الكتاب: الأمنية في إدراك النية. المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الأمنية في إدراك النية القرافي الكتاب: الأمنية في إدراك النية. المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] خطْبَة الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الْحَمد لله الْمُحِيط بخفيات الغيوب المطلع على سرائر الْقُلُوب الْمُخَصّص بإراداته كل مَحْبُوب وموهوب المتعالي بِجلَال صمديته عَن مشابهة كل مربوب وَأفضل صلواته على نبيه سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث بِأَفْضَل المناهج الى أفضل مَطْلُوب وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه صَلَاة نستدفع بهَا الخطوب ونأمن بهَا من النصب والكروب يَوْم ظُهُور الفضائح والعيوب أما بعد فَيَقُول الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام الْعَالم شهَاب الدّين أَحْمد ابْن أدريس الْمَالِكِي إِن الْبَاعِث لي على هَذَا الْكتاب مبَاحث وَقعت للفضلاء تشوفت النُّفُوس الى الْكَشْف عَنْهَا وتمنت الصَّوَاب فِيهَا 1 - مِنْهَا قَول بعض الْفُضَلَاء لم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم يقل الْأَعْمَال بالإرادات وَمَا الْفرق بَين نوى وَبَين أَرَادَ وَاخْتَارَ وعزم وعنى وَشاء واشتهى وَقضى وَقدر وَهل هِيَ مترادفة أَو متباينة الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وَلم لم يقل عَلَيْهِ السَّلَام الْأَفْعَال بِالنِّيَّاتِ بل قَالَ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَمَا الْفرق بَين عمل وَفعل وصنع وَأثر وبرأ وَخلق وأوجد واخترع وابتدع وَأَنْشَأَ وَهل هِيَ مترادفه أَو متباينة 2 - وَمِنْهَا قَول بعض الْفُضَلَاء لم اشْترطت النِّيَّة فِي الذَّبَائِح مَعَ انها لَيست عبَادَة وَالنِّيَّة إِنَّمَا تشْتَرط فِي الْعِبَادَات كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَنَحْوهَا 3 - وَمِنْهَا مَا قَالَه بعض الْفُضَلَاء الْأَعْيَان من أَنه يحْكى الْإِجْمَاع فِي أَن النَّاظر الأول الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ الى إِثْبَات الصَّانِع يتَعَذَّر الْقَصْد الى التَّقَرُّب بِهِ قَالَ وحكاية الْإِجْمَاع فِي تعذره يعد إشْكَالًا فَإِن غَايَة النّظر فِي النّظر الأول ان يكون شاكا فِي أَن لَهُ إِلَهًا أوجب عَلَيْهِ النّظر أم لَا وَقصد التَّقَرُّب بالمشكوك فِيهِ غير مُتَعَذر فَإِنَّهُ وَقع فِي الشَّرِيعَة المحمدية الَّتِي هِيَ أكمل الشَّرَائِع فِي غير مَا موطن وَله مثل الأول إِذا شكّ هَل صلى أم لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي ويقصد بِصَلَاتِهِ التَّقَرُّب مَعَ حُصُول الشَّك 2 - الثَّانِي إِذا شكّ فِي صَلَاة من الْخمس وَجب عَلَيْهِ ان يُصَلِّي خمس صلوَات يَنْوِي بهَا التَّقَرُّب مَعَ حُصُول الشَّك فِي كل صَلَاة بِوَجْه الْقَصْد اليها 3 - الثَّالِث إِذا شكّ هَل تطهر أم لَا وَجب عَلَيْهِ التطهر وَيَنْوِي بِهِ التَّقَرُّب مَعَ حُصُول الشَّك فِي وجوب الْوضُوء عَلَيْهِ 4 - الرَّابِع اذا شكّ هَل صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا وَجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بالرابعة وَيُمكن أَن يَنْوِي بهَا التَّقَرُّب مَعَ حُصُول الشَّك 5 - الْخَامِس اذا شكّ هَل صَامَ أم لَا وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم وَيَنْوِي بِهِ التَّقَرُّب مَعَ حُصُول الشَّك ونظائره كَثِيره الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 زز وَإِذا وَقع هَذَا فِي هَذِه الشَّرِيعَة المعظمة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَكيف يَحْكِي الْإِجْمَاع فِي تعذر قصد التَّقَرُّب بِالنّظرِ الأول مَعَ أَن غَايَته حُصُول الشَّك غير أَن الشَّك فِي النّظر فِي الْمُوجب وَفِي هَذِه الصُّور فِي الشَّيْء الْوَاجِب وَلَا فرق لِأَن الشَّك إِذا كَانَ مَانِعا منع فيهمَا أَو لَيْسَ مَانِعا فَلَا يمْنَع فيهمَا فهما سَوَاء وكما أمكن قصد التَّقَرُّب فِي أَحدهمَا أمكن فِي الآخر وَلما اجْتمعت عِنْدِي هَذِه الأسئلة تحركت داعيتي لوضع هَذَا الْكتاب أذكر فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى عشرَة أَبْوَاب 1 - الْبَاب الأول فِي حَقِيقَة النِّيَّة وَالْفرق بَينهَا وَبَين غَيرهَا من أَقسَام الْإِرَادَة وَبَيَان الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة فِي السُّؤَال الأول 2 - الْبَاب الثَّانِي فِي محلهَا وَهل هُوَ الْقلب أَو الدِّمَاغ 3 - الْبَاب الثَّالِث فِي دَلِيل وُجُوبهَا 4 - الْبَاب الرَّابِع فِي حكمه إِيجَابهَا وَفِيه يظْهر أَن النِّيَّة لَا تفْتَقر الى نِيَّة مَعَ فَوَائِد أخر إِن شَاءَ الله تَعَالَى 5 - الْبَاب الْخَامِس فِيمَا يفْتَقر الى النِّيَّة شرعا وَمَا لَا تمكنه نِيَّته وَمَا لَا يَنْوِي وَمَا تتعذر نِيَّته عقلا وَفِيه يظْهر الْجَواب عَن السُّؤَال الثَّانِي وَالثَّالِث مَعَ فَوَائِد أخر 6 - الْبَاب السَّادِس فِي شُرُوط النِّيَّة وَهل يشْتَرط أَن يكون متعلقها مَقْدُورًا مكتسبا أم لَا وَفِيه فَوَائِد وإشكالات وأجوبتها 7 - الْبَاب السَّابِع فِي أَقسَام النِّيَّة وتنوعها الى الفعلية والكمية وَتظهر فِيهِ فَوَائِد جمة 8 - الْبَاب الثَّامِن فِي أَقسَام الْمَنوِي وتنوعه الى الْمَقَاصِد والوسائل الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 9 - الْبَاب التَّاسِع فِي معنى قَول الْفُقَهَاء المتطهر يَنْوِي رفع الْحَدث وَمَا معنى الْحَدث وَتَحْقِيق هَذِه الْمعَانِي 10 - الْبَاب الْعَاشِر فِيمَا يَقُوله الْفُقَهَاء إِن النِّيَّة تقبل الرّفْع مَعَ أَن الْوَاقِع يَسْتَحِيل رَفعه وَالشَّرْع لَا يرد بِخِلَاف الْعقل فَهَذِهِ عشرَة أَبْوَاب مُشْتَمِلَة على مَقَاصِد الْكتاب وسميته الأمنية فِي إِدْرَاك النِّيَّة الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الْبَاب الأول فِي حَقِيقَة النِّيَّة أعلم ان جنس النِّيَّة هُوَ الإرداة وَهِي صفة تَقْتَضِي التَّخْصِيص لذاتها عقلا شَاهدا وغائبا كَمَا يَقْتَضِي الْعلم الْكَشْف لذاته عقلا شَاهدا وغائبا وترتب الْكَشْف عَلَيْهِ والتخصيص على الإرداة لَيْسَ بِمَعْنى زَائِد أوجب لَهُ ذَلِك بل التَّخْصِيص مَعَ الْإِرَادَة والكشف مَعَ الْعلم نَحْو كَون الْعشْرَة زوجا والخمسة فَردا لَيْسَ مُعَللا بِشَيْء ثمَّ إِن هَذِه الْإِرَادَة متنوعة الى الْعَزْم والهم وَالنِّيَّة والشهوة وَالْقَصْد وَالِاخْتِيَار وَالْقَضَاء وَالْقدر والعناية والمشيئة فَهِيَ عشرَة أَلْفَاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ولنبحث الْآن هَل هِيَ أَلْفَاظ مترادفة اَوْ متباينة أَو بَعْضهَا كَذَلِك وَالْبَعْض الآخر من الْقسم الْأُخَر وَمَا هُوَ جَائِز على الله تَعَالَى مِنْهَا وَمَا هُوَ مُتَعَذر فَنَقُول الَّذِي يظْهر من مبَاحث الْفُضَلَاء وإشارات الأدباء فِيمَا ينقلونه عَن اللُّغَة أَن الْإِرَادَة كَمَا تقدم تَفْسِيرهَا هِيَ الصّفة المخصصة لأحد طرفِي الْمُمكن بِمَا هُوَ جَائِز عَلَيْهِ من وجود أَو عدم أَو هَيْئَة دون هَيْئَة أَو حَالَة دون حَالَة أَو زمَان دون زمَان وَجَمِيع مَا يُمكن أَن يَتَّصِف الْمُمكن بِهِ بَدَلا عَن خلَافَة أَو ضِدّه أَو نقيضه أَو مثله غير أَنَّهَا فِي الْمشَاهد لَا يجب لَهَا حُصُول مرادها وَفِي حق الله تَعَالَى يجب لَهَا ذَلِك لِأَنَّهَا فِي الشَّاهِد عرض مَخْلُوق ومصرف بِالْقُدْرَةِ الألهية والمشيئة الربانية ومرادها وَفِي ميلحق الله تَعَالَى معنى لَيْسَ بِعرْض وَاجِبَة الْوُجُود مُتَعَلقَة لذاتها أزلية أبدية وَاجِبَة النّفُوذ فِيمَا تعلّقت بِهِ وَأما الْعَزْم فَهُوَ الْإِرَادَة الكائنة على وفْق الداعية والداعية ميل يحصل فِي النَّفس لما شَعرت بِهِ من اشْتِمَال المُرَاد على مصلحَة خَالِصَة أَو راجحة أَو دَرْء مفْسدَة خَالِصَة أَو راجحه والميل جَائِز على الْخلق مُمْتَنع على الله تَعَالَى فَلَا جرم لَا يُقَال فِي حق الله تَعَالَى عزم بِمَعْنى اراد الْإِرَادَة الْخَاصَّة المصممة بل عزائم الله تَعَالَى طلبة الرَّاجِح أَي كَلَامه النفساني فَإِذا قُلْنَا إِن الله تَعَالَى يجب أَن تُؤْتى رخصَة كَمَا يحب أَن بؤتى عَزَائِمه فَالْمُرَاد مطلوباته والطلب أحد أَقسَام الْكَلَام لَيْسَ من الْإِرَادَة فِي شَيْء فالعزائم لَيست من الْعَزْم الَّذِي نريده بقولنَا عزمنا على السّفر أَو على الْإِقَامَة فَظهر الْفرق بَين الْعَزْم والإرادة وَهُوَ معنى قَول بعض الْفُضَلَاء الْعَزْم إِرَادَة فِيهَا تصميم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَأما الْهم فِي مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا} وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حسنه وَمن هم بسيئه فَلم يعملها لم تكْتب عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَنه مرادف للعزم وَأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا ويستحيل على الله تَعَالَى كَمَا اسْتَحَالَ الْعَزْم وَأما النِّيَّة فَهِيَ إِرَادَة تتَعَلَّق بإمالة الْفِعْل الى بعض مَا يقبله لَا بِنَفس الْفِعْل من حَيْثُ هُوَ فعل فَفرق بَين قصدنا لفعل الصَّلَاة وَبَين قصدنا لكَون ذَلِك قربَة أَو فرضا أَو نفلا أَو أَدَاء أَو قَضَاء الى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ جَائِز على الْفِعْل بالإرادة الْمُتَعَلّقَة بِأَصْل الْكسْب والإيجاد وَهِي الْمُسَمَّاة بالإرادة من جِهَة أَن هَذِه الْإِرَادَة مميلة للْفِعْل الى بعض جهاته الْجَائِزَة عَلَيْهِ فتسمى من هَذَا الْوَجْه نِيَّة فَصَارَت الْإِرَادَة إِذا اضيف إِلَيْهَا هَذَا الِاعْتِبَار صَارَت نِيَّة وَهَذَا الِاعْتِبَار هُوَ تَمْيِيز الْفِعْل عَن بعض رتبه وتمييز الْفِعْل عَن بعض رتبه جَائِز على الله تَعَالَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدير يُرِيد بِالْفِعْلِ الْوَاحِد نفع قوم وضرر قوم وضلال قوم الى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ جَائِز على فعله تَعَالَى كَمَا قَالَ جلّ علاهُ {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر وَهُوَ عَلَيْهِم عمى} فَجعل نفس إِنْزَال الْقُرْآن الْقَدِيم هدى لقوم وضلالا لآخرين وَهُوَ فعل وَاحِد وَالْكل بإرادته تَعَالَى ومشيئته وَكَذَلِكَ نعمه على خلقه قد تكون فتْنَة لآخرين ونقمة عَلَيْهِم وَقد تكون نعْمَة لأخرين بالاتعاظ وَغَيره من النعم وَالْكل بإرادته تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 غير أَن أَسمَاء الله تَعَالَى توقيفية فَلَا يُسمى الله تَعَالَى نَاوِيا وَيُسمى مرِيدا هَذَا إِن اقْتصر على الِاعْتِبَار الْعَام وَهُوَ مُطلق إمالة الْفِعْل الى بعض جهاته وَالصَّحِيح انه لَا يقْتَصر عَلَيْهِ وَأَن يُؤْخَذ معنى أخص فنه وَهُوَ إمالة الْفِعْل الى جِهَة حكم شَرْعِي يَشْمَل الْإِبَاحَة فينوي إِيقَاع الْفِعْل على الْوَجْه الَّذِي أَمر الله بِهِ وَنهى عَنهُ أَو أَبَاحَهُ وَمِنْهُم من يَقُول بل أخص من هَذَا وَهُوَ أَن يمِيل الْفِعْل الى جِهَة التَّقَرُّب وَالْعِبَادَة وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فيستحيل على الله مَعْنَاهَا بِخِلَاف الْمَعْنى الْعَام وتفارق النِّيَّة الْإِرَادَة من وَجه آخر وَهُوَ أَن النِّيَّة لَا تتَعَلَّق إِلَّا بِفعل الناوي والإرادة تتَعَلَّق بِفعل الْغَيْر كَمَا نُرِيد مغْفرَة الله تَعَالَى وإحسانه وَلَيْسَت من فعلنَا وَأما الشَّهْوَة فَهِيَ إِرَادَة مُتَعَلقَة براحات الْبشر كالملاذ وَرفع الآلام وَنَحْوهَا فتستحيل على الله تَعَالَى وَأما الْقَصْد فَهُوَ الْإِرَادَة الكائنة بَين جِهَتَيْنِ كمن قصد الْحَج من مصر وَغَيرهَا وَمِنْه السّفر القاصد أَي فِي طَريقَة مُسْتَقِيمَة وَبِهَذَا الْمَعْنى يَسْتَحِيل على الله تَعَالَى وَأما الِاخْتِيَار فَهُوَ الْإِرَادَة الكائنة بَين شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} أَي أَرَادَهُم دون غَيرهم مُضَافا الى اعْتِقَاد رُجْحَان الْمُخْتَار وَهُوَ جَائِز على الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى {وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين} وَأما الْقَضَاء فَهُوَ الْإِرَادَة المقرونه بالحكم الجبري فقضاء الله تَعَالَى لزيد بالسعادة أَرَادَ بِهِ سعادته مَعَ إخْبَاره بِكَلَامِهِ النفساني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 عَن سعادته وَمِنْه قَضَاء الْحَاكِم إِذا أخبر عَن حكم الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة واخبارا إنشائيا وَلذَلِك تعذر نقضه بِخِلَاف الْفتيا وَقد بسطته فِي كتاب الْأَقْضِيَة فِي الذَّخِيرَة وبينت تَحْقِيق الْفرق بَينه وَبَين الْفتيا وَأما الْقدر فَهُوَ الْإِرَادَة المتعلقه بِمَا فِيهِ مِقْدَار من الْأَجْسَام أَو عدد من الْأَعْرَاض وَهُوَ جَائِز على الله تَعَالَى وَأما الْعِنَايَة فَهِيَ الأرادة الْمُتَعَلّقَة بالشَّيْء على نوع من الْحصْر والتخصيص وَلذَلِك قَالَت الْعَرَب إياك أَعنِي