد مَفْهُوم وقاية الْقُرْآن ... يَقُول النَّاظِم الْجَواب الثَّانِي للنفاة إِنَّا لم نقل إِلَّا بِمَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص القرآنية والاحاديث النَّبَوِيَّة فان كَانَ لازمها التجسيم كَمَا زعمتم فاذا صَحَّ ذَلِك فالملزوم حق لأَنا لم نتبع إِلَّا مَا دلّ عَلَيْهِ كتاب الله وَسنة رَسُوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 لِأَنَّهُ من الْمحَال أَن يكون الشَّيْء بَاطِلا فِي نَفسه وَتَكون ملزوماته حَقًا فَتعين إلزامكم حِينَئِذٍ على قَول الرَّسُول ومحكم الْقُرْآن وإنهما لم يدلا إِلَّا على التجسيم والتشبيه فرميتم اتِّبَاع الرَّسُول بالتشبيه والتجسيم والتركيب تسترا وَهَذَا معنى قَوْله مَا تسترا خوفًا من أَنكُمْ إِذا نسبتم الْكتاب وَالسّنة الى التَّشْبِيه والتجسيم نسبتم الى الْكفْر والضلال والا فالمثبتة لم يَقُولُوا إِلَّا بِمَا قَالَه الله وَرَسُوله لَكِن جعلتم تشنيعكم على أَتْبَاعه جنَّة وقصدكم مَفْهُوم وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وثالث مَا نجيب بِهِ هُوَ استفساركم يَا فرقة الْعرْفَان ... مَاذَا الَّذِي تعنون بالجسم الَّذِي ... ألزمتمونا أوضحُوا بِبَيَان تعنون ماهو قَائِم بِالنَّفسِ أَو ... عَال على الْعَرْش الْعَظِيم الشان أَو ذَا الَّذِي قَامَت بِهِ الْأَوْصَاف وأ ... وصاف الْكَمَال عديمة النُّقْصَان أَو مَا تركب بِهِ جَوَاهِر فردة ... أَو صُورَة حلت هيولي ثَان أَو مَا هُوَ الْجِسْم الَّذِي فِي الْعرف أَو ... فِي الْوَضع عِنْد تخاطب بِلِسَان أَو مَا هُوَ الْجِسْم الَّذِي فِي الذِّهْن ذَا ... ك يُقَال تعليمي ذِي الأذهان مَاذَا الَّذِي من ذَاك يلْزم من ثبو ... ت علوه من فَوق كل مَكَان فَأتوا بِتَعْيِين الَّذِي هُوَ لَازم ... فاذا تعين ظَاهر التِّبْيَان فَأتوا ببرهانين برهَان اللزو ... م وَنفي لَازمه فذان اثْنَان وَالله لَو نشرت لكم أشياخكم ... عجزوا وَلَو واطاهم الثَّقَلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 .. إِن كُنْتُم فحولا فابرزوا ... ودعوا الشكاوي حِيلَة النسوان واذا اشتكيتم فاجعلوا الشكوى الى الوحيين لَا القَاضِي وَلَا السُّلْطَان ... هَذَا هُوَ الْجَواب الثَّالِث من أجوبة المثبتة للنفاة وَهُوَ استفسار المثبتة للنفاة مَا مُرَادهم بالجسم هَل هُوَ الْقَائِم بِنَفسِهِ كالهواء وروح الانسان وَنَحْوهمَا اَوْ مَا هُوَ عَال على الْعَرْش أَو مَا قَامَت بِهِ الصِّفَات اَوْ هُوَ الْجِسْم التعليمي وَهُوَ الكمية السارية فِي الْجِسْم الطبيعي الممتدة فِي الْجِهَات الثَّلَاث أعنى الطول وَالْعرض والعمق سمي جسما تعليميا لكَونه مَوْضُوعا للحكمة التعليمية أَعنِي الْحِكْمَة الرياضية وَالَّذِي يدل على تغاير الْمَعْنيين أَنَّك إِذا أخذت شمعة بِعَينهَا وشكلتها بأشكال مُخْتَلفَة بِأَن جَعلتهَا تَارَة كرة وتار مكعبا وَتارَة اسطوانة مثلا فالجسم الطبيعي بَاقٍ بِعَيْنِه وَقد تَغَيَّرت كميته السارية فِي جهاته تغيرات شَتَّى قَوْله أَو صورت حلت هيولي ثَان أَي وَهل المُرَاد بالجسم الْمركب عِنْد الفلاسفة الْمَشَّائِينَ من الهيولي وَالصُّورَة أَو مرادكم الْجِسْم الَّذِي فِي الْعرف أَو فِي الْوَضع فاذا بينتم مرادكم بالجسم أجبناكم حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ الْمركب وَهَذَا معنى قَوْله ... فنجيب بالتركيب حِينَئِذٍ جوا ... با شافيا فِيهِ هدى الحيران ... الْحق إِثْبَات الصِّفَات ونفيها ... عين الْمحَال وَلَيْسَ فِي الْإِمْكَان ... فالجسم إِمَّا لَازم لثبوتها ... فَهُوَ الصَّوَاب وَلَيْسَ ذَا بطلَان أَو لَيْسَ يلْزم من ثُبُوت صِفَاته ... فشناعة الالزام بالبهتان فالمنع فِي احدى المقدمتين مَعْلُوم الْبَيَان إِذا بِلَا نكران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 .. الْمَنْع إِمَّا فِي اللُّزُوم أَو انْتِفَاء ... اللَّازِم الْمَنْسُوب للبطلان ... هَذَا هُوَ الطاغوت قد أضحى كَمَا ... أبصرتموه بمنة الرَّحْمَن ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي الْجَواب الْقَاطِع الْمركب وَهُوَ ان الْحق إِثْبَات الصِّفَات ونفيها عين الْمحَال وأبطل الْبَاطِل وَحِينَئِذٍ فالجسم إِمَّا لَازم لثبوتها فَيكون هُوَ الصَّوَاب وَإِمَّا أَن يكون لَيْسَ بِلَازِم وَإِنَّمَا الْإِلْزَام بِهِ من تشنيع المعطلة قَوْله فالمنع فِي إِحْدَى المقدمتين وهما القَوْل بالجسم أَو انْتِفَاء اللَّازِم مَعْلُوم بِغَيْر إِنْكَار وَنحن نمْنَع إِحْدَى المقدمتين ونقول إِن كَانَ الْكتاب وَالسّنة قد دلا على التجسيم وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَهُوَ حق بِهَذَا الِاعْتِبَار وَلَكِن نَحن نمْنَع اللُّزُوم وَهُوَ الْمُقدمَة الثَّانِيَة وَالله اعْلَم فصل فِي مبدء الْعَدَاوَة الْوَاقِعَة بَين المثبتين الْمُوَحِّدين وَبَين النفاة المعطلين ... يَا قوم تَدْرُونَ الْعَدَاوَة بَيْننَا ... من أجل مَاذَا فِي قديم زمَان إِنَّا تحيزنا إِلَى الْقَوْم وَالنَّقْل الصَّحِيح مُفَسّر الْقُرْآن ... وَكَذَا الى الْعقل الصَّرِيح وفطرة الرَّحْمَن قبل تغير الانسان هِيَ أَربع متلازمات بَعْضهَا ... قد صدقت بَعْضًا على ميزَان وَالله مَا اجْتمعت لديكم هَذِه ... أبدا كَمَا أقررتم بِلِسَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 .. إِذْ قُلْتُمْ الْعقل الصَّحِيح يُعَارض الْمَنْقُول من أثر وَمن قُرْآن ... فنقدم الْمَعْقُول ثمَّ نصرف الْمَنْقُول بالتأويل ذِي الألوان فاذا عجزنا عَنهُ ألفيناه لم ... نعبأ بِهِ قصدا الى الاحسان وَلكم بذا سلف لَهُم تابعتم ... لما دعوا للأخذ بِالْقُرْآنِ صدوا فَلَمَّا أَن أصيبوا أَقْسمُوا ... لمرادنا توفيق ذِي الاحسان وَلَقَد أصيبوا فِي قُلُوبهم وَفِي ... تِلْكَ الْعُقُول بغاية النُّقْصَان فَأتوا بأقوال اذا حصلتها ... أسمعت ضحكة هازل مجان هَذَا جَزَاء المعرضين عَن الْهدى ... متعوضين زخارف الهذيان ... معنى كَلَام النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات انه يَقُول تَدْرُونَ أَيهَا المعطلة مَا مبدء الْعَدَاوَة الْوَاقِعَة بَيْننَا وَبَيْنكُم وَمَا الَّذِي احدثها ثمَّ أَخذ فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ إِنَّا تحيزنا الى الْقُرْآن وَالنَّقْل الصَّحِيح وَالْعقل الصَّرِيح والفطرة وَأَنْتُم أَخَذْتُم فِيمَا زعمتم بِالْعقلِ وقلتم إِذا تعَارض الْعقل وَالنَّقْل فاما ان نردهما جَمِيعًا وَإِمَّا ان نقبلها جَمِيعًا وَلَا سَبِيل الى ذَلِك وَإِمَّا أَن نقبل النَّقْل ونترك الْعقل وَهُوَ محَال لِأَن الْعقل اصل النَّقْل فَلَو صدقنا النَّقْل وكذبنا الْعقل لأفضى ذَلِك إِلَى تَكْذِيب النَّقْل لِأَن الْعقل أصل النَّقْل فَلذَلِك قدمنَا الْعقل ثمَّ صرفنَا النَّقْل الْمُخَالف بزعمهم لِلْعَقْلِ وَذَلِكَ إِمَّا بالتأويل إِن أمكن وَإِمَّا بالتفويض قَوْله وَلكم بذا سلف الخ هَؤُلَاءِ السّلف هم المُنَافِقُونَ الَّذِي ذكرهم الله تَعَالَى بقوله فِي سُورَة النِّسَاء {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقين يصدون عَنْك صدودا} النِّسَاء الْآيَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْعقل وَالنَّقْل وَفِي هَذِه الْآيَات أَنْوَاع من العبر دَالَّة على ضلال من تحاكم الى غير الْكتاب وَالسّنة وعَلى نفاقة وان زعم انه يُرِيد التَّوْفِيق بَين الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة وَبَين مَا يُسَمِّيه هُوَ عقليات من الْأُمُور الْمَأْخُوذَة عَن بعض الطواغيت من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الِاعْتِبَار فَمن كَانَ خَطؤُهُ لتَفْرِيطه فِيمَا يجب عَلَيْهِ من اتِّبَاع الْقُرْآن والايمان مثلا أَو لتعديه حُدُود الله بسلوك السَّبِيل الَّتِي نهي عَنْهَا اَوْ لاتباع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله فَهُوَ الظَّالِم لنَفسِهِ وَهُوَ من أهل الْوَعيد بِخِلَاف الْمُجْتَهد فِي طَاعَة الله وَرَسُوله بَاطِنا وظاهرا الَّذِي يطْلب الْحق بِاجْتِهَادِهِ كَمَا امْرَهْ الله وَرَسُوله فَهَذَا مغْفُور لَهُ خَطؤُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه والمؤمنون كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله} إِلَى قَوْله {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} الْبَقَرَة انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَاضْرِبْ لَهُم مثلا بشيخ الْقَوْم اذ ... يَأْبَى بكبر ذِي طغيان ثمَّ ارتضى ان صَار قوادا لأر ... بَاب الفسوق وكل ذِي عصيان ... قَوْله وَاضْرِبْ لَهُم مثلا بشيخ الْقَوْم الخ المُرَاد بِهِ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَذَلِكَ ان الله أمره بِالسُّجُود لآدَم فعصى كبرا وطغيانا ثمَّ ارتضى بِأَن صَار قوادا لكل فَاسق وعاص نَعُوذ بِاللَّه وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول أبي نواس ... عجبت من إِبْلِيس فِي كبره ... وَفِي الَّذِي أظهر من نخوته تاه على آدم فِي سَجْدَة ... وَصَارَ قوادا لذريته ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 قَوْله نخوته قَالَ فِي الْقَامُوس نخا ينخو نخوة افتخر وتعظم وَكَذَا قَوْله تاه أَي تكبر ... وكذاك أهل الشّرك قَالُوا كَيفَ ذَا ... بشر أَتَى بِالْوَحْي وَالْقُرْآن ثمَّ ارتضوا أَن يجْعَلُوا معبودهم ... من هَذِه الْأَحْجَار والاوثان ... أَي أَن أهل الشّرك تكبروا وَقَالُوا الله أكبر وَأجل وَأعظم من أَن يُرْسل بشرا ثمَّ ارتضوا بِأَن جعلُوا آلِهَتهم من الْأَحْجَار والاوثان والجماد أخس حَالا من الْحَيَوَان ... وَكَذَلِكَ عباد الصَّلِيب حموا بتا ... ركهم من النسوان والولدان وَأتوا الى رب السَّمَاوَات العلى ... جعلُوا لَهُ ولدا من الذكران ... أَي إِن عباد الصَّلِيب وهم النَّصَارَى نزهوا بتاركهم من النِّسَاء والولدان ثمَّ جعلُوا لله سُبْحَانَهُ ولدا تَعَالَى الله عَن قَوْلهم البترك الْأَكْبَر هُوَ لوقا النَّاقِل عَن بولس عَن يوحنا عَن شَمْعُون عَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وأصل التَّرْتِيب عِنْدهم ان القاريء للانجيل من اول وهلة شماس فان تَأَوَّلَه وأتقن حفظه صَار قسيسا ويدوم كَذَلِك مَا دَامَ عِنْده زَوْجَة وَإِن بلغ فِي الْعلم مَا بلغ فان مَاتَت زَوجته فان تزوج خرج عَن مَرَاتِب الْعلم وَيُسمى سالخ القيسوسية فان تنزه عَن الزفر وَمَا يخرج من الْأَرْوَاح صَار بتركا فِي مَذْهَب الأرمن وَأما الرّوم واليعاقبة والنسطورية فيرون أَنه لَا يجوز أَن يكون بتركا إِلَّا من تنزه عَن النِّسَاء وَأكل الْأَرْوَاح وَمَا يخرج مِنْهَا من أول عمره الا الْعَسَل والسمك لِأَنَّهُ خَليفَة الْمَسِيح وَطَاعَة هَؤُلَاءِ فرض على النَّصَارَى وَأما الاسقف والميرون والراهب فأسماء للمتعبدين خَاصَّة فالماكث فِي الْقلَّة ميرون وَكثير السياحة أَسْقُف وتارك النِّسَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 فَقَط رَاهِب وَشرط الرّوم ملازمته للبس المسوح وخدمة الدَّيْر وَأَن لَا يُصَلِّي خَارج الْكَنِيسَة ... وَكَذَلِكَ الجهمي نزه ربه ... عَن عَرْشه من فَوق ذِي الأكوان حذرا من الْحصْر الَّذِي فِي ظَنّه ... أَو أَن يرى متحيزا بمَكَان فاصأره عدما وَلَيْسَ وجوده ... متحققا فِي خَارج الاذهان لكنما قدماؤهم قَالُوا بِأَن الذَّات قد وجدت بِكُل مَكَان جَعَلُوهُ فِي الْآبَار والأنجاس والخانات والخربات والقيعان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الخان الْحَانُوت اَوْ صَاحبه وخان التُّجَّار مَعْرُوف قَوْله القيعان قَالَ فِي الْقَامُوس القاع ارْض سهلة مطمئنة قد انفرجت عَلَيْهَا الْجبَال والآكام جمع قيع وقيعة وقيعان بكسرهن أَي أَن الْجَهْمِية نزهوا الله عَن أَن يكون مستويا على عَرْشه حذرا من أَن يكون محصورا اَوْ متحيزا ثمَّ قَالُوا إِنَّه تَعَالَى لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِل وَلَا مُنْفَصِل فأوقعوا عَلَيْهِ صفة الْمَعْدُوم قَوْله لكنما قدماؤهم قَالُوا بِأَن الذَّات الخ أَي أَن قدماء الْجَهْمِية قَالُوا بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْجُود بِكُل مَكَان تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَلَكِن هَذَا لَيْسَ قَول الْجَهْمِية الْأَوَّلين جَمِيعهم فان هَذَا قَول النجارية والضرارية كَمَا تقدم ذَلِك فِي أَوَائِل هَذَا الشَّرْح فَفِي كَلَامه مُسَامَحَة ... وَالْقَصْد أَنكُمْ تحيزتم الى الآراء وَهِي كَثِيرَة الهذيان فتلونت بكم فجئتم أَنْتُم ... متلونين عجائب الالوان وعرضتم قَول الرَّسُول على الَّذِي ... قد قَالَه الاشياخ عرض وزان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 .. وجعلتم أَقْوَالهم ميزَان مَا ... قد قَالَه وَالْعدْل فِي الْمِيزَان ... أَي أَن هَذَا ميزَان عائل جَائِز قَالَ فِي الْقَامُوس عَال جَار عَن الْحق وَالْمِيزَان نقص ... ووردتم سفل الْمِيَاه وَلم نَكُنْ ... نرضى بِذَاكَ الْورْد للظمآن وأخذتم أَنْتُم بنيات الطَّرِيق وَنحن سرنا فِي الطَّرِيق الاعظم السُّلْطَان ... بنيات الطَّرِيق هِيَ الطّرق الصغار وتتشعب من الطَّرِيق الْأَعْظَم ثمَّ ترجع اليه ... وجعلتم ترس الْكَلَام مجنة ... تَبًّا لذاك الترس عِنْد طعان ... ورميتم أهل الحَدِيث بأسمهم ... عَن قَوس موتور الْفُؤَاد جبان ... فتترسوا بِالْوَحْي وَالسّنَن الَّتِي ... تتلوه نعم الترس للشجعان ... تقدم تَفْسِير الترس قَوْله موتور هُوَ اسْم مفعول من وتره يتره قَالَ فِي الْقَامُوس وتره يتره وترا وترة وَالْقَوْم جعل شفعهم وترا كأوترهم وَالرجل أفزعه وأدركه بمكروه ووتره مَاله نَقصه إِيَّاه انْتهى قلت وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر كَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله ... هُوَ ترسهم وَالله من عدوانكم ... والترس يَوْم الْبَعْث من نيران أفتاركوه لفشركم ومحالكم ... لَا كَانَ ذَاك بمنة الرَّحْمَن ودعوتمونا للَّذي قُلْتُمْ بِهِ ... قُلْنَا معَاذ الله من خذلان فَاشْتَدَّ ذَاك الْحَرْب بَين فريقنا ... وفريقكم وتفاقم الْأَمْرَانِ وتأصلت تِلْكَ الْعَدَاوَة بَيْننَا ... من يَوْم أَمر الله للشَّيْطَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 .. بسجوده فعصى وعارض أمره ... بقياسه وبعقله الخوان فَأتى التلاميذ الوقاح فعارضوا ... أخباره بالفشر والهذيان ومعارض لِلْأَمْرِ مثل معَارض الأخبارهم فِي كفرهم صنْوَان ... من عَارض الْمَنْصُوص بالمعقول قد مَا أخبرونا يَا أولي الْعرْفَان أَو مَا عَرَفْتُمْ أَنه القدري والجبري أَيْضا ذَاك فِي الْقُرْآن ... إِذْ قَالَ قد أغويتني وفتنتني ... لأزينن لَهُم مدى الْأَزْمَان فاحتج بالمقدور ثمَّ ابان أَن الْفِعْل مِنْهُ بغية وزيان ... فَانْظُر الى ميراثهم ذَا الشَّيْخ بِالتَّعْصِيبِ وَالْمِيرَاث بالسهمان فسألتكم بِاللَّه من وراثه ... مناومنكم بعد ذَا التِّبْيَان ... حَاصِل كَلَام النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات أَن أصل الْعَدَاوَة بَيْننَا وَبَيْنكُم يَا معشر من عَارض أَمر الله بقياسه وعقله من حِين أَمر الله إِبْلِيس بِالسُّجُود لآدَم فعصى وعارض أَمر الله بِالْعقلِ وَالْقِيَاس وَذَلِكَ فِيمَا حكى الله عَنهُ وَهُوَ قَوْله {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} الْحجر وَقَوله {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} الْأَعْرَاف يَعْنِي النَّار خير وَأفضل من الطين فَأَنا خير من آدم فَهَذَا مُعَارضَة اللعين لِلْأَمْرِ بِالْعقلِ وَالْقِيَاس وَقَوله وأتى التلاميذ الوقاح فعارضوا أخباره الخ أَي أَن النفاة عارضوا الْأَخْبَار بالفشر والهذيان وَقَالُوا الْعقل يُعَارض النَّقْل والقواطع تعَارض اللفظية والأدلة اللفظية لَا تفِيد الْيَقِين وَنَحْو ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 من الفشر والهذيان وَهَذَا معنى معارضتهم للْخَبَر وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم ومعارض لِلْأَمْرِ مثل معَارض الاخبار الخ قَوْله من عَارض الْمَنْصُوص بالمعقول قدما الخ أَن إِبْلِيس حِين احْتج بِالْقدرِ وَهُوَ قَوْله {بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} الْحجر فاحتج أَولا بِالْقدرِ والجبر وَهُوَ قَوْله {فبمَا أغويتني} ثمَّ قَالَ {لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} فتبعته الْقَدَرِيَّة الْمُجبرَة فِي الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وَأَنَّهُمْ مَجْبُورُونَ على أفعالهم وتبعته الْقَدَرِيَّة النفاة وهم الَّذين زَعَمُوا أَن أَفعَال الْعباد غير مخلوقة فِي قَوْله لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ فالقدرية الْمُجبرَة تبعوه فِي الْجَبْر والقدرية النفاة تبعوه فِي نفي خلق أَفعَال الْعباد فالطائفتان قد عارضتا الْمَنْصُوص بالمعقول وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فَانْظُر الى ميراثهم ذَا الشَّيْخ بِالتَّعْصِيبِ كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم وَقد تقدم الْكَلَام فِي مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي خلق افعال الْعباد وَفِي رد مَذْهَب الجبرية ... هَذَا الَّذِي ألْقى الْعَدَاوَة بَيْننَا ... اذ ذَاك واتصلت الى ذَا الْآن أصلتتم أصلا وأصل خصمكم ... اصلا فحين تقَابل الأصلان ظهر التباين فانتشت مَا بَيْننَا الْحَرْب الْعوَان وصيح بالاقران ... أصلتم رأى الرِّجَال وخرصها ... من غير برهَان وَلَا سُلْطَان ... هَذَا وَكم رَأْي لَهُم فبرأي من ... نزن النُّصُوص فأوضحوا بِبَيَان كل لَهُ رَأْي ومعقول لَهُ ... يَدْعُو وَيمْنَع اخذ رَأْي فلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 .. والخصم أصل مُحكم الْقُرْآن مَعَ ... قَول الرَّسُول وفطرة الرَّحْمَن وَبني عَلَيْهِ فاعتلى بُنْيَانه ... نَحْو السما أعظم بذا الْبُنيان وعَلى شفا جرف بنيتم أَنْتُم ... فَأَتَت سيول الْوَحْي والايمان فعلت أساس بنائكم فتهدمت ... تِلْكَ السقوف وخر للاركان الله أكبر لَو رَأَيْتُمْ ذَلِك الْبُنيان حِين علا كَمثل دُخان ... تسمو اليه نواظر من تَحْتَهُ ... وَهُوَ الوضيع وَلَو يرى بعيان فاصبر لَهُ وَهُنَاكَ ورد الطّرف نَلْقَاهُ قَرِيبا فِي الحضيض الداني ... ثمَّ شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي بَيَان أَن التعطيل أساس الزندقة وَالْكفْر وَأَن الاثبات أساس الْعلم والايمان فَقَالَ فصل فِي بَيَان ان التعطيل أساس الزندقة والكفران والاثبات أساس الْعلم والايمان ... من قَالَ إِن الله لَيْسَ بفاعل ... فعلا يقوم بِهِ قيام معَان كلا وَلَيْسَ الامر أَيْضا قَائِما ... بالرب بل من جملَة الاكوان ... أَي من قَالَ إِن الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْأَمر هُوَ الْمَأْمُور وَقد تقدم بسط الْكَلَام فِي ذَلِك قَوْله قيام معَان هُوَ بِفَتْح الْمِيم أَي قيَاما معنويا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... كلا وَلَيْسَ الله فَوق عباده ... بل عَرْشه خلو من الرَّحْمَن فَثَلَاثَة وَالله لَا تبقي من ال ايمان حَبَّة خَرْدَل بوزان ... وَقد استراح معطل هذي الثلا ... ث من الاله وَجُمْلَة الْقُرْآن ... وَمن الرَّسُول وَدينه وشريعته ال اسلام بل من جملَة الاديان ... قَوْله خلو بِكَسْر الْخَاء أَي خَال قَوْله هذي الثَّلَاث وَهن القَوْل بِأَن فعله تَعَالَى وَأمره لَا يقومان بِهِ وَالْقَوْل بِنَفْي الْفَوْقِيَّة والعلو لَا يبقي من الايمان حَبَّة خَرْدَل ... وَتَمام ذَاك جحوده لصفاته والذات دون الْوَصْف ذُو الْبطلَان ... أَي وَتَمام ذَاك جحود صِفَات الرب تَعَالَى مَعَ ان وجود ذَات بِغَيْر صِفَات بَاطِل ... وَتَمام ذَا الايمان إِقْرَار الْفَتى ... بِاللَّه فاطر هذي الاكوان فاذا أقربه وعطل كل مَفْرُوض وَلم يتوق من عصيان ... لم ينقص الايمان حَبَّة خَرْدَل ... أَنى وَلَيْسَ بقابل النُّقْصَان ... هَذَا هُوَ القَوْل بالايمان هُوَ التَّصْدِيق والمعرفة كَمَا هُوَ قَول الْجَهْمِية والاشعري فِي الْمَشْهُور من قوليه وَأَنه لَا يزِيد وَلَا ينقص ... وَتَمام هَذَا قَوْله إِن النُّبُوَّة لَيْسَ وَصفا قَامَ بالانسان لَكِن تعلق ذَلِك الْمَعْنى الْقَدِيم بِوَاحِد من جملَة الانسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 .. هَذَا وَمَا ذَاك التَّعَلُّق ثَابتا ... فِي خَارج بل ذَاك فِي الاذهان ... فَتعلق الاقوال لَا يُعْطي الَّذِي ... وقفت عَلَيْهِ الْكَوْن فِي الْأَعْيَان ... هَذَا اذا مَا حصل الْمَعْنى الَّذِي ... قُلْتُمْ هُوَ النَّفْسِيّ فِي الْبُرْهَان لَكِن جُمْهُور الطوائف لم يرَوا ... ذَا مُمكنا بل ذَاك ذُو بطلَان مَا قَالَ هَذَا غَيْركُمْ من سَائِر النظار فِي الْآفَاق والازمان ... تسعون وَجها بيّنت بُطْلَانه ... لَوْلَا القريض لسقتها بوزان ... أَي وَتَمام هَذَا قَوْله إِن النُّبُوَّة لَيْسَ وَصفا قَامَ بِالنَّبِيِّ وَإِن الْمَعْنى الْقَدِيم وَهُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ تعلق بِهِ وَمَعَ ذَلِك فالتعلق لَيْسَ ثَابتا فِي الْخَارِج بل هُوَ فِي الذِّهْن وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ الَّذِي أثبتته الأشاعرة قَوْله مَا قَالَ هَذَا غَيْركُمْ الخ أَي مَا قَالَ هَذَا القَوْل اُحْدُ غَيْركُمْ معشر الأشعرية قَوْله تسعون وَجها الخ هَذِه الْأَوْجه سَاقهَا شيخ الاسلام فِي رسَالَته الْمَعْرُوفَة بالتسعينية قَوْله لَوْلَا القريض قَالَ فِي الْقَامُوس قرضه يقْرضهُ قطعه وجازاه كقارضه وَالشعر قَالَه ... يَا قوم ايْنَ الرب أَيْن كَلَامه ... أَيْن الرَّسُول فأوضحوا بِبَيَان مَا فَوق عرش الرب من هُوَ قَائِل ... طه وَلَا حرفا من الْقُرْآن وَلَقَد شهدتم ان هَذَا قَوْلكُم ... وَالله يشْهد مَعَ أولي الايمان ... وارحمتاه لكم غبنتم حظكم ... من كل معرفَة وَمن ايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 .. ونسبتم للكفر أولى مِنْكُم ... بِاللَّه والايمان وَالْقُرْآن هذي بضاعتكم فَمن يستامها ... فقد ارتضى بِالْجَهْلِ والخسران وَتَمام هَذَا قَوْلكُم فِي مبدء ... ومعادنا أَعنِي الْمعَاد الثَّانِي ... هَذَا على قَول مثبتي الْجَوْهَر الْفَرد وَقد تكلمُوا فِي معاد الابدان على هَذَا الاصل فَمنهمْ من يَقُول يفرق الاجزاء ثمَّ يجمعها وَمِنْهُم من يَقُول يعدمها ثمَّ يُعِيدهَا وَاخْتلفُوا هَهُنَا فِيمَا إِذا أكل حَيَوَان حَيَوَانا فَكيف يُعَاد وأدعى بَعضهم أَن الله يعْدم أَجزَاء الْعَالم وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا لَا يُمكن أَن يعلم ثُبُوته وَلَا انتفاؤه والمعاد عِنْدهم يفْتَقر الى أَن يبتدىء هذي الْجَوَاهِر والجهم بن صَفْوَان مِنْهُم يَقُول يعدمها بعد ذَلِك وَيَقُول بِفنَاء الْجنَّة وَالنَّار وَأَبُو الْهُذيْل العلاف يَقُول تعدم الحركات قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي عقيدته الْوُسْطَى اخْتلف اهل السّنة فِي الاعادة هَل بِالْجمعِ والتفريق أَو بعد مَحْض الْعَدَم وَالْحق التَّوَقُّف وَهُوَ اخْتِيَار امام الْحَرَمَيْنِ اذ كِلَاهُمَا جَائِز عقلا فِي قدرته تَعَالَى وَلَا قَاطع فِي ذَلِك فالاحوط التَّوَقُّف انْتهى وَفِي شرح الرسَالَة للشَّيْخ ابي الْقَاسِم ابْن نَاجِي قَالَ بعض الشُّيُوخ اجْمَعْ أهل الْحق على القَوْل برد الْجَوَاهِر بِأَعْيَانِهَا وانما اخْتلفُوا هَل عَن عدم اَوْ تَفْرِيق قَالَ أَبُو الْمَعَالِي لَا دَلِيل قَاطع بِأَحَدِهِمَا والظواهر تَقْتَضِي الاعدام لَا بِالتَّفْرِيقِ وَعَلِيهِ فَترد بِأَعْيَانِهَا وَكَون الِابْتِدَاء والاعادة بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة والارادة وَأما إِن قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ لَا بالاعدام فتجمع الْجَوَاهِر ثمَّ يخلق تَعَالَى فِيهَا الصِّفَات بِأَعْيَانِهَا كَمَا كَانَت أول مرّة وكل مَا هُوَ مُمكن فالقدرة صَالِحَة لايقاعه انْتهى وَقَالَ شَارِح المواقف وَهل يعْدم الله الْأَجْزَاء الْبَدَنِيَّة ثمَّ يُعِيدهَا ام يفرقها وَيُعِيد تأليفها الْحق أَنه لم يثبت فِي ذَلِك شئ فَلَا نجزم فِيهِ نفيا وَلَا إِثْبَاتًا لعدم الدَّلِيل على شَيْء من الطَّرفَيْنِ وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} الْقَصَص دَلِيل على الاعدام لِأَن التَّفْرِيق هَلَاك كالاعدام فهلاك كل شَيْء خُرُوجه عَن صِفَاته الْمَطْلُوبَة مِنْهُ وَزَوَال التَّأْلِيف كَذَلِك وَمثله يُسمى فنَاء عرفا فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {كل من عَلَيْهَا فان} الرَّحْمَن على الاعدام أَيْضا وَالله تَعَالَى أعلم انْتهى كَلَامه فَهَذَا قَول النفاة فِي الْمعَاد أما قَوْلهم لَهُم فِي المبدأ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَالله أعلم ... وَتَمام هَذَا قَوْلكُم بِفنَاء دا ... ر الْخلد فالداران فانيتان ... أَي إِن الْجَهْمِية قَالُوا بِفنَاء الْجنَّة وَالنَّار ... يَا قَومنَا بلغ الْوُجُود بأسره الد ... نيا مَعَ الْأُخْرَى مَعَ الايمان والخلق والامر الْمنزل وَالْجَزَاء منَازِل الجنات والنيران ... وَالنَّاس قد ورثوه بعد فَمنهمْ ذُو السهْم والسهمين والسهمان بئس الْمُورث والمورث والتر ... اث ثَلَاثَة اهل لكل هوان يَا وارثين نَبِيّهم بشراكم ... مار إثكم مَعَ إرثهم سيان شتان بَين الْوَارِثين وَبَين مو ... روثيهما وسهام ذِي سَهْمَان يَا قوم مَا صَاح الْأَئِمَّة جهدهمْ ... بالجهم من أقطارها بِأَذَان الا لما عرفوه من أَقْوَاله ... ومآلها بِحَقِيقَة الْعرْفَان قَول الرَّسُول وَقَول جهم عندنَا ... فِي قلب عبد لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ نصحوكم وَالله جهد نصيحة ... مَا فيهم وَالله من خوان فَخُذُوا بهديهم فربي ضَامِن ... وَرَسُوله أَن تَفعلُوا بجنان ... أَي إِن قَول أهل النَّفْي والتعطيل قد بلغت شناعاته الْوُجُود بأسره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والخلق وَالْأَمر وَالْجَزَاء وَالْجنَّة وَالنَّار وَقد توارث النَّاس تِلْكَ الضلالات والشناعات فَمنهمْ من ورث السهْم وَمِنْهُم من ورث السهمين وَمِنْهُم من ورث السهْمَان قَوْله وَالله مَا صَاح الْأَئِمَّة جهدهمْ الخ أَي مَا كثر تشنيع الْأَئِمَّة الْكِبَار فِي جَمِيع المدن والأقطار وتحذيرهم من جهم وأقواله إِلَّا لما عرفُوا من مآلها الْمنَافِي للدّين المباين للحق وَالْيَقِين قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فاذا أَبَيْتُم فالسلام على من اتبع الْهدى وانقاد لِلْقُرْآنِ ... سِيرُوا على نجب العزائم وَاجْعَلُوا ... بظهورها المسرى الى الرَّحْمَن ... سبق الْمُفْرد وَهُوَ ذَاكر ربه ... فِي كل حَال لَيْسَ ذَا نِسْيَان ... يُشِير الى مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير فِي طَرِيق مَكَّة فَمر على جبل يُقَال لَهُ حمدَان فَقَالَ سِيرُوا هَذَا حمدَان سبق المفرودن قَالُوا وَمَا المفردون يَا رَسُول الله قَالَ الذاكرون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات رُوِيَ لفظ المفردون من التفريد وَمن الافراد وَالْمَشْهُور الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور وَهُوَ التَّشْدِيد ... لَكِن أَخا الغفلات مُنْقَطع بِهِ ... بَين المفاوز تَحت ذِي الغيلان صيد السبَاع وكل وَحش كاسر ... بئس المضيف لأعجز الضيفان ... قَالَ فِي الْقَامُوس كسر الطَّائِر كسرا وكسورا ضم جناحيه يُرِيد الْوُقُوع وعقاب كاسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 .. وَكَذَلِكَ الشَّيْطَان يصطاد الَّذِي ... لَا يذكر الرَّحْمَن كل اوان وَالذكر أَنْوَاع فأعلى نَوعه ... ذكر الصِّفَات لربنا المنان وثبوتها أصل لهَذَا الذّكر والنافي لَهَا دَاع الى النسْيَان ... فلذاك كَانَ خَليفَة الشَّيْطَان ذَا ... لَا مرْحَبًا بخليفة الشَّيْطَان والذاكرون على مَرَاتِبهمْ فأعلاهم اولو الايمان والعرفان ... بصفاته العلياء اذ قَامُوا بِحَمْد الله فِي سر وَفِي إعلان وأخص أهل الذّكر بالرحمن أعلمهم بهَا هم صفوة الرَّحْمَن ... وكذاك كَانَ مُحَمَّد وَأَبوهُ ابراهيم والمولود من عمرَان وكذاك نوح وَابْن مَرْيَم عندنَا ... هم خير خلق الله من انسان لمعارف حصلت لَهُم بصفاته ... لم يؤتها اُحْدُ من الانسان وهم اولو الْعَزْم الَّذين بِسُورَة ال أحزاب والشورى اتوا بِبَيَان ... وَكَذَلِكَ الْقُرْآن مَمْلُوء من ال أَوْصَاف وَهِي الْقَصْد بِالْقُرْآنِ ليصير مَعْرُوفا لنا بصفاته ... وَيصير مَذْكُورا لنا بجنان ولسان ايضا مَعَ محبتنا لَهُ فلأجل ذَا الاثبات فِي الايمان ... مثل الاساس من الْبناء فَمن يرم ... هدم الاساس فَكيف بالبنيان ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الذّكر أَنْوَاع فأعلاها ذكر الصِّفَات وَثُبُوت صِفَاته سُبْحَانَهُ أصل لهَذَا الذّكر ونافي الصِّفَات دَاع الى نسيانها وَهُوَ خَليفَة الشَّيْطَان والذاكرون على مَرَاتِب فأعلاهم أولو الايمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 والعرفان بصفاته سُبْحَانَهُ وَلذَلِك قَامُوا بِحَمْد الله فِي السِّرّ والاعلان وأخص أهل الذّكر بِاللَّه أعلمهم بصفاته وَلذَلِك كَانَ أولو الْعَزْم من الرُّسُل وهم نوح وابراهيم ومُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هم خير خلق الله للمعارف الَّتِي حصلت لَهُم بصفاته سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ لم يؤتها غَيرهم وَلذَلِك الْقُرْآن مَمْلُوء بصفاته سُبْحَانَهُ وَهِي الْقَصْد بِالْقُرْآنِ ليَكُون مَعْرُوفا لِعِبَادِهِ بصفاته مَذْكُورا لَهُم بقلوبهم وَهُوَ معنى قَوْله مَذْكُورا لَهُم بجنان وَهُوَ الْقلب وَنَحْو من هَذَا قَول النَّاظِم فِي الْمُقدمَة وَلَيْسَت حَاجَة الْأَرْوَاح قطّ إِلَى شَيْء أعظم مِنْهَا إِلَى معرفَة باريها وفاطرها ومحبته وَذكره والابتهاج بِهِ وَطلب الْوَسِيلَة اليه والزلفى عِنْده وَلَا سَبِيل الى هَذَا بِمَعْرِِفَة أَوْصَافه وأسمائه فَكلما كَانَ العَبْد بهَا أعلم كَانَ بِاللَّه أعرف وَله أطلب واليه اقْربْ وَكلما كَانَ لَهَا أنكر كَانَ بِاللَّه أَجْهَل واليه أكره وَمِنْه أبعد الى آخر مَا ذكره قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْكَلم الطّيب الذّكر نَوْعَانِ احدهما ذكر اسماء الرب وَصِفَاته وَالثنَاء عَلَيْهِ وتنزيهه وتقديسه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَهَذَا أَيْضا نَوْعَانِ احدهما إنْشَاء الثنا عَلَيْهِ بهما من الذاكر وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْمَذْكُور فِي الاحاديث نَحْو سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَنَحْو ذَلِك فأفضل هَذَا النَّوْع أجمعه للثناء وأعمه نَحْو سُبْحَانَ الله عدد خلقه فَهَذَا أفضل من نَحْو سُبْحَانَ الله وقولك الْحَمد لله عدد مَا خلق فِي السَّمَاء وَعدد مَا خلق فِي الأَرْض وَعدد مَا بَينهمَا وَعدد مَا هُوَ خَالق أفضل من نَحْو قَوْلك الْحَمد لله وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث جوَيْرِية أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا لقد قلت بعْدك أَربع كَلِمَات ثَلَاث مَرَّات لَو وزنت بِمَا قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الْيَوْم لوزنتهن سُبْحَانَ الله عدد خلقه سُبْحَانَ الله رضى نَفسه سُبْحَانَ الله زنة عَرْشه سُبْحَانَ الله مداد كَلِمَاته رَوَاهُ مُسلم وَفِي التِّرْمِذِيّ وَسنَن ابي دَاوُد عَن سعد ابْن ابي وَقاص رَضِي الله عَنهُ انه دخل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على امْرَأَة وَبَين يَديهَا نوى اَوْ حَصى تسبح بِهِ فَقَالَ أخْبرك بِمَا هُوَ أيسر عَلَيْك من هَذَا وَأفضل سُبْحَانَ الله عدد مَا خلق فِي السَّمَاء وَسُبْحَان الله عدد مَا خلق فِي الأَرْض وَسُبْحَان الله عدد مَا بَين ذَلِك وَسُبْحَان الله عدد مَا هُوَ خَالق وَالله أكبر مثل ذَلِك وَالْحَمْد لله مثل ذَلِك وَلَا إِلَه إِلَّا الله مثل ذَلِك وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مثل ذَلِك النَّوْع الثَّانِي الْخَبَر عَن الرب تَعَالَى باحكام أَسْمَائِهِ وَصِفَاته نَحْو قَوْلك الله عز وَجل يسمع أصوات عباده وَيرى حركاتهم وَلَا تخفى عَلَيْهِ خافية من أَعْمَالهم وَهُوَ ارْحَمْ بهم من آبَائِهِم وأمهاتهم وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَهُوَ أفرح بتوبة عَبده من الفاقد لراحلته وَنَحْو ذَلِك وَأفضل هَذَا النَّوْع الثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا أثنى بِهِ على نَفسه وَبِمَا اثنى عَلَيْهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَمن غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل وَهَذَا النَّوْع أَيْضا ثَلَاثَة أَنْوَاع حمد وثناء ومجد فَالْحَمْد الاخبار عَنهُ بِصِفَات كَمَاله مَعَ محبته والرضى عَنهُ فَلَا يكون الْمُحب السَّاكِت حامدا وَلَا المثني بِلَا محبَّة حامدا حَتَّى يجْتَمع لَهُ الْمحبَّة وَالثنَاء فان كرر المحامد شَيْئا بعد شَيْء كَانَ ثَنَاء وان كَانَ الْمَدْح بِصِفَات الْجلَال وَالْعَظَمَة والكبرياء وَالْملك كَانَ مجدا وَقد جمع الله تَعَالَى لعَبْدِهِ الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي أول سُورَة الْفَاتِحَة فاذا قَالَ العَبْد {الْحَمد لله رب الْعَالمين} قَالَ حمدني عَبدِي وَإِذا قَالَ {الرَّحْمَن الرَّحِيم} قَالَ أثنى عَليّ عَبدِي واذا قَالَ {مَالك يَوْم الدّين} قَالَ مجدني عَبدِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَالنَّوْع الثَّانِي من الذّكر ذكر أمره وَنَهْيه وَأَحْكَامه وَهَذَا أَيْضا نَوْعَانِ إِلَى آخر كَلَامه وَهُوَ كَلَام نَفِيس قَوْله أولو الْعَزْم الَّذين بِسُورَة الاحزاب والشورى قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْأَحْزَاب {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وأخذنا مِنْهُم ميثاقا غليظا} وَفِي سُورَة الشورى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ} الْآيَة قَوْله فلأجل ذَا الاثبات فِي الايمان مثل الاساس من الْبناء يَعْنِي أَن الاثبات فِي الْإِيمَان مثل الأساس مَعَ الْبناء وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الاثبات أمكن نَقله عَنهُ الْخطابِيّ ... وَالله مَا قَامَ الْبناء لدين رسل الله بالتعطيل للديان مَا قَامَ الا بِالصِّفَاتِ مفصلا ... اثباتها تَفْصِيل ذِي عرفان فَهِيَ الاساس لديننا وَلكُل دين قبله من سَائِر الايان وكذاك زندقة الْعباد أساسها التعطيل يشْهد ذَا اولو الْعرْفَان وَالله مَا فِي الأَرْض زندقة بَدَت ... الا من التعطيل والنكران ... وَالله مَا فِي الأَرْض زندقة بَدَت ... من جَانب الاثبات وَالْقُرْآن هذي زنادقة الْعباد جَمِيعهم ومصنفاتهم بِكُل مَكَان مَا فيهم أحد يَقُول الله فو ... ق الْعَرْش مستول على الاكوان وَيَقُول ان الله جلّ جَلَاله ... مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 .. وَيَقُول ان الله كلم عَبده ... مُوسَى فأسمعه بِذِي الآذان وَيَقُول ان النَّقْل غير معَارض ... لِلْعَقْلِ بل أَمْرَانِ متفقان وَالنَّقْل جَاءَ بِمَا يحار الْعقل فِيهِ لَا الْمحَال الْبَين الْبطلَان فَانْظُر الى الجهمي كَيفَ أَتَى الى ... أس الْهدى ومعاقل الايمان بمعاول التعطيل يقطعهَا فَمَا ... يبْقى على التعطيل من ايمان يدْرِي بِهَذَا عَارِف بمآخذ ال أَقْوَال مضطلع بِهَذَا الشان وَالله لَو حدثتم لرأيتم هَذَا وَأعظم مِنْهُ رَأْي عيان لَكِن على تِلْكَ الْعُيُون غشاوة مَا حِيلَة الكحال فِي العميان ... أقسم النَّاظِم رَحمَه الله فِي الْبَيْت الَّذِي أَوله وَالله مَا قَامَ الأساس لدين رسل الله الخ إِن دين الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام مَا قَامَ بالتعطيل وَإنَّهُ مَا قَامَ إِلَّا باثبات الصِّفَات مفصلة ثمَّ أخبر أَن زندقة الْعباد أساسها التعطيل فَانْظُر زنادقة الْعباد ومصنفاتهم بِكُل مَكَان فانه لَيْسَ فيهم من يثبت علو الله تَعَالَى على خلقه أَو يَقُول ان الله سُبْحَانَهُ مُتَكَلم بِالْوَحْي وَالْقُرْآن وَإِن الله كلم عَبده مُوسَى فأسمعه النداء قَوْله وَيَقُول إِن النَّقْل غير معَارض لِلْعَقْلِ الخ أَي إِن المعطلة تَقول إِن الْعقل يُعَارض النَّقْل وحاشا من ذَلِك لَكِن النَّقْل جَاءَ بمحارات الْعُقُول أَي بِمَا تتحير فِيهِ الْعُقُول وَأما أَن النَّقْل يَجِيء بالمحال الْبَاطِل فكلا ومعاذ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 فصل فِي بهت أهل الشّرك والتعطيل فِي رميهم اهل التَّوْحِيد وَالْإِثْبَات بتنقيص الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... قَالُوا تنقصتم رَسُول الله وَا ... عجبا لهَذَا الْبَغي والبهتان عزلوه أَن يحْتَج قطّ بقوله ... فِي الْعلم بِاللَّه الْعَظِيم الشان عزلوا كَلَام الله ثمَّ رَسُوله ... عَن ذَاك عزلا لَيْسَ ذَا كتمان جعلُوا حَقِيقَته وَظَاهره هُوَ الْكفْر الصَّرِيح الْبَين الْبطلَان قَالُوا وَظَاهره هُوَ التَّشْبِيه والتجسيم والتمثيل حاشا ظَاهر الْقُرْآن من قَالَ فِي الرَّحْمَن مَا دلّت عَلَيْهِ حَقِيقَة الاخبار وَالْفرْقَان فَهُوَ الْمُشبه والممثل والمجسم عَابِد الْأَوْثَان لَا الرَّحْمَن تالله قد مسخت عقولكم فَلَيْسَ وَرَاء هَذَا قطّ من نُقْصَان ورميتم حزب الرَّسُول وجنده ... بمصابكم يَا فرقة الْبُهْتَان وجعلتم التنقيص عين وفاقه ... إِذْ لم يُوَافق ذَاك رَأْي فلَان أَنْتُم تنقصتم إِلَه الْعَرْش وَالْقُرْآن والمبعوث بِالْقُرْآنِ نزهتموه عَن صِفَات كَمَاله ... وَعَن الْكَلَام وَفَوق كل مَكَان وجعلتم ذَا كُله التَّشْبِيه والتمثيل والتجسيم ذَا الْبطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 .. وكلامكم فِيهِ الشِّفَاء وَغَايَة التَّحْقِيق يَا عجبا لذا الخذلان جعلُوا عُقُولهمْ أَحَق بِأخذ مَا ... فِيهَا من الْأَخْبَار وَالْقُرْآن وَكَلَامه لَا يُسْتَفَاد بِهِ الْيَقِين لأجل ذَا لَا يقبل الخصمان تحكيمه عِنْد اخْتِلَافهمَا بل الْمَعْقُول ثمَّ الْمنطق اليونان أَي التنقص بعد ذَا لَوْلَا الوقا ... حة والجراءة يَا أولي الْعدوان ... معنى كَلَامه فِي هَذِه الأبيات أَن اهل التعطيل رموا أهل التَّوْحِيد لما جردوا التَّوْحِيد والمتابعة وأفردوا الله تَعَالَى بِجَمِيعِ انواع الْعِبَادَة خوفًا ورجاء وتوكلا وخشية وَقَالُوا لَا يجوز صرف الْعِبَادَة وَلَا شَيْء مِنْهَا لملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَقدمُوا أَقْوَال الرَّسُول على غَيره فلأجل ذَلِك رموهم بتنقص الرَّسُول والمعطلة مَعَ ذَلِك قد تنقصوا الله تَعَالَى وَرَسُوله وَكتابه أما تنقصهم الله تَعَالَى فانهم سلبوه صِفَات كَمَاله ونزهوه عَن الْكَلَام والفوقية وَجعلُوا ذَلِك تَشْبِيها وتجسيما وَأما تنقصهم الرَّسُول فانهم عزلوه أَن يحْتَج بقوله فِي الْعلم بِاللَّه وَأما تنقصهم الْقُرْآن فانه عِنْدهم لَا يُفِيد الْيَقِين إِذْ هُوَ أَدِلَّة لفظية عارضتها القواطع الْعَقْلِيَّة بزعمهم وَأَن الْقُرْآن لَا يحكم عِنْد الِاخْتِلَاف وَإِنَّمَا يرجع الى الْعُقُول والمنطق وَأما اهل الاثبات فانهم حكمُوا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا جَاءَ بِهِ فِي الدق والجل وَلِهَذَا قَالَ أَي التنقص بعد ذَا لَوْلَا الوقاحة والجراءة الخ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... يَا من لَهُ عقل وَنور قد غَدا ... يمشي بِهِ فِي النَّاس كل زمَان لكننا قُلْنَا مقَالَة صارخ ... فِي كل وَقت بَيْنكُم بِأَذَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 .. الرب رب وَالرَّسُول فعبده ... حَقًا وَلَيْسَ لنا إِلَه ثَان فلذاك لم نعبده مثل عبَادَة الرَّحْمَن فعل الْمُشرك النَّصْرَانِي كلا وَلم نغلوا الغلو كَمَا نهى ... عَنهُ الرَّسُول محافة الكفران لله حق لَا يكون لغيره ... ولعبده حق هما حقان لَا تجْعَلُوا الْحَقَّيْنِ حَقًا وَاحِدًا ... من غير تَمْيِيز وَلَا فرقان فالحج للرحمن دون رَسُوله ... وَكَذَا الصَّلَاة وَذبح ذِي القربان وَكَذَا السُّجُود ونذرنا ويميننا ... وَكَذَا مثاب العَبْد من عصيان وَكَذَا التَّوَكُّل والانابة والتقى ... وَكَذَا الرَّجَاء وخشية الرَّحْمَن وَكَذَا الْعِبَادَة واستعانتنا بِهِ ... أياك نعْبد ذَاك توحيدان وَعَلَيْهِمَا قَامَ الْوُجُود بأسره ... دنيا وَأُخْرَى حبذا الركنان وَكَذَلِكَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير والتهليل حق إلهنا الديَّان لكنما التَّعْزِير والتوقير حق للرسول بِمُقْتَضى الْقُرْآن وَالْحب وَالْإِيمَان والتصديق لَا ... يخْتَص بل حقان مشتركان هذي تفاصيل الْحُقُوق ثَلَاثَة ... لَا تجهلوها يَا أولي الْعدوان حق الْإِلَه عبَادَة بِالْأَمر لَا ... بهوى النُّفُوس فَذَاك للشَّيْطَان من غير إشراك بِهِ شَيْئا هما ... سَببا النجَاة فحبذا السببان وَرَسُوله فَهُوَ المطاع وَقَوله المقبول إِذْ هُوَ صَاحب الْبُرْهَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 .. وَالْأَمر مِنْهُ الحتم لَا تَخْيِير فِيهِ عِنْد ذِي عقل وَذي إِيمَان من قَالَ قولا غَيره قمنا على ... أَقْوَاله بالسير وَالْمِيزَان إِن وَافَقت قَول الرَّسُول وَحكمه ... فعلى الرؤوس تشال كالتيجان أَو خَالَفت هَذَا رددناها على ... من قَالَهَا من كَانَ من انسان أَو أشكلت عَنَّا توقفنا وَلم ... نجزم بِلَا علم وَلَا برهَان هَذَا الَّذِي أدّى إِلَيْهِ علمنَا ... وَبِه ندين الله كل أَوَان فَهُوَ المطاع وَأمره العالي على ... أَمر الورى وَأمر ذِي السُّلْطَان وهم الْمُقدم فِي محبتنا على ال أهلين والأزواج والولدان وعَلى الْعباد جَمِيعهم حَتَّى على النَّفس الَّتِي قد ضمهَا الجنبان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله فِي بَيَان الْحُقُوق الَّتِي لله وَرَسُوله فَذكر أَن حق الله سُبْحَانَهُ هُوَ عِبَادَته بأَمْره لَا بهوى النَّفس وَذَلِكَ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاة وَالذّبْح وَالسُّجُود وَالنّذر وَالْيَمِين وَالتَّوْبَة والتوكل والانابة والتقى والرجاء والخشية والاستعانة وَالتَّكْبِير والتهليل وَنَحْوهَا فَكل هَذَا حق لله لَا يشركهُ فِيهِ غَيره لَا ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَأما الْمُخْتَص بالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ التعزيز والتوقير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه} الْفَتْح وَأما الْحبّ والايمان والتصديق فَهِيَ مُشْتَركَة بَين الله وَرَسُوله فقد وضحت الْحُقُوق الثَّلَاثَة وَهَذَا معنى قَوْله هذي تفاصيل الْحُقُوق الثَّلَاثَة الخ قَوْله وَرَسُوله فَهُوَ المطاع وَقَوله الخ يدل على هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} النِّسَاء الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 قَوْله فَهُوَ الْمُقدم فِي محبتنا الخ يُشِير الى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون احب اليه من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ يَا رَسُول الله لأَنْت أحب الي من كل شَيْء إِلَّا من نَفسِي فَقَالَ لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكون أحب اليك من نَفسك فَقَالَ عمر إِنَّك الْآن احب الي من نَفسِي فَقَالَ الْآن يَا عمر رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَنَظِير هَذَا قَول أَعدَاء الْمَسِيح من النَّصَارَى عابدي الصلبان انا تنْقصنَا الْمَسِيح بقولنَا ... عبد وَذَلِكَ غَايَة النُّقْصَان لَو قُلْتُمْ ولد إِلَه خَالق ... وفيتموه حَقه بوزان وكذاك أشباه النَّصَارَى مذغلوا ... فِي دينهم بِالْجَهْلِ والطغيان صَارُوا معادين الرَّسُول وَدينه ... فِي صُورَة الأحباب والاخوان ... أَي وَنَظِير غلوهم فِي الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلو عباد الصَّلِيب من النَّصَارَى فِي الْمَسِيح لما قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الْمَسِيح عبد فَقَالُوا لَهُ تنقصت الْمَسِيح وعبته وَقد تقدم من كَلَام النَّاظِم فِي شرح منَازِل السائرين مَا يَتَّضِح بِهِ فِي معنى هَذِه الأبيات فِي الْفَصْل الَّذِي أَوله والشرك فاحذره فشرك ظَاهر الخ ... فَانْظُر الى تبديلهم توحيده ... بالشرك وَالْإِيمَان بالكفران وَانْظُر الى تجريده التَّوْحِيد من ... اسباب كل الشّرك بالرحمن واجمع مقالتهم وَمَا قد قَالَه ... واستدع بالنقاد والوزان عقل وفطرتك السليمة ثمَّ زن ... هَذَا وَذَا لَا تطغ فِي الْمِيزَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 .. فهناك تعلم أَي حزبينا هُوَ المتنقص المنقوص ذُو العدون رامي البريء بدائه ومصابه ... فعل المباهت أوقح الْحَيَوَان كمعير للنَّاس بالزغل الَّذِي ... هُوَ ضربه فاعجب لذا الْبُهْتَان ... الزغل بِفَتْح الزَّاي ... يَا فرقة التنقيص بل يَا أمة الدَّعْوَى بِلَا علم وَلَا عرفان وَالله مَا قدمتم يَوْمًا مقا لته على التَّقْلِيد للانسان وَالله مَا قَالَ الشُّيُوخ وَقَالَ إِلَّا كُنْتُم مَعَهم بِلَا كتمان وَالله أغلاط الشُّيُوخ لديكم ... عين الصَّوَاب وَمُقْتَضى الْبُرْهَان وَلذَا قضيتم الَّذِي حكمت بِهِ ... جهلا على الْأَخْبَار وَالْقُرْآن وَالله انهم لديكم ... مثل مَعْصُوم وَهَذَا غَايَة الطغيان تَبًّا لكم مَاذَا النَّقْص بعد ذَا ... لَو تعرفُون الْعدْل من نُقْصَان وَالله مَا يرضيه جعلكُمْ لَهُ ... ترسا لشرككم وللعدوان وكذاك جعلكُمْ الْمَشَايِخ جنَّة ... لخلافه وَالْقَصْد ذُو تبيان وَالله يشْهد ذَا بجذر قُلُوبكُمْ ... وكذاك يشهده أولو الْإِيمَان ... قَوْله بجذر قُلُوبكُمْ الخ الجذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة قَالَ فِي مُخْتَار الصَّحِيح جذر كل شَيْء اصله بِفَتْح الْجِيم عَن الْأَصْمَعِي وبكسرها عَن أبي عَمْرو وَفِي الحَدِيث إِن الْأَمَانَة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 .. وَالله مَا عظمتموه طَاعَة ومحبة يَا فرقة الْعِصْيَان أَنى وجهلكم بِهِ وبدينه ... وخلافكم للوحي معلومان أوصاكم أشياخكم بخلافهم ... لوفاته فِي سالف الْأَزْمَان خالفتم قَول الشُّيُوخ وَقَوله ... فغدا لكم خلفان متفقان ... أَي إِنَّكُم معاشر النفاة خالفتم قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخالفتم أَقْوَال الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين رَحِمهم الله تَعَالَى فانهم أوصوكم بِخِلَاف أَقْوَالهم اذا خَالَفت قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم بعض أَقْوَالهم فخالفتم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخالفتم الْأَئِمَّة فِي ترك أَقْوَالهم اذا خَالَفت أَقْوَاله وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فغدا لكم خلفان متفقان وهما خلاف قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخلاف قَول الْأَئِمَّة رَضِي الله عَنْهُم ... وَالله أَمركُم عَجِيب معجب ... ضدان فِيكُم لَيْسَ يتفقان تَقْدِيم آراء الرِّجَال عَلَيْهِ مَعَ ... هَذَا الغلو فَكيف يَجْتَمِعَانِ كَفرْتُمْ من جرد التَّوْحِيد جهلا مِنْكُم بحقائق الْإِيمَان لَكِن تجردتم لنصر الشّرك والبدع المضلة فِي رضى الشَّيْطَان وَالله لم نقصد سوى التَّجْرِيد للتوحيد ذَاك وَصِيَّة الرَّحْمَن ورضى رَسُول الله منا لَا غلو الشّرك أصل عبَادَة الْأَوْثَان وَالله لَو يرضى الرَّسُول دعاءنا ... إِيَّاه بادرنا الى الاذعان وَالله لَو يرضى الرَّسُول سجودنا ... كُنَّا نخر لَهُ على الأذقان وَالله مَا يرضيه منا غير اخلاص وتحكيم لذا الْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 .. وَلَقَد نهى ذَا الْخلق عَن إطرائه ... فعل النَّصَارَى عابدي الصلبان وَلَقَد نَهَانَا أَن نصير قَبره ... عيدا حذار الشّرك بالرحمن ودعا بِأَن لَا يَجْعَل الْقَبْر الَّذِي ... قد ضمه وثنا من الْأَوْثَان فَأجَاب رب الْعَالمين دعاءه ... وأحاطه بِثَلَاثَة الجدران حَتَّى اغتدت أرجاؤه بدعائه ... فِي عزة وحماية وصيان ... قَوْله وَلَقَد نهى ذَا الْخلق عَن إطرائه الخ يُشِير الى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى ابْن مَرْيَم إِنَّمَا أَنا عبد فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله مُتَّفق عَلَيْهِ قَوْله وَلَقَد نَهَانَا أَن نصير قَبره عيدا الخ يُشِير الى حَدِيث ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبورا وَلَا تجْعَلُوا قَبْرِي عيدا وصلوا عَليّ فان صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُ كُنْتُم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد حسن وَرُوَاته ثِقَات وَعَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ أَنه رأى رجلا يَجِيء الى فُرْجَة كَانَت عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيدْخل فِيهَا فيدعو فَنَهَاهُ وَقَالَ أَلا أحدثكُم حَدِيثا سمعته من ابي عَن جدي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وَلَا بُيُوتكُمْ قبورا فان تسليمكم يبلغنِي أَيْن كُنْتُم رَوَاهُ فِي المختارة وَرَوَاهُ ابو يعلى وَالْقَاضِي اسماعيل وَقَالَ سعيد ابْن مَنْصُور فِي سنَنه حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد أَخْبرنِي سُهَيْل ابْن أبي صَالح قَالَ رَآنِي الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنْهُم عِنْد الْقَبْر فناداني وَهُوَ فِي بَيت فَاطِمَة يتعشى فَقَالَ هَلُمَّ الى الْعشَاء فَقلت لَا أريده فَقَالَ مَا لي رَأَيْتُك عِنْد الْقَبْر فَقلت سلمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اذا دخلت الْمَسْجِد فَسلم ثمَّ قَالَ إِن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر وصلوا عَليّ فان صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد مَا انتم وَمن بالأندلس الا سَوَاء وَقَالَ سعيد ايضا حَدثنَا حبَان بن عَليّ ثَنَا مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي سعيد مولى الْمهرِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وَلَا بُيُوتكُمْ قبورا وصلوا عَليّ فان صَلَاتكُمْ تبلغني قَالَ شيخ الاسلام فهذان المرسلان من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْمُخْتَلِفين يدلان على ثُبُوت الحَدِيث لَا سِيمَا وَقد احْتج بِهِ من أرْسلهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوته عِنْده هَذَا لَو لم يرو من وُجُوه مُسندَة غير هذَيْن فَكيف وَقد تقدم مُسْندًا وَقَالَ أَيْضا فَانْظُر الى هَذِه السّنة كَيفَ مخرجها من اهل الْمَدِينَة وَأهل الْبَيْت الَّذين لَهُم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرب النّسَب وَقرب الدَّار لأَنهم الى ذَلِك أحْوج من غَيرهم فَكَانُوا لَهُ اضبط انْتهى قَوْله ودعا بِأَن لَا يَجْعَل الْقَبْر الَّذِي قد ضمه الخ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَلِهَذَا بَالغ الْمُسلمُونَ فِي سد الذريعة فِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعلوا حيطان تربته وسدوا المداخل اليها وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ خَافُوا أَن يتَّخذ مَوضِع قَبره قبْلَة إِذْ كَانَ مُسْتَقْبل الْمُصَلِّين فتصور الصَّلَاة اليه بِصُورَة الْعِبَادَة فبنوا جدارين من ركني الْقَبْر الشماليين وحرفوهما حَتَّى التقيا على زَاوِيَة مُثَلّثَة من نَاحيَة الشمَال حَتَّى لَا يتَمَكَّن أحد من اسْتِقْبَال قَبره انْتهى وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم حَتَّى اغتدت أرجاؤه بدعائه الخ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وَلَقَد غَدا عِنْد الْوَفَاة مُصَرحًا ... باللعن يصْرخ فيهم بِأَذَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 .. وعنى الألى جعلُوا الْقُبُور مساجدا ... وهم الْيَهُود وعابدو الصلبان وَالله لَوْلَا ذَاك أبرز قَبره ... لكِنهمْ حجبوه بالحيطان قصدُوا الى تسنيم حجرته ليمتنع السُّجُود لَهُ على الاذقان قصدُوا مُوَافقَة الرَّسُول وقصده التَّجْرِيد للتوحيد للرحمن ... قَوْله وَلَقَد غَدا عِنْد الْوَفَاة الخ يُشِير الى حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما نزل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طفق طفق خميصة لَهُ على وَجهه فاذا اغتم بهَا كشفها فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذر مَا صَنَعُوا وَلَوْلَا ذَلِك أبرز قَبره غير أَنه خشِي أَن يتَّخذ مَسْجِدا أَخْرجَاهُ قَوْلهَا غير أَنه خشِي أَن يتَّخذ مَسْجِدا رُوِيَ بِفَتْح الْخَاء وَضمّهَا فعلى الْفَتْح هُوَ الَّذِي خشِي ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمرهمْ أَن يدفنوه فِي الْمَكَان الَّذِي قبض فِيهِ وعَلى رِوَايَة الضَّم يحْتَمل ان يكون الصَّحَابَة هم الَّذين خَافُوا أَن يَقع ذَلِك من بعض الامة فَلم يبرزوا قَبره خشيَة ان يَقع ذَلِك من بعض الْأمة غلوا وتعظيما بِمَا أبدى وَأعَاد من النَّهْي عَنهُ والتحذير مِنْهُ وَلعن فَاعله قَوْله قصدُوا الى تسنيم حجرته الخ تقدم كَلَام الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَلَعَلَّ النَّاظِم أَخذ هَذَا الْمَعْنى من كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... يَا فرقة جهلت نُصُوص نَبِيّهم ... وقصوده وَحَقِيقَة الْإِيمَان فسطوا على أَتْبَاعه وَجُنُوده ... بالبغي والعدوان والبهتان لَا تعجلوا وتبينوا وتثبتوا ... فمصابكم مَا فِيهِ من جبران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 .. قُلْنَا الَّذِي قَالَ الْأَئِمَّة قبلنَا ... وَبِه النُّصُوص أَتَت على التِّبْيَان الْقَصْد حج الْبَيْت وَهُوَ فَرِيضَة الرَّحْمَن وَاجِبَة على الْأَعْيَان ورحالنا شدت اليه من بقا ... ع الأَرْض قاصيها كَذَاك الداني من لم يزر بَيت الْإِلَه فَمَاله ... من حجه سهم وَلَا سَهْمَان وَكَذَا نَشد رحالنا لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ خير مَسَاجِد الْبلدَانِ من بعد مَكَّة أَو على الاطلاق فِيهِ الْخلف عِنْد النَّاس مُنْذُ زمَان ونراه عِنْد النّذر فرضا لَكِن النُّعْمَان يَأْبَى ذَا وللنعمان أصل هُوَ النَّافِي الْوُجُوب فَإِنَّهُ ... مَا جنسه فرض على الْإِنْسَان وَلنَا براهين تدل بِأَنَّهُ ... بِالنذرِ مفترض على الانسان أَمر الرَّسُول لكل ناذر طَاعَة ... بوفائه بِالنذرِ بالاحسان وصلاتنا فِيهِ بِأَلف فِي سوا ... هـ مَا خلا ذَا الْحجر والأركان وَكَذَا صَلَاة فِي قبا فكعمرة ... فِي أجرهَا وَالْفضل للمنان فاذا اتينا الْمَسْجِد النَّبَوِيّ صلينَا التَّحِيَّة أَولا ثِنْتَانِ بِتمَام أَرْكَان لَهَا وخشوعها ... وَحُضُور قلب فعل ذِي الاحسان ثمَّ أنثنينا للزيارة نقصد الْقَبْر الشريف وَلَو على الأجفان فنقوم دون الْقَبْر وَقْفَة خاضع ... متذلل فِي السِّرّ والاعلان فَكَأَنَّهُ فِي الْقَبْر حَيّ نَاطِق ... فالواقفون نواكس الاذقان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 .. ملكتهم تِلْكَ المهابة فاعترت ... تِلْكَ القوائم كَثْرَة الرجفان وتفجرت تِلْكَ الْعُيُون بِمَائِهَا ... ولطالما غاضت على الْأَزْمَان وأتى الْمُسلم بِالسَّلَامِ بهيبة ... ووقار ذِي علم وَذي إِيمَان لم يرفع الْأَصْوَات حول ضريحه ... كلا وَلم يسْجد على الأذقان كلا وَلم ير طَائِفًا بالقبر اسبوعا كَأَن الْقَبْر بَيت ثَان ثمَّ انثنى بدعائه مُتَوَجها ... لله نَحْو الْبَيْت ذِي الْأَركان هذي زِيَارَة من غَدا متمسكا ... بشريعة الاسلام وَالْإِيمَان من افضل الْأَعْمَال هاتيك الزيا ... رة وَهِي يَوْم الْحَشْر فِي الْمِيزَان لَا تلبسوا الْحق الَّذِي جَاءَت بِهِ ... سنَن الرَّسُول بأعظم الْبطلَان هذي زيارتنا وَلم ننكر سوى الْبدع المضلة يَا أولي الْعدوان وَحَدِيث شدّ الرحل نَص ثَابت ... يجب الْمصير اليه بالبرهان ... مُرَاد النَّاظِم رَحمَه الله انا قُلْنَا بِمَا قَالَت بِهِ الْأَئِمَّة قبلنَا ودلت عَلَيْهِ النُّصُوص فَذكر ان حج الْبَيْت فَرِيضَة وَهَذَا مَعْلُوم بالاضطرار من دين الاسلام قَوْله ورحالنا شدت اليه الخ يُشِير الى الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تشد الرّحال الا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الحَدِيث وَكَذَا نَشد رحالنا لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ الخ أَقُول قَوْله هَذِه مَسْأَلَة الزِّيَارَة وَهِي الَّتِي أفتى فِيهَا شيخ الاسلام وَحبس بِسَبَبِهَا حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس ولنذكر جَوَابه فِي الْمَسْأَلَة وَذَلِكَ أَنه سُئِلَ عَن رجل نوى زِيَارَة قبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام مثل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 فَهَل يجوز لَهُ فِي سَفَره أَن يقصر الصَّلَاة وَهل هِيَ زِيَارَة شَرْعِيَّة أم لَا وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ من حج فَلم يزرني فقد جفاني وَمن زارني بعد مماتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي وَقد رُوِيَ عَنهُ انه قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي هَذَا أجَاب الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله رب الْعَالمين أما من سَافر لمُجَرّد زِيَارَة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ فَهَل يجوز لَهُ الْقصر على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا وَهُوَ قَول مُتَقَدِّمي الْعلمَاء الَّذين لَا يجوزون الْقصر فِي سفر الْمعْصِيَة كَأبي عبد الله ابْن بطة وَأبي الْوَفَاء ابْن عقيل وَطَوَائِف كَثِيرَة من الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين أَنه لَا يجوز الْقصر فِي هَذَا السّفر لِأَنَّهُ سفر مَنْهِيّ عَنهُ وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله أَن السّفر الْمنْهِي عَنهُ فِي الشَّرِيعَة لَا يقصر فِيهِ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقصر وَهَذَا يَقُوله من يجوز الْقصر فِي السّفر الْمحرم كَأبي حنيفَة ويقوله بعض الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد مِمَّن يجوز السّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ كَأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي الْحسن ابْن عَبدُوس الْحَرَّانِي وَأبي مُحَمَّد ابْن قدامَة الْمَقْدِسِي وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ إِن هَذَا السّفر لَيْسَ بِمحرم لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوروا الْقُبُور وَقد يحْتَج بعض من لَا يعرف الحَدِيث بالاحاديث المروية فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَقَوْلِه من زارني بعد مماتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن ماجة وَأما مَا يذكرهُ بعض النَّاس من قَوْله من قَوْله من حج فَلم يزرني فقد جفاني فَهَذَا لم يروه اُحْدُ من الْعلمَاء وَهُوَ مثل قَوْله من زارني وزار أبي فِي عَام وَاحِد ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة فان هَذَا أَيْضا بَاطِل بِاتِّفَاق الْعلمَاء لم يروه أحد وَلم يحْتَج بِهِ أحد وانما يحْتَج بَعضهم بِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَنَحْوه وَقد احْتج أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي على جَوَاز السّفر لزيارة الْقُبُور بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يزور مَسْجِد قبَاء وَأجَاب عَن حَدِيث لَا تشد الرّحال بِأَن ذَلِك مَحْمُول على نفي الِاسْتِحْبَاب وَأما الْأَولونَ فانهم يحتجون بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تشد الرّحال الا الى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الاقصى ومسجدي هَذَا وَهَذَا الحَدِيث اتّفق الْعلمَاء على صِحَّته وَالْعَمَل بِهِ فَلَو نذر الرجل أَن يُصَلِّي فِي مَسْجِد أَو مشْهد أَو يعْتَكف فِيهِ أَو يُسَافر اليه غير هَذِه الثَّلَاثَة لم يجب عَلَيْهِ ذَلِك بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة وَلَو نذر أَن يَأْتِي الْمَسْجِد الْحَرَام لحج أَو عمْرَة وَجب عَلَيْهِ ذَلِك بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَلَو نذر أَن يَأْتِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو الْمَسْجِد الاقصى لصَلَاة اَوْ اعْتِكَاف وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهَذَا النّذر عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد وَلم يجب عَلَيْهِ عِنْد ابي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يجب عِنْده بِالنذرِ إِلَّا مَا كَانَ جنسه وَاجِبا بِالشَّرْعِ أما الْجُمْهُور فانهم يوجبون الْوَفَاء بِكُل طَاعَة كَمَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأما السّفر الى بقْعَة غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فمل يُوجب أحد من الْعلمَاء السّفر اليها إِذا نَذره حَتَّى نَص بعض الْعلمَاء على أَنه لَا يُسَافر الى مَسْجِد قبَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ من الثَّلَاثَة مَعَ أَن مَسْجِد قبَاء تسْتَحب زيارته لمن كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَن ذَلِك لَيْسَ بشد رَحل كَمَا فِي الصَّحِيح من تطهر فِي بَيته ثمَّ أَتَى مَسْجِد قبَاء لَا يُرِيد الا الصَّلَاة فِيهِ كَانَ كعمرة قَالُوا ولان السّفر لزيارة قُبُور الانبياء وَالصَّالِحِينَ بِدعَة لم يَفْعَلهَا اُحْدُ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا استحبها اُحْدُ من ائمة الْمُسلمين فَمن اعْتقد ذَلِك عبَادَة وفعلها فَهَذَا مُخَالف للسّنة واجماع الْأمة وَهَذَا مِمَّا ذكره أَبُو عبد الله ابْن بطة فِي الابانة الصُّغْرَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 من الْبدع الْمُخَالفَة للسّنة والاجماع وَبِهَذَا يظْهر ضعف حجَّة ابي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فان زِيَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَسْجِد قبَاء لم تكن بشد رَحل وَهُوَ يسلم لَهُم ان السّفر اليه لَا يجب بِالنذرِ وَقَوله إِن قَوْله لَا تشد الرّحال مَحْمُول على نفي الِاسْتِحْبَاب يُجَاب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا تَسْلِيم مِنْهُ ان هَذَا السّفر لَيْسَ بِعَمَل صَالح وَلَا قربَة وَطَاعَة فقد خَالف الاجماع واذا سَافر لاعتقاد أَنَّهَا طَاعَة فَذَلِك محرم باجماع الْمُسلمين فَصَارَ التَّحْرِيم من جِهَة اتِّخَاذه قربَة وَمَعْلُوم ان احدا لَا يُسَافر اليها الا لذَلِك وَأما اذا قدر أَن شدّ الرحل اليها لغَرَض مُبَاح فَهَذَا جَائِز وَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب الْوَجْه الثَّانِي أَن الحَدِيث يَقْتَضِي النَّهْي وَالنَّهْي يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَمَا ذَكرُوهُ من الْأَحَادِيث فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكلهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ بل هِيَ مَوْضُوعَة لم يرو أحد من أهل السّنَن الْمُعْتَمدَة شَيْئا مِنْهَا وَلم يحْتَج اُحْدُ من الائمة مِنْهَا بِشَيْء بل مَالك إِمَام أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الَّذين هم أعلم النَّاس بِحكم هَذِه الْمَسْأَلَة كره أَن يَقُول الرجل زرت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ مَعْرُوفا عِنْدهم مَشْرُوعا أَو مأثورا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكرههُ عَالم الْمَدِينَة وَالْإِمَام احْمَد رَضِي الله عَنهُ أعلم النَّاس فِي زَمَانه بِالسنةِ لما سُئِلَ عَن ذَلِك لم يكن عِنْده مَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِلَّا حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا من رجل يسلم عَليّ إِلَّا رد الله عَليّ روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام وعَلى هَذَا اعْتمد أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَكَذَلِكَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ روى عَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا دخل الْمَسْجِد قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر السَّلَام عَلَيْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 يَا أَبَت ثمَّ ينْصَرف وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وصلوا عَليّ أَيْنَمَا كُنْتُم فان صَلَاتكُمْ تبلغني وَفِي سنَن سعيد بن مَنْصُور عَن حسن بن حسن بن عَليّ ابْن أبي طَالب أَنه رأى رجلا يخْتَلف الى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو عِنْده فَقَالَ يَا هَذَا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيدا وصلوا عَليّ أَيْنَمَا كُنْتُم فان صَلَاتكُمْ تبلغني فَمَا أَنْت وَرجل بالأندلس مِنْهُ الا سَوَاء وَكَانَ الصَّحَابَة والتابعون لما كَانَت الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد الى زمن الْوَلِيد ابْن عبد الْملك لَا يدْخل عِنْده اُحْدُ لَا لصَلَاة هُنَاكَ وَلَا لمسح قبر وَلَا لدعاء بل هَذَا انما كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمَسْجِد وَكَانَ السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِذا سلمُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا الدُّعَاء دعوا مستقبلي الْقبْلَة وَلم يستقبلوا الْقَبْر وَأما الْوُقُوف للسلام عَلَيْهِ صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْتَقْبل الْقبْلَة ايضا وَلَا يسْتَقْبل الْقَبْر وَقَالَ أَكثر الْأَئِمَّة يسْتَقْبل الْقَبْر عِنْد السَّلَام خَاصَّة وَلَا يسْتَقْبل الْقَبْر عِنْد الدُّعَاء وَلَيْسَ فِي ذَلِك إِلَّا حِكَايَة مكذوبة تروى عَن مَالك ومذهبه بِخِلَافِهَا وَلم يقل أحد من الْأَئِمَّة أَنه يسْتَقْبل الْقَبْر عِنْد الدُّعَاء وَاتفقَ الائمة على أَنه لَا يتمسح بِقَبْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يقبله وَهَذَا كُله مُحَافظَة على التَّوْحِيد فان من أصُول الشّرك بِاللَّه سُبْحَانَهُ اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد كَمَا قَالَت طَائِفَة من السّلف فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق ونسرا} نوح وَقَالُوا هَؤُلَاءِ كَانُوا قوما صالحين فِي قوم نوح فَلَمَّا مَاتُوا عكفوا على قُبُورهم ثمَّ صوروا على صورهم تماثيل ثمَّ طَال عَلَيْهِم الأمد فعبدوها وَقد ذكر هَذَا الْمَعْنى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن ابْن عَبَّاس وَذكره مُحَمَّد ابْن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي التَّفْسِير عَن غير وَاحِد من السّلف وَذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وثيمة وَغَيره فِي قصَص الانبياء من عدَّة طرق وَقد بسطت الْكَلَام على أصُول هَذِه الْمسَائِل فِي غير الْموضع وَأول من وضع الْأَحَادِيث فِي السّفر لزيارة الْمشَاهد أهل الْبدع الرافضة وَنَحْوهم الَّذين يعطلون الْمَسَاجِد ويعظمون الْمشَاهد يدعونَ بيُوت الله الَّتِي أَمر الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه ويعبد فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ ويعظمون الْمشَاهد الَّتِي يُشْرك فِيهَا ويبتدع فِيهَا دين لم ينزل الله بِهِ سُلْطَانا فان الْكتاب وَالسّنة إِنَّمَا فيهمَا ذكر الْمَسَاجِد لَا الْمشَاهد كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد} الْأَعْرَاف وَغير ذَلِك من الْآيَات وَالله تَعَالَى أعلم انْتهى وَاعْلَم ان من أَدِلَّة المجوزين لشد الرحل الى مَا ذكره التقي السُّبْكِيّ فِي كِتَابه شِفَاء السقام من الْأَحَادِيث المروية فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي رِوَايَة حلت لَهُ شَفَاعَتِي وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جَاءَنِي زَائِرًا لَا يعمله حَاجَة الا زيارتي كَانَ حَقًا عَليّ ان أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج الى مَكَّة ثمَّ قصدني فِي مَسْجِدي كتب لَهُ حجتان مبرورتان رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج فزار قَبْرِي بعد وفاتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ والْحَدِيث الَّذِي رُوِيَ من حج الْبَيْت وَلم يزرني فقد جفاني رَوَاهُ ابْن عمر وَأَطْنَبَ السُّبْكِيّ فِي الْأَدِلَّة وَقد أجَاب المانعون عَن جَمِيع ذَلِك كَمَا قَالَ الامام الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن احْمَد بن عبد الْهَادِي فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الصارم المنكي فِي الرَّد على السُّبْكِيّ مَا نَصه أما بعد فَانِي وقفت على الْكتاب الَّذِي أَلفه بعض قَضَاهُ الشَّافِعِيَّة فِي الرَّد على شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين احْمَد بن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال واعمال الْمطِي الى الْقُبُور وَذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 أَنه سَمَّاهُ شن الْغَارة على من أنكر سفر الزِّيَارَة ثمَّ زعم أَنه اخْتَار ان يُسَمِّيه شِفَاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام فَوَجَدته كتابا مُشْتَمِلًا على تَصْحِيح الاحاديث الضعيفة والموضوعة وتقوية الْآثَار الْوَاهِيَة والمكذوبة وعَلى تَضْعِيف الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة والْآثَار القوية المقبولة أَو تحريفها عَن موَاضعهَا وصرفها عَن ظواهرها بالتأويلات المستنكرة الْمَرْدُودَة وَرَأَيْت مؤلف هَذَا الْكتاب رجلا مماريا معجبا بِرَأْيهِ مُتبعا لهواه ذَاهِبًا فِي كثير مِمَّا يَعْتَقِدهُ الى الْأَقْوَال الشاذة والآراء الساقطة صائرا فِي أَشْيَاء مِمَّا يعتمده الى الشّبَه المخيلة والحجج الداحضة وَرُبمَا خرق الاجماع فِي مَوَاضِع لم يسْبق اليها وَلم يُوَافقهُ اُحْدُ من الْأَئِمَّة عَلَيْهَا وَهُوَ فِي الْجُمْلَة لون عَجِيب ونبأ غَرِيب تَارَة يسْلك فِيمَا ينصره ويقويه مَسْلَك الْمُجْتَهدين فَيكون مخطئا فِي ذَلِك الِاجْتِهَاد وَمرَّة يزْعم فِيمَا يَقُوله ويدعيه أَنه من جملَة المقلدين فَيكون من قَلّدهُ مخطئا فِي ذَلِك الِاعْتِقَاد ونسأل الله سُبْحَانَهُ أَن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الْهِدَايَة والسداد هَذَا مَعَ أَنه إِن ذكر حَدِيثا مَرْفُوعا أَو أثرا مَوْقُوفا وَهُوَ غير ثَابت قبله اذا كَانَ مُوَافقا لهواه وان كَانَ ثَابتا رده إِمَّا بِتَأْوِيل أَو غَيره اذا كَانَ مُخَالفا لهواه وَإِن نقل عَن بعض الْأَئِمَّة الْأَعْلَام كمالك أَو غَيره مَا يُوَافق رَأْيه قبله وان كَانَ مطعونا فِيهِ غير صَحِيح عَنهُ وَإِن كَانَ مِمَّا يُخَالف رَأْيه رده وَلم يقبله وَإِن كَانَ صَحِيحا ثَابتا عَنهُ وان حكى شَيْئا مِمَّا يتَعَلَّق بالْكلَام على الحَدِيث وأحوال الروَاة عَن اُحْدُ من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل كالامام احْمَد بن حَنْبَل وابي حَاتِم الرَّازِيّ وَأبي حَاتِم ابْن حبَان البستي وَأبي جَعْفَر الْعقيلِيّ وابي احْمَد ابْن عدي وابي عبد الله الْحَاكِم صَاحب الْمُسْتَدْرك وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 الْحفاظ وَكَانَ مُخَالفا لما ذهب اليه لم يقبل قَوْله ورده عَلَيْهِ وناقشه فِيهِ وان كَانَ ذَلِك الامام قد أصَاب فِي ذَلِك القَوْل وَوَافَقَهُ غَيره من الْأَئِمَّة عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مُوَافقا لما صَار اليه تَلقاهُ بِالْقبُولِ وَاحْتج بِهِ وَاعْتمد عَلَيْهِ وان كَانَ ذَلِك الامام قد خُولِفَ فِي ذَلِك القَوْل وَلم يُتَابِعه غَيره من الْأَئِمَّة عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ عين الْجور وَالظُّلم وَعدم الْقيام بِالْقِسْطِ نسْأَل الله تَعَالَى التَّوْفِيق ونعوذ بِهِ من الخذلان وَاتِّبَاع الْهوى هَذَا مَعَ أَنه حمله إعجابه بِرَأْيهِ وَغَلَبَة اتِّبَاع هَوَاهُ على أَن نسب سوء الْفَهم والغلط فِي النَّقْل الى جمَاعَة من الْعلمَاء الْأَعْلَام الْمُعْتَمد عَلَيْهِم فِي حِكَايَة مَذَاهِب الْفُقَهَاء وَاخْتِلَافهمْ وَتَحْقِيق معرفَة الْأَحْكَام حَتَّى زعم أَن مَا نَقله الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من النَّهْي عَن شدّ الرّحال وإعمال الْمطِي الى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة كالذهاب الى قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ والى الْمَوَاضِع الفاضلة وَنَحْو ذَلِك هُوَ مِمَّا غلط فِيهِ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد اَوْ ان ذَلِك مِمَّا وَقع مِنْهُ على سَبِيل السَّهْو والغفلة قَالَ وَلَو قَالَه هُوَ يَعْنِي الشَّيْخ ابا مُحَمَّد أَو غَيره مِمَّن يقبل كَلَامه الْغَلَط لحكمنا بغلطه وَأَنه لم يفهم مَقْصُود الحَدِيث فَانْظُر الى كَلَام هَذَا الْمُعْتَرض المتضمن لرد النَّقْل الصَّحِيح بِالرَّأْيِ الْفَاسِد واجمع بَينه وَبَين مَا حَكَاهُ عَن شيخ الاسلام من الافتراء الْعَظِيم والافك الْمُبين وَالْكذب الصراح وَهُوَ مَا نَقله عَنهُ من أَنه جعل زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقبور سَائِر الانبياء عَلَيْهِم السَّلَام مَعْصِيّة بالاجماع مَقْطُوعًا بهَا هَكَذَا ذكر هَذَا الْمُعْتَرض عَن بعض قُضَاة الشَّافِعِيَّة عَن الشَّيْخ أَنه قَالَ هَذَا القَوْل الَّذِي لَا يشك عَاقل من أَصْحَابه وَغير أَصْحَابه أَنه كذب مفترى لم يقلهُ قطّ وَلَا يُوجد فِي شَيْء من كتبه ولأول كَلَامه عَلَيْهِ بل كتبه كلهَا ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 تشهد بِبُطْلَان هَذَا النَّقْل عَنهُ وَمن لَهُ أدنى علم وبصيرة يقطع بِأَن هَذَا مفتعل مختلق على الشَّيْخ وَأَنه لم يقلهُ قطّ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين} الحجرات وَهَذَا الْمُعْتَرض يعلم أَن مَا نَقله عَن القَاضِي الْمَشْهُور بِمَا لَا أحب حكايته عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام عَن شيخ الاسلام من هَذَا الْكَلَام كذب مفترى لَا يرتاب فِي ذَلِك وَلَكِن يطفف ويداهن وَيَقُول بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قلبه وَلَقَد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه ألف هَذَا الْكتاب لما كَانَ بِمصْر قبل أَن يَلِي الْقَضَاء بِالشَّام بِمدَّة كَثِيرَة ليتقرب بِهِ الى القَاضِي الَّذِي حكى عَنهُ هَذَا الْكَذِب ويحظى لَدَيْهِ فخاب امله وَلم يتَّفق عِنْده وَقد كَانَ هَذَا القَاضِي الَّذِي جمع الْمُعْتَرض كِتَابه لأَجله من أَعدَاء الشَّيْخ الْمَشْهُورين وَقد زعم هَذَا الْمُعْتَرض أَيْضا مَعَ هَذَا الْأَمر الفظيع الَّذِي ارْتَكَبهُ من التَّكْذِيب بِالصّدقِ والتصديق بِالْكَذِبِ أَن الفتاوي الْمَشْهُورَة الَّتِي أجَاب بهَا عُلَمَاء اهل بَغْدَاد مُوَافقَة للشَّيْخ مختلقة مَوْضُوعَة وَضعهَا بعض الشَّيَاطِين هَكَذَا زعم مَعَ علم الْعَام وَالْخَاص بِأَن هَذِه الفتاوي مِمَّا شاع خَبَرهَا وذاع واشتهر امرها وانتشر وَهِي صَحِيحَة ثَابِتَة متواترة عَمَّن افتى بهَا من الْعلمَاء وَقد رَأَيْت أَنا وغيري خطوطهم بهَا الى ان قَالَ وليعلم قبل الشُّرُوع فِي الْكَلَام مَعَ هَذَا الْمُعْتَرض أَن شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى لم يحرم زِيَارَة الْقُبُور على الْوَجْه الْمَشْرُوع فِي شئ من كتبه وَلم ينْه عَنْهَا وَلم يكرهها بل استحبها وحض عَلَيْهَا ومصنفاته ومناسكه طافحة بِذكر اسْتِحْبَاب زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْقُبُور قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي بعض مَنَاسِكه بَاب زِيَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أشرف على مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْحَج أَو بعده فَلْيقل مَا تقدم فاذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 دخل اسْتحبَّ لَهُ ان يغْتَسل نَص عَلَيْهِ الامام احْمَد فاذا دخل الْمَسْجِد بَدَأَ بِرجلِهِ الْيُمْنَى وَقَالَ بِسم الله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك ثمَّ يَأْتِي الرَّوْضَة بَين الْقَبْر والمنبر فَيصَلي بهَا وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ ثمَّ يَأْتِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيستقبل جِدَار الْقَبْر وَلَا يمسهُ وَلَا يقبله وَيجْعَل الْقنْدِيل الَّذِي فِي الْقبْلَة عِنْد الْقَبْر على رَأسه ليَكُون قَائِما وجاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيقف متباعدا كَمَا يقف لَو ظهر فِي حَيَاته بخشوع وَسُكُون منكسر الرَّأْس غاض الطّرف مستحضرا بِقَلْبِه جلالة موقفه ثمَّ يَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله وَخيرته من خلقه السَّلَام عَلَيْك يَا سيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين وقائد الغر المحجلين أشهد ان لَا أَله أَلا الله وَأشْهد انك رَسُول الله أشهد أَنَّك قد بلغت رسالات رَبك وَنَصَحْت لأمتك ودعوت الى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وعبدت الله حَتَّى أَتَاك الْيَقِين فجزاك الله أفضل مَا جزى نَبيا ورسولا عَن أمته اللَّهُمَّ آته الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته يغبطه بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على ابراهيم وَآل ابراهيم انك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على ابراهيم وَآل ابراهيم انك حميد مجيد اللَّهُمَّ احشرنا فِي زمرته وتوفنا على سنته وأوردنا حَوْضه واسقنا بكأسه مشربا رويا لانظمأ بعده أبدا ثمَّ يَأْتِي أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر الصّديق السَّلَام عَلَيْك يَا عمر الْفَارُوق السَّلَام عَلَيْكُمَا يَا صَاحِبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضجيعيه وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته جزاكما الله تَعَالَى عَن صَحبه نبيكما وَعَن الاسلام خيرا سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 قَالَ ويزور قُبُور اهل البقيع وقبور الشُّهَدَاء إِن أمكن هَذَا كَلَام الشَّيْخ بِحُرُوفِهِ وَكَذَلِكَ سَائِر كتبه ذكر فِيهَا اسْتِحْبَاب زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْقُبُور وَلم يُنكر زيارتها فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع وَلَا ذكر فِي ذَلِك خلافًا الا نقلا غَرِيبا ذكره فِي بعض كتبه عَن بعض التَّابِعين وانما تكلم فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال وأعمال الْمطِي الى مُجَرّد زِيَارَة الْقُبُور وَذكر فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين أَحدهمَا القَوْل بِإِبَاحَة ذَلِك كَمَا يَقُوله بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَاحْمَدْ وَالثَّانِي أَنه مَنْهِيّ عَنهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ إِمَام دَار الْهِجْرَة مَالك بن أنس وَلم ينْقل عَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة خِلَافه وَإِلَيْهِ ذهب جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَاحْمَدْ هَكَذَا ذكر الشَّيْخ الْخلاف فِي شدّ الرّحال واعمال الْمطِي الى الْقُبُور وَلم يذكرهُ فِي الزِّيَارَة الخالية عَن شدّ رَحل واعمال مطي وَالسّفر الى زِيَارَة الْقُبُور مَسْأَلَة وزيارتها من غير سفر مَسْأَلَة أُخْرَى وَمن خلط هَذِه الْمَسْأَلَة بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وجعلهما مَسْأَلَة وَاحِدَة وَحكم عَلَيْهِمَا بِحكم وَاحِد وَأخذ فِي التشنيع على من فرق بَينهمَا وَبَالغ فِي التنفير عَنهُ فقد حرم التَّوْفِيق وحاد عَن سَوَاء الطَّرِيق وَاحْتج الشَّيْخ لمن قَالَ بِمَنْع شدّ الرحل بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور الْمُتَّفق على صِحَّته من حَدِيث ابي هُرَيْرَة وابي سعيد الْخُدْرِيّ بِحَدِيث لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى هَذَا هُوَ الَّذِي نَقله الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى حكى الْخلاف فِي مَسْأَلَة بَين الْعلمَاء وَاحْتج لأحد الْقَوْلَيْنِ بِحَدِيث مُتَّفق على صِحَّته فَأَي عتب عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَكِن نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من الْحَسَد وَالْبَغي وَاتِّبَاع الْهوى وَالله سُبْحَانَهُ المسؤول ان يوفقنا واخواننا الْمُسلمين لما يُحِبهُ ويرضاه من الْعَمَل الصَّالح وَالْقَوْل الْجَمِيل فانه يَقُول الْحق وَيهْدِي السَّبِيل انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ لما تضمنته هَذِه الأبيات الَّتِي تقدّمت وَالله أعلم قَوْله من بعد مَكَّة أَو على الاطلاق الخ هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف مَشْهُور بَين الْعلمَاء فَذهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى أَن مَكَّة أفضل وَذهب مَالك الى ان الْمَدِينَة أفضل وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وَاحْتج من فضل مَكَّة بِمَا رَوَاهُ عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بالحزورة فِي سوق مَكَّة وَالله انك لخير أَرض الله وَأحب ارْض الله الى الله وَلَوْلَا أَن قومِي أَخْرجُونِي مِنْك مَا خرجت رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن مضاعفة الصَّلَاة فِيهَا أَكثر وَأما الحَدِيث الْمَرْوِيّ اللَّهُمَّ إِنَّهُم أَخْرجُونِي من أحب الْبِقَاع إِلَيّ فأسكني أحب الْبِقَاع اليك فَهُوَ حَدِيث لَا يعرف قَالَ شيخ الاسلام هُوَ حَدِيث مَوْضُوع كذب لم يروه أحد من أهل الْعلم وَاحْتج من فضل الْمَدِينَة بأخبار صَحِيحه تدل على فَضلهَا لَا على فضيلتها على مَكَّة وَالله أعلم وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله ونراه عِنْد النّذر فرضا الخ اعْلَم ان الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيمَن نذر طَاعَة بِشَرْط يرجوه كَأَن شفى الله مريضي فعلي أَن أَتصدق بِكَذَا وَنَحْو ذَلِك فَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَنه يجب الْوَفَاء بِكُل طَاعَة وَحكي عَن ابي حنيفَة أَنه لَا يحب الْوَفَاء الا بِمَا جنسه وَاجِب باصل الشَّرْع كَالصَّوْمِ أما مَا لَيْسَ كَذَلِك كالاعتكاف فَلَا يُوجب الْوَفَاء بِهِ وَحجَّة الْجُمْهُور قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 فصل فِي تعْيين ان اتِّبَاع السّنة وَالْقُرْآن طَرِيق للنجاة من النيرَان ... با من يُرِيد نجاته يَوْم الحسا ... ب من الْجَحِيم وموقد النيرَان ... اتبع رَسُول الله فِي الْأَقْوَال وَال أَعمال لَا تخرج عَن الْقُرْآن وخذا الصَّحِيحَيْنِ اللَّذين هما لعقد الدّين وَالْإِيمَان واسطتان واقرأهما بعد التجرد من هوى ... وتعصب وحمية الشَّيْطَان ... واجعلهما حكما وَلَا تحكم على ... مَا فِيهَا أصلا بقول فلَان وَاجعَل مقَالَته كبعض مقَالَة ال أَشْيَاخ تنصرها بِكُل أَوَان ... وانصر مقَالَته كنصرك للَّذي ... قلدته من غير مَا برهَان قدر رَسُول الله عنْدك وَحده ... وَالْقَوْل مِنْهُ اليك ذُو تبيان ... مَاذَا ترى فرضا عَلَيْك معنيا ... ان كنت ذَا عقل وَذَا إِيمَان عرض الَّذِي قَالُوا على أَقْوَاله ... أَو عكس ذَاك فَذَلِك الامران هِيَ مفرق الطرقات بَين طريقنا ... وَطَرِيق أهل الزيغ والعدوان قدر مقالات الْعباد جَمِيعهم ... عدما وراجع مطلع الْإِيمَان وَاجعَل جلوسك بَين صحب مُحَمَّد وتلق مَعَهم عَنهُ بِالْإِحْسَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 .. وتلق عَنْهُم مَا تلقوهُ هم ... عَنهُ من الْإِيمَان والعرفان ... أفليس فِي هَذَا بَلَاغ مُسَافر ... يَبْغِي الْإِلَه وجنة الْحَيَوَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْوَصِيَّة بِمَا يُنجي يَوْم الْحساب من الْعَذَاب وَالنَّار وَبَين أَن يكون بِاتِّبَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَقْوَال والأعمال كَمَا قَالَ تَعَالَى {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} آل عمرَان ثمَّ حث على لُزُوم الصَّحِيحَيْنِ أَي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم واتخاذهما حكما فَيحكم بهما وَلَا يحكم عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ بعد أَن تتجرد من الْهوى والتعصب وَالْحمية قَالَ وَاجعَل مقَالَته كبعض مقالات الْأَشْيَاخ أَي اجْعَل مقَالَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبعض مقالات الْأَشْيَاخ الَّتِي ينصرها المقلدون بِكُل أَوَان وكنصرك للَّذي قلدته من غير برهَان الَّذِي غَايَة أَقْوَاله أَن تكون سَائِغَة الِاتِّبَاع وَأما أَقْوَال الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ وَاجِبَة الِاتِّبَاع كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} الْآيَة النِّسَاء ثمَّ قَالَ قدر رَسُول الله عنْدك وَأَنت تسمع كَلَامه مِنْهُ بِلَا وَاسِطَة فَهَل ترى فرضا عَلَيْك عرض أَقْوَاله على اقوال من قلدته أَو عكس ذَلِك أَي عرض أَقْوَالهم على أَقْوَاله وَهَذَانِ الامران هما مفرق الطّرق بَين طريقنا وَطَرِيق أهل الزيغ والعدوان قَوْله قدر مقالات الْعباد جَمِيعهم عدما الخ أَي قدر مقالات الْعباد ثمَّ رَاجع مطلع الايمان أَي الْكتاب وَالسّنة وَقدر نَفسك جَالِسا بَين صحب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت تسمع مِنْهُ فاذا كَانَ فرض عَلَيْك اتِّبَاع مَا جَاءَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرض كَلَام النَّاس على كَلَامه لَو كنت حَاضرا بَين يَدَيْهِ فَمَا الَّذِي أسقط هَذَا الْفَرْض عَنْك وَأَنت تسمع كِتَابه الَّذِي جَاءَ بِهِ وسنته الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة غضة طرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لَوْلَا التنافس بَين هَذَا الْخلق مَا ... كَانَ التَّفَرُّق قطّ فِي الحسبان ... فالرب رب وَاحِد وَكتابه ... حق وَفهم الْحق مِنْهُ دَان وَرَسُوله قد أوضح الْحق الْمُبين بغاية الايضاح والتبيان ... مَا ثمَّ أوضح من عِبَارَته فَلَا ... يحْتَاج سامعها الى تبيان ... والنصح مِنْهُ فَوق كل نصيحة ... وَالْعلم مَأْخُوذ عَن الرَّحْمَن فلأي شَيْء يعدل الْبَاغِي الْهدى ... عَن قَوْله لَوْلَا عمى الخذلان فالنقل عَنهُ مُصدق وَالْقَوْل من ... ذِي عصمَة مَا عندنَا قَولَانِ وَالْعَكْس عِنْد سواهُ فِي الْأَمريْنِ يَا ... من يَهْتَدِي هَل يَسْتَوِي النقلان تالله قد لَاحَ الصَّباح لمن لَهُ ... عينان نَحْو الْفجْر ناظرتان وأخو العماية فِي عمايته يقو ... ل اللَّيْل بعد أيستوي الرّجلَانِ تالله قد رفعت لَك الْأَعْلَام ان ... كنت المشمر نلْت دَار أَمَان وَإِذا جنيت وَكنت كسلانا فَمَا ... حرم الْوُصُول اليه غير جبان فاقدم وعد بالوصل نَفسك واهجر الْمَقْطُوع مِنْهُ قَاطع الانسان عَن نيل مقْصده فَذَاك عدوه ... وَلَو أَنه مِنْهُ الْقَرِيب الداني ... ذكر النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات أَنه لَوْلَا التنافس بَين هَذَا الْخلق لم يُوجد التَّفَرُّق وَذَلِكَ أَن الرب سُبْحَانَهُ وَاحِد وَكتابه وَاحِد وفهمه يسير وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أوضح الْحق بغاية الايضاح فَلَا عبارَة اوضح من عِبَارَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وَلَا نصح فَوق نصحه وَعلمه مَأْخُوذ عَن الله تَعَالَى فعدول الْبَاغِي عَن ذَلِك هُوَ عين الخذلان ثمَّ ذكر أَن عكس الْأَمريْنِ عِنْد غَيره وَقد لَاحَ الصَّباح لذِي عينين وأخو العماية فِي عماية جَهله نَعُوذ بِاللَّه من الْعَمى فصل فِي تيسير السّير الى الله على المثبتين الْمُوَحِّدين وامتناعه على المعطلين وَالْمُشْرِكين ... يَا قَاعِدا سَارَتْ بِهِ أنفاسه ... سير الْبَرِيد وَلَيْسَ بالذملان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الذميل كأمير السّير اللين ماكان أَو فَوق الْعُنُق ذمل يذمل ويذمل ذملا وذمولا وذميلا وذملانا وناقة ذمول من ذمل ... حَتَّى مَتى هَذَا الرقاد وَقد سرى ... وَفد الْمحبَّة مَعَ أولي الاحسان ... وحدت بهم عزماتهم نَحْو العلى ... لاحادي الركْبَان والاظعان ... قَوْله وحدت بهم عزماتهم الخ قَالَ فِي الْقَامُوس حدا الْإِبِل حدوا وحداء زجرها وساقها انْتهى ... ركبُوا العزائم وَاعْتَلُّوا بظهورها ... وسروا فَمَا حنوا الى نعْمَان ... سَارُوا رويدا ثمَّ جاؤوا أَولا ... سير الدَّلِيل يؤم بالركبان سَارُوا باثبات الصِّفَات اليه لَا التعطيل والتحريف والنكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 .. عرفوه بالأوصاف فامتلأت قلو ... بهم لَهُ بالحب وَالْإِيمَان ... فَتَطَايَرَتْ تِلْكَ الْقُلُوب اليه بَال أشواق إِذْ ملئت من الْعرْفَان وأشدهم حبا لَهُ أدراهم ... بصفاته وحقائق الْقُرْآن فالحب يتبع للشعور بِحَسبِهِ ... يقوى ويضعف ذَاك ذُو تبيان ولذاك كَانَ العارفون صِفَاته أحبابه هم اهل هَذَا الشان ... ولذاك كَانَ الْعَالمُونَ برَبهمْ ... أحبابه وبشرعة الْإِيمَان ... ولذاك كَانَ الجاهلون بذا وَذَا ... بغضاءه حَقًا وَذَوي شنآن وحياة قلب العَبْد فِي شَيْئَيْنِ من يرزقهما يحيى مدى الْأَزْمَان فِي هَذِه الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى يكو ... ن الْحَيّ ذَا الرضْوَان وَالْإِحْسَان ... ذكر الْإِلَه وحبه من غير اشراك بِهِ وهما فممتنعان من صَاحب التعطيل حَقًا كامتنا ... ع الطَّائِر المقصوص من طيران أيحبه من كَانَ يُنكر وَصفه ... وعلوه وَكَلَامه بقرآن لَا وَالَّذِي حَقًا على الْعَرْش اسْتَوَى متكلما بِالْوَحْي وَالْفرْقَان ... الله أكبر ذَاك فضل الله يؤ ... تيه لمن يرضى بِلَا حسبان ... وَترى المخلف فِي الديار تَقول ذَا ... إِحْدَى الأثافي خص بالحرمان الله أكبر ذَاك عدل الله يَقْضِيه على من شَاءَ من إِنْسَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 .. قَوْله على هَذَا وَهَذَا الْحَمد فِي الأولى وَفِي الْأُخْرَى هما حمدَان ... حمد لذات الرب جلّ جَلَاله ... وكذاك حمد الْعدْل وَالْإِحْسَان يَا من تعز عَلَيْهِم أَرْوَاحهم ... ويرون غبنا بيعهَا بهوان ويرون خسرانا مُبينًا بيعهَا ... فِي إِثْر كل قبيحة ومهان ويرون ميدان التسابق بارز ... فيتاركون تقحم الميدان ويرون انفاس الْعباد عَلَيْهِم ... قد أحصيت بالعد والحسبان ويرون أَن أمامهم يَوْم اللقا ... لله مسئلتان شاملتان مَاذَا عَبدْتُمْ ثمَّ مَاذَا قد أجبتم من أَتَى بِالْحَقِّ والبرهان ... هاتوا جَوَابا للسؤال وهيئوا ... أَيْضا صَوَابا للجواب يداني ... وتيقنوا ان لَيْسَ ينجيكم سوى ... تجريدكم لحقائق الْإِيمَان ... يُشِير إِلَى الحَدِيث وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمتان يسْأَل عَنْهُمَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ مَاذَا كُنْتُم تَعْبدُونَ وماذا أجبتم الْمُرْسلين ... تجريدكم توحيده سُبْحَانَهُ ... عَن شركَة الشَّيْطَان والأوثان وكذاك تَجْرِيد اتِّبَاع رَسُوله ... عَن هَذِه الآراء والهذيان وَالله مَا يُنجي الْفَتى من ربه ... شَيْء سوى هَذَا بِلَا روغان يَا رب جرد عَبدك الْمِسْكِين را ... جي الْفضل مِنْك أَضْعَف العبدان لم تنسه وذكرته فاجعله لَا ... ينساك أَنْت بدأت بِالْإِحْسَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 .. وَبِه ختمت فَكنت أولى بالجميل وبالثناء من الجهول الْجَانِي ... فَالْعَبْد لَيْسَ يضيع بَين فواتح ... وخواتم من فضل ذِي الغفران أَنْت الْعَلِيم بِهِ وَقد أنشأته من تربة هِيَ أَضْعَف الاركان ... كل عَلَيْهَا قد علا وهوت الى ... تَحت الْجَمِيع بذلة وهوان ... وعلت عَلَيْهَا النَّار حَتَّى ظن أَن ... يَعْلُو عَلَيْهَا الْخلق من نيران وأتى الى الْأَبَوَيْنِ ظنا أَنه ... سيصير الْأَبَوَيْنِ تَحت دُخان فسعت الى الْأَبَوَيْنِ رحمتك الَّتِي ... وسعتها فعلا بك الابوان هَذَا وَنحن بنوهما وحلو منا ... فِي جنب حلمهما لَدَى الْمِيزَان جُزْء يسير والعدو فواحد ... لَهما وأعدانا بِلَا حسبان والضعف مستول علينا من جَمِيع جهاتنا سِيمَا من الْإِيمَان ... قَوْله من تربة هِيَ أَضْعَف الْأَركان أَي إِن الانسان مَخْلُوق من تُرَاب قَوْله أَضْعَف الْأَركان أَي الْأَركان الْأَرْبَعَة وَهِي المَاء والهواء وَالنَّار وَالتُّرَاب قَوْله وعلت عَلَيْهَا النَّار الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى عَن ابليس اللعين {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} الْأَعْرَاف قَوْله هَذَا وَنحن بنوهما الخ يَعْنِي ان عقولنا فِي جنب عقلهما جُزْء يسير وعدوهما وَاحِد وأعداؤنا بِلَا حسبان ... يَا رب معذرة اليك فَلم يكن ... قصد الْعباد ركُوب ذَا الْعِصْيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 .. لَكِن نفوس سولته وغرها ... هَذَا الْعَدو لَهَا غرور أَمَان فتيقنت يارب أَنَّك وَاسع الغفران ذُو فضل وَذُو إِحْسَان ومقالنا مَا قَالَه الأبوان قبل مقَالَة العَبْد الظلوم الْجَانِي نَحن الألى ظلمُوا وَإِن لم تغْفر الذَّنب الْعَظِيم فَنحْن ذُو خسران يَا رب فَانْصُرْنَا على الشَّيْطَان لَيْسَ لنا بِهِ لَوْلَا حماك يدان ... فصل فِي ظُهُور الْفرق بَين الطَّائِفَتَيْنِ وَعدم التباسه الا على من لَيْسَ بِذِي عينين ... وَالْفرق بَيْنكُم وَبَين خصومكم ... من كل وَجه ثَابت بِبَيَان مَا أَنْتُم مِنْهُم وَلَا هم مِنْكُم ... شتان بَين السعد والدبران فاذا دَعونَا لِلْقُرْآنِ دعوتم ... للرأي أَيْن الرَّأْي من قُرْآن وَإِذا دَعونَا للْحَدِيث دعوتم ... أَنْتُم الى تَقْلِيد قَول فلَان وَكَذَا تلقينا نُصُوص نَبينَا ... بقبولها بِالْحَقِّ والاذعان من غير تَحْرِيف وَلَا جحد وَلَا ... تَفْوِيض ذِي جهل بِلَا عرفان لَكِن باعراض وتجهيل وتأ ... ويل تلقيتم مَعَ النكران أنكرتموها جهدكم فاذا أَتَى ... مَا لَا سَبِيل لَهُ الى نكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 .. أعرضتم عَنهُ وَلم تستنبطوا ... مِنْهُ هدى لحقائق الْإِيمَان فاذا ابتليتم مكرهين بسمعها ... فوضتموها لاعلى الْعرْفَان لَكِن بِجَهْل للَّذي سيقت لَهُ ... تَفْوِيض اعراض وَجَهل معَان فاذا ابتليتم باحتجاج خصومكم ... أوليتموها دفع ذِي صولان فالجحد والاعراض والتأويل والتجهيل حَظّ النَّص عِنْد الْجَانِي لَكِن لدينا حَظه التَّسْلِيم مَعَ ... حسن الْقبُول وَفهم ذِي الاحسان ... فصل فِي التَّفَاوُت بَين حَظّ المثبتين والمعطلين من وَحي رب الْعَالمين ... وَلنَا الْحَقِيقَة من كَلَام إلهنا ... ونصيبكم مِنْهُ الْمجَاز الثَّانِي وقواطع الوحيين شاهدة لنا ... وَعَلَيْكُم هَل يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ وأدلة الْمَعْقُول شاهدة لنا ... أَيْضا فقاضونا الى الْبُرْهَان وكذاك فطْرَة رَبنَا الرَّحْمَن شا ... هدة لنا أَيْضا شُهُود بَيَان ... وكذاك إِجْمَاع الصَّحَابَة والألى ... تبعوهم بِالْعلمِ وَالْإِحْسَان ... وكذاك إِجْمَاع الْأَئِمَّة بعدهمْ ... هَذَا كَلَامهم بِكُل مَكَان هذي الشُّهُود فَهَل لديكم أَنْتُم ... من شَاهد بِالنَّفْيِ والنكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 .. وجنودنا من قد تقدم ذكرهم ... وجنودكم فعساكر الشَّيْطَان ... وَهِي قواطع الوحيين وأدلة الْمَعْقُول والفطرة واجماع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة ... وخيامنا مَضْرُوبَة بمشاعر الوحيين من خبر وَمن قُرْآن وخيامكم مَضْرُوبَة بالتيه فالسكان كل ملدد حيران هذي شهادتكم على محصولهم ... عِنْد الْمَمَات وَقَوْلهمْ بِلِسَان ... يَعْنِي النَّاظِم رَحمَه الله مَا تقدم عَن بعض الْمُتَكَلِّمين أَنه قَالَ عِنْد مَوته لقد خضت الْبَحْر الخضم وَتركت أهل الاسلام وعلومهم وخضت فِي الَّذِي نهوني عَنهُ والآن إِن لم يتداركني رَبِّي برحمته وَإِلَّا فالويل لفُلَان وَهَا أَنا ذَا أَمُوت على عقيدة أُمِّي وَقَالَ آخر أَكثر النَّاس شكا عِنْد الْمَوْت أَصْحَاب الْكَلَام وَقَالَ آخر عِنْد مَوته أَمُوت وَمَا علمت شَيْئا إِلَّا أَن الْمُمكن يفْتَقر الى وَاجِب ثمَّ قَالَ الافتقار وصف عدمي أَمُوت وَمَا علمت شَيْئا ... وَالله يشْهد أَنهم أَيْضا كَذَا ... تَكْفِي شَهَادَة رَبنَا الرَّحْمَن وَلنَا المساند والصحاح وَهَذِه السّنَن الَّتِي نابت عَن الْقُرْآن وَلكم تصانيف الْكَلَام وَهَذِه الآراء وَهِي كَثِيرَة الهذيان شبه يكسر بَعْضهَا بَعْضًا كبيت من زجاج خر للأركان ... هُوَ مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حَقًا وكل كاسر مكسور ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى هَل ثمَّ شَيْء غير رَأْي أَو كَلَام بَاطِل أَو منطق اليونان ونقول قَالَ الله قَالَ وَرَسُوله فِي كل تصنيف وكل مَكَان لَكِن تَقولُوا قَالَ آرسطو وَقَالَ ابْن الْخَطِيب وَقَالَ ذُو الْعرْفَان ابْن الْخَطِيب هُوَ الْفَخر الرَّازِيّ شيخ لكم يدعى ابْن سينا لم يكن متقيدا بِالدّينِ وَالْإِيمَان وَخيَار مَا تأتون قَالَ الْأَشْعَرِيّ وتشهدون عَلَيْهِ بالبتهان أَي خِيَار مَا تَقولُونَ قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَقد خالفتموه عين الْمُخَالفَة فَإِنَّهُ يَقُول بِإِثْبَات الْعُلُوّ والاستواء وَيَقُول بِإِثْبَات الصِّفَات الخبرية وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك قَولَانِ وَمَعَ ذَلِك خالفتموه فِي نفي الْعُلُوّ وَالصِّفَات تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة علوا كَبِيرا فالأشعري مُقَرر لعلو رب الْعَرْش فَوق جَمِيع ذِي الأكوان فِي غَايَة التَّقْرِير بالمعقول وَالْمَنْقُول ثمَّ بفطرة الرَّحْمَن هَذَا وَنحن فتاركوا الآراء للنَّقْل الصَّحِيح ومحكم الْفرْقَان لكنكم بِالْعَكْسِ قد صرحتم ووضعتم القانون ذَا الْبُهْتَان أَي نَحن نَتْرُك الآراء للنَّقْل الصَّحِيح وَأَنْتُم صرحتم بِالْعَكْسِ وأعددتم لدفع النُّصُوص ضروبا من الْعدَد وأنواعا من القوانين وَالنَّفْي عنْدكُمْ على التَّفْصِيل والاثبات إمالا بِلَا نكران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 والمثبتون طريقهم نفي على الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل بالتبيان فتدبروا الْقُرْآن مَعَ من مِنْكُمَا وَشَهَادَة الْمَبْعُوث بالفرقان وعرضتم قَول الرَّسُول على الَّذِي قَالَ الشُّيُوخ فالمحكم النَّص الْمُوَافق قَوْلهم لَا يقبل التَّأْوِيل فِي الأذهان لكنما النَّص الْمُخَالف قَوْلهم متشابه متأول بمعان أَي إِن أهل التَّأْوِيل عرضوا كتاب الله وَسنة رَسُوله على مَا قَالَه شيوخهم وَجعلُوا النَّص الْمُوَافق لقَولهم محكما لَا يقبل التَّأْوِيل أما النَّص الْمُخَالف لقَولهم فَهُوَ عِنْدهم متاشبه مُحْتَمل لعدة معَان ... وَإِذ تأدبتم تَقولُوا مُشكل أفواضح يَا قوم رَأْي فلَان ... وَالله لَو كَانَ الْمُوَافق لم يكن ... متشابها متأولا بِلِسَان ... لَكِن عرضنَا نَحن أَقْوَال الشُّيُوخ ... على الَّذِي جَاءَت بِهِ الوحيان مَا خلف النصين لم نعبأ بِهِ ... شَيْئا وَقُلْنَا وحسبنا النصان ... قَوْله واله لَو كَانَ النَّص مُوَافقا لقولكم لم يكن متشبها عنْدكُمْ متأولا بعدة من التأويلات قَوْله لَكِن عرضنَا نَحن أَقْوَال الشُّيُوخ الخ أَي إِن قَوْلنَا عكس قَوْلكُم وَذَلِكَ أَنا عرضنَا أَقْوَال الشُّيُوخ على الْكتاب وَالسّنة فَمَا وافقهما قبلنَا وَمَا خالفهما لم نعبأ بِهِ شَيْئا وَقُلْنَا حَسبنَا كتاب الله وَسنة رَسُوله والمشكل القَوْل الْمُخَالف عندنَا فِي غَايَة الْإِشْكَال لَا التِّبْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 .. والعزل والابقاء مرجعه الى الآراء عنْدكُمْ بِلَا كتمان لَكِن لدينا ذَاك مرجعه الى ... قَول الرَّسُول ومحكم الْقُرْآن وَالْكفْر والاسلام عين خِلَافه ... ووفاته لَا غير بالبرهان وَالْكفْر عنْدكُمْ خلاف شيوخكم ... ووفاقهم فحقيقة الايمان هذي سبيلكم وَتلك سبيلنا ... والموعد الرَّحْمَن بعد زمَان وَهُنَاكَ يعلم أَي حزبينا على الْحق الصَّرِيح وفطرة الديَّان فاصبر قَلِيلا انما هِيَ سَاعَة ... فَإِذا اصبت فَفِي رضى الرَّحْمَن فالقوم مثلك يألمون ويصبرو ... ن وصبرهم فِي طَاعَة الشَّيْطَان ... فصل فِي بَيَان الِاسْتِغْنَاء بِالْوَحْي الْمنزل من السَّمَاء عَن تَقْلِيد الرِّجَال والآراء ... يَا طَالب الْحق الْمُبين ومؤثرا ... علم الْيَقِين وَصِحَّة الايمان اسْمَع مقَالَة نَاصح خبر الَّذِي ... عِنْد الورى مذ شب حَتَّى الْآن مَا زَالَ مذ عقدت يَدَاهُ إزَاره ... قد شدّ مئزرة الى الرَّحْمَن وتخلل الفترات للعزمات امْر لَازم لطبيعة الانسان وتولد النُّقْصَان من فتراته ... أوليس سائرنا بني النُّقْصَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 .. طَاف المداهب يَبْتَغِي نورا ليهديه وينجيه من النيرَان وَكَأَنَّهُ قد طَاف يَبْغِي ظلمَة اللَّيْل البهيم وَمذهب الحيران وَاللَّيْل لَا يزْدَاد إِلَّا قُوَّة ... وَالصُّبْح مقهور بذا السُّلْطَان حَتَّى بَدَت فِي سيره نَار على ... طود الْمَدِينَة مطلع الايمان فَأتى ليقبسها فَلم يُمكنهُ مَعَ ... تِلْكَ الْقُيُود منالها بِأَمَان لَوْلَا تَدَارُكه الاله بِلُطْفِهِ ... ولى على العقبين ذَا نكصان لَكِن توقف خاضعا متذللا ... مستشعر الافلاس من أَثمَان فَأَتَاهُ جند حل عِنْد قيوده ... فامتد حِينَئِذٍ لَهُ الباعان ... وَالله لَوْلَا أَن تحل قيوده ... وتزول عَنهُ ربقة الشَّيْطَان كَانَ الرقي الى الثريا مصعدا ... من دور تِلْكَ النَّار فِي الامكان فَرَأى بِتِلْكَ النَّار آطام الْمَدِينَة ... كالخيام تشوفها العينان وَرَأى على طرقاتها الْأَعْلَام قد ... نصبت لاجل السالك الحيران وَرَأى هُنَالك على كل هاد مهتد ... يَدْعُو الى الايمان والإيقان فهناك هُنَا نَفسه متذكرا ... مَا قَالَه المشتاق مُنْذُ زمَان والمستهام على الْمحبَّة لم يزل ... حاشا لذكراكم من النسْيَان لَو قيل مَا تهوى لقَالَ مبادرا ... أَهْوى زيارتكم على الأجفان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 .. تالله ان سمح الزَّمَان بقربكم وحللت مِنْكُم بِالْمحل الداني لأُعَفِّرَنَّ الخد شكرا فِي الثرى ... ولأكحلن بتربكم أجفاني ... يخبر النَّاظِم عَمَّا حصل لَهُ فِي سيره الى الله جلا وَعلا وَأَنه طَاف الْمذَاهب يَبْتَغِي نورا ليهتدي بِهِ وينجو بِهِ من النيرَان وَأَنه لم يحصل لَهُ فِي طَوَافه ذَلِك الا الظلمَة والحيرة وَمَعَ إمعانه فِي ذَلِك والظلمة تزيد والحيرة تقوى حَتَّى بَدَت لَهُ انوار الْهدى من الْكتاب وَالسّنة وكنى عَن ذَلِك بقوله حَتَّى بَدَت لَهُ فِي سيره نَار على طود الْمَدِينَة فَأتى ليقبسها فَلم يُمكنهُ ذَلِك مَعَ تِلْكَ الْقُيُود الَّتِي توهن الانقياد فلولا أَن الله سُبْحَانَهُ تَدَارُكه بِلُطْفِهِ لرجع ونكص على عَقِبَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ ذَلِك اللطف الالهي انْحَلَّت قيوده وَسَار الى الله مقتديا بأنوار الْكتاب وَالسّنة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ان رمت تبصر مَا ذكرت فغض طر ... فا عَن سوى الْآثَار وَالْقُرْآن واترك رسوم الْخلق لاتعبأ بهَا ... فِي السعد مَا يُغْنِيك عَن دبران حدق بقلبك فِي النُّصُوص كَمثل مَا ... قد حدقوا فِي الرَّأْي طول زمَان واكحل جفون الْقلب بالوحيين وَاحْذَرْ كحلهم يَا كَثْرَة العميان فَالله بَين فيهمَا طرق الْهدى لِعِبَادِهِ فِي أحسن التِّبْيَان لم يحوج الله الْخَلَائق مَعَهُمَا لخيال فلتان ورأي فلَان فالوحي كَاف للَّذي يَعْنِي بِهِ شاف لداء جَهَالَة الانسان وتفاوت الْعلمَاء فِي أفهامهم للوحي فَوق تفَاوت الْأَبدَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 .. وَالْجهل دَاء قَاتل وشفاؤه أَمْرَانِ فِي التَّرْكِيب متفقان نَص من الْقُرْآن أَو من سنة وطبيب ذَاك الْعَالم الرباني وَالْعلم أَقسَام ثَلَاث مَالهَا من رَابِع وَالْحق ذُو تبيان علم بأوصاف الْإِلَه وَفعله وَكَذَلِكَ الاسماء للرحمن وَالْأَمر وَالنَّهْي الَّذِي هُوَ دينه وجزاؤه يَوْم الْمعَاد الثَّانِي وَالْكل فِي الْقُرْآن وَالسّنَن الَّتِي جَاءَت عَن الْمَبْعُوث بالفرقان وَالله مَا قَالَ امْرُؤ متحذلق بسواهما الا من الهذيان ... قَالَ فِي الْقَامُوس حذلق أظهر الحذق أَو ادّعى أَكثر مِمَّا عِنْده كتحذلق انْتهى يَعْنِي ان الْعلم ثَلَاثَة أَقسَام أَولهَا الْعلم بِصِفَات الرب وأفعاله وأسمائه وَالثَّانِي علم الْأَمر وَالنَّهْي وَالثَّالِث علم الْمعَاد وَالْكل فِي الْقُرْآن وَالسّنة قَوْله يسواهما يَعْنِي الْكتاب وَالسّنة ... إِن قُلْتُمْ تَقْرِيره فمقرر بأتم تَقْرِير من الرَّحْمَن أَو قُلْتُمْ إيضاحه فمبين بأتم ايضاح وَخير بَيَان أَو قُلْتُمْ إيجازه فَهُوَ الَّذِي فِي غَايَة الايجاز والتبيان أَو قُلْتُمْ مَعْنَاهُ هَذَا فاقصدوا معنى الْخطاب بِعَيْنِه وعيان أَو قُلْتُمْ نَحن التراجم فاقصدوا الْمَعْنى بِلَا شطط وَلَا نُقْصَان أَو قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ فكلامكم فِي غَايَة الانكار والبطلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 .. أَو قُلْتُمْ قسنا عَلَيْهِ نَظِيره فقياسكم نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ نوع يُخَالف نَصه فَهُوَ المحا ل وَذَاكَ عِنْد الله ذُو بطلَان وكلامنا فِيهِ وَلَيْسَ كلامنا فِي غَيره أَعنِي الْقيَاس الثَّانِي مَا لَا يُخَالف نَصه فَالنَّاس قد عمِلُوا بِهِ فِي سَائِر الأحيان لكنه عِنْد الضَّرُورَة لَا يصا ر إِلَيْهِ إِلَّا بعد ذَا الفقدان هَذَا جَوَاب الشَّافِعِي لِأَحْمَد لله دَرك من امام زمَان وَالله مَا اضْطر الْعباد إِلَيْهِ فِيمَا بَينهم من حَادث بِزَمَان ... قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي أَعْلَام الموقعين بعد أَن ذكر أَن فَتْوَى الامام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى تَدور على خَمْسَة أصُول الأَصْل الرَّابِع من أصُول الامام أَحْمد الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف اذا لم يكن فِي الْبَاب شئ يَدْفَعهُ وَهُوَ الَّذِي رَجحه على الْقيَاس وَلَيْسَ المُرَاد بالضعيف عِنْده الْبَاطِل وَلَا الْمُنكر وَلَا مَا فِي رُوَاته مِنْهُم بِحَيْثُ لَا يسوغ الذّهاب اليه وَالْعَمَل بِهِ بل الحَدِيث الضَّعِيف عِنْده قسيم الصَّحِيح وَقسم من أَقسَام الْحسن وَلم يكن يقسم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف بل الى صَحِيح وَضَعِيف والضعيف عِنْده مَرَاتِب فاذا لم يجد فِي الْبَاب أثرا يَدْفَعهُ وَلَا قَول صَاحب وَلَا إِجْمَاعًا على خِلَافه كَانَ الْعَمَل بِهِ عِنْده أولي من الْقيَاس وَلَيْسَ اُحْدُ من الْأَئِمَّة إِلَّا وَهُوَ مُوَافق على هَذَا الأَصْل من حَيْثُ الْجُمْلَة فانه مَا مِنْهُم اُحْدُ الا وَقد قدم الحَدِيث الضَّعِيف على الْقيَاس فَقدم أَبُو حنيفَة حَدِيث القهقهة فِي الصَّلَاة على مَحْض الْقيَاس وَأجْمع اهل الحَدِيث على ضعفه وَقدم حَدِيث الْوضُوء بنبيذ التَّمْر على الْقيَاس وَأكْثر أهل الحَدِيث يُضعفهُ وَقدم حَدِيث أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام وَهُوَ ضَعِيف باتفاقهم على مَحْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الْقيَاس فَالَّذِي ترَاهُ فِي الثَّالِث عشر مسَاوٍ فِي الْحَد وَفِي الْحَقِيقَة وَالصّفة لدم الْيَوْم الْعَاشِر وَقدم حَدِيث لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم وَأَجْمعُوا على ضعفه بل بُطْلَانه على مَحْض الْقيَاس فان بذل الصَدَاق مُعَاوضَة فِي مُقَابلَة بذل الْبضْع فَمَا تَرَاضيا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلا أَو كثيرا وَقدم الشَّافِعِي تَحْرِيم صيد وَج مَعَ ضعفه على الْقيَاس وَقدم خبر جَوَاز الصَّلَاة بِمَكَّة على ضعفه ومخالفته لقياس غَيرهَا من الْبلدَانِ وَقدم فِي اُحْدُ قوليه حَدِيث من قاء اَوْ رعف فَليَتَوَضَّأ وليبن على صلَاته على الْقيَاس مَعَ ضعف الْخَبَر وارساله وَأما مَالك فانه يقدم الحَدِيث الْمُرْسل والمنقطع والبلاغات وَقَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس فاذا لم يكن عِنْد الامام احْمَد فِي الْمَسْأَلَة نَص وَلَا قَول الصَّحَابَة أَو وَاحِد مِنْهُم وَلَا أثر مُرْسل اَوْ ضَعِيف عدل الى الاصل الْخَامِس وَهُوَ الْقيَاس فَاسْتَعْملهُ للضَّرُورَة وَقد قَالَ فِي كتاب الْخلال سَالَتْ الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ انما يُصَار اليه عِنْد الضَّرُورَة انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... فاذا رَأَيْت النَّص عَنهُ ساكتا فسكوته عَفْو من الرَّحْمَن وَهُوَ الْمُبَاح اباحة الْعَفو الَّذِي مافيه من حرج وَلَا نكران فأضف إِلَى هَذَا عُمُوم اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَحسن الْفَهم فِي الْقُرْآن فهناك تصبح فِي غنى وكفاية عَن كل ذِي رَأْي وَذي حسبان ... قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي شرح الْأَرْبَعين على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله فرض فَرَائض فَلَا تضيعوها وحد حدودا فَلَا تعتدوها الحَدِيث قَالَ وَأما الْمَسْكُوت عَنهُ فَهُوَ مالم يذكر جملَة بتحليل وَلَا تَحْرِيم فَيكون معفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 عَنهُ لَا حرج على فَاعله وعَلى هَذَا دلّت هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة هَاهُنَا كَحَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي وَغَيره الى ان قَالَ وَلَكِن مِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم ان ذكر الشَّيْء بِالتَّحْرِيمِ والتحليل مِمَّا قد يخفى فهمه من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة فان دلَالَة هَذِه النُّصُوص قد تكون بطرِيق النَّص وَالتَّصْرِيح وَقد تكون بطرِيق الْعُمُوم والشمول وَقد تكون دلَالَته بطرِيق الفحوى والتنبيه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} الاسراء فان دُخُول مَا هُوَ اعظم من التأفيف من أَنْوَاع الْأَذَى يكون بطرِيق الاولى وَيُسمى ذَلِك مَفْهُوم الْمُوَافقَة وَقد تكون دلَالَته بطرِيق مَفْهُوم الْمُخَالفَة كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغنم السَّائِمَة الزَّكَاة فَإِنَّهُ يدل بمفهومه على أَنه لَا زَكَاة فِي غير السَّائِمَة وَقد أَخذ الْأَكْثَرُونَ بذلك واعتبروا مَفْهُوم الْمُخَالفَة وجعلوه حجَّة وَقد تكون دلَالَته من الْمَعْنى مَوْجُودا فِي غَيره فانه يتَعَدَّى الحكم الى كل مَا وجد فِي ذَلِك الْمَعْنى عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء وَهُوَ من بَاب الْعدْل وَالْمِيزَان الَّذِي أنزلهُ الله وَأمر بِالِاعْتِبَارِ بِهِ فَهَذَا كُله مِمَّا تعرف بِهِ دلَالَة النُّصُوص على التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم فَأَما مَا انْتَفَى فِيهِ ذَلِك كُله فَهُنَا يسْتَدلّ بِعَدَمِ ذكره بِإِيجَاب أَو تَحْرِيم على أَنه مَعْفُو عَنهُ انْتهى كَلَامه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... ومقدرات الذِّهْن لم يضمن لنا تبيانها بِالنَّصِّ وَالْقُرْآن وَهِي الَّتِي فِيهَا اعتراك الرَّأْي من تَحت العجاج وجولة الأذهان لَكِن هُنَا أَمْرَانِ لَو تما لما احتجنا إِلَيْهِ فحبذا الْأَمْرَانِ جمع النُّصُوص وَفهم مَعْنَاهَا المرا د بلفظها والفهم مرتبتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 .. احداهما مَدْلُول ذَاك اللَّفْظ وضعا أَو لُزُوما ثمَّ هَذَا الثَّانِي فِيهِ تفاوتت الفهوم تَفَاوتا لم يَنْضَبِط أبدا لَهُ طرفان فالشيء يلْزمه لَوَازِم جمة عِنْد الْخَبِير بِهِ وَذي الْعرْفَان فبقدر ذَاك الْخَبَر يُحْصى من لوا زمه وَهَذَا وَاضح التِّبْيَان ... قَوْله ومقدارت الذِّهْن الخ أَي إِن الْأُمُور الَّتِي تقدرها الأذهان كَثِيرَة وَلَكِن لم يضمن لنا تبيانها بِالْكتاب وَالسّنة قَوْله لَكِن هُنَا أَمْرَانِ الخ أَي إِن هذَيْن الْأَمريْنِ وهما جمع النُّصُوص وَفهم مَعْنَاهَا لَو تما لنا لم نحتج الى الرَّأْي قَوْله والفهم مرتبتان أحداهما مَدْلُول ذَاك اللَّفْظ الخ أَي فهم مَدْلُول اللَّفْظ مُطَابقَة أَو لُزُوما قَوْله ثمَّ هَذَا الثَّانِي وَهُوَ اللُّزُوم فِيهِ تفَاوت الفهوم تَفَاوتا لَا يَنْضَبِط ... ولذاك من عرف الْكتاب حَقِيقَة عرف الْوُجُود جَمِيعه بِبَيَان وكذاك يعرف جملَة الشَّرْع الَّذِي يَحْتَاجهُ الانسان كل زمَان علما بتفصيل وعلما مُجملا تَفْصِيله أَيْضا بِوَحْي ثَان وَكِلَاهُمَا وحيان قد ضمنا لنا أَعلَى الْعُلُوم بغاية التِّبْيَان ولذاك يعرف من صِفَات الله وَالْأَفْعَال والأسماء ذِي الْإِحْسَان مَا لَيْسَ يعرف من كتاب غَيره أبدا وَلَا مَا قَالَت الثَّقَلَان وكذاك يعرف من صِفَات الْبَعْث بالتفصيل والاجمال فِي الْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 .. مَا يَجْعَل الْيَوْم الْعَظِيم مشاهدا بِالْقَلْبِ كالمشهود رَأْي عيان وكذاك يعرف من حَقِيقَة نَفسه وصفاتها بِحَقِيقَة الْعرْفَان يعرف لوازمها وَيعرف كَونهَا مخلوقة مربوبة بِبَيَان وكذاك يعرف مَا الَّذِي فِيهَا من الْحَاجَات والاعدام وَالنُّقْصَان وكذاك يعرف ربه وَصِفَاته أَيْضا بِلَا مثل وَلَا نُقْصَان وَهنا ثَلَاثَة أوجه فافطن لَهَا إِن كنت ذَا علم وَذَا عرفان بالضد وَالْأولَى كَذَا بالامتنا ع لعلمنا بِالنَّفسِ والرحمن فالضد معرفَة الْإِلَه بضد مَا فِي النَّفس من عيب وَمن نُقْصَان وَحَقِيقَة الأولى ثُبُوت كَمَاله إِذْ كَانَ معطيه على الْإِحْسَان ... قَوْله بالضد أَي إِنَّه سُبْحَانَهُ ينزه عَن الْعَيْب وَالنُّقْصَان إِذْ ضدهما السَّلامَة من الْعُيُوب والنقائص تَعَالَى الله وتقدس قَوْله وَالْأولَى الخ بِفَتْح الْهمزَة أَي إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي حق الرب تَعَالَى قِيَاس الأولى وَهُوَ أَن يُقَال كل كَمَال للمخلوق فالرب سُبْحَانَهُ أولى بِهِ لِأَنَّهُ معطيه وواهبه وواهب الْكَمَال أولى بالكمال وكل نقص تنزه عَنهُ الْمَخْلُوق فالخالق أولى بالتنزه عَنهُ قَوْله بالامتناع الخ أَي بِأَن يُقَال هَذِه صفة نقص فتمتنع على الله سُبْحَانَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 فصل فِي بَيَان شُرُوط كِفَايَة النصين والاستغناء بالوحيين ... وكفاية النصين مَشْرُوط بتجريد التلقي عَنْهُمَا لمعان وكذاك مَشْرُوط بخلع قيودهم فقيودهم غل الى الأذقان وكذاك مَشْرُوط بهدم قَوَاعِد مَا أنزلت ببيانها الوحيان وكذاك مَشْرُوط باقدام على الآراء إِن عريت عَن الْبُرْهَان بِالرَّدِّ والإبطال لَا تعبأ بهَا شَيْئا إِذا مَا فاتها النصان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى شُرُوط كِفَايَة النصين وَهِي ثَلَاثَة أَحدهَا تَجْرِيد التلقي عَن الْكتاب وَالسّنة وَعدم الِالْتِفَات الى غَيرهمَا واتباعهما وَترك مَا سواهُمَا الثَّانِي خلع الْقُيُود الَّتِي توهن الانقياد كَمَا قَالَ شيخ الاسلام فِي تَعْظِيم الْأَمر وَالنَّهْي هُوَ ان لَا يعارضا بترخيص جَاف وَلَا يعارضا بتَشْديد غال وَلَا يحملا على عِلّة توهن الانقياد وَذَلِكَ بِأَن يسلم لأمر الله وحكمته ممتثلا مَا امْر بِهِ سَوَاء ظَهرت لَهُ حكمته أَو لم تظهر فان ظَهرت لَهُ حِكْمَة الشَّرْع فِي امْرَهْ وَنَهْيه حمله ذَلِك على مزِيد الانقياد والبذل وَالتَّسْلِيم وَلَا يحملهُ ذَلِك على الانسلاخ من تَركه الى التصوف الثَّالِث هدم قَوَاعِد المؤسسة على الْفساد والبطلان والأمور الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان الْعَارِية عَن الدَّلِيل والبرهان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 .. لَوْلَا الْقَوَاعِد والقيود وَهَذِه الآراء لَا تسعت عرى الايمان لَكِنَّهَا وَالله ضيقت العرى ... فاحتاجت الايدي لذاك توان وتعطلت من أجلهَا وَالله أعداد من النصين ذَات بَيَان ... وتضمنت تَقْيِيد مُطلقهَا وَإِطْلَاق الْمُقَيد وَهُوَ ذُو ميزَان وتضمنت تَخْصِيص مَا عمته والتعميم للمخصوص بالاعيان ... وتضمنت تَفْرِيق مَا جمعت وجمعا للَّذي وسمته بالفرقان وتضمنت تضييق مَا قد وسعته وَعَكسه فَلْتنْظرْ الْأَمْرَانِ ... وتضمنت تَحْلِيل مَا قد حرمته وَعَكسه فلنتظر النوعان سكتت وَكَانَ سكُوتهَا عفوا فَلم ... تعف الْقَوَاعِد باتساع بطان وتضمنت إهدار مَا اعْتبرت كَذَا ... بِالْعَكْسِ والأمران محذوران وتضمنت أَيْضا شُرُوطًا لم تكن ... مَشْرُوطَة شرعا بِلَا برهَان وتضمنت أَيْضا مَوَانِع لم تكن ... مَمْنُوعَة شرعا بِلَا تبيان إِلَّا بأقيسة وآراء وتقليد بِلَا علم وَلَا اسْتِحْسَان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان الْمَفَاسِد الَّتِي حصلت من الْقَوَاعِد الَّتِي وضعوها والقيود الَّتِي قيدوا بهَا الْكتاب وَالسّنة والآراء الَّتِي خالفوا بهَا الْكتاب وَالسّنة فَذكر أَنه تعطلت من أجلهَا أعداد من النصين وتضمنت تَقْيِيد الْمُطلق وَإِطْلَاق الْمُقَيد وَتَخْصِيص الْعُمُوم وتعميم الْمَخْصُوص وتفريق مَا جمعت النُّصُوص بَينه وَجمع مَا فرقت بَينه وتضييق مَا وسعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَعَكسه وَتَحْلِيل مَا حرمته وَتَحْرِيم مَا حللته وَغير ذَلِك مِمَّا ذكره النَّاظِم ... عَمَّن أَتَت هَذِه الْقَوَاعِد من جَمِيع الصحب والاتباع بالاحسان ... مَا أسسوا إِلَّا اتِّبَاع نَبِيّهم ... لَا عقل فلتان ورأي فلَان ... قَالَ فِي الْقَامُوس وفلتات المحسن هفواته وزلاته ... بل أَنْكَرُوا الآراء نصحا مِنْهُم ... لله والداعي وللقرآن أَو لَيْسَ فِي خلف بهَا وتناقض ... مَا دلّ ذالب وَذَا عرفان وَالله لَو كَانَت من الرَّحْمَن مَا اخْتلفت وَلَا انتقضت مدى الازمان ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حَقًا وَقد سَقَطت على صَفْوَان ... وَالله لَا يرضى بهَا ذُو همة ... علياء طالبة لهَذَا الشان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان أَن هَذِه الْقَوَاعِد لم تأت عَن اُحْدُ من الصَّحَابَة وتابعيهم بِإِحْسَان وَأَن الْقَوْم مَا أسسوا الا اتِّبَاع نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يؤسسوا اتِّبَاع عقل فلَان ورأي فلتان قَوْله وَالله لَو كَانَت من الرَّحْمَن الخ هَذَا مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} النِّسَاء فالدليل على أَن هَذِه الآراء وَالْقَوَاعِد من عِنْد غير الله كَثْرَة اختلافها وتناقضها فَلَو كَانَت من عِنْد الله لم تخْتَلف وَلم تنْتَقض الى آخر الدَّهْر وَلكنهَا كَمَا قَالَ الْقَائِل ... شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حَقًا وكل كاسر مكسور ... قَالَ النَّاظِم ... فمثالها وَالله فِي قلب الْفَتى ... وثباتها فِي منبت الايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 .. كالزرع ينْبت حوله دغل فيمنعه النما فتراه ذَا نُقْصَان ... وَكَذَلِكَ الايمان فِي قلب الْفَتى ... غرس من الرَّحْمَن فِي الانسان وَالنَّفس تنْبت حوله الشَّهَوَات والشبهات وَهِي كَثِيرَة الأفنان ... فَيَعُود ذَاك الْغَرْس يبسا ذاويا ... أَو نَاقص الثمرات كل أَوَان فتراه يحرث دائبا ومغله نزر وَذَا من أعظم الخسران ... وَالله لَو نكش النَّبَات وَكَانَ ذَا ... بصر لذاك الشوك والسعدان ... لأتى كأمثال الْجبَال مغله ... ولكان أضعافا بِلَا حسبان ... قَوْله نزر أَي قَلِيل قَالَ فِي الْقَامُوس النزر الْقَلِيل كالنزير والمنزور قَوْله نكش قَالَ فِي الْقَامُوس نكش الرَّكية ينكشها وينكشها أخرج مَا فِيهَا من الحمأة والطين كانتكشها والشئ أفناه وَمِنْه فرغ فصل ... هَذَا وَلَيْسَ الطعْن بالاطلاق فِيهَا كلهَا فعل الجهول الْجَانِي ... بل فِي الَّتِي قد خَالَفت قَول الرسو ... ل ومحكم الايمان وَالْفرْقَان ... أَو فِي الَّتِي مَا أنزل الرَّحْمَن فِي ... تقريرها يَا قوم من سُلْطَان فَهِيَ الَّتِي كم عطلت من سنة ... بل عطلت من مُحكم الْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 .. هَذَا وَنَرْجُو أَن واضعها فَلَا ... يعدوه أجر أَو لَهُ أَجْرَانِ اذ قَالَ مبلغ علمه من غير ايجاب الْقبُول لَهُ على انسان ... بل قد نَهَانَا عَن قبُول كَلَامه ... نصا بتقليد بِلَا برهَان ... وكذاك أوصانا بِتَقْدِيم النصو ... ص عَلَيْهِ من خبر وَمن قُرْآن نصح الْعباد بذا وخلص نَفسه ... عِنْد السُّؤَال لَهَا من الديَّان وَالْخَوْف كل الْخَوْف فَهُوَ على الَّذِي ... ترك النُّصُوص لأجل قَول فلَان وَإِذا بغى الاحسان أَولهَا بِمَا ... لَو قَالَه خصم لَهُ ذُو شان لرماه بالداء العضال مناديا ... بِفساد مَا قد قَالَه بِأَذَان ... وَلما خشِي النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى من بعض الْجُهَّال ان يتَوَهَّم ذمّ الرَّأْي مُطلقًا دفع ذَلِك بقوله هَذَا وَلَيْسَ الطعْن بالاطلاق فِيهَا الخ أَشَارَ الى أَن الرَّأْي نَوْعَانِ مَذْمُوم ومحمود فالمذموم مَا خَالف الْكتاب وَالسّنة والمحمود مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة وَقد بسط الْكَلَام فِي ذَلِك بسطا مُسْتَوفى فِي أول كتاب اعلام الموقعين وَهَذَا معنى قَوْله هَذَا وَلَيْسَ الطعْن بالاطلاق فِيهَا كلهَا أَي لَا يطعن فِيهَا كلهَا وأنما يطعن فِيمَا خَالف الْكتاب وَالسّنة فَقَط وَقَوله هَذَا وَنَرْجُو ان واضعها الخ أَي نرجو ان الْمُجْتَهد إِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَإِذا اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ كَمَا صَحَّ فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 قَوْله إِذْ قَالَ مبلغ علمه الخ أَي إِن الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى قَالُوا بمبلغ علمهمْ ونهوا النَّاس عَن قبُول كَلَامهم إِذا خَالف النُّصُوص وأوصوا بِتَقْدِيم النُّصُوص عَلَيْهِ كالامام أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وابي حنيفَة وَغَيرهم فرحمة الله عَلَيْهِم فَلَقَد نصحوا الْعباد وخلصوا أنفسهم عِنْد سُؤال الرب تَعَالَى لَهُم يَوْم الْقِيَامَة قَوْله وَالْخَوْف كل الْخَوْف الخ أَي ان الْخَوْف الْعَظِيم والخطر الشَّديد على الَّذين تركُوا النُّصُوص لأجل قَول فلَان وَفُلَان واذا أَرَادوا الاحسان أولوها بالتأويلات الْبَاطِلَة وَحملُوهَا على الِاحْتِمَالَات الْبَعِيدَة وَمَعَ ذَلِك لَو قَالَ ذَلِك خصم لَهُم فِي تَأْوِيل كَلَام مشايخهم وَمن يرضونه رَمَوْهُ بالداء العضال وَنَادَوْا على فَسَاد مَا قَالَه فصل فِي لَازم الْمَذْهَب هَل هُوَ مَذْهَب ام لَا ... ولوازم الْمَعْنى ترَاد بِذكرِهِ ... من عَارِف بلزومها الحقان وسواه لَيْسَ بِلَازِم فِي حَقه ... قصد اللوازم وَهِي ذَات بَيَان اذ قد يكون لُزُومهَا الْمَجْهُول اَوْ ... قد كَانَ يُعلمهُ بِلَا نكران لَكِن عرته غَفلَة بلزومها اذ كَانَ ذَا سَهْو وَذَا نِسْيَان ولذاك لم يَك لَازِما لمذاهب الْعلمَاء مَذْهَبهم بِلَا برهَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 ذكر النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل أَن لَازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب قَوْله ولوازم الْمَعْنى الخ أَي إِن لَوَازِم الْمَعْنى ترَاد من عَارِف بلزومها وَأما سواهُ فَلَيْسَ ذَلِك بِلَازِم فِي حَقه اذ قد يكون جَاهِلا لُزُومهَا أَو يكون عَالما بِهِ وَلَكِن عرته أَي حصل لَهُ سَهْو ونسيان فلذاك لَازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب قَالَ شيخ الاسلام فِي جَوَاب لَهُ وَأما قَول السَّائِل هَل لَازم الْمَذْهَب مذهبا أم لَيْسَ بِمذهب فَالصَّوَاب أَن لَازم مَذْهَب الانسان لَيْسَ بِمذهب لَهُ إِذا لم يلتزمه فَإِنَّهُ إِذا كَانَ قد أنكرهُ ونفاه كَانَت إِضَافَته اليه كذبا عَلَيْهِ بل ذَلِك يدل على فَسَاد قَوْله وتناقضه فِي الْمقَال غير الْتِزَامه اللوازم الَّتِي يظْهر أَنَّهَا من قبيل الْكفْر والمحال فَالَّذِينَ قَالُوا بأقوال يلْزمهَا أَقْوَال يعلم أَنه لَا يلتزمها لَكِن لم يعلم أَنَّهَا تلْزمهُ وَلَو كَانَ لَازم الْمَذْهَب مذهبا للَزِمَ تَكْفِير