الكتاب: القوانين الفقهية المؤلف: أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ) عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- القوانين الفقهية ابن جزي الكلبي الكتاب: القوانين الفقهية المؤلف: أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ) عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تَرْجَمَة الْمُؤلف هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أَحْمد بن جزي الْكَلْبِيّ الغرناطي من ذَوي الْأَصَالَة والوجاهة والنباهة وَالْعَدَالَة الإِمَام الْحَافِظ الْعُمْدَة المتفنن أَخذ عَن ابْن الزبير ولازم ابْن رشد وَأَبا الْمجد بن أبي الْأَحْوَط وَالْقَاضِي ابْن برطال وَأَبا الْقَاسِم بن الشَّاط وانتفع بِهِ وَابْن الكماد وَالْوَلِيّ الطنجالي وَغَيرهم وَمِنْه أبناؤه مُحَمَّد وَأَبُو بكر أَحْمد وعبد الله وأمان الدّين بن الْخَطِيب وَإِبْرَاهِيم الخزرجي وَغَيرهم ألف فِي فنون من الْعلم مِنْهَا وَسِيلَة الْمُسلم فِي تَهْذِيب صَحِيح مُسلم والأقوال السّنيَّة فِي الْكَلِمَات السّنيَّة والدعوات والأذكار المخرجة من صَحِيح الْأَخْبَار والقوانين الْفِقْهِيَّة فِي تَلْخِيص مَذْهَب الْمَالِكِيَّة والتنبيه على مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والحنبلية وتقريب الْوُصُول إِلَى علم الْأُصُول والنور الْمُبين فِي قَوَاعِد عقائد الدّين والمختصر البارع فِي قِرَاءَة نَافِع وأصول الْقُرَّاء السِّتَّة غير نَافِع والفوائد الْعَامَّة فِي لحن الْعَامَّة وَغير ذَلِك مِمَّا قَيده من التَّفْسِير وَالْقِرَاءَة وفهرسة كَبِيرَة اشْتَمَلت على كثير من أهل الْمشرق وَالْمغْرب توفّي شَهِيدا فِي وَاقعَة طريف سنة 741 وَكَانَ مولده سنة 693 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مُقَدّمَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم قَالَ عبد الله خديم الْكتاب وَالسّنة مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن جزي الْكَلْبِيّ تَابَ الله عَلَيْهِ آمين الْحَمد لله ذِي الْجلَال الَّذِي عجزت عَن إِدْرَاك كنهه عقول العارفين والكمال الَّذِي قصرت عَن إحصاء ثنائه أَلْسِنَة الواصفين وَالْقُدْرَة الَّتِي وجلت من رهبتها قُلُوب الْخَائِفِينَ وَالْعَظَمَة الَّتِي عنت لعزتها وُجُوه الطائعين والعاكفين وَالْعلم الَّذِي أحَاط بِمَا فَوق الْعَرْش إِلَى أطباق الثرى وَالْحكمَة الَّتِي ظهر أَثَرهَا فِي كل مَا نَشأ وبرأ وذرأ مِمَّا نرى وَمِمَّا لَا نرى وَالرَّحْمَة الواسعة الَّتِي شملت أكنافها فِي جَمِيع الورى وَالنعْمَة السابغة وَالْحجّة الْبَالِغَة والسطوة الدامغة لمن كذب وافترى سُبْحَانَهُ من مليك لم يخلق عباده عبثاولم يتركهم سدى بل أرسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين وداعين إِلَى الْحق وَالْهدى وَنهى وَأمر وحذر وَبشر ووعد من اهْتَدَى وأوعد من اعْتدى ثمَّ ختم الرسَالَة بنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاحب الدعْوَة التَّامَّة والرسالة الْعَامَّة إِلَى الْإِنْس والجان وَالْملَّة الناسخة لجَمِيع الْأَدْيَان والشريعة الْبَاقِيَة إِلَى آخر الزَّمَان والآيات الْبَينَات والأدلة القاطعة الساطعة الْبُرْهَان وَأنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان وَجعله معْجزَة ظَاهِرَة للعيان متجددة مَا اخْتلف الملوان وتعاقب الْأَزْمَان فَمَا قَبضه الله إِلَيْهِ حَتَّى أكمل بِهِ الدّين وأوضح السَّبِيل المستبين وأقامه حجَّة الله على الْخلق أَجْمَعِينَ وَظهر فِي الْوُجُود مصداق قَوْله تَعَالَى ((وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين)) ف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبارك وترحم وَشرف وكرم وعَلى آله الطاهرين وَأَصْحَابه الأكرمين (أما بعد) فَهَذَا كتاب فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قوانين الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ومسائل الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة على مَذْهَب إِمَام الْمَدِينَة أبي عبد الله مَالك بن أنس الأصبحي رَضِي الله عَنهُ إِذْ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أهل بِلَادنَا بالأندلس وَسَائِر الْمغرب اقْتِدَاء بدار الْهِجْرَة وتوفيقا من الله تَعَالَى وَتَصْدِيقًا لقَوْل الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يزَال أهل الْمغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة) ثمَّ زِدْنَا إِلَى ذَلِك التَّنْبِيه على كثير من الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف الَّذِي بَين الإِمَام الْمُسَمّى وَبَين الإِمَام أبي عبد الله أَحْمد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَالْإِمَام أبي حنيفَة النُّعْمَان ابْن ثَابت وَالْإِمَام أبي عبد الله بن حَنْبَل لتكمل بذلك الْفَائِدَة ويعظم الِانْتِفَاع فَإِن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة هم قدوة الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض وأولو الأتباع والأشياع وَرُبمَا نبهت على مَذْهَب غَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين كسفيان الثَّوْريّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وعبد الله بن الْمُبَارك وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأبي ثَوْر وَالنَّخَعِيّ وداوود بن عَليّ إِمَام الظَّاهِرِيَّة وَقد أكثرنا من نقل مذْهبه وَاللَّيْث بن سعد وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُم مُجْتَهد فِي دين الله ومذاهبهم طرق موصلة إِلَى الله وَاعْلَم أَن هَذَا الْكتاب ينيف على سَائِر الْكتب بِثَلَاث فَوَائِد (الْفَائِدَة الأولى) أَنه جمع بَين تمهيد الْمَذْهَب وَذكر الْخلاف العالي بِخِلَاف غَيره من الْكتب فَإِنَّهَا فِي الْمَذْهَب خَاصَّة أَو فِي الْخلاف العالي خَاصَّة (الْفَائِدَة الثَّانِيَة) إِنَّا لمحناه يحسن التَّقْسِيم وَالتَّرْتِيب وسهلناه بالتهذيب والتقريب فكم فِيهِ من تَقْسِيم قسيم وتفصيل أصيل يقرب الْبعيد ويلين الشريد (الْفَائِدَة الثَّالِثَة) إِنَّا قصدنا إِلَيْهِ الْجمع بَين الإيجاز وَالْبَيَان على أَنَّهُمَا قَلما يَجْتَمِعَانِ فجَاء بعون الله سهل الْعبارَة لطيف الْإِشَارَة تَامّ الْمعَانِي مُخْتَصر الْأَلْفَاظ حَقِيقا بِأَن يلهج بِهِ الْحفاظ وَإِلَى الله نرغب فِي أَن يَجعله مُوجبا لغفرانه وموصلا لرضوانه وفاتحا لخزائن إحسانه وامتنانه إِنَّه ذُو فضل عَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بَيَان اصْطِلَاح الْكتاب إِذا تكلمنا فِي مَسْأَلَة قيدنَا أَولا بِمذهب مَالك ثمَّ نتبعه بِمذهب غَيره إِمَّا نصا وَتَصْرِيحًا وَإِمَّا إِشَارَة وتلويحا وَإِذا سكتنا عَن حِكَايَة الْخلاف فِي مَسْأَلَة فَذَلِك مُؤذن فِي الْأَكْثَر بِعَدَمِ الْخلاف فِيهَا وَإِذا ذكرنَا الْإِجْمَاع والإتفاق فنعني إِجْمَاع الْأمة وَإِذا ذكرنَا الْجُمْهُور فنعني إتفاق الْعلمَاء إِلَّا من شَذَّ قَوْله وَإِذا ذكرنَا الْأَرْبَعَة فنعني مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَأَبا حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَفِي ذَلِك إِشْعَار بمخالفة بعض الْعلمَاء لَهُم وَرُبمَا صرحنا بذلك وَإِذا قُلْنَا قَالَ قوم أَو خلافًا لقوم فنعني خَارج الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَإِذا ذكرنَا الثَّلَاثَة فنعني مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَأَبا حنيفَة وَفِي ذَلِك إِشْعَار بمخالفة أَحْمد بن حَنْبَل لَهُم أَو أَنه لم ينْقل لَهُ مَذْهَب فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَإِذا ذكرنَا الْإِمَامَيْنِ فنعني مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَإِذا ذكرنَا ضمير الْإِثْنَيْنِ كَقَوْلِنَا عِنْدهمَا أَو خلافًا لَهما فنعني الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَإِذا ذكرنَا ضمير الْجَمَاعَة فَقُلْنَا عِنْدهم أَو خلافًا لَهُم وَشبه ذَلِك فنعني الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَإِذا قُلْنَا الْمَذْهَب فنعني مَذْهَب مَالك وَفِي ذَلِك إِشْعَار بمخالفة غَيره وَإِذا قُلْنَا الْمَشْهُور فنعني مَشْهُور مَذْهَب مَالك وَفِي ذَلِك إِشْعَار بِخِلَاف فِي الْمَذْهَب وَإِذا قُلْنَا قيل كَذَا أَو اخْتلف فِي كَذَا أَو فِي كَذَا قَولَانِ فَأكْثر فنعني فِي الْمَذْهَب وَإِذا قُلْنَا رِوَايَتَانِ فنعني عَن مَالك وَأكْثر مَا نقدم القَوْل الْمَشْهُور بَيَان تَرْتِيب الْكتاب اعْلَم أنني افتتحته بعقيدة سنية وجيزة تَقْدِيمًا للأهم فَلَا جرم أَن الْأُصُول أهم من الْفُرُوع وَمن الْحق تَأْخِير التَّابِع وَتَقْدِيم الْمَتْبُوع ثمَّ قسمت الْفِقْه إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا فِي الْعِبَادَات وَالْآخر فِي الْمُعَامَلَات وضمنت كل قسم عشرَة كتب على مائَة بَاب فانحصر الْفِقْه فِي عشْرين كتابا ومائتي بَاب (الْقسم الأول) فِيهِ من الْكتب كتاب الطَّهَارَة كتاب الصَّلَاة كتاب الْجَنَائِز كتاب الزَّكَاة كتاب الصّيام والإعتكاف كتاب الْحَج كتاب الْجِهَاد كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور كتاب الْأَطْعِمَة والأشربة وَالصَّيْد والذبائح كتاب الضَّحَايَا والعقيقة والختان (الْقسم الثَّانِي) فِيهِ من الْكتب كتاب النِّكَاح كتاب الطَّلَاق وَمَا يتَّصل بِهِ كتاب الْبيُوع كتاب الْعُقُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 المشاكلة للبيوع كتاب الْأَقْضِيَة والشهادات كتاب الْأَبْوَاب الْمُتَعَلّقَة بالأقضية كتاب الدِّمَاء وَالْحُدُود كتاب الهبات وَمَا يجانسها كتاب الْعتْق وَمَا يتَعَلَّق بِهِ كتاب الْفَرَائِض والوصايا (ثمَّ ختمته) بِكِتَاب الْجَامِع وَهُوَ يحتوي على عشْرين بَابا وَإِنَّمَا انحصرت الْكتب والأبواب فِي هَذَا الْعدَد لأنني ضممت كل شكل إِلَى شكله وألحقت كل فرع بِأَصْلِهِ وَرُبمَا جمعت فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة مَا يفرقه النَّاس فِي تراجم كَثِيرَة رعيا للمقاربة والمشاكلة ورغبة فِي الإختصار وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم (الْفَاتِحَة) فِيمَا يجب فِي الإعتقادات من أصُول من أصُول الديانَات ويشتمل على عشرَة أَبْوَاب خَمْسَة الإلهيات وَخَمْسَة فِي السمعيات الْبَاب الأول فِي وجود الْبَارِي جلّ جَلَاله وَعز نواله اعْلَم أَن الْعَالم الْعلوِي والسفلي كُله مُحدث بعد الْعَدَم شَاهد على نَفسه بالحدوث ولخالقه بالقدم وَذَلِكَ لما يَبْدُو عَلَيْهِ من تَغْيِير الصِّفَات وتعاقب الحركات والسكنات وَغير ذَلِك من الْأُمُور الطارئات وكل مُحدث فَلَا بُد لَهُ من مُحدث أوجده وخالق خلقه إِذْ لَا بُد لكل فعل من فَاعل فَجَمِيع الموجودات من الأَرْض وَالسَّمَاوَات والحيوانات والجمادات من الْجبَال والبحار والأنهار وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار والأزهار والرياح والسحاب والأمطار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وكل صَغِير وكبير فِيهِ آثَار الصَّنْعَة ولطائف الْحِكْمَة وَالتَّدْبِير فَفِي كل شَيْء دَلِيل قَاطع وبرهان سَاطِع على وجود الصَّانِع وَهُوَ الله رب الْعَالمين وخالق الْخلق أَجْمَعِينَ الْملك الْحق الْمُبين الَّذِي احتجب عَن الْأَبْصَار بكبريائه وعلو شَأْنه وَظهر للبصائر بِقُوَّة سُلْطَانه ووضوح برهانه فَمَا أعظم برهَان الله وَمَا أَكثر الدَّلَائِل على الله ((أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض)) وحسبك الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا وَمَا يُوجد فِي النُّفُوس ضَرُورَة من افتقار الْعُبُودِيَّة وَمَعْرِفَة الربوبية ((وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله)) الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الله تَعَالَى عز شَأْنه وبهر سُلْطَانه جرت عَادَة الْمُتَكَلِّمين بِإِثْبَات سبع صِفَات وَهِي الْحَيَاة وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام (فَأَما الْحَيَاة) فَإِن الله هُوَ الأول الْقَدِيم الَّذِي لم يزل فِي أزل الْأَزَل قبل وجود الْأَزْمَان وَلم يكن مَعَه شَيْء غَيره وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ وَأَنه الْحَيّ الْبَاقِي ((الآخر)) الَّذِي لَا يَمُوت وكل من عَلَيْهَا فان (وَأما الْقُدْرَة) فَإِنَّهُ قدير على كل شَيْء لَا يعجزه شَيْء وَلَا يصعب عَلَيْهِ شَيْء وَبِيَدِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ملكوت كل شَيْء أَلا ترى أثر قدرته فِي اختراع الموجودات وإمساك الأَرْض وَالسَّمَاوَات ونفوذ أمره فِي التَّصَرُّف فِي الْمَخْلُوقَات فَفِي كل يَوْم يُمِيت ويحيي ويخلق ويفني ويفقر ويغني وَيهْدِي ويضل ويعز ويذل وَيُعْطِي وَيمْنَع ويخفض وَيرْفَع ويسعد ويشقي ويعافي ويبتلي ((إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون)) (وَأما الْإِرَادَة) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ المريد لجَمِيع الكائنات الْمُدبر للحادثات الْمُقدر المقدورات الفعال لما يُرِيد فَكل نفع وضر وحلو وَمر وَكفر وإيمان وَطَاعَة وعصيان وَزِيَادَة ونقصان وَربح وخسران فبإرادته الْقَدِيمَة وقضائه وَقدره ومشيئته الحكيمة لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي فعله ((لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون)) كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل اقْتضى ذَلِك ملكه وحكمته فالمالك يفعل مَا يَشَاء فِي ملكه وَالْملك يحكم بِمَا أَرَادَ على مماليكه والحكيم أعلم بِمَا تَقْتَضِيه حكمته ((وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ)) قدر أرزاق الْخلق وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم ((كل فِي كتاب مُبين)) خلق قوما للجنة فيسرهم لليسرى وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ وَخلق قوما للنار فيسرهم للعسرى وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ ((وَمَا رَبك بظلام للعبيد)) (وَأما الْعلم) فَإِنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى اسْمه عَالم بِجَمِيعِ المعلومات مُحِيط بِمَا تَحت الأَرْض السُّفْلى إِلَى مَا فَوق السَّمَاوَات أحَاط بِكُل شَيْء علما وأحصى كل شَيْء عددا وَعلم مَا كَانَ وَمَا يكون وَمَا لَا يكون لَو كَانَ كَيفَ كَانَ يكون وَهُوَ حَاضر بِعِلْمِهِ فِي كل مَكَان ورقيب على كل إِنْسَان ((يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون)) قد اسْتَوَى عِنْده الظَّاهِر وَالْبَاطِن واطلع على مخبآت السرائر ومكنونات الضمائر حَتَّى أَنه يعلم مَا يهجس فِي نفوس الْحيتَان فِي قعور الْبحار ((إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور)) (وَأما السّمع وَالْبَصَر) فَإِنَّهُ تَعَالَى سميع بَصِير لَا يعزب عَن سَمعه مسموع وَإِن خَفِي وَلَا يغيب عَن رُؤْيَته مرأى وَإِن دق ((يعلم السِّرّ وأخفى)) حَتَّى دَبِيب النملة السَّوْدَاء على الصَّخْرَة الصماء فِي اللَّيْلَة الظلماء ((لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء)) وَمَا أحسن تعقيب هَذَا ببرهان ((هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء)) (وَأما الْكَلَام) فَإِنَّهُ جلّ وَعز مُتَكَلم بِصفة أزلية لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَلَا يقبل الْعَدَم وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ من السُّكُوت وَلَا التَّبْعِيض وَلَا التَّقْدِيم وَلَا التَّأْخِير الَّذِي لَا يشبه كَلَام المخلوقين كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَوَات المخلوقين لَا تنفذ كَلِمَاته كَمَا لَا تحصى معلوماته وَلَا تَنْحَصِر مقدوراته ((قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفذ الْبَحْر قبل أَن تنفذ كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا)) وَالدَّلِيل على ثُبُوت هَذِه الصِّفَات ثَلَاثَة أوجه (الْوَجْه الأول) أَنَّهَا صِفَات كَمَال فَوَجَبَ وصف الله بهَا وأضدادها صِفَات نقص فَوَجَبَ تنزيهه عَنْهَا ((وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى)) (الْوَجْه الثَّانِي) أَنَّهَا تدل عَلَيْهَا آثَار حكمته فَإِن اتقان الصَّنْعَة دَلِيل على حَيَاة الصَّانِع وَقدرته وَعلمه وَسَائِر صِفَاته (الْوَجْه الثَّالِث) مَا ورد من النُّصُوص الصَّرِيحَة فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الْبَاب الثَّالِث فِي أَسمَاء الله تَعَالَى الْحسنى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة) وَقد وَردت مَعْدُودَة مُعينَة فِي حَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَاخْتلف النَّاس فِي تِلْكَ الْأَسْمَاء الْمعينَة فِيهِ هَل هِيَ فِيهِ مَرْفُوعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأصل الحَدِيث أَو هِيَ مَوْقُوفَة على أبي هُرَيْرَة لِأَن لله تَعَالَى أَسمَاء زَائِدَة على تِلْكَ الْمعينَة مِنْهَا مَا ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَمِنْهَا مَا هِيَ أَسمَاء مُشْتَقَّة من أَفعاله وَاعْلَم أَن أَسمَاء الله وَصِفَاته تَنْقَسِم على الْجُمْلَة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مِنْهَا مَا يرجع إِلَى الذَّات وَإِلَى صِفَات الذَّات وَإِلَى صِفَات الْفِعْل وتنقسم على التَّفْصِيل بِالنّظرِ إِلَى مَعَانِيهَا عشرَة أَقسَام (الأول) اسْم يدل على الذَّات وَهُوَ قَوْلنَا (الله) وَقد قيل أَنه اسْم الله الْأَعْظَم (الثَّانِي) أَسمَاء تدل على الوحدانية كإسمه الْوَاحِد الصَّمد وَالْوتر (الثَّالِث) أَسمَاء تدل على الْحَيَاة كالحي وَالْأول وَالْآخر (الرَّابِع) أَسمَاء تدل على اختراع الْمَخْلُوقَات وَذَلِكَ أخص صِفَات الربوبية كالخالق والباري والفاطر (الْخَامِس) أَسمَاء تدل على الْقُدْرَة كالقدير والمنتقم والقهار (السَّادِس) أَسمَاء تدل على الْإِرَادَة كالمريد والفعال لما يُرِيد والقابض والباسط (السَّابِع) أَسمَاء تدل على الْإِدْرَاك كالعليم والسميع والبصير (الثَّامِن) أَسمَاء تدل على العظمة والجلال كالعظيم وَالْكَبِير والعلي (التَّاسِع) أَسمَاء تدل على الْملك والتملك كالملك وَالْمَالِك والغني (الْعَاشِر) أَسمَاء تدل على الرَّحْمَة كالرحمن الرَّحِيم والغفار والتواب والوهاب الْبَاب الرَّابِع فِي تَوْحِيد الله تَعَالَى وَهُوَ محصول قَوْلنَا ((لَا إِلَه إِلَّا الله)) وَهُوَ أَن تؤمن بِأَنَّهُ إِلَه وَاحِد أحد فَرد صَمد لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلَا يُشَارِكهُ فِي حكمه أحد لَيْسَ لَهُ فِي ربوبيته شريك وَلَا نَظِير وَلَيْسَ لَهُ فِي ملكه ضد وَلَا ند وَلَا مُنَازع وَلَا ظهير والبرهان الْوَاضِح على الوحدانية مَعْقُول أَربع آيَات (الأولى) قَوْله تَعَالَى ((لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا)) وَمِنْه أَخذ المتكلمون دَلِيل التمانع إِلَّا أَن الْقُرْآن أفْصح وأوضح (وَالثَّانيَِة) قَوْله تَعَالَى ((قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا تَقولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا)) فَإِن عدم النزاع دَلِيل دَلِيل على عدم المنازع (وَالثَّالِثَة) قَوْله تَعَالَى ((مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض)) فكون الْوُجُود كُله مرتبطا بعضه بِبَعْض دَلِيل على أَن مَالِكه وَاحِد (وَالرَّابِعَة) مَعْقُول قَوْله تَعَالَى ((وَاتَّخذُوا من دون الله آلِهَة لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون)) فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 من صِفَات الْإِلَه كَونه خَالِقًا وَلَا خَالق إِلَّا الله فَلَا إِلَه إِلَّا الله وَغَيره مَخْلُوق والمخلوق لَا يكون شَرِيكا لخالقه ((أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق أَفلا تذكرُونَ)) تَكْمِيل الطوائف الْمُخَالفَة فِي التَّوْحِيد النَّصَارَى وَالْمَجُوس والصابئة والمنجمون والطبائعيون فَأَما النَّصَارَى فَكَفرُوا بأقوالهم الْفَاسِدَة ومذاهبهم الضَّالة فِي عِيسَى وَأمه عَلَيْهِمَا السَّلَام وأبلغ الرَّد عَلَيْهِم مَضْمُون خمس آيَات (الأولى) قَوْله ((كَانَا يأكلان الطَّعَام)) فَذَلِك صفة الْحُدُوث والعبودية لَا صفة الربوبية (الثَّانِيَة) قَوْله ((إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم)) أَي من قدر على خلق الْإِنْسَان من غير أم وَلَا ولد قَادر على خلق آخر بِأم دون وَالِد (الثَّالِثَة) قَوْله ((قُولُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيّ)) فَإِن الْغَنِيّ الْمُطلق لَا يحْتَاج إِلَى زَوْجَة وَلَا ولد وَلَا إِلَى أحد (الرَّابِعَة) قَوْله ((وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا إِن كل من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا)) فَإِن الربوبية والعبودية لَا يَجْتَمِعَانِ (الْخَامِسَة) قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ((إِنِّي عبد الله)) وَقَوله ((يَا بني إِسْرَائِيل اعبدوا الله رَبِّي وربكم)) فاعترافه على نَفسه بالعبودية بَيَان كذب من وَصفه بالربوبية وَأما الْمَجُوس فَكَفرُوا بِعبَادة النُّور وَالرَّدّ عَلَيْهِم قَوْله ((وَجعل الظُّلُمَات والنور)) فَإِن الْمُحدث الْمَخْلُوق لَا يكون إِلَهًا وَأما الصابئة فَكَفرُوا فَكَفرُوا بِعبَادة الْمَلَائِكَة ونسبتهم إِلَى الله وَالرَّدّ عَلَيْهِم قَوْله ((بل عباد مكرمون)) وَأما المنجمون فأثبتوا للكواكب تَأْثِيرا فِي الْوُجُود وَالرَّدّ عَلَيْهِم قَوْله ((وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره)) والمسخر مَمْلُوك مقهور وَقَوله ((لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ)) فَكيف يُشَارك مَخْلُوق خالقه وَأما الطبائعيون فنسبوا الْأَفْعَال للطبيعة وَالرَّدّ عَلَيْهِم قَوْله ((ثَمَرَات مُخْتَلفَة ألوانها)) وَقَوله ((تسقى بِمَاء وَاحِد ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل)) فَإِن اخْتِلَاف الأشكال والألوان والروائح والطعوم وَالْمَنَافِع والمضار دَلِيل على الْفَاعِل الْمُخْتَار إِشَارَة صوفية التَّوْحِيد نَوْعَانِ عَام وخاص فالعام عدم الْإِشْرَاك الْجَلِيّ وَهُوَ مقَام الْإِيمَان الْحَاصِل لجَمِيع الْمُؤمنِينَ وَالْخَاص عدم الْإِشْرَاك الْخَفي وَهُوَ مقَام الْإِحْسَان وَهُوَ خَاص بالأولياء العارفين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ الْبَاب الْخَامِس فِي تَنْزِيه اله تَعَالَى وَهُوَ معنى قَوْلنَا سُبْحَانَ الله وَذَلِكَ أَن تؤمن بِأَنَّهُ لَيْسَ كمثله شَيْء وَلَا هُوَ مثل شَيْء لَا يشبه شَيْئا وَلَا يُشبههُ شَيْء تَعَالَى أَن يكون لَهُ شَبيه أَو مثيل أَو عديل أَو نَظِير أَو قرين وَأَنه لَا يفْتَقر إِلَى شَيْء وَإِن كل شَيْء إِلَيْهِ فَقير وَأَنه لَا يَلِيق بِهِ نقص وَلَا عيب بل تقدس عَن كل نقص وتبرأ من جَمِيع الْعُيُوب وَأَنه لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَلَا تلْحقهُ آفَة وَلَا يُصِيبهُ عجز وَلَا نصب وَلَا لغوب وَأَنه لَا تَنْفَعهُ طَاعَة الْعباد وَلَا تضره الذُّنُوب وَأَنه لَا يَمُوت وَلَا يفنى وَلَا يضل وَلَا ينسى وَلَا يكون فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ملكه إِلَّا مَا يَشَاء فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَإنَّهُ لَا يظلم أحدا وَإنَّهُ لَا تنقص خزائنه وَلَا يبيد مَا عِنْده أبدا (تَنْبِيه) ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث أَلْفَاظ يُوهم ظَاهرهَا التَّشْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى ((على الْعَرْش اسْتَوَى)) و ((يَدَاهُ مبسوطتان)) وكحديث نزُول الله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَغير ذَلِك وَهِي كَثِيرَة تفرق النَّاس فِيهَا ثَلَاث فرق (الْفرْقَة الأولى) السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين آمنُوا بهَا وَلم يبحثوا عَن مَعَانِيهَا وَلَا تأولوها بل أَنْكَرُوا على من تكلم فِيهَا ((والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ أمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا)) وَهَذِه طَريقَة التَّسْلِيم الَّتِي تعود إِلَى السَّلامَة وَبهَا أَخذ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْمُحدثين (الْفرْقَة الثَّانِيَة) قوم حملوها على ظَاهرهَا فلزمهم التجسيم ويعزى ذَلِك إِلَى الحنبلية وَبَعض الْمُحدثين (الْفرْقَة الثَّالِثَة) قوم تأولوها وأخرجوها على ظَاهرهَا إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ أَدِلَّة الْعُقُول وهم أَكثر الْمُتَكَلِّمين وَالله أعلم الْبَاب السَّادِس فِي الْإِيمَان بملائكة الله وَكتبه وَرُسُله اعْلَم أَن (الْمَلَائِكَة) عباد الله مكرمون عِنْده يعبدونه ويسبحونه ويطيعونه وَلَا يعصونه وَلَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ فَمنهمْ حَملَة الْعَرْش وسكان السَّمَوَات وحفظة على بني آدم وموكلون بالأمطار والنبات والنطف والأرحام والتماس مجَالِس الذّكر وَلَا يُحِيط بعددهم إِلَّا الله وَإِن الله بعث الْأَنْبِيَاء وَأرْسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين وَمِنْهُم من سَمَّاهُ الله فِي الْقُرْآن وَمِنْهُم من لم يسمه وأولهم آدم أَبُو الْبشر وَآخرهمْ سيدهم (مُحَمَّد) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّبِي الْأُمِّي خَاتم النَّبِيين وَإِن الله أنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل الْأمين بِالْقُرْآنِ الْمُبين كَمَا أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَأنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَأنزل الزبُور على دَاوُود وَأنزل صحفا على غَيرهم من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَقَالَ تَعَالَى ((قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ من رَبهم لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ)) وَأَن الله أوجب على جَمِيع الْأُمَم بِالدُّخُولِ فِي دين الْإِسْلَام ((وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين)) وَأَن الله آتى كل نَبِي من الْآيَات مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَلما كَانَت رِسَالَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعم وشريعته ناسخة لما تقدم اقْتضى ذَلِك أَن تكون براهينه أظهر وآياته أبهر وَدَلَائِل صدقه أكبر وَأكْثر مُبَالغَة فِي إِقَامَة الْحجَّة وإيضاحا لسلوك المحجة فَلَقَد أيده الله بأنواع من الْآيَات الباهرة والعلامات الظَّاهِرَة فِيهَا عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب وَمَا أَحْوَاله وأقواله وأفعاله إِلَّا الْعجب العجاب وَلَقَد أحصى لَهُ عُلَمَاؤُنَا رضوَان الله عَلَيْهِم ألف معْجزَة وَهِي ترجع إِلَى خَمْسَة أَنْوَاع (أَحدهَا) الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أعجز الْإِنْس وَالْجِنّ على الْإِتْيَان بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا وتضمن من الْعُلُوم الالهية وَالْحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الربانية والأسرار الَّتِي كَانَت محجوبة عَنْهَا عقول الْبَريَّة مَا يدل قطعا على أَنه تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم (وَالثَّانِي) مَا ظهر على يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المعجزات الخوارق للعادات وَهِي كَثِيرَة جدا (وَالثَّالِث) مَا سبق قبله من الْإِعْلَام بِهِ والمبشرات (الرَّابِع) مَا ظهر لسَائِر أمته من الكرامات فَإِنَّهَا دَلِيل على صِحَة دينهم وَصدق متبوعهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْظُر ظُهُور دينه فِي الْمَشَارِق والمغارب وَحفظه من التَّغْيِير والتبديل مُنْذُ أَزِيد من سَبْعمِائة عَام يظْهر لَك أَن ذَلِك بِأَمْر سماوي واعتقاد رباني (وَالْخَامِس) مَا وهبه الله من الْأَخْلَاق الْعَظِيمَة وَالشَّمَائِل الْكَرِيمَة الَّتِي لَا يجمعها الله إِلَّا لأحب عباده وَأكْرمهمْ عَلَيْهِ وحسبك قَوْله سُبْحَانَهُ ((وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم)) وَاعْلَم أَن معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنّظرِ إِلَى نقلهَا تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) مَا نقطع بِصِحَّتِهِ فتقوم بِهِ الْحجَّة وَإِن كَانَ وَاحِدًا على انْفِرَاده كالقرآن الْعَظِيم وكانشقاق الْقَمَر لوروده فِي الْقُرْآن وكنبع المَاء من بَين أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتكثير الطَّعَام الْقَلِيل لاشتهار ذَلِك وانتشاره وعدول رُوَاته ووقوعه فِي مشَاهد عَظِيمَة ومحافل كَثِيرَة (الثَّانِي) مَا نقطع بِصِحَّة نَوعه لِكَثْرَة وُقُوعه وَإِن لم نقطع بِصِحَّة آحاده كالأخبار بالغيوب وَإجَابَة الدَّعْوَات فَإِن ذَلِك كثر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار مَجْمُوعَة مَقْطُوعًا بِهِ (الثَّالِث) مَا نقل نَوعه وأشخاصه نقل الْآحَاد وَلَكِن إِذا جمع إِلَى غَيره أَفَادَ الْقطع بِوُقُوع المعجزات الْبَاب السَّابِع فِي الْإِيمَان بِالدَّار الْآخِرَة وتشمل على اثْنَتَيْ عشرَة مَسْأَلَة (الْمَسْأَلَة الأولى) الْإِيمَان بالبرزخ وَعَذَاب من شَاءَ فِي الْقُبُور وَذَلِكَ من الْقُرْآن قَوْله ((برزخ إِلَى يَوْم يبعثون)) وَقَوله ((النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب)) فَذَلِك دَلِيل على عَذَاب قبل يَوْم الْقِيَامَة وَمن السّنة أَخْبَار صَحِيحَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) سُؤال الْملكَيْنِ وَقد وَردت بِهِ الْأَحَادِيث الصِّحَاح وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله ((يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)) (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) قيام الْخلق من قُبُورهم وحشرهم إِلَى الْحساب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فدليل جَوَازه قدرَة الله عز وَجل عَلَيْهِ ((وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ)) ((مَا خَلقكُم وَمَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة)) وَدَلِيل وُقُوعه وُرُود الشَّرَائِع ونطق الرُّسُل والكتب بِهِ وَلَا سِيمَا شريعتنا فقد أبلغت فِي النذارة والبشارة لتقوم الْحجَّة على الْعَالمين ثمَّ أَن الْحِكْمَة تَقْتَضِي مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ((ليجزي الله كل نفس مَا كسبت)) وَإِنَّمَا يظْهر ذَلِك فِي الدَّار الْآخِرَة لَا فِي الدُّنْيَا وَلَوْلَا الْجَزَاء الأخروي لاستوى الْمُؤمن وَالْكَافِر والمطيع والعاصي ((أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين)) (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْحساب على الْأَعْمَال وَقد نطق بِهِ الْكتاب وَالسّنة (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) الْقصاص بَين الْعباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وَقد نطق بِهِ أَيْضا الْكتاب وَالسّنة (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) وزن الْأَعْمَال وَقد نطق بِهِ أَيْضا الْكتاب وَالسّنة (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) إِعْطَاء الْكتاب إِمَّا بِالْيَمِينِ وَإِمَّا بالشمال وَقد ورد أَيْضا فِي الْكتاب وَالسّنة (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) جَوَاز النَّاس على الصِّرَاط وَهُوَ جسر مَمْدُود على جَهَنَّم وَالنَّاس متفاوتون فِي سرعَة الْجَوَاز على قدر أَعْمَالهم وَمِنْهُم من يكب فِي نَار جَهَنَّم دَلِيله من الْقُرْآن قَوْله ((فأهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم)) وَمن السّنة أَحَادِيث صِحَاح (الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة) حَوْض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترده أمته لَا يظمأ من شرب مِنْهُ أبدا وَيُزَاد عَنهُ من بدل أَو غير وَدَلِيله من الْقُرْآن قَوْله ((إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر)) وَقد جَاءَ تَفْسِيره بالحوض فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَمن السّنة أَحَادِيث صَحِيحَة كَثِيرَة (الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة) شَفَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمته ودليلها من الْقُرْآن قَوْله ((عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا)) وَمن السّنة أَحَادِيث صَحِيحَة والشفاعة فِي خَمْسَة مَوَاطِن (أَحدهَا) فِي إراحة النَّاس من الْموقف وتعجيل الْفَصْل وَهِي مُخْتَصَّة بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الثَّانِيَة) فِي إنقاذ من وَجَبت عَلَيْهِ النَّار (الثَّالِثَة) فِي إِخْرَاج من دخل النَّار من المذنبين (الرَّابِعَة) فِي تَعْجِيل دُخُول الْجنَّة (الْخَامِسَة) فِي رفْعَة الدَّرَجَات فِي الْجنَّة (الْحَادِيَة عشرَة) فِي دُخُول النَّار ويدخلها صنفان (الصِّنْف الأول) الْكفَّار كلهم ويعذبون بأنواع الْعَذَاب وَبَعْضهمْ أَشد عذَابا من بعض وهم فِيهَا خَالدُونَ ((لَا يفتر عَنْهُم وهم فِيهِ مبلسون)) (الصِّنْف الثَّانِي) من شَاءَ الله من عصاة الْمُسلمين ثمَّ يخرجُون مِنْهَا برحمة الله تَعَالَى وشفاعة الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَالشُّهَدَاء الصَّالِحين وَسَائِر الْمُؤمنِينَ تَحْقِيق إِنَّمَا يدْخل من الْمُؤمنِينَ النَّار من اجْتمعت فِيهِ سَبْعَة أَوْصَاف (أَحدهَا) أَن تكون لَهُ ذنُوب تَحَرُّزًا من الْمُتَّقِينَ (الثَّانِي) أَن يَمُوت غير تائب من ذنُوبه فَإِن التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ (الثَّالِث) أَن تكون ذنُوبه كَبَائِر فَإِن الصَّغَائِر تغْفر باجتناب الْكَبَائِر (الرَّابِع) أَن لَا تثقل حَسَنَاته فَلَو رجحت على سيآته وَلَو بِوَزْن ذرة نجا من النَّار (الْخَامِس) أَن لَا يكون مِمَّن لَهُ النجَاة بِعَمَل سَابق كَأَهل بدر وبيعة الرضْوَان (السَّادِس) أَن لَا يشفع فِيهِ أحد (السَّابِع) أَن لَا يغْفر لَهُ الله (الثَّانِيَة عشرَة) دُخُول الْجنَّة وَلَا يدخلهَا إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وينعمون فِيهَا بأنواع النَّعيم وَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجه الله الْكَرِيم بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى ((وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة)) وَأَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَة وهم فِيهَا خَالدُونَ جعلنَا الله مِنْهَا بفضله وَرَحمته الْبَاب الثَّامِن فِي الْإِمَامَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي إِثْبَات إِمَامَة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم وَالدَّلِيل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 إِمَامَة جَمِيعهم من ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن كل وَاحِد مِنْهُم جمع شُرُوط الْإِمَامَة على الْكَمَال (وَالْآخر) أَن كل وَاحِد مِنْهُم أجمع الْمُسلمُونَ فِي زَمَانه على بيعَته وَالدُّخُول تَحت طَاعَته وَالْإِجْمَاع حجَّة (وَالثَّالِث) مَا سبق لكل وَاحِد مِنْهُم من الصُّحْبَة وَالْهجْرَة والمناقب الجليلة وثناء الله عَلَيْهِم وَشَهَادَة الصَّادِق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم بِالْجنَّةِ ثمَّ إِن أَبَا بكر وَعمر أَشَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خِلَافَتهمَا وَأمر بالإقتداء بهما وَقدم أَبَا بكر على حجَّة الْوَدَاع وعَلى الصَّلَاة بِالنَّاسِ فِي مرض مَوته وَذَلِكَ دَلِيل على استخلافه ثمَّ اسْتخْلف أَبُو بكر عمر ثمَّ جعل عمر الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة وَاتَّفَقُوا على تَقْدِيم عُثْمَان إِلَى أَن قتل مَظْلُوما بِشَهَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك ووعده لَهُ بِالْجنَّةِ على ذَلِك ثمَّ ثمَّ كَانَ أَحَق النَّاس بهَا بعده عَليّ لرتبته الشَّرِيفَة وفضائله المنيفة وَأما مَا شجر بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَمن كَانَ مَعَ كل مِنْهُمَا من الصَّحَابَة فَالْأولى الْإِمْسَاك عَن ذكره وَأَن يذكرُوا بِأَحْسَن الذّكر ويلتمس لَهُم أحسن التَّأْوِيل فَإِن الْأَمر كَانَ فِي مَحل الإجتهاد فَأَما عَليّ وَمن كَانَ مَعَه فَكَانُوا على الْحق لأَنهم اجتهدوا فَأَصَابُوا فهم مأجورون وَأما مُعَاوِيَة وَمن كَانَ مَعَه فاجتهدوا فأخطأوا فهم معذورون وَيَنْبَغِي توقيرهم وتوقير سَائِر الصَّحَابَة ومحبتهم لما ورد فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء عَلَيْهِم ولصحبتهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تجعلوهم غَرضا بعدِي فَمن أحبهم فبحبي أحبهم وَمن أبْغضهُم فببغضي أبْغضهُم وَمن آذاهم فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي شُرُوط الْإِمَامَة وَهِي ثَمَانِيَة الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل والذكورة والعدول وَالْعلم والكفاءة وَأَن يكون نسبه من قُرَيْش وَفِي هَذَا خلاف فَإِن اجْتمع النَّاس على من لم تَجْتَمِع الشُّرُوط فِيهِ جَازَ خوفًا من إِيقَاع الْفِتْنَة وَلَا يجوز الْخُرُوج على الْوُلَاة وَإِن جاروا حَتَّى يظْهر مِنْهُم الْكفْر الصراح وَتجب طاعتهم فِيمَا أحب الْإِنْسَان وَكره إِلَّا أَن أمروا بِمَعْصِيَة فَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق الْبَاب التَّاسِع فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي مَعْنَاهُمَا أما الْإِسْلَام فَمَعْنَاه فِي اللُّغَة الإنقياد مُطلقًا وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَة الإنقياد لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنطق بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالجوارح وَأما الْإِيمَان فَمَعْنَاه فِي اللُّغَة التَّصْدِيق مُطلقًا وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَة التَّصْدِيق بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر فالإسلام وَالْإِيمَان على هَذَا متباينان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى ((قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا)) وَقد يستعملان مترادفين كَقَوْلِه ((فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين)) وَقد يستعملان متداخلين بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص فَيكون الْإِسْلَام أَعم إِذا كَانَ الإنقياد بِاللِّسَانِ وَالْقلب والجوارح لِأَن الْإِيمَان خَاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بِالْقَلْبِ وَيكون الْإِيمَان أَعم إِذا قُلْنَا أَنه قَول اللِّسَان واخلاص بِالْقَلْبِ وَعمل بالجوارح وَهُوَ قَول كثير من السّلف وَإِذا قُلْنَا أَن الْإِسْلَام بِاللِّسَانِ والجوارح خَاصَّة (المسأة الثَّانِيَة) فِي أحكامهما وَفِي ذَلِك أَربع صور (الأولى) أَن يجمع بَينهمَا وَهُوَ أَن يكون العَبْد مُؤمنا بِقَلْبِه منقادا بجوارحه فَهَذَا مخلص عِنْد الله (الثَّانِيَة) عكسهما وَهُوَ أَن يعْدم الوصفين فَهَذَا كَافِر مخلد فِي النَّار (الثَّالِثَة) الانقياد بالجوارح دون الْإِيمَان بِالْقَلْبِ فَهَذَا مخلد فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُسمى فِي زمن النبوءة منافقا وَسمي بعد ذَلِك زنديقا (الرَّابِعَة) عكسها) وَهِي الْإِيمَان بِالْقَلْبِ دون النُّطْق وَالْعَمَل فَإِذا كَانَ ذَلِك لإكراه ولضيق الْوَقْت كمن أسلم ثمَّ مَاتَ بأثر ذَلِك قبل أَن يَسعهُ نطق وَلَا عمل فَهُوَ مَعْذُور مخلص عِنْد الله وان كَانَ لغير ذَلِك فَاخْتلف فِيهِ الْبَاب الْعَاشِر فِي الِاعْتِصَام بِالسنةِ وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي ترك الْبدع قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تركت فِيكُم أَمريْن لن تضلوا مَا تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بأهيم اقْتَدَيْتُمْ) وحض على الِاقْتِدَاء بالخلفاء الرَّاشِدين فالخير كُله فِي التَّمَسُّك بِالْكتاب وَالسّنة والاقتداء بالسلف الصَّالح وتجنب كل مُحدث وبدعة وَقد كَانَ المتقدمون يذمون الْبدع على الاطلاق وَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ أَنَّهَا خَمْسَة أَقسَام وَاجِبَة كتدوين الْعلم ومندوبة كَصَلَاة التَّرَاوِيح وَحرَام كالمكوس وَغَيرهَا ومكروه كتخصيص بعض الْأَيَّام بِبَعْض الْعِبَادَات ومباح كَمثل مَا أحدثه النَّاس من المطاعم والملابس فقد قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يكن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مناخل (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي النّظر والتقليد وَذَلِكَ أَن الِاعْتِقَاد يحصل إِمَّا بِالنّظرِ وَإِمَّا بالتقليد فَأَما التَّقْلِيد فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فمذهب الْمُتَكَلِّمين أَنه لَا يجوز وَلَا يجزأ وَقَالَ أَكثر الْمُحدثين أَنه جَائِز يخلص عِنْد الله وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنع من النَّاس بِحُصُول الْإِيمَان بِأَيّ وَجه حصل من تَقْلِيد أَو نظر وَلَو أوجب عَلَيْهِم الِاسْتِدْلَال أَو النّظر لعسر الدُّخُول فِي الدّين على كثير من النَّاس كَأَهل الْبَوَادِي وَغَيرهم وَإِنَّمَا النّظر وَالِاسْتِدْلَال شأنذوي الْعُقُول الراجعة والأذهان الثَّابِتَة وَفِيه تَتَفَاوَت دَرَجَات الْعلمَاء وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء ثمَّ إِن خير الِاسْتِدْلَال مَا كَانَ على طَريقَة السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِكِتَاب الله وتدبر آيَاته وَالِاعْتِبَار فِي بديع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته والاقتداء بأخبار الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجمي لسيرته وباهر علاماته ثمَّ إخلاص الْمحبَّة لَهُ وَلأَهل بَيته الطاهرين وأزواجه وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَأَصْحَابه الْأَبْرَار الأكرمين وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَرَضي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ آمين)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الْقسم الأول من القوانين الْفِقْهِيَّة فِي الْعِبَادَات وفيهَا عشرَة كتب = الْكتاب الأول فِي الطَّهَارَة وفيهَا مُقَدّمَة وَعشرَة أَبْوَاب = الْمُقدمَة وفيهَا مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي أَنْوَاع الطَّهَارَة الطَّهَارَة فِي الشَّرْع معنوية وحسية فالمعنوية طَهَارَة الْجَوَارِح وَالْقلب من دنس الذُّنُوب والحسية هِيَ الْفِقْهِيَّة الَّتِي ترَاد للصَّلَاة وَهِي على نَوْعَيْنِ طَهَارَة حدث وطهارة خبث فطهارة الْحَدث ثَلَاث كبرى وَهِي الْغسْل وصغرى وَهِي الْوضُوء وَبدل مِنْهُمَا عِنْد تعذرهما وَهُوَ التَّيَمُّم وطهارة الْخبث ثَلَاث غسل وَمسح ونضح (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي شُرُوط وجوب الطَّهَارَة وَإِنَّمَا تجب الطَّهَارَة على من وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة وَذَلِكَ بِعشْرَة شُرُوط (الأول) الْإِسْلَام وَقيل بُلُوغ الدعْوَة فعلى الأول لَا تجب على الْكَافِر وعَلى الثَّانِي تجب عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَبْنِيّ على الْخلاف فِي مُخَاطبَة الْكفَّار بالفروع وَلَا تصح الصَّلَاة من كَافِر بِإِجْمَاع وَإِذا أسلم الْمُرْتَد لم يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات فِي ردته خلافًا للشَّافِعِيّ (الثَّانِي) الْعقل فَلَا تجب على الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا أَفَاق فِي بَقِيَّة الْوَقْت بِخِلَاف السَّكْرَان فَإِنَّهَا لَا تسْقط عَنهُ (الثَّالِث) الْبلُوغ وعلاماته خمس الِاحْتِلَام والانبات وَالْحيض وَالْحمل وبلوغ السن وَهُوَ خَمْسَة عشر عَاما وَقيل سَبْعَة عشر عَاما فَلَا تجب على الصَّبِي وَيُؤمر بهَا لسبع وَيضْرب عَلَيْهَا لعشر وان صلى ثمَّ بلغ فِي بَقِيَّة الْوَقْت أَو فِي أثْنَاء الصَّلَاة لَزِمته الْإِعَادَة خلافًا للشَّافِعِيّ (الرَّابِع) ارْتِفَاع دم الْحيض وَالنّفاس (الْخَامِس) دُخُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْوَقْت (السَّادِس) عدم النَّوْع (السَّابِع) عدم النسْيَان (الثَّامِن) عدم الْإِكْرَاه وَيَقْضِي النَّائِم وَالنَّاسِي وَالْمكْره اجماعا (التَّاسِع) وجود المَاء أَو الصَّعِيد فَمن عدمهما فَاخْتلف هَل يُصَلِّي أم لَا وَهل يقْضِي أم لَا (الْعَاشِر) الْقُدْرَة على الْفِعْل بِقدر الْإِمْكَان الْبَاب الأول فِي الْوضُوء وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَنْوَاع الْوضُوء وَهُوَ على خَمْسَة أَنْوَاع وَاجِب ومستحب وَسنة ومباح وممنوع وَلَا يُصَلِّي إِلَّا بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الْوضُوء لصَلَاة الْفَرْض والتطوع وَسُجُود الْقُرْآن بِإِجْمَاع ولصلاة الْجِنَازَة عِنْد الْجُمْهُور ولمس الْمُصحف خلافًا للظاهرية وللطواف خلافًا لأبي حنيفَة فَمن تَوَضَّأ لشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء جَازَ لَهُ فعل جَمِيعهَا وَأما السّنة فوضوء الْجنب للنوع وأوجبه ابْن حبيب والظاهرية وَأما الْمُسْتَحبّ فالوضوء لكل صَلَاة عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لمن أوجبه ووضوء الْمُسْتَحَاضَة وَصَاحب السلس لكل صَلَاة خلافًا لَهُم فِي وُجُوبه وَالْوُضُوء للقربات كالتلاوة وَالذكر وَالدُّعَاء وَالْعلم وللمخاوف كركوب الْبَحْر وَالدُّخُول على السُّلْطَان وَالْقَوْم وَأما الْمُبَاح فللتنظيف والتبرد وَأما الْمَمْنُوع فالتجديد قبل أَن تقع بِهِ عبَادَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي فَرَائض الْوضُوء وَهِي سِتَّة النِّيَّة وَغسل الْوَجْه وَغسل الْيَدَيْنِ وَمسح الرَّأْس وَغسل الرجلَيْن والفور فَأَما النِّيَّة فَهِيَ الْقَصْد وَتجب فِي كل قربَة بأَرْبعَة أَوْصَاف وَهِي أَن تكون فعلا لَا تركا سوى الصّيام وَأَن تكون من حُقُوق الله تَعَالَى تَحَرُّزًا من أَدَاء الدُّيُون وَشبهه وَأَن تكون فِيمَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ تَحَرُّزًا من غسل الْمَيِّت وَمن يوضىء غَيره وَأَن تكون معقولة الْمَعْنى فَلهَذَا لَا تجب فِي إِزَالَة النَّجَاسَة بِإِجْمَاع وَتجب فِي التَّيَمُّم عِنْد الْأَرْبَعَة وَتجب فِي الْوضُوء وَالْغسْل عِنْد الْإِمَامَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة (فرعان) (الأول) يَنْوِي المتطهر أَدَاء الْفَرْض أَو رفع حكم الْحَدث أَو اسْتِبَاحَة مَا تجب الطَّهَارَة لَهُ سَوَاء أطلق أَو عين (الثَّانِي) مَحل النِّيَّة فِي أول الطَّهَارَة وَقيل فِي أول فروضها وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يستصحب ذكرهَا من أول الطَّهَارَة إِلَى أول فرض فَإِن تَأَخَّرت عَن محلهَا أَو تقدّمت بِكَثِير بطلت وَإِن تقدّمت بِيَسِير فَقَوْلَانِ وَلَا يشْتَرط بَقَاؤُهَا ذكرا بل حكما وَفِي تَأْثِير رفضها قَولَانِ وَأما الوجبه فحده طولا من أول منابت شعر الرَّأْس الْمُعْتَاد إِلَى آخر الذقن فَلَا يدْخل الصلع وَلَا النزعتان وَحده عرضا من الْأذن إِلَى الْأذن وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل من العذار إِلَى العذار وَقيل ببالأول فِي نقي الخد وَبِالثَّانِي فِي الملتحى وَانْفَرَدَ القَاضِي عبد الوهاب بقوله مَا بَين الصدغ وَالْأُذن سنة وَيجب تَخْلِيل مَا على الْوَجْه من شعر خَفِيف وَاخْتلف فِي الكثيف وَيجب إمرار الْيَد على اللِّحْيَة وَفِي وجوب تخليلها قَولَانِ وَأما اليدان فَمن أَطْرَاف الْأَصَابِع إِلَى الْمرْفقين وَيجب غسل الْمرْفقين والكعبين على الْمَشْهُور وفَاقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 لَهُم وَفِي تَخْلِيل أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ قَولَانِ الْوُجُوب وَالنَّدْب وَفِي إجالة الْخَاتم ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِثَة فيجال الضّيق دون الْوَاسِع وَبِه قَالَ ابْن حَنْبَل وَأما الرَّأْس فَيجب مسح جَمِيعه وَحده من أول منابت الشّعْر فَوق الْجَبْهَة إِلَى آخرهَا فِي الْقَفَا خلافًا لِابْنِ مسلمة فِي قَوْله يَجْزِي مسح الثُّلثَيْنِ وَلأبي الْفرج فِي الثُّلُث وَلأبي حنيفَة فِي الرّبع وَللشَّافِعِيّ بشعرة وَلَا يمسح على حَائِل خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا فَضِيلَة فِي تكْرَار الْمسْح خلافًا للشَّافِعِيّ وَالِاخْتِيَار فِي صفة الْمسْح أَن يبْدَأ من مقدم الرَّأْس ويمر إِلَى مؤخره ثمَّ يرجع إِلَى حَيْثُ بَدَأَ وَالرُّجُوع سنة وَيجب مسح مَا طَال من الشّعْر فِي الْمَشْهُور وَأما الرّجلَانِ فالفرض غسلهمَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ الطَّبَرِيّ يمسحان والكعبان هما اللَّذَان فِي جَانِبي السَّاق فَفِي كل رجل كعبان وَقيل اللَّذَان عِنْد معقد الشرَاك فَفِي كل رجل كَعْب وَأما الْفَوْر فَوَاجِب مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة فِي الْمَشْهُور وعَلى ذَلِك أَن فرق نَاسِيا أَو عَاجِزا بنى أَو عَامِدًا ابْتَدَأَ وَقيل هُوَ سنة وأسقطه الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة (الْفَصْل الثَّالِث) فِي سنَنه وَهِي سِتّ غسل الْيَدَيْنِ قبل ادخالهما فِي الْإِنَاء والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق والاستنثار وَمسح الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيب فَأَما غسل الْيَدَيْنِ قبل إدخالهما الْإِنَاء فمسنون عِنْد الثَّلَاثَة لكل متوضىء أَو مغتسل طَاهِر الْيَدَيْنِ من النَّجَاسَة وأوجبه الظَّاهِرِيَّة عِنْد الْقيام من النّوم وَابْن حَنْبَل من نوم اللَّيْل خَاصَّة وَهل غسلهمَا للتعبد أَو للنظافة فِي ذَلِك قَولَانِ يبْنى عَلَيْهِمَا فرعان وهما هَل يغسلهما مجموعتين أَو متفرقتين وَهل يُعِيد غسلهمَا إِذا أحدث فِي أثْنَاء الطَّهَارَة أَولا وَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا قَولَانِ وَأما الْمَضْمَضَة فَسنة فِي الْوضُوء عِنْد الْأَرْبَعَة وَأما الِاسْتِنْشَاق والاستنثار فسنتان عِنْد الثَّلَاثَة فِي الْوضُوء وأوجبهما ابْن حَنْبَل وَصفَة الْمَضْمَضَة أَن يخضخض المَاء فِي فَمه ثمَّ يمجه وَصفَة الِاسْتِنْشَاق أَن يَجْعَل إبهامه وسبابته على أَنفه ثمَّ ينثر برِيح الْأنف وَيجوز أَن يتمضمض ويستنشق من غرفَة وَاحِدَة أَو من غرفتين فَأكْثر وَأما الأذنان فتمسحان عِنْد الْأَرْبَعَة وَقَالَ قوم تغسلان مَعَ الْوَجْه ومسحهما سنة عِنْد الْإِمَامَيْنِ وأوجبه أَو حنيفَة ويجدد المَاء لَهما خلافًا لأبي حنيفَة وَأما التَّرْتِيب فسنع فِي الْمَشْهُور وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل وَاجِب وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الرَّابِع) فِي فَضَائِل الْوضُوء ومكروهاته أما فضائله فست (الأولى) السِّوَاك قيل وأوجبه الظَّاهِرِيَّة وَالْعود الْأَخْضَر أحسن الا للصَّائِم فَإِن لم يجد عودا استاك بإصبعه (الثَّانِيَة) التَّسْمِيَة فِي أَوله وَقيل بإنكارها وأوجبها قوم خلافًا للأربعة (الثَّالِثَة) تكْرَار المغسولات مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَالثَّلَاث أفضل (الرَّابِعَة) الِابْتِدَاء بالميامن قبل المياسر (الْخَامِسَة) الِابْتِدَاء بِمقدم الرَّأْس (السَّادِسَة) ذكر الله فِي أثْنَاء الْوضُوء وَأَن يَقُول فِي آخِره أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من اتوابين واجعلني من المتطهرين وَزَاد الشَّافِعِي مسح الرَّقَبَة وَأما جعل الْإِنَاء على الْيَمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فَذَلِك أمكن لَهُ وَأما مكروهاته فست وَهِي الْوضُوء فِي الْخَلَاء وَالْكَلَام بِغَيْر ذكر الله تَعَالَى والاكثار من صب المَاء والاقتصار على مرّة وَاحِدَة فِي المغسولات إِلَّا للْعَالم بِالْوضُوءِ وَالزِّيَادَة على الثَّلَاث وَالْوُضُوء فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وَقيل فِي هَذَا أَنه حرَام وَالْمسح بالمنديل جَائِز وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي تَركه ((تَنْبِيه)) لَا بُد فِي غسل الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ من نقل المَاء إِلَيْهِمَا والتدليك بِالْيَدِ مَعَ المَاء فَلَا يجوز أَن يُرْسل المَاء من يَده قبل وُصُوله إِلَى الْعُضْو لِأَن ذَلِك مسح وَلَا أَن يوصله من غير تدلك وَلَا أَن يدلكه بعد ذهَاب المَاء عَنهُ وَيجب أَن يتفقد الْمَوَاضِع الْخفية كأسارير الْجَبْهَة ومارن الْأنف وَمَا غَار من الأجفان وشقاق الْيَد وَالرجل وَتَحْت أَصَابِع الرجل وأطراف الْأَظْفَار ((فرع)) من نسي شَيْئا من فَرَائض الْوضُوء فَإِن ذكر بعد أَن جف وضوؤه فعل مَا ترك خَاصَّة وَأَن ذكر قبل أَن يجِف وضوؤه ابْتَدَأَ الْوضُوء قَالَ الطليطلي أَنه يُعِيد الَّذِي نسي وَمَا بعده وَلَا يبتدىء الْوضُوء وَهُوَ الصَّحِيح وَالله أعلم وَكَذَلِكَ أَن تَركه عَامِدًا وان كَانَ صلى أعَاد الصَّلَاة فِي الْعمد وَالنِّسْيَان وَمن ترك سنة نَاسِيا صحت صلَاته وَفعل مَا نسي لما يسْتَقْبل فَإِن تَركهَا عَامِدًا فَهُوَ كالناسي وَقيل تبطل صلَاته لتهاونه وان ترك فَضِيلَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ الْبَاب الثَّانِي فِي نواقض الْوضُوء وَفِيه فصلان ((الْفَصْل الأول)) فِي النواقض فِي الْمَذْهَب وَهِي ثَلَاثَة الْأَحْدَاث والأسباب والارتداد فَأَما الْأَحْدَاث فَهِيَ الْخَارِج الْمُعْتَاد من السَّبِيلَيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَة أَشْيَاء الْبَوْل وَالْغَائِط وَالرِّيح بِصَوْت وَبِغير صَوت والوادي وَهُوَ مَاء أَبيض خاثر يخرج بأثر الْبَوْل والمنى وَهُوَ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج عِنْد الالتذاذ فروع ثَلَاثَة ((الْفَرْع الأول)) إِن خرج الْحَدث من أحد المخرجين على وَجه الصِّحَّة نقض الْوضُوء إِجْمَاعًا وَإِن خرج من غير المخرجين فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن خرج خَارج غير مُعْتَاد كالحصى والدود من أَحدهمَا لم ينْقض الْوضُوء خلافًا لِابْنِ عبد الحكم وَله ((الْفَرْع الثَّانِي)) إِن خرج الْبَوْل والمني على وَجه السلس الملازم لم ينْقض خلاقا لَهما فَإِن قدر صَاحب السلس على رَفعه بمداواة أَو نِكَاح فَفِي نقضه قَولَانِ وَإِذا مذى صَاحب السلس أَو بَال بَوْل الْعَادة وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء وَيعرف ذَلِك بِأَن مذي الْمَادَّة بِشَهْوَة وَبَوْل الْمَادَّة يكثر وَيُمكن إِمْسَاكه ((الْفَرْع الثَّالِث)) من تَيَقّن الطَّهَارَة ثمَّ شكّ فِي الْحَدث فَعَلَيهِ الْوضُوء خلاقا لَهُم وَإِن تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَعَلَيهِ الْوضُوء وَأما أَسبَاب الْأَحْدَاث فَمِنْهَا السكر وَالْجُنُون والاغماء تنقض الْوضُوء بِإِجْمَاع سَوَاء كَانَت قَليلَة أَو كَثِيرَة وَمِنْهَا النَّوْع وَفِيه طريقتان (الأولى) النّظر إِلَى هيأة النَّائِم فَإِن كَانَت لَا يتهيأ مَعهَا خُرُوج الْحَدث كالجالس لم ينْقض بِخِلَاف المضطجع وفَاقا لَهما (الثَّانِيَة) النّظر إِلَى النّوم وَهُوَ أَرْبَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أَقسَام فالطويل الثقيل ينْقض وَعَكسه لَا ينْقض وَفِي الطَّوِيل الْخَفِيف وَفِي عَكسه قَولَانِ وَمِنْهَا لمس النِّسَاء فَإِن كَانَ بلذة نقض وَإِن كَانَ دونهَا لم ينْقض سَوَاء كَانَ من وَرَاء ثوب أم لَا وَسَوَاء كَانَ لزوجته أَو أَجْنَبِيَّة وَيَسْتَوِي فِي اعْتِبَار اللَّذَّة اللامس والملموس وينقض الْوضُوء عِنْد الشَّافِعِي مُطلقًا وَلَا ينْقض الْوضُوء عِنْد أبي حنيفَة مُطلقًا فَإِن قصد اللَّذَّة وَلم يجدهَا فَقَوْلَانِ مبنيان على الرَّفْض وَلَا يشْتَرط وجودهَا فِي الْقبْلَة على الْمَشْهُور وَمنا مس الذّكر والمراعى فِيهِ بَاطِن الْكَفّ والأصابع وَقيل اللَّذَّة وينقض عِنْد الشَّافِعِي مُطلقًا وَلَا ينْقض عِنْد أبي حنيفَة مُطلقًا وَفِي مَسّه من وَرَاء حَائِل خلاف وَلَا ينْقض مس ذكر صبي خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا بَهِيمَة وَمِنْهَا مس الْمَرْأَة فرجهَا وَفِيه ثَلَاث رِوَايَات فَقيل ينْقض وفَاقا للشَّافِعِيّ وَعَدَمه وفَاقا لأبي حنيفَة وَالْفرق بَين أَن تلطف أم لَا وَأما مس الدبر فَلَا ينْقض خلافًا لحمديس وَالشَّافِعِيّ وَأما الانعاظ دون مذي فَفِيهِ قَولَانِ وَأما الارتداد فينقض فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا ينْقض وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي النواقض خَارج الْمَذْهَب ينْقض الْقَيْء والقلس والرعاف والحجامة وَخُرُوج الْقَيْح عِنْد أبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل والقهقة فِي الصَّلَاة عِنْد أبي حنيفَة وَأكل لُحُوم الْإِبِل نيا أَو مطبوخا عِنْد ابْن حَنْبَل وَأكل مَا مست النَّار عِنْد بعض السّلف ثمَّ أجمع على نسخه وَحمل الْميتَة عِنْد ابْن حَنْبَل وَذبح الْبَهَائِم عِنْد الْحسن الْبَصْرِيّ وَلم يَصح عَنهُ وَمَسّ الْأُنْثَيَيْنِ عِنْد عُرْوَة بن الزبير وَمَسّ الإبطين عِنْد ابْن عمر وَلم يَصح عَنهُ الْبَاب الثَّالِث فِي الِاغْتِسَال وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَنْوَاع الْغسْل وَهُوَ وَاجِب وَسنة ومستحب فَالْوَاجِب من الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس والاسلام وَالسّنة الْغسْل للْجُمُعَة وأوجبه الظَّاهِرِيَّة وللعيدين وللإحرام بِالْحَدِّ ولدخول مَكَّة وَغسل الْمَيِّت وَقيل بِوُجُوبِهِ وَالْمُسْتَحب الْغسْل للطَّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وللوقوف بِعَرَفَة والمزدلفة وَالْغسْل من دم الِاسْتِحَاضَة واغتسال من غسل الْمَيِّت (الْفَصْل الثَّانِي) فِي فَرَائِضه وَهِي خَمْسَة النِّيَّة خلافًا لأبي حنيفَة وتعميم الْبدن بِالْمَاءِ إِجْمَاعًا والتدلك فِي الْمَذْهَب خلاقا لَهُم والفور مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة خلافًا لَهما وتخليل اللِّحْيَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل سنة (الْفَصْل الثَّالِث) فِي سنَنه وَهِي خمس غسل الْيَدَيْنِ قبل ادخالهما فِي الْإِنَاء والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق وأوجبهما فِي الْغسْل أَو حنيفَة وَمسح دَاخل الْأُذُنَيْنِ وتخليل شعر الرَّأْس وَقيل فَضِيلَة وأوجبه الشَّافِعِي (الْفَصْل الرَّابِع) فِي فضائله وَهِي خمس التَّسْمِيَة والغرف على الرَّأْس ثَلَاثًا وَتَقْدِيم الْوضُوء والبداءة بِإِزَالَة الْأَذَى قبل الْوضُوء والبداءة بالأعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والميامن ومكروهاته خمس الْإِكْثَار من صب المَاء والتنكيس فِي عمله وتكرار غسل الْجَسَد إِذا أوعب والاغتسال فِي الْخَلَاء وَالْكَلَام بِغَيْر ذكر الله وَصفته أَن يبْدَأ بِغسْل يَدَيْهِ ثمَّ يزِيل مَا على يَدَيْهِ من الْأَذَى ثمَّ يغسل فرجه من الْجَنَابَة لِئَلَّا يمسهُ بعد الْوضُوء ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة وَيجوز أَن يُؤَخر غسل رجلَيْهِ إِلَى آخر غسله ثمَّ يخلل أصُول الشّعْر بِيَدِهِ ثمَّ يفِيض عرى رَأسه ثَلَاث غرفات وتضغث الْمَرْأَة شعر رَأسهَا المظفور وَلَيْسَ علها حل عقاصها خلافًا للشَّافِعِيّ ثمَّ يغسل سَائِر جسده فروع خَمْسَة (الْفُرُوع الأول) يجب أَن يتفقد الْمَوَاضِع الْخفية كتحت الذن والإبطين وأصول الفخذين وَتَحْت الرُّكْبَتَيْنِ وعمق السُّرَّة وَغير ذَلِك (الْفَرْع الثَّانِي) من انْتقض وضوءه أثْنَاء غعسله أعَاد الْوضُوء وَاخْتلف هَل ينويه أم لَا (الْفَرْع الثَّالِث) يجزىء الْحَائِض الْجنب غسل وَاحِد للْحيض والجنابة وتنوب نِيَّة الْغسْل عَن الْوضُوء لدُخُوله تَحْتَهُ بِخِلَاف الْعَكْس (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا اغْتسل لجنابة وَالْجُمُعَة فَفِي ذَلِك صور الأولى أَن يَنْوِي الْجَنَابَة ويتبعها الْجُمُعَة ليجزيه عَنْهُمَا اتِّفَاقًا (الْفَرْع الْخَامِس) تَغْتَسِل الذمسة تَحت الْمُسلم من الْحيض لحق الزَّوْج وَإِن لم تكن لَهَا نِيَّة ويجبرها الزَّوْج أَو السَّيِّد على الْغسْل من الْحيض لَا من الْجَنَابَة عِنْد ابْن الْقَاسِم وَقَالَ أَشهب لَا يجبرها الْبَاب الرَّابِع فِي مُوجبَات الْغسْل وَهِي الْجَنَابَة وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَانْقِطَاع دم الْحيض وَالنّفاس وَسَيَأْتِي فِي بَابه فَأَما الْجَنَابَة فَثَلَاثَة أَنْوَاع الْإِنْزَال فِي الْيَقَظَة ومغيب الْحَشَفَة والاحتلام فَأَما الْإِنْزَال فَهُوَ خُرُوج المنى والمنى المَاء الدافق وَهُوَ أَبيض خاثر رَائِحَته كرائحة الطّلع أَو الْعَجِين فَإِن خرج بلذة مُعْتَادَة من الْجِمَاع فَمَا دونه وَجب الْغسْل إِجْمَاعًا وَإِن خرج بِغَيْر لَذَّة أَو بلذة غير معتاذة كحك الْجَسَد والاغتسال بِالْمَاءِ الْحَار أَو بِأَمْر مؤلم كالضرب لم يجب الْغسْل وَقيل يجب وفَاقا للشَّافِعِيّ ونفيه والتفرقة بَين أَن يكون جَامع واغتسل لَهُ قبل خُرُوج المنى فَلَا يُعِيد الْغسْل وَبَين وَأَن يكون لم يغْتَسل فيغتسل وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يجب الْغسْل فَفِي وجوب الْوضُوء واستحبابه قَولَانِ وَأما مغيب الْحَشَفَة أَو قدرهَا فِي قبل أَو دبر من بَهِيمَة أَو آدَمِيّ فموجب للْغسْل أنزل أم لم ينزل إِجْمَاعًا بعد خلاف بَين السّلف إِذْ قد نسخ إِنَّمَا المَاء من المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 فَوَائِد أعلم أَن مغيل الْحَشَفَة أَو قدرهَا كَمَا يُوجب الْغسْل يُوجب الْحَد فِي الزِّنَى ويحصن الزَّوْجَيْنِ وَيفْسد الصّيام الْوَاجِب والتطوع وَيُوجب الْكَفَّارَة فِي رَمَضَان وَيُوجب على الرجل الْكَفَّارَة عَن الْمَرْأَة إِذا أكرهها وَيفْسد تتَابع الصَّوْم فِي الْكَفَّارَة وَيفْسد الْحَج إِذا كَانَ قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة وَيُوجب الْعمرَة وَالْهَدْي إِذا كَانَ بعد جَمْرَة الْعقبَة وَقبل الْإِفَاضَة وَيُوجب الْهَدْي إِذا كَانَ بعد الْإِفَاضَة وَقبل جَمْرَة الْعقبَة لمن أخر رميها وَيفْسد الِاعْتِكَاف وَيفْسد الْعمرَة وَيُوجب إحجاج الْمَرْأَة إِذا أكرهها وَيُوجب بر من حلف أَن يطَأ وَيُوجب حنث من حلف أَن لَا يطَأ وَيُوجب الْقيمَة على الْأَب فِي وَطْء جَارِيَة ابْن ابْنه وَيُوجب الْقيمَة على الْغَاصِب لرقبة الْجَارِيَة وَيُوجب الْقيمَة على أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا وطأ الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة وَيقطع عصمَة الزَّوْج الْمَفْقُود إِذا دخل بهَا الثَّانِي وَيقطع رَجْعَة الزَّوْج الأول الَّذِي ارتجعها وَلم يعلم وَيصِح بِهِ نِكَاح الزَّوْج الثَّانِي إِذا زَوجهَا وليان من رجلَيْنِ وَلم يعلم أَحدهمَا بِالْآخرِ وَيصِح بِهِ شِرَاء المُشْتَرِي الثَّانِي إِذا بَاعهَا سَيِّدهَا أَو وَكيله من رجلَيْنِ وَلم يعلم أَحدهمَا بِالْآخرِ وَيُوجب تَحْرِيم الربيبة وَيُوجب فسخ نِكَاح الْبِنْت إِذا تزوج الْأُم وأولج فِيهَا وَيُوجب تَحْرِيم الْأُخْت الثَّانِيَة بِملك الْيَمين وَتَحْرِيم الْعمة على بنت أَخِيهَا بِملك الْيَمين وَتَحْرِيم الْخَالَة على بنت أُخْتهَا بِملك الْيَمين وَيُوجب تَحْرِيم الْمَنْكُوحَة فِي الْعدة وَيُوجب الصَدَاق كَامِلا وَيُوجب الصَدَاق على الْغَاصِب وَالزَّانِي وَيصِح بِهِ النِّكَاح إِذا عقد بِصَدَاق فَاسد وَيُوجب استيمار الْبِنْت إِذا زَوجهَا أَبوهَا بعده وَيُوجب الْعدة وَيُوجب اسْتِبْرَاء الْأمة وَيُوجب الْخِيَار للَّتِي يشرط لَهَا زَوجهَا أَن لَا يتسى عَلَيْهَا وَيقطع خِيَار الْأمة إِذا عتقت تَحت العَبْد وَيُوجب كَفَّارَة الظِّهَار وَيُوجب ابْتِدَاء كَفَّارَة الظِّهَار إِذا وطأ بعد أَن شرع فِيهَا وَيسْقط الْإِيلَاء عَن الْمولى وَيُوجب إِسْقَاط اللّعان وَيُوجب الْحَد على الْملَاعن إِذا وطأ بعد الدَّعْوَى وَيسْقط نَفَقَة الْبِنْت عَن أَبِيهَا إِذا طلقت وَيصِح بِهِ البيع الْفَاسِد فِي الْجَارِيَة وَيسْقط بِهِ الْخِيَار فِي بيع الْأمة وَيسْقط الْقيام بِالْعَيْبِ فِي الْأمة وَيسْقط اعتصار الْأَب فِي الْهِبَة وَيُوجب الْقيمَة فِي هَدِيَّة الثَّوَاب فَذَلِك خَمْسُونَ حكما تَلْخِيص أَحْكَام الْوَطْء أَرْبَعَة أَقسَام قسم يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ الْحَلَال فِي النِّكَاح لَا بِالشُّبْهَةِ وَلَا بالحرام كالإحلال والإحصان وَقسم يتَعَلَّق بالحلال وبالشبهة لَا بالحرام كالنسب وَالْعدة والصدق الْكَامِل وَتَحْرِيم الْمُصَاهَرَة وَنَحْو ذَلِك وَقسم يتَعَلَّق بالحرام الْمَحْض كالحدود والآثام وَقسم بالحلال وَالْحرَام والشبهة كوجوب الْغسْل وَفَسَاد الْعِبَادَات من الصّيام وَالْحج وَالِاعْتِكَاف وَنَحْو ذَلِك وَأما الِاحْتِلَام فَيجب الْغسْل من خورج الْمَنِيّ فِي النّوم من رجل أَو امْرَأَة إِجْمَاعًا وَلَا يجنب من الِاحْتِلَام دون الْإِنْزَال إِجْمَاعًا فَإِن انتبه وَوجد بللا وَلَا يدْرِي أمني هُوَ أَو مذي وَلم يذكر احتلاما فَفِي وجوب غسله قَولَانِ وَلَو رأى فِي ثَوْبه احتلاما وَشك فِي زمن خُرُوجه فَإِن كَانَ طريا أعَاد الصَّلَاة من أقرب نومَة نامها وَإِن كَانَ يَابسا أعَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 من أول نومَة نامها فِي ذَلِك الثَّوْب وَقيل من أقرب نومَة مَسْأَلَة تمنع الْجَنَابَة من الصَّلَاة كلهَا إِجْمَاعًا وَسُجُود التِّلَاوَة إِجْمَاعًا وَمن مس الْمُصحف عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا للظاهرية وَمن الطّواف وَالِاعْتِكَاف اجماعا وَمن قِرَاءَة الْقُرْآن عَن ظهر قلب عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا لقوم وَرخّص مَالك فِي الْآيَات الْيَسِيرَة للتعوذ خلافًا للشَّافِعِيّ وَمن دُخُول الْمَسْجِد وَأَجَازَ الشَّافِعِي الْمُرُور فِيهِ وَأَجَازَ ابْن حَنْبَل الْجُلُوس فِيهِ للْجنب وَأما الْإِسْلَام فَيجب على الْكَافِر إِذا أسلم أَن يغْتَسل وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقيل يسْتَحبّ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَاخْتلف هَل يغْتَسل إِذا اعْتقد الْإِسْلَام بِقَلْبِه قبل أَن يظهره وَهل يتَيَمَّم إِذا لم يجد المَاء الْبَاب الْخَامِس فِي الْمِيَاه وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَقسَام الْمِيَاه وَهِي خَمْسَة (الأول) الماس الْمُطلق وَهُوَ الْبَاقِي على أَصله فَهُوَ طَاهِر مطهر إِجْمَاعًا سَوَاء كَانَ عذبا أَو مالحا أَو من بَحر أَو سَمَاء أَو أَرض وَيلْحق بِهِ مَا تغير بطول مكثه أَو بِمَا يجْرِي عَلَيْهِ أَو بِمَا هُوَ متولد عَنهُ كالطحلب أَو بِمَا لَا يَنْفَكّ عَنهُ غَالِبا أَو بالمجاورة وَلَا يُؤثر تغيره بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح على الْمَشْهُور وَفِي تغيره بالملح ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين المعدني والمصنوع وَفِي تغيره بِسُقُوط الْوَرق ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين زمَان كثرته فيفتقر للْمَشَقَّة وَبَين زمَان قلته (الثَّانِي) مَا خالطه شَيْء طَاهِر فَإِن لم يُغير لَونه وَلَا طعمه وَلَا رِيحه فَهُوَ كالمطلق وَإِن غير أحد الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة فَهُوَ عِنْد الْإِمَامَيْنِ طَاهِر غير مطهر وَعند أبي حنيفَة طَاهِر مطهر مَا لم يطْبخ أَو يغلب على أَجْزَائِهِ) الثَّالِث) مَا خالطه شَيْء نجس فَإِن غَيره فَهُوَ غير طَاهِر وَلَا مطهر إجماعاولو زَالَ تغير النَّجَاسَة فَقَوْلَانِ وَإِن لم يُغَيِّرهُ فَإِن كَانَ المَاء كثيرا فَهُوَ بَاقٍ على أَصله وَلَا حد للكثرة فِي الْمَذْهَب وَحده الشَّافِعِي بقلتين من قلال هجر وهما نَحْو خمس قرب وَحده أَبُو حنيفَة بأنهإذا حرك طرفه لم يَتَحَرَّك الطّرف الآخر وَإِن كَانَ قَلِيلا وَلم يتَغَيَّر فَهُوَ نجس وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَقيل مَكْرُوه وَقيل مَشْكُوك فَيجمع بَينه وَبَين التَّيَمُّم (الرَّابِع) المَاء الْمُسْتَعْمل فِي الْوضُوء أَو الْغسْل إِذا لم يُغَيِّرهُ الِاسْتِعْمَال فَهُوَ طَاهِر مطهر وَلَكِن يكره مَعَ وجود غَيره وَقيل طَاهِر غير مطهر وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل مَشْكُوك فيتوضأ بِهِ وَيتَيَمَّم وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ نجس وَفضل الْجنب وَالْحَائِض طَاهِر مطهر وَيجوز أَن يتَطَهَّر الرجل بِفضل الْمَرْأَة خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَيجوز الْعَكْس خلافًا لقوم (الْخَامِس) المَاء الَّذِي نبذ فِيهِ تمر أَو غَيره إِن أسكر فَهُوَ نجس وَإِن لم يسكر وَتغَير فَهُوَ طَاهِر غير مطهر وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه أجَاز الْوضُوء بالنبيذ وَحكي أَنه رَجَعَ عَنهُ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الاسئار وفيهَا خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) سُؤْر ابْن آدم فَإِن كَانَ مسلمالا يشرب الْخمر فسؤره طَاهِر مطهر بِإِجْمَاع وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 شَارِب خمر فَإِن كَانَ فِي فَمه نَجَاسَة فَهُوَ كَالْمَاءِ الَّذِي خالطته النَّجَاسَة وَإِن لم يكن فِي فَمه نَجَاسَة فَهُوَ طَاهِر مطهر عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ قوم فِي سُؤْر الْكَافِر أَنه نجس وَكَذَلِكَ مَا أَدخل يَده فِيهِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي سُؤْر الْكَلْب وَيغسل الْإِنَاء سبع مَرَّات من ولوغه فِي المَاء عِنْد الْأَرْبَعَة وَزَاد الشَّافِعِي التعفير بِالتُّرَابِ وَفِي وجوب هذاالغسل واستحبابه قَولَانِ وَفِي إراقه مَا ولغَ فِيهِ قَولَانِ وَفِي غسله سبعا من الولوغ فِي الطَّعَام قَولَانِ وَفِي تكْرَار الْغسْل لجَماعَة الْكلاب ولتكرار الْكَلْب الْوَاحِد قَولَانِ وَفِي غسله سبعا من ولوغ الْكَلْب الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه قَولَانِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) سُؤْر الْخِنْزِير وَهُوَ طَاهِر خلافًا للشافعيوفي غسل الْإِنَاء مِنْهُ سبعا قَولَانِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي سُؤْر مَا يسْتَعْمل النَّجَاسَة كالهر والفأرة فَإِن ريء فِي أقواهها نَجَاسَة كَانَ كَالْمَاءِ الَّذِي خالطته النَّجَاسَة فَإِن تحقق طَهَارَة أفواهها فطاهر وَإِن لم يعلم فيغتفر مَا يعسر التَّحَرُّز مِنْهُ وَفِي تنجيس مَا يتحرز مِنْهُ قَولَانِ (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) سُؤْر الدَّوَابّ وَالسِّبَاع طَاهِر عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الاسئار تَابِعَة للحوم (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْأَوَانِي وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) يجوز اتِّخَاذ الْأَوَانِي من جلد المذكى الْجَائِز الْأكل إِجْمَاعًا وَاخْتلف فِي جلد المذكى الْمحرم الْأكل كالسباع وَأما جلد الْخِنْزِير فنجس على الْإِطْلَاق وَأما جلد الْميتَة فَإِن لم يدبغ فَهُوَ نجس وَإِن دبغ فَالْمَشْهُور أَنه نجس وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل لَكِن يجوز فِي الْمَذْهَب اسْتِعْمَاله فِي ابيابسات وَفِي المَاء وَحده من الْمَائِعَات وَلَا يجوز بَيْعه وَلَا الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا فِيهِ وَقيل هُوَ طَاهِر وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يجوز اتِّخَاذ الْأَوَانِي من الفخار وَمن الْحَدِيد وَمن الرصاص والصفر وَمن النّحاس وَمن الخشل وَمن الْعِظَام الطاهرة إِجْمَاعًا وَفِي طَهَارَة الفخار من نجس غواص كَالْخمرِ قَولَانِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة واستعمالها حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء وَاخْتلف فِي جَوَاز اتخاذها من غير اسْتِعْمَال وَفِي الحاق غير الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْجَوَاهِر النفيسة كالياقوت واللؤلؤ بهما وَفِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا غشيت بِرَصَاصٍ وَشبهه وَفِي الْأَوَانِي الْجَائِزَة إِذا موهت بِالذَّهَب وَالْفِضَّة أَو ضبب بهما (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي اخْتِلَاط الْأَوَانِي وَإِذا اشْتبهَ إِنَاء طَاهِر بِنَجس وَلم يُمَيّز الطَّاهِر مِنْهُمَا وَلم يكن لَهُ غَيرهمَا فَقيل يتَيَمَّم ويتركهما وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقيل يتحَرَّى وَاحِدًا وَيتَوَضَّأ بِهِ وفَاقا لَهما وَقيل يتَوَضَّأ بِالْوَاحِدِ وَيُصلي ثمَّ يتَوَضَّأ بِالْآخرِ وَيُصلي وَزَاد مُحَمَّد بن مسلمة وَيغسل أعضاءه بِالثَّانِي قبل أَن يتَوَضَّأ بِهِ الْبَاب السَّادِس فِي النَّجَاسَات وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي تَمْيِيز النَّجَاسَات والأشياء على أَرْبَعَة أَنْوَاع جماد وحيوان وفضلات الْحَيَوَان وأجزاء الْحَيَوَان فَأَما الجماد فطاهر إِلَّا الْمُسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَأما الْحَيَوَان فَإِن كَانَ حَيا فَهُوَ طَاهِر مُطلقًا وَقيل بِنَجَاسَة الْكَلْب وَالْخِنْزِير والمشرك وَإِن كَانَ مَيتا فَلَا يخلوا من أَن يَمُوت حتف أَنفه أَو بِذَكَاة فَإِن مَاتَ بِذَكَاة فالمذكى الْجَائِز الْأكل طَاهِر بِاتِّفَاق والمذكى الْمحرم الْأكل مُخْتَلف فِيهِ فَإِن مَاتَ حتف أَنفه فَإِن كَانَ بحريا فَهُوَ طَاهِر خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن كَانَ بريا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فَهُوَ طَاهِر خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن كَانَ بريا ذَا نفس سَائِلَة فَهُوَ نجس اتِّفَاقًا وَأما أَجزَاء الْحَيَوَان فَإِن قطعت مِنْهُ فِي حَال حَيَاته فَهِيَ نَجِسَة إِجْمَاعًا إِلَّا الشّعْر وَالصُّوف والوبر وَإِن قطعت بعد مَوته فَإِن حكمنَا بِالطَّهَارَةِ فأجزاؤه كلهَا طَاهِرَة وَإِن حكمنَا بِالنَّجَاسَةِ فلحمه نجس وَأما الْعظم وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالقرن وَالسّن والظلف فَهِيَ نَجِسَة من الْميتَة خلافًا لأبي حنيفَة وَأما الصُّوف والوبر وَالشعر فَهِيَ طَاهِرَة من الْميتَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَقد تقدم الْكَلَام فِي الْجُلُود وَأما فضلات الْحَيَوَان فَإِن كَانَت مِمَّا لَيْسَ لَهُ مقرّ كالدمع والعرق واللعاب فَهِيَ طَاهِرَة من كل حياون إِلَّا أَنه اخْتلف فِي لعاب الْكَلْب وعرق مَا يسْتَعْمل النَّجَاسَات كشارب الْخمر وَالْجَلالَة وَإِن كَانَت مِمَّا لَهُ مقرّ فَأَما الأبوال والرجيع فَذَلِك من ابْن آدم نجس إِجْمَاعًا إِلَّا أَنه اخْتلف فِي بَوْل الصَّبِي الَّذِي لَا يَأْكُل الطَّعَام وأبوال سَائِر الْحَيَوَانَات تَابِعَة للحومها فِي الْمَذْهَب فبول الْحَيَوَان الْمحرم الْأكل نجس وَبَوْل الْحَلَال طَاهِر وَبَوْل الْمَكْرُوه مَكْرُوه وَقَالَ الشَّافِعِي الْبَوْل والرجيع نجس من كل حَيَوَان وَأما الدِّمَاء فالدم الْكثير من الْحَيَوَان الْبري نجس والقليل مِنْهُ مَعْفُو عَنهُ وخده الدِّرْهَم البغلي وَقَالَ ابْن وهب قَلِيل دم الْحيض وكثيرة نجس وَفِي نَجَاسَة دم الْحُوت والذباب قَولَانِ والمسك طَاهِر إِجْمَاعًا وَأما الصديد والقيح فَقيل يُعْفَى عَن قَلِيله كَالدَّمِ وَقيل هُوَ كالبول وَأما الألبان فلبن الْآدَمِيَّة وَمَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وَلبن الْخِنْزِير نجس إِجْمَاعًا وَفِي لبن غَيره من الْمُحرمَات الْأكل قَولَانِ وَفِي لبن مَا يسْتَعْمل النَّجَاسَة قَولَانِ وَأما الْمَذْي والودي فنجسان بِاتِّفَاق وَأما مني ابْن آدم فنجس خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل تَلْخِيص النَّجَاسَات الْمجمع عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَب ثَمَانِيَة عشر بَوْل ابْن آدم الْكَبِير ورجيعه والمذي والودي وَلحم الْميتَة وَالْخِنْزِير وعظمهما وَجلد الْخِنْزِير مُطلقًا وَجلد الْميتَة إِن لم يدبغ وَمَا قطع من الْحَيّ فِي حَال حَيَاته إِلَّا الشّعْر وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلبن الخنزيرة والمسكر وَبَوْل الْحَيَوَان الْمحرم الْأكل ورجيعه والمني وَالدَّم الكثية والقيح الْكَثِيرَة والمختلف فِيهَا فِي الْمَذْهَب ثَمَانِيَة عشر بَوْل الصَّبِي الَّذِي لَا يَأْكُل الطَّعَام وَبَوْل الْحَيَوَان الْمَكْرُوه الْأكل وَجلد الْميتَة إِذا دبغ وَجلد المذكى الْمحرم الْأكل ولحمه وعظمه ورماد الْميتَة وناب الْفِيل وَدم الْحُوت والذباب والقليل من دم الْحيض والقليل من الصديد ولعاب الْكَلْب ولبت مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه غير الْخِنْزِير وَلبن مُسْتَعْمل النَّجَاسَة وعرق مُسْتَعْمل النَّجَاسَة وَشعر الْخِنْزِير وَالْخمر إِذْ خللت ((الْفَصْل الثَّانِي)) فِي أَحْكَام النَّجَاسَات وَفِيه عشر مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) إِزَالَة النَّجَاسَة وَاجِبَة مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة على الْمَشْهُور فَمن صلى بهَا أعَاد أَن كَانَ ذَاكِرًا قَادِرًا وَلم يعد إِن كَانَ نَاسِيا أَو عَاجِزا وَقيل وَاجِبَة مُطلقًا وفَاقا لَهما فَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 صلى بهَا أشاد مُطلقًا وَقيل سنة فِي الْوَقْت اسْتِحْبَابا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يرخص فِي الصَّلَاة بِالنَّجَاسَةِ حَيْثُ لَا يُمكن الإحتراز عَنْهَا أَو يشق كالجرح والدمل يسيل وَالْمَرْأَة ترْضع وَصَاحب السلس وَفِي إمامتهم قَولَانِ وكالغازي يفْتَقر إِلَى إمْسَاك فرسه (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) يجب إِزَالَة النَّجَاسَة عَن جَسَد الْمُصَلِّي وَمَوْضِع الصَّلَاة وَالثَّوْب الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وكل مَا يحملهُ أَو مَا يتَعَلَّق بِهِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) إِزَالَة النَّجَاسَة بِثَلَاثَة أَشْيَاء وَهِي الْغسْل وَالْمسح والنضح فالنضح للثوب إِذا شكّ فِي نَجَاسَته وَاخْتلف فِي نضح الْبدن والموضع إِذا شكّ فِي نَجَاسَته وَفِي افتقار النَّضْح إِلَى نِيَّة وَالْمسح فِيمَا يفْسد بِالْغسْلِ كالسيف والنعل والخف وَالْغسْل فِيمَا سوى ذَلِك (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) لَا يَكْفِي فِي غسل النَّجَاسَة إمرار المَاء بل لَا بُد من إِزَالَة عين النَّجَاسَة وأثرها حَتَّى تنفصل الغسالة غير متغيرة فَإِن انفصلت متغيرة فَهِيَ نَجِسَة والموضع نجس (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) إِذا ميز مَوضِع النَّجَاسَة من الثَّوْب وَالْبدن غسله وَحده وَإِن لم يُمَيّز غسل الْجَمِيع (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) لَا يجوز إِزَالَة النَّجَاسَة بمائع غير المَاء وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة بِكُل مَائِع كالخل وَمَاء الْورْد (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) إِذا مشت الْمَرْأَة بذيلها الطَّوِيل على نَجَاسَة يابسة يطهره مَا بعده وَاخْتلف فِي الرّطبَة وَمثلهَا من مَشى بِرَجُل مبلولة على نَجَاسَة ثمَّ على مَوضِع طَاهِر جَاف ويعفى عَن طين الْمَطَر مَا لم تكن النَّجَاسَة غالبة أَو عينهَا قَائِمَة (الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة) إِذا وَقعت دَابَّة نَجِسَة فِي بِئْر وغيرت المَاء وَجب نزح جَمِيعه فَإِن لم تغيره اسْتحبَّ أَن ينْزح مِنْهُ بِقدر الدَّابَّة وَالْمَاء (الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة) إِذا وَقعت نَجَاسَة فِي مَائِع غير المَاء تنجس سَوَاء تغير أَو لم يتَغَيَّر وَإِن وَقعت فَأْرَة فِي سمن ذائب فَمَاتَتْ فِيهِ طرح جَمِيعه وَإِن كَانَ جَامِدا طرحت هِيَ وَمَا حولهَا خَاصَّة قَالَ سَحْنُون إِلَّا أَن يطول مقَامهَا فِيهِ ((الْفَصْل الثَّالِث)) فِي الرعاف وَمن رعف وَعلم أَن الدَّم لَا يَنْقَطِع صلى حَاله وَإِن رجا انْقِطَاعه فَإِن أَصَابَهُ قبل الصَّلَاة انْتظر حَتَّى يَنْقَطِع فَإِن لم يَنْقَطِع إِلَى آخر الْوَقْت صلى وَإِن أَصَابَهُ فِي الصَّلَاة فتله بأصابعه وَتَمَادَى فَإِن قطر أَو سَالَ خرج لغسله وَجَاز لَهُ أَن يقطع الصَّلَاة بِسَلام أَو كَلَام ثمَّ يغسلهُ ويبتديء وَأَن يَبْنِي على صلَاته بعد غسل الدَّم وَالْقطع اخْتِيَار ابْن الْقَاسِم وَالْبناء اخْتِيَار مَالك وَلَا يجوز الْبناء فِي غير الْمَذْهَب وَإِنَّمَا يجوز الْبناء فِي الْمَذْهَب بِخَمْسَة شُرُوط وَهِي أَن لَا يتَكَلَّم وَلَا يمشي على نَجَاسَة وَلَا يُصِيب الدَّم جسده وَلَا ثِيَابه وَأَن يغسل الدَّم فِي أقرب الْمَوَاضِع وَأَن يكون قد عقد رَكْعَة بسجدتيها على خلاف فِي هَذَا وَالْبناء جَائِز فِي الْمَذْهَب للْإِمَام وَالْمَأْمُوم وَاخْتلف فِي الْمُنْفَرد وَإِذا رعف الْمَسْبُوق فَأَرَادَ الْبناء فَاخْتلف هَل يبتديء بِالْبِنَاءِ أَو بِالْقضَاءِ الْبَاب السَّابِع فِي الإستنجاء وَمَا يتَّصل بِهِ وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي آدَاب الاحداث وَهِي أَن يتباعد عَن النَّاس ويستتر مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَأَن يجْتَنب الْملَاعن وَهِي الطرقات ومواضع جُلُوس النَّاس وظلال الْجدر وَالشَّجر وشاطيء النَّهر وَأَن لَا يَبُول فِي الْحجر وَلَا فِي المَاء الدَّائِم وَلَا مهب الرِّيَاح وَأَن يذكر الله عِنْد دُخُوله فَيَقُول أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وَعند خُرُوجه فَيَقُول الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني أَو يَقُول غفرانك وَأَن لَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها إِلَّا إِن كَانَ بَين الْبُنيان وفَاقا للشَّافِعِيّ وَمنعه ابْن حَنْبَل مُطلقًا وَأَن لَا يتَكَلَّم وَأَن يعد مَا يقْلع الْحَدث وَأَن لَا يَبُول قَائِما إِلَّا أَن يكون الْموضع رخوا (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الإستنجاء بِالْمَاءِ والإستجمار بالأحجار وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) الْأَفْضَل الْجمع بَين الإستجمار والإستنجاء وَيقدم الإستجمار ثمَّ الِاقْتِصَار على الإستنجاءثم الِاقْتِصَار على الإستجمار وَيجوز مَعَ عدم المَاء ووجوده وَقَالَ ابْن حبيب لَا يجوز إِلَّا مَعَ عدم المَاء وَلَا يجوز الإستجمار من الْمَنِيّ وَلَا من الْمَذْي وَلَا أَن تعدت النَّجَاسَة المخرجين أَو مَا قرب مِنْهُمَا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) صفة الإستنجاء أَن يفرغ على يَده الْيُسْرَى قبل أَن يلاقي بهَا الْأَذَى ثمَّ يغسل الْقبل فَإِن كَانَ من الْبَوْل أَجزَأَهُ غسل الْمخْرج خَاصَّة وَإِن كَانَ من الْمَذْي فَيغسل الذّكر كُله وَقيل كالبول ثمَّ يغسل الْقبل ثمَّ يغسل الدبر ويوالي صب المَاء ويدلكه بِالْيَدِ الْيُسْرَى ويسترخي قَلِيلا ويجيد العرك حَتَّى ينقى وَلَا يستنجي باليمنى وَلَا يمس بهَا ذكره (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) يجوز عِنْد الْأَرْبَعَة الإستجمار بالأحجار وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ كل جامد منق طَاهِر لَيْسَ بمطعوم وَلَا ذِي حُرْمَة وَلَا فِيهِ سرف وَلَا حق للْغَيْر وَلَيْسَ بروث وَلَا عظم وَلَا فَحم للنَّهْي عَن ذَلِك فَإِن استجمر بِمَا لَا يجوز أَجزَأَهُ خلافًا لِابْنِ عبد الحكم وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة لَا يجوز بِغَيْر الْأَحْجَار (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْوَاجِب فِي الإستجمار الإنقاء وَلَو بِحجر وَاحِد وَالْمُخْتَار ثَلَاثَة وَقيل تجب فَإِن لم ينق بهَا زَاد إِلَى عدد وتر (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) يجب الإستبراء قبل الإستنجاء وَهُوَ استفراغ مَا فِي المخرجين من الْأَذَى وَلَيْسَ لَهُ حد بل يرجع إِلَى عوائد النَّاس وَقَالَ الشَّافِعِي يحلب الْقَلَم ثَلَاث مَرَّات الْبَاب الثَّامِن فِي التَّيَمُّم وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط جَوَازه وَهِي على الْجُمْلَة شَرْطَانِ عدم المَاء أَو تعذر اسْتِعْمَاله وَأما على التَّفْصِيل فَهِيَ عدم المَاء فِي السّفر وَالْمَرَض إِجْمَاعًا وَفِي الْحَضَر من غير مرض خلافًا لأبي حنيفَة وَأَن يجد من المَاء مَا لَا يَكْفِيهِ خلافًا للشَّافِعِيّ وَعدم الْآلَة الموصلة إِلَى المَاء كالدلو أَو الرشاء وَأَن يخَاف الْعَطش على نَفسه أَو على غَيره من آدَمِيّ أَو