وأسمعي يَا جَارة أَي أخصك دون غَيْرك وَلم يقل إياك أُرِيد وَيَقُولُونَ مَا يَعْنِي بِكَلَامِهِ أَي مَا يخص بِهِ من الْمعَانِي الَّتِي يحتملها دون غَيرهَا وموارد الِاسْتِعْمَال تشهد لهَذِهِ الْأُمُور مَقْصُودَة بأمرين أَحدهمَا أَن الأَصْل فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة مُضَافا الى أَن الأَصْل عدم الترادف وَبِهَذَا التَّفْسِير هُوَ جَائِز على الله تَعَالَى غير أَن اسماء الله تَعَالَى توقيفية فَلَا يُقَال لله تَعَالَى عان وان قيل مُقَدّر ومريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وَأما الْمَشِيئَة فَالظَّاهِر انها مرادفه للأرادة وَقَالَ الْحَنَفِيَّة هِيَ مباينة وجعلوها مشتقه من الشَّيْء وَالشَّيْء اسْم لموجود حَتَّى قَالُوا اذا قَالَ الْحَالِف ان شِئْت دُخُول الدَّار فَعَبْدي حر فَأَرَادَ الدُّخُول للدَّار لَا يعْتق عَبده حَتَّى يدْخل الدَّار وَلَا يَكْفِي ارادة دُخُول الدَّار حَتَّى يدخلهَا بِنَاء على ان الْمَشِيئَة مشتقه من الشَّيْء وَوَقع فِي ذَلِك بيني وَبينهمْ بحث كَبِير وأطنبنا فِي كشف كتب اللُّغَة فَلم نجد للمشيئة معنى إِلَّا الْإِرَادَة فَالظَّاهِر الترادف وَهِي جَائِزَة على الله تَعَالَى كالإرادة وَلَا يفهم من قولي إِن الْمَعْنى جَائِز على الله تَعَالَى الْإِمْكَان الْخَاص وَهُوَ جَوَاز الْوُجُود والعدم فَإِنِّي لم أرده وَإِنَّمَا أُرِيد بِالْجَوَازِ الْإِمْكَان الْعَام وَهُوَ كَون الْمَعْنى غير مُمْتَنع فَيصدق على الْوَاجِب وَهُوَ الْمَقْصُود فَإِن جَمِيع صِفَات الله تَعَالَى واجبه لَهُ سُبْحَانَهُ فَهَذِهِ التعابير والتغايرات بَين هَذِه الْمعَانِي الْعشْرَة يساعد عَلَيْهَا الِاسْتِعْمَال وَالْأُصُول الْمُوجبَة لعدم الترادف فتلخص ان النِّيَّة غير التِّسْعَة الْبَاقِيَة لما ذكر فِيهَا من الخصوصية الْمُتَقَدّمَة وخصوصيات كل وَاحِد من التِّسْعَة المفقودة فِي النِّيَّة فيجزم النَّاظر بِالْفرقِ حِينَئِذٍ وَلَا يضركون الِاسْتِعْمَال قد يتوسع فِيهِ فيستعمل وَأَرَادَ وَمرَاده نوى أَرَادَ وَمرَاده عزم أَو قصد أَو عَنى فَإِنَّهَا متقاربه الْمعَانِي حَتَّى يكَاد يجْزم بَينهَا بالترادف غير أَن زين الدّين بن مصطفى من المغاربة وَالْقَاضِي شمس الدّين الحوفي وَجَمَاعَة من عُلَمَاء الْعرَاق تعرضوا للْفرق بَينهمَا وَهُوَ أولى من الترادف تَكْثِير الْفَوَائِد اللُّغَوِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَبِهَذَا يظْهر معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم يقل الْأَعْمَال بالإرادات والعنايات أَو غير ذَلِك فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يرد إِلَّا الْإِرَادَة الْخَاصَّة المميلة للْفِعْل الى جِهَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة كَمَا تقدم فِي تَفْسِير النِّيَّة وَأما كَونه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم يقل الْأَفْعَال وَلَا الإيثار وَلَا الإيجاد فان الْفرق وَاقع بَين أثر وأوجد وَخلق وَفعل وَعمل وصنع وبرأ وذرأ وَجعل وَكسب فَهَذِهِ عشرَة أَلْفَاظ وَالْفرق بَينهَا أَن أثر يصلح للإيجاد والإعدام وأوجد خَاص بالإيجاد وَخلق لَهُ مَعْنيانِ - أَحدهمَا قدر وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى {الْخَالِق البارئ المصور} 2 - وَالثَّانِي أوجد قَالَ بعض الْفُضَلَاء والمثال الْجَامِع ان الشقة اذا قدمت للخياط وأعتبرها قبل الْقطع فَقَالَ تكون قميصين فَهَذَا تَقْدِير فَإِذا فصلها فَهَذَا أثر فَإِذا خاطها فَهُوَ تَصْوِير فخلق الله تَعَالَى علمه وَقدره فِي الْأَشْيَاء قبل وجودهَا وإيجاد أبعاضها بردهَا وتكميل خلقهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وَفعل يظْهر أَنه مرادف لأوجد وَقيل مَعْنَاهُ إِذا أُرِيد تَعْظِيم الْأَمر قيل عمل وَأَن اريد الِاقْتِصَار على تَأْثِير الْأَثر قيل فعل وَأما عمل فَقيل مَعْنَاهُ فعل فعلا لَهُ شرف وَظُهُور وَكَذَلِكَ فعل إِذا أسْند ظُهُوره للحس وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل} {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بعاد} وَلم يقل كَيفَ عمل رَبك لِأَنَّهُ أثر فِيهِ عِقَاب وانتقام لَا شرف وتعظيم وَقَالَ الله تَعَالَى {مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} وَأكْثر مَا ورد فِي الْقُرْآن الْكَرِيم من ذكر أَفعَال الْخَيْر بِلَفْظ عمل لَا بِلَفْظ الْفِعْل فَقَالَ تَعَالَى {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} {فَنعم أجر العاملين} {من عمل صَالحا فلنفسه} وَهُوَ كثير جدا وَأما صنع فيطلق على مَا فِيهِ قُوَّة فِي الإيجاد وَلذَلِك يُقَال أَرْبَاب الصَّنَائِع للحرف لاحتياجها الى مزِيد قُوَّة والكائن عَن الصنع أبدا يكون عَظِيما فِي نَفسه وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} إِشَارَة الى عَظمَة تسيير الْجبَال وزوالها عَن مواطنها وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} فَدلَّ ذَلِك على أَن أزالة الْجبَال عَظِيم فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَت الْقُدْرَة الْقَدِيمَة نِسْبَة الممكنات إِلَيْهَا بِنِسْبَة وَاحِدَة وَأما برأَ فَهُوَ يخْتَص بإيجاد الْأَجْسَام وَقد يُضَاف إِلَيْهِ أَنَّهَا من التُّرَاب وَمِنْه بريت الْقَلَم أَي هيأته على صور مخصوصه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} إِن همز فَمن الْبُرْء الَّذِي هُوَ الإيجاد الْخَاص أَو لم يهمز فَمن الْبَراء الْمَقْصُورَة الَّذِي هُوَ التُّرَاب وَأما دَرأ فَمَعْنَاه الدّفع وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} أَي يدْفع فالإخراج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود كالدفع من حيّز الْعَدَم إِلَى حيّز الْوُجُود وَأما جعل فَلهُ خَمْسَة معَان قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح جعل بِمَعْنى فعل نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَبِمَعْنى صير نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلنَا اللَّيْل لباسا} وَبِمَعْنى سمى نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} أَي سموهم إِنَاثًا لانهم لم يؤثروا فِي ذواتهم وَبِمَعْنى قَارب نَحْو قَوْلنَا جعل زيد يَقُول كَذَا أَي قَارب القَوْل وَشرع فِيهِ وَبِمَعْنى ألْقى نَحْو قَوْلك جعلت متاعك بعضه على بعض أَي أَلقيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَأما كسب فَمَعْنَاه إِيجَاد الْفِعْل على نوع من التعاطي والمحاولة وَلذَلِك يُقَال الْإِنْسَان يكْسب وَلَا يُقَال لله تَعَالَى يكْسب قَالَ الله تَعَالَى {فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} وَإِذا تقررت هَذِه الْمعَانِي بِنَاء على موارد الِاسْتِعْمَال منصوصة بِأَن الأَصْل عدم الترادف فَلَا يضر وُرُود بَعْضهَا مَكَان بعض فِي الصُّور لتقاربها فِي الْمعَانِي فَإِذا تعين أَن الْعَمَل لما فِيهِ شرف وَظُهُور بِخِلَاف أصل الْأَثر فَإِنَّهُ يُسمى فعلا حسنا حِينَئِذٍ أَن يُقَال الاعمال بِالنِّيَّاتِ دون الْأَفْعَال بِالنِّيَّاتِ لَان التَّقْدِير فِي خبر الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف الْأَعْمَال مُعْتَبرَة بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا يُرَاد اعْتِبَارهَا إِذا كَانَت تصلح لله تَعَالَى ولايصلح لَهُ إِلَّا مَا كَانَ شريفا فِي نَفسه فَإِذا أضيف إِلَيْهِ النِّيَّة صَار يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب عِنْد الله تَعَالَى وَيُسمى الْمحرم عملا وَإِن كَانَ مَنْهِيّا عَنهُ مُبْعدًا عِنْد الله تَعَالَى لانه عَظِيم فِي طوره وَلذَلِك تسمى الْمعاصِي كَبَائِر وعظائم لما حوى الْفِعْل من معنى العظمة فِي طوره خيرا أَو شرا وَلذَلِك منع بعض الْعلمَاء من تنَاول الحَدِيث الْوضُوء حَيْثُ اسْتدلَّ بِهِ على وجوب النِّيَّة فِي الوضؤ فَقَالَ لَا أسلم أَن الْوضُوء من الْأَعْمَال بل هُوَ من الْأَفْعَال والْحَدِيث إِنَّمَا ورد فِي الْأَعْمَال وَتَقْدِيره أَن الطَّهَارَة شَرط ووسيلة لَا تقصد فِي نَفسهَا فَلم يصل شرف رُتْبَة الْمَقَاصِد فَلَيْسَ فِيهِ من الظُّهُور والشرف مَا فِي الصَّلَاة وَنَحْوهَا فَلَا نسلم اندراجه وَهُوَ منع مَشْهُور من قبل الْحَنَفِيَّة فِي مَسْأَلَة اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الطَّهَارَة فَظهر حِينَئِذٍ حَقِيقَة النِّيَّة وَالْعَمَل وَالْفرق بَينهمَا وَبَين أضدادهما وَالْجَوَاب عَن السُّؤَال وَهُوَ الْمَطْلُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الْبَاب الثَّانِي فِي مَحل النِّيَّة اعْلَم أَن النِّيَّة هِيَ نوع من الْإِرَادَة كَمَا تقدم والإرادة وأنواعها وَالْعلم وَالظَّن وَالشَّكّ وَالْخَوْف والرجاء وَجَمِيع مَا ينْسب إِلَى الْقلب من الْأَعْمَال هُوَ قَائِم بِالنَّفسِ قَالَ الْمَازرِيّ فِي شرح التَّلْقِين أَكثر الْفُقَهَاء وَأَقل الفلاسفة على أَن الْعقل فِي الْقلب وَأَقل الْفُقَهَاء واكثر الفلاسفة على أَنه فِي الدِّمَاغ محتجين بِأَنَّهُ إِذا أصَاب الدِّمَاغ آفَة فسد الْعقل وَبَطلَت الْعُلُوم والأنظار والفكر وأحوال النَّفس وَأجِيب بِأَن استقامة الدِّمَاغ لَعَلَّهَا شَرط والشيءقد يفْسد لفساد مَحَله وَقد يفْسد لفساد شَرطه وَمَعَ الأحتمال فَلَا جزم بل النُّصُوص وَارِدَة بِأَن ذَلِك فِي الْقلب كَقَوْلِه تَعَالَى {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ} وَلم يذكر الدِّمَاغ قطّ فِي هَذِه الْمَوَاضِع فَدلَّ على أَن مَحل الْعقل الْقلب لَا الدِّمَاغ وَجعل الله تَعَالَى فِي مجاري عَادَته استقامة الدِّمَاغ شرطا فِي حُصُول أَحْوَال الْعقل وَالْقلب على وَجه الاسْتقَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَإِذا تقرر أَن الْعقل فِي الْقلب يلْزم على أصولنا أَن النَّفس فِي الْقلب لِأَن جَمِيع مَا ينْسب إِلَى الْعقل من الْفِكر والعلوم وَغير ذَلِك إِنَّمَا هِيَ صِفَات النَّفس فَتكون النَّفس فِي الْقلب عملا بظواهر النُّصُوص وَقد قَالَ بعض الْعلمَاء إِن النَّفس هِيَ الرّوح وَهِي الْعقل فتسمى نفسا بِاعْتِبَار ميلها إِلَى الملاذ والشهوات وروحا بِاعْتِبَار تعلقهَا بالجسد تعلق التَّدْبِير بِإِذن الله تَعَالَى فِي غذائه وَصِحَّته وسقمه وَمَتى فارقته ذهبت حَيَاته فِي مجاري الْعَادَات وَمن الْمُمكن عقلا أَن تذْهب الرّوح من الْجَسَد وَيبقى حَيا كَمَا تضع الْمَرْأَة جَنِينهَا وَتبقى حَيَّة على حَالهَا فَالنَّفْس جسم لطيف حَيّ شفاف فِي جسم حَيّ كثيف فمفارقته كمفارقة الْجَنِين وَبِاعْتِبَار كرنها محصلة للعلوم بالفكر تسمى عقلا فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَة أَسمَاء بِاعْتِبَار ثَلَاثَة أَحْوَال والموصوف وَاحِد وَبِهَذَا يتَّجه أَنَّهَا فِي الْقلب وَإِذا كَانَت النَّفس فِي الْقلب كَانَت النِّيَّة والإرادة وأنواع الْعُلُوم وَجَمِيع أَحْوَال النَّفس فِي الْقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْبَاب الثَّالِث فِي اعْتِبَارهَا شرعا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} وَالْإِخْلَاص هُوَ إِرَادَة تمييل الْفِعْل إِلَى جِهَة الله تَعَالَى وَحده خَالِصا وَالْقَصْد الْمُتَعَلّق بتمييل الْفِعْل إِلَى جِهَة الله تَعَالَى هُوَ النِّيَّة كَمَا تقدم فِي بَيَان حَقِيقَة النِّيَّة وَصِيغَة الْحصْر الَّتِي فِي الْآيَة تَقْتَضِي أَن مَا لَيْسَ بمنوي لَيْسَ مَأْمُورا بِهِ وَمَا لَيْسَ مَأْمُورا بِهِ لَا يكون عبَادَة وَلَا تَبرأ الذِّمَّة من الْمَأْمُور بِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوب وَفِي مُسلم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى وَتَقْدِيره الْأَعْمَال مُعْتَبرَة بِالنِّيَّاتِ لِأَن الْأَخْبَار مَعَ المجرورات محذوفة فتقدر وَيكون الْمَجْرُور مُتَعَلقا بهَا وَأحسن مَا قدر الْخَبَر هَا هُنَا بِهَذِهِ الْآيَة لِأَنَّهُ جَامع بَين الشَّرْع والنحو فَيكون مَا لَيْسَ بمنوي غير مُعْتَبر وَهُوَ الْمَطْلُوب وَهَذَا الحَدِيث يتَنَاوَل جَمِيع مَا يُسمى عملا لعُمُوم الْألف وَاللَّام وَيبقى النزاع فِيمَا يُسمى فعلا كَمَا تقدم مَعَ الْحَنَفِيَّة وَقد تقدم فِي الْبَاب الأول الْجَواب عَن السُّؤَال الثَّانِي لم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم يقل الْأَفْعَال بِالنِّيَّاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الْبَاب الرَّابِع فِي حِكْمَة إِيجَاب النِّيَّة فِي الشَّرْع وَحِكْمَة إِيجَابهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات أَو تَمْيِيز مَرَاتِب الْعِبَادَات فَالْأول لتمييز مَا لله تَعَالَى عَن مَا لَيْسَ لَهُ فيصلح الْفِعْل للتعظيم كالغسل يَقع تبردا وتنظيفا وَيَقَع عبَادَة مَأْمُور بهَا فَإِذا نوى تعين أَنه لله تَعَالَى فَيَقَع تَعْظِيم العَبْد للرب بذلك الْغسْل وَمَعَ عدم النِّيَّة لَا يحصل التَّعْظِيم وكالصوم يكون لعدم الْغذَاء وَيكون للتقرب فَإِذا نوى حصل بِهِ التَّعْظِيم