الكتاب: الفروسية المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان الناشر: دار الأندلس - السعودية - حائل الطبعة: الأولى، 1414 - 1993 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الفروسية ابن القيم الكتاب: الفروسية المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان الناشر: دار الأندلس - السعودية - حائل الطبعة: الأولى، 1414 - 1993 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الْعَالم الْحَافِظ الْعَلامَة أوحد عصره وفريد دهره شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين قامع الْبِدْعَة والمبتدعين الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن أبي بكر بن أَيُّوب الزرعي الْمَعْرُوف بِابْن قيم الْمدرسَة الجوزية رَضِي الله عَنهُ وَغفر لَهُ وأعلا فِي الْجنَّة دَرَجَته آمين تحمدة وتقدمة الْحَمد لله الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على جَمِيع الْأَدْيَان وأيده بِالْآيَاتِ الظَّاهِرَة والمعجزات الباهرة وَمن أعظمها الْقُرْآن وأمده بملائكة السَّمَاء تقَاتل بَين يَدَيْهِ مقاتلة الفرسان وَنَصره برِيح الصِّبَا تحارب عَنهُ أهل الزيغ والعدوان كَمَا نَصره بِالرُّعْبِ وقذفه فِي قُلُوب أعدائه وَبَينه وَبينهمْ مسيرَة شهر من الزَّمَان وَأقَام لَهُ جُنُودا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار تقَاتل مَعَه بِالسَّيْفِ والسهم والسنان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وتصاول بَين يَدَيْهِ فِي ميادين السباق تصاول الأقران وتبذل فِي نصرته من نفوسها وأموالها نفائس الْأَثْمَان تَسْلِيمًا للْمَبِيع الَّذِي جرى عقده على أَيدي الصَّادِق المصدوق وَالْتزم للْبَائِع الضَّمَان {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن} التَّوْبَة 111 وتبارك الَّذِي أرسل رسله بِالْبَيِّنَاتِ وَأنزل مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان وَأنزل الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد وَمَنَافع تتمّ بهَا مصَالح الْإِنْسَان وَعلم الفروسية وَجعل الشجَاعَة خلقا فَاضلا يخْتَص بِهِ من يَشَاء وكمله لحزبه وأصاره حلية أهل الْإِيمَان فَأوجب محبته للجواد الشجاع وكمله ومقته للبخيل الجبان وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ رب الْعَالمين وإله الْأَوَّلين والآخرين وقيوم السَّمَاوَات وَالْأَرضين الَّذِي أَفَاضَ على خلقه النِّعْمَة وَكتب على نَفسه الرَّحْمَة وَضمن الْكتاب الَّذِي كتبه أَن رَحمته تغلب غَضَبه تعرف إِلَى عباده بأوصافه وأفعاله وأسمائه وتحبب إِلَيْهِم بنعمته وآلائه وابتدأهم بإحسانه وعطائه فَهُوَ المحسن إِلَيْهِم والمجازي على إحسانه بِالْإِحْسَانِ فَلهُ النِّعْمَة وَالْفضل وَالثنَاء الْحسن الْجَمِيل والإمتنان {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان} الحجرات 17 وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وأمينه على وحيه وَخيرته من خلقه وسفيره بَينه وَبَين عباده وحجته على جَمِيع الْإِنْس والجان أرْسلهُ على حِين فَتْرَة من الرُّسُل فهدى بِهِ إِلَى أقوم الطّرق وَأبين السبل وافترض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 على الْعباد طَاعَته ومحبته وتعظيمه وَالْقِيَام بحقوقه وسد إِلَى الْجنَّة جَمِيع الطّرق فَلم يفتح لأحد إِلَّا من طَرِيقه فشرح الله لَهُ صَدره وَرفع لَهُ ذكره وَوضع عَنهُ وزره وَبَعثه بِالْكتاب الْهَادِي وَالسيف النَّاصِر بَين يَدي السَّاعَة حَتَّى يعبد سُبْحَانَهُ وَحده لَا شريك لَهُ وَجعل رزقه تَحت ظلّ سَيْفه وَرمحه وَجعل الذلة وَالصغَار على من قَابل أمره بالمخالفة والعصيان وَأنزل عَلَيْهِ من الْكتب أجلهَا وَمن الشَّرَائِع أكملها وَمن الْأُمَم أفضلهَا وهم يُوفونَ سبعين أمة هم خَيرهَا وَأَكْرمهَا على الرَّحْمَن وَخَصه من الْأَخْلَاق بأزكاها وَمن مَرَاتِب الْكَمَال بِأَعْلَاهَا وَجمع لَهُ من المحاسن مَا فرقه فِي نوع الْإِنْسَان فَهُوَ أكمل النَّاس خلقا وَأَحْسَنهمْ خلقا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وألينهم عَرِيكَة وأوسعهم صَدرا وألطفهم عشرَة وأفصحهم لِسَانا وأثبتهم جنَانًا وأشرفهم بَيْتا ونسبا فَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان فصلى الله وَمَلَائِكَته وأنبياؤه وَرُسُله والصالحون من خلقه عَلَيْهِ كَمَا عرفنَا بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته وَوَحدهُ ودعا إِلَيْهِ وآتاه الْوَسِيلَة والفضيلة وَبَعثه الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي وعده فِي دَار السَّلَام وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد فَإِن الله سُبْحَانَهُ أَقَامَ دين الْإِسْلَام بِالْحجَّةِ والبرهان وَالسيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 والسنان فكلاهما فِي نَصره أَخَوان شقيقان وَكِلَاهُمَا شجيع لَا يتم إِلَّا بشجاعة الْقلب وثبات الْجنان وَهَذِه الْمنزلَة الشَّرِيفَة والمرتبة المنيفة مُحرمَة على كل مهين جبان كَمَا حرمت عَلَيْهِ المسرة والأفراح وأحضر قلبه الهموم والغموم والمخاوف وَالْأَحْزَان فَهُوَ يحْسب أَن كل صَيْحَة عَلَيْهِ وكل مُصِيبَة قاصدة إِلَيْهِ فقلبه بالحزن مغمور بِهَذَا الظَّن والحسبان وَقد علم أَن الفروسية والشجاعة نَوْعَانِ فأكملها لأهل الدّين وَالْإِيمَان وَالنَّوْع الثَّانِي مورد مُشْتَرك بَين الشجعان وَهَذَا مُخْتَصر فِي الفروسية الشَّرْعِيَّة النَّبَوِيَّة الَّتِي هِيَ من أشرف عبادات الْقُلُوب والأبدان الحاملة لأَهْلهَا على نصْرَة الرَّحْمَن السائقة لَهُم إِلَى أَعلَى غرف الْجنان علقته على بعد من الأوطان واغتراب عَن الْأَصْحَاب والإخوان وَقلة بضَاعَة فِي هَذَا الشَّأْن فَمَا كَانَ فِيهِ من صَوَاب فَمن فضل الله وتوفيقه وَمَا كَانَ فِيهِ من خطأ فَمن الشَّيْطَان وَالله وَرَسُوله مِنْهُ بريئان فَأَقُول وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَابق بالأقدام وَثَبت عَنهُ أَنه سَابق بَين الْإِبِل وَثَبت عَنهُ أَنه سَابق بَين الْخَيل وَثَبت عَنهُ أَنه حضر نضال السِّهَام وَصَارَ مَعَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَأَمْسَكت الْأُخْرَى وَصَارَ مَعَ الطَّائِفَتَيْنِ كلتيهما وَثَبت عَنهُ أَنه رمى بِالْقَوْسِ وَثَبت عَن الصّديق أَنه رَاهن كفار مَكَّة على غَلَبَة الرّوم للْفرس وراهنوه على أَن لَا يكون ذَلِك وَوَضَعُوا الْخطر من الْجَانِبَيْنِ وَكَانَ ذَلِك بِعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه وَثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه طعن بِالرُّمْحِ وَركب الْخَيل مسرجة ومعراة وتقلد السَّيْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مسابقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأقدام فَأَما مسابقته بالأقدام فَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد وَسنَن أبي دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة قَالَت سابقني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبقته فلبثنا حَتَّى إِذا أرهقني اللَّحْم سابقني فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِه بِتِلْكَ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنهم كَانُوا فِي سفر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه تقدمُوا فتقدموا ثمَّ قَالَ لعَائِشَة سابقيني فسابقها فسبقته ثمَّ سَافَرت مَعَه مرّة أُخْرَى فَقَالَ لأَصْحَابه تقدمُوا ثمَّ قَالَ سابقيني فسبقته وسبقني فَقَالَ (هَذِه بِتِلْكَ) مسابقة الصَّحَابَة على الْأَقْدَام بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتسابق الصَّحَابَة على الْأَقْدَام بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر رهان فَفِي صَحِيح مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بَيْنَمَا نَحن نسير وَكَانَ رجل من الْأَنْصَار لَا يسْبق شدا فَجعل يَقُول أَلا مسابق إِلَى الْمَدِينَة هَل من مسابق فَقلت أما تكرم كَرِيمًا وتهاب شريفا قَالَ لَا إِلَّا أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قلت يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي ذَرْنِي أسابق الرجل فَقَالَ إِن شِئْت فسبقته إِلَى الْمَدِينَة فصل مصارعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مصارعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن ركَانَة إِن ركَانَة صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ قصَّة نذكرها أخبرنَا شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ فِي كتاب تَهْذِيب الْكَمَال قَالَ ركَانَة بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب الْقرشِي المطلبي كَانَ من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ الَّذِي صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَذَلِكَ قبل إِسْلَامه وَقيل [إِن] ذَلِك كَانَ سَبَب إِسْلَامه وَهُوَ أمثل مَا روى فِي مصارعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مَا ذكر من مصارعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جهل فَلَيْسَ لذَلِك أصل انْتهى كَلَام شَيخنَا وَقَالَ الزبير بن بكار فِي كتاب النّسَب وركانة بن عبد يزِيد الَّذِي صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قبل الْإِسْلَام وَكَانَ أَشد النَّاس فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن صرعتني آمَنت بك فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أشهد إِنَّك سَاحر ثمَّ أسلم بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فصل مسابقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْخَيل وَأما مسابقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْخَيل فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ سَابق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْخَيل فَأرْسلت الَّتِي أضمرت مِنْهَا وأمدها الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع وَالَّتِي لم تضمر أمدها ثنية الْوَدَاع إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن مُوسَى بن عقبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَن بَين الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة وَقَالَ البُخَارِيّ قَالَ سُفْيَان من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة وَمن ثنية الْوَدَاع إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق ميل وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عمر أَيْضا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبق بَين الْخَيل وأرهن وَفِي لفظ لَهُ سبق بَين الْخَيل وَأعْطى السَّابِق وَفِي الْمسند أَيْضا من حَدِيث أنس أَنه قيل لَهُ أَكُنْتُم تراهنون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يراهن قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 نعم وَالله لقد رَاهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فرس لَهُ يُقَال لَهُ (سبْحَة) فَسبق النَّاس فبهش لذَلِك وَأَعْجَبهُ وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن ابْن عمر إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبق بَين الْخَيل وَفضل الْقرح فِي الْغَايَة فصل مسابقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْإِبِل وَأما مسابقته بَين الْإِبِل فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ تَعْلِيقا عَن أنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ابْن مَالك قَالَ كَانَت (العضباء) لَا تسبق فجَاء أَعْرَابِي على قعُود لَهُ فسابقها فسبقها الْأَعرَابِي وَكَأن ذَلِك شقّ على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (حق على الله أَن لَا يرْتَفع شَيْء إِلَّا وَضعه) وَفِي صَحِيحه أَيْضا عَن حميد عَن أنس بِهَذِهِ الْقِصَّة وَقَالَ إِن حَقًا على الله عز وَجل أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه قلت تَأمل قَوْله فِي اللَّفْظ الأول أَن لَا يرْتَفع شَيْء وَفِي اللَّفْظ الثَّانِي أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه فَجعل الْوَضع لما رفع وارتفع لَا لما رَفعه سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذا رفع عَبده بِطَاعَتِهِ وأعزه بهَا لَا يَضَعهُ أبدا فصل تناضل الصَّحَابَة بِالرَّمْي بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما تناضل أَصْحَابه بِالرَّمْي بِحَضْرَتِهِ فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفر من أسلم ينتضلون بِالسوقِ فَقَالَ وَارْمُوا بني إِسْمَاعِيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 قَالَ فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لكم لَا ترمون قَالُوا كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم فَقَالَ ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ فصل مراهنة الصّديق للْمُشْرِكين بِعِلْمِهِ وإذنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مراهنة الصّديق للْمُشْرِكين بِعِلْمِهِ وإذنه فروى التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعَة من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حبيب بن أبي عمْرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله تَعَالَى عز وَجل {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} [الرّوم: 1 - 3] [قَالَ] كَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن يظْهر أهل فَارس على الرّوم لأَنهم وإياهم أهل أوثان وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن يظْهر الرّوم على فَارس لأَنهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَذكره أَبُو بكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ [لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أما إِنَّهُم سيغلبون فذكروه لَهُم فَقَالُوا اجعلوا بَيْننَا وَبَيْنك أَََجَلًا فَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا وَإِن ظهرتم كَانَ لكم كَذَا فَجعل أجل خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا جعلت إِلَى دون الْعشْر قَالَ سعيد والبضع مَا دون الْعشْر قَالَ ثمَّ ظَهرت الرّوم بعد قَالَ فَذَلِك قَوْله {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ) [الرّوم: 1 - 5] قَالَ سُفْيَان سَمِعت أَنهم ظَهَرُوا عَلَيْهِم [يَوْم بدر] قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي جَامعه أَيْضا عَن نيار بن مكرم الْأَسْلَمِيّ قَالَ لما نزلت {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض} إِلَى قَوْله {فِي بضع سِنِين} [الرّوم: 1 - 3] وَكَانَت فَارس يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة قاهرين للروم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم عَلَيْهِم لأَنهم وإياهم أهل كتاب و [فِي] ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم} [الرّوم: 4 - 5] وَكَانَت قُرَيْش تحب ظُهُور فَارس لأَنهم وإياهم لَيْسُوا بِأَهْل كتاب وَلَا إِيمَان ببعث فَلَمَّا أنزل الله هَذِه الْآيَة خرج أَبُو بكر الصّديق يَصِيح فِي نواحي مَكَّة {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ) [الرّوم: 1 - 4] فَقَالَ نَاس من قُرَيْش [لأبي بكر] فَذَلِك بَيْننَا وَبَيْنكُم بزعم صَاحبك أَن الرّوم ستغلب فَارس فِي بضع سِنِين افلا نراهنك على ذَلِك قَالَ بلَى قَالَ وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان فارتهن أَبُو بكر وَالْمُشْرِكُونَ وتواضعوا الرِّهَان وَقَالُوا لأبي بكر كم نجْعَل الْبضْع وَهُوَ ثَلَاث سِنِين إِلَى تسع سِنِين فسم بَيْننَا وَبَيْنك وسطا ننتهي إِلَيْهِ قَالَ فسموا بَينهم سِتّ سِنِين قَالَ فمضت السِّت سِنِين قبل أَن يظهروا فَأخذ الْمُشْركُونَ رهن أبي بكر فَلَمَّا دخلت السّنة السَّابِعَة ظَهرت الرّوم على فَارس فعاب الْمُسلمُونَ على أبي بكر تَسْمِيَته سِتّ سِنِين لِأَن الله قَالَ {فِي بضع سِنِين} قَالَ وَأسلم عِنْد ذَلِك نَاس كثير قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي الْجَامِع أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر فِي مناحبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أَلا أخفضت (وَفِي لفظ أَلا احتطت) فَإِن الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع [رَوَاهُ] من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس وَقَوله فِي الحَدِيث مناحبته فالمناحبة المخاطرة وَهِي الْمُرَاهنَة من النحب وَهُوَ النّذر وَكِلَاهُمَا مناحب هَذَا بِالْعقدِ وَهَذَا بِالنذرِ وَقَوله أَلا أخفضت يجوز أَن يكون من الْخَفْض وَهُوَ الدعة وَالْمعْنَى هلا نفست الْمدَّة فَكنت فِي خفض من أَمرك ودعة وَيجوز أَن يكون من الْخَفْض الَّذِي هُوَ من الانخفاض أَي هلا استنزلتم إِلَى أَكثر مِمَّا اتفقتم عَلَيْهِ وَقَوله فِي اللَّفْظ الآخر هلا احتطت هُوَ من الإحتياط أَي هلا أخذت بالأحوط وَجعلت الْأَجَل أقْصَى مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْبضْع فَإِن النَّص لَا يتعداه وَقَوله وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان من كَلَام بعض الروَاة لَيْسَ من كَلَام أبي بكر وَلَا [من كَلَام] النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 هَل الْمُرَاهنَة على الْمسَائِل الَّتِي فِيهَا ظُهُور أَعْلَام الْإِسْلَام وأدلته وبراهينه مَمْنُوعَة وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي إحكام هَذَا الحَدِيث ونسخه على قَوْلَيْنِ فادعت طَائِفَة نسخه بنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْغرَر والقمار قَالُوا فَفِي الحَدِيث دلَالَة على ذَلِك وَهُوَ قَوْله وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان قَالُوا وَيدل على نسخه مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأهل السّنَن من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل والسبق بِفَتْح السِّين وَالْبَاء وَهُوَ الْخطر الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الرِّهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَإِلَى هَذَا القَوْل ذهب أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ وَادعت طَائِفَة أَنه مُحكم غير مَنْسُوخ وَأَنه لَيْسَ مَعَ مدعي نسخه حجَّة يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهَا قالواوالرهان لم يحرم جملَة فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاهن فِي تسبيق الْخَيل كَمَا تقدم وَإِنَّمَا الرِّهَان على الْمحرم الرِّهَان على الْبَاطِل الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ فِي الدّين وَأما الرِّهَان على مَا فِيهِ ظُهُور أَعْلَام الْإِسْلَام وأدلته وبراهينه كَمَا [قد] رَاهن عَلَيْهِ الصّديق فَهُوَ من أَحَق الْحق وَهُوَ أولى بِالْجَوَازِ من الرِّهَان على النضال وسباق الْخَيل وَالْإِبِل أدنى وَأثر هَذَا فِي الدّين أقوى لِأَن الدّين قَالَ بِالْحجَّةِ والبرهان وبالسيف [والسنان] والمقصد الأول إِقَامَته بِالْحجَّةِ وَالسيف منفذ قَالُوا وَإِذا كَانَ الشَّارِع قد أَبَاحَ الرِّهَان فِي الرَّمْي والمسابقة بِالْخَيْلِ وَالْإِبِل لما فِي ذَلِك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد الْقُوَّة للْجِهَاد فجواز ذَلِك فِي الْمُسَابقَة والمبادرة إِلَى الْعلم وَالْحجّة الَّتِي بهَا تفتح الْقُلُوب ويعز الْإِسْلَام وَتظهر أَعْلَامه أولى وَأَحْرَى. وَإِلَى هَذَا ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قَالَ أَرْبَاب هَذَا القَوْل والقمار الْمحرم هُوَ أكل المَال بِالْبَاطِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فَكيف يلْحق بِهِ أكله بِالْحَقِّ قَالُوا وَالصديق لم يقامر قطّ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام وَلَا أقرّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قمار فضلا عَن أَن يَأْذَن فِيهِ وَهَذَا تَقْرِير قَول الْفَرِيقَيْنِ فصل الْمُسَابقَة بالأقدام بعوض وَبلا عوض وَأما الْمُسَابقَة بالأقدام فاتفق الْعلمَاء على جَوَازهَا بِلَا عوض وَاخْتلفُوا هَل يجوز بعوض على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَمَالك وَنَصّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الشَّافِعِي وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وللشافعية وَجْهَان فحجة من مَنعه حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَهَذَا يتَعَيَّن حمله على أحد مَعْنيين - إِمَّا أَن يُرِيد بِهِ نفي الْجعل أَي لَا يجوز الْجعل إِلَّا فِي هَذِه الثَّلَاثَة فَيكون نفيا فِي معنى النَّهْي عَن الْجعل فِي غَيرهَا لَا عَن نفس السباق - وَإِمَّا أَن يُرِيد بِهِ أَن لَا يجوز الْمُسَابقَة على غَيرهَا بعوض فَيكون نهيا عَن الْمُسَابقَة بِالْعِوَضِ فِي غير الثَّلَاثَة [فعلى التَّقْدِير الأول يكون الْمَنْع من الْجعل على غير الثَّلَاثَة] وعَلى الثَّانِي يكون الْمَنْع من العقد الْمُشْتَرط فِيهِ الْجعل [على] غَيرهَا وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ مُقْتَض للْمَنْع [من الْجعل] فِي غَيرهَا قَالُوا وَلِأَن غير هَذِه الثَّلَاثَة لَا يحْتَاج إِلَيْهَا فِي الْجِهَاد كالحاجة إِلَى الثَّلَاثَة وَلَا يقوم مقَامهَا وَلَا ينفع فِيهِ نَفعهَا فَكَانَت كأنواع اللّعب الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 لَا يجوز الْمُرَاهنَة عَلَيْهِ وَحجَّة من جوز الْجعل فِي ذَلِك قِيَاس الْقدَم على الْحَافِر والخف فَإِن كلا مِنْهُمَا مسابقة فَهَذَا بِنَفسِهِ وَهَذَا بمركوبه قَالُوا وكما أَن فِي مسابقة الْإِبِل وَالْخَيْل تمرينا على الفروسية والشجاعة فَكَذَلِك الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام فَإِن فِيهَا [من] تمرين الْبدن على الْحَرَكَة والخفة والإسراع والنشاط مَا هُوَ مَطْلُوب فِي الْجِهَاد قَالُوا والْحَدِيث يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ أَن أَحَق مَا بذل فِيهِ السَّبق هَذِه الثَّلَاثَة لكَمَال نَفعهَا وَعُمُوم مصلحتها فَيكون كَقَوْلِه لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة أَي إِن الرِّبَا الْكَامِل فِي النَّسِيئَة قَالُوا وَأَيْضًا فَهَذَا مثل قَوْله لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَلَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا صَلَاة وَهُوَ يدافعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الأخبثان وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ ... وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَنْفِي الْكَمَال لَا الصِّحَّة قَالُوا وَلِأَن ذَلِك جعَالَة على عمل مُبَاح فَكَانَ جَائِزا كالثلاثة الْمَذْكُورَة فِي النَّص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قَالَ المانعون هَذَا جمع بَين مَا فرق الله وَرَسُوله بَينهمَا حكما وَحَقِيقَة فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت السَّبق فِي الثَّلَاثَة ونفاه عَمَّا عَداهَا وَهَذَا يَقْتَضِي عدم مُسَاوَاة وَمَا أثْبته لما نَفَاهُ فِي الحكم والحقيقة فَلَا يجوز التَّسْوِيَة بَينهمَا وَهَذَا كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجلد فَوق عشرَة اسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله فَفرق بَين الْحَد وَغَيره فِي تجَاوز الْعشْرَة فَلَا يجوز قِيَاس أَحدهمَا على الآخر وَلَا الْجمع بَينهمَا فِي الحكم وَكَذَلِكَ مَنعه من بيع الرطب بِالتَّمْرِ وتجويزه فِي الْعَرَايَا لَا يجوز الْجمع بَينهمَا فِي التَّحْرِيم وَلَا فِي الْمَنْع وَكَذَلِكَ تَحْرِيمه رَبًّا الْفضل مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس فِي الْأَعْيَان الَّتِي نَص عَلَيْهَا وتجوزيه التَّفَاضُل مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس وَكَذَلِكَ سَائِر مَا فرق بَينهمَا فِي الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فَلَا يفرق بَين مَا جمع بَينه وَلَا يجمع بَين مَا فرق بَينه فَلَا بُد من إِلْغَاء أحد الْأَمريْنِ إِمَّا إِلْغَاء مَا اعتبرتموه من الْجمع بَين مَا فرق الشَّارِع بَينه أَو إِلْغَاء مَا اعْتَبرهُ من الْفرق وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي فَتعين الأول ثمَّ تبين أَن مَا ذكرتموه من الْجمع لَيْسَ بِصَحِيح فَأَي فروسية وَأي مصلحَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله للمجاهدين فِي مسابقة السعاة على اقدامهم وَمَتى انْكَسَرَ بأحدهم عَدو وانتصر بِهِ حق أَو تقوت بِهِ فِئَة وَمَتى [كسر] بعث بِهَذَا على قَدَمَيْهِ فَأحْسن أَحْوَال هَذَا الْعَمَل أَن يكون مُبَاحا فَأَما التراهن عَلَيْهِ فَلَا وَأما مَا نظرتم بِهِ هَذَا الحَدِيث من قَوْله لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة وَلَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد ونظائرهما فَلَو نظرتموه بقوله لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الْكتاب وَلَا صِيَام لمن لم يبيت النِّيَّة من اللَّيْل وَلَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا اجْرِ لمن لَا حَسبه لَهُ ونظائره لَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أولى إِذْ حَقِيقَة ذَلِك نفي مُسَمّى هَذِه الْأَشْيَاء شرعا وَاعْتِبَار وَمَا خرج عَن هَذَا فلمعارض أوجب خُرُوجه قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِن هَذَا جعَالَة على عمل مُبَاح فَكَانَ جَائِزا كَسَائِر الجعالات فَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا ينْتَقض عَلَيْكُم بِسَائِر مَا منعتم مِنْهُ الرِّهَان من الْعَمَل الْمُبَاح كالسباحة والمبادرة إِلَى جَوَاب مسَائِل الْعلم والمسابقة إِلَى الْحِفْظ والتسابق فِي الصناعات الْمُبَاحَة كلهَا فَإِنَّكُم لَا تجوزون الرِّهَان فِي شَيْء من ذَلِك الثَّانِي الْجعَالَة الْمَعْهُودَة عرفا وَشرعا أَن ينْتَفع الْجَاعِل بِالْعَمَلِ وَالْعَامِل بالجعل وَأما هَا هُنَا فَإِن الْعَامِل لَا يَجْعَل مَالا لمن يغلبه إِذْ لَا مَنْفَعَة لَهُ فِي ذَلِك وَإِنَّمَا يبْذل المَال فِي مُقَابلَة [النَّفْع] الَّذِي يحصل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فصل الصراع بِالرَّهْنِ وَبلا رهن وَأما الصراع فَيجوز بِلَا رهن وَلَا يجوز بِالرَّهْنِ عِنْد الْجُمْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 كمالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَجوز بعض أَصْحَابه فعله بالرهان وَهُوَ قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة السباحة بِالرَّهْنِ وَبلا رهن وَأما السباحة فَلَا يجوز بِالرَّهْنِ عِنْد الْجُمْهُور وَفِي جَوَازهَا وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المشابكة بِالْأَيْدِي وَلَهُم فِي المشابكة بِالْأَيْدِي وَجْهَان الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح وَالْحجّة على الْجَوَاز وَالْمَنْع كَمَا تقدم فِي مسابقة الْأَقْدَام سَوَاء وَيلْزم من جوزه أَن يجوز الرِّهَان على العلاج إِذْ لَا فرق بَينهمَا فَإِن العلاج عمل مُبَاح كالصراع ومسابقة الْأَقْدَام وَله أصل فِي السّنة وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِقوم يربعون حجرا ليعرفوا الأشد مِنْهُم فَلم يُنكر عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 و (يربعون) بِالْبَاء الْمَفْتُوحَة أَي يَرْفَعُونَهُ وَلَكِن يلْزم من جوز الصراع بِالرَّهْنِ أحد أَمريْن إِمَّا أَن لَا يجوز إِخْرَاج السَّبق مِنْهُمَا مَعًا بل يتَعَيَّن جعله من أَحدهمَا أَو من غَيرهمَا وَإِمَّا أَن يتْرك قَوْله فِي الْمُحَلّل إِذا كَانَ السَّبق مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَة دُخُول الْمُحَلّل مَعَ المتصارعين وملزم من جعل عقد المسابقات من بَاب الجعالات وَجوز إِخْرَاج السَّبق فِي المصارعة والعدو أَن يجوزه فِي الصناعات الْمُبَاحَة كلهَا وَهَذَا لَا يعلم بِهِ قَائِل فَإِن قَالَ أَنا أجوزه فِيمَا يكون فِيهِ معرفَة على الْحَرْب وَقُوَّة قيل فجوزه فِي صناعات آلَات الْحَرْب كلهَا وَإِلَّا فاذكر فرقا مطردا منعكسا بَين مَا يجوز من ذَلِك وَمَا لَا يجوز وَيكون ذَلِك الْفرق مِمَّا [قد] اعْتَبرهُ الشَّارِع فصل الْمُسَابقَة بَين الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْبَقر وَالْحمام والسفن وَأما الْمُسَابقَة بَين الْخَيل وَبَين الْحَافِر الْمَذْكُور فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فقصرها أَصْحَاب مَالك وَأحمد على الْخَيل وجوزها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي البغال وَالْحمير وَالْبَقر وَللشَّافِعِيّ فِي البغال وَالْحمير قَولَانِ ثمَّ اخْتلف أَصْحَابه فِي مسَائِل فرعوها على هذَيْن الْقَوْلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَهِي الْمُسَابقَة على الْفِيل وَالْحمام والسفن وَلَهُم فِي جَوَاز السباق عَلَيْهَا بِالرَّهْنِ وَجْهَان قَالَ من جوز السباق على البغال وَالْحمير اسْم الْحَافِر يتناولهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 كتناوله للْفرس وَقَالَ الْآخرُونَ لم يرد الشَّارِع بِلَفْظ الْحَافِر [حافر] الْحمار والبغل وَإِنَّمَا أَرَادَ حافر مَا سوبق عَلَيْهِ وَجعل السباق عَلَيْهِ من إعداد الْقُوَّة لجهاد أَعدَاء الله فَمَا لحافر البغال وَالْحمير وَالْبَقر دُخُول فِي تِلْكَ أَلْبَتَّة وَلم يسابق أحد من السّلف قطّ بِحِمَار وَلَا بغل قَالُوا والحافر وَقع فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم لَهُ قَالُوا وَلَا يَصح قِيَاس الْحمار والبغل على الْخَيل لما بَينهمَا من الفروق شرعا وحسا وَمَنْفَعَة وَمَا سوى الله بَين الْخَيل لما بَينهمَا من الفروق شرعا وحسا وَمَنْفَعَة وَمَا سوى الله بَين الْخَيل وَالْحمير قطّ لَا فِي سهم الْغَنِيمَة وَلَا فِي الْغَزْو وَلَا جعل الْخَيْر معقودا إِلَّا فِي نَوَاصِيهَا بِالْأَجْرِ وَالْغنيمَة فَمَا أفسد قياسهما على الْخَيل الَّتِي ظُهُورهَا عز و [بطونها كنز وَهِي] معاقل وحصون وَالْخَيْر مَعْقُود بنواصيها والغنائم ثلثاها لَهَا وأرواثها وَأَبْوَالهَا فِي ميزَان صَاحبهَا إِذا ارتبطها فِي سَبِيل الله [تَعَالَى] فصل الْمُسَابقَة بَين الْإِبِل والفيل وَأما الْمُسَابقَة بَين الْإِبِل فَهِيَ الْخُف الْمَذْكُور فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَالْجُمْهُور على اختصاصها بالبعير وَجوز بعض الشَّافِعِيَّة الْمُسَابقَة على الْفِيل بالجعل قَالُوا لِأَنَّهُ ذُو خف فَيدْخل فِي الحَدِيث وَقَول الْجُمْهُور أصح لما تقدم وَلذَلِك لَا يُسهم للفيل عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وشذ القَاضِي أَبُو يعلى من أَصْحَاب أَحْمد فَقَالَ يُسهم للفيل سهم الهجين فَيكون على الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ هَل لَهُم سهم أَو سَهْمَان فصل النضال بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه فِيهِ وَأما النضال فحضره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأذن فِيهِ وَهُوَ أجل هَذِه الْأَبْوَاب على الْإِطْلَاق وأفضلها وَكَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم يَفْعَلُونَهُ كثيرا وَكَانَ عقبَة بن عَامر يخْتَلف بَين الغرضين وَهُوَ شيخ كَبِير فَقيل لَهُ تفعل ذَلِك وَأَنت شيخ كَبِير يشق عَلَيْك فَقَالَ لَوْلَا كَلَام سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أَعَانَهُ سمعته يَقُول من تعلم الرَّمْي ثمَّ تَركه فَلَيْسَ منا وَفِي لفظ فَقَط عصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 رَوَاهُ أهل السّنَن وَفِي السّنَن عَن عقبَة بن عَامر أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليدْخل بِالسَّهْمِ الْوَاحِد ثَلَاثَة نفر الْجنَّة صانعه الْمُحْتَسب فِي عمله الْخَيْر والرامي بِهِ والممد بِهِ (وَفِي رِوَايَة ومنبله) فارموا واركبوا وَأَن ترموا أحب إِلَيّ من أَن تركبوا كل لَهو بَاطِل لَيْسَ من اللَّهْو مَحْمُود إِلَّا ثَلَاثَة تَأْدِيب الرجل فرسه وملاعبته أَهله ورميه بقوسه ونبله فَإِنَّهُنَّ من الْحق وَمن ترك الرَّمْي بَعْدَمَا علمه رَغْبَة فَإِنَّهَا نعْمَة تَركهَا (أَو قَالَ كفرها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عقبَة أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} صَحِيح مُسلم عَن عقبَة أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} إِلَّا إِن الْقُوَّة الرَّمْي أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينفر ينتضلون فَقَالَ ارموا بني إِسْمَاعِيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم فَقَالَ مَا لكم لَا ترمون فَقَالُوا كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم فَقَالَ (ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ) وَقَالَ مُصعب بن سعد كَانَ سعد يَقُول أَي بني تعلمُوا الرماية فَإِنَّهَا خير لعبكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ذكر الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب فضل الرَّمْي وَذكر فِيهِ أَيْضا عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف قَالَ كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَن علمُوا غِلْمَانكُمْ العوم ومقاتلتكم الرَّمْي فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَغْرَاض فجَاء سهم غرب فَقتل غُلَاما وَهُوَ فِي حجر خَال لَهُ لَا يعلم لَهُ أصل فَكتب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى عمر إِلَى من أدفَع علقه فَكتب إِلَيْهِ عمر إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول (الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 كتاب عمر رَضِي الله عَنهُ لعتبة بن فرقد وَشَرحه وَقَالَ عَليّ بن الْجَعْد ثَنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي قَتَادَة قَالَ سَمِعت أَبَا عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ أَتَانَا كتاب من عمر بن الْخطاب وَنحن بِأَذربِيجَان [مَعَ عتبَة بن فرقد] أما بعد فَاتَّزِرُوا وَارْتَدوا وَانْتَعِلُوا وألقوا الْخفاف وألقوا السراويلات وَعَلَيْكُم بِثِيَاب أبيكم إِسْمَاعِيل وَإِيَّاكُم والتنعم وزي الْعَجم وَعَلَيْكُم بالشمس فَإِنَّهَا حمام الْعَرَب وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشنُوا وَاخْلَوْلقُوا واقطعوا الركب وانزوا على الْخَيل نَزْوًا وَارْمُوا الْأَغْرَاض قلت هَذَا تَعْلِيم مِنْهُ للفروسية وتمرين للبدن على التبذل وَعدم الرَّفَاهِيَة والتنعم وَلُزُوم زِيّ ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم فَأَمرهمْ بالاتزاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والارتداء والانتعال وإلقاء الْخفاف لتعتاد الأرجل الْحر وَالْبرد فتتصلب وتقوى على دفع أذاهما وَقَوله وألقوا السراويلات اسْتغْنَاء عَنْهَا بالأزر وَهُوَ زِيّ الْعَرَب وَبَين منفعتي الأزر والسروايل تفَاوت [من وَجه] [فَهَذَا أَنْفَع] من وَجه وَهَذَا انفع من وَجه فالإزار أَنْفَع فِي الْبَحْر والسروايل أَنْفَع فِي الْبرد والسراويل أَنْفَع للراكب والإزار أَنْفَع للماشي وَقَوله وَعَلَيْكُم بِثِيَاب أبيكم إِسْمَاعِيل هَذَا يدل على أَن لِبَاسه كَانَ الأزر والأردية وَقَوله وإياكمم والتنعم وزي الْعَجم فَإِن التنعم يخنث النَّفس ويكسبها الْأُنُوثَة والكسل وَيكون صَاحبه أحْوج مَا يكون إِلَى نَفسه وَمَا آثره من أَفْلح وَأما زِيّ الْعَجم ف [لِأَن] المشابهة فِي الزي الظَّاهِر تَدْعُو إِلَى الْمُوَافقَة فِي الْهَدْي الْبَاطِن كَمَا دلّ عَلَيْهِ الشَّرْع وَالْعقل والحس وَلِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 جَاءَت الشَّرِيعَة بِالْمَنْعِ من التَّشَبُّه بالكفار والحيوانات وَالشَّيَاطِين وَالنِّسَاء والأعراب وكل نَاقص حَتَّى نهى فِي الصَّلَاة عَن التَّشَبُّه بشبه أَنْوَاع من الْحَيَوَان يَفْعَلهَا أَو كثيرا مِنْهَا الْجُهَّال نهى عَن نقر كنقر الْغُرَاب والتفات كالتفات الثَّعْلَب وإقعاء كإقعاء الْكَلْب وافتراش كافتراش السَّبع وبروك كبروك الْجمل وَرفع الْأَيْدِي يَمِينا وَشمَالًا عِنْد السَّلَام كأذناب الْخَيل وَنهى عَن التَّشَبُّه بالشياطين فِي الْأكل وَالشرب بالشمال وَفِي سَائِر خِصَال الشَّيْطَان وَنهى عَن التَّشَبُّه بالكفار فِي زيهم وَكَلَامهم وهديهم حَتَّى نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر وَبعد الصُّبْح فَإِن الْكفَّار يَسْجُدُونَ للشمس فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ وَنهى عَن التَّشَبُّه بالأعراب وهم أهل الْجفَاء والبدو فَقَالَ لَا تغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْعَتَمَة وَإِنَّهَا الْعشَاء فِي كتاب الله وَلعن المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء وَقَوله عَلَيْكُم بالشمس فَإِنَّهَا حمام الْعَرَب فَإِن الْعَرَب لم تكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 تعرف الْحمام وَلَا كَانَ بأرضهم وَكَانُوا يتعوضون عَنهُ بالشمس فَإِنَّهَا تسخن وتحلل كَمَا يفعل الْحمام وَقَوله وَتَمَعْدَدُوا أَي الزموا المعدية وَهِي عَادَة معد بن عدنان فِي أخلاقه وزيه وفروسيته وأفعاله وَقَوله وَاخْشَوْشنُوا أَي تعاطوا مَا يُوجب الخشونة ويصلب الْجِسْم ويصبره على الْحر وَالْبرد والتعب والمشاق فَإِن الرجل قد يحْتَاج إِلَى نَفسه فيجد عِنْده خشونة وَقُوَّة وصبرا مَا لَا يجدهَا صَاحب التنعم والترفه بل يكون العطب إِلَيْهِ أسْرع وَقَوله وَاخْلَوْلقُوا هُوَ من قَوْله اخلولق السَّحَاب بعد تفرقه أَي اجْتمع وتهيأ للمطر وَصَارَ خليقا لَهُ فَمَعْنَى (اخلولقوا) تهيئوا واستعدوا لما يُرَاد مِنْكُم وَكُونُوا خلقاء بِهِ جديرين بِفِعْلِهِ لَا كمن ضيع [أَرْكَان و] أَسبَاب فروسيته وقوته [فَلم يجدهَا] عِنْد الْحَاجة وَقَوله واقطعوا الركب إِنَّمَا أَمرهم بذلك لِئَلَّا يعتادوا الركب دَائِما بالركاب فَأحب أَن يعودهم الرّكُوب بِلَا ركب وَأَن ينزوا على الْخَيل نَزْوًا وَقَوله ارموا الْأَغْرَاض أَمرهم بِأَن يكون قصدهم فِي الرَّمْي الْإِصَابَة لَا الْبعد وَهَذَا هُوَ مَقْصُود الرَّمْي وَلِهَذَا إِنَّمَا تكون المناضلة على الْإِصَابَة لَا على الْبعد كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله [تَعَالَى] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فصل فَوَائِد النضال فَلَو لم يكن فِي النضال إِلَّا أَنه يدْفع الْهم وَالْغَم عَن الْقلب لَكَانَ ذَلِك كَافِيا فِي فَضله وَقد جرب ذَلِك أَهله وَقد روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [مَا على أحدكُم إِذا لج بِهِ همه أَن يتقلد قوسه فينفي بِهِ همه وَهَذَا نَظِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَلَيْكُم بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ بَاب من أَبْوَاب الله بِهِ عَن النُّفُوس الْهم وَالْغَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَهُوَ من قَوْله تَعَالَى: {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ ويخزهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قوم مُؤمنين وَيذْهب غيظ قُلُوبهم وَيَتُوب الله على من يَشَاء وَالله عليم حَكِيم} [التَّوْبَة: 14] فصل أَيْمَان الرُّمَاة لَغْو لَا كَفَّارَة فِيهَا وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث ان أَيْمَان الرُّمَّان لَغْو لَا كَفَّارَة فِيهَا وَلَا حنث وَترْجم عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فَقَالَ: بَاب سُقُوط الْكَفَّارَة فِي أَيْمَان الرُّمَاة حَدثنَا يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْعَزِيز الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ بِمصْر قَالَ حَدثنِي أبي حَدثنَا سُفْيَان بَين عُيَيْنَة عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر برماة يرْمونَ فَقَالَ الرَّامِي أصبت وَالله فَأَخْطَأَ فَقَالَ أَبُو بكر حنث يَا رَسُول الله فَقَالَ لَا أَيْمَان الرُّمَاة لَغْو لَا حنث وَلَا كَفَّارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي حَدثنَا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي ثَنَا أَبُو بكر يُونُس بن بكير ثَنَا اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قوم ينتضلون ويتحالفون أصبت وَالله فَقَالَ (ارموا وَلَا إِثْم عَلَيْكُم) قلت ينظر فِي حَال يَعْقُوب بن عبد الْعَزِيز فِي السَّنَد الأول وَيُونُس بن بكير فِي الثَّانِي وَإِن صَحَّ الحديثان لم يخالفا قَاعِدَة الْأَيْمَان فَإِن الْحلف فِي ذَلِك من بَاب لَغْو الْيَمين وَهُوَ قَول الرجل لَا وَالله بلَى وَالله وَلَيْسَ من الْأَيْمَان المنعقدة الْمُوجبَة لِلْكَفَّارَةِ فصل فضل الْمَشْي بَين الغرضين وَمن مَشى بَينهمَا من السّلف الصَّالح وَقد روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 من مَشى بَين الغرضين كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي عَن أَبِيه رَأَيْت حُذَيْفَة يعدو بَين الهدفين بِالْمَدَائِنِ فِي قَمِيص وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَن بِلَال بن سعد أدْركْت قوما يَشْتَدُّونَ بَين الْأَغْرَاض يضْحك بَعضهم إِلَى بعض فَإِذا كَانَ اللَّيْل كَانُوا رهبانا وَقَالَ مُجَاهِد رَأَيْت ابْن عمر يشْتَد بَين الهدفين وَيَقُول أَنا بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَقد تقدم أَن عقبَة بن عَامر كَانَ يشْتَد بَين الغرضين وَهُوَ شيخ كَبِير فصل المفاضلة بَين ركُوب الْخَيل وَرمي النشاب فَإِن قيل فأيما أفضل ركُوب الْخَيل أَو رمي النشاب وَأي الْمُسَابقَة أفضل قيل قد اخْتلف فِي ذَلِك فرجحت طَائِفَة ركُوب الْخَيل قَالَ مَالك سبق الْخَيل أحب إِلَيّ من سبق الرَّمْي ذكره أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد عَنهُ وُجُوه تَفْضِيل سبق الْخَيل على الرَّمْي وَاحْتج أَصْحَاب هَذَا القَوْل بِوُجُوه أَحدهَا أَنه أصل الفروسية وقاعدتها الثَّانِي أَنه يعلم الْكر والفر وَالظفر بالخصم الثَّالِث أَن الْحَاجة إِلَى الرَّمْي فِي سَاعَة وَأما الرّكُوب فالحاجة إِلَيْهِ من أول مَا يخرج إِلَى الْقِتَال إِلَى أَن يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الرَّابِع أَن الرّكُوب يعلم الْفَارِس وَالْفرس مَعًا فَهُوَ يُؤثر الْقُوَّة فِي المركوب وراكبه الْخَامِس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاهن على فرس يُقَال لَهُ (سبْحَة) فَسبق النَّاس ذكره الإِمَام أَحْمد وَلم يحفظ عَنهُ أَن رَاهن فِي النضال السَّادِس أَن ركُوبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَضْعَاف [أَضْعَاف] رميه بِمَا لَا يُحْصى السَّابِع أَنه سُبْحَانَهُ عقد الْخَيْر بنواصي الْخَيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الثَّامِن أَنَّهَا تصلح للطلب والهرب فَهِيَ حصون ومعاقل لأَهْلهَا التَّاسِع أَن أَهلهَا أعز من الرُّمَاة وَأَرْفَع شَأْنًا وأعلا مَكَانا وَأَهْلهَا حكام [بِهِ] على الرُّمَاة وَالرُّمَاة رعية لَهُم الْعَاشِر أَنَّهَا كَانَت أحب الْأَشْيَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد النِّسَاء فروى النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَن أنس قَالَ لم يكن شَيْء أحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد النِّسَاء من الْخَيل الْحَادِي عشر مَا روى مَالك فِي موطئِهِ عَن يحيى بن سعيد قَالَ رئى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح وَجه فرسه بردائه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فَقَالَ (إِنِّي عوتبت فِي الْخَيل) [وَهَذَا] لكرامتها عَلَيْهِ وعَلى من عاتبه فِيهَا الثَّانِي عشر مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من فرس عَرَبِيّ إِلَّا يُؤذن لَهُ عِنْد السحر بِكَلِمَات يَدْعُو بِهن اللَّهُمَّ خولتني من خولتني من بني آدم وجعلتني لَهُ فَاجْعَلْنِي من أحب أَهله وَمَاله إِلَيْهِ المُرَاد بقوله تَعَالَى {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} الثَّالِث عشر أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أقسم بِالْخَيْلِ فِي كِتَابه وَذَلِكَ يدل على شرفها وفضلها عِنْده قَالَ تَعَالَى {وَالْعَادِيات ضَبْحًا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا} [العاديات: 1 - 3] أقسم سُبْحَانَهُ بِالْخَيْلِ تعدو فِي سَبيله و (الضبح) صَوت فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أجوافها عِنْد جريها {فالموريات قدحا} توري النَّار بحوافرها عِنْدَمَا تصك الْحِجَارَة {فأثرن بِهِ نقعا} (النَّقْع) الْغُبَار تثيره الْخَيل عِنْد عدوها وَالضَّمِير فِي {بِهِ} قيل يعود على الْقدح وَهُوَ ضَعِيف فَإِن الْغُبَار لَا يثار بالقدح وَقيل عَائِد على المغار الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله {فالمغيرات} أَي أثرن بالمغار غبارا لِكَثْرَة جولاتها فِيهِ وَيجوز أَن يعود على المغار الَّذِي هُوَ مصدر أَي [أثرن] الْغُبَار بِسَبَب الإغارة وَيجوز أَن يعود على الْعَدو الْمَفْهُوم من لفظ {العاديات} وَالضَّمِير فِي {وَبِه} الثَّانِيَة مثل الأولى وَقيل عَائِد على النَّقْع أَي وسطن جمعا ملتبسات بالنقع وعَلى هَذَا ف (جمع) هُنَا مجمع الْعَدو وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ عَليّ المُرَاد بهَا إبل الْحَاج أقسم الله سُبْحَانَهُ بهَا لعدوها فِي الْحَج الَّذِي هُوَ من سَبيله و (جمع) الَّذِي وسطن بِهِ هُوَ مُزْدَلِفَة أغرن بِهِ وَقت الصُّبْح وَالْقَوْل الأول أرجح لوجوه أَحدهَا أَن الْمُسْتَعْمل بالضبح إِنَّمَا هُوَ الْخَيل وَلِهَذَا قَالَ أهل اللُّغَة الضبح صَوت أنفاس الْخَيل إِذا عدت قَالَ الله تَعَالَى {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} وَيُقَال أَيْضا ضبح الثَّعْلَب الثَّانِي وصفهَا بِأَنَّهَا توري النَّار من الْحِجَارَة عِنْد عدوها وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مشهود فِي الْخَيل لقرع سنابكها فِي الْحَدِيد للصفا فيتولد قدح النَّار من بَينهمَا كَمَا يتَوَلَّد من الْحَدِيد والصوان عِنْد الْقدح الثَّالِث أَنه وصفهَا بالإغارة وَهِي وَإِن اسْتعْملت لِلْإِبِلِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تَقول أشرقت ثبير كَيْمَا نغير لَكِن اسْتِعْمَالهَا فِي إغارة الْغَزْو أَكثر الرَّابِع أَنه سُبْحَانَهُ وَقت الإغارة بالصبح وَالْحجاج عِنْد الصُّبْح لَا يغيرون وَإِنَّمَا يكونُونَ بموقف مُزْدَلِفَة وقريش إِذْ ذَاك لم تكن تغير حَتَّى تطلع الشَّمْس فَلم تكن تغير بالصبح قُرَيْش وَلَا غَيرهَا من الْعَرَب فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ فِي الْغَزْو لَا يُغير حَتَّى يصبح فَإِذا أصبح فَإِن سمع أذانا أمسك وَإِلَّا أغار الْخَامِس أَنه سُبْحَانَهُ عطف توَسط الْجمع بِالْفَاءِ الَّتِي هِيَ للتَّرْتِيب بعد الإغارة وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أغارت وَقت الصُّبْح فتوسط الْجمع بعد الإغارة وَمن الْمَعْلُوم أَن إبل الْحَاج لَهَا إغارتان إغارة فِي أول اللَّيْل إِلَى جمع وإغارة قبل طُلُوع الشَّمْس مِنْهَا إِلَى منى والإغارة الأولى قبل الصُّبْح وَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا وَبَين وَقت الصُّبْح وَبَين توَسط جمع وَهَذَا ظَاهر السَّادِس أَن النَّقْع هُوَ الْغُبَار وَجمع مُزْدَلِفَة وَمَا حوله كُله صفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَهُوَ وَاد بَين جبلين لَا غُبَار بِهِ تثيره الْإِبِل وَالله أعلم بمراده من كَلَامه عودة إِلَى وُجُوه تَفْضِيل سبق الْخَيل على سبق الرَّمْي الرَّابِع عشر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن من ارْتبط فرسا فِي سَبِيل الله فَإِن شبعه وريه وروثه وبوله فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة الْخَامِس عشر أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَمر بارتباطها وَمسح نَوَاصِيهَا وأكفالها فَفِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وهب الْجُشَمِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارتبطوا الْخَيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها وقلدوها وَلَا تقلدوها الأوتار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 النَّهْي عَن تَقْلِيد الْخَيل الأوتار وَمَعْنَاهُ وَفِي هَذَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يركب عَلَيْهَا ويقلدها فِي الْأَخْذ بالأوتار الْجَاهِلِيَّة وَهِي الذحول والعداوات الَّتِي بَين الْقَبَائِل الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَن لَا يقلدها وترا من أجل الْعين كَمَا كَانَ [أهل] الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ وَكَذَلِكَ لَا يعلق عَلَيْهَا خرزة وَلَا عظما وَلَا تَمِيمَة فَإِن ذَلِك كُله من عمل الْجَاهِلِيَّة وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَغَيره مَرْفُوعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 من تقلد وترا فَإِن مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيء فصل أوجه تفضل الرَّمْي بالنشاب على ركُوب الْخَيل وَذكر منفعَته وتأثيره ونكايته فِي الْعَدو وَذَهَبت طَائِفَة ثَانِيَة إِلَى أَن الرَّمْي أفضل من الرّكُوب وتعلمه أفضل من تعلمه والسباق بِهِ أفضل وَاحْتج هَذِه الْفرْقَة بِوُجُوه مِنْهَا أَحدهمَا أَن الله سُبْحَانَهُ قدم الرَّمْي فِي الذّكر [على الرّكُوب] فَقَالَ {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} [الْأَنْفَال: 60] وَثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فسر الْقُوَّة بِالرَّمْي وَالْعرب إِنَّمَا تبدأ فِي كَلَامهَا بالأهم وَالْأولَى قَالَ سِيبَوَيْهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 كَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يقدمُونَ الَّذِي بَيَانه أهم لَهُم وهم ببيانه أعنى وَإِن كَانَا جَمِيعًا يهمانهم ويعنيانهم هَذَا لَفظه الثَّانِي أَنه سمى الرَّمْي قُوَّة وَعدل عَن لَفظه وسمى رِبَاط الْخَيل بِلَفْظِهِ وَلم يعدل إِلَى غَيره إِشَارَة إِلَى مَا فِي الرماية من النكاية وَالْمَنْفَعَة الثَّالِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن الرَّمْي أحب إِلَيْهِ من الرّكُوب فَدلَّ على أَنه أفضل مِنْهُ فَفِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليدْخل بِالسَّهْمِ الْوَاحِد ثَلَاثَة نفر الْجنَّة صانعه الْمُحْتَسب فِي عمله الْخَيْر والرامي بِهِ والممد بِهِ فارموا واركبوا وَأَن ترموا أحب إِلَيّ من أَن تركبوا الرَّابِع أَن الرَّمْي مِيرَاث من إِسْمَاعِيل الذَّبِيح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِنَفر ينتضلون فَقَالَ ارموا بني اسماعيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا الْخَامِس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَعَ الْفَرِيقَيْنِ مَعًا فِي النضال وَلم يدْخل مَعَ الْفَرِيقَيْنِ فِي سباق الْخَيل فَدلَّ على فضل الرُّمَاة [والرماية] فَأَرَادَ أَن يحوز فضل الْفَرِيقَيْنِ وَأَن لَا يفوتهُ مِنْهُ شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 السَّادِس أَنه صَحَّ عَنهُ من الْوَعيد فِي نِسْيَان الرَّمْي مَا لم يَجِيء مثله فِي ترك الرّكُوب فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تعلم الرَّمْي ثمَّ تَركه فَلَيْسَ منا (أَو قد عصى) وَعند الطَّبَرَانِيّ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تعلم الرَّمْي ثمَّ نَسيَه فَهِيَ نعْمَة سلبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ أَخْبرنِي أَبُو سَلام قَالَ حَدثنِي خَالِد بن زيد عَن عقبَة بن عَامر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من نسي الرَّمْي بَعْدَمَا علمه فَإِنَّهَا نعْمَة كفرها (أَو تَركهَا) السَّابِع أَن رمي السهْم يعدل عتق رَقَبَة كَمَا فِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله فَهُوَ عدل مُحَرر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي لفظ النَّسَائِيّ من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله بلغ الْعَدو أَو لم يبلغ كَانَ لَهُ عتق رَقَبَة وَقَالَ عبد الله بن صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح عَن أَسد بن ودَاعَة عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار وَمن رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله وَبلغ الْعَدو فَأصَاب أَو أَخطَأ كَانَ لَهُ عتق رَقَبَة الثَّامِن أَنه دَرَجَة من الْجنَّة كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الطَّائِف قَاتلُوا فَمن بلغ بِسَهْم فَإِنَّهَا دَرَجَة أما إِنَّهَا لَيست بِدَرَجَة أبي أحدكُم وَلَا أمه وَلكنهَا دَرَجَة فِي الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَذكر من حَدِيث سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن معدان بن أبي طَلْحَة عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محاصر الطَّائِف من رمى بِسَهْم فَلهُ دَرَجَة فِي الْجنَّة فبلغت سِتَّة عشر سَهْما وَقَالَ من بلغ بِسَهْم فَهُوَ عدل رَقَبَة وَذكر أَبُو يَعْقُوب القراب من حَدِيث الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بلغ بِسَهْم فَلهُ دَرَجَة فِي الْجنَّة قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا الدرجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 قَالَ مَا بَين الدرجتين خمس مئة عَام التَّاسِع أَنه نور يَوْم الْقِيَامَة كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب القراب فِي كتاب فضل الرَّمْي من حَدِيث مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ رَأَيْت أَبَا عمْرَة الْأنْصَارِيّ وَكَانَ بَدْرِيًّا أحديا وَهُوَ يتلوى من الْعَطش ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله فَبلغ أَو قصر كَانَ ذَلِك السهْم نورا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو يَعْقُوب وروينا بروايات مُخْتَلفَة أَكثر من عشرَة يطول بِذكر أسانيدهم الْكتاب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله كَانَ لَهُ نورا تَاما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الْعَاشِر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعاة للرماة قَالَ لسعد بن أبي وَقاص الله سدد رميته وأجب دَعوته فَكَانَ لَا يُخطئ لَهُم سهم وَكَانَ مجاب الدعْوَة الْحَادِي عشر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدى الرُّمَاة بِأَبِيهِ وَأمه فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ قَالَ سعد بن مَالك نثل لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِنَانَته يَوْم أحد فَقَالَ (ارْمِ فدَاك أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَأمي) وَفِي لفظ لَهما جمع لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ يَوْم أحد وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْم أحد قَالَ كَانَ رجل من الْمُشْركين أحرق الْمُسلمين فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْمِ فدَاك أبي وَأمي قَالَ فنزعت لَهُ بِسَهْم لَيْسَ فِيهِ نصل فَأَصَبْت جنبه فَسقط وانكشفت عَوْرَته فَضَحكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نظرت إِلَى نَوَاجِذه الثَّانِي عشر للماشي بَين الغرضين بِكُل خطْوَة حَسَنَة كَمَا روى الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب فضل الرَّمْي من حَدِيث عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَشى بَين الغرضين كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة الثَّالِث عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من حرصه على الرَّمْي يناول الرَّامِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 السهْم مَا لَهُ نصل يَرْمِي بِهِ وَكَانَ الرُّمَاة وقاية لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي من حَدِيث سعد أَنه رمى يَوْم أحد دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سعد وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يناولني السهْم وَيَقُول ارْمِ فدَاك أبي وَأم حَتَّى أَنه ليناولني السهْم السهْم مَا لم نصل فأرمي بِهِ الرَّابِع عشر أَنه من فَضَائِل الْقوس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب وَهُوَ متوكئ عَلَيْهَا وَيذكر عَن أنس قَالَ مَا ذكرت الْقوس عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا قَالَ (مَا سبقها سلَاح إِلَى خير قطّ) وَيذكر أَن جِبْرِيل جَاءَ يَوْم بدر وَهُوَ متقلد قوسا عَرَبِيَّة الْخَامِس عشر إِن فِي الْقوس خَاصَّة وَهِي أَنَّهَا تَنْفِي الْفقر عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 صَاحبهَا وَقد ورد بذلك أثر فِي إِسْنَاده نظر ذكره أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب فضل الرَّمْي من حَدِيث الرّبيع بن صبيح عَن الْحسن عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اتخذ قوسا عَرَبِيَّة نفى الله عَنهُ الْفقر السَّادِس عشر أَن بالقسي مكن الله الصَّحَابَة فِي الْبِلَاد ونصرهم على عدوهم كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عويم بن سَاعِدَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ إِلَى الْقوس الْعَرَبيَّة وَقَالَ بِهَذِهِ وبرماح القنا يُمكن الله لكم الْبِلَاد وينصركم على عَدوكُمْ وروى ابْن مَاجَه نَحوه عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه مَرْفُوعا السَّابِع عشر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرضهم عِنْد فتح الْبِلَاد عَلَيْهِم على اللَّهْو بِالسِّهَامِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث صَالح بن كيسَان عَن عقبَة بن عَامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ستفتح لكم الأَرْض وتكفون الْمُؤْنَة فَلَا يعجز أحدكُم أَن يلهو بأسهمه الثَّامِن عشر أَن مَنْفَعَة الرَّمْي ونكايته فِي الْعَدو فَوق مَنْفَعَة سَائِر آلَات الْحَرْب فكمم من سهم وَاحِد هزم جَيْشًا وَإِن الرَّامِي الْوَاحِد ليتحاماه الفرسان وترعد مِنْهُ أبطال الرِّجَال هَذَا وَإِن السهْم تُرِيدُ ترسله إِلَى عَدوك فيكفيك مُؤْنَته على الْبعد وَقد علم بالتجربة أَن الرَّامِي الْوَاحِد إِذا كَانَ جيد الرَّمْي فَإِنَّهُ يَأْخُذ الفئة من النَّاس الَّذين لَا رامي مَعَهم ويطردهم جَمِيعًا وَلِهَذَا عِنْد أَرْبَاب الحروب إِن كل سهم مقَام رجل فَإِذا كَانَ مَعَ الرجل مئة سهم عد بمئة رجل والخصم يخَاف من النشاب أَضْعَاف خَوفه من السَّيْف وَالرمْح وَإِذا كَانَ راجل وَاحِد رام أمكنه أَن يَأْخُذ مئة فَارس لَا رامي فيهم ويغلبهم ومئة فَارس لَا يغلبُونَ راميا وَاحِدًا وَلِهَذَا ألْقى الله من الرعب لصَاحب الرَّمْي [عِنْد] خشخشة النشاب والجعبة مَا لم يلقه لصَاحب السَّيْف وَالرمْح وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ حَتَّى أَن الْألف ليفزعون من رام وَاحِد وَلَا يكادون يفزعون من ضَارب سيف وَاحِد فصوت الرَّامِي الْمجِيد فِي الْجَيْش خير من فِئَة كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَكَانَ أَبُو طَلْحَة من أحسن الصَّحَابَة رميا وأشدهم نزعا وَفِي الصَّحِيح أَنه لما كَانَ يَوْم أحد انهزم النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طَلْحَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مجوب عَلَيْهِ بحجفة مَعَه وَكَانَ أَبُو طَلْحَة رجلا راميا شَدِيد النزع وَكسر يَوْمئِذٍ قوسين أَو ثَلَاثًا وَكَانَ الرجل يمر بالجعبة فِيهَا النبل فَيَقُول انثرها لأبي طَلْحَة ويشرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَينْظر إِلَى الْقَوْم فَيَقُول لَهُ أَبُو طَلْحَة لَا تشرف يصيبك سهم من سِهَام الْقَوْم نحري دون نحرك وَفِي لفظ آخر لَا تشرف يَا رَسُول الله نَفسِي لنَفسك الْفِدَاء ووجهي لوجهك الوقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَقَالَ أنس كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طَلْحَة [يترسان] بترس وَاحِد وَكَانَ أَبُو طَلْحَة إِذا رمى يشرف لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر إِلَى مواقع سَهْمه التَّاسِع عشر أَن الرَّمْي يعْمل فِي الْجِهَات كلهَا فَيعْمل فِي وَجه الْعُلُوّ والسفل وَالْيَمِين وَالشمَال وَخلف وأمام على الْبعد وَغَيره لَا يبلغ عمله ذَلِك وَلَا بعضه وَلَا يُؤثر إِلَى مَعَ الْقرب الْعشْرُونَ أَن الرَّمْي يصلح للكسب وَالْحَرب فيصاد بِهِ الطير والوحش وَهُوَ يصلح لتَحْصِيل الْمَنَافِع ولدفع المضار وَهُوَ أعظم الْآلَات تحصيلا لهذين الْأَمريْنِ وَإِن كَانَ غير الرَّامِي قد يحصل بِهِ ذَلِك إِلَّا أَن الْحَاصِل مِنْهُ بِالرَّمْي أكمل وَأتم فَهَذَا بعض مَا احْتج بِهِ الْفَرِيقَانِ قَالَ شيخ الْإِسْلَام وَقد رُوِيَ أَن قوما كَانُوا يتناضلون فَقيل يَا رَسُول الله قد حضرت الصَّلَاة فَقَالَ إِنَّهُم فِي صَلَاة فَشبه رمي النشاب بِالصَّلَاةِ وَكفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 بذلك فضلا فضل النزاع بَين تَفْضِيل الرَّمْي على ركُوب الْخَيل وَالْعَكْس وَفضل النزاع بَين الطَّائِفَتَيْنِ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحْتَاج فِي كَمَاله إِلَى الاخر فَلَا يتم مَقْصُود أَحدهمَا إِلَّا بِالْآخرِ وَالرَّمْي أَنْفَع فِي الْبعد فَإِذا اخْتَلَط الْفَرِيقَانِ بَطل الرَّمْي حِينَئِذٍ وَقَامَت سيوف الفروسية من الضَّرْب والطعن وَالْكر والفر وَأما إِذا تواجه الخصمان من الْبعد فالرمي أَنْفَع وأنجع وَلَا تتمّ الفروسية إِلَّا بِمَجْمُوع الْأَمريْنِ وَالْأَفْضَل مِنْهُمَا مَا كَانَ أنكى فِي الْعَدو وأنفع للجيش وَهَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْجَيْش وَمُقْتَضى الْحَال وَالله أعلم فصل رميه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ الْكَرِيمَة وَأما رميه بِيَدِهِ الْكَرِيمَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابْن اسحاق فِي الْمَغَازِي حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى عَن قوسه يَوْم أحد حَتَّى اندقت سيتها فَأَخذهَا قَتَادَة بن النُّعْمَان فَكَانَت عِنْده وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عين قَتَادَة بن النُّعْمَان حَتَّى وَقعت على وجنته فَحَدثني عَاصِم بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ردهَا بِيَدِهِ فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فصل طعنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحربة وَأما طعنه بالحربة وَهِي رمح قصير فَفِي مغازي مُوسَى بن عقبَة وَابْن إِسْحَاق والأموي وَغَيرهَا أَنه لما كَانَ يَوْم أحد وَأسْندَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْجَبَل أدْركهُ أبي بن خلف وَهُوَ يَقُول أَيْن