الكتاب: رسالة في أصول الفقه المؤلف: أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب العكبريّ الحنبلي (المتوفى: 428هـ) المحقق: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر الناشر: المكتبة المكية - مكة المكرمة الطبعة: الأولى، 1413هـ-1992م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- رسالة في أصول الفقه العكبري، ابن شِهَاب الكتاب: رسالة في أصول الفقه المؤلف: أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب العكبريّ الحنبلي (المتوفى: 428هـ) المحقق: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر الناشر: المكتبة المكية - مكة المكرمة الطبعة: الأولى، 1413هـ-1992م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أَبُو على الْحسن بن شهَاب العكبري الْحَنْبَلِيّ رَضِي الله عَنهُ وأرضاه آمين الْحَمد لله ذِي الْحجَج البوالغ وَالنعَم السوابغ حمدا يروي أصُول رياض أفضاله كَمَا يَنْبَغِي لكرم وَجهه وَعز جَلَاله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ المفيض بجوده ونواله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين هم شَجَرَة أَصْلهَا النُّبُوَّة وفرعها الْمُرُوءَة وَأَصْحَابه الَّذين هم زِينَة الْحَيَاة وسفينة النجَاة وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا اعْلَم فهمك الله ونفعك بِهِ إِن إحكام الْفِقْه سَبْعَة أَقسَام وَاجِب ومباح ومحظور ومندوب إِلَيْهِ وَسنة وصحيح وفاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فَالْوَاجِب مَا يُثَاب الْمُكَلف على فعله ويعاقب على تَركه وَلَو قلت مَا كَانَ فِي تَركه عِقَاب أَجْزَأَ وتميز من الْمَنْدُوب والحتم وَاللَّازِم والمكتوب عبارَة عَن الْفَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَالْفَرْض هُوَ الْوَاجِب وَالصَّحِيح عَن أَحْمد رَضِي الله عَنهُ لِأَن حدهما فِي الشَّرْع سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 والمباح مل فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مَأْذُون فِيهِ لفَاعِله لَا ثَوَاب لَهُ فِي فعله وَلَا عِقَاب عَلَيْهِ فِي تَركه وَفِيه احْتِرَاز من أَفعَال المجانين وَالصبيان والبهائم لِأَنَّهُ لَا يَصح إذْنهمْ وإعلامهم بِهِ وَلَا يدْخل على ذَلِك فعل الله كَمَا لَا يجوز أَن يُوصف أَنه مَأْذُون لَهُ والمحظور مَا يُعَاقب الْمُكَلف على فعله ويثاب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 تَركه وَالنَّدْب استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على وَجه يتَضَمَّن التَّخْيِير بَين الْفِعْل وَالتّرْك وَالْمَنْدُوب مَا كَانَ فِي فعله ثَوَاب وَلَيْسَ فِي تَركه عِقَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وحد السّنة مَا رسم ليتخذا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي من سنّ حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن سنّ سَيِّئَة فَعَلَيهِ وزرها من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَقد يَقع إِطْلَاق اسْم السّنة على الْوَاجِب وَمَا لَيْسَ بِوَاجِب قَالَ الله تَعَالَى (سنت الله الَّتِي قد خلت ف عباده) أَي شَرِيعَة الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من السّنة أَن لَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ وَأَرَادَ الشَّرِيعَة والشريعة تعم الْوَاجِب وَغَيره إِلَّا أَن الْغَالِب عِنْد الْفُقَهَاء أَن إِطْلَاق اسْم السّنة يَقع على مَا لَيْسَ بِوَاجِب فعلى هَذَا يجب أَن يُقَال مَا رسم ليتخذا اسْتِحْبَابا وَالصَّحِيح مَا طابق الْعقل وَالنَّقْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَالْفَاسِد بِخِلَافِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فصل وَدلَالَة الشَّرْع سِتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أصُول تشْتَمل على سِتَّة فُصُول كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه وَإِجْمَاع أمته وَالْقِيَاس واستصحاب الْحَال وَقَول الصَّحَابِيّ الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْفَصْل الأول الْكتاب ويشتمل على عشرَة أَصْنَاف خَاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وعام ومحكم ومتشابه ومجمل وَمُطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ فالمحكم حَده مَا تأبد حكمه ويعبر بِهِ أَيْضا عَن الْمُفَسّر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ ءايت محكمت هن أم الْكتب وَأخر متشابهات) وَأَرَادَ بالمحكمات المفسرة والمستغنية فِي مَعَانِيهَا عَمَّا يُفَسِّرهَا وحد ذَلِك مَا يعقل مَعْنَاهُ والمتشابه هُوَ الَّذِي يحْتَاج فِي معرفَة مَعْنَاهُ إِلَى تفكر وتدبر