الكتاب: مسائل مهمات تتعلق بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- مسائل مهمات تتعلق بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات حسام الدين عفانة الكتاب: مسائل مهمات تتعلق بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات المؤلف: حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة عدد الأجزاء: 1   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] مسائل مهمات تتعلق بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات تأليف د. حسام الدين عفانة الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك نقدم لإخواننا المسلمين هذه الرسالة المتعلقة ببعض أحكام الصيام وصلاة التراويح وقراءة القرآن وصدقة الفطر والعيد وغيرها من المسائل التي يحتاج إليها الناس. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علّمنا وأن يفقّهنا في الدين إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين. 2 رمضان 1419 ... د. حسام الدين عفانه وفق 20/ 12/1998 ... الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس تفرق المسلمين في رؤية الهلال يقول السائل: ما قولكم في رؤية أهل بلد الهلال، فهل يلزم المسلمين في البلدان الأخرى الصوم؟ الجواب: إن هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وكثر الحديث عنها في هذه الديار وخاصة في أعقاب ما حصل في نهاية رمضان من العام 1413هـ حيث حصلت بلبله بين الناس في اليوم الأخير من رمضان وفي يوم العيد أدت إلى أمور تتعارض مع شريعتنا الإسلامية. فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن جمهور أهل العلم يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا في يوم واحد وأنا أقول بهذا القول وأعتقد رجحانه، ولكن هذا القول مع قوته ورجحانه إلا أنه رأي نظري لم يأخذ طريقه إلى التطبيق الفعلي في تاريخ المسلمين منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا تعلم فترة جرى فيها توحيد المسلمين جميعاً على رؤية واحدة إلا ان يكون حصل ذلك عرضاً ودون ترتيب لذلك الأمر وقد يستغرب بعض الناس هذا الكلام ولكنه الواقع، لأن جمع المسلمين على رؤية واحدة عند الصيام أو عند الأعياد، يحتاج إلى وسائل اتصالات حديثة وسريعة حتى يصل الخبر خلال ساعات إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي ليصوموا في نفس اليوم، وهل هذا الأمر كان متوفراً للمسلمين منذ عهد الرسول ص وعهد الخلفاء من بعده! ونحن نعلم أن وسائل الاتصالات الحديثة قريبة العهد، ولنضرب مثلاً يقرب الصورة ففي عهد الخلافة الراشدة كان مقر الخليفة في المدينة المنورة وكانت دولة الخلافة مترامية الأطراف فهل كان إذا ثبت رؤية هلال رمضان لدى الخلفة في المدينة المنورة تطير البرقيات وتشتغل الهواتف لإخبار المسلمين في اليمن وفي مصر وفي الشام وفي العراق ليصوموا في يوم واحد؟ كل ذلك ما حصل وما وقع ومن قال بخلاف هذا فقد أخطأ. ولا شك أنني آمل أن يتحقق جمع المسلمين على رؤية واحدة وأن هذا الأمر لسهل ميسور في هذا الزمان في ظل دولة إسلامية واحدة ومع تقدم وسائل الاتصال ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل، أقول: بأنه يجب على أهل كل بلدان المسلمين أن يصوموا في يوم واحد وأن يكون عيدهم في يوم واحد. فنحن أهل فلسطين علينا أن نصوم جميعاً في يوم واحد وأن يكون عيدنا واحداً لأن في هذا الأمر محافظة على وحدتنا الجزئية إلى أن تتحقق وحدة العالم الإسلامي الكلية، فلا يقبل أن يختلف أهل البلدة الواحدة أو المدينة الواحدة أو القرية الواحدة، فبعضهم صائم وبعضهم يصلي العيد. وضابط هذا الأمر هو الالتزام بما يصدر عن أهل العلم في ذلك البلد وهم القضاة في المحاكم الشرعية وطاعتهم في ذلك طاعة في المعروف وإن كان هذا مخالفاً لرؤية أهل بلد آخر، لأن الأصل في الصوم أن يكون مع جماعة المسلمين وعامتهم لما ثبت في الحديث الصحيح من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي وهو حديث صحيح. قال الإمام الترمذي رحمه الله: (وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس). وعلى المسلمين في هذه الديار أن يعلموا أنه يسعهم ما وسع المسلمين في السابق، بل أيام قيام دولة الإسلام، فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم في يوم واحد لما ذكرته سابقاً، وأنقل كلام بعض أهل العلم في ذلك: قال الإمام السبكي رحمه الله، في كتابه "العلم النشور في إثبات الشهور" (ص15) ما نصه ( ... لأن عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين لم ينقل أنهم كانوا إذا رأوا الهلال يكتبون إلى الآفاق ولو كان لازماً لهم لكتبوا إليهم لعنايتهم بأمور الدين). وقال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني ( ... وإلى أن تجتمع الأمة الإسلامية على ذلك - توحيد الصوم والعيد - فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت. لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد) تمام المنه في التعليق على فقه السنة، ص398. ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (إن السعي الى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم وسائر شعائرهم أمر مطلوب دائماً ولا ينبغي اليأس من الوصول اليه، ولا من إزالة العوائق دونه، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال هو، أننا إذا لم نصل الى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد، فلا يجوز أن نقبل أن ينقسم أبناء البلد الواحد أو المدينة الواحدة فيصوم فريق اليوم على أنه رمضان ويفطر آخرون على أنه من شعبان وفي آخر الشهر تصوم جماعة وتعيّد أخرى فهذا وضع غير مقبول. فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسؤولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي - المحكمة العليا أو دار الإفتاء أو رئاسة الشؤون الدينية أو غيرها - قراراً بالصوم أو الإفطار فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والإلتزام. لأنها طاعة في المعروف وإن كان ذلك مخالفاً لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول: إن لكل بلد رؤيته. وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون} وفي لفظ {وفطركم يوم تفطرون واضحاكم يوم تضحون} فتاوي معاصرة ج2 ص223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 النية في الصيام يقول السائل: كيف تكون النية في الصيام، وما الحكم لو نوى الصائم أثناء النهار قطع الصوم ولكنه لم يفعل ما يفطره فعلا؟ الجواب: النية فرض من فرائض العبادة، سواء أكانت صلاةً أو صياماً أو حجاً أو غيرها، وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري وغيره. والصوم لابد فيه من نية، فلا يصح الصوم بدون نية، سواء أكان الصوم فرضاً أو نفلاً أو قضاءً، وإن اختلف أهل العلم في وقت النية في أنواع الصيام المذكورة، وبالنسبة لصوم رمضان، فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لا بد من تبييت النية، أي لابد أن ينوي المسلم الصيام قبل طلوع الفجر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة زوج النبي ص أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صوم له) رواه أبو داود وابن خزيمة والدراقطني والبيهقي وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ المحدث الألباني، انظر إرواء الغليل 4/ 25. ومعنى (يجمع) في الحديث أي يعزم، أي لابد لمن أراد الصوم أن يعزم على الصيام خلال الليل، ويكون ذلك من وقت المغرب إلى طلوع الفجر، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول المرجح:" إنه أوسط أقوال أهل العلم في المسألة "، انظر مجموع الفتاوى 25/ 120. وكما قلت فان المقصود من النية العزم على الصوم، وليس المراد أن يتلفظ بالنية، كأن يقول بلسانه " نويت أن أصوم يوم غدٍ من شهر رمضان " أو نحو ذلك من العبارات، فإن التلفظ بالنية بدعة لا أصل له في الشرع، لأن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان، وقد اتفق معظم العلماء على أن محل النية القلب، والتلفظ بها بدعة لأن ذلك لم ينقل عن الرسول ص أنه علّم أصحابه التلفظ بالنية، ولا أمر به أحداً منهم فلو كان ذلك مشروعاً لبينه عليه الصلاة والسلام، إما بالقول أو بالفعل أو بهما وكل ذلك لم يكن. وينبغي أن يعلم أن كل يوم من أيام رمضان يحتاج إلى نية مستقلة، على الراجح من أقوال أهل العلم لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة، وهذا بخلاف قول الإمام مالك أنه تجزئ نية واحدة لجميع شهر رمضان. قال الشيخ ابن قدامى مستدلاً للقول الراجح: "ولنا أنه صومَ واجبَ، فوجب أن ينوي كل يومٍ من ليلته كالقضاء، ولأن هذه الأيام عباداتَ لا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها ... " المغني 4/ 111. وأما مسألة لو نوى الصائم في نهار رمضان قطع الصيام ولم يأكل ولم يشرب ولم يأت شهوته، فان المسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن من نوى الإفطار فقد أفطر وان لم يأكل ولم يشرب، لأن الصوم عبادةَ من شرطها النية، فيفسد الصوم بنية الخروج منه. ومن أهل العلم من يرى أن من نوى الفطر لا يفطر، لأنه لم يفعل ما يوجب الفطر، وهذا القول هو الذي أختاره وأرجحه، وهو قول الحنفية والأصح عند الشافعية، كما قال الإمام النووي في المجموع 3/ 285. وقاسوا ذلك على من نوى الكلام في صلاته ولم يتكلم، فصلاته صحيحة ولأن الصوم ملحق بالتروك، أنظر الموسوعة الفقهية 28/ 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 حكم من اصبح في أول يوم من رمضان مفطرا ً ما حكم من أصبح في أول يوم في رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت النية للصوم؟ والجواب: يجب على من أصبح في اليوم الأول من رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت فيه الصوم يجب عليه أن يمسك بقية يومه ويجب عليه قضاء ذلك اليوم لأن تبييت النية من الليل أمر لا بد منه في صوم رمضان ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر عن حفصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أصحاب السنن واحمد وهو حديث صحيح. والمراد بقوله في الحديث (يجمع) أي يعزم والمقصود أنه لا بد من النية قبل طلوع الفجر فعلى هذا الشخص أن يقضي يوما عن اليوم الذي لم يصمه سواء أكل في ذلك اليوم أو لم يأكل. وينبغي أن يعلم أن النية في الصوم لا يشترط فيها التلفظ باللسان بل أن التلفظ بها بدعة وإنما محلها القلب فإذا خطر على قلبه ليلا أنه يصوم يوم غد من رمضان فقد نوى وكذلك إذا قام للسحور وأما التلفظ بالنية فليس مشروعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 العبادة في رمضان فقط يقول السائل: نرى كثيراً من الناس يقبلون على عبادة الله في شهر رمضان فيصلون ويصومون ويرتادون المساجد فإذا انتهى شهر رمضان انقطعوا عن عبادتهم فما تقولون في هؤلاء؟ الجواب: لاشك أن إقبال الناس على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وارتياد المساجد في رمضان يشير الى جوانب ايجابية في حياة الناس والى تعظيمهم لشهر رمضان ولكنه يشير في الوقت ذاته الى خلل في حقيقة تصور هؤلاء الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى فالمفهوم الحقيقي لعبادة الله يتسم بطابع الاستمرارية وعدم الانقطاع فعبادة الله ينبغي أن تكون مستمرة ومتصلة طوال الوقت وعلى مدار الأيام وعبادة الله سبحانه وتعالى ليست موسمية في رمضان فقط وإنما في كل شهور العام فرب رمضان هو رب شوال وشعبان والله سبحانه يقول: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي استمر على عبادة الله حتى يأتيك الموت. ونقول لهؤلاء الناس الذين يتقربون لله تعالى في رمضان أن عليهم أن يعتبروا قدوم شهر رمضان فرصة عظيمة لتجديد التوبة الصادقة والبدء بحياة جديدة في ظل الإيمان والالتزام بمنهج الرحمن وعليهم أن يجعلوا إقبالهم على الله في رمضان فاتحة خير للاستمرار على طريق الخير والرشاد ونوصيهم بأن يستمروا في هذا الطريق ونحذرهم من النكوص على أعقابهم بعد نهاية رمضان فإن فعلوا ذلك فقد ساروا في طريق الخذلان والعياذ بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الإمساك قبل طلوع الفجر يقول السائل: ما قولكم فيما يسمى بموعد الإمساك المطبوع في كثير من التقاويم (الإمساكيات) وعادة ما يكون قبل أذان الفجر بربع أو ثلث ساعة. فهل يحرم على المسلم أن يأكل في هذا الوقت؟ الجواب: إن الإمسك قبل أذان الفجر والمتعارف عليه لدى كثير من الناس حيث أنهم يمتنعون عن الطعام والشرب إذا حان موعد الإمساك ويعتبرون أن وقت الصوم قد بدأ، إن هذا الإمساك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولا دليل على جوازه في الكتاب أو السنة وفيه نوع من الغلو والتشدد الذي نهى عنه الشرع إذا إلتزم به المسلم. والأصل أن وقت الصيام يبدأ بطلوع الفجر الصادق وهو موعد أذان الفجر يقول الله تعالى: (وكلوا وشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وبناء على ذلك يجوز للمسلم أن يستمر في الأكل والشرب الى أن يؤذن لصلاة الفجر ولا يحرم عليه الطعام أو الشراب إلا إذا دخل وقت صلاة الفجر وهذا الإمساك المبتدع يتعارض مع ما ورد في السنة النبوية من تأخير السحور فقد ورد في ذلك أحاديث منها: 1 - ما رواه الإمام البخاري قال: "باب تعجيل السحور ثم ساق بسنده عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أي صلاة الفجر -. وقال الحافظ ابن حجر قوله تعجيل السحور أي الإسراع بالأكل إشارة الى أن السحور كان يقع قبل طلوع الفجر. وقد ورد في بعض نسخ صحيح البخاري في ترجمة الباب قوله: باب تأخير السحور. 2 - روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه: كنا ننصرف من صلاة الليل فنستعجل بالطعام مخافة الفجر. 3 - وعن أبن عباس قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نجعل فطرنا وان نؤخر سحورنا وان نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. قاله الهيثمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 المفطرات المعتبرة يقول السائل: يتناقل كثير من الناس في رمضان الحديث عن الأمور التي تفطر الصائم ونسمع من المشايخ كثيراً من ذلك قولهم ان القطرة تفطر الصائم وأن الحقنة تفطر الصائم والتحميلة تفطر الصائم وأن أدخل اصبعه في دبره يفطر ونحو ذلك فما هو الصحيح في هذه الأمور وأمثالها وهل تعتبر للصائم أم لا؟ الجواب: أن الذي دل عليه القران الكريم وسنة المصطفى ص أن ما يفطر الصائم هو الطعام والشراب والجماع ومعلوم أن الطعام والشراب يتناوله الانسان من منفذه الطبيعي وهو الفم فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم وقد اجتهد فقهاء الاسلام في الأمور المفطرة للصائم وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها على اختلاف في المذاهب في كل منها، هل يعد مفطراً أم لا؟ والصحيح الذي أطمئن اليه وتؤيده الأدلة أن كثيرا مما ذكره الفقهاء من المفطرات ليس كذلك ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطرا للصائم، وأنا أميل الى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها لعدم ثبوت الأدلة على أن كثيرا مما عده الفقهاء من المفطرات أنه مفطرا بغض النظر من أين دخل فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر وإذا اكتحل أفطر .. الخ وهذا الكلام غير مسلم وغير مقبول لماذا؟ لأن الصيام مما يبتلى به عامة الناس في دين الإسلام ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانا عاما مفصلا، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة- فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك فان الصيام في دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم به لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغو سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا مسندا ولا مرسلا علم انه لم يذكر شيء من ذلك. مجموع الفتاوي 25/ 233 - 234. وقال أيضا: أن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه .. واذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها - صلى الله عليه وسلم - بيانا عاما ولا بد تنقل الأمة فمعلوم ان الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه - صلى الله عليه وسلم - كما بين الافطار بغيره .. مجموع الفتاوي 25/ 236 - 242. وقال ابن حزم: (إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي وما علمنا أكلا ولا شرابا يكون على دبر أو احليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس وما نهينا قط أن نوصل الى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا ايصاله) المحلى 4/ 348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 صوم الأطفال يقول السائل في أي سن يصوم الأطفال؟ الجواب: ان الأطفال ليسوا من أهل التكليف شرعا لقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يفيق) رواه ابن ماجة وغيره وأسناده صحيح. فهم غير مكلفين شرعاً ولكنهم يؤمرون اذا أطاقوه وهذا الأمر على سبيل التمرين والتعود وعلى هذا أكثر أهل العلم من أجل أن يتمرن الطفل على الصوم وكذلك يفعل معه بالنسبة لبقية الأحكام الشرعية فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه. ولا شك أن الصوم أشق من الصلاة فلذلك فإن الصبي اذا أطاق الصوم يطلب منه ذلك ولا بد أن يكون صومه بالتدريج حتى لا يكون شاقا عليه وقد يطيق الصبي الصوم وهو ابن ثمان أو تسع أو عشر ويعود تحديد السن الى ولي أمره الذي يعرف مقدرة الصبي على الصوم من عدمها. ومطالبة الصبي بالصوم أمر معهود منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم فقد ورد في الحديث عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ارسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء الى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت:- فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الافطار) رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث تخبر الصحابية الربيع انهم كانوا يصومون الأطفال في صوم عاشوراء ويشغلونهم عن الطعام باللعب يصنعونها من الصوف فإذا كان الحال كذلك في صوم عاشوراء فمن باب أولى ن يكون في صوم رمضان حتى يتمرنوا على الصوم ويكون الأمر سهلاً اذا ما بلغوا وهكذا ينبغي أن يكون الامر في بقية التكاليف الشرعية قال ابن عباس رضي الله عنهما: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم ولكم من النار). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أكل الصائم ناسيا ما حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم وهل هناك فرق بين أن يكون ذلك في صوم فرض أو نافلة وهل يشرع لمن رآه يأكل أو يشرب أن يذكره؟ الجواب: لا شك أن النسيان من طبيعة الإنسان وهو من الأمور الخارجة عن ارادته وأن من يسر الشريعة الإسلامية أنها لا تكلف حال نسيانه يقول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) والنسيان ليس من كسب القلوب وقد ثبت في الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وغيرهم. والمقصود بالرفع هنا هو حكم هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث والحكم المرفوع هو حكم الدنيا وحكم الآخرة وهذا الكلام ينطبق على من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فلا اثم علي ولا قضاء عليه وليتم صومه وقد ثبت في الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم. وورد في حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال (إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله اليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني وقال اسناده صحيح كلهم ثقات كما نقله ابن الجوزي في التحقيق 22/ 87. وبهذا يظهر أن من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة وهذا الحكم في مطلق الصوم فرضا كان أو نفلا ولا وجه لمن فرق بين صوم الفريضة وصوم النافلة في هذا الحكم وكذلك لا فرق بين أن يأكل الصائم أو يشرب قليلا أو كثيرا فالحكم لا يختلف ما دام أن الأمر وقع نسيانا فلا حرج في ذلك فقد ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم اسحق رضي الله عبها أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين -صحابي- فناولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرقا -عظم عليه لحم- فقال يا أم اسحق أصيبي من هذا فذكرت أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك؟ قالت كنت صائمة فنسيت فقال ذو اليدين الآن بعد ما شبعت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله اليك رواه احمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي. ويشرع في حق من رأى إنسانا يعلم أنه صائم فرآه يأكل أو يشرب أن يذكره يصومه لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى يقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). ويتأكد هذا التذكير إذا كان الصائم يأكل أو يشرب في رمضان نسيانا فعليه أن يذكره لأن الأكل والشرب في نهار رمضان من المنكرات والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول - صلى الله عليه وسلم - (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم إلا أن ذلك معفو عنه لأنه وقع نسيانا ووقوعه نسيانا من الصائم لا يعفي من رآه من تذكيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 استعمال الصائم فرشاة الأسنان ما حكم استعمال فرشاة الأسنان مع المعجون في نهار رمضان؟ الجواب: أن على الصائم أن يأخذ بالأسباب الكفيلة بالمحافظة على الصوم فيبتعد على كل ما من شأنه أن يخل بالصوم. فيستطيع الشخص أن ينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون قبل الفجر أو بعد الإفطار فهذا هو الأفضل ويجوز له أن يستعملها أثناء النهار إذا تيقن من عدم نزول شيء الى جوفه. لأن نزول شيء من المعجون أو الماء الى الجوف من المفطرات والإحتياط في هذا الأمر أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 دواء مرضى الربو والصوم يقول السائل هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى في الفم يفطر الصائم؟ وهل التحاميل تفطر الصائم؟ الجواب: إن البخاخ المذكور في السؤال هو سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق النفس ولا يصل الى المعدة عند استعماله من المريض كما قال الأطباء وبناء على ذلك فهو غير مفسد للصيام إن شاء الله. وأما التحاميل فلا تعد من مفسدات الصوم ولا بأس باستعمالها إذا أخذت على أنها علاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 المسائل الطبية في الصيام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فهذه مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بأمور طبية وعلاقتها بالصيام، أجبت عليها على وجه الإختصار، وقبل الشروع فيها أود أن أبين قضية هامة تتعلق بالمفطرات في رمضان فأقول: من المعلوم أن المفطرات المتفق عليها بين أهل العلم، هي الطعام والشراب والشهوة ويدل على ذلك قوله تعالى: (احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) سورة البقرة /187. ويضاف للمفطرات الثلاثة ما اتفق عليه أهل العلم على أنه مفطر، مما هم في حكم الطعام والشراب، كالتدخين وتعاطي الأدوية عن طريق الفم وهو المنفذ الطبيعي للطعام والشراب، فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم، وقد اجتهد فقهاء الإسلام في الأمور المفطرة للصائم، وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها، على اختلاف في المذاهب في كل منها، هل يعد مفطراً أم لا؟ والصحيح الذي أطمئن اليه وتؤيده الأدلة، أن كثيراً مما عدّه الفقهاء من المفطرات ليس كذلك، ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطراً للصائم، وأنا أميل إلى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها، لعدم ثبوت الأدلة على صحة ما عده كثير من الفقهاء من المفطرات أنه مفطر فعل، فمثلاً قال بعض الفقهاء أن مجرد دخول أي شيء إلى الجسم يعد مفطرا ً بغض النظر من أين دخل، فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر، وإذا اكتحل أفطر ... الخ، وهذا الكلام غير مسلم وغير مقبول لماذا؟ لأن الصيام مما يبتلى به الناس في دين الإسلام ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً مفصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم منن فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من يفطر بالكحل ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً، عُلم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك" مجموع الفتاوى 25/ 233 - 234. وقال أيضاً: " إن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتقى هذا عُلم أن هذا ليس من دينه ... وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها ص بياناً عاماً، ولا بد أن تنقل الأمة، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والإغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بين الإفطار بغيره ... " مجوع الفتاوى 25/ 236 - 242. وقال إبن حزم: "إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي، وما علمنا أكلاُ ولا شرباُ يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أم من جرح في البطن أو الرأس، وما نهينا قط أن نوصل الى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم عينا إيصاله" المحلي 4/ 348. إذا تقرر ما قلت: فهذه هي الأسئلة وإجاباتها: 1 - ما هو تأثير الحقن على الصيام؟ الجواب: إن الحقن التي تعطى للمريض على نوعين: - الحقن التي يقصد بها الدواء، وليست للتغذية فهذه لا تفطر الصائم، سواءً كانت في العضل أو في الوريد أو كانت في الشرج. - الحقن التي يقصد بها الغذاء فهذه مفطرة لأنها في معنى الطعام والشراب. 2 - هل التحاميل تبطل الصوم؟ الجواب: التحاميل إن كانت علاجية ولا يقصد بها الغذاء، فلا تبطل الصيام، وإن كانت للتغذية فهي مبطلة للصوم. 3 - هل الحبوب التي توضع تحت اللسان تبطل الصوم؟ الجواب: هذه الحبوب التي توضع تحت اللسان تفطر الصائم. 4 - هل المراهم تبطل الصوم؟ الجواب: المراهم التي تدهن بها الأعضاء المريضة لا تبطل الصوم. 5 - هل القطرة تفطر الصائم؟ الجواب: القطرات سواء أكانت عن طريق الأذن أو العين أو الأنف لا تفطر الصائم لأنها ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل الى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب، وهو الفم. 6 - هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى لتوسيع الشرايين يفسد الصيام؟ الجواب: إن البخاخ المذكور سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق التنفس ولا يصل الى المعدة عند استعماله كما قال بعض الأطباء وبناءً عليه لا يفسد الصيام. 7 - هل الدواء الذي يؤخذ للغرغرة في الفم يبطل الصيام؟ الجواب: لا يبطل الصوم بدواء الغرغرة طالما لم يبتلعه المريض، فإذا ابتلعه المريض بطل صيامه. 8 - هل الدواء الذي يعطى للمريض عن طريق التبخير، ويقوم المريض باستنشاقه يفسد الصوم؟ الجواب: الذي يظهر لي أنه غير مبطل للصوم. 9 - هل استخدام الأكسجين يبطل الصيام؟ الجواب: الأكسجين المذكور لا يبطل الصيام، لأنه ليس بطعام ولا شراب بل هو من مكونات الهواء الذي نتنفسه. 10 - هل سحب الدم يفطر الصائم؟ الجواب: سحب الدم لا يفطر الصائم. 11 - إذا إصيب الأنسان بنزيف وهو صائم هل يبطل صومه؟ الجواب: إن خروج الدم من الإنسان سواء كان من الفم أو الأنف أو الوجه أو الرأس، لا يؤثر على الصيام، إلا إذا دخل الدم الجوف، كمن خلع ضرسه فنزل الدم الى جوفه فهذا يبطل الصوم وما عداه فلا. 12 - هل الفحص المهبلي للمرأة يبطل الصيام؟ الجواب: لا يبطل الصوم بالفحص المهبلي للمرأة. 13 - هل الفحص الشرجي للمريض يبطل الصوم؟ الجواب: لا يبطل الصيام بالفحص الشرجي. 14 - هل التدخين يبطل الصيام؟ الجواب: نعم اتفق أهل العلم المعاصرون وغيرهم، على أن التدخين يبطل الصيام. 15 - إذا استنشق الصائم الدخان دون أن يدخن، كان يجلس في مكان فيه مدخنون فهل يبطل صومه؟ الجواب: لا يبطل صومه إن شاء الله، ولا ينبغي للصائم أن يجالس المفطرين في رمضان بإختياره. 16 - هل يجوز للمرأة استعمال أدوية لتأخير الحيض من أجل أن تصوم رمضان كله؟ الجواب: يجوز ذلك وان كان الأولى أن تترك المرأة الأمور على طبيعتها، لأن الحيض شيء كتبه الله على النساء، فلا تتناول هذه الحبوب، وإن تناولتها فينبغي أخذ رأي الأطباء في أنه لا يلحق المرأة أذى من تناول هذه الحبوب. 17 - هل يجوز للصائم استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أثناء الصيام؟ الجواب: ينبغي للصائم إن أراد استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أن يستعملها قبل طلوع الفجر، أو بعد الأفطار، فهذا هو الأفضل والأحوط، وإن استعملها أثناء النهار فلا بأس، بشرط أن لا يبتلع شيئاً من ذلك، فإن ابتلع شيئاً من ذلك فقد بطل صومه. 18 - هل القيء يبطل الصوم؟ الجواب: إذا خرج القيء من الصائم رغماً عنه فصومه صحيح، وأما إن استقاء بأن سعى في الإستفراغ فقد بطل صومه وعليه القضاء. 19 - هل يجوز للمرضع والحامل أن تفطرا في رمضان؟ الجواب: إذا استطاعت الحامل والمرضع الصوم دون أن يلحقهما ضرر فهو المطلوب، وإلا يجوز لهما الإفطار وتقضيا ما عليهما من صيام. * * * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 إكراه الزوجة على الإفطار في شهر رمضان تقول السائلة: إنها امرأة تصوم رمضان ولكن زوجها لا يصوم ويكرها على الجماع في نهار رمضان فماذا تصنع؟ والجواب: إن زوجك رجل فاسق ومرتكب للمحرمات فهو لا يصوم ولا يكتفي بذلك بل يفسد عليك صيامك والواجب عليك ألا تطيعيه فيما يطلب وإن تحاولي الإمتناع قدر الإستطاعة فإذا أكرهك إكراهاً شديداً وحصل الجماع فقد أفطرت ويجب عليك قضاء ذلك اليوم ولا إثم عليك إن شاء الله لقوله - صلى الله عليه وسلم - "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وعلى زوجك أن يبادر الى التوبة الى الله عز وجل وأن يعود عن غيه وضلاله وعليه أن يحذر غضب الجبار سبحانه وتعالى ويجب عليك أن تذكريه بالله وتذكريه بحرمة ما يفعل لعله يذكر أو يخشى فيرجع الى طريق الحق والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 هل القطرة تفطر الصائم؟ هل القطرة في العين أو في الأذن أو الأنف مما يفطر الصائم؟ وما حكم استعمال الحقن للصائم؟ الجواب: إن حقيقة الصيام هي الإمتناع عن الطعام والشراب والجماع كما هو معروف فما كان من هذه الأنواع فهو مفطر للصائم وأما القطرة بأنواعها المختلفة سواء كانت في الأنف أو الإذن أو العين فإنها لا تفطر الصائم لأن هذه ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل الى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب ولا يعد استعمال القطرة بأنواعها المختلفة أكلاً أو شرباً، لذلك فهي غير مفطرة. قال شيخ الأسلام إبن تيمية رحمه الله عند حديثه عن الكحل والقطرة ونحوها (والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك) مجموع الفتاوي 25/ 234. وقال إبن حزم رحمه الله (ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام .. ولا حنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن أو في أنف .. ) المحلي 4/ 335. وأما الحقن التي تعطى تحت الجلد أو في الوريد فإذا كانت دواء فلا تفطر وإذا كانت على سبيل الغذاء فهي مفطرة وتتنافى مع حقيقة الصوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 استعمال أدوية لتأخير الحيض للصائمة هل يجوز للمرأة تناول أدوية تمنع الحيض حتى تتمكن من الصيام؟ الجواب: إن الحيض من الأمور التي كتبها الله سبحانه وتعالى على النساء والحيض من موانع الصوم كما هو معلوم والأفضل في حق المرأة أن تسير مع فطرتها التي فطرها الله عليها فتصوم ما شاء الله لها أن تصوم، فإذا حاضت توقفت عن الصيام ومن ثم يلزمها القضاء بعد ذلك. ومع ذلك فلا مانع من استعمال الأدوية التي تمنع الحيض حتى تتمكن المرأة من الصيام ولكن لا بد من تقييد ذلك بأن لا يلحق المرأة ضرر من استعمال هذه الأدوية وبناء عليه لا بد للمرأة من استشارة طبيب حاذق صاحب دين فإن اخبرها الطبيب بأن استعمال هذه الأدوية يضرها فلا يجوز لها استعمالها لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار". رواه أحمد وإبن ماجة والدارقطني غيرهم وهو حديث صحيح. ومما يشير الى جواز استعمال المرأة لهذه الأدوية ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يسقون نسائهم أدوية مأخوذة من الأعشاب لمنع نزول دم الحيض أثناء الحج ويقاس الصوم عليه. قال الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي: (وللإنثى شربه ـ أي دواء مباح ـ لحصول الحيض ولقطعه). لأن الأصل الحل حتى يرد التحريم ولم يرد، كذا قال الشارح. منار السبيل 1/ 62. وقد أفتى بالجواز في هذه المسألة كثير من أهل العلم المعاصرين منهم الشيخ القرضاوي حفظه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قضاء الحامل ما أفطرته من رمضان تقول السائلة: إمرأة أفطرت في رمضان بسبب الحمل وجاء رمضان التالي ولم تقض الأيام التي أفطرتها فماذا يجب عليها؟ وهل تلزمها الفدية مع القضاء؟ وما مقدار الفدية إن وجبت؟ الجواب: إن المشروع في حق المسلم أن يبادر الى قضاء الصوم إبراء للذمة ولأنه لا يعلم ما يحدث له من مرض أو سفر أو موت يمنعه من القضاء فإذا دخل رمضان التالي ولم يقض ما عليه فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم فقال جمهور العلماء إن كان تأخير القضاء لعذر شرعي كالمرض مثلاً فيجب القضاء فقط. وإن كان تأخير القضاء لغيرعذر فيلزم القضاء والفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم وحجتهم بعض الآثار المنقولة عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجب القضاء فقط سواء كان تأخير القضاء بعذر أو بدون عذر ولا تجب الفدية لقوله تعالى: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". وهذا هو القول الرجح فيما يظهر لي لأن المسألة لا يوجد فيها نص ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام الشوكاني: (وذهاب الجمهور الى قوله لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الإشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب). فهذه المرأة عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان ولا فدية عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 قضاء الصوم عن الميت يقول السائل: إذا توفي شخص وكان عليه صيام أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه فهل يجوز لأولاده صيام تلك الأيام عنه؟ الجواب: لا يصح صيام الأولاد عن أبيهم الذي مات وعليه صيام أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه لأن صوم الفرض عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة، ولأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة فكما لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لا يصوم أحد عن أحد صوم رمضان. ويجوز أن يصام عن الميت صوم النذر لأن النذر إلتزام في الذمة بمنزلة الدين فيجوز أن يقوم ولي الميت بالقضاء عنه كما يقضي الدين عنه وعلى هذا يحمل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم. وعلى أولاد هذا الشخص أن يطعموا مسكيناً عن كل يوم أفطره والدهم الذي مات مريضاً ويدل على ذلك (ماروت عمرة أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة رضي الله عنها: أقضيه عنها؟ قالت عائشة: لا بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين). أخرجه الطحاوي وهو أثر صحيح. وكذلك ما ورد (عن إبن عباس قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه) رواه أبو داود بسند صحيح كما قال الألباني. وهذا القول الذي ذكرته هو قول السيدة عائشة رضي الله عنها وابن عباس وبه قال الإمام أحمد ابن حنبل واختاره جماعة من المحققين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 تأثير المعاصي والآثام في الصيام يقول السائل: هل للمعاصي والآثام التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير على الصيام كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى:" يا أيها الذين أمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقوم" "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى. وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الإمتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر الى المحرمات، والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات، واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي الى ما حرم الله. إن الصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وهي امتثال ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه وهذه طائفة عطرة من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشير الى هذه المعاني: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الله تعالى عز وجل كل عمل إبن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابة) رواه البخاري. 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه إبن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه الى السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الشيخ الألباني. فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الإمتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يتجنب كل المحرمات وليتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار الى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة. فالأصل في المسلم الإلتزام بشرع الله كاملاً وأن يأتي بالعبادات كما أرادها الله سبحانه وتعالى؛ بأن تكون هذه العبادات محققة لثمارها الإيجابية في سلوك المسلم وحياته، وأما إن كانت الصلاة مجرد حركات خالية من روحها والصوم مجرد جوع وعطش، والزكاة للرياء والسمعة والحج للشهرة واللقب فقد خاب المسلم وخسر وحبط عمله وكان من المفلسين يوم القيامة كما قال - صلى الله عليه وسلم - (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فيمنا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي عنه ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم وابن حيان والترمذي والبيهقي وأحمد، وبناء على كل ما تقدم نرى أن المعاصي والآثام لها تأثير واضح في الصيام فهي تفسد المعنى الحقيق للصيام ولكنها لا تعد من المفطرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 قطع الصوم المندوب يقول السائل: إنه صام يوم اثنين تطوعاً لله تعالى ولما كان وقت الظهر زار قريباً له فدعاه الى الطعام فأفطر ويسأل هل يلزمه قضاء يوم مكان اليوم الذي أفطره؟ الجواب: إن المشروع في حق المسلم إذا بدأ بأمر مندوب كصلاة مندوبة (نافلة) أو صوم مندوب أن يتمه ويكمله (كصوم يوم الأثنين والخميس). والذي عليه جمهور الفقهاء أن ذلك ليس واجباً وإنما هو في دائرة الأستحباب وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تفيد ذلك منها: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليّ رسول الله يوماً فقال هل عندكم شيء؟ فقلت لا قال: فإني صائم ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي الى حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قلت يا رسول الله أهدي لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه أما أني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ثم قال لنا: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) رواه مسلم وأبو داود والنسائي واللفظ له. والحيس: تمر نزع نواه ويدق مع إقط ويعجنان بالسمن كما في المصباح المنير1/ 159. 2 - عن أم هانيء رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (دخل عليها فدعى بشراب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد والبيهقي وضعفه الترمذي وغيره إلا أن الحديث يتقوى بكثرة طرقه كما قال الشيخ الألباني. وقال النووي اسناده جيد وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده حسن. 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (صنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فلما وضع قال رجل: أنا صائم فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه إن شئت) رواه البيهقي وإسناده حسن كما قال الحافظ إبن حجر في الفتتح 5/ 112. 4 - عن أبي جحيفة قال آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدراداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك. قالت آخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال كل فإني صائم فقال سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما ذهب الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم سلمان نم فلما كان آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال سلمان: إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فإعط كل ذي حقٍ حقه فأتى أبو الدرداء النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدق سلمان) رواه البخاري وغيره. فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن المتطوع أمير نفسه فيجوز له أن يتم وهو الأفضل ويجوز له أن يقطع تطوعه ولا شيء عليه فلا يلزمه القضاء والى هذا ذهب الشافعية والحنابلة ونقل عن جماعة من الصحابة كعمر وإبن عباس وإبن مسعود وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. إلا أنه ينبغي أن يعلم أن اشتثنى من هذا الحكم الذي ذكرته الحج والعمرة فإذا شرع المسلم بحج أو عمرة فيجب عليه إتمامها بلا خلاف كما قال النووي: (وأما إذا دخل في حج تطوع أو عمرة فإنه يلزمه إتمامها بلا خلاف) المجموع 6/ 393. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 صوم النافلة بعد منتصف شعبان يقول السائل: ما حكم صيام التطوع بعد منتصف شعبان؟ الجواب: إن صوم التطوع بعد منتصف شعبان جائز ولا بأس به عند جمهور أهل العلم وقد ورد في ذلك أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: 1 - عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة الى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه وإن قلت وكان إذا صلى صلاة دوام عليها) رواه البخاري. 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله) متفق عليه. 3 - وفي رواية أخرة (ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا يصومه إلا قليلاً) متفق عليه. إلا أنه يجب أن يعلم أنه يكره للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لئلا يختلط النفل بالفرض، أو حتى يسترح الصائم ليدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم) رواه البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 صوم شهر رجب ما حكم صيام شهر رجب وما مدى صحة الحديث الذي يقول رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي؟ الجواب: أما الحديث المذكور فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ العراقي: حديث ضعيف جداً وهو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث. وذكر المناوي أن الديلمي رواه في مسنده وقد عده إبن الجوزي في المضوعات أي من الأخبار المكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيض القدير 4/ 24 كشف الخفاء 1/ 433. وأما بالنسبة للصوم في شهر رجب فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء على وجه التخصيص. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي (وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه) لطائف المعارف ص 228. ولكن وردت أحاديث عامة في صوم الأشهر الحرم وشهر رجب أحدها، فمن ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (صم من الحرم واترك صم من الحرم وأترك من الحرم واترك) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ومن ذلك حديث أسامة قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة. قال الشوكاني: ظاهر قوله في حديث أسامة (أن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجباً به) نيل الأوطار 4/ 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 صوم ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء من رمضان يقول السائل: هل يجوز صيام ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء أيام من رمضان وهل تصام متتابعة أم يجوز تفريقها؟ الجواب: إن صيام ستة أيام من شوال من السنن الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد ذلك في أحاديث منها: 1 - عن أبي أيوب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر) رواه مسلم وغيره. 