بَهِيمَة وَأَن يخَاف إِن خرج إِلَى المَاء لصوصا أَو سباعا وَأَن يجد المَاء غَالِبا يجحف بِهِ شِرَاؤُهُ وَأَن يخَاف فَوَات الْوَقْت إِن ذهب إِلَى المَاء أَو انتظره أَو اسْتَعْملهُ خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَن يخَاف الْمَوْت من الْبرد أَو حُدُوث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مرض أَو زِيَادَته أَو تَأَخّر برْء أَو يكون مَرِيضا لَا يجد من يناوله المَاء أَو يكون قد استوعب الْجراح أَو القروح أَكثر جَسَد الْجنب أَو أَعْضَاء الْوضُوء من الْمُحدث (الْفَصْل الثَّانِي) فَرَائض التَّيَمُّم فعله بعد دُخُول الْوَقْت وَطلب المَاء خلافًا لأبي حنيفَة فيهمَا وَالنِّيَّة عِنْد الْأَرْبَعَة وَمسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِجْمَاعًا والفور خلافًا لَهما والصعيد هُوَ التُّرَاب وَيجوز التَّيَمُّم بِمَا صعد على الأَرْض من أَنْوَاعهَا كالحجارة والحصى والرمل والجص خلافًا للشَّافِعِيّ (وسننه) تَقْدِيم الْوَجْه على الْيَدَيْنِ وتجديد ضَرْبَة لِلْيَدَيْنِ ومسحهما إِلَى الْمرْفقين وَقيل يجب وفَاقا للشَّافِعِيّ وَغَيره (وفضائله) البدء بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالتَّسْمِيَة أَوله كَيْفيَّة مسح الذراعين أَن يمر الْيَد الْيُسْرَى على الْيُمْنَى من فَوق الْكَفّ إِلَى الْمرْفق ثمَّ بَاطِن الْمرْفق إِلَى الْكُوع ثمَّ يمر الْيُمْنَى على الْيُسْرَى كَذَلِك وكيفما فعل أَجزَأَهُ إِذا أوعب (الْفَصْل الثَّالِث) التَّيَمُّم يَنُوب عَن الْوضُوء وَعَن الْغسْل من الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس إِلَّا أَنه لَا يجوز لزوج الْحَائِض أَن يَطَأهَا حَتَّى تَغْتَسِل بِالْمَاءِ على الْمَشْهُور وينقضه نواقض الْوضُوء وَالْغسْل وينقضه أَيْضا وجود المَاء قبل الصَّلَاة اتِّفَاقًا وَلَا ينْقضه بعد الدُّخُول فِي الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَلَا بعد الْفَرَاغ مِنْهَا فَلَا يُعِيدهَا إِجْمَاعًا (الْفَصْل الرَّابِع) يستباح بِالتَّيَمُّمِ مَا يستباح بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَلَا يجمع بِهِ بَين صَلَاتَيْنِ مكتوبتين خلافًا لأبي حنيفَة وَيجمع بَين نوافل وَبَين فَرِيضَة ونافلة ان قدم الْفَرِيضَة وَقَالَ الشَّافِعِي يتَنَفَّل قبل الْمَكْتُوبَة وَبعدهَا الْبَاب التَّاسِع فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ والجبائر أما الخفان فَيجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي السّفر والحضر بِسِتَّة شُرُوط وَهِي أَن يكون الْخُف من جلد تَحَرُّزًا من الجورب وَأَن يكون ساترا إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَأَن يكون صَحِيحا أَو بخرق يسير والخرق الْكَبِير مَا لَا يُمكن بِهِ مُتَابعَة الْمَشْي وَعند أبي حنيفَة ظُهُور ثَلَاثَة أَصَابِع وَأَن يكون مُنْفَردا وَفِي مسح خف من فَوق خف قَولَانِ وَأَن يكون قد لبسه على طَهَارَة بِالْمَاءِ كَامِلَة ون يكون لبسه مُبَاحا تَحَرُّزًا من الْمحرم وغاصب الْخُف وَالْوَاجِب مسح أَعلَى الْخُف وَيسْتَحب أَسْفَله وَقيل يجب ويتمادى على الْمسْح من غير تَوْقِيت بِزَمَان مَا لم يخلعه أَو يحدث لَهُ مَا يُوجب الإغتسال فَإِن خلعه انْتقض الْمسْح وَوَجَب غسل الرجل وان وَجب الِاغْتِسَال لم يسمح لِأَن الْمسْح إِنَّمَا هُوَ فِي الْوضُوء وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة يمسح الْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها والمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة وَأما الجبائر فَهِيَ الَّتِي تشد على الْجراح والقروح والفصادة فَيجوز الْمسْح عَلَيْهَا وعَلى العصائب المشدودة فَوْقهَا سَوَاء كَانَت فِي أَعْضَاء الْوضُوء أَو الْغسْل أَو كَانَت على الْموضع وَحده أَو انتشرت عَنهُ وَلَا يشْتَرط شدها على طَهَارَة وَلَا يُعِيد الصَّلَاة إِذا صَحَّ نَزعهَا للمداواة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ثمَّ ردهَا أعَاد الْمسْح وَإِذا صَحَّ فنزعها غسل الْموضع على الْفَوْر وَإِن سَقَطت الْجَبِيرَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة قطع الصَّلَاة لِأَن طَهَارَة الْموضع قد انتقضت بظهوره الْبَاب الْعَاشِر فِي الْحيض وَالنّفاس وَالطُّهْر والإستحاضة أما الْحيض فَهُوَ الدَّم الْخَارِج من فرج الْمَرْأَة الَّتِي يُمكن حملهَا عَادَة من غير ولادَة وَلَا مرض وَلَا زِيَادَة على الأمد وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي مِقْدَاره وَلَا حد لأقله فِي الْعِبَادَات بِخِلَاف الْعدة والاستبراء بل الدفعة حيض وَقَالَ الشَّافِعِي أَقَله يَوْم وَلَيْلَة وَأَبُو حنيفَة ثَلَاثَة أَيَّام وَأما أَكْثَره فمختلف باخْتلَاف النِّسَاء وَهن أَرْبَعَة مُبتَدأَة ومعتادة وحامل ومختلطة فالمبتدأة تعْتَبر أَيَّام لداتها فَإِن تَمَادى بهَا الدَّم اغْتَسَلت وَكَانَت مُسْتَحَاضَة وَقيل تستظهر على ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام وَقيل تكمل خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأما الْحَامِل إِذا رَأَتْ الدَّم فَهُوَ حيض عِنْد الْإِمَامَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ أَنَّهَا لم تَتَغَيَّر عَادَتهَا فَهِيَ كَغَيْر الْحَامِل وَإِن تَغَيَّرت عَادَتهَا فَفِيهَا الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي فِي الْمُعْتَادَة وَقَالَ ابْن الْقَاسِم تمكث بعد ثَلَاثَة أشهر خَمْسَة عشر يَوْمًا وَبعد سِتَّة أشهر عشْرين يَوْمًا وَآخر الْحمل ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْو ذَلِك وَقيل تمكث ضعف أَيَّام عَادَتهَا وَأما المختلطة وَهِي الَّتِي ترى الدَّم يَوْمًا أَو أَيَّامًا وَالطُّهْر يَوْمًا أَو أَيَّامًا حَتَّى لَا يحصل لَهَا طهر كَامِل فَإِنَّهَا عِنْد الْإِمَامَيْنِ تلفق أَيَّام الدَّم فتعدها حَتَّى يكمل لَهَا مِقْدَار أَكثر أَيَّام الْحيض وتلغي أَيَّام الطُّهْر الَّتِي بَينهَا فَلَا تعدها فَإِذا أكمل لَهَا من أَيَّام الدَّم مُدَّة أَكثر الْحيض كَانَت مُسْتَحَاضَة وَإِن تخَلّل بَين أَيَّام الدَّم مِقْدَار أقل استأنفت حَيْضَة أُخْرَى وَتَكون فِي طول مُدَّة التلفيق تَغْتَسِل فِي كل يَوْم لَا ترى فِيهِ الدَّم رَجَاء أَن يكون طهرا كَامِلا وتجتنب فِي كل يَوْم ترى فِيهِ الدَّم مَا تجتنبه الْحَائِض (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يمْنَع الْحيض وَالنّفاس اثْنَي عشر شَيْئا مِنْهَا السَّبْعَة الَّتِي تمنعها الْجَنَابَة وَهِي الصَّلَوَات كلهَا وَسُجُود التِّلَاوَة وَمَسّ الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد وَالطّواف والإعتكاف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَقيل يجوز لَهَا الْقِرَاءَة عَن ظهر قلب وتزيد خمْسا وَهِي الصّيام إِلَّا أَن تقضيه وَلَا تقضي الصَّلَاة إِجْمَاعًا وَالطَّلَاق وَالْجِمَاع فِي الْفرج قبل انْقِطَاع الدَّم بِإِجْمَاع وَالْجِمَاع بِمَا دون الْفرج قبل انْقِطَاع الدَّم خلافًا لَا صبغ والظاهرية وَإِنَّمَا يجوز أَن يتمتع عِنْد الْأَرْبَعَة فِي أَعلَى جَسدهَا بعد أَن تشد إزَارهَا وَالْجِمَاع بعد انْقِطَاع الدَّم وَقبل الإغتسال خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن وطأ فِي الْحيض فليستغفر الله وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن حَنْبَل يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار وجسد الْحَائِض وعرقها وسؤرها طَاهِر وَكَذَلِكَ الْجنب وَأما دم النّفاس فَهُوَ الْخَارِج من الْفرج بِسَبَب الْولادَة وَلَا حد لأقله وَقَالَ أَبُو حنيفَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْأَرْبَعَة فَإِن انْقَطع دم النّفاس ثمَّ عَاد بعد مُضِيّ طهر تَامّ فَهُوَ حيض وَإِن عَاد قبل طهر فَهُوَ من النّفاس وَإِن تَمَادى أَكثر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 مدَّته صَار اسْتِحَاضَة وَأما الطُّهْر فَهُوَ زمَان نقاء الْمَرْأَة مندم الْحيض وَالنّفاس وَلَا حد لأكثره اجماعا وَأقله خَمْسَة عشر يَوْمًا وفَاقا لَهما وَقيل عشرَة وَقيل ثَمَانِيَة وَقيل خَمْسَة وَقيل ترجع إِلَى الْعَادة وللطهر علامتان الجفوف من الدَّم والقصة الْبَيْضَاء وَهِي مَاء أَبيض رَقِيق يَأْتِي فِي آخر الْحيض فَإِذا رَأَتْ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء عَلامَة طهرهَا اغْتَسَلت من ساعتها وَجَاز لَهَا كل مَا تمنع مِنْهُ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَأما دم الإستحاضة فَهُوَ الْخَارِج من الْفرج على وَجه الْمَرَض فَلَا تنْتَقل الْمُسْتَحَاضَة إِلَى حكم الحائضة إِلَّا بِثَلَاثَة شُرُوط (أَحدهَا) أَن يمْضِي لَهَا من الْأَيَّام فِي الإستحاضة مِقْدَار أقل الطُّهْر (الثَّانِي) أَن يتَغَيَّر الدَّم عَن صفة الإستحاضة إِلَى الْحيض فَإِن دم الْحيض أسود غليظ وَدم الإستحاضة أَحْمَر رَقِيق والصفرة والكدرة حيض (الثَّالِث) أَن تكون الْمَرْأَة مُمَيزَة وَلَا تمنع الإستحاضة شَيْئا مِمَّا يمْنَع مِنْهُ الْحيض وَيسْتَحب للمستحاضة أَن تتوضأ لكل صَلَاة وأوجبه الشَّافِعِي وَاخْتلف هَل تَغْتَسِل إِذا انْقَطع دم الإستحاضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 = الْكتاب الثَّانِي فِي الصَّلَاة وَفِيه ثَلَاثُونَ بَابا = الْبَاب الأول فِي أَنْوَاع الصَّلَوَات وَهِي خَمْسَة فرض عين وَفرض كِفَايَة وَسنة وفضيلة ونافلة فَفرض الْعين الصَّلَوَات الْخمس بِإِجْمَاع وَهِي صَلَاة الصُّبْح وَهِي صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر وَصَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْعشَاء وَقد نهى عَن تَسْمِيَتهَا بالعتمة وَالصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الصُّبْح عِنْد مَالك وَأهل الْمَدِينَة وَالْعصر عِنْد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَالظّهْر عِنْد زيد بن ثَابت وَفرض الْكِفَايَة الصَّلَاة على الْجَنَائِز فِي الْمَشْهُورَة وَقيل هِيَ سنة وَأما السّنة فَهِيَ عشر صلوَات الْوتر وَهِي أكد السنين وأوجبها أَبُو حنيفَة وركعتا الْفجْر وَصَلَاة عيد الْفطر وَصَلَاة عيد الْأَضْحَى وَصَلَاة كسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر وَصَلَاة الإستسقاء وَسُجُود التِّلَاوَة إِنَّهَا من الْفَضَائِل وَأما الْفَضَائِل فَإِنَّهَا عشر وَهِي رَكْعَتَانِ بعد الْوضُوء وتحية الْمَسْجِد رَكْعَتَانِ وأوجبهما الظَّاهِرِيَّة وَصَلَاة الضُّحَى وَقد اخْتلف فِيهَا من اثْنَتَيْ عشر رَكْعَة إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَقيام اللَّيْل وَقيام رَمَضَان وَهُوَ آكِد وإحياء مَا بَين العشاءين وَأَرْبع رَكْعَات قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وَقيل أَربع رَكْعَات وركعتان قبل الْعَصْر وَقيل أَربع وركعتان بعد الْمغرب وَقيل سِتّ وَقد قيل فِي هَذِه كلهَا أَنَّهَا سنَن وَأما النَّوَافِل فَهِيَ على قسمَيْنِ مِنْهَا مَا لَا سَبَب لَهُ وَهِي التَّطَوُّع فِي الْأَوْقَات الْجَائِزَة وَمِنْهَا مَا لَهُ سَبَب وَهِي عشر الصَّلَاة عِنْد الْخُرُوج إِلَى السّفر وَعند الرُّجُوع مِنْهُ وَعند دُخُول الْمنزل وَعند الْخُرُوج مِنْهُ وَصَلَاة الإستخارة رَكْعَتَانِ وخرجها البُخَارِيّ وَصَلَاة الْحَاجة رَكْعَتَانِ خرجها التِّرْمِذِيّ وَصَلَاة التَّسْبِيح أَربع رَكْعَات خرجها التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن أبي وَضعف سَنَده وَأَبُو دَاوُد وركعتان بَين الاذان وَالْإِقَامَة وَأَرْبع رَكْعَات بعد الزَّوَال وركعتان عِنْد التَّوْبَة وَزَاد بَعضهم رَكْعَتَيْنِ عِنْد الدُّعَاء وَرَكْعَتَيْنِ لمن قدم للْقَتْل اقْتِدَاء بخبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فصل تَارِك الصَّلَاة إِن جحد وُجُوبهَا فَهُوَ كَافِر بِإِجْمَاع وَإِن أقرّ بِوُجُوبِهَا وَامْتنع من فعلهَا فَيقْتل حدا لَا كفرا وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ ابْن حبيب وَابْن حَنْبَل يقتل كفرا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضْرب ويسجن حَتَّى يَمُوت أَو يرجع الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَوْقَات وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الثَّانِي) فِي وَقت الِاخْتِيَار أما الظّهْر فَأول وَقتهَا زَوَال الشَّمْس اتفافا وَهُوَ انحطاط الشَّمْس عَن نِهَايَة ارتفاعها وَيعرف ذَلِك بابتداء الظل فِي الزِّيَادَة بعد انتهائه فِي النُّقْصَان وَآخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله بعد الْقدر الَّذِي زَالَت عَلَيْهِ الشَّمْس وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَأما الْعَصْر فَأول وَقتهَا آخر وَقت الظّهْر وَهُوَ مُشْتَرك بَينهمَا والاشتراك فِي آخر الْقَامَة الأولى وَقيل فِي أول الثَّانِيَة وَقيل لَيْسَ بَينهمَا اشْتِرَاك وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة أول وَقتهَا بعد القامتين وَأما آخر وَقتهَا فَهُوَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل اصفرار الشَّمْس وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقَالَ أهل الظَّاهِر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَأما الْمغرب فَأول وَقتهَا غرُوب الشَّمْس اجماعا وَهُوَ ضيق غير متد وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل إِلَى مغيب الشَّفق وفَاقا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَأما الْعشَاء فَأول وَقتهَا مغيب الشَّفق الْأَحْمَر عِنْد الْإِمَامَيْنِ والأبيض عِنْد أبي حنيفَة وَآخره ثلث اللَّيْل وفَاقا لَهما وَقَالَ ابْن حبيب والظاهرية نصف اللَّيْل وَأما الصُّبْح فَأول وَقتهَا طولع الْفجْر الصَّادِق إِجْمَاعًا وَآخره طُلُوع الشَّمْس وفَاقا لَهُم وَقَالَ ابْن الْقَاسِم الْأَسْفَار الْبَين قبل الطُّلُوع فرع الْأَفْضَل عِنْد الشَّافِعِي تَقْدِيم الصَّلَوَات فِي أول الْوَقْت إِلَّا الظّهْر فِي شدَّة الْحر وَالْأَفْضَل عِنْد أبي حنيفَة تَأْخِيرهَا إِلَى آخر الْوَقْت إِلَّا الْمغرب وَأما فِي الْمَذْهَب فَالْأَفْضَل على الْمَشْهُور تَأْخِير الظّهْر إِلَى ربع الْقَامَة وَتَأْخِير الْعشَاء فِي الْمَسَاجِد وقتديم الصُّبْح وَالْعصر وَالْمغْرب (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَوْقَات الضَّرُورَة وَهِي تمتد أكقر من الْوَقْت الِاخْتِيَارِيّ عِنْد الثَّلَاثَة خلافًا للظاهرية وَذَلِكَ الظّهْر وَالْعصر مشتركتان بَينهمَا وَالْمغْرب وَالْعشَاء مشتركتان بَينهمَا وَلَيْسَ للصبح وَقت ضَرُورَة على الْمَشْهُور وتختص الضرائر بِأَهْل الْأَعْذَار وَهِي الْحيض وَالنّفاس وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء وَالْكفْر وَالصبَا وَالنِّسْيَان فَأَما النسْيَان فَلهُ حكم يَخُصُّهُ وَأما سَائِر الْأَعْذَار فلهَا حالتان حَالَة ارتفاعها وَحَالَة حدوثها فَأَما ارتفعاها فَإِن ارْتَفَعت وَقد بَقِي من الْوَقْت مَا يسع أقل من رَكْعَة سَقَطت الصَّلَاتَان وَإِن بَقِي رَكْعَة فأكقر إِلَى تَمام صَلَاة وَاحِدَة أما تَامَّة فِي الْحَضَر وَأما مَقْصُورَة فِي السّفر وَجَبت الْأَخِيرَة وَسَقَطت الأولى وَإِن بَقِي زِيَادَة إِلَى ذَلِك بِمِقْدَار رَكْعَة من الصَّلَاة الْأُخْرَى إِمَّا تَامَّة حضرية وَإِمَّا مَقْصُورَة سفرية وَجَبت الصَّلَاتَان وَبَيَان ذَلِك أَنه إِذا طهرت الْحَائِض أوأفاق الْمَجْنُون أَو بلغ الصَّبِي أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أسلم الْكَافِر وَقد بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس خمس رَكْعَات فِي الْحَضَر وَثَلَاث فِي السّفر وَجَبت عَلَيْهِمَا لظهر وَالْعصر وَإِن بَقِي أقل من ذَلِك إِلَى رَكْعَة وَجَبت الْعَصْر وَحدهَا وَإِن بَقِي أقل من رَكْعَة سَقَطت الصَّلَاتَان وَفِي الْمغرب وَالْعشَاء إِن بَقِي إِلَى طُلُوع الْفجْر بعد ارْتِفَاع الْأَعْذَار خمس رَكْعَات وَجَبت الصَّلَاتَان وَإِن بَقِي ثَلَاث سَقَطت الْمغرب وَإِن بَقِي أَربع فَقيل تسْقط الْمغرب لِأَنَّهُ أدْرك قدر الْعشَاء خَاصَّة وَقيل تجب الصَّلَاتَان لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْمغرب كَامِلَة وَيدْرك الْعشَاء بِرَكْعَة وَأما حُدُوث الْأَعْذَار فيتصور فِي الْجُنُون وَالْإِغْمَاء وَالْحيض ولانفاس وَلَا يتَصَوَّر فِي الْكفْر وَالصبَا فَإِذا حدث فِي وَقت مُشْتَرك بَين الصَّلَاتَيْنِ سَقَطت الصَّلَاتَان وَإِن حدث فِي وَقت مُخْتَصّ بِإِحْدَاهُمَا سَقَطت المختصة بِالْوَقْتِ وتقضى الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَن أول الزَّوَال مُخْتَصّ بِالظّهْرِ إِلَى أَربع رَكْعَات فِي الْحَضَر وَرَكْعَتَيْنِ فِي السّفر ثمَّ تشترك الصَّلَاتَان إِلَى أَن تخْتَص الْعَصْر بِأَرْبَع رَكْعَات قبل الْغُرُوب فِي الْحَضَر وَرَكْعَتَيْنِ فِي السّفر خلافًا للشَّافِعِيّ فِي قَوْله أَن الِاشْتِرَاك الضَّرُورِيّ منالزوال إِلَى الْغُرُوب فَلَو حَاضَت المرألة فِي وَقت الِاشْتِرَاك سَقَطت الظّهْر وَالْعصر وَلَو حَاضَت فِي وَقت الِاخْتِصَاص بالعصر وَكَانَت لم تصل الظّهْر وَلَا الْعَصْر سقط عَنْهَا قَضَاء الْعَصْر وَحدهَا وَلَو حَاضَت فِي وَقت الِاخْتِصَاص بِالظّهْرِ سَقَطت وَإِن تَمَادى الْحيض إِلَى وَقت الِاشْتِرَاك سَقَطت الْعَصْر فَإِن ارْتَفع قبله وَجَبت وَمثل ذَلِك فِي سَائِر الْأَعْذَار فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَأما النسْيَان فَإِنَّمَا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب إِذا نسي إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ المشتركتين وَهُوَ فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر فَذكرهَا أَو بِالْعَكْسِ هَل يتم أَو يقصر والقانون فِي ذَلِك أَنه إِذا ذكر الصَّلَاة قبل خُرُوج وَقتهَا الضَّرُورِيّ صلاهَا على حسب مَا يكون وَقت ذكرهَا من حضر أَو سفر فيقصرها إِن ذكرهَا فِي السّفر ويتمها إِن ذكرهَا فِي الْحَضَر وَإِن لم يذكرهَا حَتَّى خرج وَقتهَا الضَّرُورِيّ صلاهَا على حسب مَا كَانَ فِي وَقتهَا من حضر أَو سفر وَمِثَال ذَلِك لَو نسي الظّهْر وَالْعصر فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر فذكرهما فِي السّفر قبل الْغُرُوب لثلاث رَكْعَات قصرهَا وَإِن أدْرك رَكْعَتَيْنِ أَو رَكْعَة أتم الظّهْر وَقصر الْعَصْر وَإِن ذكرهمَا بعد الْغُرُوب أتمهما فَلَو نسيهما فِي السّفر ثمَّ ذكرهمَا فِي الْحَضَر قبل الْغُرُوب بِخمْس رَكْعَات أتمهما ولدون ذَلِك رَكْعَة قصر الظّهْر وَأتم الْعَصْر وَإِن ذكر بعد الْغُرُوب قصرهما وَلَو نسي الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْحَضَر ثمَّ ذكرهمَا فِي السّفر قبل الْفجْر بِأَرْبَع رَكْعَات قصر الْعشَاء ولدون ذَلِك إِلَى رَكْعَة فَاخْتلف هَل يقصرها أَو يُتمهَا وَإِن ذكر بعد الْفجْر أتمهما وَلَو نسيهما فِي السّفر ثمَّ ذكر فِي الْحَضَر قبل الْفجْر بِأَرْبَع أتم الْعشَاء ولدون ذَلِك إِلَى رَكْعَة فَاخْتلف هَل يُتمهَا أَو يقصرها وَإِن ذكر بعد الْفجْر قصرهَا فروع ثَلَاثَة (الْفُرُوع الأول) إِنَّمَا تدْرك الصَّلَاة بِإِدْرَاك رَكْعَة بسجدتيها وَقَالَ أَشهب بِإِدْرَاك الرُّكُوع خَاصَّة وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة بِإِدْرَاك تَكْبِيرَة الْإِحْرَام (الْفَرْع الثَّانِي) يعْتَبر إِدْرَاك أَصْحَاب الْأَعْذَار بعد زَوَال الْأَعْذَار وَفعل الطَّهَارَة وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا تعْتَبر الطَّهَارَة فِي الْكَافِر (الْفَرْع الثَّالِث) لَا تُؤخر الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 إِلَى وَقت الضَّرُورَة وَمن فعل ذَلِك من غير ذَوي الْأَعْذَار فَهُوَ آثم وَاخْتلف هَل هُوَ مؤد أَو قَاض (الْفَصْل الثَّالِث) فِي أَوْقَات النَّهْي عَن الصَّلَاة وَهِي عشرَة فَمِنْهَا طُلُوع الشَّمْس وغروبها وَبعد الصُّبْح إِلَى الطُّلُوع وَبعد الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب فَيجوز فِي هَذِه الْأَرْبَعَة صبح الْيَوْم أَو عصره لمن فَاتَهُ إِجْمَاعًا وَيجوز قَضَاء الْفَرَائِض الْفَائِتَة فِيهَا وَفِي غَيرهَا خلافًا لأبي حنيفَة وَيمْتَنع مَا عدا ذَلِك لِأَنَّهُ يجوز فِي الْمَذْهَب الصَّلَاة على الْجَنَائِز بعد الصُّبْح مَا لم يسفر وَبعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس وَكَذَلِكَ سُجُود الْقُرْآن فِي الْمُدَوَّنَة وفَاقا للشَّافِعِيّ بِخِلَاف مَا فِي الْمُوَطَّأ خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَزَاد الشَّافِعِي جَوَاز النَّوَافِل الَّتِي لَهَا أَسبَاب كتحية الْمَسْجِد وركعتي الطّواف وَالْحرَام وَمِنْهَا بعد طُلُوع الْفجْر قبل صَلَاة الصُّبْح فَتجوز فِيهِ الْفَوَائِت وركعتا الْفجْر وَالْوتر وَإِن يخلف حزبه من اللَّيْل من فَاتَهُ وَاخْتلف فِي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِيهِ وَمِنْهَا عِنْد الزَّوَال وَلَيْسَ بِوَقْت نهي فِي الْمَشْهُور وَهُوَ عِنْد الشَّافِعِي وَقت نهي إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَمِنْهَا بعد الْغُرُوب قبل الْمغرب على الْمَشْهُور وَمِنْهَا التَّنَفُّل يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام على الْمِنْبَر فِي الْخطْبَة وَقبلهَا وَأَجَازَ الشَّافِعِي وَغَيره تَحِيَّة الْمَسْجِد لمن دخل فِي ذَلِك الْوَقْت للْحَدِيث الصَّحِيح وَمِنْه التَّنَفُّل بعد الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد فَيمْتَنع فِي الْمَذْهَب خلافًا لأبي حنيفَة وَغَيره وَمِنْهَا الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعِيد وَقبلهَا فتمنع فِي الْمصلى دون الْمَسْجِد وَتجوز فيهمَا عِنْد الشَّافِعِي وتمتنع قبل لَا بعد عِنْد ابْن حَنْبَل وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَفِيه خَمْسَة فُصُول (الْفَصْل الأولة) فِي حكم الْأَذَان وَهُوَ سنة مُؤَكد وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَقيل فرض كِفَايَة وَقيل على خَمْسَة أَنْوَاع وَاجِب وَهُوَ أَذَان الْجُمُعَة ومندوب وَهُوَ لسَائِر الْفَرَائِض فِي الْمَسَاجِد وَحرَام وَهُوَ أَذَان الْمَرْأَة وَأَجَازَ الشَّافِعِي أَن تؤذن النِّسَاء ومكروه وَهُوَ الْأَذَان للنوافل وللفوائت وَأَجَازَهُ للفوائت ابْن حَنْبَل وَأَبُو حنيفَة ومباح وَهُوَ أَذَان الْمُنْفَرد وَقيل مَنْدُوب (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفة الْأَذَان وَفِيه أَرْبَعَة مَذَاهِب (الأول) أَذَان الْمَدِينَة لمَالِك وَهُوَ تَثْنِيَة التَّكْبِير وترجيع الشَّهَادَتَيْنِ أَذَان مَكَّة للشَّافِعِيّ وَهُوَ تربيع التَّكْبِير والشهادتين (الثَّالِث) أَذَان الْكُوفَة لأبي حنيفَة وَهُوَ تربيع التَّكْبِير وتثنية الشَّهَادَتَيْنِ وَاتفقَ الثَّلَاثَة على تَثْنِيَة الحيعلتين وَالتَّكْبِير بعدهمَا وأفراد التهليل بعدهمَا وإفراد التهليل بعده (الرَّابِع) أَذَان الْبَصْرَة لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وَهُوَ تربيع التَّكْبِير وتثنية الحيعلتين والشهادتين فكلمات الْأَذَان فِي الْمذَاهب سَبْعَة عشر وَيزِيد فِي الصُّبْح بعد الحيعلتين التثويب وَهُوَ ((الصَّلَاة خير من النَّوْع)) مرَّتَيْنِ وَمرَّة لِابْنِ وهب وَيسْقط لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ((فرع)) الترجيع هُوَ إعغادة الشَّهَادَتَيْنِ مرَّتَيْنِ بِأَعْلَى صَوت من الْمَرَّتَيْنِ أولين (الْفَصْل الثَّالِث) فِي صفة الْمُؤَذّن وآدابه فصفاته الْوَاجِبَة سِتَّة الْإِسْلَام وَالْعقل والذكورية وَالْبُلُوغ بِخِلَاف فِي الْمَذْهَب وَالْعَدَالَة والمعرفة بالأوقات وَيسْتَحب حسن الصَّوْت وجهارته وآدابه عشرَة أَن يُؤذن على وضوء قَائِما على مَوضِع مُرْتَفع مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَيجوز لَهُ الاستدارة إِلَى غَيرهَا فِي الحيعلتين وَلَا يتَكَلَّم فِي الْأَذَان بِسَلام وَلَا رد وَلَا غير ذَلِك وَلَا ينكسه وَلَا يقطعهُ بل يواليه ويرتله وَيقف على كَلِمَاته بِالسُّكُونِ بِخِلَاف الْإِقَامَة ويجتنب التطريب وإفارط الْمَدّ وَيجوز أَن يَجْعَل أَصَابِعه فِي أُذُنَيْهِ واستحبه أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَأَن يُؤذن غير من يُقيم وَأَن يُؤذن أكقر من وَاحِد إِلَّا فِي الْمغرب وَلَا يُؤذن لصَلَاة قبل وَقتهَا إِلَّا الصُّبْح فيؤذنها لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَصْل الرَّابِع (فِيمَا يَقُول من سمع الْمُؤَذّن وَيُؤمر أَن يَقُول مثل مَا يَقُول ويعوض الحيعلتين بِلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَقيل يقْتَصر فِي الْحِكَايَة على الشَّهَادَتَيْنِ ويحكيهما مرَّتَيْنِ وَقيل مرّة فَإِن سَمعه وَهُوَ فِي صلَاته فَقيل يحكيه فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة وَقيل لَا يحكيه فيهمَا وَلَا يتَجَاوَز الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن زَاد عَلَيْهِمَا فَفِي بطلَان صلَاته قَولَانِ وَيَنْبَغِي لسامع الْأَذَان أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسْأل لَهُ من الله الْوَسِيلَة ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ (الْفَصْل الْخَامِس) فِي الْإِقَامَة وَهِي سنة مُؤَكدَة فِي الْفَرَائِض الوقتية والفائتة على الْمُنْفَرد وَالْجَمَاعَة للرِّجَال وَالنِّسَاء وَقيل لَيْسَ على الْمَرْأَة إِقَامَة وكلماتها وتر إِلَّا التَّكْبِير فَإِنَّهُ مثنى وعددها فِي الْمَذْهَب عشر كَلِمَات وَمذهب الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل تَثْنِيَة التَّكْبِير وَقَوله (قد قَامَت الصَّلَاة) وَمذهب أبي حنيفَة تَثْنِيَة جَمِيع كلماتها الْبَاب الرَّابِع فِي الْمَسَاجِد ومواضع الصَّلَاة وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْمَسَاجِد وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) الْمَسَاجِد أفضل بقاع الأَرْض وَأفضل الْمَسَاجِد مَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْحَرَام بِمَكَّة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَأفضل الثَّلَاثَة عِنْد مَالك مَسْجِد الْمَدِينَة وَعند الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة مَسْجِد مَكَّة كَمَا أَن مَالِكًا فضل الْمَدِينَة على مَكَّة خلافًا لَهما وَوَافَقَهُمَا ابْن رشد (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يُقَال عِنْد دُخُول الْمَسْجِد (اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك) وَعند الْخُرُوج (اللَّهُمَّ إِنَّنِي أَسأَلك من فضلك) وَذَلِكَ بعد الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ورد أَن يُقَال عِنْد الدُّخُول (أعوذ بِاللَّه الْعَظِيم وبوجهه الْكَرِيم وسلطانه الْقَدِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم) (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا تنزه عَنهُ الْمَسَاجِد وَذَلِكَ البيع وَسَائِر أَبْوَاب المكاسب وإنشاد الضَّالة وَرفع الصَّوْت حَتَّى بِالْعلمِ وَالْقُرْآن والبزاق وكفارته دَفنه وإنشاد الشّعْر إِلَّا مَا يجوز شرعا وَكره سَحْنُون الْوضُوء فِيهِ ويخفف النّوم فِيهَا نَهَارا للمقيم وَالْمُسَافر وَالْمَبِيت فِيهِ للغريب وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَّخذ مسكنا إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 لمن تجرد لِلْعِبَادَةِ ويرخص فِي الْأكل الْيَسِير فِيهِ وَيمْنَع مِنْهُ الصّبيان والمجانين وَمن أكل الثوم والبصل ويرخص للنِّسَاء الصَّلَاة فِيهِ إِذا أَمن الْفساد وَيكرهُ للشابة الْخُرُوج إِلَيْهِ وَلَا يتَّخذ الْمَسْجِد طَرِيقا وَلَا يسل فِيهِ سيف وَإِنَّمَا يفعل فِيهِ مَا بني لَهُ وَلَا يجوز دُخُول الْمُشرك الْمَسْجِد وَجوزهُ الشَّافِعِي إِلَّا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَبُو حنيفَة فِي كل مَسْجِد (الْفَصْل الثَّانِي) فِي مَوَاضِع الصَّلَاة وَتجوز فِي كل مَوضِع طَاهِر وَنهي عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة مَوَاطِن المزبلة لقذرها والمجزرة للدماس والمقببرة فَقيل على الْعُمُوم وَقيل يخْتَص النَّهْي بمقبرة الْمُشْركين ومحجة الطَّرِيق لِأَنَّهُ لَا يُؤمن من الْمُرُور وَلَا النَّجَاسَة وَالْحمام للأوساخ فَإِن طهر فِيهِ مَوضِع جَازَ وَمَعَان الْإِبِل وَهُوَ غير مُعَلل على الْأَصَح وَظهر الْكَعْبَة وَقيل أَن كَانَ بَين يَدَيْهِ جُزْء من بنائها جَازَ وتمنع فِي الْمَذْهَب الْفَرَائِض دَاخل الْكَعْبَة خلافًا لَهما وَتكره فِي الْمَذْهَب الصَّلَاة على غير الأَرْض وَمَا تنبته الْبَاب الْخَامِس فِي خِصَال الصَّلَاة وَفِيه فَرَائض وَسنَن وفضائل ومفسدات ومكروهات وكل وَاحِد مِنْهَا عشرُون فَأَما (الْفَرَائِض) فَمِنْهَا عشرَة شُرُوط وَهِي الطَّهَارَة من الْحَدث وَالطَّهَارَة من النَّجس وَمَعْرِفَة دُخُول الْوَقْت وَستر الْعَوْرَة واستقبال الْقبْلَة وَالنِّيَّة وَالتَّرْتِيب فِي أَدَاء الصَّلَاة وموالاة فعلهَا وَترك الْكَلَام إِلَّا بِمَا هُوَ من جِنْسهَا أَو مصلح لَهَا وَترك الْفِعْل الْكَثِيرَة من غير جنس الصَّلَاة وَمِنْهَا عشرَة أَرْكَان وَهِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام لَهَا وَقِرَاءَة أم الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَالسُّجُود والفصل بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالسَّلَام وَالْجُلُوس لَهُ وَزيد عَلَيْهَا الطُّمَأْنِينَة والخشوع وَأما (السّنَن) فَهِيَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة وَقِرَاءَة السُّورَة مَعَ أم الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا وَتَقْدِيم أم الْقُرْآن عَلَيْهَا والجهر فِي مَوضِع الْجَهْر والأسرار فِي مَوضِع الْأَسْرَار وَقَول (سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد) وَالتَّكْبِير سوى تكبرة الْإِحْرَام وترتيل الْقِرَاءَة وَالسُّجُود على سَبْعَة آرَاب وَالتَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس لَهُ وَالتَّشَهُّد الثَّانِي وَالْجُلُوس لَهُ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والاعتدال فِي الْأَركان والتيامن بِالسَّلَامِ وَقد قيل فِي كثير مِنْهَا أَنَّهَا فَضَائِل وَإِنَّمَا يسْجد سُجُود السَّهْو لثمانية مِنْهَا وَهِي السُّورَة والجهر والإسرار وَالتَّكْبِير والتحميد والتشهدان وَالْجُلُوس لَهما وَأما (الْفَضَائِل) فَهِيَ الصَّلَاة أول الْوَقْت وَأخذ الرِّدَاء والسترة أَمَام الْمُصَلِّي وَرفع الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام والترويح بَين الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُقُوف وَجعل الْيَد الْيُمْنَى على الْيُسْرَى والتأمين وَمِقْدَار السُّورَة فِي الطول وَالْقصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 والتوسط والقنوت فِي الصُّبْح وَوضع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوع وَالتَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالدُّعَاء فِي السُّجُود وَفِي الْجُلُوس الْأَخير والانفراج فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ومباشرة الأَرْض باليدين فِي السُّجُود وهيئة الْجُلُوس وتقصير الجلسة الْوُسْطَى وَأَن لَا يكبر فِي الْقيام للثالثة حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما ورد السَّلَام على من على الْيَسَار وَسُجُود التِّلَاوَة وَقيام الإِمَام من مَوْضِعه سَاعَة يسلم وَقد عد كَثِيرَة من هَذِه فِي السّنَن وَقَالَ بَعضهم أَفعَال الصَّلَاة كلهَا فَرَائض إِلَّا ثَلَاثَة رفع الْيَدَيْنِ والجلسة الْوُسْطَى والتيامن بِالسَّلَامِ وأقوال الصَّلَاة كلهَا لَيست بفرائض إِلَّا ثَلَاثَة تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أم الْقُرْآن وَالسَّلَام وَأما (المفسدات) فَهِيَ ترك النيبة أَو قطعهَا أَو ترك ركن من أَرْكَانهَا كالقراءة وَالرُّكُوع أَو غير ذَلِك من الْفَرَائِض أَو مَا قدر عَلَيْهِ مِنْهَا أَن كَانَ لَهُ عذر عَن اسْتِيفَائه عمدا ترك ذَلِك أَو جهلا أهـ أفهو مُفسد لَهَا إِلَّا الْقبْلَة وَإِزَالَة النَّجَاسَة وَستر الْعَوْرَة فَإِن تَركهَا سَهوا يُخَفف ويعاد مِنْهُ فِي الْوَقْت وَكَذَا الْجَهْل بالقبلة وَكَذَلِكَ إِسْقَاط الجلسة الأولى من السّنَن وَترك ثَلَاث تَكْبِيرَات أَو سمع الله لمن حَمده مثلهَا يفْسد الصَّلَاة إِن فَاتَ جبرها بسجود السَّهْو وَكَذَلِكَ الزِّيَادَة عمدا أَو جهلا وكثيرها سَهوا وَالرِّدَّة والقهقهة كَيفَ كَانَت وَالْكَلَام لغير إصلاحها وبالأكل وَالشرب فِيهَا وَالْعَمَل الْكثير من غير جِنْسهَا وَغَلَبَة الحقن والقرقرة وَشبههَا وَكَذَلِكَ الْهم الْكثير حَتَّى يشْغلهُ عَنْهَا وَلَا يفقه مَا يُصَلِّي وبالاتكاء حَال قِيَامه على حَائِط أَو عَصا لغير عذر بِحَيْثُ لَو أزيل عَنهُ متكؤه لسقط وَذكر صَلَاة فرض يجب ترتيبها عَلَيْهِ وَالصَّلَاة فِي الْكَعْبَة أَو على ظهرهَا وتذكر الْمُتَيَمم المَاء فِيهَا وَاخْتِلَاف نِيَّة الْمَأْمُوم وَالْإِمَام وَكَذَلِكَ فَسَاد صَلَاة الإِمَام بِغَيْر سَهْو وَالْحَدَث وَالنَّجس أوإقامة الإِمَام عَلَيْهِ صَلَاة أُخْرَى وَكَذَلِكَ ترك سنة من سننها المكورة عمدا يُفْسِدهَا عِنْد بَعضهم وَأما (المكروهات) فَهِيَ صَلَاة الرجل وَهُوَ يدافع الأخبثين الْبَوْل وَالْغَائِط والالتفات وتحدث النَّفس بِأُمُور الدُّنْيَا وتشبيك الْأَصَابِع وفرقعتها والعبث بهَا أَو بلحيته أَو خَاتمه أَو تَسْوِيَة الْحَصَا والاقعاء وَهُوَ جُلُوسه على قَدَمَيْهِ أوعند الْقيام من السُّجُود بل يعْتَمد على يَدَيْهِ عِنْد قِيَامه والصفد وَهُوَ ضم الْقَدَمَيْنِ فِي الْقيام كالمكبل والصفن وَهُوَ رفع إِحْدَاهمَا كَمَا تفعل الدَّابَّة عِنْد الْوُقُوف والصلب وَهُوَ ضم الْيَدَيْنِ على الخاصرتين ويجافي بَين العضدين فِي الْقيام كصفة المصلوب والاختصار وَهُوَ وضع الْيَد على الخاصرة فِي الْقيام أَيْضا وَأَن يُصَلِّي وَهُوَ متلثم أَو كافت شعره أَو ثَوْبه لأجل الصَّلَاة أَو حَامِل فِي فِيهِ أَو غَيره مَا يشْغلهُ أَو يُصَلِّي وَهُوَ غَضْبَان أَو جَائِع أَو بِحَضْرَة الطَّعَام أَو ضيق الْخُف أَو شبه ذَلِك مِمَّا يشْغلهُ عَن فهمالصلاة أَو يُصَلِّي بطرِيق من يمر بَين يَدَيْهِ أَو يقتل برغوثا أَو قملة أَو يَدْعُو فِي رُكُوعه أَو قبل الْقِرَاءَة فِي قِيَامه أَو يقْرَأ فِي رُكُوعه أَو سُجُوده أَو يجْهر بالتشهد أَو يرفع رَأسه أَو يخفضه فِي رُكُوعه أَو يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فِي صلَاته أَو يسْجد على الْبسط والطنافس أَو على مَا لَا تنبته الأَرْض أَو مِمَّا هُوَ سرف أَو فِيهِ رفاهية وَالصَّلَاة بِثَوْب لَيْسَ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أكتافه مِنْهُ شَيْء وكذلن مَا هُوَ ضد للفضائل والمستحبات وَكَذَلِكَ مَا يشْغلهُ عَن حُضُور الْقلب فِي الصَّلَاة أَو يصرف فكره عَنْهَا تَلْخِيص تَنْقَسِم خِصَال الصَّلَاة بِالنّظرِ إِلَى الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف عشرَة أَقسَام (الأول) مَا اتّفق على وُجُوبه وَهُوَ الطَّهَارَة من الْحَدث واستقبال الْقبْلَة وترتيب أَدَاء الصَّلَاة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وزالرفع مِنْهُ (الثَّانِي) مَا اخْتلف فِي وُجُوبه وَهُوَ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أم الْقُرْآن والبسملة وَالسَّلَام وَالرَّفْع من الرُّكُوع (الثَّالِث) مَا اخْتلف هَل هُوَ فرض أَو سنة وَهُوَ إِزَالَة النَّجَاسَة وَستر العروة والتشهدان وَالْجُلُوس لَهما وَالتَّكْبِير غير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام والاعتدال (الرَّابِع) مَا اخْتلف هَل هُوَ فرض أَو مُسْتَحبّ وَهُوَ الطُّمَأْنِينَة وَالتَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود والاستعاذة من الْأَرْبَع فِي الْجُلُوس (الْخَامِس) مَا اخْتلف هَل هُوَ فرض أَو سنة أَو مُسْتَحبّ وَهُوَ رفع الْيَدَيْنِ (السَّادِس) مَا اتّفق على أَنه سنة وَهُوَ قِرَاءَة السُّورَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين (السَّابِع) مَا اتّفق على أَنه مُسْتَحبّ وَهُوَ تَرْتِيب السُّورَة وَتَطْوِيل الأولى والمجافاة بالمرفقين (الثَّامِن) مَا اخْتلف هَل هُوَ سنة أَو مُسْتَحبّ وَهُوَ الْقُنُوت وربنا وَلَك الْحَمد وتأمين الْمَأْمُوم (التَّاسِع) مَا اخْتلف هَل يسْتَحبّ أم لَا وَهُوَ التَّوَجُّه والتعوذ وَنظر مَوضِع السُّجُود وَالصَّلَاة أول الْوَقْت وتأمين الإِمَام وتحريك السبابَة فِي التَّشَهُّد وتقصير الجلسة الْوُسْطَى وَوضع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوع وَسبق الْيَدَيْنِ إِلَى الأَرْض قبل الرُّكْبَتَيْنِ فِي السُّجُود وَالْجُلُوس بعد السَّجْدَة الثَّانِيَة (الْعَاشِر) مَا اخْتلف هَل يسْتَحبّ أَو يكره وَهُوَ الإقعاء وَوضع الْيَد الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فِي الْقيام وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي موَاضعه وَالله أعلم الْبَاب السَّادِس فِي اللبَاس فِي الصَّلَاة وَالنَّظَر فِي المستور والساتر أما المستور فَهُوَ الْعَوْرَة وَيجب سترهَا عَن أعين النَّاس إِجْمَاعًا وَفِي وجوب السّتْر فِي الخلوات قَولَانِ وَأما الصَّلَاة فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب وُجُوبهَا وفَاقا لَهُم إِلَّا أَنه اخْتلف فِي إِعَادَة من صلى مَكْشُوف الْعَوْرَة هَل يُعِيد فِي الْوَقْت أَو فِي الْوَقْت وَبعده وعورة الرجل من السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة وفَاقا لَهما وَاخْتلف هَل تدخل السُّرَّة وَالركبَة أم لَا وَقيل السوأتان خَاصَّة وَأَقل مَا يجزىء من اللبَاس فِي الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة وَالْأَفْضَل تَغْطِيَة سَائِر جسده وَلَو بِثَوْب وَاحِد على كَتفيهِ والأكمل زِيَادَة الرِّدَاء وتتأكد للْإِمَام وَأما الْحرَّة فَكلهَا عَورَة إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَزَاد أَبُو حنيفَة الْقَدَمَيْنِ وَلم يسْتَثْن ابْن حَنْبَل وَأَقل مَا يجزيها ثوب يستر جَسدهَا حَتَّى ظُهُور الْقَدَمَيْنِ وقناع فِي رَأسهَا وَأما الْأمة فعورتها كَالرّجلِ إِلَّا أَن فَخذهَا عَورَة بِاتِّفَاق فَيجوز لَهَا الصَّلَاة بِغَيْر قناع وتستر سَائِر جَسدهَا وَمثلهَا الْمُكَاتبَة والمدبرة وَالْمُعتق بَعْضهَا بِخِلَاف أم الْوَلَد فَإِنَّهَا كَالْحرَّةِ وَأما السَّاتِر فَيجب أَن يكون صفيقا كثيفا فَإِن ظهر مَا تَحْتَهُ فَهُوَ كَالْعدمِ وَإِن وصف فَهُوَ مَكْرُوه وَنهى عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 اشْتِمَال الصماء وَهُوَ أَن يلتوي فِي ثوب وَاحِد وَلَا يكون لَهُ من أَيْن يخرج يَدَيْهِ إِلَّا من أَسْفَله وَمن لم يجد ثوبا صلى وَحده عُريَانا قَائِما يرْكَع وَيسْجد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُصَلِّي جَالِسا فَإِن جَاءَهُ الثَّوْب وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَاخْتلف هَل يستر ويتمادى أَو يقطع ويبتدي وَإِن اجْتمع عُرَاة فِي الظلام صلوا كالمستورين وَإِن كَانُوا فِي الضَّوْء تباعدوا وصلوا أفذاذا وَإِلَّا صلوا جُلُوسًا وَقيل قيَاما ويغضون أَبْصَارهم وَمن لم يجد ثوبا نجسا صلى بِهِ وَإِن لم يجد إِلَّا ثوب حَرِير فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن لم يجد إِلَّا ثوبي حَرِير ونجس فَاخْتلف بِأَيِّهِمَا يُصَلِّي تَكْمِيل حكم الْمَرْأَة فِي النّظر إِلَى الْمَرْأَة كَحكم الرجل فِي النّظر إِلَى الرجل فَيمْنَع النّظر إِلَى الْعَوْرَة وَيجوز مَا عدا ذَلِك وَحكم الْمَرْأَة فِي النّظر إِلَى ذَوي محارمها كَحكم الرجل فِي النّظر إِلَى الرجل وَحكمهَا فِي النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَحكم الرجل مَعَ ذَوَات مَحَارمه وَهُوَ النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَقَط على الْأَصَح وَقيل كنظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة وَيُبَاح للْعَبد أَن يرى من سيدته مَا يرَاهُ ذَوُو الْمحرم مِنْهَا وَلها أَن تؤاكله إِلَّا إِذا كَانَ وَغدا دنيئا وَلَا ينظر الْخصي إِلَى امْرَأَة إِلَّا إِذا كَانَ عَبدهَا وَقَالَ قوم يجوز لِأَنَّهُ من التَّابِعين غير أولي الأربة من الرِّجَال وَإِنَّمَا هم عِنْد مَالك الأحمق وَالْمَعْتُوه وكل من منع من النّظر إِلَى امْرَأَة لم يجز لَهُ أَن يَخْلُو مَعهَا وَلَا يجوز أَن يجْتَمع امْرَأَتَانِ وَلَا رجان متجردين فِي لِحَاف وَاحِد وَيفرق بَين الصّبيان فِي الْمضَاجِع لسبع وَقيل لعشر وَالله أعلم الْبَاب السَّابِع فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) الِاسْتِقْبَال شَرط فِي الْفَرَائِض إِلَّا فِي صَلَاة المسايفة وللراكب فِي السّفر يخَاف أَن نزل لصا أَو سبعا فَتجوز الصَّلَاة حِينَئِذٍ على الدَّابَّة إِلَى الْقبْلَة وَغَيرهَا وَهُوَ أَيْضا شَرط فِي النَّوَافِل إِلَّا فِي السّفر فَيصَلي حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ رَاحِلَته ويومي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَيجْعَل السُّجُود أخف من الرُّكُوع وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يلْتَفت وَذَلِكَ بِشَرْط أَن يكون السّفر طَويلا وَأَن يكون رَاكِبًا وَيُصلي من فِي السَّفِينَة إِلَى الْقبْلَة فَإِن دارت اسْتَدَارَ وروى ابْن حبيب أَنه يتنقل حَيْثُ سَارَتْ بِهِ كالدابة (الْفَصْل الثَّانِي) المصلون ثَلَاثَة مُتَيَقن للْقبْلَة ومجتهد ومقلد وَهِي مرتبَة فَلَا يجوز الِانْتِقَال عَن وَاحِد إِلَى مَا بعده إِلَّا بعد الْعَجز عَنهُ فالقطع لمن صلى فِي مَكَّة ومحراب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ بِمَنْزِلَة الْكَعْبَة بِمَكَّة وَالِاجْتِهَاد لمن صلى فِي سَائِر الأقطار أَن قدر عَلَيْهِ والتقليد لمن عجز عَن الِاجْتِهَاد فَيسْأَل مُسلما عَاقِلا عَارِفًا بالقبلة ويقلده فَإِن عدم من يقلده فَقيل يُصَلِّي إِلَى حَيْثُ شَاءَ وَقيل يُصَلِّي أَربع صلوَات إِلَى أَربع جِهَات فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) الْفَرْض اسْتِقْبَال الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام فَقيل عينهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَقيل جِهَتهَا فقبلة أهل الْمغرب إِلَى الْمشرق وَبِالْعَكْسِ وقبلة أهل الْمَدِينَة وَالشَّام وَأهل الأندلس إِلَى ميزاب الْكَعْبَة وَذَلِكَ مَا بَين الْمشرق والجنوب وَقَالَ بعض المعدلين قبْلَة قرطبة وَمَا حولهَا على ثَلَاثِينَ دَرَجَة من الرّبع الشَّرْقِي الجنوبي (الْفَرْع الثَّانِي) يسْتَدلّ على الْقبْلَة بِطُلُوع الشَّمْس وغروبها وَقيل بالجهة الَّتِي يبْدَأ الظل بِالزِّيَادَةِ فِيهَا وَقت الزَّوَال ويستدل عَلَيْهَا لَيْلًا بالقمر فَإِنَّهُ يكون طرفاه أَو الشَّهْر إِلَى الْمشرق وَآخر الشَّهْر إِلَى الْمغرب ووسط الشَّهْر يكون فِي أول اللَّيْل إِلَى الْمشرق وَفِي آخِره إِلَى الْمغرب وَقد يسْتَدلّ عَلَيْهَا بالجبال والرياح وَغير ذَلِك (الْفَرْع الثَّالِث) من صلى ثمَّ تبين لَهُ الخطأفي الْقبْلَة أعَاد فِي الْوَقْت على الْمَشْهُور وَقَالَ سَحْنُون فِي الْوَقْت وَبعده وفَاقا لَهما (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الستْرَة قُدَّام الْمُصَلِّي وَيُؤمر بهَا الإِمَام والفذ وسترة الإِمَام ستْرَة للْمَأْمُوم وأقلها طول الذِّرَاع فِي غلط الرمْح وشروطها أَن تكون بِشَيْء ثَابت طَاهِر لَا يشوش الْقلب فَلَا يستر بصبي لَا يثبت وَلَا بِامْرَأَة وَلَا إِلَى الْمُتَكَلِّمين وَيجوز الاستتار بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم لَا يصمد إِلَى الستْرَة بل يتيامن عَنْهَا قَلِيلا أَو يتياسر وَيجْعَل بَينهَا وَبَينه قدر ممر الشَّاة وَقيل ثَلَاثَة أَذْرع فَإِن لم يجد ستْرَة صلى دونهَا ويخط خطا فِي الأَرْض فَيصَلي إِلَيْهِ خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا يقطع الصَّلَاة مُرُور شَيْء بَين يَدي الْمُصَلِّي أَن يتَعَرَّض للمرور وَلَا لأحد أَن يمر بَين يَدَيْهِ فَإِن فعل فليدفعه دفعا خَفِيفا الْبَاب الثَّامِن فِي النِّيَّة وَالْإِحْرَام وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي النِّيَّة وَهِي وَاجِبَة فِي الصَّلَاة إِجْمَاعًا والكمال أَن يستشعر الْمُصَلِّي الْإِيمَان وَيَنْوِي التَّقَرُّب إِلَى الله بِالصَّلَاةِ ويعتقد وُجُوبهَا وأداءها فِي ذلكاليوم ويعينها وَيَنْوِي عدد ركعاتها وَيَنْوِي الْإِمَامَة والأمومية والانفراد ثمَّ يَنْوِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) تجب نِيَّة المأمومية والإفراد وَلَا تجب نِيَّة الإمامية إِلَّا فِي الْجُمُعَة وَالْجمع وَالْخَوْف والاستخلاف لكَون الإِمَام شرطا فِيهَا وَزَاد ابْن رشد الْجَنَائِز (الْفَرْع الثَّانِي) اخْتلف فِي وجوب نِيَّة عدد الرَّكْعَات وَيَنْبَنِي على ذَلِك الْخلاف فِي صِحَة صَلَاة من افْتتح بنية الْقصر فَأَتمَّ وَبِالْعَكْسِ وَمن دخل فِي صَلَاة الْجُمُعَة فيظنها ظهرا أَو بِالْعَكْسِ (الْفَرْع الثَّالِث) يجب أَن تكون النِّيَّة مُقَارنَة لتكبيرة الْإِحْرَام فَإِن تَأَخَّرت النِّيَّة أَو تقدّمت بِكَثِير بطلت بِاتِّفَاق وَإِن تقدّمت بِيَسِير فَقيل تصح وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل تبطل وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الرَّابِع) مَحل النِّيَّة الْقلب وَلَا يلْزم النُّطْق بهَا وَتَركه أولى خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَهِي وَاجِبَة خلافًا لأبي حنيفَة وَالتَّكْبِير سواهَا لَيْسَ بِوَاجِب عِنْد الْجُمْهُور ولفظها الله أكبر لَا يجزىء غَيره خلافًا للشَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فِي جَوَاز الله الْأَكْبَر وَلأبي حنيفَة فِي جَوَاز كل مَا فِيهِ تَكْبِير أَو تَعْظِيم فرعان (الْفَرْع الأول) من عجز عَن التَّكْبِير إِن كَانَ أبكم دخل بِالنِّيَّةِ وَإِن كَانَ جَاهِلا باللغة فَكَذَلِك فِي الْأَصَح وَقيل يكبر بِلِسَانِهِ (الْفَرْع الثَّانِي) من قَالَ (الله أكبار) بِالْمدِّ لم يجزه وَمن قَالَ (الله وأكبر) بإبدال الْهمزَة وأوا جَازَ (الْفَصْل الثَّالِث) فِي رفع الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَنْدُوب عِنْد الْجُمْهُور إِمَّا سنة أَو فَضِيلَة وَهُوَ الْمَشْهُور وأوجبه الظَّاهِرِيَّة وَيرْفَع مَعَ تَكْبِيرَة الإحترام خَاصَّة عِنْد ابْن الْقَاسِم وفَاقا لأبي حنيفَة وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عِنْد أَشهب وفَاقا للشَّافِعِيّ وَتَكون يَدَاهُ قائمتين عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ سَحْنُون مبسوطتين ظهورهما إِلَى السَّمَاء كَهَيئَةِ الراهب ويجعلهما حَذْو أُذُنَيْهِ وَقيل حَذْو مَنْكِبَيْه وَقيل حَذْو صَدره وَجمع بَين الْأَقْوَال بِأَن يُحَاذِي بالكوع الصَّدْر وبطرف الْكَفّ الْمَنْكِبَيْنِ وبطرف الاصابع الْأُذُنَيْنِ الْبَاب التَّاسِع فِي الْقيام وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي آدابه وَهُوَ أَن يقف على الْقَدَمَيْنِ مَعًا وَأَن لَا يفرق بَينهمَا وَأَن لَا يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وَأَن لَا يَجْعَل يَده على خِنْصره وَهُوَ الِاخْتِصَار وَأَن ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده عِنْدهم وَكَرِهَهُ مَالك وَأَن يضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَكَرِهَهُ فِي الْمُدَوَّنَة وَقيل إِنَّمَا يكره فِي الْفَرِيضَة أَو إِذا أَرَادَ الإعتماد (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صَلَاة الْمَرِيض وَفِيه أَحْوَال أَن يُصَلِّي قَائِما غير مُسْتَند فَإِن لم يقدر أَو قدر بِمَشَقَّة فادحة صلى قَائِما مُسْتَندا مُسْتقِلّا ثمَّ جَالِسا مُسْتَندا ثمَّ مُضْطَجعا على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ثمَّ مُسْتَلْقِيا على ظَهره مُسْتَقْبل الْقبْلَة برجليه وَقيل يقدم الإستلقاء على الِاضْطِجَاع ثمَّ مُضْطَجعا على جنبه الْأَيْسَر ويومي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود فِي الِاضْطِجَاع والإستلقاء فَإِن لم يقدر على شَيْء نوى الصَّلَاة بِقَلْبِه وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل تسْقط عَنهُ وفَاقا لأبي حنيفَة فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) من انْتقل عَن هَيْئَة وَهُوَ قَادر عَلَيْهَا أعَاد أبدا (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا جلس بَدَلا من الْقيام تربع فِي الْمَشْهُور وَقيل كجلوس التشههد وَقَالَ الشَّافِعِي كالمحتبي (الْفَرْع الثَّالِث) من بِهِ رمد لَا يبرأ إِلَّا بإضطجاع صلى مُضْطَجعا وَاخْتلف فِي قَادِح المَاء من عينه (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا تغير حَال الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاة بنى على مَا مضى لَهُ وَأتم على حسب مَا آل إِلَيْهِ (الْفَرْع الْخَامِس) اخْتلف فِي جَوَاز التَّنَفُّل جَالِسا لمن قدر على الْقيام فَإِن افتتحها بِالْجُلُوسِ جَازَ لَهُ أَن يُتمهَا جَالِسا وَقَائِمًا وَإِذا افتتحها بِالْقيامِ فَاخْتلف يجوز أَن يُتمهَا جَالِسا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الْبَاب الْعَاشِر فِي الْقِرَاءَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أم الْقُرْآن وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمهَا وَهِي وَاجِبَة خلافًا لأبي حنيفَة وَتجب فِي كل رَكْعَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل فِي رَكْعَة وَاحِدَة وَقيل فِي نصف الصَّلَاة فَأكْثر وَمن لم يحسنها إِن كَانَ أبكم لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يتعلمها وَجب عَلَيْهِ تعلمهَا وَالصَّلَاة وَرَاء من يحسنها فَإِن لم يجد فَقيل يذكر الله وَقيل يسكت وَلَا يجوز ترجمتها خلافًا لأبي حنيفَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) لَا يقدم قبل الْقِرَاءَة دُعَاء وَلَا توجها للشَّافِعِيّ فِي تَقْدِيم ((وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض)) الخ وَخِلَافًا لأبي حنيفَة فِي تَقْدِيم (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك) وَلَا تعوذا خلافًا لَهُم وَلَا يبسمل سرا وَلَا جَهرا خلافًا للشَّافِعِيّ فِي الْبَسْمَلَة سرا مَعَ السِّرّ وجهرا مَعَ الْجَهْر وَلأبي حنيفَة فِي الْبَسْمَلَة سر على كل حَال وَلَا بَأْس بالبسملة فِي التَّطَوُّع عِنْد الْأَرْبَعَة وَلَيْسَت الْبَسْمَلَة آيَة من الْفَاتِحَة وَلَا من غَيرهَا سوى النَّمْل خلافًا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي التَّأْمِين وَيجوز آمين بِالْمدِّ وبالقصر مَعَ تَخْفيف الْمِيم وَهُوَ مُسْتَحبّ للفذ وَالْمَأْمُوم مُطلقًا وَللْإِمَام إِذا أسر اتِّفَاقًا وَإِذا جهر وفَاقا للشَّافِعِيّ وَالْمَشْهُور لَا يُؤمن فِي الْجَهْر وفَاقا لأبي حنيفَة وَيسر التَّأْمِين خلافاللشافعي (الْفَصْل الثَّانِي) فِي السُّورَة وتقرأ فِي الْأَوليين إِجْمَاعًا وَلَا تقْرَأ فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة خلافًا للشَّافِعِيّ وتقرأ فِي التوعات إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر على الْمَشْهُور وَيسْتَحب أَن تطول فِي الصُّبْح فَيقْرَأ بطوال الْمفصل وَمَا زَاد عَلَيْهِ وَدون ذَلِك فِي الظّهْر ودونها فِي الْعشَاء ودونهما فِي الْعَصْر ودونها فِي الْمغرب فرع يسْتَحبّ إِكْمَال السُّورَة وَأَن ترَتّب تَرْتِيب الْمُصحف وَأَن تكون فِي الرَّكْعَة الأولى أطول وَيجوز أَن يُكَرر السُّورَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَيكرهُ تكريرها فِي رَكْعَة وَاحِدَة (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْجَهْر والإسرار وَحكم الفرائضمعروف وَأما المتطوع فيجهر بهَا فِي الْعِيدَيْنِ والإستسقاء وَيسر فِي سائرها نَهَارا وَيُخَير لَيْلًا بَين الْجَهْر والإسرار والسر أَن يسمع نَفسه وَمن يَلِيهِ وَالْمَرْأَة فِي الْجَهْر دون الرجل وَيقْرَأ الْمَأْمُوم فِي السِّرّ فَإِن لم يقْرَأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَب وَلَا يقْرَأ فِي الْجَهْر سمع أَو لم يسمع وَقَالَ الشَّافِعِي يقْرَأ إِن لم يسمع وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقْرَأ مُطلقًا وَإِن فرغ الإِمَام من الْقِرَاءَة قبل الإِمَام فَهُوَ مُخَيّر بَين زِيَادَة قِرَاءَة أَو دُعَاء أَو سكُوت وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الْبَاب الْحَادِي عشر فِي الْقُنُوت وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي لَفظه ويختار فِي الْمَذْهَب ((اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونخنع لَك ونخلع ونترك من يكفرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الْجد أَن عذابك بالكافرين مُلْحق) وَتَفْسِير نخنع نخضع وَتَفْسِير نخلع نَتْرُك فالكلمتان طالبتان من يكفرك وَتَفْسِير نحفد نعمل أَو نمشي إِلَى الْمَسْجِد وَالْجد ضد الْهزْل مُلْحق بِكَسْر الْحَاء بِمَعْنى لَاحق وَقيل بِالْفَتْح وَاخْتَارَ الشَّافِعِي (اللَّهُمَّ اهدنا فِيمَن هديت وَعَافنَا فِيمَن عافيت وتولنا فِيمَن توليت وَبَارك لنا فِيمَا أَعْطَيْت وقنا شَرّ مَا قضيت إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك لَا يذل من واليت وَلَا يعز من عَادَتْ تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت) (الْفَصْل الثَّانِي) فِي فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) يقنت فِي الصُّبْح خلافًا لأبي حنيفَة وَيجوز قبل الرُّكُوع وَهُوَ أفضل وَبعده (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يقنت فِي الْوتر خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَابْن نَافِع فِي وتر النّصْف الآخر من رَمَضَان وَلأبي حنيفَة فِي وتر السّنة (الْفَرْع الثَّالِث) الْقُنُوت مُسْتَحبّ على الْمَشْهُور وَقيل نة (الْفَرْع الرَّابِع) يقنت الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد سرا وَلَا بَأْس بِرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ وَقيل لَا الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الرُّكُوع وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفته وَأقله أَن ينحني بِحَيْثُ تنَال كَفاهُ رُكْبَتَيْهِ أَو قرب ذَلِك وكماله أَن ينحني بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهره وعنقه ويجزيء مِنْهُ وَمن السُّجُود أدنى لبث والإعتدال فيهمَا وَفِي سَائِر الْأَركان وَاجِب وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل سنة وفَاقا لأبي حنيفَة وَهُوَ إِكْمَال هَيْئَة كل ركن ثمَّ الطُّمَأْنِينَة فِي اللّّبْث هنيئة وَقد اخْتلف فِي الْمَذْهَب هَل هِيَ سنة أَو مُسْتَحبَّة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي آدابه وَهِي خَمْسَة أَن يضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَأَن يُجَافِي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ وَأَن لَا يرفع رَأسه وَلَا يخفضه وَلَا يَدْعُو فِيهِ يقْرَأ الْقُرْآن فِيهِ وَلَا فِي السُّجُود (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا يُقَال فِيهِ وَيسْتَحب (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم) ثَلَاث مَرَّات وأوجبها الظَّاهِرِيَّة وَاسْتحبَّ ابْن الْمُبَارك للْإِمَام خمْسا وَورد فِي الحَدِيث (اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ولحمي ومخي وعظمي وعصبي) وَورد فِيهِ وَفِي السُّجُود (سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح) (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الرّفْع مِنْهُ وَهُوَ ركن وَاجِب وَيَقُول الإِمَام (سمع الله لمن حَمده) وَالْمَأْمُوم (رَبنَا وَلَك الْحَمد) بِإِثْبَات الْوَاو ودونها وَيجمع بَينهمَا الْمُنْفَرد وَقيل يجمع بَينهمَا الإِمَام وَمن شَاءَ أَن يزِيد (حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ) أَو ملْء السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الْبَاب الثَّالِث عشر فِي السُّجُود وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفته وَيُؤمر أَن يسْجد على سَبْعَة أَعْضَاء وَهِي الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ فَأَما الْوَجْه وَالْيَدَانِ فَوَاجِب إِجْمَاعًا وَأما الركبتان وَالْقَدَمَانِ فَقيل وَاجِب وَقيل سنة وَيُمكن أَنفه وجبهته من الأَرْض فَإِن اقْتصر على أَحدهمَا فَقبل يَجْزِي وَقيل لَا يَجْزِي فِي الْجَبْهَة بِخِلَاف الْأنف وَهُوَ الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ وَمن كَانَ بجبهته قُرُوح تؤلمه إِن سجد أَو مَا عِنْد ابْن الْقَاسِم وَسجد على الْأنف عِنْد أَشهب (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يجوز ستر الرُّكْبَتَيْنِ والقدمين بالثياب إِجْمَاعًا وَأما اليدان فَيُسْتَحَب مُبَاشرَة الأَرْض بهما وَأما الْوَجْه فَيجب مُبَاشرَة الأَرْض بِهِ وَيجوز السُّجُود على الثَّوْب فِي الْحر وَالْبرد خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجوز على الطَّاقَة والطاقتين من الْعِمَامَة خلافًا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي آدابه وَهِي ثَمَانِيَة أَن يُجَافِي بَين رُكْبَتَيْهِ وَبَين مرفقيه وجنبيه وَبَين بَطْنه وفخذيه وَهُوَ التَّفْرِيج وَلَا تفرج الْمَرْأَة وَأَن يرفع ذِرَاعَيْهِ من الأَرْض وَأَن يسْجد بَين كفيه وَأَن يضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قبل رُكْبَتَيْهِ خلافًا لَهُم وَأَن يعْتَمد على يَدَيْهِ عِنْد الرّفْع وَأَن ينْهض من السَّجْدَة الثَّانِيَة دون جُلُوس وَخِلَافًا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِيمَا يُقَال فِيهِ وَيسْتَحب (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) ثَلَاث مَرَّات وأوجبها الظَّاهِرِيَّة واستحبها ابْن الْمُبَارك خمْسا للْإِمَام وَورد فِي الحَدِيث (اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ) وَيسْتَحب فِيهِ الدُّعَاء وَيُقَال بَين السَّجْدَتَيْنِ (اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وأجرني واهدني وارزقني) وَيجوز الدُّعَاء فِي الصَّلَاة بِدُعَاء وَغَيره لأبي حنيفَة فِي دُعَاء الْقُرْآن الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الْجُلُوس وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفته وَهِي أَن يُفْضِي بوركه الْأَيْسَر إِلَى الأَرْض وَيخرج رجلَيْهِ جَمِيعًا من جَانِبه الْأَيْمن وَينصب قدمه الْيُمْنَى وباطن إبهامهما إِلَى الأَرْض ويثني الْيُسْرَى وَأَبُو حنيفَة يجلس على قدمه الْيُسْرَى وَالشَّافِعِيّ كمالك فِي الجلسة الْأَخِيرَة وكأبي حنيفَة فِي الْوُسْطَى فَأَما اليدان فيجعلهما على فَخذيهِ اتِّفَاقًا وَيقبض الاصبع الْوُسْطَى والخنصر والبنصر من يَده الْيُمْنَى ويمد السبابَة وجانبها إِلَى السَّمَاء والأبهم على الْوُسْطَى وَاخْتلف هَل يُحَرك السبابَة أم لَا ويبسط الْيَد الْيُسْرَى وَهَذِه صفة الْجُلُوس كُله إِلَّا أَنه بَين السَّجْدَتَيْنِ يَجْعَل كفيه قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ منشورتي الْأَصَابِع الْيُمْنَى واليسرى سَوَاء فِي الْمَشْهُور وَقيل كجلوس التَّشَهُّد ((فرع)) الاقعاء فِي الْجُلُوس مَكْرُوه عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا لِابْنِ عَبَّاس وَهُوَ أَن يجلس على اليتيه ناصبا فَخذيهِ كَمَا يجلس الْكَلْب وَقيل أَن يَجْعَل اليتيه على عَقِبَيْهِ وَيجْلس على صُدُور قَدَمَيْهِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي حكمه أما الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ فَوَاجِب إِجْمَاعًا وَأما الْجُلُوس للتشهدين فَسنة وَفِي الْمَذْهَب أَن الْجُلُوس الْأَخير وَاجِب وَالأَصَح أَن الْوَاجِب مِنْهُ مِقْدَار السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْبَاب الْخَامِس عشر فِي التَّشَهُّد وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي لَفظه وَاخْتَارَ مَالك تشهد عمر وَهُوَ (التَّحِيَّات لله الزكيات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله) وَاخْتَارَ الشَّافِعِي تشهد ابْن عَبَّاس وَالْفرق بَينهمَا أَنه قَالَ (التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله) وَزَاد (وَبَرَكَاته) بعد وَرَحْمَة الله وَقَالَ (وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) وَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة تشهد ابْن مَسْعُود وَقَالَ فِيهِ (التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات) وَزَاد (وَبَرَكَاته) وبقيته سَوَاء وَتَفْسِير التَّحِيَّات الْبَقَاء وَقيل الْملك وَقيل السَّلَام (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي حكمه والتشهدان سنتَانِ وفَاقا لأبي حنيفَة وأوجبهما ابْن حَنْبَل وَأوجب الشَّافِعِي الثَّانِي (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد الْأَخير سنة فِي الْمَشْهُور وَقيل وَاجِبَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل فَضِيلَة وصفتها بالتصلية التَّامَّة الْوَارِدَة فِي الصَّحِيح وَالدُّعَاء بعْدهَا مُسْتَحبّ وَأوجب الظَّاهِرِيَّة أَن يستعيذ من أَربع من عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب جَهَنَّم وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات وفتنة الْمَسِيح الدَّجَّال وَلَا تصلية وَلَا دُعَاء فِي التَّشَهُّد الأول خلافًا للشَّافِعِيّ وَالله أعلم الْبَاب السَّادِس عشر فِي السَّلَام وَهُوَ وَاجِب وَلَا يقوم مقَامه أضداد الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة وَلَفظه السَّلَام عَلَيْكُم فَإِن نكر وَنون فَاخْتلف هَل يجْزِيه أم لَا وَيسلم الإِمَام وَالْمُنْفَرد بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه ويتيامن بهَا قَلِيلا فِي الْمَشْهُور وَقيل بتسليمتين وفَاقا لَهُم وَيسلم الْمَأْمُوم ثَلَاثًا وَاحِدَة يخرج بهَا من الصَّلَاة وَأُخْرَى يردهَا على إِمَامه وَالثَّالِثَة إِن كَانَ على يسَاره أحد رد عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور وَقيل تسليمتين خَاصَّة وَالْخُرُوج من الصَّلَاة يحصل بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة اتِّفَاقًا وَاخْتلف هَل يجب تَجْدِيد نِيَّة السَّلَام أم لَا خَاتِمَة ورد فِي الحَدِيث أَن يسبح دبر الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُول تَمام الْمِائَة (لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله) وَورد أَيْضا أَن يسبح وَيكبر ويحمد عشرا عشرا وَورد الإستغفار ثَلَاثًا ثمَّ اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَورد أَيْضا اللَّهُمَّ أَعنِي على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْبَاب السَّابِع عشر فِي الْإِمَامَة وَالْجَمَاعَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي صفة الأيمة وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع وَاجِبَة ومانعة من الْإِمَامَة ومكروهة ومستحبة فَالْوَاجِب فِي الْمَذْهَب سَبْعَة (الأول) الْإِسْلَام (الثَّانِي) الْعقل اتِّفَاقًا فيهمَا (وَالثَّالِث) الْبلُوغ وَيشْتَرط فِي الْفَرَائِض على الْمَشْهُور وَقيل لَا يشْتَرط إِلَّا فِي الْجُمُعَة وفَاقا للشَّافِعِيّ (وَالرَّابِع) الذكورية وَقَالَ الشَّافِعِي تؤم الْمَرْأَة النِّسَاء (وَالْخَامِس) الْعَدَالَة بِخِلَاف فِي الْمَذْهَب وَغَيره تَحَرُّزًا من الْفَاسِق فَفِيهِ خَمْسَة أَقْوَال الْجَوَاز وَالْمَنْع على الْإِطْلَاق وَقيل تجوز إِمَامَته إِن كَانَ فسقه فِي غير الصَّلَاة وَقيل إِن كَانَ غير مَقْطُوع بِهِ وَقيل إِن كَانَ يتَأَوَّل كمحلل النَّبِيذ وَأما المبتدع فِي الإتقادات فَفِي إِمَامَته أَرْبَعَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين الْوَالِي فَتجوز إِمَامَته دون غَيره وَقيل إِن كفرناهم لم تجز بِخِلَاف الْمُخَالف فِي الْفُرُوع فَيجوز اتِّفَاقًا (السَّادِس) الْمعرفَة بِمَا لَا بُد مِنْهُ من فقه وَقِرَاءَة فَأَما الْجَاهِل بِأَحْكَام الصَّلَاة فَلَا تجوز إِمَامَته اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يقْرَأ الْفَاتِحَة والأخرس بِخِلَاف الالكن وَأما اللحان فَأَرْبَعَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين من يلحن فِي أم الْقُرْآن وَغَيرهَا وَفِي الرَّابِع بَين من يُغير الْمَعْنى كأنعمت (بِالضَّمِّ وَالْكَسْر) وَبَين من لَا يُغَيِّرهُ (السَّابِع) الْقُدْرَة على تَوْفِيَة الْأَركان فَمن كَانَ يوميء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود لم يصل بِمن يرْكَع وَيسْجد وَيُصلي بِمثلِهِ بِخِلَاف الْعَاجِز عَن الْقيام لَا يُصَلِّي جَالِسا بِمن يقدر على الْقيام فِي الْمَذْهَب وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة يُصَلِّي الْجَالِس بهم قيَاما وَقَالَ ابْن حَنْبَل يُصَلِّي بهم جُلُوسًا وَأما الصِّفَات الْمَانِعَة فَهِيَ أضداد الْوَاجِبَة وَأما الْمَكْرُوهَة فَالْعَبْد وَولد الزِّنَى إِن كَانَا راتبين خلافًا لَهُم فِي الْجَوَاز فيهمَا والخصي وَالْخُنْثَى وَقيل الأغلف وَالْأَعْمَى والأشل والأقطع وَأما المستحبة فَهِيَ الْعلم والورع والحسب وَالسّن وَحسن الْخلق والخلق والسمت وَالصَّوْت وَالثيَاب وكل صفة محمودة فرع فِي التَّرْجِيح بَين الأيمة وَيقدم من لَهُ مزية بُد الشُّرُوط الْوَاجِبَة فالوالي وَصَاحب الْمنزل أَحَق من غَيرهمَا والفقيه أولى من القاريء خلافًا لأبي حنيفَة والأعلم أولى من الْأَصْلَح فَإِن تساووا من كل وَجه وتشاحوا بِغَيْر كبر أَقرع بَينهم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمهَا وَهِي فِي الْفَرَائِض سنة مُؤَكدَة وأوجبها الظَّاهِرِيَّة وَيجوز تَركهَا لعذر الْمَطَر وَالرِّيح العاصف بِاللَّيْلِ وَالْمَرَض والتمريض وَالْخَوْف من السُّلْطَان أَو من الْغَرِيم وَهُوَ مُعسر أَو لخوف الْقصاص وَهُوَ يَرْجُو الْعَفو وللجوع فَيبْدَأ بِالطَّعَامِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْإِعَادَة وَمن صلى فِي جمَاعَة لم يعد فِي أُخْرَى خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَمن صلى مُنْفَردا جَازَت لَهُ الْإِعَادَة فِي جمَاعَة إِلَّا الْمغرب وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة مَعهَا الْعَصْر وَزَاد أَبُو ثَوْر الصُّبْح وَلم يسْتَثْن الشَّافِعِي وَمن صلى فِي أحد الْمَسَاجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الثَّلَاثَة فَذا أَو فِي جمَاعَة لم يعد فِي غَيرهَا وَلَا يجمع فِي مَسْجِد وَاحِد مرَّتَيْنِ خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَالْإِمَام الرَّاتِب وَحده كالجماعة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) من كَانَ يُصَلِّي وَحده فِي الْمَسْجِد فأقيمت الصَّلَاة فَإِن خشِي فَوَات رَكْعَة مَعَ الإِمَام قطع بِسَلام وَإِن لم يخْش فَإِن كَانَ قد عقد رَكْعَة أتم رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا قطع (الْفَصْل الثَّالِث) فِي صفة الإقتداء وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) يشْتَرط اتِّفَاق نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الْفَرِيضَة فَلَا يُصَلِّي ظهرا خلف من يُصَلِّي عصرا خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجوز أَن يؤم المفترض المتنفل اتِّفَاقًا وَلَا يجوز الْعَكْس خلافًا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يُؤمر الْمَأْمُوم بمتابعة الإِمَام فَلَا يفعل شَيْئا حَتَّى يَفْعَله فَإِن سبقه بتكبيرة الْإِحْرَام أَو السَّلَام بطلت صلَاته وَإِن ساواه فيهمَا فَقَوْلَانِ وَإِن سبقه بِغَيْرِهِمَا فقد أَسَاءَ من غير بطلَان (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِذا صلى الإِمَام بجنابة أَو على غير وضوء بطلت صلَاته اتِّفَاقًا فِي الْعمد وَالنِّسْيَان وَتبطل صَلَاة الْمَأْمُوم فِي الْعمد دون النسْيَان وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تبطل فيهمَا وَيَأْثَم فِي الْعمد إِجْمَاعًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل فيهمَا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) مَوَاقِف الْمَأْمُوم مُسْتَحبَّة وَهِي أَرْبَعَة فالرجل الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام والإثنان خَلفه وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَن يَمِينه ويساره وَالثَّلَاثَة فَأكْثر خَلفه وَالْمَرْأَة خَلفه إِن كَانَت وَحدهَا وَخلف الرِّجَال إِن كَانُوا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي الصُّفُوف والصف الأول أفضل ويلي الإِمَام أهل الْفضل وَمن لم يجد مدخلًا فِي الصَّفّ صلى وَرَاءه وَلم يجذب إِلَيْهِ رجلا خلافًا للشَّافِعِيّ وَمن صلى خلف الصَّفّ وَحده فَصلَاته صَحِيحَة خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَإِذا رأى الْمُصَلِّي فُرْجَة أَمَامه مَشى إِلَيْهَا إِن كَانَت قريبَة والقرب صفان أَو ثَلَاثَة صُفُوف فروع تكره الصَّلَاة بَين الأساطين وَهِي السَّوَارِي وَلَا يُصَلِّي الإِمَام على مَوضِع أرفع من الْمَأْمُوم إِلَّا فِي الْيَسِير لغير كبر وَيُصلي أهل السفن بِإِمَام وَاحِد فِي سفينة مِنْهَا فَإِن فرقتهم الرّيح كَانُوا كمن طَرَأَ على إمَامهمْ مَا يمنعهُ الْإِمَامَة وَصَلَاة المستمع جَائِزَة على الْأَصَح وَلَا ينْتَظر الإِمَام الدَّاخِل عِنْد الثَّلَاثَة وَمن جَاءَ وَالْإِمَام رَاكِع فَاخْتلف هَل يرْكَع مَكَانَهُ أَو حَتَّى يصل إِلَى الصَّفّ وَإِذا ركع مَكَانَهُ فيدب رَاكِعا وَكَرِهَهُ الشَّافِعِي (الْفَصْل الرَّابِع) فِي الإستخلاف وَإِذا طَرَأَ على الإِمَام وَهُوَ فِي الصَّلَاة مَا يمنعهُ الْإِمَامَة كالعجز عَن ركن أَو مَا يمنعهُ الصَّلَاة جملَة كالحدث أَو تذكره خرج على الْفَوْر واستخرج بِالْإِشَارَةِ أَو بالْكلَام وَاحِدًا من الْجَمَاعَة فَأَتمَّ بهم بِشَرْط أَن يكون الْخَلِيفَة قد دخل فِي الصَّلَاة قبل طروء الْعذر فَإِن لم يسْتَخْلف قدم الْجَمَاعَة وَاحِدًا مِنْهُم فَإِن لم يقدموا تقدم وَاحِد مِنْهُم فَإِن لم يفعل صلوا فرادي وَصحت صلَاتهم إِلَّا فِي الْجُمُعَة وَيبدأ الْخَلِيفَة من حَيْثُ وقف الإِمَام الأول وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الإستخلاف وَالله أعلم الْبَاب الثَّامِن عشر فِي أرقاع الصَّلَاة من فَاتَتْهُ بعض صَلَاة الإِمَام أتمهَا وَفِي كَيْفيَّة ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال الْبناء وَهُوَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 يَجْعَل مَا أدركع مَعَ الإِمَام أول صلَاته فيكمل عَلَيْهِ وفَاقا لأبي حنيفَة وَالْقَضَاء وَهُوَ أَن يَجْعَل مَا أدْرك مَعَ الإِمَام آخر صلَاته فيفعل مَا فَاتَهُ كَمَا فعل الإِمَام وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَالْبناء فِي الْأَفْعَال وَالْقَضَاء فِي الْأَقْوَال وَهُوَ الْمَشْهُور وَبَيَان ذَلِك فِي الصَّلَوَات أما الصُّبْح وَالْجُمُعَة فَإِذا فَاتَتْهُ مِنْهُمَا رَكْعَة قَامَ يقْضِي فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن وَسورَة على كل قَول وَيظْهر أثر الْخلاف فِي الْقُنُوت فعلى الْبناء يقنت لَا على الْقَضَاء وَأما الظّهْر وَالْعصر فَإِن فَاتَتْهُ مِنْهُمَا رَكْعَة أَو رَكْعَتَانِ فعلى الْبناء يقْرَأ بِأم الْقُرْآن وَحدهَا وعَلى الْقَضَاء وَسورَة مَعهَا وَكَذَلِكَ على الْمَشْهُور وَإِن فَاتَتْهُ ثَلَاثَة فعلى الْبناء يقوم فَيصَلي رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وَسورَة ثمَّ يجلس ويتشهد ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِأم الْقُرْآن وَحدهَا وعَلى الْقَضَاء يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَسورَة فِي كل رَكْعَة ثمَّ يجلس ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة بِالْفَاتِحَةِ وعَلى الْمَشْهُور يقوم فَيصَلي رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وَسورَة ثمَّ يجلس ثمَّ يُصَلِّي أُخْرَى بِأم الْقُرْآن وَسورَة ثمَّ يقوم فَيصَلي بِأم الْقُرْآن وَحدهَا وَأما الْعشَاء الْآخِرَة فكالظهر إِلَّا أَنه يجْهر حَيْثُ يقرأبأم الْقُرْآن وَسورَة وَأما الْمغرب فَإِن فَاتَتْهُ مِنْهَا رَكْعَة فعلى الْبناء يقْرَأ بِالْفَاتِحَةِ وَحدهَا وعَلى الْقَضَاء وعَلى الْمَشْهُور بِسُورَة مَعهَا وَإِن فَاتَتْهُ مِنْهَا رَكْعَتَانِ فعلى الْبناء يقوم فَيصَلي رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وجهرا ثمَّ يجلس ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وَحدهَا وعَلى الْقَضَاء يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ جَهرا بِأم الْقُرْآن وَسورَة وَلَا يجلس بَينهمَا وعَلى الْمَشْهُور يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِأم الْقُرْآن وَسورَة جَهرا وَيجْلس بَينهمَا فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) من ركع فمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ قبل أَن يرفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع فقد أدْرك الرَّكْعَة عِنْد الْأَرْبَعَة فَإِن شكّ هَل رفع الإِمَام رَأسه أم لَا لم يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة وَلَا يعْتد بِإِدْرَاك السُّجُود (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا لم يدْرك الْمَسْبُوق رُكُوع الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فَدخل فِي السُّجُود أَو الْجُلُوس فقد فَاتَتْهُ الصَّلَاة كلهَا فَيقوم فيصليها كَامِلَة فَإِن جرى لَهُ ذَلِك فِي الْجُمُعَة صلاهَا ظهرا أَرْبعا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَكْعَتَيْنِ جَهرا (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا قَامَ الْمَسْبُوق بعد سَلام الإِمَام قَامَ بتكبير إِن كَانَ جُلُوسه مَعَ الإِمَام مَوضِع جُلُوس لَهُ وَذَلِكَ بِأَن يُصَلِّي مَعَه رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا قَامَ بِغَيْر تَكْبِير وَذَلِكَ إِذا صلى مَعَه رَكْعَة أَو ثَلَاثًا وَقيل بتكبير الْبَاب التَّاسِع عشر فِي قَضَاء الْفَوَائِت وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) الْقَضَاء إِيقَاع الصَّلَاة بعد وَقتهَا وَهُوَ وَاجِب على النَّائِم وَالنَّاسِي إِجْمَاعًا وعَلى الْمُعْتَمد خلافًا للظاهرية وَصفته على حسب مَا كَانَت الصَّلَاة وَقت أَدَائِهَا من جهر وأسرار وَقصر وإتمام خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي التَّرْتِيب وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) تَرْتِيب الصَّلَوَات الْحَاضِرَة بَعْضهَا مَعَ بعض وَاجِب إِجْمَاعًا على الْإِطْلَاق وَكَذَلِكَ الَّتِي بَقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 شَيْء من وَقتهَا الضَّرُورِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) تَرْتِيب الْفَوَائِت بَعْضهَا مَعَ بعض وَهُوَ وَاجِب مَعَ الذّكر سَاقِط مَعَ النسْيَان (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) تَرْتِيب الْفَوَائِت مَعَ الْحَاضِرَة وَهُوَ وَاجِب مَعَ الذّكر فِي القليلة على الْمَشْهُور فَإِن كَانَت الْفَوَائِت قَليلَة بَدَأَ بهَا وَلَو فَاتَت الْحَاضِرَة وَإِن ذكرهَا فِي صَلَاة قطعهَا وَإِن كَانَت كَثِيرَة بداها بالحاضرة وَلم يقطعهَا إِن كَانَ قد شرع فِيهَا والأربع قَلِيل والست كثير وَاخْتلف وَقَالَ ابْن مسلمة تقدم الْفَوَائِت مُطلقًا وَقَالَ ابْن وهب وَالشَّافِعِيّ تقدم الْحَاضِرَة وَخير أَشهب (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) تَرْتِيب الْفَوَائِت مَعَ المفعولات مثل أَن يُصَلِّي الظّهْر ثمَّ يذكر فوائت فَإِن فرغ مِنْهَا قبل خُرُوج الْوَقْت الضَّرُورِيّ أعَاد الظّهْر اسْتِحْبَابا لِأَن تَرْتِيب المفعولات مُسْتَحبّ فِي الْوَقْت (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الشكوك وَيتَصَوَّر فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء (الأول) الشَّك فِي عدد الصَّلَوَات فَيجب أَن يَأْتِي بِمَا تَبرأ بِهِ ذمَّته بِيَقِين كمن شكّ هَل ترك وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ صلى اثْنَتَيْنِ (الثَّانِي) الشَّك فِي تعينها فَيجب أَن يَأْتِي بِمَا تَبرأ بِهِ ذمَّته بِيَقِين كمن نسي صَلَاة لَا يدْرِي أَي الْخمس هِيَ صلى خمْسا فَإِن نسي نهارية صلى صبحا وظهرا وعصرا أَو لَيْلَة صلى مغربا وعشاء (الثَّالِث) الشَّك فِي ترتيبها مَعَ علم عَددهَا كمن نسي ظهرا وعصرا إِحْدَاهمَا للسبت وَالْأُخْرَى للأحد وَلَا يدْرِي أَيَّتهمَا للسبت وَلَا للأحد فَالْمَشْهُور مُرَاعَاة التَّرْتِيب فَيصَلي ثَلَاث صلوَات ظهرا بَين عصرين أَو عصرا بَين ظهرين ليحصل التَّرْتِيب بِيَقِين والقانون فِي ذَلِك أَن تضرب عدد الصَّلَوَات فِي أقل مِنْهَا بِوَاحِد وتزيد على الْمَجْمُوع وَاحِدًا فَلَو نسي ثَلَاثًا صلى سبعا وَإِن نسي أَرْبعا صلى ثَلَاثَة عشر وَإِن نسي خمْسا صلى إِحْدَى وَعشْرين وَأي صَلَاة بَدَأَ بهَا ختم بهَا الْبَاب الموفي عشْرين فِي السَّهْو وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي السُّجُود وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي مَحل السُّجُود يسْجد للنقصان قبل السَّلَام وللزيادة بعده فَإِن اجْتمعت الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَقبل السَّلَام وَقَالَ الشَّافِعِي قبل مُطلقًا وَأَبُو حنيفَة بعد مُطلقًا وَابْن حَنْبَل قبل حَيْثُ ورد فِي الحَدِيث وَبعد فِي غَيره وعَلى الْمَذْهَب أَن قدم البعدي أجزاه وَقيل يُعِيدهُ بعد وَأَن آخر القبلي فَأولى بِالصِّحَّةِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي حكمه سُجُود السَّهْو وَاجِب وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل سنة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل بِوُجُوب القبلي خَاصَّة فَإِن نسي البعدي سجده مَتى ذكره وَلَو بعد شهر وَإِن نسي القبلي سجد مَا لم يطلّ أَو يحدث فَإِن طَال أَو أحدث بطلت الصَّلَاة على الْمَشْهُور وَقيل إِنَّمَا تبل إِن كَانَ عَن نقص فعل لَا قَول فَإِن ذكر البعدي فِي صَلَاة تَمَادى وَسجد بعْدهَا وَإِن ذكر القبلي فَهُوَ كذاكر صَلَاة فِي صَلَاة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي صفة السُّجُود يكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 للسجدتين فِي ابتدائهما وَفِي الرّفْع مِنْهُمَا وَاخْتلف هَل يفْتَقر البعدي إِلَى نِيَّة الْإِحْرَام ويتشهد للبعدي وَيسلم وَأما القبلي فَإِن السَّلَام من الصَّلَاة يجزىء عَنهُ وَفِي التَّشَهُّد لَهُ رِوَايَتَانِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) إِن سهى الإِمَام أَو الْفَذ سجد وَإِن سهى الْمَأْمُوم وَرَاء الإِمَام سَهوا يُوجب السُّجُود لم يسْجد لِأَن الإِمَام يحملهُ عَنهُ وَلَا يحمل عَنهُ نقص ركن من أَرْكَانهَا غير الْفَاتِحَة وَيسْجد الْمَأْمُوم لسهو إِمَامه وَإِن لم يسه مَعَه إِذا كَانَ قد أدْرك رَكْعَة فَإِن لم يدْرك لم يسْجد مَعَه وَقَالَ سَحْنُون يسْجد (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) الْمَسْبُوق إِن سهى بعد سَلام الإِمَام سجد وَأما سَهْو إِمَامه فَإِن كَانَ قبليا سجد مَعَه وَإِن كَانَ بعديا آخِره حَتَّى يفرغ من قَضَائِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يسْجد مَعَه مُطلقًا وَقَالَ اسحاق يسْجد بعد فَرَاغه من قَضَائِهِ مُطلقًا وَقَالَ الشَّافِعِي يسْجد مَعَه ثمَّ يسْجد بعد فَرَاغه وعَلى الْمَذْهَب فَاخْتلف مُطلقًا وَقَالَ الشَّافِعِي يسْجد مَعَه ثمَّ يسْجد بعد فَرَاغه وعَلى الْمَذْهَب فَاخْتلف هَل يقوم لقضائه إِذا سلم الإِمَام أَو ينتظره حَتَّى يفرغ من سُجُوده (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) من سهى يسبح لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِي التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء وَيجوز كَلَام الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالسُّؤَال والمراجعة لَا صَلَاح الصَّلَاة فِي الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن كنَانَة تبطل بِهِ الصَّلَاة وَقَالَ سَحْنُون إِنَّمَا يجوز فِي السَّلَام من رَكْعَتَيْنِ كَحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي مُوجب السُّجُود وَهُوَ إِمَّا زِيَادَة أَو نُقْصَان أَو شكّ فَأَما الزِّيَادَة فَفِيهَا خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي زِيَادَة الْفِعْل فَإِن كَانَ كثيرا جدا بطلت الصَّلَاة مُطلقًا وَلَو وَجب كَقَتل حَيَّة أَو عقرب وإنقاذ أعمى أَو نفس أَو مَال وحد الْكثير الَّذِي من جنس الصَّلَاة مثل الصَّلَاة وَقيل نصفهَا وَإِن كَانَ يَسِيرا جدا فمغتفر كابتلاع شَيْء بَين أَسْنَانه والتفاته وَلَو بِجَمِيعِ خَدّه إِلَّا أَن يستدبر الْقبْلَة وتحريك الْأَصَابِع لحكة وَمَا فَوق الْيَسِير إِن كَانَ من جنس فعل الصَّلَاة كسجدة أبطل عمده وَسجد لسَهْوه وَإِن كَانَ من غير جِنْسهَا اغتفر مَا كَانَ للضَّرُورَة كانفلات دَابَّة أَو مَشى لسترة أَو فُرْجَة وَفِي غير ذَلِك الْبطلَان فِي الْعمد وَالسُّجُود فس السَّهْو (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي زِيَادَة القَوْل إِن كَانَ سَهوا من جنس أَقْوَال الصَّلَاة فمغتفر وَإِن كَانَ من غَيرهَا سجد لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل وَإِن كَانَ عمدا من جنس أَقْوَال الصَّلَاة فمغتفر أَو لإصلاحها فَجَائِز خلافًا لِابْنِ كنَانَة وَغير ذَلِك مُبْطل وَإِن وَجب فروع يفتح الْمَأْمُوم على الإِمَام إِذا وقف واستطعم وَمن تَلا وقصده التفهيم لَهُ لم يضرّهُ كَقَوْلِه (ادخلوها بِسَلام) وَلَا يتَعَوَّذ الْمَأْمُوم وَلَا يَدْعُو عِنْد آيَة الْعَذَاب وَيكرهُ ذَلِك للْإِمَام والفذ خلافًا للشَّافِعِيّ وَمن عطس فِي الصَّلَاة لم يحمد إِلَّا فِي نَفسه وَلم يشمت خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَيجوز السَّلَام على الْمُصَلِّي وَيرد بِالْإِشَارَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي نَفسه (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا يشبه القَوْل فالنفخ غير مُبْطل وَقيل يبطل عمده وَيسْجد لسَهْوه والبكاء خشوعا حسن وَإِلَّا فَهُوَ كَالْكَلَامِ والأنين كَالْكَلَامِ إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ والقهقهة تبطل مُطلقًا وَقيل فِي الْعمد والتبسم مغتفر وَقيل يسْجد لَهُ بعد السَّلَام لِأَنَّهُ زِيَادَة وَقيل قبل السَّلَام لنَقص الْخُشُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والتنحنح لضَرُورَة لَا يبطل ودونها فِيهِ قَولَانِ وَقِرَاءَة كتاب أَن حرك بِهِ لِسَانه كَالْكَلَامِ والإ فمغتفر يطول (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) من قَامَ إِلَى رَكْعَة زَائِدَة فِي الْفَرِيضَة رَجَعَ مَتى ذكر وَسجد بعد السَّلَام وَكَذَلِكَ يسْجد إِن لم يذكر حَتَّى سلم فَإِن كَانَ إِمَامًا فَمن اتبعهُ من الْمَأْمُومين عَالما عاقدا بِالزِّيَادَةِ بطلت صلَاته وَمن أتبعه سَاهِيا أَو شاكا صحت صلَاته وَمن أتبعه جَاهِلا أَو متأولا فِيهِ قَولَانِ وَمن لم يتبعهُ وَجلسَ صحت صلَاته فَإِن كَانَ قِيَامه لموجب كإلغاء ركعبة يجب قَضَاؤُهَا فَمن أَيقَن بِالْمُوجبِ أَو شكّ فِيهِ وَجب عَلَيْهِ اتِّبَاعه فَإِن لم يتبعهُ بطلت صلَاته وَمن أَيقَن بِعَدَمِهِ لم يجز لَهُ اتِّبَاعه فَإِن أتبعه بطلت (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من قَامَ إِلَى ثَالِثَة فِي النَّافِلَة فَإِن تذكر قبل الرُّكُوع رَجَعَ وَسجد بعد السَّلَام وَإِن تذكر بعد الرّفْع أضَاف إِلَيْهَا رَكْعَة وَسلم من أَربع وَسجد بعد السَّلَام لزِيَادَة الرَّكْعَتَيْنِ وَقيل قبله لنَقص السَّلَام فِي مَحَله وَإِن تذكر وَهُوَ رَاكِع فَقَوْلَانِ بِنَاء على عقد الرَّكْعَة هَل هُوَ بِالرُّكُوعِ أَو بِالرَّفْع مِنْهُ وَأما النُّقْصَان فينقسم إِلَى نقص ركن أَو سنة أَو فَضِيلَة فَإِن نقص ركنا عمدا بطلت صلَاته وَإِن نَقصه سَهوا أجْبرهُ مَا لم يفت مَحَله فَإِن فَاتَ الغى الرَّكْعَة وقضاها إِلَّا