لله تَعَالَى ونظائره فِي الْأَفْعَال كَثِيرَة فقالء وَيكون للتقرب فَإِذا حصل بِهِ التَّعْظِيم لله تَعَالَى ونظائره فِي الْأَفْعَال كَثِيرَة فَقَالَ 2 - وَأما الثَّانِي فكالصلاة تَنْقَسِم إِلَى فرض ومندوب فالفرض يَنْقَسِم إِلَى مَنْدُوب وَغير مَنْدُوب وَغير الْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى الصَّلَوَات الْخمس قَضَاء وَأَدَاء وَالْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى راتب كالعيدين وَالْوتر وَغير راتب كالنوافل وَكَذَلِكَ القَوْل فِي قربات المَال وَالصَّوْم والنسك فشرعت النِّيَّة لتمييز هَذِه الرتب وَلأَجل هَذِه الْحِكْمَة تُضَاف صَلَاة الْكُسُوف وَالِاسْتِسْقَاء وَالْعِيدَيْنِ إِلَى أَسبَابهَا لتمييز رتبها وَكَذَلِكَ تتَعَيَّن إِضَافَة الْفَرَائِض إِلَى أَسبَابهَا لتمييز رتبها لَا لِأَن تِلْكَ الْأَسْبَاب قرب فِي نَفسهَا بِخِلَاف أَسبَاب الْكَفَّارَات لَا تُضَاف إِلَيْهَا فِي النَّوْع الْوَاحِد لِأَنَّهَا مستوية نَحْو كَفَّارَات الْحِنْث فِي الْيَمين إِذا وَقع وَاحِدَة مِنْهَا لَا تضيفها إِلَى سَببهَا لِأَن الْأَسْبَاب مستوية بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 كَفَّارَة حنث وَكَفَّارَة ظهارة وَكَفَّارَة قتل تتَعَيَّن فِيهَا الْإِضَافَة كَمَا يتَعَيَّن التَّكْفِير عَن تِلْكَ الْجِنَايَة وَتلك الْيَمين وَسوى أَبُو حنيفَة بَين الصَّلَوَات وَالْكَفَّارَات فِي عدم الإضافات إِلَى الْأَسْبَاب وَالْفرق مَا تقدم من استوائها وَأما الصَّلَوَات فَكلهَا مُخْتَلفَة حَتَّى الظّهْر وَالْعصر بقصر الْقِرَاءَة فِي الْعَصْر وطولها فِي الظّهْر وَهَذِه الْحِكْمَة قد اعْتبرت فِي سِتّ قَوَاعِد فِي الشَّرِيعَة فنذكرها ليتضح للفقيه الشريعه 1 - الْقَاعِدَة الأولى القربات الَّتِي لَا لبس فِيهَا لاتحتاج إِلَى نِيَّة كالإيمان بِاللَّه تَعَالَى وتعظيمه وإجلاله وَالْخَوْف من عَذَابه والرجاء لثوابه والتوكل على كرمه وَالْحيَاء من جَلَاله والمحبه لجماله والمهابة من سُلْطَانه وَكَذَلِكَ التَّسْبِيح والتهليل وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَسَائِر الْأَذْكَار فَإِنَّهَا متميزة لجنابه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ النِّيَّة منصرفة إِلَى الله تَعَالَى بصورتها فَلَا جرم لم تفْتَقر النِّيَّة إِلَى نِيَّة أُخْرَى وَلَا حَاجَة للتَّعْلِيل بِأَنَّهَا لَو افْتَقَرت لنِيَّة أُخْرَى لزم التسلسل وَكَذَلِكَ يُثَاب الْإِنْسَان على على نِيَّة مُنْفَرِدَة ولايثاب على الْفِعْل الْمُنْفَرد لانصرافها بصورتها إِلَى الله تَعَالَى وَالْفِعْل مُتَرَدّد بَين مَا لله تَعَالَى وَمَا لغيره وَأما كَون الْإِنْسَان يُثَاب على نِيَّة وَاحِدَة وعَلى الْفِعْل عشرا إِذا نوى فَلِأَن الْأَفْعَال هِيَ الْمَقَاصِد والنيات وَسَائِل والوسائل أَخفض رُتْبَة من الْمَقَاصِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 2 - الْقَاعِدَة الثَّانِيَة الْأَلْفَاظ إِذا كَانَت نصوصا فِي شيئ غير مترددة لم تحتج إِلَى نِيَّة لإنصرافها بصراحتها لمدلولها وَإِن كَانَت كِنَايَة أَو مُشْتَركَة مترددة افْتَقَرت إِلَى نِيَّة 3 - الْقَاعِدَة الثَّالِثَة الْمَقَاصِد من الْأَعْيَان فِي الْعُقُود إِذا كَانَت متعينة استغنت عَمَّا يعينها كمن أستأجر بساطا وقدوما أَو ثوبا أَو عِمَامَة لم يحْتَج إِلَى تعْيين الْمَنْفَعَة فِي العقد لإنصراف هَذِه الْأَشْيَاء بصورتها إِلَى مقاصدها وَإِن كَانَت الْعين مترددة بَين منفعتين كالدابة للْحَمْل وَالرُّكُوب وَالْأَرْض للْبِنَاء والزراعة وَالْغَرْس فيفتقر إِلَى التَّعْيِين 4 - الْقَاعِدَة الرَّابِعَة النُّقُود إِذا كَانَ بَعْضهَا غَالِبا لم يحْتَج إِلَى تَعْيِينهَا فِي العقد وَإِن لم يكن احْتَاجَ إِلَى التَّعْيِين 5 - الْقَاعِدَة الْخَامِسَة الْحُقُوق إِذا تعيّنت لمستحقها كَالدّين الْمُنْفَرد فانه يتَعَيَّن لرَبه بِغَيْر نِيَّة مثل حُقُوق الله تَعَالَى إِذا تعيّنت لَهُ كالإيمان وَمَا ذكرمعه وان تردد بَين دينين أَحدهمَا برهن وَالْآخر بِغَيْر رهن فَإِن الدَّافِع يفْتَقر فِي تعْيين الْمَدْفُوع إِلَى النِّيَّة وَالتَّصْرِيح 6 - الْقَاعِدَة السَّادِسَة التَّصَرُّفَات إِذا كَانَت دَائِرَة بَين جِهَات شَتَّى لَا تَنْصَرِف لأحدها إِلَّا بنية كمن هُوَ وَصِيّ على أَيْتَام مُتعَدِّدَة فَاشْترى سلْعَة لاتتعين لأَحَدهم إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَتى كَانَ التَّصَرُّف تحدا انصرفت لجِهَة لتعينه كتصرفه لنَفسِهِ وَلغيره بِالْوكَالَةِ وَلَا تَنْصَرِف للْغَيْر إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَن تصرف الْإِنْسَان لنَفسِهِ اغلب فَيَنْصَرِف التَّصَرُّف إِلَيْهِ وَالنِّيَّة فِي هَذِه الصُّورَة مقصودها التَّمْيِيز ومقصودها فِي الْعِبَادَات التَّمْيِيز والتقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 سُؤال هَذَا التَّقْرِير يشكل بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ متميز بصورته لله تَعَالَى فَلم افْتقر إِلَى نِيَّة جَوَابه أَن التَّيَمُّم خَارج عَن نمط الْعِبَادَات فَإِنَّهَا كلهَا تَعْظِيم وإجلال وَلَيْسَ فِي مس التُّرَاب ومسحه بِالْوَجْهِ صُورَة تَعْظِيم بل هُوَ يشبه الْعَبَث واللعب فَاحْتَاجَ إِلَى نِيَّة ليخرج من حيّز اللّعب إِلَى حيّز التَّقَرُّب بنيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 تَنْبِيه هذالحكمة هِيَ سَبَب اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي اشْتِرَاط النِّيَّة فِي رَمَضَان وَالْوُضُوء وَنَحْوهمَا فزفر يَقُول فِي رَمَضَان وَأَبُو حنيفَة يَقُول فِي الْوضُوء أَنَّهُمَا متعينان بصورتهما لله تَعَالَى وَلَيْسَ لَهما رتب فَلَا حَاجَة فيهمَا للنِّيَّة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى يَقُولَانِ الْإِمْسَاك فِي رَمَضَان قد يكون لعدم الْغذَاء والمفطرات وَالْوُضُوء قد يكون للتعليم والتجديد على سَبِيل النّدب أَو لرفع الْحَدث على سَبِيل الْوُجُوب فاحتاجا إِلَى النِّيَّة لتميز الْعِبَادَة عَمَّا لَيْسَ بِعبَادة وامتياز الْفَرْض عَن النّدب فِي الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 تَنْبِيه وَقع فِي الْمَذْهَب إطلاقات متناقضة قَالَ الْأَصْحَاب صَرِيح الطَّلَاق وَغَيره غير مُحْتَاج للنِّيَّة اتِّفَاقًا وَقَالَ صَاحب الْمُقدمَات فِي كنايات الطَّلَاق صَرِيح الطَّلَاق مفتقر الى النِّيَّة اتِّفَاقًا وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي الْإِكْرَاه على الطَّلَاق فِي افتقار الصَّرِيح إِلَى النِّيَّة قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لابد فِي الصَّرِيح من النِّيَّة وَكَون النِّيَّة مُعْتَبرَة فِي الصَّرِيح اتِّفَاقًا وَغير مُعْتَبرَة اتِّفَاقًا وَفِي اعْتِبَارهَا قَولَانِ هَذِه إطلاقات كلهَا متناقضة وَلَا يجْتَمع مِنْهَا اثْنَان بل مَتى صدق أحد هَذِه الثَّلَاثَة كذب اثْنَان مِنْهَا وتحقيقهما أَن النِّيَّة فِي الْمَذْهَب من الْأَلْفَاظ الْمُشْتَركَة بَين الْقَصْد الْخَاص وَبَين كَلَام النَّفس فَحَيْثُ قَالُوا الصَّرِيح لَا يفْتَقر إِلَى النِّيَّة إتفاقا مَعْنَاهُ أَن الصَّرِيح لَا يفْتَقر إِلَى إِرَادَة اسْتِعْمَاله فِي مَدْلُوله إِلَى نِيَّة كَمَا يفْتَقر صرفة عَن حقيقتة إِلَى مجازها أَو عَن عُمُومه إِلَى الْخُصُوص إِلَى نِيَّة بل ينْصَرف بصراحته لمدلوله كَمَا تقدم فِي الْقَوَاعِد السِّت وَمعنى قَوْلهم إِن الصَّرِيح يفْتَقر إِلَى النِّيَّة اتِّفَاقًا أَنه لَا بُد فِي الصَّرِيح من الْقَصْد غلى إنْشَاء الصِّيغَة حذرا مِمَّن أَرَادَ أَن يَقُول يَا طَارق فَقَالَ يَا طَالِق أَو أَرَادَ أَن يَقُول أَنْت منطلقة فَقَالَ أَنْت طَالِق لِأَنَّهُ التف لِسَانه وَسبق لَا يَقْصِدهُ لذَلِك فَلَا تنَاقض بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 اشْتِرَاط النِّيَّة فِي إِرَادَة النُّطْق وَبَين عدم اشْتِرَاطهَا فِي انصراف اللَّفْظ لمدلوله بعد النُّطْق وَمعنى قَوْلهم فِي اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الصَّرِيح قَولَانِ أَن الْكَلَام النفساني فِي اشْتِرَاط مقارنته للنطق اللساني قَولَانِ أَي ينْطق بِقَلْبِه كَمَا ينْطق بِلِسَانِهِ وَقد صرح بِهِ صَاحب الْجَوَاهِر وَعبر عَنهُ صَاحب الْجلاب بِعِبَارَة أُخْرَى فَقَالَ من اعْتقد الطَّلَاق بِقَلْبِه وَلم يلفظ بِهِ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُوم الطَّلَاق لَهُ قَولَانِ فَسَماهُ اعتقادا وَالْكَلَام النفساني لَيْسَ من بَاب الاعتقادات والعلوم وَلَا من بَاب الارادات والعزوم إِنَّمَا هُوَ نوع مُغَاير لَهما من أَعْرَاض الْقُلُوب فَظهر عدم التَّنَاقُض بَين هَذِه الثَّلَاثَة وَأَن لفظ الِاعْتِقَاد وَالنِّيَّة لَيْسَ على ظاهرهما فِي الْكَلَام النفساني وَمَتى سَمِعت أَن فِي الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ قَوْلَيْنِ فَاعْلَم أَن المُرَاد الطَّلَاق بالْكلَام النفساني وَإِلَّا فَمن نوى طَلَاق امْرَأَته أَو اعتقده أَو عزم عَلَيْهِ لَا يلْزمه طَلَاق بِاتِّفَاق وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا طلق بالْكلَام النفساني فَاعْلَم ذَلِك وتفقد النِّيَّة فِي مواردها إِذا ثبتَتْ أَو سلبت أَو أختلف فِيهَا وَمَا المُرَاد بِتِلْكَ النِّيَّة فقد غلط فِيهَا جمع كثير من الْفُقَهَاء ويمكنك أَن تَقول فِي الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ قَولَانِ وانعقد الْإِجْمَاع على عدم لُزُوم الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ بِنَاء على اخْتِلَاف الْمَعْنى فِي النِّيَّة كَمَا تقدم بَيَانه لتميز الْعِبَادَة عَمَّا لَيْسَ بِعبَادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الْبَاب الْخَامِس فِيمَا يفْتَقر إِلَى النِّيَّة الشَّرْعِيَّة ويتحرر ذَلِك بتقسيمين التَّقْسِيم الأول الشَّرِيعَة كلهَا إِمَّا مَطْلُوب أَو غير مَطْلُوب وَغير الْمَطْلُوب لَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فَلَا معنى للنِّيَّة فِيهِ وَالْمَطْلُوب إِمَّا نواة أَو أوَامِر فالنواهي كلهَا يخرج الْإِنْسَان عَن عهدتها بِتَرْكِهَا وَإِن لم يشْعر بهَا فضلا عَن الْقَصْد إِلَيْهَا فمثاله زيد الْمَجْهُول لنا حرم الله علينا قَتله وَمَاله وَعرضه وَقد خرجنَا عَن عُهْدَة ذَلِك النَّهْي وَإِن لم نشعر بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِر المجهولات لنا من الْمُحرمَات نعم إِن شعرنَا بالمحرم ونوينا تَركه لله تَعَالَى حصل لنا مَعَ الْخُرُوج عَن الْعهْدَة الثَّوَاب لأجل النِّيَّة فَهِيَ شَرط فِي الثَّوَاب لَا فِي الْخُرُوج عَن الْعهْدَة والأوامر قِسْمَانِ 1 - قسم تكون صُورَة فعله كَافِيَة فِي تَحْصِيل مصْلحَته كأداء الدُّيُون والودائع والغصوب ونفقات الزَّوْجَات والأقارب فَإِن الْمصلحَة الْمَقْصُودَة من فعل هَذِه الْأُمُور انْتِفَاع أَرْبَابهَا بهَا وَذَلِكَ لَا يتَوَقَّف على النِّيَّة من حهة الْفَاعِل فَيخرج الْإِنْسَان عَن عهدتها وَأَن لم ينوها 2 - وَالْقسم الثَّانِي الْأَوَامِر الَّتِي لَا تكون صورتهَا كَافِيَة فِي تَحْصِيل مصلحتها الْمَقْصُودَة مِنْهَا كالصلوات والطهارات وَالصِّيَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 والنسك فَإِن الْمَقْصُود مِنْهَا تَعْظِيم الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلِهَا والخضوع لَهُ فِي إتيانها وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل إِذا قصدت من أَجله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِن التَّعْظِيم بِالْفِعْلِ بِدُونِ قصد الْمُعظم محَال كمن صنع ضِيَافَة لإِنْسَان فَانْتَفع بهَا غَيره من غير قصد فَإنَّا نجزم بِأَن الْمُعظم بهَا الَّذِي قصد بالكرامة دون من انْتفع بهَا من غير قصد فَهَذَا الْقسم هُوَ الَّذِي أَمر فِيهِ صَاحب الشَّرْع بِالنِّيَّةِ وعَلى هَذِه الْقَاعِدَة يتَخَرَّج خلاف الْعلمَاء فِي إِيجَاب النِّيَّة فِي إِزَالَة النَّجَاسَة فَمن إعتقد أَن الله تَعَالَى أوجب مجانبة الْحَدث والخبث حَالَة الْوُقُوف بَين يَدَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيكون من بَاب المأمورات الَّتِي لَا تَكْفِي صورتهَا من تَحْصِيل مصلحتها فَتجب فِيهَا النِّيَّة وَمن إعتقد أَن الله حرم مُلَابسَة الْخبث فَتكون هَذِه من بَاب المنهيات فَلَا تفْتَقر إِلَى نِيَّة وَهُوَ الصَّحِيح وَالْقسم الثَّانِي الْفِعْل يَنْقَسِم إِلَى مَا يُمكن أَن يَقع لله تَعَالَى وَلغيره وَمَا لَا يُمكن أَن يَقع إِلَّا لله تَعَالَى وَمَا لَا يُمكن أَن يَقع لله تَعَالَى الْبَتَّةَ فَهَذِهِ ثَلَاثَة فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الْفَصْل الأول فِي التَّصَرُّف الَّذِي يُمكن أَن يَقع لله تَعَالَى وَلغيره وَقد تقدم أَن الْعِبَادَات تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَدَلِيل وُجُوبهَا فِيهَا وَقد ظن بعض