وقرائن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تبينه وتزيل إشكاله والمجمل مَا لم يبن عَن المُرَاد بِنَفسِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 (وءاتوا حَقه يَوْم حصاد) فَإِن ذَلِك مُجمل فِي جنس الْحق وَقدره وَيحْتَاج إِلَى دَلِيل يُبينهُ ويفسر مَعْنَاهُ وَمثل قَوْله تَعَالَى (قل لَا أجد مَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا أَو لحم خِنْزِير) فَلَمَّا نهى صلى عَلَيْهِ وَسلم عَن كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير دلّت أَحْكَام صَاحب الشَّرْع أَن الْآيَة لَيست على ظَاهرهَا وَأَنه هُوَ الْمعبر لما فِي كتاب الله تَعَالَى وَمن لزم ظَاهر الْآيَة لزمَه ان يُبِيح لحم الْكَلْب والفأرة والفيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 والقرد وَغير ذَلِك مِمَّا نهي عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَالْمُطلق هُوَ المتناول لوَاحِد لَا بِعَيْنِه بِاعْتِبَار حَقِيقَة شَامِلَة لجنس وَهِي النكرَة فِي سِيَاق الْأَمر (فَتَحْرِير رَقَبَة) وَقد يكون فِي الْخَبَر كَقَوْلِه لَا نِكَاح إِلَّا بولِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 والمقيد هُوَ المتناول لمُعين وَغير معِين مَوْصُوف بِأَمْر زَائِد على الْحَقِيقَة كَقَوْلِه تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 (وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين قيد الرَّقَبَة بِالْإِيمَان وَالصِّيَام بالتتابع والنسخ فِي اللُّغَة الرّفْع والإزالة كَقَوْلِهِم نسخت الرِّيَاح الْآثَار أَي أزالتها وَهِي عرف الْفُقَهَاء انْقِضَاء مُدَّة الْعِبَادَة الَّتِي ظَاهرهَا الْإِطْلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَإِن شِئْت قلت بَيَان مَا لم يرد بِاللَّفْظِ الْعَام فِي الْأَزْمَان مَعَ تراخيه واحتراز من الحكم الْمُعَلق على زمَان مَخْصُوص فَإِن لَيْسَ بنسخ لَهُ لِأَن الحكم لم يكن مُطلقًا مثل قَوْله تَعَالَى (ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل) فَلَيْسَ انْقِضَاء اللَّيْل نسخا للْحكم الْمُعَلق فِيهِ وَلَا انْقِضَاء النَّهَار نسخا للصَّوْم الْمَأْمُور بِهِ فِيهِ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الْفَصْل الثَّانِي فِي سنة رَسُول الله وقسمتها قسْمَة الْكتاب وتزيد عَلَيْهِ بقسمين يختصان بهَا دون الْكتاب الْفِعْل وَالْإِقْرَار على القَوْل وَالْفِعْل فَفعله يجب أَن يقْتَدى بِهِ فِي إِيجَاب وَندب وَإِبَاحَة لمساواته لنا فِي التَّكْلِيف وَالدُّخُول تَحت المرسوم وَالْحُدُود فَأَما فعل الله تَعَالَى فخارج عَن هَذَا القيبل لعدم دُخُوله تَحت مرسوم لِأَنَّهُ حَاكم غير مَحْكُوم عَلَيْهِ وَإِقْرَاره على القَوْل وَالْفِعْل يدل على الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ بعث مُبينًا ومؤدبا ومعرفا وُجُوه الْفساد وَالصَّلَاح فَلَا يجوز عَلَيْهِ الْإِقْرَار على مَا هُوَ قَبِيح فِي الشَّرْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَإِقْرَار الله تَعَالَى على مَا يعلم قبحه لَا يدل على التشريع لِأَنَّهُ إِنَّمَا أقرّ بِتَأْخِير الْمُؤَاخَذَة والإمهال عَن المعاجلة بِخِلَاف الرُّسُل فَإِنَّهُم سفراء عَنهُ فِي الزّجر عَن ارْتِكَاب الْمَفَاسِد الْمنْهِي عَنْهَا والحث على الْمصَالح الْمَأْمُور بهَا فَأَما الْإِقْرَار على القَوْل فنحو مَا رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لماعز إِن أَقرَرت أَرْبعا رجمك رَسُول الله فَكَانَ ذَلِك جَارِيا مجْرى قَوْله إِن أَقرَرت أَرْبعا رَجَمْتُك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَأما الْإِقْرَار على الْفِعْل فنحو مَا رُوِيَ أَن جواريا من بني النجار كن يضربن بالدف وَيَقُلْنَ (نَحن جوَار من بني النجار ... وحبذا مُحَمَّد من جَار) فَقَالَ اعْلَم أَنِّي أحبكم وَلم ينههم عَن ذَلِك فَدلَّ على جَوَازه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الْفَصْل الثَّالِث إِجْمَاع أمته وَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم النَّازِلَة وَيعرف اتِّفَاقهم بقَوْلهمْ أَو بقول بَعضهم وسكوت البَاقِينَ حَتَّى ينقرض الْعَصْر عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَهُوَ مَأْخُوذ من الْعَزْم على الشَّيْء كَمَا يُقَال أَجمعُوا أَمرهم بَينهم أَي عزموا عَلَيْهِ فَإِذا عزم الْأَمر وَهُوَ حجَّة خلافًا للنظام لأَنهم معصومون عَن الْخَطَأ بقوله لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَقَوله من فَارق الْجَمَاعَة وَلَو قيد شبر خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الْفَصْل الرَّابِع الْقيَاس وَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل بعلة جَامِعَة بَينهمَا وَهَذَا حد الْقيَاس فِي الأَصْل من حَيْثُ الْجُمْلَة وَقد حدوه بعبارات مُخْتَلفَة وَالْمعْنَى مُتَّفق وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يبْنى على أصل وَفرع وَعلة وَحكم فَالْأَصْل مَا يثبت بِهِ حكم غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَالْفرع مَا يثبت حكمه بِغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي يثبت بِالْعِلَّةِ حكمه وَذَلِكَ مُخْتَلف فِيهِ وَلَيْسَ من شَرطه أَن يشابه الأَصْل فِي جَمِيع صِفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ هُوَ هُوَ أَو هُوَ بعضه وَالْعلَّة هِيَ الْمَعْنى الجالب للْحكم وَالْحكم الثَّابِت بِالْقِيَاسِ وَهُوَ قَضَاء الشَّرْع والمستنبط وَهُوَ الْمَطْلُوب بِالنّظرِ الَّذِي تنصب لأَجله الْأَدِلَّة وتساع لَهُ الأقيسة وَالْقِيَاس على ضَرْبَيْنِ وَاضح وخفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فالواضح مَا وجد فِيهِ معنى الأَصْل فِي الْفَرْع بِكَمَالِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى (فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب) فَذكر الْإِحْصَان تَنْبِيه بِأَعْلَى حالتيها على أدناهما ذكر نصف الْعَذَاب يُوضح أَن الْعلَّة فِيهِ الرّقّ فَيَنْبَغِي أَن يلْحق العَبْد بهَا فِي نُقْصَان الْحَد وَمثل قِيَاس النَّبِيذ على الْخمر بعلة أَن شرابه فِيهِ شدَّة مطربة وَأما الْقيَاس الْخَفي فَهُوَ قِيَاس الشّبَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَمعنى قِيَاس الشّبَه أَن يتَرَدَّد فرع بَين أصلين لَهُ شبه بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا وَشبه بِأَحَدِهِمَا أَكثر فَيرد إِلَى أكثرهما شبها بِهِ مثل صِحَة ملك العَبْد بشبه الْأَحْرَار من حَيْثُ التَّكْلِيف وَوُجُوب الْحُدُود وَالْقصاص وَملك الإبضاع وَالطَّلَاق وبشبه الْبَهَائِم حَيْثُ كَونه مَمْلُوكا ومضمونا بِالْقيمَةِ فِي الْغَضَب والإتلاف فليحق بأكثرهما شبها بِهِ وكاستدلالنا على التَّرْتِيب فِي طَهَارَة الْحَدث بالأفعال المتغايرة وإفسادها بِالنَّوْمِ وَالْحَدَث وَهَذَا الِاسْتِدْلَال بِهِ ظَاهر قوي على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وأصول الْفِقْه عبارَة عَن الْكَلَام فِي أَدِلَّة الْفِقْه دون غَيرهَا وَالْفِقْه فِي اللِّسَان الْفَهم من قَوْلهم فلَان فقه قولي أَي فهمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم) وَفِي الشَّرِيعَة الْعلم بِأَفْعَال الْمُكَلّفين الشَّرْعِيَّة دون الْعَقْلِيَّة من حظر وَإِبَاحَة وَندب وَكَرَاهَة وَالْحَد هُوَ الْجَامِع لما فرقه التَّفْصِيل الْمَانِع من دُخُول مَا لَيْسَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 جملَته فِيهِ وَمِنْه سميت الْمَرْأَة محدة إِذا امْتنعت من الزِّينَة والعقوبة حدا لما فِيهَا من الْمَنْع من مواقعة الْمَحْظُور والتكليف فِي اللِّسَان إِلْزَام مَا فِيهِ كلفه أَي مشقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قَالَت الخنساء فِي صَخْر (يكلفه الْقَوْم مَا نابهم ... وَإِن كَانَ أَصْغَرهم مولد) وَفِي الشَّرْع الْخطاب بِأَمْر أَو نهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَله شُرُوط يرجع بَعْضهَا إِلَى الْمُكَلف وَبَعضهَا إِلَى نفس الْمُكَلف بِهِ والعزيمة فِي اللِّسَان الْقَصْد الْمُؤَكّد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَلم نجد لَهُ عزما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَفِي الشَّرْع مَا لزم بِإِيجَاب الله تَعَالَى والرخصة فِي اللِّسَان السهولة واليسر من قَوْلهم رخص السّعر إِذا سهل شِرَاءَهُ وَفِي الشَّرِيعَة اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور مَعَ قيام السَّبَب الْحَاضِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَالِاسْتِحْسَان ترك حكم لحكم أولى مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مثل تَقْدِيم مَا يثبت بِالنَّصِّ على مَا يثبت بِالْقِيَاسِ اسْتِحْسَانًا وَالْبَيَان فِي اللُّغَة الْقطع وَمِنْه الْبَيْنُونَة فِي الطَّلَاق لِأَنَّهَا تقطع عصمَة نِكَاح الْمَرْأَة من الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ويعنى بِالْعِلَّةِ منَاط الحكم وَسميت عِلّة لِأَنَّهَا غيرت حَال الْمحل أخذا من عِلّة الْمَرِيض لِأَنَّهَا اقْتَضَت تغير حَاله وَالِاجْتِهَاد بذل الوسع فِي طلب الْغَرَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَهُوَ على ثَلَاثَة أضْرب تَحْقِيق المناط وتنقيح المناط وَتَخْرِيج المناط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أما تَحْقِيق المناط فنوعان أَحدهمَا لَا نَعْرِف