النِّيَّة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَإِن نقص سنة سَاهِيا سجد لَهَا وَإِن نَقصهَا عندا سجد لَهَا أَيْضا وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا شَيْء عَلَيْهِ وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل تبطل لتهاونه وَالْجَاهِل اخْتلف فِيهِ فِي جَمِيع الْمسَائِل هَل يلْحق بالناسي أَو بالعامد وَإِن نقص فَضِيلَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ هَذَا على الْجُمْلَة ولنبسطه على التَّفْصِيل أما نقص الْأَركان فَفِيهِ خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الْإِحْرَام فَمن نسي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَو شكّ فِيهَا إِن كَانَ فَذا أَو إِمَامًا قطع مَتى ذكر وَأحرم وابتدأ وَإِن كَانَ مَأْمُوما فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِن كبر للرُّكُوع وَنوى بِهِ الْإِحْرَام أَجزَأَهُ خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن كبر للرُّكُوع وَلم ينْو بِهِ الْإِحْرَام تَمَادى مُرَاعَاة للْخلاف ثمَّ أعَاد وَإِن لم يكبر للرُّكُوع وَلَا للْإِحْرَام قطع وَكبر وابتدأ وَلم يحْتَسب بِمَا مضى (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْفَاتِحَة من نسي الْفَاتِحَة إِن كَانَ مَأْمُوما فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ إِمَامًا أَو فَذا فَإِن نَسِيَهَا منالصلاة كلهَا بطلت صلَاته خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن نَسِيَهَا من رَكْعَة فَأكْثر فَقيل يُعِيد الصَّلَاة وَقيل يلغي الرَّكْعَة ويقضيها وَقيل يسْجد للسَّهْو (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود من نسي رَكْعَة أَو سَجْدَة وَهُوَ إِمَام أَو فذ فَإِن فَاتَ محلهَا ألغى الرَّكْعَة وقضاها بكمالها وَإِن أدْرك محلهَا أَتَى بهَا ويدركها فِي الْمَذْهَب مَا يعْقد الرَّكْعَة الَّتِي تَلِيهَا على الِاخْتِلَاف هَل تَنْعَقِد بِالرُّكُوعِ أَو بِالرَّفْع مِنْهُ ويدركها عِنْدهمَا وَإِن أتم رُكُوع الَّتِي تَلِيهَا وَإِن كَانَ مَأْمُوما أَتَى بهَا وَأدْركَ الإِمَام مَا لم يقم الإِمَام إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَقيل يُدْرِكهُ مَا لم يرفع رَأسه من الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَقيل يلغيها فَإِن كَانَ سَهْو الْمَأْمُوم عَن السُّجُود فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة أدْركهُ مَا لم يسلم الإِمَام (تَنْبِيه) وَهَذَا حكم الْمَأْمُوم مَتى ترك الرُّكُوع أَو السُّجُود لسهو أَو نُعَاس يغلب عَلَيْهِ أَو زحام حَتَّى لَا يجد أَيْن يرْكَع أَو يسْجد وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل يسْجد فِي الزحام على ظهر أَخِيه وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْمَذْهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) إِذا ذكر سَجْدَة وَهُوَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير فَإِن كَانَت من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة سجد مَكَانهَا وَإِن كَانَت من غَيرهَا قضى رَكْعَة وَإِن شكّ هَل هِيَ مِنْهَا أَو من غَيرهَا سجد ثمَّ أَتَى بِرَكْعَة عِنْد ابْن الْقَاسِم وأتى بِرَكْعَة خَاصَّة عِنْد أَشهب (الْفَرْع الثَّانِي) إِن ذكر سَجْدَة من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بعد سَلَامه سجد وَقيل يَأْتِي بِرَكْعَة لِأَن السَّلَام فاصل (الْفَرْع الثَّالِث) من نسي أَربع سَجدَات من أَربع رَكْعَات يسْجد سَجْدَة يصلح بهَا الرَّكْعَة الرَّابِعَة وَقضى ثَلَاث رَكْعَات فِي الْمَشْهُور وَقيل تبطل لِكَثْرَة السَّهْو وَقَالَ أبوحنيفة يسْجد أَربع سَجدَات مُتَوَالِيَات وَتَصِح وَقَالَ الشَّافِعِي يحْسب الْأَرْبَع سَجدَات الَّتِي سجد لركعتين كاملتين وَيقوم فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ فَإِن نسي ثَمَانِي سَجدَات مَعَ أَربع رَكْعَات سجد سَجْدَتَيْنِ لإِصْلَاح الرَّكْعَة الرَّابِعَة ثمَّ قضى ثَلَاث رَكْعَات والبطلان هُنَا أولى (الْفَرْع الرَّابِع) من أخل بِالرُّكُوعِ من رَكْعَة وبالسجود من أُخْرَى أَو بِالْعَكْسِ لم يلفق سُجُود وَاحِدَة بركوع أُخْرَى على الْمَشْهُور (الْفَرْع الْخَامِس) لَو ركع وسهى عَن الرّفْع فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يلغي الرَّكْعَة وَقَالَ أَيْضا يرجع مَا يعْقد رَكْعَة أُخْرَى (الْفَرْع السَّادِس) من ترك الِاعْتِدَال سجد على القَوْل بِأَنَّهُ سنة وألغى الرَّكْعَة على القَوْل بِوُجُوبِهِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي السَّلَام من نسي السَّلَام فَإِن طَال أَو انْتقض وضوءه بطلت صلَاته خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن لم يطلّ وَلم ينْتَقض وضوءه رَجَعَ إِلَى الْجُلُوس فَسلم وَسجد بعد السَّلَام إِن كَانَ قد قَامَ أَو حول وَجهه من الْقبْلَة وَيرجع بتكبير على الْمَشْهُور وَهل يكبر جَالِسا أَو قَائِما قَولَانِ وَهل يتَشَهَّد قبل هَذَا السَّلَام قَولَانِ وَإِن شكّ فِي السَّلَام سلم وَلَا سُجُود عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من سلم قبل تَمام صلَاته عَامِدًا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ سَاهِيا رَجَعَ فَأَتمَّ صلَاته وَسجد لسَهْوه ورجوعه بِغَيْر تَكْبِير إِن قرب وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَإِذا كبر فَهَل يكبر جَالِسا أَو قَائِما قَولَانِ وَإِذا كبر قَائِما فَهَل يجلس ثمَّ ينْهض لإتمام الصَّلَاة أَو لَا يجلس قَولَانِ وَإِن شكّ فِي تَمام صلَاته فَسلم بطلت وَإِن ظن أَنَّهَا تمت فَسلم رَجَعَ لإتمامها وَمن سلم قبل إتْمَام إِمَامه عَامِدًا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ سَاهِيا أَو ظن أَن الإِمَام قد سلم رَجَعَ ثمَّ سلم (وَأما نقص السّنَن) فَفِيهِ خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) من نسي السُّورَة الَّتِي مَعَ أم الْقُرْآن سجد قبل السَّلَام فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا يسْجد بِنَاء على أَنه هَل يسْجد للسنن الَّتِي هِيَ أَقْوَال أم لَا وَهَذَا فِي الإِمَام والفذ وَأما الْمَأْمُوم فَلَا سُجُود عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) اخْتلف فِي سُجُود من ترك التَّكْبِير غير الْإِحْرَام أَو سمع الله لمن حَمده أَو أبدل التَّكْبِير بالتحميد أَو عكس وَذَلِكَ مَبْنِيّ على هَل يسْجد للأقوال أم لَا إِلَّا أَنه لَا يسْجد فِي الْمرة الْوَاحِدَة من ذَلِك كُله لخفته على الْمَشْهُور (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) من أسر فِيمَا يجْهر فِيهِ سجد قبل السَّلَام على الْمَشْهُور وَقيل بعده وَمن جهر فِيمَا يسر فِيهِ سجد بعد السَّلَام فِي الْمَشْهُور وَقيل قبله وَهَذَا فِي السَّهْو فَإِن تعمد ترك الْجَهْر والإسرار فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْبطلَان وَالسُّجُود والأجزاء دون سُجُود وَيغْتَفر الْجَهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 بأية وَاحِدَة وَنَحْوهَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا شَيْء فِي ترك الْجَهْر والسر (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) من نسي الجلسة الْوُسْطَى سجد لَهَا قبل السَّلَام ثمَّ أَنه إِن ذكر قبل أَن يُفَارق الأَرْض بيدَيْهِ أَمر بِالرُّجُوعِ إِلَى الْجُلُوس فَإِن رَجَعَ فَلَا سُجُود عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور لخفته وَإِن لم يرجع سجد وَإِن ذكر بعد مُفَارقَته الأَرْض بيدَيْهِ لم يرجع على الْمَشْهُور فَإِن رَجَعَ فَاخْتلف هَل يسْجد أم لَا وَإِن لم يرجع سجد وَإِن ذكر بعد أَن اسْتَقل قَائِما لم يرجع وَسجد للسَّهْو فَإِن رَجَعَ فقد أَسَاءَ وَلَا تبطل صلَاته على الْمَشْهُور إِلَّا أَنه اخْتلف هَل يسْجد بعد السَّلَام لزِيَادَة الْقيام أَو قبله لجمعه بَين زِيَادَة الْقيام وَنقص الجلسة من محلهَا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من نسي التشهدين أَو أَحدهمَا وَكَانَ قد جلس لَهُ سجد قبل السَّلَام على الْمَشْهُور وَقيل بعده لخفة الْأَقْوَال وَقيل لَا يسْجد بِنَاء على ترك السُّجُود للأقوال وَلَا سُجُود على من ترك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَشْهُور وَقَالَ الشَّافِعِي يسْجد من تَركهَا من التَّشَهُّد الأول وَتبطل صَلَاة من تَركهَا من التَّشَهُّد الثَّانِي وَأما الشَّك فَإِن كَانَ موسوسا بني على أول خاطريه وَهل يسْجد أَو لَا قَولَانِ وعَلى القَوْل بِالسُّجُود فَهَل يسْجد قبل السَّلَام أَو بعده قَولَانِ وَإِن كَانَ صَحِيحا فَإِن شكّ فِي النُّقْصَان فَهُوَ كمتحققه وَإِن شكّ فِي عدد ركعاته كمن لم يدر أصلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا بنى على الْأَقَل وأتى بِمَا شكّ فِيهِ عِنْد الْإِمَامَيْنِ وسد بعد السَّلَام فِي الْمَشْهُور وَقيل وفَاقا للشَّافِعِيّ فرع إِذا شكّ الْمُصَلِّي أَخذ بأخبار عَدْلَيْنِ وَقيل عدل وَإِن تَيَقّن لم يرجع إِلَى خبر غَيره إِلَّا أَن كَانُوا جمَاعَة يحصل بهم الْيَقِين الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الْجُمُعَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي وجوب صَلَاة الْجُمُعَة وَهِي فرض عين عِنْد الْجُمْهُور وشروط وُجُوبهَا الْعشْرَة الَّتِي لسَائِر الصَّلَوَات وتزيد أَرْبَعَة الذكورية وَالْحريَّة اتِّفَاقًا وَالْإِقَامَة خلافًا للظاهرية والقرب من موضعهَا بِثَلَاثَة أَمْيَال فَأَقل وَقيل سِتَّة وَقيل اثْنَا عشر وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب على من فِي الْمصر لَا على من فِي خَارجه وَقَالَ ابْن حَنْبَل تجب على من سمع النداء وَقَالَ الشَّافِعِي تجب على من فِي الْمصر سمع النداء أَو لم يسمعهُ وعَلى من فِي خَارجه أَن سمع النداء فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) يسْقط وُجُوبهَا بسبعة أَشْيَاء بِالْمرضِ والتمريض لقريب أَو مَمْلُوك إِذا لم يكن لَهُ من يقوم بِهِ أَو خيف عَلَيْهِ الْمَوْت والاشتغال بميت إِذا خيف عَلَيْهِ التَّغْيِير وللحبس ولفقد الْأَعْمَى من يَقُودهُ ولخوف الْغَرِيم وَاخْتلف فِي سُقُوطهَا فِي الْمَطَر والوحل وَلَا تسْقط عَن الْعَرُوس فِي السَّابِع على الْمَشْهُور (الْفَرْع الثَّانِي) من حضر الْجُمُعَة مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ أَجْزَأته عَن الظّهْر فَإِذا قدم الْمُسَافِر فَإِن كَانَ لم يصل الظّهْر صلى الْجُمُعَة وَإِن كَانَ قد صلى الظّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فَاخْتلف هَل تلْزمهُ الْجُمُعَة وَإِن أدْركهَا وَأَن أم الْمُسَافِر فِي الْجُمُعَة فَاخْتلف فِي صِحَّتهَا (الْفَرْع الثَّالِث) يجوز السّفر يَوْم الْجُمُعَة قبل الزَّوَال وَقيل يكره وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَيمْنَع بعد الزَّوَال وَقبل الصَّلَاة اتِّفَاقًا (الْفَرْع الرَّابِع) من فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَة لعذر جَازَ لَهُم أَن يصلوها ظهرا فِي جمَاعَة إِن ظهر عذرهمْ وَقيل لَا يجوز وفَاقا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الْخَامِس) من ترك الْجُمُعَة لغير عذر وَصلى ظهرا أَرْبعا فَإِن كَانَ بعد صَلَاة الْجُمُعَة أَجزَأَهُ مَعَ عصيانه وَإِن كَانَ قبلهَا وَجَبت عَلَيْهِ الْجُمُعَة (الْفَرْع السَّادِس) يسْتَحبّ لمن يَرْجُو زَوَال عذره أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى الْيَأْس عَن إِدْرَاك الْجُمُعَة فَإِن زَالَ عذره بعد الْفَرَاغ من الظّهْر أعَاد الْجُمُعَة إِن أدْركهَا وَكَذَلِكَ الصَّبِي إِذا بلغ بعد أَن صلى الظّهْر (الْفَصْل الثَّانِي) فِي شُرُوط صِحَّتهَا وَهِي الْعشْرَة الَّتِي لسَائِر الصَّلَوَات وتزيد أَرْبَعَة الإِمَام وَالْجَمَاعَة وَالْمَسْجِد والاستيطان أما بلد أَو قَرْيَة وَالصَّحِيح فِي هَذِه الْأَرْبَعَة أَنَّهَا شُرُوط وجوب وَصِحَّة مَعًا فَأَما الإِمَام فَلَا يشْتَرط أَن يكون واليا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا تجوز فِيهَا إِمَامَة العَبْد خلافًا لَهما وَلَا شهب وَأما الْجَمَاعَة فَلَا بُد أَن يَكُونُوا عددا تتقرى بهم قَرْيَة من غير تَحْدِيد فِي الْمَشْهُور وَلَا تجزي الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة فِي الْمَشْهُور وروى ابْن حَنْبَل أقلهم ثَلَاثُونَ وَقيل خَمْسُونَ وَقَالَ الشَّافِعِي أَرْبَعُونَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة اثْنَان مَعَ الإِمَام وَيشْتَرط بَقَاء الْجَمَاعَة إِلَى كَمَال الصَّلَاة على الْمَشْهُور وَأما الْمَسْجِد فَاشْترط الْبَاجِيّ أَن يكون مسقفا يجمع فِيهِ الدَّوَام واستبعده ابْن رشد وَتجوز الصَّلَاة فِي رحاب الْمَسْجِد والطرق الْمُتَّصِلَة بِهِ وَتكره من غير ضَرُورَة وَلَا تجوز على سطح الْمَسْجِد وَلَا فيالمواضع المحجورة كالدور والحوانيت على الْمَشْهُور وَفِي صَلَاة الْجُمُعَة فِي مسجدين فِي مصر وَاحِد ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يكون بَينهمَا نهر من مَاء وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَو لَا وَإِذا قُلْنَا بِالْمَنْعِ صحت جُمُعَة الْجَامِع الاقدام وَقَالَ الشَّافِعِي من جمع أَو لَا صحت جمعته (الْفَصْل الثَّالِث) للْجُمُعَة ركنان الصَّلَاة وَالْخطْبَة فَأَما الصَّلَاة فركعتان جَهرا إِجْمَاعًا وَالْأولَى أَن يقرأفي الأولى بِالْجمعَةِ وَفِي الثَّانِيَة بالمنافقين وَسبح أَو الغاشية وَأول وَقتهَا الزَّوَال عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ وَآخِرهَا الْغُرُوب على الْمَشْهُور وَقيل الاصفرار وَقيل الْقَامَة وَيُؤذن لَهَا على الْمنَار وَقَالَ الشَّافِعِي جمَاعَة بَين يَدي الإِمَام وَيُؤذن لَهَا ثَلَاثًا وَقيل اثْنَان وَيجْزِي وَاحِد وَأما الْخطْبَة فواجبة خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَهِي شَرط فِي صِحَة الْجُمُعَة على الْأَصَح وَأَقل مَا يُسمى خطْبَة عِنْد الْعَرَب وَقيل حمد وتصلية وَوعظ وَقُرْآن وَيسْتَحب اختصارها وَفِي وجوب الْخطْبَة الثَّانِيَة قَولَانِ وَفِي وجوب الطَّهَارَة لَهما قَولَانِ وَفِي وجوب الْجُلُوس قبلهمَا وَبَينهمَا قَولَانِ وَفِي وجوب الْقيام لَهما قَولَانِ وَفِي اشْتِرَاط الْجَمَاعَة فيهمَا قَولَانِ وَلَا يُصَلِّي غير من يخْطب إِلَّا لعذر ويخطب على الْمِنْبَر متوكئا على عَصا أَو قَوس ويستقبله النَّاس وَلَا يسلم عَلَيْهِم خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجب الْإِنْصَات للخطبة اتِّفَاقًا وينصت إِذا لم يسمع خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا يسلم وَلَا يشمت وَلَا يرد خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّة إِذا خرج الإِمَام خلافًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 للسيوري وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَيجوز التَّعَوُّذ عِنْد ذكر النَّار والتصلية عِنْد ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتأمين عِنْد الدُّعَاء سرا وفيالجهر بذلك قَولَانِ وَلَا يَأْمر بالإنصات نطقا بل إِشَارَة (الْفَصْل الرَّابِع) تخْتَص الْجُمُعَة بوظائف (الأولى) السَّعْي إِلَيْهَا وَيجب إِذا جلس الْخَطِيب وَيسْتَحب التهجير لَهَا خلافًا للشَّافِعِيّ (الثَّانِيَة) يحرم البيع وَالنِّكَاح وَسَائِر الْعُقُود من جُلُوس الْخَطِيب إِلَى انْقِضَاء الصَّلَاة فَإِن وَقعت فَاخْتلف فِي فَسخهَا (الثَّالِثَة) الْغسْل لَهَا سنة مُؤَكدَة وأوجبه الظَّاهِرِيَّة وَلَا يَجْزِي قبل الْفجْر وَلَا غير مُتَّصِل بالرواح خلافًا للشَّافِعِيّ (الرَّابِعَة) يسْتَحبّ للْجُمُعَة الطّيب والسواك والتجمل بالثياب وخصال الْفطْرَة الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي الْجمع يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء لأسباب وَهِي بِعَرَفَة والمزدلفة اتِّفَاقًا وَذَلِكَ سنة وللسفر والمطر خلافًا لأبي حنيفَة فيهمَا وللمرض خلافًا لَهما وللخوف بِخِلَاف فِي الْمَذْهَب وَأَجَازَ الظَّاهِرِيَّة وَأَشْهَب الْجمع بِغَيْر سَبَب فَأَما السّفر فَيشْتَرط جد السّير فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يشْتَرط الطول وَأما الْمَطَر فبجمع لَهُ بَين الْمغرب وَالْعشَاء عِنْد الْإِمَامَيْنِ لَا بَين الظّهْر وَالْعصر خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن اجْتمع الْمَطَر والطين أَو اثْنَان مِنْهُمَا أَو انْفَرد الْمَطَر جَازَ الْجمع بِخِلَاف انْفِرَاد الظلمَة وَفِي انْفِرَاد الطين قَولَانِ وَلَو انْقَطع الْمَطَر بعد الشُّرُوع فِي الْجمع جَازَ التَّمَادِي وَفِي وَقت الْجمع للمطر ثَلَاثَة أَقْوَال أول وَقت الْمغرب أَو تَأْخِيرهَا يَسِيرا أَو تَأْخِيرهَا إِلَى آخر وَقتهَا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَذَان وَإِقَامَة على الْمَشْهُور وَقيل يَكْتَفِي بِأَذَان الأولى وَيَنْوِي الأولى وَاخْتلف هَل يجْزِيه أَن نَوَاه فِي الثَّانِيَة وعَلى ذَلِك فرعان لَو صليت الأولى ثمَّ حدث سَبَب الْجمع وَمن صلى الأولى وَحده وَأدْركَ الثَّانِيَة فَفِي جَوَاز الْجمع فيهمَا قَولَانِ وَلَا ينْتَقل بَين الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَة الْجمع وَلَا بعدهمَا فِي الْمَسْجِد وَلَا وتر حَتَّى يغيب الشَّفق وَأما الْمَرِيض فَيجمع إِن خَافَ أَن يغيب على عقله أَو إِن كَانَ الْجمع أرْفق بِهِ وَوَقته فِي أول وَقت الأولى وَقيل فِي آخر وَقت الأولى وَأول وَقت الثَّانِيَة الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الْخَوْف وَهُوَ نَوْعَانِ (النَّوْع الأول) خوف يمْنَع من إِكْمَال هَيْئَة الثلاة وَذَلِكَ حِين المسايفة أَو مناشبة الْحَرْب فتؤخر الصَّلَاة حَتَّى يخَاف فَوَات وَقتهَا ثمَّ يُصَلِّي كَيفَ أمكن مشيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وركوبا وركضا ايماء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة وَغَيرهَا وَلَا يمْنَع مَا يحْتَاج من قَول وَفعل (النَّوْع الثَّانِي) خوف يتَوَقَّع مَعَه معرة الْعَدو أَن اشْتغل الْمُسلمُونَ كلهم بِالصَّلَاةِ فَيجوز لَهُم أَن يصلوا أفذاذا وَإِن تصلي طَائِفَة بِإِمَام وَأُخْرَى بِإِمَام وَيجوز أَن يصلوا صَلَاة الْخَوْف الْمَشْرُوعَة وَهِي جَائِزَة عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لأبي يُوسُف فِي قَوْله باختصاصها بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلها صِفَات الأولى مَشْهُور الْمَذْهَب وَهِي أَن يقسم الإِمَام الْعَسْكَر طائفتين طَائِفَة مَعَه وَأُخْرَى تحرس الْعَدو فَيصَلي بالطائفة الأولى الَّتِي مَعَه فِي الصَّلَاة الثنائية رَكْعَة وَفِي الثلاثية والرباعية رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يتمون لأَنْفُسِهِمْ ويسلمون فيقفون يَحْرُسُونَ وَتَأْتِي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَيصَلي بهم فِي الثنائية رَكْعَة وَفِي الرّبَاعِيّة رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْمغرب رَكْعَة وَيسلم ويقضون بعد سَلامَة الصّفة الثَّانِيَة مثلهَا إِلَّا أَن الإِمَام لَا يسلم بعد تَمام صلَاته بل ينْتَظر الطَّائِفَة الثَّانِيَة حَتَّى تقضي مَا عَلَيْهَا ثمَّ يسلم بهم وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَقد رُوِيَ عَن مَالك الصّفة الثَّالِثَة أَن تَنْصَرِف الطَّائِفَة الأولى قبل تَمام صلَاتهم وَلَا يسلمُونَ فيقفون ويحرسون وَتَأْتِي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَيصَلي بهم ثمَّ تقضي الطائفتان مَعًا بعد سَلَامه وَهَذَا مَذْهَب أَشهب الصّفة الرَّابِعَة مثل الثالثلة إِلَّا أَن الطَّائِفَة الأولى إِنَّمَا تقضي بعد فرَاغ الثَّانِيَة من قضائهم وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة فروع تجوز صَلَاة الْخَوْف سفرا وحضرا فِي الْمَشْهُور وَيُؤذن لَهَا ويقام وَإِن كَانَت ثنائية انْتظر الإِمَام الطَّائِفَة الثنائية وَهُوَ قَائِم وَإِن كَانَت ثلاثية أَو ربَاعِية فَاخْتلف هَل ينتظرهم قَائِما أَو جَالِسا وَهُوَ فِي حَال انْتِظَاره مُخَيّر بَين الدُّعَاء وَالسُّكُوت وَإِذا زَالَ الْخَوْف بعد صَلَاة الطَّائِفَة الأولى فَاخْتلف هَل تدخل مَعَه الثَّانِيَة أم لَا الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْقصر فِي السّفر وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي حكم الْقصر وَفِيه خَمْسَة أَقْوَال فِي الْمَذْهَب وَاجِب وفَاقا لأبي حنيفَة وَسنة وَهُوَ الْمَشْهُور ومستحب ومباح ورخصة أقل فضلا من الْإِتْمَام وفافا للشَّافِعِيّ فرعان (الْفَرْع الأول) إِذا أتم الْمُسَافِر جرى على الِاخْتِلَاف فِي الْقصر فعلى الْوُجُوب يُعِيد فِي الْوَقْت وَبعده وعَلى السّنة والاستحباب فِي الْوَقْت وعَلى الرُّخْصَة وَالْإِبَاحَة لَا يُعِيد (الْفَرْع الثَّانِي) أَن صلى مُقيم خلف مُسَافر أتم بعد سَلَامه وَأَن صلى مُسَافر خلف مُقيم فَأَرْبَعَة أَقْوَال الْبطلَان والإتمام مَعَه وَالسَّلَام من رَكْعَتَيْنِ وانتظاره بعد رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يسلم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي شُرُوط الْقصر وَهِي سِتَّة (الأول) طول السّفر وَهِي ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا على الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَقيل أَرْبَعُونَ وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أَبُو حنيفَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة أقل مَا يُقَال لَهُ سفر وَلَو خرج إِلَى بستانه وَلَا يلفق الْمسَافَة من الذّهاب وَالرُّجُوع بل تكون كَامِلَة فِي أَحدهمَا (الثَّانِي) أَن يعزم من أول سفرة على قطع الْمسَافَة من غير تردد (الثَّالِث) أَن يقْصد جِهَة فَلَا يقصر الهائم وَلَا من خرج إِلَى طلب آبق ليرْجع من أَيْن وجده (الرَّابِع) أَن يكون السّفر مُبَاحا فَلَا يقصر العَاصِي بِسَفَرِهِ كقاطع الطَّرِيق وَالْعَبْد الأبق خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يشْتَرط كونالسفر قربَة خلافًا لِابْنِ حَنْبَل (الْخَامِس) أَن يُجَاوز الْبَلَد وَمَا يتَّصل بِهِ من البناءات والبساتين والمعمورة عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن الْمَاجشون بعد ثَلَاثَة أَمْيَال (السَّادِس) أَن لَا يعزم فِي خلال سَفَره على إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام بلياليها وَقَالَ ابْن حَنْبَل أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو حنيفَة خَمْسَة عشر يَوْمًا وَلَو أَقَامَ على نِيَّة السّفر أَكثر من ذَلِك لم يمْتَنع الْقصر وَأَن دخل بَلَدا لَهُ فِيهِ أهل وهوله وَطن لم يقصر وَإِن نوى الْإِقَامَة ثمَّ بدا لَهُ فِيهَا فَاخْتلف فِي تَأْثِير نِيَّته وَإِن نوى الْإِقَامَة بعد الدُّخُول فِي الصَّلَاة فَاخْتلف هَل يُتمهَا أَرْبعا وَلَو نَوَاهَا بعد الْفَرَاغ مِنْهَا لم يعد وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي حكم صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَهِي سنة عِنْد الْجُمْهُور وَيُؤمر بهَا من تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَاخْتلف فِيمَن لَا تجب عَلَيْهِ من النِّسَاء وَالْعَبِيد والمسافرين وموضعها فِي غير مَكَّة الْمصلى لَا الْمَسْجِد إِلَّا من ضَرُورَة وَلَا تُقَام فِي موضِعين ووقتها بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وَمن فَاتَتْهُ لم يقضها وَقَالَ الشَّافِعِي يُصليهَا على صفتهَا وَقَالَ ابْن حَنْبَل يُصَلِّي أَربع رَكْعَات وَإِذا لم يعلم بالعيد إِلَّا بعد الزَّوَال لم يصلوها من الْغَد وَلَا تنوب عَن صَلَاة الْجُمُعَة خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفتهَا وَهِي رَكْعَتَانِ جَهرا بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة وَيسْتَحب أَن يقْرَأ فِيهَا ((يسبح)) وَنَحْوهَا وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي وَابْن حبيب ((بقاف)) و ((بالقمر)) وَيكبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات بتكبيرة الاحرام وَقَالَ الشَّافِعِي زِيَادَة عَلَيْهَا وَفِي الثَّانِيَة سِتا بتكبيرة الْقيام عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَلَا يرفع يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَات فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَلَا يفصل بَين التَّكْبِيرَات بِذكر وَلَا غَيره خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَلَا يفصل بَين التَّكْبِيرَات بِذكر وَلَا غَيره خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَأَن نسي الإِمَام التَّكْبِير رَجَعَ إِلَيْهِ وَفِي إِعَادَة الْقِرَاءَة قَولَانِ وَفِي سُجُود السَّهْو لترك التَّكْبِير قوان وتؤخر الْخطْبَة عَن الصَّلَاة اتِّفَاقًا وَهِي خطبتان يجلس قبلهمَا وَبَينهمَا وَيكبر فِي أَولهَا وأثنائها من غير تَحْدِيد وَقيل سبعا فِي أَولهَا وَيعلم النَّاس مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي يومهم (الْفَصْل الثَّالِث) فِي وظائف الْعِيد وَهِي الِاغْتِسَال بعد الْفجْر وَيجْزِي قبله وَالطّيب والتجمل باللباس وخصال الْفطْرَة وَالْمَشْي إِلَى الْمصلى على الرجلَيْن وَالتَّكْبِير فِي طريقها وَفِي انتظارها وَالْفطر قبل الْخُرُوج فِي عيد الْفطر وَبعده فِي عيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الْأَضْحَى حَتَّى يَأْكُل من الْأُضْحِية وَالْمَشْي على طَرِيق وَالرُّجُوع على أُخْرَى وَالتَّكْبِير أَيَّام منى فِي دبر الصَّلَوَات المكتوبات من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى صبح الْيَوْم الرَّابِع وَقيل إِلَى ظَهره وَقَالَ ابْن حَنْبَل من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى عصر رَابِع الْعِيد وَقَالَ أَبُو حنيفَة من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى عصر رَابِع يَوْم النَّحْر وَيكبر الْجَمَاعَة اتِّفَاقًا والفذ خلافًا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَلَا يكبر فِي دبر التَّطَوُّع خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَفظه (الله أكبر الله أكبر الله أكبر) وَقيل (الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد) وَالله أعلم الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الإستسقاء وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَحْكَام صَلَاة الإستسقاء وَهِي سنة اتِّفَاقًا سَببهَا الْحَاجة إِلَى مَاء السَّمَاء أَو الأَرْض لزرع أَو شرب حَيَوَان فِي بر أَو بَحر وتكرر مَا احْتِيجَ إِلَيْهَا وَلَا يُؤمر بهَا النِّسَاء وَلَا الصّبيان فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا تخرج الْبَهَائِم وَفِي خُرُوج الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَولَانِ وعَلى الْجَوَاز فَاخْتلف هَل ينفردون بِيَوْم أَو يخرجُون مَعَ النَّاس فِي نَاحيَة ووقتها بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وموضعها الْمصلى (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفتهَا وَهِي رَكْعَتَانِ جَهرا بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة يقْرَأ فيهمَا ((يسبح)) وَنَحْوهَا كَسَائِر النَّوَافِل وَالشَّافِعِيّ يكبر فيهمَا كالعيد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَدْعُو فِي الإستسقاء من غير صَلَاة وَلها خطْبَة تُؤخر عَن الصَّلَاة عِنْد الْجُمْهُور وَيكثر فِيهَا من الإستغفار وَوعظ النَّاس ثمَّ يَدْعُو مُسْتَقْبلا الْقبْلَة ويؤمن النَّاس ويحول رِدَاءَهُ بعد الْخطْبَتَيْنِ وَقيل بَينهمَا فَيجْعَل مَا على الْأَيْسَر على الْأَيْمن وَمَا على الْأَيْمن على الْأَيْسَر وَاخْتلف هَل يقلبه فَيجْعَل الْأَعْلَى أَسْفَل أم لَا ويحول سَائِر النَّاس أرديتهم وهم قعُود عِنْد الْجُمْهُور إِذا حول الإِمَام وَلَا يحول النِّسَاء وَلَا من لَا رِدَاء لَهُ (الْفَصْل الثَّالِث) فِي وظائف الإستسقاء فَمِنْهَا التَّوْبَة والإستغفار ورد الْمَظَالِم وَلَا يُؤمر بصيام قبلهَا خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَالشَّافِعِيّ وسننها التبذل والتواضع فِي اللبَاس وَغَيره وَلَا يكبر فِي طَرِيقه على الْمَشْهُور ويتنفل قبلهَا وَبعدهَا على الْمَشْهُور الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْكُسُوف وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي حكم صَلَاة الْكُسُوف وَهِي سنة فِي كسوف الشَّمْس إِجْمَاعًا وَيُؤمر بهَا من تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة إِجْمَاعًا وَفِي غَيرهم قَولَانِ ووقتها إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الزَّوَال وَقيل مَا لم يصل الْعَصْر وَقيل مَا لم تصغر الشَّمْس وَقيل إِلَى الْغُرُوب وفَاقا للشَّافِعِيّ وَإِذا تجلت الشَّمْس فِي إضعاف الصَّلَاة فَاخْتلف هَل تكمل على هَيْئَة الْكُسُوف أَو كَسَائِر النَّوَافِل وموضعها الْمَسْجِد على الْمَشْهُور وَأما خُسُوف الْقَمَر فَيصَلي النَّاس فِيهِ أفذاذا كَسَائِر النَّوَافِل وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل يُصَلِّي فِيهِ جمَاعَة ككسوف الشَّمْس وَلَا يُؤمر بِالصَّلَاةِ عِنْد الزلزال والآيات خلافًا لِابْنِ حَنْبَل (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفتهَا وَهِي عِنْد الْإِمَامَيْنِ رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ركوعان وقيامان وسجدتان يقْرَأ فِي الْقيام الأول بِسُورَة الْبَقَرَة وَنَحْوهَا وَفِي الثَّانِي دون ذَلِك وَفِي الثَّالِث دون ذَلِك وَفِي الرَّابِع دون ذَلِك ويكرر أم الْقُرْآن فِي كل قيام على الْمَشْهُور وَيسر الْقِرَاءَة خلافًا لِابْنِ حَنْبَل ويطيل الرُّكُوع وَلَا يقْرَأ فِيهِ وَفِي إطالة السُّجُود قَولَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَكْعَتَانِ كَسَائِر النَّوَافِل وَلَيْسَ فِيهَا خطْبَة فِي الْمَذْهَب بل يعظ النَّاس وَيَأْمُرهُمْ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَََقَة وَقَالَ الشَّافِعِي يخْطب بعْدهَا خطبتين (فرع) إِذا أدْرك الْمَسْبُوق الرُّكُوع الثَّانِي فقد أدْرك الرَّكْعَة الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الْوتر وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَحْكَامه وَهُوَ سنة وأوجبه أَبُو حنيفَة وَوَقته من بعد صَلَاة الْعشَاء فِي وَقتهَا تَحَرُّزًا من لَيْلَة الْجمع إِلَى طُلُوع الْفجْر فَإِن طلع أوتر بعده خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن ذكر الْوتر فِي صَلَاة الصُّبْح فَهَل يتمادى أَو يقطع قَولَانِ وَلَا يُوتر بعد الصُّبْح وَالْأَفْضَل الْوتر آخر اللَّيْل لمن قوي عَلَيْهِ وَمن أوتر أَوله ثمَّ تنفل فَلَا يُعِيد الْوتر عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لمن قَالَه يُعِيدهُ وَلمن قَالَ يشفعه بِرَكْعَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفته وَهُوَ رَكْعَة وَاحِدَة يتقدمها شفع ويفصل بَينهمَا بِسَلام وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يشْتَرط الشفع وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوتر ثَلَاث لَا يسلم بَينهمَا وعَلى الْمَذْهَب فَاخْتلف هَل تَقْدِيم الشفع شَرط صِحَة أَو كَمَال وَهل يجوز الْفَصْل بَينه وَبَين الْوتر بِزَمَان أم لَا وَهل يخْتَص بنية أَو يقوم مقَامه كل نَافِلَة وَيسْتَحب أَن يقْرَأ فِيهِ ((بسبح)) و ((قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) أَو بِسُورَة الْإِخْلَاص فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي الْوتر بالإخلاص والمعوذتين وَالله أعلم الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي سَائِر التطوعات وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي رَكْعَتي الْفجْر ووقتهما بعد طُلُوع الْفجْر فَإِن قدمهما قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 أَو قدم رَكْعَة مِنْهُمَا فَعَلَيهِ الْإِعَادَة وَيقْرَأ فيهمَا سرا بِأم الْقُرْآن وَحدهَا وَحدهَا وَقيل فِي الأولى ((بقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)) وَفِي الثَّانِيَة (بالإخلاص)) وفَاقا للشَّافِعِيّ وَمن جَاءَ إِلَى الْمَسْجِد وَقد ركع الْفجْر فِي بَيته فَاخْتلف هَل يحيي الْمَسْجِد أم لَا فَإِن كَانَ لم يرْكَع الْفجْر فِي بَيته صلاه وَلم يحي الْمَسْجِد فَإِن وجد النَّاس يصلونَ الصُّبْح لم يرْكَع الْفجْر فِي الْمَسْجِد وَلَا فِي رحابه الْمُتَّصِلَة بِهِ والضجعة بعد رَكْعَتي الْفجْر غير مَشْرُوعَة خلافًا للظاهرية (الْفَصْل الثَّانِي) فِي سَائِر النَّوَافِل قيام اللَّيْل مرغب فِيهِ وأفضله آخر اللَّيْل وَاخْتلف هَل الْأَفْضَل تَكْثِير الرَّكْعَات أَو طول الْقيام وَالتَّرْغِيب فِي ليَالِي رَمَضَان آكِد وَيسْتَحب الْقيام فِيهِ بست وَثَلَاثِينَ رَكْعَة سوى الشفع وَالْوتر وَقيل بِعشْرين وفَاقا لَهُم والنوافل فِي الْبيُوت أفضل وَلَا يجمع لَهَا فِي غير رَمَضَان إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الْخفية وَالْجَمَاعَة الْيَسِيرَة والنوافل بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مثنى مثنى يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ خلافًا لمن قَالَ أَربع أَو سِتّ وَمن فَاتَتْهُ نَافِلَة لم يقضها فِي الْمَذْهَب إِلَّا من فَاتَتْهُ رَكعَتَا الْفجْر فيقضيهما بعد طُلُوع الشَّمْس وفَاقا لَهُم الْبَاب الموفي الثَّلَاثِينَ فِي سُجُود الْقُرْآن وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَحْكَامه وَلَيْسَ بِوَاجِب خلافًا لأبي حنيفَة وَيُؤمر بِهِ القاريء والمستمع لَا السَّامع وَيكبر لَهُ فِي الإنحطاط وَالرَّفْع ويفتقر إِلَى شُرُوط الصَّلَاة وَلَا إِحْرَام فِيهِ وَلَا تَسْلِيم عِنْد الْأَرْبَعَة وَيجوز فِي صَلَاة النالة اتِّفَاقًا وَفِي الْفَرِيضَة أَن أَمن التَّخْلِيط ويسبح فِي السَّجْدَة أَو يَدْعُو وَورد فِي الحَدِيث (اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا وضع عني بهَا وزرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا وتقبلها مني كَمَا قبلتها من عَبدك دَاوُد) (الْفَصْل الثَّانِي) فِي عدد السجدات وَهِي فِي الْمَشْهُور إِحْدَى عشرَة الَّتِي فِي الْأَعْرَاف وَفِي الرَّعْد وَفِي النَّحْل وَفِي الْإِسْرَاء وَفِي مَرْيَم وَفِي أول الْحَج وَفِي الْفرْقَان وَفِي النَّمْل وَفِي ألم السَّجْدَة وَفِي ص وَفِي فصلت فالعشرة بِإِجْمَاع وَأسْقط الشَّافِعِي الَّتِي فِي ص وَزَاد هُوَ وَابْن حَنْبَل وَابْن وهب الَّتِي فِي آخر الْحجر وَفِي النَّجْم وَفِي الإنشقاق وَفِي اقْرَأ ومواضعها من الْآيَات مَعْرُوفَة إِلَّا أَنه اخْتلف فِي الَّتِي هِيَ فِي ص هَل هِيَ عِنْد قَوْله وأناب أَو وَحسن مآب وَاخْتلف فِي فصلت هَل هِيَ عِنْد قَوْله تَعْبدُونَ أَو وهم لَا يسأمون وَفِي الإنشقاق هَل هِيَ عِنْد قَوْله لَا يَسْجُدُونَ أَو هِيَ فِي آخرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 = الْكتاب الثَّالِث فِي الْجَنَائِز وَفِيه مُقَدّمَة وَخَمْسَة أَبْوَاب = الْمُقدمَة يلقن المحتضر لَا إِلَه إِلَّا الله ويدعى لَهُ بِخَير وليحسن هُوَ ظَنّه بِاللَّه فيغلب الرَّجَاء حِينَئِذٍ وَفِي قِرَاءَة يس أَو غَيرهَا قَولَانِ الإستحباب وَالْكَرَاهَة وَكَذَلِكَ فِي رده إِلَى الْقبْلَة فَإِذا قضى غمضت عَيناهُ وَوَجَبَت لَهُ أَرْبَعَة حُقُوق أَن يغسل ويكفن وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن وَفِي الْكتاب خَمْسَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الْغسْل وَهُوَ فرض كِفَايَة وَقيل سنة ثمَّ النّظر فِي صفة الْغسْل والغاسل فَفِي الْبَاب فصلان (الْفَصْل الأول) فِي صفة الْغسْل وَهُوَ كَغسْل الْجَنَابَة ويجرد خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَكِن تستر عَوْرَته ويوضأ خلافًا لأبي حنيفَة وَالْمَطْلُوب غسل جَمِيع جسده وَيسْتَحب الزِّيَادَة وترا وَيجْعَل فِي الْأَخِيرَة كافور أَو غَيره من الطّيب ويعصر بَطْنه عصرا خَفِيفا بِرِفْق إِن احْتِيجَ إِلَى ذَلِك وَلَا يقص شعره وَلَا أَظْفَاره خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْغَاسِل وَيغسل الرجل الرجل وَالْمَرْأَة الْمَرْأَة اتِّفَاقًا فَإِن عدم يمم الرجل الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة إِلَى كوعيها وتيممه إِلَى مرفقيه وَيغسل الرجل ذَوَات مَحَارمه من فَوق ثوب وَقيل ييممها وتغسله كَذَلِك وَقيل متجردا مَسْتُور الْعَوْرَة وَيغسل كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ صَاحبه إِذا اتَّصَلت الْعِصْمَة إِلَى الْمَوْت وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يغسل الرجل زَوجته فَأَما الْمُطلقَة البائنة فكالأجنبية وَفِي الرَّجْعِيَّة قَولَانِ وَيغسل النِّسَاء الصَّبِي ابْن سِتّ سِنِين وَسبع وَاخْتلف فِي غسل الرجل الصبية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 (فرع) وَاخْتلف فِي نَجَاسَة ابْن آدم إِذا مَاتَ وعَلى ذَلِك اخْتلف فِي نَجَاسَة غسلته وَفِي إِدْخَاله الْمَسْجِد وَالأَصَح أَنه لَا ينجس الْبَاب الثَّانِي فِي التَّكْفِين وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) يخرج الْكَفَن من رَأس مَال الْمَيِّت فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَمن بَيت مَال الْمُسلمين فَإِن لم يكن فعلى الْمُسلمين وعَلى السَّيِّد تكفين عَبده وَاخْتلف فِي الْتِزَام تكفين الْوَالِد وَلَده وَالْوَالِد وَالِديهِ وَفِي الزَّوْجَة ثَلَاثَة أَقْوَال تكفن من مَالهَا وَمن مَال زَوجهَا وَمن مَالهَا إِن كَانَت موسرة وَمن مَال الزَّوْج إِن كَانَت معسرة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي صفته يُكفن فِي الْجَائِز من اللبَاس وَأما الْحَرِير فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَوَاز وَالْمَنْع واختصاص الْجَوَاز بِالنسَاء وَيسْتَحب فِيهِ الْبيَاض وَالْوتر وَأقله ثوب وَاحِد وَأَكْثَره سبع وَقَالَ قوم لَا ينقص من ثَلَاثَة ويلصق بمنافذ الْبدن من الْعَينَيْنِ والمنخرين والأذنين قطن وَيجْعَل حنوطا من كافور أَو مسك أَو غير ذَلِك فِي مَوَاضِع سُجُوده ومغابن بدنه وَفِي أَكْفَانه وَيفْعل بالمحرم مَا يفعل بالحلال وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُغطي رَأسه وَلَا يقرب طيبا ((فرع)) إِذا مَاتَت الحبلى وجنينها يضطرب فِي بَطنهَا فَاخْتلف هَل يبقر بَطنهَا وَيخرج مِنْهُ الْجَنِين أم لَا الْبَاب الثَّالِث فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ من فِيهِ خَمْسَة أَوْصَاف (الأول) أَن يكون قبل ذَلِك مَعْلُوم الْحَيَاة فَلَا يصلى على مَوْلُود وَلَا سقط إِلَّا إِن علمت حَيَاته بارتضاع أَو حَرَكَة أَو مستهل صَارِخًا خلافًا لأبي حنيفَة (الثَّانِي) أَن يكون مُسلما فَلَا يصلى على كَافِر أصلا ويدفن الذِّمِّيّ وَلَا بَأْس أَن يدْفن الْمُسلم أَقَاربه الْكفَّار وَأما أَطْفَال الْمُشْركين فَإِن كَانُوا مَعَ آبَائِهِم لم يسبوا وَلم يسلم أحد مِنْهُم لم يصل عَلَيْهِم إِجْمَاعًا فَإِن أسلم الْأَب حكم للْوَلَد بِالْإِسْلَامِ بِخِلَاف الْأُم فِي الْمَشْهُور وَإِن كَانُوا مسبيين واشتراهم مُسلم فَلَا يحكم بِإِسْلَامِهِمْ حَتَّى تظهر عَلامَة الْإِسْلَام عَلَيْهِم فِي الْمَشْهُور (الثَّالِث) أَن يُوجد جسده أَو أَكْثَره فَلَا يصلى على عُضْو خلافاللشافعي (الرَّابِع) أَن لَا يكون شَهِيدا فالشهيد إِذا مَاتَ فِي معترك الْجِهَاد لم يغسل وَلم يُكفن وَلم يصل عَلَيْهِ ويدفن بثيابه وَينْزع عَنهُ السِّلَاح وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يغسل وَلَكِن يصلى عَلَيْهِ فَإِن قتل فِي غير المعترك ظلما أَو أخرج من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 المعترك حَيا وَلم تنفذ مقاتله ثمَّ مَاتَ غسل وَصلي عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ وَمن قتل فِي المعترك فِي قتال الْمُسلمين غسل وَصلي عَلَيْهِ فَإِن كَانَ الشَّهِيد جنبا فَاخْتلف فِي غسله (الْخَامِس) أَن يكون حَاضرا فَلَا يصلى على غَائِب عِنْد الْجُمْهُور وكل من لَا يصلى عَلَيْهِ فَلَا يغسل (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَن يصى عَلَيْهَا وَالْأولَى من أوصى الْمَيِّت أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ ثمَّ الْوَالِي ثمَّ الْأَوْلِيَاء الْعصبَة على مَرَاتِبهمْ فِي ولَايَة النِّكَاح وَقَالَ الشَّافِعِي الْوَلِيّ أولى الْوَالِي وَلَا يُصَلِّي الإِمَام على من قَتله فِي حد أَو قصاص وَيُصلي عَلَيْهِ غَيره وَيَنْبَغِي لأهل الْفضل أَن يجتنبوا الصَّلَاة على المبتدعة ومظهري الْكَبَائِر ردعا لأمثالهم (الْفَصْل الثَّالِث) فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة وأركانها أَرْبَعَة النِّيَّة وَالتَّكْبِير أَرْبَعَة لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص عَن الْأَرْبَعَة وَقَالَ قوم ثَلَاثًا وَقوم خمْسا وَقوم سِتا الدُّعَاء للْمَيت وَالسَّلَام وَزَاد الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل وَأَشْهَب قِرَاءَة الْفَاتِحَة بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَة الأولى خَاصَّة على الْمَشْهُور وَفِي سائرها لِابْنِ وهب والأكمل فِي الدُّعَاء أَن يبْدَأ بِحَمْد الله ثمَّ الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو للْمَيت وَلَيْسَ فِي ذَلِك قَول مَخْصُوص وَمن أتمه مَا ذكر عَن أبي يزِيد فِي الرسَالَة فروع إِذا أدْرك الْمَسْبُوق الإِمَام فِي تَكْبِيرَة دخل مَعَه اتِّفَاقًا وَفِي دُخُوله مَعَه فِي غير حَالَة التَّكْبِير رِوَايَتَانِ قيل يدْخل فيكبر وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يقف حَتَّى يكبر الإِمَام فيكبر مَعَه وفَاقا لأبي حنيفَة ثمَّ إِذا سلم الإِمَام فَإِن تركت لَهُ الْجِنَازَة تدارك مَا فَاتَهُ من التَّكْبِير بِدُعَاء وَإِن رفعت كبر تسعا (الْفَصْل الرَّابِع) وَفِيه فروع (الأول) يشْتَرط فِي صَلَاة الْجِنَازَة شُرُوط الصَّلَاة (الثَّانِي) لَا يصلى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن يضيق الطَّرِيق خلافًا للشَّافِعِيّ (الثَّالِث) لَا يصلى على من دفن إِذا كَانَ قد صلى عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن كَانَ لم يصل عَلَيْهِ أخرج للصَّلَاة عَلَيْهِ مَا لم يفت فَإِن فَاتَ صلى على قَبره خلافًا لسَحْنُون وفواته بالفراغ من دَفنه وَقيل بِأَن يخْشَى عَلَيْهِ التَّغْيِير (الرَّابِع) يقف الإِمَام عِنْد وسط الرجل وَعند مَنْكِبي الْمَرْأَة وَقيل عِنْد وَسطهَا (الْخَامِس) إِذا اجْتمعت جنائز فَيجوز أَن يفرد كل وَاحِدَة مِنْهَا بِصَلَاة وَأَن يُصَلِّي على جَمِيعهَا صَلَاة وَاحِدَة وَيقدم إِلَى الإِمَام من كَانَ أفضل فَيقدم الرِّجَال على النِّسَاء والأحرار على العبيد وَيقدم كبار كل صنف على صغاره وَيقدم من لَهُ مزية دينية فَإِن اسْتَووا قدم بِالسِّنِّ فَإِن اسْتَووا قدم بِالْقُرْعَةِ أَو التَّرَاضِي الْبَاب الرَّابِع فِي حمل الْجِنَازَة ودفنها وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي حمل الْجِنَازَة وَلَيْسَ فِي ذَلِك تَرْتِيب على الْمَشْهُور وَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يسْتَحبّ الْحمل من الجوانب الْأَرْبَع وَيَمْشي قُدَّام الْجِنَازَة والراكب خلفهَا على الْمَشْهُور وَقيل خلفهَا مُطلقًا وفَاقا لأبي حنيفَة ويتأخر النِّسَاء مُطلقًا وتمنع من يخَاف الْفِتْنَة من خُرُوجهَا وَيكرهُ لغَيْرهَا إِلَّا للقريب جدا وَلَا يُقَام للجنازة عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهُ مَنْسُوخ وَلَا بَأْس أَن ينْقل الْمَيِّت من بلد إِلَى آخر إِن كَانَ لم يدْفن (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الدّفن وَلَا بَأْس أَن يدْخل الْمَيِّت فِي قَبره من أَي نَاحيَة كَانَ والقبلة أولى ويضعه فِي قَبره الرِّجَال وَلَيْسَ لعددهم حد من شفع أَو وتر وَإِن كَانَت امْرَأَة فيتولى ذَلِك زَوجهَا من أَسْفَلهَا ومحارمها من أَعْلَاهَا فَإِن لم يكن فصالحو الْمُؤمنِينَ فَإِن وجد من النِّسَاء من يتَوَلَّى ذَلِك فَهُوَ أولى من الْأَجَانِب ويضجع الْمَيِّت على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وتمد يَده الْيُمْنَى مَعَ جسده وَتحل عقد الأكفان من عِنْد رَأسه وَرجلَيْهِ ويعدل رَأسه وَرجلَاهُ بِالتُّرَابِ حَتَّى يَسْتَوِي وَيسْتَحب الدُّعَاء لَهُ حِينَئِذٍ وَيسْتَحب أَن يحثى كل من دنا حثيات وَقيل لَا يسْتَحبّ وتر الْمَرْأَة بِثَوْب حَتَّى توارى وَمن دفن بِغَيْر غسل أَو على غير وَجه الدّفن فَإِن تغير لم يخرج وَإِن لم يتَغَيَّر فَقَوْلَانِ وَمن مَاتَ فِي الْبَحْر غسل وكفن وَصلي عَلَيْهِ وانتظر بِهِ الْبر إِن طمع بذلك فِي الْيَوْم أَو شبهه ليدفنوه فِيهِ وَإِن كَانَ الْبر بَعيدا أَو خيف عَلَيْهِ التَّغْيِير شدت عَلَيْهِ أَكْفَانه وَرمي فِي الْبَحْر مُسْتَقْبل الْقبْلَة محرفا على شقَّه الْأَيْمن وَاخْتلف هَل يثقل بِحجر أم لَا وَالله أعلم الْبَاب الْخَامِس فِي صفة الْقُبُور وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي صفة الْقُبُور واللحد أفضل من الشق إِن أمكن وَتَكون إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَيسْتَحب أَن لَا يغمق الْقَبْر وَيكرهُ بِنَاء الْقُبُور وتجصيصها خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن كَانَ للمباهاة حرم وَإِن كَانَ قصد التَّمْيِيز فَقَوْلَانِ وَلَا يرفع الْقَبْر إِلَّا بِقدر شبر وَاخْتلف فِي جَوَاز تسنيمه وَلَا يدْفن فِي قبر وَاحِد ميتان إِلَّا للضَّرُورَة ثمَّ يرتبون إِلَى اللَّحْد كترتبهم إِلَى الإِمَام وَأفضل مَا يسد بِهِ الْقَبْر اللَّبن ثمَّ اللَّوْح ثمَّ القرمد والاجرة ثمَّ الْحِجَارَة ثمَّ الْقصب كل ذَلِك أفضل من سنّ التُّرَاب وَسن التُّرَاب أفضل من التابوت وَإِذا دفن ميت فموضعه حبس وَفِي دفن السقط فِي الدَّار والبيوت قَولَانِ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي احترام الْقُبُور وتحترم الْقُبُور فَلَا تنبش عِظَام الْمَوْتَى عِنْد حفر الْقُبُور وَلَا تزَال عَن موضعهَا ويتقى كسر عظامها وَلَا يمشي على قبر ظَاهر وَلَا يجلس عَلَيْهِ لبول وَلَا غَائِط الْمَذْهَب خلافًا لمن منع الْجُلُوس مُطلقًا خَاتِمَة تحرم النِّيَاحَة وَلَطم الخدود وشق الْجُيُوب بِخِلَاف الْبكاء للرحمة وَيسْتَحب التَّعْزِيَة وَالدُّعَاء للْمَيت والمصاب وحضه على الصَّبْر وتهيئة طَعَام لأهل الْمَيِّت وَلَا يعذب الْمَيِّت ببكاء أَهله عَلَيْهِ إِلَّا إِذا أوصى بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 = الْكتاب الرَّابِع (فِي الزَّكَاة وَهِي فرض من قَوَاعِد الْإِسْلَام) = من جحد وُجُوبهَا فَهُوَ كَافِر وَمن منعهَا أخذت مِنْهُ قهرا فَإِن امْتنع قوتل حَتَّى يُؤَدِّيهَا وَفِي الْكتاب عشرَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي شُرُوط وجوب الزَّكَاة وَالزَّكَاة قِسْمَانِ زَكَاة أَمْوَال وَزَكَاة أبدان وَهِي زَكَاة الْفطر وَسَتَأْتِي فَأَما زَكَاة المَال فشروط وُجُوبهَا سِتَّة (الشَّرْط الأول) الْإِسْلَام فَلَا زَكَاة على كَافِر بِإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الطُّهْر إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أحداهما أَنه يُؤْخَذ الْعشْر من تجار أهل الذِّمَّة والحربيين إِذا اتَّجرُوا إِلَى بلد من بِلَاد الْمُسلمين من غير بِلَادهمْ وَإِن تكَرر ذَلِك مرَارًا فِي السّنة سَوَاء بلغ مَا بِأَيْدِيهِم نِصَابا أم لَا وَاشْترط أَبُو حنيفَة فِيهِ النّصاب وَقَالَ إِنَّمَا يُؤْخَذ من الذِّمِّيّ نصف الْعشْر خَاصَّة وَمن الْحَرْبِيّ الْعشْر وَقَالَ مَالك إِنَّمَا يُؤْخَذ مِنْهُم نصف الْعشْر مِمَّا حملُوا إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة وقراهما من الْقَمْح وَالزَّيْت خَاصَّة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُؤْخَذ مِنْهُم شَيْء وَالْأُخْرَى أَن الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة قَالَا تضَاعف الزَّكَاة على نَصَارَى بني تغلب خَاصَّة وَلَا يحفظ عَن مَالك فِي ذَلِك نَص (الشَّرْط الثَّانِي) الْحُرِّيَّة فَلَا تجب فِي الْمَذْهَب على عبد وَلَا على من فِيهِ بَقِيَّة رق وَلَا على سَيّده وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة زَكَاة مَال العَبْد على سَيّده وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة على العَبْد فِي مَاله وَأما الْبلُوغ وَالْعقل فَلَا يشترطان بل يُخرجهَا الْوَلِيّ من مَال الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وفاقاللشافعي وَابْن حَنْبَل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخرج عشر الْحَرْث لَا غير وأسقطها قوم مُطلقًا (الشَّرْط الثَّالِث) كَون المَال مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ ثَلَاثَة أَصْنَاف الْعين والحرث والماشية وَمَا يرجع إِلَى ذَلِك بِالْقيمَةِ كالتجارة فَلَا تجب فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْجَوْهَر وَالْعرُوض وَلَا أصُول الْأَمْلَاك وَلَا الْخَيل وَالْعَبِيد وَلَا الْعَسَل وَاللَّبن وَلَا غير ذَلِك إِلَّا أَن يكون للتِّجَارَة وأوجبها أَبُو حنيفَة فِي الْخَيل السَّائِمَة للتناسل وأوجبها الظَّاهِرِيَّة فِي الْعَسَل (الشَّرْط الرَّابِع) كَونه نِصَابا أَو قيمَة نِصَاب (الشَّرْط الْخَامِس) حُلُول الْحول فِي الْعين وَالطّيب فِي الْحَرْث ومجيء السَّاعِي مَعَ الْحول فِي الْمَاشِيَة (الشَّرْط السَّادِس) عدم الدّين يشْتَرط فِي زَكَاة الْعين خَاصَّة فَإِن كَانَت لَهُ عرُوض تفي بِدِينِهِ لم تسْقط الزَّكَاة عَنهُ وَقيل تسْقط وَفرق ابْن الْقَاسِم بَين الدّين من الزَّكَاة مَعَ الْعرُوض وَبَين غَيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة يمْنَع الدّين زَكَاة مَا عدا الْحَرْث وَقَالَ قوم يمْنَع مُطلقًا وَعكس قوم الْبَاب الثَّانِي فِي خِصَال الزَّكَاة شُرُوط صِحَة خِصَال الزَّكَاة ثَلَاثَة (الشَّرْط الأول) النِّيَّة على خلاف فِي الْمَذْهَب يَنْبَنِي عَلَيْهِ هَل تجزي من دعفها كرها أم لَا وَالصَّحِيح أَنَّهَا تجزيه كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون (الثَّانِي) إخْرَاجهَا بعد وُجُوبهَا بالحول أَو الطّيب أَو مَجِيء السَّاعِي فإنأخرجها قبل وَقتهَا لم تجزه خلافًا لَهُم وَقيل تجزيه إِذا قدمهَا بِيَسِير وَقد اخْتلف فِي حَده من يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَى شهر وتأخيرها بعد وَقتهَا مَعَ التَّمَكُّن من إخْرَاجهَا سَبَب للضَّمَان والعصيان (الثَّالِث) دَفعهَا لمن يَسْتَحِقهَا وممنوعاتها ثَلَاثَة أَن تبطل بالمن والأذى وَأَن يَشْتَرِي الرجل صدقته وَأَن يحْشر الْمُصدق النَّاس إِلَيْهَا بل يزكيهم بمواضعهم آدابها سِتَّة أَن يُخرجهَا طيبَة بهَا نَفسه وَأَن تكون من أطيب كَسبه وَمن خِيَاره ويسترها عَن أعين النَّاس وَقيل الْإِظْهَار فِي الْفَرَائِض أفضل وَأَن يَجْعَل من يتولاها خوف الثَّنَاء وَأَن يَدْعُو قابضها لدافعها وَأوجب ذَلِك الظَّاهِرِيَّة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الْبَاب الثَّالِث فِي زَكَاة الْعين وَهُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة سَوَاء كَانَ مسكوكا أَو مصوغا أَو نقرة وَفِيه سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي النّصاب ونصاب الذَّهَب عشرُون دِينَارا شَرْعِيَّة وزن كل دِينَار اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّة من الشّعير الْمُتَوَسّط وَهِي نَحْو سَبْعَة عشر دِينَارا من الْجَارِيَة فِي زَمَاننَا ونصاب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم شَرْعِيَّة وَهِي خمس أواقي شَرْعِيَّة وزن كل دِرْهَم خَمْسُونَ حَبَّة وخمسا حَبَّة من الشّعير الْمُتَوَسّط وَهِي نَحْو مائَة وَأَرْبَعين مثاقالا من المثاقيل الْجَارِيَة الْآن بالأندلس وَالْمغْرب وَهِي الَّتِي فِي كل دِينَار عشرَة دَرَاهِم وَفِي كل سَبْعَة دَنَانِير أُوقِيَّة من أواقي زَمَاننَا وتضم أَصْنَاف الذَّهَب وَالْفِضَّة بَعْضهَا إِلَى بعض وَيضم الذَّهَب إِلَى الْفضة خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 حَنْبَل وضمه بالأجزاء دون الْقيمَة فيكمل بهما نِصَابا فَمن كَانَ لَهُ نصف نِصَاب من ذهب وَنصفه من فضَّة وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة فَلَو كَانَ لَهُ دون نِصَاب من ذهب وَقِيمَته نِصَاب من الْفضة لم يجب عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِن كَانَت الدَّنَانِير أَو الدَّرَاهِم النَّاقِصَة تجْرِي عددا يجريان الوازنة فَفِيهَا زَكَاة خلافًا لَهما وَقَالَ سَحْنُون إِنَّمَا تجب أَن كل النَّقْص يَسِيرا وَإِن كَانَت لَا تجْرِي يجريان الوازنة فَلَا زَكَاة فِيهَا اتِّفَاقًا حَتَّى يبلغ وَزنهَا خمس أواقي (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِن كَانَت الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير مخلوطة بِالنُّحَاسِ أَو غَيرهَا أسقط وزكى عَن الْعين (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الْقدر الْمخْرج وَهُوَ ربع الْعشْر فَفِي الْعشْرين دِينَارا نصف دِينَار وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَمَا زَاد فبحساب ذَلِك وَإِن قل خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله لَا شَيْء فِي الزَّائِد حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ درهما وَيدْفَع عَن الذَّهَب ذَهَبا وَعَن الْفضة فضَّة فَإِن أَرَادَ أَن يدْفع ذَهَبا عَن فضَّة أَو فضَّة عَن ذهب جَازَ فِي الْوَجْهَيْنِ خلافًا للشَّافِعِيّ فيهمَا وَسَحْنُون فِي دفع الذَّهَب عَن الْفضة وعَلى الْجَوَاز فيدفعه بِالْقيمَةِ مَا بلغت فِي الْمَشْهُور وَقيل بالقمية مَا لم تنقص عَن عشرَة دَرَاهِم للدينار وَقيل بِعشْرَة دَرَاهِم شَرْعِيَّة للدينار الشَّرْعِيّ (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِيمَن اسْتَفَادَ مَالا فَإِن كَانَ من هبة أَو من مِيرَاث أَو من بيع أَو غير ذَلِك لم تجب عَلَيْهِ زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَإِن كَانَ ربح مَال زَكَاة لحول أَصله كَانَ الأَصْل نِصَابا أَو دونه إِذا أتم نِصَابا بربحه فَإِن ربح المَال مضموم إِلَى أَصله وَإِذا اسْتَفَادَ فائدتين فَإِن كَانَت كل وَاحِدَة نِصَابا فَأكْثر زكاها لحولها وَإِن كمل النّصاب يضم إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى زكاهما مَعًا لحول الثَّانِيَة وَإِن كَانَت الأولى وَحدهَا نِصَابا زكاها لحولها وانتظر بِالثَّانِيَةِ حولهَا وَإِن كَانَت الثَّانِيَة نِصَابا وَحدهَا زكاهما مَعهَا لحول الثَّانِيَة (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي زَكَاة الْحلِيّ يَنْقَسِم حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة أَرْبَعَة أَقسَام الأول أَن يتَّخذ للباس الْجَائِز فَلَا زَكَاة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَالثَّانِي أَن يتَّخذ للتِّجَارَة فَفِيهِ الزَّكَاة إِجْمَاعًا ويتعبر بوزنه دون قيمَة صياغته وَالثَّالِث للكراء وَالرَّابِع للادخار ففيهما قَولَانِ فرع إِن كَانَ حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة منوما بجوهر يُمكن نَزعه من غير فَسَاد زكي الْجَوْهَر زَكَاة الْعرُوض وَالذَّهَب وَالْفِضَّة زَكَاة الْعين وَإِن لم يكن نَزعه إِلَّا بِفساد أعْطى لكل حكمه وَقيل الحكم للْأَكْثَر (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِيمَا تجوز من الْحلِيّ أما للنِّسَاء فَيجوز مُطلقًا وَأما للرِّجَال فَتجوز تحلية السَّيْف بِالْفِضَّةِ اتِّفَاقًا وَفِي تحليته بِالذَّهَب قَولَانِ وَفِي الحاق سَائِر آلَات الْحَرْب بِالسَّيْفِ قَولَانِ وَيجوز تحلية الْمُصحف بِالذَّهَب وَالْفِضَّة والخاتم بِالْفِضَّةِ خَاصَّة كل مَا لَا يجوز من حلي وأواني فضَّة أَو ذهب فَفِيهِ الزَّكَاة الْبَاب الرَّابِع فِي الركائز والمعادن أما الركائز فَهُوَ الْكَنْز وَيخْتَلف حكمه باخْتلَاف الأَرْض الَّتِي وجد فِيهَا وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أَرْبَعَة أَنْوَاع (الأول) أَن يُوجد فِي الفيافي وَيكون من دفن الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ لواجده وَفِيه الْخمس إِن كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة وَإِن كَانَ غَيرهمَا فَلَا شَيْء فِيهِ وَقيل الْخمس (الثَّانِي) أَن يُوجد فِي أَرض متملكة فَقيل يكون لواجده وَقيل لمَالِك الأَرْض (الثَّالِث) أَن يُوجد فِي أَرض فتحت عنْوَة فَقيل لواجده وَقيل للَّذين افتتحوا الأَرْض (الرَّابِع) أَن يُوجد فِي أَرض فتحت صلحا فَقيل لواجده وَقيل لأهل الصُّلْح وَهَذَا كُله مَا لم يكن بِطَابع الْمُسلمين فَإِن كَانَ بِطَابع الْمُسلمين فَحكمه حكم اللّقطَة وَأما الْمَعْدن فَهُوَ مَا يخرج من الأَرْض من ذهب أَو فضَّة يعْمل وتصفية وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي ملكه وينقسم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام الأول أَن يكون فِي أَرض غير متملكة فَهُوَ للْإِمَام وَأَن يكون فِي أَرض مَمْلُوكَة لمُعين فَهُوَ لصَاحِبهَا وَقيل للْإِمَام وَأَن يكون فِي أَرض متملكة لغير معِين كأرض العنوة وَالصُّلْح فَقيل لمن افتتحها وَقيل للْإِمَام (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) الْوَاجِب فِي الْمَعْدن الزَّكَاة وَهِي ربع الْعشْر إِن كَانَ نِصَابا فَإِن كَانَ دون النّصاب فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا أَن يخرج بعد ذَلِك تَمام النّصاب من نيله ثمَّ يُزكي مَا يخرج بعد ذَلِك من قَلِيل أَو كثير مَا دَامَ النّيل قَائِما فَإِن انْقَطع وَخرج قيل آخر لم يضم مَا أخرج مِنْهُ إِلَى الأول وَكَانَ للثَّانِي حكم نَفسه وَلَا حول فِي زَكَاة الْمَعْدن بل يُزكي لوقته كالزرع خلافًا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمَعْدن الْخمس وَهُوَ عِنْده ركاز سَوَاء كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة أَو غير ذَلِك الْبَاب الْخَامِس فِي التِّجَارَة وتنقسم الْعرُوض إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام للْقنية خَالِصا فَلَا زَكَاة فِيهِ إِجْمَاعًا وللتجارة خَالِصا فَفِيهِ الزَّكَاة خلافًا للظاهرية وللقنية وَالتِّجَارَة فَلَا زَكَاة فِيهِ خلافًا لأَشْهَب وللعلة والكراء فَفِي تعلق الزَّكَاة بِهِ أَن يَبِيع قَولَانِ وَلَا يخرج من الْقنية إِلَى التِّجَارَة بمبرد النِّيَّة بل بِالْفِعْلِ خلافًا لأبي ثَوْر وَيخرج من التِّجَارَة إِلَى الْقَيْنَة بِالنِّيَّةِ فَتسقط الزَّكَاة خلافًا لأَشْهَب ثمَّ إِن التِّجَارَة على ثَلَاثَة أَنْوَاع إدارة واحتكار وقراض فَأَما المدير فَهُوَ الَّذِي يَبِيع وَيَشْتَرِي وَلَا ينْتَظر وقتا وَلَا يَنْضَبِط لَهُ حول كَأَهل الْأَسْوَاق فَيجْعَل لنَفسِهِ شهرا فِي السّنة فَينْظر فِيهِ مَا مَعَه من الْعين وَيقوم مَا مَعَه من الْعرُوض ويضمه إِلَى الْعين وَيُؤَدِّي زَكَاة ذَلِك أَن بلغ نِصَابا بعد إِسْقَاط الدّين إِن كَانَ عَلَيْهِ وَأما غير المدير وَهُوَ الَّذِي يَشْتَرِي السّلع وينتظر بهَا الغلاء فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَبِيعهَا فَإِن بَاعهَا بعد حول أَو أَحْوَال زكى الثّمن لسنة وَاحِدَة وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة يُزكي كل عَام وَإِن لم يبع وَهُوَ عِنْدهمَا مُخَيّر بَين إِخْرَاج الزَّكَاة من الْعرُوض أَو قيمتهَا (فرع) من كَانَ بِبيع الْعرض بِالْعرضِ وَلَا ينض لَهُ من ثمن ذَلِك عين فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ خلافًا لَهما إِلَّا أَن يفعل ذَلِك فِرَارًا من الزَّكَاة فَلَا تسْقط عَنهُ وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الْقَرَاض فَفِيهِ ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي وجوب الزَّكَاة على رب المَال وَالْعَامِل وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إِن كَانَا مَعًا مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِمَا الزَّكَاة لِكَوْنِهِمَا عَبْدَيْنِ أَو ذميين أَو مديانين فَلَا زَكَاة على وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَا مِمَّن تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة وَجَبت على كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا مِمَّن تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة دون الآخر فَأَما رب المَال فيراعي فِيهِ حَال نَفسه اتِّفَاقًا وَأما الْعَامِل فَقيل يُرَاعِي فِيهِ حَال رب المَال فَإِن كَانَ مِمَّن تجب عَلَيْهِ وَجَبت على الْعَامِل سَوَاء كَانَ مِمَّن تجب عَلَيْهِ أم لَا فيزكيان رَأس المَال وَجَمِيع الرِّبْح وَفِيه قَولَانِ (أَحدهمَا) أَنه يعْتَبر بِأَن يكمل من رَأس المَال وَجَمِيع الرِّبْح وَقيل يُرَاعِي حكم الْعَامِل فِي نَفسه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي اعْتِبَار النّصاب (الثَّانِي) أَن يكمل من رَأس المَال وَحِصَّة ربه فَتجب الزَّكَاة على هَذَا فِي حَظّ الْعَامِل وَإِن لم يكن فِيهِ نِصَاب ويزكي كل وَاحِد مِنْهُمَا على حَظه وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل يُزكي رب المَال على الْجَمِيع وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي وَقت إخراجالزكاة إِن كَانَ الْعَامِل مديرا زكى المَال عِنْد المفاصلة لكل سنة بِقِيمَة مَا كَانَ فِيهَا وَإِن كَانَ غير مدير زكى عِنْد المفاصلة لسنة وَاحِدَة إِلَّا أَن كَانَ رب المَال مديرا لنَفسِهِ وَالَّذِي بِيَدِهِ أَكثر مِمَّا لَهُ بيد الْعَامِل فَالْمَشْهُور أَن رب المَال يقوم مَا بيد الْعَامِل ويزكيه من مَاله قبل المفاصلة وَقيل بعْدهَا ثمَّ اخْتلف هَل يقوم جَمِيع المَال كل سنة بربحه أَو يقوم رَأس المَال وحصته من الرِّبْح وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُزكي مَال الْقَرَاض كل سنة وَلَا يُؤَخر إِلَى المفاصلة الْبَاب السَّادِس فِي زَكَاة الدُّيُون وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي أَنْوَاع الدُّيُون وَهِي أَرْبَعَة دين من فَائِدَة وَمن تِجَارَة وَمن سلف وَمن غصب فَأَما دين الْفَائِدَة كالميراث وَالْهِبَة وَالْمهْر وَالْأَرْش وَالْأُجْرَة والكراء وَثمن الْعرُوض فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يقبض ويحول عَلَيْهِ الْحول بعد قَبضه وَأما دين التِّجَارَة فَحكمه كعروض التِّجَارَة يقومه المدير ويزكيه غير المدير لسنة وَاحِدَة إِذا قَبضه وَأما دين السّلف فيزكيه غير المدير لسنة وَاحِدَة إِذا قَبضه وَاخْتلف هَل يقومه المدير أم لَا وَأما دين الْغَصْب فَالْمَشْهُور أَنه يُزَكِّيه لسنة وَاحِدَة إِذا قَبضه كالسلف وَقيل يسْتَقْبل بِهِ حولا من يَوْم قَبضه كالفائدة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا زَكَاة فيالدين حَتَّى يقبضهُ فَإِذا قَبضه زَكَّاهُ لما مضى من السنين وَقَالَ الشَّافِعِي يُزكي الدّين لكل سنة وَإِن لم يقبضهُ إِذا كَانَ على ملي (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِذا قبض من دينه نِصَابا وزكى مَا يقبض بعده من قَلِيل أَو كثير وَإِن قبض أقل من النّصاب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة إِلَّا أَن كَانَ عِنْده من الناض مَا يكمل بِهِ النّصاب وَإِن قبض أقل من النّصاب ثمَّ قبض مَا يكمل بِهِ النّصاب زكى جَمِيع النّصاب بحول الْمَقْبُوض الثَّانِي سَوَاء بَقِي المَال بِيَدِهِ أَو أنفقهُ على خلاف فِي انفاقه وضياعه وَمن أودع مَالا زَكَاة لكل حول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْبَاب السَّابِع فِي زَكَاة الْحَرْث وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِيمَا تجب فِيهِ فَإِن مَا تنبته الأَرْض ثَلَاثَة أَنْوَاع الْحُبُوب فَتجب الزَّكَاة فِي الْقَمْح وَالشعِير إِجْمَاعًا وَفِي سَائِر الْحُبُوب الَّتِي تقتات وتدخر عِنْد الْجُمْهُور وَالثَّانِي الثِّمَار فَتجب فِي التَّمْر وَالزَّبِيب إِجْمَاعًا وَفِي الزَّيْتُون خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا تجب فِي الْفَوَاكِه كالتفاح وَالرُّمَّان خلافًا لأبي حنيفَة وأوجبها ابْن حبيب فِي التِّين وَاخْتلف فِي الترمس وزريعة الْكَتَّان والقرطم وَهِي زريعة العصفر وَالثَّالِث الخضراوات والبقول فَلَا زَكَاة فِيهَا خلافًا لأبي حنيفَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي النّصاب وَهُوَ مُعْتَبر فِي هَذَا الْبَاب خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ مُخَالف للْإِجْمَاع فَلَا زَكَاة فِي أقل من خَمْسَة أوسق والوسق سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدر النّصاب نَحْو اثْنَي عشر قِنْطَارًا أندلسية فيخرص الْعِنَب كم يكون فِيهِ من زبيب وَالنَّخْل كم يكون فِيهِ من تمر وَاخْتلف فِي خرص مَا لَا يُثمر وَلَا يزبب من الْعِنَب وَالنَّخْل وَلَا يخرص غير ذَلِك فَإِن دعت ضَرُورَة إِلَى خرصه لم يخرص فِي الْمَشْهُور وَقيل يخرص وَقيل يَجْعَل عَلَيْهَا أَمن وَيجب أَن يكون الخارص عدلا عَارِفًا وَيَكْفِي الْوَاحِد فِي الْمَشْهُور فَإِن أَخطَأ فِي الْخرص فَاخْتلف هَل يعْمل على الْخرص أَو على مَا وجد (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْوَاجِب وَهُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف سقِِي الأَرْض فَمَا سقِِي سيحا بالمطر والعيون والأنهار فَفِيهِ الْعشْر وَمَا سقِِي نضحا بِدَلْو أَو سانية فَفِيهِ نصف الْعشْر فَإِن سقى بهما واستويا فَفِيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَإِن اخْتلفَا فَهَل يَجْعَل الْأَقَل تبعا للأكقر أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحِسَابِهِ قَولَانِ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم الْمُعْتَبر مَا حبي بِهِ الزَّرْع وَيُؤْخَذ مِمَّا لَا يعصر من نَفسه وَمِمَّا يعصر كالزيتون من زيته (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِيمَا يضم بعضه إِلَى بعض لتكميل النّصاب فالقمح وَالشعِير والسلت صنف وَاحِد والذرة والدخن والأرز صنف فِي الْمَشْهُور وَالْقطَّان صنف وَاحِد وَهِي الحمص والعدس والفول والترمس واللوبيا والجلبان وَاخْتلف فِي البسيلة وَهِي الكرسنة هَل تلْحق بهَا أَو هِيَ صنف وَحدهَا وَيخرج كل وَاحِد بِحِسَابِهِ وَله إِخْرَاج الْأَعْلَى على الْأَدْنَى بِخِلَاف الْعَكْس وَلَا يضم شَيْء إِلَى آخر عِنْدهم وَيضم أَنْوَاع الْجِنْس الْوَاحِد اتِّفَاقًا كرهوط الْعِنَب وَالتَّمْر والقمح فَإِن كَانَ جيدا كُله أَو رديئا كُله أَخذ مِنْهُ فِي الْمَشْهُور بِخِلَاف الْغنم وَإِن اخْتلف فَمن الْوسط (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) وَقت الْوُجُوب فِي الثِّمَار الطّيب وَفِي الزَّرْع اليبس فِي الْمَشْهُور وَقيل الخرض وَقيل الْجذاذ وَثَمَرَة الْخلاف إِذا مَاتَ الْمَالِك أَو بَاعَ أخرج الزَّكَاة بعد أحد الْأَوْجه الثَّلَاثَة أَو قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الْبَاب الثَّامِن فِي زَكَاة الْمَوَاشِي وَلَا تجب إِلَّا فِي الْأَنْعَام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَفِي الْبَاب سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي زَكَاة الْإِبِل وَلَا زَكَاة فِيمَا دون خمس وَفِي الْخمس شَاة إِلَى تِسْعَة وَفِي الْعشْر شَاتَان إِلَى أَربع عشرَة وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه إِلَى تسع عشرَة وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه إِلَى أَربع وَعشْرين ثمَّ تَزُول الْغنم فَيُؤْخَذ من الْإِبِل فَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي دخلت فِي السّنة الثَّانِيَة فَإِن عدمت فَابْن لبون ذَلِك وَهُوَ الَّذِي دخل فِي الثَّالِثَة فَإِن عدما كلف بنت مَخَاض خلافًا لَهما فِي قَوْلهمَا بالتخيير وَذَلِكَ إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ ابْنة لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة وسنها أَربع سِنِين إِلَى سِتِّينَ وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَهِي بنت خمس سِنِين إِلَى خمس وَسبعين وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون إِلَى تسعين وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة وَفِي إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة حقتان عِنْد أَشهب وَثَلَاث بَنَات لبون عِنْد ابْن الْقَاسِم وَخير مَالك بَين حقتين وَبَين ثَلَاث بَنَات لبون إِلَى تسع وَعشْرين وَمِائَة وَفِي ثَلَاثِينَ وَمِائَة حقة وابنتا لبون وَمَا زَاد فَفِي كل خمسين حقة وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَيُخَير السَّاعِي فِي الْمِائَتَيْنِ بَين أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون وَقيل يُخَيّر رب المَال وَذَلِكَ إِذا وجدا مَعًا أَو فقدا مَعًا فَإِن وحد أَحدهمَا أَخذ وتلغى الأوقاص فِي الْمَاشِيَة فرع الْغنم الْمَأْخُوذَة عَن الْإِبِل الجذاع والثنايا من غَالب غنم الْبَلَد من الْمعز والضأن (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي زَكَاة الْبَقر وَلَا زَكَاة فِي أقل من ثَلَاثِينَ وَفِي الثَّلَاثِينَ تبيع جذع أَو جَذَعَة وسنه سنتَانِ وَقيل سنة إِلَى تسع وَثَلَاثِينَ وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّة أُنْثَى بنت أَربع سِنِين وَقيل ثَلَاث إِلَى تسع وَخمسين فَمَا زَاد فَفِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْغنم وَلَا زَكَاة فِي أقل من أَرْبَعِينَ وَفِي الْأَرْبَعين شَاة إِلَى مائَة وَعشْرين وَفِي إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة شَاتَان إِلَى مِائَتي شَاة فِي إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة وتسع وَتِسْعين وَفِي أَرْبَعمِائَة أَربع شِيَاه وَمَا زَاد فَفِي كل مائَة شَاة (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) تجب الزَّكَاة فِي الْأَنْعَام سَوَاء كَانَت سَائِمَة أَو معلوفة أَو عوامل خلافًا لَهما فِي المعلوفة والعوامل وَيضم الْمعز إِلَى الضَّأْن والجواميس إِلَى الْبَقر وَالْبخْت من الْإِبِل إِلَى العراب وتعد الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد سَوَاء كَانَت الْأُمَّهَات نِصَابا أَو دونه وَتُؤْخَذ الزَّكَاة من الْوسط لَا من الْخِيَار وَلَا من الشرار وَلَا تُؤْخَذ من الْأَوْلَاد وَإِذا اسْتَوَى الضَّأْن والمعز خير السَّاعِي فَإِن لم يستويا أَخذ من الْأَكْثَر (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي الخليطين وللخلطة فِي الْمَاشِيَة تَأْثِير فِي الزَّكَاة فيزكي الخليطان زَكَاة الْمَالِك الْوَاحِد خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا تُؤثر إِلَّا إِذا كَانَ لكل وَاحِد من الخليطين لَو انْفَرد نِصَاب فَإِن اجْتمع نِصَاب مِنْهُمَا فَلَا زَكَاة عَلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن لم يكمل من مجموعها نِصَاب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا نِصَاب وللآخرين أقل من نِصَاب فيزكي صَاحب النّصاب وَحده زَكَاة الْمُنْفَرد ثمَّ إِن الِاخْتِلَاط الْمُؤثر فِي الرَّاعِي والفحل والدلو والمسرح وَالْمَبِيت وَقيل يَكْفِي الرَّاعِي وَيشْتَرط فِي تأثيرها ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن تكون مَاشِيَة كل وَاحِد من الخليطين مِمَّا يضم بعضه إِلَى بعض كالضأن والمعز الثَّانِي أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مُخَاطبا بِالزَّكَاةِ فَإِن كَانَ أَحدهمَا عبدا أَو كَافِرًا زكى الآخر زَكَاة الْمُنْفَرد الثَّالِث أَن تتفق أَحْوَال ماشيتهما فَإِن حَال الْحول على مَاشِيَة أَحدهمَا دون الآخر زكي الآخر زَكَاة الْمُنْفَرد وَتارَة تُؤثر الْخلطَة تَخْفِيفًا كمائة وَعشْرين من الْغنم بَين ثَلَاثَة فَإِنَّمَا عَلَيْهِم شَاة وَاحِدَة وَلَو كَانُوا مفترقين لوَجَبَ على كل وَاحِد شَاة وَتارَة تُؤثر تثقيلا مثل أَن يكون لأَحَدهمَا مائَة شَاة وَللْآخر مائَة وَوَاحِد فعلَيْهِمَا فِي الِانْفِرَاد شَاتَان وَفِي الْخلطَة ثَلَاث فَلذَلِك لَا يفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين مفترق خشيَة الزَّكَاة وَإِن فعل ذَلِك لم يُؤثر فعله وَأخذ بِمَا كَانَ يجب عَلَيْهِ قبله وَإِذا أخذت الزَّكَاة من أحد الخليطين رَجَعَ على صَاحبه بِقِيمَة مَا ينوبه وَاخْتلف هَل تُؤثر الشراكة فِي رِقَاب الْمَوَاشِي تَأْثِير الْخلطَة أم لَا وَلَا تَأْثِير للخلطة فِي غير الْمَوَاشِي خلافًا للشَّافِعِيّ فِي قَوْله بتأثيرها فِي الْعين والحرث (الْمَسْأَلَة السادية) فِي فَوَائِد الْمَوَاشِي حكم مَا تولد كَحكم ربح الْعين يضم إِلَى الْأُمَّهَات والفائدتان إِن كَانَت الأولى نِصَابا قدم الثَّانِيَة وزكى لحول الأولى وَإِن كَانَت الأولى دون نِصَاب أخر الأولى وزكى لحول الثَّانِيَة (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِي الِاسْتِبْدَال من كَانَ لَهُ نِصَاب من عين فأبدله نِصَابا من مَاشِيَة أَو عكس أَو أبدل نِصَاب مَاشِيَة بنصاب مَاشِيَة من جنس آخر فَاخْتلف هَل يُزكي الْحول الأول أَو الْحول الثَّانِي فَإِن أبدل مَاشِيَة بماشية من جِنْسهَا زكى لحول الأول وَمن كَانَت لَهُ مَاشِيَة مُتَفَرِّقَة فِي الْبِلَاد جمعت عَلَيْهِ الْبَاب التَّاسِع فِي قسْمَة الزَّكَاة وتقسم على الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين ذكرهم الله فِي قَوْله ((إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين)) الْآيَة فَأَما الْفُقَرَاء فهم الَّذين لَا يملكُونَ مَا يكفيهم وَأما الْمَسَاكِين فهم أَشد حَاجَة من الْفُقَرَاء وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل بِالْعَكْسِ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل هما بِمَعْنى وَاحِد وَقيل الْفَقِير الَّذِي يعلم بِهِ فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ والمسكين الَّذِي لَا يعلم بِهِ وَيشْتَرط فيهمَا الْإِسْلَام وَالْحريَّة اتِّفَاقًا وَأَن لَا يكون مِمَّن تلْزم نَفَقَته مَلِيًّا وَاخْتلف هَل يشْتَرط فيهمَا عدم الْقُوَّة على التكسب وَعدم ملك النّصاب أم لَا وَلَا يُعْطي الرجل زَوجته من زَكَاته وَفِي إِعْطَائِهِ لَهُ قَولَانِ الْمَنْع وَالْكَرَاهَة وَلَا يُعْطي من تلْزمهُ نَفَقَته وَلَا من عِيَاله مِمَّن لَا تلْزمهُ نَفَقَته وَفِي غَيرهم من الْقَرَابَة ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَوَاز وَالْكَرَاهَة والاستحباب وَأما الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فَالَّذِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 يجبونها ويفرقونها ويكتبونها وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء خلافًا لأبي حنيفَة وَيشْتَرط فيهم الْعَدَالَة والمعرفة بِفقه الزَّكَاة وَأما الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم فالكفار يُعْطون ترغيبا فِي الْإِسْلَام وَقيل هم مُسلمُونَ ويعطون ليتَمَكَّن إِيمَانهم وَاخْتلف هَل بَقِي حكمهم أوسقط للاستغناء عَنْهُم وَأما الرّقاب فالرقيق يشترى وَيعتق وَيكون ولاؤهم للْمُسلمين وَيشْتَرط فيهم الْإِسْلَام على الْمَشْهُور وَفِي أَجزَاء ذِي الْعَيْب مِنْهُم قَولَانِ والأسير لَيْسَ مِنْهُم لعدم الْوَلَاء فَيعْطى للفقر وَقَالَ ابْن حبيب هُوَ مِنْهُم وَأما الفارمون فَمن فدحه الدّين للنَّاس فِي غير سفه وَلَا فَسَاد يعْطى قدر دينه وَاخْتلف هَل يعْطى من عَلَيْهِ دن الْكَفَّارَات وَالزَّكَاة وَهل يشْتَرط أَن يكون الْمديَان مُحْتَاجا وَأما فِي سَبِيل الله فالجهاد فتصرف فِي الْمُجَاهدين وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء على الْأَصَح وَفِي آلَة الْحَرْب وَاخْتلف هَل تصرف فِي بِنَاء الأسوار وإنشاء الأساطيل وَلَا تجْعَل فِي الْحَج خلافًا لِابْنِ حَنْبَل إِلَّا أَن الْحَاج الْمُحْتَاج ابْن السَّبِيل وَأما ابْن السَّبِيل فالغريب وتشترط حَاجته على الْأَصَح وَأَن يكون سَفَره فِي غير مَعْصِيّة فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) تفريقها إِلَى نظر الإِمَام فَيجوز صرفهَا إِلَى صنف وَاحِد وتفضيل صنف على صنف خلافًا للشَّافِعِيّ فِي قَوْله يقسمها على الْأَصْنَاف الثَّمَانِية بالسواء وَمن لَهُ صفتان اسْتحق سَهْمَيْنِ خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّانِي) لَا تنقل عَن الْبَلَد الَّذِي أخذت مِنْهُ إِلَّا أَن فضلت خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الثَّالِث) يمْنَع أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّدَقَة الْوَاجِبَة والتطوع وَقيل يجوز لَهُم الْوَجْهَانِ وَقيل يجوز لهمالتطوع خَاصَّة وَقيل بِالْعَكْسِ وَيجوز أَن يَكُونُوا عاملين عَلَيْهَا خلافًا لقوم وهم بَنو هَاشم اتِّفَاقًا وَلَيْسَ مِنْهُم من فَوق غَالب ابْن فهر اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَين ذَلِك قَولَانِ وَفِي مواليهم قَولَانِ (الْفَرْع الرَّابِع) لَا تصرف الزَّكَاة فِي بِنَاء مَسْجِد وَلَا تكفين ميت (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا اجْتهد فصرفها إِلَى غَنِي فَاخْتلف هَل تجزيه أم لَا (الْفَرْع السَّادِس) إِذا كَانَ الإِمَام عدلا وَجب دفع الزَّكَاة غليه وَإِن كَانَ غير عدل فَإِن لم يتَمَكَّن صرفهَا عَنهُ دفعت إِلَيْهِ وأجزأت وَإِن تمكن صرفهَا عَنهُ صَاحبهَا لمستحقها وَيسْتَحب أَن لَا يتَوَلَّى دَفعهَا بِنَفسِهِ خوف الثَّنَاء الْبَاب الْعَاشِر فِي زَكَاة الْفطر وَهِي فرض فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل سنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاجِب عير فرض على اصْطِلَاحه وفيهَا أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِيمَن يُؤمر بهَا وَهُوَ كل مُسلم حر عِنْده قوت يَوْمه مَعهَا وَقيل من لَا تجحف بِهِ وَقيل من لَا يحل لَهُ أَخذهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة من يملك مِائَتي دِرْهَم وَهِي تلْزم الرجل عَن نَفسه وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته من مُسلم حر أَو عبد صَغِير أَو كَبِير ذكر أَو أُنْثَى كالأولاد والآباء وَالْعَبِيد وَالزَّوْجَة وخادمها وَإِن كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ملية وَزَوْجَة الْأَب الْفَقِير وخادمه وَقَالَ أَبُو حنيفَة تخرج الزَّوْجَة عَن نَفسهَا وَإِن كَانَ الإبن الصَّغِير ذَا مَال فَمن مَاله عِنْد الثَّلَاثَة وَإِن كَانَ كَبِيرا زَمنا فَقِيرا فعلى وَالِده خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يزكّى عَن العَبْد الْكَافِر خلافًا لأبي حنيفَة وَالْمكَاتب كالرقيق فِي الْمَشْهُور وَالْمُعتق بعضه على السَّيِّد حِصَّته دون العَبْد على الْمَشْهُور وَقيل عَلَيْهِمَا وَالْعَبْد الْمُشْتَرك على مالكيه بِقدر الانصباء فِي الْمَشْهُور (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْوَاجِب وَهُوَ صَاع من قَمح أَو شعير أَو سلت أَو تمر أَو زبيب أَو أقط أَو أرز أَو ذرة أَو دخن وَقَالَ أَشهب من السِّت الأول خَاصَّة وَيخرج من غَالب قوت الْبَلَد وَقيل من غَالب قوت مخرجها إِذا لم يشح فَإِن كَانَ الْقُوت من القطاني أَو التِّين أَو السويق أَو اللَّحْم أَو اللَّبن فتجزىء فِي الْمَشْهُور وَفِي الدَّقِيق بريعه قَولَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخرج من الْقَمْح نصف صَاع وَمن غَيره صَاع (الْفَصْل الثَّالِث) فِي وَقت وُجُوبهَا وَهُوَ غرُوب الشَّمْس من لَيْلَة الْفطر فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل طُلُوع الْفجْر من يَوْم الْفطر وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل طُلُوع الشَّمْس وَفَائِدَة الْخلاف فِيمَن ولد أوأسلم أَو مَاتَ أَو بيع فِيمَا بَين ذَلِك وَيسْتَحب إخْرَاجهَا بعد الْفجْر قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى اتِّفَاقًا وَتجوز بعده وَفِي تَقْدِيمهَا بِيَوْم إِلَى ثَلَاثَة قَولَانِ (الْفَصْل الرَّابِع) فِيمَن يَأْخُذهَا وَهُوَ الَّذِي لَهُ أَخذ الزَّكَاة وَقيل الْفَقِير الَّذِي لم يَأْخُذ مِنْهَا فعلى الأولى يجوز أَن يَأْخُذ الْوَاحِد زَكَاة أَكثر من وَاحِد وَهُوَ الْمَشْهُور وعَلى الثَّانِي لَا يعْطى أَكثر من ذَلِك وَلَا تُعْطى لفقراء أهل الذِّمَّة خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 = الْكتاب الْخَامِس فِي الصّيام وَالِاعْتِكَاف وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي شُرُوط الصّيام وَهِي سِتَّة الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالطَّهَارَة من دم النّفاس وَالْحيض وَالصِّحَّة وَالْإِقَامَة فَأَما الْإِسْلَام فَهُوَ شَرط فِي وُجُوبه على الْخلاف فِي مُخَاطبَة الْكفَّار بالفروع وَهُوَ شَرط فِي صِحَة فعله بِإِجْمَاع وَفِي وجوب قَضَائِهِ أَيْضا فَإِن أسلم فِي أثْنَاء الشَّهْر صَامَ بَقِيَّته وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى مِنْهُ وَإِن أسلم فِي أثْنَاء يَوْم كف عَن الْأكل فِي بَقِيَّته وقضاه اسْتِحْبَابا وَأما الْبلُوغ فَشرط فِي وُجُوبه وَفِي وجوب قَضَائِهِ لَا فِي صِحَة فعله لِأَن الصَّغِير يجوز صِيَامه وَاخْتلف هَل ينْدب إِلَيْهِ أم لَا وأوجبه الشَّافِعِي عَلَيْهِ إِذا أطاقه وَأما الْعقل فَشرط فِي وُجُوبه لِأَن من زَالَ عقله غير مُخَاطب بِالصَّوْمِ فِي حَال زَوَال الْعقل وتختلف أَحْوَالهم فِي صِحَّته وَفِي وجوب قَضَائِهِ فَأَما الْمَجْنُون فَلَا يَصح صَوْمه وَالْقَضَاء يجب عَلَيْهِ مُطلقًا فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا كثر من السنين وَقيل أَن بلغ مَجْنُونا لم يقْض بِخِلَاف من بلغ صَحِيحا ثمَّ جن وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة لَا قَضَاء عَلَيْهِ مُطلقًا وَأما الْمغمى عَلَيْهِ فَإِن بَقِي يَوْمًا فَأكْثر أَو أَكثر من يَوْم قضى وَإِن أعمي عَلَيْهِ يَسِيرا بعد الْفجْر لم يقْض وَإِن أعمي عَلَيْهِ لَيْلًا واتصل إِلَى طُلُوع الْفجْر فَفِي قَضَائِهِ قَولَانِ وَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي يفْسد الصَّوْم بالإغماء مُطلقًا عكس أبي حنيفَة وَلَا يقْضِي النَّائِم مُطلقًا وَالسكر كالإغماء إِلَّا أَنه يلْزمه الْإِمْسَاك فِي ومه وَأما الطُّهْر من دم الْحيض وَالنّفاس فَشرط فِي صِحَّته وَفِي جَوَاز فعله وَغير شَرط فِي وجوب الْقَضَاء وَاخْتلف هَل هُوَ شَرط فِي الْوُجُوب أم لَا مَعَ الْإِجْمَاع على منع الْحَائِض وَالنُّفَسَاء من الصَّوْم وعَلى وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِمَا فَإِذا حَاضَت الْمَرْأَة فِي بعض النَّهَار فسد صَومهَا ولزمها الْقَضَاء وَإِذا طهرت لَيْلًا فاغتسلت ونوت الصّيام قبل الْفجْر أجزأها اتِّفَاقًا وَإِن أخرت الْغسْل إِلَى الْفجْر أجزأها فِي الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن مسلمة تقضي وَقَالَ ابْن الْمَاجشون تقضي إِن كَانَ الْوَقْت ضيقا لَا يَتَّسِع إِلَى الْغسْل وَإِن طهرت نَهَارا أكلت بَقِيَّة يَوْمهَا وقضت وَإِن طهرت وَلم تدر أَكَانَ طهرهَا قبل الْفجْر أم بعده صَامت وقضت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَأما الصِّحَّة وَالْإِقَامَة فشرطان فِي وجوب الصّيام لَا فِي صِحَّته وَلَا فِي وجوب الْقَضَاء فَإِن انختام الصَّوْم يسْقط عَن الْمَرِيض وَالْمُسَافر وَيجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء إِن أفطرا إِجْمَاعًا وَيصِح صومهما إِن صاما خلافًا للظاهرية الْبَاب الثَّانِي فِي أَنْوَاع الصّيام وَهِي سِتَّة أَنْوَاع وَاجِب وَسنة ومستحب ونافلة وَحرَام ومكروه (فَالْوَاجِب) صِيَام رَمَضَان وقضاؤه وَصِيَام الْكَفَّارَات (وَالسّنة) صِيَام يَوْم عَاشُورَاء وَهُوَ عَاشر الْمحرم وَقيل التَّاسِع (وَالْمُسْتَحب) صِيَام الْأَشْهر الْحرم وَشَعْبَان وَالْعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَيَوْم عَرَفَة وَسِتَّة أَيَّام من شَوَّال وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس (والنافلة) كل صَوْم لغير وَقت وَلَا سَبَب فِي غير الْأَيَّام الَّتِي يجب أَو يمْنَع وَلَا يجوز للْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا (وَالْحرَام) صِيَام يَوْم الْفطر والأضحى وَأَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة الَّتِي بعده وَرخّص للمتمتع فِي صِيَام التَّشْرِيق خلافًا لَهما وَرخّص فِي صَوْم الرَّابِع فِي النّذر وَالْكَفَّارَات وَاخْتلف فِي يَوْمَيْنِ قبله وَصِيَام الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَصِيَام من يخَاف على نَفسه الْهَلَاك بصومه (وَالْمَكْرُوه) صَوْم الدَّهْر وَصَوْم يَوْم الْجُمُعَة خُصُوصا إِلَّا أَن يَصُوم يَوْمًا قبله أَو يَوْمًا بعده وَصَوْم يَوْم السبت خُصُوصا وَصَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة وَصَوْم يَوْم الشَّك وَهُوَ آخر يَوْم من شعْبَان احْتِيَاطًا إِذا لم يظْهر الْهلَال وَقيل إِن كَانَت السَّمَاء متغيمة فالاختيار إِمْسَاكه وَيجوز صَوْمه تَطَوّعا خلافًا للشَّافِعِيّ الْبَاب الثَّالِث فِي خِصَال الصَّوْم (فروضه) النِّيَّة والإمساك عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع والاستمناء والإستقاء (وسننه) السّحُور وتعجيل الفطور وَتَأْخِير السّحُور وَحفظ اللِّسَان والجوارح والإعتكاف فِي آخر رَمَضَان (وفضائله) عِمَارَته بِالْعبَادَة والإكثار من الصَّدَقَة وَالْفطر على حَلَال دون شُبْهَة وَابْتِدَاء الْفطر على التَّمْر أَو المَاء وَقيام لياليه وخصوصا لَيْلَة الْقدر ومفسداته ضد فَرَائِضه حَسْبَمَا يَأْتِي وطروء الْحيض وَالنّفاس وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء حَسْبَمَا تقدم وَالرِّدَّة (ومكروهاته) الْوِصَال وَالدُّخُول على الْمَرْأَة وَالنَّظَر إِلَيْهَا وفضول القَوْل وَالْعَمَل وَالْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة والإستنشاق وَإِدْخَال الْفَم كل رطب لَهُ طعم وَإِن مجه ومضغ العلك وذوق الْقدر والإكثار من النّوم بِالنَّهَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الْبَاب الرَّابِع فِي رُؤْيَة الْهلَال يجب صَوْم رَمَضَان وإفطار يَوْم الْفطر بِرُؤْيَة الْهلَال فَإِن غم أكمل ثَلَاثِينَ يَوْمًا والرؤية على أوجه (الأول) أَن يرى الْإِنْسَان هِلَال رَمَضَان فَيجب عَلَيْهِ الصَّوْم عِنْد الْجُمْهُور فَإِن أفطر فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مَعَ التَّأْوِيل رِوَايَتَانِ فَإِن رأى وَحده هِلَال شَوَّال لم يفْطر عِنْد مَالك خوف التُّهْمَة وسدا للذريعة وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَخِلَافًا للشَّافِعِيّ وَقيل يفْطر إِن خَفِي لَهُ ذَلِك وَقَالَ أَشهب يَنْوِي الْفطر بِقَلْبِه وعَلى الْمَذْهَب إِن أفطر فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَإِن عثر عَلَيْهِ عُوقِبَ ان اتهمَ (الثَّانِي) أَن يشْهد بِرُؤْيَة شَاهد وَاحِد فَلَا يجب بِهِ الصَّوْم وَلَا يجوز بِهِ الْفطر وَقَالَ أَبُو ثَوْر يصام بِهِ وَيفْطر وَالشَّافِعِيّ يصام بِهِ وَلَا يفْطر (الثَّالِث) أَن يشْهد شَاهِدَانِ عَدْلَانِ خَاصَّة عِنْد الإِمَام فَيثبت بهما الصَّوْم وَالْفطر فِي الْغَيْم إِجْمَاعًا فَإِن كَانَ الصحو والمصر كَبِير ثَبت بهما على الْمَشْهُور وَقَالَ سَحْنُون لَا يثبت بهما وفَاقا لأبي حنيفَة (الرَّابِع) أَن يرَاهُ الجم الْغَفِير رُؤْيَة عَامَّة فَيثبت وَإِن لم يَكُونُوا عُدُولًا وَلَا يفْتَقر إِلَى شَهَادَة (الْخَامِس) أَن يخبر الإِمَام بِثُبُوتِهِ عِنْده (السَّادِس) أَن يخبر عدل بِثُبُوتِهِ عِنْد الإِمَام أَو بِالرُّؤْيَةِ الْعَامَّة (السَّابِع) أَن يخبر أهل بلد بِرُؤْيَة عَامَّة أَو ثُبُوته عِنْد إمَامهمْ (الثَّامِن) أَن يخبر عَدْلَانِ بِأَنَّهُمَا رأياه (التَّاسِع) أَن يخبر عدل بِأَنَّهُ رَآهُ وَذَلِكَ فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ إِمَام يهتبل بأَمْره فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) إِن غم الْهلَال أكملت الْعدة وَلم يلْتَفت إِلَى قَول المنجمين خلافًا لقوم (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا رَآهُ أهل بلد لزم الحكم غَيرهم من أهل الْبلدَانِ وفَاقا للشَّافِعِيّ خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَلَا يلْزم فِي الْبِلَاد الْبَعِيدَة جدا كالأندلس والحجاز إِجْمَاعًا (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا رئي الْهلَال نَهَارا فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة وفَاقا لَهما وَقَالَ ابْن وهب وَابْن حبيب ان رئي قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل ان رئي فِي آخر شعْبَان فَهُوَ للماضية وَإِن رئي آخر رَمَضَان فَهُوَ للمستقبلة احْتِيَاطًا (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا ارتقب هِلَال رَمَضَان فَلم يظْهر ثمَّ ثَبت من الْغَد أَنه قد رئي وَجب إمْسَاك ذَلِك الْيَوْم وقضاؤه وَإِذا ثَبت هِلَال شَوَّال نَهَارا وَجب الْفطر الْبَاب الْخَامِس فِي النِّيَّة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) النِّيَّة فِي كل الصّيام وَاجِبَة عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لزيد فِي رَمَضَان وصفتها أَن تكون مُعينَة مبيتة جازمة فَأَما التَّعْيِين فَوَاجِب فَلَا يَجْزِي نِيَّة الصَّوْم الْمُطلق خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن نوى فِي رَمَضَان صِيَام غَيره لم يجزه عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَاحِد مِنْهُمَا خلافًا لأبي حنيفَة وَأما التبييت فَوَاجِب وَهُوَ أَن يَنْوِي الصّيام قبل طُلُوع الْفجْر فِي كل صِيَام خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل فِي النَّافِلَة وَقَالَ ابْن الْمَاجشون فِيمَن أصبح وَلم يَأْكُل وَلم يشرب ثمَّ علم أَن الْيَوْم من رَمَضَان مضى إِمْسَاكه وأجزأه وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَيجوز أَن تقدم من أول اللَّيْل وَلَا تجوز قبل اللَّيْل وَأما الْجَزْم فتحرزا من التَّرَدُّد فَمن نوى لَيْلَة الشَّك صِيَام غَد إِن كَانَ من رَمَضَان لم يجزه لعدم الْجَزْم وَلَا يضر التَّرَدُّد بعد حُصُول الظَّن بِشَهَادَة أَو اسْتِصْحَاب كآخر رَمَضَان أَو بإجتهاد كالأسير وَمن قطع النِّيَّة فِي أثْنَاء النَّهَار فسد صَوْمه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) تجزيه نِيَّة وَاحِدَة لرمضان فِي أَوله وَكَذَلِكَ فِي صِيَام متتابع مَا لم يقطعهُ أَو يكن على حَاله يجوز لَهُ الْفطر فَيلْزمهُ استيناف النِّيَّة وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل يجب تَجْدِيد النِّيَّة لكل يَوْم (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِذا التبست الشُّهُور على الْأَسير فِي دَار الْحَرْب فصَام بِالتَّحَرِّي فَإِن أخر الصّيام عَن رَمَضَان أَجزَأَهُ وَلم يلْزمه الْقَضَاء وَإِن قدمه لم يجزه وَسَوَاء كَانَ شهرا وَاحِدًا أَو شهورا فِي سِنِين على الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن الْمَاجشون يقْضِي الْأَخير فَقَط وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة لَا يجْزِيه سَوَاء قدم أَو أخر الْبَاب السَّادِس فِي الْإِمْسَاك وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الطَّعَام وَالشرَاب يجب الْإِمْسَاك عَنْهُمَا إِجْمَاعًا وَيفْطر إِجْمَاعًا بِمَا يصل إِلَى الْجوف بِثَلَاثَة قيود (الأول) أَن يكون مِمَّا يُمكن الإحتراز مِنْهُ فَإِن لم يكن كالذباب يطير إِلَى الْحلق وغبار الطَّرِيق لم يفْطر إِجْمَاعًا فَإِن سبق المَاء إِلَى حلقه فِي الْمَضْمَضَة والإستنشاق أفطر خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا يفْطر إِن سبق إِلَى جَوْفه فلقَة من حَبَّة بَين أَسْنَانه وَقيل لَا يفْطر إِلَّا إِن تعمد بلعها فيفطر خلافًا لأبي حنيفَة (الثَّانِي) أَن يكون مِمَّا يغذي فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يغذي كالحصى وَالدِّرْهَم أفطر بِهِ وفَاقا لَهما وَقيل لَا يفْطر وَاخْتلف فِي غُبَار الدقاقين والجباصين (الثَّالِث) أَن يصل من أحد المنافذ الواسعة وَهِي الْفَم وَالْأنف وَالْأُذن فَأَما الحقنة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْإِفْطَار بهَا وفَاقا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَعَدَمه وَتَخْصِيص الْفطر بالحقنة بالمائعات وَأما مَا يقطر فِي الاحليل فَلَا يفْطر بِهِ خلافًا لأبي يُوسُف وَأما دَوَاء الْجرْح بِمَا يصل إِلَى الْجوف فَلَا يفْطر خلافًا لَهما وَأما الْكحل فَإِن كَانَ لَا يتَحَلَّل مِنْهُ شَيْء لم يفْطر فَإِن تحلل مِنْهُ شَيْء أفطر ووقال أَبُو مُصعب لَا يفْطر وفَاقا لَهما وَمنعه ابْن الْقَاسِم مُطلقًا وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَأما السِّوَاك فَجَائِز قبل الزَّوَال أَو بعده بِمَا لَا يتَحَلَّل مِنْهُ شَيْء وَكَرِهَهُ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل بعد الزَّوَال فَإِن كَانَ مِمَّا يتَحَلَّل كره وَإِن وصل إِلَى الْحلق أفطر (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْجِمَاع وَمَا فِي مَعْنَاهُ أما مغيب الْحَشَفَة عمدا فِي قبل أَو دبر من آدَمِيّ أَو بَهِيمَة فيفطر إِجْمَاعًا أنزل أَو لم ينزل وَفِيه الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 إِجْمَاعًا إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يُوجب الْكَفَّارَة فِي الْوَطْء من الدبر أما الْإِنْزَال بمجامعة دون فرج أَو بِمُبَاشَرَة أَو قبْلَة فَفِيهِ الْقَضَاء إِجْمَاعًا وَالْكَفَّارَة وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل خلافًا لَهما وَأما الْإِنْزَال بِنَظَر أَو فكر فَإِن استدام فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة خلافًا لَهما فيهمَا وَإِن لم يستدم فالقضاء خَاصَّة خلافًا لَهما أَيْضا وَإِن خرج الْمَنِيّ بِغَيْر سَبَب فَلَا شَيْء فِيهِ وَأما الْمَذْي فَإِن كَانَ بِمُبَاشَرَة أَو اسْتِدَامَة نظر أَو فكر فَفِيهِ أَيْضا الْقَضَاء وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل خلافًا لَهما وَاخْتلف هَل يجب أَو يسْتَحبّ وَإِن لم يستدم النّظر والفكر فَلَا شَيْء فِيهِ وَأما الانعاظ دون مذي فَإِن كَانَ بِمُبَاشَرَة أَو قبْلَة فَقيل بِوُجُوب الْقَضَاء وبإسقاطه وفَاقا لَهُم وَإِن كَانَ بِمُجَرَّد نظر أَو فكر أَو دونهمَا فَلَا شَيْء فِيهِ وَأما التَّقْبِيل فَاخْتلف فِي الْمَذْهَب هَل يحرم أَو يكره وتختص الْكَرَاهَة عِنْدهمَا بالشباب وَالْقَوِي وَأَجَازَهُ ابْن حَنْبَل مُطلقًا فرعان (الْفَرْع الأول) من احْتَلَمَ فِي نَهَار رَمَضَان لم يفْسد صَوْمه إِجْمَاعًا (الْفَرْع الثَّانِي) من أجنب لَيْلًا ثمَّ أصبح صَائِما فصومه صَحِيح وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ عِنْد الْجُمْهُور (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْقَيْء والحجامة أما الْقَيْء فَمن ذرعه لم يفْطر عِنْد الْجُمْهُور وَمن استقاء عَامِدًا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وجوبا دون الْكَفَّارَة فِي الْمَشْهُور وَعند الْجُمْهُور من رَجَعَ إِلَى حلقه قيء أَو قلس بعد ظُهُوره على لِسَانه فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَأما الْحجامَة فَلَا تفطر خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر وَتكره خوف التَّغْرِير خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَصْل الرَّابِع) فِي زمَان الْإِمْسَاك وأوله طُلُوع الْفجْر الصَّادِق الْأَبْيَض عِنْد الْجُمْهُور وَآخره غرُوب الشَّمْس إِجْمَاعًا فَمن شكّ فِي طُلُوع الْفجْر حرم عَلَيْهِ الْأكل وَقيل يكره وَقَالَ ابْن حبيب وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يجوز فَإِن أكل فَعَلَيهِ الْقَضَاء وجوبا على الْمَشْهُور وَقيل اسْتِحْبَابا وَإِن شكّ فِي الْغُرُوب لم يَأْكُل إتفاقا فَإِن أكل فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَقيل الْقَضَاء فَقَط وَمن تبين لَهُ بعد الْأكل أَنه فطر بعد الْفجْر أَو قبل الْغُرُوب فَعَلَيهِ الْقَضَاء عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لإسحاق وَمن طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ يُجَامع فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَقيل الْكَفَّارَة وَإِن نزع فَفِي إِثْبَات الْقَضَاء ونفيه خلاف بَين ابْن الْمَاجشون وَابْن الْقَاسِم سَببه أَن النزع هَل يعد جماعا أم لَا الْبَاب السَّابِع فِي مبيحات الْإِفْطَار وَهِي سَبْعَة السّفر وَالْمَرَض وَالْحمل وَالرّضَاع والهرم وإرهاق الْجُوع والعطش وَالْإِكْرَاه (فَأَما السّفر) فالصوم فِيهِ أفضل وَقَالَ ابْن الْمَاجشون الْفطر أفضل وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَقيل هما سَوَاء وَإِن كَانَ السّفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لغزو وَقرب من لِقَاء الْعَدو فالفطر أفضل للقوة وَإِنَّمَا يُبَاح بِهِ الْفطر بأَرْبعَة شُرُوط وَهِي أَن يكون السّفر مُبَاحا وَأَن يكون طَويلا حَسْبَمَا تقدم فِي الْقصر من الْأَقْوَال فِي الْمَذْهَب وَمن خلاف الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم وَأَن لَا يَنْوِي إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام فِي خلال سَفَره وَأَن يبيت الْفطر قبل الْفجْر فِي السّفر فَإِن السّفر لَا يُبِيح قصرا وَلَا فطرا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْل بِخِلَاف الْإِقَامَة فَإِنَّهَا توجب الصَّوْم والإتمام بِالنِّيَّةِ دون الْفِعْل وَالْمُسَافر لَا يَخْلُو أَن يُسَافر قبل الْفجْر وَيَنْوِي الْفطر فَيجوز لَهُ إِجْمَاعًا أَو يُسَافر بعد الْفجْر فَلَا يجوز لَهُ الْفطر عِنْد الثَّلَاثَة لِأَن طروء السّفر نَهَارا بِخِلَاف طروء الْمَرَض وَأَجَازَهُ ابْن حَنْبَل فَإِن أفطر قبل الْخُرُوج فَفِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يُسَافر فَتسقط وَلَا يُسَافر فَتجب وَإِن أفطر بعد الْخُرُوج فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ كنَانَة فرع من كَانَ فِي سفر فَأصْبح على نِيَّة الصَّوْم لم يجز لَهُ الْفطر إِلَّا بِعُذْر كالتغذي للقاء الْعَدو وَأَجَازَهُ مطرف من غير عذر وعَلى الْمَشْهُور إِن أفطر فَفِي وجوب الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يفْطر بجماع فَيجب أَو بِغَيْرِهِ فَلَا يجب (وَأما الْمَرِيض) فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن لَا يقدر على الصَّوْم أَو يخَاف الْهَلَاك من الْمَرَض أَو الضعْف إِن صَامَ فالفطر عَلَيْهِ وَاجِب وَالثَّانيَِة أَن يقدر على الصَّوْم بِمَشَقَّة فالفطر لَهُ جَائِز وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ يسْتَحبّ وَالثَّالِثَة أَن يقدر بِمَشَقَّة وَيخَاف زِيَادَة الْمَرَض فَفِي وجوب فطره قَولَانِ وَالرَّابِعَة أَن لَا يشق عَلَيْهِ وَلَا يخَاف زِيَادَة الْمَرَض فَلَا يفْطر عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لِابْنِ سِيرِين فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) إِذا أصبح الْمَرِيض أَو الْمُسَافِر على نِيَّة الصّيام ثمَّ زَالَ عذره لم يجز لَهُ وَإِن أصبح على نِيَّة الْفطر ثمَّ زَالَ عذره جَازَ لَهُ الْأكل بَقِيَّة يَوْمه وَكَذَلِكَ من أصبح مُفطرا لعذر مُبِيح ثمَّ زَالَ عذره فِي بَقِيَّة يَوْمه خلافًا لأبي حنيفَة فعلى الْمَذْهَب إِن قدم مُفطرا فَوجدَ امْرَأَته قد طهرت نَهَارا جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يصلح لمريض وَلَا لمسافر أَن يصوما تَطَوّعا فِي رَمَضَان (الْفَرْع الثَّالِث) إِن صَامَ الْمَرِيض أَو الْمُسَافِر فِي رَمَضَان أجزأهما وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة عَلَيْهِمَا الْقَضَاء (الْفَرْع الرَّابِع) لَا يشْتَرط الْمُتَابَعَة فِي قَضَاء رَمَضَان عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ والظاهرية (الْفَرْع الْخَامِس) من كَانَ عَلَيْهِ صِيَام فَمَاتَ قبل أَن يَقْضِيه لم يصم عَنهُ أحد عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل يَصُوم عَنهُ وليه وَلَا يطعم عَنهُ فِي الْمَذْهَب وَقَالَ الشَّافِعِي وَغَيره يطعم لكل يَوْم مِسْكينا (وَأما الْهَرم) فَإِن الشَّيْخ والعجوز العاجزين عَن الصَّوْم يجوز لَهما الْفطر إِجْمَاعًا وَلَا قَضَاء عَلَيْهِمَا وَأما الْحَامِل فَإِن خَافت على نَفسهَا أَو على مَا فِي بَطنهَا أفطرت وقضت (وَأما الْمُرْضع) فتفطر إِذا احْتَاجَت إِلَى الْفطر لولدها إِن لم يقبل غَيرهَا أَو لم تقدر على الإستئجار لَهُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاء وسنتكلم فِي فديتهم (وَأما من أرهقه الْجُوع والعطش) فيفطر وَيَقْضِي فَإِن خَافَ على نَفسه حرم عَلَيْهِ الصّيام وَكَذَلِكَ إِن خَافت الْحَامِل أَو الْمُرْضع على نَفسهَا الْهَلَاك أَو على أَوْلَادهَا وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أفطر المرهق فَاخْتلف هَل يمسك بَقِيَّة يَوْمه أَو يجوز لَهُ الْأكل (وَأما الْإِكْرَاه) فَيَقْضِي مَعَه خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِذا وطِئت الْمَرْأَة مُكْرَهَة أَو نَائِمَة فعلَيْهَا الْقَضَاء الْبَاب الثَّامِن فِي لَوَازِم الْإِفْطَار وَهِي سَبْعَة الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة الْكُبْرَى وَالْكَفَّارَة الصُّغْرَى وَهِي الْفِدْيَة والإمساك وَقطع التَّتَابُع والعقوبة وَقطع النِّيَّة (فَأَما الْقَضَاء) فَمن أفطر مُتَعَمدا فِي صِيَام فرض فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَكَذَلِكَ من أفطر فِيهِ لعذر مُبِيح كالمرض وَالسّفر وَمن أفطر فِيهِ نَاسِيا فَعَلَيهِ الْقَضَاء خلافًا لَهما وَمن أفطر فِي الْقَضَاء مُتَعَمدا فَهَل يجب عَلَيْهِ قَولَانِ الأَصْل فَقَط أَو قَضَاؤُهُ وَقَضَاء الْقَضَاء قَولَانِ وَمن أفطر فِي التَّطَوُّع مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء خلافًا لَهما وَمن أفطر فِيهِ نَاسِيا أتم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِجْمَاعًا وَإِن أفطر فِيهِ بِعُذْر مُبِيح فَلَا قَضَاء (وَأما الْكَفَّارَات) فالنظر فِي مُوجبهَا وأنواعها فَأَما مُوجبهَا فَهُوَ إِفْسَاد صَوْم رَمَضَان خَاصَّة عمداقصدا لانتهاك حُرْمَة الصَّوْم من غير سَبَب مُبِيح للفطر فَلَا كَفَّارَة على من أفطر فِي قَضَاء رَمَضَان عِنْد الْجُمْهُور وَلَا كَفَّارَة على النَّاسِي وَالْمكْره وَلَا تجب فِي الْقبْلَة وَلَا على الْحَائِض النُّفَسَاء وَالْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من غير فعلهم وَلَا على الْمَرِيض وَالْمُسَافر والمرهق بِالْجُوعِ والعطش وَالْحَامِل لعذرهم وَلَا على الْمُرْتَد لِأَنَّهُ هتك حُرْمَة الْإِسْلَام لَا حُرْمَة الصّيام خُصُوصا فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) تجب الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ عمدا سَوَاء أَتَى زَوجته أَو أَجْنَبِيَّة فَإِن طاوعته الْمَرْأَة فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة وَعَلَيْهَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَدَاوُد تجزي كَفَّارَة عَنْهُمَا وَإِن وَطئهَا نَائِمَة أَو مُكْرَهَة كفر عَنهُ وعنها وَإِن جَامع نَاسِيا فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَعَلِيهِ الْقَضَاء خلافًا لَهما وَإِن جَامع مكْرها فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَابْن حَنْبَل (الْفَرْع الثَّانِي) تجب الْكَفَّارَة بِالْأَكْلِ وَالشرب عمدا خلافًا للشَّافِعِيّ والظاهرية وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا يصل إِلَى الْحلق من الْفَم خَاصَّة وَلَا تجب فِيمَا يصل من غَيره كالأنف وَالْأُذن خلافًا لأبي مُصعب وَحده (الْفَرْع الثَّالِث) تجب الْكَفَّارَة بالاصباح بنية الْفطر وَلَو نوى الصّيام بعده على الْأَصَح وبرفض النِّيَّة نَهَارا على الْأَصَح (الْفَرْع الرَّابِع) اخْتلف فِي وُجُوبهَا على من استقاء وَمن ابتلع مَا لَا يغذي عمدا وعَلى من قَالَ الْيَوْم نوبتي فِي الْحمى فَأفْطر ثمَّ أَتَتْهُ وعَلى القائلة الْيَوْم أحيض فأفطرت ثمَّ حَاضَت فَإِن تعمد الْفطر لغير عذر ثمَّ مرض أَو سَافر أَو حَاضَت فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة فِي الْمَشْهُور نظرا إِلَى الْحَال وَقيل تسْقط نظرا فِي الْمَآل (وَأما أَنْوَاعهَا) فَثَلَاثَة عتق وإطعام وَصِيَام فالعتق تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب لَيْسَ فِيهَا عقد من عُقُود الْحُرِّيَّة وَلَا يكون عتقهَا مُسْتَحقّا بِجِهَة أُخْرَى وَالصِّيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين وَالْإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا مد لكل مِسْكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة مدان وَهِي على التَّخْيِير ككفارات الْإِيمَان إِلَّا أَن أفضلهَا الْإِطْعَام فِي الْمَشْهُور وَقيل على التَّرْتِيب ككفارات الظِّهَار وفَاقا لَهما (فرعان) الأول فِي تكَرر الْإِفْطَار فَمن أفطر ثمَّ كفر ثمَّ أفطر فِي يَوْم وَاحِد فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى إِجْمَاعًا وَمن كرر الْإِفْطَار فِي يَوْم وَاحِد فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَمن أفطر فَلم يكفر حَتَّى أفطر فِي يَوْم ثَان فَعَلَيهِ كَفَّارَة ثَانِيَة خلافًا لأبي حنيفَة (الثَّانِي) من عجز عَن الْكَفَّارَة اسْتَقَرَّتْ فِي ذمَّته ثمَّ الْمُعْتَبر حَاله حِين التَّكْفِير على القَوْل بالترتيب تَلْخِيص الْمَذْهَب فِي الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أما من أفطر عَامِدًا فِي جَمِيع أَنْوَاع الصّيام فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا يكفر إِلَّا فِي رَمَضَان وَمن أفطر فِي جَمِيعهَا نَاسِيا فَعَلَيهِ الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة إِلَّا فِي التَّطَوُّع فَلَا قَضَاء وَلَا كَفَّارَة وَأما الْفِدْيَة فَهِيَ مد من طَعَام لمسكين عَن كل يَوْم وَتجب على أَرْبَعَة (الأول) من أخر قَضَاء رَمَضَان مَعَ الْإِمْكَان حَتَّى دخل رَمَضَان آخر خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر السنين ويخرجها عِنْد الْأَخْذ فِي الْقَضَاء وَقَالَ أَشهب عِنْد تعذر الْقَضَاء (الثَّانِي) الْحَامِل فَتجب عَلَيْهَا الْفِدْيَة فِي رِوَايَة ابْن ذهب وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَشهب يسْتَحبّ لَهَا وَقَالَ ابْن الْمَاجشون إِن خَافت على نَفسهَا لم تطعم لِأَنَّهَا مَرِيضَة وَإِن خَافت على وَلَدهَا أعمت (الثَّالِث) الْمُرْضع فِي وجوب الْفِدْيَة عَلَيْهَا رِوَايَتَانِ (الرَّابِع) الْهَرم وَلَا فديَة عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُور وَقيل عَلَيْهِ وفَاقا لَهما وَقيل تسْتَحب وَأما امساك بَقِيَّة الْيَوْم فَيُؤْمَر بِهِ من أفطر فِي رَمَضَان خَاصَّة عمدا أَو نِسْيَانا لَا من أفطر لعذر مُبِيح وَأما الْعقُوبَة فَهِيَ للمنتهك لصوم رَمَضَان وَذَلِكَ بِقدر اجْتِهَاد الإِمَام وَصُورَة حَاله وَأما قطع التَّتَابُع فَهُوَ ملن أفطر مُتَعَمدا فِي صِيَام النّذر وَالْكَفَّارَات المتتابعات كَالْقَتْلِ وَالظِّهَار فيستأنف بِخِلَاف من قطع الصَّوْم نَاسِيا أَو لعذر أَو لغط فِي الْمعدة فَإِنَّهُ بنى على مَا كَانَ مَعَه وَأما قطع النِّيَّة فَإِنَّهَا تَنْقَطِع بإفساد الصَّوْم أَو تَركه مُطلقًا أَو لغير عذر ولزوال انحتام الصَّوْم كالسفر وَإِن صَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْقَطِع استصحابها حكما الْبَاب التَّاسِع فِي الِاعْتِكَاف وَالنَّظَر فِي حكمه ومكانه وزمانه وشروطه ومفسداته (أما حكمه) فقربه مرغب فِيهَا للرِّجَال وَالنِّسَاء لَا سِيمَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان وَيجب بِالنذرِ وَوَقع لمَالِك مَا ظَاهره الْكَرَاهَة لمشقته (وَأما مَكَانَهُ) فَفِي الْمَسَاجِد كلهَا عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لقوم قصروه على الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَخِلَافًا لِابْنِ لبَابَة فِي إِجَازَته فِي غير الْمَسْجِد فَإِن نوى اعْتِكَاف مُدَّة يتَعَيَّن عَلَيْهِ إتْيَان الْجُمُعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فِي أَثْنَائِهَا تعين الْجَامِع لِأَنَّهُ إِن خرج إِلَى الْجُمُعَة بَطل اعْتِكَافه خلافًا لأبي حنيفَة وَابْن الماشجون وَلَا يخرج من مُعْتَكفه إِلَّا لأربعة أَشْيَاء لحَاجَة الْإِنْسَان وَلما لَا بُد مِنْهُ من شِرَاء معاشه وللمرض وَالْحيض وَإِذا خرج لشَيْء من ذَلِك فَهُوَ فِي حكم الِاعْتِكَاف حَتَّى يرجع (وَأما زَمَانه) فأقله يَوْم وَلَيْلَة وَالِاخْتِيَار أَن لَا ينقص من عشرَة أَيَّام وَلَا حد لأقله عِنْدهمَا وَيسْتَحب أَن يدْخلهُ قبل غرُوب الشَّمْس من لَيْلَة الْيَوْم الَّذِي يبْدَأ فِيهِ فَإِن فعل ذَلِك أَجْزَأَ اتِّفَاقًا وَإِن دخل بعد الْفجْر لم يجزه وَإِن دخل بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي الصِّحَّة والبطلان قَولَانِ وَأما الْخُرُوج فَإِن خرج بعد غرُوب الشَّمْس من آخر يَوْم أَجْزَأَ إِلَّا أَن اعْتكف آخر رَمَضَان فَإِنَّهُ يُؤمر فِي الْمَذْهَب أَن يبْقى حَتَّى يخرج لصَلَاة الْعِيد وَاخْتلف هَل ذَلِك على الْوُجُوب أَو النّدب وعَلى ذَلِك هَل يبطل اعْتِكَاف من خرج قبله أم لَا (وَأما شُرُوطه) فَثَلَاثَة النِّيَّة اتِّفَاقًا وَالصَّوْم خلافًا للشَّافِعِيّ والاشتغال بِالْعبَادَة على قدر الِاسْتِطَاعَة لَيْلًا وَنَهَارًا من الصَّلَاة وَالذكر والتلاوة خَاصَّة عِنْد ابْن الْقَاسِم وَمن سَائِر أَعمال الْآخِرَة عِنْد ابْن وهب فعلى الأول لَا يشْهد جَنَازَة وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يدرس الْعلم وعَلى الثَّانِي يفعل ذَلِك (وَأما مفسداته) فستة الْجِمَاع اتِّفَاقًا والمباشرة وَإِن لم ينزل خلافًا لأبي حنيفَة وَالرِّدَّة وَالسكر وَالْخُرُوج من مُعْتَكفه لغير مَا رخص لَهُ الْخُرُوج إِلَيْهِ وَإِن وَجب كالجهاد الْمُتَعَيّن وَالْحَبْس فِي دين والوقوع فِي كَبِيرَة كالقذف وَقد اخْتلف فِي ذَلِك وَلَا يفْسد فِي الْمَذْهَب بِطيب وَلَا عقد نِكَاح لنَفسِهِ وَلَا لغيره وَلَا يَنْفَعهُ إِن يشْتَرط فعل شَيْء يمْنَع الِاعْتِكَاف مِنْهُ خلافًا للشَّافِعِيّ الْبَاب الْعَاشِر فِي لَيْلَة الْقدر وَهِي الَّتِي قَالَ الله فِيهَا ((فِي لَيْلَة مباركة)) وَقَالَ ((خير من ألف شهر)) أَي الْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي غَيرهَا ألف شهر وَهِي بَاقِيَة لم ترفع عِنْد الْجُمْهُور وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهَا على ثَلَاثَة أَقْوَال الأول أَنَّهَا مُعينَة غير مَعْرُوفَة بل مخفية وَاخْتلف هَؤُلَاءِ على أَرْبَعَة أَقْوَال أَنَّهَا أخفيت فِي السّنة كلهَا وَفِي رَمَضَان وَفِي الْعشْر الْوسط مِنْهُ وَفِي الْعشْر الْأَوَاخِر وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا مُعينَة مَعْرُوفَة وَاخْتلف هَؤُلَاءِ على أَرْبَعَة أَقْوَال لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَثَلَاث وَعشْرين وَخمْس وَعشْرين وَسبع وَعشْرين وَهُوَ أشهر وَأظْهر وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا لَيست مُعينَة وَلَا مَعْرُوفَة بل منتقلة قَالَ ابْن رشد وَإِلَى هَذَا ذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَهُوَ أصح الْأَقْوَال وعَلى ذَلِك فانتقالها فِي الْعشْر الْوسط من رَمَضَان وَفِي الْعشْر الْأَوَاخِر وَالْغَالِب أَن تكون من الْوسط لَيْلَة سَبْعَة عشر وَتِسْعَة وَمن الْأَوَاخِر فِي الأوتار مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 = الْكتاب السَّادِس فِي الْحَج وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي المقدامات وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي حكمه وَهُوَ وَاجِب على من استطالة مرّة فِي الْعُمر وجوبا موسعا على التَّرَاخِي وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل على الْفَوْر وفَاقا لأبي حنيفَة إِذا قُلْنَا بالتراخي فَيجب على من بلغ سِتِّينَ سنة وَيكرهُ أَن يتَنَفَّل بِالْحَجِّ قبل أَدَاء فَرْضه فَإِن فعل لم يَنْقَلِب إِلَى الْفَرْض بل يَقع كَمَا نَوَاه (الْفَصْل الثَّانِي) فِي شروه أما شُرُوط وُجُوبه فَهِيَ الْبلُوغ وَالْعقل اتِّفَاقًا وَالْحريَّة خلافًا للظاهرية والاستطالة وَاخْتلف فِي الْإِسْلَام هَل هُوَ شَرط وجوب أَو صِحَة على الختلاف فِي مُخَاطبَة الْكفَّار بِفُرُوع الشَّرِيعَة وَلَا يشْتَرط فِي صِحَّته إِلَّا الْإِسْلَام إِذْ يَصح للْوَلِيّ أَن يحرم عَن الصَّبِي وَعَن الْمَجْنُون وَلَا يشْتَرط فِي صِحَة مُبَاشَرَته إِلَّا الْإِسْلَام والتمييز فَإِن الصَّبِي الْمُمَيز لَو حج بِإِذن الْوَلِيّ جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة وَكَذَلِكَ العَبْد والاستطاعة الْمُوجبَة لِلْحَجِّ هِيَ الْقُدْرَة على الوصولإلى مَكَّة بِثَلَاثَة أَشْيَاء وَهِي قُوَّة الْبدن إِمَّا رَاجِلا وَأما رَاكِبًا والسبيل وَهِي الطَّرِيق المسلوكة وَوُجُود الزَّاد الْمبلغ وَذَلِكَ مُعْتَبر بأحوال النَّاس ومختلف باخْتلَاف عوائدهم وَقَالَ ابْن حبيب الِاسْتِطَاعَة هِيَ وَالرَّاحِلَة وفَاقا لَهُم وعَلى الْمَذْهَب من قدر على الْمَشْي وَجب عَلَيْهِ وَإِن عدم المركوب وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى إِذا وجد قائدا وَمن لم يجد طَرِيقا إِلَّا الْبَحْر لم يسْقط عَنهُ الْحَج خلافًا للشَّافِعِيّ إِلَّا أَن يكون الْخَوْف غَالِبا عَلَيْهِ أَو يعلم أَنه يعطل الصَّلَاة بالميد وَلَو كَانَ لَا يجد موضعا للسُّجُود للضيق إِلَّا ظهر أَخِيه فَلَا يركبه فِي الْمَذْهَب والمعطوب الَّذِي لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة لَا يلْزمه أَن يحجّ عَنهُ غَيره من مَاله خلافًا لَهما وَيسْقط الْحَج إِذا كَانَ فِي الطَّرِيق عَدو يطْلب النُّفُوس وَالْأَمْوَال ووجوبه على الْمَرْأَة كَالرّجلِ إِذا استصحب وليا وَإِذا عدمت الْوَلِيّ وَوجدت رفْقَة مأمونين وَجب عَلَيْهَا خلافًا لأبي حنيفَة وَاخْتلف فِي وُجُوبه عَلَيْهَا إِذا احْتَاجَت إِلَى الْبَحْر أَو الْمَشْي وَأما الزَّاد فَمن لم يكن عِنْده ناض لزمَه أَن يَبِيع من عروضه وأصوله مَا يُبَاع مِنْهَا فِي الدّين ويحج بِهِ وَمن كَانَت عَادَته تكفف النَّاس وَجب عَلَيْهِ الْحَج إِذا غلب على ظَنّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أَنه يجد من يُعْطِيهِ وَقيل لَا يجب (الْفَصْل الثَّالِث) فِي النِّيَابَة فِي الْحَج وَلَا تجوز على الصَّحِيح فِي فرض الْحَج وَتكره فِي التَّطَوُّع وَتَكون بِأُجْرَة أَو بِغَيْر أُجْرَة وَتَصِح الْإِجَارَة على الْحَد خلافًا لأبي حنيفَة على أَنَّهَا مَكْرُوهَة وَهِي على وَجْهَيْن إِجَارَة بِأَجْر مَعْلُومَة تكون ملكا للْأَجِير كَسَائِر الْإِجَارَات فَمَا عجز عَن كِفَايَته وفاه من مَاله وَمَا فضل كَانَ لَهُ وَالثَّانِي الْبَلَاغ وَهُوَ أَن يدْفع إِلَيْهِ المَال ليحج عَنهُ فَإِن احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة أَخذهَا من الْمُسْتَأْجر وَإِن فضل شَيْء رده إِلَيْهِ وَإِذا أوصى الْمَيِّت أَن يحجّ عَنهُ من مَاله وَكَانَ ضَرُورَة نفذت الْوَصِيَّة من ثلث مَاله وَإِن لم يوص سقط عَنهُ وَقَالَ الشَّافِعِي يحجّ عَنهُ من رَأس مَاله وَيَنْوِي الْأَجِير الْحَج لمن حج عَنهُ وَيجوز أَن يكون الْأَجِير على الْحَد لم يحجّ حجَّة الْفَرِيضَة خلافًا للشَّافِعِيّ الْبَاب الثَّانِي فِي خِصَال الْحَج (فَرَائِضه) الْأَركان الَّتِي لَا يجبرها الدَّم وَهِي خَمْسَة النِّيَّة والأحرام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَطواف الْإِفَاضَة وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجْبر السَّعْي بِالدَّمِ وَزَاد عبد الملك رمي جَمْرَة الْعقبَة (وسننه) الْوَاجِبَة الَّتِي لَيست بأركان ويجبرها الدَّم عشرَة أَفْرَاد الْحَج وَالْإِحْرَام من الْمِيقَات المكاني والتلبية وَطواف الْقدوم وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَة النَّحْر وَرمي الْجمار والحلاق أَو التَّقْصِير وركعتا الطّواف وَالْمَبِيت بمنى ليَالِي الرَّمْي وَالْجمع بِعَرَفَة والمزدلفة (وفضائله) الَّتِي لَا توجب دَمًا وَلَا يَأْثَم بِتَرْكِهَا عشرُون الْإِحْرَام فِي أشهر الْحَج وَلبس الْبيَاض فِي الْإِحْرَام والاغتسال للإرحام ولطواف الْقدوم ولعرفة وللإفاضة فَذَلِك أَربع اغتسالات وَالرُّكُوع قبل الْإِحْرَام وتقبيل الْحجر الْأسود واستلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ والرمل ثَلَاثَة أَشْوَاط من الطّواف وَالْمَشْي فِي بَاقِيه والرمل بَين العمودين بالسعي والإسراع فِي وَادي محسر والانصراف غَدَاة النَّحْر من الْمشعر الْحَرَام وَطواف الْوَدَاع وَالصَّلَاة بالمحصب بعد النَّفر والتأخر إِلَى النَّفر الثَّانِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق والتطوع بِالْهَدْي وَالْوُقُوف على أَرض عَرَفَة دون جبالها وَأَن يبتدىء رمي جَمْرَة الْعقبَة ثمَّ ينْحَر ثمَّ يحلق أَو يقصر الْبَاب الثَّالِث فِي الْمَوَاقِيت وَهِي مِيقَات زماني ومكاني فالزماني شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَالْعشر الأول من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ذِي الْحجَّة فَمن أحرم قبل ذَلِك انْعَقَد وَصَحَّ على كَرَاهِيَة وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل لَا ينْعَقد وفَاقا لداود وَقَالَ الشَّافِعِي يسْقط حجه ويقلب إِلَى عمْرَة وَيسْتَحب إهلال أهل مَكَّة إِذا أهل هِلَال ذِي الْحجَّة وَقَالَ الشَّافِعِي يَوْم التَّرويَة وَأما المكاني فخمسة منقسمة على جِهَات الْحرم وَهِي الحليفة لأهل الْمَدِينَة وَقرن لأهل نجد والجحفة لأهل الشَّام ومصر وَالْمغْرب ويلملم لأهل الْيمن وَذَات عرق لأهل الْعرَاق وخراسان والمشرق وَيكرهُ تَقْدِيمه عَلَيْهَا وَيلْزم إِن فعل وَقَالَ الشَّافِعِي الْأَفْضَل أَن يحرم من بَلَده وَالْأولَى لمن سر بِذِي الحليفة مِمَّن مِيقَاته الْجحْفَة أَن يحرم من ذِي الحليفة لِأَنَّهُ مِيقَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الْمُقِيم بِمَكَّة فَيحرم مِنْهَا مِيقَات الْعمرَة من مَكَان مَوَاقِيت الْحَج إِلَّا لمن كَانَ فِي الْحرم فَعَلَيهِ أَن يخرج إِلَى الْحل وَلَو إِلَى أَوله ليجمع بَين الْحرم والحل كَمَا يجمع بَينهمَا الْحَاج وَالِاخْتِيَار لَهُ أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ من الْجِعِرَّانَة أَو التَّنْعِيم وَمن كَانَ منزله أقرب إِلَى مَكَّة من الْمِيقَات فميقاته من منزله فِي الْحَج أَو الْعمرَة فصل وَمن مر على مِيقَات فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال (الأول) أَن يمر لحَاجَة دون مَكَّة فَلَا إِحْرَام عَلَيْهِ (الثَّانِي) أَن يُرِيد دُخُول مَكَّة لحَاجَة فَيلْزمهُ الْإِحْرَام وَهُوَ لَازم لكل من دَخلهَا إِلَّا من خرج من أَهلهَا لحَاجَة ثمَّ عَاد وَمن يكثر التَّرَدُّد إِلَيْهَا كالحطاب وَيُبَاع الْفَاكِهَة وَقَالَ أَبُو مُصعب لَا يلْزم (الثَّالِث) أَن يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة فَيحرم من الْمِيقَات وَلَا يتجاوزه إِلَى مَا بعد فَإِن تجَاوز رَجَعَ مَا لم يحرم وَلَا دم عَلَيْهِ فَإِن أحرم مضى وَلَزِمَه الدَّم وَإِن رَجَعَ بعد إِحْرَامه لم يسْقط عَنهُ الدَّم خلافًا للشَّافِعِيّ الْبَاب الرَّابِع فِي أَعمال الْحَج وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْإِحْرَام وَهُوَ ينْعَقد بِالنِّيَّةِ المقترنة بقول أَو فعل مُتَعَلق بِالْحَجِّ كالتلبية والتوجه إِلَى الطَّرِيق وَاشْترط ابْن حبيب التَّلْبِيَة فَقَالَ لَا ينْعَقد بِدُونِهَا واشترطها أَبُو حنيفَة وَقَالَ يقوم مقَامهَا سوق الْهَدْي فَإِن تجردت النِّيَّة عَن القَوْل وَالْفِعْل لم ينْعَقد وَقيل ينْعَقد وفَاقا للشَّافِعِيّ (وَسنَن الْإِحْرَام أَربع) الأولى الْغسْل تنظفا يسن حَتَّى للحائض وَالنُّفَسَاء وَلَا يتطيب قبل الْغسْل وَلَا بعده بِمَا تبقى رَائِحَته (الثَّانِيَة التجرد عَن الْمخيط) فِي إِزَار ورداء ونعلين (الثَّالِثَة صَلَاة رَكْعَتَيْنِ فَأكْثر) فَإِن أحرم عقب الْفَرْض فَلَا بَأْس (الرَّابِعَة التَّلْبِيَة) من حِين يَأْخُذ فِي الْمَشْي ويجددها عِنْد كل هبوط وصعود وحدوث حَادث وَخلف الصَّلَوَات وَإِذا سمع من يُلَبِّي ويستجيب رفع الصَّوْت بهَا دون إِسْرَاف إِلَّا للنِّسَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَثْرَة الإلحاح بهَا وصيغتها (لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك) وَإِن شَاءَ أَن يزِيد لبيْك لبيْك لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر بيديك وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل وَلَا يقطع التَّلْبِيَة فِي الْحَج إِلَّا إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَخذ فِي الطّواف ويعاودها بعد الفرغ من السَّعْي إِلَى أنيقطعها إِذا زالتالشمس من يَوْم عَرَفَة وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا رَاح إِلَى الصَّلَاة وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا رمى الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر ويقطعها الْمُعْتَمِر إِذا دخل الْحرم وَمن ترك التَّلْبِيَة فَعَلَيهِ دم خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي دُخُول مَكَّة وسننه أَن يغْتَسل بِذِي طوى وَيدخل مَكَّة من كداء (بِفَتْح الْكَاف وَالْمدّ) وَهِي بِأَعْلَى مَكَّة وَيخرج من كدي (بِضَم الْكَاف وَفتح الدَّال وَتَشْديد الْيَاء) على التصغير وَهِي بأسل مَكَّة ثمَّ يدْخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة فَيَأْتِي الرُّكْن الْأسود ويبتدىء بِطواف الْقدوم (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الطّواف وَهُوَ ثَلَاثَة طواف الْقدوم وَطواف الْإِفَاضَة وَطواف الْوَدَاع (وفرائضه) سبعه الأول شُرُوط الصَّلَاة من الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة إِلَّا أَنه يُبَاح فِيهِ الْكَلَام وَالثَّانِي الْمُوَالَاة وَالثَّالِث التَّرْتِيب خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ أَن يَجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره ويبتدىء بِالْحجرِ الْأسود وَالرَّابِع أَن يكون بِجَمِيعِ بدنه خَارِجا عَن الْبَيْت فَلَا يمشي على الشادروان وَلَا على الْحجر وَالْخَامِس أَن يطوف بداخل الْمَسْجِد السَّادِس أَن يكمل سَبْعَة أَشْوَاط فَلَو اقْتصر على سِتَّة لم تجزه السَّابِع رَكْعَتَانِ بعده وَقد اخْتلف هَل هما واجبتان أَو سنة (وَأما سنَنه) فأربع (الأولى) أَن يطوف مَاشِيا وَيكرهُ الرّكُوب وَقيل لَا يجْزِيه (الثَّانِيَة) أَن يسْتَلم الْحجر الْأسود بفمه فإم لم يسْتَطع التَّقْبِيل لمسه بكفه أَو بِمَا مَعَه من عود وَفِي تَقْبِيل مَا يلمسه بِهِ رِوَايَتَانِ ويمس الرُّكْن الْيَمَانِيّ بِيَدِهِ وَذَلِكَ فِي آخر كل شوط (الثَّالِثَة) الدُّعَاء وَلَيْسَ بمحدود (الرَّابِعَة) الرمل للرِّجَال دون النِّسَاء فِي الأشواط الثَّلَاثَة الأولى وَذَلِكَ فِي طواف الْقدوم وَاخْتلف هَل يشرع فِي طواف الْإِفَاضَة والوداع أم لَا (الْفَصْل الرَّابِع) فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمرة (وفرائضه) أَربع (الأولى الْمُوَالَاة (الثَّانِيَة) التَّرْتِيب بِأَن يبْدَأ بالصفا فيقف عَلَيْهِ ثمَّ يَدْعُو ثمَّ يمشي إِلَى الْمَرْوَة فيقف عَلَيْهِ يَدْعُو (الثَّالِثَة) أَن يكمل سَبْعَة أَشْوَاط بِأَن يقف على الصَّفَا أَربع مَرَّات وَيقف على الْمَرْوَة أَرْبعا وَيخْتم بهَا (الرَّابِعَة) أَن يتقدمه طواف (وسننه) خمس اتِّصَاله بِالطّوافِ وَالطَّهَارَة لَهُ وَالْمَشْي لَا الرّكُوب وَالدُّعَاء والاسراع للرِّجَال دون النِّسَاء فِي بطن المسيل وَهُوَ مَا بَين الجبلين الأخضرين (فَائِدَة) ترفع الْأَيْدِي إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فِي سَبْعَة مَوَاطِن فِي الْإِحْرَام بِالصَّلَاةِ وَأول مَا ينظر إِلَى الْكَعْبَة وعَلى الصَّفَا وعَلى الْمَرْوَة وبعرفات وبجمع وَعند الْجَمْرَتَيْن (الْفَصْل الْخَامِس) فِي الْوُقُوف بمنى وبعرفة يخرج إِلَى منى فِي الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يَوْم التَّرويَة فَيصَلي فِيهَا الظّهْر وَالْعصر ويبيت بهَا ثمَّ يروح إِلَى عَرَفَة بعد طُلُوع الشَّمْس بَين الظّهْر وَالْعصر مَعَ الإِمَام ثمَّ يقف حَيْثُ يقف النَّاس وَالِاخْتِيَار أَن يقف رَاكِبًا أَي مَوضِع يقف مِنْهَا ويجتنب بطن عَرَفَة ويديم الْوُقُوف فِي الذّكر وَالدُّعَاء إِلَى غرُوب الشَّمْس فَوَائِد ((الْفَائِدَة الأولى)) يخْطب فِي الْحَج ثَلَاث خطب (الأولى) سَابِع ذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْحجَّة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَهِي وَاحِدَة لَا يجلس فِيهَا (الثَّانِيَة) بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة بعد الزَّوَال وَقبل الصَّلَاة وَهِي خطبتان وَيجْلس بَينهمَا وَيبدأ الْمُؤَذّن بالآذان وَالْإِمَام يخْطب أَو بعد فَرَاغه مِنْهَا (الثَّالِثَة) فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر ((الْفَائِدَة الثَّانِيَة)) لَا تصلى جُمُعَة يَوْم التَّرويَة بمنى وَلَا يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة وَلَا يَوْم النَّحْر وَلَا أَيَّام التَّشْرِيق ((الْفَائِدَة الثَّالِثَة)) لَا يدْفع من عَرَفَة إِلَّا بعد غرُوب المشس فَإِن دفع الْغُرُوب فَعَلَيهِ الْعود لَيْلًا وَإِلَّا يبطل حجه وَمن دفع بعد الْغُرُوب قبل الإِمَام فقد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ (الْفَصْل السَّادِس) فِي الْمزْدَلِفَة إِذا غربت الشَّمْس يَوْم عَرَفَة دفع الإِمَام وَالنَّاس مَعَه إِلَى الْمزْدَلِفَة وَهِي مَا بَين منى وعرفة وينصرفون على طَرِيق المازمين فَيجْمَعُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَين الْمغرب وَالْعشَاء مَقْصُورَة بعد مغيب الشَّفق ويبيتون بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة وَمن صلى قبلهَا من غير عِلّة أعَاد إِذا أَتَاهَا وَلَا ينزل بِبَعْض الْمِيَاه لعشاء أَو استراحة فَإِذا طلع الْفجْر صلوا الصُّبْح بِغَلَس ثمَّ نهضوا إِلَى الْمشعر الْحَرَام وَهُوَ آخر أَرض الْمزْدَلِفَة فيقفون للتضرع وَالدُّعَاء إِلَى الْأَسْفَار ثمَّ يدْفَعُونَ مِنْهَا قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى منى ويخب فِي وَادي محسر (الْفَصْل السَّابِع) فِي رمي الْجمار إِذا أصبح يَوْم النَّحْر بمنى رمى جَمْرَة الْعقبَة إِذا طلعت الشَّمْس قدر رمح فيقف مُسْتَقْبل الْجَمْرَة وَالْبَيْت عَن يسَاره وَمنى عَن يَمِينه وَيَرْمِي سبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيفرق بَين كل حصاتين بِقدر مَا يمْكث سَاجِدا فِي الصَّلَاة وَيَرْمِي سَائِر الجمرات فِي أَيَّام منى وَهِي ثَانِي الْعِيد وثالثه ورابعه فَإِذا زَالَت الشَّمْس كل يَوْم مِنْهَا اغْتسل وَيَرْمِي ثَلَاث جمرات فِي كل جرة سبع حَصَيَات يبْدَأ بالجمرة الأولى الَّتِي تلِي مَسْجِد منى ثمَّ الَّتِي تَلِيهَا وَيخْتم بجمرة الْعقبَة فجملة الْحَصَى سَبْعُونَ حَصَاة مثل حَصى الخزف وَيَرْمِي الْجَمْرَتَيْن والأوليين من فَوْقهَا والعقبة من أَسْفَلهَا وَيَدْعُو بعد الْجَمْرَة الأولى وَالثَّانيَِة وينصرف بعد جَمْرَة الْعقبَة من غير دُعَاء (الْفَصْل الثَّامِن) فِي الحلاق وَهُوَ أفضل من التَّقْصِير وَيبدأ بِمقدم رَأسه ثمَّ الشق الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر ثمَّ الْقَفَا وتقص الْمَرْأَة وَلَا تحلق وتقطع من شعرهَا نَحْو الْأُنْمُلَة وَإِذا قصر الرجل جز قرب أصُول الشّعْر وَيَدْعُو عِنْد الحلاق وَذَلِكَ يَوْم النَّحْر بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَالذّبْح إِن كَانَ مَعَه هدي ثمَّ يَأْتِي مَكَّة فيطوف طواف الْإِفَاضَة وَهُوَ الْمَفْرُوض (الْفَصْل التَّاسِع) فِي الذّبْح يذبح بعد الْجَمْرَة فَإِن ذبح قبلهَا أَو حلق قبل الذّبْح فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن حلق بل الْجَمْرَة افتدى وَيجوز ذبح الْهَدْي قبل طُلُوع الشَّمْس بِخِلَاف الْأُضْحِية (الْفَصْل الْعَاشِر) فِي طواف الْوَدَاع وَهُوَ مُسْتَحبّ خلافًا لَهُم فِي وُجُوبه وَمن نَسيَه رَجَعَ إِلَيْهِ مَا دَامَ قَرِيبا وَلَا يُؤثر بِهِ أهل مَكَّة وَلَا من قَامَ بهَا من غير أَهلهَا لِأَن الْوَدَاع شَأْن المفارق فَإِن أَرَادَ الْمَكِّيّ السّفر ودع وَمن ودع وَأقَام بعد ذَلِك يَوْمًا أَو بعضه أعَاد وَمن خرج من المترددين إِلَى مَكَّة كالحطابين لم يودع وَإِذا حَاضَت الْمَرْأَة بعد الْإِفَاضَة خرجت قبل الْوَدَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْبَاب الْخَامِس فِي أَنْوَاع الْحَج وَهِي ثَلَاثَة أَفْرَاد وقران وتمتع وأفضلها الْإِفْرَاد فِي الْمَذْهَب وَالْقرَان عِنْد أبي حنيفَة والتمتع عِنْد الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل فالإفراد أَن يحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة مَعًا أَو يقدم الْعمرَة فِي نِيَّته ثمَّ يردفع عَلَيْهَا الْحَج فيطوف وَيسْعَى عَن الْحَج وَالْعمْرَة فَتدخل الْعمرَة فِي الْحَج وَيبقى محرما حَتَّى يكمل حجه كَمَا تقدم وَعَلِيهِ الْهَدْي إِن كَانَ غَرِيبا خلافًا للظاهرية وَإِن كَانَ مكيا فَلَا هدي عَلَيْهِ وَأما التَّمَتُّع فَهُوَ الاعتمار فِي أشهر الْحَج لمن حج من عَامه فَهُوَ قد تمتّع بِإِسْقَاط سفر الْحَج إِذا لم يرجع إِلَى بَلَده بِخِلَاف من لم يحجّ ذَلِك الْعَام وعَلى الْمُتَمَتّع الْهَدْي بِمَا تيَسّر ينحره أَو يذبحه بمنى أَن أوقفهُ بِعَرَفَة وَإِن لم يوقفه فلينحر بالمروة فَإِن لم يجد هَديا صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج من وَقت إِحْرَامه إِلَى يَوْم عَرَفَة فَإِن فَاتَهُ صَامَ أَيَّام التَّشْرِيق وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى بَلَده وَإِنَّمَا يجب هدي التَّمَتُّع على الغرباء لَا على الساكنين بِمَكَّة وَذي طوى (فَائِدَة) فِي تَفْسِير التَّمَتُّع أَرْبَعَة مَذَاهِب أَحدهَا مَا تقدم وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَالثَّانِي أَنه الْقُرْآن لتمتعه بِسُقُوط الْعَمَل وَالثَّالِث أَنه فسخ الْحَج فِي الْعمرَة لتمتعه بِإِسْقَاط عمل الْحَج وَهُوَ مَكْرُوه خلافًا للظاهرية وَالرَّابِع أَنه الاحصار بالعدو وَبِذَلِك فسر ابْن الزبير الْآيَة الْبَاب السَّادِس فِي ممنوعات الْحَج وَهِي مَا يحرم على الْمحرم وَهِي أَشْيَاء كَثِيرَة ترجع إِلَى أَرْبَعَة أصُول (الأَصْل الأول) لبس الْمخيط فَلَا يلبس جُبَّة وَلَا قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيل وَلَا خفا وَلَا خرقا وَلَا نعلا مخيطة وَلَكِن نعلا غير مخيطة فَإِن لم يجدهَا وَلَا يجد ثمنهَا فليلبس خُفَّيْنِ بعد أَن يقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ وَقَالَ ابْن حَنْبَل لَا يقطعهما وَلَا يلبس منْطقَة مخيطة ويلبس غير الْمخيط مِمَّا يَلِي جسده لَا فَوق ثوب وَلَا يعلق من منطقته وعَاء مخيطا وَلَا سكينا لَهَا غمد مخيط وَلَا يحمل نَفَقَة غَيره وَلَا يتقلد سَيْفا إِلَّا من ضَرُورَة وَلَا يحمل وعَاء مخيطا بل مزودا غير مخيط يرْبط أَعْلَاهُ وأسفله ولآ يلبس ثوبا مصبوغا بالزعفران والورس وَلَا بصباع حسن وَيجوز لَهُ لبس الثِّيَاب الْكحل وَالْخضر وَالْبيض أفضل فرع يجوز أَن يَجْعَل الْمخيط على ظَهره من غيل لِبَاس ملتحقا بِهِ أَو مرتديا وَيمْنَع غير الْمخيط إِذا كَانَ فِيهِ رفاهية كَجلْد حَيَوَان مسلوخ (الأَصْل الثَّانِي) ترفيه الْبدن وتنظيفه فَمن ذَلِك أَن لَا يُغطي رَأسه وَلَا يحلقه إِلَى يَوْم النَّحْر وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 يظفره وَلَا يُغطي وَجهه وَيجوز لَهُ أَن يستظل بِالْبِنَاءِ والخباء إِذا نزل وَاخْتلف هَل يجوز لَهُ أَن يستظل بالمحمل إِذا ركب أَو بِثَوْب على شَجَرَة إِذا نزل وَلَا يقلم أَظْفَاره وَلَا ينتف إبطه وَلَا يحلق عانته وَلَا يقص شعره وَلَا شعر غَيره وَلَا يزِيل الشعث والوسخ وَلَا يطْرَح الثفث وَهُوَ الظفر المنكسر وَالشعر المنتوف وَشبهه وَلَا يقتل قملة وَلَا برغوثا وَلَا يطرحهما عَن نَفسه وَلَا يطْرَح القراد عَن دَابَّته وَلَا يحك مَا لَا يرَاهُ من بدنه حكا عنيفا لِئَلَّا تكون فِيهِ قملة فَتَقَع وَلَا يغسل رَأسه إِلَّا من جَنَابَة وَلَا يدْخل الْحمام للتنظيف وَيجوز للتبرد وَلَا يتطيب وَلَا يدهن وَلَا يكتحل إِلَّا من ضَرُورَة فيكتحل بِمَا لَا طيب فِيهِ وَلَا يَأْكُل طَعَاما فِيهِ طيب لم تمسع النَّار وَلَا يصحب طيبا وَلَا يستديم شمه (الأَصْل الثَّالِث) الصَّيْد فَلَا يقتل الْمحرم شَيْئا من صيد الْبر مَا أكل لَحْمه وَمَا لم يُؤْكَل سَوَاء كَانَ مَاشِيا أَو طائرا فِي الْحرم أَو فِي غَيره وَلَا يَأْمر بِهِ وَلَا يدل عَلَيْهِ وَلَا يُشِير إِلَيْهِ فَإِن أَمر أَو دلّ فقد أَسَاءَ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا يَأْكُل لحم صيد لَهُ أَو من أَجله خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن صيد فِي الْحل لمحل جَازَ للْمحرمِ أكله خلافًا لقوم وكل مَا ذبحه الْمحرم من الصَّيْد أَو قَتله عمدا أَو خطأفهو ميتَة وَلَا يجوز أكله لَهُ وَلَا لغيره وفَاقا لأبي حنيفَة وَقَالَ قوم هُوَ حَلَال لَهُ وَلغيره وَقَالَ قوم هُوَ حَلَال للْحَلَال وَيجوز لَهُ ذبح الْمَوَاشِي الأنسية كالأنعام وَالطير الَّذِي لَا يطير فِي الْهَوَاء كالدجاج وَقتل الْحَيَوَانَات الْمضرَّة كالأسد وَالذِّئْب والحية والفأرة وَالْعَقْرَب وَالْكَلب الْعَقُور وَهُوَ فِي الْمَذْهَب كل حَيَوَان وَحشِي يخَاف مِنْهُ كالسباع وَهُوَ عِنْد أبي حنيفَة الْكَلْب الْمَعْرُوف وَمن الطير الْغُرَاب والحدأة خَاصَّة وَلَا يقتل ضبعا وَلَا خنزيرا وَلَا قردا إِلَّا أَن يخَاف من عاديته وَيحرم عَلَيْهِ قتل مَا لَا ضَرَر فِيهِ من الْبَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا وَيجوز لَهُ صيد الْبَحْر مُطلقًا (الأَصْل الرَّابِع) النِّسَاء فَلَا يجوز للْمحرمِ أَن يقرب امْرَأَة بِوَطْء وَلَا تَقْبِيل وَلَا لمس وَلَا ينْكح وَلَا يخطبها لنَفسِهِ وَلَا لغيره وَيفْسخ نِكَاحه وانكاحه قبل الْبناء وَبعده خلافًا لأبي حنيفَة فِي العقد وَالْخطْبَة وَيجوز لَهُ ارتجاع الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة مَا دَامَت فِي عدتهَا وَيجوز شَاءَ الْجَوَارِي من غير وَطْء وَحكم الْمَرْأَة فِي ذَلِك كُله كَالرّجلِ إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء تجوز لَهَا الستْرَة وَهِي لبس الْمخيط والخفين وتغطية رَأسهَا فَإِن إحرامها فِي وَجههَا وكفيها وإحرام الرجل فِي وَجهه وَرَأسه فَإِن غطى الرجل رَأسه فقد أَسَاءَ وَعَلِيهِ الْفِدْيَة بَيَان لَا يزَال الْمحرم مَمْنُوعًا من هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا حَتَّى يحلق رَأسه بمنى فَحِينَئِذٍ حل لَهُ كل شَيْء إِلَّا الصَّيْد وَالنِّسَاء وَالطّيب فَإِذا طَاف طواف الْإِفَاضَة حل لَهُ كل شَيْء من ذلكوخرج عَن إِحْرَامه بِالْكُلِّيَّةِ الْبَاب السَّابِع فِي الْفِدْيَة والنسك وَالْهَدْي وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْفِدْيَة وَهِي كَفَّارَة مَا يَفْعَله الْمحرم من الممنوعات إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الصَّيْد وَالْوَطْء فَمن لبس مخيطا أَو غطى رَأسه أَو حلق شعره أَو فعل غير ذَلِك عمدا أَو خطأ أَو جهلا فَعَلَيهِ الْفِدْيَة أما صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين مَدين لكل مِسْكين بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو ذبح شَاة يتَصَدَّق بهَا وَتسَمى نسكا فالنسك أحد خِصَال الْفِدْيَة وَهِي على التَّخْيِير مَعَ الْعسر واليسر فِي أَي مَكَان شَاءَ وَأما الصَّيْد فَفِيهِ الْجَزَاء بِعَدَد الصَّيْد ينحره أَو يذبحه بمنى إِن أوقفهُ بِعَرَفَة وَإِلَّا بِمَكَّة وَيجْعَل لَهُ صَدَقَة أَو إطْعَام مَسَاكِين وَذَلِكَ بِأَن يتَصَدَّق بِقِيمَة الصَّيْد الَّذِي قتل طَعَاما مدا لكل مِسْكين بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يَصُوم أَيَّامًا بِعَدَد أَمْدَاد الطَّعَام وَهِي على التَّخْيِير أَيْضا بعد أَن يحكم عَلَيْهِ عَدْلَانِ من فُقَهَاء الْمُسلمين يحكمهما على نَفسه فيقومان الصَّيْد بِالْهَدْي أَو بِالطَّعَامِ أَو بالصيام وَيخْتَلف الْهَدْي باخْتلَاف الصَّيْد فَفِي حمَار الْوَحْش أَو بقرة الْوَحْش بقرة وَفِي النعامة بَدَنَة وَفِي الظبي شَاة وَفِيمَا دون ذَلِك كَفَّارَة طَعَام أَو صِيَام بتقويم الْحكمَيْنِ إِلَّا حمامة الْحرم فَفِيهَا شَاة بَيَان يجب الْجَزَاء فِي قتل الصَّيْد عمدا أَو خطأ عِنْد الْأَرْبَعَة وَإِنَّمَا يفْتَرق الْعمد من الْخَطَأ فِي الْإِثْم وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة لَا جَزَاء إِلَّا فِي الْعمد وفَاقا لِابْنِ عَبَّاس وَأبي ثَوْر وَابْن الْمُنْذر وَأما الْوَطْء فمفسد لِلْحَجِّ أنزل أَو لم ينزل وَكَذَلِكَ الْإِنْزَال بِوَطْء أَو بِغَيْر وَطْء إِلَّا الإحتلام وَذَلِكَ إِذا كَانَ قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِن كَانَ بعد الْوُقُوف وَقبل رمي جَمْرَة الْعقبَة فَفِيهَا رِوَايَتَانِ الْفساد والتمام فَإِن وطىء بعد جَمْرَة الْعقبَة وَقبل طواف الْإِفَاضَة فحجه تَامّ وَعَلِيهِ الْهَدْي وَالْعمْرَة وَإِذا فسد الْحَج مضى إِلَى آخِره ثمَّ حج من قَابل سَوَاء كَانَ حجه فرضا أَو تَطَوّعا وَأهْدى (الْفَصْل الثَّانِي) فِي النّسك وَالْهَدْي الدِّمَاء فِي الْحَج على نَوْعَيْنِ نسك وهدي فالنسك مَا يراق كَفَّارَة لما يَفْعَله الْمحرم من الممنوعات إِلَّا الصَّيْد وَالْوَطْء حَسْبَمَا تقدم وَالْهَدْي مَا سوى ذَلِك وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع وَاجِب وَنذر للْمَسَاكِين أَو على الْإِطْلَاق وتطوع وَالْوَاجِب على خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا جَزَاء الصَّيْد كَمَا تقدم وَالثَّانِي جبر مَا تَركه من السّنَن كرمي الْجمار وَالْمَبِيت بمنى والمزدلفة وَغير ذَلِك وَالثَّالِث كَفَّارَة الْوَطْء وَالرَّابِع هدي الْمُتْعَة وَالْقرَان وَالْخَامِس هدي الْفَوات وَيتَعَلَّق بِالْهَدْي مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفة الْهَدْي وَإِنَّمَا يكون من الْأَنْعَام وأفضله الْإِبِل ثمَّ الْبَقر ثمَّ الضَّأْن ثمَّ الْمعز وَحكمهَا فِي السن والسلامة من الْعُيُوب حكم الضَّحَايَا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يسْتَحبّ تَقْلِيد الْهَدْي وإشعاره وتجليله وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِشْعَار مَكْرُوه فالتقليد أَن يعلق فِي عُنُقه قلادة مضفورة من حَبل أَو غَيره ويعلق مِنْهَا نَعْلَانِ أَو نعل والإشعار أَن يشق سنامها الْأَيْسَر وَعند الشَّافِعِي الْأَيْمن حَتَّى يدمي وَيَقُول حِينَئِذٍ (بِسم الله وَالله أكبر) والتجليل أَن تكسي بجل من أرفع مَا يقدر عَلَيْهِ من الثِّيَاب ويشق فِيهِ مَوضِع السنام ويساق كَذَلِك إِلَى مَوضِع النَّحْر فيزال عَنهُ الجل وينحر قَائِما وَذَلِكَ يَوْم النَّحْر وَيتَصَدَّق بالجل والخطام وتترك القلادة فِي الدَّم وَذَلِكَ كُله فِي الْإِبِل وَأما الْبَقر فتقلد وتشعر وَلَا تجلل وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْغنم فَلَا تقلد وَلَا تشعر وَلَا تجلل وَقَالَ الشَّافِعِي تقلد (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) يَأْكُل صَاحب الْهَدَايَا مِنْهَا كلهَا إِلَّا من أَرْبَعَة جَزَاء الصَّيْد ونسك الْأَذَى وَنذر الْمَسَاكِين وهدي التَّطَوُّع إِذا عطب قبل مَحَله فَإِن أكل من هَذِه الْأَرْبَعَة فَعَلَيهِ بدل الْبَهِيمَة وَقيل بدل مَا أكل من لَحمهَا وفَاقا لَهما وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يَأْكُل أَو يتَصَدَّق وَمنعه الشَّافِعِي أَن يَأْكُل من كل هدي وَاجِب ثمَّ حَيْثُ منع صَاحبه من الْأكل مِنْهُ اخْتصَّ بالمساكين وَغير ذَلِك يجوز لَهُم وللأغنياء وَيجوز لَهُ ركُوبه إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) هدي التَّمَتُّع وهدي الْقرَان وَالْهَدْي الْوَاجِب من تَقْدِيم شَيْء أَو تَأْخِيره كل ذَلِك من عجز عَنهُ صَامَ عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج آخرهَا يَوْم عَرَفَة فَمن جهل أَو نسي صَامَ أَيَّام منى الثَّلَاثَة والسبعة بعد ذَلِك إِن شَاءَ تعجلها فِي طَرِيقه وَإِن شَاءَ أَخّرهَا إِلَى بَلَده وَتجب مُتَابعَة الثَّلَاثَة ثمَّ مُتَابعَة السَّبْعَة الْبَاب الثَّامِن فِي مَوَانِع الْحَج وَهِي ثَمَانِيَة (الأول الْأُبُوَّة) فللأبوين منع الْوَلَد من التَّطَوُّع بِالْحَجِّ وَمن تَعْجِيل الْفَرْض على أحد الْقَوْلَيْنِ (الثَّانِي الرّقّ) وَللسَّيِّد منع عَبده من الْحَج ويتحلل إِذا مَنعه كالمحصر وَلَيْسَ لَهُ مَنعه من الْإِتْمَام إِذا أحرم بِالْحَجِّ (الثَّالِث الزَّوْجِيَّة) فالمرأة المستطيعة لِلْحَجِّ لَيْسَ للزَّوْج منعهَا على القَوْل بالفور وَأما على التَّرَاخِي فَقَوْلَانِ وَلَو أَحرمت بِالْفَرْضِ لم يكن لَهُ تحليلها إِلَّا أَن يضر ذَلِك بِهِ (الرَّابِع الْحجر) فَلَا يحجّ السَّفِيه إِلَّا بِإِذن وليه أَو وَصِيَّة (الْخَامِس الْحَبْس) فِي دم أَو دين فَهُوَ كالمرض (السَّادِس اسْتِحْقَاق الدّين) فلمستحقه منع الْمُوسر الْمحرم من الْخُرُوج وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَحَلَّل بل يُؤَدِّي فَإِن كَانَ مُعسرا أَو كَانَ الدّين مُؤَجّلا لم يمنعهُ (السَّابِع الاحصار بعدو بعد الْإِحْرَام) وَهُوَ مُبِيح لتحلل إِجْمَاعًا فالمحصر بعدو أَو فتْنَة فِي حج أَو عمْرَة يتربص مَا رجا كشف ذَلِك فَإِذا يئس تحلل بموضعه حَيْثُ كَانَ من الْحرم وَغَيره وَلَا هدى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مَعَه هدي نَحره وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَشْهَب عَلَيْهِ الْهَدْي ويحلق أَو يقصر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا عمْرَة إِلَّا إِن كَانَ ضَرُورَة فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ الْقَضَاء من قَابل وللمحصر خمس حالات يَصح الْإِحْلَال فِي ثَلَاث وَهِي أَن يكون الْعذر طارئا بعد الْإِحْرَام أَو مُتَقَدما وَلم يعلم بِهِ أَو علم وَكَانَ يرى أَنه لَا يصده وَيمْتَنع الْإِحْلَال فِي حَالَة رَابِعَة وَهِي إِن صد عَن طَرِيق وَهُوَ قَادر على الْوُصُول من غَيره وَيصِح فِي حَالَة خَامِسَة أَن شَرط الْإِحْلَال وَهِي إِذا شكّ هَل يصدونه أم لَا (الثَّامِن الْمَرَض) من أَصَابَهُ الْمَرَض بعد الْإِحْرَام لزمَه أَن يُقيم على إِحْرَامه حَتَّى يبرأ وَإِن طَال ذَلِك خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ عِنْده كالمحصر بالعدو فَإِذا برىء اعْتَمر وَحل من إِحْرَامه بعمرته وَلَيْسَ عَلَيْهِ عمل مَا بَقِي من الْمَنَاسِك فَإِذا كَانَ الْعَام الْقَابِل قضى حجَّته فرضا كَانَ أَو تَطَوّعا وَأهْدى هَديا بِقدر استطاعته فَإِن لم يجد هَديا صَامَ صِيَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 المتسع ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بُد لَهُ من الْهَدْي فَإِن تَمَادى بِهِ الْمَرَض حَتَّى دخلت عَلَيْهِ شهر الْحَج من قَابل وهومحرم أَقَامَ على إِحْرَامه حَتَّى يقْضِي حجه وَلَا عمْرَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْهَدْي اسْتِحْبَابا وَحكم الْمَحْبُوس بعد إِحْرَامه والضال عَن الطَّرِيق والغالط فِي حِسَاب الْأَيَّام وَالْجَاهِل بأيام الْحَج حَتَّى فَاتَهُ كَحكم الْمَرِيض فِي كل مَا ذكرنَا تَكْمِيل من فَاتَهُ الْحَج بعد الْإِحْرَام فَعَلَيهِ أَن يتم على مَا عمل من الْعمرَة وَيَقْضِي حجه فِي الْعَام الْقَابِل وَيهْدِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة لأهدي عَلَيْهِ وفواته بِثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا فَوَات أَعماله كلهَا (الثَّانِي) فَوَات الْوُقُوف بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة أَو لَيْلَة يَوْم النَّحْر وَإِن أدْرك غَيرهَا من الْمَنَاسِك فَلَا يعتدبه وَإِن أدْرك الْوُقُوف بهَا وَلَو سَاعَة من اللَّيْل فقد أدْرك الْحَج (وَالثَّالِث) من أَقَامَ بِعَرَفَة حَتَّى طلع الْفجْر من يَوْم النَّحْر سَوَاء كَانَ وقف بهَا أَو لم يقف الْبَاب التَّاسِع فِي الْعمرَة وَهِي سنة مُؤَكدَة مرّة فِي الْعُمر وأوجبها ابْن حبيب وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَحكمهَا فِي الِاسْتِطَاعَة والنيابة وَالْإِجَارَة كَحكم الْحَج وَتجوز فِي جَمِيع السّنة إِلَّا فِي أَيَّام الْحَج لمن كَانَ مَشْغُولًا بِأَفْعَال الْحَج وأفضلها فِي رَمَضَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة تكره للْحَاج وَغَيره فِي خَمْسَة أَيَّام مُتَوَالِيَة عَرَفَة والنحر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَيكرهُ تكريرها فِي سنة وَاحِدَة واستحبه مطرف وَالشَّافِعِيّ وصفتها أَن يحرم ثمَّ يطوف ثمَّ يسْعَى ثمَّ يحلق أَو يقصر وَيحل من الْعمرَة وَيسْتَحب فِيهَا الْهَدْي الْبَاب الْعَاشِر فِي زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الْحرم والمواضع المقدسة يَنْبَغِي لمن حج أَن يقْصد الْمَدِينَة فَيدْخل مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي فِيهِ وَيسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى ضجيعيه أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا ويتشفع بِهِ إِلَى الله وَيُصلي بَين الْقَبْر والمنبر ويودع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج من الْمَدِينَة وَالْمَدينَة أفضل من مَكَّة خلافًا للشَّافِعِيّ وَكِلَاهُمَا حرم يمْتَنع فِيهِ مَا يمْنَع الْإِحْرَام من الصَّيْد والتسبب فِي إِتْلَافه خلافًا لأبي حنيفَة فِي صيد الْمَدِينَة وَمن فعل ذَلِك فَعَلَيهِ الْجَزَاء كَمَا على الْمحرم فِي صيد مَكَّة لَا فِي الْمَدِينَة وَلَا يقطع شَيْئا من شجر الْحرم يبس أم لَا فَإِن فعل اسْتغْفر الله وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الشَّجَرَة الْكَبِيرَة بقرة وَفِي الصَّغِيرَة شَاة وَلَا بَأْس بِقطع مَا أفنته النَّار فِي الْحرم من النّخل وَالشَّجر والبقول خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَاسْتثنى السنا والأذخر وَمن الْمَوَاضِع الَّتِي يَنْبَغِي قَصدهَا تبركا قبل إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأمه هَاجر وهما فِي الْحجر وقبر آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي جبل أبي قبيس والغار الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن وَهُوَ فِي جبل أبي ثَوْر والغار الَّذِي فِي جبل حراء حَيْثُ ابْتَدَأَ نزُول الْوَحْي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزيارة قُبُور من بِمَكَّة وَالْمَدينَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة خَاتِمَة الْأَيَّام المعلومات هِيَ أَيَّام النَّحْر الثَّلَاثَة وَالْأَيَّام المعدودات هِيَ أَيَّام منى وَهِي أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي الثَّلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر فَيوم النَّحْر مَعْلُوم غير مَعْدُود وَالثَّانِي وَالثَّالِث معلومان معدودان وَالرَّابِع مَعْدُود غير مَعْلُوم وَقَالَ أَبُو حنيفَة المعلومات عشر ذِي الْحجَّة آخرهَا يَوْم النَّحْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 = الْكتاب السَّابِع فِي الْجِهَاد وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الْمُقدمَات وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمه وَهُوَ فرض كِفَايَة عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن الْمسيب فرض عين وقا لسَحْنُون صَار تَطَوّعا بعد الْفَتْح وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ فرض عين على من يَلِي الْكفَّار تَفْرِيع إِذا حميت أَطْرَاف الْبِلَاد وسدت الثغور سقط فرض الْجِهَاد وَبَقِي نَافِلَة وَيتَعَيَّن لثَلَاثَة أَسبَاب (أَحدهَا) أَمر الإِمَام فَمن عينه الإِمَام وَجب عَلَيْهِ الْخُرُوج (الثَّانِي) أَن يفجأ الْعَدو بعض بِلَاد الْمُسلمين فَيتَعَيَّن عَلَيْهِم دَفعه فَإِن لم يقدروا لزم من قاربهم فَإِن لم يسْتَقلّ الْجَمِيع وَجب على سَائِر الْمُسلمين حَتَّى ينْدَفع الْعَدو (الثَّالِث) استنقاذ أُسَارَى الْمُسلمين من أُدي الْكفَّار (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) شُرُوط وُجُوبه سِتَّة الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورية والاستطالة بِالْبدنِ وَالْمَال فَإِن صدم الْعَدو الْمُسلمين وَجب على العَبْد وَالْمَرْأَة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) يمْنَع من الْجِهَاد شَيْئَانِ (أَحدهمَا) الدّين الْحَلَال دون الْمُؤَجل فَإِن كَانَ مُعسرا بِالْحَال فَلهُ السّفر بِغَيْر إِذن ربه (الثَّانِي) الْأُبُوَّة فللوالدين الْمَنْع إِلَّا إِذا تعين وَلَيْسَ للْجدّ وَالْجدّة منع خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْأَب الْكَافِر كَالْمُسلمِ فِي منع الْأَسْفَار والأخطار إِلَّا فِي الْجِهَاد لتهمته وَقيل يمْنَع مُطلقًا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فرائضهست النِّيَّة وَطَاعَة الإِمَام وَترك الْغلُول وَالْوَفَاء بالأمان والثبات عِنْد الزَّحْف وتجنب الْفساد وَلَا بَأْس بِالْجِهَادِ مَعَ وُلَاة الْجور الْبَاب الثَّانِي فِي الْقِتَال وَفِيه سَبْعَة مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِيمَن يُقَاتل وهم ثَلَاثَة أَصْنَاف الْكفَّار والبغاة والمحاربون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَسَيَأْتِي حكم هذَيْن فِي الْحُدُود وَأما الْكفَّار فَجَمِيع أصنافهم وَرُوِيَ عَن مَالك ترك قتال الْحَبَشَة وَالتّرْك وَلَا يقتل النِّسَاء وَلَا الصّبيان اتِّفَاقًا إِلَّا أَن قَاتلُوا وَيعْتَبر فِي الصّبيان الإنبات وَقيل الِاحْتِلَام وَلَا يقتل الرهبان وَلَا أهل الصوامع وَلَا الشَّيْخ الفاني خلافًا للشَّافِعِيّ إِلَّا أَن يخَاف مِنْهُم أَذَى أَو تَدْبِير وَلَا يقتل الْمَعْتُوه وَلَا الْأَعْمَى والزمن وَاخْتلف إِن كَانَا ذَوي تَدْبِير وَاخْتلف فِي الْأَجِير والحراث وَلَا يقتل الْمُسلم أَبَاهُ الْكَافِر إِلَّا أَن يضطره لذَلِك بِأَن يخافه على نَفسه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الدعْوَة قبل الْقِتَال وَهِي مُخْتَصَّة بِمن لم تبلغهم دَعْوَة الْإِسْلَام فَيدعونَ إِلَيْهِ أَولا فَإِن أجابوا كف عَنْهُم وَإِن أَبَوا عرضت عَلَيْهِم الْجِزْيَة فَإِن أَبَوا قوتلوا وَأما من بلغتهم فَلَا يدعونَ وتلتمس غرتهم وَقَالَ قوم يجب أَن يدعوا مُطلقًا وَقَالَ قوم يسْتَحبّ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَن يستعان بِهِ وهم الْمُسلمُونَ الْأَحْرَار البالغون وَيجوز بِالْعَبدِ بِإِذن سَيّده وبالمراهقين الأقوياء وَلَا يجوز بالمشركين خلافًا لَهما قَالَ ابْن حبيب هَذَا فِي الصَّفّ والزحف وَأما فِي الْهدم فَلَا بَأْس بِهِ قَالَ وَلَا بَأْس أَن يقوم بِمن سالمه على من حاربه (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِيمَا يخرج بِهِ وَلَا يخرج بالأهل إِلَى بِلَاد الْعَدو وَلَا يدرب إِلَّا الْعَسْكَر الْعَظِيم وَلَا يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو وَإِن كَانَ الْجَيْش عَظِيما لم يُسَافر بِهِ مَخَافَة سُقُوطه ونسيانه خلافًا لأبي حنيفَة (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي وُجُوه الْقِتَال وَلَا بَأْس بهدم قراهم وحصونهم وتغريقها فِي المَاء وقطعه عَنْهُم وإخرابها وَالرَّمْي عَلَيْهِم بالمنجنيق وَفِي النَّار خلاف وَلَا بَأْس بِقطع شَجَرهَا المثمر وَغَيره وَإِن كَانَ مَعَهم أُسَارَى مُسلمُونَ لم يحرق وَلم يغرق وَاخْتلف فِي المنجنيق وَقطع المَاء فَإِن كَانَ مَعَهم نسَاء وصبيان فَأَرْبَعَة أَقْوَال جَوَاز المنجنيق دون التحريق والتغريق وَهُوَ الْمَشْهُور وَجَوَاز الْجَمِيع وَمنع الْجَمِيع وَمنع التحريق وَلَو تترسوا بِالنسَاء وَالصبيان تركناهم إِلَّا أنيخاف من تَركهم على الْمُسلمين فيقاتلون وَأَن اتَّقوا بهم وَيجوز قتل دوابهم خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن وهب وَرُوِيَ عَن مَالك التَّخْيِير بَين قَتلهَا وعرقبتها وَاتفقَ على قتل الْفرس تَحت الْفَارِس وَفِي النَّحْل خلاف وَلَا يجوز حمل رُؤُوس الْكفَّار من بلد إِلَى بلد وَلَا حملهَا إِلَى الْوُلَاة) الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي الْفِرَار لَا يجوز الِانْصِرَاف من صف الْقِتَال إِن كَانَ فِيهِ انكسار الْمُسلمين وَإِن لم يكن فَيجوز لمتحرف لقِتَال أَو متحيز إِلَى فِئَة والتحرف لِلْقِتَالِ هُوَ أَن يظْهر الْفِرَار وَهُوَ يُرِيد الرُّجُوع مكيدة فِي الْحَرْب والتحيز إِلَى الْجَمَاعَة الْحَاضِرَة جَائِز وَاخْتلف فِي التحيز إِلَى جمَاعَة غَائِبَة من الْمُسلمين أَو مَدِينَة وَلَا يجوز الانهزام إِلَّا إِذا زَاد الْكفَّار على ضعف الْمُسلمين وَالْمُعْتَبر الْعدَد فِي ذَلِك على الْمَشْهُور وَقيل الْقُوَّة وَقيل إِذا بلغ عدد الْمُسلمين اثْنَي عشر ألفا لم يحل الانهزام وَلَو زَاد الْكفَّار على الضعْف وَإِن علم الْمُسلمُونَ أَنهم مقتولون فالانصراف أولى وَإِن علمُوا مَعَ ذَلِك أَنهم لَا تَأْثِير لَهُم فِي نكاية الْعَدو وَجب الْفِرَار وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لَا خلاف فِي ذَلِك وَإِذا حصرت الْمَدِينَة فضعفوا قَالَ ربيعَة الْخُرُوج إِلَى الْقِتَال أحب إِلَيّ من الْمَوْت جوعا وَقد اخْتلف فِي الْمركب يلقى عَلَيْهِ النَّار هَل يلقى الرجل نَفسه ليغرق أم لَا وَأما إِن قوتل فَلَا يغرق نَفسه بل يقف لِلْقِتَالِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 يَمُوت (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) لَا تجوز المبارزة للسمعة إِجْمَاعًا فَإِن حسنت النِّيَّة لم تجز إِلَّا بِإِذن الإِمَام إِذا كَانَ عدلا ومبارزة الْوَاحِد للجيش مستحسنة وَقيل تكره لِأَنَّهُ إِلْقَاء بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة الْبَاب الثَّالِث فِي الْمَغَانِم سَبْعَة أَشْيَاء رجال الْكفَّار وَنِسَاؤُهُمْ وصبيانهم وَأَمْوَالهمْ وأرضهم وأطعمتهم وأشرتهم فَأَما الرِّجَال فَيُخَير الإِمَام فيهم بَين خَمْسَة أَشْيَاء الْقَتْل والمن وَالْفِدَاء والجزية والاسترقاق وَيفْعل الْأَصْلَح من ذَلِك وَيجوز فداؤهم وبأسارى الْمُسلمين اتِّفَاقًا وَاخْتلف فِي فدائهم بِالْمَالِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْمَنّ وَلَا الْفِدَاء وَقَالَ قوم يقتلُون على الاطلاق وَأما النِّسَاء وَالصبيان فَيُخَير فيهم بَين الْمَنّ وَالْفِدَاء والاسترقاق وَإِذا سبيت الْمَرْأَة وَوَلدهَا الصَّغِير لم يفرق بَينهمَا فِي البيع وَالْقِسْمَة وَيجوز التَّفْرِيق بَينه وَبَين أَبِيه خلافًا لأبي حنيفَة وَيفرق بَينه وَبَين جدته وَالصَّغِير هُنَا من لم يثغر وَرُوِيَ من لم يَحْتَلِم وفَاقا لأبي حنيفَة وَإِذا كَانَت الْمَرْأَة حَامِلا من مُسلم استرقت وَلم يسترق الْوَلَد إِلَّا أَن تكون حملت بِهِ فِي حَال كفر الْأَب ثمَّ سبيت بعد إِسْلَام الْأَب فالحمل فَيْء وَإِذا سبي الزَّوْجَانِ مَعًا أَو أَحدهمَا انْقَطع النِّكَاح وَجَاز لسَيِّدهَا وطوؤها وَقيل يثبت نِكَاحهمَا وَقيل يَنْقَطِع إِن سبيت قبله وَلَو وَقع فِي الْمغنم مَا يعْتق على بعض الْغَانِمين فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَيغرم نصيب أَصْحَابه وَأما الْأَمْوَال فَهِيَ أَرْبَعَة أَنْوَاع (أَحدهَا) لله خَالِصا وَهُوَ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَعشر أهل الذِّمَّة وَأهل الصُّلْح وَمَا أَخذ بِغَيْر قتال وَذَلِكَ كُله هُوَ الْفَيْء فيفعل الإِمَام فِي ذَلِك مَا يرَاهُ مصلحَة وَلَا يُخَمّس خلافًا للشَّافِعِيّ (الثَّانِي) لمن أَخذه وَلَا خمس فِيهِ وَهُوَ مَا أَخذه من كَانَ فِي بِلَاد الْحَرْب من غير إيجَاف كالأسير يهرب مِنْهُم بِمَال وَمَا طَرحه الْعَدو خوف الْغَرق إِلَّا أَن يكون ذَهَبا أَو فضَّة فيجزي على حكم الزَّكَاة (الثَّالِث) خمسه لله وبقيته لمن أَخذه وَهُوَ الْغَنِيمَة والركاز ونعني بِالْغَنِيمَةِ مَا أَخذ على وَجه الْغَلَبَة وَيجْرِي مجْرَاه مَا أَخذ على وَجه السّرقَة والاختلاس (الرَّابِع) مُخْتَلف فِيهِ هَل يُخَمّس أم لَا وَهُوَ مَا غنمه العبيد وَلَا حر مَعَهم وَالنِّسَاء وَالصبيان وَلَا رجل مَعَهم وَمَا جلا عَنهُ أَهله من غير نزُول جَيش فَهُوَ فَيْء لَا شَيْء فِيهِ للجيش وَقيل يُخَمّس فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) فِي السَّلب وسلب الْمَقْتُول كَسَائِر الْغَنِيمَة لَا يخْتَص بِهِ الْقَاتِل خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وينفله لَهُ الإِمَام من الْخمس إِن رأى ذَلِك مصلحَة وَلَا تجوز أَن يُنَادي بذلك قبل الْقِتَال لِئَلَّا يشوش النيات (الْفَرْع الثَّانِي) الْغلُول حرَام إِجْمَاعًا وَإِذا جَاءَ من غل تَائِبًا قبل الْقِسْمَة لم يُؤَدب ورد مَا غله للمغانم وَإِن تَابَ بعد افْتِرَاق الْجَيْش أدب وَتصدق بِهِ وَاخْتلف هَل تملك الْغَنِيمَة بِالْأَخْذِ وفَاقا للشَّافِعِيّ أَوب الْقِسْمَة وفَاقا لأبي حنيفَة وعَلى ذَلِك من وطىء جَارِيَة من الْمَغَانِم حد وَإِن سرق مِنْهَا قطع خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فيهمَا وَقَالَ سَحْنُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 إِن سرق مَا يزِيد على حِصَّته ثَلَاثَة دَرَاهِم قطع وَإِلَّا فَلَا (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا غنم الْمُسلمُونَ من مواشي الْكفَّار ودوابهم وخافوا أَن يَأْخُذهَا الْعَدو من أَيْديهم جَازَ أَن تبقر وتعرقب وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بل تخلى وَأما الأرضون فَإِن فتحت عنْوَة فَهِيَ على ثَلَاثَة أَقسَام بعيد عَن قهرنا فيخرب بحرق أَو بِعَدَمِ وَتَحْت قهرنا غير أَنه لَا يسكن فيقطعه الإِمَام لمن فِيهِ نجدة وَلَا حق للجيش فِيهِ وَقَرِيب مَرْغُوب فِيهِ فَالْمَشْهُور أَنه يكون وفقا يصرف خراجه فِي مصَالح الْمُسلمين من أرزاق الْمُجَاهدين والعمال وَبِنَاء القناطر والمساجد والأسوار وَغير ذَلِك وَقيل أَنه يقسم كَسَائِر أَمْوَال الْغَنِيمَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يُخَيّر الإِمَام وفَاقا لأبي حنيفَة وَإِن فتحت صلحا فَهِيَ على مَا يَقْتَضِيهِ الصُّلْح وَأما الْأَطْعِمَة والأشربة فَيجوز الِانْتِفَاع بهَا من غير قسم مَا داموا فِي دَار الْحَرْب وَيدخل فِي ذَلِك الْقُوت والفواكه وَاللَّحم والعلف بِقدر الْحَاجة لمن كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو غير مُحْتَاج فَإِن فضل لَهُ مِنْهُ بعد الدُّخُول إِلَى أَرض الْإِسْلَام وتفرق الْجَيْش كثير تصدق بِهِ أَو يسير انْتفع بِهِ وَيجوز ذبح الْأَنْعَام للْأَكْل وَأخذ الْجُلُود للنعال والخفاف وَقيل لَا يجوز ذَبحهَا وَلَا يفْتَقر فِي ذَلِك لإذن الإِمَام وَإِذا ضم الإِمَام مَا فضل من ذَلِك ثمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاس أكلُوا مِنْهُ بِغَيْر إِذْنه وَيَأْخُذ السِّلَاح يُقَاتل بِهِ ثمَّ يردهُ وَكَذَلِكَ الدَّابَّة يركبهَا إِلَى بَلَده ثمَّ يردهَا إِلَى الْغَنِيمَة وَكَذَلِكَ الثِّيَاب يلبسهَا ثمَّ يردهَا إِلَى الْغَنِيمَة وَقَالَ ابْن وهب لَا ينْتَفع بسلاح وَلَا ثوب وَلَا دَابَّة الْبَاب الرَّابِع فِي قسْمَة الْغَنِيمَة وَالْخمس والفيء وَفِيه سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) يُمَيّز الْأَمِير الْجَيْش فَيقسم عَلَيْهِم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة وهم فِي دَار الْحَرْب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقسم عَلَيْهِم حَتَّى يصير فِي دَار الْإِسْلَام وَهُوَ مُخَيّر بَين قسْمَة أعيانها أَو أثمانها يفعل فِي ذَلِك مَا يرَاهُ أصلح (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَن يقسم لَهُ أما الْمُسلم الْحر الذّكر الْبَلَاغ فيسهم اتِّفَاقًا وَأما الْكَافِر فَإِن لم يُقَاتل لم يُسهم لَهُ وَإِن قَاتل فَثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يفْتَقر الْمُسلمُونَ إِلَى معونته فيسهم لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْعَبْد كالكافر وَالصَّبِيّ المطيق لِلْقِتَالِ يُسهم لَهُ وَقيل لَا يُسهم لَهُ وفَاقا لَهما وَالْمَرْأَة إِن لم تقَاتل لم يُسهم لَهَا وَإِن قَاتَلت فَفِي اسْتِحْقَاقهَا قَولَانِ والتاجر والأجير يُسهم لَهُ أَن قَاتل فِي الْمَشْهُور ويسهم للأعرج والمجذوم وأقطع الْيُسْرَى بِخِلَاف الْأَعْمَى والمقعد واقطع الْيَدَيْنِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) تسْتَحقّ الْغَنِيمَة بِحُضُور الْقِتَال وَإِن غنم بعده على الْمَشْهُور وَقيل بِحُضُورِهِ إنغنم فِيهِ وَقيل بالادراب فعلى الْمَشْهُور من مَاتَ فِي الْقِتَال أَو أرْسلهُ الْأَمِير فِي مَنْفَعَة الْمُسلمين أَو مَاتَ فرسه أَو بَاعه فسهمه ثَابت وَمن تخلف فِي الطَّرِيق تَارِكًا للغزو فَلَا سهم لَهُ فَإِن ضل عَن الْجَيْش حَتَّى غنموا فَثَلَاثَة أَقْوَال الاسهام ونفيه والتفرقة وَهِي الْمَشْهُور بَين أَن يضل قبل الادارب فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 سهم لَهُ أَو بعده فسهمه ثَابت وَكَذَلِكَ السفن إِذا ردَّتْ الرّيح بَعْضهَا وَإِن أَتَى الْجَيْش على نهر فجازه قوم فغنموا وتخلف قوم فَلَا حق لَهُم فِي الْغَنِيمَة وَإِن افترق الْجَيْش فريقين فغنم كل فريق فِي جِهَته فهم شُرَكَاء إِذا كَانَ كل فريق بِحَيْثُ يغيث صَاحبه إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ وَإِذا خرجت سَرِيَّة من الْجَيْش فَغنِمت بِموضع قريب يصل إِلَيْهِم فِيهِ غوث الْجَيْش شاركها الْجَيْش فِي غنيمتها وَإِن بَعدت لم يشاركوهم وَإِن غنم الْجَيْش بعْدهَا فسهمها ثَابت إِن خرجت بِإِذن الإِمَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن جَاءَهُم مدد بعد انْقِضَاء الْحَرْب وحوز الْغَنِيمَة شاركوهم فِيهَا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) للراجل سهم وللفارس ثَلَاثَة لَهُ وَاحِد ولفرسه اثْنَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة للْفرس وَاحِد وَيَسْتَوِي فِي السهْم الْفرس الْمَمْلُوك والمجسس والمكتري والمعار وَالْمَغْصُوب وسهمه فِي ذَلِك كُله لراكبه وَعَلِيهِ فِي الْغَصْب أُجْرَة الْمثل وَمن لَهُ أَفْرَاس أسْهم لوَاحِد مِنْهَا وَلَا يُسهم لما فَوق الْإِثْنَيْنِ اتِّفَاقًا وَلَا للثَّانِي على الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَسَهْم الْأَمِير كَغَيْرِهِ وَلَا يُسهم للبغال وَلَا للحمير وَلَا لِلْإِبِلِ وَلَا للفيل وَلَا للأعجف الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ من الْخَيل بِخِلَاف الرهيص وَالْمَرِيض مَرضا خَفِيفا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي الْخمس وَهُوَ فِي الْمَذْهَب إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام يَأْخُذ مِنْهُ كِفَايَته وَإِن كَانَت جَمِيعه وَيصرف الْبَاقِي فِي الْمصَالح وَقَالَ الشَّافِعِي يقسم خَمْسَة أسْهم سهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصرفهُ الإِمَام فِي الْمصَالح وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى الَّذين لَا تحل لَهُم الصَّدَقَة غنيهم وفقيرهم وَسَهْم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَلَاثَة أسْهم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَسقط سَهْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَوْتِهِ وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى وَقَالَ قوم سِتَّة أسْهم وَزَادُوا سَهْما لله يصرف فِي عمَارَة الْكَعْبَة (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) يتَطَرَّق إِلَى الْخمس الرضخ وَالنَّقْل وَالسَّلب أما النَّقْل فَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْأَمِير من الْخمس لمن فِيهِ غناء للْمُسلمين وَأما الرضخ فَهُوَ مَا يُعْطِيهِ من الْخمس لمن لَا يُسهم لَهُ كالنساء وَالْعَبِيد وَالصبيان وَلَا يرْضخ لَهُم على الْمَشْهُور وَأما السَّلب فقد تقدم (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِي الْفَيْء سيرة أَئِمَّة الْعدْل فِي الْفَيْء وَالْخمس أَن يبْدَأ بسد المخاوف والثغور واستعداد آلَة الْحَرْب وَإِعْطَاء الْمُقَاتلَة فَإِن فضل شَيْء فللقضاة والعمال وبنيان الْمَسَاجِد والقناطر ثمَّ يفرق على الْفُقَرَاء فَإِن فضل شَيْء فالإمام مُخَيّر بَين تفريقه على الْأَغْنِيَاء وحبسه لنوائب الْإِسْلَام وَاخْتلف هَل يفضل فِي الْعَطاء من لَهُ حُرْمَة وسابقة وغناء أَو يسوى بَينهم وَبَين غَيرهم الْبَاب الْخَامِس فِيمَا حازه الْكفَّار من أَمْوَال الْمُسلمين وَهُوَ على أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُم (الثَّانِي) مَا قدمُوا بِهِ بِلَاد الْمُسلمين بِأَمَان فَهُوَ لَهُم وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة لَا أحب شِرَاء ذَلِك مِنْهُم وَقَالَ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الْمَوَّاز يجوز شِرَاؤُهُ فَإِن جَاءَ صَاحبه كَانَ لَهُ أَخذه بِالثّمن واشتراء العَبْد الْمُسلم مِنْهُم أفضل من تَركه قَالَ ابْن رشد وَكَذَلِكَ الْأَمْتِعَة (الثَّالِث) مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُم مُسلم دخل بِأَمَان فَلَا شَيْء لرَبه فِيهِ إِلَّا أَن يُعْطي الثّمن وَإِن وهبوه للداخل إِلَيْهِم فصاحبه أَحَق بِهِ بِغَيْر ثمن إِلَّا إِلَّا أَن يكون كافا على الْهِبَة وَإِن أعتق العَبْد واستولد الْأمة فَذَلِك خلافًا لأَشْهَب (الرَّابِع) مَا غنمه الْمُسلمُونَ فَهُوَ لمن كَانَ يملكهُ من الْمُسلمين وَلَا تجوز قسمته إِن علم بِهِ فَإِن أدْركهُ قبل الْقِسْمَة أَخذه بِغَيْر ثمن وَإِن لم يعلم بِهِ حَتَّى قسم فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالثّمن وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقَالَ الشَّافِعِي بِغَيْر ثمن وَبعدهَا بِالْقيمَةِ وَإِن أَخَذُوهُ بِغَيْر غَلَبَة فَهُوَ لصَاحبه مطلقاوقال قوم لَا يَأْخُذهُ صَاحبه قبل الْقِسْمَة وَلَا بعْدهَا فروع إِذا أسلم الْكَافِر وَعِنْده حر مُسلم أَخذ مِنْهُ بِغَيْر ثمن وَأعْتق عَلَيْهِ وَإِذا أسر الْعَدو حرَّة مسلمة ثمَّ أَخذهَا الْمُسلمُونَ فَهِيَ حرَّة وَإِن ولدت عِنْدهم أَوْلَادًا وَأخذُوا صغَارًا فهم بمنزلتها وَاخْتلف فِي الْكِبَار وَإِن كَانَت أمة لرجل فَهِيَ وَأَوْلَادهَا لسَيِّدهَا وَإِن غنموا ذِمِّيا ثمَّ غنمناه رد لذمته وَإِن غنموا عبدا أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو معتقا إِلَى أجل أَو أم ولد فهم لسيدهم كَالْمَالِ وَإِذا خرج الْأَسير إِلَيْنَا وَترك مَاله فِي أَيْديهم ثمَّ غنمه الْمُسلمُونَ فَهُوَ أَحَق بِهِ قبل الْقِسْمَة بِغَيْر ثمن وَبعدهَا بِالثّمن وَإِذا أسلم الْحَرْبِيّ ثمَّ غزا الْمُسلمُونَ بِلَاده فزوجته فَيْء وَكَذَلِكَ أَوْلَاده على الْمَشْهُور وَقيل هم تبع لَهُ وَمَاله فَيْء وَقيل هُوَ لَهُ وَقيل هُوَ لَهُ قبل الْقِسْمَة بِلَا ثمن وَبعدهَا بِالثّمن الْبَاب السَّادِس فِي أُسَارَى الْمُسلمين وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكم الْفِدَاء يجب استنقاذهم من يَد الْكفَّار بِالْقِتَالِ فَإِن عجز الْمُسلمُونَ عَنهُ وَجب عَلَيْهِم الْفِدَاء بِالْمَالِ فَيجب على الْأَسير الْغَنِيّ فدَاء نَفسه وعَلى الإِمَام فدَاء الْفُقَرَاء من بَيت المَال فَمَا نقص تعين فِي جَمِيع أَمْوَال الْمُسلمين وَلَو أَتَى عَلَيْهَا وَيجْبر الإِمَام سَادَات العلوج على فدَاء الْمُسلمين بهم وَلَا يعطاهم الثّمن (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الرُّجُوع بالفدية وَمن فدى أَسِيرًا بأَمْره رَجَعَ عَلَيْهِ بالفدية اتِّفَاقًا فَإِن فدَاه بِغَيْر أمره وَلَا علمه رَجَعَ أَيْضا عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ وَقيل يرجع عَلَيْهِ إِن كَانَ مُوسِرًا وعَلى بَيت المَال إِن كَانَ مُعسرا والفدية مُقَدّمَة على الدّين وَإِذا فدى أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه فَلَا رُجُوع