الْفُقَهَاء أَن النِّيَّة لَا يَعْتَبِرهَا الشَّرْع إِلَّا فِي الْعِبَادَات حَتَّى سَمِعت كثيرا من الْفُضَلَاء يحد الْعِبَادَة بِأَنَّهَا عبارَة عَمَّا تشْتَرط فِيهِ النِّيَّة وَلذَلِك يجْعَلُونَ الرّبع الأول أبدا من دواوين الْفِقْه بعض الْعِبَادَات لَا يُسمى بِغَيْر ذَلِك وأشكل على جمَاعَة مِنْهُم أشتراط النِّيَّة فِي الذَّبَائِح مَعَ أَنَّهَا غير عبَادَة وَالْتزم بَعضهم أَنَّهَا عبَادَة لأجل اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهَا بِنَاء على هَذَا الأعتقاد وَلَيْسَ كَمَا اعتقده بل قد يعْتَبر الشَّرْع النِّيَّة فِيمَا هُوَ فرض عين كالصلوات الْخمس وَفِيمَا هُوَ فرض كِفَايَة كَصَلَاة الْجَنَائِز من القربات وَفِيمَا هُوَ فرض كِفَايَة من غير القربات كاشتراط النِّيَّة فِي ذَكَاة الْحَيَوَان فَإِن أكل لُحُوم الْحَيَوَان من فروض الْكِفَايَة لِئَلَّا تضعف الْعُقُول عَن الْعُلُوم والأجساد عَن ملاقاة الْأَعْدَاء فتستأصل شأفة الْإِسْلَام وتفقد هداة الْأَنَام وَقد تعْتَبر النِّيَّة فِيمَا لَيْسَ قربَة من الْمُحرمَات فَإِن الْإِنْسَان إِذا حفر بِئْر ليهلك فِيهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهُ كَافِر تَزُول عصمَة دَمه ويخلد فِي النَّار أَو ليَقَع فِيهَا مُؤمن فَلَا تَزُول عصمه دَمه وَلَا يخلد فِي النَّار وَيجب تعزيره وتفسيقه وَلَا يثبت الشَّرْع أحد هذَيْن الْحكمَيْنِ إِلَّا بِشَرْط أَن ينوى سَببه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَهَا أَنا أبسط من موارد النِّيَّة فِي نظر الشَّرْع مَا يمهد لَك هَذَا الْبَحْث فِي عشرَة انواع فَهِيَ مُخْتَلفَة الْحَقَائِق متشابهة الْأَحْكَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى النَّوْع الأول مَا اعْتبر الشَّرْع فِيهِ النِّيَّة لتميز المدلولات كالحالف أَو النَّاذِر بِلَفْظ مُشْتَرك فالشرع إِنَّمَا يُوجب الْكَفَّارَة أَو الْوَفَاء فِيمَا نَوَاه دون غَيره النَّوْع الثَّانِي صرف الْأَلْفَاظ عَن حقائقها المدلولات إِلَى مجازاتها كالحالف أَو النَّاذِر بِلَفْظ عَام أَو مُطلق وَيَنْوِي بِهِ تَخْصِيص ذَلِك الْعَام أَو تَقْيِيد ذَلِك الْمُطلق فالشرع إِنَّمَا يعْتَبر الْمجَاز الْمَنوِي دون الْحَقِيقَة المدلولة النَّوْع الثَّالِث صرف الْأَلْفَاظ إِلَى بعض مَا يصلح لَهُ بِالنِّيَّةِ كألفاظ الْكِنَايَات فِي الطَّلَاق وَالْعتاق والأيمان إِلَى بعض المحامل الَّتِي يصلح لَهَا اللَّفْظ فِي ذَلِك الْبَاب وَلَا تترتب الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا على الْمَنوِي دون غَيره النَّوْع الرَّابِع صُورَة الذَّكَاة فِي الْحَيَوَان الْمَقْدُور عَلَيْهِ والعقر فِي الصَّيْد دَائِرَة بَين سَبَب التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ المينة وَبَين سَبَب الْإِبَاحَة الَّذِي هُوَ الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة فَإِذا نوى الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة تخصصت الصُّورَة الْوَاقِعَة بِسَبَب الْحل دون سَبَب التَّحْرِيم وان لم ينْو شَيْئا لَا يرتب الشَّرْع الْحل لعدم تعين سَببه فَإِن الشَّرْع كَمَا شرع الْأَحْكَام شرع الْأَسْبَاب وَجعل لكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 مسبب معِين حكما معينا فَإِذا دارت الْحَقِيقَة بَين أَسبَاب مُخْتَلفَة تَقْتَضِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام لم يرتب الشَّرْع أحد الْأَحْكَام لعدم تعين سَببه وَيَقَع هَا هُنَا فِي هَذِه الصُّورَة التَّحْرِيم لِأَن الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة أَن عدم سَبَب الْإِبَاحَة سَبَب التَّحْرِيم وَعدم سَبَب التَّحْرِيم سَبَب الاباحة كَمَا أَن عدم الاسكار الَّذِي هُوَ سَبَب التَّحْرِيم سَبَب الأباحة وَعدم العقد فِي النِّسَاء الَّذِي هُوَ سَبَب الاباحة سَبَب التَّحْرِيم وَعدم هَا هُنَا سَبَب الأباحه وَهُوَ قصد الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة فَيثبت التَّحْرِيم فَمَا رتب الشَّرْع التَّحْرِيم فِي هَذِه الصُّورَة إِلَّا لوُقُوع سَببه الَّذِي هُوَ عدم سَبَب الإباحه على مَا تقدم النَّوْع الْخَامِس الذكاء الشَّرْعِيَّة دَائِرَة بَين سَبَب أصل الْحل فِي الْأكل وَبَين سَبَب التَّقَرُّب بالضحايا والهدايا وَسبب بَرَاءَة الذِّمَّة من هدى أَو فديَة أَو نذر حَتَّى يَنْوِي أَحدهَا فيرتب الشَّرْع عَلَيْهِ حكمه لتعيين سَببه 6 - النَّوْع السَّادِس صُورَة دفع المَال للْمَسَاكِين دَائِرَة بَين سَبَب أصل التَّقَرُّب الَّذِي هُوَ صَدَقَة التَّطَوُّع وَبَين سَبَب بَرَاءَة الذِّمَّة من الزَّكَاة الْوَاجِبَة وَبَين سَبَب بَرَاءَة الذِّمَّة من نذر وَاجِب وَإِن كَانَ الْمَدْفُوع مدا دَار أَيْضا بَين ذَلِك وَبَين الْبَرَاءَة من كَفَّارَة الْيَمين أَو الظِّهَار أَو جَزَاء الصَّيْد أَو كَفَّارَة إِفْسَاد الصَّوْم فَإِذا نوى الدَّافِع أحد هَذِه الْأَسْبَاب رتب الشَّرْع عَلَيْهِ مسببه وَإِلَّا فَلَا يرتب شَيْئا إِلَّا الْإِبَاحَة بِخِلَاف ذَكَاة الْحَيَوَان ترَتّب عِنْد عدم النِّيَّة التَّحْرِيم وَالْفرق أَن الشَّرْع عين لإباحة الْحَيَوَان سَببا وَهُوَ قصد الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة وَقد عدمت وَقد تقدم أَن الْقَاعِدَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا أَن عدم الْإِبَاحَة عِلّة التَّحْرِيم وَقد عدمت فيترتب التَّحْرِيم وَسبب الاباحة هُنَا المملك لِلْمَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَمن ملك مَالا جَازَ لَهُ دَفعه لمن شَاءَ فسبب الْإِبَاحَة مَوْجُود عِنْد عدم النِّيَّة فترتبت الْإِبَاحَة وَيَنْبَغِي أَن يفهم من هَذِه الْقَاعِدَة الْمشَار إِلَيْهَا أَن عِلّة الطَّهَارَة فِي الْأَعْيَان عدم عِلّة النَّجَاسَة فِيهَا لِأَن الطَّهَارَة والنجاسة حكمان شرعيان يفتقران إِلَى سببين شرعيين وَعلة النَّجَاسَة الاستقذار فَعدم الاستقذار عِلّة الطَّهَارَة والنجاسة رَاجِعَة إِلَى تَحْرِيم الملابسة فِي الصَّلَاة والأغذية وَالطَّهَارَة فِي الْعين إِبَاحَة ملابستها فِي ذَلِك مَا لم يمْنَع مَانع وَقد بسطت هَذَا المبحث فِي أول كتاب الذَّخِيرَة سؤالا وجوابا وتقريرا 7 - النَّوْع السَّابِع دفع الدّين للْمُسْتَحقّ وَعَلِيهِ دينان أَحدهمَا برهن وَالْآخر بِغَيْر رهن فَإِن ذَلِك الدّفع يصلح سَببا لبراءة الذِّمَّة من دين الرَّهْن وَمن الدّين الآخر فَإِذا نوى الدَّافِع أَحدهمَا رتب الشَّرْع عَلَيْهِ بَرَاءَة ذمَّته مِنْهُ وَإِن كَانَ الْمَنوِي دين الرَّهْن فَلهُ أَخذ الرَّهْن فِي نفس الْأَمر دون الحكم فِي الْقَضَاء 8 - النَّوْع الثَّامِن صرف السَّبَب لآحد محامله الصَّالح لَهَا كَقَوْلِه عمْرَة طَالِق أَو حرَّة وَله إمرأتان أَو أمتان مسميتان بِهَذَا الِاسْم فَإِن هَذَا اللَّفْظ سَبَب صَالح لتَحْرِيم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَو لعتقهما فَإِذا نَوَاهَا تعيّنت وَمن ذَلِك معاقدة الْوَكِيل لَا تصلح لإِفَادَة الْملك لَهُ ولموكله وَلَا ينْصَرف لمُوكلِه إِلَّا بنية لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب معاقدة الْإِنْسَان لنَفسِهِ 9 - النَّوْع التَّاسِع صُورَة الْجلد سَبَب صَالح لبراءة ذمَّة الإِمَام من إِقَامَة الْحَد وَالتَّعْزِير وَلَا ينْصَرف لأَحَدهمَا فِي حق من وَجب عَلَيْهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 - النَّوْع الْعَاشِر الْفِعْل الْمُخْتَلف فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَة وَالْوُجُوب إِذْ وَقع من الْمُقَلّد سَبَب صَالح للتأثيم إِن قلد الْقَائِل بِالتَّحْرِيمِ وَصَالح لتَحْصِيل ثَوَاب الْوَاجِب ان قلد الْقَائِل بِالْوُجُوب وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أحد الْأَمريْنِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ إِذا اسْتَويَا فِي الشُّهْرَة فَإِذا اشْتهر أَحدهمَا وَكَانَ الآخر فِي غَايَة الخفاء أَو دَلِيله فِي غَايَة الضعْف تعين مَا قوي دَلِيله من غير نيه وَقد بسطت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي تَنْقِيح الْفُصُول فِي علم الْأُصُول فِي بَاب الِاجْتِهَاد فَهَذِهِ الْأَنْوَاع السَّبْعَة الْأَخِيرَة النِّيَّة فِيهَا لتمييز الْأَسْبَاب وَفِي الثَّلَاثَة الأولى لتمييز الْأَلْفَاظ وأبواب النِّيَّة كَثِيرَة فِي الشَّرِيعَة والمقتصر على هَذَا الْقدر فَفِيهِ كِفَايَة التَّنْبِيه على الْجَواب عَن السُّؤَال الثَّانِي فِي صدر الْكتاب وَمَا يَحْتَاجهُ الْفَقِيه من الْيَقَظَة فِي مثل هَذَا وَغَيره تَنْبِيه كَون النِّيَّة مُمَيزَة لَيْسَ ذَلِك سَبَب وُرُود الشَّرْع بِهِ ذَلِك لَهَا لذاتها وحقيقتها كَمَا أَن جعل الْعلم كاشفا لَيْسَ بِجعْل الشَّرْع لَهُ بل ذَلِك من قبل الْأَسْرَار الربانية وَإِن كَانَت الْحَقَائِق إِنَّمَا وجدت على خصائصها بِالْقُدْرَةِ الإلهية وكما كَانَت النِّيَّة متميزه بذاتها اعْتبر الشَّرْع ذَلِك التَّمْيِيز فِي مَوَاطِن وَلم يعتبره فِي مَوَاطِن وَتلك المواطن الَّتِي اعتبرها الشَّرْع فِيهَا عبادات وَغير عبادات فالتابع لأدلة الشَّرْع هُوَ اعْتِبَارهَا لَا تمييزها فَتَأمل ذَلِك فَهُوَ حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا لَا يُمكن أَن يَقع من التَّصَرُّف إِلَّا لله تَعَالَى وَهَذَا الْقسم هُوَ نِيَّة التَّقَرُّب وَقصد الْعِبَادَة لله تَعَالَى وَالْإِيمَان بِهِ وتعظيمه وإجلاله والخشوع بِالْقَلْبِ لكبريائه وَالْخَوْف من سُلْطَانه والتوكل على إحاطة قدرته وَنَحْو ذَلِك من أَعمال الْقُلُوب الْمُتَعَلّقَة بِاللَّه تَعَالَى فَهَذَا الْقسم لَا يفْتَقر الى نِيَّة لتعينه وتمييزه بِذَاتِهِ تَعَالَى وَالنِّيَّة إِنَّمَا تحْتَاج مَعَ المتردد لتمييز المتردد لأحد جهاته المتردد بَينهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا لَا يُمكن أَن يفعل لله تَعَالَى عِنْد الْبلُوغ على الْخلاف وَهُوَ النّظر الأول الَّذِي هُوَ أول الْوَاجِبَات عِنْد الْبلُوغ على الْخلاف هَل هُوَ أول الوجبات أم لَا وعَلى جَمِيع الْأَقْوَال يَسْتَحِيل فِيهِ أَن يكون وَقع قربه لله تَعَالَى ويقصد بِهِ التَّقَرُّب وَهَا هُنَا ورد السُّؤَال الثَّالِث الْمَذْكُور فِي أول الْكتاب فَقيل كَيفَ يتَعَذَّر التَّقَرُّب بِهِ مَعَ أَن غَايَة النَّاظر ان يشك فِي أَن لَهُ صانعا أوجب عَلَيْهِ النّظر أم لَا وَهل هَذَا النّظر وَاجِب عَلَيْهِ أم لَا وَإِذا كَانَ غَايَته الشَّك وَالشَّكّ لَا يمْنَع من قصد التَّقَرُّب لوُقُوعه فِي الشَّرِيعَة فِي عدَّة مَوَاضِع بِالْإِجْمَاع كمن شكّ هَل صلى أم لَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَنْوِي بِتِلْكَ الصَّلَاة الْوَاقِعَة مَعَ الشَّك فِي وُجُوبهَا وينويها قربَة لله تَعَالَى وَكَذَلِكَ من نسى صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة لَا يدْرِي عينهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي خمس صلوَات وَيَنْوِي بهَا التَّقَرُّب مَعَ الشَّك فِي وجوب كل وَاحِدَة مِنْهَا عَلَيْهِ وَقد تقدم بسط هَذَا فِي أول الْكتاب فَعلم الشَّك لَا يُنَافِي التَّقَرُّب فَيكون مَا أجمع عَلَيْهِ النَّاس من ان النّظر الأول لَا يُمكن ان يَنْوِي بِهِ التَّقَرُّب بَاطِل وَالْجَوَاب ان الله تَعَالَى شرع الْأَحْكَام وَشرع لكل حكم سَببا وَقد يكون للسبب الْوَاحِد أَحْكَام كَثِيرَة كَمَا أَن لالتقاء الختانين نَحْو السِّتين حكما بسطتها فِي كتاب الذَّخِيرَة وَقد يكون للْحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْوَاحِد عدَّة أَسبَاب كإيجاب الْوضُوء بِنَحْوِ عشرَة أَسبَاب وَهل يُوجد حكم بِلَا سَبَب حصل للغزالي فِي الْمُسْتَصْفى فِيهِ تردد وَإِذا تقرر أَن الْأَسْبَاب مَشْرُوعَة فَاعْلَم أَنه من جملَة مَا شرع الشَّارِع من الْأَسْبَاب الشَّك فَجعل الشَّرْع الشَّك سَببا فِي صور 1 - أَحدهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من شكّ فِي صلَاته فَلم يدر أصلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا جعلهَا ثَلَاثًا وأتى بِرَكْعَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ وَالْقَاعِدَة أَن تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف يدل على عَلَيْهِ ذَلِك الْوَصْف لذَلِك الحكم نَحْو من سَهَا سجد وَمن سرق قطع وَمن زنى جلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَهَا هُنَا رتب الشَّرْع إِيجَاب الرَّكْعَة المأتي بهَا بعد الشَّك وَالْأَمر بالسجدتين على الشَّك فَيكون الشَّك هُوَ سَببهَا وَأَيْضًا لَا يُمكن أَن نقُول السُّجُود لأجل الزِّيَادَة لِأَنَّهَا غير مَعْلُومَة وَلَا مظنونه وَلَا للنقصان لِأَنَّهُ غير مَعْلُوم وَلَا مظنون لِأَن التَّقْدِير وُقُوع الشَّك فِي الْعدَد فَتعين إِضَافَة السُّجُود لسَبَب آخر غير الزِّيَادَة ولانقص وَهُوَ الشَّك فَيكون الشَّك هُوَ الْمَنْصُوب سَببا للركعة وَالسُّجُود 2 - وَثَانِيها إِذا