مُحَمَّد لَا نجوت إِن نجا قَالَ ابْن إِسْحَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَكَانَ أبي بن خلف كَمَا حَدثنِي صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف يلقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَيَقُول يَا مُحَمَّد إِن عِنْدِي (الْعود) فرسا لَهُ أعلفه كل يَوْمًا فرقا من ذرة أَقْتلك عَلَيْهَا فَيَقُول (بل أَنا أَقْتلك إِن شَاءَ الله) قَالَ مُوسَى بن عقبَة قَالَ سعيد بن الْمسيب فَلَمَّا أدْرك أبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْترض لَهُ رجال من الْمُؤمنِينَ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخلوا طَرِيقه واستقبله مُصعب بن عمر أَخُو بني عبد الدَّار يقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ فَقتل مُصعب بن عُمَيْر وَأبْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترقوة أبي بن خلف من فُرْجَة فِي سابغة الدرْع والبيضة فطعنه بحربته فَوَقع أبي عَن فرسه وَلم يخرج من طعنته دم فَكسر ضلعا من أضلاعه فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْش وَقد خدشه فِي عُنُقه خدشا غير كَبِير فاحتقن الدَّم قَالَ قتلني وَالله مُحَمَّد قَالُوا لَهُ ذهب وَالله فُؤَادك إِنَّه مَا كَانَ بك من بَأْس قَالَ إِنَّه كَانَ قد قَالَ لي بِمَكَّة أَنا أَقْتلك فوَاللَّه لَو بَصق عَليّ لَقَتَلَنِي فَمَاتَ عَدو الله بسرف وهم قافلون إِلَى مَكَّة قَالَ ابْن عقبَة فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْل ذِي الْمجَاز لماتوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 أَجْمَعُونَ فصل فضل الرماح وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرماح فِي كِتَابه فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ} [الْمَائِدَة: 94] وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بِالسَّيْفِ بَين يَدي السَّاعَة حَتَّى يعبد الله وَحده لَا شريك لَهُ وَجعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أَمْرِي وَمن تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَفِي سنَن ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ كَانَت بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوس عَرَبِيّ فَرَأى رجلا بِيَدِهِ قَوس فارسية فَقَالَ (مَا هَذِه ألقها وَعَلَيْك بِهَذِهِ وأشباهها ورماح القنا فَإِنَّهُمَا يزِيد الله بهما فِي الدّين وَيُمكن لكم فِي الْبِلَاد) والرماح للمقاتلة بِمَنْزِلَة الصَّيَاصِي للوحوش تدفع بهَا من يقصدها وتحارب بهَا وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على أَن الْعَمَل بِالرُّمْحِ أفضل من الصَّلَاة النَّافِلَة فِي الْأَمْكِنَة الَّتِي يحْتَاج فِيهَا إِلَى الْجِهَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْأَشْيَاء الَّتِي تظهر فِيهَا الفروسية والفروسية تظهر فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء - ركُوب الْخَيل والمسابقة عَلَيْهَا - وَرمي النشاب - واللعب بِالرُّمْحِ وَهُوَ بنود كَثِيرَة ومبناه التبطيل وَالنَّقْل والتسريح والنثل والطعن وَالدُّخُول وَالْخُرُوج ومداره على أصلين الطعْن والتبطيل فالشجاع الْخَبِير الَّذِي لَا يطعن فِي موطن التبطيل وَلَا يبطل فِي مَوضِع الطعْن بل يُعْطي كل حَال مَا يَلِيق بِهِ وَيعرف حكم ملازقة الْقرن ومفارقته ومخارجته ومضايقته وهزله وجده وَأَخذه ورده وطلوعه ونزوله وَكره وفره وَيُعْطِي كل حَال من هَذِه الْأَحْوَال كفوها وَمَا يَلِيق بهَا وَيكون عَارِفًا بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوج ومواضع الطعْن وَالضَّرْب والإقدام والإحجام وَاسْتِعْمَال الطعْن الْكَاذِب فِي مَوْضِعه والصادق فِي مَوْضِعه والاستدارة عِنْد المجاولة يَمِينا وَشمَالًا وإعمال الْفِكر حَال دُخُول الْقرن على قرنه فِي الْخُرُوج مِنْهُ وَالدُّخُول عَلَيْهِ فَلَا يشْغلهُ أَحدهمَا عَن الآخر أوجه الشّبَه بَين الجلاد بِالسَّيْفِ والجدال بِالْحجَّةِ وَلما كَانَ الجلاد بِالسَّيْفِ والسنان والجدال بِالْحجَّةِ ولبرهان كالأخوين الشقيقين والقرينين المتصاحبين كَانَت أَحْكَام كل [وَاحِد] مِنْهُمَا شَبيهَة بِأَحْكَام الآخر ومستفادة مِنْهُ فالإصابة فِي الرَّمْي والنضال كالإصابة فِي الْحجَّة والمقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 والطعن والتبطيل نَظِير إِقَامَة الْحجَّة وَإِبْطَال حجَّة الْخصم [وَالدُّخُول] الْخُرُوج نَظِير الْإِيرَاد والاحتراز [مِنْهُ] وَجَوَاب [الْخصم] والقرن عِنْد دُخُوله عَلَيْك كجواب الْخصم عَمَّا يُورِدهُ عَلَيْك فروسية الْعلم وَالْبَيَان وفروسية الرَّمْي والطعان فالفروسية فروسيتان فروسية الْعلم وَالْبَيَان وفروسية الرَّمْي والطعان وَلما كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل الْخلق فِي الفروسيتين فتحُوا الْقُلُوب بِالْحجَّةِ والبرهان والبلاد بِالسَّيْفِ والسنان وَمَا النَّاس إِلَّا هَؤُلَاءِ الْفَرِيقَانِ وَمن عداهما فَإِن لم يكن ردْءًا وعونا لَهما فَهُوَ كل على نوع الْإِنْسَان وَقد أَمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُوله بجدال الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين فَعلم الْجِدَال والجلاد من أهم الْعُلُوم وأنفعها للعباد فِي المعاش والمعاد وَلَا يعدل مداد الْعلمَاء إِلَّا دم الشُّهَدَاء والرفعة وعلو الْمنزلَة فِي الدَّاريْنِ إِنَّمَا هِيَ لهاتين الطَّائِفَتَيْنِ وَسَائِر النَّاس رعية لَهما منقادون لرؤسائهما فصل الرِّهَان على الْغَلَبَة بِالرُّمْحِ فَإِن قيل فَإِذا كَانَ شَأْن الرمْح مَا ذكرْتُمْ فَهَلا جوزتم الرِّهَان على الْغَلَبَة بِهِ كَمَا جوزتموها فِي النضال وسباق الْخَيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قيل اخْتلفت الفقاء فِي ذَلِك فَمَنعه أَصْحَاب أَحْمد وَمَالك وللشافعية فِي المزاريق وَجْهَان قَالَ من جوز الرِّهَان عَلَيْهَا هِيَ دَاخِلَة فِي اسْم النصل وَقَالَ المانعون المُرَاد بالنصل مَا يتَبَادَر إِلَيْهِ الأفهام وَمَا جرت عَادَة النَّاس بالتراهن عَلَيْهِ من عهد الصَّحَابَة وَإِلَى الْآن وَهُوَ السِّهَام خَاصَّة وَلَا ريب أَن من جوز الرِّهَان على الْعَدو بالأقدام والصراع فتجويزه لَهُ فِي المغالبة بِالرِّمَاحِ أولى وَأَحْرَى فصل ركُوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفرس عُريَانا وتقلده بِالسَّيْفِ وورود ذَلِك فِي صفته فِي الْكتب الأولى وَأما ركُوبه الْفرس عُريَانا وتقلده السَّيْف فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ثَابت عَن أنس قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس وأجود النَّاس وَأَشْجَع النَّاس وَلَقَد فزع أهل الْمَدِينَة لَيْلَة فَركب فرسا لأبي طَلْحَة عريا فَخرج النَّاس فَإِذا هم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سبقهمْ الى الصَّوْت قد إستبرأ الْخَبَر وَهُوَ يَقُول لن تراعوا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَدْنَاهُ بحرا قَالَ ثَابت فَمَا سبق ذَلِك الْفرس بعد ذَلِك قَالَ وَكَانَ فرسا يبطأ وَفِي لفظ فستقبل النَّاس على فرس عري لأبي طَلْحَة وَالسيف فِي عُنُقه وَفِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب الأولى عزه على عَاتِقه إِشَارَة الى تقلده السَّيْف وفيهَا أَيْضا صفته وَصفَة أمته تتقلد السيوف كَمَا فِي الزبُور فِي بعض المزامير من أجل هَذَا بَارك الله عَلَيْك إِلَى الْأَبَد فتقلد أَيهَا الْخِيَار السَّيْف لِأَنَّهُ الْبَهَاء لوجهك وَالْحَمْد الْغَالِب عَلَيْك لتركب كلمة الْحق وسمت التأله فَإِن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يَمِينك وسهامك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 مسنونة والأمم يجرونَ تَحْتك وَلَيْسَ من الْأَنْبِيَاء من تقلد السَّيْف بعد دَاوُد وخرت الْأُمَم تَحْتَهُ وقرنت شرائعه بالهيبة سوى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَفِي صفة أمته فِي الزبُور وليفرح من اصْطفى الله أمته وَأَعْطَاهُ النَّصْر وسدد الصَّالِحين مِنْهُم بالكرامة يسبحونه على مضاجعهم وَيُكَبِّرُونَ الله بِأَصْوَات مُرْتَفعَة بِأَيْدِيهِم سيوف ذَات شفرتين لينتقم بهم من الْأُمَم الَّذين لَا يعبدونه وَهَذِه الصِّفَات منطبقة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته فصل أَحْكَام الرِّهَان فِي الْمُسَابقَة وصوره الْمُتَّفق عَلَيْهَا والمختلف فِيهَا اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز الرِّهَان فِي الْمُسَابقَة على الْخَيل [وَالْإِبِل] والسهام فِي الْجُمْلَة وَاخْتلفُوا فِي فصلين أَحدهمَا فِي الْبَاذِل للرَّهْن من هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الثَّانِي فِي حكم عود الرَّهْن إِلَى من يعود فَذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو حنيفَة إِلَى أَن الْبَاذِل للرَّهْن يجوز أَن يكون أحد الْمُتَعَاقدين وَيجوز أَن يكون كِلَاهُمَا وَأَن يكون أَجْنَبِيّا ثَالِثا إِمَّا الإِمَام وَإِمَّا غَيره وَلَكِن إِن كَانَ الرَّهْن مِنْهُمَا لم يحل إِلَّا بِمُحَلل وَهُوَ ثَالِث يدخلانه بَينهمَا لَا يخرج شَيْئا فَإِن سبقهما أَخذ سبقهما وَإِن سبقاه [مَعًا] أحرزا سبقهما وَلم يغرم الْمُحَلّل شَيْئا وَإِن سبق الْمُحَلّل مَعَ أَحدهمَا اشْترك [هُوَ] وَالسَّابِق فِي سبقه ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَمر آخر فِي الْمُحَلّل وَهُوَ أَنه هَل يجوز أَن يكون الْمُحَلّل أَكثر من وَاحِد أَو لَا يجوز [أَن يكون] إِلَّا وَاحِدًا فَظَاهر كَلَامهم أَن الْمُحَلّل يكون كَأحد الحزبين إِمَّا وَاحِدًا وَإِمَّا عددا وَقَالَ أَبُو الْحسن الْآمِدِيّ من أَصْحَاب أَحْمد لَا يجوز أَكثر من وَاحِد وَلَو كَانُوا مئة لِأَن الْحَاجة تنْدَفع بِهِ قَالُوا وَالْعقد بِدُونِ الْمُحَلّل إِذا أخرجَا مَعًا قمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَمذهب مَالك أَنه إِنَّمَا يجوز أَن يخرج السَّبق ثَالِث لَيْسَ من المتسابقين إِمَّا الإِمَام أَو غَيره وَلَا يجْرِي مَعَهم فَمن سبق مِنْهُمَا أَخذ ذَلِك السَّبق فَإِن جرى مَعَهُمَا الَّذِي أخرج السَّبق فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون السباق فرسين أَو أَكثر فَإِن كَانَتَا فرسين فَسبق مخرج السَّبق فالسبق طعم لمن حضر وَلَا يَأْخُذهُ السَّابِق وَإِن كَانَت خيلا كَثِيرَة وَقد سبق مخرج السَّبق أعْطى سبقه للَّذي يَلِيهِ وَهُوَ الْمُصَلِّي وَلم يَأْخُذهُ وَفقه ذَلِك أَن سبقه لَا يعود إِلَيْهِ بِحَال سَوَاء سبق أَو سبق وَلَا يجوز عِنْده أَن يخرجَا مَعًا لَا بِمُحَلل وَلَا بِغَيْر مُحَلل وَلَا أَن يخرج أحد المتسابقين وَقد روى عَن مَالك رِوَايَة ثَانِيَة جَوَاز إِخْرَاج السَّبق مِنْهُمَا بِمُحَلل كَقَوْل الثَّلَاثَة قَالَ ابْن عبد الْبر وَهَذَا أَجود قوليه وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْمَوَّاز قلت وَلَكِن أَصْحَابه على خِلَافه وَالْمَشْهُور عِنْدهم مَا حكيناه عَنهُ أَولا وَالْقَوْل بالمحلل مَذْهَب تَلقاهُ النَّاس عَن سعيد بن الْمسيب وَأما الصَّحَابَة فَلَا يحفظ عَن أحد مِنْهُم قطّ أَنه اشْترط الْمُحَلّل وَلَا رَاهن بِهِ مَعَ كَثْرَة تناضلهم ورهانهم بل الْمَحْفُوظ عَنْهُم خِلَافه كَمَا ذكره عَن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 عُبَيْدَة بن الْجراح وَقَالَ الْجوزجَاني الإِمَام فِي كِتَابَة المترجم حَدثنَا أَبُو صَالح هُوَ مَحْبُوب بن مُوسَى الْفراء حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق هُوَ الْفَزارِيّ عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ قَالَ رجل عِنْد جَابر ابْن زيد إِن أَصْحَاب مُحَمَّد كَانُوا لَا يرَوْنَ بالدخيل بَأْسا فَقَالَ هم كَانُوا أعف من ذَلِك والدخيل عِنْدهم هُوَ الْمُحَلّل فينافيه مَا نقل عَنْهُم أَنهم لم يَكُونُوا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا وَفرق بَين أَن لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا وَبَين أَن يكون شرطا فِي صِحَة العقد وحله فَهَذَا لَا يعرف عَن أحد مِنْهُم أَلْبَتَّة وَقَوله كَانُوا أعف من ذَلِك أَي كَانُوا أعف من أَن يدخلُوا بَينهم فِي الرِّهَان دخيلا كالمستعار وَلِهَذَا قَالَ جَابر بن زيد رَاوِي هَذِه الْقِصَّة أَنه لَا يحْتَاج المتراهنان إِلَى الْمُحَلّل حَكَاهُ الْجوزجَاني وَغَيره عَنهُ فصل إِذا عرفت مَذَاهِب النَّاس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَنَذْكُر حجج الْفَرِيقَيْنِ ومأخذ الْمَسْأَلَة من الْجَانِبَيْنِ وَإِلَى الْمنصف التحاكم وَغَيره لَا يعبأ الله بِهِ وَلَا رَسُوله وَلَا أولو الْعلم شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أَدِلَّة المجوزين للتراهن من غير مُحَلل قَالَ المجوزون للتراهن من غير مُحَلل قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} [الْمَائِدَة: 1] وَهَذَا يَقْتَضِي الْأَمر بِالْوَفَاءِ لكل عقد إِلَّا عقدا حرمه الله وَرَسُوله أَو أَجمعت الْأمة على تَحْرِيمه وَعقد الرِّهَان من الْجَانِبَيْنِ لَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك فالمتعاقدان مأموران بِالْوَفَاءِ بِهِ وَقَالَ [الله] تَعَالَى {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا} [الْإِسْرَاء: 34] وَقَالَ [تَعَالَى] {والموفون بعهدهم إِذا عَاهَدُوا} [الْبَقَرَة: 177] وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا [حَدِيث صَحِيح] وَقَالَ [عَلَيْهِ السَّلَام] إِن من أعظم الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم فَحرم على النَّاس من أجل مَسْأَلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَهَذَا يدل على أَن الْعُقُود والمعاملات على الْحل حَتَّى يقوم الدَّلِيل من كتاب الله وَسنة وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على تَحْرِيمهَا فَكَمَا أَنه لَا وَاجِب إِلَّا مَا أوجبه الله وَرَسُوله فَلَا حرَام إِلَّا مَا حرمه الله وَرَسُوله قالو وَقد أطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز أَخذ السَّبق فِي الْخُف والحافر والنصل إِطْلَاق مشرع لإباحته وَلم يُقَيِّدهُ بِمُحَلل فَقَالَ لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل فَلَو كَانَ الْمُحَلّل شرطا لَكَانَ ذكره أهم من ذكر محَال السباق إِن كَانَ السباق بِدُونِهِ حَرَامًا وَهُوَ قمار عِنْد المشترطين فَكيف يُطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز أَخذ السَّبق فِي هَذِه الْأُمُور وَيكون أغلب صوره مَشْرُوطًا بالمحلل وَأكل المَال بِدُونِهِ حرَام وَلَا يُبينهُ بِنَصّ وَلَا بإيماء وَلَا تَنْبِيه وَلَا ينْقل عَنهُ وَلَا عَن أَصْحَابه مُدَّة رهانهم فِي الْمُحَلّل قَضِيَّة وَاحِدَة قَالُوا وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن أبي لبيد لمازة بن زبار قَالَ قُلْنَا لأنس أَكُنْتُم تراهنون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 نعم لقد رَاهن [رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على فرس يُقَال لَهُ (سبْحَة) فَسبق النَّاس فهش لذَلِك وَأَعْجَبهُ وَهُوَ حَدِيث جيد الْإِسْنَاد [وَمن الْكِفَايَة فِي الِاحْتِجَاج بِهِ رِوَايَة هَذَا الإِمَام لَهُ وعَلى الْمَانِع إبداء مَا يُوجب عدم الإحتجاج] قَالُوا والمراهنة مفاعلة وَهِي لَا تكون إِلَّا من الطَّرفَيْنِ هَذَا اصلها وَالْغَالِب عَلَيْهَا قَالُوا وروى أَحْمد ايضا حَدثنَا غنْدر عَن شُعْبَة عَن سماك قَالَ سَمِعت عياضا الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة من يراهنني فَقَالَ شَاب أَنا إِن لم تغْضب قَالَ فسبقه قَالَ فَرَأَيْت عقيصتي أبي عُبَيْدَة تنقزان وَهُوَ على فرس خَلفه عري وَلم يذكر محللا فِي هَذَا وَلَا فِي غَيره قَالُوا وَمثل هَذَا لَا بُد أَن يشْتَهر وَلم ينْقل عَن صَحَابِيّ خِلَافه قَالَ شيخ الْإِسْلَام مَا علمت بَين الصَّحَابَة خلافًا فِي عدم اشْتِرَاط الْمُحَلّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَالُوا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان والرهان على وزن فعال وَهُوَ مُقْتَضى أَن يكون من الْجَانِبَيْنِ فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عقد الرِّهَان الجلب وَالْجنب وَلم يبطل اشتراطهما فِي بذل السَّبق مَعَ أَن [بَيَان] حكمه أهم من بَيَان الجلب وَالْجنب بِكَثِير قَالُوا وَلَو كَانَ إِخْرَاج الْعِوَض من المتراهنين حَرَامًا وَهُوَ قمار لما حل بالمحلل فَإِن هَذَا الْمُحَلّل لَا يحل السَّبق الَّذِي حرمه الله وَرَسُوله وَلَا تَزُول الْمفْسدَة الَّتِي فِي إخْرَاجهَا بِدُخُولِهِ [بل تزيد كَمَا سنبينه فَإِن كَانَ العقد بِدُونِهِ قمارا فَهُوَ بِدُخُولِهِ] أَيْضا [قمار] إِذْ الْمَعْنى الَّذِي جعلتموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 لأَجله قمارا إِذا اشْتَركَا فِي الْإِخْرَاج هُوَ بِعَيْنِه قَائِم مَعَ دُخُول الْمُحَلّل فَكيف يكون العقد قمارا فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ وحلالا فِي الْأُخْرَى مَعَ قيام الْمَعْنى بِعَيْنِه وَلَا تذكرُونَ فرقا إِلَّا كَانَ الْفرق مقتضيا لِأَن يكون العقد بِدُونِهِ أقل خطرا وَأقرب إِلَى الصِّحَّة كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالُوا وَدخُول الْمُحَلّل فِي هَذَا العقد كدخول الْمُحَلّل فِي النِّكَاح للمطلق ثَلَاثًا وكدخول الْمُحَلّل فِي عقد الْعينَة وَنَحْوهَا من الْعُقُود الْمُشْتَملَة على الْحِيَل الربوية فَإِن كَانَ وَاحِد مِنْهُم مستعار غير مَقْصُود فِي العقد وَالْمَقْصُود غَيره وَهُوَ حرف جَاءَ لِمَعْنى من غَيره وَقد ثَبت فِي مُحَلل النِّكَاح والعينة مَا ثتب فِيهِ من النَّهْي عَنهُ والإخبار عَن مُحَلل النِّكَاح أَنه تَيْس مستعار فَإِنَّهُ لم يقْصد بِالْعقدِ وَإِنَّمَا استعير دخيلا ليحل مَا حرم الله تَعَالَى قَالُوا فَإِن كَانَ إِخْرَاج السَّبق من المتراهنين حَرَامًا فدخول الْمُحَلّل ليحله كدخول مُحَلل النِّكَاح سَوَاء بِسَوَاء وَإِن كَانَ بذل السَّبق مِنْهُمَا جَائِزا مَعَه فبدونه أولى بِالْجَوَازِ قَالُوا وَأَيْضًا فالمحلل إِمَّا أَن يكون دُخُوله ليحل الْعَمَل أَو ليحل الْبَذْل أَو ليحل أكل السَّبق والأقسام الثَّلَاثَة بَاطِلَة أما بطلَان إحلاله الْعَمَل فَظَاهر فَإِن الْعَمَل حَلَال بالِاتِّفَاقِ وَأما بطلَان إحلاله الْبَذْل فَكَذَلِك أَيْضا لِأَن الْبَذْل جعَالَة عِنْد المشترطين للمحلل فِي هَذَا العقد وبذل الْجعل فِي الْجعَالَة لَا يتَوَقَّف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مُحَلل سَوَاء كَانَ من أحد الْجَانِبَيْنِ أَو من كليهمَا إِذْ غايتها أَن تكون جعَالَة من الطَّرفَيْنِ وحلها لَا يتَوَقَّف على مُحَلل كَمَا لَو أبق لكل وَاحِد مِنْهُمَا عبد فَقَالَ كل مِنْهُمَا للْآخر إِن رددت عَبدِي فلك عشرَة وبذل السَّبق عِنْدهم هُوَ مثل هَذَا فَإِنَّهُم يدخلونه فِي قسم الجعالات وَأما بطلَان إحلاله لأجل السَّبق فَكَذَلِك أَيْضا لِأَن أكل هَذَا السَّبق إِن كَانَ حَرَامًا بِدُونِ الْمُحَلّل فَهُوَ حرَام بِدُخُولِهِ فَإِنَّهُ لَا تَأْثِير لَهُ فِي حل مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمَا وَإِن لم يكن حَرَامًا بِدُخُول الْمُحَلّل لم يكن حَرَامًا بِدُونِهِ فَإِنَّهُ لَا تَأْثِير لَهُ فِي عملهما وَلَا فِي دفع المخاطرة فِي عقدهم بل دُخُوله إِن لم يضرهما لم ينفعهما قَالُوا وَأَيْضًا فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حرم الميسر فِي كِتَابه كَمَا حرم الْخمر وَالْميسر هُوَ الْقمَار وتحريمه إِمَّا أَن يكون لنَفس الْعَمَل أَو لما فِيهِ من أكل المَال الْبَاطِل أَو لمجموع الْأَمريْنِ وَلَيْسَ هُنَا قسم رَابِع وأيا مَا كَانَ فَلَيْسَ فِي هَذَا العقد الْمُتَنَازع فِيهِ وَاحِد من الْأُمُور الثَّلَاثَة بل هُوَ خَال عَنْهَا فَإِن المغالبات فِي الشَّرْع تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا فِيهِ مفْسدَة راجحة على منفعَته كالنرد وَالشطْرَنْج فَهَذَا يحرمه الشَّارِع لَا يبيحه إِذْ مفسدته راجحة على مصْلحَته وَهِي من جنس مفْسدَة السكر وَلِهَذَا قرن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَين الْخمر والقمار فِي الحكم وجعلهما فريني الأنصاب والأزلام وَأخْبر أَنَّهَا كلهَا رِجْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَأَنَّهَا من عمل الشَّيْطَان وَأمر باجتنابها وعلق الْفَلاح باجتنابها وَأخْبر أَنَّهَا تصد عَن ذكره وَعَن الصَّلَاة وتهدد من لم ينْتَه عَنْهَا وَمَعْلُوم أَن شَارِب الْخمر إِذا سكر كَانَ ذَلِك مِمَّا يصده عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة ويوقع الْعَدَاوَة والبغضاء بِسَبَبِهِ وَكَذَلِكَ المغالبات الَّتِي تلهي بِلَا مَنْفَعَة كالنرد وَالشطْرَنْج وأمثالهما مِمَّا يصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة لشدَّة التهاء النَّفس بهَا واشتغال الْقلب فِيهَا أبدا بالفكر وَمن هَذَا الْوَجْه فالشطرنج أَشد شغلال للقلب وصدا عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة وَلِهَذَا جعله بعض الْعلمَاء أَشد تَحْرِيمًا من النَّرْد وَجعل النَّص على أَن اللاعب بالنرد عَاص لله وَرَسُوله تَنْبِيها بطرِيق الأولى على أَن اللاعب بالشطرنج أَشد مَعْصِيّة إِذْ لَا يحرم الله وَرَسُوله فعلا مُشْتَمِلًا على مفْسدَة ثمَّ يُبِيح فعلا مُشْتَمِلًا على مفْسدَة أكبر من تِلْكَ والحس والوجود شَاهد بِأَن مفْسدَة الشطرنج وشغلها للقلب وصدها عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة أعظم من مفْسدَة النَّرْد وَهِي توقع الْعَدَاوَة والبغضاء لما فِيهَا من قصد كل من المتلاعبين قهر الآخر وَأكل مَاله وَهَذَا من اعظم مَا يُوقع الْعَدَاوَة والبغضاء فَحرم الله سُبْحَانَهُ هَذَا النَّوْع لاشْتِمَاله على مَا يبغضه وَمنعه مِمَّا يُحِبهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فصل الْمصلحَة الراجحة المتضمنة لما يُحِبهُ الله وَرَسُوله تَقْتَضِي عدم إِدْخَال الْمُحَلّل بَين المتسابقين وأوجه ذَلِك الْقسم الثَّانِي عكس هَذَا وَهُوَ مَا فِيهِ مصلحَة راجحة وَهُوَ مُتَضَمّن لما يُحِبهُ الله وَرَسُوله معِين عَلَيْهِ ومفض إِلَيْهِ فَهَذَا شَرعه الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَشرع لَهُم الْأَسْبَاب الَّتِي تعين عَلَيْهِ وترشد إيه وَهُوَ كالمسابقة على الْخَيل وَالْإِبِل والنضال الَّتِي تَتَضَمَّن الِاشْتِغَال بِأَسْبَاب الْجِهَاد وَتعلم الفروسية والاستعداد للقاء أعدائه وإعلاء كَلمته وَنصر دينه وَكتابه وَرَسُوله فَهَذِهِ المغالبة تطلب من جِهَة الْعَمَل وَمن جِهَة أكل المَال بِهَذَا الْعَمَل الَّذِي يُحِبهُ الله تَعَالَى وَرَسُوله وَمن الْجِهَتَيْنِ مَعًا وَهَذَا الْقسم جوزه الشَّارِع بالبرهان تحريضا للنفوس عَلَيْهِ فَإِن النَّفس يصير لَهَا داعيان دَاعِي الْغَلَبَة وداعي الْكسْب فتقوى رغبتها فِي الْعَمَل المحبوب لله تَعَالَى وَرَسُوله فَعلم أَن أكل المَال بِهَذَا النَّوْع أكل لَهُ بِحَق لَا بباطل وَمَعْلُوم أَن دُخُول الْمُحَلّل يضعف هَذَا الْغَرَض ويفتر عزم الأقران فَهُوَ يعود على مَطْلُوب الشَّارِع بالإبطال فَإِن المتسابقين مَتى رَأيا بَينهمَا دخيلا مستعارا يَأْكُل مَالهمَا إِن غلب وَلَا يأخذان مِنْهُ شَيْئا إِن غلباه فترت عزيمتهما وَضعف حرصهما وَمَعْلُوم أَن هَذَا لَا إِعَانَة فِيهِ على هَذَا الْعَمَل وَلَا تَقْوِيَة فِيهِ للرعية وَلَا هُوَ أدّى إِلَى تَحْصِيل المَال الْبَاعِث على الْعَمَل فَالْعقد بِدُونِهِ أقرب إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 حُصُول مَا يُحِبهُ الله تَعَالَى قَالُوا والوجود شَاهد بذلك فصل وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مضرَّة راجحة وَلَا هُوَ أَيْضا مُتَضَمّن لمصْلحَة راجحة يَأْمر الله تَعَالَى بهَا وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا لَا يحرم وَلَا يُؤمر بِهِ كالصراع الْعَدو والسباحة وشيل الأثقال وَنَحْوهَا فَهَذَا الْقسم رخص فِيهِ الشَّارِع بِلَا عوض إِذْ لَيْسَ فِيهِ مفْسدَة راجحة وللنفوس فِيهِ استراحة وإجمام وَقد يكون مَعَ الْقَصْد الْحسن عملا صَالحا كَسَائِر الْمُبَاحَات الَّتِي تصير بِالنِّيَّةِ طاعات فاقتضت حِكْمَة الشَّرْع الترخيص فِيهِ لما يحصل فِيهِ من إجمام النَّفس وراحتها واقتضت تَحْرِيم الْعِوَض فِيهِ إِذْ لَو أباحته بعوض لاتخذته النُّفُوس صناعَة ومكسبا فالتهت بِهِ عَن كثير من مصَالح دينهَا ودنياها فَأَما إِذا كَانَ لعبا مَحْضا وَلَا مكسب فِيهِ فَإِن النَّفس لَا تؤثره على مصَالح دنياها ودينها وَلَا تؤثره عَلَيْهَا إِلَّا النُّفُوس الَّتِي خلقت للبطالة قَالُوا وَبِهَذَا التَّقْسِيم تتبين حِكْمَة الشَّرْع فِي إِدْخَاله السَّبق فِي الْخُف والحافر والنصل وَمنعه فِيمَا عَداهَا وَتبين بِهِ أَن الدخيل لَا مصلحَة فِيهِ للمتسابقين أَلْبَتَّة قَالُوا وَأَيْضًا فالشرع مبناه على الْعدْل فَإِن الله سُبْحَانَهُ أرسل رسله وَأنزل كتبه ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ وَقد حرم الله سُبْحَانَهُ الظُّلم على نَفسه وَجعله محرما بَين عباده والعقود كلهَا مبناها على الْعدْل بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْمُتَعَاقدين عُقُود الْمُعَاوَضَات والمشاركات جائزها ولازمها وَإِذا كَانَ مبْنى الْعُقُود على الْعدْل من الْجَانِبَيْنِ فَكيف يُوجب فِي عقد من الْعُقُود أَن يبْذل أحد الْمُتَعَاقدين وَحده دون الآخر وَكِلَاهُمَا فِي الْعَمَل وَالرَّغْبَة سَوَاء وكل وَاحِد مِنْهُمَا رَاغِب فِي السَّبق وَالْكَسْب فَمَا الَّذِي جوز الْبَذْل لأَحَدهمَا دون الآخر قَالُوا وَأَيْضًا فالمحلل كأحدهم فِي الْعَمَل وَالرَّغْبَة فَمَا الَّذِي أوجب عَلَيْهَا بذل ماليهما إِن سبقهما وَحرم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا بذل مَاله لَهما إِن سبقاه مَعَ تساويهم فِي الْعَمَل من كل وَجه فَأَي قِيَاس أَو أَي نظر أَو أَيَّة حِكْمَة أَو أَيَّة مصلحَة توجب ذَلِك قَالُوا بل دُخُول الْمُحَلّل بَينهمَا يضرهما وَلَا ينفعهما فَهُوَ لم يزدهما إِلَّا ضَرَرا فَإِنَّهُ إِن سبقهما أكل مَالهمَا وَإِن سبقاه لم يأكلا مِنْهُ شَيْئا وَأما إِذا لم يدْخلَاهُ فَإِنَّهُ أَيهمَا سبق صَاحبه أَخذ مَاله وَإِن لم يسْبق أَحدهمَا الآخر أحرز كل وَاحِد مِنْهُمَا مَال نَفسه وَهَذَا أعدل لِأَن الْغَالِب يَأْخُذ بِعَمَلِهِ والمغلوب يغرم لِأَنَّهُ بذل المَال لمن يغلبه وَأما الْمُحَلّل فَإِنَّهُ إِن كَانَ غَالِبا غنم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا سلم وَصَاحب المَال إِن كَانَ مَغْلُوبًا غرم قَالُوا فَمُقْتَضى الْقيَاس فَسَاد العقد بالمحلل قَالُوا وَأَيْضًا فالمحلل عنْدكُمْ على خلاف الْقيَاس وَإِنَّمَا احتملتموه للضَّرُورَة حَتَّى قَالَ أَبُو الْحسن الْآمِدِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 لَا يجوز أَكثر من مُحَلل وَاحِد وَلَو كَانُوا مئة قَالُوا لِأَن الْحَاجة اندفعت بِهِ وَلَو كَانَ هَذَا الْمُحَلّل مَقْصُودا وللعقد بِهِ مصلحَة لم يكن على خلاف الْقيَاس وَكَانَ كَأحد الحزبين قَالُوا وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُحَلّل غير مَقْصُود بِالْعقدِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود صَاحِبَاه فَأنْتم جعلتم الْمُحَلّل الَّذِي لم يقْصد بِهَذَا العقد أحسن حَالا من صَاحِبيهِ المقصودين بِالْعقدِ وَهل هَذَا الْأَمر إِلَّا بِالْعَكْسِ أولى فَإِن رِعَايَة جَانب الباذلين المقصودين بِالْعقدِ أَحَق من رِعَايَة جَانب هَذَا الْمُحَلّل الَّذِي هُوَ غير مَقْصُود وَلَا باذل فالمحلل لَهُ مَنْفَعَة على تقديرين وسلامة على تَقْدِير وَأما الْآخرَانِ فَلِكُل مِنْهُمَا مَنْفَعَة على تَقْدِير ومضرة على تَقْدِير فَهُوَ احسن حَالا مِنْهُمَا فليلحق بهما من الْمضرَّة وَقلة الِانْتِفَاع وَدخُول ثَالِث يَأْكُل مَالهمَا مَا لم يحصل للمحلل الَّذِي هُوَ دخيل غير مَقْصُود فخصصتم بالمضرة الْمَقْصُود الَّذِي حضه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرّكُوب وَالرَّمْي وخصصتم بزوالها وَزِيَادَة النَّفْع هَذَا الْعَارِية الَّذِي هُوَ غير مَقْصُود قَالُوا وَهَذَا يتَضَمَّن أَمريْن أَحدهمَا خُرُوج هَذَا العقد عَن الْإِنْصَاف الَّذِي هُوَ مدَار الْعُقُود فَكيف يشرع الشَّارِع الْحَكِيم فِي الْعُقُود مَا يكون منافيا للعدل وَيحرم مَا يكون مُوجب الْعدْل وَمُقْتَضَاهُ الثَّانِي أَن يَجْعَل الرَّاغِب فِي الْعَمَل المحبوب لله وَلِرَسُولِهِ المريد للرمي وَالرُّكُوب ليستعين بِهِ على الْجِهَاد أَسْوَأ حَالا من هَذَا الدخيل الَّذِي لم يبْذل شَيْئا إِنَّمَا دخل عَارِية فجعلتموه مراعى جَانِبه منظورا فِي مصْلحَته معرضًا للكسب مصان الْجَانِب من الخسران وَلَيْسَ صَاحِبَاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بِهَذِهِ الْمنزلَة قَالُوا وَمن تَأمل مَقَاصِد الشَّرْع وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الحكم والمصالح علم أَن الْأَمر بِالْعَكْسِ أولى قَالُوا وَأَيْضًا فالعاقل لَا يبْذل الْجعل إِلَّا لعمل هُوَ مَقْصُود لَهُ لَا يبذله فميا هُوَ مَكْرُوه إِلَيْهِ فيبذله لنفع هُوَ يعود عَلَيْهِ كخياطة ثَوْبه وَبِنَاء دَاره ورد عَبده أَو نفع غَيره كفداء أَسِير أَو عتق عبد أَو خلع امْرَأَة فهذان غرضان مطلوبان فَإِذا بذل أَجْنَبِي السَّبق لمن سبق كَانَ قد بذل مَاله لغَرَض مَقْصُود لَهُ وَهُوَ الْإِعَانَة على الْقُوَّة فِي سَبِيل الله فَإِذا بذله أحد المتسابقين جَازَ لهَذَا الْمَقْصُود فَكيف يُقَال يجوز أَن يبْذل الْجعل بِشَرْط أَن يكون مَسْبُوقا مَغْلُوبًا وَأَنه إِن كَانَ سَابِقًا لَا يحصل لَهُ شَيْء وَلَا يجوز أَن يبذله إِذا كَانَ مَسْبُوقا وَإِن كَانَ سَابِقًا حصل لَهُ شَيْء بَيَان ذَلِك أَنه إِذا كَانَ الْمخْرج أَحدهمَا كَانَ مُقْتَضى الْعدْل من الْبَاذِل أَنه لَا يجوز لَهُ بذله إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا خُرُوج السَّبق عَنهُ إِن كَانَ مَغْلُوبًا وَالثَّانِي أَنه لَا يَأْخُذ شَيْئا إِذا كَانَ غَالِبا وَإِذا أخرجَا مَعًا كَانَ مُقْتَضى الْعقل أَنه يبذله إِذا كَانَ مَغْلُوبًا وَيَأْخُذ إِذا كَانَ غَالِبا فقد جوزتم بذلك الْجعل فِي الْحَال الَّذِي لَا ينْتَفع بهَا الْبَاذِل ومنعتم بذله فِي الْحَال الَّتِي يَرْجُو فِيهَا انتفاعه فجوزتهم بذلك فِي عقد لَا ينْتَفع بِهِ ومنعتم بذله فِي عقد هُوَ بصدد الِانْتِفَاع بِهِ وَمن الْمَعْلُوم أَن مَا منعتموه أولى بِالْجَوَازِ مِمَّا جوزتموه وَأَن مَا شرطتموه للْحلّ هُوَ أولى أَن يكون مَانِعا من الْحل أقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قُولُوا وَأَيْضًا فَإِن كَانَ أَحدهمَا يَأْكُل مَال الآخر بِالْبَاطِلِ إِذا أخرجَا مَعًا بِدُونِ الْمُحَلّل فَأكل الْمُحَلّل مَالهمَا بِالْبَاطِلِ أولى وَأَحْرَى بَيَانه أَن أَحدهمَا إِنَّمَا يَأْكُل مَال الآخر إِذا كَانَ غَالِبا لَهُ فيأكله بالجهة الَّتِي يَأْكُل بهَا الآخر مَاله بِعَينهَا مَعَ تسويهما فِي الْبَذْل وَالْغنم وَالْغُرْم وَالْعَمَل وَأما الْمُحَلّل فَإِنَّهُ يَأْكُل مَالهمَا إِن سبقهما وَلَا يأكلان لَهُ شَيْئا إِن سبقاه فَلَا يَأْكُل وَاحِد مِنْهُمَا مَاله اذا كَانَ مَغْلُوبًا وَيَأْكُل مَالهمَا إِذا كَانَ غَالِبا فَإِن لم يكن هَذَا أكلا لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ فالصورة الَّتِي منعتموها أولى أَن لَا تكون أكلا بِالْبَاطِلِ وَإِن كَانَت تِلْكَ متضمنة للْأَكْل بِالْبَاطِلِ فَهَذَا أولى وَهَذَا مِمَّا لَا جَوَاب عَنهُ قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا أخرجَا مَعًا كَانَ كل مِنْهُمَا لَهُ مثل مَا للْآخر وَعَلِيهِ مثل مَا عَلَيْهِ ورجاؤه وخوفه كرجاء الآخر وخوفه وَهَذَا هُوَ الْعدْل الْمَحْض فهما كشريكي الْعَنَان والشريكين فِي الْمُسَاقَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 والمزارعة وَالْمُضَاربَة وَلِهَذَا حرم الشَّارِع أَن يخْتَص أَحدهمَا عَن الآخر بزرع بقْعَة بِعَينهَا أَو ثَمَرَة شَجَرَة بِعَينهَا وَالْمُضَارب لَا يجوز أَن يخْتَص بِرِبْح سلْعَة بِعَينهَا بل يكونَانِ سَوَاء فِي الْمغنم والمغرم وَإِنَّمَا جوز أَن يكون الْبَذْل من أَحدهمَا لِأَنَّهُ يلْتَحق بالجعالة عنْدكُمْ وَهَذِه الْجعَالَة الْعَمَل فِيهَا مَقْصُود وحيئنذ فَيُقَال إِذا أخرجَا مَعًا كَانَ غَايَته أَنه جعَالَة من الطَّرفَيْنِ فَلَا يمْنَع جَوَازه وَإِذا علم هَذَا فَإِذا أخرجَا مَعًا كَانَ اقْربْ إِلَى عُقُود الْمُعَاوَضَات والمشاركات مِمَّا إِذا أخرج أَحدهمَا لِأَنَّهُمَا قد اشْتَركَا فِي الْعَمَل والاشتراك فِي الْعَمَل يَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي بذل الْجعَالَة بِخِلَاف مَا إِذا أخرج أَحدهمَا وَانْفَرَدَ الْبَاذِل بِالْمَالِ وَالْعَامِل بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُمَا هُنَاكَ لم يشتركا فِي الْعَمَل فَهُوَ نَظِير مَا إِذا بذل السَّبق أَجْنَبِي لم يدْخل مَعَهُمَا قَالُوا وَأَيْضًا فَلَو كَانَ تَحْرِيم هَذَا العقد الَّذِي أخرج فِيهِ المتعاقدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 كِلَاهُمَا من غير مُحَلل لما فِيهِ من المخاطرة بَين الْمغنم والمغرم للَزِمَ طرد ذَلِك فَيحرم كل عقد تضمن مخاطرة بَين الْغنم وَالْغُرْم وَكَانَ يلْزم تَحْرِيم الشّركَة فَإِن كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ إِمَّا إِن يغرم وَإِمَّا أَن يغنم فَإِن قُلْتُمْ بل هَا هُنَا قسم ثَالِث وَهُوَ أَن يسلم فَلَا يغنم وَلَا يغرم كَانَ جوابكم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن السَّابِق كَذَلِك قد يسلم أَيْضا فَلَا يسْبق وَلَا يسْبق الثَّانِي أَن احْتِمَال هَذَا الْقسم لَا يزِيل المخاطرة بل كَانَت مخاطرة بَين أَمريْن فَصَارَت بَين ثَلَاثَة قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا أخرج احدهما دون الآخر كَانَ آكل المَال فِي هَذَا العقد آكلا بِوَجْه يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَهُوَ تعلم مَا يُحِبهُ من الرَّمْي والإصابة والفروسية فَإِذا اشْتَركَا فِي الْإِخْرَاج فَكل مِنْهُمَا إِمَّا معِين أَو معَان على تَحْصِيل هَذَا المحبوب المرضي لله فَكل وَاحِد مِنْهُمَا يَأْكُل بالجهة الَّتِي يَأْكُل بهَا صَاحبه فجهة أكل المَال جِهَة وَاحِدَة فَإِن حرم أكله فِي صُورَة اشتراكهما فِي الْإِخْرَاج حرم فِي صُورَة الِانْفِرَاد وَإِن أُبِيح فِي صُورَة الِانْفِرَاد لزم إِبَاحَته فِي صُورَة الِاشْتِرَاك إِذْ لَا فرق بَينهمَا يَقْتَضِي جعل إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ من الْمُبَاح بل من الْمُسْتَحبّ الَّذِي يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَالثَّانِي من الْقمَار وَالْميسر الَّذِي يبغضه الله وَرَسُوله فيا لله الْعجب أَي معنى وَأي حِكْمَة فرقت بَينهمَا هَذَا الْفرْقَان مَعَ أَنَّهُمَا أَخَوان شقيقان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالُوا ويوضحه أَن الْغَالِب إِنَّمَا يَأْكُل المَال بغلبه وَهَذِه الْعلَّة بِعَينهَا مَوْجُودَة فِيمَا إِذا أخرجَا مَعًا فَيجب طرد الحكم لاطراد علته قَالُوا ويوضحه أَن الْمَانِع من طرد الحكم مُنْتَفٍ لما تقدم والمقتضي مَوْجُود فَيجب القَوْل بالمقتضي السَّالِم عَن الْمعَارض المقاوم قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا كَانَت عِلّة التَّحْرِيم لاشْتِرَاكهمَا فِي الْخراج هِيَ المخاطرة لزم فَسَاد الْعلَّة لتخلف الحكم عَنْهَا فِي صُورَة الْمُحَلّل وَحِينَئِذٍ فَيُقَال لَيْسَ الحكم لفساد التَّخَلُّف الْمَذْكُور مَعَ الْمُحَلّل أولى من اعْتِبَارهَا للاقتران مَعَ عَدمه قَالُوا وَأَيْضًا فتأثير الْمُحَلّل إِمَّا أَن يكون فِي رفع السَّبَب الْمُقْتَضِي للتَّحْرِيم أَو فِي رفع الحكم وَهُوَ التَّحْرِيم مَعَ قيام سَببه كالرخصة فِي أكل الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير للْمُضْطَر وَكِلَاهُمَا بَاطِل أما الأول فَإِن السَّبَب الْمحرم عنْدكُمْ هُوَ المخاطرة وَهِي لم تزل بالمحلل وَأما الثَّانِي فَكَذَلِك أَيْضا إِذْ هُوَ مُسْتَلْزم تخلف الحكم عَن علته مَعَ قيام الْوَصْف الَّذِي جعلهَا مُؤثرَة فَإِن قُلْتُمْ العقد بالمحلل يصير من بَاب الْمُعَاوَضَات ومخرج من شبه الْقمَار فجوابكم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا الْفرق بِعَيْنِه حجَّة عَلَيْكُم فَإِنَّهُ إِذا صَار العقد بِهِ من عُقُود الْمُعَاوَضَات بل إِذا تعاقد الجاعلان وبذل كل مِنْهُمَا جعلا لمن يعْمل مثل عمله جَازَ بِلَا مُحَلل اتقافا الثَّانِي أَنه يلزمكم إِخْرَاج السَّبق مِنْهُمَا بِمُحَلل فِي سَائِر الْأَعْمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْمُبَاحَة كالمسابقة على الْأَقْدَام والسباحة وَالْكِتَابَة والخياطة والنجارة وَسَائِر الصناعات الْمُبَاحَة فَإِن الْمُحَلّل إِذا جعل العقد من بَاب الجعالات الْجَائِزَة هُنَاكَ فَلم لَا يَجعله من الجعالات الْجَائِزَة هُنَا وَمَا الْفرق وَهَذَا فِي غَايَة الظُّهُور قَالُوا وَأَيْضًا فدخول الْمُحَلّل إِمَّا أَن يكون ليحل السَّبق لنَفسِهِ أَو لغيره وَكِلَاهُمَا بَاطِل أما الأول فَظَاهر الْبطلَان فَإِنَّهُ لم يدْخل إِلَّا لأجلهما لِئَلَّا يكون عقدهما قمارا عنْدكُمْ وَقد صرح جُمْهُور المشترطين بِأَنَّهُ لم يدْخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ ووهنوا رغم من زعم ذَلِك وأبطلوه وَهُوَ كَمَا قَالُوا لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون إحلاله السَّبق لنَفسِهِ لأجل مَجِيئه سَابِقًا أَو لعدم إِخْرَاجه فَإِن كَانَ إحلاله لسبقه فالسبق حِينَئِذٍ هُوَ الْمُقْتَضِي للْحلّ فَمن أسعده الله تَعَالَى بسبقه فَمن تَمام السَّعَادَة تَخْصِيصه برزقه فَلَا أثر للمحلل أَلْبَتَّة وَإِن كَانَ إِنَّمَا يحله لنَفسِهِ لعدم إِخْرَاجه فَيُقَال إِذا حل لَهُ السَّبق مَعَ عدم بذله فَلِأَن يحل للباذل أولى وَأَحْرَى لِأَن بذلك الْبَاذِل زِيَادَة إِحْسَان وَخير فَلَا يكون سَببا لحرمانه وَيكون ترك بذل هَذَا سَببا لأَخذه وفوزه فَكيف يحرم على الْبَاذِل المحسن وَيحل للمستعار الَّذِي لم يبْذل وَهل يدل الشَّرْع وَالْعقل نعم وَالِاعْتِبَار إِلَّا على عكس ذَلِك قَالُوا وَأَيْضًا فبدخول الْمُحَلّل إِمَّا أَن يُقَال زَالَت المخاطرة الْمُقْتَضِيَة للتَّحْرِيم أَو بقيت على حَالهَا أَو ازدادت وَالْأول محَال لِأَنَّهَا كَانَت بَين أَمريْن فَصَارَت بَين ثَلَاثَة كَمَا تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَالثَّانِي يَقْتَضِي عدم اشْتِرَاط الْمُحَلّل وَالثَّالِث يَقْتَضِي بُطْلَانه وَهَذَا وَاضح لَا يحْتَاج إِلَى تَأمل قَالُوا وَأَيْضًا فَكل مِنْهُمَا بِدُونِ الْمُحَلّل كَانَ يتَوَقَّع غَرَامَة مَاله لوَاحِد فَقَط وَهُوَ خَصمه فَإِذا دخل الْمُحَلّل صَار متوقعا لغرامته للْآخر أَو للمحلل أَو لَهما فَكيف يُقَال يجوز العقد الَّذِي يتَوَقَّع فِيهِ غَرَامَة مَاله لهَذَا وَحده لهَذَا وَحده وَلَهُمَا مَعًا وَيحرم العقد الَّذِي إِنَّمَا يتَوَقَّع فِيهِ غرامته لوَاحِد فَقَط وَمن الْمَعْلُوم أَن وُقُوع قسم من ثَلَاثَة أقرب من وُقُوع وَاحِد بِعَيْنِه فَتكون جِهَات غَرَامَة كل مِنْهُمَا مَعَ الْمُحَلّل ضعْفي جِهَة غرامته بِدُونِهِ فَكيف يُبَاح هَذَا وَيحرم ذَاك وَهل كَانَ يَنْبَغِي إِلَّا الْعَكْس قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا كَانَ لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يَأْخُذ مَال الآخر إِذا اشْتَركَا فِي الْإِخْرَاج وَيكون أكل المَال مِنْهُ اكلا بِالْبَاطِلِ فيكف يجوز لكل مهما أكل مَال الآخر إِذا دخل هَذَا الدخيل الْمُسْتَعَار وَيكون الْأكل بِهِ اكلا بِحَق مَعَ أَنَّهُمَا لم يستفيدا بِهِ إِلَّا أكله مَالهمَا وحصولهما على الحرمان وَإِن غلباه لم يفرحا بغلب فَإِذا دخل وتناصفا فِي الْإِخْرَاج وتساويا فِي الْعَمَل وانتظر كل مِنْهُمَا مَا يخرج لَهُ بِهِ الْقدر حرمتموه قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا أخرجَا مَعًا كَانَ كل مِنْهُمَا معطيا آخِذا فَإِذا دخل بَينهمَا هَذَا الثَّالِث دخل من يكون آخِذا لَا معطيا فَإِن كَانَ أكله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 السَّبق على هَذَا الْوَجْه أكلا بِحَق فَأكل من يكون معطيا آخِذا أحل مِنْهُ فَكيف يُقَال إِن من يَأْخُذ وَلَا يُعْطي يسْتَحق وَمن يَأْخُذ وَيُعْطِي لَا يسْتَحق مَعَ استوائهما فِي الْعَمَل قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا أخرجَا مَعًا فَأكل المَال فِي هَذِه الصُّورَة إِمَّا أَن يكون بِحَق أَو بباطل فَإِن كل بِحَق فَلَا حَاجَة فِي جَوَازه إِلَى الْمُحَلّل وَإِن كَانَ أكلا بباطل فدخول الْمُحَلّل لَا يَجعله أكلا بِحَق فَإِن الْمُحَلّل لم يزل السَّبَب الَّذِي كَانَ أكل المَال بِهِ بِدُونِهِ بَاطِلا كَمَا تقدم قَالُوا وَأَيْضًا فَإِذا سبق الْمُحَلّل مَعَ أَحدهمَا فإمَّا أَن يَقُولُوا يخْتَص الْمُحَلّل بسبق الآخر أَو يشْتَرك هُوَ وَالسَّابِق وَالْأول مُمْتَنع لِأَنَّهُمَا قد اشْتَركَا فِي السَّبق واستويا فِي الْعَمَل فتخصيص الْمُحَلّل بِالسَّبقِ مَعَ تساويهما فِي سَببه ظلم وَإِن قُلْتُمْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لزمكم الْمَحْذُور الَّتِي فررتم مِنْهُ لِأَن كل مَا ذكرْتُمْ فِيمَا إِذا لم يكن بَينهمَا مُحَلل فَهُوَ هَا هُنَا بِعَيْنِه لِأَن الِاثْنَيْنِ لما سبقا الثَّالِث صَارا بِمَنْزِلَة الْوَاحِد الَّذِي سبق الآخر وَلِهَذَا اشْتَركَا فِي سبقه فَإِن لم يكن فِي هَذَا مَحْذُور لم يكن فِي الصُّورَة الَّتِي منعتموها مَحْذُور وَإِن كَانَ فِي صُورَة الْمَنْع مَحْذُور فهاهنا مثله وَلَا فرق فَإِن كَانَ عنْدكُمْ فرق فأبدوه لنا فَإنَّا من وَرَاء الْقبُول لَهُ إِن كَانَ فرقا مؤثرا وَمن وَرَاء الرَّد إِن كَانَ غير مُؤثر قَالُوا وَأَيْضًا فَكَمَا زَادَت المخاطرة بِدُخُول الْمُحَلّل فِي أَقسَام الْغنم وَالْغُرْم زَادَت أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَى المسابقين فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا اثْنَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فَقَط فمخاطرة كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعَ اثْنَيْنِ من قرنه وَمَعَ الْمُسْتَعَار الدخيل وَقد كَانَ قبل الْمُحَلّل كل مِنْهُمَا بصدد الْغنم إِذا غلب وَاحِد فَقَط وبدخول الْمُحَلّل لَا يغنم حَتَّى يغلب اثْنَيْنِ وَلَا ريب أَن المخاطرة كلما كَانَت أقل كَانَت أولى بِالْجَوَازِ وَكَيف يكون العقد الَّذِي زَادَت مخاطرته هُوَ الْحَلَال الْجَائِز وَالَّذِي هُوَ أقل مخاطرة مِنْهُ وَأقرب إِلَى تَحْصِيل مَقْصُود الشَّارِع والمتراهنين هُوَ الْحَرَام الْمُمْتَنع هَذَا مِمَّا لَا تَأتي بِهِ الشَّرِيعَة الْكَامِلَة قَالُوا وَأَيْضًا فَحل المَال يَسْتَدْعِي طيب نفس باذله بِهِ فَإِنَّهُ لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ والمتراهنان إِذا دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بَينهمَا مُحَلل يَأْخُذ وَلَا يُعْطي لم تطب أَنفسهمَا وَلَا تسمح لَهُ ببذل المَال لِأَنَّهُ كاسب غر غَارِم وَهُوَ عَارِية بَينهمَا دخيل لم ينتفعا بِهِ بل تضررهما بِهِ هُوَ الْوَاقِع وَهَذَا مَوْجُود فِي نفوس المسابقين لَا يحتملان الْمُسْتَعَار إِلَّا على كره ونفرة ويرينا دُخُوله غير مستحسن قَالُوا وَأَيْضًا فنفرة الطباع مِنْهُ وَعدم اسْتِحْسَان الْعُقَلَاء لدُخُوله يدل على أَنه غير حسن عِنْد الله فَإِن كل مَا هُوَ حسن عِنْد الله وَرَسُوله فالعقلاء تستحسنه طباعهم وَتشهد بحسنه وملاءمته لقضيات الْعُقُول وَلَا سِيمَا إِذا ظَهرت لَهَا مصلحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أوجه الشّبَه بَين المتسابقين والمتناضلين من جِهَة والمتناظرين فِي الْعلم من جِهَة أُخْرَى قَالُوا وَمِمَّا يبين أَن العقد بِدُونِ الْمُحَلّل أحل مِنْهُ بالمحلل وَأولى بِالْجَوَازِ أَن الْمُسَابقَة المناضلة من بَاب الاستعداد للْجِهَاد فَإِذا تعلم النَّاس أَسبَابه وتدربوا فِيهَا وتمرنوا عَلَيْهَا قبل لِقَاء الْعَدو ألفاهم ذَلِك عِنْد اللِّقَاء قَادِرين على عدوهم مستعدين للقائه وكل من المتسابقين والمتناضلين يُرِيد أَن يغلب صَاحبه كَمَا يُرِيد الْمقَاتل أَن يغلب خَصمه فَهُوَ يتَعَلَّم غَلَبَة صَاحبه ليتوصل إِلَى غَلَبَة عدوه وَهَذَا كَحال المتناظرين فِي الْعلم فَإِن احدهما يُورد على صَاحبه من الممانعات والمعارضات وأنواع الأسئلة مَا يرد على الآخر جَوَابه ليعرف الْحق فِي الْمَسْأَلَة فَإِذا جادله مُبْطل كَانَ مستعدا لمجادلته بِمَا تقدم لَهُ من المناظرة مَعَ صَاحبه فالمناظرة فِي الْعلم نَوْعَانِ أَحدهمَا للتمرين والتدرب على إِقَامَة الْحجَج وَدفع الشُّبُهَات وَالثَّانِي لنصر الْحق وَكسر الْبَاطِل وَالْأول يشبه السباق والنضال وَالثَّانِي يشبه الْجِهَاد وقتال الْكفَّار قَالَ الله تَعَالَى {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه نرفع دَرَجَات من نشَاء} [الْأَنْعَام: 83] قَالَ مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قَالَ زيد بن اسْلَمْ بِالْعلمِ فَعلم الْحجَّة يرفع دَرَجَة صَاحبه فَإِن الْعلم بالحجج وَالْقُوَّة على الْجِهَاد مِمَّا رفع الله بِهِ دَرَجَات الْأَنْبِيَاء وأتباعهم كَمَا قَالَ تَعَالَى {يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات} [المجادلة: 11] وَقَالَ تَعَالَى {وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار} [ص: 45] فالأيدي القوى الَّتِي يقدرُونَ بهَا على إِظْهَار الْحق وَأمر الله وإعلاء كَلمته وَجِهَاد أعدائه والأبصار البصائر فِي دينه وَلِهَذَا يُسَمِّي الله سُبْحَانَهُ الْحجَّة سُلْطَانا قَالَ ابْن عَبَّاس كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ الْحجَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى {أم لكم سُلْطَان مُبين فَأتوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين} [الصافات: 156] وَقَالَ تَعَالَى {إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان} [النَّجْم: 23] وَقَالَ تَعَالَى {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ} [الرّوم: 35] وَهَذَا لِأَن الْحجَّة تسلط صَاحبهَا على خَصمه فَصَاحب الْحجَّة لَهُ سُلْطَان وقدرة على خَصمه وَإِن كَانَ عَاجِزا عَنهُ بِيَدِهِ وَهَذَا هُوَ أحد أَقسَام النُّصْرَة الَّتِي ينصر الله بهَا رسله وَالْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 {إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يقوم الأشهاد} [غَافِر: 51] أَقسَام الْجِهَاد فَإِذا كَانَت الْمُسَابقَة شرعت ليتعلم الْمُؤمن الْقِتَال ويتعوده ويتمرن عَلَيْهِ فَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُجَاهِد قد يقْصد دفع الْعَدو إِذا كَانَ الْمُجَاهِد مَطْلُوبا والعدو طَالبا وَقد يقْصد الظفر بالعدو ابْتِدَاء إِذا كَانَ طَالبا والعدو مَطْلُوبا وَقد يقْصد كلا الْأَمريْنِ والأقسام ثَلَاثَة يُؤمر الْمُؤمن فِيهَا بِالْجِهَادِ وَجِهَاد الدّفع أصعب من جِهَاد الطّلب فَإِن جِهَاد الدّفع يشبه بَاب دفع الصَّائِل وَلِهَذَا أُبِيح للمظلوم أَن يدْفع عَن نَفسه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} [الْحَج: 39] وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 لِأَن دفع الصَّائِل على الدّين جِهَاد وقربة وَدفع الصَّائِل على المَال وَالنَّفس مُبَاح ورخصة فَإِن قتل فِيهِ فَهُوَ شَهِيد فقتال الدّفع أوسع من قتال الطّلب وأعم وجوبا وَلِهَذَا يتَعَيَّن على كل أحد يقم ويجاهد فِيهِ العَبْد بِإِذن سَيّده وَبِدُون إِذْنه وَالْولد بِدُونِ إِذن أَبَوَيْهِ والغريم بِغَيْر إِذن غَرِيمه وَهَذَا كجهاد الْمُسلمين يَوْم أحد وَالْخَنْدَق وَلَا يشْتَرط فِي هَذَا النَّوْع من الْجِهَاد أَن يكون الْعَدو ضعْفي الْمُسلمين فَمَا دون فَإِنَّهُم كَانُوا يَوْم أحد وَالْخَنْدَق أَضْعَاف الْمُسلمين فَكَانَ الْجِهَاد وَاجِبا عَلَيْهِم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جِهَاد ضَرُورَة وَدفع لَا جِهَاد اخْتِيَار وَلِهَذَا تُبَاح فِيهِ صَلَاة الْخَوْف بِحَسب الْحَال فِي هَذَا النَّوْع وَهل تُبَاح فِي جِهَاد الطّلب إِذا خَافَ فَوت الْعَدو وَلم يخف كرته فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء هما رِوَايَتَانِ عَن الإِمَام أَحْمد وَمَعْلُوم أَن الْجِهَاد الَّذِي يكون فِيهِ الْإِنْسَان طَالبا مَطْلُوبا أوجب من هَذَا الْجِهَاد الَّذِي هُوَ فِيهِ طَالب لَا مَطْلُوب والنفوس فِيهِ أَرغب من الْوَجْهَيْنِ وَأما جِهَاد الطّلب الْخَالِص فَلَا يرغب فِيهِ إِلَّا أحد رجلَيْنِ إِمَّا عَظِيم الْإِيمَان يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وَيكون الدّين كُله لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَإِمَّا رَاغِب فِي الْمغنم والسبي فجهاد الدّفع يَقْصِدهُ كل أحد وَلَا يرغب عَنهُ إِلَّا الجبان المذموم شرعا وعقلا وَجِهَاد الطّلب الْخَالِص لله يَقْصِدهُ سَادَات الْمُؤمنِينَ وَأما الْجِهَاد الَّذِي يكون فِيهِ طَالبا مَطْلُوبا فَهَذَا يَقْصِدهُ خِيَار النَّاس لإعلاء كلمة الله وَدينه ويقصده أوساطهم للدَّفْع ولمحبة الظفر فصل فَإِذا تبين هَذَا فِي الغايات وَهِي الْجِهَاد فَمثله فِي الْوَسَائِل وَهِي الْمُسَابقَة والمناضلة فَإِنَّهُ من الْمَعْلُوم أَنه إِذا كَانَ الرَّهْن من أحد الْجَانِبَيْنِ كَانَ غَايَة مَقْصُود باذله أَن يسلم فَيكون حرصه من بَاب حرص الدَّافِع لَا الطَّالِب فَإِنَّهُ لَا يحصل هَل من الآخر شَيْء ومقصود الآخر من جنس مَقْصُود الطَّالِب فجهاد الأول جِهَاد دفع وَجِهَاد هَذَا جِهَاد طلب وَإِذا كَانَ الرَّهْن من كل وَاحِد مِنْهُمَا صَار سباق كل وَاحِد سباق طَالب مَطْلُوب وَهُوَ نَظِير جِهَاد الطَّالِب للمطلوب فَتكون الرَّغْبَة والحرص على السَّبق أقوى لِاجْتِمَاع السببين بِخِلَاف سباق الْمَطْلُوب فَقَط أَو الطَّالِب فَقَط فَكيف يحرم هَذَا الَّذِي هُوَ من أعظم الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة لمصْلحَة الْمُسَابقَة وَيُبَاح مَا هُوَ دونه فِي تَحْصِيل هَذِه الْمصلحَة فليتدبر الْمنصف هَذَا ثمَّ إِلَى إنصافه التحاكم وَإِلَى عدله التخاصم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 تَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان قَالُوا وَأَيْضًا فمبنى هَذَا العقد على اسْتِوَاء الحزبين فَلَا يجوز أَن يقوى أَحدهمَا على الآخر لما فِيهِ من مزِيد إِعَانَة لَهُ على الحزب الآخر وَلِهَذَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الجلب وَالْجنب فِي السباق فالجلب أَن يَصِيح بفرسه فِي وَقت السباق هُوَ أَو غَيره ويزجره زجرا يزِيد مَعَه فِي شأوه وَإِنَّمَا الْعدْل أَن يركضا بتحريك اللجام والاستحثاث وبالسوط والمهماز وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا من غير إجلاب بالصوت هَذَا تَفْسِير الْأَكْثَرين وَقيل هُوَ أَن يجْتَمع قوم فيصطفوا وقوفا من الْجَانِبَيْنِ ويزجروا الْخَيل ويصيحوا بهَا فنهوا عَن ذَلِك والْحَدِيث يعم الْقسمَيْنِ وَأما الْجنب فَفِيهِ تفسيران أَحدهمَا وَهُوَ تَفْسِير أَكثر الْفُقَهَاء أَن يجنب المسابق مَعَ فرسه فرسا يحرضه على الجري قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر (وَإِذا تكاثر فِي الكتيبة أَهلهَا ... كنت الَّذِي ينشق عَنهُ الموكب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 (وأتيت تقدم من تقدم مِنْهُم ... وورا ورائك قد أَتَى من يجنب) وَالتَّفْسِير الثَّانِي أَنهم كَانُوا يجنبون الْفرس حَتَّى إِذا قاربوا الأمد تحولوا عَن المركوب الَّذِي قد كده الرّكُوب إِلَى الْفرس المجنوب فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك ذكره الْخطابِيّ وَغَيره وَفِي موطأ القعْنبِي سُئِلَ مَالك عَن قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا جلب وَلَا جنب مَا تَفْسِير ذَلِك فَقَالَ بَلغنِي ذَلِك وَتَفْسِيره أَن يجلب وَرَاء الْفرس حَتَّى يدنو من الأمد ويحرك وَرَاءه الشئ يستحث بِهِ ليسبق فَذَلِك الجلب وَالْجنب أَن يجنب مَعَ الْفرس الَّذِي يسابق بِهِ فرسا آخر حَتَّى إِذا دنا تحول رَاكِبه على الْفرس المجنوب وَالْمَقْصُود أَنه نهى عَن تَقْوِيَة أحد الحزبين بِمَا يكون فِيهِ مزِيد إِعَانَة لَهُ على الآخر لما فِيهِ من الظُّلم فَإِذا كَانَ الْإِخْرَاج من أَحدهمَا كَانَ فِيهِ تَقْوِيَة للمبذول لَهُ دون الْبَاذِل وَهَذَا مَأْخَذ من لم يجوز الْبَذْل إِلَّا من أَجْنَبِي فَإِذا إِذا كَانَ الْإِخْرَاج مِنْهُمَا لم يكن فِي ذَلِك تَقْوِيَة لأَحَدهمَا على الآخر فَهُوَ أولى بِالْجَوَازِ قَالُوا وَأَيْضًا وَالْأَجْنَبِيّ إِذا بذل الْجعل لأَحَدهمَا إِن غلب وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 يبذله للْآخر إِن غلب لم يجز ذَلِك لما فِيهِ من الظُّلم فَإِن الآخر يَقُول إِن سبقت لم آخذ شَيْئا وخصمي إِن سبق أَخذ وَهَذَا بِعَيْنِه مَوْجُود فِيمَا إِذا كَانَ الْبَذْل من أَحدهمَا فَإِن الْبَاذِل يَقُول إِن سبقت لم آخذ وقريني إِن سبق أَخذ وَذَلِكَ يضعف همته وَهَذَا مَأْخَذ من منع من فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة هَذِه الصُّورَة وَأما إِذا بذله الْأَجْنَبِيّ لمن سبق مِنْهُمَا تَسَاويا فِي الْعَمَل والاستحقاق وَلِهَذَا اتّفق النَّاس على جَوَاز هَذِه الصُّورَة وَإِذا عرف هَذَا فَهُوَ نَظِير إخراجهما مَعًا فَكيف يكون إِخْرَاج السَّبق من أَحدهمَا أولى من إِخْرَاجه مِنْهُمَا بلَى إِذا امْتنع إِخْرَاج السَّبق من أَحدهمَا كَانَ أولى بِالْعَدْلِ من منع إِخْرَاج السَّبق مِنْهُمَا فَإِذا جوزتم إِخْرَاج السَّبق من أَحدهمَا فإخراجه مِنْهُمَا أولى بِالْجَوَازِ ونكتة الْمَسْأَلَة أَن الْإِخْرَاج مِنْهُمَا أقرب إِلَى الْعدْل ومقصود العقد وَطيب نفس كل وَاحِد مِنْهُمَا وحرصه على الغلب مِمَّا إِذا كَانَ الْإِخْرَاج من أَحدهمَا وَالْوَاقِع شَاهد بذلك الْمَقْصُود من السباق وَبَيَان أَن اشْتِرَاط الْمُحَلّل يناقضه قَالُوا وَأَيْضًا فالسباق إِنَّمَا يقْصد مِنْهُ التَّعْلِيم والتدريب والتمرين على الفروسية وَالرَّمْي وَلَيْسَ الْمَقْصُود من أكل المَال كَمَا يقْصد فِي البيع وَالْإِجَارَة والجعالة فَإِنَّهُ هُنَاكَ لَا قصد لأَحَدهمَا إِلَّا المَال وَهنا مَقْصُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الشَّارِع بشرع هَذَا العقد الْعَمَل لَا المَال وَإِنَّمَا شرع فِيهِ المَال لِأَنَّهُ أبلغ فِي ترغيب النُّفُوس فِيهِ لِأَنَّهُ مَتى كَانَ الْبَاعِث على السباق الظفر بِالْمَالِ وَالْغَلَبَة قويت فِيهِ الرَّغْبَة وَالْمَال لَا يُؤْكَل فِي هَذَا العقد إِلَّا على وَجه المخاطرة وَمَعْلُوم أَن حُصُول هَذَا الْمَقْصُود بِدُونِ الْمُحَلّل أعظم مِنْهُ إِذا كَانَ بَينهمَا وَأَن المخاطرة مَعَ الْمُحَلّل كالمخاطرة بِدُونِهِ سَوَاء أَو أَزِيد وَهَذَا ضَرُورِيّ التَّصَوُّر وَهُوَ مِمَّا لَا يستراب فِيهِ فالمحلل دائر بَين أَمريْن إِمَّا أَنه لَا فَائِدَة مِنْهُ وَإِمَّا أَن مصلحَة السباق بِدُونِهِ أتم وَأيهمَا كَانَ فَهُوَ مُسْتَلْزم لبُطْلَان اشْتِرَاطه قَالُوا وَأَيْضًا إِذا كَانَ الْجعل من أحد المتسابقين فمقصوده منع الآخر من أَخذ الْجعل وَدفعه عَنهُ كَأَنَّهُ يَقُول أَنْت لَا تقدر على أَن تغلبني وَأَنا أبين عجزك بِأَن أبذل لَك جعلا لأقوي رهبتك ورغبتك فِي أَن تغلبني وَأَنت مَعَ ذَلِك عَاجز وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان يتْرك الشئ إِمَّا لعَجزه عَنهُ وَإِمَّا لعدم إِرَادَته لَهُ فَمَتَى كَانَ مرِيدا لَهُ إِرَادَة تَامَّة وقادرا عَلَيْهِ قدرَة تَامَّة لزم وجوده قطعا فالقادر على أَن يغلب غَيره قد يُرِيد ذَلِك لمُجَرّد محبَّة النَّفس لإِظْهَار الْقُدْرَة وَالْغَلَبَة وَقد يُرِيد ذَلِك لأخذ المَال فَإِذا اجْتمع الْأَمْرَانِ كَانَت إِرَادَته أبلغ كَمَا تقدم بَيَانه فالجاعل يَقُول أَنا أبين أَنَّك عَاجز لِأَنِّي أبذل المَال الَّذِي أحرك بِهِ رغبتك فِي الْقلب مَعَ مَا فِي النَّفس من محبَّة ذَلِك فَأَنت مَعَ كَمَال رغبتك عَاجز عني وَعَن مغالبتي فَأَنا أقدر مِنْك على هَذَا الْعَمَل هَذَا مَقْصُوده قطعا لَيْسَ مَقْصُوده أَن يبْذل الْجعل لمن يغلبه وَيَأْخُذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مَاله فَإِن عَاقِلا لَا يقْصد هَذَا بل يقْصد منع الآخر وَدفعه وتعجيزه فَلهَذَا الْبَذْل من أَحدهمَا جَائِز لهَذَا الْمَعْنى فَلِأَن يجوز مِنْهُمَا بطرِيق الأولى والأحرى لِأَن حُصُول هَذَا الْمَعْنى مَعَ اشتراكهما فِي الْبَذْل أقوى مِنْهُ عِنْد انْفِرَاد أَحدهمَا بِهِ مفاسد اشْتِرَاط دُخُول الْمُحَلّل بَين المتسابقين قَالُوا وَأَيْضًا فَإِن كَانَ أكل المَال إِذا أخرجَا مَعًا قمارا حَرَامًا فالمحلل أكد أَمر هَذَا الْقمَار وَقواهُ وثبته فَلم يخرج بِهِ هَذَا العقد عَن الْقمَار لَا صُورَة وَلَا معنى وَلَا يظْهر للنَّاظِر بعد طول تَأمله وَنَظره لأي معنى خرج بِهِ العقد عَن كَونه أكل مَال بِالْبَاطِلِ وانقلب بِهِ العقد عَن كَونه عقد قمار وميسر إِلَى كَونه عقد جعَالَة أَو إِجَارَة فاستحالت بِهِ خمرة هَذَا العقد خلا وَصَارَ بِهِ حرَامه حلا وَهل فرقت الشَّرِيعَة العادلة بَين متماثلين من غير معنى فرق بَينهمَا أَو جمعت بَين متضادتين وَهل حرمت عملا لِمَعْنى ثمَّ تبيحه مَعَ قيام ذَلِك الْمَعْنى بِعَيْنِه أَو زِيَادَته من غير تعارضه مصلحَة راجحة وَهل زَاد الْمُسْتَعَار الدخيل هَذَا العقد إِلَّا شرا فَإِنَّهُ زَاده مخاطرة وَاقْتضى نفرة طباع المتسابقين عَنهُ وَأكله مَالهمَا وَعدم إطعامهما شَيْئا وَهُوَ المراعى جَانِبه المنظور فِي مصْلحَته وَهُوَ إِمَّا سَالم وَإِمَّا غَانِم يغلب فَيسلم ويغلب فيغنم وَالَّذِي قد أخرج مَاله لصيق كبده وشقيق روحه يغلب فَيغرم ويغلب صَاحبه فَلَا يَدعه الْمُحَلّل يفرح بغلبه بل يشاطره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 المَال إِن ساواه فِي سبق الآخر ويحرمه إِيَّاه بِالْكُلِّيَّةِ إِن سبقه فَسبق خَصمه وَغرم مَاله فَلم يستفد بسبق قرنه إِلَّا خسارة مَاله وَكَانَ هَذَا من بركَة الْمُحَلّل فلولاه لقرت عينه بسبقه وفرحت بِهِ نَفسه وقويت رغبته فِي هَذِه الْمُسَابقَة الَّتِي يُحِبهَا الله وَرَسُوله هَكَذَا حَال قرنه أَيْضا مَعَه فالباذلان المتسابقان لَهما غرم هَذَا العقد وللمستعار غنمه وَهُوَ بَارِد الْقلب مِنْهُمَا وهما يعضان عَلَيْهِ الأنامل من الغيظ وَهُوَ فِي هَذَا العقد إِمَّا منتفع وَإِمَّا سَالم من الضَّرَر مَعَ كَونه لم يخرج شَيْئا وكل مِنْهُمَا إِمَّا منتفع وَإِمَّا متضرر وَإِن انْتفع فَهُوَ بصدد أَن ينغص عَلَيْهِ الْمُحَلّل منفعَته هَذَا مَعَ بذلهما فألحقتم بالباذلين من الشَّرّ وَالضَّرَر والغبن مَا نجيتم مِنْهُ الْمُسْتَعَار الَّذِي هُوَ دخيل عَلَيْهِمَا فِي الْمُسَابقَة وَلَيْسَ مَقْصُودا مَعَ أَنه لم يبْذل شَيْئا قَالُوا وَهل تَأتي شَرِيعَة بِمثل هَذَا وَهل فِي الشَّرِيعَة الَّتِي بهرت حكمتها الْعُقُول مثل هَذَا وَهل فِيهَا رِعَايَة جَانب التَّابِع الْمُسْتَعَار الَّذِي هُوَ حرف جَاءَ لِمَعْنى فِي غَيره وَهُوَ فضلَة فِي الْإِسْنَاد وإلغاء جَانب الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ ركن فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ الَّذِي حضه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرّكُوب وَالرَّمْي قَالُوا وَفِي هَذَا نَوْعَانِ من الْفساد أَحدهمَا الْخُرُوج عَن مُوجب الْإِنْصَاف الَّذِي هُوَ لَازم ملزوم الشَّرِيعَة الْكَامِلَة دائر مَعهَا فَإِن مدارها على الْعدْل بِكُل مُمكن قَالَ الله تَعَالَى {لقد أرسلنَا رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأنزلنا مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ) الْحَدِيد 25 وَقَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَقل آمَنت بِمَا أنزل الله من كتاب وَأمرت لأعدل بَيْنكُم} الشورى 15 الثَّانِي أَن يَجْعَل الْمُطِيع لله وَرَسُوله الرَّاغِب فِيمَا رغب فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يُرِيد الرَّمْي وَالرُّكُوب للاستعانة على الْجِهَاد فِي سَبِيل ويبذل الْجعل ليَكُون ذَلِك أعظم للرغبة وَأَشد تحريضا للنفوس على مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله أَسْوَأ حَالا من هَذَا الْمُسْتَعَار الَّذِي هُوَ دخيل بل هَذَا الدخيل مراعى جَانِبه مَنْظُور فِي مصْلحَته موفر نصِيبه من الْأَمْن مُحصن فِي برج السَّلامَة مسلوك بِهِ طَرِيق الْأَمْن مكمل فرحه بالسلامة وَالظفر والباذلان المقصودان بمعزل عَن ذَلِك قَالُوا وَأَيْضًا فبدخول الْمُحَلّل لم يخرج العقد عَن كَون الْجعل فِيهِ من اثْنَيْنِ بل الْجعل مِنْهُمَا بِحَالهِ وَإِنَّمَا استفدنا جِهَة أُخْرَى لمصرفه فَكَانَ الْخطر أَن يصرفان إِلَى هَذَا وَحده على تَقْدِير وَإِلَى هَذَا وَحده على تَقْدِير وَإِلَى كل مِنْهُمَا جعله على تَقْدِير فاستفدنا بِدُخُولِهِ ثَلَاث تقديرات أخر صرف الرهنين إِلَيْهِ وَحده وَإِلَيْهِ وَإِلَى هَذَا وَحده وَإِلَيْهِ وَإِلَى الآخر فَلم نستفد بِدُخُولِهِ إِلَّا تعدد الْجِهَات الَّتِي يصرف فِيهَا الْجعل لَيْسَ إِلَّا فَلم يخرج بِهِ العقد من كَونه عقدا أخرج مِنْهُ كَمَا ترى المتراهنان كِلَاهُمَا قَالُوا وَأَيْضًا فمشترطوا الْمُحَلّل مُخْتَلفُونَ هَل دخل ليحل فِيهِ لنَفسِهِ فَقَط أَو لَهُ وللباذلين على قَوْلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فَذهب جُمْهُور من اشْتَرَطَهُ إِلَى أَنه دخل ليحله لنَفسِهِ وَلَهُمَا وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران من الشَّافِعِيَّة إِنَّمَا يحله لنَفسِهِ فَقَط وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ قولا للشَّافِعِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كِتَابه على سنَن أبي دَاوُد وَقَالَ عَلَيْهِ يدل الحَدِيث ثمَّ قَالُوا فعلى هَذَا لَو سبق الْمُحَلّل وَأَحَدهمَا بِحَيْثُ جَاءَا مَعًا فَإِن قُلْنَا يحله لنَفسِهِ فَقَط استبد الْمُحَلّل بِالسَّبقِ جَمِيعه دون الآخر مَعَ تساويهما فِي السَّبق وَإِن قُلْنَا يحله لنَفسِهِ وَلَهُمَا فَإِنَّهُمَا يكونَانِ فِي السَّبق سَوَاء وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 سبق أحد الباذلين الآخر والمحلل فعلى قَول الْجُمْهُور يسْتَحق السَّبق جَمِيعه وعَلى قَول ابْن خيران يشْتَرك هُوَ والمحلل فِي سبق الثَّالِث هَكَذَا قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة وَالَّذِي فِي النِّهَايَة إِنَّه إِن سبق أحد الباذلين ثمَّ تبعه الْمُحَلّل وَتَأَخر الآخر أحرز السَّابِق مَال نَفسه وَفِي سبق الثَّالِث