لَهُ إِلَّا أَن يفْدِيه بأَمْره وَكَذَلِكَ الْأَقَارِب والآباء والأمهات والأجداد وَالْأَوْلَاد والأعمام والأخوال والأخوة وبنيهم وَالْأَخَوَات وبنيهن وَإِن طلب الْعَدو فِي الْفِدَاء خيلا وسلاحا دفعت إِلَيْهِ بِخِلَاف الْخمر وَالْخِنْزِير وَقد أجَاز الْفِدَاء بهما سَحْنُون وَمنع ابْن الْقَاسِم مَا فِيهِ مضرَّة على الْمُسلمين وَمن فدى أَسِيرًا بِخَمْر وَشبهه لم يرجع بِهِ وَلَا بِقِيمَتِه وَمن فدى أُسَارَى بِأَلف رَجَعَ على الْمُوسر والمعسر بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَن يكون الْعَدو علم الْمُوسر وشاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فِيهِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي اخْتِلَاف الفادي والمفدي وَإِذا اخْتلف الفادي والمفدي فَالْقَوْل قَول المفدي فِي إِنْكَار أصل الْفِدَاء ومقداره وَلَو ادّعى مَا لَا يشبه لتمكنه من إِنْكَار أَصله وَقيل القَوْل قَول الفادي إِن وَافقه المفدي على أصل الْفِدَاء وَإِذا قَالَ كنت قَادِرًا على التحيل وَالْخُرُوج من غير شَيْء لم يتبع إِن ظهر صدقه وفداه بِغَيْر علمه وَإِن قَالَ كنت أفتدي بِدُونِ هَذَا وَتبين صدقه سقط الزَّائِد وَمَتى علم وَلم يُنكر اتبع مُطلقًا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الإرتهان وَلَا يجوز للأسير الْمُسلم أَن يَجْعَل حرا مُسلما فِي مَوْضِعه رهنا وَيجوز للْكَافِرِ أَن يرتهن كَافِرًا من أَقَاربه أَو من غَيرهم وَإِن شَرط أَن يكون هَذَا الْمَرْهُون عبدا إِن لم يَأْتِ بِالْمَالِ فَلهُ شَرطه وَإِن رهن وَلَده أَو غَيره ثمَّ لم يَأْتِ بِالْفِدَاءِ فَإِن كَانَ لعذر من مَوته أَو حَبسه أَو غير ذَلِك لم يسترق الرَّهْن وَإِن كَانَ لغير عذر اسْترق الْكَبِير والكبيرة بِخِلَاف الصَّغِير وَالصَّغِيرَة وَيجوز فِيهِ غلق الرَّهْن بِخِلَاف سَائِر الرهون فروع إِذا ائْتمن الْأَسير على نَفسه أَو على مَال أَو دم لزمَه الْفِدَاء بالامانة وَإِذا لم يؤتمن جَازَ لَهُ الهروب وَأخذ مَا ظفر بِهِ من نفس أَو مَال وَقتل من ظفر بِهِ من الْكفَّار وَلَا يُخَمّس مَا يهرب بِهِ وَإِذا كَانَ مَعَ الْأَسير امْرَأَته أَو أمته جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا إِن تَيَقّن سلامتها من وَطْء الْكفَّار وَيكرهُ ذَلِك لبَقَاء ذُريَّته بِأَرْض الْحَرْب ويقام عَلَيْهِ الْحَد فِي الزِّنَى سَوَاء زنى بحرة أَو مَمْلُوكَة خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون الْبَاب السَّابِع فِي الْأمان التَّأْمِين ثَلَاثَة أضْرب على الْعُمُوم وينفرد بعقدهما السُّلْطَان وهما الصُّلْح والذمة وسيأتيان وَالثَّالِث خَاص بِكَافِر وَاحِد أَو بِعَدَد مَحْصُور وَيصِح من كل مُسلم مُمَيّز فَيدْخل فِي ذَلِك الْمَرْأَة عِنْد الْأَرْبَعَة وَالْعَبْد عِنْد الثَّلَاثَة وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل الْأمان فِي الْمَذْهَب فَيلْزم الإِمَام وَغَيره الْوَفَاء بِهِ إِذا لم تكن فِيهِ مضرَّة سَوَاء كَانَت فِيهِ مَنْفَعَة أم لَا وَسَوَاء كَانَ بِكَلَام أَو كِتَابَة بِأَيّ لُغَة أَو كِنَايَة أَو إِشَارَة مفهمة وَلَو ظن الْكَافِر أَن الْمُسلم أَرَادَ الْأمان وَالْمُسلم لم يردهُ فَلَا يقتل وَإِذا شَرط الْأمان فِي أَهله وَمَاله لزم الْوَفَاء بِهِ وَمن دخل سفارة لم يفْتَقر إِلَى أَمَان بل ذَلِك الْقَصْد يُؤمنهُ وَيجب على المبارز مَعَ قرينَة الْوَفَاء بِشَرْطِهِ وَإِذا أَمن الْمُسلم الْأَسير سواهُ لزمَه ذَلِك إِلَّا أَن يكون مكْرها وَإِن حلف لَهُم مكْرها لم يلْزمه الْيَمين وَإِذا حاصرنا أهل حصن فنزلوا على حكم رجل صَحَّ إِذا كَانَ عَاقِلا عدلا بَصيرًا بمصالح الْقِتَال فَإِن حكمُوا امْرَأَة أَو صَبيا أَو عبدا أَو فَاسِقًا كَانَ النّظر للأمام وَإِذا دخل الْحَرْبِيّ إِلَيْنَا بِأَمَان وَترك عندنَا مَالا فَهُوَ لَهُ أَو أورثته من بعده وَإِذا أَخذ علج فِي طَرِيق فَادّعى سَببا يحقن بِهِ دَمه وَلم يتَبَيَّن صدقه من كذبه وَجب رده إِلَى مأمنه إِن لم يقبل قَوْله بَيَان الْفرق بَين الْأمان اللَّازِم وَبَين الخديعة الْمُبَاحَة فِي الْحَرْب أَن الْأمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تطمئِن إِلَيْهِ نفس الْكَافِر والخديعة هِيَ تَدْبِير غوامض الْحَرْب بِمَا يُوهم الْعَدو الْإِعْرَاض عَنهُ أَو النّكُول حَتَّى تُوجد فِيهِ الفرصة فَيدْخل فِي ذَلِك التورية والتبييت والتشتيت بَينهم وَنصب الكمين والاستطراد حَال الْقِتَال وَلَيْسَ مِنْهَا أَن يظْهر لَهُم أَنه مِنْهُم أَو على دينهم أَو جَاءَ لنصيحتهم حَتَّى إِذا وجد غَفلَة نَالَ مِنْهُم فَهَذِهِ خِيَانَة لَا تجوز الْبَاب الثَّامِن فِي الصُّلْح مَعَ الْحَرْبِيين على المهادنة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي شُرُوط جَوَازه وَهِي أَرْبَعَة (الأول) الْحَاجة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ لغير مصلحَة لم يجز وَلَو بذل الْعَدو المَال وَإِن كَانَ لمصْلحَة كالعجز عَن الْقِتَال مُطلقًا أَو فِي وَقت خَاص فَيجوز بعوض وَبِغير عوض على مَا يكون سدادا للْمُسلمين (الثَّانِي) أَن لَا يَتَوَلَّاهُ الإِمَام (الثَّالِث) خلوه عَن شَرط فَاسد كَتَرْكِ مُسلم فِي أَيْديهم أَو بذل مَال لَهُم من غير خوف وَيجوز مَعَ الْخَوْف (الرَّابِع) أَن لَا يُزَاد على الْمدَّة الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا الْحَاجة على حسب الِاجْتِهَاد وَقَالَ أَبُو عمر أَن يسْتَحبّ أَن لَا يُزَاد على أَرْبَعَة أشهر إِلَّا مَعَ الْعَجز (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي حكمه وَيلْزم الْوَفَاء بِهِ وبشروطه الصَّحِيحَة وَلَا يجوز أَن يشْتَرط أَن من جَاءَ مِنْهُم مُسلما أَو مسلمة رددناه عَلَيْهِم وَقَالَ الْمَازرِيّ يجوز رد الرِّجَال دون النِّسَاء وَاخْتلف فِي رد رهبانهم إِذا أَسْلمُوا وَإِذا استشعرنا مِنْهُم خِيَانَة جَازَ نبذ الْعَهْد قبل الْمدَّة الْبَاب التَّاسِع فِي أَخذ الْجِزْيَة من أهل الذِّمَّة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الْعَاقِد والمعقود لَهُ لَا يعْقد الذِّمَّة إِلَّا الإِمَام وَلَا تعقد إِلَّا لكَافِر حر بَالغ ذكر قَادر على أَدَاء الْجِزْيَة يجوز إِقْرَاره على دينه لَيْسَ بمجنون مغلوب على عقله وَلَا بمترهب مُنْقَطع فِي ديره فَأَما الْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالصَّبِيّ فهم أَتبَاع وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ الْفَقِير وَالْعَاجِز عَن الْكسْب وَإِذا بلغ الصَّبِي أخذت مِنْهُ وَقَالَ ابْن الماشجون لَا ذمَّة إِلَّا للكتابيين وَقَالَ الشَّافِعِي للكتابيين وَالْمَجُوس دون سَائِر الْكفَّار (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَا يجب لنا عَلَيْهِم وَهِي اثْنَا عشر شَيْئا (الأول) أَدَاء الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَهِي أَرْبَعَة دَنَانِير فِي كل عَام على كل رَأس من أهل الذَّهَب وَأَرْبَعُونَ درهما على أهل الْفضة وَلَا يُزَاد على ذَلِك لقُوَّة أحد وَلَا ينقص لضَعْفه وَقَالَ الشَّافِعِي الْجِزْيَة دِينَار على كل رَأس وَإِن صولحوا على أَكثر من ذَلِك جَازَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل الْجِزْيَة اثْنَا عشر درهما على الْفَقِير وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ درهما على الْمُتَوَسّط وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ درهما على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْغَنِيّ وَإِذا أسلم الذِّمِّيّ سَقَطت عَنهُ الْجِزْيَة وَلَو لم يبْق من عَامه إِلَّا يَوْم وَاحِد (الثَّانِي) ضِيَافَة الْمُسلمين ثَلَاثَة أَيَّام إِذا مروا عَلَيْهِم (الثَّالِث) عشر مَا يتجرون بِهِ فِي غير بِلَادهمْ الَّتِي يسكنونها وَذَلِكَ أَن الْجِزْيَة ثَلَاثَة أَنْوَاع جِزْيَة عشرِيَّة وَهِي هَذِه وجزية عنوية وَهِي الْمَذْكُورَة قبل هَذَا وجزية صلحية فَلَا حد لَهَا وَلَا لمن تُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا مَا يَقع عَلَيْهِ الصُّلْح (الرَّابِع) أَن لَا يبنوا كَنِيسَة وَلَا يتركوها مَبْنِيَّة فِي بَلْدَة بناها الْمُسلمُونَ أَو فتحت عنْوَة فَإِن فتحت صلحا واشترطوا بقاءها جَازَ وَفِي اشْتِرَاط بنائها قَولَانِ (الْخَامِس) أَن لَا يركبُوا الْخَيل وَلَا البغال النفيسة بِخِلَاف الْحمير (السَّادِس) أَن يمنعوا من جادة الطَّرِيق ويضطروا إِلَى أضيقة (السَّابِع) أَن تكون لَهُم عَلامَة يعْرفُونَ بهَا كالزنار ويعاقبون على تَركهَا (الثَّامِن) أَن لَا يغشوا الْمُسلمين وَلَا يأووا جاسوسا (التَّاسِع) أَن لَا يمنعوا الْمُسلمين من النُّزُول فِي كنائسهم لَيْلًا وَنَهَارًا (الْعَاشِر) أَن يقرُّوا الْمُسلمين فَلَا يضْربُونَ مُسلما وَلَا يَسُبُّونَهُ وَلَا يستخدمونه (الْحَادِي عشر) أَن يخفوا نواقيسهم وَلَا يظهروا شَيْئا من شَعَائِر دينهم (الثَّانِي عشر) أَن لَا يسبوا أحدا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يظهروا معتقدهم (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا يجب لَهُم علينا وَهُوَ الْتِزَام إقرارهم فِي بِلَادنَا إِلَّا جَزِيرَة الْعَرَب وَهِي الْحجاز واليمن وَأَن تكف عَنْهُم ونعصمهم بِالضَّمَانِ فِي أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَلَا نتعرض لكنائسهم وَلَا لخمورهم وخنازيرهم مَا لم يظهروها فَإِن أظهرُوا الْخمر أرقناها عَلَيْهِم وَإِن لم يظهروها وأراقها مُسلم ضمنهَا وَقيل لَا يضمن ويؤدب من أظهر مِنْهُم الْخِنْزِير وَإِذا خَرجُوا من غير ظلم وَلَا عنف استرقوا وَإِن خَرجُوا بظُلْم أَو عنف لم يسترقوا وَقَالَ أَشهب لَا يسْتَرقونَ أصلا الْبَاب الْعَاشِر فِي الْمُسَابقَة وَالرَّمْي الْمُسَابقَة فِي الْخَيل جَائِزَة وَقيل مرغب فِيهَا فَإِن كَانَت بِغَيْر عوض جَازَت مُطلقًا فِي الْخَيل وَغَيرهَا من الدَّوَابّ والسفن وَبَين الطير لإيصال الْخَبَر بِسُرْعَة وَيجوز على الاقدام وَفِي رمي الْأَحْجَار والمصارعة وَإِن كَانَت بعوض وَهُوَ الرِّهَان فلهَا ثَلَاثَة صور (الأولى) أَن يخرج الْوَالِي أَو غَيره مَالا يَأْخُذهُ السَّابِق فَهَذِهِ جَائِزَة اتِّفَاقًا (الثَّانِيَة) أَن يخرج كل وَاحِد من المتسابقين مَالا فَمن سبق مِنْهُمَا أَخذ مَال صَاحبه وَأمْسك متاعة وَلَيْسَ مَعَهُمَا غَيرهمَا فَهَذِهِ مَمْنُوعَة اتِّفَاقًا فَإِن كَانَ مَعَهُمَا ثَالِث وَهُوَ الْمُحَلّل فَجعلَا لَهُ المَال أَن كَانَ سَابِقًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِن كَانَ مَسْبُوقا فَأجَاز ذَلِك ابْن الْمسيب وَالشَّافِعِيّ وَمنعه مَالك (الثَّالِث) أَن يخرج المَال أحد المتسابقين فَيجوز أَن كَانَ لَا يعود إِلَيْهِ وَيَأْخُذهُ من سبق سواهُ أَو من حضر وَالرَّمْي كالسبق فِيمَا يجوز وَيمْنَع وَيجْعَل للسبق أمد وللرمي إِشَارَة غَرَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 = الْكتاب الثَّامِن فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي أَنْوَاع الْيَمين وَفِيه سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكم الْيَمين وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) الْيَمين بِاللَّه وَهِي جَائِزَة (الثَّانِي) الْيَمين بِغَيْرِهِ وَهِي مَكْرُوهَة وَقيل حرَام (الثَّالِث) الْيَمين بِنَحْوِ اللات والعزى فَإِن اعْتقد تعظيمها فَهُوَ كفر وَإِلَّا فَهُوَ حرَام (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَا يلْزم من الْإِيمَان وينقسم أَيْضا ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) مَا يلْزم وَيَرْفَعهُ الِاسْتِثْنَاء وَالْكَفَّارَة وَهُوَ الْحلف بِاللَّه وبأسمائه كالرحيم والعزيز وبصفاته كعلمه وَقدرته وسَمعه وبصره وَكَلَامه ووحدانيته وَقدمه وبقائه وعزته وجلاله وَعَهده وميثاقه وذمته وكفالته وأمانته وَكَذَلِكَ باسمه وَحقه وَيلْحق بذلك الْقُرْآن والمصحف على الْمَشْهُور (الثَّانِي) مَا يلْزم وَلَا يحْتَاج فِيهِ لاستثناء وَلَا كَفَّارَة وَهُوَ أَحْلف وَأقسم وَأشْهد أَو مَاض كَقَوْلِه حَلَفت أَو أَقْسَمت أَو اسْم كَقَوْلِه لعمرك وحياتك وعيشك وحقك وَأما قَوْله إِن كَانَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو بَرِيء من الله أَو كَافِر أَو شبه ذَلِك فَلَا كَفَّارَة فِيهِ إِن حنث خلافًا لأبي حنيفَة وليستغفر الله (الثَّالِث) يلْزم وَلَا يرفعهُ اسْتثِْنَاء وَلَا كَفَّارَة وَهُوَ أَن يحلف بإيقاع شَيْء معِين أَو نذر معِين فَيلْزمهُ تَنْفِيذ مَا حلف بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق ويؤدب عَلَيْهِمَا وكالمشي إِلَى مَكَّة وَالصَّوْم وَالصَّدَََقَة وَغير ذَلِك (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي صِيغَة الْيَمين وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا تَجْرِيد الِاسْم الْمَحْلُوف بِهِ كَقَوْلِه الله لَا فعلت (الثَّانِي) زِيَادَة حرف قسم كَقَوْلِه وَالله وتالله وَبِاللَّهِ وَيَمِين الله وإيم الله ولعمر الله فَلَا خوف فِي انْعِقَاد هذَيْن الْقسمَيْنِ (الثَّالِث) زِيَادَة فعل مُسْتَقْبل كَقَوْلِه وَأقسم وَأشْهد أَو مَاض كَقَوْلِه حَلَفت أَو أَقْسَمت أَو اسْم كَقَوْلِه يَمِيني وقسمي فَهَذِهِ أَن قرنها بِاللَّه أَو بصفاته نطقا أَو نِيَّة كَانَت إِيمَانًا وَإِن أَرَادَ بهَا غير ذَلِك أَو أعراها من النِّيَّة لم تكن إِيمَانًا وَلم يلْزم بهَا حكم وَقَالَ الشَّافِعِي لَيست بِإِيمَان على الاطلاق إِذا لم يقرنها بأسماء الله تَعَالَى لفظا وَعكس أَبُو حنيفَة وَمن قَالَ لغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 بِاللَّه افْعَل كَذَا لم يلْزمهُمَا شَيْء (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ على الْمَاضِي لم يلْزم وَلَا كَفَّارَة فِيهِ كَقَوْلِه وَالله لقد كَانَ كَذَا سَوَاء حلف على حق يُعلمهُ أَو بَاطِل مُتَعَمدا مَعَ الْإِثْم أَو على شكّ أَو على مَا يَعْتَقِدهُ ثمَّ تبين لَهُ خِلَافه وَهَذَا فِي الْيَمين بِاللَّه وَأما الإلزامات كَالطَّلَاقِ وَشبهه فَإِن حلف بهَا على الْمَاضِي مُتَعَمدا للكذب لزمَه وَإِن حلف على أَمر كَانَ يَفْعَله كَقَوْلِه امْرَأَتي طَالِق لَو جئتني أمس لفَعَلت كَذَا فَإِن كَانَ مِمَّا يُمكنهُ فعله بر وَإِلَّا حنث وَإِن كَانَ على مُسْتَقْبل لزم وَهُوَ على نَوْعَيْنِ إِثْبَات وَنفي فالإثبات كَقَوْلِه لَا فعلن وَلَئِن لم أفعل وَالنَّفْي كَقَوْلِه لَا فعلت وَإِن فعلت (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِيمَا يكفر وَمَا لَا يكفر الْإِيمَان على ثَلَاثَة أَنْوَاع لَغْو وغموس وَعقد فاللغو لَا كَفَّارَة فِيهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ الْحلف على شَيْء يَظُنّهُ كَمَا لَو حلف ثمَّ تبين لَهُ خِلَافه وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل هُوَ قَول (لَا وَالله وَنعم وَالله) الْجَارِي على اللِّسَان من غير قصد وفَاقا للشَّافِعِيّ وَإِسْمَاعِيل القَاضِي وَقَالَ طَاوس هُوَ أَن يحلف الرجل وَهُوَ غَضْبَان وَقَالَ ابْن عَبَّاس هُوَ أَن يحلف على مَعْصِيّة والغموس لَا كَفَّارَة فِيهِ خلافًا للشَّافِعِيّ والحالف بِهِ آثم وَهُوَ تعمد الْكَذِب على أَمر مَاض وَالْعقد هُوَ الَّذِي فِيهِ الْكَفَّارَة وَهُوَ الْمُعَلق بالاستقبال نفيا أَو إِثْبَاتًا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) من حلف بِتَحْرِيم حَلَال من المآكل والمشارب والملابس وَغير ذَلِك كَقَوْلِه إِن فعلت كَذَا فالخبز على حرَام لم يلْزمه شَيْء إِلَّا فِي الزَّوْجَة فَيكون طَلَاقا وَفِي العَبْد وَالْأمة فَيكون عتقا إِن أَرَادَ الْعتْق وَإِن أَرَادَ التَّحْرِيم من غير عتق لم يلْزمه شَيْء وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي ذَلِك كَفَّارَة يَمِين (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) إِذا حلف بِالْإِيمَان تلزمني ثمَّ حنث فَلَيْسَ لمَالِك فِي ذَلِك وَلَا لأَصْحَابه قَول يُؤثر وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن أهل الْمَذْهَب فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال (الأول) أَن الْأَمر فِي ذَلِك رَاجع إِلَى نِيَّته فَإِن نوى شَيْئا لزمَه مَا نوى وَإِن لم ينْو شَيْئا لَزِمته طَلْقَة وَاحِدَة (الثَّانِي) مثله وَيسْتَحب أَن يُطلق ثَلَاثًا من غير قَضَاء (الثَّالِث) تلْزمهُ طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة (الرَّابِع) تلْزمهُ ثَلَاث تَطْلِيقَات (الْخَامِس) تلْزمهُ ثَلَاث كَفَّارَات من كَفَّارَات الْيَمين فيطعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا إِلَّا أَن يَنْوِي شَيْئا فَيلْزمهُ وَهَذَا الْخَامِس هُوَ اخْتِيَار الطرطوشي وَقَالَ بعض المتأخيرين يلْزمه الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْمَشْي إِلَى مَكَّة وَالصَّدَََقَة بِثلث مَاله وَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ الطرطوشي لَا يدْخل تَحت هَذِه إِلَّا الْيَمين بِاللَّه دون مَا ذكرُوا من الطَّلَاق وَالْعتاق وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك أَو يكون الْعرف جَارِيا فِي بلد يحلفُونَ فِيهِ بِهَذِهِ الْيَمين فَإِذا تقرر هَذَا فَإِن هَذِه الْيَمين قد اسْتَقر فِي بِلَادنَا أَن مَعْنَاهُ وَالْمرَاد فِيهِ الطَّلَاق بِالثلَاثِ دون صِيَام وَلَا عتق وَلَا غير ذَلِك فَيجب أَن يحمل على هَذَا الْعرف الثَّابِت فَإِنَّهُ مُرَاد الْحَالِف دون غَيره لَا ينفض فِي الطَّلَاق من الثَّلَاث وَلَو كفر مَعَ ذَلِك كَفَّارَة الْيَمين بِاللَّه لَكَانَ حسنا حملا للْيَمِين على الطَّلَاق الشَّرْعِيّ إِلَّا أَن يعم الْإِيمَان بنيته فَيلْزمهُ مَا أَدخل فِي نِيَّته من صِيَام وعتاق وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْبَاب الثَّانِي فِيمَا يَقْتَضِي الْبر والحنث وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْبر والحنث الْبر هُوَ الْمُوَافقَة لما حلف عَلَيْهِ والحنث مُخَالفَة مَا حلف عَلَيْهِ من نفي أَو إِثْبَات فَكل من حلف على ترك شَيْء أَو عَدمه فَهُوَ على بر حَتَّى يَقع مِنْهُ الْفِعْل فَيحنث وَمن حلف على الْإِقْدَام على فعل أَو وجوده فَهُوَ على حنث حَتَّى يَقع الْفِعْل فيبر ثمَّ إِن الْحِنْث فِي الْمَذْهَب يدْخل بِأَقَلّ الْوُجُوه وَالْبر لَا يكون إِلَّا بأكمل الْوُجُوه لمن حلف أَن يَأْكُل رغيفا لم يبر إِلَّا بِأَكْل جَمِيعه وَإِن حلف أَن لَا يَأْكُلهُ حنث بِأَكْل بعضه وَمن حلف أَن لَا يفعل فعلا فَفعله حنث سَوَاء فعله عمدا أَو سَهوا أَو جهلا إِلَّا إِن نسي فَفعل نَاسِيا فَاخْتَارَ السيوري وَابْن الْعَرَبِيّ أَنه لَا يَحْنَث وفَاقا للشَّافِعِيّ فَلَو فعله جهلا كَمَا لَو حلف أَن لَا يسلم على زيد فَسلم عَلَيْهِ فِي ظلمَة وَهُوَ لَا يعرفهُ حنث خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما إِن أكره على الْفِعْل لم يَحْنَث كَمَا لَو حلف أَن لَا يدْخل دَارا فَأدْخلهَا قهرا لَكِن إِن قدر على الْخُرُوج فَلم يخرج حنث وَإِن حلف أَن يفعل شَيْئا فَتعذر عَلَيْهِ فعله فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه (الأول) أَن يمْتَنع لعدم الْمحل كمن حلف أَن يضْرب عَبده فَمَاتَ أَو أَن يذبح حمامة فطارت فَلَا حنث عَلَيْهِ إِن لم يفرط (الثَّانِي) أَن يمْتَنع شرعا كمن حلف ليطأن زَوجته فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَإِن لم يَطَأهَا فَاخْتلف هَل يَحْنَث أم لَا وَإِن وَطئهَا فَقيل إِثْم وبر يَمِينه وَقيل لم يبر لِأَنَّهُ قصد وَطأهَا مُبَاحا (الثَّالِث) أَن يمْتَنع لمَانع غير ذَلِك كالسارق وَالْغَاصِب فَإِنَّهُ يَحْنَث عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَا تحمل عَلَيْهِ الْيَمين وَهِي أَرْبَعَة أُمُور (الأول) النِّيَّة إِذا كَانَت مِمَّا يصلح لَهَا اللَّفْظ سَوَاء كَانَت مُطَابقَة لَهُ أَو زَائِدَة فِيهِ أَو نَاقِصَة وَهِي بِالْقَلْبِ دون تَحْرِيك لِسَانه بِشَرْط أَن يعْقد عَلَيْهَا الْيَمين فَإِن استدركها بعد الْيَمين لم ينْتَفع بِهِ وَيعْتَبر فِي ذَلِك نِيَّة الْحَالِف إِلَّا فِي الدعاوي فَتعْتَبر نِيَّة المستحلف فِي الْمَشْهُور (الثَّانِي) السَّبَب المثير للْيَمِين وَهُوَ بِسَاط الْحَال وَبِه يسْتَدلّ على النِّيَّة إِذا غَابَتْ (الثَّالِث) الْعرف أَعنِي مَا قصد النَّاس من عرف إِيمَانهم (الرَّابِع) مُقْتَضى اللَّفْظ لُغَة وَشرعا وَفِي تَرْتِيب هَذِه الْأُمُور أَرْبَعَة أَقْوَال وَالْمَشْهُور أَن هَذِه الْأُمُور على مَا ذَكرْنَاهُ من التَّرْتِيب فَينْظر أَولا إِلَى النِّيَّة فَإِن عدمت نظر إِلَى الْبسَاط فَإِن عدم نظر إِلَى الْعرف فَإِن عدم نظر إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَقيل ينظر إِلَى النِّيَّة ثمَّ إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَلَا يعْتَبر الْبسَاط وَلَا الْعرف وَقيل ينظر إِلَى النِّيَّة ثمَّ إِلَى الْبسَاط ثمَّ إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَلَا يعْتَبر الْعرف وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر وضع اللَّفْظ لَا النِّيَّة وَلَا الْبسَاط قَالَ ابْن رشد وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْعرف وَالْمَقْصُود فِيهِ مظنونا أما مَا كَانَ فِيهِ مَعْلُوما فَلَا خلاف فِي اعْتِبَاره كَقَوْل الْقَائِل وَالله لأرين فلَانا النُّجُوم فِي القائلة والمعلوم أَنه أَرَادَ خلاف اللَّفْظ فَيحمل عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع على هَذَا الأَصْل عشرُون فرعا ترجع كلهَا إِلَى مَا ذكرنَا (الْفَرْع الأول) من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 حلف أَن لَا يدْخل دَارا فرقى سطحها حنث خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّانِي) من حلف أَن لَا يدْخل دَار فلَان فَدخل دَارا مكتراة عِنْده حنث إِن لم يكن نِيَّة الْملك خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا من رجل على آخِره بِطَعَام أَو كسْوَة أَو غير ذَلِك فَحلف أَن لَا يشرب لَهُ مَاء حنث بِشرب مَائه وبأكل طَعَامه ولباس كسوته وَغير ذَلِك من الْمَنَافِع خلافًا لَهما فَلَا يَحْنَث عِنْدهمَا إِلَّا بِشرب المَاء وَمثل ذَلِك لَو وهب لَهُ شَاة ثمَّ من عَلَيْهِ بهَا فَحلف أَن لَا يَأْكُل من لَحمهَا وَلَا يشرب من لَبنهَا فَإِن انْتفع بِثمنِهَا حنث (الْفَرْع الرَّابِع) من حلف أَن لَا يَبِيع شَيْئا أَو لَا يَشْتَرِيهِ أَو أَن يُطلق امْرَأَته أَو أَن لَا يعْتق عَبده فَأمر من يفعل ذَلِك حنث إِلَّا أَن تكون نِيَّته مُبَاشرَة ذَلِك بِنَفسِهِ خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا حلف أَن لَا يدْخل دَار فلَان فانتقلتعن ملكه لم يَحْنَث بِدُخُولِهَا وَإِن قَالَ هَذِه الدَّار حنث وَإِن حلف إِلَّا يدْخل عَلَيْهِ بَيْتا حنث بالحمام لَا بِالْمَسْجِدِ وَإِن دخل عَلَيْهِ مَيتا فَقَوْلَانِ وَإِن حلف أَلا يساكنه وهما فِي دَار فَجعل بَينهمَا حَائِطا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يَحْنَث وَشك مَالك وَإِن حلف أَن لَا يدْخل دَار فلَان فهدمت وَصَارَت طَرِيقا فَدَخلَهَا لم يَحْنَث خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع السَّادِس) من حلف أَن لَا يَأْكُل طَعَاما يَشْتَرِيهِ فلَان فَاشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه فَأكل مِنْهُ وَلم تكن لَهُ نِيَّة حنث خلافًا لَهما (الْفَرْع السَّابِع) من حلف أَن لَا يَأْكُل فَاكِهَة حنث بالعنب والتفاح وَالرُّمَّان وَغير ذَلِك حَتَّى بالفول الْأَخْضَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَحْنَث بذلك كُله إِلَّا الْعِنَب وَالرُّمَّان وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل تَمرا حنث بالرطب خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الثَّامِن) من حلف أَن لَا يَأْكُل أداما فَأكل لَحْمًا أَو شويا حنث كَمَا لَو أكل زيتا أَو خلا وَيرجع فِي ذَلِك إِلَى الْعَادة فِيمَا يؤتدم بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا الأدام مَا يساغ بِهِ كالزيت والخل وَالْعَسَل (الْفَرْع التَّاسِع) من حلف أَن لَا يَأْكُل خبْزًا فَاخْتلف هَل يَحْنَث بِأَكْل مَا صنع من الْقَمْح كالهريسة والأطرية والكعك قَالَ ابْن بشير الكعك أقرب إِلَى الْحِنْث إِلَّا أَن خصص أَو عمم بنية أَو بِسَاط فيزول الْخلاف وَمن حلف أَن لَا يَأْكُل رؤوسا فَأكل رُؤُوس الْحُوت أَو الطير حنث إِن لم يكن قد خصص بعض الْأَشْيَاء بِالنِّيَّةِ أَو الْبسَاط وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث إِلَّا بِأَكْل رُؤُوس الْغنم وَالْبَقر فَقَط وَزَاد الشَّافِعِي الْإِبِل وَالطير وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يَأْكُل بيضًا حنث عِنْد ابْن الْقَاسِم حَتَّى ببيض الْحُوت وَلم يَحْنَث عِنْد أَشهب إِلَّا ببيض الدجاح وَمَا جرت الْعَادة بِأَكْلِهِ من الْبيض وَمن حلف أَن لَا يَأْكُل لَحْمًا حنث بِأَكْل جَمِيع اللحوم وَالْحِيتَان وَحنث أَيْضا بالشحم بِخِلَاف الْعَكْس (الْفَرْع الْعَاشِر) إِذا قَالَ وَالله لأقضيتك حقكغدا فقضاه الْيَوْم لم يَحْنَث خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الْحَادِي عشر) إِذا قَالَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَى حِين فَعِنْدَ مَالك أَنه سنة وَعند أبي حنيفَة سِتَّة أشهر وَعند الشَّافِعِي الْأَبَد (الْفَرْع الثَّانِي عشر) من حلف أَن يضْرب عَبده مائَة سَوط فجمعها ضغثا ثمَّ ضربه بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة لم يبر خلافًا لَهما (الْفَرْع الثَّالِث عشر) من حلف أَن لَا يسكن دَارا وَهُوَ ساكنها أَو أَن لَا يلبس ثوبا وَهُوَ عَلَيْهِ أَو أَن لَا يركب حلف دَابَّة وَهُوَ عَلَيْهَا لزمَه النُّزُول أول أَوْقَات الْإِمْكَان فَإِن ترَاخى مَعَ الْإِمْكَان حنث وَفِي الْوَاضِحَة لَا حنث عَلَيْهِ (الْفَرْع الرَّابِع عشر) من حلف أَن لَا يكلم إنْسَانا فَكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إِلَيْهِ أَو أرسل رَسُولا فَقيل يَحْنَث بهما وَقيل لَا يَحْنَث بهما وَقيل يَحْنَث بِالْكتاب لَا بالرسول وَإِذا قُلْنَا بِالْكتاب فوصل فَلم يقرأالمكتوب إِلَيْهِ فَفِي وُقُوع الْحِنْث قَولَانِ وَكَذَلِكَ لَو حلف أَلا يكلم إنْسَانا فَكَلمهُ فَلم يسمعهُ وَإِن حلف أَن يكلمهُ لم يبر بِالْكتاب وَلَا بالرسول وَإِن حلف أَن لَا يكلمهُ فَسلم عَلَيْهِ فِي غير الصَّلَاة حنث وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة لم يَحْنَث إِذا كَانَ مَأْمُوما والمحلوف عَلَيْهِ هُوَ الإِمَام (الْفَرْع الْخَامِس عشر) من حلف أَلا تخرج زَوجته إِلَّا بِإِذْنِهِ فَأذن لَهَا وَلم تعلم أَو لم تسمع وخرجتحنث خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع السَّادِس عشر) من حلف أَن لَا يُفَارق غَرِيمه إِلَّا بِحقِّهِ لم يبر بِالرَّهْنِ وَلَا بِالضَّمَانِ وَلَا بالإحالة وَإِن كَانَت نِيَّته تَوْثِيق حَقه بر بِكُل وَاحِد مِنْهَا (الْفَرْع الثَّامِن عشر) من حلف أَن يهجر فلَانا بر بهجران ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّهَا نِهَايَة الهجران الْجَائِز شرعا وَقيل لَا يبر إِلَّا بِشَهْر لِأَنَّهُ كثيرا مَا تقع عَلَيْهِ الْأَيْمَان فِي الْعَادة فَإِن حلف أَن يهجره أَيَّامًا أَو أشهرا أَو سِنِين لزمَه أقل الْجمع وَهُوَ ثَلَاثَة (الْفَرْع التَّاسِع عشر) إِذا حلف على فعل فَهَل يحمل على أقل مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ أَو على الْأَكْثَر وَهُوَ الْمَشْهُور قَولَانِ وَعَلِيهِ الْخلاف فِيمَن حلف أَن يَأْكُل رغيفا فَأكل بعضه فَإِنَّهُ يَحْنَث فِي الْمَشْهُور وَلَو حلف أنيأكله لم يبر إِلَّا بِأَكْل جَمِيعه وَكَذَلِكَ لَو حلف على الْوَطْء يَحْنَث بمغيب الْحَشَفَة على الْمَشْهُور وعَلى الآخر لَا يَحْنَث بِدُونِ الْإِنْزَال وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل خبْزًا وزيتا فَأكل أَحدهمَا فَفِيهِ الْخلاف وَذَلِكَ كُله عِنْد فقد النِّيَّة (الْفَرْع الموفي عشْرين) من حلف على فعل شَيْء ينْتَقل حنث بِمَا ينْتَقل إِلَيْهِ كالحاف على الْقَمْح فَأكل خبزه أَو على اللَّبن فَأكل جبنه أَو على الْعِنَب فَأكل زبيبه وَقيل لَا يَحْنَث (تَنْبِيه) إِنَّمَا الْأَحْكَام الَّتِي ذكرنَا فِي هَذِه الْفُرُوع مَعَ عدم النِّيَّة والبساط فَإِذا كَانَ للْحَالِف نِيَّة أَو بِسَاط حمل عَلَيْهِ الْبَاب الثَّالِث فِي الْكَفَّارَة وَالِاسْتِثْنَاء وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْكَفَّارَة وَهِي ثَلَاثَة أَشْيَاء على التَّخْيِير وَهِي طَعَام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة ورابع مُرَتّب بعْدهَا وَهُوَ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فَأَما الْإِطْعَام فَمد بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل مِسْكين إِن كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَإِن كَانَ بغَيْرهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يجْزِيه الْمَدّ بِكُل مَكَان وَقَالَ غَيره يخرج الْوسط من الشِّبَع وَقَالَ بَعضهم هُوَ رطلان بالبغدادي وَشَيْء من الإدام وعد ذَلِك وسطا من الشِّبَع فِي جَمِيع الْأَمْصَار وَالْوسط من الشِّبَع فِي بِلَادنَا رَطْل وَنصف رَطْل من أرطالنا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُعْطي نصف صَاع من قَمح أَو صَاعا من شعير أَو زبيب قَالَ وَإِن غذاهم وعشاهم أَجزَأَهُ وَلَا يجْزِيه أَن يطعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أَيَّام خلافًا لأبي حنيفَة وَيشْتَرط فِي الْمِسْكِين الْإِسْلَام وَالْحريَّة خلافًا لأبي حنيفَة وَأما الْكسْوَة فَأَقل ذَلِك للرجل ثوب يستر جَمِيع جسده وللمرأة مَا يجوز لَهَا فِيهِ الصَّلَاة وَذَلِكَ ثوب وخمار وَيجْزِي عِنْدهمَا أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم قَمِيص أَو إِزَار أَو سَرَاوِيل أَو عِمَامَة وَأما الرَّقَبَة فَيشْتَرط فِيهَا أَن تكون مُؤمنَة خلافًا لأبي حنيفَة سليمَة من الْعُيُوب خلافًا للظاهرية لَيْسَ فِيهَا شركَة وَلَا عقد عتق وَكَذَلِكَ تشْتَرط هَذِه الشُّرُوط فِي الرَّقَبَة فِي كَفَّارَة الْفطر فِي رَمَضَان وَفِي كَفَّارَة الظِّهَار وعيوب الرَّقَبَة على ثَلَاثَة أَنْوَاع مِنْهَا من يمْنَع من الْأَجْزَاء وَهُوَ مَا يمْنَع من الْكسْب أَو كَمَاله كالمرض المزمن الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ والعمى والبكم وَالْجُنُون والهرم المفرط وَمِنْهَا مَا لَا يقْدَح فِي الْأَجْزَاء وَهُوَ لَا يشين كالعرج الْخَفِيف وَقطع الْأُنْمُلَة وَمِنْهَا مَا اخْتلف فِيهِ وَهُوَ مَا يشين وَلَا يمْنَع من الْكسْب كالصمم والعور وَالْعَرج الْبَين وَأما الصّيام فَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّتَابُع خلافًا لأبي حنيفَة وَلَكِن يسْتَحبّ فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) إِن كفر العَبْد بالصيام أَجزَأَهُ وبالعتق لَا يجْزِيه وَفِي الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة قَولَانِ (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يحرم الْحِنْث وَلَكِن الأولى أَن لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون الْخَيْر فِي الْحِنْث (الْفَرْع الثَّالِث) يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل لَا يجوز وفَاقا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الرَّابِع) لَو لفق كَفَّارَة من نَوْعَيْنِ مثل أَن يطعم خَمْسَة فَاخْتلف هَل يجْزِيه أم لَا (الْفَرْع الْخَامِس) فِي التّكْرَار إِذا حلف بعدة من أَسمَاء الله كَقَوْلِه وَالله والسميع والعليم وَنَحْوه لم لم تَتَكَرَّر عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَقَالَ قوم تَتَكَرَّر وَلَا يتَكَرَّر الْحِنْث بتكرار الْفِعْل إِلَّا إِذا أَتَى بِصِيغَة تَقْتَضِي التّكْرَار كَقَوْلِه كلما وَمَتى وَشبه ذَلِك أَو يقْصد التّكْرَار وَلَا خلاف أَن من حلف على أُمُور شَتَّى يَمِينا وَاحِدَة أَنه إِنَّمَا تلْزمهُ كَفَّارَة وَاحِدَة وَأَن من حلف على شَيْء وَاحِد أيمانا كَثِيرَة أَنه يلْزمه كَفَّارَة لكل يَمِين فَإِن حلف على شَيْء وَاحِد مرَارًا كَثِيرَة كَقَوْلِه وَالله وَالله وَالله فَفِي كل يَمِين كَفَّارَة إِلَّا إِذا أَرَادَ التَّأْكِيد وَقَالَ قوم كَفَّارَة وَاحِدَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الإستثناء وَله تَأْثِير فِي الْيَمين اتِّفَاقًا وَهُوَ نَوْعَانِ (النَّوْع الأول) بِمَشِيئَة الله وَهُوَ رفع لحكم الْيَمين بِالْجُمْلَةِ وَلَا ينفع إِلَّا فِي الْيَمين بِاللَّه دون الطَّلَاق وَالْعتاق وَغير ذَلِك خلافًا لَهما (النَّوْع الثَّانِي) بَالا وَنَحْوهَا وَهُوَ رفع بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْيَمين فينفع فِي جَمِيع الْأَيْمَان وَيشْتَرط فِي النَّوْعَيْنِ ثَلَاثَة شُرُوط (أَحدهَا) النُّطْق بِاللِّسَانِ وَلَا يَكْفِيهِ مُجَرّد النِّيَّة إِلَّا فِي الإستثناء بِمَشِيئَة الله وَاخْتلف فِي إِلَّا وَنَحْوهَا إِذا كَانَت الْيَمين مِمَّا يقْضى عَلَيْهِ بهَا وَلم تقم عَلَيْهِ بَينه وَإِن نطق سرا أَجزَأَهُ إِلَّا إِن اسْتحْلف أَو حلف فِي حق أَو شَرط (الثَّانِي) اتِّصَاله بِالْيَمِينِ من غير فصل إِلَّا بسعال أَو عطاس أَو تثاؤب أَو شبه ذَلِك وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بالسكتة الْخَفِيفَة للتذكر أَو للتنفس أَو انْقِطَاع الصَّوْت وَقَالَ قوم ينفع الإستثناء مَا لم يقم من مَجْلِسه وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَنْفَعهُ مَتى مَا ذكر وَلَو بعد حِين (الثَّالِث) قصد حل الْيَمين فَلَو قصد تَأْكِيد الْيَمين أَو التَّفْوِيض إِلَى الله أَو التأدب والتبرك لم يَنْفَعهُ وَلَا يشْتَرط أَن يكون قَصده مُقَارنًا لبَعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 حُرُوف اللَّفْظ وَاشْترط ابْن الْمَوَّاز أَن يقْصد الِاسْتِثْنَاء قبل تَمام حُرُوف الْيَمين وَلَو بِحرف فرعان (الْفَرْع الأول) يجْرِي مجْرى الإستثناء بِمَشِيئَة الله مَشِيئَة غَيره كَقَوْلِه إِلَّا أَن يَشَاء فلَان أَو إِلَّا إِن بدا لي وَشبه ذَلِك (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا قَالَ إِلَّا أَن يقْضِي الله أَو يُرِيد الله غير ذَلِك فَاخْتلف هَل هُوَ اسْتثِْنَاء أم لَا الْبَاب الرَّابِع فِي أَرْكَان النّذر وَهِي ثَلَاثَة النَّاذِر والمنذور وَصِيغَة النّذر فَأَما النَّاذِر فَكل مُكَلّف وَلَا يلْزم النّذر الصَّبِي وَلَا الْمَجْنُون وَلَا الْكَافِر وَأما الْمَنْذُور فعلى نَوْعَيْنِ مُبْهَم ومعين فالمبهم مَا لَا يبين نَوعه كَقَوْلِه لله عَليّ نذر فَفِيهِ كَفَّارَة يَمِين وَحكمه كاليمين بِاللَّه فِي الإستثناء واللغو وَقَالَ قوم فِيهِ كَفَّارَة الظِّهَار وَقَالَ قوم صَلَاة رَكْعَتَيْنِ أم صِيَام يَوْم والمعين على أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) قربَة فَيجب الْوَفَاء بهَا سَوَاء كَانَت وَاجِبَة أَو مَنْدُوبَة (الثَّانِي) مَعْصِيّة فَيحرم الْوَفَاء بهَا وَلَا يجب على النَّاذِر شَيْء وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَذَلِكَ كالزنى وَشرب الْخمر وَكَذَلِكَ الصَّلَاة فِي أَوْقَات الْمَنْع من الصَّلَاة وَالصِّيَام فِي أَيَّام الْمَنْع من الصّيام (الثَّالِث) مَكْرُوه فَيكْرَه الْوَفَاء بِهِ (الرَّابِع) مُبَاح فَيُبَاح الْوَفَاء بِهِ وَتَركه وَلَيْسَ على من تَركه شَيْء وَقَالَ ابْن حَنْبَل عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَأما الصِّيغَة فنوعان مُطلق ومقيد فَأَما الْمُطلق فَمَا كَانَ شكرا لله على نعْمَة أَو لغير سَبَب كَقَوْلِه لله عَليّ أَن أَصوم كَذَا أَو أُصَلِّي كَذَا وَهُوَ مُسْتَحبّ وَيجب الْوَفَاء بِهِ سَوَاء ذكر لفظ النّذر أَو لم يذكرهُ إِلَّا إِن قصد الْإِخْبَار فَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَأما الْمُقَيد فَهُوَ الْمُعَلق بِشَرْط كَقَوْلِه إِن قدم فلَان أَو شفى الله مريضي أَو إِن قضى الله حَاجَتي فعلي كَذَا وَهُوَ مُبَاح وَقيل مَكْرُوه وَيلْزم الْوَفَاء بِهِ سَوَاء علقه على قربَة أَو مَعْصِيّة أَو مَكْرُوه أَو مُبَاح وَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ بِهِ إِذْ لَا يجْزِيه إِلَّا بنية وَلَا نذر فِيمَا يملك إِلَّا على شَرط الْملك وَلَا اعْتِبَار باخْتلَاف الْوُجُوه الَّتِي يَقع النّذر عَلَيْهَا من لجاج أَو غضب أَو غير ذَلِك الْبَاب الْخَامِس فِي أَحْكَام النّذر وَفِيه ثَمَانِي مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي نذر الصَّوْم فَإِذا نذر الصَّوْم أَو حلف بِهِ فَحنث لزمَه الْأَيَّام الَّتِي نَوَاهَا وَإِن لم يعين عددا كَفاهُ يَوْم وَاحِد وَلَو نذر صِيَام يَوْم سَمَّاهُ فَوَافَقَ يَوْم عيد أَو مرض أَو حيض لم يلْزمه قَضَاؤُهُ وَقيل يلْزمه وَلَو نذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 صَوْم الدَّهْر لزمَه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي أَيَّام الْعِيد وَالْحيض ورمضان وَله الْفطر فِي الْمَرَض وَالسّفر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِذْ لَا يُمكنهُ وَلَو نذر صَوْم سنة أفطر أَيَّام الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق وَصَامَ رَمَضَان عَن رَمَضَان وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِلَّا إِن نوى أَن يقْضِي وَقيل عَلَيْهِ الْقَضَاء إِلَّا إِن نوى أَن لَا يقْضِي وَإِن نذر صِيَام يَوْم يقدم فلَان فَقدم لَيْلًا صَامَ صَبِيحَة تل كالليلة وَأَن قدم نَهَارا صَامَ يَوْمًا عوضه وَقيل لَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا يجْزِيه أَن يبيت نِيَّة الصَّوْم فِيهِ قبل قدومه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الصَّلَاة إِذا نذر صَلَاة لزمَه مَا نوى وَإِلَّا كفته رَكْعَتَانِ فَإِن نوى أقل من رَكْعَة لَزِمته رَكْعَتَانِ وَكَذَلِكَ أَن نوى صَوْم بعض يَوْم كَمَا لَو طلق نصف طَلْقَة لزمَه إكمالها (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الصَّدَقَة إِن نذر صَدَقَة جَمِيع مَاله أَو حلف بذلك فَحنث كَفاهُ الثُّلُث وَأَن نذر أقل من الْجَمِيع كالنصف أَو الثُّلثَيْنِ أَو شَيْئا بِعَيْنِه كداره وَلَا يملك غَيرهَا أَو عددا مَعْلُوما لزمَه مَا نوى وَإِن كَانَ جلّ مَاله أَو كُله وَقيل يجْزِيه الثُّلُث وَإِن لم يعين كَفاهُ مَا يتَصَدَّق بِهِ من قَلِيل أَو كثير وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن نذر جَمِيع مَاله يلْزمه جَمِيعه وَقَالَ الشَّافِعِي أَن كَانَ على وَجه النّذر لزمَه الْوَفَاء بِهِ وَأَن كَانَ على وَجه اللجاج وَالْغَضَب فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَقَالَ ابْن حبيب أَن كَانَ مَلِيًّا أخرج ثلث مَاله وَأَن أجحف بِهِ إِخْرَاج الثُّلُث أخرج قدر زَكَاة مَاله وَأَن كَانَ فَقِيرا كفر كَفَّارَة الْيَمين وَقَالَ سَحْنُون يخرج مَا لَا يضر بِهِ سَوَاء عين أَو لم يعين ثمَّ أَنه إِذا قَالَ لوجه الله فمخرجه الصَّدَقَة دون غَيرهَا وَأَن قَالَ فِي سَبِيل الله كَانَ مخرجه الْغَزْو وَالْجهَاد خَاصَّة وَأَن قَالَ ذَلِك فِي عَبده كَانَ مخرجه الْعتْق (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الْمَشْي إِلَى مَكَّة وَمن قَالَ عَليّ الذّهاب إِلَى مَكَّة أَو الْمسير أَو الْمُضِيّ فَإِن ذكر الْحَج أَو الْعمرَة لزمَه ذَلِك وَيفْعل الْعمرَة إِلَى آخر السَّعْي وَالْحج إِلَى طواف الْإِفَاضَة وَأَن لم يذكر الْحَج أَو الْعمرَة وَلَا نواهما فَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا شَيْء عَلَيْهِ وَأوجب أَشهب عَلَيْهِ الْحَج وَالْعمْرَة قَالَ سَحْنُون وَقد رَجَعَ ابْن الْقَاسِم إِلَى ذَلِك فَإِن قَالَ عَليّ الْمَشْي لزمَه أَن يحجّ أَو يعْتَمر مَاشِيا سَوَاء ذكر الْحَج أَو الْعمرَة أم لَا وَأَن عين أَحدهمَا لزمَه بِعَيْنِه فَإِن أَرَادَ الِانْتِقَال عَن الْحَج إِلَى الْعمرَة لم يجزه وَفِي انْتِقَاله من الْعمرَة إِلَى الْحَج قَولَانِ فَإِن مَشى جَمِيع الطَّرِيق غير مفرق أَجزَأَهُ اتِّفَاقًا وَأَن فرقه بَين عَاميْنِ فَفِيهِ خلاف وَإِن ركب فِي الطَّرِيق يَسِيرا لعَجزه عَن الْمَشْي أَجزَأَهُ وَعَلِيهِ دم وَإِن كَانَ كثيرا لزمَه أَن يمشي مرّة أُخْرَى من الْموضع الَّذِي ركب فِيهِ وَعَلِيهِ هدى إِلَّا أَن يكون هرما أَو زَمنا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ قوم إِنَّمَا عَلَيْهِ الْهدى وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو زَمْزَم أَو الْحجر أَو الْمقَام لزمَه الْحَج أَو الْعمرَة بِخِلَاف منى وعرفة والمواضع الَّتِي خَارج بلد مَكَّة وَقَالَ ابْن حبيب يلْزمه إِذا ذكر الْحرم أَو مَا هُوَ فِيهِ وَلَا يلْزمه إِذا سمى خَارج الْحرم إِلَّا عَرَفَات وَمن نذر الْمَشْي حافيا انتعل وَيسْتَحب لَهُ الْهَدْي (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من نذر أَن يُضحي ببدنة لم تقم مقَامهَا بقرة مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَأما مَعَ الْعَجز فَفِي أَجْزَائِهَا خلاف وأجزاء مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي أَجزَاء سبع من الْغنم عِنْد عَجزه عَن الْبَقَرَة فَإِن نذر هَديا فَعَلَيهِ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَعَلَيهِ أَن ينْحَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 بِمَكَّة بَدَنَة فَإِن لم يجد ذبح بقرة فَإِن لم يجد أَجزَأَهُ شَاة (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) من نذر أنيصلي فِي مَسْجِد الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس لزمَه خلافًا لأبي حنيفَة وَكَذَلِكَ يلْزمه إِذا ذكر أحد المسجدين وَلم يذكر الصَّلَاة أَو ذكر الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس وَنوى الصَّلَاة فِي مسجديهما فَإِن لم يرد الصَّلَاة فيهمَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَأَن نذر الْمَشْي إِلَى سَائِر الْمَسَاجِد فَإِن كَانَ قَرِيبا أَتَاهُ وَصلى فِيهِ وَإِن كَانَ بَعيدا صلى فِي مَوْضِعه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَعْصِيّة (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) من نذر أَن يذبح وَلَده فِي مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نحر جزورا فدَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة نحر شَاة وَقَالَ قوم ينْحَر مائَة من الْإِبِل وَقَالَ الشَّافِعِي لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَعْصِيّة (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) من نذر الرِّبَاط أَو الْجِهَاد بثغر لزمَه بَيَان نظر فِي النّذر إِلَى النِّيَّة ثمَّ إِلَى الْعرف ثمَّ إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ لُغَة وَلَا ينفع فِيهِ الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 = الْكتاب التَّاسِع فِي الْأَطْعِمَة والأشربة وَالصَّيْد والذبائح وَفِيه خمس أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الْأَطْعِمَة فِي حَال الِاخْتِيَار جَمِيع المطعومات ضَرْبَان حَيَوَان أَو جماد نَبَات أَو غَيره فالجماد كُله حَلَال إِلَّا النَّجَاسَات وَمَا خالطته نَجَاسَة والمسكرات والمضرات كالسموم والطين مَكْرُوه وَقيل حرَام وَحرم الشَّافِعِي المخاط والمني وَأما الْحَيَوَان فَمِنْهُ مَا يحرم لسَبَب كالميتة والمنخنقة وَأَخَوَاتهَا وَسَتَأْتِي فِي الذَّبَائِح وَأما الْحَيَوَان فَمِنْهُ مَا يحرم قَالَ الطرطوشي انْعَقَد الْمَذْهَب فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي رِوَايَة الْعِرَاقِيّين أَنه يُؤْكَل جَمِيع الْحَيَوَان من الْفِيل إِلَى النَّمْل والدود وَمَا بَين ذَلِك إِلَّا الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير فهما محرمان بِإِجْمَاع إِلَّا أَن مِنْهُ مُبَاحا مُطلقًا وَمِنْه مَكْرُوه وينسم الْكَلَام فِي الْحَيَوَان إِلَى سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الْحَيَوَان البحري وَهُوَ خَمْسَة أَنْوَاع (الأول) السّمك وَهُوَ حَلَال إِجْمَاعًا إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة لَا يُجِيز أكل الطافي وَإِنَّمَا يجوز عِنْده مَا مَاتَ بِسَبَب كالصيد أَو خُرُوجه من المَاء أَو غير ذَلِك (الثَّانِي) مَا لَهُ شبه حَلَال فِي الْبر (الثَّالِث) مَا لَا شبه لَهُ فِي الْبر وَكِلَاهُمَا حَلَال عِنْد الْإِمَامَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ لَا يُبِيح كل مَا عدا السّمك (الرَّابِع) مَا لَهُ شبه حرَام كخنزير المَاء وكلبه فيؤكل وَقيل يكره وَقيل حرَام وفَاقا لَهما (الْخَامِس) مَا تطول حَيَاته فِي الْبر فيؤكل كالضفدع خلافًا لَهُم (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي السبَاع كالأسد وَالذِّئْب والفهد والدب والنمر وَالْكَلب فَهِيَ مَكْرُوهَة وَقيل جَمِيعهَا مُحرمَة وفَاقا لَهُم إِلَّا أَن الشَّافِعِي أحل مِنْهَا الضَّب والضبع والثعلب وَقيل تحرم العادية مِنْهَا وَلَا تحرم غير العادية كالثعلب والهر وَلَا خلاف فِي جَوَاز أكل الضَّب وَكَرِهَهُ أَبُو حنيفَة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) الطير وَهُوَ مُبَاح ذُو المخلب وَغَيره وَقيل يحرم ذُو المخلب كالبازي والصقر وَالْعِقَاب والنسر وفَاقا لَهُم وَتكره الخطاف وَقيل تجوز وحرمها الشَّافِعِي مَعَ كل مَا نهي عَن قَتله كالنمل وَمَعَ مَا أَمر بقتْله فِي الْحرم كالغراب والحدأة والحية والفأرة وَالْعَقْرَب وَأما الْجَرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فيؤكل إِن مَاتَ بِسَبَب كَقطع عُضْو مِنْهُ أَو إحراقه أَو جعله فِي المَاء الْحر وَلَا يُؤْكَل إِن مَاتَ بِغَيْر سَبَب خلافًا لَهما ولمطرف (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) ذَوَات الحوافر فالخيل مَكْرُوهَة وَقيل حَلَال وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل مُحرمَة وَالْحمير مُغَلّظَة الْكَرَاهِيَة وَقيل مُحرمَة وفَاقا لَهُم والبغل كَذَلِك قَالَ اللَّخْمِيّ الْخَيل أخف من الْحمير وَالْبِغَال بَينهمَا وَأما حمَار فحلال فَإِن دجن وَصَارَ يحمل عَلَيْهِ فَقَوْلَانِ (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) مَا اخْتلف أَنه ممسوخ كالفيل والضب والقرد والقنفذ قيل حَلَال وَقيل حرَام (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) الْحَيَوَانَات المستقذرة كالحشرات وهوام الأَرْض قَالَ فِي الْجَوَاهِر يَحْكِي المخالفون عَن الْمَذْهَب جَوَاز أكلهَا قَالَ ابْن بشير وَالْمذهب بِخِلَاف ذَلِك وحرمها الشَّافِعِي لِأَنَّهَا خبائث والحلزون يُؤْكَل مِنْهُ مَا سلق أَو شوي لَا مَا مَاتَ وَحده (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِي الدِّمَاء قَالَ اللَّخْمِيّ وَدم مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه حرَام قَلِيله وَكَثِيره وَدم مَا يُؤْكَل لَحْمه قبل الزَّكَاة كَذَلِك وَبعدهَا يحرم المسفوح فَإِن اسْتعْملت الشَّاة قبل تقطيعها وَظُهُور الدَّم كالمشوية جَازَ أكلهَا اتِّفَاقًا وَإِن قطعت فَظهر الدَّم فَاخْتلف هَل هُوَ حَلَال أَو حرَام وَأما مَا سوى هَذِه الْمسَائِل فَهُوَ حَلَال بِاتِّفَاق إِلَّا أَن أكل النَّجَاسَات كالدجاج المخلاة فَفِيهِ خلاف الْبَاب الثَّانِي فِي حَال الإضطرار ولإخفاء أَن الْميتَة تُبَاح للْمُضْطَر ثمَّ أَن النّظر فِي حد الضَّرُورَة وجنس المستباح وَقدره أما الضَّرُورَة فَهِيَ خوف الْمَوْت وَلَا يشْتَرط أَن يصبر حَتَّى يشرف على الْمَوْت وَأما جنس المستباح فَكل مَا يرد جوعا أَو عطشا كالميتة من كل حَيَوَان إِلَّا ابْن آدم وكالدم وَالْخِنْزِير والأطعمة النَّجِسَة والمياه النَّجِسَة إِلَّا الْخمر فَإِنَّهَا لَا تحل إِلَّا لساعة الغصة على خلاف فِيهَا وَلَا تُبَاح لجوع وَلَا لعطش لِأَنَّهَا لَا تدفع وَقيل تُبَاح وَلَا يحل التَّدَاوِي بهَا فِي الْمَشْهُور وَقيل يجوز وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأما قدر المستباح بِأَن يَأْكُل ويشبع وَإِن خَافَ الْعَدَم فِيمَا يسْتَقْبل تزَود مِنْهَا فَإِن اسْتغنى عَنْهَا طرحها وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يشْبع وَلَا يتزود وَإِنَّمَا يَأْكُل مَا يسد رمقه فروع لَا يَأْكُل الْمُضْطَر ميتَة ابْن آدم خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن وجد الْميتَة وخنزيرا قدم المتة وَإِذا أكل الْخِنْزِير يسْتَحبّ لَهُ تذكيته وَإِن وجد ميتَة وَطَعَام الْغَيْر أكل الطَّعَام إِن أَمن أَن يعد سَارِقا وَضَمنَهُ وَقيل لَا يضمن وليقتصر مِنْهُ على شبعه وَلَا يتزود مِنْهُ وَيطْلب الطَّعَام بشرَاء أَو عَطِيَّة من مَالِكه الَّذِي لَيْسَ بمضطر فَإِن امْتنع غصبه وَله قِتَاله عَلَيْهِ وَإِن أدّى إِلَى قَتله كالمحارب ويترخص بِأَكْل الْميتَة للعاصي بسفر على الْمَشْهُور بِخِلَاف الْقصر وَالْفطر وَقيل لَا يُبَاح مَعَ التَّمَادِي على الْمعْصِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَشْرِبَة الْخمر حرَام قليلها وكثيرها إِجْمَاعًا أَعنِي عصير الْعِنَب إِذا أسكر فَإِن لم يسكر فَهُوَ حَلَال إِجْمَاعًا وَأما سَائِر الْأَشْرِبَة المسكرة كالمتخذة من الزَّبِيب وَالتَّمْر وَالْعَسَل والقمح وَالشعِير وَغير ذَلِك فَهِيَ كَالْخمرِ عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَابْن حَنْبَل وَقَالَ قوم إِنَّمَا يحرم مِنْهَا الْكثير الَّذِي يسكر لَا الْقَلِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمُتَّخذ من غير النّخل وَالْكَرم لَا يحرم أسكر أَو لم يسكر والمتخذ من التَّمْر وَالزَّبِيب يحرم مِنْهُمَا مَا أسكر لَا الْقَلِيل فروع عشرَة (الْفَرْع الأول) الْمُعْتَبر فِي عصير الْعِنَب الْإِسْكَار وَلَا يعْتَبر فِيهِ هَل طبخ أَو لم يطْبخ وَقيل إِن طبخ حَتَّى بَقِي ثلثه فَلَا بَأْس بِهِ لذهاب الْإِسْكَار (الْفَرْع الثَّانِي) الإنتباذ جَائِز إِلَّا فِي الدُّبَّاء والمزفت فَيكْرَه وَقيل أَيْضا يكره الإنتباذ فِي الحنثم وَهُوَ الفخار وَفِي النقير من الْخشب وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة فِي جَمِيع الْأَوَانِي (الْفَرْع الثَّالِث) يكره انتباذ الخليطين وشربهما كالتمر وَالزَّبِيب وَإِن لم يسكر وَحرم قوم الخليطين وأباحها قوم مَا لم يسكر (الْفَرْع الرَّابِع) لَا يحل لمُسلم أَن يتَمَلَّك الْخمر وَلَا شَيْئا من الْمُسكر فَمن وجدت عِنْده أريقت عَلَيْهِ وَاخْتلف فِي ظروفها فَقيل يكسر جَمِيعهَا وتشق وَقيل يكسر ويشق مِنْهَا مَا أفسدته الْخمر وَلَا ينْتَفع بِهِ دون مَا ينْتَفع بِهِ إِذا زَالَت مِنْهُ الرَّائِحَة وَقيل أما الزقاق فَلَا ينْتَفع بهَا وَأما القلال فيطبخ فِيهَا المَاء مرَّتَيْنِ وتغسل وَينْتَفع بهَا (الْفَرْع الْخَامِس) لَا يحل لمُسلم أَن يُؤَاجر نَفسه وَلَا غُلَامه وَلَا دَابَّته وَلَا دَاره فِي عمل الْخمر خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع السَّادِس) لَا يحل لمُسلم بيع الْخمر إِلَى مُسلم وَلَا كَافِر وَلَا بيع الْعِنَب لمن يعْمل مِنْهُ الْخمر فَإِن عثر على الْخمر الْمَبِيعَة كسرت وَنقض البيع وَإِن كَانَ المُشْتَرِي لم يدْفع الثّمن سقط عَنهُ وَإِن كَانَ قد دَفعه رد إِلَيْهِ وَقيل يتَصَدَّق بِهِ وَإِن أسلم الْكَافِر وَعِنْده خمر أراقها وَإِن أسلم وَعِنْده ثمن خمر فَلَا بَأْس بِهِ (الْفَرْع السَّابِع) إِذا تخللت الْخمر من ذَاتهَا صَارَت حَلَالا طَاهِرَة اتِّفَاقًا وَأما تخليلها بمعالجة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْمَنْع وفَاقا لَهما وَالْجَوَاز على كَرَاهَة وَالْفرق بَين أَن يتخذها خمرًا فَلَا يجوز تخليلها أَو يتخمر عِنْده عصير لم يرد بِهِ الْخمر فَيجوز تخليله وَفِي جَوَاز أكلهَا على القَوْل بِالْمَنْعِ ثَلَاثَة أَقْوَال (الْفَرْع الثَّامِن) فِي الْمُدَوَّنَة سُئِلَ مَالك عَن الْخمر تجْعَل فِيهَا الْحيتَان فَتَصِير مربى فَقَالَ لَا أرى ذَلِك وَكَرِهَهُ وَقَالَ حبيب هُوَ حرَام وَإِن أسكر فَهُوَ حرَام بِاتِّفَاق (الْفَرْع التَّاسِع) قَالَ الْقَرَافِيّ المرقدات تغيب الْعقل وَلَا يحد شاربها وَيحل قليلها إِجْمَاعًا وَلَا ينجس قليلها وَلَا كثيرها لِأَنَّهَا غير مسكرة فَإِن الْمُسكر هُوَ المطرب (الْفَرْع الْعَاشِر) يجوز أكل لبن الآدميات إِذا جمع فِي إِنَاء كَسَائِر الألبان وَحرمه أَبُو حنيفَة وَمنع بَيْعه لِأَنَّهُ جُزْء آدَمِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْبَاب الرَّابِع فِي الصَّيْد وَالنَّظَر فِي حكمه وشروطه أما حكمه فينقسم خَمْسَة أَقسَام مُبَاح للمعاش ومندوب للتوسعة على الْعِيَال وواجب لإحياء نفس عِنْد الضَّرُورَة ومكروه للهو وأباحه ابْن عبد الحكم وَحرَام إِذا كَانَ عَبَثا لغير نِيَّة للنَّهْي عَن تَعْذِيب الْحَيَوَان لغير فَائِدَة وَأما شُرُوطه فستة عشر سِتَّة فِي الصَّائِد وَخَمْسَة فِي الْآلَة الَّتِي يصطاد بهَا وَخَمْسَة فِي المصيد ولنفرد لكل وَاحِد فصلا (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط الصَّائِد (الأول) أَن يكون مِمَّن تصح تذكيته حَسْبَمَا يذكر فِي الذَّبَائِح فَيجوز صيد الْمُسلم اتِّفَاقًا وَلَا يجوز صيد الْمَجُوسِيّ وَفِي صيد الْكِتَابِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَوَاز وَالْمَنْع وَالْكَرَاهَة فَإِن كَانَ أَبوهُ مجوسيا وَأمه كِتَابِيَّة أَو بِالْعَكْسِ فمالك يعْتَبر الْوَالِد وَالشَّافِعِيّ يعْتَبر الْأُم وَأَبُو حنيفَة يعْتَبر أَيّمَا كَانَ مِمَّن تجوز تذكيته (الثَّانِي) أَن لَا يكون محرما وَهَذَا فِي صيد الْبر (الثَّالِث) أَن يرى الصَّيْد ويعينه (الرَّابِع) أَن يَنْوِي الإصطياد (الْخَامِس) أَن يُسَمِّي الله تَعَالَى عِنْد الْإِرْسَال أَو الرَّمْي كَمَا يُسَمِّي الذَّابِح عِنْد الذّبْح فَإِن ترك التَّسْمِيَة فَحكمه حكم الذَّابِح وَسَيَأْتِي (السَّادِس) أَن يتبع الصَّيْد عِنْد الْإِرْسَال أَو الرَّمْي فَإِن رَجَعَ ثمَّ أدْركهُ غير منفوذ الْمقَاتل ذكاه وَإِن لم يُدْرِكهُ إِلَّا منفوذ الْمقَاتل لم يُؤْكَل إِلَّا أَن يتَحَقَّق إِن مقاتله انفذت بالمصيد بِهِ (الْفَصْل الثَّانِي) الْآلَة صنفان سلَاح وحيوان فَأَما السِّلَاح فَيشْتَرط أَن يكون محدادا كالرمح والسهم وَالسيف وَغير ذَلِك مَا عدا مَا لَا يجوز التذكية بِهِ وَهِي السن وَالظفر والعظم وَمن رمى الصَّيْد بسبف أَو غَيره فَقَطعه قطعتين أكل جَمِيعه وَلَا يجوز عِنْد الْجُمْهُور الصَّيْد بمثقل كالحجر والمعراض إِلَّا أَن يكون لَهُ حد ويوقن أَنه أصَاب بِهِ لَا بِالْمرضِ وَأما الْحَيَوَان فَيجوز عِنْد الْجَمِيع الصَّيْد بالكلاب والبازات والصقور وَالْعِقَاب وكل مَا يقبل التَّعْلِيم حَتَّى بالسنور قَالَه ابْن شعْبَان خلافًا لمن مَنعه بالكلب الْأسود وَهُوَ ابْن حَنْبَل وَلمن مَنعه بِغَيْر الْكلاب فَإِن قَتله الْجَارِح أكل لِأَن ذَلِك ذَكَاته وَإِن لم يقْتله ذكي وَأما النمس فَلَا يُؤْكَل مَا قتل لِأَنَّهُ لَا يقبل التَّعْلِيم وَيشْتَرط فِي الْحَيَوَان أَرْبَعَة شُرُوط (الأول) أَن يكون معلما وَالْمَقْصُود من ذَلِك أَن ينْتَقل عَن طبعه الْأَصْلِيّ حَتَّى يصير مصرفا بِحكم الصَّائِد كالآلة لَا صائدا لنَفسِهِ وَقيل التَّعْلِيم أَن يكون إِذا زجر انزجر وَإِذا أشل أطَاع وَقيل يُضَاف إِلَى هذَيْن أَن يكون إِذا دعِي أطَاع وَعند أبي حنيفَة أَن يتْرك الْأكل ثَلَاث مَرَّات (الثَّانِي) أَن يُرْسِلهُ الصَّائِد من يَده على الصَّيْد بعد أَن يرَاهُ ويعينه فَإِن انْبَعَثَ من تِلْقَاء نَفسه لم يُؤْكَل خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن انْبَعَثَ بإرساله وَهُوَ لَيْسَ فِي يَده فَقيل يُؤْكَل وَقيل لَا يُؤْكَل وَقيل يُؤْكَل إِذا كَانَ قَرِيبا وَإِن زَجره بعد انبعاثه من تِلْقَاء نَفسه فَرجع إِلَيْهِ ثمَّ أشلاه أكل وَإِن لم يرجع إِلَيْهِ لم يُؤْكَل وَإِن أرْسلهُ على صيد بِعَيْنِه فصاد غَيره لم يُؤْكَل خلافًا لَهما وَلَو ظَنّه ابلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فَرَمَاهُ فَقتله ثمَّ ظهر أَنه بقرة مثلا فَفِيهِ قَولَانِ فَإِن أرسل وَلم يقْصد شَيْئا معينا وَإِنَّمَا قصد مَا يَأْخُذ الْجَارِح أَو تقتل الْآلَة فِي جِهَة محصورة كالغار وَشبهه جَازَ على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب وَإِن كَانَت جِهَة غير مُعينَة كالمتسع من الأَرْض والغياض لم يجز خلافًا لأصبغ وَلَا خلاف فِي الْمَذْهَب أَنه لَا يُبَاح الْإِرْسَال على صيد يقوم بَين يَدَيْهِ وَلَو رأى الْجَارِح يضطرب وَلم ير الصَّائِد شَيْئا فَأرْسل عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ مَالك مرّة وَكَرِهَهُ أُخْرَى وَقَالَ لَعَلَّه غير الَّذِي اضْطربَ عَلَيْهِ (الثَّالِث) أَن لَا يرجع الْجَارِح عَن الصَّيْد فَإِن رَجَعَ بِالْكُلِّيَّةِ لم يُؤْكَل وَكَذَلِكَ لَو اشْتغل بصيد آخر أَو بِمَا يَأْكُلهُ وَأَن توقف فِي مَوَاضِع الطّلب أكل وَهَذَا كُله إِنَّمَا يشْتَرط إِذا قَتله الْجَارِح فَإِن لم يقْتله ذكى (الرَّابِع) أَن لَا يُشَارِكهُ فِي الْعقر مَا لَيْسَ عقره ذَكَاة كَغَيْر الْمعلم فَإِن تَيَقّن أَن الْمعلم هُوَ الْمُنْفَرد بالعقر أكل وَإِن تَيَقّن خلاف ذَلِك أَو شكّ لم يُؤْكَل وَإِن غلب على ظَنّه أَنه الْقَاتِل فَفِيهِ خلاف وَإِن أدْركهُ غير منفوذ الْمقَاتل فذكاه أكل مُطلقًا (الْفَصْل الثَّالِث) فِي شُرُوط المصيد (الأول) يشْتَرط أَن يكون جَائِز الْأكل فَإِن الْحَرَام لَا يُؤثر فِيهِ الصَّيْد وَلَا الذَّكَاة (الثَّانِي) أَن يعجز عَن أَخذه فِي أصل خلقته كالوحوش والطيور فَإِن كَانَ متأنسا كَالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم ثمَّ توحش لم يُؤْكَل بالصيد خلافًا لَهُم وَلابْن الْعَرَبِيّ فِي كل متأنس ند وَلابْن حبيب فِي الْبَقر خَاصَّة وَإِن قدر على المتوحش كَالَّذي يحصل فِي حبالة ذكي وَلم يُؤْكَل بعقر الإصطياد وَإِن تأنس المتوحش الأَصْل ثمَّ ند أكل بالإصطياد (الثَّالِث) أَن يَمُوت من الْجرْح لَا من صدم الْجَارِح وَلَا من الرعب وفَاقا لَهما وَأَجَازَ أَشهب أكله (الرَّابِع) أَن لَا يشك فِي صَيْده هَل هُوَ أَو غَيره وَلَا يشك هَل قتلته الْآلَة أَو لَا فَإِن شكّ لم يُؤْكَل وَلَو فَاتَ عَنهُ الصَّيْد ثمَّ وجده منفوذ الْمقَاتل لم يُؤْكَل فِي الْمَشْهُور وَقيل يُؤْكَل وَقيل يكره فَلَو رَمَاه فَوَقع فِي مَاء أَو تردى من جبل لم يُؤْكَل إِذْ لَعَلَّ مَوته من الْغَرق أَو التردي إِلَّا أَن يكون سَهْمه قد أنفذ مقاتله قبل ذَلِك فَلَا يضرّهُ الْغَرق أَو التردي (الْخَامِس) أَن يذكي إِن لم تكن مقاتلة قد أنفذت فَإِن أدْركهُ حَيا وَقدر على تذكيته فَلم يذكه حَتَّى مَاتَ أَو قَتله الْجَارِح لم يُؤْكَل وَإِن قَتله الْجَارِح قبل أَن يقدر عَلَيْهِ أكل فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يشْتَرط أَن لَا يَأْكُل مِنْهُ الْجَارِح فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَابْن حزم وَالْمُنْذر البلوطي فروع تِسْعَة مُتَفَرِّقَة (الْفَرْع الأول) إِذا قطعت الْآلَة والجارح عضوا من الصَّيْد لم يجز أكل الْعُضْو لِأَنَّهُ ميتَة إِذا قطع من حَيّ وَيجوز أكل سائره إِلَّا الرَّأْس إِذا قطع فيؤكل وَلَو كَانَ الْمَقْطُوع النّصْف فَأكْثر جَازَ أكل الْجَمِيع (الْفَرْع الثَّانِي) قَالَ مَالك فِي الْعُتْبِيَّة والموازية إِذا رمى بِسَهْم مَسْمُوم لم يُؤْكَل خوفًا على من أكله وَلَعَلَّه أعَان على قَتله قَالَ ابْن رشد إِذا لم ينفذ مقاتله وَلم تدْرك ذَكَاته لم يُؤْكَل بِاتِّفَاق فَإِن أدْركْت ذَكَاته فَمَنعه مَالك وَابْن حبيب وَأَجَازَهُ سَحْنُون قَالَ وَهُوَ أظهر فَإِن أنفذ السهْم المسموم مقاتله فَمَنعه ابْن حبيب قَالَ الْبَاجِيّ إِن كَانَ السم من السمُوم الَّتِي تؤمن وَلَا يتقى على أكلهَا كالبقلة جَازَ على أصل ابْن الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يسْتَحق الصَّيْد بِالرُّؤْيَةِ دون الْأَخْذ فَلَو رَآهُ وَاحِد وصاده آخر كَانَ لمن صَاده فَإِن صَاده وَاحِد ثمَّ ند مِنْهُ فصاده آخر فَاخْتلف هَل يكون للْأولِ أَو للثَّانِي إِلَّا إِن توحش بعد الأول فَهُوَ للثَّانِي خلافًا لَهما (الْفَرْع الرَّابِع) إِن غصب كَلْبا أَو بازيا فصاد بِهِ فَاخْتلف هَل يكون المصيد للْغَاصِب أَو لصَاحب الْجَارِح وَلَو غصب سِلَاحا أَو فرسا كَانَ للْغَاصِب وَلَو غصب عبدا فاصطاد لَهُ كَانَ المصيد لسَيِّد العَبْد (الْفَرْع الْخَامِس) مَوضِع نَاب الْكَلْب ؤكل لِأَنَّهُ طَاهِر فِي الْمَذْهَب وَقَالَ الشَّافِعِي يغسل سبعا أَو يقطع الْموضع الَّذِي فِيهِ اللعاب (الْفَرْع السَّادِس) من طرد صيدا فَدخل دَار إِنْسَان فَإِن كَانَ اضطره فَهُوَ لَهُ وَإِن كَانَ لم يضطره فَهُوَ لصَاحب الدَّار (الْفَرْع السَّابِع) لَا يمْنَع أحد أَن ينصب أبرجة حمام أَو أجباح نحل فِي مَوضِع فِيهِ أبرجة حمام أَو أجباح نحل لغيره إِلَّا أَن يعلم أَنه أضرّ السَّابِق بِأَن يحدثها بقربة ويقصد صيد الْمَمْلُوك فَيمْنَع فَإِن نصبها فَحصل فِيهَا حمام أَو نحل لغيره فَإِن قدر على ردهَا ردهَا وَإِن لم يقدر على ردهَا فَقيل يكون مَا تولد عَنْهَا للسابق وَقيل لمن صَارَت إِلَيْهِ (الْفَرْع الثَّامِن) كل مَا ذكرنَا من شُرُوط الصَّيْد إِنَّمَا يشْتَرط إِذا عقرته الْجَوَارِح أَو السِّلَاح أَو أنفذت مقاتله فَإِن أدْركهُ حَيا غير منفوذ الْمقَاتل ذكى وَإِنَّمَا يشْتَرط فِي ذَلِك مَا يشْتَرط فِي الذّبْح (الْفَرْع التَّاسِع) إِنَّمَا تشْتَرط الشُّرُوط فِي صيد الْبر وَأما صيد الْبَحْر فَيجوز مُطلقًا سَوَاء صَاده مُسلم أَو كَافِر على أَي وَجه كَانَ الْبَاب الْخَامِس فِي الذَّبَائِح الذّبْح والنحر ذَكَاة الْمَقْدُور عَلَيْهِ كَمَا أَن الْعقر بالصيد ذَكَاة غير الْمَقْدُور عَلَيْهِ وَالنَّظَر فِي المذكى والمذكي والآلة وَصفَة الذَّكَاة فَفِي الْبَاب أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي المذكي وَهُوَ على ثَلَاثَة أَصْنَاف صنف اتّفق على جَوَاز تذكيته وَهُوَ الْمُسلم الْبَالِغ الْعَاقِل الذّكر الْمُصَلِّي وصنف اتّفق على تَحْرِيم تذكيته وَهُوَ الْمُشرك من عَبدة الْأَوْثَان وصنف اخْتلف فِيهِ وَهُوَ عشرَة أهل الْكتاب وَالْمَجُوس والصابئون وَالْمَرْأَة وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والسكران وتارك الصَّلَاة وَالْغَاصِب وَالسَّارِق فَأَما أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَتجوز ذَبَائِحهم على الْجُمْلَة اتِّفَاقًا وَاخْتلف مِنْهَا فِي فروع وَهِي إِن كَانَ الْكِتَابِيّ عَرَبيا جَازَت ذَبِيحَته عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَإِن كَانَ مُرْتَدا لم تُؤْكَل ذَبِيحَته عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لأبي إِسْحَاق وَإِن ذبح نَائِبا عَن مُسلم فَقَوْلَانِ فِي الْمَذْهَب وَلَا خلاف فِي الْجَوَاز إِن ذبح لنَفسِهِ إِلَّا إِن ذبح لعيدهم أَو كنائسهم فَهُوَ مَكْرُوه وَأَجَازَهُ أَشهب وَحرمه الشَّافِعِي وَإِذا كَانَت الذَّبِيحَة مُحرمَة عَلَيْهِم فَأَرْبَعَة أَقْوَال الْمَنْع لِابْنِ الْقَاسِم وَالْإِبَاحَة لِابْنِ عبد الحكم وَالْكَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 لأَشْهَب والتفرقة بَين أَن يكون مِمَّا علمنَا تَحْرِيمه عَلَيْهِم كذي الظفر فَلَا يجوز أَو مِمَّا انفردوا بِتَحْرِيمِهِ كالطريفة فَيجوز وَفِي شحوم مَا ذبحوه الْمَنْع وَالْجَوَاز وفَاقا لَهما وَالْكَرَاهَة وَإِذا غَابَ الْكِتَابِيّ على الذَّبِيحَة فَإِن علمنَا أَنهم يذكرُونَ أكلنَا وَإِن علمنَا أَنهم يسْتَحلُّونَ الْميتَة كنصارى الأندلس أَو شككنا فِي ذَلِك لم نَأْكُل مِمَّا غَابُوا عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يقْصد الشِّرَاء من ذَبَائِح الْيَهُود وَينْهى الْمُسلمُونَ عَن شِرَاء ذَلِك مِنْهُم وَينْهى الْيَهُود عَن البيع مِنْهُم وَمن اشْترى مِنْهُم فَهُوَ رجل سوء وَلَا يفْسخ شِرَاؤُهُ وَقَالَ ابْن شعْبَان أكره قديد الرّوم وجبنهم لما فِيهِ من أنفحة الْميتَة وَقَالَ الْقَرَافِيّ وكراهيته مَحْمُولَة على التَّحْرِيم لثُبُوت أكلهم الْميتَة وَأَنَّهُمْ يخنقون الْبَهَائِم ويضربونها حَتَّى تَمُوت وَقد صنف الطرطوشي فِي تَحْرِيم جبنهم وَهُوَ ينجس البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَالْمِيزَان وَأما الْمَجُوس فَلَا تجوز ذَبَائِحهم عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لقوم وَأما الصابئون فَلَا تجوز ذَبَائِحهم فِي الْمَذْهَب خلافًا لقود وَدينهمْ بَين الْمَجُوسِيَّة والنصرانية وَقيل يَعْتَقِدُونَ تَأْثِير النُّجُوم وَأما الصَّبِي فَإِن لم يعقل الذّبْح وَلم يطقه فَلَا تصح ذَكَاته وَإِن عقل وأطاق جَازَت ذَكَاته فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا تُؤْكَل وَهُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة وَأما الْمَرْأَة فذكاتها جَائِزَة على الْمَشْهُور وَأما الْمَجْنُون والسكران فَلَا تجوز ذبيحتهما خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما تَارِك الصَّلَاة فَتجوز ذَبِيحَته خلافًا لِابْنِ حبيب وَأما سَارِق الذَّبِيحَة وغاصبها فَتجوز ذَبِيحَته عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للظاهرية تَلْخِيص فِي الْمَذْهَب قَالَ ابْن رشد سِتَّة فِي الْمَذْهَب لَا تجوز ذَبَائِحهم وهم الصَّغِير الَّذِي لَا يعقل وَالْمَجْنُون حَال جُنُونه والسكران الَّذِي لَا يعقل والمجوسي وَالْمُرْتَدّ والزنديق وَسِتَّة تكره وهم الصَّغِير الْمُمَيز وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى والخصي والأغلف وَالْفَاسِق وَسِتَّة اخْتلف فِي ذَبَائِحهم وهم تَارِك الصَّلَاة والسكران الَّذِي يخطيء ويصيب والمبتدع الْمُخْتَلف فِي كفره وَالنَّصْرَانِيّ الْعَرَبِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِذا ذبح لمُسلم بأَمْره والعجمي يُجيب إِلَى الْإِسْلَام قبل الْبلُوغ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي المذكي وَفِيه أَرْبَعَة مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِيمَا يفْتَقر إِلَى ذَكَاة الْحَيَوَان على نَوْعَيْنِ بري وبحري فَأَما الْبري الَّذِي لَهُ نفس سَائِلَة فَلَا بُد من ذَكَاته اتِّفَاقًا وَكله يقبل الذَّكَاة إِلَّا الْخِنْزِير فَإِنَّهُ إِذا ذكى صَار ميتَة لغلظ تَحْرِيمه بِخِلَاف سَائِر الْمُحرمَات فقد اخْتلف هَل ينْتَفع بذكاتها لطهارة لحومها وعظامها وجلودها وَهُوَ الْمَشْهُور وفَاقا لأبي حنيفَة أَو لَا ينْتَفع وَقَالَ الشَّافِعِي ينْتَفع بِالْجلدِ والعظم لَا بِاللَّحْمِ وَأما الْبري الَّذِي لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فيفتقر إِلَى الذَّكَاة وَقيل لَا يفْتَقر وَأما البحري فَإِن لم تطل حَيَاته فِي الْبر لم يفْتَقر إِلَى ذَكَاة كالحوت وَكَذَلِكَ مَا تطول حَيَاته فِي الْبر على الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ نَافِع (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي ذَكَاة الْمَرِيضَة لَا بُد أَن يكون المذكى مَعْلُوم الْحَيَاة وَأما الْمَرِيضَة الَّتِي لم تشرف على الْمَوْت فتذكى وتؤكل اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الَّتِي أشرفت عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الْجُمْهُور وَفِي الْمَشْهُور إِلَّا إِن شكّ هَل أدْركْت حَيَاتهَا أم لَا فَلَا تُؤْكَل فَإِن غلب على الظَّن إِدْرَاك حَيَاتهَا فَفِيهَا خلاف فَإِن لم يَتَحَرَّك من الذَّبِيحَة شَيْء فَإِن كَانَت صَحِيحَة أَو مَرِيضَة لم تقرب منالموت أكلت وَإِن قربت لم تُؤْكَل إِلَّا بِدَلِيل يدل على الْحَيَاة والعلامات على الْحَيَاة خمس سيلان الدَّم لَا خُرُوج الْقَلِيل مِنْهُ والركض بِالْيَدِ أَو الرجل وطرف الْعين وتحريك الذَّنب وَخُرُوج النَّفس فَإِن تحركت وَلم يسل دَمهَا أكلت وَإِن سَالَ دامها وَلم تتحرك لم تُؤْكَل لِأَن الْحَرَكَة أقوى فِي الدّلَالَة على الْحَيَاة من سيلان الدَّم وَأما الاختلاج الْخَفِيف فَلَيْسَ دَلِيلا لِأَن اللَّحْم يختلج بعد السلخ وَاخْتلف فِي وَقت مُرَاعَاة العلامات على الْحَيَاة على ثَلَاثَة أَقْوَال بعد الذّبْح وَمَعَهُ وَقَبله (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن وَهِي المنخنقة الَّتِي اختنقت بِحَبل وَنَحْوه الموقوذة المضروبة بعصا وَشبههَا والمتردية الَّتِي سَقَطت من جبل أَو غَيره والنطيحة المنطوحة وَمَا أكل السَّبع وَلها أَرْبَعَة أَحْوَال فَإِن مَاتَت قبل الذَّكَاة لم تُؤْكَل إِجْمَاعًا وَإِن رجيت حَيَاتهَا ذكيت وأكلت إِجْمَاعًا وَإِن نفذت مقاتلها لم تُؤْكَل بِاتِّفَاق فِي الْمَذْهَب عِنْد ابْن رشد وَحكى فِيهَا غَيره قَوْلَيْنِ وَقد أجَاز أكلهَا عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِن يئس من حَيَاتهَا وَلم تنفذ مقاتلها أَو شكّ فِي أمرهَا فَثَلَاثَة أَقْوَال تذكى وتؤكل عِنْد ابْن الْقَاسِم وفَاقا لَهما وَلَا تذكى وَلَا تُؤْكَل وَالْفرق بَين الشَّك فتذكى وتؤكل وَبَين الْإِيَاس فَلَا تذكى وَلَا تُؤْكَل وَسبب الْخلاف هَل قَوْله تَعَالَى ((إِلَّا مَا ذكيتم)) اسْتثِْنَاء مُتَّصِل أَو مُنْقَطع فَمن رَآهُ مُتَّصِلا قَالَ تعْمل الذَّكَاة فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَمن رَآهُ مُنْقَطِعًا قَالَ لَا تعْمل الذَّكَاة فِيهَا لِأَن المُرَاد ((مَا ذكيتم)) من غَيرهَا وَقَالَ ابْن بكير معنى الْآيَة مَا مَاتَ بالخنق وَغَيره من تِلْكَ الْأَشْيَاء فَهُوَ حرَام كالميتة وَالدَّم بَيَان الْمقَاتل الْمُتَّفق عَلَيْهَا خَمْسَة قطع الْأَوْدَاج وانتشار الدِّمَاغ وانتشار الحشوة وخرق المصران أَعْلَاهُ فِي مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب لَا أَسْفَله حَيْثُ الرجيع وَانْقِطَاع النخاع وَهُوَ المخ الَّذِي فِي عِظَام الرَّقَبَة والصلب وَاخْتلف فِي اندقاق الْعُنُق من غير أَن يَنْقَطِع النخاع وَفِي انْشِقَاق الْأَوْدَاج من غير قطع وَإِذا ذبحت الْبَهِيمَة فَوجدت منقوبة الكرش فَالصَّحِيح جَوَاز أكلهَا لعيشها مَعَه (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي ذَكَاة الْجَنِين وَله أَرْبَعَة أَحْوَال (الأول) أَن تلقيه مَيتا قبل تذكيتها فَلَا يُؤْكَل إِجْمَاعًا (الثَّانِي) أَن تلقيه حَيا قبل تذكيتها فَلَا يُؤْكَل إِلَّا أَن يذكى وَهُوَ مُسْتَقر الْحَيَاة (الثَّالِث) أَن تلقيه مَيتا بعد تذكيتها فَهُوَ حَلَال وذكاته ذَكَاة أمه خلافًا لأبي حنيفَة وَيشْتَرط أَن يكون قد كمل خلقه وَنبت شعره خلافًا للشَّافِعِيّ (الرّبع) أَن تلقيه حَيا بعد ذكاتها فَإِن أدْركْت ذَكَاته ذكى وَإِن لم تدْرك فَقيل هُوَ ميتَة وَقيل ذَكَاته ذَكَاة أمه (فرع) فِي الْبيض إِذا سلق فَوجدَ فِيهِ فرخ ميت لم يُؤْكَل وَإِذا أخرجت بَيْضَة من دجَاجَة ميتَة لم تُؤْكَل وَقَالَ ابْن نَافِع تُؤْكَل إِذا اشتدت كَمَا لَو ألقيت فِي نَجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْآلَة الَّتِي يذكى بهَا وَهِي كل محدد يُمكن بِهِ إِنْفَاذ الْمقَاتل وإنهار الدَّم سَوَاء كَانَ من حَدِيد أَو عظم أَو عود أَو قصب أَو حجر لَهُ حد أَو فخار أَو زجاج إِلَّا أَنه يكره غير الْحَدِيد من غير حَاجَة وتؤكل وَأما السن وَالظفر ففيهما ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا تجوز الذَّكَاة بهما لَا متصلين وَلَا منفصلين وفَاقا للشَّافِعِيّ وَالثَّانِي الْجَوَاز منفصلين ومتصلين وَالثَّالِث الْجَوَاز بالمنفصلين لِابْنِ حبيب وَأبي حنيفَة وَمنع الشَّافِعِي الْعظم وَأَجَازَهُ مَالك وَابْن حَنْبَل وَاشْترط ابْن الْقصار فِيمَا يذكى بِهِ أَن يقطع الأدواج والحلقوم فِي دفْعَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ لَا يقطعهَا إِلَّا فِي دفعات لم تجز الذَّكَاة بِهِ وَإِن كَانَ حديدا وَقَالَ ابْن حبيب لَا خير فِي المنجل المضرس (الْفَصْل الرَّابِع) فِي صفة الذَّكَاة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي أَنْوَاع الذَّكَاة وَهِي أَرْبَعَة صيد فِي غير الْمَقْدُور عَلَيْهِ وَذبح فِي الْحلق للطيور وتأثير بِقطع أَو غَيره فِي الْجَرَاد فَإِن ذبح مَا ينْحَر أَو نحر مَا يذبح من غير ضَرُورَة لم تُؤْكَل وَقيل تُؤْكَل وفَاقا لَهما وَقيل يكره وَقيل أَن ذبح مَا ينْحَر أكل بِخِلَاف الْعَكْس (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فَرَائض الذّبْح خَمْسَة (الأولى النِّيَّة وَهِي أَبُو حَامِد (الثَّانِي) الْفَوْر فَإِن رفع يَده قبل إِكْمَال الذَّكَاة ثمَّ أَعَادَهَا فَقَالَ ابْن حبيب تُؤْكَل إِن كَانَ بِالْقربِ وَإِن تبَاعد لم تُؤْكَل وَقَالَ سَحْنُون لَا تُؤْكَل وَإِن كَانَ بِالْقربِ وَتَأَول عَلَيْهِ بَعضهم أَنه إِن رفع مختبرا أكلت وَإِن رفع وَهُوَ يرى أَنه قد أجهز لم تُؤْكَل وَقَالَ آخر لَو عكس لَكَانَ أصوب وَرجح جَوَاز أكلهَا اللَّخْمِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن ربيع (الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس) قطع الودجين والحلقوم والمري وَلَا يعرف مَالك المري والحلقوم مجْرى النَّفس وَلَا يُوصل إِلَى قطع الودجين فِي الْغَالِب إِلَّا بعد قطعه لِأَنَّهُ قبلهمَا والمري مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَهُوَ وَرَاء ذَلِك ملتصق بِعظم الْقَفَا وَقد رُوِيَ عَن مَالك اشْتِرَاط قطع الْأَرْبَعَة فَإِن ترك أحد الثَّلَاثَة لم تُؤْكَل وَاشْترط الشَّافِعِي قطع الْحُلْقُوم والمري وَاشْترط أَبُو حنيفَة قطع ثَلَاثَة غير مُعينَة من الْأَرْبَعَة فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) يجب أَن تبقى الغلصمة وَهِي الجوزة إِلَى الرَّأْس لِأَن الْحُلْقُوم تحتهَا فِيمَا بَينهَا وَبَين اللبة فَإِن لم يقطعهَا وأجازها إِلَى الْبدن وَلم يبْق مِنْهَا فِي الرَّأْس مَا يستدير لم تُؤْكَل فِي الْمَشْهُور وَقيل تُؤْكَل وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِم بن ربيع فإنق طع بعضهما فعلى القَوْل بِالْمَنْعِ تُؤْكَل إِن صَار مِنْهَا إِلَى الرَّأْس حَلقَة مستديرة وَإِلَّا فَلَا (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يُؤْكَل مَا ذبح من الْقَفَا وَلَا فِي صفحة الْعُنُق إِذا وصل من ذَلِك إِلَى قطع مَا يجب فِي الذَّكَاة خلافًا لَهما (الْفَرْع الثَّالِث (إِن قطع بعض الودجين والحلقوم فَقَالَ سَحْنُون لَا يجوز وَابْن الْقَاسِم إِن قطع النّصْف أَو الثُّلثَيْنِ جَازَ وإم لم يقطع إِلَّا الْيَسِير لم يجز (الْفَرْع الرَّابِع) إِن تَمَادى بِالْقطعِ حَتَّى قطع الرَّأْس أَو النخاع أكلت على كرهة وَقَالَ مطرف تُؤْكَل فِي النسْيَان والجهال وَلَا تُؤْكَل فِي الْعمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي سنَن الذّبْح وَهِي خمس (الأول) التَّسْمِيَة وَقيل فرض مَعَ الذّكر سَاقِطَة مَعَ النسْيَان وَيُقَوِّي ذَلِك أَن ابْن بشير حكى الِاتِّفَاق فِي الْمَذْهَب على أَن من تَركهَا عمدا تهاونا لم تُؤْكَل ذَبِيحَته وَمن تَركهَا نَاسِيا أكلت وَمن تَركهَا عمدا غير متهاون فَالْمَشْهُور أَنَّهَا لَا تُؤْكَل خلافًا لأَشْهَب وَأَجَازَ الشَّافِعِي أكلهَا مَعَ ترك التَّسْمِيَة مُطلقًا وَهِي عِنْده مُسْتَحبَّة ولفظها ((بِسم الله)) وَإِن زَاد التَّكْبِير فَحسن (الثَّانِي) تَوْجِيه الذَّبِيحَة إِلَى الْقبْلَة فَإِن لم يسْتَقْبل سَاهِيا أَو لعذر أكلت وَإِن تعمد فَقَوْلَانِ الْمَشْهُور الْجَوَاز (الثَّالِث) أَن يضجع الذَّبِيحَة على شقها الْأَيْسَر بِرِفْق ورأسها مشرف وَيَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُسْرَى جلد حلقها من اللحى الْأَسْفَل فيمده حَتَّى تتبين الْبشرَة لم يمر السكين على الْحلق تَحت الْجَوْز حَتَّى يقف فِي الْعظم فَإِن كَانَ أعْسر جَازَ أَن يَجْعَلهَا على شقها الْأَيْمن وَيكرهُ ذبح الأعسر وتنحر الْإِبِل قَائِمَة (الرَّابِع) أَن الشَّفْرَة وليفعل ذَلِك بِحَيْثُ لَا ترَاهُ للبهيمة (الْخَامِس) أَن يرفق وَلَا تنخع وَلَا يقطع شَيْء مِنْهَا حَتَّى تَمُوت والنخع هُوَ قطع النخاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 = الْكتاب الْعَاشِر فِي الضَّحَايَا والعقيقة والختان وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الضحية وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي حكمهَا وَهِي سنة مُؤَكدَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل وَاجِبَة وفَاقا لأبي حنيفَة فروع خَمْسَة (الأول) يُؤمر بهَا من اجْتمعت فِيهِ خَمْسَة شُرُوط وَهِي الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَأَن لَا يكون حَاجا بمنى فَإِن سنته الْهَدْي وَأَن يقدر عَلَيْهَا وَأَن لَا تجحف بِهِ وَأَن قدر وَقَالَ ابْن حبيب أَن وجد الْفَقِير من يسلفه فيتسلف ويشتريها (الْفَرْع الثَّانِي) كَمَا يُؤمر بهَا الْمُقِيم يُؤمر بهَا الْمُسَافِر خلافًا لأبي حنيفَة وَيجوز للغزاة أَن يضحوا من غنم الرّوم لِأَن لَهُم أكلهَا وَلَا يردونها للمغانم (الْفَرْع الثَّالِث) كَمَا يُؤمر بهَا الْكَبِير يُؤمر بهَا ولي الصَّغِير أَن يُضحي عَنهُ وَأَن ولد يَوْم النَّحْر أَو آخر أَيَّامه وَكَذَلِكَ من أسلم فِيهَا ويخرجها الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم (الْفَرْع الرَّابِع) الْأَكْمَل للقادر أَن يُضحي عَن كل شخص عِنْده أضْحِية فَإِن أَرَادَ إِنْسَان أَن يُضحي بِوَاحِدَة عَن كل من عِنْده جَازَ فِي الْمَذْهَب بِشَرْط أَن يَكُونُوا أَقَاربه وَتَحْت نَفَقَته سَوَاء لَزِمته نَفَقَتهم أم لَا وَأما إِن كَانُوا أجانب وَأنْفق عَلَيْهِم تَطَوّعا أَو استعملهم لم يجز أَن يشركهم فِي أضحيته وَلَا يجمع الْوَصِيّ يتيمه فِي أضْحِية وَاحِدَة مَعَ نَفسه (الْفَرْع الْخَامِس) لَا تجوز الشّركَة فِي ثمن الضَّحَايَا وَيجوز عِنْدهمَا أَن يشْتَرك سَبْعَة فِي بَدَنَة أَو بقرة بِخِلَاف الشَّاة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي وَقتهَا يذبح الإِمَام بالمصلى بعد الصَّلَاة ليراه النَّاس فيذبحوا بعده فَلَا تجزي من ذبح قبل الصَّلَاة وَلَا قبل ذبح الإِمَام بعد الصَّلَاة وَعند الشَّافِعِي بعد مِقْدَار الصلاى سَوَاء صلى الإِمَام أَو ذبح أم لَا فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) إِن كَانَ أهل الْقرْيَة بِلَا إِمَام تحروا أقرب الْأَئِمَّة إِلَيْهِم فَإِن صادفوا قبله أجزأهم وَقيل لَا يَجْزِي وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّمَا يتحرون قدر الصَّلَاة وَالْخطْبَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَن ذَبَحُوا بعد الْفجْر أجزأهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 (الْفَرْع الثَّانِي) إِن لم يبرز الإِمَام أضحيته لم يجز من ذبح قبله وَقيل يجْزِيه (الْفَرْع الثَّالِث) يَمْتَد وَقت الذّبْح إِلَى غرُوب الشَّمْس ثَالِث الْعِيد وَقَالَ الشَّافِعِي رَابِع الْعِيد وَقَالَ قوم يَوْم الْعِيد خَاصَّة فَمن ذبح فِي الثَّانِي وَالثَّالِث تحرى وَقت ذبح الإِمَام فِي الْيَوْم الأول فَإِن ذبح قبله أَجزَأَهُ إِذا كَانَ بعد طُلُوع الْفجْر (الْفَرْع الرَّابِع) من ذبح بِاللَّيْلِ أَو قبل طُلُوع الْفجْر لم يجزه فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَقيل يجْزِيه (الْفَرْع الْخَامِس) الْأَفْضَل أَن يُضحي قبل زَوَال الشَّمْس فَإِن فَاتَهُ ذَلِك يَوْم النَّحْر فَاخْتلف هَل الْأَفْضَل أَن يُضحي بَقِيَّة النَّهَار أَو يُؤَخر إِلَى ضحى الْيَوْم الثَّانِي وَإِن فَاتَهُ ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّانِي فَالْأَفْضَل أَن يُؤَخر إِلَى ضحى الْيَوْم الثَّالِث وَإِن فَاتَهُ ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّالِث فيضحى بعد الزَّوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقت ينْتَظر (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الذَّابِح الأولى أَن يتَوَلَّى ذبح أضحيته بِيَدِهِ فَإِن لم يُمكنهُ فليوكل على الذّبْح مُسلما مُصَليا وَيَنْوِي هُوَ لنَفسِهِ فَإِن نوى الْوَكِيل عَن صَاحبهَا جَازَ وَإِن نوى عَن نَفسه جَازَ خلافًا لأَشْهَب وَفِي تَوْكِيل الْكِتَابِيّ قَولَانِ على القَوْل بِالْجَوَازِ لَا يَنْوِي الْكِتَابِيّ فرعان (الْفَرْع الأول) لَو ذبحت بِغَيْر إِذن صَاحبهَا لم تجز وَضمن الذَّابِح قيمتهَا وعَلى رَبهَا بدلهَا إِلَّا أَن كَانَ الذَّابِح وَلَده أَو بعض عِيَاله فَيجوز عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب (الْفَرْع الثَّانِي) صفة الذّبْح والذابح على مَا ذكر فِي الذَّبَائِح فَإِن ذَبحهَا تَارِك الصَّلَاة استحبت إِعَادَتهَا الْبَاب الثَّانِي فِي الْأُضْحِية وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي جِنْسهَا وَهِي من الْأَنْعَام فَقَط فَإِن تولد مِنْهَا وَمن غَيرهَا اعْتبرت الْأُم وأفضلها الْغنم ثمَّ الْبَقر ثمَّ الْإِبِل لطيب اللَّحْم وَعكس الشَّافِعِي لِكَثْرَة كالهدايا والضأن أفضل من الْمعز وَذكر كل صنف أفضل من إناثه وإناثه أفضل من ذكر مَا بعده والفحل أفضل من الْخصي وَقَالَ ابْن حبيب الْخصي السمين أفضل من الْفَحْل الضَّعِيف (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي سنّهَا وَهِي الْجذع من الضَّأْن والثني مِمَّا سواهُ فَمَا فَوق ذَلِك فَأَما الْجذع من الضَّأْن والمعز فَهُوَ ابْن سِتَّة أشهر وَقيل ثَمَانِيَة وَقيل عشرَة وَقيل ابْن سنة كَامِلَة وفَاقا لأبي حنيفَة والثني مِنْهَا ابْن سنتَيْن وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل مَا دخل فِي الثَّانِيَة وفَاقا لأبي حنيفَة والجذع من الْبَقر ابْن سنتَيْن والثني مِنْهَا مَا دخل فِي الثَّالِثَة وفَاقا لَهما وَقيل ابْن أَربع سِنِين والجذع من الْإِبِل ابْن خمس سِنِين والثني مِنْهَا ابْن سِتّ سِنِين (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي صفاتها وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع مُسْتَحبَّة ومانعة الْأَجْزَاء ومكروهة فَأَما المستحبة فَإِن يكون كَبْشًا سمينا فحلا أَمْلَح أقرن ينظر بسواد وَيشْرب بسواد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَيَمْشي بسواد والأملح هُوَ الَّذِي يكون فِيهِ الْبيَاض أَكثر منالسواد وَأما الَّذِي لَا يَجْزِي فَثَلَاثَة بِاتِّفَاق وَهِي الْمَرِيضَة الْبَين مَرضهَا والعجفاء الَّتِي لَا تتقي وَهِي الَّتِي لَا شَحم فِيهَا وَقيل الَّتِي لَا مخ فِيهَا والعوراء الْبَين عورها وَإِن كَانَت الحدقة بَاقِيَة وَلَا بَأْس بالبياض فِي الْعين مَا لم يكن على النَّاظر ورابعة لَا تجزي عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَغَيرهمَا خلافًا لأبي حنيفَة وَهِي العرجاء وخامسا لَا تجزي عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا للظاهرية وَهِي العمياء وكذل كالمكسورة وَيجْزِي مجْرى الْمَرِيضَة الجرباء والهرمة إِذا كثر الجرب والهرم وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَة إِن لازمها الْجُنُون وَأما الْمَكْرُوهَة فَمِنْهَا عُيُوب الْأذن فالسكاء المخلوقة بِغَيْر إِذن والشرقاء والمشقوقة الْأذن والخرقاء المنقوبة الْأذن وَقيل الْمَقْطُوع بعض أذنها من أَسْفَل والجذعاء المقطوعة الْأذن فَإِن قطع أَزِيد من الثُّلُث لم تجز وَفِي الثُّلُث خلاف واليسير لَا يضر والمقابلة مَا قطع من أذنها من قبل والمدابرة مَا قطع من أذنها من دبر وَقيل إِن ذَلِك كُله لَا يَجْزِي وَمِنْهَا سُقُوط الْأَسْنَان فَإِن سَقَطت الاثغار حَاز وَإِن سَقَطت لكبر فَقَوْلَانِ ولكسر يسير جَازَ ولكثير قَولَانِ وَمِنْهَا عُيُوب الْقرن فالعضباء هِيَ الْمَكْسُورَة الْقرن وفيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْأَجْزَاء وَالْمَنْع وَالْفرق بَين أَن يدمي أَو لَا يدمي وَهُوَ الْمَشْهُور وَقيل أَن العضباء هِيَ النَّاقِصَة الْخلقَة وَهِي أَيْضا مَكْرُوهَة وَلَا بَأْس بالجماء وَهِي الَّتِي خلقت بِغَيْر قرنين (فرع) من اشْترى أضْحِية ثمَّ حدث بهَا عيب مُفسد فَعَلَيهِ إبدالها وَلنْ انْكَسَرت أضْحِية فجبرها فَصحت أَجْزَأته الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْكَامهَا قبل الذّبْح أما قبل الذّبْح فَفِيهَا سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي تَعْيِينهَا تتَعَيَّن بِالذبْحِ اتِّفَاقًا وبالنية قبله على خلاف فِي الْمَذْهَب وبالشراء بِغَيْر نِيَّة الْأُضْحِية عِنْد أبي حنيفَة وبالنذر أَن عينهَا لَهُ اتِّفَاقًا فَإِذا قَالَ جعلت