شكّ فِي صَلَاة من يَوْم وَلَيْلَة أَو تَيَقّن نسيانها وَشك فِي عينهَا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ خمس صلوَات فَنَقُول هَذِه الصَّلَوَات نصب الشَّرْع لَهَا أسبابا عَامَّة وسببا خَاصّا أما الْأَسْبَاب الْعَامَّة فَهِيَ أَوْقَاتهَا من طُلُوع الْفجْر والزوال وَآخر الْقَامَة والغروب فِي الشَّمْس والشفق والتبسب الْخَاص هُوَ الشَّك لَا يجب بِهِ على جَمِيع النَّاس إِلَّا على من عرض لَهُ الشَّك فِي أَحدهَا والتسبت عَلَيْهِ فَيجب عَلَيْهِ بِسَبَب الشَّك فِي وَاحِدَة مِنْهَا جَمِيعًا فسببها الشَّك 3 - وَثَالِثهَا أَن يشك فِي أُخْته من الرَّضَاع أَو النّسَب مَعَ أجنبيه أَيَّتهمَا أُخْته جعل الشَّرْع الشَّك سَببا لتحريمها عَلَيْهِ 4 - وَرَابِعهَا من شكّ فِي ثوب نجس مَعَ طَاهِر حرم عَلَيْهِ الصَّلَاة بهما على الْخلاف فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَكِن مَتى قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَقُلْنَا السَّبَب الشَّك وَهُوَ الْمَقْصُود هَا هُنَا من أَن الشَّرْع نصب الشَّك سَببا 5 - وخامسها إِذا شكّ فِي ميتَة مَعَ مذكاة أَيَّتهمَا المذكاة حرمتا عَلَيْهِ بِسَبَب الشَّك ونظائره كَثِيرَة لَا أطول بهَا إِذا تقرر أَن الشَّرْع نصب الشَّك من جملَة الْأَسْبَاب فالمتقرب فِي صُورَة تِلْكَ الشكوك بالواقعة فِي الشَّرِيعَة قَاطع جازم بِالْوُجُوب عَلَيْهِ لانعقاد الْإِجْمَاع فِي وجوب تِلْكَ الْعِبَادَات عَلَيْهِ إِن كَانَ فِيهَا إِجْمَاع وَإِن لم يكن فِيهَا إِجْمَاع بل دَلِيل وأمارة وَقد تقرر فِي أصُول الْفِقْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ان الاحكام الشَّرْعِيَّة كلهَا معلومه بِسَبَب انْعِقَاد الْإِجْمَاع على أَن كل مُجْتَهد إِذا غلب على ظَنّه حكم فَهُوَ حكم الله تَعَالَى فِي حَقه وَحقّ من قَلّدهُ إِذا اتّصف بِسَبَبِهِ وان كَانَ قَاطعا بِالْوُجُوب عَلَيْهِ فَنَقُول الشكوك الواقعه فِي الشَّرِيعَة الَّتِي وَقع فِيهَا التَّقَرُّب الْمُوجب فِيهَا مَعْلُوم وَهُوَ الله تَعَالَى والموجب مَعْلُوم الْوُجُوب وَهُوَ الْفِعْل وَالسَّبَب الْمُقْتَضِي للْوُجُوب مَعْلُوم وَهُوَ الشَّك وَدَلِيل الْوُجُوب مَعْلُوم وَهُوَ الاجماع فَجَمِيع الْجِهَات معلومه وَالشَّكّ لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا بل هُوَ نفس السَّبَب لَا أَنه شكّ فِي السَّبَب وَالْفرق بَينهمَا ضَرُورِيّ وَفِي الْمَسْأَلَة النّظر الْمُوجب مَشْكُوك فِيهِ عِنْد المبتديء للنَّظَر والموجب الَّذِي هُوَ الْفِعْل مَشْكُوك فِي وُجُوبه وَسبب الْوُجُوب مَشْكُوك فِي نَصبه وتعيينه وَدَلِيل الْوُجُوب مَشْكُوك فِي خصوصه فَجَمِيع الْجِهَات مَشْكُوك فِيهَا وَالَّتِي وَقعت فِي الشَّرِيعَة جَمِيعهَا مَعْلُوم فَظهر الْفرق الْعَظِيم وَأمكن الْقَصْد للتقرب الْوَاقِع فِي الشَّرِيعَة دون النّظر الأول وَلم ينْعَقد الْإِجْمَاع فِي تعذر الْقَصْد بالتقرب فِي النّظر الأول إِلَّا على الصَّوَاب وَهُوَ الْمَطْلُوب فَانْدفع السُّؤَال الثَّالِث دفعا بَينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الْبَاب السَّادِس فِي شُرُوط النِّيَّة وَهِي ثَلَاثَة 1 - الشَّرْط الأول ان تتَعَلَّق بمكتسب للناوي فَإِنَّهَا مخصصة وَتَخْصِيص غير الْمَفْعُول المكتسب للمخصص محَال وَلذَلِك امْتنع نِيَّة الْإِنْسَان لفعل غَيره لِأَنَّهُ غير مكتسب لَهُ وأشكل على هَذَا الشَّرْط نِيَّة الإِمَام للأمامة فَإِن صلَاته حَالَة الأمامة مُسَاوِيَة لصلاته حَالَة الِانْفِرَاد فَهَذِهِ النِّيَّة لَا بُد لَهَا من مُتَعَلق مكتسب وَلَا مكتسب فيشكل وَأجَاب عَنهُ بعض الْعلمَاء بِأَن النِّيَّة يشْتَرط فِيهَا أَن تتَعَلَّق بمكتسب للناوي اسْتِقْلَالا أَو بِمَا يكون تَابعا للمكتسب وَإِن لم يكن مكتسبا كَمَا يتَعَلَّق بِالْوُجُوب فِي صَلَاة الْفَرْض وَالنَّدْب فِي صَلَاة الضُّحَى وَنَحْو ذَلِك وَلَيْسَ الْوُجُوب وَالنَّدْب بمكتسبين للْعَبد فَإِن الإحكام الشَّرْعِيَّة وَاجِبَة الْوُجُود قديمَة صفة الله تَعَالَى وَإِنَّمَا حسن الْقَصْد إِلَيْهَا تبعا للقصد المكتسب فَكَذَلِك الْإِمَامَة وَإِن لم تكن فعلا زَائِدا على الصَّلَاة مكتسبا إِلَّا انها مُتَعَلقَة بمكتسب وتابعة لَهُ فَأمكن الْقَصْد إِلَيْهَا تبعا كالفرض وَالنَّفْل وَنَحْوهمَا وَمن هَذَا الْبَاب الْإِضَافَة الى الْأَسْبَاب فِي الصَّلَوَات وَالْكَفَّارَات وَنَحْوهَا وَلَيْسَت مكتسبة وَإِنَّمَا المكتسب الْفِعْل الْمُرَتّب على السَّبَب وَالسَّبَب قد يكون مكتسبا وَقد لَا يكون مكتسبا وَأما الْإِضَافَة للسبب فنسبة وَإِضَافَة وَالنّسب لَا وجود لَهَا فِي الْأَعْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 عِنْد الْمُحَقِّقين وَمَا لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج فَلَا يَسْتَحِيل إِيقَاعه فِي الْخَارِج فَلَا يكون مكتسبا مَعَ أَنه منوي وَمن هَذَا الْبَاب مَا تقدم من إِضَافَة الْأَسْبَاب الى بعض الْأَحْكَام وَإِضَافَة بعض الْأَلْفَاظ الى بعض مدلولاتها فَإِنَّهَا لَيست بمكتسب بل المكتسب اللَّفْظ وَالسَّبَب وَأما الْإِضَافَة المنوية فَلَا فَهَذِهِ كلهَا نقوش على هَذَا الشَّرْط وتندفع بِأَنَّهَا تبع لمكتسب 2 - الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الْمَنوِي بهَا مَعْلُوما أَو مظنون الْوُجُوب فَإِن الْمَشْكُوك تكون النِّيَّة فِيهِ متردده فَلَا ينْعَقد وَلذَلِك لَا يَصح وضوء الْكَافِر وَلَا غسله قبل اعْتِقَاد الاسلام لِأَنَّهُ عِنْده غير مَعْلُوم وَلَا مظنون وَقد تقدم فِي الْبَاب الْخَامِس الْجَواب عَمَّا وَقع فِي الشَّرِيعَة من الْقَصْد للتقرب بالمشكوك وَأَن الْوُجُوب ثمَّة مَعْلُوم لَا مَشْكُوك وَوَقع فِي الْمَذْهَب فروع أخر 1 - أَحدهَا لَو شكّ فِي طَهَارَته وَقُلْنَا لَا يجب عَلَيْهِ الْوضُوء أَو كَانَ شكه غير مُسْتَند الى سَبَب فَتَوَضَّأ فِي الْحَالَتَيْنِ احْتِيَاطًا ثمَّ تَيَقّن الْحَدث فَفِي وجوب الْإِعَادَة عَلَيْهِ قَولَانِ وَأما لَو قُلْنَا بِوُجُوب الْوضُوء عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَعْلُوم فَلَا يرد 2 - ثَانِيهَا لَو تَوَضَّأ مجددا ثمَّ تَيَقّن الْحَدث فالإجزاء للأشهب وَعَدَمه لسَحْنُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 2 - وَثَالِثهَا لَو أغفل لمْعَة من الغسله الأولى وَغسل الثَّانِيَة بنية الْفَضِيلَة فَفِي الْإِجْزَاء قَولَانِ 3 - الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون النِّيَّة مُقَارنَة للمنوي لِأَن اول الْعِبَادَات لَو عرى عَن النِّيَّة لَكَانَ أَولهَا مترددا بَين الْقرْبَة وَغَيرهَا وَآخر الصَّلَاة مَبْنِيّ على أَولهَا وَتبع لَهُ بِدَلِيل ان اولها إِذا نوى فرضا أَو نفلا أَو قَضَاء أَو أَدَاء كَانَ آخرهَا كَذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أَولهَا مترددا كَانَ آخرهَا مترددا هَذَا إِن تَأَخَّرت النِّيَّة فَإِن تقدّمت على أَولهَا وَلم تقارن وَقعت الْعِبَادَة كلهَا مترددة فَإِن مَا لَا يقارن الشَّيْء لَا يخصصه وَلَا يميزه بِدَلِيل جَمِيع المشخصات كالجماد والنبات وَالْحَيَوَان وَجَمِيع الْأَفْعَال وَاسْتثنى من هَذَا الشَّرْط الصَّوْم للْمَشَقَّة فِي الْمُقَارنَة لإتيان أول الصَّوْم حَالَة النّوم غَالِبا وَالزَّكَاة فِي الْوكَالَة على إخْرَاجهَا عونا على الْإِخْلَاص ودفعا لخجل الْفَقِير بِالْأَخْذِ فَتقدم النِّيَّة عِنْد الْوكَالَة ويتأخر الأخراج الْمَنوِي قَالَ صَاحب الطّراز وَجَوَاز ابْن الْقَاسِم تقدم النِّيَّة عندمايأخذ فِي اسباب الطَّهَارَة بذهابه للحمام وَالنّهر بِخِلَاف الصَّلَاة وَخَالفهُ سَحْنُون فِي الْحمام وَوَافَقَهُ فِي النَّهر لِأَن النَّهر لَا يُؤْتى غَالِبا إِلَّا لذَلِك بِخِلَاف الْحمام فَإِنَّهُ يُؤْتى للتنعم والنظافة فَلَا تتَمَيَّز الْعِبَادَة فِيهِ وَقيل بِعَدَمِ الْإِجْزَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ نظرا لتقدم النِّيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْبَاب السَّابِع فِي اقسام النِّيَّة النِّيَّة قِسْمَانِ فَعَلَيهِ موجوده وحكمية معدومه فَإِذا نوى الْمُكَلف أول الْعِبَادَة فَهَذِهِ نِيَّة فَعَلَيهِ ثمَّ إِذا ذهل عَن النِّيَّة حكم صَاحب الشَّرْع بِأَنَّهُ ناو ومتقرب فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّة الْحكمِيَّة أَي حكم الشَّرْع لصَاحِبهَا بِبَقَاء حكمهَا لَا أَنَّهَا موجوده وَكَذَلِكَ الْإِخْلَاص والأيمان وَالْكفْر والنفاق والرياء وَجَمِيع هَذَا النَّوْع من أَحْوَال الْقُلُوب إِذا شرع فِيهَا واتصف الْقلب بهَا كَانَت فَعَلَيهِ وَإِذا ذهل عَنْهَا حكم صَاحب الشَّرْع بِبَقَاء أَحْكَامهَا لمن كَانَ اتّصف بهَا قبل ذَلِك حَتَّى لَو مَاتَ الأنسان مغمورا بِالْمرضِ حكم صَاحب الشَّرْع لَهُ بالأسلام الْمُتَقَدّم بل بِالْولَايَةِ أَو الصّفة كَيْفيَّة وَجَمِيع المعارف الْمُتَقَدّمَة وَإِن لم يتَلَفَّظ بِالشَّهَادَةِ عِنْد الْمَوْت وَعَكسه حكم لَهُ بالْكفْر والنفاق وَجَمِيع مساوي الْأَخْلَاق وَإِن كَانَ لَا يستحضر مِنْهَا شَيْئا عِنْد الْمَوْت وَلَا يَتَّصِف بهَا بل يَوْم الْقِيَامَة الْأَمر كَذَلِك وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} مَعَ أَن أحدا لَا يكون يَوْم الْقِيَامَة مجرما وَلَا كَافِرًا وَلَا عَاصِيا لظُهُور الْحَقَائِق عِنْد الْمَوْت وَصَارَ الْحق ضَرُورِيًّا وَلم تبْق الْعُقُول متمكنة من الجهالات لقُوَّة الظُّهُور بل مَعْنَاهُ يكون مَحْكُومًا لَهُ بالإجرام كَمَا يحكم لغيره بالأيمان وَاكْتفى صَاحب الشَّرْع بالأيمان وَالْإِخْلَاص وَالنِّيَّة الْحكمِيَّة للمشقه فِي استمرارها بِالْفِعْلِ قَالَ سَنَد لَو عزل زَكَاته بعد وَزنهَا للْمَسَاكِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَدفعهَا بعد ذَلِك لَهُم بِغَيْر نِيَّة أَجزَأَهُ اكْتِفَاء بِالنِّيَّةِ الْحكمِيَّة وَلم يشْتَرط الشَّرْع والأيمان الْفعْلِيّ أول الْعِبَادَات لصعوبة الْجمع وأفردت النِّيَّة دونه لِأَنَّهَا مستلزمة لَهُ من غير عكس ثمَّ إِن الأكتفاء بِالنِّيَّةِ الْحكمِيَّة بِشَرْط عدم الْمنَافِي فَفِي الْمُدَوَّنَة لَو تَوَضَّأ وَبقيت رِجْلَاهُ فَخَاضَ بهما نَهرا وَمسح بِيَدِهِ رجلَيْهِ فِي المَاء وَلم ينْو بذلك غسل رجلَيْهِ لَا يجْزِيه غسل رجلَيْهِ قَالَ سَنَد يُرِيد إِذا قصد بذلك إِزَالَة القشب دون الْوضُوء وَقَالَ صَاحب النكت مَعْنَاهُ إِذا ظن كَمَال وضوئِهِ فرفض نِيَّته أما لَو بَقِي على نِيَّته وَالنّهر قريب أَجزَأَهُ وَقَالَ سَنَد النِّيَّة الْحكمِيَّة تتَنَاوَل الْفِعْل مَا لم تتناوله النِّيَّة الفعليه بِخُصُوصِهِ لِأَن الْخَاصَّة بِهِ أقوى كَمَا لَو قَامَ لركعة وَقصد بهَا خَامِسَة وَهِي رَابِعَة فَسدتْ الصَّلَاة أَو صَامَ فِي الصَّوْم المتتابع يَوْمًا يَنْوِي بِهِ النّذر بَطل التَّتَابُع وَقَالَ الْمَازرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى تَكْفِي النِّيَّة الْحكمِيَّة فِي الْعَمَل فَلَو نسي عضوا وَطَالَ ذَلِك جدد النِّيَّة لِأَن الْحكمِيَّة على خلاف الأَصْل فتختص بالمتصل وَكَذَلِكَ من خلع خفيه وَشرع فِي غسل رجلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الْبَاب الثَّامِن فِي أَقسَام الْمَنوِي واحكامه الْمَنوِي من الْعِبَادَة ضَرْبَان 1 - أَحدهمَا مَقْصُود فِي نَفسه كَالصَّلَاةِ 2 - وَالثَّانِي مَقْصُود لغيره وَهُوَ قِسْمَانِ 1 - أَحدهمَا مَعَ كَونه مَقْصُودا للْغَيْر فَهُوَ أَيْضا مَقْصُود فِي نَفسه كَالْوضُوءِ فَإِنَّهُ نظافة مُشْتَمِلَة على الْمصلحَة وَهُوَ مَطْلُوب للصَّلَاة مكمل لحسن هيئاتها فِي الْوُقُوف بَين يَدي الرب تَعَالَى على أحسن الهيئات 2 - وَالثَّانِي مَقْصُود لغيره فَقَط كالتيمم وَيدل على ذَلِك أَن الشَّرْع أَمر بتجديد الْوضُوء دون التَّيَمُّم وَالْمَقْصُود بِالنِّيَّةِ إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيز الْمَقْصُود لنَفسِهِ لِأَنَّهُ المهم فَلَا جرم إِذا نوى التَّيَمُّم دون اسْتِبَاحَة الصَّلَاة فَقَوْلَانِ للْعُلَمَاء 1 - أَحدهمَا لَا يجزيء لكَونه نوى مَا لَيْسَ بمقصود فِي نَفسه 2 - وَالثَّانِي يجزيء لكَونه عبَادَة وَالَّذِي هُوَ مَقْصُود لنَفسِهِ ولغيرة يتَخَيَّر الْمُكَلف بَين قَصده لَهُ لكَونه مَقْصُودا فِي نَفسه وَبَين قَصده لمقصوده دونه فَالْأول كقصده الْوضُوء وَالثَّانِي كقصده اسْتِبَاحَة الصَّلَاة فَإِن نوى الصَّلَاة أَو شَيْئا لَا يقدم عَلَيْهِ إِلَّا بارتفاع الْحَدث الَّذِي هُوَ الاستباحة - صَحَّ لَا ستلزام هَذِه الْأُمُور رفع الْحَدث وَفِي الْفِقْه فروع كَثِيرَة مُتَعَلّقه بِهَذَا الْبَحْث من أرادها رَاجع الذَّخِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْبَاب التَّاسِع معنى قَول الْفُقَهَاء المتطهر يَنْوِي رفع الْحَدث أعلم أَن الْحَدث لَهُ مَعْنيانِ فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء 1 - أَحدهمَا الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للْوُضُوء وَلذَلِك يَقُولُونَ لَهَا أحداثا وَأَسْبَاب أَحْدَاث إِذا وجد مِنْهُ مَا يُوجب الْوضُوء 2 - وَثَانِيهمَا الْمَنْع الْمُتَرَتب على هَذِه الْأَسْبَاب فَإِن من صدر مِنْهُ سَبَب من هَذِه الْأَسْبَاب مَنعه الله تَعَالَى من الْإِقْدَام على الْعِبَادَة حَتَّى يتَوَضَّأ وَلَا أعلم للْحَدِيث معنى ثَالِثا وَالْقَصْد لرفع الحَدِيث الَّذِي هُوَ السَّبَب محَال لِاسْتِحَالَة رفع الْوَاقِع فَيتَعَيَّن أَن يكون الْمَنوِي هُوَ الْمَنْع وَإِذا ارْتَفع الْمَنْع ثبتَتْ الْإِبَاحَة فَيظْهر بِهَذَا الْبَيَان بطلَان القَوْل بِأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث فَإِن الْإِبَاحَة حَاصِلَة بِهِ فَيكون الْحَدث مرتفعا ضَرُورَة وَإِلَّا اجْتمع الْمَنْع مَعَ الْإِبَاحَة وهما ضدان سُؤال إِذا كَانَ الْحَدث منعا شَرْعِيًّا وَالْمَنْع حكم الله تَعَالَى وَحكمه قديم وَاجِب الْوُجُود فَكيف يتَصَوَّر رفع وَاجِب الْوُجُود وَجَوَابه هَذَا السُّؤَال عَام فِي سَائِر الْأَحْكَام الْمَحْكُوم بتجددها عِنْد الْأَسْبَاب كارتفاع التَّحْرِيم فِي الْمَرْأَة بِعقد النِّكَاح وارتفاع الْإِبَاحَة فِيهَا بِالطَّلَاق وَكَذَلِكَ سَائِر الْمَوَارِد الشَّرْعِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَالْجَوَاب عَنهُ فِي الْجَمِيع أَن الحكم مُرْتَفع ومتجدد بِاعْتِبَار تعلقه لَا بِاعْتِبَار ذَاته والتعلق عدمي يُمكن ارتفاعه وَإِن كَانَ قَدِيما فَإِن الْقَدِيم إِنَّمَا يَسْتَحِيل رَفعه إِذا كَانَ مَوْجُودا وَإِلَّا فَعدم الْعَالم قديم وَقد ارْتَفع تَنْبِيه الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَا تزيد على خَمْسَة الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة وَأكْثر الْفُقَهَاء لَا يَعْقِلهَا فِي مواردها لتغير اللَّفْظ عَلَيْهِ فَإِذا سمع الطَّهَارَة لَا يَعْقِلهَا وَهِي رَاجِعَة الى الْإِبَاحَة وَإِذا سمع النَّجَاسَة لَا يَعْقِلهَا وَهِي رَاجِعَة الى التَّحْرِيم وَإِذا سمع الْحَدث لَا يعقله وَهُوَ رَاجع التَّحْرِيم وَإِذا سمع الْمَنْدُوب لَا يعقله وَهُوَ رَاجع الى الأباحة الممكنة من التَّصَرُّف وَإِذا سمع فَسَاد العقد لَا يعقله وَهُوَ رَاجع للتَّحْرِيم وَهُوَ الْمَنْع من التَّصَرُّف فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ من عين أَو مَنْفَعَة وَإِذا سمع الطَّلَاق لَا يعقله وَهُوَ رَاجع للتَّحْرِيم وَإِذا سمع الْعتْق لَا يعقله وَهُوَ رَاجع الى إِبَاحَة الْمَنَافِع للْعَبد بعد حجر الرّقّ وَإِذا سمع الْجَنَابَة لَا يَعْقِلهَا وَهِي رَاجِعَة الى تَحْرِيم ملابسه الْعِبَادَات ومواطن القربات فِي الْمَسَاجِد وَغَيرهَا وَإِذا سمع صِحَة الْعُقُود لَا يَعْقِلهَا وَهِي رَاجِعَة للأباحه وَهِي الْإِذْن فِي التَّصَرُّف فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَالْفرق بَينهَا وَبَين الْملك أَعم لترتيبه على الْإِرْث حَيْثُ انْتَفَت الصِّحَّة فِي الْعُقُود وَيَتَرَتَّب على الْأَسْبَاب الفعليه كالاحتطاب والاعتشاب وَالصَّيْد وَنَحْوه وَلَا تُوصَف هَذِه الْأَسْبَاب بِالصِّحَّةِ وَلذَلِك تتقرر مفيده للْملك من نَحْو من لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْعُقُود الصَّحِيحَة كَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيه وَالْمَجْنُون وَفِي الْملك مزِيد بَيَان ذكرته فِي كتاب الْبيُوع فَإِنَّهُ مُشكل إِذا قصد اقتياسه بِحَدّ جَامع مَانع لِكَثْرَة مَا يرد عَلَيْهِ من النَّقْض فِي حُدُوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَهَذِه النَّظَائِر كَثِيرَة فِي أَبْوَاب الْفِقْه وَإِذا قيل لأكْثر الْفُقَهَاء ردهَا الى أحد الْأَحْكَام الْخَمْسَة عسر عَلَيْهِ وَإِذا فسرت لَهُ وجدت ظَاهره لَا ينكرها وَلَيْسَ فِيهَا صعوبة غير أَن التفطن لذَلِك يعسر قبل ذكره فطالما سَأَلت الْفُقَهَاء عَن الْحَدث وَالطَّهَارَة والنجاسه فَلَا يجيبون فَإِذا بينتها لَهُم وجدوها سهله فَلْيَكُن لَك بِهَذَا التنبه يقظه على هَذِه الْأُمُور فِي مواردها بِحَيْثُ تجيب عَنْهَا بسهوله وَالله تَعَالَى هُوَ الْخَالِق لما يَشَاء من الْخَيْر فِي قُلُوب عباده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْبَاب الْعَاشِر فِيمَا يَقُوله الْفُقَهَاء من أَن النِّيَّة تقبل الرَّفْض مَعَ أَن رفع الْوَاقِع مُسْتَحِيل قَالَ صَاحب الطّراز إِذا رفض النِّيَّة الْحكمِيَّة بعد كَمَال الطَّهَارَة قَالَ مَالك لحُصُول الْمَقْصُود مِنْهَا وَهُوَ التَّمْيِيز حَالَة الْفِعْل وَعنهُ فَسَاد الْعِبَادَة لِأَنَّهَا جُزْء الْفِعْل وَذَهَاب الْجُزْء يفْسد فتفسد الطَّهَارَة قَالَ صَاحب النكت إِذا رفض النِّيَّة فِي الطَّهَارَة أَو الْحَج لَا تضره بِخِلَاف الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْفرق ان المُرَاد بِالنِّيَّةِ التَّمْيِيز وهما متميزان بمكانهما وَهُوَ الْأَعْضَاء فِي الْوضُوء والأماكن الْمَخْصُوصَة فِي الْحَج فَكَانَ استغناؤهما عَن النِّيَّة أَكثر فَلم يُؤثر الرَّفْض بِخِلَاف الصَّلَاة وَالصَّوْم قَالَ الْعَبْدي فِي مُخْتَصره فِي كل مسأله من هَذِه الْأَرْبَع قَولَانِ وَالْمَشْهُور الْإِجْزَاء فِي الْوضُوء وَالْحج وَالْمسح بِخِلَاف الصَّلَاة وَالصَّوْم وَحكى الْخلاف فِيهَا بعد إيقاعها كَمَا حَكَاهُ الْمَازرِيّ فِي الطَّهَارَة وَحِينَئِذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 يتَّجه الأشكال كَيفَ يُقَال يرْتَفع الشَّيْء بعد وُقُوعه أَو يَقع ويرتفض وَرفع الْوَاقِع محَال عقلا فَمن نوى كَيفَ يُمكن أَن يكون مَا نوى فِي الزَّمَان الْمَاضِي بعد أَن وَقعت فِيهِ النِّيَّة وَجَمِيع مَا يَقع فِي الأزمنه الْمَاضِيَة كَيفَ يتَصَوَّر ارتفاعه عَنْهَا فَإِن قلت هَذَا من حَيْثُ الْعقل وَأما فِي الشَّرْع فللشرع ان يحكم بِمَا يُريدهُ قلت الْقَاعِدَة الْمَعْلُومَة أَن الشَّرْع لَا يرد بِخِلَاف الْعقل بل جَمِيع واردات الشَّرَائِع يجب انحصارها فِيمَا يجوزه الْعقل وجودا وعدما فَيرد الشَّرْع بترجيح أحد طَرفَيْهِ وجوده أَو عَدمه أَو يسوى بَينهمَا وَهُوَ الْإِبَاحَة وللرفض فِي النِّيَّة بعد وُقُوعهَا نَظَائِر فِي الأشكال من جِهَة رفع الشَّيْء بعد وُقُوعه 1 - أَحدهَا قَول الْفُقَهَاء اخْتلف فِي الرَّد بِالْعَيْبِ هَل هُوَ فسخ للْعقد من حِينه أَو من أَصله فَأَما من حِينه فَهُوَ تيسير وَأما قَوْلهم من أَصله فَهُوَ رفع للْوَاقِع فِي الزَّمَان الْمَاضِي وَهُوَ محَال فَإِن قلت الْمُرْتَفع الْأَحْكَام المترتبة على لفظ العقد لَا على نفس العقد قلت الْأَحْكَام وَاقعَة فِي الزَّمَان الْمَاضِي قبل الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِن كَانَ رفع الْوَاقِع محالا فَرَفعهَا محَال وَإِن لم يكن محالا فَلَا فرق بَينهمَا وَهُوَ الْجَواب 2 - وَثَانِيها قَول الْفُقَهَاء إِن قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار آخر الشَّهْر فَأَنت طَالِق من أَوله قَالَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وَغَيرهم إِنَّهَا إِن دخلت آخر الشَّهْر وَقع الطَّلَاق من أَوله مَعَ أَن الْعِصْمَة كَانَت واقعه من أَوله الى آخِره إِجْمَاعًا وَالْوَاقِع بِالْإِجْمَاع إِذا تحقق فِي الزَّمَان الْمَاضِي قبل الدُّخُول كَيفَ يرْتَفع بعد الدُّخُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 3 - وَثَالِثهَا قَول الْفُقَهَاء إِذا مَاتَ الْمَقْتُول ورثت عَنهُ دِيَته ويوقع الشَّرْع الْملك قبل مَوته بِالزَّمَانِ الْفَرد ليَصِح التوريث لتعذر الْملك بعد الْمَوْت وَمَا لَا يملك قبل الْمَوْت لَا يُورث بعده فَلذَلِك يتَعَيَّن إِثْبَات الْملك قبل الْمَوْت بِالزَّمَانِ الْمُفْرد وَإِلَّا كَانَ عدم الْملك ثَابتا بِالْإِجْمَاع فَإِذا ثَبت الْملك قبل الْمَوْت بِالزَّمَانِ نقضي بِرَفْع عَدمه من ذَلِك الزَّمَان من الْكَائِن قبل الْمَوْت بِالزَّمَانِ الْفَرد إِن قضيت اجْتِمَاع الْوُجُود مَعَ الْعَدَم وَهُوَ اجْتِمَاع النقيضين محَال عقلا فَحِينَئِذٍ أحد الْأَمريْنِ لَازم إِمَّا اجْتِمَاع النقيضين أَو رفع الْوَاقِع وَكِلَاهُمَا محَال عقلا 4 - وَرَابِعهَا قَول الْفُقَهَاء إِذا قَالَ لَهُ أعتق عَبدك عني فَأعْتقهُ عَنهُ أَجْزَأَ عَن كَفَّارَته وَثَبت الْوَلَاء للْمُعْتق عَنهُ بالزمن الْمُفْرد وأثبتنا الْملك للْمُعْتق عَنهُ قبل الْعتْق عَنهُ بِالزَّمَانِ الْفَرد حَتَّى يَتَرَتَّب الْعتْق عَنهُ على ملكه فَيصح لَهُ الْوَلَاء فيتعذر ثُبُوت الْوَلَاء مَعَ عدم الْملك فَنَقُول عدم الْملك كَانَ ثَابتا قبل الْعتْق عَنهُ فِي حَقه إِجْمَاعًا فَإِذا أثبتنا الْملك فِي ذَلِك الزَّمَان نَفينَا أَن يبْقى مَعَه عدم الْملك فِي عين ذَلِك الزَّمن أَو نرفعه فَإِن نفيناه اجْتمع النقيضان وَإِن لم ننفه ارْتَفع الْوَاقِع وَهُوَ محَال وَيلْزم أحد الْأَمريْنِ المحالين كَمَا تقدم فِي مسأله الدِّيَة 4 - وخامسها قَول الْمَالِكِيَّة إِن الرِّدَّة تبطل الْحَج وَالطَّهَارَة وَالطَّلَاق الثَّلَاث الْوَاقِع قبلهَا وَيصير كالكافر الْأَصْلِيّ لم يَقع شَيْء مِنْهُ من هَذِه الْأَفْعَال لِأَن الرِّدَّة تجدّد عَلَيْهِ التَّكْلِيف بِحَجّ آخر وَلَا تجدّد أَمْثَال مَا وَقع فِي الزَّمَان الْمَاضِي بل قَالُوا الرِّدَّة لَيست مجددة للتكليف بل مبطله لما وَقع وَلَو قَالُوا إِن الثَّابِت فِي الزَّمَان الْمَاضِي لم يتَعَيَّن بل تجدّد تَكْلِيف بِالرّدَّةِ لم يرد الْإِشْكَال بل جعلُوا الرِّدَّة مبطلة لما وَقع فِي الزَّمن الْمَاضِي حَتَّى جوزوا العقد على المبتوته بِالطَّلَاق الثَّلَاث قبل زوج بِنَاء على بطلَان الطَّلَاق الثَّلَاث لَا بِنَاء على أَن الْمُرْتَد أَبَاحَ الله تَعَالَى لَهُ العقد قبل زوج وَجعله أسعد حَالا من غير الْمُرْتَد وحاشا لله أَن يكون الْمُرْتَد أسعد حَالا من الْبَاقِي على الدّين القويم وَإِن كَانَ مُرَاد الْفُقَهَاء الْإِبْطَال بِالزَّمَانِ الْمَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فَنَقُول الصِّحَّة كَانَت حَاصِلَة فِي الزَّمَان الْمَاضِي إِجْمَاعًا فالقضاء بعْدهَا إِمَّا أَن يكون مَعَ بَقَاء الصِّحَّة أم لَا فَإِن كَانَ مَعَ بَقَاء الصِّحَّة اجْتمع النقيضان أَولا مَعَ بَقَائِهَا فقد ارْتَفع الْوَاقِع وَيلْزم أحد الْأَمريْنِ المحالين كَمَا تقدم فِي الدِّيَة وَغَيرهَا 6 - وسادسها الصَّبِي إِذا زَالَت عَلَيْهِ الشَّمْس وَصلى الظّهْر مَنْدُوبَة فِي حَقه ثمَّ بلغ بعد ذَلِك ثَبت الْوُجُوب عَلَيْهِ مُرَتبا على الزَّوَال وَيلْزم ان يُصَلِّي الظّهْر مرّة أُخْرَى وَاجِبَة فَهَذَا الْوُجُوب إِن أَثْبَتْنَاهُ مُرَتبا على ذَلِك الزَّوَال مَعَ النّدب الَّذِي كَانَ مُرَتبا عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع اجْتمع الضدان فَإِن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْخَمْسَة أضداد لَا يجْتَمع مِنْهَا اثْنَان وَإِن قضينا بارتفاع النّدب فقد رفعنَا الْوَاقِع وَأَن أثبتناها بِالنِّسْبَةِ الى التَّعَلُّق فقد قُلْنَا إِن الزَّوَال يَقْتَضِي صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع فَيلْزم أحد أُمُور ثَلَاثَة محَالة وَهِي أما اجْتِمَاع الضدين أَو ارْتِفَاع الْوَاقِع أَو خلاف الْإِجْمَاع 7 - وسابعها الْمَرْأَة إِذا زَالَت عَلَيْهَا الشَّمْس ثمَّ حَاضَت آخر الْوَقْت وَقد بَقِي مِقْدَار عشر رَكْعَات فَإِن الصَّلَاتَيْنِ يسقطان عَنْهَا وَقد أنعقد الأجماع قبل طرُو الْحيض على الْوُجُوب عَلَيْهَا فَعدم الْوُجُوب فِي آخر الْوَقْت إِن كَانَ مَعَ بَقَاء الْوَاجِب الْمقْضِي بِهِ أول الْوَقْت فَيجب عَلَيْهَا الْقَضَاء لذَلِك الْوَاجِب الَّذِي لم تَفْعَلهُ وَلم تصل بِهِ حَيْثُ قُلْنَا بالسقوط وَإِن كَانَ لَا مَعَ بَقَاء ذَلِك الْوَاجِب فقد رفعنَا مَا قضينا بِثُبُوتِهِ قبل الْحيض وَهُوَ رفع الْوَاقِع بعد وُقُوعه فِي الزَّمَان الْمَاضِي 8 - وثامنها إِذا طهرت آخر الْوَقْت قضينا بِوُجُوب الصَّلَاة عَلَيْهَا مَعَ أَنا كُنَّا قضينا بعدمها أول الْوَقْت اعْتِبَارا للمانع الَّذِي هُوَ الْحيض فَإِن الْحيض وكل مَانع سَبَب للعدم كَمَا أَن كل سَبَب يَقْتَضِي الثُّبُوت فقضاؤنا بالثبوت إِن كَانَ مَعَ بَقَاء ذَلِك الْعَدَم فقد اجْتمع النقيضان وَإِن كَانَ لَا مَعَ بَقَاء ذَلِك الْعَدَم فقد قضينا بِرَفْعِهِ فَيلْزم رفع الْوَاقِع وَرفع الْوَاقِع محَال سَوَاء أَكَانَ عدما أَو ثبوتا فَإِن عدمنا نَحن فِي زمن الطوفان يَسْتَحِيل الْآن رَفعه لكَونه وَاقعا فِي الزَّمَان الْمَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 9 - وتاسعها الْمُسَافِر اذا قدم آخر الْوَقْت زَاد فِي فَرْضه رَكْعَتَانِ الْقَضَاء بعدهمَا لما تقدم وَإِذا سَافر بِهِ آخر الْوَقْت سقط من فَرْضه رَكْعَتَانِ بعد الْقَضَاء بثبوتهما وَكَذَلِكَ بَقِيَّة أَرْبَاب الْأَعْذَار وَالله أعلم 10 - وعاشرها إِذا حلف بِالطَّلَاق أَو غَيره على أَنه ليشربن خمرًا أَو ليغسلن محرما قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث عقب حلفه لِأَن الْمَعْدُوم شرعا كَالْمَعْدُومِ حسا فَهُوَ كَمَا حلف ليقومن الْيَوْم فَلم يقم فَإِن تجرأ وَفعل الْمحرم لم يلْزمه طَلَاق وَلَا كَفَّارَة وَلَا شَيْء مِمَّا كَانَ يلْزمه مِمَّا حلف بِهِ فنفرض أَنا أفتيناه بِالْحِنْثِ وَلزِمَ الطَّلَاق فاعتدت امْرَأَته وَتَزَوَّجت وَولدت أَوْلَادًا ثمَّ فعل الْحَالِف ذَلِك الْمحرم فَإنَّا نقضي ببره بِنَاء على ظَاهر النَّقْل عَن الْمَذْهَب وَتحل لَهُ امْرَأَته بِغَيْر عقد جَدِيد فَهَذَا الْحل اللَّاحِق إِن أثبتنا مَعَه الْحُرْمَة السابقه والحل للأزواج فقد اجْتمع الضدان الْحل وَالْحُرْمَة وَإِن رفعنَا الْحُرْمَة السَّابِقَة فقد رفعنَا الحكم بعد وُقُوعه ويلزمنا أَن نقضي بِتَحْرِيم وَطْء الزَّوْج الثَّانِي وَأَنه لم يكن مُبَاحا لَهُ العقد عَلَيْهَا وَيتَّجه القَوْل فِي الْحَد وَالْأَوْلَاد هَل تمّ شُبْهَة تسْقط الْحَد وتلحق النّسَب أم لَا فَإِنَّهُ إِذا فعل بقيت الْعِصْمَة عِنْد الْأَصْحَاب لم يتشعب مِنْهَا شَيْء وَصحت الْبَتَّةَ وَمُقْتَضى هَذَا الْحَد وَسُقُوط النّسَب ومصتضى مَا أفتيناه بِإِبَاحَة العقد عَلَيْهَا عدم الْحَد ولحوق النّسَب فَتبقى هَذِه الْمَسْأَلَة مشكلة من وُجُوه من جِهَة رفع الْوَاقِع وَغَيره وَهَذِه الْمسَائِل كَثِيرَة وَلَو استقرأناها لطالت ولنقتصر على هَذَا الْقدر مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَنه لَيْسَ مِنْهَا الفسوخ فِي الْعُقُود لِأَن الْفَسْخ لَا يرفع وَاقعا فِي نفس الْأَمر بل تحقق الْوَاقِع وَهُوَ ان العقد كَانَ لَا يُفِيد الْملك فِي نفس الْأَمر ففسخنا إِيَّاه بِمَعْنى أَنا أمرنَا كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين أَن يرد مَا اخذه الى الآخر فَإِن كَانَ لم يقبض شَيْئا منعناه من الْقَبْض وَلَيْسَ مِنْهَا إِلَّا قلَّة لِأَنَّهَا بيع إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل الْمُرَابَحَة وَبيع الطَّعَام قبل قَبضه وَالشُّفْعَة فَهِيَ حَيْثُ كَانَت بيعا كَبيع الانسان مَا لَهُ بعد أَن اشْتَرَاهُ لَيْسَ فِيهِ رفع الْوَاقِع بل تَجْدِيد أَمر لم يكن فِي تِلْكَ الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الْمسَائِل هِيَ كالفسخ أَو عديمة الْأَثر البته على مَا قرر من تِلْكَ الْمسَائِل الثَّلَاث فِي مواطنها وَلَيْسَ مِنْهَا عُقُود الْمَحْجُور عَلَيْهِم لِأَنَّهَا كَانَت موقوفه وَلم نقض فِيهَا قبل الرَّد بل قضينا قبل الرَّد بِأَنَّهَا تسْتَحقّ الرَّد إِن رَآهُ من لَهُ الرَّد وَقد رَآهُ فَمَا ارْتَفع وَاقع وَلَيْسَ مِنْهَا تَوْرِيث الْجَنِين لأَنا قضينا لَهُ بِالْإِرْثِ بعد التَّوَقُّف الى حِين ظُهُور حَيَاته فَانْتهى التَّوَقُّف نَفسه لحُصُول الْغَايَة فَلم يرْتَفع وَاقعا وَلَيْسَ مِنْهَا تَقْدِيم الزَّكَاة فِي الْفطر وَالْمَال لِأَن الْمُقدم مِنْهَا قضينا بِعَدَمِ وُجُوبه قبل كَمَال الْحول ورؤية هِلَال الْفطر فَلَو حَال الْحول وَرَأى الْهلَال قُلْنَا أَجْزَأَ ذَلِك الَّذِي لم يكن وَاجِبا عَمَّا فِي الذِّمَّة من الْوَاجِب رخصَة وتوسعة لأَنا عقلنا معنى الزَّكَاة وَهِي أَن المُرَاد بهَا شكر نعم الله تَعَالَى على الْأَغْنِيَاء وسد خلة الْفُقَرَاء وَالْمَقْصُود ان حاصلان بِالْمَالِ الْمُتَقَدّم بِخِلَاف الصَّلَاة فَإنَّا لم نعقل مَعْنَاهَا فَلم نتصرف فِيهَا بإيقاعها قبل الزَّوَال وَغَيره من أَوْقَاتهَا وَإِن كُنَّا قد أهملنا مَا فِي الزَّكَاة من شَائِبَة التَّعَبُّد الْمَوْجُودَة فِي مقادير نصبها وتحديد الْوَاجِب فِيهَا وَنَحْو ذَلِك فَلم يجيزوا فِيهَا كَثْرَة التَّقْدِيم بل بالشهر وَنَحْوه وَفِي الْفطر بِالْيَوْمِ وَالثَّلَاثَة وَنَظِير بَرَاءَة الذمه مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِب الطَّهَارَة والسترة واجبتان على الْمُكَلف للصَّلَاة وَالْوُجُوب إِنَّمَا يتَعَلَّق بِفِعْلِهِ وَلَو قدم ذَلِك الْفِعْل قبل الْوَقْت فَتَوَضَّأ واستتر ثمَّ دخل الْوَقْت أَجْزَأَ الْمُتَقَدّم من فعله عَن تَجْدِيد فعل بعد دُخُول الْوَقْت وَلَا يُقَال الاستدامة كالابتداء فِي الْمَذْهَب فَإنَّا نقُول إِنَّمَا ذَلِك فِي الْأَيْمَان لِأَنَّهَا أَسبَاب للُزُوم الْكَفَّارَة وَالسَّبَب لَا يشْتَرط ان يكون فعلا للمكلف كالزوال وَغَيره من الْأَسْبَاب وَالطَّهَارَة والسترة واجبتان وَالْوَاجِب لَا بُد ان يكون فعلا للمكلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فَإِن قلت الْمَعْنى بِأَنَّهُمَا واجبان أَن حصولهما شَرط وَالشّرط لَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون فعلا للمكلف كدوران الْحول فِي الزَّكَاة قلت هَذَا كَلَام حسن غير أَن ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب مُصَرح بِالْوُجُوب وَلَيْسَ أَيْضا من رفع الْوَاقِع نقضي الْأَقْضِيَة حَيْثُ نقضناها لِأَنَّهَا كالنسوخ فِي الْعُقُود الْبَاطِلَة فَإنَّا إِنَّمَا ننقض مَا لم يستجمع للشرائط فِي نفس الْأَمر وَلَيْسَ مِنْهَا النَّصْرَانِي إِذا عتق ثمَّ دخل دَار الْحَرْب وَقَاتل ثمَّ غنمناه فَإنَّا نسترقه وَلَيْسَ رفعا للحرية السَّابِقَة بل تجدّد بِسَبَب آخر اقْتضى رقّه فَهُوَ كَالطَّلَاقِ بعد الزواج والزواج بعد الطَّلَاق فِي الْمَرْأَة الْوَاحِدَة أَحْكَام تتجدد لتجدد أَسبَابهَا وَلَا يبطل مَا تقدم وَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب أَيْضا إِزَالَة الْملك عَن الأَرْض بعد زَوَال الإحكام أَو عَن المَاء إِذا أريق فِي النَّهر بعد حوزه أَو عَن الصَّيْد إِذا توحش فطال هجانه بعد أصطياده أَو عَن الْحُوت إِذا رَجَعَ للنهر فَإنَّا لم نقض بِبُطْلَان الْأَمْلَاك السَّابِقَة بل جددنا إِبَاحَة لتجدد سَببهَا فَهُوَ كعود التَّحْرِيم فِي الأجنبيه بِالطَّلَاق وَإِنَّمَا الْبَحْث بَيْننَا وَبَين الْمُخَالف لنا فِي أَن الطاريء هَل هُوَ سَبَب يَقْتَضِي الْإِبَاحَة الْعَامَّة أم لَا فَنحْن نقُول بِهِ وَهُوَ لَا يرى ذَلِك وبالجمله فضابط مسَائِل الرّفْع إِذا أردْت استقراءها وتحقيقها هُوَ أَن يكون سَبَب لَهُ حكم شَرْعِي فيترتب عَلَيْهِ ذَلِك الحكم ثمَّ ترَتّب عَلَيْهِ غَيره بعد أَن ترَتّب الأول إِلَّا أَنَّك ترَتّب حكما آخر على سَبَب آخر من حِين طرُو الثَّانِي وَلَا تعطفه على مَا قبله أما مَتى عطفته على مَا قبله من الْمسَائِل الَّتِي فِيهَا رفع الْوَاقِع فيندرج فِي الْبَحْث سؤالا وجوابا ولنقتصر على هَذَا الْقدر من التَّنْبِيه ونشرع فِي الْجَواب عَن تِلْكَ الْعشْرَة مَعَ الْمسَائِل الْمَذْكُورَة فِي الْمَسْأَلَة فَنَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قَاعِدَة مَشْهُورَة فِي الشَّرِيعَة وَهِي قَاعِدَة التَّقْدِيرَيْنِ فَيعْطى الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم والمعدوم حكم الْمَوْجُود أما إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود فَلهُ فِي الشَّرْع مسَائِل كَثِيرَة 1 - مِنْهَا إِيمَان الصّبيان وَكَذَلِكَ البالغون حَالَة الْغَفْلَة من الايمان وَكفر أَطْفَال الْكفَّار وبالغيهم حالى غفلتهم عَن الْكفْر وعدالة الْعُدُول حَالَة الغفله وَكَذَلِكَ الفسوق فِي الْفُسَّاق وَالْإِخْلَاص فِي المخلصين والرياء فِي المرائين إِذا تلبسوا بذلك ثمَّ غفلوا عَنهُ فَمن مَاتَ مِنْهُم على شَيْء من هَذِه التقديرات بغته فَهُوَ عِنْد الله تَعَالَى كَذَلِك وَلَا تخرجه للغفلة عَن حكمه وَمن ذَلِك النيات فِي الْعِبَادَات وَقد تقدّمت وَكَذَلِكَ الْعلم فِي الْعلمَاء وَالْفِقْه فِي الْفُقَهَاء والعداوة فِي الْأَعْدَاء والصداقة فِي الأصدقاء والحسد فِي الحساد حَالَة الغفله عَن جَمِيع ذَلِك فَائِدَة قَوْله تَعَالَى {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} إِنَّمَا قيد بقوله إِذا حسد إِشَارَة الى الْحَسَد الْفعْلِيّ فَإِن الْحكمِي الَّذِي هُوَ الْحَسَد الْمُقدر لَا يضر الْمَحْسُود وَإِنَّمَا يضر الْحَسَد الْفعْلِيّ فَلذَلِك قيد بقوله {إِذا حسد} 2 - وَمن التَّقْدِير فِي إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود أَن المدلس بِالسَّرقَةِ فِي العَبْد إِذا قطع العَبْد فِي السّرقَة عِنْد المُشْتَرِي يقدر الْقطع عِنْد البَائِع وَيكون لَهُ الرَّد بِغَيْر شَيْء أَو دنس بالرده فَقتل عِنْد المُشْتَرِي بِالرّدَّةِ يقدر الْقَتْل فِي يَد البَائِع 3 - وَمن ذَلِك الذمم إِنَّمَا هِيَ تقديرات شَرْعِيَّة فِي الأنسان تقبل الْإِلْزَام والالتزام والحقوق فِي الذمم مقدرات فَيقدر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالطَّعَام فِي السّلم وَغَيره وَالْعرُوض فِي الذمم وَهِي أجسام لَا يتَصَوَّر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 كَونهَا فِي الذمم حَقِيقَة بل تكون معدومه من الْوُجُود كُله بالضروره كمن أسلم فِي فَاكِهَة لَا تُوجد إِلَّا فِي الصَّيف أَو زهر كالورد وَنَحْوه وَيَقَع العقد فِي الشتَاء فَيقدر ذَلِك كُله فِي الذِّمَّة وتقدر التَّقْدِيرَيْنِ فِي عرُوض التِّجَارَة لِلزَّكَاةِ وتقدر الْملك فِي المملوكات وَكَذَلِكَ الرّقّ وَالْحريَّة والزوجية وَهُوَ كثير جدا حَتَّى لَا يكَاد يَخْلُو بَاب من أَبْوَاب الْفِقْه مِنْهُ فَتَأَمّله تَجدهُ وَأما إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم فكالماء مَعَ الْمُسَافِر وَهُوَ يَحْتَاجهُ لعطشه أَو عَطش غَيره فَإِنَّهُ كَالْمَعْدُومِ فيتيمم وَكَذَلِكَ من مَعَه نِصَاب حَال عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ يَحْتَاجهُ وَهُوَ يَحْتَاجهُ لقَضَاء دينه بِقدر مَعْدُوما وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ وجود الرَّقَبَة عِنْد الْمُكَفّر مَعَ حَاجته الضرورية إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ من عِنْده نِصَاب يَحْتَاجهُ لضرورته وَهُوَ لَا يَكْفِيهِ نقدره كَالْمَعْدُومِ ونعطيه الزكاه كالفقير الَّذِي لَا شَيْء لَهُ وَكَذَلِكَ صَاحب السلس والجراحات السائلة يقدر مَا وجد من الْأَحْدَاث والأخباث فِي حَقه مَعْدُوما وَتَصِح صلَاته كَأَنَّهُ عدم المَاء فِي حَقه وَيَقَع فِي التَّقْدِير إِعْطَاء الْمُتَقَدّم حكم الْمُتَأَخر والمتأخر حكم الْمُتَقَدّم فَأَما إِعْطَاء الْمُتَأَخر حكم الْمُتَقَدّم كمن رمى سَهْما أَو حجرا ثمَّ مَاتَ فَأصَاب بعد مَوته شَيْئا فأفسده فَإِنَّهُ يلْزمه ضمانة وَيقدر الْفساد وَقع مُتَقَدما فِي حَيَاته وَكَذَلِكَ لَو حفر بِئْرا فَوَقع فِيهَا شَيْء فَهَلَك بعد مَوته وَأما إِعْطَاء الْمُتَقَدّم حكم الْمُتَأَخر فكتقديم النِّيَّة فِي الصَّوْم أَو فِي الطَّهَارَة على الْخلاف فِي الطَّهَارَة فتقدر مُتَأَخِّرَة مُقَارنَة وَيكون الْمُقدم لينته بمنزله الْمُؤخر لَهَا لِأَنَّهُ الأَصْل وَكَذَلِكَ مقدم الزَّكَاة فِي الْفطر وَالْمَال يقدر الْإِخْرَاج وَقع بعد الْحول أَو رُؤْيَة الْهلَال يَتَرَتَّب الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 على السَّبَب الَّذِي هُوَ الْهلَال أَو الْمَشْرُوط على شَرطه الَّذِي هُوَ الْحول وَأعلم انه مَتى وَقع البيع دينا بدين أَو عينا بِعَين اشْتَمَل على التَّقْدِير فِي الذِّمَّة وَلَا يخرج البيع عَن التَّقْدِير إِلَّا فِي بيع المعاطاة وَلَا بُد فِي الْإِجَارَة من التَّقْدِير إِن قوبلت مَنْفَعَة بِمَنْفَعَة فكلاهما مُقَدّر لَو تعين وَكَانَت الْمَنَافِع مقدرَة وَكَذَلِكَ السّلم لَا بُد فِيهِ من التَّقْدِير فِي الْجِهَتَيْنِ أَو فِي الْمُسلم فِيهِ فَقَط إِن كَانَ الثّمن مُبينًا وَالْوكَالَة مَنَافِع الْوَكِيل فِيهَا مقدرَة وَكَذَلِكَ الْقَرَاض وَالْمُسَاقَاة مَنَافِع الْعَامِل المعاقد عَلَيْهَا مقدرَة فِي ذمتهم وَكَذَلِكَ الْقَرْض فِي ذمَّة الْمُقْتَرض وَكَذَلِكَ الْمُزَارعَة والجعالة وَالْوَقْف تمْلِيك الْمَعْدُوم فَهُوَ تقديري وَالرَّهْن يَقع فِي الدُّيُون المعدومة وَقد يكون دينا فِي نَفسه وَتَقَع الْوَصِيَّة بِالدّينِ للموجود والمعدوم والمقدر وجوده والعواري تتَنَاوَل الْمَنَافِع المعدومه الْمقدرَة فِي الْأَعْيَان وَحفظ الْوَدِيعَة مَطْلُوب حَالَة الْإِيدَاع فَهُوَ تبع لمعدوم مُقَدّر حَتَّى يَصح وُرُود الشَّرْع عَلَيْهِ وَعقد النِّكَاح إِنَّمَا يتَنَاوَل مَعْدُوما مُقَدرا فِي الزَّوْجَة وَفِي الزَّوْج من الْوَطْء وَالْعشرَة وَالصَّدَاق وَالنَّفقَة وَالْكِسْوَة وَلَا يخرج عَن التَّقْدِير إِلَّا الصَدَاق الْمعِين وَالْكَفَالَة الْتِزَام مَعْدُوم وَالْحوالَة بيع مَعْدُوم بمعدوم وَالصُّلْح بيع أَو إِجَارَة فيدخله التَّقْدِير والابراء إِنَّمَا يتَنَاوَل الْمُقدر فِي الذمم وَالْعجب مِمَّن يعْتَقد أَن الْمُعَارضَة على الْمَعْدُوم على خلاف الأَصْل مَعَ أَن الشَّرِيعَة طافحة بِهِ فِي مواردها أَو مصادرها حَتَّى لَا يكَاد يعرى عَنهُ بَاب كَمَا قد رَأَيْت بل الْأَوَامِر والنواهي والأدعية والشروط ومشروطاتها فِي التعليقات والوعود والوعيدات وانواع التَّمَنِّي والترجي والإباحات كلهَا لَا تتَعَلَّق إِلَّا بالمعدوم