كل من قَالَ عَن الاسْتوَاء وَغَيره من الصِّفَات أَنه مجَاز لَيْسَ بِحَقِيقَة فان لَازم هَذَا القَوْل يَقْتَضِي أَن لَا يكون شَيْء من أَسْمَائِهِ أَو صِفَاته حَقِيقَة انْتهى ... فالمقدمون على حِكَايَة ذَاك مذ ... هبهم أولو جهل مَعَ الْعدوان ... لَا فرق بَين ظُهُوره وخفائه ... قد يذهلون عَن اللُّزُوم الداني سِيمَا اذا مَا كَانَ لَيْسَ بِلَازِم ... لاكن يظنّ لُزُومه بجنان لَا تشهدوا بالزور وَيحكم على ... مَا تلزمون شَهَادَة الْبطلَان بِخِلَاف لَازم مَا يَقُول آلهنا ... وَنَبِينَا الْمَعْصُوم بالبرهان فَلِذَا دلالات النُّصُوص جلية ... وخفية تخفى على الأذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 .. وَالله يرْزق من يَشَاء الْفَهم فِي ... آيَاته رزقا بِلَا حسبان ... وَلما ذكر النَّاظِم رَحمَه الله أَن الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب شرع فِي ذكر مَا ألزمهُ أهل التعطيل أهل الاثبات فَقَالَ ... وَاحْذَرْ حكايات لأرباب الكلا ... م عَن الْخُصُوم كَثِيرَة الهذيان فحكوا بِمَا ظنوه يلْزمهُم فقا ... لوا ذَاك مَذْهَبهم بِلَا برهَان كذبُوا عَلَيْهِم باهتين لَهُم بِمَا ... ظنوه يلْزمهُم من الْبُهْتَان فَحكى الْمُعَطل عَن أولي الاثبات قو ... لَهُم بِأَن الله ذُو جثمان وَحكى الْمُعَطل أَنهم قَالُوا بِأَن الله لَيْسَ يرى لنا بعيان ... وَحكى الْمُعَطل أَنهم قَالُوا يجو ... ز كَلَامه من غير قصد معَان وَحكى الْمُعَطل أَنهم قَالُوا بتحييز الْإِلَه وحصره بمَكَان ... وَحكى الْمُعَطل أَنهم قَالُوا لَهُ الْأَعْضَاء جلّ الله عَن بهتان وَحكى الْمُعَطل أَن مَذْهَبهم هُوَ التَّشْبِيه للخلاق بالانسان ... وَحكى الْمُعَطل عَنْهُم مَا لم يقو لوه وَلَا اشياخهم بِلِسَان ظن الْمُعَطل أَن هَذَا لَازم ... فَلِذَا أَتَى بالزور والعدوان فَعَلَيهِ فِي هَذَا محاذير ثلا ... ث كلهَا مُتَحَقق الْبطلَان ظن اللُّزُوم وقذفهم بلزومه ... وَتَمام ذَاك شَهَادَة الكفران ... حَاصِل هَذِه الأبيات أَن النَّاظِم رَحمَه الله يَحْكِي أَشْيَاء مِمَّا ألزم بهَا أهل التعطيل أهل الاثبات فحكت المعطلة عَن المثبتة أَنهم يَقُولُونَ إِن الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 تَعَالَى وتقدس جسم وحكوا عَنْهُم أَن مَذْهَبهم أَن الله لَا يرى فِي الْآخِرَة كَمَا قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي المعالم أطبق أهل السّنة على ان الله تَعَالَى يَصح أَن يرى وَأنْكرت الفلاسفة والمعتزلة والكرامية والمجسمة ذَلِك ثمَّ قَالَ أما إِنْكَار الفلاسفة والمعتزلة فَظَاهر وَأما انكار الكرامية والحنابلة فلأنهم أطبقوا على أَن الله تَعَالَى لَو لم يكن جسما فِي مَكَان امْتنعت رُؤْيَته انْتهى قَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم الْفَزارِيّ فِي كِتَابه غَايَة السول فِي علم الْأُصُول بعد أَن حكى كَلَام الرَّازِيّ هَذَا وَمَا أَدْرِي أَي الْأَمريْنِ أسْرع الى فضيحته نَقله أَو تَقْرِيره أما نَقله فَلِأَن الْحَنَابِلَة لَا يخْتَلف أَوَّلهمْ وَآخرهمْ فِي أَن الْمُنكر لرؤية الله تَعَالَى جَاحد لكتابه وَسنة رَسُوله واجماع اهل النَّقْل وَأما تَقْرِيره فَلِأَن قَوْله أطبقوا على أَنه لَو لم يكن جسما فِي مَكَان لامتنعت رُؤْيَته إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَال يَقْتَضِي اثبات الْجِسْم بِدَلِيل صِحَة الرُّؤْيَة لِأَن التَّقْدِير يكون لَو لم يكن جسما لَا متنعت رُؤْيَته فَيكون جسما فَمثل هَذَا لَا يخفى على الْفَخر الرَّازِيّ وانما هُوَ الْهوى إِذا غلب أعمى وأصم فان كل لَبِيب يعلم من كَلَام هَذَا الرجل أَن فِي قلبه من الْحَنَابِلَة دَاء لَا دَوَاء لَهُ فانه اولا أخرجهم عَن اهل السّنة فتراه يرى السّنة مَا ابتدعه فِي دين الاسلام والشرعة المحمدية من المباحث الكلامية والشبه الْعَقْلِيَّة والآراء الفيلسوفية فَحكم على من لَا يقوم مقامهم بِأَنَّهُم لَيْسُوا من أهل السّنة وَثَانِيا أطلق عَلَيْهِم اسْم التجسيم والتجسيم لَا يَعْتَقِدهُ مُسلم وَأطَال الْفَزارِيّ الْكَلَام قَوْله وَحكى المعطلة عَنْهُم انهم قَالُوا يجوز كَلَامه من غير قصد معَان أَقُول قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي جمع الْجَوَامِع وَلَا يجوز وُرُود مَالا معنى لَهُ فِي الْكتاب وَالسّنة خلافًا للحشوية قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الْمحلي فِي شَرحه أَي فِي تجويزهم وُرُود ذَلِك فِي الْكتاب وَالسّنة قَالُوا لوُجُوده فِيهِ كالحروف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور انْتهى قَالَ بعض محشيه وَقد اضْطربَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي معنى هَذَا فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ والكوراني إِن أحدا لم يقل إِن فِي الْقُرْآن مَا لَا معنى لَهُ وَقَالَ الْآمِدِيّ لَا يتَصَوَّر اشْتِمَال الْقُرْآن الْكَرِيم على مَالا معنى لَهُ أصلا وَقد استدلت الحشوية ايضا بِآيَة {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} آل عمرَان بِالْوَقْفِ فَقَالُوا الْكَوْن الْمُتَشَابه غير مَعْلُوم لنا فقد خاطبنا الله بِمَا لَا نفهمه وَهُوَ المهمل نَقله الجخندي وَمَعْلُوم أَن فواتح السُّور والآيات المتشابهات وان فهم لَهَا معنى صَحِيح إِلَّا أَنه غير مَقْطُوع بانه مُرَاد قَائِله تَعَالَى وَلذَلِك سلك كثير من الْمُفَسّرين هَذَا حَيْثُ قَالُوا فِي الفواتح وَالله اعْلَم بمراده وَلما رأى الحشوية ان مثل هَذَا غير مَفْهُوم مِنْهُ مُرَاد قَائِله نفوا الْمَعْنى عَنهُ أصلا وَقَالُوا إِنَّه لَا معنى لَهُ لَا بِمَعْنى أَنه غير مَوْضُوع بل بِمَعْنى مَا ذكرنَا هَذَا مَا فِي وسعي من تَوْجِيه هَذَا الْكَلَام الَّذِي اضْطَرَبَتْ فِيهِ الأفهام وَلم أر لأحد مِمَّن كتب هُنَا كلَاما شافيا انْتهى كَلَامه وحكت المعطلة عَنْهُم انهم قَالُوا بِجَوَاز وُرُود مَالا معنى لَهُ فِي الْقُرْآن وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بتحيز الله وحصره وَحكى المعطلة أَنهم قَالُوا لَهُ اعضاء وانهم شبهوا الله تَعَالَى بخلقه وحكت المعطلة عَنْهُم غير هَذَا مِمَّا لم يقولوه وَلنْ تقله اشياخهم وَالْأَمر كَمَا قَالَ النَّاظِم إِن المعطلة ظنُّوا أَن هَذَا لَازِما لقَولهم فحكوه عَنْهُم وكذبوا عَلَيْهِم واعتدوا لِأَن لَازم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمذهب وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم فَعَلَيهِ أَي على الْمُعَطل فِي نِسْبَة ذَلِك الى اهل الاثبات معاذير ثَلَاث وَكلهَا بَاطِلَة الأول ظن اللُّزُوم وَالثَّانِي قذفهم بلزومه وَالثَّالِث شَهَادَته عَلَيْهِم بالْكفْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... يَا شَاهدا بالزور وَيحك لم تخف ... يَوْم الشَّهَادَة سطوة الديَّان يَا قَائِل الْبُهْتَان غط لوازما ... قد قلت ملزوماتها بِلِسَان وَالله لازمها انْتِفَاء الذَّات والأوصاف وَالْأَفْعَال للرحمن ... وَالله لازمها انْتِفَاء الدّين وَال قُرْآن والاسلام والايمان وَلُزُوم ذَلِك بَين جدا لمن ... كَانَت لَهُ أذنان واعيتان وَالله لَوْلَا ضيق هَذَا النّظم بيّنت اللُّزُوم بأوضح التِّبْيَان ... وَلَقَد تقدم مِنْهُ مَا يَكْفِي لمن ... كَانَت لَهُ عينان ناظرتان ... إِن الذكي بِبَعْض ذَلِك يَكْتَفِي ... وأخو البلادة سَاكن الجبان ... شرع النَّاظِم فِي بَيَان اللوازم الَّتِي تلْزم المعطلة وَيلْزم مِنْهَا انْتِفَاء ذَاته تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله بل يلْزم مِنْهَا انْتِفَاء الدّين والاسلام وَالْقُرْآن وَقد تقدم مَا يعرف من ذَلِك فِي غُضُون هَذَا النّظم قَوْله سَاكن الجبان الجبان والجبانه مشددتين الْمقْبرَة والصحراء قَالَه فِي الْقَامُوس قَالَ النَّاظِم ... يَا قَومنَا اعتبروا بِجَهْل شيوخكم ... بحقائق الايمان وَالْقُرْآن أَو مَا سَمِعْتُمْ قَول أفضل وقته ... فِيكُم مقَالَة جَاهِل فتان إِن السَّمَاوَات العلى وَالْأَرْض قبل الْعَرْش بالاجماع مخلوقان ... وَالله مَا هذي مقَالَة عَالم ... فضلا عَن الاجماع كل زمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 .. من قَالَ قد خَالف الاجماع وَالْخَبَر الصَّحِيح وَظَاهر الْقُرْآن فَانْظُر الى مَا جَرّه تَأْوِيل لفظ الإستواء بِظَاهِر الْبطلَان ... زعم الْمُعَطل ان تاويل اسْتَوَى ... بالخلق والاقبال وضع لِسَان ... كذب الْمُعَطل لَيْسَ ذَا لُغَة الألى ... قد خوطبوا بِالْوَحْي وَالْقُرْآن فأصاره هَذَا إِلَى أَن قَالَ خلق الْعَرْش بعد جَمِيع ذِي الاكوان ... يهنيه تَكْذِيب الرَّسُول لَهُ وَإِجْمَاع الهداة ومحكم الْفرْقَان ... لم أَقف على تعْيين قَائِل هَذَا القَوْل وَمعنى ذَلِك ان هَذَا الْقَائِل الْجَاهِل زعم ان السَّمَاوَات والارض مخلوقان قبل الْعَرْش بالاجماع واعجب لهَذَا الْجَهْل الْعَظِيم وَمُخَالفَة الاجماع وَالْخَبَر الصَّحِيح وَظَاهر الْقُرْآن وَذَلِكَ ان للسلف قَوْلَيْنِ فِي أول الْمَخْلُوقَات مَا هُوَ أَحدهمَا أَن الْعَرْش اول الْمَخْلُوقَات وَالثَّانِي ان الْقَلَم هُوَ أول الْمَخْلُوقَات فَكَانَ فِي هَذَا إِجْمَاع السّلف على ان الْمَخْلُوقَات الْعَرْش اَوْ الْقَلَم وَهَذَا الْجَاهِل زعم ان السَّمَاوَات والارض مخلوقان قبل الْعَرْش فخرق الاجماع وَالْخَبَر الصَّحِيح الَّذِي أَشَارَ اليه هُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا قَالَ كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَاوَات والارض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَقَول النَّاظِم زعم المعطلة أَن تَأْوِيل اسْتَوَى بالخلق والاقبال أَي إِن الْمُعَطل زعم أَن تَفْسِير الاسْتوَاء بالاقبال يتَضَمَّن أَن الارض وَالسَّمَاوَات مخلوقان قبل الْعَرْش وَهَذَا غَايَة الْجَهْل قَوْله قَول الْمُعَطل إِن تَأْوِيل اسْتَوَى بالخلق والاقبال وضع لِسَان أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 زعم أَن تَأْوِيل الاسْتوَاء بقَوْلهمْ اقبل على خلق السَّمَاء هُوَ الْمَعْرُوف فِي لُغَة الْعَرَب وَلَيْسَ كَذَلِك واذا كَانَ الْعَرْش مخلوقا قبل خلق السَّمَاوَات والارض فَكيف يكون استواؤه عمده الى خلقه لَهُ لَو كَانَ هَذَا يعرف فِي اللُّغَة ان الاسْتوَاء على كَذَا بِمَعْنى أَنه عمد الى فعله وَهَذَا لَا يعرف قطّ فِي اللُّغَة لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لَا فِي نظم وَلَا نثر وَمن قَالَ اسْتَوَى بِمَعْنى عمد ذكره فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} فصلت لِأَنَّهُ عدى بِحرف الْغَايَة كَمَا يُقَال عَمَدت الى كَذَا وَلَا قصدت عَلَيْهِ مَعَ ان مَا ذكر فِي تِلْكَ الْآيَة لَا يعرف فِي اللُّغَة أَيْضا وَلَا هُوَ قَول اُحْدُ من مفسري السّلف بل الْمُفَسِّرُونَ من السّلف قَوْلهم بِخِلَاف ذَلِك وانما هَذَا القَوْل وَأَمْثَاله ابتدع فِي الاسلام لما ظهر إِنْكَار أَفعَال الرب الَّتِي تقوم بِهِ ويفعلها بمشيئتة وَقدرته واختياره فَحِينَئِذٍ صَار يُفَسر الْقُرْآن من يفسره بِمَا يُنَافِي ذَلِك كَمَا يُفَسر سَائِر اهل الْبدع الْقُرْآن على مَا يُوَافق أقاويلهم وَأما أَن ينْقل هَذَا التَّفْسِير عَن اُحْدُ من السّلف فَلَا بل أَقْوَال السّلف الثَّانِيَة عَنْهُم متفقة فِي هَذَا الْبَاب لَا يعرف لَهُم فِيهِ قَولَانِ كَمَا قد يَخْتَلِفُونَ أَحْيَانًا فِي بعض الْآيَات وان اخْتلفت عباراتهم فمقصودهم وَاحِد وَهُوَ اثبات علو الله على الْعَرْش ثمَّ قَالَ النَّاظِم على سَبِيل التهكم يهنيه تَكْذِيب الرَّسُول لَهُ واجماع الهداة ومحكم الْفرْقَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 فصل فِي الرَّد عَلَيْهِم تكفيرهم أهل الْعلم والايمان وَذكر انقسامهم الى أهل الْجَهْل والتفريط والبدع والكفران ... وَمن الْعَجَائِب أَنكُمْ كَفرْتُمْ أهل الحَدِيث وشيعة الْقُرْآن ... إِذْ خالفوا رايا لَهُ رَأْي ينا ... قضه لأجل النَّص والبرهان ... وجعلتم التَّكْفِير عين خلافكم ... ووفاقكم فحقيقة الايمان فوفاقكم ميزَان دين الله لَا ... من جَاءَ بالبرهان وَالْفرْقَان ميزانكم ميزَان بَاغ جَاهِل ... والعول كل الْعَوْل فِي الْمِيزَان أَهْون بِهِ ميزَان جور عائل ... بيد المطفف ويل ذَا الْوزان لَو كَانَ ثمَّ حَيا وَأدنى مسكة من دين أَو علم وَمن ايمان ... لم تجْعَلُوا آراءكم ميزَان كفر النَّاس بالبهتان والعدوان هبكم تأولتم وساغ لكم أيكفر من يخالفكم بِلَا برهَان ... هذي الوقاحة والجراءة والجها ... لَة وَيحكم يَا فرقة الطغيان ... الله أكبر ذَا عُقُوبَة تَارِك الوحيين للآراء والهذيان ... أَي وَمن الْعَجَائِب انكم كَفرْتُمْ أهل الحَدِيث إِذْ خالفوا آراء الرِّجَال للنصوص فجعلتم فجعلتم الْكفْر والايمان لاجل خلافكم ووفاقكم فعلى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 فالميزان وفاقكم فَمن وافقكم شهدتم لَهُ بالايمان وَمن خالفكم شهدتم عَلَيْهِ بالكفران ووفاقكم فحقيقة الايمان مُبْتَدأ وَخبر وفاقكم مُبْتَدأ وَحَقِيقَته خَبره قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... لكننا نأتي بِحكم عَادل فِيكُم لاجل مَخَافَة الرَّحْمَن ... فاسمع إِذا يَا منصفا حكيمها ... وَانْظُر إِذا هَل يَسْتَوِي الحكمان هم عندنَا قِسْمَانِ أهل جَهَالَة ... وذوو العناء وذانك القسمان جمع وَفرق بَين نَوْعَيْنِ هما ... فِي بِدعَة لَا شكّ يَجْتَمِعَانِ وذوو العناد فَأهل كفر ظَاهر ... والجاهلون فانهم نَوْعَانِ متمكنون من الْهدى وَالْعلم بالأسباب ذَات الْيُسْر والامكان ... لَكِن إِلَى ارْض الْجَهَالَة أخلدوا ... واستسهلوا التَّقْلِيد كالعميان لم ييذلوا الْمَقْدُور فِي إدراكهم ... للحق تهوينا بِهَذَا الشان ... فهم الألى لَا شكّ فِي تفسيقهم ... وَالْكفْر فِيهِ عندنَا قَولَانِ وَالْوَقْف عِنْدِي فيهم لست الَّذِي ... بالْكفْر أنعتهم وَلَا الايمان وَالله اعْلَم بالبطانة مِنْهُم ... وَلنَا ظهارة حلَّة الاعلان لكِنهمْ مستوجبون عِقَابه ... قطعا لأجل الْبَغي والعدوان هبكم عذرتم بالجهالة إِنَّكُم ... لن تعذروا بالظلم والطغيان والطعن فِي قَول الرَّسُول وَدينه ... وَشَهَادَة بالزور والبهتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 .. وَكَذَلِكَ استحلال قتل مخالفيكم قتل ذِي الاشراك والكفران ... ان الْخَوَارِج مَا احلوا قَتلهمْ ... الا لما ارتكبوا من الْعِصْيَان ... وسمعتم قَول الرَّسُول وَحكمه ... فيهم وَذَلِكَ وَاضح التِّبْيَان لكنكم أَنْتُم أبحتم قَتلهمْ ... بوفاق سنته مَعَ الْقُرْآن وَالله مَا زادوا النقير عَلَيْهِمَا ... لَكِن بتقرير مَعَ الايمان فَبِحَق من قد خصكم بِالْعلمِ وَالتَّحْقِيق والانصاف والعرفان ... أَنْتُم احق ام الْخَوَارِج بِالَّذِي ... قَالَ الرَّسُول فأوضحوا بِبَيَان ... هم يقتلُون لعابد الرَّحْمَن بل ... يدعونَ أهل عبَادَة الْأَوْثَان هَذَا وَلَيْسوا أهل تَعْطِيل وَلَا ... عزل النُّصُوص الْحق بالبرهان ... حَاصِل كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل وَالَّذِي بعده تَقْسِيم اهل الْجَهْل والتعطيل الى قسمَيْنِ اهل عناد وجهال ثمَّ قسم الْجُهَّال الى قسمَيْنِ الْقسم الاول متمكنون من الْهدى وَالْعلم بالاسباب المتيسرة وَلَكِن اخلدوا الى الْجَهَالَة واستسهلوا التَّقْلِيد وَالْقسم الثَّانِي من الْجُهَّال أهل عجز عَن بُلُوغ الْحق مَعَ حسن قصد وايمان بِاللَّه وَرَسُوله ولقائه ثمَّ قَالَ وهم اذا ميزتهم حزبان الأول قوم أَحْسنُوا الظَّن بِمَا قالته الْأَشْيَاخ وَأهل الدّيانَة عِنْدهم وَلم يَجدوا سوى اقوالهم فرضوا بهَا وَالضَّرْب الثَّانِي من هَؤُلَاءِ فطالبوا الْحق لَكِن صدهم عَن علمه انهم طلبُوا الْحَقَائِق من سوى أَبْوَابهم وسلكوا طرقا غير موصلة الى الْيَقِين فتشابهت الطّرق عَلَيْهِم وصاروا حيارى فاما الْقسم الأول وهم اهل العناد وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَحكم بكفرهم وَقد أَشَارَ الى ذَلِك بقوله فِي هَذَا النّظم ... فالكفر لَيْسَ سوى العناد وردما قَالَ الرَّسُول لأجل قَول فلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وَأما الْقسم الأول من الْجُهَّال وهم المتمكنون من الْهدى وَالْعلم وَلَكنهُمْ اخلدوا الى التَّقْلِيد وَلم يبذلوا وسعهم فِي طلب الْحق فَهَؤُلَاءِ حكم النَّاظِم بفسقهم وَأما الْكفْر فَفِيهِ قَولَانِ وَاخْتَارَ الْوَقْف وَأما الْقسم الثَّانِي وهم اهل الْعَجز عَن بُلُوغ الْحق مَعَ ايمانهم بِاللَّه وَرَسُوله وَلَكنهُمْ قلدوا الْمَشَايِخ واهل الدّيانَة وَقَالَ فيهم النَّاظِم ... فأولاء معذورون إِن لم يظلموا ... ويكفروا بِالْجَهْلِ والعدوان ... أَي إِنَّهُم وان عذروا بالجهالة فهم غير معذورين بالظلم والطغيان والطعن فِي قَول الرَّسُول وَدينه وَالشَّهَادَة بالزور والبهتان وَاسْتِحْلَال قتل مخاليفهم من المثبتة الَّذين اثبتوا مَا اثبته الله وَرَسُوله من الصِّفَات من غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تكييف وَلَا تَمْثِيل وَدَعوى أَنهم اهل شرك وَكفر فان الْخَوَارِج لم يحل قِتَالهمْ الا لما ارتكبوه من الْعِصْيَان وَاسْتِحْلَال قتال اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والطعن عَلَيْهِم مَعَ عِبَادَتهم الْعَظِيمَة كَمَا قَالَ فيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ وقراءته مَعَ قراءتهم يَمْرُقُونَ من الاسلام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم فان فِي قَتلهمْ أجرا عِنْد الله لمن قَتلهمْ وَقد صَحَّ الحَدِيث فِي الْخَوَارِج من عشرَة اوجه كَمَا قَالَه الامام احْمَد وَغَيره فاذا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حكم بقتل الْخَوَارِج مَعَ عِبَادَتهم الْعَظِيمَة فَأنْتم أَيهَا الْجُهَّال المقلدة إِذا استحللتم دِمَاء المثبتة أَحَق من الْخَوَارِج بِالْقَتْلِ وَالْقسم الثَّانِي من هَذَا الْقسم فهم الَّذين طلبُوا الْحق لَكِن من غير طرقه وَغلب عَلَيْهِم الشَّك والحيرة وَالْوَقْف من غير شكّ فِي الله أَو دينه أَو كِتَابه ولقائه فَقَالَ ... فاؤلاء بَين الذَّنب والأجرين أَو ... احداهما أَو وَاسع الغفران ... هَذَا حَاصِل مَا ذكره فِي هَذَا الْفَصْل قسمهم الى اربعة اقسام وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 ذكر النَّاظِم فِي شرح منَازِل السائرين فِي ذكر أَجنَاس مَا يُتَاب مِنْهُ وَهِي اثْنَا عشر جِنْسا أَرْبَعَة مَذْكُورَة فِي كتاب الله عز وَجل الأول الْكفْر وَالثَّانِي الشّرك فأنواع الْكفْر خَمْسَة كفر تَكْذِيب وَكفر استكبار وإباء مَعَ التَّصْدِيق وَكفر اعراض وَكفر شكّ وَكفر نفاق وَبَين هَذِه الْأَنْوَاع ثمَّ قَالَ وَأما الشّرك الاكبر فَهُوَ نَوْعَانِ ثمَّ بَين ذَلِك بِأَحْسَن بَيَان وَقَالَ شيخ الاسلام فِي رده على ابْن الْبكْرِيّ فَلهَذَا كَانَ اهل الْعلم وَالسّنة لَا يكفرون من خالفهم وَإِن كَانَ ذَلِك الْمُخَالف يكفرهم لِأَن الْكفْر حكم شَرْعِي فَلَيْسَ للانسان أَن يُعَاقب بِمثلِهِ كمن كذب عَلَيْك وزنى بأهلك لَيْسَ لَك أَن تكذب عَلَيْهِ وتزني بأَهْله لِأَن الزِّنَا وَالْكذب حرَام لحق الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ التَّكْفِير حق لله تَعَالَى فَلَا يكفر إِلَّا من كفره الله وَرَسُوله وَأَيْضًا فان تَكْفِير الشَّخْص الْمعِين وَجَوَاز قَتله مَوْقُوف على أَن تبلغه الْحجَّة النَّبَوِيَّة الَّتِي يكفر من خالفها وَإِلَّا فَلَيْسَ كل من جهل شَيْئا من الدّين يكفر الى أَن قَالَ وَلِهَذَا كنت أَقُول للجهمية من الحلولية والنفاة الَّذين ينفون أَن يكون الله تَعَالَى فَوق الْعَرْش أَنا لَو وافقتكم كنت كَافِرًا لِأَنِّي أعلم أَن قَوْلكُم كفر وَأَنْتُم عِنْدِي لَا تكفرون لأنكم جهال وَقَالَ شيخ الاسلام أَيْضا فِي كَلَام لَهُ بعد كَلَام سبق وَحَقِيقَة الْأَمر فِي ذَلِك أَن القَوْل قد يكون كفرا فيطلق القَوْل بتكفير صَاحبه وَيُقَال من قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِر لَكِن الشَّخْص الْمعِين الَّذِي قَالَ ذَلِك لَا يحكم بِكُفْرِهِ حَتَّى تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة الَّتِي يكفر تاركها وَهَذَا كَمَا هُوَ فِي نُصُوص الْوَعيد فان الله يَقُول {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} النِّسَاء فَهَذَا أَو نَحوه من نُصُوص الْوَعيد حق لَكِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 الشَّخْص الْمعِين لَا يشْهد علبه بالوعيد فَلَا يشْهد لمُعين من أهل الْقبْلَة بالنَّار لجَوَاز أَن لَا يلْحقهُ الْوَعيد لفَوَات شَرط أَو ثُبُوت مَانع فقد لَا يكون التَّحْرِيم بلغَة وَقد يَتُوب من فعل الْمحرم وَنَحْو ذَلِك وَهَكَذَا الْأَقْوَال الَّتِي يكفر قَائِلهَا قد يكون الرجل لم تبلغه النُّصُوص الْمُوجبَة لمعْرِفَة الْحق أَو لم تثبت عِنْده أَو لم يتَمَكَّن من فهمهما أَو لم يفهمها لشُبْهَة عرضت لَهُ يعذرهُ الله بهَا فَمن كَانَ من الْمُؤمنِينَ مُجْتَهدا فِي طلب الْحق وَأَخْطَأ فان الله يغْفر لَهُ خطأه كَائِنا مَا كَانَ سَوَاء فِي الْمسَائِل النظرية أَو العملية هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجماهير أَئِمَّة الاسلام وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي بعض أجوبته فَمن عُيُوب أهل الْبدع تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا وَمن ممادح أهل الْعلم يخطؤون وَلَا يكفرون وَسبب ذَلِك أَن أحدهم يظنّ مَا لَيْسَ بِكفْر كفرا وَقد يكون كفرا لِأَنَّهُ تبين لَهُ أَنه تَكْذِيب للرسول وَسَب للخالق وَالْآخر لم يتَبَيَّن لَهُ ذَلِك فَلَا يلْزم اذا كَانَ هَذَا الْعَالم بِحَالهِ يكفر اذا قَالَه أَن يكفر من لم يعلم بِحَالهِ قَالَ واذا كَانَ يَعْنِي الامام احْمَد رَحمَه الله يكفر الْجَهْمِية المنكرين لأسماء الله تَعَالَى وَصِفَاته لِأَن مناقضة أَقْوَالهم لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَاهِرَة بَيِّنَة وَلِأَن حَقِيقَة قَوْلهم تَعْطِيل الْخَالِق وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ قد ابْتُلِيَ بهم حَتَّى عرف حَقِيقَة قَوْلهم وَأمرهمْ وَأَنه يَدُور على التعطيل وتكفير الْجَهْمِية مَشْهُور عَن السّلف وَالْأَئِمَّة لَكِن مَا كَانَ يكفر أعيانهم فان الَّذِي يَدْعُو الى القَوْل أعظم من الَّذِي يَقُوله وَالَّذِي يُعَاقب مخالفه أعظم من الَّذِي يَدْعُو فَقَط وَالَّذِي يكفر مخالفه أعظم من الَّذِي يُعَاقِبهُ وَمَعَ هَذَا فَالَّذِينَ كَانُوا من وُلَاة الْأُمُور يَقُولُونَ بقول الْجَهْمِية إِن الْقُرْآن مَخْلُوق وان الله لَا يرى فِي الْآخِرَة وَغير ذَلِك من تَعْطِيل أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَيدعونَ النَّاس الى ذَلِك ويمتحنونهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 ويعاقبونهم اذا لم يجيبوا ويكفرون من لم يجبهم حَتَّى إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيدوا الْأَسير لَا يطلقونه حَتَّى يقر بقول الْجَهْمِية إِن الْقُرْآن مَخْلُوق وَلَا يولون مستول وَلَا يرْزقُونَ من بَيت المَال الا من يَقُول ذَلِك وَمَعَ هَذَا فالامام أَحْمد ترحم عَلَيْهِم واستغفر لَهُم لعلمه أَنهم لم يتَبَيَّن لَهُم أَنهم يكذبُون الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا جاحدون لما جَاءَ بِهِ وَلَكِن تأولوا فأخطؤوا وقلدوا من قَالَ ذَلِك وَكَذَلِكَ الامام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما قَالَ لحفص الْفَرد حِين قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق كفرت بِاللَّه الْعَظِيم فَبين بذلك أَن هَذَا القَوْل كفر لم يحكم بردة حَفْص بِمُجَرَّد ذَلِك لِأَنَّهُ لم تتبين لَهُ الْحجَّة الَّتِي يكفر بهَا وَلَو اعْتقد أَنه مُرْتَد لسعى فِي قَتله وَقد صرح فِي كتبه بِقبُول شَهَادَة اهل الاهواء وَالصَّلَاة خَلفهم وَكَذَلِكَ قَالَ الامام مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي القدري إِن جحد علم الله كفر وَلَفظ بَعضهم ناظروا الْقَدَرِيَّة بِالْعلمِ فان أقرُّوا بِهِ خصموا وَإِن جحدوه كفرُوا وَسُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن القدري هَل يكفر فَقَالَ إِن جحد الْعلم كفر حِينَئِذٍ فجاحده من جنس الْجَهْمِية وَأما قتل الداعية للبدع فقد يقتل لكف ضَرَره على النَّاس كَمَا يقتل الْمُحَارب وَإِن لم يكن فِي نفس الْأَمر كَافِرًا فَلَيْسَ كل من أَمر الشَّرْع بقتْله يكون قَتله لردته وعَلى هَذَا يكون قتل غيلَان القدري وَغَيره من اهل الْبدع قد يكون على هَذَا الْوَجْه انْتهى كَلَامه قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام سبق فِي ذكر مَا عَلَيْهِ كثير من النَّاس من الْكفْر وَالْخُرُوج عَن الاسلام قَالَ وَهَذَا كثير غَالب لَا سِيمَا فِي الْأَعْصَار والامصار الَّتِي تغلب فِيهَا الْجَاهِلِيَّة وَالْكفْر والنفاق فلهؤلاء من عجائب الْجَهْل وَالظُّلم وَالْكذب وَالْكفْر والنفاق والضلال مَا لَا يَتَّسِع لذكره الْمقَال واذا كَانَ فِي المقالات الْخفية فقد يُقَال إِنَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 فِيهَا مخطيء ضال لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة الَّتِي يكفر صَاحبهَا لَكِن ذَلِك يَقع فِي طوائف مِنْهُم فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة الَّتِي يعلم الْخَاصَّة والعامة من الْمُسلمين أَنَّهُمَا من دين الاسلام بل الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ يعلمُونَ ان مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بهَا وَكفر من خالفها مثل أمره بِعبَادة الله وَحده لَا شريك لَهُ وَنَهْيه عَن عبَادَة اُحْدُ سوى الله من الْمَلَائِكَة والنبيين أَو غَيرهم فان هَذَا أظهر شَعَائِر الاسلام وَمثل معادات الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَمثل تَحْرِيم الْفَوَاحِش والربا وَالْخمر وَالْميسر وَنَحْو ذَلِك ثمَّ تَجِد كثيرا من رؤوسهم وَقَعُوا فِي هَذِه الْأَنْوَاع فَكَانُوا مرتدين وَإِن كَانُوا قد يتوبون من ذَلِك أَو يعودون الى ان قَالَ وأبلغ من ذَلِك أَن مِنْهُم من يصنف فِي دين الْمُشْركين وَالرِّدَّة عَن الاسلام كَمَا صنف الرَّازِيّ كِتَابه فِي عبَادَة الْكَوَاكِب وَأقَام الْأَدِلَّة على حسن ذَلِك ومنفعته وَرغب فِيهِ وَهَذِه ردة عَن الاسلام بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَإِن كَانَ قد يكون عَاد إِلَى الْإِسْلَام انْتهى فَانْظُر الى تفريقه بَين المقالات الْخفية والأمور الظَّاهِرَة فَقَالَ فِي المقالات الْخفية الَّتِي هِيَ كفر قد يُقَال إِنَّه فِيهَا مخطيء ضال لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة الَّتِي يكفر صَاحبهَا وَلم يقل ذَلِك فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة حكمهَا مُطلقًا وَبِمَا يصدر مِنْهَا من مُسلم جهلا كاستحلال محرم أَو فعل أَو قَول شركي بعد التَّعْرِيف وَلَا يكفر بالأمور الْخفية جهلا كالجهل بِبَعْض الصِّفَات فَلَا يكفر الْجَاهِل بهَا مُطلقًا وان كَانَ دَاعِيَة كَقَوْلِه للجهمية أَنْتُم عِنْدِي لَا تكفرون لأنكم جهال وَقَوله عِنْدِي يبين ان عدم تكفيرهم لَيْسَ أمرا مجمعا عَلَيْهِ لكنه اخْتِيَاري وَقَوله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب فان الصَّحِيح من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الْمَذْهَب تَكْفِير الْمُجْتَهد الدَّاعِي الى القَوْل بِخلق الْقُرْآن أَو نفي الرُّؤْيَة أَو الرَّفْض وَنَحْو ذَلِك وتفسيق الْمُقَلّد قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين ابْن تَيْمِية رَحمَه الله الصَّحِيح ان كل بِدعَة كفرنا فِيهَا الداعية فانا نفسق الْمُقَلّد فِيهَا كمن يَقُول فِي خلق الْقُرْآن أَو ان علم الله مَخْلُوق اَوْ ان اسماءه مخلوقة أَو أَنه لَا يرى فِي الْآخِرَة أَو يسب الصَّحَابَة تدينا أَو يَقُول إِن الْإِيمَان مُجَرّد الِاعْتِقَاد وَمَا أشبه ذَلِك فَمن كَانَ فِي شَيْء من هَذِه الْبدع يَدْعُو اليه ويناظر عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُوم بِكُفْرِهِ نَص احْمَد على ذَلِك فِي مَوَاضِع انْتهى فَانْظُر كَيفَ حكمُوا بكفرهم مَعَ جهلهم وَالشَّيْخ رَحمَه الله يخْتَار عدم كفرهم ويفسقون عِنْده وَنَحْوه قَول النَّاظِم فانه قَالَ وَفسق الِاعْتِقَاد كفسق أهل الْبدع الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويحرمون مَا حرم الله ويوجبون مَا أوجب الله وَلَكِن ينفون كثير مِمَّا أثبت الله وَرَسُوله جهلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون مَا لم يُثبتهُ الله وَرَسُوله كَذَلِك وَهَؤُلَاء كالخوارج المارقة وَكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وَكثير من الْجَهْمِية الَّذين لَيْسُوا غلاة التجهم وَأما غلاة الْجَهْمِية فكغلاة الرافضة لَيْسَ للطائفتين فِي الاسلام نصيب وَلذَلِك أخرجهم جمَاعَة من السّلف من الثِّنْتَيْنِ وَسبعين فرقة وَقَالُوا هم مباينون للملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... وَالْآخرُونَ فَأهل عجز عَن بلو ... غ الْحق مَعَ قصد وَمَعَ ايمان ... بِاللَّه ثمَّ رَسُوله ولقائه ... وهم اذا ميزتهم ضَرْبَان ... قوم دهاهم حسن ظنهم بِمَا ... قالته اشياخ ذَوُو أَسْنَان وديانة فِي النَّاس لم يجحدوا سوى ... اقوالهم فرضوا بهَا بِأَمَان لَو يقدرُونَ على الْهدى لم يرتضوا ... بَدَلا بِهِ من قَائِل الْبُهْتَان فأولاء معذورون ان لم يظلموا ... ويكفروا بِالْجَهْلِ والعدوان وَالْآخرُونَ فطالبون الْحق لَكِن صدهم عَن علمه شَيْئَانِ ... مَعَ بحثهم ومصنفات قصدهم ... مِنْهَا وصولهم الى الْعرْفَان ... أحداهما طلب الْحَقَائِق من سوى ... أَبْوَابهَا متسوري الجدران وسلوك طرق غير موصلة الى ... دَرك الْيَقِين ومطلع الايمان فتشابهت تِلْكَ الْأُمُور عَلَيْهِم ... مثل اشْتِبَاه الطّرق بالحيران فترى أفاضلهم حيارى كلهَا ... فِي التيه يقرع ناجذ الندمان وَيَقُول قد كثرت عَليّ الطّرق لَا ... أَدْرِي الطَّرِيق الْأَعْظَم السلطاني ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 .. بل كلهَا طرق مخوفات بهَا الْآفَات حَاصِلَة بِلَا حسبان ... فالوقف غَايَته وَآخر أمره ... من غير شكّ مِنْهُ فِي الرَّحْمَن ... أَو دينه وَكتابه وَرَسُوله ولقائه وقيامة الْأَبدَان فأولاء بَين الذَّنب والأجرين أَو ... إِحْدَاهمَا أَو وَاسع الغفران ... فانظرالى أحكامنا فيهم وَقد ... جَحَدُوا النُّصُوص وَمُقْتَضى الْقُرْآن وَانْظُر الى أحكامهم فِينَا لأجل خلافهم اذ قَادَهُ الوحيان ... هَل يَسْتَوِي الحكمان عِنْد الله أَو ... عِنْد الرَّسُول وَعِنْدِي ذِي الايمان ... الْكفْر حق الله ثمَّ رَسُوله ... بِالشَّرْعِ يثبت لَا بقول فلَان من كَانَ رب الْعَالمين وَعَبده ... قد كفراه فَذَاك ذُو الكفران فَهَلُمَّ وَيحكم نحاكمكم الى النصين من وَحي وَمن قُرْآن ... وَهُنَاكَ يعلم أَي حزبينا على الكفران حَقًا أَو على الْإِيمَان فليهنكم تَكْفِير من حكمت باسلام وإيمان لَهُ النصان ... لَكِن غَايَته كِفَايَة من سوى الْمَعْصُوم غَايَة نوع ذَا الْإِحْسَان فَيصير الأجرين أجرا وَاحِدًا ... إِن فَاتَهُ من أَجله الكفلان ان كَانَ ذَاك مكفر يَا أمة الْعدوان من هَذَا على الْإِيمَان ... قد دَار بَين الْأجر والأجرين والتكفير بِالدَّعْوَى بِلَا برهَان ... كَفرْتُمْ وَالله من شهد الرَّسُول بِأَنَّهُ حَقًا على الْإِيمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 .. ثِنْتَانِ من قبل الرَّسُول وخصلة ... من عنْدكُمْ أفأنتما عَدْلَانِ ... فصل فِي تلاعب المكفرين لأهل السّنة وَالْإِيمَان بِالدّينِ كتلاعب الصّبيان ... كم ذَا التلاعب مِنْكُم بِالدّينِ وَال إِيمَان مثل تلاعب الصّبيان خسفت قُلُوبكُمْ كَمَا كسفت عقولكم فَلَا تزكوا على الْقُرْآن ... كم ذَا تَقولُوا مُجمل ومفصل ... وظواهر عزلت عَن الإيقان ... حَتَّى اذا رَأْي الرِّجَال أَتَاكُم ... فاسمع لما يوحي بِلَا برهَان ... يَقُول النَّاظِم رَحمَه الله إِنَّكُم معاشر الْمُخَالفين للْكتاب وَالسّنة تلاعبتم بِالدّينِ كتلاعب الصّبيان فاذا احْتج أهل الاثبات بنصوص الوحيين تحيلتم فِي ردهَا بأنواع الْحِيَل فَتَارَة بدعوة الاجمال وَتارَة بالتأويل وَتارَة بقولكم ظواهر لفظية لَا تفِيد الْيَقِين وَنَحْو ذَلِك فاذا جَاءَت آراء الرِّجَال نُزُولهَا منزلَة النُّصُوص ثمَّ ضرب لَهُم مثلا بقوله ... مثل الخفافيش الَّتِي ان جاءها ... ضوء النها فَفِي كوى الْحِيطَان عميت عَن الشَّمْس المنيرة لَا تطِيق هِدَايَة فِيهَا الى الطيران حَتَّى إِذا مَا اللَّيْل جَاءَ ظلامه ... جالت بظلمته بِكُل مَكَان فترى الموحد حِين يسمع قَوْلهم ... ويراهم فِي محنة وهوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 .. وارحمتاه لعَينه ولأذنه ... يَا محنة الْعَينَيْنِ والأذنان ... قَوْله مثل الخفافيش الخ قَالَ فِي الْقَامُوس خفاش كرمان الوطواط سمي لصِغَر عَيْنَيْهِ وَضعف بَصَره وَأما الكوى فَقَالَ فِي الْقَامُوس الكوة بِفَتْح الْكَاف وَيضم والكو الْخرق فِي الْحَائِط جمع كوى وكواء وتكوى دخل مَكَانا ضيقا أَي إِن هَؤُلَاءِ المعطلة لضعف بصائرهم مثل الخفافيش مَتى سمعُوا نُصُوص الوحيين وَرَأَوا نور الْكتاب وَالسّنة لم تحتملها بصائرهم لِضعْفِهَا فاذا جَاءَت ظلمَة آراء الرِّجَال جالوا بهَا وصالوا وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم وارحمتاه لعَينه ولأذنه أَي مِمَّا يرى وَيسمع من كَثْرَة الآراء والهذيان والشبه الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم ... إِن قَالَ حَقًا كفروه وَإِن يقو ... لوا بَاطِلا نسبوه للايمان ... حَتَّى اذا مارده عادوه مثل عَدَاوَة الشَّيْطَان للانسان قَالُوا لَهُ خَالَفت أَقْوَال الشيو ... خَ وَلم يبالوا الْخلف للفرقان خَالَفت أَقْوَال الشُّيُوخ فَأنْتم ... خالفتم من جَاءَ بِالْقُرْآنِ خالفتم قَول الرَّسُول وانما ... خَالَفت من جراه قَول فلَان ... أَي إِن قَالَ الْمُثبت بِمَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص الوحيين كفروه وَإِن قَالُوا هم بَاطِلا نسبوه للايمان فان رده الْمُثبت عادوه مثل عَدَاوَة الشَّيْطَان للانسان يحْتَمل أَن مُرَاده بالشيطان والانسان آدم وإبليس وَيحْتَمل أَن مُرَاده الْجِنْس أَي عادوه مثل عَدَاوَة الشَّيْطَان لجنس بني آدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 قَوْله قَالُوا خَالَفت أَقْوَال الشُّيُوخ أَي قَالُوا لَهُ خَالَفت أَقْوَال الشُّيُوخ وهم قد خالفوا الْقُرْآن من غير مبالاة فَيَقُول لَهُم الْمُثبت إِن كنت خَالَفت أَقْوَال الشُّيُوخ فَلم أخالفها الا لأجل من جَاءَ بِالْقُرْآنِ قَوْله من جراه بِضَم الْجِيم وَالْمدّ أَي من أجل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... يَا حبذا ذَاك الْخلاف فانه ... عين الْوِفَاق لطاعة الرَّحْمَن أَو مَا علمت بِأَن أَعدَاء الرسو ... ل عَلَيْهِ عابوا الْخلف بالبهتان لشيوخهم وَلما عَلَيْهِ قد مضى ... أسلافهم فِي سالف الْأَزْمَان مَا الْعَيْب الا فِي خلاف النَّص لَا ... رَأْي الرِّجَال وفكرة الاذهان أَنْتُم تعيبون بِهَذَا وَهُوَ من ... توفيقنا وَالْفضل للمنان فليهنكم خلف النُّصُوص ويهننا ... خلف الشُّيُوخ أيستوي الخلفان وَالله مَا تسوى عقول جَمِيع أهل الأَرْض نصا صَحَّ ذَا تبيان ... حَتَّى نقدمها عَلَيْهِ معرضين مؤولين محرفي الْقُرْآن وَالله ان النَّص فِيمَا بَيْننَا ... لأجل من آراء كل فلَان وَالله لم ينقم علينا مِنْكُم ... أبدا خلاف النَّص من انسان ... أَي يَنْبَغِي لَك أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا النّظم أَن تعلم أَن أَعدَاء الرَّسُول عابوا عَلَيْهِ خلاف آبَائِهِم وَقَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَائِنَا على امة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون وَمن معائبهم للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم يَقُولُونَ لَهُ ضللت آبَاءَنَا فَيَقُول النَّاظِم مَا الْعَيْب الا فِي خلاف النَّص وَأما خلاف آراء الرِّجَال الْمُخَالفَة للنصوص فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 عين الْوَفَاء لطاعة الرَّحْمَن وَلِهَذَا قَالَ متهكما بهم فليهنكم خلف النُّصُوص ويهننا ثمَّ قَالَ وَالله لم ينقم علينا مِنْكُم أبدا خلاف النَّص من إِنْسَان أَي وَالله مَا نقمتم علينا مرّة وَاحِدَة خلاف النَّص وَإِنَّمَا خلاف الْأَشْعَرِيّ وَأَشَارَ الى ذَلِك بقوله ... إِلَّا خلاف الاشعري بزعمكم ... وكذبتم أَنْتُم على الانسان كَفرْتُمْ من قَالَ من قد قَالَه ... فِي كتبه حَقًا بِلَا كتمان هَذَا وخالفناه فِي الْقُرْآن مثل خلافكم فِي الفوق للرحمن ... فالأشعري مصر بالاستوا ... ء وبالعلو بغاية التِّبْيَان ومصرح أَيْضا باثبات الْيَدَيْنِ وَوجه رب الْعَرْش ذِي السُّلْطَان ... ومصرح أَيْضا بِأَن لربنا ... سُبْحَانَهُ عينان ناظرتان ... ومصرح أَيْضا باثبات النزو ... ل لربنا نَحْو الرفيع الداني ومصرح أَيْضا باثبات الأصا ... بِعْ مثل مَا قد قَالَ ذُو الْبُرْهَان ومصرح أَيْضا بِأَن الله يو ... م الْحَشْر يبصره أولو الايمان جَهرا يرَوْنَ الله فَوق سمائه ... رُؤْيا العيان كَمَا يرى القمران ومصرح أَيْضا باثبات الْمَجِيء وَأَنه يَأْتِي بِلَا نكران ... ومصرح بِفساد قَول مؤول للاستواء بقهر ذِي السُّلْطَان ومصرح أَن الألى قَالُوا بذا التَّأْوِيل أهل ضَلَالَة بِبَيَان ومصرح أَن الَّذِي قد قَالَه ... اهل الحَدِيث وعسكر الْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 .. هُوَ قَوْله يلقِي عَلَيْهِ ربه ... وَبِه يدين الله كل أَوَان ... قَالَ ابو الْحسن عَليّ بن اسماعيل الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي صنفه فِي اخْتِلَاف الْمُصَلِّين ومقالات الاسلاميين وَذكر فِيهِ فرق الروافض والخوارج والمرجئة والمعتزلة وَغَيرهم ثمَّ قَالَ مقَالَة أهل السّنة وَأَصْحَاب الحَدِيث جملَة قَول أَصْحَاب الحَدِيث وَأهل السّنة الاقرار بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَبِمَا جَاءَ عَن الله ومارواه الثِّقَات عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يردون شَيْئا من ذَلِك وَأَن الله وَاحِد أحد فَرد صَمد لَا إِلَه غَيره لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن الْجنَّة حق وَأَن النَّار حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور وَأَن الله على عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه وَأَن لَهُ يدين بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ {خلقت بيَدي} ص وكما قَالَ {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة وَأَن لَهُ عينين بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ {تجْرِي بأعيننا} الْقَمَر وَأَن لَهُ وَجها كَمَا قَالَ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن وَأَن أَسمَاء الله لَا يُقَال إِنَّهَا غير الله كَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة والخوارج وأقروا أَن لله علما كَمَا قَالَ {أنزلهُ بِعِلْمِهِ} وكما قَالَ {وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعِلْمِهِ} فاطر واثتبوا السّمع وَالْبَصَر وَلم ينفوا ذَلِك عَن الله كَمَا نفته الْمُعْتَزلَة وأثبتوا لله الْقُوَّة كَمَا قَالَ {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة} فصلت وَذكر مَذْهَبهم فِي الْقدر الى أَن قَالَ وَيَقُولُونَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَالْكَلَام فِي اللَّفْظ وَالْوَقْف من قَالَ بِاللَّفْظِ وبالوقف فَهُوَ مُبْتَدع عِنْدهم لَا يُقَال اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَلَا يُقَال غير مَخْلُوق ويقرون أَن الله يرى بالابصار يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر يرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يرَاهُ الْكَافِرُونَ لأَنهم عَن الله محجوبون وَذكر قَوْلهم فِي الاسلام وَالْإِيمَان والحوض والشفاعة وَأَشْيَاء إِلَى أَن قَالَ ويقرون بِأَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَلَا يَقُولُونَ مَخْلُوق وَلَا غير مَخْلُوق وَلَا يشْهدُونَ على أحد من أهل الْكَبَائِر بالنَّار الى أَن قَالَ وَيُنْكِرُونَ الجدل والمراء فِي الدّين وَالْخُصُومَة والمناظرة فِيمَا يتناظر فِيهِ أهل الجدل ويتنازعون فِيهِ من دينهم ويسلمون للروايات الصَّحِيحَة وَلما جَاءَت بِهِ الْآثَار الَّتِي جَاءَ بهَا الثِّقَات عدلا عَن عدل حَتَّى يَنْتَهِي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَقُولُونَ كَيفَ وَلَا لم لَان ذَلِك بِدعَة الى أَن قَالَ ويقرون أَن الله يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} وَأَن الله يقرب من خلقه كَيفَ يَشَاء كَمَا قَالَ {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} الى ان قَالَ ويرون مجانبة كل دَاع الى بِدعَة والتشاغل بِقِرَاءَة الْقُرْآن وَكِتَابَة الْآثَار وَالنَّظَر فِي الْفِقْه مَعَ الاستكانة والتواضع وَحسن الْخلق مَعَ بذل الْمَعْرُوف وكف الْأَذَى وَترك الْغَيْبَة والنميمة والسعاية وتفقد المآكل والمشارب قَالَ فَهَذِهِ جملَة مَا يؤمرون بِهِ ويستسلمون اليه ويرونه وَبِكُل مَا ذكرنَا من قَوْلهم نقُول وَإِلَيْهِ نَذْهَب وَمَا توفيقنا إِلَّا بِاللَّه وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ أَيْضا فِي اخْتِلَاف أهل الْقبْلَة فِي الْعَرْش قَالَ أهل السّنة وَأَصْحَاب الحَدِيث لَيْسَ بجسم وَلَا يشبه الْأَشْيَاء وَأَنه اسْتَوَى على الْعَرْش كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه وَلَا يتَقَدَّم بَين يَدي الله فِي القَوْل بل نقُول اسْتَوَى بِلَا كَيفَ وَأَنه لَهُ وَجها كَمَا قَالَ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن وَأَن لَهُ يدين كَمَا قَالَ خلقت بيَدي وَأَن لَهُ عينين كَمَا قَالَ تجْرِي بأعيننا الْبَقَرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 وَأَنه يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَمَلَائِكَته كَمَا قَالَ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر وَأَنه ينزل الى سَمَاء الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث وَلم يَقُولُوا شَيْئا الا مَا وجدوه فِي الْكتاب أَو جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَت الْمُعْتَزلَة إِن الله اسْتَوَى على الْعَرْش بِمَعْنى استولى وَذكر مقالات أُخْرَى وَقَالَ أَيْضا أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الابانه فِي أصُول الدّيانَة وَقد ذكر أَصْحَابه آخر كتاب صنفه وَعَلِيهِ يعتمدون فِي الذب عَنهُ عِنْد من يطعن عَلَيْهِ فَقَالَ فصل فِي إبانة قَول اهل الْحق وَالسّنة فان قَالَ قَائِل قد أنكرتم قَول الْمُعْتَزلَة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قَوْلكُم الَّذِي بِهِ تَقولُونَ وديانتكم الَّتِي بهَا تدينون قيل لَهُ قَوْلنَا الَّذِي نقُول بِهِ وديانتنا الَّتِي ندين بهَا التَّمَسُّك بِكِتَاب رَبنَا وَسنة نَبينَا وَمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الحَدِيث وَنحن بذلك معتصمون وَبِمَا كَانَ يَقُول أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل نصر الله وَجهه وَرفع دَرَجَته وأجزل مثوبته قَائِلُونَ وَلما خَالف قَوْله مجانبون لِأَنَّهُ الامام الْفَاضِل والرئيس الْكَامِل الَّذِي أبان الله بِهِ الْحق وَدفع بِهِ الضلال وأوضح بِهِ الْمِنْهَاج وقمع بِهِ بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وَشك الشاكين فرحمة الله عَلَيْهِ من امام مقدم وجليل مُعظم وكبير مفهم وَجُمْلَة قَوْلنَا أَنا نقر بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله وَبِمَا جاؤوا بِهِ من عِنْد الله وَبِمَا رَوَاهُ الثِّقَات عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نرد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 ذَلِك شَيْئا ون الله وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَرد صَمد لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق وان الْجنَّة حق وَالنَّار حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور وَأَن الله مستو على عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه وَأَن لَهُ وَجها كَمَا قَالَ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن وَأَن لَهُ يدين بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ {خلقت بيَدي} ص وكما قَالَ {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة 64 وَأَن لَهُ عينين بِلَا كَيفَ كَمَا قَالَ {تجْرِي بأعيننا} الْقَمَر وَمن زعم أَن أَسمَاء الله غَيره كَانَ ضَالًّا وَذكر نَحوا مِمَّا ذكر فِي الْفرق إِلَى أَن قَالَ ونقول إِن الاسلام أوسع من الْإِيمَان وَلَيْسَ كل إِسْلَام إِيمَانًا وندين بِأَن الله يقلب الْقُلُوب بَين أصبعين من أَصَابِع الله عز وَجل يضع السَّمَاوَات على اصبع وَالْأَرضين على اصبع كَمَا جَاءَت الرِّوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الي أَن قَالَ وَأَن الايمان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص ونسلم للروات الصَّحِيحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات عدلا عَن عدل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن قَالَ ونصدق بِجَمِيعِ الرِّوَايَات الَّتِي يثبتها أهل النَّقْل من النُّزُول الى السَّمَاء الدُّنْيَا وَأَن الرب عز وَجل يَقُول هَل من سَائل هَل من مُسْتَغْفِر وَسَائِر مَا نقلوه وأثبتوه خلافًا لما قَالَ أهل الزيغ والتضليل ونعول فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ على كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا واجماع الْمُسلمين وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَلَا نبتدع فِي دين الله مَا لم يَأْذَن لنا بِهِ وَلَا نقُول على الله مَا لَا نعلم ونقول إِن الله يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} الْفجْر وَأَن الله يقرب من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 عباده كَيفَ شَاءَ كَمَا قَالَ {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} ق وكما قَالَ {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} النَّجْم إِلَى أَن قَالَ وسنحتج لما ذَكرْنَاهُ من قَوْلنَا وَمَا بَقِي مِمَّا لم نذكرهُ بَابا بَابا ثمَّ نتكلم على أَن الله يرى وَاسْتدلَّ على ذَلِك ثمَّ تكلم على أَن الْقُرْآن غير مَخْلُوق وَاسْتدلَّ على ذَلِك ثمَّ تكلم على من وقف فِي الْقُرْآن وَقَالَ لَا أَقُول إِنَّه مَخْلُوق وَلَا غير مَخْلُوق ورد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ بَاب ذكر الاسْتوَاء على الْعَرْش فَقَالَ إِن قَالَ قَائِل مَا تَقولُونَ فِي الاسْتوَاء قُلْنَا لَهُ نقُول إِن الله مستو على عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه وَقد قَالَ الله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فاطر وَقَالَ {بل رَفعه الله إِلَيْهِ} النِّسَاء وَقَالَ {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ} السَّجْدَة وَقَالَ حِكَايَة عَن فِرْعَوْن {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} غَافِر كذب مُوسَى فِي قَوْله إِن الله فَوق السَّمَاوَات وَقَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} الْملك فالسماوات فَوْقهَا الْعَرْش فَلَمَّا كَانَ الْعَرْش فَوق السَّمَاوَات قَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء} لِأَنَّهُ مستو على عَرْشه الَّذِي هُوَ فَوق السَّمَاوَات وكل مَا علا فَهُوَ سَمَاء فالعرش أَعلَى السَّمَاوَات وَلَيْسَ إِذا قَالَ {أأمنتم من فِي السَّمَاء} يَعْنِي جَمِيع السَّمَاء وانما أَرَادَ الْعَرْش الَّذِي هُوَ أَعلَى السَّمَاوَات أَلا ترى أَن الله عز وَجل ذكر السَّمَاوَات فَقَالَ {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} نوح فَلم يرد أَن الْقَمَر يملأهن وَأَنه فِيهِنَّ جَمِيعًا ورأينا الْمُسلمين جَمِيعًا يرفعون أَيْديهم إِذا دعوا نَحْو السَّمَاء لِأَن الله على الْعَرْش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الَّذِي فَوق السَّمَاوَات فلولا أَن الله على الْعَرْش لم يرفعوا أَيْديهم نَحْو الْعَرْش كَمَا لَا يحطونها إِذا دعوا إِلَى الأَرْض ثمَّ ذكر رَحمَه الله فصلا رد فِيهِ على من تَأَول الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ من الْجَهْمِية والمعتزلة أبلغ رد وَاسْتدلَّ على ذَلِك بأدلة من الْكتاب وَالسّنة والاجماع وَالْعقل وَقد تقدم ذَلِك وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من كَلَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ هُوَ مَضْمُون مَا ذكره النَّاظِم عَنهُ قلت وَمن الْعجب أَن المنتمين إِلَى الامام أبي الْحسن الاشعري مَعَ شدَّة تعظيمهم لَهُ قد خالفوه فِي أَكثر مَا ذهب إِلَيْهِ وَخَالف فِيهِ الْمُعْتَزلَة فانه فِي بدايته وَأول أمره كَانَ مُعْتَزِلا ودرس الْكَلَام على أبي عَليّ الجبائي أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ لما بَين الله لَهُ الْحق رَجَعَ عَن الاعتزال ونابذ الْمُعْتَزلَة ورد عَلَيْهِم أبلغ الرَّد وَصَارَ متكلما للسّنة بل هُوَ كَمَا قيل فِيهِ إِنَّه حجز الْمُعْتَزلَة فِي قمع السمسمة ثمَّ قد خالفوه فِي أَكثر مَا رَجَعَ عَنهُ وَرَجَعُوا إِلَى مَذْهَب الْمُعْتَزلَة فتأولوا الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْيَد بِالنعْمَةِ أَو الْقُدْرَة وَالنُّزُول بنزول الْأَمر وَالْمَلَائِكَة والمجيء بمجيء الْأَمر وَالْمَلَائِكَة والرضى بالاثابة وَالْغَضَب بالانتقام وَالرَّحْمَة بالانعام أَو ارادة الانعام بل لَعَلَّهُم زادوا على الْمُعْتَزلَة فِي التأويلات الْبَاطِلَة والتمحلات العاطلة فنعوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه وَقَول النَّاظِم هَذَا وخالفناه فِي الْقُرْآن الخ أَي خالفناه فِي قَوْله إِن كَلَام الله تَعَالَى هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَإِن الْقُرْآن عبارَة عَن ذَلِك الْمَعْنى كَمَا خالفتموه فِي الاسْتوَاء والعلو واثبات الصِّفَات الخبرية فَلم كَانَ خلافنا لَهُ كفرا وخلافكم لَهُ إِيمَانًا وخالفتم النُّصُوص أَيْضا وَنحن خَالَفنَا آراء جهم ذِي الْبُهْتَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 ثمَّ أقسم النَّاظِم وَالله مالكم جَوَاب غير تَكْفِير الخ أَي لَيْسَ لكم جَوَاب غير تكفيرنا بِلَا علم ثمَّ قَالَ منهكما اسْتغْفر الله الْعَظِيم الخ أَي لكم جَوَاب آخر وَهُوَ الشكوى إِلَى السُّلْطَان بِغَيْر علم وَلَا برهَان قَوْله وَالله لَا للاشعري تبعتم الخ أَي إِنَّهُم لم يتبعوا الْأَشْعَرِيّ وَلَا النُّصُوص وَلَكنهُمْ وافقوا الْمُعْتَزلَة فِي اكثر مَا ذَهَبُوا اليه كَمَا تقدم ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم قَالَ النَّاظِم ... لكنه قد قَالَ إِن كَلَامه ... معنى يقوم بربنا الرَّحْمَن ... فِي القَوْل خالفناه نَحن وَأَنْتُم ... فِي الفوق والأوصاف للديان ... لَو كَانَ نفس خلافنا كفرا وكا ... ن خلافكم هُوَ مُقْتَضى الايمان هَذَا وخالفتم لنَصّ حِين خا ... لفنا لرأي الجهم ذِي الْبُهْتَان وَالله مَا لكم جَوَاب غير تَكْفِير بِلَا علم وَلَا ايقان ... أسْتَغْفر الله الْعَظِيم لكم جوا ... ب غير ذِي الشكوى إِلَى السُّلْطَان فَهُوَ الْجَواب لديكم ولنحن منتظرون مِنْكُم يَا أولى الْبُرْهَان ... وَالله لَا للأشعري تبعتم ... كلا وَلَا للنَّص بالاحسان يَا قوم فانتبهوا لانفسكم وخلوا الْجَهْل وَالدَّعْوَى بِلَا برهَان ... مَا فِي الرياسة بالجهالة غير ضحكة عَاقل مِنْكُم مدى الْأَزْمَان لَا ترتضوا برياسة الْبَقر الَّتِي ... رؤساؤها من جملَة الثيران ... لما ذكر النَّاظِم رَحمَه الله أَن النفاة لم ينقموا علينا وَللَّه الْحَمد أَنا خَالَفنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 النُّصُوص وانما نقموا علينا مُخَالفَة الاشعري أَخذ يبين كذب هَذِه الدَّعْوَى ويوضح أَنهم خالفوه أعظم الْمُخَالفَة فانه رَحمَه الله قد صرح باثبات الاسْتوَاء والعلو واثبات الْيَدَيْنِ وَالْوَجْه والعينين وَالنُّزُول الى سَمَاء الدُّنْيَا والاصابع وَصرح باثبات رُؤْيَة الله تَعَالَى بالابصار يَوْم الْقِيَامَة وَصرح باثبات الْمَجِيء وَصرح بِفساد قَول اهل التَّأْوِيل للاستواء بالقهر وَصرح باثبات الصِّفَات الخبرية وَصرح بِأَنَّهُ يَقُول بِجَمِيعِ مَا قَالَه أهل الحَدِيث كَمَا تقدم نقل ذَلِك عَنهُ وَلَكِن نَحن قد خالفناه فِي قَوْله بالْكلَام النَّفْسِيّ وَأَنْتُم معاشر النفاة خالفتموه فِي الفوق واثبات الصِّفَات فلأي شَيْء كَانَ خلافنا لَهُ كفرا وخلافكم لَهُ ايمانا وَمَعَ خلافكم لَهُ فقد خالفتم النُّصُوص القطعية وَنحن خالفناه فِي ذَلِك لِأَنَّهُ خلاف الْمَنْقُول الصَّحِيح والمعقول الصَّرِيح ثمَّ أقسم النَّاظِم أَنه لَا جَوَاب لَهُم إِلَّا التَّكْفِير بِغَيْر علم وَلَا حجَّة ثمَّ اسْتثْنى أَن لَهُم جَوَابا آخر وَهُوَ شكاية مخالفيهم الى السُّلْطَان اذا غلبهم بِالْحجَّةِ والبرهان وَمَعَ هَذَا قد خالفوا النُّصُوص وخالفوا الاشعري فحاصل كَلَامهم كَثْرَة الدَّعَاوَى بِلَا برهَان وتكفير أهل الْعلم والايمان نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فصل فِي أَن أهل الحَدِيث هم أنصار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخاصته وَلَا يبغض الانصار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ... يَا مبغضا أهل الحَدِيث وشاتما ... أبشر بِعقد ولَايَة الشَّيْطَان أَو مَا علمت بِأَنَّهُم أنصار دين الله والايمان وَالْقُرْآن ... أَو مَا علمت بِأَن أنصار الرسو ... ل هم بِلَا شكّ وَلَا نكران ... هَل يبغض الْأَنْصَار عبد مُؤمن ... أَو مدرك لروائح الايمان شهد الرَّسُول بِذَاكَ وَهِي شَهَادَة ... من أصدق الثقلَيْن بالبرهان أَو مَا علمت بِأَن خزرج دينه ... والأوس هم أبدا بِكُل زمَان مَا ذنبهم إِذْ خالفوك لقَوْله ... مَا خالفوه لأجل قَول فلَان لَو وافقوك وخالفوه كنت تشهد أَنهم حَقًا أولو الايمان لما تحيزتم الى الاشياخ وانحازوا إِلَى الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... نسبوا اليه دون كل مقَالَة ... أَو حَالَة أَو قَائِل وَمَكَان هَذَا انتساب أولي التَّفَرُّق نِسْبَة من ... ارْبَعْ مَعْلُومَة التِّبْيَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 قَوْله نِسْبَة من ارْبَعْ الخ وَهِي النّسَب الْمَعْرُوفَة وَهِي الْمُمَاثلَة والموافقة والمناسبة والمخالفة ... فَلِذَا غضبتم حَيْثُمَا انتسبوا إِلَى ... غير الرَّسُول بِنِسْبَة الاحسان فوضعتم لَهُم من الألقاب مَا ... تستقبحون وَذَا من الْعدوان ... تقدّمت الألقاب الَّتِي وضعوها لأهل الحَدِيث ومعانيها ... هم يشهدونكم على بُطْلَانهَا ... أفتشهدونهم على الْبطلَان مَا ضرهم وَالله بغضكم لَهُم ... إِذْ وافقوا حَقًا رضى الرَّحْمَن يَا من يعاديهم لأجل مآكل ... ومناصب ورياسة الاخوان تهنيك هاتيك الْعَدَاوَة كم بهَا ... من حسرة ومذلة وهوان ولسوف تجني غيها وَالله عَن ... قرب وتذكر صدق ذِي الايمان فاذا تقطعت الْوَسَائِل وانتهت ... تِلْكَ المآكل فِي سريع زمَان فهناك تقرع سنّ ندمان على التَّفْرِيط وَقت السّير والامكان ... وَهُنَاكَ تعلم مَا بضاعتك الَّتِي ... حصلتها فِي سالف الْأَزْمَان إِلَّا الوبال عَلَيْك والحسرات والخسران عِنْد الْوَضع فِي الْمِيزَان ... قيل وَقَالَ مَاله من حَاصِل ... الا العناء وكل ذِي الأذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 .. وَالله مَا يجدي عَلَيْك هُنَاكَ إِلَّا ذَا الَّذِي جَاءَت بِهِ الوحيان وَالله مَا ينجيك من سجن الْجَحِيم سوى الحَدِيث ومحكم الْقُرْآن ... وَالله لَيْسَ النَّاس إِلَّا أَهله ... وسواهم من جملَة الْحَيَوَان ... ولسوف تذكر برذي الايمان عَن قرب ... وتقرع ناجذ الندمان رفعوا بِهِ رَأْسا وَلم يرفع بِهِ ... اهل الْكَلَام ومنطق اليونان فهم كَمَا قَالَ الرَّسُول ممثلا ... بِالْمَاءِ مهبطه على القيعان لَا المَاء يمسِكهُ وَلَا كلأبها ... يرعاه ذُو كبد من الْحَيَوَان ... يُشِير الى الحَدِيث الَّذِي فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل غيث أصَاب ارضا فَكَانَ مِنْهَا طَائِفَة قبلت المَاء فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَة اجادب أَمْسَكت المَاء فسقى النَّاس وزرعوا وَأصَاب مِنْهَا طَائِفَة أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قيعان لَا تمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأ فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله ونفعه الله بِمَا بَعَثَنِي بِهِ فَعلم وَعلم وَمثل من لم يرفع بذلك رَأْسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي ارسلت بِهِ ... هَذَا إِذا لم تحرق الزَّرْع الَّذِي ... بجوارها بالنَّار أَو بِدُخَان والجاهلون بذا وَهَذَا هم زوا ... ن الزَّرْع أَي وَالله شرزاوني وهم لدا غرس الاله كَمثل غر ... س الدلب بَين مغارس الرُّمَّان ... قَوْله زوان قَالَ فِي الْقَامُوس الزوان الَّذِي يخالط الْبر قَوْله الدلب قَالَ فِي الْقَامُوس الدلب بِالضَّمِّ الصغار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 واحدته بهاء وَأَرْض مدلبة كثيرته وَفِي مُخْتَار الصِّحَاح الدلب شجر الْوَاحِدَة دلبة ... يمتص مَاء الزع مَعَ تضييقه ... أبدا عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَا قنوان ذَا حَالهم مَعَ حَال أهل الْعلم أنصار الرَّسُول فوارس الايمان ... فَعَلَيهِ من قبل الاله تَحِيَّة ... وَالله يبقيه مدى الْأَزْمَان ... لولاه مَا سقِِي الْغِرَاس فَوق ذَا ... ك المَاء للدلب الْعَظِيم الشان فالغرس دلب كُله وَهُوَ الَّذِي ... يسْقِي ويحفظ عِنْد اهل زمَان فالغرس فِي تِلْكَ الحضارة شَارِب ... فضل الْمِيَاه مصاوة الْبُسْتَان لكنما الْبلوى من الْحطاب قطاع الْغِرَاس وعاقر الْحِيطَان ... بالفوس يضْرب فِي اصول الْغَرْس كي يجتثها ويظن ذَا إِحْسَان ويظل يحلف كَاذِبًا لم اعْتمد فِي ذَا سوى التثبيت للعيدان ... يَا خيبة الْبُسْتَان من حطابه مَا بعد ذَا الْحطاب من بُسْتَان فِي قلبه غل على الْبُسْتَان فَهُوَ مُوكل بِالْقطعِ كل أَوَان ... فالجاهلون شرار أهل الْحق وَالْعُلَمَاء سادتهم أولو الاحسان والجاهلون خِيَار احزاب الضلا ... ل وشيعة الكفران والشيطان وشرارهم علماؤهم هم شَرّ خلق الله آفَة هَذِه الأكوان ... يُشِير الى الحَدِيث الَّذِي ورد علماؤهم شَرّ من تَحت أَدِيم السَّمَاء مِنْهُم خرجت الْفِتْنَة وَفِيهِمْ تعود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 فصل فِي تعْيين الْهِجْرَة من الآراء والبدع الى سنته كَمَا كَانَت فرضا من الامصار الى بلدته عَلَيْهِ السَّلَام ... يَا قوم فرض الهجرتين بِحَالهِ ... وَالله لم ينْسَخ إِلَى ذَا الْآن ... وَالْهجْرَة الأولى الى الرَّحْمَن بالإخلاص إخلاص فِي سر وَفِي إعلان حَتَّى يكون الْقَصْد وَجه الله بَال أَقْوَال والاعمال وَالْإِيمَان ... وَيكون كل الدّين للرحمن مَا لسواه شَيْء فِيهِ من إِنْسَان وَالْحب والبغض اللَّذَان هما لكل ولَايَة وعداوة أصلان ... لله أَيْضا هَكَذَا الاعطاء وَالْمَنْع اللَّذَان عَلَيْهِمَا يقفان وَالله هَذَا شطر دين الله والتحكيم للمختار شطر ثَان ... وَكِلَاهُمَا الْإِحْسَان لن يتَقَبَّل الرَّحْمَن من سعي بِلَا إِحْسَان وَالْهجْرَة الْأُخْرَى الى الْمَبْعُوث بِالْإِسْلَامِ والايمان والاحسان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله فِي الأبيات أَن فرض الهجرتين بَاقٍ لم ينْسَخ فالهجرة الاولى الى الله تَعَالَى وَذَلِكَ بالاخلاص لَهُ فِي السِّرّ والعلن وَأَن يكون الْقَصْد وجهة لله بالاقوال والاعمال والايمان وَأَن يكون الدّين كُله لله وَأَن يكون الْحبّ والبغض لله تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْإِعْطَاء وَالْمَنْع وَهَذَا شطر الدّين وشطره الثَّانِي تحكيم الْمُخْتَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ النَّاظِم وَالْهجْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 الثَّانِيَة هِيَ الْهِجْرَة الى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باتباعه فِي الدق والجل ورد مَا تنَازع النَّاس فِيهِ إِلَى سنته ورد كل فول لقَوْله ... أَتَرَوْنَ هذي هِجْرَة الْأَبدَان لَا ... وَالله بل هِيَ هِجْرَة الايمان ... قطع الْمسَافَة بالقلوب اليه فِي ... دَرك الْأُصُول مَعَ الْفُرُوع فذان ... ابدا إِلَيْهِ حكمهَا لَا غَيره ... فَالْحكم مَا حكمت بِهِ النصان يَا هِجْرَة طَالَتْ مسافتها على ... من خص بالحرمان والخذلان يَا هِجْرَة طَالَتْ مسافتها على ... كسلان منخوب الْفُؤَاد جهان ... قَالَ فِي الْقَامُوس رجل ونخب ونخب ونخبة ونخب كهجف وَمُنْتَخب ومنخوب ونخب ونخيب جبان جمع نخب انْتهى ... يَا هِجْرَة وَالْعَبْد فَوق فرَاشه ... سبق السَّعَادَة لمنزل الرضْوَان سَارُوا أحث السّير وَهُوَ فسيره ... سير الدَّلال وَلَيْسَ بالذملان ... قَوْله الدَّلال قَالَ فِي الْقَامُوس أدل عَلَيْهِ انبسط كتدلل قَوْله الذملان محركة هُوَ السّير اللين قَالَ فِي الْقَامُوس الْعلم محركة الْجَبَل الطَّوِيل أَو عَام جمع أَعْلَام وعلام انْتهى وقاع وَارْضَ وقيعة لَا تكَاد تنشف المَاء قَالَه فِي الْقَامُوس ... رفعت لَهُ أَعْلَام هاتيك النصو ... ص رؤوسها شابت من النيرَان نَار هِيَ النُّور الْمُبين وَلم يكن ... ليراه إِلَّا من لَهُ عينان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 .. مكحولتان بمرود الوحيين لَا ... بمراود الآراء