هَذِه أضْحِية تعيّنت على أحد قَوْلَيْنِ ثمَّ على كلا الْقَوْلَيْنِ إِن مَاتَت فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن بَاعهَا لزمَه أَن يَشْتَرِي بِثمنِهَا أُخْرَى وَلَا يستفضل من ثمنهَا شَيْئا وَالْأولَى أَن يسْتَبْدل بِثمنِهَا خيرا مِنْهَا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) من مَاتَ قبل ذبح أضحيته ورثت عَنهُ وَاسْتحبَّ ابْن الْقَاسِم أَن تذبح عَنهُ وَلم يره أَشهب (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) من غصبت لَهُ أضحيته فغرمت لَهُ قيمتهَا فليشتر بِالْقيمَةِ أُخْرَى وَقيل يصنع بهَا مَا شَاءَ وَلَو لم تف الْقيمَة بِثمن شَاة تصدق بهَا أَو فعل بهَا مَا شَاءَ على الْخلاف الْمُتَقَدّم (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي نسلها وغلتها فَإِذا ولدت قبل الذّبْح حسن ذبح وَلَدهَا مَعهَا من غير وجوب على أَنه لَا يَجْزِي عَن أضحيته لِأَنَّهُ دون السن وإنخرج بعد الذّبْح حَيا فَهُوَ كَأُمِّهِ وَأما لَبنهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِن لم يشربه وَلَدهَا تصدق بِهِ وفَاقا لأبي حنيفَة وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 أَشهب يشربه إِن شَاءَ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأما صوفها بعد الذّبْح فكلحمها وَلَا يجزه قبل الذّبْح لِأَنَّهُ جمال لَهَا وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا يَبِيعهُ خلافًا لأَشْهَب (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) إِذا اخْتلطت الضَّحَايَا قبل الذّبْح أَخذ كل وَاحِد مِنْهُم أضْحِية وضحى بهَا وأجزأته (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) يسْتَحبّ لمن أَرَادَ أَن يُضحي أَن لَا يقص من شعره وَلَا من أَظْفَاره إِذا دخل ذُو الْحجَّة حَتَّى يُضحي وَلم يسْتَحبّ ذَلِك أَبُو حنيفَة وأوجبه ابْن حَنْبَل وَأما أَحْكَامهَا بعد الذّبْح فأربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) لَا يُبَاع من الْأُضْحِية لحم وَلَا جلد وَلَا شعر وَلَا غير ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز بيعهَا بالعروض لَا بِالدَّنَانِيرِ وَلَا بِالدَّرَاهِمِ وَأَجَازَ عَطاء بيعهَا بِكُل شَيْء وَلَا يبدلها بِأُخْرَى خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَفِي كِرَاء جلدهَا قَولَانِ وَلَا يُعْطي الجزار أجرته من لَحمهَا وَلَا جلدهَا وَلَا الدّباغ على دبغه بعض جلودها وَإِذا وهبت أَو تصدق بهَا فَهَل للمعطي أَن يَبِيعهُ قَولَانِ فَمن بَاعهَا نقض بَيْعه فَإِن فَاتَ فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يتَصَدَّق بِالثّمن وَلَا ينْتَفع بِهِ وَقَالَ ابْن عبد الحكم يصنع بِهِ مَا شَاءَ وَإِن سرقت أَو غصبت لم يَأْخُذ ثمنهَا وَقيل يَأْخُذهُ وستصدق بِهِ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) لَو مَاتَ بعد ذَبحهَا لم تورث مِيرَاث الْأَمْوَال وَلم تبع فِي دينه وَلَكِن لوَرثَته فِيهَا من التَّصَرُّف مَا كَانَ لَهُ وَهل لَهُم قسْمَة اللَّحْم قَولَانِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي اختلاطها بعد الذّبْح قَالَ يحيى بن عمر تجزي ويتصدقان بهَا وَلَا يأكلانها وَقَالَ عبد الحق لَا يمْنَع من أكلهَا وَإِذا اخْتلطت الرؤوس عِنْد الشواء كره أكلهَا لَعَلَّك تَأْكُل مَتَاع من لم يَأْكُل متاعك وَلَو اخْتلطت برؤوس الشواء لَكَانَ خَفِيفا لِأَنَّهُ ضَامِن وَقيل لَيْسَ لمن اخْتلطت لَهُ طلب الْقيمَة (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْأَفْضَل أَن يَأْكُل من الْأُضْحِية وَيتَصَدَّق فَلَو اقْتصر على أَحدهمَا أَجْزَأَ على كَرَاهَة وَأوجب قوم أَن يَأْكُل مِنْهَا وَلَيْسَ لما يَأْكُل وَيتَصَدَّق حد وَاخْتَارَ ابْن الْجلاب أَن يَأْكُل الْأَقَل وَيتَصَدَّق بِالْأَكْثَرِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يَأْكُل الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ ويدخر الثُّلُث وَيكرهُ أَن يطعم مِنْهَا يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا الْبَاب الرَّابِع فِي الْعَقِيقَة وَفِيه ثَمَانِي مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمهَا وَهِي سنة وأوجبها الظَّاهِرِيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ مُبَاحَة لَا تسْتَحب (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي جِنْسهَا وَهِي مثل الْأُضْحِية فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا يعق بالبقر وَلَا بِالْإِبِلِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي سنّهَا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي صفتهَا وَهِي فيهمَا كالأضحية (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي عَددهَا وَهِي شَاة عَن الذّكر وَعَن الْأُنْثَى فِي الْمَذْهَب وَعند الشَّافِعِي عَن الذّكر شَاتَان وَعَن الْأُنْثَى وَاحِدَة قَالَ ابْن حبيب حسن أَن يُوسع بِغَيْر شَاة الْعَقِيقَة لتكثير الطَّعَام وَيَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا يُعجبنِي أَن يَجعله صنيعا يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ وليقتصر على أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 بَيته وَمن مَاتَ قبل السَّابِع لَا يعق لَهُ وَكَذَلِكَ السقط (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي وَقتهَا وَهُوَ يَوْم سَابِع المولد أَن ولد قبل الْفجْر وَلَا يعد الْيَوْم الَّذِي ولد فِيهِ أَن ولد بعد الْفجْر خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَقيل يحْسب أَن ولد قبل الزَّوَال لَا بعده وَإِن مَاتَ فِي السَّابِع الأول لم يعق فِي الثَّانِي وَلَا فِي الثَّالِث خلافًا لِابْنِ وهب وتذبح ضحى إِلَى الزَّوَال لَا لَيْلًا وَلَا سحر وَلَا عَشِيَّة وَمن ذبح قبل وَقتهَا لم تجزه خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَلَا يعق عَن الْكَبِير خلافًا لقوم (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) حكم كسر عظامها خلافًا لِابْنِ حَنْبَل (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) يسْتَحبّ حلق رَأس الْمَوْلُود يَوْم سابعه وَأَن يُسمى فِيهِ وَيكرهُ أَن يلطخ رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة وَيسْتَحب أَن يلطخ بزعفران وَيسْتَحب أَن يتَصَدَّق بِوَزْن شعره ذَهَبا أَو فضَّة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يكره الْبَاب الْخَامِس فِي الْخِتَان وَفِيه ثَمَانِي مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمه أما ختان الرجل فَسنة مُؤَكدَة عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة كَسَائِر خِصَال الْفطْرَة الَّتِي ذكر عها وَهِي غير واجية اتِّفَاقًا وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ فرض وَيظْهر ذَلِك من كَلَام سَحْنُون لِأَنَّهُ علم على الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى (0 أَن أتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا)) وَجَاء فِي الحَدِيث ((أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام اختتن بالقدوم وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة)) وَرُوِيَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة وَاخْتلف فِي لفظ الْقدوم هَل يُخَفف أَو يشدد وَفِي مَعْنَاهُ هَل هُوَ مَوضِع أَو الْآلَة الَّتِي يقطع بهَا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) من ولد مختونا فَاخْتلف فِيهِ فَقيل قد كفى الله الْمُؤْنَة فِيهِ فَلَا يتَعَرَّض لَهُ وَقيل تجرى الموسى عَلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ مَا يقطع قطع (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِن خَافَ الْكَبِير على نَفسه الْهَلَاك إِن اختتن فَرخص لَهُ ابْن عبد الحكم فِي تَركه وأبى ذَلِك سَحْنُون (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) رُوِيَ عَن مَالك من ترك الاختتان من غير عذر لم تجز إِمَامَته وَلَا شَهَادَته وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تقبل صلَاته وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي وَقت الْخِتَان يسْتَحبّ أَن يُؤَخر حَتَّى يُؤمر الصَّبِي بِالصَّلَاةِ وَذَلِكَ من السَّبع إِلَى الْعشْر لِأَن ذَلِك أول أمره بالعبادات وَيكرهُ الْخِتَان يَوْم الْولادَة وَيَوْم السَّابِع لِأَنَّهُ من فعل الْيَهُود (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) يختن الرِّجَال الصّبيان ويخفض النِّسَاء الْجَوَارِي لِأَن الرجل لَهُ الِاطِّلَاع على ذَلِك من النِّسَاء (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) تسْتَحب الدعْوَة لطعام الْخِتَان وَهُوَ ((الْأَعْذَار)) وَلَا يفعل ذَلِك فِي خفاض النِّسَاء للستر (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) الغرلة وَهِي مَا يقطع فِي الْخِتَان نَجِسَة لِأَنَّهَا قطعت من حَيّ فَلَا يجوز أَن يحملهَا الْمُصَلِّي وَلَا أَن تدخل الْمَسْجِد وَلَا أَن تدفن فِيهِ وَقد يَفْعَله بعض النَّاس جهلا مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الْقسم الثَّانِي من القوانين الْفِقْهِيَّة فِي الْمُعَامَلَات وَفِيه عشرَة كتب = الْكتاب الأول فِي النِّكَاح وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الْمُقدمَات وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكم النِّكَاح لَا يحل اسْتِبَاحَة فرج إِلَّا بِنِكَاح أَو ملك يَمِين وَالنِّكَاح على الْجُمْلَة مَنْدُوب وأوجبه الظَّاهِرِيَّة وعَلى التَّفْصِيل يَنْقَسِم خَمْسَة أَقسَام وَاجِب وَهُوَ لمن قدر عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَخَافَ على نَفسه الزِّنَى ومستحب وَهُوَ لمن قدر عَلَيْهِ وَلم يخف على نَفسه الزِّنَى وَحرَام وَهُوَ لمن لم يقدر وَلم يخف ومكروه وَهُوَ لمن لم يخف الزِّنَى وَخَافَ أَن لَا يقوم بحقوقه ومباح وَهُوَ مَا عدا ذَلِك وَأما ملك الْيَمين فمباح (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْخطْبَة (بِكَسْر الْخَاء) وَهِي مُسْتَحبَّة وَيجوز النّظر إِلَى المخطوبة قبل نِكَاحهَا وفَاقا لَهُم وَلَا ينظر إِلَّا إِلَى وَجههَا وكفيها وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة النّظر إِلَى قدميها وَقوم إِلَى جَمِيع بدنهَا وَمنع قوم الْجَمِيع وتستحب الْخطْبَة (بِالضَّمِّ) فِي الْخطْبَة وَالتَّصْرِيح بِخطْبَة الْمُعْتَدَّة حرَام والتعريض جَائِز وَهُوَ القَوْل الْمُفْهم للمقصود من غير تنصيص والهدية من التَّعْرِيض وَلَا تجوز الْخطْبَة على خطْبَة آخر بعد الْإِجَابَة أَو الركون أَو التقارب قَالَ ابْن الْقَاسِم هَذَا فِي المتشاكلين وَلَا تحرم خطْبَة صَالح على فَاسق وَمن خطب على خطْبَة أَخِيه أدب فَإِن عقد لم يفْسخ عقده وفَاقا لَهما وَقيل يفْسخ وفَاقا للظاهرية وَقيل يفْسخ قبل الدُّخُول لَا بعده (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْوَلِيمَة وَهِي مَأْمُور بهَا ومحلها بعد الْبناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَتجب الْإِجَابَة على من دعى إِلَيْهَا وَقيل تسْتَحب وَذَلِكَ إِذا لم يكن فِيهَا مُنكر وَلَا أَذَى كالزحام وَشبهه وَهُوَ فِي الْأكل بِالْخِيَارِ ويحضر الصَّائِم فيدعو وَيسْتَحب الْغناء فِيهَا بِمَا يجوز وَضرب الدُّف وَهُوَ المدور من وَجه وَاحِد كالغربال وَهِي المزهر الْجَوَاز وَالْمَنْع وَالْكَرَاهَة وَهُوَ المدور من وَجْهَيْن وَأَجَازَ ابْن كنَانَة البوقات والزمارات الَّتِي لَا تلهي للشهرة وَيكرهُ نثر السكر واللوز وَغَيرهمَا ليختطفه من الْوَلِيمَة لِأَنَّهُ من النهب الْمنْهِي عَنهُ وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة تَكْمِيل الدعْوَة إِلَى الطَّعَام خَمْسَة أَقسَام (الأول) تجب إجابتها وَهِي وَلِيمَة النِّكَاح (الثَّانِي) تسْتَحب إجَابَته وَهُوَ مَا يَفْعَله الرجل بخواص إخوانه توددا (الثَّالِث) تجوز إجَابَته كدعوة الْعَقِيقَة والأعذار (الرَّابِع) تكره إجَابَته وَهُوَ مَا يفعل للفخر والمباهاة (الْخَامِس) تحرم إجَابَته وَهُوَ مَا يَفْعَله الرجل لمن تحرم عَلَيْهِ هديته كالغريم وَأحد الْخَصْمَيْنِ للْقَاضِي (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الشَّهَادَة على النِّكَاح وَلَا تجب فِي العقد وَتجب فِي الدُّخُول وَهِي شَرط كَمَال فِي العقد وَشرط جَوَاز فِي الدُّخُول وَقَالَ الشَّافِعِي يجب فيهمَا وَقَالَ قوم لَا تجب فيهمَا وَيشْتَرط عَدَالَة الشَّاهِدين فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا تجوز فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة وَنِكَاح السِّرّ غير جَائِز أَن وَقع فسخ وَيسْتَحب الإعلان وأوجبه ابْن حَنْبَل وَإِذا شهد شَاهِدَانِ ووصيا بِالْكِتْمَانِ فَهُوَ سر خلافًا لَهما (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي كتاب الصَدَاق وَلَيْسَ شرطا وَإِنَّمَا يكْتب هُوَ وَسَائِر الوثائق توثيقا للحقوق ورفعا للنزاع وَأوجب الظَّاهِرِيَّة كِتَابَة عُقُود الدّين تَكْمِيل وَيشْتَرط فِي كَاتب الوثائق سَبْعَة شُرُوط وَهِي أَن يكون عدلا متكلما سميعا بَصيرًا عَالما بِفقه الوثائق عَارِفًا بنصوصها سالما من اللّحن الَّذِي يُغير الْمَعْنى الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان النِّكَاح وَهِي خَمْسَة الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالْوَلِيّ وَالصَّدَاق والصيغة وَسَنذكر الْوَلِيّ وَالصَّدَاق فَأَما الصِّيغَة فَهِيَ مَا يَقْتَضِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول كَلَفْظِ التَّزْوِيج وَالتَّمْلِيك وَيجْرِي مجراهما البيع وَالْهِبَة خلافًا للشَّافِعِيّ والهزل فِيهِ كالجد اتِّفَاقًا وَالنِّكَاح عقد لَازم لَا يجوز فِيهِ الْخِيَار خلافًا لأبي ثَوْر وَيلْزم فِيهِ الْفَوْر من الطَّرفَيْنِ فَإِن ترَاخى فِيهِ الْقبُول عَن الْإِيجَاب يَسِيرا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز مُطلقًا وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة مُطلقًا وَأما الزَّوْجَانِ فَيعْتَبر فيهمَا سَبْعَة أَوْصَاف (الأول) الْإِسْلَام وَيتَصَوَّر فِيهِ أَربع صور نِكَاح مُسلم مسلمة وَنِكَاح كَافِر كَافِرَة فهما جائزان وَإِن نِكَاح كَافِر مسلمة يحرم على الاطلاق بِإِجْمَاع وَنِكَاح مُسلم كَافِرَة فَتجوز الْكِتَابِيَّة بِالنِّكَاحِ وَالْملك وَلَا يحل غَيرهَا من الْكَافِر بِنِكَاح وَلَا ملك وَكره مَالك الحربية لبَقَاء الْوَلَد بدار الْحَرْب وَمنع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس كل كَافِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) إِن ارْتَدَّ أحد الزَّوْجَيْنِ انْقَطَعت الْعِصْمَة بِفَسْخ وَقيل بِطَلْقَة بَائِنَة وَقيل رَجْعِيَّة (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا أسلم الزَّوْجَانِ مَعًا بت نِكَاحهمَا إِذا خلا من الْمَوَانِع وَلَا يبْحَث فِي ذَلِك عَن الْوَلِيّ وَالصَّدَاق فَإِن سبق الزَّوْج إِلَى الْإِسْلَام أقرّ على الْكِتَابِيَّة ويقر على غَيرهَا إِذا أسلمت بأثره وَإِن سبقت هِيَ فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول وَقعت الْفرْقَة وَإِن كَانَ بعده ثمَّ أسلم فِي الْعدة ثَبت وَإِلَّا بَانَتْ (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا أسلم وَعِنْده أَكثر من أَربع اخْتَار أَرْبعا وَفَارق سائرهن (الْفَرْع الرَّابِع) إِن أسلم وَعِنْده أختَان اخْتَار احداهما (الْوَصْف الثَّانِي) الرّقّ وَيتَصَوَّر فِيهِ أَربع صور نِكَاح حر لحرة أَو عبد لأمة فهما جائزان وَنِكَاح عبد لحرة فَيجوز بِرِضَاهَا فَإِن غرها من نَفسه فلهَا الْخِيَار وَنِكَاح حرَّة لأمة يجوز بِثَلَاثَة شُرُوط (الأول) أَن تكون مسلمة (الثَّانِي) أَن يعْدم الطول وَهُوَ صدَاق الْحرَّة وَقيل النَّفَقَة (الثَّالِث) أَن يخَاف الْعَنَت وَهُوَ الزِّنَى وَلَا يشْتَرط عدم الطول وَلَا خوف الْعَنَت فِي نِكَاح العَبْد الْأمة فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) لَا يجوز أَن يكون أحد الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكا للْآخر اتِّفَاقًا وَلَا يجوز أَن يتَزَوَّج مَمْلُوكَة ابْنه وَلَا أم وَلَده سَيّده وَيفْسخ النِّكَاح بذلك مُطلقًا (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا اشْترى أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه أَو اشْترى بعضه انْفَسَخ النِّكَاح بِملك المُشْتَرِي للْمُشْتَرِي أَو لجزء مِنْهُ (الْفَرْع الثَّالِث) لَا ينْكح العَبْد بِغَيْر إِذن سَيّده فَإِن أجَازه السَّيِّد جَازَ خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا تزوج الْحر حرَّة على أمة أَو أمة على حرَّة فالحرة مخيرة فِي الْبَقَاء أَو الْفِرَاق مُطلقَة بَائِنَة لِأَن من حَقّهَا أَن لَا يجمع بَينهَا وَبَين أمة وَلَا خِيَار لَهَا فِي جمع العَبْد بَينهمَا على الْمَشْهُور (الْوَصْف الثَّالِث) الْبلُوغ فَإِن تزوج صبي يقوى على الْجِمَاع بِغَيْر إِذن أَبِيه أَو وَصِيّه فَلهُ إِجَازَته أَو فَسخه قبل الْبناء وَبعده وَلَا صدَاق لَهَا وَقَالَ سَحْنُون لَا يجوز وَإِن أجَازه الْأَب وَالْوَصِيّ (الْوَصْف الرَّابِع) الرشد فَإِن تزوج السَّفِيه بِغَيْر إِذن وليه أَمْضَاهُ إِن كَانَ سدادا وَإِلَّا رده فَإِن رده قبل الْبناء فَلَا صدَاق وَبعده ربع دِينَار وَقَالَ ابْن الْمَاجشون لَا شَيْء لَهَا (الْوَصْف الْخَامِس) الْكَفَاءَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَهِي مُعْتَبرَة بِخَمْسَة أَوْصَاف بِالْإِسْلَامِ وَالْحريَّة حَسْبَمَا تقدم وَالصَّلَاح فَلَا تزوج الْمَرْأَة الْفَاسِق وَلها وَلمن قَامَ بهَا فَسخه سَوَاء كَانَ الْوَلِيّ أَبَا أَو غَيره وبالمال الَّذِي يقدر بِهِ وَلَا يشْتَرط الْيَسَار وَلها مقَال إِن زوجت لمن يعجز عَن حُقُوقهَا وبسلامة الْخلقَة من الْعُيُوب الْمُوجبَة للخيار وَيكرهُ الْهَرم والدميم وَلَا يشْتَرط الْجمال وَلَا يعْتَبر النّسَب والحسب لَهما وَزَاد الشَّافِعِي عدم الْحَرْف الدنية (الْوَصْف السَّادِس) الصِّحَّة وَلَا يجوز نِكَاح الْمَرِيض والمريضة الْمخوف عَلَيْهِمَا على الْمَشْهُور خلافًا لَهما وَيفْسخ إِن وَقع إِلَّا إِن صَحَّ قبل الْفَسْخ فَاخْتلف فِي فَسخه وَالْفَسْخ فِيهِ بِالثلَاثِ فَإِن لم يدْخل فَلَيْسَ لَهَا صدَاق وَإِن دخل فلهَا الصَدَاق الْمُسَمّى وَقيل صدَاق الْمثل (الْوَصْف السَّابِع) عدم الْإِحْرَام وَلَا يجوز رم وَلَا إنكاحه وَيفْسخ وَإِن دخل وَولدت وفسخه بِغَيْر طَلَاق وَقيل بِطَلَاق وَفِي تأييد تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة نِكَاح الْمحرم وإنكاحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 تَلْخِيص للزَّوْجَة أَرْبَعَة شُرُوط فِي صِحَة النِّكَاح وَهِي الْإِسْلَام فِي نِكَاح مسلمة والعل والتمييز وَتَحْقِيق الذكورية تَحَرُّزًا من الْخُنْثَى الْمُشكل فَإِنَّهُ لَا ينْكح وَلَا ينْكح وَيجوز لَهُ أَن يتسرى وَخَمْسَة شُرُوط فِي اسْتِقْرَار النِّكَاح وَهِي الْحُرِّيَّة وَالْبُلُوغ والرشد وَالصِّحَّة والكفاءة فرع إِذا أكره أحد الزَّوْجَيْنِ أَو الْوَالِي على النِّكَاح لم يلْزم وَلَيْسَ للمكره أَن يُجِيزهُ لِأَنَّهُ غير مُنْعَقد الْبَاب الثَّالِث فِي الْوَلِيّ وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمه وَهُوَ شَرط وَاجِب خلافًا لأبي حنيفَة فَلَا تعقد الْمَرْأَة النِّكَاح على نَفسهَا وَلَا على غَيرهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا أَو دنية رَشِيدَة أَو سَفِيهَة حرَّة أَو أمة أذن لَهَا وَليهَا أَو لم يَأْذَن فَإِن وَقع فسخ قبل الدُّخُول وَبعده وَإِن أَطَالَ وَولدت الْأَوْلَاد وَلَا حد فِي الدُّخُول للشُّبْهَة وَفِيه الصَدَاق الْمُسَمّى (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي أَصْنَاف الْأَوْلِيَاء وَالْولَايَة خَاصَّة وَعَامة فالخاصة خَمْسَة أَصْنَاف الْأَب ووصيه والقرابة وَالْمولى وَالسُّلْطَان والعامة الْإِسْلَام فَأَما الْأَب فولايته نَوْعَانِ جبر وَإِذن فالجبر للبكر وَإِن كَانَت بَالغا وللصغيرة وَإِن كَانَت ثَيِّبًا وَيسْتَحب استيمارها فالجبر يَقع بِإِحْدَى العلتين وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجْبر الْكَبِيرَة وَالشَّافِعِيّ لَا يجْبر الثّيّب فَإِن عنست الْبكر فَاخْتلف فِي دوَام الْجَبْر عَلَيْهَا وانقطاعه والعانس هِيَ الَّتِي طَال مكثها وبرزوجهها وَعرفت مصالحها وسنها ثَلَاثُونَ سنة وَقيل خَمْسَة وَثَلَاثُونَ وَقيل أَرْبَعُونَ وَالْإِذْن فِي الثّيّب الْبَالِغ وَالْمُعْتَبر فِي الثيوبة الْمَانِعَة من الْجَبْر الْوَطْء الْحَلَال دون الْحَرَام على الْمَشْهُور وَقيل كَانَ ثيوبة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأما الْوَصِيّ من قبل الْأَب ووصي الْوَصِيّ فيقومان فِي العقد مقَام الْأَب خلافًا للشَّافِعِيّ وَله الْجَبْر وَالتَّزْوِيج قبل الْبلُوغ وَبعده من غير استيمار إِن جعل لَهُ الْأَب ذَلِك وَهُوَ أولى من الْقَرَابَة وَاسْتحبَّ بعض الْمُتَأَخِّرين أَن يعْقد الْوَلِيّ بِتَقْدِيم الْوَصِيّ جمعا بَين الْوَجْهَيْنِ فَإِن عقد الْوَصِيّ جَازَ وَإِن لم يَأْذَن الْوَلِيّ وَإِن عقد الْوَلِيّ دون إِذن الْوَصِيّ جَازَ فِي الثّيّب لَا فِي الْبكر وَأما الْوَصِيّ من القَاضِي فيعقد بعد الْبلُوغ لَا قبله وَلَا يجْبر وَيجب استيمارها وَإِن كَانَ الْوَصِيّ امْرَأَة اسْتخْلفت من يعْقد وَأما الْقَرَابَة فهم الْعصبَة كالابن وَالْأَخ وَالْجد وَالْعم وَابْن الْعم وَلَا يزوجون إِلَّا الْبَالِغَة بِإِذْنِهَا وتأذن الثّيّب بالْكلَام وَالْبكْر بِالصَّمْتِ وَإِن تقدم العقد على الْإِذْن فَاخْتلف فِي صِحَة النِّكَاح وبطلانه وَلَا يجبرها أحد مِنْهُم وَقَالَ الشَّافِعِي يجْبر الْجد وَأما الْمولى فَهُوَ الْمُعْتق فيعقد على من أعْتقهَا إِن لم يكن عصبَة وتستخلف الْمُعتقَة من يعْقد على من أعْتقهَا إِن لم يكن لَهَا عصبَة وَلَا ولَايَة للْمولى الْأَسْفَل وَللسَّيِّد أَن يجْبرهُ عَبده وَأمته على النِّكَاح وَلَا يجْبر السَّيِّد على إنكاح العَبْد وَلَا يُطلق السَّيِّد على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عَبده وَأما السُّلْطَان فيزوج الْبَالِغَة عِنْد عدم الْوَلِيّ أَو عضله أَو غيبته وَلَا يُزَوّج هُوَ وَلَا غَيره الصَّغِيرَة وَقيل يجوز لَهُ وللقرابة تَزْوِيجهَا إِن دعتها ضَرُورَة ومستها حَاجَة وَكَانَ مثلهَا يُوطأ وَقَالَ الشَّافِعِي يُزَوّجهَا الْجد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُزَوّجهَا سَائِر الْأَوْلِيَاء وَلها الْخِيَار إِذا بلغت وَأما الْولَايَة الْعَامَّة فَتجوز فِي الْمَذْهَب إِذا تَعَذَّرَتْ الْولَايَة الْخَاصَّة فَأَما مَعَ وجودهَا فَقيل لَا تجوز أصلا وفَاقا لَهُم وَقيل تجوز فِي الدنية الَّتِي لَا خطر لَهَا وكل أحد كفؤ لَهَا بِخِلَاف غَيرهَا تَلْخِيص خَمْسَة يلْزمهُم النِّكَاح إِذا عقده عَلَيْهِم غَيرهم سخطوا أَو رَضوا وهم الطِّفْل الصَّغِير وَالْبكْر يزوجهما أَبوهُمَا وَالْعَبْد وَالْأمة يزوجهما سيدهما واليتيم الصَّغِير يُزَوجهُ وَصِيّه فَإِن تزوج العَبْد بِغَيْر إِذن سَيّده فَإِن شَاءَ السَّيِّد أجَازه أَو فَسخه بِطَلْقَة أَو بطلقتين وَإِن تزوجت الْأمة بِغَيْر إِذن سَيِّدهَا لم يجز وَإِن أجَازه السَّيِّد لَا تعقد نِكَاح نَفسهَا (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء أما الَّذِي يجْبر فالأب ثمَّ وَصِيّه وَأما الَّذِي لَا يجْبر فالقرابة ثمَّ الْمولى ثمَّ السُّلْطَان والمقدم من الْأَقَارِب الابْن ثمَّ ابْنه وَإِن سفل ثمَّ الْأَب ثمَّ الْأَخ ثمَّ ابْنه ثمَّ الْجد ثمَّ الْعم ثمَّ ابْنه وَقيل الْأَب أولى من الابْن وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ولَايَة للِابْن وَقيل الْجد أولى من الْأَخ وفَاقا للشَّافِعِيّ فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) إِن أنكح الْأَبْعَد مَعَ وجود الْأَقْرَب نفذ وَقيل ينظر فِيهِ السُّلْطَان وَقيل للأقرب أَن يفسخه مَا لم يدْخل بهَا وَذَلِكَ فِي غير مَوضِع الْإِجْبَار فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي الْمَذْهَب فِي فسخ إنكاح غير الْأَب الْبكر مَعَ حُضُوره إِلَّا إِذا عقد الْأَخ نِكَاح أُخْته الْبكر بِغَيْر إِذن أَبِيهَا فَإِن كَانَ هُوَ الْقَائِم بِأَمْر أَبِيه جَازَ إِن أجَازه الْأَب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لم يجز إِذا أجَازه أَبوهُ (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا غَابَ الْأَقْرَب انْتَقَلت الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد وَقَالَ الشَّافِعِي إِلَى السُّلْطَان (الْفَرْع الثَّالِث) إِن زَوجهَا وليان من رجلَيْنِ فالداخل من الزَّوْجَيْنِ أولى إِذا لم يعرف السَّابِق (الْفَرْع الرَّابِع) إِن عضل الْوَلِيّ الْمَرْأَة أمره السُّلْطَان بإنكاحها فَإِن امْتنع زَوجهَا السُّلْطَان وَذَلِكَ إِذا دعت إِلَى كُفْء وبصداق مثلهَا (الْفَرْع الْخَامِس) يجوز لِابْنِ الْعم وَالْوَلِيّ ووكيل الْوَلِيّ وَالْحَاكِم أَن يُزَوّج الْمَرْأَة من نَفسه ويتولى طرفِي العقد خلافًا للشَّافِعِيّ وليشهد كل وَاحِد مِنْهُم على رِضَاهَا خوفًا من منازعتها (الْفَرْع السَّادِس) إِذا غَابَ عَن الْبكر أَبوهَا وَهِي مجبرة زَوجهَا سَائِر الْأَوْلِيَاء أَو السُّلْطَان إِن لم يكن لَهَا ولي (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي صِفَات الْوَلِيّ وَهِي الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل والذكورية اتِّفَاقًا فِي الْأَرْبَعَة وَالْحريَّة خلافًا لأبي حنيفَة وَاخْتلف فِي اشْتِرَاط الْعَدَالَة والرشد فَقيل يعْقد السَّفِيه على وليته خلافًا لأبي حنيفَة وَقيل يعْقد وليه ويعقد الْكَافِر على الْكَافِر وَإِنَّمَا يعْقد الْمُسلم على الْكَافِرَة بِالرّقِّ خَاصَّة (فرع) يجوز للْوَلِيّ أَن يُوكل من يعْقد النِّكَاح بعد تعْيين الزَّوْج وَللزَّوْج أَيْضا أَن يُوكل من يعْقد عَنهُ خلافًا لأبي ثَوْر وَلَا يشْتَرط هَذِه الصِّفَات فِي الْوَكِيل بل يَصح توكل الْكَافِر وَالْوَصِيّ وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة على الْمَشْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْبَاب الرَّابِع فِي الصَدَاق وَهُوَ شَرط بِإِجْمَاع وَلَا يجوز التَّرَاضِي على إِسْقَاطه وَلَا اشْتِرَاط سُقُوطه وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي شُرُوطه وَهِي ثَلَاثَة ((الأول)) أَن يكون مِمَّا يجوز تملكه وَبيعه من الْعين وَالْعرض وَالْأُصُول وَالرَّقِيق وَغير ذَلِك وَلَا يجوز بِخَمْر وخنزير وَغَيرهمَا مِمَّا لَا يتَمَلَّك ((الثَّانِي)) أَن يكون مَعْلُوما فَلَا يجوز بِمَجْهُول إِلَّا فِي نِكَاح التَّفْوِيض وَلَا يجب وصف الْعرُوض خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن وَقع على غير وصف فلهَا الْوسط ((الثَّالِث)) أَن يسلم من الْغرَر فَلَا يجوز فِيهِ عبد آبق وَلَا بعير شارد وشبههما فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) النِّكَاح على أجارة كالخدمة وَتَعْلِيم الْقُرْآن لَا يجوز فِي الْمَشْهُور وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل يجوز وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يجوز أَن يعْتق أمته وَيجْعَل عتقهَا صَدَاقهَا خلافًا لِابْنِ حَنْبَل وَدَاوُد (الْفَرْع الثَّالِث) يجوز أَن يكون الصَدَاق نَقْدا وكالئا إِلَى أجل مَعْلُوم تبلغه أَعمار الزَّوْجَيْنِ عَادَة وَقيل أبعد أَجله أَرْبَعُونَ سنة وَيسْتَحب الْجمع بَين النَّقْد والكاليء وَتَقْدِيم ربع دِينَار قبل الدُّخُول وَمنع قوم الكاليء وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيّ لمَوْت أَو فِرَاق (الْفَرْع الرَّابِع) أَن أصدقهَا مَا لَا يجوز فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا أَنه يفْسخ قبل الدُّخُول وَيثبت بعده وفَاقا لأبي عبيد وَالثَّانيَِة أَنه يفْسخ قبل الدُّخُول وَيثبت بعده وَيكون فِيهِ صدَاق الْمثل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يثبت قبل الدُّخُول وَبعده وَيرجع إِلَى صدَاق الْمثل وَإِن أصدقهَا مَغْصُوبًا فسخ قبل الدُّخُول وَثَبت بعده بِصَدَاق الْمثل وَقيل يثبت مُطلقًا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي مِقْدَاره وَلَا حد لأكْثر الصَدَاق وَأقله ربع دِينَار من الذَّهَب أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم من الْفضة شَرْعِيَّة أَو مَا يُسَاوِي أَحدهمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَله عشرَة دَرَاهِم وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَغَيرهم لَا حد لأقله بل يجوز وَلَو بِخَاتم من حَدِيد كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي استقراره وتشطيره وَيجب جَمِيعه بِالدُّخُولِ أَو بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا وَنصفه بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول اتِّفَاقًا إِلَّا أَن طَلقهَا فِي نِكَاح التَّفْوِيض وَقد اخْتلف هَل وَجب لَهَا جَمِيعًا بِالْعقدِ ثمَّ يسْقط نصفه بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول أَو وَجب لَهَا نصفه بِالْعقدِ وَالنّصف الْبَاقِي بِالدُّخُولِ أَو بِالْمَوْتِ وَهُوَ اخْتِلَاف عبارَة بَيَان الدُّخُول الْمُوجب لكَمَال الصَدَاق هُوَ الْوَطْء لَا مُجَرّد الْخلْوَة وإرخاء الستور خلافًا لأبيحنيفة فَإِن بنى بهَا وَاخْتلفَا فِي الْمَسِيس فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِن خلا بهَا من غير بِنَاء فَالْقَوْل أَيْضا قَوْلهَا وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِن خلا بهَا فِي بَيته فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِن كَانَ فِي بَيتهَا لم تصدق عَلَيْهِ وَإِن بنى بهَا وَطَالَ الْأَمر سنة وَجب لَهَا جَمِيع الصَدَاق وَإِن ادَّعَت الْمَسِيس وَلَيْسَ بَينهمَا خلْوَة ازمته الْيَمين وبريء من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 نصف الصَدَاق فَإِن نكل حَلَفت واستوجبت جَمِيعه وَحَيْثُ قُلْنَا القَوْل قَوْلهَا فَاخْتلف هَل تصدق مَعَ يَمِينهَا أَو دون يَمِين فرع سَبْعَة (الْفَرْع الأول) إِنَّمَا يجب لَهَا نصف الصَدَاق إِن طَلقهَا قبل الْبناء اخْتِيَارا مِنْهُ فَإِن فسخ النِّكَاح أَو رده الزَّوْج بِعَيْب فِي الزَّوْجَة لم يجب لَهَا شَيْء وَاخْتلف هَل يجب إِذا ردته هِيَ بِعَيْب فِيهِ (الْفَرْع الثَّانِي) يجْرِي مجْرى الصَدَاق فِي التشطير كل مَا تحله الزَّوْج فِي العقد للْمَرْأَة أَو لأَبِيهَا أَو وصيها من سِيَاقَة أَو غَيرهَا إِذْ هُوَ للزَّوْجَة إِن شَاءَت أَخَذته مِمَّن جعل لَهُ (الْفَرْع الثَّالِث) مَا حدث فِي الصَدَاق من زِيَادَة ونقصان قبل الْبناء فَالزِّيَادَة لَهما وَالنُّقْصَان عَلَيْهِمَا وهما شريكان فِي ذَلِك فَإِن تلف فِي يَد أَحدهمَا فَمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فخسارته مِنْهُمَا وَمَا يُغَاب عَلَيْهِ خسارته مِمَّن هُوَ فِي يَده إِن لم تقم بَيِّنَة بهلاكه فَإِن قَامَت بِهِ بَيِّنَة فَاخْتلف هَل يضمنهُ من كَانَ تَحت يَده أم لَا (الْفَرْع الرَّابِع) يجوز للْأَب أَن يسْقط نصف صدَاق ابْنَته الْبكر إِذا طلقت قبل الْبناء خلافًا لَهما (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا وهبت الْمَرْأَة لزَوجهَا جَمِيع صَدَاقهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الْبناء لم يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء وَقَالَ الشَّافِعِي يرجع عَلَيْهَا بِنصْف الصَدَاق (الْفَرْع السَّادِس) للْمَرْأَة منع نَفسهَا حَتَّى تقبض صَدَاقهَا وَلَيْسَ لَهَا ذَلِك بعد طوعها بِالتَّسْلِيمِ (الْفَرْع السَّابِع) إِذا رضيت الْمَرْأَة بِدُونِ صدَاق مثلهَا لم يكن لأوليائها اعْتِرَاض عَلَيْهَا خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن زَوجهَا والدها وَهِي فِي حجره بِأَقَلّ من صدَاق مثلهَا لم يكن لَهَا اعْتِرَاض خلافًا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي نِكَاح التَّفْوِيض وَهُوَ جَائِز اتِّفَاقًا وَهُوَ أَن يسكتا عَن تعْيين الصَدَاق حِين العقد ويفوض ذَلِك إِلَى أَحدهمَا أَو إِلَى غَيرهمَا ثمَّ لَا يدْخل بهَا حَتَّى يتَعَيَّن فَإِن فَرْضه أَحدهمَا بعد فرضيه الآخر لزمَه وَإِن لم ترض الْمَرْأَة فَإِن فرض لَهَا صدَاق الْمثل أَو أَكثر لَزِمَهَا بِخِلَاف الْأَقَل إِلَّا أَن ترْضى بِهِ وَإِن لم يرض الزَّوْج كَانَ مُخَيّرا بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء إِمَّا أَن يبْذل صدَاق الْمثل أَو يرضى بفرضها أَو يُطلق فَإِن مَاتَ قبل الدُّخُول وَقبل الْفَرْض فَلَا صدَاق لَهَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلها الْمِيرَاث اتِّفَاقًا وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَلَا نصف لَهَا إِلَّا إِن كَانَ قد فرض لَهَا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي التَّنَازُع فِي الصَدَاق إِن اخْتلف فِي مِقْدَار الصَدَاق فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول تحَالفا وتفاسخا وبدئت بِالْيَمِينِ وَمن نكل مِنْهُمَا قضي عَلَيْهِ مَعَ يَمِين صَاحبه وَإِن اخْتلفَا بعد الدُّخُول فَالْقَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه وَقَالَ الشَّافِعِي يرجعان إِلَى صدَاق الْمثل دون فسخ وَإِن اخْتلف فِي الْقَبْض فَالْقَوْل قَوْلهَا قبل الدُّخُول وَالْقَوْل قَوْله بعد الدُّخُول إِلَّا إِن كَانَ هُنَاكَ عرف فَيرجع إِلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد القَوْل قَوْله مُطلقًا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي نِكَاح الشّغَار وَهُوَ بَاطِل إِجْمَاعًا وَصفته أَن يُزَوّج ابْنَته على أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته من غير صدَاق فَإِن وَقع فسخ النِّكَاح قبل الدُّخُول وَبعده على الْمَشْهُور وَيدْفَع لمن دخل بهَا صدَاق الْمثل وَتَقَع بِهِ الْحُرْمَة والوراثة إِجْمَاعًا بَيَان صدَاق الْمثل مُعْتَبر بِحَال الزَّوْجَة فِي حسبها وَمَالهَا وجمالها وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر بِصَدَاق عصبتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الْبَاب الْخَامِس فِي الْأَنْكِحَة الْمُحرمَة النِّسَاء الْمُحرمَات ثَمَان وَأَرْبَعُونَ امْرَأَة خمس وَعِشْرُونَ مؤبدات سبع من النّسَب الْأُم وَالْبِنْت وَالْخَالَة وَالْأُخْت والعمة وَبنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت ومثلهن من الرَّضَاع وَأَرْبع بالصهر أم الزَّوْجَة وبنتها وَزَوْجَة الْأَب وَالِابْن ومثلهن من الرَّضَاع وَنسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والملاعنة والمنكوحة فِي الْعدة فَهَذِهِ خمس وَعِشْرُونَ وَغير المؤبدات ثَلَاث وَعِشْرُونَ الْمُرْتَدَّة وَغير الْكِتَابِيَّة وَالْخَامِسَة والمتزوجة والمعتدة والمستبرأة وَالْحَامِل والمبتوتة وَالْأمة الْمُشْتَركَة وَالْأمة الْكَافِرَة وَالْأمة الْمسلمَة لواجد الطول وَأمة الابْن وَأمة نَفسه وسيدته وَأم سَيّده والمحرمة بِالْحَجِّ والمريضة وَأُخْت زَوجته وخالتها وعمتها فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا والمنكوحة يَوْم الْجُمُعَة عِنْد الزَّوَال والمخطوبة بعد الركون للْغَيْر واليتيمة غير الْبَالِغ وَنَذْكُر ذَلِك مفصلا فَنَقُول التَّحْرِيم نَوْعَانِ مؤبد وَغير مؤبد فَفِي الْبَاب فصلان (الْفَصْل الأول) فِي المؤبد وأسبابه خَمْسَة النّسَب وَالرّضَاع والصهر وَاللّعان وَالْوَطْء فِي الْعدة فَأَما النّسَب فيحوم بِهِ على الرجل فصوله كلهَا وأصوله كلهَا وفصول أَصْلِيَّة كلهَا وَأول فصل من كل أصل مُتَقَدم على أصليه وَبسط ذَلِك أَنه يحرم عَلَيْهِ سَبْعَة أَصْنَاف من النِّسَاء (أَحدهَا) أمه وَهِي كل امْرَأَة لَهَا عَلَيْهِ ولادَة فَتدخل فِي ذَلِك أمه الَّتِي وَلدته وأمهاتها وَأم أَبِيه وجداته وَإِن علون (الثَّانِي) بنته وَهِي كل من لَهُ عَلَيْهَا ولادَة فَيدْخل فِي ذَلِك بنته من صلبه وبناتها وَبَنَات ابْنه وَإِن سفلن (الثَّالِث) الْأُخْت سَوَاء كَانَت شقيقته أَو لأَب أَو لأم (الرَّابِع) عمته سَوَاء كَانَت أُخْت أَبِيه أَو جده مَا علا سَوَاء كَانَت شقيقته أَو لأَب أَو لأم (الْخَامِس) خَالَته سَوَاء كَانَت أُخْت أمه أَو جدته مَا علت سَوَاء كَانَت شَقِيقَة لأَب أَو لأم (السَّادِس) بنت الْأَخ وَهِي كل من لأخته عَلَيْهَا ولادَة سَوَاء كَانَت بِمُبَاشَرَة أَو وساطة (السَّابِع) بنت الْأُخْت وَهِي كل من لأخته عَلَيْهَا ولادَة بِمُبَاشَرَة أَو وساطة وَأما الرَّضَاع فَتحرم بِهِ الْأَصْنَاف السَّبْعَة الَّتِي حرمت بِالْولادَةِ فَإِذا أرضعت امْرَأَة طفْلا أَو أرضعت من أَرْضَعَتْه أَو أرضعت من لَهُ على الطِّفْل ولادَة بِمُبَاشَرَة أَو وساطة صَارَت هِيَ أمه وَزوجهَا أَبوهُ لِأَن اللبان للفحل عِنْد الْجُمْهُور فَحرمت عَلَيْهِ هِيَ وأمهاتها نسبا ورضاعا وَإِن علون لِأَنَّهُنَّ أمهاته وَحرمت عَلَيْهِ أخواتها وعماتها وخالاتها نسبا ورضاعا لِأَنَّهُنَّ خالاته وبناتها نسبا ورضاعا لِأَنَّهُنَّ أخواته وَحرم عَلَيْهِ أَيْضا أُمَّهَات زَوجهَا نسبا ورضاعا وَإِن علون لِأَنَّهُنَّ أمهاته وَبنَاته نسبا ورضاعا لِأَنَّهُنَّ أخواته وعماته وخالاته نسبا ورضاعا لِأَنَّهُنَّ بَنَات أخواته وَبَنَات بناتها وَبَنَات زَوجهَا نسبا ورضاعا لِأَنَّهُنَّ بَنَات أخواته وكل طِفْل رضع ثديا رضعته طفلة حرمت عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ رضاعهما فِي زمن وَاحِد أَو كَانَ بَينهمَا سنُون وَكَذَلِكَ إِن أرضعا لبن امْرَأتَيْنِ زَوْجَتَيْنِ لرجل وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 بَيَان إِنَّمَا تقع الْحُرْمَة بِالرّضَاعِ بسبعة شُرُوط (الأول) أَن تكون الْمُرْضع امْرَأَة فَيُوجب التَّحْرِيم اتِّفَاقًا سَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة وَاخْتلف فِيمَن لَا تُوطأ لصغرها فِي رضَاع الْمَرْأَة الْميتَة وَلَا يُوجب التَّحْرِيم رضَاع رجل وَلَا بَهِيمَة وفَاقا لَهما (الثَّانِي) أَن يرضع الصَّغِير فِي الْحَوْلَيْنِ وَمَا قاربهما كالشهرين بعدهمَا وَقيل الثَّلَاثَة وَقيل شهر وَإِن فطم قبل الْحَوْلَيْنِ وَاسْتغْنى عَن الرَّضَاع لم يحرم رضَاع بعد ذَلِك خلافًا لَهما وَلَا يحرم رضَاع الْكَبِير عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا للظاهرية (الثَّالِث) أَن يصل إِلَى الْحلق أَو الْجوف من الْفَم برضاعه اتِّفَاقًا أَو وجور وَهُوَ الصب فِي وسط الْفَم أَو لدود وَهُوَ الصب فِي جَانب الْفَم خلافًا لداود وَاخْتلف فِي السعوط وَهُوَ مَا يصب فِي الْأنف وَفِي الحقنة وَلَيْسَ من شَرطه عدد رَضعَات بل تحرم المصة الْوَاحِدَة وفَاقا لأبي حنيفَة وَاشْترط الشَّافِعِي خمس رَضعَات (الرَّابِع) أَن يكون اللَّبن صرفا أَو مخلوطا بمائع إِلَّا أَن صَار مَغْلُوبًا فَاخْتلف هَل يعْتَبر أم لَا (الْخَامِس) يشْتَرط فِي الْفَحْل خَاصَّة وَإِنَّمَا يصير زوج الْمَرْأَة أَبَا للطفل إِذا وَطئهَا وطءا حَلَالا يلْحق بِهِ الْوَلَد ويدرأ بِهِ الْحَد فَإِن كَانَ زنى مَحْضا فَلَا حُرْمَة بِهِ وَإِن كَانَ بِشُبْهَة نِكَاح فَفِيهِ خلاف وَالْمَرْأَة أم على الْإِطْلَاق (السَّادِس) إِذا طلق الرجل امْرَأَة وَهِي ترْضع أَو مَاتَ عَنْهَا فنكحها رجل آخر فَإِن لم يَنْقَطِع لَبنهَا الأول فَهُوَ للزوجين مَعًا وكل وَاحِد مِنْهُمَا فَحل لمن ترْضِعه وَإِن انْقَطع ثمَّ حدث لبن ثَان للزَّوْج الأول وَالثَّانِي للزَّوْج الثَّانِي (السَّابِع) فِيمَا يثبت بِهِ الرَّضَاع وَذَلِكَ بِشَهَادَة شَاهِدين عَدْلَيْنِ اتِّفَاقًا وبشهادة امْرَأتَيْنِ إِذا فَشَا قَوْلهمَا فَإِن لم يفش قَوْلهمَا فَاخْتلف فِيهِ وَفِي شَهَادَة الْوَاحِدَة إِذا فَشَا بِخِلَاف الَّتِي لم يفش قَوْلهَا لأبي حنيفَة وَاشْترط الشَّافِعِي أَربع نسْوَة وَيثبت أَيْضا باعتراف الزَّوْجَيْنِ مَعًا واعتراف أبويهما وَاخْتلف فِي اعْتِرَاف أم أحد الزَّوْجَيْنِ أَو أَبِيه وَيثبت باعتراف الزَّوْج وَحده لَا باعترافها وَحدهَا إِلَّا أَن يشْهد بِسَمَاع ذَلِك مِنْهَا قبل العقد وَحَيْثُ لَا يثبت فَيَنْبَغِي التَّنَزُّه عَنهُ وَأما الصهر فَيحرم بِهِ أَربع نسْوَة ثَلَاث بِالْعقدِ دخل بِهن أَو لم يدْخل وَهن زَوْجَة الْأَب من النّسَب وَالرّضَاع وَإِن سفل وَزَوْجَة الْأَب وَالْجد من النّسَب وَالرّضَاع وَإِن علا وَأم الزَّوْجَة من النّسَب وَالرّضَاع وَإِن علت فَمن عقد على امْرَأَة حرمت على كل من لَهُ على الْعَاقِد ولادَة وعَلى كل من للعاقد عَلَيْهِ ولادَة بِمُبَاشَرَة أَو بوساطة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى سَوَاء كَانَت الْولادَة بِنسَب أَو رضَاع ورابعة لَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ وَهِي بنت الزَّوْجَة من النّسَب وَالرّضَاع وَإِن سفلت وَلَا يشْتَرط أَن تكون فِي حجره خلافًا لداود وَتحرم بِوَطْء أمهَا اتِّفَاقًا وبمقدمات الْوَطْء من الْمُبَاشرَة والقبلة خلافًا للمزني وَكَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى بَاطِن الْجَسَد بِشَهْوَة على الْمَشْهُور فرعان (الْفَرْع الأول) يعْتَبر فِي التَّحْرِيم بالصهر النِّكَاح الْحَلَال أَو الَّذِي فِيهِ شُبْهَة أَو اخْتلف فِيهِ فَإِن كَانَ زنى مَحْضا لم تقع بِهِ حُرْمَة الْمُصَاهَرَة كمن زنى بِامْرَأَة فَإِنَّهُ لَا يحرم تَزْوِيجهَا على أَوْلَاده فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ خلافًا لأبي حنيفَة إِلَّا أَن فِي الْمُدَوَّنَة من زنى بِأم امْرَأَته فَارقهَا خلافًا لما فِي الْمُوَطَّأ ثمَّ اخْتلف فِي هَذَا الْفِرَاق هَل هُوَ وَاجِب أَو مَنْدُوب (الْفَرْع الثَّانِي) يحرم بِالْوَطْءِ بِملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْيَمين والتلذذ مَا يحرم بِالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فَمن وَطْء مَمْلُوكَة أَو تلذذ مِنْهَا بِمَا دون الْوَطْء حرمت على آبَائِهِ وأبنائع مَا تَنَاسَلُوا وَيحرم من المملوكات بِالنّسَبِ وَالرّضَاع والصهر مَا يحرم من الجرائر بذلك وَأما اللّعان فَتَقَع بِهِ الْفرْقَة المؤبدة فَلَا تحل لَهُ أبدا وَإِن أكذب نَفسه وَأما الْوَطْء فِي الْعدة فَكل امْرَأَة مُعْتَدَّة من نِكَاح أَو شُبْهَة نِكَاح فَلَا يجوز نِكَاحهَا فَإِن أنكحت فِي عدتهَا تِلْكَ فرق بَينهمَا اتِّفَاقًا ثمَّ تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد خلافًا لَهما فَأجَاز أَن يَتَزَوَّجهَا بعد وعَلى الْمَذْهَب تحرم عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ وَاخْتلف فِي الْقبْلَة والمباشرة وَفِي العقد دون دُخُول هَل يحرم بهَا أم لَا بَيَان دُخُول وَطْء على وَطْء يكون ثَمَانِيَة أوجه (الأول) دُخُول وَطْء نِكَاح فِي عدَّة نِكَاح (الثَّانِي) وَطْء نِكَاح فِي عدَّة شُبْهَة نِكَاح فَتحرم على الواطىء فيهمَا فِي الْمَذْهَب (الثَّالِث) وَطْء نِكَاح فِي اسْتِبْرَاء غصب (الرَّابِع) وَطْء نِكَاح فِي اسْتِبْرَاء زنى فَتحرم على الواطىء فيهمَا أَيْضا خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون (الْخَامِس) وَطْء نِكَاح فِي اسْتِبْرَاء ملك مَعَ الِانْتِقَال الْملك بِبيع أَو هبة فَفِيهِ قَولَانِ (السَّادِس) وَطْء نِكَاح فِي اسْتِبْرَاء ملك بعد الْعتْق فَلَا تحرم عندابن الْقَاسِم وَأَشْهَب (السَّابِع) وَطْء ملك فِي اسْتِبْرَاء ملك فَلَا تحرم اتِّفَاقًا (الثَّامِن) وَطْء بزنى أَو غصب من غير شُبْهَة فِي عدَّة أَو اسْتِبْرَاء فَلَا تحرم أَيْضا (الْفَصْل الثَّانِي) فِي التَّحْرِيم غير المؤبد وَالزِّيَادَة على الْعدَد الْمُبَاح وَاسْتِيفَاء الطلقات والزوجية والمتعة وَالنِّكَاح يَوْم الْجُمُعَة وَزَاد ابْن حَنْبَل الزِّنَى فَأَما الْأَرْبَعَة الأولى فقد ذكرت وَأما الْجمع فَيحرم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاح أَو ملك يَمِين وَبَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَين الْمَرْأَة وخالتها سَوَاء كَانَت شَقِيقَة أَو لأَب أَو لأم أَو من الرضَاعَة وَالضَّابِط لذَلِك إِن كل امْرَأتَيْنِ بَينهمَا من الْقَرَابَة أَو الرضَاعَة مَا يمْنَع تناكحهما لَو قدرت أَحدهمَا ذكرا فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا واحترزنا بِذكر الْقَرَابَة وَالرضَاعَة من الْجمع بَين الْمَرْأَة وَأم زَوجهَا فَإِنَّهُ يجوز لِأَنَّهُ من بَاب الصهر فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) يحرم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ إِحْدَاهمَا بِالنِّكَاحِ وَالْأُخْرَى بِالْملكِ خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يحرم الْجمع بَين الْقَرَابَة غير من ذكرنَا كإبنتي الْعم وَالْخَال وابنتي الْخَالَة وَغَيرهمَا خلافًا لقوم (الْفَرْع الثَّالِث) أَن تزوج من لَا يجمع بَينهمَا فِي عقد وَاحِد بَطل النكاحان وَإِن قدم إِحْدَاهمَا بَطل نِكَاح الثَّانِيَة دون الأولى وَإِن كَانَت عِنْده أمة فَوَطِئَهَا حرمت عَلَيْهِ أُخْتهَا وعمتها وخالتها حَتَّى يحرم الأولى على نَفسه بِبيع أَو عتق أَو كِتَابَة أَو تَزْوِيج وَأما الزِّيَادَة فَتحرم على الْحر الزِّيَادَة على أَربع عِنْد الْجُمْهُور وَكَذَلِكَ العَبْد فِي الْمَشْهُور وفَاقا للظاهرية وروى ابْن وهب أَن الثَّالِثَة للْعَبد كالخامسة للْحرّ فَلَا يزِيد على اثْنَتَيْنِ وفَاقا لَهما وَتحل الْخَامِسَة بِطَلَاق بَائِن للواحدة من الْأَرْبَع لَا بِطَلَاق رَجْعِيّ إِلَّا أَن انْقَضتْ الْعدة وَلَو نكح خمْسا فِي عقد لبطل نِكَاح جَمِيعهنَّ وَيجوز أَن يجمع فِي ملك الْيَمين بَين خمس وَأكْثر وَأما اسْتِيفَاء الطلقات فَهُوَ ثَلَاث للْحرّ وَاثْنَتَانِ للْعَبد فَمن اسْتَوْفَاهُ مِنْهُمَا لم تحل لَهُ الزَّوْجَة حَتَّى تنْكح زوجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 غَيره إِجْمَاعًا ويطأها عِنْد الْجُمْهُور وطئا مُبَاحا فِي نِكَاح صَحِيح لَازم فَلَا تحل لَهُ بِوَطْء فِي حيض أَو حرَام أَو اعْتِكَاف أَو صِيَام خلافًا لِابْنِ الماشجون وَلَا يحلهَا نِكَاح الشُّبْهَة عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَلَا نِكَاح التيس وَهُوَ الْمُحَلّل الَّذِي يَتَزَوَّجهَا لِيحِلهَا لزَوجهَا اتِّفَاقًا ونكاحه بَاطِل مفسوخ خلافًا لَهما وَالْمُعْتَبر فِي ذَلِك نِيَّة الْمُحَلّل لَا نِيَّة الْمَرْأَة وَلَا نِيَّة الْمُحَلّل لَهُ وَقَالَ قوم من نوى ذَلِك مِنْهُم أفسد وَلَا يحلهَا نِكَاح دون وَطْء خلافًا لِابْنِ الْمسيب وَيَكْفِي مغيب الْحَشَفَة دون إِنْزَال خلافًا لقوم وَلَا يحلهَا وَطْء صبي خلافًا للشَّافِعِيّ وَاخْتلف فِي الْوَطْء بِغَيْر انتشار ثمَّ إِنَّه أَن تَصَادقا على الْوَطْء حلت لَهُ وَإِن أدعته هِيَ وَأنكر لم تحل عِنْد مَالك خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم وَأما الزَّوْجِيَّة فَلَا يحل نِكَاح امْرَأَة ذَات روح إِلَّا المسبية فَإِن السَّبي يهدم نِكَاحهَا فِي الْمَشْهُور وفَاقا للشَّافِعِيّ فَيجوز لمن صَارَت لَهُ وَطئهَا بعد استبرائها بحيضه مَا لم تكن حَامِلا فَلَا يجوز وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا وَلَا التَّلَذُّذ بهَا فِي الْمَشْهُور وَإِن اشْترى رجلا وَامْرَأَته فَلهُ التَّفْرِيق بَينهمَا وَوَطْء الْمَرْأَة وَقيل لَا يفرق بَينهمَا وَأما الْمُتْعَة فَهُوَ النِّكَاح إِلَى أجل وَهُوَ حرَام بعد أَن كَانَ حَلَالا وَنسخ يَوْم خَيْبَر خلافًا لِابْنِ عَبَّاس بَيَان لفظ الْمُتْعَة فِي الْفِقْه يَقع على أَرْبَعَة معَان (أَحدهَا) مُتْعَة الْحَج وَقد ذكرت (الثَّانِي) النِّكَاح إِلَى أجل (الثَّالِث) مُتْعَة المطلقات وستذكر (الرَّابِع) امتاع الْمَرْأَة زَوجهَا فِي مَالهَا على مَا جرت الْعَادة فِي الأندلس فَإِن كَانَ شرطا فِي العقد لم يجز وَإِن كَانَ تَطَوّعا بعد تَمام العقد جَازَ وَأما يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا سعد الإِمَام على الْمِنْبَر حرم النِّكَاح كَالْبيع وأماالزاني فَيكْرَه نِكَاح الْمَعْرُوفَة بالزنى وَيجوز لمن زنى بِامْرَأَة أَن يَتَزَوَّجهَا بعد الِاسْتِبْرَاء وَقَالَ ابْن حَنْبَل لَا تنْكح الزَّانِيَة حَتَّى تتوب تَكْمِيل فِي فسخ النِّكَاح النِّكَاح الْفَاسِد مفسوخ فَمَا كَانَ فَسَاده لعقده فسخ قبل الْبناء وَبعده وَمَا كَانَ فَسَاده لصداقة فسخ قبل الْبناء وَثَبت بعده على الْمَشْهُور وَقيل يفْسخ وَفِيهِمَا وَقيل لَا يفْسخ فيهمَا ثمَّ إِن الْفَسْخ يكون بِطَلَاق وَيكون بِغَيْر طَلَاق فَكل نِكَاح أجمع على تَحْرِيمه فسخ بِغَيْر طَلَاق وَمَا اخْتلف فِيهِ فسخ بِطَلَاق وَقيل كل نِكَاح يجوز للْوَلِيّ أَو لأحد الزَّوْجَيْنِ امضاؤه أَو فَسخه فسخ بِطَلَاق وكل مَا يغلبُونَ على فسخ وَيفْسخ قبل الْبناء وَبعده فسخ بِغَيْر طَلَاق وَفَائِدَة الْفرق أَن الْفَسْخ بِطَلَاق يوقعه الزَّوْج ويحسب فِي عدد التطليقات وَالْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق يوقعه الْحَاكِم وَلَا يحْسب فِي عدد الطلقات وَتعْتَد من الْفَسْخ كَمَا تَعْتَد من الطَّلَاق (فرع أول) النِّكَاح الْفَاسِد الَّذِي يفْسخ بِغَيْر طَلَاق لَا يكون فِيهِ بَين الزَّوْجَيْنِ توارث وَالْفَاسِد الَّذِي يفْسخ بِطَلَاق يتوارثان فِيهِ إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الْفَسْخ (فرع ثَان) كل نِكَاح يدْرَأ فِيهِ الْحَد فَالْوَلَد لَاحق بِالْوَطْءِ وَحَيْثُ وَجب الْحَد لَا يلْحق النّسَب (فرع ثَالِث) كل نِكَاح فسخ بعدالدخول اضطرارا فَلَا يجوز للزَّوْج أَن يَتَزَوَّجهَا فِي عدتهَا مِنْهُ وكل نِكَاح فسخ اخْتِيَارا من أحد الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الْخِيَار جَازَ أَن يَتَزَوَّجهَا فِي عدتهَا مِنْهُ الْبَاب السَّادِس فِي حُقُوق الزَّوْجَة وَفِيه سبع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الِاسْتِمْتَاع الْجِمَاع وَاجِب على الرجل للْمَرْأَة إِذا انْتَفَى الْعذر وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجب إِلَّا مرّة وَيجوز للرجل أَن يسْتَمْتع بِزَوْجَتِهِ وَأمته بِجَمِيعِ وُجُوه الِاسْتِمْتَاع إِلَّا الْإِتْيَان فِي الدبر فَإِنَّهُ حرَام وَلَقَد افترى من نسب جَوَازه إِلَى مَالك ثمَّ أَنه فِي معنى الْوَطْء فِي كثير من الْأَحْكَام كإفساد الْعباد وَوُجُوب الْغسْل من الْجَانِبَيْنِ وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَالْحَد وَوُجُوب الْعدة والمصاهرة وَلَا يتَعَلَّق بِهِ التَّحْلِيل وَلَا الْإِحْصَان وَاخْتلف فِي تَكْمِيل الصَدَاق بِهِ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا بَأْس أَن يكلم الرجل امْرَأَته عِنْد الْجِمَاع وَأَجَازَ أصبغ النّظر إِلَى الْفرج عِنْد الْجِمَاع وَيكرهُ الشخر وَأَجَازَهُ قوم وَلَا يجوز الْجِمَاع إِلَّا فِي خلْوَة وَلَا تمنع الغيلة وَهُوَ جماع الْمُرضعَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْعَزْل لَا يجوز الْعَزْل عَن الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا عَن الزَّوْجَة الْأمة إِلَّا بِإِذن سَيِّدهَا لحقه فِي النَّسْل وَيجوز عَن السّريَّة بِغَيْر إِذْنهَا وَأَجَازَهُ الشَّافِعِي مُطلقًا وَيلْحق الْوَلَد بِالزَّوْجِ بعد الْعَزْل وَإِذا قبض الرَّحِم الْمَنِيّ لم يجز التَّعَرُّض لَهُ وَأَشد من ذَلِك إِذا تخلق وَأَشد من ذَلِك إِذا نفخ فِي الرّوح فَإِنَّهُ قتل نفس إِجْمَاعًا (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْقسم بَين النِّسَاء من كَانَ لَهُ أَكثر من وَاحِدَة وَجب عَلَيْهِ الْعدْل بَينهُنَّ فَيجْعَل لكل وَاحِدَة يَوْمًا وَلَيْلَة وتستوي الْمَرِيضَة وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة والكتابية مَعَ غَيرهَا لقصد الْأنس وَكَذَلِكَ تستوي الْحرَّة وَالْأمة على الْمَشْهُور وَقيل للْحرَّة ثلثان وللأمة ثلث وَلَا يدْخل فِي يَوْم وَاحِد على الأخلى إِلَّا زَائِرًا أَو لحَاجَة لَا لميل وَلَا ضَرَر يحل لَهُ وَلَا يجوز أَن يجمع بَين ضرتين فِي مَكَان وَاحِد إِلَّا برضاهما وليفرد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بمسكنها ويأتيها فِيهِ وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقسم بَين أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَلَا بَين إمائه وَلَا الْعدْل بَينهُنَّ وَلَا الْقِسْمَة للسرية مَعَ الزَّوْجَة وَلَكِن يسْتَحبّ حسن المعاشرة وكف الْأَذَى وتوفية الْحُقُوق (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي السَّابِع من تزوج بكرا أَقَامَ عِنْدهَا سبعا وَإِن تزوج ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا وتستوي فِي ذَلِك الْحرَّة وَالْأمة وَاخْتلف هَل ذَلِك وَاجِب أَو مَنْدُوب وَهل يقْضى عَلَيْهِ لَهَا بِهِ لِأَنَّهُ من حُقُوقهَا أم لَا يقْضى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من حُقُوقه وَإِن كَانَ لَهُ نسَاء سواهَا لم يقْض لَهُنَّ بِهَدِّهِ الْمدَّة بل تنفرد بهَا الجديدة ثمَّ يسْتَأْنف الْقِسْمَة وَإِذا سَافر أَقرع بَينهُنَّ فأيتها خرجت قرعتها سَافر بهَا وَقيل يخْتَار وَاحِدَة يُسَافر بهَا وتنفرد الَّتِي سَافر بهَا بتلكالمدة وَلَا يقْضِي للبواقي (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي النُّشُوز والحكمين وَله ثَلَاث حالات (الأولى) أَن يكون النُّشُوز مِنْهَا فيعظمها فَإِن قبلت وَإِلَّا هجرها فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 انْتَهَت وَإِلَّا ضربهَا ضربا غير مخوف إِن غلب على ظَنّه أَنَّهَا لَا تتْرك النُّشُوز إِلَّا بِضَرْب مخوف تَركهَا (الْحَالة الثَّانِيَة) أَن يكون الْعدوان مِنْهُ بِالضَّرْبِ والذى فيزجر عَن ذَلِك وَيجْبر على الْعود إِلَى الْعدْل وَإِلَّا طلقت عَلَيْهِ لضرره (الْحَالة الثَّالِثَة) أَن يشكل الْأَمر وَقد سَاءَ مَا بَينهمَا وتكررت شكواهما وَلَا بَيِّنَة مَعَ وَاحِد مِنْهُمَا وَلم يقدر على الْإِصْلَاح بَينهمَا فيبعث حكمان من جِهَة الْحَاكِم أَو من جِهَة الزَّوْجَيْنِ أَو من يَلِي عَلَيْهِمَا لينظرا فِي أَمرهمَا وَينفذ تصرفهما فِي أَمرهمَا بِمَا رأياه من تطليق أَو خلع من غير إِذن الزَّوْج وَلَا مُوَافقَة الْحَاكِم وَذَلِكَ بعد أَن يعجزا عَن الْإِصْلَاح بَينهمَا وَإِذا حكما بالفراق فَهِيَ طَلْقَة بَائِنَة فَإِن حكما بِأَكْثَرَ من وَاحِدَة لم يلْزم وَقيل يلْزم وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهما بالفرقة إِلَّا أَن تجْعَل لَهما فَإِن اخْتلفَا لم يلْزم شَيْء إِلَّا باجتماعهما وَيجب أَن يَكُونَا مُسلمين عَدْلَيْنِ فقيهين والأكمل أَن يكون حكم من أهل الزَّوْج وَحكم من أهل الزَّوْجَة تَنْبِيه عَادَة الْقُضَاة أَن يبعثوا امْرَأَة مُسِنَّة عوض الْحكمَيْنِ قَالَ بعض الْعلمَاء وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَنَّهُ مُخَالف لِلْقُرْآنِ (الْمَسْأَلَة السادية) فِي اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي الزَّوْجِيَّة إِذا ادّعى رجل على امْرَأَة العقد وَأنْكرت أَو ادَّعَت هِيَ وَأنكر فَلَا يَمِين على الْمُنكر وَإِن أَتَى أَحدهمَا بِشَاهِد وَاحِد لم يحلف مَعَه وَلَا يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمَشْهُور وَإِذا ادَّعَت النِّكَاح على ميت وأقامت شَاهدا مَعَه قَالَ ابْن الْقَاسِم تحلف وترث لِأَنَّهُ مَال خلافًا لأَشْهَب (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي مَتَاع الْبَيْت فَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه لَهُ وَلَا بَينه لَهما وَلَا لأَحَدهمَا نظر فَمَا كَانَ من مَتَاع النِّسَاء كالحلي والغزل وَثيَاب النِّسَاء وخمرهن حكم بِهِ للْمَرْأَة مَعَ يَمِينهَا وَمَا كَانَ من مَتَاع الرجل كالسلاح والكتب وَثيَاب الرِّجَال حكم بِهِ للرجل مَعَ يَمِينه وَمَا كَانَ يصلح لَهما جَمِيعًا كالدنانير وَالدَّرَاهِم فَهُوَ لرجل مَعَ يَمِينه وَقَالَ سَحْنُون مَا يعرف لأَحَدهمَا فَهُوَ لَهُ بِغَيْر يَمِين الْبَاب السَّابِع فِي أَسبَاب الْخِيَار وَهِي خَمْسَة الْعُيُوب والغرور والاعسار والفقد وَعتق الْأمة تَحت العَبْد فَفِي الْبَاب خَمْسَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْعُيُوب وَهِي أَرْبَعَة الْجُنُون والجذام والبرص وداء الْفرج وَيخْتَص الرجل من دَاء الْفرج بالجب والخصاء والعنة والاعتراض وتختص الْمَرْأَة بالقرن والرتق والعفل وبخر الْفرج وَلَيْسَ مِنْهَا القرع وَلَا السوَاد وَلَا إِن وجدهَا مفتضة من زنى على الْمَشْهُور وَلَيْسَ مِنْهَا الْعَمى والعور وَالْعَرج والزمانة وَلَا نَحْوهَا من العاهات إِلَّا أَن اشْترط السَّلامَة مِنْهَا فَإِذا كَانَ فِي أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الزَّوْجَيْنِ أحد هَذِه الْعُيُوب كَانَ للْآخر الْخِيَار فِي الْبَقَاء مَعَه أَو الْفِرَاق بِشَرْط أَن يكون الْعَيْب مَوْجُودا حِين عقد النِّكَاح فَإِن حدث بعده فَلَا خِيَار إِلَّا أَن يبتلى الزَّوْج بعد العقد بجنون أَو جذام أَو برص فَيُفَرق بَينهمَا للضَّرَر الدَّاخِل على الْمَرْأَة وَأسْقط الظَّاهِرِيَّة الْخِيَار مُطلقًا ثمَّ إِن كَانَ الْعَيْب بِالزَّوْجِ فَإِن قَامَت بِهِ قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا من الصَدَاق وَكَذَلِكَ بعد الدُّخُول إِلَّا أَن طَال مكثها مَعَه وخلقت شورتها فلهَا الصَدَاق وَإِن كَانَ الْعَيْب بهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فَإِن شَاءَ طلق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ دخل وَلَزِمَه الصَدَاق كَامِلا وَإِن لم يعلم إِلَّا بعدالدخول فَإِن كَانَت هِيَ الَّتِي غرته ترك لَهَا ربع دِينَار وَأخذ مَا زَاد عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْغَار وَليهَا لم يتْرك لَهَا شَيْئا وَرجع على الْوَلِيّ بِمَا دَفعه وَقَالَ الشَّافِعِي لَهَا صَدَاقهَا بعد الدُّخُول كَامِلا فرعان (الْفَرْع الأول) تعجل الْفرْقَة بِطَلَاق فِي جَمِيع الْعُيُوب فِي الِاعْتِرَاض فَإِن الْمُعْتَرض وَهُوَ الَّذِي لَا يقدر على الْوَطْء لعَارض يُؤَجل ينة من يَوْم ترفعه فَإِن لم يطَأ فِيهَا فلهَا الْخِيَار وَإِن وَطْء سقط خِيَارهَا وَالْقَوْل قَوْله فِي دَعْوَى الْوَطْء (الْفَرْع الثَّانِي) إِن ادّعى الرجل عَيْبا بِالْمَرْأَةِ فِي الْفرج وَأنْكرت نظر إِلَيْهَا النِّسَاء وَإِن ادَّعَتْهُ هِيَ عَلَيْهِ فَأَما الْمَجْبُوب وَهُوَ الْمَقْطُوع الذّكر والأنثيين والخصي وَهُوَ الْمَقْطُوع أَحدهمَا فيختبر بالجس على الثَّوْب وَكَذَلِكَ الحصور وَهُوَ الْمَخْلُوق بِغَيْر ذكر أَو بِذكر صَغِير جدا لَا يَتَأَتَّى إيلاجه وَأما الْعنين أَو الْمُعْتَرض فَإِن أنكر فَهُوَ مُصدق والعنين هُوَ الَّذِي لَا يقوم ذكره والمعترض هُوَ الَّذِي يجْرِي عَلَيْهِ ذَلِك فِي بعض الْأَوْقَات (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْغرُور فَإِذا قَالَ الْعَاقِد زَوجتك هَذِه الْمسلمَة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة أَو هَذِه الْحرَّة فَإِذا هِيَ أمة انْعَقَد النِّكَاح وَله الْخِيَار فإنأمسكها لزمَه الْمُسَمّى وَإِن فَارقهَا قبل الدُّخُول فَلَا شَيْء لَهَا وَإِن فَارقهَا بعد الدُّخُول فلهَا الْمُسَمّى إِلَّا أَن يزِيد على صدَاق الْمثل فَيرد مَا زَاد وَإِن تزوج العَبْد على أَنه حر فالمرأة بِالْخِيَارِ (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الاعسار بِالصَّدَاقِ وَالنَّفقَة أما الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُول فلهَا الْخِيَار فِي الْفرْقَة فِيهِ بعد أَن يضْرب لَهُ أجل على مَا يُرْجَى لمثله من غير تَحْدِيد وَقيل سنة وَإِذا اخْتَارَتْ الْفِرَاق تَبعته بِنصْف الصَدَاق الْوَاجِب لَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا خِيَار لَهَا وَهِي عِنْده غَرِيم من الْغُرَمَاء وَلها أَن تمنع نَفسهَا حَتَّى يُعْطِيهَا صَدَاقهَا وَلَا خِيَار لَهَا فِي الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ بعد الدُّخُول بل هُوَ عَلَيْهِ دين وَأما الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ أَو الْكسْوَة فلهَا الْخِيَار خلافًا لأبي حنيفَة والظاهرية فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) إِن عجز بِالْكُلِّيَّةِ أَو وجد شَيْئا يَسِيرا لَا يسد مسدا فلهَا الْخِيَار وَإِن وجد قدر مَا يمسك الْحَيَاة وَالصِّحَّة خَاصَّة فَقَوْلَانِ وَإِن وجد خبْزًا دون أدام وثوبا وَاحِدًا فَلَا خِيَار (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يُؤثر الْعَجز عَن نَفَقَة الزَّمَان الْمَاضِي بل ذَلِك دين فِي ذمَّته وَإِن تزوجته وَهِي عَالِمَة بفقره وَأَنه متكفف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فَلَا قيام لَهَا فِي الْمَشْهُور (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا رفعت أمرهَا للْقَاضِي فَإِن كَانَ الزَّوْج حَاضرا أمره أَن ينْفق أَو يُطلق فإنأبى طلق عَلَيْهِ القَاضِي وَإِن كَانَ غَائِبا وَلَا مَال لَهُ ينْفق عَلَيْهَا مِنْهُ كَانَ لَهَا الْخِيَار أَيْضا على الْمَشْهُور (الْفَرْع الرَّابِع) يتلوم للمعسر رَجَاء يسره فَقيل يَوْم وَقيل شهر وَقيل من غير تَحْدِيد (الْفَرْع الْخَامِس) الطَّلَاق بالإعسار بِالنَّفَقَةِ رَجْعِيّ فَإِن أيسر فِي الْعدة بِالنَّفَقَةِ فَلهُ الرّجْعَة وَإِلَّا بَانَتْ مِنْهُ وَالطَّلَاق فِي الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ بَائِن وَكَذَلِكَ طَلَاق الْعنين وَشبهه (الْفَرْع السَّادِس) فِي إعسار الْغَائِب فَإِذا قَامَت عِنْد القَاضِي كلفها إِثْبَات الزَّوْجِيَّة واتصالها وَإِثْبَات غيبته وَإِن الشُّهُود لَا يعلمُونَ أَنه ترك لَهَا شَيْئا وَلَا بعث لَهَا شَيْئا وَلَا أحالها بِهِ وَتُؤَدِّي الشَّهَادَة فِي ذَلِك على عينهَا ثمَّ يضْرب لَهَا أَََجَلًا من شَهْرَيْن فَإِن قدم الزَّوْج فِي الْأَجَل بَقِي مَعَ زَوجته وَرجعت عَلَيْهِ بِمَا أنفقت على نَفسهَا مُنْذُ رفعت أمرهَا وَكَانَ القَوْل فِي ذَلِك قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا إِن ادّعى الزَّوْج أَنه ترك لَهَا شَيْئا أَو بعث لَهَا بِهِ وَلها رد الْيَمين عَلَيْهِ وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِيمَا كَانَ قبل رَفعهَا أمرهَا وَله رد الْيَمين عَلَيْهَا وَلَا تنْتَفع الْمَرْأَة بإشهاد الْجِيرَان دون الرّفْع إِلَى السُّلْطَان فَإِن انصرم الْأَجَل وَلم يقدم الزَّوْج حَلَفت على مثل مَا شهد بِهِ الشُّهُود وَطلقت نَفسهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة فَإِن قدم مُوسِرًا فِي عدتهَا فَلهُ ارتجاعها وَإِن قدم عديما لم يكن لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل إِلَّا أَن ترْضى بالْمقَام مَعَه دون نَفَقَة وَإِن كَانَت محجورة ورضيت بالْمقَام مَعَه دون نَفَقَة على أَن تنْفق على نَفسهَا من مَالهَا فَذَلِك لَهَا وَلَا كَلَام لوَلِيّهَا إِذْ لَو طلقت لم يكن لَهَا بُد من النَّفَقَة على نَفسهَا فَمَعَ الزَّوْج أولى لِأَن فِيهِ صونا لَهَا (الْفَصْل الرَّابِع) فِي الْمَفْقُود وَهُوَ الَّذِي يغيب فَيَنْقَطِع أَثَره وَلَا يعلم خَبره وَهُوَ على أَرْبَعَة أوجه فِي بِلَاد الْمُسلمين وَفِي بِلَاد الْعَدو وَفِي قتال الْمُسلمين مَعَ الْكفَّار وَفِي قتال الْمُسلمين فِي الْفِتَن فَأَما الْمَفْقُود فِي بِلَاد الْمُسلمين فَإِذا رفعت زَوجته أمرهَا إِلَى القَاضِي كلفها إِثْبَات الزَّوْجِيَّة وغيبته ثمَّ بحث عَن خَبره وَكتب فِي ذَلِك إِلَى الْبِلَاد فَإِن وقف لَهُ على خبر فَلَيْسَ بمفقود ويكاتبه بِالرُّجُوعِ أَو الطَّلَاق فَإِن أَقَامَ على الْإِضْرَار طلق عَلَيْهِ وَإِن لم يقف لَهُ على خبر وَلَا عرفت حَيَاته من مَوته ضرب لَهُ أجل من أَرْبَعَة أَعْوَام للْحرّ وعامين للْعَبد من يَوْم ترفع أمرهَا فَإِذا انْقَضى الْأَجَل اعْتدت عدَّة الْوَفَاة ثمَّ تزوجت إِن شَاءَت وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا تحل امْرَأَة الْمَفْقُود حَتَّى يَصح مَوته فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) إِن كَانَ دخل بهَا فنفقتها فِي الْأَرْبَعَة أَعْوَام عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا فَإِن كَانَت غيبته بعيدَة لَزِمته النَّفَقَة يفْرض لَهَا فِي مَاله إِن شَاءَت ذَلِك وَإِن كَانَت غيبته قريبَة فَقَوْلَانِ (الْفَرْع الثَّانِي) إِن جَاءَ زَوجهَا فِي الْأَجَل أَو فِي الْعدة أَو بعْدهَا قبل أَن تتَزَوَّج فَهِيَ امْرَأَته وَإِن جَاءَ بعد أَن تزوجت فَإِن كَانَ الثَّانِي دخل بهَا فَهِيَ لَهُ دون الأول وَإِن لم يدْخل بهَا فَقَوْلَانِ (الْفَرْع الثَّالِث) إِن وَقع الْفِرَاق من الْمَفْقُود قبل الدُّخُول وَجب لَهَا نصف الصَدَاق هَذَا حكمه فِي زَوجته وَأما مَاله فموقوف لَا يُورث عَنهُ حَتَّى يعلم مَوته أَو يعمر فَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 عَلَيْهِ من الزَّمَان مَا لَا يعِيش إِلَى مثله وَاخْتلف فِي حد ذَلِك فَالْمَشْهُور سَبْعُونَ سنة وَقيل ثَمَانُون وَتسْعُونَ وَمِائَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة مائَة وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ كُله من أول عمره فَإِن فقد وَهُوَ ابْن سبعين تربص بِهِ عشرَة أَعْوَام بعْدهَا على الْمَشْهُور وَأما الْمَفْقُود فِي بِلَاد الْعَدو فَحكمه حكم الْأَسير لَا تزوج امْرَأَته وَلَا يُورث مَاله حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ من الزَّمَان مَا لَا يعِيش إِلَى مثله إِلَّا عِنْد أَشهب فَهُوَ عِنْده كالمفقود فِي بِلَاد الْمُسلمين فِي زوجه وَمَاله وَأما الْمَفْقُود فِي الْقِتَال مَعَ الْكفَّار فَحكمه كالأسير فِي الْمَشْهُور وَقيل كالمفقود وَقيل يحكم فِي زَوجته بِحكم الْمَقْتُول يتلوم سنة ثمَّ تَعْتَد وتتزوج وَيحكم فِي مَاله بِحكم الْمَفْقُود فيعمر إِلَى مَا لَا يعِيش إِلَى مثله وَأما الْمَفْقُود فِي الْفِتَن فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحكم لَهُ بِحكم الْمَقْتُول فَتعْتَد امْرَأَته وَيقسم مَاله ثمَّ اخْتلف أهل ذَلِك من يَوْم المعركة أَو بعد التَّلَوُّم قدر مَا ينْصَرف من هرب أَو انهزام فيتلوم فِي الْبعد سنة وَفِي الْقرب أقل وَاخْتلف أَيْضا هَل تدخل الْعدة فِي التَّلَوُّم أم لَا وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يضْرب لَهُ أجل سنة ثمَّ تَعْتَد امْرَأَته وَيقسم مَاله (الْفَصْل الْخَامِس) فِي عتق الْأمة إِن أعتقت الْأمة تَحت عبد فلهَا الْخِيَار فَإِن اخْتَارَتْ الْفِرَاق فطلقة وَاحِدَة بَائِنَة وَيكرهُ لَهَا الثَّلَاث فَإِن فعلت جَازَ وَإِن لم يدْخل بهَا فَلَا صدَاق بهَا لِأَن الْفِرَاق من قبلهَا وَلَا رَجْعَة لَهُ إِن أعتق فِي عدتهَا لِأَن الطَّلقَة بَائِنَة إِلَّا إِن شَاءَت وَكَانَ الطَّلَاق وَاحِدًا وَإِن لم تخبر حَتَّى عتق فَلَا خِيَار لَهَا وَإِن تلذذ بهَا بعد علمهَا الْعتْق سقط خِيَارهَا عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَلَا تعذر بِالْجَهْلِ خلافًا للأوزاعي وَقَالَ أَبُو حنيفَة خِيَارهَا فِي الْمجْلس إِن قَامَت سقط وَلَا خِيَار لَهَا إِن أعتقت وَهِي تَحت حر خلافًا لأبي حنيفَة الْبَاب الثَّامِن فِي الشُّرُوط فِي النِّكَاح وَهِي على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) يَقْتَضِيهِ العقد كَالْوَطْءِ والانفاق فَلَا يُؤثر ذكره (الثَّانِي) يُنَاقض العقد كَعَدم الْقِسْمَة وَنَحْوه فَيمْنَع وَيفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء وَفِي فَسخه بعد خلاف (الثَّالِث) مَا لَا تعلق لَهُ بِالْعقدِ كَشَرط عدم إخْرَاجهَا من بَلَدهَا فَهُوَ مَكْرُوه ثمَّ إِنَّه إِن كَانَ مُقَيّدا بِطَلَاق أَو تمْلِيك أَو عتق أَو غير ذَلِك لزم وَيُقَال لَهُ يَمِين وَإِن لم يكن مُعَلّقا بِشَيْء وَلَا وضعت عَنهُ من صَدَاقهَا لأَجله لم يلْزم وَلَكِن يسْتَحبّ الْوَفَاء بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل الشُّرُوط كلهَا وَيصِح النِّكَاح وَقَالَ ابْن حَنْبَل يَصح الْوَفَاء بِكُل شَرط فِيهِ فَائِدَة بَيَان من لزمَه يَمِين طَلَاق فِي زَوجته لزمَه ذَلِك وَإِن طَلقهَا ثمَّ تزَوجهَا ثَانِيَة وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثَة حَتَّى تكون ثَلَاث تَطْلِيقَات فَإِن شَرط أَنه بَرِيء من تِلْكَ الشُّرُوط لم يَنْفَعهُ وَهِي لَازِمَة بِخِلَاف الْإِيمَان والشروط الَّتِي لَا يلْزم فِيهَا طَلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَإِنَّهُ يجوز إِسْقَاطهَا فروع عشرَة (الْفَرْع الأول) إِذا شَرط لَهَا أَلا يتَزَوَّج عَلَيْهَا فَإِن كَانَ دون يَمِين لم يلْزمه وَجَاز لَهُ أَن يتَزَوَّج حَسْبَمَا تقدم وَإِن كَانَ على يَمِين فَذَلِك على أَقسَام مِنْهَا أَن يَجْعَل أمرهَا بِيَدِهَا أَن تزوج فَيجب أَن يذكر هَل ملكهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة أَو بَائِنَة أَو ثَلَاثًا أَو أَي الطَّلَاق شَاءَت فَيعْمل على حَسبه وَمِنْهَا أَن يَجْعَل أَمر الدَّاخِلَة عَلَيْهَا بِيَدِهَا تطليقها رَجْعِيَّة أَو بَائِنَة أَو ثَلَاثًا أَو أَي الطَّلَاق شَاءَت حَسْبَمَا يَجْعَل لَهَا وَلها أَن تسْقط شَرطهَا فِي ذَلِك كُله وَمِنْهَا أَن يَقُول أَن تزوج عَلَيْهَا فالداخلة طَالِق فَتطلق بِنَفس نِكَاحهَا بِأَيّ طَلَاق جعل لَهَا وَلَيْسَ لزوجته إِسْقَاط ذَلِك (الْفَرْع الثَّانِي) إِن شَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا يتَّخذ أم ولد فَإِن علق ذَلِك بتمليكها أَمر نَفسهَا فعلى مَا تقدم وَهِي مخيرة فِي الْأَخْذ بشرطها أَو إِسْقَاطه وَإِن قَالَ فالسرية أَو أم ولد مُعتقة لزم عتقهما بِنَفس اتخاذهما وَإِن جعل بِيَدِهَا بيع السّريَّة فَلهُ عزلها عَن ذَلِك لِأَنَّهُ كالتوكيل (الْفَرْع الثَّالِث) إِن شَرط لَهَا أَن لَا يغيب عَنْهَا مُدَّة مَعْلُومَة فلهَا ذَلِك إِن علقها بِيَمِين كالتمليك وَشبهه ثمَّ إِنَّه قد يَجْعَلهَا مصدقة فِي دَعْوَى المغيب دون إِثْبَات وَيَمِين أَو بِيَمِين دون إِثْبَات أَو بعد الْإِثْبَات (الْفَرْع الرَّابِع) إِن شَرط لَهَا إِن لَا يرحلها من بَلَدهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا فلهَا ذَلِك إِن علقه بِيَمِين فَإِن أَذِنت لَهُ مرّة فَردهَا ثمَّ أَرَادَ أَن يرحلها ثَانِيَة فَاخْتلف هَل نسقط شَرطهَا أم لَا (الْفَرْع الْخَامِس) إِن شَرط أَن لَا يَضرهَا لزم سَوَاء علقه بِيَمِين أم لَا لِأَن ترك الأضرار وَاجِب ثمَّ إِنَّه قد يَجْعَلهَا مصدقة فِي دَعْوَى الضَّرَر دون إِثْبَات وَلَا يَمِين أَو بِيَمِين دون الْإِثْبَات أَو بعد الْإِثْبَات فَإِذا صدقت على أحد هَذِه الْوُجُوه فَإِن كَانَ قد علق ذَلِك بِتَمْلِيك أَو غَيره فلهَا مَا جعل لَهَا وَإِن لم يعلقه بِشَيْء فَقيل لَهَا أَن تطلق نَفسهَا بِالضَّرَرِ وَقيل ترفع أمرهَا إِلَى السُّلْطَان فيزجره مرّة بعد أُخْرَى فَإِن تكَرر طلقت عَلَيْهِ بَيَان كل شَرط يَجعله الزَّوْج بيد غَيره ليَقَع عَلَيْهِ بِهِ طَلَاق فَإِن كَانَ سَبَب ذَلِك فعلا يَفْعَله الزَّوْج فَهُوَ جَائِز لَازم للزَّوْج مثل أَن يشرط لَهَا أَنه مَتى ضربهَا أَو سَافر عَنْهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا أَو بيد أَبِيهَا أَو غَيره وَإِن كَانَ سَببه فعل غير الزَّوْج لم ينفذ وَلم يلْزم الزَّوْج وَالنِّكَاح جَائِز (الْفَرْع السَّادِس) إِن نحل أحد الزَّوْجَيْنِ أَبوهُ أَو أمه أَو غَيرهمَا مَالا فِي عقدَة النِّكَاح لزم وَلم يفْتَقر إِلَى حِيَازَة فَإِن كَانَ المنحول لَهُ ملك أَمر نَفسه ذكر قبُوله رفعا للِاخْتِلَاف إِن لم يذكر الْقبُول (الْفَرْع السَّابِع) لَا يجوز أَن تمتّع الْمَرْأَة زَوجهَا فِي مَالهَا فِي عقدَة النِّكَاح لِأَنَّهُ عَطاء فِي مُقَابلَة الصَدَاق وَيفْسد النِّكَاح بِهِ وَيجوز بعد انْعِقَاد النِّكَاح فَإِن كَانَت الْمَرْأَة مالكة أَمر نَفسهَا أمتعته هِيَ وَأَن زَوجهَا والدها وَهِي فِي حجره جَازَ لَهُ أَن يمتع وَأَن زَوجهَا غير الْأَب لم يكن لَهُ أَن يمتع إِلَّا أَن ضمن الدَّرك لِأَنَّهُ عَطِيَّة من مَال الْمَحْجُور (الْفَرْع الثَّامِن) السِّيَاقَة جَائِزَة وَهِي زِيَادَة على الصَدَاق (الْفَرْع التَّاسِع) إِن شَرط أَن ينْفق على وَلَدهَا من غَيره لم يجز وَيجوز أَن تطوع بذلك (الْفَرْع الْعَاشِر) لَا يمْنَعهَا من زِيَارَة ذَوي محارمها بِالْمَعْرُوفِ إِلَّا أَن يشْتَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ذَلِك وَإِن كره خُرُوجهَا صونا لَهَا لَا لضَرَر فَلهُ منعهَا ولأبوها زيارتها وَلَا يمْنَعهَا مِنْهُمَا فَإِن حلف حنثه السُّلْطَان فِي دخولهما إِلَيْهَا لَا فِي خُرُوجهَا إِلَيْهِمَا وَإِن كَانَ لَهَا بنُون صغَار فَلهم الدُّخُول كل يَوْم وللكبار كل جُمُعَة وَإِن علم أَن لَهَا ابْنة صَغِيرَة وَدخل على ذَلِك لم يفرقها مِنْهَا الْبَاب التَّاسِع فِي النَّفَقَات تجب النَّفَقَة لأربعة أَصْنَاف (الصِّنْف الأول) الزَّوْجَات بِشَرْط الدُّخُول والتمكين من الِاسْتِمَاع وبلوغ الزَّوْج وأطاقة الزَّوْجَة للْوَطْء وَلَا يشْتَرط بُلُوغهَا وَقيل لَا يشْتَرط احْتِلَام الزَّوْج إِذا بلغ الْوَطْء ثمَّ إِن الْوَاجِب سِتَّة أَشْيَاء (الْوَاجِب الأول) الطَّعَام وَهُوَ يخْتَلف بِحَسب الزَّوْج فِي مَاله وَالزَّوْجَة فِي مَالهَا ومنصبها وبحسب الْبِلَاد وَالْوسط من ذَلِك بالأندلس رَطْل وَنصف فِي الْيَوْم من قَمح أَو شعير أَو ذرة أَو قطنية على حسب الْحَال وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر حَال الزَّوْج دون الزَّوْجَة فتستوي عِنْده الرفيعة والدنية (الْوَاجِب الثَّانِي) الإدام وَهُوَ على حسب الْحَال والبلد وَلَا بُد من المَاء والحطب والخل وَالزَّيْت للْأَكْل والوقود وَلَا تفرض الْفَاكِهَة (الْوَاجِب الثَّالِث) نَفَقَة الْخَادِم فَإِن كَانَت الزَّوْجَة ذَات منصب وَحَال وَالزَّوْج مَلِيء فَلَيْسَ عَلَيْهَا من خدمَة بَيتهَا شَيْء وَلَزِمَه أخدامها وَإِن كَانَت بِخِلَاف ذَلِك وَالزَّوْج فَقير فعلَيْهَا الْخدمَة الْبَاطِنَة من عجن وطبخ وكنس وفرش واستقاء مَاء إِذا كَانَ مَعهَا فِي الْبَيْت وَلَيْسَ عَلَيْهَا غزل وَلَا نسج وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَيْسَ عَلَيْهِ اخدام وَإِن كَانَت ذَات منصب وَحَال وَلَا تطلق عَلَيْهِ بذلك وَإِذا وَجب عَلَيْهِ الاخدام فَلَا يجب عَلَيْهِ شِرَاء خَادِم بل يجوز أَن يسْتَأْجر وَإِن أَرَادَ أَن يُبدل خَادِمهَا المألوفة لم لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن تظهر رِيبَة وَمن كَانَ منصبها يَقْتَضِي خادمين فَأكْثر فلهَا ذَلِك خلافًا لَهما (الْوَاجِب الرَّابِع) الْكسْوَة على حسب حَاله وحالها ومنصبها وأقلها مَا يستر الْجَسَد وَالرَّأْس وَيدْفَع الْحر وَالْبرد وَذَلِكَ يخْتَلف فِي الشتَاء والصيف وكذل السرير على حسب الْحَال (الْوَاجِب الْخَامِس) آلَة التَّنْظِيف على حسب الْحَال والمنصب وعوائد الْبِلَاد (الْوَاجِب السَّادِس) السُّكْنَى وَعَلِيهِ أَن يسكنهَا مسكنا يَلِيق بهَا أما بِملك أَو كِرَاء أَو عرية فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) يجب فِي النَّفَقَة دفع الطَّعَام وَاخْتلف فِي جَوَاز أَخذ الثّمن عَنهُ بِنَاء على بيع الطَّعَام قبل قَبضه (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا طلبت نَفَقَتهَا فَأَرَادَ أَن يقتطعها من دين لَهُ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ ذَلِك فِي الموسرة دون المعسرة (الْفَرْع الثَّالِث) تسْقط نَفَقَتهَا بالنشوز وَهُوَ منع الْوَطْء وَالْخُرُوج بِغَيْر إِذْنه وبالامتناع من الدُّخُول لغير عذر (الْفَرْع الرَّابِع هالمطلقة إِن كَانَت رَجْعِيَّة فلهَا النَّفَقَة فِي الْعدة وَإِن كَانَت بَائِنَة فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَة إِلَّا إِن كَانَت حَامِلا (الْفَرْع الْخَامِس) يجب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الْأُم أَن ترْضع وَلَدهَا خلافًا لَهما إِلَّا أَن يكون مثلهَا لَا يرضع لسقم أَو قلَّة لبن أَو لشرف فَعَلَيهِ أَن يسْتَأْجر لَهُ إِلَّا أَن لَا يقبل غَيرهَا فيلزمها إرضاعه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْأَب عديما (الصِّنْف الثَّانِي) أَوْلَاد الصلب تجب نَفَقَتهم على والدهم بِشَرْطَيْنِ أَن يَكُونُوا صغَارًا وَأَن لَا يكون لَهُم مَال وَيسْتَمر وجوب النَّفَقَة على الذّكر إِلَى الْبلُوغ وعَلى الْأُنْثَى إِلَى الزَّوْج بهَا فَإِن بلغ الذّكر صَحِيحا سَقَطت نَفَقَته عَن الْأَب وَإِن بلغ مَجْنُونا أَو أعمى أَو مَرِيضا بِزَمَانِهِ يمْتَنع الْكسْب مَعهَا لم تسْقط نَفَقَته بِالْبُلُوغِ على الْمَشْهُور بل تستمر وَقيل تَنْتَهِي إِلَى الْبلُوغ كَالصَّحِيحِ وَلَو بلغ صَحِيحا فَسَقَطت نَفَقَته ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذكر لم تعد النَّفَقَة خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَإِن طلقت الْبِنْت بعد سُقُوط نَفَقَتهَا لم تعد على الْأَب إِلَّا إِن عَادَتْ وَهِي غير بَالغ (الصِّنْف الثَّالِث) الأبوان بِشَرْط أَن يَكُونَا فقيرين وَلَا يشْتَرط عجزهما عَن الْكسْب وَلَا يجب أَن ينْفق الْجد على ابْن ابْنه وَلَا ابْن الابْن على الْجد وأوجبها الشَّافِعِي وَأوجب أَبُو حنيفَة النَّفَقَة على كل ذِي حرم محرم فروع سَبْعَة (الْفَرْع الأول) لَا يشْتَرط اتِّفَاق الدّين فِي وجوب النَّفَقَة بل ينْفق الْمُسلم على الْكَافِر وَالْكَافِر على الْمُسلم (الْفَرْع الثَّانِي) إِنَّمَا يجب على الْإِنْسَان نَفَقَة أَبَوَيْهِ وَأَوْلَاده بعد أَن يكون لَهُ مِقْدَار نَفَقَة نَفسه وَلَا يُبَاع عَلَيْهِ عَبده وَلَا عقاره فِي ذَلِك إِذا لم يكن فيهمَا فضل عَن حَاجته وَلَا يلْزمه الْكسْب لأجل نَفَقَتهم (الْفَرْع الثَّالِث) يجب للأولاد والأبوين النَّفَقَة وَمَا يتبعهَا من المؤونة وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى على قدر حَال الْمُنفق وعوائد الْبِلَاد (الْفَرْع الرَّابِع) لَا تَسْتَقِر نَفَقَة الْأَبَوَيْنِ فِيمَا مضى فِي الذِّمَّة بل تسْقط بمرور الزَّمَان بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة إِلَّا أَن يفرضها القَاضِي فَحِينَئِذٍ تثبت (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا كَانَ للْأَب الْفَقِير جمَاعَة من الْأَوْلَاد وَجَبت نَفَقَته على الْمُوسر مِنْهُم فَإِن كَانُوا كلهم موسرين وَجَبت عَلَيْهِم موزعة بِالسَّوِيَّةِ وَقيل على قدر يسارهم (الْفَرْع السَّادِس) على الابْن أَن ينْفق على زَوْجَة أَبِيه سَوَاء كَانَت أمه أم لَا (الْفَرْع السَّابِع) على العَبْد نَفَقَة زَوْجَة الْحرَّة وَاخْتلف إِن كَانَت أمة وَلَا تجب على العَبْد نَفَقَة أَوْلَاده سَوَاء كَانُوا أحرارا أَو عبيدا (الصِّنْف الرَّابِع) العبيد وعَلى السَّيِّد النَّفَقَة على عبيده ذكرانهم وإناثهم بِقدر الْكِفَايَة على حسب العوائد فَإِن لم ينْفق على عَبده بيع عَلَيْهِ فروع وَيجب على صَاحب الدَّوَابّ عَلفهَا أَو رعيها فَإِن أجدبت الأَرْض تعين عَلفهَا فَإِن لم يعلفها أَمر بِبَيْعِهَا أَو بذبحها إِن كَانَت مِمَّا يُؤْكَل فروع فَإِن كَانَت الْأمة متزوجة فنفقتها على زَوجهَا فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا نَفَقَة عَلَيْهِ وَقيل ينْفق عَلَيْهَا فِي الْوَقْت الَّذِي تَأتيه وَقيل إِن كَانَ حرا فَعَلَيهِ نَفَقَتهَا بِخِلَاف العَبْد وَلَيْسَ لزوج الْأمة أَن يضر بسيدها فِي الْخدمَة وَلَا لسَيِّدهَا أَن يضر بزوجها فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الْبَاب الْعَاشِر فِي الْحَضَانَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي تَرْتِيب الحواضن والحضانة للْأُم ثمَّ للجدة للْأُم ثمَّ الْخَالَة ثمَّ الْجدّة للْأَب وَإِن علت ثمَّ الْأُخْت ثمَّ الْعمة ثمَّ ابْنة الْأَخ ثمَّ للأفضل من الْعصبَة وَهَذَا التَّرْتِيب إِن كَانَ الأول مُسْتَحقّا للحضانة فَإِن لم يكن انْتَقَلت إِلَى الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ إِن سَقَطت حضانته أَو كَانَ مَعْدُوما (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) تسْقط الْحَضَانَة بأَرْبعَة أَشْيَاء (الأول) سفر الحاضن إِلَى مَكَان بعيد فَقيل بريد وَقيل سِتَّة برد وَقيل مَسَافَة يَوْم (الثَّانِي) ضَرَر فِي بدن الحاضن كالجنون والجذام والبرص (الثَّالِث) قلَّة دينه وصونه (الرَّابِع) تزوج الحاضنة ودخولها إِلَّا أَن تكون جدة الطِّفْل زوجا لجده لم تسْقط خلافًا لِابْنِ وهب وَإِذا تزوجت ثمَّ طلقت لم تعد حضانتها فِي الْمَشْهُور وَقيل تعود وفَاقا لَهما فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) إِذا استوطن الْوَالِد أَو غَيره من أَوْلِيَاء الصَّبِي بَلَدا غير بلد الْأُم فَلهُ حضَانَة أَوْلَاده دونهَا ونقلهم مَعَه إِن كَانَ مَأْمُونا عَلَيْهِم إِلَّا أَن يرضى من لَهُ الْحَضَانَة بالانتقال مَعَه حَيْثُ انْتقل (الْفَرْع الثَّانِي) تستمر الْحَضَانَة فِي الذّكر إِلَى الْبلُوغ على الْمَشْهُور وَقيل إِلَى الاثغار وَفِي الْأُنْثَى إِلَى دُخُول الزَّوْج بهَا وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ الْوَلَد سِنِين خير بَين أَبَوَيْهِ فَمن اخْتَار مِنْهُمَا كَانَت لَهُ الْحَضَانَة (الْفَرْع الثَّالِث) كِرَاء الْمسكن للحاضنة والمحضونين على والدهم فِي الْمَشْهُور وَقيل تُؤدِّي حصَّتهَا من الْكِرَاء (الْفَرْع الرَّابِع) اخْتلف هَل الْحَضَانَة حق للحاضن وَهُوَ الْمَشْهُور أَو للمحضون وعَلى ذَلِك لَو أسقطها مستحقها سَقَطت (الْفَرْع الْخَامِس) الْمَحْضُون هُوَ من لَا يسْتَقلّ كالصغير وَالْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه وَإِن كَانَا كبيرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 = الْكتاب الثَّانِي فِي الطَّلَاق وَمَا يتَّصل بِهِ وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الطَّلَاق وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي طَلَاق السّنة والبدعة فالطلاق السّني مَا اجْتمعت فِيهِ أَرْبَعَة شُرُوط وَهِي أَن تكون الْمَرْأَة طَاهِرا من الْحيض وَالنّفاس حِين الطَّلَاق اتِّفَاقًا وَأَن يكون زَوجهَا لم يَمَسهَا فِي ذَلِك الطُّهْر اتِّفَاقًا وَأَن تكون الطَّلقَة وَاحِدَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَن لَا يتبعهَا طَلَاقا آخر حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة خلافًا لأبي حنيفَة وَأما البدعي فَهُوَ مَا نقضت مِنْهُ هَذِه الشُّرُوط أَو بَعْضهَا وَالطَّلَاق فِي الْحيض حرَام وَاخْتلف فِي غير الْمَدْخُول بهَا وَيجوز طَلَاق من لَا تحيض فِي كل وَقت وَمن طلق زَوجته وَهِي حَائِض أجبر على أَن يُرَاجِعهَا إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض حَيْضَة أُخْرَى ثمَّ تطهر مِنْهَا فَإِذا دخلت فِي هَذَا الطُّهْر الثَّانِي فَإِن شَاءَ أمْسكهَا وَإِن شَاءَ طَلقهَا وَلَا يجْبر الْمُطلق فِي الْحيض على الرّجْعَة عِنْدهم كَمَا لَا يجْبر اتِّفَاقًا فِيمَا إِذا طلق فِي طهر مَسهَا فِيهِ أَو بعد الْحيض قبل الإغتسال مِنْهُ ويحسب الطَّلَاق الأول عِنْد الْجُمْهُور فَإِنَّهُ نَافِذ فتكونان طَلْقَتَيْنِ وَالْمَرْأَة مصدقة فِي دَعْوَى الْحيض فِي ذَلِك (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ والبائن فَأَما الْبَائِن فَهُوَ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَهِي طَلَاق غير الْمَدْخُول بهَا وَطَلَاق الْخلْع وَالطَّلَاق بِالثلَاثِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَة بَائِنَة اتِّفَاقًا وَالرَّابِع هَذِه الطَّلقَة الَّتِي يوقعها أهل زَمَاننَا وَتسَمى (المباراة) يملكُونَ بهَا الْمَرْأَة أَمر نَفسهَا ويجعلونها وَاحِدَة من غير خلع وفَاقا لِابْنِ الْقَاسِم وَقيل لَهُ الْمُرَاجَعَة وَقيل هِيَ ثَلَاث وَأما الرَّجْعِيّ فَهُوَ مَا عدا هَذِه الْمَوَاضِع وَيملك فِي الرَّجْعِيّ رَجعتهَا مَا لم تنقض عدتهَا وَتجب نَفَقَتهَا وكسوتها عَلَيْهِ طول الْعدة فَإِذا انْقَضتْ الْعدة بَانَتْ مِنْهُ فَلم يملك رَجعتهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَسَقَطت عَنهُ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَأما الْبَائِن فَتبين مِنْهُ سَاعَة الطَّلَاق (الْفَصْل الثَّالِث) فِي عدد الطَّلَاق وَهُوَ وَاحِدَة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاث وتنفذ الثَّلَاث سَوَاء طَلقهَا وَاحِدَة بعد وَاحِدَة اتِّفَاقًا أَو جمع الثَّلَاث فِي كلمة وَاحِدَة عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الْجُمْهُور خلافًا للظاهرية فرع من طلق طَلْقَة وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فنكحها زوج غَيره وَدخل بهَا ثمَّ نَكَحَهَا الأول بنى على مَا كَانَ من عدد الطلقات فَلَو طَلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ نَكَحَهَا بعد زوج غَيره اسْتَأْنف عدد الطلقات كَنِكَاح جَدِيد لِأَن الزَّوْج الثَّانِي لَا يهدم مَا دون الثَّلَاث ويهدم الثَّلَاث وَقَالَ أَبُو حنيفَة يهدم مُطلقًا وأقصى طَلَاق العَبْد طَلْقَتَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَلَاث كَالْحرِّ وَلَا يعْتَبر كَون الْمُطلقَة أمة عِنْد الْإِمَامَيْنِ واعتبره أَبُو حنيفَة فَقَالَ أقْصَى طَلاقهَا طَلْقَتَانِ للْحرّ وَالْعَبْد وعَلى الْمَذْهَب فَإِن طلق الْحر ثَلَاثًا أَو العَبْد طَلْقَتَيْنِ لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره حَسْبَمَا تقدم تَكْمِيل الْفِرَاق بَين الزَّوْجَيْنِ يَقع على خَمْسَة عشر وَجها وَهِي الطَّلَاق على اخْتِلَاف أَنْوَاعه وَالْإِيلَاء إِن لم يفِيء وَاللّعان وَالرِّدَّة وَملك أَحدهمَا للْآخر والإضرار بهَا وتفريق الْحكمَيْنِ بَينهمَا واختلافهما فِي الصَدَاق قبل الدُّخُول وحدوث الْجُنُون أَو الجذام أَو البرص على الزَّوْج وَوُجُود الْعُيُوب فِي أحد الزَّوْجَيْنِ والإعسار بِالنَّفَقَةِ أَو الصَدَاق والغرور والفقد وَعتق الْأمة تَحت العَبْد وَتزَوج أمة على الْحرَّة الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الطَّلَاق وَهِي ثَلَاثَة الْمُطلق والمطلقة والصيغة وَهِي اللَّفْظ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَأَما الْمُطلق فَلهُ أَرْبَعَة شُرُوط الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ والطوع فَلَا ينفذ طَلَاق مَجْنُون وَلَا كَافِر اتِّفَاقًا وَلَا صبي غير بَالغ وَقيل ينفذ طَلَاق الْمُرَاهق وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَأما السَّكْرَان فمشهور الْمَذْهَب نُفُوذ طَلَاقه وفَاقا لأبي حنيفَة خلافًا للظاهرية وَقَالَ ابْن رشد إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يعرف الأَرْض من السَّمَاء وَلَا الرجل من الْمَرْأَة فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ وَإِن كَانَ سكره دون ذَلِك فَهُوَ الَّذِي ينفذ طَلَاقه وَأما من أكره على الطَّلَاق بِضَرْب أَو سجن أَو تخويف فَإِنَّهُ لَا يلْزمه عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَابْن حَنْبَل خلافًا لأبي حنيفَة وَكَذَلِكَ إِن أكره على الْإِقْرَار بِالطَّلَاق أَو على الْيَمين أَو على الْحِنْث فِي الْيَمين بِهِ بَيَان لَا يلْزم الْمُكْره حكم فِي الْمَذْهَب قَالَ سَحْنُون وَابْن حبيب إِنَّمَا ذَلِك فِي القَوْل لَا الْفِعْل وَمن أكره على فعل يَفْعَله فِي غَيره فِي بدنه أَو مَاله فَحكم ذَلِك الْفِعْل لَازم لَهُ لَا يسْقطهُ الْإِكْرَاه وَمن أكره على الْكفْر أَو شرب الْخمر أَو أكل الْخِنْزِير أَو شبه ذَلِك فَلَا يَفْعَله إِلَّا من خوف الْقَتْل خَاصَّة وَإِن صَبر للققتل كَانَ أفضل قَالَه سَحْنُون وَمن أكره على وَاجِب كَالزَّكَاةِ فَلَا ضَمَان على من أكرهه فرع ينفذ طَلَاق الْمَحْجُور إِذا كَانَ بَالغا بِخِلَاف نِكَاحه فَإِن لوَلِيِّه أَن يُجِيزهُ أَو يردهُ وَكَذَلِكَ ينفذ طَلَاق العَبْد فرع طَلَاق الْمَرِيض نَافِذ كَالصَّحِيحِ اتِّفَاقًا فَإِن مَاتَ من ذَلِك الْمَرَض ورثته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْمُطلقَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يَنْقَطِع مِيرَاثهَا وَإِن انْقَضتْ عدتهَا وَتَزَوَّجت وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَرثه مَا دَامَت فِي الْعدة وَقَالَ ابْن حَنْبَل مَا لم تتَزَوَّج وَيشْتَرط فِي ثُبُوت مِيرَاثهَا ثَلَاثَة شُرُوط فِي الْمَذْهَب (أَحدهَا) أَن لَا يَصح من ذَلِك الْمَرَض وَإِن مَاتَ مِنْهُ بعد مُدَّة (الثَّانِي) أَن يكون الْمَرَض مخوفا يحْجر عَلَيْهِ فِيهِ (الثَّالِث) أَن يكون الطَّلَاق مِنْهُ لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا كالتمليك والتخيير وَالْخلْع فَفِي توريثها بذلك رِوَايَتَانِ وَأما الْمُطلقَة فَهِيَ الزَّوْجَة سَوَاء كَانَت فِي الْعِصْمَة أَو فِي عدَّة من طَلَاق رَجْعِيّ فَينفذ طكلاقها اتِّفَاقًا وَلَا ينفذ طَلَاق الْأَجْنَبِيَّة اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الْبَائِن وَلَو أضَاف الطَّلَاق إِلَى نصفهَا أَو عُضْو من أعضائها نفذ خلافًا للظاهرية وَاخْتلف فِي إِضَافَته إِلَى شعرهَا وكلامها وَزوجهَا وَلَو قَالَ نصف طَلْقَة أَو ربع طَلْقَة كملت عَلَيْهِ وَأما أَلْفَاظ الطَّلَاق فَهِيَ أَرْبَعَة أَنْوَاع (النَّوْع الأول) الصَّرِيح وَهُوَ مَا فِيهِ لفظ الطَّلَاق كَقَوْلِه طَالِق أَو طالقة أَو مُطلقَة أَو قد طَلقتك أَو طلقت مني لزمَه الطَّلَاق بِهَذَا كُله وَلَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَإِن ادّعى أَنه لم يرد الطَّلَاق لم يقبل مِنْهُ ذَلِك إِلَّا إِن اقترنت بِقَرِينَة تدل على صدق دَعْوَاهُ مثل أَن تسأله أَن يطلقهَا من وثاق فَيَقُول أَنْت طَالِق وَألْحق الشَّافِعِي بِالصَّرِيحِ لفظ التسريح والفراق (النَّوْع الثَّانِي) الْكِنَايَة الظَّاهِرَة وَهِي الَّتِي جرت الْعَادة أَن يُطلق بهَا فِي الشَّرْع أَو فِي اللُّغَة كَلَفْظِ التسريح والفراق وَكَقَوْلِه أَنْت بَائِن أَو بتة أَو بتلة وَمَا أشبه ذَلِك فَحكم هَذَا كَحكم الصَّرِيح وَقَالَ الشَّافِعِي يرجع إِلَى مَا نَوَاه وَيصدق فِي نِيَّته (النَّوْع الثَّالِث) الْكِنَايَة المحتملة كَقَوْلِه الحقي بأهلك واذهبي وابعدي عني وَمَا أشبه ذَلِك فَهَذَا لَا يلْزمه الطَّلَاق إِلَّا إِن نَوَاه وَإِن قَالَ أَنه لم ينْو الطَّلَاق قبل قَوْله فِي ذَلِك (النَّوْع الرَّابِع) مَا عدا التَّصْرِيح وَالْكِنَايَة من الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا تدل على الطَّلَاق كَقَوْلِه اسْقِنِي مَاء أَو مَا أشبه ذَلِك فَإِن أَرَادَ بِهِ الطَّلَاق لزمَه على الْمَشْهُور وَإِن لم يردهُ لم يلْزمه وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة كَمَا تتَصَوَّر فِي وُقُوع الطَّلَاق على الْجُمْلَة حَسْبَمَا ذكرنَا كَذَلِك تتَصَوَّر فِي الْبَيْنُونَة بِالطَّلَاق وَفِي عدد الطَّلَاق فَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَهَذَا صَرِيح فِي الْبَيْنُونَة وَالْعدَد وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق لَزِمته الثَّلَاث إِلَّا إِن نوى التَّأْكِيد فَتلْزمهُ وَاحِدَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَو عطف بِالْوَاو أَو الْفَاء لَزِمته الثَّلَاث خلافًا لَهما فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَصح الإرداف فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ اتِّفَاقًا وَأما الْبَائِن فيرتدف إِن كَانَ مُتَّصِلا خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فَهِيَ وَاحِدَة رَجْعِيَّة إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر من ذَلِك فَيلْزمهُ مَا نَوَاه من اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَقع بذلك إِلَّا وَاحِدَة لِأَن اللَّفْظ لَا يَقْتَضِي الْعدَد وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت بَائِن أَو بتة أَو بتلة فَهَذَا صَرِيح فِي الْبَيْنُونَة مُحْتَمل فِي الْعدَد فَإِن قَالَ لَهَا مَعَ خلع فالبينونة تصح بِطَلْقَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ إِن قَالَهَا لغير الْمَدْخُول بهَا وَإِن قَالَهَا لمدخول بهَا مَعَ غير الْخلْع فَقيل أَنَّهَا تكون ثَلَاثًا لِأَن بهَا تحصل الْبَيْنُونَة الشَّرْعِيَّة وَقيل تكون وَاحِدَة على القَوْل بِأَنَّهَا تبين بالطلقة المملكة وَأما التسريح والفراق فَاخْتلف أَيْضا هَل يقبل قَوْله أَنه أَرَادَ بهما مَا دون الثَّلَاث أَولا وَأما التَّحْرِيم كَقَوْلِه أَنْت عَليّ حرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فمشهور مَذْهَب مَالك أَنَّهَا ثَلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا وَيَنْوِي فِي غير الْمَدْخُول بهَا هَل أَرَادَ الثَّلَاث أم مَا دونهَا وَيقبل قَوْله فِيمَا دون ذَلِك وَقَالَ ابْن الْمَاجشون لَا يَنْوِي فِي أقل من ثَلَاث وَإِن لم يدْخل وَقيل فِي الْمَذْهَب أَنَّهُمَا طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة وَإِن دخل وَمذهب أبي بكر وَعمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم أَنه يلْزم فِيهَا كَفَّارَة يَمِين لقَوْله عز وَجل فِي سُورَة التَّحْرِيم ((قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم)) وَقَالَ الشَّافِعِي يَنْوِي فِي الطَّلَاق وَفِي عدده وَإِن أَرَادَ تَحْرِيمهَا بِغَيْر طَلَاق فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَنْوِي فِي الطَّلَاق وَفِي عدده فَإِن لم ينْو شَيْئا لم يلْزمه شَيْء فروع ثَمَانِيَة (الْفَرْع الأول) إِذا طلق بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّة نفذ إِجْمَاعًا وَإِن طلق بِالنِّيَّةِ دون اللَّفْظ لم ينفذ فِي الْمَشْهُور خلافًا لَهُم وَقيل ينفذ وَإِن طلق بِاللَّفْظِ دون نِيَّة كمن سبق لِسَانه إِلَى الطَّلَاق وَلم يردهُ لم ينفذ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ اسْم امْرَأَته طَالِق فناداها باسمها لم ينفذ (الْفَرْع الثَّانِي) الْهزْل فِي الطَّلَاق نَافِذ كالجد وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاح وَالْعِتْق (الْفَرْع الثَّالِث) إِشَارَة الْأَخْرَس بِالطَّلَاق كَالصَّرِيحِ وَإِشَارَة الْقَادِر على الْكَلَام بِالْكِنَايَةِ (الْفَرْع الرَّابِع) من كتب الطَّلَاق عَازِمًا عَلَيْهِ لزمَه بِخِلَاف المتردد ليشاور نَفسه (الْفَرْع الْخَامِس) من بَاعَ امْرَأَته فَهِيَ طَلْقَة بَائِنَة وَقيل تحرم عَلَيْهِ وَقيل لَا شَيْء عَلَيْهِ (الْفَرْع السَّادِس) قَالَ ابْن حَارِث من أَرَادَ أَن يحلف على شَيْء فَقَالَ لزوجته أَنْت طَالِق ثمَّ أمسك على الْيَمين وحالت نِيَّته عَنهُ لم يلْزمه شَيْء (الْفَرْع السَّابِع) الشَّك فِي الطَّلَاق فَإِن شكّ هَل طلق أم لَا لم يلْزمه شَيْء وَإِن حلف بِالطَّلَاق ثمَّ شكّ هَل حنث أم لَا أَمر بالفراق وَاخْتلف هَل هُوَ على الْوُجُوب أَو على النّدب وَإِن تَيَقّن الطَّلَاق وَشك فِي الْعدَد لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره لِأَنَّهَا تحْتَمل ثَلَاثًا خلافًا لَهما (الْفَرْع الثَّامِن) إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة أَن زَوجهَا طَلقهَا وَأنكر هُوَ فَإِن أَتَت بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ نفذ الطَّلَاق وَإِن أَتَت بِشَاهِد وَاحِد حلف الزَّوْج وبريء وَإِن لم يحلف سجن حَتَّى يقر أَو يحلف وَإِن لم تأت بِشَاهِد فَلَا شَيْء على الزَّوْج وَعَلَيْهَا منع نَفسهَا مِنْهُ جهدها وَإِن حلف بِالطَّلَاق وَادعت أَنه حنث فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَكَذَا إِذا حلف بِالْعِتْقِ وَادّعى العَبْد أَنه حنث الْبَاب الثَّالِث فِي تَعْلِيق الطَّلَاق وَالطَّلَاق على نَوْعَيْنِ معجل ومعلق فالمعجل ينفذ فِي الْحِين وَأما الْمُعَلق فَهُوَ الَّذِي يعلق إِلَى زمن مُسْتَقْبل أَو وُقُوع صفة أَو شَرط وَهُوَ على سَبْعَة أَقسَام (الأول) أَن يعلق بِأَمْر يُمكن أَن يكون وَيُمكن أَلا يكون كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَكَذَلِكَ إِن كلمت زيدا أَو إِن قدم فلَان من سَفَره فَهَذَا إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَقع الشَّرْط وَقع الطَّلَاق وَإِلَّا لم يَقع اتِّفَاقًا (الثَّانِي) أَن يعلقه بِأَجل يبلغهُ الْعُمر عَادَة أَو بِأَمْر لَا بُد أَن يَقع كَقَوْلِه إِن دخل الشَّهْر أَو إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق فَهَذَا يلْزمه الطَّلَاق فِي الْحِين وَلَا ينْتَظر بِهِ أجل الشَّرْط خلافًا لَهما (الثَّالِث) أَن يعلقه بِأَمْر يغلب وُقُوعه وَيُمكن أَن لَا يَقع كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن حِضْت فَفِيهِ قَولَانِ قيل يعجل عَلَيْهِ الطَّلَاق وَقيل يُؤَخر إِلَى حُصُول شَرطه وفَاقا لَهما (الرَّابِع) أَن يعلقه بِشَرْط يجهل وُقُوعه فَإِن كَانَ لَا سَبِيل إِلَى علمه طلقت فِي الْحَال كَقَوْلِه إِن خلق الله فِي بَحر القلزم حوتا على صفة كَذَا وَإِن كَانَ يُوصل إِلَى علمه كَقَوْلِه إِن ولدت أُنْثَى توقف الطَّلَاق على وجوده (الْخَامِس) أَن يعلقه بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فَيَقُول أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَيَقَع الطَّلَاق وَلَا ينفع هَذَا الإستثناء خلافًا لَهما (السَّادِس) أَن يعلقه بِمَشِيئَة إِنْسَان كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شَاءَ زيد فَيتَوَقَّف وُقُوع الطَّلَاق على مَشِيئَته فَإِن علقه بِمَشِيئَة لَهُ كَالْبَهَائِمِ والجمادات فَيَقَع الطَّلَاق فِي الْحِين لِأَنَّهُ يعد هازلا (السَّابِع) فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِشَرْط التَّزَوُّج وَذَلِكَ يَنْقَسِم قسمَيْنِ (الْقسم الأول) يلْزم وَهُوَ أَن يخص بعض النِّسَاء دون بعض كَقَوْلِه إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق وَإِن تزوجت امْرَأَة من الْقَبِيل الْفُلَانِيّ أَو من الْبَلَد الْفُلَانِيّ فَهِيَ طَالِق فَإِذا تزَوجهَا لزمَه طَلاقهَا وَكَذَلِكَ إِن ضرب لذَلِك أَََجَلًا وَكَذَلِكَ التَّحْرِيم (الْقسم الثَّانِي) لَا يلْزم وَهُوَ أَن يعم جَمِيع النِّسَاء كَقَوْلِه كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق فَهَذَا لَا يلْزمه الطَّلَاق عِنْد مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل لَا يلْزمه طَلَاق سَوَاء عَم أَو خص وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه عَم أَو خص وَلَو قَالَ مَتى طَلقتك فَأَنت طَالِق فَإِذا طَلقهَا لَزِمته ثَلَاث الْبَاب الرَّابِع فِي الْخلْع وَهُوَ جَائِز عِنْد الْجُمْهُور وَمَعْنَاهُ أَن تبذل الْمَرْأَة أَو غَيرهَا للرجل مَالا على أَن يطلقهَا أَو تسْقط عَنهُ حَقًا لَهَا عَلَيْهِ فَتَقَع بذلك طَلْقَة بَائِنَة وَلَا يجوز الْخلْع إِلَّا بِثَلَاثَة شُرُوط (الأول) أَن يكون المبذول للرجل مِمَّا يَصح تملكه وَبيعه تَحَرُّزًا من الْخمر وَالْخِنْزِير وَشبه ذَلِك وَيجوز بِالْمَجْهُولِ وَالْغرر خلافًا لَهما (الثَّانِي) أَن لَا يجر إِلَى مَا لَا يجوز كالخلع على السّلف أَو التَّأْخِير بدين أَو الْوَضع على التَّعْجِيل وَشبه ذَلِك (الثَّالِث) أَن يكون خلع الْمَرْأَة اخْتِيَارا مِنْهَا وحبا فِي فِرَاق الزَّوْج من غير إِكْرَاه وَلَا ضَرَر مِنْهُ بهَا فَإِن انخرم أحد هذَيْن الشَّرْطَيْنِ نفذ الطَّلَاق وَلم ينفذ الْخلْع وَمنع قوم الْخلْع مُطلقًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز مَعَ الْإِضْرَار وَقَالَ الْحسن لَا يجوز حَتَّى يَرَاهَا تَزني وَقَالَ دَاوُد لَا يجوز إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فروع تخالع الرشيدة عَن نَفسهَا ويخالع عَن الْأمة سَيِّدهَا ويخالع الْأَب عَن ابْنَته الصَّغِيرَة بِخِلَاف الْوَصِيّ ويخالع الْأَب وَالْوَصِيّ عَن الزَّوْج الصَّغِير زَوجته وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يجوز خلع سَفِيهَة وَيجوز خلع الْمَرِيضَة إِن كَانَ قدر مِيرَاثه مِنْهَا وَقيل لَا يجوز مُطلقًا وَقيل يجوز مُطلقًا الْبَاب الْخَامِس فِي التَّوْكِيل وَالتَّمْلِيك والتخيير أما التَّوْكِيل فَهُوَ أَن يُوكل الرجل الْمَرْأَة على طَلاقهَا فلهَا أَن تفعل مَا وَكلهَا عَلَيْهِ من طَلْقَة وَاحِدَة أَو أَكثر وَله أَن يعزلها مَا لم تفعل ذَلِك وَأما التَّمْلِيك فهوأنيملكها أَمر نَفسهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يعزلها عَن ذَلِك خلافًا للشَّافِعِيّ وَلها أَن تفعل مَا جعل بِيَدِهَا من طَلْقَة وَاحِدَة أَو أَكثر وَله أَن يناكرها فِيمَا زَاد على الطَّلقَة الْوَاحِدَة إِذا أطلق القَوْل وَيظْهر قبُولهَا للتَّمْلِيك بالْقَوْل أَو بِالْفِعْلِ أما القَوْل فَهُوَ أَن توقع الطَّلَاق بلفظها وَأما الْفِعْل فَهُوَ أَن تفعل مَا يدل على الْفِرَاق مثل نقل أثاثها أَو غير ذَلِك فَإِن ظهر مِنْهَا مَا يدل على خلاف ذَلِك من قَول أَو فعل سقط تَملكهَا وَإِن سكتت وَلم يظْهر مِنْهَا قَول وَلَا فعل لم يبطل تمليكها حَتَّى يوقفها السُّلْطَان أَو تتركه يَطَأهَا وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه يبطل أَن افْتَرقَا من الْمجْلس وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأما التَّخْيِير فَهُوَ أَن يخيرها بَين الْبَقَاء مَعَه أَو الْفِرَاق فلهَا أَن تفعل من ذَلِك مَا أحبت فَإِن اخْتَارَتْ الْفِرَاق كَانَ طَلاقهَا بِالثلَاثِ فَإِن قَالَت اخْتَرْت وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ لم يكن لَهَا وَسقط خِيَارهَا إِلَّا أَن يخيرها فِي طَلْقَة وَاحِدَة أَو طَلْقَتَيْنِ خَاصَّة فتوقعها الْبَاب السَّادِس فِي الرّجْعَة وَهِي على نَوْعَيْنِ رَجْعَة من طَلَاق رَجْعِيّ ورجعة من طَلَاق بَائِن أما الرّجْعَة من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَتكون بالْقَوْل كَقَوْلِه ارتجعتك أَو مَا أشبه ذَلِك وَتَكون بِالْفِعْلِ وَهُوَ أَن يسْتَمْتع مِنْهَا بِالْوَطْءِ فَمَا دونه وَقَالَ الشَّافِعِي لَا رَجْعَة إِلَّا بالْقَوْل وَلَا بُد أَن يَنْوِي الارتجاع مَعَ القَوْل أَو مَعَ الْفِعْل خلافًا لأبي حنيفَة وَالْإِشْهَاد على الرّجْعَة مُسْتَحبّ فِي مَشْهُور الْمَذْهَب وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل وَاجِب خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يجب فِي الارتجاع من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ صدَاق وَلَا ولي وَلَا يتَوَقَّف على إِذن الْمَرْأَة وَلَا غَيرهَا وَلَا على إِذن سيد الْأمة وَهَذَا كُله مَا دَامَت فِي الْعدة فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا صَارَت رَجعتهَا كالرجعة من الطَّلَاق الْبَائِن وَيحْتَاج فِي ذَلِك مَا يحْتَاج فِي إنْشَاء النِّكَاح من إِذن الْمَرْأَة وَبدل صدَاق لَهَا وَعقد وَليهَا فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) لَا يمْنَع الْمَرَض وَلَا الْإِحْرَام من الرّجْعَة للمطلقة الرَّجْعِيَّة ويمنعان من رَجْعَة الْبَائِن كَمَا يمنعان من إنْشَاء النِّكَاح (الْفَرْع الثَّانِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الطَّلَاق الرَّجْعِيّ يحرم الْوَطْء فِي الْمَشْهُور خلافًا لأبي حنيفَة وهما فِي التَّوَارُث وَالنَّفقَة كالزوجين مَا لم تنقض الْعدة (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا ادّعى بعد الْعدة أَنه رَاجع فِي الْعدة لم يصدق إلاأن يكون خلا بهَا أَو بَات مَعهَا فِي الْعدة الْبَاب السَّابِع فِي الْعدة والاستبراء وَمَا يتَّصل بهما وَفِيه سِتَّة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْعدة من الطَّلَاق فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول فَلَا عدَّة على الْمُطلقَة إِجْمَاعًا وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول والمسيس فعلَيْهَا الْعدة إِجْمَاعًا وَإِن طَلقهَا بعد الْخلْوَة واتفقا على عدم الْمَسِيس فالعدة وَاجِبَة خلافًا للشَّافِعِيّ وكل طَلَاق أَو فسخ وَجب فِيهِ جَمِيع الصَدَاق وَجَبت فِي الْعدة سقط الصَدَاق كُله أَو لم يجب إِلَّا نصفه سَقَطت الْعدة ثمَّ إِن عدَّة الطَّلَاق ثَلَاثَة أَنْوَاع (أَحدهَا) ثَلَاثَة قُرُوء لمن تحيض (الثَّانِي) وضع حمل الْحَامِل (الثَّالِث) ثَلَاثَة أشهر لليائس وَالصَّغِيرَة فَأَما القروء فَهِيَ الطهار وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ الحيضان وعَلى الْمَذْهَب إِذا طَلقهَا فِي طهر كَانَ بَقِيَّة الطُّهْر قرءا كَامِلا وَلَو كَانَ لَحْظَة فَتعْتَد بِهِ ثمَّ بقرئين بعد ذَلِك ثَلَاثَة قُرُوء فَإِذا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد تمت عدتهَا وَإِن طَلقهَا فِي حيض لم تحل حَتَّى تدخل فِي الْحَيْضَة الرَّابِعَة من الْحَيْضَة الَّتِي طلقت فِيهَا تَقْسِيم النِّسَاء اللواتي فِي سنّ الْحيض ثَلَاثَة أَصْنَاف مُعْتَادَة ومرتابة ومستحاضة فَأَما الْمُعْتَادَة فتكمل ثَلَاثَة قُرُوء على حسب عَادَتهَا وَلَو كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض من عَام إِلَى عَام أَو أقل أَو أكقر كَانَت عدتهَا بالإقراء وَأما المرتابة وَهِي الَّتِي ارْتَفَعت حَيْضَتهَا بِغَيْر سَبَب من حمل وَلَا رضَاع وَلَا مرض فَإِنَّهَا تمكث تِسْعَة أشهر وَهِي مُدَّة الْحمل غَالِبا فَإِن لم تَحض فِيهَا اعْتدت بعْدهَا ثَلَاثَة أشهر فكمل لَهَا سنة ثمَّ حلت وَإِن حَاضَت فِي خلال الْأَشْهر التِّسْعَة حسبت مَا مضى قرءا ثمَّ انتظرت الْقُرْء الثَّانِي لإتمام تِسْعَة أشهر أَيْضا فَإِن حَاضَت حسبت قرءا آخر وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِث وَلَو حَاضَت قبل تَمام سنة وَلَو بساعة حسبت كل مَا مضى قرءا ثمَّ استأنفت تِسْعَة أشهر ثمَّ اعْتدت بِثَلَاثَة بعْدهَا وَإِن حَاضَت بعد السّنة لم تعْتَبر لِأَن عدتهَا قد انْقَضتْ بِالسنةِ وَمذهب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة أَن هَذِه المرتابة تبقى أبدا حَتَّى تحيض أَو تبلغ سنّ من لَا تحيض ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَلَو ارْتَفَعت حَيْضَتهَا لرضاع انتظرت الْحيض وَإِن طَال الزَّمَان وَلَا تجزيها الْأَشْهر وَإِن ارْتَفع حَيْضهَا لمَرض فَفِيهَا رِوَايَتَانِ (إِحْدَاهمَا) أَنَّهَا كَالَّتِي ارْتَفع حَيْضهَا بِغَيْر سَبَب (وَالْأُخْرَى) أَنَّهَا كالمرضع وَأما الْمُسْتَحَاضَة فَإِن كَانَت غير مُمَيزَة بَين دم الْحيض والاستحاضة فَهِيَ كالمرتابة تقيم تِسْعَة أشهر اسْتِبْرَاء وَثَلَاثَة عدَّة وَإِن كَانَت مُمَيزَة فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنَّهَا كَغَيْر المميزة وَالْأُخْرَى أَن تعْمل على التَّمْيِيز فَتعْتَد بالإقراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَأما الْوَضع فتنقضي بِهِ الْعدة سَوَاء وَضعته عَن قرب أَو بعد أَو كَانَ تَامّ الْخلقَة أَو ناقصها بِشَرْطَيْنِ (أَحدهمَا) وضع جَمِيع حملهَا فَلَا تَنْقَضِي بِوَضْع أحد التوأمين وَلَا بانفصال بعض الْوَلَد (الثَّانِي) أَن يكون الْحمل مِمَّن اعْتدت مِنْهُ أَو يحْتَمل أَن يكوم مِنْهُ كاللعان أما الْمَنْفِيّ قطعا كَوَلَد الزِّنَى فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَكَذَلِكَ مَا تضعه الْمُعْتَدَّة من وَفَاة الصَّبِي الَّذِي لَا يُولد لَهُ وَمن ارتابت بِالْحملِ لثقل بَطنهَا أَو تحركه لم تحل حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة الْحمل وَهِي خَمْسَة أَعْوَام فِي الْمَشْهُور وَقيل أَرْبَعَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل سَبْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة عامان وَأما الْأَشْهر فلليائسة وَالصَّغِيرَة فَإِن رَأَتْ الصَّغِيرَة دَمًا وَهِي فِي سنّ من لَا تحيض كَبِنْت خمس وست فَلَا يعْتَبر وَلَو كَانَت تقَارب فرأته بعد مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْعدة وَإِن كَانَ قبل تَمام الْأَشْهر استأنفت الْعدة بالإقراء وحسبت مَا مضى وَإِن رَأَتْ الْكَبِيرَة الدَّم فَإِن كَانَ مثلهَا لَا يحيض لم تَعْتَد بِهِ وَإِن كَانَ مثلهَا يحيض حسبت مَا مضى قرءا وانتظرت قرءين وَالْمُعْتَبر فِي عدَّة الْأَشْهر الآهلة فَإِن انْكَسَرَ الشَّهْر الأول ثمَّ ثَلَاثِينَ من الشَّهْر الآخر وَاعْتبر فِي الشَّهْرَيْنِ الأوسطين بِالْأَهِلَّةِ وَإِن طَلقهَا فِي بعض يَوْم فَإِنَّهَا تلْغي بَقِيَّته وتبتدي بالعدة بعده وَقيل يحْسب من سَاعَة الطَّلَاق إِلَى مثلهَا فروع فِي تدَاخل العدتين (الْفَرْع الأول) من طلقت طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ مَاتَ زَوجهَا فِي الْعدة انْتَقَلت إِلَى عدَّة الْوَفَاة لأنب الْمَوْت يهدم عدَّة الرَّجْعِيّ بِخِلَاف الْبَائِن (الْفَرْع الثَّانِي) إِن طَلقهَا رَجْعِيًا ثمَّ ارتجعها فِي الْعدة ثمَّ طَلقهَا استأنفت الْعدة من الطَّلَاق الثَّانِي سَوَاء كَانَ قد وَطئهَا أم لَا لِأَن الرّجْعَة تهدم الْعدة وَقَالَ الشَّافِعِي تبني على الْعدة الأولى وَلَو طَلقهَا ثَانِيَة فِي الْعدة من غير رَجْعَة بنت اتِّفَاقًا وَلَو طَلقهَا طَلْقَة بَائِنَة لم رَاجعهَا فِي الْعدة أَو بعْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الْمَسِيس بنت على عدتهَا الأولى وَلَو طَلقهَا بعد الدُّخُول استأنفت من الطَّلَاق الثَّانِي (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا تزوجت فِي عدتهَا من الطَّلَاق فَدخل بهَا الثَّانِي ثمَّ فرق بَينهمَا اعْتدت بَقِيَّة عدتهَا من الأول ثمَّ اعْتدت من الثَّانِي وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل تَعْتَد من الثَّانِي وتجزيها عَنْهُمَا وفَاقا لأبي حنيفَة وَإِن كَانَت حَامِلا فالوضع يَجْزِي عَن العدتين اتِّفَاقًا بَيَان فِي عدَّة الْأمة الْمُطلقَة أما الْحَامِل فبالوضع اتِّفَاقًا وَأما من تحيض فعدتها قرءان اثْنَان عِنْد الْجُمْهُور تكميلا لقرء وَنصف وَذَلِكَ شطر عدَّة الْحرَّة وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة ثَلَاثَة قُرُوء كَالْحرَّةِ وَأما اليائس وَالصَّغِيرَة فَثَلَاثَة أشهر كَالْحرَّةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة شهر وَنصف وَإِن طلقت الْأمة ثمَّ أعتقت فِي عدتهَا بنت على عدَّة الْأمة وَقَالَ الشَّافِعِي تنْتَقل إِلَى عدَّة الْحرَّة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْعدة من الْوَفَاة فَإِن كَانَت حَامِلا فَوضع حملهَا عِنْد الْجُمْهُور فساعة وَضعهَا تحل سَوَاء وَضعته بعد قرب أَو بعد وَقَالَ أبعد الْأَجَليْنِ أما الْوَضع وَأما الْأَرْبَعَة أشهر وَعشر وَقَالَ قوم طَهَارَتهَا من النّفاس وَإِن كَانَت غير حَامِل فعجتها أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَيَال سَوَاء دخل بهَا أَو لم يدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أَو كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو فِي سنّ من تحيض (فرع) يشْتَرط فِي الْمَذْهَب فِي الَّتِي دخل بهَا وَهِي فِي سنّ الْحيض أَن تحيض فِي الْعدة من الْوَفَاة وَلَو حَيْضَة وَاحِدَة فَإِن لم تَحض فَهِيَ مرتابة فَينْظر إِن كَانَ ارْتِفَاع حَيْضَتهَا لعذر أَو عَادَة حلت بِانْقِضَاء الْعدة اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ لغير عذر لم تحل حَتَّى تحيض أَو تكمل تِسْعَة أشهر وَقَالَ أَشهب وَسَحْنُون تحل بِانْقِضَاء الْعدة وَإِن لم تَحض وفَاقا لَهما وَإِن كَانَت تحس شَيْئا فِي بَطنهَا قعدت أَكثر مُدَّة الْحمل (فرع) الْمُسْتَحَاضَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا تَنْقَضِي عدتهَا بأَرْبعَة أشهر وَعشر وَقيل تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر (فرع) عدَّة الْأمة إِذا توفى عَنْهَا زَوجهَا وَلم تكن حَامِلا نصف عدَّة الْحرَّة شَهْرَان وَخمْس لَيَال وَقَالَ أَشهب إِنَّمَا ذَلِك لمن هِيَ فِي سنّ الْحمل فَإِن كَانَت فِي سنّ من لَا تحمل فَثَلَاثَة أشهر وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة كَالْحرَّةِ وَأما أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا فعدتها حَيْضَة إِن كَانَت مِمَّن تحيض وَثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت لَا تحيض وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة عدتهَا ثَلَاث حيض وَقَالَ ابْن حَنْبَل أَرْبَعَة أشهر وَعشر فتلخيص الْمَذْهَب إِن الْأمة لَا تخَالف الْحرَّة فِي موضِعين فِي عدَّة الْوَفَاة وعدة الطَّلَاق بالإقراء وتستويان فِي الْحمل وَفِي ثَلَاثَة أشهر (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْإِحْدَاد وَهُوَ فِي عدَّة الْوَفَاة اتِّفَاقًا وَلَا إحداد على مُطلقَة خلافًا لأبي حنيفَة وَيجب على كل زَوْجَة توفّي عَنْهَا زَوجهَا سَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة خلافًا لأبي حنيفَة فِي الصَّغِيرَة وَسَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة مسلمة أَو كِتَابِيَّة وَلَا إحداد على الْأمة وَأم الْوَلَد من وَفَاة سيدهما والإحداد هُوَ ترك الزِّينَة من الْحلِيّ وَالطّيب والكحل ولباس مَا يزين من المصوغات بِخِلَاف الْأسود والأبيض وَقَالَ أَشهب لَا تدخل الْحمام وَاخْتلف فِي الْكحل للضَّرُورَة (الْفَصْل الرَّابِع) فِيمَا يجب للْمَرْأَة فِي عدتهَا من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى أما الْمُطلقَة طَلَاقا رَجْعِيًا فلهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الْحَامِل وَإِن كَانَت بَائِنا فَإِن ادَّعَت الْحمل لم تصدق فَإِن أنْفق عَلَيْهَا فِي دَعْوَى الْحمل ثمَّ انفش لم يرجع بِمَا أنْفق خلافًا لِابْنِ الْمَوَّاز إِلَّا إِن كَانَ بقضية فَيرجع اتِّفَاقًا وَإِن تحقق الْحمل وَجب لَهَا نَفَقَة الْمَاضِي والمستقبل وَأما الْبَائِن الَّتِي لَيست بحامل فلهَا السُّكْنَى دون النَّفَقَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل لَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة وَأما المتوفي عَنْهَا فلهَا السُّكْنَى خَاصَّة إِن كَانَ الْمسكن للمتوفي بِملك أَو كِرَاء نَقده أَو دَار الْإِمَارَة إِن كَانَ أَمِيرا بِخِلَاف دَار الْمَسْجِد إِذا مَاتَ إِمَامه لِأَن الْكِرَاء من أجارته وَذَلِكَ يَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ وَإِن لم ينْقد الْكِرَاء فلرب الدَّار إخْرَاجهَا فروع تقيم الْمُعْتَدَّة من طَلَاق أَو وَفَاة فِي بَيتهَا وَلَا تخرج إِلَّا من ضَرُورَة فَإِن خرجت من غير عذر ردهَا السُّلْطَان وللمعتدة الْخُرُوج لعذر من لصوص أَو لهدم الدَّار أَو غلاء كرائها فَإِن انْتَقَلت لَزِمَهَا الْمقَام حَيْثُ انْتَقَلت وَلها الْخُرُوج نَهَارا فِي حوائجها وَلَا تبيت إِلَّا فِي دارها وَإِن كَانَ زَوجهَا انْتقل بهَا إِلَى السُّكْنَى أتمت عدتهَا حَيْثُ انْتقل بِخِلَاف مَا لَو انْتقل إِلَى ضَيْعَة وَشبههَا فَإِنَّهَا ترجع إِلَى مقرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَلَا نَفَقَة للمتوفي عَنْهَا زَوجهَا سَوَاء كَانَت حَامِلا أم لَا لَا من مَال الْمَيِّت وَلَا من مَال الْحمل (الْفَصْل الْخَامِس) فِي مُتْعَة المطلقات وَهِي الْإِحْسَان إلَيْهِنَّ حِين الطَّلَاق بِمَا يقدر عَلَيْهِ الْمُطلق بِحَسب مَاله فِي الْقلَّة وَالْكَثْرَة وَهِي مُسْتَحبَّة وأوجبها الشَّافِعِي والمطلقات ثَلَاثَة أَقسَام مُطلقَة قبل الدُّخُول وَقبل التَّسْمِيَة فلهَا الْمُتْعَة وَلَيْسَ لَهَا شَيْء من الصَدَاق ومطلقة بعد الدُّخُول سَوَاء كَانَت قبل التَّسْمِيَة أَو بعْدهَا فلهَا الْمُتْعَة اتِّفَاقًا وَلَا مُتْعَة فِي كل فِرَاق تختاره الْمَرْأَة كامرأة والمجذوم والعنين وَالْأمة تعْتق تَحت العَبْد وَلَا فِي الْفِرَاق بِالْفَسْخِ وَلَا المختلعة وَلَا الْمُلَاعنَة وَاخْتلف فِي المملكة والمخيرة (الْفَصْل السَّادِس) فِي الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ وَاجِب وأسبابه أَرْبَعَة (أَحدهَا) حُصُول ملك الْأمة بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو غنيمَة أَو غير ذَلِك فَيجب استبراؤها على من صَارَت إِلَيْهِ وَيجب أَيْضا على البَائِع وغناتفقا على اسْتِبْرَاء وَاحِد جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة إِنَّمَا الِاسْتِبْرَاء على المُشْتَرِي خَاصَّة وَلَا يسْقط بشرائها من امْرَأَة أَو صبي وَيجب فِي الْبكر وَفِي الصَّغِيرَة الَّتِي قاربت سنّ الْحمل وَفِي الْكَبِيرَة الَّتِي لم تبلغ سنّ اليائسة وَاخْتلف فِي اليائسة وَإِنَّمَا تستبرأ الْأمة الَّتِي تُوطأ لَا وخش الرفيق (السَّبَب الثَّانِي) زَوَال الْملك بِعِتْق وَمَوْت السَّيِّد وَغير ذَلِك (السَّبَب الثَّالِث) الزِّنَى فَإِذا زنت الْحرَّة طَائِعَة أَو مُكْرَهَة استبرئت بِثَلَاث حيض وَالْأمة بِحَيْضَة وَالْحَامِل مِنْهَا بِوَضْع حملهَا (السَّبَب الرَّابِع) سوء الظَّن فَمن تطرق إِلَيْهَا سوء الظَّن من خُرُوج فِي الطرقات وَغَيرهَا وَجب استبراؤها بِحَيْضَة فَإِن لم تَحض فتسعة أشهر فَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو يائسة فَثَلَاثَة أشهر وَقَالَ الشَّافِعِي شهر وَإِن كَانَت حَامِلا فَوضع حملهَا وَلَا يجوز فِي الِاسْتِبْرَاء الْوَطْء وَلَا غَيره من الِاسْتِمْتَاع مَسْأَلَة الْمُوَاضَعَة فِي الِاسْتِبْرَاء مُسْتَحبَّة عِنْد مَالك وَهِي أَن تُوضَع الْأمة المستبرأة على يَد امْرَأَة عادلة حَتَّى تحيض فَإِن حَاضَت تمّ البيع وَإِن لم تَحض وألفيت حَامِلا من البَائِع ردَّتْ إِلَيْهِ وَإِن ألفيت حَامِلا من غَيره فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَين أَخذهَا أَو ردهَا وضمانها فِي مُدَّة الْمُوَاضَعَة من البَائِع وَإِنَّمَا تسْتَحب الْمُوَاضَعَة إِذا بِيعَتْ الْأمة الَّتِي ترَاد للْوَطْء أَو الَّتِي وَطئهَا البَائِع وَلَيْسَت بظاهرة الْحمل الْبَاب الثَّامِن فِي الْإِيلَاء وَهُوَ أَن يحلف الرجل أَن لَا يطَأ زَوجته وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الْمَحْلُوف بِهِ والحالف والمحلوف عَلَيْهِ والمدة فَأَما الْمَحْلُوف بِهِ فَهُوَ الله تَعَالَى وَصِفَاته وكل يَمِين يلْزم عَنْهَا حكم كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق وَالصِّيَام وَغير ذَلِك وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّمَا الْإِيلَاء بِاللَّه وَصِفَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 خَاصَّة وَمن ترك الْوَطْء بِغَيْر يَمِين لزمَه حكم الْإِيلَاء إِذا قصد الْإِضْرَار وَأما الْحَالِف فَهُوَ كل زوج مُسلم عَاقل بَالغ يتَصَوَّر مِنْهُ الوقاع حرا كَانَ أَو عبدا صَحِيحا كَانَ أَو مَرِيضا بِخِلَاف الْخصي والمجبوب وَيصِح الْإِيلَاء عَن الزَّوْجَة وَعَن الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة وَأما الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَهُوَ الْجِمَاع بِكُل لفظ يَقْتَضِي ذَلِك كَقَوْلِه لَا جامعتك وَلَا اغْتَسَلت مِنْك وَلَا دَنَوْت مِنْك وَشبه ذَلِك وَأما الْمدَّة فَهِيَ مَا زَاد على أَرْبَعَة أشهر بِمدَّة مُؤثرَة فَلَو حلف على ثَلَاثَة أشهر أَو أَرْبَعَة لم يكن مواليا وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَرْبَعَة أشهر وَقَالَ قوم مُدَّة قَليلَة أَو كَثِيرَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَامه فَإِذا آلى أمْهل أَرْبَعَة أشهر من يَوْم حلف ويمهل العَبْد شَهْرَيْن وَقيل أَرْبَعَة وفَاقا للشَّافِعِيّ فَإِن لم تطَأ رفعته إِلَى القَاضِي إِن شَاءَت فَأمره بالفيأة غلى الْوَطْء فَإِن أَبى طلق القَاضِي عَلَيْهِ وَإِن قَالَ أَنا أفيء لم يعجل عَلَيْهِ بِالطَّلَاق واختبره مرّة وثانية فَإِن تبين كذبه طلق عَلَيْهِ وَلَا تحصل الْفَيْئَة إِلَّا بمغيب الْحَشَفَة فِي الْقبل إِن كَانَت ثَيِّبًا والافتضاض إِن كَانَت بكرا وَإِن قَالَ وطِئت فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا انْقَضتْ الْأَشْهر الْأَرْبَع وَقع الطَّلَاق دون حكم وَالطَّلَاق فِي الْإِيلَاء رَجْعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة بَائِن بَيَان الْإِيلَاء على وَجْهَيْن (أَحدهمَا) يضْرب أَجله من يَوْم الْحلف وَهُوَ مَا تقدم (الثَّانِي) من يَوْم ترفعه امْرَأَته وَهُوَ أَن يحلف بِطَلَاقِهَا ليفعلن فعلا فَهُوَ على حنث حَتَّى يبر فيكف عَن الْوَطْء حَتَّى يبر فَإِذا رفعته امْرَأَته ضرب أجل الْإِيلَاء من يَوْم ترفعه فَإِن حلف على فعل غَيره ضرب لَهُ فِي ذَلِك أجل على قدر مَا يرى القَاضِي من يَوْم ترفعه الْبَاب التَّاسِع فِي الظِّهَار وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الْمظَاهر والمظاهر عَنْهَا وَاللَّفْظ والمشبه بِهِ فَأَما الْمظَاهر فَكل زوج مُسلم عَاقل فَلَا يلْزم الذِّمِّيّ ظِهَار خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما الْمظَاهر عَنْهَا فامرأة الْمظَاهر حرَّة كَانَت أَو أمة مسلمة أَو كِتَابِيَّة وَيلْزم الظِّهَار عَن أمته خلافًا وَأما اللَّفْظ فقسمان صَرِيح وكناية فالصريح مَا تضمن ذكر الظّهْر كَقَوْلِه أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وَالْكِنَايَة مَا لم تَتَضَمَّن ذكر الظّهْر كَقَوْلِه أَنْت عَليّ كأمي أَو كفخذها أَو بعض أعضائها وَالْحكم فِيهَا سَوَاء وَقَالَ قوم إِنَّمَا الظِّهَار مَا كَانَ بِلَفْظ الظّهْر وَأما الْمُشبه بِهِ فَهِيَ الْأُم وَيلْحق بهَا كل مُحرمَة على التأييد بِنسَب أَو رضَاع أَو صهر وَقَالَ قوم إِنَّمَا الظِّهَار بِالْأُمِّ خَاصَّة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَامه وَيحرم عَلَيْهِ الْجِمَاع اتِّفَاقًا والاستمتاع بِمَا دون ذَلِك خلافًا للشَّافِعِيّ وَيسْتَمر التَّحْرِيم إِلَى أَن يكفر وَالْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَشْيَاء مرتبَة (الأول) تَحْرِير رَقَبَة بِشَرْط أَن تكون مُؤمنَة خلافًا لأبي حنيفَة سَالِمَة من الْعُيُوب عِنْد الْجُمْهُور (الثَّانِي) صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن قطع التَّتَابُع وَلَو فِي الْأَخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَجب الاستيناف ويقطعه الْفطر فِي السّفر من غير ضَرُورَة بِخِلَاف الْمَرَض وَالْفطر سَهوا (الثَّالِث) إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا مدان بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل مِسْكين وَقيل مد بِمد هِشَام وجنسها من جنس زَكَاة الْفطر من عَيْش الْمُكَفّر وَقيل من عَيْش بَلَده وَيشْتَرط الْعدَد فَلَو أطْعم ثَلَاثِينَ طَعَام سِتِّينَ لم يجزه وَلَا يَصُوم إِلَّا من عجز عَن الْعتْق وَلَا يطعم إِلَّا من عجز عَن الصّيام بَيَان لَا تجب الْكَفَّارَة إِلَّا بِالْعودِ وَهُوَ عِنْد مَالك الْعَزْم على الْوَطْء وفَاقا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل وَقيل الْعَزْم على الْإِمْسَاك وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ الْإِمْسَاك نَفسه وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة هُوَ تكْرَار لفظ الظِّهَار الْبَاب الْعَاشِر فِي اللّعان وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الْملَاعن والملاعنة وَسَببه وَلَفظه أما الْملَاعن والملاعنة فهما الزَّوْجَانِ العاقلان البالغان سَوَاء كَانَا حُرَّيْنِ أَو مملوكين عَدْلَيْنِ أَو فاسقين وَيشْتَرط الْإِسْلَام فِي الزَّوْج لَا فِي الزَّوْجَة فَإِن الذِّمِّيَّة تلاعن لرفع الْعَار عَنْهَا وَاشْترط أَبُو حنيفَة أَن يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ وَيَقَع اللّعان فِي حَال الْعِصْمَة اتِّفَاقًا وَفِي الْعدة من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ والبائن خلافًا لأبي حنيفَة وَبعد الْعدة فِي نفي الْعَمَل إِلَى أقْصَى مُدَّة الْحمل وَيَقَع اللّعان من الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاح الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَأما سَبَب اللّعان فشيئان (أَحدهمَا) دَعْوَى رُؤْيَة الزِّنَى بِشَرْط أَن لَا يَطَأهَا بعد الرُّؤْيَة فَإِن ادّعى الزِّنَى دون الرُّؤْيَة حد للقذف وَلم يجز اللّعان على الْمَشْهُور خلافًا لَهُم (الثَّانِي) نفي الْحمل بِشَرْط أَن يَدعِي أَنه لم يَطَأهَا لأمد يلْحق بِهِ وَيشْتَرط أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة وَاحِدَة وَقَالَ ابْن الماشجون ثَلَاث حيض خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل فِي هَذَا الشَّرْط وَيشْتَرط أَن يَنْفِيه قبل وَضعه فَإِن سكت حَتَّى وَضعته حد وَلم يُلَاعن خلافًا لأبي حنيفَة وَقَالَ الشَّافِعِي يُلَاعن إِذا سكت لعذر فَإِن قدفها من غير رُؤْيَة وَلَا نفي حمل لم يُلَاعن فِي الْمَشْهُور خلافًا لَهُم وَأما لَفظه فَإِن يَقُول أَربع مَرَّات فِي الرُّؤْيَة (أشهد بِاللَّه لقد رَأَيْتهَا تَزني) ويصف الزِّنَى كَمَا يصفه الشُّهُود وَرُوِيَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك وَيقوم فِي نفي الْحمل (أشهد بِاللَّه لقد زنت أَو مَا هَذَا الْحمل مني) وَقَالَ بَان الْمَوَّاز وَيَقُول (بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) وَيَقُول فِي الْخَامِسَة (لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين) وَتقول الْمَرْأَة أَربع مَرَّات فِي الرُّؤْيَة (أشهد بِاللَّه مَا رَآنِي أزني) وَفِي نفي الْحمل (مَا زَنَيْت وَإنَّهُ مِنْهُ) وَتقول فِي الْخَامِسَة (غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين) وَيتَعَيَّن لفظ الشَّهَادَة فَلَا يُبدل بِالْحلف وَلَا لفظ الْغَضَب باللعن وَيجب التَّرْتِيب فِي تَأْخِير اللَّعْن وَيصِح لعان الْأَخْرَس وقذفه إِذا كَانَ يعقل الْإِشَارَة أَو يفهم الْكِتَابَة وَيكون اللّعان فِي مقطع الْحُقُوق بِمحضر جمَاعَة لَا ينقصُونَ عَن أَرْبَعَة وَيسْتَحب أَن يكون بعد الْعَصْر (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 أَحْكَامه إِذا التعن الزَّوْج تعلّقت بِهِ ثَلَاثَة أَحْكَام سُقُوط حد الْقَذْف عَنهُ وَانْتِفَاء نسب الْوَلَد مِنْهُ وَوُجُوب حد الزِّنَى عَلَيْهَا إِلَى أَن تلاعن فَإِن التعنت الْمَرْأَة تعلّقت بهَا ثَلَاثَة أَحْكَام سُقُوط الْحَد عَنْهَا والفرقة بَينهمَا خلافًا لقوم وتأييد التَّحْرِيم خلافًا لأبي حنيفَة وَقيل فِي هذَيْن أَنَّهُمَا يتعلقان بلعانه فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) إِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان حد للقذف عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحبس وَإِن نكلت الْمَرْأَة عَن اللّعان رجمت للزنى عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحبس وَلَا تحد وَقواهُ أَبُو الْمَعَالِي (الْفَرْع الثَّانِي) تقع الْفرْقَة بِاللّعانِ دون حكم حَاكم خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الثَّالِث) الْفرْقَة فسخ وَقَالَ أَبُو حنيفَة طَلْقَة بَائِنَة (الْفَرْع الرَّابِع) يَنْبَغِي أَن يوعظ المتلاعنان قبل لعانهما ويخوفا بِعَذَاب الله فِي الْآخِرَة (الْفَرْع الْخَامِس) لَا يحكم القَاضِي فِي اللّعان حَتَّى يثبت عِنْده نِكَاح الزَّوْجَيْنِ (الْفَرْع السَّادِس) أَن أكذب الْملَاعن نَفسه قبل لعان الْمَرْأَة حد وَبقيت لَهُ زَوْجَة على الْمَشْهُور وَلَا تبقى بعد لعانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 = الْكتاب الثَّالِث فِي الْبيُوع وَفِيه اثْنَا عشر بَابا = الْبَاب الأول فِي أَرْكَان البيع وَهِي خَمْسَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَالثمن والمثمون وَاللَّفْظ وَمَا فِي مَعْنَاهُ من قَول أَو فعل يَقْتَضِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فَأَما البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَيشْتَرط فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة شُرُوط (الأول) أَن يكون مُمَيّزا تَحَرُّزًا من الْمَجْنُون والسكران وَالصَّغِير الَّذِي لَا يعقل (الثَّانِي) أَن يَكُونَا مالكين أَو وكيلين لمالكين أَو ناظرين عَلَيْهِمَا فَأَما الشِّرَاء لأحد بِغَيْر إِذْنه أَو البيع عَلَيْهِ كَذَلِك فَهُوَ بيع الْفُضُولِيّ فَينْعَقد ويتوقف على إِذن ربه وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ينْعَقد (الثَّالِث) أَن يَكُونَا طائعين فَإِن بيع الْمُكْره وشراءه باطلان وَإِذا أكره الرجل على غرم مَال بِغَيْر حق فَبَاعَ فِيهِ شَيْئا من مَاله لم يجز البيع وَأخذ البَائِع مَا بَاعه من المُشْتَرِي دون ثمن وَرجع المُشْتَرِي بِالثّمن على الَّذِي أكره البَائِع وَسَوَاء دفع الثّمن إِلَى الْمُكْره أَو الْمُكْره وَلَيْسَ من هَذَا غرم الْعمَّال وَلَا مكتري المكوس فَإِن بيعهم نَافِذ وَلَا رُجُوع لَهُم وَإِذا أكره المُشْتَرِي البَائِع على البيع فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي جَمِيع أَحْكَامه وَيشْتَرط فِي البَائِع أَن يكون رشيدا فَإِن بيع السَّفِيه والمحجور لَا ينفذ وشراؤه مَوْقُوف على نظر وليه وَلَا يشْتَرط الْإِسْلَام إِلَّا فِي شِرَاء العَبْد الْمُسلم وَفِي شِرَاء الْمُصحف وَمنع الشَّافِعِي أَن يبع من ولد أعمى أَو يَشْتَرِي خلافًا لمَالِك وَأبي حنيفَة وَأما الثّمن والمثمون فَيشْتَرط فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعَة شُرُوط وَهِي أَن يكون طَاهِرا مُنْتَفعا بِهِ مَعْلُوما مَقْدُورًا على تَسْلِيمه فقولنا طَاهِرا تَحَرُّزًا من النَّجس فَإِنَّهُ لَا يجوز بَيْعه كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَاخْتلف فِي بيع العاج والزبل وَفِي بيع الزَّيْت النَّجس فَمنع فِي الْمَشْهُور مُطلقًا وَأَجَازَ ابْن وهب إِذا بَين وَاخْتلف فِي الاستصباح بِهِ فِي غير الْمَسَاجِد وَقَوْلنَا مُنْتَفعا بِهِ تَحَرُّزًا مِمَّا لَا مَنْفَعَة فِيهِ كالخشاش وَالْكلاب وَقد اخْتلف فِي جَوَاز بيع الْكلاب للصَّيْد وَالْغنم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة لَا تجوز فَهِيَ كَالْعدمِ كآلات اللَّهْو وَقَوْلنَا مَعْلُوما تَحَرُّزًا من الْمَجْهُول فَإِن بَيْعه لَا يجوز إِلَّا أَنه يجوز بيع الحراف بِشَرْطَيْنِ (أَحدهمَا) أَن يكون مِمَّا يُكَال أوي وزن كالطعام وَشبهه وَلَا يجوز فِيمَا لَهُ خطر وَتعْتَبر آحاده كالثياب وَالدَّرَاهِم والجواهر خلافًا لَهما وَلَا فِيهَا يُبَاع بِالْعدَدِ كالمواشي (الثَّانِي) أَن يَسْتَوِي البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الْعلم بمقداره وَفِي الْجَهْل بِهِ خلافًا لَهما وَقَوْلنَا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه تَحَرُّزًا من بيع الطير فِي الْهَوَاء والحوت فِي المَاء وَشبه ذَلِك وَمِنْه الْمَغْصُوب فَلَا يجوز بَيْعه إِلَّا من غاصبه فرع يجب على المُشْتَرِي تَسْلِيم الثّمن وعَلى البَائِع تَسْلِيم المثمون فَإِن قَالَ أَحدهمَا لَا أسلم مَا بيَدي حَتَّى أَقبض مَا عاوضت عَلَيْهِ أجبر المُشْتَرِي على تَسْلِيم الْمُثمن ثمَّ أَخذ المثمون من البَائِع وفَاقا لأبي حنيفَة وَقد قَالَ مَالك للْبَائِع أَن يتَمَسَّك بِالْمَبِيعِ حَتَّى يقبض الثّمن وَقَالَ الشَّافِعِي يجْبر البَائِع ثمَّ المُشْتَرِي مَسْأَلَة فِي ضَمَان الْمَبِيع أما بعد قَبضه فضمانه من المُشْتَرِي وخسارته مِنْهُ بِاتِّفَاق إِلَّا مَا بيع من الرَّقِيق حَتَّى يخرج من عُهْدَة الثَّلَاث وَمَا بيع من إِمَاء مِمَّا فِيهِ الْمُوَاضَعَة حَتَّى تخرج مِنْهَا وَمَا بيع من الثِّمَار فأصابته جَائِحَة وَأما قبل الْقَبْض فَالضَّمَان عِنْدهمَا من البَائِع مُطلقًا وَأما فِي الْمَذْهَب فَإِن الضَّمَان ينْتَقل إِلَى المُشْتَرِي بِنَفس العقد فِي كل بيع إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع (الأول) يَبِيع الْغَائِب على الصّفة بِخِلَاف فِيهِ (الثَّانِي) مَا بيع على الْخِيَار (الثَّالِث) مَا بيع من الثِّمَار قبل كَمَال طيبها (الرَّابِع) مَا فِيهِ حق تَوْفِيَة من كيل أَو وزن أَو عدد بِخِلَاف الْجزَاف فَإِن هلك الْمكيل أَو الْمَوْزُون بعد امتلاء الْكَيْل واستواء الْمِيزَان وَقبل التفريغ فِي وعَاء المُشْتَرِي فَاخْتلف هَل يضمنهُ البَائِع أَو المُشْتَرِي (الْخَامِس) البيع الْفَاسِد بِالضَّمَانِ فِيهِ من البَائِع حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي مَسْأَلَة فِي اخْتِلَاف المتبائعين وَيتَصَوَّر فِيهِ سِتّ صور (الأولى) أنيختلفا فِي صِحَة البيع وفساده فَالْقَوْل قَول مدعي الصِّحَّة لِأَنَّهَا الأَصْل (الثَّانِيَة) أَن يختلفا فِي جنس الثّمن مثل أَن يَقُول أَحدهمَا دَنَانِير وَيَقُول الآخر قَمح فَيحلف كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيفْسخ البيع (الثَّالِث) أَن يختلفا فِي مِقْدَار الثّمن (الرَّابِع) أَن يختلفا فِي أَجله أَو هَل هُوَ نقد أومؤخر (الْخَامِس) أَن يختلفا المثمون فَحكم هَذِه الصُّور وَاحِدَة وَذَلِكَ أَن السّلْعَة إِذا كَانَت بيد البَائِع تحَالفا وَفسخ البيع عِنْد الثَّلَاثَة وَإِن كَانَت قَائِمَة بَين المُشْتَرِي فَقيل يحلفان وَيفْسخ وَقيل القَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَإِن تلفت فِي يَد المُشْتَرِي فَقيل يحلفان وَيفْسخ ويرجعان إِلَى الْقيمَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل القَوْل قَول المُشْتَرِي وفَاقا لأبي حنيفَة (السَّادِس) أَن يختلفا فِي شَرط الْخِيَار فَقَالَ ابْن الْقَاسِم القَوْل قَول مدعي الْبَتّ وَقَالَ أَشهب قَول مدعي الْخِيَار وَقَالَ قوم القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي كل صُورَة فرع إِذا تحَالفا بَدَأَ البَائِع بِالْيَمِينِ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يبْدَأ المُشْتَرِي وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل يقرع بَينهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الْبَاب الثَّانِي فِي أَنْوَاع المكاسب والبيوع أما المكاسب فنوعان كسب بِغَيْر عوض وبعوض فَأَما الْكسْب بِغَيْر عوض فَأَرْبَعَة أَنْوَاع (الأول) الْمِيرَاث فَإِن كَانَ الْمَيِّت كَسبه من حَلَال فَهُوَ حَلَال للْوَارِث إِجْمَاعًا وَإِن كَانَ كَسبه من حرَام فَاخْتلف هَل يحل للْوَارِث أم لَا (الثَّانِي) الْغَنِيمَة (الثَّالِث) العطايا كالهب وَالْحَبْس وَغير ذَلِك (الرَّابِع) مَا لم يَتَمَلَّكهُ أحد كالحطب وَالصَّيْد وإحياء الْموَات وَأما الْكسْب بعوض فَأَرْبَعَة عوض عَن مَال كَالْبيع وَعوض عَن عمل كَالْإِجَارَةِ وَعوض عَن فرج كالصداق وَعوض عَن جِنَايَة كالديات وَأما البيع فَثَلَاثَة أَنْوَاع بيع عين بِعرْض ونعني بِالْعينِ الذَّهَب وَالْفِضَّة وبالعرض مَا سواهُمَا وَهَذَا لَيْسَ لَهُ اسْم إِلَّا البيع وَالْقسم الثَّانِي عرض بِعرْض وَيُقَال لَهُ مُعَاوضَة وَالْقسم الثَّالِث بيع عين بِعَين فَإِن كَانَ بيع ذهب بِفِضَّة فَهُوَ الصّرْف وَإِن كَانَ بيع ذهب بِذَهَب أَو فضَّة بِفِضَّة فَإِن كَانَ بِالْوَزْنِ فَيُقَال لَهُ مراطلة وإنكان بِالْعدَدِ فَيُقَال لَهُ مُبَادلَة وينقسم البيع من وَجه آخر قسمَيْنِ بيع منجز وَهُوَ الَّذِي يتم سَاعَة عقده وَبيع الْخِيَار وينقسم البيع من وَجه آخر أَرْبَعَة أَقسَام (أَحدهمَا) أَن يعجل الثّمن والمثمون وَهُوَ بيع النَّقْد (الثَّانِي) أَن يُؤَخر الثّمن والمثمون وَهُوَ بيع الدّين بِالدّينِ وَهُوَ لَا يجوز (الثَّالِث) أنيؤخر الثّمن ويعجل المثمون وَهُوَ بيع النَّسِيئَة (الرَّابِع) أَن يعجل الثّمن وَيُؤَخر المثمون وَهُوَ السّلم من وَجه آخر إِلَى بيع صَحِيح وفاسد حَسْبَمَا يَأْتِي الْبَاب الثَّالِث فِي الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ وهما الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيتَصَوَّر فيهمَا رَبًّا النَّسِيئَة وَربا التَّفَاضُل فَفِي ذَلِك فصلان (الْفَصْل الأول) فِي رَبًّا النَّسِيئَة تحرم النَّسِيئَة إِجْمَاعًا فِي بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَهُوَ الصّرْف وَفِي بيع الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ سَوَاء كَانَ ذَلِك مُبَادلَة فِي المسكوك أَو مراطلة فِي المسكوك أَو المصوغ أَو النقار فَلَا يجوز التَّأْخِير فِي شَيْء من ذَلِك كُله بل يجب أَن يكون يدا بيد فيتصور فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَحْوَال حَالَة الْكَمَال وَهِي أَن يبرز كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين مَا عِنْده من ذهب أَو فضَّة ثمَّ يعقدا عَلَيْهِ ثمَّ يتقابضا وَحَالَة الْجَوَاز وَهِي أَن يعقدا وَالذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْكمّ أَو التابوت الْحَاضِر ثمَّ يخرجَاهُ ويتقابضا وَحَالَة لَا تجوز هِيَ أَن يعقدا عَلَيْهِ ثمَّ يتَأَخَّر التَّقَابُض وَلَو سَاعَة وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة تَأْخِير الْقَبْض مَا لم يفترقا من الْمجْلس وهما هُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فروع عشرَة (الْفَرْع الأول) لَا يجوز أَن يَأْخُذ فِي الصّرْف والمبادلة والمراطلة ضَامِن وَلَا رهن لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ من التَّأْخِير (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا صرف دَنَانِير بِدَرَاهِم ثمَّ وجد فِيهَا درهما زائفا أَو نَاقِصا فَإِن رَضِي بِهِ جَازَ الصّرْف وَإِن رده بَطل الصّرْف كُله وَقيل يبطل صرف دِينَار وَاحِد وَقيل مَا يُقَابل الدِّرْهَم الْمَرْدُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل إِن كَانَت الزُّيُوف النّصْف وَقَالَ ابْن حَنْبَل يبطل مُطلقًا (الْفَرْع الثَّالِث) يجوز صرف مَا فِي الذِّمَّة إِن كَانَ حَالا وَذَلِكَ أَن يكون لرجل على آخر ذهب فَيَأْخُذ فِيهِ فضَّة أَو فضَّة فَيَأْخُذ فِيهَا ذَهَبا وَمنعه الشَّافِعِي حل أَو لم يحل وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة حل أَو لم يحل (الْفَرْع الرَّابِع) لَا يجوز صرف الْمَغْصُوب وَلَا الْمَرْهُون وَلَا الْمُودع حَتَّى يحضر على الْمَشْهُور وَقيل يجوز وَقيل يمْنَع (الْفَرْع السَّادِس) لَا يجوز الصّرْف على الْخِيَار فِي الْمَشْهُور (الْفَرْع السَّابِع) تجوز الوكاة على الصّرْف إِن تولى الْوَكِيل العقد وَالْقَبْض وَأمن التَّأْخِير (الْفَرْع الثَّامِن) لَا يجوز الصّرْف على التَّصْدِيق فِي الْوَزْن أَو فِي الصّفة على الْمَشْهُور (الْفَرْع التَّاسِع) إِن تفَرقا قبل التقايض غَلَبَة فَقَوْلَانِ الْإِبْطَال والتصحيح بِخِلَاف التَّفَرُّق اخْتِيَارا فَفِيهِ الْبطلَان اتِّفَاقًا (الْفَرْع الْعَاشِر) لَا يجوز الإحالة فِي الصّرْف لأجل التَّأْخِير (الْفَصْل الثَّانِي) فِي رَبًّا التَّفَاضُل يحرم التَّفَاضُل فِي بيع الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ فِي المراطلة والمبادلة فَلَا يجوز أَن يكون بَينهمَا زِيَادَة أصلا بل يجب أَن يكون مثلا بِمثل عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لقوم فتلخص من هَذَا أَن بيع أحد النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ تحرم فِيهِ النَّسِيئَة والتفاضل وَبيعه بِالْجِنْسِ الآخر تحم فِيهِ النَّسِيئَة دون التَّفَاضُل وَهَا هُنَا فروع عشرَة (الْفَرْع الأول) يحرم التَّفَاضُل فِي الْجِنْس الْوَاحِد من النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ سَوَاء كَانَت الزِّيَادَة من جنسه أَو من الْجِنْس الآخر أَو من غير ذَلِك مثل أَن يَبِيع ذَهَبا بِذَهَب أَكثر مِنْهُ أَو بِذَهَب مثله وَيزِيد بَينهمَا فضَّة أَو بِذَهَب مثله وَيزِيد بَينهمَا عرضا أَو طَعَاما فَكل ذَلِك حرَام خلافًا لأبي حنيفَة فِي زِيَادَة غير الْجِنْس (الْفَرْع الثَّانِي) كَمَا يحم التَّفَاضُل فِي الْوَزْن كَذَلِك يحرم التَّفَاضُل فِي الْقيمَة مثل أَن يُبدل ذَهَبا بِذَهَب أطيب مِنْهُ وَآخر أدون مِنْهُ فَذَلِك لَا يجوز وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة مُطلقًا فَإِن كَانَ الْجيد كُله فِي جِهَة جَازَ لِأَنَّهُ من بَاب الْمَعْرُوف خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يجوز إِبْدَال الدِّرْهَم الوازن بالناقص إِلَّا على وَجه الْمَعْرُوف أَن تَسَاويا فِي الْجَوْدَة أَو كَانَ الوازن أطيب وَلَا يجوز إنكان النَّاقِص أطيب لِأَنَّهُ خرج عَن الْمَعْرُوف وَمنعه الظَّاهِرِيَّة مُطلقًا (الْفَرْع الرَّابِع) فِي رد الْبَعْض وَذَلِكَ أَن يدْفع البَائِع درهما فيشتري مِنْهُ سلْعَة بِبَعْضِه وَيرد عَلَيْهِ بعضه فَيجوز ذَلِك بأَرْبعَة شُرُوط وَهِي أَن تَدعُوهُ لذَلِك ضَرُورَة وَأَن يكون ذَلِك فِي دِرْهَم وَاحِد وَأَن يكون الْمَرْدُود نصف الدِّرْهَم فَأَقل وَأَن يَقع التَّقَابُض فِي الدِّرْهَم وَفِي الْبَعْض الْمَقْبُوض وَفِي السّلْعَة فَإِن تَأَخّر أحد الثَّلَاثَة لم يجز وَقيل لَا يجوز مُطلقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا جَاءَ الْمُسَافِر إِلَى دَار الضري بِذَهَب أَو فضَّة وَهُوَ مُضْطَر إِلَى الرحيل وَخَافَ من المطل فَهَل يجوز أَن يدْفع فضَّة أَو ذَهَبا وَيَأْخُذ بدل ذَلِك من صنفه مسكوكا وَيدْفَع أُجْرَة الضَّرْب قَولَانِ الْجَوَاز وَالْمَنْع وَمثل هَذَا المعاصر يَأْتِيهَا من لَهُ زيتون فيقد مَا يخرج مِنْهُ فَيَأْخذهُ زيتا وَيُعْطِي الْأُجْرَة (الْفَرْع السَّادِس) مَسْأَلَة السفاتح وَهِي سلف الْخَائِف من غرر الطَّرِيق يُعْطي بِموضع وَيَأْخُذ حَيْثُ يكون مَتَاع الآخر فينتفع الدَّافِع والقابض فِي ذَلِك قَولَانِ (الْفَرْع السَّابِع) لَا يجوز عِنْد مَالك الْجمع بَين الصّرْف وَالْبيع فِي عقد وَاحِد وَذَلِكَ مثل أَن يكون سلْعَة فِيهَا ذهب وَغَيره فتباع بِفِضَّة وَذَلِكَ كالقلادة يكون فِيهَا ذهب وجوهر فَيجب أَن يفصل وَيُبَاع كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدة لِأَن الثّمن الَّذِي فِي مُقَابلَة الذَّهَب من بَاب الصّرْف وَالَّذِي فِي مُقَابلَة الْجَوْهَر من بَاب البيع إِلَّا أَن كَانَ أَحدهمَا يَسِيرا فَيجوز وَهُوَ الثُّلُث وَقيل الْيَسِير جدا كالدرهم وَأَجَازَهُ أَشهب مُطلقًا وفَاقا لَهما (الْفَرْع الثَّامِن) إِذا كَانَ الذَّهَب وَالْفِضَّة سلْعَة لَا يُمكن نقضه مِنْهَا كالسيف والمصحف الْمحلى فَيجوز أَن يُبَاع دون أَن ينْقض خلافًا للظاهرية وَيتَصَوَّر فِي ذَلِك ثَلَاث صور (الصُّورَة الأولى) أَن يُبَاع بِجِنْس الْحِلْية الَّتِي فِيهِ مثل أَن يكون محلى بِالْفِضَّةِ فَيُبَاع بِفِضَّة فَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن تكون الْحِلْية تبعا وَهِي أَن تكون ثلث الْقيمَة فَمَا دون ذَلِك وَقيل ثلث الْوَزْن وَأَن يكون يدا بيد خلافًا لسَحْنُون إِذا كَانَ الْحلِيّ تبعا وَمنعه الشَّافِعِي مُطلقًا (الصُّورَة الثَّانِيَة) أَن يُبَاع بِعَين من غير جنس حليته وَذَلِكَ أَن تكون حليته فضَّة فَيُبَاع بِذَهَب أَو الْعَكْس فَيجوز بِشَرْط أَن يكون يدا بيد وَلَا تشْتَرط فِيهِ التّبعِيَّة (الصُّورَة الثَّالِثَة) أَن يُبَاع بِغَيْر الْعين من طَعَام أَو عرُوض فَيجوز مُطلقًا من غير شَرط بِاتِّفَاق وَحكم الثِّيَاب الَّتِي لَو سكت خرج مِنْهَا ذهب أَو فضَّة كالسيف الْمحلى وَإِن كَانَت الْحِلْية فِيمَا يجوز لم يجز بَيْعه بِجِنْسِهِ أصلا (الْفَرْع التَّاسِع) قَاعِدَة ((انظرني أزدك)) حرَام بِاتِّفَاق وَهِي أَن يكون للرجل دين عِنْد آخر فيؤخره بِهِ على أَن يزِيدهُ فِيهِ ذَلِك كَانَ رَبًّا الْجَاهِلِيَّة سَوَاء كَانَ الدّين طَعَاما أَو عينا وَسَوَاء كَانَ من سلف أَو بيع أَو غير ذَلِك (الْفَرْع الْعَاشِر) قادة ((ضع وتعجل)) حرَام عِنْد الْأَرْبَعَة بِخِلَاف عَن الشَّافِعِي وأجازها ابْن عَبَّاس وَزفر وَهِي أَن يكون لَهُ عَلَيْهِ دين لم يحل فيعجله قبل حُلُوله على أَن ينقص مِنْهُ وَمثل ذَلِك أَن يعجل بعضه وَيُؤَخر بعضه إِلَى أجل آخر وَأَن يَأْخُذ قبل الْأَجَل بعضه عينا وَبَعضه عرضا وَيجوز ذَلِك كُله بعدالأجل بِاتِّفَاق وَيجوز أَن يُعْطِيهِ فِي دينه عرضا قبل الْأَجَل وَإِن كَانَ يُسَاوِي أقل من دينه الْبَاب الرَّابِع فِي الرِّبَا فِي الطَّعَام وَيتَصَوَّر فِيهِ رَبًّا النَّسِيئَة وَربا التَّفَاضُل فَأَما النَّسِيئَة فَتحرم فِي بيع كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 مطعوم بمطعوم سَوَاء كَانَ ربويا أَو غير رِبَوِيّ وَسَوَاء كَانَ مُتَّفقا فِي جنسه أَو مُخْتَلفا فَلَا يجوز التَّأْخِير فِي شَيْء من ذَلِك كُله وَيجب أَن يكون يدا بيد وَتخرج من ذَلِك عقاقير الْأَدْوِيَة كالصبر والمحمودة فَتجوز فِيهَا النَّسِيئَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَاخْتلف فِي المَاء وَأما التَّفَاضُل فَإِنَّمَا يحرم بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَنِّي كَون كل وَاحِد من المطعومين ربويا وَالْآخر أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد فَأَما بَيَان الرِّبَوِيّ فَهُوَ المقتات المدخر كالحبوب كلهَا وَالتَّمْر وَالزَّبِيب وَالْملح واللحوم والألبان وَمَا يصنع مِنْهَا وَمَا تصلح بِهِ الْأَطْعِمَة كالتوابل والخل والبصل والثوم وَالزَّيْت فَإِن كَانَ مقتاتا غير مدْخل أَو مدخرا غير مقتات فَفِيهِ خلاف كالجوز واللوز وَاخْتلف أَيْضا فِي التِّين فَإِن لم يكن مقتاتا وَلَا مدخرا فَلَيْسَ بربوي كالخضر والبقول والفواكه الَّتِي لَا تدخر وَأما بَيَان اتِّفَاق الْجِنْس فَعِنْدَ مَالك أَن الْقَمْح وَالشعِير والسلت صنف وَاحِد خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَن الذّرة والدخن والأرز صنف وَإِن القاطني كلهَا صنف وَاحِد كالفول والعدس والحمص وَشبه ذَلِك فعلى هَذَا لَا يجوز التَّفَاضُل بَين الْقَمْح وَالشعِير وَيجوز بَين الْقَمْح والذرة وَأما للحوم فَهِيَ عِنْد الشَّافِعِي صنف وَاحِد وَعَن أبي حنيفَة أَصْنَاف مُخْتَلفَة هِيَ عِنْد مَالك ثَلَاثَة أَصْنَاف فلحم ذَوَات الْأَرْبَع صنف وَلحم الطُّيُور صنف وَلحم الْحيتَان صنف تمهيد ورد فِي الحدي تَحْرِيم التَّفَاضُل فِي أَرْبَعَة أَصْنَاف من المطعومات وَهِي الْقَمْح وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل ذَلِك على أَرْبَعَة مَذَاهِب (الأول) مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَأبي بكر بن الطّيب قصروا رَبًّا التَّفَاضُل على هَذِه الْأَرْبَعَة خَاصَّة (الثَّانِي) مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه منعُوا التَّفَاضُل فِيهَا وقاسوا عَلَيْهَا كل مقتات مذخر وَاشْترط بَعضهم أَن يكون متخذا للعيش غَالِبا (الثَّالِث) مَذْهَب الشَّافِعِي قَاس عَلَيْهَا كل مطعوم فَمنع فِيهِ التَّفَاضُل (الرَّابِع) مَذْهَب أبي حنيفَة قَاس عَلَيْهَا كل مَا يُكَال أَو يُوزن سَوَاء كَانَ طَعَاما أَو غير طَعَام حَتَّى الْحَدِيد وَشبهه فالعلة فِي تَحْرِيم التَّفَاضُل عِنْد مَالك الاقتيات والادخار وَعند الشَّافِعِي الطعمية وَعند أبي حنيفَة الْكَيْل وَالْوَزْن واتفوا على اعْتِبَار الْجِنْس وَهَا هُنَا فروع عشرَة (الْفَرْع الأول) اخْتلف فِي بيع الْحبّ بالدقيق من صنف وَاحِد فَقيل يجوز بِالْوَزْنِ دون الْكَيْل وَقيل يجوز مُطلقًا وَقيل لَا يجوز مُطلقًا خلافًا لَهما (الْفَرْع الثَّانِي) يجوز بيع الدَّقِيق بالدقيق من صنف وَاحِد إِذا اسْتَويَا فِي صفة الطَّحْن وَمنعه الشَّافِعِي (الْفَرْع الثَّالِث) يجوز بيع الْخبز بالخبز بِالتَّحَرِّي من غير وزن وَمنعه الشَّافِعِي بِالْوَزْنِ والتحري (الْفَرْع الرَّابِع) الْجَهْل بالتماثل مَمْنُوع كتحقيق التَّفَاضُل وَيعرف التَّمَاثُل بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن على حسب عوائد الْبِلَاد (الْفَرْع الْخَامِس) يجوز بيع الْحبّ والدقيق بالخبز من صنف وَاحِد متماثلا ومتفاضلا لِأَن الْخبز لما دَخلته صَنْعَة الأدي صَار كصنف مُخْتَلف خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع السَّادِس) لَا يجوز زِيَادَة غير الْجِنْس كَبيع مد بِمد من صنفه وَدِرْهَم فَإِن الدِّرْهَم تفاضل بَينهمَا خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع السَّابِع) لَا تجوز الْمُزَابَنَة وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 بيع شَيْء رطب بيابس من جنسه سَوَاء كَانَ ربويا أَو غير رِبَوِيّ فتمتنع بالربوي لتوقع التَّفَاضُل وَالْغرر وتمنع فِي غير الرِّبَوِيّ للنَّهْي الْوَارِد عَنْهَا فِي الحَدِيث وللغرر فَمِنْهَا بيع التَّمْر بالرطب وَبيع الزَّبِيب بالعنب وَبيع الْقَمْح بالعجين النيء وَبيع اللَّبن بالجبن وَبيع القديد بِاللَّحْمِ وَبيع الْقَمْح المبلول باليابس وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة ذَلِك كُله وَيجوز أَيْضا فِي الْمَذْهَب إِذا تحقق التَّفَاضُل فِي غير الرِّبَوِيّ وَيجوز بيع الرطب بِالْوَزْنِ فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّامِن) جَاءَ فِي الحَدِيث النَّهْي عَن بيع الْحَيَوَان بِاللَّحْمِ وَحمله مَالك على الْجِنْس وَالْوَاحد كَبيع لحم بقري بكبش حَيّ وَلم طير بطير حَيّ وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة مُطلقًا وَمنعه الشَّافِعِي مُطلقًا (الْفَرْع التَّاسِع) لَا يجوز أَن يُؤْخَذ فِي ثمن الطَّعَام طَعَام لِأَنَّهُ ذَرِيعَة إِلَى الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة (الْفَرْع الْعَاشِر) فِي بيع الدّين فَمن كَانَ لَهُ دين على آخر فَلَا يجوز أَن يَبِيعهُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ ((أَحدهمَا)) أَن يقبض مَا يَبِيعهُ بِهِ من غير تَأْخِير لِئَلَّا يكون بيع دين بدين ((الثَّانِي)) أَن يكون مَا يَأْخُذ فِي الدّين مِمَّا يجوز أَن يسلم فِيهِ رَأس المَال الَّذِي أسلمه إِلَى الْمديَان فصل يتَصَوَّر الرِّبَا فِي غير النَّقْدَيْنِ وَالطَّعَام من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَسَائِر التمليكات وَذَلِكَ باجتماع ثَلَاثَة أَوْصَاف وَهِي التَّفَاضُل والنسيئة واتفاق الْأَغْرَاض وَالْمَنَافِع كَبيع ثوب بثوبين إِلَى أجل وَبيع فرس للرُّكُوب بفرسين للرُّكُوب إِلَى أجل فَإِن كَانَ أَحدهمَا للرُّكُوب دون الآخر جَازَ لاخْتِلَاف الْمَنَافِع وَمنع أَبُو حنيفَة فِي ذَلِك النَّسِيئَة سَوَاء كَانَ متماثلا أَو مُتَفَاضلا وأجازها الشَّافِعِي مُطلقًا فصل لَا يجوز التسعير على أهل الْأَسْوَاق وَمن زَاد فِي سعر أَو نقص مِنْهُ أَمر بإلحاقه بِسعْر النَّاس فَإِن أَبى أخرج من السُّوق وَلَا يجوز احتكار الطَّعَام إِذا أضرّ بِأَهْل الْبَلَد وَاخْتلف هَل يجْبر النَّاس فِي الغلاء على إِخْرَاج الطَّعَام أم لَا وَلَا يخرج الطَّعَام من بلد إِلَى غَيره إِذا أضرّ بِأَهْل الْبَلَد وَمن جلب طَعَاما خلي بَينه وَبَينه فَإِن شَاءَ بَاعه وَإِن شَاءَ احتكره الْبَاب الْخَامِس فِي بيع الْغرَر وَهُوَ مَمْنُوع للنَّهْي عَنهُ إِلَّا أَن يكون يَسِيرا جدا فيغتفر وَالْغرر الْمَمْنُوع على عشرَة أَنْوَاع ((النَّوْع الأول)) تعذر التَّسْلِيم كالبعير الشارد وَمِنْه بيع الْجَنِين فِي الْبَطن دون بيع أمه وَكَذَلِكَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي بطن أمه وَكَذَلِكَ بيع مَا لم يخلق كَبيع حَبل حبلة وَهُوَ نتاج مَا تنْتج النَّاقة وَبيع المضامين وَهِي مَا فِي ظُهُور الفحول ((النَّوْع الثَّانِي)) الْجَهْل بِجِنْس الثّمن أَو المثمون كَقَوْلِه بِعْتُك مَا فِي كمي ((النَّوْع الثَّالِث)) الْجَهْل بِصفة أَحدهمَا كَقَوْلِه بِعْتُك ثوبا من منزلي أَو بيع الشَّيْء من غير تقليب وَلَا وصف بَيَان يجوز فِي الْمَذْهَب بيع الشَّيْء الغايب على الصّفة أَو رُؤْيَة مُتَقَدّمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة من غير صفة وَلَا رُؤْيَة وَمنعه الشَّافِعِي مُطلقًا وَيشْتَرط فِي الْمَذْهَب فِي الْمَبِيع على الصّفة خَمْسَة شُرُوط (الأول) أَن لَا يكون بَعيدا جدا كالأندلس وأفريقة (الثَّانِي) أَن لَا يكون قَرِيبا جدا كالحاضر فِي الْبَلَد (الثَّالِث) أَن يصفه غير البَائِع (الرَّابِع) أَن يحصر الْأَوْصَاف الْمَقْصُودَة كلهَا (الْخَامِس) أَن لَا ينْقد ثمنه بِشَرْط إِلَّا فِي الْمَأْمُون كالعقار وَيجوز النَّقْد من غير شَرط ثمَّ إِن خرج الْمَبِيع على حسب الصّفة والرؤية لزم البيع وَإِن خرج على خلاف ذَلِك فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار فرع يجوز بيع مَا فِي الأعدال من الثِّيَاب على وصف البرنامج بِخِلَاف الثَّوْب المطوي دون تقليب وَنشر ((النَّوْع الرَّابِع)) الْجَهْل بِمِقْدَار أَحدهمَا كَقَوْلِه بِعْت مِنْك بِسعْر الْيَوْم أَوب مَا يَبِيع النَّاس أَوب مَا يَقُول فلَان إِلَّا بيع الْجزَاف وَقد تقدم وَلَا يجوز بيع الْقَمْح فِي سنبله للْجَهْل بِهِ وَيجوز بَيْعه مَعَ سنبله خلافًا للشَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ لَا يجوز بَيْعه فِي تبنه وَيجوز بَيْعه مَعَ تبنه وَلَا يجوز بِعْ تُرَاب الصاغة وَيجوز بيع الفول الْأَخْضَر والجوز واللوز فِي القشر إِلَّا على خلافًا للشَّافِعِيّ ((النَّوْع الْخَامِس)) الْجَهْل بالأجل كَقَوْلِه إِلَى قدوم زيد أَو إِلَى موت عَمْرو وَيجوز أَن يَقُول إِلَى الْحَصاد أَو إِلَى مُعظم الدراس أَو إِلَى شهر كَذَا وَيحمل على وَسطه ((النَّوْع السَّادِس)) بيعتان فِي بيعَة وَهُوَ أَن يَبِيع مثمونا وَاحِدًا بِأحد مثمونين مُخْتَلفين أَو بيع أحد مثمونين بِثمن وَاحِد فَالْأول أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة نَقْدا أَو بِعشْرين إِلَى أجل على أَن البيع قد لزم فِي أَحدهمَا وَالثَّانِي أَن يَقُول بِعْتُك أحد هذَيْن الثَّوْبَيْنِ بِكَذَا على أَن البيع قد لزم فِي أَحدهمَا ((النَّوْع السَّابِع)) بيع مَا لَا ترجى سَلَامَته كَالْمَرِيضِ فِي السِّيَاق ((النَّوْع الثَّامِن)) بيع الْحَصَى وَهُوَ أَن يكون بِيَدِهِ حَصى فَإِذا سَقَطت وَجب البيع ((النَّوْع التَّاسِع)) بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ أَن ينْبذ أَحدهمَا ثَوْبه إِلَى الآخر وينبذ الآخر ثَوْبه إِلَيْهِ فَيجب البيع بذلك ((النَّوْع الْعَاشِر)) بيع الْمُلَامسَة وَهُوَ أَن يلمس الثَّوْب فَيلْزمهُ البيع بلمسه وَأَن لم يتبينه الْبَاب السَّادِس فِي البيوعات الْفَاسِدَة الْفَاسِد فِي البيع يكون من خَمْسَة أوجه وَهِي مَا يرجع إِلَى الْمُتَعَاقدين وَمَا يرجع إِلَى الثّمن وَإِلَى المثمون وَقد تقدم ذَلِك فِي الْأَركان وَمَا يرجع إِلَى الْغرَر وَمَا يرجع إِلَى الرِّبَا وَقد تقدم ذَلِك فِي أبوابه وَالْخَامِس سَائِر الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا وَنَذْكُر فِي هَذَا الْبَاب مِنْهَا عشرَة أَنْوَاع سوى مَا تقدم وَمَا يَأْتِي فِي غير هَذَا الْبَاب ((النَّوْع الأول)) بيع الطَّعَام قبل قَبضه فَمن اشْترى طَعَاما أَو صَار لَهُ بإجبارة أَو صلح أَو أرش جِنَايَة أَو صَار لامْرَأَة فِي صَدَاقهَا أَو غير ذَلِك من الْمُعَاوَضَات فَلَا يجوز لَهُ أَن يَبِيعهُ حَتَّى يقبضهُ وَيجوز لَهُ أَن يَهبهُ أَو يسلفه قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قَبضه وَكَذَلِكَ الْإِقَالَة من الشّركَة وَالتَّوْلِيَة خلافًا لَهما وَيشْتَرط فِي جَوَاز التَّوْلِيَة وَالشَّرِكَة فِيهِ وَالْإِقَالَة أَن يكون بِمثل الثّمن وبموافقة الَّذِي عِنْده الطَّعَام خوفًا من الْغرَر وَسَوَاء فِي الْمَنْع الطَّعَام الرِّبَوِيّ وَغَيره فِي الْمَشْهُور إِلَّا أَن يكون قد بيع جزَافا فَيجوز بَيْعه قبل قَبضه خلافًا لَهما وَمن صَار لَهُ طَعَام من سلف أَو هبة أَو مِيرَاث جَازَ لَهُ بَيْعه قبل قَبضه وَأما غير الطَّعَام من جَمِيع الْأَشْيَاء فَيجوز عِنْد مَالك بيعهَا قبل قبضهَا خلافًا لأبي حنيفَة ((النَّوْع الثَّانِي)) فِي بيع الْعينَة وَهُوَ أَن يظهرا فعل مَا يجوز ليتوصلا بِهِ إِلَى مَا لَا يجوز فَيمْنَع للتُّهمَةِ سدا للذرائع خلافًا لَهما وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) أَن يَقُول رجلا لآخر اشْتَرِ لي سلْعَة بِكَذَا وأربحك فِيهَا كَذَا مثل أَن يَقُول اشترها بِعشْرَة وَأُعْطِيك فِيهَا خَمْسَة عشر إِلَى أجل فَإِن هَذَا يَئُول إِلَى الرِّبَا لِأَن مَذْهَب مَالك أَن ينظر مَا خرج عَن الْيَد وَدخل بِهِ ويلغي الوسائط فَكَأَن هَذَا الرجل أعْطى لأحد عشرَة دَنَانِير وَأخذ مِنْهُ خَمْسَة عشر دِينَارا إِلَى أجل والسلعة وَاسِطَة ملغاة (الثَّانِي) لَو قَالَ لَهُ اشْتَرِ لي سلْعَة وَأَنا أربحك فِيهَا وَلم يسم الثّمن فَهَذَا مَكْرُوه وَلَيْسَ بِحرَام (الثَّالِث) أَن يطْلب السّلْعَة عِنْده فَلَا يجدهَا ثمَّ يَشْتَرِيهَا الآخر من غير أمره وَيَقُول قد اشْتريت السّلْعَة الَّتِي طلبت مني فاشترها مني إِن شِئْت فَيجوز أَن يَبِيعهَا مِنْهُ نَقْدا أَو نَسِيئَة بِمثل مَا اشْتَرَاهَا بِهِ أَو أقل أَو أَكثر ((النَّوْع الثَّالِث)) بيع العربان وَهُوَ مَمْنُوع إِن كَانَ على أَن لَا يرد البَائِع العربان إِلَى المُشْتَرِي إِذا لم يتم البيع بَينهمَا فَإِن كَانَ على أَن يردهُ إِلَيْهِ إِذا لم يتم البيع فَهُوَ جَائِز ((النَّوْع الرَّابِع)) بيع حَاضر لباد من الَّذين لَا يعْرفُونَ الأسعار وَقيل لكل وَارِد على مَكَان وَإِن كَانَ من مَدِينَة وتعريفه بالسعر كَالْبيع لَهُ فَلَا يجوز وَاخْتلف فِي شِرَائِهِ لَهُ ((النَّوْع الْخَامِس)) تلقي السّلْعَة على ميل وَقيل على فرسخين وَقيل على مسيرَة يَوْم فَأكْثر قبل أَن تصل إِلَى الْأَسْوَاق وَهُوَ لَا يجوز لحق أهل الْأَسْوَاق فَإِن وَقع فَاخْتلف فِي تَأْدِيب المتلقي وَفِي اشْتِرَاك أهل السُّوق مَعَه وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّمَا يمْنَع لحق صَاحب السّلْعَة فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة ((النَّوْع السَّادِس)) فِي بيع الْإِنْسَان على بيع أَخِيه وَإِنَّمَا يمْنَع عِنْد الْإِمَامَيْنِ بعد الركون والتقارب ((النَّوْع السَّابِع)) البيع يَوْم الْجُمُعَة منحين يصعد الإِمَام على الْمِنْبَر إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة وَيفْسخ فِي الْمَشْهُور خلافًا لَهما ((النَّوْع الثَّامِن)) فِي بيع الْأُم دون وَلَدهَا الصَّغِير أَو بَيْعه دونهَا فَلَا يجوز التَّفْرِيق بَينهمَا حَتَّى يثغر الْوَلَد مَا لم يعجل الأثغار وَيجوز التَّفْرِيق بَينه وَبَين وَالِده ((النَّوْع التَّاسِع)) بيع وَشرط وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاء بيع الثنيا فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة البيع بَاطِل وَقَالَ قوم البيع صَحِيح وَالشّرط صَحِيح وَقَالَ قوم البيع صَحِيح وَالشّرط بَاطِل وَفِي الْمَذْهَب تَفْصِيل فَإِن كَانَ الشَّرْط يَقْتَضِي التحجير على المُشْتَرِي بَطل الشَّرْط وَالْبيع إِلَّا أَن يسْقط عَن المُشْتَرِي شَرطه فَيجوز البيع وَذَلِكَ مثل أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يَبِيع وَلَا يهب أَو يشْتَرط فِي الْأمة أَن يتخذها أم ولد أَو أَن لَا يُسَافر بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فَإِن اشْترط مَنْفَعَة لنَفسِهِ كركوب الدَّابَّة أَو سُكْنى الدَّار مُدَّة مَعْلُومَة جَازَ البيع وَالشّرط وَإِن شَرط مَا لَا يجوز إِلَّا أَنه خَفِيف جَازَ البيع وَبَطل الشَّرْط مثل أَن يشْتَرط أَن لم يأنه بِالثّمن إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا بيع بَينهمَا فَإِن قَالَ البَائِع مَتى جئْتُك بِالثّمن رددت إِلَيّ الْمَبِيع لم يجز وَاخْتلف فِي من شَرط على المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيع حَتَّى ينصف من الثّمن وَمن هَذَا النَّوْع البيع بِاشْتِرَاط السّلف من أحد المتابعين وَهُوَ لَا يجوز بِإِجْمَاع إِذا عزم مشترطه عَلَيْهِ فَإِن أسْقطه جَازَ البيع خلافًا لَهُم ((النَّوْع الْعَاشِر)) الْجمع فِي صَفْقَة وَاحِدَة بَين البيع وَبَين أحد سِتَّة عُقُود وَهِي الْجعَالَة وَالصرْف وَالْمُسَاقَاة وَالشَّرِكَة وَالنِّكَاح والقراض ويجمعها قَوْلك (جص مشنق) فَيمْنَع ذَلِك فِي الْمَشْهُور وَأَجَازَهُ أَشهب وفَاقا لَهُم وَيجوز الْجمع بَين البيع وَالْإِجَارَة خلافًا لَهما فرع إِذا اشْتَمَلت الصّفة على حَلَال وَحرَام كالعقد على سلْعَة وخمر أَو خِنْزِير أَو غير ذَلِك فالصفة كلهَا بَاطِلَة وَقيل يَصح البيع فِيمَا عدا الْحَرَام بِقسْطِهِ من الثّمن وَلَو بَاعَ الرجل ملكه وَملك غَيره فِي صَفْقَة وَاحِدَة صَحَّ البيع بَينهمَا فيهمَا وَلَزِمَه فِي ملكه ووقف اللُّزُوم فِي ملك غَيره على إِجَازَته فصل إِذا وَقع البيع الْفَاسِد فسخ ورد البَائِع الثّمن ورد المُشْتَرِي السّلْعَة إِن كَانَت قَائِمَة بِاتِّفَاق فَإِن فَاتَت فَقَالَ الشَّافِعِي ترد أَيْضا خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي الْمَذْهَب تَفْصِيل وَذَلِكَ أَن الْبيُوع الْفَاسِدَة على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) مَا يمْنَع لتَعَلُّقه بمحظور خَارج عَن بَاب الْبيُوع كَالْبيع وَالشِّرَاء فِي مَوضِع مَغْصُوب فَهَذَا لَا يفْسخ فَاتَ أَو لم يفت (الثَّانِي) مَا نهي عَنهُ وَلم يخل فِيهِ بِشَرْط مشترط فِي صِحَة الْبيُوع كَالْبيع فِي وَقت الْجُمُعَة وَبيع حَاضر لباد والتلقي فَاخْتلف هَل يفْسخ أم لَا وَقيل يفْسخ إِن كَانَت السّلْعَة قَائِمَة (الثَّالِث) مَا أخل فِيهِ شَرط من شُرُوط الصِّحَّة فَيفْسخ وَترد السّلْعَة إِن كَانَت قَائِمَة فَإِن فَاتَت رد مثلهَا فِيمَا لَهُ مثل وَهُوَ الْمكيل والمعدود وَالْمَوْزُون ورد قيمتهَا فِيمَا لَا مثل لَهُ والفوات يكون بِخَمْسَة أَشْيَاء (الأول) تغير الذَّات وتلفها كالموت وَالْعِتْق وَهدم الدَّار وغرس الأَرْض وَقلع غرسها وفناء الشَّيْء جملَة كَأَكْل الطَّعَام (الثَّانِي) حِوَالَة الْأَسْوَاق (الثَّالِث) البيع (الرَّابِع) حُدُوث عيب (الْخَامِس) تعلق حق الْغَيْر كرهن السّلْعَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ البيع وَلَا الْعتْق وَلَا حُدُوث عيب وَلَا تعلق حق الْغَيْر بقوت بل ترد بذلك كُله الْبَاب السَّابِع فِي بيع الثِّمَار والزروع وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي بيعهَا دون أُصُولهَا وَلَا يجوز بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْعِنَب وَالتَّمْر وَجَمِيع الْفَوَاكِه والمقاثي والخضروات وَجَمِيع الْبُقُول والزروع وبدو الصّلاح مُخْتَلف فَفِي التَّمْر أَن يحمر ويصفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَفِي الْعِنَب أَن يسود وتبدو الْحَلَاوَة فِيهِ وَفِي سَائِر الْفَوَاكِه والبقول إِن تطيب للْأَكْل وَفِي الزَّرْع أَن ييبس ويشتد فَإِذا بدا الصّلاح فِي صنف من ذَلِك جَازَ بيع جَمِيع مَا فِي الْبَسَاتِين مِنْهُ اتِّفَاقًا وَيجوز بيع مَا يجاوره من الْبَسَاتِين خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يجوز بيع صنف لم يبد صَلَاحه ببدء صَلَاح صنف آخر كالبستان يكون فِيهِ عِنَب ورمان فَلَا يجوز بيع الرُّمَّان حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه خلافًا للظاهرية وَإِذا كَانَت الثَّمَرَة تطعم بَطنا بعد بطن جَازَ بيع سَائِر الْبُطُون ببدء صَلَاح الأول إِذا كَانَت متتابعة كالمقاثي والتين خلافًا لَهُم فَإِن كَانَت مُنْفَصِلَة لم يجز بيع الثَّانِي بصلاح الأول اتِّفَاقًا كالباكور مَعَ تين الْعصير وَإِنَّمَا يجوز بيع الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا على شَرط الْقطع إِن كَانَت مِمَّا ينْتَفع بِهِ كالقصيل وَغَيره فَإِن شَرط فِيهِ التبقية لم يجز البيع وَإِن سكت عَن التبقية وَالْقطع فَقَوْلَانِ فَإِن اشْتَرَاهَا قبل بَدو الصّلاح على شَرط الْقطع ثمَّ أبقاها انْفَسَخ البيع وَإِن اشْترى الأَرْض بعد ذَلِك جَازَ تبقية الزَّرْع (الْفَصْل الثَّانِي) فِي بيع الأَرْض وفيهَا زرع وَالْأَشْجَار والبساتين وفيهَا ثَمَر فَمن بَاعَ الْأَشْجَار وفيهَا ثَمَر فَإِن كَانَ مأبورا فَهُوَ للْبَائِع سَوَاء شَرطه أَو سكت عَنهُ وَيكون للْمُشْتَرِي إِن اشْتَرَطَهُ وَإِن كَانَ لم يؤبر فَهُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ أَو لم يَشْتَرِطه وَلَا يجوز أَن يكون للْبَائِع فَإِن أبر بعضه فالمأبور للْبَائِع وَغير المأبور للْمُشْتَرِي والأبار فِي التَّمْر هُوَ التَّذْكِير وَكَذَلِكَ فِي كل مَا يذكر والأبار فِيمَا لَا يذكر هُوَ انْعِقَاد الثَّمَرَة وأبار الزَّرْع خُرُوجه من الأَرْض وَمن بَاعَ أَرضًا وفيهَا زرع فَإِن لم يظْهر فَهُوَ للْمُشْتَرِي شَرطه أَو لم يَشْتَرِطه وَلَا يجوز أَن يَشْتَرِطه البَائِع لِأَنَّهُ كالجنين فِي بطن الْجَارِيَة وَإِن كَانَ صَغِيرا قد ظهر فَهُوَ لمن اشْتَرَطَهُ مِنْهُمَا وَإِن سكتا عَنهُ فَقيل يكون للْبَائِع وَقيل للْمُشْتَرِي وَإِن كَانَ الزَّرْع كَبِيرا قد بدا صَلَاحه فَهُوَ للْبَائِع سَوَاء شَرطه أَو سكت عَنهُ وَإِن اشْتَرَطَهُ المُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ ((الْفَصْل الثَّالِث)) فِي الجوائح وَمن اشْترى ثمرا فأصابته جَائِحَة فَإِنَّهُ يوضع عَنهُ من الثّمن مِقْدَار مَا أَصَابَته الْجَائِحَة خلافًا لَهما وَإِنَّمَا يوضع بِشَرْطَيْنِ (أَحدهمَا) أَن تكون الْجَائِحَة من غير فعل بني آدم كالقحط وَكَثْرَة الْمَطَر وَالْبرد وَالرِّيح وَالْجَرَاد وَغير ذَلِك وَاخْتلف فِي الْجَيْش وَالسَّارِق (الثَّانِي) أَن تصيب الْجَائِحَة ثلث التَّمْر فَأكْثر وَقَالَ أَشهب ثلث قيمتهَا فَإِن أَصَابَت أقل من الثُّلُث لم يوضع عَن المُشْتَرِي شَيْء وَإِذا أَصَابَت الثُّلُث فَأكْثر لزم المُشْتَرِي قيمتهَا بعد حط مَا أَصَابَت الْجَائِحَة وَهَا هُنَا فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) إِذا كَانَت الْجَائِحَة من الْعَطش فَيُوضَع قليلها وكثيرها سَوَاء بلغت الثُّلُث أم لَا (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا كَانَت الْجَائِحَة فِي البقل فَيُوضَع قليلها وكثيرها وَقيل هُوَ كَسَائِر الثِّمَار يوضع مِنْهُ الثُّلُث فَمَا فَوق (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا بيع زرع بعد أَن يبس وَاشْتَدَّ أَو ثَمَر بعد تَمام صَلَاح جَمِيعه واستحقاقه للْقطع وَلم يكن فِي تبقيته فَائِدَة ثمَّ أَصَابَته جَائِحَة لم يوضع مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 شَيْء (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا كَانَ الْمَبِيع من الثِّمَار أجناسا مُخْتَلفَة كالعنب والتين فِي صَفْقَة وَاحِدَة فأصابت الْجَائِحَة صنفا مِنْهَا وَسلم سائها فجائحة كل جنس مُعْتَبرَة بِنَفسِهِ فَإِن بلغت ثلثه وضعت وَإِن قصرت عَنهُ لم تُوضَع وَقَالَ أصْبع يعْتَبر بِالْجُمْلَةِ فَإِن كَانَت الْجَائِحَة ثلث الْجَمِيع وضعت وَإِلَّا فَلَا الْبَاب الثَّامِن فِي بيع الْمُرَابَحَة والمساومة والمزايدة والاستنابة وَهُوَ الاسترسال فَأَما الْمُرَابَحَة فَهُوَ أَن يعرف صَاحب السّلْعَة المُشْتَرِي بكم اشْتَرَاهَا وَيَأْخُذ مِنْهُ ربحا أما على الْجُمْلَة مثل أَن يَقُول اشْتَرَيْتهَا بِعشْرَة وتربحني دِينَارا أَو دينارين وَأما على التَّفْصِيل وَهُوَ أَن يَقُول تربحني درهما لكل دِينَار أَو غير ذَلِك وَهَا هُنَا فروع سِتَّة (الْفَرْع الأول) إِذا كَانَ قد نَاب صَاحب السّلْعَة زِيَادَة على ثمنهَا فَإِن كَانَت الزِّيَادَة مِمَّا لَهَا عين قَائِمَة حسبها صَاحب السّلْعَة مَعَ الثّمن وَجعل لَهَا قسطا من الرِّبْح وَذَلِكَ كالخياطة والصباغة والقصارة وَإِن لم يكن لَهَا عين قَائِمَة وعملها بِنَفسِهِ كالطي والنشر لم يحسبها فِي الثّمن وَلم يَجْعَل لَهَا قسطا من الرِّبْح فَإِن اسْتَأْجر عَلَيْهَا حسبها فِي الثّمن وَلم يَجْعَل لَهَا قسطا من الرِّبْح ككراء نقل الْمَتَاع وشده وَيجوز لَهُ أنيحسب ذَلِك كُله إِذا بَينه للمتري (الْفَرْع الثَّانِي) لَا يجوز الْكَذِب فِي التَّعْرِيف بِالثّمن فَإِن كذب ثمَّ اطلع المُشْتَرِي على الزِّيَادَة فِي الثّمن فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين أَن يمسك بِجَمِيعِ الثّمن أَو يردهُ إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يحط عَنهُ الزِّيَادَة وَمَا ينوبها من الرِّبْح فَيلْزمهُ الشِّرَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يجوز الْغِشّ فِي الْمُرَابَحَة وَلَا غَيرهَا وَمِنْه أَن يكتم من أَمر سلْعَته مَا يكرههُ المُشْتَرِي أَو مَا يقلل رغبته فِيهَا وَإِن لم يكن عَيْبا كطول بَقَائِهَا عِنْده أَو تَغْيِير سوقها أَو غدخالها فِي تَرِكَة لَيْسَ مِنْهَا فَإِن فعل ذَلِك فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بن أَن يمْسِكهَا بِجَمِيعِ الثّمن أَو يرد كَمَسْأَلَة الْكَذِب إِلَّا أَنه لَا يلْزمه الشِّرَاء إِن حط عَنهُ البَائِع بعض الثّمن لأجل مَا كتمه بِخِلَاف الْكَذِب (الْفَرْع الرَّابِع) حكم هَذَا البيع فِي الْعُيُوب كَسَائِر الْبيُوع وَقد يجْتَمع فِيهِ الْكَذِب والغش والتدليس بِالْعَيْبِ أَو اثْنَان مِنْهُمَا فَيَأْخُذ المُشْتَرِي بِحكم مَا هُوَ أرجح لَهُ (الْفَرْع الْخَامِس) من اشْترى سلْعَة إعلى أجل فَلَا يَبِيعهَا مُرَابحَة حَتَّى يبين فَإِن فعل فسخ البيع وَإِن رَضِي المُشْتَرِي بذلك الثّمن إِلَى