فِي جَوَازه خلافًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَهُوَ أَن تكون الْقَاعِدَة الْكُلية فِي الأَصْل مجمعا عَلَيْهَا ويجتهد على تحقيقها فِي الْفَرْع مِثَاله تعْيين الإِمَام وَالْعدْل وَقدر الْكِفَايَة فِي النَّفَقَات وَنَحْو ذَلِك يعبر عَنهُ بتحقيق المناط إِذا كَانَ مَعْلُوما لَكِن تَعَذَّرَتْ معرفَة وجوده فِي آحَاد الصُّور فاستدل عَلَيْهِ لإمارات وَهَذَا من صُورَة كل شَرِيعَة لِأَن التَّنْصِيص عَدَالَة كل شَاهد وقدرها كِفَايَة كل شخص لَا بوحدها الثَّانِي مَا عرف عِلّة الحكم فِيهِ بِنَصّ أَو إِجْمَاع فيبين الكجتهد وجودهَا فِي الْفَرْع بِاجْتِهَادِهِ مِثَاله قَول النَّبِي فِي الْهِرَّة إِنَّهَا لَيست بنجسة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 والطوافات فَجعل الطّواف عَلَيْهِ فيبين الْمُجْتَهد وجود الطّواف فِي سَائِر الحشرات كالفأرة وَنَحْوهَا ليلحقها بالهرة فِي الطَّهَارَة فَهَذَا قِيَاس جلي أقرّ بِهِ جمَاعَة من منكري الْقيَاس وَأما تَنْقِيح المناط فَهُوَ أَن يضيف الشَّارِع الحكم إِلَى شبه تقترن بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أَوْصَاف لَا مدْخل لَهَا فِي الْإِضَافَة فَيجب حذفهَا عَن الِاعْتِبَار ليسع الحكم مِثَاله قَوْله للأعرابي الَّذِي قَالَ هَلَكت يَا رَسُول الله قَالَ مَا صنعت قَالَ وَقعت على أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان قَالَ اعْتِقْ رَقَبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فكونه أَعْرَابِيًا لَا أثر لَهُ فليحق بِهِ الأعجمي لِأَنَّهُ وقاع مُكَلّف لَا وقاع أَعْرَابِي إِذْ التكاليف تعم جَمِيع الْمُكَلّفين وَكَون الْمَرْأَة مَنْكُوحَة لَا أثر لَهُ فَإِن الزِّنَا أَشد فِي انتهاك الْحُرْمَة فَهَذِهِ إلحاقات مَعْلُومَة تبنى على منَاط الحكم تحذف لما علم من عَادَة الشَّرْع فِي مصادره أَنه لَا مدْخل لَهُ فِي التَّأْثِير وَأما تَخْرِيج المناط فَهُوَ أَن ينص الشَّارِع على حكم فِي مَحل وَلَا يتَعَرَّض لمناطه أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كتحريمه شرب الْخمر وتحريمه الرِّبَا فِي الْبر فنستنبط بِالرَّأْيِ وَالنَّظَر فَنَقُول حرم الْخمر لكَونه مُسكرا فقيس عَلَيْهِ النَّبِيذ وَحرم الرِّبَا فِي الْبر لِأَنَّهُ مَكِيل جنس فقيس عَلَيْهِ الْأرز وَأما دَلِيل الْخطاب وَيُسمى مَفْهُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْمُخَالفَة فَهُوَ تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر فَيدل على نفي حكم مَا عداهُ وَلَا فرق بَين أَن تعلق باسم أَو صفة كَقَوْلِه تَعَالَى (وَمن قتل مُؤمنا خطئا فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة) وَقَوله غليه الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 دَلِيله انتقاء الحكم فِي المعلوفة والكافرة والعائذ أَو تعلق بِعَدَد كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام لَا تحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الإملاجة وَلَا الإملاجتان لَيْسَ فِي القطرة وَلَا القطرتين من الدَّم وضوء أَو تعلق بِمد الحكم إِلَى غَايَة بِصِيغَة إِلَى وَحَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 كَقَوْلِه تَعَالَى ( {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل) أَو تعلق على شَرط كَقَوْلِه تَعَالَى (وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ) خلافًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الشَّافِعِي والتميمي من أَصْحَابنَا لَيْسَ بِحجَّة لنا أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى (إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فَقَالَ رَسُول الله وَالله لأزيدنهم على السّبْعين رَوَاهُ يحيى بن سَلام فِي تَفْسِيره وَفِي لفظ قد خيرني رَبِّي فوَاللَّه لأزيدنهم على السّبْعين ولإجماع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ رُوِيَ عَن يعلى بن أُميَّة أَنه قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَيفَ نقصر وَقد أمنا وَالله تَعَالَى يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 (فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا) فَقَالَ عمر عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت رَسُول الله عَن ذَلِك فَقَالَ صَدَقَة تصدق الله تَعَالَى بهَا عَلَيْكُم فَأَقْبَلُوا صدقته رَوَاهُ مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ففهما من تَعْلِيق إِبَاحَة الْقصر على حَالَة الْخَوْف وجوب الْإِتْمَام حَال الْأَمْن وعجبا من ذَلِك وَلم يظْهر لَهما مُخَالف وَلِأَن تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر لَا بُد من