أَرْبَعَة وُجُوه أَحدهَا أَنه يحرزه صَاحبه مَعَ كَونه مَغْلُوبًا مَسْبُوقا من كل وَجه وَهَذَا بركَة الْمُحَلّل عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِهِ السَّابِق لسبقه لَهُ وغلبه إِيَّاه وَالثَّالِث أَنه يكون بَينه وَبَين الْمُحَلّل لاشْتِرَاكهمَا فِي سبقه وَالرَّابِع أَنه يخْتَص بِهِ الْمُحَلّل لِأَنَّهُ دخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ لَا لَهما فَإِن سبق الْمُحَلّل وَحده وَتَبعهُ الآخر وَتَأَخر الثَّالِث فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن السبقين للمحلل وَالثَّانِي سبق الثَّالِث بَين الْمُحَلّل وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ وَالثَّالِث أَن سبق الثَّالِث للثَّانِي وَحده وَإِن سبق أَحدهمَا وَتَبعهُ الآخر ثَالِثا أحرز السَّابِق سبق نَفسه وَهل يسْتَحق سبق الثَّانِي على وَجْهَيْن مبينين على ذَلِك الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الَّذِي تبين فَسَاده وَإِن سبق أَحدهمَا وساوى الآخر الْمُحَلّل خَابَ الْمُحَلّل وفاز السَّابِق بسبقه وَفِي اسْتِحْقَاقه سبق صَاحبه الْقَوْلَانِ فليتدبر اللبيب مَا فِي هَذِه الْفُرُوع من الْفساد والتناقض الدَّال على فَسَاد الأَصْل فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا نشأت عَن اشْتِرَاط الْمُحَلّل وَهِي من لَوَازِم القَوْل بِهِ وَفَسَاد اللَّازِم يدل على فَسَاد الْمَلْزُوم وَلما تفطن بعض المشتركين لفساد هَذِه الْفُرُوع قَالَ إِن سبق الْمُحَلّل لم يَأْخُذ شَيْئا وَإِن سبق غرم ذكره بعض الْحَنَفِيَّة حَكَاهُ ابْن الساعاتي فِي شرح مجمع الْبَحْرين وَابْن بلدحي فِي شرح الْمُخْتَار فَتَأمل هَذَا التَّفَاوُت الشَّديد وَالِاخْتِلَاف المتباين فِي أَمر هَذَا لَا دخيل الْمُسْتَعَار فَإِن مَا كَانَ من عِنْد الله لَا تعرض فِيهِ وَلَا لَهُ هَذَا التَّنَاقُض الشَّديد وَالِاخْتِلَاف الْكثير {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} النِّسَاء 82 وزن هَذِه الْفُرُوع المتباينة والأقوال المتضادة فِيهِ بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وقواعد شَرِيعَته وأصولها وَحكمهَا ومصالحها واعرضها على الدَّلِيل وَلَا تجعلها عرضة للأدلة بِحَيْثُ تعرض الْأَدِلَّة عَلَيْهَا فَلَا تجدها توافقها فَترد الْأَدِلَّة لأَجلهَا كَمَا هُوَ اعْتِمَاد كثير مِمَّن غبن حَظه من الْعلم والإنصاف وَالله ولي التَّوْفِيق مصارعة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لركانة ورهانه على ذَلِك قَالُوا وَأَيْضًا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد صارع وراهن على الصراع وَكَانَ ذَلِك من الْجَانِبَيْنِ وَلم يكن بَينهمَا مُحَلل بل يَسْتَحِيل دُخُول الْمُحَلّل بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 المتصارعين وَنحن نذْكر قصَّة مصارعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا ثَنَا سَلمَة بن شبيب ثَنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن يزِيد بن أبي زِيَاد أَحْسبهُ عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا ركَانَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ شَدِيدا فَقَالَ شَاة بِشَاة فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو ركَانَة عاودني فِي أُخْرَى فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عاودني فِي أُخْرَى فعاوده فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو ركَانَة مَاذَا أَقُول لأهلي شَاة أكلهَا الذِّئْب وشَاة نشزت فَمَا أَقُول للثالثة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كُنَّا لنجمع عَلَيْك أَن نصرعك ونغرمك خُذ غنمك وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْمَرَاسِيل حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بالبطحاء فَأتى عَلَيْهِ يزِيد بن ركَانَة أَو ركَانَة بن يزِيد وَمَعَهُ أعنز لَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد هَل لَك أَن تصارعني فَقَالَ مَا تسبقني فَقَالَ شَاة من غنمي فصارعه فصرعه فَأخذ شَاة قَالَ ركَانَة فَهَل لَك فِي العودة فَقَالَ مَا تسبقني قَالَ أُخْرَى ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ذَلِك مرَارًا فَقَالَ يَا مُحَمَّد وَالله مَا وضع أحد جَنْبي إِلَى الأَرْض وَمَا أَنْت بِالَّذِي تصرعني فَأسلم ورد عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنمه قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا مُرْسل جيد وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر مَوْصُولا وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ أَيْضا فِي كتاب السَّبق لَهُ ثَنَا إِبْرَاهِيم بن عَليّ ثَنَا ابْن الْمقري حَدثنَا ابْن أبي حَمَّاد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير فَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَهَذَا إِسْنَاد جيد مُتَّصِل وَقَالَ أَيْضا ثَنَا ابو بكر الجارودي ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله ثَنَا مُحَمَّد بن كثير ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة ثَنَا عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير عَن يزِيد بن ركَانَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبطحاء فَمر بِهِ ركَانَة قَالَ شَيخنَا هُوَ ركَانَة بن عبد يزِيد وَسَعِيد بن جُبَير لم يدْرك ركَانَة فَإِن ركَانَة توفّي فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح وقصة مصارعته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْرُوفَة عِنْد الْعلمَاء وَإِنَّمَا يُنكرُونَ مصارعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهل كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن ركَانَة إِن ركَانَة صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذكر السَّبق وَلَكِن ذكره فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَفِي حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث وَهَذِه الرِّوَايَات لَا تنَاقض فِيهَا فَإِن من روى قصَّة المصارعة مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 من ذكر الرَّهْن من الْجَانِبَيْنِ وَمن لم يذكر الرَّهْن لم ينفه بل سكت عَنهُ وَاقْتصر على بعض الْقِصَّة وَمن ذكر قصَّة تسبيق ركَانَة بِالشَّاة لم ينف إِخْرَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا بل سكت عَنهُ فَذكره عبد الله بن الْحَارِث وَلَو نفى بعض الروَاة إِخْرَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرَّهْن صَرِيحًا وأثبته الْبَقِيَّة لقدم الْمُثبت على النَّافِي كَمَا فِي نَظَائِره وَإِذا ثَبت هَذَا فَهُوَ دَلِيل على الْمُرَاهنَة من الْجَانِبَيْنِ بِلَا مُحَلل وَهُوَ نَظِير مراهنة الصّديق فَإِن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مراهنة على مَا فِيهِ ظُهُور الدّين فَإِن ركَانَة هَذَا كَانَ من أَشد النَّاس وَلم يعلم أَن أحدا صرعه فَلَمَّا صرعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَنه مؤيد بِقُوَّة أُخْرَى من عِنْد الله وَلِهَذَا قَالَ وَالله مَا رمى أحد جَنْبي إِلَى الأَرْض فَكَانَ لَا يغلب فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمصارعته إِظْهَار آيَات نبوته وَمَا أيده الله بِهِ من الْقُوَّة وَالْفضل وَكَانَت المشارطة على ذَلِك كالمشارطة فِي قصَّة الصّديق لَكِن قصَّة الصّديق فِي الظُّهُور بِالْعلمِ وَهَذِه فِي الظُّهُور بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَة وَالدّين إِنَّمَا يقوم بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ الْعلم وَالْقُدْرَة فَكَانَت الْمُرَاهنَة عَلَيْهِمَا نَظِير الْمُرَاهنَة على الرَّمْي وَالرُّكُوب لما فيهمَا من العون على إِظْهَار الدّين وتأييده فَهِيَ مراهنة على حق وَأكل المَال بهَا أكل لَهُ بِالْحَقِّ لَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ غَرَضه إعلاء الْحق وإظهاره رد عَلَيْهِ المَال وَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَأسلم الرجل وَهَذِه الْمُرَاهنَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصديقه هِيَ من الْجِهَاد الَّذِي يظْهر الله بِهِ دينه ويعزه بِهِ فَهِيَ من معنى الثَّلَاثَة المستثناة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَكِن تِلْكَ الثَّلَاثَة جِنْسهَا يعد للْجِهَاد بِخِلَاف جنس الصراع فَإِنَّهُ لم يعد للْجِهَاد وَإِنَّمَا يصير مشابها للْجِهَاد إِذا تضمن نصْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الْحق وإعلائه كصراع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة وَهَذَا كَمَا أَن الثَّلَاثَة المستثناة إِذا أُرِيد بهَا الْفَخر والعلو فِي الأَرْض وظلم النَّاس كَانَت مذمومة فالصراع والسباق بالأقدام وَنَحْوهمَا إِذا قصد بِهِ نصر الْإِسْلَام كَانَ طَاعَة وَكَانَ أَخذ السَّبق بِهِ حِينَئِذٍ أخذا بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ وَالْأَصْل فِي المَال أَن لَا يُؤْكَل إِلَّا بِالْحَقِّ لَا يُؤْكَل بباطل وَهُوَ مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ فَحَدِيث ركَانَة هَذَا أحد طرقه صَرِيحَة فِي الرِّهَان من الْجَانِبَيْنِ من غير مُحَلل وَالطَّرِيق الْأُخْرَى لم تنف ذَلِك بل لم تكن عَادَة الْعَرَب وَغَيرهم وَإِلَى الْآن أَن يبْذل السَّبق أحد المتغالبين وَحده وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف من عادات النَّاس التراهن من الْجَانِبَيْنِ وَقد جعل فِي طباعهم وفطرهم أَن الرَّهْن من أحد الْجَانِبَيْنِ قمار وَحرَام والنفوس تحتقر الَّذِي لم يبْذل وتزدريه وتعده بَخِيلًا شحيحا مهينا وَمِمَّا يُوضح أَن التراهن كَانَ من الْجَانِبَيْنِ فِي هَذِه الْقِصَّة أَن ركَانَة لما غَلبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ مِنْهُ شَاة طلب ركَانَة الْعود وَإِنَّمَا ذَلِك ليسترجع الشَّاة وَلم يكن لَهُ غَرَض فِي أَن يغرم شَاة أُخْرَى وثالثة وَلَو كَانَ الْبَذْل من ركَانَة وَحده لم يكن لَهُ سَبِيل لاسترجاع الشَّاة الَّتِي خرجت مِنْهُ بل إِذا غلب غرم شَاة أُخْرَى وَإِن غلب لم يفرح بِأخذ شئ فَلم يكن ليطلب الْعود إِلَى صراع هُوَ فِيهِ غَارِم وَلَا بُد وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى استنقاذ مَا غرمه أَلْبَتَّة وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ التراهن من الْجَانِبَيْنِ كَمَا هُوَ الْوَاقِع كَانَ المغلوب على طمع من استرجاع مَا غرمه فيحرص على الْعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَالْمَقْصُود أَن الرَّهْن لَو كَانَ من جَانب وَاحِد وَهُوَ جَانب ركَانَة لم يكن لَهُ فِي الْعود بعد الْغرم فَائِدَة أصلا بل إِمَّا أَن يغرم شَاة ثَانِيَة وثالثة مَعَ الأولى وَإِمَّا أَن تَسْتَقِر الأولى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مِمَّا يعلم أَن ركَانَة لم يَقْصِدهُ بل وَلَا غَيره من المتغالبين وَإِنَّمَا يقْصد المغلوب بِالْعودِ استرجاع مَا خرج مِنْهُ وَغَيره مَعَه فَهَذَا الْأَثر يدل على جَوَاز الْمُرَاهنَة من الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ مُحَلل فِي عمل يتَضَمَّن نصْرَة الْحق وَإِظْهَار أَعْلَامه وتصديق الرَّسُول صَلَاة الله وسلامة عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَاف الْعَمَل الَّذِي وجوده مَكْرُوه بغيض إِلَى الله وَرَسُوله مُتَضَمّن للصد عَن ذكره فَإِن هَذَا لَا يجوز فِيهِ مَعَ إِخْرَاج الْعِوَض وَهَذَا على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد ظَاهر جدا فَإِنَّهُم يجوزون الْمُسَابقَة بِالْعِوَضِ على الطُّيُور الْمعدة للْأَخْبَار الَّتِي ينْتَفع بهَا الْمُسلمُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 حَكَاهُ أَبُو الْحسن الأمدي وَصَاحب الْمُسْتَوْعب عَن بعض أَصْحَاب أَحْمد فَإِذا كَانَ أكل المَال بِهَذِهِ الْمُسَابقَة أكلا بِحَق فَأَكله بِمَا يتَضَمَّن نصْرَة الدّين وَظُهُور أَعْلَامه وآياته أولى وَأَحْرَى وعَلى هَذَا فَكل مغالبة يستعان بهَا على الْجِهَاد تجوز بِالْعِوَضِ بِخِلَاف المغالبات الَّتِي لَا ينصر الدّين بهَا كنقار الديوك ونطاح الكباش والسباحة والصناعات الْمُبَاحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الرَّد على الْقَائِلين بِأَن مراهنة أبي بكر الصّديق لكفار قُرَيْش مَنْسُوخَة قَالُوا وَنَظِير قصَّة مصارعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لركانة قصَّة مراهنة الصّديق لكفار قُرَيْش على تَصْدِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أخبر بِهِ من غَلَبَة الرّوم لفارس وَكَانَ الرِّهَان من الْجَانِبَيْنِ كَمَا تقدم فِي أول الْكتاب سِيَاق الحَدِيث وَإِسْنَاده على شَرط الصَّحِيح وَقد صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره قَالُوا وَلَا يَصح أَن يُقَال إِن قصَّة الصّديق مَنْسُوخَة بِتَحْرِيم الْقمَار فَإِن الْقمَار حرم مَعَ تَحْرِيم الْخمر فِي آيَة وَاحِدَة وَالْخمر حرمت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محاصر بني النَّضِير وَكَانَ ذَلِك بعد أحد بأشهر وَأحد كَانَت فِي شَوَّال سنة ثَلَاث بِغَيْر خلاف وَالصديق لما كَانَ الْمُشْركُونَ قد أخذُوا رَهنه عَاد وراهنهم على مُدَّة أُخْرَى كَمَا تقدم فَغلبَتْ الرّوم فَارس قبل الْمدَّة المضروبة بَينهم فَأخذ أَبُو بكر رهنهم هَكَذَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق الحَدِيث وَهَذِه الْغَلَبَة من الرّوم لفارس كَانَت عَام الْحُدَيْبِيَة بِلَا شكّ وَمن قَالَ كَانَت عَام وقْعَة بدر فقد وهم لما ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان أَن هِرقل لما أظهره الله على فَارس مَشى من حمص إِلَى إيلياء شكرا لله فوافاه كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بإيلياء فَطلب من هُنَاكَ من الْعَرَب فجِئ بِأبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَقَالَ لَهُ إِنِّي سَائِلك عَن هَذَا الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فَذكر الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ هَل يغدر فَقَالَ أَبُو سُفْيَان لَا وَنحن الْآن فِي أَمَان مِنْهُ فِي مُدَّة مَا نَدْرِي مَا هُوَ صانع فِيهَا يُرِيد أَبُو سُفْيَان بالمدة صلح الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا شكّ فَعلم أَن تَحْرِيم الْقمَار سَابق على أَخذ الصّديق الرِّهَان الَّذِي رَاهن عَلَيْهِ أهل مَكَّة وَلَو كَانَ رهان الصّديق مَنْسُوخا لَكَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ فقد روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَنه كَانَ لَهُ غُلَام يَأْخُذ مِنْهُ الْخراج فجَاء يَوْمًا بشئ فَأكل مِنْهُ ثمَّ ضحك غُلَامه فَقَالَ مَالك فَقَالَ أَتَدْرِي من أَيْن هَذَا قَالَ لَا قَالَ إِنِّي كنت تكهنت لإِنْسَان فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم جَاءَنِي بِمَا جعل لي فَوضع أَبُو بكر يَده فِي فِيهِ واستقاء مَا كَانَ أكل فَكيف يَأْخُذ الْقمَار الْحَرَام بعد علمه بِتَحْرِيمِهِ ونسخه هَذَا من الْمحَال الْبَين وَقد رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا بكر أَن يتَصَدَّق بِمَا أَخذ من الْمُشْركين من الرِّهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَهَذَا إِن صَحَّ لَا يضر فَإِنَّهُ الأولى والأكمل والأليق بِمنْصب الصديقية فَلَمَّا رَأَتْ هَذِه الطَّائِفَة أَنه لَا يَصح أَن تكون قصَّة الصّديق مَنْسُوخَة بِتَحْرِيم الْقمَار قَالَت هِيَ مَنْسُوخَة بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل قَالُوا وَأَبُو هُرَيْرَة أسلم عَام خَيْبَر سنة سبع وَهَذَا بعد تَحْرِيم الْقمَار وَالْخمر بِلَا شكّ فَيكون حَدِيثه نَاسِخا لمراهنة الصّديق قَالَ الْآخرُونَ أَبُو هُرَيْرَة لم يقل سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَائِز أَن يكون أرْسلهُ عَن بعض الصَّحَابَة كَمَا فِي عَامَّة حَدِيثه فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا وقف يَقُول حَدثنِي فلَان وَيذكر من حَدثهُ من الصَّحَابَة وعَلى تَقْدِير أَن يكون سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغايته أَنه لفظ عَام ومراهنة الصّديق وَاقعَة خَاصَّة وَالْخَاص مقدم على الْعَام تقدم أَو تَأَخّر عِنْد الْجُمْهُور وَقيل إِنَّه إِجْمَاع الصَّحَابَة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أقرّ أهل خَيْبَر على أَن يعملوها وَالثَّمَرَة بَينهم وَبَينه ثمَّ أوصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 عِنْد وَفَاته أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب وَلَا خلاف أَن خَيْبَر من جَزِيرَة الْعَرَب فَعمل الخليفتان الراشدان بالخاص الْمُتَقَدّم وَقَدمَاهُ على الْعَام الْمُتَأَخر وَأقر أهل خَيْبَر فِيهَا إِلَى أَن أَحْدَثُوا فِي زمن عمر رَضِي الله عَنهُ مَا أَحْدَثُوا وَعلم فأجلاهم إِلَى الشَّام قَالُوا وَهَذَا للحنفية ألزم فَإِنَّهُم يرَوْنَ الْمُرَاهنَة على مثل مَا رَاهن عَلَيْهِ الصّديق من الْغَلَبَة فِي مسَائِل الْعلم وَعِنْدهم أَن الْعَام الْمُتَأَخر ينْسَخ الْخَاص الْمُتَقَدّم وَلم ينسخوا قصَّة الصّديق الْمُتَقَدّمَة الْخَاصَّة بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْعَام الْمُتَأَخر وَهُوَ قَوْله لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وعَلى هَذَا فقد يُقَال قصَّة مراهنة الصّديق لم تدخل فِي حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أبي هُرَيْرَة وَلَا أُرِيد بهَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وعَلى هَذَا فَكل وَاحِد من الْحَدِيثين يبْقى مَعْمُولا بِهِ لِأَنَّهُ على بَابه وَلَا تعَارض بَينهمَا وَهُوَ تَقْرِير حسن قَالُوا فَهَذِهِ نبذة من أدلتنا على عدم اشْتِرَاط الْمُحَلّل فِي السباق فَإِن كَانَ عنْدكُمْ مَا يعارضها فَحَيَّهَلا بِهِ فَنحْن من وَرَاء الْقبُول لَهُ إِن قاومها وَمن وَرَاء الرَّد وَالْجَوَاب إِن لم يقاومها ومحال أَن تقوم هَذِه الْأَدِلَّة وَأكْثر مِنْهَا على أَمر بَاطِل فِي الشَّرْع يتَضَمَّن تَحْلِيل مَا حرمه الله وَرَسُوله وإلحاق الْقمَار بالحلال وَلَا يكون عَنْهَا أجوبة صَحِيحَة صَرِيحَة وَلها معَارض مقَام فَمن ادّعى بُطْلَانهَا فليجب عَنْهَا أجوبة م فصل ة وَإِلَّا فليعرف قدره وَلَا يتَعَدَّى طوره وَلَا يقتحم حلبة هَذَا السباق إِلَّا إِذا وثق من نَفسه بمقاومة الرفاق فصل أَدِلَّة الْقَائِلين بِاشْتِرَاط الْمُحَلّل قَالَ أَصْحَاب التَّحْلِيل لقد أجلبتم علينا بخيل الْأَدِلَّة ورجلها وجنبتم مَعهَا شكلها وَغير شكلها وجيوش أدلتنا وراءكم فِي الطّلب وسائقها يَقُول أدركتم وسبقتم فَلَا حَاجَة بكم إِلَى الجلب وَالْجنب فَاسْتَعدوا الْآن للقاء جيوش من الْأَدِلَّة إِن طلبت أعجزت من طلبَهَا وَإِن طلبت أدْركْت من استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن عاندها فَهُوَ مقهور وسلطان هَذِه العساكر المنصورة كتاب الله ثمَّ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمراؤها أَئِمَّة الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَهَذِه طَلِيعَة الْجَيْش قد أَقبلت وسلطانه قد برز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} [الْأَحْزَاب 36] وَقَالَ [الله] تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} [الْحَشْر 7] وَقَالَ [الله تَعَالَى] : {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} [النِّسَاء 65] وَقَالَ [الله] تَعَالَى: {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} [النِّسَاء 59] وَقد تنازعنا نَحن وَأَنْتُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فلأي الْقَوْلَيْنِ شهد الْقُرْآن وَالسّنة أَخذنَا بِهِ وَلم نَتْرُك مُوجبه لقَوْل أحد وَعند هَذَا فَنَقُول الدَّلِيل على اشْتِرَاط الْمُحَلّل من وُجُوه [الدَّلِيل الأول على اشْتِرَاط الْمُحَلّل] الأول مَا رَوَاهُ حَافظ الْأمة مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أعلم التَّابِعين سعيد بن الْمسيب عَن حَافظ الْإِسْلَام أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن أَن يسْبق فَلَا بَأْس وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ادخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ آمن أَن يسْبق فَهُوَ قمار رَوَاهُ إِمَام أهل السّنة أَحْمد [بن حَنْبَل] فِي مُسْنده عَن يزِيد بن هَارُون ثَنَا سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَبنى عَلَيْهِ مذْهبه وَعمل بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شَيْبه وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 هُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم هُوَ صَحِيح وَلَيْسَ فِي رجال هَذَا الْإِسْنَاد من يَنْبَغِي النّظر فِيهِ إِلَّا سُفْيَان بن حُسَيْن هَذَا [فَإِنَّهُم أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق سُفْيَان هَذَا قد وَثَّقَهُ أَحْمد بن عبد الله الْعجلِيّ وَيحيى ابْن معِين فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن سعد وَقَالَ كَانَ يُخطئ وَوَثَّقَهُ عُثْمَان بن أبي شبية وَقَالَ عَبَّاس الدوري سَالَتْ يحيى عَنهُ فَقَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَلَيْسَ من أكَابِر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة هُوَ صَالح وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِذَاكَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ بِالْمَوْسِمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَقَالَ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ وَمُحَمّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي خرج مُسلم حَدِيثه فِي صَحِيحه وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد صحّح لَهُ التِّرْمِذِيّ عَن غير الزُّهْرِيّ فَقَالَ حَدثنَا زِيَاد بن ايوب حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن يُونُس بن عبيد عَن عَطاء عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن المحاقلة والمزابنة وَالْمُخَابَرَة والثنيا إِلَّا أَن يعلم ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث يُونُس ابْن عبيد عَن عَطاء عَن جَابر وَيَكْفِي سكُوت الإِمَام أَحْمد عَنهُ بعد إِخْرَاجه لَهُ وبناؤه مذْهبه عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَهَذَا يدل على صِحَّته عِنْده وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ إِن مَا خرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند فَهُوَ صَحِيح عِنْده قَالُوا وَقد قَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله إِن الحَدِيث مَحْفُوظ عَن الزُّهْرِيّ وَقد شهد أَبُو أَحْمد [بن] عدي أَن للْحَدِيث أصلا وَصوب رِوَايَة سعيد لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة وناهيك بهؤلاء الْأَعْلَام وَقد سَالَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَن حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الصَّدقَات فَقَالَ أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا وسُفْيَان بن حُسَيْن صَدُوق فَهَذَا إِمَام هَذَا الشَّأْن قد شهد لحديثه عَن الزُّهْرِيّ بِأَنَّهُ مَحْفُوظ ولسفيان بن حُسَيْن بِالصّدقِ وَمثل هَذَا يَكْفِي فِي الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ قَالُوا وَقد تَابعه على رِوَايَته لَهُ عَن الزُّهْرِيّ سعيد بن بشير قَالَه أَبُو دَاوُد وَابْن عدي وَلَا ريب أَن هَذَا يُقَوي أَمر الحَدِيث ويزيل عَنهُ تفرد سُفْيَان بن حُسَيْن بِهِ وَقد أثنى الْأَئِمَّة على سعيد بن بشير هَذَا فَقَالَ شُعْبَة كَانَ حَافِظًا صَدُوق اللِّسَان وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي رَأَيْت عِنْد أبي مسْهر موضعا للْحَدِيث قَالَ وَقلت لدحيم مَا تَقول فِي مُحَمَّد بن رَاشد فَقَالَ ثِقَة وَكَانَ يمِيل إِلَى هوى قلت فَأَيْنَ هُوَ من سعيد بن بشير فَقدم سعيدا عَلَيْهِ وَفِي لفظ سَأَلت دحيما عَن قَول من أدْرك فِي سعيد فَقَالَ يوثقونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَقَالَ البُخَارِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حفظه وَهُوَ يحْتَمل وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن سعيد بن بشير فَقَالَا مَحَله الصدْق وَعِنْدنَا قلت يحْتَج بحَديثه قَالَا يحْتَج لحَدِيث ابْن أبي عرُوبَة والدستوائي هَذَا شيخ يكْتب حَدِيثه قَالَ وَسمعت ابي يُنكر على من أدخلهُ فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقَالَ يحول وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدِّرَامِي كَانَ مَشَايِخنَا يَقُولُونَ هُوَ ثِقَة قَالُوا وَإِنَّمَا تكلم فِي سعيد بن بشير هَذَا من تكلم فِي حَدِيثه عَن قتاده لنكرة وَقعت فِيهِ حَتَّى قَالَ ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه أَخطَأ فِي هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَته [إِيَّاه] عَن قتاده عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابي هُرَيْرَة وَرِوَايَته إِيَّاه عَن الزُّهْرِيّ وَرِوَايَته إِيَّاه عَن سعيد سَالِمَة من [هَذَا] الْقدح ووافقة عَلَيْهَا سُفْيَان بن حُسَيْن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قَالُوا فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَترك إِخْرَاج أَصْحَاب الصَّحِيح لَهُ لَا يدل على ضعفه كَغَيْرِهِ من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي تركا إخْرَاجهَا قَالُوا وقصارى مَا يُعلل بِهِ الْوَقْف على سعيد بن الْمسيب وَهَذَا لَيْسَ بعلة فقد يكون الحَدِيث عِنْد الرَّاوِي مَرْفُوعا ثمَّ يُفْتِي بِهِ من قَوْله فينقل عَنهُ مَوْقُوفا فَلَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ فصل [وجهة الدّلَالَة مِنْهُ] قَالُوا فَهَذَا تَقْرِير الحَدِيث من جِهَة السَّنَد وَأما تَقْرِير الدّلَالَة مِنْهُ فَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن المتسابقين مَتى أدخلا بَينهمَا ثَالِثا قد أَمن أَن يسْبق فَهُوَ قمار وَمَعْلُوم أَن دُخُوله لم يَجْعَل العقد قمارا بل إخراجهما هُوَ الَّذِي جعل العقد قمارا ودخوله على غير الْوَجْه الَّذِي دخلا عَلَيْهِ من الجراء وَالْخَوْف لَا عِبْرَة بِهِ فَكَأَنَّهُ لم يدْخل فَكَانَ العقد قمارا إِذْ لَا تَأْثِير [لَهُ] لدُخُوله فِيهِ مَعَ الْأَمْن فَإِذا دخل على الْوَجْه الَّذِي دخلا عَلَيْهِ من الْخَوْف والرجاء لم يكن قمارا وَذَلِكَ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا قبل الْمُحَلّل دائر [بَين] أَن يَأْخُذ من الآخر أَو يُعْطِيهِ فَهُوَ دائر بَين أَن يغنم أَو يغرم والمخرج لم يقْصد أَن يَجْعَل للسابق جعلا على سبقه حَتَّى يكون من جنس الجعائل فَإِذا دخل بَينهمَا ثَالِث كَانَ لَهما حَال ثَانِيَة وَهُوَ أَن يعطيا جَمِيعًا الثَّالِث فَيكون الثَّالِث لَهُ جعل على سبقه لَهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فَيكون من جنس الجعائل قَالُوا وَإِنَّمَا شَرط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يَأْمَن أَن يسْبق لِأَنَّهُ لم يكتف بِصُورَة الدخيل حَتَّى يكون دُخُوله حِيلَة مُجَرّدَة بل لَا بُد أَن يكون فرسه يحصل مَعَه [مَقْصُود] انْتِفَاء الْقمَار بمكافأته لفرسيهما قَالُوا وَلِهَذَا يشْتَرط [هَذِه] الْمُكَافَأَة من يجوز الْحِيَل فَلَا يجوز دُخُول هَذَا الثَّالِث حِيلَة بل لَا بُد أَن يخَاف [مِنْهُ مَا يخَاف] من كل وَاحِد من المخرجين ويرجو مَا يَرْجُو لَهُ وَلَا يَكْفِي صورته ليتَحَقَّق الْخُرُوج بِدُخُولِهِ عَن شبه الْقمَار هَذَا غَايَة مَا يُقرر بِهِ هَذَا الحَدِيث سندا وَدلَالَة فصل [الدَّلِيل الثَّانِي على اشْتِرَاط الْمُحَلّل] قَالُوا وَالدَّلِيل الثَّانِي على اشْتِرَاط الْمُحَلّل مَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه فَقَالَ ثَنَا الْحسن بن سُفْيَان ثَنَا ابراهيم بن الْمُنْذر ثَنَا عبد الله بن نَافِع عَن عَاصِم عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا سبقا وَجعل بَينهمَا محللا وَقَالَ لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو خف أَو نصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَالُوا فَهَذَا إِسْنَاد كلهم ثِقَات وَتَصْحِيح أبي حَاتِم لحَدِيث عَاصِم هَذَا وَهُوَ عَاصِم بن عمر بن حَفْص يدل على كَونه ثقه عِنْده وَوجه الِاسْتِدْلَال مِنْهُ ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فصل [الدَّلِيل الثَّالِث على اشْتِرَاط الْمُحَلّل] الدَّلِيل الثَّالِث مَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ فِي كِتَابه المترجم فَقَالَ حَدثنِي عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة قَالَ حَدثنِي رجل من بني مَخْزُوم من ولد الْحَارِث بن هِشَام قَالَ حَدثنِي أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا جلب وَلَا جنب وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ على السَّبق فِيهِ فَهُوَ حرَام قَالُوا فَهَذَا اسناد لَا يسْأَل عَن رِجَاله وَهَذَا الرجل الْمَجْهُول غَايَته أَنه لم يسم فَالْحَدِيث بِهِ يكون مُرْسلا فَإِذا انْضَمَّ إِلَى ذَيْنك الْحَدِيثين قوي أمره وَصلح الاستشهاد بِهِ لَا للاعتماد عَلَيْهِ فصل [الدَّلِيل الرَّابِع على اشْتِرَاك الْمُحَلّل] الدَّلِيل الرَّابِع مَا رَوَاهُ السَّعْدِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 حَمَّاد عَن عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب أَن رجلَيْنِ تقامرا فِي ظَبْي وهما محرمان أَيهمَا يسْبق إِلَيْهِ فَسبق أَحدهمَا صَاحبه فَقَالَ عمر هَذَا قمار وَلَا نجيزه فَجعله قمارا لما أخرجَا مَعًا وَلَو أخرج أَحدهمَا لم يقل تقامرا فَإِن التقامر إِنَّمَا يكون من اثْنَيْنِ فصل [الدَّلِيل الْخَامِس على اشْتِرَاك الْمُحَلّل] الدَّلِيل الْخَامِس مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نفر من أسلم ينتضلون بِالسوقِ فَقَالَ ارموا بني إِسْمَاعِيل فِي فَإِن اباكم كَانَ راميا ارموا وَأَنا مَعَ بنى فلَان فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لكم لَا ترمون فَقَالُوا كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم فَقَالَ ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ قَالُوا وَلَا يكون مَعَ الطَّائِفَتَيْنِ إِلَّا وَهُوَ مُحَلل وَإِلَّا كَانَ مَعَ أَحدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فصل [الدَّلِيل السَّادِس على اشْتِرَاط الْمُحَلّل] الدَّلِيل السَّادِس أَنَّهُمَا إِذا أخرجَا مَعًا وَلم يكن هُنَاكَ مُحَلل كَانَ قمارا وَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ يبْقى كل مِنْهُمَا دائرا بَين أَن يغرم وَبَين أَن يغنم وَهَذَا هُوَ الْقمَار فَإِذا أدخلا بَينهمَا ثَالِث حصل قسم ثَالِث وَهُوَ أَن يسبقهما فَيَأْخُذ جعليهما مَعًا وَلَا يغرم شَيْئا فَيصير العقد بِهِ فِي حكم عُقُود الجعالات فكأنهما جعلا لهَذَا الْمُحَلّل جعلا إِن سبقهما فَمَا لم يسبقهما لم يسْتَحق الْجعل قَالُوا وَلَو لم يكن فِي هَذَا الا قَول أعلم التَّابِعين وَلَا سِيمَا بقضايا عمر وَهُوَ سعيد بن الْمسيب وَكَانَ عبد الله بن عمر يبْعَث يسْأَله عَن قضايا أَبِيه فَإِنَّهُ أفتى بذلك وَتَبعهُ عَلَيْهِ فُقَهَاء الحَدِيث كَالْإِمَامِ أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَالشَّافِعِيّ وفقهاء الرَّأْي كَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَمن النَّاس غير هَؤُلَاءِ فيكفينا أَن ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة من جانبنا والركن الآخر وَهُوَ مَالك عَنهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مُوَافقَة سعيد بن الْمسيب فِي القَوْل بالمحلل قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر وَهُوَ الأجود من قوليه وَقَول سعيد بن الْمسيب وَجُمْهُور أهل الْعلم وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز قَالُوا وَمذهب أبي حنيفَة أَن التَّابِعِيّ إِذا عاصر الصَّحَابَة وزاحمهم فِي الْفَتْوَى وأقروه على ذَلِك كَانَ قَوْله حجَّة قَالُوا وَهَذَا مَذْهَب إِمَام أهل الشَّام الْأَوْزَاعِيّ وَإِمَام أهل خُرَاسَان إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ فقد تواطأ على هَذَا الْمَذْهَب فُقَهَاء الْأَمْصَار وفقهاء الْآثَار وفقهاء الرَّأْي وَالْقِيَاس وَقد سَمِعْتُمْ أدلته [ردود مشترطي الْمُحَلّل على مخالفيهم] قَالُوا وَأما أدلتكم فَهِيَ نَوْعَانِ أثرية ومعنوية فَأَما الأثرية فَالصَّحِيح مِنْهَا إِمَّا عَام وأدلتنا خَاصَّة فَتقدم عَلَيْهِ أَو مُجمل وأدلتنا مفصلة وَإِمَّا مُتَقَدم مَنْسُوخ بِمَا ذكرنَا من الْأَدِلَّة كقصة مصارعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومراهنة الصّديق فَإِنَّهُمَا كَانَا فِي أول الْإِسْلَام قَالُوا وَقد حكى [أَبُو] مُحَمَّد بن حزم الْإِجْمَاع على نسخ قصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الصّديق ومراهنته فَإِنَّهُ قَالَ أَجمعت الْأمة الَّتِي لَا يجوز عَلَيْهَا الْخَطَأ فِيمَا نقلته مجمعة عَلَيْهِ أَن الميسر الَّذِي حرمه الله هُوَ الْقمَار وَذَلِكَ ملاعبة الرجل صَاحبه على أَن من غَالب مِنْهُمَا أَخذ من المغلوب قمرته الَّتِي جعلاها بَينهمَا كالمتصارعين يتصارعان والراكبين يتراكبان على أَن من غلب مِنْهُمَا فللغالب على المغلوب كَذَا وَكَذَا خطارا وقمارا فَإِن ذَلِك هُوَ الميسر الَّذِي حرمه الله تَعَالَى وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لصَاحبه تعال أقامرك فليتصدق قَالُوا وَلَا يعلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا مذهبان مَذْهَب من يمْنَع اخراج الرَّهْن من الحزبين مَعًا سَوَاء كَانَ بِمُحَلل أَو لم يكن بِمُحَلل وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من مَذْهَب مَالك قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر قَالَ مَالك لَا تَأْخُذ بقول سعيد بن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل فِي الْخَيل قَالَ صَاحب الْجَوَاهِر وَهَذَا الْمَشْهُور عَنهُ وَالْقَوْل الثَّانِي قَول من يجوزه بِشَرْط الْمُحَلّل وَهُوَ قَول من حكينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قَوْله آنِفا وَأما الْجَوَاز من الحزبين من غير مُحَلل فَلَا نعلم بِهِ قَائِلا من الْأَئِمَّة المتبوعين قَالُوا وَأما مَا استدللتم بِهِ من قَوْله رَاهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن الْمُرَاهنَة مفاعلة وحقيقتها من اثْنَيْنِ فَذَلِك غير لَازم فِيهَا فَإِنَّهُ يُقَال سَافر فلَان وعاقب اللص وطارق النَّعْل وَيَكْفِي عافاك الله وَأما المعنوية فسائر مَا ذكرْتُمْ من الْمعَانِي والإلزامات فنردها كلهَا بِأَمْر وَاحِد وَهُوَ فَسَاد [اعْتِبَارهَا لتضمنها مُخَالفَة مَا ذكرنَا من النُّصُوص الدَّالَّة على] اعْتِبَار الْمُحَلّل فَلَا حَاجَة إِلَى افراد كل وَاحِد مِنْهَا بِجَوَاب فَهَذَا غَايَة مَا تمسكت بِهِ هَذِه الْفرْقَة وانْتهى إِلَيْهِ نظرهم واستدلالتهم [قَالُوا] فقد تبين انا أولى بالأدلة الشَّرْعِيَّة آثارها ومعانيها مِنْكُم كَمَا نَحن أولى بالأئمة مِنْكُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن كاثرتمونا بالأدلة كاثرناكم بالأئمة فَكيف وَدَلِيل وَاحِد من الْأَدِلَّة الَّتِي ذَكرنَاهَا يكفينا فِي النُّصْرَة علكيم قَالُوا وَهَؤُلَاء جُمْهُور الْأمة قد رَأَوْا هَذَا القَوْل حسنا وَفِي الحَدِيث مَا رأه الْمُسلمُونَ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَمَا عداهُ فَقَوْل شَاذ وَمن شَذَّ شَذَّ الله بِهِ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الْإِثْنَيْنِ أبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فصل \ ردود منكري الْمُحَلّل على مخالفيهم] قَالَ المنكرون للمحلل لسنا مِمَّن يقعقع لَهُ بالشنان وَلَا مِمَّن يفر إِذا أشرع إِلَيْهِ طرف السنان وَإِنَّا بِحَمْد الله للحق ناصرون وَبِه منتصرون [وَفِيه متبصرون] وَبِه مخاصمون وَإِلَيْهِ محاكمون وَهُوَ أخبيتنا الَّتِي نفزع اليها وقاعدتنا الَّتِي نعتمد عَلَيْهَا وَنحن نبرأ إِلَى الله مِمَّا سواهُ ونعوذ بِاللَّه ان ننصر إِلَّا اياه ولسنا مِمَّن يعرف الْحق بِالرِّجَالِ وَإِنَّمَا مِمَّن يعرف الرِّجَال بِالْحَقِّ ولسنا مِمَّن يعرض الْحق على آراء الْخلق فَمَا وَافقه مِنْهَا قبله وَمَا خَالفه رده وَإِنَّمَا نَحن مِمَّن يعرض آراء الرِّجَال وأقوالها على الدَّلِيل فَمَا وَافقه مِنْهَا اعْتد بِهِ وَقَبله وَمَا خَالفه خَالفه قَالُوا وَنحن نبين أَن جيوش أدلتكم الَّتِي عولتم عَلَيْهَا واستندتم فِي النُّصْرَة اليها لَيست لَهَا فِي مقاومة جيوشنا يدان وَلَا تجْرِي مَعَ فرسانها فِي ميدان وَإِنَّهَا احاديث بَاطِلَة معلولة وصحيحها لَيْسَ مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء وَإِن قياسكم بَين الْبطلَان من أَكثر من أَرْبَعِينَ وَجها فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أما مَا قدمتم من ذكر قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} [الْأَحْزَاب 36] وَقَوله {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} [الْحَشْر 7] إِلَى آخر الْمُقدمَة فَنعم وَالله وسمعا وَطَاعَة لداعي الله وَرَسُوله وتركا لكل قَول يُخَالِفهُ وَنحن ننشدكم الله إِذا دعوناكم إِلَى النُّصُوص الَّتِي تخَالف من قلدتموه هَل تقدمونها على قَوْله وتقولون بموجبها أم تَجْعَلُونَ قَول من قلدتموه نصا محكما [حَاكما عَلَيْهَا] والنصوص ظواهر متشابهة إِن أمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ردهَا بأنواع التأويلات والا قيل صَاحب الْمَذْهَب أعلم وَعند هَذَا فَنَقُول [الرَّد على الدَّلِيل الأول] أما الحَدِيث الأول وَهُوَ حَدِيث سعيد بن الْمسيب فَالْكَلَام مَعكُمْ فِيهِ فِي مقامين أَحدهمَا صِحَّته مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّانِي بَيَان دلَالَته على مَحل النزاع [ضعف الحَدِيث] فَأَما الْمقَام الأول فَنَقُول هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة وَنحن نذْكر كَلَام من تكلم فِي الحَدِيث من الْأَئِمَّة وَفِي سُفْيَان بن حُسَيْن فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فِي كتاب الْعِلَل لَهُ سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون وَغَيره عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَيّمَا رجل أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ يَأْمَن أَن يسْبق فَهُوَ قمار قَالَ أبي هَذَا خطأ لم يعْمل سُفْيَان بن حُسَيْن شَيْئا لَا يشبه أَن يكون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأحسن أَحْوَاله أَن يكون عَن سعيد بن الْمسيب من قَوْله وَقد رَوَاهُ يحيى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 سعيد عَن سعيد من قَوْله وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه سَأَلت يحيى بن معِين عَن حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَدخل فرسا بَين فرسين الحَدِيث فَقَالَ بَاطِل وَخطأ على أبي هُرَيْرَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بعد أَن أخرجه رَوَاهُ معمر وَشُعَيْب وَعقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن رجال من أهل الْعلم قَالُوا من أَدخل فرسا وَهَذَا أصح عندنَا هَذَا لفظ أبي دَاوُد فَلَا يَنْبَغِي أَن يقْتَصر الْمخْرج لَهُ من السّنَن على قَوْله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ويسكت عَن تَعْلِيله لَهُ وَقد رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ من أَدخل فرسا فَجعله من كَلَام سعيد نَفسه وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الأساطين الْأَثْبَات من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ معمر بن رَاشد وَعقيل بن خَالِد وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَاللَّيْث بن سعد وَيُونُس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ابْن يزِيد الْأَيْلِي وَهَؤُلَاء أَعْيَان اصحاب الزُّهْرِيّ كلهم رَوَوْهُ عَن سعيد بن الْمسيب من قَوْله وَمِمَّنْ اعله ابو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَأعله أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد وَقَالَ هَذَا حَدِيث انْفَرد بِهِ سُفْيَان بن حُسَيْن من بَين اصحاب ابْن شهَاب ثمَّ أعله بِكَلَام ابي دَاوُد وَقَالَ بعض الْحفاظ يبعد جدا أَن يكون الحَدِيث عِنْد الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابي هُرَيْرَة مَرْفُوعا ثمَّ لَا يرويهِ وَاحِد من أَصْحَابه الملازمين لَهُ المختصين بِهِ الَّذين يحفظون حَدِيثه حفظا وهم أعلم النَّاس بحَديثه وَعَلَيْهِم مَدَاره وَكلهمْ يَرْوُونَهُ عَنهُ كَأَنَّمَا من قَول سعيد نَفسه وتتوفر هممهم ودواعيهم على ترك رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم الطَّبَقَة الْعليا من أَصْحَابه المقدمون على كل من عداهم مِمَّن روى عَن الزُّهْرِيّ ثمَّ ينْفَرد بِرَفْعِهِ من لَا يدانيهم وَلَا يقاربهم لَا فِي الِاخْتِصَاص بِهِ وَلَا فِي الْمُلَازمَة لَهُ وَلَا فِي الْحِفْظ و [لَا فِي] الإتقان وَهُوَ مَعْدُود عِنْدهم فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على مَا قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَهُوَ سُفْيَان بن حُسَيْن فَمن لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ذوق فِي علم الحَدِيث لَا يشك وَلَا يتَوَقَّف أَنه من كَلَام سعيد بن الْمسيب لَا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الحكم بِرَفْع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل إِمَّا أَن يرويهِ ويسكت عَنهُ أَو يُنَبه عَلَيْهِ وَسمعت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية يَقُول رفع هَذَا الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب قَالَ وَهَذَا مِمَّا يعلم أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَنه لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب نَفسه وَهَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن سعيد بن الْمسيب مثل اللَّيْث بن سعد وَعقيل وَيُونُس وَمَالك بن أنس وَذكره فِي الْمُوَطَّأ عَن سعيد بن الْمسيب نَفسه وَرَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِمُجَرَّد رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ لغلطه فِي ذَلِك قلت فقد غلط الإِمَام الشَّافِعِي سُفْيَان بن حُسَيْن فِي تفرده عَن الزُّهْرِيّ بِحَدِيث الرجل جَبَّار فَقَالَ روى سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (الرجل الْجَبَّار) ثمَّ قَالَ وَهَذَا غلط وَالله أعلم إِن الْحفاظ لم يحفظوا ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَهَذَا اسناد حَدِيث الْمُحَلّل بِعَيْنِه وعيانه وَالْعلَّة وَاحِدَة بِعَينهَا فَإِن الْحفاظ لم يحفظوا رَفعه كَمَا تقدم وَقَالَ ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ سُفْيَان بن حُسَيْن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ وهم لِأَن الثِّقَات خالفوه وَلم يذكرُوا ذَلِك قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد رَوَاهُ مَالك وَاللَّيْث وَابْن جريج وَمعمر وَعقيل وسُفْيَان بن عيينه وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ وَلم يذكر أحد مِنْهُم فِيهِ الرجل وَهَذَا نَظِير تَعْلِيل حَدِيثه فِي الْمُحَلّل سَوَاء بِسَوَاء وَنَظِير هَذَا حَدِيثه [عَن] الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه فِي الصَّدقَات قَالَ يحيى بن معِين لم يُتَابع سُفْيَان بن حُسَيْن عَلَيْهِ أحد لَيْسَ يَصح هَذَا مَعَ أَن لَهُ شَاهدا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَقد وَافقه عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن كثير أَخُو مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ابْن كثير فَلم يُصَحِّحهُ لِتَفَرُّد سُفْيَان هَذَا بِهِ وَمُخَالفَة غَيره من اصحاب الزُّهْرِيّ لَهُ فِي وَقفه وَنَظِير هَذَا بل أبلغ مِنْهُ أَن سُفْيَان بن حُسَيْن روى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فَعرض لنا طَعَام فاشتهيناه فأكلناه فَدخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبدرتني حَفْصَة وَكَانَت ابْنه ابيها فقصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ (اقضيا يَوْمًا مَكَانَهُ) وَتَابعه جَعْفَر بن برْقَان وَصَالح بن ابي الْأَخْضَر ثمَّ قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَقد وهموا فِيهِ على الزُّهْرِيّ فقد رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ بَلغنِي أَن عَائِشَة وَحَفْصَة أصبحتا صائمتين هَكَذَا رَوَاهُ مَالك وَيُونُس وَمعمر وَابْن جريج وَيحيى بن سعيد وَعبيد الله بن عمر وسُفْيَان بن عيينه وَمُحَمّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ وَبكر بن وَائِل وَغَيرهم وَقد شهد ابْن جريج وسُفْيَان بن عُيَيْنَة على لفظ الزُّهْرِيّ أَنه لم يسمع هَذَا الحَدِيث من عُرْوَة قَالَ ابْن جريج عَنهُ وَلَكِن حَدثنِي نَاس فِي خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك عَن بعض من كَانَ يدْخل على عَائِشَة وَقَالَ الْحميدِي أَخْبرنِي [غير] وَاحِد عَن معمر أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث لَو كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 عَن عُرْوَة مَا نسبته وَقَالَ البُخَارِيّ وَمُحَمّد بن يحيى الذهلي لَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة فَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا بَين ضعف رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَلَو تَابعه غَيره عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن وفرسان هَذَا الميدان فَكيف بِمَا تفرد بِهِ عَن الثِّقَات وَخَالف فِيهِ الْأَئِمَّة الاثبات وَمَعْرِفَة هَذَا الشَّأْن وَعلله ذوق وَنور يقذفه الله فِي الْقلب يقطع [بِهِ] من ذاقه وَلَا يشك فِيهِ وَمن لَيْسَ لَهُ هَذَا الذَّوْق لَا شُعُور لَهُ بِهِ وَهَذَا كنقد الدَّرَاهِم لأربابه فِيهِ ذوق وَمَعْرِفَة ليستا لكبار الْعلمَاء قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير قَالَ عبد الرَّحْمَن [بن مهْدي] إِن معرفَة الحَدِيث الْهَام قَالَ ابْن نمير صدق لَو قلت لَهُ من أَيْن قلت لم يكن لَهُ جَوَاب وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إنكارنا للْحَدِيث عِنْد الْجُهَّال كهَانَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فصل [كَلَام أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ] فَهَذَا كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي هَذَا الحَدِيث وَأما كَلَامهم فِي سُفْيَان بن حُسَيْن الَّذِي تفرد بِهِ عَن النَّاس فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي عَنهُ لَيْسَ بِذَاكَ فِي حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ يحيى بن معِين فِي رِوَايَة عَبَّاس الدوري عَنهُ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَلَيْسَ من كبار أَصْحَاب الزُّهْرِيّ وَفِي حَدِيثه ضعف عَن الزُّهْرِيّ وَلَا تنَافِي بَين قوليه لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَوله فِي حَدِيثه ضعف عَن الزُّهْرِيّ لما سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله من بَيَان سَبَب ضعف حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ ثِقَة فِي غير الزُّهْرِيّ لَا يدْفع وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِذَاكَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ بِالْمَوْسِمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَقَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن [ابي] شَبيه كَانَ سُفْيَان بن حُسَيْن مؤدبا وَلم يكن بِالْقَوِيّ وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الزُّهْرِيّ وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة كَانَ ثِقَة وَلكنه كَانَ مضطربا فِي الحَدِيث قَلِيلا وَقَالَ ابْن سعد ثِقَة يُخطئ فِي حَدِيثه كثيرا وَقَالَ يَعْقُوب بن [ابي] شَيْبه ثِقَة صَدُوق وَفِي حَدِيثه ضعف وَقد حمل النَّاس عَنهُ وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ صَالح الحَدِيث يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ نَحْو مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 إِسْحَاق وَهُوَ أحب إِلَيّ من سُلَيْمَان بن كثير وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْس إِلَّا فِي الزُّهْرِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقد أدخلهُ فِيهِ يروي عَن الزُّهْرِيّ المقلوبات فَإِذا روى عَن غَيره أشبه حَدِيثه حَدِيث الْأَثْبَات وَذَلِكَ أَن صحيفَة الزُّهْرِيّ اخْتلطت عَلَيْهِ وَكَانَ يَأْتِي بهَا على التَّوَهُّم فالإنصاف من أمره يكْتب مِمَّا روى عَن الزُّهْرِيّ والاحتجاج بِمَا روى عَن غَيره وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي هُوَ فِي غير الزُّهْرِيّ صَالح وَفِي الزُّهْرِيّ يروي أَشْيَاء خَالف [فِيهَا] النَّاس [قَوَاعِد جليلة فِي علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل] قَالُوا وَلَا تنَافِي بَين قَول من ضعفه وَقَول من وَثَّقَهُ لِأَن من وَثَّقَهُ جمع بَين توثيقه فِي غير الزُّهْرِيّ وتضعيفه فِيهِ وَهَذِه مَسْأَلَة غير مَسْأَلَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل بل يظنّ قَاصِر الْعلم أَنَّهَا هِيَ فيعارض قَول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 جرحه بقول من عدله وَإِنَّمَا هَذِه مَسْأَلَة أُخْرَى غَيرهَا وَهِي الِاحْتِجَاج بِالرجلِ فِيمَا رَوَاهُ عَن بعض الشُّيُوخ وَترك الِاحْتِجَاج بِهِ بِعَيْنِه فِيمَا رَوَاهُ عَن آخر وَهَذَا كإسماعيل بن عَيَّاش فَإِنَّهُ عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن حجه فِي الشاميين أهل بَلَده وَغير حجه فِيمَا رَوَاهُ عَن الْحِجَازِيِّينَ والعراقيين وَغير أهل بَلَده وَمثل هَذَا تَضْعِيف [من ضعف] قبيصَة فِي سُفْيَان الثَّوْريّ وَاحْتج بِهِ فِي غَيره كَمَا فعل أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَهَذِه طَريقَة الحذاق من أَصْحَاب الحَدِيث أطباء علله يحتجون بِحَدِيث الشَّخْص عَمَّن هُوَ مَعْرُوف بالرواية عَنهُ وبحفظ حَدِيثه وإتقانه وملازمته لَهُ واعتنائه بحَديثه ومتابعة غَيره لَهُ ويتركون حَدِيثه نَفسه عَمَّن لَيْسَ هُوَ مَعَه بِهَذِهِ الْمنزلَة وَهَذِه حَال سُفْيَان بن حُسَيْن عِنْد جَمَاعَتهمْ ثِقَة صَدُوق وَهُوَ فِي الزُّهْرِيّ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا لقِيه مرّة بِالْمَوْسِمِ وَلم يكن لَهُ من الاعتناء بِحَدِيث الزُّهْرِيّ وصحبته وملازمته لَهُ مَا لأَصْحَاب الزُّهْرِيّ الْكِبَار كمالك وَاللَّيْث وَمعمر وَعقيل وَيُونُس وَشُعَيْب فَإِذا تفرد مثل هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 بِحَدِيث عَن هَؤُلَاءِ مَعَ ملازمتهم الزُّهْرِيّ وحفظهم حَدِيثه وضبطهم لَهُ و [هُوَ] لَيْسَ مثلهم فِي الْحِفْظ والإتقان لم يكن حجَّة عِنْدهم هَذَا إِذا لم يخالفوه فَكيف إِذا خالفوه فَرفع مَا [قد] وَقَفُوهُ وَوصل مَا قطعوه وَأسْندَ مَا أَرْسلُوهُ هَذَا مِمَّا لَا يرتاب أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن فِي [أَن] الحاق الْغَلَط بِهِ أولى وَرُبمَا يظنّ الغالط الَّذِي لَيْسَ لَهُ ذوق الْقَوْم ونقدهم أَن هَذَا تنَاقض مِنْهُم فَإِنَّهُم يحتجون بِالرجلِ ويوثقونه فِي مَوضِع ثمَّ يضعفونه بِعَيْنِه وَلَا يحتجون بِهِ فِي مَوضِع آخر وَيَقُولُونَ إِن كَانَ ثِقَة وَجب [قبُول رِوَايَته جملَة وَإِن لم يكن ثِقَة وَجب] ترك الِاحْتِجَاج بِهِ جملَة وَهَذِه طَريقَة [قاصري الْعلم وَهِي طَريقَة] فَاسِدَة مجمع بَين أهل الحَدِيث على فَسَادهَا فَإِنَّهُم يحتجون من حَدِيث الرجل بِمَا تَابعه غَيره عَلَيْهِ وَقَامَت شُهُوده من طرق ومتون أُخْرَى ويتركون حَدِيثه بِعَيْنِه إِذا روى مَا يُخَالف النَّاس أَو انْفَرد عَنْهُم بِمَا لَا يتابعونه عَلَيْهِ إِذْ الْغَلَط فِي مَوضِع لَا يُوجب الْغَلَط فِي كل مَوضِع والإصابة فِي بعض الحَدِيث اَوْ [فِي] غالبه لَا توجب الْعِصْمَة من الْخَطَأ فِي بعضه وَلَا سِيمَا إِذا علم من مثل هَذَا أغلاط عديده ثمَّ روى مَا يُخَالف النَّاس وَلَا يتابعونه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يغلب على الظَّن أَو يجْزم بغلطه فصل [التَّنْبِيه على غلطين فِي علم مصطلح الحَدِيث لعَظيم فَائِدَة الِاحْتِرَاز مِنْهُمَا] وَهنا يعرض لمن قصر نَقده وذوقه هُنَا عَن نقد الْأَئِمَّة وذوقهم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 هَذَا الشَّأْن نَوْعَانِ من الْغَلَط ننبه عَلَيْهِمَا لعَظيم فَائِدَة الِاحْتِرَاز مِنْهُمَا [الأول فِي شَرط الصَّحِيح] أَحدهمَا أَن يرى مثل هَذَا الرجل قد وثق وَشهد لَهُ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة أَو خرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح فَيجْعَل كل مَا رَوَاهُ على شَرط الصَّحِيح وَهَذَا غلط ظَاهر فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون على شَرط الصَّحِيح إِذا انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل والشذوذ والنكارة وتوبع عَلَيْهِ فَأَما مَعَ وجود ذَلِك أَو بعضه فَإِنَّهُ لَا يكون صَحِيحا وَلَا على شَرط الصَّحِيح وَمن تَأمل كَلَام البُخَارِيّ ونظرائه فِي تَعْلِيله أَحَادِيث جمَاعَة أخرج حَدِيثهمْ فِي صَحِيحه علم إِمَامَته وموقعه من هَذَا الشَّأْن وَتبين بِهِ حَقِيقَة مَا ذكرنَا فصل [الثَّانِي التَّفْصِيل والنقد فِي اعْتِبَار حَدِيث الرَّاوِي] النَّوْع الثَّانِي من الْغَلَط أَن يرى الرجل قد تكلم فِي بعض حَدِيثه وَضعف فِي شيخ أَو فِي حَدِيث فَيجْعَل ذَلِك سَببا لتعليل حَدِيثه وتضعيفه أَيْن وجد كَمَا يَفْعَله بعض الْمُتَأَخِّرين من اهل الظَّاهِر وَغَيرهم وَهَذَا ايضا غلط فان تَضْعِيفه فِي رجل أَو فِي حَدِيث ظهر فِيهِ غلط لَا يُوجب تَضْعِيف حَدِيثه مُطلقًا وأئمة الحَدِيث على التَّفْصِيل والنقد وَاعْتِبَار حَدِيث الرجل بِغَيْرِهِ وَالْفرق بَين مَا انْفَرد بِهِ أَو وَافق فِيهِ الثِّقَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَهَذِه كَلِمَات نافعة فِي هَذَا الْموضع تبين كَيفَ يكون نقد الحَدِيث وَمَعْرِفَة صَحِيحه من سقيمه ومعلوله من سليمه وَلم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور قَالُوا فَهَذَا شَأْن هَذَا الحَدِيث وشأن رَاوِيه لم يشْتَرط مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه مَا شَرطه فِي صَحِيحه وَأما قَوْلكُم إِن مُسلما روى لِسُفْيَان بن حُسَيْن فِي صَحِيحه فَلَيْسَ كَمَا ذكرْتُمْ وَإِنَّمَا روى لَهُ فِي مُقَدّمَة كِتَابه وَمُسلم لم يشْتَرط فِيهَا مَا شَرطه فِي الْكتاب من الصِّحَّة فلهَا شَأْن ولسائر كِتَابه شَأْن آخر وَلَا يشك أهل الحَدِيث فِي ذَلِك التَّفْرِقَة بَين من أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَبَين مَا أخرج لَهُ فِي الشواهد والمتابعات قَالُوا وَأما استشهاد البُخَارِيّ [بِهِ] فِي الصَّحِيح فَلَا يدل أَنه حجَّة عِنْده لِأَن الشواهد والمتابعات يحْتَمل فِيهَا مَا لَا يحْتَمل فِي الْأُصُول وَقد اسْتشْهد البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِأَحَادِيث جمَاعَة وَترك الِاحْتِجَاج بهم تساهل التِّرْمِذِيّ فِي التوثيق الصَّحِيح وَأما تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لِسُفْيَان بن حُسَيْن فَإِنَّمَا صحّح لَهُ حَدِيثا غير هَذَا الحَدِيث كَمَا تقدم وَلم يصحح هَذَا الحَدِيث الَّذِي صَححهُ إِلَّا من رِوَايَته عَن غير الزُّهْرِيّ وَأما حَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ فكالمجمع على ضعفه كَمَا حكينا أَقْوَال أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن فِيهِ آنِفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 هَذَا مَعَ أَن التِّرْمِذِيّ يصحح أَحَادِيث لم يُتَابِعه غَيره على تصحيحها بل يصحح مَا يُضعفهُ غَيره أَو يُنكره فَإِنَّهُ صحّح حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف وَأحمد يضعف حَدِيثه جدا وفال لِابْنِهِ عبد الله لَا تحدث عَنهُ وَقَالَ مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ يحيى حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ ركن من أَرْكَان الْكَذِب وَقَالَ ابْن حبَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 روى عَن أَبِيه عَن جده نسخه مَوْضُوعه لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على التَّعَجُّب ويصحح أَيْضا حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَهُوَ أعذر من تَصْحِيحه حَدِيث كثير [هَذَا] ويصحح أَيْضا للحجاج بن أَرْطَأَة مَعَ اشتهار ضعفه ويصحح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب وَأحسن كل الْإِحْسَان فِي ذَلِك وَالْمَقْصُود أَنه يصحح مَا لَا يُصَحِّحهُ غَيره وَمَا يُخَالف فِي تَصْحِيحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 تَصْحِيح الْحَاكِم قَالُوا وَأما تَصْحِيح الْحَاكِم فَكَمَا قَالَ الْقَائِل (فاصبحت من ليلى الْغَدَاة كقابض ... على المَاء خانته فروج الْأَصَابِع) وَلَا يعبأ الْحفاظ أطباء [علل] الحَدِيث بتصحيح الْحَاكِم شَيْئا وَلَا يرفعون بِهِ رَأْسا الْبَتَّةَ بل لَا [يعدل] تَصْحِيحه [وَلَا يدل] على حسن الحَدِيث بل يصحح أَشْيَاء مَوْضُوعَة بِلَا شكّ عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَإِن كَانَ من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ لَا يعرف ذَلِك فَلَيْسَ بمعيار على سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعبأ أهل الحَدِيث بِهِ شَيْئا وَالْحَاكِم نَفسه يصحح أَحَادِيث جمَاعَة وَقد أخبر فِي كتاب الْمدْخل لَهُ أَن لَا يحْتَج بهم وَأطلق الْكَذِب على بَعضهم هَذَا مَعَ أَن مُسْتَند تَصْحِيحه ظَاهر سَنَده وَأَن رُوَاته ثِقَات وَلِهَذَا قَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَقد علم أَن صِحَة الْإِسْنَاد شَرط من شُرُوط صِحَة الحَدِيث وَلَيْسَت مُوجبَة لصِحَّته فَإِن الحَدِيث إِنَّمَا يَصح بِمَجْمُوع أُمُور مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 صِحَة سَنَده وَانْتِفَاء علته وَعدم شذوذه ونكارته وَأَن لَا يكون روايه قد خَالف الثِّقَات أَو شَذَّ عَنْهُم وَهَذَا الحَدِيث قد تبينت ونكارته تَصْحِيح ابْن حزم قَالُوا وَأما تَصْحِيح أبي مُحَمَّد بن حزم لَهُ فَمَا أجدره بظاهريته وَعدم التفاته إِلَى الْعِلَل والقرائن الَّتِي تمنع ثُبُوت الحَدِيث بتصحيح [مثل] هَذَا الحَدِيث وَمَا هُوَ دونه فِي الشذوذ والنكارة فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لنقلتها نَظِير إِنْكَاره للمعاني والمناسبات والأقيسة الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا الأَصْل وَالْفرع من كل وَجه وَالرجل يصحح مَا أجمع أهل الحَدِيث على ضعفه وَهَذَا بَين فِي كتبه لمن تَأمله لَيْسَ كل مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَسكت عَنهُ يكون صَحِيحا عِنْده وأمثلة على ذَلِك وَأما قَوْلكُم إِن الإِمَام أَحْمد رَوَاهُ وَبنى مذْهبه عَلَيْهِ وَسكت عَن تَضْعِيفه وَمَا سكت عَنهُ فِي الْمسند فَهُوَ صَحِيح عِنْده وَهَذِه أَربع مُقَدمَات لَو سلمت لكم لَكَانَ غَايَة مَا يستنتج مِنْهَا تَصْحِيح أَحْمد لَهُ وَأحمد قد خَالفه من ذكرنَا أَقْوَالهم فِي تَضْعِيفه وَالشَّهَادَة لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 بالنكارة وَأَنه لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا اخْتلف أَحْمد وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث فِي حَدِيث فالدليل يحكم بَينهم وَلَيْسَ قَوْله حجَّة عَلَيْهِم كَمَا إِذا خَالفه غَيره فِي مَسْأَلَة من الْفِقْه لم يكن قَوْله حجَّة على من خَالفه بل الْحجَّة الفاصلة هِيَ الدَّلِيل وَلَو أَنا احتججنا عَلَيْكُم بِمثل هَذَا لقلتم ولسمع قَوْلكُم تَصْحِيح أَحْمد معَارض لتضعيف هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَلَا يكون حجَّة كَيفَ والشأن فِي الْمُقدمَة الرَّابِعَة وَهِي أَن كل مَا سكت عَنهُ أَحْمد فِي الْمسند فَهُوَ صَحِيح عِنْده فَإِن هَذِه الْمُقدمَة لَا مُسْتَند لَهَا الْبَتَّةَ بل أهل الحَدِيث كلهم على خلَافهَا وَالْإِمَام أَحْمد لم يشْتَرط فِي مُسْنده الصَّحِيح وَلَا الْتَزمهُ وَفِي مُسْنده عدَّة أَحَادِيث سُئِلَ هُوَ عَنْهَا فضعفها بِعَينهَا وأنكرها كَمَا روى حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا كَانَ النّصْف من شعْبَان فأمسكوا عَن الصّيام حَتَّى يكون رَمَضَان وَقَالَ حَرْب سَمِعت أَحْمد يَقُول هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يحدث الْعَلَاء بِحَدِيث أنكر من هَذَا وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي لَا يحدث بِهِ [الْبَتَّةَ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وروى حَدِيث لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من اللَّيْل وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيّ عَنهُ فَقَالَ أخْبرك مَا لَهُ عِنْدِي ذَلِك الْإِسْنَاد إِلَّا أَنه عَن عَائِشَة وَحَفْصَة إسنادان جيدان يُرِيد أَنه مَوْقُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وروى حَدِيث أبي المطوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان لم يقضه عَنهُ صِيَام الدَّهْر وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا وَقد سَأَلَهُ عَنهُ لَا أعرف أَبَا المطوس وَلَا ابْن المطوس وروى أَنه لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقَالَ الْمروزِي لم يُصَحِّحهُ أَبُو عبد الله وَقَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْء يثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وروى حَدِيث عَائِشَة مرن أزواجكن أَن يغسلوا عَنْهُم أثر الْغَائِط وَالْبَوْل فَإِنِّي أستحييهم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 لم يَصح فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ حَدِيث قيل لَهُ فَحَدِيث عَائِشَة قَالَ لَا يَصح لِأَن غير قَتَادَة لَا يرفعهُ وروى حَدِيث عرَاك عَن عَائِشَة حولوا مقعدتي نَحْو الْقبْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَأعله بِالْإِرْسَال وَأنكر أَن يكون عرَاك سمع من عَائِشَة وروى لجَعْفَر بن الزبير وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي لَيْسَ بِشَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وروى حَدِيث وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة مرّة وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا الْأَحَادِيث فِيهِ ضَعِيفَة وروى حَدِيث طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح رَأسه حَتَّى بلغ القذال وَأنْكرهُ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مَا أَدْرِي مَا هَذَا وَابْن عُيَيْنَة كَانَ يُنكره وروى حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ أَيّمَا رجل مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَقَالَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن هَاشم الْأَنْطَاكِي لَيْسَ بذلك وَكَأَنَّهُ ضعفه وروى حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ يرفعهُ من مس فرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَليَتَوَضَّأ وَقَالَ مهنا سَأَلت أَحْمد عَنهُ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيح الحَدِيث حَدِيث نسْوَة فَقلت من قبل من جَاءَ خَطؤُهُ فَقَالَ من قبل ابْن اسحاق أَخطَأ فِيهِ وَمن طَرِيقه رَوَاهُ فِي مُسْنده وروى حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا فِي مس الذّكر وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 لَيْسَ بِصَحِيح وروى عَن عَائِشَة مدت امْرَأَة من وَرَاء السّتْر بِيَدِهَا كتابا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وَقَالَ مَا أَدْرِي أيد رجل أَو يَد امْرَأَة قَالَت بل امْرَأَة قَالَ لَو كنت امْرَأَة غيرت أظفارك بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل هَذَا حَدِيث مُنكر وروى حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من استقاء فليقض وَمن ذرعه القئ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَعلله فِي رِوَايَة مهنا وَأبي دَاوُد قَالَ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 دَاوُد سَأَلت أَحْمد عَن هَذَا فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا شئ إِنَّمَا هُوَ من أكل نَاسِيا وَهُوَ صَائِم فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه وروى حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا وَقد سَأَلَهُ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 لَيْسَ بِصَحِيح وروى حَدِيث ابْن عمر يرفعهُ من اشْترى ثوبا بِعشْرَة دَرَاهِم وَفِيه دِرْهَم حرَام لم تقبل لَهُ صَلَاة مَا دَامَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَبُو طَالب عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَيْسَ لَهُ إِسْنَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا لَا أعرف يزِيد بن عبد الله وَلَا هَاشم الأوقص وَمن طريقهما رَوَاهُ وروى عَن القواريري معَاذ بن معَاذ عَن أشعب الحمراني عَن ابْن سِيرِين عَن عبد الله بن شَقِيق عَن عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي فِي شعرنَا وَلَا لحفنا وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله مَا سَمِعت عَن أَشْعَث أنكر من هَذَا وَأنْكرهُ إنكارا شَدِيدا وروى حَدِيث عَليّ أَن الْعَبَّاس سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَعْجِيل صدقته قبل أَن تحل فَرخص لَهُ فِي ذَلِك وَقَالَ الْأَثْرَم سَمِعت أَبَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 عبد الله ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث فضعفه وَقَالَ لَيْسَ ذَلِك بشئ هَذَا مَعَ أَن مذْهبه جَوَاز تَعْجِيل الزَّكَاة وروى حَدِيث أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن توافيه يَوْم النَّحْر بِمَكَّة وَقَالَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم هُوَ خطأ وَقَالَ وَكِيع عَن أَبِيه مُرْسل إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن توافيه صَلَاة الصُّبْح يَوْم النَّحْر بِمَكَّة أَو نَحْو هَذَا يُنكر وَمن هَذَا أَيْضا عجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر مَا يصنع بِمَكَّة يُنكر ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وروى حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من وجد سَعَة فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل هَذَا حَدِيث مُنكر وَنَظِير مَا نَحن فِيهِ سَوَاء بِسَوَاء مَا رَوَاهُ عَن عُثْمَان بن عمر حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة الْيَمين فَهَذَا حَدِيث رَوَاهُ وَبنى عَلَيْهِ مذْهبه وَاحْتج بِهِ ثمَّ قَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل هَذَا حَدِيث مُنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَهَذَا بَاب وَاسع جدا لَو تتبعناه لجاء كتابا كَبِيرا وَالْمَقْصُود أَنه لَيْسَ كل مَا رَوَاهُ وَسكت عَنهُ يكون صَحِيحا عِنْده وَحَتَّى لَو كَانَ صَحِيحا عِنْده وَخَالفهُ غَيره فِي تَصْحِيحه لم يكن قَوْله حجَّة على نَظِيره وَبِهَذَا يعرف وهم الْحَافِظ أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي قَوْله إِن مَا خرجه الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده فَهُوَ صَحِيح عِنْده فَإِن أَحْمد لم يقل ذَلِك قطّ وَلَا قَالَ مَا يدل عَلَيْهِ بل قَالَ مَا يدل على خلاف ذَلِك كَمَا قَالَ أَبُو الْعِزّ بن كادش إِن عبد الله بن أَحْمد قَالَ لِأَبِيهِ مَا تَقول فِي حَدِيث ربعي عَن حُذَيْفَة قَالَ الَّذِي يرويهِ عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قلت يَصح قَالَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْأَحَادِيث بِخِلَافِهِ وَقد رَوَاهُ الْحفاظ عَن ربعي عَن رجل لم يسمه قَالَ فَقلت لَهُ لقد ذكرته فِي الْمسند فَقَالَ قصدت فِي الْمسند الحَدِيث الْمَشْهُور وَتركت النَّاس تَحت ستر الله وَلَو أردْت أقصد مَا صَحَّ عِنْدِي لم أرو من هَذَا الْمسند إِلَّا الشئ بعد الشئ وَلَكِنَّك يَا بني تعرف طريقتي فِي الْمسند لست أُخَالِف مَا فِيهِ ضعف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شئ يَدْفَعهُ فَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ رَحمَه الله بِأَنَّهُ أخرج فِيهِ الصَّحِيح وَغَيره وَقد اسْتشْكل أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ هَذِه الْحِكَايَة وظنها كلَاما متناقضا فَقَالَ مَا أَظن هَذَا يَصح لِأَنَّهُ كَلَام متناقض لِأَنَّهُ يَقُول لست أُخَالِف مَا فِيهِ ضعف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شئ يَدْفَعهُ وَهُوَ يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث الْأَحَادِيث بِخِلَافِهِ قَالَ وَإِن صَحَّ فَلَعَلَّهُ كَانَ أَولا ثمَّ أخرج مِنْهُ مَا ضعف لِأَنِّي طلبته فِي الْمسند فَلم أَجِدهُ من أصُول مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل قلت لَيْسَ فِي هَذَا تنَاقض من أَحْمد رَحمَه الله بل هَذَا هُوَ أَصله الَّذِي بنى عَلَيْهِ مذْهبه وَهُوَ لَا يقدم على الحَدِيث الصَّحِيح شَيْئا أَلْبَتَّة لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 عملا وَلَا قِيَاسا وَلَا قَول صَاحب وَإِذا لم يكن فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث صَحِيح وَكَانَ فِيهَا حَدِيث ضَعِيف وَلَيْسَ فِي الْبَاب شئ يردهُ عمل بِهِ فَإِن عَارضه مَا هُوَ أقوى مِنْهُ تَركه للمعارض الْقوي وَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث ضَعِيف وَقِيَاس قدم الحَدِيث الضَّعِيف على الْقيَاس وَلَيْسَ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاحه هُوَ الضَّعِيف فِي اصْطِلَاح الْمُتَأَخِّرين بل هُوَ والمتقدمون يقسمون الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَضَعِيف وَالْحسن عِنْدهم دَاخل فِي الضَّعِيف بِحَسب مراتبه وَأول من عرف عَنهُ أَنه قسمه إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ ثمَّ النَّاس تبع لَهُ بعد فَأَحْمَد يقدم الضَّعِيف الَّذِي هُوَ حسن عِنْده على الْقيَاس وَلَا يلْتَفت إِلَى الضَّعِيف الواهي الَّذِي لَا يقوم بِهِ حجَّة بل يُنكر على من احْتج بِهِ وَذهب إِلَيْهِ فَإِن لم يكن عِنْده فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث أَخذ فِيهَا بأقوال الصَّحَابَة وَلم يخالفهم وَإِن اخْتلفُوا رجح من أَقْوَالهم وَلم يخرج مِنْهَا وَإِذا اخْتلفت الصَّحَابَة فِي مَسْأَلَة فَفِي الْغَالِب يخْتَلف جَوَابه فِيهَا وَيخرج عَنهُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَو أَكثر فَقل مَسْأَلَة عَن الصَّحَابَة فِيهَا رِوَايَتَانِ إِلَّا وَعنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فِيهَا رِوَايَتَانِ أَو أَكثر فَهُوَ أتبع خلق الله للسنن مرفوعها وموقوفها كتاب أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي فَضَائِل مُسْند أَحْمد وخصائصه وَتعقبه وَقد صنف الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ كتابا ذكر فِيهِ فَضَائِل الْمسند وخصائصه قَالَ فِيهِ وَمن الدَّلِيل على أَن مَا أودعهُ الإِمَام أَحْمد قد احتاط فِيهِ سندا ومتنا وَلم يرو فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْده مَا أَنبأَنَا بِهِ أَبُو عَليّ ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى الإِمَام أَحْمد من الْمسند قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن أبي التياح قَالَ سَمِعت أَبَا زرْعَة يحدث عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يهْلك أمتِي هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش قَالُوا فَمَا تَأْمُرنَا بِهِ يَا رَسُول الله قَالَ لَو أَن النَّاس اعتزلوهم قَالَ عبد الله قَالَ لي أبي فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ اضْرِب على هَذَا فَإِنَّهُ خلاف الْأَحَادِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي قَوْله اسمعوا وَأَطيعُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قَالَ أَبُو مُوسَى وَهَذَا مَعَ ثِقَة رجال إِسْنَاده حِين شَذَّ لَفظه عَن الْأَحَادِيث الْمَشَاهِير أَمر بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ فَدلَّ على مَا قُلْنَاهُ وَفِي نَظَائِر لَهُ قلت هَذَا لَا يدل على أَن كل حَدِيث فِي الْمسند يكون صَحِيحا عِنْده وضربه على هَذَا الحَدِيث مَعَ أَنه صَحِيح أخرجه أَصْحَاب الصَّحِيح لكَونه عِنْده خلاف الْأَحَادِيث وَالثَّابِت الْمَعْلُوم من سنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَمر بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَلُزُوم الْجَمَاعَة وَترك الشذوذ والانفراد كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 اسمعوا وَأَطيعُوا وَإِن اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي وَقَوله من فَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ فميتته جَاهِلِيَّة وَقَوله الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَقَوله من فَارق الْجَمَاعَة فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه وَقَوله ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب رجل مُسلم إخلاص الْعَمَل لله ومناصحة وُلَاة الْأَمر وَلُزُوم جمَاعَة الْمُسلمين فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم وَقَوله عَلَيْك بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب من الْغنم القاصية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 إِلَى غير ذَلِك من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المستفيضة المصرحة بِلُزُوم الْجَمَاعَة فَلَمَّا رأى أَحْمد هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد يُخَالف هَذِه الْأَحَادِيث وأمثالها أَمر عبد الله بضربه عَلَيْهِ وَأما من جزم بِصِحَّتِهِ فَقَالَ هَذَا فِي أَوْقَات الْفِتَن والقتال على الْملك وَلُزُوم الْجَمَاعَة فِي وَقت الِاتِّفَاق والتئام الْكَلِمَة وَبِهَذَا تَجْتَمِع أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي رغب فِيهَا فِي الْعُزْلَة وَالْقعُود عَن الْقِتَال ومدح فِيهَا من لم يكن مَعَ أحد الطَّائِفَتَيْنِ وَأَحَادِيثه الَّتِي رغب فِيهَا الْجَمَاعَة وَالدُّخُول مَعَ النَّاس فَإِن هَذَا حَال اجْتِمَاع الْكَلِمَة وَذَاكَ حَال الْفِتْنَة والقتال وَالله أعلم وَالْمَقْصُود أَن ضرب الإِمَام أَحْمد على هَذَا الحَدِيث لَا يدل على صِحَة كل رَوَاهُ فِي مُسْنده عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ ابْن السماك حَدثنَا حَنْبَل بن اسحاق قَالَ جَمعنَا أَحْمد بن حَنْبَل أَنا وَصَالح وَعبد الله وَقَرَأَ علينا الْمسند وَمَا سَمعه مِنْهُ غَيرنَا وَقَالَ لنا هَذَا كتاب جمعته من سبع مئة ألف وَخمسين ألف حَدِيث فَمَا اخْتلف الْمُسلمُونَ فِيهِ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن وجدتموه فِيهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة قلت هَذِه الْحِكَايَة قد ذكرهَا حَنْبَل فِي تَارِيخه وَهِي صَحِيحَة بِلَا شكّ لَكِن لَا تدل على أَن كل مَا رَوَاهُ فِي الْمسند فَهُوَ صَحِيح عِنْده فَالْفرق بَين أَن يكون كل حَدِيث لَا يُوجد لَهُ أصل فِي الْمسند فَلَيْسَ بِحجَّة وَبَين أَن يَقُول كل حَدِيث فِيهِ فَهُوَ حجَّة وَكَلَامه يدل على الأول لَا على الثَّانِي وَقد اسْتشْكل بعض الْحفاظ هَذَا من أَحْمد وَقَالَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث لَيست فِي الْمسند وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن تِلْكَ الْأَلْفَاظ بِعَينهَا وَإِن خلا الْمسند عَنْهَا فلهَا فِيهِ أصُول ونظائر وشواهد وَأما أَن يكون متن صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْمسند أصل وَلَا نَظِير فَلَا يكَاد يُوجد أَلْبَتَّة فصل وَالْمَقْصُود أَن إِخْرَاج أَحْمد لحَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ فِي الدخيل فِي سباق الْخَيل أَي فِي عقد السباق لَا يدل على صِحَّته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 عِنْده بل وَلَا على حسنه وَأما كَون مذْهبه على مُقْتَضَاهُ فَهَذَا يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا وَهُوَ أظهر أَن يكون بناه على أَصله فِي أَن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن عِنْده فِي الْبَاب شئ يَدْفَعهُ أَخذ بِهِ وَيحْتَمل أَن يكون قلد سعيد بن الْمسيب فِي ذَلِك حَيْثُ لم يتَبَيَّن لَهُ ضعف قَوْله وَكَانَ أَحْمد مُعظما لسَعِيد جدا حَتَّى قَالَ هُوَ أعلم التَّابِعين وَقد قَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب الرَّمْي أَقُول فِيهِ أَيْضا يكون فِيهِ مُحَلل مثل الفرسين هُوَ قِيَاس وَاحِد وَالْإِبِل مثله قِيَاس وَاحِد وَسبق لَهُ وَاحِد وَظَاهر هَذَا أَنه ذهب إِلَيْهِ لمُجَرّد الْأَثر وَلم يخف على أَحْمد علته وَأَنه من كَلَام سعيد لَكِن لم يجد فِي الْبَاب غير هَذَا وهاب سعيد بن الْمسيب أَن يُخَالِفهُ بِغَيْر نَص صَرِيح وَأما أَبُو حنيفَة فمذهبه الَّذِي حَكَاهُ عَنهُ أَصْحَابه أَن التَّابِعِيّ إِذا أفتى فِي عصر الصَّحَابَة وزاحمهم فِي الْفَتْوَى كَانَ قَوْله حجَّة فصل وَأما قَوْلكُم إِن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ هُوَ مَحْفُوظ عَن الزُّهْرِيّ فَلَو حكيتم كَلَامه على وَجهه لتبين لكم وَجه الصَّوَاب وَنحن نسوقه بِلَفْظِهِ فَفِي كتاب الْعِلَل لَهُ سُئِلَ عَن حَدِيث ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَدخل فرسا بَين فرسين الحَدِيث فَقَالَ يرويهِ سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَوهم فِي قَوْله قَتَادَة وَغَيره يرويهِ عَن هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد عَن سعيد بن بشير عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد وَغَيره عَن الْوَلِيد وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ الْمَحْفُوظ قَالَ البرقاني قيل لَهُ فَإِن الْحُسَيْن بن السميدع الْأَنْطَاكِي رَوَاهُ عَن مُوسَى ابْن أَيُّوب عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز يُقَال التنوخي ثمَّ قَالَ هَذَا غلط إِنَّمَا هُوَ سعيد بن بشير هَذَا نَص كَلَامه وَهُوَ كَمَا ترى لَا يدل على أَن الحَدِيث صَحِيح عِنْده وَلَا مَحْفُوظ عِنْده فَإِن قَوْله رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ الْمَحْفُوظ يُرِيد أَن ذكر قَتَادَة بدل الزُّهْرِيّ غلط مِمَّن سَمَّاهُ وَأَن الصَّوَاب فِيهِ الزُّهْرِيّ عَن سعيد لَا قَتَادَة عَن سعيد فَإِن قَتَادَة لَا مدْخل لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث فَالَّذِي حفظه النَّاس فِيهِ الزُّهْرِيّ عَن سعيد هَذَا معنى كَلَامه فَأَيْنَ معنى الشَّهَادَة مِنْهُ بِصِحَّة الحَدِيث وثبوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فصل قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِن أَبَا أَحْمد بن عدي شهد بِأَن لَهُ أصلا وَصوب رِوَايَة سعيد لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة فقد أَصَابَكُم فِي ذَلِك مَا أَصَابَكُم فِي كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ وَلَو حكيتم كَلَام ابْن عدي لتبين لكم أَنه لَا يدل على صِحَة الحَدِيث عِنْده وَلَا حسنه فَإِنَّهُ ذكره فِي كتاب الْكَامِل لَهُ وَهُوَ إِنَّمَا يذكر فِيهِ غَالِبا الْأَحَادِيث الَّتِي أنْكرت على من يذكر تَرْجَمته وَنحن نورد كَلَامه بِلَفْظِهِ قَالَ فِي كِتَابه سعيد بن بشير لَهُ عِنْد أهل دمشق تصانيف لِأَنَّهُ سكنها وَهُوَ بَصرِي وَرَأَيْت لَهُ تَفْسِيرا مصنفا من رِوَايَة الْوَلِيد عَنهُ وَلَا أرى فِيمَا رُوِيَ عَن سعيد بن بشير بَأْسا وَلَعَلَّه يهم فِي الشَّيْء بعد الشَّيْء ويغلط وَالْغَالِب على حَدِيثه الاسْتقَامَة وَالْغَالِب عَلَيْهِ الصدْق ثمَّ قَالَ حَدثنَا الْقَاسِم بن اللَّيْث الرَّسْعَنِي وَعمر بن سِنَان وَابْن دُحَيْم قَالُوا حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد حَدثنَا سعيد بن بشير عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَدخل فرسا بَين فرسين فَذكر الحَدِيث حدّثنَاهُ عَبْدَانِ حَدثنَا هِشَام حَدثنَا الْوَلِيد حَدثنَا سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن عدي وَذكر لنا عَبْدَانِ فِي هَذَا الحَدِيث قصَّة وَقَالَ لقن هِشَام بن عمار هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن بشير عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة والْحَدِيث عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ ابْن عدي وَهَذَا الَّذِي قَالَه عَبْدَانِ غلط وَخطأ والْحَدِيث عَن سعيد بن بشير عَن الزُّهْرِيّ أصوب من سعيد بن بشير عَن قَتَادَة لِأَن هَذَا الحَدِيث من حَدِيث قَتَادَة لَيْسَ لَهُ أصل وَمن حَدِيث الزُّهْرِيّ لَهُ أصل وَقد رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ سُفْيَان بن حُسَيْن أَيْضا فَهَذَا كَلَام ابْن عدي كَمَا ترى لَا يدل على أَن الحَدِيث صَحِيح ثَابت عِنْده بل كَلَامه فِيهِ مثل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ أنكر أَن يكون من حَدِيث قَتَادَة وَإِنَّمَا هُوَ من حَدِيث الزُّهْرِيّ وَلَا ريب أَن الزُّهْرِيّ حدث بِهِ وَله أصل من حَدِيثه وَقد حمله النَّاس عَنهُ لَكِن الْأَئِمَّة الْأَثْبَات من أَصْحَابه كمالك وَاللَّيْث وَعقيل وَيُونُس وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَقَفُوهُ عَنهُ على سعيد بن الْمسيب وَرَفعه من لَا يجاري هَؤُلَاءِ فِي مضمارهم وَلَا يعد فِي طبقتهم فِي حفظ وَلَا اتقان وهم سُفْيَان بن حُسَيْن وَسَعِيد بن بشير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ أنكرا رِوَايَته عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب وصوبا رِوَايَة من رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد فَأَيْنَ الحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ والثبوت من هَذَا ثمَّ لَو كَانَ ذَلِك تَصْحِيحا صَرِيحًا مهما لما قدم على تَعْلِيل من حكينا تَعْلِيله من الْأَئِمَّة كَأبي دَاوُد وَأبي حَاتِم وَيحيى بن معِين وَغَيرهم وَغَايَة ذَلِك أَن تكون مَسْأَلَة نزاع بَين أَئِمَّة الحَدِيث وَالدَّلِيل يفصل بَينهم فَكيف وَلم يُصَحِّحهُ إِلَّا من تَصْحِيحه كَالْقَبْضِ على المَاء وَقد عهد مِنْهُ تَصْحِيح الموضوعات وَهُوَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَله فِي مُسْتَدْركه مَا شَاءَ الله من الاحاديث الْمَوْضُوعَة قد صححها وَقد ذكر الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي كتاب المادح والممدوح لَهُ أَن أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ لما وقف عَلَيْهِ أنكرهُ وَقَالَ يسْتَدرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَضرب عَلَيْهِ من كِتَابه وَذكر عَن بعض الْأَئِمَّة الْحفاظ أَنه لما وقف عَلَيْهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث وَاحِد يسْتَدرك عَلَيْهِمَا وَبِالْجُمْلَةِ فتصحيح الْحَاكِم لَا يُسْتَفَاد مِنْهُ حسن الحَدِيث أَلْبَتَّة فضلا عَن صِحَّته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فصل قَالُوا وَأما سُؤال أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ للْبُخَارِيّ عَن حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الصَّدقَات وَقَوله أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا وَهُوَ صَدُوق فَلَا يدل على صِحَة حَدِيث الدخيل الَّذِي نَحن فِيهِ عِنْده فَإِن حَدِيثه فِي الصَّدقَات مَحْفُوظ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَهُوَ كتاب كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل بِهِ الْخُلَفَاء وَأمر عمر بن عبد الْعَزِيز بانتساخه وَبَعثه إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام يعْملُونَ بِهِ وَهُوَ كتاب مَشْهُور متوارث عِنْد آل عمر ككتاب عَمْرو بن حزم وَكتاب عَليّ وَكتاب أنس الَّذِي كتبه لَهُ أَبُو بكر الصّديق وَهَذَا الْكتب تصدقه وَتشهد بِصِحَّتِهِ وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف يسير لبعضها وَإِنَّمَا أنكر على سُفْيَان بن حُسَيْن رَفعه وَإِلَّا فَالْحَدِيث قد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم مُرْسلا وَلَكِن قد تَابع سُفْيَان بن حُسَيْن على وَصله سُلَيْمَان بن كثير وَهُوَ مِمَّن اتّفق الشَّيْخَانِ على الِاحْتِجَاج بحَديثه فَأَيْنَ هَذَا من حَدِيثه فِي الْمُحَلّل الَّذِي لَا شَاهد لَهُ وَلَا نَظِير وَقد خَالفه النَّاس فِي رَفعه وَقَول البُخَارِيّ فِيهِ إِنَّه صَدُوق إِنَّمَا يدل على أَنه صَدُوق ثِقَة لَا يتَعَمَّد الْكَذِب وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي صِحَة الحَدِيث كَمَا تقدم وَأَيْضًا فَالْبُخَارِي يوثق جمَاعَة ويعلل هُوَ بِعَيْنِه بعض حَدِيثهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ويضعفه وَكَذَلِكَ غَيره من الْأَئِمَّة وَلَا تنَافِي عِنْدهم بَين الْأَمريْنِ بل هَذَا عِنْدهم من علم الحَدِيث وَفقه علله الَّذِي تميز بِهِ نقاده وأطباؤه من حَملته الَّذين همتهم مُجَرّد رِوَايَته لَا درايته فصل فالحفاظ من أَئِمَّة أهل الحَدِيث أعلوا مَا يتفرد بِهِ سُفْيَان بن حُسَيْن وأعلوا مَا تَابعه عَلَيْهِ غَيره أَيْضا أما الأول فقد قَالَ ابْن عدي فِي الْكَامِل سَمِعت أَبَا يعلى يَقُول قيل ليحيى بن معِين فَحَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه فِي الصَّدقَات فَقَالَ هَذَا لم يُتَابع سُفْيَان عَلَيْهِ أحد لَيْسَ بِصَحِيح قَالَ ابْن عدي وَقد وَافق سُفْيَان بن حُسَيْن على هَذِه الرِّوَايَة عَن سَالم عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن كثير أَخُو مُحَمَّد بن كثير وَقد رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه جمَاعَة فوقفوه وسُفْيَان بن حُسَيْن وَسليمَان بن كثير رَفَعَاهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَأما الحَدِيث الَّذِي أَنبأَنَا بِهِ أَبُو الْقَاسِم عبد الْخَالِق الْمُؤَذّن أنبأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مُحَمَّد بن المؤمل حَدثنَا الْفضل بن مُحَمَّد ثَنَا النُّفَيْلِي ثَنَا عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الرجل جَبَّار فقد قَالَ الشَّافِعِي هُوَ غلط لِأَن الْحفاظ لم يحفظوا هَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِه الزِّيَادَة ينْفَرد بهَا سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ وَقد رَوَاهُ مَالك وَاللَّيْث وَابْن جريج وَمعمر وَعقيل وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ لم يذكر أحد مِنْهُم فِيهِ الرجل وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يُتَابع سُفْيَان بن حُسَيْن على قَوْله الرجل جَبَّار أحد وَهُوَ وهم مِنْهُ لِأَن الثِّقَات خالفوه وَلم يذكرُوا ذَلِك وَقد غلط الْحفاظ أَيْضا سُفْيَان بن حُسَيْن فِي رَفعه حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة كنت أَنا وَحَفْصَة صائمتين الحَدِيث قَالُوا وَاللَّفْظ للبيهقي رَوَاهُ ثِقَات الْحفاظ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ مُنْقَطِعًا مَالك وَيُونُس وَمعمر وَابْن جريج وَيحيى بن سعيد وَعبيد الله بن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمُحَمّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ وَبكر بن وَائِل وَغَيرهم يَعْنِي أَن الزُّهْرِيّ قَالَ فِيهِ بَلغنِي أَن عَائِشَة وَحَفْصَة ووهموا سُفْيَان فِي وَصله وَقد تَابعه صَالح بن أبي الْأَخْضَر وجعفر بن برْقَان وَلم يشْتَد للْحَدِيث ساعد بمتابعتهما وَقَالَ التِّرْمِذِيّ سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَا يَصح وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فصل شُرُوط الحَدِيث الصَّحِيح وَأما قَوْلكُم إِن الحَدِيث صَحِيح لثقة رِجَاله إِلَى آخِره فَجَوَابه من ودجين أَحدهمَا مَا تقدم مرَارًا أَن ثِقَة الرواي شَرط من شُرُوط الصِّحَّة وجزء من الْمُقْتَضى لَهَا فَلَا يلْزم من مُجَرّد توثيقه الحكم بِصِحَّة الحَدِيث يُوضحهُ أَن ثِقَة الرواي هِيَ كَونه صَادِقا لَا يتَعَمَّد الْكَذِب وَلَا يسْتَحل تَدْلِيس مَا يعلم أَنه كذب بَاطِل وَهَذَا أحد الْأَوْصَاف الْمُعْتَبرَة فِي قبُول قَول الرواي لَكِن بَقِي وصف الضَّبْط والتحفظ بِحَيْثُ لَا يعرف بالتغفيل وَكَثْرَة الْغَلَط وَوصف آخر ثَانِيهمَا وَهُوَ أَن لَا يشذ عَن النَّاس فيروي مَا يُخَالِفهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فِيهِ من هُوَ أوثق مِنْهُ وأكبر أَو يروي مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَمل ذَلِك مِنْهُ كالزهري وَعَمْرو بن دِينَار وَسَعِيد بن الْمسيب وَمَالك وَحَمَّاد ابْن زيد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَنَحْوهم فَإِن النَّاس إِنَّمَا احتملوا تفرد أَمْثَال هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة بِمَا لَا يتابعون عَلَيْهِ للمحل الَّذِي أحلّهُم الله بِهِ من الْإِمَامَة والإتقان والضبط فَأَما مثل سُفْيَان بن حُسَيْن وَسَعِيد بن بشير وجعفر بن برْقَان وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر وَنَحْوهم فَإِذا انْفَرد أحدهم بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ فَإِن أَئِمَّة الحَدِيث لَا يرفعون بِهِ رَأْسا وَأما إِذا روى أحدهم بِمَا يُخَالف الثِّقَات فِيهِ فَإِنَّهُ يزْدَاد وَهنا على وَهن فَكيف تقدم رِوَايَة أَمْثَال هَؤُلَاءِ على رِوَايَة مثل مَالك وَاللَّيْث وَيُونُس وَعقيل وَشُعَيْب وَمعمر وَالْأَوْزَاعِيّ وسُفْيَان وَيحيى بن سعيد وَعبد الرحن بن مهْدي وأضرابهم هَذَا مِمَّا لَا يستريب فِيهِ من لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ وَعلله فِي بُطْلَانه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فصل هَل زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِن غَايَة مَا يُعلل بِهِ الحَدِيث الْوَقْف على سعيد ابْن الْمسيب هَذَا لَا يمْنَع صِحَّته فقد يكون الحَدِيث عِنْد الرَّاوِي مَرْفُوعا ثمَّ يُفْتِي بِهِ من قَوْله فينقل عَنهُ مَوْقُوفا فَلَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فقد أمكن تصديقهما فَجَوَابه إِن هَذِه طَريقَة لَا تقبل مُطلقًا وَلَا ترد مُطلقًا يجب قَوْلهَا فِي موطن وَيجب ردهَا فِي مَوضِع ويتوقف فِيهَا فِي مَوضِع فَإِذا كَانَ الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات قد رفعوا الحَدِيث أَو أسندوه وَخَالفهُم من لَيْسَ مثلهم أَو شَذَّ عَنْهُم وَاحِد فَوَقفهُ أَو أرْسلهُ فَهَذَا لَيْسَ بعلة فِي الحَدِيث وَلَا يقْدَح فِيهِ وَالْحكم لمن رَفعه وأسنده وَإِذا كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ كَحال حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن هَذَا وَأَمْثَاله لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا إِلَى من خالفهم فِي وَقفه وإرساله وَلم يعبأ بِهِ شَيْء وَلَا يصير الحَدِيث بِهِ مَرْفُوعا وَلَا مُسْندًا ألبته وأئمة أهل الحَدِيث كلهم على هَذَا فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الثِّقَات الْأَثْبَات الْأَئِمَّة من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ دَائِما يَرْوُونَهُ عَنهُ مَوْقُوفا على سعيد وَلم يرفعهُ أحد مِنْهُم مرّة وَاحِدَة مَعَ حفظهم حَدِيث الزُّهْرِيّ وضبطهم لَهُ وَشدَّة اعتنائهم بِهِ وتمييزهم بَين مرفوعه وموقوفه ومرسله وَمُسْنَده ثمَّ يَجِيء من لم يجر مَعَهم فِي ميدانهم وَلَا يدانيهم فِي حفظه وَلَا إتقانه وصحبته لِلزهْرِيِّ واعتنائه بحَديثه وَحفظه لَهُ وسؤاله عَنهُ وَعرضه عَلَيْهِ فيخالف هَؤُلَاءِ وَيزِيد فِيهِ وصلا أَو رفعا أَو زِيَادَة فَإِنَّهُ لَا يرتاب نقاد الْآثَار وأطباء علل الْأَخْبَار فِي غلطه وسهوه وَلَا سَبِيل إِلَى الحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْحَالة هَذِه هَذَا أَمر ذوقي لَهُم وجداني لَا يتركونه لجدل مجادل ومرية ممار فَكيف وَهَذِه حَال المقلدين من أَتبَاع الْأَئِمَّة وشأن أهل الْمذَاهب مَعَ أئمتهم فترى كل طَائِفَة مِنْهُم تقبل مَا نقل إِلَيْهِم عَن إمَامهمْ من رِوَايَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 كَانَ أخص بِهِ وَأكْثر مُلَازمَة لَهُ وَأعلم بقوله وفتواه من غَيره وَإِن كَانَ لَا يدع الآخر عَن علمه وثقته وَصدقه طَبَقَات أَصْحَاب مَالك فأصحاب مَالك إِذا روى لَهُم الْأَوْزَاعِيّ الْوَلِيد بن مُسلم أَو عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَو عبد الرَّزَّاق أَو عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز أَو عبد الله بن الْمُبَارك أَو عبد الله بن عُثْمَان الملقب بعبدان أَو أَبُو يُوسُف القَاضِي أَو مُحَمَّد بن الْحسن أَو الضَّحَّاك بن مخلد أَو هِشَام بن عمار أَو يحيى بن سعيد أَو يُونُس بن يزِيد وَمن هُوَ مثل هَؤُلَاءِ أَو دونهم خلاف مَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَعبد الله بن نَافِع وَيحيى بن يحيى وَابْن بكير وَعبد الله بن مسلمة وَعبد الله بن نَافِع وَأَبُو مُصعب وَابْن عبد الحكم لم يلتفتوا إِلَى روايتهم وعدوها شَاذَّة وَقَالُوا هَؤُلَاءِ أعلم بِمَالك وألزم لَهُ وَأخْبر بمذهبه من غَيرهم حَتَّى إِنَّهُم لَا يعدون بِرِوَايَة الْوَاحِد من أُولَئِكَ خلافًا وَلَا يحكونها إِلَّا على وَجه التَّعْرِيف أَو نقل الْأَقْوَال الغريبة فَلَا يقبلُونَ عَن مَالك كل من روى عَنهُ وَإِن كَانَ إِمَامًا ثِقَة نَظِير ابْن الْقَاسِم أَو أجل مِنْهُ بل إِذا روى ابْن الْقَاسِم وروى غَيره عَن مَالك شَيْئا قدمُوا رِوَايَة ابْن الْقَاسِم ورجحوها وَعمِلُوا بهَا وألغوا مَا سواهَا طَبَقَات أَصْحَاب أبي حنيفَة وَهَكَذَا أَصْحَاب أبي حنيفَة إِذا روى لَهُم أَبُو يُوسُف القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَمُحَمّد وَأَصْحَاب الْإِمْلَاء شَيْئا ثمَّ روى عَنهُ مثل الْقَاسِم بن معن وَبشر ابْن زِيَاد وَفطر بن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وعافية بن يزِيد ونوح الْجَامِع وَعبد الله بن زِيَاد وَمن هُوَ فَوق هَؤُلَاءِ مِمَّن لَهُ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة كالحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي وَدَاوُد بن نصير وَأبي خَالِد الْأَحْمَر وَغَيرهم لم يلتفتوا إِلَى روايتهم وَقَالُوا هَذِه رِوَايَة شَاذَّة مُخَالفَة لرِوَايَة أَصْحَابه الَّذين هم أخبر بمذهبه عَنهُ وَلَا يجْعَلُونَ رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد كَرِوَايَة أبي يُوسُف أَلْبَتَّة طَبَقَات أَصْحَاب الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّمَا يقبلُونَ عَنهُ مَا كَانَ من رِوَايَة الرّبيع والمزني والبويطي وحرملة وأمثالهم فَإِذا روى عَنهُ غَيرهم مِمَّن هُوَ مثل هَؤُلَاءِ وَأجل مِنْهُم مَا يُخَالف رِوَايَة أُولَئِكَ لم يلتفتوا إِلَيْهَا مثل أبي ثَوْر وَابْن عبد الحكم والزعفراني وَقَالُوا أُولَئِكَ أعلم بمذهبه ومذهبه مَا حكوه عَنهُ دون هَؤُلَاءِ بل مَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي كِتَابه بأصح إِسْنَاد وَابْن عبد الْبر وَغَيرهمَا مِمَّن يَحْكِي مقالات الْعلمَاء لم يَجْعَلُوهُ فِي رُتْبَة مَا حَكَاهُ أُولَئِكَ عَنهُ وَلَا يعدونه فِي الْغَالِب خلافًا طَبَقَات أَصْحَاب أَحْمد وَكَذَلِكَ أَصْحَاب أَحْمد إِذا انْفَرد راو عَنهُ بِرِوَايَة تكلمُوا فِيهَا وَقَالُوا تفرد بهَا فلَان وَلَا يكادون يجعلونها رِوَايَة إِلَّا على إغماض وَلَا يجعلونها مُعَارضَة لرِوَايَة الْأَكْثَرين عَنهُ وَهَذَا مَوْجُود فِي كتبهمْ يَقُولُونَ انْفَرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة أَبُو طَالب أَو فلَان لم يروها غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فَإِذا جَاءَت الرِّوَايَة عَنهُ عَن غير صَالح وَعبد الله وحنبل وَأبي طَالب والميموني والكوسج وَابْن هَانِئ والمروزي والأثرم وَابْن الْقَاسِم وَمُحَمّد بن مشيش ومثنى بن جَامع وَأحمد بن أَصْرَم وَبشر بن مُوسَى وأمثالهم من أَعْيَان أَصْحَابه استغربوها جدا وَلَو كَانَ النَّاقِل لَهَا إِمَامًا ثبتا وَلَكنهُمْ أَعلَى توقيا فِي نقل مذْهبه وَقبُول رِوَايَة من روى عَنهُ من الْحفاظ الثِّقَات وَلَا يتقيدون فِي ضبط مذْهبه بناقل معِين كَمَا يفعل غَيرهم من الطوائف بل إِذا صحت لَهُم عَنهُ رِوَايَة حكوها عَنهُ وَإِن عدوها شَاذَّة إِذا خَالَفت مَا رَوَاهُ أَصْحَابه عودة إِلَى زِيَادَة الثِّقَة فَإِذا كَانَ هَذَا فِي نقل مَذَاهِب الْعلمَاء مَعَ أَنه يجوز بل يَقع مِنْهُم الْفَتْوَى بالْقَوْل ثمَّ يفتون بِغَيْرِهِ لتغير اجتهادهم وَلَيْسَ فِي رِوَايَة من انْفَرد عَنْهُم بِمَا رَوَاهُ مَا يُوجب غلطه إِذْ قد يُوجد عَنْهُم اخْتِلَاف الْجَواب فِي كثير من الْمسَائِل فَكيف بأئمة الحَدِيث مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لَا يتناقض وَلَا يخْتَلف كَلَامه أَلَيْسُوا أعذر مِنْكُم فِي رد الحَدِيث أَو الزِّيَادَة الَّتِي خَالف راويها أَو انْفَرد بهَا أَو شَذَّ بهَا عَن النَّاس كَيفَ والدواعي والهمم متوافرة على ضبط حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنقد رُوَاته اعظم من توفرها على ضبط مَذَاهِب الْأَئِمَّة وتمييز الروَاة عَنْهُم وَإِذا روى غير أهل الْمَذْهَب من أهل الضَّبْط والإتقان وَالْحِفْظ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الإِمَام خلاف مَا رَوَاهُ أهل مَذْهَب قُلْتُمْ أَصْحَاب الْمَذْهَب أعلم بمذهبه وأضبط لَهُ فَهَلا قُلْتُمْ فِي حَدِيث الشَّيْخ إِذا روى عَنهُ أَصْحَابه العارفون بحَديثه شَيْئا وَانْفَرَدَ عَنْهُم وَخَالفهُم من هم أخص بالشيخ مِنْهُ وَأعرف بحَديثه إِن هَؤُلَاءِ أعرف بحَديثه من هَذَا الْمُنْفَرد الشاذ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فصل بَيَان دلَالَة الحَدِيث على مَحل النزاع قَالُوا فَهَذَا الْجَواب عَن الحَدِيث من جِهَة السَّنَد وَأما الْجَواب عَنهُ من جِهَة الدّلَالَة فَنحْن نَتَنَزَّل مَعكُمْ ونسلم صِحَة الحَدِيث وَبَين أَنه لَا حجَّة لكم فِيهِ على اشْتِرَاط الْمُحَلّل على الْوَجْه الَّذِي ذكرتموه ألبته وَأَن لَفظه لَا يدل على اشْتِرَاطه بل وَلَا على جَوَازه فَإِن هَا هُنَا أَربع مقالات يصير بهَا محللا أَحدهمَا أَن يخرجَا مَعًا وَالثَّانِي أَن لَا يخرج هُوَ شَيْئا وَالثَّالِث أَن يَكُونُوا ثَلَاثَة فَصَاعِدا وَالرَّابِع أَن يغنم إِن سبق وَلَا يغرم إِن سبق فيالله الْعجب من أَيْن تستفاد هَذِه الْأُمُور من الحَدِيث وَبِأَيِّ دلَالَة من الدلالات الثَّلَاث الَّتِي يسْتَدلّ بهَا عَلَيْهِ فَإِن الَّذِي يدل عَلَيْهِ لَفظه أَنه إِذا استبق اثْنَان وَجَاء ثَالِث دخل مَعَهُمَا فَإِن كَانَ يتَحَقَّق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 نَفسه سبقهما كَانَ قمارا لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة أَنه يَأْكُل مَالهمَا وَإِن دخل مَعَهُمَا وَهُوَ لَا يتَحَقَّق أَن يكون سَابِقًا بل يَرْجُو مَا يرجوانه وَيخَاف مَا يخافانه كَانَ كأحدهما وَلم يكن أكله إِن سبقهما قمارا فَإِن الْعُقُود مبناها على الْعدْل فَإِذا اسْتَووا فِي الرَّجَاء وَالْخَوْف والمغنم والمغرم كَانَ هَذَا هُوَ الْعدْل الَّذِي يطمئن إِلَيْهِ الْقلب وَإِذا تميز بَعضهم عَن بعض بِغنم أَو غرم أَو تَيَقّن سبقه لصحابيه لقُوته وَضعفهمَا لم يكن هَذَا عدلا وَلم تطب النُّفُوس بِهَذَا السباق وَأما اشْتِرَاط الدخيل الْمُسْتَعَار الَّذِي هُوَ شريك فِي الرِّبْح برِئ من الخسران فأجبنا عَن الحَدِيث أَنه لَا يَقْتَضِيهِ بِوَجْه مَا وغايته إِن دلّ على الْمُحَلّل فَإِنَّمَا يدل على أَن الْمُحَلّل إِذا دخل وَلَا بُد فَإِنَّهُ يشْتَرط أَن يكون بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يدل على أَنه يشْتَرط دُخُوله وَأَن يكون على هَذِه الصّفة فَمن أَيْن هَذَا فِي الحَدِيث وَبِأَيِّ وَجه يُسْتَفَاد وَهَذَا ظَاهر لَا خَفَاء بِهِ وَالله أعلم فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا دخل الْمُحَلّل فِي هَذَا العقد ليخرجه عَن شبه الْقمَار فَيكون دُخُوله شرطا قُلْنَا قد تقدم من الْوُجُوه الْكَثِيرَة مَا فِيهِ كِفَايَة أَن العقد لَيْسَ بِدُونِهِ قمارا فَإِن كَانَ بِدُونِ دُخُوله قمارا لم يخرج بِهِ عَن شبه الْقمَار بل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الشّبَه بَاقٍ بِعَيْنِه أَو زَائِد وَلَا جَوَاب لكم عَن تِلْكَ الْوُجُوه ألبته وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصل الرَّد على الدَّلِيل الثَّانِي فَإِن قَالُوا وَأما دليلكم الثَّانِي وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا محللا فَهَذَا الحَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة وهم فِيهِ أَبُو حَاتِم فَإِن مَدَاره على عَاصِم بن عمر أخي عبيد الله وَعبد الله وَأبي بكر العمريين فهم أَرْبَعَة أخوة أوثقهم عبيد الله مُتَّفق على الِاحْتِجَاج بحَديثه وَأما عبد الله وَعَاصِم فضعيفان أما عبد الله فكلامهم فِيهِ مَشْهُور وَأما أَخُوهُ عَاصِم صَاحب هَذَا الحَدِيث فَقَالَ البُخَارِيّ هُوَ مُنكر الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَقَالَ ابْن عدي ضَعَّفُوهُ وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه صَالح ضَعِيف وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَيْسَ بِشَيْء وَضَعفه أَبُو حَاتِم وَقَالَ هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي لَيْسَ بِقَوي وَقَالَ الْجوزجَاني يضعف فِي حَدِيثه وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ لَيْسَ عِنْدِي بِالْحَافِظِ وَقَالَ النَّسَائِيّ مرّة مَتْرُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَقَالَ ابْن عدي ضَعَّفُوهُ ثمَّ سرد لَهُ أَحَادِيث جمة من جُمْلَتهَا هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَأما ابْن حَيَّان فتناقض فِيهِ فَإِنَّهُ أخرج حَدِيثه فِي صَحِيحه وَقَالَ فِي كتاب الضُّعَفَاء مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات وَمن كَانَت هَذِه حَالَته عِنْد أهل الحَدِيث لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي عَاصِم بن عَامر هَذَا تكلم فِيهِ أَحْمد وَيحيى وَالْبُخَارِيّ وَابْن حبَان وَقد روى عَنهُ أَحَادِيث فَلَا أَدْرِي هَل رَجَعَ عَن قَوْله فِيهِ أَو غفل عَن ذَلِك وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ يحْتَمل أَن أَبَا حَاتِم لم يعرف أَنه عَاصِم الْعمريّ فَإِنَّهُ وَقع فِي رِوَايَته غير مَنْسُوب وَالَّذِي يدل على بطلَان هَذَا الحَدِيث أَنه لَو كَانَ عِنْد عَمْرو بن دِينَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 عَن ابْن عمر لَكَانَ مَعْرُوفا عِنْد اصحاب عَمْرو مثل قَتَادَة وَأَيوب وَشعْبَة والسفيانين والحمادين وَمَالك بن أنس وجعفر بن مُحَمَّد وَقيس بن سعد وهشيم وورقاء وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وَغَيرهم من أَصْحَابه فَكيف لَا يعرف هَؤُلَاءِ وهم أجلة أَصْحَابه هَذَا الحَدِيث من حَدِيثه وَيكون عِنْد عَاصِم بن عمر مَعَ ضعفه وَأَيْضًا فعمرو بن دِينَار حَدِيثه مَحْفُوظ مضبوط يجمع وَكَانَ الْأَئِمَّة يُسَارِعُونَ إِلَى سَمَاعه مِنْهُ وَحفظه وَجمعه فَإِن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عِنْده نَحْو أَربع مئة حَدِيث من حَدِيثه وَأَيْضًا فَلَو كَانَ هَذَا من حَدِيث ابْن عمر لَكَانَ مَشْهُورا فَإِنَّهُ لم يزل السباق بَين الْخَيل مَوْجُودا بِالْمَدِينَةِ وَأهل الْمَدِينَة يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى فَتْوَى سعيد بن الْمسيب حَتَّى أفتاهم فِي الدخيل بِمَا أفتاهم فَلَو كَانَ هَذَا الحَدِيث صَحِيحا من حَدِيث ابْن عمر لكَانَتْ سنة مَشْهُورَة متوارثة عَنْهُم وَلم يحتاجوا إِلَى فَتْوَى سعيد وَلم يقل مَالك لَا نَأْخُذ بقول سعيد ابْن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل مَعَ أَن مَالِكًا من أعلم من أعلم النَّاس بِحَدِيث ابْن عمر وَلم يذكر عَنهُ فِي الْمُحَلّل حرفا وَاحِدًا فَكيف يكون هَذَا الحَدِيث عِنْد عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر ثمَّ لَا يرويهِ أحد مِنْهُم وينفرد بِهِ من لَا يحْتَج بحَديثه وَأَيْضًا فَلَا يعرف أَن أحدا من الْأَئِمَّة احْتج بِهَذَا الحَدِيث فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْمُحَلّل لَا الشَّافِعِي وَلَا أَحْمد وَلَا أَبُو حنيفَة وَلَا غَيرهم مِمَّن شَرط الْمُحَلّل وَأَيْضًا فَإِن أحدا من الْأَئِمَّة السِّتَّة لم يُخرجهُ فِي كِتَابه وَلَا أحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا طبقَة الْحَاكِم لم يَنْقُلهُ مَعَ فرط تساهله أَن يَسْتَدْرِكهُ عَلَيْهِمَا هَذَا ودلالته على اشْتِرَاط الْمُحَلّل أبين من دلَالَة حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن فَكيف غفل عَنهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة كلهم أَو أغفلوه هَذَا من الْمُمْتَنع عَادَة على الْجَمِيع مَعَ علمهمْ إِلَى مَا يدل على مَا دلّ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصل الرَّد على الدَّلِيل الثَّالِث قَالُوا وَأما دليلكم الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا جلب وَلَا جنب وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ على السَّبق فِيهِ فَهُوَ حرَام فَحَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة وَلَا يثبت بِمثلِهِ حكم فَإِن رَاوِيه مَجْهُول الْعين وَالْحَال لَا يعرف اسْمه وَلَا نسبه وَلَا حَاله إِلَّا أَنه رجل من بني مَخْزُوم وَمثل هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه بِاتِّفَاق أهل الحَدِيث وَأَيْضًا فَإِن هَذَا الحَدِيث مُنكر فَإِن هَذَا الْمَجْهُول تفرد بِهِ من بَين أَصْحَاب أبي الزِّنَاد كلهم مَعَ اعتنائهم بحَديثه وحفظهم لَهُ فَكيف يفوتهُمْ ويظفر بِهِ مَجْهُول الْعين وَالْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَالَّذِي يظْهر مِنْهُ أَن هَذِه الزِّيَادَة من كَلَام أبي الزِّنَاد أدرجت فِي الحَدِيث والْحَدِيث الْمَحْفُوظ عَن أبي هُرَيْرَة مَا رَوَاهُ النَّاس عَنهُ لَا جلب وَلَا جنب فَقَط فَحدث بِهِ أَبُو الزِّنَاد ثمَّ أتبعه من عِنْده وَإِذا لم يدْخل المتراهنان فرسا إِلَى آخِره فَحَمله هَذَا الرَّاوِي الْمَجْهُول عَنهُ وَحدث بِهِ من غير تَمْيِيز وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قبله بل بُطْلَانه أظهر وَالله اعْلَم فصل الرَّد على الدَّلِيل الرَّابِع قَالُوا وَأما دليلكم الرَّابِع فِي قصَّة المتقامرين فِي الظبي أَيهمَا يسْبق إِلَيْهِ وَأَن عمر بن الْخطاب قَالَ هَذَا قمار فَتعلق بِبَيْت العنكبوت لِأَن عمر لم يَجعله قمارا لعدم الْمُحَلّل وَإِنَّمَا كَانَ قمارا لِأَنَّهُ أكل مَال بِالْبَاطِلِ فَإِنَّهُمَا استبقا إِلَى فعل لَا يجوز بذل السَّبق فِيهِ بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَخذ الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام فَهَذَا قمار وَإِن دخل فِيهِ الْمُحَلّل وَحَتَّى لَو كَانَ استبقا إِلَى فعل جَائِز على الْأَقْدَام فَأكل المَال بِهِ قمار عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْخُف والحافر والنصل هَذَا مَعَ أَن الحَدِيث من رِوَايَة الْمُتَّفق على ضعفه عَليّ بن زيد بن جدعَان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فصل الرَّد على الدَّلِيل الْخَامِس قَالُوا وَأما دليلكم الْخَامِس وَهُوَ حَدِيث البُخَارِيّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِقوم أسلم ينتضلون الحَدِيث وَفِيه ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ فسبحان الله مَاذَا يُوجب نصْرَة الْمذَاهب والتقليد لأربابه من ارْتِكَاب أَنْوَاع من الْخَطَأ وَالِاسْتِدْلَال بِمَا لَيْسَ بِدَلِيل وَمُخَالفَة صَرِيح الدَّلِيل فيا لله الْعجب أَيْن دلَالَة هَذَا الحَدِيث على الْمُحَلّل بِوَجْه من الْوُجُوه وَهل مثل هَذَا إِلَّا حجَّة عَلَيْكُم فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَولا ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان فَلم يسْأَل هَل أخرج الحزبان مَعًا أَو احدهما أَو لم يخرج أحد شَيْئا فَدلَّ على أَنه لَا فرق فِي جَوَاز العقد ثمَّ إِن الْمُحَلّل لَا يكون مَعَ أحد الحزبين وَلَا يجوز لَهُ أَن يَقُول أَنا مَعَ فلَان أَو مَعَ هَذَا الحزب دون هَذَا فَلَيْسَ هَذَا من شَأْن الْمُحَلّل وَلَا يتمم لكم حِينَئِذٍ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ إِلَّا بعد أُمُور أَحدهَا أَن الحزبين أخرجَا مَعًا وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم بذلك وَدخل مَعَهم وَلم يخرج وَكَانَ محللا وَهَذَا إِن لم يقطع بِبُطْلَانِهِ فدعواه دَعْوَى مُجَرّدَة عَن برهَان من الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَرَسُوله فَلَا تكون مسموعة وَلَا مَقْبُولَة ثمَّ نقُول ثَانِيهَا إِن كَانَ الْإِخْرَاج قد وَقع من كلا الْفَرِيقَيْنِ فَالْحَدِيث حجَّة عَلَيْكُم فَإِنَّهُ قَالَ ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان والمحلل لَا يكون مَعَ أَحدهمَا وَثَالِثهَا إِن كَانَ الْمخْرج أحد الْفَرِيقَيْنِ أَو لم يكن إِخْرَاج بِالْكُلِّيَّةِ بَطل استدلالكم بِالْحَدِيثِ فَهُوَ إِمَّا أَن يكون حجَّة عَلَيْكُم أَو لَيْسَ لكم فِيهِ حِدة أصلا فَإِن قيل فَمَا فَائِدَة دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كلا الْفَرِيقَيْنِ إِذا لم يكن محللا فَالْجَوَاب إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صَار مَعَ أحد الحزبين أمسك الحزب الآخر وَعَلمُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي حزب كَانَ هُوَ الْغَالِب الْمَنْصُور فَلم يحتاجوا أَن يَكُونُوا فِي الحزب الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا علم ذَلِك مِنْهُم طيب قُلُوبهم وَقَالَ أَنا مَعكُمْ كلكُمْ هَذَا مُقْتَضى الحَدِيث الَّذِي يدل عَلَيْهِ وَهُوَ برِئ من التَّحْلِيل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصل الرَّد على الدَّلِيل السَّادِس قَالُوا وَأما دليلكم السَّادِس وَهُوَ أَنه إِذا لم يكن مَعَهُمَا مُحَلل وَأَخْرَجَا مَعًا فقد دَار كل وَاحِد مِنْهُمَا بَين الْمغنم والمغرم وَهَذَا حَقِيقَة الْقمَار فقد تقدم من الْوُجُوه الْكَثِيرَة الَّتِي لَا جَوَاب لكم عَنْهَا مَا يُبطلهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَيبين أَنه إِن كَانَ هَذَا العقد بِدُونِ الْمُحَلّل قمارا فَهُوَ بالمحلل أولى أَن يكون قمارا وَإِن لم يكن قمارا بالمحلل فَهُوَ بِدُونِ أولى أَن لَا يكون قمارا وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون قمارا فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ دون الْأُخْرَى وَلَا يذكرُونَ فرقا وَلَا معنى إِلَّا كَانَ اقتضاؤه بِعَدَمِ اشْتِرَاط الْمُحَلّل أظهر من اقتضائه لاشتراطه وَقد تقدم منا بَيَان ذَلِك فَإِن كَانَ لكم عَنهُ جَوَاب فبينوه وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فصل حجية قَول التَّابِعين وَوُجُوب اتِّبَاع الدَّلِيل وَترك التَّقْلِيد وَأما قَوْلكُم لَو لم يكن فِي هَذَا إِلَّا أَنه قَول أعلم التَّابِعين سعيد بن الْمسيب فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن التَّابِعِيّ إِذا عاصر الصَّحَابَة وزاحمهم فِي الْفَتْوَى كَانَ قَوْله حجَّة فَيُقَال من الْعجب أَن يكون قَول سعيد بن المسب حجَّة وَفعل أبي عُبَيْدَة بن الْجراح غير حجَّة وَأَيْضًا فَأنْتم فِي أحد الْقَوْلَيْنِ عنْدكُمْ لَا تَجْعَلُونَ قَول الصَّحَابِيّ حجَّة فَكيف يكون قَول التَّابِعِيّ حجَّة وَأَيْضًا فَأنْتم لَا توجبون اتِّبَاع سعيد بن الْمسيب فِي جَمِيع مَا يذهب إِلَيْهِ فَكيف توجبون اتِّبَاعه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَأَيْضًا فَلَو كَانَ قَول سعيد بن الْمسيب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حجَّة أَو كَانَت الْحجَّة مُوَافقَة أهل عصره لَهُ كَمَا يتوهمه المتوهم لما سَاغَ لمَالِك أَن يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَلَا نَأْخُذ بقول سعيد بن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل وَالظَّاهِر أَن هَذَا إِشَارَة من مَالك إِلَى نَفسه وَإِلَى عُلَمَاء الْمَدِينَة مَعَه وَأَنَّهُمْ أَو جمهورهم لم يَأْخُذُوا بقوله فِي الْمُحَلّل وقولكم يكفينا أَن ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة عَلَيْهِ يُرِيدُونَ الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَأحمد فطرد هَذَا يُوجب عَلَيْكُم أَن كل مَسْأَلَة اتّفق عَلَيْهَا ثَلَاثَة من الْأَئِمَّة وَخَالفهُم الرَّابِع أَن تَأْخُذُوا فِيهَا بقول الثَّلَاثَة لأَنهم ثَلَاثَة أَرْكَان الْأمة وَهَذَا يلْزم أهل كل مَذْهَب وكل هَذِه التلفيقات بمعزل عَن الْبُرْهَان الَّذِي يُطَالب بِهِ كل من قَالَ قولا فِي الدّين وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} [النِّسَاء: 5 فَأَيْنَ أَمر بِالرَّدِّ إِلَى مَا ذكرْتُمْ وَمن ذكرْتُمْ وَقَالَ الله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} [النِّسَاء: 6 فَوقف الْإِيمَان على تحكيمه وَحده وَلم يُوقف الْإِيمَان على تحكيم غَيره ألبته وقولكم إِن هَذَا قَول الْجُمْهُور فَإِن كَانَ قَول الْجُمْهُور فِي كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 مَسْأَلَة تنَازع فِيهَا الْعلمَاء هُوَ الصَّوَاب وَجب بطلَان كل قَول انْفَرد بِهِ أحد الْأَئِمَّة عَن الْجُمْهُور وَيذكر لكل طَائِفَة من الطوائف مَا انْفَرد بِهِ من قلدوه عَن الْجُمْهُور وَلَا يُمكنهُم إِنْكَار ذَلِك وَلَا الْإِقْرَار بِبُطْلَان قَوْله وَلَا ملْجأ لَهُم إِلَّا التَّنَاقُض وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وهم إِذا كَانَ قَول الْجُمْهُور مَعَهم نادوا فيهم على رُؤُوس الأشهاد وأجلبوا بهم على من خالفهم وَإِذا كَانَ قَوْلهم خلاف قَول الْجُمْهُور قَالُوا قَول الْجُمْهُور لَيْسَ بِحجَّة وَالْحجّة فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع ثمَّ نقُول أَيْن المكاثرة بِالرِّجَالِ إِلَى المكاثرة بالأدلة وَقد ذكرنَا من الْأَدِلَّة مَا لَا جَوَاب لكم عَنهُ وَالْوَاجِب اتِّبَاع الدَّلِيل أَيْن كَانَ وَمَعَ من كَانَ وَهُوَ الَّذِي أوجب الله اتِّبَاعه وَحرم مُخَالفَته وَجعله الْمِيزَان الرَّاجِح بَين الْعلمَاء فَمن كَانَ من جَانِبه كَانَ أسعد بِالصَّوَابِ قل موافقوه أَو كَثُرُوا وَأما قَوْلكُم إِن جُمْهُور الْمُسلمين رَأَوْا هَذَا النَّقْل حسنا وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذَا يلزمكم فِي كل مَسْأَلَة انْفَرد بهَا من قلدتموه عَن جُمْهُور الْأمة فَمَا كَانَ جوابكم لمن خالفكم فَهُوَ جَوَابنَا لكم بِعَيْنِه الثَّانِي أَن هَذَا لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا يضيفه إِلَى كَلَامه من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابت عَن ابْن مَسْعُود من قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ذكره الإِمَام أَحْمد وَغَيره مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَفظه إِن الله نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قلب مُحَمَّد خير قُلُوب الْعباد فاختاره لرسالته ثمَّ نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قُلُوب أَصْحَابه خير قُلُوب الْعباد فاختارهم لصحبته فَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن الثَّالِث أَنه لَو صَحَّ مَرْفُوعا فَهُوَ دَلِيل على أَن مَا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ ورأوه حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن لَا مَا رَآهُ بَعضهم فَهُوَ حجَّة عَلَيْكُم الرَّابِع أَن الْمُسلمين كلهم لَا يرَوْنَ الْمُحَلّل فِي عقد السباق حسنا بل كثير مِنْهُم تنكره فطرهم وَقُلُوبهمْ ويرونه غير حسن وَلَو كَانَ حسنا عِنْد الله وَهُوَ من تَمام الْعدْل الَّذِي فطر الله الْقُلُوب على استحسانه لرأوه كلهم حسنا وَشهِدت بِهِ فطرتهم وَشهِدت بقبح العقد إِذا خلا عَنهُ كَمَا شهِدت بقبح الظُّلم والقمار وَحسن الْعدْل وَأكل المَال بِالْحَقِّ قَالُوا وَنحن نحاكمكم فِي ذَلِك إِلَى الْفطر الَّتِي لم تنْدَفع بالتعصب ونصرة آراء الرِّجَال والتقليد وَأما قَوْلكُم إِن القَوْل بِعَدَمِ الْمُحَلّل قَول شَاذ وَإِن من شَذَّ شَذَّ الله بِهِ فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن القَوْل الشاذ هُوَ الَّذِي لَيْسَ مَعَ قَائِله دَلِيل من كتاب الله وَلَا من سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا هُوَ القَوْل الشاذ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 أهل الأَرْض وَأما قَول مَا دلّ عَلَيْهِ كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ بشاذ وَلَو ذهب إِلَيْهِ الْوَاحِد من الْأمة فَإِن كَثْرَة الْقَائِلين وقلتهم لَيْسَ بمعيار وميزان للحق يعير بِهِ ويوزن بِهِ وَهَذِه غير طَريقَة الراسخين فِي الْعلم وَإِنَّمَا هِيَ طَريقَة عامية تلِيق بِمن بضاعتهم من كتاب الله وَالسّنة مزجاة وَأما أهل الْعلم الَّذين هم أَهله فالشذوذ عِنْدهم والمخالفة القبيحة هِيَ الشذوذ عَن الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة ومخالفتها وَلَا اعْتِبَار عِنْدهم بِغَيْر ذَلِك مَا لم يجمع الْمُسلمُونَ على قَول وَاحِد وَيعلم إِجْمَاعهم يَقِينا فَهَذَا الَّذِي لَا تحل مُخَالفَته وَنحن نقُول لمنازعينا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا كَانَ القَوْل بِبُطْلَان الْمُحَلّل بَاطِلا مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع فَلَا بُد أَن تكون أَدِلَّة بُطْلَانه ظَاهِرَة لَا تخفى وقوية لَا تضعف وَلَا يُمكن أَن تكون أَدِلَّة القَوْل الْبَاطِل الْمُخَالف للْإِجْمَاع قَوِيَّة كَثِيرَة وَلَا يمكنكم إِبْطَالهَا وَلَا معارضتها فَإِن بينتم بطلَان هَذِه الْأَدِلَّة بأقوى مِنْهَا وَأظْهر فالرجوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل وَإِن لم يكن بِأَيْدِيكُمْ إِلَّا بعض مَا قد حكينا عَنْكُم فَإنَّا ذكرنَا لكم من الْأَدِلَّة مَا لم يُوجد عنْدكُمْ أَلْبَتَّة وَلَا ذكره أحد مِمَّن انتصر لقولكم ثمَّ ذكرنَا من الْكَلَام عَلَيْهَا دَلِيلا دَلِيلا مَا إِن كَانَ بَاطِلا فَرده مَقْدُور ومأمور بِهِ وَإِن كَانَ حَقًا فمتبعه محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل ثمَّ نقُول لَو ذكرنَا لكم نَظِير كلامكم هَذَا فِي مَسْأَلَة انفردتم بهَا عَن الْأَئِمَّة لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَلم تقبلوه منا فَكيف تحتجون علينا بِمَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 تقبلونه منا إِذا احتججنا بِهِ عَلَيْكُم فَإِن قُلْتُمْ وَأَيْنَ هَذَا الشذوذ فَلْتنْظرْ كل طَائِفَة إِلَى مَا انْفَرد بِهِ متبوعها ومقلدوها عَن سَائِر الْأمة وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى الإطالة بِذكر ذَلِك وَبِاللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَعَان والتوفيق فصل فِي تَحْرِير مَذَاهِب أهل الْعلم فِيمَا يجوز بذل السَّبق فِيهِ من المغالبات وَمَا لَا يجوز وعَلى أَي وَجه يجوز بذل السَّبق المغالبات ثَلَاثَة أَقسَام قد تقدم أَن المغالبات ثَلَاثَة أَقسَام قسم مَحْبُوب مرضِي لله وَرَسُوله معِين على تَحْصِيل محابه كالسباق بِالْخَيْلِ وَالْإِبِل وَالرَّمْي بالنشاب وَقسم مبغوض مسخوط لله وَرَسُوله موصل إِلَى مَا يكرههُ الله وَرَسُوله كَسَائِر المغالبات الَّتِي توقع الْعَدَاوَة والبغضاء وتصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة كالنرد وَالشطْرَنْج وَمَا أشبههما وَقسم لَيْسَ بمحبوب لله وَلَا مسخوط لَهُ بل هُوَ مُبَاح لعدم الْمضرَّة الراجحة كالسباق على الْأَقْدَام والسباحة وشيل الْأَحْجَار والصراع وَنَحْو ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 فالنوع الأول يشرع مُفردا عَن الرَّهْن وَمَعَ الرَّهْن ويشرع فِيهِ كل مَا كَانَ أدعى إِلَى تَحْصِيله فيشرع فِيهِ بذل الرَّهْن من هَذَا وَحده وَمن الآخر وَحده ومنهما مَعًا وَمن الْأَجْنَبِيّ وَأكل المَال بِهِ اكل بِحَق لَيْسَ أكلا بباطل وَلَيْسَ من الْقمَار وَالْميسر فِي شَيْء النَّرْد وَالشطْرَنْج وَالنَّوْع الثَّانِي محرم وَحده وَمَعَ الرَّهْن وَأكل المَال بِهِ ميسر وقمار كَيفَ كَانَ سَوَاء كَانَ من أَحدهمَا أَو من كليهمَا أَو من ثَالِث وَهَذَا بِاتِّفَاق الْمُسلمين غير سَائِغ فَأَما إِن خلا عَن الرَّهْن فَهُوَ أَيْضا حرَام عِنْد الْجُمْهُور نردا كَانَ أَو شطرنجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 هَذَا قَول مَالك وَأَصْحَابه وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد وَأَصْحَابه وَقَول جُمْهُور التَّابِعين وَلَا يحفظ عَن صَحَابِيّ حلّه وَقد نَص الشَّافِعِي على تَحْرِيم النَّرْد وَتوقف فِي تَحْرِيم الشطرنج فَلم يجْزم بِتَحْرِيمِهِ وَذكر أَنه لم يتَبَيَّن لَهُ تَحْرِيمه وَلِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 اخْتلف أَصْحَابه فِي الشطرنج فَمنهمْ من حرمه وَمِنْهُم من كرهه وَلم يحرمه وَمِمَّنْ حرمه وَبَالغ فِي تَقْرِير تَحْرِيمه أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ وَالشَّافِعِيّ نَص على تَحْرِيم النَّرْد الْخَالِي عَن الْعِوَض وَتوقف فِي الشطرنج الْخَالِي عَن الْعِوَض فَمن أَصْحَابه من طرد توقفه فِي النَّرْد أَيْضا وَقَالَ إِذا خلا عَن الْعِوَض لم يحرم كالشطرنج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَهَذَا مَحْض الْقيَاس لِأَن مفْسدَة الشطرنج أعظم من مفْسدَة النَّرْد بِكَثِير فَإِذا لم تنهض مفْسدَة الشطرنج للتَّحْرِيم فالنرد أولى وَمِنْهُم من طرد نَصه فِي تَحْرِيم النَّرْد وعداه إِلَى الشطرنج وَهَذَا أصح تخريجا وأوضح دَلِيلا فَإِن مفْسدَة الشطرنج أعظم من مفْسدَة النَّرْد وكل مَا يدل على تَحْرِيم النَّرْد بِغَيْر عوض فدلالته على تَحْرِيم الشطرنج بطرِيق أولى وَقد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم خِنْزِير وَدَمه وَفِي الْمُوَطَّأ وَالسّنَن من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لعب بالنرد فقد عصى الله وَرَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وسر الْمَسْأَلَة وفقهها أَن الله سُبْحَانَهُ لماذا حرم الميسر هَل هُوَ لأجل مَا فِيهِ من المخاطرة المتضمنة لأكل المَال بِالْبَاطِلِ فعلى هَذَا إِذا خلا عَن الْعِوَض لم يكن حَرَامًا فَلهَذَا طرد من طرد ذَلِك هَذَا الأَصْل وَقَالَ إِذا خلا النَّرْد وَالشطْرَنْج عَن الْعِوَض لم يَكُونَا حَرَامًا وَلَكِن هَذَا القَوْل خلاف النَّص وَالْقِيَاس كَمَا سَنذكرُهُ أَو حرمه لما يشْتَمل عَلَيْهِ فِي نَفسه من الْمفْسدَة وَإِن خلا عَن الْعِوَض فتحريمه من جنس تَحْرِيم الْخمر فَإِنَّهُ يُوقع الْعَدَاوَة والبغضاء ويصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة وَأكل المَال فِيهِ عون وذريعة إِلَى الإقبال عَلَيْهِ واشتغال النُّفُوس بِهِ فَإِن الدَّاعِي حِينَئِذٍ يقوى من وَجْهَيْن من جِهَة المغالبة وَمن جِهَة أكل المَال فَيكون حَرَامًا من الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا المأخذ أصح نصا وَقِيَاسًا نعم وأصول الشَّرِيعَة وتصرفاتها تشهد لَهُ بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين) [الْمَائِدَة: 90 - 91] فقرن الميسر بالأنصاب والأزلام وَالْخمر وَأخْبر أَن الْأَرْبَعَة رِجْس وَأَنَّهَا من عمل الشَّيْطَان ثمَّ أَمر باجتنابها وعلق الْفَلاح باجتنابها ثمَّ نبه على وُجُوه الْمفْسدَة الْمُقْتَضِيَة للتَّحْرِيم فِيهَا وَهِي مَا يقوعه الشَّيْطَان بَين أَهلهَا من الْعَدَاوَة والبغضاء وَمن الصد عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة وكل أحد يعلم أَن هَذِه الْمَفَاسِد ناشئة من نفس الْعَمَل لَا من مُجَرّد أكل المَال بِهِ فتعليل التَّحْرِيم بِأَنَّهُ مُتَضَمّن لأكل المَال بِالْبَاطِلِ تَعْلِيل بِغَيْر الْوَصْف الْمَذْكُور فِي النَّص وإلغاء للوصف الَّذِي نبه النَّص عَلَيْهِ وأرشد إِلَيْهِ وَهَذَا فَاسد من الْوَجْهَيْنِ يُوضحهُ أَن السّلف الَّذين نزل الْقُرْآن بلغتهم سموا نفس الْفِعْل ميسرًا لَا أكل المَال بِهِ فَقَالَ غير وَاحِد من السّلف الشطرنج ميسر الْعَجم وصنف أَبُو مُحَمَّد بن قُتَيْبَة كتابا فِي الميسر وَذكر فِيهِ أَنْوَاعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وأصنافه وعدها وَمَعْلُوم أَن أكل المَال بالميسر قد زَاد على كَونه ميسرًا وَلِهَذَا كَانَ أكل المَال بِهِ اكلا بِهِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ أكل بِعَمَل محرم فِي نَفسه فَالْمَال حرَام وَالْعَمَل حرَام بِخِلَاف أكله بالنوع الأول فَإِنَّهُ كل بِحَق فَهُوَ حَلَال وَالْعَمَل طَاعَة وَأما النَّوْع الثَّالِث وَهُوَ الْمُبَاح فَإِنَّهُ وَإِن حرم أكل المَال بِهِ فَلَيْسَ لِأَن فِي الْعلم مفْسدَة فِي نَفسه وَهُوَ حرَام بل لِأَن تَجْوِيز أكل المَال بِهِ ذَرِيعَة إِلَى اشْتِغَال النُّفُوس بِهِ واتخاذه مكسبا لَا سِيمَا وَهُوَ من اللَّهْو واللعب الْخَفِيف على النُّفُوس فتشتد رغبتها فِيهِ من الْوَجْهَيْنِ فأبيح فِي نَفسه لِأَنَّهُ إِعَانَة وإجمام للنَّفس وراحة لَهَا وَحرم أكل المَال بِهِ لِئَلَّا يتَّخذ عَادَة وصناعة ومتجرا فَهَذَا من حِكْمَة الشَّرِيعَة ونظرها فِي الْمصَالح والمفاسد ومقاديرها يُوضح هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ حرم الْخمر قليلها وكثيرها مَا أسكر مِنْهَا وَمنا لم يسكر لِأَن قليلها يَدْعُو إِلَى كثيرها الَّذِي يُغير الْعقل ويوقع فِي الْمَفَاسِد الَّتِي يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع الْعباد فِيهَا وَيمْنَع عَن الْإِصْلَاح الَّذِي يُحِبهُ الله وَرَسُوله فتحريم كثيرها من بَاب تَحْرِيم الْأَسْبَاب الموقعة فِي الْفساد وَتَحْرِيم قليلها من بَاب سد الذرائع وَإِذا تَأَمَّلت أَحْوَال هَذِه المغالبات رَأَيْتهَا فِي ذَلِك كَالْخمرِ قليلها يَدْعُو إِلَى كثيرها وكثيرها يصد عَن مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله ويوقع فِيمَا يبغضه الله وَرَسُوله فَلَو لم يكن فِي تَحْرِيمهَا نَص لكَانَتْ أصُول الشَّرِيعَة وقواعدها وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الحكم والمصالح وَعدم الْفرق بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 المتماثلين توجب تَحْرِيم ذَلِك وَالنَّهْي عَنهُ فَكيف والنصوص قد دلّت على تَحْرِيمه فقد اتّفق على تَحْرِيم ذَلِك النَّص وَالْقِيَاس وَقد سمى عَليّ بن أبي طَالب الشطرنج تماثيل فَمر بِقوم يَلْعَبُونَ بهَا فَقَالَ مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون وقلب الرقعة عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَلَا يعلم أحد من الصَّحَابَة أحلهَا وَلَا لعب بهَا وَقد أعاذهم الله من ذَلِك وكل مَا نسب إِلَى أحد مِنْهُم من أَنه لعب بهَا كَأبي هُرَيْرَة فافتراء وبهت على الصَّحَابَة يُنكره كل عَالم بأحوال الصَّحَابَة وكل عَارِف بالآثار وَكَيف يُبِيح خير الْقُرُون وَخير الْخلق بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللّعب بِشَيْء صده عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة أعظم من صد الْخمر إِذا استغرق فِيهِ لاعبه وَالْوَاقِع شَاهد بذلك وَكَيف يحرم الشَّارِع النَّرْد ويبيح الشطرنج وَهُوَ يزِيد عَلَيْهِ مفْسدَة بأضعاف مضاعفة وَكَيف يظنّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِبَاحَة ميسر الْعَجم وَهُوَ أبْغض إِلَى الله وَرَسُوله من ميسر الْعَرَب بل الشطرنج سُلْطَان أَنْوَاع الميسر وَإِذا كَانَ اللاعب بالنرد كغامس يَده فِي لحم الْخِنْزِير وَدَمه فَكيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 بِحَال اللاعب بالشطرنج وَهل هَذَا إِلَّا من بَاب التَّنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى وَإِذا كَانَ من لعب بالنرد عَاصِيا لله وَرَسُوله مَعَ خفَّة مفْسدَة النَّرْد فَكيف يسلب اسْم الْمعْصِيَة لله وَلِرَسُولِهِ عَن صَاحب الشطرنج مَعَ عظم مفسدتها وصدها عَن مَا يحب الله وَرَسُوله وَأَخذهَا بفكر لاعبها واشتغال قلبه وجوارحه وضياع عمره وَدُعَاء قليلها إِلَى كثيرها مثل دُعَاء قَلِيل الْخمر إِلَى كثيرها ورغبة النُّفُوس فِيهَا بِالْعِوَضِ فَوق رغبتها فِيهَا بِلَا عوض فَلَو لم يكن فِي اللّعب فِيهَا مفْسدَة أصلا غير أَنَّهَا ذَرِيعَة قريبَة الإيصال إِلَى أكل المَال الْحَرَام بالقمار لَكَانَ تَحْرِيمهَا مُتَعَيّنا فِي الشَّرِيعَة كَيفَ وَفِي الْمَفَاسِد الناشئة من مُجَرّد اللّعب بهَا مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمهَا وَكَيف يظنّ بالشريعة أَنَّهَا تبيح مَا يلهي الْقلب ويشغله أعظم شغل عَن مصَالح دينه ودنياه وَيُورث الْعَدَاوَة والبغضاء بَين أَرْبَابهَا وقليلها يَدْعُو إِلَى كثيرها وَيفْعل بِالْعقلِ والفكر كَمَا يفعل الْمُسكر وَأعظم وَلِهَذَا يصبر صَاحبهَا عاكفا عَلَيْهَا كعكوف شَارِب الْخمر على خمرة أَو أَشد فَإِنَّهُ لَا يستحيي وَلَا يخَاف كَمَا يستحيي شَارِب الْخمر وَكِلَاهُمَا مشبه بالعاكف على الْأَصْنَام أما صَاحب الشطرنج فقد صَحَّ عَن عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 عَنهُ أَنه شبهه بالعاكف على التماثيل وَأما صَاحب الْخمر فَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ شَارِب الْخمر كعابد وثن وَقد صَحَّ النَّهْي عَنْهَا عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعَن عبد الله بن عمر وَلَا يعلم لَهما فِي الصَّحَابَة مُخَالف فِي ذَلِك ألبته وَقد اتّفق على تَحْرِيمهَا الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وأتباعهم وَالشَّافِعِيّ لم يجْزم بإباحتها فَلَا يجوز أَن يُقَال مَذْهَب الشَّافِعِي إباحتها فَإِن هَذَا كذب عَلَيْهِ بل قَالَ وَأما الشطرنج فَلم يتَبَيَّن لي تَحْرِيمهَا فتوقف رَضِي الله عَنهُ فِي التَّحْرِيم وَلم يفت بِالْإِبَاحَةِ ثمَّ اخْتلف المحرمون لَهَا هَل هِيَ أَشد تَحْرِيمًا من النَّرْد أَو النَّرْد أَشد تَحْرِيمًا مِنْهَا فصح عَن ابْن عمر أَنه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الشطرنج شَرّ من النَّرْد وَنَصّ مَالك على ذَلِك وَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو حنيفَة النَّرْد أَشد تَحْرِيمًا مِنْهَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْعَبَّاس بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام الْحَرَّانِي رَضِي الله عَنهُ وكلا الْقَوْلَيْنِ صَحِيح بِاعْتِبَار فَإِن الْغَالِب على النَّرْد اشتمالها على عوض بِخِلَاف الشطرنج فالنرد بعوض شَرّ من الشطرنج الْخَالِي عَن الْعِوَض وَأما إِذا اشتملا جَمِيعًا على الْعِوَض أَو خلوا عَنهُ فالشطرنج شَرّ من النَّرْد فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى فكر يلهي صَاحبهَا أَكثر مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ النَّرْد وَلِهَذَا يُقَال إِنَّهَا مَبْنِيَّة على مَذْهَب الْقدر والنرد مَبْنِيَّة على مَذْهَب الْجَبْر فمضرتها بِالْعقلِ وَالدّين أعظم من مضرَّة النَّرْد وَلَكِن إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 خلوا عَن الْعِوَض كَانَ تحريمهما من جِهَة الْعَمَل وَإِذا اشتملا على الْعِوَض صَار تحريمهما من وَجْهَيْن من جِهَة الْعَمَل وَمن جِهَة أكل المَال بِالْبَاطِلِ فَتَصِير بِمَنْزِلَة لحم الْخِنْزِير الْمَيِّت قَالَ أَحْمد هُوَ حرَام من وَجْهَيْن فَإِن غصبه أَو سَرقه من نَصْرَانِيّ صَار حَرَامًا من ثَلَاثَة أوجه فالتحريم يقوى ويضعف بِحَسب قُوَّة الْمَفَاسِد وضعفها وبحسب تعدد أَسبَابه فَاعْلَم فصل [مسَائِل] إِذا عرف هَذَا فاتفق النَّاس على تَحْرِيم أكل الْعِوَض فِي هَذَا النَّوْع وعَلى تَحْرِيم المغالبة فِيهِ بالرهان وَاتَّفَقُوا على جَوَاز أكل المَال بسباق الْخَيل وَالْإِبِل والنضال من حَيْثُ الْجُمْلَة وَإِن اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الْجَوَاز وتفصيله على مَا سَنذكرُهُ وَاخْتلفُوا فِي مسَائِل هَل هِيَ مُلْحقَة بِهَذَا أَو هَذَا وَنحن نذكرها الْمَسْأَلَة الأولى اخْتلفُوا فِي جَوَاز الْمُسَابقَة على البغال وَالْحمير بعوض فَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَالزهْرِيّ لَا يجوز ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الْأُخَر يجوز الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اخْتلفُوا فِي الْمُسَابقَة على الْحمام والفيل وَالْبَقر بعوض فَمَنعه أَحْمد وَمَالك وَأكْثر الشَّافِعِيَّة وَأَجَازَهُ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَبَعض أَصْحَاب أَحْمد فِي الْحمام الناقلة للْأَخْبَار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة هَل يجوز الْعِوَض فِي الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام فَمَنعه مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَنْصُوص عَنهُ صَرِيحًا وَأَجَازَهُ الحنيفة وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَهُوَ مُخَالف لنَصّ الإِمَام الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة هَل يجوز الْعِوَض فِي الْمُسَابقَة بالسباحة مَنعه الْأَكْثَرُونَ وَجوزهُ بعض الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة الصراع منع أَحْمد وَمَالك وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي الْعِوَض فِيهِ وَهُوَ مُقْتَضى نَص الشَّافِعِي فِي مَنعه الْعِوَض فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الْمُسَابقَة بالأقدام وَجوزهُ بعض أَصْحَابه وَأَصْحَاب أبي حنيفَة الْمَسْأَلَة السَّادِسَة المشابكة بِالْأَيْدِي لَا تجوز بعوض عِنْد الْجُمْهُور وفيهَا وَجه للشَّافِعِيَّة بِالْجَوَازِ وَمُقْتَضى مَذْهَب أَصْحَاب أبي حنيفَة جَوَازه فَإِنَّهُ يجوزوه فِي الصراع والمسابقة بالأقدام والمغالبة فِي مسَائِل الْعلم الْمَسْأَلَة السَّابِعَة الْمُسَابقَة بِالسَّيْفِ وَالرمْح والعمود منعهَا بعوض مَالك وَأحمد وجوزها أَصْحَاب أبي حنيفَة وللشافعية فِيهَا وَجْهَان الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة الْمُسَابقَة بالمقاليع على الْعِوَض منعهَا الْجُمْهُور وللشافعية فِيهَا وَجه وَمُقْتَضى مَذْهَب أَصْحَاب أبي حنيفَة الْجَوَاز الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة المغالبة بشيل الأثقال كالحجارة والعلاج فالجمهور لَا يجوزون الْعِوَض فِيهَا وَمن جوزه على المشابكة والسباحة والصراع والأقدام فَمُقْتَضى قَوْله الْجَوَاز هُنَا إِذْ لَا فرق الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة المثاقفة لَا تجوز بعوض عِنْد الْجُمْهُور وأباحها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 بعض الشَّافِعِيَّة وَهُوَ مُقْتَضى مَذْهَب أَصْحَاب أبي حنيفَة الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة الْمُسَابقَة على حفظ الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيره من الْعُلُوم النافعة والإصابة فِي الْمسَائِل هَل تجوز بعوض مَنعه أَصْحَاب مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَجوزهُ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَشَيخنَا وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن الشَّافِعِي وَهُوَ أولى من الشباك والصراع والسباحة فَمن جوز الْمُسَابقَة عَلَيْهَا بعوض فالمسابقة على الْعلم أولى بِالْجَوَازِ وَهِي صُورَة مراهنة الصّديق لكفار قُرَيْش على صِحَة مَا أخْبرهُم بِهِ وثبوته وَقد تقدم أَنه لم يقم دَلِيل شَرْعِي على نسخه وَأَن الصّديق أَخذ رهنهم بعد تَحْرِيم الْقمَار وَأَن الدّين قِيَامه بالججة وَالْجهَاد فَإِذا جَازَت الْمُرَاهنَة على آلَات الْجِهَاد فَهِيَ فِي الْعلم أولى بِالْجَوَازِ وَهَذَا القَوْل هُوَ الرَّاجِح الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة الْمُسَابقَة بِالسِّهَامِ على بعد الرَّمْي لَا على الْإِصَابَة فَأَيّهمَا كَانَ أبعد مدى كَانَ هُوَ الْغَالِب منعهَا بِالْعِوَضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 أَصْحَاب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَيلْزم من جَوَازهَا فِي الْمُسَابقَة بالأقدام والسباحة والمصارعة جَوَازهَا هُنَا بل هِيَ أولى بِالْجَوَازِ فَإِن الْمَقْصُود بِالرَّمْي أَمْرَانِ الْبعد والإصابة فالبعد أحد مقصوديه والسبق بِهِ من جنس السَّبق بِالْخَيْلِ وَالْإِبِل وَبِكُل حَال هُوَ أولى من سَائِر الصُّور الَّتِي قاسوها على مورد النَّص بِالْجَوَازِ وَظَاهر الحَدِيث يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ أثبت السَّبق فِي النصل كَمَا أثْبته فِي الْخُف والحافر هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون السَّبق بِهِ كالسبق بهما فَأَما أَن يُقَال يَقْتَضِي الْإِصَابَة دون السَّبق فِي الْغَايَة فكلا وَهُوَ فِي اقتضائهما مَعًا أظهر من الِاقْتِصَار على الْإِصَابَة فَقَط وَالله أعلم فصل فِي مَأْخَذ هَذِه الْأَقْوَال وَهِي نَوْعَانِ لَفْظِي ومعنوي فاللفظي الِاقْتِصَار على مَا أثْبته النَّص بعد النَّفْي الْعَام وَهِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث فَقَط فَلَا يجوز فِي غَيرهَا وَهَؤُلَاء جعلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أكل المَال بِهَذِهِ الثَّلَاثَة مُسْتَثْنى من جَمِيع أَنْوَاع المغالبات وَقَالُوا لَيْسَ غَيرهَا فِي مَعْنَاهَا حَتَّى يلْحق بهَا فَإِن سَائِر هَذِه الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة لَا يتَضَمَّن مَا تتضمنه هَذِه الثَّلَاثَة من الفروسية وَتعلم أَسبَاب الْجِهَاد واعتيادها وتمرين الْبدن عَلَيْهَا فَأَيْنَ هَذِه من السباحة والمشابكة وَالسَّعْي والصراع والعلاج واللعب بالحمام فَلَا نَص وَلَا قِيَاس قَالُوا ويوضح هَذَا أَن الْخَيل وَالْإِبِل هِيَ الَّتِي عهِدت الْمُسَابقَة عَلَيْهَا بَين الصحابه فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي الَّتِي سَابق عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسابق على بغل وَلَا حمَار قطّ لَا هُوَ وَلَا أحد من أَصْحَابه مَعَ وجود الْحمير وَالْبِغَال عِنْدهم وَالْخَيْل هِيَ الَّتِي تصلح للكر والفر ولقاء الْعَدو وَفتح الْبِلَاد وَأما أَصْحَاب الْحمير فَأهل الذلة والقلة وَلَا مَنْفَعَة بهم فِي الْجِهَاد أَلْبَتَّة فقياسها على الْخَيل من أفسد الْقيَاس وَفهم حوافرها من حوافر الْخَيل من أبعد الْفَهم وَالْخَيْل هِيَ الَّتِي يُسهم لَهَا فِي الْجِهَاد دون البغال وَالْحمير وَهِي الَّتِي أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْخَيْر مَعْقُود بنواصيها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِي الَّتِي ورد الْحَث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على اقتنائها وَالْقِيَام عَلَيْهَا وَأخْبر بِأَن أبوالها وأرواثها فِي ميزَان صَاحبهَا وَهِي الَّتِي جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تأديبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَتَعْلِيمهَا وتمرينها على الْكر والفر من الْحق بِخِلَاف غَيرهَا من الْحَيَوَانَات وَهِي الَّتِي أَمر الله سُبْحَانَهُ الْمُؤمنِينَ برباطها إعادا لعَدوه فَقَالَ {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} [الْأَنْفَال: 6] وَهِي الَّتِي ضمن الْعِزّ لأربابها والقهر لمن عاداهم فظهروها عز لَهُم وحصون ومعاقل وَهِي الَّتِي كَانَت أحب الدَّوَابّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أكْرم الداب وَأَشْرَفهَا نفوسا وأشبهها طبيعة بالنوع الإنساني فصل وَأما الرَّمْي بالنشاب فقد تقدم ذكر منفعَته وتأثيره ونكايته فِي الْعَدو وَخَوف الْجَيْش الَّذِي لَا رامي فيهم من رام وَاحِد فَقِيَاس المقاليع والثقاف وَالرَّمْي بالمسالي وَنَحْو ذَلِك عَلَيْهِ من أبطل الْقيَاس صُورَة وَمعنى وَالرَّمْي بالمزاريق والحراب وَإِن كَانَ فِيهِ نكاية فِي الْعَدو فَلَيْسَ مثل نكاية الرَّمْي بالنشاب وَلَا قَرِيبا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَبِالْجُمْلَةِ فَغير هَذِه الثَّلَاثَة الْمَشْهُورَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث لَا تشبهها لَا صُورَة وَلَا معنى وَلَا يحصل مقصودها فَيمْتَنع إلحاقها بهَا هَذَا تَقْرِير مَذْهَب المقتصرين على الثَّلَاثَة كمالك وَأحمد وَكثير من السّلف وَالْخلف قَالَت الشَّافِعِيَّة المغالبات الَّتِي تسْتَعْمل فِي الفروسية والشجاعة ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا يُوجد فِيهِ لفظ الحَدِيث وَمَعْنَاهُ فَيجوز أَخذ السَّبق عَلَيْهِ كالخيل وَالْإِبِل والفيل على الْأَصَح والبغل وَالْحمار فِي أحد الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي مَا يُوجد فِيهِ الْمَعْنى دون اللَّفْظ كالرمي بالمقاليع وَالْحِجَارَة والسفن والعدو على الْأَقْدَام فَفِيهِ وَجْهَان وَالْمَنْع أظهر لِخُرُوجِهِ عَن اللَّفْظ الثَّالِث مَا لَا يُوجد فِيهِ الْمَعْنى وَلَا اللَّفْظ كالحمام والصراع والشباك فَهُوَ أولى بِالْمَنْعِ قَالَ الْحَنَفِيّ النَّص على هَذِه الثَّلَاثَة لَا يَنْفِي الْجَوَاز فِيمَا عَداهَا وَقَوله لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل يُرِيد بِهِ لَا سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 كَامِلا ونافعا وَنَحْوه وبذل السَّبق هُوَ من بَاب الجعالات فَيجوز فِي كل عمل مُبَاح يجوز بذلك الْجعل فِيهِ فَالْعقد من بَاب الجعالات فَهِيَ لَا تخْتَص بِالثَّلَاثَةِ وَقد ذكر الْجوزجَاني فِي كِتَابه المترجم حَدثنَا الْعقيلِيّ ثَنَا يحيى بن يمَان عَن ابْن جريج قَالَ قَالَ عَطاء السَّبق فِي كل شَيْء ذكر هَذَا فِي (بَاب تَرْجَمَة مَا تجوز فِيهِ الْمُسَابقَة) فمذهب أبي حنيفَة فِي هَذَا الْبَاب أوسع الْمذَاهب ويليه مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب مَالك أضيق الْمذَاهب ويليه مَذْهَب أَحْمد وَمذهب أبي حنفة هُوَ الْقيَاس لَو أَن السَّبق الْمَشْرُوع من جنس الْجعَالَة ومنازعوه أَكْثَرهم يسلم لَهُ أَنه من بَاب الجعالات فألزمهم الْحَنَفِيَّة القَوْل بِجَوَاز السَّبق فِي الصُّور الَّتِي منعوها فَلم يفرقُوا بفرق طائل وألزموا الْحَنَفِيَّة أَنَّهَا لَو كَانَت من بَاب الجعالات لما اشْترط فِيهَا مُحَلل إِذا كَانَ الْجعل من المتسابقين كَمَا لَا يشْتَرط فِي سَائِر الجعلات إِذا جعل كل مِنْهُمَا جعلا لمن يعْمل لَهُ نَظِير مَا يعمله هُوَ للْآخر وَهَذَا مُشْتَرك الْإِلْزَام بَين الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنَّهُم سلمُوا لَهُ أَنَّهَا من بَاب الجعالات ثمَّ اقتصروا بهَا على بعض الْأَعْمَال الْمُبَاحَة واشترطوا فِيهَا الْمُحَلّل إِذا كَانَ الْجعل مِنْهُمَا هَذَا مُخَالف لقاعدة بَاب الْجعَالَة وَقَالَت طَائِفَة ثَالِثَة لَيْسَ هَذَا من الْجعَالَة فِي شَيْء فَإِنَّهُ من الْمَعْلُوم أَن المتسابقين إِذا أخرج أَحدهمَا سبقا للْآخر إِذا غَلبه لَيْسَ مَقْصُوده أَن يغلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الآخر وَيَأْخُذ مَاله فَإِن هَذَا لَا يَقْصِدهُ عَاقل فَكيف يقْصد الْعَاقِل أَن يكون مَغْلُوبًا خاسرا بل مَقْصُوده أَن يكون غَالِبا كاسبا كَمَا يقْصد الْمُجَاهِد والجعالة قصد الْبَاذِل فِيهَا حُصُول الْعَمَل من الآخر ومعاوضته عَلَيْهِ بِمَالِه وَهَذَا عكس بَاب الْمُسَابقَة فَإِن الْمُسَابقَة هِيَ عَليّ صُورَة الْجِهَاد وشرعت تموينا وتدريبا وتوطينا للنَّفس عَلَيْهِ والمجاهد لَا يقْصد أَن يغلب ويسلب وَإِن كَانَ قد يَقع ذَلِك من آحَاد الْمُجَاهدين إِذا قصد الانغماس فِي الْعَدو وَأَن يستشهد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَهَذَا يحمد إِذا تضمن مصلحَة للجيش وَالْإِسْلَام كَحال الْغُلَام الَّذِي أَمر الْملك بقتْله ليتوصل بذلك إِلَى إِسْلَام النَّاس وَقد يتَّفق فِي المتسابقين ذَلِك إِذا كَانَ قصد الْبَاذِل تمرين من يسابقه وإعانته على الفروسية وتفريح نَفسه بالغلب وَالْكَسْب لَا سِيمَا إِذا كَانَ مَعَ ذَلِك من يحب تَعْلِيمه كولده وخادمه وَنَحْوهمَا وَهَذَا الْبَاذِل قد يقْصد فِي سبقه وَعلمه ليظْهر الآخر عَلَيْهِ ويفرح نَفسه بذلك وَيكون قَصده أَن يغلبه وَيُعْطِي مَا بذل لَهُ وَهَذَا قد يَقع وَلكنه لَيْسَ بالغالب بل الغلب خِلَافه وَهُوَ مسابقة النظراء بَعضهم لبَعض وَالْأول مسابقة الْمعلم للمتعلم والمقصور أَن هَذَا (لَيْسَ) هُوَ الْجعَالَة الْمَعْرُوفَة مَعَ أَن النَّاس متنازعون فِي الْجعَالَة فَإِنَّهُ أبطلها طَائِفَة من أهل الْعلم وأدخلوها فِي قسم الْغرَر والقمار وَقَالُوا الْعَمَل فِيهَا غير مَعْلُوم فَإِنَّهُ إِذا قَالَ من رد عَبدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فَلهُ كَذَا وَمن شفى مريضي فَلهُ كَذَا لم يعرف مِقْدَار الْعَمَل وَلَا زَمَنه وَهَذَا قَول بعض الظَّاهِرِيَّة وَلَكِن الْأَكْثَرُونَ على خلاف قَوْلهم وَهُوَ الصَّوَاب قطعا وَلَكِن هِيَ عقد جَائِز إِذْ الْعَمَل فِيهَا غير مَعْلُوم بِخِلَاف الْإِجَارَة اللَّازِمَة وَلِهَذَا يجوز أَن يَجْعَل للطبيب جعلا على الشِّفَاء كَمَا جعل (أهل) الْحَيّ لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلا على الشِّفَاء بالرقية لسَيِّد الْحَيّ الدّين استضافوهم (فَأَبَوا) وَلَا يجوز أَن يسْتَأْجر الطَّبِيب على الشِّفَاء لِأَنَّهُ عير مَقْدُور لَهُ وَالْعَمَل غير مضبوط لَهُ فباب الْجعَالَة أوسع من بَاب الْإِجَارَة وَعقد الْمُسَابقَة لَيْسَ بِوَاحِد من الْبَابَيْنِ بل هُوَ عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَهُ أَحْكَام يخْتَص بهَا وَمن أدخلهُ فِي أحد الْبَابَيْنِ تنَاقض كَمَا تقدم فصل فِي تَحْرِير الْمذَاهب فِي كَيْفيَّة بذل السَّبق وَمَا يحل مِنْهُ وَمَا يحرم وللمسألة ثَلَاث صور أَحدهَا أَن يكون الْبَاذِل غَيرهمَا إِمَّا الإِمَام أَو أحد الرّعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الثَّانِيَة أَن نَكُون الْبَاذِل أَحدهمَا وَحده الثَّالِثَة أَن يكون الْبَذْل مِنْهُمَا مَعًا فمنعت طَائِفَة بذل السَّبق من المتسابقين أَو من أَحدهمَا وَقَالَت لَا يكون إِلَّا من الإِمَام أَو رجل غَيره وَهَذَا قَول الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَحجَّة هَذَا القَوْل أَنه مَتى كَانَ الْبَاذِل أَحدهمَا فَإِنَّهُ لَا تطيب نَفسه بِأَن يغلب وَيُؤْخَذ مَاله فَإِذا غلب أكل السَّابِق مَاله بِغَيْر طيب نَفسه وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْبَاذِل الإِمَام أَو أَجْنَبِيّا عَنْهُمَا فَإِنَّهُ تطيب نَفسه ببذل المَال لمن يسْبق فَلَا يكون مَاله مَأْكُولا بِغَيْر طيب نفس وَلَا يلْزم من هَذَا القَوْل الْمَنْع إِذا كَانَ الْبَذْل من كل وَاحِد مِنْهُمَا وَأَنه يكون أولى بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ لم يخْتَص أحدهم ببذل مَاله لمن يغلبه بل كل مِنْهُمَا باذل مبذول لَهُ فهما سَوَاء فِي الْبَذْل وَالْعَمَل ويسعد الله بسبقه من شَاءَ من خلقه وكل مِنْهُمَا خَاص لنَفسِهِ راج لإحراز مَاله والفوز بِمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 صَاحبه فَلم يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر وَأما إِذا كَانَ الْبَاذِل أَحدهمَا فَإِن سبق رَجَعَ إِلَيْهِ مَاله وَلم يَأْخُذ من الآخر شَيْئا وَإِن كَانَ مَسْبُوقا غرم مَاله وَالْآخر إِن سبق غنم وَإِن سبق لم يغرم والعقود مبناها على الْعدْل من الْجَانِبَيْنِ وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن العقد الْمُشْتَمل على الْإِخْرَاج مِنْهُمَا مَعًا أحل من العقد الَّذِي انْفَرد أَحدهمَا فِيهِ بِالْإِخْرَاجِ وَأجِيب صَاحب هَذَا القَوْل بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق جَوَاز السَّبق فِي هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَلم يَخُصُّهُ بباذل خَارج عَنْهُمَا فَهُوَ يتَنَاوَل حل السَّبق من كل باذل قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِنَّه لَا تطيب نَفسه بِأَكْل مَاله فَإِنَّهُ لما الْتزم بذله عَن كَونه مَغْلُوبًا حل للْغَالِب أكله بِحكم الْتِزَامه الِاخْتِيَارِيّ الَّذِي لم يجْبرهُ أحد عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَو نذر إِن سلم الله غائبه أَن يتَصَدَّق على فلَان بِكَذَا وَكَذَا فَوجدَ الشَّرْط فَإِنَّهُ يلْزمه إِخْرَاج مَا الْتَزمهُ وَيحل للْآخر أكله وَإِن كَانَ عَن غير طيب نَفسه قَالُوا وَالَّذِي حرمه الشَّارِع من أكل مَال الْمُسلم بِغَيْر طيب (نفس) مِنْهُ هُوَ أَن يكون مكْرها على إِخْرَاج مَاله فَأَما إِذا كَانَ بذله والتزامه بِاخْتِيَارِهِ لم يدْخل فِي الحَدِيث فصل (بذل السَّبق من أحد المتسابقين) وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى يجوز أَن يبْذل السَّبق أحدهم فَيَقُول إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 سبقتني فلك كَذَا وَيكرهُ أَن يَقُول إِن سبقتك فَعَلَيْك كَذَا فَيجوز أَن يكون باذلا وَيكرهُ أَن كَون طَالبا متقاضيا وَهَذَا مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة من أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود قَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب السَّعْدِيّ فِي كِتَابه (المترجم) حَدثنَا أَبُو صَالح أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ (كَانَ عَلْقَمَة لَهُ برذون يراهن عَلَيْهِ فَقلت لإِبْرَاهِيم كَيفَ كَانُوا يصنعون قَالَ أَن الرجل يَقُول لَو سبقتني فلك كَذَا وَكَذَا وَلَا يَقُول إِن سبقتك فلي كَذَا وَكَذَا وَإِن سبقتني فلك كَذَا وَكَذَا) وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب السَّبق لَهُ أخبرنَا حَمْزَة بن الْعَبَّاس أخبرنَا عَليّ بن سُفْيَان أَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ (لم يَكُونُوا يرَوْنَ بَأْسا أَن يَقُول إِن سبقتني فلك كَذَا وَكَذَا ويكرهون أَن يَقُول إِن سبقتك فَعَلَيْك كَذَا وَكَذَا) فصل (القَوْل بِأَن الْجعل فِي السَّبق من بَاب مَكَارِم الْأَخْلَاق لَا من بَاب الْحُقُوق ورده) (و) قَالَت طَائِفَة أُخْرَى بذل السَّبق من مَكَارِم الْأَخْلَاق فَلَا يقْضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 عَلَيْهِ بِهِ القَاضِي إِذا غلب وَلَا يجْبرهُ عَلَيْهِ كَمَا يقْضِي عَلَيْهِ بِمَا يلْزمه من الْحُقُوق وَالْأَمْوَال وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الْعدة إِن (شَاءَ) وفى بهَا وَإِلَّا لم يجْبر على الْوَفَاء قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ (إِذا قَالَ إِن سبقتك فلي كَذَا وَكَذَا فَإِن القَاضِي لَا يجْبرهُ على أَن يُعْطِيهِ) وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سباق الرَّمْي مَا يحل مِنْهُ قَالَ مَا كَانَ عَن طبي نفس لَا يتقاضاه صَاحبه وَهَذَا الْمَذْهَب فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن أربابه كَرهُوا أَن يكون الرجل باذلا متقاضيا كأصحاب الْمَذْهَب الَّذِي قبله الثَّانِي أَنهم جعلُوا الْجعل فِيهِ من بَاب مَكَارِم الْأَخْلَاق لَا بِمن بَاب الْحُقُوق الَّتِي (يجب) إيفاؤها كالوعد عِنْد من لم يُوجب الْوَفَاء بِهِ وَأَصْحَاب الْمَذْهَب الَّذِي قبله كَرهُوا أَن يكون أَن يكون الرجل باذلا متقاضيا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ باذلا كَانَ كمن بذل مَاله لما فِيهِ مَنْفَعَة للْمُسلمين وَهُوَ مُلْحق بالجعالة الَّتِي يعم نَفعهَا وَإِذا كَانَ متقاضيا طَالبا كرهوه لِأَنَّهُ كلب أكل مَال غَيره على وَجه يعود نَفعه إِلَى باذل المَال. وَهَذَا بِخِلَاف الآخر إِذا بذل لَهُ الْمخْرج من غير طلب مِنْهُ جَازَ لَهُ أَخذه إِذْ لَا يلْزم لايلزم من كَرَاهَة أكله على وَجه الطّلب (مَا يلْزم من) كَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 بذله وَلَا كَرَاهَة أكله إِذا جَاءَ من غير طلب وَمن أَرْبَاب هَذَا الْمَذْهَب من صرح بِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز أكل السَّبق إِذا لم يُؤْخَذ بِهِ رهن وَلَا يلْزم بِهِ باذله وَإِنَّمَا يكون تَبَرعا مَحْضا قَالَ ابْن وهب أَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن يحيى بن سعيد أَنه قَالَ إِذا سبق الرجل فِي الرَّمْي فَلَا بَأْس مَا لم يكن جَزَاء وَاحِدَة بِوَاحِدَة أَو يُؤْخَذ بِهِ رهن أَو يلْزم بِهِ صَاحبه قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كِتَابه حَدثنِي يَعْقُوب بن عبيد ثَنَا مُحَمَّد بن سَلمَة أنبأ أَن وهب (فَذكره) فَهَذَا القَوْل يَقْتَضِي أَنه لم يَجْعَل الْعِوَض فِيهِ لَازِما قطّ وَقد اشْترط فِيهِ أَن لَا يكون جَزَاء وَاحِدَة بِوَاحِدَة وَهَذَا يشبه أَن يكون المُرَاد بِهِ التسبيق من الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا من أضيق الْمذَاهب وَهُوَ مَذْهَب أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه (تَهْذِيب الْآثَار) (وَإِذا امْتنع الْمَسْبُوق من أَدَاء السَّبق إِلَى السَّابِق أَو الْفَاضِل فَإِنَّهُ لَا يجْبر على أَدَاء ذَلِك إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يسْتَحقّهُ عوضا على معتاض عَنهُ وَلَا ألزمهُ الله بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عدَّة فَحسب وَمن جميل الْأَخْلَاق الْوَفَاء بِهِ فَإِن شح بِالْوَفَاءِ بِهِ لم يقْض عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين الْجَمِيع أَن رجلا لَو وعد رجلا هبة شَيْء من مَاله مَعْلُوم ثمَّ لم يَفِ لَهُ بِشَيْء أَنه لَا يقْضى عَلَيْهِ بِهِ ثمَّ أورد على نَفسه سؤالا فَقَالَ (فَإِن قيل كَيفَ خص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِجَازَة السَّبق فِيمَا أجَاز ذَلِك فِيهِ إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 كَانَ مَا يخرج مِنْهُ على غير وجوب وَحقّ يلْزم فِي مَال الْمخْرج والهبات جَائِزَة على السَّبق وَغَيره وأجب عَنهُ بِأَن قَالَ خُصُوص جَوَاز السَّبق فِيمَا خص ذَلِك مِنْهُ لم يكن لإلزامه للسبق وَإِنَّمَا ذَلِك لكَونه على وَجه اللَّهْو دون سَائِر الملاهي (غَيره) لَا على أَن مَا وعد بِهِ المسبق الْوَفَاء بِهِ فمأخوذ بِهِ على كل حَال وَحجَّة هَذَا القَوْل أَن بذل المَال فِي الْمُسَابقَة تبرع كالوعد وَلَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ بل يسْتَحبّ فَإِن الْبَاذِل لم يبْذل مُعَاوضَة فَإِنَّهُ لم يرجع ليه عوض مَا بذله لَهُ من المَال وَإِنَّمَا هُوَ عَطِيَّة وتبرع لمن يسْبق فَهُوَ كَمَا لَو وعد من يسْبق إِلَى حفظ سُورَة أَو بَاب من الْفِقْه بِشَيْء من المَال قَالُوا والتبرعات ينْدب إِلَى الْوَفَاء بهَا وَلَا يقْضى عَلَيْهِ بِهِ وَإِذا أورد على هَؤُلَاءِ تَخْصِيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة بِالسَّبقِ دون غَيره كَانَ جوابهم أَن التَّخْصِيص بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَة بِكَوْنِهَا من الْحق فالسبق فِيهَا إِعَانَة على الْحق كإعانة الْحَاج والصائم والغازي على حجه وصومه وغزوه فبذل المَال فِيهَا بذل على حق وَطَاعَة بِخِلَاف غَيرهَا وعَلى قَول هَؤُلَاءِ فَلَا حَاجَة إِلَى مُحَلل أصلا لِأَن باذل المَال يبذله لمن كَانَ أقوى على طَاعَة الله فَأَيّهمَا غلب أَخذه كَمَا يذكر عَن الشَّافِعِي أَنه كَانَ يسْأَل بعض أَهله عَن الْمَسْأَلَة وَيَقُول من أجَاب فِيهَا أَعْطيته درهما وَهَذَا كَقَوْل الإِمَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن جَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 بِرَأْس من رُؤُوس الْمُشْركين فَلهُ كَذَا وَكَذَا مَا يَجْعَل فِيهِ الْجعل لمن فضل غَيره فِي عمل بر ليَكُون ذَلِك مرغبا للنفوس فِيمَا يستعان بِهِ على طَاعَة الله ومرضاته وَلِهَذَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّهْو الْبَاطِل فَهَذَا تَحْرِير هَذَا الْمَذْهَب (وَتَقْرِيره) فصل (بذل الْجعل من الإِمَام أَو أَجْنَبِي) وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى يجوز بذل الْجعل من الإِمَام أَو أَجْنَبِي وَأما إِن كَانَ الْبَاذِل أَحدهمَا جَازَ بِشَرْط أَن لَا يعود السَّبق إِلَى الْمخْرج بل إِن كَانَ مَعَهُمَا غَيرهمَا كَانَ لمن يَلِيهِ وَإِن كَانَا اثْنَيْنِ فَقَط كَانَ لمن حضر وسر هَذَا القَوْل أَن مخرج السَّبق لَا يعود إِلَه سبقه بِحَال وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَقَالَ أَبُو بكر الطرطوشي وَهُوَ قَوْله الْمَشْهُور وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر اتّفق ربيعَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ على أَن الْأَشْيَاء المستبق بهَا لَا ترجع إِلَى المسبق بهَا على كل حَال يُرِيد أَن السَّبق لَا يرجع عِنْد هَؤُلَاءِ إِلَى مخرجه بِحَال وَقَالَ وَخَالفهُم الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَغَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وعَلى هَذَا القَوْل فَإِذا سبق الْمخْرج كَانَ سبقه طعمة لمن حضر سَوَاء شَرط ذَلِك أم لَا وَعَن مَالك رِوَايَة ثَانِيَة رَوَاهَا ابْن وهب عَنهُ أَنه إِذا اشْترط السَّبق لمن سبق جَازَ سَوَاء كَانَ مخرجا أَو لم يكن وعَلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يكون طعمة لمن حضر وَإِنَّمَا يكون للسابق (فَإِن) شَرط (على) هَذِه الرِّوَايَة أَن يكون السَّبق طعمة للحاضرين فال الطرطوشي (لم يجز فِي قَول مُعظم الْعلمَاء) قَالَ (وَهَكَذَا يَجِيء على قَول مَالك فَإِن أخرجَا مَعًا وَلم يكون مَعَهُمَا غَيرهم لم يجز قولا وَاحِدًا فِي مذْهبه وَإِن كَانَ مَعَهُمَا مُحَلل فَعَنْهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ أحداهما الْمَنْع كَمَا لَو لم يكن مُحَلل وَهِي الْمَشْهُورَة عَنهُ قَالَ ابْن عبد الْبر قَالَ مَالك لَا نَأْخُذ بقول سعيد بن الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل فِي الْخَيل قَالَ ابْن شاش وَهَذِه الْمَشْهُورَة عَنهُ (و) الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه يجوز بالمحلل كَقَوْل سعيد بن الْمسيب قَالَ أَبُو عمر (و) هُوَ الأجود من قوليه وَقَول ابْن الْمسيب وَجُمْهُور أهل الْعلم وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَوَّاز وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فصل (حجَّة القَوْل السَّابِق) وَحجَّة هَذَا القَوْل أَنه لَا يعود إِلَى الْمخْرج سبقه بِحَال أَنه مَتى عَاد إِلَيْهِ إِذا كَانَ غَالِبا لم يكن جعَالَة لِأَن الْإِنْسَان لَا يبْذل الْجعل من مَاله لنَفسِهِ (على) عمل يعمله فَإِذا كَانَ سَابِقًا فَلَو أحرز سبق نَفسه لَكَانَ قد بذل من مَال نَفسه جعلا على عمل يعمله هُوَ وَهَذَا غير جَائِز فَإِنَّهُ لَا يحصل لَهُ بذلك فَائِدَة قَالُوا وَأَيْضًا فَفِيهِ شبه الْقمَار لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يغرم وَإِمَّا أَن يسلم وَهَذَا شَأْن الْقمَار بِخِلَاف الْجَاعِل إِذا كَانَ أَجْنَبِيّا فَإِنَّهُ غَارِم لَا محَالة قَالُوا فالجاعل هُنَا يلْزمه بذل المَال الَّذِي جعله للسابق لِأَنَّهُ بذله على عمل وَقد وجد كَمَا يلْزم ذَلِك فِي نَظَائِره قَالُوا وَهَذَا على أصُول أهل الْمَدِينَة ألزم فَإِنَّهُ يلْزمه الْوَفَاء بالوعد إِذا تضمن تَقْرِير كمن قَالَ لغيره تزوج وَأَنا أنقد عَنْك الْمهْر واستدن وكل وَأَنا أوفي عَنْك وَنَحْو هَذَا وَهُوَ بِلَا خلاف عِنْدهم وَبِخِلَاف عندنَا وَأما إِذا لم يتَضَمَّن تقريرا فَفِيهِ خلاف بَين الْأَصْحَاب وَأَصْحَاب هَذَا القَوْل يَقُولُونَ مَتى كَانَ الْجَاعِل يغرم مُطلقًا فَهُوَ جَاعل وَمَتى كَانَ دائرا بَين أَمريْن كَانَ مقامرا سَوَاء دَار بَين أَن يغنم وَيغرم أَو بَين أَن يغرم وَيسلم أَو بَين أَن يغنم وَيسلم لِأَن المقامرة هِيَ المخاطرة عِنْدهم وَقد تقدم (مَا) فِي هَذِه الْحجَّة عِنْد ذكر الْوُجُوه الدَّالَّة على إبِْطَال الْمُحَلّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فصل (يجوز أَن يكون السَّبق من أحد المتسابقين أَو من كليهمَا أَو من ثَالِث) وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى يجوز أَن يكون السَّبق من احدهما وَمن كليهمَا وَمن ثَالِث وَيقْضى بِهِ إِذا امْتنع الْمَسْبُوق من بذله لَكِن إِن كَانَ مِنْهُمَا لم يجز إِلَّا بِمحل لَا يخرج شَيْئا وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَابْن الْمَوَّاز من الْمَالِكِيَّة ودخوله ليحلل السَّبق لَهما وعَلى هَذَا إِذا اشْترك هُوَ وَأَحَدهمَا فِي سبق الآخر كَانَ بَينهمَا وَإِن انْفَرد بسبقهما أحرز السبقين وَأَن سبقاه لم يأخذا مِنْهُ شَيْئا وَإِن جاؤوا مَعًا أحرز كل وَاحِد سبقه وَلَا شَيْء لمحلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَقد تقدّمت حجَّة هَؤُلَاءِ وَالْكَلَام عَلَيْهَا فصل فَسَاد القَوْل بِأَن الْمُحَلّل دخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ لَا للمتسابقين وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى مثل هَذَا إِلَّا أَنهم قَالُوا إِنَّمَا دخل الْمُحَلّل ليحل السَّبق لنَفسِهِ لَا لَهما وَهَذَا قَول مَالك على قَوْله بالمحلل فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَار أبي عَليّ بن خيران من الشَّافِعِيَّة وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ قولا للشَّافِعِيّ وعَلى قَول هَؤُلَاءِ إِذا سبق أَحدهمَا ثمَّ جَاءَ الآخر بعده ثمَّ الْمُحَلّل أحرز السَّابِق سبق نَفسه خَاصَّة دون سبق الآخر فَإِنَّهُ لَا يحرزه فَإِن الْمُحَلّل لم يدْخل لأَجله هُوَ وَإِنَّمَا دخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ وَلَا يحرزه الْمُحَلّل أَيْضا لِأَنَّهُ لم يسْبق فَيبقى على ملك صَاحبه وَهَذَا فَاسد فَإِن صَاحبه مَسْبُوق فَكيف يسلم وَهُوَ مَسْبُوق وَأي فَائِدَة حصلت للسابق وَكَيف يُؤْخَذ مَاله إِن غلب وَلَا يَأْخُذ مَال صَاحبه إِن غَلبه فَإِن سبق الْمُحَلّل وَأحد المخرجين للثَّالِث أحرز السَّابِق سبق نَفسه وَكَانَ سبق الآخر للمحلل وَحده عِنْد هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا دخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ إِذا جَاءَ سَابِقًا وَقد سبق الثَّالِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَهَذَا فَاسد ايضا فَإِن الأول قد سبق هَذَا الآخر ايضا واشترك هُوَ والمحلل فِي سبقه فَكيف ينْفَرد الْمُحَلّل بسبقه مَعَ اشتراكه هُوَ وَالْأول فِي سبقه وَمَعْلُوم أَن هَذَا لَيْسَ (من) مُوجب العقد وَالشّرط وَلَا مُوجب الشَّرْع ومقتضيات الْعُقُود تتلقى تَارَة من الشَّارِع وَتارَة من الْمُتَعَاقدين وَهَذَا لم يتلق لَا من الشَّارِع وَلَا من الْعَاقِد وَإِن سبق الْمُحَلّل ثمَّ جَاءَ أحد المخرجين بعده ثمَّ الثَّالِث بعدهمَا أحرز الْمُحَلّل السبقين على الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا هوا الصَّحِيح (قَولَانِ لبَعض الشَّافِعِيَّة وكشف فسادهما) وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى من الشَّافِعِيَّة سبق الثَّالِث بَين الْمُحَلّل وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ وَسبق الثَّانِي يخْتَص بِهِ الْمُحَلّل (دون) الثَّانِي لِأَن الْمُحَلّل وَالثَّانِي قد اشْتَركَا فِي سبق الثَّالِث فيشتركان فِي سبقه وَقد انْفَرد الْمُحَلّل فِي سبق الثَّانِي فَيخْتَص (ب) سبقه وَهَذَا وهم (أَيْضا) لِأَن الْمُحَلّل قد سبقهما وَالثَّانِي مَسْبُوق (ف) كَيفَ يُشَارك السَّابِق وَقَوْلهمْ قد اشْتَركَا هُوَ والمحلل فِي سبق الثَّالِث غير مُسلم فَإِن السَّبق الَّذِي حصل للْأولِ لم يشركهُ فِيهِ غَيره بل انْفَرد بِهِ وَسبق الثَّانِي ملغي بسبق الأول فَسبق الثَّانِي مُقَيّد الأول مُطلق فَهُوَ السَّابِق حَقِيقَة وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم بل يكون سبق الثَّالِث للثَّانِي وَحده وَهَذَا أفسد من الأول وَكَأن قَائِل هَذَا القَوْل رأى أَن الثَّانِي لما كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 سَابِقًا مَسْبُوقا اعْتبر الوصفين فِي حَقه فَأخْرج مِنْهُ السَّبق إِلَى الأول لكَونه مَسْبُوقا وَأَعْطَاهُ سبق الثَّالِث لكَونه سَابِقًا لَكِن هَذَا غلط فَإِن الأول قد سبقهما سبقا مُطلقًا وَهُوَ لَو سبق الثَّالِث فَقَط لَا يسْتَحق سبقه فَكيف إِذا سبق سَابق الثَّالِث مَعَ سبقه لَهُم وَقَوْلهمْ إِنَّه سَابق مَسْبُوق فيراعي فِي حَقه الوصفان جَوَابه أَن يُقَال بل هُوَ مَسْبُوق وَكَونه سَابِقًا ملغى بسبق الأول لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْفَعهُ كَونه سَابِقًا إِذا لم يسْبقهُ غَيره فصل وَإِن سبق أَحدهمَا وَجَاء الْمُحَلّل والأخر مَعًا لم يكن للمحل شَيْء ويحرز السَّبق سبق نَفسه وَسبق الآخر على قَول الطَّائِفَة الأولى وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكون سبق الآخر (لَهُ) لَا يَأْخُذهُ الْمُحَلّل لِأَنَّهُ لم يسْبقهُ وَلَا الأول لِأَن دُخُول الْمُحَلّل إِنَّمَا كَانَ ليحل السَّبق لنَفسِهِ وعَلى هَذَا فَإِذا سبق أَحدهمَا وَجَاء الْمُحَلّل بعده وَتَأَخر الثَّالِث فعلى قَول الْأَوَّلين يحرز الأول السبقين لسبقه وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكون سبق الثَّالِث للمحلل لِأَنَّهُ دخل ليحل السَّبق لنَفسِهِ وَقد سبق الثَّالِث فصل (قَول فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَبَيَان مُخَالفَته لِلْأُصُولِ من وُجُوه) وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى إِذا أخرجَا مَعًا لم يجز إِلَّا بِمُحَلل إِلَّا أَن الْمُحَلّل إِن سبقهما لم يَأْخُذ مِنْهُمَا وَإِن سبقاه أعطاهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَهَذَا قَول فِي مَذْهَب أبي حنيفَة حَكَاهُ ابْن بلدجي فِي شرح مُخْتَار الْفَتْوَى فَقَالَ فِي مَسْأَلَة الْمُحَلّل وَقيل فِي الْمُحَلّل إِن سبقاه أعطاهما وَإِن سبقهما لم يَأْخُذ مِنْهُمَا قَالَ وَهُوَ جَائِز أَيْضا وَهَذَا لفظ الشَّارِع وَذكره ابْن الساعاتي فِي شرح مجمع الْبَحْرين لَهُ وَهَذِه الطَّرِيقَة بعيدَة جدا وَمُخَالفَة لِلْأُصُولِ من وُجُوه أَحدهَا أَن يغرم إِن كَانَ مَسْبُوقا وَلَا يغنم إِن كن سَابِقًا الثَّانِي أَنه يغرم مَا لم تلْزم غرامته وَلَو أخرج لم يكن محللا وَاحْتَاجَ العقد إِلَى مُحَلل آخر الثَّالِث أَن مبْنى هَذَا العقد إِذا أخرجَا مَعًا على الْعدْل وَالْعدْل إِن كَانَ وَاحِد من المتسابقين لَا يتَمَيَّز عَن الآخر بل إِن سبق أَخذ وَإِن سبق غرم فَإِذا كَانَ الْمُحَلّل لَا يغنم إِن سبق وَيغرم إِن سبق لم يكن هَذَا عدلا وَكَأن قَائِل هَذَا (القَوْل) يلحظ أَن الْمَقْصُود دُخُول مُحَلل يحل السَّبق لغيره لَا لنَفسِهِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُور وَلَا يَأْخُذ شَيْء مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَو أَخذ إِن سبق لم يكن محللا بل يكون كأحدهما فَكَمَا يجوز أَن يَأْخُذ إِذا سبق يجوز ان يغرم إِذا سبق وَحِينَئِذٍ فَيُقَال فَيجوز أَن يخرج مَعَهُمَا وَيخرج عَن كَونه محللا وَإِلَّا فَكيف يغرم إِن سبق وَلَا يغنم إِن سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ولقائله أَن يَقُول كَمَا أَنكُمْ قُلْتُمْ إِن سبق أَخذ وَإِن سبق لم يغرم وَلم يكن هَذَا ظلما وجعلتم هَذَا خَاصَّة للمحلل ليتميز عَن المخرجين فَهُوَ إِمَّا أَن يغنم وَإِمَّا أَن يسلم مَعَ كَونه مَغْلُوبًا وَهُوَ بِخِلَاف أحد المخرجين فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا غرم فَبِمَ تنكرون على من يَقُول بِهِ بل خاصيته أَن يغرم إِن جَاءَ مَسْبُوقا وَلَا يغنم إِن جَاءَ سَابِقًا لِأَنَّهُ لَو غنم لخرج عَن أَن يكون محللا فَإِذا كَانَت خاصية الْمُحَلّل أَن لَا يكون دائرا بَين الْغنم وَالْغُرْم أصلا فَأَي فرق بَين أَن يكون دائرا بَين أَن يغنم وَيسلم أَو يغرم وَيسلم فَكَمَا صنتموه عَن الغرامة إِذا كَانَ مَسْبُوقا ليتميز عَنْهُمَا منعناه نَحن من الْمغنم إِذا كَانَ سَابِقًا لهَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه فَهَذَا القَوْل عكس قَوْلكُم فِي الْمَعْنى وَمثله فِي المأخذ وكل مَا تلزمونا بِهِ إِذا كَانَ سَابِقًا وَلم يغنم نلزمكم بِهِ إِذا كَانَ مَسْبُوقا وَلم يغرم قَالُوا والْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي هَذَا القَوْل وَلَا قَوْلكُم وَلَا (مَا) يبطل وَاحِدًا من الْقَوْلَيْنِ فَلَا يُمكن أَن تُبْطِلُوا قَوْلنَا بِهِ وَلَكِن يبقي التَّرْجِيح فِي أَي الْقَوْلَيْنِ أقرب إِلَى خُرُوج العقد بِهِ عَن الْقمَار إِن كَانَ بالمحلل يخرج عَن الْقمَار وَأما حكم الْمُحَلّل فَلَا تعلق لَهُ بِالْحَدِيثِ غير أَنه يكون مكافئا لَهما فِي الرَّمْي وَالرُّكُوب وَلَا يَأْمَن إِن سبقاه فَحسب فصل قَالَ المنكرون للمحلل الدخيل تَأمل هَذِه الْأَقْوَال والطرق واختلافها فِي الْمُحَلّل ومصادمة بَعْضهَا بِبَعْض ومناقضة بَعْضهَا لبَعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَفَسَاد الْفُرُوع واللوازم يدل على فَسَاد الأَصْل والملزوم وكل مَا كَانَت من عِنْد غير الله فَلَا بُد أَن يَقع فِيهِ اخْتِلَاف كثير وَلَيْسَ وَاحِد من هَذِه الْأَقْوَال بِأولى بِالصِّحَّةِ من الآخر وَلَا دلّ الحَدِيث على تَقْدِير ثُبُوته على شَيْء مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ آراء يصادم بَعْضهَا بَعْضًا وينقض بَعْضهَا بَعْضًا فَكل بِكُل معَارض ووكل بِكُل مُنَاقض قَالُوا وَقد قَالَ عَمْرو بن دِينَار قَالَ رجل عِنْد جَابر بن زيد إِن أَصْحَاب مُحَمَّد كَانُوا لَا يرَوْنَ بالدخيل بَأْسا فَقَالَ إِنَّهُم كَانُوا أعف من ذَلِك (و) انْظُر إِلَى فقه الصَّحَابَة وجلالتهم وَقَول جَابر إِنَّهُم كَانُوا أعف من أَن يحتاجوا إِلَى دخيل قَالَ السَّعْدِيّ فِي كتاب المترجم حَدثنَا أَبُو صَالح أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عمْرَة (فَذكره) وَنحن نقُول كَمَا قَالَ جَابر بن زيد (وَإِنَّهُم كَانُوا أفقه من ذَلِك) فصل ثمَّ افترق منكرو التَّحْلِيل فرْقَتَيْن إِحْدَاهمَا منعت الْإِخْرَاج من الِاثْنَيْنِ (مُطلقًا وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك وَمن قَالَ بقوله وَفرْقَة جوزته بِغَيْر مُحَلل قَالَ شيخ الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَهُوَ مُقْتَضى الْمَنْقُول عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قَالَ وَمَا علمت فِي الصَّحَابَة من اشْترط الْمُحَلّل وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف عَن سعيد بن الْمسيب وَعنهُ تَلقاهُ النَّاس وَلِهَذَا قَالَ مَالك لَا نَأْخُذ بقول سعيد ين الْمسيب فِي الْمُحَلّل وَلَا يجب الْمُحَلّل وَالَّذِي مَشى هَذَا القَوْل هَيْبَة قَائِله وهيبة إِبَاحَة الْقمَار وظنوا أَن هَذَا مخرج للْعقد عَن كَونه قمارا فَاجْتمع عَظمَة سعيد عِنْد الْأمة وعظمة الْقمَار وقبحه وَلم يكن بُد من إِبَاحَة السَّبق كَمَا أَبَاحَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يمْنَع نَص من الْإِخْرَاج مِنْهُمَا وَقد قَالَ عَالم الْإِسْلَام فِي وقته إِن العقد بِدُونِهِ قمار فَهَذَا الَّذِي مَشى هَذَا القَوْل وَالله أعلم فصل (مَنْهَج المُصَنّف فِي الْبَحْث والتأليف واعتماده على الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة) فَتَأمل أَيهَا الْمنصف هَذِه الْمذَاهب وَهَذِه المآخذ لتعلم ضعف بضَاعَة من قمش شَيْئا من الْعلم (من) غير طائل وارتوى من غير مورد وَأنكر غير القَوْل لذِي قَلّدهُ بِلَا علم وَأنكر على من ذهب إِلَيْهِ وَأفْتى بِهِ وانتصر لَهُ وَكَأن مذهبَة وَقَول من قَلّدهُ عيارا على الْأمة بل عيار على الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ الْمُحكم ونصوصهما متشابهة فَمَا وَافق قَول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قَلّدهُ مِنْهُمَا احْتج بِهِ وَقَررهُ وصال بِهِ وَمَا خَلفه تَأَوَّلَه أَو فوضه فالميزان الرَّاجِح هُوَ قَوْله ومذهبه قد أهْدر مَذَاهِب الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين فَلَا ينظر فِيهَا إِلَّا نظر من ردهَا رَاغِبًا عَنْهَا غير مُتبع لَهَا حَتَّى كَأَنَّهَا شَرِيعَة أُخْرَى وَنحن نبرأ إِلَى الله من هَذَا الْخلق الذميم والمرتع الَّذِي هُوَ على أَصْحَابه وخيم ونوالي عُلَمَاء المسلين ونتخير من أَقْوَالهم مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة ونزنها بهما لَا نزنهما بقول أحد كَائِنا من كَانَ وَلَا نتَّخذ من دون الله وَرَسُوله رجلا يُصِيب ويخطئ فنتبعه فِي كل مَا قَالَ ونمنع بل نحرم مُتَابعَة غَيره فِي كل مَا خَالفه فِيهِ وَبِهَذَا أوصانا أَئِمَّة الْإِسْلَام فَهَذَا عَهدهم إِلَيْنَا فَنحْن فِي ذَلِك على منهاجهم وطريقهم وهديهم دون من خَالَفنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فصل (عقد الرِّهَان عقد قَائِم بِنَفسِهِ) فَإِن قيل هَل العقد (هُوَ) من بَاب الْإِجَارَات أَو من بَاب الجعالات أَو من بَات المشاركات أَو من بَاب النذور والالتزامات أَو من بَاب العدات والتبرعات أَو عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ قَائِم بِرَأْسِهِ خَارج عَن هَذِه الْعُقُود فَالْجَوَاب إِنَّه عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ قَائِم بِرَأْسِهِ غير دَاخل فِي شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 من هَذِه الْعُقُود لانْتِفَاء أَحْكَامهَا عَنهُ (بطلَان كَون عقد الرِّهَان من عُقُود الْإِجَارَات) فَأَما بطلَان كَونه من عُقُود الْإِجَارَات فَمن وُجُوه أَحدهَا أَنه عقد جَائِز لكل مِنْهُمَا فَسخه قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل بِخِلَاف الْإِجَارَة الثَّانِي أَن الْعَمَل فِي الْإِجَارَة لَا بُد وَأَن يكون مَعْلُوما مَقْدُورًا للْأَجِير والسبق هَا هُنَا غير ملعوم لَهُ وَلَا مَقْدُور وَلَا يدْرِي أيسبق أم يسْبق وَهَذَا فِي الْإِجَارَة غرر مَحْض الثَّالِث أَن الْعَمَل فِي الْإِجَارَة يرجع إِلَى المسأجر وَالْمَال يعود إِلَى الْأَجِير فَهَذَا بذل مَاله وَهَذَا بذل نَفعه فِي مُقَابلَته فَانْتَفع كل مِنْهُمَا بِمَا عِنْد الآخر بِخِلَاف الْمُسَابقَة فَإِن الْعَمَل يرجع إِلَى السَّابِق الرَّابِع أَن الْأَجِير إِذا لم يوف الْعَمَل لم يلْزمه غرم والمراهن إِذا لم يَجِيء سَابِقًا غرم مَاله إِذا كَانَ مخرجا الْخَامِس أَن عقد الْإِجَارَة لَا يفْتَقر إِلَى مُحَلل وَهَذَا عنْدكُمْ يفْتَقر إِلَيْهِ فِي بعض صوره السَّادِس أَن الْأَجِير إِمَّا مُخْتَصّ وَإِمَّا مُشْتَرك وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذمَّته عمل يلْزمه الْوَفَاء بِهِ وَلَا يلْزمه تَسْلِيم نَفسه إِلَى الْعَاقِد مَعَه السَّابِع أَن الْأُجْرَة تجب بِنَفس العقد وتستحق بِالتَّسْلِيمِ والعوض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 هُنَا لَا يجب بِالْعقدِ وَلَا يسْتَحق بِالتَّسْلِيمِ الثَّامِن أَن الْأَجِير لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِي الْعَمَل من يقوم مقَامه وَيسْتَحق الْأُجْرَة وَلَيْسَ ذَلِك للمسابق التَّاسِع أَنه لَو أجر نَفسه على عمل بِشَرْط أَن يؤجره الآخر نَفسه على نَظِيره فَسدتْ الْإِجَارَة وَعقد السباق لَا يَصح إِلَّا بذلك فَإِن خلا عَن هَذَا لم يكن عقد سباق كَمَا أَنه إِذا قَالَ إِن أصبت من الْعشْرَة تِسْعَة فلك كَذَا وَكَذَا فَهَذَا لَيْسَ بِعقد رهان وَإِنَّمَا هُوَ تبرع لَهُ على عمل ينْتَفع هُوَ بِهِ أَو هُوَ وَغَيره أَو جعَالَة فِي هَذَا الْحَال يقْضِي عَلَيْهِ بِمَا الْتَزمهُ الْعَاشِر أَن الْأَجِير يحرص على أَن يُوفي الْمُسْتَأْجر غَرَضه والمراهن أحرص شَيْء على ضد غَرَض مراهنه وَهُوَ أَن يغلبه وَيَأْكُل مَاله وَبَينهمَا فروق كَثِيرَة يطول استقصاؤها فتأملها فصل بطلَان كَونه من بَاب الجعالات وَالَّذِي يدل على بطلَان كَونه من بَاب الجعالات وُجُوه أَحدهَا أَن الْعَامِل فِيهِ لَا يَجْعَل لمن يغلبه ويقهره وَإِنَّمَا يبْذل مَاله فِيمَا يعود نَفعه إِلَيْهِ وَلَو كَانَ بذله فِيمَا لَا ينْتَفع بِهِ لم يَصح العقد وَكَانَ سفها الثَّانِي أَن الْجعَالَة يجوز أَن يكون الْعَمَل فِيهَا مَجْهُولا كَقَوْلِه من رد عَبدِي الْآبِق فَلهُ كَذَا وَكَذَا بِخِلَاف عقد السباق فَإِن الْعَمَل فِيهِ لَا يكون إِلَّا مَعْلُوما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الثَّالِث أَنه يجوز أَن يكون الْعِوَض فِي الْجعَالَة مَجْهُولا كَقَوْل الإِمَام من دلَّنِي على حصن أَو قلعة فَلهُ ثلث مَا يغنم مِنْهُ أَو ربعه بِخِلَاف عقد السباق الرَّابِع أَن المراهن قَصده تعجيز خَصمه وَأَن لَا يُوفي عمله بِخِلَاف الْجَاعِل فَإِن قَصده حُصُول الْعَمَل المجعول لَهُ وتوفيته إِيَّاه وَأكْثر الْوُجُوه الْمُتَقَدّمَة فِي الْفرق بَينهمَا وَبَين الْإِجَارَة تَجِيء هَا هُنَا (بطلَان كَونه من عُقُود المشاركات) وَأما بطلَان كَونهَا من عُقُود المشاركات فَظَاهر جدا فَإِنَّهَا لَيْسَ نوعا من أَنْوَاع الشّركَة وَسَائِر أَحْكَامهَا منتفية عَنْهَا فصل بطلَان كَونه من بَاب النذور وَالَّذِي يبطل كَونه من بَاب النذور وُجُوه أَحدهَا أَن النَّاذِر قد الْتزم إِخْرَاج مَا عينه إِن حصل لَهُ مَقْصُوده والمسابق إِنَّمَا يلْزمه إِخْرَاج مَاله إِذا حصل ضد مَقْصُوده الثَّانِي أَن النَّاذِر مُلْتَزم إِخْرَاج مَا نَذره إِلَى غير الْغَالِب لَهُ والمسابق إِنَّمَا الْتزم إِخْرَاجه لمن غَلبه الثَّالِث أَن النَّاذِر لَا يلْزم أَن يكون مَعَه مثله يُشَارِكهُ فِي نَذره والمراهن بِخِلَافِهِ الرَّابِع أَن النّذر مَتى تعذر الْوَفَاء بِهِ انْتقل إِلَى بدله إِن كَانَ لَهُ بدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 شَرْعِي وَإِلَّا فكفارة يَمِين بِخِلَاف المراهن الْخَامِس أَن النّذر يَصح مُطلقًا ومعلقا كَقَوْلِه لله عَليّ صَوْم يَوْم وَإِن شفى الله مريضي فعلي صَوْم يَوْم بِخِلَاف الْمُسَابقَة السَّادِس أَن الْمُسَابقَة لَا تصح على الصَّوْم وَالْحج وَالِاعْتِكَاف وَالصَّلَاة والقرب الْبَدَنِيَّة وَلَا تكون إِلَّا على مَال بِخِلَاف النّذر السَّابِع أَن النّذر مَنْهِيّ عَنهُ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النّذر لَا يَأْتِي بِخَير بِخِلَاف الْمُسَابقَة فَإِنَّهُ مَأْمُور بهَا مرغب فِيهَا الثَّامِن أَن النّذر عقد لَازم لَا بُد من الْوَفَاء بِهِ والمسابقة عقد جَائِز التَّاسِع أَن النّذر حق لله بِمَا الْتَزمهُ بِهِ لَا يسْقط بِإِسْقَاط العَبْد وَمَا الْتَزمهُ بالمسابقة حق للْعَبد يسْقط بإسقاطه الْعَاشِر أَن النّذر لَا يلْزم أَن يكون جَزَاء على عمل وَيجوز أَن يكون على مَا لَا صنع للْعَبد فِيهِ أَلْبَتَّة كمجئ الْمَطَر وَحُصُول الْوَلَد ونمو الزَّرْع بِخِلَاف عقد الْمُسَابقَة فَإِن قيل فَهَب أَنه لَيْسَ من بَاب نذر التبرر فَمَا الَّذِي يبطل كَونه من بَاب نذر اللجاج وَالْغَضَب وَشبهه بِهِ ظَاهر فَإِن المراهن يَقُول لخصمه إِن غلبتني فلك من مَالِي كَذَا وَكَذَا وَعرضه أَن يحض نَفسه على أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 هُوَ الْغَالِب وَلَا يخسر مَاله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ: ان كلمتك فَللَّه عَليّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ يحض نَفسه على ترك كَلَامه لِئَلَّا يخسر مَاله بِكَلَامِهِ فان الْغَرَض منع نَفسه من الْفِعْل الَّذِي الْتزم لاجله اخراج مَا يكره اخراجه قيل هَذَا حسن لَا بَأْس بِهِ لَكِن الْفرق بَينهمَا ان النَّاذِر مُلْتَزم اخراج مَاله عِنْد فعله مَا يكون مُخَالفا لعقد نَذره والمغالب مُلْتَزم لذَلِك عِنْد سبق غَيره لَهُ وعجزه هُوَ عَن مغالبته لَكِن قد يلْزم النَّاذِر اخراج شَيْء من مَاله عِنْد غَلَبَة غَيره لَهُ كَقَوْلِه ان غلبتني فَمَالِي صَدَقَة وعَلى هَذَا فَيكون الْفرق بَينهمَا ان فِي الْمُسَابقَة [يكون] حرصه على الْمغنم تَارَة وعَلى دفع الْغرم أُخْرَى - فِيمَا اذا كَانَ الْبَاذِل غَيرهمَا أَو كِلَاهُمَا والناذر نذر اللجاج حرصه على دفع الْغرم فَقَط فبينهما جَامع وَفَارق. فصل [بطلَان كَونه من بَاب العدات والتبرعات] وَالَّذِي يبطل كَونه من بَاب العدات والتبرعات الْقَصْد والحقيقة وَالِاسْم وَالْحكم اما الْقَصْد فَإِن المراهن لَيْسَ غَرَضه التَّبَرُّع وَأَن يكون مَغْلُوبًا بل غَرَضه الْكسْب وان يكون غَالِبا فَهُوَ ضد الْمُتَبَرّع وَأما الْحَقِيقَة فَإِن التَّبَرُّع وَالْهِبَة لَا تكون على عمل وَمَتى كَانَ على عمل خرج عَن أَن يكون هبة وَكَانَ من نوع الْمُعَاوَضَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَأما الِاسْم فَإِن اسْم الرِّهَان والسبق والخطر والجعل غير اسْم الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والتبرع وَأما الحكم فأحكام الْهِبَة مُخَالفَة لأحكام الرِّهَان من كل وَجه وَإِن جَمعهمَا مُجَرّد اخراج المَال الى الْغَيْر على وَجه لَا يعتاض باذله عَنهُ فَهَذَا هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْهِبَة والتبرع وَلَا تخفى الفروق الَّتِي بَين هَذَا العقد وَبَين عقد الْهِبَة فَإِذا عرف هَذَا فَالصَّوَاب ان هَذَا العقد عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَهُ أَحْكَام يتَمَيَّز بهَا عَن سَائِر هَذِه الْعُقُود فَلَا تُؤْخَذ أَحْكَامه مِنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فصل [هَل عقد الرِّهَان لَازم أَو جَائِز] وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذَا العقد هَل هُوَ عقد لَازم أَو جَائِز على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه من الْعُقُود الْجَائِزَة وَهَذَا الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَاب أَحْمد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحد قولي الشَّافِعِي وَالثَّانِي أَنه عقد لَازم وَهُوَ القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَوجه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 مَذْهَب أَحْمد ولأصحاب الشَّافِعِي فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ طريقتان إِحْدَاهمَا أَن الْقَوْلَيْنِ جاريان فِي مُطلق صُورَة العقد سَوَاء كَانَ الْجعل مِنْهُمَا اَوْ من أَحدهمَا أَو من ثَالِث وَالثَّانيَِة أَن مَحل الْقَوْلَيْنِ فِي حق من أخرج السَّبق وَأما الْمُحَلّل وَمن لم يخرج فَالْعقد جَائِز فِي حَقه قولا وَاحِدًا وَأَصْحَاب هَذِه الطَّرِيقَة رَأَوْا أَن لُزُوم العقد فِي حق من لم يخرج لَا فَائِدَة فِيهِ إِذْ لَا يلْزمه شَيْء فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكْسب مَالا أَو لَا يُعْطي شَيْئا فَلَا فَائِدَة لإلزامه بِعقد لَا يكون معطيا فِيهِ بل آخِذا وَأَصْحَاب الطَّرِيقَة الأولى يَقُولُونَ إِن الْمخْرج قد يَسْتَفِيد التَّعَلُّم مِمَّن لم يخرج فَيكون كالمعارض بِمَالِه على التَّعَلُّم فَيلْزم الآخر تتميم العقد قَالُوا وَلِأَنَّهُ عقد من شَرطه أَن يكون الْعِوَض والمعوض معلومين فَكَانَ لَازِما كَالْإِجَارَةِ وَمن قَالَ بِالْجَوَازِ دون اللُّزُوم قَالَ الْمُسَابقَة عقد على مَالا يتَحَقَّق الْقُدْرَة على تَسْلِيمه فَكَانَ جَائِزا كرد الْآبِق وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عقد على الْإِصَابَة وَلَا يدْخل تَحت قدرته وَبِهَذَا فَارق الْإِجَارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فصل فِي التَّفْرِيع على هَذَا الْخلاف قَالَت الشَّافِعِيَّة فرع إِن قُلْنَا باللزوم فَلَا بُد من الْقبُول وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل يشْتَرط الْقبُول فِيهِ وَجْهَان الْمَذْهَب أَنه لَا يشْتَرط فرع هَل يَصح ضَمَان السَّبق فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنا إِن قُلْنَا باللزوم صَحَّ وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل يَصح الضَّمَان على قَوْلَيْنِ والطريقة الثَّانِيَة أَنا إِن قُلْنَا باللزوم فَفِي الضَّمَان قَولَانِ وهما الْقَوْلَانِ فِي ضَمَان مَا لم يجب وَجرى بِسَبَب وُجُوبه فَإِن السَّبق لَا يسْتَحق قبل الْفَوْز اتِّفَاقًا سَوَاء إِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ أَو اللُّزُوم فرع هَل يَصح أَخذ هَذَا الرَّهْن بالجعل قَالُوا إِن قُلْنَا لَا يَصح أَخذ الضمين بِهِ لم يَصح أَخذ الرَّهْن وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أجزنا أَخذ الضمين بِهِ فَفِي جَوَاز أَخذ الرَّهْن وَجْهَان وَالْفرق أَن بَاب الضَّمَان أوسع فَإِن يجوز ضَمَان الْعهْدَة وَلَا يجوز أَخذ الرَّهْن [بهَا] وَيجوز ضَمَان مَا لم يجب وَلَا يجوز أَخذ الرَّهْن بِهِ وَيجوز ضَمَان مَال الْكِتَابَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَصح أَخذ الرَّهْن بِهِ وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَخذ الرَّهْن بِضَمَان الْعهْدَة وبمال الْكِتَابَة وَبِمَا لم يجب يمْنَع الارتفاق بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ يمنعهُ من بَيْعه والارتفاق بِهِ فِي كِتَابَته وَأَدَاء مَا عَلَيْهِ من الْحق وَلَيْسَ كَذَلِك الضَّمَان لِأَنَّهُ لَا يعطل على البَائِع شَيْئا وَلَا يمنعهُ الارتفاق بسلعته وَلَا يعطل على الْمكَاتب وَلَا على الْمُقْتَرض شَيْئا الثَّانِي أَن ضرب الرَّهْن يطول لِأَنَّهُ يَدُوم بَقَاؤُهُ عِنْد الْمُرْتَهن وَصَاحبه مَمْنُوع من التَّصَرُّف فِيهِ بِخِلَاف الضمين لِأَن كَون الدّين فِي ذمَّته لَا يمْنَع مَالك السّلْعَة من التَّصَرُّف فِيهَا فالمكاتب يستضر بِالرَّهْنِ وَلَا يستضر بالضمين ويستضر الْمُقْتَرض بِالرَّهْنِ قبل الْقَرْض وَلَا يستضر بالضمين وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ لَا يبعد ان يُوقف السَّبق فَإِن قاربه أَحدهمَا تبين اسْتِحْقَاقه بِالْعقدِ فَيكون كضمان الْعهْدَة إِلَّا أَن هَذِه عُهْدَة تقبل الرَّهْن لقرب أمدها بِخِلَاف عُهْدَة البَائِع إِذْ لَا أمد لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 فرع إِذا قُلْنَا هِيَ عقد جَائِز فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَسخهَا قبل الشُّرُوع اتِّفَاقًا وَإِن أَرَادَ أَحدهمَا الزِّيَادَة فِيهَا أَو النُّقْصَان لم يلْزم الآخر إجَابَته وَإِن اتفقَا على ذَلِك جَازَ وَإِن قُلْنَا باللزوم لم يملك أَحدهمَا فَسخهَا وَإِن اتفقَا على الْفَسْخ جَازَ وَإِن اتفقَا على الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِيهِ جازسواء ابقيا العقد أَو فسخاه فرع فَإِن شرعا فِيهَا فَإِن لم يظْهر لأَحَدهمَا فضل على الآخر جَازَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا الْفَسْخ وَإِن ظهر لأحدها على الآخر مثل أَن يسْبقهُ بفرسه فِي بعض الْمسَافَة أَو يُصِيب بسهامه أَكثر مِنْهُ فللفاضل الْفَسْخ دون الْمَفْضُول لأَنا لَو جَوَّزنَا للمفضول الْفَسْخ لفات غَرَض الْمُسَابقَة فَلَا يحصل الْمَقْصُود وَكَانَ كل من رأى نَفسه مَغْلُوبًا فسخ [العقد] وَقَالَت الشَّافِعِيَّة إِذا قُلْنَا بِجَوَاز العقد دون لُزُومه فَفِي جَوَاز الْفَسْخ من الْمَفْضُول وَجْهَان فرع فَإِن مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين فَإِن قُلْنَا هِيَ [عقد] جَائِز انْفَسَخت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بِمَوْتِهِ قِيَاسا على سَائِر الْعُقُود الْجَائِزَة من الْوكَالَة وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَنَحْوهَا وَإِن قُلْنَا هِيَ عقد لَازم لم