والهذيان فلذاك شمر نَحْوهَا لم يلْتَفت ... لَا عَن شمائله وَلَا أَيْمَان يَا قوم لَو هاجرتم لرأيتم ... أَعْلَام طيبَة رُؤْيَة بعيان ورأيتم ذَاك اللِّوَاء وَتَحْته الرُّسُل الْكِرَام وعسكر الْقُرْآن ... أَصْحَاب بدر والألى قد بَايعُوا ... أزكى الْبَريَّة بيعَة الرضْوَان وَكَذَا المهاجرة الألى سبقوا كَذَا الْأَنْصَار أهل الدَّار والايمان ... والتابعون لَهُم باحسان وسا ... لَك هديهم أبدا بِكُل زمَان لَكِن رَضِيتُمْ بالاماني وابتليتم بالحظوظ ونصرة الاخوان بل غركم ذَاك الْغرُور وسولت ... لكم النُّفُوس وساوس الشَّيْطَان ونبذتم عسل النُّصُوص وراءكم ... وقنعتم بقطارة الأذهان ... قَالَ فِي الْقَامُوس القطارة بِالضَّمِّ مَا قطر من الشَّيْء والقليل من المَاء ... وتركتم الوحيين زهدا فيهمَا ... ورغبتم فِي رَأْي كل فلَان وعزلتم النصين عَمَّا وليا ... للْحكم فِيهِ عزل ذِي عدوان وزعمتم أَن لَيْسَ يحكم بَيْننَا ... الا الْعُقُول ومنطق اليونان فهما بِحكم الْحق أولى مِنْهُمَا ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان حَتَّى أذا انْكَشَفَ الغطاء وحصلت أَعمال هَذَا الْخلق فِي الْمِيزَان ... واذا انجلى هَذَا الْغُبَار وَصَارَ ميدان السباق تناله العينان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 .. وبدت على تِلْكَ الْوُجُوه سماتها ... وسم المليك الْقَادِر الديَّان مبيضة مثل الرياض بجنة ... والسود مثل الفحم للنيران ... معنى هَذِه الأبيات أَنكُمْ معاشر النفاة لما تركْتُم الوحيين وهما الْكتاب وَالسّنة وعزلتم النصين وزعمتم أَن لَيْسَ يحكم بَين النَّاس فِيمَا تنازعتم فِيهِ إِلَّا الْعُقُول والمنطق فاذا انْكَشَفَ الغطاء وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة وحصلت أَعمال النَّاس وانجلى الْغُبَار وَصَارَ ميدان السباق وبدت على الْوُجُوه سماتها أَي علاماتها وَصَارَت وُجُوه مبيضة فِي الْجنَّة ووجوه مسودة فِي النَّار عَرَفْتُمْ حاصلكم ومحصولكم ورأيتم مَا أوجبته لكم أصولكم ... فهناك يعلم رَاكب مَا تَحْتَهُ ... وَهُنَاكَ يقرع ناجذ الندمان وَهُنَاكَ تعلم كل نفس مَا الَّذِي ... مَعهَا من الارباح والخسران وَهُنَاكَ يعلم مُؤثر الآراء والشطحات والهذيان والبطلان ... أَي البضائع قد أضاع وَمَا الَّذِي ... مِنْهَا تعوض فِي الزَّمَان الفاني ... قَوْله فهناك يعلم رَاكب الخ أَي إِذا انجلى الْغُبَار عرف رَاكب مَا تَحْتَهُ أَفرس أم حمَار وَهُنَاكَ يقرع الندمان ناجذ النَّدَم وَهُنَاكَ تعلم نفس مَا الَّذِي مَعهَا الرِّبْح والخسران وَهُنَاكَ يعلم مُؤثر شطحات الصُّوفِيَّة وآراء الْمُتَكَلِّمين وهذيانهم وأباطليهم على الْكتاب وَالسّنة أَنه فَاتَهُ أعظم بضَاعَة وَأَنه تعوض أخسر بضَاعَة وأخس نصيب وَأَنه فَاتَهُ أعظم الرِّبْح نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات غَضَبه ... سُبْحَانَ رب الْخلق قَاسم فَضله ... وَالْعدْل بَين النَّاس فِي الْمِيزَان لَو شَاءَ كَانَ النَّاس شَيْئا وَاحِدًا ... مَا فيهم من تائه حيران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 .. لكنه سُبْحَانَهُ يخْتَص بِالْفَضْلِ الْعَظِيم خُلَاصَة الانسان وسواهم لَا يصلحون لصالح ... كالشوك فَهُوَ عمَارَة النيرَان وَعمارَة الجنات هم أهل الْهدى ... الله أكبر لَيْسَ يستويان فسل الْهِدَايَة من أزمة أمرنَا ... بيدَيْهِ مَسْأَلَة الذَّلِيل العاني ... قَوْله لَو شَاءَ كَانَ النَّاس شَيْئا وَاحِدًا الخ هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لجعل النَّاس أمة وَاحِدَة وَلَا يزالون مُخْتَلفين} هود الْآيَة وَلكنه سُبْحَانَهُ يهدي من يَشَاء بفضله ويضل من يَشَاء بعدله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} يُونُس فَعم بالدعوة وَخص بالهداية ... مَا للعباد عَلَيْهِ حق وَاجِب ... كلا وَلَا سعي لَدَيْهِ ضائع إِن عذبُوا فَبعد لَهُ أَو نعموا ... فبفضله وَهُوَ الْكَرِيم الْوَاسِع ... قَالَ النَّاظِم ... وسل العياذ من اثْنَتَيْنِ هما اللتا ... ن بهلك هَذَا الْخلق كافلتان شَرّ النُّفُوس وسيىء الْأَعْمَال مَا ... وَالله أعظم مِنْهُمَا شران وَلَقَد أَتَى هَذَا التَّعَوُّذ مِنْهُمَا ... فِي خطْبَة الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... يُشِير الى خطْبَة الْحَاجة وَهِي مَا رُوِيَ ابْن مَسْعُود قَالَ علمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة الْحَاجة الْحَمد لله نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 الحَدِيث رَوَاهُ اهل السّنَن الاربعة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن ... لَو كَانَ يدْرِي العَبْد أَن مصابه ... فِي هَذِه الدُّنْيَا هُوَ الشران جعل التَّعَوُّذ مِنْهُم ديدانه ... حَتَّى نرَاهُ دَاخل الأكفان وسل العياذمن التكبر والهوى ... فهما لكل الشَّرّ جامعتان وهما يصدان الْفَتى عَن كل طر ... ق الْخَيْر إِذْ فِي قلبه يلجان فتراه يمنعهُ هَوَاهُ تَارَة ... وَالْكبر أُخْرَى ثمَّ يَشْتَرِكَانِ وَالله مَا فِي النَّار إِلَّا تَابع ... هذَيْن فاسأل سَاكِني النيرَان وَالله لَو جردت نَفسك مِنْهُمَا ... لأتت اليك وُفُود كل تهان ... فصل فِي ظُهُور الْفرق الْمُبين بَين دَعْوَة الرُّسُل ودعوة المعطلين ... وَالْفرق بَين الدعوتين فَظَاهر ... جدا لمن كَانَت لَهُ أذنان فرق مُبين ظَاهر لايختفي ... ايضاحه إِلَّا على العميان فالرسل جاؤونا باثبات العل ولربنا من فَوق كل مَكَان ... وَكَذَا أتونا بِالصِّفَاتِ لربنا الر حمن لربنا الرَّحْمَن تَفْصِيلًا بِكُل بَيَان وكذاك قَالُوا إِنَّه مُتَكَلم ... وَكَلَامه المسموع بالآذان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 .. وكذاك قَالُوا انه سُبْحَانَهُ المرئي يَوْم لِقَائِه بعيان ... وَكَذَلِكَ قَالُوا إِنَّه الفعال حَقًا كل يَوْم رَبنَا فِي شان وأتيتمونا أَنْتُم بِالنَّفْيِ والتعطيل بل بِشَهَادَة الكفران ... للمثبتين صِفَاته وعلوه ... ونداءه فِي عرف كل لِسَان ... شهدُوا بايمان الْمقر بِأَنَّهُ ... فَوق السَّمَاء مباين الاكوان وشهدتم أَنْتُم بتكفير الَّذِي ... قد قَالَ ذَلِك يَا أولي الْعدوان وأتى بأين الله إِقْرَارا ونطقا قُلْتُمْ هَذَا من الْبُهْتَان ... فسؤالنا بالاين مثل سؤالنا ... مَا الْكَوْن عنْدكُمْ هما شَيْئَانِ ... وَكَذَا أتونا بِالْبَيَانِ فقلتم ... باللغز ايْنَ اللغز من تبيان إِذْ كَانَ مَدْلُول الْكَلَام وَوَضعه ... لم يقصدوه بنطقهم بِلِسَان وَالْقَصْد مِنْهُم غير مَفْهُوم بِهِ ... مَا اللغز عِنْد النَّاس الا ذان يَا قوم رسل الله أعرف مِنْكُم ... وَأتم نصحا فِي كَمَال بَيَان أترونهم قد ألغزوا التَّوْحِيد إِذْ ... بينتموه يَا أولي الْعرْفَان أترونهم قد أظهرُوا التَّشْبِيه وَهُوَ لديكم كعبادة الْأَوْثَان ... مَضْمُون مَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات هُوَ اثبات الْفرق بَين دَعْوَة الْمُرْسلين ودعوة المعطلين وَذَلِكَ أَن الرُّسُل جاؤوا باثبات الْعُلُوّ والفوقية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 واثبات الصِّفَات تَفْصِيلًا وَأَنه سُبْحَانَهُ مُتَكَلم بِكَلَام مسموع وَأَنه سُبْحَانَهُ يرى يَوْم الْقِيَامَة رُؤْيَة العيان وَأَنه الفعال سُبْحَانَهُ وَأَنه كل يَوْم فِي شَأْن وَأما المعطلون فَأتوا بِالنَّفْيِ والتعطيل بل شهدُوا بالْكفْر لمثبتي علوه سُبْحَانَهُ فَوق عباده بَائِنا عَن الْمَخْلُوقَات أترونهم أَيهَا المعطلة قد ألغزوا التَّوْحِيد وبينتموه أَنْتُم أَو أَنهم أظهرُوا التَّشْبِيه بزعمكم وَالْعِيَاذ بِاللَّه ... ولأي شَيْء لم يَقُولُوا مثل مَا ... قد قلتموا فِي رَبنَا الرَّحْمَن ... ولأي شَيْء صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ ... تَصْرِيح تَفْصِيل بِلَا كتمان ولأي شَيْء بالغوا بِالْوَصْفِ بالاثبات دون النَّفْي كل زمَان ولأي شَيْء أَنْتُم بالغتم ... فِي النَّفْي والتعطيل بالقفزان فجعلتم نفي الصِّفَات مفصلا ... تَفْصِيل نفي الْعَيْب وَالنُّقْصَان وجعلتم الاثبات أمرا مُجملا ... عكس الَّذِي قَالُوهُ بالبرهان ... أَي مَا بَال الرُّسُل أَيهَا المعطلة لم يَقُولُوا مثل مَا قُلْتُمْ فِي الله تَعَالَى بل صَرَّحُوا دَائِما بِخِلَافِهِ تَصْرِيحًا على التَّفْصِيل بِغَيْر كتمان وَأما أَنْتُم فبالغتم فِي النَّفْي والتعطيل بالقفزان القفيز مكيال ثَمَانِيَة مكاكيك وَمن الأَرْض قدر مائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين ذِرَاعا جمع أَقْفِزَة وقفزان قَالَه فِي الْقَامُوس فجئتم بِنَفْي مفصل واثبات مُجمل وَأما الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فجاؤوا باثبات مفصل وَنفي مُجمل وَلِهَذَا قَالَ ... أَترَاهُم عجزوا عَن التِّبْيَان واستوليتم أَنْتُم على التِّبْيَان ... أَتَرَوْنَ أفراخ الْيَهُود وَأمة التعطيل والعباد للنيران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 .. ووقاح أَرْبَاب الْكَلَام الْبَاطِل المذموم عِنْد أَئِمَّة الايمان ... من كل جهمي ومعتزل وَمن ... والاهما من حزب جنكسخان ... بِاللَّه أعلم من جَمِيع الرُّسُل والتوراة والانجيل وَالْقُرْآن ... أَي أَتَرَى الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام عجزوا عَن التِّبْيَان واستوليتم أَيهَا المعطلة عَلَيْهِ أم هَل ترَوْنَ أفراخ الْيَهُود والمعطلة وَأَبْنَاء الْمَجُوس عباد النيرَان وأوقاح أهل الْكَلَام وَغَيرهم من الْجَهْمِية والمعتزلة وَمن والاهم من حزب جنكسخان أعلم بِاللَّه من جَمِيع الرُّسُل والتوراة والانجيل وَالْقُرْآن ثمَّ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى ... فسلوهم بسؤال كتبهمْ الَّتِي ... جاؤوا بهَا عَن علم هَذَا الشان ... وسلوهم هَل ربكُم فِي أرضه ... أَو فِي السَّمَاء وَفَوق كل مَكَان ... أم لَيْسَ من ذَا كُله شَيْء فَلَا ... هُوَ دَاخل أَو خَارج الاكوان فالعلم والتبيان والنصح الَّذِي ... فيهم يبين الْحق كل بَيَان لكنما الألغاز والتلبيس والكتمان فعل معلم الشَّيْطَان ... فصل فِي شكوك أهل السّنة وَالْقُرْآن أهل التعطيل والآراء الْمُخَالفَة لَهما الى الرَّحْمَن لما كَانَ أهل التعطيل يَشكونَ أهل الحَدِيث وَالسّنة الى السلاطين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 ويرمونهم بالعظائم والبهت قابلهم أهل السّنة بالشكاية الى الرَّحْمَن سُبْحَانَهُ ... يَا رب هم يشكوننا أبدا ببغيهم وظلمهم إِلَى السُّلْطَان ... وَيلبسُونَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنه ... ليظنهم هم ناصروا الايمان فيرونه الْبدع المضلة فِي قوا ... لب سنة نبوية وَقُرْآن ويرونه الاثبات للأوصاف فِي ... أَمر شنيع ظَاهر النكران فيلبسون عَلَيْهِ تلبيسين لَو ... كشفا لَهُ باداهم بطعان يَا فرقة التلبيس لَا حييتُمْ ... أبدا وحييتم بِكُل هوان لكننا نشكوهم وصنيعهم ... ابدا اليك فَأَنت ذُو السُّلْطَان فاسمع شكايتنا وأشك محقنا ... والمبطل اردده عَن الْبطلَان ... أَشك بِقطع الْهمزَة ... رَاجع بِهِ سبل الْهدى والطف بِهِ ... حَتَّى تريه الْحق ذَا تبيان وارحمه وَارْحَمْ سَعْيه الْمِسْكِين قد ... ضل الطَّرِيق وتاه فِي القيعان يَا رب قد عَم الْمُصَاب بِهَذِهِ الآراء والشحطات والبهتان ... هجروا لَهَا الوحيين والفطرات والْآثَار لم يعبوا بذا الهجران قَالُوا وَتلك ظواهر لفظية ... لم تغن شَيْئا طَالب الْبُرْهَان فالعقل أولى أَن يُصَار اليه من ... هذي الظَّوَاهِر عِنْد ذِي الْعرْفَان ثمَّ ادّعى كل بِأَن الْعقل مَا ... قد قلته دون الْفَرِيق الثَّانِي ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 .. يَا رب قد حَار الْعباد بعقل من ... يزنون وحيك فأت بالميزان وبعقل من يقْضِي عَلَيْك فكلهم ... قد جَاءَ بالمعقول والبرهان يَا رب أرشدنا إِلَى مَعْقُول من ... يَقع التحاكم أننا خصمان ... هَذَا كَمَا قَالَ شيخ الاسلام فِي الحموية ثمَّ المخالفون للْكتاب وَالسّنة فِي أَمر مريج فان من يُنكر الرُّؤْيَة يزْعم أَن الْعقل يحيلها وَأَنه مُضْطَر فِيهَا إِلَى التَّأْوِيل وَمن يحِيل أَن لله علما وقدرة وَأَن يكون كَلَامه غير مَخْلُوق وَنَحْو ذَلِك يَقُول إِن الْعقل أحَال ذَلِك فاضطر إِلَى التَّأْوِيل بل من يُنكر حَقِيقَة حشر الأجساد وَالْأكل وَالشرب الْحَقِيقِيّ فِي الْجنَّة يزْعم أَن الْعقل أحَال ذَلِك وَأَنه مُضْطَر إِلَى التَّأْوِيل وَمن زعم أَن الله لَيْسَ فَوق الْعَرْش يزْعم أَن الْعقل أحَال ذَلِك وَأَنه مُضْطَر الى التَّأْوِيل وَيَكْفِيك دَلِيلا على فَسَاد قَول هَؤُلَاءِ أَنه لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم قَاعِدَة مستمرة فِيمَا يحيله الْعقل بل مِنْهُم من يزْعم أَن الْعقل جوز أَو أوجب مَا يَدعِي الآخر أَن الْعقل أَحَالهُ فيا لَيْت شعري بِأَيّ عقل يُوزن الْكتاب وَالسّنة فَرضِي الله عَن مَالك بن أنس الامام حَيْثُ قَالَ أَو كلما جَاءَنَا رجل أجدل من رجل تركنَا مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل الى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجدل هَؤُلَاءِ انْتهى قَوْله ... جاؤوا بشبهات وَقَالُوا إِنَّهَا ... معقولة ببداية الأذهان كل يُنَاقض بعضه بَعْضًا وَمَا ... فِي الْحق معقولان مُخْتَلِفَانِ وقضوا بهَا كذبا عَلَيْك وجرأة ... مِنْهُم وَمَا التفتوا إِلَى الْقُرْآن يَا رب قد أَوْهَى النفاة حبائل الْقُرْآن والْآثَار والايمان ... يارب قد قلب النفاة الدّين وَال إِيمَان ظهرا مِنْهُ فَوق بطان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 .. يارب قد بَغت النفاة وأجلبوا ... بِالْخَيْلِ وَالرجل الحقير الشان نصبوا الحبائل والغوائل للألى ... أخذُوا بوحيك دون قَول فلَان ودعوا عِبَادك أَن يطيعوهم فَمن ... يعصيهم ساموه شَرّ هوان وقضوا على من لم يقل بضلالهم ... باللعن والتضليل والكفران وقضوا على أَتبَاع وحيك بِالَّذِي هم أَهله لَا عَسْكَر الْفرْقَان ... وقضوا بعزلهم وقتلهم وحبسهم ونفيهم عَن الأوطان وتلاعبوا بِالدّينِ مثل تلاعب الْحمر الَّتِي نفرت بِلَا ارسان ... حَتَّى كَأَنَّهُمْ تواصوا بَينهم ... يُوصي بذلك أول للثَّانِي ... هجروا كلامك هجر مُبْتَدع لمن ... قد دَان بالآثار وَالْقُرْآن فَكَأَنَّهُ فِيمَا لديهم مصحف ... فِي بَيت زنديق أخي كفران أَو مَسْجِد بجوار قوم هَمهمْ ... فِي الْفسق لَا فِي طَاعَة الرَّحْمَن وخواصهم لم يقرؤوه تدبرا ... بل للتبرك لَا لفهم معَان وعوامهم فِي السَّبع أَو فِي خَتمه ... أَو تربة عوضا لذِي الْأَثْمَان هَذَا وهم حرفية التجويد أَو ... صوتية الْأَنْغَام والالحان يَا رب قد قَالُوا بِأَن مصاحف الاسلام مَا فِيهَا من الْقُرْآن ... إِلَّا المداد وَهَذِه الأوراق وَالْجَلد الَّذِي قد سل من حَيَوَان ... هَذَا كَمَا حكى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كتاب الْملَل والنحل قَالَ وَلَقَد أَخْبرنِي عَليّ بن حَمْزَة الْمرَادِي الصّقليّ الصُّوفِي أَنه رأى بعض الأشعرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 يَنْطَح الْمُصحف بِرجلِهِ قَالَ فأكبرت ذَلِك وَقلت لَهُ وَيحك تفعل هَذَا الْفِعْل بالمصحف وَفِيه كَلَام الله عز وَجل فَقَالَ لي وَيحك وَالله مَا فِيهِ الا السخام والسواد وَأما كَلَام الله تَعَالَى فَلَا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ قَالَ ابو مُحَمَّد وَكتب الي بو المرجى عَليّ بن زوار الْمصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَن بعض ثِقَات إخوانه من طلاب السّنَن اخبره أَن رجلا من الاشعرية قَالَ لَهُ مشافهة على من يَقُول ان الله تَعَالَى قَالَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} ألف لعنة قَالَ ابو مُحَمَّد بل على من يُنكر ان الله تَعَالَى قَالَهَا ألف ألف لعنة وعَلى من يُنكر أَنه يسمع كَلَام الله عز وَجل وَيقْرَأ كَلَام الله عز وَجل ألف ألف لعنة تترى عَلَيْهِ من عِنْد الله عز وَجل ثمَّ من مَلَائكَته وأنبيائه وَجَمِيع الصَّالِحين من الانس وَالْجِنّ فان قَول هَذِه الْفرْقَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة نِهَايَة الْكفْر بِاللَّه عز وَجل وَمُخَالفَة الْقُرْآن وَتَكْذيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومضادة جَمِيع اهل الاسلام قبل حُدُوث هَذِه الطَّائِفَة انْتهى كَلَامه قَوْله وعوامهم فِي السَّبع قَالَ فِي الْقَامُوس السَّبع بِالضَّمِّ وكأمير جُزْء من سَبْعَة قَوْله اَوْ فِي ختمة ختم الشَّيْء ختما بلغ آخِره ... وَالْكل مَخْلُوق وَلست بقائل ... أصلا وَلَا حرفا من الْقُرْآن إِن ذَاك الا قَول مَخْلُوق وَهل هُوَ جبرئيل أَو الرَّسُول فذان ... قَولَانِ مشهوران قذ قالتهما ... أَشْيَاخهم يَا محنة الْقُرْآن ... يُشِير إِلَى قَول الأشاعرة إِن كَلَام الله عز وَجل هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَإِن الفاظ الْقُرْآن مخلوقة وَلَكِن هَل الَّذِي أَنْشَأَهَا جِبْرِيل أَو مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْلَيْنِ لَهُم مشهورين ... لَو داسه رجل لقالوا لم يطَأ ... إِلَّا المداد وكاغد الانسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 .. يَا رب زَالَت حُرْمَة الْقُرْآن من ... تِلْكَ الْقُلُوب وَحُرْمَة الايمان ... وَجرى على الافواه مِنْهُم قَوْلهم ... مَا بَيْننَا لله من قُرْآن مَا بَيْننَا إِلَّا الْحِكَايَة عَنهُ وَالتَّعْبِير ذَاك عبارَة بِلِسَان ... هَذَا وَمَا التالون عمالا بِهِ ... إِذْ هم قد استغنوا بقول فلَان ... إِن كَانَ قد جَازَ الْحَنَاجِر مِنْهُم ... فبقدر مَا عقلوا من الْقُرْآن والباحثون فقدموا رَأْي الرجا ... ل عَلَيْهِ تَصْرِيحًا بِلَا كتمان عزلوه إِذْ ولوا سواهُ وَكَانَ ذَا ... ك الْعَزْل قائدهم إِلَى الخذلان قَالُوا وَلم يحصل لنا مِنْهُ يَقِين فَهُوَ مَعْزُول عَن الايقان إِن الْيَقِين قواطع عقلية ... ميزانها هُوَ منطق اليونان ... هَذَا دَلِيل الرّفْع مِنْهُ وَهَذِه ... أَعْلَامه فِي آخر الْأَزْمَان ... يَا رب من أهلوه حَقًا كي يرى ... أَقْدَامهم منا على الاذقان أهلوه من لَا يرتضي مِنْهُ بديلا فَهُوَ كافيهم بِلَا نُقْصَان ... وَهُوَ الدَّلِيل لَهُم وهاديهم الى الايمان والايقان والعرفان هُوَ موصل لَهُم إِلَى دَرك الْيَقِين حَقِيقَة وقواطع الْبُرْهَان ... يَا رب نَحن العاجزون بحبهم ... يَا قلَّة الْأَنْصَار والأعوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 فصل فِي أَذَان أهل السّنة الاعلام بصريحها جَهرا على رُؤُوس مَنَابِر الاسلام ... يَا قوم قد حانت صَلَاة الْفجْر فانتبهوا فَانِي معلن بِأَذَان لَا بالملحن والمبدل ذَاك بل ... تأذين حق وَاضح التِّبْيَان وَهُوَ الَّذِي حَقًا أَجَابَتْهُ على ... كل امرىء فرض على الْأَعْيَان ... هَذَا تأذين لغَوِيّ لِأَن الْأَذَان فِي اللُّغَة الاعلام قَالَ الله تَعَالَى {وأذان من الله وَرَسُوله} التَّوْبَة الْآيَة ... الله أكبر أَن يكون كَلَامه الْعَرَبِيّ مخلوقا من الأكوان ... وَالله أكبر أَن يكون رَسُوله الملكي أنشأه عَن الرَّحْمَن وَالله أكبر أَن يكون رَسُوله البشري أنشأه لنا بِلِسَان ... خلافًا للجهمية والمعتزلة وَالله اكبر ان يكون رَسُوله الملكي أنشأه عَن الرَّحْمَن أَي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا يَقُوله الْقَائِلُونَ بالْكلَام النَّفْسِيّ وَالله أكبر أَن يكون رَسُوله البشري أنشأه لنا بِلِسَان أَي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا هُوَ اُحْدُ الْقَوْلَيْنِ لِلْقَائِلين بالْكلَام النَّفْسِيّ ... هذي مقالات لكم يَا أمة التَّشْبِيه مَا أَنْتُم على ايمان ... أَي إِنَّهُم شبهوا الرَّحْمَن تَعَالَى بالأصنام الَّتِي لَا تَتَكَلَّم ثمَّ بَين وَجه التَّشْبِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 بقوله ... شبهتم الرَّحْمَن بالأوثان فِي ... عدم الْكَلَام وَذَاكَ للاوثان ... مِمَّا يدل بِأَنَّهَا لَيست بآ ... لهة وَذَا الْبُرْهَان فِي الْقُرْآن فِي سُورَة الْأَعْرَاف مَعَ طه وثا ... لثها فَلَا تعدل عَن الْقُرْآن ... يَعْنِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الاعراف {وَاتخذ قوم مُوسَى من بعده من حليهم عجلا جسدا لَهُ خوار ألم يرَوا أَنه لَا يكلمهم وَلَا يهْدِيهم سَبِيلا} الْآيَة وَفِي سُورَة طه {فَأخْرج لَهُم عجلا جسدا لَهُ خوار فَقَالُوا هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا} الْآيَة ... أيصح كَون الجاحدين لكَونه ... متكلما بِحَقِيقَة وَبَيَان هم اهل تَعْطِيل وتشبيه مَعًا ... بالجامدات عَظِيمَة النُّقْصَان لَا تَقْذِفُوا بالداء مِنْكُم شيعَة الرَّحْمَن أهل الْعلم والعرفان ... أَي لَا تسموا أهل الحَدِيث وَالسّنة مشبهة فانكم أهل التَّشْبِيه لأنكم شبهتم الرَّحْمَن بالجامدات فِي عدم الْكَلَام ... ان الَّذِي نزل الامين بِهِ على ... قلب الرَّسُول الْوَاضِح الْبُرْهَان ... هُوَ قَول رَبِّي اللَّفْظ وَالْمعْنَى جَمِيعًا اذ هما أَخَوان مصطحبان لَا تقطعوا رحما تولى وَصلهَا الرَّحْمَن تنسلخوا من الايمان ... وَلَقَد شفانا قَول شَاعِرنَا الَّذِي ... قَالَ الصَّوَاب وَجَاء بالاحسان ... إِن الَّذِي هُوَ فِي الْمَصَاحِف مُثبت ... بأنامل الاشياخ والشبان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 .. هُوَ قَول رَبِّي آيَة وحروفه ... ومدادنا وَالرّق مخلوقان ... الرّقّ بِفَتْح الرَّاء الْوَرق ... وَالله أكبر من على الْعَرْش اسْتَوَى ... لكنه استولى على الأكوان وَالله اكبر ذُو المعارج من اليه تعرج الاملاك كل أَوَان وَالله أكبر من يخَاف جَلَاله ... أملاكه من فَوْقهم بِبَيَان وَالله أكبر من غَدا لسريره ... أط بِهِ كالرحل للركبان ... وَالله أكبر من أَتَانَا قَوْله ... من عِنْده من فَوق سِتّ ثَمَان ... نزل الْأمين بِهِ بِأَمْر الله من ... رب على الْعَرْش اسْتَوَى رحمان وَالله أكبر قاهر فَوق العبا ... د فَلَا تضع فوقية الرَّحْمَن من كل وَجه تِلْكَ ثَابِتَة لَهُ ... لَا تهضموها يَا أولى الْعدوان قهرا وَقدرا واستواء الذَّات فو ... ق الْعَرْش بالبرهان وَالْقُرْآن ... أَي إِن أَنْوَاع الْعُلُوّ ثَابِتَة لله سُبْحَانَهُ وَهِي علو الْقَهْر وعلو الْقدر وعلو الذَّات ... فبذاته خلق السَّمَاوَات العلى ... ثمَّ اسْتَوَى بِالذَّاتِ فَافْهَم ذان فضمير فعل الاسْتوَاء يعود للذات الَّتِي ذكرت بِلَا فرقان ... أَي إِن الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} الْأَعْرَاف يعود على الله أَي اسْتَوَى هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 .. هُوَ رَبنَا هُوَ خَالق هُوَ مستو ... بِالذَّاتِ هذي كلهَا بوزان ... وَالله أكبر ذُو الْعُلُوّ الْمُطلق الْمَعْلُوم بالفطرات للانسان فَعَلُوهُ من كل وَجه ثَابت ... فَالله أكبر جلّ ذُو السُّلْطَان وَالله أكبر من رقى فَوق الطبا ... ق رَسُوله فَدَنَا من الديَّان واليه قد عرج الرَّسُول حَقِيقَة ... لَا تنكروا الْمِعْرَاج بالبهتان ودنا من الْجَبَّار جلّ جَلَاله ... ودنا اليه الرب ذُو الاحسان وَالله قد أحصى الَّذِي قد قُلْتُمْ ... فِي ذَلِك الْمِعْرَاج بالميزان قُلْتُمْ خيالا أَو أكاذيبا أَو الْمِعْرَاج لم يحصل إِلَى الرَّحْمَن ... إِذْ كَانَ مَا فَوق السَّمَاوَات العلى ... رب اليه مُنْتَهى الانسان ... وَالله أكبر من اشار رَسُوله ... حَقًا اليه بأصبع وبنان فِي مجمع الْحَج الْعَظِيم بموقف ... دون الْمُعَرّف موقف الغفران ... قد تقدم الحَدِيث فِي ذَلِك ... من قَالَ مِنْكُم من أَشَارَ بأصبع قطعت فَعِنْدَ الله يَجْتَمِعَانِ ... هَذَا اشارة الى قَول من قَالَ من المعطلة إِن من أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الى السَّمَاء وَإِن الله تَعَالَى فَوق خلقه تقطع اصبعه ... وَالله اكبر ظَاهر مَا فَوْقه ... شَيْء وشأن الله أعظم شان ... وَالله اكبر عَرْشه وسع السما ... والارض والكرسي ذَا الاركان ... وَكَذَلِكَ الْكُرْسِيّ قد وسع الطبا ... ق السَّبع والارضين بالبرهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 .. وَالله فَوق الْعَرْش والكرسي لَا ... يخفى عَلَيْهِ خواطر الانسان لَا تحصروه فِي مَكَان إِذْ تقو ... لوا رَبنَا حَقًا بِكُل مَكَان نزهتموه بجهلكم عَن عَرْشه ... وحصرتموه فِي مَكَان ثَان ... اشارة الى قَول النجارية والضرارية إِنَّه تَعَالَى فِي كل مَكَان ... لَا تعدموه بقولكم لَا دَاخل ... فِينَا وَلَا هُوَ خَارج الأكوان ... اشارة الى قَول الْجَهْمِية وأتباعهم إِنَّه تَعَالَى لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه فان ذَلِك صفة الْمَعْدُوم ... الله أكبر هتكت أستاركم ... وبدت لمن كَانَت لَهُ عينان وَالله أكبر جلّ عَن شبه وَعَن ... مثل وَعَن تَعْطِيل ذِي كفران وَالله أكبر من لَهُ الْأَسْمَاء وَال أَوْصَاف كَامِلَة بِلَا نُقْصَان وَالله أكبر جلّ عَن ولد وصا ... حبه وَعَن كُفْء وَعَن أخدان وَالله أكبر جلّ عَن شبه الجما ... د كَقَوْل ذِي التعطيل والكفران ... هم شبهوه بالجماد وليتهم ... قد شبهوه بكامل ذِي شان ... الله اكبر جلّ عَن شبه العبا ... د فذان تشبيهان ممتنعان الله أكبر وَاحِد صَمد وكل الشَّأْن فِي صمدية الرَّحْمَن ... نفت الْولادَة والأبوة عَنهُ والكفء الَّذِي هُوَ لَازم الانسان وكذاك أَثْبَتَت الصِّفَات جَمِيعهَا ... لله سَالِمَة من النُّقْصَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 .. واليه يصمد كل مَخْلُوق فَلَا ... صَمد سواهُ عز ذُو السُّلْطَان ... تقدم الْكَلَام فِي تَفْسِير الصَّمد بِمَا يُغني عَن الاعادة ... لَا شَيْء يُشبههُ تَعَالَى كَيفَ يُشبههُ خلقه مَا ذَاك فِي الامكان ... لَكِن ثُبُوت صِفَاته وَكَلَامه ... وعلوه حَقًا بِلَا نكران ... لَا تجْعَلُوا الاثبات تَشْبِيها لَهُ ... يَا فرقة التلبيس والطغيان كم ترتقون بسلم التَّنْزِيه للتعطيل ترويجا على العميان ... أَي أَنكُمْ تسمون التعطيل تَنْزِيها للترويج على العميان والجهال فاستعار لَفْظَة السّلم لهَذَا الْمَعْنى ... فَالله أكبر أَن تكون صِفَاته ... كصفاتنا جلّ الْعَظِيم الشان ... هَذَا هُوَ التَّشْبِيه لَا إِثْبَات أَو ... صَاف الْكَمَال فَمَا هما سيان ... فصل فِي تلازم التعطيل والشرك ... وَاعْلَم بِأَن الشّرك والتعطيل مذ ... كَانَا هما لَا شكّ مصطحبان ... أبدا فَكل معطل هُوَ مُشْرك ... حتما وَهَذَا وَاضح التِّبْيَان فَالْعَبْد مُضْطَر إِلَى من يكْشف الْبلوى ويغني فاقة الانسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 .. واليه يصمد فِي الْحَوَائِج كلهَا ... واليه يفزع طَالب لأمان ... فاذا انْتَفَت اوصافه وفعاله ... وعلوه من فَوق كل مَكَان ... فزع الْعباد إِلَى سواهُ وَكَانَ ذَا ... من جَانب التعطيل والنكران فمعطل الْأَوْصَاف ذَاك معطل التَّوْحِيد حَقًا ذان تعطيلان ... قد عطلا بِلِسَان كل الرُّسُل من ... نوح إِلَى الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... وَالنَّاس فِي هَذَا ثَلَاث طوائف ... مَا رَابِع ابدا بِذِي امكان إِحْدَى الطوائف مُشْرك بالهه ... فاذا دَعَاهُ دَعَا الها ثَانِي هَذَا وَثَانِي هَذِه الاقسام ذَا ... لَك جَاحد يَدْعُو سوى الرَّحْمَن هُوَ جَاحد للرب يَدْعُو غَيره ... شركا وتعطيلا لَهُ قدمان هَذَا وثالث هَذِه الْأَقْسَام خير الْخلق ذَاك خُلَاصَة الانسان ... يَدْعُو الاله الْحق لَا يَدْعُو سوا ... هـ قطّ فِي الاكوان والأزمان ... يَدعُوهُ فِي الرغبات والرهبات والحالات من سر وَمن اعلان ... لما ذكر فِي هَذَا الْفَصْل أَن الشّرك والتعطيل متلازمان ذكر أَن النَّاس ثَلَاث طوائف أَحدهَا الْمُشْركُونَ وهم الَّذين جعلُوا مَعَ الله إِلَهًا آخر وَالثَّانيَِة الجاحدون الَّذين يدعونَ غير الله ويمجدونه وَهَؤُلَاء قد جمعُوا الشّرك والتعطيل وَالثَّالِثَة الموحدون خُلَاصَة الانسان الَّذين يدعونَ الله سُبْحَانَهُ فِي الرغبات والرهبات وَجَمِيع الْحَالَات ثمَّ قَالَ ... توحيده نَوْعَانِ علمي وقصدي كَمَا قد جرد النوعان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 .. فِي سُورَة الاخلاص مَعَ تال لنصر الله قل يَا أَيهَا بِبَيَان ولذاك قد شرعا بِسنة فجرنا ... وكذاك سنة مغرب طرفان فَيكون مفتتح النَّهَار وختمه ... تجريدك التَّوْحِيد للديان وكذاك قد شرعا بِخَاتم وترنا ... ختما لسعي اللَّيْل بالآذان وكذاك قد شرعا بركعتي الطوا ... ف وَذَاكَ تَحْقِيق لهَذَا الشان فهما إِذا أَخَوان مصطحبان لَا ... يتفارقان وَلَيْسَ ين فصل ان فمعطل الْأَوْصَاف ذُو شرك كَذَا ... ذُو الشّرك فَهُوَ معطل الرَّحْمَن أَو بعض أَوْصَاف الْكَمَال لَهُ فحقق ذَا وَلَا تسرع إِلَى النكران ... قَوْله توحيده قصدي الخ شرح هَذِه الأبيات مَا ذكره النَّاظِم رَحمَه تَعَالَى فِي بَدَائِع الْفَوَائِد فِي الْكَلَام على سُورَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} قَالَ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا وب {قل هُوَ الله أحد} فِي سنة الْفجْر وَسنة الْمغرب فان هَاتين السورتين سورتا الاخلاص وَقد اشتملا على نَوْعي التَّوْحِيد الَّذِي لَا فلاح للْعَبد وَلَا نجاة الا بهما وهما تَوْحِيد الْعلم والاعتقاد المتضمن تنزية الله عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ من الشّرك وَالْولد وَالْوَالِد وَأَنه إِلَه أحد صَمد لم يلد فَيكون لَهُ فرع وَلم يُولد فَيكون لَهُ أصل وَلم يكن لَهُ كفوا اُحْدُ فَيكون لَهُ نَظِير وَمَعَ هَذَا الَّذِي قد اجْتمعت لَهُ صِفَات الْكَمَال كلهَا فتضمنت السُّورَة إِثْبَات مَا يَلِيق بجلاله من صِفَات الْكَمَال وَنفي مَا لَا يَلِيق بِهِ من الشَّرِيك أصلا وفرعا ونظيرا فَهَذَا تَوْحِيد الْقَصْد والارادة الْعلم والاعتقاد وَالثَّانِي تَوْحِيد وَهُوَ ان لَا يعبد الا الله فَلَا يُشْرك بِهِ فِي عِبَادَته سواهُ بل يكون وَحده هُوَ المعبود وَسورَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 مُشْتَمِلَة على هَذَا التَّوْحِيد فانتظمت السورتان نَوْعي التَّوْحِيد وأخلصت لَهُ فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْتَتح بهما النَّهَار فِي سنة الْفجْر وَيخْتم بهما فِي سنة الْمغرب وَفِي السّنَن أَنه كَانَ يُوتر بهما فيكونا خَاتِمَة عمل اللَّيْل كَمَا كَانَا خَاتِمَة عمل النَّهَار انْتهى فصل فِي بَيَان أَن الْمُعَطل شَرّ من الْمُشرك ... لَكِن أَخُو التعطيل شَرّ من أخي الْإِشْرَاك بالمعقول والبرهان إِن الْمُعَطل جَاحد للذات اَوْ ... لكمالها هَذَانِ تعطيلان ... متضمنا للقدح فِي نفس الالو ... هة كم بِذَاكَ الْقدح من نُقْصَان والشرك فَهُوَ توسل مَقْصُوده الزلفى من الرب الْعَظِيم الشان ... بِعبَادة الْمَخْلُوق من حجر وَمن ... بشر وَمن قبر وَمن أوثان ... فالشرك تَعْظِيم بِجَهْل من قيا ... س الرب بالأمراء وَالسُّلْطَان ظنُّوا بِأَن الْبَاب لَا يغشى بَدو ... ن توَسط الشفعاء والاعوان ودهاهم ذَاك الْقيَاس المستبين فَسَاده ببديهة الانسان ... الْفرق بَين الله وَالسُّلْطَان من ... كل الْوُجُوه لمن لَهُ أذنان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 .. إِن الْمُلُوك لعاجزون ومالهم ... علم بأحوال الدعا بِأَذَان ... كلا ولاهم قادرون على الَّذِي ... يَحْتَاجهُ الانسان كل زمَان كلا وَمَا تِلْكَ الارادة فيهم ... تقضي حوائج كلما انسان كلا وَلَا وَسعوا الخليقة رَحْمَة ... من كل وَجه هم أولو النُّقْصَان فَلذَلِك احتاجوا إِلَى تِلْكَ الوسا ... ئط حَاجَة مِنْهُم مدى الْأَزْمَان ... ذكر رَحْمَة الله فِي هَذِه الأبيات أَن الْمُعَطل شَرّ من الْمُشرك ثمَّ بَين ذَلِك بقوله إِن الْمُعَطل جَاحد للذات أَو لكمالها الخ وَذَلِكَ يتَضَمَّن الْقدح فِي الألوهية وَأما الشّرك فَهُوَ توسل أَي تقرب مَقْصُوده الزلفى أَي تَقْرِيبًا من الرب سُبْحَانَهُ وَذَلِكَ بِعبَادة الْمَخْلُوقَات سَوَاء كَانَت حجرا أَو قبرا أَو بشرا أَو وثنا وأصل الشّرك تَعْظِيم الله سُبْحَانَهُ لَكِن بِجَهْل وَذَلِكَ ان الْمُشْركين قاسوا الرب سُبْحَانَهُ بالملوك قَالُوا إِن الْملك لَا يحصل الْقرب مِنْهُ إِلَّا بتوسط الشفعاء وَهَذَا الْقيَاس من أبطل الْبَاطِل وفساده ظَاهر ببديهة الْعقل وَذَلِكَ ان الْمُلُوك عاجزون لَا علم لَهُم بأحوال الرعايا وَلَا قدرَة لَهُم على حوائج الْخلق وَلَا وَسعوا الْخَلَائق رَحْمَة بل هم عاجزون ناقصون فُقَرَاء الى الله سُبْحَانَهُ فقرا ذاتيا وَالْفرق بَين الله تَعَالَى وَبَين الْمُلُوك ظَاهر من جَمِيع الْوُجُوه ثمَّ بَين غناء الرب سُبْحَانَهُ وَكَمَال علمه وَقدرته وان الْخلق جَمِيعهم فِي قَبضته وهم فُقَرَاء اليه وَهُوَ الْغَنِيّ عَنْهُم غناء ذاتيا وهم فِي غَايَة الْحَاجة فَقَالَ ... أما الَّذِي هُوَ عَالم للغيب مقتدر على مَا شَاءَ ذُو إِحْسَان ... وتخافه الشفعاء لَيْسَ يربد مِنْهُم حَاجَة جلّ الْعَظِيم الشان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 .. بل كل حاجات لَهُم فإليه لَا ... لسواه من ملك وَلَا انسان وَله الشَّفَاعَة كلهَا وَهُوَ الَّذِي ... فِي ذَاك يَأْذَن للشَّفِيع الداني لمن ارتضى مِمَّن يوحده وَلم ... يُشْرك بِهِ شَيْئا كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن سبقت شَفَاعَته اليه فَهُوَ مشفوع اليه وشافع ذُو شان ... فَلِذَا أَقَامَ الشافعين كَرَامَة ... لَهُم وَرَحْمَة صَاحب الْعِصْيَان فَالْكل مِنْهُ بدا ومرجعه اليه وَحده مَا من اله ثَان ... غلط الألى جعلُوا الشَّفَاعَة من سوا ... هـ اليه دون الْإِذْن من رَحْمَن ... هذي شَفَاعَة كل ذِي شرك فَلَا ... تعقد عَلَيْهَا يَا أَخا الْإِيمَان وَالله فِي الْقُرْآن ابطلها فَلَا ... تعدل عَن الْآثَار وَالْقُرْآن وَكَذَا الْولَايَة كلهَا لله لَا ... لسواه من ملك وَلَا انسان ... تقدم بسط الْكَلَام فِي مَعَاني هَذِه الأبيات بِمَا أغْنى عَن الاعادة ... وَالله لم يفهم أولو الاشراك ذَا ... وَرَآهُ تنقيصا اولو النُّقْصَان إِذْ قد تضمن عزل من يدعى سو الرَّحْمَن بل أحديه الرَّحْمَن ... بل كل مدعُو سواهُ من لدن ... عرش الْإِلَه الى الحضيض الداني ... هُوَ بَاطِل فِي نَفسه وَدُعَاء عا ... بده لَهُ من أبطل الْبطلَان فَلهُ الْولَايَة وَالْولَايَة مالنا ... من دونه وَال من الأكوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 .. فَإِذا تولاه امْرُؤ دون الروى ... طَرَأَ تولاه عَظِيم الشان ... الْولَايَة الأولى بتفح الْوَاو لَا غير أَي الْمحبَّة والنصر والثانة بِكَسْر الْوَاو الامارة قَوْله طَرَأَ أَي جَمِيعًا ... وَإِذا تولى غَيره من دونه ... ولاه مَا يرضى بِهِ لهوان فِي هَذِه الدُّنْيَا وَبعد مماته ... وكذاك عِنْد قِيَامَة الْأَبدَان حَقًا يناديهم ندا سُبْحَانَهُ ... يَوْم الْمعَاد فَيسمع الثَّقَلَان يامن يُرِيد ولَايَة الرَّحْمَن دو ... ن ولَايَة الشَّيْطَان والاوثان فَارق جَمِيع النَّاس فِي إشراكهم ... حَتَّى تنَال ولَايَة الرَّحْمَن يَكْفِيك من وسع الْخَلَائق رَحْمَة ... وكفاية ذُو الْفضل والاحسان يَكْفِيك من لم تخل من احسانه ... فِي طرفَة تتقلب الاجفان يَكْفِيك رب لم تزل الطافه ... تَأتي اليك برحمة وحنان يَكْفِيك رب لم تزل فِي ستره ... ويراك حِين تَجِيء بالعصيان يَكْفِيك رب لم تزل فِي حفظه ... ووقاية مِنْهُ مجى الأ زمَان يَكْفِيك رب لم تزل فِي فَضله ... متقلبا فِي السِّرّ والاعلان يَدعُوهُ أهل الأَرْض مَعَ أهل السما ... ء فَكل يَوْم رَبنَا فِي شان وَهُوَ كَفِيل بِكُل مَا يَدعُونَهُ ... لايعتري جدواه من نُقْصَان فتوسط الشفعاء والشركاء وَال ... ظهراء أَمر بَين الْبطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 .. مافيه الا مَحْض تَشْبِيه لَهُم ... بِاللَّه وَهُوَ فأقبح الْبُهْتَان مَعَ قصدهم تَعْظِيمه سُبْحَانَهُ ... مَا عطلوا الاوصاف للرحمن لَكِن أَخُو التعطيل لَيْسَ لَدَيْهِ ... إِلَّا النَّفْي ايْنَ النَّفْي من ايمان وَالْقلب لَيْسَ يقر إِلَّا بالتعب ... د فَهُوَ يَدعُوهُ الى الاكوان فترى الْمُعَطل دَائِما فِي حيرة ... متنقلا فِي هَذِه الاعيان يَدْعُو إِلَهًا ثمَّ يَدْعُو غَيره ... ذَا شَأْنه أبدا مدى الازمان وَترى الموحد دَائِما متنقلا ... بمنازل الطَّاعَات والاحسان مَا زَالَ ينزل فِي الْوَفَاء منازلا ... وَهِي الطَّرِيق لَهُ الى الرَّحْمَن لكنما معبوده هُوَ وَاحِد ... مَا عِنْده ربان معبودان ... قَوْله لَا يعتري جدواه من نُقْصَان قَوْله جدواه الخ الجدا بِكَسْر الْجِيم والجدى بِالْقصرِ والجدوى الْعَطِيَّة وجداه واجتداه واستجداه أَي طلب جدواه وأجداه أعطَاهُ الجدوي قَالَه فِي مُخْتَار الصِّحَاح وَهَذَا كَمَا فِي الحَدِيث الْقُدسِي حَدِيث ابي ذَر الَّذِي رَوَاهُ مُسلم يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجْتَمعُوا فِي صَعِيد وَاحِد ثمَّ سَأَلُونِي فَأعْطيت كل انسان مَسْأَلته مان نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي الا كَمَا ينقص الْمخيط إِذا ادخل الْبَحْر وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِين الله لَا يغيضها نَفَقَة سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فانه لم يغض مَا فِي يَمِينه وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقسْط يخْفض وَيرْفَع الى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ضرب النَّاظِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 مثلا للمشرك والمعطل فَقَالَ فصل فِي مثل الْمُشرك والمعطل ... أَيْن الَّذِي قد قَالَ فِي ملك عَظِيم ... لست فِينَا قطّ ذَا سُلْطَان مَا فِي صفاتك من صِفَات الْملك شَيْء كلهَا مسلوبة الوجدان ... فَهَل استويت على سَرِير الْملك أَو ... دبرت أَمر الْملك وَالسُّلْطَان ... أَو قلت مرسوما تنفذه الرعا ... ياأو نطقت بِلَفْظَة بِبَيَان أَو كنت ذَا امْر وَذَا نهي وتكليم لمن وافى من الْبلدَانِ ... أَو كنت ذَا سمع وَذَا بصر وَذَا ... علم وَذَا سخط وَذَا رضوَان ... أَو كنت قطّ مكلما متكلما ... متصرفا بِالْفِعْلِ كل زمَان أَو كنت تفعل مَا تشَاء حَقِيقَة الْفِعْل الَّذِي قد قَامَ بالاذهان ... أَو كنت حَيا فَاعِلا بِمَشِيئَة ... وبقدرة أَفعَال ذِي السُّلْطَان ... فعل يقوم بِغَيْر فَاعله محا ... ل غير مَعْقُول لذِي الانسان بل حَاله الفعال قبل وَمَعَ وَبعد هِيَ الَّتِي كَانَت بِلَا فرقان ... وَالله لست بفاعل شَيْئا إِذا ... مَا كَانَ شَأْنك مِنْك هَذَا الشان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 .. لَا دَاخِلا فِينَا وَلست بِخَارِج ... عَنَّا خيالا درت فِي الاذهان فباي شَيْء كنت فِينَا مَالِكًا ... ملكا عَظِيما قاهر السُّلْطَان إسما ورسما لَا حَقِيقَة تَحْتَهُ ... شَأْن الْمُلُوك أجل من ذَا الشان هَذَا وثان قَالَ أَنْت مليكنا ... وَسوَاك لَا نرضاه من سُلْطَان إِذْ حزت اوصاف الْكَمَال جَمِيعهَا ... وَلأَجل ذَا دَانَتْ لَك الثَّقَلَان وَقد استويت على سَرِير الْملك واستولت توليت مَعَ هَذَا على الْبلدَانِ ... لَكِن بابك لَيْسَ يَغْشَاهُ امْرُؤ ... إِن لم يَجِيء بالشافع المعوان ويذل للبواب والحجاب والشفعاء أهل الْقرب والاحسان ... أفيستوي هَذَا وَهَذَا عنْدكُمْ ... وَالله مَا اسْتَويَا لَدَى نسان ... وَالْمُشْرِكُونَ أخف فِي كفرانهم ... وَكِلَاهُمَا من شيعَة الشَّيْطَان ان الْمُعَطل بالعداوة قَائِم ... فِي قالب التَّنْزِيه للرحمن ... حَاصِل كَلَام النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل أَنه ضرب مثلا للمشرك والمعطل فلسان حَال الْمُعَطل فِي الهه سُبْحَانَهُ إِنَّك لست فِينَا ذَا سُلْطَان لِأَنَّك لم تستو على سَرِير الْملك وَلم تدبر أَمر الْملك وَالسُّلْطَان وَلم تكلم وَلَا تَتَكَلَّم وَلست بفاعل فعلا حَقِيقَة بل فعلك هُوَ الْمَفْعُول بل حالك قبل الْفِعْل وَمَعَهُ وَبعده سَوَاء وَلست دَاخِلا فِي الْعَالم وَلَا خَارِجا مِنْهُ بل أَنْت خيال فِي الاذهان فَبِأَي شَيْء كنت فِينَا مَالِكًا تَعَالَى الله عَمَّا تَقول المعطلة علوا كَبِيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 قَوْله هَذَا وثان الخ هَذَا هُوَ الْمُشرك أَي إِن الْمُشرك قَالَ يَا رب أَنْت مليكنا وخالقنا والمتصرف فِينَا وَقد حزت أَوْصَاف الْكَمَال جَمِيعهَا وَقد استويت على سَرِير الْملك واستوليت على الْمَخْلُوقَات والاكوان وَلَكِن بابك لَا يغشى الا بالشفعاء وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من الذل للبواب والحجاب والشفعاء المقربين أفيستوي هَذَانِ عنْدكُمْ حاشا وكلا بل الْمُشْركُونَ أخف فِي كفرانهم وَالْكل من شيعَة الشَّيْطَان وَلَكِن الْمُعَطل يزِيد على الشّرك بِأَنَّهُ قَائِم بالعداوة فِي قاب التَّنْزِيه فصل فِيمَا أعد الله تَعَالَى من الاحسان للمتمسكين بكتابه وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد فَسَاد الزَّمَان ... هَذَا وللمتمسكين بِسنة الْمُخْتَار عِنْد فَسَاد ذِي الْأَزْمَان ... أجر عَظِيم لَيْسَ يقدر قدره ... الا الَّذِي أعطَاهُ للْإنْسَان ... فروى أَبُو دَاوُد فِي سنَن لَهُ ... وَرَوَاهُ أَيْضا احْمَد الشَّيْبَانِيّ أثرا تضمن أجر خمسين امريء ... من صحب احْمَد خيرة الرَّحْمَن إِسْنَاده حسن ومصداق لَهُ ... فِي مُسلم فافهمه فهم بَيَان انا الْعِبَادَة قت هرج هجره ... حَقًا الي وَذَاكَ ذُو برهَان هَذَا فكم من هِجْرَة لَك أَيهَا السّني بالتحقيق لَا بِأَمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 .. هَذَا وَكم من هِجْرَة لَهُم بِمَا ... قَالَ الرَّسُول وَجَاء فِي الْقُرْآن ... وَلَقَد أَتَى مصداقه فِي التِّرْمِذِيّ لمن لَهُ أذنان واعيتان فِي أجر محيي سنة مَاتَت فدا ... ك مَعَ الرَّسُول رَفِيقه بجنان هَذَا ومصداق لَهُ أَيْضا أَتَى ... فِي التِّرْمِذِيّ لمن لَهُ عينان تَشْبِيه أمته بغيث أول ... مِنْهُ وَآخره فمشتبهان ... قَالَ شيخ الاسلام فِي بعض اجوبته والْحَدِيث الَّذِي يرْوى مثل أمتِي كَمثل الْغَيْث لَا يدْرِي أَوله خير أَو أَخّرهُ قد تكلم فِي اسناده وَبِتَقْدِير صِحَّته إِنَّمَا مَعْنَاهُ انه يكون فِي آخر الْأمة من يُقَارب أَولهَا حَتَّى يشْتَبه على بعض النَّاس أَيهمَا خير كَمَا يشْتَبه على بعض النَّاس طرفا الثَّوْب مَعَ الْقطع بِأَن الأول خير من الآخر فانه قَالَ لَا يدْرِي وَمَعْلُوم ان هَذَا السَّلب لَيْسَ عَاما فانه بُد ان يكون مَعْلُوما أَيهمَا افضل ... فلذاك لَا يدْرِي الَّذِي هُوَ مِنْهُمَا ... قد خص بالتفصيل والرجحان وَلَقَد أَتَى اثر بِأَن الْفضل فِي الطَّرفَيْنِ أَعنِي أَولا وَالثَّانِي ... وَالْوسط ذُو ثبج فأعوج هَكَذَا ... جَاءَ الحَدِيث وَلَيْسَ ذَا نكران ... وَلَقَد أَتَى فِي الْوَحْي مصداق لَهُ ... فِي الثُّلثَيْنِ وَذَاكَ فِي القرأن أهل الْيَمين فثلة مَعَ مثلهَا ... وَالسَّابِقُونَ أقل فِي الحسبان ... قَالَ فِي الْقَامُوس الثبج محركة وسط الشَّيْء ومعظمه قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا لأَصْحَاب الْيَمين ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 الْوَاقِعَة 35 40 الثلَّة الْجَمَاعَة الَّتِي لَا يحصيها عدد قَالَ الزّجاج معنى ثلة فرقة من ثللث الشَّيْء إِذا قطعته وَالْمعْنَى أَنهم جمَاعَة أَو أمة أَو فرقة أَو قِطْعَة من الْأَوَّلين وهم من لدن آم الى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابو الْعَالِيَة وَمُجاهد وَعَطَاء بن ابي رَبَاح وَالضَّحَّاك ثلة من الاولين بِمَعْنى من سابقي هَذِه الْأمة وثلة من الأخرين من هَذِه الْأمة أخرج مُسَدّد وَابْن الْمُنْذر بِسَنَد حسن عَن ابي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآيَة قَالَ جَمِيعهَا من هَذِه الْأمة وَعنهُ قَالَ هما جَمِيعًا من هَذِه الْأمة وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هما جَمِيعًا من أمتِي أخرجه عبد بن حميد وَابْن عدي والفرياني وَغَيرهم قَالَ السُّيُوطِيّ بِسَنَد ضَعِيف وَعنهُ قَالَ الثُّلُثَانِ جَمِيعًا من هَذِه الامة وَبِه قَالَ ابو الْعَالِيَة وَمُجاهد وَعَطَاء بن ابي رَبَاح وَالضَّحَّاك وَهُوَ اخْتِيَار الزّجاج فان قيل كَيفَ قَالَ قبل هَذَا {وَقَلِيل من الآخرين} ثمَّ قَالَ هُنَا {وثلة من الآخرين} الْوَاقِعَة 40 قيل ذَاك فِي السَّابِقين الْأَوَّلين وَقَلِيل من يلْحق بهم من الآخرين وَهَذَا فِي اصحاب الْيَمين وَأَنَّهُمْ يتكاثرون من الْأَوَّلين والأخرين جَمِيعًا ... مَا ذَاك الا ان تَابعهمْ هم الغرباء لَيست غربَة الاوطان ... لَكِنَّهَا وَالله غربَة قَائِم ... بِالدّينِ بَين عَسَاكِر الشَّيْطَان ... فلذاك شبههم بِهِ متبوعهم ... فِي الغربتين وَذَاكَ ذُو تبيان لم يشبهوهم فِي جَمِيع امورهم ... من كل وَجه لَيْسَ يستويان فَانْظُر الى تَفْسِيره الغرباء بالمحيين سنته بِكُل زمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 .. طُوبَى لَهُم والشوق يحدوهم الى ... أَخذ الحَدِيث ومحكم الْقُرْآن ... طُوبَى لَهُم لم يعبؤوا بنجاته الأفكار أَو بزبالة الاذهان طُوبَى لَهُم ركبُوا عل متن العزا ... ئم قَاصِدين لمطلع الايمان طُوبَى لَهُم لم يعبؤوا شَيْئا بِذِي الآراء اذ أغناهم الوحيان ... طُوبَى لَهُم وامامهم دون الورى ... من جَاءَ بالايمان وَالْفرْقَان ... وَالله مَا ائتموا بشخص دونه ... الا إِذا مادلهم بِبَيَان فِي الْبَاب آثَار عَظِيم شَأْنهَا ... أعيت على الْعلمَاء فِي الْأَزْمَان إِذا اجْمَعْ الْعلمَاء أَن صحابة الْمُخْتَار خير طوائف الانسان ... ذَا بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهِ الْخلف بَين اثْنَيْنِ مَا حكيت بِهِ قَولَانِ فلذاك ذِي الْآثَار اعضل امرها ... وبغوالها التَّفْسِير بالاحسان فاسمع اذا تَأْوِيلهَا وافهمه لَا ... تعجل برد مِنْك اَوْ نكران ان البدار برد شَيْء لم تحط ... علما بِهِ سَبَب الى الحرمان الْفضل مِنْهُ مُطلق ومقيد ... وهما لأهل الْفضل مرتبتان ... قَوْله وَالْفضل مِنْهُ مُطلق ومقيد معنى ذَلِك ان الْفضل مِنْهُ مُطلق ومقيد فالفضل الْمُطلق كفضل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفضل اصحابه على من بعدهمْ وَالْفضل الْمُقَيد مثل خلق الله سُبْحَانَهُ آدم بِيَدِهِ فَهَذَا الْفضل الْمُقَيد لَا يُوجب تفضيله على سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا خَصَائِص من أَتَى من بعد آدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 من الرُّسُل لايوجب تَفْضِيلهمْ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا الْأَثر الَّذِي فِيهِ أَن المتمسك بِدِينِهِ فِي آخر الزَّمَان لَهُ اجْرِ خمسين من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُوجب ذَلِك افضلية على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ فِي آخر الزَّمَان وغربة الدّين قد عدم الْمعِين وصعب عَلَيْهِ الْقيام فِي وُجُوه اعداء الدّين واما الصاحبة رَضِي الله عَنْهُم فهم ذَوُو أعوان وانصار ... وَالْفضل ذُو التَّقْيِيد لَيْسَ بِمُوجب ... فضلا على الاطلاق من انسان لَا يُوجب التَّقْيِيد أَن يقْضى لَهُ ... بالاستواء فَكيف بالرجحان إِذْ كَانَ ذُو الاطلاق حَاز من الفضا ... ئل فَوق ذِي التَّقْيِيد بالاحسان فاذا فَرضنَا وَاحِدًا قد حَاز نو ... عا لم يحزه فَاضل الانسان لم يُوجب التَّخْصِيص من فضل عَليّ ... وَلَا مُسَاوَاة وَلَا نُقْصَان مَا خلق آدم باليدين بِمُوجب ... فضلا على الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ وَهَذَا خَصَائِص من أَتَى من بعده ... من كل رسل الله بالبرهان فمحمد أعلاهم فوقا وَمَا ... حكمت لَهُم بمزية الرجحان فالحائز الْخمسين أجرا لم يجز ... هَا فِي جَمِيع شرائع الايمان هَل حازها فِي بدر أَو اُحْدُ أَو الْفَتْح الْمُبين وبيعة الرضْوَان ... بل حازها إِذْ كَانَ قد عدم الْمعِين وهم فقد كَانُوا أولي أعوان والرب لَيْسَ يضيع مَا يتَحَمَّل المتحملون لأَجله من شان ... فَتحمل العَبْد الضَّعِيف رِضَاهُ مَعَ ... فيض الْعَدو وَقلة الاعوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 .. مِمَّا يدل على يَقِين صَادِق ... ومحبة وَحَقِيقَة الْعرْفَان ... أَي تحمل العَبْد مَعَ ضعفه الشاق لأجل رضى ربه يدل على صدق يقينه وَشدَّة محبته لَهُ ومعرفته بِهِ ... يَكْفِيهِ ذلا واغترابا قلَّة ال ... أنصار بَين عَسَاكِر الشَّيْطَان ... فِي كل يَوْم فرقة تغزوه ان ... ترجع يوافيه الْفَرِيق الثان فسل الْغَرِيب المستضام عَن الَّذِي ... يلقاه بَين عدى بِلَا حسبان هَذَا وَقد بعد المدى وتطاول الْعَهْد الَّذِي هُوَ مُوجب الاحسان ... ولذاك كَانَ كقابض جمرا فسل ... أحشاءه عَن حر ذِي النيرَان ... يُشِير الى الحَدِيث الْقَابِض فِيهِ على دينه كالقابض على الْجَمْر ... وَالله اعْلَم بِالَّذِي فِي قلبه ... يَكْفِيهِ علم الْوَاحِد المنان ... فِي الْقلب امْر لَيْسَ يقدر قدره ... الا الَّذِي آتَاهُ للْإنْسَان بو وتوحيد وصبر مَعَ رضى ... وَالشُّكْر والتحكيم لِلْقُرْآنِ سُبْحَانَ قَاسم فَضله بَين العبا ... د فَذَاك مولي الْفضل والاحسان فالفضل عِنْد الله لَيْسَ بِصُورَة الْأَعْمَال بل بحقائق الايمان ... حَتَّى يكون العاملان كِلَاهُمَا ... فِي رُتْبَة تبدو لنا بعيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 .. هَذَا وَبَينهمَا كَمَا بَين السما ... وَالْأَرْض فِي فضل وَفِي رُجْحَان ... وَيكون بَين ثَوَاب ذَا وثواب ذَا ... رتب مضاعفة بِلَا حسبان هَذَا عَطاء الرب جلّ جَلَاله ... وبذاك تعرف حِكْمَة الديَّان أَي إِن الْفضل عِنْد الله بِحَسب مَا فِي الْقُلُوب من الايمان وَالْيَقِين لَا بِحَسب صور الاعمال وَكَثْرَتهَا كَمَا قَالَ بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ مَا سبقهمْ ابو بكر بِكَثْرَة صَوْم وَلَا صَلَاة وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي قلبه فصل فِيمَا اعد الله تَعَالَى فِي الْجنَّة لأوليائه المتمسكين بِالْكتاب وَالسّنة ... يَا خَاطب الْحور الحسان وطالبا ... لوصالهن بجنة الْحَيَوَان ... لَو كنت تَدْرِي من خطبت وَمن طلبت بذلت مَا تحوي من الاثمان أَو كنت تَدْرِي ايْنَ مَسْكَنهَا جعلت السَّعْي مِنْك لَهَا على الاجفان ... وَلَقَد وصفت طَرِيق مَسْكَنهَا فان ... رمت الْوِصَال فَلَا تكن بالواني ... اسرع وحث السّير جهدك انما ... مسراك هَذَا سَاعَة لزمان فاعشق وَحدث بالوصال النَّفس وابذل مهرهَا مَا دمت ذَا امكان ... وَاجعَل صيامك قبل لقياها ويو ... م الْوَصْل يَوْم الْفطر من رَمَضَان ... وَاجعَل نعوت جمَالهَا الْحَادِي وسر ... تلقى المخاوف وَهِي ذَات امان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 لما حث النَّاظِم رَحْمَة الله تَعَالَى على طلب الْوِصَال للحور الْعين كَمَا قَالَ بَعضهم وصم عَن لذات الدُّنْيَا وَاجعَل فطرك الْمَوْت شرع فِي ذمّ الدُّنْيَا والاشتغال بهَا عَن الْآخِرَة فَقَالَ ... لَا يلهينك منزل لعبت بِهِ ... أَيدي البلى مذ سالف الازمان ... البلى بِكَسْر الْيَاء ... فَلَقَد ترحل عَنهُ كل مَسَرَّة ... وتبدلت بالهم وَالْأَحْزَان سجن يضيق بِصَاحِب الايمان لَكِن جنَّة المأوى لذِي الكفران ... سكانها أهل الْجَهَالَة والبطالة والسفاهة انجس السكان وألذهم عَيْشًا فأجهلهم بِحَق الله ثمَّ حقائق الْقُرْآن ... عمرت بهم هذي الديار وأقفرت ... مِنْهُم ربوع الْعلم والايمان قد أثروا الدُّنْيَا وَلَذَّة عيشهاالفاني على الجنات والرضوان ... صحبوا الْأَمَانِي وابتلوا بحظوظهم ... وَرَضوا بِكُل مذهلة وهوان ... كدحا وكدا لَا يفتر عَنْهُم ... مَا فِيهِ من غرم وَمن احزان وَالله لَو شاهدت هاتيك الصدو ... ر رَأَيْتهَا كمراجل النيرَان ... المراجل جمع مرجل وَهُوَ الْقدر ... ووقودها الشَّهَوَات والحسرات والالآم لَا تخبو مدى الْأَزْمَان ... أبدانهم أَحْدَاث هايتك النفو ... س اللاء قد قبرت مَعَ الْأَبدَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 أَرْوَاحهم فِي وَحْشَة وجسومهم ... فِي كدحها لافي رضى الرَّحْمَن ... هربوا من الرّقّ الَّذِي خلقُوا لَهُ ... فبلوا برق النَّفس والشيطان ... أَي إِنَّهُم وَالْعِيَاذ بِاللَّه هربوا من الرّقّ الَّذِي خلقُوا لَهُ وَهُوَ عبَادَة الله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} الذارايات 56 فبلوا برق النَّفس والشيطان أَي فاستخدمتهم الشَّيَاطِين واسترقتهم فِي تَحْصِيل الشَّهَوَات الفانية وَجمع عرض الدُّنْيَا الخسيس وحطامها الفاني فأعقبهم ذَلِك الْحَسْرَة والندامة وَصَارَ عَاقِبَة ذَلِك الْعَذَاب الْأَلِيم نَعُوذ بِاللَّه من مُوجبَات سخطه ... لَا ترض مَا اختاروه هم لنفوسهم ... فقد ارتضوا بالذل والحرمان ... لَو ساوت الدُّنْيَا جنَاح بعوضة ... لم يسق مِنْهَا الرب ذَا الكفران لَكِنَّهَا وَالله احقر عِنْده ... من ذَا الْجنَاح الْقَاصِر الطيران ... هَذَا معنى الحَدِيث لَو ساوت الدُّنْيَا عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقى كَافِرًا مِنْهَا شربة مَاء ... وَلَقَد تولت بعد عَن أَصْحَابهَا ... فالسعد مِنْهَا حل فِي الدبران لَا يرتجى مِنْهَا الْوَفَاء لصبها ... أَيْن الوفا من غادر خوان طبعت على كدر فَكيف تنالها ... صفوا أَهَذا قطّ فِي الامكان يَا عاشق الدُّنْيَا تأهب للَّذي ... قد ناله العشاق كل زمَان أَو مَا سَمِعت بل رَأَيْت مصَارِع العشاق من شيب وَمن شُبَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 فصل فِي صفة الْجنَّة الَّتِي أعدهَا الله ذُو الْفضل والْمنَّة لأوليائه المتمسكين بِالْكتاب وَالسّنة ... فاسمع إِذا اوصافها وصفاتها ... تيك الْمنَازل ربة الاحسان ... هِيَ جنَّة طابت وطاب نعيمها ... فنعيمها بَاقٍ وَلَيْسَ بفان دَار السَّلَام وجنة المأوى ومنزل عَسْكَر الايمان وَالْقُرْآن ... فالدار دَار السَّلامَة وخطابهم ... فِيهَا سَلام وَاسم ذِي الغفران ... فصل فِي عدد دَرَجَات الْجنَّة وَمَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ ... درجاتها مائَة وَمَا بَين اثْنَتَيْنِ فَذَاك فِي التَّحْقِيق للحسبان مثل الَّذِي بَين السَّمَاء وَبَين هَا ... ذِي الأَرْض قَول الصَّادِق الْبُرْهَان وسط الْجنان وعلوها فلذاك كَا ... نت قبَّة من احسن الْبُنيان مِنْهَا تفجر سَائِر الانهار فالمنبوع مِنْهُ نَازل بجنان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 فِي مُسْند الامام احْمَد من حَدِيث ابي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن المتحابين لترى غرفهم فِي الْجنَّة كَالْكَوْكَبِ الطالع الشَّرْقِي اَوْ الغربي فَيُقَال من هَؤُلَاءِ فَيُقَال هَؤُلَاءِ المتحابون ي الله عز وَجل وَفِيه ايضا من حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة وَلَو أَن الْعَالمين اجْتَمعُوا فِي احداهن وسعتهم وَفِيه عَنهُ ايضا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُقَال لصَاحب الْقُرْآن إِذا دخل الْجنَّة اقْرَأ واصعد فيقرا ويصعد بِكُل آيَة دَرَجَة حَتَّى يقْرَأ آخر شَيْء مَعَه قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله فِي حادي الارواح وَهَذَا صَرِيح فِي أَن درج الْجنَّة تزيد على مائَة دَرَجَة وَأما حَدِيث ابي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة فاما ان هَذِه الْمِائَة من جملَة الدرج واما ان يكون نهايتها هَذِه الْمِائَة وَفِي ضمن كل دَرَجَة درج دونهَا وَيدل على الْمَعْنى الاول حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ سَمِعت رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من صلى الصَّلَوَات الْخمس وَصَامَ شهر رَمَضَان كَانَ حَقًا على الله ان يغْفر لَهُ هاجرا وَقعد حَيْثُ وَلدته امهِ قلت يَا رَسُول الله الا اخْرُج فأوذن النَّاس قَالَ لَا دع النَّاس يعْملُونَ فان فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة بَين كل دَرَجَتَيْنِ مثل مَا بَين السَّمَاء والارض واعلاها دَرَجَة مِنْهَا الفردوس وَعَلَيْهَا يكون الْعَرْش وَهِي اوسط شَيْء فِي الْجنَّة وَمِنْهَا تفجر انهار الْجنَّة فاذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس وَرَاه التِّرْمِذِيّ وَرُوِيَ ايضا عَن عبَادَة بن الصَّامِت نَحوه وَفِيه ايضا من حَدِيث ابي سعيد يرفعهُ ان فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة وَرَوَاهُ احْمَد بِدُونِ لَفْظَة فِي فان كَانَ الْمَحْفُوظ ثُبُوتهَا فَهِيَ من جملَة درجها وان كَانَ الْمَحْفُوظ سُقُوطهَا فَهِيَ الدرج الْكِبَار المتضمنة للدرج الصغار وَلَا تنَاقض بَين تَقْدِير مَا بَين الدرجتين بِالْمِائَةِ وتقديرها بالخمس لاخْتِلَاف السّير فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 السرعة والبطء وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر هَذَا تَقْرِيبًا للأفهام وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين الدرجتين مَا بَين السَّمَاء والارض وابعد مِمَّا بَين السَّمَاء والارض قلت يَا رَسُول الله لمن قَالَ للمجاهدين فِي سَبِيل الله عز وَجل أنْتَهى كَلَامه فصل فِي ابواب الْجنَّة ... أَبْوَابهَا حَقًا ثَمَانِيَة أَتَت ... فِي النَّص وَهِي لصَاحب الاحسان ... بَاب الْجِهَاد وَذَاكَ اعلاها ... وَبَاب الصَّوْم يدعى الْبَاب بالريان ... وَلكُل سعي صَالح بَاب وَرب ... السَّعْي مِنْهُ دَاخل بِأَمَان ولسوف يدعى الْمَرْء من ابوابها ... جمعا اذا وفى حلى الايمان مِنْهُم ابوبكر هُوَ الصّديق ذَا ... ك خَليفَة الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث بن سعد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة ابواب بَاب مِنْهَا يُسمى الريان لَا يدْخلهُ الا الصائمون وَفِيهِمَا من حَدِيث ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي شَيْء من الاشياء فِي سَبِيل الله دعِي من ابواب الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من اهل الْجنَّة الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من اهل الصّيام دعِي من بَاب الريان فَقَالَ ابو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا على من دعِي من تِلْكَ الابواب من ضَرُورَة فَهَل يدعى اُحْدُ من تِلْكَ الابواب كلهَا فَقَالَ نعم وَأَرْجُو ان تكون مِنْهُم وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا مِنْكُم من أحد يتوضا فَيبلغ اَوْ فيسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول أشهد أَن لَا اله الا اله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من ايها شَاءَ زَاد ابو دَاوُد والامام احْمَد ثمَّ يرفع نظره الى السَّمَاء وَعند احْمَد عَن انس يرفعهُ من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ ثَلَاث مَرَّات أشهد أَن لَا اله الا الله الخ وَعَن عتبَة بن عبد الله السّلمِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من مُسلم يتوفى لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث الا تلقوهُ نم أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية من أَيهَا شَاءَ دخل رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعبد الله بن احْمَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 فصل فِي مِقْدَار مَا بَين الْبَاب وَالْبَاب مِنْهَا ... سَبْعُونَ عَاما بَين كل اثْنَيْنِ مِنْهَا قدرت بالعد والحسبان ... هَذَا حَدِيث لَقِيط الْمَعْرُوف بالْخبر الطَّوِيل وَذَا عَظِيم الشان وَعَلِيهِ كل جلالة ومهابة ... وَلكم حواه بعد من عرفان ... قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح روينَا فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ عَن عَاصِم ابْن لَقِيط بن عَامر خرج وافدا الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قلت يَا رَسُول الله فَمَا الْجنَّة وَالنَّار قَالَ لعَمْرو الهك أَن للنار سَبْعَة ابواب مَا مِنْهَا بَابَانِ الا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما وان للجنة ن ثَمَانِيَة أَبْوَاب مَا مِنْهَا بابابن الايسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما الحَدِيث بِطُولِهِ وَهَذَا الظَّاهِر مِنْهُ أَن هَذِه الْمسَافَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب لِأَن بَين مَكَّة وَبصرى لَا يحْتَمل التَّقْدِير بسبعين عَاما وَلَا يُمكن حمله على بَاب معِين بقوله مَا مِنْهَا بَابَانِ انْتهى كَلَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 فصل فِي مِقْدَار مَا بَين مصراعي الْبَاب الْوَاحِد مِنْهَا ... لَكِن بَينهمَا مسيرَة أَرْبَعِينَ ... رَوَاهُ حبر الامة الشَّيْبَانِيّ فِي مُسْند بِالرَّفْع وَهُوَ الْمُسلم ... وقف كمرفوع بِوَجْه ثَان وَلَقَد روى تَقْدِيره بِثَلَاثَة الْأَيَّام لَكِن عِنْد ذِي الْعرْفَان ... أَعنِي البُخَارِيّ الرضى هُوَ مُنكر ... وَحَدِيث رَاوِيه فذو نكران ... عَن ابي هُرَيْرَة فِي حَدِيث الشَّفَاعَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنطلق فَآتي الْعرض فأقع سَاجِدا لرَبي فيقيمني رب الْعَالمين مقَاما لم يقمه أحدا قبلي وَلَا يقيمه أحدا بعدِي فاقول يَا رب أمتِي أمتِي فَيَقُول يَا مُحَمَّد ادخل من أمتك من لاحساب عَلَيْهِم من الْبَاب الْأَيْمن وهم شركاه النَّاس فِيمَا سوى ذَلِك من الابواب وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن مَا بَين مصراعين فِيمَا سوى ذَلِك من مصاريع الْجنَّة كَمَا بَين مَكَّة وهجر أَو هجر وَمَكَّة وَفِي لفظ لَكمَا بَين مَكَّة وهجر أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى مُتَّفق على صِحَّته وَفِي لفظ خَارج الصَّحِيح باسناده ان مَا بَين عضادتي الْبَاب لَكمَا بَين مَكَّة وهجر وَفِي خطْبَة عتبَة بن غَزوَان لقد ذكر لنا أَن مصراعين من مصاريع الْجنَّة بَينهمَا مسيرَة اربعين سنة وليأتين عَلَيْهِ يَوْم وَهُوَ كظيظ من الزحام فَهَذَا مَوْقُوف وَالَّذِي قبله مَرْفُوع فَإِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الذاكر لَهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 ذَلِك كَانَ هَذَا