فَائِدَة فَإِن اسْتَوَت السَّائِمَة والمعلوفة فَلم خص السَّائِمَة بِالذكر مَعَ عُمُوم الحكم وَالْحَاجة إِلَى الْبَيَان شَامِلَة للقسمين بل لَو قَالَ فِي الْغنم الزَّكَاة لَكَانَ أخص فِي اللَّفْظ وأعم فِي بَيَان الحكم فالتطويل لغير حَاجَة يكون عَبَثا لكنه كَلَام صَاحب الشَّرِيعَة عَنهُ فَكيف إِذا تضمن إِسْقَاط بعض الْمَقْصُود فَيظْهر أَن الْقسم الْمَسْكُوت عَنهُ غير مسَاوٍ للمذكور فِي الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فَأَما إِسْقَاط دَلِيل الْخطاب فِي جَوَاز الْخلْع حَالَة الْوِفَاق وَفِيمَا زَاد على الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي يجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَنَحْو ذَلِك لدَلِيل دلّ هُنَاكَ فَلَا يدل على إِسْقَاطه فِي كل مَوضِع من كتاب الله عز وَجل وَلم يدل على إِسْقَاطه رَأْسا فَكَذَلِك هَا هُنَا وَأما مَفْهُوم الْخطاب فَهُوَ التَّنْبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بالمنطوق بِهِ على حكم الْمَسْكُوت عَنهُ مثل حذف الْمُضَاف كَقَوْلِه تَعَالَى (فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية وَمَعْنَاهُ فحلق ففدية وَكَقَوْلِه تَعَالَى فَلَا تقل لَهما أُفٍّ نبه بالتأفف على تَحْرِيم الشتم وَالضَّرْب وَسَائِر أَسبَاب التعنيف لِأَنَّهُ إِنَّمَا منع من التأفيف لما فِيهِ من الْأَذَى وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ أعظم فَوَجَبَ أَن يكون بِالْمَنْعِ أولى وكنهيه عَن التَّضْحِيَة بالعوراء فَفِيهِ تَنْبِيه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 العمياء لِأَن الْعَمى فِيهِ عور وَزِيَادَة وَكَقَوْلِه إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا فأريقوه فَفرق بَين الجامد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 والمائع فَدلَّ على أَن سَائِر الْمَائِعَات فِي معنى السّمن وَسَائِر الميتات فِي معنى الْفَأْرَة وَيُسمى هَذ فحوى الْخطاب قَالَ بعض أهل اللُّغَة اشتق ذَلِك من قَوْلهم للإبراز فحا فَيُقَال فح قدرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فَسُمي فحا لِأَنَّهُ يبين معنى اللَّفْظ ويظهره كَمَا تظهر الإبراز طعم الطبيخ ورائحته وَيُسمى أَيْضا لحن القَوْل لِأَن لحن القَوْل مَا فهم مِنْهُ بِضَرْب من الفطنة وَلَا يُسمى ذَلِك قِيَاسا وَإِنَّمَا هُوَ مَفْهُوم من فحوى اللَّفْظ لِأَن الْقيَاس يخص بفهمه أهل النّظر وَالِاسْتِدْلَال فيفتقر فِي إِثْبَات الحكم بِهِ إِلَى ضرب من النّظر والتأمل لحَال الأَصْل وَالْفرع فَأَما مَا دلّ على فحوى الْخطاب الَّذِي تبادرته الْقُلُوب من غير فكر وَلَا روية فَإِنَّهُ يستوى فِيهِ الْعَالم والعامي والعاقل الَّذِي لم يدر مَا الْقيَاس فَكيف يجوز إِجْرَاء اسْم الْقيَاس عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي رَحمَه الله هُوَ قِيَاس جلي لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْمَنْع من الضَّرْب لم يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ وَلَا أستفيد من الِاسْم فَدلَّ على أَنه مُسْتَفَاد بِالْقِيَاسِ دون الْمنطق ومختار بِالْأولِ وَالدَّلِيل هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب وَقيل الْموصل إِلَى الْمَقْصُود والطرد وجود الحكم لوُجُود الْعلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَالْعَكْس عدم الحكم لعدم الْعلَّة فَإِذا قُلْنَا لَا زَكَاة فِي الْخَيل لِأَنَّهُ حَيَوَان لَا تجب الزَّكَاة فِي ذكوره فَلم تجب فِي إناثه وذكوره كالبغال وَالْحمير وَعَكسه الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم لِأَنَّهُ لما وَجَبت الزَّكَاة فِي ذكوره وَجَبت فِي إناثه وذكوره والنقض وجود الْعلَّة مَعَ عدم الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَقيل الْعَكْس وجود معنى الْعلَّة وَلَا حكم وَالْفرق بَين النَّقْض وَالْعَكْس أَن النَّقْض يرد على لفظ الْعلَّة وَالْعَكْس يرد على وَجه وَاحِد لَا يخْتَلف وَالْقلب هُوَ الِاشْتِرَاك فِي الدَّلِيل وَهُوَ من ألطف الاسؤلة مِثَاله أَن يُعلل أَصْحَابنَا فِي مسح الرَّأْس بِأَنَّهُ عُضْو من اعضاء الطَّهَارَة فَوَجَبَ أَن لَا يُجزئ مِنْهُ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم كَسَائِر الْأَعْضَاء فيقلب السَّائِل فَيَقُول السَّائِل عُضْو من أَعْضَاء الطَّهَارَة فَوَجَبَ أَن لَا يجب عَلَيْهِ أَن يعم مَا وَقع عَلَيْهِ الِاسْم من الْعُضْو فِيمَا سواهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَالسَّبَب مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الحكم وَيكون طَرِيقا لثُبُوته سَوَاء كَانَ دَلِيلا أَو عِلّة أَو