تَنْفَسِخ بِمَوْت الراكبين وَلَا تلف أحد القوسين وانفسخت بِمَوْت أحد المركوبين والراميين وَالْفرق بَينهمَا أَن العقد تعلق بِعَين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كَمَا لَو تلف الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الْإِجَازَة بِخِلَاف موت الرَّاكِب وَتلف الْقوس فَإِنَّهُ غير الْمَعْقُود [عَلَيْهِ] فَلم يَنْفَسِخ العقد بتلفه كموت أحد الْمُتَبَايعين وَلِهَذَا يجوز إِبْدَال الْقوس والراكب وَلَا يجوز إِبْدَال الْفرس والرامي فعلى هَذَا يقوم وَارِث الْمَيِّت مقَامه كَمَا لَو اسْتَأْجر شَيْئا ثمَّ مَاتَ فَإِن لم يكن لَهُ وَارِث أَقَامَ الْحَاكِم مقَامه من تركته كَمَا لَو أجر نَفسه لعمل مَعْلُوم ثمَّ مَاتَ فرع فَإِن أخر أَحدهمَا السباق والنضال من الْوَقْت الَّذِي عين فِيهِ فَإِن كَانَ لعذر جَازَ وَإِن كَانَ لغير عذر وَقُلْنَا بِلُزُوم العقد لم يجز وَإِن قُلْنَا بِجَوَازِهِ فللآخر الْفَسْخ وَله الصَّبْر وَهَكَذَا إِن أخر إتْمَام الرَّمْي بعد الشُّرُوع فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 فصل فِي إِلْحَاق الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْجعل وَعدد الرشق وَمِقْدَار الْمسَافَة فِي عقد السباق والنضال وَهِي سِتّ صور إِلْحَاق زِيَادَة بالمسافة أَو نُقْصَان مِنْهَا وإلحاق زِيَادَة بالجعل أَو نُقْصَان مِنْهُ وإلحاق زِيَادَة بِعَدَد الرَّمْي وَالرُّمَاة أَو نُقْصَان مِنْهُ وَإِن قُلْنَا بِجَوَاز العقد جَازَ ذَلِك كُله بِاتِّفَاق الحزبين وَإِن قُلْنَا بلزومه فَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يلْحق كَمَا لَا تلْحق الزِّيَادَة فِي الثّمن بعد لُزُوم الْبَيْت وَلَا الزِّيَادَة فِي الْأجر بعد لُزُوم الْإِجَازَة وَأما من ألحق الزِّيَادَة فِي الثّمن وَالنُّقْصَان مِنْهُ بعد العقد كأصحاب ابي حنيفَة وَهُوَ القَوْل الرَّاجِح فِي الدَّلِيل فعلى أصولهم يجوز إِلْحَاق الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي هَذَا العقد وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب إِذا اتفقَا عَلَيْهِ وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصّديق أَن يزِيد فِي الْأَجَل وَالرَّهْن لما رَاهن الْمُشْركين على غَلَبَة الرّوم وَالْفرس وَلَا مَحْذُور فإلحاق هَذِه الزِّيَادَة أصلا بل النَّص وَالْقِيَاس يقتضيان جَوَازهَا وَقد قَالَ أَصْحَابنَا تجوز الزِّيَادَة فِي الصَدَاق بعد لُزُومه مَعَ ان عقد النِّكَاح عقد لَازم وَتَكون الزِّيَادَة كالأصل فِيمَا يقرره وينفعه وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الزِّيَادَة فِي الرَّهْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الزِّيَادَة فِي دينه فَمنعهَا أَبُو حنيفَة وَأحمد وأجازها مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْقَدِيم ومنعها فِي الْجَدِيد وَلم أجد عَن أَحْمد نصا بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا أَخذه أَصْحَابه من نَصه فِي الزِّيَادَة فِي الثّمن وَقَول مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أرجح إِذْ لَا مَحْذُور فِي ذَلِك وَهِي زِيَادَة تتَعَلَّق بِالرَّهْنِ فجازت كزيادة التَّعَلُّق بِذِمَّة الضَّامِن وَلَا أثر للْفرق بَينهمَا بسعة هَذَا وضيق الرَّهْن لِأَن لَهما أَن يوسعها أَضْعَاف مَا هُوَ مُتَعَلق بِهِ بِأَن يُغير الرَّهْن وَلَوْلَا سعته لما أمكن ذَلِك وَقد قَالَ أَصْحَابنَا لَو جنى العَبْد الْمَرْهُون فَفَدَاهُ الْمُرْتَهن ليَكُون رهنا بِالْفِدَاءِ وبالحق الأول جَازَ وَهَذَا زِيَادَة فِي دين الرَّهْن وَلَكِن فرقوا بَين هَذِه الزِّيَادَة وَبَين غَيرهَا بِأَن الْجِنَايَة تملك الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْمُطَالبَة بِبيعِهِ فِي الْجِنَايَة وَإِبْطَال الْوَثِيقَة من الرَّهْن فَصَارَ بِمَنْزِلَة الرَّهْن الْجَائِز قبل قَبضه فَإِنَّهُ يكون غير لَازم وَالرَّهْن قبل لُزُومه تجوز الزِّيَادَة فِي دينه فَكَذَلِك بعد الْجِنَايَة لِأَنَّهُ قد تعرض لزوَال لُزُومه قَالُوا وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا لم يجز الرَّهْن لِأَنَّهُ لَازم لَا سَبِيل الى إبِْطَال حق الْمُرْتَهن عَنهُ فَلم يَصح أَن يرهنه بِحَق آخر كَمَا لَو رَهنه عِنْد إِنْسَان آخر قَالُوا وَلِأَنَّهُ قد تعلق بجملته كل جُزْء من أَجزَاء الْحق فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع لتَعلق حق آخر بِهِ بِخِلَاف الضَّمَان فَإِن مَحَله ذمَّة الضَّامِن وَهِي متسعة لكل دين يرد عَلَيْهَا وَلمن رجح قَول مَالك أَن يَقُول لما ملكا تَغْيِير العقد وَرَفعه ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 جعل الرَّهْن وَثِيقَة بالدينين ملكا أَن يجعلاه وَثِيقَة بهما مَعَ بَقَاء العقد واي فَائِدَة أَو مصلحَة حصلت لَهما بتغيير العقد وفسخه وتعريض الْحق للضياع بِإِبْطَال الرَّهْن وَمَعْلُوم أَن الشَّارِع لَا يشرع مَا هُوَ عَبث لَا مصلحَة فِيهِ فَيَقُول إِذا أردتما الزِّيَادَة فِي الدّين فافسخا عقد الرَّهْن وأبطلاه ثمَّ زيدا فِيهِ فتغيير صفته أسهل عَلَيْهِمَا وَأَقل كلفة وَأبين مصلحَة وقولكم إِنَّه قد تعلق بجملة الرَّهْن كل جُزْء من اجزاء الدّين فَهَذَا لَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ بَين الْفُقَهَاء فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا رهن شَيْئَيْنِ بِحَق فَتلف أَحدهمَا كَانَ الْبَاقِي رهنا بِمَا يُقَابله من الْحق لَا بِجَمِيعِهِ وَلَو سلم أَنه رهن على كل جُزْء من أَجزَاء الْحق لم يمْنَع أَن يصير رهنا على حق آخر باتفاقهما كَمَا لَو غير العقد كَمَا لَو كَانَ جَائِزا لم يلْزم بعد أَو طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يعرضه لزوَال لُزُومه وقياسكم الزِّيَادَة فِي الدّين على رَهنه عِنْد رجل آخر لَا يَصح لتَعَدد المطالب الْمُسْتَحق وَحُصُول التَّنَازُع والتشاح فِي التَّقْدِيم بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُسْتَحق وَاحِدًا وَالْمَقْصُود أَن الزِّيَادَة فِي عقد السباق تصح وَتلْزم إِذا اتفقَا عَلَيْهَا كَمَا زَاد الصّديق فِي الْمدَّة والخطر بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فصل أَنْوَاع المناضلة المناضلة على ضَرْبَيْنِ مناضلة على الْإِصَابَة ومناضلة على بعد الْمسَافَة - فَالْأولى جَائِزَة اتِّفَاقًا - وَأما المناضلة على بعد الْمسَافَة فللشافعي فِيهَا قَولَانِ ولأصحابنا فِيهَا طَرِيقَانِ فأكثرهم منعوها وَقَالَ صَاحب الرِّعَايَة فِيهَا قلت فَإِن تسابقا بِالْخَيْلِ على أَن السَّبق لأطولهما مدى لم يَصح وَإِن تناضلا على أَن السَّبق لأبعدهما رميا احْتمل وَجْهَيْن وَقد تقدم أَن هَذِه أولى بِالصِّحَّةِ من المصارعة والسباحة والمسابقة على الْأَقْدَام فَمن جوزها [فِي هَذِه الصُّورَة فتجوزيها] على بعد الْمسَافَة أولى وَأَحْرَى وَهَذَا أرجح وَقد شَرط بعض من جوزها على الْبعد اسْتِوَاء القوسين فِي الشدَّة والضعف لتنافس الرُّمَاة فِي ذَلِك حَتَّى إِنَّهُم رُبمَا رموا بقوس وَاحِد وَسَهْم وَاحِدَة وَإِذا كَانَ العقد على الْإِصَابَة لم يشْتَرط تعْيين القوسين وَلَا استواؤهما اتِّفَاقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 شُرُوط العقد على الْإِصَابَة وَالنَّوْع الثَّانِي العقد على الْإِصَابَة وَله شُرُوط أَحدهمَا تعْيين الرُّمَاة لِأَن الْمَقْصُود عين الرَّامِي وَمَعْرِفَة حذقه وإصابته لَا معرفَة حذق رام مَا فَلَو تعاقد متراميان على أَن مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَو اثْنَيْنِ أَو وَاحِدًا يَرْمِي مَعَه غير معِين لم يجز ذَلِك وَلَا يشْتَرط تعْيين القوسين وَلَا تعْيين السِّهَام وَلَا عينهَا لم تتَعَيَّن وَجَاز إبدالها لِأَن الْقَصْد معرفَة الحذق لَا معرفَة الْقوس ومنفعته وَأما [فِي] الْخَيل فَيشْتَرط معرفَة المركوبين بِالتَّعْيِينِ دون الراكبين لِأَن الْمَقْصُود معرفَة عَدو الْفرس لَا سوق راكبها فعلى هَذَا أَن شرطا أَن لَا يَرْمِي [بغَيْرهَا أَعنِي] بِغَيْر هَذَا الْقوس أَو بِغَيْر هَذَا السهْم أَو لَا يركب غير هَذَا الرجل لم يَصح الشَّرْط وَلم يتَعَيَّن عَلَيْهِ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الثَّانِي أَن يكون القوسان من نوع وَاحِد وجنس وَاحِد فَلَا يَصح عقد السباق بَين قَوس يَد وقوس رجل وَلَا بَين قوسين عَرَبِيَّة وقوس فارسية فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَفِي الآخر يجوز بَين النَّوْعَيْنِ دون الجنسين والوجهان لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد وَنَظِير هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الْمُسَابقَة بَين الْعَرَبِيّ والهجين وَبَين البختي والعربي من الْإِبِل فَإِن فِيهِ وَجْهَيْن لأَصْحَاب أَحْمد وَالْجَوَاز اخْتِيَار القَاضِي وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي الثَّالِث تَحْدِيد الْمسَافَة والغاية بِمَا جرت بِهِ الْعَادة فِي النضال والسباق لِأَن الْغَرَض معرفَة أسبقهما وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بتساويهما فِي الْمسَافَة لِأَن أَحدهمَا قد يكون مقصرا فِي أول عدوه سَرِيعا فِي انتهائه وَبِالْعَكْسِ فَيحْتَاج إِلَى غَايَة تجميع حالتيه وَمن الْخَيل مَا هُوَ أَصْبِر والقارح أَصْبِر من غَيره وَلِهَذَا فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرح فِي الْغَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فَإِن استبقا بِغَيْر غَايَة لينْظر أَيهمَا يقف أَولا لم يجز لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنه لَا يقف أَحدهمَا حَتَّى يَنْقَطِع فرسه فيتعذر الحكم للْآخر بِالسَّبقِ كَمَا لَو مَاتَ فرس الآخر أَو انْكَسَرَ وَكَذَلِكَ [أَيْضا] يشْتَرط معرفَة مدى الرَّمْي إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ والرؤية وَإِمَّا بالذرعان لِأَن الْإِصَابَة تخْتَلف بِالْقربِ والبعد وَيجوز أَن يجعلا غَايَة مَا يتفقان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يجعلا مَسَافَة بعيدَة تتعذر الْإِصَابَة فِي مثلهَا غَالِبا - وَهُوَ مَا زَاد على ثَلَاث مئة ذِرَاع -[فَلَا يَصح لِأَن] الْغَرَض يفوت بذلك وَقد قيل إِنَّه مَا رمى فِي أَربع مئة ذِرَاع إِلَّا عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ رَضِي الله عَنهُ هَذَا كَلَام أَصْحَاب أَحْمد وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِذا كَانَت الْمسَافَة مئتين وَخمسين ذِرَاعا جَازَ وَإِن زَادَت على ثَلَاث مئة وَخمسين لم يجز وَفِيهِمَا بَينهمَا وَجْهَان وَهَذَا التَّقْدِير لَيْسَ مَعَهم بِهِ نَص من الإِمَام وَلَا دَلِيل من [جِهَة] الشَّرِيعَة وَقَالَ الخراسانيون مِنْهُم إِن كَانَت الْمسَافَة تقرب الْإِصَابَة فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 صَحَّ تَعْيِينهَا وَإِن تَعَذَّرَتْ الْإِصَابَة [فِيهَا لم يَصح وَإِن كَانَت بِحَيْثُ يقطعهَا السهْم وتندر الْإِصَابَة] فَوَجْهَانِ قلت وَهَذَا أقرب إِلَى الصَّوَاب فَإِنَّهُم إِذا جوزوا تقديرها بِثَلَاث مئة وَخمسين ذِرَاعا أَو بِثَلَاث مئة وَلم يجوزوا الرَّمْي على الْبعد بل على الْإِصَابَة لم تحصل الْإِصَابَة فِي هَذِه الْمسَافَة إِلَّا اتِّفَاقًا وَكلما بَعدت الْمسَافَة عزت الْإِصَابَة وَلِهَذَا رمي الْغَرَض لَا يكون إِلَّا مَعَ مَسَافَة يُمكن فِيهَا الْإِصَابَة غَالِبا وَهَذِه ثَلَاثَة قَصِيرَة وطويلة ومتوسطة وَلِهَذَا يَبْتَدِئ المتعلم بالقريب ثمَّ بالمتوسط ثمَّ بالبعيد فَالَّذِي يُصِيب مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي الثَّلَاثَة بِنِبَالٍ الثَّلَاثَة هُوَ الرَّامِي حَقِيقَة الرَّابِع أَن يكون الْعِوَض مَعْلُوما وَيجوز أَن يكون معينا وموصوفا وَأَن يكون حَالا ومؤجلا وَأَن يكون من جنس وَمن أَجنَاس وَأَن يكون بعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا الْخَامِس أَن يكون مَقْدُورًا على تَسْلِيمه فَلَو جعله عبدا آبقا أَو فرسا شاردا أَو جَوْهَرَة فِي الْبَحْر أَو طيرا فِي الْهَوَاء يحصله لَهُ لم يجز لِأَن ذَلِك كُله غرر وَلَا يجوز أَن يكون مورد الشَّيْء من عُقُود الْمُعَاوَضَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 فصل تعدد السِّهَام وَعدم تعددها وَيجوز أَن يتناضلا بسهام مُتعَدِّدَة لَهما أَو لكل وَاحِد مِنْهَا وبسهم وَاحِد يَرْمِي أَحدهمَا جملَة رشقه ثمَّ يَرْمِي بِهِ الآخر أَو يَرْمِي بِهِ هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة لحُصُول الْغَرَض بذلك وَمنع بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي المناضلة على سهم وَاحِد بِشَرْط أَن يَرْمِي كل مِنْهُمَا بِهِ مرّة وَلَا يظْهر لهَذَا الْمَنْع وَجه فَإِنَّهُمَا لَو تناضلا بعدة أسْهم على أَن يَرْمِي هَذَا فردة وَهَذَا لردة جَازَ كَمَا يجوز أَن يَسْتَوْفِي ل مِنْهُمَا رميه عَن وَلَاء ثمَّ يَأْخُذ الآخر فِي الرَّمْي وَيجوز أَن يتساويا سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ وَثَلَاثَة ثَلَاثَة إِذْ الْمَقْصُود استواؤهما وَالتَّعْدِيل بَينهمَا فصل فِي تحزب الرُّمَاة وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يَكُونَا اثْنَيْنِ فَقَط الثَّانِي أَن يَكُونُوا جماعتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 فَإِن كَانَا اثْنَيْنِ فَقَط وَعلم أَحدهمَا أَن الآخر غَالب لَهُ وَلَا بُد أَو مغلوب مَعَه وَلَا بُد فَإِن أخرج من تحقق أَنه غَالب جَازَ إِذْ لَا يَأْخُذ من الآخر شَيْئا وغايته أَنه يحرز مَاله ويغلب صَاحبه وَإِن أخرج من تحقق أَنه مغلوب وَكَانَ لَهُ فِي ذَلِك غَرَض صَحِيح مثل أَن يُرِيد أَن ينفع وَلَده أَو صَاحبه أَو فَقِيرا فيوصل إِلَيْهِ المَال على هَذَا الْوَجْه وَيُقَوِّي نَفسه ويفرحها جَازَ ذَلِك وَهُوَ محسن وَإِن لم يكن لَهُ غَرَض صَحِيح فَفِي صِحَة ذَلِك نظر لتضمن بذل مَاله فِيمَا لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ لَا دنيا وَلَا أُخْرَى وَمثل ذَلِك يمْنَع مِنْهُ الشَّرْع وَالْعقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فِي النِّهَايَة إِذا أخرج أَحدهمَا وَقد علم أَن الْمَشْرُوط لَهُ لَا يفوز كَانَت مناضلة بِغَيْر مَال وَإِن علم فوزه صحت على الْأَصَح فرع وَإِذا كَانُوا جماعتين فَهَل يشْتَرط تَسَاوِي عددهما أَو يجوز أَن يَكُونُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة فِيهِ احْتِمَالَانِ لِأَصْحَابِنَا ومأخذ الِاشْتِرَاط تحقق الْعدْل بالتساوي ومأخذ عَدمه قد يكون فِي أحد الحزبين وَاحِد يقوم مقَام جمَاعَة فَتكون الْقِسْمَة بِهِ قسْمَة تَعْدِيل وَيشْتَرط تكافؤهما فِي الرَّمْي والسهام فَلَا يكون رمي أَحدهمَا صلبا والأخر لينًا أَو سهم أَحدهمَا قصبا وَالْآخر خلنجا وَكَذَلِكَ فِي الْقوس فيا يكون قَوس أَحدهمَا عَرَبيا وَالْآخر فارسيا وَفِيه وَجه بِجَوَازِهِ بَين النَّوْعَيْنِ من القسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فرع وَيشْتَرط كَون الرشق مِمَّا يُمكن قسمته بَينهم بِغَيْر كسر ويتساوون فِيهِ فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة وَجب أَن يكون لَهُ ثلث وَإِن كَانُوا أَرْبَعَة فَأن يكون لَهُ ربع وَكَذَلِكَ مَا زَاد لِأَنَّهُ إِذا لم يكن كَذَلِك بِأَن بَقِي سهم أَو أَكثر بَينهم لَا يُمكن الْجَمَاعَة الِاشْتِرَاك فِيهِ فرع فَإِن عقد النضال جمَاعَة بَينهم لينقسموا حزبين بعد العقد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَصح اخْتَارَهُ القَاضِي وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن التَّعْيِين الطَّارِئ كالمقارن وَالْوَجْه الثَّانِي لَا يَصح لِأَن التَّعْيِين شَرط وَلم يُوجد حَال العقد وَقبل الْقِسْمَة لم يتَعَيَّن من فِي كل وَاحِد من الحزبين فعلى هَذَا الْوَجْه إِذا تقاسموا كَانَ تقاسمهم ابْتِدَاء للْعقد وَيحْتَمل أَن يعْتَبر تَجْدِيد العقد بعد التقاسم وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي الْمُغنِي وعَلى قَول القَاضِي قد صَحَّ العقد قبل التقاسم فالتقاسم هُوَ مُوجب العقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فرع فَإِن قُلْنَا بقول القَاضِي لم يجز أَن يتقاسموا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد تقع على الحذاق فِي أحد الحزبين وعَلى الكوادن فِي الحزب الآخر فَيخرج العقد عَن الْعدْل الَّذِي هُوَ مَقْصُود النضال وَإِن قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأُخَر جَازَ أَن يتقاسموا بِالْقُرْعَةِ فَإِن العقد لم يَصح قبل الْقِسْمَة فَإِذا أخرجت الْقرعَة أحد الحزبين وميزته من الآخر فَإِن تراضوا بذلك وَإِلَّا فَلَا عقد بَينهم وَطَرِيق الْقِسْمَة بِالْعَدْلِ أَن يخرج من كل حزب زعيم فيختار أَحدهمَا وَاحِدًا ثمَّ يخْتَار الزعيم الآخر وَاحِدًا إِلَى أَن تتمّ الْقِسْمَة على الْعدْل وَلَا يجز أَن يَجْعَل الْخِيَار إِلَى أحد الزعيمين فِي الْجَمِيع وَلَا أَن يخْتَار احدهما جَمِيع حزبه أَولا ثمَّ يعد الآخر فيختار بعده لخروجهما عَن الْعدْل فَإِن الأول لَا يُؤمن أَن يخْتَار الحذاق فِي حزبه وَلَا يجوز أَن يَجْعَل رَئِيس الحزبين وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يمِيل إِلَى حزبه فتلحقه التُّهْمَة وَلَا يجوز أَن يخْتَار كل وَاحِد من الرئيسين أَكثر من وَاحِد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّسَاوِي وَالْعدْل فَإِذا اخْتَارُوا وَاحِدًا اخْتَار الرئيس الآخر ثَانِيًا وَنَظِير هَذَا أَنه لَا يقدم السَّابِق بِأَكْثَرَ من حُكُومَة وَاحِدَة فَلَو قَالَ احكم لي حكومتين ثمَّ احكم لمن جَاءَ بعدِي حكومتين لم يكن لَهُ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَنَظِيره أَيْضا أَن من خرجت لَهَا الْقرعَة من نِسَائِهِ فِي الْبدَاءَة بهَا لم تقدم بليلتين وَنَظِيره أَن الطَّالِب المتعلم إِذا سبق غَيره إِلَى الشَّيْخ ليقْرَأ عَلَيْهِ لم يقدم بدرسين إِلَّا أَن يكون كل مِنْهُم يقْرَأ درسين درسين وَإِن اخْتلفَا فِي المتبدئ بِالْخِيَارِ أَقرع بَينهمَا وَلَو قَالَ أَحدهمَا أَنا أخْتَار أَولا وَأخرج السَّبق أَو يُخرجهُ أَصْحَابِي لم يجز لِأَن السَّبق إِنَّمَا يسْتَحق بِالسَّبقِ لَا بِغَيْرِهِ فصل وَإِذا أخرج أحد الزعيمين السَّبق من عِنْده فَسبق حزبه لم يكن على حزبه شَيْء لِأَنَّهُ جعله على نَفسه دونهم وَإِن شَرطه عَلَيْهِم فَهُوَ عَلَيْهِم بِالسَّوِيَّةِ وَأما الحزب الآخر فَفِي كَيْفيَّة اقتسامهم لَهُ وَجْهَان أَحدهمَا يقتسمونه بالتسوية من أصَاب مِنْهُم وَمن أَخطَأ كَمَا أَنه على الحزب المغلوب بِالسَّوِيَّةِ فَيكون للْغَالِب بِالسَّوِيَّةِ وَهَذَا قَول أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالثَّانِي يقسم بَينهم على قدر الْإِصَابَة وَمن لم يصب مِنْهُم فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 شَيْء لَهُ لِأَن اسْتِحْقَاقه بالإصابة فَكَانَ على قدرهَا واختص بِمن وجدت فِيهِ بِخِلَاف المسبوقين فَإِنَّهُ وَجب عَلَيْهِم لالتزامهم لَهُ وَقد اسْتَووا فِي الِالْتِزَام وَهَؤُلَاء استحقوه بالإصابة وَقد تفاوتوا فِيهَا وَهَذَا الْوَجْه أظهر وَالله أعلم فصل فَإِن شرطُوا أَن يكون فلَان مقدما فِي هَذَا الحزب وَفُلَان مقدما فِي الحزب الآخر ثمَّ فلَان تاليا فِي هَذَا الحزب وَفُلَان تاليا فِي الحزب الآخر فَقَالَ أَصْحَابنَا يكون شرطا فَاسِدا قَالُوا لِأَن تَقْدِيم من فِي كل من الحزبين إِلَى رَأْي زعيمه خَاصَّة وَلَيْسَ للْآخر مشاركته فِي ذَلِك فَإِذا شرطوه كَانَ فَاسِدا قلت وَيحْتَمل الصِّحَّة كَمَا أَن تعْيين الزعيمين كَانَ باتفاقهما على اشْتِرَاطه فَكَذَلِك تعْيين البادئين مِنْهُمَا يجوز أَن يتبع اشْتِرَاط الحزبين وَلَيْسَ فِي ذَلِك جور وَلَا مفْسدَة وَقد يكون لَهُم فِيهِ غَرَض صَحِيح فَلَا يفوت عَلَيْهِم بِغَيْر سَبَب وَقَوْلهمْ إِنَّه لَيْسَ للْآخر مُشَاركَة الزعيم فِيمَن يقدمهُ جَوَابه إِن اسْتِحْقَاق تقدميه كَانَ بِاشْتِرَاط الْفَرِيقَيْنِ ورضاهم بِهِ وَالْأَصْل فِي الشُّرُوط الصِّحَّة إِلَّا مَا خَالف حكم الله تَعَالَى وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فصل فَإِن قَالُوا نقترع فَمن خرجت قرعته فالسبق عَلَيْهِ أَو نقترع فَمن خرجت قرعته حكم لَهُ بِالسَّبقِ كَانَ فَاسِدا لِأَن الْعِوَض لَا يسْتَحق بِالْقُرْعَةِ وَإِنَّمَا يسْتَحق بالبذل والإصابة فصل فَإِن تناضل اثْنَان وَقَالا نرمي كَذَا وَكَذَا فأينا أصَاب فالسبق على الآخر صَحَّ أَو كَانَا حزبين فَقَالَا نرمي فَأَي الحزبين أصَاب فالسبق على الآخر صَحَّ ذَلِك وَكَانَ إخراجا من أَحدهمَا خَاصَّة كَأَنَّهُ قَالَ إِن سبقتني فلك عشرَة وَإِن سبقتك فَعَلَيْك عشرَة فَرضِي الآخر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُغنِي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق بالإصابة يُرِيد أَن مُجَرّد الْإِصَابَة لَا يُوجب اسْتِحْقَاق السَّبق وَهَذَا صَحِيح وَلَكِن إِنَّمَا اسْتحق بالإصابة وَبِقَوْلِهِ أَيّنَا أصَاب فالسبق على الآخر فَإِن هَذَا شَرط فَاسْتحقَّ السَّبق بِهِ وبالإصابة وَالله أعلم فصل إِذا تناضل اثْنَان وَأخرج أَحدهمَا السَّبق فَقَالَ أَجْنَبِي أَنا شريكك فِي الْغنم وَالْغُرْم إِن نضلك فَنصف السَّبق عَليّ وَإِن نضلته فنصفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 لي لم يجز ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو كَانَ ثَلَاثَة بِمُحَلل عِنْد من يَقُول بِهِ فَقَالَ رَابِع للمستبقين أَنا شريككما فِي الْغنم وَالْغُرْم كَانَ بَاطِلا لِأَن الْغرم وَالْغنم إِنَّمَا يكون من المناضل فَأَما من لَا يَرْمِي فَلَا غنم لَهُ وَلَا غرم عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فصل وَإِذا نضل أحد الراميين فَقَالَ المنضول اطرَح نضلك أعطك دِينَار لأستوي أَنا وَأَنت لم يجز لِأَن الْمَقْصُود معرفَة الحذق وَذَلِكَ يمْنَع مِنْهُ فَإِن اختارا ذَلِك فَلَهُمَا فسخ العقد ثمَّ يعقدان عقدا آخر فَإِن اختارا ذَلِك فَلَهُمَا فسخ العقد ثمَّ يعقدان عقدا آخر فَإِن لم يفسخاه وَلَكِن رميا تَمام الرشق فتمت الْإِصَابَة للناضل بِمَا أسْقطه اسْتحق السَّبق ورد الدِّينَار إِن كَانَ أَخذه فصل إِذا كَانَ باذل السَّبق غير المتسابقين وَكَانَا اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة فَقَالَا أيكما أَو أَيّكُم سبق فَلهُ عشرَة جَازَ وَصَحَّ وأيهم سبق اسْتحق الْعشْرَة وَإِن جاؤوا جَمِيعًا فَلَا شَيْء لوَاحِد مِنْهُم لِأَنَّهُ لَا سَابق فيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَإِن قَالَ لاثْنَيْنِ أيكما سبق فَلهُ عشرَة وأيكما صلى أَي جَاءَ ثَانِيًا للسابق فَلهُ عشرَة لم يَصح لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي طلب السَّبق لِأَنَّهُ يسْتَحق الْعشْرَة سَابِقًا ومسبوقا فَلَا يَجْزِي على السَّبق لِأَنَّهُ يسْتَحق الْعشْرَة سَابِقًا ومسبوقا فَلَا يَجْزِي على السَّبق فَإِن قَالَ وَمن صلى فَلهُ خَمْسَة صَحَّ لِأَن كلا مِنْهُمَا يطْلب السَّبق لفائدته المختصة بِهِ وَإِن كَانُوا أَكثر من اثْنَيْنِ فَقَالَ من سبق فَلهُ عشرَة وَمن صلى فَلهُ ذَلِك صَحَّ لِأَن كلا مِنْهُمَا يطْلب أَن يكون سَابِقًا أَو مُصَليا وَالْمُصَلي هُوَ الثَّانِي لِأَن رَأسه عِنْد صلا الآخر والصلوان العظمان الناتئان من جَانِبي الذَّنب وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب سبق أَبُو بكر وَصلى عمر وخبطتنا فتْنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَقَالَ الشَّاعِر [فِي السَّابِق وَالْمُصَلي] (إِن تبتدر غَايَة يَوْمًا لمكرمة ... تلق السوابق فِينَا والمصلينا) فَإِن قَالَ الْبَاذِل للمجلي وَهُوَ الأول مئة وللمصلي وَهُوَ الثَّانِي تسعون وللتالي وَهُوَ الثَّالِث ثَمَانُون وللبارع وَهُوَ الرَّابِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 سَبْعُونَ وللمرتاح هُوَ الْخَامِس سِتُّونَ وللحظي وَهُوَ السَّادِس خَمْسُونَ وللعاطف وَهُوَ السَّابِع أَرْبَعُونَ وللمؤمل وَهُوَ الثَّامِن ثَلَاثُونَ وللطيم وَهُوَ التَّاسِع عشرُون وللسكيت وَهُوَ الْعَاشِر عشرَة وللفسكل وَهُوَ الْأَخير خَمْسَة صَحَّ لِأَن كل وَاحِد يطْلب السَّبق فَإِذا فَاتَهُ طلب مَا يَلِي السَّبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وَهَذِه الْعشْرَة أَسمَاء مَرَاتِب السباق والفسكل هُوَ الْأَخير الَّذِي لَا يَجِيء بعده أحد ثمَّ اسْتعْمل هَذَا فِي غير الْمُسَابقَة بِالْخَيْلِ تجوزا كَمَا رُوِيَ أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس كَانَت تزوجت جَعْفَر بن أبي طَالب فَولدت لَهُ عبد الله ومحمدا وعونا ثمَّ تزَوجهَا أَبُو بكر الصّديق فَولدت لَهُ مُحَمَّد بن أبي بكر ثمَّ تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ إِن ثَلَاثَة أَنْت آخِرهم لأخيار فَقَالَ لأولادها لقد فسكلتني أمكُم وَإِن جعل للْمُصَلِّي أَكثر من السَّابِق أَو جعل للتالي أَكثر من الْمُصَلِّي أَو لم يَجْعَل للْمُصَلِّي شَيْئا لم يجز لِأَن ذَلِك يُفْضِي إِلَى أَن لَا يقْصد السَّبق بل يقْصد التَّأَخُّر فَيفوت الْمَقْصُود فصل إِذا تناضل حزبان فَمَا زَاد على أَن يكون رشق أحد الحزبين مُسَاوِيا لرشق الآخر والحزبان متفاوتان فِي الْعدَد جَازَ فَإِذا ناضل خَمْسَة عشرَة وعَلى كل حزب مئة رشقة جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 فَإِن ناضل الرجل جمعا فَإِن شَرط مَا يطيقه جَازَ وَإِن شَرط مَا لَا يطيقه عَادَة لم يَصح وَكَانَت مناضلة بِغَيْر مَال فصل وَلَا يشْتَرط فِي صِحَة النضال معرفَة كل مِنْهُمَا بِحَال الآخر وحذقه فَلَو تناضل رجلَانِ يجهل كل وَاحِد مِنْهُمَا قدر معرفَة الآخر صَحَّ فصل إِذا قَالَ كل مِنْهُمَا أَو أَحدهمَا عِنْدِي رجل رام صفته كَذَا وَكَذَا أناضلك عَلَيْهِ فَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يَصح فَإِن الرُّمَاة لَا يثبتون فِي الذِّمَّة فَلَا بُد من حضورهم وَالصَّحِيح جَوَازه لِأَن الصّفة تقوم مقَام الرُّؤْيَة والمشاهدة وَلَيْسَ هَذَا بِثُبُوت للرامي فِي الذِّمَّة وَإِنَّمَا هُوَ عقد على رام مَوْصُوف فَهُوَ كإجارة عين مَوْصُوف وتزويج امْرَأَة مَوْصُوفَة وَبيع عين مَوْصُوفَة غَائِبَة بل هَذَا أولى بِالْجَوَازِ لتمحض الْمُعَاوضَة فِي هَذِه الصُّورَة بِخِلَاف النضال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 فصل إِذا قَالَ أحد الحزبين لحاذق مِنْهُم ارْمِ أَنْت فَإِن غلبناهم فالسبق لنا وَلَك وَإِن غلبونا فالسبق علينا دُونك صَحَّ لِأَن حكمهم حكم الرجل الْوَاحِد وَلَا يشْتَرط فِي حق الحزبين أَن يشتركوا كلهم فِي الرَّمْي بل إِذا رمى بَعضهم وَغلب أَو غلب تعدى حكمه إِلَى الحزب كُله وَغَايَة هَذَا أَنه مُحَلل وللشافعية وَجْهَان هَذَا احدهما وَالثَّانِي لَا يَصح فَإِن قيل الْمُحَلّل لَا يفوز وَحده بِجَمِيعِ الأسباق إِذا سبق وَلَا يُشَارك وَهَذَا يُشَارِكهُ غَيره فِي السَّبق فَالْجَوَاب إِنَّهُم صَارُوا بِهِ بِمَنْزِلَة رام وَاحِد وَلَو قَالَ كل من الحزبين لوَاحِد مِنْهُم فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فصل إِذا قَالَ الْبَاذِل لعشرة من سبق مِنْكُم فَلهُ عشرَة صَحَّ فَإِن جاؤوا سَوَاء فَلَا شَيْء لَهُم لِأَنَّهُ لم يُوجد الشَّرْط الَّذِي يسْتَحق بِهِ الْجعل فِي وَاحِد مِنْهُم وَإِن سبقهمْ وَاحِد فَلهُ الْعشْرَة لوُجُود الشَّرْط فِيهِ وَإِن سبق اثْنَان فَلَهُمَا الْعشْرَة وَإِن سبق تِسْعَة وَتَأَخر وَاحِد فالعشرة للتسعة لِأَن الشَّرْط وجد فيهم فَكَانَ الْجعل بَينهم كَمَا لَو قَالَ من رد عَبدِي الْآبِق فَلهُ كَذَا فَرده تِسْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَفِيه وَجه آخر أَنه لكل وَاحِد من السَّابِقين عشرَة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم سَابق فَيسْتَحق الْجعل بِكَمَالِهِ كَمَا لَو قَالَ من رد عبدا لي فَلهُ عشرَة فَرد كل وَاحِد عبدا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة فَرده تِسْعَة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم لم يردهُ وَإِنَّمَا حصل رده بالستعة وَنَظِير هَذَا لَو قَالَ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه فَإِن قتل كل وَاحِد وَاحِدًا فَلهُ سلب قتيله كَامِلا وَإِن قتل الْجَمَاعَة وَاحِدًا فلجميعهم سلب وَاحِد وَهَاهُنَا كل وَاحِد لَهُ سبق مُفْرد فَكَانَ لَهُ الْجعل كَامِلا فعلى هَذَا لَو قَالَ من سبق فَلهُ عشرَة وَمن صلى فَلهُ خَمْسَة فَسبق خَمْسَة وَصلى خَمْسَة فعلى الْوَجْه الأول للسابقين عشرَة لكل وَاحِد مِنْهُم دِرْهَمَانِ وللمصلين خَمْسَة لكل وَاحِد مِنْهُم دِرْهَم وعَلى الْوَجْه الثَّانِي لكل وَاحِد من السَّابِقين عشرَة فَيكون لَهُم خَمْسُونَ وَلكُل وَاحِد من الْمُصَلِّين خَمْسَة فَيكون لَهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَمن قَالَ بِالْوَجْهِ الأول فَقَالَ صَاحب الْمُغنِي يحْتَمل على قَوْله أَن لَا يَصح العقد على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ يحْتَمل إِن سبق تِسْعَة فَيكون لَهُم عشرَة لكل وَاحِد مِنْهُم دِرْهَم وتسع وَيُصلي وَاحِد فَيكون لَهُ خَمْسَة فَيصير للْمُصَلِّي من الْجعل أَكثر مَا للسابق فَيفوت الْمَقْصُود فصل فَإِن شرطا أَن السَّابِق يطعم السَّبق أَصْحَابه أَو غَيرهم لم يَصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الشَّرْط وَلَا العقد عِنْد الشَّافِعِي وَيفْسد الشَّرْط وَحده عِنْد أبي حنيفَة وَمذهب أَحْمد فَسَاد الشَّرْط قولا وَاحِدًا وَلَهُم فِي فَسَاد العقد وَجْهَان وَوجه بطلَان الشَّرْط أَنه عوض على عمل فَإِذا شَرط أَن يسْتَحقّهُ غير الْعَامِل بَطل وَمن أفسد العقد قَالَ لم يرض بِهِ المتعاقدان إِلَّا على هَذَا الشَّرْط وَعَلِيهِ عقدا فَإِذا فسد الشَّرْط لم يكن العقد بدنه معقودا عَلَيْهِ فَلَا يلزمان بِهِ وَهَذَا قِيَاس الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وَمن صَححهُ قَالَ لما لم يتَوَقَّف صِحَة هَذَا العقد على تَسْمِيَة جعل بل يجوز عقده بِغَيْر جعل لم يفْسد بِفساد الشَّرْط كَالنِّكَاحِ وَالصَّحِيح أَنا نثبت لَهما الْخِيَار بِفَوَات هَذَا الشَّرْط الْفَاسِد فَإِن أحبا أمضياه وَإِن أحبا فسخاه كَمَا نقُول فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي البيع وَهَذَا أعدل الْأَقْوَال فَإِن فِي إلزامهما بِمَا لم يلتزماه وَلَا ألزمهما بِهِ الشَّارِع مُخَالفَة أصُول الشَّرْع وَفِي إِبْطَاله عَلَيْهِمَا ضَرَر إِذْ قد يكون لَهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 غَرَض فِي تتميمه وَهُوَ جَائِز الْإِتْمَام فَلَا يمنعان من ذَلِك فصل فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي هَذَا العقد قَالَ القَاضِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي الْمُسَابقَة تَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا يخل بِشُرُوط صِحَة العقد نَحْو أَن يعود بِجَهَالَة الْغَرَض أَو الْمسَافَة وَنَحْوهمَا فَيفْسد العقد لِأَنَّهُ لَا يَصح مَعَ فَوَات شَرطه وَالثَّانِي مَا لَا يخل بِشُرُوط صِحَّته نَحْو أَن يشْتَرط أَن يطعم السَّبق أَصْحَابه أَو غَيرهم أَو يشْتَرط أَنه إِذا نضل لَا يَرْمِي أبدا أَو لَا يَرْمِي شهرا أَو يشترطا أَن لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَو لأَحَدهمَا فسخ العقد مَتى شَاءَ بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل وَأَشْبَاه هَذَا فَهَذِهِ شُرُوط بَاطِلَة فِي نَفسهَا وَفِي العقد المقترن بهَا وَجْهَان أَحدهمَا صِحَّته لِأَن العقد تمّ بأركانه وشروطه فَإِذا انحذف الزَّائِد الْفَاسِد بَقِي العقد صَحِيحا وَالثَّانِي يبطل لِأَنَّهُ بذل الْعِوَض لهَذَا الْغَرَض فَإِذا لم يحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 غَرَضه لم يلْزمه عوضه وكل مَوضِع فَسدتْ فِيهِ الْمُسَابقَة فَإِن كَانَ السَّابِق هُوَ الْمخْرج أمسك سبقه وَإِن كَانَ الآخر هُوَ السَّابِق فَلهُ أجر عمله لِأَنَّهُ عمل بعوض لم يسلم لَهُ فَاسْتحقَّ أُجْرَة الْمثل كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَة قلت وَفِي هَذَا نظر لَا يخفى فَإِن السَّابِق لم يعْمل للباذل شَيْئا ونفع عمله إِنَّمَا يعود إِلَيْهِ نَفسه لَا إِلَى الْبَاذِل فالباذل لم يسْتَوْف مَنَافِعه فَلَا يلْزمه عوض عمله وَقد تقدم أَن هَذَا العقد لَيْسَ من بَاب الْإِجَارَات وَلَا الجعالات وَذكرنَا الفروق الْكَثِيرَة بَينه وَبَينهَا وَلَا يَصح إِلْحَاقه بهما وَلَا يُقَال هَذَا كمن جعل لغيره جعل على أَن يعْمل عملا لغير الْجَاعِل كخياطة ثوب زيد ويناء دَاره فَإِن الْعلم أَيْضا عَاد إِلَى غير الْعَامِل فَإِن قيل كل عقد يلْزمه الْمُسَمّى فِي صَحِيحه يلْزمه عوض الْمثل فِي فَاسِدَة كَالْبيع والإجارات وَالنِّكَاح قيل هَذَا عقد صَحِيح فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات والمشاركات وَلَيْسَ هَذَا العقد وَاحِد مِنْهُمَا بل هُوَ عقد مُسْتَقل بِرَأْسِهِ كَمَا تقدم تَقْرِيره فَإِذا لم يحصل للباذل غَرَضه الَّذِي بذل المَال لآجله فَبِأَي طَرِيق يلْزمه الْعِوَض وَهُوَ لم يلْتَزم بذله إِلَّا على وَجه مَخْصُوص وَلَيْسَ هُنَاكَ عوض اسْتَوْفَاهُ فنغرمه بذله وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فصل فِي أَقسَام المناضلة المناضلة اسْم للمسابقة بِالرَّمْي بالنشاب وَهِي مصدر ناضلته نضالا ومناضلة وَسمي الرَّمْي مناضلة ونضالا لِأَن السهْم التَّام بريشه وقدحه ونصله يُسمى نضلا بالضاد الْمُعْجَمَة وَعوده قدحا وحديدته نصلا بالصَّاد الْمُهْملَة وَهِي قِسْمَانِ مناضلة على الْإِصَابَة ومناضلة على الْبعد وَقد تقدم الْخلاف فِي مناضلة الْبعد أَقسَام مناضلة الْإِصَابَة ومناضلة الْإِصَابَة ثَلَاثَة أَقسَام (النَّوْع الأول من مناضلة الْإِصَابَة) أَحدهَا تسمى الْمُبَادرَة وَهِي أَن يَقُولَا من سبق إِلَى خمس إصابات من عشْرين رمية فَهُوَ السَّابِق فَأَيّهمَا سبق إِلَيْهَا مَعَ تساويهما فِي الرَّمْي فقد سبق فَإِذا رميا عشرَة وَأصَاب أَحدهمَا خمْسا وَالْآخر دونهَا فالمصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 خمْسا هُوَ السَّابِق لِأَنَّهُ قد سبق إِلَى خمس وَسَوَاء اصاب الآخر اربعا أَو دونهَا أَو لم يصب شيسئا لَا حَاجَة إِلَى إتْمَام الرَّمْي لِأَن السَّبق قد حصل بسبقه إِلَى مَا شرطا السَّبق إِلَيْهِ فَإِن أصَاب كل مِنْهُمَا من الْعشْر خمْسا فَلَا سَابق فيهمَا وَلَا يكملان عدد الرَّمْي لِأَن جَمِيع الْإِصَابَة الْمَشْرُوطَة قد حصلت واستويا فِيهَا فَإِن رمى أحدى عشرا فَأصَاب خمْسا وَرمى الآخر تسعا فَأصَاب أَرْبعا لم يحكم بِالسَّبقِ وَلَا بِعَدَمِهِ حَتَّى يَرْمِي الْعَاشِر فَإِن أصَاب بِهِ فَلَا سَابق فِيهَا وَإِن أَخطَأ بِهِ فقد سبق الأول فَإِن لم يكن اصاب من التِّسْعَة إِلَّا ثَلَاثًا فقد سبق الأول وَلَا يحْتَاج إِلَى رمي الْعَاشِر لِأَن أَكثر مَا يحْتَملهُ أَن يُصِيب بِهِ وَذَلِكَ لَا يُخرجهُ عَن أَن يكون مَسْبُوقا هَذَا مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَابه وَلَهُم وَجه ثَان أَنه يلْزمه إتْمَام الرَّمْي وَإِن تحقق أَنه مَسْبُوق وعللوه بِأَنَّهُ قد يكون للْآخر فِي غَرَض صَحِيح وَهُوَ أَن يتَعَلَّم من رميه قَالُوا فَإِن أجبنا إِتْمَامه لم يقف اسْتِحْقَاق السَّبق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد اسْتحق بِإِصَابَة مَا جعلت إِصَابَته مُوجبَة الِاسْتِحْقَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 فَلَو أصَاب أَحدهمَا عشرَة من خمسين وَأصَاب الآخر تِسْعَة من تِسْعَة وَأَرْبَعين والرشق خَمْسُونَ خَمْسُونَ كمل الْعدَد الْخمسين وَإِن ندرت إِصَابَته فَلَعَلَّهُ أَن يُصِيب وَعقد الْبَاب أَن كل مَوضِع أتقن فِيهِ أَنه لَا يُصِيب الْعدَد لم يلْزمه فِيهِ إتْمَام الرَّمْي وَلم يقف اسْتِحْقَاق ان يُصِيب على إِتْمَامه وكل مَوضِع يَرْجُو فِيهِ تَكْمِيل الْإِصَابَة كمل فِيهِ الرَّمْي وأوقف اسْتِحْقَاق الْمُصِيب على كَمَاله فصل النَّوْع الثَّانِي من المفاضلة وَهِي أَن يَقُولَا أَيّنَا فضل صَاحبه بِإِصَابَة أَو إصابتين أَو ثَلَاثَة من عشْرين رمية فقد سبق فَإِذا قَالَا أَيّنَا فضل صحابه بِثَلَاث من عشْرين فَهُوَ سَابق فرميا اثْنَي عشر سَهْما فأصابها أَحدهمَا كلهَا وأخطأها الآخر كلهَا لم يلْزم إتْمَام الرَّمْي وَكَانَ الغلب للمصيب لِأَن أَكثر مَا يُمكن الآخر أَن يُصِيب الثَّمَانِية الْبَاقِيَة فَالْأول قد نضله على كل حَال وَإِن كَانَ الأول أصَاب من الاثْنَي عشر عشرَة لزمهما رمي الثَّالِث عشر فَإِن أصابا بِهِ مَعًا أَو أخطأا مَعًا أَو أَصَابَهُ الأول وَحده فقد سبق وَلَا يحْتَاج إِلَى تَمام الرَّمْي لِأَن غَايَة مَا يُصِيب الثَّانِي السَّبْعَة الْبَاقِيَة وَلَا يصير بذلك سبقا وَإِن أَصَابَهُ الآخر وَحده فعلَيْهِمَا أَن يرميا الرَّابِع عشر وَالْحكم فِيهِ وَفِيمَا بعده كَالْحكمِ فِي الثَّالِث عشر سَوَاء فِي أَنه مَتى أصابا فِيهِ أَو أخطأاه أَو أَصَابَهُ الأول وَحده فقد سبق وَلَا يحْتَاج إِلَى تَمام الرَّمْي لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 غَايَة مَا يُصِيب الثَّانِي السَّبْعَة الْبَاقِيَة وَلَا يصير بذلك سَابِقًا وَإِن أصابة الآخر وَحده فعلَيْهِمَا أَن يرميا الرَّابِع عشر وَالْحكم فِيهِ وَفِيمَا بعده كَالْحكمِ فِي الثَّالِث عشر سَوَاء فِي أَنه مَتى أصابا فِيهِ أَو أخطأا أَو أَصَابَهَا الأول فَقَط فقد سبق الأول وَلَا يتمان الرَّمْي وَإِن أَصَابَهَا الآخر وَحده رميا مَا بعْدهَا وَعقد الْبَاب مَا تقدم أَن كل مَوضِع قد يكون بإتمام الرَّمْي فِيهِ فَائِدَة لأَحَدهمَا يلْزمه إِتْمَامه وَإِن يئس من الْفَائِدَة لم يلْزم إِتْمَامه فَإِذا بَقِي من الْعدَد مَا يُمكن أَن يسْبق بِهِ احدهما صَاحبه أَو يسْقط بِهِ سبقه لزم الْإِتْمَام وَإِلَّا فَلَا فَإِذا كَانَ السَّبق قد جعل إصابات من عشْرين فرميا ثَمَانِي عشرَة فأخطأاها أَو أصاباها أَو تَسَاويا فِي الْإِصَابَة فِيهَا لم يلْزم الْإِتْمَام لِأَن أَكثر مَا يحْتَمل أَن يُصِيب أَحدهمَا هَاتين الرميتين ويخطئها الآخر وَذَلِكَ لَا يحصل لَهُ السَّبق وَكَذَلِكَ إِذا فضل أَحدهمَا الآخر بِخمْس إصابات فَمَا زَاد لم يلْزم الْإِتْمَام لِأَن إِصَابَة الآخر السهمين البَاقِينَ لَا يخرج الآخر عَن كَونه فَاضلا لَهُ بِثَلَاث إصابات وَإِن كَانَ إِنَّمَا فَضله بِأَرْبَع رميا السهْم الآخر فَإِن أَصَابَهُ الْمَفْضُول وَحده فعلَيْهِمَا رمي الآخر فَإِن أَصَابَهُ الْمَفْضُول أَيْضا سقط سبق الأول وَإِن أَخطَأ فِي أحد السهمين أَو أصَاب الأول أَحدهمَا فَهُوَ سَابق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 فصل النَّوْع الثَّالِث من المناضلة النَّوْع الثَّالِث المحاطة وَهِي أَن يشْتَرط إساقط مَا تَسَاويا فِيهِ من الْإِصَابَة إِلَى أَن يفضل لأَحَدهمَا سهم يُصِيبهُ وَهُوَ السَّابِق وَهَذِه وَإِن كَانَت فِي معنى المفاضلة إِلَّا أَن الْفرق بَينهمَا أَن يشْتَرط فِي المفاضلة ذكر عدد مَا يَقع بِهِ التَّفَاضُل وَفِي المحاطة لَا يشْتَرط ذَلِك بل إِذا قَالَا يلغى مَا تساوينا فِيهِ من الْإِصَابَة فَمن زَادَت إِصَابَته على إِصَابَة صَاحبه فَهُوَ الْغَالِب فَلَا يشْتَرط تعْيين الزِّيَادَة وَلَو قَالَا أَيّنَا أصَاب خمْسا من عشْرين فَهُوَ سَابق فَمَتَى أصَاب أَحدهمَا خمْسا من الْعشْرين وَلم يصبهَا الآخر فَالْأول سَابق وَإِن أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا خمْسا أَو لم يصب وَاحِد مِنْهُمَا خمْسا فَلَا سَابق فيهمَا وَهَذِه فِي معنى المحاطة وَحكم هَذَا النَّوْع حكم مَا قبله فِي أَنه يلْزم إتْمَام الرَّمْي مَا كَانَ فِيهِ فَائِدَة وَلَا يلْزم إِذا خلا عَنْهَا وَمَتى أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا خمْسا لم يلْزمه إِتْمَامه وَلم يكن فيهمَا سَابق وَإِن رميا سِتّ عشرَة رمية فَلم يصب وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا لم يلْزم إِتْمَامه وَلَا سَابق مِنْهُمَا لِأَن أَكثر مَا يحْتَمل أَن يُصِيبهَا أَحدهمَا وَلَا يحصل السَّبق بذلك فصل فَإِن شرطا أَن يخلص لأَحَدهمَا عشر إصابات من مئة رمية مفاضلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فحصلت لَهُ من خمسين لم يسْتَحق السَّبق حَتَّى تتمّ المئة وَهَذَا أحد الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيَّة وَلَهُم وَجه ثَان إِنَّه يسْتَحق السَّبق قبل إكماله المئة وَوجه الأول أَن الآخر قد يُصِيب فِيمَا بَقِي لَهُ من الْخمسين الثَّانِيَة مَا يحط هَذَا عَن الْعشْرَة وَهُوَ إِنَّمَا جعل السَّبق لَهُ إِذا فَضله بِعشْرَة من مئة وَلم يتَحَقَّق هَذَا بعد فَإِن كَانَ ذَلِك فِي رمي الْمُبَادرَة وشرطا أَن من بدر إِلَى عشرَة من مئة اسْتحق فبدر إِلَيْهَا من خمسين اسْتحق وَلم يلْزمه إِكْمَال الرَّمْي لِأَنَّهُ قد سبق صَاحبه حَقِيقَة فصل وَلَا بُد فِي ذَلِك من حصر عدد الرَّمْي وَهُوَ الرشق بِعَدَد مَعْلُوم لينقطع بِهِ التَّنَازُع ويتيقن بِهِ السَّبق وَإِلَّا فالمغلوب يَقُول أَنا أرمي حَتَّى أغلب ولأصحاب الشَّافِعِي فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أوجه هَذَا أَحدهَا وَالثَّانِي لَا يشْتَرط تعْيين الْعدَد وَالثَّالِث يشْتَرط فِي رمي المحاطة والمفاضلة دن الْمُبَادرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وَهَذَا الْوَجْه قوي إِذْ لَا فَائِدَة فِي اشْتِرَاطه فِي رمي الْمُبَادرَة لِأَنَّهُ إِذا قَالَ أَيّنَا بدر إِلَى خمس إصابات فَهُوَ السَّابِق فَمَتَى بدر إِلَيْهَا أَحدهمَا تعين سبقه سَوَاء كَانَ عدد الرَّمْي مَعْلُوما أَو لم يكن وَأما المفاضلة والمحاطة فَإِذا لم يكن عدد الرَّمْي مَعْلُوما لم يحصل مَقْصُود العقد وَلم يَنْقَطِع التَّنَازُع فَإِن احدهما إِذا أصَاب عشرَة من عشْرين مثلا قَالَ الآخر أَنا أصيبها من ثَلَاثِينَ وَلَيْسَ عدد الرَّمْي مَشْرُوطًا بَيْننَا لم يكن لَهُ ذَلِك وَأدّى إِلَى عدم معرفَة السَّابِق وَيَقُول الآخر أَنا أرمي إِلَى أَن أفضلك فَإِن قيل هَذَا يَزُول باستوائهما فِي الرَّمْي قيل النزاع لَا يَنْقَطِع بذلك فَإِنَّهُ يَقُول لَهُ ارْمِ حَتَّى تساويني وايضا فَإِنَّهُمَا إِذا لم يشترطا عددا فَإِنَّهُ قد يسْتَمر رميهما لَا إِلَى غَايَة وَلَا يُصِيب أَحدهمَا فَلَا يُمكن أَحدهمَا الآخر من إِحْرَاز سبقه وَيَقُول لم نزل نرمي حَتَّى يغلب أَحَدنَا وَهَذَا فَاسد جدا وَهُوَ بعيد من قَوَاعِد الشَّرِيعَة وَلَا سِيمَا عِنْد من ألحق هَذَا العقد بالجعالات والإجارات وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فقد تبين من هَذَا أَن النضال على أَرْبَعَة أَقسَام مفاضلة ومحاطة ومبادرة ومباعدة وَأَنَّهَا كلهَا جَائِزَة إِلَّا المباعدة فَإِن فهيا خلافًا وَلَيْسَ على منعهَا دَلِيل فصل فَإِن شرطا إِصَابَة مَوضِع من الهدف على أَن الْأَقْرَب مِنْهُ يسْقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الْأَبْعَد ففضل أَحدهمَا صَاحبه بِمَا شرطاه كَانَ سَابِقًا ذكره القَاضِي أَبُو يعلى وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَنَّهُ نوع من المحاطة فَإِذا أصَاب أَحدهمَا موضعا بَينه وَبَين الْغَرَض شبر وَأصَاب الآخر موضعا بَينه وَبَين أقل من شبر أسقط الأول فَإِن أصَاب الأول الْغَرَض أسقط الثَّانِي وَإِن أصَاب الثَّانِي الدائرة الَّتِي فِي الْغَرَض لم يسْقط الأول لِأَن الْغَرَض كُله مَوضِع الْإِصَابَة فَلَا يفضل أَحدهمَا صَاحبه إِذا أصاباه إِلَّا أَن يشترطا ذَلِك وَإِن اشْترطَا أَن يحْسب أَحدهمَا خاسقة بإصابتين لم يجز لِأَنَّهُ ظلم وعدوان وَإِن شرطا أَن سحب كل مِنْهُمَا خاسقة بإصابتين جَازَ لِأَن أَحدهمَا لم يفضل صحابه بِشَيْء فهما سَوَاء فِي ذَلِك فصل هَل الْعرف مُعْتَبر فِي المناضلة الْمُطلقَة أم لَا إِذا أطلقت المناضلة فَإِن كَانَ للرماة عَادَة مطردَة ترك العقد عَلَيْهَا وَإِن لم يصرحوا اشْتِرَاطهَا وَقد وَافق على ذَلِك أَصْحَاب الشَّافِعِي وَنَقَضُوا هَذَا الأَصْل فِي مَوَاضِع وطردوه فِي مَوَاضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وَقد اتّفق النَّاس على طرده فِي نقد الْبَلَد فِي الْمُعَاوَضَات وَإِن لم يشْتَرط تَنْزِيلا للْعُرْف منزلَة الشَّرْط وعَلى التَّسْلِيم الْمُتَعَارف مثله عَادَة وَإِن لم يشْتَرط كَمَا لَو بَاعه أَو اشْترى مِنْهُ دَارا لَهُ فِيهَا مَتَاع كثير لَا يُمكن نَقله فِي يَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ وعَلى أَعماله فِي قبُول الْهَدِيَّة مَعَ الصغار والاكتفاء بقَوْلهمْ وعَلى دُخُول الرجل اعْتِمَادًا على خبرهم عَن إِذْنه ونظائر ذَلِك كَثِيرَة ونقضه من قَالَ لَا تجب الْأُجْرَة للحمامي وَلَا الخباز وَلَا الطباخ وَلَا الغسال وَلَا المكاري حَتَّى يعْقد مَعَهم عقد إِجَارَة وَقد ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع جَوَاز عقد النِّكَاح من غير تَسْمِيَة مهر وَوُجُوب مهر الْمثل فَإِذا كَانَ هَذَا فِي النِّكَاح الَّذِي يحْتَاط لَهُ مَا لَا يحْتَاط لغيره وأحق الشُّرُوط أَن يُوفى بِهِ مَا شَرط فِيهِ فَغَيره من الْعُقُود بطرِيق الأولى وَالْمَقْصُود أَنهم إِذا كَانَ لَهُم عَادَة فِي مِقْدَار الْمسَافَة بَين الْموقف وَالْغَرَض أَو عَادَة فِي مِقْدَار الْغَرَض وارتفاع الهدف وانخفاضه نزل العقد على الْعَادة وَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر ذَلِك وَللشَّافِعِيّ فَقَوْلَانِ هَذَا أَحدهمَا وَالثَّانِي لَا بُد من بَيَان ذَلِك فِي العقد وَإِن كَانَ لَهُم عَادَة فِي الْمُبْتَدِئ بِالرَّمْي أَيْضا حمل العقد عَلَيْهَا إِلَّا أَن يشترطوا خلَافهَا فَإِن شرطُوا تعْيين من يبتديء فِي كل رشق تعين وَإِن أطْلقُوا تَعْيِينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَلم يَقُولُوا فِي كل رشق احْتمل أَن يتَعَيَّن فِي الْجَمِيع لأَنهم لما عينوه وَلم يعينوا غَيره علم أَنهم أَرَادوا أَنه يبتديء فِي جَمِيع النوبات وَيحْتَمل أَنه يتَعَيَّن فِي الرشق الأول ثمَّ يقرع بَينهم قرعَة أُخْرَى لجَمِيع الأرشاق لِأَن تَعْيِينه مُطلق وَلَيْسَ بعام وَقد عين مرّة وَالْمُطلق يكْتَفى فِيهِ بِمرَّة والوجهان لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَلَهُم وَجه ثَالِث فِي غَايَة الْبعد أَنهم يَحْتَاجُونَ فِي كل رشق إِلَى قرعَة وَفِي هَذَا من التَّطْوِيل وَالْمَشَقَّة وَبرد أَيدي الرُّمَاة مَا يُوجب رده وبطلانه فَإِن لم يتَعَرَّضُوا لذكر الباديء بِالرَّمْي لم يبطل العقد إِذْ لَا وَجه لبطلانه وَهَذَا قَول الْجُمْهُور وَللشَّافِعِيّ قَول حَكَاهُ الخراسانيون أَنه يبطل العقد وَإِذا لم يحكم بِبُطْلَانِهِ فِيمَا إِذا لم يتَعَيَّن ينظر فَإِن كَانَ السَّبق مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا عين بِالْقُرْعَةِ وَإِن كَانَ من الإِمَام أَو أَجْنَبِي فَكَذَلِك وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَن مخرج السَّبق يُعينهُ وعَلى هَذَا القَوْل فَإِن عينه لجَمِيع الأرشاق تعين وَإِن عينه مُطلقًا فَهَل يتَعَيَّن للرشق الأول أَو لجَمِيع الأرشاق على الْوَجْهَيْنِ فصل نقل أَصْحَاب الشَّافِعِي عَنهُ أَنه تردد فِي أَن المتبع فِي هَذَا العقد الْقيَاس أَو عَادَة الرُّمَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وَاسْتَشْكَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَغَيره وَقَالُوا كَيفَ تجوز مُخَالفَة حجَّة شَرْعِيَّة بعادة غير شَرْعِيَّة ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال فَقَالَ الصيدلاني تردده مَحْمُول على عَادَة الرُّمَاة الْمُجْتَهدين من الْعلمَاء وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ المُرَاد بِالْعَادَةِ مَا يتفاهمونه من الْأَلْفَاظ ورد قَول الصيدلاني بِأَن عَادَتهم إِذا وَافَقت الْقيَاس فالحجة فِي الْقيَاس وَإِن خَالَفت الْقيَاس فَلَا عِبْرَة بهَا ورد قَول أبي مُحَمَّد بِأَنَّهُ يجب حمل الْعُقُود على الْعَادة المطردة فِي الْأَلْفَاظ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ المُرَاد بِالْعَادَةِ فِي كَلَام الشَّافِعِي الْعَادة فِي البادئ بِالرَّمْي وَعَلِيهِ ينزل كَلَامه فَإِن عَادَة الرُّمَاة الْبدَاءَة بمخرج السَّبق ثمَّ قَالَ إِذا عظم وَقع الْقيَاس وبعدت عَادَتهم عَنهُ وَجب الْقطع بِاتِّبَاع الْقيَاس قلت كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله ظَاهر التَّرَدُّد بَين دَلِيلين شرعيين فَإِن الْعُقُود تحل على الْعرف والمعتاد عِنْد الْإِطْلَاق فَينزل الْمُعْتَاد مُخَالفا لكتاب الله وَالْقِيَاس دَلِيل شَرْعِي فَإِذا خَالف الْعَادة فتردد هَل يقدمهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 على الْعَادة الْمنزلَة منزلَة الشَّرْط أَو تقدم الْعَادة الْمَشْرُوطَة عرفا عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا دَلِيل شَرْعِي وَالرَّاجِح تَقْدِيم الْعَادة فَإِنَّهَا منزلَة منزلَة الشَّرْط وَلَا ريب أَن الْقيَاس يتْرك للشّرط فَإِن الْقيَاس الْحُلُول وَنقد الْبَلَد وَجَوَاز التَّصَرُّف عقيب العقد وَيتْرك ذَلِك كُله بِالشّرطِ وَلَا يخفى ضعف مَسْلَك إِمَام الْحَرَمَيْنِ الَّذِي حمل عَلَيْهِ كَلَام الشَّافِعِي فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي البادئ بِالرَّمْي قِيَاس يُخَالف الْعَادة الْجَارِيَة بَينهم وَلِهَذَا وَلَو شرطُوا أَن يبْدَأ وَاحِد مِنْهُم لم يكن ذَلِك مُخَالفا للْقِيَاس فَإِذا كَانَ لَهُم عَادَة ببداءة وَاحِد مِنْهُم لم يكن ذَلِك مُخَالفا للْقِيَاس وَالله أعلم فصل فِي الْموقف واختلافه إِذا اصطفت الرُّمَاة فِي مُقَابلَة الْغَرَض للرمي فَرمى كل وَاحِد من مَوْضِعه صَحَّ بِاتِّفَاق الْفُقَهَاء وَالرُّمَاة وَلَا يشْتَرط أَن يتناوبوا على الْوُقُوف فِي موازاة الْغَرَض فَإِن رَضوا بذلك جَازَ وَإِن تنافسوا فِي ذَلِك وكل مِنْهُم آثر الْوُقُوف بِإِزَاءِ الْغَرَض كتنافسهم فِي البادئ بِالرَّمْي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يقدم بِالْقُرْعَةِ وَالثَّانِي يقدم من يختاره مخرج السَّبق أَو من لَهُ مزية بِإِخْرَاجِهِ كَمَا تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَإِن كَانَ الْموضع الَّذِي عينه بَعضهم خيرا من غَيره مثل أَن يكون أحد الموقفين مُسْتَقْبلا للشمس أَو للريح وَنَحْو ذَلِك والموقف الآخر مستدبرهما قدم قَول من عين هَذَا الْموقف لِأَنَّهُ أقرب إِلَى تَحْصِيل مَقْصُود الرَّمْي وَهُوَ الْموضع الَّذِي ينْصَرف إِلَيْهِ العقد عِنْد الْإِطْلَاق فَإِن كَانَ شَرطهمَا خِلَافه فَالشَّرْط عِنْد أَصْحَابنَا أولى قَالُوا كَمَا لَو اتفقَا على الرَّمْي لَيْلًا وَيحْتَمل أَن يكون الْموقف الْمُوَافق أولى وَيُجَاب من طلبه لِأَنَّهُ اقْربْ إِلَى مصلحتها ومصلحة العقد فَإِن اسْتَوَى الموقفان وقف الأول حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ وَتَبعهُ الثَّانِي فَإِذا كَانَ فِي الْوَجْه الثَّانِي وقف الثَّانِي حث شَاءَ وَتَبعهُ الأول وَلَيْسَ لأَحَدهم أَن يتَقَدَّم عَن صَاحبه إِلَى جِهَة الْغَرَض بل يقفوا صفا فَإِن رَضوا بِتَقْدِيم أحدهم فَإِن كَانَ يَسِيرا جَازَ وَإِن أفرط لم يجز لما فِيهِ من مزية التَّخْصِيص الْمنَافِي للعدل فَصَارَ كَمَا لَو شَرط لأَحَدهم السَّبق بتسع إصابات وَللْآخر بِعشر فَإِنَّهُ لَا يجوز اتِّفَاقًا فَلَو اتَّفقُوا كلهم على أَن يتقدموا أَو يتأخروا عَن موقفهم جَازَ وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي يكون على الْخلاف فِي إِلْحَاق الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فرع فَإِن تَأَخّر أحدهم عَن موقفه فَهَل لَهُ ذَلِك يحْتَمل الْجَوَاز لِأَنَّهُ مُؤثر بِهِ لأَصْحَابه لَا مستأثر عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَيحْتَمل الْمَنْع لفَوَات الْعدْل الْمَطْلُوب من العقد وللشافعية وَجْهَان وَكَذَلِكَ لَو كَانَ اثْنَيْنِ فَتقدم أَحدهمَا عَن الآخر لم يجز وَإِن تَأَخّر عَنهُ فعلى الِاحْتِمَالَيْنِ والوجهين وَالله أعلم فصل أَحْكَام البدء والتأخر وَإِذا بَدَأَ أَحدهمَا فِي وَجه بَدَأَ الآخر فِي الْوَجْه الثَّانِي تعديلا بَينهمَا فَإِن شرطت الْبدَاءَة لأَحَدهمَا فِي كل الْوُجُوه فَقَالَ أَصْحَابنَا لم يَصح لِأَن مَوضِع المناضلة على الْمُسَاوَاة وَهَذَا يمْنَعهَا وَيحْتَمل أَن يجوز ذَلِك لِأَنَّهُمَا لَو اتفقَا على ذَلِك برضاهما من غير شَرط جَازَ لِأَن الْبدَاءَة لَا أثر لَهَا فِي الْإِصَابَة وَلَا فِي جودة الرَّمْي فَإِذا شَرط ذَلِك فقد شرطا مَا يجوز فعله فَيصح وَإِن شرطا أَن يبْدَأ كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْوَجْهَيْنِ متواليين جَازَ لتساويهما وَفِي الْمَسْأَلَة وَجه آخر إِن اشْتِرَاط الْبدَاءَة لَغْو لَا تَأْثِير لَهُ ووجوده كَعَدَمِهِ إِذْ لَا تَأْثِير للبداءة فِي الْإِصَابَة وَلَا فِي جودة الرَّمْي وَكثير من الرُّمَاة يخْتَار التَّأَخُّر عَن الْبدَاءَة وهم الحذاق وَمِنْهُم من يخْتَار الْبدَاءَة وَمِنْهُم يَسْتَوِي عِنْده الْأَمْرَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الحكم فِي التَّأَخُّر كَمَا فعل مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ السَّحَرَة والتأخر أحسن موقعا وَأعظم قدرا وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى للسحرة وَقد خيروه بَين أَن يَبْتَدِئ هُوَ أَو أَن يبتدئوا قبله فَاخْتَارَ بداءتهم أَولا ثمَّ ألْقى هُوَ بعدهمْ وَفِي ذَلِك وُجُوه كَثِيرَة من الْحِكْمَة مِنْهَا أَن الْمُبْطل يستفرغ وَسعه ويستنفذ حيله وَلَا يبْقى لَهُ شَيْء يُقَال إِنَّه لَو أَتَى بِهِ لغلب وَمِنْهَا أَن يكون هُوَ الْبَاغِي فَيكون أدعى إِلَى نصْرَة الْحق والمحق عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَن نفوس النَّاس دَائِما تستشرف إِلَى الْمُجيب أَكثر من السَّائِل وَإِلَى الْمُتَأَخر فِي المغالبات والمقارعات أَكثر من استشرافها إِلَى الأول فَيكون ظفره وغلبه أعظم موقعا وَمِنْهَا أَن همة المحق تقوى وتتضاعف إِذا شَاهد خَصمه وَقد وضع لَهُ أَسبَاب الْغَلَبَة واستنفذ سهامه فَتَصِير همته على مِقْدَار مَا شَاهد من كيد خَصمه وَمِنْهَا أَن اللَّغط يصفو وَيَنْقَطِع هيج البدوات وهرجها وَمِنْهَا أَن يجمع همه وعزمه ويستعد للمقابلة وَمِنْهَا أَنه يَأْمَن رُجُوع خَصمه واستقالته فَإِن خَصمه قد يرجع عَن مقارعته إِذا رأى قوته واستظهاره فَلَا تظهر غلبته فَإِذا بَدَأَ خَصمه أَمن من رُجُوعه واستقالته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 ولفوائد أُخْرَى غير هَذِه وهما مخيران بَين ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن يرميا سَهْما وَسَهْما الثَّانِي أَن يرميا سَهْمَيْنِ وسهمين أَو ثَلَاثَة وثالثة الثَّالِث أَن يستنفذ أَحدهمَا رميه ثمَّ يتبعهُ الآخر فصل تعدد الْغَرَض وَالسّنة أَن يكون لَهما غرضان فيرميان كِلَاهُمَا إِلَى أَحدهمَا ثمَّ يذهبان كِلَاهُمَا إِلَى الآخر فيأخذان السِّهَام ويرميان الأول وَهَكَذَا كَانَت عَادَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أثر مَرْفُوع كل شَيْء لَيْسَ من ذكر الله عز وَجل فَهُوَ لَغْو أَو سَهْو إِلَّا أَربع خِصَال مشي الرحل بَين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبته أَهله وَتعلم السباحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب فضل الرَّمْي بَاب فضل الْمَشْي بَين الغرضين ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن أبي ذَر يرفعهُ من مَشى بني الغرضين كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه رَأَيْت حُذَيْفَة بن الْيَمَان يعدو بَين الهدفين بِالْمَدَائِنِ فِي قَمِيص وَقَالَ بِلَال بن سعد أدْركْت قوما يَشْتَدُّونَ بَين الْأَغْرَاض يضْحك بَعضهم إِلَى بعض فَإِذا كَانَ اللَّيْل كَانَا رهبانا وَكَانَ عقبَة بن عَامر يشْتَد بَين الغرضين وَهُوَ شيخ كَبِير وَفِي أثر مَرْفُوع مَا بَين الغرضين رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَإِن جعلُوا غَرضا وَاحِدًا جَازَ لحُصُول الْمَقْصُود بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 فصل فِي صِفَات الْإِصَابَة وأنواعها الْإِصَابَة نَوْعَانِ مُطلقَة ومقيدة فالمطلقة إِصَابَة الْغَرَض على أَي صفة كَانَت إِمَّا فِي وَسطه أَو جَانِبه الْأَيْمن أَو الْأَيْسَر وَكَذَلِكَ يتَنَاوَل مَا وَقع فِي الْغَرَض وَلم يخرقه أَو خرقه وَلم ينفذ مِنْهُ أَو خرقه وَنفذ مِنْهُ أَو غَيره فَإِن أطلقا الْإِصَابَة وَلم يقيداها بِقَيْد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن العقد يَصح ويتناولها على أَي صفة كَانَت من هَذِه الصِّفَات وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي الْمُغنِي أَن ذكر صفة الْإِصَابَة شرطا فِي صِحَة المناضلة فَإِن قَالَا رمينَا خواصل كَانَ تَأْكِيدًا لمُطلق الْإِصَابَة لِأَنَّهُ اسْم لَهَا كَيْفَمَا كَانَت وَتسَمى القرع والقرطسة يُقَال خصل وقرع وقرطس بِمَعْنى وَاحِد إِذا أصَاب فصل النضال على الْإِصَابَة فَإِن قَالَا (خواسق) وَهُوَ مَا خرق الْغَرَض وَثَبت فِيهِ أَو (خوازق) وَهُوَ مَا خرقه وَوَقع بَين يَدَيْهِ أَو (موارق) وَهُوَ مَا نفذ الْغَرَض وَوَقع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَرَائه أَو (خوارم) وَهُوَ مَا خرم جَانب الْغَرَض أَو (حوابي) وَهُوَ مَا وَقع بَين يَدي الْغَرَض ثمَّ وثب إِلَيْهِ وَمِنْه يُقَال حبا الصَّبِي أَو (خواصر) وَهُوَ مَا كَانَ فِي إِحْدَى جَانِبي الْغَرَض وَمِنْه قيل الخاصرة لِأَنَّهَا فِي جَانب الْإِنْسَان تقيدت المناضلة بذلك لِأَن الْمرجع فِي الْمُسَابقَة إِلَى شَرطهمَا فتتقيد بِمَا شرطاه وَإِن شرطا الخواسق والحوابي مَعًا صَحَّ هَكَذَا ذكره أَصْحَابنَا وَيحْتَمل أَن لَا يَصح شَرط الْإِصَابَة النادرة كالحوابي فَإِن هَذَا إِنَّمَا يَقع اتِّفَاقًا نَادرا فاشتراط الاحتساب بِهِ دون مَا عداهُ ينْدر جدا وَذَلِكَ يفوت مَقْصُود الرَّمْي وَكَذَلِكَ كل شَرط تندر مَعَه الْإِصَابَة لَا يَنْبَغِي صِحَة اشْتِرَاطه وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا شرطا إِصَابَة مَوضِع من الْغَرَض كدائرته وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصح لِأَنَّهُ لَا ينْدر الْإِصَابَة فِيهِ وَهُوَ من حذف الرَّامِي وَمِمَّا ينَال بالتعليم بِخِلَاف اشْتِرَاط وُقُوع السهْم دون الْغَرَض ثمن يحبو بِنَفسِهِ حَتَّى يَقع فِي الْغَرَض فَإِن هَذَا لَا ينَال بالتعلم وَلَا هُوَ مِمَّا يكثر وُقُوعه وَلَا يتنافس فِيهِ الرُّمَاة وَقد نَص الشَّافِعِي فِي أحد قوليه أَنه إِذا شَرط الخسق فخرق الْغَرَض وَنفذ مِنْهُ لقُوته أَنه يحْتَسب لَهُ بِهِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره من أَصْحَابه وَهُوَ الْأَصَح لموافقته اللَّفْظ وَالْمعْنَى قلت وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار وَالْقَوْل الثَّانِي لَا يحْتَسب لَهُ بِهِ وَإِلَيْهِ ميل الرُّمَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 (فرع) فَإِن شرطا خوارق فخسق وَثَبت فِي الْغَرَض وَإِذا وَرَاءه خَشَبَة أَو شَيْء يمنعهُ من الْخرق بِحَيْثُ لولاه لنفذ احْتمل أَن يحْتَسب لَهُ بِهِ نظرا إِلَى الْمَقْصُود وَأَنه لَوْلَا الْمَانِع لحصل الْمَشْرُوط وَهُوَ كَمَا لَو أطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم مَكَانَهُ وَاحْتمل أَن لَا يحْتَسب لَهُ بِهِ للشَّكّ فِي حُصُول الْخرق لَو كَانَ الْمَانِع زائلا إِذْ من الْمُحْتَمل أَن يثبت مَعَ عدم الْمَانِع فصل فِي الْقرب وَالْأَقْرَب النضال على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا على الْإِصَابَة وَالثَّانِي على الْقرب من الْغَرَض فَأَي السِّهَام كَانَ أقرب احتسب بِهِ وألغي مَا دونه فَإِن كَانَ لقدر الْقرب عَادَة بَينهم حمل إِطْلَاق العقد عَلَيْهَا وَصَارَت كالمشروطة وَإِن لم يكن لَهُ عرف وَلَا عَادَة فَلَا بُد من بَيَان قدر الْقرب الْمُحْتَسب بِهِ هَل هُوَ ذِرَاع أَو شبر أَو نَحوه فَإِن اطلقوا العقد وَلم يبينوا قدر الْقرب بل قَالُوا أَيّنَا كَانَ أقرب سَهْما إل الْغَرَض احتسب بِهِ لم يَصح لِأَنَّهُ مَا من قرب إِلَّا وَغَيره أقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 مِنْهُ فَلَا يعرف قدر مَا يحْتَسب بِهِ وَفِيه وَجْهَان آخرَانِ للشَّافِعِيَّة أَحدهمَا يَصح وَيقدر الْقرب بِسَهْم وَهَذَا تحكم لَا دَلِيل لَهُ الثَّانِي أَن يحْتَسب بالأقرب فَالْأَقْرَب وَيسْقط كل سهم بِمَا هُوَ أقرب مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِذا وَقعت سهامهما فِي حد الْقرب وَكَانَ فِي سِهَام أَحدهمَا قريب واقرب وأبعدهما أقرب من اقْربْ الآخر فَهَل يحْتَسب جَمِيع سهامه أَو يسْقط أبعدها بأقربها فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحْتَسب بجميعها لِأَنَّهَا كلهَا اقْربْ من سِهَام الآخر وَهَذَا أظهر الثَّانِي أَنه يسْقط أبعدها بأقربها وَيجْعَل الْأَبْعَد لَغوا وَيكون الحكم للأقرب وَوجه هَذَا أَن قَائِله لما احتسب بالأقرب فَالْأَقْرَب جعل الْأَبْعَد ملغى واحتسب بِمَا هُوَ أقرب مِنْهُ كمن لَو كَانَ الْأَبْعَد من سِهَام صَاحبه وَالْأَقْرَب من سهامه هُوَ فَيعْمل فِي سهامه وَحده مَا يعْمل فِي سهامهما هَذَا كُله تَفْرِيع على الْوَجْه الأول وَأما على اشْتِرَاط مَسَافَة الْقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فَلَا يَجِيء ذَلِك وَمهما وَقع فِي جَوَانِب الهدف فِي حد الْقرب الْمُشْتَرط حسب ولأصحاب الشَّافِعِي وَجه ضَعِيف جدا أَنه لَا يحْتَسب مَا وَقع فِي أَعلَى الهدف وَلَا وَجه لَهُ بل أَعْلَاهُ وأسفله وجوانبه سَوَاء (فرع) إِذا قدرا قدر الْأَقْرَب بِذِرَاع مثلا وشرطا أَن يسْقط قريب كل رام مَا هُوَ أبعد مِنْهُ من رمي الآخر وَلَو كَانَ فِي حد الْقرب وَجب اتِّبَاعه فَلَو لم يشرطاه وشرطا أَن من كَانَ أقرب بِذِرَاع فَهُوَ الناضل وَكن أَحدهمَا أقرب بِدُونِ الذِّرَاع احْتمل أَن يحْتَسب بالأقرب فَالْأَقْرَب بِدُونِ الذِّرَاع وَاحْتمل أَن يحْتَسب بِكُل مَا يَقع فِي حد الْقرب مَا لم يقصر عَنهُ وقريبه وأقربه سَوَاء والوجهان لأَصْحَاب الشَّافِعِي هَذَا إِذا لم يكن للرماة عَادَة فَإِن كَانَ لَهُم عَادَة فِي الاحتساب أَو عَدمه نزل العقد عَلَيْهَا إِجْرَاء لَهَا مجْرى الشَّرْط وَالله أعلم فصل فِيمَا يطْرَأ من النكبات إِذا عرض عَارض من كسر قَوس أَو قطع وتر أَو ريح شَدِيدَة لم يحْتَسب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ إِذا اخطأ لعَارض من هَذِه الْعَوَارِض أَو غَيرهَا كحيوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 اعْترض بَين يَدَيْهِ لِأَن هَذَا الْخَطَأ لعَارض لَا لسوء رميه قَالَ القَاضِي وَلَو أصَاب لم يحْتَسب لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يحْتَسب عَلَيْهِ لم يحْتَسب لَهُ لِأَن الرّيح الشَّدِيدَة