2 - عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام رمضان وستة بعد الفطر كان تمام السنة) (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه إين ماجة والنسائي وهو حديث صحيح. 3 - ما رواه ثوبان عند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) وهي رواية صحيحة وغير ذلك من الأحاديث. وبناء على ذلك فمن السنة أن تصوم ستة أيام من شهر شوال والأفضل في حق من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها أولاً ثم يصوم ستاً من شوال فإن القضاء واجب وصيام الستة سنة والواجب مقدم على السنة. ولا يشترط في صيام الأيام الستة من شوال التتابع بل يجوز تفريقها. وإن صامها أيام الإثنين والخميس فهو حسن وله الأجر والثواب الذي يقع بصيام الأثنين والخميس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 صوم عاشوراء . يقول السائل: ما حكم صوم عاشوراء وهل يصام ذلك اليوم منفرداً أم يصام قبله أو بعده؟ الجواب: إن صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم من الأمور المستحبة عند أكثر أهل العلم وقد وردت أحاديث في صوم عاشوراء منها: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن معاوية بن أبي سفينان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأي أن اليهود تصوم عشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجىّ الله فيه موسى وبني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الاحاديث. ويستحب أن يصام اليوم التاسع مع اليوم العاشر من محرم لما ثبت في الحديث عن إبن عباس قال: لما صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أكثر شهر صامه النبي صلى الله عليه وسلم نافلة يقول السائل: ما هو أكثر شهر كان النبي عليه الصلاة والسلام يصومه غير شهر رمضان؟ الجواب: إن أكثر شهر صامه البني - صلى الله عليه وسلم - صوم نافلة هو شهر شعبان فقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) رواه البخاري ومسلم. 2 - وفي رواية عن عائشة أيضاً قالت (ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً) رواه البخاري ومسلم. 3 - وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشهر من السنة اكثر صياماً منه في شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا وكان يقول أحب العمل الى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل) رواه البخاري ومسلم وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم أكثر شعبان. والحكمة من ذلك كما قال بعض أهل العلم إن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان عليه الصلاة والسلام يصوم أكثره وقد ورد ذلك معللا في حديث أسامة قال قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححة إبن خزيمة. وقيل في الحكمة من إكثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صوم شعبان أقوال أخرى. وهنا لا بد من الإشارة الى حديث قد يتعارض مع ما ذكرنا وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) رواه أصحاب السنن الأربعة. فيجاب عنه من وجهين: الأول: إن الحديث ضعيف ضعفه أحمد وابن معين والبيهقي. الثاني: إن صح فيحمل النهي في الحديث على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده قاله الحافظ ابن حجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 صلاة التراويح يقول السائل: هل تصلى التراويح عشرون ركعة أم ثماني ركعات وهل تصح صلاة التراويح في البيت؟ الجواب: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رغب في قيام رمضان وحث عليه في أحاديث منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم. وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصاحبة في رمضان في عدة ليالي في أوله وفي آخره كما ثبت ذلك عنه، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي أحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم، ولم يثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المداومة على صلاة التراويح لأنه خشي أن تفرض على الأمة كما ثبت ذلك في الصحيحين. وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات صلاة التراويح فأكثر الفقهاء يرون أنها تصلى عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا القول مشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ورد أنه جمع الناس على أمام واحد يصلى بهم ثلاثاً وعشرين ركعة كما ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان تالى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي يتأمون عنها أفضل من التي يقومون. يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله" رواه البخاري. وروى البيهقي بإسناد صحيح كما قال النووي عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمئتين .. " المجموع 4/ 32. ومن أهل العلم من يرى عدم زيادة صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة لحديث عائشة السابق وغيره من الأحاديث الثابتة في هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. وترى طائفة أخرى من أهل العلم عدم تحديد عدد معين من الركعات في صلاة قيام رمضان أي التراويح ومنهم شيخ الإسلام إبن تيمية والإمام الشوكاني وغيرهما وأنا أميل الى هذا القول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه "كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عدداً معيناً بل كان هو - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وأخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف احوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كنا كان النبي يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين وأن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، مجموع الفتاوى 23/ 272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 القراءة من المصحف في التراويح يقول السائل: رأينا بعض الأئمة يقرؤن من المصحف في صلاة التراويح فهل يجوز ذلك؟ والجواب: لا بأس بقراءة الإمام في التراويح من المصحف وخاصة أن كثيراً من الأئمة لا يحفظون كثيراً من القرآن الكريم وقد يرغب الناس في تطويل القراءة في صلاة القيام في رمضان فإذا قرأ الإمام من المصحف فلا حرج في ذلك إن شاء الله. وقد قال الإمام البخاري في صحيحه: كانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف " رواه معلقا مجزوما به. قال الحافظ ابن حجر: " وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة " أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان من المصحف". ووصله ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة: " أنها اعتقت غلاماً لها فكان يؤمها في رمضان في المصحف" .. قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي في المصحف (فتح الباري 2/ 326). ولكن الأولى أن يقرأ الإمام من حفظه لما في ذلك من تقليل الحركة في الصلاة ومحافظة الخشوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 صلاة العشاء خلف الإمام في التراويح يقول السائل: عدة أشخاص فاتتهم صلاة العشاء مع الجماعة ودخلوا المسجد فوجدوا الإمام في التراويح فماذا يصنعون؟ هل يصلون العشاء جماعة لوحدهم؟ أم ماذا يفعلون؟ الجواب: إن الذين تفوتهم صلاة العشاء مع الجماعة ويدركون الإمام في صلاة التراويح فإرى لهم أن يدخلوا مع الإمام بنية صلاة العشاء فيصلون خلف الإمام فإن سلم الأمام قاموا وأتموا صلاة العشاء وأرى أنه لا ينبغي لهم إقامة صلاة جماعة أخرى في المسجد لما في ذلك من تعدد للجماعات ولما فيه من التشويش على الجماعة الأولى الذين يصلون مع الأمام الراتب. ولما ثبت في الحديث عن جابر (أن معاذا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم يرجع الى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية (هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء) رواها الشافعي والدارقطني. وصححها الحافظ ابن حجر في فتح الباري. فهذا الحديث يدل على جواز إقتداء من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة فيصح لهم أن يصلوا فريضة العشاء خلف الأمام الذي يصلي نافلة التراويح وهذا القول هو أرجع قولى العلماء في المسألة وهو قول الشافعية والحنابلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 صلاة الوتر يقول السائل: ما حكم صلاة الوتر؟ وهل صحيح ما يقال بأنها تصلى ركعة واحدة؟؟ وهل القنوت فيها واجب؟ الجواب: صلاة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد ورد في فضلها أحاديث منها: عن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله وتر يحب الوتر فإوتروا يا أهل القرآن) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أوتروا فبل أن تصحبوا) رواه مسلم. وتجوز صلاة الوتر بركعة واحدة وكذا بثلاثة أو خمس أو سبع أو تسع ركعات فقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال (قام رجل فقال يا رسول الله كيف صلاة الليل؟؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى أنه كان يأمر ببعض حاجته، رواه البخاري. وعن أم سلمة قالت (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهم بسلام ولا كلام) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد. وإذا صلى المسلم الوتر ثلاث ركعات فيجوز فيها ثلاث هيئات كما يلي: الأولى: أن يصلي ركعتين ثم يسلم وبعدها يأتي بالثالثة. الثانية: أن يصلي ركعتين ثم يجلس بعد الثانية ثم يأتي بالثالثة كهيئة صلاة المغرب. الثالثة: أن يصلي الركعات الثلاث متصلة ولا يجلس إلا بعد الثالثة وكل ذلك جائز إن شاء الله ووردت فيه الأحاديث. أما القنوت في صلاة الوتر فهو سنة وليس بواجب فإذا تركه المصلي فلا شيء عليه والذي ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أحياناً يقنت في الوتر وأحياناً أخرى لا يقنت، ويجوز القنوت قبل الركوع وبعده وهو الأفضل والأقوى. وأفضل وقت لصلاة الوتر آخر الليل في حق من يغلب على ظنه الإستيقاظ في أخر الليل وإلا فيصلي الوتر بعد صلاة العشاء فقد ورد في الحديث عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر أخره فإن قراءة أخر الليل محضورة وذلك أفضل) رواه مسلم. ومن السنة في القراءة في الوتر إذا صلى ثلاثاً أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الكافرون وفي الثالثة سورة الإخلاص كما ورد في الحديث عن أبي بن كعب (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر سبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ومن صلى صلاة الوتر أول الليل ثم رغب أن يصلي في أخر الليل يصلي ما يشاء ولا يعيد الوتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مسح الوجه بعد دعاء القنوت بدعة يقول السائل: ما حكم مسح الوجه وبعض الجسم باليدين بعد الإنتهاء من دعاء القنوت كما يفعله كثير من الناس؟ الجواب: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء. قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة أن فيها وجهين: الأول: أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي: والثاني: لا يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين. المجموع 3/ 501. ثم ذكر كلام البيهقي التالي، وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة. وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق" السنن الكبرى 2/ 212. وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الأبتداع. وأما الحديث الذي أشار اليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسأله بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق امثلها وهو ضعيف أيضاً. عون المعبود 4/ 251. وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية " فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" فقال: - .. وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى الآن شاهداُ .. "ثم قال "لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطمها تحى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً بالوضع ـ أي الكذب ـ وقال أبو زرعة: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل. السلسلة الصحيحة 3/ 146. وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً، أي مستنداً. وورد عن العز بن عبد السلام سلطان العلماء أنه قال " لا يمسح وجهة إلا جاهل". وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض الأمور منها: أولاً: ما نراه من بعض المصلين من المبالغة برفع أيدهم فوق رؤوسهم وأرى أن هذا الأمر فيه مبالغة واضحة وأن الأحاديث الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين عند الدعاء تدلى على مد اليدين وبسطهما ولا تدل على هذا الرفع المبالغ فيه. قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الإستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه، قال الحافظ: وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الإستسقاء .. الى أن قال: وذهب آخرون الى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه" ويؤديه أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الإستسقاء مع ذلك زاد فرفعمها الى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه" فتح الباري 3/ 171. لذلك فإني أرى ان ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين وجعلهما فوق الرأس إنما هو من الغلو في الدين وقد نهينا عن ذلك. والأمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به إخواننا أئمة المساجد وهو التطويل في دعاء القنوت وغيره من الأدعية والأذكار والأفضل هو الأقتصار على الأدعية والأذكار الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن زاد على ذلك فلا بأس به بشرط ألا يكون الدعاء متكلفاً أو متضمناً مخالفة شرعية. قال الإمام النووي عند ذكره لآداب الدعاي " الخامس: إن لا يتكلف السجع وقد فسر به الإعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عيه الإعتداء" الأذكار ص 342. وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة في الدعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الجمع بين الصلوات للمطر يقول السائل: هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب المطر؟ وما هي الصلوات التي يجمع بينها؟ وهل يجوز الجمع لمن كان بيته قرب المسجد؟ وهل يجوز الجمع لمن يصلي في البيت؟ الجواب: إن الجمع بين الصلاتين وخصة لدفع الحرج ورفع المشقة عن الناس ومن الأسباب التي يجوز الجمع بسببها بين الصلاتين المطر وهذا مذهب أكثر العلماء وعند الحنفية لا يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقاً إلا في الحج فقط. وقد أجاز جمهور العلماء الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر جمع تقديم أي تقدم صلاة العشاء فتصلى بعد المغرب مباشرة. وأما الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فلا يجوز على مذهب جمهور العلماء، وأجازه الشافعية في أحد القولين عندهم وأرى أن قولهم مرجوح ومذهب الجمهور أقوى دليلاً وأهدى سبيلاً فلا أرى جواز الجمع بين الظهر والعصر وهو ما رواه الأثرم: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء والظاهر أن قوله من السنة أي سنة الرسول. ومما يدل على ذلك ما رواه البيهقي أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر/ سنن البيهقي 3/ 168ـ 169. والمطر الذي يجوز الجمع بسببه، هو المطر الذي يبل الثياب ويتقه عامة الناس وينبغي أن يكون المطر موجوداً عند الجمع وأما ما يفعله بعض الناس من الجمع مع عدم وجود المطر وانقطاعه قبل ساعات من الجمع فهذا لا يجوز ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر لأن الجمع رخصة لها سبب وهو المطر فإذا وجد المطر يجوز الجمع وإلا فلا. ولا يجوز الجمع إلا لمن يصلي مع الجماعة في المسجد ولو كان بيته قريباً من المسجد فيجوز له الجمع. وأما من يصلي في بيته فلا يجوز له الجمع بسبب المطر لأن الجمع يجوز للمشقة التي تلحق بالمصلين مع الجماعة وهذا المعنى مفقود فيمن يصلي في البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 صلاة الفريضة في السيارة يقول السائل: إنه يخرج من بيته قبل صلاة الفجر متوجهاً الى عمله ويركب سيارة باص ولا يصل الى عمله إلا بعد طلوع الشمس والسيارة لا تتوقف في الطريق فهل يصلي صلاة الفجر في السيارة أم ماذا يصنع؟ الجواب: يجوز لهذا السائل أن يصلي صلاة الفجر في السيارة بالكيفية التي يستطيعها حتى لا تفوته الصلاة فيصلي في السيارة فإذا أمكنه الركوع والسجود واستقبال القبلة فيجب عليه ذلك وأن لم يستطع الركوع والسجود واستقبال القبلة فإنه يصلي بقدر طاقته فيوميء ايماء (يشير) ويجعل السجود أكثر أنخفضاً من الركوع، وهكذا فدين الإسلام دين يسر وسهولة، فقد قال سبحانه وتعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ويقول عليه الصلاة والسلام (وإذا أمرتكم بأمر فأتتوا منه ما استطعم) رواه البخاري ومسلم. وقد ورد في الحديث عن يعلى بن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنتهى الى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم المطر والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فإذن وأقام ثم تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته فصلى بهم يوميء إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع) رواه أحمد والترمذي، وفي سنده ضعف ولكن الترمذي قال بعد أن ساق الحديث وبين ما فيه (والعمل على هذا عند أهل العمل وبه يقول أحمد واسحق). وقال أبو بكر بن العربي: حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى ثم قال: الصلاة على الدابة بالإيماء صحيحة إذا خاف من خروج وقت الصلاة ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه عليه الطين والماء. وبناء على ما تقدم فتصح صلاة الفريضة في السيارة أو الطائرة أو نحو ذلك، هذا إذا كان المصلي يخشى خروج الوقت أما إذا كان يعلم أنه يصل الى غايته قبل خروج وقت الصلاة بمدة كافية لأداء الصلاة فلا ينبغي له أن يصلي الفريضة في السيارة ونحوها وكذلك الحال إذا كانت الصلاة تجمع الى غيرها فإما أن يصلي جمع تقديم أو تأخير ولا يصليها في السيارة ونحوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 لا تصلي الضحى جماعة دائما ً يقول السائل: اعتدنا أن نصلي صلاة الضحى جماعة فما حكم ذلك؟ الجواب: إن صلاة النافلة أو التطوع تنقسم الى قسمين من حيث صلاتها جماعة: القسم الأول: ما تشرع فيه صلاة الجماعة كصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة العيدين عند من يرى أنها سنة وصلاة الإستسقاء فهذه صلوات الأصل فيها أن تصلى جماعة لأنها ثبتت كذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. القسم الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة وذلك كالسنن الرواتب وهي سنة الفجر وسنة الظهر القبلية والبعدية وسنة المغرب وسنة العشاء، وكذلك سنة الضحى وتحية المسجد وقيام الليل، فهذه الصلوات كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصليها في جماعة راتبة وإنما المشروع أن تصلى فرادى ولكن إن فعلت هذه الصلوات جماعة أحياناً وبشرط أن لا يتخذ ذلك عادة يجوز إن شاء الله ولا بأس به. وأما إذا اتخذ ذلك عادة وصار لهذه الصلوات جماعة راتبة فهذه بدعة مكروهة مخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومما يدل على جواز فعلها جماعة أحياناً لا دائماً ما رود عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بعض هذه الصلوات جماعة أحياناً فمثلاً كان من عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي قيام الليل منفرداً وهذا في أغلب أحواله عليه الصلاة والسلام ولكن ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قيام الليل جماعة في بعض الحالات منها: ما ورد في حديث ابن عباس قال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقمت عن يساره فأخد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه) رواه البخاري. ومنها حديث عتبان بن مالك أنه قال: (يا رسول الله إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً فقال: سنفعل، فلما دخل قال أين تريد؟ فأشرت له الى ناحية من البيت فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وبناء على ما تقدم لا أرى لكم المداومة على صلاة الضحى جماعةً وإنما أرى أن تصلوها فرادى وإن صليتموها جماعة أحياناً فلا بأس في ذلك. أرى أن تصلوها فرادى وإن صليتموها جماعة أحياناً فلا بأس في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 إذن الزوج لزوجته للصلاة في المسجد يقول السائل: إن زوجته تطلب منه الذهاب الى المسجد الأقصى لصلاة الجمعة ولكنه يمنعها فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومع ذلك يجوز لها أن تخرج الى الصلاة في المساجد بإذن زوجها ولا ينبغي للزوج منع زوجته من الذهاب الى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها. يقول عليه الصلاة والسلام (لا تمنعوا النساء أن يخرجن الى المساجد وبتوتهن خير لهن) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح. وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول ... - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قول - صلى الله عليه وسلم - (إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب) رواه مسلم. وينبغي أن يعلم أن النساء اليوم بحاجة ماسة للتردد على المساجد وحضور الدروس والخطب والمواعظ ليفقهن في دين الله فعليهن مسؤولية عظيمة في بناء المجتمع والنساء شقائق الرجال فلا ينبغي أن يحرمن من هذا الخير العظيم ويجب أن ترتب لهن دروس خاصة في المساجد ويفضل أن تكون في غير يوم الجمعة، لتحصن المرأة المسلمة ضد الغزو الفكري الشرس الذي يوجه الى النساء المسلمات عبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها وأن تشرح لهن أحكام الإسلام عامة والأحكام المتعلقة بالنساء وتربية الأولاد خاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 سجود التلاوة وسجود الشكر يقول السائل: هل لسجدة التلاوة ولسجدة الشكر تكبيرة احرام وتسليم أم لا؟ وهل يجوز للمرأة أن تسجد سجدة التلاوة وهي غير مرتدية للباس الكامل وهل تصح سجدة الشكر بدون وضوء؟ الجواب: إن كلاً من سجودى التلاوة وسجود الشكر مشروع فقد ثبت ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك: 1 - ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه .. ) رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في (إذا السماء انشقت وإقرأ باسم ربك) رواه مسلم. 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) وقال: سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكراً) رواه النسائي والدارقطني وصححه ابن السكن. هذا بعض ما ورد في سجود التلاوة. وأما في سجدة الشكر فقد وردت أحاديث منها: 1 - عن أبي بكرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجداً شكراُ لله تعالى) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن. 2 - وعن عبد الرحمن بن عوف أن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - (إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت شكراً) رواه أحمد وهو حديث حسن. 3 - ووردن عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سجد حين علم بمقتل مسيلمة الكذاب. وكذلك ورد عن كعب بن مالك رضي الله عنه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد لما بشر بتوبة الله عليه وغير ذلك من الأحاديث والآثار. وحكم سجود التلاوة وكذلك سجود الشكر سنة عند أكثر أهل العلم. وصفة سجود التلاوة وكذا سجود الشكر كما يلي: خارج الصلاة: يكبر من يريد السجود دون أن يرفع يديه ويسجد سجدة واحدة يقول فيها ما يقوله في سجود الصلاة ثم يكبر عند الرفع بدون تسليم على قول جمهور الفقهاء وهذه الصفة مشتركة بين سجود التلاوة وسجدة الشكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف يقول السائل: كيف كان هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الإعتكاف؟ وهل يصح للمسلم أن ينوي الإعتكاف كلما دخل المسجد؟ وما حكم الإعتكاف؟ الجواب: قال العلامة ابن القيم رحمه اله (كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة فقضاه في شوال. واعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط ثم العشر الأخير يلتمس ليلية القدر ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل. وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل وكان إذا اراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله .. وكان يعتكلف كل سنة عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً .. وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه الا لحاجة الأنسان وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها وكان إذا اعتكف طرح له فراشه ووضه له سريره في معتكفه - .. الخ). زاد المعاد 2/ 88 - 90. هذا هو هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإعتكاف وعلينا الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - واما حكم الاعتكاف فهو مسنون عند أكثر أهل العلم في العام كله وأوكد الأعتكاف ما كان في العشر الأواخر من رمضان وإذا نذر المسلم الاعتكاف صار الوفاء به فرضاً. وأما زمان الإعتكاف ومدته فجمهور العلماء يرون جواز الإعتكاف مدة يسيرة في المسجد كساعة أو ساعتين ونحو ذلك. قال ابن حزم: (كل اقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب اليه اعتكاف فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر اذا لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد ولا وقتاً من وقت عن سويد بن غفلة قال: من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ما لم يحدث وعن عطاء بن أبي رباح عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: اني لامكث في المسجد ساعة وما أمكث الا لاعتكف، قال عطاء: هو اعتكاف ما مكث فيه وان جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف والا فلا) المحلى 3/ 412. وينبغي أن يعلم أن الإعتكاف لا بد أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة والجماعة حتى لا يحتاج المعتكف للخروج لهما ولا بد في الاعتكاف ايضاً من النية لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إنما الأعمال بالنيات). والمطلوب من المعتكف أن يلبث في المسجد وينشغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار وعليه أن يبتعد عن الخوض في أمور الدنيا. وعليه أن يجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ويجتنب أيضاً المراء والجدال والسباب ويقلل الكلام في أمور الدنيا ولا يتكلم الا بخير ويكره للمعتكف أن يترك الكلام تركاً مطلقاً معتقداً أن ذلك قربة لله لأن ذلك بدعة وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من نذر ترك الكلام أن يتكلم ويجوز للمعتكف أن يأكل ويشرب وينام في المسجد مع وجوب محافظته على نظافة وطهارة المسجد ويجوز له أن يتطيب ويلبس ما شاء من الملابس الحسنة، وإذا نوى المسلم الاعتكاف في العشر الاواخر من رمضان فعليه أن يلبث في المسجد ولا يجوز له الخروج الا لحاجة الناس ويجوز أن يخرج للوضوء والغسل وللأعمال الضرورية لأن الخروج من المسجد يفسد الإعتكاف الا ما ذكرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم العيد يقول السائل: ما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟ الجواب: كان من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد في مصلى العيد وهو ليس المسجد النبوي وإنما كان أرض خلاء وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بإخراج النساء يشهدن الصلاة ويسمعن الذكر حتى الحيض منهن فقد جاء في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال لتلبسها أختها جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى (والحيّض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس) رواه مسلم، والعواتف أي الشابات، والحيّض: جمع حائض، ذوات الخدور: ربات البيوت. وكان من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الأغتسال للعيد. وكان يلبس أجمل ثيابه يوم العيد، فإن التجمل باللباس يوم العيد والجمعة واجتماع الناس من الأمور المشروعة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الخروج ماشياً الى الصلاة فإذا وصل الى المصلى بدأ بالصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات زوائد. وأصح ما ورد في صفة صلاة العيد وعدد التكبيرات الزوائد ما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة وقال الحافظ العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري. ويكون التكبير سبعاً في الأولى بعد القراءة وخمساً في الثانية بعد القراءة وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة. وأما ما ورد في التكبير ثلاثاً في الأولى قبل القراءة وثلاثاً في الثانية بعد القراءة فإن الحديث فيه ضعيف لا يعول عليه وما تقدم أصح. وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورق ق وفي الركعة الثانية سورة القمر. كما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي وقد سأله عمر: ما كان رسول الله يقرأ به في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ "ق والقرآن المجيد، واقتربت اساعة وانشق القمر" رواه مسلم. واحياناً كان يقرأ في الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية كما في الحديث عن سمرة رضي الله عنه (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين بـ سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية) رواه أحمد. وبعد انتهائه عليه الصلاة والسلام من الصلاة كان يشرع في الخطبة وكان يبدؤها بالحمد لله وليس بالتكبير كما يفعل أكثر الخطباء اليوم. قال العلامة ابن القيم رحمه الله (وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير) زاد المعاد 1/ 447. وكان عليه الصلاة والسلام يكبر كثيراً خلال خطبتي العيد. ومما يجدر ذكره أن التكبير في عيد الأضحى يبدأ من فجر يوم عرفة ويستمر حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، فصح عنهم التكبير من غداة عرفة الى أخر ايام التشريق. ويكون التكبير في أعقاب الصلوات المفروضة وغيرها من الأوقات. قال الإمام الشوكاني (والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات المفروضة بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام) نيل الأوطار 3/ 358. وينبغي أن يعلم أن أيام العيد هي أيام ذكر لله تعالى وليست أياماً للتحلل من الأحكام الشرعية كما يظن كثير من الناس قال عليه الصلاة والسلام (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الصلاة والخطبة يأتي النساء فيعظهن ويذكرهن فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يعود من المصلى من طريق غير الطريق الذي سلكه في ذهابه ليكثر الناس الذين يسلم عليهم أو لغير ذلك من الحكم. وبعد رجوعه الى منزله كان يتولى أضحيته بنفسه أو يوكل أحداً بذبحها، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن أو ما تبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتا .. ) رواه مسلم. وأخيراً ينبغي التذكير بصلة الأرحام والإحسان الى الفقراء والمساكين يوم العيد وكذلك فلا بأس بالتهنئة بالعيد والتوسعة على الأهل والأولاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 التهنئة بحلول العيد يقول السائل: كيف تكون التهنئة بحلول العيد؟ الجواب: إن أصل التهنئة مشروع في الجملة فقد ثبت في الحديث الصحيح في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه بعد تخلفه عن غزوة تبوك حيث ورد في قصة توبته (قال سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك، أبشر فذهب الناس يبشروننا وانطلقت أتأمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أقصده) يتلقاني الناس فوجا فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون: ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني وكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب:- فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر يخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث في التهنئة بشكل عام وأما التهنئة بالعيد والدعاء فيه فقد ورد في الحديث عن محمد بن زياد قال كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض يتقبل الله منا ومنك) قال الإمام أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد وجود اسناده أيضاً العلامة ابن التركماني، الجوهر النقي 3/ 319. ونقل ابن قدامة عن الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك). وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قبل وواثلة بن الأسقع؟ قال نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد، قال: لا) المغني 2/ 295/296. وسئل الإمام مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد تقبل الله منا ومنك يريد الصوم فقال ما أعرفه ولا أنكره، قال ابن حبيب المالكي معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله لأنه قول حسن ولأنه دعاء. وقد عقد الأمام البيهقي باباً في سننه الكبرى بعنوان (باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك). ثم ساق فيه بعض الأحاديث الواردة ت في ذلك وضعفها وساق فيه أيضاً أثراً عن عمر بن عبد العزيز فقال (عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا) سنن البيهقي 3/ 319. وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فلا بأس أن يعمل بها في مثل هذا الأمر الذي يعد من فضائل الأعمال وخاصة إذا أضفنا اليها الحديث الذي لم يذكره البيهقي وهو حديث أبي أمامة المذكور سابقاُ، وخلاصة الأمر أنه لا بأس أن يقال في التهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أو نحولها من العبارات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 المشروع في زيارة القبور يقول السائل: ما هو المشروع في زياردة القبور؟ الجواب: لا شك أن زيارة القبور مشروعة في كل الأوقات لما ورد في الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً فمن أراد أن يزور فليزر ولا تفولوا هجراً) رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم. وفي رواية أخرى (لا تقولوا ما يسخط الرب). فزيارة القبور سنة مشروعة تذكر بالموت وتجعل الإنسان يتعظ ويعتبر ويتذكر أنه سيصير الى ما صار اليه الأموات وهذا يدفعه الى العمل الصالح. وكذلك فإن زيارة القبور فيها نفع للميت بالسلام عليه والدعاء له والاستغفار له. والمشروع للزائر أن يقول: (السلام على أهل الديار المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم. والمشروع أيضاً في حق الزائر أن يدعو للأموات لما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يخرج الى البقيع فيدعو لأهل البقيع فسألته عائشة عن ذلك فقال إني أمرت أن أدعو لهم) رواه أحمد بسند صحيح. وينبغي لزائر القبور أن يراعي حرمة الأموات فلا يجلس على القبور ولا يطؤها بقدمه وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الى جلده خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 زيارة النساء للقبور محظورة يقول السائل: ما حكم زيارة النساء للقبور؟ الجواب: إن زيارة النساء للقبور ممنوعة شرعاً. على القول الراجع من أقوال أهل العلم، لأنه ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله زائرات القبور) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حيان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان، وهو حديث صحيح. وعن علي رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير ماجورات) رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلاف. وغير ذلك من الأحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور، فهذه أحاديث صريحة في معناها، فإن رسول اله عليهالصلاة والسلام لعن النساء على زيارة القبور، واللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اله: "فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الأخر، قيل هذا ليس بجيد، لأن قوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) هذا خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور، أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً وقوله: (لعن الله زوارات القبور) خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول (لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فالذين يتخذون عليها المساجد والسرج لعنهم الله، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال، وإذا كان هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم، كذلك لو علم أنه كان بعدها " مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/ 60،361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 زيارة القبور يوم العيد غير مشروعة يقول السائل: جرت العادة عندنا أن يذهب الناس يوم العيد بعد انتهاء صلاة العيد لزيارة القبور وتخرج النساء كذلك معهم ويوزعون الحلوى والقهوة والشاي ويضعون جريد النخل والزهور على القبور فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن زيارة القبور سنة مشروعة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبورألا فزورها فإنها تذكركم بالآخرة) رواه مسلم. ولكن الشرع لم يحدد يوماً معيناً لزيارة القبور لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعه مكروهة وقد تكون حاماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد من خروج النساء المتبرجات إلى القبور ووطئها بالأقدام وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي. وتخصيص يوم العيد بزيارة القبور مما لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. ولا صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع. وأما قراءة القران على القبور فأمر غير مشروع أيضاً بل هو بدعة منكرة ما فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقلت عن صحابته رضي الله عنهم ولا يجوز فعل ذلك وعلى المسلم أن يقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار رضي الله عنهم. والرسول - صلى الله عليه وسلم - علم الصحابة ما يقولون عند زيارتهم للقبور فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم. فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة أو نحوها وأن يدعو ويستغفر لهم وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثر الناس اليوم وكذا قراءة غيرها من القرآن لا أصل له في الشرع وإن توارثه الناس في بلادنا كابراً عن كابر فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما يعتاده الناس. قال الشيخ محم رشيد رضا صاحب تفسير المنار (- .. فأعلم أن ما اشتهر وعمّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة) 8/ 268. ومما يدل على عدم مشروعية قراءة القران على القبور قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فأن لشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم. فهذا يدل على أن القبور ليست محلاً لقراءة القرآن شرعاً فلذلك حض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قراءة القران في البيوت ونهى عن جعل البيوت كالمقابر في عدم قراءة القرآن. وأما خروج النساء الى زيارة القبور في أي يوم من أيام السنة فالأصل فيه الجواز لدخول النساء في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم (كنت نهيتكم .. ألا فزوروها) ولأن في زيارة القبور وهي التذكرة بالأخرة تشارك النساء فيها الرجال ولثبوت ذلك بأحاديث منها حديث عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن ابن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، ثم أمر بزيارتها) رواه الحاكم والبيهقي واسناده صحيح قاله الألباني وفي رواية عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في زيارة لقبور) رواه ابن ماجة. وفي الباب أيضاً حديث عائشة عند مسلم وهو حديث طويل لم اذكره لذلك. وأما خروج النساء لزيارة القبور يوم العيد فحكمة كما قلت سابقاً لا يجوز فهو بدعة مكروهة لأنه تخصيص لعبادة بزمان معين بدون دليل وقد يصل إلى درجة التحريم إذا عرفنا حال كثير من النساء اللواتي يخرجن إلى المقابر من التبرج، وإبداء الزينة والإختلاط الفاحش بالرجال فأرى أنه يجب على أولياء أمورهن منعهن من الخروج إلى المقابر وهن على تلك الحال وإن لم يفعلوا فهم آثمون والعياذ بالله. وأما وضع جريد النخل وباقات الزهور أو أكاليل الزهور على القبور فلا يجوز أيضاً فهو أمر محدث ولا يصح الاحتجاج بحديث ابن عباس وهو بما معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. ثم أخذ جريدة فشقها نصفين فوضع كل نصف على قبر وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). فهذا الحديث صحيح ولا شك ولكن لا دلالة على فيه على أن وضع جريدة النخل وأكاليل الزهور على قبور الأموات عامة جائز لما يلي:- أولاً: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله أن الرجلين يعذبان ونحن لا نعرف هل أصحاب القبور يعذبون أم لا؟ ثانياً: إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الأموات لأننا نظن ظن السوء أنهم يعذبون وما يدينا لعلهم ينعمون. ثالثاً: إن وضع الجريد والزهور مخالف لما كان عليه سلف الأمة الصالح الذين هم أعلم بشريعة الله منا. رابعاً: إن وضع جريدج النخل على القبر خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الخطابي في معالم السنن "أنه من التبرك بأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه بالتخفيف عنهما .. إلى أن قال: والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص في قبور موتلاهم وأراهم ذهبوا الى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه" 1/ 27. ويؤيد أن وضع الجريد الخاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ما ورد في حديث جابر عند مسلم وفيه (أني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين) فهذا دليل على أن رفع العذاب عنهما كان بسبب شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعائه لا بسبب نداوة الغصنين. وبناء على ما تقدم لاأنصح أحداً من المسلمين بوضع جريد النخل أو أكاليل الزهور على القبور وأنصح من يفعلون ذلك بأن يتصدقوا بثمن ذلك عن أمواتهم فإن ذلك ينفعهم ويصلهم ثوابه إن شاء الله كما قاله بعض المحققين من العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الأعمال التي ينتفع بها الأموات يقول السائل: ما هي الأمور التي ينتفع بها الإنسان بعد وفاته ويصل ثوابها إليه؟ الجواب: إن مما اتفق عليه علماء الإسلام أن الميت ينتفع بدعاء غيره له، قال الإمام النووي: "أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه اليهم". ويدل على ذلك قوله تعالى: (والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) سورة الحشر الآية 10. وكذلك ما ثبت في أحاديث كثيرة من الدعاء للأموات في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك كما ورد في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين ولك بمثل) رواه مسلم وغيره. وكذلك ما ثبت في لحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء غلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم وغيره. ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه، وكذلك فإن المتصدق ينتفع بتلك أيضاً ويدل على ذلك أحاديث وردت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم، فقال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري وغيره. وحائط المخراف: بستان نخل أو عنب كان لسعد فتصدق به عن أمه. وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي أفتلتت نفسها ـ أي ماتت فجأة ـ ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي مات وترك مالاً ولم يوصي فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم) رواه مسلم وغيره. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت قضاء صوم النذر عنه فإذا كان الميت قد نذر صوماً لله تعالى فمات قبل أن يصوم فيجوز لوليه أن يصوم عنه ذلك النذر. ويدل على ذلك الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم. وهذا أرجح أقوال العلماء في الصوم عن الميت أنه يجوز في صوم النذر دون صوم الفريضة وهذا منقول عن عائشة وابن عباس رضي الله عنه، أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهراً فأنجاها الله عز وجل فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضيه؟ قالت: نعم، فدين الله أحق أن يقضى) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ومن الأمور التي تصل الى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه حج الفريضة أو النافلة أو النذر وكذا العمرة وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها: عن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزى أن تحج عنها؟ قال: نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم تجزيء عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد. وعن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن ذلك فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه البخاري وغيره. وهناك أعمال أخرى ينتفع بها الميت على قول طائفة من أهل العلم كتلاوة القرآن وجعل ثواب التلاوة للميت والأضحية عن الميت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أفضل الأعمال التي ينتفع بها الأموات من أبنائهم يقول السائل: ما هي أفضل الأعمال التي يستطيع الأبن عملها وينتفع بها الأب بعد وفاته؟ الجواب: إن من أفضل الأعمال التي يستطيع الولد أن يعملها وينتفع بها أبوه الميت الصدقة. فالصدقة عن الميت تنفعه ويصله ثوابها كما هو مذهب جماهير علماء المسلمين ودل على ذلك ما جاء في الحديث (عن عائشة رضي الله عنهما أن رجلاً فال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن امي افتلتت نفسها ولم توصي ـ أي ماتت فجأة ـ وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم. ويدل على ذلك أيضاً (ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فها ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال نعم، فقال فإني أشهدك أن حائط المخراف صدعة عنها) والمقصود بالحائط: بستان نخل أو عنب. والحديث رواه البخاري وغيره. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت الدعاء له عند زيارة القبور أو كان بشكل عام، يقول الله تعالى: " والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" فهذه الآية تدل على انتفاع الأموات باستغفار الأحياء لهم. قال الإمام النووي"أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه"الأذكار ... ص 140. ويدل على ذلك أيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) رواه مسلم. وقوله (اللهم اغفر لحينا وميتنا ... ) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت على قول بعض العلماء الحج عنه تطوعاً إن كان الميت قد أدى فريضة الحج وكذا قراءة القرآن بأن يجعل القارئ ثواب ما تلى الميت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 يحرم استئجار المقرئين للقراءة على الأموات يقول السائل: ما حكم استئجار المقرئين لقراءة القرآن على روح الميت؟ الجواب: إن استئجار المقرئين لقراءة القرآن على روح الأموات غير جائز شرعاً ومن البدع التي ما أنزل اللهبها من سلطان ودفع المال لهولاء المتاجرين بكتاب الله إنفاق فيما حرم الله وهم يأخذون هذا المال بطريق حرام، والقرآن الكريم ما أنزل للمتاجرة به من هؤلاء الكسالى والعاطلين عن العمل ولا ليتكسب به الدجاجلة والمشعوذون وما أنزل هذا الكتاب الكريم ليقرأ على المقابر أو لافتتاح برامج الإذاعة والتلفاز التي تحارب الله ورسوله ودينه طوال الوقت، إنما أنزل هذا القرآن لنتدبر آياته ولتكون لنا سراجاً منيراً ودستوراً ومنهاجاً لحياة الأمة المسلمة. وهؤلاء الذين يتاجرون بكتاب الله ينطبق عليهم قول بعض السلف (كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه) وهؤلاء المرتزقة يحددون أسعاراً لقراءاتهم وإذا لم يدفع لهم ما يطلبون فإنهم لا يقرؤون وتزداد حرمة هذا الأمر إذا صاحبته أمور منكرة كالأدعية والأذكار التي لا يقرها الشرع الحنيف وكإزعاج الجيران وأهل الحي باستخدام مكبرات الصوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 قراءة القرآن على الأموات يقول السائل: أرجو بيان حكم قرآءة القرآن على أرواح الأموات وهل يصل ثواب القراءة اليهم أم لا؟ والجواب: اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث اشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم. وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان" سورة الحشر آية (10). وما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله .. ) الحديث رواه مسلم. وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال: نعم) رواه مسلم ومعنى افتلت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن امي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال: نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم. هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل اليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية. وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسأله اختلف فيها أهل العلم قال الإمام النووي رحمه الله: (واختلف العلماء في صول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي الى أنه يصل) الأذكار ص 40 وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل الى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم. وهو الذي اختاره واقول به لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن قال ابن قدامة رحمه الله: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله). المغني 2/ 423 ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت يعمل الحي وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) المغني 2/ 423. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وأما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعاً يغير أجرة فهذا يصل اليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ولا يمكن نقله عن واحدة منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليه وقد أرشدهم الى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم اليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب أن مورد هذا السؤال أن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والأستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال وهل هذا الا تفريق بين المتماثلات وأن لم يعترف بوصول تلك الأشياء الى الميت فهو محجوم بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع. وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو انهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي الى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم. ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدوا على الله بأيصال ثوابها الى أمواتهم. فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرشدهم الى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو - صلى الله عليه وسلم - لم يبتدنهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وأمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر .. ) الروح ص 142 - 143. وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك للقاريء ولا لذوي الميت ولا للميت قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وأما الاستئجار لنفس القراءة - أي قراءة القرآن - والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا .. وأما إذا كان لا يقرأ لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء .. ) مجموع الفتاوى 24/ 315 - 316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مأتم الأربعين يقول السائل: ما حكم إقامة مآتم بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الميت؟ والجواب: إن إقامة المأتم بمناسبة الأربعين من البدع المنكرة المنتشرة في مجتمعنا وهي مخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولما في ذلك من تجديد الأحزان على الميت ولما يصاحب ذلك من اضاعة الأموال فيما لا نفع فيه حيث إن بعض الناس قد يتكلفون في اعداد الطعام ويدفعون أموالاً طائلة قد يكون ورثة الميت بحاجة ماسة لها. وهذا الأمر لم يؤثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو احداث في الدين وتشريع لما لم يأذن به الله عز وجل، يقول الله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) سورة الشورى الأية 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الكلام في المسجد يقول السائل: ما قولكم في حديث الناس وكلامهم في المساجد وارتفاع أصواتهم فيها؟ الجواب: إن حال كثير من المساجد اليوم محزن نتيجة لجهل كثير من المسلمين بأحكام المساجد وآدابها فترى في المساجد الحلقات التي يعقدها الناس ويدور الحديث فيها عن الأمور الدنيوية وإذا وقف الحديث عند الأمور المباحة فحسن، ولكن كثيراً منهم يتجاوز المباح الى الحرام فيتكلمون في أعراض الناس ويستغيبونهم ونحو ذلك. والاصل أن الجلوس في المسجد عبادة وينبغي للمسلم أن يشغل وقته في المسجد إما بالصلاة أو بالذكر والدعاء أو يقرأ القرآن فإن لم يفعل شيئاً من ذلك فلا يتجاوز الكلام في الأمور المباحة. ولقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن زمان يتحلق الناس فيه في المساجد لا هم لهم ولا كلام الا في أمور الدنيا وقد ذمهم على ذلك، فقد ورد في الحديث عن ابن مسعود ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يأتي على الناس زمان يحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا وليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم) رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني. ومن الأمور المخالفة للشرع والتي تشوش على المصلين والتالين والذاكرين ويفعلها الناس في المساجد، البحث عن المفقودات فتسمع هذا يبحث عن نقوده وترى المؤذن يعلن عن وجود نقود أو نحوها ويطلب من صاحبها مراجعته وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا ردّ الله عليك) رواه الترمذي والدارمي وهو حديث صحيح. وفي رواية أخرى (من سمع رجلاً ينشد في مسجد ضالة فليقل لا أداها الله اليك فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم. وينبغي أن يعلم أن التشويش في المسجد على المصلين والتالين لكتاب الله والذاكرين لا يجوز حتى ولو كان ذلك بقراءة القرآن فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الألباني. وورد في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الألباني. وقد هم عمر بن الخطاب بتعزيز من يرفعون أصواتهم في المسجد، روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصيني رجل- أي رماني بحصاة- فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ومن التشويش الذي يقع الصياح الذي تسمعه من بعض المصلين في آخر المسجد عن إقامة الصلاة لإتمام الصفوف أو الدخول الى داخل المسجد وهذا أمر لا يجوز لأن المسلم يوم الجمعة عليه أن يتقدم الى الصفوف الأولى ولا يترك فراغاً أمامه وهذا هي السنة كما ورد في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام في حق القادم الى المسجد يوم الجمعة ( .. ودنا من الأمام) أي اقترب من الإمام ثم إذا أقيمت الصلاة فإن من واجب الإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وإكمالها وينبغي على المصلين أن يسمعوا ويطيعوا فيتموا الصفوف ويسدوا الفراغ الموجود في المسجد. وأما أن يأخذ المصلون في آخر المسجد بالصياح واللغط فهذا أمر لا ينبغي ومخالف للهدي النبوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الاستماع لقراءة القران الكريم يقول السائل: هل الاستماع والانصات لقارئ القرآن الكريم، إذا كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد واجب لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)؟ الجواب: يرى كثير من أهل العلم أن هذه الآية الكريمة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصوا لعلكم ترحمون) سورة الأعراف /204. قد نزلت في الصلاة، وهذا يدل على أن الإستماع لقراءة القرآن يكون واجباً حال قراءة الإمام للقرآن في الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلاً، ونقل ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، أن هذه الأية نزلت في الصلاة عن جماعة من السلف، فقد روى ابن جرير بسنده عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما تزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن). أمروا بالإنصات. وروي مثل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والزهري وعطاء وعبيد بن عمير وعن سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وابراهيم النخعي وقتادة وغيرهم. وهذا أرجح أقوال العلم في سبب نزول هذه الآية وبناء عليه يكون الإستماع واجباً لقراءة الإمام في الصلاة. وأما الاستماع والإنصات لقراءة القارئ خارج الصلاة، سواء كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد أو كان يقرأ من المسجل فمندوبه، قال ابن عبد البر: "في قول الله عز وجل: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر إمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء، وأن يستمع له وينصت "فتح المالك بترتيب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 2/ 126. وذكر ابن عبد البر في الإستذكار وفي التمهيد خبر أبي عياض عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)) وقال إبراهيم بن مسلم: "فقلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يسمع، قال: إنما ذلك في الصلاة المكتوبة، فأما في الصلاة غير المكتوبة فإن شئت سمعت وإن شئت مضيت ولم تسمع " الإستذكار 4/ 230. وقال ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوال العلماء في تأويل الاية السابقة:" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه في الخطبة، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) واجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة، الإستماع والإنصات لها مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والأنصات لسماعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر من قوله: (إذا قرأ الأمام فأنصتوا). فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان مؤتماً سامعاً قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تفسير الطبري 6/ 166. وروى الطبري بإسناده عن سعيد بن جبير أن الأية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)، قال:" الانصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام في الصلاة" تفسير الطبري 6/ 166. وعلق القرطبي على قول سعيد بن جبير بعد أن نقله بقوله: " وهو الصحيح لأنه يجمع ما أوجبته هذه الآية وغيرها من السنة في الإنصات "تفسير القرطبيي 7/ 353 - 354 ثم نقل القرطبي عن النقاش قوله: " أجمع أهل التفسير أن هذا الإستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة". وحكى ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الإستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة وذلك أن إيجابهما على كل من يسمع أحداً يقرأ فيه حرج عظيم لأنه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه والمشتغل بالحكم حكمه، والمتبايعان مساومتهما وتعاقدهما، وكل ذي شغل شغله "تفسير المنار 9/ 552 - 553. وقال العز بن عبد السلام: " الإستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الأداب المشروعة المحثوث عليها، والإنشغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الإستماع سوء أدب على الشرع " فتاوى العز بن عبد السلام ص 485 - 586. وقال جلال الدين السيوطي: " يسن الإستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة، قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون). الاتقان 1/ 145. ومما يدل على أن الإستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة والخطبة مندوب ما ورد من الأدلة في جواز الكلام خارج الصلاة والخطبة. ومما ينبغي التنبيه عليه، ان ترك الإستماع والإنصات للقرآن والإنشغال بالأحاديث المختلفة مكروه كرهية شديدة، وتكون الكراهة أشد إذا كان المتحدثون بأمور الدنيا قرب قارئ القرآن، وأما إذا كان المجلس فيه كثير من الناس يستمعون وينصتون، فتنحى بعضهم وتحدثوا بصوت منخفض من غير تشويش على الاخرين فالخطب هين ويسير. ولا يعني قولنا إن الاستماع لقارئ القرآن في المسجد أو الإذاعة أو من المسجل مندوب أن يتساهل الناس في الإستماع لكلام الله، فينبغي لكل مسلم أن يحرص على الإستماع والإنصات لقراءة القرآن وأن يتأدب في مجلس قراءة القرآن. كما وينبغي التنبيه أن بعض القراء يستئون في قرائتهم للقرآن الكريم، ويشوشون على عباد الله، كالقراء الذين يقرآون في المآتم عبر مكبرات الصوت، فإن ذلك حرام شرعاً، وكذلك القراء الذين يقرأون عبر مكبرات الصوت قبل صلاة الجمعة وقبل الآذان للصلوات الخمس، فكل ذلك من البدع المخالفة للشرع لأن هؤلاء وأولئك يشوشون على عباد الله، وخاصة يوم الجمعة، فإن الوقت قبل صلاة الجمعة هو وقت للتنقل والدعاء وللذكر والاستغفار، ولا ينبغي لأحد أن يشوش على عباد الله في قراءة القرآن، ولا بالدروس ولا بالمواعظ، وأنما كل مسلم يقرأ إن رغب أو يصلي أو يدعو أو يستغفر لوحده. وقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه الإمام مالك، وقال الشيخ الألباني: سنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 التكبير عند ختم المصحف يقول السائل: ما حكم التكبير عند ختم المصحف من سورة الضحى إلى سورة الناس؟ الجواب: إن التكبير المشار إليه في السؤال لم يثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسند صحيح ولم يقل به أكثر القراء لذلك فلا ينبغي لأحد أن يفعله لأنه ليس من السنة. ونقل التكبير من سورة الضحى إلى آخر المصحف البزي عن إبن كثير عن مجاهد ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن مفلح: (وهذا حديث غريب رواية أحمد ين محمد بن عبد الله البزي وهو ثبت في القراءة، ضعيف في الحديث وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر .. ) الأداب الشرعية2/ 310. وفضل شيخ الإسلام ابن تيمية أن لا يكبر القارئ فقد أجاب على سؤال بأن جماعة قرأوا القرآن فاذا وصلوا إلى الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا؟ فأجاب: الحمد لله نعم إذا قرأوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل بل المشروع المسنون فان هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها) مجموع الفتاى 13/ 417. زكاة أموال التجارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يقول السائل: كيف يزكي التجار تجارتهم ؟ الجواب: إذا حلّ الشهر الذي يؤدي التاجر فيه زكاة أمواله فإنه يقوم بحصر أمواله من التجارة والتي تشمل البضائع الموجودة لديه والتي لم تبع بعد وكذلك أموله السائلة وماله من ديون على الناس إذا كانت مضمونة فيقوم البضائع الموجودة لديه بسعرها الحاضر ويضم إلى ذلك أرباحه ومدخراته وديونه المضمونة الأداء ويخصم ما عليه من دين إن كان هناك دين ثم يخرج زكاة الباقي بنسبة 2,5% أي ربع العشر. وينبغي التنبيه على أن الأجهزة والمعدات لا تدخل في الزكاة فمثلاً إذا كانت لديه ثلاجات أو خزائن أو مبنى أو سيارة لخدمة المحل أو نحو ذلك فلا تحسب من ضمن مال الزكاة وإنما الزكاة على الأموال السائلة وهي الأموال المعدة للبيع لما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب قال (كان رسول - صلى الله عليه وسلم - وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يعد للبيع) رواه أبو داود والدارقطني واختلف في سنده وحسنه ابن عبد البر. كما وأن تقويم البضائع والسلع يكون بناء على سعرها الحالي الذي تباع به وقت التقويم وهذا قول أكثر الفقهاء. ويجوز للتاجر أن يخرج زكاة تجارته من أعيان تلك التجارة كتاجر المواد الغذائية فيجوز له أن يخرجها مما عنده من أرز أو طحين أو سكر وغيرها، ويجوز له أيضاً أن يخرج مما وجب عليه نقداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 زكاة الزيتون يقول السائل: كيف تخرج زكاة الزيتون؟ وإذا عصر الزيتون فهل تخرج من الزيت؟ وما هو النصاب الشرعي في تلك؟ وهل يجوز إخراج النقود بدلاً من الزيت والزيتون؟ الجواب: قال أكثر أهل العلم بوجوب الزكاة في الزيتون إذا تحققت شروط وجوب الزكاة فيه وهذا القول هو الراجح إن شاء الله وهو الذي تؤيده عمومات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشهد له حكمة الشريعة الإسلامية وعدلها وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنها وعن الزهري والأوزاعي والليث والثوري والحنفية في القول المعتمد عندهم والمالكية وهو أحد القولين في مذهب أحمد وهو قول الشافعي في القديم. يقول الله سبحانه وتعالى (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وأتوا حقه يوم حصاده) الأنعام الآية 141. وورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال) فيما سقت السماء والعيون أو كان بعلاً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البخاري وأصحاب السنن. فإذا قطف المزارع الزيتون وبلغ نصاباً وهو المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم - (ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة) متفق عليه والخمسة أو سق تساوي في زماننا هذا (653) كيلو غرام على وجه التقريب فتجب الزكاة فيه ومقدار الواجب هو العشر أي (10%) إذا كان يسقي بماء السماء كما هو الواقع بالنسبة لمعظم أشجار الزيتون في بلادنا حيث يعتمد المزارعون في سقيها على الأمطار. وأما إذا كانت تسقى بعض السنة بوسائل الري المعروفة الآن فيكون مقدار الواجب هو نصف العشر أي (5%)، وأما إذا كانت تشقى بعض السنة بماء المطر وبعضها الآخر بوسائل الري المعروفة ففيها ثلاثة أرباع العشر (7,5%). ويجوز للمزارع أن يخرج المقدار الواجب من زكاة الزيتون حباً إن أراد أو زيتاً. وينبغي أن يكون ما يخرجه هو الأنفع للفقراء والمحتاجين والأيسر على المزارعين والمعروف اليوم أن كثيراً من المزارعين يعصرون الزيتون فيخرجون من الزيت المقدار الواجب بعد أن يكون الحب قد بلغ نصاباً كما ذكرت. ويجوز للمزارع أن يدفع قيمة المقدار الواجب من الزكاة نقداً ولا بأس في ذلك كما هو مذهب الحنفية والقول المشهور عند المالكية وهو رواية في مذهب الحنابلة ومنقول عن الثوري وعمر بن عبد العزيز من فقهاء السلف. وقد يكون اخراج القيمة أنفع للفقراء والمحتاجين من اخراج الأعيان. ويجب على المزارع ألا يبخس المستحقين للزكاة حقهم فيقدر القيمة بما عليه السعر في السوق يوم اخراج الزكاة. كما وأن على المزارع أن يبادر إلى إخراج الزكاة بمجرد انتهائه من قطف الزيتون حباً أوعصره زيتاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 صرف الزكاة للزوج الفقير تقول السائلة: هل يجوز للزوجة أن تصرف زكاة أموالها لزوجها الفقير؟ الجواب: نعم يجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها الفقير وهذا قول جمهور أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان يجزيء عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه انت قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: أئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على زوجيهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن. قالت فدخل بلال فسأله قال له: من هما؟ فقال امرأة من الأنصار وزينب فقال: أي الزيانب؟ فقال: امرأة' عبد الله فقال: لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 يجوز إخراج النقود في زكاة الفطر يقول السائل: ما حكم إخراج النقود في صدقة الفطر؟ وما هو وقت وجوبها؟ وهل يجوز تعجيلها؟ ولمن تعطى؟ الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد ثبتت بأحاديث كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها: حديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - قال (كنا نعطيها في زمان النبي صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكور والأنثى والصغير والكبير من المسمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - قال (كنا نعيطيها في زمان النبي صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء- أي القمح الشامي- قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين) رواه البخاري. وجمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب إخراج الأعيان في صدقة الفطر كالتمر والشعير والزبيب أو من غالب قوت الناس ولا يجيزون إخراج القيمة أي إخراج النقود. ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة ونقل هذت القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا هو القول الراجح إن شاء الله لما يلي: أولاً: إن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة) والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازاً وبيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود. ثانياً: إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ماورد عن طاووس قال معاذ باليمن: أنتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر الأثر عن معاذ ونصه (وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن أئتوني بعرض ثياب خميص أو ليبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله بالمدينة) واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/ 54. ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قادة إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك على جوازه ومشروعيته. ثالثاً: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غاير بين القدر الواجب من الاعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة فجعل من التمر والشعير صاعاً ومن البر نصف صاع وذلك لكونه أكثر ثمناً في عصره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام اعتبر القيمة. ورواية نصف الصاع من البر ثبتت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة ولا يسلم ضعفها كما قال بعض المحدثين. رابعاً: إن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء وسد حاجتهم وهذا المقصود يتحقق بالنقود أكثر من تحققه بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته ومن المشاهد في بعض بلاد المسلمين أن الفقراء يبيعون الأعيان (القمح والأرز) إلى التجار بأبخس الأثمان نظراً لحاجتهم إلى النقود. خامساً: قال الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره وإنما أراد بذلك التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل أو لا يوجد عنده منها شيء وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب أو الإقط، لهذا كان اخراج الطعام أيسر على المعطي وأنفع للأخذ ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا (الإقط) وهو اللبن المجفف المنزوع زبده فكل إنسان يخرج من الميسور لديه. ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر ومن بلد لآخر ومن مال لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والإنخفاض حسب قدرة النقود على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فأن هذا أقرب إلى العدل وأبعد عن التقلب". وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على رجحان مذهب الحنفية القائلين بجواز إخراج القيمة في صدقة الفطر ومن أراد الإستزادة فليراجع كتاب الإمام المحدث أحمد بن محمد الغماري بعنوان (تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال). وأما بقية الأسئلة فنقول في الجواب عنها: إن وقت وجوب صدقة الفطر هو غروب شمس أخر يوم من رمضان عند الجمهور وطلوع فجر يوم العيد عند الحنفية. هذا وقت الوجوب وقد أجازوا تقديمها عن وقت الوجوب وهو الأصلح والأنفع للفقراء فعند الحنفية يجوز تعجيلها من أول العام وعند الشافعية يجوز تعجيلها من أول رمضان وعند المالكية والحنابلة يجوز تقديمها بيوم أو يومين لقول ابن عمر (كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري. وهذا قول حسن وثبت من فعل جماعة من الصحابة تعجيلها بيوم أو يومين أو ثلاثة حتى يتمكن الفقير من شراء ما يلزمه قبل يوم العيد. وتصرف صدقة الفطر للفقراء والمساكين والمحتاجين فقط ولا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية على الراجح من أقوال أهل العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مضى العيد ولم يخرج زكاة الفطر ما حكم شخص لم يخرج زكاة الفطر حتى مضى العيد؟ والجواب: أن صدقة الفطر واجبة ومؤقته بوقت محدد وهو قبل صلاة العيد. فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وقد أورد ابن عيينه في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمه قال: يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) - سورة الأعلى الآيتان 14 - 15. فإذا قامت صلاة العيد ولم يخرج صدقة الفطر فقد أتى مكروها كما قال جمهور الفقهاء وأما أن اخرها حتى انقضاء يوم العيد فأكثر الفقهاء على أن ذلك التأخير حرام ولكنها لا تسقط بل تبقى دينا في ذمته حتى يخرجها. قال بعض أهل العلم أن تأخيرها عن يوم العيد حرام بالاتفاق لأنها زكاة واجبة فوجب أن يكون في تأخيرها اثم كما في اخراج الصلاة عن وقتها نيل الأوطار 4/ 207. ويدل على ذلك حديث ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات- رواه أبو داود وأبن ماجة والحاكم وصححه. قال ابن حزم: فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له فهي دين لهم وحق من حقوقهم وقد وجب اخراجها من ماله وحرم عليه امساكها في ماله فوجب عليه أداؤها أبدا وبالله تعالى التوفيق ويسقط بذلك حقهم ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت لا يقد على جبره الا بالاستغفار والندامة - المحلى 4/ 266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52