سَعَة مَا بَين بَاب من أَبْوَابهَا وَلَعَلَّه الْبَاب الْأَعْظَم وان كَانَ الذاكر غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقدم على حَدِيث ابي هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم وَلَكِن قد روى احْمَد عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة عَن ابيه ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنْتُم موفون سبعين امهِ أَنْتُم خَيرهَا وَأَكْرمهَا على الله وَمَا بَين مصراعين من مصاريع الْجنَّة مسيرَة اربعين عَاما وليأتين عَلَيْهِ يَوْم لَهُ كظيظ وَقد رَوَاهُ ابْن ابي داوج عَنهُ يرفعهُ مَا بَين كل مصراعين من مصاريع الْجنَّة مسيرَة سبع سِنِين وَفِي مُسْند عبد بن حميد ثَنَا الْحسن بن مُوسَى ثَنَا ابْن لَهِيعَة ثَنَا دراج ابو السَّمْح عَن ابي الْهَيْثَم عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان مَا بَين مصراعين فِي الْجنَّة لمسيرة اربعين سنة وَحَدِيث ابي هُرَيْرَة أصح وَهَذِه النُّسْخَة ضَعِيفَة وَالله اعْلَم وروى ابو الشَّيْخ عَن سَالم بن عبد الله عَن ابيه ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَاب الَّذِي يدْخل مِنْهُ اهل الْجنَّة مسيرَة الرَّاكِب الْمجد ثَلَاثًا ثمَّ أَنهم ليضغطون عَلَيْهِ حَتَّى تكَاد مَنَاكِبهمْ تَزُول رَوَاهُ ابو نعيم عَنهُ وَهَذَا مُطَابق للْحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ ان مَا بَين المصراعين كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى فان الرَّاكِب المجود غَايَة الاجادة على اسرع هجين لَا يقر لَيْلًا وَلَا نَهَارا يقطع هَذِه الْمسَافَة فِي هَذَا الْقدر أَو قريب مِنْهُ وَأما حَدِيث حَكِيم بن مُعَاوِيَة فقد اضْطربَ رُوَاته فحماد بن سَلمَة ذكر عَن الْجريرِي أَرْبَعِينَ عَاما وخَالِد ذكر عَنهُ سبع سِنِين وَفِي حَدِيث ابي سعيد الْمَرْفُوع أَرْبَعُونَ عَاما وَفِي طَرِيقه دراج قَالَ احْمَد أَحَادِيثه مَنَاكِير وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ ضَعِيف وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ فَالصَّحِيح الْمَرْفُوع السَّالِم عَن الِاضْطِرَاب والشذوذ وَالْعلَّة حَدِيث ابي هُرَيْرَة الْمُتَّفق على صِحَّته على أَن حَدِيث حَكِيم لَيْسَ التَّقْدِير فِيهِ بِظَاهِر الرّفْع وَيحْتَمل أَنه مدرج فِي الحَدِيث مَوْقُوف فَيكون كَحَدِيث عَتبه بن غَزوَان وَالله اعْلَم انْتهى كَلَام النَّاظر فِي حادي الارواح مُلَخصا فَهَذَا كَلَامه فِي حادي الارواح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وَظَاهره تَرْجِيح رِوَايَة التَّقْدِير بِثَلَاثَة ايام وَلِهَذَا جمع بَينه وَبَين حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَيْهِ الَّذِي فِيهِ ان مَا بَين المصراعين لَكمَا بَين مَكَّة وَبصرى وَفِي هَذَا النّظم ذكر عَن البخار انه مُنكر وَالله اعْلَم فصل فِي مِفْتَاح بَاب الْجنَّة ... هَذَا وَفتح الْبَاب لَيْسَ بممكن ... الا بمفتاح على أَسْنَان مفتاحه بِشَهَادَة الاخلاص والتوحيد تِلْكَ شَهَادَة الايمان ... أَسْنَانه الاعمال وَهِي شرائع الْإِسْلَام والمفتاح بالاسنان لَا تلغين هَذَا الْمِثَال فكم بِهِ ... من حل إِشْكَال لذِي الْعرْفَان ... عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِفْتَاح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا اله الا الله رَوَاهُ احْمَد وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن وهب بن مُنَبّه انه قيل لَهُ الْيَسْ مِفْتَاح الْجنَّة لَا اله الا الله قَالَ بلَى وَلَكِن لَيْسَ من مِفْتَاح إِلَّا وَله أَسْنَان فَإِن اتيت بمفتاح لَهُ اسنان فتح والا لم يفتح وَعَن انس قَالَ قَالَ اعرابي يَا رَسُول الله مَا مِفْتَاح الْجنَّة قَالَ لَا اله الا الله رَوَاهُ ابو نعيم وَذكر ابو الشَّيْخ عَن يزِيد بن سَخْبَرَة أَن السيوف مَفَاتِيح الْجنَّة وَفِي الْمسند من حَدِيث معَاذ بن جبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أدلكم على بَاب من ابواب الْخَيْر قلت بلَى قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ لكل مَطْلُوب مفتاحا يفتح بِهِ فَجعل مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور ومفتاح الْحَج الاحرام ومفتاح الْبر الصدْق ومفتاح الْجنَّة التَّوْحِيد ومفتاح الْعلم حسن السُّؤَال وَحسن الاصغاء ومفتاح النَّصْر وَالظفر الصَّبْر ومفتاح الْمَزِيد الشُّكْر ومفتاح الْولَايَة الْمحبَّة ومفتاح الرَّغْبَة فِي الْآخِرَة الزّهْد فِي الدُّنْيَا ومفتاح الايمان التكفر فِيمَا دَعَا الله عباده الى التفكر فِيهِ ومفتاح الدُّخُول على الله اسلام الْقلب وسلامته لَهُ والاخلاص لَهُ فِي الْحبّ والبغض لَهُ وَالْفِعْل وَالتّرْك ومفتاح حَيَاة الْقلب تدبر الْقُرْآن والتضرع بالاسحار وَترك الذُّنُوب ومفتاح حُصُول الرَّحْمَة الاحسان فِي عبَادَة الْخَالِق وَالسَّعْي فِي نفع عبيده ومفتاح الرزق السَّعْي مَعَ الاسْتِغْفَار وَالتَّقوى ومفتاح الْعِزّ طَاعَة الله وَرَسُوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرَّغْبَة فِي الله وَالدَّار الْآخِرَة ومفتاح كل شرب حب الدُّنْيَا وَطول الامل وَهَذَا بَاب عَظِيم من أَنْفَع ابواب الْعلم وَهُوَ معرفَة مَفَاتِيح الْخَيْر وَالشَّر وَلَا يوفق لمعرفته ومراعاته الا من عظم حَظه وتوفيقه فان الله سُبْحَانَهُ جعل لكل خير وَشر ومفتاحا وبابا يدْخل مِنْهُ اليه كَمَا جعل الشّرك وَالْكبر والاعراض عَمَّا بعث الله بِهِ رَسُوله والغفلة عَن ذكره وَالْقِيَام بِحقِّهِ مفتاحا للنار كَمَا جعل الْخمر مِفْتَاح كل إِثْم وَجعل الْغناء مِفْتَاح الزِّنَا وَجعل اطلاق النّظر فِي الصُّور مِفْتَاح الْعِشْق والطلب وَجعل الكسل والراحة مِفْتَاح الخيبة والحرمان وَجعل الْمعاصِي مِفْتَاح الْكفْر وَجعل الْكَذِب مِفْتَاح النِّفَاق وَجعل الشُّح والحرص مِفْتَاح الْبُخْل وقطعية الرَّحِم مِفْتَاح الْبُخْل وَقَطِيعَة الرَّحِم واخذ المَال من غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 حلّه وَجعل الاعراض عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِفْتَاح كل بِدعَة وضلال وَهَذِه امور لَا يصدق بهَا الا كل من لَهُ بَصِيرَة صَحِيحَة وعقل يعرف بِهِ مَا فِي نَفسه وَمَا فِي الْوُجُود من الْخَيْر وَالشَّر فَيَنْبَغِي للْعَبد ان يعتني كل الاعتناء بِمَعْرِِفَة المفاتيح وَمَا جعلت مَفَاتِيح لَهُ وَالله من وَرَاء توفيقه وعدله لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَله النِّعْمَة وَالْفضل وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون فصل فِي منشور الْجنَّة الَّذِي يُوقع بِهِ لصَاحِبهَا المنشور مَا كَانَ غير مختوم من كتب السُّلْطَان ... هَذَا وَمن يدْخل فَلَيْسَ بداخل ... الا بتوقيع من الرَّحْمَن وكذاك يكْتب للفتى لدُخُوله ... من قبل توقيعان مشهوران إِحْدَاهمَا بعد الْمَمَات وَعرض أر ... واح الْعباد بِهِ على الديَّان فَيَقُول رب الْعَرْش جلّ جَلَاله ... للكاتبين وهم أولو الدِّيوَان ... ذَا الِاسْم فِي الدِّيوَان يكْتب ذَاك ديوَان الْجنان مجاور المنان ... ديوَان عليين اصحاب القرا ... ن وَسنة الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ فَإِذا انْتهى للجسر يَوْم الْحَشْر يعْطى الدُّخُول اذا كتابا ثَانِي ... عنوانه هَذَا كتاب من عَزِيز رَاحِم لفُلَان ابْن فلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 .. فَدَعوهُ يدْخل جنَّة المأوى الَّتِي ار ... تفعت وَلَكِن القطوف دواني هَذَا وَقد كتب اسْمه مذ كَانَ فِي الْأَرْحَام قبل ولادَة الانسان ... بل قبل ذَلِك وَهُوَ وَقت القبضتين ... ن كِلَاهُمَا للعدل والاحسان ... سُبْحَانَ ذِي الجبروت والملكوت وَال ... اجلال والاكرام والسبحان وَالله أكبر عَالم الاسرار والاعلان واللحظات بالاجفان ... وَالْحَمْد لله السَّمِيع لسَائِر الأصوت من سر وَمن اعلان وَهُوَ الموحد والمسبح والممجد والحميد ومنزل الْقُرْآن ... وَالْأَمر من قبل وَمن بعد لَهُ ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّلْطَان ... قَالَ الله تَعَالَى {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون} المطففين 18 21 فَأخْبر تَعَالَى أَن كِتَابهمْ كتاب مرقوم تَحْقِيقا لكَونه مَكْتُوبًا كِتَابَة حَقِيقَة وَخص كتاب الابرار بِأَنَّهُ يكْتب ويوقع لَهُم بِهِ بمشهد المقربين من الْمَلَائِكَة والنبيين وَلم يذكر شَهَادَة هَؤُلَاءِ كتاب الْفجار تنويها بِكِتَاب الابرار وَمَا وَقع بِهِ لَهُم واشهارا لَهُ واظهارا بَين خَواص خلقه كَمَا تكْتب الْمُلُوك تواقيع من تعظمه من بَين الامراء وخواص اهل المملكة تنويها باسم الْمَكْتُوب واشارة بِذكرِهِ وَهَذَا نوع من صلوَات الله سُبْحَانَهُ وَمَلَائِكَته على عَبده وروى أَحْمد وَابْن حبَان وابو عوانه فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الطَّوِيل فِي شَأْن الْقَبْر مَرْفُوعا فَيَقُول الله عز وَجل اكتبوا كتاب عَبدِي فِي عليين واعيدوه الى الارض فَيَقُول الله عز وَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين فِي الأَرْض السُّفْلى وتطرح روحه طرحا وَرَوَاهُ ابو دَاوُد بِطُولِهِ فَهَذَا التوقيع والمنشور الاول واما المنشور الثَّانِي وَهُوَ التوقيع الثَّانِي الَّذِي ذكره النَّاظِم فَعَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة أحد الا بِجَوَاز بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من الله لفُلَان بن فلَان أدخلوه جنَّة عالية قطوفها دانية رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَعنهُ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْطى الْمُؤمن جَوَازًا على الصِّرَاط بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من الله الْعَزِيز الْحَكِيم لفُلَان أدخلوه جنَّة عالية قطوفها دانية اخرجها الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه قَوْله هَذَا وَقد كتب اسْمه الخ أَي إِن الْمُؤمن وَقع فِي قَبْضَة اصحاب الْيَمين يَوْم القبضتين ثمَّ كتب من اهل الْجنَّة يَوْم نفخ الرّوح فِيهِ ثمَّ يكْتب فِي ديوَان اهل الْجنَّة يَوْم مَوته ثمَّ يعْطى هَذَا المنشور يَوْم الْقِيَامَة وَالله الْمُسْتَعَان فَهَذَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ هَذَا الْفَصْل فصل فِي صُفُوف أهل الْجنَّة ... هَذَا وان صفوفهم عشرُون مَعَ ... مئة وهذي الامة الثُّلُثَانِ ... يرويهِ عَنهُ بريده اسناده ... شَرط الصَّحِيح بِمُسْنَد الشَّيْبَانِيّ وَله شَوَاهِد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود وَحبر زمَان ... أَعنِي ابْن عَبَّاس وَفِي اسناده ... رجل ضَعِيف غير ذِي اتقان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 .. وَلَقَد أَتَانَا فِي الصَّحِيح بِأَنَّهُم ... شطر وَمَا اللفظان مُخْتَلِفَانِ ... إِذْ قَالَ أَرْجُو أَن تَكُونُوا شطرهم ... هَذَا الرَّجَاء مِنْهُ للرحمن أعطَاهُ رب الْعَرْش مَا يَرْجُو وزا ... د من الْعَطاء فعال ذِي الاحسان ... فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما ترْضونَ ان تَكُونُوا ربع اهل الْجنَّة فكبرنا ثمَّ قَالَ اما ترْضونَ أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة قَالَ فكبرنا ثمَّ قَالَ أَنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة وَسَأُخْبِرُكُمْ عَن ذَلِك مَا الْمُسلمُونَ فِي الْكفَّار الا كشعرة بَيْضَاء فِي ثَوْر اسود أَو كشعرة سَوْدَاء فِي ثَوْر ابيض هَذَا لفظ مُسلم وَعَن بريده بن الْحصيب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف هَذِه الامة مِنْهَا ثَمَانُون صفا رَوَاهُ احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ واسناده على شَرط الصَّحِيح وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ يَفِ مُعْجَمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَفِي سَنَده خَالِد بن يزِيد البَجلِيّ وَقد تكلم فِيهِ وَرَوَاهُ ايضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أَنْتُم وثلثها قَالُوا ذَاك اكثر قَالَ كَيفَ أَنْتُم والشطر لكم قَالُوا ذَاك اكثر قَالَ اهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف لكم مِنْهَا ثَمَانُون صفا قَالَ الطَّبَرَانِيّ تفرد بِهِ خَالِد بن زِيَاد وروى عبد لله بن احْمَد عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ لما نزلت {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} الْوَاقِعَة 13 14 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْتُم ربع اهل الْجنَّة أَنْتُم ثلث أهل الْجنَّة أَنْتُم نصف اهل الْجنَّة أَنْتُم ثلثا أهل الْجنَّة قَالَ الطَّبَرَانِيّ تفرد بِرَفْعِهِ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ وروى خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان عَن بهز بن حَكِيم عَن ابيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 أهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف أَنْتُم ثَمَانُون صفا قَالَ النَّاظِم وَهَذِه الاحاديث قد تعدّدت طرقها وَاخْتلفت مخارجها وَصَحَّ سَنَد بَعْضهَا وَلَا تنَافِي بَينهَا وَبَين حَدِيث الشّطْر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجا أَولا ان يكنوا شطر اهل الْجنَّة فَأعْطَاهُ الله وَزَاد عَلَيْهِ سدسا اخر وروى احْمَد عَن جَابر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَرْجُو أَن يكون من يَتبعني من امتي يَوْم الْقِيَامَة ربع اهل الْجنَّة فكبرنا فَقَالَ ارجو أَن يَكُونُوا الشّطْر واسناده على شَرط مُسلم فصل فِي صفة أول زمرة تدخل الْجنَّة ... هَذَا وَأول زمرة فوجوههم ... كالبدر ليل السبت بعد ثَمَان السَّابِقُونَ هم وَقد كَانُوا هُنَا ... أَيْضا أولي سبق الى الاحسان ... فصل فِي صفة الزمرة الثَّانِيَة ... والزمرة الاخرى كأضوء كَوْكَب ... فِي الافق تنظره بِهِ العينان أمشاطهم ذهب ورشحهم فمسك خَالص باذلة الحرمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول زمرة تلج الْجنَّة صورهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَا يبصقون وَلَا يتمخطون فِيهَا آنيتهم وأمشاطهم الذَّهَب وَالْفِضَّة ومجامرهم الألوة ورشحهم الْمسك وَلكُل وَاحِد مِنْهُم زوجتان يرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم من الْحسن لَا اخْتِلَاف بَينهم وَلَا تباغض قُلُوبهم على قلب رجل وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشيا وَفِيهِمَا أَيْضا عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر الَّذين يَلُونَهُمْ على أَشد كَوْكَب دري فِي السَّمَاء إضاءة لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَنْتَفِلُونَ وَلَا يتمخطون أمشاطهم الذَّهَب ورشحهم الْمسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الْحور الْعين واخلاقهم على خلق رجل وَاحِد على صُورَة ابيهم آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي السَّمَاء فصل فِي تفاضل اهل الْجنَّة فِي الدَّرَجَات العلى ... وَيرى الَّذين بذيلها من فَوْقهم ... مثل الْكَوَاكِب رُؤْيَة بعيان ... مَا ذَاك مُخْتَصًّا برسل الله بل ... لَهُم وللصديق ذِي الايمان ... فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن اهل الْجنَّة ليتراءون أهل الغرف من فَوْقهم كَمَا تتراءون الْكَوْكَب الدُّرِّي العابر من الافق من الْمشرق الى اَوْ الْمغرب لتفاضل مَا بَينهم قَالُوا يَا رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الله تِلْكَ منَازِل الانبياء لَا يبلغهَا غَيرهم قَالَ بلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ رجال آمنُوا بِاللَّه وَصَدقُوا الْمُرْسلين وَلَفظ البُخَارِيّ فِي الافق وَهُوَ ابين الغابر هُوَ الذَّاهِب الْمَاضِي الَّذِي قد تدلى للغروب وَفِي التَّمْثِيل بِهِ دون الْكَوَاكِب المسامت للرأس فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا بعده عَن الْعُيُون وَالثَّانيَِة أَن الْجنَّة دَرَجَات بَعْضهَا اعلى من بعض وان لم تسامت الْعليا السُّفْلى كالبساتين الممتدة من رَأس الْجَبَل الى ذيله وَالله تَعَالَى أعلم قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح فصل فِي ذكر أَعلَى أهل الْجنَّة منزلَة وأدناهم ... هَذَا وَأَعْلَاهُمْ فناطر ربه ... فِي كل يَوْم وقته الطرفان ... لَكِن أَدْنَاهُم وَمَا فيهم دني ... إِذْ لَيْسَ فِي الجنات من نُقْصَان فَهُوَ الَّذِي تلقى مَسَافَة ملكه ... بسنيننا أَلفَانِ كاملتان فَيرى بهَا أقصاه حَقًا مثل رؤ ... يته لأدناه الْقَرِيب الداني أَو مَا سَمِعت بِأَن آخر أَهلهَا ... يُعْطِيهِ رب الْعَرْش ذُو الغفران أَضْعَاف دُنْيَانَا جَمِيعًا عشر أَمْثَال لَهَا سُبْحَانَ ذِي الاحسان ... عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أدنى اهل الْجنَّة منزلَة لمن ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر الى وَجهه غدْوَة وعشيا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} الْقِيَامَة 2223 رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن ابْن عمر غير مَرْفُوع وَرَوَاهُ ابْن الْجَبْر مَوْقُوفا قلت وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه مَرْفُوعا إِن أدنى اهل الْجنَّة منزلَة الرجل فِي ملكة ألفي سنة يرى أقصاه كَمَا يرى أدناه ينظر الى ازواجه وسرره وخدمه الحَدِيث وَرَوَاهُ ابو نعيم ايضا عَنهُ مَرْفُوعا قَوْله أَو مَا سَمِعت بِأَن اخر اهلها الخ روى مُسلم من حَدِيث الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان مُوسَى سَأَلَ ربه عَن ادنى منزلَة فَقَالَ رجل يَجِيء بعد مَا دخل اهل الْجنَّة فَيُقَال لَهُ ادخل الْجنَّة فَيَقُول رب كَيفَ وَقد نزل النَّاس مَنَازِلهمْ وَأخذُوا أخذاتهم فَيُقَال لَهُ اترضى أَن يكون لَك مثل ملك من مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول رضيت رب فَيَقُول لَك ذَلِك وَمثله وَمثله وَمثله وَمثله فَقَالَ فِي الْخَامِسَة رضيت رب قَالَ رب فأعلاهم منزلَة قَالَ أُولَئِكَ الَّذين أردْت غرس كرامتهم بيَدي وختمت عَلَيْهَا فَلم تَرَ عين وَلم تسمع اذن وَلم يخْطر على قلب بشر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعْلم أخر اهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا وَأخر اهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة رجل يخرج من النَّار حبوا فَيَقُول الله تَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة قَالَ فيأتيها فيخيل اليه أَنَّهَا ملأى فَيرجع فَيَقُول الله لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 قَالَ فيأتيها فيخيل اليه انها ملأى فَيرجع فَيَقُول يَا رب وَجدتهَا ملأى فَيَقُول الله لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة فان لَك مثل الدُّنْيَا وَعشرَة امثالها اَوْ ان لَك عشرَة امثال الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُول اتسخر بِي اَوْ تضحك بِهِ وانت الْملك قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه قَالَ فَكَانهُ يُقَال ذَلِك أدنى اهل الْجنَّة منزلَة فصل فِي ذكر سنّ اهل الْجنَّة ... هَذَا وسنهم ثَلَاث مَعَ ثلا ... ثين الَّتِي هِيَ قُوَّة الشبَّان ... وصغيرهم وَكَبِيرهمْ فِي ذَا على ... حد سَوَاء مَا سوى الْولدَان ... وَلَقَد روى الْخُدْرِيّ أَيْضا أَنهم ... أَبنَاء عشر بعْدهَا عشران وَكِلَاهُمَا فِي التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ ذَا بتناقض بل هَا هُنَا أَمْرَانِ ... حذف الثَّلَاث ونيف بعد الْعُقُود وَذكر ذَلِك عِنْدهم سيان عِنْد اتساع فِي الْكَلَام فعندما ... يَأْتُوا بتحرير فبالميزان ... قَالَ النَّاظِم روى احْمَد عَن ابي هُرَيْرَة مَرْفُوعا يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا بيضًا جِعَادًا مكلحين ابناء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وهم على خلق آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة اذرع قيل تفرد بِهِ حَمَّاد عَن عَليّ بن زيد وروى التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ عَن معَاذ بن جبل ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 أهل الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا مُكَحَّلِينَ بني ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وروى ابو بكر ابْن ابي دَاوُد عَن انس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث اهل الْجنَّة على صُورَة آدم فِي مِيلَاد ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة جردا مردا مُكَحَّلِينَ ثمَّ يذهب بهم الى شَجَرَة فِي الْجنَّة فيكسون مِنْهَا لَا تبلى ثِيَابهمْ وَلَا يفنى شبابهم قَوْله وَلَقَد روى الْخُدْرِيّ الخ قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ من اهل الْجنَّة من صَغِير اَوْ كَبِير يردون بني ثَلَاثِينَ سنة فِي الْجنَّة لَا يزِيدُونَ عَلَيْهَا ابدا وَكَذَلِكَ اهل النَّار رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ النَّاظِم فان كَانَ مَحْفُوظًا لم يُنَاقض مَا قبله فان الْعَرَب اذا قدرت بِعَدَد لَهُ نَيف فان لَهُم طَرِيقين تَارَة يذكرُونَ النيف للتحرز وَتارَة يحذفونه وَهَذَا مَعْرُوف فِي كَلَامهم وخطاب غَيرهم من الامم وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة على طول آدم سِتِّينَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْملك على حسن يُوسُف وعَلى مِيلَاد عِيسَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وعَلى لِسَان مُحَمَّد جردا مردا مُكَحَّلِينَ وروى ابْن وهب عَن ابي هُرَيْرَة انه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن اهل الْجنَّة يدْخلُونَ الْجنَّة على قدر آدم سِتُّونَ ذِرَاعا وعَلى ذَلِك قطعت سررهم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَخْلَاقهم على خلق رجل وَاحِد على صُورَة ابيهم آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي السَّمَاء وَالرِّوَايَة على خلق بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون اللَّام والاخلاق كَمَا تكون جمعا لِلْخلقِ بِالضَّمِّ فَهِيَ جمع لِلْخلقِ بِالْفَتْح وَالْمرَاد تساويهم فِي الطول وَالْعرض وَالسّن وان تفاوتوا فِي الْحسن وَالْجمال وَلِهَذَا فسره بقوله على صُورَة ابيهم آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي السَّمَاء واما اخلاقهم وَقُلُوبهمْ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابي هُرَيْرَة ان اول زمرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 تلج الْجنَّة الحَدِيث وَفِيه لَا اخْتِلَاف بَينهم وَلَا تباغض قُلُوبهم على قلب وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشيا فصل فِي طول قامات أهل الْجنَّة وعرضهم ... والطول طول ابيهم سِتُّونَ لَكِن عرضهمْ سبع بِلَا نُقْصَان ... الطول صَحَّ بغيرشك فِي الصَّحِيحَيْنِ اللَّذين هما لنا شمسان وَالْعرض لم وَلَا يخفى التناسب بَين هَذَا الْعرض والطول البديع الشان ... كل على مِقْدَار صَاحبه وَذَا ... تَقْدِير متقن صنعه الانسان ... قد تقدّمت الاحاديث فِي طول اهل الْجنَّة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا واما الْعرض فَهُوَ كَمَا قَالَ النَّاظِم لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِن قد رَوَاهُ احْمَد قَالَ النَّاظِم وَفِي هَذَا الطول وَالْعرض وَالسّن من الْحِكْمَة مَا لَا يخفى فانه ابلغ واكمل فِي اسْتِيفَاء اللَّذَّة لِأَنَّهُ اكمل سنّ الْقُوَّة مَعَ عظم آلَات اللَّذَّة وباجتماع الْأَمريْنِ يكون كَمَال اللَّذَّة وقوتها بِحَيْثُ يصل فِي الْيَوْم الْوَاحِد الى مائَة عذراء وَلَا يخفى التناسب بَين هَذَا الطول وَالْعرض وانه لَو زَاد احدهما على الاخر فَاتَ الِاعْتِدَال وتناسب الْخلقَة وَيصير طولا مَعَ دقة اَوْ غلظا مَعَ قصر وَكِلَاهُمَا غير مُنَاسِب وَالله اعْلَم انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 فصل فِي حلاهم والوانهم ... ألوانهم بيض وَلَيْسَ لَهُم لحى ... جعد الشُّعُور مكحلو الاجفان ... هَذَا كَمَال الْحسن فِي ابشارهم ... وشعورهم وَكَذَلِكَ العينان ... اللحى بِضَم اللَّام جمع لحية بِكَسْرِهَا وَقد تقدّمت الاحاديث بذلك كالحديث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن معَاذ بن جبل ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا مُكَحَّلِينَ بني ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَرُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة مَرْفُوعا يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا بيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ ابناء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وهم على خلق آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة اذرع فصل فِي لِسَان اهل الْجنَّة ... وَلَقَد أَتَى اثر بِأَن لسانهم ... بالْمَنْطق الْعَرَبِيّ خير لِسَان لَكِن فِي اسناده نظر فَفِيهِ راويان وماهما ثبتان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 .. أَعنِي الْعَلَاء هُوَ ابْن عَمْرو ثمَّ يحيى الاشعري وذان مغموزان ... تقدم حَدِيث انس بن مَالك عِنْد ابْن ابي الدُّنْيَا وَفِيه يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لِسَان اهل الْجنَّة عَرَبِيّ وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيّ فصل فِي ريح الْجنَّة فِي مسيرَة كم يُوجد ... وَالرِّيح يُوجد من مسيرَة أَرْبَعِينَ وان تشأ مائَة فمرويان وكذاروي سبعين ايضا صَحَّ هـ ... ذَا كُله وأتى بِهِ اثران مَا فِي رحالهما لنا من مطْعن ... وَالْجمع بَين الْكل ذُو إِمْكَان وَلَقَد أَتَى تَقْدِيره مائَة بِخمْس ضربهَا من غير مَا نُقْصَان ... إِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ ايضا وَالَّذِي ... من قبله فِي غَايَة الامكان ... اما بِحَسب المدركين لريحها ... قربا وبعدا مَا هما سيان اَوْ بختلاف قَرَارهَا وعلوها ... ايضا وَذَلِكَ وَاضح التِّبْيَان أَو باخْتلَاف السّير أَيْضا فَهُوَ أَنْوَاع بِقدر اطاقة الانسان ... مَا بَين أَلْفَاظ الرَّسُول تنَاقض ... بل ذَاك فِي الافهام والاذهان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 روى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قتل قَتِيلا من اهل الذِّمَّة لم يرح رَائِحَة الْجنَّة وَإِن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة مائَة عَام وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَالَ ليوجد م من مسيرَة اربعين عَاما وَعند التِّرْمِذِيّ عَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يرفعهُ وَإِن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة سبعين خَرِيفًا وَصَححهُ قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي واسناده عِنْدِي على شَرط الصَّحِيح وَعند الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا وان ريح الْجنَّة يُوجد من ميسرَة عَام وَعَن ابي بكرَة عِنْد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ريح الْجنَّة يُوجد من مسيرَة عَام قَالَ النَّاظِم وَهَذِه الالفاظ لَا تعَارض فِيهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث انس فِي قصَّة عَمه قَالَ فَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اُحْدُ فَاسْتقْبل سعد بن معَاذ فَقَالَ لَهُ الْجنَّة وَرب الْكَعْبَة إِنِّي لأجد رِيحهَا من دون اُحْدُ فَقَالَ فَقَاتلهُمْ حَتَّى قتل قَالَ النَّاظِم وريح الْجنَّة نَوْعَانِ ريح يُوجد فِي الدُّنْيَا تشمه الارواح احيانا لَا تُدْرِكهُ الْعبارَة وريح تدْرك بحاسة الشم للأبدان كَمَا تشم رَوَائِح الازهار وَغَيرهَا وَهَذَا يشْتَرك اهل الْجنَّة فِي ادراكه فِي الْآخِرَة من قرب وَبعد واما فِي الدُّنْيَا فقد يُدْرِكهُ من شَاءَ الله من انبيائه وَرُسُله وَهَذَا الَّذِي وجده انس بن النَّضر يجوز أَن يكون من هَذَا الْقسم وان يكون من الاول وروى ابو نعيم عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَائِحَة الْجنَّة تُوجد من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وروى الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ريح الْجنَّة يُوجد من مسيرَة الف وَلَا يجدهَا عَاق وَلَا قَاطع رحم وروى ابو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ادّعى الى غير ابيه لم يرح رَائِحَة الْجنَّة وان رِيحهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 ليوجد من مسيرَة خمسين عَاما وَقد اشْهَدْ الله سُبْحَانَهُ عباده فِي هَذِه الدَّار من آثَار الْجنَّة وانموذجا مِنْهَا من الرَّائِحَة الطّيبَة وَاللَّذَّات المشتهاة والمناظر البهية الْحَسَنَة وَالنَّعِيم وَالسُّرُور وقرة الْعين وَقد روى ابو نعيم عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقل الله عز وَجل للجنة طيبي لأهْلك فتزداد طيبا فَذَلِك الْبرد الَّذِي يجده النَّاس فِي السحر وَالله اعْلَم فصل فِي أسبق النَّاس دُخُولا الى الْجنَّة ... وَنَظِير هَذَا سبق اهل الْفقر للجنات فِي تَقْدِيره اثران مائَة بِخمْس ضربه اَوْ اربعين كِلَاهُمَا فِي ذَاك محفوظان ... فَأَبُو هُرَيْرَة قد روى اولاهما ... وروى لنا الثَّانِي صحابيان هَذَا بِحَسب تفَاوت الْفُقَرَاء فِي اسْتِحْقَاق سبقهمْ الى الاحسان ... اَوْ ذَا بِحَسب تقاوت فِي الاغنيا ... ء كِلَاهُمَا لَا شكّ موجودان ... روى احْمَد عَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الى الْجنَّة قبل اغنيائهم بِنصْف يَوْم وَهُوَ خَمْسمِائَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَرِجَال اسناده احْتج بهم مُسلم فِي صَحِيحه وروى التِّرْمِذِيّ عَن جَابر أَنه قَالَ يدْخل فُقَرَاء امتي الْجنَّة قبل الاغنياء باربعين خَرِيفًا وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عَمْرو قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 إِن الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين يسبقون الْأَغْنِيَاء يَوْم الْقِيَامَة بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا وروى الطَّبَرَانِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الْفُقَرَاء الْمُؤمنِينَ يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنياءهم بِنصْف يَوْم وَذَلِكَ خَمْسمِائَة عَام الحَدِيث بِطُولِهِ وَالَّذِي فِي الصَّحِيح أَن سبقهمْ لَهُم بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا فاما ان يكون هُوَ الْمَحْفُوظ وَإِمَّا أَن يكون كِلَاهُمَا مَحْفُوظًا وَيخْتَلف مُدَّة السَّبق بِحَسب أَحْوَال الْفُقَرَاء والأغنياء فَمنهمْ من يسْبق بِخَمْسِمِائَة كَمَا يتَأَخَّر مكث العصاة من الْمُوَحِّدين فِي النَّار بِحَسب جزائهم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... هَذَا وأولهم دُخُولا خير خلق الله من قد خص بِالْقُرْآنِ والانبياء على مَرَاتِبهمْ من التَّفْضِيل تِلْكَ مواهب المنان ... روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آتِي بَاب الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة فأستفتح فَيَقُول الخازن من انت فَأَقُول مُحَمَّد فَيَقُول بك أمرت أَن لَا أفتح لأحد قبلك وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول النَّاس خُرُوجًا إِذا بعثوا وَأَنا خطيبهم إِذا أَنْصتُوا وَقَائِدهمْ إِذا وفدوا وشافعهم إِذا حبسوا وَأَنا مبشرهم إِذا يئسوا لِوَاء الْحَمد بيَدي ومفتاح الْجنَّة بيَدي وَأَنا أكْرم ولد آدم يَوْمئِذٍ على رَبِّي وَلَا فَخر يطوف عَليّ ألف خَادِم وَكَأَنَّهُم اللُّؤْلُؤ الْمكنون رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أَكثر النَّاس تبعا يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أول من يقرع بَاب الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أنس مَرْفُوعا فَيقوم الخازن فَيَقُول لَا أفتح لأحد قبلك وَلَا أقوم لأحد بعْدك وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمر بن الْخطاب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْجنَّة حرمت على الانبياء كلهم حَتَّى أدخلها وَحرمت على الْأُمَم حَتَّى تدْخلهَا أمتِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ غَرِيب ... هَذَا وامة احْمَد سباق با ... قي الْخلق عِنْد دُخُولهمْ لجنان ... وأحقهم بِالسَّبقِ أسبقهم الى الْإِسْلَام والتصديق بِالْقُرْآنِ وَكَذَا أَبُو بكر هُوَ الصّديق أسبقهم دُخُولا قَول ذِي برهَان ... وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن الْآخرُونَ الْأَولونَ يَوْم الْقِيَامَة وَنحن اول من يدْخل الْجنَّة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا وأوتيناه من بعدهمْ فَاخْتَلَفُوا فهدانا الله لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَحن الْآخرُونَ الْأَولونَ يَوْم الْقِيَامَة نَحن أول النَّاس دُخُولا الْجنَّة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا وأوتينا من بعدهمْ قَوْله وَكَذَا أَبُو بكر الصّديق الخ روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل فَأخذ بيَدي فَأرَانِي بَاب الْجنَّة الَّذِي تدخل مِنْهُ امتي فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وددت أَنِّي كنت مَعَك حَتَّى أنظر اليه فَقَالَ أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي ... وروى ابْن ماجة أَن اولهم يصا ... فحه إِلَه الْعَرْش ذُو الاحسان ... وَيكون أَوَّلهمْ دُخُولا جنَّة الفردوس ذَلِك قامع الكفران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 .. فَارق دين الله نَاصِر قَوْله ... وَرَسُوله وَشَرَائِع الايمان لكنه أثر ضَعِيف فِيهِ مَجْرُوح يُسمى خَالِدا بِبَيَان ... لَو صَحَّ كَانَ عُمُومه الْمَخْصُوص بِالصديقِ قطعا غير ذِي نكران روى ابْن ماجة فِي سنَنه عَن ابي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من يصافحه الْحق عمر وَأول من يسلم عَلَيْهِ وَأول من يَأْخُذ بِيَدِهِ فيدخله الْجنَّة قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح هُوَ حَدِيث مُنكر جدا قَالَ أَحْمد راود بن عَطاء لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث ثمَّ لَو صَحَّ لَكَانَ مَخْصُوصًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي تقدم وَفِيه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي ... هَذَا وأولهم دُخُولا فَهُوَ حَمَّاد على الْحَالَات للرحمن ... ان كَانَ فِي السَّرَّاء أصبح حامدا ... اَوْ كَانَ فِي الضرا فَحَمدَ ثَانِي هَذَا الَّذِي هُوَ عَارِف بالهه ... وَصِفَاته وكماله الرباني وَكَذَا الشَّهِيد فسبقه مُتَيَقن ... وَهُوَ الجدير بذلك الاحسان وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوك حِين يقوم بالحقين سباق بِغَيْر توان وَكَذَا فَقير ذُو عِيَال لَيْسَ بالملحاح بل ذُو عفة وصيان ... وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا قَالَ أهل الْجنَّة ثَلَاثَة ذُو سُلْطَان مقسط متصدق موفق وَرجل رَحِيم رَقِيق الْقلب كل ذِي قربى وَمُسلم عفيف متعفف ذُو عِيَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم برجالكم من أهل الْجنَّة النَّبِي فِي الْجنَّة وَالصديق فِي الْجنَّة والشهيد فِي الْجنَّة وَالرجل يزور اخاه فِي نَاحيَة الْمصر لَا يزوره الا لله فِي الْجنَّة اخْرُج النَّسَائِيّ من هَذَا الحَدِيث فضل النِّسَاء خَاصَّة وَبَاقِي الحَدِيث على شَرطه فصل فِي عدد الجنات وأجناسها ... وَالْجنَّة اسْم الْجِنْس وَهِي كَثِيرَة ... جدا وَلَكِن أَصْلهَا نَوْعَانِ ... ذهبيتان بِكُل مَا حوتاه من ... حلي وآنية وَمن بُنيان وكذاك أَيْضا فضَّة ثِنْتَانِ من ... حلي وبنيان وكل أَوَان لَكِن دَار الْخلد والمأوى وعد ... ن وَالسَّلَام اضافة لمعان أوصافها استدعت اضافتها اليها مِدْحَة مَعَ غَايَة التِّبْيَان ... لكنما الفردوس اعلاها وأو ... سطها مسَاكِن صفوة الرَّحْمَن أَعْلَاهُ منزلَة لأعلى الْخلق منزلَة هُوَ الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... وَهِي الْوَسِيلَة وَهِي اعلى رُتْبَة ... خلصت لَهُ فضلا من الرَّحْمَن ... قَوْله وَالْجنَّة اسْم الْجِنْس الخ أَي إِنَّهَا أَجنَاس كَثِيرَة وَلِهَذَا قَالَ اسْم جنس لِأَن الْجِنْس يصدق على بعض أَفْرَاده فالجنة اسْم شَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 لجَمِيع مَا حوته من الْبَسَاتِين والمساكن والقصور وَهِي جنَّات كَثِيرَة جدا وَلَكِن أَصْلهَا نَوْعَانِ وَفِي حَدِيث أنس يرفعهُ إِنَّهَا جنان وَإِن ابْنك اصاب الفردوس الْأَعْلَى أخرجه البُخَارِيّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وَمَا فِيهَا وجنتان من فضَّة آنيتهما وحليتهما وَمَا فيهمَا وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا الى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن قَالَ النَّاظِم وَقَالَ تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} الرَّحْمَن فذكرهما ثمَّ قَالَ {وَمن دونهمَا جنتان} الرَّحْمَن فَهَذِهِ أَربع قَالَت طَائِفَة من دونهمَا أَي أقرب مِنْهُمَا الى الْعَرْش فيكونان فَوْقهمَا وَقَالَت طَائِفَة تحتهما وَهَذَا فِي لُغَة الْعَرَب وَفِي الصِّحَاح دون نقيض فَوق وَيُقَال دون هَذَا أَي اقْربْ مِنْهُ والسباق يدل على تَفْضِيل الجنتين الْأَوليين بِوُجُوه أَحدهَا قَوْله {ذواتا أفنان} الرَّحْمَن جمع فنن وَهُوَ الْغُصْن اَوْ جمع فن وَهُوَ الصِّنْف أَي اصناف شَتَّى من الْفَوَاكِه وَغَيرهَا وَلم يذكر ذَلِك فِي اللَّتَيْنِ بعدهمَا الثَّانِي فيهمَا عينان تجريان الرَّحْمَن وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {فيهمَا عينان نضاختان} الرَّحْمَن وَهِي الفوارة وَالْجَارِيَة السارحة وَهِي أحسن من الفوارة لِأَنَّهَا تَتَضَمَّن الفوارة والجريان الثَّالِث {فيهمَا من كل فَاكِهَة زوجان} الرَّحْمَن وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} الرَّحْمَن وَلَا ريب أَن الأول أكمل قَالَت طَائِفَة الزَّوْجَانِ الرطب واليابس وَفِيه نظر وَقَالَت طَائِفَة صنف مَعْرُوف وصنف من شكل غَرِيب وَقَالَ آخَرُونَ نَوْعَانِ وَلم يزِيدُوا وَالظَّاهِر أَنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر لِأَن اخْتِلَاف اصناف الْفَوَاكِه أعجب وألذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 للعين والفم وَالله أعلم الرَّابِع {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} الرَّحْمَن وَهَذَا تَنْبِيه على فضل الظهائر وخطرها وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {متكئين على رَفْرَف خضر وعبقري حسان} الرَّحْمَن وَفسّر الرفرف بالمجالس والبسط والفرش وعَلى كل فَلم يصفه بِمَا وصف بِهِ فرش الْأَوَّلين الْخَامِس {وجنى الجنتين دَان} الرَّحْمَن أَي قريب سهل يتَنَاوَلهُ كَيفَ شاؤوا وَلم يذكر ذَلِك فِي الْأُخْرَيَيْنِ السَّادِس {فِيهِنَّ قاصرات الطّرف} الرَّحْمَن أَي على أَزوَاجهنَّ فَلَا يردن غَيرهم وَقَالَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ {حور مقصورات فِي الْخيام} الرَّحْمَن وَمن قصرت طرفها على زَوجهَا أكمل مِمَّن قصرت بغَيْرهَا السَّابِع أَنه وصفهن بشبه الْيَاقُوت والمرجان فِي صفاء اللَّوْن واشراقه وَحسنه وَلم يذكر ذَلِك فِي الَّتِي بعْدهَا الثَّامِن هَل جَزَاء الاحسان الا الاحسان الرَّحْمَن وَهَذَا يَقْتَضِي أَن أَصْحَابهَا من أهل الاحسان الْمُطلق الْكَامِل فَكَانَ جزاؤهم باحسان كَامِل التَّاسِع أَنه جَعلهمَا جَزَاء لمن خَافَ مقَامه والخائفون نَوْعَانِ مقربون وَأَصْحَاب يَمِين فَذكر جنتي المقربين ثمَّ جنتي أَصْحَاب الْيَمين الْعَاشِر أَنه قَالَ {وَمن دونهمَا جنتان} الرَّحْمَن السِّيَاق يدل على أَنه نقيض فَوق فَكَانَ للمقربين مِنْهُم الجنتان العاليتان ولأصحاب الْيَمين اللَّتَان دونهمَا وَالرَّاجِح أَن لكل وَاحِد جنتان وَقيل لمجموع الْخَائِفِينَ يشتركون فِيهَا ويرجح الأول قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هما شأنان فِي رياض الْجنَّة إِحْدَاهمَا جَزَاء أَدَاء الْأَوَامِر وَالثَّانيَِة جَزَاء اجْتِنَاب الْمَحَارِم انْتهى كَلَامه قَوْله إِضَافَة لمعان أَي إِنَّهَا سميت دَار الْخلد وجنة المأوى وجنات عدن وَدَار السَّلَام وَنَحْو ذَلِك للمعاني الَّتِي تدل عَلَيْهَا هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 الْأَسْمَاء فسميت دَار الْخلد لِأَن أَهلهَا لَا يظعنون عَنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {عَطاء غير مجذوذ} هود وَقَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد} ص وَقَالَ {أكلهَا دَائِم وظلها} الرَّعْد وَقَالَ {وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين} الْحجر وَأما اسْمهَا دَار المقامة فقد قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن اهلها {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله} فاطر قَالَ مقَاتل أنزلنَا دَار الخلود اقاموا فِيهَا أبدا لَا يموتون وَلَا يتحولون مِنْهَا أبدا وَقَالَ الْفراء والزجاج المقامة مثل الاقامة يُقَال أَقمت بِالْمَكَانِ إِقَامَة ومقامة ومقاما وَأما جنَّة المأوى فقد قَالَ تَعَالَى {عِنْدهَا جنَّة المأوى} النَّجْم والمأوى مفعل من أَوَى يأوي إِذا انْضَمَّ إِلَى الْمَكَان وَصَارَ اليه وَاسْتقر بِهِ قَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس هِيَ الْجنَّة الَّتِي يأوي اليها جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة وَقَالَ مقَاتل والكلبي هِيَ جنَّة تأوي اليها أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَقَالَ كَعْب جنَّة المأوى جنَّة فِيهَا طير خضر يرتقي فِيهَا ارواح الشُّهَدَاء وَقَالَ تَعَالَى {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} النازعات وَأما جنَّة عدن فَقيل اسْم لجنة من الْجنان قَالَ النَّاظِم وَالصَّحِيح أَنه اسْم لجملة الجنات فَكلهَا جنَّات عدن قَالَ تَعَالَى {جنَّات عدن الَّتِي وعد الرَّحْمَن عباده بِالْغَيْبِ} مَرْيَم وَقَالَ تَعَالَى {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فِيهَا حَرِير} فاطر وَقَالَ تَعَالَى {ومساكن طيبَة فِي جنَّات عدن} الصَّفّ يُقَال عدن بِالْمَكَانِ إِذْ أَقَامَ بِهِ وعدنت الْبَلَد توطنته وعدنت الابل بمَكَان كَذَا لَزِمته فَلم تَبْرَح مِنْهُ قَالَ الْجَوْهَرِي وَمِنْه جنَّات عدن أَي جنَّات الاقامة وَمِنْه سمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 الْمَعْدن بِكَسْر الدَّال لِأَن النَّاس يُقِيمُونَ فِيهِ الصَّيف والشتاء ومركز كل شَيْء معدنه والعادن النَّاقة المقيمة فِي المرعى وَأما اسْمهَا دَار السَّلَام فقد سَمَّاهَا الله تَعَالَى بِهَذَا الِاسْم فِي قَوْله {لَهُم دَار السَّلَام عِنْد رَبهم} الانعام وَقَوله {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} وَهِي احق بِهَذَا الِاسْم فانها دَار السَّلامَة من كل بلية وَآفَة ومكروه وَهِي دَار الله واسْمه سُبْحَانَهُ السَّلَام الَّذِي سلمهَا وَسلم أَهلهَا وتحيتهم فِيهَا سَلام وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم والرب تَعَالَى يسلم عَلَيْهِم من فَوْقهم كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَهُم فِيهَا فَاكِهَة وَلَهُم مَا يدعونَ سَلام قولا من رب رَحِيم} وَكَلَامهم كُله فِيهَا سَلام أَي لَا لَغْو فِيهَا وَلَا فحش وَلَا بَاطِل كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا إِلَّا سَلاما} مَرْيَم وَقد ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى للجنة اثْنَي عشر اسْما فِي كِتَابه حادي الْأَرْوَاح وَتكلم عَن مَعَانِيهَا وَبسط الْكَلَام فِي ذَلِك وَالله اعْلَم قَوْله لكنما الفردوس أَعْلَاهَا الخ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فانه من صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرا ثمَّ سلوا لي وَسِيلَة فانها منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ فَمن سَأَلَ لي الْوَسِيلَة حلت لَهُ الشَّفَاعَة أخرجه مُسلم وروى احْمَد عَن أبي هُرَيْرَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا صليتم عَليّ فاسألوا الله لي الْوَسِيلَة قيل وَمَا الْوَسِيلَة قَالَ اعلى دَرَجَة فِي الْجنَّة لَا ينالها إِلَّا رجل وَاحِد وارجو أَن أكون أَنا هُوَ هَكَذَا الرِّوَايَة أَن أكون أَنا هُوَ ووجهها أَن تكون الْجُمْلَة خَبرا عَن اسْم كَانَ الْمُسْتَتر فِيهَا وَلَا يكون أَنا فصلا وَلَا توكيدا بل مُبْتَدأ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ حِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 يسمع النداء اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته الا حلت لَهُ الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة قَالَ النَّاظِم هَذَا لفظ الحَدِيث مقَاما بالتنكير ليُوَافق لفظ الْآيَة وَلِأَنَّهُ لما تعين وانحصر نَوعه فِي شخصه جرى مجْرى الْمعرفَة فوصف بِمَا تُوصَف بِهِ المعارف وَهَذَا لفظ من جعل الَّذِي وعدته بَدَلا فَتَأَمّله وَفِي الْمسند عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَسِيلَة دَرَجَة عِنْد الله عز وَجل لَيْسَ فَوْقهَا دَرَجَة فاسألوا الله لي الْوَسِيلَة وَرَوَاهُ ابْن ابي الدُّنْيَا وَقَالَ فِيهِ دَرَجَة فِي الْجنَّة لَيْسَ فِي الْجنَّة دَرَجَة أَعلَى مِنْهَا فَسَلُوا الله أَن يؤيتنها على رُؤُوس الْخَلَائق وَسميت دَرَجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَسِيلَة لِأَنَّهَا اقْربْ الدَّرَجَات إِلَى عرش الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى وَهِي اقْربْ الدَّرَجَات على الله وَمعنى الْوَسِيلَة والوصلة والقربة والزلفى وَاحِد وَلِهَذَا كَانَت أفضل الْجنَّة وَأَشْرَفهَا وَأَعْظَمهَا نورا قَالَ فُضَيْل بن عِيَاض تَدْرُونَ لم حسنت الْجنَّة لِأَن عرش رب الْعَالمين سقفها وَقَالَ ابْن عَبَّاس نور سقف مَسَاكِنكُمْ نور عَرْشه وَقَالَ الْحسن إِنَّمَا سميت عدن لِأَن فَوْقهَا الْعَرْش وَمِنْهَا تفجر أَنَّهَا الْجنَّة وللحور العدنية الْفضل على سَائِر الْحور وَفِي الْوَسِيلَة معنى الْقرب اليه بأنواع الْوَسَائِل قَالَ الْكَلْبِيّ اطْلُبُوا اليه الْقرْبَة بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وَقد كشف الله سُبْحَانَهُ هَذَا الْمَعْنى بقوله {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب} الاسراء فَقَوله أَيهمْ أقرب هُوَ تَفْسِير الْوَسِيلَة وَلما كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم الْخلق عبودية لرَبه وأعملهم وأشدهم لَهُ خشيَة وأعظمهم لَهُ محبَّة كَانَت مَنْزِلَته أقرب الْمنَازل إِلَى الله وَهِي أَعلَى دَرَجَة فِي الْجنَّة وَقَوله حلت عَلَيْهِ يرْوى عَلَيْهِ وَله فَمن رَوَاهُ بِاللَّامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 فَمَعْنَاه حصلت لَهُ وَمن رَوَاهُ ب على فَمَعْنَاه وَقعت عَلَيْهِ شَفَاعَتِي انْتهى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله ... وَلَقَد أَتَى فِي سُورَة الرَّحْمَن تَفْضِيل الْجنان مفصلا بِبَيَان هِيَ ارْبَعْ ثِنْتَانِ فاضلتان و ... يليهما ثِنْتَانِ مفضولان فالأوليان الفضليان لأوجه ... عشر ويعسر نظمها بوزان واذا تَأَمَّلت السِّيَاق وَجدتهَا ... فِيهِ تلوح لمن لَهُ عينان ... تقدم كَلَام على مَضْمُون هَذِه الابيات وَذكرنَا الْأَوْجه الْعشْرَة فِي تَفْضِيل الجنتين الْأَوليين من كَلَام النَّاظِم ... سُبْحَانَ من غرست يَدَاهُ جنَّة الفردوس عِنْد تَكَامل الْبُنيان ... ويداه أَيْضا أتقنت لبنائها ... فَتَبَارَكَ الرَّحْمَن أعظم بَان ... هِيَ فِي الْجنان كآدم وَكِلَاهُمَا ... تفضيله من أجل هَذَا الشان ... عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله بنى الفردوس بِيَدِهِ وحظرها على كل مُشْرك وكل مدمن خمر رَوَاهُ الْحسن بن سُفْيَان وَعَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله تبَارك وَتَعَالَى ثَلَاثَة أَشْيَاء بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يدخلهَا مدمن خمر وَلَا الديوث رَوَاهُ الدَّارمِيّ والنجاد وَغَيرهمَا قَالَ النَّاظِم الْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف وَفِيه أَبُو معشر مُتَكَلم فِيهِ وَقَالَ ابْن عمر خلق الله أَرْبَعَة أَشْيَاء بِيَدِهِ الْعَرْش والقلم وعدن وآدَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 ثمَّ قَالَ لسَائِر الْخلق كن فَكَانَ رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَعَن ميسرَة إِن الله لم يمس شَيْئا من خلقه غير ثَلَاث خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ وَنَحْوه عَن كَعْب زَاد ثمَّ قَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الْمُؤْمِنُونَ رَوَاهُمَا الدَّارمِيّ وَذكر الْبَيْهَقِيّ عَن ابي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حائطها لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وغرس غرسها بِيَدِهِ وَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} فَقَالَ طُوبَى لَك منزل الْمُلُوك وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ لبنة من درة بَيْضَاء ولبنة من ياقوتة حَمْرَاء ولبنة من زبرجد خضراء ملاطها الْمسك وحصباؤها اللُّؤْلُؤ وحشيشها الزَّعْفَرَان ثمَّ قَالَ لَهَا انْطِقِي قَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ الله تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورون فِيك بخيل ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون الْحَشْر والتغاين فَتَأمل هَذِه الْعِنَايَة كَيفَ جعل الْجنَّة الَّتِي غرسها بِيَدِهِ لمن خلقه بِيَدِهِ ولأفضل ذُريَّته اعتناء وتشريفا واظهارا لفضل مَا خلقه بِيَدِهِ وشرفه بذلك عَن غَيره فَهَذِهِ الْجنَّة فِي الْجنان كآدم فِي نوع الْحَيَوَان ... لكنما الجهمي لَيْسَ لَدَيْهِ من ... ذَا الْفضل شَيْء فَهُوَ ذُو نكران ولد عقوق عق وَالِده وَلم ... يثبت بذا فضلا على الشَّيْطَان فكلاهما تَأْثِير قدرته وتأ ... ثير الْمَشِيئَة لَيْسَ ثمَّ يدان إِلَّا هما أَو نعمتاه وخلقه ... كل بِنِعْمَة ربه المنان أَي أَن الْجَهْمِية لما أَنْكَرُوا يَده سُبْحَانَهُ وَقَالُوا هِيَ يَد الْقُدْرَة أويد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 النِّعْمَة فَلم يثبتوا فَضِيلَة لأبيهم آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَلِأَن الْيَد إِذا كَانَ مَعْنَاهَا الْقُدْرَة اسْتَوَى آدم وابليس فَإِن كِلَاهُمَا مَخْلُوق بقدرة الله تَعَالَى وَقد عقوا أباهم آدم عَلَيْهِ السَّلَام بذلك أَي فآدم والشيطان كِلَاهُمَا تَأْثِير قدرته ومشيئته أَو نعمتيه فان الْكل مَخْلُوق بِنِعْمَة ربه وَالله اعْلَم ... لما قضى رب الْعباد قا ... ل تكلمي فتكلمت بِبَيَان ... قد أَفْلح العَبْد الَّذِي هُوَ مُؤمن ... مَاذَا ادخرت لَهُ من الاحسان ... يُشِير إِلَى حَدِيث أنس الَّذِي رَوَاهُ ابْن ابي الدُّنْيَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ لبنة من درة بَيْضَاء ولبنة من ياقوتة حَمْرَاء ولبنة من زبرجد خضراء ملاطها الْمسك وحصباؤها اللُّؤْلُؤ وحشيشها الزَّعْفَرَان قَالَ لَهَا انْطِقِي قَالَت {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} فَقَالَ الله تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورني فِيك بخيل ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} الْحَشْر والتغابن ... وَلَقَد روى حَقًا أَبُو الدارداء ذَا ... ك عُوَيْمِر أثرا عَظِيم الشان ... يَهْتَز قلب العَبْد عِنْد سَمَاعه ... طَربا بِقدر حلاوة الايمان مَا مثله أبدا يُقَال بِرَأْيهِ ... أَو كَانَ يَا أَهلا بذا الْعرْفَان فِيهِ النُّزُول ثَلَاث سَاعَات فاحداهن ينظر فِي الْكتاب الثَّانِي ... يمحو وَيثبت مَا يَشَاء بحكمة ... وبعزة وبرحمة وحنان ... فترى الْفَتى يُمْسِي على حَال وَيُصْبِح فِي سواهَا ماهما مثلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 .. هُوَ نَائِم وأموره قد دبرت ... لَيْلًا وَلَا يدْرِي بِذَاكَ الشان ... والساعة الْأُخْرَى إِلَى عدن مسا ... كن أَهله هم صفوة الرَّحْمَن الرُّسُل ثمَّ الْأَنْبِيَاء وَمَعَهُمْ الصّديق حسب فَلَا تكن بجبان ... فِيهَا الَّذِي وَالله لاعين رَأَتْ ... كلا وَلَا سَمِعت بِهِ الأذنان ... كلا وَلَا قلب بِهِ خطر المثا ... ل لَهُ تَعَالَى الله ذُو السُّلْطَان والساعة الْأُخْرَى إِلَى هذي السما ... وَيَقُول هَل من تائب ندمان أَو دَاع اَوْ مُسْتَغْفِر أَو سَائل ... أعْطِيه إِنِّي وَاسع الاحسان حَتَّى تصلي الْفجْر يشهدها مَعَ الْأَمْلَاك تِلْكَ شَهَادَة الْقُرْآن هَذَا الحَدِيث بِطُولِهِ وسياقه ... وَتَمَامه فِي سنة الطَّبَرَانِيّ ... قَوْله وَلَقَد روى حَقًا أَبُو الدَّرْدَاء الخ أَي أَن أَبَا الدَّرْدَاء روى هَذَا الْأَثر مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ قَوْله أَو كَانَ أَي أَو كَانَ قَالَه بِرَأْيهِ فيا أَهلا بذلك وَلَفظه ينزل الله تَعَالَى فِي آخر ثَلَاث سَاعَات يبْقين من اللَّيْل فَينْظر الله تَعَالَى فِي السَّاعَة الأولى فِي الْكتاب الَّذِي لَا ينظر فِيهِ غَيره فَيَمْحُو مَا يَشَاء وَيثبت ثمَّ ينظر فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فِي جنَّة عدن وَهِي مَسْكَنه الَّذِي يسكن فِيهِ لَا يكون مَعَه فِيهَا أحد إِلَّا الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ وفيهَا مَا لم يره أحد وَلَا خطر على قلب بشر ثمَّ يهْبط آخر سَاعَة من اللَّيْل فَيَقُول أَلا مسغفر يستغفرني فَأغْفِر لَهُ أَلا سَائل يسألني فَأعْطِيه أَلا دَاع يدعوني فأستجيب لَهُ حَتَّى يطلع الْفجْر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 فصل فِي بِنَاء الْجنَّة ... وبناؤها اللبنات من ذهب وَأُخْرَى فضَّة نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ وقصورها من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد أَو فضَّة أَو خَالص العقيان وكذاك من در وَيَاقُوت بِهِ ... نظم الْبناء بغاية الاتقان والطين مسك خَالص أَو زعفرا ... ن جابذا أثران مقبولان ليسَا بمختلفين لَا تنكرهما ... فهما الملاط لذاك الْبُنيان ... قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح روى ابو بكر بن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجنَّة فَقَالَ من يدْخل الْجنَّة يحيى لَا يَمُوت وينعم لَا يبأس لَا تبلي ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه قيل يَا رَسُول الله كَيفَ بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها الزَّعْفَرَان هَكَذَا جَاءَ فِي هَذِه الْأَحَادِيث ان ترابها الزَّعْفَرَان وَكَذَلِكَ روى يزِيد بن زُرَيْع عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ترابها الزَّعْفَرَان وطينها الْمسك وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ادخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ وَإِذا ترابها الْمسك وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث الْمِعْرَاج وروى مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ ابْن صياد عَن تربة الْجنَّة فَقَالَ درمكة بَيْضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 مسك خَالص فَقَالَ صدق وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن جَابر بن عبد الله فِي قصَّة الْيَهُود فَلَمَّا أَن جاؤوه قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم كم عدد خَزَنَة أهل النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيدَيْهِ كلتيهما هَكَذَا وَهَكَذَا وَقبض وَاحِدَة أَي تِسْعَة عشر فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تربة الْجنَّة فَنظر بَعضهم إِلَى بعض وَقَالُوا خبْزَة فَقَالَ الخبزة من الدرمكة فَهَذِهِ ثَلَاث صِفَات فِي تربَتهَا لَا تعَارض بَينهَا فَذَهَبت طَائِفَة من السّلف إِلَى أَن تربَتهَا متضمنة للنوعين الْمسك والزعفران قَالَ مغيث بن سمي الْجنَّة ترابها الْمسك والزعفران وَيحْتَمل مَعْنيين آخَرين أَحدهمَا أَن يكون التُّرَاب من زعفران فَإِذا عجن بِالْمَاءِ صَار مسكا والطين يُسمى تُرَابا وَيدل على هَذَا قَوْله ملاطها الْمسك والملاط الطين وَيدل عَلَيْهِ ان فِي حَدِيث الْعَلَاء بن زِيَاد ترابها الزَّعْفَرَان وطينها الْمسك فَلَمَّا كَانَت تربَتهَا طيبَة وماؤها طيبا فأنظم أَحدهمَا إِلَى الآخر حدث لَهَا طيب آخر فَصَارَ مسكا الثَّانِي أَن يكون زعفرانا بِاعْتِبَار اللَّوْن مسكا بِاعْتِبَار الرَّائِحَة وَهَذَا من احسن شئ يكون فِي الْبَهْجَة والاشراق فِي لون الزَّعْفَرَان والرائحة فِي رَائِحَة الْمسك وَكَذَلِكَ شبهها بالدرمك وَهُوَ الْخبز الصافي الَّذِي يضْرب لَونه الى صفرَة مَعَ لينها ونعومتها وَهُوَ معنى مَا ذكره سُفْيَان بن عيينه عَن مُجَاهِد أَن أَرض الْجنَّة من فضَّة وترابها الْمسك فاللون فِي الْبيَاض لون الْفضة والرائحة رَائِحَة الْمسك وروى ابْن ابي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ قيل يَا رَسُول الله كَيفَ بِنَاء الْجنَّة قَالَ لبنة من فضَّة ولبنة من ذهب وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها الزَّعْفَرَان وروى أَبُو الشَّيْخ عَن ابي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت لَيْلَة اسري بِي يَا جِبْرِيل إِنَّهُم يَسْأَلُونِي عَن الْجنَّة قَالَ فَأخْبرهُم أَنَّهَا من درة بَيْضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وَأَن أرْضهَا عقيان والعقيان الذَّهَب فان كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ أَرض الجنتين الذهبيتين فَيكون جِبْرِيل أخبر بِأَعْلَى الجنتين وأفضلها وَالله اعْلَم آخر كَلَامه قَوْله وقصورها من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد الخ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى الاشعري عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة لخيمة من لُؤْلُؤ وَاحِدَة مجوفة طولهَا سِتُّونَ ميلًا لِلْمُؤمنِ فِيهَا أهلون يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن فَلَا يرى بَعضهم بَعْضًا وَمن حَدِيث ابْن ابي أوفى وابي هُرَيْرَة وَعَائِشَة أَن جِبْرِيل قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه خَدِيجَة أقرأها السَّلَام رَبهَا وَأمره أَن يبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب والقصب هَهُنَا اللُّؤْلُؤ المجوف وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان فِي الْجنَّة لقصرا من لُؤْلُؤ لَيْسَ فِيهِ صدع وَلَا وَهن اعده الله عز وَجل لخليله ابراهيم فصل فِي أَرض الْجنَّة وحصبائها وترابها ... وَالْأَرْض مرمرة كخالص فضَّة ... مثل الْمَرْأَة تنالها العينان فِي مُسلم تشبيهها بالدرمك الصافي وبالمسك الْعَظِيم الشان ... هَذَا لحسن اللَّوْن لَكِن ذَا لطيب الرّيح صَار هُنَاكَ تشبيهان حصباؤها در وَيَاقُوت كَذَا ... ك لآليء نثرت كنثر جمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وترابها من زعفران أَو من الْمسك الَّذِي مَا استل من غزلان ... تقدم شرح هَذَا الْفَصْل فِي الْفَصْل الَّذِي قبله فصل فِي صفة غرفاتها ... غرفاتها فِي الجو ينظر بَطنهَا ... من ظهرهَا وَالظّهْر من بطْنَان ... سكانها أهل الْقيام مَعَ الصيا ... م وَطيب الْكَلِمَات والاحسان ثِنْتَانِ خَالص حَقه سُبْحَانَهُ ... وعبيده أَيْضا لَهُم ثِنْتَانِ ... روى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة غرفا يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا أعدهَا الله لمن أطْعم الطَّعَام وأدام الصّيام وَصلى باليل وَالنَّاس نيام وَرَوَاهُ ابْن وهب عَن ابْن عَمْرو وَلَفظه لمن أطاب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وَبَات قَائِما وَالنَّاس نياما قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد وَهَذَا عِنْدِي إِسْنَاد حسن وَفِي حَدِيث ابي سعيد إِن أهل الْجنَّة ليتراؤون أهل الغرف فَوْقهم كَمَا تراؤون الْكَوْكَب الغابر فِي الافق وروى التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لغرفا ترى ظُهُورهَا من بطونها وبطونها من ظُهُورهَا فَقَامَ اعرابي فَقَالَ لمن هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ لمن طيب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وَصلى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 فصل فِي خيام اهل الْجنَّة ... للْعَبد فِيهَا خيمة من لُؤْلُؤ ... قد جوفت هِيَ صَنْعَة الرَّحْمَن سِتُّونَ ميلًا طولهَا فِي الجو فِي ... كل الزوايا أجمل النسوان يغشى الْجَمِيع فَلَا يُشَاهد بَعضهم ... بَعْضًا وَهَذَا لاتساع مَكَان فِيهَا مقاصير بهَا الْأَبْوَاب من ... ذهب ودر زين بالمرجان وخيامها مَنْصُوبَة برياضها ... وشواطيء الْأَنْهَار ذِي الجريان مَا فِي الْخيام سوى الَّتِي لَو قابلت للنيرين لَقلت منكسفان ... لله هاتيك الْخيام فكم ... بهَا للقلب من علق وَمن أشجان فِيهِنَّ حور قاصرات الطّرف خيرات حسان هن خير حسان ... خيرات أَخْلَاق حسان أوجها ... فالحسن والاحسان متفقان ... قد تقدم حَدِيث ابي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة لخيمة من لُؤْلُؤ وَاحِدَة مجوفة طولهَا سِتُّونَ ميلًا لِلْمُؤمنِ فِيهَا أهلون يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن فَلَا يرى بَعضهم بَعْضًا مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {مقصورات فِي الْخيام} الرَّحْمَن