شرطا وَسَوَاء كَانَ مؤثرا فِي الحكم أَو غير مُؤثر وَالنَّص مَا رفع بَيَانه إِلَى أقْصَى غَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَقيل مَا كَانَ صَرِيحًا فِي حكم من الْأَحْكَام وَإِن كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لغيره وَلَيْسَ من شَرطه أَن لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِد لِأَن هَذَا يعز وجوده إِلَّا أَن يكون مثل قَوْله تَعَالَى (قل هُوَ الله أحد) و (قل هُوَ الله أحد) وَلِهَذَا نقُول قَوْله تَعَالَى (للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر) نَص فِي قدر الْمدَّة وَإِن كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لغيره وَالْعَام مَا احْتمل مَعْنيين لَيْسَ أَحدهمَا أظهر من الآخر وَالْفرق بَين الظَّاهِر والعموم أَن الْعُمُوم لَيْسَ بعض مَا يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ بِأولى من بعض وَلَا أظهر وتناوله على السوَاء فَيجب حمله على عُمُومه إِلَّا أَن يَخُصُّهُ دَلِيل أقوى مِنْهُ وَالظَّاهِر مَا احْتمل مَعْنيين إِلَّا أَن أَحدهمَا أَحَق وَأظْهر بِاللَّفْظِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الآخر فَيجب على أظهرهمَا وَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ وكل عُمُوم ظَاهر وَلَيْسَ كل ظَاهر عُمُوما لِأَن الْعُمُوم يحْتَمل الْبَعْض إِلَّا أَن الْكل أظهر فَأَما مثل قَوْله تَعَالَى (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فَكَانَ عُمُوما فِي جَمِيعهم وَالظَّاهِر مثل قَوْله تَعَالَى (وءاتوهم من مَال الله الَّذِي آتَاكُم) إِلَّا ظَاهره الْوُجُوب وَيحْتَمل النّدب وَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن دونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَإِنَّمَا قُلْنَا بالْقَوْل لِأَن الرموز والإشارات لَيست أمرا على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا تسمى أمرا مجَازًا وَقَوْلنَا مِمَّن هُوَ دونه احْتِرَاز من قَول الْإِنْسَان لرَبه اغْفِر لي وارحمني وَقَول العَبْد لسَيِّده اكسني وأطعمني فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِأَمْر وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء وَالنَّهْي الْمَنْع من طَرِيق القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَإِنَّمَا قُلْنَا من طَرِيق القَوْل لِأَن من قيد وأغلق عَلَيْهِ بَاب فقد منع وَلَيْسَ من طَرِيق القَوْل والجائز مَا وَافق الشَّرِيعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَتقول الْفُقَهَاء الْوكَالَة عقد جَائِز وَبيع جَائِز ويريدون بذلك أَنه لَيْسَ بِلَازِم وَيكون ذَلِك فِي كل عقد للعاقد فَسخه بِكُل حَال وَلَا يَئُول إِلَى اللُّزُوم وَفِيه احْتِرَاز من البيع الْمَشْرُوط وَفِيه الْخِيَار وَإِذا كَانَ فِي البيع عيب فَإِنَّهُ قد يؤول إِلَى اللُّزُوم وَالْخَبَر مَا دخله الصدْق وَالْكذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 والصدق مَا خرج من مخبره على مَا أخبر بِهِ وَحَدِيث النَّبِي وَهُوَ الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ومرسل وَهُوَ مَا أرْسلهُ التَّابِعِيّ عَن النَّبِي وَلم يذكر فِيهِ الصَّحَابِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَمَوْقُوف وَهُوَ مَا حُكيَ عَن الصَّحَابِيّ وَلم يذكر فِيهِ النَّبِي ومقطوع وَهُوَ مَا سقط من سَنَده رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وبلاغ وَهُوَ مَا قَالَ الْمُحدث بَلغنِي عَن النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ومعضل وَهُوَ مَا سقط من سَنَده رجلَانِ والصحابي من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 والتابعي من صحب الصَّحَابِيّ والتواتر مَا وَقع الْعلم عَقِبَيْهِ ضَرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَهُوَ مَا لم ينْحَصر بِعَدَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والآحاد مَا قصر عَن التَّوَاتُر والمعارضة مُقَابلَة الْخصم فِي دَعْوَاهُ ومساواته فِي الدّلَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بِخِلَاف حكمه ومانعيته من وَجه الدّلَالَة وَالتَّرْجِيح مزية لتقديم أحد الْمَعْنيين على الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَالنَّدْب وَالْفضل وَالسّنة والاستحباب والتنقل بِمَعْنى وَاحِد وَالنَّظَر ضَرْبَان ضرب هُوَ النّظر بِالْعينِ فَهَذَا حَده الْإِدْرَاك بالبصر وَالثَّانِي النّظر بِالْقَلْبِ وَحده الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 والجدل تردد الْكَلَام بَين اثْنَيْنِ إِذا قصد كل وَاحِد مِنْهُمَا إحكام قَوْله ليدفع بِهِ قَول صَاحبه وَالِاجْتِهَاد