فَتَأمل ذَلِك حق تَأمله تَجِد فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فقها كثيرا ينْتَفع بِهِ فِي محاولة الْفِقْه واتساع النّظر وَدفع الاشكالات عَن الْقَوَاعِد وَالْفُرُوع وَإِنَّمَا أكثرت من مثل التَّقْدِير لِأَنِّي رَأَيْت الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء إِذا قيل لَهُم مَا مثل إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم أَو الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود صَعب عَلَيْهِم تَمْثِيل ذَلِك وَإِن مثلُوا فعساهم يَجدونَ الْمِثَال أَو المثالين فاردت أَن يَتَّسِع للفقيه هَذَا الْبَاب ويسهل عَلَيْهِ إِذا تقررت هَذِه الْقَاعِدَة وَهِي التقديرات الشَّرْعِيَّة فَنَقُول الْجَواب عَن الأول وَهُوَ رفض النِّيَّة أَنا لم نقل ارْتَفع مَا كَانَ تقدم من النِّيَّة الْحكمِيَّة بل قدرناها مَعْدُومَة وَهِي مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر بل الشَّرْع ألغاها كَمَا ألغى حكم السلس وَغَيره كَمَا تقدم فِي الْمثل فَمَا ارْتَفع ورقع وَلَا لزم محَال غير أَنه يبْقى النّظر فِي ذَلِك الدَّلِيل الَّذِي يدل على هَذَا التَّقْدِير هَل هُوَ صَحِيح أم لَا ذَلِك مِمَّا يبْحَث فِي الففه فِي مواطنه وَأما هَا هُنَا فالمقصود بَيَان قَول الْفُقَهَاء بالرفض مَا مَعْنَاهُ وَأَنه مُمكن لَا مُسْتَحِيل 2 - وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي وَهُوَ الأول من الْعشْرَة أَن معنى قَوْلنَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ أَنه رفع للْعقد من أَصله أَي يقدر كَالْمَعْدُومِ وَإِن كَانَ مَوْجُودا فيعطي حكم الْمَعْدُوم وَمُقْتَضى هَذَا أَن ترد الغلات للْبَائِع وَلَا يبْقى أثر من الْآثَار لَكِن الْأَصْحَاب لم يَقُولُوا بذلك وَلَا إخَاله قَول أحد من الْعلمَاء بل إِنَّمَا قدره الْأَصْحَاب كَالْمَعْدُومِ من أَصله فِي أُمُور خَاصَّة فَقَالُوا إِذا صرح بِالرَّدِّ فَهَلَك الْمَبِيع قبل وُصُوله ليد البَائِع فَفِي ضَمَانه من البَائِع أَو الْمُبْتَاع أَقْوَال ثَالِثهَا من البَائِع إِن حكم بِهِ حَاكم وَإِلَّا فَمن الْمُبْتَاع قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطَّاهِر منشأ الْخلاف هَل الرَّد نقض للْعقد من أَصله فَيكون الضَّمَان من البَائِع كَأَنَّهُ لم يخرج عَنهُ أَو من حِينه فَلَا يتَحَقَّق النَّقْض إِلَّا بوصوله إِلَيْهِ وَنَحْو هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَأما التَّعْمِيم فِي جملَة الأثار فَلم يَقُولُوا بِهِ لِأَن التَّقْدِير على خلاف الأَصْل فَيقْتَصر بِهِ على مورد الدَّلِيل وقيامة وَلَا عجب أَن يقدر الشَّيْء مَعْدُوما بِالنِّسْبَةِ الى بعض آثاره دون بعض أَلا ترى الْخَارِج على وَجه السلس لَا يُوجب الْوضُوء وَإِذا وَقع على ثوب إِنْسَان نجسه اتِّفَاقًا بِخِلَاف مَا لَو صلى صَاحب السلس بِإِنْسَان فَفِيهِ خلاف فقد قدر مَعْدُوما بِالنِّسْبَةِ الى بعض آثاره دون بعض 3 - وَالْجَوَاب عَن الثَّالِث وَهُوَ الثَّانِي من الْعشْرَة أَنَّهَا إِذا دخلت آخر الشَّهْر تحقق الشَّرْط وترتب عَلَيْهِ شُرُوطه بصفاته وَمن صِفَات ذَلِك الشُّرُوط أَن يتَقَدَّم من أول الشَّهْر وَيقدر اجتماعه مَعَ الْإِبَاحَة الْمُتَقَدّمَة فالأباحة مَقْطُوع بوجودها م أول الشَّهْر الى آخِره وَيقدر لهَذَا السَّبَب الطاريء وَهُوَ دُخُول الدَّار مسبب على النَّحْو الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّعْلِيق جمعا بَين السببين السَّابِق الَّذِي هُوَ عقد النِّكَاح الْمُقْتَضِي للاباحة واللاحق الَّذِي هُوَ دُخُول الدَّار الَّذِي جعل سَببا بِالتَّعْلِيقِ بمسببه الْمَوْصُوف بالتقدم وَلذَلِك لم يلْزم تَقْدِيم الْمَشْرُوط الَّذِي هُوَ الطَّلَاق على شرطة الَّذِي هُوَ دُخُول الدَّار بل الطَّلَاق بِوَصْف التَّقَدُّم هُوَ الْمَجْمُوع مُتَأَخّر فِي التَّرْتِيب عَن دُخُول الدَّار وَمن اتَّسع عقله الاعتبارات العقليه والشرعيه لم يشكل عَلَيْهِ من هَذَا الْمَكَان وأشباهه وَنَظِيره لَو قَالَ زيد لعَمْرو غفر الله لَك ذنوبك لسنة مَاضِيَة فَقَالَ لَهُ عَمْرو أَنا أكافئك على دعائك هَذَا بِأَفْضَل مِنْهُ غفر الله لَك ذنوبك بجملة عمرك فَهَذَا الدُّعَاء الثَّانِي مُكَافَأَة للْأولِ فَهُوَ مُتَأَخّر عَنهُ من حَيْثُ إِنَّه مُكَافَأَة وَمن حَيْثُ الْوُقُوع فَإِن عمرا إِنَّمَا نطق بِالدُّعَاءِ بعد زيد وَمَعَ ذَلِك فمقتضاه مُتَقَدم على مُقْتَضى الأول لِأَن جملَة الْعُمر يتَقَدَّم أَوله على السّنة الْأَخِيرَة الَّتِي دَعَا فِيهَا زيد وَلم يحصل فِي ذَلِك تنَاقض لكَونه مُتَأَخِّرًا مُتَقَدما وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُد فِي هَذِه الْأُمُور من جودة الذِّهْن وَإِلَّا فَلَا ينفع التأنيس بِكَثْرَة النَّظَائِر بل تشكل النَّظَائِر كَمَا أشكل النّظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 - وَالْجَوَاب عَن الرَّابِع وَهُوَ الثَّالِث من الْعشْرَة ان الْملك إِنَّمَا يثبت تَقْديرا للمعدوم فِي حكم الْمَوْجُود لضَرُورَة التوريث فالمعدوم ارْتَفع بل قدر الْمَوْجُود مَعَه الْمُقدر لَا يُنَاقض الْعَدَم الْمُحَقق لِأَن معنى التَّقْدِير أَن هَذَا الْعَدَم عِنْد الشَّرْع كالوجود ترَتّب حكم الْمَوْجُود عَلَيْهِ وللشرع أَن يرتب حكمه على مَا شَاءَ فيرتب حكم الْمَوْجُود على الْمَعْدُوم ويرتب حكم الْمَعْدُوم على الْمَوْجُود أَو لَا يَجعله مُرَتبا الْبَتَّةَ فَإِن ربط الْأَحْكَام بالأسباب لَيْسَ لَازِما عقلا عندنَا خلافًا للمعتزلة بل الْجَائِز الْعقلِيّ قَابل لجَمِيع مَا ذكرته 5 - وَالْجَوَاب عَن الْخَامِس أَن الْملك للْمُعْتق عَنهُ مُقَدّر وَمَعْنَاهُ ان الشَّرْع صير ذَلِك الْعَدَم الْمُتَقَدّم كالملك الْمُحَقق فَلَا تنَاقض وَلَا نقض بِرَفْع وَاقع 6 - وَالْجَوَاب عَن السَّادِس الَّذِي هُوَ الْخَامِس من الْعشْرَة ان الرِّدَّة سَبَب رتب الشَّرْع عَلَيْهَا تَقْديرا شَرْعِيًّا وَهُوَ إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم بِإِعْطَاء الْعِبَادَات وَتلك التَّصَرُّفَات الْمُتَقَدّمَة الموجوده قبل الرِّدَّة حكم الْمَعْدُوم بِأَن جعل حكم هَذَا الْمُرْتَد حكم من لم يَفْعَلهَا 7 - وَالْجَوَاب عَن السَّابِع أَن الزَّوَال يَقْتَضِي صَلَاتَيْنِ بِاعْتِبَار حالتين فَيَقْتَضِي الظّهْر مَنْدُوبَة بِاعْتِبَار حَالَة عدم الْبلُوغ وَاجِبَة بِاعْتِبَار حَالَة الْبلُوغ كَمَا يقتضيها مَقْصُورَة بِاعْتِبَار حَالَة السّفر وتامة بِاعْتِبَار حَالَة الْإِقَامَة بِاعْتِبَار شَخْصَيْنِ وَبِاعْتِبَار كل شخص فَإِن هَذَا حكم الله تَعَالَى فِي حَقه أَن الزَّوَال يُوجب عَلَيْهِ كل وَاحِدَة من الصَّلَاتَيْنِ بِاعْتِبَار حَالين وَإِنَّمَا ذكر هَذَا القَوْل الشافعيه أَن الشَّرْع لم ينصب الزَّوَال إِلَّا سَببا لصَلَاة وَاحِدَة فَثَبت ان الزَّوَال قد يَقْتَضِي صَلَاتَيْنِ بِاعْتِبَار حالتين وَهَا هُنَا الزَّوَال يَقْتَضِي الظّهْر الْوَاجِبَة إِذا اتَّصل بِهِ شَرط الْبلُوغ إِجْمَاعًا فَلَمَّا تحقق شَرط إِيجَاب الزَّوَال لِلظهْرِ قَدرنَا الايجاب مُرَتبا على سَببه مُتَقَدما بعد أَن كَانَ مُتَأَخِّرًا كَمَا يتَعَذَّر للْملك فِي بيع الْخِيَار بعد مُضِيّ الْمدَّة مُتَقَدما مُرَتبا على عقد البيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثمَّ إِنَّا نقُول للشَّافِعِيَّة الَّذين يدعونَ أَن الزَّوَال لَا يكون سَببا لصلاتين فِي جَمِيع الصُّور أَو فِيمَا عدا صُورَة النزاع الأول مصادرة على صُورَة النزاع وَنحن نمْنَع صدق الْكُلية لَا ندراج صُورَة النزاع فِيهَا وَالثَّانِي مُسلم لَكِن لم قُلْتُمْ إِن صُورَة النزاع كَذَلِك ثمَّ إِن الْفرق أَنه أهل للندبية قبل الْبلُوغ فَتثبت الندبية فِي حَقه وشابه الْمغمى عَلَيْهِ إِذا أَفَاق بعد الزَّوَال فِي حُصُول شَرط الْإِيجَاب بعد تقدم سَببه فترتب الْإِيجَاب فِي حَقه أَيْضا عملا بِهَذَا السَّبَب وَأما الْمغمى عَلَيْهِ وَنَحْوه فَلم تكن لَهُ أَهْلِيَّة الندبيه قبل الافاقة والبالغ المستكمل للشروط عِنْد الزَّوَال ترَتّب الْإِيجَاب عَلَيْهِ أبدا لأجل استجماعه فَصَارَ الصَّبِي دائرا بَين قاعدتين فَمَتَى الحقوه بِإِحْدَاهُمَا فرقنا بشبهه الْأُخْرَى 8 - وَالْجَوَاب عَن الثَّامِن الَّذِي هُوَ السَّابِع من الْعشْرَة أَن الْمَرْأَة إِذا حَاضَت آخر الْوَقْت قدر لَهَا عدم الْوُجُوب قبل الْحيض مُرَتبا على الزَّوَال لَا أَن الزَّوَال سَبَب لبراءة الذِّمَّة فَقَط حَتَّى لَا تجب الصَّلَاة لِأَنَّهَا لَو طهرت فِي آخر الْوَقْت قفدرنا الْوُجُوب مُتَقَدما مُرَتبا على الزَّوَال فسوينا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُلَاحظَة آخر الْوَقْت لَا أَنه يفوت السَّبَب وَلنَا قاعدتان 1 - إِحْدَاهمَا أَن أَوْقَات الصَّلَاة أَسبَاب لَهَا ي 2 - الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن المسببات إِنَّمَا تنْتَقل للذمم عِنْد ذهَاب أَسبَابهَا لِأَن الزَّكَاة مَا دَامَ النّصاب فِيهَا مَوْجُودا لَا تنْتَقل الزَّكَاة للذمة بِالضَّمَانِ بل إِذا عدم النّصاب ضمن بِشَرْط التَّفْرِيط وَإِنَّمَا يفني الْوَقْت ويعدم بذهاب آخِره لِأَن السَّبَب لَيْسَ مَجْمُوعه كالنصاب بل الْقدر الْمُشْتَرك بَين أجزائة الَّذِي هُوَ يسع مِقْدَار الصَّلَاة وكل مُشْتَرك مَا دَامَ فَرد مِنْهُ بَاقِيا فَهُوَ بَاقٍ فَلَا جرم لَا يعْدم الْوَقْت إِلَّا بِعَدَمِ جَمِيع أَجْزَائِهِ والنصاب يعْدم بِعَدَمِ أحد أَجْزَائِهِ لِأَن الحكم فِيهِ مُضَاف للمجموع الْمُشْتَرك بَين أَفْرَاد الدَّنَانِير فَتعين حِينَئِذٍ أَن الصَّلَاة لَا تترتب فِي الذِّمَّة قَضَاء إِلَّا عِنْد عدم جَمِيع أَجزَاء الزَّمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 9 - وَالْجَوَاب عَن التَّاسِع مَا تقدم فِي الثَّامِن 10 - وَالْجَوَاب عَن الْعَاشِر أَنه قد تقدم أَن الزَّوَال سَبَب فِي الشَّرْع لصلاتين تَامَّة بِشَرْط الْإِقَامَة ومقصورة بِشَرْط السّفر وَتقدم أَيْضا أَن آخر الْوَقْت هُوَ الْمُعْتَبر بِاعْتِبَار أَرْبَاب الْأَعْذَار فَإِذا سَافر قدر فَرْضه رَكْعَتَيْنِ عِنْد الزَّوَال مُتَقَدما لِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا تقدر مرتبَة على أَسبَابهَا كَمَا قُلْنَا فِي بيع الْخِيَار وَغَيره فِي الْبَحْث الْمُتَقَدّم وقدرنا فرض الْأَرْبَعَة مَعْدُوما فيجتمع فِي حَقه التقديران إِعْطَاء الْمَوْجُود حكم الْمَعْدُوم وَإِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود 11 - وَالْجَوَاب عَن الْحَادِي عشر وَهُوَ الْعَاشِر من النَّظَائِر ان الْحَالِف بِالطَّلَاق وَنَحْوه إِذا فعل الْمحرم الْمَحْلُوف عَلَيْهِ حِينَئِذٍ يقدر ثُبُوت الْبر لَهُ مُتَقَدما وَإِن كَانَ سَبَب بره مُتَأَخِّرًا لَا سِيمَا وَالتَّحْرِيم السَّابِق والحنث إِنَّمَا كَانَ تقديريا لَا حَقِيقِيًّا لأَنا إِنَّمَا قَدرنَا قدرته على الْفِعْل معدومه للنَّهْي الشَّرْعِيّ فتحنيثه وَالتَّحْرِيم عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ أَمر تقديري فَأمكن أَن يقدر بعد ذَلِك نقيضه فَإنَّا إِذا قَدرنَا أحد النقيضين مَعَ ثُبُوت النقيض الآخر ثبوتا محققا كَمَا تقدم فِي النَّظَائِر فَأولى جَوَاز تَقْدِير النقيض مَعَ النقيض الْمُقدر وعَلى هَذَا التَّقْدِير يَنْبَغِي أَن ترد لَهُ زَوجته وَيسْقط الْحَد عَن الزَّوْج الثَّانِي لِأَن وَطنه كَانَ مُبَاحا إِبَاحَة تقديريه وَيَتَرَتَّب على عقده جَمِيع آثَار العقد الْكَامِل وَيعود الزَّوْج الأول وَتَكون مَعَه كَغَيْر الْحَالِف الْبَتَّةَ هَذَا مُقْتَضى الْفِقْه وَلم أر هَذَا التَّفْرِيع مَنْقُولًا وَلَا مَا يمنعهُ فَتَأَمّله بقواعد الْفِقْه وقوانين الشَّرْع فقد ظهر حِينَئِذٍ معنى قَول الْفُقَهَاء فِي رفض النِّيَّة وَفِي نظائرها وَحصل التَّنْبِيه على تَخْرِيج الْجَمِيع على قَاعِدَة وَاحِدَة وَهِي قَاعِدَة التقديرات هِيَ قَاعِدَة أجمع الْعلمَاء عَلَيْهَا وَإِذا خرجت الْفُرُوع الْكَثِيرَة على قَاعِدَة وَاحِدَة فَهُوَ أولى من تَخْرِيج كل فرع بِمَعْنى يَخُصُّهُ لِأَنَّهُ أضبط للفقيه وأنول لِلْعَقْلِ وَأفضل فِي رتبه الْفِقْه وَليكن هَذَا شَأْنك فِي تَخْرِيج الْفِقْه فَهُوَ أولى بِمن علت همته فِي الْقَوَاعِد الشرعيه الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَالله تَعَالَى هُوَ الفتاح الْوَهَّاب الْهَادِي للصَّوَاب نَسْأَلهُ أَن يهبنا من فَضله مَا نصل بِهِ الى جزيل نيله وَأَن لَا يكلنا الى أَنْفُسنَا وَلَا إِلَى مساعينا فِي أَمر أخرانا وَفِي أَمر دُنْيَانَا إِنَّه سميع الدُّعَاء وَاسع الْعَطاء وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خير خلقه وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَهَذَا آخر مَا أردته من كتاب الأمنية فِي إِدْرَاك النِّيَّة نفع الله بِهِ جَامِعَة وكاتبه وقارئه والمتأمل فِيهِ بمنه وَكَرمه آمين وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63