قَالَ در مجوف وروى ابْن الْمُبَارك عَن ابي الدَّرْدَاء قَالَ الْخَيْمَة لؤلؤة وَاحِدَة لَهَا سَبْعُونَ بَابا من در الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 فصل فِي أرائكها وسررها ... فِيهَا الأرائك وَهِي من سرر عَلَيْهِنَّ الحجال كَثِيرَة الألوان لَا تسْتَحقّ اسْم الأرائك دون هَا ... تيك الحجال وَذَاكَ وضع لِسَان بشخانة يدعونها بِلِسَان فا ... رس وَهُوَ ظهر الْبَيْت ذِي الْأَركان ... قَالَ تَعَالَى {متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين} الطّور وَقَالَ تَعَالَى {ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين} الْوَاقِعَة وَقَالَ تَعَالَى {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة} الغاشية فَأخْبر تَعَالَى عَن سررهم بِأَنَّهَا مصفوفة بَعْضهَا إِلَى جَانب بعض لَيْسَ بَعْضهَا خلف بعض وَلَا بَعيدا من بعض والوضين فِي لغتهم النضة والنسج المضاعف بعضه فَوق بعض وَقَالَ اللَّيْث الوضن نسج السرير وأشباهه قَالُوا موضونة منسوجة بقصبات الذَّهَب مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد قَالَ ابْن عَبَّاس سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل مَا بَين مَكَّة وأيله وَقَالَ الْكَلْبِيّ طول السرير فِي السَّمَاء مائَة ذِرَاع فاذا أَرَادَ الرجل أَن يجلس عَلَيْهِ تواضع لَهُ حَتَّى يجلس عَلَيْهِ فَإِذا جلس عَلَيْهِ ارْتَفع إِلَى مَكَانَهُ وَأما الأرائك فَهِيَ جمع اريكة حَتَّى يكون السرير فِي الحجلة فان كَانَ سَرِير بِغَيْر حجلة لَا يكون أريكة وان كَانَت حجلة بِغَيْر سَرِير لم يكن أريكة وَلَا يكون أريكة إِلَّا والسرير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 فِي الحجلة فَإِذا اجْتمعَا كَانَت أريكة وَقَالَ مُجَاهِد هِيَ الاسرة فِي الحجال وَقَالَ اللَّيْث الأريكة سَرِير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وَقَالَ ابو أَبُو اسحق الارائك الْفرش فِي الحجال قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح قلت هَاهُنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا السرر وَالثَّانِي الحجلة وَهِي البشخانة الَّتِي تعلق فَوْقه وَالثَّالِثَة الْفراش الَّذِي على السرير وَلَا يُسمى السرير أريكة حَتَّى يجْتَمع ذَلِك كُله وَفِي الصِّحَاح الأريكة سَرِير متخذ مزين فِي قبَّة أَو بَيت فَإِذا لم يكن فِيهِ سَرِير فَهُوَ حجلة وَفِي الحَدِيث أَن خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مثل زر الحجلة وَهُوَ الزر الَّذِي يجمع بَين طرفيها من جملَة أزرارها قَوْله بشخانة يدعونها الخ أَي إِن الأريكة تسمى بِلِسَان الْفرس بشخانة فصل فِي أشجارها وثمارها وظلالها ... أشجارها نَوْعَانِ مِنْهَا مَاله ... فِي هَذِه الدُّنْيَا مِثَال ثَان كالسدر أصل النبق مخضور مكا ... ن الشوك من ثَمَر ذَوي ألوان هَذَا وظل السدر من خير الظلا ... ل ونفعه الترويح للأبدان وثماره أَيْضا ذَوَات مَنَافِع ... من بَعْضهَا تفريح ذِي الأحزان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 .. والطلح وَهُوَ الموز منضود كَمَا ... نضدت يَد بأصابع وبنان أَو أَنه شجر الْبَوَادِي موقرا ... حملا مَكَان الشوك فِي الأغصان وَكَذَلِكَ الرُّمَّان وَالْأَعْنَاب وَالنَّخْل الَّتِي مِنْهَا القطوف دواني ... ذكر النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل ان أَشجَار الْجنَّة نَوْعَانِ مِنْهَا مَاله نَظِير فِي هَذِه الدُّنْيَا وَالنَّوْع الثَّانِي مَا لَا نَظِير لَهُ فِي الدُّنْيَا وَبَدَأَ بالنوع الأول وَهُوَ الَّذِي لَهُ مثل فِي هَذِه الدُّنْيَا وَقد قَالَ تَعَالَى {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} الْوَاقِعَة وَقَالَ تَعَالَى {ذواتا أفنان} الرَّحْمَن جمع فنن وَهُوَ الْغُصْن وَقَالَ {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} الرَّحْمَن قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح والمخضوض الَّذِي قد خضد شوكه أَي نزع وَقطع فَلَا شوك فِيهِ هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَمُقَاتِل وَقَتَادَة وَأبي الْأَحْوَص وقسامة بن زُهَيْر وَاحْتَجُّوا بحجتين الأولى أَن الخضد فِي اللُّغَة الْقطع خضدت الشّجر قطعت شَوْكَة فَهُوَ خضيد ومخضود وَالثَّانيَِة مَا روى ابْن ابي دَاوُد عَن عتبَة السّلمِيّ قَالَ كنت جَالِسا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء أَعْرَابِي فَقَالَ أسمعك تذكر فِي الْجنَّة شَجَرَة لَا أعلم شَجَرَة أَكثر شوكا مِنْهَا يَعْنِي الطلح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد جعل مَكَان كل شَوْكَة مِنْهَا ثَمَرَة مثل خصوة التيس الملبود فِيهَا سَبْعُونَ لونا من الطَّعَام لَا يشبه لونا آخر الملبود الَّذِي قد اجْتمع شعره بعضه إِلَى بعض وروى ابْن الْمُبَارك عَن سليم بن عَامر قَالَ أقبل أَعْرَابِي يَوْمًا فَقَالَ ذكر الله فِي الْجنَّة شَجَرَة مؤذية وَمَا كنت أرى فِي الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 شَجَرَة تؤذي صَاحبهَا قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ السدر فَإِن لَهُ شوكا مُؤْذِيًا قَالَ أَلَيْسَ يَقُول عز وَجل {فِي سدر مخضود} الْوَاقِعَة خضد الله شَوْكَة فَجعل مَكَان كل شَوْكَة ثَمَرَة وَقَالَت طَائِفَة هُوَ الموقر حملا وَلم يصب الَّذِي أَنْكَرُوا هَذَا القَوْل وَهُوَ صَحِيح وأربابه ذَهَبُوا إِلَى أَن الله لما خضد شوكه فأذهبه وَجعل مَكَان كل شَوْكَة ثَمَرَة أوقره بِالْحملِ الحديثان الْمَذْكُورَان يجمعان الْقَوْلَيْنِ وَمن قَالَ المخضود مَا لَا يعقر لَا يرد الْيَد مِنْهُ شوك وَلَا أَذَى فقد فسره بِلَازِم الْمَعْنى وَهَكَذَا غَالب الْمُفَسّرين يذكرُونَ لَازم الْمَعْنى الْمَقْصُود تَارَة وفردا من أَفْرَاده تَارَة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مُخْتَلفَة وَلَا اخْتِلَاف بَينهَا وَأما الطلح فَأكْثر الْمُفَسّرين أنسه شجر الموز وَهَذَا قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وابي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَقَالَت طَائِفَة بل هُوَ شجر عِظَام طوال من الْبَوَادِي الْكثير الشوك وَله نور ورائحة طيبَة وظل ظَلِيل قَالَ ابْن قُتَيْبَة هُوَ الَّذِي نضد بِالْحملِ أَو بالورق فَلَيْسَ لَهُ سَاق بارز وَقَالَ مَسْرُوق ورق الْجنَّة نضد من أَسْفَلهَا إِلَى أَعْلَاهَا وأنهارها تجْرِي من غير أخدُود وَقَالَ اللَّيْث الطلح شجر أم غيلَان من أعظم الْعضَاة شوكا وأصلبه عودا وأجوده صمعنا قَالَ أَبُو اسحاق لَهُ نور طيب الرَّائِحَة وَلَيْسَ فِي الْجنَّة مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسَامِي وَالظَّاهِر أَن التَّفْسِير بالموز تَمْثِيل بِهِ لحسن نضده والا فالطلح فِي اللُّغَة هُوَ الشّجر الْعِظَام من الْبَوَادِي وَالله أعلم ... هَذَا وَنَوع مَاله فِي هَذِه الدُّنْيَا نَظِير كي يرى بعيان ... يَكْفِي من التعداد قَول إلهنا ... من كل فَاكِهَة بهَا زوجان وأتو بِهِ متشابها فِي اللَّوْن مُخْتَلف الطعوم فَذَاك ذُو ألوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 .. أَو أَنه متشابها فِي الِاسْم مُخْتَلف الطعوم فَذَاك قَول ثَانِي ... قَالَ الله تَعَالَى {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وَأتوا بِهِ متشابها} الْبَقَرَة قَالَ النَّاظِم قَالَ مُجَاهِد مَا أشبهه بِهِ وَقَالَ ابْن زيد يعرفونه وَقَالَ آخَرُونَ قيل هَذَا لشدَّة مشابهة بعضه بَعْضًا فِي اللَّوْن والطعم وَهُوَ أعظم من المشابهة الَّتِي بَينهَا وَبَين ثمار الدُّنْيَا ولشدة المشابهة قَالُوا هَذَا هُوَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كلما نزعت ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى قَالَ الْحسن وَقَتَادَة وَابْن جريج وَجَمَاعَة خِيَار كُله لارذل فِيهِ وعَلى هَذَا فَالْمُرَاد بالمشابهة التوافق والتماثل وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متشابها فِي اللَّوْن والمرئي وَلَيْسَ يشبه الطّعْم الطّعْم وَقَالَ مُجَاهِد متشابها لَونه مُخْتَلفا طعمه وَكَذَلِكَ قَالَ الرّبيع ابْن أنس وَقَالَ يحيى ابْن أبي كثير عشب الْجنَّة الزَّعْفَرَان وكثبانها الْمسك وَيَطوف عَلَيْهِم الْولدَان بالفاكهة فيأكلونها ثمَّ يأْتونَ بِمِثْلِهَا فَيَقُولُونَ هَذَا الَّذِي جئتمونا بِهِ آنِفا فَيَقُول لَهُم الخدم كَلَوْ فَإِن اللَّوْن وَاحِد والطعم مُخْتَلف وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد يعْرفُونَ اسماءه كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا التفاح بالتفاح وَالرُّمَّان بالرمان وَلَيْسَ هُوَ مثله فِي الطّعْم وَاخْتَارَهُ ابْن جرير ... أَو أَنه وسط خِيَار كُله فالفحل مِنْهُ لَيْسَ ذَا ثنيان أَو أَنه لثمارنا ذِي مشبه ... فِي اسْم ولون لَيْسَ يَخْتَلِفَانِ لَكِن لبهجتها وَلَذَّة طعمها ... أَمر سوى هَذَا الَّذِي تجدان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 .. فيلذها فِي الْأكل عِنْد منالها ... وتلذها من قبله العينان قَالَ ابْن عَبَّاس وَمَا بِالْجنَّةِ الْعليا سوى اسماء مَا تريان ... يَعْنِي الْحَقَائِق لَا تماثل هَذِه ... وَكِلَاهُمَا فِي الِاسْم متحدان ... يَا طيب هاتيك الثِّمَار وغرسها ... فِي الْمسك ذَاك الترب للبستان وَكَذَلِكَ المَاء الَّذِي يسقى بِهِ ... يَا طيب ذَاك الْورْد للظمآن ... تقدم شرح مَا تضمنته هَذِه الأبيات ... وَإِذا تناولت الثِّمَار أَتَت نظيرتها فَحلت دونهَا بمَكَان ... لم تَنْقَطِع أبدا وَلم ترقب نزو ... ل الشَّمْس من حمل إِلَى ميزَان ... وكذاك لم تمنع وَلم تحتج إِلَى ... أَن ترتقي للقنو فِي العيدان ... قَالَ الله تَعَالَى {وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} الْوَاقِعَة روى الطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل إِذا نزع ثَمَرَة من الْجنَّة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى قَوْله لم تَنْقَطِع أبدا الخ قَالَ الله تَعَالَى {لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} أَي لَا تكون فِي وَقت دون وَقت وَلَا يمْنَع من ارادها ... بل ذللت تِلْكَ القطوف فكيفما ... شِئْت انتزعت بأسهل الامكان ... قَالَ الله تَعَالَى {قطوفها دانية} الحاقة القطوف جمع قطف وَهُوَ مَا يقطف أَي ثمارها دانية قريبَة مِمَّن يَتَنَاوَلهَا فيأخذها كَيفَ شَاءَ قَالَ الْبَراء بن عَازِب يتَنَاوَل الثَّمَرَة وَهُوَ نَائِم وَقَالَ تَعَالَى {ودانية عَلَيْهِم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} الدَّهْر قَالَ ابْن عَبَّاس إِذا هم أَن يَتَنَاوَلهَا تدلت اليه حَتَّى يتَنَاوَل مَا يُرِيد وَقَالَ غَيره قربت اليهم مذللة كَيفَ شاؤوا فهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 يتناولونها قيَاما وقعودا ومضجعين فَيكون كَقَوْلِه {قطوفها دانية} الحاقة وَمعنى تذليل القطف تسهيل تنَاوله وَفِي نصب دانية وَجْهَان احدهما أَنه على الْحَال عطفا على قَوْله متكئين وَالثَّانِي أَنه صفة الْجنَّة ... وكذاك لم تمنع وَلم يحْتَج إِلَى ... أَن يرتقي للقنو فِي العيدان ... القنو وَاحِد الأقناء والعيدان جمع عيدانه وَهِي النّخل الطوَال ... بل ذللت تِلْكَ القطوف فكيفما ... شِئْت انتزعت بأسهل الامكان وَلَقَد أَتَى خبر بِأَن السَّاق من ... ذهب رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِبَيَان ... روى التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وساقها من ذهب ... قَالَ ابْن عَبَّاس وهاتيك الجذو ... ع زمرد من احسن الألوان ومقطعاتهم من الْكَرم الَّذِي ... فِيهَا وَمن سَعَة من العقيان وثمارها مَا فِيهِ عَن عجم كأمثال القلال فجل ذُو الاحسان ... روى ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نخل الْجنَّة جذوعها من زمرد اخضر وكربها ذهب أَحْمَر وسعفها كسْوَة لأهل الْجنَّة فِيهَا مقطعاتهم وحللهم وَثَمَرهَا أَمْثَال القلال والدلاء أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل وألين من الزّبد لَيْسَ لَهُ عجم ... وظلالها ممدودة لَيست تَقِيّ ... حرا وَلَا شمسا وأنى ذان ... أَو مَا سَمِعت بِظِل أصل وَاحِد ... فِيهِ يسير الرَّاكِب العجلان ... مائَة سِنِين قدرت لَا تَنْقَضِي ... هَذَا الْعَظِيم الأَصْل والأفنان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 .. وَلَقَد روى الْخُدْرِيّ أَيْضا أَن طو ... بى قدرهَا مائَة بِلَا نُقْصَان تنفتح الأكمام فِيهَا عَن لبا ... سهم بِمَا شاؤوا من الألوان ... فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا واقرؤو ان شِئْتُم وظل مَمْدُود الْوَاقِعَة وروى احْمَد عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها سبعين أَو مائَة سنة هِيَ شَجَرَة الْخلد وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الظل الْمَمْدُود شَجَرَة فِي الْجنَّة على سَاق قدر مَا يسير الرَّاكِب الْمجد فِي ظلها مائَة عَام فِي كل نَوَاحِيهَا فَيخرج اليها اهل الغرف وَغَيرهم فيتحدثون فِي ظلها قَالَ فيشتهي بَعضهم وَيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فيحرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو كَانَ فِي الدُّنْيَا وروى ابْن وهب عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله مَا طُوبَى قَالَ شَجَرَة فِي الْجنَّة مسير مائَة سنة ثِيَاب أهل الْجنَّة تخرج من أكمامها وَقد رَوَاهُ حَرْمَلَة عَنهُ بِزِيَادَة فِي أَوله أَن رجلا قَالَ طُوبَى لمن آمن بِي وَلم يرني وروى ابو يعلى عَن سلمى بنت ابي بكر قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر سِدْرَة الْمُنْتَهى فَقَالَ يسير فِي ظلّ الفنن مِنْهَا الرَّاكِب مائَة سنة أَو قَالَ يستظل فِي الفنن مِنْهَا مائَة رَاكب فِيهَا فرَاش من الذَّهَب كَأَن ثمارها القلال رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ شكّ يحيى وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 فصل فِي سَماع أهل الْجنَّة ... قَالَ ابْن عَبَّاس وَيُرْسل رَبنَا ... ريحًا تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتا تلذ لمسمع ال ... انسان كالنغمات بالأوزان يَا لَذَّة الاسماع لأتتعوضي ... بلذاذة الأوتار والعيدان أَو مَا سَمِعت سماعهم فِيهَا غنا ... ء الْحور بالاصوات والألحان واها لذياك السماع فانه ... ملئت بِهِ الأذنان بالاحسان واها لذياك السماع وطيبه ... من مثل أقمار على أَغْصَان واها لذياك السماع فكم بِهِ ... للقلب من طرب وَمن أشجان واها لذياك السماع وَلم اقل ... ذياك تصغيرا لَهُ بِلِسَان مَا ظن سامعه بِصَوْت اطيب الْأَصْوَات من حور الْجنان حسان ... نَحن النواعم والخوالد خيرا ... ت كاملات الْحسن والاحسان ... لسنا نموت وَلَا نَخَاف ومالنا ... سخط وَلَا ضغن من الأضغان طُوبَى لمن كُنَّا لَهُ وكذاك طو ... بى للَّذي هُوَ حظنا لفظان فِي ذَاك آثَار روين وَذكرهَا ... فِي التِّرْمِذِيّ ومعجم الطَّبَرَانِيّ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وَرَوَاهُ يحيى شيخ الاوزاعي تَفْسِيرا للفظة يجبرون أغان ... قَوْله واها قد تقدم تَفْسِير ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يحبرون} الرّوم قَالَ يحيى بن ابي كثير الْحبرَة اللَّذَّة وَالسَّمَاع وَلَا يُخَالف هَذَا قَول ابْن عَبَّاس يكرمون وَقَول مُجَاهِد وَقَتَادَة ينعمون فلذة الاذن بِالسَّمَاعِ من الْحبرَة وَالنعَم وروى التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لمجتمعا للحور الْعين يرفعن أَصْوَاتهم لم تسمع الْخَلَائق بِمِثْلِهَا يقلن نَحن الخالدت فَلَا نبيد وَنحن الناعمات فَلَا نبأس وَنحن الراضيات فَلَا نسخط طُوبَى لمن كَانَ لنا وَكُنَّا لَهُ وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن فِي الْجنَّة نَهرا طول الْجنَّة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حَتَّى يسْمعهَا الْخَلَائق مَا يرَوْنَ فِي الْجنَّة لَذَّة مثلهَا قُلْنَا يَا ابا هُرَيْرَة وَمَا ذَلِك الْغناء قَالَ إِن شَاءَ الله التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس والتحميد وثناء على الرب عز وَجل هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفا جَعْفَر الْفِرْيَانِيُّ وروى ابو نعيم عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لَهَا الرّيح فتصفق فَمَا سمع السامعون بِصَوْت شَيْء قطّ ألذ مِنْهُ وروى جَعْفَر الْفِرْيَانِيُّ عَن خَالِد بن معدان عَن ابي امامة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من عبد يدْخل إِلَّا وَيجْلس عِنْد رَأسه وَعند رجلَيْهِ ثِنْتَانِ من الْحور الْعين تغنيانه بِأَحْسَن صَوت سَمعه الانس وَالْجِنّ وَلَيْسَ بمزامير الشَّيْطَان وروى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ازواج اهل الْجنَّة ليغنين ازواجهن بِأَحْسَن أصوات سَمعهَا اُحْدُ قطّ إِن مِمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 يغنين بِهِ نَحن الْخيرَات الحسان أَزوَاج قوم كرام ينظرُونَ بقرة أَعْيَان وَإِن مِمَّا يغنين بِهِ نَحن الخالدات فَلَا تمتنه نَحن الآمنات فَلَا تخفنه نَحن المقيمات فَلَا تظعنه تفرد بِهِ ابْن أبي مَرْيَم وروى ابْن وهب أَنه قَالَ رجل من قُرَيْش لِابْنِ شهَاب هَل فِي الْجنَّة سَماع فانه حبب الي السماع فَقَالَ إِي وَالَّذِي نفس ابْن شهَاب بِيَدِهِ ان فِي الْجنَّة شَجرا حمله اللُّؤْلُؤ والزبرجد تحه حور ناهدات يغنين بألوان يقلن نَحن الناعمات فَلَا نبأس وَنحن الخالدات فَلَا نموت فَإِذا سمع ذَلِك الشّجر صفق بعضه بَعْضًا فاجبن الْجَوَارِي فَلَا نَدْرِي أصوات الْجَوَارِي احسن ام اصوات الشّجر وَلَهُم سَماع أَعلَى من هَذَا وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن الاوزاعي قَالَ بَلغنِي أَنه لَيْسَ من خلق الله أحسن صَوتا من اسرافيل فيأمره الله تَعَالَى فَيَأْخُذ فِي السماع فَمَا يبْقى ملك إِلَّا وَقطع عَلَيْهِ صلَاته فيمكث بذلك مَا شَاءَ الله ان يمْكث فَيَقُول الله عز وَجل وَعِزَّتِي لَو يعلم الْعباد قدر عظمتي مَا عبدُوا غَيْرِي وَعَن مُحَمَّد ابْن الْمُنْكَدر قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد ايْنَ الَّذين كَانُوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عَن مجَالِس اللَّهْو وَمَزَامِير الشَّيْطَان أسكنوهم رياض الْمسك ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة اسمعوهم تمجيدي وتحميدي وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} ص قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر بمنبر رفيع فَيُوضَع فِي الْجنَّة نُودي يَا دَاوُد مجدني بذلك الصَّوْت الْحسن الرخيم الَّذِي كنت تمجدني بِهِ فِي دَار الدُّنْيَا قَالَ فيستفرغ صَوت دَاوُد نعيم أهل الْجنَّة وروى حَمَّاد ابْن سَلمَة عَن شهر بن حَوْشَب أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ يَقُول لملائكته إِن عبَادي كَانُوا يحبونَ الصَّوْت الْحسن فِي الدُّنْيَا فيدعونه من اجلي فأسمعوا عبَادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 فَيَأْخُذُونَ بِأَصْوَات من تَسْبِيح وتكبير لم يسمعوا بِمثلِهِ قطّ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي الْجنَّة شَجَرَة على سَاق قدر مَا يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام فيتحدثون فِي ظلها فيشتهي بَعضهم فيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فيحرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو كَانَ فِي الدُّنْيَا وَلَهُم سَماع أَعلَى من هَذَا يضحمل دونه كل سَماع وَذَلِكَ حِين يسمعُونَ كَلَام الرب جلّ جَلَاله وَسَلَامه عَلَيْهِم وخطابه ومحاضرته لَهُم وَيقْرَأ عَلَيْهِم كَلَامه فَإِذا سَمِعُوهُ مِنْهُ كَأَنَّهُمْ لم يسمعوه قبل ذَلِك روى أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ إِن أهل الْجنَّة يدْخلُونَ كل يَوْم مرَّتَيْنِ على الْجَبَّار جلّ جَلَاله فَيقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقد جلس كل امريء مِنْهُم مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه على مَنَابِر الدّرّ والياقوت والزبرجد وَالذَّهَب والزمرد فَلم تقر أَعينهم بِشَيْء وَلم يسمعوا شَيْئا قطّ أعظم وَأحسن مِنْهُ ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رحالهم ناعمين قريرة أَعينهم إِلَى مثلهَا من الْغَد ... نزه سماعك ان اردت سَماع ذياك الْغِنَا عَن هَذِه الألحان لَا تُؤثر الْأَدْنَى على الْأَعْلَى فَتحرم ذَا وَذَا ياذلة الحرمان ... إِن اختيارك للسماع النَّازِل الْأَدْنَى على الْأَعْلَى من النُّقْصَان وَالله إِن سماعهم فِي الْقلب وَالْإِيمَان مثل السم فِي الْأَبدَان ... وَالله مَا انْفَكَّ الَّذِي هُوَ دأبه ... أبدا من الْإِشْرَاك بالرحمن ... فالقلب بَيت الرب جلّ جَلَاله ... حبا وإخلاصا مَعَ الاحسان فاذا تعلق بِالسَّمَاعِ أصاره ... عبدا لكل فُلَانَة وَفُلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 .. حب الْكتاب وَحب الحان الْغِنَا ... فِي قلب عبد لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ ثقل الْكتاب عَلَيْهِم لما رَأَوْا ... تَقْيِيده بشرائع الايمان وَاللَّهْو خف عَلَيْهِم لما رَأَوْا ... مَا فِيهِ من طرب وَمن ألحان قوت النُّفُوس وأنما الْقُرْآن قو ... ت الْقلب أَنى يَسْتَوِي القوتان وَلذَا ترَاهُ حَظّ ذِي النُّقْصَان كالجهال والنسوان وَالصبيان ... وألذهم فِيهِ أقلهم من الْعقل الصَّحِيح فسل أَخا الْعرْفَان يَا لَذَّة الْفُسَّاق لست كلذة الْأَبْرَار فِي عقل وَلَا قُرْآن ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي التحذير من سَماع الأغاني والألحان وللعلماء رَحِمهم الله تَعَالَى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مصنفات مُفْردَة كالامام أبي بكر الطرطوشي وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وللحافظ ابْن رَجَب نزهة الأسماع فِي مَسْأَلَة السماع وَغَيرهم وَهُوَ من مَكَائِد الشَّيْطَان الَّتِي كَاد بهَا من قل نصِيبه من الْعلم وَالْعقل وَالدّين وصاد بهَا قُلُوب المبطلين والجاهلين سَماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات الْمُحرمَة هُوَ الَّذِي يصد الْقُلُوب عَن الْقُرْآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فَهُوَ قُرْآن الشَّيْطَان والحجاب الكثيف عَن الرَّحْمَن وَهُوَ رقية اللواط وَالزِّنَا وَبِه ينَال العاشق الْفَاسِق من معشوقة غَايَة المنى كادبة الشَّيْطَان النُّفُوس المبطلة وَحسنه لَهَا مكرا مِنْهُ وغرورا وَأوحى اليها الشّبَه الْبَاطِلَة على حسنه فَقبلت النُّفُوس وحيه واتخذت لأَجله الْقُرْآن مَهْجُورًا فَلَو رَأَيْتهمْ عِنْد ذَاك السماع وَقد خَشَعت مِنْهُم الْأَصْوَات وهدأت مِنْهُم الحركات وعكفت قُلُوبهم بكليتها عَلَيْهِ وانصبابها انصبابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 وَاحِدَة اليه فتمايلوا لَهُ كتمايل النشوان وتكسروا فِي حركاتهم ورقصهم وَلَا تحرّك المخانيث والنسوان ويحق لَهُم ذَلِك وَقد خالط خمارة النُّفُوس فَفعل فِيهَا أعظم مِمَّا يَفْعَله حميا الكؤوس فلغير الله بل للشَّيْطَان قُلُوب هُنَاكَ تمزق وأثواب تشقق وأموال فِي غير طَاعَة الله تنْفق حَتَّى إِذا عمل السكر فِي عمله وَبلغ الشَّيْطَان مِنْهُم أمْنِيته وأمله واستفزهم بِصَوْتِهِ وحيله وأجلب عَلَيْهِم بخيله وَرجله وخز فِي صُدُورهمْ وخزا وأزهم إِلَى ضرب الأَرْض بالأقدام أزا فطورا يجعلهم كالحمير حول الْمدَار وَتارَة كالذباب يترقص وسط الديار فيا رحمتا للسقوف وَالْأَرْض من دك تِلْكَ الْأَقْدَام واسوأتا من أشباه الْحمير والأنعام وشماته أَعدَاء الاسلام بالذين يَزْعمُونَ أَنهم خَواص الاسلام قَالَ الامام ابو بكر الطرطوشي فِي خطْبَة كِتَابه فِي تَحْرِيم السماع الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين ونسأل الله ان يرينا الْحق حَقًا فنتبعه وَالْبَاطِل بَاطِلا فنجتنبه وَقد كَانَ النَّاس فِيمَا مضى يتستر أحدهم بالمعصية اذا وَاقعهَا ثمَّ يسْتَغْفر الله وَيَتُوب اليه مِنْهَا ثمَّ كثر الْجَهْل وَقل الْعلم ونناقص الْأَمر حَتَّى صَار أحدهم يَأْتِي بالمعصية جهارا ثمَّ ازْدَادَ الْأَمر إدبارا حَتَّى بلغنَا ان طَائِفَة من اخواننا الْمُسلمين وفقنا الله واياهم استزلهم الشَّيْطَان واستغوى عُقُولهمْ فِي حب الأغاني وَاللَّهْو وَسَمَاع الطقطقة والتغبير واعتقدته من الدّين الَّذِي يقربهُمْ إِلَى الله وجاهرت بِهِ جمَاعَة الْمُسلمين وشاقت سَبِيل الْمُؤمنِينَ وخالفت الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَحَملَة الدّين {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} النِّسَاء فَرَأَيْت أَن أوضح الْحق وأكشف من شبه اهل الْبَاطِل بالحجج الَّتِي تضمنها كتاب الله وَسنة رَسُوله وأبدأ بِذكر اقاويل الْعلمَاء الَّذين تَدور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 الْفتيا عَلَيْهِم فِي أقاصي الأَرْض وأدانيها حَتَّى تعلم هَذِه الطَّائِفَة أَنَّهَا قد خَالَفت عُلَمَاء الْمُسلمين فِي بدعتها وَالله ولي التَّوْفِيق ثمَّ قَالَ أما مَالك فَإِنَّهُ نهى عَن الْغناء وَعَن استماعه قَالَ واذا اشْترى جَارِيَة فَوَجَدَهَا مغنية فَلهُ ان يردهَا بِالْعَيْبِ وَسُئِلَ مَالك عَمَّا ترخص فِيهِ أهل الْمَدِينَة من الْغناء فَقَالَ إِنَّمَا يَفْعَله عندنَا الْفُسَّاق قَالَ وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ يكره الْغناء ويجعله من الذُّنُوب وَكَذَلِكَ مَذْهَب أهل الْكُوفَة سُفْيَان وَحَمَّاد وابراهيم وَالشعْبِيّ وَغَيرهم لَا اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك وَلَا نعلم خلافًا أَيْضا بَين أهل الْبَصْرَة فِي الْمَنْع مِنْهُ قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى مَذْهَب أبي حنيفَة فِي ذَلِك من أَشد الْمذَاهب وَقَوله فِيهِ أغْلظ الْأَقْوَال وَقد صرح أَصْحَابه بِتَحْرِيم سَماع الملاهي كلهَا كالمزمار والدف حَتَّى وَالضَّرْب بالقضيب وصرحوا بِأَنَّهُ مَعْصِيّة يُوجب الْفسق وَترد بِهِ الشَّهَادَة وأبلغ من ذَلِك قَالُوا إِن السماع فسق والتلذذ بِهِ كفر هَذَا لَفظهمْ وَرووا فِي ذَلِك حَدِيثا لَا يَصح رَفعه قَالُوا وَيجب عَلَيْهِ أَن يجْتَهد فِي أَن لَا يسمعهُ إِذا مر بِهِ أَو كَانَ فِي جواره وَأما الشَّافِعِي فَقَالَ فِي كتاب أدب الْقَضَاء إِن الْغناء لَهو مَكْرُوه يشبه الْبَاطِل والمحال وَمن استكثر مِنْهُ فَهُوَ سَفِيه ترد شَهَادَته وَصرح أَصْحَابه العارفون بمذهبه بِتَحْرِيمِهِ وأنكروا على من نسب اليه حلّه كَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ أبي اسحاق وَابْن الصّباغ قَالَ الشَّيْخ ابو اسحاق فِي التَّنْبِيه وَلَا يَصح يَعْنِي الاجارة على مَنْفَعَة مُحرمَة كالغناء وَالزمر وَحمل الْخمر وَلم يذكر فِيهِ خلافًا وَقَالَ فِي الْمُهَذّب وَلَا يجوز على الْمَنَافِع الْمُحرمَة لِأَنَّهُ محرم فَلَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَنهُ كالميته وَالدَّم فقد تضمن كَلَامه أمورا أَحدهَا أَن مَنْفَعَة الْغناء بِمُجَرَّدِهِ مَنْفَعَة مُحرمَة الثَّانِي أَن الِاسْتِئْجَار عَلَيْهَا بَاطِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 الثَّالِث أَن أكل المَال بِهِ أكل مَال بَاطِل بِمَنْزِلَة أكله عوضا عَن الْميتَة وَالدَّم الرَّابِع أَنه لَا يجوز للرجل بذل مَاله للْمُغني وَيحرم عَلَيْهِ ذَلِك فانه بذل مَاله فِي مُقَابلَة محرم وَأَن بذله فِي ذَلِك كبذله فِي مُقَابلَة الدَّم وَالْميتَة الْخَامِس أَن الزمر حرَام فان كل الزمر الَّذِي هُوَ أخف آلَات اللَّهْو حَرَامًا فَكيف بِمَا هُوَ اشد مِنْهُ كالعود والطنبور واليراع وَلَا يَنْبَغِي لمن شم رَائِحَة الْعلم أَن يتَوَقَّف فِي تَحْرِيم ذَلِك فَأَقل مَا فِيهِ أَنه من شعار الْفُسَّاق وشاربي الْخمر وَقد تَوَاتر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ خلفت بِبَغْدَاد شَيْئا أحدثه الزَّنَادِقَة يسمونه التغبير يصدون بِهِ النَّاس عَن الْقُرْآن فَإِذا كَانَ هَذَا قَوْله فِي التغبير وتعليله أَنه يصد عَن الْقُرْآن وَهُوَ شعر مزهد فِي الدُّنْيَا يُغني بِهِ مغن فَيضْرب بعض الْحَاضِرين بقضيب نطع أَو مخدة على توقيع غناهُ فليت شعري مَا يَقُول فِي سَماع التغبير عِنْده كتفلة فِي بَحر قد اشْتَمَل على كل مفْسدَة وكل محرم فَالله بَين دينه وَبَين كل متعلم مفتون وَعبد جَاهِل وَأما مَذْهَب الامام احْمَد فَقَالَ عبد الله ابْنه سَأَلت أبي عَن الْغناء فَقَالَ الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب لَا يُعجبنِي ثمَّ يذكر قَول مَالك إِنَّمَا يَفْعَله عندنَا الْفُسَّاق قَالَ عبد الله وَسمعت أبي يَقُول لَو أَن رجلا عمل بِكُل رخصَة بقول أهل الْكُوفَة فِي النَّبِيذ وَأهل مَكَّة فِي الْمُتْعَة لَكَانَ فَاسِقًا قَالَ أَحْمد وَقَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لَو أخذت بِرُخْصَة كل عَالم اجْتمع فِيك الشَّرّ كُله وَنَصّ فِي أَيْتَام ورثوا جَارِيَة مغنية وَأَرَادُوا بيعهَا قَالَ لَا تبَاع إِلَّا على أَنَّهَا ساذجة قَالُوا إِذا بِيعَتْ مغنية ساوت عشْرين ألفا أَو نَحْوهَا واذا بِيعَتْ ساذجة لَا تساوى أَلفَيْنِ فَقَالَ لَا تبَاع إِلَّا على أَنَّهَا ساذجة وَلَو كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 مَنْفَعَة الْغناء مُبَاحَة لما فَوت هَذَا المَال على الايتام وَقد احسن النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله ... تلِي الْكتاب فَأَطْرقُوا لَا خيفة ... لكنه إطراق ساه لاهي ... وأتى الْغناء فكالحمير تناهقوا ... وَالله مَا رقصوا لأجل الله ... دف ومزمار ونغمة شادن ... فَمَتَى شهِدت عبَادَة بملاهي ثقل الْكتاب عَلَيْهِم لما رَأَوْا ... تَقْيِيده بأوامر ونواهي سمعُوا لَهُ رعدا وبرقا إِذْ حوى ... زجرا وتخويفا بِفعل مناهي ورأوه أعظم قَاطع للنَّفس عَن ... شهواتها يَا ويحها المتناهي وأتى السماع مُوَافقا أغراضها ... فلأجل ذَا غَدا عَظِيم الجاه أَيْن المساعد للهوى من قَاطع ... أَسبَابه عِنْد الجهول الساهي إِن لم يكن خمر الجسوم فَإِنَّهُ ... خمر الْعُقُول مماثل ومضاهي فَانْظُر إِلَى النشوان عِنْد شرابه ... وَانْظُر إِلَى النشوان عِنْد ملاهي وَانْظُر إِلَى تمزيق ذَا أثوابه ... من بعد تمزيق الْفُؤَاد اللاهي واحكم بِأَيّ الخمرتين أَحَق بِالتَّحْرِيمِ والتأثيم عِنْد الله ... وَقد أَكثر الْعلمَاء الْكَلَام على هَذَا السماع الشيطاني الْمُحدث وَلَكِن آثرنا لاختصار وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 فصل فِي أَنهَار الْجنَّة ... أنهارها فِي غير أخدُود جرت ... سُبْحَانَ ممسكها عَن الفيضان ... من تَحْتهم تجْرِي كَمَا شاؤوا مفجرة وَمَا للنهر من نُقْصَان عسل مصفى ثمَّ خمر ثمَّ أَنهَار من الالبان ... وَالله مَا تِلْكَ الْموَاد كهذه ... لَكِن هما فِي اللَّفْظ مجتمعان ... هَذَا وَبَينهمَا يسير تشابه ... وَهُوَ اشْتِرَاك قَامَ بالأذهان ... روى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن انس بن مَالك قَالَ إِنَّكُم تظنون أَن أَنهَار الْجنَّة أخدُود فِي الأَرْض لَا وَالله إِنَّهَا لسائحه على وَجه الأَرْض إِحْدَى حافتيها اللُّؤْلُؤ وَالْآخر الْيَاقُوت وطينه الْمسك الاذفر قَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة مَا الأذفر قَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة مَا الأذفر قَالَ الَّذِي لَا خلط لَهُ رَوَاهُ ابْن مَرْوُدَيْهِ فِي تَفْسِيره عَن أنس مَرْفُوعا هَكَذَا وروى ابو خَيْثَمَة عَن انس أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَيْت الْكَوْثَر فاذا هُوَ نهر يجْرِي وَلم يشق شقا واذا حافتاه قباب اللُّؤْلُؤ فَضربت بيَدي إِلَى تربته فاذا مسك أذفر واذا حصباؤه اللُّؤْلُؤ وروى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَسْرُوق فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَاء مسكوب} الْوَاقِعَة قَالَ أَنهَار تجْرِي فِي غير أخدُود ونخل طلعها هضيم من اصلها الى فرعها أَو كلمة نَحْوهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 قَوْله من تَحْتهم تجْرِي الخ قد تكَرر فِي الْقُرْآن الْكَرِيم فِي عدَّة مَوَاضِع قَوْله تَعَالَى {جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} طه وَفِي مَوضِع {تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار} التَّوْبَة وَفِي مَوضِع {تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار} الْأَنْعَام وَهَذَا يدل على أُمُور أَحدهَا وجود الْأَنْهَار فِيهَا حَقِيقَة وَالثَّانِي أَنَّهَا جَارِيَة لَا واقفة وَالثَّالِث أَنَّهَا تَحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كَمَا هُوَ الْمَعْهُود فِي أَنهَار الدُّنْيَا وَقد ظن الْمُفَسّرين أَن معنى ذَلِك جريانها بأمرهم وتصريفهم لَهَا كَيفَ شاؤوا وَهَؤُلَاء أَتَوْ من ضعف الْفَهم فَإِن أنهارها وَإِن جرت فِي غير أخدُود فَهِيَ تَحت الْقُصُور والمنازل والغرف وَتَحْت الْأَشْجَار وَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يقل من تَحت أرْضهَا وَقد أخبر عَن جَرَيَان الْأَنْهَار تَحت النَّاس فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {ألم يرَوا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فِي الأَرْض مَا لم نمكن لكم وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مدرارا وَجَعَلنَا الْأَنْهَار تجْرِي من تَحْتهم} الْأَنْعَام فَهَذَا على الْمَعْهُود الْمُتَعَارف وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ عَن قَول فِرْعَوْن {وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي} الزخرف وَقَالَ تَعَالَى {فيهمَا عينان نضاختان} الرَّحْمَن أَي بِالْمَاءِ والفواكه قَالَه سعيد وَقَالَ انس بالمسك والعنبر تنضخان على دور أهل الْجنَّة كَمَا ينضخ الْمَطَر على دور أهل الدُّنْيَا وَقَالَ الْبَراء اللَّتَان تجريان أفضل من النضاختين رَوَاهَا ابْن ابي شيبَة وَقَالَ تَعَالَى {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وَلَهُم فِيهَا من كل الثمرات ومغفرة من رَبهم} مُحَمَّد فَذكر سُبْحَانَهُ هَذِه الْأَجْنَاس الْأَرْبَعَة وَنفى عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا الآفة الَّتِي تعرض لَهُ فِي الدُّنْيَا فآفة المَاء أَن يأسن ويأجن من طول مكثه وَآفَة اللَّبن أَن يتَغَيَّر طعمه الى الحموضة وَأَن يصير قارصا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَآفَة الْخمر كَرَاهَة مذاقها الْمنَافِي للذة شربهَا وَآفَة الْعَسَل عدم تصفيته وَهَذَا من أيات الرب تَعَالَى أَن يجْرِي أَنهَارًا من أَجنَاس لم تجر الْعَادة فِي الدُّنْيَا باجرائها ويجريها فِي غير أخدُود وينفى عَنْهَا الْآفَات الَّتِي تمنع كَمَال اللَّذَّة بهَا كَمَا نفى عَن خمر الْجنَّة جَمِيع آفَات خمر الدُّنْيَا من الصداع والغول واللغو ونزف المَال وتصدع الرَّأْس وَهِي كريهة المذاق وَهِي رِجْس من عمل الشَّيْطَان توقع الْعَدَاوَة والبغضاء بَين النَّاس وتصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة وَتَدْعُو الى الزِّنَا وَرُبمَا دعت الى الْوُقُوع على الْبِنْت وَذَوَات الْمَحَارِم وَتذهب الْغيرَة وتورث الخزي والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأنقص نوع الانسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الاسماء وَالصِّفَات وتكسوه أقبح الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وآفات الْخمر أَضْعَاف أَضْعَاف مَا ذَكرْنَاهُ وَكلهَا منفية عَن خمر الْجنَّة فصل فِي طَعَام أهل الْجنَّة ... وطعامهم مَا تشتهيه نُفُوسهم ... وَلُحُوم طير ناعم وسمان وفواكه شَتَّى بِحَسب مُنَاهُمْ ... يَا شيعَة كملت لذِي الْأَيْمَان لحم وخمر والنسا وفواكه ... وَالطّيب مَعَ روح وَمَعَ ريحَان وصحافهم ذهب يطوف عَلَيْهِم ... بأكف خدام من الْولدَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 .. وَانْظُر إِلَى جعل اللذاذة للعيو ... ن وشهوة للنَّفس فِي الشَّيْطَان للعين فِيهَا لَذَّة تَدْعُو إِلَى ... شهواتها بِالنَّفسِ والأمران سَبَب التَّنَاوُل وَهُوَ يُوجب لَذَّة ... أُخْرَى سوى مَا نَالَتْ العينان ... قَالَ تَعَالَى {إِن الْمُتَّقِينَ فِي ظلال وعيون وفواكه مِمَّا يشتهون كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} المرسلات وَقَالَ تَعَالَى {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار أكلهَا دَائِم وظلها} الْوَاقِعَة وَقَالَ تَعَالَى {وأمددناهم بفاكهة وَلحم مِمَّا يشتهون يتنازعون فِيهَا كأسا لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} الرَّعْد وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل أهل الْجنَّة وَيَشْرَبُونَ وَلَا يتمخطون وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَبُولُونَ طعامهم ذَلِك جشاء كريح الْمسك يُلْهمُون التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَفِي الْمسند وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن زيد بن ارقم قَالَ جَاءَ رجل من اهل الْكتاب الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم تزْعم أَن اهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ قَالَ نعم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن أحدهم ليعطي قُوَّة مائَة رجل فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع والشهوة قَالَ فَإِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب يكون لَهُ الْحَاجة وَلَيْسَ فِي الْجنَّة أَذَى قَالَ يكون حَاجَة أحدهم رشحا يفِيض من جُلُودهمْ كريح الْمسك فيضمر بَطْنه وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ وروى الْحسن بن عَرَفَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لتنظر إِلَى الطير فِي الْجنَّة فتشتهيه فَيخرج من يَديك مشويا وروى الْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة طيرا أَمْثَال البخاتي فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّهَا لناعمة يَا رَسُول الله قَالَ أنعم مِنْهَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 يأكلها وَأَنت مِمَّن يأكلها وروى الْحَاكِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَلحم طير مِمَّا يشتهون} الْوَاقِعَة نَحوه بِلَفْظَة أُخْرَى وَعَن ابْن عَمْرو فِي قَوْله تَعَالَى {يُطَاف عَلَيْهِم بصحاف من ذهب} الزخرف قَالَ بسبعين صَحْفَة كل صَحْفَة فِيهَا لون لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وروى الدَّرَاورْدِي عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ فِي الْكَوْثَر وَيَرْفَعهُ فِيهِ طيور أعنافها كأعناق الجزر فَقَالَ عمر إِنَّهَا لناعمة فَقَالَ أكلهَا أنعم مِنْهَا فِي رِوَايَة أَبُو بكر بدل عمر وَقَالَ تَعَالَى {وَيَطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤا منثورا} الدَّهْر قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْفراء مخلدون لَا يهرمون وَلَا يتغيرون وَقَالَ آخر مخلدون مقرطون مسورون فِي آذانهم القرطة وَفِي أَيْديهم الأساور وَهَذَا ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الْأَولونَ الْخلد هُوَ الْبَقَاء قَالَ ابْن عَبَّاس لَا يموتون وَهَذَا قَول مُجَاهِد وَمُقَاتِل والكلبي وجمعت طَائِفَة بَين الْقَوْلَيْنِ لَا يعرف لَهُم الْكبر والهرم وَفِي آذانهم القرطة وشبههم بِاللُّؤْلُؤِ لما فِيهِ من الْبيَاض وَحسن الْخلقَة وَفِي كَونه منثورا فَائِدَتَانِ احداهما أَنهم غير معطلين بل مثبوثون فِي خدمتهم وجوائحهم وَالثَّانِي أَن اللُّؤْلُؤ إِذا كَانَ منثورا لَا سِيمَا على بِسَاط من ذهب أَو حَرِير كَانَ أحسن لمنظره وأبهى من كَونه مجموعا فِي مَكَان وَفِي حَدِيث انس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول النَّاس إِذا بعثوا وَفِيه يطوف على ألف خَادِم كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون الْمكنون المستور المصون الَّذِي لم تبتذله الْأَيْدِي وَقَول النَّاظِم وَانْظُر إِلَى جعل اللذاذة للعيون الخ أَي انْظُر إِلَى اللذاذة الَّتِي تحصل بالعيون بِسَبَب النّظر إِلَى ألوان الَّذين هم كَاللُّؤْلُؤِ المنثور وشهوة النَّفس لما فِي الصحاف الَّتِي يطوفون بهَا فَاجْتمع لَهُم لَذَّة النّظر وَلَذَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 الشَّهْوَة لما فِي الصحاف وَذَلِكَ يُوجب لَذَّة أُخْرَى فتكمل لَهُم اللَّذَّة وَالله اعْلَم فصل فِي شرابهم ... يسقون فِيهَا من رحيق خَتمه ... بالمسك أَوله كَمثل الثَّانِي من خمرة لذت لشاربها بِلَا ... غول وَلَا دَاء وَلَا نُقْصَان وَالْخمر فِي الدُّنْيَا فَهَذَا وصفهَا ... تغتال عقل الشَّارِب السَّكْرَان وَبهَا من الأدواء مَا هِيَ أَهله ... وَيخَاف من عدم لذِي الوجدان فنفى لنا الرَّحْمَن أجمعها عَن الْخمر الَّتِي فِي جنَّة الْحَيَوَان ... قَالَ تَعَالَى {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ} المطففين رحيق مختوم أَي الْخمر ختم بالمسك وَعَن ابْن مَسْعُود ختامه مسك أَي خلطه وَلَيْسَ بِخَاتم ختم قَالَ النَّاظِم قلت يُرِيد وَالله أعلم أَن آخِره مسك يخالطه فَهُوَ من الخاتمة لَيْسَ من الْخَاتم وَهُوَ قَول عَلْقَمَة ومسروق قَالَ يَجدونَ عَاقبَتهَا طعم الْمسك وَقَالَ مُجَاهِد طيبه مسك كَأَنَّهُ يُرِيد مَا يبْقى فِي أَسْفَل الاناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 من الدردي وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء هُوَ أَي ختامه مسك شراب أَبيض مثل الْفضة يختمون بِهِ آخر شرابهم لَو أَن رجلا من أهل الدُّنْيَا أَدخل يَده فِيهِ ثمَّ أخرجهَا لم يبْق ذُو روح إِلَّا وجد ريح طيبها رَوَاهُ الْحَاكِم قَوْله من خمرة لذت لشاربها الخ نفى الله سُبْحَانَهُ عَن خمر الْجنَّة جَمِيع آفَات خمر الدُّنْيَا من الصداع والغول واللغو والانزاف وَعدم اللَّذَّة فَهَذِهِ خمس آفَات من آفَات خمر الدُّنْيَا تغتال الْعقل وتكثر اللَّغْو على شربهَا بل وَلَا يطيب شربهَا ذَلِك إِلَّا بِاللَّغْوِ وتنزف فِي نَفسهَا وتنزف المَال وتصدع الرَّأْس وَهِي كريهة المذاق وَقد تقدم بعض آفاتها فِي فصل أَنهَار الْجنَّة وَالله أعلم ... وشرابهم من سلسبيل مزجه الكافور ذَاك شراب ذِي الْإِحْسَان هَذَا شراب أولي الْيَمين وَلَكِن الْأَبْرَار شربهم شراب ثَانِي ... يدعى بتسنيم سَنَام شرابهم ... شرب المقرب خيرة الرَّحْمَن ... صفى المقرب سَعْيه فصفا لَهُ ... ذَاك الشَّرَاب فَتلك تصفيتان لَكِن أَصْحَاب الْيَمين فَأهل مز ... ج بالمباح وَلَيْسَ بالعصيان مزج الشَّرَاب لَهُم كَمَا مزجوا هم الْأَعْمَال ذَاك المزج بالميزان ... هَذَا وَذُو التَّخْلِيط مزجى أمره ... وَالْحكم فِيهِ لرَبه الديَّان ... قَالَ تَعَالَى {إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافورا عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا} الدَّهْر قَالَ بعض السّلف مَعَهم قضبان الذَّهَب حَيْثُمَا مالوا مَالَتْ مَعَهم قيل الْبَاء بِمَعْنى من أَي يشرب مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 وَقيل يرْوى بهَا وَهَذَا أصح وألطف وَقيل الْبَاء الظَّرْفِيَّة وَالْعين اسْم للمكان وَقَالَ تَعَالَى {ويسقون فِيهَا كأسا كَانَ مزاجها زنجبيلا عينا فِيهَا تسمى سلسبيلا} الدَّهْر فَأخْبر سُبْحَانَهُ عَن الْعين الَّتِي يشرب بهَا المقربون صرفا ان شراب الابرار يمزج مِنْهَا لِأَن اولئك اخلصوا الاعمال كلهَا لله تَعَالَى فأخلص شرابهم وَهَؤُلَاء فمزج شرابهم وَنَظِير هَذَا قَوْله {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بهَا المقربون} المطففين فَأخْبر سُبْحَانَهُ عَن مزاج شرابهم بشيئين بالكافور وبالزنجبيل فَمَا فِي الكافور من الْبرد وَطيب الرَّائِحَة مَا يحدث لَهُم باجتماع الشرايين ومجيء أَحدهمَا على الآخر حَالَة أُخْرَى أكمل وَأطيب وألذ من كل مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ وتعدل كَيْفيَّة كل مِنْهُمَا بكيفية الآخر وَمَا ألطف ذكر الكافور فِي أول السُّورَة والزنجبيل فِي آخرهَا فان شرابهم مزج أَولا بالكافور والزنجبيل بعده فيعدله وَالظَّاهِر أَن الكأس الثَّانِيَة غير الأولى وَأَنَّهَا نَوْعَانِ لذيذان من الشَّرَاب أَحدهمَا مزج بالكافور وَالثَّانِي بالزنجبيل وَأَيْضًا فانه سُبْحَانَهُ أخبر عَن مزج شرابهم بالكافور وبرده فِي مُقَابلَة مَا وَصفهم بِهِ من حرارة الْخَوْف والايثار وَالصَّبْر وَالْوَفَاء بِجَمِيعِ الْوَاجِبَات الَّتِي نبه على وفائهم بأضعافها وَهُوَ مَا أوجبوه على أنفسهم بِالنذرِ على الْوَفَاء بِجَمِيعِ الْوَاجِبَات الَّتِي نبه على وفائهم بأضعافها وَهُوَ مَا أوجبوه على أنفسهم بِالنذرِ على الْوَفَاء باعلاها وَهُوَ مَا أوجبه الله عَلَيْهِم وَلِهَذَا قَالَ {وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} الدَّهْر فان فِي الصَّبْر الخشونة وَحبس النَّفس عَن شهواتها مَا اقْتضى ان يكون فِي إجزائهم من سَعَة الْجنَّة ونعومة الْحَرِير مَا يُقَابل ذَلِك الْحَبْس والخشونة وَجمع لَهُم بَين النضرة وَالسُّرُور وَهَذَا جمال بواطنهم كَمَا جملوا فِي الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 ظواهرهم بشرائع الاسلام وبواطنهم بحقائق الايمان أَفَادَهُ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل فِي مصرف طعامهم وشرابهم وهضمه ... هَذَا وتصريف المآكل كل مِنْهُم ... عرق يفيص لَهُم من الابدان ... كروائح الْمسك الَّذِي مَا فِيهِ خل ... ط غَيره من سَائِر الألوان فتعود هاتيك الْبُطُون ضوامرا ... تبغي الطَّعَام على مدى الازمان لَا غَائِط فِيهَا وَلَا بَوْل وَلَا ... مخط وَلَا بَصق من الانسان وَلَهُم جشاء رِيحه مسك يكو ... ن بِهِ تَمام الهضم بالاحسان هَذَا وَهَذَا صَحَّ عَنهُ فواحد ... فِي مُسلم وَلأَحْمَد الأثران ... قَوْله هَذَا صَحَّ عَنهُ فواحد فِي مُسلم الخ تقدم الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي ذَلِك من حَدِيث جَابر وَتقدم الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الامام أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم قَالَ جَاءَ رجل من اهل الْكتاب الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث قَوْله هَذَا وَهَذَا أصح عَنهُ الخ أَي أَن تصريف مآكل أهل الْجنَّة قد بَينه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِي حَدِيث جَابر أَن ذَلِك جشاء وَرشح كَرَشْحِ الْمسك وَفِي حَدِيث زيد بن أَرقم أَن ذَلِك يكون رشحا يفِيض من جُلُودهمْ كَرَشْحِ الْمسك قَوْله وَلأَحْمَد الأثران أَي أَن حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 جَابر وَحَدِيث زيد بن أَرقم قد رَوَاهُمَا الامام أَحْمد وَأما مُسلم فَلم يرو الا حَدِيث جَابر وَمَعَ ذَلِك فهما صَحِيحَانِ وَالله أعلم فصل فِي لِبَاس أهل الْجنَّة ... وهم الْمُلُوك على الأسرة فَوق هَا ... تيك الرؤوس مرصع التيجان ولباسهم من سندس خضور وَمن ... إستبرق نَوْعَانِ معروفان مَا ذَاك من دود بني من فَوْقه ... تِلْكَ الْبيُوت وَعَاد ذُو طيران كلا وَلَا نسجت على المنوال نس ... ج ثيابنا بالقطن والكتان لَكِنَّهَا حلل تشق ثمارها ... عَنْهَا رَأَيْت شقائق النُّعْمَان بيض وخضر ثمَّ صفر ثمَّ حم ... ر كالرباط بِأَحْسَن الالوان لَا تقرب الدنس المقرب للبلى ... مَا للبلى فِيهِنَّ من سُلْطَان ونصيف إِحْدَاهُنَّ وَهُوَ خمارها ... لَيست لَهُ الدُّنْيَا من الاثمان سَبْعُونَ من حلل عَلَيْهَا لَا تعو ... ق الطّرف عَن مخ ورا الساقان لَكِن يرَاهُ من ورا ذَا كُله ... مثل الشَّرَاب لَدَى زجاج أَوَان ... قَالَ الله تَعَالَى {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين فِي جنَّات وعيون يلبسُونَ من سندس وإستبرق مُتَقَابلين} الدُّخان وَقَالَ {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق متكئين فِيهَا على الأرائك} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 الْكَهْف قَالَ جمَاعَة من الْمُفَسّرين السندس من مارق الديباج والاستبرق مَا غلظ مِنْهُ وَقَالَ آخَرُونَ المُرَاد بِهِ الصفيق وَقَالَ الزّجاج هما نَوْعَانِ من الْحَرِير وَأحسن الألوان الْأَخْضَر والبني لملابس الْحَرِير فَجمع لَهُم بَين حسن منظر اللبَاس والتذاذ الْعين بِهِ وَبَين نعومته والتذاذ الْجِسْم بِهِ وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من يدْخل الْجنَّة ينعم فَلَا يبأس لَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه فِي الْجنَّة مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح وَالظَّاهِر أَن الثِّيَاب الْمعينَة لَا يلْحقهَا البلى وَيحْتَمل أَن المُرَاد الْجِنْس بل لَا تزَال عَلَيْهِ الثِّيَاب الجدد كَمَا أَنَّهَا لَا يَنْقَطِع أكلهَا فِي جنسه بل كل مَأْكُول يخلفه مَأْكُول آخر وَالله أعلم وروى أَحْمد عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيد سَوط أحدكُم من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا وَلَقَاب قَوس أحدكُم خير من الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا ونصيف امْرَأَة من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا قلت وَمَا النصيف قَالَ الْخمار وروى ابْن وهب عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل فِي الْجنَّة ليتكىء سبعين سنة قبل أَن يتَحَوَّل ثمَّ نأتيه امْرَأَة فَتضْرب على مَنْكِبَيْه فَيظْهر وَجهه فِي خدها أصفى من الْمرْآة وان ادنى لؤلؤة عَلَيْهَا لتضىء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب فتسلم عَلَيْهِ فَيرد السَّلَام ويسألها من أَنْت فَتَقول انا الْمَزِيد وانه ليَكُون عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلَّة ثوبا ادناها مثل النُّعْمَان من طُوبَى فينقدها بَصَره حَتَّى يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء ذَلِك وان عَلَيْهَا التيجان وان ادنى لؤلؤة عَلَيْهَا لتضىء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 وروى أَحْمد عَن ابْن عَمْرو مَرْفُوعا وَفِيه فَقَامَ آخر أَي أَعْرَابِي فَقَالَ أَخْبرنِي عَن ثِيَاب أهل الْجنَّة أتخلق خلقا أَو تنسج نسجا فَضَحِك بعض الْقَوْم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تضحكون من جَاهِل يسْأَل عَالما فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة ثمَّ قَالَ أَيْن السَّائِل قَالَ هَا هُوَ ذَا يَا رَسُول الله قَالَ تشقق عَنْهَا ثمار الْجنَّة ثَلَاث مرار وروى الْبَيْهَقِيّ عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن فَقَامَ بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَيحل حَلَاله وَيحرم حرَامه خلطه الله بِلَحْمِهِ وَدَمه وَجعله رَفِيق السفرة البررة واذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كَانَ الْقُرْآن لَهُ حجيجا فَقَالَ يَا رب كل عَامل يعْمل فِي الدُّنْيَا يَأْخُذ بِعَمَلِهِ من الدُّنْيَا الا فلَانا كَانَ يقوم بِي آنَاء الَّيْلِ وَالنَّهَار وَيحل حلالي وَيحرم حرامي يَقُول رب فأعطه فَيتَوَجَّه الله تَاج الْملك ثمَّ يكسوه من حلل الْكَرَامَة ثمَّ يَقُول هَل رضيت فَيَقُول يَا رب أَرغب فِي أفضل من هَذَا فيعطيه الله الْملك بِيَمِينِهِ والخلد بِشمَالِهِ ثمَّ يَقُول هَل رضيت فَيَقُول نعم يَا رب وروى ابْن وهب عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَوْله تَعَالَى {يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب} الْكَهْف فَقَالَ ان عَلَيْهِم التيجان إِن أدنى لؤلؤة فِيهَا لتضىء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قَوْله المنوال قَالَ فِي الْقَامُوس والنول الْوَادي السَّائِل وحبل السَّفِينَة وخشبه الحائك كالمنوال والمنوال جمع أنوال انْتهى كَلَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 فصل فِي فرشهم وَمَا يتبعهَا ... والفرش من إستبرق قد بطنت ... مَا ظنكم بظهارة لبطان مَرْفُوعَة فَوق الأسرة يتكي ... هُوَ والحبيب بخلوة وأمان يتحدثان على الأرائك مَا ترى ... حبين فِي الخلوات ينتحبيان هَذَا وَكم زريبة ونمارق ... ووسائد صفت بِلَا حسبان ... قَالَ الله تَعَالَى {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} الرَّحْمَن قَالَ تَعَالَى {وفرش مَرْفُوعَة} الْوَاقِعَة فوصف الْفرش بِكَوْنِهَا مبطنة بالاستبرق وَهَذَا يدل على أَمريْن احدهما أَن طَهَارَتهَا أَعلَى وَأحسن من بطانتها لِأَنَّهَا للْأَرْض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الله فِي قَوْله {بطائنها من إستبرق} قَالَ هَذِه البطائن قد خبرتم عَنْهَا فَكيف بالظهائر الثَّانِي أَنَّهَا فرش عالية لَهَا سمك وحشو بَين البطانة والظهارة وَقد رُوِيَ فِي سمكها وارتفاعها آثَار إِن كَانَت مَحْفُوظَة فَالْمُرَاد ارْتِفَاع محلهَا كَمَا روى التِّرْمِذِيّ عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {وفرش مَرْفُوعَة} الْوَاقِعَة قَالَ ارتفاعها كَمَا بَين السَّمَاء والارض ومسيرة مَا بَينهمَا خَمْسمِائَة عَام وَاسْتَغْرَبَهُ التِّرْمِذِيّ وَقيل مَعْنَاهُ ان الِارْتفَاع الْمَذْكُور للدرجات والفرش عَلَيْهَا وروى ابْن وهب عَنهُ عَن النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَين الفراشين كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَهَذَا أشبه أَن يكون هُوَ الْمَحْفُوظ وروى الطَّبَرَانِيّ عَن كَعْب قَالَ مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة وَعَن ابي امامة عِنْد الطَّبَرَانِيّ قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفرش المرفوعة قَالَ لَو طرح فرَاش فِي أَعْلَاهَا لوقع الى قَرَارهَا مائَة خريف وَفِي رفع هَذَا الحَدِيث نظر فقد روى ابْن ابي الدُّنْيَا عَنهُ قَالَ لَو أَن أَعْلَاهَا سقط مَا بلغ أَسْفَلهَا اربعين خَرِيفًا وَأما الْبسط والزرابي فقد قَالَ تَعَالَى {متكئين على رَفْرَف خضر وعبقري حسان} الرَّحْمَن وَقَالَ تَعَالَى {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة وأكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة} الغاشية عَن سعيد بن جُبَير قَالَ الرفرف رباض الْجنَّة والعبقري عتاق الزاربي وَقَالَ الْحسن هِيَ الْبسط وَبِه قَالَ أهل الْمَدِينَة وَأما النمارق فَقَالَ الواحدي هِيَ الوسائد وَاحِدهَا نمرقة بِضَم النُّون وَكسرهَا قَالَ مقَاتل هِيَ الوسائد مصفوفة على الطنافس وزرابي يَعْنِي الْبسط والطنافس وَاحِدهَا زريبة فِي قَول جَمِيع أهل اللُّغَة وَالتَّفْسِير مبثوثة مبسوطة منشورة قَوْله فَوق الأسرة يتكي الخ الاسرة جمع سَرِير متكئين قَالَ فِي الْقَامُوس توكأ عَلَيْهِ تحامل وَاعْتمد وانما جعل لَهُ متكأ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَنا فَلَا آكل متكأ أَي جَالِسا المنكمش المتربع وَنَحْوه من الهيئات المستدعية لِكَثْرَة الْأكل بل كَانَ جُلُوسه للْأَكْل مستوفزا مقعيا غير تربع وَلَا مُتَمَكن وَلَيْسَ المُرَاد الْميل على شقّ كَمَا يَظُنّهُ عوام الطّلبَة وَذكر الاتكاء لِأَنَّهُ حَال الصَّحِيح الفارغ الْقلب المتنعم الْبدن بِخِلَاف الْمَرِيض المهموم وَقَوله تَعَالَى {متكئين على فرش} الْآيَة الرَّحْمَن مَنْصُوب على الْحَال من فَاعل قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه} الرَّحْمَن وانما جمع حملا على معنى من وَقيل مَنْصُوب على الْمَدْح وَقيل عاملها مَحْذُوف وَالتَّقْدِير يتنعمون متكئين أَي مضطجعين أَو متربعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 فصل فِي حلي اهل الْجنَّة ... والحلي أصفى لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد ... وكذاك أسورة من العقيان مَا ذَاك يخْتَص الاناث وانما ... هُوَ للاناث كَذَاك للذكران التاركين لِبَاسه فِي هَذِه الدُّنْيَا لأجل لِبَاسه بجنان ... أَو مَا سَمِعت بِأَن حليتهم الى ... حَيْثُ انْتِهَاء وضوئهم بوزان ... وَكَذَا وضوء ابي هُرَيْرَة كَانَ قد ... فازت بِهِ العضدان والساقان وسواه أنكر ذَا عَلَيْهِ قَائِلا ... مَا السَّاق مَوضِع حليه الانسان ماذاك الا مَوضِع الْكَعْبَيْنِ وَال زنديق لَا الساقان والعضدان ... قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب} الْكَهْف الأية يحْتَمل أَن يكون أساور من لُؤْلُؤ وان تكون مركبة مِنْهُمَا مَعًا وَالله أعلم وروى ابْن ابي الدُّنْيَا عَن وهب قَالَ ان الله عز وَجل مُنْذُ يَوْم خلق يصوغ عَليّ أهل الْجنَّة وَعَن الْحسن الْحلِيّ فِي الْجنَّة على الرِّجَال أحسن مِنْهُ على النِّسَاء وروى أَحْمد ابْن منيع عَن سعد ابْن ابي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن رجلا من اهل الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 اطلع فَبَدَا سواره لطمس ضوء الشَّمْس كَمَا تطمس الشَّمْس ضوء النُّجُوم وروى ابْن وهب عَن ابي امامة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ وَذكر حلي اهل الْجنَّة فَقَالَ مسورون بِالذَّهَب وَالْفِضَّة مكللون بالدر عَلَيْهِم أكاليل من در وَيَاقُوت متواصلة وَعَلَيْهِم تَاج كتاج الْمُلُوك شباب جرد مكحلون وَفِي الصَّحِيحَيْنِ والسياق لمُسلم عَن ابي حَازِم قَالَ كنت خلف أبي هُرَيْرَة وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَكَانَ يمد يَده حَتَّى يبلغ إبطه فَقلت يَا أَبَا هُرَيْرَة هَذَا الْوضُوء فَقَالَ يَا بني فروخ أَنْتُم هَاهُنَا لَو علمت أَنكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأت هَذَا الْوضُوء سَمِعت خليلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء ... وكذاك أهل الْفِقْه مُخْتَلفُونَ فِي ... هَذَا وَفِيه عِنْدهم قَولَانِ ... وَالرَّاجِح الْأَقْوَى انْتِهَاء وضوئنا ... للمرفقين كَذَلِك الكعبان ... هَذَا الَّذِي قد حدد الرَّحْمَن فِي الْقُرْآن لَا تعدل عَن الْقُرْآن واحفظ حُدُود الرب لَا تتعدها ... وكذاك لَا تجنح الى النُّقْصَان ... وَانْظُر الى فعل الرَّسُول تَجدهُ قد ... أبدى المُرَاد وَجَاء بالتبيان ... وَمن اسْتَطَاعَ يُطِيل غرته فمو ... قوف على الرَّاوِي هُوَ الفوقاني فَأَبُو هُرَيْرَة قَالَ ذَا من كيسه ... فغدا يميزه اولو الْعرْفَان ونعيم الرَّاوِي لَهُ قد شكّ فِي ... رفع الحَدِيث كَذَا روى الشَّيْبَانِيّ وإطالة الغرات لَيْسَ بممكن ... أبدا وَذَا فِي غَايَة التِّبْيَان ... قَالَ النَّاظِم فِي حادي الارواح وَقد سَاق حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم وَقد احْتج بِهَذَا من يرى اسْتِحْبَاب غسل الْعَضُد وإطالته وَالصَّحِيح أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 لَا يسْتَحبّ وَهُوَ قَول اهل الْمَدِينَة وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ والْحَدِيث لَا يدل على الاطالة فان الْحِلْية انما تكون زينا فِي الساعد والمعصم لَا فِي الْعَضُد والكتف وَأما قَوْله فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل فَهَذِهِ الزِّيَادَة مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام أبي هُرَيْرَة لَا من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين ذَلِك غير وَاحِد من الْحفاظ وَفِي مُسْند الامام احْمَد فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ نعيم فَلَا أَدْرِي قَوْله فَمن اسْتَطَاعَ أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل من تَمام كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو شَيْء قَالَه أَبُو هُرَيْرَة من عِنْده وَكَانَ شَيخنَا رَحمَه الله يَقُول هَذِه اللَّفْظَة لَا يُمكن أَن تكون من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فان الْغرَّة لَا تكون فِي الْيَد لَا تكون الا فِي الْوَجْه وإطالتها غير مُمكنَة إِذْ تدخل فِي الرَّأْس وَلَا يُسمى ذَلِك غرَّة فصل فِي صفة عرائس الْجنَّة وحسنهن وجمالهن وَلَذَّة وصالهن ومهورهن ... يَا من يطوف الْكَعْبَة الْحصن الَّتِي ... حفت بِذَاكَ الْحجر والاركان ويظل يسْعَى دَائِما حول الصَّفَا ... ومحسر مسعاه لَا العلمان ويروم قرْبَان الْوِصَال على منى ... والخيف يَحْجُبهُ عَن القربان فلذ ترَاهُ محرما أبدا ومو ... ضع حلّه مِنْهُ فَلَيْسَ بدان يَبْغِي التَّمَتُّع مُفردا عَن حبه ... متجردا يَبْغِي شَفِيع قرَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 .. فيظل بالجمرات يَرْمِي قلبه ... هذي مَنَاسِكه وكل زمَان وَالنَّاس قد قضوا مناسكهم وَقد ... حثوا ركائبهم الى الأوطان وخدت بهم همم لَهُم وعزائم ... نَحْو الْمنَازل أول الْأَزْمَان ... يَعْنِي الى الْجنَّة الَّتِي أسكنها آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام كَمَا أَشَارَ الى ذَلِك النَّاظِم فِي الميمية بقوله ... وَحي على جنَّات عدن فانها ... منازلك الاولى وفيهَا المخيم ولكننا سبي الْعَدو فَهَل ترى ... نعود إِلَى أوطاننا ونسلم ... واشار النَّاظِم بِهَذِهِ الاستعارات ... رفعت لَهُم فِي السّير أَعْلَام الوصا ... ل فشمروا يَا خيبة الكسلان وَرَأَوا على بعد خياما مشرفا ... ت مشرقات النُّور والبرهان فَتَيَمَّمُوا تِلْكَ الْخيام فآنسوا ... فِيهِنَّ أقمارا بِلَا نُقْصَان من قاصرات الطّرف لَا تبغي سوى ... محبوبها من سَائِر الشبَّان وَقصرت عَلَيْهِ طرفها من حسنه ... والطرف فِي ذَا الْوَجْه للنسوان أَو أَنَّهَا قصرت عَلَيْهِ طرفه ... من حسنها فالطرف للذكران وَالْأول الْمَعْهُود من وضع الخطا ... ب فَلَا تحد عَن ظَاهر الْقُرْآن ولربما دلّت اشارته على الثَّانِي فَتلك اشارة اللمعان ... قَوْله من قاصرات الطّرف الخ قَالَ الله تَعَالَى {فِيهِنَّ قاصرات الطّرف لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} الرَّحْمَن {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 الرَّحْمَن وصفهن سُبْحَانَهُ بقصر الطّرف فِي ثَلَاث مَوَاضِع أَحدهَا هَذَا وَالثَّانِي قَوْله فِي الصافات {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف عين} وَالثَّالِث قَوْله فِي سُورَة ص {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف أتراب} والمفسرون كلهم على ان الْمَعْنى قصر طرفهن على أَزوَاجهنَّ فَلَا يطمحن الى غَيرهم وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم قصر عَلَيْهِ طرفها من حسنه الخ وَقيل قصر طرف أَزوَاجهنَّ عَلَيْهِم فَلَا يدعهم حسنهنَّ وجمالهن ان ينْظرُوا الى غَيْرهنَّ وَهَذَا صَحِيح من جِهَة الْمَعْنى دون اللَّفْظ قَالَ مُجَاهِد وَالله مَا هن متبرجات وَلَا متطلعات وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم أَو أَنَّهَا قصرت عَلَيْهِ طرفه الخ قَوْله وَالْأول الْمَعْهُود من وضع الْخطاب أَي أَن القَوْل الأول وَهُوَ ان الْمَعْنى قصرت عَلَيْهِ طرفها من حسنه هُوَ ظَاهر الْقُرْآن ... هَذَا وَلَيْسَ القاصرات كمن غَدَتْ ... مَقْصُورَة فهما اذا صنفان ... قَالَ تَعَالَى {حور مقصورات فِي الْخيام} الرَّحْمَن أَي محبوسات فِي الْخيام قَالَه مقَاتل وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة خدرن فِي الْخيام وَقَالَ الْفراء محبوسات على ازواجهن لَا يطمحن الى من سواهُم قَالَ النَّاظِم قلت هَذَا معنى قاصرات الطّرف وَهَؤُلَاء مقصورات أَي هن فِي الْخيام قَالَ النَّاظِم ... يَا مُطلق الطّرف المعذب فِي الألى ... جردن عَن حسن وَعَن احسان ... لَا تسبينك صُورَة من تحتهَا الدَّاء الدوي تبوء بالخسران قحب خلائقها وقبح فعلهَا ... شَيْطَانَة فِي صُورَة الانسان تنقاد للأنذال والارذال هم ... اكفاؤها من دون ذِي الاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 .. مَا ثمَّ من دين وَلَا عقل وَلَا ... خلق وَلَا خوف من الرَّحْمَن وجمالها زور ومصنوع فَإِن ... تركته لم تطمح لَهَا العينان طبعت على ترك الْحفاظ فمالها ... بوفاء حق البعل قطّ يدان إِن قصر السَّاعِي عَلَيْهَا سَاعَة ... قَالَت وَهل أوليت من احسان أورام تقويما لَهَا اسْتَعْصَتْ وَلم ... تقبل سوى التعويج وَالنُّقْصَان أفكارها فِي الْمَكْر والكيد الَّذِي ... قد حَار فِيهِ فكرة الانسان فجمالها قشر رَقِيق تَحْتَهُ ... مَا شِئْت من عيب وَمن نُقْصَان نقد ردىء فَوْقه من فضَّة ... شَيْء يظنّ بِهِ من الاثمان فالناقدون يرَوْنَ مَاذَا تَحْتَهُ ... وَالنَّاس أَكْثَرهم من العميان ... شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذكر عُيُوب نسَاء الدُّنْيَا فَقَالَ لَا تسبينك صُورَة من تحتهَا الخ أَي إِن صورتهَا وان حسنت فتحتها مَالا يُحْصى من القبائح قَوْله تنقاد للانذال والارذال الخ قَالَ فِي الْقَامُوس النذل والنذيل الخسيس من النَّاس المحتقر فِي جَمِيع أَحْوَاله جمع انذال ونذول ونذلاء ونذال وَقد نذل ككرم نذالة ونذولة قَالَ والرذل والرذال والرذيل والارذل الدون الخسيس أَو الردىء من كل شَيْء جمع أرذال ورذول ورذلاء ورذال وأرذلون وَقد رذل ككرم وَعلم رذالة ورذولة بِالضَّمِّ انْتهى قَوْله هم اكفاؤها الخ أَي انها لنذالتها ورذالتها تنقاد للانذال والأرذال قَوْله طبعت على ترك الْحفاظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 الخ أَي أَنَّهَا طبعت على عدم الْوَفَاء بِحَق الزَّوْج قَوْله إِن قصر السَّاعِي عَلَيْهَا سَاعَة الخ يدل على ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معشر النِّسَاء تصدقن وَلَو من حليكن فَانِي اطَّلَعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء فَقَامَتْ امْرَأَة جزلة فَقَالَت وَلم ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ انكن تكفرن العشير وتكثرن اللَّعْن قَوْله أَو رام تقويما لَهَا اسْتَعْصَتْ الخ يُشِير الى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا فان الْمَرْأَة خلقت من ضلع وان اعوج مَا فِي الضلع أَعْلَاهُ فان ذهبت تُقِيمهُ كَسرته وان تركته لم يزل أَعْوَج فَاسْتَوْصُوا بِالنسَاء مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ الْمَرْأَة كالضلع إِن أقمتها كسرتها وان استمعت بهَا استمتعت بهَا وفيهَا عوج وان ذهبت تقيمها كسرتها وَكسرهَا طَلاقهَا قَالَ النَّاظِم ... أما جميلات الْوُجُوه فخائنا ... ت بعولهن وَهن للأخذان ... الأخدان جمع خدن قَالَ فِي الْقَامُوس الخدن بِالْكَسْرِ وكأمير الصاحب وَمن يخادنك فِي أَمر ظَاهر وباطن والاخذان الاحباب يزنون بِهن فِي السِّرّ قَالَ الْحسن المسافحة هِيَ ان كل من دَعَاهَا تَبعته وَذَات خدن أَي تخْتَص بِوَاحِد لَا تَزني الا مَعَه وَالْعرب تحرم الاولى وَتجوز الثَّانِيَة ... والحافظات الْغَيْب مِنْهُنَّ ... الَّتِي قد أَصبَحت فَردا من النسوان فَانْظُر مصَارِع من يليك وَمن خلا ... من قبل من شيب وَمن شُبَّان وارغب بعقلك أَن تبيع العالي ال ... بَاقِي بذا الادنى الَّذِي هُوَ فَانِي ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 .. ان كَانَ قد أعياك خود مِثْلَمَا ... تبغي وَلم تظفر الى ذَا الْآن فاخطب من الرَّحْمَن خودا ثمَّ قدم مهرهَا مَا دمت ذَا إِمْكَان ... ذَاك النِّكَاح عَلَيْك أيسر إِن يكن ... لَك نِسْبَة للْعلم والايمان وَالله لم تخرج الى الدُّنْيَا للذة عيشها اَوْ للحطام الفاني ... لَكِن خرجت لكَي تعد الزَّاد لل ... أُخْرَى فَجئْت بأقبح الخسران ... أهملت جمع الزَّاد حَتَّى فَاتَ بل ... فَاتَ الَّذِي ألهاك عَن ذَا الشان وَالله لَو ان الْقُلُوب سليمَة ... لتقطعت اسفا من الحرمان لَكِنَّهَا سكرى بحب حَيَاتهَا الدُّنْيَا وسوف تفيق بعد زمَان ... قَوْله خود الخود الْحَسَنَة الْخلق الشَّابَّة الناعمة قَوْله والحافظات للغيب أَي حافظات للفروج فِي غيبَة الازواج وَقيل حافظات لسرهم وَقيل حافظات للغيب بِحِفْظ الله وَعَن ابي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النِّسَاء امْرَأَة ان نظرت اليها سرتك وان أَمَرتهَا أَطَاعَتك واذا غبت عَنْهَا حفظتك فِي مَالهَا ونفسها ثمَّ تَلا {الرِّجَال قوامون على النِّسَاء} النِّسَاء الأية قَوْله فَانْظُر مصَارِع من يليك وَمن خلا الخ أَي انْظُر مصَارِع العشاق واقرأ مَا صنفه الْعلمَاء فِي ذَلِك ك مصَارِع العشاق للشَّيْخ أبي مُحَمَّد جَعْفَر السراج ترى مَا جرى على عشاق الصُّور قَوْله وَالله لَو أَن الْقُلُوب سليمَة الخ لَو تدل على امْتنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره فاذا كَانَ مَا بعْدهَا مثبتا كَانَ منفيا نَحْو لَو جَاءَنِي أكرمته واذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 كَانَ منفيا كَانَ مثبتا نَحْو لَو لم يسيء لم أعاقبه هَكَذَا ذكر النُّحَاة فَمَعْنَى الْبَيْت على هَذَا إِن الْقُلُوب لَيست بسليمة لِأَن مَا بعد لَو مُثبت وَالله أعلم = فصل ... فاسمع صِفَات عرائس الجنات ثمَّ اختر لنَفسك يَا أَخا الْعرْفَان ... حور حسان قد كملن خلائقا ... ومحاسنا من أجمل النسوان ... قَالَ الله تَعَالَى {وزوجناهم بحور عين} الدُّخان الْحور جمع حوراء وَهِي الْمَرْأَة الشَّابَّة الْحَسْنَاء الجميلة الْبَيْضَاء شَدِيدَة سَواد الْعين الَّتِي يحار الطّرف فِيهَا من رقة الْجلد وصفاء اللَّوْن قَالَه مُجَاهِد وَالصَّحِيح أَن الْحور مَأْخُوذ من الْحور فِي الْعين وَهُوَ شدَّة بياضها مَعَ قُوَّة سوادها فَهُوَ يتَضَمَّن الْأَمريْنِ وَقَالَ تَعَالَى {وحور عين كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون} الْوَاقِعَة روى الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن قَول الله عز وَجل {وحور عين} قَالَ حور بيض عين ضخام الْعُيُون شفر الْحَوْرَاء بِمَنْزِلَة جنَاح النسْر قلت اخبرني عَن قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} الصافات 49 قَالَ صفاؤهن صفاء الدّرّ فِي الأصداف الَّذِي لم تمسه الْأَيْدِي قلت أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِيهِنَّ خيرات حسان} الرَّحْمَن قَالَ خيرات الْأَخْلَاق حسان الْوُجُوه قلت أَخْبرنِي عَن قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} الصافات قَالَ رقتهن كرقة الْجلد الَّذِي رَأَيْته فِي دَاخل الْبَيْضَة مِمَّا يَلِي القشر الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 .. حَتَّى يحار الطّرف فِي الْحسن الَّذِي ... قد ألبست فالطرف كالحيران وَيَقُول لما أَن يُشَاهد حسنها ... سُبْحَانَ معطي الْحسن والاحسان والطرف يشرب من كؤوس جمَالهَا ... فتراه مثل الشَّارِب النشوان كملت خلائقها وأكمل حسنها ... كالبدر ليل السِّت بعد ثَمَان وَالشَّمْس تجْرِي فِي محَاسِن وَجههَا ... وَاللَّيْل تَحت ذوائب الأغصان فتراه يعجب وَهُوَ مَوضِع ذَلِك من ... ليل وشمس كَيفَ يَجْتَمِعَانِ فَيَقُول سُبْحَانَ الَّذِي ذَا صنعه ... سُبْحَانَ متقن صَنْعَة الانسان لَا اللَّيْل يدْرك شمسها فتغيب عِنْد مجيئة حَتَّى الصَّباح الثَّانِي ... وَالشَّمْس لَا تَأتي بطرد اللَّيْل بل ... يتصاحبان كِلَاهُمَا أَخَوان ... وَكِلَاهُمَا مرْآة صَاحبه إِذا ... مَا شَاءَ يبصر وَجهه يريان فَيرى محَاسِن وَجهه فِي وَجههَا وَترى محاسنها بِهِ بعيان ... روى ابْن وهب عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الرجل فِي الْجنَّة ليتكىء سبعين سنة قبل أَن يتَحَوَّل ثمَّ تَأتيه امْرَأَة فَتضْرب على مَنْكِبه فَينْظر وَجهه فِي خدها أصفى من الْمرْآة الحَدِيث وروى ابو يعلى الْموصِلِي عَن رجل من الْأَنْصَار عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي طَائِفَة من أَصْحَابه فَذكر حَدِيث الصُّور وَفِيه وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا مَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الْجنَّة بأزواجهم ومساكنهم فَيدْخل رجل مِنْهُم على اثْنَيْنِ وَسبعين زَوْجَة مِمَّا ينشىء الله وثنتين من ولد أم لَهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله عز وَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 فِي الدُّنْيَا يدْخل على الأولى مِنْهُمَا فِي غرفَة من ياقوتة على سَرِير من ذهب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلَّة من سندس وإستبرق وانه ليضع يَده بَين كتفيها ثمَّ ينظر إِلَى يَده من صدرها من وَرَاء ثِيَابهَا وجلدها ولحمها وَإنَّهُ لينْظر إِلَى مخ سَاقهَا كَمَا ينظر أحدكُم إِلَى السلك فِي قَصَبَة الْيَاقُوت كبده لَهَا مرْآة إِلَى آخر الحَدِيث هَذَا قِطْعَة من حَدِيث الصُّور الَّذِي تفرد بِهِ اسماعيل بن رَافع وَقد روى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ ضعفه بعض اهل الْعلم وَسمعت مُحَمَّد يَعْنِي البُخَارِيّ يَقُول هُوَ ثِقَة مقارب الحَدِيث قَالَ النَّاظِم قَالَ شَيخنَا ابو الْحجَّاج الْحَافِظ هَذَا الحَدِيث مَجْمُوع من عدَّة احاديث سَاقه اسماعيل وَغَيره وَشَرحه الْوَلِيد بن مُسلم فِي كتاب مُفْرد وَمَا تضمنه مَعْرُوف فِي الْأَحَادِيث وَالله أعلم ... حمر الخدود ثغورهن لآلأ ... سود الْعُيُون فواتر الأجفان ... والبرق يَبْدُو حِين يبسم ثغرها ... فيضيء سقف الْقصر بالجدران ... وَلَقَد روينَا أَن برقا ساطعا ... يَبْدُو فَيسْأَل عَنهُ من بجنان فَيُقَال هَذَا ضوء ثغر ضَاحِك ... فِي الْجنَّة الْعليا كَمَا تريان لله لاثم ذَلِك الثغر الَّذِي ... فِي لثمه إِدْرَاك كل أَمَان ... روى أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَطَعَ نور فِي الْجنَّة فَرفعُوا رؤوسهم فاذا هُوَ ثغر حوراء ضحِكت فِي وَجه زَوجهَا وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ بَلغنِي أَن نورا سَطَعَ فِي الْجنَّة لم يبْق مَوضِع فِي الْجنَّة إِلَّا دخل من ذَلِك النُّور فِيهِ فَقيل مَا هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 قيل حوراء ضحِكت فِي وَجه زَوجهَا قَالَ صَالح فشهق رجل من نَاحيَة الْمجْلس فَلم يزل يشهق حَتَّى مَاتَ وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخه مَرْفُوعا وَلم يذكر الشهق ... ريانة الأعطاف من مَاء الشبا ... ب فغصنها بِالْمَاءِ ذُو جَرَيَان لما جرى مَاء النَّعيم بغصنها ... حمل الثِّمَار كَثِيرَة الألوان فالورد والتفاح وَالرُّمَّان فِي ... غُصْن تَعَالَى غارس الْبُسْتَان وَالْقدر مِنْهَا كالقضيب اللدن فِي ... حسن القوام كأوسط الغضبان فِي مغرس كالعاج تحسب أَنه ... عالي النقا اَوْ وَاحِد الكثبان لَا الظّهْر يلْحقهَا وَلَيْسَ ثديها ... بلواحق للبطن أَو بدوان لكنهن كواعب ونواهد ... فثديهن كألطف الرُّمَّان ... الْقَضِيب الْغُصْن وَهُوَ وَاحِد القضبان الْكَثِيب التل من الرمل النقا من الرمل والنقور والنقا عظم الْعَضُد وَقَوله وَلَيْسَ ثديها هُوَ بِضَم الثا وَكسر الدَّال جمع ثدي ... والجيد ذُو طول وَحسن فِي بيا ... ض واعتدل لَيْسَ ذَا نكران يشكو الْحلِيّ بعاده فَهَل مدى الْأَيَّام وسواس من الهجران ... والمعصمان فان تشأ شبههما ... بسبيكتين عَلَيْهِمَا كفان كالزبد لينًا فِي نعومة ملمس ... أصداف در دورت بوزان ... والصدر متسع على بطن لَهَا ... حفت بِهِ خصران ذَات ثَمَان وَعَلِيهِ أحسن سرة هِيَ مجمع الخصرين قد غارت من الأعكان ... حق من العاج اسْتَدَارَ وَحَوله ... حبات مسك جلّ ذُو الاتقان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 .. وَإِذا انحدرت رَأَيْت أمرا هائلا ... مَا للصفات عَلَيْهِ من سُلْطَان ... لَا الْحيض يَغْشَاهُ وَلَا بَوْل وَلَا ... شَيْء من الْآفَات فِي النسوان فخذان قد حفا بِهِ حرسا لَهُ ... فجنابه فِي غرَّة وصيان ... قَوْله والجيد ذُو طول الخ وصف الْجيد وَهُوَ الرَّقَبَة بِأَنَّهُ ذُو طول وَحسن وَأَنه لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس ... وجيد كجيد الرئم لَيْسَ بفاحش اذا هِيَ رضته وَلَا بمعطل ... قَوْله والمعصمان الخ المعصمان تَثْنِيَة معصم وَهُوَ مَوضِع السوار من الزند والزند طرف الذِّرَاع الَّذِي انحسر عَنهُ اللَّحْم قَوْله ذَات ثَمَان قَالَ الْعَلامَة الميداني لما تكلم على الْمثل الْمَشْهُور أخنث من هيت وَذكر قَوْله لعبد الله بن أبي امية إِن فتح الله عَلَيْكُم الطَّائِف فسل ان تنفل بادية بنت غيلَان بن سَلمَة فانها متبلة هيفاء شموع نجلاء ثَنَا صف وَجههَا فِي الْقسَامَة وتجرأ معتدلا فِي الوسامة ان قَامَت تثنت وان قعدت تبنت وان تَكَلَّمت تغنت أَعْلَاهَا قضيب وأسفلها كثيب اذا أَقبلت أَقبلت بِأَرْبَع وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بثمان الخ قَوْله تقبل بِأَرْبَع يَعْنِي بِأَرْبَع عُكَن فِي بَطنهَا وَقَوله وتدبر بثمان يَعْنِي أَطْرَاف هَذِه العكن الْأَرْبَع فِي جنبها لكل عكنة طرفان لِأَن العكن تحيط بالطرفين والجنبين حَتَّى تلْحق بالمتنين من مُؤخر الْمَرْأَة وَقَالَ بثمان وانما هِيَ عدد للأطراف وواحدها طرف وَهُوَ مُذَكّر لِأَن هَذَا كَقَوْلِهِم هَذَا الثَّوْب سبع فِي ثَمَان على نِيَّة الأشبار انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 .. قاما بخدمته هُوَ السُّلْطَان بَينهمَا وَحقّ طَاعَة السُّلْطَان ... وَهُوَ المطاع أميره لَا ينثني ... عَنهُ وَلَا هُوَ عِنْده بجبان وجماعها فَهُوَ الشِّفَاء لصبها ... فالصب مِنْهُ لَيْسَ بالضجران وَإِذا يُجَامِعهَا تعود كَمَا أَتَت ... بكرا بِغَيْر دم وَلَا نُقْصَان فَهُوَ الشهي وعضوه لَا ينثني ... جَاءَ الحَدِيث بذا بِلَا نكران ... روى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل الْجنَّة إِذا جامعوا نِسَاءَهُمْ عدن أبكار تفرد بِهِ يعلى وروى أَبُو نعيم عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ هَل يمس أهل الْجنَّة أَزوَاجهم قَالَ نعم بِذكر لَا يمل وَفرج لَا يخفى وشهورة لَا تَنْقَطِع ... وَلَقَد روينَا أَن شغلهمْ الَّذِي ... قد جَاءَ فِي يس دون بَيَان شغل الْعَرُوس بعرسه من بعد مَا ... عبثت بِهِ الأشواق طول زمَان بِاللَّه لَا تسأله عَن أشغاله ... تِلْكَ اللَّيَالِي شَأْنه ذُو شان ... قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} يسن أَي افتضاض الْأَبْكَار وَرَاه سعيد بن مَنْصُور وروى عبد الله ابْن أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة قَالَ شغلهمْ افتضاض العذارى وروى الْحَاكِم عَن الْأَوْزَاعِيّ فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة قَالَ شغلهمْ افتضاض الْأَبْكَار وَمثله قَالَ ابْن عَبَّاس فِيهَا رَوَاهُ ابْن ابي الدُّنْيَا ... وَاضْرِبْ لَهُم مثلا بصب غَابَ عَن ... محبوبه فِي شاسع الْبلدَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 .. والشوق يزعجه اليه وَمَاله ... بلقائه سَبَب من الامكان وافى اليه بعد طول مغيبه ... عَنهُ وَصَارَ الْوَصْل ذَا إِمْكَان أتلومه أَن صَار ذَا شغل بِهِ ... لَا وَالَّذِي أعْطى بِلَا حسبان يَا رب غفرا قد طغت أقلامنا ... يَا رب معذرة من الطغيان ... قَوْله غفرا هُوَ بِفَتْح الْغَيْن مصدر مَنْصُوب أَي اغْفِر غفرا والغفر التغطية يُقَال غفر الله ذَنْبك أَي ستره وَمعنى قَول {رب اغْفِر لي} اسْتُرْ عَليّ ذَنبي وقني عُقُوبَته فِي الْآخِرَة قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فصل ... أَقْدَامهَا من فضَّة قد ركبت ... من فَوْقهَا ساقان ملتفان السَّاق مثل العاج ملموم يرى ... مخ الْعِظَام وَرَاءه بعيان وَالرِّيح مسك والجسوم نواعم ... واللون كالياقوت والمرجان وكلامها يسبي الْعُقُول بنغمة ... زَادَت على الأوتار والعيدان وَهِي العروب بشكلها وبدلها ... وتحبب للزَّوْج كل أَوَان وَهِي الَّتِي عِنْد الْجِمَاع تزيد فِي ... حركاتها للعين والأذنان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 .. لطفا وَحسن تبعل وتغنج ... وتحبب تَفْسِير ذِي الْعرْفَان تِلْكَ الْحَلَاوَة والملاحة أوجبا ... اطلاق هَذَا اللَّفْظ وضع لِسَان فملاحة التَّصْوِير قبل غناجها ... هِيَ أول وَهِي الْمحل الثَّانِي فَإِذا هما اجْتمعَا لصب وامق ... بلغت بِهِ اللَّذَّات كل مَكَان ... قَوْله وَهِي العروب الخ قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا عربا} الْوَاقِعَة الْآيَة عربا جمع عروب وَهن المتحببات إِلَى أَزوَاجهنَّ وَزَاد ابْن الْأَعرَابِي المطيعات لِأَزْوَاجِهِنَّ وَقَالَ أَبُو عبيد الْحَسَنَة التبعل يُرِيد حسن مواقعتها وملاطفتها عِنْد الْجِمَاع وَقَالَ الْمبرد هِيَ العاشقة لزَوجهَا وَذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِير الْعَرَب انهن الْعَوَاتِق المتحببات الغنجات الشكلات الغلمات المغنوجات كل ذَلِك من ألفاظهم قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عربا مُتَّصِلَة وَاحِدهَا عروب تسميها أهل مَكَّة العربة وَأهل الْمَدِينَة الغنجة وَأهل الْعرَاق الشكلة فَجمع سُبْحَانَهُ بَين حسن صورتهَا وَحسن عشرتها وَهَذَا غَايَة مَا يطْلب من النِّسَاء وَبِه تكمل لَذَّة الرجل بِهن فان لذته بِالْمَرْأَةِ الَّتِي لم يَطَأهَا سواهُ لَهَا فضل على لذته بغَيْرهَا وَكَذَلِكَ هِيَ قَوْله تبعل قَالَ فِي الْقَامُوس تبعلت أطاعت بَعْلهَا أَو تزينت لَهُ قَوْله تغنج قَالَ فِي الْقَامُوس الغنج بِالضَّمِّ وبضمتين وكغراب الشكل غنجت الْجَارِيَة كسمع وتغنجت وَهِي مغناج وغنجة وَهَذَا شرح مَا ذكر النَّاظِم فِي هَذِه الابيات وَالله اعْلَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 فصل ... أتراب سنّ وَاحِد متماثل ... سنّ الشَّبَاب لأجمل الشبَّان بكر فَلم يَأْخُذ بَكَارَتهَا سوى المحبوب من انس وَلَا من جَان ... حصن عَلَيْهِ حارس من اعظم الحراس بَأْسا شَأْنه ذُو شان فَإِذا احس بداخل للحصن ولى هَارِبا فتراه ذَا إمعان ... وَيعود وَهنا حِين رب الْحصن يخرج مِنْهُ فَهُوَ كَذَا مدى الْأَزْمَان وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة إِنَّهَا ... تنصاع بكرا للجماع الثَّانِي لَكِن دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح الَّذِي فِيهِ ... يُضعفهُ أولو الاتقان هَذَا وَبَعْضهمْ يَصح عَنهُ فِي التَّفْسِير كالمولود من حبَان ... فَحَدِيثه دون الصَّحِيح وَإنَّهُ ... فَوق الضَّعِيف وَلَيْسَ ذَا إتقان يعْطى المجامع قُوَّة الْمِائَة الَّتِي اجْتمعت لأقوى وَاحِد الانسان ... لَا أَن قوته تضَاعف هَكَذَا إِذْ قد يكون أَضْعَف الْأَركان وَيكون أقوى مِنْهُ ذَا نقص من الْإِيمَان والأعمال والاحسان ... قَوْله أتراب الاتراب جمع ترب وَهُوَ لِدَة الانسان قَوْله سنّ الشَّبَاب وَهُوَ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة كَمَا تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 قَوْله بكرا الخ قَالَ الله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} الرَّحْمَن أَي لم يمسهن قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ الْفراء الطمث الافتضاض وَهُوَ النِّكَاح بالتدمية والطمث هُوَ الدَّم والطامث هِيَ الْحَائِض قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لم يطأهن وَلم يغشهن وَلم يجامعهن هَذِه ألفاظهم وَقَالَ بَعضهم هن اللواتي أنشئن فِي الْجنَّة من حورها قَالَه مقَاتل وَبَعْضهمْ يَقُول يَعْنِي نسَاء الدُّنْيَا أنشئن خلقا آخر أَبْكَارًا قَالَه الشّعبِيّ وَزَاد لم يمسسن مُنْذُ أنشئن خلقا قَالَ ابْن عَبَّاس هن الآدميات اللَّاتِي متن أَبْكَارًا قَالَ النَّاظِم قلت ظَاهر الْقُرْآن أَن هَؤُلَاءِ النسْوَة لَيْسَ من نسَاء الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هن من الْحور الْعين وَأما نسَاء الدُّنْيَا فقد طمثهن الانس وَنسَاء الْجِنّ قد طمثهن الْجِنّ الْآيَة تدل على ذَلِك كَمَا قَالَ أَبُو اسحاق وَيدل عَلَيْهِ الَّتِي بعْدهَا {حور مقصورات فِي الْخيام} الرَّحْمَن قَالَ الامام احْمَد والحور الْعين لَا يمتن عِنْد النفخة فِي الصُّور لِأَنَّهُنَّ خُلِقْنَ للبقاء وَفِي الْآيَة دَلِيل لما ذهب اليه الْجُمْهُور ان مؤمني الْجِنّ فِي الْجنَّة كَمَا أَن كافرهم فِي النَّار وَبَوَّبَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَقَالَ بَاب ثَوَاب الْجِنّ وعقابهم وَنَصّ عَلَيْهِ غير وَاحِد من السّلف قَوْله وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة الخ هُوَ مَا روى ابْن وهب عَن ابي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أنطأ فِي الْجنَّة قَالَ نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحما دحما فاذا قَامَ رجعت مطهرة بكرا وَذكر النَّاظِم أَن فِي اسناده دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح وَهُوَ ضَعِيف قَالَ أَحْمد عَامَّة أَحَادِيثه مَنَاكِير وَقَالَ النَّسَائِيّ مُنكر الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف ومتروك وَقَالَ النَّسَائِيّ أَيْضا لَيْسَ بِالْقَوِيّ وسَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 لَهُ ابْن عدي أَحَادِيث وَقَالَ عامتها لَا يُتَابع عَلَيْهَا وَوَثَّقَهُ يحيى وَأخرج عَنهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ ثِقَة قَوْله وَبَعْضهمْ يَصح عَنهُ فِي التَّفْسِير الخ المُرَاد أَبُو حَاتِم ابْن حبَان وذكرالناظم فِي النّظم أَن حَدِيثه دون الصَّحِيح وَفَوق الضَّعِيف وَالله أعلم قَوْله يُعْطي المجامع الخ روى ابو نعيم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة ثَلَاث وَسَبْعُونَ زَوْجَة فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَوله قُوَّة على ذَلِك قَالَ انه ليعطي قُوَّة مائَة رجل فِي اسناده أَحْمد بن حَفْص السَّعْدِيّ لَهُ مَنَاكِير ... وَلَقَد روينَا أَنه يغشى بيو ... م وَاحِد مائَة من النسوان ... وَرِجَاله شَرط الصَّحِيح رووا لَهُم فِيهِ وَذَا فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ هَذَا دَلِيل أَن قدر نِسَائِهِم ... متفاوت بتفاوت الايمان وَبِه يَزُول توهم الاشكال عَن ... تِلْكَ النُّصُوص بمنة الرَّحْمَن وبقوة الْمِائَة الَّتِي حصلت لَهُ ... أفْضى إِلَى مائَة بِلَا خوران وأعفهم فِي هَذِه الدُّنْيَا هُوَ الْأَقْوَى هُنَاكَ لزهده فِي الفاني ... فاجمع قواك لما هُنَاكَ وغمض الْعَينَيْنِ واصبر سَاعَة لزمان مَا هَاهُنَا وَالله مَا يسوى قلا ... مة ظفر وَاحِدَة ترى بجنان ماهاهنا الا النقار وسيء الْأَخْلَاق مَعَ عيب وَمَعَ نُقْصَان ... هم وغم دَائِم لَا يَنْتَهِي ... حَتَّى الطَّلَاق وبالفراق الثَّانِي ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 .. وَالله قد جعل النِّسَاء عوانيا ... شرعا فأضحى البعل وَهُوَ العاني ... لاتؤثر الْأَدْنَى على الْأَعْلَى فان ... تفعل رجعت بذلة وهوان ... روى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله هَل نصل الى نسائنا فِي الْجنَّة فَقَالَ ان الرجل ليصل فِي الْيَوْم الْوَاحِد الى مائَة عذراء تفرد بِهِ الْجعْفِيّ قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي رِجَاله عِنْدِي على شَرط الصَّحِيح وروى ابو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل يَا رَسُول الله انفضي الى نسائنا فِي الْجنَّة كَمَا نفضي اليهن فِي الدُّنْيَا قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ ان الرجل ليفضي فِي الْغَدَاة الْوَاحِدَة الى مائَة عذراء فِيهِ زيد ابْن أبي الْحوَاري وَهُوَ الْعمي قَالَ فِيهِ ابْن معِين صَالح وَقَالَ مرّة لاشيء وَقَالَ مرّة ضَعِيف يكْتب حَدِيثه وَكَذَلِكَ قَالَ ابو حَاتِم زقال الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه النَّسَائِيّ وَقَالَ السَّعْدِيّ متماسك قَالَ النَّاظِم قلت وحسبه رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ الاحاديث الصَّحِيحَة إِنَّمَا فِيهَا لَكِن مِنْهُم زوجتان وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح زِيَادَة على ذَلِك فان هَذِه الاحاديث مَحْفُوظَة فاما أَن يُرَاد بهَا لكل وَاحِد من السراري زِيَادَة على الزَّوْجَيْنِ وَيَكُونُونَ فِي ذَلِك على حسب مَنَازِلهمْ فِي الْقلَّة وَالْكَثْرَة كالخدم والولدان وَأما أَن يُرَاد بِهِ أَن يعْطى قُوَّة من يُجَامع هَذَا الْعدَد وَيكون هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَرَوَاهُ بعض هَؤُلَاءِ بِالْمَعْنَى فَقَالَ لَهُ كَذَا وَكَذَا زَوْجَة قَالَ وَقد روى التِّرْمِذِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْطى الْمُؤمن فِي الْجنَّة قُوَّة كَذَا وَكَذَا من الْجِمَاع قيل يَا رَسُول الله أَو يُطيق ذَلِك قَالَ يعْطى قُوَّة مائَة هَذَا حَدِيث صَحِيح فَلَعَلَّ من رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 يُفْضِي الى مائَة عذراء بِالْمَعْنَى أَو يكون تفاوتهم فِي عدد النِّسَاء بِحَسب تفاوتهم فِي الدَّرَجَات وَالله أعلم قَالَ وَلَا ريب أَن لِلْمُؤمنِ اكثر من اثنيتين لما فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي بكر بن عبد الله بن قيس عَن ابيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان للْعَبد الْمُؤمن فِي الْجنَّة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولهَا سِتُّونَ ميلًا للْعَبد الْمُؤمن فِيهَا أهلون يطوف عَلَيْهِم لايرى بَعضهم بَعْضًا انْتهى كَلَامه قَوْله وَالله قد جعل النِّسَاء عوانيا الخ قَالَ فِي الْقَامُوس العواني النِّسَاء لأَنهم يظلمن فَلَا ينتصرن فصل ... وَإِذا بَدَت فِي حلَّة من لبسهَا ... وتمايلت كتمايل النشوان تهتز كالغصن الرطيب وَحمله ... ورد وتفاح على رمان وتبخترت فِي مشيها ويحق ذَا ... ك لمثلهَا فِي جنَّة الْحَيَوَان ... قَوْله ورد الخ الْورْد فِي الخدود والتفاح فِي الوجنات وَالرُّمَّان فِي الصَّدْر وهما النهدان قَوْله وتبخرت الخترة والتبختر مشْيَة حَسَنَة والبختري الْحسن الْمَشْي والجسم والمختال كالبختير قَالَه فِي الْقَامُوس ... ووصائف من خلفهَا وأمامها ... وعَلى شمائلها وَعَن أَيْمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 .. كالبدر لَيْلَة تمه قد حف فِي ... غسق الدجى بكواكب الْمِيزَان فلسانه وفؤاده والطرف فِي ... دهش وَإِعْجَاب وَفِي سُبْحَانَ فالقلب قبل زفافها فِي عرسه ... والعرس إِثْر الْعرس متصلان حَتَّى إِذا مَا واجهته تقابلا ... أَرَأَيْت إِذْ يتقابل القمران فسل المتيم هَل يحل الصَّبْر عَن ... ضم وتقبيل وَعَن فلتان وسل المتيم أَيْن خلف صبره ... فِي أَي وَاد أم بِأَيّ مَكَان وسل المتيم كَيفَ حَالَته وَقد ... ملئت لَهُ الأذنان والعينان من منطق رقت حَوَاشِيه وَوجه كم بِهِ للشمس من جَرَيَان ... وسل المتيم كَيفَ عيشته إِذا ... وهما على فرشيهما خلوان ... يتساقطان لآلئا منثورة ... من بَين منظوم كنظم جمان ... جمان كغراب اللُّؤْلُؤ وهنوات اشكال اللُّؤْلُؤ من فضَّة الْوَاحِدَة جمانة قَالَه فِي الْقَامُوس قَوْله بكواكب الْمِيزَان أَي كَوْكَب الجوزاء ... وسل المتيم كَيفَ مَجْلِسه مَعَ المحبوب فِي روح وَفِي ريحَان ... وتدور كاسات الرَّحِيق عَلَيْهِمَا ... بأكف أقمار من الْولدَان ... يتنازعان الكأس هَذَا مرّة ... والخود اخرى ثمَّ يتكئان فيضمها وتضمه أَرَأَيْت معشوقين بعد الْبعد يَلْتَقِيَانِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 .. غَابَ الرَّقِيب وَغَابَ كل منكد ... وهما بِثَوْب الْوَصْل مشتملان ... أتراهما ضجرين من ذَا الْعَيْش لَا ... وحياة رَبك مَا هما ضجران ... وَيزِيد كل مِنْهُمَا حبا لصا ... حبه جَدِيدا سَائِر الْأَزْمَان ووصاله يكسوه حبا بعده ... متسلسلا لَا يَنْتَهِي بِزَمَان فالوصل محفوف بحب سَابق ... وبلاحق وَكِلَاهُمَا صنْوَان فرق لطيف بَين ذَاك وَبَين ذَا ... يدريه ذُو شغل بِهَذَا الشان ومزبدهم فِي كل وَقت حَاصِل ... سُبْحَانَ ذِي الملكوت وَالسُّلْطَان يَا غافلا عَمَّا خلقت لَهُ انتبه ... جد الرحيل فلست باليقظان سَار الرفاق وخلفوك مَعَ الألى ... قنعوا بذا الْحَظ الخسيس الفاني وَرَأَيْت أَكثر من ترى مُتَخَلِّفًا ... فتبعتهم ورضيت بالحرمان لَكِن أتيت بخطتي عجز وَجَهل بعد ذَا وصحبت كل أَمَان ... منتك نَفسك باللحاق مَعَ القعو ... د عَن الْمسير وراحة الْأَبدَان ... ولسوف تعلم حِين ينْكَشف الغطا ... مَاذَا صنعت وَكنت ذَا إِمْكَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 فصل فِي ذكر الْخلاف بَين النَّاس هَل تحبل نسَاء أهل الْجنَّة أم لَا ... وَالنَّاس بَينهم خلاف هَل بهَا ... حَبل وَفِي هَذَا لَهُم قَولَانِ فنفاه طَاوُوس وابراهيم ثمَّ مُجَاهِد وهم أولو الْعرْفَان ... وروى العقبلي الصدوق أَبُو رزين صَاحب الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ أَن لَا توالد فِي الْجنان رَوَاهُ تَعْلِيقا مُحَمَّد الْعَظِيم الشان ... وَحَكَاهُ عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ اسحاق بن ابراهيم ذُو الاتقان لَا يَشْتَهِي ولدا بهَا وَلَو اشتها ... هـ لَكَانَ ذَاك مُحَقّق الامكان وروى هِشَام لِابْنِهِ عَن عَامر ... عَن نَاجِي عَن سعد بن سِنَان ان الْمُنعم بالجنان إِذا اشْتهى الْوَلَد الَّذِي هُوَ نُسْخَة الانسان ... فالحمل ثمَّ الْوَضع ثمَّ السن فِي ... فَرده من السَّاعَات فِي الْأَزْمَان ... اسناده عِنْدِي صَحِيح قد روا ... هـ التِّرْمِذِيّ وَاحْمَدْ الشَّيْبَانِيّ وَرِجَال ذَا الاسناد مُحْتَج بهم ... فِي مُسلم وهم اولو إتقان لَكِن غَرِيب مَاله من شَاهد ... فَرد بذا الاسناد لَيْسَ بثان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 .. لَوْلَا حَدِيث ابي رزين كَانَ ذَا ... كالنص يقرب مِنْهُ فِي التِّبْيَان وَلذَلِك أَوله ابْن ابراهيم بِالشّرطِ الَّذِي هُوَ منتفى الوجدان ... وبذاك رام الْجمع بَين حَدِيثه ... وَأبي رزين وَهُوَ ذُو إِمْكَان هَذَا وَفِي تَأْوِيله نظر فان اذا لتحقيق وَذي إتقان ... ولربما جَاءَت لغير تحقق ... وَالْعَكْس فِي ان ذَاك وضع لِسَان ... حَاصِل هَذَا الْفَصْل قد ذكره النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح ولنذكر كَلَامه مُلَخصا قَالَ فصل فِي ذكر اخْتِلَاف النَّاس هَل فِي الْجنَّة حمل وولادة روى التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حمله وَوَضعه وسنه فِي سَاعَة كَمَا يَشْتَهِي قَالَ اسحق بن ابراهيم وَلَكِن لَا يَشْتَهِي قَالَ بَعضهم فِي الْجنَّة جماع وَلَا يكون ولد وَقد رُوِيَ عَن ابي رزين الْعقيلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أهل الْجنَّة لَا يكون لَهُم فِيهَا ولد قَالَ النَّاظِم قلت حَدِيث ابي سعيد على شَرط الصَّحِيح وَرِجَاله مُحْتَج بهم فِيهِ وَلكنه غَرِيب جدا وَتَأْويل اسحاق فِيهِ نظر وروى أَبُو نعيم عَن ابي سعيد الْمَذْكُور قَالَ قيل يَا رَسُول الله أيولد لأهل الْجنَّة فان الْوَلَد من تَمام السرُور فَقَالَ نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا هُوَ كَقدْر مَا يتَمَنَّى أحدكُم فَيكون حمله ورضاعه وشبابه فِي سَاعَة وَاحِدَة وروى الْحَاكِم مثله أَيْضا عَنهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف بِمرَّة وَفِي حَدِيث أبي رزين الطَّوِيل الَّذِي أَشَارَ اليه البُخَارِيّ غير أَن لَا توالد رَوَاهُ احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَغَيرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 على سَبِيل الْقبُول وَالتَّسْلِيم فَهَذَا حَدِيث صَرِيح فِي انتفاه الْوَلَد قَوْله إِذا اشْتهى مُعَلّق بِالشّرطِ وَلَا يلْزم من التَّعْلِيق وُقُوع الْمُعَلق وَلَا الْمُعَلق بِهِ واذا وان كَانَت ظَاهِرَة فِي الْمُحَقق فقد تسْتَعْمل لمُجَرّد التَّعْلِيق الْأَعَمّ من الْمُحَقق وَغَيره قَالُوا وَفِي هَذَا الْموضع يتَبَيَّن ذَلِك بِوُجُوه عشرَة ثمَّ ذكرهَا النَّاظِم ثمَّ قَالَ النافون للولادة فِي الْجنَّة لم ينفوها لزيغ فِي قُلُوبهم وَلَكِن لحَدِيث أبي رزين غير أَن لَا توالد وَقد حكى التِّرْمِذِيّ فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ للسلف وَالْخلف وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ غَرِيب فان كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَه فَهُوَ الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا تنَاقض بَينه وَبَين حَدِيث أبي رزين غير أَن لَا توالد إِذْ ذَلِك نفي للتوالد الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا لَا يَنْفِي ولادَة حمل الْوَلَد وَوَضعه وسنه وشبابه فِي سَاعَة وَاحِدَة انْتهى كَلَامه قَوْله وروى هِشَام لِابْنِهِ الخ هَذَا هُوَ حَدِيث أبي سعيد الَّذِي تقدم أول الْفَصْل قَوْله عَن سعد بن سِنَان هُوَ ابو سعيد سعد بن مَالك بن سِنَان الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ النَّاظِم ... وَاحْتج من نصر الْولادَة أَن رفي الجنات سَائِر شَهْوَة الانسان وَالله قد جعل الْبَنِينَ مَعَ النسا ... من أعظم الشَّهَوَات فِي الْقُرْآن فَأُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يَشْتَهِي ... ولدا وَلَا حبلا من النسوان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وَاحْتج من منع الْولادَة أَنَّهَا ... ملزومة أَمريْن ممتنعان حيض وإنزال الْمَنِيّ وذانك الْأَمْرَانِ فِي الجنات مفقودان ... وروى صدي عَن رَسُول الله أَن منيهم إِذْ ذَاك ذُو فقدان بل لَا مني وَلَا منية هَكَذَا يروي سُلَيْمَان هُوَ الطَّبَرَانِيّ ... وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ نوع سوى الْمَعْهُود فِي الدُّنْيَا من النسوان فالنفي للمعهود فِي الدُّنْيَا من الايلاد والاثبات نوع ثَانِي ... وَالله خَالق نوعنا من أَربع ... متقابلات كلهَا بوزان ... ذكر وَأُنْثَى وَالَّذِي هُوَ ضِدّه ... وَكَذَلِكَ من أُنْثَى بِلَا ذكران وَالْعَكْس أَيْضا مثل حوا أمنا ... هِيَ أَربع مَعْلُومَة التِّبْيَان وكذاك مَوْلُود الْجنان يجوز أَن ... يَأْتِي بِلَا حيض وَلَا فيضان وَالْأَمر فِي ذَا مُمكن فِي نَفسه ... وَالْقطع مُمْتَنع بِلَا برهَان ... قَوْله وَاحْتج من نصر الْولادَة الخ أَي احْتج من نصر القَوْل بِالْولادَةِ فِي الْجنَّة بِأَن فِي الْجنَّة جَمِيع الشَّهَوَات كَمَا قَالَ تَعَالَى {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء والبنين} آل عمرَان الْآيَة قَوْله وَأجِيب عَنهُ الخ أَي أجَاب من منع الْولادَة بِأَنَّهُ لَا يَشْتَهِي ولدا وحبلا قَوْله وَاحْتج من منع الْولادَة أَي احْتج مانعو الولاد بِأَنَّهُ يلْزمهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 أَمْرَانِ ممتنعان فِي الْجنَّة وهما الْحيض وانزال الْمَنِيّ قَوْله وروى صدي أَي روى ابو امامة صدي بن عجلَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ هَل يتناكح أهل الْجنَّة قَالَ بِذكر لَا بمل وشهوة لَا تَنْقَطِع دحما دحما وَفِي لفظ عَنهُ دحما دحما وَلَكِن لامني وَلَا منية أَي لَا إِنْزَال وَلَا موت فَهُوَ صَرِيح فِي انْتِفَاء الْمَنِيّ فِي الْجنَّة فاحتج من أنكر الْولادَة بانه نوع سوى الْمَعْهُود فِي الدُّنْيَا من النسوان فالنفي للمعهود فِي الدُّنْيَا من الايلاد والاثبات نوع آخر قَوْله وَالله خَالق نوعنا من ارْبَعْ الخ أَي إِن الله خلق نوع الانسان من اربعة اشياء متقابلة من ذكر وَأُنْثَى كبني آدم وَلَا من ذكر وَلَا أُنْثَى كآدم عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر بِلَا أُنْثَى كحواء أمنا وَمن أُنْثَى بِلَا ذكر كعيسى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَذِهِ أَربع كَمَا ذكره النَّاظِم قَوْله وكذاك مَوْلُود الْجنان الخ أَي ان مَوْلُود الْجنان يجوز أَن يُوجد بِلَا حيض وَلَا فيضان أَي مني وقدرة الله صَالِحَة وَالله اعْلَم فصل فِي رُؤْيَة أهل الْجنَّة رَبهم تبَارك وَتَعَالَى ونظرهم إِلَى وَجهه الْكَرِيم ... ويرونه سُبْحَانَهُ من فَوْقهم ... رُؤْيا العيان كَمَا يرى القمران هَذَا تَوَاتر عَن رَسُول الله لم ... يُنكره إِلَّا فَاسد الايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 .. وأتى بِهِ الْقُرْآن تَصْرِيحًا وتعريضا هما بسياقه نَوْعَانِ ... وَهِي الزِّيَادَة قد أَتَت فِي يُونُس ... تَفْسِيره قد جَاءَ بِالْقُرْآنِ ... وَرَوَاهُ عَنهُ مُسلم بصحيحه ... يروي صُهَيْب ذَا بِلَا كتمان وَهُوَ الْمَزِيد كَذَاك فسره أَبُو ... بكر هُوَ الصّديق ذُو الايقان وَعَلِيهِ أَصْحَاب الرَّسُول وتابعو ... هم بعدهمْ تَبَعِيَّة الاحسان ... ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل رُؤْيَة أهل الْجنَّة رَبهم تبَارك وَتَعَالَى بِأَبْصَارِهِمْ جهرة كَمَا يرى الْقَمَر وَقد اتّفق عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاء والمرسلون وَجَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الاسلام وأنكرها أهل الْبدع كالجهمية والمعتزلة والباطنية والرافضة قَوْله وأتى بهَا الْقُرْآن تَصْرِيحًا وتعريضا الخ التَّصْرِيح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} الْقِيَامَة 22 23 وَقَوله تَعَالَى {وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ ملاقوه} الْبَقَرَة 223 وَقَوله {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} الاحزاب 44 وَقَوله تَعَالَى {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْكَهْف 110 وَقَوله {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله} الْبَقَرَة 249 وَأجْمع أهل اللِّسَان على أَن اللِّقَاء مَتى نسب إِلَى الْحَيّ السَّلِيم من الْعَمى وَالْمَانِع اقْتضى المعاينة والتعريض كَقَوْلِه تَعَالَى {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} المطففين 15 وَقَوله تَعَالَى {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس 26 قَوْله وَهِي الزِّيَادَة قد أَتَت فِي يُونُس الخ فِي صَحِيح مُسلم عَن صُهَيْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} يُونُس قَالَ إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار نَادَى مُنَاد يَا أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 الْجنَّة إِن لكم عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه فَيَقُولُونَ مَا هُوَ ألم يثقل موازيننا ويبيض وُجُوهنَا ويدخلنا الْجنَّة ويجرنا من النَّار فَيكْشف الْحجاب فَيَنْظُرُونَ اليه فَمَا أَعْطَاهُم شَيْئا أحب اليهم من النّظر اليه وَهِي الزِّيَادَة وروى الْحسن بن عرقة عَن انس عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للَّذين أَحْسنُوا الْعَمَل فِي الدُّنْيَا الْحسنى وَهِي الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله تَعَالَى قَوْله وَهُوَ الْمَزِيد كَذَا فسره أَبُو بكر الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {لَهُم مَا يشاؤون فِيهَا ولدينا مزِيد} ق قَالَ عَليّ وَأنس هُوَ النّظر إِلَى وَجه الله تَعَالَى وَقَالَهُ من التَّابِعين زيد بن وهب وَغَيره قَوْله وَعَلِيهِ أَصْحَاب الرَّسُول وتابعوهم الخ أَي إِن اثبات رُؤْيَته سُبْحَانَهُ هُوَ قَول أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابعيهم باحسان ... وَلَقَد أَتَى ذكر اللِّقَاء لربنا الرَّحْمَن فِي سور من الْفرْقَان ... ولقاؤه إِذْ ذ 1 ك رُؤْيَته حكى الْإِجْمَاع فِيهِ جمَاعَة بِبَيَان وَعَلِيهِ أَصْحَاب الحَدِيث جَمِيعهم ... لُغَة وَعرفا لَيْسَ يَخْتَلِفَانِ ... يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ ملاقوه} الْبَقَرَة وَقَوله تَعَالَى {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} الْأَحْزَاب وَقد أجمع أهل اللِّسَان على أَن اللِّقَاء مَتى نسب إِلَى الْحَيّ السَّلِيم من الْعَمى وَالْمَانِع اقْتضى الرُّؤْيَة والمعاينة وَلَا يتنقض هَذَا بقوله تَعَالَى {فأعقبهم نفَاقًا فِي قُلُوبهم إِلَى يَوْم يلقونه} التَّوْبَة فقد دلّت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة على أَن الْمُنَافِقين يرونه فِي عرصات الْقِيَامَة وَالْكفَّار ايضا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث التجلي يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَفِي هَذِه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يرَاهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وَالثَّانِي يرَاهُ جَمِيع أهل الْموقف مؤمنهم وكافرهم ثمَّ يحتجب عَن الْكفَّار فَلَا يرونه بعد ذَلِك وَالثَّالِث يرَاهُ المُنَافِقُونَ دون الْكفَّار وَكَذَلِكَ الاقوال الثَّلَاثَة بِعَينهَا فِي تكليمه لَهُم ولشيخ الاسلام فِي ذَلِك مُصَنف مُفْرد ... هَذَا وَيَكْفِي أَنه سُبْحَانَهُ ... وصف الْوُجُوه بنظرة بجنان وَأعَاد أَيْضا وصفهَا نظرا وَذَا ... لَا شكّ يفهم رُؤْيَة بعيان وَأَتَتْ أَدَاة إِلَى لرفع الْوَهم من ... فكر كَذَاك ترقب الانسان وأضافه لمحل رُؤْيَتهمْ بِذكر الْوَجْه إِذْ قَامَت بِهِ العينان ... تالله مَا هَذَا بفكر وانتظا ... ر مغيب أَو رُؤْيَة لجنان ... مَا فِي الْجنان من انْتِظَار مؤلم ... وَاللَّفْظ يأباه لذِي الْعرْفَان لَا تفسدوا لفظ الْكتاب فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَة يَا فرقة الروغان ... مَا فَوق ذَا التَّصْرِيح شَيْء مَا الَّذِي ... يَأْتِي بِهِ من بعد ذَا التِّبْيَان ... لَو قَالَ ابين مَا يُقَال لقلتم ... هُوَ مُجمل مَا فِيهِ من تبيان ... قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} الْقِيَامَة وَأَنت إِذا أجرت هَذِه الْآيَة من تحريفها عَن موَاضعهَا وَالْكذب على الْمُتَكَلّم بهَا فِيمَا أَرَادَ مِنْهَا وَجدتهَا منادية نِدَاء صَرِيحًا إِن الله سُبْحَانَهُ يرى عيَانًا بالابصار يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أَبيت الا تحريفها الَّذِي يُسَمِّيه المحرفون تَأْوِيلا فتاويل نُصُوص الْمعَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَالنَّار وَالْمِيزَان والحساب أسهل على أربابه من تَأْوِيلهَا وَتَأْويل كل نَص تضمنه الْقُرْآن وَالسّنة كَذَلِك وَهَذَا الَّذِي أفسد الدّين وَالدُّنْيَا واسمع الْآن أَيهَا السّني تَفْسِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ وأئمة الاسلام لهَذِهِ الْآيَة روى ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَمْرو وَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} الْقِيَامَة قَالَ من الْبَهَاء وَالْحسن {إِلَى رَبهَا ناظرة} الْقِيَامَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس تنظر الى وَجه رَبهَا عز وَجل وَقَالَ عِكْرِمَة {ناضرة} من النَّعيم الى رَبهَا ناظرة تنظر نظرا وَهَذَا قَول كل مُفَسّر من أهل السّنة والْحَدِيث وَأما الاحاديث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الدَّالَّة على الرُّؤْيَة فمتواترة مِنْهَا حَدِيث ابي بكر الصّديق عِنْد أَحْمد فِي ذكر استشفاع النَّاس من نَبِي الى نَبِي وَهُوَ طَوِيل جدا فِيهِ فاذا نظر إِلَى ربه عز وَجل خر سَاجِدا وَمِنْهَا حَدِيث ابي هُرَيْرَة وابي سعيد فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن أُنَاسًا قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا قَالَ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فانكم تَرَوْنَهُ كَذَلِك الحَدِيث وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جرير بن عبد الله قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر الى الْقَمَر لَيْلَة ارْبَعْ عشرَة فَقَالَ انكم سَتَرَوْنَ ربكُم عيَانًا كَمَا ترَوْنَ هَذَا لَا تضَامون فِي رُؤْيَته فان اسْتَطَعْتُم أَن لَا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا فافعلوا الحَدِيث وَالْأَحَادِيث بذلك كَثِيرَة وَهِي متواترة كَمَا تقدم قَوْله وصف الْوُجُوه بنظرة بجنان وَالْمرَاد الْحسن وَالْجمال ثمَّ قَالَ {إِلَى رَبهَا ناظرة} وَهِي الرُّؤْيَة بالعيان قَوْله وَأَتَتْ أَدَاة الى لرفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 الْوَهم من فكر الخ أَي أَن الْمَعْنى النّظر الى الرب تَعَالَى وَأَتَتْ أَدَاة الى لدفع توهم الِانْتِظَار وَذَلِكَ كَمَا يَقُول المؤولة إِن معنى ناظرة تنْتَظر الثَّوَاب قَوْله وَإِضَافَة لمحل رُؤْيَتهمْ بِذكر الْوَجْه أَي إِنَّه تَعَالَى قَالَ {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} الْقِيَامَة فاضاف النّظر الى الْوُجُوه لِأَن العينان فِيهِ ... وَلَقَد أَتَى فِي سُورَة التطفيف أَن الْقَوْم قد حجبوا عَن الرَّحْمَن ... فَيدل بِالْمَفْهُومِ ان الْمُؤمنِينَ يرونه فِي جنَّة الْحَيَوَان وبذا اسْتدلَّ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ ... وسواهما من عالمي الْأَزْمَان وأتى بذا الْمَفْهُوم تَصْرِيحًا بآ ... خرها فَلَا تخدع عَن الْقُرْآن واتى بذلك مُكَذبا للْكَافِرِينَ الساخرين بشيعة الرَّحْمَن ... ضحكوا من الْكفَّار يَوْمئِذٍ كَمَا ... ضحكوا هم مِنْهُم على الايمان ... وأثابهم نظرا اليه ضد مَا ... قد قَالَه فيهم اولو الكفران فلذاك فسره الْأَئِمَّة انه ... نظر الى الرب الْعَظِيم الشان لله ذَاك الْفَهم يؤتيه الَّذِي ... هُوَ اهله من جاد بالاحسان ... يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة المطففين عَن الْكفَّار {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} المطففين فمفهومه أَن الْمُؤمنِينَ يرونه سُبْحَانَهُ قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} أَي عَن رُؤْيَته وَسَمَاع كَلَامه فَلَو لم يره الْمُؤْمِنُونَ ويسمعوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 كَلَامه كَانُوا أَيْضا محجوبين عَنهُ وَقد احْتج بِهَذَا الشَّافِعِي وَغَيره من الْأَئِمَّة انْتهى كَلَامه قَوْله وأتى بذا الْمَفْهُوم تَصْرِيحًا بآخرها الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ على الأرائك ينظرُونَ} المطففين أَي ينظرُونَ الى الرب سُبْحَانَهُ كَمَا فَسرهَا الْأَئِمَّة بذلك وَذَلِكَ أَن الْكفَّار فِي الدُّنْيَا كَانُوا من الْمُؤمنِينَ يَضْحَكُونَ وَإِذا مروا بهم يتغامزون فجزاهم الله تَعَالَى بِأَن جعلهم يَضْحَكُونَ على الْكفَّار وهم على الأرائك كَمَا كَانُوا يَضْحَكُونَ عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا وَالله أعلم قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ... وروى ابْن ماجة مُسْندًا عَن جَابر ... خَبرا وَشَاهده فَفِي الْقُرْآن بيناهم فِي عيشهم وسرورهم ... ونعيمهم فِي لَذَّة وتهان وَإِذا بِنور سَاطِع قد أشرقت ... مِنْهُ الْجنان قصيها والداني رفعوا اليه رؤوسهم فرأوه نو ... ر الرب لَا يخفى على انسان وَإِذا برَبهمْ تَعَالَى فَوْقهم ... قد جَاءَ للتسليم بالاحسان قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم فيرونه ... جَهرا تَعَالَى الرب ذُو السُّلْطَان مصداق ذَا يس قد ضمنته عِنْد القَوْل من رب بهم رحمان ... من رد ذَا فعلى رَسُول الله رد وسوف عِنْد الله يَلْتَقِيَانِ فِي ذَا الحَدِيث علوه ومجيئه ... وَكَلَامه حَتَّى يرى بعيان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 .. هذي أصُول الدّين فِي مضمونه ... لَا قَول جهم صَاحب الْبُهْتَان ... يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس روى ابْن مَاجَه عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم اذ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فاذا الرب جلّ جَلَاله قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة وَهُوَ قَول الله عز وَجل {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس فَلَا يلتفتون إِلَى شَيْء مِمَّا هم فِيهِ من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ اليه حَتَّى يحتجب عَنْهُم وَيبقى فيهم بركته ونوره ... وَكَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة ذَلِك الْخَبَر الطَّوِيل أَتَى بِهِ الشَّيْخَانِ ... فِيهِ تجلى الرب جلّ جَلَاله ... ومجيئه وَكَلَامه بِبَيَان ... وكذاك رُؤْيَته وتكليم لمن ... يختاره من امة الانسان فِيهِ أصُول الدّين أجمعها فَلَا ... تخدعك عَنهُ شيعَة الشَّيْطَان وَحكى رَسُول الله فِيهِ تجدّد الْغَضَب الَّذِي للرب ذِي السُّلْطَان ... إِجْمَاع أهل الْعَزْم من رسل الْإِلَه ... وَذَاكَ إِجْمَاع على الْبُرْهَان لَا تخدعن عَن الحَدِيث بِهَذِهِ الآراء فَهِيَ كَثِيرَة الهذيان ... أَصْحَابهَا اهل التخرص والتنا ... قض والتهاتر قائلو الْبُهْتَان ... حَدِيث ابي هُرَيْرَة الَّذِي أَشَارَ اليه هُوَ مافي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظ لمُسلم عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بِلَحْم فَرفع اليه الذِّرَاع وَكَانَت تعجبه فنهس مِنْهَا نهسة فَقَالَ أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَهل تَدْرُونَ بِمَ ذَاك يجمع الله يَوْم الْقِيَامَة الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 فَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر وتدنو الشَّمْس فَيبلغ النَّاس من الْغم وَالْكرب مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يحْتَملُونَ فَيَقُول بعض النَّاس لبَعض أَلا ترَوْنَ مَا أَنْتُم فِيهِ أَلا ترَوْنَ مَا قد بَلغَكُمْ أَلا تنْظرُون من يشفع لكم الى ربكُم فَيَقُول بعض النَّاس لبَعض إيتوا آدم فَيَقُولُونَ يَا آدم أَنْت أَبُو الْبشر خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وامر الْمَلَائِكَة فسجدوا لَك لشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ أَلا ترى إِلَى مَا قد بلغنَا فَيَقُول آدم إِن رَبِّي غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَإنَّهُ نهاني عَن الشَّجَرَة فعصيته نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نوح فَيَأْتُونَ نوحًا فَيَقُولُونَ يَا نوح انت اول الرُّسُل إِلَى أهل الأَرْض وَسماك الله عبدا شكُورًا اشفع لنا إِلَى رَبك الا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ الا ترى مَا قد بلغنَا فَيَقُول لَهُم إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَإنَّهُ قد كَانَت لي دَعْوَة دعوتها على قومِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا الى ابراهيم فَيَأْتُونَ الى ابراهيم فَيَقُولُونَ أَنْت نَبِي الله وخليله من اهل الارض اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى مَا نَحن فِيهِ الا ترى مَا قد بلغنَا فَيَقُول لَهُم ان رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلَا يغْضب بعده مثله وَذكر كذباته نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْت رَسُول الله فضلك الله بِرِسَالَاتِهِ وبتكليمه على النَّاس اشفع لنا إِلَى رَبك الا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ الا ترى إِلَى مَا قد بلغنَا فَيَقُول لَهُم مُوسَى ان رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله واني قتلت نفسا لم أومر بقتلها نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْت رَسُول الله وَكلمت النَّاس فِي المهد وَكلمَة مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ فاشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ الا ترى مَا قد بلغنَا فَيَقُول لَهُم عِيسَى إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَلم يذكر ذَنبا نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّد فيأتونني فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول الله وَخَاتم النبييين وَغفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر اشفع لنا إِلَى رَبك الا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ أَلا ترى الى مَا قد بلغنَا فأنطلق فَآتي تَحت الْعَرْش فأقع سَاجِدا لرَبي ثمَّ يفتح الله عَليّ ويلهمني من محامده وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ شَيْئا لم يَفْتَحهُ لأحد قبلي ثمَّ يُقَال يَا مُحَمَّد ارْفَعْ راسك سل تعطه اشفع تشفع فأرفع راسي فَأَقُول يَا رب أمتِي أمتِي فَيُقَال يَا مُحَمَّد ادخل الْجنَّة من امتك من لَا حِسَاب عَلَيْهِ من الْبَاب الايمن من ابواب الْجنَّة وهم شُرَكَاء النَّاس فِيمَا سوى ذَلِك من الْأَبْوَاب وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن مَا بَين المصراعين من مصاريع الْجنَّة لَكمَا بَين مَكَّة وهجر أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى ... يَكْفِيك أَنَّك لَو حرصت فَلَنْ ترى ... فئتين مِنْهُم قطّ يتفقان ... الا اذا مَا قلدا لسواهما ... فتراهما جيلا من العميان ويقودهم أعمى يظنّ كمبصر ... يَا محنة العميان خلف فلَان هَل يَسْتَوِي هَذَا ومبصر رشده ... الله أكبر كَيفَ يستويان أَو مَا سَمِعت مُنَادِي الايمان يخبر عَن مُنَادِي جنَّة الْحَيَوَان ... يَا أَهلهَا لكم لَدَى الرَّحْمَن وعد وَهُوَ منجزه لكم بِضَمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 .. قَالُوا أما بيضت أوجهنا كَذَا ... أَعمالنَا ثقلت فَفِي الْمِيزَان وكذاك قد أدخلتنا الجنات حِين أجرتنا من مدْخل النيرَان ... فَيَقُول عِنْدِي موعد قد آن أَن ... أعطيكموه برحمتي وحناني ... فيرونه من بعد كشف حجابه ... جَهرا روى ذَا مُسلم بِبَيَان ... روى مُسلم فِي صَحِيحه عَن صُهَيْب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة إِن لكم عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه فَيَقُولُونَ مَا هُوَ ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وُجُوهنَا ويدخلنا الْجنَّة وينجينا من النَّار فَيكْشف الْحجاب فَيَنْظُرُونَ اليه فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم الله شَيْئا أحب اليهم من النّظر اليه ... وَلَقَد أَتَانَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اللَّذين هما أصح الْكتب بعد قرَان ... بِرِوَايَة الثِّقَة الصدوق جرير البَجلِيّ عَمَّن جَاءَ بِالْقُرْآنِ أَن الْعباد يرونه سُبْحَانَهُ ... رُؤْيا العيان كَمَا يرى القمران ... قد تقدم حَدِيث جرير فِي الرُّؤْيَة قَوْله البردين قَالَ فِي الْقَامُوس الأبردان الْغَدَاة والعشي كالبردين ... فان اسْتَطَعْتُم كل وَقت فاحفظوا ... البردين مَا عشتم مدى الْأَزْمَان وَلَقَد روى بضع وَعِشْرُونَ امْرَءًا ... من صحب احْمَد خيرة الرَّحْمَن أَخْبَار هَذَا الْبَاب عَمَّن قد اتى ... بِالْوَحْي تَفْصِيلًا بِلَا كتمان وألذ شَيْء للقلوب فَهَذِهِ ال ... أَخْبَار مَعَ امثالها هِيَ بهجة الايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 نقل النَّاظِم فِي حادي الارواح قَالَ الطَّبَرَانِيّ فَتحصل فِي الْبَاب مِمَّن روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث الرُّؤْيَة ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ نفسا ثمَّ سرد أَسْمَاءَهُم قَالَ وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن يحيى بن معِين قَالَ عِنْدِي سَبْعَة عشر حَدِيثا فِي الرُّؤْيَة كلهَا صِحَاح وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ روينَا فِي اثبات الرُّؤْيَة عَن ابي بكر وَمن تقدم غَيرهم وَلم يرد عَن اُحْدُ نَفيهَا وَلَو كَانُوا فِيهَا مُخْتَلفين لنقل اخْتلَافهمْ الينا فَعلمنَا أَنهم كَانُوا على القَوْل بِرُؤْيَتِهِ بالأبصار فِي الْآخِرَة متفقين وَقد دلّ الْقُرْآن وَالسّنة المتواترة واجماع الصَّحَابَة وائمة الاسلام واهل الحَدِيث عِصَابَة الاسلام ويزك الايمان وخاصة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن الله سُبْحَانَهُ يرى يَوْم الْقِيَامَة بالابصار كَمَا يرى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر صحرا وكما ترى الشَّمْس فِي الظهيرة فان كَانَ لما اخبر الله وَرَسُوله عَنهُ من ذَلِك حَقِيقَة فَلَا يُمكن أَن يروه إِلَّا من فَوْقهم لاستحاله أَن يروه أَسْفَل مِنْهُم أَو خَلفهم وأمامهم أَو عَن شمائلهم وان لم يكن لما أخبر بِهِ حَقِيقَة كَمَا تَقوله فروخ الصائبه والفلاسفة وَالْمَجُوس والفرعونية والمعتزلة والرافضة وَغَيرهم من أهل الْبدع بَطل الشَّرْع وَالْقُرْآن فَإِن الَّذِي جَاءَ بِهَذِهِ الاحاديث هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْقُرْآنِ والشريعة وَالَّذِي بلغَهَا هُوَ الَّذِي بلغ الدّين فَلَا يجوز أَن يَجْعَل كَلَام الله وَرَسُوله عضين حَيْثُ يُؤمن بِبَعْض وَيكفر بِبَعْض فَلَا يجْتَمع فِي قلب العَبْد بعد الِاطِّلَاع على هَذِه الاحاديث وَفهم مَعْنَاهَا انكارها وَالشَّهَادَة بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أبدا وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ والمنحرفون فِي بَاب رُؤْيَة الرب تبَارك وَتَعَالَى نَوْعَانِ أَحدهمَا من يزْعم أَنه يرى فِي الدُّنْيَا ويحاضر ويسامر وَالثَّانِي من يزْعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 أَنه لَا يرى فِي الْآخِرَة الْبَتَّةَ وَلَا يكلم عباده وَمَا أخبر بِهِ الله وَرَسُوله وَأجْمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة والائمة يكذب الْفَرِيقَيْنِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ... وَالله لَوْلَا رُؤْيَة الرَّحْمَن فِي الجنات مَا طابت لذِي الْعرْفَان ... أَعلَى النَّعيم نعيم رُؤْيَة وَجهه ... وخطابه فِي جنَّة الْحَيَوَان ... وَأَشد شَيْء فِي الْعَذَاب حجابه ... سُبْحَانَهُ عَن سَاكِني النيرَان وَإِذا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ نسوا الَّذِي ... هم فِيهِ مِمَّا نَالَتْ العينان ... قَوْله أَعلَى النَّعيم نعيم رُؤْيَة وَجهه الخ أَي ان أَعلَى نعيم اهل الْجنَّة هُوَ نعيم رُؤْيَة وَجه رَبهم تَعَالَى كَمَا فِي حَدِيث صُهَيْب الَّذِي رَوَاهُ مُسلم قَالَ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة وَقَالَ يكْشف الْحجاب فَيَنْظُرُونَ اليه فَمَا أَعْطَاهُم شَيْئا أحب اليهم من النّظر اليه وَهِي الزِّيَادَة وَفِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ ابْن ماجة مَرْفُوعا بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم اذ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فاذا الرب جلّ جَلَاله قد اشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة وَهُوَ قَول الله عز وَجل {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس فَلَا يلتفتون الى شَيْء مِمَّا هم فِيهِ من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ اليه حَتَّى يحتجب عَنْهُم الحَدِيث قَوْله وَأَشد شَيْء فِي الْعَذَاب حجابه الخ دَلِيله قَوْله تَعَالَى {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} المطففين ... فاذا توارى عَنْهُم عَادوا الى ... لذاتهم من سَائِر الألوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 فَلهم نعيم عِنْد رُؤْيَته سوى ... هَذَا النَّعيم فحبذا الْأَمْرَانِ ... أَو مَا سَمِعت سُؤال أعرف خلقه ... بجلاله الْمَبْعُوث بِالْقُرْآنِ ... شوقا اليه وَلَذَّة النّظر الَّذِي ... بِجلَال وَجه الرب ذِي السُّلْطَان فالشوق لَذَّة روحه فِي هَذِه الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة الابدان ... تلتذ بِالنّظرِ الَّذِي فازت بِهِ ... دون الْجَوَارِح هَذِه العينان ... يَعْنِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الامام احْمَد وَالْحَاكِم فِي صَحِيحه من حَدِيث زيد بن ثَابت وَفِيه وَأَسْأَلك لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك والشوق الى لقائك ... وَالله مَا فِي هَذِه الدُّنْيَا ألذ من اشتياق العَبْد الرَّحْمَن وكذاك رُؤْيَة وَجهه سُبْحَانَهُ ... هِيَ أكمل اللَّذَّات للانسان لكنما الجهمي يُنكر ذَا وَذَا ... وَالْوَجْه أَيْضا خشيَة الْحدثَان تَبًّا لَهُ المخدوع أنكر وَجهه ... ولقاءه ومحبة الديَّان وَكَلَامه وَصِفَاته وعلوه ... وَالْعرش عطله من الرَّحْمَن فتراه فِي وَاد ورسل الله فِي ... وَاد وَذَا من أعظم الكفران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 فصل