بذل الوسع فِي طلب الْغَرَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والرأي اسْتِخْرَاج صَوَاب الْعَافِيَة وَقيل الرَّأْي هُوَ الْقيَاس وَلِهَذَا سمي أَصْحَاب أبي حنيفَة أَصْحَاب الرَّأْي والمفتي هُوَ الْمخبر بالحكم الشَّرْعِيّ مَعَ كَونه من أهل الْفتيا وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 يكون مفتيا حَتَّى يكون مُجْتَهدا وشرائط الِاجْتِهَاد أَن يكون حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يتَعَلَّق بهَا ذكر الْأَحْكَام فِي الْحَلَال وَالْحرَام دون مَا عداهُ وَأَن يكون عَارِفًا بِأَحْكَام الْخطاب وموارد الْكَلَام من الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة من الْأَقْسَام الْمُتَقَدّمَة وَيكون عَارِفًا بطرق النَّحْو واللغة وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف وَالْأَصْل وَعلة الأَصْل وَالْفرع الْمُخْتَلف فِيهِ لينْظر فِي الْفَزع فَيردهُ إِلَى الأَصْل إِذا وجد مَعْنَاهُ فِيهِ وَأَن يكون عدلا فَهَذِهِ صفة الْمُجْتَهد والتقليد قبُول الشَّيْء من غير دَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مَأْخُوذ من القلادة فِي الْعُنُق قَالَ الشَّاعِر (قلدوها تمائما ... خوف عين وحاسد) فَسُمي التَّقْلِيد بذلك لِأَن الْمُقَلّد يقطع الشَّيْء فِي رَقَبَة من يقلده إِن كَانَ صَوَابا فَلهُ وَإِن كَانَ خطأ فَعَلَيهِ وَالْأَحْكَام على ضَرْبَيْنِ ضرب يجوز فِيهِ التَّقْلِيد وَضرب لَا يجوز فِيهِ فَالَّذِي لَا يجوز فِيهِ التَّقْلِيد هِيَ الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة مثل معرفَة الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 تَعَالَى وتوحيده وتصديق رسله لأحد التَّقْلِيد فِيهَا لقَوْله تَعَالَى (وَقَالَ الَّذين كفرُوا ءامنوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وَمَا هم محملين من خطاياهم من شَيْء) فدمهم الله تَعَالَى على ذَلِك وَلِأَن كل عَاقل من عَالم وعامي إِذا تفكر فِي فعال الله تَعَالَى وَمَا خلقه من الأَرْض وَالسَّمَاء وصل بذلك إِلَى مَعْرفَته وَإِذا نظر إِلَى جَرَيَان أَفعاله على نمط وَاحِد من غير اخْتِلَاف وَلَا اضْطِرَاب توصل بذلك إِلَى وحدانيته وَإِذا نظر إِلَى مَا ظهر على أَيدي رسله من المعجزات الخارقة للْعَادَة توصل بذلك إِلَى صدقهم فَلم يجز لأحد التَّقْلِيد فِيهَا وَكَذَلِكَ مَا ثَبت بأخبار التَّوَاتُر كأعداد الرَّكْعَات وَنصب الزَّكَاة وَنَحْوهَا فَلَا يجوز لحد التقلييد فِيهَا لِأَن الْعلم حصل بهَا من جِهَة الضَّرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَأما الضَّرْب الَّذِي يجوز فِيهِ التَّقْلِيد فَهِيَ الْأَحْكَام الَّتِي تثبت بالأحاد وَالنَّاس فِيهَا على ضَرْبَيْنِ عَالم وعامي فالعامي يجوز لَهُ تقلييد الْعلمَاء وَالْأَخْذ بقَوْلهمْ لقَوْله تَعَالَى (فسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ) وَلِأَن طلب الْعلم من فروض الكفايات فَلَو قُلْنَا يجب على كل وَاحِد أَن يتَعَلَّم لجعلناه من فَرَائض الْأَعْيَان ولأدى ذَلِك إِلَى قطع المكاسب والمعاش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَإِذا ثَبت ذَلِك فَهَل عَلَيْهِ أَن يجْتَهد فِي عين الْمُفْتِي ام لَا فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنه لَا يلْزمه الِاجْتِهَاد فِي عين الْمُفْتِي بل بِأخذ بقول أَيهمْ شَاءَ لِأَنَّهُ لما سقط عَنهُ الِاجْتِهَاد فِي الحكم سقط عَنهُ وَقَالَ الْخرقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِذا اخْتلف اجْتِهَاد رجلَيْنِ لم يتبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أَحدهمَا صَاحبه وَيتبع الْعَاميّ أوثقهما فِي نَفسه وَظَاهره أَنه يلْزمه الِاجْتِهَاد فِي عين الْمُفْتِي بِأَن يسْأَل عَن حَاله ومختار بِالْأولِ وَأما الْعَالم بالقبلة فَلَا يجوز لَهُ التَّقْلِيد فِيهَا بِحَال بل عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد سَوَاء كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا أَو ضيقا لقَوْله تَعَالَى (فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول) يَعْنِي كتاب الله وَسنة رَسُوله وَلِأَن الْعَالمين قد تَسَاويا فِي السَّبَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى تثبيت الحكم فَلم يجز لأَحَدهمَا تَقْلِيد الآخر كالعالم والعامي فِي الْأَحْكَام العقليات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الْخَامِس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتِصْحَاب الْحَال وَهُوَ الْبَقَاء على حكم الأَصْل فَهُوَ دَلِيل يفزع إِلَيْهِ الْفُقَهَاء عِنْد عدم الْأَدِلَّة إِحَالَة بالاستدلال على غَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ اسْتِصْحَاب بَرَاءَة الذِّمَّة حَتَّى يدل دَلِيل شَرْعِي على الْوُجُوب كَقَوْلِنَا فِي الْخَيل الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِيهَا وعنها فَمن ادّعى إِيجَابهَا فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَهَذَا تَقْدِيره إِنِّي لَا اعْلَم دَلِيلا يُوجب الزَّكَاة فِيهَا فَإِن كنت عَارِفًا بِدَلِيل فاذكره وَيُقَال إِنَّه مستراح الذمم وَدَلِيل من لَا دَلِيل لَهُ إِذا كَانَ مطالبه لَا اسْتِدْلَالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَهَذَا الِاحْتِجَاج بِهِ صَحِيح سَائِغ عِنْد أهل الْعلم الضَّرْب الثَّانِي اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع وَهُوَ أَن تَجْتَمِع الْأمة على حكم مِم تعْتَبر صفة الْمجمع عَلَيْهِ بِأَن يخْتَلف المجمعون عَلَيْهِ فَهَل يجب اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع بعد الِاخْتِلَاف حَتَّى ينْقل عَنهُ أم لَا فَذهب أَكثر أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه لَا يجوز ذَلِك وَيجب طلب الدَّلِيل فِي مَوَاضِع الْخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَذهب أَبُو إِسْحَاق ابْن شاقلا إِلَى أَنه يجب اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع وَالصَّحِيح الأول وَوَجهه أَن الْإِجْمَاع لَا يبْقى بعد الِاخْتِلَاف فَلَا وَجه للتعلق بِهِ مِثَاله أَن يَقُول أَصْحَاب دَاوُد فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد الأَصْل فِي الْإِمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 جَوَاز البيع فَمن ادّعى تَحْرِيمه بعد الِاسْتِيلَاد فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَيُمكن أَن نقابلهم بِمَا يتكافئ الدليلان فِيهِ فيقفان موقفا سَوَاء ونقول قد أجمعنا على منع البيع حَال حملهَا بِالْحرِّ فَمن ادّعى جَوَاز بيعهَا بعد الْوَضع فَعَلَيهِ الدَّلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل السَّادِس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَول الصَّحَابِيّ الْوَاحِد لَا يَخْلُو أَن يكون مُخَالفا للْقِيَاس فَيكون سنة ونقلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أَو يكون اجْتِهَادًا كَقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي عين الْفرس ربع قيمتهَا فَهَذَا تَوْقِيف إِذْ لَا قِيَاس يحمل عَلَيْهِ وَإِن وَافق الْقيَاس وَلم يُخَالف مَعَ سَماع الصَّحَابَة لقَوْله فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 تَبينا أَن ذَلِك إِجْمَاع وَإِن لم ينتشر ذَلِك فِي الصَّحَابَة فَهُوَ حجَّة وَكَانَ الْمُجْتَهد مرجحا لأي الْقَوْلَيْنِ وقه لَهُ أَدِلَّة التَّرْجِيح من كتاب الله أَو سنة أَو قِيَاس وَفِي الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرنَا قَوْله حجَّة وَهُوَ مقدم على الْقيَاس خلافًا لأَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْلهم الْقيَاس مقدم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَن يكون صادرا عَن نقل أَو اجْتِهَاد أَو كليهمَا أَولا عَن اجْتِهَاد بل لما يثبت من المزية بمشاهدة التَّأْوِيل وَحُضُور التَّنْزِيل وَنَصّ الرَّسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْحكم الْمُخْتَلف فِيهِ يحْتَاج إِلَى ذكر خَمْسَة أَشْيَاء الْمَذْهَب وَالدَّلِيل عَلَيْهِ وَمذهب الْمُخَالف وَالدَّلِيل عَلَيْهِ وَالْجَوَاب عَنهُ وعَلى الله اعتمادنا فِي كتَابنَا هَذَا خوفًا من الْإِكْثَار والسآمة فَمن أَرَادَ الِاسْتِيعَاب فِي هَذَا الْعلم فَعَلَيهِ بِالنّظرِ فِي كتَابنَا الْمَبْسُوط فقد أودعناه أَحْكَام الْفِقْه وأصوله ومذاهب الْأُصُولِيِّينَ ودليلهم وَالْجَوَاب عَنهُ بِمَا هُوَ شاف كَاف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ الْمَسْئُول أَن يَجعله خَالِصا لوجهه مُوَافقا لمرضاته آمين وَللَّه الْمِنَّة وَالْحَمْد انْتَهَت كِتَابَة هَذِه الرسَالَة المفيدة فِي ذَا الْفَنّ بقلم الْفَقِير إِلَى مَوْلَاهُ الْغَنِيّ عبد الله بن خلف بن دحيان الْحَنْبَلِيّ لطف الله بِهِ وَفتح عَلَيْهِ وَعفى عَنهُ ووالديه وأشياخه وإخوانه الْمُسلمين سنة 1332 هـ 9 شعْبَان لَيْلًا وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 لبَعْضهِم (أرى غنما ترعى وتأكل مَا تهوى ... وأسدا ضوار تطلب المَاء مَا تروي) (وأشرف قوم لَا ينالون قوتهم ... وأنذال قوم تَأْكُل الْمَنّ والسلوى) (فَلَمَّا أخذُوا هَذَا بِحَدّ سيوفهم ... وَلَكِن قَضَاهُ عَالم السِّرّ والنجوى) (لحى الله وقتا أحوجتنا صروفه ... نذل لمن يسوى وَمن لم يكن يسوى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143