الكتاب: اختلاف الأئمة العلماء المؤلف: يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560هـ) المحقق: السيد يوسف أحمد الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1423هـ - 2002م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- اختلاف الأئمة العلماء ابن هُبَيْرَة الكتاب: اختلاف الأئمة العلماء المؤلف: يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560هـ) المحقق: السيد يوسف أحمد الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1423هـ - 2002م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله الَّذِي رفع الْعلمَاء إِلَى أشرف المناصب وأعلا أسمائهم، وَفتح عَلَيْهِم بِمَعْرِِفَة الخلاق عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وتحرير كل مَذْهَب فضلا مِنْهُ وحلما، وَنشر فِي الْخَافِقين أعلامهم، وأجرى بِالْأَحْكَامِ أقلامهم برقم (الطروس) رقما، فنعمان النِّعْمَة مَا خصهم علما وفهما، وَفضل مالكهم بموطأ الحَدِيث المرسم فِيهِ الْأَحْكَام رسما، وشافعي سائلهم، ودبر لَهُم من الْعلم نَصِيبا وقسما، وأحمدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لسيدهم مُسِنَّة إِلَيْهِ فَلَا يَخْشونَ لَدَيْهِ هما. أَحْمَده حمدا لأنال بِهِ من الْإِخْلَاص حظا وقسما، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة أمحو بهَا ذَنبا وإثما، وَأشْهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أذهب بِشَرِيعَتِهِ عَن الْقُلُوب هما، ومنحهم بهَا نعما جما. وَبعد. فَإِن علم الْفِقْه هُوَ أفضل عُلُوم الدّين، وَأَعْلَى منزلَة أهل الْمعرفَة وَالْيَقِين لما جَاءَ فِيهِ عَن سيد الْمُرْسلين: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين ". أما قَوْله: " من يرد بِهِ خيرا " فَإِن هَذَا شَرط وَجَوَابه يفقهه، وهما مجزومان، وَقد أنجزم الفعلان بذلك وَكَانَ الأَصْل من يرد، وَكَذَلِكَ كَانَ يفقهه مَرْفُوعا، فانجزما بِجَوَاب الشَّرْط، فَحصل بذلك أَن الْمَعْنى: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه "، وَاقْتضى هَذَا أَن من لم يفقهه فِي الدّين لم يكن مِمَّن يرد اللَّهِ بِهِ خيرا، وَلم يقل: من يرد اللَّهِ بِهِ الْخَيْر، بِالْألف وَاللَّام، فَكَانَ يكون الْخَيْر الْمَعْهُود الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام، فَدلَّ على أَن هَذَا التنكير للخير هَاهُنَا أوقع لِأَن من لم يفقهه فِي الدّين فَإِنَّهُ لَا يرد بِهِ خيرا، فَأَما يفقهه فَهَذِهِ الْهَاء مبدلة من الْهمزَة لِأَن أصل فقه الرجل: فقئ فالهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مبدلة من الْهمزَة، وَمعنى فقه الرجل: غاص على اسْتِخْرَاج معنى القَوْل من قَوْلهم: فقأت عينه إِذا نخستها فَجعلت بَاطِنهَا ظَاهرهَا، فَمَعْنَى الْفِقْه على هَذَا التَّأْوِيل هُوَ اسْتِخْرَاج الغوامض والإطلاع على أسرار الْكَلَام، وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {إِن الدّين عِنْد اللَّهِ الْإِسْلَام} ، وَيكون المُرَاد بِالدّينِ هَا هُنَا الْإِسْلَام بِدَلِيل قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين "، بِالْألف وَاللَّام. ثمَّ أَنه صلى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ بِالْهدى والنور، وَمن ذَلِك مَا شرع اللَّهِ على لِسَانه من التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم والوصايا وَالْأَدب وسير الْأَوَّلين والأخرين، وَمَا قصّ من أحسن الْقَصَص، فَأَيْنَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْجَانِب الغربي إِذا قضى اللَّهِ إِلَى مُوسَى الْأَمر، قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {وَمَا كنت بِجَانِب الغربي إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر} وَلما انقلبت العصى حَيَّة وَولى مُوسَى هَارِبا، وَقَوله: {وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} ، وَكَانَت الْأَخْبَار الْمَاضِيَة غيب لَا يعلمهَا إِلَّا اللَّهِ عز وَجل ثمَّ من كَانَ فِيهَا فَأخْبر هُوَ عَلَيْهِ السَّلَام بهَا، وَشهِدت الْعلمَاء مِنْهُم بذلك كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} . أَي أَنه لم يخْتَلف خَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن خبر التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، فَكَانَ هَذَا أمرا وَاضحا جليا من إِعْلَام اللَّهِ لَهُ بِمَا كَانَ من ذَلِك الْغَيْب، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ غيبا من أهل وقته مِمَّا علم بِهِ كَقَوْلِه عز وَجل: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره اللَّهِ عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} ، فأحاط بِالْغَيْبِ من الْوُجُوه الثَّلَاثَة، الْمَاضِي كَقَوْلِه: {إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر} وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والمستقبل كَقَوْلِه: {سيغلبون} ، والحاضر كَقَوْلِه: {نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} ، فأحاط بِالْغَيْبِ من جَمِيع جهاته، وَمن آيَاته ترْجم المنجوم لبعثه، قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا} . وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: هَذِه كَانَت معهودة لِأَن اللَّهِ تَعَالَى أكذبه بقوله: {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الأن يجد لَهُ شهابا رصدا} . وَلَو كَانَ ذَلِك معهودا كَمَا قَالَ الْمُشْركُونَ، فَمَا هَذَا الَّذِي تجدّد علينا هَكَذَا كُنَّا، فَأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاضح. وَلَو استقصينا دَلَائِل نبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لطال الْكَلَام، فَإِذا ثَبت بِالدَّلِيلِ أَنه رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجب امْتِثَال أمره وَاجْتنَاب نَهْيه. فَهَذَا الأَصْل الَّذِي هُوَ: " لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ " أُوحِي إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت. وَإِنَّمَا ذكر رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَاء الْإِسْلَام على خمس لِأَنَّهَا سمات الْإِسْلَام على كل مُسلم، وَهِي فرض عين لَا فرض كِفَايَة. وَنحن نذْكر من فقه هَذَا الحَدِيث مَا نرجو أَن يَشْمَل الْوَاجِبَات اللَّازِمَة دون التفرعات الَّذِي علمهَا. فصل ونبدأ قبل ذكرهَا بِذكر أَشْيَاء من أصُول الْفِقْه على طَرِيقه الْمُتَقَدِّمين، فَنَقُول: حد الْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ عَلَيْهِ بِهِ، وَعلم الله قديم وَعلم المخلوقين يَنْقَسِم إِلَى ضَرُورِيّ ومكتسب، وَالدَّلِيل هُوَ المرشد. وينقسم الْفِقْه على وَاجِب ومندوب إِلَيْهِ، ومباح ومحظور ومكروه، فَالْوَاجِب: مَا ينَال تَاركه الْوَعيد، وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ: مَا فعله فضل وَلَا إِثْم من تَركه، والمباح: مَا أطلق للْعَبد إِلَّا أَن نِيَّته فِيهِ يُثَاب عَلَيْهَا، والمحظور وَالْمحرم وَالْمَكْرُوه: مَا تَركه فضل وَفعله بخس. ويستدل بأوامر اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأومر رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِقْرَاره الْفَاعِل وَفِي الْكَلَام حَقِيقَة، وَفِيه الْمجَاز، والأسماء تُؤْخَذ شرعا ولغة وَقِيَاسًا، وللأمر صِيغَة تَقْتَضِي الْوُجُوب فَإِذا ورد الْأَمر بأَشْيَاء مَعَ التَّخْيِير، كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 معنى، فَإِذا أَدَّاهُ الْمَأْمُور بِهِ أَجزَأَهُ، وَالْفَرْض هُوَ الْوَاجِب عِنْد الشَّافِعِي، وَعند أَحْمد وَأبي حنيفَة الْوَاجِب لَازم، وَالْفَرْض ألزم، والنهى ضد الْأَمر، والتعميم فِي أقل الْجمع اثْنَان فَصَاعِدا، فَإِذا عرف بِالْألف وَاللَّام فَهُوَ تَعْمِيم نَحْو: الْمُسلمين، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بِصِيغَة الْوَاحِد كَانَ للْجِنْس نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} ، وَلَا يعم شَيْء من أَفعَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا بِدَلِيل التَّخْصِيص يَعْنِي الْبَعْض دون الْكل. والنطق إِذا ورد على سَبَب تعلق بِهِ كَيفَ وَقع، ويخصص النُّطْق بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشّرط وَالتَّقْيِيد، وَمَفْهُوم الْخطاب يكون من فحواه ولحنه، وَلَا دَلِيل خطابه. والمجمل من القَوْل الْمُبْهم والمبين التَّعْيِين ولنسخ الرّفْع وَلَيْسَ بالبراء، وَلَا يجوز النّسخ إِلَّا على مَا يتَنَاوَل تَكْلِيف الْخلق دون صِفَات الْخَالِق وتوحيده، وَيجوز نسخ الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ، وَالسّنة بِالسنةِ فِيمَا تماثل طَرِيقه وَالْفِعْل بِالْفِعْلِ، وَلَا ينْسَخ الْقُرْآن وَلَا السّنة بِالْإِجْمَاع وَلَا بِالْقِيَاسِ، وَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة وَلم يذكر مَا نسخهَا، لم يثبت نسخهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَشرع الْإِسْلَام مغنى عَن غَيره، وَفعل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شرع، وَكَذَلِكَ إِقْرَاره. وللخبر صِيغَة وَمِنْه التَّوَاتُر والآحاد، وَمِنْه الْمُتَّصِل والمرسل. والمتصل مَا اتَّصل إِسْنَاده بالعنعنة، وأفضله أَن يَقُول الرَّاوِي: سَمِعت أَو حَدثنِي، فَإِن قَالَ أَخْبرنِي أَو أنبأني نقص عَن تِلْكَ الرُّتْبَة، لجَوَاز أَن يكون الْإِخْبَار إجَازَة فَأَما الْمُرْسل: فَمَا يرويهِ التَّابِعِيّ عَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَإِذا روى الصَّبِي الْمُمَيز قبل خَبره. وَمن شَرط قبُول رِوَايَة الرَّاوِي أَن يكون عدلا، غير مُبْتَدع. وَالصَّحَابَة كلهم عدُول، وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان. وَيلْزم الْجَارِح للراوي تعْيين مَا جرحه بِهِ، وَتقدم بَينه الْجرْح على التَّعْدِيل. وَرِوَايَة حَدِيث رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَعْنَى غير جَائِزَة إِلَّا عِنْد بعض الْعلمَاء، للْعَالم دون غَيره. وَإِذا روى الرَّاوِي الحَدِيث ثمَّ نَسيَه لم يسْقط الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَلَا يفك الْأَمر الثَّابِت بِكِتَاب أَو سنة ثَابِتَة إو إِجْمَاع الْمُسلمين بِخَبَر الْوَاحِد، ويرجح الْخَبَر على الْمخبر بِفضل رَاوِيه وموافقة مَتنه لِلْقُرْآنِ، وَإِجْمَاع الْمُسلمين من الْمُجْتَهدين حجَّة فِي الشَّرْع. وَقَول الصَّحَابَة مُتَقَدم على الْقيَاس وَالْقِيَاس مُتَقَدم على حمل الْفَرْع على أصل فِي بعض أَحْكَامه بِمَعْنى يجمع بَينهمَا ويحتج بِهِ من جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَقد سَمَّاهُ الْفُقَهَاء قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبه. ويشتمل الْقيَاس على أَرْبَعَة أَشْيَاء: على الأَصْل وَالْعلَّة وَالْفرع وَالْحكم، وَالِاسْتِحْسَان عِنْد أبي حنيفَة أصل. والتقليد قبُول قَول النَّبِي من غير دَلِيل وَذَلِكَ ( ... ) الْمعَانِي وَلَا يجوز فِي أصُول الدّين وَلَا فِيمَا نقل نقلا عَاما لفرض الصَّلَاة. والعالم لَا يسوغ لَهُ التَّقْلِيد، وَقد حكى عَن أَحْمد أَنه يسوغ لَهُ ذَلِك، وَالْمَعْرُوف من مذْهبه أَنه لَا يسيغ لمجتهد أَن يُقَلّد. وَمن عرف طرق الْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة وموارد الْكَلَام ومصادره ومجازه وَحَقِيقَته وعامه وخاصة وناسخة ومنسوخة ومطلقه ومقيده ومفصله ومجمله وَدَلِيله، وَعرف من أصُول الْعَرَبيَّة مَا يُوضح لَهُ الْمعَانِي وَإِجْمَاع السّلف وخلافهم، وَعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الْقيَاس، وَمَا يجوز تَعْلِيله من الْأُصُول مِمَّا لَا يجوز، وَمَا يُعلل بِهِ وَمَا لَا. وترتيب الْأَدِلَّة وَتَقْدِيم أولاها، ووجوه التَّرْجِيح ثِقَة مَأْمُونا قد عرف بِالِاحْتِيَاطِ للدّين، أفتى من استفتاه مفصحا عدل، ويختار المستفتين لدينِهِ من الْمُفْتِينَ، وَيقدم فتيا المحتاط لدينِهِ. وَالْحق فِي أصُول الدّين فِي جِهَة وَاحِدَة، فَأَما الْفُرُوع فَإِنَّهَا كَذَلِك، إِلَّا أَن الْحَرج مَوْضُوع عَن الْمُجْتَهد المستخلص بل لَهُ أجر وَاحِد فِي الْخَطَأ، وَله فِي الْإِصَابَة أَجْرَانِ. وَالْقَوْلَان من الْفَقِيه فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة إِشْعَار مِنْهُ لدين مَنعه أَن يحتم حَتَّى يعلم، فَيكون لمن بعده الِاجْتِهَاد فِيهَا، فَأَما إِذا تقدم تَارِيخ أحد الْقَوْلَيْنِ فَالْعَمَل على الْأَخير. فَهَذِهِ أصُول الْفِقْه على طَرِيقه الِاخْتِصَار نشِير إِلَى مَا تفرع مِنْهَا. وَلما انْتهى تدوين الْفِقْه إِلَى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وكل مِنْهُم عدل رَضِي اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 عَنْهُم، ورضى عدالتهم الْأَئِمَّة، وَأخذُوا عَنْهُم لأخذهم عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاء وأستقر ذَلِك، وَإِن كلا مِنْهُم مقتدى بِهِ، وَلكُل وَاحِد مِنْهُم لَهُ من الْأمة أَتبَاع من شَاءَ مِنْهُم فِيمَا ذكره وهم: أَبُو حنيفَة، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد رَضِي اللَّهِ عَنْهُم. رَأَيْت أَن أجعَل مَا أذكرهُ من إِجْمَاع مُشِيرا بِهِ إِلَى إِجْمَاع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، وَمَا أذكرهُ من خلاف مُشِيرا بِهِ إِلَى الْخلاف بَينهم، فَمن ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الطَّهَارَة أَجمعُوا على أَن الصَّلَاة لَا تصح إِلَّا بِطَهَارَة إِذا وجد السَّبِيل إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى: {يأيها الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأمسحوا برءوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنْتُم جنبا فأطهروا وَأَن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فأمسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيد اللَّهِ ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون} ... ... ... الْآيَة. قَالَ أهل اللُّغَة: الطّهُور هُوَ الْعَامِل للطَّهَارَة فِي غَيره، كَمَا يُقَال: قتول، قَالَ ثَعْلَب: الطّهُور الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخَالف فِيهِ إِلَّا بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 رَضِي اللَّهِ عَنهُ فَقَالُوا: الطّهُور هُوَ الطَّاهِر على سَبِيل الْمُبَالغَة. وَأَجْمعُوا على أَن الطَّهَارَة تجب بِالْمَاءِ على كل من لَزِمته الصَّلَاة مَعَ وجوده، فَإِذا عدم فيبدله لقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ إِن اللَّهِ كَانَ عفوا غَفُورًا} ، وَلقَوْله تَعَالَى: {إِذْ يغشيكم النعاس آمِنَة مِنْهُ وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ، وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان وليربط على قُلُوبكُمْ وَيثبت بِهِ الْأَقْدَام} . قَالَ أهل اللُّغَة وَالطَّهَارَة: التَّنَزُّه عَن الأدناس والأقذار، وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا تغير المَاء عَن أصل خلقته بطاهر فغلب على أَجْزَائِهِ مِمَّا يسْتَغْنى المَاء عَنهُ غَالِبا لم يجز الْوضُوء بِهِ إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ جوز الْوضُوء بِالْمَاءِ الْمُتَغَيّر بالزعفران وَنَحْوه. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا تغير المَاء بالنجاسات فَهُوَ نجس قل المَاء أَو كثر. ثمَّ اخْتلفُوا فِي المَاء إِذا كَانَ دون الْقلَّتَيْنِ، والقلتان خَمْسمِائَة رَطْل بالعراقي، وخالطته النَّجَاسَة، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ نجس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِنَّه مَا لم يتَغَيَّر فَهُوَ طَاهِر. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز التوضئ بالنبيذ على الْإِطْلَاق إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِن الرِّوَايَة اخْتلفت عَنهُ فَروِيَ عَنهُ: أَنه لَا يجوز ذَلِك كالجماعة، وَهِي اخْتِيَار أبي يُوسُف. وَرُوِيَ عَنهُ: أَنه يجوز الْوضُوء بنبيذ التَّمْر الْمَطْبُوخ فِي السّفر عِنْد عدم المَاء. وَرُوِيَ عَنهُ: أَنه يجوز الْوضُوء بِهِ، ويضيف إِلَيْهِ التَّيَمُّم وَهُوَ اخْتِيَار مُحَمَّد بن الْحسن وأختلفوا فِي جَوَاز إِزَالَة النَّجَاسَة بِغَيْر المَاء من الْمَائِعَات فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِكُل مَائِع طَاهِر مزيل للعين. وَقَالَ ملك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز إِلَّا بِالْمَاءِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَدث لَا يرفعهُ على الْإِطْلَاق إِلَّا المَاء. بَاب النَّجَاسَات اتَّفقُوا على أَن الْخمر إِذا انقلبت خلا من غير معالجة الْآدَمِيّ طهرت. ثمَّ اخْتلفُوا فِي معالجة الْآدَمِيّ لتخليلها وَهل تطهر إِذا خللها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز تخليلها وتطهر. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز تخليلها وَلَا تطهر بالتخليل، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي جُلُود الْميتَة هَل تطهر بالدباغ؟ ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تطهر، وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة جلد الْخِنْزِير فَقَالَ: لَا يطهر، وَعند أبي يُوسُف إِذا ذبح الْخِنْزِير يطهر جلده بالدباغة، كَذَا فِي الْخُلَاصَة، هَذَا نَقله عَن شرح الْمجمع لِابْنِ قرشته. وَاسْتثنى الشَّافِعِي جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا، فَقَالَ: لَا يطهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: لَا يطهر على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: يطهر ظَاهره دون بَاطِنه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: كالأولى عَن مَالك وَهِي الْمَشْهُورَة عَن مَالك، وَالْأُخْرَى: يطهر بالدباغ مَا كَانَ ظَاهرا قبل الْمَوْت وَنَصّ نطقه أَنه سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: أَرْجُو. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يطهر بالذكاة مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يطهر. وَأَجْمعُوا على أَن صوف الْميتَة وشعرها طَاهِر إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَإِنَّهُ نجس دلّ عَلَيْهَا كَلَامه وَأحد الْقَوْلَيْنِ عَن الشَّافِعِي أَنه نجس وَهُوَ أظهرهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن صوف الْكَلْب وَشعر الْخِنْزِير نجس حَيا وَمَيتًا، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ذَلِك طَاهِر، وَوَافَقَهُ مَالك فِي طَهَارَة صوف الْكَلْب حَيا وَمَيتًا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز الِانْتِفَاع بِهِ من الخرز وَنَحْوه، فَرخص فِيهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك مَعَ النداوة الَّتِي فِي أَسْفَله وَمنع مِنْهُ الشَّافِعِي وَكَرِهَهُ أَحْمد وَقَالَ: يخرز بالليف أحب إِلَيّ. وَاخْتلفُوا فِي عِظَام الْفِيل وَالْميتَة، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 نَجِسَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ طَاهِرَة، وَعَن مَالك من رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ نَحوه. بَاب الْأَوَانِي اتَّفقُوا على أَن اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْمَأْكُول والمشروب وَالطّيب وَغَيره مَنْهِيّ عَنهُ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي النَّهْي هَل هُوَ نهي تَحْرِيم أَو تَنْزِيه؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: أَنه نهي تَحْرِيم. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: أَنه نهي تَنْزِيه، وَالْآخر أَنه نهى تَحْرِيم، وَهُوَ الَّذِي نَصه الشِّيرَازِيّ فِي التَّنْبِيه. وَاتَّفَقُوا على أَن هَذَا التَّحْرِيم فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَأَجْمعُوا على أَنه إِن خَالف مُكَلّف فَتَوَضَّأ مِنْهَا أَثم وَصحت طَهَارَته إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه لَا تصح طَهَارَة من تطهر مِنْهَا، واختارها عبد الْعَزِيز، وَالْأُخْرَى يكره وَيجزئهُ وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ. وَأَجْمعُوا على أَن اتخاذها حرَام إِلَّا أَن بعض الشَّافِعِيَّة قَالَ: لَا يحرم إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 اسْتِعْمَالهَا فَقَط وَهُوَ وَجه لَهُم. وَحكى ابْن أبي مُوسَى ذَلِك عَن الشَّافِعِي، ثمَّ قَالَ: وَعَن أَحْمد مثله. وَاتَّفَقُوا على آثَار سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه من الْبَهَائِم طَاهِرَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي سُؤْر مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه من سِبَاع الْبَهَائِم كالأسد والنمر وَنَحْوهمَا، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هِيَ نجسه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ طَاهِرَة، وَاسْتثنى مَالك مَا يَأْكُل النَّجَاسَة مِنْهَا، فَحكم بِنَجَاسَة سؤره. وَاخْتلفُوا فِي الْكَلْب وَالْخِنْزِير، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هما نجسان، وَكَذَلِكَ سؤرهما، وَقَالَ مَالك فِي الْكَلْب طَاهِر، وسؤره كَذَلِك رِوَايَة وَاحِدَة. وَالْخِنْزِير نجس وَفِي طَهَارَة سؤره عِنْده رِوَايَتَانِ وعَلى ذَلِك فسؤر الْكَلْب وَالْخِنْزِير فِي الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول بِطَهَارَة سؤرهما مكروهان، وَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا تعبدا إِلَّا لنجاسته، ويراق المَاء اسْتِحْبَابا، وَلَا يراق مَا ولغَ فِيهِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 سَائِر الْمَائِعَات وَفِي غسل الْإِنَاء من ولوغ الْخِنْزِير عَنهُ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا هُوَ كَالْكَلْبِ وَالثَّانِي لَا يغسل. وَاتَّفَقُوا على أَن سُؤْر الْبَغْل وَالْحمار طَاهِر إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ شكّ فِي كَونه مطهرا، وروى ابْن جرير عَن مَالك كَرَاهِيَة سؤرهما. وَاخْتلف عَن أَحْمد فروى عَنهُ الشَّك فيهمَا كَأبي حنيفَة. وَفَائِدَته: أَنه إِذا لم يجد مَاء غَيره تَوَضَّأ بِهِ وأضاف إِلَيْهِ التَّيَمُّم، وَإِن وجد مَاء غَيره لم يتَوَضَّأ بِهِ. وَرُوِيَ عَنهُ أَن سؤرهما نجس وَهُوَ الَّذِي نَصره أَصْحَابه. وَاخْتلفُوا فِي آثَار جوارح الطير، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه هِيَ طَاهِرَة إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يكرهها مَعَ ثُبُوت طَهَارَتهَا عِنْده، وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ نَجِسَة، وَقَالَ مَالك: أَن كَانَت تَأْكُل النَّجَاسَة وتفترسها فَهِيَ نَجِسَة، وَإِن كَانَت لَا تأكلها وَلَا تفترسها فَهِيَ طَاهِرَة. وَاتَّفَقُوا على طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة وَمَا دونهَا من الْخلقَة إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يكرههُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا مَاتَ فِي المَاء الْيَسِير مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة كالذباب وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يُنجسهُ إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي فَإِنَّهُ يُنجسهُ، وَالْقَوْل الآخر أَنه لَا يُنجسهُ وَهُوَ الْأَظْهر. وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي إِزَالَة النَّجَاسَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يشْتَرط الْعدَد فِي شَيْء من ذَلِك وَلَا يجب إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتحبَّ غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا كَمَا ذكرنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجب الْعدَد فِي شَيْء من ذَلِك إِلَّا من الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا من أَحدهمَا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الولوغ على الأَرْض. وَحكى ابْن الْقَاص عَن الشَّافِعِي قولا فِي الْقَدِيم أَنه يغسل من ولوغ الْخِنْزِير مرّة وَاحِدَة، وَالصَّحِيح من مذْهبه حكمه حكم الْكَلْب نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أَن النَّجَاسَة تكون فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مَحل غير الأَرْض إِذْ لَا تخْتَلف الرِّوَايَة عَنهُ أَن الْعدَد لَا يشْتَرط فِيمَا إِذا كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض، فَالْمَشْهُور عَنهُ فيهمَا أَنه يجب الْعدَد فِي غسل سَائِر النَّجَاسَات سبعا سَوَاء كَانَت من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا، وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة أَنه يجب غسل سَائِر النَّجَاسَات ثَلَاثًا سَوَاء كَانَت من السَّبِيلَيْنِ أَو غَيرهمَا. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: إِن كَانَت فِي السَّبِيلَيْنِ فسبعا، وَإِن كَانَت فِي السَّبِيلَيْنِ أَو فِي غير الْبدن وَجب الْعدَد. وَكَانَ الْوَاجِب سبعا، وَإِن كَانَت فِي الْبدن، فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا أصَاب جسده فَهُوَ أسهل، والخلال يُخطئ راويها، وَالْخَامِسَة: إِسْقَاط الْعدَد فِيمَا عدا الْكَلْب وَالْخِنْزِير. وَاخْتلفُوا فِي رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه وبوله، فَقَالَ مَالك وَأحمد: من الْمَشْهُور عَنهُ أَنه ظَاهر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ذرق الْحمام والعصافير طَاهِر، وَالْبَاقِي نجس، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ نجس على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَن رَوْث مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يرى أَن ذرق سِبَاع الطير كالبازي والصقر، والباشق وَنَحْوه طَاهِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَاخْتلفُوا فِي المَاء الْمُسْتَعْمل من رفع الْحَدث، فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ: هُوَ نجس نَجَاسَة صَرِيحَة، إِلَّا أَنه يَقُول على هَذِه الرِّوَايَة، أما مَا يترشرش مِنْهُ على الثَّوْب أَو مَا يعلق بالمنديل عِنْد التنشيف من بلله طَاهِر، وَإِنَّمَا يحكم نَجَاسَته عِنْد استقراره مُنْفَصِلا إِلَى الأَرْض أَو الْإِنَاء. وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة: أَنه نجس نَجَاسَة مُخَفّفَة مثل بَوْل مَا يُؤْكَل فَلَا يمْنَع جَوَاز الصَّلَاة مَا لَا يبلغ ربع الثَّوْب. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَنه طَاهِر غير مطهر، وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: هُوَ طَاهِر، وَزَاد مَالك فَقَالَ: مطهر وَعَن أَحْمد نَحوه. وَأَجْمعُوا على جَوَاز وضوء الرجل بِفضل الْمَرْأَة إِن خلت بِالْمَاءِ إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَإِنَّهُ منع من ذَلِك وَاحْتج لَهُ بِحَدِيث لم يرو فِي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الْكتاب، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه قَالَ: أكرهه. وَأَجْمعُوا على أَن الْجنب وَالْحَائِض والمشرك إِذا غمس كل وَاحِد مِنْهُم يَده فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل، فَإِن المَاء بَاقٍ على طَهَارَته. وَاخْتلفُوا فِي الْبِئْر تخرج مِنْهَا فَأْرَة وَقد كَانَ تَوَضَّأ مِنْهَا متوضئ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت متفسخة أعَاد ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن لم تكن متفسخة أعَاد صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِن كَانَ المَاء يَسِيرا أعَاد من الصَّلَوَات مَا يغلب على ظَنّه أَنه تَوَضَّأ مِنْهَا بعد وُقُوعهَا وَإِن كَانَ كثيرا وَلم يتَغَيَّر لم يعد. وَإِن تغير أعَاد من وَقت التَّغَيُّر، وَمذهب مَالك أَنه إِن كَانَ المَاء معينا وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يتَغَيَّر أَو ضَاقَ فَهُوَ طَاهِر وَلَا إِعَادَة على الْمُصَلِّي مِنْهُ، وَإِن كَانَ غير معِين كالمواجن وأشباهها فَلهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: رَاعى فِيهَا التَّغَيُّر كالمعين، وَالْأُخْرَى لم يراع فِيهَا التَّغَيُّر. وَأطلق ابْن الْقَاسِم من أَصْحَابه القَوْل بِالنَّجَاسَةِ. وَقَالَ أَصْحَاب مَالك كَعبد الْوَهَّاب وَغَيره: أَن هَذَا من ابْن الْقَاسِم على سَبِيل التَّوَسُّع فِي الْعِبَادَة، بِدَلِيل أَن الصَّلَاة إِنَّمَا تُعَاد عِنْده فِي الْوَقْت، وَلَو كَانَ نجسا نَجَاسَة خَفِيفَة لأعاد فِي الْوَقْت وَبعده. بَاب السِّوَاك اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب السِّوَاك عِنْد أَوْقَات الصَّلَوَات وَعند تغير الْفَم. وَاخْتلفُوا فِي الصَّائِم هَل يكره لَهُ السِّوَاك بعد الزَّوَال؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنه يسْتَحبّ لَهُ قبل الزَّوَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بَاب الْوضُوء أَجمعُوا على وجوب النِّيَّة فِي طَهَارَة الْحَدث، وَالْغسْل من الْجَنَابَة، لقَوْل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجب النِّيَّة فيهمَا ويصحان مَعَ عدمهَا، وَمحل النِّيَّة الْقلب وكيفيتها أَن يَنْوِي رفع الْحَدث واستباحة الصَّلَاة، وَصفَة الْكَمَال أَن ينْطق بهَا بِمَا نَوَاه فِي قلبه ليَكُون من نطق وَقيام. قيل: إِلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ كره النُّطْق بِاللِّسَانِ فِيمَا فَرْضه النِّيَّة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو أقتصر بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِه أَجزَأَهُ. بِخِلَاف مَا لَو نطق بِلِسَانِهِ دون أَن يَنْوِي بِقَلْبِه. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا نوى عِنْد الْمَضْمَضَة واستدام النِّيَّة وأستصحب حكمهَا إِلَى غسل أول جُزْء من الْوَجْه صحت طَهَارَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن بَدَأَ بِالنِّيَّةِ عِنْد غسل أول جُزْء من الْوَجْه هَل يُجزئهُ؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُجزئهُ. وَقَالَ أَحْمد: لَا تصح طَهَارَته. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّرْتِيب والموالاة فِي الطَّهَارَة مشروعان. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوبهما فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان. وَقَالَ مَالك: الْمُوَالَاة وَاجِبَة دون التَّرْتِيب، وَقَالَ الشَّافِعِي: التَّرْتِيب وَاجِب قولا وَاحِدًا، وَعنهُ فِي الْمُوَالَاة قَولَانِ قديمهما أَنَّهَا وَاجِبَة، وجديدهما أَنَّهَا لَيست بواجبة. وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: هما واجبتان، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى فِي الْمُوَالَاة أَنَّهَا لَا تجب. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب غسل الْيَدَيْنِ عِنْد الْقيام من نوم اللَّيْل ثَلَاثًا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه فَقَالُوا: أَنه غير وَاجِب أَلا أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فَإِنَّهُ أوجبه. فصل فِي الِاجْتِهَاد اخْتلفُوا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِ طَاهِر مِنْهَا بِنَجس، فَقَالَ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 حنيفَة: إِن كَانَ الْأَكْثَر هُوَ الطَّاهِر تحرى، وَإِن تَسَاويا أَو كَانَ الطَّاهِر هُوَ الْأَقَل فَلَا يتحَرَّى. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتحَرَّى على الْإِطْلَاق إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء طَاهِر بِمَاء نجس، وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء وَبَوْل فَلَا يتحَرَّى. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك، قوم مِنْهُم كمذهب الشَّافِعِي وَقَالَ قوم مِنْهُم: لَا يتحَرَّى بل يتَوَضَّأ من كل إِنَاء وَيُصلي بِعَدَد الْأَوَانِي، وَقَالَ أَحْمد: لَا يتحَرَّى بل يتَيَمَّم. وَرَوَاهُ الْخرقِيّ عَنهُ بعد أَن قَالَ: يريقهما. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهَا أَبُو بكر أَن لَهُ التَّيَمُّم من غير إِرَاقَة وَاتَّفَقُوا على وجوب غسل الْوَجْه كُله، وَغسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين وَغسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَمسح الرَّأْس. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يَجْزِي من مسح الرَّأْس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة عَنهُ: يَجْزِي قدر الرّبع. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: يَجْزِي مِقْدَار الناصية. وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة: قدر ثَلَاث أَصَابِع من أَصَابِع الْيَد. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنْهُمَا: يجب استيعابه وَلَا يَجْزِي سواهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب أَن يمسح مِنْهُ أقل مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح. وَاخْتلفُوا فِي تكْرَار الْمسْح لَهُ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنْهُمَا: لَا يسْتَحبّ، رِوَايَة وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ. وَأَجْمعُوا على أَن الْمسْح على الْعِمَامَة غير مَجْزِي إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أجَاز ذَلِك بِشَرْط أَن يكون من الْعِمَامَة شَيْء تَحت الحنك رِوَايَة وَاحِدَة، وَهل يشْتَرط أَن يكون قد لبسهَا على طَهَارَة، فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَأَن كَانَت مُدَوَّرَة لَا ذؤابة لَهَا لم يجز الْمسْح عَلَيْهَا، وَعَن أَصْحَابه فِي ذَوَات الذؤابة وَجْهَان. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي مسح الْمَرْأَة على قناعها المستدير تَحت حلقها؟ فَروِيَ عَنهُ جَوَاز الْمسْح كعمامة الرجل ذَات الحنك، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمَنْع كوقاية الْمَرْأَة. وَاخْتلفُوا فِي المضمضمة وَالِاسْتِنْشَاق، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هما واجبتان فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الطَّهَارَة الْكُبْرَى مسنونان فِي الصُّغْرَى. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هما مسنونان فيهمَا جَمِيعًا. وَقَالَ أَحْمد: هما واجبتان فيهمَا. والمضمضمة هِيَ تَطْهِير دَاخل الْفَم، وَصفَة ذَلِك أَن يُوصل المَاء إِلَى فِيهِ ثمَّ يخضخضه ويمجه، وَالِاسْتِنْشَاق يظْهر دَاخل الْأنف وَصفته أَن يجذب المَاء بِنَفسِهِ وينثره وتستحب الْمُبَالغَة فِيهِ إِلَّا أَن يكون صَائِما. وَأَجْمعُوا على أَن مسح بَاطِن الْأُذُنَيْنِ وظاهرهما سنة من سنَن الْوضُوء، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ رأى مسحهما وَاجِبا فِيمَا نقل عَن حَرْب عَنهُ، وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: يُعِيد الصَّلَاة إِذا تَركه. وَاخْتلفُوا هَل يمسحان بِمَاء الرَّأْس أَو يَأْخُذ لَهما مَاء جَدِيدا، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هما من الرَّأْس فيمسحهما بمائه، وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ من أَصْحَاب أَحْمد: رَأَيْت أَحْمد يمسحهما مَعَ الرَّأْس، وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه يسْتَحبّ أَخذ مَاء جَدِيد. وَاخْتلفُوا فِي تكْرَار مسح الْأُذُنَيْنِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 روايتيه، السّنة فيهمَا مرّة وَاحِدَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تكْرَار ذَلِك ثَلَاثًا سنة. وَعَن أَحْمد مثله فِي الرِّوَايَة الَّتِي حسن فِيهَا تكْرَار الْمسْح. وَاخْتلفُوا فِي مسح الْعُنُق فَقَالَ: أَبُو حنيفَة: هُوَ من سنَن الْوضُوء، وَقَالَ مَالك: لَيْسَ ذَلِك سنة، وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه سنة لِأَن ابْنه عبد اللَّهِ قَالَ: رَأَيْت أبي كَانَ إِذا مسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ فِي الْوضُوء مسح ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا كَانَت كثة وتخليل الْأَصَابِع سنة من سنَن الْوضُوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَاخْتلفُوا هَل يجب إمرار المَاء على المسترسل من اللِّحْيَة؟ فَروِيَ عَن مَالك وَأحمد وُجُوبه، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة أَيْضا، فَروِيَ عَنهُ: أَنه لَا يجب وَرُوِيَ وُجُوبه. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يسْتَحبّ تنشيف الْأَعْضَاء من الْوضُوء ثمَّ اخْتلفُوا هَل يكره إِذا قلم ظفره بعد الْوضُوء؟ إِلَى أَنه يكره إِلَّا أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه، والصحيحة عَنهُ أَنه لَا يكره. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي اسْتِحْبَاب تَجْدِيد الْوضُوء لكل صَلَاة هَل ترى فِيهِ فضلا؟ فَقَالَ: لَا أرى فِيهِ فضلا. وَنقل الْمروزِي قَالَ: رَأَيْت أَبَا عبد اللَّهِ يتَوَضَّأ لكل صَلَاة وَيَقُول: مَا أحْسنه لمن قوي عَلَيْهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للمحدث مس الْمُصحف. ثمَّ اخْتلفُوا فِي حمله بغلافه أَو فِي غلافه، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: لَا يجوز، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للْجنب وَالْحَائِض قِرَاءَة آيَة كَامِلَة، إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز للْجنب أَن يقْرَأ آيَات يسيرَة. وَاخْتلف عَنهُ فِي الْحَائِض فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا كالجنب. وَرُوِيَ أَنَّهَا تقْرَأ على الْإِطْلَاق. وَللشَّافِعِيّ قَول أَنه يجوز للحائض أَن تقرا، حَكَاهُ عَنهُ أَبُو ثَوْر، قَالَ صَاحب الشَّامِل: وَأَصْحَابه لَا يعْرفُونَ هَذَا القَوْل. بَاب الِاسْتِنْجَاء اخْتلفُوا فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها بالبول وَالْغَائِط، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ: لَا يجوز ذَلِك لَا فِي الصَّحَارِي وَلَا فِي الْأَبْنِيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة الْمَشْهُورَة: لَا يجوز ذَلِك فِي الصَّحَارِي، وَيجوز فِي الْبيُوت. وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة أَنه لَا يجوز استدبارها دون استقبالها، رَوَاهَا عَنهُ بكر بن مُحَمَّد. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الِاسْتِنْجَاء، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مُسْتَحبّ، وَلَيْسَ بِوَاجِب. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك، فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يجب وَهُوَ مُسْتَحبّ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ وَاجِب. وَاخْتلفُوا فِي وجوب اعْتِبَار عدد الْأَحْجَار من الِاسْتِجْمَار، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الِاعْتِبَار بالإنقاء، فَإِن حصل بِحجر وَاحِد لم يسْتَحبّ الزِّيَادَة عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يعْتَبر مَعَ الانقاء الْعدَد وَهُوَ ثَلَاث أَحْجَار، حَتَّى لَو أنقى بِدُونِهَا لم يجزه حَتَّى ينقى بهَا، فَإِن لم ينق بِثَلَاثَة زَاد حَتَّى ينقى. وَاخْتلفُوا هَل يَجْزِي الِاسْتِنْجَاء بالروث والعظم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجزى، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَجْزِي. وَاخْتلف موجبوا الْعدَد فِي الْحجر الَّذِي لَهُ ثَلَاث شعب هَل يقوم مقَام الثَّلَاث؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: يقوم مقامهن، وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فَروِيَ الْمَاوَرْدِيّ عَنهُ جَوَاز ذَلِك، وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ، وَنقل عَنهُ حَنْبَل أَنه لَا يُجزئهُ وأصل كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء أَن يبْدَأ بالأحجار فَإِذا أنقي بِهن أتبعهن بِالْمَاءِ، وَأَن يبْدَأ بمقدمة بعد أَن يستبرئ بالنثر، ثمَّ يعْتَبر فِي الدبر ذهَاب اللزوجة وَظُهُور الخشونة، فَإِن أنس بحلقه الدبر شَيْئا من غير اللزوجة تبعه بِأُصْبُعَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فِيمَا وَرَاء ذَلِك، وَأَن يكون عدد ذَلِك سبع مَرَّات، وَأَن ينْقض بعد ذَلِك بِشَيْء من المَاء ليزول عَنهُ الوسواس. وَإِن اقْتصر على المَاء دون الْحجر فَهُوَ أفضل من أَن يقْتَصر على الْحجر دون المَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَالْجمع بَين الْحجر وَالْمَاء أفضل. بَاب مَا ينْقض من الْوضُوء اتَّفقُوا على أَن نوم المضطجع والمستند والمتكئ ينْقض الْوضُوء. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن نَام على حَالَة من أَحْوَال الْمُصَلِّين، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض وَإِن طَال إِن كَانَ على حَالَة من أَحْوَال الصَّلَاة، فَإِذا وَقع على جنبه أَو اضْطجع انْتقض وضوءه. وَقَالَ مَالك: ينْقض فِي حَال الرُّكُوع وَالسُّجُود إِذا طَال دون الْقيام وَالْقعُود. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا كَانَ قَاعِدا أَي مُمكنا، لم ينْتَقض وضوءه وينقض فِيمَا عداهُ من الْأَحْوَال فِي الْجَدِيد، وَقَالَ فِي الْقَدِيم: لَا ينْتَقض وضوءه. وَعَن أَحْمد رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ: إِذا كَانَ يَسِيرا على حَالَة من أَحْوَال الصَّلَاة وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أَربع: الْقيام وَالْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، لم ينْتَقض الْوضُوء وَإِن طَال نقض. وَقَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة: إِذا نَام رَاكِعا أَو سَاجِدا، فَإِن عَلَيْهِ إِعَادَة الرَّكْعَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة الْوضُوء. وَالثَّانيَِة: لَا ينْقض فِي الْقيام وَالْقعُود كمذهب الْحَنَفِيَّة وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ، وَالثَّالِثَة اخْتَارَهَا ابْن أبي مُوسَى: لَا ينْقض فِي حَالَة الْقعُود خَاصَّة وينقض قَائِما. وَأَجْمعُوا على أَن الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء سَوَاء كَانَ نَادرا أَو مُعْتَادا قَلِيلا أَو كثيرا نجسا أَو طَاهِرا، إِلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ لَا يرى النَّقْض بالنادر كالدود والحصى وَغَيره. وَاخْتلفُوا فِي خُرُوج النَّجَاسَات من غير السَّبِيلَيْنِ كالقئ والحجامة والفصادة والرعاف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْقَيْء يَسِيرا لَا ينْقض، وَإِن كَانَ دودا أَو حَصَاة أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قِطْعَة لحم، فَإِنَّهُ ينْقض على كل حَال. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا نقض بِشَيْء من ذَلِك على كل حَال. وَقَالَ أَحْمد فِي ذَلِك كُله: إِن كَانَ كثيرا فَاحِشا نقض رِوَايَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ يَسِيرا فعلى رِوَايَتَيْنِ ذكرهمَا ابْن أبي مُوسَى فِي الْإِرْشَاد، أَحدهمَا: ينْقض، وَالثَّانِي: لَا ينْقض. وَاخْتلفُوا فِي انْتِقَاض الْوضُوء بلمس النِّسَاء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا نقض على الْإِطْلَاق إِلَّا أَن بَاشَرَهَا مُبَاشرَة بَالِغَة تَنْتَهِي إِلَى مَا دون الْإِيلَاج. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ بِشَهْوَة نقض، إِلَّا الْقبْلَة فِي رِوَايَة أصبغ بن الْفرج فَإِنَّهَا تنقض الْوضُوء على كل حَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا لمس امْرَأَة غير ذَات محرم من غير حَائِل انْتقض وضوءه بِكُل حَال وَله فِي لمس ذَوَات الْمَحَارِم قَولَانِ، أَحدهمَا: ينْقض الْوضُوء، وَالثَّانِي: لَا ينْقض. ولأصحابه من لمس الصَّغِيرَة والكبيرة اللَّتَيْنِ لَا يشتهى مثلهمَا وَجْهَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل ثَلَاث رِوَايَات، الأولى: لَا نقض بِحَال، وَالثَّانيَِة: ينْقض بِكُل حَال، وَالثَّالِثَة وَهِي الصَّحِيحَة عِنْده: أَنه ينْقض إِن كَانَ بِشَهْوَة، وَإِن كَانَ بِغَيْر شَهْوَة لَا ينْقض كمذهب مَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَن مس فرج غَيره. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: ينْقض وضوء اللامس، وَإِن كَانَ الملموس صَغِيرا أَو كَبِيرا حَيا أَو مَيتا. وَقَالَ مَالك ": ينْقض إِلَّا من الصَّغِير. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض بِحَال. وَاخْتلفُوا فِي وضوء الملموس هَل ينْقض أَيْضا؟ فأنزله مَالك منزلَة اللامس، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أظهرهمَا أَنه لَا ينْتَقض طهر الملموس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ. وَاتَّفَقُوا فِيمَن مس فرجه بِغَيْر يَده من أَعْضَائِهِ أَنه لَا ينْقض وضوءه. وَاخْتلفُوا فِيمَن مَسّه بباطن كَفه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض وضوءه، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: ينْقض، وَعَن أَحْمد فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا ينْقض. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة المصريين مثل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْعِرَاقِيّين المراعاة للذة، فَإِن وجدت انْتقض، وَإِن لم تُوجد لم ينْتَقض كلمس النَّاسِي وَهُوَ الَّذِي نَصره أَصْحَابه، وَأجْمع من رأى الانتقاض بِهِ على أَن ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ من غير حَائِل أما إِذا كَانَ من وَرَاء حَائِل لم ينْتَقض الْوضُوء بِحَال إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا فرق عِنْده بَين وجود الْحَائِل وَعَدَمه إِذا لم يكن من الصفاقة بِحَيْثُ يمْنَع اللَّذَّة الْمُعْتَبرَة عِنْده، فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مَسّه بأصبع زَائِدَة أَو بِحرف كَفه أَو بِمَا بَين الْأَصَابِع فلأصحابه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا لَا ينْتَقض. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا ينْقض بِكُل حَال. وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: ينْقض. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا وضوء على من مس أنثييه، سَوَاء كَانَ من وَرَاء حَائِل أَو من غير حَائِل. وَأَجْمعُوا على أَن من لمس الْغُلَام الْأَمْرَد، وَإِن كَانَ بِشَهْوَة لَا ينْقض وضوءه إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: ينْقض وضوء، وَوَافَقَهُ أَبُو سعيد الاصطخري من أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة تمس فرجهَا هَل ينْقض وضوءها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا ينْتَقض وضوءها. وَقَالَ الشَّافِعِي: ينْقض وضوءها قولا وَاحِدًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا رِوَايَة الْمروزِي قَالَ: وَقد سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تمس فرجهَا هَل هِيَ مثل الرجل تتوضأ؟ فَقَالَ: لم أسمع فِيهِ شَيْئا إِنَّمَا سَمِعت فِي الرجل. فَظَاهر هَذَا أَنه لَا يجب الْوضُوء. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنَّهَا ينْتَقض وضوءها. وَاخْتلفُوا فِيمَن مس حلقه الدبر، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الرِّوَايَتَيْنِ: لَا ينْقض وضوءه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ينْتَقض وضوءه. وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه لَا ينْقض، حَكَاهُ ابْن القَاضِي عَنهُ. وَأَجْمعُوا على أَن أكل لحم الْجَزُور وَالرِّدَّة، وَالْعِيَاذ بِاللَّه، وَغسل الْمَيِّت لَا ينْقض الْوضُوء إِلَّا أَحْمد فَإِن ذَلِك كُله عِنْده ينْقض الْوضُوء. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: أكل لحم الْجَزُور ينْقض الْوضُوء، حَكَاهُ ابْن الْقَاص. وَأَجْمعُوا على أَن القهقهة فِي الصَّلَاة تبطلها. وَاخْتلفُوا فِي انْتِقَاض الْوضُوء بهَا، فَقَالُوا: لَا ينْقض الْوضُوء إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تنقض الْوضُوء أَيْضا فِي صَلَاة ذَات رُكُوع وَسُجُود. وَأَجْمعُوا على أَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث فَهُوَ على الطَّهَارَة إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْنِي على الْحَدث وَيتَوَضَّأ. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة. بَاب الْغسْل أَجمعُوا على أَن الْغسْل يجب بالتقاء الختانين. وَكَيْفِيَّة الْغسْل أَن يغسل مَا بِهِ من أَذَى وَيغسل دبره تغوط أَو لم يتغوط، وَيَنْوِي مَحل النِّيَّة الْقلب كَمَا قدمنَا، وَيَنْوِي فرض الْغسْل من الْجَنَابَة، أَو رفع الْحَدث الْأَكْبَر ويسمي اللَّهِ تَعَالَى وَيتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة. ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه وَسَائِر جسده. قلت: وَيسْتَحب أَن يصون الْإِزَار الَّذِي يغسل فِيهِ الْأَذَى من أَن يُصِيبهُ بَلل بِالْمَاءِ المزال بِهِ النَّجَاسَة فَإِن تنَاول بعد إِزَالَة الْأَذَى وزرة أُخْرَى إِن أمكنه ذَلِك كَانَ أحوط، فَإِن الْمُؤمن يكره أَن يُبْدِي عَوْرَته وَإِن كَانَ خَالِيا، فَإِن اضْطر وَلم يجد المئزر، فليجتمع وليتضام، وَلَا ينْتَصب إِلَّا بعد تنَاول أثوابه، ثمَّ يغسل رجلَيْهِ متحولا عَن مَوْضِعه ذَلِك، وَلَو اقْتصر على النِّيَّة وَعم المَاء جسده وَرَأسه أَجزَأَهُ عِنْد أَحْمد وَأبي حنيفَة بعد أَن يتمضمض ويستنشق، وَلَو أخل بالمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق أَجزَأَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ذَلِك عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط الدَّلْك فِي الظَّاهِر عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عصى اللَّهِ وأولج فِي فرج بَهِيمَة. فَقَالُوا: يجب الْغسْل، إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب الْغسْل حَتَّى ينزل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اغْتسل الْجنب ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء بعد ذَلِك، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ بعد الْبَوْل فَلَا غسل عَلَيْهِ، وَقَبله فِيهِ الْغسْل. وَعَن أَحْمد رِوَايَة مثله، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب عَلَيْهِ الْغسْل على الْإِطْلَاق بانتقال الْمَنِيّ. وَعَن أَحْمد وَمَالك نَحوه. وَعَن مَالك لَا غسل عَلَيْهِ على الْإِطْلَاق، وَعَن أَحْمد نَحوه. وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب الْغسْل على من أسلم. فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: إِذا أسلم الْكَافِر أَحْبَبْت لَهُ أَن يغْتَسل، وَأَن يحلق شعره. وَأَجْمعُوا على أَن الْحيض يُوجب الْغسْل، وَكَذَلِكَ دم النّفاس، وَأما خُرُوج الْوَلَد فَيُوجب الْغسْل عِنْد مَالك وَأحمد، وَأحد وَجْهي أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا نزل الْمَنِيّ بِشَهْوَة وَجب الْغسْل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نزل من غير شَهْوَة. فَقَالَ الشَّافِعِي: يجب الْغسْل، وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يجب. وَاخْتلفُوا فِي مني الْآدَمِيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ نجس إِلَّا أَنه إِن كَانَ رطبا يغسل وَإِن كَانَ يَابسا يفرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَقَالَ مَالك: هُوَ نجس وَيغسل رطبا ويابسا، فَإِن نطقه فِي ذَلِك يدل على أَن غسل الِاحْتِلَام من الثَّوْب أَمر وَاجِب وَهَذَا القَوْل مُشْتَقّ من حكمه بِنَجَاسَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ طَاهِر رطبا ويابسا. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه طَاهِر كمذهب الشَّافِعِي. وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنه نجس كمذهب أبي حنيفَة فَيغسل رطبه ويفرك يابسه. وَأَجْمعُوا على نَجَاسَة الْمَذْي إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أَحْمد فِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كالمني سَوَاء. وَاتَّفَقُوا على انه يجب من خُرُوجه غسل الذّكر وَالْوُضُوء إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يغسل ذكره وأنثييه وَيتَوَضَّأ. فصل فِيمَن مسته النَّار وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجب الْوضُوء من أكل مَا مسته النَّار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بَاب التَّيَمُّم أَجمعُوا على جَوَاز التَّيَمُّم بالصعيد الطّيب عِنْد عدم المَاء أَو الْخَوْف من اسْتِعْمَاله لقَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} . قَالَ أهل اللُّغَة: التَّيَمُّم الْقَصْد والتعمد وَهُوَ من قَوْلك: دَاري أَمَام فلَان، أَي مقابلتها. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّعِيد الطّيب نَفسه، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يجوز بِمَا اتَّصل بِهِ جنس سَائِر الأَرْض مِمَّا لَا ينطبع كالنورة والجص والزرنيخ. زَاد مَالك فَقَالَ: وَيجوز بِمَا اتَّصل بِالْأَرْضِ كالنبات. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز التَّيَمُّم بِغَيْر التُّرَاب وَهُوَ مُوَافق لقَوْل أهل اللُّغَة. وَأَجْمعُوا على أَن النِّيَّة شَرط فِي صِحَة التَّيَمُّم، وَصفَة النِّيَّة للتيمم أَن يَنْوِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 اسْتِبَاحَة فرض الصَّلَاة لَا رفع الْحَدث. وَأَجْمعُوا على أَن مَا لَا ينطبع كالحديد والنحاس والرصاص لَا يُسمى صَعِيدا، وَلَا يجوز التَّيَمُّم بِهِ. وَأَجْمعُوا على أَن التَّيَمُّم لَا يرفع حَدثا، وَإِنَّمَا فَائِدَته أَن الْمُتَيَمم إِذا رأى المَاء قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة بَطل تيَمّمه وَلَزِمَه اسْتِعْمَال المَاء. وَلَو كَانَ رفع الْحَدث على الِاسْتِمْرَار لما لزمَه اسْتِعْمَال المَاء. وَاخْتلفُوا فِي قدر الْأَجْزَاء فِي التَّيَمُّم، فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: ضربتان إِحْدَاهمَا للْوَجْه جَمِيعه، وَالثَّانيَِة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين. وَاخْتلف عَن الشَّافِعِي فَقَالَ فِي الْقَدِيم: ضربتان، ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة للكفين، وَقَالَ فِي الْجَدِيد: قدر الْإِجْزَاء مسح الْوَجْه جَمِيعه وَمسح الْيَدَيْنِ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الْمرْفقين بضربتين أَو ضربات، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب. وَقد أنكر أَبُو حَامِد إِسْحَاق الإسفرائيني القَوْل الْقَدِيم وَلم يعرفهُ وَالْمَنْصُوص هُوَ هَذَا القَوْل قَدِيما وجديدا كمذهب أبي حنيفَة، وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأحمد: قدره ضَرْبَة للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ، تكون بطُون الْأَصَابِع للْوَجْه وبطون راحتيه لكفيه. قلت: وَهُوَ أنسب وألأم لحَال الْمُسَافِر لضيق أثوابه الَّتِي يجد الْمَشَقَّة فِي إِخْرَاج ذِرَاعَيْهِ من كميه غَالِبا. وَيَنْبَغِي لمن تيَمّم بضربتين أَن يحول الثَّانِيَة عَن الْموضع الَّذِي ضرب عَلَيْهِ أَولا، إِلَى مَوضِع آخر احْتِرَازًا من أَن يكون قد سقط من ذَلِك الْمَكَان فِي التُّرَاب الَّذِي اسْتَعْملهُ. وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى كَقَوْل أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنْهَا، وَيَنْبَغِي للمتيمم أَن ينْزع الْخَاتم من يَده لِئَلَّا يحول بَين الصَّعِيد وَبَين مَا دَاخل حلقه الْخَاتم. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تيَمّم لفريضة صلاهَا ثمَّ صلى النَّوَافِل وَقضى الْفَوَائِت إِلَى أَن يدْخل وَقت صَلَاة أُخْرَى، إِلَّا مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: يُصليهَا والنوافل خَاصَّة، وَلَا يقْضِي بذلك التَّيَمُّم الْفَوَائِت بل يكون لكل فَرِيضَة تيَمّم لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّم وَاحِد أَكثر من فَرِيضَة وَاحِدَة ونوافل. وَاخْتلفُوا فِي التَّيَمُّم بنية النَّفْل هَل يستبيح بِهِ الْفَرْض؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز لَهُ صَلَاة الْفَرْض بِهَذَا التَّيَمُّم وَكَذَلِكَ إِذا نوى الطَّهَارَة الْمُطلقَة لم يجز لَهُ بهَا صَلَاة الْفَرْض. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يستبيح بتيممه ذَلِك صَلَاة الْفَرْض فِي الْحَالَتَيْنِ وَله أَن يُصَلِّي بِهَذَا التَّيَمُّم فرضين وَأكْثر. وَاخْتلفُوا فِي التَّيَمُّم لشدَّة الْبرد فِي السّفر وَالْإِقَامَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا خشى الصَّحِيح الْمُقِيم أَو الْمُسَافِر من اسْتِعْمَال المَاء فِي الْحَضَر أَو السّفر أَيْضا، فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيُصلي وَلَا يُعِيد على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك كَذَلِك إِلَّا أَنه زَاد فَقَالَ: إِن لم يخْش وخشي فَوت الْوَقْت إِن ذهب إِلَى المَاء، تيَمّم وَصلى وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَ حَاضرا مُقيما فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى، فَإِن خشِي زِيَادَة الْمَرَض بِاسْتِعْمَال المَاء وَتَأْخِير الْبُرْء، جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 لَهُ التَّيَمُّم. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن تيَمّم للمرض وَهُوَ وَاجِد للْمَاء خوف التّلف، وَصلى ثمَّ برْء /، لم تلْزمهُ الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا. وَإِن لم يخف التّلف بل خَافَ زِيَادَة الْمَرَض أَو بطيء الْبُرْء بِاسْتِعْمَال المَاء، فَهَل يجوز لَهُ التَّيَمُّم؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يجوز لَهُ إِلَّا مَعَ خوف التّلف، وَالثَّانِي: يجوز. وَإِن تيَمّم الصَّحِيح لشدَّة الْبرد وَصلى وَهُوَ مُقيم لزمَه الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا. وَفِي الْمُسَافِر فِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: إِذا تيَمّم الْمُقِيم الصَّحِيح لشدَّة الْبرد، وَخَوف الْمَرَض وَصلى أعَاد فِي إِحْدَى روايتيه، وَالْأُخْرَى لَا يُعِيد. وَأما إِذا كَانَ مُسَافِرًا أَو مَرِيضا فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيُصلي وَلَا يُعِيد، رِوَايَة وَاحِدَة. وَأَجْمعُوا على أَنه يجوز للْجنب التَّيَمُّم، كَمَا يجوز للمحدث بِشَرْطِهِ. وَأَجْمعُوا على أَن الْمُسَافِر إِذا كَانَ مَعَه مَاء وَهُوَ يخْشَى الْعَطش فَإِنَّهُ يحْبسهُ لشربه وَيتَيَمَّم. وَاخْتلفُوا فِي الْمُوَالَاة وَالتَّرْتِيب فِي التَّيَمُّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان، وَقَالَ مَالك: تجب الْمُوَالَاة دون التَّرْتِيب، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب التَّرْتِيب قولا وَاحِدًا وَعنهُ فِي الْمُوَالَاة قَولَانِ، جديدهما: أَنَّهَا لَيست بواجبه وَلكنهَا مسنونة. وَقَالَ أَحْمد: يجب التَّرْتِيب قولا وَاحِدًا، وَعنهُ فِي الْمُوَالَاة رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: أَنَّهَا وَاجِبَة وَالْأُخْرَى مسنونة. وَاخْتلفُوا فِيمَن حَضرته الصَّلَاة وَلم يجد مَاء وَلَا صَعِيدا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُصَلِّي حَتَّى يجد المَاء أَو الصَّعِيد. وَعَن مَالك ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهَا: هَكَذَا، وَالثَّانيَِة: أَنه يُصَلِّي على حسب حَاله وَيُعِيد إِذا وجد المَاء، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي فِي قَوْله الْجَدِيد، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَالْقَوْل الْقَدِيم كمذهب أبي حنيفَة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: يُصَلِّي وَلَا يُعِيد. وَالثَّالِثَة: عَن مَالك كَذَلِك. وَأَجْمعُوا على أَن الْمُحدث إِذا تيَمّم ثمَّ وجد المَاء قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة يبطل تيَمّمه، وَيجب عَلَيْهِ اسْتِعْمَال المَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا رأى المَاء وَقد تلبس بِالصَّلَاةِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تبطل صلَاته وتيممه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يمْضِي فِي صلَاته وَهِي صَحِيحَة إِلَّا أَن الشَّافِعِي شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة بِهَذَا التَّيَمُّم أَن يكون مُسَافِرًا. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا رأى المَاء بعد فَرَاغه من الصَّلَاة لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْوَقْت بَاقِيا إِن كَانَ مُسَافِرًا سفرا طَويلا مُبَاحا. وَاخْتلفُوا فِي طلب المَاء هَل هُوَ شَرط فِي التَّيَمُّم أَو لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِشَرْط. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: شَرط. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَن بعضه صَحِيح وَآخر جريح. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاعْتِبَار بِالْأَكْثَرِ، فَإِن كَانَ هُوَ الصَّحِيح غسله، وَسقط حكم الجريح إِلَّا أَنه يسْتَحبّ مَسحه وَإِن كَانَ هُوَ الْأَقَل تيَمّم وَسقط الْغسْل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يغسل الصَّحِيح، وَيتَيَمَّم للجريح. وَقَالَ مَالك: يغسل الصَّحِيح وَيمْسَح الجريح وَلَا يتَيَمَّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نسى المَاء فِي رَحْله وَتيَمّم وَصلى ثمَّ ذكر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يُعِيد. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فِي الْإِعَادَة. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم لصَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَصَلَاة الْجِنَازَة فِي الْحَضَر، وَإِن خَافَ فَوتهَا إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ أجَاز ذَلِك فِي الْحَضَر. بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ أَجمعُوا على جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. وَاتَّفَقُوا على جَوَازه فِي الْحَضَر إِلَّا فِي رِوَايَة عَن مَالك. وَاتَّفَقُوا على أَن مُدَّة هَذَا الْمسْح فِي حَالَة السّفر والحضر توقيته للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن، وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا تَوْقِيت لَهُ عِنْده. وَحكى الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي إِنَّه قَالَ: لَا تَوْقِيت بِحَال إِلَّا أَنه قَالَ: إِلَّا أَن يجب عَلَيْهِ غسل ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَاتَّفَقُوا على أَن الْمسْح لما حَاذَى ظَاهر الْقَدَمَيْنِ. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يسن مسح مَا حَاذَى بَاطِن الْقَدَمَيْنِ أَيْضا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسن. وَاتَّفَقُوا فِي قدر الْإِجْزَاء من الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئ قدر ثَلَاث أَصَابِع وصاعدا. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح. وَمذهب أَحْمد مسح الْأَكْثَر. وَمَالك يرى الِاسْتِيعَاب لمحل الْفَرْض فِي الْمسْح حَتَّى لَو أخل بمسح مَا يُحَاذِي بَاطِن الْقدَم، أعَاد الصَّلَاة اسْتِحْبَابا فِي الْوَقْت. وَأَجْمعُوا على أَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مرّة وَاحِدَة يُجزئ. وَأَجْمعُوا على أَنه مَتى نزع إِحْدَى الْخُفَّيْنِ، وَجب عَلَيْهِ نزع الآخر. وَهل يُعِيد الْوضُوء أم يقْتَصر على غسل الرجلَيْن؟ فَفِيهِ عِنْد الشَّافِعِيَّة خلاف. وَأَجْمعُوا على أَن من أكمل طَهَارَته، ثمَّ لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُسَافر سفرا مُبَاحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 تقصر فِي مثله الصَّلَاة، ثمَّ أحدث لَهُ أَن يمسح عَلَيْهِمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن ابْتِدَاء مُدَّة الْمسْح من وَقت الْحَدث لَا من وَقت الْمسْح، إِلَّا رِوَايَة عَن أَحْمد أَنه من وَقت الْمسْح إِلَى الْمسْح. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح بطلت طَهَارَة الرجلَيْن إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ على أَصله فِي ترك مُرَاعَاة التَّوْقِيت. وَاخْتلفُوا هَل يبطل جَمِيع الْوضُوء بخلع الْخُفَّيْنِ، أَو بِانْقِضَاء مُدَّة الْمسْح؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يغسل رجلَيْهِ وَيصِح وضوءه. وَقَالَ مَالك: كَذَلِك فِي الْخلْع للخفين، فَأَما انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح فَلَا نتصور الْبطلَان عِنْده بذلك لِأَنَّهُ لَا يرى التَّوْقِيت. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يبطل جَمِيع الْوضُوء، وَالْآخر: يغسل رجلَيْهِ خَاصَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا انه يبطل جَمِيع الْوضُوء، ويستأنف. وَالْأُخْرَى قَالَ فِيهَا: أَرْجُو أَن يُجزئهُ، يَعْنِي غسل الرجلَيْن، وَفِي نطق أَجزَاء لِأَحْمَد أعجب إِلَيّ وَأحب إِلَيّ أَن يُعِيد الْوضُوء. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز إِلَّا أَن يَكُونَا من جُلُود أَو مجلدين أَو منعلين. وَقَالَ أَحْمد: يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا إِذا كَانَا تخينين لَا ينقطعان إِذا مَشى فيهمَا. وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صاحبا أبي حنيفَة. بَاب الْحيض أَجمعُوا على أَن من أَحْدَاث النِّسَاء الْحيض. قَالَ أهل اللُّغَة: الْحيض نزُول دم الْمَرْأَة لوَقْتهَا الْمُعْتَاد. وَأَجْمعُوا على أَن فرض الصَّلَاة سَاقِط عَن الْحَائِض مُدَّة حَيْضهَا وَأَنه لَا يجب عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ. وَأَجْمعُوا على أَن فرض الصَّوْم عَلَيْهَا حَال الْحيض غير سَاقِط عَنْهَا مُدَّة حَيْضهَا إِلَّا أَنَّهَا يحرم الصَّوْم عَلَيْهَا فِي حَال حَيْضهَا وَيجب عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم عَلَيْهَا الطّواف بِالْبَيْتِ. وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم عَلَيْهَا اللّّبْث فِي الْمَسْجِد. وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم وطئ الْحَائِض فِي الْفرج، حَتَّى يَنْقَطِع حَيْضهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا رَأَتْ الطُّهْر وَلم تَغْتَسِل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن انْقَطع لأكْثر الْحيض كعشرة أَيَّام جَازَ وَطئهَا، وَإِن كَانَ لأقله لم يجز حَتَّى تَغْتَسِل أَو يمضى عَلَيْهَا آخر وَقت صَلَاة، فَيجب عَلَيْهَا الصَّلَاة وَهَذَا إِذا كَانَت مُبتَدأَة لَهَا عَادَة مَعْرُوفَة، وَانْقطع لعادتها. فَأَما إِذا انْقَطع بِدُونِ عَادَتهَا فَلَا يَطَأهَا الزَّوْج، وَإِن اغْتَسَلت وصلت حَتَّى تستكمل عَادَتهَا احْتِيَاطًا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تَغْتَسِل. وَاخْتلفُوا فِيمَا يحل الِاسْتِمْتَاع بِهِ من الْحَائِض. فَقَالَ أَبُو حنفية وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يحل لَهُ مُبَاشرَة مَا فَوق الْإِزَار وَيحرم عَلَيْهِ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَقَالَ أَحْمد: يجوز لَهُ وَطئهَا فِيمَا دون الْفرج. وَوَافَقَهُ مُحَمَّد بن الْحسن، وَأصبغ بن الْفرج من كبار أَصْحَاب مَالك، وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِي الْحَائِض يَنْقَطِع حَيْضهَا وَلَا تَجِد مَاء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تتيمم وَتصلي بِهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تَغْتَسِل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يحل وَطئهَا إِذا تيممت، وَلَو لم تصل بِهِ. وَاخْتلفُوا فِي أقل سنّ تحيض فِيهِ الْمَرْأَة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَقَله تسع سِنِين. وَقَالَ الشَّافِعِي: وأعجب مَا سَمِعت من أَن نسَاء تهَامَة يحضن لتسْع سِنِين. وَقَالَ فِي بعض كتبه: رَأَيْت جدة لَهَا إِحْدَى وَعشْرين سنة. وَاخْتلفُوا فِي أقل الْحيض وَأَكْثَره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَقَله ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام. وَقَالَ مَالك: لَا حد لأقله، فَلَو رَأَتْ بقْعَة كَانَ حيضا وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَقَله يَوْم وَلَيْلَة. وَرُوِيَ عَنْهُمَا: يَوْم وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَاخْتلفُوا فِي المبتدأة إِذْ رَأَتْ الدَّم وَجَاوَزَ دَمهَا أَكثر الْحيض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده. وَعَن مَالك ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا تجْلِس عِنْد أَكثر الْحيض، ثمَّ تكون مُسْتَحَاضَة وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَغَيره. وَالثَّانيَِة: تجْلِس عَادَة نسائها. وَالثَّالِثَة: تستظهر بِثَلَاثَة أَيَّام مَا لم تجَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهِي رِوَايَة وهب وَغَيره. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت مُمَيزَة فَقَوْلَانِ، أَحدهمَا: ترد إِلَى أقل الْحيض عِنْده، وَالْآخر إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات، إِحْدَاهَا: تجْلِس أقل الْحيض عِنْده اخْتَارَهَا أَبُو بكر، وَالثَّانيَِة: تجْلِس سِتا أَو سبعا وَهُوَ الْغَالِب من عادات النِّسَاء، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالثَّالِثَة: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده. وَالرَّابِعَة: تجْلِس عَادَة نسائها هَذَا فِي المبتدأة. والمميزة الَّتِي تميز بَين الدمين أَي تفرق بَين دم الْحيض وَدم الِاسْتِحَاضَة باللون والقرام وَالرِّيح القذر. فدم الْحيض أسود تخين، وَدم الِاسْتِحَاضَة أَحْمَر رَقِيق لَا نَتن فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي الْمُسْتَحَاضَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ترد إِلَى عَادَتهَا إِن كَانَ لَهَا عَادَة، فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة فَلَا اعْتِبَار بالتمييز، فَإِن كَانَت مُمَيزَة ردَّتْ إِلَيْهِ. وَإِن لم تكن لَهَا تَمْيِيز بِأَن لم تَحض أصلا وصلت أبدا، وَهَذَا فِي الشَّهْر الثَّانِي وَالثَّالِث، فَأَما فِي الشَّهْر الأول فَلهُ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده. وَالثَّانيَِة: تجْلِس أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة فِيهِ، وتستظهر بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام وتغتسل وتوطأ. وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه إِن كَانَ لَهَا تَمْيِيز وَعَادَة قدم التَّمْيِيز على الْعَادة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَإِن عدم التَّمْيِيز، ردَّتْ إِلَى الْعَادة وَإِن عدما مَعًا صَارَت مُبتَدأَة، وَقد مضى حكمهَا عِنْده. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ لَهَا عَادَة وتمييز ردَّتْ إِلَى الْعَادة، فَإِن عدمت الْعَادة ردَّتْ إِلَى التَّمْيِيز، وَإِن عدما مَعًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: تجْلِس أقل الْحيض عِنْده، وَالْأُخْرَى: تجْلِس غَالب عَادَة النِّسَاء سِتا أَو سبعا. وَاخْتلفُوا فِي الْحَامِل هَل تحيض؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تحيض. وَقَالَ مَالك: تحيض. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا هَل لانْقِطَاع الْحيض أمد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَته عَن الْحسن بن زِيَاد: من خمس وَخمسين إِلَى سِتِّينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: فِي الرِّوَايَات خمس وَخَمْسُونَ سنة وَفِي المولدات سِتُّونَ سنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ حد، وَإِنَّمَا الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعَادَات فِي الْبلدَانِ فَإِنَّهُ يخْتَلف باختلافها. فيسرع الْيَأْس فِي الْبِلَاد الحارة، ويتأخر فِي الْبِلَاد الْبَارِدَة. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَن عَائِشَة: خَمْسُونَ سنة فِي العربيات، وَفِي غَيْرهنَّ، وَالثَّانيَِة سِتُّونَ، وَالثَّالِثَة إِذا كن عربيات فالغاية سِتُّونَ وَإِن كن قبطيات أَو عجميات فخمسون. وَاخْتلفُوا فِي وطئ الْمُسْتَحَاضَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ مُبَاح. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يكره، وَلَا يلْزم بِهِ شَيْء. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يحرم إِلَّا أَن يخَاف الْعَنَت، وَهُوَ الْفُجُور، واختارها الْخرقِيّ. وَالطُّهْر من الْحيض مَتى أطلقناه فلسنا نعني بِهِ إِلَّا مَا ترَاهُ النِّسَاء عِنْد انْقِطَاع الْحيض وَهُوَ الْقِصَّة الْبَيْضَاء. أَجمعُوا على أَن النّفاس من أَحْدَاث النِّسَاء، وَأَنه يحرم مَا يحرمه الْحيض وَيسْقط مَا يسْقطهُ. قَالَ أهل اللُّغَة: وَالنُّفَسَاء سميت بذلك لسيلان الدَّم وَالدَّم يُسمى نفسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 قَالَ الشَّاعِر: (تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وَلَيْسَ على غير السيوف تسيل) وَاخْتلفُوا فِي أَكثر النّفاس: فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا. وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا حد لأكثره بل تجْلِس أقْصَى مَا تجْلِس النِّسَاء وَترجع فِي ذَلِك إِلَى أهل الْعلم والخبرة مِنْهُنَّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا انْقَطع دم النُّفَسَاء قبل الْغَايَة هَل تُوطأ؟ فَقَالُوا: تُوطأ، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ كره وَطئهَا حَتَّى تتمّ الْغَايَة عِنْده وَهِي أَرْبَعُونَ يَوْمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كتاب الصَّلَاة أَجمعُوا على أَن الصَّلَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام الْخَمْسَة. قَالَ تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} . وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا خمس صلوَات. وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا سَبْعَة عشر رَكْعَة. الْفجْر رَكْعَتَانِ، وَالظّهْر أَربع، وَالْعصر أَربع، وَالْمغْرب ثَلَاث، وَالْعشَاء أَربع. وَأَجْمعُوا على أَن اللَّهِ فَرضهَا على كل مُسلم بَالغ عَاقل، وعَلى كل مسلمة بَالِغَة عَاقِلَة، خَالِيَة من حيض ونفاس. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يسْقط فَرضهَا فِي حق من جرى عَلَيْهِ التَّكْلِيف من الرِّجَال الْعُقَلَاء الْبَالِغين، وخطابهم إِلَى مُعَاينَة الْمَوْت وَأُمُور الْآخِرَة، وَكَذَلِكَ النِّسَاء سَوَاء مَا اختصصن بِهِ من الحدثين الْمَذْكُورين إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بِرَأْسِهِ، سقط الْفَرْض عَنهُ. وَأَجْمعُوا على أَن من وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة من المخاطبين بهَا ثمَّ امْتنع مِنْهَا جاحدا لوُجُوبهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِر وَيجب قَتله ردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن تَركهَا وَلم يصل وَهُوَ مُعْتَقد لوُجُوبهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقتل إِجْمَاعًا مِنْهُم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس أبدا حَتَّى يصلى من غير قتل. ثمَّ اخْتلف موجبوا قَتله بعد ذَلِك فِي تَفْصِيل هَذِه الْجُمْلَة. فَقَالَ مَالك: يقتل حدا، وَقَالَ ابْن حبيب من أَصْحَابه: يقتل كفرا. وَلم تخْتَلف الرِّوَايَة عَن مَالك أَنه بِالسَّيْفِ. وَإِذا قتل حدا على المستقري من مَذْهَب مَالك، فَإِنَّهُ يُورث وَيُصلي عَلَيْهِ وَله حكم أموات الْمُسلمين. وَقَالَ الشَّافِعِي " إِذا ترك الصَّلَاة مُعْتَقدًا بِوُجُوبِهَا وأقيم عَلَيْهِ الْحَد، فَيقْتل حدا وَحكمه حكم أموات الْمُسلمين. وَاخْتلف أَصْحَابه مَتى يقتل؟ ، فَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة: ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الأولى، وَهَكَذَا ذكر صَاحب الْحَاوِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَقَالَ أَبُو سعيد الآصطخري: يقتل بترك الصَّلَاة الرَّابِعَة، إِذا ضَاقَ وَقتهَا ويستتاب قبل الْقَتْل. وَاخْتلفُوا أَيْضا كَيفَ يقتل، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: الْمَنْصُوص أَنه يقتل ضربا بِالسَّيْفِ إِلَّا أَن ابْن سُرَيج قَالَ: لَا يقتل بِالسَّيْفِ وَلَكِن يحبس وَيضْرب بالخشب حَتَّى يُصَلِّي أَو يَمُوت. وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل يكفر بِتَرْكِهَا مَعَ اعْتِقَاد وُجُوبهَا، فَمنهمْ من قَالَ: يكفر بِمُجَرَّد تَركهَا لظَاهِر الحَدِيث، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يحكم بِكُفْرِهِ، وَتَأَول الحَدِيث على الِاعْتِقَاد. وَقَالَ أَحْمد: من ترك الصَّلَاة متهاونا كسلا وَهُوَ غير جَاحد وُجُوبهَا، فَإِنَّهُ يقتل رِوَايَة وَاحِدَة. وَاخْتلف عَنهُ مَتى يجب قَتله على ثَلَاث رِوَايَات. إِحْدَاهُنَّ: أَنه مَتى ترك صَلَاة وَاحِدَة وضاق وَقت الثَّانِيَة ودعي لفعلها وَلم يصل قتل، نَص عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار أَكثر أَصْحَابه، وَفرق أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا فَقَالَ: إِن ترك صَلَاة إِلَى وَقت الصَّلَاة أُخْرَى لَا تجمع مَعهَا مثل أَن يتْرك الْفجْر إِلَى الظّهْر وَالْعصر إِلَى الْمغرب قتل، وَإِن ترك صَلَاة لوقت صَلَاة أُخْرَى تجمع مَعهَا كالمغرب إِلَى الْعشَاء، وَالظّهْر إِلَى الْعَصْر، لم يقتل. وَالثَّانيَِة: إِذا ترك ثَلَاث صلوَات مُتَوَالِيَات وتضايق وَقت الرَّابِعَة، ودعى إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فعلهَا وَلم يصل، قتل. وَالثَّالِثَة: أَنه يدعى إِلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن صلى وَإِلَّا قتل، رَوَاهُ الْمروزِي. واختارها الْخرقِيّ، وَيقتل بِالسَّيْفِ رِوَايَة وَاحِدَة. وَاخْتلف عَنهُ هَل وَجب قَتله حدا أَو كفرا على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: أَنه يقتل لكفره كالمرتد، وَيجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين فَلَا يُورث وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيكون مَاله فَيْئا، وَهُوَ اخْتِيَار الْجُمْهُور من أَصْحَابه. وَالثَّانيَِة: أَنه يقتل حدا وَحكمه حكم أموات الْمُسلمين، وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبد اللَّهِ بن بطة. وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة من الْفُرُوض الَّتِي تصح فِيهَا النِّيَابَة بِنَفس وَلَا مَال. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز تَأْخِير الصَّلَاة حَتَّى يخرج وَقتهَا لمن كَانَ مستيقظا ذَاكِرًا قَادِرًا على فعلهَا غير ذِي عذر وَلَا مُرِيد لجمع. قَالَ أهل اللُّغَة: وَالدُّعَاء عِنْد الْعَرَب بِمَعْنى الصَّلَاة، قَالَ تَعَالَى: {وصل عَلَيْهِم} أَي أدع لَهُم، وَسميت الصَّلَاة صَلَاة لما فِيهَا من الدُّعَاء، وَقيل: من صليت الْعود إِذْ ألينته، فالمصلي قد يلين ويخشع. وَقيل من الصَّلَاة وَهُوَ عظم الْعَجز يرْتَفع عِنْد الرُّكُوع وَالسُّجُود. بَاب أَوْقَات الصَّلَاة اخْتلفُوا فِي وَقت وجوب الصَّلَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الصَّلَاة تجب بِأول الْوَقْت. وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: تجب بِآخِرهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس، وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي قبل الزَّوَال. ثمَّ اخْتلفُوا فِي آخر وَقت الظّهْر. فَقَالَ الشَّافِعِي: قَول وَاحِد آخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله غير الظل الَّذِي يكون للشَّخْص عِنْد الزَّوَال فَإِنَّهُ يطول وَيقصر بِحَسب اخْتِلَاف الزَّمَان، وَإِذا صَار كل شَيْء مثله، وَزَاد أدنى زِيَادَة فقد خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر، فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَزَاد أدنى زِيَادَة فَهُوَ آخر وَقت الْعَصْر. وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة، فَروِيَ عَنهُ كمذهب الشَّافِعِي وَأحمد، وَهُوَ اخْتِيَار أبي يُوسُف وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَهُوَ آخر وَقت الظّهْر، فَإِذا زَاد شَيْئا وَجب الْعَصْر، وَرُوِيَ عَنهُ أَن آخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ فبينهما وَقت لَيْسَ من وقتهما، وَآخر وَقت الْعَصْر إصفرار الشَّمْس. وَقَالَ مَالك: وَقت الظّهْر الْمُخْتَار من أول زَوَال الشَّمْس إِلَى أَن يصير ظلّ كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 شَيْء مثله. فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر الْمُخْتَار وَهُوَ بِعَيْنِه أول وَقت الْعَصْر الْمُخْتَار، وَيكون وقتا لَهما ممتزجا بَينهمَا، فَإِذا زَاد على الْمثل زِيَادَة بَيِّنَة خرج وَقت الظّهْر الْمُخْتَار، واختص الْوَقْت بالعصر وَلَا يزَال ممتدا إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَذَلِكَ آخر وَقت الْعَصْر الْمُخْتَار، وينتقل مَا كَانَ من الِاخْتِيَار فِي الظّهْر إِلَى أَن يبْقى للغروب قدر خمس رَكْعَات، أَربع لِلظهْرِ وركعة للعصر، فَحِينَئِذٍ يستويان فِي الضَّرُورَة وَقَوله: إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله سَوَاء فِي الْأَشْخَاص عِنْد الزَّوَال أَيْضا. وَقَول أبي حنيفَة وَمَالك: إِذا صَار كل شَيْء مثله أَنَّهُمَا أَيْضا يعتبران ذَلِك من وَقت تناهي نقصانه وَأخذ فِي الزِّيَادَة لَا من أَصله كَمَا ذكرنَا عَن الشَّافِعِي وَأحمد فَهُوَ اتِّفَاق مِنْهُم. وَاخْتلفُوا فِي وَقت الْمغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَهَا وقتان فَأول وَقتهَا إِذا غَابَتْ الشَّمْس وَآخره حِين يغيب الشَّفق. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه: لَهَا وَقت وَاحِد مضيق مِقْدَار آخر الْفَرَاغ مِنْهَا. وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهَا عَنهُ ابْن وهب: أَن لَهَا وقتان. وَاخْتلفُوا فِي الشَّفق الَّذِي يدْخل وَقت الْعشَاء بغيبوبته. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ الْحمرَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الْبيَاض. وَأهل اللُّغَة على القَوْل الأول، وَقَالَ الْخَلِيل وَالْفراء وَابْن دُرَيْد: الشَّفق الْحمرَة. وَقَالَ الْفراء: سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول: وَعَلِيهِ ثوب مصبوغ كَأَنَّهُ الشَّفق وَكَانَ أَحْمَر. وَاخْتلفُوا فِي آخر وَقت الْعشَاء الْمُخْتَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنْهُمَا: إِلَى ثلث اللَّيْل. وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة فَمنهمْ من قَالَ: إِلَى قبل ثلث اللَّيْل، وَمِنْهُم من قَالَ: إِلَى ثلث اللَّيْل، وَمِنْهُم من قَالَ: إِلَى نصف اللَّيْل. وَهَذَا القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَالرِّوَايَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك: وَقت الضَّرُورَة للمغرب وَالْعشَاء إِلَى قبل طُلُوع الْفجْر بِمِقْدَار أَربع رَكْعَات، ثَلَاثَة للمغرب وَوَاحِدَة من الْعشَاء، وَهُوَ القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: وَقت الْعشَاء الْآخِرَة للضَّرُورَة إِلَى أَن يطلع الْفجْر فَمن أدْرك من الْعشَاء الْآخِرَة رَكْعَة قبل طُلُوع الْفجْر فقد أدْركهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَقت الْجَوَاز إِلَى أَن يطلع الْفجْر. وَاتَّفَقُوا على أَن أول وَقت الْفجْر طُلُوع الْفجْر الثَّانِي الْمُنْتَشِر وَلَا ظلمَة بعده، وَآخر وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى أَن يسفر. وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل تَقْدِيم صَلَاة الْفجْر من أول الْوَقْت؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِسْفَار أفضل إِلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْأَفْضَل التغليس. وَعَن احْمَد رِوَايَة أَنه يعْتَبر حَال الْمُصَلِّين، فَإِن شقّ عَلَيْهِم التغليس كَانَ لإسفار أفضل. واجمعوا على أَن وَقت الضَّرُورَة إِلَى طُلُوع الشَّمْس. وَأَجْمعُوا على أَن الْأَفْضَل تَأْخِير الظّهْر عَن وَقت جَوَاز فعلهَا من يَوْم الْغَيْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا غلب على ظَنّه وَقتهَا صلاهَا من غير تَأْخِير. وَعَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِذا كَانَت السَّمَاء مغيمة رَاعى الشَّمْس فَإِذا برز لَهُ مِنْهَا مَا يدله وَإِلَّا أخر حَتَّى يرى أَنه صلاهَا آخر الْوَقْت واحتاط بتأخيرها مَا بَينه وَبَين أَن يخَاف دُخُول وَقت الْعَصْر. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَفْضَل تَأْخِير الظّهْر فِي شدَّة الْحر إِذا كَانَ يُصليهَا فِي مَسْجِد الْجَمَاعَات خلافًا لبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي اعْتِبَار ذَلِك فِي الْبِلَاد الحارة دون غَيرهَا. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الظّهْر فِي الشتَاء إِذا لم يكن برود وَفِي الصَّيف إِذا لم يصل فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يسْتَحبّ لمساجد الْجَمَاعَات يؤخروها إِلَى أَن يصير الْفَيْء ذِرَاعا. وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل فِي صَلَاة الْعَصْر التَّقْدِيم أَو التَّأْخِير فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة؟ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّأْخِير مَا لم تصفر الشَّمْس. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تَقْدِيمهَا أفضل. وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ الْعَصْر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: هِيَ الْفجْر، وَالْقَوْل الآخر وَهُوَ أظهرهمَا: أَنَّهَا الْعَصْر. وَاخْتلفُوا فِي الْمغمى عَلَيْهِ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا كَانَ إغماؤه لسَبَب محرم مثل أَن يشرب خمرًا أَو دَوَاء لم يحْتَج إِلَيْهِ، لم تسْقط الصَّلَاة عَنهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاء فرضا، فَإِن أُغمي عَلَيْهِ بجنون أَو مرض أَو سَبَب مُبَاح سقط عَنهُ قَضَاء مَا كَانَ فِي حَال إغمائه من الصَّلَاة على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْإِغْمَاء يَوْمًا وَلَيْلَة فَمَا دون ذَلِك لم يمْنَع وجوب الْقَضَاء، وَإِن زَاد على ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء، وَلم يفرق بَين أَسبَاب الْإِغْمَاء. وَقَالَ أَحْمد: الْإِغْمَاء بِجَمِيعِ أَسبَابه لَا يمْنَع وجوب الْقَضَاء بِحَال. بَاب الْأَذَان أَجمعُوا على أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان للصَّلَاة الْخمس وَالْجُمُعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: هما سنتَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَقَالَ أَحْمد: فرض على أهل الْأَمْصَار على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بهما بَعضهم أَجْزَأَ عَن جَمِيعهم. وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء لَا يشرع فِي حقهن الْأَذَان وَلَا يسن. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْإِقَامَة هَل تسن فِي حقهن أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يسن لَهُنَّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يسن لَهُنَّ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِن أجتمع أهل بلد على ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة قوتلوا على ذَلِك، فَإِنَّهُ من شَعَائِر الْإِسْلَام فَلَا يجوز تعطيله. اخْتلفُوا فِي صفة الْأَذَان. فَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَذَان بِلَال. وَاخْتَارَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أَذَان أبي مَحْذُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فالأذان عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَاخْتلف مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي صفة الْأَذَان مَعَ اختيارهما أَذَان أبي مَحْذُورَة، فالأذان عِنْد مَالك سَبْعَة عشر كلمة: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، لَا يرفع بالتشهد من صَوته، ثمَّ يرجع فَيَقُول رَافعا صَوته: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَالْأَذَان عِنْد الشَّافِعِي تِسْعَة عشر كلمة: اللَّهِ أكبر، أَربع مَرَّات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، يخْفض صَوته يتَشَهَّد الترجيع ثمَّ يرجع فيمد صَوته بالتشهد فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ /، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَاخْتلفُوا فِي صفة الْإِقَامَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقَامَة مثنى مثنى كالأذان وَيزِيد على الْأَذَان بِلَفْظ الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ فَتَصِير الْإِقَامَة عِنْده سبع عشر كلمة. اللَّهِ أكبر، أَربع مَرَّات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، قد قَامَت الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد: الْإِقَامَة أحد عشر كلمة كلهَا تفرد، إِلَّا ذكر الْإِقَامَة، يذكر مرَّتَيْنِ فَيَقُول: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر كمذهب مَالك، الْإِقَامَة عشر كَلِمَات فَذكر الْإِقَامَة فِيهَا مُفْردَة، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، قد قَامَت الصَّلَاة، اللَّهِ أكبر مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَقَالَ مَالك: الْإِقَامَة فرادي كلهَا فَهِيَ عشر كَلِمَات عِنْده: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُؤذن للصَّلَاة قبل دُخُول وَقتهَا إِلَّا صَلَاة الْفجْر فَإِنَّهُ يجوز أَن يُؤذن لَهَا قبل دُخُول وَقتهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْأَذَان لَهَا إِلَّا بعد طُلُوع الْفجْر. وَعند أَحْمد قَالَ: أكره أَن يُؤذن لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر فِي شهر رَمَضَان خَاصَّة. قلت: وَالَّذِي أرَاهُ أَنه لَا يكره للْحَدِيث الْمَشْهُور الصَّحِيح أَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن بِلَال يُؤذن بلَيْل فَلَا يمنعكم ذَلِك من سحوركم "، فَلَو كَانَ هَذَا مِمَّا يكره لم يقر رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا إِقْرَارا مُطلقًا، من غير إِشَارَة إِلَى مَا يسْتَدلّ بِهِ من الْكَرَاهَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَاتَّفَقُوا إِلَى أَن التثويب، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذَان لصَلَاة الْفجْر خَاصَّة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: التثويب سنة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كمذهب الْجَمَاعَة، والجديد لَا يثوب ثمَّ اخْتلفُوا فِي التثويب نَفسه، وَأَيْنَ يَقع. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد: هُوَ أَن يَقُول: الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بعد قَوْله فِي الْأَذَان: حَيّ على الْفَلاح. وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة: فَحكى الطَّحَاوِيّ فِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء. وَعَن أبي حنيفَة وَأَبُو يُوسُف جَمِيعًا كمذهب الْجَمَاعَة، وَوَافَقَهُ ابْن شُجَاع فَروِيَ مثله، وَقَالَ بَقِيَّة أَصْحَابه: الْمَعْرُوف غير هَذَا وَهُوَ أَن يَقُول: الصَّلَاة خير من النّوم، مرَّتَيْنِ، بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، أَو يَقُول: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَهُوَ أفضل وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يعْتد إِلَّا بِأَذَان الْمُسلم الْعَاقِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يعْتد بِهِ من مَجْنُون. وَأَجْمعُوا على أَن الْمَرْأَة إِذا أَذِنت للرِّجَال لَا يعْتد بأذانها وَإِن أَذِنت للنِّسَاء فَلَا بَأْس، فقد روى ابْن الْمُنْذر أَن عَائِشَة كَانَت تؤذن وتقيم. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن صلين مُفْرَدَات أَذِنت فِي نَفسهَا وأقامت غير رَافِعَة صَوتهَا فِي الْأَذَان. وَأَجْمعُوا على أَن أَذَان الصَّبِي الْمُمَيز للرِّجَال مُعْتَد بِهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه يسْتَحبّ للمؤذن أَن يكون حرا بَالغا طَاهِرا. وَأَجْمعُوا على أَن أَذَان الْمُحدث مُعْتَد بِهِ إِن كَانَ حَدثهُ أَصْغَر مَعَ استحبابهم أَن يُؤذن طَاهِرا. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أذن جنبا اعْتد بأذانه، وَيُؤذن خَارج الْمَسْجِد لِئَلَّا يلبث فِيهِ وَهُوَ جنب، إِلَّا إِحْدَى الرِّوَايَات عَن احْمَد أَنه لَا يعْتد بِأَذَان الْجنب بِحَال، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَأَجْمعُوا على الْأَذَان لَا يسن لغير الْخَمِيس وَالْجُمُعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 واجمعوا على أَن السّنة فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء، النداء بقوله: الصَّلَاة جَامِعَة. وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة على الْجَنَائِز لَا يسن لَهَا أَذَان وَلَا نِدَاء. وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الْأُجْرَة على الْأَذَان وَالْإِقَامَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي: يجوز. وَقَالَ أَبُو حَامِد: غلط من أجَاز ذَلِك فَإِن الشَّافِعِي قَالَ: ويرزقنهم الإِمَام، وَلم يذكر الْإِجَارَة. وروى ابْن الْمُنْذر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَا يرْزق الْمُؤَذّن إِلَّا من خمس الْخمس سهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَإِذا أَلحن الْمُؤَذّن فِي أَذَانه، قَالَ بعض أَصْحَاب أَحْمد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ: لَا يَصح أَذَانه. وَاخْتلفُوا هَل يجوز إِعَادَة الصَّلَاة بِأَذَان وَإِقَامَة فِي مَسْجِد لَهُ إِمَام راتب؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَام راتب فصلى فِيهِ إِمَامه فَلَا يجوز أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 يجمع فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاة على الْإِطْلَاق. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يجوز ذَلِك فِي مَسَاجِد الْأَسْوَاق الَّتِي تَتَكَرَّر فِيهَا الصَّلَاة دون مَسَاجِد الدروب. وَقَالَ أَحْمد: يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق. بَاب شُرُوط صِحَة الصَّلَاة أَجمعُوا على أَن طَهَارَة موقف الصَّلَاة من الْوَاجِبَات وَأَن ذَلِك شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة. وَأَجْمعُوا على أَن شَرط صِحَة الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة عَن الْعُيُون وَأَنه وَاجِب إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ: هَذَا وَاجِب وَلَيْسَ هُوَ بِشَرْط فِي صِحَّتهَا إِلَّا أَنه يتَأَكَّد بهَا وَمن أَصْحَابه من قَالَ: هُوَ بِشَرْط مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة. وَأَجْمعُوا على أَن طَهَارَة ثوب الْمُصَلِّي شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة. وَأَجْمعُوا على أَن الطَّهَارَة من الْحَدث شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَأَجْمعُوا على أَن طَهَارَة الْبدن عَن النَّجس شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة للقادر عَلَيْهَا. وَأَجْمعُوا على أَن الْعلم بِدُخُول الْوَقْت أَو غَلَبَة الظَّن على دُخُوله شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة إِلَّا مَالِكًا، فَإِن الشَّرْط فِي صِحَة الصَّلَاة عِنْده الْعلم بِدُخُول الْوَقْت، وَأما غَلَبَة الظَّن فَلَا. وَأَجْمعُوا على أَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة لقَوْله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} إِلَّا من عذر، وَهُوَ فِي حالتين، حَالَة الْمُسَابقَة، وَشدَّة الْخَوْف، والنافلة فِي السّفر الطَّوِيل على الرَّاحِلَة للضَّرُورَة مَعَ كَونه مَأْمُورا حَال التَّوَجُّه وتكبيره الْإِحْرَام أَن يستقبلها مَا اسْتَطَاعَ، فَإِن كَانَ الْمُصَلِّي بحضرتها فَيتَوَجَّه إِلَى عينهَا وَإِن كَانَ قَرِيبا مِنْهَا فباليقين، وَإِذا كَانَ غَائِبا فالاجتهاد أَو التَّقْلِيد أَو الْخَبَر مِمَّن كَانَ من أَهله. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للمقيم فِي بلد الصَّلَاة إِلَى غير الْقبْلَة لَا رَاكِبًا وَلَا مَاشِيا. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فأجتهد فَأصَاب أَنه لَا إِعَادَة عَلَيْهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا صلى إِلَى الْقبْلَة بِاجْتِهَاد، ثمَّ بِأَن أَنه أَخطَأ فَإِنَّهُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 إِعَادَة إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي الْجَدِيد: يُعِيد. وَقَالَ مَالك: إِذا استبان أَنه كَانَ منحرفا عَنْهَا لم يعد وَإِن استبان أَنه كَانَ مستدبرها فَعَنْهُ فِي الْإِعَادَة رِوَايَتَانِ. وَأَجْمعُوا على جَوَاز التنقل على الرَّاحِلَة وصلوات السّنَن الرَّاتِبَة عَلَيْهَا حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ فِي السّفر الطَّوِيل ثمَّ اخْتلفُوا فِي السّفر الْقصير. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز إِلَّا فِي السّفر الطَّوِيل. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى يجوز خَارج الْمصر، وَإِن لم ( ... ... . .) . وَاخْتلفُوا هَل تجوز صَلَاة الْفَرِيضَة على الرَّاحِلَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز ذَلِك فِي أَوْقَات الْأَعْذَار كالمطر والثلج وَالْمَرَض وَحَال الْمُسَابقَة وَطلب الْعَدو، شَرط أَن تقف الدَّابَّة إِلَى الْفَرَاغ من الصَّلَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة فِي هَذِه الْأَحْوَال كلهَا إِلَّا على الأَرْض إِلَّا إِذا أَشْتَدّ الْخَوْف فِي حَالَة الْمُسَابقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَة على ظهر الدَّابَّة إِلَّا فِي حالتي الْمُسَابقَة وَطلب الْعَدو وَفِي غير هَاتين الْحَالَتَيْنِ يُصَلِّي على الأَرْض. ويروي عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه يجوز ذَلِك للْمَرِيض. وَعنهُ أَنه لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد عَنهُ أَنه يجوز أَن يُصَلِّي أَيْضا على الرَّاحِلَة لقذر الطين والمطر والثلج. وَقَالَ مَالك: لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَة إِلَّا بِالْأَرْضِ إِلَّا أَن يكون مُسَافِرًا أَو يخَاف إِن نزل الِانْقِطَاع عَن رفقته وَفِي حَالَة الْمُسَابقَة فَإِنَّهُ يجوز لَهُ قَضَاء الصَّلَاة على الرَّاحِلَة. وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة النَّفْل فِي الْكَعْبَة تصح. وَاخْتلفُوا فِي صَلَاة الْفَرِيضَة فِي جَوف الْكَعْبَة أَو على ظهرهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ بَين يَدي الْمُصَلِّي شَيْء من سمتها جَازَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الصَّلَاة على ظهرهَا إِلَّا أَن ستْرَة مَبْنِيَّة بحصى أَو طين، فَأَما إِن كَانَ لَبَنًا أَو أجرا مَنْصُوبًا بعضه فَوق بعض لم يجز، وَإِن نصب خَشَبَة فعلى وَجْهَيْن عِنْد أَصْحَابه وَإِن صلى فِي جوفها مُقَابلا للباب لم يجز إِلَّا أَن يكون بَين يَدَيْهِ عتبَة شاخصة مُتَّصِلَة بِالْبِنَاءِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا تجوز بِحَال لَا على ظهرهَا وَلَا فِي جوفها. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورَة مِنْهُمَا كمذهب أَحْمد وَهُوَ أَنه لَا تصح بِحَال وَهِي رِوَايَة أصبغ، قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمُحَقِّقين من أَئِمَّة مَذْهَبنَا، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّهَا تُجزئ مَعَ الْكَرَاهَة. وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، أَو فِي الثَّوْب الْمَغْصُوب، فَقَالُوا مَعَ إِصَابَته. وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور: لَا تصح صلَاته. وَاخْتلفُوا فِي حد عَورَة الرجل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هِيَ مَا بَين السُّرَّة والركبتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ الْقبل والدبر، وَهِي رِوَايَة عَن مَالك. وَاتَّفَقُوا على أَن السُّرَّة من الرجل لَيست عَورَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الرُّكْبَتَيْنِ من الرجل هَل هِيَ عَورَة أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَيست من الْعَوْرَة؟ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: أَنَّهَا عَورَة؟ وَاخْتلفُوا فِي عَورَة الْمَرْأَة الْحرَّة وَحدهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كلهَا عَورَة إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ والقدمين. وَقد رُوِيَ عَنهُ أَن قدميها عَورَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: كلهَا عَورَة إِلَّا وَجههَا وكفيها. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: كلهَا عَورَة إِلَّا وَجههَا وكفيها كمذهبهما، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِي عَورَة الْأمة؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ كعورة الرجل. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، وَقيل: جَمِيعهَا عَورَة إِلَّا مَوَاضِع التقليب مِنْهَا وَهِي الرَّأْس والساعد وَالسَّارِق. وَقَالَ عَليّ بن أبي هُرَيْرَة: عورتها كعورة الْحرَّة. وَعَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهبه فِي عَورَة الرجل أَن عورتها مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَالْأُخْرَى: الْقبل والدبر وَهِي رِوَايَة عَن مَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَورَة الْأمة كعورة الرجل إِلَّا أَنه زَاد فَقَالَ: جَمِيع بَطنهَا وظهرها عَورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَاخْتلفُوا فِي عَورَة أم الْوَلَد وَالْمُعتق بَعْضهَا والمدبرة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ كالأمة. وَقَالَ مَالك: أم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة كَالْحرَّةِ، وَأما الْمُدبرَة وَالْمُعتق بَعْضهَا فكالأمة. وَقَالَ الشَّافِعِي: كعورة الرجل وَهُوَ الظَّاهِر من الْمَذْهَب كَمَا قدمنَا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا أَن عَورَة كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كعورة الْحرَّة وَالْأُخْرَى كعورة الْإِمَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا انكشفت من الْعَوْرَة بَعْضهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ من الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة قدر الدِّرْهَم فَمَا دونه لم تبطل الصَّلَاة، وَإِن كَانَ أَكثر من الدِّرْهَم بطلت الصَّلَاة، وَأما الْفَخْذ فَإِذا انْكَشَفَ مِنْهُ أقل من الرّبع لم تبطل الصَّلَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تبطل الصَّلَاة باليسير من ذَلِك وَالْكثير. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ يَسِيرا لَا تبطل الصَّلَاة، وَإِن كَانَ كثيرا بطلت، وَيفرق بَينهمَا بِمَا يعد فِي الْغَالِب يَسِيرا. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ ذكرا قَادِرًا وَصلى مَكْشُوف الْعَوْرَة بطلت صلَاته فِي الْمَشْهُور من مَذْهَبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجب على الْمُصَلِّي ستر الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاة وَسَوَاء كَانَت صلَاته فرضا أَو نفلا إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أوجبه فِي الْفَرْض وَعنهُ فِي النَّقْل رِوَايَتَانِ. بَاب شُرُوط الصَّلَاة وَأَجْمعُوا على أَن للصَّلَاة شَرَائِط وَهِي الَّتِي تتقدمها وَأَنَّهَا أَربع وَهِي: الْوضُوء بِالْمَاءِ أَو التَّيَمُّم عِنْد عَدمه، وَالْوُقُوف على بقْعَة طَاهِرَة، واستقبال الْقبْلَة مَعَ الْقُدْرَة وَالْعلم بِدُخُول الْوَقْت. ثمَّ اخْتلفُوا بعد اتِّفَاقهم على هَذِه الْجُمْلَة وَأَنه لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بهَا فِي ستر الْعَوْرَة بِالثَّوْبِ الطَّاهِر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن ذَلِك لَاحق بالشرائط الْأَرْبَع وَأَنه لَهُم. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَمنهمْ من يَقُول: إِنَّه من شَرط صِحَّتهَا مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة لمن قدر عَلَيْهِ، وَذكر وتعمد الصَّلَاة مَكْشُوف الْعَوْرَة، فَإِن صلَاته بَاطِلَة. وَمِنْهُم من يَقُول: أَن ستر الْعَوْرَة فرض وَاجِب فِي نَفسه إِلَّا أَنه لَيْسَ من شَرط صِحَة الصَّلَاة، وَلكنه يتَأَكَّد بهَا فَإِذا صلى مَكْشُوف الْعَوْرَة عَامِدًا، كَانَ عَاصِيا آثِما إِلَّا أَن الْفَرْض قد سقط عَنهُ، وَالَّذِي اخْتَارَهُ عبد الْوَهَّاب فِي التَّلْقِين أَنه لَا تصح الصَّلَاة مَعَ كشف الْعَوْرَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز الصَّلَاة وصحتها بِغَلَبَة الظَّن على دُخُول الْوَقْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تصح الصَّلَاة بذلك. وَقَالَ مَالك: لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا مَعَ الْيَقِين بِدُخُول وَقتهَا. بَاب فَرَائض الصَّلَاة وَأَجْمعُوا على أَن فروض الصَّلَاة سَبْعَة وَهِي: النِّيَّة للصَّلَاة، وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَالْقِيَام لَهَا مَعَ الِاسْتِطَاعَة، وَالْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ للْإِمَام وَالْمُنْفَرد، وَالرُّكُوع، وَالسُّجُود، وَالْجُلُوس آخر الصَّلَاة بِمِقْدَار إِيقَاع السَّلَام. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عدا ذَلِك على مَا سَيَأْتِي ذكره فَهَذِهِ هِيَ الشَّرَائِط والأركان وَتسَمى الْفُرُوض الْمُتَّصِلَة بِالصَّلَاةِ والمنفصلة عَنْهَا، الَّتِي وَقع إِجْمَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة عَلَيْهَا، فَأَما مَا عَداهَا من الْأَذْكَار وَالْأَفْعَال مِمَّا اخْتلفُوا فِيهِ عِنْدهم على مَا سَيَأْتِي بَيَانه على التَّفْصِيل مَعَ ذكر هَذِه الَّتِي ذَكرنَاهَا جملَة إِن شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. فَمن ذَلِك أَنهم اتَّفقُوا كَمَا ذكرنَا على أَن الْقيام فِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة، فرض على المطيق لَهُ وَأَنه مَتى أخل بِهِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم تصح صلَاته. وَاخْتلفُوا فِي الْمُصَلِّي فِي السَّفِينَة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز ترك الْقيام فِيهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِشَرْط أَن تكون سائرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَأَجْمعُوا على أَن النِّيَّة للصَّلَاة فرض كَمَا قدمنَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي النِّيَّة: هَل يجوز تَقْدِيمهَا على التَّكْبِير أَو تكون مُقَارنَة لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز تَقْدِيم النِّيَّة للصَّلَاة بعد دُخُول الْوَقْت، وَقبل التَّكْبِير مَا لم يقطعهَا بِعَمَل وَإِن ( ... . .) النِّيَّة حَال التَّكْبِير. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجب أَن تكون مُقَارنَة للتكبير. وَصفَة النِّيَّة أَن يَنْوِي الصَّلَاة ليفرق بَين الصَّلَاة وَغَيرهَا من الْأَعْمَال، وَأَن يَنْوِي الْفَرِيضَة لتتميز عَن النَّوَافِل، وَأَن يَنْوِي الظّهْر أَو الْعَصْر لتتميز عَن الْبَاقِي. وَأما نِيَّة الْأَدَاء فَإِن مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد أَنه لَا يشْتَرط ذَلِك مَعَ اسْتِحْبَاب ذكره. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: يجب ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مَعَ فروض الصَّلَاة كَمَا ذكرنَا وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَنه لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بنطق، وَأَنه لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرّد النِّيَّة بِالْقَلْبِ من غير نطق بِالتَّكْبِيرِ. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن هَذَا الْإِحْرَام يَنْعَتهُ بقول الْمُصَلِّي: اللَّهِ أكبر. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عداهُ من أَلْفَاظ التفضلة هَل يقوم مقَامه أَو مقَام التَّكْبِير؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَنْعَتهُ بِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّعْظِيم والتفخيم كالعظيم والجليل، وَلَو قَالَ: اللَّهِ وَلم يزدْ عَلَيْهِ انْعَقَد تكبيره. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَنْعَتهُ بقول: اللَّهِ أكبر، وَالله أكبر. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَنْعَتهُ إِلَّا بقوله: اللَّهِ أكبر حسب. وَأَجْمعُوا على أَن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام سنة، إِذا أَرَادَ الشُّرُوع من كبر جَازَ ( ... ... . .) بإبهاميه شحمتي أُذُنَيْهِ. وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب. وَاخْتلفُوا فِي حَده، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَى أَن يُحَاذِي بِرَفْع يَدَيْهِ حَتَّى يمس شحمتي أُذُنَيْهِ بإبهامه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِلَى حَذْو مَنْكِبَيْه. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أشهرها عَنهُ: إِلَى حَذْو الْمَنْكِبَيْنِ، وَالثَّانيَِة إِلَى أُذُنَيْهِ، واختارها عبد الْعَزِيز، وَالثَّالِثَة هُوَ مُخَيّر فِي أَيهمَا شَاءَ وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَات الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ سنة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يرفع وَلَيْسَ سنة. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَأَجْمعُوا على أَنه ثَبت وضع الْيَمين على الشمَال فِي الصَّلَاة. إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يثبت بل هُوَ مُبَاح، وَالْأُخْرَى عَنهُ هُوَ كمذهب الْجَمَاعَة. وَاخْتلفُوا فِي مَحل وضع الْيَمين على الشمَال. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضعهما تَحت السُّرَّة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يضعهما تَحت صَدره وَفَوق سرته. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أشهرها كمذهب أبي حنيفَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالثَّانيَِة كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالثَّالِثَة التَّخْيِير بَينهمَا وأنهما فِي الْفَضِيلَة سَوَاء. وَأَجْمعُوا على أَن دُعَاء الاستفتاح فِي الصَّلَاة مسنون. إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِسنة. وَصفته عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد أَن يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك كَمَا روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعَائِشَة رَضِي اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وَصفته عِنْد الشَّافِعِي: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين، لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين. كَمَا فِي التَّنْزِيل كَمَا مر، وَرَوَاهُ عَليّ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْمُنْتَخب أَن يجمع بَينهمَا. قَالَ الوزيري أيده اللَّهِ: وَهُوَ اخْتِيَاري. وَاتَّفَقُوا مَا عدا مَالك على أَن الاستفتاح بِكُل وَاحِد من هَذِه جَائِز مُعْتَد بِهِ. وَقَالَ مَالك: يسْتَحبّ للْمُصَلِّي أَن يدعوا بهما أَمَام التَّكْبِير، وَأما إِذا كبر فَإِنَّهُ يحل الْقِرَاءَة بِالتَّكْبِيرِ. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّعَوُّذ فِي الصَّلَاة على الْإِطْلَاق قبل الْقِرَاءَة سنة، إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يتَعَوَّذ فِي الْمَكْتُوبَة. وَاخْتلفُوا فِي قِرَاءَة: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم بعد التَّعَوُّذ فَقَالَ أَبُو حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَقْرَأها. وَقَالَ مَالك: لَا يَقْرَأها فِي الْفَرْض وَهُوَ مُخَيّر فِي النَّفْل. وَاخْتلفُوا هَل يقرأوها جَهرا أَو سرا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسرها. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجهرها. وَاخْتلفُوا هَل يقرأوها فِي كل رَكْعَة ويكررها عِنْد ابْتِدَاء كل سُورَة أم لَا؟ قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقرأوها فِي كل رَكْعَة ويكررها عِنْد ابْتِدَاء كل سُورَة. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يَقْرَأها فِي الأولى حسب وَالْأُخْرَى يقرأوها فِي كل رَكْعَة لَكِن لَا يجز تكرارها عِنْد كل سُورَة. وَاخْتلفُوا هَل الْبَسْمَلَة آيَة من فَاتِحَة الْكتاب أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: أَنَّهَا لَيست بِآيَة مِنْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ آيَة مِنْهَا. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عِنْد أَحْمد لَيست آيَة مِنْهَا لَكِنَّهَا آيَة مُفْردَة، قَالَ الوزيري أيده اللَّهِ: يَعْنِي أَنَّهَا كَلَام اللَّهِ أنزلت للفضل بَين السُّور. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيست بِآيَة من الْفَاتِحَة وَلَا من كل سُورَة، بل هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بعض آيَة من سُورَة النَّمْل. وَاخْتلفُوا هَل يسن الْجَهْر بِبسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن. وَقَالَ مَالك: لَا يسن ذكرهَا وَلَا يسْتَحبّ، فَإِن قَرَأَهَا لم يجْهر بهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يسن. وَاتَّفَقُوا على فرض الْقِرَاءَة على كل مصلي إِذا كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا فِي رَكْعَتي الْفجْر، وَفِي رَكْعَتَيْنِ من الرباعيات والثلاثية كَمَا قدمنَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عدا ذَلِك. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْقِرَاءَة وَاجِبَة على الإِمَام وَالْمُنْفَرد فِي كل رَكْعَة من الصَّلَوَات الْخمس على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِمَا الْقِرَاءَة أَعنِي الإِمَام وَالْمُنْفَرد إِلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ من الرباعيات، وَمن الْمغرب غير معينتين سَوَاء كَانَتَا الأولتين أَو الْأَخِيرَتَيْنِ، إِلَّا أَن الْأَفْضَل أَن تكَرر الْقِرَاءَة فِي الأولتين، فَأَما رَكعَتَا الْفجْر فَتجب الْقِرَاءَة فيهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَأَما مَالك فقد حكى عَنهُ ابْن الْمُنْذر فِي الْإِشْرَاق رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا غير الْأُخْرَى، الأولى مِنْهَا كمذهب الشَّافِعِي وَأحمد، وَالْأُخْرَى إِن ترك قِرَاءَة الْقُرْآن فِي رَكْعَة وَاحِدَة من صلَاته فَإِنَّهُ يسْجد للسَّهْو وتجزئة صلَاته إِلَّا الصُّبْح، فَإِنَّهُ إِن ترك الْقِرَاءَة فِي إِحْدَى ركعتيها اسْتَأْنف الصَّلَاة. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجز الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم سَوَاء جهر الإِمَام أَو خَافت وَلَا يسن لَهُ الْقِرَاءَة خلف الإِمَام. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم بِحَال. قَالَ مَالك: فَإِن كَانَت الصَّلَاة مِمَّا يجْهر الإِمَام بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا أَو فِي بَعْضهَا كره للْمَأْمُوم أَن يقْرَأ فِي الركعتان الَّتِي يجْهر فِيهَا الإِمَام وَلَا تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ يسمع قِرَاءَة الإِمَام أَو لَا يسْمعهَا. وَقَالَ أَحْمد: إِذا كَانَ الْمَأْمُوم سمع قِرَاءَة الإِمَام كره الْقِرَاءَة لَهُ، فَإِن لم يسْمعهَا فَلَا تكره. وَيسن للْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِيمَا خَافت فِيهِ الإِمَام. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب على الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِيمَا أسر فِيهِ الإِمَام وَإِن جهر فَعَنْهُ قَولَانِ، الْقَدِيم مِنْهَا كمذهب أَحْمد والجديد مِنْهَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ الْقِرَاءَة. وروى الْبُوَيْطِيّ عَنهُ أَنه كَانَ يرى الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فِيمَا أسر بِهِ وَمَا جهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَاخْتلفُوا فِي تعين مَا يقْرَأ بِهِ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور من رِوَايَتَيْنِ: تعين قِرَاءَة الْفَاتِحَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تصح بغَيْرهَا مِمَّا تيَسّر. وَاخْتلفُوا فِيمَن لَا تجب الْفَاتِحَة وَلَا غَيرهَا من الْقُرْآن؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يقوم بِقدر الْقِرَاءَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسبح مِقْدَار وَقت الْقِرَاءَة. وَاخْتلفُوا فِي التَّأْمِين بعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجْهر بِهِ الْمُصَلِّي سَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى يخفيه الإِمَام. وَقَالَ مَالك: يجْهر بِهِ الْمَأْمُوم، وَفِي الإِمَام رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجْهر بِهِ الإِمَام قولا وَاحِدًا، وَفِي الْمَأْمُوم قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: يجْهر بِهِ الإِمَام وَالْمَأْمُوم. وَاتَّفَقُوا على أَن قِرَاءَة سُورَة بعد الْفَاتِحَة مسنون فِي الْفجْر والأوليين من كل ربَاعِية، وَمن الْمغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: فَمن لم يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة سُورَة كَامِلَة اسْتحبَّ لَهُ أَن لَا ينقص عَن مِقْدَار أقصر سُورَة فِي الْقُرْآن وَذَلِكَ ثَلَاث آيَات. وَاخْتلفُوا فِي قِرَاءَة السُّورَة بعد الْفَاتِحَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ من كل ربَاعِية، والأخيرة من الْمغرب هَل يسن؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قَوْلَيْنِ: لَا يسن، وَقَالَ فِي القَوْل الآخر: يسن. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجَهْر فِيمَا يجْهر فِيهِ، والإخفات فِيمَا يخفت فِيهِ سنة، أَو الإخفات فِيمَا يجْهر فِيهِ لم تبطل صلَاته إِلَّا أَنه يكون تَارِكًا للسّنة. إِلَّا مَا رَوَاهُ الطليطلي عَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه مَتى تعمد ذَلِك فَالصَّلَاة فَاسِدَة، وَالْمذهب الْمَشْهُور عَن مَالك أَن الصَّلَاة صَحِيحَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تعمد الْجَهْر فِيمَا يُخَافت فِيهِ نَاسِيا، ثمَّ ذكر خَافت فِيهِ فِيمَا بَقِي وَلم يعد مَا جهر فِيهِ، وَإِن خَافت فِيمَا يجْهر فِيهِ نَاسِيا، ثمَّ ذكر أعَاد الْقِرَاءَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا خَافت فِيمَا يجْهر فِيهِ وَكَانَ مُنْفَردا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ إِمَامًا فَإِن كَانَ الَّذِي خَافت فِيهِ من الْفَاتِحَة، فَإِن كَانَ الَّذِي قَرَأَهُ الْأَكْثَر مِنْهَا وَجب عَلَيْهِ السُّجُود للسَّهْو وَإِلَّا فَلَا. وَإِن كَانَ من غير الْفَاتِحَة فَإِن كَانَ قَرَأَ ثَلَاث آيَات قصار، أَو آيَة طَوِيلَة فَعَلَيهِ سجدتا السَّهْو وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَاخْتلفُوا فِي الْمُنْفَرد هَل يسْتَحبّ لَهُ الْجَهْر فِي مَوضِع الْجَهْر؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ كَالْإِمَامِ يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَقَوْلِه، وَالْأُخْرَى لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك وَهِي الْمَشْهُور. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رفع صَوته، وَإِن شَاءَ جهر وأسمع نَفسه، وَإِن شَاءَ خَافت والجهر لَهُ أفضل. وَقَالَ مَالك: حكمه حكم الإِمَام فِي ذَلِك رِوَايَة وَاحِدَة. وَأَجْمعُوا على أَن الرُّكُوع وَالسُّجُود فِي الصَّلَاة فرضان كَمَا ذكرنَا قبل. وَاتَّفَقُوا على أَن الانحناء حَتَّى تبلغ كَفاهُ رُكْبَتَيْهِ مَشْرُوع فِي الرُّكُوع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، والطمأنينة فِي الرُّكُوع هُوَ أَن يلبث كَذَلِك لبثا مِقْدَارًا أَقَله تسبيحه وَفِي السُّجُود استقراره حَتَّى تطمئِن أَعْضَائِهِ من لبث مِقْدَارًا أَقَله تسبيحه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان وهما مسنونان. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هما فرضان كالركوع وَالسُّجُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا ركع فَالْبَيِّنَة أَن يضع يَده على رُكْبَتَيْهِ وَلَا يطبقهما بَين رُكْبَتَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الرّفْع من الرُّكُوع، وَفِي وجوب الِاعْتِدَال عَنهُ قَائِما. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان وانحط من الرُّكُوع إِلَى السُّجُود كره لَهُ ذَلِك وأجزأه. وَقَالَ مَالك: وَالرَّفْع من الرُّكُوع وَاجِب، وَإِن كَانَ الِاعْتِدَال الَّذِي فِيهِ خبر وَاحِد عِنْده على الصَّحِيح من مذْهبه. قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَقد حُكيَ عَنهُ أَو عَن بعض أَصْحَابه أَن الرّفْع أَيْضا لَا يجب وَلَيْسَ بمعول عَلَيْهِ، وَالظَّاهِر من مَذْهَب مَالك أَنه إِذا لم يرفع من الرُّكُوع وانحط سَاجِدا وَهُوَ رَاكِع أَنه لَا تُجزئ صلَاته. فَأَما الِاعْتِدَال فِي الرّفْع من الرُّكُوع فاختلفت الْمَالِكِيَّة عَن مَالك فِي أيجابه قَوْلَيْنِ أصَحهمَا عَنهُ أَنه غير وَاجِب وَلَا مُسْتَحبّ كَمَا ذكرنَا. وَمِنْهُم من رُوِيَ عَنهُ وُجُوبه كالرفع سَوَاء، وَالْمذهب الْمَشْهُور عَنهُ الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هما فرضان. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب مد الظّهْر فِي الرُّكُوع وَوضع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ فِيهِ وَمد الْعُنُق. وَاتَّفَقُوا على أَن السُّجُود على سَبْعَة أَعْضَاء مَشْرُوع وَهِي نواصي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَانِ وأطراف أَصَابِع الرجلَيْن. وَاخْتلفُوا فِي الْفَرْض مِنْهُ ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْفَرْض من ذَلِك جَبهته أَو أَنفه. وَقَالَ الشَّافِعِي: بِوُجُوب الْجَبْهَة قولا وَاحِدًا وَفِي بَاقِي الْأَعْضَاء قَولَانِ. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فَروِيَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم: أَن الْفَرْض مُعَلّق بالجبهة، فَأَما الْأنف فَإِن أخل بِهِ أعَاد فِي الْوَقْت اسْتِحْبَابا وَلم يعد بعد خُرُوج الْوَقْت أما إِن أحل بِهِ أعَاد فِي الْوَقْت اسْتِحْبَابا وَلم يعد بعد خُرُوج الْوَقْت، فَأَما إِن أخل بالسبعة مَعَ الْقُدْرَة وَاقْتصر على الْأنف أعَاد أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَقَالَ ابْن حبيب: من أَصْحَاب الْقُرْطُبِيّ يتَعَلَّق بهما مَعًا. وروى أَشهب عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تعلق الْفَرْض بالجبهة خَاصَّة، وَالْأُخْرَى تعلق بهما مَعًا وَهِي الْمَشْهُورَة. وَاخْتلفُوا فِيمَن سجد على كور عمَامَته إِذا مَال بَين جَبهته وَبَين الْمَسْجِد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يُجزئهُ ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يُجزئهُ ذَلِك حَتَّى يُبَاشر الْمَسْجِد بجبهته. وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب كشف الْيَدَيْنِ فِي السُّجُود. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجب، وَقَالَ مَالك: يجب. وَالشَّافِعِيّ قَولَانِ الصَّحِيح مِنْهُمَا وُجُوبه. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ. فَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِوَاجِب، بل مسنون. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ وَاجِب. وَاخْتلفُوا فِي الْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وَفِيه نَفسه، فَأَما الْجُلُوس فَقَالَ أَبُو حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه سنة. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ وَاجِب، وَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة من وَافق أَحْمد على الْوُجُوب فِي هَذِه الرِّوَايَة فَأَما التَّشَهُّد فِيهِ. فَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي الْمَشْهُورَة: أَنه وَاجِب مَعَ ذكر وَيسْقط بالسهو، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَابْن شاقلا، وَأَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه سنة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يزِيد فِي التَّشَهُّد الأول عَن قَول: وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وروسوله. إِلَّا الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد من قوليه فَإِنَّهُ يُصَلِّي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيسن لَهُ ذَلِك. وَقَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ: وَهُوَ الأولى عِنْدِي. وَاتَّفَقُوا على أَن الجلسة فِي الصَّلَاة فرض من فروض الصَّلَاة كَمَا قدمنَا ذكره. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مقدارها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْجُلُوس بِمِقْدَار التَّشَهُّد فرض، وَالتَّحْقِيق من مَذْهَب مَالك أَن الْجُلُوس بِمِقْدَار إِيقَاع السَّلَام فِيهَا هُوَ الْفَرْض عِنْده، وَمَا عداهُ مسنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 كَذَلِك ذكر الْعلمَاء من أَصْحَاب مذْهبه عبد الْوَهَّاب وَغَيره. ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فِيهَا هَل هُوَ فرض أَو سنة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الجلسة هِيَ الرُّكْن دون التَّشَهُّد فَإِنَّهُ سنة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: التَّشَهُّد فِيهِ ركن كالجلوس، وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن التَّشَهُّد الْأَخير سنة، والجلسة بمقداره هِيَ الرُّكْن وَحدهَا كَذَلِك كمذهب الشَّافِعِي وَالْمَشْهُور الأول. وَقَالَ مَالك: وَالتَّشَهُّد الأول وَالثَّانِي سنة. وَاتَّفَقُوا على أَن الإعداد بِكُل وَاحِد من التَّشَهُّد الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من طرق الصَّحَابَة الثَّلَاثَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم وهم: عمر بن الْخطاب، وَعبد اللَّهِ بن مَسْعُود، وَعبد اللَّهِ بن عَبَّاس. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأول مِنْهُمَا. فَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تشهد ابْن مَسْعُود وَهُوَ عشر كَلِمَات: التَّحِيَّات لله، والصلوات الطَّيِّبَات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّهِ الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَاخْتَارَ مَالك تشهد عمر بن الْخطاب: التَّحِيَّات لله الزاكيات لله، الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّهِ الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَاخْتَارَ الشَّافِعِي تشهد ابْن عَبَّاس: التَّحِيَّات المباركات، الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّهِ الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، اللَّهُمَّ صلي على سيدنَا مُحَمَّد. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود فِي وجوب الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد الْأَخير. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: أَنَّهَا سنة، إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاجِبَة فِي الْجُمْلَة ومستحبة فِي الصَّلَاة. انْفَرد بعض أَصْحَابه إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة فِي الصَّلَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ وَاجِبَة فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، الْمَشْهُور مِنْهُمَا أَن الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ وَاجِبَة، وَتبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا وسهوا، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا أَكثر أَصْحَابه وَالْأُخْرَى أَنَّهَا سنة، واختارها أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز وَاخْتَارَ الْخرقِيّ دونهم أَنَّهَا وَاجِبَة، لَكِنَّهَا تسْقط مَعَ السَّهْو وَيُخَير بِالذكر. ثمَّ اخْتلفُوا أَيْضا فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ فِي قدر مَا يُجزئ مِنْهَا. وَاخْتَارَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين، إِنَّك حميد مجيد. إِلَّا أَن النُّطْق الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي لَيْسَ فِيهِ: وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي ذكر الْبركَة. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد. وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد. وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ. فَأَما مَذْهَب أبي حنيفَة فِي اخْتِيَاره فِي ذَلِك فَلم نجد إِلَّا مَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْحَج لَهُ فَقَالَ: هُوَ أَن يَقُول: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد. قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: حَدثنَا مَالك بن أنس نَحْو ذَلِك. وَلم يقل فِيهِ: كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين، إِنَّك حميد مجيد. فَأَما الْإِجْزَاء فَأَقل مَا يُجزئ عِنْد الشَّافِعِي من ذَلِك أَن يَقُول: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الأول فَلهم فِيهِ وَجْهَان، أَحدهمَا: أَنه لَا تجب الصَّلَاة عَلَيْهِم، وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابه. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه يجب الصَّلَاة عَلَيْهِم. وَظَاهر كَلَام أَحْمد أَن الْوَاجِب الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلكنه حب وعَلى آله، وعَلى آل إِبْرَاهِيم، وَالْبركَة على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، وعَلى آل إِبْرَاهِيم، لِأَنَّهُ الحَدِيث الَّذِي أَخذ بِهِ أَحْمد. وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِتْيَان بِالتَّسْلِيمِ مَشْرُوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ثمَّ اخْتلفُوا فِي عدده كمذهب الشَّافِعِي، وَقَالَ ابْن حَامِد من أَصْحَاب أَحْمد: قدر الْأَجْزَاء أَنه يجب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ تسليمتان. وَقَالَ مَالك: وَاحِدَة، وَلَا فرق بَين أَن يكون إِمَامًا أَو مُنْفَردا. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: الَّذِي فِي الْمُزنِيّ وَالأُم كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد، وَالْقَدِيم إِن كَانَ النَّاس قَلِيلا وسكتوا حَيْثُ أَن يسلم تَسْلِيمه وَاحِدَة. وَاخْتلفُوا هَل السَّلَام من الصَّلَاة أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ من الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ مِنْهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا يجب مِنْهُ؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: التسليمة الأولى فرض على الإِمَام وَالْمُنْفَرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَقَالَ الشَّافِعِي وَحده: وعَلى الْمَأْمُوم أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِفَرْض فِي الْجُمْلَة. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي فعل الْمُصَلِّي لِلْخُرُوجِ من الصَّلَاة هَل هُوَ فرض أم لَا؟ فَمنهمْ من قَالَ: الْخُرُوج من الصَّلَاة بِحَال مَا ينافيها يتعمده الْمُصَلِّي فرض لغيره إِلَّا لعَينه، وَلَا يكون من الصَّلَاة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: أَبُو سعيد البردعي. وَمِنْهُم من قَالَ: لَيْسَ بِفَرْض فِي الْجُمْلَة مِنْهُم أَبُو الْحسن الْكَرْخِي. وَلَيْسَ عِنْد أبي حنيفَة فِي هَذَا نَص يعْتَمد عَلَيْهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُور مِنْهَا أَن التسليمتين جَمِيعًا واجبتان، وَالْأُخْرَى: أَن الثَّانِيَة سنة، وَالْأولَى وَاجِبَة. وَاخْتلفُوا فِي التسليمة الثَّانِيَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا بِوُجُوب الأولى خَاصَّة هِيَ سنة. وَقَالَ مَالك: لَا تسن التسليمة الثَّانِيَة للْإِمَام وَالْمُنْفَرد فَأَما الْمَأْمُوم يسْتَحبّ لَهُ عِنْده أَن يسلم ثَلَاثًا، اثْنَتَيْنِ عَن يَمِينه وشماله، وَالثَّالِثَة تِلْقَاء وَجهه، يردهَا على إِمَامه. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْخُرُوج من الصَّلَاة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الظَّاهِر من نَصه فِي الْبُوَيْطِيّ وَأحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بِوُجُوبِهَا. فَأَما مَذْهَب أبي حنيفَة فقد تقدم ذكرنَا لما تحقق من أَقْوَال الصَّحَابَة فِي ذَلِك. وَفِي الْجُمْلَة فَيجب عِنْدهم أَن يقصر الْمُصَلِّي فعلا يُنَافِي الصَّلَاة فَيصير بِهِ خَارِجا مِنْهَا. وَاخْتلفُوا فِي التسليمة الأولى وَالنِّيَّة بهَا، وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النِّيَّة أَن يسلم تسليمتين وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ من كل جِهَة، الْحفظَة من عَن يَمِينه، ويساره عَن النَّاس الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَالْمَأْمُوم يسلم كسلام الإِمَام عَن يَمِينه ويساره، وَيَنْوِي سَلَامه كَمَا يَنْوِي الإِمَام، فَإِن كَانَ الإِمَام الْجَانِب الْأَيْمن نواة فِي التسليمة الأولى، وَأَن كَانَ فِي الْجَانِب الْأَيْسَر نَوَاه فِي التسليمة الثَّانِيَة. وَقَالَ مَالك: أما الإِمَام فَيسلم تَسْلِيمه وَاحِدَة عَن يَمِينه يقْصد بهَا قبالة وَجهه ويتيامن بِرَأْسِهِ قَلِيلا وَكَذَلِكَ يفعل الْمُنْفَرد، ينويان بهَا التَّحَلُّل من الصَّلَاة. وَأما الْمَأْمُوم فَيسلم كَمَا ذكرنَا ثَلَاثًا. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يسلم اثْنَتَيْنِ، يَنْوِي بِالْأولَى التَّحَلُّل وبالثانية الرَّد على الإِمَام، وَإِذا كَانَ عَن يسَاره من يسلم عَلَيْهِ نوى الرَّد عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ: يَنْوِي الإِمَام بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَالسَّلَام على الْمَلَائِكَة وَالنَّاس، وبالثانية الْمَلَائِكَة وَالنَّاس، وَالْمَأْمُوم إِذا كَانَ عَن يَمِين الإِمَام فَإِنَّهُ ينوى بِالسَّلَامِ عَن يَمِينه الْملكَيْنِ، والمأمومين وَالْخُرُوج، وَعَن يسَاره الْملكَيْنِ وَالْإِمَام، وَإِذا كَانَ عَن يسَار الإِمَام نوى الإِمَام فِي التسليمة الأولى مَعَ الْملكَيْنِ والمأموميين، وَفِي الثَّانِيَة الْملكَيْنِ وَإِن كَانَ مُنْفَردا، نوى بِالْأولَى الْخُرُوج والملكين، بِالثَّانِيَةِ الْملكَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد رَضِي اللَّهِ عَنهُ: يَنْوِي بِالسَّلَامِ الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَلَا يضم إِلَيْهِ شَيْئا آخر سَوَاء أَكَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد. فَإِن ضم إِلَيْهِ شَيْئا آخر من سَلام على ملك أَو آدَمِيّ. فَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى فِي الْمَأْمُوم خَاصَّة أَنه يسْتَحبّ لَهُ أَن يَنْوِي الرَّد على إِمَامه، وَرَوَاهَا عَنهُ يَعْقُوب بن بختان. وَقَالَ أَبُو حَفْص العكبري من أَصْحَابه فِي مقنعه، إِن كَانَ مُنْفَردا نوى بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة وبالثانية السَّلَام على الْحفظَة، وَإِن كَانَ مَأْمُونا نوى بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة، وبالثانية الرَّد على الإِمَام والحفظة وَإِن كَانَ أماما نوى بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَالثَّانيَِة الْمَأْمُومين والحفظة. وَاتَّفَقُوا على وجوب تَرْتِيب أَفعَال الصَّلَاة. وَاتَّفَقُوا على الذّكر فِي الرُّكُوع وَهُوَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم، وَفِي السُّجُود وَهُوَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، والتسميع والتحميد وَهُوَ: سمع اللَّهِ لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الْحَمد إِلَى آخِره فِي الرّفْع من الرُّكُوع، وسؤال الْمَغْفِرَة بَين السَّجْدَتَيْنِ وبالتكبيرات مَشْرُوع كُله. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: كل ذَلِك سنة. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنهُ: أَن ذَلِك وَاجِب مَعَ الذّكر. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه سنة كمذهب الْجَمَاعَة. وَالْوَاجِب من ذَلِك عِنْده مرّة وَاحِدَة على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا بِالْوُجُوب. وَاتَّفَقُوا على أَن أدنى الْكَمَال فِي التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود للْإِمَام وَاحِدَة. وَأَجْمعُوا على أَن التَّكْبِيرَات من الصَّلَاة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ الْخرقِيّ عَنهُ من قَوْله: أَن تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح لَيست من الصَّلَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يقْرَأ فِي صلَاته من الْمُصحف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل صلَاته بذلك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يجوز كمذهب الشَّافِعِي. وَالْأُخْرَى يجوز فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة، وَهُوَ مَذْهَب مَالك. وَاخْتلفُوا فِي الإِمَام وَالْمُنْفَرد هَل يجمع كل مِنْهُم بَين التَّسْبِيح والتحميد مَعًا، أَو يقْتَصر على أحداهما؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجمع الْمُصَلِّي بَين قَول: سمع اللَّهِ لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد، بل الإِمَام يَقُول التسميع وَالْمَأْمُوم يَقُول: رَبنَا وَلَك الْحَمد. إِلَّا أَبَا حنيفَة يَقُول: رَبنَا لَك الْحَمد بِغَيْر وَاو. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي إِثْبَاتهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: بل الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد يَقُول كل مِنْهُم التسميع والتحميد، ومذهبه إِسْقَاط الْوَاو من: وَلَك الْحَمد. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا جمع الذكرين مَعًا. وَإِذا كَانَ مَأْمُوما لم يزدْ على التَّحْمِيد، ومذهبه إِثْبَات الْوَاو من: رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة أَن يضع رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ إِذا سجد إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يضع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَاخْتلفُوا فِي الْوتر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ وَاجِب، وَهُوَ ثَلَاث رَكْعَات بِسَلام وَاحِد كالمغرب، إِلَّا أَنه يقْرَأ فِي الْوتر فِي الرَّكْعَات الثَّلَاث ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهِنَّ إِن كَانَ إِمَامًا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ سنة مُؤَكدَة. وَقَالَ مَالك: وَهُوَ رَكْعَة مفصولة إِلَّا أَنه يجب أَن يكون قبله شفع أَقَله رَكْعَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَقَله رَكْعَة وَاحِدَة، وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة رَكْعَة. بَاب الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة أَجمعُوا على أَن صَلَاة الْجَمَاعَة مَشْرُوعَة وَأَنه يجب إظهارها فِي النَّاس، فَإِذا امْتنع من ذَلِك أهل بلد قوتلوا عَلَيْهَا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْجَمَاعَة وَاجِبَة فِي الْفُرُوض غير الْجُمُعَة؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ فرض على الْكِفَايَة، وَقَالَ جمَاعَة من أَصْحَابه: هِيَ سنة. وَقَالَ مَالك: هِيَ سنة مُؤَكدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ فرض على الْكِفَايَة. وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي: أَنَّهَا سنة مُؤَكدَة، وَقَالَ جمَاعَة من أَصْحَابه: هِيَ سنة، وَقَالَ مَالك: سنة مُؤَكدَة. وَقَالَ أَحْمد: هِيَ وَاجِبَة على الْإِيمَان، وَلَيْسَت شرطا فِي صِحَة الصَّلَاة، فَإِن صلى مُنْفَردا مَعَ الْقُدْرَة على الْجَمَاعَة أَثم، وَالصَّلَاة صَحِيحَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا يجوز أَن يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاة إِلَّا بِمَا قيل فِي الْأَثر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ من أَمر دينه ودنياه. وَاخْتلفُوا فِي الْقُنُوت فِي الْفجْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسن فِيهَا. ثمَّ اخْتلف أَبُو حنيفَة وَأحمد فِيمَن صلى خلف من يقنت فِي الْفجْر هَل يُتَابِعه أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُتَابِعه. وَقَالَ أَحْمد: يُتَابِعه. بَاب سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَاتَّفَقُوا على أَن سُجُود التِّلَاوَة غير وَاجِب. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ أوجبه على التَّالِي وَالسَّامِع، سَوَاء قصد السَّامع أَو لم يقْصد. ثمَّ اتّفق من لم يُوجِبهُ على اسْتِحْبَابه وتأكيد سنته على التَّالِي وَالسَّامِع قَاصِدا السماع أَو من غير قصد. إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أؤكد سنته على السَّامع فَإِن سجد فَحسن. وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ، إِلَّا أَبَا حنيفَة وَمَالك فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ إِلَّا فِي الأولى. بَاب مَا يبطل الصَّلَاة وَمَا يكره فِيهَا وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تكلم الْمُصَلِّي عَامِدًا لغير مصلحَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا، فَإِن كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما وَتكلم لمصْلحَة صلَاته عَامِدًا نَحْو أَن يشك فَسَأَلَ من خَلفه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تبطل صلَاته إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما. وَقَالَ مَالك: لَا تبطل صلاتهما بِشَرْط الْمصلحَة. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، أحداهن: الْبطلَان فِي حق الإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَالثَّانيَِة: بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم وَصحت صَلَاة الإِمَام بِشَرْط الْمصلحَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالثَّالِثَة: صِحَة صلاتهما مَعَ اشْتِرَاط الْمصلحَة. فَإِن تلكم فِي صلَاته نَاسِيا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّلَاة صَحِيحَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَن أكل أَو شرب فِي صلَاته مُتَعَمدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: تبطل. وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَحْمد، فَالْمَشْهُور عَنهُ أَنَّهَا تبطل الْفَرِيضَة دون النَّافِلَة، وَأَن النَّافِلَة لَا يُبْطِلهَا إِلَّا الْأكل وَحده، وَسَهل فِي الشّرْب فِي النَّافِلَة. وَأَجْمعُوا على أَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة مَكْرُوه. وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن التثاؤب فِيهَا مَكْرُوه. وَأَجْمعُوا على أَن نظر الْمُصَلِّي إِلَى مَا يلهيه مَكْرُوه. . وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال فِي الْفَرَائِض ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز إمامتها بهم فِي صَلَاة التَّرَاوِيح خَاصَّة فَأجَاز ذَلِك أَحْمد بِشَرْط أَن تكون مُتَأَخِّرَة، وَمنعه الْبَاقُونَ. وَاخْتلفُوا فِي سَجْدَة ص، هَل هِيَ سَجْدَة شكر، أَو من عزائم السُّجُود؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هِيَ من عزائم السُّجُود. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُور عَنهُ: هِيَ سَجْدَة شكر. وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الْمفصل ثَلَاث سَجدَات، إِحْدَاهُنَّ: فِي النَّجْم، وَالثَّانيَِة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فِي الانشقاق، وَالثَّالِثَة: فِي العلق، وَهِي سُورَة: {اقْرَأ} ، خلا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا سُجُود فِي الْمفصل فِي الْمَشْهُور من مذْهبه. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة، وَذكر ذَلِك عبد الْوَهَّاب فِي الْإِشْرَاق. وَعَن الشَّافِعِي قولا فِي أَنه لَا سُجُود فِي الْمفصل. وَاتَّفَقُوا على أَن بَاقِي السجدات، وَأَنَّهَا سَجدَات تِلَاوَة وَهِي عشرَة، أَولهَا: (الْأَعْرَاف) ، و (الرَّعْد) ، و (النَّحْل) ، و (سَجْدَة سُبْحَانَ) ، و (سَجْدَة مَرْيَم) ، وَالْأولَى من (الْحَج) ، و (سَجْدَة الْفرْقَان) ، و (سَجْدَة النَّمْل) ، و (سَجْدَة السَّجْدَة) ، و (حم) المصابيح. وَاخْتلفُوا فِي سُجُود الشُّكْر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يكره، وَالْأولَى أَن يقْتَصر على الْحَمد وَالشُّكْر بِاللِّسَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يكره بل هُوَ مُسْتَحبّ. بَاب مَا يجوز فِيهِ الصَّلَاة وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فِي الْمَوَاضِع الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا هَل تبطل صَلَاة من صلى فِيهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلهَا مَكْرُوهَة إِلَّا أَنه إِذا فعلهَا صحت إِلَّا ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام، فَإِن الصَّلَاة على ظَهره تصح على الْإِطْلَاق من غير كَرَاهَة. وَقَالَ مَالك: الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَوَاضِع صَحِيحَة إِن كَانَت طَاهِرَة على كَرَاهِيَة، لِأَن النَّجَاسَة قل أَن تخلوا مِنْهَا غَالِبا. إِلَّا ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام، فَإِن الصَّلَاة عِنْده عَلَيْهِ فَاسِدَة لِأَنَّهُ يستدبر بذلك بعض مَا أَمر باستقباله. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذِه الْمَوَاضِع غير بَيت اللَّهِ الْحَرَام والمقبرة صَحِيحَة مَعَ الْكَرَاهِيَة. فَأَما ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام فَإِن كَانَت بَين يَدَيْهِ ستْرَة مُتَّصِلَة كَمَا قدمنَا من مذْهبه، كَانَت الصَّلَاة صَحِيحَة من غير كَرَاهِيَة وَإِن لم تكن ستْرَة لم تصح الصَّلَاة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَأما الْمقْبرَة فَإِنَّهَا إِن كَانَت منبوشة لم تصح الصَّلَاة فِيهَا، وَإِن كَانَت غير منبوشة كرهت وأجزأت. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورَة مِنْهُنَّ أَنَّهَا تبطل على الْإِطْلَاق، وَالثَّانيَِة: أَنَّهَا تصح مَعَ الْكَرَاهِيَة، وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: إِن كَانَ عَالما بِالنَّهْي أعَاد وَإِن لم يكن عَالما لم يعده. والمواضع الْمشَار إِلَيْهَا سَبْعَة: الْمقْبرَة، وَالْحمام، والمزبلة، وقارعة الطَّرِيق، وأعطان الْإِبِل، والمجزرة، وَظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام. وَاتَّفَقُوا على أَن سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة مَشْرُوع، وَأَنه إِذا سهى فِي صلَاته جبر ذَلِك سُجُود السَّهْو. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. فَقَالَ أَحْمد والكرخي من أَصْحَاب أبي حنيفَة: هُوَ وَاجِب. وَقَالَ مَالك: يجب فِي النُّقْصَان من الصَّلَاة وَيسن فِي الزِّيَادَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مسنون فَلَيْسَ بِوَاجِب على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تَركه سَهوا لم تبطل صلَاته إِلَّا رِوَايَة عَن أَحْمد، وَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه لَا تبطل كالجماعة. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ سُجُود النَّقْص لترك شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا، أَو تَركه نَاسِيا وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 يسْجد حَتَّى سلم وتطاول الْفَصْل وَقَامَ من مُصَلَّاهُ أَو انتقضت طَهَارَته بطلت صلَاته ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَوْضِعه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بعد السَّلَام على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ عَن نُقْصَان قبل السَّلَام، وَإِن كَانَ عَن زِيَادَة فَبعد السَّلَام، وَإِذا اجْتمع سهوان من زِيَادَة ونقصان فموضعه قبل السَّلَام أَيْضا. وَقَالَ الشَّافِعِي: كُله قبل السَّلَام فِي الْمَشْهُور عَنهُ. وَقَالَ أَحْمد: فِي الْمَشْهُورَة عَنهُ، كُله قبل السَّلَام إِلَّا فِي موضِعين، أَحدهمَا: أَن يسلم من نُقْصَان فِي صلَاته سَاهِيا فَإِنَّهُ يقْضِي مَا بَقِي عَلَيْهِ وَيسلم وَيسْجد للسَّهْو بعد السَّلَام. وَالثَّانِي: إِذا شكّ الإِمَام فِي صلَاته، وَقُلْنَا: يتحَرَّى، فَإِنَّهُ يَبْنِي على غَالب وهمه وَيسْجد أَيْضا بعد السَّلَام. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب مَالك. بَاب قَضَاء الْفَوَائِت وَاتَّفَقُوا على وجوب قَضَاء الْفَوَائِت. ثمَّ اخْتلفُوا فِي قَضَائهَا فِي الْأَوْقَات المنهى عَنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز. والأوقات الْمَذْكُورَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وزوالها وغروبها. وَاخْتلفُوا فِي الْمُصَلِّي تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ فِي صَلَاة الصُّبْح. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: صَحِيحَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّمْس إِذا غربت على الْمُصَلِّي عصرا فَإِن صلَاته صَحِيحَة. بَاب الْقُنُوت وَاتَّفَقُوا على أَن الْقُنُوت فِي الْوتر مسنون فِي النّصْف الثَّانِي من شهر رَمَضَان إِلَى آخِره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَوْضِعه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: قبل الرُّكُوع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: بعده. ثمَّ اخْتلفُوا هَل هُوَ مسنون فِي بَقِيَّة السّنة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ مسنون فِي جَمِيع السّنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يسن إِلَّا فِي نصف شهر رَمَضَان الثَّانِي. وَاخْتلفُوا هَل يسْتَحبّ للنِّسَاء إِذا اجْتَمعُوا أَن يصلين فرائضهن جمَاعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك فِي الْفَرِيضَة دون النَّافِلَة. وَقَالَ مَالك: يكره فيهمَا جَمِيعًا. وروى ابْن أَيمن عَن مَالك أَنه لَا يكره لَهُنَّ ذَلِك لَا فِي الْفَرِيضَة وَلَا فِي النَّافِلَة، بل يسْتَحبّ فيهمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يسْتَحبّ لَهُنَّ ذَلِك وَتَكون إمامتهن قَائِمَة مَعَهُنَّ فِي الصَّفّ وسطا. وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره للشباب مِنْهُنَّ حُضُور جمَاعَة الرِّجَال. ثمَّ اخْتلفُوا فِي حُضُور عجائزهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يكره على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُنَّ الْحُضُور إِلَّا فِي الْعشَاء وَالْفَجْر خَاصَّة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد، عَن أبي يُوسُف عَنهُ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يخْرجن فِي الْعِيدَيْنِ خَاصَّة. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت عجوزا تشْتَهى كره لَهَا كالشابة فَإِن كَانَت لَا يشتهى مثلهَا لم يكره. قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَالَّذِي أرى أَن حضورهن الْجَمَاعَات، وأنهن يكن فِي آخر صُفُوف الرِّجَال على مَا جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث، وَمضى عَلَيْهِ زمَان الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والصدر الأول غير مَكْرُوه بل مسنون. وَإِن من علل كراهيته ذَلِك بخوف الافتتان بِهن فَإِن ذَلِك مَرْدُود عَلَيْهِ بِالْحَجِّ. بَاب النَّوَافِل الرَّاتِبَة وَاتَّفَقُوا على أَن النَّوَافِل الرَّاتِبَة رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر، وركعتان قبل الظّهْر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وركعتان بعْدهَا، وركعتان بعد الْمغرب، وركعتان بعد الْعشَاء. ثمَّ زَاد أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَقَالَا: وَقبل الْعَصْر أَرْبعا. إِلَّا أَن أبي حنيفَة قَالَ: وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وكملا قبل الظّهْر أَرْبعا. وَزَاد الشَّافِعِي فكمل بعْدهَا أَرْبعا. وَقَالَ أَيْضا أَبُو حنيفَة: وأربعا بعْدهَا أَيْضا، وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَزَاد أَبُو حنيفَة: وأربعا قبل الْعشَاء وكمل بعْدهَا أَرْبعا. وَقَالَ: وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وأربعا قبل الْجُمُعَة، وأربعا بعْدهَا. بَاب فِي الْإِمَامَة وَمن أَحَق بِالْإِمَامَةِ وَاخْتلفُوا فِي إِمَامَة الْأُمِّي بالقارئ، والأمي هُوَ الَّذِي لَا يتم الْفَاتِحَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلاتهما. وَقَالَ مَالك وَأحمد: تبطل صَلَاة الْقَارئ وَحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَقَالَ الشَّافِعِي: صَلَاة الْأُمِّي صَحِيحَة، وَفِي صَلَاة الْقَارئ قَولَانِ: الْجَدِيد كَقَوْل مَالك وَأحمد، وَالْقَدِيم تصح. وَللشَّافِعِيّ قَول ثَالِث تصح صَلَاة الْإِسْرَار، بِنَاء على قَوْله: لَا يجب على الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِي حَال جهر الإِمَام. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأولى بِالْإِمَامَةِ هَل هُوَ الأفقه أَو الأقرأ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الأفقه الَّذِي يحسن الْفَاتِحَة أولى. وَقَالَ أَحْمد: الأقرأ الَّذِي يحسن جَمِيع الْقُرْآن وَيعلم أَحْكَام الصَّلَاة أولى، وَإِن كَانَ الآخر يعرف من الْفِقْه اكثر مِمَّا يعرف وَيحسن من الْقُرْآن مَا تُجزئ بِهِ الصَّلَاة. وَاخْتلفُوا فِي إِمَامَة الْفَاسِق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تصح. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ فسقه بِغَيْر تَأْوِيل لَا تصح، وَإِن كَانَ بِتَأْوِيل فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْت يقْضِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أشهرهما: أَنَّهَا لَا تصح. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز اقْتِدَاء المتنفل بالمفترض. ثمَّ اخْتلفُوا فِي اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يجوز. وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يجوز اقْتدى من يُصَلِّي ( ... ... ... . .) . واقتداء المتنفل بالمتنفل يجوز وَيصِح. وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يجوز اقْتِدَاء من يُصَلِّي الظّهْر بِمن يُصَلِّي الْعَصْر، وَلَا من يُصَلِّي فرضا خلف من يُصَلِّي فرضا آخر أَو أَحدهمَا ظهر الأمس، وَالْآخر ظهر الْيَوْم. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز أَي مَا تقدم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف الْمَأْمُوم قُدَّام الإِمَام مقتديا بِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَأحمد: لَا تصح صلَاته. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: تصح صلَاته. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا بُد من أَن يَنْوِي الْمَأْمُوم الائتمام. ثمَّ اخْتلفُوا فِي حق الإِمَام هَل يلْزمه أَن يَنْوِي الْإِمَامَة؟ فَقَالَ أَحْمد: يلْزمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم الإِمَام فِيهِ الْإِمَامَة إِلَّا فِي الْجُمُعَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِيمَن خَلفه امْرَأَة كَقَوْل أَحْمد وَإِن كَانَ فِيمَن خَلفه رجل كَقَوْل الشَّافِعِي. وَاسْتثنى الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وعرفة فَقَالَ: لَا بُد من نِيَّة الإِمَام الْإِمَامَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اتَّصَلت الصُّفُوف وَلم تكن بَينهَا طَرِيق أَو نورة صَحَّ الائتمام. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم نهر أَو طَرِيق أَو كَانَ فِي سفينة، وَالْإِمَام فِي الْأُخْرَى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يمْنَع ذَلِك صِحَة الائتمام. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يمْنَع. وَاخْتلفُوا فِيمَن إِذا صلى فِي بَيته بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَهُنَاكَ حَائِل يمْنَع من رُؤْيَة الصُّفُوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تصح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تصح مَعَ الْكَرَاهَة. وَعَن أبي حنيفَة: أَنَّهَا لَا تصح على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وقف خلف الصُّفُوف وَحده مقتديا بِالْإِمَامِ فَإِن صلَاته تُجزئه لَكِن مَعَ الْكَرَاهَة، إِلَّا أَحْمد، فَإِنَّهُ يبطل صَلَاة الْفَذ خلف الصُّفُوف وَحده عِنْده، أخذا بِحَدِيث وابصة بن معبد. وَعَن مَالك رِوَايَة كمذهب أَحْمد رَوَاهَا ابْن وهب عَنهُ وَأَجْمعُوا على أَن الْمُصَلِّي إِذا وقف عَن يسَار الإِمَام وَلَيْسَ عَن يَمِينه أحد أَن صلَاته صَحِيحَة. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: تبطل صلَاته أَيْضا. وَأَجْمعُوا على أَن أقل الْجمع الَّذِي ينْعَقد بِهِ صَلَاة الْجَمَاعَة فِي الْفُرُوض غير الْجُمُعَة اثْنَان، إِمَام ومأموم قَائِم عَن يَمِينه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا صلى الْكَافِر هَل يحكم بِإِسْلَامِهِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا صلى فِي جمَاعَة أَو مُنْفَردا فِي الْمَسْجِد حكم بِإِسْلَامِهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ إِلَّا أَن الشَّافِعِي اسْتثْنى دَار الْحَرْب فَقَالَ: إِن صلى فِيهَا حكم بِإِسْلَامِهِ. وَقَالَ مَالك: إِن صلى فِي السّفر بِحَيْثُ يخَاف على نَفسه لم يَصح إِسْلَامه، وَإِن كَانَت صلَاته حَال طمأنينته حكم بِإِسْلَامِهِ. وَقَالَ أَحْمد: إِذا صلى حكم بِإِسْلَامِهِ سَوَاء صلى فِي جمَاعَة أَو مُنْفَردا فِي الْمَسْجِد أَو غَيره، فِي دَار الْإِسْلَام أَو غَيرهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَن يدْرك الْمَأْمُوم الْمَسْبُوق من صَلَاة الإِمَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا يُدْرِكهُ الْمُؤْتَم من صَلَاة الإِمَام أَو صلَاته فِي التشهدات وَآخر صلَاته فِي الْقُرْآن. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم هُوَ آخرهَا وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب وَأَشْهَب: هُوَ أَولهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَولهَا حكما ومشاهدة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين وَفَائِدَة الْخلاف أَنه يقْضِي مَا فَاتَهُ عِنْد من يَقُول: مَا يُدْرِكهُ آخرهَا بالاستفتاح وَسورَة بعد الْفَاتِحَة، وَمن يَقُول: إِنَّهَا أَولهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: يقْضِي مَا فَاتَهُ من غير استفتاح وَلَا سُورَة بعد الْفَاتِحَة. بَاب قصر الصَّلَاة وَاتَّفَقُوا على الْقصر فِي السّفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ثمَّ اخْتلفُوا هَل هُوَ رخصَة أَو عَزِيمَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ عَزِيمَة، وشدد فِيهِ حَتَّى قَالَ: إِذا صلى الظّهْر أَرْبعا، وَلم يجلس بَين الرَّكْعَتَيْنِ بَطل ظَهره. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ رخصَة. وَعَن مَالك: أَنه عَزِيمَة كمذهب أبي حنيفَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي السّفر الَّذِي يستباح فِيهِ الْقصر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام بسير الْإِبِل، ومشي الْأَقْدَام. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: سِتَّة عشر فرسخا. وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ رخصَة هَل هُوَ أفضل من الْإِتْمَام؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد: الْقصر أفضل، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر: الْإِتْمَام أفضل. وَاتَّفَقُوا كلهم على أَن الصُّبْح وَالْمغْرب لَا يقصران. وَاتَّفَقُوا على أَن الرُّخص من الْقصر وَالْفطر تَنْطَلِق بالأسفار الْمُبَاحَة والواجبة مَعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ثمَّ اخْتلفُوا فِي سفر الْمعْصِيَة هَل يُبِيح الرُّخص الشَّرْعِيَّة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُبِيح جَمِيع الرُّخص. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يُبِيح أكل الْميتَة فَقَط. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يُبِيح شَيْئا على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الْمُسَافِر مَعَ أَهله دَائِما كالملاح و (القيج) والمكاري. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يترخص. وَقَالَ أَحْمد: لَا يترخص، وَعَن مَالك: نَحوه. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا سَار لَا يقْصد جِهَة مُعينَة أَنه لَا يترخص إِلَّا مَا حُكيَ عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ على هَذِه الْحَالة ثمَّ سَار مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهُ يقصر الصَّلَاة بعد ذَلِك. بَاب جمع الصَّلَاة وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر الَّذِي يقصر فِيهِ الصَّلَاة فَيجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء الْأَخِيرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا بِمَعْرِِفَة جمَاعَة وبالمزدلفة فِي حق الْمحرم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق. ثمَّ اخْتلفُوا أَعنِي الْقَائِلين بِالْجمعِ فِي جَوَاز الْجمع فِي السّفر الْقصير، فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ وَيجوز الْجمع فِي الْحَضَر بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق، بل يجوز إِذا كَانَت الصَّلَاة فِي جمَاعَة أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى آخر وَقتهَا ثمَّ يطيلها بِحَيْثُ إِذا فرغ من فعلهَا دخل وَقت الْعَصْر، فَيصَلي صَلَاة الْعَصْر فِي أول وَقتهَا، وَكَذَلِكَ فِي العشائين وَكَذَلِكَ لَهُ أَن يُصَلِّي فِي السّفر، وَإِن لم تكن الصَّلَاة فِي جمَاعَة. وَقَالَ مَالك: يجوز الْجمع فِي الْحَضَر للمطر فِي الْمغرب وَالْعشَاء دون الظّهْر وَالْعصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ للْمَرِيض. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَأَجْمعُوا على أَن الصُّبْح لَا تجمع إِلَى غَيرهَا. وَأجْمع الْقَائِلُونَ بِجَوَاز الْجمع الَّذِي قدمنَا وَصفه على مَا بَيناهُ حضرا وسفرا أَن ذَلِك ينْصَرف إِلَى صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وصلاتي الْمغرب وَالْعشَاء، وَأَن ذَلِك يجوز شَرط الْعذر على اخْتلَافهمْ فِي أَنْوَاعه وَالتَّرْتِيب وَالنِّيَّة للْجمع والمواصلة بَينهمَا وَأَن لَهُ أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر ويعجل الْعَصْر إِلَى خُرُوج وَقت الظّهْر، وَيَنْوِي التَّأْخِير فِي أول وَقت الأولى إِذا كَانَ يُرِيد تَأْخِيرهَا إِلَى الثَّانِيَة. وَالتَّرْتِيب أَن يُصَلِّي الظّهْر ثمَّ الْعَصْر وَالْمغْرب ثمَّ الْعشَاء وَأَن لَا يفصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 بَينهمَا بِفعل وَلَا غَيره إِلَّا أَن يقم للثَّانِيَة فَإِنَّهُ جَائِز، فَإِذا أَرَادَ قصر مَا يجوز قصره من الصَّلَوَات وَهِي الصَّلَوَات الرباعيات الثَّلَاث، وَأَرَادَ الْجمع احْتَاجَ إِلَى نِيَّة لَهما ويفصل بَين كل صَلَاتَيْنِ بِالسَّلَامِ. بَاب الْجُمُعَة فَأَما الْجُمُعَة فَقَالَ ابْن فَارس: اخْتلف النَّاس فِي معنى الْجُمُعَة، فَقَالَ قوم: سميت جُمُعَة لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهَا فِي الْمَكَان الْجَامِع لصلاتهم، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا سميت الْجُمُعَة لِأَن خلقه آدم جمع فِيهِ. وَاتَّفَقُوا على وجوب الْجُمُعَة على أهل الْأَمْصَار. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْخَارِج عَن الْمصر إِذا سمع النداء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب عَلَيْهِ. وَحده مَالك وَأحمد بفرسخ، وَأطْلقهُ الشَّافِعِي. وَحده أَبُو حنيفَة بِثَلَاث فراسخ. وَاخْتلفُوا فِي أهل الْقرى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِم، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تجب عَلَيْهِم إِذا بلغُوا عددا تصح بِهِ الْجُمُعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعدَد، فَقَالَ أَبُو حنيفَة، تَنْعَقِد بِثَلَاث سوى الإِمَام. وَقَالَ مَالك: تَنْعَقِد بِكُل عدد تقري بهم قَرْيَة فِي الْعَادة يُمكنهُم الْإِقَامَة، وَيكون بَينهم الشِّرَاء وَالْبيع من غير حصر إِلَّا أَنه منع ذَلِك فِي الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة. وشبههم. وَقَالَ الشَّافِعِي: تَنْعَقِد بِأَرْبَعِينَ وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد أَحْمد من رِوَايَته، وَعنهُ تَنْعَقِد بِخَمْسِينَ وَهَذَا الْعدَد يعْتَبر فِيهِ صِفَات وَهُوَ أَن يَكُونُوا بالغين عقلا مستوطنين أحرارا. وَاتَّفَقُوا على أَن الْخطْبَتَيْنِ شَرط فِي انْعِقَاد الْجُمُعَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا قَالَ: الْحَمد لله وَنزل، كَفاهُ ذَلِك وَلَا يحْتَاج إِلَى غَيره. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجُمُعَة لَا تجب على صبي وَلَا عبد وَلَا مُسَافر وَلَا امْرَأَة، إِلَّا رِوَايَة عَن أَحْمد فِي العَبْد خَاصَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَعْمَى إِذا لم يجد قائدا لم تجب عَلَيْهِ، ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا وجد قائدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تجب عَلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ مَشْرُوع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ وَاجِب، وَكَذَلِكَ أوجب الشَّافِعِي خَاصَّة الْقعُود بَين الْخطْبَتَيْنِ، وَرَآهُ مَالك سنة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: كل ذَلِك سنة. وَاخْتلفُوا فِي الْخطْبَة الَّتِي يعْتد بهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئ أَن يخْطب بتسبيحة وَاحِدَة، وتجزئ عَن الْخطْبَتَيْنِ، وَلَا يحْتَاج إِلَى تسبيحتين. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: من شَرط الْخطْبَة المعتد بهَا: التَّحْمِيد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقِرَاءَة آيَة وَالْمَوْعِظَة. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَقَالَ اللغويون: الْخطْبَة مُشْتَقَّة من المخاطبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ بَعضهم: سميت خطْبَة لأَنهم كَانُوا يجعلونها فِي الْخطب وَالْأَمر الْعَظِيم والمنبر عِنْدهم من قَوْلك: نبرا إِذا علا صَوته فالمخاطب يَعْلُو صَوته. وَاتَّفَقُوا على أَن السّفر يَوْم الْجُمُعَة قبل صلَاتهَا لَا يسْتَحبّ ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَازه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز السّفر يَوْم الْجُمُعَة قبل الزَّوَال وَبعده مَا لم يحرم بِالصَّلَاةِ وَهُوَ مَكْرُوه. وَقَالَ مَالك: أحب أَن لَا يخرج بعد طُلُوع الْفجْر، وَلَيْسَت بِحرَام، فَأَما بعد الزَّوَال فَلَا يَنْبَغِي أَن يُسَافر حَتَّى يُصَلِّي الْجُمُعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز قبل الزَّوَال حَتَّى يُصَلِّي الْجُمُعَة قولا وَاحِدًا، إِلَّا أَن يخَاف فَوت الرّفْقَة. وَهل يجوز قبله وَبعد طُلُوع الْفجْر؟ فعلى قَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز أَن يُسَافر بعد الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة قبل صَلَاة الْجُمُعَة قولا وَاحِدًا. فَأَما السّفر فِيهِ قبل الزَّوَال هَل يجوز أم لَا؟ فِيهِ عَنهُ رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ أَنه لَا يجوز أَيْضا. وَالثَّانيَِة: يجوز وَيكرهُ كمذهب مَالك، وَالثَّالِثَة: يجوز للْجِهَاد خَاصَّة. فَأَما إِقَامَة الْجُمُعَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه لَا تصح إِقَامَة الْجُمُعَة بِغَيْر إِذن الإِمَام. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن أُقِيمَت بِغَيْر ذَلِك صحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 مَعَ استحبابهم الاسْتِئْذَان. وَاخْتلفُوا هَل تَنْعَقِد الْجُمُعَة بالعبيد والمسافرين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تَنْعَقِد بهم وتجزئهم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تَنْعَقِد بهم وَلَا تجزئهم. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون الْمُسَافِر أَو العَبْد إِمَامًا فِي الْجُمُعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك فِي الرِّوَايَة أَشهب: يجوز. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا: لَا تجب الْجُمُعَة على العَبْد: لَا يجوز وَاخْتلفُوا هَل يكره فعل الظّهْر فِي جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة فِي حق من لَا يُمكنهُ إتْيَان الْجُمُعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يكره. وَاخْتلفُوا فِي الْكَلَام فِي حَال الْخطْبَة لمن لَا يستمعها وَهُوَ بعيد عَنْهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ مُبَاح إِلَّا أَنَّهُمَا استحبا السُّكُوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْكَلَام حِينه سَوَاء سمع أَو لم يسمع، وَقد حكى متأخروا أَصْحَابه عَنهُ الْجَوَاز. وَقَالَ مَالك: وَاجِب عَلَيْهِ الْإِنْصَات سَوَاء قرب أَو بعد. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْكَلَام فِي حَال الْخطْبَة لمن يسْمعهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: يحرم الْكَلَام حَال الْخطْبَة على الْمُخَاطب والمستمع مَعًا. إِلَّا أَن مَالِكًا رأى للمخاطب خَاصَّة جَوَاز الْكَلَام بِمَا يعود لمصْلحَة الصَّلَاة إنْسَانا بعينة جَازَ لذَلِك الْإِنْسَان أَن يجِيبه كَمَا فعل عُثْمَان مَعَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: لَا يحرم عَلَيْهِمَا بل يكره. وَعَن أَحْمد نَحوه، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَن أَحْمد أَنه يحرم على المستمع دون الْمُخَاطب. وَاخْتلفُوا فِي إِقَامَة الْجُمُعَة فِي مصدر وَاحِد فِي موضِعين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز أَن تُقَام إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجوز أَن يُقَام فِي الْمصر الْوَاحِد فِي مَوَاضِع إِذا كَانَ كَبِيرا، أَو احْتِيجَ إِلَى ذَلِك وَسَوَاء كَانَ الْبَلَد جانبا وَاحِدًا أَو جانبين. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِذا كَانَ الْمصر لَهُ جانبان كبغداد يجوز. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَالصَّحِيح من مَذْهَبنَا أَنه لَا يجوز إِقَامَة الْجُمُعَة فِي أَكثر من مَوضِع وَاحِد من الْمصر إِلَّا أَن يشق الِاجْتِمَاع لكبر الْمصر فَيجوز فِي موضِعين، وَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر جَازَ. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِقَامَة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يجوز. وَقَالَ أَحْمد: يجوز قبل الزَّوَال، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى يجوز فِي السَّاعَة السَّادِسَة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَافق يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عيد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يشْتَرط الْجُمُعَة بِحُضُور الْعِيد، وَلَا الْعِيد بِحُضُور الْجُمُعَة. وَقَالَ أَحْمد: إِن جمع بَينهمَا فَهُوَ الْفَضِيلَة، وَإِن حضر الْعِيد سقط عَنهُ الْجُمُعَة. وَاخْتلفُوا هَل يكره الْكَلَام فِيمَا بَين خُرُوج الإِمَام وَبَين أَخذه فِي الْخطْبَة، وَبَين نُزُوله مِنْهَا وَبَين افتتاحه الصَّلَاة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: خُرُوج الإِمَام يقطع الْكَلَام إِلَى دُخُوله فِي الصَّلَاة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا بَأْس بالْكلَام فِي ذَيْنك الْوَقْتَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِي سَلام الإِمَام على النَّاس إِذا اسْتَقْبَلَهُمْ مستويا على الْمِنْبَر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسلم، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسلم، قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَمذهب أبي حنيفَة وَمَالك أَنه لَا يسلم إِذا رقى على الْمِنْبَر، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ يسلم على النَّاس وَقت خُرُوجه إِلَيْهِم وَهُوَ على الأَرْض وَلَا يُعِيد ثَانِيًا على الْمِنْبَر. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون الْمُصَلِّي غير الْخَاطِب؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْعُذْر، وَلَا يجوز من غير عذر. وَعَن أَحْمد مثله، وَفِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لَا يجوز، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين، وَقَالَ مَالك: لَا يُصَلِّي إِلَّا من خطب. بَاب غسل الْجُمُعَة اتَّفقُوا على أَن غسل الْجُمُعَة مسنون. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَيْسَ من شُرُوط إِدْرَاك الْجُمُعَة، إِدْرَاك الْخطْبَة، وَمن صلى الْجُمُعَة فقد صحت لَهُ الْجُمُعَة وَإِن لم يدْرك الْخطْبَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْفَضِيلَة فِي إِدْرَاكهَا وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة بسجدتيها ثمَّ أضَاف لَهَا أُخْرَى صحت لَهُ الْجُمُعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أدْركهُ فِي التَّشَهُّد، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح لَهُ جمعه، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: يُصَلِّي أَرْبعا وَلَا تصح لَهُ جُمُعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا دخل وَقت الْعَصْر وَقد صلوا من الْجُمُعَة رَكْعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاتهم جملَة ويستأنفون الظّهْر، وَقَالَ الشَّافِعِي: يبنون عَلَيْهَا ظهرا. وَقَالَ أَحْمد: يتمونها بِرَكْعَة أُخْرَى وتجزئهم جُمُعَة. وَأما مَذْهَب مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فقد اخْتلف أَصْحَابه عَنهُ، قَالَ ابْن الْقَاسِم: تصح الْجُمُعَة مَا لم تغرب الشَّمْس، وَإِن صلى بعض الْعَصْر بعد الْغُرُوب. وَذكر الْأَبْهَرِيّ أَن الْمَذْهَب أَنه مَا لم يخرج وَقت الظّهْر الضَّرُورِيّ، وَقدر ذَلِك أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة ثمَّ يبْقى إِلَى مغيب الشَّمْس مِقْدَار أَربع رَكْعَات لصَلَاة الْعَصْر جَازَ فعلهَا، قَالَ: وَهَذَا وَقتهَا الضَّرُورِيّ. فَأَما وَقتهَا الْمُخْتَار فَبعد الزَّوَال، فَإِن خرج وَقتهَا وَدخل وَقت الْعَصْر، فَإِن كَانَ قد صلى رَكْعَة بسجدتيها قبل دُخُول وَقت الْعَصْر أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى وتمت لَهُ جمعه، وَإِن كَانَ قد صلى دون ذَلِك بنى وأتمها ظهرا. وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا فَاتَتْهُمْ صَلَاة الْجُمُعَة صلوا ظهرا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجمعُونَ لصَلَاة الظّهْر أم يصلونها فُرَادَى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يصلونها فُرَادَى. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: بل فِي جمَاعَة. بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَاتَّفَقُوا على أَن صَلَاة الْعِيدَيْنِ مَشْرُوعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 والعيد عِنْد أهل اللُّغَة إِنَّمَا سمي عيدا لاعتياد النَّاس لَهُ كل حِين ومعاودته إيَّاهُم. ثمَّ إِن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا بعد اتِّفَاقهم على أَنَّهَا مَشْرُوعَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاجِبَة على الْأَعْيَان كَالْجُمُعَةِ. وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا سنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ سنة. وَقَالَ أَحْمد: هِيَ فرض على الْكِفَايَة، إِذا قَامَ بهَا قوم سَقَطت عَن البَاقِينَ كالجهاد وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة. وَاخْتلفُوا فِي شرائطها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَن من شُرُوطهَا الاستيطان وَالْعدَد وَإِذن الإِمَام على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول أَحْمد بِاعْتِبَار إِذْنهَا فِي الْجُمُعَة. وَزَاد أَبُو حنيفَة: الْمصر، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: كل ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط، وَأَجَازَ أَن يُصليهَا مُنْفَردا من شَاءَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَعَن أَحْمد: نَحوه. وَاتَّفَقُوا على تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فِي أَولهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَلَاث فِي الأولى، وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة. وَقَالَ مَالك وَأحمد: سِتّ فِي الأولى وَخَمْسَة فِي الثَّانِيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: سبع فِي الأولى، وَخَمْسَة فِي الثَّانِيَة. وَاتَّفَقُوا إِلَّا أبي حنيفَة وَمَالك على الذّكر بَين كل تكبيرتين من الْحَمد لله وسبحانه، وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: بل يوالي بَين التَّكْبِيرَات نسقا. وَاخْتلفُوا فِي تَقْدِيم التَّكْبِيرَات على الْقِرَاءَة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تقدم التَّكْبِيرَات على الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن فيكبر فِي الأولى قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة بعد الْقِرَاءَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على رفع الْيَدَيْنِ مَعَ كل تَكْبِيرَة إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يرفعها من تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَط فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كالجماعة. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّكْبِير فِي عيد النَّحْر مسنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّكْبِير لعيد الْفطر. فَقَالُوا كلهم: التَّكْبِير فِيهِ إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يكبر لَهُ. قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَالصَّحِيح أَن التَّكْبِير فِيهِ أكمل من غَيره لقَوْله عز وَجل: {ولتكملوا الْعدة ولتكبروا اللَّهِ على مَا هدَاكُمْ ولعلكم تشكرون} . ثمَّ اخْتلفُوا فِي ابْتِدَائه وانتهائه. فَقَالَ مَالك: يكبر فِي يَوْم الْفطر دون ليلته، وابتداؤه عِنْده من أول الْيَوْم إِلَى أَن يخرج الإِمَام. وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال ثَلَاثَة فِي أَحدهَا: إِلَى أَن يخرج الإِمَام إِلَى الْمصلى، وَالثَّانِي: إِلَى أَن يحرم بِالصَّلَاةِ، وَالثَّالِثَة: إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة. وَأما ابتداؤه فَمن حَيْثُ يرى الْهلَال. وَعَن أَحْمد فِي انتهائه رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِذا خرج الإِمَام، وَالثَّانيَِة: إِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَتَيْنِ، وابتداؤه كمذهب الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا فِي صفته، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يكبر فَيَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَالله أكبر اللَّهِ أكبر وَللَّه الْحَمد، يشفع التَّكْبِير فِي أَوله وَفِي آخِره. وَقَالَ مَالك: صفة التَّكْبِيرَات أَن يَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، نسقا حسب، وَرُوِيَ عَنهُ أَن السّنة أَن يَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَالله أكبر اللَّهِ أكبر وَللَّه الْحَمد. وَقَالَ عبد الْوَهَّاب: الشفع وَالتَّكْبِير فِي أَوله وَآخره أحب إِلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يكبر ثَلَاثًا نسقا فِي أَوله، وَيكبر ثَلَاثًا نسقا فِي آخِره. قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَلكُل وَجه وَالْأَحْسَن مَا قَالَه الشَّافِعِي لِأَن الثَّلَاث أقل الْجمع. وَاخْتلفُوا فِي التَّكْبِير لعيد النَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي ابْتِدَائه وانتهائه فِي حق الْمحل وَالْمحرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبتدؤا بِالتَّكْبِيرِ من صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة، إِذا كَانَ محلا أَو محرما إِلَى أَن يكبر بِصَلَاة الْعَصْر (آخر يَوْم التَّشْرِيق) ، ثمَّ يقطع لَا فرق فِي الِابْتِدَاء والانتهاء عِنْده بَينهمَا. وَقَالَ مَالك: يكبر عقب صَلَاة الظّهْر يَوْم النَّحْر خلف الصَّلَوَات كلهَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الصَّلَاة الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ الرَّابِع من يَوْم النَّحْر، فيكبر خلفهَا ثمَّ يقطع التَّكْبِير فِيمَا بعْدهَا فَلَا يكبر، وَذَلِكَ فِي حق الْمحل والمرحم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال أشهرها: أَنه يكبر عقيب صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر أَو أَن يكبر عقيب صَلَاة الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق كمذهب مَالك، وَالْقَوْل الثَّانِي: يكبر عقيب صَلَاة الْمغرب من لَيْلَة النَّحْر إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَالْقَوْل الثَّالِث: يكبر عقيب صَلَاة الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَلم يفرق بَين الْمحل وَالْمحرم. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ محلا فيكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن كَانَ محرما كبر عقيب صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق. وَاتَّفَقُوا على أَن هَذَا التَّكْبِير فِي حق الْمحل وَالْمحرم خلف الْجَمَاعَات. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن صلى فُرَادَى من مَحل أَو محرم فِي هَذِه الْأَوْقَات المحدودة عِنْد كل مِنْهُم هَل يكبر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يكبر من كَانَ مُنْفَردا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يكبر الْمُنْفَرد أَيْضا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يكبر خلف النَّوَافِل فِي هَذِه الْأَوْقَات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ، أَنه يكبر خلفهَا أَيْضا. وَاخْتلفُوا فِيمَن فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يقْضِي. وَقَالَ أَحْمد: يقْضِي مُنْفَردا مَعَ بَقَاء الْوَقْت وَبعد خُرُوجه. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. ثمَّ اخْتلف من رأى قَضَائهَا فِي كيفيته؟ فَقَالَ أَحْمد فِي أشهر رواياته: يُصَلِّي أَرْبعا لصَلَاة الظّهْر يسلم فِي آخرهَا، وَإِن أحب فصل بِسَلام بَين كل رَكْعَتَيْنِ، واختارها الْخرقِيّ وَأَبُو بكر وَعنهُ يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الإِمَام وَهُوَ مَذْهَب مَالك، وَقَوْلِي الشَّافِعِي على القَوْل الَّذِي رأى قَضَائهَا، وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة أَنه مُخَيّر بَين أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا. وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة أَن يُصَلِّي الإِمَام الْعِيد فِي الْمُصَلِّي بِظَاهِر الْبَلَد لَا فِي الْمَسْجِد، فَإِن أَقَامَ لضَعْفه النَّاس وَذَوي الْعَجز مِنْهُم من يُصَلِّي بهم فِي الْمَسْجِد جَازَ. إِلَّا الشَّافِعِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا: صلَاتهَا فِي الْمَسْجِد أفضل إِذا كَانَ الْمَسْجِد وَاسِعًا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز النَّفْل قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا لمن حضرها فِي الْمُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أَو فِي الْمَسْجِد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينتفل قبلهَا، ويتنفل إِن شَاءَ بعْدهَا. وَأطْلقهُ وَلم يفرق بَين الْمُصَلِّي وَغَيره، وَلَا بَين أَن يكون هُوَ الإِمَام أَو يكون الْمَأْمُوم. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الصَّلَاة فِي الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يتَنَفَّل قبلهَا وَلَا بعْدهَا سَوَاء أَكَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَإِن كَانَت فِي الْمَسْجِد فَعنده رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: الْمَنْع من ذَلِك كَمَا فِي الْمُصَلِّي، وَالْأُخْرَى: لَهُ أَن يتَنَفَّل فِي الْمَسْجِد قبل الْجُلُوس وَبعد الصَّلَاة بِخِلَاف الْمُصَلِّي. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز أَن يتَنَفَّل قبلهَا وَبعدهَا فِي الْمصلى وَغَيره إِلَّا الإِمَام فَإِنَّهُ إِذا ظهر للنَّاس لم يصل قبلهَا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يتَنَفَّل قبل الْعِيد وَلَا بعْدهَا، لَا الإِمَام وَلَا الْمَأْمُوم، لَا فِي الْمصلى وَلَا فِي الْمَسْجِد. بَاب صَلَاة الْخَوْف وَاتَّفَقُوا على تَأْثِير الْخَوْف فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة وصفتها دون ركعاتها بقوله تَعَالَى: {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَوَات فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} الْآيَة. فَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى اخْتِيَار مَا رَوَاهُ ابْن عمر وَهُوَ أَن يجعلهم الإِمَام طائفتين، طَائِفَة تجاه الْعَدو، وَطَائِفَة خَلفه فَيصَلي بِالْأولَى وَهِي الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه رَكْعَة وسجدتين، فَإِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة مَضَت هَذِه الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو، وَجَاءَت تِلْكَ الطَّائِفَة فأحرمت مَعَه فَيصَلي بهم الإِمَام رَكْعَة وسجدتين ويتشهد وَيسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ويسلموا، ويذهبوا إِلَى وَجه الْعَدو. وَجَاءَت الطَّائِفَة الأولى فصلوا رَكْعَة وسجدتين بِغَيْر قِرَاءَة وتنصرف لمقامها وتجيء الثَّانِيَة فَيصَلي رَكْعَة وسجدتين بِقِرَاءَة وَتشهد ويسلمون. وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِلَى مَا رَوَاهُ سهل بن خَيْثَمَة فِي صَلَاة الْخَوْف، وَقد سبق فِي هَذَا الْبَاب ذكره. وَهُوَ أَن يُفَرِّقهُمْ طائفتين، طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو، وَطَائِفَة خَلفه، فَيصَلي بالطائفة الَّتِي خَلفه رَكْعَة، ويثب قَائِما وتتم هِيَ لنَفسهَا أُخْرَى بِالْحَمْد وَسورَة وتسلم ثمَّ تمْضِي لتحرس وتجيء الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت موازية الْعَدو فَيصَلي بهم الرَّكْعَة الثَّانِيَة وتجلس للتَّشَهُّد، وتتم هِيَ لنَفسهَا الرَّكْعَة الْأُخْرَى بِالْحَمْد وَسورَة ويطيل الإِمَام التَّشَهُّد حَتَّى يتم التَّشَهُّد، ثمَّ يسلم بهم. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قد رويت عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى وَهِي أَن يسلم الإِمَام وَلَا ينْتَظر الطَّائِفَة الثَّانِيَة حَتَّى يسلم بهم وَهَذِه الصَّلَاة مَعَ اخْتلَافهمْ فِي صفتهَا فَإِنَّهُم أَجمعُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 على أَن هَذَا إِنَّمَا يجوز بشرائط ثَلَاثَة مِنْهَا: أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا تكن الصَّلَاة حَتَّى يستدبروا الْعَدو أَو يكون عَن يَمِينه وشماله وَأَن يكون الْعَدو غير مَأْمُون أَن يتشاغل الْمُسلمُونَ عَن قِتَالهمْ أَن يكبوا على الْمُسلمين وَأَن يكون بِالْمُسْلِمين كَثْرَة يُمكن تفرقهم فرْقَتَيْن فرقة مُقَابلَة الْعَدو، وَأُخْرَى خلف الإِمَام. إِلَّا أَبَا حنيفَة وَحده فَإِنَّهُ لم يعْتَبر أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة بل فِي أَي جِهَة كَانَ الْعَدو جَازَت صَلَاة الْخَوْف عِنْده إِذا كَانَ يخَاف مِنْهُم المفاجأة. (وَصَلَاة الْخَوْف ثَابِتَة الحكم بعد مَوته عَلَيْهِ السَّلَام لم تنسخ) . وَأَجْمعُوا على أَن صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر أَربع رَكْعَات غير مَقْصُورَة، وَفِي السّفر رَكْعَتَانِ إِذا كَانَت ربَاعِية أَو غير ربَاعِية على عَددهَا، لَا يخْتَلف حكمهَا حضرا وَلَا سفرا وَلَا خوفًا. وَأَجْمعُوا على أَن جَمِيع الصِّفَات المروية عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الْخَوْف مُعْتَد بهَا، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي التَّرْجِيح، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه، فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قَالَ: إِن صلاهَا على مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة من رِوَايَة ابْن عمر لم تصح الصَّلَاة. حَكَاهُ عَنهُ أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الطَّبَرِيّ. وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة حَال الْمُسَابقَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجوز الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْحَالة وتؤخر حَتَّى يُمكنهُم أَن يصلوا بِغَيْر مسابقة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يؤخروها بل يصلى على حسب الْحَال وتجزئهم. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يُصَلِّي جمَاعَة فِي اشتداد الْخَوْف ركبانا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن حمل السِّلَاح حَال صَلَاة الْخَوْف مَشْرُوع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: هُوَ مُسْتَحبّ غير وَاجِب. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر، وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يجب. وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا رَأَوْا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صَلَاة الْخَوْف، ثمَّ بَان لَهُم خلاف مَا ظنوه أَن صلَاتهم لَا تجزيهم وَأَن عَلَيْهِم الْإِعَادَة، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه وَأحمد فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ أَنه لَا أَعَادَهُ عَلَيْهِم وَقد أجزأتهم. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لبس الْحَرِير للرِّجَال فِي غير الْحَرْب. ثمَّ اخْتلفُوا فِي لبسه فِي الْحَرْب، فَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَكَرِهَهُ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَاخْتلفُوا فِي الْجُلُوس عَلَيْهِ والاستناد إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن ذَلِك حرَام. وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة. بَاب صَلَاة الْكُسُوف اتَّفقُوا على أَن صَلَاة الْكُسُوف سنة مُؤَكدَة يسن لَهَا الْجَمَاعَة. قَالَ اللغويون: الْكُسُوف من كسف الشَّيْء إِذا ذهب ضوءه ونوره، والخسوف: هُوَ الغيوب، فَقَالَ: انخسفت الْبِئْر إِذا انحرف قعرها. وَاخْتلفُوا فِي هيئتها. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ركوعان يُطِيل الْقِرَاءَة فِي الأولى مِنْهُمَا على نَحْو سُورَة الْبَقَرَة، ثمَّ يُطِيل فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مناسبا مِنْهُمَا فِي ذَلِك التَّقْصِير فِي كل مِنْهُمَا بِالْإِضَافَة إِلَى مَا قيل ليتوخى بالفراغ مِنْهَا حَالَة التجلي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: صفتهَا كصلاتنا هَذِه فِي رَكْعَتي النَّافِلَة فِي كل رَكْعَة رُكُوعًا وَاحِدًا، ثمَّ يَدْعُو بعْدهَا حَتَّى ينجلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَاخْتلفُوا فِي الْقِرَاءَة فِيهَا هَل يجْهر بهَا أَو يخفي؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يخفي الْقِرَاءَة فِيهَا. وَقَالَ أَحْمد: يجْهر بهَا، وَوَافَقَهُ صاحبا أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَاخْتلفُوا هَل لصَلَاة الْكُسُوف خطْبَة؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يسن لَهَا خطْبَة، وَكَذَلِكَ الخسوف. وَقَالَ الشَّافِعِي: يخْطب لَهَا خطبتين بعد فعلهَا سَوَاء كَانَ كسوفا أَو خسوفا وَعَن أَحْمد نَحوه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ وَقت الْكُسُوف فِي وَقت لَا يصلى فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يُصَلِّي فِيهِ وَيجْعَل مَكَانهَا تسبيحا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُصَلِّي فِيهِ. وَعَن مَالك: ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يُصَلِّي فِي كل الْأَوْقَات، وَالثَّانيَِة: يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الَّتِي يجوز فِيهَا الصَّلَاة دون غَيرهَا من الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا التَّنَفُّل، وَالثَّالِثَة: أَنَّهَا تصلي مَا لم تزل الشَّمْس وَلَا تصلي بعد الزَّوَال حملا لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 على صَلَاة الْعِيد. وَاخْتلفُوا هَل تسن الْجَمَاعَة لصَلَاة خُسُوف الْقَمَر أم يُصَلِّي كل وَاحِد لنَفسِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الأولى الِانْفِرَاد وإخفاء الْقِرَاءَة فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْمسنون أَن تصلي جمَاعَة. وَقَالا: إِن السّنة الْجَهْر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ. بَاب الاسْتِسْقَاء اتَّفقُوا على أَن الاسْتِسْقَاء طلب السقيا من اللَّهِ وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال وَالِاسْتِغْفَار وَأَن ذَلِك مَنْدُوب. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يسن لَهَا صَلَاة أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وصاحبا أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: تسن لَهَا الْجَمَاعَة وَالصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تسن لَهُ صَلَاة بل يخرج الإِمَام، وَيخرج النَّاس مَعَه، فَإِن صلى النَّاس وحدانا جَازَ. وَاخْتلف من رأى الصَّلَاة للاستسقاء سنة فِي صفتهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مثل صَلَاة الْعِيد يكبر فِي الأولى سِتا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَالثَّانيَِة: خمْسا سوى تَكْبِيرَة الْقيام، إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَقُول: يكبر فِي الأولى سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا. وَقَالَ مَالك: صفتهَا رَكْعَتَانِ كَسَائِر الصَّلَوَات وَالتَّكْبِير الْمَعْهُود ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا. وَاخْتلفُوا هَل يسن لصَلَاة الاسْتِسْقَاء خطْبَة؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَابْن حَامِد وَعبد الْعَزِيز: يسن لَهَا وَيكون بعد الصَّلَاة خطبتين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا: لَا يخْطب لَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء واستغفار. قلت: وَاسْتحبَّ لَهُ أَن يدعوا بِدُعَاء أنس رَضِي اللَّهِ عَنهُ. وَاخْتلفُوا هَل يسْتَحبّ لَهَا تَحْويل الرِّدَاء؟ فَقَالُوا: يسن تفاؤلا بتحويل الْحَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسن ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا لم يسقوا فِي الْيَوْم الأول عَادوا فِي الثَّانِي، فَإِن لم يسقوا فِي الثَّانِي، عَادوا فِي الثَّالِث. وَللشَّافِعِيّ قَول: أَنهم إِن لم يسقوا فِي الْيَوْم الأول أمروا بصيام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ عَادوا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خَافَ النَّاس من زِيَادَة الْغَيْث الضَّرَر فَإِنَّهُ يسن الدُّعَاء لكشفه من غير صَلَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 كتاب الْجَنَائِز اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب ذكر الْمَوْت وَالْوَصِيَّة لمن لَهُ أَو عِنْده مَا يفْتَقر إِلَى الْإِيصَاء بِهِ من أَمَانَة ووديعة وَغير ذَلِك مَعَ الصِّحَّة وعَلى تأكيدها عِنْد الْمَرَض. بَاب مَا يتَعَلَّق بِالْمَيتِ مَعَ غسل وَغَيره اتَّفقُوا على غسل الْمَيِّت وَأَنه مَشْرُوع من فروض الكفايات إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت غير الشَّهِيد. وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل أَن يغسل مُجَردا أَو فِي قَمِيص؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الْأَفْضَل أَن يغسل مُجَردا إِلَّا أَنه يستر عَوْرَته. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: الْأَفْضَل أَن يغسل فِي قَمِيص. وَاخْتلفُوا هَل ينجس الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى قوليه: ينجس إِلَّا أَن الْمُسلم يطهر إِذا غسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنْهُم: أَنه لَا ينجس. وَاتَّفَقُوا على أَن للزَّوْجَة أَن تغسل زَوجهَا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز للزَّوْج أَن يغسل زَوجته؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن السقط إِذا لم يبلغ أَرْبَعَة أشهر لم يصل عَلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا ألقته بعد أَرْبَعَة أشهر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا وجد مَا يدل على الْحَيَاة من عطاس وحركة ورضاع غسل وَصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك كَذَلِك، إِلَّا فِي الْحَرَكَة فَإِنَّهُ اشْترط أَن تكون حَرَكَة بَيِّنَة ويصحبها طول مكث يتَيَقَّن مَعهَا الْحَيَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يغسل قولا وَاحِدًا. وَهل يصلى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَولَانِ، الْمَشْهُور الْجَدِيد مِنْهُمَا، أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تَيَقّن الْمَوْت يُوَجه بِهِ إِلَى الْقبْلَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّهِيد الْمَقْتُول فِي المعركة لَا يغسل. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يصلى عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يُصَلِّي عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يصلى عَلَيْهِ، وَوجه ترك الصَّلَاة عَلَيْهِ لشرفه لِأَنَّهُ لَا يلائم علو مقَام الشَّهِيد أَن يحضر فِيهِ من هُوَ دون مَنْزِلَته فِي مقَام الشَّفِيع فِيهِ، والمتوسل لَهُ وَلِأَن الموطن موطن اشْتِغَال بِالْحَرْبِ فَلَا يشرع فِيهِ مَا يشغل عَن الْحَرْب شغلا لَا يُؤمن مَعَه استظهار الْعَدو. وَأما وَجه الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد صلى عَلَيْهِ وَهُوَ أفضل الْخلق. وَاتَّفَقُوا على أَن النُّفَسَاء تغسل وَيصلى عَلَيْهَا. وَاتَّفَقُوا على من رفسته دَابَّة فَمَاتَ أَو عَاد عَلَيْهِ سلاحه أَو تردي من جبل أَو سقط فِي بِئْر فَمَاتَ فِي معركة الْمُشْركين أَنه يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ فِي قَوْله: لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَاجِب من الغسلات مَا يحصل بِهِ الطَّهَارَة، وَأَن الْمسنون مِنْهَا الْوتر وَأَن السّنة أَن يكون فِي المَاء السدر، وَفِي الْآخِرَة الكافور. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْمُسْتَحبّ أَن يكون فِي كل الْمِيَاه شَيْء من السدر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون إِلَّا فِي وَاحِدَة مِنْهَا. وَاخْتلفُوا فِي النِّيَّة فِي غسل الْمَيِّت. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: بِوُجُوبِهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب وَلَكِن الْقَصْد للْفِعْل شَرط. وَاتَّفَقُوا على وجوب تكفين الْمَيِّت وَأَنه مقدم على الدّين وَالْوَرَثَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصّفة المجزئة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز الِاقْتِصَار على ثَوْبَيْنِ فِي حق الرجل، وَإِن كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب أَحدهَا حبرَة، والآخران أبيضان فَهُوَ أحب إِلَيْهِ. والحبرة: بردة يَمَانِية. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لفائف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَالْمُسْتَحب الْبيَاض فِي كلهَا، وَيُجزئ الْوَاحِد. وَأما كفن الْمَرْأَة فَهُوَ خَمْسَة أَثوَاب: قَمِيص، ومئزر، ولفافه، ومقنعة، وخامسة يشد بهَا فخذاها عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل ذَلِك، فَإِن اقتصروا لَهَا على ثَلَاثَة أَثوَاب جَازَ، وَيكون الْخمار فَوق الْقَمِيص وَتَحْت اللفافة، وَقَالَ مَالك: لَيْسَ للكفن حد، وَإِنَّمَا الْوَاجِب ستر الْمَيِّت. فَأَما تكفينها فِي المعصفر والمزعفر وَالْحَرِير. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يكره. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره. وكفن الْمَرْأَة إِن كَانَ لَهَا مَال فَيصْرف من مَالهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد، وَإِن لم يكن لَهَا مَال: فَقَالَ مَالك: هُوَ على زَوجهَا، وَأما أَبُو حنيفَة فَلَا يُوجد عَنهُ فِي ذَلِك نَص. إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف قَالَ: هُوَ على زَوجهَا، وَقَالَ مُحَمَّد: هُوَ على بَيت المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج مُعسرا فعلى بَيت المَال على الْوِفَاق بَينهمَا، وَقَالَ أَحْمد: لَا يجب على الزَّوْج كفن زَوجته بِحَال، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ على الزَّوْج بِكُل حَال. بَاب فِيمَن هُوَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ على الْمَيِّت اخْتلفُوا فِيمَن هُوَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ على الْمَيِّت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم من قوليه: الْوَالِي أَحَق من الْوَلِيّ. قَالَ أَبُو حنيفَة: وَالْأولَى للْوَلِيّ إِذا كَانَ هُوَ الأحق، وَلم يكن الْوَالِي حَاضرا أَن يقدم إِمَام الْحَيّ الْحَاضِر وَلَا يجْبر عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد من قوليه: الْوَلِيّ أَحَق من الْوَالِي. وَقَالَ أَحْمد: الأولى الْوَصِيّ، ثمَّ الْوَالِي، ثمَّ الْوَلِيّ. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد مَعَ الْكَرَاهِيَة عِنْد أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 حنيفَة وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز من غير كَرَاهَة. وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب بِالنِّيَّةِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تصح. وَاتَّفَقُوا على أَن قَاتل نَفسه والغال يصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ غير إِمَامه. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يصلى الإِمَام على هذَيْن؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يصلى عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مَالك من قتل نَفسه أَو قتل فِي حد، فَإِن الإِمَام لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: لَا يُصَلِّي الإِمَام على الغال وَلَا على قَاتل نَفسه. وَاتَّفَقُوا على أَن من شَرط صِحَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة. وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أَو خلفهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: خلفهَا أفضل سَوَاء كَانَ رَاكِبًا أَو مَاشِيا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: أمامها فِي الْحَالين. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ مَاشِيا فأمامها أفضل، وَإِن كَانَ رَاكِبًا فخلفها أفضل. وَاتَّفَقُوا على أَن الدّفن بِاللَّيْلِ لَا يكره وَأَنه إِلَيْهَا أفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يسرح شعر الْمَيِّت إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: يسرح تسريحا خَفِيفا. وَاتَّفَقُوا على أَنه يضفر شعر الْميتَة ثَلَاثَة قُرُون، ويلقى من خلفهَا إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ترسله الغاسلة غير مضفور بَين يَديهَا من الْجَانِبَيْنِ، ثمَّ تسدل خمارها عَلَيْهِ. وَأَجْمعُوا على أَن الْمَيِّت إِذا مَاتَ وَهُوَ غير مختون فَإِنَّهُ يتْرك على حَاله وَلَا يختن. وَاخْتلفُوا فِي تقليم أَظْفَاره وَالْأَخْذ من شَاربه، إِن كَانَ طَويلا. فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء وَأحمد: يجوز ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: لَا يجوز ذَلِك. وشدد مَالك فِيهِ حَتَّى أوجب على فاعلة التَّعْزِير. وَاخْتلفُوا فِي الْمحرم إِذا مَاتَ هَل يَنْقَطِع إِحْرَامه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَنْقَطِع إِحْرَامه فَيغسل كَمَا يغسل سَائِر الْمَوْتَى. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَنْقَطِع إِحْرَامه وَلَا يقرب طيبا وَلَا يلبس مخيطا، وَلَا يخمر رَأسه وَلَا يشد كَفنه للْحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيح من مُسْند ابْن عَبَّاس. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يغسل ذَوَات مَحَارمه من النِّسَاء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز إِلَّا أَن مَالِكًا أجَاز ذَلِك عِنْد عدم النِّسَاء، وَبعد أَن يلف على يَده ثوبا كثيفا. وتغسل الْمَرْأَة من فَوق ثِيَابهَا، فَإِن لم يكن مَعهَا محرم وَلَا نسَاء عِنْدهم، فَإِن الْأَجْنَبِيّ يدق على الصَّعِيد الطّيب بِيَدِهِ، وَيَنْوِي بِهِ التَّيَمُّم للميتة وَيمْسَح بِهِ وَجههَا وكفيها عِنْد مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، وَلم نجد عِنْد الشَّافِعِي تضَاد، بل لأَصْحَابه وَجْهَان أصَحهمَا كمذهب مَالك، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبلغ بِالتَّيَمُّمِ إِلَى الْمرْفقين، فَإِن كَانَ الْمَيِّت رجلا وَلَا يحضرهُ إِلَّا الأجنبيات، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يبلغ بتيممه إِلَى الْمرْفقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَقَالَ أَحْمد: إِلَى الْكُوع. وَاخْتلفُوا فِيمَن قتل من أهل الْبَغي وقطاع الطَّرِيق. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يغسلون وَلَا يصلى عَلَيْهِم. قلت: وَلَيْسَ ترك الصَّلَاة على هَؤُلَاءِ بِمَا لَهُ مُنَاسبَة بترك الصَّلَاة على الشُّهَدَاء، فَإِن ذَلِك لشرفهم، وَهَؤُلَاء تركت الصَّلَاة عَلَيْهِم عُقُوبَة لَهُم وزجرا لأمثالهم. وَاخْتلفُوا هَل الْقِرَاءَة شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة على الْجَنَائِز؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا قِرَاءَة فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: فِيهَا الْقِرَاءَة وَهِي من شَرط صِحَّتهَا. وَاتَّفَقُوا على أَن الدّفن فِي التابوت لَا يسْتَحبّ لَا للرِّجَال وَلَا للنِّسَاء. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّكْبِير فِيهَا على الْمَيِّت أَربع، يقْرَأ فِي الأولى الْفَاتِحَة، وَفِي الثَّانِيَة الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي الثَّالِثَة الدُّعَاء للْمَيت وللمسلمين، وَفِي الرَّابِعَة يسلم عَن يَمِينه. إِلَّا أَبَا حنيفَة ومالكا فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي التَّكْبِيرَة الأولى: حمد اللَّهِ وَالثنَاء عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهَا قِرَاءَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ثمَّ اخْتلفُوا هَل يُتَابع الإِمَام على مَا زَاد على الْأَرْبَع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُتَابع. وَعَن أَحْمد رِوَايَات إِحْدَاهَا: أَنه يُتَابع فِي الْخَامِسَة، واختارها الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة، وَالثَّالِثَة يتبعهُ إِلَى سبع. وَاتَّفَقُوا على أَن الْقيام فِي صَلَاة الْجِنَازَة مَشْرُوع، ثمَّ اتَّفقُوا على أَنه من شُرُوط صِحَة الصَّلَاة فِيهَا، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ من شُرُوط صِحَّتهَا لكنه فرض مثل سَائِر الْفُرُوض الَّتِي تسْقط بالعذر. وَفَائِدَة الْخلاف مَعَه: أَن الْوَالِي إِذا كَانَ مَرِيضا فصلى بهم قَاعِدا فَجَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَصحت صلَاته. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة على الْجَنَائِز؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تُعَاد إِلَّا أَن يكون الْوَلِيّ حَاضرا فَيصَلي غَيره، فتعاد ليُصَلِّي الْوَلِيّ. وَقَالَ مَالك: إِن صلى عَلَيْهِ جمَاعَة بِإِذن الإِمَام فَلَا تُعَاد الصَّلَاة، وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز. وَاخْتلفُوا فِي موقف الإِمَام من الْمَيِّت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقوم بحذاء الصَّدْر مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ مَالك: يقف من الرجل عِنْد وَسطه، وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الرجل على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: عِنْد صَدره، وَالْآخر بحذاء رَأسه، وَهُوَ الْأَظْهر، وَالْمَرْأَة عِنْد وَسطهَا وَجها وَاحِدًا، وَقَالَ أَحْمد: يقف الإِمَام عِنْد صدر الرجل وَعند وسط الْمَرْأَة. قلت: هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي. وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة على الْقَبْر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن دفن قبل أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيّ صلى عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاث وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ فَلَا. وَقَالَ مَالك: إِن دفن وَلم يصل عَلَيْهِ، أَو صلى عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن الإِمَام أُعِيدَت الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِن صلى عَلَيْهِ بِإِذن الإِمَام لم تعد الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْوَلِيّ هُوَ الإِمَام فِي ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يصلى عَلَيْهِ مَا لم يعلم أَنه يَلِي، وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد: يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَى شهر، وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي الرجل الَّذِي يَمُوت وَلم يحضرهُ إِلَّا النِّسَاء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يصلين عَلَيْهِ جمَاعَة وإمامتهن، وسطهن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يصلين منفردات عَلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة اللَّحْد، وَأَن الشق لَيْسَ بِسنة وَصفَة اللَّحْد أَن يحْفر مِمَّا يَلِي الْقَبْر لحدا، ليَكُون الْمَيِّت تَحت قبْلَة إِذا انصب اللَّبن إِلَّا أَن تكون الأَرْض رخوة فيتخذ لَهَا من الْحِجَارَة شبها باللحد. وَلَا يلْحد مِنْهَا لِئَلَّا يخر على الْمَيِّت الْقَبْر. وَصفَة الشق أَن يبْنى من جَانِبي الْقَبْر بِلَبن أَو حجر، وَيتْرك أَوسط الْقَبْر لِأَنَّهُ تَابُوت، وَيرْفَع بِحَيْثُ إِذا جعل فِيهِ الْمَيِّت، وسقف عَلَيْهِ لم يُبَاشر السّقف الْمَيِّت. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّنْبِيه: أَن السّنة اللَّحْد، فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة شقّ لَهُ. وَاخْتلفُوا هَل التسنيم هُوَ السّنة أَو التسطيح؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: السّنة التسينم. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ: السّنة التسطيح. وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَابه: التسنيم هُوَ السّنة لِأَنَّهُ قد صَار التسطيح شعار الرافضة، ذكره الشاشيني فِي حلية الْعلمَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَاخْتلفُوا فِي الْحَامِل تَمُوت وَفِي بَطنهَا ولد حَيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يشق بَطنهَا لإِخْرَاج الْجَنِين. وَقَالَ أَحْمد: لَا تشق بَطنهَا ويسطو القوابل عَلَيْهِ فيخرجنه. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. قلت: وَالَّذِي أرى أَنه مَا لم يتأت للقوابل إِخْرَاجه بالسطو، فَإِن بَطنهَا يشق وَيخرج الْوَلَد. اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب تَعْزِيَة أهل الْمَيِّت. وَاخْتلفُوا فِي وَقتهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ قبل الدّفن، وَلَا تسن بعده. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تسن قبله وَبعده. فَأَما الْجُلُوس للتعزية، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مَكْرُوه، وَلم نجد عَن أبي حنيفَة نصا فِي ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي كَرَاهِيَة الْبكاء على الْمَيِّت قبل الْمَوْت وَبعده. فَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز قبل الْمَوْت وَيكرهُ بعده. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يكره قبل الْمَوْت وَلَا بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَاخْتلفُوا فِي النداء على الْمَيِّت، وَهُوَ الْإِعْلَام بِمَوْتِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مَالك: هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ ليتصل الْعلم إِلَى جمَاعَة حَاضِرَة من الْمُسلمين. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يكره. وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب اللَّبن والقصب فِي الْقَبْر، وَكَرَاهَة الْآجر والخشب. وَاتَّفَقُوا على أَن الاسْتِغْفَار للْمَيت يصل ثَوَابه إِلَيْهِ، وَإِن ثَوَاب الصَّدَقَة وَالْعِتْق وَالْحج إِذا جعل للْمَيت وصل ثَوَابه إِلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالصِّيَام وإهداء الثَّوَاب للْمَيت. فَقَالَ أَحْمد: يصل إِلَيْهِ ثَوَاب ذَلِك، وَيحصل لَهُ نَفعه. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يصل. بل قَالَ السُّبْكِيّ من أَصْحَابه الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر بالاستنباط، أَن بعض الْقُرْآن إِذا قصد نفع الْمَيِّت نَفعه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: ثَوَابه لفَاعِله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 كتاب الزَّكَاة وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، وَفرض من فروضه، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وءاتوا الزَّكَاة} ، وَقَالَ {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا اللَّهِ مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة} . قَالَ العتيبي: أصل الزَّكَاة النَّمَاء، وَالزِّيَادَة، وَسميت بذلك لِأَنَّهَا تثمر المَال وتنمية، يُقَال: زَكَاة الزَّرْع إِذا كثر ريعه، وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا وَمِنْه: {أقتلت نفسا زكيه} أَي نامية. وَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي أَرْبَعَة أَصْنَاف: فِي الْمَوَاشِي، وجنس الْأَثْمَان، وعروض التِّجَارَة، والمكيل المدخر من الثِّمَار والزروع بِصِفَات مَخْصُوصَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فنبدأ بِذكر مَا فِيهِ زَكَاة من كل صنف، ثمَّ بِمَا اخْتلف فِيهِ، ثمَّ بِمَا لَا زَكَاة فِيهِ. فَأَما الْمَوَاشِي: فَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَهِي بَهِيمَة الْأَنْعَام بِشَرْط أَن تكون سَائِمَة. وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة فِي كل جنس من هَذِه الْأَجْنَاس الثَّلَاثَة تجب بِكَمَال النّصاب واستقرار الْملك وَكَمَال الْحول، وَكَون الْمَالِك حرا مُسلما. وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْبلُوغ وَالْعقل؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا الْعقل بل الزَّكَاة وَاجِبَة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يشْتَرط ذَلِك وَلَا يجب عِنْده زَكَاة فِي مَال صبي وَلَا مَجْنُون. وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّكَاة لَا تجب فِي شَيْء من ذَلِك كُله مَعَ وجود هَذِه الشَّرَائِط إِلَّا أَن يكون السّوم صفة لَهَا. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ أوجب الزَّكَاة فِي العوامل من الْإِبِل وَالْبَقر، والمعلوفة من الْغنم، لإيجابة ذَلِك فِي السَّائِمَة مِنْهَا والعوامل. وَأَجْمعُوا على أَن النّصاب الأول فِي الْإِبِل خمس، وَأَن فِي خمس مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 شَاة، وَفِي عشر شَاتَان، وَخَمْسَة عشر ثَلَاثَة شِيَاه، وَفِي الْعشْرين أَربع شِيَاه إِلَى الْخمس وَالْعِشْرين فَفِيهَا بنت مَخَاض وَهِي بنت سنة كَامِلَة إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خَمْسَة وَأَرْبَعين، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَة إِلَى خمس وَسبعين، فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين فَفِيهَا بِنْتا لبون إِلَى تسعين، فَفِيهَا حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت على الْعشْرين وَمِائَة وَاحِدَة فَإِن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَأْنف الْفَرِيضَة بعد الْعشْرين وَمِائَة فَفِي كل خمس شَاة مَعَ الحقتين، إِلَى مائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعين فَيكون الْوَاجِب فِيهَا حقتين وَبنت مَخَاض. ثمَّ قَالَ: فَإِذا بلغت مائَة وَخمسين فَفِيهَا ثَلَاث حقات وتستأنف الْفَرِيضَة بعد ذَلِك، فَيكون فِي كل خمس شَاة مَعَ ثَلَاث حقات، وَفِي الْعشْر شَاتَان، وَفِي الْخَمْسَة عشر ثَلَاث شِيَاه، وَفِي الْعشْرين أَربع شِيَاه وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون، فَإِذا بلغت مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق إِلَى مِائَتَيْنِ، ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة أبدا كَمَا استؤنف فِي الْخمسين الَّتِي بعد الْمِائَة وَالْخمسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي اظهر رِوَايَته: أَن زِيَادَة الْوَاحِدَة تغير الْفَرِيضَة، فَيكون فِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون، وتستقر الْفَرِيضَة عِنْد مائَة وَعشْرين فَيكون فِي كل خمسين حَقه، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وعَلى هَذَا أبدا قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَعند أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَّا بِزِيَادَة عشر، فَلَا شَيْء فِي زيادتها حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ وَمِائَة فَيكون الحقتان فِي إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى مائَة وَسَبْعَة وَعشْرين فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حقة وبنتا لبون، وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز من أَصْحَابه وَبهَا يَقُول أَبُو عبيد الْقَاسِم ابْن سَلام، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالروايتين عِنْد أَحْمد سَوَاء إِلَّا أَن أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه. مَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم، وَابْن الحكم وَغَيرهمَا: أَنَّهَا إِن زَادَت عَن عشْرين وَمِائَة فالساعي بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ ثَلَاث بَنَات لبون، أَو حقتين، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى رَوَاهَا عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز عَنهُ أَنه: لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَّا بِزِيَادَة عشر حَتَّى تصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَإِذا صَارَت كَذَلِك أَخذ من كل خمسين حقة وَمن كل أَرْبَعِينَ بنت لبون. قَالَ أَصْحَابه: وَهَذَا هُوَ الْأَصَح قِيَاسا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل فَأخْرج مِنْهَا وَاحِدَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تُجزئه. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تُجزئه وَالْوَاجِب شَاة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بلغت الْإِبِل خمْسا وَعشْرين وَلم يكن فِي مَاله بنت مَخَاض، وَلَا ابْن لبون؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه شِرَاء بنت مَخَاض، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مُخَيّر بَين شِرَائهَا وَشِرَاء ابْن لبون. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئه بنت مَخَاض أَو قيمتهَا. وَأَجْمعُوا على أَنه البخت والعراب والذكور وَالْإِنَاث فِي ذَلِك سَوَاء. وَأَجْمعُوا على أَنه يُؤْخَذ من الصغار صَغِيرَة، وَمن المراض مَرِيضَة، وَأَن الْحَامِل إِذا أخرجهَا مَكَان الْحَائِل لَا تُجزئ عَن الْحَامِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا يُؤْخَذ من الصغار صَغِيرَة فِي الْغنم خَاصَّة، ولأصحابه فِي العجول والفصلان وَجْهَان. وَاتَّفَقُوا على أَن النّصاب الأول فِي الْبَقر ثَلَاثُونَ وَأَنه إِذا بلغتهَا فَفِيهَا تبيع أَو تبيعة، فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة. ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا سوى مُسِنَّة إِلَى تسع وَخمسين، فَإِذا بلغت سِتِّينَ فَفِيهَا تبيعان إِلَى تسع وَسِتِّينَ، فَإِذا بلغت سبعين فَفِيهَا تبيع ومسنة، فَإِذا بلغت ثَمَانِينَ فَفِيهَا مسنتان، وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة، وَفِي مائَة تبيعان ومسنة، وعَلى هَذَا ابدا يتَغَيَّر الْفَرْض فِي كل عشرَة من تبيع إِلَى مُسِنَّة. وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة فَروِيَ عَنهُ كمذهب الْجَمَاعَة الْمَذْكُورَة، وصاحباه أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على هَذِه الرِّوَايَة وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى لَا شَيْء فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين سوى مُسِنَّة إِلَى أَن تبلغ خمسين، فَيكون فِيهَا مُسِنَّة وَربع وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابه الْيَوْم أَنه يجب فِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَعين بِحِسَاب ذَلِك إِلَى السِّتين فَيكون فِي الْوَاحِدَة ربع عشر مُسِنَّة، وَفِي الِاثْنَيْنِ نصف عشر مُسِنَّة، وَفِي الثَّلَاثَة ثَلَاثَة أَربَاع عشر مُسِنَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن الجاموس وَالْبَقر فِي ذَلِك سَوَاء. وَاتَّفَقُوا على أَن من ملك نِصَابا من الْبَقر الْوَحْش سَائِمَة أَنه لَا زَكَاة فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أوجب فِيهَا الزَّكَاة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِي الوقص وَهُوَ مَا بَين الفريضتين هَل الزَّكَاة وَاجِبَة فِيهِ، وَفِي النّصاب أم فِي النّصاب دون الوقص؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الزَّكَاة فِي النّصاب دون الوقص. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: تجب فِي النّصاب والوقص، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تجب فِي النّصاب دون الوقص. قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَهُوَ الظَّاهِر من الْمَذْهَب. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين إِلَّا أَن أظهرهمَا وجوب الزَّكَاة فِي النّصاب دون الوقص. وَاتَّفَقُوا على أَن الْخَيل إِذا كَانَت معدة للتِّجَارَة فَفِي قيمتهَا الزَّكَاة إِذا بلغت نِصَابا. وَاخْتلفُوا فِي زَكَاة الْخَيل إِذا لم تكن للتِّجَارَة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا زَكَاة فِيهَا بِحَال إِذا لم تكن للتِّجَارَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَت سَائِمَة الْخَيل ذُكُورا وإناثا فَفِيهَا الزَّكَاة، وَإِذا كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ذُكُورا مُنْفَرِدَة فَلَا زَكَاة فِيهَا. وَصَاحب الْجِنْس الْوَاجِب فِيهِ مِنْهَا الزَّكَاة بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعْطى عَن كل فرس دِينَار، وَإِن شَاءَ قَومهَا فَأعْطى عَن كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، وَيعْتَبر فِيهَا الْحول والنصاب بِالْقيمَةِ من أول الْحول إِذا كَانَ يُؤَدِّي الدَّرَاهِم عَن الْقيمَة وَإِن كَانَ يُؤَدِّي بِالْعدَدِ من غير تَقْوِيم أدّى عَن كل رَأس دِينَارا، إِذا تمّ حوله وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَن الْخِيَار فِي ذَلِك السَّاعِي. وَاتَّفَقُوا على أَن البغال وَالْحمير إِذا كَانَت معدة للتِّجَارَة فَإِن فِيهَا الزَّكَاة وَأَن حكمهَا حكم التِّجَارَات فِي اعْتِبَار الْحول والنصاب بالتقويم. وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا إِذا لم تكن للتِّجَارَة فَلَا زَكَاة فِيهَا. بَاب زَكَاة المَال أَجمعُوا على أَن أول النّصاب فِي الْغنم أَرْبَعُونَ فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا شَاة ثمَّ لَا شَيْء فِي زيادتها إِلَى أَن تبلغ مائَة وَعشْرين فَالْوَاجِب فِيهَا شَاة، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى الْمِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت على الْمِائَتَيْنِ وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَإِذا بلغت أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شياة ثمَّ فِي كل مائَة شَاة، وعَلى هَذَا الضَّأْن والماعز متوازين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ملك من الْغنم عشْرين ثمَّ توالدت عشْرين سخلة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: يسْتَأْنف الْحول من يَوْم ملك الْأُمَّهَات وَجَبت الزَّكَاة. وَاخْتلفُوا فِي السخال والحملان والعجاجيل إِذا تمّ نصابها وَكَانَت مُنْفَرِدَة عَن أمهاتها هَل تجب فِيهَا الزَّكَاة؟ فَقَالَ مَالك وَالْإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا ملك أَرْبَعِينَ سخلة أَو ثَلَاثِينَ عجلا ابْتَدَأَ الْحول عَلَيْهَا من حِين ملكيتها، وَكَذَلِكَ إِن نتجتها عِنْده الْأُمَّهَات وَمَاتَتْ الْأُمَّهَات قبل تَمام الْحول، بني حول السخال والعجاجيل على حول الْأُمَّهَات. إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: يخرج عَنْهَا الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الماعز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب فِيهَا الزَّكَاة وَلَا ينْعَقد عَلَيْهَا حول وَلَا يكمل بهَا حول الْأُمَّهَات إِلَّا أَن يبْقى شَيْء من الْأُمَّهَات، وَلَو وَاحِدَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة مثله. وَاخْتلفُوا فِي المتولدة بَين الظباء وَالْغنم، وَبَين الْبَقر الأنسية والوحشية. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت الْأُمَّهَات وحشية فَلَا تجب الزَّكَاة فِيهَا، وَإِن كَانَت الْأُمَّهَات أَهْلِيَّة وَجَبت الزَّكَاة فِيهَا، وَقَالَ مَالك كَذَلِك فِيمَا حَكَاهُ ابْن نصر. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا بِحَال. وَقَالَ أَحْمد: تجب فِيهَا الزَّكَاة سَوَاء كَانَت الْأُمَّهَات أَهْلِيَّة والفحول وحشية، أَو الْأُمَّهَات وحشية والفحول أَهْلِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت الْغنم كبارًا فَمَا الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُؤْخَذ من الجنسين جَمِيعًا الضَّأْن والماعز الثني خَاصَّة فَمَا فَوْقه. وَقَالَ مَالك: يُؤْخَذ مِنْهَا الْجَذعَة من الضَّأْن خَاصَّة فَمَا فَوْقهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يُؤْخَذ الْجَذعَة من الضَّأْن والثنى من الماعز فَمَا فَوْقهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت غنمه إِنَاثًا كلهَا، أَو ذُكُورا وإناثا، أَو ذُكُورا وَحدهَا، مَا الَّذِي يُؤْخَذ من كل مِنْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز أَخذ الذُّكُور من كل مِنْهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَت إِنَاثًا كلهَا، أَو ذُكُورا وإناثا، لم يجز إِلَّا الْأُنْثَى، وَإِن كَانَت كلهَا ذُكُورا أَجْزَأَ الذّكر. والجذع من الضَّأْن: هُوَ الَّذِي لَهُ سِتَّة أشهر. والثني من الماعز: هُوَ الَّذِي لَهُ سنة. وَبنت الْمَخَاض: سميت بنت مَخَاض لِأَن أمهَا قد لحقها الْمَخَاض وَهُوَ وجع الْولادَة. وَابْن اللَّبُون: هُوَ الَّذِي لَهُ سنتَانِ، وَدخل فِي الثَّالِثَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَبنت اللَّبُون مثله. سميت بنت لبون لِأَن أمهَا يؤمئذ لبون أَي ذَات لبن. والحقة: الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة، وَسميت حقة لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن تركب وَيحمل عَلَيْهَا. وَيُقَال للذّكر حق، وَقيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن يطرقها الْفَحْل. والجذعة من الْإِبِل: هِيَ الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة، وَهُوَ أَعلَى سنّ يُؤْخَذ فِي الزَّكَاة. والتبيع: هُوَ الَّذِي لَهُ سنة، والتبيعة: مثله. والمسنة: الَّتِي لَهَا سنتَانِ. والنصاب: عبارَة عَن الْمِقْدَار الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْفَرِيضَة. والوقص: مَا بَين الفريضتين، وَيُقَال: فِيهِ وقص ووقص بتحريك الْقَاف وتسكينها. والسائمة: عبارَة عَمَّا يَكْتَفِي من الْمَوَاشِي بالرعي فِي أَكثر الْحول. بَاب الْخلطَة اتَّفقُوا على أَن الْخلطَة لَهَا تَأْثِير فِي وجود الزَّكَاة فِي الْمَوَاشِي. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَأْثِير لَهَا فِي ذَلِك. ثمَّ اخْتلف مؤثروها فِي الْمَاشِيَة هَل تُؤثر فِيمَا عدا الْمَوَاشِي؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى قوليه: إِنَّهَا لَا تُؤثر. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر، وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَن لَهَا تَأْثِيرا فِي جَمِيع الْأَمْوَال. ثمَّ اخْتلف موجبوا التَّأْثِير بالخلطة فِي مقدارها. فَقَالَ مَالك: تأثيرها أَن يكون لكل وَاحِد من الخليطين نِصَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يَصح التَّأْثِير بذلك، وَبِأَن يكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا أقل من النّصاب. بَاب زَكَاة الزَّرْع اتَّفقُوا على أَن النّصاب مُعْتَبر فِي الزروع وَالثِّمَار. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب بل يجب الْعشْر فِي قَليلَة وكثيرة. وَمِقْدَار النّصاب فِيهِ خَمْسَة أوسق والوسق سِتُّونَ صَاع، والصاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث رَطْل عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وهم الَّذين يرَوْنَ اعْتِبَار النّصاب، فَيكون مِقْدَار نصابه ألف رَطْل وسِتمِائَة رَطْل. وَاخْتلفُوا فِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق مَا هُوَ؟ وَمَا قدر الْوَاجِب فِيهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب فِي كل مَا أخرجت الأَرْض فِي قَليلَة وكثيرة الْعشْر، سَوَاء سقِِي بتسييج أَو سقته السَّمَاء إِلَّا الْحَطب والحشيش والقصب خَاصَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق هُوَ مَا ادخر خَاصَّة، واقتيت بِهِ كالحنطة وَالشعِير والأرز وَغَيره. وَقَالَ أَحْمد: يجب الْعشْر فِي كل مَا يُكَال ويدخر من الزروع وَالثِّمَار. ففائدة الْخلاف بَين مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن أَحْمد يجب عِنْده الْعشْر فِي السمسم وبذر الْكَتَّان والكمون والكراوية والخردل واللوز والفستق. وَعِنْدَهُمَا لَا يجب ذَلِك فِيهِ. وَفَائِدَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة أَن عِنْده يجب فِي الخضروات كلهَا، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا زَكَاة فِيهَا. وَمِقْدَار الْوَاجِب فِيمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على اخْتلَافهمْ فِيهِ كَمَا ذكرنَا الْعشْر مَعَ كَونه يسقى سيحا بِلَا مُؤْتَة أَو سقته السَّمَاء وَإِن كَانَ يسقى بالنواضح والكلف فَنصف الْعشْر. وَاخْتلفُوا فِي الزَّيْتُون، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الْقَوْلَيْنِ: فِيهِ الزَّكَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا زَكَاة فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَاخْتلفُوا هَل يجمع الْعشْر وَالْخَرَاج؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ فِي الزَّرْع من أَرض الْخراج عشر. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: أَرض الْخراج فِيهَا الْعشْر لِأَن الْعشْر فِي غَلَّتهَا، وَالْخَرَاج فِي رقبَتهَا. بَاب زَكَاة النّصاب أَجمعُوا على أَن أول النّصاب فِي أَجنَاس الْأَثْمَان، وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة، مَضْرُوبا أَو مكسورا أَو تبرا أَو نقرة، عشرُون دِينَارا من الذَّهَب، وَمِائَتَا دِرْهَم من الْفضة. فَإِذا بلغت الدَّرَاهِم مِائَتَا دِرْهَم وَالذَّهَب عشرُون دِينَارا وَحَال عَلَيْهِ الْحول فَفِيهِ ربع الْعشْر. وَاخْتلفُوا فِي زِيَادَة النّصاب فيهمَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تجب الزَّكَاة فِي زيادتها بِالْحِسَابِ وَإِن قلت الزِّيَادَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب فِيمَا زَاد على المائتي دِرْهَم حَتَّى تبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعِينَ درهما، وَلَا على هَذَا الذَّهَب حَتَّى تبلغ أَرْبَعَة دَنَانِير، فَيكون فِي الْأَرْبَعين دِرْهَم، وَفِي الْأَرْبَعَة دَنَانِير فيراطان وَلَيْسَ فِيمَا دون الْأَرْبَعين وَالْأَرْبَعَة شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَاخْتلفُوا هَل يضم الذَّهَب إِلَى الْوَرق فِي تَكْمِيل النّصاب؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يضم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يضم. ثمَّ اخْتلف من قَالَ بِالضَّمِّ: هَل يضم الذَّهَب إِلَى الْوَرق ويكمل النّصاب بالإجزاء أَو بِالْقيمَةِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يضم بِالْقيمَةِ. مِثَاله: أَن يكون عِنْده مائَة دِرْهَم وَخَمْسَة دَنَانِير قيمتهَا مائَة دِرْهَم. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يضم بالإجزاء فَيكون على قَول من يَقُول: يضم بالأجزاء لَا يجب عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة شَيْء حَتَّى يكمل النّصاب بالأجزاء من الجنسين، وَمن قَالَ بِالْقيمَةِ أوجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهَا. بَاب زَكَاة الحلى اخْتلفُوا فِي زَكَاة الحلى الْمُبَاح إِذا كَانَ مِمَّا يلبس ويعار. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر الْحول فِي زَكَاة الْمَعْدن إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه يعْتَبر فِيهِ الْحول. ثمَّ اخْتلفُوا فِي زَكَاة الْمَعْدن بِأَيّ شَيْء تتَعَلَّق الزَّكَاة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تتَعَلَّق بِكُل مَا ينطبع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تتَعَلَّق إِلَّا بِالذَّهَب وَالْفِضَّة. وَقَالَ أَحْمد: تتَعَلَّق بِكُل خَارج من الأَرْض مِمَّا ينطبع كالذهب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد، وَبِمَا لَا ينطبع كالدر والفيروز والياقوت والعنبر والمغرة والنورة. وَاتَّفَقُوا على اعْتِبَار النّصاب فِي الْمَعْدن. إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب بل يجب فِي قَليلَة وكثيرة الْخمس. وَاخْتلفُوا فِي قدر الْوَاجِب من الْمَعْدن. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْخمس، وَقَالَ مَالك: فِيهِ ربع الْعشْر، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى إِن أَصَابَهَا مجتمعة من غير تَعب وَلَا معالجة، وَجب الْخمس، وَإِن أَصَابَهَا مُتَفَرِّقَة بتعب وَمؤنَة فربع الْعشْر. وَقَالَ الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: أَنَّهَا ربع الْعشْر، وَالثَّانيَِة: الْخمس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَالثَّالِثَة: إِن أَصَابَهَا مجتمعة بِلَا تَعب فالخمس، وَإِن كَانَت بتعب فربع الْعشْر كالثانية عَن مَالك. وَاخْتلفُوا فِي مصرفه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مصرفه مصرف الْفَيْء إِن وجده فِي أَرض الْخراج الْعشْر، فَأَما إِذا وجده فِي دَاره فَهُوَ لَهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: مصرفه مصرف الْفَيْء. اتَّفقُوا على وجوب الْخمس فِي الرِّكَاز - وَهُوَ دَفِين الْجَاهِلِيَّة - فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجَدِيد من قوليه: لَا يجب الْخمس إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة خَاصَّة. وَهُوَ مَذْهَب مَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وجده فِي صحراء دَار الْحَرْب فَلَا خمس فِيهِ وَهُوَ لواجده. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه يعْتَبر فِيهِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ الْحول. وَاخْتلفُوا فِي مصرف الْخمس فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ قَوْله فِي الْمَعْدن، وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الشَّافِعِي وَأحمد: مصرف الصَّدقَات كمصرف زَكَاة الْمَعْدن. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يصرف مصرف الْفَيْء، وَالْأُخْرَى: مصرف الزَّكَاة. وَقَالَ مَالك: هُوَ والغنائم والجزية وَمَا أَخذ من تجار أهل الذِّمَّة وَمَا صولح عَلَيْهِ الْكفَّار، ووظائف الْأَرْضين كل ذَلِك يجْتَهد فِي مصارفه الإِمَام عَليّ قدر مَا يرى من الْمصلحَة. وَاخْتلفُوا فِيمَن وجد فِي دَاره ركازا، وَكَانَ ملكهَا من غَيره. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخمسه وَالْبَاقِي لصَاحب الخطة ولوارثة من بعده، فَإِن لم يعرف لَهُ وَارِث فلبيت المَال. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ لواجده بعد تخميسه، وَمِنْهُم من قَالَ: لصَاحب الأَرْض. وَمِنْهُم من قَالَ: ينظر الَّتِي وجد فِيهَا، فَإِن كَانَت عنْوَة كَانَ للجيش الَّذِي افتتحها، وَإِن كَانَت صلحا فَهُوَ لمن صَالح عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لواجده إِن ادَّعَاهُ فَإِن لم يَدعه فَهُوَ للْمَالِك الأول الَّذِي انْتَقَلت الدَّار عَنهُ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هُوَ لَهُ بخمسه، وَالْأُخْرَى: كمذهب الشَّافِعِي وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تجب الزَّكَاة فِي كل مَا يخرج من الْبَحْر من لُؤْلُؤ ومرجان وَزَبَرْجَد وَعَنْبَر ومسك وسمك وَغَيره، وَلَو بلغت قِيمَته نِصَابا إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد: أَنه إِذا بلغت قِيمَته نِصَابا فَفِيهِ الزَّكَاة، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف فِي اللُّؤْلُؤ والعنبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا فزرعها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعشْر على صَاحب الأَرْض. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْعشْر على الْمُسْتَأْجر. وَاخْتلفُوا فِي أَرض الْمكَاتب: هَل يجب عَلَيْهَا عشر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب فِيهَا الْعشْر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجب عَلَيْهَا الْعشْر. وَأَجْمعُوا على أَنه لَيْسَ فِي دور السكن، وَثيَاب الْبدن، وأثاث الْمنزل، ودواب الرّكُوب، وَعبيد الْخدمَة، وَسلَاح الِاسْتِعْمَال زَكَاة. وَاتَّفَقُوا على من امْتنع من أَدَاء الزَّكَاة مستحلا لذَلِك غير مُعْتَقد لوُجُوبهَا أَنه كَافِر إِذا كَانَ مِمَّن لَيْسَ بِحَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ، عرف وبصر، فَإِن لم يقر قتل كفرا بعد استتابته. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن اعْتقد وُجُوبهَا، وَامْتنع من إخْرَاجهَا، وَقَاتل على ذَلِك هَل يكفر أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَاخْتلف عَن أَحْمد، فَروِيَ عَنهُ أَنه يكفر فَاعل ذَلِك، وَيقتل بعد الْمُطَالبَة بِهِ واستتابته، وَالثَّانيَِة: يُقَاتل عَلَيْهَا وَيقتل إِن لم يؤد وَلَا يكفر. وَقَالَ ابْن حبيب من أَصْحَاب مَالك: إِن تَركهَا متهاونا فَهُوَ كَافِر، وَكَذَلِكَ تَارِك الصَّوْم وَالْحج، وَسَائِر أَرْكَان الْإِسْلَام. وَاخْتلفُوا فِيمَن اعْتقد وُجُوبهَا وَلم يؤدها بخلا وشحا غير أَنه لم يُقَاتل على الْمَنْع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكفر وَلَا يقتل. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَاذَا يفعل بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُطَالب بهَا وَيحبس حَتَّى يُؤَدِّي. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: تُؤْخَذ وَشطر مَاله مَعهَا. وَقَالَ فِي الْجَدِيد: تُؤْخَذ مِنْهُ ويعذر، وَكَذَا قَالَ مَالك. وَقَالَ أَحْمد: يُطَالِبهُ الإِمَام بهَا ويستتيبه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أَدَّاهَا، وَإِلَّا قتل، وَلم يحكم بِكُفْرِهِ. بَاب صَدَقَة الْفطر اتَّفقُوا على وجوب زَكَاة الْفطر على الْأَحْرَار الْمُسلمين ثمَّ اخْتلفُوا فِي صَدَقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 من يجب عَلَيْهِ مِنْهُم؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ من يكون عِنْده فضل عَن قوت يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته لنَفسِهِ وَعِيَاله الَّذين تلْزمهُ مؤنتهم بِمِقْدَار زَكَاة الْفطر، فَإِن كَانَ ذَلِك عِنْده لَزِمته. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب إِلَّا على من ملك نِصَابا أَو مَا قِيمَته نِصَاب فَاضلا عَن مَسْكَنه وأثاثه وثيابه وفرسه وسلاحه وَعَبده. وَاتَّفَقُوا على من كَانَ مُخَاطبا بِزَكَاة الْفطر على اخْتلَافهمْ فِي صفته أَنه تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَن نَفسه وَعَن غَيره من أَوْلَاده الصغار ومماليكه الْمُسلمين الَّذين لَيْسُوا للتِّجَارَة، وَاخْتلفُوا فِي وَقت وُجُوبهَا على من تجب عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب بِطُلُوع الْفجْر من أول يَوْم من شَوَّال. وَقَالَ أَحْمد: تجب بغروب الشَّمْس من آخر يَوْم من شهر رَمَضَان، وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ كالمذهبين الْجَدِيد من قولي الشَّافِعِي كمذهب أَحْمد. وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا لَا تسْقط عَمَّن وَجَبت عَلَيْهِ بِتَأْخِير أَدَائِهَا وَهِي دين عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ إخْرَاجهَا من خَمْسَة أَصْنَاف: الْبر، وَالشعِير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب، والأقط، إِذا كَانَ قوتا حَيْثُ تخرج، إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي فِي الأقط خَاصَّة أَنه لَا يُجزئ، وَإِن كَانَ قوتا لمن يعطاه. وَالْمَشْهُور من مذْهبه جَوَازه. ثمَّ اخْتلفُوا فِي قدر الْوَاجِب من كل. فاتفقوا على أَنه صَاع من كل جنس من الْأَجْنَاس الْخَمْسَة، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يُجزئ من الْبر خَاصَّة نصف صَاع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي قدر الصَّاع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَمَانِيَة أَرْطَال بالعراقي، وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الابْن الْمُوسر، وَإِن سفل زَكَاة الْفطر عَن أَبَوَيْهِ، وَإِن علو إِذا كَانَا معسرين إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَقَالَ مَالك: لَا يجب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَن أحد أجداده خَاصَّة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تلْزمهُ زَكَاة الْفطر عَمَّن يتَبَرَّع بِنَفَقَتِهِ إِلَّا أَحْمد، فَإِنَّهُ قَالَ: إِن تطوع بِنَفَقَتِهِ شخص مُسلم لَزِمته زَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يلْزم الْمكَاتب أَن يخرج الْفطر من المَال الَّذِي فِي يَده إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يلْزمه. وَحكى عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَمَالك: أَن السَّيِّد يُزكي عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه يلْزم الزَّوْج إِخْرَاج فطْرَة زَوجته. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يلْزمه ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على السَّيِّد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يلْزمه ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجب على السَّيِّد أَن يخرج زَكَاة الْفطر عَن عبيده الْكفَّار، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد إِذا كَانَ بَين مالكين فَإِنَّهُ يلْزمهُمَا عَنهُ صَدَقَة الْفطر، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يلْزمهُمَا شَيْء. وَاخْتلفُوا موجبوا الزَّكَاة عَلَيْهِمَا فِي مِقْدَار مَا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يلْزم كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف صَاع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع كَامِل، وَالثَّانيَِة: كمذهبهما. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الْأَب إِخْرَاج زَكَاة الْفطر عَن أَوْلَاده الْكِبَار إِذا كَانُوا فِي عِيَاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز أَن يعجل زَكَاة الْفطر قبل الْعِيد بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا زَاد على ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز تَقْدِيمهَا من أول الشَّهْر. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الدَّقِيق والسويق هَل يجوز إِخْرَاجه من زَكَاة الْفطر على نفس الْوَاجِب لَا على طَرِيق الْقيمَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي زَكَاة الْفطر. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من الْأَجْنَاس. فَقَالَ مَالك وَأحمد: التَّمْر أفضل ثمَّ الزَّبِيب. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْبر أفضل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أفضل ذَلِك أَكْثَره ثمنا. بَاب تَفْرِقَة الزَّكَاة اتَّفقُوا على أَنه يجوز وضع الصَّدقَات فِي صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز إِلَّا الِاسْتِيعَاب للأصناف إِلَّا أَن يعلم مِنْهُم وَاحِد فيوفر حَظه على البَاقِينَ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ، وَالْقَوْل الآخر: أَنه ينْقل إِلَى ذَلِك الصِّنْف من أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ وَأَقل مَا يُجزئ عِنْده أقل الْجمع وَهُوَ ثَلَاثَة. بَاب الْمصرف اتَّفقُوا على دفع الزَّكَاة إِلَى الثَّمَانِية أَصْنَاف الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن، وهم: الفقرا، وَالْمَسَاكِين، (والعاملون) عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم، وَفِي الرّقاب، وهم المكاتبون عِنْد الْكل سوى مَالك، والغارمون وهم المدينون، وَفِي سَبِيل اللَّهِ وهم الْغُزَاة، وَابْن السَّبِيل وهم المسافرون. وَصفَة الْفَقِير عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة أَنه الَّذِي لَهُ بعض كِفَايَته ويعوز بَاقِيهَا. وَصفَة الْمِسْكِين عِنْدهمَا أَنه الَّذِي لَا شَيْء لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: بل الْفَقِير الَّذِي لَا شَيْء لَهُ، والمسكين هُوَ الَّذِي لَهُ بعض مَا يَكْفِيهِ. قَالَ الْوَزير رَحمَه اللَّهِ: وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي لِأَن اللَّهِ عز وَجل بَدَأَ بِهِ فَقَالَ: {للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} . ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم هَل نفي الْآن حكمهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فَقَالَ أَحْمد: حكمهم بَاقٍ لم ينْسَخ، وَمَتى وجد الإِمَام قوما من الْمُشْركين يخَاف الضَّرَر بهم وَيعلم بِإِسْلَامِهِمْ مصلحَة جَازَ أَن يتألفهم بِمَال الزَّكَاة، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَن حكمهم مَنْسُوخ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: هم ضَرْبَان: كفار ومسلمون، فمؤلفة الْكفَّار ضَرْبَان: ضرب يُرْجَى خَيره، وَضرب يكف شَره، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعطيهم، فَهَل يُعْطون بعده؟ ، على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا: يُعْطون، وَالْآخر: لَا يُعْطون. ومؤلفة الْإِسْلَام على أَرْبَعَة أضْرب: قوم مُسلمُونَ سَرفًا يُعْطون ليرغب نظرائهم فِي الْإِسْلَام، وَآخَرُونَ نيتهم ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام يُعْطون لتقوى نياتهم فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعطيهم، فَهَل يُعْطون بعده؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يُعْطون، والأخر: يُعْطون. وَمن أَيْن يُعْطون؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: من الزَّكَاة، وَالثَّانِي: من خمس الْخمس. وَالضَّرْب الثَّالِث: قوم مُسلمُونَ يليهم قوم من الْكفَّار، وَإِن أعْطوا قاتلوهم، وَقوم يليهم قوم من أهل الصَّدقَات إِن أعْطوا جبوا الصَّدقَات فَعنده فيهم أَرْبَعَة أَقْوَال، أَحدهَا: أَنهم يعطو من سهم الْمصَالح، وَالثَّانِي: من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة، وَالثَّالِث: من سهم الْغُزَاة، وَالرَّابِع: من سهم الْمُؤَلّفَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَقَالَ مَالك: لم يبْق للمؤلفة سهم لغنى الْمُسلمين عَنْهُم، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنهم إِن احْتَاجَ إِلَيْهِم بلد من الْبلدَانِ، أَو ثغر من الثغور أسلف الإِمَام لوُجُود الْعلَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا يَأْخُذهُ الْعَامِل على الصَّدقَات، مِنْهَا، هَل هُوَ من الزَّكَاة أَو عَن عمله؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ عَن عمله، وَلَيْسَ من الزَّكَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ من الزَّكَاة. وَفَائِدَة هَذِه الْمَسْأَلَة أَن أَحْمد يجوز أَن يكون عَامل الصَّدقَات من ذَوي الْقُرْبَى وَأَن يكون عبدا، رِوَايَة وَاحِدَة عَنهُ، وَفِي الْكَافِر عَنهُ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ الْوَزير، قلت: قَالَ الْمُؤلف: وَلَا أرى أَن مَذْهَب أَحْمد فِي إجَازَة أَن يكون الْكَافِر فِي عمل الزَّكَاة على أَنه يكون عَاملا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أرى أَن إِجَازَته ذَلِك إِنَّمَا هُوَ على أَن يكون سواقا لَهَا أَو نَحْو ذَلِك من المهن الَّتِي يلابسها ملل. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى المكاتبين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز لأَنهم من سهم الرّقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَقَالَ مَالك: لَا يجوز لِأَن الرّقاب عِنْده هم العبيد الْقِنّ. وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: الْجَوَاز. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يبْتَاع من الزَّكَاة رَقَبَة كَامِلَة فيعتقها؟ ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَقَوله تَعَالَى: {وَفِي الرّقاب} عِنْدهمَا مَحْمُول على أَنه يعان المكاتبون فِي فك رقابهم. وَقَالَ مَالك: يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: الْجَوَاز. وَاخْتلفُوا فِي الْحَج: هَل يجوز صرف الزَّكَاة فِيهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. لِأَن السَّبِيل عِنْدهم مَحْمُول على الْغُزَاة لَا غير، على اخْتِلَاف بَينهم فِي صفاتهم سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ اللَّهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: جَوَاز ذَلِك، وَأَن الْحَج من سَبِيل اللَّهِ، وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَأَبُو بكر عبد الْعَزِيز وَأَبُو حَفْص الْبَرْمَكِي من أَصْحَابه. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمَنْع كالجماعة. وَاخْتلفُوا فِي سهم الْغُزَاة الْمَذْكُور آنِفا. وَهُوَ قَوْله عز وَجل: {وَفِي سَبِيل اللَّهِ} هَل يخْتَص بِهِ جنس من الْغُزَاة أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 هُوَ على إِطْلَاقه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مَخْصُوص بالفقير مِنْهُم وَمن انْقَطع بِهِ دون ذَوي الْغنى. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَأْخُذ الْغَنِيّ كَمَا يَأْخُذ الْفَقِير مِنْهُم، وَاخْتلفُوا فِي سهم الغارمين هَل يدْفع إِلَى الْوَاحِد مِنْهُم وَإِن كَانَ غَنِيا؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يدْفع إِلَيْهِ إِلَّا مَعَ الْفقر. وَعَن الشَّافِعِي اخْتِلَاف وَهُوَ أَن الْعَزْم عِنْده على ضَرْبَيْنِ: ضرب غرم لقطع ثائرته وتسكين فتنته، فَإِنَّهُ يعْطى مَعَ الْغنى على ظَاهر مذْهبه. وَضرب غرم فِي مصلحَة نَفسه فِي غير مَعْصِيّة فَهَل يعْطى مَعَ الْغنى؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يعْطى ذكره، فِي الْأُم وَالْآخر يعْطى، ذكره فِي الْقَدِيم. وَاخْتلفُوا فِي صفة ابْن السَّبِيل بعد اتِّفَاقهم على سَهْمه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ المجتاز، والمنشئ الَّذِي يُرِيد السّفر فِي جَوَاز الْأَخْذ كالمجتاز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنه المجتاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَالَ الْمُؤلف: الصَّحِيح عِنْدِي أَنه المجتاز. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يُعْطي زَكَاته مِسْكينا وَاحِدًا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز إِذا لم يُخرجهُ إِلَى الْغنى. وَقَالَ مَالك: يجوز أَن يُعْطِيهِ وَإِن أخرجه إِلَى الْغنى إِذا آمل إعفافه بذلك. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِن أعطَاهُ مَا يُخرجهُ إِلَى الْغنى ملكه الْمُعْطى، وَسقط عَن الْمُعْطِي مَعَ الْكَرَاهَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: أقل مَا يُعْطي ثَلَاثَة من كل صنف. وَاخْتلفُوا فِي نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى بلد على الْإِطْلَاق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره إِلَّا أَن ينقلها إِلَى قريب لَهُ مُحْتَاج أَو قوم هم أمس حَاجَة من أهل بَلَده فَلَا كَرَاهَة. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز على الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يَقع بِأَهْل بلد حَاجَة فينقلها الإِمَام إِلَيْهِم على سَبِيل النّظر وَالِاجْتِهَاد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره نقلهَا، فَإِن نقلهَا فَفِي الْأَجْزَاء قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجوز نقلهَا إِلَى بلد آخر تقصر فِيهِ الصَّلَاة إِلَى قرَابَته أَو غَيرهم، مَا دَامَ يجد فِي بَلَده من يجوز دَفعهَا إِلَيْهِم. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اسْتغنى أهل بلد عَنْهَا جَازَ نقلهَا إِلَى من هم أَهلهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة لأهل الذِّمَّة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي دفع زَكَاة الْفطر وَالْكَفَّارَات إِلَيْهِم فَمنع مِنْهُ أَيْضا مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة فِي الظَّاهِر من مذْهبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَاخْتلفُوا فِي صفة الْغنى الَّذِي لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الَّذِي يملك نِصَابا من أَي مَال كَانَ وَمن يملك دون ذَلِك فَلَيْسَ بغنى، وَقَالَ مَالك: يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك أَرْبَعِينَ درهما، وَقَالَ أَصْحَابه: يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك خمسين درهما. وَقَالَ الشَّافِعِي: الِاعْتِبَار بالكفاية فَلهُ أَن يَأْخُذ مَعَ عدمهَا وَإِن كَانَ لَهُ خَمْسُونَ درهما وَأكْثر. وَإِن كَانَت لَهُ كِفَايَة فَلَا يجوز الْأَخْذ وَلَو لم يملك هَذَا الْمِقْدَار. وَاخْتلف عَن احْمَد فروى عَنهُ أَكثر أَصْحَابه أَنه مَتى ملك خمسين درهما أَو قيمتهَا ذَهَبا وَإِن لم يكفه لم يجز لَهُ الْأَخْذ من الصَّدَقَة. وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ، وروى عَنهُ هُنَا أَن الْغنى الْمَانِع من أَخذ الزَّكَاة أَن تكون لَهُ كِفَايَة على الدَّوَام بِتِجَارَة أَو صناعَة أَو أُجْرَة عقار أَو غَيره. وَإِن ملك خمسين درهما أَو قيمتهَا وَهِي لَا تقوم بكفايته جَازَ لَهُ الْأَخْذ. وَاخْتلفُوا فِيمَن يقدر على الْكِفَايَة بِالْكَسْبِ لصِحَّته هَل يجوز لَهُ الْأَخْذ من. الصَّدَقَة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز لَهُ أَخذ الصَّدَقَة، وَإِن كَانَ قَوِيا مكتسبا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِيمَن دفع زَكَاته إِلَى غَنِي وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئهُ. وَقَالَ مَالك: لَا يُجزئهُ. وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد: كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى من يَرِثهُ من أَقَاربه كالإخوة والعمومة وَأَوْلَادهمْ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: لَا يجوز. وَالْأُخْرَى كالجماعة. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى الزَّوْج من زَوجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ يَسْتَعِين بِمَا يَأْخُذهُ مِنْهَا على نَفَقَتهَا فَلَا يجوز. وَإِن كَانَ يصرفهُ فِي غير نَفَقَتهَا لأَوْلَاد فُقَرَاء من غَيرهَا أَو نَحْو ذَلِك جَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز، وَعَن احْمَد، رِوَايَتَانِ كالمذهبين إِلَّا أَن أظهرهمَا الْمَنْع. وَهِي الَّتِي أختارها الْخرقِيّ وَأَبُو بكر. وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة حرَام على بني هَاشم. وهم خمس بطُون: آل عَبَّاس، وَآل عَليّ، وَآل جَعْفَر، وَولد الْحَارِث بن عبد الْمطلب، (وَآل عقيل) . وَاخْتلفُوا فِي بني الْمطلب هَل تحرم عَلَيْهِم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تحرم عَلَيْهِم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تحرم. وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنَّهَا تحرم عَلَيْهِم. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دَفعهَا إِلَى موَالِي بني هَاشم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز، ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَالصَّحِيح من مَذْهَب مَالك أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى موَالِي بني هَاشم، وَأَنَّهُمْ كساداتهم فِي الْمَنْع من ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى كَافِر. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى الْوَالِدين والمولودين وَإِن علوا أَو سفلوا. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: فِي الْجد وَالْجدّة وَمن ورائهما، يجوز دَفعهَا إِلَيْهِم، وَكَذَلِكَ إِلَى الْبَنِينَ لسُقُوط نَفَقَتهم عِنْده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن يخرج زَكَاته إِلَى زَوجته. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة إِلَى مكَاتبه وَلَا عَبده. وَاخْتلفُوا فِي عبد الْغَيْر. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَدْفَعهَا إِلَى عبد الْغَيْر إِذا كَانَ مَالِكه غَنِيا، فَإِن كَانَ مَالِكه فَقِيرا جَازَ دَفعهَا إِلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يخرج زَكَاته إِلَى بِنَاء مَسْجِد وَلَا تكفين ميت وَإِن كَانَا من الْقرب لتعيين الزَّكَاة لما عينت لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 كتاب الصَّوْم اتَّفقُوا على أَن صِيَام شهر رَمَضَان أحد أَرْكَان الْإِسْلَام وَفرض من فروضه. قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ القرءان هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} . وَقَالَ عز وَجل: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} [الْبَقَرَة: 187] . وَالصَّوْم فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْإِمْسَاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن إمْسَاك عَن الْمطعم والمنكح مَعَ النِّيَّة فِي زمَان مَخْصُوص لمن خُوطِبَ بِهِ، وَلمن هُوَ من أَهله. وَاتَّفَقُوا على أَنه يتحتم فرض صَوْم شهر رَمَضَان على كل مُسلم ومسلمة بِشَرْط الْبلُوغ وَالْعقل وَالطَّهَارَة وَالْقُدْرَة وَالْإِقَامَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء قَضَاء صَوْم شهر رَمَضَان، وَيحرم عَلَيْهِمَا فعله، وَإِن فعلتاه لم يَصح مِنْهُمَا. أأما الْمُسَافِر وَالْمَرِيض فَإِنَّهُمَا يُبَاح لَهما الْفطر، وَإِن صاما صَحَّ مِنْهُمَا مَعَ كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا أجهده الصَّوْم كره لَهُ فعله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّبِي الَّذِي لَا يُطيق الصَّوْم، وَالْمَجْنُون المطيق غير مخاطبين بِالصَّوْمِ. وعَلى أَنه يجب صَوْم شهر رَمَضَان على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمرضع وَالْمُسَافر وَالْمَرِيض، إِلَّا أَنهم لَا يتحتم عَلَيْهِم فعله مَعَ قيام أعذارهم، بل يجب عَلَيْهِم الْقَضَاء مَعَ زَوَالهَا كَمَا يَأْتِي. وَوُجُوب الْكَفَّارَة مَعَ الْقَضَاء على مَا يجب مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على وجوب النِّيَّة للصَّوْم الْمَفْرُوض فِي شهر رَمَضَان، وَأَنه لَا يجوز إِلَّا بنية. ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَعْيِينهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا بُد من التَّعْيِين فَإِن لم يعين لم يجزه، وَإِن نوى صوما مُطلقًا، أَو نوى صَوْم التَّطَوُّع لم يجزه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحب التَّعْيِين، وَإِن نوى صوما مُطلقًا أَو نفلا أَجزَأَهُ، وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ثمَّ اخْتلفُوا فِي وَقت النِّيَّة لفرض شهر رَمَضَان. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز فِي جَمِيع اللَّيْل وَأول وَقتهَا بعد غرُوب الشَّمْس وَآخره طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَتجب النِّيَّة قبل طلوعه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز بنيته من اللَّيْل وَلَو لم ينْو حَتَّى أصبح وَنوى أَجْزَأته النِّيَّة مَا بَينه وَبَين الزَّوَال وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِي النّذر الْمعِين. وَاتَّفَقُوا على أَن مَا ثَبت فِي الذِّمَّة من الصَّوْم كقضاء رَمَضَان وَقَضَاء النّذر وَالْكَفَّارَة لَا يجوز صَوْمه إِلَّا بنية من اللَّيْل. وَاخْتلفُوا فِي النِّيَّة لصوم شهر رَمَضَان هَل يُجزئهُ نِيَّة وَاحِدَة لشهر رَمَضَان كُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 أَو يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة. وَقَالَ مَالك: تجزئة نِيَّة وَاحِدَة لجَمِيع الشَّهْر مَا لم ينسخها. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك. وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم النَّفْل كُله يجوز بنية من اللَّيْل وَمن النَّهَار قبل الزَّوَال إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَصح إِلَّا بنية من اللَّيْل. وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم شهر رَمَضَان يجب بِرُؤْيَة الْهلَال أَو إِكْمَال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْد عدم الرُّؤْيَة وخلو المطلع عَن حَائِل يمْنَع الرُّؤْيَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا حَال دون مطلع الْهلَال غيم أَو قتر فِي لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب صَوْمه. وَقَالَ أَحْمد: يجب صَوْمه فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي نصرها أَصْحَابه وَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن ينويه من رَمَضَان حكما. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا لم يحل دون مطلعه فِي هَذِه اللَّيْلَة حَائِل وَلم ير: أَنه لَا يجب صَوْمه. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز صَوْمه تَطَوّعا وَإِن كَانَ من شعْبَان؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يكره لنهي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صِيَامه إِلَّا أَن يكون يُوَافق عَادَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره. ثمَّ اخْتلفُوا فِي صِيَامه قَضَاء، فكرهه أَيْضا الشَّافِعِي وَأحمد وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَمَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَا تثبت بِهِ رُؤْيَة الْهلَال فِي شهر رَمَضَان؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت السَّمَاء مصحية فَإِنَّهُ لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة جمع كثير يَقع الْعلم بخبرهم، وَإِن كَانَت السَّمَاء بهَا عِلّة من غيم قبل الإِمَام شَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد رجلا كَانَ أَو امْرَأَة، حرا كَانَ أَو عبدا. وَقَالَ مَالك: لَا يقبل إِلَّا شَهَادَة عَدْلَيْنِ. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ أظهر الْقَوْلَيْنِ والروايتين عَنْهُمَا: أَنه يقبل شَهَادَة عدل وَاحِد والآخران مِنْهُمَا كمذهب مَالك. وَلم يفرقُوا بَين وجود الْعلَّة وَعدمهَا. وَاتَّفَقُوا على أَن وجوب الصَّوْم وقته من أول طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَأَن الْفجْر الثَّانِي الَّذِي لَا ظلمَة بعده هُوَ الْمحرم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع. وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفطر وَتَأْخِير السّحُور. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا رؤى الْهلَال فِي بَلَده رِوَايَة فَاشِية فَإِنَّهُ يجب الصَّوْم على سَائِر أهل الدُّنْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 إِلَّا مَا رَوَاهُ أَبُو حَامِد الإسفرائي من أَنه لَا يلْزم بَاقِي الْبِلَاد الصَّوْم، وغلطه القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَقَالَ: هَذَا غلط مِنْهُ بل إِذا رأى أهل بلد هِلَال رَمَضَان لزم النَّاس كلهم الصّيام فِي سَائِر الْبِلَاد. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا اعْتِبَار بِمَعْرِِفَة الْحساب والمنازل فِي دُخُول وَقت الصَّوْم على من عرف ذَلِك وَلَا على من لم يعرفهُ وَإِن ذَلِك إِنَّمَا يجب عَن رُؤْيَة أَو إِكْمَال عدد أَو وجود عِلّة على مَا تقدم من اتِّفَاقهم على ذَلِك. على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ مِنْهُ. وَاخْتلفُوا خلافًا لِابْنِ سُرَيج من الشَّافِعِيَّة. قَالَ الْمُؤلف: على أَن ابْن سُرَيج إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِي مَا يظنّ من الِاحْتِيَاط لِلْعِبَادَةِ إِلَّا أَنهم شذوه مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن احتياطه لِلْعِبَادَةِ بِمَا يتْرك للمنجمين مدخلًا فِي عبادات الْمُسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته "، وَلم يقل: صُومُوا لِلْحسابِ وَافْطرُوا لَهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن ذَلِك إِنَّمَا يجب من رُؤْيَة أَو إِكْمَال عدد أَو وجود عِلّة. وَأَجْمعُوا على أَن من أصبح صَائِما بِالنِّيَّةِ وَهُوَ جنب أَن صَوْمه صَحِيح، وَإِن أخر الِاغْتِسَال إِلَى بعد طُلُوع الْفجْر مَعَ استحبابهم لَهُ الْغسْل قبل طلوعه. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أكل وَهُوَ يظنّ أَن الشَّمْس قد غَابَتْ أَو أَن الْفجْر لم يطلع فَبَان الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اعْتقد الْخُرُوج من الصَّوْم. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يبطل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأكْثر الْمَالِكِيَّة: لَا يبطل صَوْمه. وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَذِب والغيبة يكرهان للصَّائِم وَلَا يفطرانه وَأَن صَوْمه صَحِيح فِي الحكم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلع الْفجْر وَهُوَ مخالط. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نزع فِي الْحَال صَحَّ صَوْمه وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِن استدام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فَعَلَيهِ الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة. وَقَالَ زفر: إِن ثَبت على ذَلِك أَو نزع فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْقَضَاء. وَقَالَ مَالك: إِن استدام فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، وَإِن نزع فالقضاء فَقَط. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن نزع مَعَ طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وَإِن لم ينْزع بل استدام وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة. وَقَالَ أَحْمد: إِذا طلع الْفجْر وَهُوَ مخالط وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مَعًا، سَوَاء نزع فِي الْحَال أم استدام. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قاء عَامِدًا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يفْطر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يفْطر إِلَّا أَن يكون مَلأ فَاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَعَن أَحْمد رِوَايَات فِي الْقَيْء الَّذِي ينْقض الْوضُوء وَيفْطر: أحداها: لَا يفْطر إِلَّا الْفَاحِش مِنْهُ وَهِي الْمَشْهُورَة. وَالثَّانيَِة: بملء الفك. وَالثَّالِثَة: بِمَا كَانَ فِي نصف الْفَم. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى رَابِعَة فِي انْتِقَاض الْوضُوء بالقيء قَليلَة وكثيرة وَهِي فِي الْفطر أَيْضا إِلَّا أَن الْقَيْء الَّذِي يفْسد الصَّوْم على اخْتِلَاف مذْهبه فِي صفته فَإِنَّهُ لم يخْتَلف مذْهبه فِي اشْتِرَاط التعمد فِيهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْحجامَة لَا تفطر الصَّائِم، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يفْطر بهَا الحاجم والمحجوم أخذا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ فِي ذَلِك. وَهُوَ مِمَّن رَوَاهُ وَعمل بِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا داوى (حارصته) أَو مأمومته بدواء رطب فوصل إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 دَاخل دماغه أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة الْمَوْطُوءَة فِي يَوْم من رَمَضَان مُكْرَهَة أَو نَائِمَة قد فسد صَومهَا وَوَجَب عَلَيْهَا الْقَضَاء. إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه لم يفْسد صَومهَا وَلَا قَضَاء عَلَيْهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا. إِلَّا عِنْد أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فَإِنَّهُ أوجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة وَالْقَضَاء مَعًا. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ فِي إِسْقَاط الْكَفَّارَة أصح وَأشهر. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَوْطُوءَة فِي يَوْم من رَمَضَان مطاوعة قد فسد صَومهَا وَعَلَيْهَا الْقَضَاء. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: عَلَيْهَا الْكَفَّارَة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا عَنهُ: الْوُجُوب لِلْكَفَّارَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَاتَّفَقُوا على من أنزل فِي يَوْم من رَمَضَان بِمُبَاشَرَة دون الْفرج فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تجب وأوجبها مَالك وَأحمد. وَاتَّفَقُوا على أَن من تعمد الْأكل وَالشرب صَحِيحا مُقيما فِي يَوْم من شهر رَمَضَان أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تجب الْكَفَّارَة، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة اشْترط فِي وجوب الْكَفَّارَة أَن يكون المتناول مَا يتغذى بِهِ، أَو يتداوى بِهِ، فَأَما إِن ابتلع حَصَاة أَو نواة فَلَا تجب الْكَفَّارَة. وَمَالك يَقُول: يجب بِالْأَكْلِ وَالشرب، فَأَما إِن ابتلع حَصَاة أَو نَحْوهَا فَفِي وجوب الْكَفَّارَة عَنهُ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه وَأحمد: لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة بل الْقَضَاء فَقَط. وَعَن الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر يجب الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مَعًا. وَاتَّفَقُوا على أَن من أكل أَو شرب نَاسِيا فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يفْسد وَعَلِيهِ الْقَضَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَن تمضمض واستنشق فوصل من المَاء إِلَى جَوْفه سبقا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يفْسد صَوْمه سَوَاء كَانَ مبالغا فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أم لم يُبَالغ. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن بَالغ فيهمَا فقد أفسد صَوْمه، إِن لم يكن سَاهِيا. وَفِي غير الْمُبَالغَة لَهُ قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: إِذا سبق المَاء إِلَى حلقه وَلم يكن بَالغ فَلَا يفْسد صَوْمه، فَإِن بَالغ فَالظَّاهِر من مذْهبه أَنه يفْطر على احْتِمَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا استعط بدهن أَو غَيره فوصله إِلَى دماغه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يفْطر بذلك، وَإِن لم يصل إِلَى حَلقَة. وَقَالَ مَالك: مَتى وصل إِلَى دماغه وَلم يصل إِلَى حلقه لم يفْطر. وَاتَّفَقُوا على أَن للحامل، والمرضع مَعَ خوفها على وليدها الْفطر وَعَلَيْهَا الْقَضَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة الصُّغْرَى عَلَيْهِمَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا فديَة عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مَالك: لَا فديَة على الْحَامِل، وَعنهُ فِي الْموضع رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا عَلَيْهَا الْفِدْيَة. وَالْأُخْرَى: لَا فديَة عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: على الْمُرْضع فديَة. وَعنهُ فِي الْحَامِل قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَة، فَأَما إِن أفطرتا خوفًا على أَنفسهمَا فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على أَن لَهُم ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على وجوب الْقَضَاء. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب كَفَّارَة عَلَيْهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَعَن مَالك رِوَايَات إِحْدَاهَا: أَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة عَلَيْهِمَا، عَن كل يَوْم مد من حِنْطَة أَو شعير أَو تمر. وَالثَّانيَِة: أَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة عَلَيْهِمَا لَكِنَّهَا مُخْتَلفَة بإختلاف صفتهما، فعلى الْمُرْضع مدان، وعَلى الْحَامِل مد. وَالثَّالِثَة: أَنَّهَا تجب على الْمُرْضع دون الْحَامِل. وَأَجْمعُوا على أَن من وطئ فِي يَوْم من رَمَضَان عَامِدًا فقد عصى اللَّهِ إِذا كَانَ مُقيما. وَإِن كَانَ نوى من اللَّيْل فقد فسد صَوْمه، وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة الْكُبْرَى. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اكتحل بِمَا يصل الْكحل إِلَى حلقه، وَإِمَّا لرطوبته كالأشياف، أَو لحدته كالدرور وَالطّيب، فَهَل يفْطر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفطره. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يفطره. وَكَذَا يفْطر بِكُل مَا وصل إِلَى حلقه من سَائِر المنافذ. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يقبل فِي شَهَادَة شَوَّال إِلَّا شَهَادَة عَدْلَيْنِ. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط مَعَ عدم الْعلَّة مَا اشْتَرَطَهُ فِي هِلَال رَمَضَان ويحبذ مَعَ وجودهَا فِي هَذَا الشَّهْر خَاصَّة شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رأى هِلَال شَوَّال وَحده. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يفْطر ويستسر بِهِ. وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يفْطر إِذا رأى وَحده. وَأَجْمعُوا على أَن من ذرعه الْقَيْء فصومه صَحِيح. وَاتَّفَقُوا على أَن كَفَّارَة الْجِمَاع فِي رَمَضَان عتق رَقَبَة، أَو صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ على التَّرْتِيب أَو على التَّخْيِير؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هِيَ على التَّرْتِيب. وَقَالَ مَالك: هِيَ على التَّخْيِير. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا التَّرْتِيب. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا عجز عَن كَفَّارَة الوطئ حِين الْوُجُوب سَقَطت عَنهُ. إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي أحد قوليه: تثبت فِي ذمَّته. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا عجز عَنْهَا حِين وُجُوبهَا فَلَا تلْزمهُ الِاسْتِدَانَة وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرهَا، حَتَّى لَو مَاتَ أَو لم يقدر عَلَيْهَا فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، فَلَو قدر عَلَيْهَا وَجب عَلَيْهِ وجوبا مُوسِرًا، حَتَّى إِن مَاتَ وَلم يؤدها بعد أَن كَانَ قدر عَلَيْهَا أَثم. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا جَامع فِي يَوْم من رَمَضَان وَلم يكفر حَتَّى جَامع فِي يَوْم آخر فَإِن عَلَيْهِ كفارتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا وطئ وَكفر، ثمَّ عَاد فوطئ ثَانِيًا فِي ذَلِك الْيَوْم أَنه لَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة ثَانِيَة. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة ثَانِيَة. وَاخْتلفُوا فِي وطئ النَّاسِي. فَقَالَ مَالك: يفْسد صَوْمه، وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. وَلَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة. وروى الهريدي ومعن عَن مَالك وجوب الْكَفَّارَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد صَوْمه وَلَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا قَضَاء. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُور مِنْهَا: قد فسد صَوْمه وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك. وَاتَّفَقُوا على أَن من وطئ ظَانّا أَن الشَّمْس قد غَابَتْ أَو أَن الْفجْر لم يطلع فَبَان بِخِلَاف مَا ظَنّه أَن الْقَضَاء وَاجِب عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ فَلم يُوجِبهَا أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأوجبها أَحْمد. وَاتَّفَقُوا على أَن الْقَضَاء فِي كل مَا قلت من الْمسَائِل. وَأَقُول: وَعَلِيهِ الْقَضَاء أَنه قَضَاء يَوْم مَكَان يَوْم لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة الْحَائِض إِذا انْقَطع دَمهَا قبل الْفجْر فنوت الصَّوْم، أَو المجامع فِي الْفرج لَيْلًا قبل الْفجْر إِن نوى الصَّوْم فَإِن صومهما صَحِيح. وَإِن أخر كل وَاحِد مِنْهُمَا الْغسْل حَتَّى يصبح أَو تطلع الشَّمْس؟ قَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون وَمُحَمّد بن مسلمة، عَن مَالك: أَنه مَتى انْقَطع دَمهَا فِي وَقت يُمكنهَا الِاغْتِسَال والفراغ مِنْهُ قبل طُلُوع الْفجْر فَإِن صَومهَا صَحِيح. وَإِن انْقَطع دَمهَا فِي وَقت يضيق عَن غسلهَا وفراغها مِنْهُ إِلَى أَن يطلع الْفجْر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 لم يَصح صَومهَا. وَأَجْمعُوا على أَن من فكر فَأنْزل أَن صَوْمه صَحِيح. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يفْطر وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. وَأَجْمعُوا على من لمس فأمذى أَن صَوْمه صَحِيح. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يفْسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نظر فَأنْزل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: صَوْمه صَحِيح، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة. وَقَالَ أَحْمد: مثله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر النّظر حَتَّى أنزل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: صَوْمه صَحِيح وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وصومه فَاسد. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: صَوْمه فَاسد وَعَلِيهِ الْقَضَاء فَقَط، واختارها الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عصى الله وأولج فِي فرج بَهِيمَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أنزل فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء فَقَط وَإِن لم ينزل فصومه صَحِيح وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: صَوْمه فَاسد بِمُجَرَّد الْإِيلَاج وَسَوَاء أنزل أَو لم ينزل. وَفِي الْكَفَّارَة عَلَيْهِ عَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة. وَاتَّفَقُوا عل أَنه إِذا وَاقع الْمُكَلف الْفَاحِشَة من أَن يَأْتِي امْرَأَة أَو رجلا فِي الدبر، فقد فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة فأوجبها الْجَمِيع. إِلَّا أَبَا حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، يجب الْقَضَاء فَقَط، وَالْمَنْصُوص عَنهُ وجوب الْكَفَّارَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَأَجْمعُوا على أَن الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا عَجزا وضعفا عَن الصَّوْم، وَكَانَا فانيين أفطرا وأطعما عَن كل يَوْم مِسْكينا عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجب عَلَيْهِمَا فديَة. وَأَجْمعُوا على أَن الصَّائِم إِذا نَام فِي يَوْم من شهر رَمَضَان فحلم فِي نَومه فأجنب فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه. وَأَجْمعُوا على أَنه تكره الْقبْلَة لمن لَا يَأْمَن مِنْهَا أَن تثير شَهْوَته. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن لَا يخْشَى ذَلِك. فَقَالُوا: لَا يكره، إِلَّا مَالِكًا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد أَنه يكره لَهُ ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطر فِي إحليله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يفطره. وَقَالَ الشَّافِعِي: يفْطر وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يكره للصَّائِم الِاغْتِسَال فِي شدَّة الْحر إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يكرههُ. وَأَجْمعُوا على أَن الْمَرِيض إِذا كَانَ الصَّوْم يزِيد فِي مَرضه أَن يفْطر وَيقْضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَأَجْمعُوا على أَنه إِن تحمل وَصَامَ أَجزَأَهُ. وَأَجْمعُوا على أَن للْمُسَافِر أَن يترخص بِالْفطرِ وَيَقْضِي. ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل لَهُ الصَّوْم أَو الْفطر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّوْم أفضل فَإِن أجهده الصَّوْم كَانَ الْفطر أفضل وفَاقا. وَقَالَ أَحْمد: الْفطر للْمُسَافِر أفضل، وَإِن لم يجهده الصَّوْم. وَهُوَ قَول ابْن حبيب من أَصْحَاب مَالك، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أخر الْأَمريْنِ من رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا صَامَ فِي السّفر فَإِن صَوْمه صَحِيح يُجزئ. وَاخْتلفُوا فِيمَن وَجب عَلَيْهِ قَضَاء شهر رَمَضَان فَأَخَّرَهُ لغير عذر حَتَّى دخل رَمَضَان آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصُوم الَّذِي حضر ثمَّ يقْضِي الأول وَعَلِيهِ الْفِدْيَة عَن كل يَوْم مِسْكينا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا فديَة عَلَيْهِ بل الْقَضَاء فَقَط. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا كَانَ فِي السّفر فَأفْطر فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ الْجِمَاع. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أنشأ الْمُسَافِر الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان ثمَّ جَامع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة. وَعَن مَالك وَأحمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: الْوُجُوب، وَالْأُخْرَى: الْإِسْقَاط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء رَمَضَان أَو نذر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يصام عَنهُ وَلَا يطعم فيهمَا إِلَّا أَن يُوصي بذلك. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا يطعم عَنهُ فيهمَا. وَالْقَدِيم: يصام عَنهُ فيهمَا. وَقَالَ أَحْمد: يطعم عَنهُ عَن رَمَضَان، وَلَا يجوز لوَلِيِّه الصّيام ويصوم عَنهُ وليه عَن النّذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَاتَّفَقُوا على أَن قَضَاء شهر رَمَضَان مُتَفَرقًا بجزئ، والتتابع أحسن. وَأَجْمعُوا على أَن يومي الْعِيد حرَام صومهما، وأنهما لَا يجزئان لمن صامهما لَا عَن فرض وَلَا عَن نفل وَلَا عَن نذر وَلَا كَفَّارَة وَلَا تطوع. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِن نذر صَوْم يَوْم الْعِيد فَالْأولى أَن يفطره ويصوم غَيره. فَإِن لم يفعل وصامه أَجزَأَهُ عَن النّذر. وَأَجْمعُوا على وجوب التَّتَابُع فِي كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الْقَتْل الْخَطَأ وَكَفَّارَة الْجِمَاع فِي شهر رَمَضَان إِلَّا أَن الشَّافِعِي فِي أحد قوليه قَالَ: إِن التَّتَابُع فِي صِيَام الثَّلَاثَة أَيَّام فِي كَفَّارَة الْيَمين لَيْسَ بِشَرْط بل تسْتَحب الْمُتَابَعَة فِيهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالك. وَأَجْمعُوا على كَرَاهِيَة الصَّوْم أَيَّام التَّشْرِيق، وَإِن من قصد صيامها نفلا عصى اللَّهِ وَلم تصح لَهُ. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ينْعَقد صَومهَا مَعَ الْكَرَاهِيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ثمَّ اخْتلفُوا فِي إجزائها عَن من صامها عَن فرض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد من قوليه وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يُجزئهُ. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُجزئ صيامها عَن فرض مثل نذر وَقَضَاء شهر رَمَضَان، وَدم الْمُتْعَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئ فِي النّذر الْمعِين خَاصَّة. وَقَالَ مَالك: يُجزئ فِي الْبَدَل عَن دم الْمُتْعَة فَقَط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أنشأ صوما أَو صَلَاة تَطَوّعا ثمَّ أفْسدهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى شرع فِي صَوْم أَو صَلَاة نفلا ثمَّ أفْسدهُ لم يجز لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ، فَإِن أفْسدهُ فَعَلَيهِ الْقَضَاء. وَقَالَ مَالك: كَذَلِك، إِلَّا أَنه اعْتبر الْعذر فِي الصَّوْم فَقَالَ: إِن أفطر لعذر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِن لغير عذر وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: مَتى أنشأ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ مُخَيّر بَين إِتْمَامه وَبَين الْخُرُوج مِنْهُ، فَإِن خرج مِنْهُ لم تجب عَلَيْهِ قَضَاء على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جَامع فِي يَوْم من شهر رَمَضَان، ثمَّ جن أَو مرض فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: لَا تسْقط الْكَفَّارَة عَنهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَللشَّافِعِيّ قَول مثله. وَاخْتلفُوا فِي الْمُسَافِر فِي رَمَضَان يَصُوم فِيهِ عَن غير رَمَضَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن صَامَ عَن فرض فِي ذمَّته جَازَ وَإِن صَامَ نفلا وَقع عَن رَمَضَان. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح صَوْمه عَن قَضَاء وَلَا عَن نذر وَلَا عَن نفل وَلَا ينْعَقد. وَأَجْمعُوا على أَنه نوى الْمُقِيم الصَّوْم ثمَّ سَافر أثْنَاء صَوْمه فَإِنَّهُ لَا يُبَاح لَهُ الْفطر فِي ذَلِك الْيَوْم. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أجَازه فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ والمدنيون من أَصْحَاب مَالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نوى من اللَّيْل فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى غربت الشَّمْس. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح صَوْمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح. وَأَجْمعُوا على أَن الْأَسير إِذا اشتبهت عَلَيْهِ الشُّهُور اجْتهد وَصَامَ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وَافق صَوْمه الْوَقْت الْمَفْرُوض أَو مَا بعده أَجزَأَهُ إِلَّا أَن يُوَافق أَيَّام الْعِيدَيْنِ والتشويق. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا صَامَ قبله. فَقَالُوا: لَا يُجزئهُ عَن سنته، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه يُجزئهُ. وَأَجْمعُوا على أَن الْهلَال إِذا رؤى نَهَارا قبل الزَّوَال أَو بعده فَإِنَّهُ لليلة الْمُقبلَة إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه إِذا رؤى قبل الزَّوَال فَإِنَّهُ لليلة الْمَاضِيَة. وَاخْتلفُوا فِي الْكَافِر يسلم أَو الْمَجْنُون يفِيق أَو الْحَائِض أَو النُّفَسَاء يطهران أَو الْمُسَافِر يقدم فِي أثْنَاء الْيَوْم أَو الصَّغِير يبلغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَقَالَ أَبُو حنيفَة ": يلْزم كلهم الْإِمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار مَعَ زَوَال أعذارهم وَصَوْم مَا بعده من الْأَيَّام وَلَا قَضَاء عَلَيْهِم لليوم الَّذِي زَالَت أعذارهم فِي أَثْنَائِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمهُم الْإِمْسَاك. وَقَالَ مَالك: لَا يلْزم الْمُسَافِر وَالْحَائِض خَاصَّة وَيلْزم البَاقِينَ. وَقَالَ أَحْمد: يلْزمهُم الْإِمْسَاك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي أظهرهمَا فَأَما الْقَضَاء فالحائض وَالنُّفَسَاء وَالْمُسَافر يلْزمهُم الْقَضَاء بِكُل حَال عِنْده. وَعِنْده فِي وجوب الْقَضَاء على الْكَافِر وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ رِوَايَتَانِ مَنْصُوص عَلَيْهِمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن من وجدت مِنْهُ إفاقة فِي بعض النَّهَار، ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ بَاقِيَة، فَإِن صَوْمه صَحِيح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَفَاق الْمَجْنُون بعد مُضِيّ الشَّهْر؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يقْضِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا قَضَاء عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه صَوْمه مَا بَقِي وَيَقْضِي مَا مضى. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: إِنَّمَا يلْزمه صَوْم مَا أَفَاق فِيهِ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 قَضَاء عَلَيْهِ لما مضى. وَهَذَا القَوْل عَن الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا إِنَّمَا على من أَفَاق من إِغْمَاء، فَأَما الْمَجْنُون فَلَا يقْضِي صوما فَاتَهُ على وَجه مَا. وَأَجْمعُوا على أَنه يكره مضغ العلك الَّذِي يزِيدهُ المضغ قُوَّة فِي الصَّوْم. وَيكرهُ للْمَرْأَة أَن تمضغ لصبيها طَعَاما من غير ضَرُورَة. وَاخْتلفُوا فِي الفصد هَل يفْطر الصَّائِم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْطر الصَّائِم بالفصد. وَقَالَ أَحْمد: يفْطر بالفصد. وَأَجْمعُوا على أَن الْغُبَار أَو الدُّخان، أَو الذُّبَاب أَو البق إِذا دخل حلق الصَّائِم فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه. وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره إِفْرَاد الْجُمُعَة أَو السبت بِصَوْم إِلَّا أَن يُوَافق عَادَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 عدا أَبُو حنيفَة فِي قَوْله لَا يكره. وَقَالَ مَالك: يكره إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة خَاصَّة. وَقد روى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: وَلَا يبين لي أَن أنهِي عَن صِيَام يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا على الِاخْتِيَار لمن كَانَ إِذا صَامَهُ مَنعه عَن الصَّلَاة الَّتِي لَو كَانَ مُفطرا لفعلها. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب صَوْم الْأَيَّام السِّتَّة من شَوَّال متبعة شهر رَمَضَان. إِلَّا أَبَا حنيفَة وَمَالك فِي قَوْلهمَا: يكره ذَلِك وَلَا يسْتَحبّ. وَاتَّفَقُوا على أَن لَيْلَة الْقدر تطلب فِي شهر رَمَضَان. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ فِي جَمِيع السّنة. ثمَّ اخْتلف المتفقون على أَنَّهَا فِي شهر رَمَضَان فِي آكِد لياليه تلتمس فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين. وَقَالَ مَالك: ليَالِي الْإِفْرَاد من الْعشْر الْأَوَاخِر كلهَا سَوَاء. وَقَالَ أَحْمد: لَيْلَة سبع وَعشْرين. قَالَ الْمُؤلف: وَالَّذِي رَأَيْته أَنا فِي لَيْلَة الْحَادِيَة وَالْعِشْرين كَمَا ذكرت من قبل إِلَّا أَنَّهَا لَيْلَة جُمُعَة. وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَنه رَآهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين. وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم يَوْم عَرَفَة مُسْتَحبّ لمن لم يكن بِمَعْرِِفَة. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن صَوْم يَوْم عَاشُورَاء مُسْتَحبّ وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب صَوْم أَيَّام ليَالِي الْبيض الَّتِي جَاءَ فِيهَا الحَدِيث وَهِي الثَّالِث عشر، وَالرَّابِع عشر، وَالْخَامِس عشر. وَاخْتلفُوا فِي أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض. فَقَالَ الشَّافِعِي: الصَّلَاة أفضل أَعمال الدّين وتطوعها أفضل التَّطَوُّع. وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا بعد الْفَرَائِض أفضل من الْجِهَاد. وَأما مَالك وَأَبُو حنيفَة فمذهبهما أَنه لَا شَيْء بعد فروض الْأَعْيَان من أَعمال الْبر أفضل من الْعلم ثمَّ الْجِهَاد. بَاب الِاعْتِكَاف اتَّفقُوا على أَن الِاعْتِكَاف مَشْرُوع وَأَنه قربَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا بَيْتِي للطائفين والعاكفين والركع السُّجُود} وَقد روينَا فِي هَذَا الْكتاب فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ فِي شهر رَمَضَان. قَالَ الْمُؤلف: وَهَذَا الِاعْتِكَاف الْمَشْرُوع لَا يحل أَن يُسمى خلْوَة. وَهُوَ عِنْد اللغويين الْإِقَامَة. قَالَ الشَّاعِر: (فَبَاتَ نَبَات اللَّيْل حَولي عواكفا ... عكوف بواك بَينهُنَّ صريع) وَهُوَ فِي الشَّرْع عبارَة عَن اللّّبْث بنية الِاعْتِكَاف. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح إِلَّا بِالنِّيَّةِ. وَاتَّفَقُوا على صِحَّته مَعَ الصَّوْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ثمَّ اخْتلفُوا هَل يَصح بِغَيْر صَوْم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يَصح بِغَيْر صَوْم. فَجعلُوا الصَّوْم من شَرطه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: يَصح بِلَا صَوْم. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا كَانَ نذر ألزم الْوَفَاء بِهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه يَصح الِاعْتِكَاف فِي كل مَسْجِد. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَصح إِلَّا فِي مَسْجِد تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَات. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يَصح اعْتِكَاف الْمَرْأَة فِي بَيتهَا. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز لَهَا الِاعْتِكَاف فِي مَسْجِد بَيتهَا. وَأَجْمعُوا على أَنه يجب على الْمُعْتَكف الْخُرُوج إِلَى الْجُمُعَة. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا وَجب عَلَيْهِ بِالنذرِ اعْتِكَاف أَيَّام يتخللها يَوْم الْجُمُعَة أَن الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يعْتَكف فِي الْمَسْجِد الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة لِئَلَّا يخرج من معتكفة لَهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِن لم يعْتَكف لهَذَا النّذر فِي الْجَامِع بل فِي مَسْجِد تُقَام فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الْجَمَاعَات ثمَّ خرج مِنْهُ يَوْم الْجُمُعَة لصلاته هَل يبطل اعْتِكَافه بذلك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يبطل اعْتِكَافه بذلك. وَقَالَ مَالك: يبطل اعْتِكَافه على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي عَامَّة كتبه: يبطل اعْتِكَافه بذلك لِأَنَّهُ كَانَ يُمكنهُ الِاحْتِرَاز من ذَلِك بالاعتكاف فِي الْجَامِع. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ خَاصَّة: لَا يبطل بِالْخرُوجِ إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر اعْتِكَاف شهر وَلم يشْتَرط التَّتَابُع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يلْزمه اعْتِكَافه بلياليه متتابعة وَلَا يجوز تفريقها وَيلْزمهُ الِاعْتِكَاف من غرُوب الشَّمْس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن نذر الِاعْتِكَاف بِاللَّيْلِ لم يلْزمه بِالنَّهَارِ، وَإِن نذر بِالنَّهَارِ لم يلْزمه اللَّيْل، وَإِن نذر اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين لزمَه اعتكافهما وَلَا يلْزمه اللَّيْلَة الَّتِي بَينهمَا. وَعَن أَصْحَابه فِيهَا وَجْهَان أصَحهمَا: أَنَّهَا تلْزمهُ. وَأَجْمعُوا على أَنه من نوى اعْتِكَاف يَوْم بِعَيْنِه دون ليلته نفلا فَإِنَّهُ يَصح اعْتِكَافه. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَصح حَتَّى يضيف اللَّيْلَة إِلَى الْيَوْم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ وليلتين، يدْخل الْمَسْجِد بعد غرُوب الشَّمْس فيمكث لَيْلَة ويومها وَلَيْلَة أُخْرَى ويومها. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه: يلْزمه اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة يدْخل الْمَسْجِد قبل طُلُوع الْفجْر وَيبقى فِيهِ ذَلِك الْيَوْم وَلَيْلَته، وَالْيَوْم الثَّانِي وَيخرج بعد غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم الثَّانِي. وَمذهب الشَّافِعِي فِيهَا قد تقدم ذكره. وَأَجْمعُوا على أَن الوطئ عَامِدًا يبطل الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور والمسنون مَعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمُعْتَكف يطَأ نَاسِيا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يبطل الِاعْتِكَاف أَيْضا كالعمد فِي الْمَنْذُور والمسنون مَعًا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يبطل. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة فِيهِ، فَقَالُوا: لَا تجب. إِلَّا أَحْمد فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: وجوب الْكَفَّارَة وَهِي كَفَّارَة يَمِين. وَأَجْمعُوا على أَنه يجب الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فِي الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور الْمعِين إِذا نوى بِهِ يَمِينا. إِلَّا مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: تجب الْكَفَّارَة فِيهِ خَاصَّة. وَاخْتلف موجبوها فِي صفتهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ كَفَّارَة يَمِين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب أبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى هِيَ الْكَفَّارَة الْعُظْمَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَاخْتلفُوا فِي الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: قد أَسَاءَ لِأَنَّهُ أَتَى مَا يحرم عَلَيْهِ وَلَا يفْسد اعْتِكَافه. وَقَالَ مَالك: يفْسد اعْتِكَافه. وَعَن الشَّافِعِي: كالمذهبين. وَأَجْمعُوا على أَنه يجوز للمعتكف الْخُرُوج إِلَى مَا لَا بُد مِنْهُ كحاجة الْإِنْسَان وَالْغسْل من الْجَنَابَة والتغير ولخوف الْفِتْنَة ولقضاء الْعدة للمتوفي عَنْهَا زَوجهَا وَلأَجل الْحيض وَالنّفاس. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا نذر اعْتِكَافه شهر ثمَّ مَاتَ قبل أَن يَقْضِيه، فَإِنَّهُ لَا يقْضِي عَنهُ. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يجب أَن يقْضِي عَنهُ وليه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أذن لزوجته فِي الِاعْتِكَاف فَدخلت فِيهِ، هَل لَهُ منعهَا من إِتْمَامه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ لَهُ منعهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ منعهَا. وَأَجْمعُوا على أَنه يكره للمعتكف الصمت إِلَى اللَّيْل إِلَّا أَنه لَا يتَكَلَّم إِلَّا بِالْخَيرِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِي: لَو نذر الصمت فِي اعْتِكَافه تكلم وَلَا كَفَّارَة. حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للمعتكف أَن يشْتَرط فعل مَا فِي فعله قربَة كعيادة المرضى وَاتِّبَاع الْجَنَائِز؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز اشْتِرَاط مثل هَذَا وَلَا يستباح بِالشّرطِ. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز ذَلِك، ويستباح بِالشّرطِ. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي. وَأَجْمعُوا على أَنه يسْتَحبّ للمعتكف ذكر اللَّهِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالصَّلَاة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن أَو الحَدِيث أَو الْفِقْه. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك، وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى ذكرهَا الحلاب فَقَالَ: وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس أَن يكْتب الْمُعْتَكف فِي الْمَسْجِد وَأَن يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن ويقرئ غَيره الْقُرْآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك. وروى الْمروزِي عَن احْمَد فِي الرجل يقْرَأ فِي الْمَسْجِد وَيُرِيد أَن يعْتَكف فَقَالَ: يقْرَأ أحب إِلَيّ. قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى بن الْفراء: وَهَذَا على أَصله من أَنه لَا يسْتَحبّ للمعتكف أَن ينصب للإقراء وَلَا للدرس للْعلم فَيَنْقَطِع للاعتكاف عَن الإقراء، فَكَأَن الإقراء أفضل من الِاعْتِكَاف، لِأَن مَنْفَعَة ذَلِك تتعدى. قَالَ الْمُؤلف: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِك أَن مَالِكًا وَأحمد لم يريَا اسْتِحْبَاب أَن لَا يقْرَأ الْمُعْتَكف غَيره الْقُرْآن فِي حَالَة اعْتِكَافه إِلَّا من حَيْثُ أَنه بإقرائه آيَة غَيره ينْصَرف همه عَن تدبر الْقُرْآن إِلَى حفظه على الْقَارئ فَيكون قد صرف فهمه عَن تدبر أسراره لنَفسِهِ إِلَى حفظ ظَاهر لَفظه لغيره، وَإِلَّا فَلَا يظنّ بهما رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يريان شَيْئا من عبادات الْمُعْتَكف يعدل قِرَاءَة الْقُرْآن فِي تدبر لَهُ. وَهَذَا يُشِير إِلَى أَن الِاعْتِكَاف حبس النَّفس وَجمع للهمة على نُفُوذ البصيرة فِي تدبر الْقُرْآن ومعاني التَّسْبِيح والتحميد والتهليل وَذكر اللَّهِ فَيكون كل مَا جمع الْفِكر يُنَاسب هَذِه الْعِبَادَات وكل مَا بسط من الْفِكر وَنشر من هم ينافيها. وَأَجْمعُوا على أَن العَبْد لَيْسَ لَهُ أَن يعْتَكف إِلَّا بِإِذن سَيّده. وَأَجْمعُوا على أَنه لَيْسَ للمعتكف أَن يتجر ويكتسب بالصنعة على الْإِطْلَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز البيع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَبِيع ويبتاع وَهُوَ فِي الْمَسْجِد من غير أَن يحضر السّلع. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يَأْمر بِالْأَمر الْخَفِيف فِي مَاله وَيبِيع وَيَشْتَرِي من غير إكثار. وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يفعل ذَلِك إِذا كَانَ الِاعْتِكَاف تَطَوّعا وَكَانَ يَسِيرا. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى بِالْمَنْعِ من ذَلِك على الْإِطْلَاق. رَوَاهَا عَنهُ الحلاب فَقَالَ: وَقَالَ مَالك: وَلَا يَبِيع الْمُعْتَكف وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يشْتَغل بحاجة وَلَا تِجَارَة. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز لَهُ البيع وَالشِّرَاء على الْإِطْلَاق وَلَا فرق فِي ذَلِك عِنْده بَين قَليلَة وَكَثِيره، وَلَا يجوز لَهُ فعل الْخياطَة فِيهِ سَوَاء كَانَ مُحْتَاجا أَو غير مُحْتَاج، وَسَوَاء فِي ذَلِك الْقَلِيل وَالْكثير. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا صلى الْمكَاتب يعْتَكف بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: للْمولى مَنعه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَيْسَ لَهُ مَنعه. وَأَجْمعُوا على أَن كل مَسْجِد يُقَام فِيهِ الْجَمَاعَات فَإِنَّهُ يَصح فِيهِ الِاعْتِكَاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 كتاب الْحَج والمناسك أَجمعُوا على أَن الْحَج أحد أَرْكَان الْإِسْلَام وَفرض من فروضه. وَالْحج فِي اللُّغَة الْقَصْد، وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن أَفعَال مَخْصُوصَة فِي مَكَان مَخْصُوص وَهُوَ الطّواف وَالسَّعْي وَالطّواف فِي مَكَان مَخْصُوص، وَهُوَ أشهر الْحَج. وَأَجْمعُوا على أَنه يجب على كل مُسلم بَالغ حر عَاقل صَحِيح مستطيع فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفة الِاسْتِطَاعَة على مَا سَيَأْتِي بَيَانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَأَجْمعُوا على أَن الْمَرْأَة فِي ذَلِك كَالرّجلِ فِي الْفَرْض. ثمَّ أَجمعُوا على أَن الشَّرَائِط فِي حَقّهَا كَالرّجلِ. وَاخْتلفُوا فِي شَرط آخر وَهُوَ وجود الْمحرم فِي حَقّهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يشْتَرط وجود محرم فِي حَقّهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يشْتَرط وجود محرم فِي حَقّهَا. قَالَ الشَّافِعِي: وَيجوز أَن تحج فِي نسْوَة ثِقَات. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء: وَيجوز أَن تحج مَعَ امْرَأَة وَاحِدَة. وروى الْكَرَابِيسِي عَنهُ: إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا جَازَ فِي غير نسَاء. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي. وَقَالَ مَالك: وتحج فِي جمَاعَة النِّسَاء. وَأَجْمعُوا على أَنه يَصح الْحَج بِكُل نسك من أنساك ثَلَاثَة: التَّمَتُّع، وَالْقرَان، والإفراد، بِكُل مُكَلّف على الْإِطْلَاق. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة اسْتثْنى الْمَكِّيّ فَقَالَ: لَا يَصح فِي حَقه التَّمَتُّع وَالْقرَان وَيكرهُ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 فعلهمَا، فَإِن فعلهمَا لزمَه دم. وَاخْتلفُوا فِي أولاها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْقرَان أفضل ثمَّ التَّمَتُّع ثمَّ الْإِفْرَاد للآفاقي. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: الْأَفْضَل الْإِفْرَاد، ثمَّ التَّمَتُّع، ثمَّ الْقُرْآن. وعنهما قَول آخر: أَن التَّمَتُّع أفضل، ثمَّ الْإِفْرَاد، ثمَّ الْقرَان. وروى الْمروزِي عَنهُ أَنه قَالَ: إِن سَاق الْهَدْي فالقران أفضل، وَإِن لم يسق الْهَدْي فالتمتع أفضل. فعلى روايتيه الْأَفْضَل لمن سَاق الْهَدْي الْقرَان، ثمَّ التَّمَتُّع، ثمَّ الْإِفْرَاد، وَصفَة التَّمَتُّع أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج، فَإِذا فرغ مِنْهَا وَلم يكن مَعَه هدي أَقَامَ بِمَكَّة حَلَالا حَتَّى يحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة يَوْم التَّرويَة من عَامَّة ذَلِك. وَصفَة الْقرَان أَن يجمع فِي إِحْرَامه بَين الْحَج وَالْعمْرَة، أَو يهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 يدْخل عَلَيْهَا الْحَج قبل الطّواف، ثمَّ يقْتَصر على أَفعَال الْحَج وَحده عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يتداخل أَفعَال الْعمرَة عَن الْحَج عِنْده بل تقدم الْعمرَة ثمَّ يتبعهَا أَفعَال الْحَج، وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ عِنْده فِي الْإِحْرَام خَاصَّة والإفراد أَن يحرم بِالْحَجِّ، ثمَّ يفرغ مِنْهُ، ثمَّ يخرج إِلَى أدنى الْحل فَيحرم بِالْعُمْرَةِ. وَاخْتلفُوا فِي فسخ الْعمرَة للقارن وَالْمُنْفَرد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَقَالَ أَحْمد: يجوز بِشَرْطَيْنِ، أَحدهمَا: أَن لَا يكون قد وَقفا بِعَرَفَة. وَالثَّانِي: أَن يكون قد ساقا الْهَدْي مَعَهُمَا مَعًا وَصفَة ذَلِك أَن يَكُونَا قد أحرما بالقران أَو الْإِفْرَاد فيفسخا نيتهما بِالْحَجِّ، ويقطعا أَفعاله ويجعلا أَفعاله للْعُمْرَة وينويانها فَإِذا فرغا من أَعمال الْعمرَة حلا، ثمَّ أحرما لِلْحَجِّ من مَكَّة ليكونا متمتعين. وَاخْتلفُوا هَل الزَّاد وَالرَّاحِلَة من شَرط وجوب الْحَج؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ من شُرُوطه، وَهِي الِاسْتِطَاعَة. وَقَالَ مَالك: ليستا من شُرُوط وُجُوبه، وَإِذا كَانَ قَادِرًا على الْوُصُول إِلَى مَكَّة مَاشِيا أَو رَاكِبًا فَهِيَ الِاسْتِطَاعَة فَأَما الزَّاد فيكتسبه بصنعة إِن كَانَت لَهُ، أَبُو بِالسِّوَاكِ إِن كَانَ مِمَّن لَهُ عَادَة بِهِ. وَاخْتلفُوا فِي المعضوب وَهُوَ ذُو الزمانة الَّذِي لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة إِذا قدر على مَال يحجّ لَهُ عَن نَفسه، هَل يلْزمه الْحَج أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يلْزمه أَن يَسْتَنِيب من يحجّ عَنهُ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن بذله الْحَج هَل يلْزمه كالمستطيع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يلْزمه وَسَوَاء كَانَ المبذول لَهُ صَحِيحا أَو زَمنا أَو مُوسِرًا أَو مُعسرا. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ المبذول لَهُ زَمنا مُعسرا والباذل واجدا للزاد وَالرَّاحِلَة وَقد حج عَن نَفسه وتوثق من الْبَاذِل على مَا بذل لَهُ وَهُوَ مِمَّن يجب عَلَيْهِ الْحَج مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 أَن يكون حرا عَاقِلا بَالغا لزم المبذول لَهُ فرض الْحَج وَعَلِيهِ أَن يَأْمر الْبَاذِل بأَدَاء الْحَج عَنهُ، فَإِن لم يَأْمر بِهِ وَمَات لَقِي اللَّهِ تَعَالَى وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام، فَإِن كَانَ الْبَاذِل أَجْنَبِيّا فَلهم فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا أَن بذل المَال لَهُم فِيهِ وَجْهَان. وَاخْتلفُوا فِيمَن كَانَ الْبَحْر بَينه وَبَين طَرِيق مَكَّة وغالبه السَّلامَة. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: يجب عَلَيْهِ الْحَج. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يجب عَلَيْهِ. وَالْآخر: كالجماعة. وَاخْتلفُوا فِي الْأَعْمَى إِذا وجد قائدا أَو زادا وراحلة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه فِي مَاله. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يلْزمه الْحَج بِنَفسِهِ. وَاخْتلفُوا هَل يسْقط الْحَج بِالْمَوْتِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يسْقط وَلَا يلْزم الْوَرَثَة أَن يحجوا عَنهُ إِلَّا أَن يُوصي بذلك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يسْقط بِالْمَوْتِ وَيلْزمهُ الْحَج عَنهُ من صلب مَاله سَوَاء أوصى بِهِ أم لم يوص. ثمَّ اخْتلفُوا من أَيْن يحجّ عَن الْمَيِّت؟ فَقَالَ أَحْمد: من دويرة أَهله. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُجزئ من الْمِيقَات. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يحجّ عَنهُ إِلَّا أَن يُوصي بذلك كَمَا قدمنَا، فَإِن أوصى بِهِ فَمن أَيْن يحجّ عَنهُ؟ قَالَ مَالك: من حَيْثُ أوصى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من دويرة أَهله. وَاخْتلفُوا فِيمَن لم يحجّ عَن نَفسه هَل يَصح أَن يحجّ عَن غَيره؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح وَيُجزئ عَن الْغَيْر على كَرَاهِيَة مِنْهُمَا لذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح ثمَّ اخْتلفَا، فَقَالَ الشَّافِعِي: يَقع عَن نَفسه. وَقَالَ أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب الشَّافِعِي وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِي حج الصَّبِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح مِنْهُ وَلَا يجب عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح مِنْهُ. قَالَ الْمُؤلف: وَمعنى قَوْلهم يَصح مِنْهُ أَنه يكْتب لَهُ وَكَذَلِكَ أَعمال الْبر كلهَا، وَلَا يكْتب عَلَيْهِ فَهُوَ يكْتب لَهُ وَلَا يكْتب عَلَيْهِ، وَمعنى قَول أبي حنيفَة: لَا يَصح مِنْهُ على مَا ذكر بعض أَصْحَابه أَنه لَا يَصح صِحَة يتَعَلَّق بهَا وجوب الكفارت عَلَيْهِ إِذا فعل مَحْظُورَات الْإِحْرَام، زِيَادَة فِي الرِّفْق عَلَيْهِ لَا أنهه يُخرجهُ من ثَوَاب الْحَج. وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّبِي إِذا بلغ لم يقْض حجه ذَلِك عَنهُ وَوَجَب عَلَيْهِ الْحَج بِشُرُوطِهِ. وَاخْتلفُوا هَل يجب الْحَج على الْفَوْر أم على التَّرَاخِي؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنْهُمَا: هُوَ على الْفَوْر. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ على التَّرَاخِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه على الْفَوْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَاخْتلفُوا فِي أشهر الْحَج. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: شَوَّال، وَذُو الْقعدَة، وَعشر من ذِي الْحجَّة. وَقَالَ مَالك: شَوَّال، وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة بِكَمَالِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: شَوَّال، وَذُو الْقعدَة، وَسَبْعَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة وَلَيْلَة النَّحْر. وَفَائِدَة الْخلاف بَينهم فِي ذَلِك تعلق الدَّم بِتَأْخِير طواف الْإِفَاضَة عَن أشهر الْحَج. قَالَ الْمُؤلف: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي لقَوْله عز وَجل: {الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ} الْآيَة. وَأشهر نكرَة فَلَا ينْصَرف إِلَّا إِلَى أشهر من شهور السّنة. وَاخْتلفُوا فِي صِحَة إِحْرَامه بِهِ فِي غَيرهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح وَلَا يَنْقَلِب عمره. إِلَّا أَن مَالِكًا كرهه مَعَ تجويزه لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا ينْعَقد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فِي غير أشهره فَإِن عِنْده انْقَلب عمره. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد مثله، وَاخْتَارَهُ ابْن حَامِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وَاخْتلفُوا فِي وجوب التَّلْبِيَة. فأوجبها أَبُو حنيفَة وَمَالك. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: هِيَ وَاجِبَة فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام، فَإِن لم يلب وقلد الْهَدْي وَسَاقه وَنوى الْإِحْرَام صَار محرما. وَقَالَ مَالك: هِيَ وَاجِبَة وَيجب بِتَرْكِهَا دم. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: هِيَ سنة. والتلبية، أَن يَقُول: " لبيْك اللَّهِم لبيْك، لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد لَك وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك ". فَهَذِهِ تَلْبِيَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَنْبَغِي أَن يحل شَيْئا مِنْهَا فَإِن زَاد عَلَيْهَا شَيْئا جَازَ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَاسْتحبَّ عِنْد أبي حنيفَة وَكره عِنْد أَحْمد. وَاتَّفَقُوا على أَن إِظْهَار التَّلْبِيَة مسنون فِي الصحارى. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمْصَار ومساجد الْأَمْصَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: هُوَ غير مسنون فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مسنون فِيهَا. قَالَ اللغويون: هُوَ من قَوْلك: ألب بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَلَزِمَه وَمعنى لبيْك: أَنا عَبدك مُقيم على طَاعَتك وأمرك غير خَارج عَن ذَلِك. وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل الْإِحْرَام من الْمِيقَات أَو من دويرة أَهله؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: من دويرة أَهله. وَقَالَ مَالك وَأحمد: من الْمِيقَات. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين أظهرهمَا: من دويرة أَهله. وَاتَّفَقُوا على أَن فروض الْحَج ثَلَاثَة: الْإِحْرَام بِالْحَجِّ، وَالْوُقُوف بِعَرَفَة، وَطواف الزِّيَارَة وَهُوَ طواف الْإِفَاضَة، وَيُسمى طواف الْفَرْض أَيْضا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: أَنه ركن من أَرْكَان الْحَج وفروضه لَا يَنُوب عَنهُ الدَّم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ وَاجِب يَتُوب عَنهُ الدَّم. وَأَجْمعُوا على أَنه سبع مَرَّات يحْسب الذّهاب سعية وبالرجوع سعية يَبْتَدِئ بالصفا وَيخْتم بالمروة. وَأَجْمعُوا على أَن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة يجوز تَقْدِيمه على طواف الزِّيَارَة بِأَن يفعل عقيب طواف الْقدوم وَيُجزئ فَلَا يحْتَاج إِذا طَاف طواف الزِّيَارَة إِلَى السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة لَا خلاف بَينهم فِيهَا. وَأَجْمعُوا على أَن طواف الْقدوم سنة من سنَن الْحَج وَكَذَلِكَ الرمل فِي السَّعْي والاضطباع واستلام الْحجر الْأسود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 بَاب الْمَوَاقِيت اتَّفقُوا على أَن هَذِه الْمَوَاقِيت هِيَ الَّتِي لَا يجوز أَن يتجاوزها الْإِنْسَان إِلَّا محرما مِمَّن يُرِيد النّسك وَأَنَّهَا مَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلمن مر بهَا من غير أَهلهَا، لأهل الْمَدِينَة ذِي الحليفة، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم، وَلأَهل مصر وَالْمغْرب الْجحْفَة وَلأَهل نجد قرن، وَلأَهل الْمشرق ذَات عرق، ويحاذيها من عدلت بِهِ الطَّرِيق عَنْهَا؟ بَاب الْإِحْرَام والتلبية أَجمعُوا على اسْتِحْبَاب الطّيب لمن يُرِيد الْإِحْرَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يكره للْمحرمِ أَن يتطيب قبل الْإِحْرَام بِمَا يبْقى رِيحه بعده. وَاخْتلفُوا فِي حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هم من كَانَ من الْمِيقَات إِلَى مَكَّة. وَقَالَ مَالك: هم أهل مَكَّة وَذي طرى فَقَط. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هم من كَانَ بَينه وَبَين الْحرم مَسَافَة لَا تقصر الصَّلَاة فِيهَا. وَاخْتلفُوا فِي الْقَارِن هَل يُجزئهُ طواف وَاحِد وسعي وَاحِد لَهما؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُجزئهُ حَتَّى يطوف طوافين وَيسْعَى سعيين وَقد أَجزَأَهُ لَهما. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: تُجزئه لَهما طواف وَاحِد وسعي وَاحِد. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا تُجزئه، بل يجب عَلَيْهِ عمْرَة مُفْردَة، وَالْفرق بَين هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد وَمذهب أبي حنيفَة الْمَذْكُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 إِن أَبَا حنيفَة قَالَ: يُجزئهُ ذَلِك بِإِحْرَام وَاحِد. وَعَن أَحْمد فِي هَذِه الرِّوَايَة: لَا يُجزئهُ حَتَّى يفرد للْعُمْرَة إحراما. وَاخْتلفُوا فِي وَقت الْوُقُوف بِعَرَفَة وَحده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: من وَقت الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر. وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: هُوَ من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر. وَاتَّفَقُوا على أَن عَرَفَات وَمَا قَارب الْجَبَل كُله موقف إِلَّا بطن عَرَفَة فَإِنَّهُ لَا يُجزئ الْوُقُوف فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَن وقف بِعَرَفَة بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة وَدفع من عَرَفَات قبل غرُوب الشَّمْس وَلم يعد إِلَيْهَا قبل غُرُوبهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يُجزئهُ وَقد تمّ حجه إِلَّا أَن عَلَيْهِ دَمًا لِأَنَّهُ قد ترك وَاجِبا عِنْدهمَا وَهُوَ الْمكْث فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى غرُوب الشَّمْس. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهبهما. وَالثَّانِي: يُجزئهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الشَّافِعِي اخْتلف عَنهُ فِي الْمكْث فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى غرُوب الشَّمْس هَل هُوَ من وَاجِبَات الْحَج؟ على قَوْلَيْنِ. وَقَالَ مَالك: إِذا دفع من عَرَفَات قبل غرُوب الشَّمْس لم يجزه حَتَّى يقف جُزْءا من اللَّيْل وشدد فِيهِ جدا حَتَّى قَالَ: وَمن خرج من عَرَفَة قبل مغيب الشَّمْس وَلم يرجع إِلَيْهَا حَتَّى طلع الْفجْر فقد فَاتَ الْحَج. فَإِن رَجَعَ فَوقف قبل الْفجْر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي وَقت طواف الزِّيَارَة الْفَرْض وَحده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَوله من حِين طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر، وَآخره آخر الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فَإِن أَخّرهُ إِلَى الْيَوْم الثَّالِث وَجب عَلَيْهِ الدَّم. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: أول وقته من نصف اللَّيْل لَيْلَة النَّحْر، وأفضله ضحى يَوْم النَّحْر، وَآخره غير موقت، فَإِن أَخّرهُ إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق كره لَهُ ذَلِك وَلم يلْزمه شَيْء. وَقَالَ مَالك: لَا يتَعَلَّق الدَّم بِتَأْخِيرِهِ، وَلَو أَخّرهُ إِلَى آخر ذِي الْحجَّة لِأَنَّهُ جَمِيعه عِنْده من أشهر الْحَج. لكنه قَالَ: لَا بَأْس بِتَأْخِير طواف الْإِفَاضَة إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق وتعجيلها أفضل. فَإِن أَخّرهَا إِلَى الْمحرم فَعَلَيهِ دم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة بعد نصف اللَّيْل الأول من لَيْلَة النَّحْر هَل يعْتد بِهِ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يعْتد بِهِ. وَوقت رمي جَمْرَة الْعقبَة عِنْدهمَا من بعد طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز وَقت رميها عِنْدهمَا من بعد نصف اللَّيْل الأول. وَأَجْمعُوا على أَن الطّواف حول الْكَعْبَة سبع مَرَّات يَبْتَدِئ بِالْحجرِ الْأسود، ثمَّ يخْتم بِهِ فِي كل مرّة. وَاتَّفَقُوا على أَن رَكْعَتي الطّواف مَشْرُوعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: هما واجبتان. وَقَالَ أَحْمد: هِيَ سنة. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي وجوب تعْيين النِّيَّة لهَذَا الطّواف الْفَرْض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب تَعْيِينهَا. وَقَالَ أَحْمد: يجب تعْيين النِّيَّة لَهُ. فَإِن طَاف للقدوم أَو للوداع أَو بنية النَّفْل، وَكَانَ ذَلِك كُله بعد دُخُول وَقت هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الطّواف الْفَرْض لم يَقع عَنهُ. بَاب الْعمرَة اتَّفقُوا على أَن الْعمرَة مَشْرُوعَة بِأَصْل الْإِسْلَام. قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} . ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الْجَدِيد وَأحمد: هِيَ وَاجِبَة. وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: هِيَ سنة. وَأَجْمعُوا على أَن فعلهَا فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة كَالْحَجِّ. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يكره فعلهَا فِي السّنة مرَّتَيْنِ وَأكْثر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز ذَلِك وَلَا يكره. وَقَالَ مَالك: يكره أَن يعْتَمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ. وَأَجْمعُوا على أَن فعلهَا فِي جَمِيع السّنة جَائِز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز فعلهَا فِي جَمِيع السّنة إِلَّا فِي خَمْسَة أَيَّام مِنْهَا يَوْم عَرَفَة، وَيَوْم النَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة. وَمَالك قَالَ: إِن أهل منى خَاصَّة لَا يجوز لَهُم أَن يعتمروا فِي هَذِه الْأَيَّام الْخَمْسَة لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِذا غربت الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق جَازَت لَهُم الْعمرَة لخُرُوج أَيَّام الْحَج. فَأَما غير أهل منى فَلَا بَأْس أَن يعتمروا فِي أَيَّام منى. وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار لَهُم غير ذَلِك. وَقد رُوِيَ عَن احْمَد أَنه قَالَ: يكره فعلهَا أَيَّام التَّشْرِيق على الْإِطْلَاق. وَأَجْمعُوا على أَن أَفعَال الْعمرَة من الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي أَرْكَان لَهَا إِلَّا الْحلق فعنهم فِيهِ اخْتِلَاف وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ اللَّهِ. وَأَجْمعُوا على انه لَا يجوز الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ من الْحرم. وَإِنَّمَا يكون من أدنى الْحل أَو مَا بعده، فَأَما من مَكَّة فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الدّفع من مُزْدَلِفَة بعد نصف اللَّيْل من لَيْلَة النَّحْر. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز حَتَّى يطلع الْفجْر، فَإِن ترك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ بعد طُلُوع الْفجْر فَعَلَيهِ دم. وَاتَّفَقُوا على وجوب رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر خَاصَّة بِسبع حَصَيَات. وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك: هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج لَا يتَحَلَّل إِلَّا بِهِ كَسَائِر الْأَركان. وَاتَّفَقُوا على وجوب رمي الْجمار فِي أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة للجمرات الثَّلَاثَة فِي كل يَوْم جَمْرَة بِسبع حَصَيَات، فَيكون لكل جَمْرَة فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة إِحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاة فَجَمِيع مَا يرْمى فِي أَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَة وَسِتُّونَ حَصَاة مثل حَصى الْحَذف ببيداء بِالْأولَى الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ الْوُسْطَى، ثمَّ الثَّالِثَة وَهِي جَمْرَة الْعقبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَاخْتلفُوا فِي الْخطْبَة يَوْم النَّحْر. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تسن فِيهِ خطْبَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تسن. وَاخْتلفُوا فِي طواف الْوَدَاع وَهُوَ طواف الصَّدْر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ وَاجِب وَتَركه لغير عذر يُوجب دَمًا. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مسنون، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحبّ، وَلَا يجب فِيهِ دم لِأَن الدَّم إِنَّمَا يجب عِنْده فِي ترك الْوَاجِب والمسنون. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ الْمَنْصُور مِنْهُمَا عِنْد أَصْحَابه وُجُوبه وَوُجُوب الدَّم فِي تَركه. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا طَاف للصدر هَذَا الطّواف الْمَذْكُور ثمَّ أَقَامَ لشراء حَاجَة أَو عِيَادَة مَرِيض أَو انْتِظَار رفْقَة أَو غير ذَلِك. هَل يُجزئهُ طَوَافه ذَلِك أم يحْتَاج إِلَى إِعَادَة طواف آخر. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يُعِيد طَوافا آخر وَلَا يُجزئهُ إِلَّا ذَلِك لِأَنَّهُ يجب عِنْده أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُعِيد وَلَو أَقَامَ شهرا. وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس لمن ودع الْبَيْت بِطواف الْوَدَاع أَن يَشْتَرِي بعض حَوَائِجه، وَأَن يبيت مَعَ كريه، وَلَا إِعَادَة وَلَو أعَاد كَانَ أحب إِلَيّ. وَأجْمع موجبوا طواف الْوَدَاع على أَنه إِنَّمَا يجب على أهل الْأَمْصَار، وَلَا يجب على أهل مَكَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَن فرغ من أَفعَال الْحَج وَنوى الْإِقَامَة بِمَكَّة، هَل يجب عَلَيْهِ طواف الْوَدَاع؟ فَقَالُوا: لَا يجب عَلَيْهِ. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا نوى الْإِقَامَة بَعْدَمَا حل لَهُ النَّفر الأول لم يسْقط عَنهُ طواف الْوَدَاع. وَاتَّفَقُوا على أَن طواف الْقدوم لمن قدم مَكَّة سنة. إِلَّا أَن مَالِكًا شدد فِيهِ فَقَالَ: إِن تَركه مرهقا أَي معجلا حَتَّى خرج إِلَى منى أَو كَانَ قد أنشأ الْحَج من مَكَّة أَو أرْدف الْحَج على الْعمرَة فِي الْحرم، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن تَركه فِي غير هَذِه الْحَالَات الْمَذْكُورَة فَعَلَيهِ دم، ويعيده إِذا رَجَعَ، وَقد أوجبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 بعض أَصْحَابه. وَاتَّفَقُوا على أَن طواف الْقدوم سنة على أهل مَكَّة أَيْضا. وعَلى من أهل مِنْهَا من غير أَهلهَا إِلَّا أَنه لَا يطوف وَلَا يسْعَى حَتَّى يرجع إِلَى منى. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يسن لأهل مَكَّة طواف الْقدوم. وَاتَّفَقُوا على أَن من شَرط صِحَة الطّواف بِالْبَيْتِ فِي هَذِه الأطوفة ركنها وواجبها ومسنونها الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ليسَا بِشَرْط فِي صِحَّته، إِلَّا إِنَّه يجب بِتَرْكِهَا دم. وَأَجْمعُوا على أَن استلام الْحجر الْأسود مسنون. ثمَّ اخْتلفُوا فِي استلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ هَل هُوَ مسنون أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مسنون ويستلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمسنون. وَأَجْمعُوا على أَنه يجب البيتوتة بِمُزْدَلِفَة جُزْءا من اللَّيْل فِي الْجُمْلَة. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ سنة مُؤَكدَة. وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَيْسَ بِوَاجِب. ثمَّ اخْتلفُوا فِي حَده، وَقد مضى ذكر خلافهم فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَن ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة جُزْءا من اللَّيْل هَل يجب عَلَيْهِ دم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي تَركه، مَعَ كَونه وَاجِبا عِنْده. وَقَالَ مَالك: يجب فِي تَركه دم، مَعَ كَونه سنة عِنْده. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه وَأحمد: يجب فِي تَركه الدَّم، مَعَ كَونه وَاجِبا عِنْدهمَا. وَأَجْمعُوا على أَن الْمبيت بمنى لياليها مَشْرُوع إِلَّا فِي حق أهل السِّقَايَة والرعاة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فَقَالَ أَحْمد: هُوَ وَاجِب وَيجب بِتَرْكِهِ دم فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ سنة وَلَا دم عَلَيْهِ فِي تَركه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَاخْتَارَهُ عبد الْعَزِيز. وَالثَّالِثَة: هُوَ وَاجِب وَعَلِيهِ بِتَرْكِهِ دِرْهَم وَنصف دِرْهَم. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَقَالَ مَالك: هُوَ من سنَن الْحَج الَّتِي فِي تَركهَا الدَّم. وَأَجْمعُوا على أَن الْوُقُوف بالمشعر الْحَرَام مَشْرُوع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، هُوَ وَاجِب فَإِن أخل بِهِ فَعَلَيهِ دم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ بهَا بعد الْفجْر، وَقبل طُلُوع الشَّمْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنه لَيْسَ بِوَاجِب. وَأَجْمعُوا على أَن الْحلق مَشْرُوع للرِّجَال المحرمين، وَأَنه وَاجِب عَلَيْهِم أَو التَّقْصِير، وَأَن الْحلق أفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ نسك أَو اسْتِبَاحَة لمحظور؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ نسك. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، أَحدهمَا: أَنه نسك. وَالثَّانِي: أَنه اسْتِبَاحَة مَحْظُور. والنسك: الْعِبَادَة. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجب على النِّسَاء حلق. وَأَن الْمَشْرُوع لَهُنَّ التَّقْصِير، وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِنَّ. وَاخْتلفُوا فِي أَي وَقت يقطع الْحَاج التَّلْبِيَة؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يقطعهَا حِين يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه يقطعهَا إِذا زَالَت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة، إِلَّا أَن يكون أحرم بِالْحَجِّ بِعَرَفَة فيلبي حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة. وَاخْتلفُوا مَتى يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا ابْتَدَأَ الطّواف. وَقد قَالَ الْخرقِيّ من أَصْحَاب أَحْمد: وَمن كَانَ مُتَمَتِّعا قطع التَّلْبِيَة إِذا وصل إِلَى الْبَيْت. وَهُوَ مَحْمُول على أَنه إِذا افْتتح الطّواف مَعَ الروية وَلَا يكون خلافًا. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ أحرم بهَا من الْمِيقَات فَإِن دخل الْحرم قطع، وَإِن كَانَ أحرم بهَا أدنى الْحل، فَإِذا رأى الْبَيْت قطع، وَإِن أحرم بهَا من الْجِعِرَّانَة قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُتَمَتّع لَهُ أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة وَقَبله. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ لَهُ تَقْدِيم الْإِحْرَام بِالْحَجِّ على يَوْم التَّرويَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ مَعَه هدي فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يحرم يَوْم التَّرويَة بعد الزَّوَال. فَإِن لم يكن مَعَه هدي أحرم لَيْلَة السَّادِس من ذِي الْحجَّة. وَالْمُسْتَحب للمكي أَن يحرم إِذا توجه إِلَى منى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَقَالَ مَالك وَأحمد: الْأَفْضَل للمتمتع أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة. وَاخْتلفُوا فِي الْمَكِّيّ هَل يَصح لَهُ التَّمَتُّع وَالْقرَان؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يصحان لَهُ وَيكرهُ لَهُ فعلهمَا. فَإِن فعلهمَا لزمَه دم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح للمكي التَّمَتُّع وَالْقرَان وَلَا يكرهان لَهُ وَلَا يلْزمه دم. إِلَّا أَن عبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك قَالَ: على الْقَارِن الْمَكِّيّ دم. بَاب جنايات الْحَج اجْمَعُوا على أَن الْمُفْرد إِذا تمم حجه بشرائطه وَتوفى مَحْظُورَات الْحَج لم يجب عَلَيْهِ دم. وَأَجْمعُوا على أَن الْقَارِن والمتمتع غير الْمَكِّيّ على كل وَاحِد مِنْهُمَا دم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ، إِلَى أَهله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رَجَعَ الْمُتَمَتّع إِلَى الْمِيقَات بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة، هَل يسْقط عَنهُ دم التَّمَتُّع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رَجَعَ إِلَى أَهله سقط عَنهُ الدَّم، وَإِن لم يرجع إِلَى أَهله لم يسْقط. وَقَالَ مَالك: إِن رَجَعَ إِلَى بَلَده أَو تجاوزت مسافته فِي الْبعد سقط عَنهُ الدَّم. وَقَالَ أَحْمد: إِن رَجَعَ الْمُتَمَتّع إِلَى الْمِيقَات بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة يسْقط عَنهُ الدَّم، وَإِن رَجَعَ إِلَى مَوضِع تقصر فِيهِ الصَّلَاة سقط عَنهُ دم الْمُتْعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أحرم بِعُمْرَة فِي شهر رَمَضَان وَطَاف لَهَا فِي شَوَّال وَحج فِي عَامه ذَلِك هَل يكون مُتَمَتِّعا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يكون مُتَمَتِّعا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يكون مُتَمَتِّعا مَا لم يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب الِاغْتِسَال للأركان وَغَيرهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 كالإحرام بِالْحَجِّ، وَالْوُقُوف بِعَرَفَة، وَدخُول الْحرم، وَالطّواف بِهِ، وَصَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد عقد الْإِحْرَام. وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب الرمل والاضطباع فِيمَا سنا لَهُ والأذكار، وَالدُّخُول إِلَى مَكَّة من أَعْلَاهَا، وَرفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ للرجل عقيب الصَّلَوَات وعَلى كل شرف، وَفِي كل هبوط وصعود. وَمَعَ التقاء الرفاق، وبالأسحار، وَقلة الْكَلَام فِي حَال الْإِحْرَام إِلَّا فِيمَا ينفع، وَالتّرْك للمراء والجدال، وشهود خطب الْحَج، والتطوع بِالْهَدْي إِذا لم يجب عَلَيْهِ، والرقي إِلَى الصَّفَا، والهرولة وَالْمَشْي فِي السَّعْي، كل وَاحِد فِي مَوْضِعه الَّذِي سنّ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَدخُول الْبَيْت، وَالشرب من مَاء زَمْزَم، والاستكثار من الْعمرَة النَّافِلَة مهما اسْتَطَاعَ. وَاتَّفَقُوا على أَن من إِحْرَام الرجل فِي وَجهه وَرَأسه. فَلَا يجوز لَهُ تغطيتها بِشَيْء من اللبَاس. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ظلل الْمحرم الْمحمل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز وَلَا فديَة. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز للْمحرمِ تظليل الْمحمل، فَإِن ظلله فَعَلَيهِ الْفِدْيَة. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز تظليل الْمحمل رِوَايَة وَاحِدَة. فَإِن فعل فَفِي الْفِدْيَة رِوَايَتَانِ أصَحهمَا: الْإِيجَاب، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالْأُخْرَى: لَا فديَة عَلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمحرمِ أَن يلبس الْمخيط كُله فَلَا يجوز لَهُ لبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 الْقَمِيص وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا يجوز لَهُ لبس الْعِمَامَة وَلَا القلنسوة وَلَا القباء وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَن لَا يجد النَّعْلَيْنِ، وَلَا يُجَامع فِي الْفرج وَلَا دون الْفرج، وَلَا يقبل وَلَا يلمس بِشَهْوَة، وَأَن لَا ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ لشَهْوَة أَو قبْلَة، أَو إمناء، وَلَا يتَزَوَّج وَلَا يُزَوّج، وَلَا يقتل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه، وَلَا يقتل الصَّيْد على الْإِطْلَاق وَلَا يصيده وَلَا يدل عَلَيْهِ حَلَالا وَلَا محرما وَلَا يُشِير إِلَيْهِ، وَلَا يتطيب وَلَا يتَعَمَّد لشمه، وَلَا يقتل الْقمل، وَلَا يقطع شَيْئا من شعره وَلَا ظفره، وَلَا يُغطي رَأسه وَلَا وَجهه وَعَلِيهِ شَعْرَة قبل حلَّة، وَلَا يلبس ثوبا مصبوغا بورس وَلَا زعفران، وَلَا يغسل رَأسه وَلَا لحيته بالسدر والخطمي، وَلَا يدهن بدهن فِيهِ طيب وَلَا مَا لَا طيب فِيهِ، لَا رَأسه وَلَا لحيته. وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك كَالرّجلِ، وتنفرد عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز لَهَا لبس الْقَمِيص والسراويل والخمار وَالْحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَأَنَّهَا لَا تكشف رَأسهَا بل تكشف وَجههَا. وَقد رخص لَهَا أَن تسدل عَلَيْهِ مَعَ الْحَاجة مَا لَا يَقع على بَشرته. وَأَنَّهَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ إِلَّا بِمِقْدَار مَا تسمع رفيقتها، وَلَا رمل عَلَيْهَا، وَلَا سعي، بل طوافها وسعيها مشي كُله. وَأَنه لَا حلاقة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا التَّقْصِير. فَهَذِهِ مَحْظُورَات الْإِحْرَام الْمجمع عَلَيْهَا فَأَما مَا فِيهَا مِمَّا يجب فِيهِ الْفِدَاء على فَاعله فسنذكر أَقْوَالهم فِيهِ إِن شَاءَ اللَّهِ. فَمِنْهُ: أَنهم أَجمعُوا على أَن الْمحرم لَا يعْقد عقد نِكَاح لنَفسِهِ وَلَا لغيره. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا فعل هَذَا، هَل يَقع صَحِيحا أَو فَاسِدا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح وَيَقَع فَاسِدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فعل مَحْظُورَات الْإِحْرَام عَن طَرِيق الرَّفْض لإحرامه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة للْكُلّ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ مَالك كَفَّارَة وَاحِدَة إِلَّا فِي الصَّيْد فَإِنَّهُ لَا يتداخل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ لكل فعل فعله دم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَأَجْمعُوا على أَن الْمحرم إِذا قَالَ: أَنا أرفض إحرامي، أَو نوى الرَّفْض لإحرامه لم يخرج مِنْهُ بذلك كَمَا لَا يخرج مِنْهُ بالإفساد لَهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الْمَحْظُورَات فِي الْإِحْرَام مثل إِن حلق ثمَّ حلق، أَو لبس ثمَّ لبس، أَو وطئ ثمَّ وطئ. وَلم يكفر عَن الأول حَتَّى أَتَى الثَّانِي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا دَامَ فِي الْمجْلس فكفارة وَاحِدَة. وَإِن كَانَ فِي مجَالِس فكفارات. وَقَالَ مَالك: يتداخل الوطئ وَمَا عداهُ لَا يتداخل. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا يتداخل على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس أَو مجَالِس. وَالْقَوْل الثَّانِي: يتداخل. وَقَالَ أَحْمد فِي أحد روايتيه: مَا لم يكفر عَن الأول فكفارة وَاحِدَة، فَإِن كفر ثمَّ وَاقع فكفارة ثَانِيَة. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى إِن كَانَ السَّبَب وَاحِدًا فكفارة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا مثل إِن لبس بِالْغَدَاةِ للبرد، وَوقت الظّهْر للْحرّ لَزِمته كفارتان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلق ثَلَاث شَعرَات أَو قصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن حلق ربع رَأسه فَصَاعِدا فَعَلَيهِ دم، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَعَلَيهِ صَدَقَة. إِلَّا أَن يحلق مَوضِع المحاجم فَعَلَيهِ دم فِيهَا. وَقَالَ مَالك: إِن حلق مَا يحصل بزواله إمَاطَة الْأَذَى وَجب عَلَيْهِ دم وَلم يعْتَبر عددا إِلَّا أَنه إِن حلق مَوضِع المحاجم من رقبته فَعَلَيهِ دم كمذهب أبي حنيفَة سَوَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب عَلَيْهِ دم فِي حلق ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا، أَو تَقْصِيرهَا. وَاخْتلف عَن احْمَد فَروِيَ عَنهُ كمذهب الشَّافِعِي هَذَا، وَهِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنهُ فِي الْأُخْرَى: أَن الدَّم إِنَّمَا يجب فِي أَربع شَعرَات فَصَاعِدا وَإِن حلق دون الثَّلَاث فمذهب أبي حنيفَة كَمَا تقدم من اعْتِبَار الدَّم فِي الرّبع وَمَا دونه صَدَقَة. وَأما مَالك فَيعْتَبر حُصُول الترفه وَإِزَالَة الشعث فَيُوجب الدَّم بِهِ. وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: ثلث الدَّم، وَالثَّانِي: مد، وَالثَّالِث: دِرْهَم. وَقَالَ أَحْمد: فِي كل شَعْرَة قَبْضَة من طَعَام، وَفِي شعرتين مدان. وَرُوِيَ عَنهُ، فِي كل شَعْرَة مد من طَعَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك حَصَاة من حصي الْجمار؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ نصف صَاع. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ دم. وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ مد أَو صَدَقَة أَو ثلث دم. وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة: عَلَيْهِ مد، وَفِي أُخْرَى: قَبْضَة من طَعَام، وَفِي أُخْرَى: لَا شَيْء عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك الْمبيت بمنى لياليها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: قد أَسَاءَ وَعَلِيهِ دم. وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال، أظهرها عِنْد أَصْحَابه: أَنه يجب بترك الْمبيت ليَالِي منى دم. وَعَن أَحْمد رِوَايَات، إِحْدَاهَا: عَلَيْهِ دم مَعَ الْإِسَاءَة، وَالْأُخْرَى: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى: عَلَيْهِ لكل يَوْم صَدَقَة قدرهَا دم أَو نصف دِرْهَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَاتَّفَقُوا على أَن قتل المرحم الصَّيْد عَامِدًا أَو خطأ سَوَاء فِي وجوب الْجَزَاء. وَاتَّفَقُوا على أَن صيد الْمحرم مَضْمُون. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا قتل صيدا لَهُ مثل، فدَاه بِمثلِهِ من النعم. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يضمنهُ بِقِيمَتِه. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أَحرمت الْمَرْأَة بِحجَّة الْفَرْض فَقَالُوا كلهم: لَيْسَ لزَوجهَا تحليلها. وَأَجْمعُوا على أَن الْمحرم إِذا وطئ عَامِدًا فِي الْفرج فَأنْزل أَو لم ينزل قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة أَن حجهما قد فسد ويمضيان فِي فاسده وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاء. وَسَوَاء كَانَ الْحَج تَطَوّعا أَو وَاجِبا، أَو كَانَت مطاوعة أَو مُكْرَهَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب عَلَيْهِ شَاة. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْهَدْي. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: بَدَنَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك سَهوا لَا عَن عمد. فَقَالُوا كلهم: حكم السَّهْو والعمد فِي ذَلِك سَوَاء. إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَن وطئ النَّاسِي لَا يفْسد الْإِحْرَام. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة. وَقبل التَّحَلُّل الأول. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ بَدَنَة وحجه تَامّ. وَاخْتلف عَن مَالك، فَالْمَشْهُور عَنهُ: أَن حجه فَاسد، وَرُوِيَ عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: قد فسد حجه وَعَلِيهِ بَدَنَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ بعد التَّحَلُّل الأول وَقبل الطّواف للإفاضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَأْتِي بِمَا بَقِي من أَفعَال الْحَج وَلَا يحْتَاج إِلَى اسْتِئْنَاف إِحْرَام ثَان وَعَلِيهِ بدنه عِنْد الشَّافِعِي فِي أحد قوليه. . وَفِي القَوْل الآخر: شَاة. وَعند أبي حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه: شَاة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: بدنه. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يمْضِي فِي بَقِيَّة الْحَج الَّذِي أفْسدهُ وَيحرم بعد ذَلِك من التَّنْعِيم وَهُوَ أدنى الْحل من حَيْثُ يحرم المعتمرون ليقضي الطّواف وَالسَّعْي بِإِحْرَام صَحِيح وَعَلِيهِ بَدَنَة. وَرُوِيَ أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ عَن مَالك: أَن حجه فَاسد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا فسد الْحَج لم يتَحَلَّل مِنْهُ بالإفساد، وَمعنى ذَلِك أَنه مَتى أَتَى مَحْظُورَات الْإِحْرَام فَعَلَيهِ فِيهِ مَا على الْمحرم فِي الْحَج الصَّحِيح ويمضي فِي فاسده، وَيلْزمهُ ذَلِك ثمَّ يقْضِي فِيمَا بعد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وطئ فِيمَا دون الْفرج فَلم ينزل وَكَانَ ذَلِك قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة أَن عَلَيْهِ دم وَلَا يفْسد حجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَطئهَا قبل الْوُقُوف أَيْضا فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل أَو قبل أَو لمس فَأنْزل. فَقَالَ مَالك: يفْسد حجه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد حجه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى كمذهبهما. وَاخْتلفُوا فِي مَاذَا يجب عَلَيْهِ إِذا لم يفْسد حجه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد حجه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى كمذهبهما وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قبل أَو لمس فَلم ينزل؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: عَلَيْهِ بَدَنَة. وَالثَّانيَِة: عَلَيْهِ شَاة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: عَلَيْهِ شَاة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر النّظر فَأنْزل أَو أمذى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا شَيْء عَلَيْهِ أنزل أَو لم ينزل. وَقَالَ مَالك: إِن نظر أَو تذكر فأدام النّظر والتذكر حَتَّى أنزل فسد حجه. وَكَذَلِكَ إِن قبل أَو بَاشر فَأنْزل فسد حجه وَإِن وجد لَذَّة من تَحْرِيك دَابَّة فتمادى فِيهِ حَتَّى أنزل فسد حجه، وَإِن أمذى عَلَيْهِ شَاة. وَقَالَ أَحْمد: إِن كرر النّظر فَأنْزل لم يفْسد حجه وَوَجَبَت عَلَيْهِ بَدَنَة، وَإِن كَرَّرَه حَتَّى أمذى فَعَلَيهِ شَاة وحجه صَحِيح وَهِي أظهر الرِّوَايَات. وَاخْتلفُوا فِي وطئ النَّاسِي هَل يفْسد الْإِحْرَام؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: يُفْسِدهُ كالعمد، وَقَالَ فِي الآخر: لَا يفْسد إِلَّا الْعمد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وطئ فِي الْعمرَة أفسدها وَعَلِيهِ الْقَضَاء. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن وطئ فِي الْعمرَة وأفسدها وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء، مَاذَا يجب عَلَيْهِ بعد ذَلِك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: عَلَيْهِ شَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: بَدَنَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ الْقَارِن فأفسد حجه وعمرته أَو الْمُتَمَتّع فأفسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 عمرته هَل يسْقط عَنهُ دم التَّمَتُّع وَالْقرَان بالإفساد أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط عَنهُ ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يسْقط. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنه لَا يسْقط. وَاخْتلفُوا فِي الدِّمَاء الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْرَامِ وبمن يخْتَص تفريقها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الذّبْح كُله يتَعَلَّق بِالْحرم وَلَا يخْتَص تفرقته بأَهْله. وَقَالَ مَالك: مَا كَانَ من فديَة الْأَذَى وفديه لبس الْمخيط فَإِنَّهُ نسك ينحره حَيْثُ شَاءَ مَا عدا ذَلِك فَإِنَّهُ هدي ينحره بِمَكَّة وَيخْتَص بِأَهْل الْحرم. وَقَالَ الشَّافِعِي: الدِّمَاء الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْرَامِ تخْتَص تفرقتها بِالْحرم إِلَّا دم الْإِحْصَار. وَقَالَ أَحْمد: مثله، وَزَاد عَلَيْهِ فِي الِاسْتِثْنَاء دم الْحلق. وَاخْتلفُوا فِي حمام الْحل وَالْحرم إِذا أَصَابَهُ الْمحرم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي ذَلِك قِيمَته فَإِن بلغت مَا يشترى بِهِ الْهَدْي ابتاعه وفرقه، وَإِلَّا ابْتَاعَ بِهِ طَعَاما ففرقه على الْمَسَاكِين. وَقَالَ مَالك: فِي حمامة الْحل حُكُومَة، وَفِي حمامة الْحرم شَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: شَاة فِي كل وَاحِد. وَاتَّفَقُوا على أَن بيض النعام مَضْمُون. ثمَّ اخْتلفُوا بِمَاذَا يضمنهُ؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يضمنهُ بِالْقيمَةِ. وَقَالَ الإِمَام مَالك: يضمنهُ بِعشر قيمَة الْبَدنَة. وَاخْتلفُوا فِي كَفَّارَة الصَّيْد، هَل هِيَ على التَّخْيِير أم على التَّرْتِيب؟ فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد. وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هِيَ على التَّخْيِير. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ التَّرْتِيب، وَصفَة التَّخْيِير فِيمَا لَهُ مثل النظير، أَو قيمَة النظير يشترى بِهِ طَعَاما يُعْطي الْفُقَرَاء أَو يصام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 عَن كل مد يَوْمًا، وَإِن كَانَ الصَّيْد لَا مثل لَهُ فالتخيير بَين شَيْئَيْنِ الْإِطْعَام وَالصِّيَام. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمحرم لَا يجوز لَهُ أَن يَأْكُل مِمَّا صَاده. وَاخْتلفُوا فِيمَا صَاده الْحَلَال لأَجله. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز للْمحرمِ أكله سَوَاء صيد بِعِلْمِهِ أَو بِغَيْر علمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْمحرمِ أكل مَا صيد لَهُ إِذا لم يكن قد دلّ عَلَيْهِ. وَفِي الْأَمر رِوَايَتَانِ عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح الْمحرم صيدا. فَقَالُوا: إِنَّه ميتَة لَا يحل أكله. إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه مُبَاح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح الْحَلَال صيدا فِي الْحرم. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يحل أكله وَهُوَ ميتَة. وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة، فَقَالَ الْكَرْخِي: هُوَ ميتَة كالجماعة، وَقَالَ غَيره: هُوَ مُبَاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك جمَاعَة محرمون فِي قتل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: على كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: على جَمِيعهم جَزَاء وَاحِد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عدى السَّبع على محرم فَقتله الْمحرم فَلَا ضَمَان. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْمحرم السَّبع ابْتِدَاء. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ ضَمَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَدخل الْحَلَال صيدا من الْحل إِلَى الْحرم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب عَلَيْهِ إرْسَاله وتخليته. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يلْزمه إرْسَاله وَله ذبحه وَالتَّصَرُّف فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اضْطر الْمحرم إِلَى ميتَة وصيد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: لَهُ أَن يَأْكُل من الْميتَة مَا يدْفع بِهِ ضَرُورَته. وَلَا يَأْكُل الصَّيْد. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: يذبح الصَّيْد ويأكله وَعَلِيهِ جزاءه وَهِي رِوَايَة ابْن عبد الحكم عَن مَالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَاخْتلفُوا فِي الْأَيَّام المعدودات وَالْأَيَّام المعلومات مَا هِيَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: المعدودات هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة، والمعلومات هِيَ أَيَّام الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة. آخرهَا يَوْم النَّحْر فَهِيَ مُنْفَصِلَة عَن المعدودات. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هما ممتزجان. وَقَالَ مَالك: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الذّبْح وَهِي يَوْم النَّحْر ويومان بعده، وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق فَهِيَ ممتزجة مَعهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَيَّام المعلومات ثَلَاثَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، وَيَوْم النَّحْر، وَيَوْم بعده. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمحرم إِذا أَقُود بعيره جَازَ لَهُ ذَلِك. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز لَهُ ذَلِك. وَأَجْمعُوا على أَن شجر الْحرم مَضْمُون على الْمحل وَالْمحرم. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بمضمون. وَاخْتلفُوا فِيمَا غرسه الأدميون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ من جنس مَا يغرسه النَّاس جَازَ قطعه سَوَاء غرسه غارس أَو لم يغرسه مثل شجر اللوز والجوز وَغَيره. وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يغرسه النَّاس فغرسه. لم يجب بِقطعِهِ جَزَاء. وَإِن أَنْبَتَهُ لَا بكسب آدَمِيّ وَجب الْجَزَاء. كالقصب وَنَحْوه. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب بإتلافه الْجَزَاء فِي الْحَالين. وَقَالَ أَحْمد: مَا غرسه الآدميون من الشّجر يجوز قطعه وَلَا ضَمَان على قاطعه. وَمَا نبت لَا بكسب آدَمِيّ فَلَا يجوز قطعه. وَإِن قطعه ضمنه سَوَاء كَانَ من جنس مَا يغرسه الآدميون أم لم يكن. وَاخْتلفُوا فِيمَا تضمن بِهِ الشَّجَرَة الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن جَمِيع ذَلِك بِالْقيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تضمن الْكَبِيرَة ببقرة. وَالصَّغِيرَة بِشَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز رعي حشيش الْحرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: يجوز وَاخْتلفُوا فِي أَي الْحَرَمَيْنِ أفضل. فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أحد الرِّوَايَتَيْنِ: الْمَدِينَة أفضل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: مَكَّة أفضل. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب الْمُجَاورَة بِمَكَّة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحبّ ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن صيد الْمَدِينَة محرم قَتله واصطياده وَكَذَا شَجَرهَا محرم قطعه. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِمحرم. ثمَّ اخْتلف محرموه هَل فِيهِ الْجَزَاء إِذا صيد، وَفِي شَجَرهَا إِذا قطع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا جَزَاء فِيهِ. وَفِي الْأُخْرَى: الْجَزَاء. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين، وَالْجَزَاء فِي أحد قوليه. وَعند أَحْمد هُوَ سلب العادي يَتَمَلَّكهُ الْآخِذ لَهُ. وَالْقَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ: أَنه يتَصَدَّق بالسلب على فُقَرَاء الْمَدِينَة. وَاتَّفَقُوا فِي صيد وَج وشجره، وَهُوَ مَوضِع بِالطَّائِف، أَنه غير محرم الِاصْطِيَاد وَلَا الْقطع إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: يمْنَع من صيدها وَقتل الصَّيْد بهَا. وَهل يضمن إِن فعل على قَوْلَيْنِ لَهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن للْمحرمِ تحللين، أَولهمَا: رمي جَمْرَة الْعقبَة، وآخرهما: طواف الْإِفَاضَة وَيُسمى طواف الْفَرْض، وَطواف الزِّيَارَة، وَطواف النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ يبحن بعده. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحَلُّل الأول يحصل بشيئين من ثَلَاثَة هِيَ: الرَّمْي:، وَالْحلق، وَالطّواف، فَهُوَ يحصل بِالرَّمْي وَالْحلق، أَو بِالرَّمْي وَالطّواف، أَو بِالطّوافِ وَالْحلق. والتحلل الثَّانِي يحصل بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا. فَالْأول: يَقع بِاثْنَيْنِ مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَالثَّانِي: يَقع بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا يُبِيح التَّحَلُّل الأول؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّحَلُّل الأول يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطئ فِي الْفرج. . وَقَالَ مَالك: التَّحَلُّل الأول يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا النِّسَاء وَقتل الصَّيْد، وَيكرهُ لَهُ الطّيب. إِلَّا أَنه إِن تطيب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بِخِلَاف النِّسَاء وَالصَّيْد، فَإِنَّهُمَا يوجبان عَلَيْهِ مَا تقدم وَصفا لَهُ من مذْهبه. وَقَالَ الشَّافِعِي: التَّحَلُّل الأول يُبِيح الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطئ فِي الْفرج قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يبيحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَعنهُ فِي دَاعِي الوطئ وَعقد النِّكَاح وَقتل الصَّيْد وَالطّيب قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: التَّحَلُّل الأول يُبِيح الْمَحْظُورَات جَمِيعهَا إِلَّا الوطئ وَعقد النِّكَاح ودواعي الوطئ كالقبلة واللمس بِشَهْوَة. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحَلُّل الثَّانِي يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات للْإِحْرَام وَيُعِيد الْمحرم حَلَالا. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب زِيَارَة قبر الْمُصْطَفى وصاحبيه أبي بكر وَعمر المدفونين مَعَه، وندبوا إِلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِحْصَار بالعدو يُبِيح التَّحَلُّل. وَاخْتلفُوا فِيمَن قدر على أحد هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْوُقُوف أَو الطّواف ثمَّ صد عَن التَّمام هَل يكون محصرا كمن لم يقدر على وَاحِد مِنْهُمَا أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: مَتى وقف بِعَرَفَة وَرمى جَمْرَة الْعقبَة وتحلل التَّحَلُّل الأول، ثمَّ صد عَن الْبَيْت فَإِنَّهُ لَا يكون محصرا وَلَا سَبِيل إِلَى تحلله وَيبقى محرما أبدا حَتَّى يطوف للزيارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فَإِن سَافر إِلَى بَلَده فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعود بإحرامه الأول وَيَطوف وَيسْعَى وَعَلِيهِ دم لتَركه الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ إِن لم يكن وقف بهَا. وَعَلِيهِ دم لرمي الْجمار إِن لم يكن رَمَاهَا وَكَذَلِكَ لتأخير الْحلق، وَعَلِيهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة عَن أَيَّام النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَعند مَالك يجب عَلَيْهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة إِلَى آخِره إِلَى الْمحرم كَمَا تقدم من مذْهبه. وَإِن جَامع قبل أَن يطوف للزيارة بعد التَّحَلُّل الأول فِي هَذِه الصُّورَة فَعَلَيهِ بَدَنَة عِنْدهم. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة أُخْرَى، عَلَيْهِ شَاة فَإِن تكَرر الوطئ مِنْهُ، نظر فَإِن كَانَ نِيَّته ترك الْإِحْرَام ورفضه فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ دم وَاحِد. وَإِن لم يكن على نِيَّة رفض الْإِحْرَام، نظر، فَإِن كَانَ الوطئ المتكرر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 مجْلِس وَاحِد فليزمه دم وَاحِد. وَإِن كَانَ فِي مجَالِس مُتَفَرِّقَة فَلِكُل مجْلِس دم. فَأَما من أحْصر بِمَكَّة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمحصر. قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ من أَصْحَابه: إِنَّمَا هَذَا فِي حق من قدر على طواف الزِّيَارَة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِنَّهُ مَتى قدر على أحد هذَيْن الرُّكْنَيْنِ فَلَا يكون محصرا. فَأَما إِذا لم يقدر على الطّواف وَلَا على الْوُقُوف بِعَرَفَة فَهُوَ محصر. وَقَالَ مَالك: من حصر الْعَدو تحلل بِعَمَل عمْرَة، إِلَّا أَن يكون مكيا فَيخرج إِلَى الْحل، ثمَّ يتَحَلَّل بِعُمْرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد وَأحمد: إِن الْإِحْصَار بِمَكَّة والإحضار قبل الوقفة بِعَرَفَة وَبعد الْوُقُوف بهَا كُله سَوَاء فِي إِثْبَات حكم الْإِحْصَار، وَأَن الْمحصر فِي حَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 من هَذِه الْأَحْوَال كمن لم يقدر عَلَيْهَا كلهَا. قَالَ الْمُؤلف: وَالصَّحِيح عِنْدِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي قَوْله الْجَدِيد وَأحمد وَأَن قَوْله سُبْحَانَهُ: {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى} . مَحْمُول على الْعُمُوم فِي حق كل من أحْصر سَوَاء كَانَ قبل الْوُقُوف أَو بعده بِمَكَّة أَو بغَيْرهَا، وَسَوَاء كَانَ طَاف بِالْبَيْتِ أَو لم يطف، وَإِن لم يتَحَلَّل كَمَا قَالَ اللَّهِ عز وَجل وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أطلق فِي ذَلِك فِي قَوْله وَلم يخصصه وعَلى ذَلِك فِيمَا جرى للْحَاج فِي سنة سبع وَخمسين فَإِنَّهُ ذَلِك. فَإِن الَّذين صدوا عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَخَافَ كل وَاحِد مِنْهُم الْهَلَاك واتصل لَيْسَ على أحدهم إِلَّا مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي. وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب الْهدى على الْمحصر بعدو. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يتَحَلَّل إِلَّا بِهَدي. وَقَالَ مَالك: لَا يجب عَلَيْهِ ويتحلل بِغَيْر هدي. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترط الْمحرم التَّحَلُّل. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ شَرطه ويستفيد بِهِ التَّحَلُّل إِذا وجد الشَّرْط سَوَاء كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الْمحصر بِمَرَض أَو عَدو أَو غَيره فيستفيد بِالشّرطِ عِنْد الْمَرَض وَالْخَطَأ التَّحَلُّل وَإِسْقَاط الْهَدْي وَعند الْعَدو إِسْقَاط الدَّم. وَقَالَ مَالك: وجود الشَّرْط كَعَدَمِهِ وَلَا يَسْتَفِيد شَيْئا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الشَّرْط يُفِيد سُقُوط الدَّم، وَلَا يُفِيد التَّحَلُّل، لِأَن التَّحَلُّل يُسْتَفَاد بِالْإِطْلَاقِ. وَاخْتلفُوا فِي الْمحصر بِالْمرضِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمحصر بِالْمرضِ، كالمحصر بالعدو عِنْده سَوَاء. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا مرض الْمحرم لم يجز لَهُ أَن يتَحَلَّل وَيُقِيم على إِحْرَامه حَتَّى يصل إِلَى الْبَيْت، فَإِن فَاتَهُ الْحَج فعل مَا يفعل المفوت من عمل الْعمرَة وَالْهَدْي وَالْقَضَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَن عدم دم الْإِحْصَار هَل يقوم الصَّوْم مقَامه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُجزئ عَنهُ الصّيام. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا بدل للهدى، وَقَالَ فِي الآخر وَأحمد: يُجزئ عَنهُ الصَّوْم. وَللشَّافِعِيّ فِي صفة الصَّوْم المجزئ عَنهُ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: صَوْم التَّمَتُّع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَالثَّانِي: صَوْم الْحلق. وَالثَّالِث: صَوْم التَّعْدِيل عَن كل مد يَوْمًا. وَقَالَ أَحْمد: مِقْدَاره عشرَة أَيَّام وَلَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل حَتَّى يَأْتِي بِالْبَدَلِ الَّذِي هُوَ الصَّوْم كَمَا لَا يحل حَتَّى يَأْتِي بالمبدل الَّذِي هُوَ الدَّم عِنْد أَحْمد. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا كَهَذا وَالْآخر: لَهُ أَن يتَحَلَّل قبل الْإِتْيَان بِالْبَدَلِ. وَاخْتلفُوا أَيْن ينْحَر الْمحصر الْهَدْي. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: ينحره مَوضِع تحلله من حل أَو حرم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يذبح هدي الْإِحْصَار إِلَّا فِي الْحرم. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن ينْحَر ويتحلل قبل يَوْم النَّحْر أَو يؤخرهما إِلَى يَوْم النَّحْر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يجوز لَهُ أَن ينْحَر ويتحلل وَقت حصره وَلَا ينْتَظر يَوْم النَّحْر. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز ذَلِك إِلَّا يَوْم النَّحْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مثله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أحْصر فِي حجَّة التَّطَوُّع فَحل مِنْهَا بِالْهَدْي فَهَل يلْزمه الْقَضَاء أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْقَضَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أحْصر فِي حجَّة الْفَرْض، وَحل مِنْهَا بِالْهَدْي أَنه يلْزمه الْقَضَاء. إِلَّا مَا رَوَاهُ عبد الْملك بن الْمَاجشون، عَن مَالك أَنه مَتى حصر عَن حجَّة الْفَرْض بعد الْإِحْرَام سقط عَنهُ الْفَرْض. قَالَ الْمُؤلف: وَأَنا اسْتحْسنَ هَذَا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجب مَعَ الْقَضَاء عَلَيْهِ لِلْحَجِّ عمْرَة؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه مَعَ الْحَج عمْرَة. إِلَّا أَن مَالِكًا أوجب عَلَيْهِ الْهَدْي مَعَ الْقَضَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه مَعَه عمْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَاخْتلفُوا فِي إِشْعَار الْهَدْي من الْإِبِل وَالْبَقر هَل هُوَ سنة أم لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: هُوَ مسنون. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمسنون بل مَكْرُوه. وَصفَة الْإِشْعَار أَن يشق صفحة سنامها الْأَيْمن عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات. وَرُوِيَ عَن أَحْمد صفحة سنامها الْأَيْسَر حَتَّى يظْهر الدَّم. وَرُوِيَ عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى: هُوَ مُخَيّر فِي أَي الصفحتين شَاءَ، وَلَيْسَت إِحْدَاهمَا بِأولى من الْأُخْرَى. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي الْأَيْسَر والأيمن كالمذهبين فِي الْإِبِل فَأَما الْبَقر. فَقَالَ: إِن كَانَ لَهَا أسنمة أشعرت، وَإِن لم يكن لَهَا أسنمة لم تشعر لِأَنَّهُ تَعْذِيب لَهَا. وَاخْتلفُوا فِي تَقْلِيد الْغنم وإشعارها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ بمسنون تقليدها وَلَا إشعارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَقَالَ الشَّافِعِي: تقلد الْغنم وَلَا تشعر. وَقَالَ أَحْمد: هما مسنونان فِيهَا. وَاخْتلفُوا هَل من شَرط الْهَدْي أَن يُوقف بِعَرَفَة أَو يجمع فِيهِ بَين الْحل وَالْحرم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ من شَرط الْهَدْي أَن يُوقف بِعَرَفَة وَلَا يجمع فِيهِ بَين الْحل وَالْحرم. وَإِذا اشْتَرَاهُ فِي الْحرم وَلم يعرف بِهِ أَجزَأَهُ. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ محرما بِالْحَجِّ فَإِنَّهَا تساق من الْحل إِلَى الْحرم وَتوقف بِعَرَفَات فَإِن لم يقفها بِعَرَفَة إِلَّا أَنه جمع لَهَا بَين الْحل وَالْحرم أَجزَأَهُ، فأعتبر الْجمع بَينهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه فِي أَي مَوضِع نحر فِيهِ من الْحرم أَجزَأَهُ. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا ينْحَر فِي الْحَج إِلَّا بمنى وَلَا فِي الْعمرَة إِلَّا بِمَكَّة. وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاك سَبْعَة فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانُوا متفقين صَحَّ الِاشْتِرَاك، وَإِن كَانَ بَعضهم يُرِيد الْقرْبَة وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، لم يَصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَقَالَ مَالك: إِن كَانُوا متطوعين صَحَّ الِاشْتِرَاك بِشَرْط أَن يكون الْمَالِك لَهَا وَاحِدًا فيشركهم فِي أجرهَا، وَإِن كَانَ عَلَيْهِم هدي وَاجِب، لم يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز اشْتِرَاك السَّبْعَة فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة سَوَاء كَانَ هديهم تَطَوّعا أَو وَاجِبا وَسَوَاء اتّفقت جِهَات قربهم، أَو اخْتلفت، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بَعضهم مُتَطَوعا، وَبَعْضهمْ عَن وَاجِب، أَو كَانَ بَعضهم يُرِيد اللَّحْم وَبَعْضهمْ متقربا. وَاخْتلفُوا فِيمَا يجوز للمهدي أكله من الْهَدْي وَمَا لَا يجوز. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَأْكُل من شَيْء من الْهَدْي إِلَّا من هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان والتطوع إِذا بلغ مَحَله. وَقَالَ مَالك: يَأْكُل من الْهَدْي كُله إِلَّا من جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى وَنذر الْمَسَاكِين، وهدي التَّطَوُّع إِذا عطب قبل أَن يبلغ مَحَله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَأْكُل إِلَّا من التَّطَوُّع. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كمذهب أبي حنيفَة، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يَأْكُل من النّذر، وَلَا من جَزَاء الصَّيْد وَيَأْكُل مَا سوى ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَاخْتلفُوا فِيمَن أوجب بَدَنَة هَل يجوز لَهُ بيعهَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: قد زَالَ ملكه عَنْهَا، فَلَا يجوز لَهُ بيعهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: إِذا أوجب بَدَنَة جَازَ لَهُ بيعهَا، وَعَلِيهِ بَدَنَة مَكَانهَا، فَإِن لم يجب مَكَانهَا حَتَّى زَادَت فِي بدنهَا أَو شعرهَا أَو ولدت كَانَ عَلَيْهِ مثلهَا زَائِدَة وَمثل وَلَدهَا وَلَو أوجب مَكَانهَا قبل الزِّيَادَة، وَالْولد لم يكن عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَة شَيْء. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يَبِيعهَا إِلَّا لمن أَرَادَ أَن يُضحي. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر هَديا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد من قوليه وَأحمد: يلْزمه شَاة. فَإِن أخرج جزوراً أَو بقرة كَانَ أفضل وَلَا يُجزئ فِيهِ إِلَّا مَا يُجزئ فِي الْأُضْحِية. وَاخْتلفُوا فِيمَن حج حجَّة الْإِسْلَام، ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَلَا يعْتد لَهُ بالماضية. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تجب عَلَيْهِ حجَّة أُخْرَى. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 كتاب الْأُضْحِية اتَّفقُوا على أَن الْأُضْحِية مَشْرُوعَة بِأَصْل الشَّرْع. ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاجِبَة على كل حر مُسلم مُقيم مَالك لنصاب من أَي الْأَمْوَال كَانَ. وَقَالَ مَالك: هِيَ مسنونة غير مَفْرُوضَة. وَهِي على كل من قدر عَلَيْهَا من الْمُسلمين من أهل الْأَمْصَار والقرى والمسافرين إِلَّا الْحَاج الَّذِي بمنى فَإِنَّهُم لَا أضْحِية عَلَيْهِم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مُسْتَحبَّة. إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ: وَلَا يسْتَحبّ تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تلْزمهُ أضْحِية عَن وَلَده الصَّغِير، وَإِن كَانَ مُوسِرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يلْزمه عَن كل وَاحِد مِنْهُم شَاة. وَاتفقَ الموجبان لَهَا، وهما أَبُو حنيفَة وَمَالك، على أَن من لم يجد الْأُضْحِية وَلَا قدر على قيمتهَا لم تجب عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي الْوَقْت الَّذِي تُجزئ فِيهِ الْأُضْحِية. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَوْم النَّحْر ويومان بعده. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَثَلَاثَة أَيَّام بعده إِلَى آخر انْقِضَاء التَّكْبِير من الْيَوْم الرَّابِع. وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ الْأُضْحِية ببهيمة الْأَنْعَام كلهَا. وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَاتَّفَقُوا أَيْضا على أَنه لَا يُجزئ من الضَّأْن إِلَّا الْجذع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سِتَّة أشهر وَقد دخل فِي السَّابِع كَمَا ذكرنَا فِي كتاب الزَّكَاة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُجزئ مِمَّا سوى الضَّأْن إِلَّا الثني على الْإِطْلَاق من الماعز وَالْبَقر. والثنى من الماعز هُوَ الَّذِي لَهُ سنة كَامِلَة وَدخل فِي الثَّانِيَة. والثنى من الْبَقر إِذا أكملت لَهُ سنتَانِ وَدخل فِي الثَّالِثَة. والثنى من الْإِبِل إِذا كمل لَهُ خمس سِنِين وَدخل فِي السَّادِسَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه من ذبح الْأُضْحِية من هَذِه الْأَجْنَاس بِهَذِهِ الْأَسْنَان فَمَا زَادَت أَن أضحيته مجزئه صَحِيحه. وَأَن من ذبح مِنْهَا مَا دون هَذِه الْأَسْنَان من كل جنس مِنْهَا لم تجزه أضحيته. وَاخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل مِنْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: أفضلهَا الْإِبِل ثمَّ الْبَقر ثمَّ الْغنم، والضأن أفضل من الماعز. وَقَالَ مَالك: الْأَفْضَل الْغنم، ثمَّ الْإِبِل، ثمَّ الْبَقر. وروى عَنهُ ابْن شعْبَان: الْغنم، ثمَّ الْبَقر، ثمَّ الْإِبِل. وَأَيْضًا من الْغنم أفضل من الماعز، وفحول كل جنس أفضل من إناثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره لمن أَرَادَ الْأُضْحِية أَن يَأْخُذ من شَعْرَة وظفرة فِي الْعشْر إِلَى أَن يُضحي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكره. وَاخْتلفُوا فِي أول وَقت الْأُضْحِية. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز لأهل الْأَمْصَار الذّبْح حَتَّى يُصَلِّي الإِمَام الْعِيد، فَأَما أهل الْقرى فَيجوز لَهُم بعد طُلُوع الْفجْر. وَقَالَ مَالك: وقته بعد الصَّلَاة وَالْخطْبَة، وَذبح الإِمَام. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَقت الذّبْح إِذا مضى من الْوَقْت مِقْدَار مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وخطبتين بعدهمَا، وَقَالَ: يجوز ذَلِك بعد صَلَاة الإِمَام وَإِن لم يكن الإِمَام ذبح وَلم يفرق بَين أهل الْقرى والأمصار بل قَالَ: إِن الْقرى يتوخى أَهلهَا مِقْدَار صَلَاة الإِمَام وخطبتيه، أَن يُصَلِّي عِنْدهم صَلَاة الْعِيد، وَإِن كَانَت تصلى فبعدها. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز ذبح الْأُضْحِية لَيْلًا فِي وَقتهَا الْمَشْرُوع لَهَا، كَمَا يجوز فِي نَهَاره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز ذَبحهَا لَيْلًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَة مثله. وَأَبُو حنيفَة يكرههُ مَعَ جَوَازه. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يذبحها كتابي؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز مَعَ الْكَرَاهَة. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز أَن يذبحها إِلَّا مُسلم. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين أشهرهما الْجَوَاز. وَاتَّفَقُوا على أَن ذبح العَبْد من الْمُسلمين فِي الْجَوَاز كَالْحرِّ وَامْرَأَة من الْمُسلمين، والمراهق فِي ذَلِك كَالرّجلِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُجزئ فِيهَا ذبح معيب ينقص عَيبه لَحْمه كالعمياء والعوراء والعرجاء الْبَين عرجها والمريضة الَّتِي لَا يُرْجَى برؤها، والعجفاء الَّتِي لَا تنقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَاخْتلفُوا فِي العضباء وَجَوَاز الْأُضْحِية بهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: المقطوعة كل الْأذن والذنب لَا تُجزئ فَإِن كَانَ الذَّاهِب مِنْهَا الْأَقَل وَالْبَاقِي الْأَكْثَر جَازَ وَإِن كَانَ الذَّاهِب الْأَكْثَر لم تجز. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز على الْإِطْلَاق. وَمذهب مَالك كمذهب أبي حنيفَة إِلَّا أَنه اسْتثْنى فِي الْمَكْسُورَة الْقرن. فَقَالَ: إِن كَانَت تدمى فَلَا تُجزئ. وَقَالَ أَحْمد: أما العضباء الَّتِي ذهب أَكثر قرنها فَلَا تُجزئ رِوَايَة وَاحِدَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فِيمَا زَاد على الثُّلُث، أَحدهمَا: إِن كَانَ دون النّصْف جَازَ، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالثَّانيَِة: إِن كَانَ ثلث الْقرن فَصَاعِدا لم يجز. وَإِن كَانَ أقل جَازَ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى أضْحِية وأوجبها ثمَّ أتلفهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي: يلْزمه أَكثر الْأَمريْنِ من قيمتهَا وَقت التّلف أَو قيمَة مثلهَا وَقت الذّبْح فيشتري بِهِ مثلهَا وَإِن زَاد على مثلهَا شَارك فِي الْأُخْرَى. وَقَالَ أَحْمد: يجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم التّلف وَلَا يجب عَلَيْهِ أَكثر من ذَلِك، فَإِن كَانَت قيمتهَا تفي بأضحية صرفه فِيهَا، وَإِن لم تف بأضحية تصدق بهَا. وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب الْأُضْحِية بِأَيّ شَيْء يَقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا نوى شراها للأضحية فَهُوَ إِيجَابهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يُوجِبهَا إِلَّا القَوْل. وَاتَّفَقُوا على أَن مَا فضل عَن حَاجَة الْوَلَد من لبن الْأُضْحِية وَالْهَدْي يجوز شربه. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن الِاشْتِرَاك فِي الْأُضْحِية على سَبِيل الإفادة من الْبَعْض للْبَعْض جَائِز. ثمَّ اخْتلفُوا بالاشتراك فِيهَا بالأثمان والأعراض فَأَجَازَهُ الْكل. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع شَيْء من الْأَضَاحِي بعد ذَبحهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جلودها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِآلَة الْبَيْت كالغربال والمنخل فَإِن بَاعهَا بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو فلوس كره ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَجَاز إِلَّا أَن يَبِيعهَا بذلك وَيتَصَدَّق بِهِ فَلَا يكره ذَلِك عِنْد مُحَمَّد بن الْحسن خَاصَّة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة على الْأَضَاحِي وَالتَّكْبِير عَلَيْهَا، فَإِن تَركهَا، أَعنِي التَّسْمِيَة، نَاسِيا، أَجْزَأته فَإِن تعمد تَركهَا فَقَالَ مَالك: لَا يجوز أكلهَا. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه إِن ترك التَّسْمِيَة سَاهِيا لم يجز أكلهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُعْطي ذابحها بأجرته شَيْئا مِنْهَا لَا من الْجلد وَلَا من اللَّحْم. وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ الْبَدنَة عَن سَبْعَة. وَكَذَلِكَ الْبَقَرَة وَالشَّاة خَاصَّة عَن وَاحِد. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: الْبَدنَة وَالْبَقَرَة كالشاة لَا تُجزئ إِلَّا عَن وَاحِد، إِلَّا أَن يكون رب الْبَيْت يُشْرك فِيهَا أهل بَيته فِي الْأجر فَإِنَّهُ يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه يسْتَحبّ للمضحي أَن يَلِي الذّبْح بِيَدِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح أضْحِية غَيره بِغَيْر إِذْنه ونواه بهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: قد أَجْزَأت عَن صَاحبهَا وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت وَاجِبَة جزت عَن صَاحبهَا. وَاخْتلف أَصْحَابه هَل يعزم الذَّابِح النُّقْصَان بِالذبْحِ أم لَا؟ ، وَإِن كَانَت غير وَاجِبَة فَهَل يُجزئ عَن صَاحبهَا أم لَا؟ ، وَهل يضمنهَا؟ على رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِي: يُجزئ عَن صَاحبهَا وَيضمن الذَّابِح النُّقْصَان وَيتَصَدَّق بِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن هَذِه الْأُضْحِية المذبوحة لَا تصير بِهَذَا الذّبْح ميتَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خرج وَقت الْأُضْحِية على اخْتلَافهمْ فِيهِ فقد فَاتَ وَقتهَا وَإنَّهُ إِن تطوع بهَا مُتَطَوّع لم يَصح إِلَّا أَن تكون منذورة فَيجب عَلَيْهِ ذَلِك وَإِن خرج وَقتهَا. وَاخْتلفُوا فِي قدر مَا يَأْكُل مِنْهَا وَيتَصَدَّق وتهدى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا وَيطْعم الْأَغْنِيَاء والفقراء ويدخر وَيسْتَحب لَهُ أَن لَا ينقص الصَّدَقَة من الثُّلُث. وَقَالَ مَالك: يَأْكُل مِنْهَا وَيطْعم غَنِيا وَفَقِيرًا، حرا وعبدا، نيئا ومطبوخا، وَيكرهُ أَن يطعم مِنْهَا يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا، وَلَيْسَ لما يَأْكُلهُ، وَلَا لما يطعمهُ حد. وَالِاخْتِيَار أَن يَأْكُل الْأَقَل وَيقسم الْأَكْثَر، وَلَو يَأْكُل الثُّلُث وَيقسم الْبَاقِي كَانَ حسنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: الْمُسْتَحبّ أَن يَأْكُل الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ وَيهْدِي الثُّلُث. وَقَالَ فِي الآخر: يَأْكُل النّصْف وَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ. وَقَالَ أَحْمد: الْمُسْتَحبّ أَن يَأْكُل ثلثهَا وَيتَصَدَّق بثلثها وَيهْدِي ثلثهَا. وَلَو أكل أَكثر جَازَ. بَاب الْعَقِيقَة أَجمعُوا على أَن الْعَقِيقَة مَشْرُوعَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ غير مَشْرُوعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ غير وَاجِبَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: وَاجِبَة، واختارها عبد الْعَزِيز فِي التَّنْبِيه، وَأَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِي، وَالْأُخْرَى: مسنونة وَهِي الْمَشْهُورَة عِنْد أَصْحَابه. والعقيقة فِي اللُّغَة: أَن يحلق عَن الْغُلَام أَو الْجَارِيَة شعرهما الَّذِي ولدا فِيهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَيُقَال لذَلِك: عقيقة. وَإِنَّمَا سميت الشَّاة عقيقة لِأَنَّهَا تذبح فِي الْيَوْم السَّابِع وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي يعق فِيهِ شعر الْغُلَام الَّذِي ولد فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ أَي يحلق. وَقَالَ الْفُقَهَاء: هِيَ شرعا عبارَة عَن الذّبْح عَن الْمَوْلُود. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يذبح. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَالْجَارِيَة شَاة. وَقَالَ مَالك: شَاة عَن الذّكر وشَاة عَن الْأُنْثَى من غير تَمْيِيز بَينهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن الذّبْح يكون يَوْم السَّابِع من الْولادَة وسبيلها فِي الْجِنْس وَالسّن واتقاء الْعَيْب، وَوقت الذّبْح، وَالْأكل، سَبِيل الْأُضْحِية على مَا بَينا من اتِّفَاقهم وَاخْتِلَافهمْ. إِلَّا أَن الشَّافِعِي وَأحمد اتفقَا على أَنه لَا يسْتَحبّ كسر عظامها بل تصح جدا. قَالَ الْمُؤلف: وَأرى ذَلِك تفاؤلا بسلامة الْمَوْلُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بمستحب وَلَا تَركه بممنوع مِنْهُ وَلَا بَأْس بِهِ. بَاب الْخِتَان اتَّفقُوا على أَن الْخِتَان فِي حق الرِّجَال، والخفاض فِي حق الْأُنْثَى مَشْرُوع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ سنة فِي حَقّهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِب وجوب فرض، وَلَكِن يَأْثَم تاركوه. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ فرض على الذُّكُور وَالْإِنَاث. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ وَاجِب على الرِّجَال رِوَايَة وَاحِدَة. وَعنهُ فِي النِّسَاء رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا الْوُجُوب. قَالَ الْمُؤلف: هَذِه الْعِبَادَات الْخمس الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الحَدِيث، قد ذكر نل فِيهَا من الْمسَائِل مَا نرجو أَن تكون أصولا لما لم نذكرهُ يستنبط مِنْهَا وَيُقَاس عَلَيْهَا. بِحَيْثُ أَنه إِذا نظر ذُو الْفَهم الْمُوفق فِيهِ عرف بِهِ مَا لم نذكرهُ إِن شَاءَ اللَّهِ. فَأَما مَا يدل عَلَيْهِ بَاطِن الحَدِيث وَيُشِير إِلَيْهِ بِدَلِيل خطابه فَهُوَ أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَقَامَ الصَّلَاة فِيمَا يفهم كل ذِي لب لَا بتصور من العَبْد إِلَّا بِقُوَّة يخلقها اللَّهِ عز وَجل فِي بدنه، وَأَنه سُبْحَانَهُ أجْرى الْعَادة بِأَن تِلْكَ الْقُوَّة لَا تدم إِلَّا بمادة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَأَن الْمَادَّة يكون تَحْصِيلهَا عَن كسب الْآدَمِيّ، وَأَن كسب الْآدَمِيّ يكون فِيمَا أَبَاحَهُ اللَّهِ من السَّعْي فِي وُجُوه الْمُعَامَلَات من البيع وَالتِّجَارَة وَالتَّصَرُّف، وكل ذَلِك لَا يُبَاح للْمُسلمِ أَن يفعل شَيْئا مِنْهُ إِلَّا بِمُوجب الشَّرْع الْمَأْذُون لَهُ فِيهِ، فَتخرج من هَذِه الْحَاجة إِلَى عُلُوم الْمُعَامَلَات، وَمن هَذِه أَيْضا يستنبط أَن الْإِنْسَان لما أَمر بأقام الصَّلَاة وَلم يُفِيد ذَلِك بِإِقَامَة صلَاته كَانَ مُحْتَمل القَوْل نادبا لَهُ إِلَى أَن يكون مُقيم الصَّلَاة فِي الأَرْض كلهَا وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيكون مُقيما للصَّلَاة فِي عمره حَال حَيَاته. ثمَّ إِنَّه يسْعَى فِي ترك ذُرِّيَّة بعده تقيم الصَّلَاة فِي الأَرْض عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التناكح والتناسل، وَأَن النِّكَاح يتشعب علمه إِلَى مَا يحل نِكَاحه وَمَا لَا يحل. وَعشرَة النِّسَاء، وَالْعدة، وَالْحيض، وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك مِمَّا تشْتَمل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 عُلُوم الْأَنْكِحَة، وَلما كَانَ من أَحْوَال الْعِبَادَة فِي هَذِه الدُّنْيَا أَن الصَّلَاة تحْتَاج إِلَى طمأنينة فِيهَا وَظُهُور يَد لإقامتها والمدافعة لمن ينْهَى عَنْهَا من الْمُشْركين كَانَ الْجِهَاد لَازِما فَوَجَبَ ذكر علمه وَلما كَانَ مِمَّا أخبر اللَّهِ أَن الخلطاء يَبْغِي بَعضهم على بعض وَإِن الْجِنَايَات فِي ذَلِك والخصومات تُفْضِي إِلَى تنَازع، وَلَا بُد فِيهَا من قضايا تفصله وحكومات فِي جراح تنشأ عَن هَذِه الحكومات كَانَ حِينَئِذٍ تَوْلِيَة الْقَضَاء وترتيب الشُّهُود، وأروش الْجِنَايَات وَالْقصاص مُتَعَلقا كُله بِالْحَيَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهِ: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} . وَالْعِبَادَة إِنَّمَا تصح بِالْحَيَاةِ، فَكَانَ هَذَا كُله يتمعنى فِي الصَّلَاة وَكَذَلِكَ فِي الصّيام وَالزَّكَاة وَالْحج، وَإِنَّمَا تحصل الْأَمْوَال الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة بالمعاملات فتطيب بِالزَّكَاةِ، وَنحن نشرع إِن شَاءَ اللَّهِ فِي ذكر الْمُعَامَلَات ثمَّ نأتي بباقي الْأَشْيَاء من النِّكَاح والجنايات والقضايا وَغير ذَلِك على تَرْتِيب الْفُقَهَاء، فَنَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 كتاب الْبيُوع اتَّفقُوا على جَوَاز البيع وَتَحْرِيم الرِّبَا. لقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأحل اللَّهِ البيع وَحرم الربوا} . وَالْبيع فِي اللُّغَة: إِعْطَاء شَيْء وَأخذ شَيْء. وَشرعا عبارَة عَن إِيجَاب وَقبُول. وَاتَّفَقُوا على أَنه يَصح البيع من كل بَالغ عَاقل مُخْتَار مُطلق التَّصَرُّف. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح بيع الْمَجْنُون. ثمَّ اخْتلفُوا فِي بيع الصَّبِي. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح بَيْعه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إِن كَانَ مُمَيّزا. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: يَصح وَلَكِن لَا ينفذ إِلَّا بِإِذن سَابق من الْوَلِيّ وَأَجَازَهُ لَا حَقه. وَقَالَ أَحْمد: يَصح مَعَ إِذن الْوَلِيّ وإشرافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْأَشْيَاء الخطيرة والتافهة؟ وَقَالَ مَالك: لَا يشْتَرط ذَلِك فِي الخطيرة وَلَا فِي التافهة، وكل مَا رَآهُ النَّاس بيعا، فَهُوَ بيع. وَقَالَ الشَّافِعِي: ذَلِك وَاجِب فِي الْأَشْيَاء الخطيرة والتافهة. وَقَالَ أَحْمد: يجب فِي الخطيرة دون التافهة فَلَا يجب فِيهَا. وَاخْتلفُوا هَل ينْعَقد البيع بِلَفْظ المعاطاة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا ينْعَقد وَيرد كل مَا أَخذه مِنْهَا أَو بدله إِن تلف. وَقَالَ مَالك: ينْعَقد. وَعَن أبي حنيفَة: ينْعَقد. وَعَن أَحْمد مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَهَذِه فِي الْأَشْيَاء كلهَا على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على بيع الْعين الطاهرة الْقَابِلَة للْبيع صَحِيح. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعين النَّجِسَة فِي نَفسهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا. وَاسْتثنى مَالِكًا جَوَاز بيع مَا فِيهِ الْمَنْفَعَة مِنْهَا. كَالْكَلْبِ الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه شرعا مَعَ الْكَرَاهِيَة، وَمن أَصْحَابه من منع الْجَوَاز على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع الْكَلْب والسرجين وَالنَّجس، وَالزَّيْت النَّجس، وَالسمن النَّجس. وَاتَّفَقُوا على أَن الحزر، لَا يَصح بَيْعه وَلَا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَاتَّفَقُوا على أَن أم الْوَلَد لَا يجوز بيعهَا. وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد. فَمنع صِحَّته وجوازه أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع جَائِز، وَيكرهُ إِحْضَار السّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك. وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة. وَاتَّفَقُوا على صِحَة بيع الْحَاضِرَة الَّتِي يَرَاهَا البَائِع وَالْمُشْتَرِي حَالَة العقد. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْأَعْيَان الغائبة بِالصّفةِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح البيع. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، الْجَدِيد مِنْهُمَا الصِّحَّة. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعين الغائبة عَن الْمُتَعَاقدين الَّتِي لم تُوصَف لَهما. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا سَوَاء كَانَ معينا أم لم يكن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح على الْإِطْلَاق. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح كمذهبهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَالثَّانِي: جَوَاز العقد وَإِثْبَات الْخِيَار للْمُشْتَرِي عِنْد وجود الْمَبِيع. وَاتَّفَقُوا على أَن الْعين إِذا كَانَ رأياها وعرفاها ثمَّ تبايعاها بعد ذَلِك أَن البيع جَائِز فِيمَا لم يغلب تغيره إِلَى وَقت العقد، وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي إِن رَآهَا على الصّفة الَّتِي كَانَ عرفهَا بهَا فَإِن تَغَيَّرت فَلهُ الْخِيَار. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْأَعْمَى وشرائه إِذا وصف الْمَبِيع لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: هُوَ صَحِيح. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا يَصح. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز بيع آلَة الملاهي. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا، وَلَا ضَمَان على متلفها. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيعهَا وَيضمن متلفها. (الوجا) غير مؤلفة تأليفا يلهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح بيعهَا، وَإِن أتلفهَا إتلافا شَرْعِيًّا لَا ضَمَان عَلَيْهِ. بَاب الْخِيَار اتَّفقُوا على أَنه إِذا وَجب البيع وتفرقا من الْمجْلس من غير خِيَار فَلَيْسَ لأَحَدهمَا الرَّد إِلَّا بِعَيْب. وَاتَّفَقُوا على أَن خِيَار الْمجْلس لَا يثبت فِي الْعُقُود الَّتِي هِيَ غير لَازِمَة كالشركة وَالْوكَالَة وَالضَّمان. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يثبت أَيْضا فِي الْعُقُود اللَّازِمَة الَّتِي لَا يقْصد فِيهَا الْعِوَض كَالنِّكَاحِ وَالْخلْع وَالْكِتَابَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة الَّتِي يقْصد مِنْهَا المَال كَالْبيع وَالصُّلْح وَالْحوالَة وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا هَل يثبت فِيهَا خِيَار الْمجْلس؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: خِيَار الْمجْلس بَاطِل وَالْعقد بالْقَوْل كَاف لَازم وَإِذا وَجب البيع بَينهمَا فَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْخِيَار وَإِن كَانَا فِي الْمجْلس. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ صَحِيح ثَابت وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس فَيبقى وَلَو طَال مكثهما أَو تماشيا منَازِل وَإِن زَادَت الْمدَّة عَن ثَلَاثَة أَيَّام. وَاخْتلفُوا هَل يثبت خِيَار الْمجْلس فِي عقد السّلم وَالصرْف أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ بِثَابِت فيهمَا وَلَا فِي غَيرهمَا من الْعُقُود. وَقَالَ الشَّافِعِي: يثبت فيهمَا جَمِيعًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز شَرط الْخِيَار للمتعاقدين مَعًا ولأحدهما بِانْفِرَادِهِ إِذا شَرطه. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مُدَّة الْخِيَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ مَالك: يجوز بِقدر الْحَاجة. وَقَالَ أَحْمد: يجوز أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام. وَاخْتلفُوا فِي الْمَبِيع إِذا تلف فِي مُدَّة الْخِيَار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تلف الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار إِذا كَانَ قبل انْتقض البيع سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا، وَصَارَ كَأَن لم يعْقد. فَأَما إِن كَانَ تلفه فِي يَد المُشْتَرِي وَكَانَ الْخِيَار لَهُ فقد تمّ البيع وَلزِمَ وَإِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع انْتقض البيع وَلزِمَ المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع لَا الثّمن الْمُسَمّى فِي العقد. وَقَالَ مَالك: إِذا أتلفت السّلْعَة الْمَبِيعَة بِالْخِيَارِ فِي مُدَّة الْخِيَار فضمانها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 بَائِعهَا دون مشتريها إِذا كَانَت فِي يَده أَو لم تكن فِي يَد وَاحِد مِنْهُمَا. وَإِن قبضهَا الْمُبْتَاع ثمَّ تلفت فِي يَده وَكَانَت مِمَّا يعاب عَنهُ فضمانها مِنْهُ. إِلَّا أَن تقوم لَهُ بَيِّنَة على تلفهَا فَيسْقط عَنهُ ضَمَانهَا. وَإِن كَانَت مِمَّا لَا يعاب عَنهُ فضمانها على كل حَال من بَائِعهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى روايتيه: إِن تلفت قبل الْقَبْض انْفَسَخ البيع وَكَانَت من مَال بَائِعهَا. وَإِن كَانَت بعد الْقَبْض لم يَنْفَسِخ البيع وَلم يبطل الْخِيَار. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: لَا يبطل الْخِيَار، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة يبطل، وَالْأولَى اخْتَارَهَا القَاضِي أَبُو يعلى، وَالثَّانيَِة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَفَائِدَة الْخلاف بَين الرِّوَايَتَيْنِ بَين. عَن أَحْمد بِأَنَّهُمَا إِذا لم يُجِيز البيع وَاخْتَارَ الْفَسْخ لم يَصح. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح البيع بعد التّلف فِي مَاذَا يرجع البَائِع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 المُشْتَرِي إِذا كَانَ تلف الْمَبِيع فِي يَده؟ على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهَا: يرجع بِالْقيمَةِ، وَالثَّانيَِة: يرجع بِالثّمن الْمُسَمّى، فَإِذا رَجَعَ بِالْقيمَةِ فَالْخِيَار لَهُ بِحَالهِ لِأَنَّهُ قد مَالك الْفَسْخ وَتعذر الرُّجُوع فِي الْعين فَيرجع إِلَى الْقيمَة، وَإِذا رَجَعَ البَائِع على المُشْتَرِي بِالثّمن فَالْخِيَار قد بَطل لِأَنَّهُ غير مَالك للْفَسْخ، فَرجع بِالْمُسَمّى لبَقَاء العقد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا، وَالْخيَار للْمُشْتَرِي خَاصَّة فَأعْتقهُ فَإِنَّهُ ينفذ الْعتْق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا وَالْخيَار للْبَائِع فَأعْتقهُ فَإِنَّهُ ينفذ الْعتْق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فِي مُدَّة الْخِيَار لَهما. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينفذ الْعتْق. وَقَالَ مَالك: الْعتْق مَوْقُوف على إجَازَة البَائِع، فَإِن أجازة نفذ، وَإِن لم يجزه لم ينفذ. وَمذهب الشَّافِعِي أَن إِعْتَاق المُشْتَرِي يسْقط خِيَاره وَهل ينفذ عتقه يَبْنِي على إجَازَة البَائِع وفسخه. فَإِن أجَاز البيع نفذ الْعتْق. فَهَل يحكم بنفاذ الْعتْق يَبْنِي على الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار، مَتى ينْقل الْملك فعلى قَوْله: أَن المُشْتَرِي يملك بِنَفس العقد، أَو قُلْنَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 أَنه مراعى فَإِن الْعتْق قد نفذ لِأَنَّهُ صَادف ملكه، وَإِذا قُلْنَا: لَا ينْتَقل الْملك بِنَفس العقد، وَإِنَّمَا ينْتَقل بِالْعقدِ وَانْقِطَاع الْخِيَار. أَو قُلْنَا: أَنه مراعى لم ينفذ عتقه. وَإِن قُلْنَا: إِنَّه ينْتَقل الْملك بِنَفس العقد، فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَاخْتَارَهُ، هُوَ وَأكْثر أَصْحَابه، أَنه لَا ينفذ. وَحكى عَن ابْن شُرَيْح أَنه قَالَ: ينفذ إِن كَانَ مُوسِرًا. وَقَالَ أَحْمد: ينفذ على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الْخِيَار: هَل يُورث بِمَوْت صَاحبه؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُورث. وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يُورث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب هَل ينْعَقد البيع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب فِي النِّكَاح صَحَّ، فَأَما البيع فَإِن كَانَ تقدم الْقبُول فِيهِ بِلَفْظ الْمَاضِي صَحَّ، وَإِن كَانَ بِلَفْظ الطّلب وَالْأَمر لم يَصح. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح البيع وَالنِّكَاح جَمِيعًا إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب سَوَاء كَانَ بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب. وَقَالَ أَحْمد: إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب فِي النِّكَاح صَحَّ، وَسَوَاء كَانَ بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب رِوَايَة وَاحِدَة، فَأَما البيع فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنهُ. إِحْدَاهمَا: يَصح كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصح البيع على الْإِطْلَاق وَهِي أشهرهما. وَاتَّفَقُوا على أَن الْغبن فِي البيع بِمَا لَا يفحش وَلَا يُؤثر فِي صِحَّته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 ثمَّ اخْتلفُوا إِذا كَانَ الْغبن فِيهِ بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ فِي الْعَادة. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يثبت الْفَسْخ، وَقدره مَالك بِالثُّلثِ وَلم يقدره أَحْمد، بل قَالَ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز من أَصْحَابه حَده الثُّلُث، كَمَا قَالَ مَالك. وَقَالَ بعض مِنْهُم حَده السُّدس. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يثبت الْفَسْخ بِحَال وَهَذَا هُوَ مَحْمُول على بيع الْمَالِك الْبَصِير. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أطلق البيع وَلم يعين بِالثّمن النَّقْد، انْصَرف إِلَى غَالب نقد الْبَلَد. بَاب الرِّبَا اتَّفقُوا على أَن الرِّبَا الَّذِي حرمه اللَّهِ ضَرْبَان: زِيَادَة وَنسَاء. فَمِنْهَا الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي نَص الشَّارِع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي: الذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْبر، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالْملح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فأجمع الْمُسلمُونَ على أَنه لَا يجوز بيع الذَّهَب بِالذَّهَب مُنْفَردا، أَو الْوَرق بالورق تبرها ومضروبها وحليها إِلَّا مثلا بِمثل، وزنا بِوَزْن، يدا بيد، وَأَنه لَا يُبَاع شَيْء مِنْهَا غَائِب بناجز. فقد حرم فِي هَذَا الْجِنْس الرِّبَا من طَرِيقين الزِّيَادَة وَالنِّسَاء جَمِيعًا. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّة بِالذَّهَب متفاضلين يدا بيد، وَيحرم النسأ فِي ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالْملح بالملح، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، إِذا كَانَ بمعيار إِلَّا مثلا بِمثل ويدا بيد، وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهَا غَائِب بناجز. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز التَّفَرُّق فِي ذَلِك قبل الْقَبْض وَحده. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع التَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ متفاضلين يدا بيد، وَلَا يجوز أَن يَتَفَرَّقَا من الْمجْلس قبل الْقَبْض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ من شَرط صِحَّته الْقَبْض فِي الْمجْلس فِي الجنسين إِلَّا أَن يكون جُزْءا من صبرَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الْجيد بالرديء من جنس وَاحِد مِمَّا يَجْزِي فِيهِ الرِّبَا إِلَّا مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَالْعَسَل بالزيت مُتَفَاضلا يدا بيد، وَأَنه لَا يجوز نسَاء. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الْحِنْطَة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة جَائِز نسَاء. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع التَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ نسأ على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الْحِنْطَة وَالشعِير هَل هما جنس وَاحِد أَو جِنْسَانِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه، وَالشَّافِعِيّ: أَنَّهُمَا جِنْسَانِ يجوز التَّفَاضُل فيهمَا والمماثلة. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ جنس وَاحِد فَلَا يجوز عِنْدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 إِذا بيع بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا مثلا بِمثل يدا بيد. وَاتَّفَقُوا على أَن المكيلات الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَهِي: الْبر وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح مكيلة أبدا لَا يجوز بيعهَا بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا كَيْلا والموزونات الْمَنْصُوص عَلَيْهَا أبدا موزونة، فَأَما مَا لم ينص على تَحْرِيم التَّفَاضُل فِيهِ كَيْلا وَلَا وزنا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمرجع فِيهِ إِلَى عادات النَّاس بِالْبَلَدِ الَّذِي هم فِيهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْمرجع فِيهِ إِلَى عرف الْعَادة بالحجاز فِي عهد رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَمَا كَانَت الْعَادة فِيهِ بِالْمَدِينَةِ بِالْكَيْلِ لم يجز إِلَّا كَيْلا فِي سَائِر الدُّنْيَا، وَمَا كَانَت الْعَادة فِيهِ بِمَكَّة بِالْوَزْنِ لَا يجز إِلَّا وزنا فِي سَائِر الدُّنْيَا، فَأَما مَا لَيْسَ هُنَاكَ عرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 احْتمل أَن يرد إِلَى أقرب الْأَشْيَاء بِهِ شبها بالحجاز وَاحْتمل أَن يعْتَبر بِالْعرْفِ فِي مَوْضِعه. وَقَالَ الْمُؤلف: وَهَذَا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ فِيمَا يُبَاع من تمر بِتَمْر فَيكون بالعيار فِيمَا بَينهمَا الْكَيْل. فَأَما قَوْلهم: أَن الْكَيْل كيل الْمَدِينَة، وَالْمِيزَان ميزَان مَكَّة، فَإِن أصل الْمُسلمين الَّذين بنوا عَلَيْهِ فِي بيع التَّمْر بِالتَّمْرِ هُوَ فعل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذَلِك بِالْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ التَّمْر وَهُوَ ميسر كَيْله فَإِنَّهُ ينْبت فِي أَرض لَا تغشاها الْمِيَاه فَيكون ثَمَرهَا فِي الْغَالِب يَابسا يَتَأَتَّى كَيْله، وَيكون المعيار فِيهِ الَّذِي يكْشف الصِّحَّة ويحرز الْمُمَاثلَة هُوَ الْكَيْل، فَأَما الثِّمَار الَّتِي بسواد الْعرَاق وَغَيرهَا من الْأَرَاضِي الَّتِي يغشى تحليها الْمِيَاه، فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهَا الْمُمَاثلَة فِي الْكَيْل، وَلَا يتحرز إِلَّا بِالْوَزْنِ وَالَّذِي أرَاهُ أَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ثَبت عَنهُ كيل التَّمْر بِالْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْهُ تَأْجِيل الْمُمَاثلَة وَأَن لَا يُؤْخَذ من ذَلِك شَيْء إِلَّا بمعيار، فَيكون فِيمَا يتهيأ كَيْله الْكَيْل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَفِيمَا لَا يتهيأ كَيْله الْوَزْن. وَكَذَلِكَ القَوْل فِي ميزَان مَكَّة. فَأَما بيعهَا بِالذَّهَب كَيْلا ووزنا وصبرا، فَإِن ذَلِك جَائِز. وَاتَّفَقُوا على أَنه يحرم على الْمُسلمين الرِّبَا فِي دَار الْحَرْب. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: بِالْفرقِ بَين الدَّاريْنِ فِي التَّحْرِيم، وَقَالَ: يحل للْمُسلمِ ذَلِك مُدَّة كَونه فِي دَار الْحَرْب خَاصَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا لَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون مثل الثِّيَاب وَالْحَيَوَان وَنَحْو ذَلِك من الْأَشْيَاء المعدودة. هَل يجوز بيع بعضه بِبَعْض نسَاء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحرم النِّسَاء فِي الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ، فعلى هَذَا الْمَذْهَب عِنْده لَا بَأْس بِبيع الْبَقَرَة بشاتين نسَاء لاخْتِلَاف الجنسين، وَلَا يجوز عِنْده بقرة ببقرتين نسَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَقَالَ مَالك: الْجِنْس الْوَاحِد مَعَ تساويه فِي الصّفة يحرم فِيهِ النِّسَاء، إِلَّا إِن كَانَ مُتَفَاضلا، فَأَما إِن تفاضل الْجِنْس الْوَاحِد فِي نَفسه مثل أَن تكون الْبَقَرَة لبونا، أَو الْفرس جوادا، أَو الْجمل نجيبا فَأسلم فِي عدَّة من جنسه مِمَّا لَا يماثله فِي الصّفة، وَلَا يُقَارِبه فِي الْجَوْدَة فَجَائِز كالجنسين، فَأَما فِي الجنسين فَلَا يحرم فِيهِ النِّسَاء بِحَال، وَإِن كَانَ مُتَفَاضلا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحرم فِيهِ النِّسَاء بِحَال. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يجوز التَّفَاضُل والنسأ فِي ذَلِك كُله على الْإِطْلَاق. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن كَانَت من جنس لم يجز بيع بَعْضهَا بِبَعْض نسَاء وَإِن كَانَت من جِنْسَيْنِ كثياب بحيوان جَازَ النِّسَاء كمذهب أبي حنيفَة. وَالثَّالِثَة: أَن الْعرُوض بانفرادها يحرم فِيهَا النِّسَاء على الْإِطْلَاق سَوَاء اتّفقت أجناسها، أَو اخْتلفت، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يجوز بيع بعير ببعيرين نسَاء وَلَا بقرة بشاتين نسَاء، وَلَا ثوب بثوبين نسَاء، وَيجوز يدا بيد. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَيْسَ بَين السَّيِّد وَبَين عَبده رَبًّا. وَاتَّفَقُوا على أَن الرِّبَا لَا يَجْزِي فِي المَاء، وَأَن التَّفَاضُل جَائِز فِيهِ، إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك: أَن الرِّبَا يَجْزِي فِيهِ، لِأَنَّهُ مَكِيل عِنْده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَوَافَقَهُ على ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن، وَهُوَ أحد وَجْهَيْن لأَصْحَاب الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْحِنْطَة بالدقيق وَالْحِنْطَة بالسويق والسويق بالدقيق؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجوز بِحَال. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: يجوز ذَلِك إِذا كَانَ بِالْوَزْنِ، وَلَا يجوز إِذا كَانَ بِالْكَيْلِ، وَالْأُخْرَى: الْمَنْع فِي ذَلِك. وَقَالَ عبد الْوَهَّاب فِي الْإِشْرَاق: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي قَول مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمنهمْ من يَقُول: الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: الْجَوَاز وزنا. وَالْأُخْرَى: الْمَنْع. وَمِنْهُم من يَقُول: إِنَّمَا هِيَ على اخْتِلَاف حَالين، إِن كَانَ كَيْلا بكيل فَلَا يجوز. وَإِن كَانَ وزنا بِوَزْن جَازَ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك فِي الْجَوَاز وزنا، وَالْأُخْرَى: لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 يجوز وَهِي الْمَشْهُورَة. ثمَّ اخْتلف مجيزاه فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ من كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي كَيْفيَّة جَوَازه. فَقَالَ مَالك: يجوز مُتَسَاوِيا ومتفاضلا، وَوَافَقَهُ على ذَلِك صاحبا أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز إِلَّا مُتَسَاوِيا، وَلَا يجوز مُتَفَاضلا. وَاتَّفَقُوا على أَن الرِّبَا الْمحرم يجْرِي فِي غير الْأَعْيَان السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا، وَأَنه مُتَعَدٍّ مِنْهَا إِلَى كل مُلْحق بِشَيْء مِنْهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعلَّة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْعلَّة فِي الْمَذْهَب وَالْفِضَّة الْوَزْن وَالْجِنْس، فَكل مَا جمعه الْوَزْن وَالْجِنْس فالتحريم ثَابت فِيهِ إِذا بَاعه مُتَفَاضلا كالذهب وَالْفِضَّة. ثمَّ يتَعَدَّى مِنْهَا إِلَى الْحَدِيد والنحاس والرصاص وَمَا أشبهه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْعلَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة الثمينة فَلَا يجْرِي الرِّبَا عِنْدهمَا فِي الْحَدِيد والرصاص وَمَا أشبههما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وشيوخ أَصْحَابه: الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة زِيَادَة كيل فِي جنس المكيلات فَكل مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 جمعه الْجِنْس والكيل فالتحريم فِيهِ ثَابت إِذا بيع مُتَفَاضلا كالحنطة وَالشعِير، والنورة والجص والأشنان وَمَا أشبهه. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى فِي عِلّة الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة أَنَّهَا: مَأْكُول مَكِيل، أَو مَأْكُول مأزون، فعلى هَذِه الرُّؤْيَة لَا رَبًّا فِيمَا يُؤْكَل وَلَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون مثل الرُّمَّان والسفرجل والبطيخ وَالْخيَار، وَلَا فِي غير الْمَأْكُول مِمَّا يُكَال ويوزن كالنورة والجص والأشنان. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة فِي عِلّة الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة أَنه مَأْكُول جنس، فعلى هَذِه الرِّوَايَة يحرم مَا كَانَ مَأْكُولا خَاصَّة وَيدخل فِي التَّحْرِيم سَائِر المأكولات. وَيخرج مِنْهُ مَا لَيْسَ بمأكول. وَقَالَ مَالك: الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة كَونهَا مقتاته وَمَا يصلح للقوت من جنس مدخر فَيدْخل تَحْرِيم الرِّبَا فِي ذَلِك كُله كالأقوات المدخرة واللحوم والألبان والخلول والزيوت وَالْعِنَب وَالزَّبِيب وَالزَّيْتُون وَالْعَسَل وَالسكر. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: أَن الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة أَنَّهَا مطعوم جنس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فعلى هَذَا يجْرِي الرِّبَا عِنْده فِي الرُّمَّان والسفرجل وَالْبيض وَنَحْوه. فَلَا يجوز بيع سفرجلة بسفرجلتين، وَلَا بَيْضَة ببيضتين، وَلَا رمانة برمانتين كالرواية الثَّالِثَة عَن أَحْمد. وَقَالَ فِي الْقَدِيم: مطعومة مكيلة أَو موزونة، فعلى هَذَا القَوْل لَا يجْرِي الرِّبَا بِمُجَرَّد الطّعْم فِي المطعومات. وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الدَّقِيق بالدقيق مَعَ تساويهما فِي النعومة مثلا بِمثل. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْخَبَر بالْخبر رطبا وزنا على التَّسَاوِي؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز. إِلَّا أَن مَالِكًا زَاد عَلَيْهِم بِشَرْط جَوَاز بَيْعه على التَّحَرِّي. (والتغريب) أَيْضا فِي الْأَسْفَار خَاصَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْحِنْطَة المبلولة باليابسة مثلا بِمثل؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي خل الْعِنَب وخل التَّمْر، هَل هما جِنْسَانِ أَو جنس وَاحِد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هما جِنْسَانِ فَيجوز بيع بعضهما بِبَعْض مُتَفَاضلا. وَقَالَ مَالك: هما جنس وَاحِد فَلَا يجوز بيع بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا على التَّسَاوِي، وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد. وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع اللَّحْم بِاللَّحْمِ وَالْبيض بالبيض على التَّحَرِّي؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز بِحَال. وَقَالَ مَالك: يجوز بَيْعه على التَّحَرِّي، وَاخْتلف أَصْحَابه فَمنهمْ من قَالَ: ذَلِك جَائِز على الْإِطْلَاق، وَمِنْهُم من شَرط فِيهِ تعذر الموازين كالبوادي والأسفار. وَاخْتلفُوا فِي اللحمان هَل هِيَ جنس وَاحِد أَو أَجنَاس؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أَجنَاس مُخْتَلفَة باخْتلَاف أُصُولهَا. وَقَالَ مَالك: هِيَ ثَلَاثَة أَصْنَاف، لحم ذَوَات الْأَرْبَع من الْأَنْعَام والوحش كلهَا صنف وَاحِد. وَلُحُوم الطير كلهَا صنف وَاحِد، وَلُحُوم ذَوَات المَاء صنف. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول: كلهَا جنس وَاحِد وَفِي الْأُخَر: أَنَّهَا أَجنَاس على الْإِطْلَاق. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا أَجنَاس مُخْتَلفَة باخْتلَاف أُصُولهَا مُطلقًا كمذهب أبي حنيفَة، وَأحد الْقَوْلَيْنِ عَن الشَّافِعِي، وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة: أَنَّهَا أَرْبَعَة أَجنَاس: لحم الْأَنْعَام صنف، والوحوش صنف، وَالطير صنف، وَذَوَات المَاء صنف. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَنَّهَا كلهَا صنف وَاحِد كالقول الآخر. عَن الشَّافِعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَهَذَا، أَعنِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة، اخْتِيَار الْخرقِيّ. ففائدة الْخلاف بَينهم أَن من قَالَ: كلهَا جنس وَاحِد لم يجز بيع بَعْضهَا بِبَعْض على الْإِطْلَاق متماثلا. وَمن قَالَ: أَجنَاس ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو مُخْتَلفَة على الْإِطْلَاق أجَاز بيع كل وَاحِد مِنْهَا بخلافة من الْجِنْس الآخر مُتَفَاضلا وَلم يجزه بِصفة إِلَّا متماثلا، وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِي الألبان. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الرطب بِالتَّمْرِ. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ أجَازه. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الرطب بالرطب مثلا بِمثل إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ منع مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن لبن الأدميان طَاهِر يجوز بَيْعه وشربه. وَانْفَرَدَ أَبُو حنيفَة من بَينهم بِأَن قَالَ: لَا يجوز بَيْعه. وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: هُوَ نجس. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعَرَايَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وحجتهم الحَدِيث الصَّحِيح، وَقد تقدم ذكرنَا لَهُ. على اخْتِلَاف بَينهم فِي صفة الْعَرَايَا الْمُبَاحَة وقدرها وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ اللَّهِ. وَمنع مِنْهُ أَبُو حنيفَة على الْإِطْلَاق. فَأَما اخْتلَافهمْ فِي قدرهَا. فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: يجوز فِي خَمْسَة أوسق. وَقَالَ أَحْمد: إِنَّمَا يجوز فِيمَا دون خَمْسَة أوسق، وَلَا يجوز فِي الْخَمْسَة. وَعَن الشَّافِعِي وَمَالك مثله. وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا لَا يجوز فِيمَا زَاد على خَمْسَة أوسق. وصفتها عِنْد مَالك أَن يكون قد وهب رجل لآخر ثَمَر نَخْلَة أَو نخلات من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 حائطة، ويشق على الْوَاهِب دُخُول الْمَوْهُوب لَهُ إِلَى فِرَاخه فَلَا يجوز لمن أعريها بيعهَا حَتَّى يبدوا صَلَاحهَا. ثمَّ إِذا بدا صَلَاحهَا فَلهُ بيعهَا مِمَّن شَاءَ غير معريها بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْعرُوض، وَمن معريها خَاصَّة بِخرْصِهَا تَمرا. وَذَلِكَ لَهُ بِثَلَاثَة شُرُوط، أَحدهَا: أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ عِنْد الْجذاذ، فَإِن شَرط قطعهَا فِي الْحَال لم يجز. وَالثَّانِي: أَن يكون فِي خَمْسَة أوسق فدون، فَإِن زَاد على ذَلِك لم يجز. وَالثَّالِث: أَن يَبِيعهَا بِالتَّمْرِ مَقْصُورا على معريها خَاصَّة دون غَيره، وَهِي فِي كل ثَمَرَة تيبس وتدخر. فَأَما الشَّافِعِي وَأحمد فَيجوز عِنْدهمَا أَن يَبِيع امرء وهبت لَهُ ثَمَرَة النَّخْلَة والنخلات خرصا بِمِثْلِهَا من التَّمْر الْمَوْضُوع على الأَرْض نَقْدا من معريها، أَو من غَيره يأكلها المُشْتَرِي رطبا، فَإِن أَخّرهَا المُشْتَرِي حَتَّى تتموت بَطل البيع وَلَا يجوز بيعهَا نسَاء وَلَا يكون بيعهَا جَائِزا قبل أَن يبدوا صَلَاحهَا لَا خلاف بَينهمَا فِي هَذِه الْجُمْلَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: يجوز بيعهَا مِمَّن لَهُ حَاجَة إِلَى الرطب، وَمِمَّنْ لَيست لَهُ حَاجَة. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز بيعهَا إِلَّا لمن بِهِ حَاجَة إِلَى أكل الرطب وَلَا ثمن مَعَه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ جنس يجْرِي فِي الرِّبَا. فيبيع بِجِنْس مثله متماثلا، وَكَانَ مَعَ أحد الجنسين شَيْء من غَيره أَو مَعَهُمَا وَمِثَال ذَلِك بيع صَاع تمر وثوب بصاعين من تمر، أَو دِينَار جيد ودينار متوسط بدينارين جَيِّدين، أَو مد عَجْوَة وَدِرْهَم بمدي عَجْوَة أَو مد حِنْطَة وَمد شعير بمدي حِنْطَة. فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه إِلَى أَن ذَلِك غير جَائِز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز. وَاخْتلفُوا فِي بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ الْمَأْكُول. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز على الْإِطْلَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَقَالَ مَالك: لَا يجوز بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ من نَوعه الَّذِي لَا يجوز بيع لحم بعضه بِبَعْض مُتَفَاضلا إِذا كَانَ الْحَيّ لَا يصلح للذبح مثل الكباش المعلوفة للقصاب والهراس وَيجوز بِغَيْر نَوعه. فَالْأول مثل بيع لحم غنم بجمل حَيّ، وَالثَّانِي: لحم شَاة بطير حَيّ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن بَاعه بِجِنْسِهِ لَا يجوز قولا وَاحِدًا، وَإِن بَاعه بِغَيْر جنسه على قَول: أَنَّهَا كلهَا جنس وَاحِد، لَا يجوز. وعَلى قَوْله: أَنَّهَا كلهَا أَجنَاس، فِيهِ قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعه بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير مُعينَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تتَعَيَّن بِالْعقدِ وَلَا تملك. . وَقَالَ عبد الْوَهَّاب صَاحب الْأَشْرَاف: الظَّاهِر من مَذْهَب مَالك أَنَّهَا لَا تتَعَيَّن. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: أَنَّهَا تتَعَيَّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَنَّهَا تتَعَيَّن بِالْعقدِ. وَمَعْنَاهُ: أَن أعيانها تملك بِالْعقدِ، وَأَن تعينها يمْنَع استبدالها وَيمْنَع ثُبُوت مثلهَا فِي الذِّمَّة. وَأَنَّهَا إِن خرجت مَغْصُوبَة بَطل العقد. وَاخْتلفُوا فِي بيع فلس بفلسين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت كاسدة فَلَا رَبًّا فِيهَا بِحَال، وَإِن كَانَت نافقة فَبَاعَ فلسًا بِعَيْنِه بفلسين مُعينين جَازَ، وَإِن بَاعَ فلسًا غير معِين بفلسين غير مُعينين لم يجز. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز لِأَنَّهَا لَيست من أَمْوَال الرِّبَا. وَقَالَ مَالك إِذا تعامل النَّاس بهَا حرم التَّفَاضُل فِيهَا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز سَوَاء كَانَت كاسدة أَو نافقة بِأَعْيَانِهَا أَو بِغَيْر أعيانها. وَاخْتلفُوا فِي بيع ثَمَرَة بثمرتين، وحفنة طَعَام بحفنتين. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لِأَن هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْل. وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الإجماعية قبل. وَاخْتلفُوا هَل يُجزئ الرِّبَا فِي مَعْمُول الصفر، والنحاس، والرصاص أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُجزئ فِيهِ ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: يُجزئ فِيهِ ذَلِك وَيحرم. وَعَن احْمَد مثل مَذْهَبهم رِوَايَة أُخْرَى. بَاب بيع الْأُصُول اتَّفقُوا على أَنه إِذا بَاعَ أصُول نخل لَا ثَمَر فِيهَا. أَن البيع صَحِيح. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على صِحَة البيع لِلْأُصُولِ وفيهَا تمر باد ثمَّ اخْتلفُوا لمن تكون الثَّمَرَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الثَّمَرَة للْبَائِع وَسَوَاء كَانَت أبرت أم لم تؤبر. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَت غير مؤبرة فثمرته للْمُشْتَرِي وَإِن كَانَ مؤبرا فَللْبَائِع إِلَّا أَن يشرطه الْمُبْتَاع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز تَركهَا إِلَى حِين الْجذاذ، بل يَأْخُذ البَائِع بقطعها فِي الْحَال. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَهُ تَركهَا إِلَى الْجذاذ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اشْترى ثَمَرَة لم يبد صَلَاحهَا بِشَرْط قطعهَا فَإِن البيع جَائِز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَرَاهَا وَلم يشْتَرط قطعهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: البيع بَاطِل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع صَحِيح وَيُؤمر بقطعها. وَفَائِدَة الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي فصلين. أَحدهمَا: أَن البيع فَاسد عِنْدهم وَعِنْده صَحِيح. وَالْآخر: إِن إِطْلَاق البيع وَترك الشَّرْط فِيهِ يَقْتَضِي التبقية عِنْدهم وَعِنْده يَقْتَضِي الْقطع. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الثِّمَار قبل أَن يبدوا صَلَاحهَا بِشَرْط التبقية لَا يَصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ الثَّمَرَة بعد بَدو صَلَاحهَا بِشَرْط التبقية إِلَى الْجذاذ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح البيع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا اشْتَرَطَهُ بَطل البيع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بِشَرْط الْقطع فَلم يقطعهَا حَتَّى بدا صَلَاحهَا وأتى عَلَيْهَا أَوَان جذاذها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: العقد صَحِيح لَا يبطل وَالثَّمَرَة بزيادتها للْمُشْتَرِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يبطل البيع وَتَكون الثَّمَرَة وزيادتها للْبَائِع، وَيرد الثّمن على المُشْتَرِي. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: العقد صَحِيح لَا يبطل. ثمَّ مَاذَا يصنع بِالزِّيَادَةِ؟ على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. وَالْأُخْرَى: يتصدقان بهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بدا الصّلاح فِي شَجَرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ صَلَاح لبَقيَّة ذَلِك النَّوْع فِي القراح الَّذِي فِيهِ تيك الشَّجَرَة. وَقَالَ مَالك: إِذا بدا الصّلاح فِي نَخْلَة جَازَ بيع ذَلِك القراح وَمَا جاوره، إِذا كَانَ الصّلاح الْمَعْهُود لَا الْمُنكر فِي غير وقته. وَعَن أَحْمد نَحوه. فَأَما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا بَاعَ الثَّمَرَة بعد بَدو صَلَاحهَا بِشَرْط التبقية فَالْبيع فَاسد، وَإِن اشْترى بِشَرْط الْقطع فَالْبيع صَحِيح. فَإِن تَركهَا بِرِضا البَائِع فَمَا زَاد فِي الثِّمَار من نَمَاء ثَمَرَة الْأُصُول فَإِن ذَلِك النَّمَاء للْمُشْتَرِي. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع القثاء بِالْخِيَارِ والباذنجان وَنَحْوه إِلَّا القطفة القطفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَكَذَلِكَ الرّطبَة لَا يجوز بيعهَا إِلَّا جزة جزة. إِلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ خَالف فِيمَا عدا الرّطبَة وَقَالَ: إِذا بدا أَوله جَازَ بيع جَمِيعه بأصوله. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْأَشْيَاء الَّتِي يواريها التُّرَاب من النباتات كالجزر والبصل والكرات وَنَحْوه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز بيع ذَلِك حَتَّى يقْلع ويشاهد. وَقَالَ مَالك: يجوز بيع ذَلِك كُله إِذا غلظت أُصُوله ودلت عَلَيْهِ فروعه وتناهى طينه. وَاخْتلفُوا فِي بيع الْجَوْز واللوز والباقلاء فِي قشرة الْأَعْلَى. وَفِي بيع الْحِنْطَة فِي سنبلها إِذا استغنت عَن المَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: يجوز ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا بَاعَ حَائِطا، وَاسْتثنى مِنْهُ نَخْلَة بِعَينهَا جَازَ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ حَائِطا وَاسْتثنى مِنْهُ أمدادا مَعْلُومَة أَو إِذا بَاعَ صبرَة وَاسْتثنى مِنْهَا أقفزه مَعْلُومَة، أَو إِذا بَاعَ حَائِطا، وَاسْتثنى مِنْهُ أرطالا مَعْلُومَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ؟ : لَا يجوز على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: يجوز بيع ثمره جزَافا، وَيسْتَثْنى كَيْلا مَعْلُوما وَقدره بِالثُّلثِ فَمَا دون على حكم البيع. وَأما أَحْمد فَقَالَ: يجوز أَن يَبِيع نَخْلَة وَاحِدَة ويستثني مِنْهَا أرطالا مَعْلُومَة، فَأَما فِي الْبُسْتَان، أَو فِي الثَّمَرَة، أَو فِي الصُّبْرَة فَلَا يجوز الِاسْتِثْنَاء مِنْهَا على الْإِطْلَاق فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه يجوز. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَصَابَت الثِّمَار جَائِحَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَهُوَ أظهرهمَا: جَمِيع ذَلِك من ضَمَان المُشْتَرِي فَلَا يجب لَهُ وضع شَيْء مِنْهَا. وَقَالَ مَالك: تُوضَع الْجَائِحَة إِذا أَتَت على ثلث الثَّمَرَة فَهُوَ من ضَمَان البَائِع وتوضع عَن المُشْتَرِي، وَإِن كَانَ دون ذَلِك فَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي وَلَا يوضع عَنهُ شَيْء. وَاخْتلف عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: أَنَّهَا من ضَمَان البَائِع فِيمَا قل أَو كثر وَيُوضَع عَن المُشْتَرِي. وَرُوِيَ عَنهُ كمذهب مَالك. وَهَذِه الْمَسْأَلَة مثبة على اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا أَصَابَت الآفة الثَّمَرَة بعد أَن يخلي البَائِع بَين الثَّمَرَة وَبَين المُشْتَرِي فيقبضها على مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد سَوَاء كَانَت الثَّمَرَة مِمَّا تحْتَاج إِلَى التبقية أَو لم تكن. وَمَالك يشْتَرط فِي جَوَازه وضع الْجَائِحَة عَن المُشْتَرِي. بِأَن يكون اشْترى ثَمَرَة واحتاجت إِلَى التبقية على رُؤُوس النّخل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فَأَما إِذا كَانَت الثَّمَرَة غير محتاجة إِلَى التبقية فَلَا تكون عِنْده مَضْمُونا على البَائِع وَإِن تلف كُله. وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّعَام إِذا اشْترى مكايلة أَو موازنة أَو معاددة، فَلَا يجوز لمن اشْتَرَاهُ أَن يَبِيعهُ من آخر أَو يعاوض بِهِ حَتَّى يقبض الأول. وَأَن الْقَبْض شَرط فِي صِحَة هَذَا البيع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الطَّعَام إِذا ملك بِغَيْر بيع وَلَا مُعَاوضَة كالميراث وَالْهِبَة أَو على وَجه الْمَعْرُوف كالقرض، هَل يجوز بَيْعه قبل قَبضه؟ ، وَفِيمَا عداهُ لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: يجوز بَيْعه قبل قَبضه بِنَاء مِنْهُ على أَن الْقَبْض لَيْسَ بِشَرْط فِي ثُبُوت الْملك بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي غير الطَّعَام من الْمَنْقُول إِذا كَانَ مُتَعَيّنا كَالثَّوْبِ وَالْعَبْد وَالْحَيَوَان، هَل الْقَبْض يشرط فِي صِحَة بَيْعه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح بَيْعه قبل قَبضه فَإِن تلف قبل الْقَبْض فَهُوَ من ضَمَان البَائِع وَلَا يجوز للْمُشْتَرِي التَّصَرُّف فِيهِ قبل الْقَبْض. وَقَالَ مَالك: كل مَبِيع مُتَعَيّن لَا يتَعَلَّق بِهِ حق توفيه كيل وَوزن فبيعه قبل قَبضه جَائِز من أَي الْأَصْنَاف كَانَ من الْعرُوض وَالرَّقِيق وَالْحَيَوَان، والمكيل وَالْمَوْزُون سوى الطَّعَام وَالشرَاب فَإِن امْتنع الْمُبْتَاع من الْقَبْض مَعَ قدرته على الْقَبْض فَهُوَ من ضَمَانه، وَإِن تلف قبل ذَلِك فَهُوَ من ضَمَان البَائِع. وَعَن أَحْمد: يجوز بيع غير الطَّعَام من الْمَنْقُول إِذا كَانَ مُتَعَيّنا قبل نَقله، فَإِن تلف قبل نَقله فَالْعقد صَحِيح، وَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي. وَاخْتلفُوا فِي غير الْمَنْقُول كالعقار هَل يجوز بَيْعه قبل قَبضه؟ فَأجَاز ذَلِك أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد. وَمنع مِنْهُ الشَّافِعِي. ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّخْلِيَة. هَل هِيَ قبض فِي الْعقار الْمَنْقُول جَمِيعًا؟ وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ قبض فِي الْعقار دون الْمَنْقُول. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب أبي حنيفَة. وَالْأُخْرَى: كمذهب الشَّافِعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَقَالَ مَالك: كلما اشْترى مكايلة أَو موازنة أَو معاددة من طَعَام وَغَيره، فالتخلية فِيهِ لَيست بِقَبض، لِأَنَّهُ يبْقى حق التوفية، وَإِن اشْترى مجازفة، فالتخلية قبض فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ طَعَاما بِثمن إِلَى أجل فَلَمَّا حل الْأَجَل بَاعَ المُشْتَرِي من البَائِع ذَلِك الطَّعَام بِالثّمن الَّذِي عَلَيْهِ فَهَل يَصح هَذَا البيع؟ فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، وَمنع مِنْهُ أَحْمد. بَاب التصرية أَجمعُوا على أَنه لَا يجوز تصرية الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم للْبيع تدليسا على المُشْتَرِي ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا فعل ذَلِك أحد، ثمَّ بَاعَ الْمُصراة فَهَل يثبت الْفَسْخ للْمُشْتَرِي بذلك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يثبت لَهُ الْفَسْخ وَيجب عَلَيْهِ رد صَاع من تمر عوضا عَمَّا احتلبه من لَبنهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت الْفَسْخ لَهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن للْمُشْتَرِي الرَّد بِالْعَيْبِ الَّذِي لم يعلم بِهِ حَال العقد مَا لم يحدث عِنْده عيب آخر، وَأَن لَهُ إِمْسَاكه إِن شَاءَ بعد عثورة عَلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا أَرَادَ الْإِمْسَاك. هَل لَهُ الْمُطَالبَة بالإرش؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: مَتى أَرَادَ الْإِمْسَاك لم يكن لَهُ الْمُطَالبَة بالإرش. وَقَالَ أَحْمد: لَهُ الْمُطَالبَة مَعَ الْإِمْسَاك. وَاخْتلفُوا هَل لَهُ الرَّد بِالْعَيْبِ على التَّرَاخِي أَو على الْفَوْر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ على التَّرَاخِي. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ على الْفَوْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ عبدا جانبا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح البيع سَوَاء كَانَت الْجِنَايَة عمدا أَو خطأ، علم البَائِع بِالْجِنَايَةِ أَو لم يعلم. اخْتلف عَن الشَّافِعِي فَقَالَ أَصْحَابه: لَهُ قَولَانِ. أَحدهمَا: يَصح، وَبِه قَالَ الْمُزنِيّ. وَالثَّانِي: لَا يَصح، إِلَّا أَن يَأْذَن ولي الْجِنَايَة. قَالُوا:: وَهُوَ الْمُخْتَار، لِأَن الشَّافِعِي قَالَ: وَبِهَذَا أَقُول. وَمِنْهُم من قَالَ: إِن كَانَت الْجِنَايَة خطأ لم يجز، وَإِن كَانَت عمدا جَازَت. وَاتَّفَقُوا على الزِّنَا عيب فِي الْجَارِيَة. وَاخْتلفُوا فِيهِ فِي الْغُلَام. فَقَالُوا: هُوَ عيب فِيهِ كالجارية. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِعَيْب فِي حَقه. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد إِذا ملكه سَيّده، هَل يملك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يملك وَإِن ملك. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يملك إِذا ملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا لَا يملك وَإِن ملك، وَقَول من جعله مَالِكًا: إِنَّمَا هُوَ مَالك عِنْده ملكا غير مُسْتَقر. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ ثوبا بِأَلف رَطْل من خمرًا. وَبَاعَ درهما بِدِرْهَمَيْنِ، أَو إِلَى أجل مَجْهُول، واتصل بِهِ الْقَبْض هَل يحصل بِهِ الْملك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: قِيمَته الْغبن الْمُحرمَة بِالْعرضِ الشَّرْعِيّ، يحصل بِهِ ملك حرَام، يجب التَّصَدُّق بِهِ ويملكه المُشْتَرِي بِالْقيمَةِ لَا بِالْمُسَمّى، وَيجب نقضه وفسخه، وَيرد بالزوائد الْمُنْفَصِلَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا يَصح، وَإِن اتَّصل بِهِ الْقَبْض، وَلَا يجوز للْمُشْتَرِي أَن يتَصَرَّف فِيهِ فَإِن تصرف فِيهِ كَانَ بَاطِلا، وَلَا يلْزم البَائِع تَسْلِيمه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبرأ من كل عيب على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: الْبَرَاءَة من ذَلِك جَائِزَة فِي الرَّقِيق دون غَيره، وَيبرأ البَائِع مِمَّا لَا يعلم، وَلَا يبرأ مِمَّا علمه وكتمه، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه يبرأ من الرَّقِيق وَغَيره. وَرِوَايَة ثَالِثَة: إِن بيع الْبَرَاءَة لَا يلْزم، وَلَا تقع بِهِ الْبَرَاءَة، والمعول عَلَيْهِ الرِّوَايَة الأولى على مَا ذكره عبد الْوَهَّاب صَاحب الْإِشْرَاق والتلقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد أَقْوَاله، وَأحمد: إِذا بَاعَ بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب لم يبرأ مِنْهُ حَتَّى يُسمى الْعَيْب ويوقفه المُشْتَرِي عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة فِي الثّمن بعد لُزُوم العقد. هَل تلْحق بِالْعقدِ، وَكَذَلِكَ الْأَجَل فِي الثّمن وَالْخيَار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تلْحق بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تلْحق بِهِ. وَاتَّفَقُوا على إِبَاحَة الوطئ بِملك الْيَمين. وَأَن مَا وَقع فِي سهم الْإِنْسَان من الْغَنِيمَة ملك يَمِينه. وَكَذَلِكَ مَا حصل لَهُ بِتَمْلِيك شَرْعِي من ابتياع أَو إِرْث أَو هبة أَو مُعَاوضَة. إِلَّا أَنهم أَجمعُوا على أَن إِبَاحَة ذَلِك إِنَّمَا هِيَ بعد أَن لَا تكون الْمَمْلُوكَة مِنْهُنَّ من ذَوَات الْمَحَارِم من النّسَب والصهر وَالرّضَاع، وَأَن الْحَامِل مِنْهُنَّ لَا يجوز وطنها حَتَّى تضع، وَلَا الْحَائِض حَتَّى تستبرئ بِحَيْضَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وَأَن لَا يكون المملوكات وثنيات وَلَا مجوسيات، فَكل هَذَا أَجمعُوا عَلَيْهِ. بَاب الِاسْتِبْرَاء ثمَّ اخْتلفُوا فِي البَائِع إِذا كَانَ قد وطئ جَارِيَة. استبرأها بعد الِاسْتِبْرَاء لَهَا. ثمَّ أَرَادَ أَن يَبِيعهَا بعد وَطئه لَهَا. هَل يجب عَلَيْهِ أَن يَسْتَبْرِئهَا قبل البيع؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تقابلا جَارِيَة بعد التبايع، وَقبل قبضهَا فَهَل على البَائِع أَن يَسْتَبْرِئهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يجب عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى أمة، فارتفع حَيْضهَا لَا يدْرِي مَا رَفعه، إِلَّا أَنَّهَا لَيست من الآيسات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقربهَا حَتَّى يمْضِي زمَان يظْهر فِي مثله الْحمل، وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر. وَاخْتلف صَاحِبَاه مُحَمَّد وَزفر. فَقَالَ مُحَمَّد: لَا يقربهَا حَتَّى يمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَقَالَ زفر: لَا يقربهَا حَتَّى يمْضِي سنتَانِ. وَقَالَ مَالك: لَا يقربهَا حَتَّى يمْضِي تِسْعَة أشهر مُدَّة الْحمل. وَهل تستبرىء بعد ذَلِك ثَلَاثَة أشهر آخر، أم لَا؟ على رِوَايَتَيْنِ أصَحهمَا: أَنَّهَا تستبرئ بِثَلَاثَة أشهر آخر. وَقَالَ أَحْمد: يستافي بهَا عشرَة أشهر، تِسْعَة أشهر للْحَمْل، وَشهر بعد التِّسْعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ابتاعها وَهِي حَائِض فِي أول حَيْضهَا أَو فِي أَثْنَائِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا اعْتِدَاد بذلك وَلَا بُد من حَيْضَة مستأنفة. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ فِي أول حَيْضهَا أجزأها من الِاسْتِبْرَاء. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَت لَهُ أمة يطاؤها فَاشْترى أُخْتهَا، أَنه لَا يحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الموطوؤة مِنْهُمَا مَا لم يقرب الحدثى، فَإِن وَطئهَا حرمتا مَعًا، وَلم يحل لَهُ الْجمع بَينهمَا، وَلَا تحل لَهُ وَاحِدَة مِنْهُمَا حَتَّى يحرم الْأُخْرَى. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أبقت إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ إِلَى دَار الْحَرْب، هَل تحل بِهِ الْأُخْرَى؟ فَقَالُوا: تحل، إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تحل. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الْمُرَابَحَة صَحِيح. وَهُوَ أَن يَقُول: أبيعك وأربح فِي كل عشرَة درهما. ثمَّ اخْتلفُوا فِي كراهيته. فكرهه أَحْمد وَلم يكرههُ الْآخرُونَ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ سلعتين صَفْقَة وَاحِدَة. هَل يجوز أَن يَبِيع إِحْدَاهمَا مُرَابحَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز، وَيقسم الثّمن على قدر قيمَة كل مِنْهَا. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز اسْتِئْجَار الظِّئْر للرضاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن والسلعة قَائِمَة فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتردان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ والسلعة تالفة فِي قدر الثّمن. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: القَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَتَحَالَفَانِ وَيرد البَائِع الثّمن، وَيرد المُشْتَرِي الْقيمَة سَوَاء كَانَت فِي يَد المُشْتَرِي، أَو يَد البَائِع. وَعَن مَالك ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان على أَي وَجه، سَوَاء كَانَت تالفة أَو بَاقِيَة، وَسَوَاء كَانَت فِي يَد البَائِع أَو المُشْتَرِي وَهِي رِوَايَة أَشهب. وَالْأُخْرَى: إِن كَانَت السّلْعَة لم تقبض تحَالفا وتفاسخا وَإِن كَانَت قد قبضت فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَالثَّالِثَة: اعْتِبَار الْبَقَاء والفوت، كمذهب أبي حنيفَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يتحالفا وَيرد المُشْتَرِي الْقيمَة، وَالْأُخْرَى: القَوْل قَول المُشْتَرِي وَلَا يَتَحَالَفَانِ. بَاب التَّصَرُّف اخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يقف على إجَازَة الْمَالِك وَيصِح. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تناولت الْمَحْظُور كَالْخمرِ لم يجز. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَمَلت الصَّفْقَة على مُبَاح ومحظور. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يبطل فيهمَا. وَقَالَ أَحْمد: العقد يَصح فِي الْمُبَاح، وَيبْطل فِي الْمَحْظُور. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اشْترى عبدا بنية أَن يعتقهُ من غير أَن يشْتَرط ذَلِك، فَإِن البيع صَحِيح. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَرَاهُ على أَنه يعتقهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع بَاطِل، فِيمَا حَكَاهُ الْكَرْخِي. وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد جَوَاز البيع. وَقَالَ مَالك: يجوز وَيصِح البيع وَالشّرط. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين. وَقَالَ أَحْمد: البيع وَالشّرط صَحِيحَانِ. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يَصح البيع وَيبْطل الشَّرْط. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اشْترى مهْرا على أَنه خُيُول ودابة على أَنَّهَا هملاجه، صَحَّ البيع. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع عسب الْفَحْل وَهُوَ أَن يسْتَأْجر فَحل الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم أَو غَيرهَا لينزو على الْإِنَاث مَكْرُوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز؟ ، فَقَالُوا: لَا يجوز. إِلَّا مَالِكًا، فَأَجَازَهُ ضرابا مَعْلُوما. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا بَاعَ دَارا لم يكن أَن يَبِيع فناءها مَعهَا. فَإِن بَاعه فَالْبيع بَاطِل فِي الفناء. وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره بيع الْعِنَب لمن يَتَّخِذهُ خمرًا فَإِن خَالف وَبَاعَ فَهَل يَصح البيع؟ فَذهب أَحْمد إِلَى أَنه بَاطِل. وَقَالَ مَالك: يفْسخ البيع مَا لم يفت، فَإِن فَاتَ فَيتَصَدَّق بِثمنِهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَصح مَعَ الْكَرَاهِيَة. وَاتَّفَقُوا على أَن شِرَاء الْمُصحف جَائِز. ثمَّ اخْتلفُوا فِي بَيْعه فكرهه أَحْمد وَحده، وَأَجَازَهُ الْآخرُونَ من كَرَاهِيَة. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع البادي لسلعة بِنَفسِهِ جَائِز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ثمَّ اخْتلفُوا فِي بيع الْحَاضِر للبادي، فكرهه أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ مَعَ صِحَّته عِنْدهمَا. وأبطله أَحْمد وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ. وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يفْسخ عُقُوبَة. وَرُوِيَ عَنهُ: أَنه لَا يفْسخ، وَإِبْطَال أَحْمد لَهُ هُوَ على صِفَات، وَهُوَ أَن يكون البادي حضر لبيع سلْعَته، وَإِن يكون بَيْعه لَهَا سوق يَوْمهَا، وَأَن لَا يكون الجالب عَارِفًا بِقِيمَتِهَا فِي الْبَلَد وبالناس حَاجَة إِلَى شِرَاء مَتَاعه وضيق فِي تَأَخّر بَيْعه، وَأَن يكون الحضري هُوَ الَّذِي قَصده ليتولى ذَلِك لَهُ. وَاتَّفَقُوا على كَرَاهِيَة البيع فِي وَقت النداء يَوْم الْجُمُعَة لقَوْله تَعَالَى: {وذروا البيع} . . ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمَنْع مِنْهُ. فَقَالَ مَالك وَأحمد: البيع بَاطِل، وَلم يمْنَع من صِحَّته الْآخرُونَ وَهَذَا النداء هُوَ الْأَذَان الثَّانِي عِنْد صعُود الْخَطِيب، فَإِن الْأَذَان الأول إِنَّمَا زَاده عُثْمَان رَضِي اللَّهِ عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على كَرَاهَة تلقي الركْبَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فَقَالَ مَالك: يحرم وَإِذا فعل ذَلِك وأتى البَائِع السُّوق وَعرف فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يمْضِي البيع أَو يفْسخ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إبِْطَال البيع. وَالْأُخْرَى: إِن كَانَ فِي الْمَبِيع غبن كَانَ للْبَائِع الْخِيَار. وَاتَّفَقُوا على كَرَاهَة النجش. ثمَّ اخْتلفُوا فِي صِحَّته. فَقَالَ مَالك: هُوَ بَاطِل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هُوَ صَحِيح. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه صَحِيح، وَالْأُخْرَى: أَنه بَاطِل. وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز. والنجش أَن يزِيد فِي السّلْعَة وَهُوَ غير مُشْتَر لَهَا تعزيزا لمن يَشْتَرِيهَا. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز بيع الصُّوف الْمُنْفَصِل عَن الْحَيَوَان. وَاخْتلف فِي بيع الصُّوف على الظّهْر بِشَرْط الجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: يجوز. وَاخْتلفُوا فِي بيع السرجين النَّجس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن كلب الصَّيْد والماشية يضمن بِالْإِتْلَافِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز بَيْعه. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح بَيْعه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح. وَعَن مَالك كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز شِرَاء الْمُسلم للْعَبد الْمُسلم وَالْكَافِر. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز أَن يُبَاع الْمُسلم من الْكَافِر؟ فَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح وَيمْنَع من استخدامه وَيُؤمر بِإِزَالَة ملكه عَنهُ. وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي بيع رباع مَكَّة وإجارتها على مذهبين، فَمن رأى أَنَّهَا فتحت عنْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 لم يجز بيعهَا وَلَا إِجَارَة بيوتها. وهم: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه. وَقَالَ الشَّافِعِي: فتحت صلحا فَيجوز بيعهَا وإجارتها. بَاب فِي التَّفَرُّق بَين ذِي الْأَرْحَام اخْتلفُوا فِي التَّفَرُّق بَينهم فِي البيع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: يخْتَص ذَلِك بِالْأُمِّ مَعَ وَلَدهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يخْتَص بالوالدين، وَإِن علوا، والمولودين وَإِن سفلوا، فَإِن خَالف البَائِع وَبَاعَ وَفرق فَالْبيع بَاطِل عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يبطل. وَاخْتلفُوا فِي وَقت الْمَنْع من ذَلِك أَو جَوَازه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يخْتَص ذَلِك بِمَا قبل الْبلُوغ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يمْنَع مِنْهُ مَا لم يبلغ سبعا أَو ثمانيا. وَفِيمَا وَرَاء السَّبع إِلَى الْبلُوغ قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: يمْنَع مِنْهُ قبل الْبلُوغ وَبعده على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي بيع دود القز. وَفِي النَّحْل مُنْفَرِدَة عَن كوارتها إِذا رَآهَا المتعاقدان محبوسة فِي بيوتها، فَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الزَّيْت النَّجس؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. بَاب الْإِقَالَة وَاخْتلفُوا فِي الْإِقَالَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ فسخ فِي حق البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَسَوَاء كَانَ قبل الْقَبْض وَبعده وَهِي بيع فِي حق غَيرهمَا فِي الشُّفْعَة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: هِيَ بيع كل حَال، وَعنهُ أَنَّهَا فسخ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: هِيَ فسخ فِي حَقّهَا، وَفِي حق غَيرهمَا سَوَاء كَانَ قبل الْقَبْض أَو بعده. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب الشَّافِعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَالْأُخْرَى: كالمشهور من مَذْهَب مَالك. بَاب بيع الْمَرِيض اخْتلفُوا فِي بيع الْمَرِيض لوارثة بعوض الْمثل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. بَاب الْقَرْض اخْتلفُوا فِي الْقَرْض إِذا اشْترط فِيهِ الْأَجَل هَل يلْزم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: لَا يلْزم الشَّرْط. وَقَالَ مَالك: يلْزم. وَاتَّفَقُوا على أَن الْقَرْض قربَة ومثوبة. وَاتَّفَقُوا على أَن قرض الْإِمَاء اللَّاتِي يجوز وطئهن لَا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز قرض الْحَيَوَان وَالثيَاب وَالْعَبِيد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز قرض شَيْء فِي ذَلِك. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز قرض الْإِمَاء فِي الْجُمْلَة. وَيجوز قرض جَمِيع الْحَيَوَان سواهن، وَيجوز قرض الثِّيَاب وَالْعرُوض كلهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز جَمِيع ذَلِك. وَزَاد فَقَالَ: وَيجوز قرض الْإِمَاء إِذا كن مِمَّن لَا يحل للمقترض وطئهن، فَإِن كن مِمَّن يحل لَهُ وطئهن فَلَا يجوز ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد: يجوز قرض جَمِيع النَّبَات وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان سوى الْآدَمِيّين. وَاخْتلفُوا هَل يجوز قرض الْخبز؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز قرضه بِحَال. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَاخْتلفُوا هَل جَوَازه بِالْعدَدِ أَو بِالْوَزْنِ أَو بِالتَّحَرِّي؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: وزنا، وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف، وَالْأُخْرَى: عددا، وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن. ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَقَالَ مَالك: يجوز على التَّحَرِّي رِوَايَة وَاحِدَة. وعَلى الْوَزْن بعد الْجَفَاف رِوَايَتَانِ. بَاب صُورَة بيع الْعينَة اخْتلفُوا فِي الْعينَة وَهِي أَن يَبِيع سلْعَة بِثمن لم يقبضهُ ثمَّ يَشْتَرِي تِلْكَ السّلْعَة بِأَقَلّ من الثّمن الأول. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: العقد الثَّانِي فَاسد، وَالْأول صَحِيح. وَقَالَ مَالك وَأحمد: هما باطلان. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الْحَصَاة وَالْمُلَامَسَة والمنابذة بَاطِل وَهُوَ أَن يلقِي حجرا فَيجب البيع أَو ينْبذ الثَّوْب فَيجب البيع أَو يلمسه فَيجب البيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَاخْتلفُوا فِي بيع وَشرط. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يبطل العقد وَالشّرط جَمِيعًا وَذَلِكَ مثل أَن يَشْتَرِي دَارا أَو عبدا أَو دَابَّة. وَيشْتَرط البَائِع عَلَيْهِ مَنْفَعَة سكناهَا شهرا أَو اسْتِخْدَام العَبْد شهرا أَو ركُوب الدَّابَّة شهرا وَنَحْوه. وَقَالَ مَالك وَأحمد: البيع وَالشّرط صَحِيحَانِ وَلَا يبطل البيع عِنْد أَحْمد إِلَّا بِأَن يكون فِيهِ شَرْطَانِ مثل أَن يَشْتَرِي ثوبا وَيشْتَرط على البَائِع قصارته وخياطته وَنَحْو ذَلِك. فَهَذَا يبطل العقد بِهِ إِلَّا مَالِكًا اسْتثْنى فِي خدمَة العَبْد وَالرُّكُوب للدابة أَن يكون مُدَّة لَا يتَغَيَّر فِي مثله. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الْغرَر كالضالة والآبق وَالطير فِي الْهَوَاء والسمك فِي المَاء بَاطِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع وَسلف، وَهُوَ أَن يَبِيع الرجل السّلْعَة على أَن يسلفه سلفا أَو يقْرضهُ قرضا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع مَا لَيْسَ عِنْده. وَهُوَ أَن يَبِيعهُ شَيْئا لَيْسَ هُوَ عِنْده وَلَا فِي ملكه ثمَّ يمْضِي فيشتريه لَهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع المضامين. وَهُوَ بيع مَا فِي بطُون الْأَنْعَام، وَبيع الملاقيح. وَهُوَ بيع مَا فِي ظُهُورهَا وَبيع حَبل الحبلة وَهُوَ نتاج الْجَنِين: بَاطِل. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع السَّائِمَة على سوم أَخِيه، وَبيعه على بيع أَخِيه مَكْرُوه. ثمَّ اخْتلفُوا فِي إِبْطَاله، فَأبْطل مَالك كلا البيعين وَلم يبطلهما الْبَاقُونَ. فالسوم على السّوم هُوَ أَن يدْفع الرجل فِي السّلْعَة ثمنا فيركن البَائِع على عطيته فَيَجِيء رجل آخر فيزيد البَائِع فِي ثمنهَا ليفسد على مشتريها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَأما بيع الرجل على بيع أَخِيه. فَهُوَ أَن يُوقف الرجل سلْعَة للْبيع فيخاطبه رجل على شِرَائهَا مِنْهُ ويركن إِلَى مبايعته، فَيَأْتِي رجل آخر فَيعرض عَلَيْهِ السّلْعَة مثل تِلْكَ السّلْعَة بِأَدْنَى من ثمنهَا ليفسد على البَائِع الأول مَا شرع فِيهِ من بيع سلْعَته. وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الكالىء بالكالىء. وَهُوَ الدّين بِالدّينِ مثل أَن يعْقد رجل بَينه وَبَين آخر سلما فِي عشرَة أَثوَاب مَوْصُوفَة فِي ذمَّة الْمُبْتَاع إِلَى أجل بِثمن مُؤَجل وَسَوَاء اتّفق الأجلان أَو اخْتلفَا بَاطِل. وَاتَّفَقُوا على أَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة وَاحِدَة. وَهُوَ بيع مثمنا وَاحِدًا بِأحد ثمنين مُخْتَلفين مثل أَن يَقُول: بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة صحاحا أَو بِاثْنَيْ عشر مكسرة بَاطِل. وَاخْتلفُوا فِي بيع (الأربون) ، وَهُوَ أَن يَشْتَرِي الرجل السّلْعَة بِثمن وَيقدم بعضه على أَنه إِن اخْتَار تَمام البيع، نقد تَمام الثّمن، وَإِن كره البيع رد الْمَبِيع وَلم يرد الأربون وَلم يرجع على البَائِع بِمَا نَقده من الثّمن. وَالشِّرَاء وَالْبيع فِي ذَلِك سَوَاء. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: هُوَ بَاطِل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا افْترض رجل من آخر قرضا فَهَل يجوز لَهُ أَن ينْتَفع من جَانِبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 بِمَنْفَعَة لم تجربها عَادَة؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز وَهُوَ حرَام. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا لم يشْتَرط جَازَ. وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم ذَلِك مَعَ أشتراطه، وَأَنه لَا يحل وَلَا يسوغ بِوَجْه مَا. وَاتَّفَقُوا على أَن من كَانَ لَهُ دين على رجل إِلَى أجل فَلَا يحل لَهُ أَن يضع عَنهُ بعض الدّين قبل الْأَجَل ليعجل لَهُ الْبَاقِي وَأَن ذَلِك حرَام. وَكَذَلِكَ لَا يحل أَن يعجل قبل الْأَجَل بعضه ويؤجل الْبَاقِي إِلَى أجل آخر. وَكَذَلِكَ لَا يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ قبل الْأَجَل بعضه عينا وَبَعضه عرضا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أجل الْأَجَل لَا بَأْس أَن يَأْخُذ مِنْهُ الْبَعْض وَيسْقط عَنهُ الْبَعْض، أَو يَأْخُذهُ إِلَى أجل آخر. بَاب السّلم اتَّفقُوا على جَوَاز السّلم الْمُؤَجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَهُوَ بِمَعْنى السّلف. وَاتَّفَقُوا على أَن السّلم يَصح بست شَرَائِط: أَن يكون من جنس مَعْلُوم، وَصفَة مَعْلُومَة، وَمِقْدَار مَعْلُوم، (وَأجل مَعْلُوم) ، وَمَعْرِفَة مِقْدَار رَأس المَال. وَاشْترط سابعا وَهُوَ تَسْمِيَة الْمَكَان الَّذِي يُوفيه فِيهِ إِذا كَانَ لَهُ حمل وَمؤنَة. وَهَذَا الشَّرْط السَّابِع لَازم عِنْد البَاقِينَ وَلَيْسَ بِشَرْط مَعَ اتِّفَاقهم على أَن يكون الثّمن منقودا. وَاتَّفَقُوا على أَن السّلم جَائِز فِي المكيلات والموزونات والمزروعات الَّتِي يصفها الْوَصْف. وَاتَّفَقُوا على أَن السّلم فِي المعدودات الَّتِي لَا تَتَفَاوَت. أحادها كالجوز وَالْبيض جَائِز إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد. ثمَّ اخْتلفُوا فِي السّلم فِي المعدودات الَّتِي تَتَفَاوَت كالرمان والبطيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز السّلم فِيهِ لَا وزنا وَلَا عددا. ذكره الْقَدُورِيّ فِي شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز وزنا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يجوز فِي المعدودات على الْإِطْلَاق لَا عددا وَلَا وزنا. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز فِي المعدودات على الْإِطْلَاق عددا وَهِي الْمَشْهُورَة. وَقَالَ مَالك: يجوز فِي المعدودات على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السّلم فِي الْمَعْدُوم حِين عقد السّلم. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز إِذا غلب على الظَّن وجوده حَال الْمحل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا من حِين العقد إِلَى حِين الْمحل. وَاخْتلفُوا فِي السّلم الْحَال. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم إِلَى الْجذاذ والحصاد والصرام. فَقَالَ مَالك: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه لَا يجوز، وَالْأُخْرَى: يجوز. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تفَرقا قبل قبض رَأس المَال الْمُسلم فِي الْمجْلس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يبطل السّلم. وَقَالَ مَالك: يَصح وَإِن تَأَخّر قبض رَأس المَال الْمُسلم فِيهِ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو أَكثر مَا لم يكن شرطا. ذكره عبد الْوَهَّاب فِي كتاب الْأَشْرَاف. وَاخْتلفُوا مانعوا السّلم فِي مِقْدَار أجل السّلم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز أَن يكون أقل من ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ مَالك وَأَصْحَابه وَأحمد: لَا بُد من أجل لَهُ وَقع فِي الثّمن يخْتَلف الثّمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 لأَجله، وَاخْتلفَا فِي مِقْدَاره. فَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: أَقَله خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَقَالَ أَحْمد: أَقَله الشَّهْر والشهران. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السّلم فِي الْحَيَوَان. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السّلم فِي أَطْرَاف الْحَيَوَان كالأكارع والرؤوس والجلود. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِي السّلم فِي الْخبز، فَمنع مِنْهُ. أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَأَجَازَهُ مَالك وَأحمد. وَاخْتلفُوا فِيمَا أَصله الْكَيْل هَل يجوز أَن يسلم فِيهِ وزنا؟ وَمَا أَصله الْوَزْن هَل يجوز أَن يسلم فِيهِ كَيْلا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فَأجَاز ذَلِك أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد. وَاخْتلفُوا فِي الشّركَة فِي السّلم وَالتَّوْلِيَة فِيهِ قبل قَبضه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز السّلم فِي الْجَوَاهِر. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ يجوز السّلم عِنْده فِي ذَلِك. بَاب التسعير والاحتكار اتَّفقُوا على كَرَاهِيَة التسعير للنَّاس وَأَنه لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: إِذا حط أحد أهل السُّوق فِي السّفر حطا ليستدعي بِهِ الزيوت إِلَيْهِ ويضر بِأَهْل السُّوق أَو زَاد فِي السّعر زِيَادَة لَا يزيدها غَيره. قيل لَهُ: إِمَّا أَن تلْحق بِأَهْل السُّوق أَو تنعزل عَنْهُم. وَاتَّفَقُوا على كَرَاهِيَة الاحتكار. وَاخْتلفُوا فِي صفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمَمْنُوع مِنْهُ أَن يبْتَاع طَعَاما من مصر أَو من مَكَان قريب من الْمصر يحمل طَعَامه إِلَيْهِ الْمصر وَذَلِكَ مصر صَغِير يضر بِهِ هَذَا. فَأن كَانَ مصرا كَبِيرا لَا يتَضَرَّر بذلك وَلم يمْنَع مِنْهُ. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز احتكار مَا يُفِيد بِالْمُسْلِمين فِي أسواقهم من الطَّعَام وَغَيره. كَذَلِك ذكره الحلاب مُطلقًا من غير تَقْيِيد بصغر الْمصر وَلَا كبيره. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ أولى أَن يَشْتَرِي الطَّعَام من الْمصر وَيمْتَنع من بَيْعه وَيكون ذَلِك مضرا بِأَهْل الْمصر سَوَاء كَانَ الْمصر كَبِيرا أَو صَغِيرا، أَو كَانَ الجلب بَعيدا مِنْهُ أَو قَرِيبا. وَقَالَ الشَّافِعِي: صفة الاحتكار أَن يَشْتَرِي من الطَّعَام مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي حَال ضيقه وغلائه على النَّاس فيحبسه عَنْهُم فَأَما إِذا اشْترى فِي حَال سعته وحبسه ليزِيد أَو كَانَ لَهُ طَعَام من زرعه فحبسه جَازَ مَا لم يكن بِالنَّاسِ ضَرُورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 كتاب الرَّهْن اتَّفقُوا على جَوَاز الرَّهْن فِي الْحَضَر وَالسّفر. لقَوْله تَعَالَى: {فرهان مَقْبُوضَة} . وأصل الرَّهْن فِي اللُّغَة حبس الشَّيْء على حق نقُول: رهنتك الشَّيْء، وَلَا نقُول: أرهنتك. وَاخْتلفُوا هَل يَصح الرَّهْن على الْحق قبل وُجُوبه؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز وَيصِح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ: قد رهنتك دَاري على مَا لَك عَليّ من الدّين، فَقَالَ لَهُ: قد قبلت إِلَّا أَنه لم يقبض فَهَل يكون الرَّهْن لَازِما قبل الْقَبْض؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ سَوَاء كَانَ الرَّهْن متميزا أَو غير متميز. وَقَالَ مَالك: لَا يلْزم بِنَفس القَوْل فِي الْكل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلف عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ إِن كَانَ متميزا من مَال الرَّاهِن كَالْعَبْدِ وَالثَّوْب وَالدَّار لزم بِنَفس القَوْل وَإِن كَانَ غير متميز كالقفيز فِي صبرَة لم يلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَاخْتلفُوا فِي صِحَة رهن الْمشَاع. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يملك الرَّاهِن الِانْتِفَاع بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: للرَّاهِن أَن ينْتَفع بِهِ مَا لم يضر بالمرتهن وَهل للْمُرْتَهن أَن ينْتَفع بِالْعينِ الْمَرْهُونَة؟ فَمَنعه أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وَمَا حَكَاهُ الْخرقِيّ من قَوْله: وَلَا ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء إِلَّا أَن كَانَ محلوبا أَو مركوبا فيحلب ويركب بِمِقْدَار الْعلف فَإِنَّهُ مَحْمُول على مَا إِذا امْتنع الرَّاهِن من الْإِنْفَاق على الرَّهْن، فاتفق عَلَيْهِ الْمُرْتَهن، فَلهُ ذَلِك بِمِقْدَار علفه. ذكره أَبُو حَفْص العكبري فِي شَرحه على مُخْتَصر الْخرقِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَن مَنَافِع الرَّهْن للرَّاهِن. وَاخْتلفُوا فِي نَمَاء الرَّهْن هَل يدْخل فِي الرَّهْن أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْخل فِي ذَلِك الْوَلَد وَالصُّوف وَالتَّمْر وَاللَّبن، وَأُجْرَة الْعقار وَالدَّوَاب وَيكون للرَّاهِن رهنا مَعَ الأَصْل. وَقَالَ مَالك: لَا يدْخل فِي الرَّهْن من ذَلِك إِلَّا الْوَلَد وفسيل النّخل. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يدْخل شَيْء من ذَلِك فِي الرَّهْن على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَحْمد: يدْخل ذَلِك كُله فِي الرَّهْن. وَاخْتلفُوا فِي الْكسْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يدْخل فِي الرَّهْن. وَقَالَ أَحْمد: يدْخل فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي النَّفَقَة من الْمُرْتَهن على الرَّهْن فِي غيبَة الرَّاهِن إِذا كَانَ الرَّهْن محلوبا أَو مركوبا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يكون الْمُتَّفق عَلَيْهِ مُتَطَوعا إِن لم يَأْذَن لَهُ الْحَاكِم. وَقَالَ أَحْمد: لَا يكون مُتَطَوعا، وَإِن لم يَأْذَن لَهُ الْحَاكِم وَتَكون النَّفَقَة دينا على الرَّاهِن، وللمرتهن استيفاؤها من ظَهره ودره. وَقَالَ مَالك: أَن أشهد على الْإِنْفَاق استخفه، وَإِن لم يشْهد وَلم يرفع إِلَى الْحَاكِم كَانَ مُتَطَوعا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترط فِي عقد الرَّهْن أَن يَبِيعهُ الْمُرْتَهن عِنْد الْمحل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز الشَّرْط وللمرتهن أَن يَبِيعهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الشَّرْط بَاطِل، وَهُوَ يبطل الرَّهْن على قَوْلَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عتق الرَّاهِن العَبْد الَّذِي كَانَ رَهنه هَل ينفذ عنفه أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينفذ عتقه سَوَاء كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا أَو مُعسرا، إِلَّا أَنه إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 كَانَ مُوسِرًا سعر العَبْد فِي قِيمَته، إِن كَانَت أقل من الدّين وَيرجع على الرَّاهِن. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ مُوسِرًا نفذ عتقه، وَعجل الْحق للْمُرْتَهن أَو رَهنه غَيره، وَإِن كَانَ مُعسرا لم ينفذ عتقه وَبَقِي رهنا، فَإِن أَفَادَ مَالا قبل الْأَجَل نفذ الْعتْق وَعجل الْحق، وَإِن بَقِي على إِعْسَاره بيع عِنْد الْأَجَل. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ مُوسِرًا ضمن قِيمَته، وَتَكون الْقيمَة رهنا مَكَانَهُ رِوَايَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ مُعسرا فَهَل ينفذ عتقه. قَالَ أَصْحَابه على الرِّوَايَتَيْنِ: يخرجَانِ من عتق الْمُفلس مَنْصُوصا عَلَيْهِ، وَالْمَنْصُوص فِي الرَّهْن جَوَاز عتقه مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا. وَللشَّافِعِيّ أَقْوَال، أَحدهَا: كَقَوْل مَالك، وَالْآخر: كَقَوْل أَحْمد، وَالثَّالِث: لَا ينفذ عتقه بِحَال، وَهُوَ الَّذِي ينصره أَصْحَابه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وكل وَكيلا فِي بيع الرَّهْن ثمَّ عَزله. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ ذَلِك إِلَيْهِ إِذا كَانَ التَّوْكِيل فِي نفس الرَّهْن، فَأَما إِذا وَكله فِي البيع بعد تَمام الرَّهْن فَلهُ عَزله. وَقَالَ مَالِكًا: لَهُ عَزله على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الرَّهْن هَل هُوَ أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن أَو مَضْمُون؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مَضْمُون بِالْأَقَلِّ من قِيمَته أَو الدّين فَإِن هلك فِي يَد الْمُرْتَهن وَقِيمَته سَوَاء صَار الْمُرْتَهن مُسْتَوْفيا لدينِهِ حكما وَإِن كَانَ قيمَة الرَّهْن أَكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فالفضل أَمَانَة، وَأَن كَانَ أقل سقط من الدّين بِقَدرِهَا وَيرجع الْمُرْتَهن بِالْفَضْلِ. وَقَالَ مَالك: يضمن مِنْهَا مَا يخفي هَلَاكه كالذهب وَالْفِضَّة وَالْعرُوض بِقِيمَتِه بَالغا مَا بلغ، وَلَا يضمن مَا يظْهر هَلَاكه كالحيوان وَالْعَقار. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن إِذا تلف كَانَت الْمُصِيبَة فِيهِ من راهنة. وَأَجْمعُوا على أَن الْمُرْتَهن إِذا تعدى فِي الرَّهْن فَتلف ضمنه. وَأَجْمعُوا على أَن نَفَقَة الرَّهْن على الرَّاهِن. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أنْفق الْمُرْتَهن على الرَّهْن بِإِذن الْحَاكِم أَو غَيره مَعَ غيبَة الرَّاهِن أَو امْتِنَاعه كَانَ دينا للمنفق على الرَّاهِن. بَاب الْحجر أَجمعُوا على أَن الْحجر على الْمُفلس إِذا طلب الْغُرَمَاء ذَلِك وأحاطت الدُّيُون بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 مُسْتَحقّ على الْحَاكِم وَله مَنعه من التَّصَرُّف حَتَّى لَا يضر بالغرماء وَيبِيع أَمْوَاله إِذا امْتنع الْمُفلس عَن بيعهَا ويقسمها بَين غُرَمَائه بِالْحِصَصِ. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يحْجر عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف بل يحبس حَتَّى يقْضِي الدُّيُون، فَإِن كَانَ لَهُ مَال لم يتَصَرَّف الْحَاكِم فِيهِ وَلم يَبِعْهُ إِلَّا أَن يكون لَهُ دَرَاهِم، وَدينه دَرَاهِم، فَإِن القَاضِي يقبضهَا بِغَيْر أمره ويقضيها. وَإِن كَانَ دينه دَرَاهِم وَله دَنَانِير بَاعهَا القَاضِي فِي دينه، وَمعنى الإفلاس فِي اللُّغَة أَنه مَأْخُوذ من الْفُلُوس وَالْمرَاد أَن هَذَا صَار ذَا فلوس بعد أَن كَانَ ذَا دَرَاهِم. وَاخْتلفُوا فِي تَصَرُّفَات الْمُفلس فِي مَاله بعد الْحجر عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْحجر عَلَيْهِ، وَإِن حجر عَلَيْهِ قَاض لم ينفذ قَضَاؤُهُ مَا لم يحكم بِهِ قَاض ثَان، وَإِذا لم ينفذ الْحجر عَلَيْهِ صحت تَصَرُّفَاته كلهَا سَوَاء احتملت النّسخ أَو لم تحْتَمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 فَإِن نفذ الْحجر بِحكم قَاض ثَان صَحَّ من تصرفه مَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد وَالْعِتْق وَلم يَصح مَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ مَالك: لَا ينفذ تصرفه فِي أَعْيَان مَاله بِبيع وَلَا هبة وَلَا عتق. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك. وَهُوَ الْأَظْهر مِنْهَا، وَالْآخر: يَصح تَصَرُّفَاته فِي مَاله إِلَّا أَنَّهَا تكون مَوْقُوفَة فَإِن قضيت الدُّيُون من غير نقص للتَّصَرُّف نفذ التَّصَرُّف، وَإِن لم يكن قَضَاؤُهَا إِلَّا بِنَقص التَّصَرُّف فسخ مِنْهَا الأضعف فالأضعف يبْدَأ بِالْهبةِ ثمَّ بِالْبيعِ ثمَّ بِالْعِتْقِ. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: يحْتَمل عِنْدِي أَن يُقَال بِفَسْخ الآخر فالآخر. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه: لَا ينفذ لَهُ تصرف فِي شَيْء من مَاله إِلَّا فِي الْعتْق خَاصَّة فَإِنَّهُ شَيْء لله عز وَجل. بَاب الإفلاس اخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت عِنْده سلْعَة فأدركها صَاحبهَا وَلم يكن قد قبض من ثمنهَا شَيْئا، والمفلس حَيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: صَاحبهَا أَحَق من الْغُرَمَاء بهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وجدهَا صَاحبهَا، وَلم يكن قبض شَيْئا من ثمنهَا لَكِن بعد موت الْمُفلس. فَقَالَ الشَّافِعِي وَحده: هُوَ أَحَق بهَا من الْغُرَمَاء كَمَا لَو كَانَ الْمُفلس حَيا. وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء. وَاخْتلفُوا فِي الدّين إِذا كَانَ مُؤَجّلا هَل يحل بِالْحجرِ؟ فَقَالَ مَالك: يحل. وَقَالَ أَحْمد: لَا يحل. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي الدّين الْمُؤَجل هَل يحل بِالْمَوْتِ؟ فَقَالَ أَحْمد وَحده: لَا يحل بِالْمَوْتِ فِي أظهر روايتيه إِذا وَثَّقَهُ الْوَرَثَة. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يحل كالرواية الثَّانِيَة عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أقرّ بدين بعد الْحجر تعلق بِذِمَّتِهِ وَلم يكن الْمقر لَهُ مشاركا للْغُرَمَاء الَّذين حجر عَلَيْهِم لأجلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: يشاركهم. وَاخْتلفُوا هَل تبَاع على الْمُفلس دَاره الَّذِي لَا غَنِي بِهِ عَن سكانها وخادمه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تبَاع، وزاده أَبُو حنيفَة فَقَالَ: لَا يُبَاع عَلَيْهِ شَيْء من الْعقار وَالْعرُوض كَمَا قدمنَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُبَاع ذَلِك كُله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَامَ الْمُفلس الْبَيِّنَة بإعسارة هَل يحلف بعد ذَلِك عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسْتَحْلف. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحْلف إِن طلب الْغُرَمَاء ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيهِ بَعْدَمَا يثبت عِنْد الْحَاكِم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُخرجهُ الْحَاكِم من الْحَبْس وَلَا يحول بَينه وَبَين غُرَمَائه بعد خُرُوجه من السجْن يلازمونه وَلَا يمنعونه من التَّصَرُّف وَالسّفر، وَيَأْخُذُونَ فضل كَسبه بَينهم بِالْحِصَصِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُخرجهُ الْحَاكِم من الْحَبْس ويحول بَينه وَبَين غُرَمَائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَاتَّفَقُوا على أَنه ينْفق على من حجر عَلَيْهِ يفلس من مَاله الْبَاقِي لَهُ وعَلى وَلَده الصغار وَزَوجته. وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة تسمع على الْإِعْسَار بعد الْحَبْس ثمَّ اخْتلفُوا هَل تسمع قبله؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تسمع قبله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي ظَاهر مذْهبه: لَا تسمع إِلَّا بعده. وروى الْبَزْدَوِيّ فِي شرح الْمَبْسُوط فِي كتاب النَّفَقَات، وَفِي كتاب الْكفَالَة: أَنه إِن أخبر الْحَاكِم وَاحِد ثِقَة أَن مُفلس قبل الْحَبْس لَا يحْبسهُ لِأَنَّهُ لم تثبت جِنَايَته وَالْحَبْس عُقُوبَة لَا يَسْتَحِقهَا إِلَّا الْجَانِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 كتاب الْحجر اتَّفقُوا على أَن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للحجر الصغر وَالرّق وَالْجُنُون. وَالْحجر فِي اللُّغَة: الْحَظْر وَالْمَنْع، وَهُوَ فِي الشَّرِيعَة عبارَة عَن منع شخص معِين أَن يتَصَرَّف فِي مَاله. وَاتَّفَقُوا على أَن الْغُلَام إِذا بلغ، غير رشيد لم يسلم إِلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي حد الْبلُوغ فِي حَقه وَفِي الْجَارِيَة مَعًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بُلُوغ الْغُلَام بالاحتلام والإنزال إِذا وطئ، فَإِن لم يوجدا، فحتى تتمّ لَهُ ثَمَانِي عشرَة سنة، وَقيل: تِسْعَة عشرَة سنة، وبلوغ الْجَارِيَة بِالْحيضِ والاحتلام وَالْحَبل، فَإِن لم يُوجد ذَلِك، فحتى تتمّ لَهَا سبع عشرَة سنة. وَلم يجد مَالك فِيهِ حدا إِلَّا أَصْحَابه قَالُوا: سبع عشرَة سنة وثماني عشرَة فِي حَقّهَا، وروى ابْن وهب: خمس عشرَة سنة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه حَده فِي حَقّهَا خمس عشرَة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَعَن أَحْمد فِي الْجَارِيَة خَاصَّة رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يحكم ببلوغها إِلَّا بِالْحيضِ. وَاخْتلفُوا فِي الإنبات هَل هُوَ علم للبلوغ مُحكم بِهِ.؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا اعْتِبَار بِهِ أصلا. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يعْتَبر بِهِ وَهُوَ علم من أَعْلَامه. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ علم فِي الْمُشْركين يُمَيّز بَين الذُّرِّيَّة والمقاتلة. وَهل هُوَ علم فِي الْمُسلمين؟ على قَوْلَيْنِ. وَاخْتلفُوا على أَنه إِذا أونس الرشد من صَاحب المَال دفع إِلَيْهِ المَال. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الرشد مَا هُوَ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: الرشد فِي الْكَلَام هُوَ إصْلَاح مَاله وتأديبه لتثميره، وَأَن لَا يكون مبذرا لَهُ وَلَا يُرَاعى عَدَالَته فِي دينه وَلَا فسقه. وَقَالَ الشَّافِعِي: الرشد الصّلاح فِي الدّين وَالْمَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وَاخْتلفُوا هَل بَين الْجَارِيَة والغلام فرق فِي الرشد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا فرق بَينهمَا فِي الرشد وكل مِنْهُمَا على أَصله. وَقَالَ مَالك: لَا يفك الْحجر عَنْهَا وَإِن بلغت وَكَانَت رَشِيدَة حَتَّى تزوج وَيدخل بهَا زَوجهَا وَتَكون حافظة لمالها كَمَا كَانَت قبل التَّزْوِيج. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: كمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا فرق بَينهمَا وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك وَزَاد عَلَيْهِ حَتَّى يحول عَلَيْهَا حول عِنْد الزواج أَو تَلد ولدا، وَتَكون ضابطة حِينَئِذٍ كَمَا كَانَت قبله. وَقَالَ مَالك أَيْضا مثل ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة الْمُزَوجَة هَل يَصح تصرفها فِي أَكثر من ثلث مَالهَا بِغَيْر مُعَارضَة، من غير إِذن الزَّوْج؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهَا أَن تتصرف فِيهِ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَة من غير اعْتِبَار لإذنه. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز للْمَرْأَة الْمُزَوجَة التَّصَرُّف فِي أَكثر من ثلث مَالهَا بِغَيْر مُعَاوضَة إِلَّا بأذن زَوجهَا؟ وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّبِي إِن بلغ لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله حَتَّى يؤنس مِنْهُ الرشد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا انْتَهَت بِهِ السن إِلَى خمس وَعشْرين سنة دفع إِلَيْهِ مَاله بِكُل حَال. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ السَّفه بعد أَن أونس مِنْهُ الرشد هَل يحْجر عَلَيْهِ أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يحْجر عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحْجر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مبذرا. وَاخْتلفُوا هَل يبْدَأ بِالْحجرِ على الْبَالِغ إِذا كَانَ غير رشيد. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يبْدَأ بِالْحجرِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحْجر عَلَيْهِ وتصرفه فِي مَاله جَائِز وَإِن أتْلفه فِي حجره. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْمُكَلف بَالغا حرا إِلَّا أَنه مبذر سَفِيه مُفسد لمَاله متْلف لَهُ فِيمَا لَا يعود عَلَيْهِ محمدة فِي الدُّنْيَا وَلَا أجر فِي الْآخِرَة، هَل يحْجر عَلَيْهِ أم لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحْجر عَلَيْهِ، ومصرفه جَائِز فِي مَاله. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يحْجر عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي الْبَالِغ هَل يبْدَأ بِالْحجرِ عَلَيْهِ حَتَّى يؤنس مِنْهُ الرشد؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يحْجر عَلَيْهِ أبدا حَتَّى يؤنس مِنْهُ الرشد على اخْتلَافهمْ فِي صفته. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يبْدَأ بِالْحجرِ على بَالغ، وَإِن بلغ خمْسا وَعشْرين سنة يسلم إِلَيْهِ مَاله، وَإِن كَانَ مبذرا وَلَا يمْنَع قبل ذَلِك من تصرف بِحجر وَلَا غَيره، وَإِنَّمَا يقف تَسْلِيم مَاله حَتَّى يبلغ هَذَا السن. بَاب الصُّلْح اتَّفقُوا على أَن من علم أَن عَلَيْهِ حَقًا فَصَالح على بعضه لم يحل لِأَنَّهُ هضم للحق. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا لم يعلم أَن قبله مَا يَدعِيهِ عَلَيْهِ خَصمه فَأنْكر ذَلِك، فَهَل يجوز أَن يُصَالح عَلَيْهِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح. وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِي الصُّلْح مَعَ السُّكُوت. وَاخْتلفُوا فِي الصُّلْح عَن الْمَجْهُول. فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد، وَمنعه الشَّافِعِي. بَاب التَّنَازُع فِي الْجِدَار وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تنَازع نفسان فِي جِدَار بَين دَار لَهما هَل يحكم بِهِ مِنْهَا لمن إِلَيْهِ الدواخل والخوارج وَهُوَ صِحَاح الإجراء ومعاقد القمط أم لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يحكم بذلك وَيكون بَينهمَا. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ لأَحَدهمَا تَأْثِير يشْهد الْعرف بِأَنَّهُ فعله الْمَالِك حكم لَهُ بِهِ مَعَ يَمِينه وَذَلِكَ كمعاقد القمط والرباط ووجوه الإجراء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تنَازع رجلَانِ جدارا بَين دراين لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع هَل يحكم بِهِ لمن لَهُ عَلَيْهِ الْجُذُوع أَو يكون بَينهمَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاث جُذُوع فَصَاعِدا، أَو جذعان رجحت دَعْوَاهُ بذلك وَقضى لَهُ بِهِ، وَإِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ جذع وَاحِد لم يرجح وَهُوَ بَينهمَا. وَقَالَ مَالك: يرجح دَعْوَى صَاحب الْخشب وَيَقْضِي لَهُ بِهِ سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا، وَلَو كَانَ لَهُ جذع وَاحِد رجحت دَعْوَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تَأْثِير لصَاحب الْخشب وَلَا ترجح دَعْوَاهُ على الْإِطْلَاق، والحائط بَينهمَا مُنَاصَفَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ السّفل لوَاحِد والعلو لآخر، وَبَينهمَا سقف فتداعياه. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: السّقف لصَاحب السّفل، وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق السُّكْنَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ السّفل لوَاحِد، والعلو لآخر فانهدم السّفل، فَهَل يجْبر صَاحب السّفل على بِنَاء المهدم بِحَق صَاحب الْعُلُوّ أم لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 هَكَذَا اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا كَانَ بَين رجلَيْنِ جِدَار فَسقط فطالب أَحدهمَا الآخر ببنائه فَامْتنعَ، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بَينهمَا دولاب فانهدم أَو قناة أَو نهر فتعطل، أَو بِئْر فنسفت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجْبر على الْبناء فِي النَّهر والدولاب والقناة والبئر، فَأَما فِي الْجِدَار وَصَاحب الْعُلُوّ والسفل فَلم يجْبر الْمُمْتَنع مِنْهَا على الْإِنْفَاق، وَيُقَال للْآخر: إِن شِئْت فَابْن وأمنعه من الِانْتِفَاع حَتَّى يعطيك قيمَة الْبناء. وَقَالَ مَالك بالإجبار على الْبناء لمن امْتنع مِنْهُ فِي النَّهر والدولاب والقناة والبئر كَأبي حنيفَة وَكَقَوْلِه فِي الْمُنفق منع من لم ينْفق من الِانْتِفَاع حَتَّى يُعْطِيهِ قيمَة بنائِهِ. وَاخْتلف قَوْله فِي الْجِدَار الْمُشْتَرك على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا: أَنه يجْبر الْمُمْتَنع، وَالْأُخْرَى: لَا يجْبر الْمُمْتَنع، وَإِذا اخْتلفَا قسمت عرضة الْجِدَار بَينهمَا. وَقَالَ فِي صَاحب السّفل والعلو: يلْزم صَاحب السّفل بإصلاحه وَلم شعثه وبنائه إِذا انْهَدم، وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق الْجُلُوس عَلَيْهِ. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: الْقَدِيم مِنْهُمَا يجْبر الْمُمْتَنع فِي جَمِيع الْمسَائِل الْمَذْكُورَة، والجديد مِنْهُمَا: لَا يجْبر الْمُمْتَنع. وَإِذا بنى أَحدهمَا كَانَ للَّذي لم يبن الِانْتِفَاع وَلَيْسَ لمن بنى مَنعه مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد: يجْبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا على الْإِنْفَاق فِي جَمِيع الْحَالَات إِلَّا مسالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 صَاحب الْعُلُوّ مَعَ صَاحب السّفل رِوَايَة وَاحِدَة، فَإِن لم ينْفق مَنعه الْمُنفق من الِانْتِفَاع حَتَّى يُعْطِيهِ قيمَة الْبناء أَو قدر حِصَّته من النَّفَقَة على رِوَايَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنى خَاصَّة، وَأما صَاحب الْعُلُوّ والسفل فَعَنْهُ ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يجْبر الَّذِي لَهُ السّفل على الْبناء مُنْفَردا بنفقه جَمِيعه، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: يجْبر صَاحب السّفل على الْإِنْفَاق، مشاركا لصَاحب الْعُلُوّ فِيهِ، وَالثَّالِثَة: لَا يجْبر صَاحب السّفل على الْإِنْفَاق، وَلَكِن إِن أنْفق كَانَ لَهُ منع صَاحب الْعُلُوّ من الِانْتِفَاع حَتَّى يُعْطِيهِ بِقدر حِصَّته من النَّفَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 كتاب التَّصَرُّف فِي الطرقات اخْتلفُوا فِي جَوَاز إِخْرَاج الرجل من ملكه إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم جنَاحا أَو ميزابا أَو مظلة أَو يَبْنِي فِيهِ دكانا ينْتَفع بِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ فعل ذَلِك كُله مَا لم يضر بِالْمُسْلِمين ولرجل من بعض النَّاس أَن يُبطلهُ وَلَا ضَمَان على الْمُبْطل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَهُ ذَلِك مَا لم يضر بِالْمُسْلِمين وَلَيْسَ لأحد من النَّاس مَنعه وَإِن مَنعه لم يلْزمه لِامْتِنَاع على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ فِيهِ ضَرَرا أَو لم يكن. وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّرِيق لَا يجوز تضييقها. وَاخْتلفُوا فِي الْجَار هَل يجوز أَن يضع خَشَبَة على جِدَار جَاره؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ ذَلِك لَهُ على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يمنعهُ فَإِن شدد وَمنع لم يحكم عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَأحمد: لَهُ أَن يضع خَشَبَة على جِدَار جَاره إِذا كَانَ لَا يضر بِهِ، وَلَا يجد بدا من ذَلِك مثل أَن يكون الْموضع لَهُ أَرْبَعَة حيطان. ثَلَاثَة مِنْهَا لجاره وَوَاحِد لَهُ فَأَما إِن كَانَ لَهُ حائطان فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك. وَانْفَرَدَ أَحْمد بِأَنَّهُ إِذا امْتنع من ذَلِك مَعَ الصّفة الَّتِي شرطا مَا ألزمهُ الْحَاكِم بذلك، وَقد تقدم فِي الصَّحِيح حَدِيث أبي هُرَيْرَة حجَّة الْجَوَاز. وَاتَّفَقُوا على أَن للرجل التَّصَرُّف فِي ملكه إِذا لم يضر بالجار ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ تصرفه يضر بجاره. فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَمنع مِنْهُ مَالك وَأحمد فِي الْأَظْهر من الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ. وَمِثَال ذَلِك أَن يَبْنِي حَماما أَو مقصرة أَو يحْفر بِئْرا مجاورة لبئر شَرِيكه تنقصها من مَائِهَا أَو نَحْو ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل الْمُسلم لَهُ أَن يعلى بناه فِي ملكه وَلَا يحل لَهُ أَن يتطلع على عورات جِيرَانه، فَإِن كَانَ سطحه أَعلَى من سطح غَيره فَهَل يلْزم بِنَاء ستره تحجر عَن النّظر لمن عساه ينظر. قَالَ مَالك وَأحمد: يجب عَلَيْهِ بِنَاء ستْرَة تَمنعهُ من الإشراف على جَاره. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه ذَلِك. وَقَالَ أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي من الْحَنَفِيَّة وَغَيره مِنْهُم يلْزمه ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَائِط الْمُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا التَّصَرُّف فِيهِ دون شَرِيكه. وَاتَّفَقُوا على أَن من لَهُ حق فِي إِجْزَاء مَاء على سطح غَيره أَن نَفَقَة السَّطْح على صَاحبه. بَاب الْحِوَالَة اتَّفقُوا على جَوَاز الإحالة، وَقَالَ اللغويون: الْحِوَالَة تحول الْحق من قَوْلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 تحول فلَان من دَاره. وَاتَّفَقُوا على بَرَاءَة ذمَّة الْمُحِيل إِذا كَانَ للحيل على الْمحَال عَلَيْهِ دين ورضى الْمُحْتَال والمحال عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: إِنَّمَا يسْتَثْنى صِحَة هَذَا الْبَاب وَهُوَ الْحِوَالَة مِمَّا نهى عَنهُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بيع الكالئ بالكالئ أَي الدّين بِالدّينِ فَكَانَ هَذَا مُسْتَثْنى من ذَلِك كَمَا استثنيت الْعَرَايَا من بيع الثَّمر بالرطب. ثمَّ اخْتلفُوا إِذا لم يرض الْمُحْتَال. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يعْتَبر رِضَاهُ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يعْتَبر رِضَاهُ، وَالْأُخْرَى: يعْتَبر كمذهب البَاقِينَ. وَاخْتلفُوا فِي رضى الْمحَال عَلَيْهِ هَل يعْتَبر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتَبر رِضَاهُ. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ عدوا لَهُ اعْتبر رِضَاهُ، وَإِلَّا لم يعْتَبر. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يعْتَبر على الْإِطْلَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نوى المَال الْمحَال بِهِ بجحود الْمحَال عَلَيْهِ أَو فلسه، فَهَل يرجع على الْمُحِيل إِذا مَاتَ الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا أَو حجر الْحق وَحلف وَلم يكن للمحتال بَيِّنَة. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ الْمحَال عَلَيْهِ مَلِيًّا فِي الظَّاهِر، وَلَا يعلم الْمُحِيل مِنْهُ فلسًا، فَإِنَّهُ يصير الْمُحْتَال كالقابض. فَلَا يرجع على الْمُحِيل بِحَال وَإِن كَانَ الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا وَقت الْحِوَالَة، والمحيل عَالما بذلك فَمَا راب صَاحب الْحق من ذمَّة الْمُفلس فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمُحْتَال عَالما بذلك ورضى بِهِ لم يكن لَهُ الرُّجُوع وَهِي اخْتِيَار أبي الْعَبَّاس ابْن شُرَيْح، وَإِن حدث الْفلس بعد ذَلِك لم يرجع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يرجع على الْمُحِيل بِحَال. بَاب الضَّمَان وَالْكَفَالَة اتَّفقُوا على جَوَاز الضَّمَان وَإنَّهُ لَا ينْتَقل الْحق عَن الْمَضْمُون عَنهُ الْحَيّ بِنَفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الضَّمَان، وَإِنَّمَا ينْتَقل بأَدَاء الضَّامِن. قَالَ اللغويون: والضمين الَّذِي يَجْعَل الشَّيْء فِي ضَمَانه والتضمين أَن يحوي الشَّيْء الشَّيْء. وَاخْتلفُوا هَل تَبرأ ذمَّة الْمَيِّت من الدّين الْمَضْمُون عَنهُ بِنَفس الضَّمَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْتَقل الْحق عَن ذمَّته أَيْضا إِلَّا بِالْأَدَاءِ الْحَيّ. وَاخْتلف عَن أَحْمد على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا: كمذهبهم، وَالْأُخْرَى بِنَفس الضَّمَان، ينْتَقل الدّين عَن ذمَّة الْمَيِّت. وَاخْتلفُوا هَل يَصح لضمان بِغَيْر قبُول الطَّالِب. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح على الْإِطْلَاق قِيَاسا على الْحِوَالَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح بِغَيْر قبُول الطَّالِب إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَن يَقُول الْمَرِيض لبَعض ورثته: إضمن عني ديني، فَيضمنهُ والغرماء غيب فَيجوز وَإِن لم يسم الدّين، وَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة لم يلْزم الْكَفِيل شَيْء. وَاخْتلفُوا فِي ضَمَان دين الْمَيِّت هَل يَصح إِذا لم يخلف وَفَاء بِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا أَن يخلف وَفَاء بِهِ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَصح على الْإِطْلَاق سَوَاء خلف وَفَاء بِهِ أَو لم يخلف. وَاخْتلفُوا فِي ضَمَان الْمَجْهُول وَهُوَ مثل أَن يَقُول: ضمنت مَاله من ذمَّة فلَان وهما لَا يعلمَانِ مبلغة وَكَذَلِكَ مَا لم يجب مثل أَن يَقُول: مَا دانيت فلَانا فَأَنا ضامته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح الضَّمَان فيهمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وَاخْتلفُوا هَل لصَاحب الْحق مُطَالبَة من شَاءَ من الضَّامِن والمضمون عَنهُ أَو لأَحَدهمَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ مُطَالبَة أَيهمَا شَاءَ، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل مَذْهَبهم وَالْأُخْرَى لَا يُطَالب الضَّامِن إِلَّا أَن تعذر الِاسْتِيفَاء من الْمَضْمُون عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا ضمن حَقًا عَن رجل بِإِذْنِهِ وَأَدَّاهُ أَنه يجب لَهُ الرُّجُوع بِهِ على الْمَضْمُون عَنهُ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضمن عَن غَيره حَقًا بِغَيْر أمره وَأَدَّاهُ فَهَل يجب لَهُ الرُّجُوع على الْمَضْمُون بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هُوَ مُتَطَوّع وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَهُ الرُّجُوع بِهِ عَلَيْهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كمذهب مَالك وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَن ضَمَان الْأَعْيَان كالغضب والوديعة وَالْعَارِية يَصح وَيلْزم خلافًا لأحد وَجْهي الشَّافِعِيَّة وَهُوَ الظَّاهِر من مَذْهَبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَالْوَجْه الآخر: أَنه يَصح كمذهب الْجَمَاعَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْكفَالَة بِالنَّفسِ جَائِزَة، خلاف لأحد قولي الشَّافِعِي. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تكفل بِنَفس فَمَاتَتْ النَّفس قبل الْوَقْف أَو فِيهِ أَنه قد برِئ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا تكفل بِنَفس إِلَى وَقت بِعَيْنِه فَلم يُسَلِّمهَا وَعند ذَلِك الْوَقْت لَا لمَوْت الْمَكْفُول بِهِ بل لتعينه أَو لهربه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ على القَوْل الَّذِي يُجِيز فِيهِ الْكفَالَة بِالنَّفسِ لَيْسَ عَلَيْهِ غير إِحْضَاره وَلَا يلْزمه المَال، فَإِن تعذر عَلَيْهِ إِحْضَاره أمْهل عِنْد أبي حنيفَة مُدَّة السَّيِّد وَالرُّجُوع بكفيل إِلَى أَن يَأْتِي بِهِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ حبس حَتَّى يَأْتِي بِهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد: إِن لم يحضرهُ وَإِلَّا غرم المَال، وَأما الشَّافِعِي فَلَا يغرم المَال عِنْده. وَقَالَ ابْن شُرَيْح كمذهب مَالك وَأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 بَاب الشّركَة وَاتَّفَقُوا على أَن الشّركَة جَائِزَة من كل مُطلق التَّصَرُّف. وَاتَّفَقُوا على أَن شركَة الْعَنَان جَائِزَة واشتقاقها من عناني الفرسين فِي التَّسَاوِي. وَقَالَ الْفراء: اشتقاقها من عَن الشَّيْء إِذا عرض، فالشريكان كل وَاحِد مِنْهُمَا يعن لَهُ شركَة الآخر وَهِي فِي الشَّرْع عبارَة عَن الشَّرِيكَيْنِ يَشْتَرِكَانِ بماليهما وأبدانهما. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون مَا يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا أقل من الآخر أَو يكون من غير جنس مَال الآخر وَصفته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز حَتَّى يكون مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا من جنس مَال الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وعَلى صفته، فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا دَرَاهِم وَللْآخر دَنَانِير لم يَصح وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لأَحَدهمَا صِحَاح وَللْآخر قراضه. وَاخْتلف عَنهُ فِي تَسَاوِي الْمَالَيْنِ، فَقيل عَنهُ: لَا يجوز حَتَّى يتساوى المالان، وَقيل: يجوز وَالْأَظْهَر الْجَوَاز. وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الرِّبْح. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ذَلِك على مَا اصطلحا عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على قدر المَال فَإِن تَسَاويا فِي المَال وشرطا التَّفَاضُل فِي الرِّبْح أَو تفاضلا فِي المَال. وشرطا التَّسَاوِي فِي الرِّبْح بَطل العقد. وَاخْتلفُوا فِي مَا إِذا اشْترطَا فِي الوضعية شرطا. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الوضعية على قدر المَال. وَقَالَ الشَّافِعِي وَبَعض أَصْحَاب مَالك: يبطل الشَّرْط من أَصله. وَاخْتلفُوا فِي شركَة الْوُجُوه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تصح كلهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وَقَالَ أَحْمد: كلهَا صَحِيحَة إِلَّا شركَة الْمُفَاوضَة فَإِنَّهَا بَاطِلَة. وَقَالَ مَالك: تصح شركَة الْمُفَاوضَة فِي الْجُمْلَة وَشركَة الْأَبدَان إِلَّا مَعَ اخْتِلَاف الصناعين كقصار وحداد فَلَا تصح، وَكَذَلِكَ شَرط أَيْضا اتِّفَاق الْمَكَان فِيهَا وابطل شركَة الْوُجُوه وَحدهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: كلهَا بَاطِلَة سوى شركَة الْعَنَان وَحدهَا وَأما شركَة الْمُفَاوضَة الَّتِي أجازها أَبُو حنيفَة وَمَالك وأبطلها الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا أَبَا حنيفَة أجازها بِشُرُوط الحائزي التَّصَرُّف، وَلَا يجوز بَين حر وَعبد، وَلَا بَين صبي وَبَالغ، وَلَا بَين مُسلم وَكَافِر، وَيكون المالان مِنْهُمَا متساويين وتصرفهما جَمِيعًا متساو، وَإِن يتساويا فِي الرِّبْح، وَأَن لَا يبقيا من جنس مَال الشّركَة شَيْئا، إِلَّا ويدخلاه فِي الشّركَة وَأَن يضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا ضمنه صَاحبه بِعقد ضَمَان أَو عصب أَو شِرَاء فَاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَمَا اشْتَرَاهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا يكون على الشّركَة إِلَّا طَعَام أَهله وكسوتهم وتنعقد على الْكفَالَة وَالْوكَالَة فَمَتَى اخْتَلَّ شَيْء من هَذِه الْأَوْصَاف بطلت الْمُفَاوضَة وَصَارَت شركَة عنان إِلَّا أَنه لَا يُطَالب الْوَاحِد مِنْهُمَا بِمن كفله الآخر بِبدنِهِ، وَلَا يُشَارِكهُ فِيمَا ملكه بالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد وَالْوَصِيَّة وَالْإِرْث وَالْهِبَة والمعدن والركاز وَالْمهْر لَكِن مَتى ملك أَحدهمَا بِهَذِهِ الْأَقْسَام شَيْئا من جنس مَال الشّركَة بطلت الْمُفَاوضَة وَصَارَت شركَة عنان. قَالَ مَالك: تصح شركَة الْمُفَاوضَة وصفتها عِنْده أَن يُفَوض كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر التَّصَرُّف مَعَ حُضُوره وغيبته وَتَكون يَده كَبِيرَة، وَلَا تكون شركَة إِلَّا بِمَا يعقدان الشّركَة عَلَيْهِ، وَلَا يشْتَرط أَن يتساوى المالان، وَلَا أَن لَا يبقي أَحدهمَا مَالا إِلَّا ويدخله فِي الشّركَة. وَأما شركَة الْأَبدَان فاتفق مجيزوها، وهم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد، أَنَّهَا تجوز مَعَ اتِّفَاق الصَّنْعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الصَّنَائِع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تصح مَعَ اختلافها أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَتَصِح وَإِن عملا جَمِيعًا أَو عمل أَحدهمَا دون الآخر مُجْتَمعين ومنفردين. وَقَالَ مَالك: لَا تصح مَعَ اخْتلَافهمْ فِي الصَّنْعَة كقصار ودباغ وَلَا مَعَ اخْتِلَاف الْمَكَان كَمَا قدمنَا. وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من قَالَ: للشَّافِعِيّ قولا آخر فِي صِحَة هَذِه الشّركَة. وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل تصح الشّركَة فِي الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء وَمَا يُؤْخَذ من الْجبَال والمعادن وَشبهه فأجازها فِيهِ مَالك وَأحمد وَمنع مِنْهَا أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، فَأَما شركَة الْوُجُوه الَّتِي أجازها أَبُو حنيفَة وَأحمد وأبطلها مَالك وَالشَّافِعِيّ فَهِيَ أَن يشتركا على أَن يشتريا فِي ذممهما وَالضَّمان عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح، فَمَا حصل من كسب بَينهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 بَاب الْمُضَاربَة اتَّفقُوا على جَوَاز الْمُضَاربَة وَهِي الْقَرَاض بلغَة أهل الْمَدِينَة. ثمَّ اخْتلفُوا إِذا شَرط رب المَال على الْمضَارب أَن لَا يبْتَاع فِي بلد معِين وَنَحْو هَذَا من الشُّرُوط. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ذَلِك لَهُ وَلَا يجوز للْمُضَارب أَن يتجاوزه فَإِن تعداه ضمن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تفْسد الْمُضَاربَة بذلك. وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَة الْمضَارب فِي حَال سَفَره. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هِيَ من مَال الْمُضَاربَة إِلَّا أَن مَالِكًا شَرط فِي ذَلِك أَن يكون المَال كثيرا يَتَّسِع الْإِنْفَاق مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد: هِيَ من نَفسه خَاصَّة فِي طَعَامه وَكسوته وركوبه. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شَرط رب المَال ضَمَان المَال على الْمضَارب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يبطل الشَّرْط وَالْمُضَاربَة صَحِيحَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تبطل الْمُضَاربَة بِهَذَا الشَّرْط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى رب المَال شَيْئا من الْمُضَاربَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه لَا يَصح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى الْمضَارب أَن رب المَال أذن لَهُ فِي البيع وَالشِّرَاء نَقْدا أَو نَسِيئَة، وَقَالَ رب المَال: أَذِنت لَهُ بِالنَّقْدِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: القَوْل قَول الْمضَارب مَعَ يَمِينه. وَقَالَ الشَّافِعِي: القَوْل قَول رب المَال مَعَ يَمِينه. وَاخْتلفُوا فِي الْمضَارب لرجل إِذا ضَارب لآخر فربح. فَقَالَ أَحْمد وَحده: لَا يجوز لَهُ الْمُضَاربَة لآخر، فَإِن فعل وَربح رد الرِّبْح فِي شركَة الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَهُ ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ رد الرِّبْح إِلَى الأول. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة على الْإِطْلَاق أَن الْإِذْن صَحِيح وَالتِّجَارَة صَحِيحَة، فَأَما إِن أذن لَهُ فِي نوع من التِّجَارَة خَاصَّة فَهَل يجوز لَهُ أَن يتجر فِي غَيرهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يصير مَأْذُونا لَهُ فِي جَمِيع التِّجَارَات. وَقَالَ مَالك: إِذا خلى بَينه وَبَين الشِّرَاء وَالْبيع فِي الْبَز كَانَ مَأْذُونا لَهُ إِلَّا فِيمَا يعْمل بِيَدِهِ من هَذِه الصِّنَاعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا أذن لَهُ فِي نوع من التِّجَارَة لم يجز لَهُ أَن يتعداه، وَاخْتلفُوا فِي الْمَأْذُون إِذا رَكبه دين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الدّين فِي رَقَبَة العَبْد يُبَاع فِيهِ مَعَ مُطَالبَة الْغُرَمَاء فَإِن زَاد الدّين على قِيمَته لم يلْزم السَّيِّد شَيْء. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يكون فِي ذمَّته العَبْد يتبع بِهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا كمذهب أبي حنيفَة سَوَاء رَوَاهَا عَنهُ بعض أَئِمَّة مذْهبه، وَالْأُخْرَى: هُوَ فِي ذمَّة السَّيِّد. وَاخْتلفُوا فِي الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة يدعوا إِلَى طَعَامه أَو يطعم أَو يعير الدَّابَّة أَو يكسوا الثَّوْب أَو يهدي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز إطعامه وهديته الطَّعَام وإعارته الدَّابَّة فَأَما كسوته الثَّوْب وإعطاؤه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَلَا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 بَاب الْوكَالَة وَاتَّفَقُوا على أَن الْوكَالَة من الْعُقُود الْجَائِزَة فِي الْجُمْلَة وَأَن كل مَا جَازَت بِهِ النِّيَابَة من الْحُقُوق جَازَت الْوكَالَة فِيهِ كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَقَضَاء الدّين وَالْخُصُومَة فِي الْمُطَالبَة بالحقوق وَالتَّزْوِيج وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك. ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْكِيل الْحَاضِر إِذا لم يرض خَصمه. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: أَنَّهَا صَحِيحَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا بِرِضَاهُ إِلَّا أَن يكون الْمُوكل مَرِيضا أَو مُسَافِرًا سفرا تقصر فِيهِ الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ: قَالَ متأخروا أَصْحَابنَا: الْمَرْأَة الَّتِي هِيَ غير بَرزَة يَصح توكيلها بِغَيْر رضَا الْخصم. ثمَّ قَالَ: وَهَذَا شَيْء استحسنه الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا، فَأَما ظَاهر الأَصْل فَيَقْتَضِي خلاف ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وَاخْتلفُوا هَل يملك الْمُوكل؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يملك ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك ذَلِك إِلَّا بِمحضر مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عزل الْمُوكل الْوَكِيل وَعلم بذلك الْعَزْل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عزل وَلم يعلم أَو مَاتَ الْمُوكل وَلم يعلم بِمَوْتِهِ الْوَكِيل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَنْعَزِل إِلَّا بعد الْعلم بِالْعَزْلِ، وينعزل بِالْمَوْتِ، وَإِن لم يعلم. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَنْعَزِل فِي الْحَالين وَإِن لم يعلم اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَنْعَزِل إِلَّا بعد الْعلم فِي الْحَالين. وَعَن الإِمَام الشَّافِعِي قَولَانِ. ولأصحاب مَالك وَجْهَان كالمذهبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَاتَّفَقُوا على أَن إِقْرَار الْوَكِيل على مُوكله فِي غير مَجْلِسه الحكم لَا يقبل بِحَال. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ عَلَيْهِ فِي مجْلِس الحكم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يَصح إِقْرَاره على مُوكله فِي مجْلِس القَاضِي إِلَّا أَن يشْتَرط مُوكله عَلَيْهِ أَن لَا يقر عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يَصح أَيْضا كَمَا لَو أقرّ فِي غير مجْلِس القَاضِي. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْقَاضِي سَماع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة من غير حُضُور الْخصم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسمع إِلَّا بِحُضُور الْخصم. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع بِغَيْر حُضُوره. وَاخْتلفُوا هَل تصح الْوكَالَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَالْمُوكل غير حَاضر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا بِحُضُورِهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: يَصح من غير حُضُوره. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين أظهرهمَا أَنه يَصح من غير حُضُوره. وَاتَّفَقُوا على أَن إِقْرَار الْوَكِيل على مُوكله بالحدود وَالْقصاص غير مَقْبُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس حكمه أَو غَيره. وَاخْتلفُوا فِي حُقُوق العقد فِي الْمُعَامَلَات كالمطالبة بِالثّمن وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوهَا تتَعَلَّق بالوكيل وَقَالَ: إِذا لم يقل الْوَكِيل أَنِّي أَشْتَرِي لفُلَان فالثمن على الْوَكِيل، وَإِن قَالَ: اشْتَرَيْته لفُلَان فالثمن على فلَان وَلَا شَيْء على الْوَكِيل، وَكَذَلِكَ فِي البيع إِذا قَالَ: هُوَ لفُلَان، فالعهدة على الْأُمَرَاء دون الْوَكِيل وَإِن لم يقل ذَلِك فالعهدة على الْوَكِيل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مُتَعَلقَة بالموكل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي شِرَاء الْوَكِيل من نَفسه لنَفسِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يبْتَاع من نَفسه لنَفسِهِ بِزِيَادَة فِي الثّمن. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه لَا يجوز بِحَال وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: يجوز بِأحد شرطين إِمَّا أَن يزِيد فِي ثمنهَا أَو يُوكل فِي بيعهَا مِنْهُ غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 ليَكُون الْإِيجَاب من الْغَيْر. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّوْكِيل يَصح فِيمَا يملكهُ الْمُوكل وَتَصِح فِيهِ النِّيَابَة عَنهُ كَمَا ذكرنَا. وَيلْزمهُ إحكامه وَيكون الْوَكِيل حرا بَالغا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْكِيل الصَّبِي الْمُرَاهق الْمُمَيز الَّذِي يقْصد العقد ويعقله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح. وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: لَا أعرف فِيهِ نصا عَن مَالك وَعِنْدِي أَنه لَا يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح. وَاخْتلفُوا فِي الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة هَل يكون وَكيلا فِي الْقَبْض؟ فَقَالُوا: لَا يكون وَكيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون وَكيلا فيهمَا. بَاب الْإِقْرَار وَاتَّفَقُوا على أَن الْحر الْبَالِغ إِذا أقرّ بِحَق مَعْلُوم من حُقُوق الْآدَمِيّين لزمَه إِقْرَاره بِهِ وَلم يكن لَهُ الرُّجُوع فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ إِذا أقرّ بِحَق لزمَه لَا يتَعَلَّق بِأَمْر التِّجَارَة كالقراض، وإرش الْجِنَايَة وَقتل الْخَطَأ وَالْغَصْب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يتَعَلَّق الْحق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِذِمَّة السَّيِّد بل يُبَاع العَبْد فِيهِ إِذا طَالب الْغُرَمَاء فَإِن زَاد ذَلِك على قِيمَته لم يلْزم السَّيِّد. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن ذَلِك يتَعَلَّق بِذِمَّة السَّيِّد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَعَلَّق بِالْعَبدِ وَيلْزم ذمَّته إِلَّا أَنه لَا يُبَاع فِيهَا بل يتبع بهَا إِذا أعتق. وَقَالَ مَالك: جنايات الْخَطَأ إِذا اعْترف بهَا العَبْد لَا يثبت فِي حق السَّيِّد وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 يقْضِي على العَبْد بهَا بل يقبل إِقْرَاره على نَفسه وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق، فَإِن أقرّ على نَفسه بِجِنَايَة بدنية قبل اعترافه بهَا واقتص مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالصَّغِير غير الْمَأْذُون لَهُ لَا يقبل إقرارهم وَلَا طلاقهم وَلَا تلْزم عقودهم. وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقبل إِقْرَاره على نَفسه وَلَا يقبل فِي حق سَيّده. وَاخْتلفُوا فِي إِقْرَار الْمُرَاهق فِي الْمُعَامَلَات. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح مَعَ إِذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ على مَال خطير أَو عَظِيم فَلم يُوجد عَن أبي حنيفَة نَص مُتَطَوّع بِهِ عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف ومحمدا صَاحِبَاه قَالَا: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم وَلَا يصرف قَوْله إِلَى أقل مِنْهُمَا. وَمن أَصْحَابه من قَالَ: إِن قَوْله كقولهما، وَمِنْهُم من قَالَ: عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم، وَمِنْهُم من قَالَ: يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر وَمَا يستعظم مثله فِي الْعَادة. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك جدا، إِلَّا أَنهم لم ينصوا فِيهِ عَن مَالك شَيْئا، فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ كإقراره بِمَال فَقَط فَيرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ. وَمِنْهُم من قَالَ: كأقل نِصَاب من نصب الزَّكَاة، وَمِنْهُم من يَقُول: مِقْدَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 الدِّيَة، وَمِنْهُم من يَقُول: يلْزمه مَا يستباح بِهِ الْبضْع، أَو الْقطع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ، فَإِن فسره بِمَا يَقع عَلَيْهِ اسْم المَال قبل مِنْهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه عشرَة. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك على ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: يلْزمه مَا زَاد على ثَلَاثَة دَرَاهِم، وَالثَّانِي: تِسْعَة دَرَاهِم، وَالثَّالِث: مِائَتَا دِرْهَم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يقبل تَفْسِيره لَهَا بِأَقَلّ من أقل كَمَال الْجمع وَهُوَ ثَلَاثَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم، أَو ألف ودينار، أَو ألف وثوب، أَو ألف وَعبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقْرَار بالمفسر، وَإِن كَانَ مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة كالمكيل وَالْمَوْزُون كَانَ الْمُبْهم من جنسه، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت فِي الذِّمَّة إِلَّا قِيمَته وَلَا تثبت عينه نَحْو ألف وثوب، أَو ألف وَعبد، رَجَعَ فِي التَّفْسِير إِلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون إِقْرَاره إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير فَقَط، وَيرجع فِي تَفْسِير إِلَيْهِ فَبِأَي شَيْء فسره قبل مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد: الْمُبْهم من جنس الْمُفَسّر فِي الْحَالين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى من غير جنسه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود كَقَوْلِه: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا كف حِنْطَة، وَإِلَّا مائَة جوزة صَحَّ الِاسْتِثْنَاء، وَإِن كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا لَا يثبت فِي الذِّمَّة إِلَّا قِيمَته كَالثَّوْبِ وَالْعَبْد لم يَصح الِاسْتِثْنَاء. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس على الْإِطْلَاق. وَأما أَحْمد فَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس على الْإِطْلَاق. إِلَّا أَن أَصْحَابه اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتثْنى عينا من ورق أَو وَرقا من عين. فَقَالَ الْخرقِيّ: يَصح. وَقَالَ أَبُو بكر: لَا يَصح. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى الْأَقَل مِنْهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى الْأَكْثَر مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَصح الِاسْتِثْنَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح، وَيُؤْخَذ بِالْكُلِّ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَعبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك. وَأهل اللُّغَة يوافقونهم. مِثَاله: أَن يقر بِعشْرَة ثمَّ يسْتَثْنى مِنْهَا سَبْعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشَيْء، ثمَّ اسْتثْنى نصفه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَصح. وَاخْتلف أَصْحَاب أَحْمد فَقَالَ أَبُو بكر: لَا يَصح، وَظَاهر الْمَذْهَب صِحَّته. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بديون فِي مرض مَوته لأجانب لَا يتهم لَهُم وَعَلِيهِ دُيُون فِي الصِّحَّة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن اسْتِيفَاء حُقُوقهم. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يتخاصون. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبْدَأ بديون الصِّحَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمَرِيض فِي مرض مَوته لوَارِثه. فَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لَا يتهم لَهُ ثَبت، وَإِن كَانَ يتهم لَهُ لم يثبت وَصورته أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 يكون لَهُ بنت وَابْن وَأَخ، فَإِن أقرّ لإبن أَخِيه لم يتهم، وَإِن أقرّ لإبنه أتهم وَأَمْثَاله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ بَاطِل فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَعَن الشَّافِعِي: قَولَانِ، أشهرهما ثُبُوته فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ أحد الإبنين بِأَخ ثَالِث، وَكذبه الآخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْفع إِلَيْهِ الْمقر نصف مَا فِي يَده. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يدْفع إِلَيْهِ الْمقر ثلث مَا فِي يَده. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح الْإِقْرَار وَلَا يُشَارِكهُ فِي شَيْء أصلا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بعض الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت وَلم يصدقهُ الْبَاقُونَ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزم الْمقر مِنْهُم بِالدّينِ جَمِيع الدّين. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه من الدّين بِقدر حِصَّته من مِيرَاثه. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أشهرهما كمذهب مَالك وَأحمد، وَالْآخر كمذهب أبي حنيفَة. ذكره الْبُوَيْطِيّ عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بدين مُؤَجل وَأنكر الْمقر لَهُ الْأَجَل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: القَوْل قَول الْمقر مَعَ يَمِينه. وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَول الْمقر لَهُ مَعَ يَمِينه. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء دُيُونه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل فِي دُيُون الصِّحَّة دون دُيُون الْمَرَض. قَالَ مَالك: إِذا أقرّ فِي الْمَرَض يقبض دينه مِمَّن لآيتهم لَهُ قبل إِقْرَاره وَيرى من كَانَ عَلَيْهِ الدّين، سَوَاء كَانَ أَدَاة فِي الصِّحَّة أَو الْمَرَض. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقبل إِقْرَاره فِي ذَلِك وَيصدق فِي دُيُون الْمَرَض وَالصِّحَّة مَعًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا علق الْإِقْرَار بِالْمَشِيئَةِ فَقَالَ: لَهُ على ألف دِرْهَم إِن شَاءَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَالشَّافِعِيّ يبطل الْإِقْرَار بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه مَا أقرّ بِهِ مَعَ الِاسْتِثْنَاء وَلَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم فِي علمي، أَو قَالَ: فِيمَا أعلمهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه شَيْء. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يلْزمه مَا أقرّ بِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو قَالَ: لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا فِيمَا أَظن أَنه لَا يلْزمه شَيْء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: كَانَ لَهُ على ألف دِرْهَم وقضيتها، أَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن مَبِيع هلك قبل قَبضه وَكَانَ مَبِيعًا من شَرط ضَمَانه الْقَبْض، وَكَذَا لَو قَالَ: لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمن خمرًا أَو خنزيرا. وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: بَعثه بِشَرْط الْخِيَار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تسْقط الصِّلَة وَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَوْله فِي الْكل وَلَا يلْزمه شَيْء محتجا فِي ذَلِك بِمذهب ابْن مَسْعُود. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه مُوَافقَة مَالك وَأبي حنيفَة. تمّ بِحَمْد اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الْعَارِية اتَّفقُوا على أَن الْعَارِية وَهِي إِبَاحَة الْمَنَافِع بِغَيْر عوض جَائِزَة وقربة مَنْدُوب إِلَيْهَا. وَقد تكون من الماعون وَأَن للْمُعِير ثَوابًا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي ضَمَانهَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أَمَانَة غير مَضْمُونَة مَا لم يَتَعَدَّ مستعيرها كَالْوَدِيعَةِ. وَقَالَ مَالك: هِيَ كَالرَّهْنِ مِمَّا كَانَ مِنْهَا يُغَاب عَنهُ ويخفي هَلَاكه كالثياب والأثمان ضمن وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يخفي هَلَاكه كالأدر وَالْحَيَوَان لم يضمن. وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ مَضْمُونَة بِالْقَبْضِ بِكُل وَجه وَإِن تفي بِشَرْط ضَمَانهَا ضمنهَا أَيْضا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهب الشَّافِعِي، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن شَرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 الْمُسْتَعِير نفي الضَّمَان لم يضمن. وَاخْتلفُوا هَل للْمُسْتَعِير أَن يرجع فِيمَا استعاره مَتى شَاءَ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ أَن يستعيرها مَتى شَاءَ، وَإِن كَانَ الْمُسْتَعِير قد قَبضه وَإِن كَانَ لم ينْتَفع بِهِ أصلا. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت إِلَى أجل لم يكن للْمُعِير الرُّجُوع فِيهَا إِلَى انْقِضَاء الْأَجَل، وَهَكَذَا إِلَّا يملك الْمُعير استعادتها من الْمُسْتَعِير قبل أَن ينْتَفع بهَا. وَاخْتلفُوا هَل للْمُسْتَعِير أَن يعير الْعَارِية؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَهُ ذَلِك وَإِن لم يَأْذَن الْمَالِك إِذا كَانَ مِمَّا لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمُسْتَعْمل. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز إِلَّا بِإِذن الْمَالِك. وَلَيْسَ عَن الشَّافِعِي فِيهَا نَص، ولأصحابه وَجْهَان فِيهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمُسْتَعِير أَن يُؤجر مَا استعاره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 كتاب الْوَدِيعَة اتَّفقُوا على أَن الْوَدِيعَة أَمَانَة مَحْضَة وَأَنَّهَا من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا وَإِن فِي حفظهَا ثَوابًا، وَإِن الضَّمَان لَا يجب على الْمُودع إِلَّا بِالتَّعَدِّي وَأَن القَوْل قَول الْمُودع فِي التّلف وَالرَّدّ على الْإِطْلَاق مَعَ يَمِينه. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْمُودع قد قبضهَا بِبَيِّنَة. فَهَل يقبل قَوْله فِي ردهَا بِغَيْر بَيِّنَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يقبل قَوْله فِي ردهَا بِغَيْر بَيِّنَة. وَقَالَ مَالك: لَا يقبل قَوْله فِي ردهَا إِلَّا بِبَيِّنَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك. وَاتَّفَقُوا على أَنه مَتى طلبَهَا صَاحبهَا وَجب على الْمُودع أَن لَا يمْنَعهَا مَعَ الْإِمْكَان فَإِن لم يفعل فَهُوَ ضَامِن. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا طَالبه فَقَالَ: مَا أودعتني، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: ضَاعَت، فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 ضَامِن لِأَنَّهُ خرج عَن حد الْأَمَانَة بذلك، وَأَنه لَو قَالَ: مَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا ثمَّ قَالَ: ضَاعَت كَانَ القَوْل قَوْله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سلم الْوَدِيع الْوَدِيعَة لِعِيَالِهِ أَو لزوجته فِي دَاره. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: إِذا أودعها عِنْد من تلْزمهُ نَفَقَته لم يضمن وَإِن كَانَ من غير عذر. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى أودعها عِنْد غَيره من غير عذر فتاهت ضمن. واختلقوا فِيمَا إِذا سَافر الْمُودع وَالطَّرِيق غير مَأْمُون، هَل يجوز لَهُ أَن يودع الْوَدِيعَة غير الْحَاكِم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ أَن يودعها إِلَّا الْحَاكِم أَو عِيَاله. وَقَالَ مَالك: لَهُ إيداعها عِنْد ثِقَة من أهل الْبَلَد، وَإِن قدر على الْحَاكِم فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وَقَالَ أَحْمد: مَتى قدر على الْحَاكِم فَلَا يجوز لَهُ إيداعها عِنْد غَيره. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي على وَجْهَيْن لَهُم كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا. هَل يجوز لَهُ أَن يُسَافر بهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: إِذا سَافر بهَا وَالطَّرِيق آمن، وَلم يكن الْمُودع نَهَاهُ أَن يُسَافر بهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن تلفت. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِك على الْإِطْلَاق وَمَتى فعل فَتلفت ضمن. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بوديعة فِي يَده لنفسين لَا يعرف عين مَالِكهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: القَوْل قَوْله بِغَيْر يَمِين إِن لم يدعيا عَلَيْهِ الْعلم بمالكها فَإِن ادّعَيَا عَلَيْهِ الْعلم وَأنْكرهُ اسْتحْلف. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحْلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِكُل حَال على الْبَتّ أَنه مَا أودعهُ. وَقَالَ مَالك: يحلفهما وَيسلم إِلَيْهِمَا الْوَدِيعَة يقتسمانها وَهل يغرم لَهما مثل الْوَدِيعَة على رِوَايَتَيْنِ. وَاخْتلفُوا مَاذَا يصنع بهَا فِي كلا الْحَالين؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: توقف حَتَّى يتَبَيَّن أَمرهمَا إِلَّا أَن ينكل على الْيَمين لأَحَدهمَا فَيَقْضِي لَهُ بهَا. وَقَالَ أَحْمد: يقرع بَينهمَا فَمن وَقعت الْقرعَة عَلَيْهِ احْلِف أَنَّهَا لَهُ وسلمت أليه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقرع. وَاخْتلف قَوْله مَاذَا يصنع بهَا؟ على قَوْلَيْنِ مره قَالَ: تنْزع من يَد الْمُودع، ومره قَالَ: تقر فِي يَده حَتَّى يتَبَيَّن أمرهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أخرج الْمُودع من الْوَدِيعَة شَيْئا على نِيَّة الْجِنَايَة، فأنفقه ثمَّ أَنه ثاب إِلَيْهِ إيمَانه فَأَعَادَ مثله ثمَّ تلفت الْوَدِيعَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده بِعَينهَا لم يضمن، وَإِن رد مثله وَهُوَ يتَمَيَّز من الْبَاقِي فَتلفت الْوَدِيعَة كلهَا ضمن بِمِقْدَار مَا كَانَ أَخذ، وَإِن كَانَ الَّذِي أَعَادَهُ لَا يتَمَيَّز من الْبَاقِي فَتلفت الْوَدِيعَة ضمن الْجَمِيع. وَقَالَ مَالك: إِن ردهَا بعنها أَو مثلهَا إِن كَانَ لَهَا مثل لم يضمن، وَعنهُ أَنه يضمن. وَقَالَ الشَّافِعِي: يضمن على كل حَال. وَقَالَ أَحْمد فِيمَا رَوَاهُ الْخرقِيّ: يضمن بِقدر مَا كَانَ أَخذ وَإِن كَانَ رده أَو مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ صَاحب الْوَدِيعَة: ضعها فِي هَذَا الْبَيْت دون هَذَا الْبَيْت فَخَالف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَن وَضعهَا فِي بَيت آخر من الدَّار مسَاوٍ للْأولِ فِي الْحِرْز لم يضمن. وَإِن وَضعهَا فِي مَوضِع دون الأول فِي الْحِرْز أَو فِي دَار أُخْرَى ضمن. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يضمن مَعَ الْمُخَالفَة بِكُل حَال. وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من قَالَ: إِذا نقلهَا من بَيت إِلَى بَيت وَمن دَار إِلَى دَار مُسَاوِيَة لَهَا فِي الْحِرْز فَلَا ضَمَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أودع الْمُودع الْوَدِيعَة من غير إِذن الْمُودع وَمن غير ضَرُورَة فَتلفت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الضَّمَان على الأول. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للْمَالِك أَي لصَاحِبهَا تضمين أَيهمَا شَاءَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أودع رجل رجلا كيسا مَخْتُومًا أَو صندوقا مقفلاً فَحل الْكيس أَو فتح القفل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لاضمان عَلَيْهِ إِن تلف. وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ الضَّمَان. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: وجوب الضَّمَان. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أودع بَهِيمَة عِنْد إِنْسَان وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يلْزم الْمُودع أَن يعلفها أَو دَفعهَا للْحَاكِم ليتدين على صَاحبهَا مَا تحْتَاج إِلَيْهِ أَو يَبِيعهَا عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا، فَأن تَركهَا الْمُودع وَلم يفعل ذَلِك ضمن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه من ذَلِك شَيْء. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أودعهُ على شَرط الضَّمَان فَإِنَّهُ لَا يضمن وَالشّرط يَأْكُل. وَاخْتلفُوا فِي الْوَدِيعَة إِذا سرقت فَهَل للْمُودع أَن يُخَاصم سارقها من غير تَوْكِيل من الْمَالِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَيْسَ لَهُ أَن يُخَاصم إِلَّا أَن وَكله الْمَالِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ ذَلِك من غير تَوْكِيل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وجد لرجل بعد مَوته فِي دفتر حسابه بِخَطِّهِ لفُلَان بن فلَان عِنْدِي وَدِيعَة أَو على كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يجب الدّفع إِلَى من هُوَ مَكْتُوب باسمه مَا لم يكن من الْمَيِّت إِقْرَار بذلك. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يجب دفع ذَلِك كَمَا لَو أقرّ بِهِ فِي حَيَاته، وَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة الْمُتَأَخِّرين من قَالَ: يجب دفع ذَلِك كَمَا لَو أقرّ بِهِ. وَالْقَائِل هُوَ صاعد بن أَحْمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 كتاب الْغَصْب اتَّفقُوا على أَن الْغَصْب حرَام وَأَن الْغَصْب أَخذ بعدوان وقهر. قَالَ الله عز وَجل {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَن أعيبها وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا} وَاتَّفَقُوا على إِنَّه يجب على الْغَاصِب رد الْمَغْصُوب إِن كَانَت عينه قَائِمَة، وَلم يخف من نَزعهَا إِتْلَاف نفس. وَاتَّفَقُوا على أَن الْعرُوض وَالْحَيَوَان وكل مَا كَانَ غير مَكِيل أَو مَوْزُون يضمن إِذا غصب أَو تلف بِقِيمَتِه. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمكيل وَالْمَوْزُون إِذا غصب وَتلف ضمن بِمثلِهِ، إِذا وجد مثله. إِلَّا فِي أحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه يضمنهُ بِقِيمَتِه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا زَاد الْمَغْصُوب فِي بدنه أَو بتَعَلُّم صناعَة ثمَّ نقصت فِي يَد الْغَاصِب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يضمن هَذِه الزِّيَادَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يَأْخُذهُ صَاحبه، وَيَأْخُذ من الْغَاصِب قيمَة مَا زَاد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا غصب أمه فَوَطِئَهَا، أَن عَلَيْهِ الْحَد وَيجب عَلَيْهِ ردهَا إِلَى مَالِكهَا وارش مَا نَقصهَا الوطىء إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِن قِيَاس مذْهبه أَنه يجب الْحَد عَلَيْهِ وَلَا إرش عَلَيْهِ. فَإِن أولدها وَجب عَلَيْهِ رد أَوْلَادهَا وَكَانُوا رَقِيقا للْمَغْصُوب مِنْهُ وارش مَا نَقصهَا الْولادَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة ومالكا فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِن جبر الْوَلَد مَا نقصتها الْولادَة سد ذَلِك بذلك فَإِن بَاعهَا الْغَاصِب من آخر فَوَطِئَهَا الثَّانِي وَهُوَ يعلم أَنَّهَا مَغْصُوبَة فأولدها، ثمَّ اسْتحقَّت فَإِنَّهَا ترد إِلَى مَالِكهَا أَيْضا وَمهر مثلهَا ويفدي الثَّانِي أَوْلَاده بمثلهم وَيَكُونُونَ أحرارا وَيرجع بذلك كُله على الْغَاصِب عِنْد أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: يفْدي أَوْلَاده بقيمتهم لَا بمثلهم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب عَلَيْهِ - يَعْنِي الواطىء - الْعقر ويفدي أَوْلَاده بقيمتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 لَا بأمثالهم، وهم أَحْرَار بردهَا إِلَى مَالِكهَا وَيرجع بِقِيمَة الْوَلَد وَالثمن على الْغَاصِب وَلَا يرجع بالعقر عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: إِذا اشْتَرَاهَا من يَد الْغَاصِب فاستولدها ثمَّ اسْتحقَّت من يَده فمستحقها بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذهَا وَيَأْخُذ قيمَة وَلَدهَا وَلَا يسْتَحق غير ذَلِك لَا مهر وَلَا أرش أَو يُجِيز البيع وَيَأْخُذ قيمَة الْوَلَد. هَذَا قَول مَالك الأول وَعَلِيهِ جَمِيع أَصْحَابه، ثمَّ نقل عَن مَالك الرُّجُوع عَن ذَلِك فَقَالَ: يَأْخُذ قيمَة الْوَلَد وَقِيمَة الْأُم فعلى القَوْل الأول إِذا أَخذهَا وَقِيمَة الْوَلَد فَإِنَّهُ يرجع على الْغَاصِب بِقِيمَتِهَا لَا بِقِيمَة الْوَلَد لِأَن الْوَلَد لَيْسَ من جِنَايَة الْغَاصِب وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة هُوَ مُخَيّر بَين أَن يرجع بأوفى الغرمين من قيمتهَا أَو الثّمن وَالْولد حر على كل حَال. وَاخْتلفُوا فِيمَن فَقَأَ عين فرس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهَا ربع الْقيمَة وَفِي الْعَينَيْنِ جَمِيع الْقيمَة وَترد على الْجَانِي مَعِيبَة إِن اخْتَار الْمَالِك الْقيمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء مُقَدّر بل مَا نقص. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: فِيهَا ربع الْقيمَة، وَفِي الْعَينَيْنِ مَا نقص، وَالْأُخْرَى فِي الْجَمِيع مَا نقص كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جنا رجل على عبد جِنَايَة توجب قِيمَته كَقطع الْيَدَيْنِ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لصَاحب العَبْد إِمْسَاكه وَأخذ قِيمَته من الْجَانِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمولي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم العَبْد إِلَى الْجَانِي وَأخذ قِيمَته مِنْهُ، وَإِن شَاءَ أمْسكهُ هُوَ وَلَيْسَ على الْجَانِي حِينَئِذٍ شَيْء. وَاخْتلفُوا فِي مَنَافِع الْغَصْب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ غير مضمونه. وَعَن مَالك رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: وجوب الضَّمَان فِي الْجُمْلَة، وَالثَّالِثَة التَّفْرِقَة بَين مَا إِذا كَانَت دَارا فسكنها الْغَاصِب بِنَفسِهِ لم يقمن وَإِن أكراها ضمن وعَلى ذَلِك إِن كَانَت حَيَوَانا فَرَكبهُ لم يضمن كالعقار وَإِن أكراه ضمن. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا يجب الضَّمَان فِي الْحَيَوَان جمله فَأَما إِذا كَانَ قصد الْغَاصِب الْمَنَافِع لَا الْأَعْيَان وَنَحْو الَّذين يسخرون دَوَاب النَّاس فَإِنَّهُ يُوجب ضَمَان الْمَنَافِع على غاصبها رِوَايَة وَاحِدَة مَعَ كَون الْمَالِك مُخَيّر بَين إِلْزَام الْغَاصِب بِقِيمَة أصل الْعين كملا أَو تضمين الْمَنَافِع ورد الْعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ مَضْمُونَة. وَاخْتلفُوا فِيمَن غصب عقارا فَتلف فِي يَده، إِمَّا بهدم أَو غشيان أَو سيل أَو حريق. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضمن الْقيمَة، وَرَأى أَبُو حنيفَة أَنه إِذا لم يكن ذَلِك بِكَسْبِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا غصب أَرضًا فزرعها وأدركها رَبهَا قبل أَن يَأْخُذ الْغَاصِب الزَّرْع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ إِجْبَاره على الْقلع. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ وَقت الزَّرْع لم يفت. فللمالك إِجْبَار الْغَاصِب على قلعه وَإِن كَانَ وَقت الزَّرْع قد فَاتَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَهُ قلعه، وَالثَّانيَِة: لَيْسَ لَهُ قلعة، وَله أُجْرَة الأَرْض وَهِي الْمَشْهُورَة. وَقَالَ أَحْمد: إِن شَاءَ صَاحب الأَرْض أَن يقر الزَّرْع فِي أرضه للْغَاصِب إِلَى وَقت الْحَصاد وَله أُجْرَة الأَرْض وَمَا نَقصهَا الزَّرْع وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَاره على قلعه بِغَيْر عوض، وَإِن شَاءَ رفع إِلَيْهِ قيمَة الزَّرْع وَكَانَ الزَّرْع لصَاحب الأَرْض وَعنهُ فِيمَا يدْفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 إِلَيْهِ من قيمَة الزَّرْع أَو قدر مَا أنْفق على الزَّرْع رِوَايَتَانِ. وَاخْتلفُوا فِي الْغَاصِب إِذا غير الْمَغْصُوب عَن صفته بِحَيْثُ يَزُول الإسم وَأكْثر الْمَنَافِع الْمَقْصُورَة نَحْو أَن يغصب شاه فيذبحها أَو يشويها أَو يطبخها أَو حنطه فيطبخها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَنْقَطِع حق الْمَغْصُوب مِنْهُ بذلك وَيجب على الْغَاصِب أَن يتَصَدَّق بهَا لِأَنَّهُ ملكهَا ملكا حَرَامًا. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ، عَن أَحْمد: لَا يَنْقَطِع حق الْمَغْصُوب مِنْهُ بذلك وَهِي لمَالِكهَا وَيلْزم الْغَاصِب أرش النَّقْص. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك: الْمَالِك مُخَيّر بَين أَن يَأْخُذ بالأعيان الْمَوْجُودَة وَلَا شَيْء لَهُ سواهَا وَبَين أَن يغرمه الْقيمَة أَكثر مَا كَانَت. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فتح القفص عَن الطَّائِر فطار أَو حل عقال الْبَعِير فشرد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ضَمَان عَلَيْهِ على كل حَال سَوَاء أخرج عَقِيبه أَو متراخيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: فِي الْقَدِيم لَا ضَمَان وَقَالَ مَالك وَأحمد: عَلَيْهِ الضَّمَان مُطلقًا سَوَاء أخرج عَقِيبه أَو متراخيا. وَعَن الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: إِنَّه إِن طَار عقيب الْفَتْح وَجب الضَّمَان، وَإِن وقف ثمَّ طَار لم يضمن. وَاخْتلفُوا على أَنه من غصب ساحة فَأدْخلهَا فِي مركبه وطالبه بهَا مَالِكهَا وَهُوَ فِي اللجة أَنه لَا يجب قلعهَا. ويحكى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: يُؤمر بِأَن يرس بأقرب المراس عِنْده، ثمَّ يرد الساحة إِلَى مَالِكهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا غصب ساحة فَبنى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ ينقص الْبَانِي بناه وَيرد الساحة إِلَى مَالِكهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن غصب أُجْرَة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَنه يجب عَلَيْهِ نقضهَا ورد عينهَا إِلَى مَالِكهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه قيمتهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ نقض الْبناء. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا غصب خيطا فخيط بِهِ جرحه فخاف على نَفسه التّلف إِن هُوَ نَزعه أَنه لَا يلْزمه سوى الْقيمَة لأجل الْخَوْف على النَّفس. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وهب الْغَاصِب مَا غصب فَتلف فِي يَد الْمَوْهُوب لَهُ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضمن أَيهمَا شَاءَ إِلَّا أَنه إِن ضمن الْمَوْهُوب لَهُ رَجَعَ على الْغَاصِب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَيهمَا ضمن لم يرجع على الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أراق على ذمِّي خمرًا أَو قتل خنزيرا فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يضمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 كتاب الشُّفْعَة وَاتَّفَقُوا على أَن الشُّفْعَة تجب للخليط. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا طرقت الطّرق وحدت الْحُدُود فَهَل يسْتَحق الشُّفْعَة بالجوار؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا شُفْعَة بالجوار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب الشُّفْعَة. قَالَ اللغويون: وَالشُّفْعَة معروفه عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ القتببي: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ بيع منزل أَو حَائِط أَتَاهُ الْجَار وَالشَّرِيك والصاحب يشفع إِلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فيشفعه وَجعله أولى بِهِ مِمَّن بعد مِنْهُ فسميت شفعه وَسمي طالبها شَفِيعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَاخْتلفُوا مَتى يسْتَحق الشَّفِيع الشُّفْعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يثبت عِنْد البيع للشَّفِيع حق الطّلب فَإِن طلب وَقت علمه بِالْبيعِ. وَمن المُشْتَرِي وَكم الثّمن وَحضر عِنْد المُشْتَرِي أَو عِنْد الْعقار وَأشْهد عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ أَو عِنْد البَائِع إِن كَانَ الْمَبِيع فِي حَقه اسْتَقر حَقه وَتثبت لَهُ ولَايَة الْأَخْذ والنسخ وَلَا يملك الْمَبِيع إِلَّا بِالْأَخْذِ إِمَّا بِتَسْلِيم المُشْتَرِي أَو بِحكم الْحَاكِم، فَإِن رَضِي بِالْبيعِ لم يثبت لَهُ حق. وَهل يكون طلبَهَا على الْفَوْر أَو على التَّرَاخِي؟ وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة على رِوَايَتَيْنِ، أحداهما: على الْفَوْر حَتَّى إِن علم وَسكت هنيهة وَطلب فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: مَا دَامَ قَاعِدا فِي ذَلِك الْمجْلس فَلهُ أَن يُطَالب بِالشُّفْعَة مَا لم يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يدل على الْإِعْرَاض من الْقيام أَو الِاشْتِغَال بشغل آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَاخْتلف عَن مَالك فِي انقطاعها للحاضر على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: أَنَّهَا تَنْقَطِع بعد سنة، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تَنْقَطِع إِلَّا بِأَن يَأْتِي عَلَيْهِ من الزَّمَان مَا يعلم أَنَّهَا تَارِك لَهَا، فَأَما طلبَهَا عِنْده فعلى التَّرَاخِي. وَاخْتلف أَقْوَال الشَّافِعِي فِي ذَلِك، فَقَالَ فِي الْقَدِيم: إِنَّهَا على التَّرَاخِي، لَا تسْقط أبدا حَتَّى يُسْقِطهَا صَاحبهَا بِالْعَفو صَرِيحًا أَو مَا يدل على الْعَفو. وَقَالَ فِي الْجَدِيد: أَنَّهَا على الْفَوْر، فَمَتَى أخر ذَلِك من غير عذر فَلَا شفعه لَهُ وَإِن طَالب فِي الْمجْلس وَهَذَا هُوَ الَّذِي ينصره أَصْحَابه. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن مَضَت فَلم يُطَالب بهَا سَقَطت. وَالْقَوْل الرَّابِع: إِن حَقه ثَابت إِلَى أَن يرفعهُ المُشْتَرِي إِلَى الْحَاكِم ليجبره على الْأَخْذ أَو الْعَفو. وَاخْتلف عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: هِيَ على الْفَوْر فَمَتَى لم يُطَالب بهَا فِي الْحَال سَقَطت. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنَّهَا موقته بِالْمَجْلِسِ. وَالثَّالِثَة: أَنَّهَا على التَّرَاخِي فَلَا تبطل أبدا حَتَّى يعْفُو أَو تطالب. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الشَّفِيع غَائِبا فَلهُ إِذا قدم الْمُطَالبَة بِالشُّفْعَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَلَو تنَاول الْمَبِيع جمَاعَة وَكَذَلِكَ الصَّغِير إِذا كبر وَهَذَا إِذا طَالب وَقت علمه أَو أشهد على نَفسه بالمطالبة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بنى المُشْتَرِي فِي الشّقص الْمَشْفُوع ثمَّ أستحق عَلَيْهِ بِالشُّفْعَة. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للشَّفِيع أَن يُعْطِيهِ قيمَة بنائِهِ إِلَّا أَن يَشَاء المُشْتَرِي أَن يَأْخُذ بنائِهِ فَلهُ ذَلِك إِذا لم يكن فِيهِ ضَرَر، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَار المُشْتَرِي على الْقلع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للشَّفِيع إِجْبَار المُشْتَرِي على قلع بنائِهِ. وَاخْتلفُوا هَل يجوز الاحتيال لإِسْقَاط الشُّفْعَة مثل أَن يَبِيع سلْعَة مَجْهُولَة عِنْد من يرى ذَلِك مسْقطًا للشفعة، أَو بِأَن يقر لَهُ بِبَعْض الْملك ثمَّ يَبِيعهُ الْبَاقِي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَأحمد لَيْسَ لَهُ ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت دَار بَين جمَاعَة، وهم ذُو سِهَام مُتَفَاوِتَة فَبيع مِنْهَا حِصَّة فَهَل تكون الشُّفْعَة فِيهَا على قدر السِّهَام أَو على عدد الرؤوس؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَنَّهَا على قدر الرؤوس. وَقَالَ مَالك هِيَ على قدر السِّهَام. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي عُهْدَة الشَّفِيع هَل هِيَ على البَائِع أم على المُشْتَرِي؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: على المُشْتَرِي. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ على المُشْتَرِي سَوَاء أَخذه من يَد البَائِع أَو من يَد المُشْتَرِي. وَاخْتلفُوا هَل تورث الشُّفْعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تورث وَإِن كَانَ الْمَيِّت طَالب بهَا إِلَّا أَن يكون الْحَاكِم حكم لَهُ بهَا ثمَّ مَاتَ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تورث بِكُل حَال. وَقَالَ أَحْمد: لَا تورث إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت طَالب بهَا. وَاخْتلفُوا هَل للذِّمِّيّ شُفْعَة على الْمُسلم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَهُ الشُّفْعَة. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ لَهُ شُفْعَة على الْمُسلم. وَاخْتلفُوا هَل تثبت الشُّفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم كالرحى وَالْحمام؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تثبت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تثبت. وأختلف عَن مَالك وَأحمد على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: لَا تثبت، وَالْأُخْرَى: تثبت. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعَ بِثمن مُؤَجل، فَهَل يَأْخُذهُ الشَّفِيع بِثمن حَال أَو مُؤَجل؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْجَدِيد: يَأْخُذهُ بِثمن حَال أَو يصبر حَتَّى يَنْقَضِي الْأَجَل. وَقَالَ فِي الْقَدِيم: يَأْخُذهُ بِثمن مُؤَجل فِي الْحَال وَإِلَّا يتْرك. وَعَن الشَّافِعِي قَول ثَالِث: أَنه يَأْخُذهُ سلعه تَسَاوِي الثّمن إِلَى ذَلِك الْأَجَل. وَقَالَ مَالك وَأحمد: إِن كَانَ مَلِيًّا ثِقَة أَخذه بِالثّمن الْمُؤَجل وَإِن لم يكن مَلِيًّا ثِقَة أَتَى بكفيل ملي ثِقَة فيكفله ثمَّ يَأْخُذهُ بِالثّمن الْمُؤَجل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى شِقْصا وَوَقفه. فَهَل يسْقط الشُّفْعَة فِيهِ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ: لَا تسْقط الشُّفْعَة، وَزَاد أَبُو حنيفَة بِأَن قَالَ: وَلَو جعله مَسْجِدا لم يسْقط الشُّفْعَة، وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه وَأحمد: تسْقط الشُّفْعَة. وَاخْتلفُوا فِي الْمَوْهُوب والمتصدق بِهِ هَل يثبت فِيهِ الشُّفْعَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: تثبت الشُّفْعَة فِيهِ، وَالْأُخْرَى: تسْقط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 كتاب الْإِجَارَة اتَّفقُوا على أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود الْجَائِزَة الشَّرْعِيَّة وَهِي تمْلِيك الْمَنَافِع بِالْعِوَضِ، وَإِن من شَرط صِحَّتهَا أَن تكون الْمَنْفَعَة والعوض معلومين. وَاخْتلفُوا هَل تملك الْأُجْرَة بِنَفس العقد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تملك بِالْعقدِ وَتجب على آخر كل يَوْم بِقسْطِهِ من الْأُجْرَة. وَقَالَ مَالك: لَا يملك الْمُطَالبَة بهَا إِلَّا يَوْمًا بِيَوْم فَأَما الْأُجْرَة فقد ملكت بِالْعقدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: تملك الْأُجْرَة بِنَفس العقد وتستحق بِالتَّسْلِيمِ وتستقر بِمُضِيِّ الْمدَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَارا كل شهر بِشَيْء مَعْلُوم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَصح الْأُجْرَة فِي الشَّهْر الأول وَتلْزم. وَأما مَا عداهُ من الشُّهُور فتلزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تبطل الْإِمَارَة فِي الْجَمِيع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر مِنْهُ شهر رَمَضَان فِي شهر رَجَب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح العقد وَوَافَقَهُمَا أَحْمد على ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا هَل تصح الْإِجَارَة على مُدَّة تزيد على سنة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز. وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال، أظهرها: لَا تصح أَكثر من سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَعنهُ يجوز إِلَى ثَلَاثِينَ سنة. وَعنهُ يجوز أَكثر من سنة بِغَيْر تَقْدِير. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حول الْمَالِك وَالْمُسْتَأْجر فِي أثْنَاء الشَّهْر. فَقَالُوا لَهُ أُجْرَة مَا سكن إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أُجْرَة لَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ: إِن تحول السَّاكِن لم يكن لَهُ أَن يسْتَردّ أُجْرَة مَا بَقِي، فَإِن أخرجته يَد غالبة كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَة مَا سكن. وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْمُسْتَأْجرَة هَل يجوز لمَالِكهَا بيعهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تبَاع إِلَّا بِرِضا الْمُسْتَأْجر أَو يكون عَلَيْهِ دين يحْبسهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ فيبيعها عَلَيْهِ فِي دينه. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز بيعهَا من الْمُسْتَأْجر وَغَيره ويتسلمها المُشْتَرِي إِذا كَانَ غير الْمُسْتَأْجر بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْمشَاع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح إِجَارَة الْمشَاع إِلَّا من الشَّرِيك. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تصح على الْإِطْلَاق. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تصح على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: تصح، اخْتَارَهَا أَبُو حَفْص العكبراوي. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاسْتِئْجَار لِاسْتِيفَاء الْقصاص فِي النَّفس، وَفِيمَا دون النَّفس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح الِاسْتِئْجَار على الْقصاص فِي النَّفس وَقتل أهل الْحَرْب وَيصِح فِيمَا دون النَّفس. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز فِيمَا دون النَّفس، وَفِي النَّفس أَيْضا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل تجب الْأُجْرَة على الْمُقْتَص مِنْهُ أَو على الْمُقْتَص لَهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ على الْمُقْتَص لَهُ إِذا كَانَ فِي الطّرف وَفِيمَا دون النَّفس وَمَا فَوق ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار فِيهِ أصلا بِنَاء على مذْهبه. وَقَالَ مَالك: هِيَ على الْمُقْتَص مِنْهُ لَهُ فِي الْجَمِيع ثَابتا على أَصله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ على الْمُقْتَص مِنْهُ فِي الْجَمِيع. وَاخْتلفُوا هَل للْمُسْتَأْجر فسخ عقد الْإِجَارَة من غير عذر يخْتَص بِهِ كَمَرَض أَو غَيره؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْمُسْتَأْجر الْفَسْخ بِعُذْر يلْحقهُ مثل أَن يمرض أَو يَحْتَرِق مَتَاعه أَو غير ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك وَهِي لَازمه من الطَّرفَيْنِ لَا يجوز لأحد مِنْهُمَا فَسخهَا إِلَّا أَن يمْتَنع اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة من عيب فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا هَل تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل وَإِن لم يتَعَذَّر اسْتِيفَاء الْمَنَافِع وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الْأُجْرَة على الْقرب كتعليم الْقُرْآن وَالْحج وَالْأَذَان والإمامة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج وَالْأَذَان فَأَما الْإِمَامَة فَإِن أفردها وَحدهَا لم يجز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا، وَإِن جمعهَا مَعَ الْأَذَان جَازَ وَكَانَت الْأُجْرَة على الْأَذَان لَا على الصَّلَاة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج. فَأَما الْإِمَامَة فِي الْفُرُوض فَلَا يجوز ذَلِك فِيهَا ولأصحابه فِي جَوَاز ذَلِك فِي التَّرَاوِيح وَجْهَان. وَفِي الْأَذَان ثَلَاثَة أوجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَاخْتلفُوا فِي أُجْرَة الْحجام. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: يجوز وَيُبَاح للْحرّ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز فَإِن أَخذهَا من غير شَرط وَلَا عقد عَلفهَا ناضحة، وأطعمها رقيقَة، وَهُوَ حرَام فِي حق الْحر. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤجر الْعين الْمُسْتَأْجرَة بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجرهَا بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا أَن يكون قد أحدث فِيهَا شَيْئا فَإِن لم يكن أحدث فِيهَا شَيْئا لم يكن لَهُ أَن يكْرِي بِزِيَادَة، فَإِن أكرى تصدق بِالْفَضْلِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز سَوَاء أصلح فِي الْعين شَيْئا أَو بنى فِيهَا بِنَاء أَو لم يفعل. وَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: كمذهب أبي حنيفَة، وَالثَّانيَِة: كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالثَّالِثَة: لَا تجوز إِجَارَتهَا بِزِيَادَة بِحَال، وَالرَّابِعَة: يجوز ذَلِك بِإِذن الْمُؤَجّر، وَلَا يجوز بِغَيْر إِذْنه. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الْخَادِم والظئر بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز فِي الظِّئْر دون الْخَادِم. وَقَالَ مَالك: يجوز فيهمَا جَمِيعًا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فيهمَا جَمِيعًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا الْجَوَاز فيهمَا كَقَوْل مَالك، وَالْأُخْرَى: الْمَنْع فيهمَا كَقَوْل الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الْكتب للنَّظَر فِيهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك هَل يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِيمَا جنت يَده؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يضمن مَا جنت يَده. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ إِحْدَاهمَا لَا يضمن، وَالْآخر: يضمن. وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك: هَل يضمن مَا لم تجن يَده؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لاضمان عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الضَّمَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ: لاضمان عَلَيْهِ كمذهب أبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى: يضمن كمذهب مَالك، وَالثَّالِثَة: إِن كَانَ إهلاكه بِمَا لَا يُسْتَطَاع مِنْهُ الِامْتِنَاع كالحريق واللصوص وَمَوْت الْبَهِيمَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِأَمْر خَفِي يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهُ ضمن. وَاتَّفَقُوا على أَن الرَّاعِي مَا لم يَتَعَدَّ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضرب الْبَهِيمَة الْمُسْتَأْجرَة الضَّرْب الْمُعْتَاد فَهَلَكت. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ضَمَان وَوَافَقَهُمَا أَحْمد على ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن وَأَن كَانَ ضربا مُعْتَادا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عقد مَعَ حمال على حمل مائَة رَطْل ثمَّ أكل مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: كلما أكل مِنْهُ ترك عوضه. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه: لَيْسَ لَهُ أَن يتْرك عوضه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة فَهَل لَهُ أَن يؤجرها لغيره؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز إِلَّا لمن يُسَاوِيه فِي معرفَة الرّكُوب. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز لَهُ أَن يؤجرها لمن يُسَاوِيه فِي الطول وَالسمن. وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يكريها من مثله فِي رفْقَة يسيرَة. وَاخْتلفُوا فِيمَن صَمد نَفسه للمعاش من غير عقد الْإِجَارَة كالملاح والحلاق. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يسْتَحق كل مِنْهُم الْأُجْرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق الْأُجْرَة من غير عقد وَلم نجد عِنْد أبي حنيفَة نصا بل قَالَ أَصْحَابه الْمُتَأَخّرُونَ: إِنَّهُم يسْتَحقُّونَ الْأُجْرَة. وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْحلِيّ الذَّهَب بِالذَّهَب، أَو الْفضة بِالْفِضَّةِ هَل يكره؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكره. وَكَرِهَهُ أَحْمد. وَاخْتلفُوا فِي كرى الأَرْض بِالثُّلثِ وَالرّبع وَمِمَّا يخرج مِنْهَا. فَقَالُوا: لَا يَصح. إِلَّا أَحْمد فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أظهرهمَا جَوَازه. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرعها حِنْطَة فَلهُ أَن يؤجرها حِنْطَة، وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 ضَرَره بهَا ضَرَر الْحِنْطَة. وَاخْتلفُوا فِي الرجل يسْتَأْجر زَوجته لرضاع وَلَده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح، وَزَاد مَالك فَقَالَ: تجبر على ذَلِك إِلَّا أَن تكون شريفة لَا يرضع مثلهَا. وَقَالَ أَحْمد: يَصح. وَاخْتلفُوا فِيمَن اكترى بَهِيمَة إِلَى أمد فجاوزه فعطبت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة إِلَى الْموضع الْمُسَمّى وَعَلِيهِ قيمتهَا، وَلَا أُجْرَة فِيمَا جاوزه. وَقَالَ مَالك: صَاحبهَا بعد تلفهَا بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمنهُ الْقيمَة بِلَا أُجْرَة أَو أُجْرَة الْمثل بِلَا قيمَة بعد أَن يُؤَدِّي الْأُجْرَة الأولى. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ الْمُسَمّى وَأُجْرَة مَا تعدى وَقيمتهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ليُصَلِّي فِيهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجوز أَن يُؤجر الرجل دَاره مِمَّن يتخذها مصلى مُدَّة مَعْلُومَة، ثمَّ تعود إِلَيْهِ ملكا، وَله الْأُجْرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك وَلَا أُجْرَة لَهُ. قَالَ الْوَزير: وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة مبْنى على أَن الْقرب عِنْده لَا تُؤْخَذ عَلَيْهِ أُجْرَة، وَهُوَ من محَاسِن أبي حنيفَة لَا يعاب عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا هَل يجوز اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثًا فِي الْإِجَارَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز، وَسَوَاء أَكَانَت على مده أم فِي الذِّمَّة؟ وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فِي الْمدَّة قولا وَاحِدًا، وَفِي الذِّمَّة على قَوْلَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن العقد فِي الْإِجَارَة إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْمَنْفَعَةِ دون الرّقية خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 فأجازها مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا ومنعها أَبُو حنيفَة. وَاتفقَ مجيزوها فِي الْجُمْلَة أَنَّهَا تجوز فِي النّخل وَالْكَرم. ثمَّ اخْتلفُوا فِي بَقِيَّة الشّجر وَالْأُصُول الَّتِي لَهَا ثَمَرَة والرطاب. فأجازها مَالك وَأحمد وَللشَّافِعِيّ فِيهَا قَولَانِ. وَاخْتلفُوا هَل تجوز الْمُسَاقَاة على ثَمَرَة مَوْجُودَة؟ فَقَالَ مَالك: يجوز مَا لم تزهو، فَإِذا زهت وَجَاز بيعهَا فَإِنَّهُ لَا يجوز الْمُسَاقَاة قولا وَاحِدًا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنَّهَا لَا تجوز. وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: الْجَوَاز كمذهب مَالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَاخْتلفُوا فِي الْجذاذ فِي الْمُسَاقَاة على من هُوَ؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. عَن أَحْمد: جَمِيعه على الْعَامِل. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ على الْعَامِل وَصَاحب النّخل جَمِيعًا وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن. وَاخْتلفُوا فِي جُزْء الْعَامِل فِي الْمُسَاقَاة إِذا اخْتلف فِيهِ الْعَامِل وَصَاحب النّخل. فَقَالَ مَالك: القَوْل قَول الْعَامِل مَعَ يَمِينه. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان، وللعامل على أُجْرَة الْمثل. وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَول الْمَالِك. وَاخْتلفُوا فِي الْمُزَارعَة وَهِي أَن يدْفع الرجل أرضه الْبَيْضَاء إِلَى آخر يَزْرَعهَا بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض، شَرط أَن يكون الْبذر من صَاحب الأَرْض وَلَا يرتجع بذره فَمنعهَا على هَذِه الصّفة أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأجازها أَحْمد وَحده مِنْهُم. وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد، إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف رُوِيَ عَنهُ: أَنه إِن اشْترط على أَن يكون الْبذر يرتجعه وسطا من بذره وَيقسم الْبَاقِي، جَازَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَسَوَاء كَانَ الْبذر لِلْعَامِلِ أَو لَهما. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأَرْض فِيهَا نخل هَل تجوز الْمُزَارعَة فِيهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور؟ فَمنعهَا أَبُو حنيفَة على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ تبعا لِلْأُصُولِ جَازَت الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة. وأجازها الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا أَن الشَّافِعِي اشْترط أَن يكون الْبيَاض يَسِيرا. بَاب أَحيَاء الْموَات اتَّفقُوا على جَوَاز إحْيَاء الأَرْض الْميتَة الْعَارِية. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يشْتَرط فِي ذَلِك إِذن الإِمَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحْتَاج إِلَى إِذْنه. وَقَالَ مَالك: مَا كَانَ فِي الفلاة وَحَيْثُ لَا يتساح النَّاس فِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الإِمَام. وَمَا كَانَ قَرِيبا من الْعمرَان وَحَيْثُ يتساح النَّاس فِيهِ أفتقر إِلَى إِذن الإِمَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يفْتَقر إِلَى إِذن الإِمَام. وَاخْتلفُوا فِي أَرض كَانَت للْمُسلمين مَمْلُوكَة، ثمَّ باد أَهلهَا وَخَربَتْ هَل يملك بِالْإِحْيَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تملك بذلك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تملك. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تملك. وَاخْتلفُوا بِأَيّ شَيْء يملك الأَرْض وَيكون إحْيَاء لَهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: بتحجيرها وَإِن لم يتَّخذ لَهَا مَاء، وَفِي الدَّار بتحويطها، وَإِن لم يسقفها. وَقَالَ مَالك: مَا يعلم بِالْعَادَةِ أَنه إحْيَاء لمثلهَا من بِنَاء وغراس وحفر بِئْر وَغير ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت للزَّرْع فيزرعها، واستخراج مَاء لَهَا، وَأَن كَانَت للسُّكْنَى فيقطعها بُيُوتًا وتسقيفها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَاخْتلفُوا فِي حَرِيم الْبِئْر الْعَارِية. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت تَسْقِي الْإِبِل المَاء فحريمها أَرْبَعُونَ ذِرَاعا، لأجل عطن الْإِبِل وَهِي مباركة عِنْد وُرُودهَا، وَإِن كَانَت للناضح فستون ذِرَاعا وَإِن كَانَت عينا فثلاثمائة ذِرَاع، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: خَمْسمِائَة ذِرَاع من أَرَادَ أَن يحْفر فِي حريمها منع مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَيْسَ لذَلِك حد مُقَدّر والمرجع فِيهِ إِلَى الْعرف. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَت فِي أَرض موَات فخمسة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا، وَإِن كَانَت فِي أَرض عاديه فخمسون، وَإِن كَانَت عينا فخمسمائة ذِرَاع. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز للْإِمَام أَن يحمي الْحَشِيش من أَرض الْموَات لإبل الصدفة. وخيل الْمُجَاهدين، وَنعم الْجِزْيَة والضوال إِذا احْتَاجَ إِلَيْهَا، وَرَأى فِيهَا الْمصلحَة خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا فِي الْحَشِيش إِذا نبت فِي أَرض مَمْلُوكَة هَل يملكهُ صَاحبهَا بملكها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملكهُ وكل من أَخذه فَهُوَ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وَقَالَ الشَّافِعِي: يملكهُ بِملكه الأَرْض. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الأَرْض محوطة ملكهَا صَاحبهَا وَإِن كَانَت غير محوطة لم يملكهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا يفضل عَن حَاجَة الْإِنْسَان وبهائمه وزرعه من المَاء فِي بِئْر أَو نهر. فَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الْبِئْر أَو النَّهر فِي الْبَريَّة فمالكها أَحَق بِمِقْدَار حَاجته مِنْهَا وبذل مَا فضل من ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِ وَإِن كَانَت فِي حَائِطه فَلَا يلْزمه الْفضل إِلَّا أَن جَاره زرع على بِئْر فانهدمت أَو عين فغارت، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ بذل الْفضل لَهُ إِلَى أَن يصلح جَاره بِئْر نَفسه أَو عينه، فَإِن تهاون جَاره بإصلاح ذَلِك لم يلْزمه أَن يبْذل لَهُ وَبعد الْبَذْل لَهُ هَل يسْتَحق عوضه؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي: يلْزمه بذله للشُّرْب للنَّاس وَالدَّوَاب من غير عوض، وَلَا يلْزم للمزارع، وَله أَخذ الْعِوَض عَنهُ فِيهَا إِلَّا أَنه يسْتَحبّ لَهُ بذله بِغَيْر عوض. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه يلْزمه بذله من غير عوض للماشية وَالسّفر مَعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَلَا يحل لَهُ مَنعه، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَمن وَافقه من الشَّافِعِيَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن الأَرْض إِذا كَانَت أَرض ملح أَو مَاء للْمُسلمين فِيهِ الْمَنْفَعَة. فَأَنَّهُ لَا يجوز للْمُسلمِ أَن ينْفَرد بهَا. بَاب الْوَقْف اتَّفقُوا على جَوَاز الْوَقْف. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يلْزم أَن يتَّصل بِهِ حكم حَاكم أَو يُخرجهُ مخرج الْوَصَايَا؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَصح بِغَيْر هذَيْن الوصفين وَيلْزم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا بِوُجُود إحدهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَاخْتلفُوا هَل ينْقل الْملك الْمَوْقُوف إِلَى من وقف عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَزُول عَن ملك الْوَاقِف لَا إِلَى مَالك وَهُوَ مَحْبُوس على حكم ملكه حَتَّى يعْتَبر شُرُوطه. وَعَن رِوَايَة أُخْرَى: ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى. وَقَالَ مَالك وَأحمد: ينْتَقل إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِم. وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال ثَلَاثَة: إحدها كمذهب مَالك وَأحمد، وَالثَّانِي: هُوَ على ملك الْوَاقِف. وَالثَّالِث: ينْتَقل إِلَى الله. وَاتَّفَقُوا على أَن وقف الْمشَاع جَائِز. وَاتَّفَقُوا على إِن كل مَا لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا بإتلافه كالذهب وَالْفِضَّة والمأكول لَا يَصح وَقفه. وَاخْتلفُوا فِي وقف مَا ينْقل ويحول وَيصِح الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح ذَلِك. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يَصح وَالْأُخْرَى: لَا يَصح، وَالْمَشْهُور مِنْهُمَا عِنْد أَصْحَابه صِحَّته ولزومه، فَأَما فِي الْخَيل المحبوسات فِي سَبِيل الله فَإِنَّهَا يَصح إحباسها رِوَايَة وَاحِدَة عَنهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يَصح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على غَيره وَاسْتثنى أَن ينْفق على نَفسه مِنْهُ مُدَّة حَيَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يَصح الشَّرْط. وَقَالَ أَحْمد: يَصح وَلَيْسَ فِي أبي حنيفَة نَص عَن هَذِه الْمَسْأَلَة. وَاخْتلف صَاحِبَاه فَقَالَ أَبُو يُوسُف كَقَوْل أَحْمد. وَقَالَ مُحَمَّد كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على عقبه أَو على نَسْله، أَو على وَلَده، أَو على ذُريَّته، أَو على ولد وَلَده لصلبه، هَل يدْخل فِيهِ ولد الْبَنَات؟ وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد: لَا يدْخلُونَ. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف: يدْخلُونَ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا قَالَ وقفت على عَقبي لَا يدْخل فِيهِ ولد الْبَنَات، وَإِن قَالَ: على ولد وَلَدي فِي الْمَشْهُور من مذْهبه أَنهم لَا يدْخلُونَ. وَقَالَ الْخفاف: مَذْهَب أبي حنيفَة أَنهم يدْخلُونَ وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد. وَأما النَّسْل والذرية فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أحزب الْوَقْف لم يعد إِلَى ملك الْوَاقِف. ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مثله، وَإِن كَانَ مَسْجِدا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يبْقى على حَاله وَلَا يُبَاع. وَقَالَ أَحْمد: يجوز بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مثله وَفِي الْمَسْجِد إِذا كَانَ لَا يُرْجَى عوده كَذَلِك. وَلَيْسَ عَن أبي حنيفَة فِيهَا نَص. وَاخْتلف صَاحِبَاه: فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا يُبَاع. وَقَالَ مُحَمَّد: يعود إِلَى مَالِكه الأول. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أذن للنَّاس فِي الصَّلَاة فِي أَرض أَو فِي الدّفن فِيهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أما الأَرْض فَلَا تصير مَسْجِدا وَلَو نطق بوقفة حَتَّى يصلى فِيهَا، وَأما الْمقْبرَة فَلَا تصير وَقفا وَإِن أذن فِيهِ ونطق بِهِ وَدفن فِيهَا وَله الرُّجُوع، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، مَا لم يحكم بِهِ حَاكم أَو يُخرجهُ مخرج الْوَصَايَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصير وَقفا بذلك حَتَّى ينْطق بِهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد: تصير بذلك وَقفا وَإِن لم ينْطق بِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف فِي مرض مَوته على بعض ورثته، أَو قَالَ: وقفت بعد موتِي على بعض ورثتي فَلم يخرج من الثُّلُث أَو خرج من الثُّلُث. فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن أجَازه سَائِر الْوَرَثَة نفذ، وَإِن لم يجيزوه صَحَّ فِي مِقْدَار الثُّلُث بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يؤول إِلَيْهِ بعد الْوَارِث حَتَّى لَا يجوز بَيْعه وَلَا ينفذ فِي حق الْوَارِث حَتَّى يقسم الْغلَّة بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى فَإِن مَاتَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ ينْتَقل إِلَى من يؤول إِلَيْهِ، وَيعْتَبر فيهم شَرط الْوَاقِف فَيصير وَقفا لَازِما. وَقَالَ مَالك: الْوَقْف فِي الْمَرَض على وَارثه خَاصَّة لَا يَصح فَإِن أَدخل مَعَه أَجْنَبِي فِيهِ صَحَّ فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَمَا يكون للْوَارِث فَإِنَّهُ يُشَارك بَقِيَّة الْوَرَثَة مَا داموا أَحيَاء. وَاحْمَدْ يُوقف مِنْهُ مِقْدَار الثُّلُث وَيصِح وَقْفَة وَينفذ وَلَا يعْتَبر إجَازَة الْوَرَثَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى إِن صِحَة ذَلِك تقف على إجَازَة الْوَرَثَة. وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يَصح على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ يخرج من الثُّلُث أم لَا يخرج إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة، فَإِن أجازوه نفذ على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف على قوم وَلم يَجْعَل آخِره للْفُقَرَاء. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَصح الْوَقْف، وَإِذا انقرض الْقَوْم الْمَوْقُوف عَلَيْهِم يرجع للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك وَأحمد. وَالْقَوْل الآخر: أَنه بَاطِل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يتم الْوَقْف حَتَّى يكون آخِره على جِهَة لَا تَنْقَطِع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف موضعا وَقفا مُطلقًا وَلم يعين لَهُ وَجها. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَصح وَيصرف إِلَى الْبر وَالْخَيْر. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ بَاطِل فِي الْأَظْهر من قوليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 بَاب الْهِبَة اتَّفقُوا على أَن الْهِبَة تصح بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول وَالْقَبْض. ثمَّ اخْتلفُوا هَل تصح وَتلْزم بِإِيجَاب وَقبُول عَار عَن قبض إِذا كَانَت مُعينَة كالثواب وَالْعَبْد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا تلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ. وَقَالَ مَالك: تلْزم وَتَصِح بِمُجَرَّد الْقبُول والإيجاب. وَلَا تفْتَقر صِحَّتهَا ولزومها إِلَى قبض، وَلَكِن الْقَبْض شَرط فِي نفوذها وتمامها، فَإِذا انْعَقَد العقد فَلَيْسَ للْوَاهِب الرُّجُوع وللموهوب لَهُ والمتصدق عَلَيْهِ الْمُطَالبَة بالإقباض فَإِذا طَالب بِهِ أصر الْوَاهِب عَلَيْهِ فَإِن أخر الْوَاهِب الْإِقْبَاض مَعَ مُطَالبَة الْمَوْهُوب لَهُ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِب والموهوب لَهُ قَائِم على الْمُطَالبَة وَلم يرض بتبقيتها فِي يَد الْوَاهِب لم تبطل وللموهوب لَهُ مُطَالبَة الْوَرَثَة، فَإِن تراخا الْمَوْهُوب لَهُ عَن الْمُطَالبَة أَو رَضِي بتبقيتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 أَو أمكنه قبضهَا فَلم يقبضهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِب أَو مرض بطلت الْهِبَة وَلم يكن لَهُ شَيْء فَهَذِهِ فَائِدَة مَذْهَب مَالك إِن الْقَبْض شَرط فِي نُفُوذ الْهِبَة وتمامها لَا فِي صِحَّتهَا ولزومها. وَعَن أَحْمد مثله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت غير مُعينَة كالقفيز فِي صبره وَالدِّرْهَم فِي دَارهم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رِوَايَة وَاحِدَة لَا تلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ. وَقَالَ مَالك: تلْزم بِغَيْر قبض على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي هبة الْمشَاع وَالتَّصَدُّق بِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز فِيمَا يَتَأَتَّى الْقِسْمَة فِيهِ كالعقار حَتَّى يقسم، وَيجوز فِيمَا لَا يَنْقَسِم كالحيوان والجواهر وَالْحمام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز فيهمَا جَمِيعًا. وَاتَّفَقُوا على أَنه يقبض للطفل أَبوهُ أَو وليه. وَاخْتلفُوا فِي السّنة فِي الْهِبَة للأولاد هَل هِيَ التَّسْوِيَة أَو للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: التَّسْوِيَة بَينهم على الْإِطْلَاق ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا، أَو ذُكُورا وإناثا. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانُوا ذُكُورا كلهم أَو إِنَاثًا كلهم فالتسوية، وَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثا فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن تَخْصِيص بَعضهم بِالْهبةِ مَكْرُوه. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن تَفْضِيل بَعضهم على بعض مَكْرُوه. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحرم؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يحرم. وَقَالَ مَالك: يجوز أَن ينْحل الرجل بعض وَلَده بعض مَاله وَيكرهُ أَن ينحله جَمِيع مَاله وَإِن فعل ذَلِك نفذ إِذا كَانَ فِي الصِّحَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَقَالَ أَحْمد: إِذا فضل بَعضهم على بعض أَو خص بَعضهم أَو فضل بعض الْوَرَثَة على بعض سوى الْأَوْلَاد أَسَاءَ بذلك وَلم يجز. وَهل لَهُ أَن يسترجع ذَلِك وَيُؤمر بِهِ؟ فَقَالُوا لَا يلْزمه الرُّجُوع. وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه الرُّجُوع. وَاخْتلفُوا هَل للْأَجْنَبِيّ الرُّجُوع فِيمَا وهب وَإِن لم يعوض عَنهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ أَجْنَبِيّا من الْوَاهِب لَيْسَ بِذِي رحم محرم مِنْهُ وَلَيْسَ بَينهمَا زَوجته وَلم يعوضه عَنهُ لَا هُوَ وَلَا فُضُولِيّ عَنهُ فَلهُ الرُّجُوع فِيهَا إِلَّا أَن تزيد زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو يَمُوت أحد الْمُتَعَاقدين أَو تخرج الْهِبَة من ملك الْمَوْهُوب لَهُ فَلَيْسَ لَهُ مَعَ شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء الرُّجُوع. وَقَالَ مَالك: إِذا علم بِالْعرْفِ أَن الْوَاهِب قصد بِالْهبةِ الثَّوَاب كَانَ لَهُ على الْمَوْهُوب مثل ذَلِك، وَإِلَّا رد الْهِبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَإِن لم يعوض. وَاخْتلفُوا هَل للْأَب الرُّجُوع فِيمَا وَهبة لوَلَده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع بِكُل حَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ الرُّجُوع بِكُل حَال. وَقَالَ مَالك: للْأَب أَن يرجع فِيمَا وهب لأبنه على جِهَة الصِّلَة لَا على جِهَة الصَّدَقَة، وَلَيْسَ للْأُم أَن ترجع فِيمَا وهبت لإبنها وَهُوَ يُقيم لِأَنَّهَا قصدت بِهِ وَجه الله، فَأَما إِذا وهب لإبنه بِقصد الْمَوَدَّة والمحبة فَلهُ الرُّجُوع مَا لم يستدن الإبن الْمَوْهُوب لَهُ دينا بعد الْهِبَة أَو تتَزَوَّج الْبِنْت أَو يخلطه الْمَوْهُوب لَهُ بِمَالِه من جنسه بِحَيْثُ لَا تتَمَيَّز مِنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أظهرها: لَهُ الرُّجُوع بِكُل حَال وَالْأُخْرَى: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع بِحَال كمذهب أبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى: كمذهب مَالك، فَأَما الْأُم فَلَا تملك الرُّجُوع عَن أَبى حنيفَة وَأحمد. وتملك الرُّجُوع عَن مَالك فِي حَيَاة الْأَب. وَعَن الشَّافِعِي: على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَأما الْجد فَلَا يملك الرُّجُوع عَن أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يملك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا زَادَت الْهِبَة فِي بدنهَا بالسمن وَالْكبر هَل يكون كَمَا قدمنَا مَانِعا من الرُّجُوع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون مَانِعا من الرُّجُوع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون مَانِعا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا هَل تَقْتَضِي الْهِبَة الْمُطلقَة الإثابة؟ فَقَالَ مَالك: إِن علم بِالْعرْفِ أَن الْوَاهِب قصد بهبته الإثابة كَانَ لَهُ على الْمَوْهُوب لَهُ ذَلِك مثل هَدِيَّة الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ أَو إِلَى السُّلْطَان وَألا يرد الْهِبَة إِلَيْهِ كَمَا قدمنَا ذكره. وَعَن الشَّافِعِي فِي الصَّغِير إِذا وهب للكبير قَولَانِ، الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الإثابة كمذهب أبي حنيفَة. فعلى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: أَن الإثابة عَلَيْهَا وَاجِبَة فِي مَاذَا يثبت؟ اخْتلفَا. فَقَالَ مَالك: تلْزمهُ قيمَة الْهَدِيَّة وَللشَّافِعِيّ أَرْبَعَة أَقْوَال، أَحدهَا: كمذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 مَالك، وَهَذَا وَلآخر يلْزمه إرضاء الْوَاهِب. وَالثَّالِث: مِقْدَار الْمُكَافَأَة على مثل تِلْكَ الْهِبَة فِي الْعَادة. وَالرَّابِع: أقل مَا يَقع عَلَيْهِ الإسم. وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّوْجَيْنِ والأخوة لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم الرُّجُوع على صَاحِبَة فِيمَا وهب لَهُ وَاخْتلفُوا هَل للوالد أَن يَأْخُذ من مَال وَلَده مَا شَاءَ عِنْد الْحَاجة وَغَيرهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَأْخُذ من مَال وَلَده بِقدر الْحَاجة وَغَيرهَا مَا شَاءَ. وَاخْتلفُوا فِي مُطَالبَة الْوَالِد وَلَده من قرض أَو قيمَة متْلف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: يملك ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد: لَا يملك ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي هبة الْمَجْهُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح مَا لم يُعينهُ ويسلمه، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَ مَالك: تصح. بَاب الْعُمْرَى اخْتلفُوا فِي الْعُمْرَى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْعُمْرَى تمْلِيك الرَّقَبَة فَإِذا أعمر الرجل رجلا دَارا فَقَالَ: أعمرتك دَاري هَذِه وجعلتها لَك عمرك أَو عمري أَو مَا عِشْت فَهِيَ للعمر ولورثته من بعده إِن كَانَ لَهُ وَرثهُ سَوَاء قَالَ المعمر للمعمر: هِيَ لَك ولعقبك أَو أطلق فَإِن لم يكن لَهُ وَارِث كَانَت لبيت المَال وَلَا تعود إِلَى الْعُمر. وَقَالَ مَالك: هِيَ تمْلِيك الْمَنَافِع فَإِذا مَاتَ المعمر رجعت إِلَى المعمر، وَإِن أطلق لم ترجع إِلَيْهِم بل ترجع إِلَى المعمر، فَإِن لم يكن المعمر مَوْجُودا عَادَتْ إِلَى ورثته. وَأما الرقبى فَحكمهَا حكم الْعُمْرَى عِنْد الشَّافِعِي وَاحْمَدْ: وَهِي أَن يَقُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أرقبتك دَاري أَو جَعلتهَا لَك حياتك، فَإِن مت قبلي رجعت إِلَيّ وَإِن مت قبلك فَهِيَ لَك ولعقبك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الرقبى بَاطِلَة إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: تبطل الرقبى الْمُطلقَة دون الْمقيدَة وَصفَة الْمُطلقَة عِنْده أَن يَقُول: هَذِه الدَّار رقبى. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أَبْرَأ من الدّين صَحَّ ذَلِك، وَلم يحْتَج إِلَى قبُول ذَلِك. بَاب اللّقطَة اتَّفقُوا على أَن اللّقطَة مَا لم تكن تافها يَسِيرا أَو شَيْئا لَا بَقَاء لَهُ فَأَنَّهَا تعرف حولا. وَأَجْمعُوا على أَن صَاحبهَا أَن جَاءَ فَهُوَ أَحَق بهَا من ملتقطها إِذا ثَبت لَهُ أَنه صَاحبهَا. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أكلهَا بعد الْحول ملتقطها فَأَرَادَ صَاحبهَا أَن يضمنهُ أَن ذَلِك لَهُ وَأَنه إِن تصدق بهَا ملتقطها بعد الْحول فصاحبها مُخَيّر بَين الضمين وَبَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 أَن تكون لَهُ على أجرهَا فَأَي ذَلِك تخير كَانَ لَهُ ذَلِك بِإِجْمَاع وَلَا تَنْطَلِق يَد ملتقطها عَلَيْهَا بصدقه وَلَا تصرف قبل الْحول إِلَّا ضَالَّة الْغنم. فَإِنَّهُم أَجمعُوا على أَن ملتقطها فِي الْموضع الْمخوف عَلَيْهَا لَهُ أكلهَا. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الِالْتِقَاط فِي الْجُمْلَة. ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل ترك اللّقطَة أَو أَخذهَا؟ فَاخْتلف عَن أبي حنيفَة فَروِيَ عَنهُ أَن الْأَفْضَل أَخذهَا وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَن الْأَفْضَل تَركهَا. وَعَن الشَّافِعِي فِي الِالْتِقَاط قَولَانِ، أَحدهمَا: يجب أَخذهَا، وَالْآخر: أَن الْأَفْضَل أَخذهَا. وَقَالَ أَحْمد: الْأَفْضَل تَركهَا. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ شَيْء لَهُ بَال وخطر وَيُمكن تَعْرِيفه فَيَنْبَغِي لمن رَآهُ أَخذه ويعتقد بِأَخْذِهِ حفظه على صَاحِبَة وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا من الدَّرَاهِم أَو يَسِيرا من الْمَأْكُول فَهَذَا لَا فَائِدَة فِي أَخذه، فَإِن أَخذه جَازَ وَإِن وجد آبقا لجاره أَو لِأَخِيهِ أَو أُخْته فَلهُ أَن يَأْخُذهُ وَهُوَ فِي السعَة من تَركه، فَإِن كَانَ لَا يعرف صَاحِبَة فَلَا يقربهُ. وَقَالَ الْوَزير: الَّذِي أرى أَنه إِذا أَخذهَا نَاوِيا بأخذها حفظهَا على صَاحبهَا واثقا من نَفسه بتحمل الْأَمَانَة فِي ذَلِك، فَإِن الْأَفْضَل أَن يَأْخُذهَا، وَإِن كَانَ يخَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 مِنْهَا الْفِتْنَة أَو أَنَّهَا تكلّف وَجه أَمَانَته فليتركها. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَخذ اللّقطَة ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أَخذهَا ليردها إِلَى صَاحبهَا، ثمَّ ردهَا إِلَى موضعهَا الَّذِي وجدهَا فِيهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن أَخذهَا وَهُوَ لَا يُرِيد ردهَا ثمَّ بدا لَهُ فَردهَا إِلَى موضعهَا، ثمَّ سرقت ضمنهَا. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يضمن على كل حَال. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ التقطها بنية الْحِفْظ على صَاحبهَا فَردهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي اللّقطَة هَل تملك بعد الْحول والتعريف؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تملك جَمِيع الملتقطات سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا، وَسَوَاء كَانَت اللّقطَة أثمانا أَو عرُوضا أَو حليا أَو ضَالَّة غنم. وَقَالَ مَالك: هُوَ بِالْخِيَارِ بعد السّنة بَين أَن يَتْرُكهَا فِي يَد أَمَانَة، فَإِن تلفت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَبَين أَن يتَصَدَّق بِشَرْط الضَّمَان وَبَين أَن يتملكها فَتَصِير دينا فِي ذمَّته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَيكرهُ لَهُ تَملكهَا إِلَّا فِي ضَالَّة الْغنم يجدهَا فِي مفازة لَيْسَ بقربها قَرْيَة، وَيخَاف عَلَيْهَا الذِّئْب إِن شَاءَ تَركهَا وَإِن شَاءَ أَخذهَا وأكلها وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك شَيْئا من الملتقطات بِحَال وَلَا ينْتَفع بهَا إِن كَانَ غَنِيا، فَإِن كَانَ فَقِيرا أجَاز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا بِشَرْط الضَّمَان فَأَما الْغَنِيّ فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بهَا بِشَرْط الضَّمَان. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِن كَانَت أثمانا ملكهَا بِغَيْر اخْتِيَاره وَجَاز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَإِن كَانَت عرُوضا أَو حليا لم يملكهَا لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِغَيْر اخْتِيَاره، وَلم يجز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَالْأُخْرَى: أَنه لَا يملك الْأَثْمَان أَيْضا بل يتَصَدَّق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول خَيره بَين الْأَخْذ وَبَين أَن يرد عَلَيْهِ مثلهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضَاعَت بعد التقاطها فِي يَد الْمُلْتَقط فِي مُدَّة التَّعْرِيف. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لاضمان عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أشهد حَيْثُ أَخذهَا ليردها لم يضمن، وَإِن لم يشْهد ضمن. وَاخْتلفُوا هَل يجوز الْتِقَاط الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْبَقر وَالْحمير وَالطير؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز التقاطها إِلَّا أَن الشَّافِعِي فرق بَين صغارها وكبارها، فَقَالَ: يجوز الْتِقَاط صغارها. قَالَ الْوَزير رَحْمَة الله: وَالظَّاهِر أَن نطق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا ينْصَرف إِلَّا إِلَى كِبَارهَا وَهِي الَّتِي تضل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ مَالك: أما الْإِبِل فَلَا يجوز التَّعَرُّض لَهَا بِحَال، وَأما الْبَقر فَإِن خَافَ عَلَيْهَا السبَاع أَخذهَا، وَإِن لم يخف عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْإِبِل وَكَذَلِكَ الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، وَأما الطير فَلم نر عَنهُ شَيْئا فِيهِ. قَالَ الْوَزير: فَأَما الطير فَالَّذِي أرى فِيهِ أَن الْحمام مِنْهُ وَمَا يألف أوكاره فَإِنَّهُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 يلتقط، فَأَما الضواري من الطير الَّتِي إِذا أهملت التقاطها عَادَتْ إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من التوحش من (الأسن) فَكَانَ إهمال التقاطها على نَحْو الْإِتْلَاف أَو مُؤديا إِلَى نَحْو الْإِتْلَاف، فَكَانَ التقاطها جَائِزا بنية الْحِفْظ لَهَا على أَرْبَابهَا. وَاتَّفَقُوا على أَن الْتِقَاط الْغنم جَائِز عدا رِوَايَة عَن أَحْمد: أَن التقاطها لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن الْعدْل إِذا الْتقط اللّقطَة أقرَّت فِي يَده. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْفَاسِق. فَذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد إِلَى أَنَّهَا تقر فِي يَده قِيَاسا على الْعدْل. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا: يَنْزِعهَا الْحَاكِم من يَده ويجعلها فِي يَد أَمِين، وَالْآخر: لَا تنْزع من يَده وَيضم إِلَيْهِ الْحَاكِم أَمينا. وَقَالَ مَالك: لَا تقر فِي يَده بِحَال. وَاخْتلفُوا فِي لقطَة الْحرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هِيَ كَغَيْرِهَا من اللقطات فِي جَمِيع أَحْكَامهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَخذهَا ليعرفها وَلَا يملكهَا بعد السّنة، وَعنهُ قَول آخر كمذهبهما. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هِيَ كَغَيْرِهَا، وَالْأُخْرَى: وَهِي الْمَشْهُورَة، أَنه لَا يحل التقاطها إِلَّا لمن يعرفهَا أبدا حَتَّى يجد صَاحبهَا فيدفعها إِلَيْهِ وَلَا يملكهَا بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 مضى الْحول. وَقَالَ الْوَزير: وَبِهَذَا نقُول وَقد تقدم ذكر ذَلِك. وَاخْتلفُوا هَل يجب تَعْرِيف مَا دون الْعشْرَة دَرَاهِم أَو دون دِينَار فَلَا يعرفهَا حولا، وَلَكِن يعرفهَا وَلم يجد الْوَقْت وَإِن كَانَت دِينَارا أَو عشرَة دَرَاهِم عرفهَا حولا؟ وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يجب تَعْرِيفهَا إِن كَانَ مِمَّا تطلبه النَّفس فِي الْعَادة. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي مُفَسرًا لما تطلبه النَّفس: أَنه مَا زَاد على الدِّينَار. وَأما مَالك فَلم نجد عَنهُ نصا إِلَّا مَا قدمْنَاهُ، وَهُوَ أَن كل شَيْء لَهُ خطر وبال فَإِنَّهُ يُؤْخَذ وَإِن كَانَ يَسِيرا فَلَا فَائِدَة فِي أَخذه. وَحكى بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي عَن مَالك أَنه قَالَ: إِذا كَانَ ربع دِينَار عرفه حولا، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَلَا يعرفهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جَاحد على اللّقطَة فَأخْبر بعددها وعفاصها ووكائها هَل تدفع إِلَيْهِ بِلَا بَينه؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فَقَالَ مَالك وَأحمد: تدفع إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يلْزم الدّفع إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة وَيجوز أَن يدْفع إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَة إِذا غلب على ظَنّه صَدَقَة. بَاب اللَّقِيط اتَّفقُوا على أَنه إِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم. إِلَّا أَبَا حنيفَة قَالَ: إِن وجد فِي كَنِيسَة أَو بيعَة أَو قَرْيَة من قرى أهل الذِّمَّة فَهُوَ ذمِّي. وَاتَّفَقُوا على أَنه حر وَأَن ولاءه لجَمِيع الْمُسلمين وَأَنه إِن وجد مَعَه مَال أنْفق عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِن لم يُوجد مَعَه نَفَقَة، أنْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال، فَإِن امْتنع بعد بُلُوغه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 من الْإِسْلَام لم يقر على ذَلِك فَإِن أَبى قتل عِنْد مَالك وَاحْمَدْ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس وَلَا يقتل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يزْجر عَن الْكفْر فَإِن أَقَامَ عَلَيْهِ أقرّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنه أظهر دينا يقر عَلَيْهِ بالجزية كَانَ كَأَهل الذِّمَّة وَإِن أظهر دينا لَا يقر عَلَيْهِ أَهله رد إِلَى مأمنه من أهل الْحَرْب. وَاتَّفَقُوا على أَنه يحكم بِإِسْلَام الصَّغِير بِإِسْلَام أَبِيه. وَاتَّفَقُوا على أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أمه كأبيه سوى مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بإسلامها. وَقد رُوِيَ أبن نَافِع عَن مَالك كمذهب الْجَمَاعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي إِسْلَام الصَّبِي وردته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إِذا كَانَ مُمَيّزا. وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح إِلَّا بعد بُلُوغه. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. بَاب الْجعَالَة اتَّفقُوا على أَن رد الْآبِق يسْتَحق الْجعل برده إِذا اشْتَرَطَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 ثمَّ اخْتلفُوا فِي اسْتِحْقَاقه الْجعل إِذا لم يشرطه. فَقَالَ مَالك فِيمَا رُوِيَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم: إِذا كَانَ مَعْرُوفا برد الآباق اسْتحق على حسب الْموضع وقربه، وَإِن لم يكن شَأْنه ذَلِك فَلَا جعل لَهُ وَيُعْطى على مَا أنْفق عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسْتَحق على الْإِطْلَاق. وَلم يعتبروا وجود الشَّرْط وَلَا عَدمه وَلَا أَن يكون مَعْرُوفا برد الآباق وَأَن لَا يكون. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق إِلَّا أَن يَشْتَرِطه. وَاخْتلفُوا هَل هُوَ مُقَدّر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام اسْتحق أَرْبَعِينَ درهما. وَإِن رده من دون ذَلِك يرْضخ لَهُ الْحَاكِم. وَقَالَ مَالك: لَهُ أُجْرَة الْمثل وَلم يقدر. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: دِينَارا، وإثني عشرَة درهما وَلَا فرق عِنْده بَين قصير الْمسَافَة وطويلها وَلَا بَين خَارج الْمصر والمصر، وَالْأُخْرَى: إِن جَاءَ بِهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الْمصر فعشرة دَرَاهِم، وَإِن جَاءَ بِهِ من خَارج الْمصر فأربعون درهما، وَلم يفرق بَين قرب الْمسَافَة أَيْضا وَبعدهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا أنفقهُ على الْآبِق فِي طَريقَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب على سَيّده إِذا كَانَ الْمُنفق مُتَبَرعا وَهُوَ الَّذِي ينْفق من غير أَمر الْحَاكِم، وَإِن أنْفق بِأَمْر الْحَاكِم كَانَ مَا ينْفق دينا على سيد العَبْد وَله أَن يحبس العَبْد عِنْده حَتَّى يَأْخُذ نَفَقَته. وَقد تقدم مَذْهَب مَالك فِي الْفضل عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ على سَيّده بِكُل حَال. بَاب الْوَصِيَّة وَأَجْمعُوا على أَن الْوَصِيَّة غير وَاجِبَة لمن لَيست عِنْده أَمَانَة يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْهَا وَلَا عَلَيْهِ دين لَا يعلم بِهِ من هُوَ لَهُ، أَو لَيست عِنْده وَدِيعَة بِغَيْر إِشْهَاد. وَأَجْمعُوا على أَن من كَانَت ذمَّته مُتَعَلقَة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء أَو بأحدها، فَإِن الْوَصِيَّة بهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ فرضا. وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا مُسْتَحبَّة مَنْدُوب إِلَيْهَا كمن لَا يَرث الْمُوصي من أَقَاربه وَذَوي أرحامه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَأَجْمعُوا على أَن الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ لغير وَارِث جَائِزَة وَأَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى إجَازَة الْوَرَثَة. وَأَجْمعُوا على أَن مَا زَاد على الثُّلُث إِذا أوصى بِهِ من ترك بَنِينَ وعصبة أَنه لَا ينفذ إِلَّا الثُّلُث وَأَن الْبَاقِي مَوْقُوف على إجَازَة الْوَرَثَة فَإِن أجازوه نفذ، وَإِن أبطلوه لم ينفذ. وَأَجْمعُوا على أَن لُزُوم الْعَمَل بِالْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ بعد الْمَوْت. وَأَجْمعُوا على أَنه يسْتَحبّ للْمُوصي أَن يُوصي بِدُونِ الثُّلُث مَعَ إجازتهم لَهُ الْوَصِيَّة بِهِ يُقَال: وصّى فلَان السَّيِّد إِذا اتبع بعضه بَعْضًا وَالْوَصِيَّة فِي اللُّغَة: من وصّى يصي. وأنشدوا (يصي اللَّيْل وَالْأَيَّام حَتَّى صَلَاتنَا ... مقاسمة تشق أنصافها السّفر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَهِي من حَيْثُ الشَّرْع رَاجِعَة إِلَى معنى الْأَمر. وَاخْتلفُوا فِي إجَازَة الْوَرَثَة هَل هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي أَو هبة مستأنفة؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي أَو هبة مستأنفة. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي وَلَيْسَ بابتداء. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهبهم، وَالْآخر: أَنَّهَا هبة مبتدأه، يعْتَبر فِيهَا مَا يعْتَبر من الْهِبَة من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالْقَبْض. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا وَصِيّه لوَارث إِلَّا أَن يُجِيز ذَلِك الْوَرَثَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَاخْتلفُوا هَل يَصح التَّزْوِيج فِي مرض الْمَوْت؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح ذَلِك. وَقَالَ مَالك: لَا يَصح للْمَرِيض الْمخوف عَلَيْهِ تَزْوِيج فَإِن تزوج وَقع فَاسِدا وَفسخ سَوَاء دخل بهَا أَو لم يدْخل وَيكون الْفَسْخ بِالطَّلَاق فَإِن بَرِيء من الْمَرَض فَهَل يَصح النِّكَاح أَو يفْسخ؟ فِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد فأوصى لآخر بِمثل نصيب أحدهم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ الرّبع. وَقَالَ مَالك: لَهُ الثُّلُث. وَاتَّفَقُوا على أَن عطايا الْمَرِيض وهباته من الثُّلُث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِجَمِيعِ مَاله وَلَا وَارِث لَهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: الْوَصِيَّة صَحِيحَة. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يَصح مِنْهَا إِلَّا الثُّلُث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِثُلثِهِ لجيرانه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْجِيرَان المتلاصقون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وَقَالَ الشَّافِعِي: حد الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كَقَوْل الشَّافِعِي، وَالْأُخْرَى: ثَلَاثُونَ دَارا من كل جَانب. وَلم نجد عَن مَالك حدا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وهب أَو أعتق، ثمَّ أعتق فِي مَرضه وَعجز عَن الثُّلُث. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يتخاصان. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تبدأ بِالْأولِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِلَى عدل جَائِزَة. وَاخْتلفُوا فِي وَصِيَّة الْمَقْتُول. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تصح. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: لَا تصح. وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: لَا تصح على الْإِطْلَاق، وَالثَّانِي: تصح على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وَالثَّالِث: إِن أوصى ثمَّ جرح فالتوصية بَاطِلَة. وَإِن جرح ثمَّ أوصى فَالْوَصِيَّة صَحِيحَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تلْزم بعد الْمَوْت. وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِلَى الْكَافِر لَا تصح. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تصح إِلَى العَبْد على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ لَهُ أَو لغيرة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الْوَصِيَّة إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْوَصِيَّة إِلَى عبد غَيره وَتجوز إِلَى عَبده نَفسه بِشَرْط أَن يكون الْوَرَثَة كبارًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى فَاسق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُخرجهُ القَاضِي من الْوَصِيَّة، فَإِن لم يُخرجهُ نفذ تصرفه وَصحت وَصيته. وَقَالَ مَالك: لَا تصح الْوَصِيَّة إِلَى فَاسق لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا وَلَا يقر يَده بِحَال. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا تصح الْوَصِيَّة، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تصح وَيضم إِلَيْهِ الْحَاكِم أَمِين. وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِي الصَّبِي الْمُمَيز هَل تصح وَصيته؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَا تصح. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر وَأحمد: يَصح إِذا وَافق الْحق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجل فِي شَيْء مَخْصُوص؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَعَدَّى إِلَى جَمِيع أُمُوره فَيكون وَصِيّا فِيهَا. وَقَالَ مَالك: إِن قَالَ: أَنْت وصيي فِي كَذَا دون غَيره فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَأما إِن قَالَ: أَنْت وصيي فِي كَذَا وَعين نوعا وَلم يذكر قصره عَلَيْهِ. فَاخْتلف أَصْحَابه فَمنهمْ من قَالَ: يكون وَصِيّا فِي الْجَمِيع كَمَا لَو قَالَ: فلَان وصيي وَأطلق، فَإِنَّهُ عِنْد مَالك يكون وَصِيّا فِي الْكل. وَمِنْهُم من قَالَ: يكون وَصِيّا فِيمَا نَص عَلَيْهِ خَاصَّة دون مَا لم يذكرهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تقف الْوَصِيَّة على مَا أوصاه فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيّ إِذا أوصى فِيمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يَصح. وَقَالَ مَالك: إِذا أطلق وَلم يَنْهَهُ عَن الْوَصِيَّة فَلهُ ذَلِك، وَكَذَلِكَ إِذا أذن لَهُ أَن يُوصي وَلم يعين إِلَى من يُوصي فَيجوز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَصح إِلَّا أَن يعين فَيَقُول: أوصِي إِلَى فلَان. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُوصي أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ شَيْئا من مَال الْيَتِيم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِزِيَادَة على الْقيمَة اسْتِحْسَانًا وَإِن اشْتَرَاهُ بِمثلِهِ أَو قِيمَته لَا يجوز. وَقَالَ مَالك يَشْتَرِيهِ بِالْقيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز على الْإِطْلَاق. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: كمذهب الشَّافِعِي وَهِي الْمَشْهُورَة، وَالْأُخْرَى: إِذا وكل غَيره جَازَ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِسَهْم من مَاله لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ مثل مَا لأَقل أهل الْفَرِيضَة، إِلَّا أَنه إِن كَانَ هَذَا الْأَقَل يزِيد على السُّدس فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ وَإِن نقص عَنهُ أعْطِيه نَاقِصا. وَعَن رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِن نقص عَن السُّدس أعطي السُّدس. وَعَن مَالك رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يُعْطي السُّدس إِلَّا أَن تعول الْمَسْأَلَة فيعطي سدسا عائلا، وَالْأُخْرَى: يُعْطي الثّمن، وَالْأُخْرَى: سهم مِمَّا تصح مِنْهُ الْمَسْأَلَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْخِيَار إِلَى الْوَرَثَة يعطونه مَا شَاءُوا. وَاتَّفَقُوا فِي الرِّوَايَات الثَّلَاث عَن مَالك أَنه: لَا يُزَاد على الثُّلُث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَاخْتلف عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: يُعْطي السُّدس إِلَّا أَن تعول الْفَرِيضَة فيعطي سدسا عائلا. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه أقل سِهَام الْوَرَثَة، وَإِن كَانَ أقل من السُّدس، فَإِن زَاد على السُّدس أعْطى السُّدس. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتقل لِسَان الْمَرِيض فَهَل تصح وَصيته بِالْإِشَارَةِ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح. وَذكر الطَّحَاوِيّ: أَن الظَّاهِر من مَذْهَب مَالك جَوَاز ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى أَن تشتري نسمَة بِأَلف وتعتق عَنهُ فعجز الثُّلُث عَنْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل الْوَصِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تشتري نسمَة بِمِقْدَار الثُّلُث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى الْوَصِيّ دفع المَال إِلَى الْيَتِيم بعد بُلُوغه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: القَوْل قَول الْوَصِيّ مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْأَب، وَالْحَاكِم وَالشَّرِيك وَالْمُضَارب. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقبل قَول الْوَصِيّ إِلَّا بِبَيِّنَة، وَاسْتثنى الشَّافِعِي الشَّرِيك وَالْمُضَارب فَذكر فيهمَا قَوْلَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجل بِثلث مَاله. فَقَالَ لَهُ: ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَدْفَعهُ إِلَى نَفسه وَأَن يُعْطِيهِ بعض أَوْلَاده. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِك. وَاسْتثنى مَالك أَن لَا يكون لذَلِك أَهلا. وَقَالَ مَالك وَأحمد: تصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قدم ليقتص مِنْهُ أَو كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدو أَو ضرب الْحَامِل الطلق أَو هَاجَتْ الرّيح وهم قرب وسط الْبَحْر. فَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ أَن عطايا هَؤُلَاءِ من الثُّلُث. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا كَقَوْلِهِم. وَالثَّانِي فِي جَمِيع المَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى لمَسْجِد. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَصح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا أَن يَقُول: ينْفق عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخْتَص ذَلِك بالأقرب فَالْأَقْرَب من كل ذِي رحم محرم مِنْهُ من قبل أَبِيه وَأمه وَلَا يدْخل فِيهِ الْوَالِدَان، وَالْولد وَولد الْوَلَد والجدات والأجداد، وَلَا ابْن الْعم وترتقي فِي ذَلِك إِلَى أَي شَيْء أمكن وَإِن زَاد على أَرْبَعَة أباء من الْجَانِبَيْنِ لَكِن نبدأ بالأقرب وَلَا يسْتَحق الْأَبْعَد مَعَ وجود الْأَقْرَب. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْكَافِر مِنْهُم وَالْمُسلم، والغني وَالْفَقِير، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 يدْخل الْوَارِث فِي قرَابَة نَفسه. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الراويتين: يدْخل فِي ذَلِك قرَابَته من قبل أَبِيه، وَمن قبل أمه. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: يدْخل فِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من جِهَة الْأَب، وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات فِيهِ وترتقي من ذَلِك مهما أمكن ذَلِك، وَإِن زَاد على أَرْبَعَة أباء لَكِن يبْدَأ بالأقرب فَالْأَقْرَب وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر، وَالذكر وَالْأُنْثَى وَاخْتلف الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْفَقِير والغني. فَروِيَ عَنهُ: أَنَّهُمَا متساويان، وَرُوِيَ عَنهُ: يبْدَأ بالأحوج وَيدخل فيهم الْوَارِث وَابْن الْعم. وَقَالَ الشَّافِعِي: يدْخل فِيهِ قرَابَته من قبل أَبِيه وَأمه إِلَّا أَن يكون الْمُوصي عَرَبيا، فَإِنَّهُ لَا يتَنَاوَل قرَابَته من جِهَة أمه أظهر الْقَوْلَيْنِ. ويشترك فِيهِ الْقَرِيب والبعيد مِنْهُم، وَالرحم الْمحرم وَالْوَالِد وَالْولد وَالْجد ابْن الْعم، وَيدخل فيهم ولد الْأَب الْخَامِس وَيَنْتَهِي فِي ذَلِك إِلَى الْجد الَّذِي ينسبون إِلَيْهِ وَيعرف الْمُوصى بِهِ. وَمثل ذَلِك المتقدمون من أَصْحَابه فَقَالُوا: كَمَا لَو أوصى لقرابة الشَّافِعِي فَإِنَّهُ يرتقي إِلَى بني شَافِع ثمَّ يَنْتَهِي إِلَيْهِم وَلَا يُعْطي بَنو الْمطلب وَلَا بَنو عبد منَاف، وَإِن كَانُوا أقَارِب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَهل يدْخل الْوَارِث فِي ذَلِك؟ عَنهُ فِيهِ قَولَانِ. وَيدخل فيهم الْكفَّار من قراباته كَمَا يدْخل الْمُسلمُونَ مِنْهُم. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: ينظر من كَانَ يصله فِي حَال حَيَاته مِنْهُم فَيصْرف إِلَيْهِ ذَلِك فَإِن لم يكن لَهُ عَادَة بذلك فِي حَيَاته، فَالْوَصِيَّة لقراباته من قبل أَبِيه خَاصَّة. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُعْطي من كَانَ يصله مِنْهُم وَمن لم يصله، فَأَما الْقرَابَات الَّذين من قبل أَبِيه المستحقون على الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا فهم أباؤه وأجداده وَأَوْلَاده لصلبه وَأَوْلَاد الْبَنِينَ وَإِخْوَته وأخواته وأعمامه وعماته. وَلَا تدخل الْأُم فِي ذَلِك بِحَال وَلَا أَوْلَادهَا من غير أَبِيه وَلَا الْخَال وَلَا الخالات من قبل أَبِيه وَأمه وَيكون الْمُسْتَحق مِنْهُم ولد أَرْبَعَة أباء، وَلَا يجاوزنهم إِلَى بني الْأَب الْخَامِس وهم أَوْلَاد أبي جد الْجد وَيَسْتَوِي فيهم الْقَرِيب والبعيد مِنْهُم. وَلَا يدْخل الْكفَّار فيهم، ويعطون بِالسَّوِيَّةِ الذّكر مِنْهُم وَالْأُنْثَى، والغني وَالْفَقِير يخْتَص ذَلِك بأولاد أَبِيه وهم الْأُخوة وَأَوْلَاد الْجد وهم العمومة. وَأَوْلَاد أَب الْجد وهم عمومة الْأَب، وَأَوْلَاد جد الْجد وهم عمومة الْجد، لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتَجَاوَز بِسَهْم ذَوي الْقُرْبَى بني هَاشم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 فَأَما الْخلاف بَينهم إِذا أوصى لأَهله وَلم يقل: لأهل بَيْتِي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَصَرَّف إِلَى زَوجته خَاصَّة. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هُوَ للْعصبَةِ إِلَّا أَن يعلم أَنه أَرَادَ بِهِ ذَوي رَحمَه. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ للعصبية وَذَوي الْأَرْحَام مِمَّن يَرِثهُ وَولد الْبَنَات والعمات والخالات جَمِيعًا يدْخلُونَ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ والقرابة سَوَاء كل مِنْهُم على أَصله الممهد، فإمَّا إِن أوصى لأهل بَيته. فاتفقوا على أَنه يدْخل فِيهِ قراباته من قبل أَبِيه وَأمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا أوصى لأهل بَيته فَكل من ينتسب إِلَى الْأَب الَّذِي ينتسب الْمُوصي إِلَيْهِ من جِهَة الأباء يدْخلُونَ فِي الْوَصِيَّة مثل الْعَبَّاس إِذا أوصى لأهل بَيته فَكل من ينتسب إِلَى الْعَبَّاس بالأباء يسْتَحق مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أوصى لبني فلَان بِثلث مَاله لم يدْخل فِيهِ إِلَّا الذُّكُور من ولد فلَان الْمُوصي بِهِ وَكَانَ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أوصى لولد فلَان كَانَ للذكور وَالْإِنَاث من وَلَده وَكَانَ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كتب وَصِيّه بِخَطِّهِ يعلم أَنه خطه وَلم يشْهد فِيهَا هَل يحكم بهَا كَمَا لَو أشهد عَلَيْهِ بهَا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يحكم بهَا. وَقَالَ أَحْمد: من كتب وَصِيَّة بِخَطِّهِ وَلم يشْهد فِيهَا حكم بهَا مَا لم يعلم رُجُوعه عَنْهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَأطلق فَهَل لأَحَدهمَا التَّصَرُّف دون الآخر؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف دون الآخر فِي شَيْء بِوَجْه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن ينْفَرد دون صَاحِبَة إِلَّا فِي ثَمَانِيَة أَشْيَاء مَخْصُوصَة شرى الْكَفَن وتجهيز الْمَيِّت وإطعام الصغار وكسوتهم، ورد وَدِيعَة بِعَينهَا، وَقَضَاء الدّين، وإنفاذ وَصِيَّة بِعَينهَا، وَعتق عبد بعينة، وَالْخُصُومَة فِي حُقُوق الْمَيِّت وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة للْكفَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تصح لَهُم سَوَاء كَانُوا أهل حَرْب أَو ذمَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح لأهل الْحَرْب، وَتَصِح لأهل الذِّمَّة خَاصَّة. وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة هَل تتَنَاوَل مَا علمه الْمَيِّت وَمَا لم يُعلمهُ، أَو مَا علمه خَاصَّة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تتناولهما. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا تتَنَاوَل إِلَّا مَعْلُومَة خَاصَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيّ مَعَ الْغَنِيّ لَا يحل لَهُ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم. وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيّ هَل لَهُ أَن يَأْخُذ من مَال الْيَتِيم عِنْد الْحَاجة. فمذهب أبي حنيفَة الَّذِي ذكره مُحَمَّد أَنه لَا يَأْكُل بِحَال لَا قرضا وَلَا غَيره. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز لَهُ أَن يَأْكُل بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من أُجْرَة عملة أَو كِفَايَته وَهل يلْزمه عِنْد الْوُجُود رد الْعِوَض؟ على رِوَايَتَيْنِ عَن احْمَد وقولين للشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ غَنِيا فليستعفف، وَإِن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ أَي بِمِقْدَار نظره وَأُجْرَة عمل مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 كتاب الْفَرَائِض فَأَما الْفَرَائِض، فَقَالَ ابْن فَارس اللّغَوِيّ: أصل الْفَرَائِض الْحُدُود وَهُوَ من فرضت الْخَشَبَة إِذا حززت فِيهَا حزا يُوتر فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْفَرَائِض حُدُود وَأَحْكَام مبينَة، وَهُوَ عبارَة عَن تَقْدِير الشَّيْء، قَالَ الله تَعَالَى: {سُورَة أنزلنها وفرضنها} ، أَي قدرناها. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَن الْأَسْبَاب المتوارث بهَا ثَلَاثَة: رحم وَنِكَاح وَوَلَاء. والأسباب الَّتِي تمنع الْمِيرَاث ثَلَاثَة: رق وَقتل وَاخْتِلَاف دين. وَأَجْمعُوا على أَن الْمُجْتَمع على توريثهم من الذُّكُور عشرَة: الابْن وإبنه وَإِن سفل، وَالْأَب وَأَبوهُ وَإِن علا، وَالْأَخ من كل جِهَة، وَابْن الْأَخ إِذا كَانَ عصبَة، وَالْعم وَابْن الْعم إِذا كَانَ عصبَة، وَالزَّوْج وَمولى النِّعْمَة وَهُوَ السَّيِّد المتعتق، وَمن الْإِنَاث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 سبع وَهِي: الْبِنْت وَبنت الإبن وَإِن سفل وَالأُم وَالْجدّة وَأم الْأُم وَأم الْأَب وَإِن علتا وَالْأُخْت من كل جِهَة وَالزَّوْجَة ومولاة النِّعْمَة وَهِي السيدة المتعتقة، فَهَؤُلَاءِ الْمجمع على توريثهم وهم على ضَرْبَيْنِ: عصبَة وذوو فرض، فالذكور كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج، وَالْأَخ من الْأُم وَالْأَب وَالْجد مَعَ الإبن، أَو إِبْنِ الابْن، والأناث كلهم ذَوَات فروض إِلَّا المولاة المتعتقة، وَإِلَّا الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَمن عصبها أَخُوهَا أوابن عَمها وكل هَؤُلَاءِ السَّبْعَة عشر يَرِثُونَ فِي حَال ويحجبون حجب إِسْقَاط عَن الْمِيرَاث أصلا فِي حَال أُخْرَى، سوى خَمْسَة مِنْهُم فَإِنَّهُم لَا يسقطون بِحَال أصلا وهم: الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب وَأَرْبَعَة لَا يَرِثُونَ بِحَال: الْمَمْلُوك وَالْقَاتِل من الْمَقْتُول إِذا كَانَ قَتله لَهُ عمدا بِغَيْر حق، وَأهل ملتين لَا يَرث أَحدهمَا الآخر. الْعَصَبَات فَأَما معنى الْعصبَة، فَقَالَ القتيبي: عصبَة الرجل قرَابَته لِأَبِيهِ وَبَنوهُ، سموا عصبَة لأَنهم عصبوا بِهِ أَي أحاطوا بِهِ فالأب طرف وَالِابْن طرف، وَالْعم جَانب، وَالْأَخ جَانب، فَلَمَّا أحاطت بِهِ هَذِه الْقرَابَات عصبت بِهِ وكل شَيْء اسْتَدَارَ حول شَيْء فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 عصب بِهِ وَمِنْه الْعِصَابَة. وَأَرْبَعَة من الذُّكُور يَرِثُونَ أَرْبعا من النِّسَاء وَلَا يرثنهم بِفَرْض وَلَا بتعصب وهم ابْن الْأَخ يَرث عمته وَلَا تَرثه، وَالْعم يَرث أبنة أَخِيه وَلَا تَرثه، وأبن الْعم يَرث ابْنة عَمه وَلَا تَرثه، وَالْمولى الْمُعْتق يَرث عقيقته وَلَا تَرثه وَامْرَأَتَانِ ترثان رجلَيْنِ وَلَا يرثانهما وهم أم الْأُم تَرث ابْنَتهَا وَلَا ترثها والمولاة الْمُعتقَة تَرث عتيقها وَلَا يَرِثهَا. وَأَرْبَعَة يعصبون أخواتهم فيمنعوهن الْفَرْض ويقتسمون مَا ورثوا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وهم البنون وبنوهم وَإِن نزلُوا وَالإِخْوَة من الْأَب وَالأُم، والأخوة من الْأَب وَمن عدا هَؤُلَاءِ من الْعَصَبَات فَإِنَّهُم ينْفَرد الذّكر مِنْهُم بِالْمِيرَاثِ دون الأناث كبني الْأُخوة وكالأعمام وَبني الْأَعْمَام وَإِنَّمَا لم يعصبوا هَؤُلَاءِ أخواتهم لِأَن أخواتهم لَا يرثن منفردات فهن لم يرثن مَعَ الذُّكُور، وَلَا يُرَاعى فِي تعصيب الذُّكُور للإناث الْإِضْرَار بِهن وَلَا التوفير عَلَيْهِنَّ وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات عصبَة لَهُنَّ مَا فضل وَلَيْسَت لَهُنَّ مَعَهُنَّ فَرِيضَة مُسَمَّاة فَكل هَذِه الْأَحْكَام مِمَّا أَجمعُوا عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَأَجْمعُوا على أَن الْفَرَائِض الْمقدرَة المحددة فِي كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي فَرضهَا الله سِتّ. وَهِي النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف الثُّلُث وَهُوَ السُّدس. فَأَما النّصْف فَأَجْمعُوا أَيْضا على أَنه فرض خَمْسَة وهم: بنت الصلب، وَبنت الإبن مَعَ عدم بنت الصلب، وَالْأُخْت الْوَاحِدَة من الْأَب وَالأُم، وَالزَّوْج إِذا لم يكن للميتة ولد وَلَا ولد إِبْنِ. وَأما الرّبع فَأَجْمعُوا على أَنه فرض أثنين، فرض الزَّوْج إِذا كَانَ للميتة ولد أَو ولد ابْن، وَفرض الزَّوْجَة أَو الزوجتين أَو الثَّلَاث أَو الْأَرْبَع إِذا لم يكن للزَّوْج ولد وَلَا ولد ابْن. وَأما الثّمن فَأَجْمعُوا على أَنه فرض الزَّوْجَة أَو الزوجتين أَو الثَّلَاث أَو الْأَرْبَع إِذا كَانَ للزَّوْج ولد أَو ولد ابْن، وَأما الثُّلُثَانِ فَأَجْمعُوا على أَنَّهُمَا فرض أَرْبَعَة وهم كل اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا من الْبَنَات وَبَنَات الابْن مَعَ عدم الْبَنَات وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم، وَالْأَخَوَات من الْأَب مَعَ عدم الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم وَلَو شِئْت قلت: الثُّلُثَانِ فرض كل اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا مِمَّن إِذا انْفَرَدت إِحْدَاهُنَّ كَانَ لَهَا النّصْف وَهن الْبَنَات وَبَنَات الإبن وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم وَالْأَخَوَات من الْأَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَأما الثُّلُث فَهُوَ فرض اثْنَيْنِ، فرض الْأُم إِذا لم يكن لأبنها ولد وَلَا اثْنَان فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات وَقد يفْرض لَهما ثلث مَا بقى فِي مَسْأَلَتَيْنِ وهما: زوج وأبوان وَزَوْجَة وأبوان، فَإِن للزَّوْج النّصْف وَفِي الْمَسْأَلَة الْأُخْرَى للزَّوْجَة الرّبع، وَللْأُمّ فيهمَا ثلث مَا يبقي وَالْبَاقِي للْأَب. وَأما الْمُجِيز الآخر من خيري الثُّلُث فَهُوَ فرض الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا من ولد الْأُم، الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَأما السُّدس فَهُوَ فرض تِسْعَة: فرض كل وَاحِد من الْأَب وَالْجد إِذا كَانَ للْمَيت ولد أَو ولد ابْن، وَفرض الْأُم مَعَ الْوَلَد وَولد الابْن أَو مَعَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من أَي جِهَة كَانُوا، وَفرض الْجدّة الْوَاحِدَة والجدتين إِن اجتمعتا بِالْإِجْمَاع أَو الْجدَّات إِن اجْتَمعْنَ على مَذْهَب أبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَالشَّافِعِيّ وَأحمد خلافًا لمَالِك فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِي مذْهبه اجْتِمَاع ثَلَاث جدات يرثن كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَفرض بنت الإبن أَو بَنَات الإبن مَعَ بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَفرض الْأُخْت مَعَ الْأَب أَو الْأَخَوَات من الْأَب مَعَ الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَفرض الْوَاحِد من ولد الْأُم الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء فَهَذِهِ الْفُرُوض ومستحقوها. وَأما الْحجب فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: حجب عصبات، وحجب ذَوي فروض، فَأَما حجب ذَوي الْفُرُوض فعلى ضَرْبَيْنِ: حجب عَن بعض المَال، وحجب عَن جَمِيعه. فَأَما حجب الْبَعْض فَهُوَ: الْوَلَد وَولد الإبن يحجبان الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع ويحجبان الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع، ويحجبان الزَّوْجَة أَو الزَّوْجَيْنِ أَو الثَّلَاث أَو الْأَرْبَع إِلَى الثّمن. ويحجبان كل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ إِلَى السُّدس، ويحجب الْأُم خَاصَّة من الثُّلُث إِلَى السُّدس الِاثْنَان فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من أَي جِهَة كَانُوا ويحجب بنت الصلب بنت الابْن من النّصْف إِلَى السُّدس، وتحجب بنت الصلب أَيْضا بَنَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الابْن من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس، وتحجب الْأُخْت من الْأَب وَالأُم الْأُخْت من الْأَب من النّصْف إِلَى السُّدس، وتحجب الْأُخْت من الْأَب وَالأُم أَيْضا الْأَخَوَات من الْأَب من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس. فَهَذَا هُوَ حجب الْبَعْض وَكله بِجَمِيعِ أَحْكَامه الَّتِي ذَكرنَاهَا إِجْمَاع من الْأَئِمَّة إِلَّا مَا بَيناهُ. وَأما حجب الْجَمِيع وَيُسمى حجب الْإِسْقَاط، فَإِن إِجْمَاعهم وَقع على أَن الإبن يسْقط ولد الإبن الذّكر وَالْأُنْثَى، وَأَن الْأَب يسْقط الْجد والأجداد، وَأَن الْأُم تسْقط الْجدّة والجدات. وَأَجْمعُوا على أَن ولد الْأُم يسْقط بأَرْبعَة: بِالْوَلَدِ وَولد الابْن وَالْأَب وَالْجد. وَاتَّفَقُوا على أَن ولد الْأَب وَالأُم يسْقط بِثَلَاثَة: بالابن وَابْن الابْن وَالْأَب وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة يسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ بِالْإِجْمَاع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجد هَل يسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ كهؤلاء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط الْجد الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب كَمَا يسقطهم الْأَب لَا فرق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن الْجد لَا يسقطهم وَلَكِن يقاسم الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب مَا لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل، فَإِن نقصته الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل فرض لَهُ ثلث الأَصْل وَأعْطِي الْأُخوة وَالْأَخَوَات مَا بَقِي هَذَا إِذا لم يكن مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من لَهُ فرض فَإِن كَانَ مَعَهم من لَهُ فرض أعطي فَرْضه قاسمهم الْجد مَا لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن سدس الأَصْل أَو ثلث مَا بَقِي فَأَيّهمَا كَانَ أحظ لَهُ أعْطِيه، فَأَما ولد الْأَب فَإِن إِجْمَاع الْأَئِمَّة وَقع على أَنهم يسقطون بالإبن وَابْن الإبن وَالْأَب وَالْأَخ من الْأَب وَالأُم. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجد هَل يسقطهم أم لَا؟ وَقدمنَا ذكر ذَلِك فِي أَوْلَاد الْأَبَوَيْنِ أَن يكون بإزائهم أَو أنزل مِنْهُنَّ ذكر فيعصبهن فِيمَا يبْقى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اسْتكْمل الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم الثُّلثَيْنِ سقط الْأَخَوَات من الْأَب إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ أَخ لَهُنَّ فيعصبهن فِيمَا يبْقى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 مِيرَاث الْعَصَبَات وَأما حجب الْعَصَبَات فالعصبة: كل ذكر لَيْسَ بَينه وَبَين الْمَيِّت أُنْثَى. وَأَجْمعُوا على أَنه يبْدَأ بذوي الْفُرُوض فَيدْفَع إِلَيْهِم فروضهم، ثمَّ يُعْطي الْعَصَبَات مَا بَقِي وَيقدم فِي ذَلِك أقربهم فأقربهم، وأقربهم هم البنون، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ الْأَب ثمَّ أَبوهُ وَإِن علا مَا لم يكن أَخُوهُ، ثمَّ بَنو الْأَب وهم الْأُخوة، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ بَنو الْجد وهم الْأَعْمَام، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ بنوا أبي الْجد وهم أعمام الْأَب، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ على هَذَا أبدا لَا يَرث ولد أحد من هَؤُلَاءِ مَعَ وجوده، وَلَا يَرث بَنو أَب أبعد. وَهُنَاكَ بَنو أَب أقرب مِنْهُ وَإِن سفلوا، فَإِن اسْتَووا فِي الدرجَة فأولاهم بِالْمِيرَاثِ من انتسب إِلَى الْمَيِّت بأب وَأم. فَهَذَا حكم الْعَصَبَات غير الْأَب وَالْجد. فَأَما الْأَب وَالْجد فَإِن الْأَب وَالْجد ينفردان عَنْهُم بِثَلَاثَة أَحْوَال اختصا بهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 أَحدهَا: أَنَّهُمَا يرثان بِالْفَرْضِ خَاصَّة فِي حَالَة وَهِي مَعَ الابْن وَابْن وَالِابْن. وَالْحَالة الثَّانِيَة: أَنَّهُمَا يرثان بِالتَّعْصِيبِ خَاصَّة وَذَلِكَ من عدم الْوَلَد وَولد الابْن. وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَنَّهُمَا يرثان بِالْفَرْضِ والتعصيب مَعًا، وَذَلِكَ مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن وَحكم الْجد فِي جَمِيع أَحْوَاله حكم الْأَب إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال، أَحدهَا: أَن الْأَب يسْقط الْجد وَالْأَب لَا يسْقطهُ أحد. وَالثَّانيَِة: أَن الْأَب مَعَ الزَّوْجَيْنِ يزاحم الْأُم من ثلث الأَصْل إِلَى ثلث الْبَاقِي، وَالْجد بِخِلَافِهِ، وَهَاتَانِ الحالتان إِجْمَاع. وَالثَّالِثَة: أَن الْأَب يسْقط الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب، وَالْجد يقاسمهم على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ. وَكلما كَانَ فِيهِ نصف وَثلث، أَو نصف وَسدس، أَو نصف وَثُلُثَانِ فأصله من سِتَّة ويعول إِلَى سَبْعَة وَإِلَى ثَمَانِيَة وَإِلَى تِسْعَة وَإِلَى عشرَة، وَلَا يعول إِلَى أَكثر من ذَلِك. وَكلما كَانَ فِيهِ ربع وَثلث أَو ربع وَثُلُثَانِ أَو ربع وَسدس فاصلة من إثني عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر، وَإِلَى خَمْسَة عشر، وَإِلَى سَبْعَة عشر، وَلَا تعول إِلَى أَكثر من ذَلِك. وكل مَا فِيهِ ثمن وَثُلُثَانِ أَو ثمن وَسدس فأصله من أَرْبَعَة وَعشْرين وتعول إِلَى سَبْعَة وَعشْرين وَلَا تعول إِلَى أَكثر من ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 ذَوُو الْأَرْحَام اخْتلفُوا فِي تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام إِذا لم يخلف الْمَيِّت ذَا فرض وَلَا عصبَة وعددهم عشرَة أَصْنَاف: ولد الْبِنْت، وَولد الْأُخْت، وَبنت الْأَخ وَبنت الْعم، وَالْخَال وَالْخَالَة وَأَبُو الْأُم، وَالْعم للْأُم، والعمة وَولد الْأَخ من الْأُم، ثمَّ من أولى بهم. فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن بَيت المَال أولى من ذَوي الْأَرْحَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاحْمَدْ: بل هُوَ أَحَق ثمَّ اخْتلفَا مورثاهم فِي كَيْفيَّة توريثهم هَل هُوَ بالتنزيل أم على تَرْتِيب الْعَصَبَات؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: توريثهم على تَرْتِيب الْعَصَبَات الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَقَالَ أَحْمد: توريثهم بالتنزيل. فمثال خلافهم فِي ذَلِك نذكرهُ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة يُقَاس عَلَيْهَا مَا لم نذكرهُ وَهِي بنت بنت، وَبنت أُخْت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 فَعِنْدَ أبي حنيفَة: أَن الْمِيرَاث لبِنْت الْبِنْت لِأَنَّهَا أقرب وَتسقط بنت الْأَخ. وَعند أَحْمد: أَن المَال بَينهمَا نِصْفَانِ لبِنْت الْبِنْت النّصْف، سهم أمهَا، ولبنت الْأُخْت الْبَاقِي سهم أمهَا وعَلى ذَلِك. وَاخْتلف أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي التَّسْوِيَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث من ذَوي الْأَرْحَام فِي الْمَوَارِيث أَو المفاضلة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: إِن اتَّفقُوا فِي الأباء والأجداد كَانَ المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَإِن اخْتلفُوا فَاخْتلف صَاحِبَاه، فَقَالَ مُحَمَّد بالتسوية. وَقَالَ أَبُو يُوسُف بتفضيل الذّكر على الْأُنْثَى. وَأما أَحْمد فَقَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يسوى بَينهم فِي الْمِيرَاث ذكرهم وأنثاهم سَوَاء اسْتَووا فِي قرَابَة الأباء والأجداد. أَو اخْتلفُوا فِي الأباء، فمثال استوائهم الْخَال وَالْخَالَة وأبن الْأُخْت وَبنت الْأُخْت أَنَّهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَة. وَفِي اخْتلَافهمْ كإبن خَالَة وَبنت خَالَة وَهَذِه الرِّوَايَة مَذْهَب أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْإِمَامَيْنِ، وَقَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ، بالتسوية بَين الذُّكُور مِنْهُم وَالْإِنَاث إِلَّا الْخَال وَالْخَالَة خَاصَّة فَإِنَّهُ يعْطى الْخَال سَهْمَيْنِ وَالْخَالَة سَهْما. وَأَجْمعُوا على أَن من مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ من دَعْوَى فرض وَلَا تعصيب وَلَا رحم فَإِنَّهُ لبيت مَال الْمُسلمين. ثمَّ اخْتلفُوا هَل صَار مَاله إِلَى بَيت المَال إِرْثا، أم على وَجه الْمصلحَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: على وَجه الْمصلحَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على جِهَة الْإِرْث. وَأَجْمعُوا على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، وَالْمُسلم لَا يَرث الْكَافِر. وَاخْتلفُوا هَل يَرث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي، وَالنَّصْرَانِيّ من الْيَهُودِيّ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْكفْر مِلَّة وَاحِدَة. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَرث أَحدهمَا صَاحِبَة لِأَنَّهُمَا ملتين وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْكفْر ملل. فَأَما مَالك فَلم يُوجد لَهُ قَول فِي الْمَسْأَلَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 قَالَ أبن الْقَاسِم: لَا أحفظ عَن مَالك شَيْئا، وَلَكِن لَا يُورث أهل مِلَّة من مِلَّة أُخْرَى غَيرهَا. قَالَ الْوَزير: وَالْكفْر فِي ظَاهر مذْهبه مِلَّة وَاحِدَة فَلذَلِك قَالَ أبن الْقَاسِم ذَلِك. وَأَجْمعُوا على أَن الْقَاتِل عمدا ظلما لَا يَرث من الْمَقْتُول كَمَا مر. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن قتل خطأ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَرث. وَقَالَ مَالك: يَرث من المَال دون الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل صَغِيرا أَو مَجْنُونا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يحرمان الْإِرْث بِكُل حَال. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرثان وَكَذَلِكَ صَغِيرا. وَاخْتلفُوا فِيمَن حفر بِئْرا أَو وضع حجرا فِي طَرِيق وَهلك بِهَذَيْنِ السببين أَو بِأَحَدِهِمَا مورثة فورثه مِنْهُمَا أَبُو حنيفَة وَمنعه مَالك الْمِيرَاث من الدِّيَة دون المَال. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَرث على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْبَاغِي الْعَادِل؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ: قتلته وَأَنا على حق فِي رَأْيِي حِين قتلته، وَأَنا الْآن على حق ورث مِنْهُ، وَإِن قَالَ: كنت على بَاطِل فِي قَتْلِي لَهُ لم يَرث مِنْهُ. وَقَالَ مَالك وأجمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَرِثهُ على الْإِطْلَاق وَإِن قتل الْعَادِل الْبَاغِي فَإِنَّهُ يَرث عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد، وَكَذَلِكَ كل قَاتل بِحَق كالحاكم وَالْقصاص والدافع عَن نَفسه فِي الْمُحَاربَة. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن شُرَيْح كَقَوْل أبي حنيفَة وَأحمد وَذَلِكَ أَنه جعل الْإِرْث مَانِعا لما يجوز فعله من الْأَسْبَاب وَمَا لَا جنَاح على فَاعله، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي: إِن كَانَ الْقَاتِل مِنْهُمَا كالمخطىء وَكَانَ حَاكما فَقتله فِي الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ لم يَرِثهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم فِي قَتله لاستعجال الْمِيرَاث وَإِن كَانَ غير ذَلِك بِأَن قَتله بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَرثهُ لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِي استعجال الْمِيرَاث. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي: كل قَتِيل يسْقط الْمِيرَاث بِكُل حَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهُوَ الصَّحِيح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَقع حَائِط على جمَاعَة أَو غرق أهل سفينة وَجَهل أَوَّلهمْ موتا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يرثهم ورثتهم الْأَحْيَاء وَلَا يَرث بَعضهم من بعض من تلاف أَمْوَالهم لَا مِمَّا ورث كل وَاحِد مِنْهُم من صَاحبه، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجد لَا ينقص عَن السُّدس فِي كل حَال كَامِلا أَو عائلا. وَاخْتلفُوا فِي مَال الْمُرْتَدين يصرف. وَهل يُورث بعد اتِّفَاقهم كَمَا وَصفنَا من مذاهبهم أَنه لَا يَرث. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ: إِذا قتل الْمُرْتَد أَو مَاتَ على ردته يَجْعَل كل مَاله فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَلَا يَرِثهُ ورثته سَوَاء فِي ذَلِك مَا اكْتَسبهُ فِي حَال أَبَاحَهُ دَمه أَو حقنه. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن مِيرَاثه يكون لوَرثَته من أهل دينه الَّذين اخْتَارَهُمْ إِذا لم يَكُونُوا مرتدين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون مَا أكتسبه الْمُرْتَد فِي حَال إِسْلَامه لوَرثَته الْمُسلمين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال ردته يكون فَيْئا. وَاخْتلفُوا فِي ابْن الْمُلَاعنَة من يَرِثهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَحقّ الْأُم جَمِيع المَال بِالْفَرْضِ وَالرَّدّ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تَأْخُذ الْأُم الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي لبيت المَال. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: عصب عصبه أمه فَإِن خلف أما وخالا، فللأم الثُّلُث، وَالْبَاقِي للخال. وَالْأُخْرَى: عصبه فتحويه دون الْخَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم رجل على يَد رجل فوالاه وعاقده ثمَّ مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ. فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه لَا يسْتَحق وميراثه لبيت مَال الْمُسلمين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحق مِيرَاثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم الْوَرَثَة الْكفَّار قبل قسْمَة مِيرَاث ميتهم الْمُسلم. فَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يسْتَحقُّونَ بِالْمِيرَاثِ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يسْتَحقُّونَ مِيرَاثا. وَعَن أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى مثل قَوْلهم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَترك حملا ثمَّ انْفَصل وَلم يستهل صَارِخًا؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَرث وَإِن تحرّك وتنفس إِلَّا أَن يطول ذَلِك ويرضع وَإِن عطس فَعَن مَالك رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِن تحرّك أَو تنفس أَو عطس ورث وَورث عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِي الْجَنِين الْمُشكل وَهُوَ أَن يكون للشَّخْص فرج وَذكر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ يَبُول من الذّكر فَهُوَ غُلَام. وَإِن كَانَ يَبُول من الْفرج فَهُوَ أُنْثَى، وَإِن بَال مِنْهُمَا اعْتبر أسبقهما فَإِن كَانَ فِي السَّبق سَوَاء لم يعْتَبر أكثرهما بل هُوَ بَاقٍ على إشكاله إِلَّا أَن يخرج لَهُ لحيه أَو يصل إِلَى النِّسَاء فَحِينَئِذٍ هُوَ رجل، وَإِن ظهر لَهُ ثدي كثدي الْمَرْأَة، أَو نزل لَهُ لبن من ثدييه، أَو أمكن الْوُصُول إِلَيْهِ من الْفرج، أَو حاض أَو حَبل، فَهُوَ امْرَأَة فَإِن لم يظْهر لَهُ أحد هَذِه العلامات فَهُوَ خُنْثَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 مُشكل وميراثه مِيرَاث أُنْثَى سَوَاء كَانَ ذَلِك انفع لَهُ أم لَا، فَإِن مَاتَ أَبوهُ وَخلف إبنا وَهُوَ، فَالْمَال بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم للإبن سَهْمَان وَله سهم، هَذِه الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنهُ. وَقد رويت عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى وَهُوَ أَن يُعْطي دون الْأَحْوَال فَإِن كَانَ كَونه أُنْثَى دون أَحْوَاله فَيجْعَل أُنْثَى وَإِن كَانَ كَونه ذكرا دون أَحْوَاله فَيجْعَل ذكرا. وَقَالَ الشَّافِعِي مثل قَول أبي حنيفَة إِلَّا قَوْله الأسبق هُوَ الَّذِي يعْتَبر، وَلَا اعْتِبَار بِالْكَثْرَةِ فِي الْبَوْل، ثمَّ خَالفه فِي مِيرَاثه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَقَالَ: يُعْطي الإبن النّصْف وَالْخُنْثَى الثُّلُث، وَيُوقف السُّدس حَتَّى يبين أمره أَو يصطلحا. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُورث من حَيْثُ يَبُول، فَإِن كَانَ يَبُول مِنْهُمَا اعْتبر بسبقهما فَإِن كَانَا فِي السَّبق سَوَاء اعْتبر أكثرهما فيورث مِنْهُ، فَإِن كَانَا سَوَاء بَقِي على إشكاله، فَإِن خلف رجل خُنْثَى مُشكلا وَأُنْثَى قسم للخنثى نصف مِيرَاث ذكر، وَنصف مِيرَاث أُنْثَى، فَيكون للإبن ثلث المَال وربعه، وللخنثى ربع المَال وسدسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وَاخْتلفُوا فِيمَن بعضه حر، وَبَعضه رَقِيق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَرث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ هَل يُورث؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يُورث. وَقَالَ احْمَد: يَرث وَيُورث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة. وَاخْتلفُوا فِي الْمسَائِل الملقبات فِي الْفَرَائِض فَمِنْهَا: الْمُشْتَركَة: وَهِي امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وَأما وأخوين لأم، وأخا لأم وَأب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوين من الْأُم الثُّلُث وَيسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ لاستغراق المَال ذَوا الْفَرْض وَهِي عصبَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يشْتَرك الْأُخوة كلهم فِي الثُّلُث بِالسَّوِيَّةِ. ومسائل الْجد: اخْتلفُوا فِي رجل مَاتَ وَخلف أَخا وأختا لأم وَأب، أَو لأَب وجد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: المَال كُله للْجدّ. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: المَال بَينهم على خَمْسَة أسْهم، للْجدّ سَهْمَان وللأخ سَهْمَان، وَللْأُخْت سهم. وَاخْتلفُوا فِي مسَائِل الْجد فِي الأكدريه وَهِي امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وَأما وجدا وأختا للْأَب وَالأُم، أَو لأَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وَللْأُخْت النّصْف وللجد السُّدس، ثمَّ يقسم سدس الْجد وَنصف الْأُخْت بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم فَتُصْبِح من سَبْعَة وَعشْرين سَهْما، للزَّوْج تسعه، وَللْأُمّ سِتَّة، وللجد ثَمَانِيَة، وَللْأُخْت أَرْبَعه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْأُم الثُّلُث، وَللزَّوْج النّصْف، وَالْبَاقِي للْجدّ وَتسقط الْأُخْت، وَلَا يفْرض للْجدّ مَعَ الْأَخَوَات فِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة. وَاخْتلفُوا فِي أُخْت وَأم وجد. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للْأُم الثُّلُث وَمَا بَقِي بَين الْجد وَالْأُخْت على ثَلَاثَة أسْهم للْجدّ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْأُم الثُّلُث وَالْبَاقِي للْجدّ. وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى الحزقا لِأَن أَقْوَال الصَّحَابَة تحزقت فِيهَا. وانْتهى الْأَمر فِيهَا بَين الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ الَّذِي ذكرناهما لَا غير. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا زَادَت الْفَرَائِض على سِهَام التَّرِكَة دخل النَّقْص على كل وَاحِد على قدر حِصَّته وأعيلت الْمَسْأَلَة ثمَّ تقسم على الْعَوْل فيعطي كل ذِي سهم على قدر سَهْمه عائلا كالديون إِذا زَادَت على التَّرِكَة تقسم على الحصص وَينْقص كل وَاحِد مِنْهُم على قدر دينه كَمَا وَصفنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يكون الْعَوْل إِلَّا فِي الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرنَا وَهُوَ مَا فِيهِ نصف وَسدس أَو نصف وَثلث، أَو نصف وَثُلُثَانِ وَمَا فِيهِ ربع وَسدس أَو ربع وَثلث أَو ربع وَثُلُثَانِ وَمَا فِيهِ ثمن وَسدس، أَو سدس وَسدس، أَو ثمن وَثُلُثَانِ. وَمن مسَائِل الْعَوْل الَّتِي أَجمعُوا عَلَيْهَا: زوج وَأم وأختان لأم وأختان لأَب للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس، وللأختين الثُّلُثَانِ، وللأختين من الْأُم الثُّلُث فأصلها من سِتَّة. وتعول إِلَى عشرَة وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة الشريحية وَذَلِكَ أَنه رُوِيَ أَن رجلا أَتَى شريحا وَهُوَ قَاضِي الْبَصْرَة فاستفتاه عَن نصيب الزَّوْج من زَوجته، فَقَالَ: النّصْف مَعَ عدم الْوَلَد، وَولد الإبن وَالرّبع مَعَ وجودهما. فَقَالَ امْرَأَتي مَاتَت وخلفتني وَأمّهَا وأختيها من أمهَا وأختيها من أَبِيهَا وَأمّهَا. فَقَالَ لَهُ: لَك إِذا ثَلَاثَة من عشرَة، فَخرج الرجل من عِنْده وَهُوَ يَقُول: لم أَرض كقاض مُسلم سَأَلته عَن نصيب الزَّوْج من امْرَأَته فَقَالَ لي: كَيْت وَكَيْت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فَلَمَّا قصصت إِلَيْهِ أَمْرِي لم يُعْطِنِي مِمَّا قَالَ أَعْلَاهُ وَلَا أدناه. فَكَانَ الرجل يلقِي الْفَقِيه فيستفتيه مُطلقًا عَن امْرَأَة مَاتَت وَلم تخلف ولدا وَلَا والدا فَيَقُول لَهُ: لَك مِنْهَا النّصْف فَيَقُول: وَالله مَا أَعْطَيْت نصفا وَلَا ثلثا، فَيُقَال من أَعْطَاك هَذَا، فَيَقُول: شُرَيْح، فَيلقى القَاضِي شُرَيْح فيخبره الْخَبَر فَكَانَ شُرَيْح إِذا لَقِي الرجل بعد يَقُول: إِذا رَأَيْتنِي ذكرت لي حكما جَائِزا، وَإِذا رَأَيْتُك ذكرت لَك رجلا فَاجِرًا يتَبَيَّن لي فجورك إِنَّك تشيع الْفَاحِشَة وتكتم الْقَضِيَّة، وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا أم الفروخ لِكَثْرَة عولها فتشبه الْأَرْبَعَة الزَّوَائِد بالفروخ وَمثلهَا فِي الْعَوْل لعشرة: زوج وَأم وأخوة وأخوات لأم وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت وأخوات لأَب، فأصلها فِي سِتَّة وتعول إِلَى عشرَة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة، وَللْأُخْت لِلْأَبَوَيْنِ النّصْف ثَلَاثَة، وَللْأُمّ السُّدس سهم، ولأولاد الْأُم الثُّلُث سَهْمَان، وَللْأُخْت للْأَب السُّدس سهم، وَهَذِه إجماعية. وَقد أعطي فِيهَا ولد الْأَبَوَيْنِ وَولد الْأَب مَعَ استكمال الْفَرِيضَة بِالْإِجْمَاع بِخِلَاف الْمُشْتَركَة الَّتِي يسْقط فِيهَا ولد الْأَبَوَيْنِ مَعَ ولد الْأُم على مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد وَالْعلَّة لمن أسقطتهم هُنَاكَ وَأَعْطَاهُمْ هُنَا أَن الْأُخوة من الْأَبَوَيْنِ يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ وذوو التَّعْصِيب إِنَّمَا يَرِثُونَ مَا بَقِي من ذَوي الْفُرُوض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَفِي مَسْأَلَة الْمُشْتَركَة استغرق المَال ذَوُو الْفُرُوض فَلم يبْقى للتعصيب حكم وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْت من الْأَب يرثان بالفروض، وذووا الْفَرْض يفْرض لَهُم وَإِن ضَاقَتْ السِّهَام بِالْإِجْمَاع وأعيلت الْمَسْأَلَة. وَمن الْمسَائِل الإجماعية فِي الْعَوْل الملقبة بالغراء وَهِي زوج وَأم وَثَلَاث أَخَوَات متفرقات. للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ السُّدس، وَللْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ النّصْف وَللْأُخْت من الْأَب السُّدس، وَللْأُخْت من الْأُم السُّدس، فأصلها فِي سِتَّة وتعول إِلَى تِسْعَة. وَسميت الغراء لِأَن الزَّوْج أَرَادَ أَن يَأْخُذ نصف المَال فَسَأَلَ فُقَهَاء الْحجاز فَقَالُوا لَهُ: النّصْف عائلا، فشاع ذَلِك فسميت الغراء تَشْبِيها بالكوكب الْأَغَر، وَقيل: الْميتَة فِيهَا تسمى الغراء، فسميت فريضتها بهَا. وَمن الْمسَائِل الخلافية فِي الْجد والأخوة أُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب وجد. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْفَرِيضَة بَين الْأُخْتَيْنِ على أَرْبَعَة أسْهم: للْجدّ سَهْمَان وَلكُل أُخْت سهم، ثمَّ رجعت الْأُخْت لِلْأَبَوَيْنِ على الْأُخْت للْأَب فَأخذت مَا بِيَدِهَا حَتَّى استكملت النّصْف فَإِن كَانَ مَعَ الَّتِي من قبل الْأَب أَخُوهَا فَإِن المَال بَين الْجد وَالْأَخ والأختين على سِتَّة أسْهم، للْجدّ سَهْمَان وَلكُل أُخْت سهم ثمَّ رجعت الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ على الْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب وَأخذ مِمَّا فِي أيديها لتستكمل النّصْف فَتُصْبِح الْفَرِيضَة من ثَمَانِيَة عشر سَهْما، للْجدّ سِتَّة أسْهم وَللْأُخْت للْأَب وَالأُم تِسْعَة أسْهم، وللأخ من الْأَب سَهْمَان، وَللْأُخْت من الْأَب سهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: المَال كُله للْجدّ. وَمن الْمسَائِل الإجماعية الملفتة. زوج وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب. للزَّوْج النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف. وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى: الْيَتِيمَة، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفَرَائِض مَسْأَلَة فِيهَا شخصان يرثان المَال جَمِيعه بفرضين غير هَذِه الْمَسْأَلَة، فاعرف. وَأَجْمعُوا على أَن الْبِنْت لَا تسْقط الْأُخوة وَلَا العمومة وَإِنَّمَا يفْرض لَهَا فَرضهَا النّصْف مَعَ الْعَصَبَات. وَاخْتلفُوا فِي الرَّد على فرض ذَوي السِّهَام مَا فضل عَن سِهَامهمْ على قدر سِهَامهمْ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ردهَا عَلَيْهِم على قدر سِهَامهمْ إِلَّا الزَّوْج وَالزَّوْجَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: الْبَاقِي لبيت المَال، وَلم يَقُولَا بِالرَّدِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَترك حملا وأبنا أَو حملا وبنتا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ حملا وإبنا أعطي الابْن خمس المَال، وَإِن كَانَ بِنْتا أَعْطَيْت تسع المَال ووقف الْبَاقِي. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُوقف المَال كُله وَلَا يُعْطي الإبن شَيْئا، وَلَو كَانَ الْمَيِّت خلف أبوين وَزَوْجَة حاملة أعطي الأبوان السُّدس، وَالزَّوْجَة الثّمن ووقف الْبَاقِي. وَقَالَ أَحْمد: يُعْطي الإبن ثلث المَال وَتُعْطِي الْبِنْت الْخمس وَيُوقف الْبَاقِي. وَأَجْمعُوا على أَن من خلف إبنا عَم وَأَحَدهمَا أَخ لأم فَإِن الْأَخ من الْأُم لَهُ السُّدس، وَمَا بَقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن من خلفت زوجا هُوَ أبن عَمها وَابْن عَم آخر، فَإِن للزَّوْج النّصْف وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَأَجْمعُوا على أَن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا وَإِن الَّذِي خلفوه صَدَقَة مصروفه فِي الْمصَالح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وَاتَّفَقُوا على أَن الْمولى الْمُنعم مقدم على ذَوي الْأَرْحَام إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد: أَن ذَوي الْأَرْحَام يقدمُونَ على الْمولى الْمُنعم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اجْتمع فِي الشَّخْص الْوَاحِد سببان يُورث بهما فرض مُقَدّر، فَهَل يُورث بهما أَو بأقواهما وَيسْقط الأضعف، وَسَوَاء اتّفق ذَلِك فِي الْمُسلمين أم فِي غَيرهم من الْمَجُوس؟ فَأَما فِي الْمُسلمين فَمثل أَن يكون ابْن عَم وأخا لأم، وَابْن عَم وزوجا وَأما فِي الْمَجُوس، فكأم تكون أُخْتا وأختا تكون بِنْتا. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يَرث كل وَاحِد مِنْهُم بالسببين. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَرث الْمُسلم بالسببين وَيَرِث الْمَجُوسِيّ بأقواهما وَيسْقط أضعفهما. وَأَجْمعُوا على أَن فرض البنتين الثُّلُثَانِ لَا خلاف بَينهم فِيهِ وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أستكمل الْبَنَات للصلب الثُّلثَيْنِ فَلَا شَيْء لبنات الابْن إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ ذكر فيعطيهن فَلَا يسقطن كَمَا قدمْنَاهُ. وَأَجْمعُوا على أَن أَوْلَاد الابْن إِذا كَانُوا مَعَ بنت الصلب أخذُوا مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ وَلم يخص الْإِنَاث مِنْهُم إِلَّا السُّدس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 واجمعوا على أَن بَنَات الابْن إِذا كَانَ مَعَهُنَّ ذكر أنزل مِنْهُنَّ عصبهن كَمَا قدمنَا ذكره. وَأَجْمعُوا على أَن العَبْد وَالْكَافِر لَا يرثان وَلَا يحجبان. وَأَجْمعُوا على أَن الْجد يقاسم الْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب كَمَا يقاسم الْأُخوة مِنْهُم وَإِن انْفَرَدت عَن أخواتهن. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ على أَصله فِي إسقاطهن. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا كَانَ مَعَ الْإِخْوَة لِلْأَبَوَيْنِ إخْوَة أَو أَخَوَات لأَب فأنهم يعادون الْجد بهم فِي الْمُقَاسَمَة كَمَا قدمْنَاهُ. ثمَّ يرجع ولد الْأَبَوَيْنِ على ولد الْأَب فَيَأْخُذُونَ تَمام حُقُوقهم مِنْهُم فَإِن فضل بعد اسْتِيفَاء حُقُوق ولد الْأَبَوَيْنِ شَيْء كَانَ لولد الْأَب وَإِن لم يفضل فَلَا شَيْء لَهُم. وَمعنى الْمُعَادَة فِي مَذْهَب الْفُقَهَاء: أَنهم يعدون أَوْلَاد الْأَب مَعَ الْجد إِضْرَارًا بِهِ، فَإِذا أَخذ الْجد سَهْمه من الْمِيرَاث أضروا ولد الْأَبَوَيْنِ وَولد الْأَب فِيمَا بَقِي على حكمهم لَو انفردوا بِالْمِيرَاثِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجدَّات يَرث مِنْهُنَّ إثنان: أم الْأُم إِذا لم تكن الْأُم حيه، وَأم الْأَب إِذا لم يكن الْأَب مَوْجُودا. إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد انه قَالَ تَرث أم الْأُم وَابْنهَا الْأَب حَيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا سوى هَاتين الجدتين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: تَرث أم الْجد. وَقَالَ مَالك لَا تَرث أم الْجد. ثمَّ اخْتلفُوا بعْدهَا إِلَى الْجدَّات الثَّلَاث من أمهاتهن من يَرث مِنْهُنَّ فَكل مِنْهُنَّ على أصل سنبينه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: يرثن الْجدَّات الثَّلَاث أم الْأُم، وَأم الْأَب، وَأم الْجد. وترث أَيْضا أم ابْن الْجد إِذا انْفَرَدت، وترث الْجدَّات وَإِن كثرت إِذا اسْتَوَت درجاتهن. وَقَالَ مَالك: لَا يَرث أَكثر من دَرَجَتَيْنِ: أم الْأُم وَأمّهَا، وَأم الْأَب وَأمّهَا. وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، رَوَاهُ عَنهُ أَبُو ثَوْر. وَقَالَ أَحْمد: يَرث من الْجدَّات ثَلَاثَة: أم الْأُم، وَأم الْأَب وَأم الْجد خَاصَّة. وَلَا يَرث سواهن فَيظْهر فَائِدَة الْخلاف أَن أم أبي الْجد إِذا انْفَرَدت تَرث عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا تَرث عِنْد أَحْمد وَمَالك. وَاخْتلفُوا فِي الجدتين يَجْتَمِعَانِ قربى وبعدى الْقُرْبَى من جِهَة الْأَب، والبعدى من جِهَة الْأُم مثل أم الْأَب وَأم أم الْأُم الْأَهْل هَل تحجب الْقُرْبَى البعدى؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْقط الْقُرْبَى من جِهَة الْأَب البعدي من جِهَة الْأُم. وَقَالَ مَالك: لَا تحجبها بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تسْقط البعدى، ويشتركان كمذهب مَالك. وَالْأُخْرَى: تسقطها كمذهب أبي حنيفَة وأختارها الْخرقِيّ. مسَائِل فِي الْعتْق وَالْمِيرَاث اتَّفقُوا على أَن الرجل وَالْمَرْأَة إِذا أعتق كل وَاحِد مِنْهُمَا مَمْلُوكَة عتقا مُطلقًا بَاشرهُ بِهِ مُتَبَرعا وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ: أَنْت حر، فَإِن مِيرَاث هَذَا الْمُعْتق إِذا مَاتَ وَلم يخلف وَارِثا من عصبَة وَلَا ذِي فرض لمعتقه ولورثته الذُّكُور من بعده مَا تَنَاسَلُوا ثمَّ لوَرثَته على سَبِيل التَّعْصِيب. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمولى إِذا أعتق عَبده أَيْضا عتقا مُقَيّدا للشّرط على الْكِتَابَة أَو على التَّدْبِير أَو على غير ذَلِك من الشُّرُوط أَن هَذَا كَالْأولِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 ثمَّ اخْتلفُوا إِذا أعْتقهُ سائبة ويتخصص هَذَا الْعتْق بنطقين وَهُوَ أَن يَقُول: أَعتَقتك سائبة أَو أَعتَقتك لَا وَلَاء عَلَيْك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يكون وَلَاؤُه لمعتقه وَيَقَع الشَّرْط بَاطِلا. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يكون مِيرَاثه مصروفا فِي الرّقاب. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أنْفق الدينان بَين الْمُعْتق وَالْمُعتق، فالميراث ثَابت. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الدينان بَينهمَا وَكَانَ أَحدهمَا مُسلما وَالْآخر كَافِرًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يسْتَحق بِالْإِرْثِ الْوَلَاء مَعَ اخْتِلَاف الدّين بل يكون الْأَمر مَوْقُوفا فَإِن أسلم السَّيِّد وَرثهُ. وَإِن مَاتَ قبل أَن يسلم كَانَ مِيرَاثه للْمُسلمين. وَقَالَ أَحْمد: يَرِثهُ وَإِن اخْتلف الدينان فِيمَا رَوَاهُ الْمروزِي وَالْفضل بن زِيَاد. وَقد رُوِيَ أَبُو طَالب عَن أَحْمد: الْوَلِيّ شعبه من الرّقّ فَكَانَ ظَاهره أَن يَأْخُذهُ لَا على سَبِيل الْمِيرَاث. ذكره القَاضِي أَبُو يعلى فِي الْمُجَرّد. وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق عَبده عَن غَيره بِغَيْر إِذْنه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الْوَلَاء للْمُعْتق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: الْوَلَاء للْمُعْتق وَلَو كَانَ الْمُعْتق عَنهُ أذن فِي أَن يعْتق عَنهُ. وَقَالَ مَالك: الْوَلَاء للْمُعْتق عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ رجل لرجل آخر: أعتق عَبدك عني وَعلي ثمنه أَو قِيمَته: أَن الْوَلَاء لَا يكون إِلَّا للْمُعْتق عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق عَبده من غَيره بِغَيْر إِذْنه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الْوَلَاء للْمُعْتق. وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: الْوَلَاء للْمُعْتق وَلَو كَانَ الْمُعْتق عَنهُ أذن فِي أَن يعْتق عَنهُ. وَقَالَ مَالك: الْوَلَاء للْمُعْتق عَنهُ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا: للْمُعْتق عَنهُ. وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ. وَالثَّانِي: كمذهب أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتق عَبده عَن كَفَّارَته أَو من زَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: وَلَاؤُه لمعتقه. وَقَالَ مَالك: لَا يَرِثهُ مُعْتقه وَيَشْتَرِي مِمَّا يخلفه من يعْتق كَمثل عتقه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَن من ملك وَالِديهِ وَإِن علو، وَأَوْلَاده وَأَن سفلوا، فَإِنَّهُم يعتقون بِنَفس الشِّرَاء وَأَن ولاءهم لَهُ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن عدا الْوَالِدين والمولودين. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: كل ذِي رحم محروم مِنْهُ إِذا ملكه مَالك عتق عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ وَلَاؤُه. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يعْتق عَلَيْهِ بعد الْوَالِدين والمولودين من علو أَو سفل من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من كل جِهَة دون أَوْلَادهم وولاءهم لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعْتق لَهُ إِلَّا عمودي النّسَب من علو وسفل فَقَط. وَاتَّفَقُوا على أَن وَلَاء أم الْوَلَد لسَيِّدهَا، وَإِن كَانَت لَا تعْتق إِلَّا بِمَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 الْمُدبر أَلا أَن الْإِجْمَاع حصل أَن الْوَلَاء لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَب فِي عتقه ويرثه عصبته بعده. وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء يرثن بِالْوَلَاءِ من أعتقنه أَو أعتق من أعتقنه، أَو كاتبن أَو كَاتب من كاتبنه. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا مدْخل للنِّسَاء فِي مِيرَاث الْوَلَاء بعد ذَلِك إِلَّا بنت الْمُعْتق فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تَرث من الْوَلَاء. وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي ذَلِك عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: أَنَّهَا لَا تَرث كَقَوْل الْجَمَاعَة وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز. وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا تَرث من أعتق أَبوهَا احتجاجا بِالْحَدِيثِ: أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورث ابْنة حَمْزَة. وَكَيْفِيَّة توريثها على هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد على ثَلَاثَة أَقسَام لَا يَنْفَكّ عَنْهَا: أَن تكون مُنْفَرِدَة ووارث مَعهَا فترث المَال كُله بِالتَّعْصِيبِ، أَو يكون مَعهَا ذَوا فرض من أقَارِب الْمَيِّت فَإِنَّهَا تَأْخُذ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ. أَو يكون مَعهَا أَخُوهَا فَإِنَّهُ يقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَقد ذكر الْخرقِيّ عَن أَحْمد: أَنَّهَا إِنَّمَا تَرث إِذا كَانَ مَعهَا أَخُوهَا خَاصَّة فَإِنَّهُ يقاسمها لذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَب يجر الْوَلَاء لَا خلاف بَينهم فِيهِ ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجد، هَل يجر الْوَلَاء؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 فَقَالَ مَالك: يجر الْوَلَاء كَالْأَبِ مَا دَامَ الْأَب عبدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجر الْجد الْوَلَاء سَوَاء كَانَ حَيا أم مَيتا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَمن فقه قَاسم التَّرِكَة أَن يعرف تَصْحِيح الْمَسْأَلَة ثمَّ يضْرب سهم كل وَارِث فِي جملَة التَّرِكَة، ثمَّ يقسم الْمبلغ على مَا صحت منَّة الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فِي سِهَام كل وَارِث فَهُوَ نصِيبه، وَإِن شِئْت نسبت سِهَام كل وَارِث من الْمَسْأَلَة وَأخذت منَّة بِتِلْكَ النِّسْبَة عَن التَّرِكَة، فَإِن كَانَ فِي التَّرِكَة دَرَاهِم فِيهَا كسر قسطت الدَّرَاهِم على مُقْتَضى الْكسر ثمَّ فعلت فِيهَا مثل ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 كتاب النِّكَاح اتَّفقُوا على أَن النِّكَاح من الْعُقُود الشَّرْعِيَّة المسنونة قَالَ الله {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} . وَاتَّفَقُوا على أَن من تاقت نَفسه إِلَيْهِ وَخَافَ الْعَنَت فَإِنَّهُ يتَأَكَّد فِي حَقه وَيكون أفضل من حج التَّطَوُّع وَجِهَاد التَّطَوُّع وَالصَّلَاة وَالصَّوْم المتطوع بهما. وَزَاد أَحْمد فَبلغ بِهِ إِلَى الْوُجُوب مَعَ الشَّرْطَيْنِ وهما: أَن تتوق نَفسه، وَيخَاف الْعَنَت رِوَايَة وَاحِدَة. على أَن من تاقت نَفسه وَأمن الْعَنَت، فالمستحب أَن يتَزَوَّج إِجْمَاعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَاخْتلف أَصْحَاب أَحْمد فِي وُجُوبه. فعلى اخْتِيَار أبي بكر عبد الْعَزِيز، وَأبي حَفْص الْبَرْمَكِي: يجب لِأَنَّهُمَا أخذا بِالْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَة وَلم يفرقاه. اخْتَار الْبَاقُونَ الِاسْتِحْبَاب. وَاخْتلفُوا فِيمَن لَا تتوق نَفسه إِلَيْهِ هَل يسْتَحبّ لَهُ أم لَا؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج وَهُوَ أفضل من غَيره من النَّوَافِل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يسْتَحبّ، والاشتغال بنوافل الْعِبَادَة أولى فِيمَن لم تتق نَفسه إِلَيْهِ، وَلَا شَهْوَة لَهُ، إِمَّا بِأَن لم يخلق الله لَهُ شَهْوَة فِي الأَصْل أَو كَانَت لَهُ شَهْوَة فَذَهَبت بكبر أَو مرض أَو ضعف. فَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج أَيْضا. وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: يكره لَهُ أَن يتَزَوَّج. وَعَن أَحْمد فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج، وَالْأُخْرَى: لَا يسْتَحبّ ويتخلى لِلْعِبَادَةِ وَهِي اخْتِيَار أبن بطة، وَالْقَاضِي أَبُو يعلى وَغَيرهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن من أَرَادَ التَّزَوُّج بِامْرَأَة فَلهُ أَن ينظر مِنْهَا إِلَى مَا لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 بعوره إِلَّا مَالِكًا اشْترط ذَلِك، أَن يكون على اغتفال. وَقد سبق بَيَان حد الْعَوْرَة وَاخْتِلَافهمْ فِيهَا فِي كتاب الصَّلَاة. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمَرْأَة أَن تلِي عقد النِّكَاح لنَفسهَا أَو لغَيْرهَا أَو تَأذن لغير وَليهَا فِي تَزْوِيجهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز جَمِيع ذَلِك وَيصِح. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: لَا تزوج نَفسهَا وَلَا غَيرهَا، رِوَايَة وَاحِدَة. وَاخْتلف عَنهُ هَل لَهَا أَن تَأذن لغير وَليهَا فِي تَزْوِيجهَا؟ على رِوَايَات: إِحْدَاهَا: الْمَنْع، وَالثَّانِي: الْجَوَاز. وَالثَّالِثَة: إِن كَانَت شريفة لم يجز، وَإِن كَانَت غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 شريفة جَازَ. وَاخْتلفُوا هَل للرجل أَن يجْبر أبنته الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: يملك الْأَب ذَلِك، وَاسْتثنى مَالك فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ العانس وَهِي الَّتِي طَال مكثها فِي بَيت أَبِيهَا حَتَّى بلغت أَرْبَعِينَ سنه، وَكَذَلِكَ الَّتِي تزوجت وخلى الزَّوْج بهَا وَطَلقهَا من غير دُخُول بهَا، وَقد باشرت الْأُمُور وَعرفت مصالحها ومصارفها، لَا يملك الْأَب إجبارها. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك الْأَب إجبارها. وَقَالَ أَحْمد: إِذا بلغت تسع سِنِين لم تزوج إِلَّا بِإِذْنِهَا فِي حق كل ولي، الْأَب وَغَيره وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَب يجْبر ابْنَته الصَّغِيرَة من بَنَاته مَا عدا هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد الَّتِي ذكرت آنِفا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج بعبدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَاتَّفَقُوا على أَنه مَتى ملكت الْمَرْأَة زَوجهَا أَو شِقْصا مِنْهُ حرمت عَلَيْهِ وانفسخ النِّكَاح بَينهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّوْج إِذا ملك زَوجته أَو شِقْصا مِنْهَا انْفَسَخ النِّكَاح بَينهمَا. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمَرْأَة أَن تزوج معتقها أَو أمتها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا الْمَنْع، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأَبُو بكر، وَالثَّانيَِة: الْجَوَاز فِيهَا كَأبي حنيفَة. وَالثَّالِثَة: الْجَوَاز فِي حق الْأمة خَاصَّة. وَاخْتلفُوا هَل يملك الْأَب إِجْبَار الثّيّب الصَّغِيرَة من بَنَاته؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يملك ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لَهُ إجبارها بِوَجْه حَتَّى تبلغ وتأذن. ولأصحاب أَحْمد وَجْهَان، أَحدهمَا: جَوَاز الْإِجْبَار، اخْتَارَهَا عبد الْعَزِيز، وَالْأُخْرَى: الْمَنْع من ذَلِك. اخْتَارَهَا أبن بطه وَابْن حَامِد وَغَيرهمَا. وَاخْتلفُوا فِي الثيوبة الَّتِي ترفع الْإِجْبَار وتملك الْمَرْأَة بهَا الْإِذْن. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ أَن تُوطأ بِنِكَاح صَحِيح أَو بشبهه ملك دون الزِّنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: تثبت الثيوبة بذلك كُله وبالزنا وَبِغير وطئ على الْجُمْلَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَقَالَ أَحْمد: لَا تثبت إِلَّا بِالْأَصَالَةِ فِي الْجُمْلَة وَلَو بزنا. وَاتَّفَقُوا على أَن الثّيّب الْكَبِيرَة لَا تجبر على النِّكَاح. وَاخْتلفُوا فِي تَزْوِيج الصَّغِيرَة هَل لغير الْأَب تَزْوِيجهَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لغير الْأَب أَن يُزَوّجهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز لغير الْأَب تَزْوِيجهَا. وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: يجوز لجَمِيع الْعَصَبَات تَزْوِيجهَا إِلَّا أَنه اتّفق على إمضائها إِذا بلغت. وَاخْتلفُوا هَل لغير الْأَب تَزْوِيج الصَّغِيرَة وإجبار الْبِنْت الْكَبِيرَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل الْعصبَة فِي عدم الْإِجْبَار سَوَاء. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز ذَلِك كُله للْأَب وَالْجد مَعًا. وَاخْتلفُوا فِي ولَايَة النِّكَاح هَل تستفاد بِالْوَصِيَّةِ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 فَقَالَ مَالك وَأحمد: تستفاد بهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تستفاد بهَا. وَهل يقوم الْوَصِيّ مقَام الْوَلِيّ فِي الْإِجْبَار وَعَدَمه فِي موضعهَا؟ قَالَ مَالك: يَصح مَعَ التَّبْيِين للزَّوْج فَقَط. وَظَاهر مَذْهَب أَحْمد صِحَّته على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي النِّكَاح، هَل هُوَ حَقِيقَة فِي الوطىء أم العقد أم هما؟ فَقَالَ أَصْحَاب أَبُو حنيفَة: هُوَ حَقِيقَة فِي الوطىء مجَاز فِي العقد. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: هُوَ مجَاز فِي الوطىء حَقِيقَة فِي الوطىء وَالْعقد جَمِيعًا وَلَيْسَ هُوَ بِأَحَدِهِمَا أخص مِنْهُ بالأخر. وَاخْتلفُوا فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف على الْإِجَازَة من الْمَنْكُوحَة أَو الْوَلِيّ أَو الناكح هَل يَصح أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ صَحِيح مَوْقُوف على الْإِجَازَة فَمَتَى وجدت ثَبت على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَا يَصح على الْإِطْلَاق. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح جملَة. وَالْأُخْرَى: يجوز إِذا أخْبرت بِقرب ذَلِك من غير تراخ شَدِيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح على الْإِطْلَاق، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالثَّانيَِة يَصح مَعَ الْإِجَازَة كمذهب أبي حنيفَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْعدْل إِذا كَانَ وليا فِي النِّكَاح فولايته صَحِيحَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي صِحَة ولَايَة الْفَاسِق فِيهِ. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: تصح وَينْعَقد بهَا النِّكَاح. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ: لَا ينْعَقد وَلَا يَصح. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: الْمَنْع من الصِّحَّة، وَالْأُخْرَى: يَصح. وَاخْتلفُوا هَل الشَّهَادَة شَرط فِي صِحَة النِّكَاح؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: هِيَ شَرط فِي صِحَّته. وَقَالَ مَالك لَيْسَ بِشَرْط وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد. وَاخْتلفُوا فِي التواصي بكتمان النِّكَاح هَل يُبطلهُ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فَقَالَ مَالك: يُبطلهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يُبطلهُ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه إِن حَضَره شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَإِن التواصي بِهِ لَا يُبطلهُ. وَالْأُخْرَى: يبطل بالتواصي بكتمانه. وَاتَّفَقُوا على أَن حُضُور الشَّاهِدين العدلين ينْعَقد بهما النِّكَاح مَعَ الْوَلِيّ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشَّاهِدين الْفَاسِقين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد بهما. وَعند مَالك الشَّهَادَة لَيست بِشَرْط فِي الصِّحَّة فَينْعَقد عِنْده. وَاخْتلفُوا هَل يثبت النِّكَاح بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ؟ فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح. وَمَالك على أَصله أَن النِّكَاح لَا يفْتَقر إِلَى الْإِشْهَاد فَيصح عِنْده. وَاخْتلفُوا هَل يَصح النِّكَاح بِشَهَادَة أعميين؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: ينْعَقد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَمَالك على أَصله الْمَذْكُور من قبل. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُسلم يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الكتابيات الْحَرَائِر. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن يُزَوّجهَا مُسلم بِشَهَادَة كتابين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُسلمِ أَن يتَزَوَّج كِتَابيه بِولَايَة كتابي؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح. وَاتَّفَقُوا على أَن السَّيِّد الْمُسلم يملك تَزْوِيج أمته الْكَافِرَة، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه لَا يملك ذَلِك. وَاخْتلفُوا هَل يَصح للصغيرة إِذا كَانَت بنت سبع سِنِين الْإِذْن فِي النِّكَاح لمن لَا يملك إجبارها؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 فَقَالُوا: لَا يَصح. وَقَالَ أَحْمد: يَصح. وَاخْتلفُوا هَل يملك السَّيِّد إِجْبَار عَبده الْكَبِير على النِّكَاح؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: يملك ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد وَأحمد: لَا يملك ذَلِك. وَاخْتلفُوا هَل يجْبر السَّيِّد على بيع عَبده أَو نِكَاحه إِذا طلب العَبْد مِنْهُ النِّكَاح فَامْتنعَ السَّيِّد؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجْبر السَّيِّد على ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد: يجْبر على ذَلِك. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا هَل يجب على الإبن أَن يعف أَبَاهُ إِذا طلب النِّكَاح؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يلْزم الإبن ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ: يلْزم الإبن ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي الْمولى: هَل يجوز لَهُ أَن يُزَوّج أم وَلَده بِغَيْر رِضَاهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَهُ ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَيْسَ لَهُ ذَلِك. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ: أعتقت أمتِي وَجعلت عتقهَا صَدَاقهَا بِمحضر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 شَاهِدين هَل يثبت الْعتْق صدَاق وَينْعَقد النِّكَاح بذلك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: النِّكَاح غير مُنْعَقد. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهبهم، وَالثَّانيَِة: ينْعَقد النِّكَاح وَيثبت الْعتْق صَدَاقا إِذا كَانَ بمحضره شَاهِدَانِ وَلَا يعْتَبر رِضَاهَا. وَأَجْمعُوا على أَن الْعتْق لَهَا وَاقع صَحِيح. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت: أعتقني على أَن أتزوجك وَيكون عتقي صَدَاقي، فَأعْتقهَا على ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْعتْق وَاقع. وَأما النِّكَاح: فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هِيَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَت تزوجته وَإِن شَاءَت لم تتزوجه، وَيكون لَهَا إِن اخْتَارَتْ تَزْوِيجه صَدَاقا مستأنفا، وَإِن كرهته وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى كرهته فَلهُ عَلَيْهَا قيمه نَفسهَا. وَقَالَ أَحْمد: من أعْتقهَا على أَن تزَوجه نَفسهَا فَقبلت ثمَّ أَبَت فَهِيَ حرَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ويلزمها قيمَة نَفسهَا، وَإِن رَضِيا بِالْعقدِ جَازَ الْعتْق مهْرا وَلَا شَيْء لَهَا سواهُ. وَاخْتلفُوا هَل للإبن أَن يُزَوّج أمه؟ فَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ وَأَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. ثمَّ اخْتلفُوا موجبوا الْولَايَة لَهُ فِي تَقْدِيم الْأَب عَلَيْهِ إِذا اجْتمعَا. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الْأَب مقدم عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: الإبن وَابْن الإبن مقدم على الْأَب. وَاخْتلفُوا فِي الْجد وَالْأَخ والإبن إِذا اجْتَمعُوا، أَيهمْ أولى؟ فَقَالَ مَالك: الابْن وَابْنه، وَالْأَخ وَابْنه مقدمون على الْجد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الابْن أولى من الْجد وَالْأَخ إِذا اجْتَمعُوا فَإِن لم يكن ابْن وَكَانَ أَخ وجد، فالجد أولى من الْأَخ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْجد مقدم على الْأَخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: أَن الْجد مقدم. وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اجْتمع أَخ لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: يقدم ولد الْأَبَوَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: هما سَوَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عقد الْأَبْعَد من عصباتها مَعَ الْقُدْرَة على أَن يعْقد الْأَقْرَب وَلم يكن (بشاح) وَلَا عضل. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح النِّكَاح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا عقد الْوَلِيّ الْأَبْعَد مَعَ الْقُدْرَة على عقد الْوَلِيّ الْأَقْرَب فَإِنَّهُ ينْعَقد مَوْقُوفا على إجَازَة الْأَقْرَب أَو إِلَى أَن تبلغ الصَّغِيرَة فتختار إِن شَاءَت. وَقَالَ مَالك: الْولَايَة فِي النِّكَاح نَوْعَانِ، أَحدهمَا: ولَايَة إِجْبَار تثبت من غير اسْتِئْذَان كولاية الْأَب على الصَّغِيرَة، وَالْآخر: ولَايَة إِذن. وَلَكِن يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب كالأخ يقدم على الْعم، فَإِذا تقدم الْأَبْعَد على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الْأَقْرَب من غير اسْتِئْذَان جَازَ إِذا لم (يتشاحا) ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن الْولَايَة فِي النِّكَاح لَا تثبت إِلَّا لمن يَرث بِالتَّعْصِيبِ عدا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة: أَن الْوَلِيّ كل وَارِث سَوَاء كَانَ إِرْثه بِفَرْض أَو تعصيب. وَاخْتلفُوا فِي شُرُوط الْكَفَاءَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ النّسَب وَالدّين وَالْحريَّة للآباء حَتَّى لَا يكون من لَهُ أَب فِي الْإِسْلَام كُفؤًا لمن لَهُ أَب وجد فِي الْإِسْلَام، وَلَا من لَهُ أَب وجد فِي الْإِسْلَام كُفؤًا لمن لَهُ أَكثر من ذَلِك وَالْقُدْرَة على الهمة وَالنَّفقَة والصناعة. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يعْتَبر الصِّنَاعَة. وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن نصير عَنهُ: أَنَّهَا الدّين وَالْحريَّة والسلامة من الْعُيُوب الْمُوجبَة للرَّدّ. وَحكى ابْن الْقصار عَن مَالك الْكَفَاءَة فِي الدّين فَحسب. قَالَ عبد الْوَهَّاب: فِي الصِّنَاعَة نظر يجب أَن تكون من الْكَفَاءَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ خَمْسَة: النّسَب وَالدّين وَالْحريَّة والصناعة وَالْمَال، فِي أحد الْوَجْهَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَالْآخر؛ هِيَ النّسَب وَالدّين فَقَط. وَاخْتلفُوا فِي قيد الْكَفَاءَة، هَل يُورد فِي إبِْطَال النِّكَاح؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فقد الْكَفَاءَة يُوجب للأولياء حق الِاعْتِرَاض. وَقَالَ مَالك: لَا يبطل النِّكَاح فقدها. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنه يبطل النِّكَاح عدمهَا. وَالْقَدِيم: لَا يبطل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه يبطل النِّكَاح فقدها. وَالْآخر: لَا يُبطلهُ فقدها وتقف على إجَازَة الْأَوْلِيَاء واعتراضهم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا زوج بعض الْأَوْلِيَاء بِغَيْر كفؤ بِرِضَاهَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا: فقد الْكَفَاءَة لَا يبطل وَيصِح النِّكَاح ولبقية الْأَوْلِيَاء الِاعْتِرَاض. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط حَقهم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رضيت الْمَرْأَة بِدُونِ مهر الْمثل؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ للأولياء اعْتِرَاض عَلَيْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُم الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا غَابَ الْأَقْرَب من الْأَوْلِيَاء غيبَة متقطعة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: تنْتَقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد مِنْهُم. وَقَالَ الشَّافِعِي: تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان. وَاخْتلفُوا فِي حد الْغَيْبَة المتقطعة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَن لَا تصل الْقَافِلَة مِنْهُ إِلَّا مرّة فِي السّنة. وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة: حَدهَا مَا لَا يصل فِيهِ للكوفة إِذا خضر حَتَّى يَجِيء الْإِذْن من الْغَائِب. وَقَالَ الشَّافِعِي: حَدهَا مَا يقْتَصر فِيهِ الصَّلَاة. وَاخْتلفُوا هَل للرجل إِذا كَانَ هُوَ الْوَلِيّ أَن يُزَوّج نَفسه مِنْهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز لَهُ ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُ ذَلِك بتوليته لنَفسِهِ وَلَا بتوكيله لغيره فِيهِ وَلَا يَصح حَتَّى يُزَوجهُ الْحَاكِم إِلَّا أَن يكون الإِمَام الْأَعْظَم، فَفِيهِ وَجْهَان لأَصْحَابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز لَهُ ذَلِك بِنَفسِهِ بل إِن وكل غَيره ليوجب لَهُ جَازَ لِئَلَّا يَلِي العقد لنَفسِهِ. وَاخْتلفُوا هَل ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظَة الْهِبَة وَالْبيع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد بِهِ وَبِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك والتأبيد دون التَّأْقِيت. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد بذلك. وَأما مَالك فقد ذكر أَصْحَابه عَنهُ أَنه لَا ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة، وكل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك. وَذكر ابْن الْقَاسِم هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ الْهِبَة لَا تحل لأحد بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِن كَانَت هبة أَبَاهَا لَيست على النِّكَاح، وَإِنَّمَا وهبتها لتحصنها أَو تكفلها، فَلَا أرى بذلك بَأْسا. وَإِن وهبت ابْنَته لَهُ صدَاق كَذَا فَلَا أحفظه عَن مَالك وَهُوَ عِنْدِي جَائِز. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الْوَلِيّ: زَوجتك أَو أنكحتك وَقَالَ الزَّوْج: قبلت هَذَا النِّكَاح أَو رضيت هَذَا النِّكَاح أَنه ينْعَقد النِّكَاح إِذا كَانَ مَعَ بَقِيَّة شُرُوطه على اخْتِلَاف فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الْوَلِيّ: زَوجتك أَو أنكحتك الْمَذْكُورَة، فَقَالَ الزَّوْج: قبلت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: ينْعَقد النِّكَاح. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا ينْعَقد حَتَّى يَقُول: قبلت هَذَا النِّكَاح. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْحرّ أَن يجمع بَين أَكثر من أَربع حرائر. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز لَهُ أَن يجمع بَين أَكثر من زَوْجَتَيْنِ. وَقَالَ مَالك: هُوَ كَالْحرِّ فِي جَوَاز جمع الْأَرْبَع. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يتَزَوَّج بِامْرَأَة كَانَ زنى بهَا من غير تَوْبَة؟ فَقَالَ مَالك: يكره تَزْوِيج الزَّانِيَة على الْإِطْلَاق، وَلَا يجوز لَهُ إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء سَوَاء كَانَ المتزوج بهَا هُوَ الزَّانِي بهَا أَو غَيره، واستبراؤها ثَلَاث حيض فِي أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالْأُخْرَى حَيْضَة تجزىء وَالثَّلَاث أحب إِلَيْهِ، وَلَا يعْتَبر التَّوْبَة وَلَا الِاسْتِبْرَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز العقد من غير تَوْبَة وَلَا اسْتِبْرَاء وَكَذَلِكَ الوطىء عِنْد الشَّافِعِي. وَأما أَبُو حنيفَة فَقَالَ: لَا يجوز الوطىء حَتَّى يستبرأها بِحَيْضَة، وَيُوضَع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: وجود التَّوْبَة مِنْهَا، والاستبراء بِوَضْع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا، الإقراء أَو الشُّهُور عِنْد عدم الإقراء. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة المحصنة بالزواج إِذا زنت لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا من زَوجهَا. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يتَزَوَّج امْرَأَة الرَّابِعَة من نِسَائِهِ فِي عدته من طَلَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 بَائِن أَو تَزْوِيج الْأُخْت وَأُخْتهَا فِي عدَّة مِنْهُ من طَلَاق بَائِن أَو تَزْوِيج كل وَاحِدَة مِمَّن يحرم عَلَيْهِ الْجمع بَينهمَا وَمن الثَّانِيَة مِنْهُ وَهِي فِي الْعدة بعد؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز. وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين نِكَاح الْخَامِسَة وَالرَّابِعَة فِي الْعدة، وَلَا بَين الْأُخْت وَأُخْتهَا. وَأَنه لَا يجوز أَن يتَزَوَّج بِكُل وَاحِدَة مِمَّن يحرم عَلَيْهِ الْجمع بَينهمَا وَمن الْمُعْتَدَّة مِنْهُ إِذا كن المعتدات الْمَذْكُورَات من طَلَاق رَجْعِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي استباح الوطىء بِملك الْيَمين كَمَا لَو ينْعَقد النِّكَاح عَلَيْهِمَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَين الْمَرْأَة وخالتها. وَاتَّفَقُوا على أَن نفس العقد على الْمَرْأَة يحرم أمهَا على الْعَاقِد على التَّأْبِيد وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 يعْتَبر الوطىء فِي ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل إِذا دخل بِزَوْجَتِهِ حرمت عيها بنتهَا على التَّأْبِيد وَإِن لم تكن الربيبة فِي حجرَة. وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تثبت الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تثبت. وَعَن مَالك رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة باللواط الْمحرم مَعَ الذُّكُور. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تثبت بِهِ الْحُرْمَة. وَقَالَ أَحْمد: تثبت بِهِ تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة. وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بالخلوة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يثبت التَّحْرِيم بذلك، وَإِنَّمَا يثبت باللمس والقبلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تثبت الْحُرْمَة بِحَال. وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَأحمد: يثبت بِهِ التَّحْرِيم. وَاخْتلفُوا هَل يلْحق بِالزِّنَا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة النّظر إِلَى فرج الْمَرْأَة بِشَهْوَة واللمس بلذة والقبلة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تحرم الْمُصَاهَرَة بِهِ، وَتحرم بِهِ الربيبة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه: لَا يثبت التَّحْرِيم وَلَا يلْحق بالوطىء، وَالْقَوْل الآخر: يلْحق بالوطىء وَيثبت بِهِ لتَحْرِيم. وَاخْتلف أَصْحَابه عَنهُ فِي هَذِه الرِّوَايَة، هَل يعْتَبر فِي التَّحْرِيم بِهِ الشَّهْوَة أم لَا؟ فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الشَّهْوَة مُعْتَبرَة. وَقَالَ بَعضهم: لَا تعْتَبر الشَّهْوَة فمجرد اللَّمْس والقبلة يثبت التَّحْرِيم للمصاهرة فِي الربيبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه لَا يثبت التَّحْرِيم. وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار التَّحْرِيم بذلك هَل يكون فِي الْفِعْل الْحَلَال مِنْهُ مثبتا للْحُرْمَة أَو فِي الْفِعْل الْحَرَام والحلال مَعًا؟ فَكل من جِهَة الوطىء الْحَرَام مُوجبا لنشر الْحُرْمَة جعل هَذِه الدَّوَاعِي وَإِن كَانَت على وَجه حرَام مأثرة للْحُرْمَة، وَمن لم يثبت الْحُرْمَة بالوطىء عِنْده إِلَّا أَن يكون حَلَالا فَكَذَلِك اعْتبر فِي دواعيه. وَاخْتلفُوا فِي المخلوقة من مَاء الزِّنَا، هَل يجوز لمن خلقت من مَائه أَن يَتَزَوَّجهَا؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمُسلمِ نِكَاح المجوسيات وَلَا الوثنيات وَلَا غَيْرهنَّ من أَنْوَاع المشركات اللَّاتِي لَا كتاب لَهُنَّ، وَسَوَاء فِي ذَلِك حرائرهن وإمائهن. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز نِكَاح الْمُسلمين حرائرهم وعبيدهم إِمَاء الكتابيات. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يجوز نِكَاح إمائهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه لَا يجوز، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأَبُو حَفْص وَأَبُو بكر، وَالْأُخْرَى: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُحرمَات فِي كتاب الله أَرْبَعَة عشر من جِهَة النّسَب سبع، وَمن جِهَة السَّبَب سبع. فَأَما النّسَب فالأم وَالْجدّة وَإِن علت سَوَاء كن من جِهَة الْأَب أَو الْأُم، وَالْبِنْت وَبنت الإبن، وَبنت الْوَلَد وَإِن سفلن، وَالْأَخَوَات، وبناتهن وَإِن سفلن، والعمة وَيجوز تَزْوِيج بنتهَا، وَالْخَالَة وَيجوز تَزْوِيج بنتهَا، وَبَنَات الْأُخْت وَإِن سفلن. وَأما الْمُحرمَات من السَّبَب فهن: الْأُمَّهَات من الرضَاعَة، وأمهاتهن وَإِن بَعدت، وَالْأُخْت من الرضَاعَة وبناتها وَإِن سفلن، وَأم الزَّوْجَة والربائب الْمَدْخُول بأمهاتهن، وحليلة الابْن وَإِن سفل مُحرمَة على الْأَب وَإِن علا وَسَوَاء دخل الابْن بامرأته أم لم يدْخل وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ من النّسَب وَالرّضَاع، وَامْرَأَة الْأَب مُحرمَة على الابْن وَإِن سفل وَكَذَلِكَ امْرَأَة الْجد وَإِن علا. وَحرمت السّنة الْجمع بَين امْرَأَة وعمتها، وَبَينهَا وَبَين خالها كَمَا قدمنَا. وَبَين كل امْرَأتَيْنِ لَو كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا رجلا لم يجز أَن تتَزَوَّج بِالْأُخْرَى. وَاتَّفَقُوا على أَن عمَّة الْعمة تنزل فِي التَّحْرِيم منزلَة الْعمة إِذا كَانَت الْعمة الأولى أُخْت الْأَب لِأَبِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن خَالَة الْخَالَة تنزل فِي التَّحْرِيم منزلَة الْخَالَة إِذا كَانَت الْخَالَة الأولى أُخْت الْأُم لأمها. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن يَأْتِي زَوجته وَلَا أمته فِي الْموضع الْمَكْرُوه إِلَّا مَا رُوِيَ عَن مَالك، ويعزى إِلَى قَول الشَّافِعِي. قَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح أَن ذَلِك غير جَائِز لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} والحرث هُوَ مَا يزكوا فِيهِ الْبذر، وَكَذَلِكَ الْموضع هُوَ مَوضِع فرث لَا مَوضِع حرث. وَاخْتلفُوا فِيمَن أسلم وَتَحْته أَكثر من أَرْبَعَة نسْوَة. فَقَالَ الشَّافِعِي مَالك وَأحمد: يخْتَار مِنْهُنَّ أَرْبعا وَكَذَلِكَ يخْتَار من الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ العقد وَقع عَلَيْهِنَّ فِي حَالَة وَاحِدَة فَهُوَ بَاطِل، وَإِن كَانَ فِي عُقُود صَحَّ النِّكَاح فِي الْأَرْبَعَة الْأَوَائِل، وَكَذَلِكَ فِي الْأُخْتَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ارْتَدَّ أَحدهمَا قبل الدُّخُول أَو بعدة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تتعجل الْفرْقَة على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول أَو بعدة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِن كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول تعجلت الْفرْقَة، وَإِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 بعده توقفت على انْقِضَاء الْعدة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة وَاحِدَة كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ المسلمان مَعًا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ بِمَنْزِلَة ارتداد أَحدهمَا فِي الْفرْقَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقع فرقة. وَاخْتلفُوا فِي أنكحة الْكفَّار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ صَحِيحَة مُتَعَلقَة بهَا الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِأَحْكَام الْمُسلمين. وَقَالَ مَالك: هِيَ فَاسِدَة. وَاخْتلفُوا فِي الْحر إِذا لم يجد طول حرَّة، وَيخَاف الْعَنَت، هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أمة؟ فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: يجوز لَهُ ذَلِك مَعَ وجود الشَّرْطَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْحرّ أَن يتَزَوَّج أمة مَعَ عدم الشَّرْطَيْنِ. وَإِنَّمَا الْمَانِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 للْحرّ أَن ينْكح أمة بِشَيْء وَاحِد وَهُوَ أَن تكون الْحرَّة فِي جنسه زوجية أَو فِي عدَّة مِنْهُ. وَاخْتلفُوا هَل للْحرّ أَن يتَزَوَّج من الْإِمَاء أَرْبعا إِذا كَانَ الشَّرْطَيْنِ قَائِمين. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك عِنْد قيام الشَّرْطَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج مِنْهُنَّ أَرْبعا وَإِن لم يكن الشرطان قَائِمين إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة وَتَحْته حرَّة، أَو يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة مَعَ كَونه مستغنيا عَن نِكَاحهَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الْأَب، هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أمة ابْنه؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجب على الْأَب الْحَد بوطىء جَارِيَة ابْنه. وَاخْتلفُوا فِي الْأَب، هَل يجوز لَهُ أَن يُزَوّج بالشغار؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَصح. وَصفته عِنْدهمَا أَن يَقُول أحد الْمُتَعَاقدين للْآخر: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك بِغَيْر صدَاق، أَو زَوجتك مولاتي على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 أَن تزَوجنِي مولاتك بِغَيْر صدَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ بَاطِل إِلَّا أَنه لَا يكون شغارا عِنْده حَتَّى يَقُول وَيَضَع كل وَاحِد مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: العقدان يصحان مَعًا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا مهر الْمثل. وَأَجْمعُوا على أَن نِكَاح الْمُتْعَة بَاطِل لَا خلاف بَينهم فِيهِ وعَلى أَن الْمُسلم تحل لَهُ أمته الْكِتَابِيَّة دون الْمَجُوسِيَّة والوثنية وَسَائِر أَنْوَاع الْكفَّار. وَاخْتلفُوا فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على أَن يحللها لرجل قبله فَيشْتَرط وَيَقُول: إِذا حللتك للْأولِ فَلَا نِكَاح بَيْننَا أَو يَقُول: إِذا وطأتك فَأَنت طَالِق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح النِّكَاح دون الشَّرْط، وَهل يثبت الْحل للْأولِ بعد الْإِصَابَة من الزَّوْج الثَّانِي؟ عَنهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: لَا تحل، وَالثَّانِي: تحل. وَقَالَ مَالك: مَتى وَقع الطَّلَاق الثَّلَاث فَلَا تحل للْأولِ مَا لم يَتَزَوَّجهَا غَيره نِكَاحا صَحِيحا، نِكَاح رَغْبَة بِقصد الاستباحة دون التَّحْلِيل وَيدخل بهَا وطئا حَلَالا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فِي حيض وَلَا إِحْرَام، فَإِن شَرط التَّحْلِيل أَو نَوَاه من غير شَرط فسد العقد، وَلَا تحل للثَّانِي. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن قَالَ إِذا أحللتك للْأولِ فَلَا نِكَاح بَيْننَا يَصح النِّكَاح، يَصح النِّكَاح وَهُوَ قَوْله فِي عَامَّة كتبه، وَعنهُ: لَا يَصح قَالَه فِي الْقَدِيم، فعلى القَوْل الأول الَّذِي يَقُول بِصِحَّة النِّكَاح فَإِنَّهُ إِذا أَصَابَهَا حلت للْأولِ قولا وَاحِدًا، وعَلى القَوْل الثَّانِي الَّذِي يَقُول فِيهِ بِفساد النِّكَاح، هَل إِذا أَصَابَهَا تحل للْأولِ؟ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يَصح بِهِ الْحل للزَّوْج الأول وَهُوَ الْقَدِيم. وَالثَّانِي: لَا يحصل بذلك الْإِحْلَال. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَن تزوج امْرَأَة وَشرط لَهَا أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا ينقلها من بَلَدهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَملك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم هَذَا الشَّرْط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَقَالَ مَالك فِي الْأُخْرَى وَأحمد: هُوَ لَازم، فَمَتَى خَالف شَيْئا مِنْهُ فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ. فَأَما الشَّافِعِي فَنَفْس الشَّرْط عِنْده أفسد الْمهْر وَيلْزمهُ مهر الْمثل وَلَا يعْتَبر أَن يَفِي بِمَا شَرط أَو لَا يَفِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وفى بِالشّرطِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن خَالف لزم الْأَكْثَر من مهر الْمثل والمسمى. وَاخْتلفُوا هَل يثبت الْفَسْخ بالعيوب؟ وَهِي تِسْعَة، ثَلَاثَة يشْتَرك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهِي: الْجُنُون والجذام والبرص، وَاثْنَانِ مختصان بِالرِّجَالِ وهما: الْجب والعنة، وَأَرْبَعَة تخْتَص بِالنسَاء وَهِي: الْقرن وَالْعقل والرنق والفتق، فالجب قطع الذّكر، والعنة أَن لَا يقدر الرجل على الْجِمَاع لعدم الانتشار، والقرن: عظم يعْتَرض فِي الْفرج فَيمْنَع الوطىء، والعضل: لحْمَة تكون فِي الْفرج فَاضل هِيَ رُطُوبَة تمنع لَذَّة الْجِمَاع، والرنق: الانسداد، والفتق: انخراق مَا بَين مَسْلَك الْبَوْل وَمحل الوطىء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت الْفَسْخ فِي شَيْء من ذَلِك بِحَال وللمرأة الْخِيَار فِي الْجب والعنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يثبت الْفَسْخ فِي ذَلِك كُله إِلَّا أَن مَالِكًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَالشَّافِعِيّ استثنيا الفتق وَلم يرياه مُوجبا للْفَسْخ، فَإِذا حدث شَيْء من هَذِه الْعُيُوب بعد العقد وَقبل الدُّخُول بِأحد الزَّوْجَيْنِ، فَإِن حدث للْمَرْأَة ثَبت خِيَار الْفَسْخ للرجل عِنْد الشَّافِعِي على أحد الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَمذهب أَحْمد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر: لَا يثبت للرجل الْفَسْخ، فَإِن حدث بِالزَّوْجِ يثبت للْمَرْأَة ولَايَة الْفَسْخ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتقت الْأمة وَزوجهَا عبد فَالْخِيَار ثَابت لَهَا مَا دَامَت فِي الْمجْلس الَّذِي علمت بِالْعِتْقِ فِيهِ، وَإِن كَانَ لَهَا الْخِيَار إِلَى آخر ذَلِك فَإِن علمت بذلك ومكنت من الوطىء فَهُوَ رضَا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَهَا الْخِيَار مَا لم تمكنه من وَطئهَا، وَالْقَوْل الثَّانِي؛ أَنه على الْفَوْر، وَالثَّالِث: أَنه إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن عتق الزَّوْج قبل أَن تخْتَار. فَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يسْقط الْخِيَار، وَالثَّانِي لَا يسْقط. وَقَالَ مَالك وَأحمد: مَتى علمت ومكنت من الوطىء سقط خِيَارهَا. فَلَو أعتقت الْأمة وَزوجهَا حر فَهُوَ يثبت لَهَا خِيَار الْفَسْخ عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يثبت لَهَا الْخِيَار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يثبت لَهَا الْخِيَار، وَإِن كَانَ زَوجهَا حرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة إِذا أَصَابَت زَوجهَا عنينا فَإِنَّهُ يُؤَجل لَهَا سنة. بَاب الصَدَاق اتَّفقُوا على أَن الصَدَاق مَشْرُوع لقَوْله {وءاتوا النِّسَاء صدقهنَّ نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} . وَاخْتلفُوا هَل يَنْفَسِخ النِّكَاح بِفساد الصَدَاق أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد النِّكَاح بِفساد الْمهْر. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى يفْسد بفساده. وَاخْتلفُوا هَل يقدر أقل الصَدَاق أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يقدر بِمَا يقطع بِهِ السَّارِق مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي قادره، فَهُوَ عِنْد أبي حنيفَة عشرَة دَرَاهِم أَو دِينَار، وَعند مَالك ربع دِينَار أَو ثَلَاث دَرَاهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا حد لأَقل الْمهْر وكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا جَازَ أَن يكون مهْرا، وَقد حد الْخرقِيّ من أَصْحَاب أَحْمد ذَلِك بِمَا لَهُ نصف يحصل. وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: إِنَّمَا يَعْنِي الْخرقِيّ بذلك الْحَد الَّذِي يقبل التجزئه وَهُوَ على ذَلِك كَلَام صَحِيح فَإِنَّهُ لَو طَلقهَا قبل الدُّخُول اسْتحقَّت النّصْف. وَعَن مَالك نَحْو مَذْهَبهمَا فِيمَا رَوَاهُ ابْن وهب. وَاخْتلفُوا فِي مَنَافِع الْحر هَل يجوز أَن يكون صَدَاقا؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يجوز ذَلِك إِلَّا أَن مَالِكًا يكره تجويزه، وَقد رُوِيَ عَنهُ الْفرق فِي ذَلِك فِيمَا قبل الدُّخُول وَبعده، وَالظَّاهِر من مذْهبه فِيمَا حكيناه عَنهُ أَولا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيم الْقُرْآن، هَل يجوز أَن يكون مهْرا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يكون ذَلِك مهْرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز أَن يكون مهْرا. وَعَن أَحْمد مثله. وَاخْتلفُوا هَل تملك الْمَرْأَة الصَدَاق بِالْعقدِ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تملكه بِهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يسْتَقرّ ملكهَا إِلَّا بِالدُّخُولِ أَو موت الزَّوْج وَمَا لم يدْخل بهَا أَو يَمُوت عَنْهَا، فَهُوَ مراعى لَا تستحقه كُله وَإِنَّمَا تسْتَحقّ نصفه. وَاخْتلفُوا فِي المفوضة للبضع إِذا طلقت قبل الْمَسِيس وَالْفَرْض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يجب الْمُتْعَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَهَا نصف مهر الْمثل. وَقَالَ مَالك: لَا تجب الْمُتْعَة بِحَال بل تسْتَحب. وَاخْتلف موجبوا الْمُتْعَة فِي تقديرها. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمُتْعَة درع وخمار وَمِلْحَفَة لَا يزِيد قيمَة ذَلِك على نصف مهر الْمثل ثَلَاثَة أَثوَاب من كسوتها. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه، وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه موكول إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم. وَعَن الشَّافِعِي قَول: أَنه مُقَدّر بِمَا يَقع الِاسْم عَلَيْهِ كالصداق فَيُصْبِح بِمَا قل وَحل. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا مقدرَة بكسوة تجزئها فِي الصَّلَاة ثَوْبَان درع وخمار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار مهر الْمثل. فَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُعْتَبر بقراباتها النِّسَاء من الْعَصَبَات وغيرهن من ذَوي أرحامها. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مُعْتَبر بقراباتها من الْعَصَبَات خَاصَّة فَلَا يدْخل فِي ذَلِك أمهَا وَلَا خَالَتهَا إِلَّا أَن يَكُونَا من عشيرتها. وَقَالَ مَالك: يعْتَبر بأحوال الْمَرْأَة فِي جمَالهَا وشرفها وَمَالهَا دون نَسَبهَا إِلَّا أَن تكون من قَبيلَة لَا يزدن فِي صداقهن وَلَا ينقصن. وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْتَبر بقراباتها دون غَيْرهنَّ. وَعَن أَحْمد مِثْلهنَّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ بِقَبض الصَدَاق؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: القَوْل قَول الزَّوْجَة على الْإِطْلَاق وَقَالَ مَالك: إِن كَانَا فِي بلد الْعرف جَار فِيهِ أَن الزَّوْج ينْقد الصَدَاق فَبل الدُّخُول كَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة، ثمَّ اخْتلف فِي قَبضه بعد الدُّخُول فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول فَالْقَوْل قَوْلهَا. وَاخْتلفُوا فِي الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الزَّوْج. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم من قَوْله: هُوَ الْوَلِيّ، وَعنهُ فِي الْجَدِيد أَنه الزَّوْج. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة على الصَدَاق بعد العقد هَل تلْحق بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ ثَابِتَة دخل بهَا أَو مَاتَ عَنْهَا، فإمَّا أَن طَلقهَا بعد الدُّخُول لم يثبت وَكَانَ لَهَا نصف الْمُسَمّى فَقَط؟ وَقَالَ مَالك: الزِّيَادَة ثَابِتَة إِن دخل بهَا وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فلهَا نصف الْمُسَمّى، وَإِن مَاتَ قبل الْقَبْض بطلت وَكَانَ لَهَا الْمُسَمّى وَالْعقد على الْمَشْهُور من رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ هبة مستأنفة أَن قبضهَا جَازَت وَإِن لم يقبضهَا بطلت. وَقَالَ أَحْمد: حكمهَا حكم الأَصْل. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد إِذا تزوج بِغَيْر إِذن سيدة وَدخل بِالزَّوْجَةِ وسمى لَهَا مهْرا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن عتق لزمَه مهر مثلهَا وَلَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَال. وَقَالَ مَالك: لَهَا الْمُسَمّى كَامِلا. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَهَا مهر الْمثل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي. وَالْأُخْرَى يجب عَلَيْهِ خمْسا الْمُسَمّى مَا لم يزدْ على قِيمَته، فَإِن كَانَ خمْسا الْمُسَمّى أَكثر من قِيمَته لم يلْزم سَيّده إِلَّا قِيمَته أَو تَسْلِيمه، أَخذ بقول عُثْمَان رَضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 الله عَنهُ لِأَن مَذْهَب أَحْمد يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ بعد الدُّخُول. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلمت الْمَرْأَة نَفسهَا قبل قبض صَدَاقهَا وَدخل بهَا الزَّوْج أَو خلى بهَا، ثمَّ امْتنعت بعد ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهَا ذَلِك حَتَّى تقبض صَدَاقهَا. وَقَالَ ملك وَالشَّافِعِيّ: لَهَا ذَلِك إِلَّا فِي الْخلْوَة فَقَط. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ لَهَا ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا هَل يسْتَقرّ الْمهْر فِي الْخلْوَة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه: لَا يسْتَقرّ بالخلوة وَإِنَّمَا يسْتَقرّ بالوطىء. إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: إِذا بنى عَلَيْهَا وطالت مُدَّة الْخلْوَة فَإِن الْمهْر يسْتَقرّ وَإِن لم يطَأ. وَقد حَده ابْن الْقَاسِم بِالْعلمِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسْتَقرّ الْمهْر بالخلوة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 بَاب الْوَلِيمَة اتَّفقُوا على أَن وَلِيمَة الْعرس مُسْتَحبَّة. وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي وحدة: هِيَ وَاجِبَة فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ عِنْده. وَاخْتلفُوا فِي الْإِجَابَة إِلَيْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عنة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ وَاجِبَة. وَقد رُوِيَ الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي الشار فِي الْعرس هَل هُوَ مَكْرُوه، وَهل يكره أَخذه أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ وَلَا يكره أَخذه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ مَكْرُوه وَيكرهُ أَخذه. وَعند أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَمَالك وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِي الْوَلِيمَة فِي غير الْعرس كالختان وَنَحْوه هَل يسْتَحبّ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَقَالَ أَحْمد: لَا يسْتَحبّ. وَأَجْمعُوا على أَن للْمَالِك أَن يعْزل عَن أمته وَإِن لم يستأذنها. قَالَ الْوَزير: وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدِي لِأَنَّهُ من جنس الوأد. وَأَجْمعُوا على أَنه لَيْسَ لَهُ الْعَزْل عَن الزَّوْجَة الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعَزْل عَن الزَّوْجَة الْأمة تَحت الْحرَّة، هَل يفْتَقر ذَلِك إِلَى الْإِذْن وَلمن هُوَ الْإِذْن. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: لَيْسَ لزَوجهَا أَن يعْزل عَنْهَا إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْزل عَنْهَا من غير إِذن مَوْلَاهَا وَلَا إِذْنهَا، وَجَاز ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تزوج امْرَأَة وَعِنْده غَيرهَا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَت الجديدة بكر أفضلهَا بسبعة أَيَّام، ثمَّ دَار. وَإِن كَانَت ثَيِّبًا خَيرهَا بَين أَن يُقيم عِنْدهَا سبعا وعندهن سبعا سبعا وَبَين أَن يفضلها بِثَلَاث ويدور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يفضل الجديدة فِي الْقسم بل يُسَوِّي بَينهَا وَبَين اللآتي عِنْده. وَاتَّفَقُوا على أَن عماد الْقسم اللَّيْل. فَلَو وطيء أحد زوجتيه فِي لَيْلَتهَا وَلم يَأْتِ الْأُخْرَى فِي لَيْلَتهَا لم يَأْثَم. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأمة على نصف الْحرَّة فِي الْقسم إِلَّا مَالِكًا رويت عنة رِوَايَات، أَحدهمَا: كمذهب الْجَمَاعَة، وَالْأُخْرَى التَّسْوِيَة بَينهمَا، وَبهَا قَالَ أَصْحَابه. وَاخْتلفُوا هَل للزَّوْج أَن يُسَافر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يرضين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ ذَلِك وَلم يعْتَبر الْقرعَة. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: يجوز ذَلِك من غير قرعَة وَلَا يضر بِهن، وَالْأُخْرَى: لَا يجوز إِلَّا برضاهن والقرعة وَهِي مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. فَإِن سَافر من غير قرعَة وَلَا ترَاض، فَهَل يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لَهُنَّ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء بِحَال. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقضيهن. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز للرجل أَن يضْرب زَوجته إِن نشزت بعد أَن يعظها ويهجرها فِي المضجع. وَاخْتلفُوا هَل يجوز لَهُ ضربهَا فِي أول النُّشُوز؟ فَقَالُوا: لَا يجوز، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه يجوز لَهُ أَن يضْربهَا فِي أول النُّشُوز وَالضَّرْب الَّذِي أُبِيح لَهُ، أَن يضْربهَا غير مبرح ويجتنب الْوَجْه فِي ذَلِك الضَّرْب. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وَقع الشقاق بَين الزَّوْجَيْنِ وَخيف عَلَيْهَا أَن يُخرجهَا ذَلِك إِلَى الْعِصْيَان فَإِنَّهُ يبْعَث الحكم حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا. وَاخْتلفُوا هَل لِلْحكمَيْنِ أَن يطلقا من غير إِذن الزَّوْج؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد: لَيْسَ لَهما أَن يطلقا إِلَّا أَن يَجْعَل الزَّوْج ذَلِك إِلَيْهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر: إِن رَأيا الْإِصْلَاح بعوض أَو بِغَيْر عوض جَازَ، وَإِن رَأيا الْخلْع جَازَ، وَإِن رَأيا الَّذِي من قبل الزَّوْج الطَّلَاق طلق، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الزَّوْج فِي الطَّلَاق. وَهل يَنْبَنِي على قَوْلهمَا على أَنَّهُمَا حاكمان لَا وكيلان؟ قَالَ الْوَزير: الصَّحِيح عِنْدِي أَنَّهُمَا حكمان، لِأَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} [النِّسَاء: 35] فسماهما بذلك فِي نَص الْقُرْآن. بَاب الْخلْع اخْتلفُوا هَل هُوَ فسخ أَو طَلَاق؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ طَلَاق بَائِن. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق، وَهُوَ أظهرهمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه يَصح الْخلْع مَعَ استقامة الْحَال بَين الزَّوْجَيْنِ. وَاخْتلفُوا هَل يكره الْخلْع بِأَكْثَرَ من الْمُسَمّى؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكره ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ النُّشُوز من قبلهَا فَيكْرَه للزَّوْج أَن يَأْخُذ أَكثر من الْمُسَمّى، وَإِن كَانَ النُّشُوز من قبله فَيكْرَه أَخذ شَيْء مَا عوضا عَن الْخلْع. وَيصِح مَعَ الْكَرَاهَة فِي كل الْحَالين. وَعَن أَحْمد: يكره الْخلْع على أَكثر من الْمُسَمّى سَوَاء أَكَانَ النُّشُوز من قبلهَا أَو من قبله إِلَّا أَنه على الْكَرَاهَة يَصح عِنْده. وَاخْتلفُوا فِي الرجل إِذا طلق زَوجته المختلعة مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْحقهَا طَلَاقه فِي مُدَّة الْعدة إِذا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق بِغَيْر عوض، أَو اعْتدي، أَو استبري رَحِمك، وَأَنت فِي وَاحِدَة، وَلَا يلْحقهَا مُرْسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الطَّلَاق أَو كنايته. وَقَالَ مَالك: إِن طَلقهَا عقب خلعه مُتَّصِلا بِالْخلْعِ طلقت وَإِن كَانَ الْقَصْد الطَّلَاق عَن الْخلْع لم تطلق. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يلْحقهَا الطَّلَاق. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا خلعها على رضَاع وَلَدهَا سنتَيْن جَازَ ذَلِك، فَإِن مَاتَ وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يرجع عَلَيْهَا بِبَقِيَّة الرَّضَاع للمدة الْمَشْرُوطَة. وَقَالَ مَالك: لَا يرجع بِشَيْء فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد. وَللشَّافِعِيّ فِيهَا قَولَانِ، أَحدهمَا: يسْقط الرَّضَاع وَلَا يقوم غير الْوَلَد مقامة، وَالثَّانِي: لَا يسْقط الرَّضَاع بل يَأْتِي بِولد آخر مثله فترضعه. فعلى القَوْل الأول إِلَى مَاذَا يرجع؟ إِلَى مهر الْمثل أَو إِلَى أُجْرَة الرَّضَاع، قَولَانِ، جديدهما يرجع إِلَى مهر الْمثل، وقديمهما: إِلَى أُجْرَة الرَّضَاع. وَاخْتلفُوا هَل يملك الْأَب أَن يخالع عَن ابْنَته الصَّغِيرَة بِشَيْء من مَالهَا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يملك ذَلِك. وَقَالَ مَالك: يملك ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت لَهُ: طَلقنِي ثَلَاث على ألف أَو بِأَلف، فَطلقهَا وَاحِدَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَن قَالَت لَهُ: طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَطلقهَا وَاحِدَة لم يكن لَهُ شَيْء، فَإِن قَالَت لَهُ: بِأَلف فَطلقهَا وَاحِدَة فَأَنَّهُ يسْتَحق عَلَيْهَا ثلث الْألف سَوَاء طَلقهَا ثَلَاث أَو وَاحِدَة لِأَنَّهَا تملك نَفسهَا بِوَاحِدَة كَمَا تملك بِالثلَاثِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يسْتَحق ثلث الْألف فِي الْحَال. وَقَالَ أَحْمد: لَا يسْتَحق شَيْئا فِي الْحَالين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت لَهُ: طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَطلقهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تطلق ثَلَاثًا، وَيسْتَحق الْألف عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْتَحق عَلَيْهَا شَيْئا وَطلقت ثَلَاثًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا علق طَلاقهَا بِالصّفةِ مثل أَن يَقُول: إِن دخلت الدَّار فَأَنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 طَالِق، ثمَّ أَنه أَبَانهَا ثمَّ عَاد وَتَزَوجهَا، وَوجدت فِي الصّفة وَهِي دُخُول الدَّار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن كَانَ الطَّلَاق الَّذِي أَبَانهَا دون الثَّلَاث عَادَتْ الْيَمين فِي النِّكَاح الثَّانِي، وَحنث بِوُجُود الصّفة، وَإِن كَانَ ثَلَاثًا لم يعد الْيَمين. وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال كمذهبهما، وَالثَّانِي: تعود الْيَمين وَيَقَع عَلَيْهَا بِكُل حَال الطَّلَاق سَوَاء بَانَتْ بِالثلَاثِ أَو بِمَا دونهَا، وَالْقَوْل الثَّالِث: لَا تعود الْيَمين بِكُل حَال. وَقَالَ أَحْمد: تعود الْيَمين وَيَقَع عَلَيْهِ الطَّلَاق سَوَاء بِالثلَاثِ أَو بِمَا دونهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا، إِلَّا أَنَّهَا فعلت الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فِي حَال الْبَيْنُونَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يعود الْيَمين بِحَال وَهُوَ اخْتِيَار عبد الْعَزِيز من أَصْحَاب أَحْمد، وَقَالَ بِهِ بعض أَصْحَاب أَحْمد. وَقَالَ أَبُو بكر من أَصْحَاب مَالك: يعود فِي الْبَيْنُونَة بِمَا دون الثَّلَاث. وَقَالَ أَحْمد: يعود الْيَمين بِكُل حَال بِعُود النِّكَاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 كتاب الطَّلَاق أَجمعُوا على أَن الطَّلَاق فِي حَال استقامة الزَّوْجَيْنِ مَكْرُوه غير مُسْتَحبّ إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: هُوَ حرَام مَعَ استقامة الْحَال. وَاخْتلفُوا هَل تَنْعَقِد صفته قبل الْملك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح وَيلْزم سَوَاء أطلق أَو عمم أَو خصص أَو عين من قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو امْرَأَة بِعَينهَا وَلَا يلْزم إِذا عَم أَو أطلق وَكَذَلِكَ مَذْهَبهم فِي انْعِقَاد صفة الْعتْق قبل الْملك إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ عَنهُ فِي الْعتْق رِوَايَتَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق الثَّلَاث بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو كَلِمَات فِي حَالَة وَاحِدَة أَو فِي طهر وَاحِد لم يَخْتَلِفُوا فِيهِ. ثمَّ اخْتلفُوا بعد وُقُوعه ونفوذه، هَل هُوَ طَلَاق سنة أَو بِدعَة؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ طَلَاق بِدعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ طَلَاق سنة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين، وَالثَّانِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ أَنَّهَا طَلَاق سنة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق مثل عدد المَاء وَالتُّرَاب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاحِدَة تبين بهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ ثَلَاث. وَاتفقَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد على أَن من قَالَ لزوجته: إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا بعد هَذَا الْيَمين، أَن الطَّلَاق الَّذِي أوقعه مُنجزا يَقع، وَيَقَع بِالشّرطِ تَمام الثَّلَاث فِي الْحَال. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله الْحُسَيْن وغيرة: يَقع مَا بَاشرهُ وَتَمام الثَّلَاث، وَمن الْمُعَلق فِي الْحَال كمذهب الْجَمَاعَة. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم: يَقع عَلَيْهَا مَا بَاشرهُ دون مَا علقه. وَقَالَ أبوالعباس بن سُرَيج والقفال، وَابْن الْحداد وَغَيرهم: لَا يَقع بهَا طَلَاق أصلا. وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته: قد سرحتك وفارقتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: هُوَ صَرِيح فِي الطَّلَاق وَإِن لم يُنَوّه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ كِنَايَة مَتى لم ينويه الطَّلَاق لم يَقع. وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة وَهِي خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وحبلك على غاربك، وَأَنت حرَّة وَأَنت الخرج، وأمرك بِيَدِك، واعتدي، والحقي بأهلك. هَل تفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال. وَقَالَ مَالك: يَقع الطَّلَاق بمجردها. وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا دلَالَة حَال من ذكر الطَّلَاق أَو الْغَضَب، هَل تفْتَقر إِلَيْهِ أم لَا؟ وَهل إِذا أَتَى بهَا، وَقَالَ: لم أرد الطَّلَاق يصدق أم لَا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِي ذكر الطَّلَاق وَقَالَ: لم أرده لم يصدق فِي جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة، وَإِن كَانَ فِي حَال الْغَضَب وَلم يجر للطَّلَاق ذكر لم يصدق فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ: اعْتدي واختاري وأمرك بِيَدِك، وَيصدق فِي خلية وبرية وبتلة وَحرَام وبائن. وَقَالَ مَالك: جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة مثل خلية وبرية وبتلة وَحرَام وبائن وَأَشْبَاه ذَلِك مَتى قَالَهَا مبتدئا أَو مجيبا لَهَا عَن سؤالها الطَّلَاق، كَانَ طَلَاقا، وَلم يقبل مِنْهُ أَن قَالَ لم أرده. وَقَالَ الشَّافِعِي: يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَإِن كَانَت الدّلَالَة وَالْغَضَب موجودين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَالْأُخْرَى: لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَيَكْفِي دلَالَة الْحَال من ذكر الطَّلَاق أَو الْغَضَب فَإِذا قَالَ: لم أرد الطَّلَاق، لم يصدق. وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق والسراح والفراق مَتى أوقع الْمُكَلف لَفْظَة مِنْهَا وَقع بهَا الطَّلَاق، وَإِن لم يُنَوّه. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي السراح والفراق: إِن لم يُنَوّه لم يَقع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا نوى بهَا الطَّلَاق وَلم ينْو عددا أَو كَانَ جَوَابا عَن سؤالها الطَّلَاق لم يَقع لَهَا من عدده؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تكون وَاحِدَة مَعَ يَمِينه. وَقَالَ مَالك: جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا كَانَت بمدخول بهَا وَقعت الثَّلَاث، وَإِن قَالَ: أردْت دون الثَّلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا لم يقبل مِنْهَا إِلَّا أَن يكون فِي خلع، فَإِن كَانَت فِي غير مَدْخُول بهَا فَيقبل مَا يَدعِيهِ مَعَ يَمِينه وَيَقَع مَا ينويه إِلَّا فِي الْبَتَّةَ، فَإِن قَوْله اخْتلف فِيهَا فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يصدق فِي أقل من الثَّلَاث وَرُوِيَ عَنهُ يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه. وَقَالَ الشَّافِعِي: يقبل مِنْهُ كل مَا يَدعِيهِ فِي ذَلِك من أصل الطَّلَاق وإعداده. وَقَالَ أَحْمد: الْكِنَايَة الظَّاهِرَة مَتى كَانَ مَعهَا دلَالَة حَال أَو نوى الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث سَوَاء نَوَاه أَو نوى دونه وَسَوَاء كَانَ مَدْخُولا بهَا أَو غير مَدْخُول بهَا. وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الْحَقِيقِيَّة إِذا أَتَى بهَا وَهِي نَحْو قَوْله: اذهبي واخرجي، وَأَنت مخلاة، ووهبتك لأهْلك وَمَا أشبه ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ كالكيانات الظَّاهِرَة إِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة مبينَة، وَإِن نوى الثَّلَاث وَقعت الثَّلَاث، وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا أَتَى بالكنايات الْحَقِيقِيَّة إِن نوى طَلْقَتَيْنِ كَانَ طَلْقَتَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِي قَوْله اعْتدي واستبري رَحِمك وَيَنْوِي ثَلَاثًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع وَاحِدَة رَجْعِيَّة. وَقَالَ مَالك: لَا يَقع لَهَا طَلَاق إِذا وَقعت ابْتِدَاء إِلَّا أَن يكون فِي ذكر الطَّلَاق أَو فِي غضب فَإِنَّهُ يَقع مَا نَوَاه، فَإِن نوى ثَلَاثًا كَانَ يَقع ثَلَاثًا، وَإِن نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة، وَيَقَع بهَا النُّطْق عِنْد الطَّلَاق. وَسَوَاء وَقع ابْتِدَاء أَو كَانَ فِي ذكر غضب أَو طَلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا أَن يَنْوِي بهَا الطَّلَاق فَيَقَع مَا نَوَاه إِن نوى ثَلَاثًا فثلاثا، وَإِن نوى غير ذَلِك مِمَّا نَوَاه فِي حق الْمَدْخُول بهَا فَوَاحِدَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا: إِنَّهَا كِنَايَة ظَاهِرَة يَقع بهَا الثَّلَاث، وَرُوِيَ عَنهُ: أَنَّهَا خفيه يَقع بهَا مَا نَوَاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل لزوجته: أَنا مِنْك طَالِق أَو رد الْأَمر إِلَيْهَا فَقَالَت أَنْت مني طَالِق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يَقع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: يَقع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل لزوجته: أَنْت طَالِق ونوي ثَلَاثًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ: يَقع وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يَقع الثَّلَاث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: أَمرك بِيَدِك ونوي الطَّلَاق فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نوي الزَّوْج ثَلَاثًا وَقعت وَإِن نوي وَاحِدَة لم يَقع شَيْء. وَقَالَ مَالك: يَقع مَا أوقعت من عدد الطَّلَاق إِذا أقرها عَلَيْهِ فَإِن ناكرها حلف وانعقد من عدد الطَّلَاق مَا قَالَه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَقع الثَّلَاث إِلَّا أَن ينويها الزَّوْج وَإِن نوى الزَّوْج دون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 الثَّلَاث وَقع مَا نَوَاه. وَقَالَ أَحْمد: يَقع الثَّلَاث سَوَاء نوى الزَّوْج الثَّلَاث أَو نوى وَاحِدَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفسك وَاحِدَة، فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يَقع شَيْء. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يَقع وَاحِدَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الزَّوْج لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا طلقت ثَلَاثًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق بِأَلْفَاظ متتابعة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السَّكْرَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يَقع. وَقَالَ الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنه يَقع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا أَنه يَقع أَيْضا، اخْتَارَهَا الْخلال. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ والكرخي من الْحَنَفِيَّة، والمزني من الشَّافِعِيَّة: لَا يَقع. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره وعتاقه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا نطق بهَا دافعا عَن نَفسه لَا يَقع. وَاخْتلفُوا فِي التوعيد الَّذِي يغلب على الظَّن التوعد بِهِ أَنه إِذا نوى بِهِ هَل يكون إِكْرَاها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: التوعيد فِي الْجُمْلَة إِكْرَاه. وَقَالَ أَحْمد رِوَايَات ثَلَاث إِحْدَاهُنَّ كمذهبهم هَذَا، وَلآخر: لَا يكون إِكْرَاها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَالَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالْأُخْرَى: إِن كَانَ بِالْقَتْلِ أَو قطع الطّرق فَهُوَ إِكْرَاه، وَإِن كَانَ بِغَيْر ذَلِك فَلَا يكون إِكْرَاها فَإِن كَانَ الْإِكْرَاه من سُلْطَان فَهُوَ يفرق بَينه وَبَين الْإِكْرَاه من غير كلص ومتغلب. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا فرق فِي ذَلِك بَين السُّلْطَان وَغَيره. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأُخْرَى: لَا يكون الْإِكْرَاه إِلَّا من السُّلْطَان. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَقع الطَّلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يَقع. وَاخْتلفُوا فِي المبتوتة فِي الْمَرَض الْمخوف الْمُتَّصِل بِالْمَوْتِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: تَرث إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط فِي إرثها أَن لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 يكون الطَّلَاق بِطَلَب مِنْهَا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: لَا تَرث، وَالْأُخْرَى: تَرث كَقَوْل الباقيين فعلى هَذَا القَوْل الآخر أَنَّهَا تَرث إِلَى مَتى تَرث على ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: تَرث إِن مَاتَ وَهِي فِي الْعدة، وَإِن مَاتَ وَقد انْقَضتْ الْعدة فَلَا إِرْث، وَالثَّانِي: مَا لم تزوج، وَالثَّالِث: أَنَّهَا تَرث أبدا. وَاخْتلفُوا هَل تَرث المبتوتة وَإِن انْقَضتْ الْعدة مَا لم تتَزَوَّج وَكَذَلِكَ الْمُطلقَة قبل الدُّخُول؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تَرث فيهمَا. وَقَالَ مَالك: تَرث وَإِن تزوجت. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد أَقْوَاله الَّتِي قدمناها: لَا تَرث، وَهُوَ أظهرها. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَقع وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَقع الثَّلَاث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الطَّلَاق للمدخول بهَا بِأَن قَالَ: أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق، وَقَالَ: إِنَّمَا أردْت إفهامها بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يلْزمه الثَّلَاث. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه إِلَّا وَاحِدَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق إِلَى سنة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُطلق فِي الْحَال. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تطلق حَتَّى تنسلخ السّنة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلق الصَّبِي وَهُوَ مِمَّن يعقل الطَّلَاق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَقع الطَّلَاق. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: انه يَقع الطَّلَاق، وَالْأُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلق وَاحِدَة من زَوْجَاته لَا بِعَينهَا أَو بِعَينهَا، ثمَّ أنسبها طَلَاقا رَجْعِيًا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يُحَال بَينه وبينهن، وَله أَن يطَأ أيتهن شَاءَ وَإِذا وطىء وَاحِدَة انْصَرف الطَّلَاق إِلَى غير الْمَوْطُوءَة. وَقَالَ مَالك: يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ. وَقَالَ أَحْمد: يُحَال بَينه وبينهن وَلَا يجوز لَهُ وطؤهن حَتَّى يقرع بَينهُنَّ، فَإِن خرجت الْقرعَة عَلَيْهَا كَانَت هِيَ الْمُطلقَة، فَإِن خَالف ووطىء لم يبطل حكم الْقرعَة بالوطىء وَيجب عَلَيْهِ إِخْرَاج إِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة وَقعت طَلْقَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ لَهُ أَربع زَوْجَات فَقَالَ: زَوجته طَالِق وَلم يعين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَله صرف الطَّلَاق إِلَى من شَاءَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطَّلَاق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يبْنى على الْيَقِين. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَهِي الْمَشْهُورَة من مذْهبه: أَنه يغلب الْإِيقَاع. وَرُوِيَ أَشهب: أَنه يبْنى على الْيَقِين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَشَارَ بِالطَّلَاق إِلَى مَا ينْفَصل من الْمَرْأَة فِي حَال السَّلامَة كَالرّجلِ وَالْيَد والأصبع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَقع إِلَّا أَن يضيفه إِلَى أحد خَمْسَة أَعْضَاء: الْوَجْه، وَالرَّأْس، وَالظّهْر والرقبة، والفرج. وَفِي معنى هَذِه الْأَشْيَاء عِنْده الْجُزْء الشَّائِع كالنصف وَالرّبع، وَإِمَّا إِن أَضَافَهُ إِلَى مَا ينْفَصل فِي حَال السَّلامَة كالسن وَالظفر وَالشعر فَلَا يَقع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا قَالَ لزوجته: يدك أَو رجلك أَو اصبعك أَو نَحْو ذَلِك، وَجَمِيع الْأَعْضَاء الْمُتَّصِلَة وَقع الطَّلَاق على جَمِيعهَا، فَأَما إِن أَشَارَ للشعر وَالظفر من الْأَعْضَاء الْمُنْفَصِلَة فَلَا يَقع عِنْد أَحْمد، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَقع. وَاخْتلفُوا هَل يعْتَبر الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يعْتَبر الطَّلَاق بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء، وَالْعدة بِالنسَاء دون الرِّجَال. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الطَّلَاق يعْتَبر بِالنسَاء. بَاب الرّجْعَة اتَّفقُوا على أَن للرجل أَن يُرَاجع الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة. وَاخْتلفُوا هَل يجوز وطىء الرَّجْعِيَّة أم لَا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 فَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَأَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِمحرم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ محرم. وَاخْتلفُوا فِي الوطىء فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ هَل يصير مراجعا بِنَفس الواطىء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: يصير مراجعا، وَلَا يفْتَقر مَعَه إِلَى قَول سَوَاء نوى بِهِ الرّجْعَة أَو لم ينوها. وَقَالَ مَالك: إِن نوى الرّجْعَة كَانَ رَجْعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الرّجْعَة إِلَّا بالْقَوْل. وَعَن أَحْمد مثله. وَعَن مَالك رِوَايَة ابْن وهب كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد. وَاخْتلفُوا هَل من شَرط الرّجْعَة الشَّهَادَة أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَيْسَ من شَرطهَا الشَّهَادَة بل هِيَ مُسْتَحبَّة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: الشَّهَادَة شَرط فِيهَا. وَعَن أَحْمد مثله. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غيرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَاتَّفَقُوا على أَنه شَرط فِي جَوَاز عودهَا إِلَى الأول. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِنَّمَا يَقع الْحل بالوطىء فِي النِّكَاح الصَّحِيح فَإِن كَانَ الوطىء فِي نِكَاح فَاسد. فاتفقوا كلهم على أَن الْإِبَاحَة لَا تحصل بِهِ إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا هَل يَقع الْحل فِي النِّكَاح الصَّحِيح؟ فَإِن كَانَ الوطىء فِي نِكَاح فَاسد كوقت الْحيض وَحَالَة الْإِحْرَام. فَقَالُوا: يَقع الْحل بِهِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَقع الْحل بذلك. وَاخْتلفُوا فِي وطىء الصَّبِي الَّذِي يُجَامع مثله. هَل يحصل بِهِ الْإِبَاحَة للزَّوْج الأول؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يحصل بِهِ إِذا وطىء فِي نِكَاح صَحِيح. وَقَالَ مَالك لَا يحصل. بَاب الْإِيلَاء اتَّفقُوا على أَنه إِذا حلف بِاللَّه لَا يُجَامع زَوجته أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، كَانَ موليا، فَإِن حلف أَلا يقربهَا أقل من أَرْبَعَة أشهر لم يتَعَلَّق بِهِ حكم الْإِيلَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَاخْتلفُوا فِي الْأَرْبَعَة أشهر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا حلف لَا يقربهَا أَرْبَعَة أشهر سَوَاء كَانَ موليا. وَقد رُوِيَ هَا هُنَا عَن أَحْمد مثله. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور: لَا يكون موليا وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَقع عَلَيْهِ طَلَاق وَلَا يُوقف حَتَّى يمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر، فَإِذا مَضَت فَهَل يَقع الطَّلَاق بمضيها أَو يُوقف؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَقع الطَّلَاق بِمُضِيِّ الْمدَّة حَتَّى يُوقف ليفي أَو يُطلق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا مَضَت الْمدَّة طلقت وَلَا يُوقف. وَاخْتلف من قَالَ يُوقف لَهَا بعد أَرْبَعَة أشهر فِيمَا إِذا امْتنع من الطَّلَاق هَل يُطلق الْحَاكِم عَلَيْهِ؟ وَرُوِيَ عَن أَحْمد: يضيق عَلَيْهِ حَتَّى يُطلق. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَتَى بِغَيْر الْيَمين بِاللَّه أَن لَا يُصِيب زَوجته كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَصدقَة المَال وَإِيجَاب الْعِبَادَات هَل يكون موليا أم لَا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون موليا سَوَاء قصد الْإِضْرَار بهَا أَو قصد دفع الضَّرَر عَنْهَا مثل أَن تكون مُرْضِعَة فيخاف إِن وَطئهَا أَن تحمل فيخف اللَّبن أَو تكون مَرِيضَة فَيكون الوطىء يضر بهَا أَو يقْصد دفع الضَّرَر عَن نَفسه بِأَن كَانَ الوطىء يضر بِهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يكون الْحَالِف بترك الوطىء موليا إِلَّا أَن يكون فِي حَالَة غضب أَو قَاصِدا الْإِضْرَار بهَا فَإِن كَانَ للإصلاح أَو لنفعها لم يكن موليا. وَقَالَ أَحْمد: لَا يكون موليا إِذا قصد دفع الضَّرَر عَنْهَا فَإِن قصد الْإِضْرَار بِالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يكون موليا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين الْجَدِيد مِنْهُمَا أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فَاء الْمولى هَل يلْزمه الْكَفَّارَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: يلْزمه الْكَفَّارَة. وَاخْتلف مَذْهَب الشَّافِعِي على قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: لَا يلْزمه وَهُوَ الْقَدِيم، وَقَالَ فِي الْجَدِيد يلْزمه الْكَفَّارَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك وطىء زَوجته مضرا بهَا من غير يَمِين أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، هَل تصرف الْمدَّة لَهُ وَيكون موليا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تصرف الْمدَّة لَهُ وَلَا يكون موليا. وَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ فِي إِحْدَى روايتيه: تصرف لَهُ مُدَّة الْإِيلَاء. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. قَالَ الْوَزير: أرى أَنه يسْتَحبّ للرجل أَن يعف أمته إِمَّا بنكاحها أَو بإنكاحها وَلَيْسَ وَطئهَا بِوَاجِب عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي إِيلَاء العَبْد. فَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ الزَّوْج عبدا فمدة إيلائه شَهْرَان سَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة، وَإِن كَانَ حرا فمدته أَرْبَعَة أشهر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاعْتِبَار فِي الْمدَّة بِالنسَاء، فَمن كَانَت تَحْتَهُ أمة فمدة إيلائه شَهْرَان، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا، وَإِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة فمدتها أَرْبَعَة أشهر حرا كَانَ الزَّوْج أَو عبدا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: مُدَّة إِيلَاء العَبْد أَرْبَعَة كَالْحرِّ وَلَا فرق بَين أَن يكون تَحْتَهُ أمة أَو حرَّة. كمذهب مَالك. وَاخْتلفُوا هَل يَصح إِيلَاء الْكَافِر؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إيلاؤه. وَفَائِدَته أَنه يُوجد بعد إِسْلَامه بِهِ من أَن يُوقف وَيُطَالب بالكفاءة، أَو يُطلق. وَقَالَ مَالك: لَا يَصح إيلاؤه. بَاب الظِّهَار اتَّفقُوا على أَنه إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، فَإِنَّهُ مظَاهر لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يقدم الْكَفَّارَة، وَهِي عتق رَقَبَة إِن وجد، فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا. وَاخْتلفُوا فِي مُظَاهرَة الذِّمِّيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يَصح. وَاخْتلفُوا هَل يَصح مُظَاهرَة السَّيِّد من أمته؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح. وَقَالَ مَالك: يَصح. وَاتَّفَقُوا على أَن الظِّهَار يَصح من العَبْد وَأَنه يكفر بِالصَّوْمِ وبالإطعام إِن ملكه السَّيِّد عِنْد مَالك خَاصَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أمة كَانَت أم حرَّة: أَنْت عَليّ حرَام؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نوى الطَّلَاق كَانَ طَلَاقا، وَإِن نوى الثَّلَاث فَهُوَ بِالثلَاثِ، وَإِن نوى وَاحِدَة أَو اثْنَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة بَائِنَة، وَإِن نوى التَّحْرِيم، وَلم ينْو الطَّلَاق أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ يَمِين وَهَذَا مؤول إِن تَركهَا أَرْبَعَة أشهر وَقعت طلقه بَائِنَة، وَإِن قَالَ للْحَاكِم: أردْت الْكَذِب قضي الْحَاكِم عَلَيْهِ وَإِن نوى الظِّهَار كَانَ مُظَاهرا وَإِن نوى الْيَمين كَانَ يَمِينا وَيرجع إِلَى نِيَّة كم أَرَادَ بهَا وَاحِدَة أَو أَكثر، سَوَاء أَكَانَ مَدْخُولا بهَا أَو غير مَدْخُول بهَا. وَقَالَ مَالك: هُوَ طَلَاق ثَلَاث فِي حق الْمَدْخُول بهَا وَوَاحِدَة فِي غَيرهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا نوى الطَّلَاق أَو الظِّهَار كَانَ مَا نَوَاه وَإِن نوى الْيَمين لم يكن يَمِينا وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن لم ينْو شَيْئا فعلى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَالثَّانِي: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه صَرِيح فِي الظِّهَار نَوَاه أَو لم يُنَوّه وَفِيه كَفَّارَة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّهَا يَمِين وَعَلِيهِ كفارتها، وَعنهُ رِوَايَة ثالثه أَنَّهَا طَلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الرجل يحرم طَعَامه أَو شرابه أَو أمته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ حَالف وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين بِالْحِنْثِ والحنث يحصل بِفعل جُزْء مِنْهُ، وَلَا يحْتَاج إِلَى كل جَمِيعه. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن حرم أمته فعلى قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَيْسَ بِيَمِين وَإِن حرم مَا سوى النِّسَاء فَلَيْسَ شَيْء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا هَل يحرم على المظاهرة الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يحرم ذَلِك عَلَيْهِ. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنه يُبَاح. وَالْقَدِيم: هُوَ حرَام كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كَذَلِك أظهرهمَا: أَنه حرَام. قَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح أَنه يحرم عَلَيْهِ ذَلِك مَا لم يكفر لقَوْله تَعَالَى (من قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أَن يتماسا} . وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطىء الْمظَاهر فِي صَوْم الْمظَاهر أَو فِي خلال الشَّهْر لَيْلًا أَو نَهَارا عَامِدًا أَو نَاسِيا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يسْتَأْنف الصَّوْم. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن وطىء بِالنَّهَارِ نَاسِيا أَو بِاللَّيْلِ نَاسِيا أَو عَامِدًا لم يلْزم نَفسه الِاسْتِئْنَاف، وَإِن وطىء بِالنَّهَارِ عَامِدًا فسد صَوْمه وَانْقطع التَّتَابُع وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف لنَصّ الْقُرْآن. وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْإِيمَان فِي الرَّقَبَة الَّتِي يكفر بهَا الْمظَاهر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَيْسَ بِشَرْط فِيهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: هُوَ شَرط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شرع فِي الصّيام ثمَّ وجد الرَّقَبَة. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْخُرُوج مِنْهُ وَالْعِتْق بل إِن شَاءَ بنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 على صَوْمه، وَإِن شَاءَ أعتق إِلَّا أَن مَالِكًا فرق فَقَالَ: إِن كَانَ قد شرع فِي الصّيام الْيَوْم واليومين وَالثَّلَاث، عَاد إِلَى الْعتْق، وَإِن كَانَ قد مضى فِي صَوْمه أتمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه الْعتْق وَلَا يجْزِيه الصّيام. وَاتَّفَقُوا على انه لَا يجوز لَهُ الْمَسِيس حَتَّى يكفر. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز لَهُ دفع شَيْء من الْكَفَّارَات إِلَى الْكَافِر الْحَرْبِيّ. وَاخْتلفُوا فِي الذِّمِّيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز دفع ذَلِك إِلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد:: لَا يجوز دفع ذَلِك إِلَيْهِ كالحربي. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا. وَقَالَ احْمَد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي أظهرها: يجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة إِذا وَطئهَا. وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. بَاب اللّعان وَالْقَذْف وَأَجْمعُوا على أَن من قذف امْرَأَته بِالزِّنَا وَلَا شَاهد لَهُ عَلَيْهَا سوى نَفسه أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 يُكَرر الْيَمين أَربع مَرَّات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين، ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة: ولعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين فَحِينَئِذٍ يلْزمهَا الْحَد. وَالَّذِي يدرؤه عَنْهَا أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين، ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة: أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَت من الْكَاذِبين. قَالَ الْوَزير: وَمن الْفُقَهَاء من اشْترط أَن يُزَاد بعد قَوْله: من الصَّادِقين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَكَذَلِكَ تَقول هِيَ فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا وَلَا أرَاهُ يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَن الله سُبْحَانَهُ أنزل ذَلِك وَبَينه وَلم يذكر هَذَا الِاشْتِرَاط وَذَلِكَ مِمَّا أرى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: من الصَّادِقين بِالْألف وَاللَّام فَإِنَّهُ يسْتَغْرق الْجِنْس، فَلَو كذب فِي عمْرَة كذبه لم يكن من الصَّادِقين فَكيف هَذِه الْحَالة الَّتِي لَاعن بهَا. وَقَوله تَعَالَى {ويدرؤا عَنْهَا الْعَذَاب} [النُّور: 8] الْآيَة نَص فَإِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان فَإِن عَلَيْهِ الْقَذْف عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ بل يحبس حَتَّى يُلَاعن أَو يقر، فَإِن نكلت الزَّوْجَة عَن اللّعان لم تحد عِنْد أبي حنيفَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى تخلى وَلَا تحبس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تحد حد الزِّنَا إِذا امْتنعت من اللّعان. وَاخْتلفُوا هَل اللّعان شَهَادَة أَو يَمِين. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ يَمِين فَيصح اللّعان بَين كل زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَو عَبْدَيْنِ أَو أَحدهمَا عَدْلَيْنِ أَو فاسقين أَو أَحدهمَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ شَهَادَة فَلَا يَصح إِلَّا بَين زَوْجَيْنِ يكونَانِ من أهل الشَّهَادَة وَذَلِكَ بِأَن يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ، فَأَما العبدان أَو المحدودان فِي الْقَذْف فَلَا يجوز عِنْده لعانهما وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أَحدهمَا من أهل الشَّهَادَة إِذْ اللّعان عِنْده شَهَادَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب أبي حنيفَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَهِي أظهرهمَا. وَاخْتلفُوا هَل يَصح اللّعان لنفي الْحمل قبل وَضعه؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: إِذا نفي حمل امْرَأَته فَلَا لعان بَينهمَا لَا يَنْتَفِي عَنهُ، فَإِن قَذفهَا بِصَرِيح الزِّنَا لَا عَن الْمَقْذُوف وَلم ينتف نسب الْوَلَد سَوَاء وَلدته أشهر أَو الْأَقَل مِنْهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُلَاعن لنفي الْحمل إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون استبرىء بِحَيْضَة أَو ثَلَاث حيض على خلاف مذْهبه بَين أَصْحَابه. وَاتَّفَقُوا على أَن فرقة التلاعن وَاقعَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَاخْتلفُوا بِمَاذَا يَقع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يَقع إِلَّا بلعانها وَحكم الْحَاكِم. وَقَالَ مَالك: يَقع بلعانها خَاصَّة، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد أَيْضا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَقع بِلعان الزَّوْج خَاصَّة. وَاخْتلفُوا هَل ترْتَفع الْفرْقَة بإكذابه لنَفسِهِ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرْتَفع بتكذيبه لنَفسِهِ، فَإِن كذب نَفسه جلد الْحَد، وَكَانَ حد الْخطاب. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ فرقه مُؤَبّدَة لَا ترْتَفع أبدا بِحَال وَإِن كذب نَفسه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالْأُخْرَى: كمذهب أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا هَل فرقة اللّعان فسخ أَو طَلَاق؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ طَلَاق. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ فسخ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف زَوجته بِرَجُل بِعَيْنِه. فَقَالَ: زنا بك فلَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُلَاعن الزَّوْج ويجلد الْأَجْنَبِيّ إِن طلب الْحَد، وَلَا يسْقط بلعانها عَنهُ. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أَحدهمَا: يجب حد وَاحِد لَهما، وَالثَّانِي: يجب بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا حد، فَإِن ذكر الْمَقْذُوف فِي لِعَانه سقط الْحَد وَإِن لم يذكرهُ فعلى قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: يسْتَأْنف اللّعان وَإِلَّا أقيم عَلَيْهِ الْحَد، وَالثَّانِي: يسْقط حَده. وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِ حد وَاحِد لَهما وَيسْقط بلعانها سَوَاء ذكر المتذوق بلعانها أَو أغفل ذكره. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل: يَا زَانِيَة، يُرِيد بهَا الْمُبَالغَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون قذفا. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكون قذفا وَهُوَ قَاذف لَهَا بذلك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو بِكَلِمَات. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجب لجماعتهم حد وَاحِد سَوَاء أقذفهم بِكَلِمَات أَو بِكَلِمَة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: إِن قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أقيم عَلَيْهِ الْحَد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَقَالَ فِي الْجَدِيد: يجب بِكُل وَاحِد حد وَهُوَ الْأَظْهر، وَإِن قذف جمَاعَة بِكَلِمَات فَلِكُل وَاحِد حد قولا وَاحِدًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَات الأول كالقديم من قولي الشَّافِعِي وَهِي المنصورة عِنْد أَصْحَابه. وَالثَّانيَِة: لكل وَاحِد حد كالجديد من قولي الشَّافِعِي، وَالثَّالِثَة: إِن طَالبه بِحَدّ الْقَذْف عِنْد الْحَاكِم مطالبه وَاحِدَة، فحد وَاحِد، وَإِن طالبوه مُتَفَرّقين حد لكل وَاحِد مِنْهُم حد. وَاخْتلفُوا فِي التَّعْرِيض هَل يُوجب الْحَد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُوجب الْحَد سَوَاء أنوى بِهِ الْقَذْف أم لم يُنَوّه. وَقَالَ مَالك: يُوجب الْحَد على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُوجب الْحَد إِلَّا أَن يَنْوِي بِهِ الْقَذْف. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: وجوب الْحَد فِيهِ على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى كمذهب الشَّافِعِي. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد على الْمَرْأَة أَرْبَعَة مِنْهُم الزَّوْج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تصح الشَّهَادَة وَكلهمْ قذفه يجب عَلَيْهِم الْحَد إِلَّا أَن الزَّوْج يسْقطهُ بِاللّعانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل شَهَادَتهم وتحد الزَّوْجَة. وَاخْتلفُوا إِذا لَا عنت قبل الزَّوْج؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتد بِهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يعْتد بِهِ. وَاخْتلفُوا فِي حد الْقَذْف هَل هُوَ حق الْآدَمِيّ يسْقط بإسقاطه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ حق الله لَا يَصح للمقذوف أَن يسْقطهُ وَلَا يُبرئ مِنْهُ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ حق للْعَبد يَصح لَهُ أَن يسْقطهُ وَيُبرئ مِنْهُ إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: مَتى رفع إِلَى السُّلْطَان لم يكن للمقذوف الْإِسْقَاط. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه حق الْآدَمِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سبّ ذمِّي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ اتبع ذَلِك بِالْإِسْلَامِ. فَقَالَ مَالك وَأحمد: يقتل وَيكون ناقضا للْعهد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقتل ولايكون ناقضا للْعهد. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي وجوب قَتله أَو نقضه الْعَهْد على وَجْهَيْن، فَأَما إِن كَانَ سبه لَهُ بعد أَن اسْلَمْ فَإِنَّهُ يقتل وَلَا يُسْتَتَاب عِنْد مَالك وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل مُرْتَدا. وَقَالَ الشَّافِعِي يُسْتَتَاب فَإِن لم يتب قتل كالمرتد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف الْوَالِد وَلَده بِالزِّنَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْحَد إِلَّا أَتَى أكره للْوَلَد أَن يُطَالب أَبَاهُ بذلك. وَاتَّفَقُوا على أَن من قذف عبدا فَإِنَّهُ لَا حد عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ الْمَقْذُوف للقاذف أَو لغيره. وَاتَّفَقُوا، مَا عدا مَالِكًا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، أَنه إِذا قَالَ لعربي النّسَب: يَا رومي يَا فَارسي على أَنه لَا حد عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: على أَن قَائِل ذَلِك للعربي عَلَيْهِ الْحَد. وَاتَّفَقُوا إِلَّا أَبَا حنيفَة، على أَن الْأمة تصير فراشا بالوطئ، فَإِذا أقرّ السَّيِّد بِوَلَدِهَا فَمَا أَتَت بِهِ من ولد الْحق بسيدها. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْحقهُ من ذَلِك إِلَّا مَا أقرّ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 بَاب الْعدة اتَّفقُوا على أَن الْعدة لَازِمَة بالإقراء لمن تحيض. وَاخْتلفُوا فِي الإقراء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ الْحيض. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ الْأَطْهَار. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنَّهَا الْحيض. وَأَجْمعُوا على أَن الْعدة للْأمة بالإقراء قرَان. وَأَجْمعُوا فِي عدَّة الْأمة بالشهور. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: هِيَ شهر وَنصف. وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال ثَلَاثَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَات ثَلَاث أَيْضا. على السوَاء، إِحْدَاهُنَّ: شَهْرَان، وَالثَّانيَِة: شهر وَنصف، وَالثَّالِثَة: ثَلَاثَة أشهر. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا انْقَضتْ عدَّة الْأمة بالإقراء ثمَّ أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يثبت نسبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يثبت نسبه مَا لم تتَزَوَّج أَو يمْضِي عَلَيْهَا أَربع سِنِين. وَاتَّفَقُوا على أَن عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا لم تكن حَامِلا أَرْبَعَة اشهر وَعشرا، وَلَا يعْتَبر فِيهَا وجود الْحيض إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: يعْتَبر فِي حق الْمَدْخُول بهَا إِذا كَانَت مِمَّن تحيض وجود حَيْضَة فِي كل شهر فِي هَذِه الْمدَّة. وَاخْتلفُوا فِي المبتوتة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة. وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَهَا السُّكْنَى دون النَّفَقَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، رِوَايَة كقولهما، وَالثَّانيَِة: لَا سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة إِلَّا أَن تكون حَامِلا وَهِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن عدَّة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا والمطلقة الْحَامِل أَن تضع حملهَا. وَاخْتلفُوا فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي فِي الْحَج. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمهَا الْإِقَامَة على كل حَال إِن كَانَت فِي بلد أَو مَا يُقَارِبه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا خَافت فَوَاته إِن جَلَست لقَضَاء الْعدة جَازَ لَهَا الْمُضِيّ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وَاخْتلفُوا فِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا هَل عَلَيْهَا الْإِحْدَاد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهَا الْإِحْدَاد. وَقَالَ مَالك لَا إحداد عَلَيْهَا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي الْبَائِن هَل لَهَا أَن تخرج من بَيتهَا نَهَارا لحوائجها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تخرج من بَيتهَا إِلَّا لعذر ملح. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز لَهَا ذَلِك. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي زَوْجَة الْمَفْقُود. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا تحل للأزواج حَتَّى يمْضِي مُدَّة لَا يعِيش مثلهَا غَالِبا، وَحدهَا أَبُو حنيفَة بمائه وَعشْرين سنة، وَحدهَا الشَّافِعِي وَأحمد بتسعين سنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَهِي مُدَّة الْحمل، وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة مُدَّة عدَّة الْوَفَاة، ثمَّ تحل للأزواج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمَفْقُود الَّذِي يجوز فسخ نِكَاحه بعد التَّرَبُّص مَا هِيَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَمَالك: جَمِيع الْفَقْد يُوجب الْفَسْخ وَلَا فرق بَين أَن يَنْقَطِع بِسَبَب ظَاهِرَة الْهَلَاك أم بغيرة فِي أَنَّهَا تَتَرَبَّص وتتزوج بعد التَّرَبُّص. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: أَن الْمَفْقُود الَّذِي يندرس خبْرَة وأثره وَغلب على الضن مَوته فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخ نِكَاحه حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة بِمَوْتِهِ، وَرجع على القَوْل بِأَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة وتتزوج وَقَالَ: لَو قضى بِهِ قَاض نقض قَضَاؤُهُ، لِأَن تَقْلِيد الصَّحَابَة لَا يجوز للمجتهد وللزوجة على هَذَا القَوْل الْجَدِيد طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا، فَإِن تَعَذَّرَتْ كَانَ لَهَا الْفَسْخ بتعذر النَّفَقَة على أظهر الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ الَّذِي غالبه الْهَلَاك كَالَّذي يفقد بَين الصفين، أَو يكون فِي مركب فيغرق وَيسلم قوم وَيهْلك قوم، فإمَّا إِن سَافر إِلَى بلد فِي تِجَارَة وَانْقطع خَبره وَلم تعلم أَحَي هُوَ أم ميت؟ لم يجز لَهَا أَن تتَزَوَّج حَتَّى يتَيَقَّن مَوته أَو يَأْتِي عَلَيْهِ زمَان لَا يعِيش فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمَفْقُود هُوَ من غَابَ وَلم يعلم لَهُ خبر سَوَاء أَكَانَ بَين الصفين أَو سَافر أَو ركب الْبَحْر. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قدم الزَّوْج الأول وَقد تزوجت بعد التَّرَبُّص؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: العقد بَاطِل وَهِي زَوْجَة الأول، وَإِن كَانَ الثَّانِي وَطئهَا فَعَلَيهِ مهر الْمثل لَا الْمُسَمّى، وَتعْتَد من الثَّانِي، وَترد إِلَى الأول. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الثَّانِي دخل بهَا فَهِيَ زَوجته وَيجب عَلَيْهِ دفع الصَدَاق الَّذِي أصدقهَا إِلَى الأول، وَإِن كَانَ الثَّانِي لم يدْخل بهَا فَهِيَ للْأولِ وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهَا عبد الْكَرِيم أَنَّهَا للْأولِ بِكُل حَال. وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ لم يدْخل بهَا الثَّانِي فَهِيَ للْأولِ وَإِن كَانَ قد دخل بهَا فَالْخِيَار للْأولِ بَين إِِمْسَاكهَا وَدفع الصَدَاق إِلَيْهِ، وَبَين تَركهَا على نِكَاح الثَّانِي وَأخذ الصَدَاق الَّذِي أصدقهَا مِنْهُ. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز قسْمَة مَاله، سوى مَالك وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يقسم حَتَّى يتَيَقَّن مَوته. وَاخْتلفُوا فِي عدَّة أم الْوَلَد إِذا مَاتَ سَيِّدهَا أَو أعْتقهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة عدتهَا ثَلَاث حيض فِي حَال الْعتْق والوفاة مَعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: عدتهَا حَيْضَة فِي الْحَالين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: إِن عدتهَا من الْعتاق بِحَيْضَة وَمن الْوَفَاة عدَّة الْوَفَاة. وَاتَّفَقُوا على أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر. ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَكْثَرهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة سنتَانِ. وَعَن مَالك رِوَايَات إِحْدَاهَا: سبع سِنِين، وَالْأُخْرَى: أَربع سِنِين، وَالثَّالِثَة: خمس سِنِين. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: أَربع سِنِين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب أبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى: كمذهب الشَّافِعِي وَهِي الْمَشْهُورَة عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِي الْمُعْتَدَّة إِذا وضعت علقَة أَو مُضْغَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: لَا تَنْقَضِي عدتهَا بذلك وَلَا تصير أم ولد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تَنْقَضِي عدتهَا وَتصير أم ولد. وَعَن أَحْمد مثله. بَاب الرَّضَاع اتَّفقُوا على أَن الرَّضَاع يحرم مِنْهُ مَا يحرم بِالنّسَبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَاتَّفَقُوا على أَن رضَاع الْكَبِير غير محرم. وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار الرَّضَاع الْمحرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: رضعة وَاحِدَة توجب التَّحْرِيم. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْمُوجب حِكْمَة للتَّحْرِيم خمس رَضعَات. وَعَن أَحْمد رِوَايَات: الأولى كمذهب الشَّافِعِي، وَالثَّانيَِة: وَاحِدَة، وَالثَّالِثَة: ثَلَاث رَضعَات تحرم. وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ يثبت فِي سنتَيْن. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا زَاد على الْحَوْلَيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: سنتَانِ وَنصف. وَقَالَ مَالك: سنتَانِ وَأَيَّام يسيرَة وَلم يحدها. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يحرم الرَّضَاع إِلَّا فِي حَوْلَيْنِ فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَاتَّفَقُوا على أَن تَحْرِيم الرَّضَاع إِنَّمَا يجب بِهِ التَّحْرِيم إِذا كَانَ من لبن الْأُنْثَى سَوَاء كَانَت بكرا أم ثَيِّبًا موطؤة أم غير موطؤة. إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا يمْنَع التَّحْرِيم عِنْده لبن الْمَرْأَة بَان بهَا من الْحمل. وَاتَّفَقُوا على أَن ذَلِك مَقْصُور على الأدميات وَإِن طلق وَلَو ارتضع من لبن بَهِيمَة لم يثبت بَينهمَا أخوة الرَّضَاع. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل لَو در لَهُ لبن فأرضع مِنْهُ لم يثبت بذلك تَحْرِيم الرَّضَاع. وَاتَّفَقُوا على أَنه يتَعَلَّق التَّحْرِيم بالسعوط والوجور. إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه لَا يثبت التَّحْرِيم إِلَّا بِالرّضَاعِ من الثدي، واختارها عبد الْعَزِيز وَالْأُخْرَى اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَاتَّفَقُوا على أَن الحقنة بِاللَّبنِ لَا تثبت الْحُرْمَة كالرضاع، سوى مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَنَّهَا تحرمه كالرضاع. وَعَن مَالك نَحوه من رِوَايَة أَشهب عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن وَقع الْغذَاء بِهِ تثبت الْحُرْمَة. وَاتَّفَقُوا على أَن اللَّبن الْخَالِص يحصل بِهِ حُرْمَة الرَّضَاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 ثمَّ اخْتلفُوا فِي المشوب بِالْمَاءِ أَو بِالطَّعَامِ مستهلك فِيهِ أَو غير مستهلك هَل يثبت بِهِ التَّحْرِيم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا شيب اللَّبن بِالْمَاءِ أَو الْمَائِع فَكَانَ غَالِبا حرم، فَأَما إِن شيب اللَّبن بِالطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا يحرم بِحَال سَوَاء أَكَانَ غَالِبا أَو مَغْلُوبًا. وَقَالَ مَالك: يحرم اللَّبن المشوب والمختلط مَا لم يستهلك فِيهِ فَإِن خالط اللَّبن مَا اسْتهْلك اللَّبن فِيهِ من دَوَاء أَو طبيخ أَو غَيره فَأَنَّهُ لَا يحرم عِنْد جُمْهُور أَصْحَابه وَلم يُوجد نَص فِيهِ عَنهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يتَعَلَّق التَّحْرِيم بِاللَّبنِ المشوب بِالطَّعَامِ وَالشرَاب إِذا سقته الْمَوْلُود خمس مَرَّات سَوَاء كَانَ اللَّبن مُسْتَهْلكا أَو غَالِبا، وَهَذَا مَبْنِيّ من مَذْهَب أَحْمد على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا: أَن التَّحْرِيم يتَعَلَّق بِخمْس رَضعَات. وَاتَّفَقُوا على أَن لبن الْفَحْل محرم وَهُوَ أَن ترْضع الْمَرْأَة صَبِيه فَتحرم هَذِه الصبية على زوج الْمُرضعَة وآبائه وأبنائه وَيصير زوج الْمُرضعَة أَبَا للرضيعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 بَاب النَّفَقَات اتَّفقُوا على أَن وجوب نَفَقَة الرجل على من يلْزمه نَفَقَته كَالزَّوْجَةِ وَالْولد الصَّغِير وَالْأَب. ثمَّ اخْتلفُوا فِي نفقات الزَّوْجَات، هَل يعْتَبر بِحَال الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا أَو بِتَقْدِير الشَّرْع؟ فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يعْتَبر بِحَال الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا فَيجب على الزَّوْج الْمُوسر لزوجته الموسرة نفقه الموسرين وعَلى الْمُعسر لزوجته المعسرة نَفَقَة المعسرين وعَلى الْمُوسر للفقيرة نفقه المتوسطين وعَلى الْفَقِير للموسرة أقل الْكِفَايَة وَالْبَاقِي فِي ذمَّته وَلَيْسَت مقدرَة بِتَقْدِير مَحْدُود. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: هِيَ مقدرَة لَا اجْتِهَاد فِيهَا، وَهِي مُعْتَبرَة بِحَال الزَّوْج وَحده فعلى الْمُوسر مدان وعَلى الْمُتَوَسّط مد وَنصف وعَلى الْمُعسر مد. وَاخْتلفُوا فِي الزَّوْجَة إِذا احْتَاجَت أَن يخدمها زَوجهَا أَكثر من خَادِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يلْزمه إِلَّا خَادِم وَاحِد وَإِن احْتَاجَت إِلَى أَكثر مِنْهُ. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: إِذا احْتَاجَت إِلَى خادمين فَأكْثر لِكَثْرَة مَالهَا لزمَه ذَلِك، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَنهُ. وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَة الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يُجَامع مثلهَا إِذا تزَوجهَا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا نَفَقَة لَهَا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب الْجَمَاعَة، وَالْآخر: لَهَا النَّفَقَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت الزَّوْجَة كَبِيرَة وَالزَّوْج صَغِير لَا يُجَامع مثله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب عَلَيْهِ النَّفَقَة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يجب، وَالْآخر: لَا يجب. وَاخْتلفُوا فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ هَل يثبت للزَّوْجَة مَعَه اخْتِيَار الْفَسْخ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت لَهَا بِالْفَسْخِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يثبت لَهَا الْفَسْخ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى الزَّمَان هَل تسْقط النَّفَقَة بمضيه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْقط بمضيه مَا لم يحكم بِهِ حَاكم أَو يتوافقا على قدر مَعْلُوم فَيصير دينا باصطلاحهما. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه. وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا تسْقط النَّفَقَة بِمُضِيِّ الزَّمَان. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن النَّفَقَة السالفة لَا تملك الْمُطَالبَة بهَا إِلَّا أَن يكون القَاضِي فَرضهَا لَهَا. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة إِذا سَافَرت بِإِذن زَوجهَا فِي غير وَاجِب عَلَيْهَا أَن نَفَقَتهَا تسْقط بذلك. إِلَّا مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا تسْقط نَفَقَتهَا بذلك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلبت المبتوتة أُجْرَة مثلهَا فِي إِرْضَاع وَلَدهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ ثمَّ مُتَطَوّع أَو من ترْضِعه بِدُونِ أُجْرَة الْمثل كَانَ للْأَب أَن يسترضع غَيرهَا بِشَرْط أَن يكون الصَّغِير عِنْد الْأُم لِأَن الْحَضَانَة لَهَا. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب أبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى: أَن الْأُم أولى بِكُل حَال. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: هُوَ أَحَق وَإِن وجد الْأَب من يرضع وَلَده بِأَقَلّ من ذَلِك أَو يتَبَرَّع بِالرّضَاعِ فَإِنَّهُ يجْبر على أَن يُعْطِيهَا أُجْرَة مثلهَا. وَعَن الشَّافِعِي قَول آخر كمذهب أَبى حنيفَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأُم لَا تجبر على إِرْضَاع وَلَدهَا بِحَال إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يجب على الْأُم إِرْضَاع وَلَدهَا مَا دَامَت فِي زوجية أَبِيه إِلَّا أَن يكون مثلهَا لَا يرضع لشرف أَو غيرَة أَو ليسار أَو لسقم أَو لقلَّة لبن فَحِينَئِذٍ لَا يجب عَلَيْهَا. وَاخْتلفُوا هَل يجْبر الْوَارِث على نَفَقَة من يَرِثهُ بِفَرْض أَو تعصيب على نَفَقَة الموسرين؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجْبر على نَفَقَة كل ذِي رحم محرم فَيدْخل فِيهِ الْخَالَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 والعمة وَيخرج مِنْهُ ابْن الْعم أَو من ينْسب إِلَيْهِ بِالرّضَاعِ. وَقَالَ مَالك: لَا تجب النَّفَقَة إِلَّا للْوَالِدين والأدنيين ولأولاد الصلب. وَقَالَ الشَّافِعِي: تجب النَّفَقَة على الْأَب وَإِن علا، وَالِابْن وَإِن سفل وَلَا يتَعَدَّى عمودي النّسَب. وَقَالَ أَحْمد: كل شخص جرى بَينهمَا مِيرَاث بِفَرْض أَو تعصيب من الطَّرفَيْنِ لزمَه نَفَقَة الآخر كالأبوين وَالْأَوْلَاد والأخوة وَالْأَخَوَات والعمومة بَينهم رِوَايَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ الْإِرْث جَارِيا بَينهم من أحد الطَّرفَيْنِ وهم ذووا الْأَرْحَام كَابْن الْأَخ مَعَ عمته وَابْن الْعم مَعَ بنت عَمه فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا يجب وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا لَا تجب. وَاتَّفَقُوا على أَن الناشز لَا نفقه لَهَا. وَاخْتلفُوا هَل يلْزم الْمولى نفقه عتيقه؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه. وَقَالَ أَحْمد: يلْزمه إِلَّا أَن مَالِكًا فِي إِحْدَى روايتيه قَالَ: إِن أعْتقهُ صَغِيرا لَا يَسْتَطِيع السَّعْي يلْزمه نَفَقَته إِلَى أَن يسْعَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بلغ الْوَلَد مُعسرا وَلَا حِرْفَة لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْقط نَفَقَة الْغُلَام إِذا بلغ صَحِيحا وَتسقط نَفَقَة الْجَارِيَة إِذا تزوجت. وَقَالَ مَالك كَذَلِك إِلَّا فِي الْجَارِيَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تسْقط نَفَقَتهَا عَن أَبِيهَا وَإِن تزوجت حَتَّى يدْخل بهَا الزَّوْج. وَقَالَ الشَّافِعِي: تسْقط نفقتهما جَمِيعًا. وَقَالَ أَحْمد: لَا تسْقط نَفَقَة الْوَلَد عَن أَبِيه وَإِن بلغ إِذا لم يكن لَهُ كسب وَلَا مَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بلغ الابْن مَرِيضا. فَقَالُوا أَن النَّفَقَة واجبه على أَبِيه فَلَو برِئ من مَرضه ثمَّ عاوده الْمَرَض أَو كَانَت جارته مزوجه وَدخل بهَا الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا بعد ذَلِك. فَقَالُوا تعود النَّفَقَة على الْأَب إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تعود فِي الْحَالين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اجْتمع وَرَثَة مثل أَن يكون للصَّغِير أم وَجدّة وَكَذَلِكَ إِن كَانَت بنت وَابْن أَو بنت وَابْن ابْن ابْن أَو كَانَ لَهُ أم وَبنت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: النَّفَقَة للصَّغِير على الْأُم وَالْجدّة بَينهمَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 الْبِنْت وَالِابْن. فإمَّا ابْن الابْن وَالْبِنْت فَاخْتلف أَبُو حنيفَة وَأحمد. فَقَالَ أَحْمد: النَّفَقَة بَينهمَا نِصْفَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: النَّفَقَة على الْبِنْت دونه، فَأَما الْأُم وَالْبِنْت فَقَالَا: النَّفَقَة على الْبِنْت وَالأُم بَينهمَا الرّبع على الْأُم وَالْبَاقِي على الْبِنْت. وَقَالَ الشَّافِعِي: النَّفَقَة على الذُّكُور خَاصَّة الْجد وَالِابْن وَابْن الابْن دون الْبِنْت، وعَلى الْبِنْت دون الْأُم. وَقَالَ مَالك: هِيَ على ابْني الصلب الذُّكُور وَالْإِنَاث مِنْهُم على السوَاء إِذا اسْتَويَا فِي الْجدّة، فَإِن كَانَ أَحدهمَا واجدا والأخر فَقِيرا، فالنفقة على الْوَاجِد. بَاب الْحَضَانَة اتَّفقُوا على أَن الْحَضَانَة للْأُم مَا لم تتَزَوَّج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَاتَّفَقُوا على أَن الْأُم إِذا تزوجت وَدخل بهَا الزَّوْج تسْقط حضانتها. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلقت طَلَاقا بَائِنا هَل تعود حضانتها؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تعود حضانتها. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا تعود حضانتها وَإِن طلقت. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا افترق الزَّوْجَانِ وَبَينهمَا غُلَام؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه: الْأُم أَحَق بالغلام حَتَّى يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي مطعمه ومشربة. ثمَّ أَن الْأَب أَحَق بِهِ وَفِي الْأُخْرَى أَحَق بالغلام إِلَى أَن يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي مطعمه ومشربة وملبسة ووضوئه واستنجائه وَلبس سراويله، ثمَّ الْأَب أَحَق بِهِ. وَالأُم أَحَق بِالْأُنْثَى أَيْضا إِلَى أَن تبلغ وَلَا يُخَيّر وَاحِد مِنْهُمَا. وَقَالَ مَالك الْأُم أَحَق بالجارية إِلَى أَن تتَزَوَّج وَيدخل الزَّوْج بهَا، وبالغلام إِلَى الْبلُوغ وَهِي الْمَشْهُور عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَقَالَ الشَّافِعِي: الْأُم أَحَق بهَا إِلَى سبع ثمَّ يخيران وَلم يفرق بَين الْغُلَام وَالْجَارِيَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: الْأُم أَحَق بالغلام إِلَى سبع سِنِين، ثمَّ يُخَيّر الْغُلَام فَيكون من اخْتَارَهُ مِنْهُمَا هُوَ الأحق بِهِ وَيجْعَل الْجَارِيَة مَعَ الْأَب بعد سبع بِغَيْر تَخْيِير، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِي الْأُخْت من الْأَب هَل هِيَ أولى بالحضانة من الْأُخْت من الْأُم أَو من الْخَالَة؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأُخْت من الْأُم أولى من الْأُخْت من للْأَب وَمن الْخَالَة، وَأما الْخَالَة فَهِيَ أولى من الْأُخْت من الْأَب فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة: الْأُخْت أولى. وَقَالَ مَالك: الْخَالَة أولى من الْأُخْت من الْأُم وَالْأُخْت من الْأُم أولى بذلك من الْأُخْت من الْأَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْأُخْت من الْأَب أولى بالحضانة من الْأُخْت من الْأُم وَمن الْخَالَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَقعت الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَبَينهمَا ولد صَغِير فَأَرَادَ الزَّوْج أَن يُسَافر بولده بنية الاستيطان فِي بلد آخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ للْأَب أَخذ الْوَلَد مِنْهُمَا والانتقال بِهِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ذَلِك. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن الْأُم أَحَق بِهِ مَا لم تتَزَوَّج، فَإِن كَانَت الزَّوْجَة هِيَ المنتقلة بِوَلَدِهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لَهَا ذَلِك بِشَرْطَيْنِ وهما: أَن يكون انتقالها إِلَى بَلَدهَا، وَأَن يكون العقد وَقع ببلدها الَّذِي تنْتَقل إِلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بَلَدهَا دَار حَرْب فَلَيْسَ لَهَا الِانْتِقَال بِوَلَدِهَا إِلَيْهِ فَأَما إِن فَاتَ أحد الشَّرْطَيْنِ إِمَّا أَن يكون انتقالها بِهِ إِلَى غير بَلَدهَا أَو إِلَى بَلَدهَا وَلم يكن نِكَاحهَا عقد فِيهِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك أَن تكون تنْتَقل إِلَى مَوضِع قريب يُمكن الْمُضِيّ إِلَيْهِ والعودة قبل اللَّيْل فلهَا ذَلِك إِلَّا من مصر إِلَى سَواد قريب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: الْأَب أَحَق بولده سَوَاء كَانَ هُوَ المتنقل أَو هِيَ. وَعَن احْمَد رِوَايَة أُخْرَى: الْأُم أَحَق بهَا مَا لم تتَزَوَّج. وَاخْتلفُوا هَل للْإِمَام أَن يجْبر على نَفَقَة بهائمه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَأْمُرهُ الْحَاكِم على طَرِيق الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من غير إِجْبَار. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ أَن يجْبرهُ على نَفَقَتهَا أَو بيعهَا، وَزَاد مَالك وَأحمد: انه يمْنَع من تحميلها مَا لَا تطِيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 كتاب الْجِنَايَات بَاب الْقصاص اتَّفقُوا على من قتل نفسا مُؤمنَة مكافئه لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَلم يكن الْمَقْتُول ابْنا للْقَاتِل، وَكَانَ فِي قَتله لَهُ مُتَعَمدا مُتَعَدِّيا بِغَيْر تَأْوِيل وَاخْتَارَ الولى الْقَتْل فَإِنَّهُ يجب لقَوْل الله عز وَجل {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَاتَّفَقُوا على أَن السَّيِّد إِذا قتل عبد نَفسه فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ، وَلَو كَانَ مُتَعَدِّيا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل مُسلم ذِمِّيا أَو معاهدا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا يقتل الْمُسلم بِوَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتثْنى فَقَالَ: إِن قتل الْمُسلم ذِمِّيا أَو معاهدا أَو مستأمنا كتابيا أَو غير كتابي غيلَة قتل حتما، وَلَا يجوز للْوَلِيّ الغفر لِأَنَّهُ يغلق قَتله بالافتيات على الْأَمَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل الْمُسلم بقتل الذِّمِّيّ وَلَا يقتل الْمُسلم بالمستأمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَاخْتلفُوا فِي الْحر يقتل عبد غَيره. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يقتل بِهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل بِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الابْن إِذا قتل أحد أبوية قتل بِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْأَب أبنه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يقتل بِهِ. وَقَالَ مَالك: يقتل بِهِ إِذا كَانَ قَتله لَهُ بِمُجَرَّد الْقَصْد كاضجاعه وذبحه، فَإِن حذفه بِالسَّيْفِ غير قَاصد لقَتله فَلَا يقتل بِهِ وَالْحَد فِي ذَلِك عِنْده كَالْأَبِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَافِر يقتل بقتل الْمُسلم، وَأَن العَبْد يقتل بقتل الْحر. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل يقتل بقتل الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَة تقتل بِالرجلِ، وَالْعَبْد بِالْعَبدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَاخْتلفُوا هَل يجْرِي الْقصاص بَين الرجل وَالْمَرْأَة فِيمَا دون النَّفس، وَبَين العبيد بَعضهم على بعض. فَقَالُوا يجْرِي بَينهم، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجْرِي. وَاخْتلفُوا فِي الْجَمَاعَة يشتركون فِي قتل الْوَاحِد. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتثْنى الْقسَامَة من ذَلِك فَقَالَ: لَا يقتل بالقسامة إِلَّا وَاحِد. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ كمذهب الْجَمَاعَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: لَا تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ وَتجب الدِّيَة دون الْقود. وَاخْتلفُوا هَل تقطع الْأَيْدِي بِالْيَدِ. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تقطع الْأَيْدِي بِالْيَدِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقطع وَتُؤْخَذ دِيَة الْيَد من القاطعين بالسواء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَتله بالمثقل كالخشبة الَّتِي فَوق عَمُود الْفسْطَاط وَالْحجر الْكَبِير الَّذِي الْغَالِب فِي مثله أَنه يقتل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 فَقَالُوا: يجب الْقصاص بذلك، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب الْقصاص إِلَّا بالمحدد أَو مَا عمل عمله فِي الْجراح فَأَما إِن ضربه فاسود الْموضع أَو كسر عِظَامه فِي دَاخل الْجِسْم فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتلفُوا فِي عمد الْخَطَأ وَهُوَ أَن يتَعَمَّد الْفِعْل ويخطئ فِي الْقَصْد مثل أَن يُكَرر الضَّرْب بِسَوْط مثله لَا يقتل غَالِبا، أَو يلكزه أَو يلطمه، فَفِي هَذِه الدِّيَة دون الْقود عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: إِن كرر الضَّرْب حَتَّى يَمُوت فَعَلَيهِ الْقود. وَقَالَ مَالك: فِيهِ الْقود. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أكره رجل رجلا على قتل آخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب الْقَتْل على الْمُكْره دون الْمُبَاشر. وَقَالَ أَحْمد: يقتل الْمُكْره وَالْمكْره. وَقَالَ الشَّافِعِي: يقتل الْمُكْره وَفِي الْمُكْره قَولَانِ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا شهد بِالْقَتْلِ شُهُود وَلم يرجع الشُّهُود عَن شَهَادَتهم إِن ذَلِك نَافِذ يعْمل بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمُكْره. فَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الْمُكْره سُلْطَانا أَو متغلبا أَو سيدا مَعَ عَبده أقيد مِنْهُمَا جَمِيعًا، إِلَّا أَن يكون العَبْد أعجميا جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقود. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَصح الْإِكْرَاه من كل يَد عَادِية. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رَجَعَ الشُّهُود بعد اسْتِيفَاء الْقصاص وَقَالُوا تعمدنا أَو جَاءَ الْمَشْهُود بقتْله حَيا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قَود عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَة مُغَلّظَة. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِمَا الْقصاص. وَقَالَ مَالك: يجب الْقصاص وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا رجعُوا بعد اسْتِيفَاء الْقصاص وَقَالُوا: أَخْطَأنَا، أَنه لَا يجب عَلَيْهِم الْقصاص، وَإِنَّمَا يجب الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أمسك رجل رجلا ليَقْتُلهُ آخر فَقتله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: الْقود على الْقَاتِل دون الممسك وَلم يوجبا على الممسك شَيْئا إِلَّا التعزيز من غير حبس إِلَّا أَن الفوراني أَبَا الْقَاسِم حكى فِي الْإِبَانَة لَهُ عَن مَذْهَب الشَّافِعِي: أَنه ينظر فَإِن كَانَ أمسك حرا فَلَا يضمن الممسك شَيْئا، وَإِن كَانَ امسك عبدا ضمن قِيمَته ثمَّ رَجَعَ هُوَ على الْقَاتِل بِمَا غرم لِأَن العَبْد يضمن بغضب يَعْنِي أَنه مَال. وَقَالَ مَالك: إِذا أمْسكهُ عَامِد ليَقْتُلهُ رجل فَقتله عَامِدًا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي قَتله فَيجب الْقود عَلَيْهِمَا إِن كَانَ الْقَاتِل لَا يُمكنهُ قَتله إِلَّا بالإمساك وَكَانَ الْمَقْتُول لَا يقدر على الْهَرَب بعد الْإِمْسَاك. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: يقتل الْقَاتِل وَيحبس الممسك حَتَّى يَمُوت، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: يقتلان جَمِيعًا على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي الْوَاجِب بقتل الْعمد هَل هُوَ شَيْء معِين أم هُوَ أحد شَيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: الْوَاجِب فِيهِ الْقود، وَالرِّوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الْأُخْرَى عَن مَالك: التَّخْيِير بَين الْقود وَالدية وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وَالثَّانِي: أَن الْقصاص هُوَ الْوَاجِب عينا، وَله الْعُدُول على هَذَا القَوْل إِلَى الدِّيَة من غير رضى الْجَانِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. فَائِدَة الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا عفى مُطلقًا سَقَطت الدِّيَة، إِلَّا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَمن قَالَ: أَن الْوَاجِب أحد شَيْئَيْنِ فَمَتَى عفى مُطلقًا ثَبت لَهُ الدِّيَة إِلَّا فِي أحد وَجْهي الشَّافِعِيَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عفى الْوَلِيّ عَن الدَّم عادلا عَن الْقصاص إِلَى أَخذ الدِّيَة بِغَيْر رضى الْجَانِي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ أَن يعْفُو على المَال إِلَّا برضى الْجَانِي. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ ذَلِك على الْإِطْلَاق من غير تَقْيِيد برضى الْجَانِي. وَعَن مَالك كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عفى أحد الْأَوْلِيَاء من الرِّجَال سقط الْقصاص وانتقل الْأَمر إِلَى الدِّيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عفت الْمَرْأَة من الْأَوْلِيَاء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يسْقط الْقود. وَأما مَالك فَقَالَ عبد الْوَهَّاب فِي المعونة: اخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي النِّسَاء هَل لَهُنَّ مدْخل فِي الدَّم أم لَا؟ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا لَهُنَّ فِيهِ مدْخل كالرجال إِذا لم يكن فِي درجتهن عصبَة، وَالْأُخْرَى: أَنه لَا مدْخل لَهُنَّ. وَإِذا قَالَ لَهُنَّ مدْخل فِي ذَلِك فَفِي أَي شَيْء لَهُنَّ مدْخل فِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: فِي الْقود دون الْعَفو، وَالثَّانيَِة: فِي الْعَفو دون الْقود. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْأَوْلِيَاء حضورا بالغين وطالبوا لم يؤخرا الْقصاص إِلَّا أَن يكون الْقَاتِل امْرَأَة وَتَكون حَامِلا يُؤَخر الْقصاص حَتَّى تضع. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْأَوْلِيَاء صغَارًا أَو غيبا فَإِنَّهُ يُؤَخر الْقصاص. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصغار: إِن كَانَ لَهُم أَب استوفى الْقصاص وَلم يُؤَخر فَإِن كَانَ فيهم صغَارًا أَو غيب أَو مَجْنُون. فَقَالُوا كلهم: أَن الْغَائِب يُؤَخر الْقصاص لأَجله حَتَّى يقدم. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّغِير وَالْمَجْنُون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يُؤَخر الْقصاص لأجلهم. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُؤَخر الْقصاص حَتَّى يفِيق الْمَجْنُون وَيكبر الصَّغِير. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه يُؤَخر، وَالْأُخْرَى: كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك. وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَب لَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص لوَلَده الْكَبِير. ثمَّ اخْتلفُوا هَل لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه لِابْنِهِ الصَّغِير قبل بُلُوغه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَهُ ذَلِك سَوَاء كَانَ شَرِيكا لَهُ فِيهِ، مثل أَن تقتل امْرَأَة وَلها زوج وَابْن مِنْهُ أَو لَا يكون شَرِيكا مثل أَن تكون المقتولة الْمُطلقَة من زَوجهَا وَسَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو فِي الطّرف. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه فِي جَمِيع الْحَالَات الْمَذْكُورَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك. وَاخْتلفُوا فِي الْوَاحِد يقتل جمَاعَة ثمَّ يطْلب أولياءهم الْقصاص أَو الدِّيَة أَو بَعضهم هَذَا وَبَعْضهمْ هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا الْقود لجماعتهم وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء آخر سَوَاء طلب بَعضهم الْقود وَبَعْضهمْ الدِّيَة أَو طلب جَمِيعهم الْقود. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن قتل وَاحِدًا بعد وَاحِد قتل بِالْأولِ وللباقين الدِّيات، وَإِن قَتلهمْ فِي حَالَة وَاحِدَة أَقرع بَين أَوْلِيَاء المقتولين فَمن خرجت لَهُ قرعَة قتل لَهُ وينتقل الْبَاقُونَ إِلَى الدِّيَة سَوَاء طَالب الْجَمِيع بالقود وَرَضوا بِهِ أَو طَالب بَعضهم بالقود وَبَعْضهمْ بِالدِّيَةِ لِأَن عِنْده أَن رَضِي الْجَمِيع بالقود لَا يسْقط الْحق فِي الدِّيَة للمتأخر مِنْهُم. وَقَالَ أَحْمد: إِذا قتل وَاحِد جمَاعَة فَحَضَرَ الْأَوْلِيَاء وطلبوا الْقصاص قتل بجماعتهم وَلَا دِيَة عَلَيْهِ، وَإِن طَالب بَعضهم الْقود وَبَعْضهمْ الدِّيَة قتل لمن طلب الْقصاص وَوَجَبَت الدِّيَة لمن طلب الدِّيَة سَوَاء كَانَ الطَّالِب للدية ولي الْمَقْتُول أَولا أَو ثَانِيًا، وَإِن طلبُوا الدِّيَة كَانَ لكل وَاحِد دِيَة كَامِلَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطع يَمِين رجلَيْنِ وطلبا الْقصاص. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقطع يَمِينه لَهما وَيُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة يَد أُخْرَى لَهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَ مَالك: تقطع يَمِينه لَهما وَلَا تلْزمهُ دِيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تقطع يَمِينه الأول وَيغرم الدِّيَة للثَّانِي إِن كَانَ قطع وَاحِدَة بعد أُخْرَى وَإِن كَانَ الْقطع مَعًا أَقرع بَينهمَا كَمَا قَالَ فِي النَّفْي وَكَذَا لَو قطعهمَا على التَّعَاقُب (واشتبهم) الأول. وَقَالَ أَحْمد: إِن طلبا الْقصاص قطع لَهما وَلَا دِيَة وَإِن طلب أَحدهمَا الْقصاص وَالْآخر: الدِّيَة قطع لمن طلب الْقصاص وَأخذت الدِّيَة للْآخر. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل مُتَعَمدا ثمَّ مَاتَ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يسْقط الْقصاص وَتبقى الدِّيَة وَاجِبَة فِي تركته لأولياء الْمَقْتُول. بَاب السَّارِق اتَّفقُوا على أَن الإِمَام إِذا قطع السَّارِق فسرى ذَلِك إِلَى نَفسه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطعه مستقص فسرى إِلَى نَفسه. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: السَّرَايَة مَضْمُونَة تتحملها الْعَاقِلَة، أَي عَاقِلَة الْمُقْتَص. وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطع ولي الْمَقْتُول يَد الْقَاتِل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن عفى عَنهُ الْوَلِيّ غرم دِيَة يَده وَإِن لم يعف عَنهُ لم يلْزمه شَيْء. وَقَالَ مَالك: تقطع يَده بِكُل حَال إِن عفى عَنهُ الْوَلِيّ أَو لم يعف. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا ضَمَان على الْقَاطِع وَلَا قصاص بِكُل حَال سَوَاء عفى الْوَلِيّ عَنهُ أَو لم يعف. وَقَالَ أَحْمد: تلْزمهُ دِيَة الْيَد فِي مَاله بِكُل حَال، عفى الْوَلِيّ عَنهُ أَو لم يعف. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تقطع يَمِين بيسار وَلَا يسَار بِيَمِين. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بِالْيَدِ الشلاء. وَاخْتلفُوا هَل يَسْتَوْفِي الْقصاص فِيمَا دون النَّفس قبل الِانْدِمَال أَو بعدة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يَسْتَوْفِي إِلَّا بعد الِانْدِمَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَسْتَوْفِي فِي الْحَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا يَسْتَوْفِي بِهِ الْقصاص من الْآلَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون الْقصاص إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَسَوَاء قتل بِهِ أَو بِغَيْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل فِي الْحرم جَازَ قَتله فِي الْحرم. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن قتل خَارج الْحرم ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ أَو وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل بِكفْر أَو ردة أَو زنا، ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يقتل فِيهِ وَلَكِن يضيق عَلَيْهِ وَلَا يُبَايع وَلَا يشارى حَتَّى يخرج مِنْهُ فَيقْتل. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يقتل فِيهِ. بَاب الدِّيات وَاتَّفَقُوا على أَن دِيَة الْحر الْمُسلم مَائه من الْإِبِل فِي مَال الْقَاتِل الْعَامِد إِذا آل إِلَى الدِّيَة. ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ حَالَة أَو مُؤَجّلَة؟ فَذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك إِلَى أَنَّهَا حَالَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ مُؤَجّلَة إِلَى ثَلَاث سِنِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 فَأَما دِيَة الْعمد فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: هِيَ أَربَاع لكل سنّ من أَسْنَان الْإِبِل مِنْهَا ربع، خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَمثلهَا بنت لبون، وَمثلهَا حَقه، وَمثلهَا جَذَعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تُؤْخَذ من ثَلَاث أَسْنَان، ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعَة خلفة فِي بطونها وَأَوْلَادهَا وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد. وَأما دِيَة شبه الْعمد. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: هِيَ مثل دِيَة الْعمد الْمَحْض. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فَروِيَ عَنهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: نَفيهَا على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: إِثْبَاتهَا فِي مثل قتل الْأَب ابْنه على وَجه الشّبَه دون الْعمد ودية ذَلِك عِنْده أَثلَاثًا، ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: دِيَتهَا ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ خلفة وَهِي الْحَوَامِل. وَأما دِيَة الْخَطَأ. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: هِيَ أَخْمَاس، عشرُون جَذَعَة، وَعِشْرُونَ حقة، وَعِشْرُونَ بنت لبون، وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض، وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا مَكَان ابْن الْمَخَاض ابْن لبون. وَاخْتلفُوا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير هَل تُؤْخَذ فِي الدِّيات؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ مُقَدّر فِي الدِّيات يجوز أَخذهَا مَعَ وجود الْإِبِل. ثمَّ اخْتلفَا هَل كل نوع أصل بِنَفسِهِ، ودية فِي نَفسه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاحْمَدْ فِي أحد الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ أصل بِنَفسِهَا، وَالثَّانيَِة: الأَصْل الْإِبِل، والأثمان بدل عَنْهَا إِلَّا أَنه بدل مُقَدّر بِأَصْل الشَّرْع، لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَان عَنهُ. وَقَالَ مَالك: هِيَ أصل بِنَفسِهَا مقدرَة، وَلم يَعْتَبِرهَا بِالْإِبِلِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعدل عَن الْإِبِل إِذا وجدت إِلَّا بِالتَّرَاضِي، فَإِن اعوزت فَفِيهِ قَولَانِ: الْقَدِيم مِنْهُمَا يعدل إِلَى أحد أَمريْن: ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم، والجديد مِنْهُمَا يعدل إِلَى قِيمَته حِين الْقَبْض زَائِدَة أَو نَاقِصَة. وَاخْتلفُوا فِي مبلغ الدِّيَة من الدَّرَاهِم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عشرَة آلَاف دِرْهَم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: اثْنَي عشر ألف دِرْهَم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَاخْتلفُوا فِي الْبَقر وَالْغنم وَالْحلَل هَل هِيَ أصل فِي الدِّيَة أم تُؤْخَذ على وَجه الْقيمَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ شَيْء من ذَلِك أصل فِي الدِّيَة وَلَا مُقَدّر وَإِنَّمَا يرجع إِلَيْهِ بِالتَّرَاضِي على وَجه الْقيمَة. وَقَالَ أَحْمد: الْغنم والبقرأصلان مقدران فِي الدِّيَة، فَمن الْبَقر مِائَتَا بقرة، وَمن الْغنم ألف شاه. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْحلَل فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا: مقدرَة بِمِائَتي حلَّة، كل حلَّة إِزَار ورداء. وَرُوِيَ عَنهُ: أَنَّهَا لَيست بِبَدَل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل فِي الْحرم أَو قتل وَهُوَ محرم، أَو فِي شهر حرَام، أَو قتل ذَا رحم محرم هَل يغلظ الدِّيَة فِي ذَلِك؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تغلظ الدِّيَة فِي شَيْء من ذَلِك. فَقَالَ مَالك: لَا تَغْلِيظ فِي هَذِه الْأَسْبَاب إِلَّا فِيمَا إِذا قتل الرجل وَلَده، فَإِنَّهَا تغلظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وَصفَة التَّغْلِيظ عِنْده أَن تكون الْإِبِل أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ خلفة. وَأما فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة؟ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: نفي التَّغْلِيظ فِي الْجُمْلَة، وَأَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُم زِيَادَة كَأَهل الْإِبِل. وَالْأُخْرَى: تغلظ وَفِي صفة تغليظها عَنهُ رِوَايَتَانِ أَيْضا، إِحْدَاهمَا: إِنَّه يلْزم من الذَّهَب وَالْفِضَّة قيمَة الْإِبِل الْمُغَلَّظَة مَا بلغت إِلَّا أَن تنقص عَن ألف دِينَار، أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَلَا ينقصها. وَالْأُخْرَى: أَنه لَا ينظر قدرهَا مَا بَين دِيَة الْخَطَأ والتغليظ فَيجْعَل جُزْءا زَائِدا على دِيَة الذَّهَب وَالْوَرق عِنْده. وَقَالَ الشَّافِعِي: تغلظ فِي الْحرم، وَالْمحرم وَالْأَشْهر الْحرم وَهل تغلظ فِي الْإِحْرَام؟ على وَجْهَيْن أظهرهمَا عِنْدهم: أَنَّهَا لَا تغلظ، وَصفَة التَّغْلِيظ عِنْده أَنه لَا يدْخل فِي الْأَثْمَان وَإِنَّمَا يدْخل الْإِبِل بالأسنان فَقَط. وَقَالَ أَحْمد: تغلظ الدِّيَة فِي ذَلِك كُله، وَصفَة التَّغْلِيظ عِنْده إِن كَانَ الضَّمَان بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، فبزيادة الْقدر وَهُوَ ثلث الدِّيَة نصا عَنهُ. وَإِن كَانَ بِالْإِبِلِ فَقِيَاس مذْهبه أَنه كالأثمان، وَأَنَّهَا تغلظ بِزِيَادَة الْقدر لَا السن. وَاخْتلف أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، هَل يتداخل تَغْلِيظ الدِّيَة مثل أَن يقتل فِي شهر حرَام فِي الْحرم ذَا رحم؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 فَقَالَ الشَّافِعِي: يتداخل وَيكون التَّغْلِيظ فِيهَا وَاحِدًا. وَقَالَ أَحْمد: يجب لكل وَاحِد من ذَلِك ثلث الدِّيَة. بَاب فِي قصاص الجروح وَاتَّفَقُوا على أَن الجروح قصاص فِي كل مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقصاص وَمن الجروح الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الخارصة وَهِي الَّتِي تشق الْجلد قَلِيلا، وَقيل بل تكشطه. وَمِنْه قَوْلهم: خرص الْقصار الثَّوْب أَي شقَّه، وَتسَمى القاشرة، وَتسَمى الملطاء، ثمَّ الباضعة وَهِي الَّتِي تشق اللَّحْم بعد الْجلد، ثمَّ البازلة وَهِي الَّتِي تنزل الدَّم، وَتسَمى الدامية والدامغة والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم، والسمحاق وَهِي الَّتِي تبقى بَينهَا وَبَين الْعظم جلدَة رقيقَة. فَهَذِهِ الْجراح الْخمس لَيْسَ فِيهَا تَقْدِير شَرْعِي بِإِجْمَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أَحْمد من أَنه ذهب إِلَى حكم زيد فِي ذَلِك، وَهُوَ أَن زيدا حكم فِي الدامغة بِبَعِير وَفِي الباضعة ببعيرين، وَفِي المتلاحمة بِثَلَاث أَبْعِرَة، وَفِي السمحاق بأَرْبعَة أَبْعِرَة. قَالَ أَحْمد: فَأَنا أذهب إِلَيْهِ وَهَذِه رِوَايَة أبي طَالب المشكاتي عَن أَحْمد. وَالظَّاهِر من مذْهبه أَنه لَا مُقَدّر فِيهَا كالجماعة. وَأَجْمعُوا على أَن فِي كل وَاحِد مِنْهَا حُكُومَة بعد الِانْدِمَال والحكومة أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجِنَايَة كَأَنَّهُ كَانَ عبدا، وَيُقَال: كم قِيمَته قبل الْجِنَايَة وَكم قِيمَته بعْدهَا؟ فَيكون لَهُ بِقدر التَّفَاوُت من دِيَته. ثمَّ اخْتلفُوا فِي هَذِه الْجراح الْخمس الَّتِي فِيهَا الْحُكُومَة إِذا بلغت مِقْدَارًا زَائِدا على مَا فِيهِ التَّوْقِيت هَل يُؤْخَذ مِقْدَار التَّوْقِيت أَو دونه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِذا بلغت الْحَد الْمُؤَقت فَلَا تبلغ بهَا إِلَيْهِ فِي الارش، بل تنقص مِنْهُ. وَقَالَ مَالك: يبلغ بهَا إِلَيْهِ إِذا بلغته وَيُزَاد على ارش الْمُؤَقت إِن زَادَت هِيَ عَلَيْهِ مندملة على شَيْئَيْنِ. مندملة على شَيْئَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يُجَاوز بِشَيْء من ذَلِك ارش الْمُؤَقت رِوَايَة وَاحِدَة وَهل يبلغ بهَا ارش الْمُؤَقت على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: لَا يبلغ بهَا ارش الْمُؤَقت وَهِي الْمَذْهَب، وَالْأُخْرَى: يبلغ بهَا والمؤقت هُوَ الْمُوَضّحَة فَأَما الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 الْعظم وَفِي مُوضحَة الْوَجْه فَفِي أَي مَوضِع كَانَت من الْوَجْه فِيهَا خمس من الْإِبِل عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، وَالْأُخْرَى: أَن فِيهَا عشر من الْإِبِل. وَقَالَ مَالك: فِي مُوضحَة الْأنف واللحى والأسفل حُكُومَة خَاصَّة وَبَاقِي الْمَوَاضِع فِيهَا خمس من الْإِبِل فَإِن كَانَت الْمُوَضّحَة فِي الرَّأْس فَهَل هِيَ بِمَنْزِلَة الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه أم لَا؟ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ بمنزلتها. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هِيَ بمنزلتها، وَالْأُخْرَى: إِذا كَانَت فِي الْوَجْه فَفِيهَا عشر، وَإِذا كَانَت فِي الرَّأْس فَفِيهَا خمس. وَأَجْمعُوا على أَن الْمُوَضّحَة فِيهَا الْقصاص إِذا كَانَت عمدا وَأما الهاشمة وَهِي الَّتِي تكسر الْعظم وتهشمه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ: فِيهَا عشر من الْإِبِل. وَاخْتلف عَن مَالك، فَقَالَ فِي رِوَايَة عَنهُ: لَا أعرف الهاشمة فَإِذا أوضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وهشم فَعَلَيهِ الْإِيضَاح خمس من الْإِبِل، وَفِي الهشم حُكُومَة وَهِي اخْتِيَار ابْن الْقصار من أَصْحَابه، وَرُوِيَ عَنهُ أَن فِيهَا خمس عشرَة من الْإِبِل كَمَا فِي المنقلة، وَهَذَا اخْتِيَار الْأَبْهَرِيّ من أَصْحَابه، وَقَالَ أَشهب: فِيهَا عشر من الْإِبِل وَأما المنقلة فَهِيَ الَّتِي توضح وتهضم وتسطوا حَتَّى ينْتَقل مِنْهَا الْعِظَام وفيهَا خمس عشرَة من الْإِبِل بِالْإِجْمَاع وَأما المأمومة فَهِيَ الَّتِي تصل إِلَى الْجلْدَة الَّتِي للدماغ، وَتسَمى الآمة فَفِيهَا ثلث الدِّيَة إِجْمَاعًا. وَأما الْجَائِفَة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى الْجوف، وفيهَا ثلث الدِّيَة إِجْمَاعًا. واجمعوا على أَن الْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف، وَالْأُذن بالأذن، وَالسّن بِالسِّنِّ. وَأَجْمعُوا على أَن فِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة كَامِلَة. واجمعوا على أَن فِي الْأنف إِذا استوعب جذعا الدِّيَة. واجمعوا على أَن فِي أَطْرَاف الْأُذُنَيْنِ وَهِي الْجلد الْقَائِم بَين العذار وَالْبَيَاض الَّذِي حولهَا الدِّيَة إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قد رويت عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: فِيهَا حُكُومَة، وَالْأُخْرَى: فِيهَا الدِّيَة كمذهب الْجَمَاعَة. واجمعوا على أَن فِي الأجفان الْأَرْبَعَة الدِّيَة كَامِلَة، وَفِي كل وَاحِد مِنْهَا ربع الدِّيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهَا حُكُومَة. وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْقَائِمَة الَّتِي لَا يبصر بهَا، وَالْيَد الشلاء ولسان الْأَخْرَس، وَالذكر الأشل، وَالسّن السَّوْدَاء فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: فِيهَا حُكُومَة. وَعَن الشَّافِعِي قَول فِي ذكر الْخصي والعنين إِذا قطع الدِّيَة كَامِلَة ذكره الشَّاشِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَات أظهرها: فِيهَا ثلث الدِّيَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة فِيهَا: حُكُومَة كمذهب الْجَمَاعَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة: أَن فِي ذكر الْخصي والعنين الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِي الترقوة والضلع والزند. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: فِي كل ذَلِك حُكُومَة وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر. وَقَالَ احْمَد: فِي الضلع بعير، وَفِي الترقوة بعير، وَفِي كل من الذِّرَاع والساعد والفخذ والزند بعيران، وَفِي الزندين أَرْبَعَة أَبْعِرَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضربه الْمُوَضّحَة فَذهب عقلة فَهَل تدخل الْمُوَضّحَة فِي دِيَة الْعقل؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: عَلَيْهِ الدِّيَة لِلْعَقْلِ وَيدخل ارش الْمُوَضّحَة فِيهَا. وَعَن الشَّافِعِي قَول آخر: عَلَيْهِ دِيَة كَامِلَة لذهاب الْعقل وَعَلِيهِ ارش الْمُوَضّحَة. وَهَذَا القَوْل هُوَ مَذْهَب مَالك وَأحمد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قلع سنّ من قد أثغر، ثمَّ عَادَتْ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان. وَقَالَ مَالك: يجب عَلَيْهِ الضَّمَان وَلَا يسْقط عَنهُ بعودها للكبير. وَعَن الإِمَام الشَّافِعِي قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَن ضرب سنّ رجل فاسودت. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يجب فِي ذَلِك ارش السن كَامِلا خمس من الْإِبِل. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: فِيهِ ثلث دِيَة السن. وَزَاد مَالك فَقَالَ: فَإِن وَقعت بعد ذَلِك فَفِيهِ دِيَته مرّة أُخْرَى. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي ذَلِك حُكُومَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطع لِسَان صبي لم يبلغ حد النُّطْق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهِ حُكُومَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قلع عين أَعور فَقَالَ مَالك وَأحمد: فِيهَا الدِّيَة كَامِلَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: فِيهَا نصف الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قلع الْأَعْوَر إِحْدَى عَيْني الصَّحِيح عمدا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ الْقصاص، فَإِن عَفا فَنصف الدِّيَة. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ الْقصاص وَله دِيَة كَامِلَة أَو نصفهَا على رِوَايَتَيْنِ عَنهُ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجب عَلَيْهِ الْقصاص للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، وَله الدِّيَة كَامِلَة. وَأَجْمعُوا على أَن فِي الرجلَيْن الدِّيَة، وَأَن فِي كل وَاحِدَة مِنْهَا نصف الدِّيَة. وَأَجْمعُوا على أَن فِي كل اللِّسَان الدِّيَة. وَأَجْمعُوا على أَن فِي كل الذّكر الدِّيَة. وَأَجْمعُوا على أَن فِي ذهَاب الْعقل الدِّيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَأَجْمعُوا على أَن فِي ذهَاب السّمع الدِّيَة. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا ضرب رجل رجلا فَذهب شعر لحيته فَلم ينْبت أَن عَلَيْهِ الدِّيَة إِلَّا الشَّافِعِي ومالكا فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيهَا حُكُومَة. وَأَجْمعُوا على أَن دِيَة الْمَرْأَة الْحرَّة فِي نَفسهَا على النّصْف من دِيَة الرجل الْحر الْمُسلم. ثمَّ اخْتلفُوا هَل تَسَاوِي الْمَرْأَة الرجل فِي الْجراح إِلَى ثلث الدِّيَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: لَا تساويه فِي شَيْء من الْجراح بل جراحها على النّصْف من جراحه فِي الْقَلِيل وَالْكثير. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: تَسَاوِي الْمَرْأَة الرجل فِي الْجراح فِيمَا دون ثلث الدِّيَة، فَإِذا بلغت ثلث الدِّيَة كَانَت على النّصْف من دِيَة الرجل. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي أظهر روايتيه واختارها الْخرقِيّ: تَسَاوِي الْمَرْأَة الرجل فِي ارش الْجراح إِلَى ثلث الدِّيَة، فَإِذا زَادَت على الثُّلُث فَهِيَ على النّصْف من الرجل. وَاتَّفَقُوا على أَن من وطئ زَوجته وَلَيْسَ مثلهَا يوطئ فأفضاها أَن عَلَيْهِ الدِّيَة، فَإِن كَانَ مثلهَا يوطئ فأفضاها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: عَلَيْهِ الدِّيَة. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: فِيهِ حُكُومَة وَهِي أشهرهما، وَالْأُخْرَى: الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذهب شعر رَأسه أَو شعر حاجبيه أَو أهداب عَيْنَيْهِ فَلم يعد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: فِيهِ الدِّيَة. وَعَن مَالك وَالشَّافِعِيّ: فِيهِ حُكُومَة. وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْكِتَابِيّ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: دِيَته مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ سَوَاء، وَلم يفرق بَينهمَا. وَقَالَ مَالك: دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ نصف دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَلم يفرق. وَقَالَ الشَّافِعِي: دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ، وَلم يفرق. وَقَالَ أَحْمد: دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِذا كَانَ لَهُ عهد وَقَتله مُسلم عمدا مثل دِيَة الْمُسلم، وَإِن قَتله مُسلم خطأ أَو قَتله من هُوَ على دينه أَو كتابي عمدا وطلبوا الدِّيَة فَفِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: ثلث دِيَة الْمُسلم، وَالثَّانيَِة: نصف دِيَة الْمُسلم وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْمَجُوس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة دِيَته مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَلم يفرق. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: دِيَة الْمَجُوس ثَمَانمِائَة دِرْهَم فِي الْعمد وَالْخَطَأ. وَقَالَ أَحْمد: إِن قتل خطأ فديته ثَمَانمِائَة دِرْهَم، وَإِن قتل عمدا فديته ألف وسِتمِائَة دِرْهَم. وَاخْتلفُوا فِي ديات نسَاء أهل الْكتاب وَالْمَجُوس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: دياتهن على النّصْف من ديات رِجَالهنَّ، وَلَا فرق بَين الْخَطَأ والعمد. وَقَالَ أَحْمد: دياتهن على النّصْف من ذَلِك أَي من ديات ذكورهن فِي الْخَطَأ، فإمَّا فِي الْعمد فكالرجال مِنْهُم. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد إِذا جنى جِنَايَة خطأ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: الْمولى بِالْخِيَارِ بَين الْفِدَاء وَبَين دفع العَبْد إِلَى ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَيملكهُ بذلك سَوَاء زَادَت قِيمَته على ارش الْجِنَايَة أَو نقصت فَإِن امْتنع ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ من قبُوله وَطلب الْمولى ببيعة، وَدفع الْقيمَة فِي الارش، لم يجْبر الْمولى على ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: الْمولى بِالْخِيَارِ، بَين الْفِدَاء وَبَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 الدّفع إِلَى الْمولي للْبيع، فَإِن فضل فِي ثمنه شَيْء فَهُوَ لسَيِّده وَإِن امْتنع الْوَلِيّ من قبُول العَبْد وطالب الْمولى ببيعة وَدفع الثّمن إِلَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جنى العَبْد جِنَايَة عمدا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَبَين الْعَفو على مَال وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو على رَقَبَة العَبْد واسترقاقه وَلَا يملكهُ بِالْجِنَايَةِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: قد ملكه ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ استرقه وَإِن شَاءَ أعْتقهُ وَيكون فِي جَمِيع ذَلِك متصرفا فِي ملكه. إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن تكون الْجِنَايَة تثبت بِالْبَيِّنَةِ لَا بالاعتراف فَإِن كَانَت تثبت بالاعتراف فَلَيْسَ لَهُ استرقاقه. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد هَل يضمن بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر أَو بِدُونِهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تبلغ بِهِ دِيَة الْحر بل تنقصه عشرَة دَرَاهِم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ: يضمن قيمه بَالِغَة مَا بلغت. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا تبلغ بِهِ دِيَة الْحر، وَلم يقدر النُّقْصَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اصطدم الفارسان الحران فماتا. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الآخر كَامِلَة. وَأما أَبُو حنيفَة فَنقل زفر عَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن عَلَيْهِ عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الْأُخَر وَلم يذكر أَصْحَابه هَذَا نصا عَن أبي حنيفَة وَلَا نسبوه إِلَى زفر. وَقَالَ الدَّامغَانِي: إِن عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة فِيهَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هَذِه، وَالثَّانيَِة: على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة الآخر. وَقَالَ الشَّافِعِي: على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة الآخر. وَاخْتلفُوا فِي الْحر إِذا قتل عبدا خطأ؟ فَقَالَ أبي حنيفَة: قِيمَته على عَاقِلَة الْجَانِي. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: قِيمَته فِي مَال الْحر الْجَانِي دون عَاقِلَته. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا كمذهب مَالك وَأحمد، وَالثَّانِي: هُوَ على عَاقِلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 الْحر الْجَانِي، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْجِنَايَة على أَطْرَاف العَبْد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: يحمل ذَلِك على مَال الْجَانِي لَا على عَاقِلَته. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِي الْجِنَايَات الَّتِي لَهَا أروش مقدرَة فِي حق الْحر كَيفَ الحكم فِي مثلهَا فِي العَبْد. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَعبد الْعَزِيز: كل جِنَايَة لَهَا أرش مُقَدّر فِي الْحر من الدِّيَة فَإِنَّهَا مقدرَة من العَبْد بذلك الْأَرْش من قِيمَته، وَزَاد مَالك فَقَالَ إِلَّا فِي المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة، فَإِن مذْهبه فِيهَا كمذهب الْجَمَاعَة، فِي نِسْبَة التَّقْدِير إِلَى الْقيمَة كنسبة التَّقْدِير فِي الْحر إِلَى الدِّيَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الدِّيَة فِي قتل الْخَطَأ على عَاقِلَة الْقَاتِل المخطىء وَأَنَّهَا تجب عَلَيْهِم مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين. وَاخْتلفُوا فِي الْجَانِي هَل يدْخل مَعَ الْعَاقِلَة فَيُؤَدِّي مَعَهم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ كأحدهم يلْزمه مَا يلْزم أحدهم. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك عَنهُ. فَقَالَ أبن الْقَاسِم كَقَوْل أبي حنيفَة، وَقَالَ غَيره: لَا يجب على الْجَانِي الدُّخُول مَعَ الْعَاقِلَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن اتسعت الْعَاقِلَة للدية لم يلْزم الْجَانِي شَيْء، وَإِن لم تتسع الْعَاقِلَة لَهَا لزمَه. وَقَالَ أَحْمد: لَا يلْزمه شَيْء سَوَاء اتسعت الْعَاقِلَة لتحملها أم لم تتسع، وعَلى هَذَا فَمَتَى لم تتسع الْعَاقِلَة لتحمل جَمِيع الدِّيَة انْتقل بَاقِي ذَلِك إِلَى بَيت المَال وَالْأَصْل حَدِيث حويصة ومحيصة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْجَانِي من أهل الدايوان هَل يلْحق إِلَى ديوانه من الْخُلَفَاء وَغَيرهم بالعصبة فِي تحمل الدِّيَة أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة أهل ديوانه عَاقِلَته يقدمُونَ على الْعصبَة فِي التَّحَمُّل فَإِن عدموا تتحمل الْعصبَة. وَكَذَلِكَ عَاقِلَة السواقي أهل سوقه ثمَّ قرَابَته، فَإِن عجزوا فَأهل محلته، فَإِن لم يَتَّسِع فَأهل بلدته وَإِن كَانَ الْجَانِي قرويا فَأهل قريته فَإِن لم يَتَّسِع فالقرى المصافية لَهَا فَإِن لم يَتَّسِع فالمصر الَّذِي تِلْكَ الْقرى فِي سوَاده. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمهُم وَلَا مدْخل لَهُم فِي تحمل الدِّيَة إِذا لم يَكُونُوا أقَارِب الْجَانِي. وَاخْتلفُوا هَل يلْزم الْفَقِير تحمل شَيْء من الدِّيَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه التَّحَمُّل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يلْزمهُم ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا تحمله الْعَاقِلَة هَل هُوَ مُقَدرا، وعَلى قدر الطَّاقَة وَالِاجْتِهَاد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسوى بَين جَمِيعهم فَيُؤْخَذ من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَرْبَعَة وَأقله لَا يتَقَدَّر. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُؤَقّت على كل وَاحِد، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا يُمكن ويسهل وَلَا يضر بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَقَدَّر أَقَله فَيُوضَع على الْغَنِيّ نصف دِينَار وعَلى الْمُتَوَسّط الْحَال ربع دِينَار وَلَا ينقص من ذَلِك وَلَا يتَقَدَّر أَكْثَره، وَقد ذكر عبد الْعَزِيز فِي التَّنْبِيه عَن أَحْمد مثله. وَاخْتلفُوا هَل يَسْتَوِي الْفَقِير والغني من الْعَاقِلَة فِي تحمل الدِّيَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يستويان على أصلة فِي صفتهَا. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يتَحَمَّل الْغَنِيّ زِيَادَة على الْمُتَوَسّط على أصلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وَاخْتلفُوا فِي الْغَائِب من الْعَاقِلَة هَل يحمل شَيْئا من الدِّيات كالحاضر؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: هما فِي التَّحَمُّل سَوَاء. وَقَالَ مَالك: لَا يتَحَمَّل الْغَائِب مَعَ الْحَاضِر شَيْئا إِذا كَانَ الْغَائِب من الْعَاقِلَة فِي إقليم آخر سوى الأقاليم الَّذِي فِيهِ بَقِيَّة الْعَاقِلَة، وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِمَّن هُوَ مجاور مَعَهم. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي تَرْتِيب التَّحَمُّل. فَقَالَ أبي حنيفَة: الْقَرِيب والبعيد فِيهِ سَوَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تَرْتِيب التَّحَمُّل على تَرْتِيب الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من الْعَصَبَات فَإِن استغرقوه لم يقسم على غَيرهم، فَإِن لم يَتَّسِع الْأَقْرَب لتحمله دخل الْأَبْعَد، فَإِن اتسعوا دخل من هُوَ أبعد مِنْهُم، وَهَكَذَا حَتَّى يدْخل فِيهِ أبعدهم دَرَجَة على حسب الْمِيرَاث. وَاخْتلفُوا فِي ابْتِدَاء حول الْعقل بِأَيّ شَيْء يعْتَبر بِالْمَوْتِ أَو بِحكم الْحَاكِم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: اعْتِبَاره من حِين حكم الْحَاكِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: اعْتِبَاره من حِين الْمَوْت. وَاخْتلفُوا فِيمَن مَاتَ من الْعَاقِلَة بعد الْحول. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط مَا كَانَ يلْزمه وَلَا يُؤْخَذ من تركته. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك. فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تجب فِي مَاله وَتُؤْخَذ من تركته إِلَّا أَن يُرَاعِي أَن يكون من هُوَ من بعد الْأَجَل. وَقَالَ أصبغ: يسْقط عَنهُ وَعَن تركته. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: ينْتَقل مَا عَلَيْهِ إِلَى تركته. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَال حَائِطه إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى ملك غير، ثمَّ وَقع على شخص فَقتله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَلم يفعل مَعَ التَّمْكِين ضمن مَا تلف بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فَلَا يضمن. وَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ فِي أحد روايتيه: إِن تقدم إِلَيْهِ بنقضه، فَلم ينْقضه فَعَلَيهِ الضَّمَان، زَاد مَالك فِي هَذِه الرِّوَايَة وَأشْهد عَلَيْهِ، وَإِن لم يتَقَدَّم إِلَيْهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى: أَنه إِذا بلغ من شدَّة الْخَوْف إِلَى مَا لَا يُؤمن مَعَه الْإِتْلَاف ضمن مَا تلف بِهِ سَوَاء تقدم إِلَيْهِ أَو لم يتَقَدَّم أَو أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد عَلَيْهِ. قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَهِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، وَهِي رِوَايَة أَشهب. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يضمن سَوَاء تقدم إِلَيْهِ بنقضه أَو لم يتَقَدَّم وَهِي الْمَشْهُورَة. وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الضَّمَان وَجْهَان فِي الْجُمْلَة أظهرهمَا: أَنه لَا يضمن. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا صَاح بصبي أَو مُعتق وَهُوَ على سطح أَو حَائِط فَوَقع فَمَاتَ أَو ذهب عقل الصَّبِي، أَو اعتقل الْبَالِغ فصاح بِهِ فَسقط، أَو إِذا بعث الإِمَام إِلَى امْرَأَة يستدعيها إِلَى مجْلِس الحكم فأجهضت جَنِينا فَزعًا، أَو زَالَ عقلهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان فِي شَيْء من ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة، وعَلى الإِمَام فِي حق المستدعاة. قَالَ مَالك ( ... ... .) بَاب الزِّنَا وَاخْتلفُوا فِي الْيَهُودِيّ إِذا زنا وَهُوَ بَالغ عَاقل حر قد كَانَ تزوج ووطىء فِي التَّزْوِيج الصَّحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يرْجم لِأَن عِنْدهمَا أَنه لَا يتَصَوَّر الْإِحْصَان فِي حَقه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسلم وَالْإِسْلَام من شُرُوط الْإِحْصَان عِنْدهمَا كَمَا قدمنَا. ويجلد مائَة عِنْد أبي حنيفَة، ويجلد عِنْد مَالك، وَلَكِن يُعَاقِبهُ الإِمَام بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ مُحصن وَلَيْسَ الْإِسْلَام من شُرُوط الْإِحْصَان وَعَلِيهِ الرَّجْم عِنْدهمَا، وَالْجَلد قبل الرَّجْم عِنْد أَحْمد فِي أظهر روايتيه كَمَا قدمنَا. وَاخْتلفُوا فِي الذِّمِّيّ هَل يُقَام عَلَيْهِ الْحَد، أَي حد الزِّنَا فِي الْجُمْلَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُقَام عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يُقَام عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة الْعَاقِلَة إِذا مكنت من نَفسهَا مَجْنُونا فَوَطِئَهَا أَو إِذا زنا عَاقِلا بمجنونة؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب الْحَد على الْعَاقِل مِنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد على الْعَاقِلَة إِذا وَطئهَا الْمَجْنُون وَإِذا كَانَ بتمكينها، فَأَما الْعَاقِل إِذا زنا بمجنونة فَعَلَيهِ الْحَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 قَالَ أَبُو زيد أيده الله تَعَالَى: وَأرى ذَلِك مِنْهُ درءا للحد بِالشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ لِأَن الرجل يتمحص فِي حَقه من الزِّنَا مَا لَا يتمحص فِي حق الْمَرْأَة، فَلذَلِك رأى الْحَد عَلَيْهِ دونهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رأى على فرَاشه امْرَأَة فظنها زَوجته فَوَطِئَهَا، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أعمى فَنَادَى زَوجته فَأَجَابَهُ غَيرهَا فَوَطِئَهَا يَظُنهَا زَوجته، ثمَّ بَان أَن الموطؤتين أجنبيتان من الواطئين. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا حد عَلَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِمَا الْحَد. وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة الَّتِي يثبت بهَا الزِّنَا أَن يشْهد لَهُ أَرْبَعَة عدُول رجال ويصفون حَقِيقَة الزِّنَا. وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْعدَد فِي الْإِقْرَار بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يثبت الزِّنَا بِالْإِقْرَارِ إِلَّا أَن يقر الْبَالِغ الْعَاقِل على نَفسه بذلك أَربع مَرَّات. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يثبت بِإِقْرَارِهِ مرّة وَاحِدَة. وَاخْتلفُوا فِي صفة إِقْرَار الزَّانِي بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقبل إِقْرَاره بذلك إِلَّا فِي أَرْبَعَة مجَالِس من مجَالِس الْمقر، فَلَو اقر عَن يَمِين الْحَاكِم ويساره وورائه وأمامه كَانَت أَربع مجَالِس. وَقَالَ أَحْمد: إِن أقرّ أَربع مَرَّات فِي مجْلِس وَاحِد وَفِي مجَالِس قبل إِقْرَاره. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أقرّ بِالزِّنَا ثمَّ رَجَعَ عَنهُ فَإِنَّهُ يسْقط الْحَد عَنهُ وَيقبل رُجُوعه. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: إِن رَجَعَ عَن الْإِقْرَار بِشُبْهَة يعزز بهَا مثل أَن يَقُول: إِنِّي وطِئت فِي نِكَاح فَاسد أَو ظَنَنْت أَنَّهَا جَارِيَة مُشْتَركَة أَو فِي ذَلِك، قبل رُجُوعه كمذهب الْجَمَاعَة. فإمَّا إِن رَجَعَ عَن الْإِقْرَار بِالزِّنَا بِغَيْر شُبْهَة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: أَنه يقبل رُجُوعه، وَالْأُخْرَى: لَا يقبل رُجُوعه بِوَجْه. بَاب اللواط. اتَّفقُوا على أَن اللواط حرَام وانه من الْفَوَاحِش. وَاخْتلفُوا هَل يُوجب الْحَد؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُوجب الْحَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُعَزّر فِي أول مرّة فَإِن تكَرر ذَلِك مِنْهُ قبل. ثمَّ اخْتلفُوا موجبوا الْحَد فِيهِ فِي صفته. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد فِي أظهر روايتيه: حِدة الرَّجْم بِكُل حَال بكرا كَانَ أَو ثَيِّبًا، وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْإِحْصَان. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر: حِدة حد الزَّانِي فَيعْتَبر فِيهِ الْإِحْصَان والبكارة فعلى الْمُحصن الرَّجْم وعَلى الْبكر الْجلد. وَعَن أَحْمد مثله. وَقَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَن اللائط يرْجم بكرا كَانَ أَو ثَيِّبًا، فَإِن الله عز وَجل شرع فِيهِ الرَّجْم بقوله سُبْحَانَهُ {لنرسل عَلَيْهِم حِجَارَة من طين} [الذاريات: 33] . وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة على اللواط لَا تثبت إِلَّا بأَرْبعَة شُهُود كَالزِّنَا. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تثبت بِشَاهِدين. وَاخْتلفُوا فِيمَن أَتَى بَهِيمَة مَاذَا يجب عَلَيْهِ؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ التعزيز. وَرُوِيَ عَن مَالك من طَرِيق ابْن شعْبَان: أَنه يحد من أَتَى الْبَهِيمَة وَيعْتَبر فِي حَقه الْبكارَة والإحصان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال: أظهرهمَا يجب عَلَيْهِ الْحَد، وَيخْتَلف بالثيوبة والبكارة، فَإِن كَانَ بكرا جلد، وَإِن كَانَ مُحصنا رجم، وَالثَّانِي: يقتل بكرا وثيبا على كل حَال، وَالثَّالِث: يعزز وَلَا يحد. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يجب عَلَيْهِ الْحَد، وَفِي صفة الْحَد عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كالوطىء، وَالثَّانيَِة: عَلَيْهِ التَّعْزِير، واختارها الْخرقِيّ وَعبد الْعَزِيز من أَصْحَابه. وَاخْتلفُوا فِي الْبَهِيمَة. فَقَالَ مَالك: لَا تذبح بِحَال سَوَاء كَانَت مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه أَو مِمَّا لَا يُؤْكَل وَسَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيرة، فَلَا تذبح. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي أحد الْوُجُوه: إِن كَانَت مِمَّا يُؤْكَل لَحمهَا ذبحت سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيره، وَإِن كَانَت مِمَّا لَا يُؤْكَل لَحمهَا فَلَا يتَعَرَّض لَهَا. وَالْوَجْه الثَّانِي لَهُم: أَنَّهَا تقتل على الْإِطْلَاق، وَسَوَاء كَانَت مأكولة أَو غير مأكولة. وَالثَّالِث: لَا تذبح على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وَقَالَ أَحْمد: تذبح سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لغيره، وَسَوَاء كَانَت مِمَّا يُؤْكَل لَحمهَا أَو لم تكن وَعَلِيهِ قيمتهَا إِذا كَانَت لغيرة. وَاخْتلفُوا هَل يجوز لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا هُوَ أَو غيرَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَأْكُل هُوَ مِنْهَا، وَيَأْكُل غيرَة مِنْهَا. وَقَالَ مَالك: يَأْكُل مِنْهَا وغيرة ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَأْكُل هُوَ مِنْهَا وَلَا غيرَة وَيحرم على الْإِطْلَاق أكلهَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عقد على ذَات رحم محرم من النّسَب أَو الرَّضَاع فَإِن العقد بَاطِل. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا لَو عقد على امْرَأَة فِي عدَّة من غيرَة فَوَطِئَهَا، وَكَذَلِكَ لَو ملك ذَات محرم مِنْهُ بِالرّضَاعِ فَوَطِئَهَا عَالما بِالتَّحْرِيمِ. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ الْحَد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب عَلَيْهِ التَّعْزِير. وَعَن الشَّافِعِي قَول فِيمَن وطىء ذَات محرم مِنْهُ بِالْملكِ عَالما بِالتَّحْرِيمِ أَنه لَا حد عَلَيْهِ. وَعَن أَحْمد مثله فِي رِوَايَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر امْرَأَة ليزني بهَا فَفعل؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: عَلَيْهِ الْحَد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطىء أمته الْمُزَوجَة فَهَل عَلَيْهِ الْحَد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا حد عَلَيْهِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا حد عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى: عَلَيْهِ الْحَد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد الشُّهُود الْأَرْبَعَة على الزِّنَا فِي مجَالِس مُتَفَرِّقَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: مَتى لم يشْهدُوا فِي مجْلِس وَاحِد فَإِنَّهُم قذفه وَعَلَيْهِم الْحَد. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن تفَرقُوا فَلَا بَأْس، وَتقبل أَقْوَالهم. وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمجْلس الْوَاحِد هَل هُوَ شَرط فِي مَجِيء الشُّهُود مُجْتَمعين فَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين فِي مجْلِس وَاحِد هَل هُوَ شَرط فِي مَجِيء الشُّهُود مُجْتَمعين فَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين فِي مجْلِس وَاحِد فَإِنَّهُم يَكُونُوا قذفه ويحدون. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْمجْلس لَيْسَ بِشَرْط فِي اجْتِمَاعهم وَلَا مجيئهم، وَمَتى شهدُوا بِالزِّنَا مُتَفَرّقين وَاحِدًا بعد وَاحِد وَجب الْحَد على الزَّانِي. وَعَن مَالك فِي رِوَايَة نَحوه. وَقَالَ أَحْمد: الْمجْلس الْوَاحِد شَرط فِي اجْتِمَاع الشُّهُود وَأَدَاء الشَّهَادَة، فَإِن أجمعهم مجْلِس وَاحِد سَمِعت شَهَادَتهم وَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا لم يكمل شُهُود الزِّنَا أَرْبَعَة، فَإِنَّهُم قذفة يحدون إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنهم لَا يحدون. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا شهد نفسان أَنه زنا بهَا وَهِي مطاوعة، وآخران أَنه زنا بهَا وَهِي مَكْرُوهَة فَلَا حد على وَاحِد مِنْهُمَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد اثْنَان أَنه زنا بهَا فِي هَذِه الزاوية، وَشهد آخرَانِ أَنه زنا بهَا فِي زَاوِيَة أُخْرَى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تقبل الشَّهَادَة وَيجب الْحَد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل الشَّهَادَة وَلَا يجب الْحَد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا، ثمَّ رَجَعَ مِنْهُم وَاحِد قبل الحكم من الْحَاكِم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يجب الْحَد على الْأَرْبَعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء على الثَّلَاثَة قولا وَاحِدًا، وَفِي الرَّابِع قَولَانِ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: يجب على الثَّلَاثَة دون الرَّابِع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا، وَاثْنَانِ بالإحصان فرجم الْحَاكِم الْمَشْهُود عَلَيْهِ، ثمَّ رَجَعَ الْجَمِيع عَن شهاداتهم شُهُود الزِّنَا، وَشَاهدا الْإِحْصَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ على شَاهِدي الْإِحْصَان شَيْء وَالضَّمان كُله على شُهُود الزِّنَا فَقَط. وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: الدِّيَة أَثلَاث ثلثان على شُهُود الزِّنَا، وَثلث على شُهُود الْإِحْصَان. حَكَاهُ عَن الْمُزنِيّ، وَقَالَ الْمُزنِيّ: وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يكون الضَّمَان أسداسا، السُّدس على شُهُود الْإِحْصَان، وَالْبَاقِي على شُهُود الزِّنَا، وَقَول الثَّانِي: إِن شهدُوا قبل شَهَادَة شُهُود الزِّنَا لم يضمنوا. وَالْقَوْل الثَّالِث: إِنَّهُم لَا يضمنُون كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِم الدِّيَة نِصْفَيْنِ مشتركين فِيهَا. وَفِي صفة ذَلِك عَنهُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: على شَاهِدي الْإِحْصَان نصف الدِّيَة، وعَلى شُهُود الزِّنَا النّصْف، وَالْأُخْرَى على شُهُود الْإِحْصَان ثلث الدِّيَة وعَلى شُهُود الزِّنَا الثُّلُثَانِ. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: الدِّيَة على شُهُود الزِّنَا دون شُهُود الْإِحْصَان. وَالثَّانيَِة: أَن الدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم إِذا حكم بِالشَّهَادَةِ، ثمَّ أَنه بَان أَن الشُّهُود فسقه أَو عبيد أَو كفار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: إِن قَامَت الْبَيِّنَة على فسقهم لَا يضمن الْحَاكِم، وَإِن قَامَت الْبَيِّنَة على الرّقّ وَالْكفْر فعلى الْحَاكِم الضَّمَان بتفريطه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: على الْحَاكِم ضَمَان مَا حصل من أثر الضَّرْب. وَاخْتلفُوا فِيمَا يَسْتَوْفِيه الإِمَام من الْحُدُود وَالْقصاص مِمَّا عساه أَن يجْرِي فِيهِ خطأ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أرش الْخَطَأ فِي بَيت المَال. وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد كَذَلِك، وعنهما أَنه على عَاقِلَته. وَقَالَ مَالك: هُوَ هدر. وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّهَادَة فِي الْحَال تسمع على الْقَذْف وَالزِّنَا وَشرب الْخمر. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى على وَقت الْوَاقِعَة لذَلِك حِين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسمع ذَلِك بعد تطاول الْمدَّة إِذا لم يقطعهم عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 بعدهمْ عَن الإِمَام. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع، وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِيمَا لَو أقرّ على نَفسه بِالزِّنَا بعد مُدَّة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسمع إِقْرَاره بذلك على شَرطه وَيعْمل بِمُوجبِه إِلَّا فِي شرب الْخمر خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يسمع إِقْرَاره بذلك أصلا. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يسمع إِقْرَاره فِي الْكل. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن يطَأ جَارِيَة زَوجته وَإِن أَذِنت لَهُ. وَاخْتلفُوا هَل يجب عَلَيْهِ الْحَد بِهَذَا الوطئ مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي فَلَا حد عَلَيْهِ وَإِن قَالَت: علمت أَنَّهَا حرَام حد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يحد وَإِن كَانَ ثَيِّبًا رجم. وَقَالَ أَحْمد: يجلد مائَة جلدَة. وَاخْتلفُوا هَل للسَّيِّد أَن يُقيم الْحَد على عَبدة وَأمه أم لَا؟ فَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ ذَلِك إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عِنْده بذلك أَو أقربين يَدَيْهِ فِي حد الزِّنَا وَالْقَذْف وَشرب الْخمر وَغير ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن أحسن سَماع وَإِلَّا رفع إِلَى من يسمع ثمَّ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْحَد. فَأَما السّرقَة فَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَن يقطع عَبده فِيهَا، ولأصحاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك وَجْهَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ لَهُ ذَلِك كُله بل يردهُ إِلَى الإِمَام. فَإِن كَانَت الْأمة ذَات زوج فَاخْتَلَفُوا. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَيْسَ ذَلِك إِلَى السَّيِّد بِحَال بل هُوَ إِلَى الإِمَام. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: ذَلِك إِلَى السَّيِّد بِكُل حَال. وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة والحرة يظْهر بهَا حمل وَلَا زوج لَهَا، وَكَذَلِكَ الْأمة الَّتِي لَا يعرف لَهَا زوج وَلَا مولى معترف بِوَطْئِهَا، وَتقول أكرهت أَو وطِئت بِشُبْهَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يجب عَلَيْهَا حد. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه دلَالَة على الزِّنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَت مُقِيمَة لَيست بغريبة فَإِنَّهَا تحد وَلَا يقبل قَوْلهَا: إِنِّي غصبت أَو وطِئت بِشُبْهَة إِلَّا أَن يظْهر أثر ذَلِك بمجيئها مستغيثة أَو شبه ذَلِك مِمَّا يظْهر مَعهَا صدقهَا. بَاب التعزيز اخْتلفُوا هَل التعزيز فِيمَا يسْتَحق التعزيز فِي مثله حق الله وَاجِب أم لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجب بل هُوَ مَشْرُوع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِذا غلب على ظَنّه أَنه لَا يصلحه إِلَّا الضَّرْب وَجب فعله وَإِن غلب على ظَنّه صَلَاحه بِغَيْر ضرب لم يجب. وَقَالَ أَحْمد: إِذا اسْتحق بِفِعْلِهِ التعزيز وَجب فعله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عزّر الإِمَام رجلا فَمَاتَ مِنْهُ ز فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ الضَّمَان. وَأما الْأَب إِذا ضرب وَلَده أَو الْمعلم إِذا ضرب الصَّبِي ضرب التَّأْدِيب فَمَاتَ. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لاضمان عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الضَّمَان. وَاخْتلفُوا هَل يبلغ بالتعزيز أعلا الْحُدُود؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يبلغ بِهِ. وَقَالَ مَالك: ذَلِك إِلَى رَأْي الإِمَام، إِن رأى أَن يزِيد عَلَيْهِ فعل. وَاخْتلفُوا هَل يخْتَلف التعزيز باخْتلَاف أَسبَابه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يبلغ بالتعزيز أدنى الْحُدُود فِي الْجُمْلَة، وَأدنى الْحُدُود عِنْد أبي حنيفَة أَرْبَعُونَ فِي شرب الْخمر فِي حق العَبْد. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أدنى الْحَد عشرُون، فَيكون عِنْد أبي حنيفَة أَكثر التعزيز تِسْعَة وَثَلَاثِينَ، وَعند الشَّافِعِي: تِسْعَة عشر. وَقَالَ مَالك: للْإِمَام أَن يضْرب فِي التعزيز أَي عدد أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف أَسبَابه، فَإِن كَانَ بالفرج لوطئ الشَّرِيك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة أَو وطئ الْأَب جَارِيَة ابْنة أَو وجد فِي فرَاش مَعَ أَجْنَبِيَّة، أَو وطئ جَارِيَة نَفسه بعد أَن زَوجهَا، أَو وطئ جَارِيَة زَوجته بعد إِذْنهَا لَهُ فِي الوطئ مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ، أَو وطئ فِيمَا دون الْفرج، فَإِنَّهُ يزدْ على أدنى الْحُدُود وَلَا يبلغ بِهِ أَعْلَاهَا فَيضْرب مائَة سَوط إِلَّا سَوْطًا وَاحِدًا وَإِن كَانَ بِغَيْر الْفرج كسرقة أقل من نِصَاب أَو الْقبْلَة، أَو شتم إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يبلغ بِهِ أدنى الْحُدُود، وَهل يتَقَدَّر نقصانه عَن أدنى الْحُدُود أم لَا؟ على رِوَايَات إِحْدَاهَا: يتَقَدَّر بِعشر جلدات، وَالثَّانيَِة تسع جلدات، وَالثَّالِثَة: ينقص عَن أقل الْحُدُود سَوط وَاحِد كَمَا نقص عَن أَعْلَاهَا سَوط. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى ذكرهَا الْخرقِيّ، وَهِي أَنه لَا يبلغ بالتعزيز أدنى الْحُدُود فِي الْجُمْلَة كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَاخْتلفُوا فِي الْحَد إِذا وَجب على الْمَرِيض هَل يُؤَخر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْحَد رجما فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر إِلَّا أَن يكون على امْرَأَة حَامِل، وَإِن كَانَ جلدا فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى حِين بُرْؤُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: إِن كَانَ بُرْؤُهُ يُرْجَى أخر، وَإِن كَانَ لم يرج بُرْؤُهُ أقيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 عَلَيْهِ الْحَد، وَهَذَا فِيمَا إِذا كَانَ الْحَد هُوَ الْجلد، فَإِن كَانَ الْحَد الْقَتْل للرجل لم يُؤَخر، وَإِن كَانَت امْرَأَة حَامِلا وَوَجَب عَلَيْهَا الْقَتْل أخر حَتَّى تضع. وَقَالَ أَحْمد: لَا يُؤَخر سَوَاء رُجي بُرْؤُهُ أم لم يرج. وَاخْتلفُوا فِي صفة إِقَامَة الْحَد على الْمَرِيض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضْرب على حسب حَاله، فَإِن كَانَ عدد الْجلد مائَة وخشي عَلَيْهِ التّلف فَإِنَّهُ يُؤْخَذ ضغث فِيهِ مائَة عرجون فَيضْرب بِهِ أَو بأطراف الثِّيَاب، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يخَاف عَلَيْهِ التّلف إِلَّا أَنه مَرِيض أقيم عَلَيْهِ الْحَد مُتَفَرقًا، بِسَوْط يُؤمن مَعَه تلف النَّفس، وَكَذَلِكَ فِي ضَعِيف الْخلق. وَقَالَ مَالك: لَا يضْرب فِي الْحَد إِلَّا بِالسَّوْطِ، وَيفرق الضَّرْب، وَعدد الضربات مُسْتَحقّ لَا يجوز تَركه إِلَّا انه إِن كَانَ مَرِيضا أخر إِلَى بُرْؤُهُ. فصل فِي كَيْفيَّة الضَّرْب اخْتلفُوا على أَي حَالَة يضْرب الرجل من قيام أَو قعُود؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 فَقَالَ مَالك: يضْرب جَالِسا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يضْرب قَائِما. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى قَائِما. وَاخْتلفُوا هَل يجرد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجرد فِي حد الْقَذْف خَاصَّة، ويجرد فِيمَا عداهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجرد على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجرد فِي الْحُدُود كلهَا بل تضرب فِيمَا لَا يمْنَع ألم الضَّرْب كالقميص والقميصين. وَقَالَ مَالك: يجرد فِي الْحُدُود كلهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا يضْرب من الْأَعْضَاء. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يضْرب جَمِيع الْبدن إِلَّا الْوَجْه والفرج، وَزَاد أَبُو حنيفَة وَأحمد: ويتقى الرَّأْس أَيْضا. وَزَاد الشَّافِعِي: وَلَا يضْرب الخاصرة وَسَائِر الْمَوَاضِع المخوفة. وَقَالَ مَالك: يضْرب الظّهْر وَمَا يُقَارِبه حسب. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل المرجوم لَا يحْفر لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يحْفر لَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يحْفر لَهَا إِن ثَبت عَلَيْهَا الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ وَإِن ثَبت بإقرارها فَلَا يحْفر لَهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الإِمَام بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي وَقع الضَّرْب فِي الْحُدُود، هَل يتَفَاوَت أَو هُوَ على السوَاء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَشد الضَّرْب التعزيز، ثمَّ الزِّنَا ثمَّ شرب الْخمر، ثمَّ الْقَذْف. وَقَالَ مَالك: الضَّرْب فِي حد الزِّنَا أَشد مِنْهُ فِي حد الْقَذْف، وَفِي الْقَذْف أَشد مِنْهُ فِي شرب الْخمر. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجب أَن يكون لَهُ وَقع فِي الْكل. بَاب السّرقَة. وَاتَّفَقُوا على وجوب قطع السَّارِق والسارقة فِي الْجُمْلَة إِذا جمعا أوصافا مِنْهَا الشَّيْء الْمَسْرُوق الَّتِي يقطع فِي جنسه، ونصاب السوقة، وَأَن يكون السَّارِق على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 أَوْصَاف مَخْصُوصَة، وَأَن تكون السّرقَة على أَوْصَاف مَخْصُوصَة، وَأَن يكون الْموضع الْمَسْرُوق مِنْهُ مَخْصُوصًا. وَبَيَان ذَلِك كُله يَأْتِي فِي تَفْصِيل الْمسَائِل. قَالَ الله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} . وَاخْتلفُوا فِي نِصَاب السّرقَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النّصاب عشرَة دَرَاهِم، أَو دِينَار أَو قيمَة أَحدهمَا من الْعرُوض. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ: نِصَاب السّرقَة ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاث دَرَاهِم من الْعرُوض، والتقويم بِالدَّرَاهِمِ خَاصَّة والأثمان أصُول لَا يقوم بَعْضهَا بِبَعْض. وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَانِيَة: أَن نِصَاب السّرقَة ثَلَاث دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاث دَرَاهِم من الذَّهَب أَو الْعرُوض وَالْأَصْل فِي هَذِه الرِّوَايَات الْفضة هُوَ نوع وَاحِد، وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَن النّصاب ربع دِينَار، أَو ثَلَاث دَرَاهِم، أَو قيمَة أَحدهمَا من الْعرُوض، وَلَا يخْتَص التَّقْوِيم بِالدَّرَاهِمِ، فعلى هَذِه الرِّوَايَة أَن الْأَثْمَان كلهَا أصُول وَيَقَع التَّقْوِيم بِكُل وَاحِد مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ ربع دِينَار أَو مَا قِيمَته ربع دِينَار من دَرَاهِم وَغَيرهَا، وَلَا نِصَاب فِي الْوَرق. وَأَجْمعُوا على أَن الْحِرْز مُعْتَبر فِي وجوب الْقطع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفته هَل يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال اعْتِبَارا بِالْعرْفِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل مَا كَانَ حرز الشَّيْء من الْأَمْوَال كَانَ حرْزا لجميعها. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال وَالْعرْف مُعْتَبر فِي ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي الْقطع بِسَرِقَة مَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب الْقطع فِيهِ إِذا بلغ الْحَد الَّذِي يقطع فِي مثله بِالْقيمَةِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع فِيهِ وَإِن بلغت قيمَة مَا يسرق مِنْهُ نِصَابا. وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق تَمرا مُعَلّقا على النّخل وَالشَّجر إِذا لم يكن محرزا بحرز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ قِيمَته. وَقَالَ أَحْمد: تجب قِيمَته دفعتين. وَأَجْمعُوا على أَنه يسْقط الْقطع عَن سارقه. وَاخْتلفُوا هَل يجب الْقطع بِسَرِقَة الْحَطب؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع فِيهِ، وَإِن بلغت قيمَة الْمَسْرُوق مِنْهُ نِصَابا. وَاخْتلفُوا فِيمَن جحد الْعَارِية، هَل يقطع؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يقطع. وَقَالَ أَحْمد: يقطع للْحَدِيث الْمَنْقُول فِي ذَلِك وَقد سبق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اشْترك جمَاعَة فِي سَرقَة فَحصل لكل وَاحِد مِنْهُم نصبا أَن على كل وَاحِد مِنْهُم الْقطع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَركُوا فِي نِصَاب سَرقَة سَرقُوهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا قطع عَلَيْهِم بِحَال. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ مِمَّا يحْتَاج إِلَى تعاون عَلَيْهِ قطعُوا، وَإِن كَانَ مِمَّا يُمكن الْوَاحِد الِانْفِرَاد بِحمْلِهِ فَفِيهِ قَولَانِ لأَصْحَابه، وَإِذا انْفَرد كل وَاحِد بِشَيْء أَخذه لم يقطع أحد مِنْهُم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 إِلَّا أَن يكون قيمَة مَا أخرجه نِصَابا وَلَا يضم إِلَيْهِ مَا أخرجه غَيره. وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِم الْقطع سَوَاء كَانَ من الْأَشْيَاء الْخَفِيفَة كَالثَّوْبِ وَنَحْوه، وَسَوَاء كَانَ من الْأَشْيَاء الثَّقِيلَة الَّتِي تحْتَاج إِلَى التعاون عَلَيْهَا كالساجة وَغَيرهَا أَو كَانَ من الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تحْتَاج لذَلِك، وَسَوَاء اشْتَركُوا فِي إِخْرَاجه من الْحِرْز دفْعَة وَاحِدَة، أَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم بِإِخْرَاج شَيْء شَيْء فَصَارَ مَجْمُوعَة نِصَابا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك اثْنَان فِي نقب فَدخل أَحدهمَا فَأخذ الْمَتَاع فَنَاوَلَهُ للْآخر وَهُوَ خَارج الْحِرْز وَهَكَذَا إِذا رمى بِهِ إِلَيْهِ فَأَخذه. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْقطع على الدَّاخِل دون الْخَارِج. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع وَاحِد مِنْهُمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك جمَاعَة فِي نقب، ودخلوا الْحِرْز وَأخرج بَعضهم نِصَابا وَلم يخرج الْبَاقُونَ شَيْئا وَلم تكن مِنْهُم معاونه فِي إِخْرَاجه. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يجب الْقطع على جَمَاعَتهمْ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع إِلَّا الَّذين أخرجُوا الْمَتَاع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قرب الدَّاخِل الْمَتَاع إِلَى النقب وَتَركه فَأدْخل الْخَارِج يَده فَأخْرجهُ من الْحِرْز. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قطع عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مَالك: يقطع الَّذِي أخرجه قولا وَاحِدًا، وَفِي الدَّاخِل الَّذِي قربه خلاف بَين أَصْحَاب على قَوْلَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْقطع على الَّذِي أخرجه خَاصَّة. وَقَالَ أَحْمد: الْقطع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق حرا صَغِيرا لَا تَمْيِيز لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع، وَاخْتَارَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون أَنه لَا يقطع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: لَا قطع عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى: يَقع كمذهب مَالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق الْمُصحف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يقطع. وَاخْتلفُوا فِي النباش. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وحدة: لَا قطع عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع. وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق من ستارة الْكَعْبَة مَا يبلغ ثمنه نِصَابا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجب عَلَيْهِ الْقطع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا قطع عَلَيْهِ. قَالَ الْوَزير: وَلَا خلاف أَنه لَا يحل أَخذ شَيْء من ذَلِك يَزْعمُونَ أَنهم يتبركون بِهِ فأنهم يأثمون بِهِ وَهُوَ من الْمُنْكَرَات الَّتِي يجب إنكارها وَالْأَمر بردهَا إِلَى حَيْثُ أخذت مِنْهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق السَّارِق فَقطعت يمنى يَدَيْهِ، ثمَّ سرق مرّة ثَانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 قطعت يسرى رجلَيْهِ ثمَّ عَاد وسرق مرّة ثَالِثَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يقطع أَكثر من يَد وَرجل، بل يحبس. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه يقطع فِي الثَّالِثَة. وَالرَّابِعَة وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ، فَيقطع فِي الثَّالِثَة يسرى يَدَيْهِ، وَفِي الرَّابِعَة يمنى رجلَيْهِ. وَاخْتلفُوا هَل يثبت حد السّرقَة بِالْإِقْرَارِ مرّة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يثبت بِإِقْرَارِهِ مرّة وَلَا يفْتَقر إِلَى مرَّتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ مرَّتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَت الْعين المسروقة قَائِمَة فَإِنَّهُ يجب ردهَا. وَاخْتلفُوا هَل يجْتَمع على السَّارِق وجوب الْغرم وَالْقطع مَعًا مَعَ تلف الْمَسْرُوق؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِن اخْتَار الْمَسْرُوق مِنْهُ الْغرم لم يقطع، وَإِن اخْتَار الْقطع وَاسْتوْفى لم يغرم. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ السَّارِق مُوسِرًا أوجب عَلَيْهِ الْقطع وَالْقيمَة، وَإِن كَانَ السَّارِق مُعسرا فَلَا يتبع بِقِيمَتِهَا وَيقطع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يَجْتَمِعَانِ جَمِيعًا فَيقطع وَيغرم الْقيمَة. وَاخْتلفُوا هَل يقطع أحد الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرقَةِ من مَال الآخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع أَحدهمَا بِالسَّرقَةِ من مَال الآخر سَوَاء سرق من بَيت خَاص لأَحَدهمَا أَو الْبَيْت الَّذِي هما فِيهِ. وَقَالَ مَالك: يجب الْقطع على من سرق مِنْهُمَا من الآخر إِذا كَانَ سَرقته من حرز من بَيت خَاص للمسروق مِنْهُ، فَإِن كَانَ فِي بَيت يسكنان فِيهِ فَلَا قطع على وَاحِد مِنْهُمَا. وَللشَّافِعِيّ أَقْوَال، أَحدهَا: لَا يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا على الْإِطْلَاق. وَالثَّانِي كمذهب مَالك، وَالثَّالِث يقطع الزَّوْج بِسَرِقَة مَال زَوجته خَاصَّة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: كمذهب مَالك وَهَذَا كُله يعود إِلَى المَال المحرز. وَاخْتلفُوا هَل تقطع الْأَقَارِب سوى الأباء كالأخوة والعمومة والخؤولة إِذا سرق بَعضهم مَال بعض؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع إِذا سرق من ذِي رحم محرم كالأخ وَالْعم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقطعون. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يقطع الوالدون وَإِن علوا فِيمَا سَرقُوهُ من مَال أَوْلَادهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَاخْتلفُوا فِي الْوَلَد إِذا سرق من مَال أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك: يقطع الْوَلَد بِسَرِقَة مَال أَبَوَيْهِ فَأَنَّهُ لَا شُبْهَة لَهُ فِي مَالهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن من كسر صنما من ذهب أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا سَرقه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا قطع عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِ الْقطع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق من الْحمام ثيابًا عَلَيْهَا حَافظ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن سرق مِنْهُ لَيْلًا قطع، وَإِن سرق نَهَارا لم يقطع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يقطع إِذا سرق ثيابًا من الْحمام عَلَيْهَا حَافظ سَوَاء كَانَت سَرقته مِنْهُ لَيْلًا أَو نَهَارا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يقطع على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: إِذا سرق مَا كَانَ فِي الْحمام مِمَّا يحرس فَعَلَيهِ الْقطع. وَمن سرق مَالا يحرس مِنْهَا لَيْلًا أَو نَهَارا أَو كَانَ فِي الْحمام مَوْضُوعا فَلَا قطع عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَن سرق عدلا أَو جوالقا وَثمّ حَافظ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجب عَلَيْهِ الْقطع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق الْعين المسروقة من السَّارِق أَو سرق الْعين الْمَغْصُوبَة من الْغَاصِب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقطع سَارِق الْعين الْمَغْصُوبَة وَلَا يقطع سَارِق الْعين المسروقة إِن كَانَ السَّارِق الأول قد قطع فِيهَا، فَإِن كَانَ لم يقطع قطع الثَّانِي. وَقَالَ مَالك: يقطع كل وَاحِد مِنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجب الْقطع على وَاحِد مِنْهُمَا أَعنِي السَّارِق من السَّارِق وَالْغَاصِب من الْغَاصِب. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى السَّارِق أَن مَا أَخذه من الْحِرْز ملكه بعد قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ أَنه سَرقه من حرز مثله. فَقَالَ مَالك: يجب عَلَيْهِ الْقطع بِكُل حَال وَلَا يقبل دَعْوَاهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع، وَسَماهُ الشَّافِعِي: السَّارِق الظريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَعَن أَحْمد رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: لَا يجب عَلَيْهِ الْقطع، وَهِي الظَّاهِرَة وَالْأُخْرَى: عَلَيْهِ الْقطع بِكُل حَال كمذهب مَالك، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يقبل مِنْهُ إِذا لم يكن مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ، وَيسْقط الْقطع عَنهُ وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ قطع. وَاخْتلفُوا هَل يقف الْقطع فِي السّرقَة على مُطَالبَة من سرق مِنْهُ المَال؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: فِي أظهر روايتيه، وَأَصْحَاب الشَّافِعِي: يفْتَقر إِلَى مُطَالبَة الْمَسْرُوق مِنْهُ. وَقَالَ مَالك: لَا يفْتَقر إِلَى الْمُطَالبَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة نَحوه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل رجلا فِي دَار الْقَاتِل، وَقَالَ: قد دخل عَليّ يَأْخُذ مَالِي وَلم ينْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قَود عَلَيْهِ إِذا كَانَ الدَّاخِل مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ، وَإِن لم يكن مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ فَعَلَيهِ الْقود. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِ الْقصاص إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة، إِلَّا أَن مَالِكًا زَاد فَقَالَ: إِن كَانَ مستهترا بالتلصص والحرابة قبل قَول الْقَاتِل. وَسقط عَنهُ الْقود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق من الْمغنم، وَإِن كَانَ من أَهله هَل يقطع. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يقطع. وَعَن عبد الْملك بن المجاشون من أَصْحَاب مَالك: لَا يقطع إِذا كَانَ مَا سَرقه مثل نصِيبه أَو دونه وَإِن كَانَ فَوق نصِيبه بِربع دِينَار فَصَاعِدا قطع. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا سرق من الْمغنم وَهُوَ من غير أَهله أَنه يقطع. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقطع بِسَرِقَة الصيود الْمَمْلُوكَة من حرزها. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقطع فِيهَا. وَفِي جَمِيع المتمولات الَّتِي تتمول فِي الْعَادة، وَيجوز أَخذ الأعواض عَنْهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَسَوَاء كَانَ أَصْلهَا مُبَاحا كالصيد وَالْمَاء وَالْحِجَارَة أَو غير مُبَاح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل مَا كَانَ أَصله مُبَاحا فَلَا يقطع فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقطع بِسَرِقَة الْخشب إِذا بلغت قِيمَته نِصَابا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب الْقطع فِي ذَلِك على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْقطع إِلَّا فِي السياج، والأبنوس، والصندل والقنا. وَأَجْمعُوا على أَن السَّارِق إِذا وَجب عَلَيْهِ الْقطع كَانَ ذَلِك أول سَرقته وَهُوَ صَحِيح الْأَطْرَاف أَنه يبْدَأ بِقطع يَده الْيُمْنَى من مفصل الْكَفّ، ثمَّ تحسم. وَأَجْمعُوا على أَنه إِن عَاد فَسرق ثَانِيًا وَوَجَب عَلَيْهِ الْقطع أَنه تقطع رجله الْيُسْرَى، وَأَنَّهَا تقطع من مفصل الكعب، ثمَّ تحسم. وَأَجْمعُوا على أَن من لم يكن لَهُ الطّرف الْمُسْتَحق قِطْعَة بِحَيْثُ لَا يَقع فِيهِ قطع، قطع مَا بعده. إِلَّا إِن أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تقطع يَمِينه وَإِن كَانَت شلاء، وَإِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا سرق وَكَانَت يَمِينه شلاء، وَقَالَ أهل الْخِبْرَة: أَنَّهَا إِذا قطعت وحسمت رقا دَمهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 فَإِنَّهَا تقطع، وَإِن قَالُوا: إِنَّهَا إِن قطعت لم يرق دَمهَا وَأدّى إِلَى التّلف لم تقطع وَقطع مَا بعْدهَا. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق ابْتِدَاء فَوَجَبَ عَلَيْهِ قطع يَده الْيُمْنَى كَمَا ذكرنَا، فغلط الْقَاطِع فَقطع يسرى يَدَيْهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: قد أَجْزَأَ ذَلِك عَن قطع الْيُمْنَى وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: على الْقَاطِع المخطىء الدِّيَة، وَفِي وجوب الْقطع، أَي إِعَادَته، قَولَانِ للشَّافِعِيّ، وروايتان عَن أَحْمد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق نِصَابا ثمَّ ملكه بشرَاء أَو هبة أَو إِرْث أَو غَيره، هَل يسْقط الْقطع؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يسْقط الْقطع عَنهُ سَوَاء كَانَ ملكه بذلك قبل الترافع أَو بعدة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى وهب لَهُ أَو بيع مِنْهُ سقط الْقطع عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سرق مُسلم من مَال مستأمن نِصَابا من حرزه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطع. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يقطع. وَاخْتلفُوا فِي الْمُسْتَأْمن والمعاهد إِذا سرق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِمَا قطع. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يقْطَعَانِ. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَن المختلس والمنتهب وَالْغَاصِب والخائن على عظم جنايتهم وآثامهم فَإِنَّهُ لَا قطع على وَاحِد مِنْهُم. بَاب فِي قطاع الطَّرِيق. وَاخْتلفُوا فِي حد قطاع الطَّرِيق. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: هُوَ على التَّرْتِيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَقَالَ مَالك لَيْسَ هُوَ على التَّرْتِيب بل على صفة قطاع الطَّرِيق، وَللْإِمَام اجْتِهَاده فِيمَا يرَاهُ من الْقَتْل أَو الصلب أَو قطع الْيَد وَالرجل من خلاف أَو النَّفْي أَو الْحَبْس. ثمَّ اخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَن حُدُود قطاع الطَّرِيق على التَّرْتِيب فِي كيفيته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أخذُوا المَال وَقتلُوا، فالإمام بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وَإِن شَاءَ صلبهم، وَإِن شَاءَ قَتلهمْ وَلم يصلبهم. وَكَيْفِيَّة الصلب عِنْده: أَن يصلب الْوَاحِد مِنْهُم حَيا ويبج بَطْنه بِرُمْح إِلَى أَن يَمُوت وَلَا يصلب أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام. وَقد رويت عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى فِي صفة الصلب أَنه يقتل ثمَّ يصلب مقتولا. فَإِن قتلوا وَلم يَأْخُذُوا المَال قَتلهمْ الإِمَام حدا، وَإِن عَفا الْأَوْلِيَاء عَنْهُم لم يلْتَفت إِلَى قَوْلهم. فَإِن أخذُوا مَالا لمُسلم أَو ذمِّي، والمأخوذ لَو قسم على جَمَاعَتهمْ أصَاب كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم فَصَاعِدا أَو مَا قِيمَته ذَلِك قطع الإِمَام أَيْديهم وأرجلهم من خلاف، فَإِن اخذوا المَال وَلم يقتلُوا نفسا حَبسهم الْأَمَام حَتَّى يحدثوا تَوْبَة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 يموتوا، وَهَذِه فِي صفة النقي عِنْده. وَقَالَ مَالك: إِذا أَخذ المحاربون فعل الإِمَام فيهم مَا يرَاهُ ويجتهد فِيهِ فَمن كَانَ مِنْهُم ذَا رَأْي وَقُوَّة قَتله، وَمن كَانَ ذَا جلد وَقُوَّة فَقَط قطعه من خلاف، وَمن كَانَ مِنْهُم لَا رَأْي لَهُ وَلَا قُوَّة نَفَاهُ. وَفِي الْجُمْلَة عِنْده، أَنه يجوز للأمام قَتلهمْ، وصلبهم، وقطعهم، وَإِن لم يقتلُوا وَلم يَأْخُذُوا مَالا على مَا يرَاهُ أردع لَهُم ولأمثالهم، وَصفَة النَّفْي عِنْده أَن يخرجُوا من الْبَلَد الَّذِي كَانُوا فِيهِ إِلَى غَيره من الْبِلَاد ويحسبوا فِيهِ وَوقت الصلب عِنْده لمن رأى الإِمَام أَن يجمع بَين صلبه وَقَتله أَن يصلب حَيا، ثمَّ يقتل، وَكَيْفِيَّة الصلب فِي مذْهبه كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا أَخذه المحاربون قبل أَن يقتلُوا نفسا ويأخذوا مَالا نفوا. وَاخْتلفَا فِي صفة النَّفْي. فَقَالَ الشَّافِعِي: نفيهم أَن يطلبوا إِذا هربوا ليقام عَلَيْهِم الْحَد إِن أَتَوا حدا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَهَذا القَوْل، وَالْأُخْرَى: نفيهم أَي يشردوا فَلَا يتْركُوا يأوون فِي بلد فَإِن أخذُوا المَال وَلم يقتلُوا فَقَالَا: تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف، ثمَّ يحسبون ويخلون. فَإِن قتلوا وَلم يَأْخُذُوا المَال فَقَالَا: يجب قَتلهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وصلبهم حتما، وَلَا يجب قطعهم والصلب عِنْدهمَا بعد الْقَتْل، وَقد رُوِيَ عَن بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي أَنه يصلب حَيا وَيمْنَع الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى يموتا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّنْبِيه: وَالْأول أصح. وَاخْتلفَا فِي مُدَّة الصلب. فَقَالَ الشَّافِعِي: ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ أَحْمد: يصلب مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَينزل. وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار النّصاب فِي قطع الْمُحَارب فاعتبره الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَأحمد وَلم يعتبره مَالك كَمَا ذكرنَا. وَاخْتلفُوا فِي مَا إِذا اجْتمع محاربون فباشر 0 بَعضهم الْقَتْل وَالْأَخْذ، وَكَانَ بَعضهم ردْءًا أَو عونا، فَهَل يقتل الرِّدَاء، أَو تجْرِي عَلَيْهِ بَقِيَّة أَحْكَام الْمُحَاربين؟ فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: للرداء حكمهم فِي جَمِيع أَحْوَالهم. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجب على الرِّدَاء شَيْء سوى التعزيز فَقَط. وَاتَّفَقُوا على أَن من برز وَشهر السِّلَاح مخيفا للسبيل خَارج الْمصر بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهُ الْغَوْث فَإِنَّهُ محَارب قَاطع الطَّرِيق، جاريه عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُحَاربين. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن فعل ذَلِك فِي مصر، هَل يكون حكمه حكم من فعل ذَلِك خَارج الْمصر؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هما سَوَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت حكم قطاع الطَّرِيق إِلَّا لمن كَانَ خَارج الْمصر. وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل وَأخذ المَال مِنْهُم وَجب عَلَيْهِ إِقَامَة الْحَد، وَإِن عفى ولي الْمَقْتُول أَو الْمَأْخُوذ مَاله فَغير مُؤثر فِي إِسْقَاط الْحَد عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن من ثاب مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط عَنهُ حُقُوق الله. إِلَّا أَن أَبَا إِسْحَاق ذكر فِي التَّنْبِيه، عَن الشَّافِعِي: أَن فِي سُقُوط قطع الْيَد عَن قَاطع الطَّرِيق قَولَانِ، أَحدهمَا: يسْقط قطع الْيَد عَنهُ كَغَيْرِهِ مِمَّا يسْقط عَنهُ، وَالْقَوْل الآخر: لَا يسْقط قطع الْيَد عَنهُ خَاصَّة. وَاتَّفَقُوا على أَن حُقُوق الْآدَمِيّين من الْأَمْوَال والأنفس والجراح يُؤْخَذ بهَا المحاربون، إِلَى أَن يُعْفَى لَهُم عَنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت مَعَ الرِّجَال فِي قطع الطَّرِيق امْرَأَة فقتلت هِيَ وَأخذت المَال؟ فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: تقتل حدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقتل قصاصا وتضمن المَال، وَمن كَانَ ردْءًا لَهَا من الرِّجَال لم يجب عَلَيْهِ شَيْء. وَاخْتلفُوا فِيمَن شرب الْخمر وزنا وسرق وَوَجَب قَتله فِي الْمُحَاربَة أَو غَيرهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يقتل وَلَا يقطع وَلَا يجلد لِأَنَّهَا حُقُوق الله تَعَالَى فَأتى عَلَيْهَا الْقَتْل فغمرها لِأَنَّهُ الْغَايَة، وَلَو قذف وَقطع يدا وَقتل، قتل وَجلد لِأَن هَذِه حُقُوق الْآدَمِيّين، وَهِي مَبْنِيَّة على الضّيق لعلم الله بِمَا أحضرت الْأَنْفس من الشُّح فَلَا تتداخل جَمِيعهَا حُقُوق الله وَحُقُوق الْآدَمِيّين وَكلهَا تدخل فِي الْقَتْل من الْقطع وَغَيره، إِلَّا حد المقذف خَاصَّة، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي للمقذوف، ثمَّ يقتل. وَقَالَ الشَّافِعِي: تستوفي جَمِيعهَا من غير أَن تتداخل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَن شرب الْخمر، وَقذف الْمُحْصنَات. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يتداخلان حداه. وَقَالَ مَالك: يتداخلان. وَاخْتلفُوا فِي غير الْمُحَارب من شربه الْخمر والزناة والسراق إِذا تَابُوا، هَل تسْقط عَنْهُم الْحُدُود بِالتَّوْبَةِ أم لَا؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تَوْبَتهمْ لَا تسْقط عَنْهُم الْحُدُود. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: تسْقط حدودهم تَوْبَتهمْ إِذا مضى على ذَلِك سنة. وَالثَّانِي: كمذهب مَال وَأبي حنيفَة، وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كَذَلِك إِلَّا أَن أظهرهمَا: أَن التَّوْبَة مِنْهُم تسْقط الْحُدُود عَنْهُم، وَلم يشْتَرط فِي ذَلِك مُضِيّ زمن. وَاخْتلفُوا فِيمَن تَابَ من الْمُحَاربين وَلم يظْهر صَلَاح الْعَمَل، هَل تقبل شَهَادَته؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل شَهَادَتهم حَتَّى يظْهر مِنْهُم صَلَاح الْعَمَل. وَقَالَ أَحْمد: تقبل شَهَادَتهم بعد تَوْبَتهمْ، وَإِن لم يظهروا صَلَاح الْعَمَل. وَاخْتلفُوا فِي الْمُحَارب إِذا قتل عبد نَفسه، أَو من لَا يُكَافِئهُ كالكافر وَالْعَبْد وَالْولد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الظَّاهِر من مذْهبه: لَا يقتل. وَقَالَ مَالك: يقتل. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. بَاب الْأَشْرِبَة. اتَّفقُوا على أَن الْخمر حرَام قليلها وكثيرها، وفيهَا الْحَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على إِنَّهَا نَجِسَة. واجمعوا على أَن من اسْتَحلَّهَا حكم بِكُفْرِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن عصير الْعِنَب الَّتِي إِذا اشْتَدَّ وَتغَير طعمه وَقذف بزبده، فَهُوَ خمر حرَام. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام، وَلم يشْتَد وَلم يسكر. فَقَالَ أَحْمد: إِذا مضى على عصير الْعِنَب ثَلَاثَة أَيَّام صَار خمرًا، وَحرم شربه وَإِن لم يشْتَد وَلم يسكر. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يصير خمرًا حَتَّى يشْتَد ويسكر ويقذف بزبده. وَاتَّفَقُوا على أَن كل شراب مكسر كَثِيرَة فقليله وَكَثِيره حرَام وَيُسمى خمرًا، وَفِيه الْحَد. وَسَوَاء كَانَ ذَلِك من عصير الْعِنَب النيء، أَو مِمَّا عمل من التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير والذرة والأرز وَالْعَسَل والجوز وَنَحْوهَا، مطبوخا كَانَ ذَلِك أَو نيئاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 إِلَّا إِن أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: نقع التَّمْر وَالزَّبِيب إِذا اشْتَدَّ كَانَ حَرَامًا قَلِيله وَكَثِيره، وَلَا يُسمى خمرًا أَو نقيعا، وَفِي شربه الْحَد إِذا أسكر وَهُوَ نجس، يحرم مَا فَوق الدِّرْهَم مِنْهُ الصَّلَاة فِي الثَّوْب الَّذِي هُوَ بِهِ. فإ طبخا أدنى طبخ حل من شربهما مَا يغلب على ظن الشَّارِب مِنْهُ انه لَا يسكره من غير لَهو وَلَا طرب وَإِن اشْتَدَّ حرم السكر مِنْهَا، وَلم يعْتَبر فِي طبخها أَن يذهب ثلثاهما، فإمَّا نَبِيذ الْحِنْطَة وَالشعِير والذرة والأرز وَالْعَسَل والجزر، فَإِنَّهُ حَلَال عِنْده نقيعا ومطبوخا وَإِنَّمَا يحرم السكر مِنْهُ وَيجب بِهِ الْحَد. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَطْبُوخ من عصير الْعِنَب إِذا ذهب ثُلُثَاهُ فَإِنَّهُ حَلَال أما مَا أسكر مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن كَانَ يسكر حرم قَلِيله وَكَثِيره. اخْتلفُوا فِي حد السكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ أَن لَا بغرق السَّمَاء من الأَرْض وَلَا الْمَرْأَة من الرجل. وَقَالَ مَالك: إِذا اسْتَوَى عِنْده الْحسن والقبيح فَهُوَ سَكرَان. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: هُوَ أَن يخلط فِي كَلَامه خلاف عَادَته. وَاخْتلفُوا فِي حد الشَّارِب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: ثَمَانُون. وَقَالَ الشَّافِعِي: أَرْبَعُونَ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. واجمعوا على أَن ذَلِك فِي حق الْأَحْرَار، فَأَما العبيد فَإِنَّهُم على النّصْف من ذَلِك على اصل كل وَاحِد مِنْهُم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ فِي ضربه. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا ضَمَان على الإِمَام وَالْحق قَتله. وَقَالَ الشَّافِعِي فَعَنْهُ تَفْصِيل وَذَلِكَ أَنه قَالَ: عَن مَاتَ الْمَحْدُود فِي حد الشّرْب وَكَانَ جلده بأطراف الثِّيَاب وَالنعال لَا يضمن الإِمَام قولا وَاحِدًا، وَإِن ضربه بِالسَّوْطِ فَإِنَّهُ يضمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وَفِي صفة مَا يضمن وَجْهَان، أَحدهمَا يضمن جَمِيع الدِّيَة، وَالثَّانِي: لَا يضمن إِلَّا مَا زَاد ألمه على ألم النِّعَال. وَحكى ابْن الْمُنْذر فِي الْأَشْرَاف عَن الشَّافِعِي: أَنه قَالَ: إِن ضرب بالنعال وأطراف الثِّيَاب ضربا يُحِيط الْعلم أَنه لَا يبلغ أَرْبَعِينَ، أَو يبلغهَا وَلَا يجاوزها فَمَاتَ فَالْحق قَتله. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا عقل فِيهِ وَلَا قَود وَلَا كَفَّارَة على الإِمَام، وَإِن ضربه أَرْبَعِينَ سَوْطًا فَمَاتَ فديته على عَاقِلَة الإِمَام دون بَيت المَال. وَاحْتج بِمَا ذكره عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَاتَّفَقُوا على أَن حد الشّرْب يُقَام بِالسَّوْطِ. إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي: أَنه يُقَام بِالْأَيْدِي وَالنعال وأطراف الثِّيَاب. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ بِشرب الْخمر، وَلم يُوجد مِنْهُ ريح. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يلْزمه الْحَد. وَقَالَ مَالك: يلْزمه الْحَد. وَاتَّفَقُوا على أَن من غص بلقمة وَخَافَ الْمَوْت وَلم يجد مَا يَدْفَعهَا بِهِ سوى الْخمر، فَإِنَّهُ يجوز أَن يَدْفَعهَا بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 إِلَّا مَا رُوِيَ عَن مَالك فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يسيعها بِالْخمرِ على كل حَال. وَاخْتلفُوا هَل يجوز شرب الْخمر للضَّرُورَة كالعطش أوالتداوي؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز فيهمَا شربهَا بِحَال. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز شربهَا للعطش فَقَط دون التَّدَاوِي. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد أَقْوَاله: لَا يجوز فيهمَا بِحَال كمذهب مَالك وَأحمد. وَالْقَوْل الثَّانِي: يجوز شرب الْيَسِير مِنْهَا للتداوي فَقَط، وَالثلث للعطش فَقَط. وَلَا يشرب إِلَّا مَا يَقع بِهِ الرّيّ فِي حَالَته تِلْكَ كمذهب أبي حنيفَة. وَاتَّفَقُوا على أَن تَحْرِيم الْخمر لعِلَّة هِيَ الشدَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ مُحرمَة لعينها. وَاخْتلفُوا فِيمَن صالت عَلَيْهِ بَهِيمَة فَلم تنْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ فَقَتلهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الضَّمَان. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. بَاب مَا يضمن وَمَا لَا يضمن. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عض عاض يَد إِنْسَان فانتزعها من فِيهِ فَسَقَطت أَسْنَان العاض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا ضَمَان على النازع. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يلْزمه الضَّمَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلع قوم من بَيت قوم فَنظر إِلَيْهِم فَرَمَوْهُ ففقأوا عينه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمهُم الضَّمَان. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أتلفت الْبَهِيمَة شَيْئا نَهَارا أَو لَيْلًا. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ضَمَان على أَرْبَابهَا فِيمَا أتلفته نَهَارا إِذا لم يكن صَاحبهَا، وَمَا أتلفته لَيْلًا فضمانه عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يضمن صَاحبهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا سائقا أَو قَاعِدا أَو رَاكِبًا، أَو تكون قد أرسلها وَسَوَاء كَانَ ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أتلفت الدَّابَّة برجلها وصاحبها عَلَيْهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن صَاحبهَا مَا أتلفته بِيَدِهَا وبفيها، فإمَّا مَا أتلفته برجلها وصاحبها عَلَيْهَا، فَإِن كَانَ بِوَطْئِهَا، ضمن الرَّاكِب قولا وَاحِدًا، وَإِن كَانَت نفحت برجلها نظرت، فَإِن كَانَ فِي مَوضِع هُوَ مَأْذُون فِيهِ شرعا، لم يضمن. وَإِن كَانَ لَيْسَ بمأذون فِيهِ: ضمن. والماذون فِيهِ كالمشي فِي الطَّرِيق وَالْوُقُوف فِي ملكه، وَفِي الفلاة وسوق الدَّوَابّ. وَمَا لَيْسَ بمأذون فِيهِ فكالوقوف على الدَّابَّة فِي الطَّرِيق أَو الدُّخُول فِي دَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الْإِنْسَان بِغَيْر إِذْنه، فَإِنَّهُ يضمن الرَّاكِب مَا نفحت الدَّابَّة برجلها فِي هَذِه الْحَالة. وَقَالَ مَالك: يَدهَا وفمها ورجلها سَوَاء فَلَا ضَمَان فِي شَيْء من ذَلِك إِذا لم يكن جِهَة راكبها أَو قائدها أَو سائقها سَبَب من همز أَو ضرب. وَقَالَ الشَّافِعِي: يضمن مَا جنت بِيَدِهَا ورجلها وفمها وذنبها جَمِيعًا، سَوَاء كَانَ من راكبها سَبَب أَو لم يكن أَو كَانَ رَاكِبًا أَو سائقا. وَقَالَ أَحْمد: مَا أتلفته برجلها وصاحبها عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَمَا جنته بِيَدِهَا أَو بفيها فَعَلَيهِ الضَّمَان. بَاب الْجِهَاد اتَّفقُوا على أَن الْجِهَاد فرض على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ قوم من الْمُسلمين سقط عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 باقيهم، وَلم يأثموا بِتَرْكِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن من لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْجِهَاد فَإِنَّهُ لَا يخرج إِلَّا بِإِذن أَبَوَيْهِ إِن كَانَا حيين مُسلمين. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر إِلَّا بِإِذن غَرِيمه. وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على أهل كل ثغر أَن يقاتلوا من يليهم من الْكفَّار، فَإِن عجزوا ساعدهم من يليهم وَيكون ذَلِك على الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، مِمَّن يَلِي ذَلِك الثغر. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا التقى الزحفان وَجب على الْمُسلمين الْحَاضِرين الثَّبَات وَحرم عَلَيْهِم الِانْصِرَاف والفرار إِذْ قد تعين عَلَيْهِم، إِلَّا أَن يكون متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فِئَة أَو يكون الْوَاحِد مَعَ ثَلَاثَة أَو الْمِائَة مَعَ ثلثمِائة فَإِنَّهُ أُبِيح لَهُم الْفِرَار، وَلَهُم الثَّبَات لَا سِيمَا مَعَ غَلَبَة ظنهم بالظهور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَاتَّفَقُوا فِيمَا أعلم على وجوب الْهِجْرَة عَن ديار الْكفْر لمن قدر على ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِتْلَاف مواشي أهل دَار الْحَرْب إِذا أَخذهَا الْمُسلمُونَ وَلم يُمكنهُم إخْرَاجهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَخَافَ أَهلهَا اخذها مِنْهُم. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يجوز إتلافها إِذا خَافُوا أَن يَأْخُذهَا الْمُشْركُونَ فَيذْبَح الْحَيَوَان وَيحرق الْمَتَاع وَيكسر السِّلَاح. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز عقرهَا إِلَّا لأكله. وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء مِنْهُم مَا لم يقاتلن، فَإِنَّهُم لَا يقتلن إِلَّا أَن يكن ذَوَات رَأْي قتلن. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَت للأعمى والمقعد وَالشَّيْخ الفاني، وَأهل الصوامع مِنْهُم رَأْي وتدبير وَجب قَتلهمْ. وَاخْتلفُوا فيهم إِذا لم يكن لَهُم رَأْي وتدبير. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز قَتلهمْ. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنه يجوز قَتلهمْ. وَاخْتلفُوا فِيمَن لم تبلغه الدعْوَة هَل على قَاتله دِيَة؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا تلْزمهُ الدِّيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يلْزم قَاتله الضَّمَان، فَإِن كَانَ الْمَقْتُول ذِمِّيا فثلث الدِّيَة، وَإِن كَانَ مجوسيا فثمانمائة دِرْهَم. وَاخْتلفُوا فِي العَبْد الْمُسلم إِذا أَمن شخصا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: يمْضِي أَمَانه سَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الْقِتَال أم لم يَأْذَن لَهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح أَمَانه إِلَّا أَن يكون سَيّده أذن لَهُ فِي الْقِتَال. وَاخْتلفُوا هَل تثبت الْحُدُود فِي دَار الْحَرْب على من وجدت مِنْهُ أَسبَابهَا؟ فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: تثبت عَلَيْهِم الْحُدُود إِذا فعلوا أَسبَابهَا سَوَاء كَانَ فِي دَار الْحَرْب إِمَام أم لم يكن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تثبت إِلَّا أَن يكون فِي دَار الْحَرْب إِمَام. ثمَّ اخْتلف موجبوا الْحَد على من أَتَى سَببه فِي دَار الْحَرْب فِي اسْتِيفَائه. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَسْتَوْفِي فِي دَار الْحَرْب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وَقَالَ أَحْمد: لَا يَسْتَوْفِي فِي دَار لِحَرْب حَتَّى يرجع إِلَى دَار الْإِسْلَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِي دَار الْحَرْب إِمَام مَعَ جَيش من الْمُسلمين أَقَامَ عَلَيْهِم الْحُدُود فِي عسكره قبل القفول فَإِن كَانَ أَمِير سريه لم يقم الْحُدُود، فَإِن لم يقم الْحُدُود على من فعل أَسبَابهَا فِي دَار الْحَرْب حَتَّى دخلُوا دَار الْإِسْلَام، فَإِنَّهَا تسْقط عَنْهُم كلهَا إِلَّا الْقَتْل فَإِنَّهُ يضمن الْقَاتِل الدِّيَة فِي مَاله عمدا كَانَ أَو خطأ. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تترس الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين جَازَ لبَقيَّة الْمُسلمين الرَّمْي ويقصدون الْمُشْركين. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أصَاب أحدهم مُسلما فِي الْحَال. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا تلْزمهُ دِيَة وَلَا كَفَّارَة. وَقَالَ الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: تلْزمهُ الْكَفَّارَة بِلَا دِيَة، وَالْآخر: الدِّيَة وَالْكَفَّارَة مَعًا. وَفِي تَفْصِيل هذَيْن الْقَوْلَيْنِ بَين أَصْحَابه خلاف طَوِيل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كَذَلِك، أظهرهمَا: أَن الْكَفَّارَة لَازمه لَهُ خَاصَّة. وَاخْتلفُوا فِي استرقاق من لَا كتاب لَهُ وَلَا شُبْهَة كتاب، كعبدة الْأَوْثَان، وَمن عبد مَا اسْتحْسنَ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز استرقاق الْعَجم من عَبدة الْأَوْثَان دون الْعَرَب. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيّ يجوز ذَلِك، وَسَوَاء فِي ذَلِك الْعَجم وَالْعرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وَقَالَ مَالك استرقاقهم على الْإِطْلَاق، إِلَّا قُريْشًا خَاصَّة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق. بَاب فِي الْغَنِيمَة اتَّفقُوا على أَن مَا حصل فِي أَيْديهم من الْغَنِيمَة من جَمِيع الْأَمْوَال عينهَا وعروضها سوى الْأَرَاضِي فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن يقسم هَذِه الْخمس؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقسم على ثَلَاثَة أسْهم، سهم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل يدْخل فُقَرَاء ذَوي الْقُرْبَى فيهم دون أغنيائهم. فَأَما سهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ خمس الله، وَخمْس رَسُوله، وَهُوَ خمس وَاحِد، وَقد سقط بِمَوْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا سقط الصفي، وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى كَانُوا يستحقونه فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 زمن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالنصرة وَبعده لَا سهم لَهُم، وَإِنَّمَا يستحقونه بالفقر خَاصَّة، وَيَسْتَوِي فِيهِ ذكرهم وأنثاهم. وَقَالَ مَالك: هَذَا الْخمس لَا يسْتَحق بِالتَّعْيِينِ بشخص دون شخص وَلَكِن النّظر فِيهِ إِلَى الإِمَام يصرفهُ فِيمَن يرى وعَلى من يرى من الْمُسلمين، وَيُعْطى الإِمَام الْقَرَابَة من الْخمس والفيء وَالْخَرَاج والجزية بِالِاجْتِهَادِ. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يقسم الْخمس الْمَذْكُور على خَمْسَة أسْهم: سهم للرسول وَهُوَ بَاقٍ لم يسْقط بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَهْم لبني هَاشم وَبني الْمطلب خَاصَّة دون بني نَوْفَل وَبني عبد منَاف، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصّ ببني هَاشم وَبني الْمطلب لأَنهم ذووا الْقُرْبَى غنيهم وفقيرهم فِيهِ سَوَاء، إِلَّا أَن للذّكر مِنْهُم مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يسْتَحقّهُ أَوْلَاد الْبَنَات مِنْهُم، وَسَهْم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لأبناء السَّبِيل، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة يسْتَحقُّونَ بالفقر وَالْحَاجة لَا بِالِاسْمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 ثمَّ اخْتلفَا فِي سهم الرَّسُول إِلَى من يصرف؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: يصرف فِي الْمصَالح من إعداد السِّلَاح، والكراع، وَعقد القناطر، وَبِنَاء الْمَسَاجِد، وَنَحْو ذَلِك. فَيكون حكمه حكم مَال الْفَيْء. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أحداهما كَهَذا الْمَذْهَب وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالْأُخْرَى: يصرف إِلَى أهل الدِّيوَان وهم الَّذين نصبوا أنفسهم لِلْقِتَالِ وانفردوا للثغور وسدها يقسم فيهم على قدر كفاياتهم. وَاتَّفَقُوا على أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة تقسم على من شهد الْوَقْعَة إِذا كَانَ من أهل الْقِتَال. وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل لَهُ سهم وَاحِد. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْفَارِس وسهمه. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ثَلَاثَة أسْهم سهم لَهُ وسهمان لفرسه بِشَرْط أَن يكون فرسا عتيقا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحق سَهْمَيْنِ، سَهْما لَهُ وَسَهْما لفرسه، وَأما الهجين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد: هُوَ كالعتيق لَهُ سَهْمَان إِلَّا أَن مَالِكًا يشْتَرط إجَازَة الإِمَام لَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي (المقرف) البرذون. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: يُسهم لما عدا الْعَتِيق سهم وَاحِد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ مَعَ الْفَارِس فرس وَاحِد أسْهم لَهُ، فَإِن كَانَ مَعَه فرسَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُسهم إِلَّا لفرس وَاحِد. وَقَالَ أَحْمد: يُسهم لفرسين وَلَا يُزَاد على ذَلِك وَوَافَقَهُ على ذَلِك أَبُو يُوسُف وَهِي روايه عَن مَالك. وَاخْتلفُوا هَل يُسهم للبعير؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يُسهم لَهُ. وَقَالَ أَحْمد؛ يُسهم لَهُ سهم وَاحِد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا قسموا الْغَنِيمَة وحازوها ثمَّ اتَّصل بهم مدد، لم يكن للمدد فِي ذَلِك حِصَّة. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اتَّصل بهم المدد بعد تقفي الْحَرْب وَقبل الْحِيَازَة لَهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو بعد أَن أخذوها وَقبل قسمتهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُسهم لَهُم مَا لم يحز الْغَنِيمَة إِلَى دَار الْإِسْلَام ويقتسموها. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: لَا يُسهم لَهُم على كل حَال. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يُسهم لَهُم، وَالثَّانِي: لَا يُسهم لَهُم. وَاتَّفَقُوا على أَن الْغَنِيمَة الَّتِي هَذِه أَحْكَامهَا هِيَ كل مَا قَاتل المسملون عَلَيْهِ أَو أوجفوا عَلَيْهِ بخيل أَو ركاب. وَاتَّفَقُوا على أَن من حضرها من مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو ذمِّي أَو صبي، رضخ لَهُ على مَا يرَاهُ الإِمَام وَلَا يُسهم لَهُم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وَاخْتلفُوا فِي السَّلب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَن شَرطه الإِمَام للْقَاتِل فَهُوَ لَهُ وَإِن لم يشرط ذَلِك لَهُ لم ينْفَرد بِهِ. وَقَالَ مَالك: إِن شَرطه الإِمَام كَانَ لَهُ من الْخمس فَإِن كَانَت قِيمَته تفي بِقدر الْخمس اسْتحق جَمِيعه، وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر مِنْهُ اسْتحق مِنْهُ بِقدر الْخمس وَلَا يسْتَحقّهُ من أصل الْغَنِيمَة وَإِن لم يَشْتَرِطه الإِمَام فَلَا حق لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يسْتَحق الْقَاتِل سلب مقتوله من أصل الْغَنِيمَة سَوَاء شَرط الإِمَام ذَلِك أَو لم يشرطه. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى وَهِي: اعْتِبَار إِذن الإِمَام وانه للْقَاتِل مَعَ إِذْنه، فَإِن لم يَأْذَن فِيهِ لم ينْفَرد بِهِ. وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز، وَقَالَ أَصْحَابه: إِن لم يجز الإِمَام حمولة جَازَ قسمهَا خوفًا أَن لَا تصل إِلَى الْغَانِمين حُقُوقهم. وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام لَو قسمهَا فِي دَار الْحَرْب نفذت الْقِسْمَة. وَاخْتلفُوا فِي الطَّعَام والعلف وَالْحَيَوَان تكون فِي دَار الْحَرْب هَل يجوز اسْتِعْمَاله من غير أذن الإِمَام؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا بَأْس بِأَكْل الطَّعَام والعلف وَالْحَيَوَان فِي دَار الْحَرْب بِغَيْر إِذن الإِمَام وَإِن خرج مِنْهُ شَيْء إِلَى دَار الْإِسْلَام، كَانَ غنيمَة قل أَو كثر. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: يرد مَا فضل إِن كَانَ كثيرا وَلَا يرد إِن كَانَ يَسِيرا. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ كثيرا لَهُ قيمَة رد، وَإِن كَانَ ندرا فَقَوْلَانِ. وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ: أَن مَا خرج إِلَى دَار الْإِسْلَام فَهُوَ غنيمَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الإِمَام: من أَخذ شَيْئا لَهو لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ شَرط يجوز للْإِمَام أَن يشرطه إِلَّا أَن الأولى أَن لَا يفعل. وَقَالَ مَالك: يكره لَهُ ذَلِك ابْتِدَاء لِئَلَّا يشوب قصدا الْمُجَاهدين فِي جهادهم إِرَادَة الدُّنْيَا. فَإِن شَرطه الإِمَام لزم وَكَانَ من الْخَمْسَة لَا من أصل الْغَنِيمَة وَكَذَلِكَ النَّفْل عِنْده كل من الْخمس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ بِشَرْط لَازم فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ لَهُ. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ شَرط صَحِيح. وَاتَّفَقُوا على أَن للْإِمَام أَن يفضل بعض الْغَانِمين على بعض قبل الْأَخْذ والحيازة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نفل الإِمَام من الْغَنِيمَة بعد الْحِيَازَة إِلَى دَار الْإِسْلَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح من الْخمس بعد الْحِيَازَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يجوز التَّنْفِيل بعد الْحِيَازَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنه يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الْأُسَارَى بَين الْقَتْل والإسترقاق. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الإِمَام هَل هُوَ مُخَيّر فيهم بَين الْفِدَاء والمن وَعقد الذِّمَّة؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مُخَيّر فيهم أَيْضا بَين الْفِدَاء بِالْمَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وبالأسارى، وَبَين الْمَنّ عَلَيْهِم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يمن وَلَا يفادى. فَأَما عقد الذِّمَّة. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: هُوَ مُخَيّر فِي عقد الذِّمَّة عَلَيْهِم وَيَكُونُونَ أَحْرَار. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَيْسَ لَهُ ذَلِك لأَنهم قد ملكوا. بَاب فِي الْأَرَاضِي المغنومة وَاخْتلفُوا فِي الْأَرَاضِي المغنومة عنْوَة كالعراق ومصر هَل يقسم بَين غانميها أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الإِمَام بِالْخِيَارِ بَين أَن يقسمها على غانميها وَبَين أَن يقر أَهلهَا فِيهَا وَيضْرب عَلَيْهِم خراجا، وَبَين أَن يصرف أَهلهَا عَنْهَا وَيَأْتِي بِقوم آخَرين فيقلهم إِلَيْهَا وَيضْرب عَلَيْهِم الْخراج، وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقفها على الْمُسلمين أَجْمَعِينَ وَلَا على غانميها. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة عَنهُ: لَيْسَ للْإِمَام أَن يقسمها الْبَتَّةَ بل تصير بِنَفس الظُّهُور عَلَيْهَا وَقفا على الْمُسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن الإِمَام مُخَيّر بَين قسمتهَا ووقفها لمصَالح الْمُسلمين. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: يجب على الإِمَام قسمتهَا بَين جمَاعَة الْغَانِمين كَسَائِر الْأَمْوَال، إِلَّا أَن تطيب أنفسهم بوقفها على الْمُسلمين، وَتسقط حُقُوقهم مِنْهَا فَيتْرك قسمتهَا، ويقفها على الْمُسلمين. وَقد رُوِيَ عَنهُ فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الشَّامِل أَنه قَالَ: لَا أعرف مَا أَقُول فِي أَرض السوَاد إِلَّا بِظَنّ مقرون إِلَى علم. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: أَن للْإِمَام أَن يفعل مَا فِيهَا مَا يرَاهُ الْأَصْلَح من قسمتهَا بَين غانميها أَو أنفاقها على جمَاعَة الْمُسلمين وَهِي أظهر الرِّوَايَات. وَالثَّانيَِة: لَا يملك الإِمَام قسمتهَا بل تصير وَقفا على جمَاعَة الْمُسلمين بِنَفس الظُّهُور كإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك. وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز من أَصْحَاب أَحْمد. وَالثَّانيَِة: كمذهب الشَّافِعِي سَوَاء. بَاب فِي تَقْدِير الْخراج والجزية. وَاخْتلفُوا فِي قدر الْخراج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي جريب الْحِنْطَة قفيز ودرهمان وَفِي جريب الشّعير قفيز وَدِرْهَم. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي جريب الْحِنْطَة أَرْبَعَة دَرَاهِم، وَفِي الشّعير دِرْهَمَانِ. وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُمَا شَيْء غير ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد فِي اظهر الرِّوَايَات عَنهُ: فِي جريب الشّعير وَالْحِنْطَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا قفيز وَدِرْهَم. والقفيز الْمَذْكُور: هُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال بالحجازي وَيكون سِتَّة عشر رطلا بالعراقي. وَأما جريب النّخل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهِ عشرَة دَرَاهِم. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ بَعضهم: فِيهِ عشرَة دَرَاهِم، وَمِنْهُم من قَالَ: فِيهِ ثَمَانِيَة دَرَاهِم. وَقَالَ أَحْمد: فِيهِ ثَمَانِيَة دَرَاهِم. وَأما جريب الْكَرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: فِيهِ عشرَة دَرَاهِم. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي، فَمنهمْ من قَالَ: فِيهِ ثَمَانِيَة دَرَاهِم، وَمِنْهُم من قَالَ: بل عشرَة دَرَاهِم. وَأما جريب الشّجر والقصب وَهُوَ الرّطبَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِيهِ خمس دَرَاهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: بل فِيهِ سِتّ دَرَاهِم. وَأما جريب الزَّيْتُون. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: فِيهِ اثْنَي عشر درهما. وَأما أَبُو حنيفَة: فَلم يُوجد عَنهُ نَص فِي تَقْدِير الْوَاجِب على جريب الزَّيْتُون، بل على مَا يحْتَملهُ على وَجه لَا يزِيد على نصف الرجل. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ على ذَلِك جَمِيعه تَقْدِير، والمرجع فِيهِ إِلَى قدر مَا تحتمله الأَرْض من ذَلِك لاخْتِلَاف فِي حواصلها، ويجتهد الإِمَام فِي تَقْدِير ذَلِك مستعينا عَلَيْهِ بِأَهْل الْخِبْرَة مِنْهُ. وَاخْتِلَافهمْ هَذَا هُوَ رَاجع إِلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن عمر بن الْخطاب أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَإِنَّهُم كلهم إِنَّمَا عولوا فِي ذَلِك على مَا وظفه. قَالَ أَحْمد: وَأَصَح حَدِيث رُوِيَ فِي أَرض السوَاد وَأَعْلَى حَدِيث شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِيمَا رَوَاهُ عَن أَحْمد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد. قَالَ الْوَزير: وَاخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ كُله صَحِيح وَإِنَّمَا اخْتلف لأجل النواحي. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِي الْخراج على مَا وظفه عمر أَو ينقص مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْجِزْيَة؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فَأَما أَبُو حنيفَة: فَلَيْسَ عَنهُ نَص فِي ذَلِك إِلَّا مَا ذكره الْقَدُورِيّ حاكيا عَنهُ فِي مُخْتَصره بعد ذكر الْأَشْيَاء الْمعِين عَلَيْهَا الْخراج بِوَضْع عمر. فَقَالَ: وَمَا سوى ذَلِك من أَصْنَاف الْأَشْيَاء يوضع عَلَيْهَا بِحَسب الطَّاقَة، فَإِن لم تطق الأَرْض مَا وضع عَلَيْهَا نَقصهَا الإِمَام. وَاخْتلف صَاحِبَاه فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا يجوز للْإِمَام النُّقْصَان وَلَا الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال. وَقَالَ مُحَمَّد: يجوز للْإِمَام الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَعَ الِاحْتِمَال. فَأَما الزِّيَادَة مَعَ عدم الِاحْتِمَال فَلَا يجوز إِجْمَاعًا مِنْهُمَا وَالنُّقْصَان مَعَ أَن الأَرْض تحمل الْوَظِيفَة: لَا يجوز عِنْدهمَا جَمِيعًا. فَأَما الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال للوظيفة فَهِيَ مَسْأَلَة الْخلاف بَينهمَا. وَعَن الشَّافِعِي: أَنه يجوز للْإِمَام الزِّيَادَة، وَلَا يجوز لَهُ النُّقْصَان. فَأَما أَحْمد فَعَنْهُ ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: أَنه يجوز للْإِمَام الزِّيَادَة على مَا ذكرنَا إِذا احتملت الأَرْض وَالنُّقْصَان مِنْهُ إِذا لم تحْتَمل الأَرْض. وَالثَّانيَِة: يجوز لَهُ الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال، وَلَا يجوز لَهُ النُّقْصَان، وَالثَّالِثَة: لَا يجوز الزِّيَادَة وَلَا النُّقْصَان. وَأما مَالك فَهُوَ على أَصله من رد ذَلِك إِلَى اجْتِهَاد الْأَئِمَّة على قدر مَا تحتمله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 الأَرْض مستعينا فِيهِ بِأَهْل الْخِبْرَة. قَالَ الْوَزير: وَلَا يعرف إِن أحدا مِنْهُم يَقُول: أَن المقاطعة الَّتِي تضرب على الأَرْض مِنْهَا الْمبلغ الَّذِي لَا يزِيد فِي وَقت وَلَا ينقص مِنْهُ أَن ذَلِك جَائِز، وَلَا يجوز أَن تضرب على الأَرْض مَا يكون فِيهِ هضم لحقوق بَيت المَال رِعَايَة لآحاد النَّاس وَلَا يجوز أَن يضْرب على الأَرْض من الْخراج مَا يكون فِيهِ إِضْرَارًا بأرباب الأَرْض تحميلا لَهَا من ذَلِك مَا لَا تطِيق. فمدار الْبَاب أَن يحمل الأَرْض مَا تُطِيقهُ، وَأَن لَا يتبع ذَلِك غَيره مِمَّا لم يَأْذَن فِيهِ الشَّرْع بِحَال وَأرى أَن مَا قَالَه أَبُو يُوسُف فِي كتاب الْخراج الَّذِي صنفه للْإِمَام هَارُون الرشيد هُوَ الْجيد، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: وَأرى أَن يكون لبيت المَال فِي الْحبّ خمسان وَفِي الثِّمَار الثُّلُث. بَاب فِي فتح مَكَّة اخْتلفُوا هَل فتحت مَكَّة عنْوَة أَو صلحا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: أَنَّهَا فتحت عنْوَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فتحت صلحا. وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّبِي وَإِن قَاتل لَا يكمل لَهُم سهم بل يرْضخ لَهُ. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا راهق وأطاق الْقِتَال وَأَجَازَهُ الإِمَام كمل لَهُ السهْم، وَإِن لم يبلغ. وَاخْتلفُوا هَل يستعان بالمشركين على قتال أهل الْحَرْب أَو يعانون على عدوهم؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يستعان بهم وَلَا يعانون على الْإِطْلَاق. وَاسْتثنى مَالك فَقَالَ: إِلَّا أَن يَكُونُوا خدما للْمُسلمين فَيجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يستعان بهم، ويعانون على الْإِطْلَاق، مَتى كَانَ حكم الْإِسْلَام هُوَ الْغَالِب الْجَارِي عَلَيْهِم، فَإِن كَانَ حكم الشّرك هُوَ الْغَالِب كره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز ذَلِك بِشَرْطَيْنِ، أَحدهمَا: أَن يكون بِالْمُسْلِمين قلَّة، وبالمشركين كَثْرَة. وَالثَّانِي: أَن يعلم من الْمُشْركين حسن رَأْي فِي الْإِسْلَام وميل إِلَيْهِ فَإِن استعين بهم رضخ لَهُم، وَلَا سهم عِنْده لَهُم. إِلَّا أَن أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: يُسهم لَهُم. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن استؤجروا وأعطوا من بَيت المَال (من مَال) لَا مَالك لَهُ معِين. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يرْضخ لَهُم من الْغَنِيمَة. قَالَ الْوَزير: وَأرى ذَلِك نَحْو الجزي وَالْخَرَاج. وَاخْتلفُوا هَل يُسهم لتجار الْعَسْكَر وأجرائهم إِذا شهدُوا الْوَقْعَة، وَإِن لم يقاتلوا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يُسهم لَهُم حَتَّى يقاتلوا. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يُسهم لَهُم وَإِن لم يقاتلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَعَن الشَّافِعِي قَول أخر وَهُوَ: أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ شَيْئا، وَإِن قَاتلُوا. وَاخْتلفُوا هَل تصح الِاسْتِنَابَة فِي الْجِهَاد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تصح بِجعْل وَلَا تبرع وَلَا بِأُجْرَة، وَسَوَاء تعين على المستنيب أم لم يتَعَيَّن. وَقَالَ مَالك: تصح إِذا كَانَ بِجعْل وَلم يكن الْجِهَاد مُتَعَيّنا على النَّائِب كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لأحد الْغَانِمين أَن يطَأ جَارِيَة من السَّبي قبل الْقِسْمَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ بل عُقُوبَة، وَلَا يثبت النّسَب، وَولده مَمْلُوك يرد فِي الْغَنِيمَة، وَعَلِيهِ الغفر عَن الْإِصَابَة. وَقَالَ مَالك: يحد وَهُوَ زَان. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: لَا حد عَلَيْهِ وَيلْحق بِهِ النّسَب إِن جَاءَت بِولد، وَيكون الْوَلَد حرا وَعَلِيهِ قيمتهَا وَالْمهْر يرد فِي الْغَنِيمَة. ثمَّ اخْتلف فِي صُورَة وَاحِد من الْمَسْأَلَة وَهِي هَل تصير أم ولد؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 فَقَالَ أَحْمد: تصير أم ولد. وَعَن الشَّافِعِي فِي ذَلِك قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْمُسلمُونَ فِي سفينة فَوَقَعت فِيهَا النَّار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه وَالشَّافِعِيّ: إِذا لم يرجوا النجَاة فِي الْإِلْقَاء وَالصَّبْر، فهم بِالْخِيَارِ بَين أَن يصبروا أَو يلْقوا أنفسهم فِي المَاء. وَقَالَ أَحْمد: إِن رجو النجَاة فِي إِلْقَاء أنفسهم فِي المَاء وَلم يرجوها فِي الْبَقَاء فِي السَّفِينَة فَإِنَّهُم يلقون أنفسهم فِي النَّار. وَإِن رجوا الْبَقَاء فِي السَّفِينَة مَعَ النجَاة وَلم يرجوها فِي المَاء ثبتوا فِيهَا وَلم يلْقوا بِأَنْفسِهِم فِي المَاء، وَإِن اسْتَوَى رجاؤهم لكل وَاحِد مِنْهُم فعلوا أَيهمَا شَاءُوا وَإِن اعتدل الْأَمْرَانِ عِنْدهم فَأَيْقنُوا بِالْهَلَاكِ فيهمَا أَو غلب ذَلِك فِي ظنهم فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنهُ أظهرهمَا: أَنه لَا يجوز لَهُم إِلْقَاء أنفسهم فِي المَاء إِذا لم يَرْجُو بِهِ النجَاة، وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: هم بِالْخِيَارِ إِن شَاءُوا ثبتوا مكانهم، وَإِن شَاءُوا القوا أنفسهم فِي المَاء. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فر بعير من دَار الْحَرْب إِلَى دَار السَّلَام. وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْحَرْبِيّ إِذا دخل بِغَيْر أَمَان. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يكون الْجَمِيع فَيْئا للْمُسلمين إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: إِلَّا أَن يسلم الْحَرْبِيّ قبل أَن يُؤْخَذ فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ لمن أَخذه خَاصَّة فيهمَا. وَاخْتلفُوا فِي هَدَايَا الْأُمَرَاء هَل يختصون بهَا أَو تكون كَبَقِيَّة مَال الْفَيْء؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 فَقَالَ مَالك فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقَاسِم إِذا أهْدى إِلَى أَمِير الْجَيْش هَدِيَّة قبلهَا وَكَانَت غنيمَة فِيهَا الْخمس كَسَائِر الْغَنَائِم. وَكَذَلِكَ إِذا أهدوا إِلَى قَائِد من قواد الْمُسلمين لِأَن ذَلِك على وَجه الْخَوْف، وَإِن أهدوا الْعَدو إِلَى رجل من الْمُسلمين لَيْسَ بقائد وَلَا أَمِير فَلَا بَأْس أَن يَأْخُذهَا وَتَكون لَهُ دون أهل الْعَسْكَر وَهَذَا قَول الْأَوْزَاعِيّ. وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: مَا أهْدى ملك الرّوم فِي دَار الْحَرْب إِلَى أَمِير الْجَيْش فَهُوَ لَهُ خَاصَّة، وَكَذَا مَا يُعْطي الرَّسُول، وَلم يذكر عَن أبي حنيفَة خلافًا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة الرّبيع عَنهُ فِي كتاب الزَّكَاة وَإِذا أهْدى وَاحِد من الْقَوْم للوالي هَدِيَّة فَإِن كَانَت بِشَيْء نَالَ مِنْهُ حَقًا أَو بَاطِلا، فَحَرَام على الْوَالِي قبُولهَا وَأَخذهَا لِأَنَّهُ حرَام عَلَيْهِ أَن يستعجل على أَخذ الْحق وَقد ألزمهُ الله ذَلِك لَهُم، وَحرَام عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ لَهُم بَاطِلا، والجعل عَلَيْهِ حرَام، فَإِن أهْدى إِلَيْهِ من غير هذَيْن المعنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أحد من أهل ولَايَته تفضلا أَو تشكرا، فَلَا يقبلهَا. وَإِن قبلهَا كَانَت مِنْهُ فِي الصَّدقَات لَا يَسعهُ عِنْدِي غَيره، إِلَّا أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهَا بِقدر مَا يَسعهُ أَن يتجر لَهَا وَإِن كَانَت من رجل لَا سُلْطَان لَهُ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ سُلْطَان شكرا على حسن كَانَ مِنْهُ فَأحب إِلَيّ إِن قبلهَا يَجْعَلهَا لأجل الْولَايَة أَو يدع قبُولهَا وَلَا يَأْخُذ على الْخَيْر مُكَافَأَة، وَإِن أَخذهَا فتمولها لم يحرم عَلَيْهِ عِنْدِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يخْتَص بهَا من أهديت إِلَيْهِ بل هِيَ غنيمَة فِيهَا الْخمس كَسَائِر الْغَنَائِم. وَالْأُخْرَى: يخْتَص بهَا الإِمَام. بَاب فِي شَرط الزَّاد وَالرَّاحِلَة للْجِهَاد وَاخْتلفُوا هَل من شُرُوط الْجِهَاد والزاد وَالرَّاحِلَة؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو حنيفَة: من شَرطه الزَّاد وَالرَّاحِلَة. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ من شَرطه الزَّاد وَالرَّاحِلَة، وَيتَصَوَّر الْخلاف مَعَه فِيمَا إِذا تعين الْجِهَاد على أهل بلد وَبينهمْ وَبَين مَوضِع الْجِهَاد مَسَافَة تبيح الْقصر فَلَا يجب عِنْدهم إِلَّا على من يملك زادا وراحلة يبلغانه إِلَى مَوضِع الْجِهَاد وَعِنْده يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَاتَّفَقُوا على أَن الغال من الْغَنِيمَة قبل حيازتها إِذا كَانَ لَهُ فِيهَا حق فَإِنَّهُ لَا يقطع. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الغال من الْغَنِيمَة وَهُوَ مِمَّن لَهُ حق فِيهَا هَل يحرق رَحْله وَيحرم سَهْمه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يحرق رَحْله وَلَا يحرم سَهْمه بل يعْذر. وَقَالَ أَحْمد: يحرق رَحْله الَّذِي مَعَه فِي غزاته إِلَّا الْمُصحف وَمَا كَانَ فِيهِ روح من الْحَيَوَان وَمَا هُوَ جنَّة لِلْقِتَالِ كالسلاح رِوَايَة وَاحِدَة. وَهل يحرم سَهْمه عَنهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يحرم سَهْمه، وَالْأُخْرَى: لَا يحرم سَهْمه. وَاخْتلفُوا فِي مَال الْفَيْء هَل يُخَمّس وَهُوَ مَا اخذ من مُشْرك لأجل الْكفْر بِغَيْر قتال كالجزية الْمَأْخُوذَة عَن الرؤوس وَالْأَرضين باسم الْخراج وَمَا تَرَكُوهُ فَزعًا وهربوا، وَمَال الْمُرْتَد إِذا قبل فِي ردته، وَمَال من مَاتَ مِنْهُم، وَلَا وَارِث لَهُ، وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 يُؤْخَذ مِنْهُم فِي الْعشْر إِذا اخْتلفُوا إِلَى بِلَاد الْمُسلمين وَمَا صولحوا عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَنْصُوص عَنهُ من روايتيه: هُوَ للْمُسلمين كَافَّة، فَلَا يُخَمّس وجميعه لمصَالح الْمُسلمين. وَقَالَ مَالك: كل ذَلِك فِي غير مقسوم يصرفهُ الإِمَام فِي مصَالح الْمُسلمين بعد أَخذ حَاجته مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُخَمّس وَقد كَانَ ملكا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَبعد مَا يصنع بِهِ بعد وَفَاته فِيهِ عَنهُ قَولَانِ، أَحدهمَا للْمصَالح. وَالثَّانِي للمقاتلة. وَاخْتلف قَوْله فِيمَا يُخَمّس مِنْهُ، فالجديد من قوليه: أَن يُخَمّس جَمِيعه، وَالْقَدِيم: لَا يُخَمّس إِلَّا مَا تَرَكُوهُ فَزعًا وهربوا. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى ذكرهَا الْخرقِيّ فِي مُخْتَصره: أَن مَال الْفَيْء يُخَمّس جَمِيعه على ظَاهر كَلَامه. وَاخْتلفُوا فِيمَا فضل من مَال الْفَيْء بعد الْمصَالح مَا يصنع بِهِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز صرف فاضله إِلَّا إِلَى الْمصَالح أَيْضا. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يشْتَرك فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وَاتَّفَقُوا على أَن الْجِزْيَة تضرب على أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى. وَكَذَلِكَ على ضرب الْجِزْيَة على الْمَجُوس. وَاخْتلفُوا فيهم هَل هم أهل كتاب أَو شُبْهَة كتاب؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَيْسُوا أهل كتاب وَإِنَّمَا هم شُبْهَة كتاب. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا أَنهم أهل كتاب. وَالثَّانِي: كمذهب الْجَمَاعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَن لَا كتاب لَهُ وَلَا شُبْهَة كتاب كعبدة الْأَوْثَان من الْعَرَب والعجم، هَل تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقبل إِلَّا من الْعَجم مِنْهُم دون الْعَرَب. وَقَالَ مَالك: تُؤْخَذ من كل كَافِر عَرَبيا كَانَ أَو عجميا إِلَّا من مُشْركي قُرَيْش خَاصَّة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا تقبل الْجِزْيَة من عَبدة الْأَوْثَان على الْإِطْلَاق عربيهم وعجميهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد كمذهب أبي حنيفَة فِي اعْتِبَار الْأَخْذ من الْعَجم مِنْهُم خَاصَّة. وَاخْتلفُوا فِي تَقْدِير الْجِزْيَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر رواياته: هِيَ مقدرَة الْأَقَل وَالْأَكْثَر فعلى الْفَقِير المعتمل اثْنَي عشر درهما، وعَلى الْمُتَوَسّط أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ درهما، وعَلى الْغَنِيّ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ درهما. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى:: أَنَّهَا موكولة إِلَى رَأْي الإِمَام وَلَيْسَت بمقدرة. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: تتقدر الْأَقَل مِنْهَا دون الْأَكْثَر. وَعنهُ رِوَايَة رَابِعَة: إِنَّهَا فِي أهل الْيمن خَاصَّة مقدرَة بِدِينَار دون غَيرهم اتبَاعا للْخَبَر الْوَارِد فيهم. وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يتَقَدَّر على الْغَنِيّ وَالْفَقِير جَمِيعًا أَرْبَعَة دَنَانِير، أَو أَرْبَعِينَ درهما لَا فرق بَينهمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وَقَالَ الشَّافِعِي: الْوَاجِب دِينَار يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِير والغني والمتوسط. وَاخْتلفُوا فِي الْفَقِير من أهل الْجِزْيَة إِذا لم يكن معتملا وَلَا شَيْء لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء. وَعَن الشَّافِعِي فِي عقد الْجِزْيَة على من لَا كسب لَهُ وَلَا يتَمَكَّن من الْأَدَاء قَولَانِ، أَحدهمَا: يخرج من بِلَاد الْإِسْلَام وَلَا تشتغل بِهِ عرضة الْبِلَاد مجَّانا، وَالثَّانِي: أَنه مُقَرر وَلَا يخرج، فعلى هَذَا القَوْل الثَّانِي فِي تَقْرِيره مَا حكمه عَنهُ فِيهِ ثَلَاث أَقْوَال، أَحدهَا: كَقَوْل الْجَمَاعَة. وَالثَّانِي: يجب عَلَيْهِ ويحقن دَمه بضمانها وَيُطَالب بهَا عِنْد الْيَسَار. وَالثَّالِث: إِذا جَاءَ آخر الْحول وَلم يبدلها ألحق بدار الْحَرْب. وَاخْتلفُوا فِي الَّذِي إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ الْجِزْيَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تسْقط بِمَوْتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا تسْقط وَهُوَ اخْتِيَار ابْن حَامِد من أَصْحَاب أَحْمد. وَاخْتلفُوا هَل تجب الْجِزْيَة بآخر الْحول أَو بأوله؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب بأوله وَله الْمُطَالبَة بهَا بعد عقد الذِّمَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تجب بِآخِرهِ، وَلَا يملك الْمُطَالبَة بهَا بعد عقد الذِّمَّة حَتَّى تمْضِي السّنة، فَإِن مَاتَ أثْنَاء السّنة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تسْقط عَنهُ أَيْضا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تُؤْخَذ جِزْيَة مَا مضى من السّنة من مَاله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَجَبت عَلَيْهِ الْجِزْيَة فَلم يؤدها حَتَّى أسلم. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: سَقَطت عَنهُ الْجِزْيَة بِإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَت جِزْيَة سنتَيْن لم يؤدها، ثمَّ أسلم قبل الْأَدَاء، فَإِنَّهَا تسْقط عَنهُ، وَسَوَاء كَانَ إِسْلَامه فِي أثْنَاء الْحول أَو بعد تَمَامه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُسْقِطهَا الْإِسْلَام بعد الْحول، وَله فِي أثْنَاء الْحول قَولَانِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا دخلت عَلَيْهِ سنة من سنة، وَلم يؤد الأولى، هَل تسْقط جِزْيَة السّنة الْمَاضِيَة بالتداخل أم تجب جِزْيَة السنتين؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْقط الأولى بالتداخل. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تسْقط الأولى وَتجب عَلَيْهِ جِزْيَة سنتَيْن. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجِزْيَة لَا تضرب على نسَاء أهل الْكتاب، وَلَا على صبيانهم حَتَّى يبلغُوا، وَلَا على عبيدهم وَلَا على مَجْنُون وَلَا على ضَرِير وَلَا شيخ فان، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 على أهل الصوامع إِلَّا إِنَّهُم اخْتلفُوا من هَذِه الْجُمْلَة فِي نسَاء بني تغلب وصبيانهم خَاصَّة، هَل تُؤْخَذ مِنْهُم مَا يُؤْخَذ من رِجَالهمْ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُؤْخَذ من نِسَائِهِم خَاصَّة دون صبيانهم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُؤْخَذ من نِسَائِهِم وَلَا من صبيانهم وهم كغيرهم فِي ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد تُؤْخَذ من نِسَائِهِم وصبيانهم جَمِيعًا، كَمَا تُؤْخَذ من رِجَالهمْ. وَاتَّفَقُوا على إِنَّه إِذا عوهد الْمُشْركُونَ عهدا وفى لَهُم بِهِ. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ شَرط فِي ذَلِك بَقَاء الْمصلحَة، فَمَتَى اقْتَضَت الْمصلحَة الْفَسْخ نبذ إِلَيْهِم عَهدهم وَفسخ. وَاتَّفَقُوا فِيمَا أعلم انه لَا يجوز نقضه إِلَّا بعد نبذه وَاخْتلفُوا فِي مُدَّة الْعَهْد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: مَتى وجد الإِمَام قُوَّة نبذ إِلَيْهِم عَهدهم وَفسخ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز أَكثر من عشر سِنِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وَاتَّفَقُوا فِي الْمَرْأَة من الْمُشْركين إِذا خرجت على بِلَاد الْإِسْلَام فِي مُدَّة عهد بَين الإِمَام وَبَين أهل الْحَرْب، وَقد كَانَ الإِمَام شَرط لَهُم أَن من جَاءَ مِنْهُم مُسلما رددناه على أَنَّهَا لَا ترد. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مهرهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يرد مهرهَا أَيْضا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يرد مهرهَا، وَالثَّانِي: كمذهب الْجَمَاعَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مر الْحَرْبِيّ بِمَال للتِّجَارَة على بِلَاد الْمُسلمين هَل يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا أَن يَكُونُوا يؤخذون منا. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر، إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: يُؤْخَذ الْعشْر مِنْهُم إِذا كَانَ دُخُولهمْ بِأَمَان مُطلق وَلم يكن اشْترط عَلَيْهِم شَيْئا، فَإِن كَانَ اشْترط عَلَيْهِم أَكثر من الْعشْر عِنْد دُخُولهمْ أَخذ مِنْهُم. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن اشْترط عَلَيْهِم ذَلِك يَعْنِي الْعشْر جَازَ أَخذه، وَإِلَّا فَلَا يُؤْخَذ. وَمن أَصْحَابه من قَالَ: يُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر وَإِن لم يشْتَرط. وَاخْتلفُوا فِي الذِّمِّيّ إِذا تجر من بلد إِلَى بلد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 فَقَالَ مَالك: يُؤْخَذ فِي الذِّمِّيّ الْعشْر كلما تجر وَإِن تجر فِي السّنة مرَارًا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُؤْخَذ إِلَّا أَن يشْتَرط، فَإِن لم يشْتَرط لم يُؤْخَذ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يُؤْخَذ من أهل الذِّمَّة نصف الْعشْر، وَقد اعْتبر أَحْمد وَأَبُو حنيفَة النّصاب فِي ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: نصابه فِي ذَلِك كنصاب مَال الْمُسلم. وَقَالَ أَحْمد: النّصاب فِي ذَلِك للحربي خَمْسَة دَنَانِير، وللذمي عشرَة دَنَانِير. بَاب نقض الْعَهْد وَاخْتلفُوا فِيمَا ينْتَقض بِهِ عهد الذِّمِّيّ. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: ينْتَقض عَهده بِمَنْع الْجِزْيَة، ويأبى أَن تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِسْلَام إِذا حكم حاكمنا عَلَيْهِ بهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْتَقض عَهدهم إِلَّا أَن يكون لَهُم مَنْعَة يُحَاربُونَ بهَا، أَو يلْحقُوا بدار الْحَرْب. فَإِن فعل أحدهم مَا يجب عَلَيْهِ تَركه والكف، وَعِنْدَهُمَا فِيهِ ضَرَر على الْمُسلمين أَو أجارهم فِي مَال أَو نفس وَذَلِكَ أحد ثَمَانِيَة أَشْيَاء: الِاجْتِمَاع على قتال الْمُسلمين، أَو أَن يَزْنِي بِمسلمَة أَو يُصِيبهَا باسم نِكَاح، أَو يفتن مُسلما عَن دينه، أَو يقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق، أَو يأوي الْمُشْركين جاسوسا، أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 يعاون على الْمُسلمين بِدلَالَة، وَهُوَ أَن يُكَاتب الْمُشْركين بأخبار الْمُسلمين، أَو يقتل مُسلما أَو مسلمة عهدا فَهَل ينْتَقض عُهْدَة بذلك أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْتَقض عَهده بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّمَانِية وَلَا بالأمرين الْمَذْكُورين قبل، إِلَّا أَن يكون مَنعه فيغلبون على مَوضِع ويحاربونا، أَو يلْحقُوا بدار الْحَرْب. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى قَاتل الْمُسلمين انْتقض عَهده سَوَاء شَرط عَلَيْهِ تَركه فِي العقد أم لم يشرط، فَإِن فعل مَا سوى ذَلِك من الْأَشْيَاء السَّبْعَة الْمَذْكُورَة فَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِم الْكَفّ عَن ذَلِك فِي العقد لم ينْتَقض الْعَهْد، وَإِن شَرط عَلَيْهِم الْكَفّ عَن ذَلِك فِي العقد فَفِيهِ لأَصْحَابه وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه لَا ينْتَقض بِهِ الْعَهْد. وَالثَّانِي: ينْتَقض بِهِ الْعَهْد. وَقَالَ مَالك لَا ينْتَقض عَهدهم من ذَلِك بِالزِّنَا بالمسلمات، وَلَا بالإصابة لَهُنَّ باسم النِّكَاح. وينتقض بِمَا سوى ذَلِك إِلَّا فِي قطعهم للطريق فَإِن ابْن الْقَاسِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 خَاصَّة من أَصْحَابه قَالَ: ينْتَقض عَهدهم بذلك. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَن عَهدهم ينْتَقض بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة. سَوَاء كَانَت اشْترطت عَلَيْهِم أم لم تكن. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا ينْتَقض الْعَهْد إِلَّا بالامتناع من بذل الْجِزْيَة، وَجرى أحكامنا عَلَيْهِم أَو بِأَحَدِهِمَا فَإِن فعل أحدهم مَا فِيهِ غَضَاضَة ونقيضه على الْإِسْلَام وَهِي أَرْبَعَة أَشْيَاء. - ذكر الله تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيق بجلاله. - أَو ذكر كِتَابه الْمجِيد. - أَو ذكر دينه القويم. - أَو ذكر رَسُوله الْكَرِيم بِمَا لَا يَنْبَغِي. فَهَل ينتقص الْعَهْد بذلك أم لَا؟ قَالَ أَحْمد: ينْتَقض الْعَهْد بذلك، سَوَاء شَرط ترك ذَلِك عَلَيْهِم أم لم يشرط. وَقَالَ مَالك: إِذا سبوا الله أَو رَسُوله أَو دينه أَو كِتَابه بِغَيْر مَا كفرُوا بِهِ، فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 ينْتَقض عَهدهم بذلك، وَسَوَاء شَرط عَلَيْهِم تَركه أَو لم يشرط. وَقَالَ أَكثر أَصْحَاب الشَّافِعِي: إِذا فعل من ذَلِك شَيْئا فَحكمه حكم مَا فِيهِ ضَرَر للْمُسلمين. وَهِي الْأَشْيَاء السَّبْعَة، فَإِن لم يشْتَرط فِي العقد الْكَفّ عَنهُ، لم ينْتَقض الْعَهْد. وَإِن شَرط الْكَفّ عَنهُ فعلى الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي: حِكْمَة حكم الثَّلَاثَة الأولى وَهِي الِامْتِنَاع عَن الْتِزَام الْجِزْيَة والتزام أَحْكَام الْمُسلمين والاجتماع على قِتَالهمْ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْتَقض الْعَهْد بِشَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يكون لَهُم مَنْعَة يقدرُونَ مَعهَا على الْمُحَاربَة، أَو يلْحقُوا بدار الْحَرْب. وَاخْتلفُوا فِيمَن انْتقض عُهْدَة مِنْهُم بِمَا ينْتَقض بِهِ عِنْد كل مِنْهُم على أَصله، مَاذَا يصنع بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى انْتقض عَهدهم أُبِيح قَتلهمْ مَتى قدر عَلَيْهِم. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن وهب وَابْن نَافِع وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ: أَنهم يقتلُون ويسبون كَمَا فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ببني أبي الْحقيق. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه وَهُوَ الْأَظْهر، وَأحمد: لَا يرد من انْتقض عَهده مِنْهُم إِلَى مأمنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَالْإِمَام فِيهِ مُخَيّر بَين الاسترقاق وَبَين الْقَتْل. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر: يلْحق بمأمنه. وَاتَّفَقُوا على أَنه يمْنَع الْكَافِر من دُخُول الْحرم. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز لَهُ دُخُوله وان يُقيم فِيهِ مقَام الْمُسَافِر وَلَا يستوطنه، وَيجوز عِنْده دُخُول الْوَاحِد مِنْهُم الْكَعْبَة أَيْضا. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يمْنَع الْكَافِر وَالذِّمِّيّ من استيطان الْحجاز وَهِي مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة ومخالفيها؟ قَالَ الْأَصْمَعِي: سمي مجَازًا لِأَنَّهُ حاجز بَين تهَامَة ونجد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يمْنَع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: يمْنَع. وَمن دخل مِنْهُم تَاجِرًا أَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْتقل وَلَا يُقيم إِلَّا بِإِذن الإِمَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَاخْتلفُوا فِيمَا سوى الْمَسْجِد الْحَرَام من الْمَسَاجِد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز دُخُولهَا للْمُشْرِكين بِلَا إِذن. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُم دُخُولهَا إِلَّا بِإِذن الْمُسلمين. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز لَهُم الدُّخُول بِحَال. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لَهُم إِحْدَاث كَنِيسَة وَلَا بيعَة فِي المدن والأمصار فِي بِلَاد الْإِسْلَام. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز إِحْدَاث ذَلِك فِيمَا قَارب المدن؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْموضع قَرِيبا من الْمَدِينَة بِحَيْثُ يكون حكمه حكم الْمصر بِحَيْثُ يجوز فِيهِ صَلَاة الْجُمُعَة أَو الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ قدر ميل أَو أقل، وَهُوَ ثلث فَرسَخ فَلَا يجوز فِيهِ إِحْدَاث ذَلِك، وَإِن كَانَ الْموضع أبعد من هَذَا الْمِقْدَار جَازَ. فَأَما إِذا كَانَ بَين الْبيُوت وَكَانَ ذَلِك الْموضع دون ثلث فَرسَخ فَهُوَ فِي حكم الْبَلَد لَا يجوز إِحْدَاث البيع فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا تشعث من بيعهم وكنائسهم فِي دَار الْإِسْلَام أَو تهدم، هَل يرم أَو يجدد بِنَاؤُه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز وَاشْترط أَبُو حنيفَة فِي الْجَوَاز أَن يكون ذَلِك فِي أَرض فتحت صلحا، فَأَما إِن كَانَت أَرض عنْوَة فَلَا يجوز. فَإِن كَانَت فِي الصَّحَارِي، ثمَّ صَارَت مصرا، ثمَّ خربَتْ البيع وَالْكَنَائِس فَظَاهر مذْهبه يَقْتَضِي أَنهم يمْنَعُونَ من إِعَادَتهَا بيعا أَو كنائس بل على هَيْئَة الْبيُوت والمساكن. وَيمْنَعُونَ أَيْضا من صلَاتهم فِيهَا واجتماعهم. وَقَالَ أَحْمد فِي اظهر رواياته: لَا يجوز لَهُم ذَلِك بمرمة وَلَا تَجْدِيد بِنَاء على الْإِطْلَاق. وَهِي اخْتِيَار أَكثر أَصْحَاب أَحْمد، وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي أَبُو سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 الاصطخري، وَأَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد: يجوز عمَارَة مَا تشعث مِنْهَا بالمرمة، فإمَّا إِن استولى عَلَيْهَا الخراب فَلَا يجوز بناؤها. وَهِي اخْتِيَار الْخلال من أَصْحَابه. وَالثَّالِثَة عَنهُ: جَوَاز ذَلِك على الْإِطْلَاق. بَاب الصَّيْد والذبائح. وَاتَّفَقُوا على أَن الله أَبَاحَ الصَّيْد. وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن قَوْله: {وَإِذا حللتم فاصطادوا} [الْمَائِدَة: 2] أَمر أَبَاحَهُ لَا أَمر وجوب. وَاتَّفَقُوا على أَن الله حرم صيد الْحرم وَمنع مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْمحرم لَا يُبَاح لَهُ أَن يصيد. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يحل للْمحرمِ أَن يَأْكُل مِمَّا صيد لأَجله. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: مَا صيد لأَجله بِغَيْر أمره وَهُوَ من غير صيد الْحرم: يجوز لَهُ أكله، وَإِن صيد بأَمْره فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز الِاصْطِيَاد بالجوارح المعلمة، إِلَّا الْأسود البهيم من الْكلاب. فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاصْطِيَاد بِهِ. فَأجَاز الِاصْطِيَاد بِهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وأباحوا أكل مَا قتل وَمنع من جَوَاز ذَلِك أَحْمد وحدة فَقَالَ: لَا يجوز الِاصْطِيَاد بِهِ، وَلَا يُبَاح أكل مَا قتل اتبَاعا للْحَدِيث. وَهُوَ مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقَتَادَة بن دعامة. وَاتَّفَقُوا على أَن من شَرط تَعْلِيم سِبَاع الْبَهَائِم أَن تكون إِذا أرْسلهُ استرسل وَإِذا زَجره انزجر. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا وَرَاء ذَلِك من ترك الْأكل هَل هُوَ من شَرط التَّعْلِيم فِي سِبَاع الْبَهَائِم؟ فاشترطه الْكل مَا عدا مَالِكًا، فَإِنَّهُ لم يَشْتَرِطه بل قَالَ: مَتى كَانَ إِذا أمره ائتمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وَإِذا زَجره انزجر جَازَ أكل مَا صَاده وَإِن أكل مِنْهُ الْكَلْب إِذا مَاتَ الصَّيْد. ثمَّ اخْتلف مشترطوا التَّعْلِيم فِي حَده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: حَقِيقَة كَونه معلما لَا أعرفهُ، وَإِنَّمَا يعرف كَونه معلما بِالظَّاهِرِ. وَمَتى يحكم بِكَوْنِهِ معلما فِي الظَّاهِر عَنهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهمَا: وَهِي رِوَايَة الْأُصُول أَنه مَتى قَالَ أهل الْخِبْرَة بذلك هَذَا معلم، حكمنَا بِكَوْنِهِ معلما ظَاهرا. وَالثَّانيَِة: إِذا ترك الْأكل ثَلَاث مَرَّات ممسكا لَهُ على صَاحِبَة صَار معلما ظَاهرا، وَحل أكل صَيْده. الثَّالِث: مَعَ شَرطه لإمساكه. وَقَالَ صَاحِبَاه: إِنَّمَا يحل أكل صَيْده الرَّابِع لَا الثَّالِث. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى صَار إِذا أرْسلهُ استرسل وَإِذا زَجره انزجر وَأمْسك وَلم يَأْكُل وتكرر مِنْهُ ذَلِك صَار معلما، وَلم يقدر أَصْحَابه عدد المرات وَإِنَّمَا اعتبروا الْعرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَقَالَ أَحْمد: حد التَّعْلِيم فِي الْكَلْب أَن لَا يَأْكُل مِمَّا اصطاده حَتَّى يطعمهُ صَاحبه. وَفَائِدَة الْخلاف بَين أَحْمد وَأبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يظْهر فِي صُورَة وَهُوَ أَنه مَتى أكل الْكَلْب من الصَّيْد بَعْدَمَا حكم بِكَوْنِهِ معلما ظَاهرا. فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا يحل أكل مَا أكل مِنْهُ، وَلَا مَا بَقِي عِنْده من صيد صَاده قبل ذَلِك، وَقد بَطل تَعْلِيمه الأول وَلَا يُؤْكَل من صَيْده حَتَّى يعلم تَعْلِيما ثَانِيًا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: حل ذَلِك. وَكَذَلِكَ فِي تَحْرِيم مَا صَاده الْكَلْب قبل ذَلِك، فَإِن الْأَظْهر من مذهبَة حل ذَلِك. وَالثَّانيَِة من الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يحل فيهمَا كمذهب أبي حنيفَة. وَعَن الشَّافِعِي فِي حل الصَّيْد الَّذِي أكل مِنْهُ الْكَلْب بعد أَن حكم بِكَوْنِهِ معلما قَولَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وَاتَّفَقُوا على أَن سَائِر الْجَوَارِح سوى الْكَلْب لَا يعْتَبر فِي حد تَعْلِيمه ترك الْأكل مِمَّا صَاده، وَإِنَّمَا هُوَ أَن يرجع على صَاحبه إِذا دَعَاهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن من قصد صيدا بِعَيْنِه فَرَمَاهُ بِسَهْم فَأَصَابَهُ فَإِنَّهُ يُبَاح. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا صاب غَيره. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يُبَاح على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: لَا يُبَاح على الْإِطْلَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ فِي السمت الَّذِي أرسل فِيهِ كَلْبه، أَو رمى فِيهِ بسهمه حل. وَإِن فِي غير السمت فلأصحابه وَجْهَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك التَّسْمِيَة على رمي الصَّيْد أَو إرْسَال الْكَلْب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن ترك التَّسْمِيَة فِي الْحَالين نَاسِيا حل الْأكل مِنْهُ، وَإِن تعمد تَركهَا، لم يبح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَقَالَ مَالك: إِن تعمد تَركهَا لم يبح فِي الْحَالين، وَإِن تَركهَا نَاسِيا فِي الْحَالين فَهَل يُبَاح أم لَا؟ فِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَنه يحل أكلهَا على الْإِطْلَاق فِي الْحَالين، سَوَاء تَركهَا عمدا أَو سَهوا. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن تَركهَا عَامِدًا أَو نَاسِيا فِي الْحَالين حل الْأكل مِنْهُ. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أظهرها: أَنه إِن ترك التَّسْمِيَة على إرْسَال الْكَلْب وَالرَّمْي لم يحل الْأكل مِنْهُ على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ تَركه التَّسْمِيَة عمدا أَو سَهوا. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: إِن ترك التَّسْمِيَة نَاسِيا حل أكله، وَإِن تعمد تَركهَا لم يحل أكله، كمذهب أبي حنيفَة. وَالثَّالِثَة إِن تَركهَا على إرْسَال السهْم نَاسِيا أكلهَا وَإِن تَركهَا على إرْسَال الْكَلْب والفهد نَاسِيا لم يَأْكُل فَأَما التَّسْمِيَة على الذَّبَائِح وَالْأَضَاحِي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن ترك الذَّابِح التَّسْمِيَة عمدا فالذبيحة ميتَة لَا تُؤْكَل، وَإِن تَركهَا نَاسِيا أكلت. وَمذهب أَصْحَاب مَالك فِيمَا ظهر عَنْهُم أَن تَارِك التَّسْمِيَة عَامِدًا غير متأول لَا تُؤْكَل ذَبِيحَته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَمِنْهُم من يَقُول: إِنَّهَا سنة، وَمِنْهُم من يَقُول: إِنَّهَا شَرط مَعَ الذّكر. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز أكلهَا إِذا تَركهَا، أَي التَّسْمِيَة عَلَيْهَا، عمدا أَو سَهوا. وَقَالَ أَحْمد: إِن ترك التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة عمدا لم تُؤْكَل، وَإِن تَركهَا نَاسِيا فروايتان، إِحْدَاهمَا: لَا تُؤْكَل كالصيد. وَالثَّانيَِة: تُؤْكَل. وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط ذكر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد الذَّبِيحَة؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: يسْتَحبّ الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الذَّبِيحَة. وَهُوَ اخْتِيَار ابْن شاقلا أبي إِسْحَاق من أَصْحَاب أَحْمد. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا تشرع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أرسل كَلْبه الْمعلم، وَرمى بسهمه بعد أَن سمى عَلَيْهَا، ثمَّ غَابَ عَنْهَا فَلم يدْرك الصَّيْد إِلَّا بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ، وَلَا أثر بِهِ غير سَهْمه. فَقَالَ مَالك: لَا يُبَاح فِي الْكَلْب. وَفِي السهْم رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: الْقيَاس أَن لَا يحل أكله إِلَّا أَن يكون ورد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك خبر فَيسْقط كل مَا خَالفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن تبعه وَلم يقصر فِي طلبه، ثمَّ أَصَابَهُ مَيتا لم يَأْكُل. وَقَالَ أَحْمد: يُبَاح لَهُ أكله، وَعنهُ إِن كَانَ الْجراحَة مُوجبه، حل، وَإِن لم تكن موجة لم يحل. وَعنهُ: إِن وجده فِي يَوْمه حل، وَإِن وجده بعد ذَلِك لم يحل، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلْب. وَأَجْمعُوا على أَنه إِن وجده فِي مَاء، أَو تردى من جبل فَإِنَّهُ لَا يحل أكله لجَوَاز أَن يكون الْجَبَل وَالْمَاء هما اللَّذَان قتلاه. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أدْرك الصَّيْد وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة، فَلم يقدر على ذبحة من غير تَفْرِيط، حَتَّى مَاتَ. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: يُبَاح أكله على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ لم يتَمَكَّن من الذّبْح لعدم الْآلَة أَو لضيق الْوَقْت، فَإِنَّهُ لَا يُبَاح أكله، وَإِن كَانَ مَعَه آله لكنه إِلَى أَن يَأْخُذهَا ويذبحه يَمُوت. فِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: أَنه يحل لِأَنَّهُ غير مفرط، وَالْأُخْرَى: لَا يحل أكله. وَاخْتلفُوا فِيمَن صَاد صيدا، ثمَّ أفلت مِنْهُ، ثمَّ صَاده آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو حنيفَة: هُوَ بَاقٍ لصائدة الأول، وَلم يزل ملكه عَنهُ، وَإِن اخْتَلَط بالوحش وَعَاد إِلَى الْبَريَّة. وَقَالَ مَالك: هُوَ لمن صَاده ثَانِيًا، إِذا توحش وَعَاد إِلَى الْبَريَّة وتأبد، فَأَما إِن صَاده على اثر انفلاته وَمَعَهُ بقيه من التأنس فَهُوَ للْأولِ. وَاخْتلفُوا فِي الْحَيَوَان الأهلي إِذا توحش. وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا إِذا وَقع بَعِيرًا أَو بقرة أَو شَاة فِي بِئْر فَلم يقدر عَلَيْهِ إِلَّا بِأَن يطعن فِي سنامه أَو غَيره، هَل ينْتَقل ذَكَاته من الذّبْح والنحر إِلَى الْعقر؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تنْتَقل ذَكَاته فِي ذَلِك كُله إِلَى الْعقر. وَمن أَصْحَاب أبي حنيفَة من قَالَ: لَا بُد من أَن يرميه بِجرح يعلم أَنه مَاتَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا يحل. وَقَالَ المراوزة من الشَّافِعِيَّة: لَا بُد من جرح فِي الخاصرة مذفف. وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من اشْترط الْجرْح المذفف مُطلقًا. وَقَالَ مَالك: لَا تنْتَقل ذَكَاته وَلَا يستباح بعقر فِي مَوضِع فِي بدنه. وَإِنَّمَا يستباح بِالذبْحِ والنحر وَلَا ذَكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وروى ابْن حبيب خَاصَّة عَنهُ أَنه يكون لَهُ حكم الْوَحْش فيستباح بِمَا يستباح بِهِ الْوَحْش، فَإِن أصَاب مِنْهُ العاقر أُبِيح بِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا يصاد بالمنجل والسكين فيجرح فقتلت الصَّيْد فيقتله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن كَانَ مُعَلّقا فِي شبكة أَو حباله، فَقتل لم يحل أكله، وَإِن رَمَاه بسكين أَو منجل حل أكله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحل أكله على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَحْمد: يحل أكله على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَن الذَّكَاة بِالسِّنِّ وَالظفر المتصلين لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَا منفصلين. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى ذكرهَا الطَّحَاوِيّ عَنهُ أَنه كلما أبضع من عظم أَو غَيره ففرى الْأَوْدَاج فَلَا بَأْس بِهِ وَهِي مَشْهُورَة عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على أَن ذَكَاة الْمَجْنُون وصيده لَا يستباح أكله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَاتَّفَقُوا على أَن مَا لَا يحْتَاج من الْأَطْعِمَة على ذَكَاة كالنبات وغيرة من الجامدات والمائعات فَإِنَّهُ يحل أكله مَا لم يكن نجسا أَو مخالطا لنجس أَو ضارا. فَأَما الْحَيَوَان فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: بري وبحري. فَأَما الْبري: فَإِنَّهُم أَجمعُوا على أَن مَا أُبِيح أكله مِنْهُ لَا يستباح إِلَّا بالذكاة، وَإِنَّهَا مُخْتَلفَة باخْتلَاف أَنْوَاعه، مَا بَين ذبح وَنحر وعقر، على مَا سَيَأْتِي بَيَانه فِيمَا بعد. وَقد مضى مِنْهُ مَا بَين. وَأما البحري: فَمَا أُبِيح مِنْهُ كالسمك فَلَا يحْتَاج إِلَى ذَكَاة، وَأما غَيره فَسَيَأْتِي ذكر خلافهم فِيهِ. وَأَجْمعُوا على أَن الذَّبَائِح المعتد بهَا، ذَبِيحَة الْمُسلم الْعَاقِل والمسلمة الْعَاقِلَة القاصدين للتذكية، الَّذين يَتَأَتَّى مِنْهُمَا الذّبْح. وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن ذَبَائِح أهل الْكتاب الْعُقَلَاء مُبَاحَة مُعْتَد بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَاخْتلفُوا فِي ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب من تنوخ وبهراء وتغلب وفهر. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: إِنَّهَا لَا يجوز. وَأَجْمعُوا على أَن ذَبَائِح الْكفَّار من غير أهل الْكتاب غير مُبَاحَة. وَأَجْمعُوا على أَن الذَّكَاة تحل بِكُل مَا ينهر الدَّم، وَيحصل بِهِ الْقطع جرحا كالمحدد من السَّيْف والسكين وَالرمْح والحربة والزجاج وَالْحجر والقصب الَّذِي لَهُ حد يصنع مَا يصنع السِّلَاح المحدد. وَاتَّفَقُوا على أَنه يَصح تذكية الْحَيَوَان الْحَيّ غير المأيوس من بَقَائِهِ، فَإِن كَانَ الْحَيَوَان قد أَصَابَهُ مَا يوئس مَعَه من بَقَائِهِ مثل أَن يكون موقوذا أَو منخنقا أَو مترديا أَو نطيحا أَو مَأْكُولا بِسبع. فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِي استباحته بالذكاة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى أدْركْت ذكاتها قبل أَن تَمُوت حلت. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأحمد فِي أظهرهمَا أَي الرِّوَايَتَيْنِ: مَتى علم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 بمستمر الْعَادة أَنه لَا يعِيش حرم أكله، وَلَا يحل بالتذكية، وَلَا يَصح تذكيته. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك: أَن الذَّكَاة تبيح مِنْهُ مَا وجد فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة وينافي الْحَيَاة عِنْده أَن يندق عُنُقه أَو يسيل دماغه أَو تجرح حشوته الْعليا، أَو تفرى أوداجه أَو ينْبت نخاعه. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى كَانَت فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة حل أكله مَعَ التذكية. وَاتَّفَقُوا على إِبَاحَة أكل السّمك. وَاخْتلفُوا فِيمَا طفا مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُبَاح. وَقَالَ الْبَاقُونَ يُبَاح. وَاخْتلفُوا فِيمَا يُبَاح من دَوَاب الْبَحْر، وَمَا لَا يُبَاح. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُبَاح شَيْء مِنْهُ سوى السّمك. وَقَالَ مَالك: يُبَاح جَمِيعه سَوَاء كَانَ مِمَّا لَهُ شبه فِي الْبر أَو مِمَّا لَا شبه لَهُ من غير احْتِيَاج إِلَى ذَكَاة وَسَوَاء تلف بِنَفسِهِ أَو بِسَبَب، وَسَوَاء أتْلفه مُسلم أَو مَجُوسِيّ، طفا أَو لم يطف، وَتوقف فِي خِنْزِير المَاء خَاصَّة. فَقَالَ أَحْمد: يُؤْكَل جَمِيع مَا فِي الْبَحْر إِلَّا الضفدع والتمساح والكوشج، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وَمن أَصْحَابه من منع من كلب المَاء وخنزيرة وحيته وفأرته وعقربه، وان كل مَا لَهُ شبه فِي الْبر لَا يُؤْكَل، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل فِي الْبَحْر. وَهُوَ أَبُو عَليّ النجاد. ويفتقر عِنْد أَحْمد إِبَاحَة غير السّمك من ذَلِك إِلَى الذَّكَاة كخنزير المَاء وكلبه وإنسانه وَنَحْو ذَلِك. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي، فَمنهمْ من قَالَ: يُؤْكَل جَمِيعه إِلَّا الضفدع، وَمِنْهُم من منع إِبَاحَة الْكل سوى السّمك كَقَوْل أبي حنيفَة، وَمِنْهُم من قَالَ كَقَوْل النجاد من أَصْحَاب أَحْمد. وَقَالَ أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ مِنْهُم: لَا يحل النسناس. لِأَنَّهُ على خلقَة الْآدَمِيّ. وَاتَّفَقُوا على إِبَاحَة الْجَرَاد إِذا صَاده الْمُسلم. وَاخْتلفُوا فِيهِ إِذا مَاتَ بِغَيْر سَبَب. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: يحل أكله. وَقَالَ مَالك: لَا يُؤْكَل الْجَرَاد إِلَّا إِذا تلف بِسَبَب. قَالَ عبد الْوَهَّاب فِي الثقلَيْن: وَمن أَصْحَابنَا من لَا يُرَاعى فِيهِ السَّبَب. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: حلّه من غير اعْتِبَار السَّبَب، وَالثَّانيَِة: اعْتِبَار السَّبَب فِي حلَّة. وَاخْتلفُوا فِيمَا يجْرِي قطعه من الْعُرُوق فِي الذّبْح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب قطع الْحُلْقُوم والمريء وَإِحْدَى الودجين لَا بِعَيْنِه، فَمَتَى قطع هَذِه الثَّلَاثَة حل أكله. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِن قطع التركل عرق من الْأَرْبَعَة حل أكله، وَإِن قطع النّصْف مِمَّا دون من الْأَرْبَعَة لم يحل أكله. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه مَتى قطع الثَّلَاثَة، أَي ثَلَاثَة كَانَت من الْأَرْبَعَة أَجْزَأَ. وَقَالَ مَالك: لَا بُد من اسْتِيفَاء قطع الْحُلْقُوم والودجين فِي قطع وَاحِد. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه. وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ إِذا قطع الْحُلْقُوم والمريء أَجْزَأَ وَلَا يحْتَاج إِلَى الْأَوْدَاج. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يُبَاح إِلَّا أَن يقطع الْحُلْقُوم والمريء وعرقان من الْجَانِبَيْنِ من كل جَانب وَاحِد. وَاتَّفَقُوا على أَلْسِنَة نحر الْإِبِل وَذبح مَا عَداهَا، فَإِن ذبح مَا ينْحَر أَو نحر مَا يذبح. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو حنيفَة: يُبَاح. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة كرهه مَعَ الْإِبَاحَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ مَالك: إِن نحر شاه أَو ذبح بَعِيرًا من غير ضَرُورَة لم يُؤْكَل لَحمهَا، وَقد حمله بعض أَصْحَابه على الْكَرَاهَة وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون. وَاتَّفَقُوا على أَن الْجَنِين يذكى بتذكية أمه، فَإِن نحر بعير أَو ذبحت شَاة أَو بقرة فَوجدَ فِي بَطنهَا جَنِين تَامّ الْخلقَة فَإِنَّهُ يكون ذكيا بِذَكَاة أمه. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يتذكى بِذَكَاة أمه، فَإِن خرج الْجَنِين وَلم ينْبت شعره وَيتم خلقه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز أكله. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز أكله. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خرج حَيا يعِيش مثله لم يبح إِلَّا بِذبح. وَاتَّفَقُوا على أَن أكل كل ذِي مخلب من الطير إِذا كَانَ قَوِيا يعدوا بِهِ على غَيره كالبازي والصقر وَالْعِقَاب والباشق والشاهين، وكل مَا لَا مخلب لَهُ من الطير إِلَّا أَنه يَأْكُل الْجِيَف كالنسر والرخم والغراب الأبقع والغراب الْأسود الْكَبِير، حرَام. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ أَبَاحَ ذَلِك كُله على الْإِطْلَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَاتَّفَقُوا على أَن كل ذِي نَاب من السبَاع يعدوا بِهِ على غَيره كالأسد وَالذِّئْب والنمر والفهد والثعلب والضبع وَالْكَلب والسنور الْبري والأهلي والفيل حرَام إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يكره ذَلِك وَلَا يحرم. وَاخْتلفُوا فِي الضبع والثعلب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل أكلهما. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هما مباحان. وَقَالَ أَحْمد: الضبع مُبَاح، رِوَايَة وَاحِدَة. وَفِي الثَّعْلَب رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: تَحْرِيمه، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخلال، وَالْأُخْرَى: أباحته، وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز. وَاخْتلفُوا فِي الضَّب واليربوع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يكره أكلهما. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هما مباحان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَقَالَ أَحْمد: الضَّب مُبَاح رِوَايَة وَاحِدَة. وَفِي اليربوع رِوَايَتَانِ. وَاتَّفَقُوا على أَن حشرات الأَرْض مُحرمَة. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ كرهها من غير تَحْرِيم فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى قَالَ: هِيَ حرَام. وَاتَّفَقُوا على أَن البغال وَالْحمير الْأَهْلِيَّة حرَام أكلهَا إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ اخْتلف عَنهُ فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا مَكْرُوهَة إِلَّا إِنَّهَا مُغَلّظَة الْكَرَاهَة جدا، فَوق كَرَاهِيَة كل ذِي نَاب من السبَاع. وَقيل عَنهُ: إِنَّهَا مُحرمَة بِالسنةِ دون تَحْرِيم الْخِنْزِير. وَاتَّفَقُوا على أَن الأرنب مُبَاح أكله. وَاخْتلفُوا فِي لُحُوم الْخَيل. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحرم أكلهَا. وَقَالَ مَالك: هِيَ مَكْرُوهَة إِلَّا أَن كراهيتها عِنْده دون كَرَاهِيَة السبَاع. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: هِيَ مُبَاحَة. وَاخْتلفُوا فِي أكل لُحُوم الْجَلالَة وَشرب لَبنهَا وَأكل بيضها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يُبَاح ذَلِك، وَإِن لم تحبس مَعَ استحبابهم حَبسهَا وكراهيتهم لأكلها دون حَبسهَا. وَقَالَ أَحْمد: تحرم إِلَّا أَن يحبس الطير ثَلَاثَة أَيَّام رِوَايَة وَاحِدَة عَنهُ. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم فَروِيَ عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام كالطير. وَهُوَ الْأَظْهر. وَالثَّانيَِة: أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَاخْتلفُوا فِي أكل الْقُنْفُذ وَابْن عرس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يحرم أكله. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُبَاح أكله. وَاخْتلفُوا فِي أكل الزَّرْع وَالثِّمَار والبقول إِذا كَانَ يسقيها بِالْمَاءِ النَّجس وعلفها بالنجاسات. فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: هِيَ مُبَاحَة. وَقَالَ أَحْمد: يحرم أكلهَا وَيحكم بنجاستها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وَاخْتلفُوا فِي ابْن آوى. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: هُوَ حرَام. وَقَالَ مَالك: هُوَ مَكْرُوه. ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَاخْتلفُوا فِي الهر الوحشي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: حرَام. وَقَالَ مَالك: مَكْرُوه كَرَاهِيَة مُغَلّظَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: أَنه مُبَاح، وَالْأُخْرَى: أَنه محرم. ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان. وَاتَّفَقُوا على أَن للْمُضْطَر أَن يَأْكُل الْميتَة بِمِقْدَار مَا يمسك رمقه إِذا لم يكن الْميتَة لحم بني آدم وَلم يجد الْمُضْطَر غَيرهَا. فَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَأحمد: لَا يجوز لَهُ أكله. وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز لَهُ ذَلِك. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُضْطَر أَن يَأْكُل من الْميتَة غير ميتَة الْآدَمِيّ حَتَّى يشْبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يشْبع مِنْهَا. وَعَن مَالك وَأحمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يجوز لَهُ الشِّبَع، وَزَاد مَالك: جَوَاز التزود مِنْهَا. وَالْأُخْرَى: مِقْدَار الْجَوَاز من ذَلِك المسبلة، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الشِّبَع. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وجد الْمُضْطَر ميتَة غير الْآدَمِيّ وَطَعَامًا للْغَيْر، وَمَالك الطَّعَام غَائِب. فَقَالَ مَالك وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَبَعض أَصْحَاب أبي حنيفَة يَأْكُل من مَال الْغَيْر بِشَرْط الضَّمَان. وَقَالَ أَحْمد وَبَقِيَّة أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَأَصْحَاب الشَّافِعِي يَأْكُل من الْميتَة. وَاخْتلفُوا فِي الشحوم الَّتِي حرمهَا الله على الْيَهُود بقوله تَعَالَى {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا كل ذِي ظفر وَمن الْبَقر وَالْغنم حرمنا عَلَيْهِم شحومها إِلَّا مَا حملت ظهورهما أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم} [الْأَنْعَام: 146] هَل إِذا تولى ذبحه يَهُودِيّ يكره للْمُسلمين أكله أم لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: هُوَ مُبَاح للْمُسلمين وَإِن تولى ذبحه الْيَهُود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هِيَ مَكْرُوهَة إِذا تولى ذَبحهَا الْيَهُود، وَالْأُخْرَى: هِيَ مُحرمَة على الْمُسلمين إِذا ذَبحهَا الْيَهُود. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَيْضا. اخْتَار الأول مِنْهَا وَهِي الَّتِي يَقُول فِيهَا بِالتَّحْرِيمِ. كَذَلِك أَيْضا، أَبُو بكر عبد الْعَزِيز، وَأَبُو الْحسن التَّمِيمِي، وَأَبُو حَفْص الْبَرْمَكِي، وَاخْتَارَ الْكَرَاهَة وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة للخرقي وَابْن حَامِد. وَاتَّفَقُوا على أَن هَذِه الشحوم إِذا تولى لذبحها الْمُسلمُونَ فَإِنَّهَا غير مُحرمَة عَلَيْهِم، وَلَا مَكْرُوهَة لَهُم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جَار على بُسْتَان غَيره، وَهُوَ غير محوط، وَفِيه فَاكِهَة رطبَة. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يُبَاح لَهُ الْأكل من غير ضَرُورَة إِلَّا بِإِذن مَالِكه، وَمَعَ الضَّرُورَة يَأْكُل بِشَرْط الضَّمَان. وَاخْتلف الرِّوَايَة عَن أَحْمد فَقَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يُبَاح لَهُ الْأكل من غير ضَرُورَة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُبَاح لَهُ الْأكل عِنْد الضَّرُورَة بشرطها لَا غير، وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. فَأَما إِن كَانَ عَلَيْهِ حَائِط فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْأكل إِجْمَاعًا إِلَّا بِإِذن مالكة. وَاخْتلفُوا هَل تجب الضِّيَافَة على الْمُسلمين بَعضهم لبَعض بالقرى وَغير رواد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 الْأَسْوَاق، على الْمُقِيم مِنْهُم للْمُسَافِر إِذا مر بهم. فَقَالَ أَحْمد: تجب. وَقَالَ الْبَاقُونَ: هِيَ غير وَاجِبَة، وَمُدَّة الْوَاجِب عِنْده لَيْلَة وَالْمُسْتَحب ثَلَاثَة، وَهِي إِذا امْتنع الْمُقِيم من أهل الْقرى من ذَلِك كَانَ دينا عَلَيْهِ عِنْد أَحْمد، كَمَا ذكرنَا. بَاب السَّبق وَالرَّمْي. وَاتَّفَقُوا على أَن السَّبق وَالرَّمْي مشروعان ويجوزان على الْعِوَض. وَاتَّفَقُوا على أَن السَّبق بالنصل والخف والحافر جَائِز. وَاخْتلفُوا فِي الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام بعوض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ مَالك وَأحمد ك لَا يجوز. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 فَإِن كَانَت الْمُسَابقَة على الْإِقْدَام بِغَيْر عوض فَهِيَ جَائِزَة إِجْمَاعًا. وَاتَّفَقُوا على أَن اللّعب بالنرد حرَام. وَأَنه ترد الشَّهَادَة بِهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن اللّعب بالشطرنج حرَام. إِلَّا مَا يروي عَن الإِمَام الشَّافِعِي فِي إِبَاحَته فَإِنَّهُ بَلغنِي عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا منعُوا صلَاتهم من النسْيَان وَأَمْوَالهمْ من النُّقْصَان، وألسنتهم من الهذيان، رَجَوْت أَن يكون مداعبة بَين الإخوان. وَأما الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فقد ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: وَيكرهُ اللّعب بالشطرنج لِأَنَّهُ لعب لَا ينْتَفع بِهِ فِي أَمر الدّين وَلَا حَاجَة تدعوا إِلَيْهِ، فَكَانَ تَركه أولى وَلَا يحرم لِأَنَّهُ روى اللّعب بِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأبي هُرَيْرَة، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَذكر كلَاما طَويلا إِلَى أَن قَالَ: وَمن لم يكثر مِنْهُ لم ترد شَهَادَته، فَإِن الْتَزمهُ ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ من الصَّغَائِر، فَفرق بَين قليلها وكثيرها، وَإِن ترك فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الْمُرُوءَة بِأَن يلْعَب بِهِ على الطَّرِيق أَو تكلم فِي لعبة بِمَا يستخف من الْكَلَام ردَّتْ شَهَادَته لترك الْمُرُوءَة. قَالَ الْوَزير: وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق عَمَّن أَبَاحَهُ من الْمَذْكُورين رَضِي الله عَنْهُم فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا ثَبت فِي كتَابنَا هَذَا الصَّحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 كتاب الْأَيْمَان وَاتَّفَقُوا على أَنه من حلف على يَمِين لزمَه الْوَفَاء بذلك إِذا كَانَ طَاعَة. ثمَّ اخْتلفُوا هَل لَهُ أَن يعدل عَن الْوَفَاء بهَا إِلَى الْكَفَّارَة مَعَ الْقُدْرَة على فعلهَا. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي: الأولى أَن لَا يعدل، فَإِن عدل جَازَ، وَلَزِمتهُ الْكَفَرَة. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يَجْعَل أسم الله عز وَجل عرضة للأيمان يمْنَع من بر وصلَة، فَإِن كَانَ قد حلف فَالْأولى لَهُ أَن يَحْنَث إِذا حلف على ترك الْبر وَيكفر، وَيرجع فِي إِيمَان إِلَى النِّيَّة، فَإِن لم يكن نِيَّة نظر إِلَى سَبَب الْيَمين وَمَا هاجها. وَاتَّفَقُوا على أَن الْيَمين بِاللَّه منعقدة، وبجميع أَسْمَائِهِ الْحسنى كالرحمن والرحيم والحي وَغَيرهَا وبجميع صِفَات ذَاته سُبْحَانَهُ كعزة الله وجلاله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتثْنى علم الله فَلم يره يَمِينا، وَسَيَأْتِي ذَلِك فِيمَا بعد. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْيَمين المغموس هَل لَهَا كَفَّارَة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه: لَا كَفَّارَة لَهَا لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تكفر. وَالْيَمِين المغموس هِيَ الْحلف بِاللَّه على أَمر مَاض مُعْتَمد الْكَذِب فِيهِ. واجمعوا على أَن الْيَمين المنعقد هُوَ أَن يحلف بِاللَّه على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل على أَن يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله، وَإِذا حنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أقسم بِاللَّه، وَأشْهد بِاللَّه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ يَمِين وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة. وَقَالَ مَالك: مَتى قَالَ: أقسم أَو أَقْسَمت، فَإِن قَالَ: بِاللَّه لفظا أَو نِيَّة، كَانَ يَمِينا، وَإِن لم يتَلَفَّظ بِهِ، وَلَا نَوَاه فَلَيْسَ بِيَمِين. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قَالَ: أقسم بِاللَّه وَنوى بِهِ الْيَمين كَانَ يَمِينا، وَإِن نوى بِهِ الْإِخْبَار فَلَيْسَ بِيَمِين، وَإِن أطلق وَلم ينْو شَيْئا فلأصحابه وَجْهَان: مِنْهُم من رجح كَونه يَمِينا وَهُوَ صَاحب الشَّامِل. وَمِنْهُم من رَجَعَ كَونه لَيْسَ بِيَمِين. فَأَما إِذا قَالَ: أشهد بِاللَّه وَنوى الْيَمين. قَالَ الشَّافِعِي: يكون يَمِينا، فَأَما إِذا أطلق فلأصحابه خلاف كالخلاف فِي الْمَسْأَلَة الأولى. قَالُوا: وَالصَّحِيح من مذْهبه أَنه إِذا أطلق لم يكن يَمِينا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أشهد لَأَفْعَلَنَّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يكون يَمِينا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يكون يَمِينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَعلم الله. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكون يَمِينا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون يَمِينا اسْتِحْسَانًا. قَالَ الْوَزير: وَالَّذِي أرَاهُ فِي هَذَا أَن أَبَا حنيفَة لم يكن يرتاب فِي أَن الله عز وَجل عَالم بِعلم، وَأَن الْعلم صفة من صِفَات ذَاته، فَإِذا حلف بهَا حَالف وَحنث لَزِمته الْكَفَّارَة، وَإِنَّمَا الَّذِي أرَاهُ فِي مقْصده لذَلِك أَن الْعلم يتَنَاوَل المعلومات كلهَا. فَإِذا قَالَ الْقَائِل: وَعلم الله فَيجوز أَن ينْصَرف إِلَى أَنه سُبْحَانَهُ قد علم بَاطِن سره فِي صَدَقَة فِي ذَلِك أَو صريمه عزيمته فِي الثَّبَات عَلَيْهِ مَعَ كَونه يجوز أَن قد حلف بِصفة الله الَّتِي هِيَ الْعلم. فَلَمَّا تردد الْأَمر فِي احْتِمَال هَذَا النُّطْق بَين هذَيْن المعنين لم ير انْعِقَاد الْيَمين. قَالَ الْوَزير: ثمَّ أَنِّي بعد كَلَامي هَذَا علمت أَن الْبَزْدَوِيّ وَأَبا زيد ذكرا نَحوا مِنْهُ وعللا بِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَحقّ الله. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يكون يَمِينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون يَمِينا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لعَمْرو الله، وأيم الله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ يَمِين، سَوَاء نوى بِهِ الْيَمين أم لم ينْو. وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَن لم يرد بِهِ الْيَمين لم يكن يَمِينا. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف بالمصحف. فَقَالَ مَالك وَأحمد: ينْعَقد يَمِينه فَإِن حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا. قَالَ الْوَزير: وَقد نقل فِي ذَلِك خلاف لما ذَكرْنَاهُ وَلَكِن هُوَ مِمَّن لَا يعْتد بقوله. قَالَ الْوَزير: قلت أَن من خَالف فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يعْتد بقوله لكَونه أعلم أَنه لَيْسَ بقول صَحِيح لَكِن لم أعلم أَنِّي سبقت إِلَيْهِ حَتَّى رَأَيْت بعد فِي كتاب التَّمْهِيد لِابْنِ عبد الْبر هَذِه الْمَسْأَلَة بِعَينهَا، وَقد حكى فِيهَا أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَاخْتِلَافهمْ فِي قدر الْكَفَّارَة مَعَ اتِّفَاقهم على إِيجَابهَا، ثمَّ قَالَ: وَلَا مُخَالف لهَذَا إِلَّا من لَا يعْتد بقوله، وَذكر كلَاما كثيرا على عَادَته فِي الْبسط، وَأَشَارَ إِلَى توهين الْمُخَالفين لذَلِك بِمَا هُوَ مسطور فِي كِتَابه لمن أثر الْوُقُوف عَلَيْهِ وَالْحَمْد لله على التَّوْفِيق. وَاخْتلف مَالك وَأحمد فِي قدر الْكَفَّارَة إِذا حنث وَكَانَ قد حلف بالمصحف. فَقَالَ مَالك: كَفَّارَة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك فِي إِيجَاب كَفَّارَة وَاحِدَة، وَالْأُخْرَى: يلْزمه بِكُل آيَة مِنْهُ كَفَّارَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَقَالَ أَحْمد: تَنْعَقِد يَمِينه، وَإِن حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا تَنْعَقِد يَمِينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وَاخْتلفُوا فِي يَمِين الْكَافِر هَل تَنْعَقِد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تَنْعَقِد يَمِينه سَوَاء حنث حَال كفره أَو بعد إِسْلَامه، وَلَا يَصح مِنْهُ كَفَّارَة. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: تَنْعَقِد يَمِينه وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ فيهمَا فِي الموضوعين. وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة تجب عِنْد الْحِنْث فِي الْيَمين على أَي وَجه كَانَ من كَونه طَاعَة أَو مَعْصِيّة أَو مُبَاحا. وَاخْتلفُوا فِي مَوضِع الْكَفَّارَة هَل يتَقَدَّم الْحِنْث أَو يكون بعده؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا بعد الْحِنْث بِكُل حَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز تَقْدِيمهَا على الْحِنْث مَتى كَانَ مُبَاحا. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يجوز تَقْدِيمهَا قبل الْحِنْث وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد، وَالْأُخْرَى: لَا يجوز فَإِن كفر قبل الْحِنْث فَهَل بَين مَا كفر بِهِ من الصّيام وَالْإِطْعَام وَالْعِتْق فرق أم لَا؟ فَقَالَ أَحْمد وَمَالك: لَا فرق بَين ذَلِك كُله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز تَقْدِيم التَّكْفِير بالصيام وَيجوز مَا عداهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَاخْتلفُوا فِي لَغْو الْيَمين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ: لَغْو الْيَمين أَن يحلف بِاللَّه على أَمر يَظُنّهُ على مَا حلف عَلَيْهِ ثمَّ يتَبَيَّن أَنه بِخِلَافِهِ سَوَاء قَصده أَو لم يَقْصِدهُ، فَسبق على لِسَانه. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: يجوز أَن يكون فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَال. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك وَقَالَ أَحْمد: هُوَ فِي الْمَاضِي فَحسب. وَأَجْمعُوا، أَعنِي ثَلَاثَتهمْ، على أَنه لَا إِثْم فِيهَا وَلَا كَفَّارَة. وَعَن مَالك: أَن لَغْو الْيَمين هُوَ أَن يَقُول: لَا وَالله، وبلى وَالله، على وَجه المحاورة من غير قصد إِلَى عقدهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَغْو الْيَمين مَا لم يعقده، فَإِن عقده فَلَيْسَ بلغو، وَإِنَّمَا يتَصَوَّر اللُّغَة عِنْده فِي مثل قَول الرجل: لَا وَالله، وبلى وَالله عِنْد المحاورة وَالْغَضَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 واللجاج من غير قصد، سَوَاء كَانَت على الْمَاضِي أَو الْمُسْتَقْبل وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد: ففائدة الْخلاف بَين أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَته الأولى أَنه إِذا جرى على لِسَانه يَمِين على فعل مُسْتَقْبل فَإِنَّهَا تَنْعَقِد على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، وَإِن حنث فِيهَا وَجَبت الْكَفَّارَة، وعَلى الْمَذْهَب الآخر لَا تَنْعَقِد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليتزوجن على امْرَأَته. فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يبر حَتَّى يَأْتِي بِشَرْطَيْنِ: أَن يتَزَوَّج بِمن يشْتَبه أَن تكون نظيرة لَهُ، وَالْأُخْرَى: أَن يدْخل بهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يبر بِمُجَرَّد العقد فَقَط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَالله لَا شربت لزيد المَاء، يقْصد بِهِ قطع الْمِنَّة. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك: مَتى انْتفع بِشَيْء من مَاله بِأَكْل أَو شرب أَو عَارِية أَو ركُوب أَو غير ذَلِك، حنث. يذهبان فِي ذَلِك إِلَى مَا يفهم من هَذَا النُّطْق من قطع الْمِنَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث إِلَّا بِمَا تنَاوله ونطقه من شرب المَاء فَقَط. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار، وَهُوَ ساكنها، فَخرج مِنْهَا بِنَفسِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 دون رحْلَة وَأَهله. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يبر حَتَّى يخرج بِنَفسِهِ ورحله وَأَهله. وَقَالَ الشَّافِعِي: يبر إِذا خرج بِنَفسِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل دَار فَقَامَ على سطحها أَو حائطها أَو دخل إِلَى بَيت فِيهَا شَارِع إِلَى الطَّرِيق، فَإِنَّهُ يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يدْخل شَيْئا من عرصاتها، فَإِن رقا على سطحها من غَيرهَا وَلم ينزل إِلَيْهَا لَا يَحْنَث. ولأصحابه فِي تَخْصِيص هَذَا النُّطْق بالسطح المتحجر وَجْهَان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا أَدخل دَار زيد هَذِه فَبَاعَهَا زيد، فَدَخلَهَا الْحَالِف. فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: مَتى دَخلهَا حنث، وَإِن كَانَت خرجت عَن ملك زيد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث إِذا دَخلهَا بعد انتقالها من ملك زيد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يكلم هَذَا الصَّبِي، فَصَارَ شَيخا، وَلَا آكل هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 الْحمل فَصَارَ كَبْشًا، وَلَا آكل هَذَا الْبُسْر فَصَارَ رطبا، أَو هَذَا الرطب فَصَارَ تَمرا، أَو هَذَا التَّمْر فَصَارَ حلواً، وَلَا أَدخل هَذِه الدَّار فَصَارَت ساحة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث فِي الْبُسْر وَالرّطب، وَيحنث فِيمَا عدا ذَلِك. وللشافعية فِي ذَلِك وَجْهَان. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث إِذا فعل ذَلِك فِي الْجَمِيع. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل بَيْتا فَدخل الْمَسْجِد وَالْحمام. فَقَالَ أَحْمد وَحده: يَحْنَث. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن بَيْتا، فسكن بَيْتا من جُلُود أَو شعر أَو خيمة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ من أهل الْأَمْصَار فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث، وَإِن كَانَ من أهل الْبَادِيَة حنث. وَلم نجد عَن مَالك فِيهَا قولا إِلَّا أَن أُصُوله تَقْتَضِي حُصُول الْحِنْث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَنْصُوص عَنهُ، وَأحمد: يَحْنَث إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة قرويا كَانَ أَو بدويا. وَقد ذكر بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ: إِن كَانَ من أهل الْبَادِيَة حنث، وَإِن كَانَ قرويا فَثَلَاثَة أوجه، أَحدهَا: يَحْنَث، وَالثَّانِي: لَا يَحْنَث، وَالثَّالِث: إِن كَانَت قريته قَرْيَة من البدو (وَنظر) فَوْقهَا حنث، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف أَن لَا يفعل شَيْئا فَأمره غَيره فَفعله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَحْنَث فِي الطَّلَاق وَالنِّكَاح، وَلَا يَحْنَث فِي البيع وَالْإِجَارَة إِلَّا أَن يكون أَمِيرا، أَو مِمَّن لم يجر عَادَته أَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَث على الْإِطْلَاق. وَقَالَ مَالك: إِن لم ينْو تَوْلِيَة ذَلِك بِنَفسِهِ فَلَيْسَ يَحْنَث بِأَيّ فعل كَانَ، سَوَاء كَانَ مِمَّا يَصح فِيهِ النِّيَابَة أَو لَا يَصح. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ سُلْطَانا أَو كَانَ مِمَّن لَا يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، أَو كَانَ لَهُ نِيَّة فِي ذَلِك حنث وَإِن كَانَ سوقه: لم يَحْنَث. وَقَالَ أَحْمد: يَحْنَث على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليقضينه دينه فِي غَد، فقضاه قبله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يَحْنَث. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز فِي غَد فأهريق قبل الْغَد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط يَمِينه وَلَا يَحْنَث. وَقَالَ أَحْمد: يَحْنَث. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِن تلف المَاء قبل الْغَد بِغَيْر اخْتِيَاره لم يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا، وَكَانَ الْيَمين أَن لَا يَفْعَله مُطلقًا من غير تَقْيِيد. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يَحْنَث بِإِطْلَاقِهِ، سَوَاء كَانَت الْيَمين بِاللَّه أَو بالظهار أَو بِالطَّلَاق أَو بالعتاق. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى قوليه: لَا يَحْنَث وَهُوَ أظهرهمَا. وَاخْتَارَ الْقفال أَن الطَّلَاق يَقع، والحنث لَا يحصل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِن كَانَت الْيَمين بِاللَّه أَو بالظهار أَن لَا يفعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 شَيْئا فَفعله نَاسِيا لم يَحْنَث وَإِن كَانَ بِالطَّلَاق وَالْعتاق حنث. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: أَنه يَحْنَث فِي الْجَمِيع. وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: لَا يَحْنَث فِي الْجَمِيع. وَاخْتلفُوا فِي يَمِين الْمُكْره. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ينْعَقد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حلف لَا أكلم فلَانا حينا، وَنوى شَيْئا معينا أَنه مَا نَوَاه. وَاخْتلف فِيمَا إِذا حلف بذلك وَلم يُنَوّه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يكلمهُ سِتَّة أشهر. وَقَالَ مَالك: سنة. وَقَالَ الشَّافِعِي: سَاعَة، هَكَذَا من ذكر مذْهبه. وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَو حلف ليقضينه دينه إِلَى حِين، فَلَيْسَ بِمَعْلُوم لِأَنَّهُ يَقع على مُدَّة الدُّنْيَا على يَوْم إِلَى آخِره. كَمَا ذكره صَاحب الشَّامِل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ: إِن خرجت بِغَيْر إذني فَأَنت طَالِق، فَخرجت وَنوى شَيْئا معينا فَهُوَ على مَا نَوَاه، فَإِن حلف بذلك وَلم ينْو شَيْئا، أَو قَالَ: أَنْت طَالِق إِن خرجت، إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى آذن لَك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ لَهَا: إِن خرجت بِغَيْر إذني فَأَنت طَالِق فالإذن فِي كل مرّة لَا بُد مِنْهُ. وَإِن قَالَ: إِلَّا أَن آذن لَك، أَو حَتَّى آذن لَك، أَو إِلَى أَن آذن لَك، كفى مرّة وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْخُرُوج الأول يحْتَاج إِلَى الْإِذْن، وَسَوَاء قَالَ: بِغَيْر إذني أَو إِلَى أَن آذن لَك، أَو حَتَّى آذن لَك، وَلَا يفْتَقر إِلَى إِذن بعده فِي كل مرّة، هَذَا نصهما. وَقَالَ أَحْمد: يحْتَاج إِلَى إِذن كل مرّة، وَسَوَاء قَالَ حَتَّى آذن، أَو إِلَى أَن آذن لَك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل اللَّحْم فَأكل السّمك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل الرؤوس، وَأطلق، وَلم ينْو شَيْئا بِعَيْنِه، وَلَا وجد سَبَب يسْتَدلّ بِهِ على النِّيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 فَقَالَ مَالك وَأحمد: يحمل على جَمِيع مَا يُسمى رَأْسا حَقِيقَة فِي وضع اللُّغَة وَعرفهَا من الْأَنْعَام والطيور والسمك وَالْحِيتَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحمل على رُؤُوس الْبَقر وَالْغنم خَاصَّة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يحمل على رُؤُوس الْبَقر وَالْإِبِل وَالْغنم. وَاخْتلفُوا (فِيمَا إِذا قَالَ) : لَا أكلم فلَانا فكاتبه أَو أرسل إِلَيْهِ رَسُولا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: لَا يَحْنَث. وَقَالَ مَالك: يَحْنَث فِي الْمُكَاتبَة. وَفِي الرسَالَة ولإشارة رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليضربنه مائَة سَوط، فَضَربهُ بضغث فِيهِ مائَة شِمْرَاخ، فَهَل يبر؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يبر، وَإِن علم أَن جَمِيعه قد أَصَابَهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يبر. وَعَن أَحْمد مَا يدل على أَنه يبر. وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو وَحلف لَا يهب لفُلَان هبة فَتصدق عَلَيْهِ بِصَدقَة. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَحْنَث. إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون على وَجه الْمَنْفَعَة أَو الْمَنّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف أَنه لَيْسَ مَال وَله دُيُون. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا خلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة، فَأكل الرطب وَالرُّمَّان وَالْعِنَب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَحده: لَا يَحْنَث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل أدما فَأكل اللَّحْم أَو الْخبز أَو الْبيض. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث إِلَّا بِأَكْل مَا يصنع بِهِ. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَحْنَث بِأَكْل مَا قدمنَا ذكره. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يشم البنفسج، فشم دهنه. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يَحْنَث. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يستخدم هَذَا العَبْد فخدمه من غير أَن يستخدمه وَهُوَ سَاكِت لَا ينهاه عَن خدمته. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن لم يسْتَحق مِنْهُ الْخدمَة قبل الْيَمين فخدمه بِغَيْر أمره لم يَحْنَث. وَإِن كَانَ الْيَمين على خَادِم قد استخدمه قبل الْيَمين فَلم يجدد أمره بِشَيْء من الْخدمَة، وَبَقِي على الْخدمَة لَهُ حنث. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث فِي عبد غَيره، وَفِي عبد نَفسه وَجْهَان لأَصْحَابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يَحْنَث سَوَاء كَانَ استخدمه قبل ذَلِك أَو لم يكن يستخدمه، وَسَوَاء كَانَ عِنْده أَو عِنْد غَيره. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يتَكَلَّم فَقَرَأَ الْقُرْآن. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَحْنَث سَوَاء قَرَأَ فِي صَلَاة أَو غَيرهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَرَأَ فِي الصَّلَاة لم يَحْنَث، وَإِن قَرَأَ فِي غير الصَّلَاة حنث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل دَارا وَهُوَ فِيهَا فاستدام الْمقَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَالله لَا أَدخل على فلَان بَيْتا، فَأدْخل فلَان عَلَيْهِ واستدام الْمقَام عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَا يَحْنَث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر وَأحمد: يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن مَعَ فلَان فِي دَار بِعَينهَا، فاقتسمها وَجعلا بَينهمَا حَائِطا، وَجعل كل وَاحِد لَهُ بَابا وعلقا وَسكن كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي خير. فَقَالَ مَالك: يَحْنَث. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث. وَعَن أَبُو حنيفَة رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يَحْنَث، وَالْآخر: كمذهب الْجَمَاعَة فِي أَنه لَا يَحْنَث. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: مماليكي أَو عَبِيدِي أَحْرَار. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْخل فِي الْمُدبر وَأم الْوَلَد. وَأما الْمكَاتب فَلَا يدْخل فِيهِ إِلَّا بنية. وَأما الشّقص فَلَا يدْخل أصلا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يدْخل الْكل فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَقَالَ مَالك: يدْخل فِي ذَلِك العَبْد وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد والشقص. وَقَالَ الشَّافِعِي: يدْخل فيهم العَبْد وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد. وَعِنْده فِي الْمكَاتب قَولَانِ، أصَحهمَا عِنْد أَصْحَابه: لَا يدْخل فِي الطَّلَاق. وَقَالَ أَحْمد: يدْخل فيهم العَبْد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد والشقص. وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يدْخل الشّقص إِلَّا بنية. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حلف لَا يَأْكُل رطبا فَأكل مدينا أَنه يَحْنَث. بَاب كَفَّارَة الْيَمين اتَّفقُوا على أَن الْكَفَّارَة إطْعَام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة، والحالف مُخَيّر فِي أَي ذَلِك شَيْئا، فَإِن لم يجد شَيْئا من ذَلِك انْتقل حِينَئِذٍ إِلَى صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجب التَّتَابُع فِي الصَّوْم؟ فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يجب. وَقَالَ مَالك لَا يجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، جديدهما: أَنه لَا يجب التَّتَابُع، وقديمهما يجب، وَله اخْتَار الْمُزنِيّ. فَإِن وَجب على الْمَرْأَة الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْيَمين فصامت، ثمَّ حَاضَت فِي بعض الْأَيَّام أَو مَرضت فِي بعض الْأَيَّام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبطل التَّتَابُع بهما. وَقَالَ أَحْمد: لَا يبطل التَّتَابُع بهما. وَقَالَ الشَّافِعِي: يبطل التَّتَابُع فِي الْحيض وَفِي الْمَرَض قَولَانِ. وَقَالَ مَالك: بَاقٍ على أَصله من كَونه لَا يجب التَّتَابُع. وَأما الْإِعْتَاق فَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِلَّا عتق رَقَبَة سليمَة من الْعُيُوب خَالِيَة من شركَة أَو عقد وَعتق أَو استحقاقة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهَا الْإِيمَان. قلت: وَأما هَذِه الشُّرُوط فَإِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ: {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَهَذَا الْكَلَام يفهم مِنْهُ أَنَّهَا تكون كَامِلَة خاليه من شركَة، إِذْ لَو عتق رَقَبَة مُشْتَركَة لَكَانَ قد أعتق بعض رَقَبَة، وَكَذَلِكَ فِي أَنه يتَنَاوَل أَن تكون سليمَة الْأَطْرَاف غير مَعِيبَة عَيْبا يهدم مَنْفَعَة من مَنَافِعهَا لِأَن الرَّقَبَة تسْتَعْمل وَيُرَاد بهَا الْجُمْلَة لأَنهم يَقُولُونَ: ملك كَذَا وَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 رَقَبَة، إِذا ملك كَذَا وَكَذَا إنْسَانا، وَالله مَالك رِقَاب الْعباد، فَهُوَ نطق يتَنَاوَل جُمْلَتهمْ، فَإِذا أطلق فِي عتق الرَّقَبَة، وَقد كَانَ عدم من تِلْكَ الرَّقَبَة جُزْءا فَإِن الْمُعْتق لَا يكون حِينَئِذٍ قد أعتق رَقَبَة يشْتَمل نطقها على كمالها بل يكون كمن أعتق رَقَبَة إِلَّا جُزْءا أَو جزئين أَو غير ذَلِك، فَأَما أَن تكون مُؤمنَة، فَإِنِّي أرى هَذَا النُّطْق يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن لَا تكون مُؤمنَة لِأَن الْعتْق حِينَئِذٍ فِي لُغَة الْعَرَب الخلوص. وَكَذَلِكَ يُقَال: فرس عَتيق إِذا كَانَ خَالِصا لم يُشبههُ هجنة، فَإِذا أعتق نفسا هِيَ رهن بِدُخُول النَّار فَكَأَنَّمَا أخرج فِي عتقه نفسا مَرْهُونَة عَن حق هُوَ أعظم من الْحق الَّذِي انْتَقَلت إِلَيْهِ، ولان الْعتْق إِنَّمَا يُرَاد بِهِ تَخْلِيص رَقَبَة الْمُعْتق لِعِبَادِهِ الله. فَإِذا أعتق رَقَبَة كَافِرَة فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا فرغها لعباد إِبْلِيس وخلصها من شغل الْخلق لَهَا من عبَادَة الْأَوْثَان إِلَى العكوف عَلَيْهَا، فَكَأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهَا إِلَّا مُؤمنَة. وَأَيْضًا أَن الْعتْق قربه إِلَى الله على سَبِيل الْحمل والهدية أفيحسن أَن يتَقرَّب إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِعَبْد كَافِر كَانَت رقبته مَشْغُولَة بِالرّقِّ فخلصها مِنْهُ لتشرك بِهِ تَعَالَى. وَأَجْمعُوا على أَنه لَو أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام فَإِنَّهُ لَا يحْسب لَهُ إِلَّا بإطعام وَاحِد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يُجزئهُ عَن عشرَة مَسَاكِين. وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يطعم لكل مِسْكين؟ فَقَالَ مَالك: مد بِالْمَدِينَةِ إِذا أخرج الْكَفَّارَة فِيهَا، وَفِي بَقِيَّة الْأَمْصَار وسط من الشِّبَع وَهُوَ رطلان بالبغدادي، وَشَيْء من الْأدم. فَإِن اقْتصر على مد أَجزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا اخْرُج جُزْءا اقْتصر بِصَاع، وَإِن أخرج شَعِيرًا أَو تَمرا فصاع، وَلم يعْتَبر بَلَدا دون بلد. وَقَالَ أَحْمد: لكل مِسْكين شَعِيرًا أَو تَمرا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لكل مِسْكين مد. فَأَما الْكسْوَة فَهِيَ مقدرَة لكل مِسْكين، بِأَقَلّ مَا تجزى بِهِ الصَّلَاة عِنْد مَالك وَأحمد. فَفِي حق الرجل ثوب كالقميص والإزار، وَفِي حق الْمَرْأَة قَمِيص وخمار، فيجزى فِي حق الرجل ثوب وَاحِد، وَلَا يجزى فِي حق الْمَرْأَة أقل من ثَوْبَيْنِ، وبأقل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَقَالَ أَبُو حنيفَة: اقل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم قبَاء أَو قَمِيص أَو رِدَاء أَو كسَاء، فَأَما الْعِمَامَة والمنديل والسراويل والمئزر فَلهم فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ: تجزىء جَمِيع ذَلِك، وَفِي القلنسوة وَجْهَان لأَصْحَابه وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن الْخُف والنعل لَا يجزى فِي الْكسْوَة. وَأَجْمعُوا على أَنه إِنَّمَا يجوز دَفعهَا إِلَى الْفُقَرَاء الْمُسلمين الْأَحْرَار. وَفِي الصَّغِير المتغذي بِالطَّعَامِ يدْفع إِلَى وليه، فَأَما الصَّغِير الَّذِي لم يطعم. الطَّعَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح أَيْضا أَن يدْفع لوَلِيِّه. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دَفعهَا إِلَى ذمِّي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز أَن يَدْفَعهَا إِلَى فقراءهم. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة إِلَى على الطَّعَام وَالْكِسْوَة. إِلَّا أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ أجَازه. وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو أطْعم خَمْسَة وكسا خَمْسَة. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يُجزئهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا تُجزئه. وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا أطْعم من جِنْسَيْنِ فأطعم خَمْسَة برا وخمسه تَمرا، أَو خَمْسَة برا وَخَمْسَة شَعِيرًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الْيَمين على شَيْء وَاحِدًا، وعَلى أَشْيَاء وَحنث. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: عَلَيْهِ بِكُل يَمِين كَفَّارَة سَوَاء كَانَت على فعل وَاحِد أَو على أَفعَال. إِلَّا أَن مَالِكًا اعْتبر إِرَادَة التَّأْكِيد فَقَالَ: إِن أَرَادَ التَّأْكِيد فكفارة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ الِاسْتِئْنَاف فَلِكُل يَمِين كَفَّارَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة فِي الْجَمِيع وَهِي الْجَمِيع، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بكر عبد الْعَزِيز من أَصْحَابه، وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ فِي أَنه إِذا حلف بهَا على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فَفِي كل وَاحِد مِنْهَا كَفَّارَة، وَإِن كَانَ على شَيْء وَاحِد فكفارة وَاحِدَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت على شَيْء وَاحِد، وَنوى بِمَا زَاد على الأولى التَّأْكِيد فَهُوَ على مَا نوى، وَيلْزمهُ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ بالتكرار الِاسْتِئْنَاف فَفِي الْكَفَّارَة قَولَانِ، أَحدهمَا: كَفَّارَة وَاحِدَة، وَالثَّانِي: كفارتان وَإِن كَانَت على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فكفارات لكل شَيْء مِنْهَا كَفَّارَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَرَادَ العَبْد التَّكْفِير بالصيام فَهَل يملك سَيّده مَنْعَة؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ سيدة أذن لَهُ فِي الْيَمين والحنث لم يكن لَهُ مَنعه، وَإِن لم يَأْذَن لَهُ فيهمَا كَانَ لَهُ مَنعه. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ لسَيِّده مَنْعَة على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: لسَيِّده مَنعه من ذَلِك سَوَاء كَانَ أذن لَهُ أَو لم يَأْذَن إِلَّا فِي كَفَّارَة الظِّهَار فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعَة. وَقَالَ مَالك: إِن أضرّ بِهِ الصَّوْم كَانَ لسيدة مَنْعَة وَإِن لم يضر بِهِ فَلَا يمنعهُ وَله الصَّوْم من غير إِذْنه إِلَّا فِي كَفَّارَة الظِّهَار. فَلَيْسَ لَهُ مَنعه مِنْهَا مُطلقًا. بَاب النّذر اتَّفقُوا على أَن النّذر ينْعَقد بِنذر النَّاذِر إِذا كَانَ فِي طَاعَة، فإمَّا إِذا نذر أَن يَعْصِي الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 فاتفقوا على أَنه لَا يجوز أَن يَعْصِي الله. ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة بِهِ، وَهل ينْعَقد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد نَذره وَلَا يلْزمه بِهِ كَفَّارَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: ينْعَقد وَلَا يحل لَهُ فعلة وموجبه كَفَّارَة، وَالْأُخْرَى: لَا ينْعَقد وَلَا يلْزمه كَفَّارَة كالباقين ولأصحاب الشَّافِعِي فِي وجوب الْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ النّذر مَشْرُوط بِشَيْء فَإِنَّهُ يَحْنَث بِحُصُول ذَلِك الشَّيْء. وَأَجْمعُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أَن شفا الله مريضي فَمَا لي صَدَقَة. فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله الزكوية اسْتِحْسَانًا قَالُوا: وَهُوَ الْقيَاس. وَلَهُم قَول آخر يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَا يملكهُ. وَلم يحفظ عَن أبي حنيفَة فِيهَا نَص. وَقَالَ مَالك: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله الزكوية وَغَيرهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَا يملكهُ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله الزكوية وَغَيرهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَالْأُخْرَى: يرجع فِي ذَلِك إِلَى مَا نَوَاه من مَال دون مَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ على وَجه اللجاج وَالْغَضَب: إِن دخلت الدَّار فَمَالِي صَدَقَة أَو عَليّ حجَّة أَو صِيَام سنة فَفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يلْزمه الْوَفَاء بِمَا قَالَه وَلَا يُجزئهُ الْكَفَّارَة. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُجزئهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة يَمِين. قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: وَرجع أَبُو حنيفَة عَن القَوْل الأول إِلَى القَوْل بِالْكَفَّارَةِ. وَقَالَ مَالك: يلْزمه فِي الصَّدَقَة أَن يتَصَدَّق بِثلث مَاله وَلَا يُجزئهُ الْكَفَّارَة عَنهُ. وَفِي الْحَج وَالصَّوْم يلْزمه الْوَفَاء بِمَا قَالَه لَا غير. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا: يجب الْوَفَاء، وَالْآخر: هُوَ مُخَيّر إِن شَاءَ وفا بِمَا قَالَه، وَإِن شَاءَ كفر كَفَّارَة يَمِين. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: هُوَ مجير بَين أَن يكفر كَفَّارَة يَمِين، وَبَين أَن يَفِي بِمَا قَالَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وَالْأُخْرَى: الْوَاجِب بِمَا قَالَ: الْكَفَّارَة لَا غير. وَاخْتلفُوا فِيمَن نذر منذرا مُطلقًا. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: يَصح وَيلْزمهُ كلزوم الْمُطلق وَفِيه كَفَّارَة يَمِين. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى قوليه: لَا يَصح حَتَّى يعلقه بِشَرْط أَو صفة فَيَقُول: أَن كَانَ كَذَا فعلى كَذَا، وَفِي القَوْل الآخر: يَصح وَيلْزمهُ كلزوم الْمُعَلقَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر ذبح وَلَده. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يلْزمه أَن يذبح شَاة وَيتَصَدَّق بلحمها كالمدي. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه شَيْء. وَاخْتلفُوا فِي النّذر الْمُبَاح هَل ينْعَقد مثل قَوْله: لله عَليّ أَن اركب دَابَّتي، أَو ألبس ثوبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد وَلَا يلْزمه شَيْء. وَقَالَ أَحْمد: ينْعَقد وَيكون مُخَيّرا بَين الْوَفَاء بِمَا الْتزم وَبَين تَركه وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة لتَركه. وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين بِمُجَرَّد اللَّفْظ لَا بِالْحِنْثِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر أَن يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئهُ أَن يُصَلِّي أَيْن شَاءَ من الْمَسَاجِد. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يلْزمه أَن يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا يُجزئهُ صلَاته فِي غَيره. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو بَيت الْمُقَدّس أَو الْمَشْي إِلَيْهِمَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه وَلَا ينْعَقد نَذره. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يلْزمه ذَلِك وَينْعَقد. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر صَلَاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يلْزمه رَكْعَتَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: تلْزمهُ رَكْعَة. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 كتاب القضايا وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يتَوَلَّى الْقَضَاء من لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز ذَلِك وَإِذا مَاتَ الإِمَام أَو نَائِبه يَنْعَزِل ولَايَته فِي الْمَشْهُور. قلت: وَالصَّحِيح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن قَول من قَالَ: لَا يجوز تَوْلِيَة قَاضِي حَتَّى يكون من أهل الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِنَّمَا عني بذلك مَا كَانَت الْحَال عَلَيْهِ قبل اسْتِقْرَار مَا اسْتَقر من هَذِه الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الَّتِي أَجمعت الْأمة عَلَيْهِ على أَن كل وَاحِد مِنْهَا يجوز الْعَمَل بِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَند إِلَى أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِلَى سنته. فَالْقَاضِي فِي هَذَا الْوَقْت وَإِن لم يكن أهل من الِاجْتِهَاد وَإِن لم يكن قد سعى فِي طلب الحَدِيث واتقان طرقه وَعرف من لُغَة النَّاطِق بالشريعة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا يعوزه مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 يحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ وَغير ذَلِك من شُرُوط الِاجْتِهَاد، فَإِن ذَلِك مِمَّا قد فرغ لَهُ مِنْهُ غَيره ودأب لَهُ فِيهِ، وانْتهى الْأَمر من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين إِلَى مَا أرى جَوَابه من بعدهمْ، وانحصر الْحق فِي أقاويلهم، وتدونت الْعُلُوم، وانتهت إِلَى مَا اتَّضَح فِيهِ الْحق، فَإِذا على القَاضِي فِي أقضيته بِمَا يَأْخُذهُ عَنْهُم أَو عَن الْوَاحِد مِنْهُم فَإِنَّهُ فِي معنى من كَانَ أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى قَول قَالَه، وعَلى ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا أخرج من خلافهم متوخيا مَوَاطِن الاتقان مَا أمكنه كَانَ أَخذ بِالْحرم عَاملا بِالْأولَى. وَكَذَلِكَ إِذا قصد فِي مَوَاطِن الْخلاف توخي مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر مِنْهُم وَالْعَمَل بِمَا قَالَه الْجُمْهُور دون الْوَاحِد، فَإِنَّهُ قد أَخذ بِالْجَزْمِ، وَالْأَحْسَن والاقوى مَعَ سَوَاء أَن يعْمل بقول الْوَاحِد إِلَّا أَنِّي أكره لَهُ أَن يكون ذَلِك، من حَيْثُ أَنه قَرَأَ مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم أَو نَشأ فِي بَلْدَة لم يعرف فِيهَا إِلَّا مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم أَو كَانَ شَيْخه أَو معلمه على مَذْهَب فَقِيه من الْفُقَهَاء خَاصَّة فقصر نَفسه على اتِّبَاع ذَلِك الْمَذْهَب حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 أَنه إِذا حضر عِنْده خصمان فَكَانَ مَا تشاجرا فِيهِ مِمَّا يَعْنِي الْفُقَهَاء الثَّلَاث فِيهِ بِحكم بِحَدّ التَّوْكِيل بِغَيْر رضى الْخصم، وَكَانَ الْحَاكِم حَنِيفا وَقد علم أَن مَالِكًا وَأحمد وَالشَّافِعِيّ. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز هَذَا التَّوْكِيل. إِلَّا أَبَا حنيفَة لم يجز هَذِه الْوكَالَة فَعدل عَن مَا أجمع عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة بِمُجَرَّد أَنه قَالَ فَقِيه فِي الْجُمْلَة من فُقَهَاء الِاتِّبَاع لَهُ من غير أَن يثبت عِنْده بِالدَّلِيلِ وَلَا أَدَاة الِاجْتِهَاد إِلَّا أَن مَا قَالَه أَبُو حنيفَة أولى مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الْجَمَاعَة، فَإِنِّي أَخَاف على هَذَا أَن يكون متبوعا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ اتبع فِي ذَلِك هَوَاهُ، وَأَن لَا يكون مِمَّن لَا يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَاضِي على مَذْهَب مَالك فاختصم إِلَيْهِ فِي سُؤْر الْكَلْب مَعَ كَونه يعلم أَن الْفُقَهَاء كلهم قضوا بِنَجَاسَتِهِ فَعدل إِلَى مذْهبه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَاضِي على مَذْهَب الشَّافِعِي فَتَنَازَعَ إِلَيْهِ خصمان فِي ترك التَّسْمِيَة عمدا. فَقَالَ أَحدهمَا: إِن هَذَا مَنَعَنِي من بيع مذكاة وأفسدها عَليّ، وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا منعته من بيع الْميتَة فقضي عَلَيْهِ بمذهبه وَقد علم أَن الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة على خِلَافه، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ القَاضِي على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد فاختصم إِلَيْهِ خصمان. فَقَالَ أَحدهمَا: عَليّ مَال، وَقَالَ الآخر: قد كَانَ لَهُ عَليّ وَقَضيته فَقضى عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ من إِقْرَاره، وَقد علم أَن الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة على خِلَافه، فَإِن هَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا يوحي اتِّبَاع الْأَكْثَر فِيهِ أقرب عِنْدِي الْخَلَاص وأرجح فِي الْعَمَل وَيَقْتَضِي هَذَا، فَإِن ولايات الْأَحْكَام فِي وقتنا هَذَا ولَايَة صَحِيحَة، وَإِنَّهُم قد سدوا ثغرا من ثغور الْإِسْلَام سدة فروض كِفَايَة. وَقد أهملنا هَذَا القَوْل وَلم نذكرهُ ومشينا على طَرِيق التغافل الَّتِي يمشي من يمشي فِيهَا من الْفُقَهَاء الَّذين يذكر كل مِنْهُم فِي كتاب أبي حنيفَة أَو كَلَام إِن قَالَ أَنه لَا يَصح أَن يكون أصلة قَاضِيا حَتَّى يكون من أهل الِاجْتِهَاد، ثمَّ يذكر من شُرُوط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 الِاجْتِهَاد أَشْيَاء لَيست مَوْجُودَة فِي الْحُكَّام فَإِن ذَلِك كالأصالة وكالتناقص فَكَأَنَّهُ تَعْطِيل الْأَحْكَام وسد لباب الحكم وَأَن لَا ينفذ حق وَلَا يُكَاتب بِهِ وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك من هَذِه الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، فَكَانَ هَذَا غير صَحِيح، وَبَان أَن الصَّحِيح أَن الْحُكَّام الْيَوْم حكوماتهم صَحِيحَة نَافِذَة وولايتهم جَائِزَة شرعا. وَاخْتلفُوا هَل الْقَضَاء من فرض الكفايات؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ من فروض الكفايات وَيتَعَيَّن على الْمُجْتَهدين الدُّخُول فِيهِ إِذا لم يُوجد غَيرهم. وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه: هُوَ لَيْسَ فروض الكفايات وَلَا يتَعَيَّن على الْمُجْتَهد الدُّخُول فِيهِ، وَإِن لم يُؤْخَذ غَيره وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب البَاقِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وَاخْتلفُوا هَل يكره الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره. وَقَالَ مَالك: بل هُوَ السّنة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره إِلَّا أَن يدْخل الْمَسْجِد للصَّلَاة فَتحدث حَادِثَة فَيحكم فِيهَا. وَاخْتلفُوا هَل يَصح أَن تقضي فِيمَا تصح شهادتها فِيهِ؟ وَاخْتلفُوا فِي عدد من يقبل القَاضِي فِي تَفْسِير التَّرْجَمَة وتأديته للرسالة وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والتعريف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تقبل شَهَادَة الرجل فِي ذَلِك كُله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة خَاصَّة: وَيجوز أَن تكون امْرَأَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يقبل أقل من اثْنَيْنِ رجلَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ المتخاصم فِيهِ إِقْرَار بِمَال أَو مَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ قبل فِيهِ رجل وَامْرَأَتَانِ، وَإِن كَانَ إِقْرَار يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْأَبدَان لم يقبل بذلك إِلَّا اثْنَان رجلَانِ. وَاخْتلفُوا فِي سَماع شَهَادَة من لَا تعرف عَدَالَته الْبَاطِنَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْأَل الْحَاكِم عَن بَاطِن عدالتهم فِي الْحُدُود وَالْقصاص قولا وَاحِدًا وَفِي مَا عدا ذَلِك لَا يسْأَل عَنهُ إِلَّا أَن يطعن الْخصم فِيهِ بِمَا لم يطعن فيهم لم يسْأَل عَنهُ وَيسمع شَهَادَتهم ويكتفي بِعَدَالَتِهِمْ فِي ظَاهر أَحْوَالهم. وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَكْتَفِي الْحَاكِم بِظَاهِر الْعَدَالَة حَتَّى تعرف عدالتهم الْبَاطِنَة سَوَاء طعن الْخصم فيهم أَو لم يطعن، أَو كَانَت عدالتهم فِي أحد أَو غَيره. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن الْحَاكِم يَكْتَفِي بِظَاهِر الْإِسْلَام وَلَا يسْأَل عَنْهُم على الْإِطْلَاق وَهِي اخْتِيَار أبي بكر. وَاخْتلفُوا فِي الْجرْح الْمُطلق هَل يقبله؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يقبل حَتَّى يعين نسبه. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الْجَارِح عَالما بِمَا يُوجب الْجرْح مبررا فِي عَدَالَته قبل جرحه مُطلقًا، وَإِن كَانَ غير متضيق بِهَذِهِ الصّفة لم يقبل مِنْهُ إِلَّا بعد تبين السَّبَب. وَاخْتلفُوا فِي جرح النِّسَاء وتعديلهن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا مدْخل لَهُنَّ فِي ذَلِك. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الْمُزَكي: فلَان عدل رَضِي. فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يَكْفِي ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقبل حَتَّى يَقُول: هُوَ عدل رضَا لي وَعلي. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ المذكي عَالما بأَشْيَاء الْعَدَالَة قبل قَوْله فِي تذكيته عدل ورضا. وَلم يفْتَقر إِلَى قَوْله لي وَعلي. وَاتَّفَقُوا على أَن كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي من مصر إِلَى مصر فِي الْحُدُود وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْخلْع غير مَقْبُول. إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ يقبل عِنْده كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي ذَلِك كُله. وَاتَّفَقُوا على أَن كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي من مصر إِلَى مصر فِي الْحُقُوق الَّتِي هِيَ المَال أَو مَا كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ المَال جَائِز مَقْبُول. وَاخْتلفُوا فِي صِيغَة تأديته الَّتِي يقبل مَعهَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يقبل إِلَّا أَن يشْهد اثْنَان أَنه كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي قَرَأَهُ علينا أَو قَرَأَ عَلَيْهِ بحضرتنا. وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: كَقَوْل الْجَمَاعَة، وَالْأُخْرَى: أَنَّهَا إِذا قَالَت: هَذَا كتاب القَاضِي فلَان الْمَشْهُود عِنْده كفىء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَهُوَ قَول أبي يُوسُف. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تكاتب القاضيان فِي بلد وَاحِد. فَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَذكر الطَّحَاوِيّ مِنْهُم أَنه يقبل ذَلِك. وَقَالَ النَّسَفِيّ مِنْهُم أَيْضا: الَّذِي حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا يقبل. قَالَ النَّسَفِيّ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر عِنْدِي. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يقبل وَيحْتَاج إِلَى إِعَادَة التنبه عِنْد الآخر بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا يقبل ذَلِك فِي الْبَلَد الثَّانِيَة. بَاب الْمُقَاسَمَة فِي الْعقار. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الْقِسْمَة مِمَّا يقابلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ بيع أم إِفْرَاز؟ فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: الْقِسْمَة تكون بِمَعْنى البيع وَتَكون بِمَعْنى الْإِفْرَاز. فالموضع الَّذِي تكون فِيهِ بِمَعْنى الْإِفْرَاز هُوَ فِيمَا لَا يتَفَاوَت كالمكيلات والموزونات والمعدودات الَّتِي لَا تَتَفَاوَت كالجوز وَالْبيض فَهِيَ فِي هَذِه إِفْرَاز وتمييز حق حَتَّى يجوز لكل وَاحِد مِنْهُم أَن يتبع نصِيبه مُرَابحَة. والموضع الَّذِي هِيَ فِيهِ بِمَعْنى البيع هُوَ فِيمَا يتَفَاوَت كالثياب وَالْعَقار فَلَا يجوز بَيْعه مُرَابحَة. وَقَالَ مَالك: إِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات كَانَت إِفْرَاز، وَإِن اخْتلفت الْأَعْيَان وَالصِّفَات كَانَ بيعا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: هِيَ بيع. وَقَالَ أَحْمد: هِيَ إِفْرَاز. فعلى قَول من يَرَاهَا إِفْرَاز يجوز عِنْده قسْمَة الثِّمَار الَّتِي يجْرِي فِيهَا الرِّبَا بالخرص، وَمن يَقُول: أَنَّهَا بيع يمْنَع من ذَلِك، وَفِي الْخلاف فِي ذَلِك فَائِدَة أُخْرَى. وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ الْوَقْف مشَاعا، فَأَرَادَ صَاحب الْمُطلق قسْمَة حَقه مِنْهُ جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 على قَول من يَرَاهَا إِفْرَاز وَلَا يجوز على قَول من يَرَاهَا بيعا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلب أحد الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَة، وَكَانَ فِيهَا ضَرَر على الآخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة مِنْهَا هُوَ المتضرر بِالْقِسْمَةِ لَا يقسم وَإِن كَانَ الطَّالِب ينْتَفع بهَا، أجبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مَالك: فحيز الْمُمْتَنع على الْقِسْمَة بِكُل حَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة ينْتَفع بهَا أجبر شَرِيكه الْمُمْتَنع من الْقِسْمَة. وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا ضَرَر، وَإِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة هُوَ المتضرر فعلى قَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يقسم ذَلِك وَيُبَاع وَيقسم ثمنه بَينهمَا. وَاخْتلفُوا فِي أُجْرَة الْقَاسِم. فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه وَأَبُو حنيفَة: هِيَ على الْقَاسِم برؤوس المقتسمين. وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَالشَّافِعِيّ: هِيَ على قدر الْإِنْشَاء. وَاخْتلفُوا هَل هِيَ على الطَّالِب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ على الطَّالِب خَاصَّة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب أَحْمد: هِيَ على الْجَمِيع على قِيَاس قَوْلهم. وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الرَّقِيق بِالْقيمَةِ بَين جمَاعَة إِذا طلب الْقِسْمَة أحدهم هَل يجوز؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقسم وَلَا يَصح فِيهِ الْقِسْمَة. وَقَالَ الْبَاقُونَ: تصح قسمته بِالْقيمَةِ كَمَا يقسم سَائِر الْحَيَوَان بالتعديل والقرعة، وَإِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 بَاب الدَّعَاوَى والبينات اخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجل على رجل لَا يعرف بَينهمَا مُعَاملَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يستدعيه الْحَاكِم ويسأله، فَإِن أنكر حلفه. وَلَا يُرَاعى فِي ذَلِك أَن يكون بَينهمَا مُعَاملَة أَو مُخَالطَة. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يستدعيه وَلَا يسْأَله إِلَّا أَن يكون بَينهمَا مُخَالطَة أَو مُعَاملَة من معِين يزِيد على مُجَرّد الدَّعْوَى، إِلَّا أَن يكون غريبين فَلَا يُرَاعى ذَلِك بَينهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا طلب الْحَاضِر إِحْضَار خصم لَهُ من بلد آخر فِيهِ حَاكم إِلَى الْبَلَد الَّذِي فِيهِ الْخصم الآخر الطَّالِب، فَإِنَّهُ لَا يُجَاب سُؤَاله، فَإِن كَانَ ذَلِك لَا حَاكم فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه الْحُضُور إِلَّا أَن يكون من مَسَافَة يُمكنهُ أَن يرجع فِيهَا فِي يَوْمه. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يحضرهُ الْحَاكِم سَوَاء بَعدت الْمسَافَة بَينهمَا أَو قربت. وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَاكِم يسمع دَعْوَى الْحَاضِر ويثبته على الْغَائِب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحكم بهَا على الْغَائِب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحكم لَهُ عَلَيْهِ وَلَا على من هرب قبل الحكم وَبعد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا يحكم على الْغَائِب بِحَال، إِلَّا أَن يتَعَلَّق الحكم بحاضر مثل أَن يكون للْغَائِب وَكيل أَو وَصِيّ أَو يكون جمَاعَة شُرَكَاء فِي شَيْء فيدعي على أحد مِنْهُم وَهُوَ حَاضر فَيحكم عَلَيْهِ وعَلى الْغَائِب. وَاسْتحْسن مَالك التَّوَقُّف فِي الذَّبَائِح فِي رِوَايَة. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَ: يحكم فِيهَا أَيْضا. وَقَالَ أَصْحَابه: وَهُوَ النّظر. وَقَالَ الشَّافِعِي: يحكم على الْغَائِب إِذا قَامَت الْبَيِّنَة للْمُدَّعِي على الْإِطْلَاق. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: جَوَاز ذَلِك على الْإِطْلَاق كمذهب الشَّافِعِي وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ والخلال. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يجوز ذَلِك كمذهب أبي حنيفَة، وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ إِذا كَانَ الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة حَاضرا وَامْتنع من أَن يحضر بِمَجْلِس الحكم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بالحكم على الْغَائِب فِيمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على غَائِب أَو وَصِيّ أَو 0 مَجْنُون فَهَل يسْتَحْلف الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَة، أَو يحكم بِالْبَيِّنَةِ لصَاحِبهَا من غير استحلاف؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحْلف. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهبهما. وَالْأُخْرَى يحكم بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أَقَامَهَا من غير أَن يسْتَحْلف. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا ثَبت الْحق للْمُدَّعِي على خصم حَاضر مَعَه عِنْد الْحَاكِم شَاهِدين عرف عدالتهما، حكم وَلَا يعرف الْمُدَّعِي مَعَ شاهديه. وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم هَل يجوز لَهُ الحكم بِعِلْمِهِ؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يجوز لَهُ ذَلِك فِي شَيْء أصلا، لَا فِيمَا علمه قبل ولَايَته وَلَا بعْدهَا لَا فِي حُقُوق الله وَلَا فِي حُقُوق الْآدَمِيّين، لَا فِي مجْلِس الحكم وَلَا غيرَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَهُ أَن يحكم فِي الْجَمِيع على الْإِطْلَاق سَوَاء علمه قبل ولَايَته أَو بعْدهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك: لَهُ أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي مجْلِس حِكْمَة فِي الْأَمْوَال خَاصَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحكم بِعِلْمِهِ فِيمَا علمه فِي حَال قَضَائِهِ إِلَّا فِي الْحُدُود الَّتِي هِيَ حُقُوق الله فَيحكم بِعِلْمِهِ فِي الْقَذْف إِذا كَانَ علمه فِي حَال قَضَائِهِ، فَأَما مَا علمه قبل قَضَائِهِ فَلَا يحكم بِهِ على الْإِطْلَاق. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، إِحْدَاهمَا كالرواية عَن أَحْمد وَمَالك، وَالثَّانِي: يحكم فِيمَا علمه قبل ولَايَته وَبعدهَا فِي علمه وَغير علمه إِلَّا فِي الْحُدُود فَإِنَّهَا على قَوْلَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ القَاضِي فِي حَال ولَايَته: قد قضيت على هَذَا الرجل بِحَق أَو بِحَدّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يقبل مِنْهُ ويستوفي مِمَّن عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يقبل قَوْله حَتَّى يشْهد مَعَه عَدْلَانِ أَو عدل. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك. وَالْآخر: كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد. فَإِن قَالَ بعد عَزله: كنت قضيت بِكَذَا فِي حَال ولايتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يقبل مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد: يقبل مِنْهُ. وَاخْتلفُوا هَل يكره للْقَاضِي أَن يتَوَلَّى البيع لنَفسِهِ وَالشِّرَاء؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكره ذَلِك. وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكره لَهُ لَكِن يُوكل وَكيلا لَا يعرف أَنه وَكيل القَاضِي فيتولى ذَلِك لَهُ. وَاخْتلفُوا فِي الرجلَيْن يحتكمان إِلَى رجل من الرّعية من أهل الِاجْتِهَاد ويرضيان بِهِ حكما عَلَيْهِمَا ويسألانه ليحكم بَينهمَا فَهَل يلْزمهُمَا مَا حكم بِهِ؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمهُمَا حِكْمَة وَلَا يعْتَبر رضاهما بذلك وَلَا يجوز لحَاكم الْبَلَد نقضه، وَإِن خَالف رَأْيه أَو رَأْي غَيره إِذا كَانَ مِمَّا يجوز شرعا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه حكمه إِذا كَانَ وَافق حكم حَاكم الْبَلَد، ويمضي حَاكم الْبَلَد إِذا رفع إِلَيْهِ فَإِن لم يُوَافق رَأْي حَاكم الْبَلَد فَلهُ أَن يُبطلهُ، وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف بَين أهل الْعلم. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك وَأحمد، وَالثَّانِي: لَا يلْزمهُمَا حكمه إِلَّا بتراضيهما، وَهَذَا الْخلاف بَينهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن مَا يعود فِي الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 فِي الْأَمْوَال فَأَما فِي اللّعان وَالْقصاص وَالنِّكَاح وَالْحُدُود وَالْقَذْف فَلَا يجوز ذَلِك فِيهِ إِجْمَاعًا. وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم إِذا حكم بِشَيْء وَهُوَ فِي الْبَاطِن على خلاف مَا يحكم بِهِ، هَل ينفذ حكمه فِي الْبَاطِن؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ينفذ حكمه فِيهِ بَاطِنا، وَلَا يحل حكمه الشَّيْء الْمَحْكُوم فِيهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ ذَلِك فِي مَال أَو نِكَاح أَو طَلَاق أَو مِمَّا يملك الْحَاكِم ابتدأه أَو أنشأه أَو مِمَّا لَا يملكهُ على الْإِطْلَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْمَحْكُوم فِيهِ مِمَّا يتَغَيَّر فَإِن الحكم فِيهِ فِي الْبَاطِن، فَأَما مَا ينفذ فِي الظَّاهِر، وَإِن كَانَ عقدا أَو كَانَ فسخا، فَإِن الحكم يعْقد فِيهِ ظَاهرا وَبَاطنا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حكم بِاجْتِهَادِهِ، ثمَّ بَان لَهُ اجْتِهَاد بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا ينْقض الأول وَكَذَلِكَ إِذا رفع إِلَيْهِ حكم غَيره فَلم يره فَإِنَّهُ لَا ينْقضه. بَاب الشَّهَادَات. اتَّفقُوا على أَنه لَيْسَ للْقَاضِي أَن يلقن الشُّهُود بل يسمع مَا يَقُولُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِشْهَاد فِي المبايعات مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب. وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء لَا تقبل شَهَادَتهنَّ فِي الْحُدُود وَالْقصاص. ثمَّ اخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَتهنَّ فِي الْغَالِب فِي مَسْأَلَة بِأَن يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَغير ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك كُله وَسَوَاء كن منفردات فِيهِ أَو مَعَ الرِّجَال. وَلم يذكر عَن مَالك شَيْء. وَاتَّفَقُوا على أَنه تقبل شَهَادَتهنَّ فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كالولادة وَالرّضَاع والبكارة وعيوب النِّسَاء، وَمَا يخفى عَن الرِّجَال غَالِبا. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعدَد الَّذِي يعْتَبر مِنْهُنَّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تقبل شَهَادَة امْرَأَة عدل فِيهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يقبل أقل من شَاهد وَامْرَأَتَيْنِ عدل. وَعَن أَحْمد مثله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تقبل أقل من أَربع نسْوَة عدل. وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّاهِد لَا يشْهد إِلَّا بِمَا علمه يَقِينا وَبِذَلِك جَاءَ الحَدِيث على مثلهَا: فاشهد وَأَشَارَ إِلَى الشَّمْس وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتلفُوا فِي استهلال الطِّفْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 فَقَالَ أَبُو حنيفَة يحْتَاج إِلَى شَهَادَة رجلَيْنِ، أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ ثُبُوت. فَأَما فِي حق الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْغسْل فَيقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن، وَشَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك: يقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: يقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الاستهلال. وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات إِلَّا أَنه على أصلة فِي اشْتِرَاط الْأَرْبَع. وَاخْتلفُوا فِي الرَّضَاع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ، أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء بانفرادهن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات إِلَّا أَن مَالِكًا يَقُول: لَا تجزى فِيهِ أقل من شَهَادَة امْرَأتَيْنِ وَرُوِيَ عَن وهب عَنهُ أَنه يقبل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد إِذا فشى ذَلِك فِي الْجِيرَان قبل الْخطْبَة. وَالشَّافِعِيّ يَقُول: لَا يجزى فِيهِ أقل من أَربع. وَقَالَ أَحْمد: يقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات فِيهِ، وَيجْزِي مِنْهُنَّ امْرَأَة وَاحِدَة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ. وَالْأُخْرَى لَا يقبل أَي من امْرَأتَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا تقبل شَهَادَته وَإِن تَابَ، إِذا كَانَت تَوْبَته بعد الْحَد لَا قبله. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تقبل شَهَادَته سَوَاء كَانَت تَوْبَة قبل الْحَد أَو بعدة. إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط مَعَ التَّوْبَة أَن لَا تقبل شَهَادَته فِي مثل الْحَد الَّذِي أقيم عَلَيْهِ. وَاخْتلف قائلو الشَّهَادَة مَعَ التَّوْبَة: هَل من شَرط تَوْبَته اصْطِلَاح الْعَمَل. فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ شَرط فِي تَوْبَته وَإِصْلَاح الْعَمَل الْكَفّ عَن الْمعْصِيَة سنة. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَرْط، وَمُجَرَّد التَّوْبَة عَن الْمعْصِيَة كَاف. وَقَالَ مَالك: من شَرط قبُول شَهَادَته مَعَ تَوْبَة إِظْهَار فعل الْخَيْر عَلَيْهِ والتقرب بِالطَّاعَةِ من غير حد بِسنة. وَاخْتلفُوا فِي صفة تَوْبَته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَن يَقُول: الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت. وَقَالَ مَالك وَأحمد: هِيَ أَن يكذب نَفسه. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْأَعْمَى. فَقَالَ مَالك وَأحمد: تصح فِيمَا طَريقَة السماع كالنسب وَالْمَوْت وَالْملك الْمُطلق، وَالْوَقْف وَالْعِتْق وَسَائِر الْعُقُود كَالنِّكَاحِ وَالْبيع وَالصُّلْح وَالْإِجَارَة وَالْإِقْرَار وَنَحْوه، وَسَوَاء تحملهَا أعمى، أَو بَصيرًا ثمَّ عمى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقبل شَهَادَته أصلا. وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل شَهَادَته فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء، فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: طَريقَة الاستفاضة والترجمة والضبط. وَلَا تقبل شَهَادَته بالضبط حَتَّى يتَعَلَّق بِإِنْسَان يسمع إِقْرَاره، ثمَّ لَا يتْركهُ من يَده حَتَّى يُؤَدِّي شَهَادَته عَلَيْهِ وَلَا يقبل فِيمَا عدا ذَلِك. وَاتَّفَقُوا على أَن شَهَادَة العبيد لَا تصح على الْإِطْلَاق إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أجازها فِيمَا عدا الْحُدُود وَالْقصاص على الْمَشْهُور من مذْهبه. وَاخْتلف مانعوا شَهَادَة العبيد فِيمَا تَحملُوهُ من الشَّهَادَة حَال رقهم، ثمَّ أدوه بعد عتقهم هَل تقبل؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل شَهَادَتهم بعد زَوَال الْمَانِع سَوَاء كَانُوا شهدُوا بِهِ فِي حَال رقهم فَردَّتْ شَهَادَتهم بِهِ أَو لم يشْهدُوا بِهِ حَتَّى عتقوا. وَقَالَ مَالك: إِن شهدُوا بِهِ فِي حَال رقهم فَردَّتْ شَهَادَتهم لم تقبل شَهَادَتهم بعد عتقهم، وَإِن لم يشْهدُوا بِهِ إِلَّا بعد الْعتْق قبلت شَهَادَتهم. وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا شهد بِهِ الْكَافِر قبل إِسْلَامه وَالصَّبِيّ قبل بُلُوغه فَإِن الحكم فِيهِ عِنْد كل مِنْهُم على مَا ذَكرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة العبيد. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْأَخْرَس. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تصح وَإِن كَانَت لَهُ إِشَارَة تفهم. وَقَالَ مَالك: تصح إِذا كَانَ لَهُ إِشَارَة تفهم. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من قَالَ: تقبل إِذا كَانَت لَهُ إِشَارَة تفهم، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا تقبل. وَهُوَ الَّذِي نصْرَة الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الإستفاضة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز الشَّهَادَة بالإستفاضة فِي خَمْسَة أَشْيَاء: فِي النِّكَاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَالدُّخُول وَالنّسب وَالْمَوْت وَولَايَة الْقَضَاء. وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي خلاف، فَمنهمْ من قَالَ: يجوز فِي النّسَب وَالْمَوْت وَالْملك. وَقَالَ الأصطخري مِنْهُم: يجوز فِي الْملك الْمُطلق وَالْوَقْف وَالنِّكَاح وَالْعِتْق وَالنّسب وَالْمَوْت وَالْوَلَاء. وَقَالَ أَحْمد: تصح فِي هَذِه الْأَشْيَاء السَّبْعَة. وَاخْتلفُوا هَل تجوز الشَّهَادَة فِي الْأَمْلَاك من جِهَة ثُبُوت الْيَد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: يشْهد بِالْيَدِ خَاصَّة فِي الْمدَّة الْيَسِيرَة دون الْملك وَإِن كَانَت الْمدَّة طَوِيلَة لعشر سِنِين فَمَا فَوْقهَا، قطع لَهُ بِالْملكِ إِذا كَانَ الْمُدَّعِي حَاضرا حَال تصرفه فِيهَا وَجوزهُ لَهَا. إِلَّا أَن يكون للْمُدَّعِي قرَابَة أَو يخَاف من سُلْطَان إِن عَارضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من قَالَ كَقَوْل أبي حنيفَة وَأحمد، وَهُوَ الأصطخري. وَمِنْهُم من قَالَ: يشْهد فِي التَّصَرُّف الطَّوِيل الْمدَّة بِالْملكِ، وَفِي التَّصَرُّف الْقصير الْمدَّة بِالْيَدِ. وَهُوَ قَول الْمروزِي. وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة على بَعضهم بَعْضًا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا تقبل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أهل الذِّمَّة على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة خَاصَّة فِي السّفر، إِذا لم يُوجد غَيرهم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَقَالَ أَحْمد: يجوز بِهَذِهِ الشُّرُوط ويحلفان بِاللَّه مَعَ شَهَادَتهمَا أَنَّهُمَا مَا خَانا وَلَا كتما وَلَا غيرا، وَأَنَّهَا وَصِيَّة الرجل. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فِيمَا عدا الْأَمْوَال. وحقوقها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمْوَال بحقوقها هَل يَصح فِيهَا الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي الْعتاق هَل يقبل فِيهِ شَهَادَة وَاحِد وَيَمِين الْمُعْتق أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كمذهبهم، وَالْأُخْرَى: يجوز أَن يحلف الْمُعْتق مَعَ شَاهده وَيحكم لَهُ بذلك. وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن تقبل فِي الْأَمْوَال وحقوقها شَهَادَة امْرَأتَيْنِ مَعَ يَمِين الطَّالِب؟ فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك: يجوز. وَاخْتلفُوا فَمَا إِذا حكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يغرم الشَّاهِد نصف المَال. وَقَالَ مَالك وَأحمد: يغرم الْجَمِيع الشَّاهِد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل إِذا لم تكن الْعَدَاوَة بَينهمَا تخرج إِلَى الْفسق. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: لَا تقبل شَهَادَة الْوَالِدين للمولودين وَلَا المولودين للْوَالِدين الذُّكُور وَالْإِنَاث، قربوا أَو بعدوا من الطَّرفَيْنِ. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: كمذهب الْجَمَاعَة، وَالْأُخْرَى: تجوز شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ وَتجوز شَهَادَة الْأَب لِابْنِهِ. وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: تجوز شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مَا لم تجر نفعا فِي الْغَالِب وشبهة. وَأما شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحِبَة فمقبولة عِنْد الْجَمِيع. إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد على وَلَده فِي الْحُدُود وَالْقصاص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 قلت: وَأَرَادَ بذلك لِأَنَّهَا مُدَّة جملَة فِي الْمِيرَاث. وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَالصديق لصديقه؟ فأجازها أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: لَا تقبل شَهَادَة الْأَخ الْمُنْقَطع لِأَخِيهِ وَالصديق. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا تقبل. وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء والبدع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا مجتنبين للكذب إِلَّا الخطابية من الرافضة فَإِنَّهُم يصدقون من حلف عِنْدهم بِأَن لَهُ على فلَان كَذَا فَيَشْهَدُونَ بذلك. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة من شرب النَّبِيذ تناولا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ:: تقبل شَهَادَتهم. وَقَالَ مَالك: لَا تقبل. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة ولد الزِّنَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تقبل فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. وَقَالَ مَالك: لَا تقبل فِي الزِّنَا وَتقبل فِيمَا عداهُ. وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة بدوي على قروي إِذا كَانَ البدوي عدلا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل فِي كل شَيْء. وَقَالَ مَالك يجوز فِي الْجراح وَالْقَذْف خَاصَّة وَلَا تقبل فِيمَا عدا ذَلِك من الْحُقُوق الَّتِي يُمكن التَّوَقُّف عَنْهَا بإشهاد الْحَاضِرين إِلَّا أَن تكون تحملهَا بالبادية. وَقَالَ أَحْمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِي ثُبُوت الشَّهَادَة على الشَّهَادَة. فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تقبل فِي كل شَيْء من الْأَحْكَام من حُقُوق الله وَحُقُوق الْآدَمِيّين. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: تقبل فِي حُقُوق الْآدَمِيّين وَلَا تقبل فِي حُقُوق الله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجوز فِي الْعُقُوبَات سَوَاء كَانَت لله أَو لآدميين وَتقبل فِيمَا عدا ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل فِي حُقُوق الْآدَمِيّين قولا وَاحِدًا. وَهل تقبل فِي حُقُوق الله كَحَد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر؟ قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تقبل. وَاخْتلفُوا فِي شُهُود الْفَرْع هَل يجوز أَن يكون فيهم شَاهد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَاخْتلفُوا فِي عدد شُهُود الْفَرْع أَيْضا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز فِيهِ شَهَادَة اثْنَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على شَاهِدي الأَصْل. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، أَحدهمَا: مثل هَذَا، وَالثَّانِي: يحْتَاج إِلَى أَن يكون أَرْبَعَة فَيكون على كل شَاهد من شُهُود الأَصْل شَاهد. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز شَهَادَة شُهُود الْفَرْع مَعَ وجود شُهُود الأَصْل، إِلَّا أَن يكون ثمَّ عذر يمْنَع شُهُود الأَصْل من مرض أَو غيبَة تقصر فِيهَا الصَّلَاة. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا تقبل شَهَادَة شُهُود الْفَرْع إِلَّا بعد موت شُهُود الأَصْل. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ بِالْمَالِ، ثمَّ رجعا بعد الحكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد: عَلَيْهِمَا الْغرم. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: لَا شَيْء عَلَيْهِمَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا ينْقض الحكم الَّذِي حكم شَهَادَتهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا رَجَعَ الشُّهُود عَن الْمَشْهُود بِهِ قبل الحكم فَإِنَّهُ لَا يحكم بِشَهَادَتِهِم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حكم بِشَهَادَة فاسقين، ثمَّ علم بعد ذَلِك. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض حِكْمَة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: ينْقض حِكْمَة. وَالثَّانِي: لَا ينْقضه. وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: ينْقض حكمه. وَاخْتلفُوا فِي عُقُوبَة شَاهِدي الزُّور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تعزيز عَلَيْهِ بل يُوقف فِي قومه ويعرفون أَنه شَاهد زور. زَاد مَالك بِأَن قَالَ: ويشهر فِي الْجَوَامِع والأسواق والمجامع. قلت: وَالَّذِي أَظن أَبَا حنيفَة إِنَّمَا سقط عَنهُ التعزيز لِأَن الَّذِي أَتَاهُ أعظم من أَن يكون عُقُوبَة التَّعْزِير. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَا بَينه لي أَو كل بَينه لي أقيمها زور ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل. وَقَالَ أَحْمد: لَا تقبل. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا قَالَ الْمُدَّعِي: لي بَيِّنَة حَاضِرَة. وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة على من ادّعى، وَالْيَمِين على من أنكر. وَاخْتلفُوا فِي بَيِّنَة الْخَارِج هَل هِيَ أولى من بَيِّنَة صَاحب الْيَد أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: بَيِّنَة الْخَارِج أولى. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بَيِّنَة صَاحب الْيَد أولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 وَاخْتلفُوا فِي بَيِّنَة الْخَارِج هَل هِيَ مُقَدّمَة على بَيِّنَة صَاحِبَة الْيَد فِي الْأَشْيَاء كلهَا على الْإِطْلَاق أم فِي أَمر مَخْصُوص؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بَيِّنَة الْخَارِج أولى من بَيِّنَة صَاحب الْيَد فِي الْملك الْمُطلق فَأَما مَا يكون مُضَافا إِلَى سَبَب لَا يتَكَرَّر كالنسيج فِي الثِّيَاب الَّتِي لَا تنسج إِلَّا مرّة وَاحِدَة والنساج الَّذِي لَا يتَكَرَّر فَبَيِّنَة صَاحب الْيَد مُقَدّمَة حِينَئِذٍ على بَيِّنَة الْخَارِج أَو أَن يَكُونَا أرخا وَصَاحب الْيَد أسبق تَارِيخا فَإِنَّهُ لَا يكون أولى. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: أَن بَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على الْإِطْلَاق فِي هَذَا كُله، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: بَيِّنَة صَاحب الْيَد مُقَدّمَة على الْإِطْلَاق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تَعَارَضَت بينتان إِلَّا أَن أحداهما أشهر عَدَالَة فَهَل ترجع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا ترجع باشتهار الْعَدَالَة. وَقَالَ مَالك: ترجح بذلك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد إِنْسَان آخر وتعارضت الْبَيِّنَتَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسقطان وَيقسم الشَّيْء بَينهمَا. وَقَالَ مَالك: يَتَحَالَفَانِ ويقسمان وَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر قضى للْحَالِف دون الناكل وَإِن نكلا جَمِيعًا فروايتان عَنهُ، أَحدهمَا: يُوقف حَتَّى يَتَّضِح، وَالْأُخْرَى: تقسم بَينهمَا. وَقَالَ أَحْمد فِي أحد الرِّوَايَتَيْنِ: يسقطان مَعًا. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: تسقطان مَعًا كَمَا لَو لم تكن بَيِّنَة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يستعملان. وَفِي كَيْفيَّة الِاسْتِعْمَال ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهمَا: الْقِسْمَة، وَالثَّانِي: الْقرعَة، وَالثَّالِث: الْوُقُوف. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجلَانِ شَيْئا فِي يَد ثَالِث وَلَا بَيِّنَة لَو أَخذ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِه. فمذهب أبي حنيفَة: أَنه إِن اصطلحا على أَخذه فَهُوَ لَهما، وَإِن لم يصطلحا وَلم يعين: أَحدهمَا: يحلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعْيِين أَنه لَيْسَ لهَذَا، فَإِذا حلف لَهما، فَلَا شَيْء لَهما، فَإِن نكل عَن الْيَمين لأَحَدهمَا أَخذه المنكول عَن الْيَمين لَهُ، وَإِن نكل لَهما أخذا ذَلِك أَو قِيمَته مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُوقف الْأَمر حَتَّى ينْكَشف الْمُسْتَحق أَو يصطلحا. وَقَالَ أَحْمد: يقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته حلف واستحقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وَاخْتلفُوا فِي رجل ادّعى تَزْوِيج امْرَأَة تزويجا صَحِيحا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: تسمع دَعْوَاهُ من غير ذكر شُرُوط الصِّحَّة. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يسمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ حَتَّى يذكر الشَّرَائِط الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا صِحَة النِّكَاح وَهُوَ أَن يَقُول: تَزَوَّجتهَا بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إِن كَانَت ثَيِّبًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نكل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عَن الْيَمين. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيَقْضِي على الْمُدعى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ. وَقَالَ مَالك: ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيقْضى على الْمُدعى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وبشاهد وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيَقْضِي على الْمُدعى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وَاخْتلفُوا فِي تَغْلِيظ الْيَمين بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان. فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يغلظ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يغلظ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى نفسان عبدا كَبِيرا فَأقر أَنه لأَحَدهمَا. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقبل إِقْرَاره إِذا كَانَ مدعياه اثْنَان فَإِن كَانَ مدعيه وَاحِدًا، قبل إِقْرَاره لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يقبل إِقْرَاره فِي الْحَالين. وَمذهب أَحْمد وَمَالك: أَنه لَا يقبل إِقْرَاره لوَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ اثْنَيْنِ، فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا فعلى رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه أعتق عَبده فَأنْكر العَبْد. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى أنكر لم تصح الشَّهَادَة على السَّيِّد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يحكم بِعِتْقِهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي قماش الْبَيْت؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا يصلح للرجل فَهُوَ لَهُ وَمَا يصلح للنِّسَاء فَهُوَ لَهَا، وَمَا يصلح لَهما فَإِنَّهُ يكون للرجل فِي الْحَيَاة؟ وَفِي الْمَوْت للْبَاقِي مِنْهُمَا، وَفرق بَين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 الشَّهَادَة وَالْحكم. وَقَالَ مَالك: مَا يصلح لوَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ دون الآخر، وَمَا يصلح لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ للرجل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يكون بَينهمَا فِي عُمُوم الْأَحْوَال. وَقَالَ أَحْمد: كل مل اخْتصَّ صَلَاحه بِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ نَحْو السَّيْف للرجل، والخلخال للْمَرْأَة، وَمَا يكون صَلَاحه لَهما فَهُوَ لَهما فِي حَال الْحَيَاة وَبعد الْوَفَاة وَلَا فرق بَين أَن يكون أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ من طَرِيق الْمُشَاهدَة أَو من طَرِيق الحكم. وَاخْتلفُوا فِيمَن كَانَ لَهُ على رجل دين فجحده إِيَّاه وَقدر لَهُ على مَال، فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار دينة بِغَيْر إِذْنه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك من جنس مَاله. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِي رِوَايَة ابْن وهب وَابْن نَافِع: إِن لم يكن على غَرِيمه غير دينه استوفى بِقدر حِصَّته من الْمَقَاصِد ورد مَا فضل. وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى هِيَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَهِي مَذْهَب أَحْمد وَهِي: أَنه لَا يَأْخُذ بِغَيْر إِذْنه سَوَاء كَانَ بأدائها لما عَلَيْهِ أَو مَانِعا وَسَوَاء كَانَ لَهُ على حَقه بَيِّنَة أَو لم تكن، وَسَوَاء الدّين قيم المتسلفات كالأثمان، فَوجدَ من جِنْسهَا أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 من غير جِنْسهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك بِغَيْر إِذْنه على الْإِطْلَاق. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الشَّاهِدَانِ: مَاتَ فلَان وَهَذَا ابْنه لَا يعلم لَهُ وَارِث غَيره فَلذَلِك إِذا قَالَا: لَا نعلم لَهُ فِي هَذَا الْبَلَد وَارِثا غَيره أَنه يَرِثهُ. بَاب الْعتْق اتَّفقُوا على أَن الْعتْق من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتق شِقْصا لَهُ فِي مَمْلُوك كَانَ مُوسِرًا. فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. يعْتق عَلَيْهِ وَيضمن حِصَّة صَاحبه، وَإِن كَانَ مُوسِرًا عتق نصِيبه فَقَط. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتق حِصَّته فَقَط، ولشريكه الْخِيَار بَين أَن يعْتق نصِيبه أَو يستسعى العَبْد أَو يضمن شَرِيكه هَذَا إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا، فَإِن كَانَ مُعسرا فَلهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الْخِيَار بَين الْعتْق والسعاية، وَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِين. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ العَبْد بَين ثَلَاثَة، لوَاحِد نصفه وَللْآخر سدسه فَأعتق صَاحب النّصْف وَالسُّدُس ملكهمَا مَعًا فِي زمَان وَاحِد. أَو وكلا وَكيلا فَأعتق ملكهمَا مَعًا فَلم نجد إِلَى الْآن عَن أبي حنيفَة نصا فِيهَا. وَقَالَ مَالك: الضَّمَان بَينهمَا على قدر حصتهما. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسري الْعتْق إِلَى نصيب شريكهما وَعَلَيْهِمَا لَهُ الضَّمَان بِالسَّوِيَّةِ بَينهمَا. وَعَن مَالك نَحوه، وَالْمَشْهُور عَنهُ الأول. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتق عبيده فِي مَرضه وَلَا مَال لَهُ غَيرهم وَلم تجز الْوَرَثَة جَمِيع الْعتْق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتق من كل وَاحِد ثلثه ويستسعى فِي الْبَاقِي. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: يعْتق الثُّلُث بِالْقُرْعَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتق عَبده فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره وَعَلِيهِ دين يستغرقه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يستسعى العَبْد فِي قِيمَته، فَإِذا أَدَّاهَا صَار حرا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: ينفذ الْعتْق. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ وَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا: هَذَا أبتي. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتق وَلَا يثبت نسبه. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا يعْتق بذلك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: أَنْت لله، وَنوى الْعتْق. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يعْتق. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يعْتق. بَاب التَّدْبِير اخْتلفُوا فِي الْمُدبر هَل يجوز بَيْعه؟ وَالْمُدبر هُوَ الَّذِي يَقُول لَهُ سَيّده: إِنَّك حر بعد موتِي، وَعَن دبر مني. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا، وَإِن كَانَ مُقَيّدا بِشَرْط من شُرُوط بعينة:: إِن مَرضت بِعته، فبيعة جَائِز. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز بيعَة فِي حَال الْحَيَاة، وَيجوز بعد الْمَوْت إِن كَانَ على 0 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 السَّيِّد دين. وَإِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَكَانَ يخرج من الثُّلُث عتق جَمِيعه وَإِن لم يحْتَملهُ الثُّلُث عتق مَا يتحمله وَلَا فرق عِنْده بَين الْمُطلق والمقيد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز بَيْعه على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ مُطلقًا أَو مُقَيّدا. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي، وَالْأُخْرَى: بِشَرْط أَن يكون على السَّيِّد دين. واختارها الْخرقِيّ. وَاخْتلفُوا فِي ولد الْمُدبرَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: حكمه حكم أمه إِلَّا أَنه يفرق بَين الْمُطلق والمقيد كَمَا وَصفته من قبل. وَقَالَ مَالك وَأحمد كَذَلِك إِلَّا أَنه لَا فرق عِنْدهمَا بَين مُطلق التَّدْبِير ومقيده. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، أَحدهمَا: كَقَوْل مَالك وَأحمد ن وَالثَّانِي: لَا يتبع أمه وَلَا يكون مُدبرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 بَاب الْمكَاتب اتَّفقُوا على أَن كِتَابَة العَبْد الَّذِي لَهُ كسب مُسْتَحبَّة مَنْدُوب إِلَيْهَا، وَقد بلغ بهَا أَحْمد فِي رِوَايَة عَنهُ إِلَى وُجُوبهَا إِذا دعى العَبْد سَيّده إِلَيْهَا على قدر قِيمَته أَو أَكثر، وَصفَة الْكِتَابَة: أَن يُكَاتب الْمولى عَبده على مَال معِين يسْعَى فِيهِ العَبْد ويؤديه إِلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِي كِتَابَة العَبْد الَّذِي لَا كسب لَهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكره. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا يكره، وَالثَّانِي: كمذهبهم فَأَما كِتَابَة الْأمة الَّتِي هِيَ غير مكتسبة فمكروهة إِجْمَاعًا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَاتب عَبده كِتَابَة حَاله. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هِيَ صَحِيحَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تصح وَلَا تجوز إِلَّا منجمة وَأقله نجمان. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا امْتنع الْمكَاتب من الْوَفَاء وَبِيَدِهِ مَال بَقِي بِمَا عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ لَهُ مَال فَيجْبر على الْأَدَاء وَإِن لم يكن لَهُ مَال لم يجْبر على الِاكْتِسَاب. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ تعجيزه مَعَ الْقُدْرَة على الِاكْتِسَاب، فعلى هَذَا يجْبر على الِاكْتِسَاب حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجْبر على الْأَدَاء وَيكون للسَّيِّد الْفَسْخ. وَاخْتلفُوا فِي الإيتاء فِي الْكِتَابَة. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: هُوَ وَاجِب لقَوْله تَعَالَى {وءاتوهم من مَال الله الَّذِي ءاتكم} . وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: هُوَ مُسْتَحبّ. وَاخْتلف موجباه هَل هُوَ مُقَدّر؟ فأوجبه الشَّافِعِي من غير تَقْدِير. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي تَقْدِيره. فَقَالَ بَعضهم: مَا اخْتَارَهُ مَوْلَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: يقدره الْحَاكِم بِاجْتِهَادِهِ كالمتعة. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُقَدّر، وَهُوَ بِأَن يحط السَّيِّد عَن عَبده بأَدَاء ربع الْكِتَابَة أَو يُعْطِيهِ مِمَّا قَبضه ربعه. وَاخْتلفُوا فِي بيع رَقَبَة الْمكَاتب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز. إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: يجوز بيع مَال الْكِتَابَة وَهُوَ الدّين الْمُؤَجل بِثمن حَال إِذا كَانَ عينا فَيعرض، وَإِن عرضا فبعين. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنه لَا يجوز. وَقَالَ أَحْمد: يجوز وَلَا يكون البيع فسخا للكتابة بل يُجزئهُ المُشْتَرِي على ذَلِك وَيقوم فِيهِ مقَام السَّيِّد الأول. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ العَبْد بَين شَرِيكَيْنِ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُكَاتب فِي حِصَّته بِمَا شَاءَ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ: كاتبتك على ألف دِرْهَم أَو نَحْوهَا فَأَنت حر، وَيَنْوِي الْعتْق، إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بُد من ذَلِك وَاخْتلفُوا فِي مُكَاتبَة الَّذِي أسلم فِي يَده. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: يجوز. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يجوز، وَالْآخر كمذهبهم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت أمة وَشرط وَطئهَا فِي عقد الْكِتَابَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَقَالَ أَحْمد: يجوز، ذكره الْخرقِيّ. بَاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَاخْتلفُوا فِي أم ولد الْمكَاتب، هَل يجوز أَن يَبِيعهَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز لَهُ أَن يَبِيع أم وَلَده، ويستقر لَهَا حكم الِاسْتِقْلَال بِعِتْقِهِ. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز لَهُ بيعهَا إِذا كَانَ مستظهرا على الْكسْب قَادِرًا على أَدَاء الْكِتَابَة، فَإِن كَانَ عَاجِزا بَاعهَا واستبقى الْوَلَد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلمت أم ولد الذِّمِّيّ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقْضِي عَلَيْهَا بالسعاية، فَإِذا أدَّت عتقت. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فَروِيَ عَنهُ: تعْتق عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنهُ: تبَاع عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُحَال بَينه وَبَينهَا من غير عتق وَلَا سِعَايَة وَلَا بيع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي. وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تزوج أمه غَيره وأولدها ثمَّ ملكهَا. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا تصير أم ولد، وَيجوز لَهُ بيعهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تصير أم ولد، وَالْأُخْرَى كمذهبهما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أم ولد على أَصله. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا استولد جَارِيَة ابْنه. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: تصير أم ولد. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لَا تصير أم ولد. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْتَرَاهَا أَو ابتاعها وَهِي حَامِل مِنْهُ. فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا تصير أم ولد وَيجوز لَهُ بيعهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ. وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تصير أم ولد وَالْأُخْرَى كمذهبهما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أم ولد على أَصله. وَاخْتلفُوا فِيمَا يلْزم الْوَالِد من ذَلِك لأبنه؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يضمن قيمتهَا خَاصَّة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يضمن قيمتهَا ومهرها، وَأما قيمَة الْوَلَد فَفِيهِ قَولَانِ. وَقَالَ أَحْمد: لَا يلْزمه قيمتهَا وَلَا قيمَة الْوَلَد وَلَا مهرهَا. وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة أم وَلَده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ذَلِك. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز لَهُ ذَلِك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتلت أم الْوَلَد سَيِّدهَا عمدا أَو خطأ وَاخْتَارَ الْأَوْلِيَاء المَال. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ عمدا فيقتص مِنْهَا وَإِن كَانَ خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا. وَقَالَ مَالك: إِن قتلتىه عمدا فَلَا دِيَة وَتصير رَقِيقا للْوَرَثَة وَإِن شَاءُوا استخدموها وَكَانَت أمه لَهُم، وَإِن شَاءُوا قتلوها، فَإِن استحيوها جلدت مائَة وحبست عَاما. وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهَا الدِّيَة. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا يجب عَلَيْهَا أقل الْأَمريْنِ من قيمتهَا أَو الدِّيَة، وَالْأُخْرَى: عَلَيْهَا قيمَة نَفسهَا اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. قلت: فَهَذَا فِيمَا ترَاهُ مقنع إِن شَاءَ الله من جَمِيع الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة على كَونه رُبمَا كَانَ ينْدر وُقُوعه أَيْضا، إِلَّا أَنه قد يُمكن ذُو اللب أَن يفرع مِنْهُ مسَائِل أخر على أَنه لَيْسَ من شَرط الْفَقِيه الْمُجْتَهد أَن يكون عَالما بِكُل مَسْأَلَة انْتهى إِلَيْهَا تَفْرِيع الْمُتَأَخِّرين، فَإِن فِي هَذَا الْكتاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ من هَذِه الْمسَائِل الْكَثِيرَة المتداولة مَا قد روينَاهُ فِيهِ الْمَذْهَب الْوَاحِد مِنْهُم والاثنين وَالثَّلَاثَة، وَلم نجد الرَّابِع فِيهَا قولا فِيمَا علمناه إِلَى الْآن فَانْتهى إِلَيْنَا وَلم تنقصه من دَرَجَة اجْتِهَاده إِلَى أَن علمه ذَلِك فضل. فَهَذَا الْفِقْه الَّذِي جمعناه هَاهُنَا علمه مثبوت فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا أَن الْفُقَهَاء إِنَّمَا أخذُوا أجل الْفِقْه من الْأَحَادِيث الصِّحَاح وَأكْثر قياسهم على الْأُصُول الثَّابِتَة بهَا، وَإِنَّمَا جمعناه ليسهل تنَاوله وَيقرب لاقْتِضَاء الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين)) ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَحْمُود على توفيقه لذَلِك ونسأله جلّ اسْمه أَن ينفعنا بِهِ وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ. وَالْحَمْد لله وَحده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 الخاتمة. وَبِهَذَا تمّ بِحَمْد الله وتوفيقه كتاب ((اخْتِلَاف الْأَئِمَّة)) لمُحَمد بن يحيى بن هُبَيْرَة، وَالَّذِي جمع فِيهِ مَا اخْتلف فِيهِ الْأَئِمَّة وَمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة العديدة فِي جَمِيع كتب الْفِقْه. وَقد قُمْت بتحقيق المخطوط بِمَا يسرة الله لي من كتب الْفِقْه مَعَ كتب الصِّحَاح والتاريخ وتراجم الرِّجَال. وأسأل الله الْعلي الْأَعْلَى أَن ينفعنا بِعلم هَؤُلَاءِ الرِّجَال وراجيا من الْأُخوة الْقُرَّاء تَوْجِيه النصح لنا فِي أَي تَقْصِير كَانَ منا فالكمال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنحن نتعلم إِلَى أَن يأتينا الْمَوْت، وَلِأَن الْفِقْه بَحر عَظِيم نحاول أَن نغترف مِنْهُ بِمَا أَعْطَانَا الله من كتاب وَسنة فهما الحكم وهما الْمرجع لنا جَمِيعًا ((رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا)) وَصلى اللَّهُمَّ وَسلم وَبَارك على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم أَجْمَعِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 المراجع. 1. صَحِيح بخاري، طبعة دَار الْكتب العلمية. 2. صَحِيح مُسلم طبعة دَار الْكتب العلمية. 3. سنَن أبي دَاوُد، طبعة دَار الريان للتراث. 4. سنَن التِّرْمِذِيّ، طبعة دَار الْكتب العلمية. 5. سنَن النَّسَائِيّ، الْكُبْرَى، والمجتبي. 6. سنَن ابْن مَاجَه، طبعة دَار إحْيَاء الْكتب الْعَرَبيَّة. 7. مُعْجم شُيُوخ ابْن الإعرابي، من تحقيقنا، طبعة دَار الْكتب العلمية. 8. الْحَاوِي فِي بَيَان آثَار الطَّحَاوِيّ، من تحقيقنا، طبعة دَار الْكتب العلمية. 9. الْمُلْتَقط فِي الفتاوي الْحَنَفِيَّة، من تحقيقنا، طبعة دَار الْكتب العلمية. 10. تَارِيخ الْإِسْلَام الذَّهَبِيّ، طبعة دَار الْغَد الْعَرَبِيّ. 11. موسوعة رجال الْكتب التِّسْعَة، طبعة دَار الْكتب العلمية. 12. الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، طبعة وزارة الْأَوْقَاف المصرية. 13. الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، طبعة دَار الْكتاب الْمصْرِيّ. 14. فقه السّنة للشَّيْخ سيد سَابق، طبعة دَار التراث. 15. المجالسة وجواهر الْعلم، للدينوري، من تحقيقنا، طبعة دَار الْكتب العلمية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442