كَمَا يجوز أَن تصرف الرَّمْي السديد فيخطئ يجوز أَن تصرف السهْم الْمُخطئ عَن خطئه فَيَقَع مصيبا وَتَكون إِصَابَته بِالرِّيحِ لَا بحذق الرَّامِي فَإِن وَقع السهْم فِي حَائِل بَينه وَبَين الْغَرَض فمرقه وَأصَاب الْغَرَض حسب هَل لِأَن إِصَابَته لسداد رميه ومروقه لقُوته فَهُوَ أولى من غَيره وَإِن كَانَت الرّيح لينَة لَا ترد السهْم عَادَة لم يمْنَع الاحتساب عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ وَله لِأَن الجو لَا يَخْلُو من ريح وَلِأَن الرّيح الرخَاء لَا تُؤثر إِلَّا فِي الرَّمْي الرخو الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ (فرع) حكم الْإِصَابَة بطارئ وَإِذا أطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم مَوْضِعه فَإِن كَانَ شَرطهمَا خواصل احتسب لَهُ بِهِ لعلمنا أَنه لَو كَانَ الْغَرَض فِي مَوْضِعه أَصَابَهُ وَإِن كَانَ شَرطهمَا خواسق لم يحْتَسب لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ هَذَا قَول أبي الْخطاب لِأَنَّهُ لَا يدْرِي هَل يثبت فِي الْغَرَض إِذا كَانَ مَوْجُودا أَو لَا وَقَالَ القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ينظر فَإِن كَانَت صلابة الهدف كصلابة الْغَرَض فَثَبت فِي الهدف احتسب لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَو بَقِي مَكَانَهُ لثبت فِيهِ كثبوته فِي الهدف وَإِن لم يثبت فِيهِ مَعَ التَّسَاوِي لم يحْتَسب وَإِن كَانَ الهدف أَصْلَب فَلم يثبت فِيهِ أَو إِن كَانَ رخوا لم يحْتَسب السهْم لَهُ وَلَا عَلَيْهِ لأَنا لَا نعلم هَل كَانَ يثبت فِي الْغَرَض لَو بَقِي مَكَانَهُ أم لَا وَهَذَا كُله مَذْهَب الشَّافِعِي (فرع) فَإِن اطارت الرّيح الْغَرَض فَوَقع السهْم فِيهِ لَا فِي الْمَكَان الَّذِي طَار مِنْهُ فَقَالَ أَصْحَابنَا يحْتَسب عَلَيْهِ السهْم لَا لَهُ إِلَّا أَن يَكُونَا اتفقَا على رميه فِي الْموضع الَّذِي طَار إِلَيْهِ وَعِنْدِي أَنه إِذا أطارته بعد خُرُوج السهْم من كبد الْقوس حسبت عَلَيْهِ لأَنا نتيقن أَنه لَو كَانَ مَكَانَهُ لأخطأه وَإِن أطارته قبل الرَّمْي حسب لَهُ لِأَن الْغَرَض هُوَ الْمَقْصُود وَقد أَصَابَهُ وَإِن أطارته قبل الرَّمْي فَوَقع سهم أَحدهمَا فِي مَوْضِعه الْأَصْلِيّ وَوَقع سهم الآخر فِيهِ نَفسه فالمصيب من وَقع سَهْمه فِيهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود فَمن أَصَابَهُ أصَاب وعَلى قَول الْأَصْحَاب الْمُصِيب هُوَ الَّذِي وَقع سَهْمه فِي مَوْضِعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَإِن كَانَت إطارته بعد رميهما فالمصيب من وَقع سَهْمه فِي مَكَانَهُ الْأَصْلِيّ لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ الْمَقْصُود فِي الرَّمْي وَالْغَرَض عَلامَة عَلَيْهِ وَقد أصَاب الْمَقْصُود بِخِلَاف مَا إِذا اطارته قبل الرَّمْي فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود بِالرَّمْي فمصيبه مُصِيب للمقصود وَهَذَا وَاضح بِحَمْد الله تَعَالَى (فرع) وَإِذا أَلْقَت الرّيح الْغَرَض على وَجهه فَحكمه حكم مَا أطارته يَمِينا وَشمَالًا وخلفا وأماما فصل وكل رمية فَسدتْ لفساد الْقَبْض أَو النّظر أَو العقد أَو الجذب أَو الْإِطْلَاق حسبت عَلَيْهِ من رشقه وَإِن فَسدتْ لعَارض لَا ينْسب إِلَى تَقْصِيره نَحْو كسر الْقوس وَانْقِطَاع الْوتر وهبوب الرّيح عَاصِفَة وعروض ظلمَة شَدِيدَة وَنَحْو ذَلِك حسب لَهُ إِن أصَاب وَإِن أَخطَأ لم يحْسب عَلَيْهِ وَأبْعد من قَالَ من الْأَصْحَاب إِنَّه يحْتَسب عَلَيْهِ وَهُوَ غلط وَأبْعد مِنْهُ من قَالَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يحْتَسب لَهُ مَعَ الْإِصَابَة إِذْ مَعْلُوم أَن الْإِصَابَة مَعَ التنكيد من وجودة الرَّمْي وَفضل الحذق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِن عرض كسرالقوس وَانْقِطَاع الْوتر قبل نُفُوذ السهْم لم يحْتَسب عَلَيْهِ وَإِن عرض بعد النّفُوذ حسب عَلَيْهِ فرع وَإِن انْكَسَرَ السهْم فَإِن كَانَ لضعف قدحه لم يحْسب عَلَيْهِ وَإِن كَانَ انكساره لسوء الرَّمْي بِأَن أخلى الفوق فِي النزع عَن الْوتر أَو أغرق فِي النزع فعلق رَأس النصل فِي كبد الْقوس فانكسر حسب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من سوء رميه وَإِن أصَاب الْغَرَض بعد انكساره فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُصِيبهُ طولا أَو عرضا فَإِن أَصَابَهُ عرضا لم يحْسب لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن أَصَابَهُ طولا فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 كَانَت الْإِصَابَة بالنصل حسب لَهُ وَإِن أصَاب بِغَيْر النصل لم يحْسب لَهُ قَالَه أَصْحَابنَا وَفِيه نظر ظَاهر إِذْ الْإِصَابَة بِرَأْس الْقطعَة الَّتِي فِيهَا الفوق كالإصابة بالنصل سَوَاء وَلَا فرق بَينهمَا بل قد قَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّه إِن أَصَابَهُ بِقِطْعَة النصل لم يحْسب وَإِن أَصَابَهُ بِقِطْعَة الفوق حسب فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْقَوْلَان ضعيفان فِي النّظر وَالْقِيَاس وَالصَّوَاب أَنه يحْسب لَهُ بهما إِذْ لَا عِبْرَة بالنصل وَإِنَّمَا الْعبْرَة بالإصابة وَلَو كَانَ النصل ضَعِيفا فَسقط دون الْغَرَض وَوَقع السهْم بِلَا نصل فِي الْغَرَض حسب لَهُ قطعا وَهَذَا مثله فرع فَإِذا أغرق الرَّامِي فِي النزع فَخرج السهْم من الْجَانِب الآخر حسب لَهُ وَعَلِيهِ فَإِن اعْتَرَضَهُ حَيَوَان فِي طَرِيقه فَأَصَابَهُ وَنفذ مِنْهُ إِلَى الْغَرَض فَأصَاب حسب لَهُ وَأبْعد من قَالَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّه لَا يحْسب لَهُ وَلَا وَجه لقَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَإِن كَانَ الْخَطَأ لفساد عرض لَهُ فِي بدنه كالتواء يَده أَو عَارض عرض لَهُ فِي بَصَره أَو دَاء عرض لَهُ أفسد رميه لم يحْتَسب عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا أَن ينْسب الْعَارِض إِلَى تَقْصِيره فِي الرَّمْي كَأَن تلتوي يَده لعدم حذقه فِي الْقَبْض فَإِنَّهُ يحْسب عَلَيْهِ فصل وَكَذَلِكَ كل إِصَابَة تُضَاف إِلَى غير الرَّمْي لم يحْتَسب لَهُ بهَا فَإِذا أصَاب السهْم شَجَرَة مائلة عَن سمت الْغَرَض أَو شَجَرَة أَو جِدَار كَذَلِك فَارْتَد بصدمته فَأصَاب الْغَرَض فَإِن هَذِه الْإِصَابَة لَا تُضَاف إِلَى رميه وَيحْتَمل أَن يحْتَسب لَهُ بِهِ لِأَنَّهَا متولده عَن رميه وللشافعية وَجْهَان فِي ذَلِك فَإِن كَانَت الشَّجَرَة أَو الْجِدَار مسامتين للغرض حسب لَهُ قطعا إِذْ الْإِصَابَة من حسن الرَّمْي فَإِن مر السهْم على السداد فصدم الأَرْض ثمَّ قفز فَأصَاب الْغَرَض فَهَل يحْتَسب لَهُ بِهِ ينظر فَإِن كَانَ لَهُم شَرط ابتع وَإِن لم يكن لَهُم شَرط اتبعت عَادَتهم إِذْ هِيَ منزلَة منزلَة الشَّرْط وَإِن لم يكن لَهُم عَادَة وَلَا شَرط احْتمل وَجْهَيْن ولأصحاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يحْتَسب بِهِ وَالثَّانِي لَا يحْتَسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَالثَّالِث إِن اتبعت الْعَادة لم يحْتَسب بِهِ وَإِلَّا احتسب بِهِ قَالُوا لِأَن عَادَة الرُّمَاة عدم الاحتساب وَالصَّوَاب الاحتساب بِهِ لأَنا نوجب الْقصاص بِمثل هَذِه الْإِصَابَة إِذا تعمد قتل من يُكَافِئهُ وينزلها منزلَة السهْم الَّذِي مر كَمَا هُوَ حَتَّى أصَاب الْمَقْتُول بل الاحتساب بِهِ فِي النضال أولى إِذْ لَو كَانَ ذَلِك شُبْهَة يمْنَع الاحتساب بِهِ فِي الْإِصَابَة لكَانَتْ أولى بِالْمَنْعِ فِي الْقصاص وَهَذَا ظَاهر وَللَّه الْحَمد فصل وَقد تقدم الْخلاف فِي الْمُسَابقَة هَل هِيَ عقد لَازم أَو جَائِز وَإِن الْمَشْهُور من الْمَذْهَب أَنَّهَا عقد جَائِز فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَسخه قبل الشُّرُوع فِيهِ وَلَهُمَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَإنَّهُ إِن ظهر فضل احدهما فَلهُ وَحده الْفَسْخ وتنفسخ بِمَوْت أَحدهمَا وَلَا يُؤْخَذ بهَا رهن وَلَا ضمين وَلَا يثبت فِيهَا خِيَار مجْلِس وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّهَا عقد لَازم كَالْإِجَارَةِ فتنعكس هَذِه الْأَحْكَام فَإِن أَرَادَ أَحدهمَا تَأْخِير الرَّمْي فَإِن كَانَ لعَارض يعمهما أَو يخْتَص بِأَحَدِهِمَا كوجع أَو التواء عرق وَنَحْو ذَلِك أَو ريح أَو ظلمَة أَو سيل جَازَ تَأْخِير الرَّمْي وَلَا يَنْفَسِخ العقد بذلك وَلِصَاحِب الْعذر الْفَسْخ بِهِ وَإِن أَرَادَ أَحدهمَا تَأْخِيره بِلَا عذر فَإِن قيل إِن العقد جَائِز فَلهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 ذَلِك وَإِن قيل بلزومه فَلَا وَلَو تشاغل عَن الرَّمْي فِي الْغَايَة وَطول لَا حَاجَة إِلَيْهِ من مسح الْقوس وَالْوتر وَنَحْو ذَلِك ليبرد همة صَاحبه أَو ينسيه الْوَجْه الَّذِي أصَاب بِهِ ويشغله عه منع من ذَلِك وطولب بتعجيل الرَّمْي وَلَا يدهش بالاستعجال بِحَيْثُ يمْتَنع من تحري الْإِصَابَة وَيمْتَنع كل وَاحِد من المناضلين من الْكَلَام الَّذِي يغِيظ بِهِ صَاحبه مثل أنة يفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صَاحبه على الْخَطَأ أَو يظْهر لَهُ أَنه يُعلمهُ وَيمْنَع من ذَلِك من حضرهم من الْأمين وَالشُّهُود والنظارة فصل فِي الجلب وَالْجنب روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا جلب وَلَا جنب يَوْم الرِّهَان وَفِي الْمسند من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لَهُ يَا عَليّ قد جعلت إِلَيْك هَذِه السبقة بَين النَّاس فَخرج عَليّ فَدَعَا سراقَة بن مَالك فَقَالَ يَا سراقتة إِنِّي قد جعلت إِلَيْك مَا جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عنقِي من هَذِه السبقة فِي عُنُقك فَإِذا أتيت الميطان قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن والميطان مرسلها من الْغَايَة فَصف الْخَيل ثمَّ نَاد هَل من مصلح للجام أَو حَامِل لغلام أَو طارح لجل فَإِذا لم يجبك أحد فَكبر ثَلَاثًا ثمَّ خلها عِنْد الثَّالِثَة يسْعد الله بسبقه من شَاءَ من خلقه فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يقْعد عِنْد مُنْتَهى الْغَايَة ويخط خطا وَيُقِيم رجلَيْنِ مُتَقَابلين عِنْد طرفِي الْخط طرفه بَين إبهامي أرجلهما وتمر الْخَيل بَين الرجلَيْن وَيَقُول إِذا خرج أحد الفرسين على صَاحبه بِطرف أُذُنَيْهِ أَو أذن أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 عذرا فاجعلوا السبقة لَهُ فَإِن شككتما فاجعلا سبقهما نِصْفَيْنِ فَإِن قرنتم ثِنْتَيْنِ فاجعلوا الْغَايَة من غَايَة أَصْغَر الثِّنْتَيْنِ وَلَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام وَقد تقدم الْكَلَام فِي معنى الجلب وَالْجنب وَاخْتِلَاف شرَّاح الحَدِيث فِيهِ وَنحن نذْكر كَلَام الْفُقَهَاء فِيهِ كَلَام الْفُقَهَاء فِي الجلب وَالْجنب فَقَالَ الْخرقِيّ فِي مُخْتَصره وَلَا يجوز إِذا أرسل الفرسان أَن يجنب أَحدهمَا إِلَى فرسه فرسا يحرضه على الْعَدو وَلَا يَصِيح بِهِ فِي وَقت سباقه وَذكر الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 واكثر الْفُقَهَاء على هَذَا الَّذِي قَالَه وَقَالَ القَاضِي مَعْنَاهُ أَن يجنب فرسا يتَحَوَّل عَلَيْهِ عِنْد الْغَايَة لكَونه أقل كلالا وإعياء قَالَ ابْن الْمُنْذر كَذَا قيل قَالَ الشَّيْخ وَلَا أَحسب هَذَا يَصح لِأَن الْفرس الَّتِي يسابق عَلَيْهَا لَا بُد من تعينها فَإِن كَانَت الَّتِي تحول عَنْهَا فَمَا حصل السَّبق بهَا وَإِن كَانَت الَّتِي يتَحَوَّل إِلَيْهَا فَمَا حصلت الْمُسَابقَة بهَا فِي جَمِيع الحلبة وَمن شَرط السباق ذَلِك وَلِأَن هَذَا مَتى احْتَاجَ إِلَى التَّحَوُّل والاشتغال بِهِ فَرُبمَا سبق باشتغاله لَا بِسُرْعَة غَيره وَلِأَن الْمَقْصُود معرفَة عَدو الْفرس فِي الحلبة كلهَا فَمَتَى كَانَ إِنَّمَا تَركه فِي آخر الحلبة فَمَا حصل الْمَقْصُود وَأما الجلب فو أَن يتبع الرجل فرسه من يرْكض خَلفه ويجلب عَلَيْهِ ويصيح وَرَاءه يستحثه بذلك على الْعَدو وَهَكَذَا فسره مَالك وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَفَسرهُ بعض الْفُقَهَاء بِأَنَّهُ هُوَ أَن يَصِيح بفرسه وَقت السباق ويجلب عَلَيْهِ وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يمْنَع من ضربه وَلَا نخسه بالمهماز وَغَيره مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 يحرضه على الْعَدو هَكَذَا لَا يمْنَع من صياحه عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا ظلما لِأَن الآخر يفعل بفرسه هَكَذَا وَالله أعلم بِمُرَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث وَهُوَ مُحْتَمل الْأَمريْنِ وَعَن أبي عبيد فِي تَفْسِير الحَدِيث رِوَايَتَانِ احدهما كَقَوْل مَالك وَالثَّانيَِة أَن معنى الجلب أَن يحْشر السَّاعِي أَي أهل الْمَاشِيَة ليصدقهم قَالَ قَالَ فَلَا يفعل بل يَأْتِيهم على مِيَاههمْ فيصدقهم وَالتَّفْسِير الأول تَفْسِير الْأَكْثَرين وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الرِّهَان وَهَذَا يبطل تَفْسِيره بالجلب فِي الصَّدَقَة وَأَيْضًا فالجنب لَا يعقل فِي الصَّدَقَة وَأَيْضًا فَفِي حَدِيث عَليّ الْمُتَقَدّم فِي السباق لَا جلب وَلَا جنب وَأَيْضًا فَحَدِيث ابْن عَبَّاس يرفعهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 من أجلب على الْخَيل يَوْم الرِّهَان فَلَيْسَ منا ذكره صَاحب الْمُغنِي وَلَا أعرف من خرجه فصل صور بذل الْعِوَض فِي المسابقات إِذا قَالَ رجل لآخر ارْمِ هَذَا السهْم فَإِن أصبته فلك دِرْهَم أَو أجب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن أصبت فلك كَذَا أَو احفظ هَذَا الْكتاب وَلَك كَذَا وَكَذَا صَحَّ وَكَانَ جعَالَة مَحْضَة لَيْسَ من عقد السباق فِي شَيْء وَقد بذلا مَالا فِي فعل لَهُ فِيهِ غَرَض صَحِيح لِأَن السباق إِنَّمَا يكون بَين اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَيكون الْجعل للسباق لصَاحبه فَإِن قَالَ إِن أصبت فلك دِرْهَم وَإِن اخطأت فَعَلَيْك دِرْهَم لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 يَصح لِأَنَّهُ قمار وَكَذَا إِن قَالَ إِن حفظته فلك مئة وَإِن عجزت عَنهُ فَعَلَيْك مئة لم يَصح فَإِن قَالَ ارْمِ عشرَة أسْهم أَو أجب فِي هَذِه الْمسَائِل الْعشْر فَإِن كَانَ صوابك أَكثر من خطئك فلك دِرْهَم صَحَّ لِأَنَّهُ بذل الْجعل فِي مُقَابلَة الْإِصَابَة الْمَعْلُومَة وَهِي اكثر الْعشْر وَلَيْسَ ذَلِك بِمَجْهُول وَكَذَا لَو قَالَ إِن كَانَ صوابك أَكثر فلك بِكُل إِصَابَة دِرْهَم صَحَّ ذَلِك وَلَو قَالَ لَك بِكُل إِصَابَة دِرْهَم صَحَّ وَلم يشْتَرط أَن تكون إصاباته اكثر وَلَا مُسَاوِيَة وَلَو قَالَ إِن أصبتها فلك بِكُل إِصَابَة دِرْهَم صَحَّ فَلَو أصَاب تِسْعَة مِنْهَا لم يسْتَحق شَيْئا وَلَو قَالَ الرَّامِي لأَجْنَبِيّ إِن أَخْطَأت أَنا فِي هَذَا السهْم فلك دِرْهَم أَو إِن أَخْطَأت فِي الْجَواب عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فلك دِرْهَم لم يَصح لِأَن الْجعل يكون فِي مُقَابلَة عمل وَلم يجد من الْأَجْنَبِيّ عمل الْحِنْث فِي نذر اللجاج وَأَحْكَامه عِنْد الْأَئِمَّة فَلَو قَالَ إِن أَخْطَأت فعلي نذر دِرْهَم أَو فَمَا فِي يَدي صَدَقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 أَو فعلي صَوْم شهر أَو عتق رَقَبَة فَهُوَ نذر يَمِين وَيُسمى نذر اللجاج وَالْغَضَب إِذا كَانَ قَصده أَن لَا يكون الشَّرْط وَلَا الْجَزَاء وَقد اخْتلف فِي مُوجبه عِنْد الْحِنْث على ثَلَاثَة أَقْوَال وَهِي للشَّافِعِيّ أَحدهَا لُزُوم الْوَفَاء بِمَا الْتَزمهُ كَائِنا مَا كَانَ وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة فِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ الثَّانِي تعْتَبر كَفَّارَة الْيَمين لَا يجْزِيه غَيرهَا وَهُوَ رِوَايَة فِي مَذْهَب أَحْمد الثَّالِث يُخَيّر بَين الْتِزَام مَا الْتَزمهُ وَبَين كَفَّارَة الْيَمين وَهُوَ الْمَشْهُور فِي مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فَإِن أَوجَبْنَا الْكَفَّارَة فوفى بنذره فَهَل تسْقط الْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَغلط أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره من قَالَ بسقوطها وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 بغلط بل هُوَ الصَّوَاب قطعا فَإِن الْكَفَّارَة إِنَّمَا تجب بِالْحِنْثِ فَإِن وفى بنذره لم يَحْنَث فَلَا يبْقى لوَجَبَ الْكَفَّارَة وَجه فَإِن قيل مُوجب هَذَا العقد الْكَفَّارَة قُلْنَا نعم غَايَته أَنه يَمِين وموجبها الْكَفَّارَة عِنْد الْحِنْث وَلَا يَحْنَث مَعَ الْبر يُوضحهُ أَنه لَو حلف على ذَلِك بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبر لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة فَلَو قَالَ وَالله إِن فعلت كَذَا وَكَذَا تَصَدَّقت ثمَّ فعله وَتصدق لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة فصل تعْيين القسي فِي النضال إِذا عينا نوعا من القسي تعين وَلَا يجوز الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره إِلَّا باتفاقهما وَإِن عينا قوسا بعيها لم تتَعَيَّن وَيجوز إبدالها بغَيْرهَا من نوعها وَالْفرق بَينهمَا أَن أَحدهمَا قد يكون أحذق بِالرَّمْي بِأحد النَّوْعَيْنِ دون الآخر فَلَا يقوم النَّوْع الآخر مقَام النَّوْع الْمعِين بِخِلَاف تعْيين الْقوس من النَّوْع الآخر الْوَاحِد وَأَيْضًا فَإِن الْقوس الْمعينَة قد تنكسر أَو يحْتَاج إِلَى إبدالها وَأَيْضًا فالحذق لَا يخْتَلف باخْتلَاف عين الْقوس بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فصل تعْيين الْقوس فِي النضال فَإِن تناضلا على أَن يَرْمِي أَحدهمَا بِالْقَوْسِ الْعَرَبيَّة وَالْآخر بِالْفَارِسِيَّةِ أَو أَحدهمَا بقوس الزَّيْتُون وَالْآخر بقوس الجرخ وَكِلَاهُمَا قَوس رجل صَحَّ عِنْد القَاضِي وَالشَّافِعِيّ كَمَا تقدم وَإِن كَانَ أَحدهمَا قَوس يَد وَالْآخر قَوس رجل لم يَصح وَالْفرق بَينهمَا أَن فِي الصُّورَة الأولى هما نَوْعَانِ من جنس وَاحِد وَصحت الْمُسَابقَة مَعَ اختلافها كاختلاف أَنْوَاع الْخَيل وَالْإِبِل وَفِي الثَّانِيَة هما جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَصح النضال بَينهمَا كَمَا لَا تصح الْمُسَابقَة بَين فرس وجمل فصل إِطْلَاق العقد وَإِذا اطلق عقد النضال وَلَهُم عَادَة بِنَوْع من القسي صَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَانْصَرف العقد بِإِطْلَاقِهِ إِلَيْهِ وَإِن اخْتلفت عَادَتهم فَإِن كَانَ فِيهَا غَالب حمل العقد على النَّوْع الْغَالِب وَإِن اسْتَوَت فَلَا بُد من تعْيين النَّوْع ليرتفع النزاع بَينهم فَإِن قَالَا على أَن نرمي بالنشاب انْصَرف ذَلِك إِلَى الْقوس الفارسية وَهِي قسي الْعَسْكَر الْيَوْم لِأَن النشاب اسْم لسهامها الْخَاصَّة وَإِن قَالَا نرمي بِالنَّبلِ انْصَرف إِلَى الْقوس الْعَرَبيَّة لِأَن سهامها هِيَ الْمُسَمَّاة بِالنَّبلِ هَذَا إِذا لم يكن شَرط وَلَا عَادَة مطردَة أَو غالبة فصل جَوَاز الْمُسَابقَة بالقسي الفارسية وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على جَوَاز الْمُسَابقَة بالقسي الفارسية وأباح الرَّمْي بهَا وَقَالَ أَبُو بكر من أَصْحَابنَا يكره الرَّمْي بهَا وَاحْتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَعَ رجل قوسا فارسية فَقَالَ ألقها فَإِنَّهَا ملعونة وَلَكِن عَلَيْكُم بالقسي الْعَرَبيَّة وبرماح القنا فبها يُؤَيّد الله الدّين وَيُمكن الله لكم فِي الأَرْض وَالصَّوَاب الْمَقْطُوع بِهِ أَنه لَا يكره الرَّمْي بهَا وَلَا النضال عَلَيْهَا وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 انْعَقَد إِجْمَاع الْأمة على إِبَاحَة الرَّمْي بهَا وَحملهَا وَهِي الَّتِي يَقع بهَا الْجِهَاد فِي هَذِه الْأَعْصَار وَبهَا يكسر الْعَدو وَبهَا يعز الْإِسْلَام ويرعب الْمُشْركُونَ وَالْمَقْصُود نصْرَة الدّين وَكسر اعدائه لَا عين الْقوس وجنسها وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} [الْأَنْفَال: 60] وَالرَّمْي بِهَذِهِ القسي من الْقُوَّة الْمعدة وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارموا واركبوا وَأَن ترموا أحب إِلَيّ من أَن تركبوا وَلم يخص نوعا من نوع وَلَيْسَ هَذَا الْخطاب مُخْتَصًّا بالصحابة بل هُوَ لَهُم فَافْهَم وللأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ أَمر لكل طَائِفَة بِمَا اعتادوه من الرَّمْي والقسي وَالْأَحَادِيث الَّتِي تقدّمت فِي فضل الرَّمْي وتبليغ الْعَدو بِالسِّهَامِ عَامَّة فِي كل نوع فَلَا يدعى فِيهَا التَّخْصِيص بِغَيْر مُوجب وَأما النَّهْي عَنْهَا ف إِن صَحَّ نَقله فَذَاك فِي وَقت مَخْصُوص وَهُوَ حِين كَانَت الْعَرَب هم عَسْكَر الْإِسْلَام وقسيهم الْعَرَبيَّة فكلامهم بِالْعَرَبِيَّةِ ودواتهم عَرَبِيَّة وفروسيتهم عَرَبِيَّة وَكَانَ الرَّمْي بِغَيْر قسيهم وَالْكَلَام بِغَيْر لسانهم حِينَئِذٍ تشبها بالكفار من الْعَجم وَغَيرهم ف أما فِي هَذِه الْأَزْمَان فقسي عَسَاكِر الْإِسْلَام الفارسية أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 التركية وَكَلَامهم وأدواتهم وفروسيتهم بِغَيْر الْعَرَبيَّة فَلَو كره لَهُم ذَلِك وَمنعُوا مِنْهُ فَسدتْ الدُّنْيَا وَالدّين وتعطل سوق الْجِهَاد وَاسْتولى الْكفَّار على الْمُسلمين هَذَا من أبطل الْبَاطِل فَإِن صَحَّ الْخَبَر فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعنها وَأمر بإلقائها حِين لم يُمكن الْعَجم وَالتّرْك قد أَسْلمُوا فِيهِ كَانَت شعارا للْكفَّار وَالْمُشْرِكين أَو منع الرجل من حملهَا لعدم مَعْرفَته بهَا وتكلفه الرَّمْي بهَا وَالْخُرُوج عَن عَادَته وَعَادَة أهل الْإِسْلَام حِينَئِذٍ وَلِهَذَا قَالَ وَعَلَيْكُم برماح القنا فَلَو قاتلنا أمة لَا تَنْفَع مَعَهم الرماح بل السِّهَام وَالسُّيُوف لم تسْتَعْمل الرماح حِينَئِذٍ وَاسْتعْمل مَعَهم مَا يخَافُونَ شوكته من السِّلَاح وَمن هَذَا لَو حاصرنا حصنا فقوس الجرخ فِيهِ أَنْفَع من قَوس الْيَد لَكَانَ الرَّمْي بقوس الجرخ أولى من الرَّمْي بقوس الْيَد بل كَانَ يتَعَيَّن فَإِن كَانَ الرَّمْي بالمنجنيق أدعى إِلَى فَتحه كَانَ أولى من النشاب وَحده وَالْكَافِر عَدو وَالْمَقْصُود قَتله كَيْفَمَا أمكن كَقَتل الْحَيَّة وَالْكَلب الْعَقُور فلك طَائِفَة من الْمُسلمين الْأَفْضَل فِي حَقّهَا أَن تقَاتل بِمَا اعتادته من القسي والآلات وأنواع الْحَرْب والقتال وَلَو كَانَت عَسَاكِر الْإِسْلَام الْيَوْم تقَاتل بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ القسي الفارسية وينصر الله وَرَسُوله بهَا لمدحها وَأثْنى عَلَيْهَا وَلم ينهاهم عَنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فصل فِيمَا يعرف بِهِ السَّبق فِي الْخَيل وَالْإِبِل الِاعْتِبَار فِي ابْتِدَاء الميدان بالأقدام لَا بِرَأْس وَلَا كتف فَيتَعَيَّن تَسَاوِي أَقْدَام المركوبين وَأما فِي انتهائه فَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي ذَلِك وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه بالأعناق وَالثَّانِي أَنه بالأقدام الثَّالِث أَنه بالأعناق فِي الْخَيل وبالاخفاف بِالْإِبِلِ هَذِه طَريقَة الخراسانين من أَصْحَابه وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن تفاوتت الْأَعْنَاق فَلَا عِبْرَة بهَا وَإِن تَسَاوَت فَهِيَ مَحل الْأَقْوَال الثَّلَاثَة وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي إِن تفاوتت الْخَيل فِي مد أعناقها حَال الجري وَجب النّظر إِلَى الطول وَالْقصر وَإِن كَانَ أحد الفرسين يمد عُنُقه وَالْآخر يرفعهُ فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة وَإِن اسْتَويَا فِي مد الْعُنُق فَإِن اعْتبرنَا الْقدَم لم ينظر إِلَى العناق وَإِن اعْتبرنَا الْعُنُق اتجه اشْتِرَاط تَسَاوِي الْأَعْنَاق وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الطَّرِيقَة من الضعْف وَعدم شَهَادَة نُصُوص الشَّافِعِي لَهَا بِالِاعْتِبَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَأما أَصْحَاب أَحْمد فَلهم ثَلَاث طرق أَحدهَا أَن السَّبق فِيهَا بالكتف وَهَذِه طَريقَة أبي البركات ابْن تَيْمِية وَغَيره وَالثَّانيَِة أَن السَّبق فِي الْإِبِل بالكتف وَأما الْخَيل فَإِن تَسَاوَت أعناقها فبالرأس وَإِن تفاوتت فبالكتف وَهَذِه طَريقَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَغَيره وَالثَّالِثَة أَن السَّبق فِي الْجَمِيع بالأقدام وَهَذِه اخْتِيَار شَيخنَا أبي الْعَبَّاس بن تَيْمِية وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو عبد الله بن حمدَان فِي رعايته وَهِي الصَّحِيحَة الْمَقْطُوع بهَا اعْتِبَارا بِأول الميدان واعتبارا بمسابقة بني آدم على الْأَقْدَام وَلِأَن أحد الفرسين قد يكون أمد جسما من الْأُخْرَى فَمَا اللسبق والكتف وَالرَّأْس وَإِنَّمَا جريها وعملها على أَقْدَامهَا فَكيف يحكم لمن سبقت يداها وَتَقَدَّمت بالتأخر إِذا تقدّمت عَلَيْهَا كتف الْأُخْرَى أَو رَأسهَا وَهل هَذَا إِلَّا جعل الْمَسْبُوق سَابِقًا وَالسَّابِق مَسْبُوقا وَمن الْمَعْلُوم أَن أحد الفرسين أَو البعيرين إِذا تقدم قدمه على الآخر كَانَ سَابِقًا لَهُ بِنَفس آلَة السباق فَلَا مدْخل فِي ذَلِك لرأس وَلَا كتف وَلَعَلَّ قَول الثَّوْريّ إِن السَّبق فِي ذَلِك كُله بالأذن أمثل من اعْتِبَار الرَّأْس والكتف وَهُوَ الَّذِي جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فلي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقد تقدم بِخِلَاف الرَّأْس والكتف فَإِنَّهُ لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 يحفظ فِيهِ أثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أَصْحَابه وَالظَّاهِر أَن عَادَتهم كَانَت اعْتِبَار السَّبق بالأقدام فَاعْلَم كمسابقة بني آدم وَلَا يعقل اسْم السَّبق إِلَّا بذلك فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى نقل صَرِيح لعدم التباسه واطراد الْعَادة بِهِ وَالله أعلم فصل ذكر أَنْوَاع السِّلَاح ومنافعه والتفضيل بَين أَنْوَاعه فصل فِي أَنْوَاع القسي وَهِي فِي الأَصْل نَوْعَانِ قَوس يَد وقوس رجل وقوس الْيَد ثَلَاثَة أَصْنَاف عَرَبِيَّة وفارسية وتركية والعربية نَوْعَانِ فَمِنْهَا الحجازية يصنعنها من عود النبع أَو الشوحط وَهِي قضيب أَو قضيبان ويسمونها شريحية وَالَّتِي من عود وَاحِد عِنْدهم أَجود قَالَ شَاعِرهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (ارْمِ عَلَيْهَا وَهِي فرع أجمع ... وَهِي ثَلَاث أَذْرع وأصبع) وَهَذَا قسي أهل البدو مِنْهُم وَأما أهل الْحَضَر فيعقبون ظُهُورهَا ويكسون بطونها قُرُون الْمعز وَلَا تكَاد هَذِه القسي ترى إِلَّا بِأَرْض الْحجاز وَلَا ينْتَفع بهَا فِي غَيرهَا من الْأَمَاكِن وَلَيْسَت لَهَا سيات وَلَا مقابض وَالنَّوْع الثَّانِي مِنْهَا الواسطية وَهِي مصنوعة من أَرْبَعَة أَشْيَاء الْخشب والعقب والقرن والغرا وَلها سيتان ومقبض وَسميت واسطية وَسميت واسطية لتوسطها بَين القسي الحجازية والفارسية وَلَيْسَت نِسْبَة إِلَى وَاسِط فَإِنَّهَا كَانَت مَوْجُودَة قبل بِنَاء وَاسِط وتسميها الْعَرَب لمن فصل ة لانفصال أَجْزَائِهَا قبل التَّرْكِيب وَهِي أَحْمد القسي عِنْدهم وَتَحْت هذَيْن النَّوْعَيْنِ أَصْنَاف كَثِيرَة تجَاوز الْعشْرَة فصل وَأما الْقوس الفارسية فَهِيَ قسي العساكر الإسلامية فِي هَذَا الزَّمَان فِي الشَّام ومصر وَمَا يُضَاف إِلَيْهِمَا وَأما القسي التركية فَهِيَ مثل قسي الْفرس غير أَنَّهَا أغْلظ مِنْهَا وَكثير مِنْهَا بل أَكْثَرهَا لَهَا قفل ومفتاح وَتسَمى الْأُنْثَى وَالذكر ويجعلون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 لَهَا ركابا فِي طرف مجْراهَا فَإِذا أَرَادَ أحدهم أَن يوترها أَدخل رجله فِي ركابهَا فأوترها فصل وَأما [الْقوس المنعوتة بقوس الرجل فنوعان أَحدهمَا هَذِه التركية وَالثَّانِي قَوس الجرخ وَهِي قَوس لَهَا جوزة ومفتاح وَأهل الْمغرب يعتنون بهَا كثيرا ويفضلونها المفاضلة بَين قَوس الْيَد وقوس الرجل وَأَصْحَاب قَوس الْيَد يذمونها فَيَقُولُونَ لَا يَنْبَغِي لعاقل أَن يَرْمِي بهَا وَلَا أَن يعْتَمد عَلَيْهَا ويذكرون مَا فِيهَا من الْغرَر والعيوب والتكلف والإبطاء وَشدَّة الْمُؤْنَة بِالْحملِ وَأَنَّهَا تخون وَقت الكفاح وَلَا يتَمَكَّن الْمُحَارب بهَا من أَكثر من سهم وَاحِد ثمَّ يخالطه عدوه قَالُوا فصاحبها ضَعِيف النكاية لَا يملك إِلَّا سَهْما وَاحِدًا ثمَّ هُوَ أَسِير مَمْلُوك وصاحبها لَا يُمكنهُ حمل الترس مَعَ الْقوس وَلَا الدرقة وَإِنَّمَا يَرْمِي من خلف جِدَار السُّور وَخلف حجر يكون مَسْتُورا بِهِ فَإِن رمى فِي براح من الأَرْض فَلَا بُد لَهُ من رجلَيْنِ مترسين يمسكان عَلَيْهِ حَتَّى يَرْمِي وَأَيْنَ من يَرْمِي من شقّ فِي جِدَار السُّور إِلَى من يبرز فِي البراح والفضاء يَرْمِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 نظره وَذَلِكَ لَا يَرْمِي إِلَّا قِطْعَة يسيرَة أَمَامه وأربابها يفضلونها ويذكرون فوائدها ونكايتها فِي الْحُصُون والمعاقل وتأثيرها مَا لَا يؤثره قَوس الْيَد فصل النزاع بَين الطَّائِفَتَيْنِ وَفصل النزاع بَين الطَّائِفَتَيْنِ أَن قَوس الْيَد أَنْفَع فِي وَقت مصافة الجيوش وملاقاة الْعَدو فِي الصَّحرَاء وَأما قَوس الرجل فأنفع وَقت حِصَار القلاع والحصول وأنكى من قَوس الْيَد وَقد يكون الرَّمْي بهَا من دَاخل الْحُصُون وَأَيْضًا إِلَى الْعَدو الْجَامِع أَنْفَع لَهُ وأنكى فِيهِ فلهذه مَوضِع ولهذه مَوضِع وقوس الْيَد أَعم نفعا وعَلى الرَّمْي بهَا أَكثر الْأُمَم وَأَهْلهَا هم الرُّمَاة على الْحَقِيقَة فصل فِي أَنْفَع القسي وأولاها بِالِاسْتِعْمَالِ أولاها وأنفعها مَا كثرت نكايته وَقلت آفته وخف [حمله] وَقَوي فعله فَتلك الْقوس المحمودة لصَاحِبهَا الدافعة الْأَذَى عَن حاملها وَهَذَا عَام فِي جَمِيع السِّلَاح فأنفعه وأفضله مَا خف حمله على الْأَعْضَاء وَدفع عَنْهَا الْأَذَى وَسَأَلَ عمر بن الْخطاب عَمْرو بن معد يكرب يَوْمًا عَن السِّلَاح فَقَالَ يسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَمَّا بدا لَهُ قَالَ مَا تَقول فِي الرمْح فَقَالَ أَخُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَرُبمَا خانك ف [انْكَسَرَ أَو] انقصف قَالَ فَمَا تَقول فِي الترس فَقَالَ هُوَ المحز وَعَلِيهِ تَدور الدَّوَائِر قَالَ فالنبل فَقَالَ منايا تخطئ وتصيب قَالَ فالدرع قَالَ متعبة للراجل مشغلة للراكب وَإِنَّهَا لحصن حُصَيْن قَالَ فالسيف قَالَ هُنَالك ثكلتك أمك فَضَربهُ [عمر رَضِي الله عَنهُ] بِالدرةِ قَالَ بل أمك لَا أم لَك فصل أَنْفَع قسي الْيَد وَخير قسي الْيَد وأنفعها مَا تركبت من الْخَشَبَة والعقب والقرن والغراء وَفِي ذَلِك حِكْمَة بليغة وصنعة شريفة رفيعة [وَذَلِكَ] أَنَّهَا منشأة على نشأة الْإِنْسَان فَإِن قوامه وبناءه على أَربع على الْعظم وَاللَّحم وَالْعُرُوق وَالدَّم فَكَذَا أنشئت الْقوس على هَذِه الْأَرْبَع فالخشب لَهَا بِمَنْزِلَة الْعظم من الْإِنْسَان والقرن بِمَنْزِلَة اللَّحْم المشبك على جَمِيع أعضائها والعقب بِمَنْزِلَة الْعُرُوق المشتبكة على جَمِيع أَعْضَاء الْحَيَوَان والغراء فِيهَا بِمَنْزِلَة الدَّم الَّذِي بِهِ يلتئم جَمِيعهَا وَلما كَانَ للْإنْسَان ظهر وبطن جعلُوا لَهَا ظهرا [وبطنا] وَكَذَلِكَ [ترَاهَا] تنطوي من نَحْو بَطنهَا كَمَا ينطوي الْإِنْسَان وَإِن كسر ظهرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 انْكَسَرت من ساعتها وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان وَقد ذكر أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه أَن جِبْرِيل نزل بِالْقَوْسِ على آدم فَهُوَ أول من رمى بهَا وَثَبت فِي الصَّحِيح أَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ راميا وَرمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد حَتَّى اندقت سية قوسه وَقد ذكر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَت عِنْده ثَلَاث قسي قَوس معقبة تدعى الروحاء وقوس شوحط تدعى الْبَيْضَاء وقوس نبع تدعى الصَّفْرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَلَا ريب أَن القسي الْعَرَبيَّة أَنْفَع للْعَرَب والفارسية [أَنْفَع] للعسكر الْيَوْم وَكِلَاهُمَا يفضل القسي التركية لما فِيهَا من الْقُوَّة والشدة والسرعة والرطوبة وخفة الْحمل وَقُوَّة الْفِعْل وَلم تكن التّرْك تعتاد هَذِه القسي الفارسية وَلَكِن لما خالطت الْفرس وعاشرتهم تعلمُوا مِنْهُم كثيرا من زيهم ولباسهم وحربهم ولسانهم وآلاتهم فصل فِي الْمُفَاخَرَة بَين قَوس الْيَد وقوس الرجل قَالَ قَوس الرجل لقوس الْيَد أَنا اشد مِنْك باسا واعظم أركانا واقوى وترا وَأَغْلظ سَهْما [ونصلا] وَأبْعد مرمى واشد نفوذا [أَنا] أنفذ فِي الصخر الْأَصَم وأخرق مَا ينكسر فِيهِ لَك من نصل وَسَهْم تَفِر الجيوش من وَقع سهم وَاحِد من سهامي وأهزمها يَمِينا وَشمَالًا وَأَنا مَحْجُوب وَرَاء الرَّامِي زمجرتي كزمجرة الرعود ومنظري الكريه كمنظر الْأسود لَا يخَاف ظَهْري الانكسار وَلَا على وتري الِانْقِطَاع وَلَا ترد سهامي عواصف الرِّيَاح وَلَا يحجبها درع وَلَا مغْفرَة وَلَا سابغة وَلَا يقوم لَهَا شَيْء من السِّلَاح فسل عني الْحُصُون والقلاع هَل يقوم غَيْرِي مقَامي فِي المكافحة عَنْهَا والدفاع ثمَّ سل جيوشها عَن مقدمي تِلْكَ الصُّفُوف وَعَمن يشيرون إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الرجوف فَهَل لراميك قُوَّة تحملي أم لَك قدرَة على دفع سهمي وَنُصَلِّي من الَّذِي خالطه سهمي فَلم يغادره صَرِيعًا أم من الَّذِي حل بساحته فَمَا سلبه ثَوْبه والحياة سلبا سَرِيعا فَمن الَّذِي يقوم مقَامي لباسي الشَّديد أم أَي قَوس سواي ترمي بسهام الْحَدِيد هَذَا وَإِن السهْم من سهامي ليوزن بِالْقَوْسِ من سواي وَإِذا أحَاط الْعَدو بالحصول خَانَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 جَمِيع أَنْوَاع السِّلَاح إِلَّا إيَّايَ فَأَنا والمنجنيق رضيعا لَبَنًا وَإِن التقيت بِالْوَاحِدِ من النَّاس وَهُوَ يحْتَاج إِلَى كَثْرَة الأعوان وَمن حاربني فَمَا لَهُ بحربي يدان وَمن نَازع قوتي فقد جاهر بمخالفة العيان قَالَ قَوس اللَّيْل عجبا لَك أَيهَا البغيض الثقيل ومزاحمة اللطاف الرشاق والجري مَعهَا وَلست هُنَاكَ فِي ميدان السباق وَقل لي مَتى استصحبك فِي الحروب العساكر مَتى استصحبك فِي الصَّيْد صائد أَو فِي طَرِيق سَفَره الْمُسَافِر أما تَسْتَحي من ثقل حملك على الْأَعْضَاء وَمن تخلفك عَن جيوش الْإِسْلَام يَوْم اللِّقَاء فَإِذا وَقعت الْعين فِي الْعين كنت عَن اللِّقَاء بمعزل وَإِذا نزلت أُمَرَاء جيوش السِّلَاح منازلها فمنزلتك مِنْهَا أبعد منزل لَا تقَاتل إِلَّا من وَرَاء جِدَار أَو سور وَمَتى برزت إِلَى الْعَدو فِي براح من الأَرْض فَأَنت لَا شكّ مغلوب ومأسور هَذَا وَإِن قدر الله وأعان وبرزت إِلَى الْعَدو مَعَ الأعوان فلك سهم وَاحِد تبطر بِهِ وَقد لَا تصيب وَأَنا أرمي عَلَيْك عدَّة من السِّهَام وَإِن كَانَ مِنْهَا الْمُخطئ والمصيب أَنا أعين صَاحِبي على رميه قَائِما وَقَاعِدا ولابثا وسائرا وراكبا ونازلا وَلَو أَرَادَ صَاحبك مِنْك ذَلِك لَكُنْت بَينه وَبَين قَصده حَائِلا وَيَكْفِيك قبحا أَن شكلك كالصليب وَلِهَذَا حمل من حمل من الْعلمَاء لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك على ذَلِك كطائفة مِنْهُم عبد الْملك بن حبيب وَيَكْفِيك ذما أَن الْمُسْتَخْرج لَك عَدو إِبْرَاهِيم الْخَلِيل بل عَدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الرَّحْمَن وَهُوَ نمْرُود بن كنعان كَمَا ذكر ذَلِك مؤرخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس أَن أول من رمى بقوس الرجل النمرود بن كنعان استخرجها حِين رجم بهَا السَّمَاء لِأَنَّهُ لما صَحَّ عِنْد أَن الله فِي السَّمَاء صنع تابوتا وربى نسرين عظيمين فِي الْخلقَة وَجعل التابوت على ظهرهما وَكَانَ التابوت لَهُ ثَلَاث طَبَقَات فَلَمَّا غَابَتْ الدُّنْيَا عَن بَصَره أَمر بِالْقَوْسِ وَكَانَت قوسا عَظِيما يجذبها بحركة كاللولب لقوتها فَجعل السهْم فِيهَا وَرمى بهَا نَحْو السَّمَاء فَغَاب السهْم عَن بَصَره سَاعَة ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ مدمى لما أَرَادَ الله من خذلانه وتماديه على الْكفْر وعذابه بِمَا سبق فِي علمه فَقَالَ قد قتلت إِلَه السَّمَاء فحول النسرين وَجعل التابوت نَحْو الأَرْض حَتَّى هَبَط إِلَى الأَرْض فازاداد استكبارا وعلوا فِي الأَرْض حَتَّى أهلكه الله عز وَجل بأضعف خلقه وَهِي الْبَعُوضَة فَلَو لم يكن لَك مثلبة غَيرهَا لكفى بهَا وَكم بَين قَوس رمت بهَا الْأَنْبِيَاء وقوس رميت بهَا السَّمَاء وَأَنت لَا يتَمَكَّن صَاحبك من حملك مَعَ ترس وَلَا درقة وَلَا تركاش وَلَا شَيْء من أَنْوَاع السِّلَاح وَلَا يُمكن الْجمع بَيْنك وَبَين سمر العوالي وبيض الصفاح هَذَا وَقُوَّة الدّفع فِيك بحركة وصناعة وَقُوَّة الدّفع مني بِمَا أعين بِهِ صَاحِبي من الْقُوَّة والشجاعة فصاحبك ضَعِيف النكاية قَلِيل الحماية تَابع لغيره مَأْمُور مَحْكُوم عَلَيْهِ فَافْهَم وصاحبي عَظِيم الهيبة كثير الْمَنْفَعَة متبوع أَمِير يتحاكم إِلَيْهِ غايتك أَن تكون من بعض خدمته ومنخرطا فِي سلك أَتْبَاعه وحشمه وَبِي فتحت الْبِلَاد ودانت بِالطَّاعَةِ لرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الْعباد وأصحابي هم الْمُلُوك والأمراء والأجناد وَأَصْحَابك حراس القلاع وأصحابي أَرْبَاب الْأَخْبَار الْعَظِيمَة والأقطاع فيا عجبا لَك كَيفَ يَسْتَوِي رَاكب أتان وراكب حصان وَكَيف يَسْتَوِي الْقوس الشَّرِيفَة المؤيدة المنصورة الَّتِي شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجنسها بالنصر والتأييد والقوس الَّتِي نِهَايَة أمرهَا أَن تكون فِي مثل الخدم وَالْعَبِيد سهامي تخرج مُتَتَابِعَات متواصلات متماطرات سهم فِي أثر سهم وإصابة فِي أثر إِصَابَة فترى سهامي كوابل انهل من صوب الْغَمَام وَهِي ترد متتابعة يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا تَسوق النُّفُوس إِلَى الْحمام فصاحبي مثل الْأسد فِي بسالته مهيب حَيْثُمَا تَوَجَّهت ركائبه مخوف مُعظم حَيْثُمَا اسْتقْبلت مضاربه لِأَن قوتي مَعَه وشدتي فِي يَده فَحَيْثُ أَرَادَ كيد عدوه تمكن مِنْهُ وَلَا يتقيه بِشَيْء من السِّلَاح لقُوته وشدته وسرعته لِأَنَّهُ لَا يعرف من أَيْن يتقيه وَلَا من أَيْن يَأْتِيهِ وَأي فَضِيلَة أشرف وَأي مكانة أَعلَى وَأي حُرْمَة أَشد من رجل من الْمُسلمين قد أحكم صناعَة الرمى بِي فَركب جَوَاده سدد سهامه وَأقَام إِلَى الصُّفُوف عيَانًا فأثخنهم بالجراح والحتوف من قَاتله قَتله وَمن اتبعهُ صرعه لَا يُنجي الفار مِنْهُ فراره وَلَا ينفع الشجاع البطل مِنْهُ إقباله وإدباره وَإِنَّمَا مَال من مَال عني من أَرْبَاب قَوس الرجل لأَنهم وجدوها أقرب تناولا إِلَيْهِم وأسهل مُؤنَة وأخف عَلَيْهِم فعدلوا لذَلِك إِلَيْهَا وعولوا بعجزهم عني عَلَيْهَا وَسَهل ذَلِك عَلَيْهِم أَنهم لم يكن لَهُم دربة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الْخَيل فتدعوهم إِلَى قسي الْيَد دَاعِيَة الِاضْطِرَار وَإِنَّمَا كَانَت حروبهم فِي قرى مُحصنَة أَو من وَرَاء جِدَار فاسمع الْآن جملَة من عيوبك المتكاثرة ثمَّ اقصد إِلَى المساجلة والمفاخرة فَمِنْهَا أَن شكلك كواحد الصلبان وثقلك كَنِصْف حجر الطَّحَّان وَبَين السهمين من سهامك بُرْهَة من الزَّمَان لَا تبرز لعدوك فِي الفضاء وَلَا تَلقاهُ بالعراء وَمِنْهَا أَن المَاء إِذا أَصَابَك بمطر أَو غَيره وابتل بِهِ وَترك لم يُمكن صَاحبك من الرَّمْي بك أَلْبَتَّة بل تصير كالقطعة من الْخَشَبَة الْيَابِسَة وَأَيْضًا فقوس الرجل قوته فِي أول أمره ثمَّ يضعف عَن الأول الثَّانِي وَالثَّالِث عَن الثَّانِي وَالرَّابِع عَن الثَّالِث وهلم جرى حَتَّى تفنى قوته وصلابته ويتحلل ثُبُوته إِلَى أَن يصير الْوتر عمالا على المجرى فَإِن رمي بِهِ لم يُوصل إِلَى شَيْء وَرُبمَا قتل الرَّامِي بِهِ وَإِن حلّه وفتل الْوتر كَمَا يفعل بَعضهم اعتراه فِي الثَّانِي مَا اعتراه فِي الأول فَلَا تزَال الْقوس فِي ضعف وخور فَإِن فتل الْوتر ثَانِيَة ضعفت جدا وَرُبمَا بطلت قوتها رُبمَا انْكَسَرت فتدعوه الضَّرُورَة إِلَى قَوس غَيرهَا أَو يجلس خاسرا فكم بَين من يَرْمِي نَهَاره كُله بقوس الْيَد لَا يتَغَيَّر لَهَا سهم وَلَا ينْحل لَهَا قُوَّة وَيكون آخر سهم كأول سهم وَبَين من يَرْمِي بقوس إِنَّمَا سلطانها فِي أول سهم ثمَّ هِيَ أَمِير فِي الثَّانِي ثمَّ تفتت فِي الثَّالِث ثمَّ تتردى فِي الرَّابِع ثمَّ هِيَ فِي الْخَامِس بِمَنْزِلَة الرجل الضَّعِيف وَيَكْفِي من عيوبك أَن الْوتر مِنْك رُبمَا كَانَ على وَجه المجرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 فَرجع السهْم إِلَى وَجه الرَّامِي فيقتله وَرُبمَا كَانَ فَوق السهْم فِيهِ ضيق عَن الْوتر فينبذ بِهِ الْقوس إِلَى نَاحيَة أُخْرَى غير المرمى فَيقْتل من كَانَ قَرِيبا مِنْهُ وَرُبمَا كَانَت الجوزة عالية جدا فينبذ الْوتر السهْم إِلَى نَاحيَة أُخْرَى أَو إِلَى وَجه الرَّامِي فيقتله وَلَقَد شوهد بعض رُمَاة هَذَا الْقوس وَقد مَال قوسه وَألقى فِيهَا سَهْمه وَهُوَ يُرِيد أَن يضْرب سبعا ضاريا كَانَ يُؤْذِي النَّاس فَلَمَّا فَوق نَحْو السَّبع رَجَعَ السهْم إِلَى وَجهه فَضَربهُ ضَرْبَة فِي عينه فاحتبس فِيهَا وَكَانَ إِخْرَاجه من عينه بعد الْجهد الشَّديد وَالْمَشَقَّة الْعَظِيمَة قد سَالَتْ على وجنته فآلى الرجل على نَفسه أَن لَا يَرْمِي بِهَذِهِ الْقوس أبدا وَأما مَا يسمع لَك من القعقة والجعجعة فَهِيَ الَّتِي غرت جهال النَّاس بمنافع قَوس الرجل ومصالحها فَإِنَّهُم إِذا سمعُوا صَوت تِلْكَ القعاقع وشاهدوا هول تِلْكَ الجعاجع ظنوها لقوتك وَشدَّة بأسك أَو لقُوَّة الرَّامِي بك ولسان الْحَال يَقُول أسمع جعجعة وَلَا أرى طحنا وأشاهد قعقعة وَلَا أرى فعلا هَذَا وَجَمِيع قوتك وشدتها إِنَّمَا تذْهب فِي المجرى بِمحل الْوتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 لَهُ إِذْ الْوتر لَيْسَ مواريا لموْضِع الْقَضِيب إِنَّمَا الْوتر على وَجه المجرى والقضيب فِي نصفهَا فَزَالَتْ قُوَّة الْقوس من السهْم وحصلت جَمِيع الْقُوَّة فِي المجرى وَقد حدد حذاق هَذَا الرَّمْي مَا يصل من الْقُوَّة إِلَى السهْم فوجدوا ربع الْقُوَّة فَمَا ظَنك بِربع الْقُوَّة مَعَ الْخطر وَالْغرر وَيَكْفِي فِي التَّفْضِيل أَن أول من رمى بك نمْرُود بن كنعان كَمَا تقدم وَأول من رمى بِي آدم أَبُو الْبشر كَمَا حَكَاهُ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه إِن الله سُبْحَانَهُ لما أَمر آم بالزارعة حِين أهبط إِلَى الأَرْض من الْجنَّة فزرع أرسل الله إِلَيْهِ طائرين يأكلان مَا زرع ويخرجان مَا بذر فَشَكا ذَلِك إِلَى الله عز وَجل فأهبط عَلَيْهِ جِبْرِيل وَبِيَدِهِ قَوس ووتر وسهمان فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذَا واعطاه الْقوس قَالَ هَذِه قُوَّة من الله وَأَعْطَاهُ الْوتر وَقَالَ هَذِه شدَّة من الله ثمَّ اعطاه السهمين فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذِه فَقَالَ هَذِه نكاية الله وَعلمه الرَّمْي بهَا فَرمى بهما الطائرين فَقَتَلَهُمَا وسر بذلك ثمَّ صَار علم الرَّمْي إِلَى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ثمَّ إِلَى وَلَده إِسْمَاعِيل وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لنفر من أسلم ارموا بني إِسْمَاعِيل فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميا وَقد تقدم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى يَوْم أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 عَن قوسه حَتَّى اندقت سيتها وَرمى بِي خِيَار الْخلق بعد الرُّسُل وهم أَصْحَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت قد عرفت أصلك وفصلك وَمن رمى بك وعدة أَي قوم أَنْت فَإِن معول طَائِفَة الإفرنج عَلَيْك وهم قوم لَا قدم لَهُم فِي الفروسية وَإِنَّمَا غَالب حربهم بالصناعات والآلات كَمَا أَن غَالب حَرْب كثير من التّرْك بالكيد والخديعة الْمَكْر وَبِذَلِك استولوا على كثير من الْبِلَاد ودوخوا بِهِ الْعباد فصل أَنْوَاع الفروسية الْأَرْبَع والفروسية أَرْبَعَة أَنْوَاع أَحدهَا ركُوب الْخَيل وَالْكر والفر بهَا الثَّانِي الرَّمْي بِالْقَوْسِ الثَّالِث المطاعنة بِالرِّمَاحِ الرَّابِع المداورة بِالسُّيُوفِ فَمن استكملها اسْتكْمل الفروسية وَلم تَجْتَمِع هَذِه الْأَرْبَعَة على الْكَمَال إِلَّا لغزاة الْإِسْلَام وفوارس الدّين وهم الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وانضاف إِلَى فروسيتهم الخيلية فروسية الْإِيمَان وَالْيَقِين والتنافس فِي الشَّهَادَة وبذل نُفُوسهم فِي محبَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الله ومرضاته فَلم يقم لَهُم أمة من الْأُمَم ألبته وَلَا حَاربُوا أمة قطّ إِلَّا وقهروها وأذلوها وَأخذُوا بنواصيها فَلَمَّا ضعفت هَذِه الْأَسْبَاب فِيمَن بعدهمْ لتفرقها فيهم وَعدم اجتماعها دخل عَلَيْهِم من الوهن والضعف بِحَسب مَا عدموه من هَذِه الْأَسْبَاب وَالله الْمُسْتَعَان فصل فِي عدد أصُول الرَّمْي وفروعه وَمَا يحْتَاج إِلَى تعلمه فَالَّذِي اجْتمعت عَلَيْهِ الرُّمَاة من الْأُمَم أَن أصُول الرَّمْي خَمْسَة جمعهَا بَعضهم فِي قَوْله (الرَّمْي أفضل مَا أوصى الرَّسُول بِهِ ... وَأَشْجَع النَّاس من بِالرَّمْي يفتخر) (أَرْكَانه خَمْسَة الْقَبْض أَولهَا ... وَالْعقد وَالْمدّ وَالْإِطْلَاق وَالنَّظَر) وَجعلهَا بَعضهم فِي أَرْبَعَة وَجَمعهَا فِي قَوْله (يَا سائلي عَن أصُول الرَّمْي أَرْبَعَة ... العقد وَالْقَبْض وَالْإِطْلَاق وَالنَّظَر) وَلم يعد مِنْهَا الْمَدّ فاستدرك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْأَركان وَقَالَ آخَرُونَ أُصُوله أَرْبَعَة وفروعه تِسْعَة وكماله خصلتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فالمجموع خَمْسَة عشر خصْلَة من اسْتكْمل علمهَا وعملها اسْتكْمل علم الرَّمْي وَنحن نبينها فَالْأَصْل الأول الْقَبْض على الْقوس وَالثَّانِي العقد وَالثَّالِث النّظر وَالرَّابِع الْإِطْلَاق وَأما الْفُرُوع فِي الأول الْمَدّ على اسْتِوَاء وترفق وَالثَّانِي معرفَة قدر قوسه ليَكُون على بَصِيرَة من الرَّمْي بِهِ وَالثَّالِث معرفَة مِقْدَار الْوتر فِيهِ وَالرَّابِع معرفَة مِقْدَار فَوق السهْم وَهُوَ الْغَرَض الَّذِي يَجْعَل فِيهِ الْوتر وَالْخَامِس معرفَة مِقْدَار السهْم وَالسَّادِس معرفَة قدر قوته هُوَ فِي نَفسه وَالسَّابِع هيئات الْجُلُوس وَالْوُقُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَالثَّامِن قصد الْإِصَابَة لَا الْبعد وَالتَّاسِع النكاية أما الخصلتان اللَّتَان بهما تَمَامه وهم ملاك أمره فالصبر والتقى وَهَذَا كَلَام حسن جدا وَقَالَت طَائِفَة أَرْكَان الرَّمْي أَرْبَعَة السرعة وَشدَّة الرَّمْي والإصابة والاحتراز فالرامي على الْحَقِيقَة من كملت فِيهِ هَذِه الْأَرْبَعَة وكل وَاحِدَة مِنْهَا محتاجة إِلَى أخواتها كَمَا يحْتَاج الرَّمْي إِلَى أَرْبَعَة الْقوس وَالْوتر والسهم والرامي فَلَو كَانَ سهم الرجل مصيبا وَلم يكن منكيا لم يُؤثر وَلَو كَانَ سَهْمه منكيا وَلم يكن مصيبا لم ينفع وَلَو كَانَ مصيبا منكيا لم يحسن التَّحَرُّز من عدوه فَإِنَّهُ يُوشك أَن يقْتله عدوه قبل رميه إِيَّاه لعدم مَعْرفَته بالتحرز مِنْهُ وَلَو اجْتمعت فِيهِ الثَّلَاثَة الْإِصَابَة والنكاية والتحرز وَلم يكن سريع الرَّمْي نقص ذَلِك من بسالته وشجاعته وَقل انتفاعه برميه وَرُبمَا فَاتَهُ مطلبه وهرب خَصمه مِنْهُ لبطء رميه لَهُ فَمن لم يستكمل هَذِه الْخِصَال فَلَيْسَ برام عِنْدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فصل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ المتعلم وَالَّذِي يحْتَاج المتعلم إِلَيْهِ فاثنا عشر شَيْئا ثَلَاثَة شَدَّاد وَثَلَاثَة لينَة وَثَلَاثَة سَاكِنة وَثَلَاثَة مستوية فَأَما الثَّلَاثَة الشداد فالقبض بالشمال وَالْعقد بِالْيَمِينِ وَالْمدّ بالذراع والساعد وَأما الثَّلَاثَة اللينة فالسبابة من الْيَد الْيُمْنَى والسبابة من الْيَد الْيُسْرَى ولين السهْم فِي حَال الجذب الْجيد وَأما الثَّلَاثَة الساكنة فالرأس والعنق وَالْقلب وَأما الثَّلَاثَة المستوية فالمرفق والنصل والفوق وملاك ذَلِك كُله بأمرين معرفَة مِقْدَار الْقوس من الْقُوَّة وَمَعْرِفَة مِقْدَار السهْم من الخفة والثقل وَيَنْبَغِي أَن لَا يَأْخُذ قوسا فَوق مِقْدَاره فَإِنَّهُ يظْهر عَيبه وعجزه ويؤذي نَفسه وَيفْسد رميه ويطمع فِيهِ عدوه فيجلب إِلَى نَفسه من الْأَذَى مَا لَا يَنَالهُ مِنْهُ فصل فِي آدَاب الرَّمْي وَمَا يَنْبَغِي للرامي أَن يعتمده قد تقدم أَن الْمَلَائِكَة لَا تحضر من اللَّهْو شَيْئا إِلَّا الرَّمْي فَيَنْبَغِي للرماة أَن يعلمُوا مِقْدَار من بحضرتهم وهم الْمَلَائِكَة فينزلونهم منزلَة الأضياف والكريم يكرم ضَيفه واللئيم يُقَابله بِخِلَاف مَا يَلِيق بِهِ من الْإِكْرَام وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه فَيَنْبَغِي للعاقل بِأَن يعد رَوَاحه إِلَى المرمى كرواحه إِلَى الْمَسْجِد واجتماعه بِمن هُنَاكَ كاجتماعه برؤساء النَّاس وأكابرهم وَمن يَنْبَغِي احترامه مِنْهُم وَلَا يعد رَوَاحه لهوا بَاطِلا وَلَعِبًا ضائعا بل هُوَ كالرواح إِلَى تعلم الْعلم فَيذْهب على وضوء ذَاكِرًا الله عز وَجل عَامِدًا إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار فَإِذا وصل إِلَى الْموضع دخل بأدب وَسلم وَوضع سلاحه وَحسن أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ بِتَحِيَّة الْبقْعَة وَلكنهَا مِفْتَاح للنجاح والإصابة فالأمور إِذا افتتحت بِالصَّلَاةِ كَانَت جديرة بالنجح ثمَّ يَدْعُو وَيسْأل الله التَّوْفِيق والسداد وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَا عَليّ سل الله الْهدى والسداد وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق وبالسداد سداد السهْم ثمَّ يخرج قوسه ويتفقده ثمَّ يتفقد سهامه فيمرها على إبهامه وَينظر مَا يَنْبَغِي الرَّمْي بِهِ فَإِذا وَقع اخْتِيَاره على رشق مِنْهُ وَهُوَ النّدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 مَسحه وَتَركه ثمَّ يُوتر قوسه ويتفقد وتره وَينظر فِي سية الْقوس ومغامزها فَإِن كَانَت على الاسْتوَاء رمى عَلَيْهَا وَإِن كَانَت على اخْتِلَاف تجنبها فَإِذا رمى رسيله لم يبكته على خطأ وَلم يضْحك عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِن هَذَا من فعل السّفل وَقل أَن أَفْلح من اتّصف بِهِ وَمن بَكت بَكت بِهِ وَمن ضحك من النَّاس ضحك مِنْهُ وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلَا بُد وَلَا يحسده على إِصَابَته وَلَا يصغرها فِي قلبه وَيَقُول رمية من غير رام وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام وَلَا يحسن أَن يحد النّظر إِلَى رسيله حَال رميه فَإِن ذَلِك يشْغلهُ ويشوش عَلَيْهِ قلبه وجمعيته وَيَنْبَغِي للرماة أَن يخرجُوا هَذَا من بَينهم فَإِن ضَرَره يعود عَلَيْهِم فَإِذا وصلت النّوبَة إِلَيْهِ قَامَ فشمر كمه وذيله وسمى الله وَأخذ سهامه بِيَمِينِهِ وقوسه بيساره ووقف على موقفه بأدب وسكينة ووقار وإطراق ولباقة وخفة واستمداد مِمَّن الْحول وَالْقُوَّة بِيَدِهِ أَن يمده بِالْقُوَّةِ والإصابة وَيجْعَل سهامه بَين رجلَيْهِ رسية قوسه السُّفْلى على الأَرْض والعليا عِنْد صَدره ثمَّ يَأْخُذ السهْم فيديره على إبهامه ويمسك الْقوس بلباقة ويفوق عَلَيْهِ السهْم كَمَا يَنْبَغِي ويعتمد على وَسطهَا ويمد فَإِذا بلغ نهايته سكن قَلِيلا ثمَّ أطلق فَإِذا خرج السهْم تَأمل مَوضِع وُقُوعه فَإِن مر سَادًّا حفظ ذَلِك الْوَضع والهيئة ورعاهما كلما رمى وَإِن خرج إِلَى يَمِين الْغَرَض أَو يسَاره أَو أَعْلَاهُ أَو أَسْفَله نظر فِي عِلّة ذَلِك وَمن أَي شئ حدث هَل هُوَ من قبل الْقوس أَو الْوتر أَو السهْم أَو الرّيح أَو من قبل الرَّامِي نَفسه إِمَّا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 قَبضه أَو عقده أَو إِطْلَاقه أَو نظره فَإِذا وَقع على عِلّة الْخَطَأ تجنبها وسمى الله عِنْد كل رمية فَإِن أصَاب حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا من فضل رَبِّي وَإِن أَخطَأ فَلَا يتضجر وَلَا يتبرم وَلَا ييأس من روح الله فخطأ هَذَا الْبَاب أحب إِلَى الله من الْإِصَابَة فِي أَنْوَاع اللّعب سواهُ وَلَا يشْتم قوسه وَلَا سَهْمه وَلَا نَفسه وَلَا أستاذه فَإِن هَذَا كُله من الظُّلم والعدوان وليصابر الرَّمْي وَإِن كثر خطاؤه فيوشك أَن يتقلب الْخَطَأ صَوَابا وليعلم أَن الْخَطَأ مُقَدّمَة الصَّوَاب والإساءة مُقَدّمَة الْإِحْسَان وَلَقَد حُكيَ عَن بعض أكَابِر الْعلمَاء أَنه تكلم يَوْمًا فِي مَسْأَلَة فَأصَاب فَاسْتَحْسَنَهُ الْحَاضِرُونَ وَقَالُوا أَحْسَنت وَالله فَقَالَ وَالله مَا قيل لي أَحْسَنت حَتَّى احمر وَجْهي من خطئي فِيهَا كَذَا وَكَذَا مرّة أَو كَمَا قَالَ وَلَا يفت فِي عضده مَا يرى من إِصَابَة غَيره وحذقه وَعدم وُصُوله هُوَ إِلَى تِلْكَ الْمرتبَة فَإِن هَذَا لَيْسَ بِنَقص بل النَّقْص كل النَّقْص أَن تتقاصر همته عَن الْبلُوغ إِلَى دَرَجَة ذَلِك وَلَا يحدث نَفسه بِأَن يصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يفلح فَإِن الْمعول على الهمم وَقد قيل (إِذا أعجبتك خِصَال امْرِئ فكنه ... يكن مِنْك مَا يُعْجِبك) (فَلَيْسَ على الْجُود والمكرمات ... إِذا جِئْتهَا حَاجِب يحجبك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَقَالَ آخر (لَا يؤسينك من مجد تباعده ... فَإِن للمجد تدريجا وترتيبا) (إِن الْقَنَاة الَّتِي شاهدت رفعتها ... تنمو وتصعد أنبوبا فأنبوبا) فصل فِي الْخِصَال الَّتِي بهَا كَمَال الرَّمْي رَأَيْت للأستاذ أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الطَّبَرِيّ فِي ذَلِك كلَاما حسنا أمليه بِلَفْظِهِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 يَنْبَغِي أَن يَجْعَل الرَّامِي عينه الْيُمْنَى من خَارج الْقوس مَعَ النصل على الْغَرَض وَيكون نظره بِعَيْنِه الْيُمْنَى من فَوق عقد السبابَة الْيُسْرَى من قَبضته ويفتل خِنْصره على جَانِبه الْأَيْمن قَلِيلا قَلِيلا فَتلا خَفِيفا فِيهِ يَصح الِاعْتِمَاد وَتَمام النّظر من الْعين الْيُمْنَى من خَارج الْقوس وَيَنْبَغِي أَن يسبل كنفه الْيُسْرَى ليطول شِمَاله وَيقصر سَهْمه وَيحسن جَرّه وَيَسْتَوِي بَطْنه عِنْد آخر وفائه وَتَكون الْعقْدَة الْأَخِيرَة من أصل إبهامه الْيُسْرَى موازية لرأس مَنْكِبه الْأَيْسَر ويمد وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يخْفض شِمَاله وَلَا يصعدها وَتَكون المدارة لزِيَادَة السهْم ونقصانه بالزند وَأما مِقْدَار السهْم فقد اخْتلفت أَقْوَال الرُّمَاة فِيهِ وَالصَّوَاب أَن مِقْدَار مَا يحسن بالرامي اسْتِيفَاؤهُ حَتَّى يبلغ نصله إِلَى الْعقْدَة الأولى من الْإِبْهَام وَيكون مرفقه الْأَيْمن موازيا لمنكبه وقبضته فِي خطّ الاسْتوَاء وَمَتى طول مِقْدَاره عَن ذَلِك أَو قصره اضْطربَ لَهُ اعْتِمَاده وَمن سَبِيل الرَّمْي أَن يغمز على المقبض بألية كَفه الْيُسْرَى والضرة بَين العقدتين من الإبهامين غمزا وَاحِدًا إِلَى أَن يَسْتَوْفِي سَهْمه وَبِهَذَا تتمّ صِحَة القبضة والسرعة فَإِذا أَرَادَ أَن يفلت السهْم زَاد فِي غمزه بالضرة من حَيْثُ لَا تنقص قُوَّة ألية الْكَفّ على مَا كَانَ فِي يَده وَبِهَذَا تتمّ صِحَة القبضة والسرعة والنكاية وسبيل الفتلة أَن تعقد على ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وَأَن تعتمد على إبهامك أَكثر من سبابتك وَلَا ترفع طرف إبهامك عَن الْعقْدَة حَتَّى تواري عقدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الْوُسْطَى من سبابتك الْيُمْنَى وَيكون موقع الْوتر النّصْف من سبابتك الْيُمْنَى فَإِذا أردْت الْإِطْلَاق فسبيله أَن تطلق بعد الْوَفَاء واستقرار النصل بَين عقدتي الْإِبْهَام مَعَ القبضة بِمِقْدَار يعدو النصل وتفرك السهْم عَن الْوتر بالإبهام من أَسْفَل الفوق وبالسبابة من فَوْقه بِحَيْثُ لَا يُصِيب شئ من إبهامه وسبابته للفوق ويزن السهْم وَيفتح وَسطه مَعَ سبابته وإبهامه فِي وَقت وَاحِد عَن الْإِطْلَاق فَإِن ذَلِك أسس الْإِطْلَاق وأسلس للسهم أَو أسْرع وأنكى من فتح سبابته وإبهامه فَقَط وَمن فتح أَصَابِعه الْخمس فِي وَقت الإفلات فصل فِي النكاية قَالَ الطَّبَرِيّ قَالَ لي عبد الرَّحْمَن الْفَزارِيّ أصل الرَّمْي إِنَّمَا وضع للنكاية فَمن لَا نكاية لَهُ لَا رمي لَهُ عِنْد عُلَمَاء هَذِه الصِّنَاعَة وحذاقها من الْمُتَقَدِّمين وَكَانَ الَّذِي يَقع بِهِ الْفضل بعد بلوغهم نِهَايَة الرَّمْي والحذق شَيْئَانِ أَحدهمَا طنين الْوتر وصفاء صَوته بعد إفلاته وَالثَّانِي شدَّة نكايته فَمن صَحَّ صَوت وتره مِنْهُم وأنكى كَانَ لَهُ فضل عِنْدهم فَإِن تكافؤوا فِي طنين الْوتر وصفاء صَوته والنكاية والسرعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 والإصابة لم يبْق لأَحَدهم فضل على أَصْحَابه إِلَّا شئ وَاحِد وَهُوَ صِحَة الكشتبان وَعدم تَأْثِير الْوتر فِيهِ فَمن كَانَ عقده صَحِيحا وَسلم كشتبانة من حز وتره كَانَ أحذق الرُّمَاة وأفضلهم قَالَ وَكَانَ طَاهِر الْبَلْخِي وَأَبُو هَاشم وَإِسْحَاق وَغَيرهم من الأكابر يخفون كشاتبينهم وَلَا يظهرونها لأحد خوفًا أَن يُوجد غير سَالم من جِهَة الْوتر فَيسْقط من حد الأستاذية عِنْد نظرائه وَقَالَ وَقد بذلت جهدي فِي طلب رام لَيْسَ فِي وَجه كشتبانه أثر وَلَا عيب فَلم أَجِدهُ قَالَ الطَّبَرِيّ فَسَأَلت أستاذي أَن يريني كشتبانه فَامْتنعَ فَلم أزل ألح عَلَيْهِ حَتَّى أجابني ثمَّ أَخذه وَأَنا أرى فَرمى عَلَيْهِ ثمَّ دَفعه إِلَيّ لمعرفته فَوَجَدته مستوي الْجَرّ لَا انحراف فِيهِ وَلَا ميل سليم الْوَجْه من شعث الْوتر وَكَانَ طاقا وَاحِدًا أديما صلبا لَا حَشْو فِيهِ متوسط الغلظ وَقَالَ الْعَبَّاس الْقرشِي وَهُوَ من أكَابِر تلامذة طَاهِر إِنَّه اجْتهد أَن يرى عقد طَاهِر فَلم يقدر إِلَى أَن دخل مَعَه الْحمام فاستخرج كشتبانه من ثِيَابه فَنظر فِيهِ فَإِذا هُوَ لَا أثر فِيهِ فَعلم أَن مداراة الرَّمْي وَصِحَّته فِي الكشتبان قَالَ الطَّبَرِيّ وَقَالَ لي عبد الرَّحْمَن النكاية عشرَة أَشْيَاء تِسْعَة مِنْهَا فِي الْوَفَاء التَّام الصَّحِيح وَوَاحِد فِي الرَّامِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَالْوَفَاء وفاءان أَحدهمَا أَن يبلغ نصل السهْم إِلَى الْعقْدَة الأولى من الْإِبْهَام فَمن قَالَ بِهَذَا الْوَفَاء أنكر على من يجوز بالنصل هَذِه الْعقْدَة الأولى من الْإِبْهَام وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَن قَالُوا النصل عَدو وَلَيْسَ للْإنْسَان أَن يدْخل الْعَدو على نَفسه وَالْفَاء الثَّانِي بُلُوغ النصل مَا بَين العقدتين من الْإِبْهَام وَقَالَ عبد الرَّحْمَن سمعنَا من شُيُوخنَا أَن مد وَفضل النصل فِي السهْم انفذ شبْرًا فِي الدرقة وَأَنَّهُمْ شبهوا الْوَفَاء الأول بالدخان الَّذِي يلْحق الْعَدو من النَّار الموقدة الَّتِي يرْمونَ بهَا وَالْوَفَاء الثَّانِي بِإِصَابَة النَّار نفسا لَهُم قَالَ وَقد قَالَ قوم إِن الْوَفَاء إِلَى طرف الظفر وَضعف غَيرهم هَذَا الرَّأْي قَالَ الطَّبَرِيّ وَفِي الرَّمْي ثَلَاث خِصَال وَاحِدَة فِي الْإِنْسَان وَأُخْرَى فِي الْقوس وَالثَّالِثَة فِي السهْم فَأَما الَّتِي فِي الْإِنْسَان فخمسة عشر شَيْئا أَرْبَعَة فِي القفلة وَثَلَاثَة فِي القبضة وَخَمْسَة فِي الْإِطْلَاق وَوَاحِدَة فِي الْفَم وَقت الْإِطْلَاق وَاثْنَتَانِ فِي الصَّدْر فَأَما الْأَرْبَعَة الَّتِي فِي القفلة فَهِيَ شدتها فِي نَفسهَا وَقت الْجَرّ أَشد مَا يكون بالأصابع كلهَا غير السبابَة فَإِنَّهَا تكون دونهن وَالثَّلَاثَة الْأُخَر فِي صِحَة القفلة وصحتها أَن يعْقد ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ويكتم مَا اسْتَطَاعَ الأظافر من الْأَصَابِع الثَّلَاث الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى حَتَّى لَا يرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 مِنْهَا شَيْء وَأَن يَجْعَل الْوتر من إبهامه دون الْجَرّ مِمَّا يَلِي أَصْلهَا مستويا لَا انحراف فِيهِ وَلَا تعويج وَيجْعَل طرف الْإِبْهَام فَوق عقدته الْوُسْطَى من إصبعه الْوُسْطَى لَا تتحرك عَنْهَا إِلَى وَقت الإفلات وَيجْعَل سبابته على لحم إبهامه بعد أَن يَرْمِي بَاطِن لحم سبابته إِلَى ظهر إبهامه على الْجُزْء الأول من السبابَة على جنب إبهامه مِمَّا يَلِي الْوتر ويعطف طرف سبابته وَيجْعَل الْجُزْء الثَّانِي من سبابته على جنب ظَاهر إبهامه مِمَّا يَلِي الفوق وَيجْعَل جَانِبي الفوق بَين الْإِبْهَام والسبابة محاذيا لما بَين الْعقْدَة الْأَخِيرَة من أصل سبابته وَبَين الْجُزْء الثَّانِي وَيحمل السبابَة عَن بدن السهْم قَلِيلا من أول جَرّه إِلَى مخرج السهْم عَن يَده وليحذر الرَّامِي كل الحذر أَن يغمز سبابته على شَيْء من فَوق سَهْمه فِي مده وإفلاته فيتعوج سَهْمه وتكثر آفاته بعد الْإِطْلَاق وَأما الثَّلَاثَة الْأُخَر الَّتِي فِي القبضة فواحد مِنْهَا شدتها فِي نَفسهَا وَقت الْجَرّ أبلغ مَا يكون بِجَمِيعِ الْأَصَابِع وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي صِحَّتهَا وَهِي أَن تجْعَل متن مقبض الْقوس مَا بَين جر أصُول أصابعك الْأَرْبَعَة وَرَأسه الْأَعْلَى مَا بَين عقدتي إبهامك والأسفل على مِقْدَار عرض اصبع وَاحِدَة مِمَّا يَلِي الْكَفّ وَأما الْخَمْسَة الَّتِي فِي الْإِطْلَاق فَثَلَاثَة مِنْهَا فِي الْإِبْهَام والسبابة وَالْوُسْطَى وَقد تقدّمت وَاثْنَانِ فِي صِحَة الْإِطْلَاق بِأَن يغمز على الْوتر بإبهامه من أَسْفَله وبالسبابة على الْوتر من فَوق الْقوس بِحَيْثُ لَا يُصِيب الْإِبْهَام وَلَا السبابَة بِشَيْء من فَوق السهْم وَلَا بدنه وَقت الإفلات وليحذر الرَّامِي أَن يفتح وَقت إفلاته خِنْصره وبنصره فَإِن شدَّة الْكَفّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 بهما وليفتح الْوُسْطَى مَعَ السبابَة والإبهام فَإِن فِي فتحهَا مَنَافِع كَثِيرَة مِنْهَا سلاسة الْإِطْلَاق وَمِنْهَا سَلامَة وَجه الكشتبان وَمِنْهَا أَنه يَأْمَن بِفَتْح الْوُسْطَى من مس الْوتر لطرف سبابته وإبهامه بعد الْإِطْلَاق وَأما الَّذِي فِي الْفَم فَهُوَ أَن يستنشق الْهَوَاء من أول مُدَّة إِلَى وَقت وفائه قَلِيلا قَلِيلا فَإِذا أطلق تنفس مَعَ إفلاته تنفسا خفِيا من حَيْثُ لَا يشْعر بِهِ من هُوَ إِلَى جَانِبه وَأما الشيئان اللَّذَان فِي الصَّدْر فأحدهما أَن يجمع صَدره من وَقت مُدَّة إِلَى آخر اسْتِيفَائه حَتَّى يكون صَدره فِي آخر الْوَفَاء أضيق مَا يكون وَالثَّانِي أَن يفتح صَدره فِي نفس إِطْلَاقه ليحصل لكل كتف وطرف من يَدَيْهِ جُزْء من الْقُوَّة فَكَأَنَّهُ يعين كَتفيهِ وَيَديه بصدره قَالَ الطَّبَرِيّ فَإِذا أحكم الرَّامِي جَمِيع هَذَا وَلم ينقص مِنْهُ شَيْئا كَانَ راميا كَامِلا وَلم يرم جوشنا وَلَا خوذة وَلَا بَاب حَدِيد إِلَّا أنفذه فصل فِي جمل من أسرار الرَّمْي ذكرهَا الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه وَهِي عشرُون سرا فَمِنْهَا ثَلَاثَة مستوية وَثَلَاثَة معوجة وَثَلَاثَة لينَة وَثَلَاثَة شَدِيدَة وَثَمَانِية تفترق فِي سَائِر الْبدن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فَأَما الثَّلَاثَة المستوية فرأس الْقوس والزج وَهُوَ النصل والمرفق وَأما الثَّلَاثَة المعوجة فَرجل الدشتان عِنْد الإيتار ومقدم الرجلَيْن عِنْد الْقيام للرمي وَأما الثَّلَاثَة اللينة فعقد ثَلَاث وَسِتِّينَ ومقبض الْيَسَار ومرفق الْيَسَار وَأما الثَّمَانِية المفرقة فأولها أَن لَا يشد على القبضة فِي أول الْمَدّ ويشدها فِي آخِره وَالثَّانِي أَن لَا يُرْخِي عقد السِّتين على الثَّلَاثَة وَلَا يتكيء عَلَيْهَا بل يَجْعَل بَينهَا فُرْجَة فِي الْمَدّ عِنْد الْإِطْلَاق فَهُوَ أصلح لَهُ وَالثَّالِث أَن يَجْعَل بعد الْوتر عَن وَجهه قدر ثَلَاث أَصَابِع وَأقله إِصْبَع وَاحِدَة وَعند الْإِطْلَاق يخرج سية قوسه قَلِيلا الرَّابِع أَن يكون أول الْمَدّ بِرِفْق إِلَى وَقت الْإِطْلَاق وَالْخَامِس شدّ الشمَال على الْمَقْبُوض جدا كلما أمكن قَالُوا حَتَّى يكَاد الدَّم يخرج من الظفر وَعَلِيهِ إِجْمَاع الرُّمَاة لِأَن فِي استرخائها عِنْد الْإِطْلَاق آفَات كَثِيرَة وَالسَّادِس إِذا رمى إِلَى بعد اتكأ على رجله الْيُمْنَى وَإِذا رمى على قرب اتكأ على رجله الْيُسْرَى السَّابِع أَن يكون بَين أَصَابِع زنده الْيُسْرَى وَبَين المقبض فُرْجَة حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 لَا يلْحق الكرسوع فَهُوَ أَشد لَهَا وَالثَّامِن أَن يتْرك الْحِرْص على طلب الصائب وَيجْعَل حرصه على صِحَة الْعَمَل وتوفيته حَقه فَإِذا فعل ذَلِك جمع الحذق والإصابة فصل فِي الْقيام وَالْجُلُوس الْقيام على ثَلَاثَة أوجه أما مَذْهَب بالأستاذ طَاهِر فَإِنَّهُ يقوم بحذاء الرقعة مُتَوَجها مستوى الرجلَيْن بَينهمَا قدر عظم الذِّرَاع وَيعلم ذَلِك تلامذته وَأما الْأُسْتَاذ أَبُو هَاشم فَإِنَّهُ كَانَ يقوم منحرفا يَسِيرا بَين المتوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 والمنحرف وَزعم أَن هَذَا أعدل الْقيام للرمي وَعَلِيهِ أَكثر من يَرْمِي فِي الإشارات وَأما مَذْهَب الْفرس وَالروم فَيَقُولُونَ بالانحراف جدا ويجعلون الْمنْكب الْأَيْسَر حذاء الرقعة ويلصق الرَّامِي أحد رجلَيْهِ بِالْأُخْرَى فصل أوجه الْجُلُوس فِي الرَّمْي وَأما الْجُلُوس فعشرة أوجه فَأَما مَذْهَب أبي هِشَام فَإِنَّهُ كَانَ يقْعد على رجله الْيُمْنَى وَيُقِيم الْيُسْرَى ويشد يَده إِلَيْهَا وَكَانَ الْبَلْخِي إِذا أَرَادَ الرَّمْي فِي الْقرب قعد على يمنيه وَيُقِيم ركبته الْيُسْرَى ويشدها إِلَى يسَاره وَإِذا أَرَادَ الْبعد قعد على يسَاره وَأقَام ركبته الْيُمْنَى وَشد يَده إِلَيْهَا وَزَعَمُوا أَنه كَانَ يَرْمِي بِهَذَا الْمَذْهَب خمس مئة ذِرَاع وَأما عبد الله بن زيد فَإِنَّهُ كَانَ يقْعد على قَدَمَيْهِ وَيُقِيم رَأس رُكْبَتَيْهِ وَيَضَع أليته على الأَرْض إِذا اسْتَوَى وَهُوَ صَعب وَطَائِفَة أُخْرَى تقعد على الرجل الْيُمْنَى وتقيم الْيُسْرَى وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 يصلح للرمي مَعَ السِّلَاح قَالَ الطَّبَرِيّ وَرَأَيْت مِنْهُم من يبرك على الرُّكْبَتَيْنِ جَمِيعًا وَيَرْمِي وَكَانَ بعض الأستاذين يقْعد على الرّكْبَة الْيُسْرَى واليمنى بَائِنَة عَنْهَا وَيَرْمِي من وَرَاء رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب ينْسب إِلَى الكاغدي وَأما الْأُسْتَاذ أَبُو مُوسَى فَإِنَّهُ كَانَ يقوم قَائِما بحذاء الرقعة وَرجلَاهُ مستويتان ملتصقتان ثمَّ يجر الْيُسْرَى إِلَى خلف وَيقْعد على عقبه وَيكون مشط الرجل الْيُمْنَى ملتصقا بالركبة الشمَال وعَلى ركبته الْيُمْنَى إِلَى خلف وَفِي شدّ الرّكْبَة على الأَرْض معنى لطيف وَأما مَذْهَب الزراد فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل قدمه الْيُسْرَى خلف أليته وَيجْعَل رَأس الرّكْبَة الْيُسْرَى بحذاء الْمنْكب والقدم الْيُمْنَى بَائِنا عَن الرّكْبَة الْيُسْرَى وَيَرْمِي وَأما مَذْهَب طَاهِر فَإِنَّهُ كَانَ يجلس متربعا متصدرا وَيَأْمُر تلامذته بِالْجُلُوسِ على الْيُسْرَى والاتكاء على الْيَسَار وَمن الرُّمَاة من كَانَ يقْعد على رجله الْيُسْرَى وَيجْعَل ركبته الْيُمْنَى على ركبته الْيُسْرَى مبسوطة إِذا أَرَادَ يَرْمِي فِي الْقرب فَإِذا أَرَادَ الْبعد جلس على رجله الْيُمْنَى وَبسط الْيُسْرَى عَلَيْهَا كَمَا فعل فِي الِابْتِدَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وَيَرْمِي وَلكُل مَذْهَب من هَذِه الْمذَاهب وَجه حسن وخاصية فصل مُشْتَمل على فُصُول من طب الرَّمْي وعلاج علله وآفاته فصل مِنْهَا فَمن الْعِلَل أَن يُسمى الْوتر بِذِرَاع الرَّامِي وَذَلِكَ يكون من أَسبَاب عديدة أَحدهَا دقة المقبض الثَّانِي سَعَة الْكَفّ الثَّالِث دُخُول زنده فِي الْقوس الرَّابِع استرخاء قَبْضَة يَده الْيُسْرَى الْخَامِس طول الْوتر السَّادِس قيام أَسف الْقوس السَّابِع من جِهَة كمه إِذا لم يشمره الثَّامِن من شدَّة الجذ التَّاسِع صلابة الْقوس الْعَاشِر سَعَة حلقتي الْوتر الْحَادِي عشر كَثْرَة لحم الرَّاحَة الثَّانِي عشر استرخاء مفاصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الثَّالِث عشر لين الْوتر على الْقوس الصلبة الرَّابِع عشر عوج القبضة أَو السية ويمس الْوتر ذِرَاع الرَّامِي فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع أَحدهَا فِي الساعد الثَّانِي فِي الكرسوع وَهُوَ طرف الْكَفّ الثَّالِث بِقرب الكرسوع وَالرَّابِع من القبضة فَأَما مس الساعد فَمن ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا صلابة الْقوس وَضعف الرَّامِي عَلَيْهِ وَالثَّانِي من سوء الجبذ مَعَ طول ذراعه وَالثَّالِث من طول الْكمّ وَأما مس الكرسوع فَمن ثَلَاثَة أَسبَاب أَيْضا أَحدهَا إِدْخَال زنده فِي الْقوس الثَّانِي طول الْوتر الثَّالِث قيام أَسْفَل الْقوس إِذا لم يرفعهُ بزنده الْأَسْفَل وَأما مَسّه لما تجَاوز الكرسوع فَمن سَبْعَة أَسبَاب أَحدهَا سَعَة حلقتي الْوتر الثَّانِي كَثْرَة لحم الرَّاحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الثَّالِث استرخاء المفاصل الرَّابِع دقة المقبض الْخَامِس سَعَة الْكَفّ السَّادِس استرخاء القبضة فِي الْقوس السَّابِع عوج القبضة والسيتين وَأما مَا يمسهُ فِي القبضة فَمن طول الْوتر وَلينه وَلَا سِيمَا إِن كَانَت الْقوس معجرة صلبة ذكر مَا يصلح بِهِ هَذِه الْآفَات أما مَا كَانَ مِنْهَا من جِهَة الْكَفّ فَإِن سَبِيل القبضة أَن تقبض عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الْكَفّ فَإِن بَقِي بَين الْأَصَابِع والكف مِقْدَار عرض نصف إِصْبَع فَحسن وَإِن زَاد أَو نقص فَلَا خير فِيهِ فَمَا كَانَ من هَذِه الْآفَات من سَعَة الْكَفّ ودقة المقبض فعلاجه بِأَن يلف على المقبض شركَة طَوِيلَة من أَدَم مبلولة رقيقَة بِقدر الْحلقَة فَإِن أعوزه فحاشية ثوب رَقِيق صفيق ويشده شدا قَوِيا لِئَلَّا يفلت من المقبض وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْوتر فتله أَو عقده وَمَا كَانَ من الْقوس أصلحه بتفقده وَإِزَالَة عَيبه أَو الِاسْتِبْدَال بِهِ فَإِن ألح عَلَيْهِ من الْوتر وَلم يقدر على إِزَالَته فليدفع بِمِقْدَار عرض أصْبع وَنصف أصْبع من الْوتر الْأَعْلَى وَنصف إِصْبَع من الْأَسْفَل فَلَا يَعْتَرِيه الْمس بعْدهَا أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 فصل فِي استرخاء قَبْضَة الشمَال وَمَا يلْزمه واسترخاؤها يكون من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا اجْتِمَاع لحم أصُول الْأَصَابِع فيغطي بَعْضهَا بَعْضًا فتسترخي لذَلِك وَالثَّانِي من دقة المقبض وسعة الْكَفّ فَلم يُمكنهُ شدها وَالثَّالِث إِن يشد أَصَابِعه الثَّلَاثَة الْإِبْهَام والسبابة وَالْوُسْطَى فيسترخي من أجلهَا الأصبعان الْخِنْصر والبنصر وَمَا كَانَ من جِهَة اجْتِمَاع لحم أصُول الْأَصَابِع فعلاجه بإنزالها إِلَى بطن رَاحَته وتحريفها وَمَا كَانَ من جِهَة سَعَة الْكَفّ ودقة المقبض فعلاجه بِمَا تقدم وَمَا كن من جِهَة شدّ أَصَابِعه الثَّلَاث فعلاجه بإرخائها قَلِيلا فصل فِي آفَة عقر السبابَة من الْيَد الْيُمْنَى وعلاجه تنعقر السباب وَقت الإيتار من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يعْتَمد وَقت تكبيد الْقوس على أَصَابِعه وَلَا يعْتَمد على كَفه فيأكل طرف السية أَعلَى سبابته الثَّانِي أَن يكون من شدَّة الْقوس عَلَيْهِ وإخراجها إِلَى الِاسْتِعَانَة بِجمع كَفه فَتَقَع سبابته على قَائِم السية فيعقرها فَإِن كَانَ من أَصَابِعه أوتر الْقوس بِجمع كَفه فيلف عَلَيْهَا خرقَة ويعتمد عَلَيْهَا بكفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فصل فِي آفَة مس الْوتر لإذن الرَّامِي ولحيته وعلاجه أما هَذِه الآفة فلهَا أَسبَاب أَحدهَا لين الْإِطْلَاق الثَّانِي ميلان سية الْقوس على جِهَة السهْم الثَّالِث خُرُوج أَسْفَل الْقوس فَوق الْمِقْدَار الرَّابِع عبثه بِرَأْسِهِ إِذا صَارَت يَده عِنْد مَنْكِبه فَإِذا تجنب هَذَا لم يمسهُ الْوتر فَإِن ألح عَلَيْهِ الْوتر أخرج وَجهه قَلِيلا عَن الْوتر وَعلة مس الْوتر لحيته إِمَّا من خفض رَأسه علاجه بِرَفْعِهِ وَإِمَّا من ميلان سية الْقوس وعلاجه بتعديلها فصل فِي آفَة كسر ظفر الْإِبْهَام فِي العقد وعلاجه هَذِه الآفة لَهَا أَسبَاب أَحدهَا أَخذه على اللَّحْم دون الْمفصل لَا سِيمَا إِن كَانَ إبهامه قَصِيرا الثَّانِي من تطريفه السبابَة على الْإِبْهَام الثَّالِث من كزازة الْإِرْسَال بِأَن يفتح إبهامه قبل سبابته فيضغطها الْوتر فتسود وتندمل وعلاجه فتح السبابَة قبل الْإِبْهَام أَو مَعهَا الرَّابِع من حز الكشتبان فِي الْوتر الْخَامِس من طول ملفاف الكشتبان وعلاج مَا كَانَ من التطريف بِأَن يَجْعَل ثُلثي السبابَة على اللَّحْم وثلثها على الظفر وعلاج طول الكشتبان بتقصيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فصل فِي آفَة لُحُوق السبابَة عِنْد الْإِطْلَاق وعلاجه هَذِه الأفة فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا شدَّة التمطي وَالثَّانِي شدَّة الْقوس وَضعف الرَّامِي فَيكون إِطْلَاقه غير مُمكن الثَّالِث من عقد ثَلَاث وَعشْرين فتطول السبابَة على الْوتر فيلحقه وعلاجه بتجنب ذَلِك والتحرز مِنْهُ فصل فِي آفَة رد السهْم وَقت الْإِطْلَاق وعلاج هَذِه الآفة تكون من ذراعه إِذا لم يفلته وَقت الجبذ فَإِذا جبذ دَخلته رخاوة فَإِن أَصَابَهُ ذَلِك فليبسط شِمَاله وَيفتح ذراعه ويضغط يَمِينه عِنْد الْإِرْسَال فتزول الْعلَّة فصل فِي آفَة الكزازة وَمَا يزيلها الكزازة تكون فِي الْيَد الْيُمْنَى وَفِي الْيَد الْيُسْرَى من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا يسفل يَده الْيُسْرَى فِي القبضة فَإِذا سفلها علت الْيَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الْيُمْنَى عَلَيْهَا فَوجدَ السهْم فراغا فِي القبضة فطاش السهْم الثَّانِي أَن يرفع يَده الْيُمْنَى نَحْو أُذُنه ويسفل الشمَال فَيَقَع سَهْمه فِي الأَرْض قَرِيبا مِنْهُ وعلاج هَذِه الْعلَّة إِن كَانَ من يَده الْيُسْرَى فَليرْفَعْ يَده فِي المقبض قَلِيلا حَتَّى يتْرك من القبضة مِقْدَار عرض أصْبع وَإِن كَانَ من يَده الْيُمْنَى فعلاجها أَن يقم على أَرْبَعِينَ ذِرَاعا أَو أَكثر وَاقِفًا وَيجْعَل الْعَلامَة فِي الأَرْض ويرميها وَيَرْمِي عَلَيْهَا حَتَّى تَزُول فصل فِي آفَة ضرب سية الْقوس الأَرْض عِنْد الْإِطْلَاق هَذِه الْعلَّة تعتري الْجَالِس للرمي من أَرْبَعَة أَسبَاب أَحدهَا خُرُوجه عَن قوسه واتكاؤه بِأَكْثَرَ جِسْمه الثَّانِي من سوء جلسته بِأَن يعْتَمد على رجله الْيُسْرَى وَيتْرك الِاعْتِمَاد على الْيَمين الثَّالِث من قُوَّة قوسه عَلَيْهِ فيستعين بجسمه على جبذها فيسوقه أَكثر مَا يَسُوقهَا الرَّابِع أَن تغلب يَده الْيُسْرَى ليده الْيُمْنَى وَقت الجبذ فَإِن كَانَ من اتكائه بجسمه عَلَيْهَا فعلاجه أَن يَأْخُذ قوسه وَيقف وَاقِفًا وَيَرْمِي على غَرَض مُرْتَفع عَال وَإِن كَانَ من سوء جُلُوسه فليصلحه وليعتمد فِي جلسته على رجله الْيُمْنَى ويطوي سَاقه الْيُمْنَى وَيُوقف الشمَال وَإِن كَانَ من قُوَّة قوسه أبدلها بغَيْرهَا وَإِن كَانَ من غلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 يَده الْيُسْرَى فلينازع فِي القبضة إِلَى أَن تعتدل. فصل فِي عِلّة كسر فَوق السهْم وعلاجه كَسره / يكون فِي موضِعين: أَحدهمَا: ان ينكسر فينشق الفوق بنصفين الثَّانِي: ان ينكسر [أحد] جَانِبي الفوق فأمام شقَّه بنصفين فَيكون من علتين إِحْدَاهمَا خشونة الْوتر وضيق شقّ الفوق الثَّانِيَة أَن يدْخل الفوق فِي الْوتر فَلَا يصل الْوتر إِلَى آخر الشق وَيبقى بَينهمَا فُرْجَة فَإِذا افلت السهْم ضرب الْوتر إِلَى اصل الفوق فشقه وَأما كسر أحد جانبيه فَمن غمز الرَّامِي على الفوق بالسبابة فينكسر جَانِبه وَهُوَ عيب فَاحش وَأكْثر مَا يعتري الْمُبْتَدِئ لصناعة الرَّمْي وعلاجه باجتناب الغمز على الفوق بالسبابة وَترك السبابَة على السهْم لينَة فصل فِي عِلّة حَرَكَة الْقوس بِالسَّهْمِ عِنْد خُرُوجه من كبد الْقوس وعلاج [ذَلِك] حركته تكون من خَمْسَة عشر شَيْئا أَرْبَعَة مِنْهَا فِي الْوتر وَسِتَّة فِي السهْم وَوَاحِدَة فِي الْقوس وَأَرْبَعَة فِي الرَّامِي فالأربعة الَّتِي فِي الْوتر طوله وغلظه ورقته وَأَن تكون إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 عروتيه وَاسِعَة وَالْأُخْرَى ضيقَة وَالَّتِي فِي الْقوس أَن تكون السيتان من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين تكون إِحْدَاهمَا خشبا لينًا وَالثَّانيَِة من خشب صلب والستة الَّتِي فِي السهْم أَن يكون ريشه مُخَالفَة فَتكون ريشة خَفِيفَة وَاثْنَتَانِ ثقيلتين أَو بِالْعَكْسِ أَو ريشة نَائِمَة وَاثْنَتَانِ قائمتين أَو بِالْعَكْسِ أَو ريشة عريضة وَاثْنَتَانِ دقيقتين أَو بِالْعَكْسِ أَو يكون النصل خَفِيفا والسهم ثقيلا أَو بِالْعَكْسِ وعلاجه بإصلاح ذَلِك كُله وَالْأَرْبَعَة الَّتِي فِي الرَّامِي أَن يغمز بالسبابة على السهْم أَو تكون قَبضته رخوة أَو تكون الْقوس لَا توافقه أَو السهْم لَا يُوَافقهُ فصل [أَنْوَاع تَحْرِيك السهْم] وتحريك السهْم على ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا أَن يَتَحَرَّك من أول خُرُوجه إِلَى حِين وُقُوعه وَالثَّانِي أَن يَتَحَرَّك من أول خُرُوجه فَإِذا توَسط المدى استد الثَّالِث أَن لَا يَتَحَرَّك فِي أول خُرُوجه فَإِذا توَسط المدى تحرّك حَتَّى يَقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فصل [اسباب تحرّك السهْم من أول خُرُوجه إِلَى حِين وُقُوعه] فَأَما الَّذِي يَتَحَرَّك من أول خُرُوجه إِلَى حِين وُقُوعه فَيكون من سِتَّة أَسبَاب أَحدهَا من عوج فِي السهْم الثَّانِي أَن يكون ريشه غير معتدل وَالثَّالِث أَن يكون النصل خَفِيفا والريش كثيرا وَالرَّابِع أَن يكون النصل ثقيلا والريش قَلِيلا وَالْخَامِس أَن يكون إِحْدَى الريشات قَائِمَة وَالْأُخْرَى رَاقِدَة وَالسَّادِس أَن يكون الْفرق ضيقا وَالْوتر خشنا فَيخرج مضغوطا فصل [اسباب تحرّك السهْم عِنْد توَسط المدى] وَأما الَّذِي يخرج من أول وهلة مُسْتَقِيمًا ثمَّ يَتَحَرَّك إِذا توَسط المدى فَمن ثَمَانِيَة أَسبَاب أَحدهَا خفَّة السهْم وَقُوَّة الْقوس الثَّانِي سَعَة الفوق ودقة الْوتر الثَّالِث من نقب يكون فِي السهْم أَو شقّ يكون فِيهِ فَإِذا دخله كالهواء تحرّك وَكَانَ الْمَانِع لَهُ من حركته فِي أول وهلة قُوَّة السهْم وَغَلَبَة الرّيح وَكلما أبعد وهت قوته [وَإِلَّا كَانَ يمر إِلَى غير غَايَة فصادفت الرّيح قوته قد نقصت] فحركته الرَّابِع استرخاء الْكَفّ فِي القبضة عِنْد الإفلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الْخَامِس عوج السهْم بِقرب النصل أَو الفوق السَّادِس سَعَة عُرْوَة الْوتر السَّابِع أَن تكون القبضة فِي الْقوس معوجة أَو أحد بيتيها معوج الثَّامِن دُخُول بَيت الْإِسْقَاط على بَيت الرَّمْي فصل [اسباب تحرّك السهْم آخرا إِن لم يَتَحَرَّك أَولا] وَأما الَّذِي يَتَحَرَّك آخرا وَلم يَتَحَرَّك أَولا فسببه أَن الْعلَّة لم تعْمل فِيهِ إِلَّا عِنْد فتوره فَإِنَّهُ كَانَ عِنْد خُرُوجه فِي غَايَة الْقُوَّة والشدة وَكَانَت قوته تغلب عَلَيْهِ فَلَمَّا وهنت قوته ظَهرت علته فَإِن قُوَّة [السهْم] كقوة الْبدن فَإِذا غلبت على الْعلَّة لم يظْهر أَثَرهَا فَإِذا وهنت القوى وضعفت عِنْد آخر الْعُمر ظَهرت الْعِلَل وَكَانَ الحكم لسلطانها فصل [اسباب تحرّك السهْم أَولا فَإِذا توَسط استد] وَأما الَّذِي يخرج متحركا فَإِذا توَسط استد فَيكون ذَلِك من ثَلَاثَة اشياء أَحدهَا رقة السِّتين واعوجاجهما الثَّانِي غمز السبابَة على السهْم مَعَ الْوتر غمزا قَوِيا الثَّالِث قُوَّة الْقوس وَضعف الرَّامِي وَإِنَّمَا تحرّك أولامن جِهَة أَن السيتين باعوجاجهما دفعتا دفعتين مختلفتين فيعوج السهْم من أجلهما فَإِذا توَسط مداه خفت تِلْكَ الْعلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فاستد وَكَذَلِكَ إِذا غمز السبابَة على السهْم غمزا فَاحِشا يعوج السهْم وَهُوَ فِي الْقوس لَا سِيمَا إِن كَانَ شقّ الفوق وَاسِعًا فَإِذا خرج السهْم من الْقوس رَجَعَ مستويا فِي سيره فَخفت الْعلَّة فاستد السهْم وَكَذَلِكَ من ضعف الرَّامِي وَشدَّة الْقوس تعتريه عُيُوب كَثِيرَة فليحذر الرَّامِي كل الحذر أَن يَرْمِي بقوس فَوق مِقْدَاره فَإِنَّهُ تكْثر عيوبه وتقل نكايته وتعتريه فِي نَفسه عُيُوب كَثِيرَة وَمن كَمَال حذق الرَّامِي عِنْد اهل الصِّنَاعَة أَن يَأْخُذ قوسا دون مِقْدَاره فصل فِي عقر الْإِبْهَام بِالسَّهْمِ وَقت الْجَرّ وعلاجه عقرهَا يكون فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أَحدهَا فِي عقدَة الْإِبْهَام الثَّانِي فِي الْعقْدَة الَّتِي فِي أصل الْإِبْهَام الثَّالِث فِي اللَّحْم الناتئ بَين الأصبعين السبابَة والإبهام فِي أصل القبضة فَأَما عقرهَا فِي عقدَة الْإِبْهَام [فَيكون من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يشد اصبعه على القبضة بالإبهام] والسبابة الثَّانِي من رفع عقدَة إبهامه وَقت الْجَرّ الثَّالِث أَن يَجْعَل إبهامه على سبابته فِي الْجَرّ فَإِن تمكن من شدّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 أصبعيه لينهما وَإِن تمكن من تصعيد إبهامه على سبابته جعلهَا متوسطة كَأَنَّهُ عَاقد على ثَلَاثِينَ وَأما عقرهَا فِي الْعقْدَة الثَّانِيَة الَّتِي فِي أصل الْإِبْهَام فَإِنَّهُ يكون من ثَلَاثَة اسباب أَحدهَا دقة المقبض وسعة الْكَفّ الثَّانِي سوء الْقَبْض الثَّالِث قيام بَيت الْإِسْقَاط فِي قوسه [و] علوه على بَيت الرَّمْي فَإِن كَانَ من دقة المقبض اصلحه بِمَا تقدم وَإِن كَانَ من بَيت الْقوس أدناه على نَار لينَة وَإِن كَانَ من سوء المقبض فعلاجه بإصلاح ذَلِك وَأما عقرهَا عِنْد أصل الْإِبْهَام بَينه وَبَين السبابَة فَمن وَجْهَيْن أَحدهمَا فَسَاد قَبضته وإشباعها الثَّانِي من تسفل فَوق السهْم جدا فَإِن كَانَ من إشباع يَده فِي مقبضه أصلحه بِمَا تقدم وَإِن كَانَ من السهْم جعله فِي كبد الْقوس فِي نصف الْوتر وَعلم [فِي] مَوضِع عَلامَة لَا يخطئها كل رمية [فصل فِي] ذكر أَرْكَان الرَّمْي الْخَمْسَة وَصفَة كل وَاحِد مِنْهَا وَالِاخْتِلَاف قد تقدم أَن أَرْكَانه الْقَبْض وَالْعقد وَالْمدّ وَالْإِطْلَاق وَالنَّظَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وَنحن نذكرها مفصلة مبينَة فَأَما الْقَبْض فَاخْتلف الرُّمَاة فِيهِ فَمنهمْ من يقبض على مقبض الْقوس بِجَمِيعِ كَفه وَيدْفَع بزنده جَمِيعًا وَهَذَا مَذْهَب طَاهِر وَمِنْهُم من يحرف المقبض فِي كَفه تحريفا شَدِيدا ويشد أُصْبُعه وَيدْفَع بزنده الْأَسْفَل وَيتْرك بَين زنده الْأَسْفَل [والقبضة] فِي الْكَفّ مِقْدَار عرض أصبعين وعَلى هَذَا جمَاعَة الْفرس كسابور ذِي الأكتاف وبهرام جور وَغَيرهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي هَاشم وَمِنْهُم من يتوسط بَينهمَا وَهُوَ مَذْهَب إِسْحَاق الرفاء وَيجْعَل بَين القبضة وزنده الْأَسْفَل عرض أصْبع وَهُوَ أَجود الْمذَاهب وأحسنها عِنْد حذاق الرُّمَاة وَقد ذكر عَن طَاهِر أَنه يَجْعَل مقبض الْقوس على أصُول أَصَابِعه والقبضة مستوية وَقد ذكر عَنهُ أَنه كَانَ يَجْعَل الْقوس على أصُول اصابعه وَهِي محرفة وزنده مستو وَهَذَا أحسن الْمذَاهب عِنْدهم وَعَلِيهِ الْعُمْدَة قَالَ بعض الحذاق من قَالَ باستواء القبضة شدّ جَمِيع اصابعه شدا وَاحِدًا وَدفع بزنديه جَمِيعًا وَهَذَا الرَّمْي حسن للأغراض الْقَرِيبَة وَرمي الشَّيْء الدَّقِيق من قرب غير أَن صَاحبه لَا يسلم من مس الْوتر ذراعه وَهُوَ ضَعِيف الرَّمْي وَمن قَالَ بالتحريف كَانَ أنكى لَهُ وَأطْرد للسهم وَأحسن للرمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَأقوى لَهُ وَهُوَ جيد للفارس والراجل ولرمي الْحُصُون والأسوار وَالرَّمْي العالي كُله وَهُوَ أقل إِصَابَة وَمن قَالَ بالتوسط بَينهمَا لم يشْبع كَفه فِي المقبض وَلَا يحرف كَفه أَيْضا تحريفا شَدِيدا قَالَ وَالْأَحْسَن فِي هَذَا كُله أَن تَأْخُذ الْقوس بكفك فتضع مقبضها عِنْد أصُول أصابعك وَتدْخل لحم راحتك كُله فِي المقبض وتشد الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى شدا عنيفا على ترتيبها الْخِنْصر أَشد ثمَّ البنصر ثمَّ الْوُسْطَى وتترك أصبعيك الْإِبْهَام والسبابة لينتين فَتكون كَأَنَّك عَاقد مئتين بهما وَتدْخل زندك الْأَعْلَى وتسوي الْأَسْفَل وتترك بَين زندك الْأَسْفَل وَبَين القبضة عرض أصْبع فتزول عَنْك جَمِيع الْعِلَل بذلك وَبِالْجُمْلَةِ فالاستواء للْعَرَب والتحريف للعجم وَأجْمع أَرْبَاب الْمذَاهب أَنه لَا يَنْبَغِي للقبضة أَن يكون مِنْهَا مَوضِع خَال وَأَجْمعُوا على أَن شدَّة سير السهْم من شدَّة القبضة إِلَّا شرذمة جهلت فَقَالَت إِن استرخاء القبضة أحد للسهم وَقَالَ الْأُسْتَاذ مُحَمَّد بن يُوسُف والأجود أَن لَا يشد القبضة أَولا ويشدها آخرا وَهَؤُلَاء الَّذين اخْتلفُوا فِي ذَلِك هَل اخْتلفُوا فِي جنس وَاحِد من القسي أم فِي أَجنَاس وَفِي كف وَاحِدَة أم فِي أكف شَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وَلَا ريب أَنَّك تَجِد قوسا قبضتها مربعة وتجد قوسا قبضتها مُدَوَّرَة وقوسا بَين المدورة والمربعة وَأما القبضة المربعة فَهِيَ قبضات الْعَجم والتحريف لَهُم جيد والاستواء يبطل الرَّمْي بهَا وَأما القبضة المدورة فَهِيَ قبضات الْعَرَب والتحريف يبطل الرَّمْي بهَا وَأما المتوسطة فيتوسط لَهَا وَلكُل قَوس قَبْضَة وَلكُل كف قَبْضَة فَمن كَانَت كفة كَبِيرَة فالأصلح لَهُ من القبضات الدقيقة والمتوسطة للكف الْمُتَوَسّط وَاخْتِيَار المقبض فِي الْكَفّ أَن يقبض بِجَمِيعِ كَفه وَيدخل لحم رَاحَته فِي كَفه فَإِن لحقت أَطْرَاف اصابعه لكفه فالمقبض صَغِير على الْكَفّ فَلَا يصلح لَهُ بِهِ رمي ويدخله الْعَيْب إِن رمى بِهِ وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْقوس غَلِيظَة المقبض على الْكَفّ وَحكم القبضة أَن تقبض عَلَيْهَا بِجَمِيعِ كفك فَإِن بَقِي بَين أصابعك مِقْدَار عرض نصف اصبع فَهُوَ حسن فَإِن زَاد أَو نقص فَلَا خير فِيهِ ذكر العقد ووجوهه [أَقْوَال] النَّاس فِي العقد على الْوتر على تِسْعَة أَقسَام أَحدهَا وَهُوَ الصَّحِيح الْجيد الْقوي أَن يعْقد ثَلَاثًا وَسِتِّينَ الثَّانِي تِسْعَة وَسِتِّينَ وعَلى هذَيْن الْعقْدَيْنِ جَمِيع الأساورة والأكاسرة وَالْأول عِنْدهم أصح وَأثبت الثَّالِث أَن يعْقد ثَلَاثَة وَسبعين الرَّابِع أَن يعْقد ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 الْخَامِس أَن يعْقد أَرْبَعَة وَعشْرين السَّادِس أَن يعْقد إِحْدَى وَعشْرين وعَلى هَذَا أَكثر التّرْك وَالروم لأَنهم يرْمونَ بقوس لينَة وَبِغير اصل فيعقدون كَيْفَمَا تيَسّر عَلَيْهِم [و] السَّابِع عقد يُسمى الرديف وَهُوَ أَن يعْقد اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ مُمكنَة ويلقي الْوُسْطَى مَعَ السبابَة على الْإِبْهَام وَهَذَا العقد جيد لجبذ الْقوس الصلبة لَكِنَّهَا بطيئة الْإِطْلَاق الثَّامِن أَن يَجْعَل أَصَابِعه الثَّلَاثَة الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى فِي الْوتر وَيجْعَل السبابَة ممدودة مَعَ طول السهْم ولاحظ للابهام هُنَا وَهَذَا عقد جَمِيع الصقالبة واليهم ينْسب ويصنعون للأصابع الثَّلَاث كشتبانات الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد والقوس على هَذِه الصّفة واقفة لَا رَاقِدَة التَّاسِع أَن يجبذ بالأربعة أَصَابِع بالسبابة وَالْوُسْطَى والخنصر والبنصر وَهُوَ مَذْهَب الْعَرَب القدماء فِي الْجَاهِلِيَّة وَمِنْهُم من [كَانَ] يجبذ بِهَذِهِ الْأَصَابِع والقوس رَاقِدَة وَيجْعَل السهْم بَين الْوُسْطَى والبنصر ويجبذون إِلَى صُدُورهمْ وَعَلَيْهَا أَكثر باديتهم وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة وَهَذِه العقد كلهَا خطأ إِلَّا عقدَة ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وَرُبمَا دعت الْحَاجة والضرورة إِلَى اسْتِعْمَال بَعْضهَا لحادث حدث فِي الْإِبْهَام وَغَيرهَا فَيَنْبَغِي تعلمهَا أَو بَعْضهَا وَمن أَرَادَ الْقُوَّة والشدة والسرعة فَعَلَيهِ بِعقد ثَلَاث وَسِتِّينَ ثمَّ من الرُّمَاة من قَالَ أكتم أظفاري كتمانا بَالغا وَأَجْعَل الْوتر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الْإِبْهَام فِي مفصلها مستويا غير محرف وَمِنْهُم من قَالَ اكتم أظفاري كتمانا شَدِيدا وَأَجْعَل الْوتر فِي مفصل الْإِبْهَام وأحرفه قَلِيلا وَكِلَاهُمَا جيد حسن فالاستواء أقوى للمد والتحريف أسْرع لخُرُوج السهْم وَمِنْهُم من يَجْعَل الْوتر قُدَّام الْجَرّ فِي مفصل الْإِبْهَام قَلِيلا وَهُوَ أحسن الْمذَاهب وأسرع افلاتا من الأول وَالثَّانِي وَأطْرد للسهم فصل [منشأ السرعة والبعد عِنْد الرُّمَاة] وَعند الرُّمَاة [أَن الْقُوَّة] السرعة والبعد إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِبْهَام من العقد بِالْيَمِينِ وَفِي الْقَبْض بالشمال فعلَيْهِمَا مدَار الشدَّة وَلكُل أصْبع عقد كَمَا أَن لكل كف قَبْضَة فَإِذا كَانَ المتعلم للرمي طَوِيل الْأَصَابِع أَو قصيرها فاختر لَهُ من هَذِه الْمذَاهب أولاها باصابعه وأوفقها لرميه وأبعدها آفَة عَن جِسْمه فصل [أَنْوَاع تركيب السبابَة على الْإِبْهَام] تركيب السبابَة على الابهام ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا أَن تركب السبابَة فَيصير طرفها على الْوتر الثَّانِي أَن تركبها فَتَصِير خَارج الْوتر الثَّالِث أَن تركبها فَتكون دَاخل الْوتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 فمذهب سَابُور وبهرام جور وَغَيرهمَا أَن تكون السبابَة خَارج الْوتر [و] اخْتَارَهُ أَبُو هَاشم وَهُوَ الرَّمْي الْقَدِيم وَهُوَ جيد للأقواس الصلبة وَمذهب طَاهِر وحذاق أهل هَذِه الصِّنَاعَة أَن تكون على الْوتر وَهَذَا أحد للسهم واسرع للافلات وَمذهب إِسْحَاق أَن تكون السبابَة دَاخل الْوتر وَقَالَ بعض الرُّمَاة من قَالَ بتحريف العقد طَالَتْ سبابته وَقصرت ابهامه فَصَارَت السبابَة من دَاخل الْوتر وَمن قَالَ باستواء العقد قصرت سبابته وطالت ابهامه فَصَارَت السبابَة خَارج الْوتر وَمن توَسط بَين المذهبين صَارَت السبابَة على الْوتر وَحكم السبابَة أَن تجْعَل على ثُلثي اللَّحْم وَالثلث على الظفرة وَيكون نصفهَا على الْوتر والصنف الثَّانِي خَارج عَنهُ وَيكون فَوق السهْم مِمَّا يَلِي السبابَة وَلَا يطولها تَطْوِيلًا وَلَا يقصرها كثيرا لِأَن السبابَة إِن كَانَت من دَاخل الْوتر طَوِيلَة ضربت الْوتر فِي عرض أُصْبُعه وَقت الْإِطْلَاق وَإِن كَانَت مستوية طَوِيلَة على الْوتر ضربت الْوتر وَقت الاطلاق ايضا فعقرته وان كَانَت مطرفة جدا ضعف مده وافلت السهْم عَن أُصْبُعه قبل الْوَفَاء وَكَذَلِكَ لَا يَجْعَل السبابَة على ظفره الْإِبْهَام فَإِن الظفر يسود وَمن كشف ظفره كُله كَانَ أقوى على الْقوس الصلبة وَلكنه أَبْطَأَ أَيْضا اطلاقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 فصل [لَا يَنْبَغِي للرامي أَن يقلم أظافر يَده الْيُمْنَى] وَلَا يَنْبَغِي للرامي أَن يقلم أظافر يَده الْيُمْنَى بل يَتْرُكهَا موفرة لِأَنَّهُ إِذا استأصل قطعهَا ضغطها الْوتر وَقت الجبذ فَخرج الدَّم بني الظفر وَاللَّحم وَالتَّحْقِيق أَن لكل يَد عقد وَلكُل وَجه عمل وَلكُل حَال عتاد وَلكُل مقَام مقَال وكل ميسر لما هيئ لَهُ وأعين عَلَيْهِ فصل فِي القفلة بالأصابع الثَّلَاث من الْيَد الْيُمْنَى من الرُّمَاة من يستر أظافره الثَّلَاثَة حَتَّى لَا ترى وَيجْعَل داخلها مجوفا وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا غير مجوفة وَاحْمَدْ المذهبين مَذْهَب من يكتمها حَتَّى تكَاد اصابعه تقطر دَمًا من شدتها وتجوفها وَقد كَانَت حذاق الرُّمَاة تامر تلاميذها أَن يجْعَلُوا فِي أكفهم صنجة صَغِيرَة ويقفلوا عَلَيْهَا فَإِن سَقَطت من كف أحدهم أدبة عَلَيْهَا وَكَانُوا يفتخرون بذلك وَكَانُوا يأمرونهم أَن لَا يخلوا القفلة بالأصابع الثَّلَاث من الْيَد الْيُمْنَى وَلَا القبضة من الْيَد الْيُسْرَى حَتَّى يكمل رميهم فَإِذا كمل حطوا الْقوس وفتحوا أكفهم وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَن يُغير جُلُوسه إِلَّا عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 عيب يظْهر لَهُ وشده أَصَابِع الْكَفّ الْيُمْنَى فِي القفلة واليسرى فِي القبضة اسرع للسهم وأنكى للرمي واقوى وأنفذ وَأكْثر عُيُوب الرَّامِي من الْيَد الْيُمْنَى وسداد الرَّمْي فِي الْيُسْرَى وملاحته فِي الْيُمْنَى وَحسن الرَّمْي فِي الْقعُود وَالْوُقُوف والإصابة فِي النّظر وملاك ذَلِك كُله المداومة والإدمان فَإِن التّرْك خوان ذكر الْمَدّ اخْتلفُوا فِي مد النشابة فَمنهمْ من يمدها إِلَى مشاش مَنْكِبه وَمِنْهُم من يمد إِلَى حَاجِبه الْأَيْمن وَمِنْهُم من يمد إِلَى شحمه أُذُنه وَمِنْهُم من يمد إِلَى آخر [عِظَام] لحييْهِ فَيجْرِي السهْم بَين شَفَتَيْه وَمِنْهُم من يمد إِلَى ذقنه وَمِنْهُم من يمد إِلَى نهده الْيُمْنَى هَذَا مَجْمُوع اخْتلَافهمْ فَأَما من يمد إِلَى مشاش مَنْكِبه فَهُوَ الْمَذْهَب الْقَدِيم وَذَلِكَ أَنهم يَجْلِسُونَ منحرفين فَيطول نشابهم على هَذَا الجبذ وَمن هُنَا قَالُوا إِن طول النشابة اثْنَتَا عشرَة قَبْضَة وَهُوَ كثير النكاية وَقل من يَرْمِي بِهِ أَو يُحسنهُ وَهُوَ يحدث للرامي عيوبا كَثِيرَة فصل وَأما الْمَدّ إِلَى الْحَاجِب الْأَيْمن فَهُوَ مَذْهَب إِدْرِيس وَهُوَ جيد وَبِه يطول النشابة وَفِيه قُوَّة كَثِيرَة للمد إِلَّا أَن نشابته تمر محطوطة أبدا وَهُوَ جيد لمن يَرْمِي الْحُصُون والسواء والواضع المرتفعة وَلَيْسَ بجيد للقرطاس وَهُوَ من الرَّمْي الْقَدِيم ايضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 فصل وَأما الْمَدّ إِلَى شحمه الاذن فَهُوَ مَذْهَب بسطَام وَهُوَ جيد جدا وَلَيْسَ فِي الْمذَاهب الْقَدِيمَة أَحْمد من هولا أحسن عَاقِبَة أَلا ان نشابته أقصر من أَن يمد إِلَى مشاش الْمنْكب والحاجب وَغير أَنه أَكثر إِصَابَة من الْأَوَّلين. وَأما من يمد إِلَى آخر عِظَام لحييْهِ وَيجْرِي السهْم على شَفَتَيْه فَهُوَ مَذْهَب أهل الاسْتوَاء وَعَلِيهِ جمَاعَة من رُمَاة خُرَاسَان وَهُوَ [أَيْضا] مَذْهَب اسحاق وطاهر وَغَيرهمَا من حذاق الصِّنَاعَة وَمعنى الاسْتوَاء أَن يكون أصل السهْم مَعَ مفرقة فِي حَال اسْتِوَاء لَا ينحط مِنْهُمَا وَاحِدًا وَلَا يرْتَفع وَلَيْسَ فِي جَمِيع الْمذَاهب أحسن مِنْهُ وَهُوَ رمي قَلِيل الْآفَات كثير الاصابة وَعَلِيهِ [حذاق] الرُّمَاة بالغرب وَغَيره وَأما الْمَدّ إِلَى الذقن أَو الصَّدْر فخطأ فَاحش لَا خير فِيهِ وَبِه تقل الْإِصَابَة وتكثر الْعُيُوب ذكر النّظر وَأَحْكَامه اخْتلف حذاق الرَّمْي فِي النّظر إِلَى المرمى اخْتِلَافا كثيرا لعلوه وشرفه وَعَلِيهِ عُمْدَة الرَّمْي وهم عَلَيْهِ على ثَلَاثَة أَقسَام ثمَّ تتفرع إِلَى سِتَّة الأول من الثَّلَاثَة النّظر من خَارج الْقوس وَالثَّانِي من دَاخل الْقوس وَالثَّالِث من داخلها وخارجها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَاخْتلفُوا فِي النّظر هَل الأولى أَن يكون بالعينين جَمِيعًا أَو بِأَحَدِهِمَا فجمهور الرُّمَاة رجحوا النّظر بالعينين جَمِيعًا لِأَنَّهُ أتم وأكمل وَأقوى وَمِنْهُم من رجح النّظر بِعَين وَاحِدَة وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ إِذا كَانَ بِعَين وَاحِدَة كَانَ أجمع للنور الباصر وَأقوى لَهُ وَإِذا كَانَ بالعينين جَمِيعًا تفرق فِي وُصُوله إِلَى الْغَرَض فضعف قَالُوا فَإِن النَّاظر إِذا نظر بِعَين وَاحِدَة اجْتمع فِيهَا نور الْعَينَيْنِ مَعًا فَإِن النُّور الباصر ينزل من الدِّمَاغ على تقاطع صليبي فِي الْجَبْهَة فيفترق هُنَاكَ فِي منفذين إِلَى كل [عين] منفذ فَإِذا أغمض النَّاظر أحد عَيْنَيْهِ رَجَعَ قسطها من ذَلِك النُّور الباصر إِلَى الْعين الْأُخْرَى فيقوي نظره بهَا ضَرُورَة وَلِهَذَا تَجِد الْأَعْوَر قوي النّظر حديده وأرباب الصناعات إِذا أَرَادَ أحدهم امتحان أَمر بِالنّظرِ أغمض احدى عَيْنَيْهِ وَصوب الْأُخْرَى إِلَى المنظور اليه وَلِهَذَا كَانَت عين الْأَعْوَر فِي الشَّرْع قَائِمَة مقَام عينين فِي الديه فَإِذا فقئت عين العور فعلى الْجَانِي الدِّيَة كَامِلَة نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فَإِن قلع من لَهُ عينان عين الْأَعْوَر عمدا فَلهُ أَن يقْلع من عَيْنَيْهِ نَظِيره عينه وَيَأْخُذ مِنْهُ نصف الدِّيَة نَص عَلَيْهِ ايضا وَإِن قلع الْأَعْوَر عين الصَّحِيح الْمُمَاثلَة لعَينه الصَّحِيحَة عمدا فَلَا قَود عَلَيْهِ لِأَن الْقود يعميه وَعَلِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَقيل يقْلع عينه وَيُعْطِيه نصف الدِّيَة وَإِن قلع الْأَعْوَر عَيْني صَحِيح خيرناه بَين قلع عينه وَبَين أَخذ دِيَة عينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فصل [النّظر من الدَّاخِل] وَالنَّظَر من الدَّاخِل يَقُولُونَ إِنَّه نظر (بهْرَام جور) وَإِن صورته الممثلة على الْجِدَار تُعْطِي كَأَنَّهُ ينظر من دَاخل الْقوس بالعينين جَمِيعًا وعينه فِي مَجِيء السهْم مَعَ الْعَلامَة لَا يُفَارق نظره ذَلِك فَإِذا رأى النصل على أُصْبُعه أطلق سَهْمه وَهُوَ رمي حسن عِنْدهم إِلَّا أَنه صَعب قَلِيل النكاية وَلَا يُمكن صَاحبه أَن يَرْمِي الرَّمْي الْقوي وَلَا يُمكن راميه أَن يجلس منحرفا بل متربعا فَتكون نشابته قَصِيرَة ورميه غير منكي وَهُوَ جيد لرمي الْأَغْرَاض الْقَرِيبَة والدقيقة فصل [أوجه النّظر من الْخَارِج] وَأما النّظر من خَارج فعلى ثَلَاثَة أوجه الْوَجْه الأول أَن يَجْعَل السهْم من خَارج الْقوس وَينظر بالعينين جَمِيعًا فِي الْعَلامَة ويعتمد بِالْعينِ الْيُسْرَى ثمَّ يختلس السهْم بِسُرْعَة فِي الْقوس الْوَجْه الثَّانِي أَن يَجْعَل النصل من خَارج الْقوس فِي الْعَلامَة وَينظر بِعَيْنِه الْيُسْرَى ويعتمد عَلَيْهَا وَيجْعَل عينه الْيُمْنَى فِي دستان الْقوس وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ينظر بهَا شَيْئا من الْعَلامَة مَعَ تَصْحِيحه بِالْعينِ الْيُسْرَى وعقدة أَصَابِع يَده الْيُسْرَى فِي وسط الْعَلامَة الْوَجْه الثَّالِث أَن يقلب نور عَيْنَيْهِ جَمِيعًا إِلَى عين وَاحِدَة فَتكون حدقة عينه الْيُسْرَى فِي مُؤخر عينه الْيُسْرَى وحدقة عينه الْيُمْنَى فِي مُقَدّمَة عينه الْيُمْنَى فَيصير نور حدقة عينه الْيُمْنَى إِلَى حدقة عينه الْيُسْرَى وَهَذَا النّظر يُسمى الْأَحول فَتَصِير العينان كَأَنَّهُمَا [عين] وَاحِدَة وَهُوَ مَحْمُود جدا فِي هَذَا الْمذَاهب وَهَذَا النّظر كُله جيد للفارس وَلمن يَرْمِي بِالسِّلَاحِ وَهُوَ شَدِيد النكاية لِأَن صَاحبه يجلس للعلامة منحرفا وَبِه يطول سَهْمه وتكثر نكايته وَلَا يَصح لَهُ أَن يجلس متربعا وَهُوَ النّظر الْقَدِيم وَعَلِيهِ الأكاسرة والأساورة وَأما النّظر إِلَى الْعَلامَة فَقَسمهُ النظرين جَمِيعًا بِأَن يَجْعَل النصل فِي الْعَلامَة بِالْعينِ الْيُسْرَى من خَارج الْقوس ويصحح نظره بِالْعينِ الْيُمْنَى إِلَى الْعَلامَة من دَاخل الْقوس بِحَيْثُ لَا يُفَارق النصل باليمنى وباليسرى إِلَى الْعَلامَة حَيْثُ يفلت وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يَجْعَل النصل فِي الْعَلامَة من خَارج الْقوس بالعينين فَإِذا بَقِي لَهُ من الْمَدّ قدر ثلث السهْم وَغَابَ عَن بَصَره النصل ترك عينه الْيُسْرَى فِي موضعهَا من الْعَلامَة وَينظر بِعَيْنِه الْيُمْنَى مَجِيء النصل على يَده من دَاخل الْقوس فَإِذا رأى النصل على أُصْبُعه أطلق وَهَذَا حسن جدا وَهُوَ أَكثر إِصَابَة وَأَقل آفَة وَصَاحبه يجلس بَين التحريف والتربيع فتذهب بذلك عَنهُ عُيُوب أهل التربيع وَأهل التحريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 مَعَ مَا فِيهِ من الْإِصَابَة ودقة النّظر فصل فِي ميزَان النّظر قَالَ بعض أَئِمَّة الرُّمَاة من أَرَادَ أَن يتَعَلَّم حَقِيقَة الْوَزْن فليأخذ سِرَاجًا يَجعله على بعد كَمَا يَجْعَل الْعَلامَة وَيَأْخُذ قوسا لينَة جدا فَهِيَ أمكن لَهُ وَيجْلس بَين التحريف والتربيع كَمَا يجلس للعلامة وَيجْعَل النصل فِي السراج وَلَا يزَال ينْزع فِي الْقوس وَيفتح عينا ويطبق أُخْرَى ويقتحهما جَمِيعًا ويمد إِلَى آخر السهْم وَينظر للسراج أبدا حَتَّى يَصح لَهُ فَإِن صَحَّ علم أَنه قد حصل على فَائِدَة جليلة وذخيرة عَظِيمَة فِي هَذِه الصِّنَاعَة فصل [المفاضلة بَين أهل التربيع وَأهل التحريف] وَاعْلَم ان خَارج الْقوس مِمَّا يَلِي الْيَسَار إِذا رميت بهَا والداخل مِمَّا يَلِي الْيَمين فَأهل التربيع يبطلون عمل أهل التحريف وَيَقُولُونَ إِنَّه يفْسد النّظر وَإِن جَمِيع السِّلَاح إِذا دخله التحريف أبْطلهُ وَأهل التحريف يبطلون عمل أهل التربيع وَيَقُولُونَ إِن التحريف أَكثر نكاية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وَإنَّهُ يبطل النشاب فَمنهمْ من حرف الْقوس إِحْدَى عشرَة قَبْضَة واثنتي عشرَة قَبْضَة وَأكْثر فصل فِي ميزَان آخر وَاعْلَم ان الْوَزْن على نَوْعَيْنِ فَمنهمْ من يزن أَولا وَيسْتَمر على وَزنه إِلَى حِين اطلاقه وَمِنْهُم من يزن آخرا فَأَما من يزن أَولا فعلى وَجْهَيْن ايضا أَحدهمَا أَن يَجْعَل النصل فِي الْعَلامَة ويحققه ويجبذ عَلَيْهِ من نظره إِلَى ذراعه الشمَال ومرفقه الْيُمْنَى فِي اعتدالهما واستوائهما وَهَذَا مَذْهَب طَاهِر الْوَجْه الثَّانِي أَن ينظر أَولا إِلَى الْعَامَّة فَإِذا جبذ من السهْم نصفه أَو اقل حَقَّقَهُ وَأطلق وَهَذَا أَحْمد النَّوْعَيْنِ وأعظمهما سدادا وَأما الَّذِي يزن آخرا فعلى نَوْعَيْنِ أَيْضا أَحدهمَا أَن لَا يخل بتحقيق الْوَزْن أَولا فَإِذا بَقِي لَهُم من السهْم قَبْضَة سكن تسكينه لَطِيفَة جدا واختلس السهْم بِسُرْعَة وَأطلق وَهَذَا النَّوْع حسن للحرب جدا الثَّانِي أَن يُحَقّق وَزنه [أَولا] فَإِذا بَقِي لَهُم من السهْم مِقْدَار قَبْضَة أَو أَكثر قَلِيلا حَقَّقَهُ أَيْضا ثَانِيَة واختلس سَهْمه وَأطْلقهُ بِسُرْعَة وَهَذَا النَّوْع جيد للأغراض وَغَيرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 [فصل فِي] ذكر الاطلاق ووجوهه الْإِطْلَاق على ثَلَاثَة أَنْوَاع المختلس والمفروك والمتمطي فالمختلس أَن يجبذ السهْم ثمَّ يسكن ثمَّ يختلسه اختلاسا شَدِيدا ويفلت أَصَابِعه فَيفتح الِاثْنَيْنِ السبابَة مَعَ الابهام وَهَذَا الْمَذْهَب فِيهِ سرعَة وَلَيْسَ سكونه عِنْد الافلات وَإِنَّمَا يسكن إِذا بقيت لَهُ قَبْضَة وَيفتح ذِرَاعَيْهِ جَمِيعًا ويميل وتر الْقوس إِلَى الأَرْض وَأما المفروك أَن يمد السهْم فَإِذا صَار النصل على أُصْبُعه سكن قَلِيلا بِمِقْدَار عدتين ثمَّ فرك يَده الْيُمْنَى فركة من حرف الْوتر فيحول يَده قَلِيلا فَيجْعَل الشق الَّذِي من بَين إبهامه والسبابة مَعَ خَدّه حاكا لَهُ وَأما المتمطي فَهُوَ أَن يمد السهْم فَإِذا علم بِالسَّهْمِ على أُصْبُعه سكن بِمِقْدَار عدتين وَأطلق ينفضه من الْوتر وَيكون جبذة أَولا وآخرا سَوَاء وَهَذَا الْمَذْهَب لمن ينظر من دَاخل الْقوس جيد والفركة من فَوق الْوتر لمن ينظر بالنظرين والاختلاس لمن ينظر من خَارج الْوتر وَلَا خلاف بَين الرُّمَاة أَن القبضة للوتر تكون بِشدَّة وَسُرْعَة دون تأن وَلَا لبث لِأَن فِيهَا الْقُوَّة والشدة والنفوذ فصل فِي مر السهْم على الْيَد وَهُوَ على أَرْبَعَة أَنْوَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 مِنْهُم من يجريه على عقدَة إبهامه وَمِنْهُم من يجريه على سبابته ويميل إبهامه عَن السهْم وَمِنْهُم من يرفع إبهامه وَيجْعَل سبابته تحتهَا فَيصير كَأَنَّهُ عَاقد ثَلَاثَة عشر فَيجْرِي السهْم على ظفر إبهامه وَمِنْهُم من يجريها على طرفِي أصبعيه السبابَة والإبهام فَيكون كَأَنَّهُ عَاقد ثَلَاثِينَ فَمن أجراها على عقدَة إبهامه فَهُوَ عيب عِنْد الحذاق لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو ان يضْربهُ فِيهِ الريش فيجرحه وَرُبمَا ضربه السهْم فعقر أُصْبُعه وَأما من يجريها على سبايته وَهُوَ أحسن قَلِيلا من الأول وَكِلَاهُمَا مَذْهَب أهل الأستواء فِي قَبضته وليسا بجيدين وَأما من يجريها على أصل ظفري أصبعيه الْإِبْهَام والسبابة كعاقد ثَلَاثِينَ فَهُوَ مَذْهَب التَّوَسُّط وَهُوَ أَحْمد الْمذَاهب واما من وقف إبهامه فيجريها على طرف ظفره كعاقد ثَلَاث عشرَة فَهُوَ مَذْهَب أهل التحريف وَهُوَ رَدِيء جدا لِأَن صَاحبه يحرف قَبضته تحريفا شَدِيدا وَيُوقف إبهامه فَإِن هُوَ أمال قوسه قَلِيلا سقط السهْم من على ظفره وَهُوَ رَدِيء فِي الْحَرْب لَا يكَاد يَسْتَقِيم لَهُ رمي لسرعة سُقُوطه سَهْمه ذكر [سَبَب] ارْتِفَاع السهْم فِي الجو ونزوله وسداده اخْتلف أهل الْعلم من الرُّمَاة فِي ذَلِك اخْتِلَافا متباينا وَنحن نذْكر أَقْوَالهم وَمَا فِيهَا ونبين الصَّحِيح مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فَقَالَت طَائِفَة سَبِيل السهْم إِذا خرج من كبد الْقوس أَن يقطع مَا بَينه وَبَين الْغَرَض فِي خطّ الاسْتوَاء بِغَيْر صعُود وَلَا هبوط بل محاذيا للموضع الَّذِي خرج مِنْهُ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ على خلاف ذَلِك فِي ارتفاعه ونزوله طلبنا عِلّة ذَلِك فرأيناه من وَاحِد من ثَلَاث إِمَّا من الْقوس وآفته فِيهِ وَإِمَّا من السهْم وَإِمَّا من الرَّامِي فَلَا بُد من آفَة خُفْيَة فِي وَاحِد من هَذِه الثَّلَاث وَردت طَائِفَة أُخْرَى هَذَا القَوْل وَقَالَت مَا رَأينَا راميا وَلَا نقل إِلَيْنَا إبدا أَنه رمي بِسَهْم فَقطع المدى فِي خطّ الأستواء محاذيا لموْضِع مخرجه لَا صاعدا وَلَا نازلا وَلم تخل الأَرْض من رام لَا آفَة فِي رميه وَلَا قوسه وَلَا سَهْمه بِحَيْثُ تجمع الرُّمَاة على اعْتِدَال الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وسلامتها من كل عيب وَقَالَ آخَرُونَ الْعلَّة فِي الِارْتفَاع والانخفاض من جِهَة اخْتِلَاف بِنَاء الْقوس فَإِنَّهَا إِذا غلبت بَيتهَا الْأَعْلَى ارْتَفع السهْم فِي أول مداه وَإِذا غلب الْأَسْفَل ارْتَفع فِي آخر مداه ورد عَلَيْهِم آخَرُونَ مِنْهُم وَقَالُوا هَذَا لَا يَصح لأَنا نجد الْقوس المعتدلة الْبَيْتَيْنِ الصَّحِيحَة التَّرْكِيب بيد الرجل الحاذق فِي الرَّمْي يرْتَفع عَنْهَا السهْم جدا وَرُبمَا ارْتَفع أَكثر من ارْتِفَاع من هُوَ دونه وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى لَيْسَ ارْتِفَاع السهْم من قبل الْقوس وَلَا الرَّامِي وَلَا من قبل السهْم فِي نَفسه بل من أَمر خَارج وَهُوَ الْهَوَاء [الْحَامِل لَهُ وَذَلِكَ أَن السهْم] إِذا كَانَ شَدِيدا [ثقيلا والقوس صلبة قطع الْهَوَاء و] مر سَادًّا وَإِن كَانَ خَفِيفا حمله الْهَوَاء فارتفع قَالَ وَالْحجّة على ذَلِك أَن الْمركب إِذا كَانَ ثقيلا غاص فِي المَاء وَإِن كَانَ خَفِيفا ارْتَفع والهواء للسهم مثل المَاء للمركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 ورد آخَرُونَ هَذَا القَوْل وَقَالُوا نجد السهْم الساد عَن الْقوس الصلبة فِي الْيَوْم السَّاكِن الْهَوَاء لَا بُد لَهُ من ارْتِفَاع عَن محاذاة مخرجه وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن ينصب حبلا مُعْتَرضًا فِي نصف [من] الأَرْض مُسَاوِيا لمخرج السهْم [ثمَّ يَرْمِي بِسَهْم سَاد عَن قَوس صلبة فَلَا بُد من أَن يرفع السهْم] عَنهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الَّذِي صَحَّ عندنَا وكشفناه من عِلّة ارْتِفَاع السهْم ونزوله أَن سير السهْم لَا يتم إِلَّا بِثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا بدن الرَّامِي وقوته وَالثَّانِي قوسه وَالثَّالِث سَهْمه وكل وَاحِد ثلث الْعلَّة وَالدَّلِيل على هَذَا أَنَّك تَأْخُذ قوسا صلبة موترة لَا يمكنك الرَّمْي عَنْهَا فتفوق عَلَيْهَا سَهْما ثمَّ تمدها فتحنى الْوتر مَعَك يَسِيرا من غير أَن تنحني الْقوس ثمَّ تطلق فيمر السهْم أذرعا كَثِيرَة وَقد علمت أَن الْقوس لم يعْمل فِي السهْم شَيْئا لِأَنَّهَا لم تطاوعك وَإِنَّمَا خرج السهْم من الْوتر بنفضه الرَّامِي وقوته لَا بِالْقَوْسِ وَأما الثُّلُث [الَّذِي من قبل الْقوس فالدليل على اعْتِبَاره أَنَّك تَجِد السهْم فِي آخر الثُّلُث] الأول فِي ارْتِفَاع إِلَى اول الثُّلُث الثَّالِث فَيَأْخُذ فِي الهبوط وَذَلِكَ من قبل السهْم نَفسه لِأَن طبعه -[كَمَا علمت]- الهبوط وَكَانَ ارتفاعه أَولا بِالْقُوَّةِ الَّتِي أَفَادَهُ إِيَّاهَا الرَّامِي وَاعْتبر هَذَا بِالْحجرِ ترمي بِهِ إِلَى فَوق فَلَا يزَال صاعدا مَا دَامَت قُوَّة الرَّامِي تمده فاذا انتهك الْقُوَّة الَّتِي أمدته فِي الصعُود صَارَت حركته حِينَئِذٍ النُّزُول وَهِي الْحَرَكَة الطبيعية [لَهُ] وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى بل الْعلَّة الصَّحِيحَة فِي ذَلِك أَن الرَّامِي إِذا فَوق السهْم فِي قسْمَة مستوية لَا مُرْتَفعَة وَلَا منخفضة كَانَ العقد تَحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الفوق أَسْفَل من ذيل الْقوس فَإِذا مد وَاسْتوْفى وَقعت شدَّة الغمز فِي الْإِطْلَاق تَحت الفوق فَلَا بُد لصدر السهْم من أَن يرْتَفع يَسِيرا بِالضَّرُورَةِ فارتفع صَدره يَسِيرا هُوَ الَّذِي أكسبه ذَلِك الِارْتفَاع الْكثير فِي طَرِيق سيره وَهَذَا وَاضح وَالله أعلم فصل فِي مدح الْقُوَّة والشجاعة وذم الْعَجز والجبن قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} [الْأَنْفَال 60] وَقَالَ تَعَالَى فِي حق الْمُؤمنِينَ {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} [الْفَتْح 29] وَقَالَ فيهم {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين} [الْمَائِدَة 54] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تهنوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْم} [النِّسَاء 104] أَي لَا تضعفوا وَقَالَ {وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} [آل عمرَان 139] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف وَفِي [كل] خير أحرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ [بِاللَّه] من الْجُبْن والجبن خلق مَذْمُوم عِنْد جَمِيع الْخلق وَأهل الْجُبْن هم أهل سوء الظَّن بِاللَّه وَأهل الشجَاعَة والجود هُوَ أهل حسن الظَّن بِاللَّه كَمَا قَالَ بعض الْحُكَمَاء فِي وَصيته عَلَيْكُم بِأَهْل السخاء والشجاعة فَإِنَّهُم أهل حسن الظَّن بِاللَّه والشجاعة جنَّة للرجل من المكاره والجبن إِعَانَة مِنْهُ لعَدوه على نَفسه فَهُوَ جند وَسلَاح يُعْطِيهِ عدوه ليحاربه [بِهِ] و [قد] قَالَت الْعَرَب الشجَاعَة وقاية والجبن مقتلة وَقد أكذب الله سُبْحَانَهُ أطماع الْجُبَنَاء فِي ظنهم أَن جبنهم ينجيهم من الْقَتْل وَالْمَوْت فَقَالَ [الله] تَعَالَى: {قل لن ينفعكم الْفِرَار إِن فررتم من الْمَوْت أَو الْقَتْل} [الْأَحْزَاب 16] وَلَقَد أحسن الْقَائِل [هُوَ قطري بن الْفُجَاءَة الساري] (أَقُول لَهَا وَقد طارت شعاعا ... من الْأَبْطَال وَيحك لن تراعي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 (فَإنَّك لَو سَأَلت بَقَاء يَوْم ... على الْأَجَل الَّذِي لَك لن تطاعي) (فصبرا فِي مجَال الْمَوْت صبرا ... فَمَا نيل الخلود بمستطاع) (وَمَا ثوب الْحَيَاة بِثَوْب عز ... فيطوي عَن أخي الخنع اليراع) (سَبِيل الْمَوْت غَايَة كل حَيّ ... وداعيه لأهل الأَرْض دَاعِي) (وَمن لم يعتبط يسام ويهرم ... وتسلمه الْمنون إِلَى انْقِطَاع) (وَمَا للمرء خير فِي حَيَاة ... إِذا مَا عد من سقط الْمَتَاع) وَاعْتبر ذَلِك [فِي معارك الحروب] بِأَن من يقتل مُدبرا أَكثر مِمَّن يقتل مُقبلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَفِي وَصِيَّة أبي بكر الصّديق بن الْوَلِيد احرص على الْمَوْت توهب لَك الْحَيَاة وَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد حضرت كَذَا وَكَذَا زحفا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَمَا فِي جَسَدِي مَوضِع إِلَّا وَفِيه طعنة بِرُمْح أَو ضَرْبَة بِسيف وَهَا أَنا [ذَا] أَمُوت على فِرَاشِي فَلَا نَامَتْ أعين الْجُبَنَاء وَلَا ريب عِنْد كل عَاقل أَن اسْتِقْبَال الْمَوْت إِذا جَاءَك خير من استدباره [وَالله أعلم وَقد بَين هَذَا حسان بن ثَابت قَائِلا] (ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما) وَقَالَ آخر [محققا هَذَا الْمَعْنى] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 (مُحرمَة أكفال خيلي على القنا ... ودامية لباتها ونحورها) (حرَام على أرماحنا طعن مُدبر ... وتندق مِنْهَا فِي الصُّدُور صدورها) وَكَانُوا يفتخرون بِالْمَوْتِ على غير فرَاش وَلما بلغ عبد الله بن الزبير قتل أَخِيه مُصعب قَالَ إِن يقتل فقد قتل أَخُوهُ وَأَبوهُ وَعَمه إِنَّا [وَالله] لَا نموت حتف أنفنا [و] لَكِن حتفنا بِالرِّمَاحِ وَتَحْت ظلال السيوف [ثمَّ تمثل بقول الْقَائِل] (وَإِنَّا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أُخْرَى مرّة مَا تذوقها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 [وَفِي مثل هَذَا يَقُول السموأل من كادياء وَهُوَ فِي الحماسة] (وَمَا مَاتَ منا سيد فِي فرَاشه ... وَلَا طل منا حَيْثُ كَانَ قَتِيل) (تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وَلَيْسَت على غير الظبات تسيل) (وَإِنَّا لقوم لَا نرى الْقَتْل سبه ... إِذا مَا رَأَتْهُ عَامر وسلول) (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى اعدائنا فتطول) وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر [بن الْحُسَيْن الْخُزَاعِيّ] (لست لريحان وَلَا رَاح ... وَلَا على الْجَار بتياح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 (فَإِن أردْت الْآن لي موقعا ... فَبين أسياف وأرماح) (ترى فَتى تَحت ظلال القنا ... يقبض أرواحا بأرواح) وَلَو لم يكن فِي الشجَاعَة إِلَّا أَن الشجاع يرد صيته واسْمه عَنهُ أَذَى الْخلق ويمنعهم من الْإِقْدَام عَلَيْهِ لكفى بهَا شرفا وفضلا كَمَا قَالَ عَمْرو ابْن براقه [وَكَانَ فاتكا مَشْهُورا بالاقدام والثبات] (كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تأخذونها ... مراغمة مَا دَامَ للسيف قَائِم) (مَتى تجمع الْقلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا تجتنبك الْمَظَالِم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَقَالَ تأبط شرا [الفاتك العداء واسْمه ثَابت] (قَلِيل التشكي للمهم يُصِيبهُ ... كثير الْهوى شَتَّى النَّوَى والمسالك) (يبيت بموماة ويضحي بِمِثْلِهَا ... جحيشا ويعروري ظُهُور المهالك) (ويسبق وَفد الرّيح من حَيْثُ تنتحي ... بمنخرق من شدَّة المتدارك) (إِذا حَاص عَيْنَيْهِ كرى النّوم لم يزل ... لَهُ كالىء من قلب شيحان فاتك) (إِذا هزه فِي عظم قرن تهللت ... نواجذ أَفْوَاه المنايا الضواحك) وَقَالَ أَبُو سعيد المَخْزُومِي وَكَانَ شجاعا [مَوْصُوفا بذلك] (وَمَا يُرِيد بَنو الأغيار من رجل ... بالجمر مكتحل بِاللَّيْلِ مُشْتَمل) (لَا يشرب المَاء إِلَّا من قليب دم ... وَلَا يبيت لَهُ جَار على وَجل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 فصل قَالَ عَمْرو بن معد يكرب الفزعات ثَلَاثَة فَمن كَانَت فزعته فِي رجلَيْهِ فَذَاك الَّذِي لَا تقله رِجْلَاهُ وَمن كَانَت فزعته فِي رَأسه فَذَاك الَّذِي يفر عَن أَبَوَيْهِ وَمن كَانَت فزعته فِي قلبه فَذَاك الَّذِي لَا يُقَاتل والجبن والشجاعة غرائز وأخلاق فالجبان يفر عَن عرسه والشجاع يُقَاتل عَن من لَا يعرفهُ كَمَا قَالَ [الشَّاعِر] (يفر جبان الْقَوْم من أم نَفسه ... ويحمي شُجَاع الْقَوْم من لَا يُنَاسِبه) والشجاع ضد الْبَخِيل لِأَن الْبَخِيل يضن بِمَالِه والشجاع يجود بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ الْقَائِل (كم بَين قوم [إِنَّمَا] نفقاتهم ... مَال وَقوم يُنْفقُونَ نفوسا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وَقَالَ الآخر (تجود بِالنَّفسِ إِن ضن الْجواد بهَا ... والجود بِالنَّفسِ أقْصَى غَايَة الْجُود) [و] هَذَا غير مطرد فِي بني آدم فَإِنَّهُم على ارْبَعْ طَبَقَات فَمنهمْ الْجواد الشجاع يجود بِمَالِه وَنَفسه وَمِنْهُم الْبَخِيل الجبان وَمِنْهُم الْجواد الجبان يجود بِمَالِه ويضن بِنَفسِهِ وَمِنْهُم الشجاع الْبَخِيل فَإِنَّهُ منح خلق الشجَاعَة وَحرم خلق الْجُود فَإِن الْأَخْلَاق مواهب يهب الله مِنْهَا مَا يَشَاء لمن يَشَاء ويجبل خلقه على مَا يُرِيد مِنْهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأشجع عبد الْقَيْس إِن فِيك خلقين يحبهما الله الْحلم والأناة قَالَ خلقين تخلقت بهما أم جبلت عَلَيْهِمَا قَالَ بل جبلت عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْحَمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 لله الَّذِي جلبني على مَا يحب وَمن هُنَا يظْهر أَنه لَا تلازم بَين الشجَاعَة والجود كَمَا ظَنّه بعض النَّاس وَإِن كَانَت الْأَخْلَاق الفاضلة تتلازم وتتصاحب غَالِبا وَكَذَلِكَ الْأَخْلَاق الدنيئة فصل [الْفرق بَين الشجَاعَة وَالْقُوَّة] وَكثير من النَّاس تشتبه عَلَيْهِ الشجَاعَة بِالْقُوَّةِ وهما متغايران فَإِن الشجَاعَة [هِيَ] ثبات الْقلب عِنْد النَّوَازِل وَإِن كَانَ ضَعِيف الْبَطْش وَكَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَشْجَع الْأمة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عمر وَغَيره أقوى مِنْهُ وَلَكِن برز على الصَّحَابَة كلهم بثبات قلبه فِي كل موطن من المواطن الَّتِي تزلزل الْجبَال وَهُوَ فِي ذَلِك ثَابت الْقلب ربيط الجاش يلوذ بِهِ شجعان الصَّحَابَة وابطالهم فيثبتهم ويشجعهم وَلَو لم يكن [لَهُ] الا ثبات قلبه يَوْم الْغَار وَلَيْلَته وثبات قلبه يَوْم بدر وَهُوَ يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله كَفاك [بعض] مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ منجر لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 مَا وَعدك وثبات قلبه يَوْم أحد وَقد صرخَ الشَّيْطَان فِي النَّاس بِأَن مُحَمَّدًا قد قتل وَلم يبْق أحد مَعَ [رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الا دون عشْرين فِي] أحد وَهُوَ مَعَ ذَلِك ثَابت الْقلب سَاكن الجأش وثبات قلبه [يَوْم الخَنْدَق وَقد زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وثبات قلبه] يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَقد قلق فَارس الاسلام عمر بن الْخطاب حَتَّى إِن الصّديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه وثبات قلبه يَوْم حنين حَيْثُ فر النَّاس وَهُوَ لم يفر وثبات قلبه حِين النَّازِلَة الَّتِي اهتزت لَهَا الدُّنْيَا أجمع وكادت تَزُول لَهَا الْجبَال وعقرت لَهَا أَقْدَام الْأَبْطَال وَمَاجَتْ لَهَا قُلُوب أهل الْإِسْلَام كموج الْبَحْر عِنْد هبوب قواصف الرِّيَاح وَصَاح [لَهَا] الشَّيْطَان فِي أقطار الأَرْض أبلغ الصياح وَخرج النَّاس بهَا من دين الله أَفْوَاجًا وأثار عَدو الله بهَا أقطار الأَرْض عجاجا وَانْقطع [لَهَا] الْوَحْي من السَّمَاء وَكَاد لَوْلَا دفاع الله لطمس نُجُوم الاهتداء وَأنْكرت الصَّحَابَة بهَا قُلُوبهم وَكَيف لَا وَقد فقدوا رسولهم من بَين أظهرهم وحبيبهم وطاشت الأحلام وَغشيَ الْآفَاق مَا غشيها من الظلام وشرأب النِّفَاق وَمد أَهله الاعناق وَرفع الْبَاطِل رَأْسا كَانَ تَحت قدم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوْضُوعا وَسمع الْمُسلمُونَ من أَعدَاء الله مَا لم يكن فِي حَيَاته بَينهم مسموعا وطمع عَدو الله أَن يُعِيد النَّاس إِلَى عبَادَة الْأَصْنَام وَأَن يصرف وُجُوههم عَن الْبَيْت الْحَرَام وَأَن يصد قُلُوبهم عَن الايمان وَالْقُرْآن ويدعوهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من التهود والتمجس والشرك وَعبادَة الصلبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 فشمر الصّديق رَضِي الله عَنهُ من جده عَن سَاق غير خوار وانتضى سيف عزمه الَّذِي هُوَ ثَانِي ذِي الفقار وامتطى من ظُهُور [عَزَائِمه] جوادا لم يكن يكبو يَوْم السباق وَتقدم جنود الاسلام فَكَانَ أفرسهم إِنَّمَا همه اللحاق وَقَالَ وَالله لأجاهدن أَعدَاء الْإِسْلَام جهدي ولأصدقنهم الْحَرْب حَتَّى تنفرد سالفتي أَو افرد وحدي ولأدخلنهم فِي الْبَاب الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ ولأردنهم إِلَى الْحق الَّذِي رَغِبُوا عَنهُ فَثَبت الله بذلك الْقلب الَّذِي لَو وزن بقلوب الْأمة لرجحها جيوش الْإِسْلَام وأذل بهَا الْمُنَافِقين والمرتدين وَأهل الْكتاب وَعَبدَة الْأَصْنَام حَتَّى استقامت قناة الدّين [من] بعد اعوجاجها وَجَرت الْملَّة الحنيفية على سننها ومنهاجها وَتَوَلَّى حزب الشَّيْطَان وهم الخاسرون وَأذن مُؤذن الايمان على رُؤُوس الْخَلَائق {فَإِن حزب الله هم الغالبون} [الْمَائِدَة 56] هَذَا وَمَا ضعفت جيوش عزماته وَلَا استكانت وَلَا وهنت بل لم تزل الجيوش بهَا مؤيدة ومنصورة وَمَا فرحت عزائم اعدائه بالظفر فِي موطن من المواطن بل لم تزل مغلوبة مَكْسُورَة تِلْكَ لعمر الله الشجَاعَة الَّتِي تضاءلت لَهَا فرسَان الْأُمَم والهمة الَّتِي تصاغرت عِنْدهَا عليات الهمم ويحق لصديق الْأمة أَن يضْرب من هَذَا الْمغنم بأوفر نصيب وَكَيف لَا وَقد فَازَ من مِيرَاث النُّبُوَّة بِكَمَال التعصب وَقد كَانَ الْمَوْرُوث صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ أَشْجَع النَّاس فَكَذَلِك وَارثه وخليفته من بعده أَشْجَع الْأمة بِالْقِيَاسِ وَيَكْفِي أَن عمر بن الْخطاب سهم من كِنَانَته وخَالِد بن الْوَلِيد سلَاح من أسلحته والمهاجرون وَالْأَنْصَار أهل بيعَته وشوكته وَمَا مِنْهُم الا من اعْترف أَنه يستمد من ثباته وشجاعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 فصل فِي مَرَاتِب الشجَاعَة والشجعان أول مَرَاتِبهمْ الْهمام وَسمي بذلك لهمته وعزمه وَجَاء على بِنَاء فعال كشجاع الثَّانِي الْمِقْدَام وَسمي بذلك من الْإِقْدَام وَهُوَ ضد الإحجام وَجَاء على أوزان الْمُبَالغَة كمعطاء ومنحار لكثير الْعَطاء والنحر وَهَذَا الْبناء يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث كامرأة معطار كَثِيرَة التعطر ومذكار تَلد الذُّكُور الثَّالِث الباسل وَهُوَ اسْم فَاعل من بسل يبسل كشرف يشرف والبسالة الشجَاعَة والشدة وضدها فشل يفشل فشالة وَهِي على وَزنهَا فعلا ومصدرا وَهِي الرذالة الرَّابِع البطل وَجمعه أبطال وَفِي تَسْمِيَته قَولَانِ أَحدهمَا لِأَنَّهُ يبطل فعل الأقران فَتبْطل عِنْد شجاعة الشجعان فَيكون بَطل بِمَعْنى مفعول فِي الْمَعْنى لِأَن هَذَا الْفِعْل غير مُتَعَدٍّ وَالثَّانِي أَنه بِمَعْنى فَاعل لفظا وَمعنى لِأَنَّهُ الَّذِي يبطل شجاعة غَيره فيجعلها بِمَنْزِلَة الْعَدَم فَهُوَ بَطل بِمَعْنى مُبْطل وَيجوز أَن يكون بَطل بِمَعْنى مُبْطل بِوَزْن مكرم وَهُوَ الَّذِي قد بطله غَيره فلشجاعته تحاماه النَّاس فبطلوا فعله باستسلامهم لَهُ وَترك محاربتهم إِيَّاه الْخَامِس الصنديد بِكَسْر الصَّاد والعامة تلحن فَيَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 (صنديد) بِفَتْحِهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامهم فعليل بِفَتْح الْفَاء وَإِنَّمَا هُوَ بِالْكَسْرِ فِي الْأَسْمَاء كقنديل وحلتيت وَفِي الصِّفَات كشمليل والصنديد الَّذِي لَا يقوم لَهُ شَيْء فصل [الْأُمُور المترتبة على الشجَاعَة] وَلما كَانَت الشجَاعَة خلقا كَرِيمًا من أَخْلَاق النَّفس ترَتّب عَلَيْهَا أَرْبَعَة أُمُور وَهِي مظهرها وثمرتها الْإِقْدَام فِي مَوضِع الْإِقْدَام والإحجام فِي مَوضِع الإحجام والثبات فِي مَوضِع الثَّبَات والزوال فِي مَوضِع الزَّوَال وضد ذَلِك مخل بالشجاعة وَهُوَ إِمَّا جبن وَإِمَّا تهور وَإِمَّا خفَّة وطيش وَإِذا اجْتمع فِي الرجل الرَّأْي والشجاعة فَهُوَ الَّذِي يصلح لتدبير الجيوش وسياسة أَمر الْحَرْب وَالنَّاس ثَلَاثَة رجل وَنصف رجل وَلَا شَيْء فالرجل من اجْتمع لَهُ إصالة الرَّأْي والشجاعة فَهَذَا الرجل الْكَامِل كَمَا قَالَ أَحْمد بن الْحُسَيْن [المتنبي] (الرَّأْي قبل شجاعة الشجعان ... هُوَ أول وَهِي الْمحل الثَّانِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 (فَإِذا هما اجْتمعَا لنَفس مرّة ... بلغت من العلياء كل مَكَان) وَنصف الرجل [وَهُوَ] من انْفَرد بِأحد الوصفين دون الآخر وَالَّذِي [هُوَ] لَا شَيْء من عري من الوصفين جَمِيعًا خَاتِمَة ونختم هَذَا الْكتاب بِآيَة من كتاب الله تَعَالَى جمع فِيهَا تَدْبِير الْحُرُوف بِأَحْسَن تَدْبِير وَهِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} [الْأَنْفَال 45] فَأمر الْمُجَاهدين [فِيهَا] بِخَمْسَة أَشْيَاء مَا اجْتمعت فِي فِئَة قطّ إِلَّا نصرت وَإِن قلت وَكثر عدوها أَحدهَا الثَّبَات الثَّانِي كَثْرَة ذكره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّالِث طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الرَّابِع اتِّفَاق الْكَلِمَة وَعدم التَّنَازُع الَّذِي يُوجب الفشل والوهن وَهُوَ جند يُقَوي بِهِ المتنازعون عدوهم عَلَيْهِم فَإِنَّهُم فِي اجْتِمَاعهم كالحزمة من السِّهَام لَا يَسْتَطِيع أحد كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا فَإِذا فرقها وَصَارَ كل مِنْهُم وَحده كسرهَا كلهَا الْخَامِس ملاك ذَلِك كُله وقوامه وأساسه وَهُوَ الصَّبْر فَهَذِهِ خَمْسَة أَشْيَاء تبتنى عَلَيْهَا قبَّة النَّصْر وَمَتى زَالَت أَو بَعْضهَا زَالَ من النَّصْر بِحَسب مَا نقص مِنْهَا وَإِذا اجْتمعت قوى بَعْضهَا بَعْضًا وَصَارَ لَهَا أثر عَظِيم فِي النَّصْر وَلما اجْتمعت فِي الصَّحَابَة لم تقم لَهُم أمة من الْأُمَم وفتحوا الدُّنْيَا ودانت لَهُم [الْعباد و] الْبِلَاد وَلما تَفَرَّقت فِيمَن بعدهمْ وضعفت آل الْأَمر إِلَى مَا آل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَهَذَا آخر [مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ] الْكتاب وَالْحَمْد الله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506