فِي كَلَام الرب جلّ جَلَاله مَعَ أهل الْجنَّة ... اَوْ مَا سَمِعت بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ... حَقًا يكلم حزبه بجنان فَيَقُول جلّ جَلَاله هَل أَنْتُم ... راضون قَالُوا نَحن ذُو رضوَان أم كَيفَ لَا نرضى وَقد أعطيناه ... مالم ينله قطّ من انسان هَل تمّ شَيْء غير ذَا فَيكون أفضل مِنْهُ نَسْأَلهُ من المنان ... فَيَقُول أفضل مِنْهُ رِضْوَانِي فَلَا ... يغشاكم سخط من الرَّحْمَن ... وَيذكر الرَّحْمَن واحدهم بِمَا ... قد كَانَ مِنْهُ سالف الْأَزْمَان مِنْهُ اليه لَيْسَ ثمَّ وساطة ... مَا ذَاك توبيخا من الرَّحْمَن لَكِن يعرفهُ الَّذِي قد ناله ... من فَضله وَالْعَفو والاحسان وَيسلم الرَّحْمَن جلّ جَلَاله ... حَقًا عَلَيْهِم وَهُوَ فِي الْقُرْآن ... فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل يَقُول لأهل الْجنَّة يَا أهل الْجنَّة فَيَقُولُونَ لبيْك رَبنَا وَسَعْديك فَيَقُول هَل رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لنا لَا نرضى وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعط أحدا من خلقك فَيَقُول أَنا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك قَالُوا رَبنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك قَالَ احل عَلَيْكُم رِضْوَانِي فَلَا أَسخط أبدا وَمن تراجم البُخَارِيّ عَلَيْهِ بَاب كَلَام الرب تبَارك وَتَعَالَى مَعَ أهل الْجنَّة وسَاق فِيهِ عدَّة أَحَادِيث وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنه يسلم على أهل الْجنَّة وَأَن ذَلِك السَّلَام حَقِيقَة وَهُوَ قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} يس وَقد فسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآيَة فِي حَدِيث جَابر فِي الرُّؤْيَة وَأَنه يشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم وَيَقُول سَلام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة فيرونه عيَانًا وَفِي هَذَا اثبات الرُّؤْيَة والتكليم والعلو والمعطلة تنكر هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة وتكفر الْقَائِل بهَا وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي سوق الْجنَّة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يبْقى اُحْدُ فِي ذَلِك الْمجْلس إِلَّا حاضره الله محاضرة فَيَقُول يَا فلَان أَتَذكر يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا الحَدِيث وَفِي حَدِيث عدي بن حَاتِم مامنكم من اُحْدُ إِلَّا سيكلمه ربه يَوْم الْقِيَامَة وَحَدِيث عدي بن حَاتِم مامنكم من أحد إِلَّا سيكلمه ربه يَوْم الْقِيَامَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الرُّؤْيَة وَفِيه فَيَقُول تبَارك وَتَعَالَى للْعَبد ألم أكرمك وأسودك الحَدِيث وَحَدِيث انس فِي يَوْم الْمَزِيد ومخاطبته فِيهِ لأهل الْجنَّة مرَارًا وَبِالْجُمْلَةِ فَتَأمل أَحَادِيث الرُّؤْيَة تَجِد فِي أَكْثَرهَا التكليم ... وكذاك يسمعهم لذيذ خطابه ... سُبْحَانَهُ بِتِلَاوَة الْفرْقَان فكأنهم لم يسمعوه قبل ذَا ... هَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ الطَّبَرَانِيّ هَذَا سَماع مُطلق وسماعنا الْقُرْآن فِي الدُّنْيَا فنوع ثَانِي ... وَالله يسمع قَوْله بوساطة ... وبدونها نَوْعَانِ معروفان ... فسماع مُوسَى لم يكن بوساطة ... وسماعنا بتوسط الانسان من صير النَّوْعَيْنِ نوعا وَاحِدًا ... فمخالف لِلْعَقْلِ وَالْقُرْآن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 روى ابو الشَّيْخ عَن صَالح بن حَيَّان عَن عبد الله بن بريده قَالَ إِن أهل الْجنَّة يدْخلُونَ كل يَوْم مرَّتَيْنِ على الْجَبَّار جلّ جَلَاله فَيقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقد جلس كل امرىء مِنْهُم مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه على مَنَابِر الدّرّ والياقوت والزبرجد والزمرد فَلم تقْرَأ أَعينهم بشىء وَلم يسمعوا شَيْئا قطّ أعظم وَلَا أحسن مِنْهُ ثمَّ يَنْصَرِفُونَ الى رحالهم ناعمين قريرة أَعينهم بشىء إِلَى مثلهَا من الْغَد قَوْله فسماع مُوسَى لم يكن بوساطة أَي ان مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كَلَام الله تَعَالَى بِغَيْر وساطة وَأما سَمَاعنَا كَلَام الله فَهُوَ بوساطة قَوْله من صير النَّوْعَيْنِ نوعا وَاحِدًا أَي كالجهمية وأتباعهم ومخالفتهم لِلْعَقْلِ وَالْقُرْآن ظَاهِرَة فصل فِي يَوْم الْمَزِيد وَمَا أعد الله لَهُم فِيهِ من الْكَرَامَة ... أَو مَا سَمِعت بشأنهم يَوْم الْمَزِيد وَأَنه شَأْن عَظِيم الشان ... هُوَ يَوْم جمعتنَا وَيَوْم زِيَارَة الرَّحْمَن وَقت صَلَاتنَا وأذان وَالسَّابِقُونَ إِلَى الصَّلَاة هم الألى ... فازوا بِذَاكَ السَّبق بالاحسان سبق بسبق والمؤخر هَاهُنَا ... مُتَأَخّر فِي ذَلِك الميدان وَالْأَقْرَبُونَ إِلَى الامام فهم أولو الزلفى هُنَاكَ فها هُنَا قرْبَان ... قرب بِقرب والمباعد مثله ... بعد ببعد حِكْمَة الديَّان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 وَلَهُم مَنَابِر لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد ... ومنابر الْيَاقُوت والعقيان هَذَا وأدناهم وَمَا فيهم دنا ... من فَوق ذَاك الْمسك كالكثبان مَا عِنْدهم أهل المنابر فَوْقهم ... مِمَّا يرَوْنَ بهم من الاحسان فيرون رَبهم تَعَالَى جهرة ... نظر العيان كَمَا يرى القمران ويحاضر الرَّحْمَن واحدهم محا ... ضرَّة الحبيب يَقُول يَا بن فلَان هَل تذكر الْيَوْم الَّذِي قد كنت فِيهِ مبارزا بالذنب والعصيان ... فَيَقُول رب أما مننت بغفرة ... قدما فانك وَاسع الغفران ... فَيُجِيبهُ الرَّحْمَن مغفرتي الَّتِي ... قد أوصلتك إِلَى الْمحل الداني ... يُشِير إِلَى حَدِيث أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي يَده مرْآة بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقلت مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ هَذِه الْجُمُعَة يعرضهَا عَلَيْك رَبك عز وَجل لتَكون لَك عيدا ولقومك من بعْدك تكون انت الاول وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بعْدك قلت مَا لنا فِيهَا قَالَ لكم فِيهَا خير فِيهَا سَاعَة من دَعَا الله تَعَالَى فِيهَا بِخَير قسم لَهُ أعطَاهُ اياه اَوْ لَيْسَ لَهُ قسم إِلَّا ذخر لَهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ قلت مَا هَذِه النُّكْتَة السَّوْدَاء فِيهَا قَالَ هِيَ السَّاعَة تقوم يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ سيد الايام عندنَا وَنحن نَدْعُوهُ يَوْم الْمَزِيد فِي الْآخِرَة قلت وَمَا تَدعُونَهُ يَوْم الْمَزِيد قَالَ ان رَبك اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح من مسك ابيض فاذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة نزل تبَارك وَتَعَالَى من عليين على كرسيه ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 حف الْكُرْسِيّ بمنابر من نور ثمَّ جَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ حف المنابر بكراسي من ذهب ثمَّ جَاءَ الصديقون وَالشُّهَدَاء حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ جَاءَ أهل الْجنَّة حَتَّى يجلسوا على الكثب فيتجلى لَهُم رَبهم عز وَجل حَتَّى ينْظرُوا إِلَى وَجهه ثمَّ يَقُول أَنا صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي وَهَذَا مَحل كَرَامَتِي فيسألونه ويسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم فَيفتح لَهُم عِنْد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر الى أَوَان منصرف النَّاس من يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يصعد على كرسيه ويصعد مَعَه الصديقون وَالشُّهَدَاء وَيرجع أهل الغرف إِلَى غرفهم درة بَيْضَاء لَا فَصم فِيهَا وَلَا نظم أَو ياقوتة حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء فِيهَا غرفها وأبوابها مطردَة فِيهَا أنهارها متدلية فِيهَا ثمارها فِيهَا أزواجها وخدمها فليسوا إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ليزدادوا من كرامته عز وَجل وليزدادوا نظرا الى وَجهه فَلذَلِك دعِي يَوْم الْمَزِيد أخرجه عبد الله ابْن احْمَد فِي كتاب السّنة قَوْله وَالسَّابِقُونَ الى الصَّلَاة الخ روى أَبُو نعيم وَأَبُو النَّضر وَجَمَاعَة قَالُوا حَدثنَا المَسْعُودِيّ عَن الْمنْهَال بن عَمْرو وَعَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ سارعوا الى الْجُمُعَة فان الله ينزل لأهل الْجنَّة فِي كل جُمُعَة فِي كثب من كافور ابيض فيكونون مِنْهُ فِي الْقرب على قدر تسارعهم إِلَى الْجُمُعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 فصل فِي الْمَطَر الَّذِي يصيبهم هُنَاكَ ... ويظلهم إِذْ ذَاك مِنْهُ سَحَابَة ... تَأتي بِمثل الوابل الهتان بيناهم فِي النُّور إِذْ اغشيتهم ... سُبْحَانَ منشيها من الرضْوَان فتظل تمطرهم بِطيب مَا رَأَوْا ... شبها لَهُ فِي سالف الْأَزْمَان فيزيدهم هَذَا جمالا فَوق مَا ... بهم وَتلك مواهب المنان ... روى ابْن ابي عَاصِم فِي كتاب السّنة عَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَقِي ابا هُرَيْرَة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة اسْأَل الله أَن يجمع بيني وَبَيْنك فِي سوق الْجنَّة قَالَ سعيد أَو فِيهَا سوق قَالَ نعم أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أهل الْجنَّة إِذا دخلوها نزلوها بِفضل أَعْمَالهم فَيُؤذن لَهُم فِي مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة من ايام الدُّنْيَا فيزورون الله تبَارك وَتَعَالَى فيبرز لَهُم عَرْشه ويتبدى لَهُم فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة فَيُوضَع لَهُم مَنَابِر من نور ومنابر من لُؤْلُؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضَّة وَيجْلس أَدْنَاهُم وَمَا فيهم دني على كُثْبَان الْمسك والكافور مَا يرَوْنَ ان أَصْحَاب الكراسي بَافضل مِنْهُم مَجْلِسا قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة وَهل نرى رَبنَا عز وَجل قَالَ نعم هَل تمارون فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر ليله الْبَدْر قُلْنَا لَا قَالَ فَكَذَلِك لَا تمارون فِي رُؤْيَة ربكُم وَلَا يبْقى فِي ذَلِك الْمجْلس أحد الا حاضره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 الله محاضرة حَتَّى يَقُول يَا فلَان بن فلَان أَتَذكر يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا فيذكره بِبَعْض عذراته فِي الدُّنْيَا فَيَقُول بلَى أفلم تغْفر لي فَيَقُول بلَى فبمغفرتي بلغت منزلتك هَذِه فبيناهم على ذَلِك غشيتهم سَحَابَة من فَوْقهم فأمطرت عَلَيْهِم طيبا لم يَجدوا مثل رِيحه شَيْئا قطّ قَالَ ثمَّ يَقُول رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى قومُوا الى مَا أَعدَدْت لكم من الْكَرَامَة فَخُذُوا مَا اشتهيتم قَالَ فَيَأْتُونَ سوقا قد حفت بهَا الْمَلَائِكَة فِيهِ مالم تنظر الْعُيُون الى مثله وَلم تسمع الآذان وَلم يخْطر على الْقُلُوب قَالَ فَيحمل لنا مَا اشتهينا لَيْسَ يُبَاع وَلَا يشرى وَفِي ذَلِك السُّوق يلقى أهل الْجنَّة بَعضهم بَعْضًا قَالَ فَيقبل ذُو البزة المرتفعة فَيلقى من هُوَ دونه وَمَا فيهم دني فيروعه مَا يرى عَلَيْهِ من اللبَاس والهيئة فَمَا يَنْقَضِي آخر حَدِيثه حَتَّى يتَمَثَّل لَهُ أحسن من ذَلِك وَذَلِكَ أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحزن فِيهَا قَالَ ثمَّ ننصرف الى مَنَازلنَا فيلقانا أَزوَاجنَا فيقلن مرْحَبًا وَأهلا لقد جئتنا وَإِن بك من الْجمال وَالطّيب أفضل مِمَّا فارقتنا عَلَيْهِ فَيَقُول انا جالسنا الْيَوْم رَبنَا الْجَبَّار عز وَجل ويحق لنا ان ننقلب بِمثل مَا انقلبنا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فصل وَابْن ماجة فِي سوق الْجنَّة الَّذِي يَنْصَرِفُونَ اليه من ذَلِك الْمجْلس ... فَيَقُول جلّ جَلَاله لَهُ قومُوا الى ... مَا قد ذخرت لكم من الاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 .. يأْتونَ سوقا لَا يُبَاع وَيَشْتَرِي ... فِيهِ فَخذ مِنْهُ بِلَا أَثمَان قد اسلف التُّجَّار أَثمَان الْمَبِيع بعقدهم فِي بيعَة الرضْوَان ... لله سوق قد اقامته الملا ... ئكة الْكِرَام بِكُل مَا احسان ... فِيهَا الَّذِي وَالله لَا عين رَأَتْ ... كلا وَلَا سَمِعت بِهِ أذنان كلا وَلم يخْطر على قلب امرىء فَيكون عَنهُ معبرا بِلِسَان ... فَيرى امْرَءًا من فَوْقه فِي هَيْئَة ... فيروعه مَا تنظر العينان فاذا عَلَيْهِ مثلهَا اذ لَيْسَ يلْحق أَهلهَا شَيْء من الأحزان ... واها لذا السُّوق الَّذِي من حلّه ... نَالَ التهاني كلهَا بِأَمَان ... يدعى بسوق تعارف مَا فِيهِ من ... صخب وَلَا غش وَلَا ايمان وتجارة من لَيْسَ تلهيه تجا ر ... ات وَلَا بيع عَن الرَّحْمَن أهل الْمُرُوءَة والفتوة والتقى ... وَالذكر للرحمن كل أَوَان يَا من تعوض عَنهُ بِالسوقِ الَّذِي ... ركزت لَدَيْهِ راية الشَّيْطَان لَو كنت تَدْرِي قدر ذَاك السُّوق لم تركن ... الى سوق الكساد الفاني ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 فصل فِي حَالهم عِنْد رجوعهم الى أَهْليهمْ ومنازلهم ... فاذا هم رجعُوا الى اهليهم ... بمواهب حصلت من الرَّحْمَن قَالُوا لَهُم اهلا ورحبا مَا الَّذِي ... أعطيتم من ذَا الْجمال الثَّانِي وَالله لَا ازددتم جمالا فَوق مَا ... كُنْتُم عَلَيْهِ قبل هَذَا الْآن قَالُوا وَأَنْتُم وَالَّذِي أنشأكم ... قد زدتم حسنا على الاحسان لَكِن يحِق لنا وَقد كُنَّا اذا ... جلساء رب الْعَرْش ذِي الرضْوَان فهم الى يَوْم الْمَزِيد أَشد شو ... قا من محب للحبيب الداني ... تقدم حَدِيث ابي هُرَيْرَة فِي شرح مَا تضمنه هَذَا الفصلان فِي الْفَصْل قبلهمَا وَالله أعلم فصل فِي خُلُود أهل الْجنَّة ودوام صحتهم ونعيمهم وشبابهم واستحالة النّوم وَالْمَوْت عَلَيْهِم ... هَذَا وخاتمة النَّعيم خلودهم ... ابدا بدار الْخلد والرضوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 .. أَو مَا سَمِعت مُنَادِي الايمان يخبر عَن مناديهم بِحسن بَيَان ... لكم حَيَاة مَا بهَا موت وعا ... فية بِلَا سقم وَلَا أحزان ... وَلكم نعيم مَا بِهِ بؤس وَمَا ... لشبابكم هرم مدى الْأَزْمَان كلا وَلَا نوم هُنَاكَ يكون ذَا ... نوم وَمَوْت بَيْننَا أَخَوان هَذَا علمناه اضطرارا من كتا ... ب الله فَافْهَم مُقْتَضى الْقُرْآن والجهم أفناها وأفني اهلها ... تَبًّا لذاك الْجَاهِل الفتان طرد النَّفْي دوَام فعل الرب فِي الْمَاضِي وَفِي مُسْتَقْبل الْأَزْمَان ... وابو الْهُذيْل يَقُول يفنى كل مَا ... فِيهَا من الحركات للسكان ... وَتصير دَار الْخلد مَعَ سكانها ... وثمارها كحجارة الْبُنيان قَالُوا وَلَوْلَا ذَاك لم يثبت لنا ... رب لأجل تسلسل الْأَعْيَان فالقوم إِمَّا جاحدون لرَبهم ... أَو منكرون حقائق الايمان ... روى مُسلم عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ وابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُنَادي مُنَاد إِن لكم أَن تصحوا فَلَا تسقموا أبدا وان لكم ان تحيوا فَلَا تَمُوتُوا أبدا وان لكم أَن تشبوا فَلَا تهرموا أبدا وان لكم ان تنعموا فَلَا تبأسوا أبدا وَذَلِكَ قَول الله عز وَجل {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} الْأَعْرَاف وروى نَحوه عُثْمَان بن ابي شيبَة مُخْتَصرا قَوْله هَذَا علمناه اضطرارا الخ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 وروى ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّوم أَخُو الْمَوْت وَأهل الْجنَّة لَا ينامون وروى الطَّبَرَانِيّ عَنهُ بِلَفْظ قَالَ سُئِلَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل أَيَنَامُ أهل الْجنَّة فَقَالَ النّوم اخو الْمَوْت وَأهل الْجنَّة لَا ينامون قَوْله والجهم أفناها الخ تقدم الْكَلَام فِي معنى فنَاء الْجنَّة وَالنَّار عِنْد الْجَهْمِية وفناء حركاتهما عِنْد ابي الْهُذيْل بِمَا أغْنى عَن الاعادة فصل فِي ذبح الْمَوْت بَين الْجنَّة وَالنَّار وَالرَّدّ على من قَالَ ان الذّبْح لملك الْمَوْت وان ذَلِك مجَاز لَا حَقِيقَة لَهُ ... أَو مَا سَمِعت بذَبْحه للْمَوْت بَين المنزلين كذبح كَبْش الضان ... حاشا لذا الْملك الْكَرِيم وانما ... هُوَ موتنا المحتوم للانسان ... وَالله ينشىء مِنْهُ كَبْشًا املحا ... يَوْم الْمعَاد يرى لنا بعيان ينشي من الاعراض أجساما كَذَا ... بِالْعَكْسِ كل قَابل الامكان ... عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجاء بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيتَوَقَّف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة هَل تعرفُون هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت قَالَ فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت وَيَا أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 النَّار خُلُود فَلَا موت ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة} مَرْيَم الْآيَة مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صَار أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار أُتِي بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجْعَل بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يذبح ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا أهل الْجنَّة لَا موت فَيَزْدَاد أهل الْجنَّة فَرحا الى فَرَحهمْ ويزداد أهل النَّار حزنا الى حزنهمْ وَعَن ابي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار أُتِي بِالْمَوْتِ ملببا فَيُوقف على السُّور الَّذِي بَين أهل الْجنَّة واهل النَّار ثمَّ يُقَال يَا اهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين يرجون الشَّفَاعَة فَيُقَال لأهل الْجنَّة واهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء قد عَرفْنَاهُ وَهُوَ الْمَوْت الَّذِي وكل بِنَا فيضجع فَيذْبَح ذبحا على السُّور ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود لَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود لَا موت رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح وَهَذَا الْكَبْش والاضجاع وَالذّبْح ومعاينة الْفَرِيقَيْنِ ذَلِك حَقِيقَة لَا خيال وَلَا تَمْثِيل كَمَا أَخطَأ فِيهِ بعض النَّاس خطأ قبيحا قَالَ الْمَوْت عرض وَالْعرض لَا يتجسم فضلا عَن أَن يذبح وَهَذَا لَا يَصح فان الله سُبْحَانَهُ وينشيء من الْمَوْت صُورَة كَبْش يذبح كَمَا ينشىء من الْأَعْمَال صورا مُعَاينَة يُثَاب بهَا ويعاقب وَالله تَعَالَى ينشئ من الْأَعْرَاض أجساما تكون الْأَعْرَاض مَادَّة لَهَا وينشىء من الْأَجْسَام أعراضا وَمن الْأَجْسَام أجساما فالأقسام الْأَرْبَعَة مُمكنَة مقدورة للرب تبَارك وَتَعَالَى وَلَا يسْتَلْزم جمعا بَين النقيضين وَلَا شَيْئا من الْمحَال وَلَا حَاجَة الى تكلّف من قَالَ إِن الذّبْح لملك الْمَوْت فَهَذَا كُله من الِاسْتِدْرَاك الْفَاسِد على الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 وَرَسُوله والتأويل الْبَاطِل الَّذِي لَا يُوجِبهُ عقل وَلَا نقل وَسَببه قلَّة الْفَهم لمراد الرَّسُول من كَلَامه فَظن هَذَا الْقَائِل أَن لفظ الحَدِيث دلّ على أَن نفس الْعرض يذبح وَظن غالط آخر أَن الْعرض يعْدم وَيَزُول وَيصير مَكَانَهُ جسم يذبح وَلم يهتد الْفَرِيقَانِ الى هَذَا القَوْل الَّذِي ذَكرْنَاهُ الى آخر مَا ذكره ثمَّ احْتج النَّاظِم لما ذكره بِأَن أَعمال الْعباد توزن فتخف تَارَة وتثقل أُخْرَى فَقَالَ ... أفما تصدق أَن أَعمال العبا ... د تحط يَوْم الْعرض فِي الْمِيزَان وكذاك تثقل تَارَة وتخف اخرى ذَاك فِي الْقُرْآن ذُو تبيان ... وَله لِسَان كفتاه تُقِيمهُ ... والكتفان اليه ناظرتان ... مَا ذَاك أمرا معنويا بل هُوَ المحسوس حَقًا عِنْد ذِي الايمان ... أَقُول يدل لما ذكره النَّاظِم أَن الْأَعْمَال توزن يَوْم الْقِيَامَة فتثقل تَارَة وتخف أُخْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا} الْأَنْبِيَاء الْآيَة وَذَلِكَ أَمر محسوس فتوزن الْأَعْمَال بميزان لَهُ كفتان ولسان وَلَيْسَ ذَلِك أمرا معنويا بل هُوَ محسوس وَالله أعلم ... أَو مَا سَمِعت بِأَن تَسْبِيح العبا ... د وَذكرهمْ وَقِرَاءَة الْقُرْآن ... ينشيه رب الْعَرْش فِي صور تجا ... دلّ عَنهُ يَوْم قِيَامَة الْأَبدَان ... أَو مَا سَمِعت بِأَن ذَلِك حول عر ... ش الرب ذُو صَوت وَذُو دوران يشفعن عَن الرب جلّ جَلَاله ... ويذكرون بِصَاحِب الاحسان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 .. أَو مَا سَمِعت بِأَن ذَلِك مؤنس ... فِي الْقَبْر للملفوف فِي الأكفان فِي صُورَة الرجل الْجَمِيل الْوَجْه فِي ... سنّ الشَّبَاب كأجمل الشَّبَاب ... فِي الحَدِيث أَن مَا تذكرُونَ من جلال الله وتسبيحه وتحميده وتهليله يتعاطفن حول الْعَرْش لَهُنَّ دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل يذكرن بصاحبهن ذكره أَحْمد وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيث عَذَاب الْقَبْر ونعيمة للصورة الَّتِي يَرَاهَا فَيَقُول من أَنْت فَيَقُول أَنا عَمَلك الصَّالح وَأَنا عَمَلك السيىء وَهَذَا حَقِيقَة لَا خيال وَلَكِن الله أنشأ لَهُ من عمله صُورَة حَسَنَة وَصُورَة قبيحة وَقَالَ قَتَادَة بلغنَا أَن 0 نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان الْمُؤمن اذا خرج من قَبره صور لَهُ عمله فِي صُورَة حَسَنَة فَيَقُول لَهُ من أَنْت فوَاللَّه إِنِّي لأرَاك امْرأ الصدْق فَيَقُول لَهُ أَنا عَمَلك فَيكون لَهُ نورا وَقَائِدًا إِلَى الْجنَّة وَأما الْكَافِر اذا خرج من قَبره صور لَهُ عمله فِي صُورَة سَيِّئَة وَبشَارَة سَيِّئَة فَيَقُول مَا أَنْت فوَاللَّه إِنِّي لأرَاك أمرأ السوء فَيَقُول أَنا عَمَلك فَينْطَلق بِهِ حَتَّى يدْخلهُ النَّار ... أَو مَا سَمِعت بِأَن مَا نتلوه فِي ... أَيَّام هَذَا الْعُمر من قُرْآن يَأْتِي يُجَادِل عَنْك يَوْم الْحَشْر للرحمن كي ينجيك من نيران ... فِي صُورَة الرجل الَّذِي هُوَ شاحب ... يَا حبذا ذَاك الشَّفِيع الداني ... أَو مَا سَمِعت حَدِيث صدق قد أَتَى ... فِي سورتين من اول الْقُرْآن فرقان من طير صواف بَينهَا ... شَرق وَمِنْه الضَّوْء ذُو تبيان شبههما بغمامتين وان تشأ ... بغيايتين هما لذا مثلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 هَذَا مِثَال الْأجر وَهُوَ فعالنا كتلاوة الْقُرْآن بالاحسان فالموت ينشيه لنا فِي صُورَة خلاقة حَتَّى يرى بعيان وَالْمَوْت مَخْلُوق بِنَصّ الْوَحْي والمخلوق يقبل سَائِر الألوان فِي نَفسه وبنشأة أُخْرَى بقد رة خَالق الْأَعْرَاض والألوان أَو مَا سَمِعت بِقَلْبِه سُبْحَانَهُ الْأَعْيَان من لون إِلَى ألوان وَكَذَلِكَ الْأَعْرَاض يقلب رَبهَا أعيانها وَالْكل ذُو إِمْكَان لم يفهم الْجُهَّال هَذَا كُله فَأتوا بتأويلات ذِي الْبطلَان فمكذب ومؤول ومحير مَا ذاق طعم حلاوة الايمان لما فسا الْجُهَّال فِي آذانه أعموه دون تدبر الْقُرْآن فَثنى لنا العطفين مِنْهُ تكبرا وتبخترا فِي حلَّة الهذيان إِن قلت قَالَ الله قَالَ رَسُوله فَيَقُول جهلا أَيْن قَول فلَان ... فِي الصَّحِيح عَن النواس بن سمْعَان الْكلابِي قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يُؤْتى بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهله الَّذين كَانُوا يعْملُونَ بِهِ تقدمه سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَضرب لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَمْثَال مَا نسيتهن بعد قَالَ كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو ظلتان سوداوان بَينهمَا شَرق أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف تحاجان عَن صَاحبهمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ أهل اللُّغَة الغمامة والغياية كل شَيْء أظل الانسان فَوق رَأسه من سَحَابَة وغبرة وَغَيرهمَا قَالَ الْعلمَاء المُرَاد أَن ثوابهما يَأْتِي كغمامتين وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى كَأَنَّهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 حزقان من طير صَاف الْفرْقَان بِكَسْر وَإِسْكَان الرَّاء والحزقان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة واسكان الزَّاي ومعناهما وَاحِد وهما قطيعان وجماعتان يُقَال فِي الْوَاحِد فرق وحزق وحزيقة أَي جمَاعَة قَوْله أَو ظلتان سوداوان بَينهمَا شَرق الشرق بِفَتْح الرَّاء واسكانها أَي ضِيَاء وَنور وَفِي الصَّحِيح عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَجِيء الْبَقَرَة وَآل عمرَان يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غمامتان الحَدِيث فَهَذِهِ الْقِرَاءَة ينشئها الله تَعَالَى غمامتين فان الله سُبْحَانَهُ ينشيء من الْأَعْرَاض أجساما ويجعلها مَادَّة لَهَا وَذكر ابْن الْمُبَارك فِي رقائقه أخبرنَا رجل عَن زيد بن أسلم قَالَ بَلغنِي أَن الْمُؤمن يتَمَثَّل لَهُ عمله يَوْم الْقِيَامَة فِي أحسن صُورَة أحسن مَا خلق الله وَجها وثيابا وأطيبه ريحًا فيجلس إِلَى جنبه كلما أفزعه شَيْء أَمنه وَكلما تخوف شَيْئا هون عَلَيْهِ فَيَقُول لَهُ جَزَاك الله من صَاحب خيرا من أَنْت فَيَقُول أما تعرفنِي وَقد صحبتك فِي قبرك وَفِي دنياك أَنا عَمَلك كَانَ وَالله حسنا فَلذَلِك ترَاهُ حسنا وَكَانَ طيبا فَلذَلِك تراني طيبا تَعَالَى فاركبني فطالما ركبتك فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ {وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم} الزمر: 61 حَتَّى يَأْتِي إِلَى ربه فَيَقُول رب إِن كل صَاحب عمل فِي الدُّنْيَا قد أصَاب عمله وكل صَاحب تِجَارَة وصانع قد اصاب فِي تِجَارَته غير صَاحِبي قد شغل فِي نَفسه فَيَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى فَمَا تسْأَل قَالَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة أَو نَحْو هَذَا فَيَقُول فَإِنِّي غفرت لَهُ ثمَّ يكسى حلَّة الْكَرَامَة وَيجْعَل عَلَيْهِ تَاج الْوَقار وَفِيه لؤلؤة تضيء من مسيرَة يَوْمَيْنِ ثمَّ يَقُول يَا رب إِن أَبَوَيْهِ قد كَانَ شغل عَنْهُمَا وكل صَاحب عمل وتجارة قد كَانَ يدْخل على ابويه من عمله فيعطيان مثل مَا أعطي ويمثل للْكَافِرِ عمله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 فِي صُورَة أقبح مَا خلق الله وَجها وأنتنه ريحًا فيجلس إِلَى جنبه كلما أفزعه شَيْء زَاده وَكلما تخوف من شَيْء زَاده خوفًا فَيَقُول بئس الصاحب أَنْت وَمن أَنْت فَيَقُول وَمَا تعرفنِي فَيَقُول لَا فَيَقُول أَنا عَمَلك كَانَ قبيحا فلذالك تراني قبيحا كَانَ منتنا فَلذَلِك تراني منتنا فطأطيء رَأسك أركبك فطالما ركبتني فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة} النَّحْل فصل فِي أَن الْجنَّة قيعان وان اغراسها الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح ... أَو مَا سَمِعت بِأَنَّهَا القيعان فاغرس مَا تشَاء بذا الزَّمَان الفاني ... وغراسها التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير والتحميد والتوحيد للرحمن تَبًّا لتارك غرسه مَاذَا الَّذِي ... قد فَاتَهُ من مُدَّة الامكان يَا من يقر بذا وَلَا يسْعَى لَهُ ... بِاللَّه قل لي كَيفَ يَجْتَمِعَانِ أَرَأَيْت لَو عطلت أَرْضك من غرا ... س مَا الَّذِي تجني من الْبُسْتَان وكذاك لَو عطلتها من بذرها ... ترجو الْمغل يكون كالكيمان مَا قَالَ رب الْعَالمين وَعَبده ... هَذَا فراجع مُقْتَضى الْقُرْآن ... فِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 أَقرَأ امتك السَّلَام وَأخْبرهمْ أَن الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأَنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ غرست لَهُ نَخْلَة فِي الْجنَّة قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وروى ابْن ماجة عَن ابي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ وَهُوَ يغْرس غرسا فَقَالَ يَا ابا هُرَيْرَة مَا الَّذِي تغرس قَالَ غرسا قَالَ أَلا أدلك على غراس خير من هَذَا سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر يغْرس لَك بِكُل وَاحِدَة شَجَرَة فِي الْجنَّة ... وَتَأمل الْبَاء الَّتِي قد عينت ... سَبَب الْفَلاح لحكمة الْفرْقَان وأظن بَاء النَّفْي قد غرتك فِي ... ذَاك الحَدِيث أَتَى بِهِ الشَّيْخَانِ لن يدْخل الجنات أصلا كَادِح ... بالسعي مِنْهُ وَلَو على الأجفان وَالله مَا بَين النُّصُوص تعَارض ... وَالْكل مصدرها عَن الرَّحْمَن لَكِن بالاثبات والتسبيب وَالْبَاء الَّتِي للنَّفْي بالأثمان ... وَالْفرق بَينهمَا فَفرق ظَاهر ... يدريه ذُو حفظ من الْعرْفَان ... قَالَ النَّاظِم فِي حادي الْأَرْوَاح روى أَبُو نعيم من حَدِيث جَابر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يدْخل أحدا مِنْكُم عمله الْجنَّة وَلَا يجيره من النَّار وَلَا أَنا إِلَّا بتوحيد الله واسناده على شَرط مُسلم وَأَصله فِي الصَّحِيح وَهَهُنَا أَمر يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهُوَ أَن الْجنَّة إِنَّمَا تدخل برحمة الله وَلَيْسَ عمل العَبْد مُسْتقِلّا بِدُخُولِهَا وان كَانَ نَبيا وَلِهَذَا أثبت الله دُخُولهَا بِالْأَعْمَالِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 قَوْله {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} النَّحْل وَنفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُخُولهَا بِالْأَعْمَالِ فِي قَوْله لن يدْخل أحد مِنْكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ وَلَا تنَافِي بَين الْأَمريْنِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا مَا ذكره سُفْيَان وَغَيره قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ النجَاة من النَّار بِعَفْو الله وَدخُول الْجنَّة برحمته واقتسام الْمنَازل والدرجات بِالْأَعْمَالِ وَيدل على هَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن أهل الْجنَّة إِذا دخلوها نزلُوا فِيهَا بِفضل أَعْمَالهم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ الثَّانِي أَن الْبَاء الَّتِي نفت الدُّخُول هِيَ بَاء الْمُعَارضَة الَّتِي يكون فِيهَا أحد الْعِوَضَيْنِ مُقَابلا للْآخر وَالْبَاء الَّتِي أَثْبَتَت الدُّخُول هِيَ بَاء السَّبَبِيَّة الَّتِي تَقْتَضِي سببيه مَا دخلت عَلَيْهِ لغيره وان لم يكن مُسْتقِلّا بحصوله وَقد جمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْأَمريْنِ فِي قَوْله سددوا وقاربوا وَاعْلَمُوا أَن أحدا مِنْكُم لن ينجو بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا يتغمدني الله برحمته وَمن عرف الله سُبْحَانَهُ وَشهد مشْهد حَقه عَلَيْهِ وَشهد تَقْصِيره وذنوبه وَأبْصر هذَيْن المشهدين بِقَلْبِه عرف ذَلِك وَجزم بِهِ وَالله الْمُسْتَعَان انْتهى كَلَامه فصل فِي أقامة المأتم على المتخلفين عَن رفْقَة السَّابِقين المأتم كمقعد كل مُجْتَمع فِي حزن اَوْ فَرح اَوْ خَاص بِالنسَاء قَالَه فِي الْقَامُوس ... بِاللَّه مَا عذر أمريء هُوَ مُؤمن ... حَقًا بِهَذَا لَيْسَ باليقظان ... بل قلبه فِي رقدة فاذا استفا ... ق فلبسه هُوَ حلَّة الكسلان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 .. تالله لَو شاقتك جنَّات النَّعيم طلبتها بنفائس الْأَثْمَان ... وسعيت جهدك فِي وصال نواعم ... وكواعب بيض الْوُجُوه حسان ... جليت عَلَيْك عرائس وَالله لَو ... تجلى على صَخْر من الصوان رقت حَوَاشِيه وَعَاد لوقته ... ينهال مثل نقى من الكثبان لَكِن قَلْبك فِي القساوة جَازَ حد الصخر والحصباء فِي اشجان ... لَو هزك الشوق الْمُقِيم وَكنت ذَا ... حسن لما استبدلت بالأدوان أَو صادفت مِنْك الصِّفَات حَيَاة قلب كنت ذَا طلب لهَذَا الشان ... خود تزف الى ضَرِير مقْعد ... يَا محنة الْحَسْنَاء بالعميان ... شمس تزف اليه مَا ... ذَا حِيلَة الْعنين فِي الغشيان ... وَمعنى كَلَام النَّاظِم أَنا تلونا عَلَيْك صِفَات الْجنَّة ونعوت عرائسها فَلَو صَادف لَك أدنى حَيَاة قلب مِنْك وايمان لسعيت جهدك فِي طلبَهَا وآثرت النَّعيم الْبَاقِي على الخزف الفاني لَكِن قَلْبك أقسى من الصخر وَلَكِن نَحن بِمَا وَصفنَا لَك من صِفَات الْجنَّة وعرائسها بِمَنْزِلَة من زف خودا وَهِي الْمَرْأَة الْبَيْضَاء الناعمة إِلَى ضَرِير مقْعد أَو زف أجمل النِّسَاء الَّتِي هِيَ كَالشَّمْسِ الى عنين عَاجز عَن الْجِمَاع ... يَا سلْعَة الرَّحْمَن لست رخيصة ... بل أَنْت غَالِيَة على الكسلان يَا سلْعَة الرَّحْمَن لَيْسَ ينالها ... فِي الْألف الا وَاحِد لَا اثْنَان يَا سلْعَة الرَّحْمَن مَاذَا كفؤها ... الا اولو التَّقْوَى مَعَ الايمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 .. يَا سلْعَة الرَّحْمَن سوقك كاسد ... بَين الأراذل سلفة الْحَيَوَان يَا سلْعَة الرَّحْمَن أَيْن المُشْتَرِي ... فَلَقَد عرضت بأيسر الاثمان يَا سلْعَة الرَّحْمَن هَل من خَاطب ... فالمهر قبل الْمَوْت ذُو إِمْكَان يَا سلْعَة الرَّحْمَن كَيفَ تصبر الْخطاب عَنْك وهم ذَوُو ايمان ... يَا سلْعَة الرَّحْمَن لَوْلَا أَنَّهَا ... حجبت بِكُل مكاره الانسان ... مَا كَانَ عَنْهَا قطّ من متخلف ... وتعطلت دَار الْجَزَاء الثَّانِي لَكِنَّهَا حجبت بِكُل كريهة ... ليصد عَنْهَا الْمُبْطل المتواني وتنالها الهمم الَّتِي تسمو الى ... رب العلى بِمَشِيئَة الرَّحْمَن ... قَوْله وَلكنهَا حجبت بِكُل كريهة الخ روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفت الْجنَّة بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات قَوْله حفت أصل الحفاف الدائر بالشَّيْء الْمُحِيط بِهِ الَّذِي لَا يتَوَصَّل اليه الا بعد أَن يتخطى فَمثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المكاره والشهوات بذلك فالجنة لَا تنَال إِلَّا بِقطع مفاوز المكاره وَالصَّبْر عَلَيْهَا وَالنَّار لَا يُنجي مِنْهَا الا بترك الشَّهَوَات وفطام النَّفس عَنْهَا وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مثل طَرِيق الْجنَّة وَطَرِيق النَّار بتمثيل آخر فَقَالَ طَرِيق الْجنَّة حزن بِرَبْوَةٍ وَطَرِيق النَّار سهل بِسَهْوَةٍ والحزن هُوَ الطَّرِيق الوعر المسلك والربوة الْمَكَان الْمُرْتَفع وَأَرَادَ بِهِ أَعلَى مَا يكون فِي الروابي والسهوة بِالسِّين الْمُهْملَة هُوَ الْموضع السهل الَّذِي لَا غلظ فِيهِ وَلَا وعورة والمكاره كل مَا يشق على النَّفس فعله ويصعب عَلَيْهَا عمله كالطهارة فِي السبرات وَغَيرهَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 اعمال الطَّاعَات وَالصَّبْر على المصائب وَجَمِيع المكروهات والشهوات كل مَا يُوَافق النَّفس ويلائمها وَتَدْعُو إِلَيْهِ ويوافقها وَذكر النَّاظِم الْعلَّة فِي حجب الْجنَّة بالمكاره وحف النَّار بالشهوات وَذَلِكَ ليصد عَن الْجنَّة الْمُبْطل المتواني المتقاعد وتنالها الهمم الَّتِي تسمو الى معالي الْأُمُور وتؤثر الْأَعْلَى على الْأَدْنَى وَلَو حصل من ذَلِك أعظم الْمَشَقَّة وَالله أعلم ... فاتعب ليَوْم معادك الْأَدْنَى تَجِد ... راحاته يَوْم الْمعَاد الثَّانِي واذا أَبَت ذَا الشَّأْن نَفسك فاتهمها ثمَّ رَاجع مطلع الايمان ... فاذا رَأَيْت اللَّيْل بعد وصبحه ... مَا انْشَقَّ عَنهُ عموده لأذان وَالنَّاس قد صلوا صَلَاة الصُّبْح وَانْتَظرُوا طُلُوع الشَّمْس قرب زمَان ... فَاعْلَم بِأَن الْعين قد عميت فَنًّا ... شدّ رَبك الْمَعْرُوف بالاحسان ... أَي إِذا كَانَ الصُّبْح قد طلع وَالنَّاس قد صلوا صَلَاة الصُّبْح وَقرب طُلُوع الشَّمْس وَأَنت لجهلك وغفلتك لَا تعلم بِطُلُوع الْفجْر وتظن أَن اللَّيْل لم يزل فَاعْلَم بِأَن عَيْنك قد عميت أَي عين بصيرتك فاسأل رَبك سُبْحَانَهُ ايمانا يُبَاشر قَلْبك المحجوب ... واسأله إِيمَانًا يُبَاشر قَلْبك المحجوب عَنهُ لتنظر العينان واسأله نورا هاديا يهديك فِي ... طرق الْمسير اليه كل أَوَان وَالله مَا خوفي الذُّنُوب فانها ... لعلى طَرِيق الْعَفو والغفران لكنما أخْشَى انسلاخ الْقلب عَن ... تحكيم هَذَا الْوَحْي وَالْقُرْآن ورضى بآراء الرِّجَال وحرصها ... لَا كَانَ ذَاك بمنة الرَّحْمَن ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 .. فَبِأَي وَجه ألتقي رَبِّي اذا ... أَعرَضت عَن ذَا الْوَحْي طول زمَان وعزلته عَمَّا أُرِيد لأَجله ... عزلا حَقِيقِيًّا بِلَا كتمان صرحت أَن يقيننا لَا يُسْتَفَاد بِهِ وَلَيْسَ لَدَيْهِ من إتقان ... أوليته هجرا وتأويلا وتحريفا وتفويضا بِلَا برهَان وسعيت جهدي فِي عُقُوبَة مُمْسك ... بعراه لَا تَقْلِيد رَأْي فلَان ... يَقُول النَّاظِم وَالله مَا أخْشَى الذُّنُوب لِأَن أَسبَاب غفرانها مُتعَدِّدَة وعفو الرب تَعَالَى وَاسع وانما اخشى انسلاخ قلبِي عَن تحكيم الْوَحْي الْمُبين من كَلَام رب الْعَالمين وَقَول نبيه الصَّادِق الْأمين فَبِأَي وَجه ألْقى الله تَعَالَى اذا فعلت ذَلِك وأعرضت عَن الْوَحْي الْمنزل من السَّمَاء ورضيت بآراء الرِّجَال وخرصها وقدمتها على كَلَام الله وَرَسُوله وعزلت الْقُرْآن عَمَّا أُرِيد لأَجله وَهُوَ أَنه أُرِيد بانزاله الْهدى وَالْيَقِين فَمَا حجتي عِنْد الله اذا صرحت بِأَنَّهُ لَا يُفِيد الْيَقِين وأوليته هجرا وتأويلا وتحريفا وتفويضا وَمَعَ ذَلِك سعيت جهدي فِي عُقُوبَة من تمسك بِالْوَحْي النَّازِل من السَّمَاء وَقدمه على التَّقْلِيد والآراء الهراء كَمَا فعل ذَلِك من فعله من المبتدعين عياذا بِاللَّه من ذَلِك ... يَا معرضًا عَمَّا يُرَاد بِهِ وَقد ... جد الْمسير فمنتهاه داني جذلان يضْحك آمنا متبخترا ... وَكَأَنَّهُ قد نَالَ عقد أَمَان خلع السرُور عَلَيْهِ أَو فِي حلّه ... طردت جَمِيع الْهم والاحزان يختال فِي حلل المسرة نَاسِيا ... مَا بعْدهَا من حلَّة الأكفان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 .. مَا سَعْيه الا لطيب الْعَيْش فِي الدُّنْيَا وَلَو أفْضى الى النيرَان ... قد بَاعَ طيب الْعَيْش فِي دَار النَّعيم بذا الحطام المضمحل الفاني اني أَظُنك لَا تصدق كَونه ... بِالْقربِ بل ظن بِلَا إيقان بل قد سَمِعت النَّاس قَالُوا جنَّة ... أَيْضا ونار بل لَهُم قَولَانِ وَالْوَقْف مذهبك الَّذِي تختاره ... واذا انْتهى الايمان للرجحان أم تُؤثر الْأَدْنَى عَلَيْهِ وَقَالَت النَّفس الَّتِي استعلت على الشَّيْطَان ... أتبيع نَقْدا حَاضرا بنسيئة ... بعد الْمَمَات وطي ذِي الأكوان ... لَو أَنه بنسيئة الدُّنْيَا لَهَا ... ن الْأَمر لَكِن فِي معاد ثَان دع مَا سَمِعت النَّاس قَالُوهُ وَخذ ... مَا قد رَأَيْت مشَاهد بعيان وَالله لَو جالست نَفسك خَالِيا ... وبحثتها بحثا بِلَا روغان لرأيت هَذَا كامنا فِيهَا وَلَو ... أمنت لألقته الى الآذان هَذَا هُوَ السِّرّ الَّذِي من أَجله ... اخْتَارَتْ عَلَيْهِ العاجل المتداني نقد قد اشتدت اليه حَاجَة ... مِنْهَا وَلم يحصل لَهَا بهوان أتبيعه بنسيئة فِي غير هذي الدَّار بعد قِيَامَة الْأَبدَان ... هَذَا وان جزمت بهَا قطعا وَلَكِن حظها فِي حيّز الامكان مَا ذَاك قَطْعِيّ لَهَا وَالْحَاصِل الْمَوْجُود مشهود بِرَأْي عيان ... فتألفت من بَين شهوتها وشبهتها قياسات من الْبطلَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 .. واستنجدت مِنْهَا رضى بالعاجل الْأَدْنَى على الْمَوْعُود بعد زمَان ... وأتى من التَّأْوِيل كل ملائم ... لمرادها يَا رقة الايمان وصغت الى شُبُهَات أهل الشّرك والتعطيل مَعَ نقص من الْعرْفَان ... واستنقصت اهل التقى ورأتهم ... فِي النَّاس كالغرباء فِي الْبلدَانِ ... وَرَأَتْ عقول النَّاس دَائِرَة على ... جمع الحطام وخدمة السُّلْطَان وعَلى المليحة والمليح وَعشرَة الأحباب والاصحاب والاخوان ... فاستوعرت ترك الْجَمِيع وَلم تَجِد ... عوضا تلذ بِهِ من الاحسان ... فالقلب لَيْسَ يقر إِلَّا فِي إِنَّا ... ء فَهُوَ دون الْجِسْم ذُو جولان يَبْغِي لَهُ سكنا يلذ بِقُرْبِهِ ... فتراه شبه الواله الحيران فيحب هَذَا ثمَّ يهوى غَيره ... فيظل منتقلا مدى الازمان لَو نَالَ كل مليحة ورياسة ... لم يطمئن وَكَانَ ذَا دوران بل لَو ينَال بأسرها الدُّنْيَا لما ... قرت بِمَا قد ناله العينان نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى ... واختر لنَفسك أحسن الانسان فالقلب مُضْطَر الى محبوبه الْأَعْلَى فَلَا يُغْنِيه حب ثَانِي ... وصلاحه وفلاحه ونعيمه ... تَجْرِيد هَذَا الْحبّ للرحمن ... فاذا تخلى مِنْهُ أصبح حائرا ... وَيعود فِي ذَا الْكَوْن ذَا هيمان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 قَوْله جذلان قَالَ فِي الْقَامُوس جذل جذولا انتصب وَنبت وكفرح فَرح فَهُوَ جذل وجذلان انْتهى فصل فِي زهد أهل الْعلم والايمان وايثارهم الذَّهَب الْبَاقِي على الخزف الفاني ... لَكِن ذَا الايمان يعلم ان هَذَا كالظلال وكل هَذَا فَانِي ... كخيال طيف مَا استتم زِيَارَة ... الا وصبح رحيله باذان وسحابة طلعت بِيَوْم صَائِف ... فالظل مَنْسُوخ بِقرب زمَان ... وكزهرة وافى الرّبيع بحسنها ... اَوْ لامعا فكلاهما اخوان أَو كالسراب يلوح للظمآن فِي ... وسط الهجير بمستوى القيعان أَو كالأماني طَابَ مِنْهَا ذكرهَا ... بالْقَوْل واستحضارها بجنان وَهِي الْغرُور رُؤُوس أَمْوَال المفا ... لَيْسَ الألى تجروا بِلَا أَثمَان أَو كالطعام يلذ عِنْد مساغه ... لَكِن عقباه كَمَا تجدان هَذَا هُوَ الْمثل الَّذِي ضرب الرسو ... ل لَهَا وَذَا فِي غَايَة التِّبْيَان ... كَمَا فِي الْمسند أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للضحاك بن سُفْيَان أَلَسْت تُؤْتى بطعامك وَقد ملح وقزح ثمَّ تشرب عَلَيْهِ اللَّبن وَالْمَاء قَالَ بلَى قَالَ فالى مَا يصير قَالَ الى مَا قد علمت قَالَ فان الله عز وَجل ضرب مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 الدُّنْيَا بِمَا يصير اليه طَعَام ابْن آدم ... واذا أردْت ترى حَقِيقَتهَا فَخذ ... مِنْهُ مِثَالا وَاحِدًا ذَا شان أَدخل بجهدك أصبعا فِي اليم وَانْظُر مَا تعقله إِذا بعيان ... هَذَا هُوَ الدُّنْيَا كَذَا قَالَ الرَّسُول ... ممثلا وَالْحق ذُو تبيان ... قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة الا كَمَا يَجْعَل أحدكُم اصبعه فِي اليم فَلْينْظر بِمَ يرجع ... وَكَذَلِكَ مثلهَا بِظِل الدوح فِي ... وَقت الحرور لقَائِل الركْبَان ... فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالِي وللدنيا إِنَّمَا أَنا وَالدُّنْيَا كَمثل رَاكب قَالَ تَحت ظلّ شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا ... هَذَا وَلَو عدلت جنَاح بعوضة ... عِنْد الاله الْحق فِي الْمِيزَان ... لم يسق مِنْهَا كَافِرًا من شربة ... مَاء وَكَانَ أَحَق بالحرمان ... عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَت الدُّنْيَا تعدل عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقى كَافِرًا مِنْهَا شربة مَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث صَحِيح ... تالله مَا عقل امريء قد بَاعَ مَا ... يبْقى بِمَا هُوَ مضمحل فَانِي هَذَا ويفتى ثمَّ يقْضِي حَاكما ... بِالْحجرِ من سفه لذا الانسان اذ بَاعَ شَيْئا قدره فَوق الَّذِي ... يعتاضه من هَذِه الْأَثْمَان فَمن السَّفِيه حَقِيقَة ان كنت ذَا ... عقل واين الْعقل للسكران ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 معنى كَلَامه أَن السَّفِيه يحكم بِالْحجرِ عَلَيْهِ إِذا بَاعَ شَيْئا بِأَقَلّ من قِيمَته فَأولى بالسفه من بَاعَ الْآخِرَة الَّتِي هَذَا قدرهَا بالدنيا وَهِي لَا تَسَاوِي عِنْد الله جنَاح بعوضة ... وَالله لَو ان الْقُلُوب شهدن منا كَانَ شَأْن غير هَذَا الشان ... نفس من الانفاس هَذَا الْعَيْش ان ... قسناه بالعيش الطَّوِيل الثَّانِي ... يَا خسة الشُّرَكَاء مَعَ عدم الوفا ... ء وَطول جفوتها مَعَ الهجران هَل فِيك معتر فيسلو عاشق ... بمصارع العشاق كل زمَان لَكِن على تِلْكَ الْعُيُون غشاوة ... وعَلى الْقُلُوب أكنة النسْيَان وأخو البصائر حَاضر متيقظ ... متفرد عَن زمرة العميان يسمو الى ذَاك الرفيق الأرفع الْأَعْلَى وخلى اللّعب للصبيان ... وَالنَّاس كلهم فصبيان وَإِن ... بلغُوا سوى الافراد والوحدان ... واذا رأى مَا يشتهيه قَالَ مو ... عدك الْجنان وجد فِي الْأَثْمَان واذا أَبَت الا الجماح أعاضها ... بِالْعلمِ بعد حقائق الايمان وَيرى من الخسران بيع الدَّائِم الْبَاقِي بِهِ يَا ذلة الخسران ... وَيرى مصَارِع أَهلهَا من حوله ... وَقُلُوبهمْ كمراجل النيرَان ... حسراتها هن الْوقُود فان خبت ... زَادَت سعيرا بالوقود الثَّانِي جاؤوا فُرَادَى مثل مَا خلقُوا بِلَا ... مَال وَلَا أهل وَلَا اخوان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 .. مَا مَعَهم شَيْء سوي الاعمال فَهِيَ متاجر للنار اَوْ لجنان ... تسْعَى بهم أَعْمَالهم سوقا إِلَى الدَّاريْنِ سوق الْخَيل بالركبان صَبَرُوا قَلِيلا فاستراحوا دَائِما ... يَا عزة التَّوْفِيق للانسان حمدوا التقى عِنْد الْمَمَات كَذَا السرى ... عِنْد الصَّباح فحبذا الحمدان وخدت بهم عزماتهم نَحْو العلى ... وسروا فَمَا نزلُوا الى نعْمَان باعوا الَّذِي يفنى من الخزف الخسيس بدائم من خَالص العقيان ... رفعت لَهُم فِي الْيُسْر أَعْلَام السعا ... دة وَالْهدى يَا ذلة الحيران ... فتسابق الاقوام وابتدروا لَهَا ... كتسابق الفرسان يَوْم رهان وأخو الهوينا فِي الديار مخلف ... مَعَ شكله يَا خيبة الكسلان ... قَوْله وخدت بهم همم الخ الوخد للبعير الاسراع أَو أَن يَرْمِي بقوائمه كمشي النعام أَو سَعَة الخطو كالوخدان والوخيد وَقد وخد كوعد فَهُوَ واخد ووخاد ووخود قَالَه فِي الْقَامُوس قَوْله خزف الخزف محركة الْجَرّ وكل مَا عمل من طين وشوي بالنَّار حَتَّى يكون فخارا قَالَه فِي الْقَامُوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 فصل فِي رَغْبَة قَائِلهَا إِلَى من يقف عَلَيْهَا من اهل الْعلم والايمان ان يتجرد لله وَيحكم عَلَيْهَا بِمَا يُوجِبهُ الدَّلِيل والبرهان فان رأى حَقًا قبله وَحمد الله عَلَيْهِ وَإِن رأى بَاطِلا عرف بِهِ وأرشد اليه ... يَا أَيهَا الْقَارِي لَهَا اجْلِسْ مجْلِس الحكم الْأمين أَتَى لَهُ الخصمان ... واحكم هداك الله حكما يشْهد الْعقل الصَّرِيح بِهِ مَعَ الْقُرْآن واحبس لسَانك بُرْهَة عَن كفره ... حَتَّى تعارضها بِلَا عدوان فاذا فعلت فَعنده أَمْثَالهَا ... فنزال آخر دَعْوَة الفرسان فالكفر لَيْسَ سوى العناد ورد مَا ... جَاءَ الرَّسُول بِهِ لقَوْل فلَان فَانْظُر لَعَلَّك هَكَذَا دون الَّذِي ... قد قَالَهَا فتفوز بالخسران فَالْحق شمس والعيون نواظر ... لَا تختفي الا على العميان وَالْقلب يعمى عَن هداه مِثْلَمَا تعمى ... وَأعظم هَذِه العينان ... يَقُول النَّاظِم يَا أَيهَا القاريء لهَذِهِ الْمَنْظُومَة الْمُبَارَكَة اجْلِسْ مجْلِس الحكم الْأمين غير الخائن جلس اليه الخصمان واحكم حكما يشْهد لَهُ الْعقل الصَّرِيح مَعَ مُحكم الْقُرْآن وَلَا تبادر بتكفير قَائِلهَا بل احْبِسْ لسَانك بُرْهَة أَي عَن أَن تحكم بِكُفْرِهِ بِمُجَرَّد هَوَاك حَتَّى تعَارض مَا قَالَه بِغَيْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 اعتداء فاذا فعلت فَعنده أَمْثَالهَا وَآخر الْأَمر يَدْعُوك إِلَى المبارزة والمنازلة قَوْله فلنزال هَذَا وَنَحْوه اسْم مَبْنِيّ على الْكسر كحذام وقطام وَنَحْوهمَا وَهُوَ بِفَتْح أَوله ثمَّ بَين أَن الْكفْر لَيْسَ إِلَّا العناد ورد مَا قَالَ الرَّسُول لأجل قَول فلَان وَفُلَان ثمَّ قَالَ فَانْظُر لَعَلَّك هَكَذَا الخ أَي لَعَلَّك مِمَّن يعاند وَيرد قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل أَقْوَال النَّاس ثمَّ أَخذ النَّاظِم فِي الشكاية من الْأَرْبَعَة الَّذين ذكرهم فَقَالَ ... هَذَا وَإِنِّي بعد ممتحن بأر ... بعة وَكلهمْ ذَوُو أضغان فظ غليظ جَاهِل متمعلم ... ضخم الْعِمَامَة وَاسع الأردان متفيهق متضلع بِالْجَهْلِ ذُو ... ضلع وَذُو جلح من الْعرْفَان مزجي البضاعة فِي الْعُلُوم وَإنَّهُ ... زاج من الايهام والهذيان يشكو إِلَى الله الْحُقُوق تظلما ... من جَهله كشكاية الْأَبدَان من جَاهِل متطبب يفني الورى ... ويحيل ذَاك على قضا الرَّحْمَن ... قَوْله متفيهق قَالَ فِي الْقَامُوس تفيهق فِي كَلَامه تنطع وَتوسع كَأَنَّهُ مَلأ بِهِ فَمه قَوْله متضلع تضلع امْتَلَأَ شبعا أَو ريا حَتَّى بلغ المَاء أضلاعه قَالَه فِي الْقَامُوس قَوْله ذُو ضلع قَالَ فِي الْقَامُوس ضلع كمنع مَال وجنف جَار وَفُلَانًا ضرب ضلعه وضلع السَّيْف كفرح اعوج والضالع الجائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 والضلع محركة الاعوجاج خلقه ويسكن وَمِنْه لأقيمن ضلعك بِالْوَجْهَيْنِ قَوْله زاج قَالَ فِي الْقَامُوس وبضاعة مزجاة قَليلَة وَلم يتم صَلَاحهَا والزجاء النَّفاذ فِي الْأَمر وَهُوَ أزجى مِنْهُ أَشد نفاذا قَوْله من جَاهِل متطبب الخ قَالَ النَّاس أفسد مَا يفْسد الدُّنْيَا نصف مُتَكَلم وَنصف متفقه وَنصف متطبب وَنصف نحوي هَذَا يفْسد الْأَدْيَان وَهَذَا يفْسد الابدان وَهَذَا يفْسد اللِّسَان ... عجت فروج الْخلق ثمَّ دِمَاؤُهُمْ وحقوقهم مِنْهُ إِلَى الديَّان ... مَا عِنْده علم سوى التفكير والتبديع والتضليل والبهتان فَإِذا تَيَقّن أَنه المغلوب عِنْد تقَابل الفرسان فِي الميدان ... قَالَ اشتكوه إِلَى الْقُضَاة فان هم ... حكمُوا وَإِلَّا أشكوا إِلَى السُّلْطَان ... قُولُوا لَهُ هَذَا يحل الْملك بل ... هَذَا يزِيل الْملك مثل فلَان فاعقره من قبل اشتداد الْأَمر مِنْهُ بِقُوَّة الأتباع والأعوان ... وَإِذا دعَاكُمْ للرسول وَحكمه ... فَادعوهُ كلكُمْ لرأي فلَان ... وَإِذا اجْتَمَعْتُمْ فِي الْمجَالِس فالغطوا ... والغوا إِذا مَا احْتج بِالْقُرْآنِ ... هَذَا كَمَا قَالَ الشَّيْخ نصر المنبجي لبيبرس الجاشنكير إِن هَذَا يخْشَى على الدولة مِنْهُ كَمَا جرى لِابْنِ التومرت صَاحب الْمغرب يَعْنِي شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى ... واستنصروا بمحاضر وَشَهَادَة ... قد اصلحت بالرفق والاتقان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 .. لَا تسألوا الشُّهَدَاء كَيفَ تحملوا ... وَبِأَيِّ وَقت بل بِأَيّ مَكَان ... وارفوا شَهَادَتهم وَمَشوا حَالهَا ... بل أصلحوها غَايَة الامكان ... فَإِذا هم شهدُوا فزكوهم وَلَا ... تصغوا لقَوْل الْجَارِح الطعان قُولُوا الْعَدَالَة مِنْهُم قَطْعِيَّة ... لسنا نعارضها بقول فلَان ... أَي إِذا قدح قَادِح فِي شهودكم فَلَا تلتفتوا لقَوْله وَلَا تصغوا لَهُ وَقُولُوا الاصل فِي النَّاس الْعَدَالَة وَنَحْو ذَلِك ... ثبتَتْ على الْحُكَّام بل حكمُوا بهَا ... فالطعن فِيهَا لَيْسَ ذَا إِمْكَان من جَاءَ يقْدَح فيهم فليتخذ ... ظهرا كَمثل حِجَارَة الصوان وَإِذا هُوَ استعداهم فجوابهم ... أتردها بعداوة الْأَدْيَان ... أَي قُولُوا لَا ترد شَهَادَة الْعُدُول بعداوة الْأَدْيَان فصل فِي حَال الْعَدو الثَّانِي ... أَو حَاسِد قد بَات يغلي صَدره ... بعداوتي كالمرجل الملآن لَو قلت هَذَا الْبَحْر قَالَ مُكَذبا هَذَا السراب يكون بالقيعان ... أَو قلت هذي الشَّمْس قَالَ مباهتا ... الشَّمْس لم تطلع إِلَى ذَا الْآن ... أَو قلت قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... غضب الْخَبيث وَجَاء بِالْكِتْمَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 أَو حرف الْقُرْآن عَن مَوْضُوعه تَحْرِيف كَذَّاب على الْقُرْآن ... صال النُّصُوص عَلَيْهِ فَهُوَ بدفعها ... متوكل بالدأب والديدان ... فَكَلَامه فِي النَّص عِنْد خِلَافه ... من بَاب دفع الصَّائِل الطعان فالقصد دفع النَّص عَن مَدْلُوله ... كي لَا يصول إِذا التقى الزحفان ... فصل فِي حَال الْعَدو الثَّالِث ... وَالثَّالِث الْأَعْمَى الْمُقَلّد ذَيْنك الرجلَيْن قَائِد زمرة العميان ... فاللعن والتكفير والتبديع والتضليل والتفسيق بالعدوان وَإِذا هم سَأَلُوهُ مُسْتَندا لَهُ ... قَالَ اسمعوا مَا قَالَه الرّجلَانِ ... هَذَا الْعَدو الثَّالِث وَهُوَ الْجَاهِل الْمُقَلّد للعدوين اللَّذين تقدما وهما الْجَاهِل المتمعلم والحاسد قَوْله قَالَ اسمعوا الخ المُرَاد بِالرجلَيْنِ الْجَاهِل والحاسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 فصل فِي حَال الْعَدو الرَّابِع ... هَذَا ورابعهم وَلَيْسَ بكلبهم ... حاشا الْكلاب الآكلي الانتان خِنْزِير طبع فِي خَلِيقَة نَاطِق ... متسوف بِالْكَذِبِ والبهتان كَالْكَلْبِ يتبعهُم يمشمش أعظما ... يَرْمُونَهَا وَالْقَوْم للحمان يتفكهون بهَا رخيصا سعرها ... مَيتا بِلَا عوض وَلَا أَثمَان هُوَ فضلَة فِي النَّاس لَا علم وَلَا ... دين وَلَا تَمْكِين ذِي سُلْطَان فَإِذا رأى شرا تحرّك يَبْتَغِي ... ذكرا كَمثل تحرّك الثعبان ... قَوْله كَالْكَلْبِ يتبعهُم الظَّاهِر أَن مُرَاده أَن هَذَا الْعَدو الرَّابِع يتبع الْأَعْدَاء الثَّلَاثَة فِي اكل لُحُوم الْعلمَاء أَتبَاع الْكتاب وَالسّنة والتفكه بهَا قَوْله فاذا رأى شرا أَي إِن هَذَا الْعَدو إِذا رأى شرا رفع رَأسه وتحرك يَبْتَغِي ذكرا كتحرك الثعبان وَهُوَ كَمَا فِي الْقَامُوس الْحَيَّة الضخمة الطَّوِيلَة اَوْ الذّكر خَاصَّة اَوْ عَام ... ليزول عَنهُ أَذَى الكساد فينفق الْكَلْب الْعَقُور على ذُكُور الضان ... فبقاؤه فِي النَّاس أعظم محنة ... من عَسْكَر يعزى إِلَى غازان ... غازان من مُلُوك التتار ثمَّ أَخذ النَّاظِم فِي التشكي من عدم نفاق بضاعته هَذِه وان الْعلمَاء الَّذين هم أهل لَهَا قد سافروا عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 هَذِه الْبلدَانِ والاوطان أَي مَاتُوا وَلم يَجدوا الا الصعافقة وهم كَمَا فِي الْقَامُوس قوم يشْهدُونَ السُّوق للتِّجَارَة بِلَا رَأس مَال فاذا اشْترى التُّجَّار شَيْئا دخلُوا مَعَهم الْوَاحِد صعفقي ووصعفتي صعفوق بِالْفَتْح جمع صعافيق أَيْضا انْتهى ... هذي بضَاعَة ضَارب فِي الأَرْض يَبْغِي تَاجِرًا يبْتَاع بالأثمان وجد التُّجَّار جَمِيعهم قد سافروا ... عَن هَذِه الْبلدَانِ والاوطان إِلَّا الصعافقة الَّذين تكلفوا ... أَن يتجروا فِينَا بِلَا أَثمَان فهم الزبون لَهَا فبالله ارحموا ... من بَيْعه من مُفلس مديان ... أَي بِاللَّه يَا معشر الْمُسلمين ارحموا تَاجِرًا قد جَاءَ ببضاعة فاذا التُّجَّار قد سافروا وَلم يجحدوا الا هَؤُلَاءِ الصعافقة الَّذين لَا مَال لَهُم بل هم مفاليس مديونين ... يارب فارزقها بحقك تَاجِرًا ... قد طَاف بالآفاق والبلدان مَا كل منقوش لَدَيْهِ أصفر ... ذَهَبا يرَاهُ خَالص العقيان وَكَذَا الزّجاج ودرة الغواص فِي ... تَمْيِيزه مَا إِن هما مثلان ... ثمَّ ختم الْكتاب بالتوجه الى الله وسؤاله بأسمائه وَصِفَاته أَن ينصر كِتَابه وَرَسُوله وَدينه وَأَن ينصر حزب الايمان على حزب الضلال وعسكر الشَّيْطَان فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 فصل فِي توجه أهل السّنة الى رب الْعَالمين ان ينصر دينه وَكتابه وَرَسُوله وعباده الْمُؤمنِينَ ... هَذَا وَنصر الدّين فرض لَازم ... لَا للكفاية بل على الْأَعْيَان بيد وَإِمَّا بِاللِّسَانِ فَإِن عجز ... ت فبالتوجه والدعا بجنان مَا بعد ذَا وَالله للايمان حَبَّة خَرْدَل يَا نَاصِر الايمان ... بحياة وَجهك خير مسؤول بِهِ ... وبنور وَجهك يَا عَظِيم الشان ... قَوْله بحياة وَجهك الخ لَا يُقَال هَذَا يُعَارض مَا رَوَاهُ ابو دَاوُد عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْأَل بِوَجْه الله الا الْجنَّة لِأَنَّهُ ورد فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منصرفة من الطَّائِف حِين كذبه أهل الطَّائِف وَمن فِي الطَّائِف من اهل مَكَّة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُور اللَّهُمَّ اليك اشكو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس أَنْت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي الى من تَكِلنِي وَفِي آخِره أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات الخ والْحَدِيث الْمَرْوِيّ فِي الْأَذْكَار اللَّهُمَّ أَنْت أَحَق من ذكر وأحق من عبد وَفِي آخِره أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَفِي حَدِيث آخر أعوذ بِوَجْه الله الْكَرِيم وباسم الله الْقَدِيم وبكلماته التَّامَّة من شَرّ السامة واللامة وَمن شَرّ مَا خلقت أَي رب وَمن شَرّ هَذَا الْيَوْم وَمن شَرّ مَا بعده وَمن شَرّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وأمثال ذَلِك فِي الْأَحَادِيث المرفوعة فيجاب عَن ذَلِك بِأَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وأمثال ذَلِك فِي حَدِيث المرفوعة فيجاب عَن ذَلِك بِأَن مَا ورد من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 أَنه سُؤال مَا يقرب من الْجنَّة أَو يمنعهُ من الاعمال الَّتِي تَمنعهُ من الْجنَّة فَيكون قد سَأَلَ بِوَجْه الله وبنور وَجهه مَا يقرب إِلَى الْجنَّة كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح اللَّهُمَّ أَنِّي أَسأَلك الْجنَّة وَمَا يقرب اليها من قَول وَعمل وَأَعُوذ بك من النَّار وَمَا يقرب اليها من قَول وَعمل وَأما مَا يخْتَص بالدنيا كسؤال المَال والرزق وَالسعَة فِي الْمَعيشَة رَغْبَة فِي الدُّنْيَا مَعَ قطع النّظر عَن كَونه أَرَادَ بذلك مَا يُعينهُ على عمل الْآخِرَة فَلَا ريب أَن الحَدِيث يدل على الْمَنْع من أَن يسْأَل حوائج دُنْيَاهُ بِوَجْه الله والناظم إِنَّمَا سَأَلَ بِوَجْه الله مَا يقرب الى الْجنَّة بل هُوَ طَرِيق الى الْجنَّة وَهُوَ نصْرَة كتاب الله وَرَسُوله وَدينه وعَلى هَذَا تعَارض بَين الاحاديث كَمَا لَا يخفى وَالله اعْلَم ... وبحق نِعْمَتك الَّتِي أوليتها ... من غير مَا عوض وَلَا أَثمَان وبحق رحمتك الَّتِي وسعت جَمِيع الْخلق محسنهم كَذَاك الْجَانِي ... وبحق أَسمَاء لَك الْحسنى مَعًا ... فِيهَا نعوت الْمَدْح للرحمن وبحق حمدك وَهُوَ حمد وَاسع الأكوان بل أَضْعَاف ذِي الأكوان ... وبأنك الله الاله الْحق معبود الورى متقدس عَن ثَان بل كل معبود سواك فَبَاطِل ... من دون عرشك للثرى التحتاني وَبِك المعاذ وَلَا ملاذ سواك ... أَنْت غياث كل ملدد لهفان من ذَاك للْمُضْطَر يسمعهُ سوا ... ك يُجيب دَعوته مَعَ الْعِصْيَان إِنَّا توجهنا اليك لحَاجَة ... ترضيك طالبها احق معَان فَاجْعَلْ قَضَاهَا بعض أنعمك الَّتِي ... سبغت علينا مِنْك كل زمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 أنْصر كتابك وَالرَّسُول وَدينك العالي الَّذِي أنزلت بالبرهان واخترته دينا لنَفسك واصطفيت مقيمه من أمة الانسان ... ورضيته دينا لمن ترضاه ... من هَذَا الورى هُوَ قيم الْأَدْيَان وَأقر عين رَسُولك الْمَبْعُوث بِالدّينِ الحنيف بنصره المتداني ... وانصره بالنصر الْعَزِيز كَمثل مَا ... قد كنت تنصره بِكُل زمَان ... يَا رب وانصر خير حزبينا على ... حزب الضلال وعسكر الشَّيْطَان يَا رب وَاجعَل شَرّ حزبينا فدا ... لخيارهم ولعسكر الْقُرْآن يَا رب وَاجعَل حزبك الْمَنْصُور أهل تراحم وتواصل وتدان ... يَا رب واحمهم من الْبدع الَّتِي ... قد أحدثت فِي الدّين كل زمَان ... يَا رب جنبهم طرائقها الَّتِي ... تفيض بسالكها إِلَى النيرَان يَا رب واهدهم بِنور الْوَحْي كي ... يصلوا اليك فيظفروا بجنان يَا رب كن لَهُم وليا ناصرا ... واحفظهم من فتْنَة الفتان وانصرهم يَا رب بِالْحَقِّ الَّذِي ... أنزلته يَا منزل الْقُرْآن يارب إِنَّهُم هم الغرباء قد ... لجؤوا اليك وَأَنت ذُو الاحسان يَا رب قد عَادوا لِأَجلِك كل هَذَا الْخلق إِلَّا صَادِق الايمان ... قد فارقوهم فِيك أحْوج مَا هم ... دينا اليهم فِي رضى الرَّحْمَن ... وَرَضوا ولاتيك الَّتِي من نالها ... نَالَ الْأمان ونال كل أَمَان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 .. وَرَضوا بوحيك من سواهُ وَمَا ارتضوا بسواه من آراء ذِي الهذيان ... يَا رب ثبتهم على الايمان واجعلهم هداة التائه الحيران وانصر على حزب النفاة عَسَاكِر الْإِثْبَات أهل الْحق والعرفان ... وأقم لأهل السّنة النَّبَوِيَّة الْأَنْصَار وانصرهم بِكُل زمَان واجعلهم لِلْمُتقين أَئِمَّة ... وارزقهم صبرا مَعَ الايقان نهدي بِأَمْرك لَا بِمَا قد أَحْدَثُوا ... ودعوا اليه النَّاس بالعدوان وأعزهم بِالْحَقِّ وانصرهم بِهِ ... نصرا عَزِيزًا أَنْت ذُو السُّلْطَان واغفر ذنوبهم وَأصْلح شَأْنهمْ ... فلأنت أهل الْعَفو والغفران وَلَك المحامد كلهَا حمدا كَمَا ... يرضيك لَا يفنى على الْأَزْمَان ملْء السَّمَاوَات العلى وَالْأَرْض وَال ... مَوْجُود بعد ومنتهى الامكان مِمَّا تشَاء وَرَاء ذَلِك كُله ... حمدا بِغَيْر نِهَايَة بِزَمَان وعَلى رَسُولك أفضل الصَّلَوَات وَالتَّسْلِيم مِنْك وأكمل الرضْوَان ... وعَلى صحابته جَمِيعًا والألى ... تبعوهم من بعد بالاحسان ... وَصلى الله على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وَخيرته من خلقه وأمينه على وحيه وسفيره بَينه وَبَين عباده وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وَقد كتب فِي آخر نُسْخَة الأَصْل المخطوطة مَا يَلِي وَقع الْفَرَاغ من تسويد هَذَا الْكتاب بمعونة الْملك الْوَهَّاب منتصف شهر رَجَب من سنة ألف وثلاثمائة وَأَرْبَعين بقلم الْفَقِير الى عَفْو الْوَاحِد المنان سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن حمدَان غفر الله لَهُ ولوالديه ولمشايخه وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَالْمُسلمَات الْأَحْيَاء مِنْهُم والأموات وعَلى هامشها الى هُنَا بلغ التَّصْحِيح حسب الطَّاقَة والامكان على نُسْخَة عَلَيْهَا خطّ الْمُؤلف والتصحيح الْمَذْكُور فِي حَلقَة التدريس على يَد شَيخنَا الشَّيْخ عبد الله بن عبد الْعَزِيز العنقري نسأ الله فِي اجله وَختم لَهُ بِصَالح عمله غير أَنا لم نتعرض لما فِيهِ من التحريف من جِهَة الْأَعْرَاب وتكسر الاوزان بل أبقيناه على مَا فِي الاصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621