أجل لم يجز لِأَنَّهُ سلف جر مَنْفَعَة (الْفَرْع السَّادِس) إِذا اشْترى سلْعَة فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يَبِيعهَا بِمَا اشْتَرَاهَا وَهَذَا البيع أسلم من الْفساد من الْمُرَابَحَة وَأحب إِلَى الْعلمَاء وَيحرم فِيهِ الْغِشّ والتدليس بِالْعَيْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَلَا يُقَام فِيهِ بِغَبن على الْمَشْهُور وَأما المزايدة فَهِيَ أَن يُنَادي على السّلْعَة وَيزِيد النَّاس فيهابعضهم على بعض حَتَّى تقف على آخر زَائِد فِيهَا فيأخذها وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نهي عَنهُ من مساومة الرجل على سوم أَخِيه لِأَنَّهُ لم يَقع هُنَا رُكُوع وَلَا تقَارب فَإِن أعْطى رجلَانِ فِي سلْعَة ثمنا وَاحِدًا تشاركا فِيهَا وَقيل أَنَّهَا للْأولِ وَيحرم النَّجس فِي المزايدة وَهُوَ أَن يزِيد الرجل فِي السّلْعَة وَلَيْسَ لَهُ حَاجَة بهَا إِلَّا ليغلي ثمنهَا ولينفع صَاحبهَا وَيحرم أَيْضا فِيهِ الْغِشّ والتدليس بِالْعَيْبِ وَأما الاسترسال فَهُوَ أَن يَقُول الرجل للْبَائِع بِعْ مني بِسعْر السُّوق أَو بِمَا تبيع من النَّاس وَيحرم أَيْضا فِيهِ الْغِشّ والتدليس بالعيوب (فرع) من الْغِشّ أَن يظْهر أَنَّهَا طرية مجلوبة وَهِي قديمَة عِنْده أَو يدخلهَا مَعَ تَرِكَة ليظْهر أَنَّهَا مِنْهَا الْبَاب التَّاسِع فِي الْعُيُوب والغبن وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْعُيُوب وكتمانها غش محرم بِإِجْمَاع وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي شُرُوط الْقيام بِالْعَيْبِ وَمن اشْترى سلْعَة فَوجدَ فِيهَا عَيْبا فَلهُ الْقيام بِهِ بِشَرْطَيْنِ (الشَّرّ الأول) أَن يكون الْعَيْب أقدم من التبايع وَلَا يكون حَادِثا عِنْد المُشْتَرِي إِلَّا فِي العهدتين وَيعرف حُدُوثه أَو قدمه بالبينه أَو باعتراف الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو بالعيان فَإِن لم يعرف بِشَيْء من ذَلِك وَاخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قدمه وحدوثه نظر إِلَيْهِ أهل الْبَصَر وَنفذ الحكم بِمَا يَقْتَضِي قَوْلهم سَوَاء كَانُوا مُسلمين أَو نَصَارَى إِذا لم يُوجد غَيرهم وَإِلَّا حلف البَائِع على الْبَتّ فِي الظَّاهِر من الْعُيُوب وعَلى نفي الْعلم فِي الْخَفي وَقيل على نفي الْعلم فيهمَا وَله رد الْيَمين على المُشْتَرِي وَاخْتلف هَل يحلف على الْبَتّ أَو على الْعلم وَإِن اخْتلفَا فِي وجوب الْعَيْب فَلَا يَمِين على البَائِع وعَلى المُشْتَرِي إِثْبَات الْعَيْب (الشَّرْط الثَّانِي) أَن يكون المُشْتَرِي لم يعلم بِالْعَيْبِ حِين التبايع إِمَّا لِأَن البَائِع كتمه وَإِمَّا لِأَنَّهُ مِمَّا يخفى عِنْد التقليب فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يخفى عِنْد التقليب فَلَا قيام بِهِ وَكَذَلِكَ لَا قيام بِعَيْب يَسْتَوِي فِي الْجَهْل بِهِ البَائِع وَالْمُشْتَرِي كالسوس فِي دَاخل الْخشب فرع بيع الْبَرَاءَة جَائِز عِنْد مَالك وَهُوَ أَن يتبرأالبائع من كل عيب لَا يُعلمهُ فَلَا يقوم بِهِ المُشْتَرِي وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة فِي كل عيب علم بِهِ أَو لم يعلم بِهِ وَمنعه الشَّافِعِي مُطلقًا وَإِذا فرعنا على الْمَذْهَب فَلَا يقوم إِلَّا بِمَا علمه البَائِع وكتمه وَإِنَّمَا يجوز بيع الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق خَاصَّة فِي مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَقيل يجوز فِي كل مَبِيع وَبيع السُّلْطَان بيع بَرَاءَة وَبيع الورقة بيع بَرَاءَة وَإِن لم تشْتَرط وَذَلِكَ فِيمَا باعوه لقَضَاء دين على الْمَيِّت أَو لإنفاذ وَصِيَّة دون مَا باعوه لأَنْفُسِهِمْ فرع إِن شَرط وَصفا يزِيد فِي الثّمن ككون العَبْد صانعا ثمَّ خرج بِخِلَاف ذَلِك فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار وَلَا خِيَار لَهُ فِي فقد وصف لَا يُبَالِي بِهِ وَلَا ينقص من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الثّمن فرع إِذا اشْترى رجلَانِ شَيْئا فِي صَفْقَة وَاحِدَة فوجدا بِهِ عَيْبا فَأَرَادَ أَحدهمَا الرَّد وَالْآخر الْإِمْسَاك فَلِمَنْ أَرَادَ الرَّد أَن يرد وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل لَيْسَ لَهُ الرَّد وفَاقا لأبي حنيفَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي مسقطات الْقيام بِالْعَيْبِ وَهِي أَرْبَعَة (الْمسْقط الأول) أَن يظْهر المُشْتَرِي مايدل على الرضى بِالْعَيْبِ من قَول أَو سكُوت بعد الِاطِّلَاع على الْعَيْب أَو تصرف فِي الْمَبِيع بعد الِاطِّلَاع على الْعَيْب كَوَطْء الْجَارِيَة أَو ركُوب الدَّابَّة وَلبس الثَّوْب وحرث الفدان وبنيان الدَّار (الْمسْقط الثَّانِي) أَن يَزُول الْعَيْب إِلَّا إِذا بقيت علامته وَلم تؤمن عودته (الْمسْقط الثَّالِث) فَوَات الْمَبِيع بِالْمَوْتِ أَو الْعتْق أَو ذهَاب عينه كالتلف وَكَذَلِكَ بَيْعه على الْمَشْهُور لَا حِوَالَة الْأَسْوَاق (الْمسْقط الرَّابِع) حُدُوث عيب آخر عِنْد المُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رده ورد أرش الْعَيْب الْحَادِث عِنْده وَإِن شَاءَ تمسك بِهِ وَأخذ أرش الْعَيْب الْقَدِيم وَالْأَرْش قيمَة الْعَيْب وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ الرَّد وَإِنَّمَا يَأْخُذ أرش الْعَيْب الْقَدِيم فرع ضَمَان الْمَبِيع الْمَرْدُود بِالْعَيْبِ على المُشْتَرِي وغلته لَهُ لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ وَلَا يرد غَلَّته وَلَا يرجع بِمَا أنْفق عَلَيْهِ قَالَ ابْن الْحَارِث كل شَيْء دلّس فِيهِ بَائِعه بِعَيْب فَهَلَك من ذَلِك الْعَيْب أَو نقص مِنْهُ فمصيبته من البَائِع ونقصه عَلَيْهِ وَإِن كَانَ هَلَاكه أَو نَقصه من سَبَب غير ذَلِك الْعَيْب المدلس بِهِ فمصيبته من المُشْتَرِي ونقصه عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي أَنْوَاع الْعُيُوب وَهِي ثَلَاثَة عيب لَيْسَ فِيهِ شَيْء وعيب فِيهِ قيمَة وعيب رد فَأَما الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَهُوَ الْيَسِير الَّذِي لَا ينقص من الثّمن وَأما عيب الْقيمَة فَهُوَ الْيَسِير الَّذِي ينقص من الثّمن فيحط عَن المُشْتَرِي من الثّمن بقد نقص الْعَيْب وَذَلِكَ كالخرق فِي الثَّوْب والصدع فِي حَائِط الدَّار وَقيل أَنه يُوجب الرَّد فِي الْعرُوض بِخِلَاف الأصور وَأما عيب الرَّد فَهُوَ الْفَاحِش الَّذِي ينقص حظا من الثّمن وَنقص الْعشْر يُوجب الرَّد عِنْد ابْن رشد وَقيل الثُّلُث فَالْمُشْتَرِي فِي عيب الرَّد بِالْخِيَارِ بَين أَن يردهُ على بَائِعه أَو يمسِكهُ وَلَا أرش لَهُ على الْعَيْب وَلَيْسَ لَهُ أَن يمسِكهُ وَيرجع بِقِيمَة الْعَيْب إِلَّا أَن يفوت فِي يَده بَيَان هَذَا التَّقْسِيم فِي غير الْحَيَوَان وَأما الْحَيَوَان كالرقيق وَغَيره فَيرد بِكُل مَا حط من الْقيمَة قَلِيلا أَو كثيرا وَبِذَلِك قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة فِي سَائِر المبيعات بَيَان عُيُوب العبيد وَالْإِمَاء العور والعمى وَقطع عُضْو وبخر الْفَم والاستحاضة وَالْبَوْل فِي الْفراش لمن لَيْسَ فِي سنّ ذَلِك وَالْحمل والزنى وَالسَّرِقَة وَالزَّوْج والجذام والبرص وجذام أحد الْآبَاء فَأَما الشيب وَكسر السن وَنَحْو ذَلِك فعيب فِي العالي دون الوخش (فرع) من اشْترى شَيْئا فاستغله ثمَّ رده بِعَيْب فالغلة لَهُ بِالضَّمَانِ وَكَذَلِكَ أَن اسْتحق من يَده بعد أَن استغله فالغلة لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي العهدتين وهما عُهْدَة الثَّلَاث من جَمِيع الأدواء الَّتِي تطرأ على الرَّقِيق فَمَا كَانَ مِنْهَا دَاخل ثَلَاثَة أَيَّام فيهو من البَائِع وَعَلِيهِ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فِيهَا وَالْغلَّة لَيست لَهُ وعهدة السّنة من الْجُنُون والجذام والبرص فَمَا حدث مِنْهَا فِي السّنة فَهُوَ من البَائِع وَتدْخل عُهْدَة الثَّلَاث فِي عُهْدَة السّنة وَيَقْضِي بهما فِي كل بلد وَقيل لَا يقْضِي بهما إِلَّا حَيْثُ جرت الْعَادة بهما وَتسقط العهدتان على البَائِع فِي بيع الْبَرَاءَة وَانْفَرَدَ مَالك وَأهل الْمَدِينَة بالحكم بالعهدتين خلافًا لسَائِر الْعلمَاء (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْغبن هُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع (الأول) غبن لَا يُقَام بِهِ وَهُوَ إِذا زَاد المُشْتَرِي فِي ثمن السّلْعَة على قيمتهَا لغَرَض لَهُ كالمشاكلة (الثَّانِي) غبن يُقَام بِهِ قل أَو كثر وَهُوَ الْغبن فِي بيع الاسترسال واستسلام المُشْتَرِي للْبَائِع (الثَّالِث) اخْتلف فِيهِ وَهُوَ مَا عدا ذَلِك وعَلى القَوْل بِالْقيامِ بِهِ فَيقوم المغبون سَوَاء كَانَ بَائِعا ومشتريا إِذا كَانَ مِقْدَار الثُّلُث فَأكْثر وَقيل لَا حد لَهُ وَإِنَّمَا يرجع فِيهِ للعوائد فَمَا علم أَنه غبن فللمغبون الْخِيَار الْبَاب الْعَاشِر فِي السّلم وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوطه وَإِنَّمَا يجوز السّلم بِشُرُوط مِنْهَا مَا يشْتَرك فِيهِ رَأس المَال وَالْمُسلم فِيهِ وَمِنْهَا مَا ينْفَرد بِهِ رَأس المَال وَمِنْهَا مَا ينْفَرد بِهِ الْمُسلم فِيهِ فَأَما الشُّرُوط الْمُشْتَركَة فَهِيَ ثَلَاثَة (الأول) أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مِمَّا يَصح تملكه وَبيعه تَحَرُّزًا من الْخمر وَالْخِنْزِير وَغير ذَلِك (الثَّانِي) أَن يَكُونَا مُخْتَلفين جِنْسا تجوز فِيهِ النَّسِيئَة بَينهمَا فَلَا يجوز تَسْلِيم الذَّهَب وَالْفِضَّة أَحدهمَا فِي الآخر لِأَن ذَلِك رَبًّا كَذَلِك تَسْلِيم الطَّعَام بعضه فِي بعض مَمْنُوع على الاطلاق لِأَنَّهُ رَبًّا وَيجوز تَسْلِيم الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَالطَّعَام وَيجوز تَسْلِيم الْعرُوض بعضهما فِي بعض وَتَسْلِيم الْحَيَوَان بعضه فِي بعض بِشَرْط أَن تخْتَلف فِيهِ الْأَغْرَاض وَالْمَنَافِع فَلَا يجوز مَعَ اتِّفَاق الْأَغْرَاض وَالْمَنَافِع لِأَنَّهُ يؤول إِلَى سلف جر مَنْفَعَة وَمنع أَبُو حنيفَة السّلم فِي الْحَيَوَان وَمنعه الظَّاهِرِيَّة فِي الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَمنعه أَبُو حنيفَة فِي الْبيض وَاللَّحم والرؤوس والأكارع وَمنعه الشَّافِعِي فِي الدّرّ والفصوص (الثَّالِث) أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعْلُوم الْجِنْس وَالصّفة والمقدار أما بِالْوَزْنِ فِيمَا لَا يُوزن وَأما بِالْكَيْلِ قيمًا يُكَال أَو بالذرع فِيمَا يذرع أَو بالعد فِيمَا يعد أَو بِالْوَصْفِ فِيمَا لَا يُوزن وَلَا يُكَال وَلَا يعد وَأَجَازَ الشَّافِعِي الْجزَاف خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي الْمَذْهَب فِيهِ خلاف وَأما الشُّرُوط الَّتِي ينْفَرد بهَا رَأس المَال فَهُوَ أَن يكون نَقْدا وَيجوز تَأْخِيره لغير شَرط وَيجوز بِشَرْط ثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا وَاشْترط الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة التَّقَابُض فِي الْمجْلس وَأما الشُّرُوط الَّتِي فِي الْمُسلم فِيهِ فَهِيَ ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 (الأول) أَن يكون مُؤَخرا إِلَى أجل مَعْلُوم وَأقله مَا تخْتَلف فِيهِ الْأَسْوَاق كالخمسة عشر يَوْمًا وَنَحْوهَا أَو يكون الْقَبْض بِبَلَد آخر وَلَا حد لأكثره إِلَى مَا يَنْتَهِي إِلَى الْغرَر لطوله وَأَجَازَهُ الشَّافِعِي على الْحُلُول وَيجوز أَن يكون الْأَجَل إِلَى الْحَصاد والجذاذ وشبههما خلافًا لَهما (الثَّانِي) أَن يكون مُطلقًا فِي الذِّمَّة فَلَا يجوز فِي شَيْء معِين كزرع قَرْيَة بِعَينهَا وَلذَلِك لم يجز فِي الْعقار اتِّفَاقًا لتعينه (الثَّالِث) أَن يكون مِمَّا يُوجد جنسه عِنْد الْأَجَل اتِّفَاقًا سَوَاء وجد عِنْد العقد أَو لم يُوجد وَاشْترط أَبُو حنيفَة أَن يُوجد عِنْد العقد وَالْأَجَل (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَدَاء الْمُسلم فِيهِ وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي التعويض من أسلم فِي طَعَام لم يجز لَهُ أَن يَأْخُذ غير طَعَام وَلَا أَن يَأْخُذ طَعَاما من جنس آخر سَوَاء كَانَ ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده لِأَنَّهُ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه فَإِن أسلم فِي غير طَعَام جَازَ أَن يَأْخُذهُ غَيره إِذا قبض الْجِنْس الآخر مَكَانَهُ فَإِن تَأَخّر الْقَبْض عَن العقد لم يجز لمصيره إِلَى الدّين بِالدّينِ وَيجوز أَن يَأْخُذ طَعَاما من نوع آخر مَعَ اتِّفَاق الْجِنْس كزبيب أَبيض عَن أسود إِلَّا أَن كَانَ أَحدهمَا أَجود من الآخر أَو أدنى فَيجوز بعد الْأَجَل لِأَنَّهُ من الرِّفْق والمسامحة وَلَا يجوز قبله لِأَنَّهُ فِي الدون وضع على التَّعْجِيل وَفِي الأجود عوضا عَن الضَّمَان (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِن زَاد بعد الْأَجَل دَرَاهِم على أَن أعطَاهُ زِيَادَة فِي الْمُسلم فِيهِ جَازَ إِذا عجل الدَّرَاهِم لِأَنَّهُمَا صفقتان وَمنعه سَحْنُون وَرَآهُ دينا بدين (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِذا دفع الْمُسلم فِيهِ قبل الْأَجَل جَازَ قبُوله وَلم يلْزم وألزم الْمُتَأَخّرُونَ قبُوله فِي الْيَوْم واليومين وَأما غير الْمُسلم من بيع أَو سلف فَيلْزم قبُوله اتِّفَاقًا إِذا دفع قبل أَجله (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْأَحْسَن اشْتِرَاط مَكَان الدّفع وأوجبه أَبُو حنيفَة فَإِن لم يعنا فِي العقد مَكَانا فمكان العقد وَإِن عَيناهُ تعين وَلَا يجوز أَن يقبضهُ بِغَيْر الْمَكَان الْمعِين وَيَأْخُذ كِرَاء مَسَافَة مَا بَين المكانين لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْأَجَليْنِ (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من أسلم فِي شَيْء فَلَمَّا حل الْأَجَل تعذر تَسْلِيمه لعدمه وَخُرُوج أبانه كالرطب فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَخذ الثّمن أَو الصَّبْر إِلَى الْعَام الْقَابِل وَمنع سَحْنُون أَخذ الثّمن وَمنع أَشهب الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ يفْسخ لِأَنَّهُ دين بدين وَلَا يجوز أَن يقبض الْبَعْض ويقيله فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ بيع وَسلف (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) يجوز بيع الْعرض الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه من بَائِعه بِمثل ثمنه أَو أقل لَا أَكثر لِأَنَّهُ يتهم فِي الْأَكْثَر بسلف جر مَنْفَعَة وَيجوز بَيْعه من غير بائعة بِالْمثلِ وَأَقل وَأكْثر يدا بيد وَلَا يجوز بِالتَّأْخِيرِ للغرر لِأَنَّهُ انْتِقَال من ذمَّة إِلَى ذمَّة وَلَو كَانَ البيع الأول نَقْدا لجَاز الْبَاب الْحَادِي عشر فِي بُيُوع الْآجَال وَهِي أَن يَشْتَرِي سلْعَة ثمَّ يَبِيعهَا من بَائِعهَا وَيتَصَوَّر فِي ذَلِك صور كَثِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 مِنْهَا مَا يجوز وَمِنْهَا مَا لَا يجوز وَبَيَان ذَلِك أَنه يتَصَوَّر أَن يَبِيعهَا مِنْهُ بِمثل الثّمن الأول أَو أقل أَو أَكثر وَيتَصَوَّر فِي كل وَجه من ذَلِك أَن يَبِيعهَا إِلَى الْأَجَل الأول أَو أقرب أَو أبعد وَفِي معنى الْأَقْرَب النَّقْد فتكو الصُّور تسعا لِأَن ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة (الأولى) أَن يَبِيعهَا بِمثل الثّمن إِلَى مثل الْأَجَل (الثَّانِيَة) أَن يَبِيعهَا بِمثل الثّمن إِلَى أبعد من الْأَجَل (الثَّالِثَة) بِمثل الثّمن بِالنَّقْدِ أَو أقرب من الْأَجَل (الرَّابِعَة) أَن يَبِيعهَا بِأَقَلّ من الثّمن إِلَى مثل الْأَجَل (الْخَامِسَة) بِأَقَلّ من الثّمن إِلَى أبعد من الْأَجَل فَهَذِهِ الصُّور الْخمس جَائِزَة اتِّفَاقًا (السَّادِسَة) بِأَقَلّ من الثّمن نَقْدا أَو إِلَى أقرب من الْأَجَل فَهَذِهِ لَا تجوز لِأَنَّهَا تُؤدِّي إِلَى سلف جر مَنْفَعَة فَإِن السَّابِق بِالدفع يعد مسلفا لِأَن كل من قدم مَا لَا يحل عَلَيْهِ عد مسلفا فَهُوَ قد قدم دفع الْأَقَل ليَأْخُذ السّلْعَة الَّتِي ثمنهَا أَكثر مِمَّا دفع (السَّابِعَة) أَن يَبِيعهَا بِأَكْثَرَ من الثّمن إِلَى مثل الْأَجَل (الثَّامِنَة) بِأَكْثَرَ من الثّمن إِلَى أقرب من الْأَجَل أَو نَقْدا فَتجوز هَاتَانِ الصورتان (التَّاسِعَة) أَن يَبِيعهَا بِأَكْثَرَ من الثّمن إِلَى أبعد من الْأَجَل فَهَذِهِ لَا تجوز لِأَنَّهَا تُؤدِّي إِلَى سلف جر مَنْفَعَة فَإِنَّهُ أَخّرهُ بِالثّمن ليَأْخُذ أَكثر وكل من أخر شَيْئا قد حل لَهُ عد مسلفا فتلخص من هَذَا أَنه تجوز سبع صور وتمنع اثْنَتَانِ وهما بِأَقَلّ من الثّمن إِلَى أقرب من الْأَجَل وبأكثر من الثّمن إِلَى أبعد من الْأَجَل لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تُؤدِّي إِلَى سلف جر مَنْفَعَة وَلِأَن الْمُتَعَاقدين يتهمان بِأَن قصدهما دفع دَنَانِير بِأَكْثَرَ مِنْهَا إِلَى أجل وَأَن السّلْعَة وَاسِطَة لإِظْهَار ذَلِك فَيمْتَنع سدا للذريعة وأجازهما الشَّافِعِي وَدَاوُد حملا على عدم التُّهْمَة وَلِأَنَّهُمَا جعلا الْإِقَالَة بيعا ثَانِيًا وَأما سَائِر الصُّور فَلَا تتَصَوَّر فِيهَا تُهْمَة فَإِن وَقعت إِحْدَى هَاتين الصُّورَتَيْنِ الممنوعتين فسخ البيع الثَّانِي خَاصَّة عِنْد ابْن الْقَاسِم والبيعتان مَعًا عِنْد ابْن الْمَاجشون تَكْمِيل قد تكون الصُّور سبعا وَعشْرين وَذَلِكَ أَن الصُّور التسع الْمَذْكُورَة يتَصَوَّر فِيهَا أَن يَبِيع السّلْعَة وَحدهَا كلهَا وَأَن يَبِيع بِزِيَادَة عَلَيْهَا وَأَن يَبِيع بَعْضهَا فَثَلَاثَة فِي تِسْعَة بسبعة وَعشْرين والقانون فِيمَا يجوز مِنْهَا وَمَا لَا يجوز أَنه أَن كَانَ البيع الثَّانِي إِلَى مثل الأول جَازَ مُطلقًا لوُقُوع الْمُقَاصَّة فِيهِ وَإِن كَانَ نَقْدا أَو إِلَى أقرب من الْأَجَل فَإِن كَانَ اشْتَرَاهَا أَو بَعْضهَا فَيجوز بِمثل الثّمن أَو أَكثر وَلَا يجوز بِأَقَلّ وَإِن كَانَ اشْتَرَاهَا وَزِيَادَة عَلَيْهَا فَلَا يجوز بِمثل الثّمن وَلَا بِأَقَلّ وَلَا بِأَكْثَرَ وَأما إِلَى أبعد من الْأَجَل فَإِن كَانَ اشْتَرَاهَا وَحدهَا أَو اشْتَرَاهَا وَزِيَادَة عَلَيْهَا فَيجوز بِمثل الثّمن وَأَقل وَلَا يجوز بِأَكْثَرَ وَإِن كَانَ اشْترى بَعْضهَا فَلَا يجوز بِمثل الثّمن وَلَا أقل وَلَا أَكثر بَيَان يجوز بيع السّلْعَة من غير بَائِعهَا مُطلقًا وَأما مسَائِل هَذَا الْبَاب فَإِنَّمَا تتَصَوَّر فِي الْإِقَالَة وَهِي بيعهَا من بَائِعهَا وَالْإِقَالَة جَائِزَة ومندوب إِلَيْهَا مَا لم تجر إِلَى مَا لَا يجوز أَو التُّهْمَة بِمَا لَا يجوز وَهِي عِنْد مَالك بيع ثَان وَعند أبي حنيفَة فسخ للْبيع الأول وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَة جَائِزَة وَهِي إنْشَاء بيع ثَان فَيجوز فِيهَا مَا يجوز فِي الْبيُوع وَيمْنَع فِيهَا مَا يمْنَع فِي الْبيُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْبَاب الثَّانِي عشر فِي بيع الْخِيَار وَالْخيَار الْمَشْرُوط هُوَ خِيَار التروي للاختبار والمشورة وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمه وَيجوز أَن يَشْتَرِطه البَائِع أَو المُشْتَرِي أَو كِلَاهُمَا ثمَّ لمن اشْتَرَطَهُ أَن يمْضِي البيع أَو يردهُ مَا لم تنقض مُدَّة الْخِيَار أَو يظْهر مِنْهُ مَا يدل على الرضى إِذا اشترطاه مَعًا فَإِن اجْتمعَا على إمضائه أَو رده وَقع مَا اجْتمعَا عَلَيْهِ من ذَلِك وَإِن اخْتلفَا فِي الرَّد والإمضاء فَالْقَوْل قَول من أَرَادَ الرَّد وَيجوز البيع أَيْضا على خِيَار غَيرهمَا أَو رِضَاهُ أَو مشورته وَلَا يتَوَقَّف الْفَسْخ بِالْخِيَارِ على حُضُور الْخصم وَلَا قَضَاء القَاضِي وَاشْترط أَبُو حنيفَة حُضُور الْخصم (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي مدَّته وأولها عِنْد العقد وَآخِرهَا مُخْتَلف باخْتلَاف المبيعات فَفِي الديار وَالْأَرْض الشَّهْر وَنَحْوه فَمَا دونه وَقَالَ ابْن الْمَاجشون الشَّهْر والشهران وَفِي الرَّقِيق جُمُعَة فَمَا دونهَا وروى ابْن وهب شهرا وَفِي الدَّوَابّ وَالثيَاب ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا دونهَا وَفِي الْفَوَاكِه سَاعَة وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة أمد الْخِيَار ثَلَاثَة لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ ابْن حَنْبَل لأي أمد اشْترط ثمَّ إِذا عقد العقد على الْخِيَار فَإِن جعلا لَهُ مُدَّة مَعْلُومَة على قدر مَا ذكرنَا جَازَ وَإِن زَاد فِي الْمدَّة على مَا هُوَ أمد خِيَارهَا فسد العقد وَإِن سكتا عَن تحديدها صَحَّ العقد وحملت على أمدها حَسْبَمَا ذكرنَا وَإِن جعلاه لمُدَّة مَجْهُولَة كقدوم زيد وَلَا إِمَارَة على قدومه فسد العقد (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِيمَا يعد رضى بِالْبيعِ من أَفعَال الْمُتَعَاقدين وَهِي على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) مَا يعد رضى بِاتِّفَاق كالتصريح بذلك قولا وكعتق العَبْد وكتابته وتزويج الْأمة والتمتع وَالِانْتِفَاع بهَا فَهَذِهِ من المُشْتَرِي تدل على الامضاء وَمن البَائِع تدل على الْفَسْخ (الثَّانِي) مَا لَا يعد رضى كركوب الدَّابَّة للاختبار وَلبس الثَّوْب وَشبهه فوجوده كَعَدَمِهِ (الثَّالِث) مُخْتَلف فِيهِ كرهن الْمَبِيع وإجارته والتسوم بالسلعة وَشبه ذَلِك من المحتملات فَيقطع الْخِيَار عِنْد أبي الْقَاسِم خلافًا أَشهب وَإِذا مَاتَ مشترط الْخِيَار فِي الْمدَّة فَالْخِيَار لوَرثَته خلافًا لأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار على ملك البَائِع فَإِن تلف فمصيبته مِنْهُ إِلَّا أَن قَبضه المُشْتَرِي فمصيبته مِنْهُ إِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَلم تقم على تلفه بَينه وَإِن حدثت لَهُ عِلّة فِي أمد الْخِيَار فَهِيَ للْبَائِع وَإِن ولدت الْأمة فِي أمد الْخِيَار فولدها للْمُشْتَرِي عِنْد ابْن الْقَاسِم وَقَالَ غَيره للْبَائِع كالغلة فَهِيَ لَهُ وَلَا يجوز للْمُشْتَرِي اشْتِرَاط الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ فِي مُدَّة الْخِيَار إِلَّا بقد الاختبار فَإِنَّهُ إِن لم يتم البيع بَينهمَا كَانَ انتفاعه بَاطِل من غير شَيْء كَمَا لَا يجوز للْبَائِع اشْتِرَاط النَّقْد فَإِنَّهُ إِن لم يتم البيع بَينهمَا كَانَ سلفا وَإِن تمّ كَانَ ثمنا فَإِن وَقع على ذَلِك فسخ البيع سَوَاء تمسك بِشَرْطِهِ أَو أسْقطه وَيجوز النَّقْد من غير شَرط (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) خِيَار الْمجْلس بَاطِل عِنْد مَالك وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة بِالْمَدِينَةِ وَأبي حنيفَة فَالْبيع عِنْدهم يتم بالْقَوْل وَإِن لم يفترقا من الْمجْلس وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل وسُفْيَان الثَّوْريّ وَإِسْحَاق إِذا تمّ العقد فهما بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا من الْمجْلس للْحَدِيث الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 = الْكتاب الرَّابِع من الْقسم الثَّانِي فِي الْعُقُود المشاكلة للبيوع = وَوجه المشاكلة بَينهمَا أَنَّهَا تحتوي على متعاقدين بِمَنْزِلَة المتتابعين وعَلى عوضين بِمَنْزِلَة الثّمن والمثمون وَفِي الْكتاب اثْنَا عشر بَابا الْبَاب الأول فِي الْإِجَارَة والجعل والكراء وَكلهَا بيع مَنَافِع فَفِي الْبَاب أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْإِجَارَة وَهِي جَائِزَة عندالجمهور وأركانها أَرْبَعَة (الأول) الْمُسْتَأْجر (الثَّانِي) الْأَجِير وَيشْتَرط فيهمَا مَا يشْتَرط فِي الْمُتَبَايعين وَيكرهُ أَن يُؤَاجر الْمُسلم نَفسه من كَافِر (الثَّالِث) الْأُجْرَة (الرَّابِع) الْمَنْفَعَة وَيشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الثّمن والمثمن على الْجُمْلَة وَأما على التَّفْصِيل فَأَما الْأُجْرَة فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) أَن تكون مَعْلُومَة خلافًا للظاهرية وَيجوز اسْتِئْجَار الْأَجِير للْخدمَة وَالظّهْر بطعامه وَكسوته على الْمُتَعَارف خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَو قَالَ أحصد زرعي وَلَك نصفه أَو أطحنه أَو أعصر الزَّيْت فَإِن ملكه نصفه الان جَازَ وَإِن أَرَادَ نصف مَا يخرج مِنْهُ لم يجز للْجَهَالَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) لَا يجب تَقْدِيم الْأُجْرَة بِمُجَرَّد العقد وَإِنَّمَا يسْتَحبّ تَقْدِيم جُزْء من الْأُجْرَة بِاسْتِيفَاء مَا يُقَابله من الْمَنْفَعَة إِلَّا إِن كَانَ هُنَاكَ شَرط أَو عَادَة أَن يقْتَرن بِالْعقدِ مَا يُوجب التَّقْدِيم مثل أَن تكون الْأُجْرَة عرضا معينا أَو طَعَاما رطبا أَو مَا أشبه ذَلِك أَو تكون الْإِجَارَة ثَابِتَة فِي ذمَّة الْأَجِير فَيجب تَقْدِيم الْأُجْرَة لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة رَأس المَال فِي السّلم وَقَالَ الشَّافِعِي تجب الْأُجْرَة بِنَفس العقد وَأما الْمَنْفَعَة فَيشْتَرط فِيهَا شَرْطَانِ (الأول) أَن تكون مَعْلُومَة إِمَّا بِالزَّمَانِ كالمياومة والمشاهرة وَأما بغاية الْعَمَل كخياطة ثوب وَلَا يجوز أَن يجمع بَينهمَا لِأَنَّهُ قد يتم الْعَمَل قبل الْأَجَل أَو بعده وَإِذا اسْتَأْجرهُ على رِعَايَة غنم بِأَعْيَانِهَا لزمَه رِعَايَة الْخلف عِنْد ابْن الْقَاسِم (الثَّانِي) أَن تكون الْمَنْفَعَة مُبَاحَة لَا مُحرمَة وَلَا وَاجِبَة أما الْمحرم فَلَا يجوز إِجْمَاعًا وَأما الْوَاجِب كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام فَلَا تجوز الْأُجْرَة عَلَيْهِ وَتجوز الْإِجَارَة على الْإِمَامَة مَعَ الْأَذَان وَالْقِيَام بِالْمَسْجِدِ لَا على الصَّلَاة بانفرادها ومنعها ابْن حبيب مفترقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ومجتمعا وأجازها ابْن عبد الحكم مفترقا ومجتمعا فروع أُجْرَة الْحجَّاج جَائِزَة خلافًا لقوم وكراء الْفَحْل للنزو على الْإِنَاث خلافًا لَهما وَالْإِجَارَة على تَعْلِيم الْقُرْآن جَائِزَة خلافًا لأبي حنيفَة وَتجوز الْإِجَارَة على الْأَذَان خلافًا لِابْنِ حبيب (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْجعل وَهُوَ الْإِجَارَة على مَنْفَعَة يضمن حُصُولهَا وَهُوَ جَائِز خلافًا لأبي حنيفَة وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِجَارَة من ثَلَاثَة أوجه (الأول) أَن الْمَنْفَعَة لَا تحصل للجاعل إِلَّا بِتمَام الْعَمَل كرد الْآبِق والشارد بِخِلَاف الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يحصل على الْمَنْفَعَة مِقْدَار مَا عمل وَلذَلِك إِذا عمل الْأَجِير فِي الْإِجَارَة بعض الْعَمَل حصل لَهُ من الْأُجْرَة بِحِسَاب مَا عمل وَلَا يحصل لَهُ فِي الْجعل شَيْء إِلَّا بِتمَام الْعَمَل وكراء السفن من الْجعل فَلَا تلْزم الْأُجْرَة إِلَّا بالبلاغ خلافًا لِابْنِ نَافِع (الثَّانِي) أَن الْعَمَل فِي الْجعل قد يكون مَعْلُوما وَغير مَعْلُوم كحفر بِئْر حَتَّى يخرج مِنْهَا المَاء وَقد يكون قَرِيبا أَو بَعيدا بِخِلَاف الْإِجَارَة فَلَا بُد أَن يكون الْعَمَل فِيهَا مَعْلُوما ويتردد بَين الْجعل وَالْإِجَارَة مشارطة الطَّبِيب على برْء الْمَرِيض والمعلم على تَعْلِيم الْقُرْآن (الثَّالِث) أَنه لَا يجوز شَرط تَقْدِيم الْأُجْرَة فِي الْجعل بِخِلَاف الْإِجَارَة وَإِنَّمَا يجوز الْجعل بِثَلَاثَة شُرُوط ((أَحدهَا)) أَن تكون الْأُجْرَة مَعْلُومَة ((الثَّانِي)) أَن لَا يضْرب للْعَمَل أجل ((الثَّالِث)) أَن يكون يَسِيرا عِنْد عبد الوهاب خلافًا لِابْنِ رشد (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْكِرَاء وَقد سمي إِجَارَة وَأَحْكَامه كلهَا كَالْإِجَارَةِ فِي أَرْكَانه وشروطه وَقد يخْتَص إسم الْإِجَارَة باستئجار الْآدَمِيّ وَيخْتَص إسم الْكِرَاء بالدواب والرباع وَالْأَرضين فَنَذْكُر هَا هُنَا مَا يخْتَص بِهِ هَذَا من الْأَحْكَام أما الدَّوَابّ فتكرى لأربعة أوجه للرُّكُوب فَيتَعَيَّن بالمسافة أَو بِالزَّمَانِ وَلَا يجمع بَينهمَا وَلَا يشْتَرط وصف الرَّاكِب خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجب أَن يركبه مثله لَا أضرّ مِنْهُ وللحمل فَيجب أَن يصف مَا يحمل عَلَيْهَا ويعين الْمسَافَة أَو الزَّمَان فَإِن زَاد فِي حملهَا وعطبت فَإِن كَانَ مَا زَادهَا مِمَّا يعطب بِمثلِهِ فر بهَا مُخَيّر بَين أَخذ قيمَة كِرَاء مَا زَاد عَلَيْهَا من الْكِرَاء أَو قيمَة الدَّابَّة وَإِن كَانَت الزِّيَادَة مِمَّا لَا يعطب بِمثلِهِ فَلهُ كِرَاء الزِّيَادَة مَعَ الْكِرَاء الأول وَلَا خِيَار لَهُ ولإستقاء فيوصف أَيْضا وللحرث فيعين الزَّمَان أَو الأَرْض وَإِذا عرض فِي الْكِرَاء أَو الْإِجَارَة مَا يمْنَع التَّمَادِي انفسخا وكراء السفن وَالدَّوَاب على وَجْهَيْن معِين فِي دَابَّة بِعَينهَا أَو سفينة بِعَينهَا أَو مَضْمُون كَقَوْل أَكْرِي مِنْك دَابَّة أَو سفينة وَيجوز النَّقْد وَالتَّأْخِير فِي الكراءين مَعًا إِذا شرع فِي الرّكُوب وَإِذا مَاتَت الدَّابَّة انْفَسَخ الْكِرَاء أَن يكون فِي دَابَّة مَضْمُونَة غير مُعينَة فَعَلَيهِ أَن يَأْتِيهِ بِدَابَّة أُخْرَى وَأما الرباع فَتكون مياومة ومشاهرة ومسانهة إِلَى سنة أَو سنتَيْن لَا تَتَغَيَّر فِي مثلهَا وَيَقَع الْكِرَاء فِيهَا على وَجْهَيْن ((أَحدهمَا)) تعْيين الْمدَّة فيلزمهما وَلَيْسَ لأَحَدهمَا حل الْكِرَاء إِلَّا برضى الآخر ((وَالثَّانِي)) إِبْهَام الْمدَّة كَقَوْلِه أَكْرِي بِكَذَا وَكَذَا للشهر فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا حل الْكِرَاء مَتى شَاءَ وَيُؤَدِّي من الْكِرَاء بِحَسب مَا سكن وَمثل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قَالَ ابْن الْمَاجشون إِلَّا أَنه قَالَ يلْزمهُمَا الشَّهْر الأول فَإِن انْهَدم جَمِيعهَا انْتقض الْكِرَاء وَإِن انْهَدم بَعْضهَا لم يلْزم رَبهَا إصلاحها عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لغيره وَيجوز كراؤها من ذمِّي إِذا لم يشْتَرط فِيهَا بيع الْخمر وَالْخِنْزِير وَاخْتلف فِي كنس مراحيض الديار هَل هُوَ على رب الدَّار أَو على الْمُكْتَرِي وَقيل يحملون على الْعَادة وَيجوز كِرَاء بيُوت مَكَّة وَبَيْعهَا وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل يمْنَع وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل يكره بِنَاء على إِن فتحهَا صلح أَو عنْوَة وَأما الأَرْض فَيجوز كراؤها بِشَرْطَيْنِ (الأول) أَن تكون بَيْضَاء أَو يكون سوادها يَسِيرا تَابعا لبياضها ومقداره الثُّلُث من قيمَة الْكِرَاء فَأَقل (الثَّانِي) أَن لَا تكرى بِمَا تنْبت سَوَاء كَانَ طَعَاما كالقمح أَو غير طَعَام كالكتان وَلَا بِطَعَام سَوَاء كَانَ ينْبت فِيهَا أَو لَا ينْبت كالعسل وَاللَّحم وَقَالَ ابْن نَافِع لَا تكري بشعير وَلَا قَمح وَلَا سلت وتكرى بِمَا سوى ذَلِك على أَن يزرع فِيهَا خلاف مَا تكرى بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز كراؤها بِالطَّعَامِ وَغَيره إِلَّا بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا كالثلث وَالرّبع للْجَهَالَة وَأَجَازَ سعيد بن الْمسيب وَاللَّيْث بن سعد كراءها بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا وَأخذ بِهِ بعض الأندلسيين وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خالفوا فِيهَا مَالِكًا وَأَجَازَ قوم كراءها بِكُل شَيْء وَمنع قوم كراءها مُطلقًا وَإِذا أكرى أَرضًا ليزرع فِيهَا صنفا فَلهُ أَن يزرع غَيره مِمَّا هُوَ مثله فِي مضرَّة الأَرْض أَو أقل ضَرَرا مِنْهُ لَا أَكثر ضَرَرا وَلَا يحط الْكِرَاء بِمَا يُصِيب الزَّرْع من جَائِحَة غير الْقَحْط وَلَا يجوز النَّقْد إِلَّا فِي الأَرْض المأمونة وَأما الْعرُوض كالثياب فَيجوز كراؤها وَاخْتلف فِي كِرَاء الْمُصحف وَفِي كِرَاء الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم لتزيين الحوانيت (الْفَصْل الرَّابِع) فِي مسَائِل مُتَفَرِّقَة وَهِي سِتّ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي فسخ الْكِرَاء وَالْإِجَارَة وَيُوجب الْفَسْخ وجود عَيبه أَو ذهَاب مَحل الْمَنْفَعَة كانهدام الدَّار كلهَا وغصبها فَإِن انْهَدم بَعْضهَا لم يَنْفَسِخ الْكِرَاء وَلم يجْبر رب الدَّار على إصلاحها وَحط عَن الْمُكْتَرِي مَا يَنُوب المنهدم عِنْد ابْن الْقَاسِم وَقَالَ غَيره يجْبر على إِصْلَاحه وَلَا يَنْفَسِخ بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين وَلَا بِعُذْر طاريء على الْمُكْتَرِي مثل أَن يكتري حانوتا فيحرق مَتَاعه أَو يسرق خلافًا لأبي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِن ظهر من مكتري الدَّار فسوق أَو سَرقَة لم يَنْفَسِخ الْكِرَاء وَلَكِن السُّلْطَان يكف أَذَاهُ وَإِن رأى أَن يُخرجهُ أخرجه وإكراها عَلَيْهِ وَبَيْعهَا على مَا لكها إِن ظهر ذَلِك مِنْهُ ويعاقبه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) يجوز بيع الرباع وَالْأَرْض المكتراة خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يَنْفَسِخ الْكِرَاء وَيكون وَاجِب الْكِرَاء فِي بَقِيَّة مُدَّة الْكِرَاء للْبَائِع وَلَا يجوز أَن يَشْتَرِطه المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يؤول إِلَى الرِّبَا إِلَّا إِن كَانَ البيع بِعرْض وَإِن لم يعلم المُشْتَرِي أَن الأَرْض مكتراة فَذَلِك عيب لَهُ الْقيام بِهِ (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) من اكترى عرضا أَو دَابَّة لم يضمنهَا إِلَّا بِالتَّعَدِّي لِأَن يَده يَد أَمَانَة بِخِلَاف الصَّانِع فَإِنَّهُ يضمن مَا غَابَ عَلَيْهِ إِذا كَانَ قد نصب نَفسه للنَّاس وسنستوفي ذَلِك فِي تضمين الصَّانِع (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) من عمل لأحد عملا بِغَيْر أمره أَو أوصل نفعا من مَال أَو غَيره لزمَه دفع أجرته أَو مَا نابه إِن كَانَ من الْأَعْمَال الَّتِي لَا بُد لَهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الإستيجار عَلَيْهَا أَو من المَال الَّذِي لَا بُد لَهُ من إِنْفَاقه (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي الإختلاف إِذا اخْتلف الصَّانِع والمصنوع لَهُ فِي صفة الصَّنْعَة فَالْقَوْل قَول الصَّانِع خلافًا لأبي حنيفَة وَإِذا ادّعى الصَّانِع رد مَا اسْتَأْجر عَلَيْهِ لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِذا اخْتلفَا فِي دفع الْأُجْرَة فَالْمَشْهُور أَن القَوْل قَول الاجير مَعَ يَمِينه إِن قَامَ بحدثان ذَلِك وَإِن طَال فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر وَكَذَلِكَ إِذا اخْتلف الْمكْرِي والمكتري (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) إِذا وَقع الْكِرَاء وَالْإِجَارَة على وَجه فَاسد فسخ فَإِذا كَانَت الْمَنْفَعَة قد استوفيت رَجَعَ إِلَى كِرَاء الْمثل أَو أُجْرَة الْمثل الْبَاب الثَّانِي فِي الْمُسَاقَاة وَهِي أَن يدْفع الرجل شَجَرَة لمن يخدمها وَتَكون غَلَّتهَا بَينهمَا وفيهَا سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمهَا وَهِي جَائِزَة مُسْتَثْنَاة من أصلين ممنوعين وَهِي الْإِجَارَة المجهولة وَبيع مَا لم يخلق وَلذَلِك منعهَا أَبُو حنيفَة مُطلقًا وَإِنَّمَا أجازها غَيره لفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ يهود خَيْبَر فِي نخيلها فقصر الظَّاهِرِيَّة جَوَازهَا على النخيل خَاصَّة وَللشَّافِعِيّ على النخيل وَالْأَعْنَاب وأجازها مَالك فِي جَمِيع الْأَشْجَار والزروع مَا عدا الْبُقُول (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي شُرُوطهَا تجوز فِي الْأُصُول الثَّابِتَة كالكرم والنخيل والتفاح وَالرُّمَّان وَغير ذَلِك بِشَرْطَيْنِ (أَحدهمَا) أَن تعقد الْمُسَاقَاة قبل بَدو صَلَاح الثَّمَرَة وَجَوَاز بيعهَا وَلم يَشْتَرِطه سَحْنُون وَلَا الشَّافِعِي (الثَّانِي) أَن تعقد إِلَى أجل مَعْلُوم وَتكره فِيمَا طَال من السنين وَتجوز فِي الْأُصُول غير الثَّابِتَة كالمقاثي وَالزَّرْع بأَرْبعَة شُرُوط الشرطان الْمَذْكُورَان ثمَّ (الثَّالِث) أَن تعقد بعد ظُهُوره من الأَرْض (الرَّابِع) أَن يعجز عَنهُ ربه (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) الْعَمَل فِي الْحَائِط على ثَلَاثَة أَقسَام ((أَحدهَا)) مَا لَا يتَعَلَّق بالثمرة فَلَا يلْزم الْعَامِل بِالْعقدِ وَلَا يجوز أَن يشْتَرط عَلَيْهِ ((الثَّانِي)) مَا يتَعَلَّق بالثمرة وَيبقى بعْدهَا كإنشاء حفر بِئْر أَو عين أَو ساقية أَو بِنَاء بَيت يخزن فِيهِ التَّمْر أَو غرس فَلَا يلْزمه أَيْضا وَلَا يجوز أَن يشْتَرط عَلَيْهِ ((الثَّالِث)) مَا يتَعَلَّق بالثمرة وَلَا يبْقى فَهُوَ عَلَيْهِ بِالْعقدِ كالحفر والزبر والتقليم والسقي والتذكير والجذاذ وَشبه ذَلِك وَأما سد الحظار وَهُوَ تحصين الْجِدَار وَإِصْلَاح الصفيرة وَهُوَ مجْرى المَاء إِلَى الصهريج فَلَا يلْزمه وَيجوز اشْتِرَاطهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يسير وَعَلِيهِ جَمِيع الْمُؤَن من الْآلَات والأجراء وَالدَّوَاب ونفقتهم (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) يكون لِلْعَامِلِ جُزْء من الثَّمَرَة الثُّلُث أَو النّصْف أَو غير ذَلِك حَسْبَمَا يتفقان عَلَيْهِ وَيجوز أَن تكون لَهُ كلهَا وَلَا يجوز أَن يشْتَرط أَحدهمَا لنَفسِهِ مَنْفَعَة زَائِدَة كدنانير أَو دَرَاهِم وَتجوز مُسَاقَاة حَوَائِط عدَّة فِي صفقات مُتعَدِّدَة بِجُزْء مُتَّفق أَو مُخْتَلف وَأما فِي صَفْقَة وَاحِدَة فبجزء مُتَّفق لَا غير (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) إِن كَانَ مَعَ الشّجر أَرض بَيْضَاء فَإِن كَانَ الْبيَاض أَكثر من الثُّلُث لم يجز أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 يدْخل فِي الْمُسَاقَاة وَلَا أَن يلغى لِلْعَامِلِ بل يبْقى لرَبه وَإِن كَانَ أقل جَازَ أَن يلغى لِلْعَامِلِ وَأَن يدْخل فِي الْمُسَاقَاة وَأَجَازَ ابْن حَنْبَل دُخُوله فِي الْمُسَاقَاة مُطلقًا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) إِذا وَقعت الْمُسَاقَاة فَاسِدَة فَإِن عثر عَلَيْهَا قبل الْعَمَل فسخت وَإِن عثر عَلَيْهَا بعد الْعَمَل فَاخْتلف هَل ترد إِلَى أُجْرَة الْمثل أَو مُسَاقَاة الْمثل وَإِن عثر عَلَيْهَا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل وَقبل فَرَاغه وَقبل تَمام الْمدَّة المحدودة فعلى القَوْل بِإِجَارَة الْمثل يفْسخ وَيكون لَهُ فِيمَا عمل إِلَى وَقت العثور عَلَيْهِ أُجْرَة مثله وعَلى القَوْل بمساقاة الْمثل لَا يفْسخ بل يمْضِي وَتَكون لَهُ فِيهِ مُسَاقَاة الْمثل الْبَاب الثَّالِث فِي الْمُزَارعَة والمغارسة أما الْمُزَارعَة فَهِيَ الشّركَة فِي الزَّرْع وَتجوز بِشَرْطَيْنِ عِنْد ابْن الْقَاسِم (أَحدهمَا) السَّلامَة من كِرَاء الأَرْض بِمَا تنْبت (الثَّانِي) تكافؤ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا يخرجَانِ وأجازها عِيسَى بن دِينَار وَإِن لم يتكافئا وَبِه جرى الْعَمَل بالأندلس وأجازها قوم وَإِن وَقع فِيهَا كِرَاء الأَرْض بِمَا تنْبت فَإِن كَانَت الأَرْض من أَحدهمَا وَالْعقل من الآخر فَلَا بُد أَن يَجْعَل رب الأَرْض حَظه من الزريعة لِئَلَّا يكون كِرَاء الأَرْض بِمَا تنْبت وَإِن كَانَت الأَرْض بَينهمَا بتملك أَو كِرَاء جَازَ أَن تكون الزريعة من عِنْدهمَا مَعًا أَو من عِنْد أَحدهمَا إِذا كَانَ فِي مقابلتها عمل من الآخر فرع إِذا وَقعت الْمُزَارعَة فَاسِدَة فَإِن عثر عَلَيْهَا قبل الْعَمَل فسخت وَإِن فَاتَت بِالْعَمَلِ فَقيل الْغلَّة لصَاحب الزريعة وَعَلِيهِ لأَصْحَابه الْكِرَاء فِيمَا أَخْرجُوهُ وَقيل لصَاحب الْعَمَل وَقيل لمن اجْتمع لَهُ شَيْئَانِ من ثَلَاثَة الزريعة وَالْأَرْض وَالْعَمَل وَأما المغارسة فَهِيَ أَن يدْفع الرجل أرضه لمن يغْرس فِيهَا شَجرا وَهِي على ثَلَاثَة أوجه (الأول) إِجَارَة وَهُوَ أَن يغْرس لَهُ بِأُجْرَة مَعْلُومَة (الثَّانِي) جعل وَهُوَ أَن يغْرس لَهُ شَجرا على أَن يكون لَهُ نصيب فِيمَا ينْبت مِنْهَا خَاصَّة (الثَّالِث) مُتَرَدّد بَين الْإِجَارَة والجعل وَهُوَ أَن يغْرس لَهُ على أَن يكون لَهُ نصيب مِنْهَا كلهَا وَمن الأَرْض فَيجوز بِخَمْسَة شُرُوط ((أَحدهَا)) أَن يغْرس فِيهَا أشجارا ثَابِتَة الْأُصُول دون الزَّرْع والمقاثي والبقول ((الثَّانِي)) أَن تتفق أَصْنَاف الْأَجْنَاس أَو تتقارب فِي مُدَّة إطعامها فَإِن اخْتلفت اخْتِلَافا متباينا لم يجز ((الثَّالِث)) أَن لَا يضْرب لَهَا أجل إِلَى سِنِين كَثِيرَة فَإِن ضرب لَهَا أجل إِلَى مَا فَوق الْإِطْعَام لم يجز وَإِن كَانَ دون الْإِطْعَام جَازَ وَإِن كَانَ إِلَى الْإِطْعَام فَقَوْلَانِ ((الرَّابِع)) أَن يكون لِلْعَامِلِ حَظه من الأَرْض وَالشَّجر فَإِن كَانَ لَهُ حَظه من أَحدهمَا خَاصَّة لم يجز إلاان جعل لَهُ مَعَ الشّجر موَاضعهَا من الأَرْض دون سَائِر الأَرْض ((الْخَامِس)) أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 لَا تكون المغارسة فِي أَرض محبسة لِأَن المغارسة كَالْبيع مَسْأَلَة يمْنَع فِي المغارسة وَالْمُسَاقَاة والمزارعة شَيْئَانِ (الأول) أَن يشْتَرط أَحدهمَا لنَفسِهِ شَيْئا دون الآخر إِلَّا الْيَسِير (الثَّانِي) اشْتِرَاط السّلف فرع إِذا وَقعت المغارسة فَاسِدَة فلرب الأَرْض الْخِيَار بَين أَن يُعْطي الْمُسْتَأْجر قيمَة الْغَرْس أَو يَأْمُرهُ بقلعه وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لَهُ الْقلع الْبَاب الرَّابِع فِي الْقَرَاض ويسميه الْعِرَاقِيُّونَ الْمُضَاربَة وَصفته أَن يدْفع رجل مَالا لآخر ليتجر بِهِ وَيكون الْفضل بَينهمَا حَسْبَمَا يتفقان عَلَيْهِ من النّصْف أَو الثُّلُث أَو الرّبع أَو غير ذَلِك بعد إِخْرَاج رَأس المَال والقراض جَائِز مُسْتَثْنى من الْغرَر وَالْإِجَارَة المجهولة وَإِنَّمَا يجوز بِسِتَّة شُرُوط ((الأول)) أَن يكون رَأس المَال دَنَانِير أَو دَرَاهِم فَلَا يجوز بالعروض وَغَيرهَا وَاخْتلف فِي التبر ونقار الذَّهَب وَالْفِضَّة وَفِي الْفُلُوس فَإِن كَانَ لَهُ دين على رجل لم يجز أَن يَدْفَعهُ لَهُ قراضا عِنْد الْجُمْهُور وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لَهُ دين على آخر فَأمره بِقَبْضِهِ ليقارض بِهِ ((الثَّانِي)) أَن يكون الْجَزَاء مُسَمّى كالنصف وَلَا يجوز أَن يكون مَجْهُولا ((الثَّالِث)) أَن لَا يضْرب أجل الْعَمَل خلافًا لأبي حنيفَة ((الرَّابِع)) أَن لَا يَنْضَم إِلَيْهِ عقد آخر كَالْبيع وَغَيره ((الْخَامِس)) أَن لَا يحْجر على الْعَمَل فيقصر على سلْعَة وَاحِدَة أَو دكان ((السَّادِس)) أَن لَا يشْتَرط أَحدهمَا لنَفسِهِ شَيْئا ينْفَرد بِهِ من الرِّبْح وَيجوز أَن يشْتَرط الْعَامِل الرِّبْح كُله خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يجوز أَن يشْتَرط الضَّمَان على الْعَامِل خلافًا لأبي حنيفَة وَاخْتلف فِي اشْتِرَاط أَحدهمَا على الآخر زَكَاة نصِيبه من الرِّبْح فروع سَبْعَة (الْفَرْع الأول) إِذا وَقع الْقَرَاض فَاسِدا فسخ فَإِن فَاتَ بِالْعَمَلِ أعْطى الْعَامِل قِرَاض الْمثل عِنْد أَشهب وَقيل أُجْرَة الْمثل مُطلقًا وفَاقا لَهما وَقَالَ ابْن الْقَاسِم أُجْرَة الْمثل إِلَّا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَهِي قرض بِعرْض أَو لأجل أَو بِضَمَان أَو بحظ مَجْهُول (الْفَرْع الثَّانِي) لِلْعَامِلِ النَّفَقَة من مَال الْقَرَاض فِي السّفر لَا فِي الْحَضَر إِن كَانَ المَال يحمل ذَلِك خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يفْسخ الْقَرَاض بِمَوْت أحد المتقارضين ولورثة الْعَامِل الْقيام بِهِ إِن كَانُوا أُمَنَاء أَو يَأْتُوا بأمين (الْفَرْع الرَّابِع) لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يَبِيع بدين إِلَّا أَن يُؤذن لَهُ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يأتمن على المَال أحدا وَلَا يودعه وَلَا يُشَارِكهُ فِيهِ وَلَا يَدْفَعهُ قراضا فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ ضَامِن (الْفَرْع الْخَامِس) إِذا خلط الْعَامِل مَاله بِمَال الْقَرَاض من غير إِذن رب المَال فَهُوَ غير مُتَعَدٍّ خلافًا لَهما (الْفَرْع السَّادِس) الخسران والضياع على رب المَال دون الْعَامِل إِلَّا أَن يكون مِنْهُ تَفْرِيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 (الْفَرْع السَّابِع) لَا يجوز أَن يهدي رب المَال إِلَى الْعَامِل وَلَا الْعَامِل إِلَى رب المَال لأانه يُؤَدِّي إِلَى سلف جر مَنْفَعَة الْبَاب الْخَامِس فِي الشّركَة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع شركَة الْأَمْوَال وَشركَة الْأَبدَان وَشركَة الْوُجُوه فَأَما شركَة الْأَمْوَال فَتجوز فِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَاخْتلف فِي جعل أَحدهمَا دَنَانِير وَالْآخر دَرَاهِم فَمَنعه ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ شركَة وَصرف وَتجوز فِي الْعرُوض بِالْقيمَةِ وَاخْتلف فِي جَوَازهَا بِالطَّعَامِ وعَلى القَوْل بِالْجَوَازِ يشْتَرط اتِّفَاق الطعامين فِي الْجَوْدَة وَالشَّرِكَة فِي الْأَمْوَال على نَوْعَيْنِ شركَة عنان وَشركَة مُفَاوَضَة فشركة الْعَنَان أَن يَجْعَل كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ مَالا ثمَّ يخلطاه أَو يجعلاه فِي صندوق وَاحِد ويتجرا بِهِ مَعًا وَلَا يستبد أَحدهمَا بِالتَّصَرُّفِ دون الآخر وَشركَة الْمُفَاوضَة أَن يُفَوض كل وَاحِد مِنْهُمَا التَّصَرُّف للْآخر فِي حُضُوره وغيبته وَيلْزمهُ كل مَا يعمله شَرِيكه وَمنع الشَّافِعِي شركَة الْمُفَاوضَة وَاشْتِرَاط أَبُو حنيفَة فِيهَا تَسَاوِي رُؤُوس الْأَمْوَال وَيجب فِي شركَة الْأَمْوَال أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا على حسب نصيب كل وَاحِد مِنْهُمَا من المَال وَلَا يجوز أَن يشْتَرط أَحدهمَا من الرِّبْح أَكثر من نصِيبه من المَال خلافًا لأبي حنيفَة وَمَا فعله أحد الشَّرِيكَيْنِ من مَعْرُوف فَهُوَ فِي نصِيبه خَاصَّة إِلَّا أَن يكون مِمَّا ترجى بِهِ مَنْفَعَة فِي التِّجَارَة كضيافة التُّجَّار وَشبه ذَلِك وَأما شركَة الْأَبدَان فَهِيَ فِي الصَّنَائِع والأعمال وَهِي جَائِزَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِنَّمَا تجوز بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا اتِّفَاق الصِّنَاعَة كخياطين وحدادين وَلَا تجوز مَعَ اخْتِلَاف الصِّنَاعَة كخياط ونجار وَالشّرط الثَّانِي اتِّفَاق الْمَكَان الَّذِي يعملان فِيهِ فَإِن كَانَا فِي موضِعين لم يجز خلافًا لأبي حنيفَة فِي الشَّرْطَيْنِ وَإِذا كَانَ لأَحَدهمَا أدوات الْعَمَل دون الآخر فَإِن كَانَت تافهة ألغاها وَإِن كَانَت لَهَا خطر اكترى حِصَّته مِنْهَا وَأما شركَة الْوُجُوه فَهِيَ أَن يشتركا على غير مَال وَلَا عمل وَهِي الشّركَة على الذمم بِحَيْثُ إِذا اشتريا شَيْئا كَانَ فِي ذمتهما وَإِذا باعاه اقْتَسمَا ربحه وَهِي غير جَائِزَة خلافًا لأبي حنيفَة تَلْخِيص أجَاز مَالك شركَة الْعَنَان والمفاوضة والأبدان وَمنع شركَة الْوُجُوه وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة الْأَرْبَعَة وَأَجَازَ الشَّافِعِي الْعَنَان خَاصَّة الْبَاب السَّادِس فِي الْقِسْمَة وَهِي نَوْعَانِ قسْمَة الرّقاب وَقِسْمَة الْمَنَافِع فَأَما قسْمَة الرّقاب فَهِيَ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهمَا قسْمَة قرعَة بعد تَقْوِيم وتعديل وَهِي الَّتِي يقْضى بهَا على من أَبَاهَا فِيمَا يحْتَمل الْقسم وَلَا تجوز فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون وَلَا فِي الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة الْأَصْنَاف المتباينة وَلَا يجمع فِيهَا بَين حظين فِي الْقسم وَلَا إِذا كَانَ مَعَ أحد السِّهَام دَنَانِير وَيرجع فِيهَا بِالْغبنِ إِذا ظهر وَكَانَ الْقيام بحدثان الْقِسْمَة وَتجوز فِي الديار إِذا تقاربت أماكنها واستوت الرَّغْبَة فِيهَا وَلَا يجمع فِيهَا بَين دَار وجنان وَلَا بَين طيب ورديء فِي الْأَرْضين وَغَيرهَا وَصفَة الْقرعَة أَن تكْتب أَسمَاء الشُّرَكَاء فِي رقاع وَتجْعَل فِي طين أَو شمع وتكتب أَسمَاء الْمَوَاضِع المقسومة ثمَّ تخرج أول رقْعَة من الْأَسْمَاء ثمَّ أول رقْعَة من الْمَوَاضِع فَيعْطى من خرج اسْمه نصِيبه فِي ذَلِك الْموضع وَذَلِكَ بعد أَن تقسم الْفَرِيضَة وَتقوم الْأَمْلَاك المقسومة ثمَّ تقسم قيمتهَا على سِهَام الْفَرِيضَة وَإِذا قسمت الْفَرِيضَة فَكَانَ لجَماعَة سهم وَاحِد قسم كَأحد سِهَام الْفَرِيضَة ثمَّ قسم بَين أربابه قسْمَة ثَانِيَة وَالثَّانِي قسْمَة مراضاة بعد تَقْوِيم وتعديل فَهَذِهِ لَا يقْضى بهَا على من أَبَاهَا وَيجمع فِيهَا بَين حظين وَبَين الْأَجْنَاس والأصناف والمكيل وَالْمَوْزُون حاشا مَا يدّخر من الطَّعَام مِمَّا لَا يجوز التَّفَاضُل فِيهِ ويقام بِالْغبنِ فِيهَا أَيْضا لدُخُول كل وَاحِد من المتقاسمين على قيمَة مقدرَة وَالثَّالِث قسْمَة مراضاة بِلَا تَقْوِيم وَلَا تَعْدِيل فَحكمهَا حكم المراضاة بعد التَّقْوِيم وَالتَّعْدِيل إِلَّا فِي الْقيام بِالْغبنِ وَهَذَا الْقسم بيع من الْبيُوع بِاتِّفَاق وَاخْتلف فِي الْقسمَيْنِ اللَّذين قبله هَل هما بيع أَو تَمْيِيز حق وَأما قسْمَة الْمَنَافِع فَلَا تجوز بِالْقُرْعَةِ وَلَا يجْبر عَلَيْهَا من أَبَاهَا خلافًا لأبي حنيفَة وَهِي على وَجْهَيْن قسْمَة فِي الْأَعْيَان مثل أَن يسكن أَحدهمَا دَارا ويسكن الآخر أُخْرَى ة يركب أَحدهمَا فرسا وَالْآخر أُخْرَى وَقِسْمَة بالأزمان مثل أَن يسكن أَحدهمَا الدَّار شهرا ويسكنها الآخر شهرا آخر فروع خَمْسَة (الْفَرْع الأول) إِن كَانَ الشَّيْء الْمُشْتَرك مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة بِلَا ضَرَر كالأرضين وَغَيرهَا فَأَرَادَ أحد الْوَرَثَة الْقِسْمَة وأباها بَعضهم أجبر من أَبى على الْقِسْمَة وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يقسم أجبر على بيع حَظه ثمَّ يقتسمون الثّمن وَاخْتلف فِيمَا تَتَغَيَّر صفته بِالْقِسْمَةِ كالحمام هَل يقسم أَو يُبَاع (الْفَرْع الثَّانِي) أُجْرَة القسام على عدد الرؤوس لَا على مِقْدَار السِّهَام وَكَذَلِكَ أُجْرَة كَاتب الْوَثِيقَة وَكَذَلِكَ أُجْرَة كنس مراحيض الديار (الْفَرْع الثَّالِث) الْقِسْمَة بِالتَّحَرِّي فِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْمَنْع مُطلقًا وَالْجَوَاز فِيمَا يُوزن لَا فِيمَا يُكَال وَالْجَوَاز فِيمَا يجوز التَّفَاضُل فِيهِ بِخِلَاف الرِّبَوِيّ فَلَا يجوز التَّحَرِّي فِيهِ إِلَّا فِي الْخبز وَاللَّحم وَالتَّمْر فِي رُؤُوس النّخل (الْفَرْع الرَّابِع) لَا تجوز قسْمَة الزَّرْع حَتَّى يحصد ويدرس ويصفى (الْفَرْع الْخَامِس) لَا تجوز قسْمَة الأَرْض الَّتِي فِيهَا زرع وَالشَّجر الَّتِي فِيهَا ثَمَر حَتَّى يطيب الزَّرْع وَالثَّمَر بِشَرْط أَن تقع الْقِسْمَة فِي الْأُصُول لَا فِي الزروع وَلَا فِي الثِّمَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الْبَاب السَّابِع فِي الشُّفْعَة تجب الشُّفْعَة بِخَمْسَة شُرُوط (الشَّرْط الأول) أَن تكون فِي الْعقار كالدور وَالْأَرضين والبساتين والبئر وَاخْتلف فِي الْمَذْهَب فِي الشُّفْعَة فِي الْأَشْجَار وَفِي الثِّمَار فروى مَالك رِوَايَتَيْنِ وبالمنع قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَاخْتلف أَيْضا فِيمَا لَا يقسم من الْعقار كالحمام وَشبهه وَفِي الدّين والكراء وَلَا شُفْعَة فِي الْحَيَوَان وَالْعرُوض عِنْد الْجُمْهُور (الشَّرْط الثَّانِي) أَن يكون فِي الإشاعة لم يَنْقَسِم فَإِن قسم فَلَا شُفْعَة (الشَّرْط الثَّالِث) أَن يكون الشَّفِيع شَرِيكا فَلَا شُفْعَة لِجَار خلافًا لأبي حنيفَة (الشَّرْط الرَّابِع) أَن لَا يظْهر من الشَّفِيع مَا يدل على إِسْقَاط الشُّفْعَة من قَول أَو فعل أَو سكُوت مُدَّة من عَام فَأكْثر مَعَ علمه وحضوره فَإِن كَانَ غَائِبا وَلم يعلم لم تسْقط شفعته اتِّفَاقًا وَإِن علم وَهُوَ غَائِب لم تسْقط خلافًا لقوم وَقَالَ قوم تسْقط الشُّفْعَة بعد سُكُوته ثَلَاثَة أَيَّام وَتسقط الشُّفْعَة إِذا أسقطها بعد الشِّرَاء وَلَا تسْقط إِن أسقطها قبل الشِّرَاء وَكَذَلِكَ تسْقط إِذا ساوم المُشْتَرِي فِي الشّقص أَو اكتراه مِنْهُ وَسكت حَتَّى أحدث فِيهِ غرسا أَو بناه (الشَّرْط الْخَامِس) أَن يكون الْحَظ الْمَشْفُوع فِيهِ قد صَار للمشفوع عَلَيْهِ بمعاوضة كَالْبيع وَالْمهْر وَالْخلْع وَالصُّلْح عَن الدَّم فَإِن صَار لَهُ بميراث فَلَا شُفْعَة فِيهِ اتِّفَاقًا وَإِن صَار لَهُ بِهِبَة فَفِيهِ قَولَانِ قيل تجب الشُّفْعَة وَقيل لَا تجب وقصرها أَبُو حنيفَة على البيع فَإِذا وَجَبت الشُّفْعَة لِشَرِيك وَقَامَ بهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذ الْحَظ الْمَشْفُوع فِيهِ بِالثّمن الَّذِي صَار بِهِ للمشفوع عَلَيْهِ فَإِن كَانَ حَالا على الْمَشْفُوع عَلَيْهِ حل على الشَّفِيع وَإِن كَانَ مُؤَجّلا على الْمَشْفُوع عَلَيْهِ أجل على الشَّفِيع وَإِن لم يَأْخُذهُ الْمَشْفُوع عَلَيْهِ بِثمن مَعْلُوم كدفعه فِي مهر أَو صلح أَخذه الشَّفِيع بِقِيمَتِه فروع ثَمَانِيَة (الْفَرْع الأول) إِذا وَجَبت الشُّفْعَة لجَماعَة اقتسموا الْمَشْفُوع فِيهِ على قدر حظوظهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة على قدر رؤوسهم وَإِن سلم بَعضهم فللآخر أَخذ الْجَمِيع أَو تَركه وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ نصِيبه خَاصَّة إِلَّا إِن أَبَاحَهُ لَهُ المُشْتَرِي (الْفَرْع الثَّانِي) الشُّفْعَة موروثة خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الثَّالِث) تجب الشُّفْعَة للذِّمِّيّ كَمَا تجب للْمُسلمِ خلافًا لِابْنِ حَنْبَل (الْفَرْع الرَّابِع) يشفع ذَوُو السِّهَام فِيمَا بَاعه الْعصبَة وَلَا يشفع الْعصبَة فِيمَا بَاعه ذَوُو السِّهَام وَقيل لَا يشفع صنف مِنْهُم فِيمَا بَاعه الْعصبَة وَلَا يشفع الْعصبَة فِيمَا بَاعه ذَوُو السِّهَام وَقيل لَا يشفع صنف مِنْهُم فِيمَا بَاعه الآخر وَقيل بِالْعَكْسِ (الْفَرْع الْخَامِس) من وَجَبت لَهُ شُفْعَة على اثْنَيْنِ لم يكن لَهُ أَن يشفع على أَحدهمَا دون الآخر خلافًا لأَشْهَب (الْفَرْع السَّادِس) إِذا كَانَ للْمُشْتَرِي حِصَّة فِي المُشْتَرِي من قبل الشِّرَاء فَلهُ أَن يحاص الشَّفِيع فِي حِصَّته تِلْكَ (الْفَرْع السَّابِع) إِذا حبس المُشْتَرِي الشّقص المُشْتَرِي أَو وهبه أَو أوصى بِهِ أَو أقَال فِي بَيْعه بَطل ذَلِك كُله إِن قَامَ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة (الْفَرْع الثَّامِن) إِذا بيع الشّقص مرَارًا فَللشَّفِيع أَن يَأْخُذ بِأَيّ الصفقات شَاءَ وَيبْطل مَا بعْدهَا لَا مَا قبلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْبَاب الثَّامِن فِي السّلف وَهُوَ الْقَرْض وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكمه وَهُوَ جَائِز وَفعل مَعْرُوف سَوَاء كَانَ بالحلول أَو مُؤَخرا إِلَى أجل مَعْلُوم وَإِنَّمَا يجوز بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن لَا يجر نفعا فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة للدافع منع اتِّفَاقًا للنَّهْي عَنهُ وَخُرُوجه عَن بَاب الْمَعْرُوف وَإِن كَانَت للقابض جَازَ وَإِن كَانَ بَينهمَا لم يجز لغير ضَرُورَة وَاخْتلف فِي الضَّرُورَة كَمَسْأَلَة السفاتج وَسلف طَعَام مسوس أَو معفون ليَأْخُذ سالما أَو مبلولا ليأخذه يَابسا فَيمْنَع فِي غير المسغبة اتِّفَاقًا وَيخْتَلف مَعهَا وَالْمَشْهُور الْمَنْع وَكَذَلِكَ من أسلف ليأخذه فِي مَوضِع آخر يمْنَع فِي مَا فِيهِ مئنة حمل وَيجوز أَن يصطلحهما على ذَلِك بعد الْحُلُول لَا قبله الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يَنْضَم إِلَى السّلف عقد آخر كَالْبيع وَغَيره (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَا يجوز السّلف فِيهِ وَهُوَ كل مَا يجوز أَن يثبت فِي الذِّمَّة سلما من الْعين وَالطَّعَام وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان إِلَّا الْجَوَارِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِعَارَة الْفروج وَقيل يجوز إِن أسلفت الْجَارِيَة لذِي محرم مِنْهَا أَو لمن لَا يلتذذ بِالنسَاء أَو كَانَت الْجَارِيَة لَا تحمل الوطس وَأَجَازَهُ فِيهِنَّ الْمَازِني وَمنعه أَبُو حنيفَة فِي كل حَيَوَان (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي أَدَائِهِ وَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يُؤَدِّي مثل مَا أَخذ أَو يردهُ بِعَيْنِه مَا دَامَ على صفته وَسَوَاء كَانَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَهُوَ الْمَعْدُود والمكيل وَالْمَوْزُون أَو من ذَوَات الْقيم كالعروض وَالْحَيَوَان فَإِن وَقع السّلف فَاسِدا فسخ وَيرجع إِلَى الْمثل فِي ذَوَات الْأَمْثَال وَإِلَى الْقيمَة فِي غَيرهَا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) إِذا أهْدى لصَاحب الدّين مديانه لم يجز لَهُ قبُولهَا لِأَنَّهُ يَئُول إِلَى زِيَادَة على التَّأْخِير وَقَالَ بَعضهم يجوز إِن كَانَ بَينهمَا من الِاتِّصَال مَا يعلم أَن الْهَدِيَّة لَهُ لَا للدّين وَفِي مبايعته لَهُ الْجَوَاز وَالْكَرَاهَة الْبَاب التَّاسِع فِي الْقَضَاء والاقتضاء وهما الدّفع وَالْقَبْض وَقد أَمر بِالْإِحْسَانِ والمسامحة فيهمَا وَفِي الْبَاب خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي مِقْدَار الْمقْضِي وَيتَصَوَّر أَن يقْضِي مثل مَا عَلَيْهِ أَو أقل أَو أَكثر ثمَّ إِن الْقلَّة وَالْكَثْرَة تَكُونَانِ فِي الْمِقْدَار وَفِي الصّفة وَيتَصَوَّر أَيْضا أَن يقْضِي عِنْد الْأَجَل أَو قبله أَو بعده فَإِن قضى الْمثل جَازَ مُطلقًا فِي الْأَجَل وَقَبله وَبعده وَإِن قضى أقل صفة أَو مِقْدَارًا جَازَ فِي الْأَجَل وَبعده وَلم يجز مُطلقًا سَوَاء كَانَ أفضل صفة أَو مِقْدَارًا فِي الْأَجَل أَو قبله أَو بعده إِذا كَانَ الْفضل فِي إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَمنع أَن دَار من الطَّرفَيْنِ لِخُرُوجِهِ عَن الْمَعْرُوف وَإِن كَانَ من السّلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فَإِن كَانَ بِشَرْط أَو وعد أَو عَادَة منع مُطلقًا وَإِن كَانَ بِغَيْر شَرط وَلَا وعد وَلَا عَادَة جَازَ اتِّفَاقًا فِي الْأَفْضَل صفة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استسلف بكرا وَقضى جملا بكرا خيارا وَاخْتلف فِي الْأَفْضَل مِقْدَارًا فَفِي الْمُدَوَّنَة لَا يجوز إِلَّا فِي الْيَسِير جدا وَأَجَازَهُ ابْن حبيب مُطلقًا (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير ثَلَاثَة أَنْوَاع قَائِمَة وَهِي الوافية الْوَزْن وفرادى وَهِي نَاقِصَة ومجموعة وَهِي المختلطة مِنْهُمَا فَيجوز اقْتِضَاء كل صنف مِنْهَا عَن نَفسه وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَة اقْتِضَاء الْقَائِمَة عَن الْمَجْمُوعَة والفرادى وَمنع اقْتِضَاء الْمَجْمُوعَة عَن الْقَائِمَة والفرادى وَأَجَازَ اقْتِضَاء الفرادى عَن الْقَائِمَة دون الْمَجْمُوعَة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) لَا يجوز بيع الدّين بِالدّينِ مثل أَن يَبِيع دينا لَهُ على رجل من رجل آخر بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَلِكَ فسخ الدّين بِالدّينِ مثل أَن يدْفع الْغَرِيم لصَاحب الدّين ثَمَرَة يجنيها أَو دَارا يسكنهَا لتأخر الْقَبْض فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن بَاعَ الدّين من الْغَرِيم بِالتَّأْخِيرِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) السِّكَّة والصياغة معتبرتان فِي الِاقْتِضَاء وَاخْتلف فِي اعتبارهما فِي المراطلة فَإِن كَانَ التَّعَامُل بِالْوَزْنِ فالعدد مطروح وَإِن لم يكن التَّعَامُل بِالْوَزْنِ اعْتبر الْعدَد (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من قبض دَرَاهِم من صراف أَو من دين لَهُ أَو ثمن سلْعَة ثمَّ ادّعى أَنه وجد زائفا أَو نَاقِصا وَأنكر الدَّافِع أَن يكون من دَرَاهِمه فَالْقَوْل قَول الدَّافِع مَعَ يَمِينه وَاخْتلف هَل يحلف على الْبَتّ أَو على الْعلم فَقيل يحلف على الْبَتّ فِي الزائف والناقص وَقيل على الْبَتّ فِي النَّاقِص وعَلى الْعلم فِي الزائف وَقيل يحلف الصراف على الْبَتّ فيهمَا بِخِلَاف الْمديَان وَأما نقص الْعدَد فَيحلف فِيهِ على الْبَتّ اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَب الْبَاب الْعَاشِر فِي الْمَأْذُون لَهُ ومعاملة العبيد وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي ملك العَبْد وَهُوَ يملك مَاله إِلَّا أَنه ملك نَاقص عَن ملك الْحر لِأَن للسَّيِّد انْتِزَاعه عَنهُ مَتى شَاءَ إِجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة لَا يملك العَبْد أصلا فعلى الْمَذْهَب يجوز لَهُ التَّسَرِّي وَالْوَطْء بِملك يَمِينه بِإِذن سَيّده خلافًا لَهما (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) العَبْد على نَوْعَيْنِ مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَغير مَأْذُون لَهُ فَأَما غير الْمَأْذُون لَهُ فَلَا يجوز شَيْء من تصرافاته لَا على وَجه الْمُعَارضَة كَالْبيع وَلَا على وَجه الْمَعْرُوف كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق وَحكمه الْمَحْجُور يتَوَقَّف بَيْعه على إجَازَة سَيّده وَأما الْمَأْذُون لَهُ فَيجوز لَهُ من التَّصَرُّف كل مَا يدْخل فِي التِّجَارَة كالمعاوضة فَهُوَ فِي ذَلِك كَالْوَكِيلِ الْمُفَوض إِلَيْهِ فَإِن مَنعه سَيّده من التِّجَارَة بِالدّينِ فَاخْتلف هَل يجوز لَهُ أم لَا فَأَما هِبته وصدقته وعتقه فموقوف على إجَازَة السَّيِّد أَو رده فَإِن لم يعلم السَّيِّد حَتَّى أعتق مضى وَلزِمَ العَبْد وَلم يكن للسَّيِّد رده (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) كل مَا على الْمَأْذُون لَهُ من دُيُون يُؤَدِّيهَا من مَاله فَإِن لم يكن لَهُ مَال يَفِي بهَا تعلّقت بِذِمَّتِهِ وَلَا يلْزم السَّيِّد أَدَاؤُهَا عَنهُ وَلَا يُبَاع فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 خلافًا لقوم فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) من بَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع (الْفَرْع الثَّانِي) للسَّيِّد أَن يحْجر عَبده بعد إِذْنه لَهُ وَيعرف السُّلْطَان بذلك ويوقفه للنَّاس (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يَنْبَغِي للسَّيِّد أَن يَأْذَن فِي التِّجَارَة لعبد غير مَأْمُون فِي دينه خوفًا من الرِّبَا والخيانة وَالْعَبْد الْكَافِر أولى بِالْمَنْعِ الْبَاب الْحَادِي عشر فِي التِّجَارَة إِلَى أَرض الْحَرْب ومعاملة الْكفَّار وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) لَا تجوز التِّجَارَة إِلَى أَرض الْحَرْب وَقَالَ سَحْنُون هِيَ جرحة وَلَا يدْخل الْمُسلم بِلَادهمْ إِلَّا لمفاداة مُسلم وَيَنْبَغِي للْإِمَام أَن يمْنَع النَّاس من الدُّخُول إِلَيْهَا وَيجْعَل على الطَّرِيق من يصدهم (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِذا قدم أهل الْحَرْب إِلَى بِلَادنَا جَازَ الشِّرَاء مِنْهُم إِلَّا أَنه لَا يُبَاع مِنْهُم مَا يستعينون بِهِ على الْحَرْب ويرهبون بِهِ الْمُسلمين كالخيل وَالسِّلَاح والأولوية وَالْحَدِيد والنحاس وَلَا يُبَاع مِنْهُم من الْكسْوَة إِلَّا مَا بَقِي الْحر وَالْبرد لَا مَا يتزينون بِهِ فِي الْحَرْب وَالْكَنَائِس وَلَا يُبَاع مِنْهُم من الْأَطْعِمَة إِلَّا مَا يقتات بِهِ كالزيت وَالْملح والفاكهة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) مُعَاملَة أهل الذِّمَّة جَائِزَة وَإِن كَانُوا يعْملُونَ بالربا ويبيعون الْخمر وَالْخِنْزِير على أنهقد كرّ مَالك أَن يَبِيع الْمُسلم سلْعَة من ذمِّي بدينا رأو دِرْهَم يعلم أَنه أَخذه من ثمن خمر أَو خِنْزِير وَكره أَيْضا أَن يُبَاع مِنْهُم بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم المنقوشة لما فِيهَا من اسْم الله عز وَجل وَقَالَ ابْن رشد ومعاملة الذِّمِّيّ أخف من مُعَاملَة الْمُسلم المرابي إِذا تَابَ لم يحل لَهُ مَا أربى عَلَيْهِ بِخِلَاف الْكَافِر وَلَا يجوز من مُعَاملَة بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ إِلَّا مَا يجوز بَين الْمُسلمين فَإِن عَامله بِمَا لَا يجوز من البيع وَغَيره فَالْحكم فِيهِ كَالْحكمِ بَين الْمُسلمين الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الْمُقَاصَّة فِي الدُّيُون وَهِي اقتطاع دين من دين وفيهَا متاركة ومعارضة وحوالة وَمِنْهَا مَا يجوز وَمِنْهَا لَا يجوز وَالْجَوَاز نظر للمتاركة وَالْمَنْع تَغْلِيب للمعاوضة أَو الْحِوَالَة إِذا لم تتمّ شُرُوطهَا وَإِذا قويت التُّهْمَة وَقع الْمَنْع وَإِن فقدت حصل الْجَوَاز وَإِن ضعفت حصل الْخلاف الَّذِي فِي مُرَاعَاة التهم الْبَعِيدَة فَإِذا كَانَ لرجل على آخر دين وَكَانَ لذَلِك الآخر عَلَيْهِ دين فَأَرَادَ اقتطاع أحد الدينَيْنِ من الآخر لتقع الْبَرَاءَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 بذلك فَفِي ذَلِك تَفْصِيل وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو أَن يتَّفق جنس الدينَيْنِ أَو يختلفا فَإِن اخْتلفَا جَازَت الْمُقَاصَّة مثل أَن يكون أحد الدينَيْنِ عينا وَالْآخر طَعَاما أَو عرضا أَو يكون أَحدهمَا عرضا وَالْآخر طَعَاما وَأَن اتّفق جنس الدينَيْنِ فَلَا يَخْلُو أَن يكون كل وَاحِد من الدينَيْنِ عينا أَو طَعَاما أَو عرُوضا فَإِن كَانَ الدينان عينا فَلَا يَخْلُو أَن يَكُونَا ذهبين أَو فضتين أَو أَحدهمَا ذَهَبا وَالْآخر فضَّة فَإِن كَانَ أَحدهمَا ذَهَبا وَالْآخر فضَّة جَازَت الْمُقَاصَّة إِن كَانَا قد حلا مَعًا وَلم يجز إِن لم يحلا أَو حل أَحدهمَا دون الآخر لِأَنَّهُ صرف مستأخر وَإِن كَانَا ذهبين أَو فضتين جَازَت الْمُقَاصَّة إِذا كَانَ أجل الدينَيْنِ قد حل فَإِن لم يحل أجلهما أَو حل الْوَاحِد مِنْهُمَا دون الآخر فَفِي ذَلِك قَولَانِ وَالْمَشْهُور الْجَوَاز بِنَاء على أَنَّهَا متاركة تَبرأ بهَا الذمم ونظرا إِلَى بعد التُّهْمَة وَقيل تمنع لِأَنَّهَا مُبَادلَة مستأخر وَإِن كَانَ الدينان طَعَاما فَلَا يَخْلُو أَن يكون من بيع أَو قرض فَإِن كَانَا من بيع لم تجز الْمُقَاصَّة سَوَاء حل الْأَجَل أَو لم يحل لِأَنَّهُ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه وَإِن كَانَا من قرض جَازَ حل الْأَجَل أَو لم يحل وَإِن كَانَ الدينان عرضين فَتجوز الْمُقَاصَّة إِذا اتفقَا فِي الْجِنْس وَالصّفة سَوَاء حل الْأَجَل أَو لم يحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 = الْكتاب الْخَامِس فِي الْأَقْضِيَة والشهادات وَمَا يتَّصل بذلك وَفِيه عشرَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي حكم الْقَضَاء وَفِي نظر القَاضِي بِهِ وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي حكم الْقَضَاء وَهُوَ فرض كِفَايَة ويجبعلى الإِمَام أَن ينصب للنَّاس قَاضِيا وَمن أَبى عَن الْولَايَة أجْبرهُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يطْلب الْقَضَاء وَإِن دعِي فَالْأولى لَهُ الِامْتِنَاع لِأَن الْقَضَاء بلية يعسر الْخَلَاص مِنْهَا إِلَّا إِذا تعين عَلَيْهِ فَيجب عَلَيْهِ الدُّخُول فِيهِ وَذَلِكَ إِذا لم يكن فِي جِهَته من يصلح للْقَضَاء غَيره (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَا ينظر فِيهِ القَاضِي وتحتوي ولَايَته على عشرَة أَشْيَاء (الأول) الْفَصْل بَين المتخاصمين إِمَّا بصلح عَن ترَاض وَإِمَّا بإجبار على حكم نَافِذ (الثَّانِي) قمع الظَّالِمين على الْغَصْب والتعدي وَغير ذَلِك ونصرة المظلومين وإيصال كل ذِي حق إِلَى حَقه (الثَّالِث) إِقَامَة الْحُدُود وَالْقِيَام بِحُقُوق الله تَعَالَى (الرَّابِع) النّظر فِي الدِّمَاء والجراح (الْخَامِس) النّظر فِي أَمْوَال الْيَتَامَى والمجانين وَتَقْدِيم الأوصياء عَلَيْهِم حفظا لأموالهم (السَّادِس) النّظر فِي الاحباس (السَّابِع) تَنْفِيذ الوصيا (الثَّامِن) عقد نِكَاح النِّسَاء إِذا لم يكن لَهُنَّ ولي أَو عضلهن الْوَلِيّ (التَّاسِع) النّظر فِي الْمصَالح الْعَامَّة من طرقات الْمُسلمين وَغير ذَلِك (الْعَاشِر) الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بالْقَوْل وَالْفِعْل (الْفَصْل الثَّالِث) فِيمَا يقْضِي بِهِ وَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ سَوَاء علم بذلك قبل الْقَضَاء أَو بعده وَقَالَ ابْن الْمَاجشون يقْضِي بِمَا سَمعه من المتخاصمين فِي مجْلِس الحكم وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق النَّاس لَا فِي الْحُدُود وَقَالَ الشَّافِعِي يقْضِي بِعِلْمِهِ على الاطلاق وعَلى الْمَذْهَب فَإِنَّمَا يحكم بِحجَّة ظَاهِرَة وَهِي سَبْعَة أَشْيَاء وَمَا يتركب مِنْهَا وَهِي اعْتِرَاف أَو شَهَادَة أَو يَمِين أَو نُكُول أَو حوز فِي المك أَو لوث مَعَ الْقسَامَة فِي الذماء أَو معرفَة العفاص والوقاء فِي اللّقطَة حَسْبَمَا يَأْتِي ذَلِك كُله فِي أبوابه (الْفَصْل الرَّابِع) فِي نقض الْقَضَاء إِذا أصَاب الْحَاكِم لم ينْقض حكمه أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَإِن أَخطَأ فَذَلِك على أَرْبَعَة أوجه ((الأول)) أَن يحكم بِمَا يُخَالف الْكتاب أَو السّنة أَو الْإِجْمَاع فينقض هُوَ حكم نَفسه بذلك وينقضه القَاضِي الْوَالِي بعده وَيلْحق بذلك الحكم بالْقَوْل الشاذ (الثَّانِي) أَن يحكم بِالظَّنِّ والتخمين من غير معرفَة وَلَا اجْتِهَاد فينقضه أَيْضا هُوَ وَمن يَلِي بعده (الثَّالِث) أَن يحكم بعد الِاجْتِهَاد ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ الصَّوَاب فِي خلاف مَا حكم بِهِ فَلَا ينْقضه من ولي بِهِ وَاخْتلف هَل يتَبَيَّن لَهُ الصَّوَاب فِي خلاف مَا حكم بِهِ فَلَا ينْقضه من ولي بِهِ وَاخْتلف هَل ينْقضه هُوَ أم لَا (الرَّابِع) أَن يقْصد الحكم بِمذهب فيذهل وَيحكم بِغَيْرِهِ من الْمذَاهب فيفسخه هُوَ وَلَا يفسخه غَيره الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات القَاضِي وآدابه أما صِفَاته فنوعان وَاجِبَة ومستبحة فالواجبة عشر وَهِي أَن يكون مُسلما عَاقِلا بَالغا ذكرا حرا سميعا بَصيرًا متكلما عدلا عَارِفًا بِمَا يقْضِي بِهِ وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة قَضَاء الْمَرْأَة فِي الْأَمْوَال وَأَجَازَهُ الطَّبَرِيّ مُطلقًا وَأما المستحبة فَهِيَ خمس عشرَة ((الأولى)) أَن يكون عَالما بِالْكتاب وَالسّنة بِحَيْثُ يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلَا يُقَلّد أحدا من الْأَئِمَّة وَقَالَ عبد الوهاب أَن ذَلِك وَاجِب وفَاقا للشَّافِعِيّ ((الثَّانِيَة)) أَن يكون عَارِفًا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعَرَبيَّة ((الثَّالِثَة)) أَن يكون عَارِفًا بِعقد الشُّرُوط وَهِي الوثائق ((الرَّابِعَة)) أَن يكون ورعا فِي دينه والورع زِيَادَة على الْعَدَالَة ((الْخَامِسَة)) أَن يكون غَنِيا فَإِن كَانَ فَقِيرا أغناه الإِمَام وَأدّى عَنهُ دُيُونه ((السَّادِسَة)) أَن يكون صبورا ((السَّابِعَة)) أَن يكون وقورا عبوسا فِي غير غضب ((الثَّامِنَة)) أَن يكون حَلِيمًا وطيء الأكناف ((التَّاسِعَة)) أَن يكون رحِيما يشفق على الأرامل واليتامى وَغَيرهم ((الْعَاشِرَة)) أَن يكون جزلا فِي تَنْفِيذ الْأَحْكَام ((الْحَادِيَة عشر)) أَن لَا يُبَالِي بلوم النَّاس وَلَا بِأَهْل الجاه ((الثَّانِيَة عشر)) أَن يكون من أهل الْبَلَد الَّذِي يقْضِي فِيهِ ((الثَّالِثَة عشر)) أَن يكون مَعْرُوف النّسَب فَلَا يكون ولد زنى وَلَا ولد ملاعنة ((الرَّابِعَة عشر)) أَن لَا يكون محدودا وَإِن كَانَ قد تَابَ ((الْخَامِسَة عشر)) أَن يكون متيقظا لَا متغفلا (وَأما آدَاب القَاضِي) فَهِيَ عشرو ((الأول)) أَن يجلس فِي مَوضِع يصل إِلَيْهِ الْقوي والضعيف وجلوسه فِي الْمَسْجِد من الْأَمر الْقَدِيم وَاسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن يجلس خَارج الْمَسْجِد ليصل إِلَيْهِ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيجب عَلَيْهِ أَن يُسَوِّي بَين الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوس وَالْكَلَام وَالِاسْتِمَاع والملاحظة وَلَا يفضل الشريف على المشروف وَلَا الْغَنِيّ على الْفَقِير وَلَا الْقَرِيب على الْبعيد ((الثَّانِي)) أَن يجلس للْقَضَاء فِي بعض الْأَوْقَات دون بعض ليربح نَفسه وَلَا يجلس بِاللَّيْلِ وَلَا فِي أَيَّام الأعياد ((الثَّالِث)) أَن لَا يقْضِي وَهُوَ غَضْبَان وَلَا جَائِع وَلَا عطشان ((الرَّابِع)) أَن يشاور أهل الْعلم وَيَأْخُذ بقَوْلهمْ ((الْخَامِس)) أَن لَا يُفْتِي فِي مسَائِل الْخِصَام وَلَا يسمع كَلَام أحد الْخَصْمَيْنِ فِي غيبَة صَاحبه ((السَّادِس)) أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 لَا يقبل هَدِيَّة إِلَّا من الْأَقْرَبين الَّذين لَا يهدونه لأجل الْقَضَاء ((السَّابِع)) أَن لَا يطْلب من النَّاس الْحَوَائِج لَا عَارِية وَلَا غير ذَلِك ((الثَّامِن)) أَن لَا يُبَاشر الشِّرَاء بِنَفسِهِ وَلَا يَشْتَرِي لَهُ شخص مَعْرُوف خوفًا من الْمُحَابَاة ((التَّاسِع)) أَن لَا يقْضِي لمن لَا تجوز شَهَادَته لَهُ كولده ووالده وَيصرف الحكم فِي ذَلِك إِلَى غَيره وَيجوز لَهُ أَن يقْضِي عَلَيْهِ ((الْعَاشِر)) أَن لَا يقْضِي على عدوه وَيجوز أَن يقْضِي لَهُ ((الْحَادِي عشر)) أَن يزْجر من تعدى من المتخاصمين على الآخر فِي الْمجْلس بشتم أَو غَيره ((الثَّانِي عشر)) أيعاقب من آذاه من المتخاصمين أَو شَتمه أَو تنقصه أَو نسبه إِلَى جور والعقوبة فِي هَذَا أفضل من الْعَفو ((الثَّالِث عشر)) أَن يجْتَنب مُخَالطَة النَّاس ومشيه مَعَهم إِلَّا لحَاجَة ((الرَّابِع عشر)) أَن يتْرك الضحك والمزاح ((الْخَامِس عشر)) أَن يخْتَار كَاتبا مرتضى ومترجما مرتضى ((السَّادِس عشر)) أَن يتفقد السجون وَيخرج من كَانَ مسجونا بِغَيْر حق ((السَّابِع عشر)) أَن يتَجَنَّب الولائم إِلَّا وَلِيمَة النِّكَاح وَالْأولَى لَهُ ترك الْأكل فِي الْوَلِيمَة ((الثَّامِن عشر)) أَن لَا يتعقب حكم من قبله إِلَّا إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالجور فَلهُ أَن يتعقب أَحْكَامه وَله أَن ينْقض قَضَاء نَفسه إِذا تبين لَهُ الْحق بِخِلَافِهِ ((التَّاسِع عشر)) أَن يتفقد النّظر على أعواته ويكفهم عَن الاستطالة على النَّاس ((الموفي عشْرين)) أَن يسْأَل فِي السِّرّ عَن أَحْوَال شُهُوده ليعرف الْعدْل من غَيره فروع أَرْبَعَة (الْفَرْع الأول) إِذا حكم المتخاصمان رجلا لزمهما حكمه إِذا حكم بجا يجوز خلافًا للشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزم إِذا وَافق حكم قَاضِي الْبَلَد (الْفَرْع الثَّانِي) يجب أَن يكون فِي الْمصر قَاض وَاحِد وَلَا يجوز اثْنَان فَأكْثر وَأَجَازَ الشَّافِعِي اثْنَيْنِ إِذا عين لكل وَاحِد مَا يحكم فِيهِ (الْفَرْع الثَّالِث) حكم القَاضِي فِي الظَّاهِر لَا يحل حَرَامًا فِي نفس الْأَمر وَلَا يحرم حَلَالا خلافًا لأبي حنيفَة فِي عقد النِّكَاح وحله وَأَجْمعُوا فِي الْأَمْوَال (الْفَرْع الرَّابِع) إِذا كَانَت خُصُومَة بَين مُسلم وذمي حكم بنيهما بِحكم الْإِسْلَام وَإِن كَانَا ذميين حكم بَينهمَا بِحكم الْإِسْلَام فِي بَاب الْمَظَالِم من الْغَصْب والتعدي وَجحد الْحُقُوق وَإِن تخاصما فِي غير ذَلِك ردوا إِلَى أهل دينهم إِلَّا أَن يرْضوا بِحكم الْإِسْلَام الْبَاب الثَّالِث فِي خطاب الْقُضَاة وَالْحكم على الْغَائِب وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْخطاب وللقاضي أَن يُخَاطب قَاضِيا آخر بِأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء (الأول) الحكم على الَّذِي حكم بِهِ فِي قَضِيَّة بعد نُفُوذه (الثَّانِي) بأَدَاء الشُّهُود وقبولهم المتضمن الثُّبُوت على أَن يحكم فِيهَا الْمَكْتُوب إِلَيْهِ (الثَّالِث) بِمُجَرَّد أَدَاء الشُّهُود على أَن ينظر الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فِي تعديلهم فِي يحكم وَالْخطاب يكون بِثَلَاثَة أَشْيَاء إِمَّا بإشهاد القَاضِي على نَفسه بالحكم أَو الثُّبُوت أَو الْأَدَاء ثمَّ يشْهد من شهد عَلَيْهِ بذلك عِنْد القَاضِي الآخر الثَّانِي أَن يكْتب إِلَيْهِ وَكَانَ المتقدمون يشترطون مَعَ الْكِتَابَة الشَّهَادَة عَلَيْهِ أَو الشَّهَادَة بِأَنَّهُ خطه أَو خَتمه بِخَاتمِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الْمَعْرُوف عِنْد القَاضِي الآخر ثمَّ اكْتفى الْمُتَأَخّرُونَ بِمَعْرِِفَة خطه الثَّالِث المشافهة وَهِي غير كَافِيَة لِأَن أَحدهمَا فِي غير مَحل ولَايَته وَمن كَانَ فِي غير مَوضِع ولَايَته لم ينفذ حكمه وَلم يقبل خطابه نَوْعَانِ (الْفَرْع الأول) إِذا مَاتَ القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَو عزل لزم من ولي بعده أَعمال ذَلِك الْخطاب خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا خَاطب قَاض قَاضِيا فَإِن عرف أَنه أهل اللقضاء قبل خطابه وَإِن عرف أَنه لَيْسَ أَهلا لَهُ لم يقبله (الْفَصْل الثَّانِي) يحمم للحاضر إِذا سَأَلَ الحكم على الْغَائِب خلافًا لأبي حنيفَة وَابْن الماشجون وعَلى الْمَذْهَب فَلَا يَخْلُو أَن يكون فِي الْبَلَد أَو فِي غَيره فَإِن كَانَ فِي الْبَلَد أَو بمقربة مِنْهُ أحضرهُ القَاضِي بِخَاتم أَو كتاب أَو رَسُول فَإِن اعتذر بِمَرَض أَو شبهه أمره بِالتَّوْكِيلِ وَإِن تغيب لغير عذر أحضرهُ فهرا فَإِن لم يُوجد طبع على بَاب دَاره وَإِن كَانَ بَعيدا مَعْلُوم الْموضع كتب إِلَيْهِ إِمَّا أَن يُرْضِي خَصمه وَإِمَّا أَن يحضر مَعَه وَإِن كَانَ فِي بلد غير ولَايَته كتب إِلَى قَاضِي ذَلِك الْبَلَد بِالنّظرِ فِي قَضيته وغن كَانَ لَهُ ملك فِي الْبَلَد وَجَبت تَوْفِيَة الْحُقُوق مِنْهُ بعد أَن يُؤمر الطَّالِب لَهُ بِإِثْبَات حَقه وَيَمِين الْقَضَاء بعد الثُّبُوت وَإِثْبَات غيبته وترجى لَهُ الْحجَّة فَإِن كَانَ لَهُ عقار يُبَاع فِي دينه أمره القَاضِي بِإِثْبَات تملكه لَهُ واتصاله ثمَّ وَجه شُهُود الْحِيَازَة يشْهدُونَ على من شهد بِهِ ثمَّ أَمر بتقويمه وتسوقه ثمَّ قدم من يَبِيعهُ بِمَا قوم بِهِ أَو بأزيد من ذَلِك إِن بلغ فِي التسويق ثمَّ يقبض الثّمن وَيدْفَع إِلَى صَاحب الْحق الْبَاب الرَّابِع فِي الحكم بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَهَذَا الْبَاب هُوَ عُمْدَة الْقَضَاء وَالْأَصْل فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم ((الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر)) وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْفرق بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَقَالَ سعيد بن الْمسيب من عرف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ لم يلتبس عَلَيْهِ مَا يحكم بَينهمَا قَالَ وَالْمُدَّعى هُوَ من يَقُول قد كَانَ كَذَا وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ هُوَ من يَقُول لم يكن وَقَالَ غَيره الْمُدعى هُوَ الطَّالِب وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ هُوَ الْمَطْلُوب وَقيل الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي دَعَا صَاحبه إِلَى الحكم وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ هُوَ الْمَدْعُو وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ الْمُدَّعِي هُوَ من كَانَ قَوْله أَضْعَف لِخُرُوجِهِ عَن مَعْهُود أَو لمُخَالفَة أصل وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ هُوَ من ترجح قَوْله بعادة أَو مُوَافقَة أصل أَو قرينَة فَالْأَصْل كمن أَن لَهُ مَالا على رجل فضعف قَول الطَّالِب وَهُوَ مُدع وترجح قَول الْمَطْلُوب وَهُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَلَو كَانَ الْحق ثَابتا وَقَالَ قد دَفعته صَار مُدعيًا لِأَن الأَصْل بَرَاءَة من الذِّمَّة من الدّفع وَلِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ عِنْده لِأَن الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ إِلَّا إِن كَانَ عرف يَقْتَضِي خلاف ذَلِك أَو قرينَة كمن حَاز شَيْئا ثمَّ ادعا غير فترجح قَول من حازه فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْمُدعى عَلَيْهِ وَضعف قَول الآخر فَهُوَ مُدع فعلى هَذَا الْبَيِّنَة على من ضعف قَوْله وَالْيَمِين على من قوي قَوْله (الْفَصْل الثَّانِي) فِي مَرَاتِب الدعاوي وَهِي أَرْبَعَة (الأولى) دَعْوَى لَا تسمع وَلَا يُمكن الْمُدَّعِي من إِثْبَاتهَا وَلَا يجب على الْمُنكر يَمِين وَهُوَ إِذا لم يُحَقّق الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ كَقَوْلِه لي عَلَيْك شَيْء أَو أَظن أَن لي عَلَيْك كَذَا وَكَذَا (الثَّانِيَة) لَا تسمع أَيْضا وَهِي مَا يقْضِي الْعرف بكذبها كمن ادّعى على صَالح أَنه غصبه وكامرأة ادَّعَت على صَالح أَنه زنى بهَا وَمثل أَن يكون حائزا لدار سِنِين طَوِيلَة يتَصَرَّف فِيهَا بأنواع التَّصَرُّف ويضيفها إِلَى ملكه وَكَانَ إِنْسَان حَاضرا يشْهد أَفعاله طول الْمدَّة وَلَا يُعَارضهُ فِيهَا وَلَا يذكر أَن لَهُ فِيهَا حَقًا من غير مَانع يمنعهُ من الطّلب وَلَا قرَابَة بَينهمَا وَلَا شركَة ثمَّ جَاءَ بعد طول الْمدَّة يدعيها فَهَذَا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته وَلَا يَمِين على الآخر (الثَّالِثَة) دعولا تسمع وَيُطَالب بِالْبَيِّنَةِ فَإِن أثْبته وَإِلَّا وَجب الْيَمين على الْمُنكر بعد أَن يثبت الْمُدَّعِي أَن بَينه وَبَينه خطلة من بيع أَو شِرَاء أَو شبه ذَلِك وَذَلِكَ فِي الدَّعْوَى الَّتِي هِيَ غير مشبهة وَلم يقْض بكذبها كمن ادّعى أَن لَهُ مَالا عِنْد آخر وَقَالَ بِوُجُوب إِثْبَات الْخلطَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة مَالك خلافًا للشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَابْن حَنْبَل ثمَّ إِن إِثْبَاتهَا يكون باعتراف الْخصم بهَا وبشاهدين يَشْهَدَانِ بهَا وبشاهد وَيَمِين وَبعد ثُبُوتهَا تجب الْيَمين على الْمُنكر (الرَّابِعَة) دَعْوَى تسمع وَيجب على الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين بِنَفس الدَّعْوَى دون خلْطَة وَذَلِكَ فِي خَمْسَة مَوَاضِع من ادّعى على صانع منتصب للْعَمَل أَنه دفع لَهُ شَيْئا يصنعه لَهُ وَمن ادّعى السّرقَة على مُتَّهم بهَا وَمن قَالَ عِنْد مَوته لي دين عِنْد فلَان وَالْمَرِيض فِي السّفر يَدعِي أَنه دفع مَاله لفُلَان والغريب إِذا ادّعى أَنه أودع وَدِيعَة عِنْد أحد (الْفَصْل الثَّالِث) فِي صفة الحكم بَينهمَا إِذا جلسا إِلَى القَاضِي فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يسألهما من الْمُدَّعِي مِنْهُمَا أَو يسكت حَتَّى يبتدئاه فيتكلم الْمُدَّعِي أَولا وَيسمع كَلَامه حَتَّى يفرع ثمَّ يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن أقرّ قضى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَإِن أنكر طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ وَإِن امْتنع من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار سجنه القَاضِي حَتَّى يقر أَو يُنكر تَكْمِيل وَبَيَان إِذا طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ ضرب لَهُ فِي ذَلِك أجل على قدر الدَّعْوَى وَقرب الْبَيِّنَة وَبعدهَا وَذَلِكَ رَاجع إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم فَإِن شَاءَ ضرب لَهُ أَََجَلًا بعد أجل وَإِن شَاءَ جعل لَهُ أَََجَلًا وَاحِدًا صَارِمًا فَإِذا انْقَضى الْأَجَل فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِمَّا أَن يَأْتِي بِشَاهِدين أَو بِشَاهِد وَاحِد أَو لَا يَأْتِي بِشَيْء فَأَما (الْحَالة الأولى) وَهِي أَن يَأْتِي بِشَاهِدين عدليت فِي جَمِيع الْحُقُوق أَو برج وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ يحكم بذلك قضى لَهُ بعد الْأَعْذَار إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يحكم على أحد إِلَّا بعد الْأَعْذَار إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يحكم على أحد إِلَّا بعد الْأَعْذَار إِلَيْهِ فَإِذا أعذر إِلَيْهِ فِيمَا ثَبت عَلَيْهِ فَإِن ادّعى أَن لَهُ مدفعا أَو مقَالا كتجريح الشُّهُود أَو عَدَاوَة بَينه وَبينهمْ أَو غير ذَلِك مكن من الدّفع وَضرب لَهُ أجل فِي ذَلِك فَإِن اعْترف أَن لَيْسَ لَهُ مدفع وَلَا مقَال أَو عجز بعد التَّمْكِين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الْأَعْذَار إِلَيْهِ قضى عَلَيْهِ وَهَذَا فِيمَن يَصح الْأَعْذَار إِلَيْهِ وَهُوَ الْحَاضِر الْمَالِك أَمر نَفسه فَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ غَائِبا أَو صَغِيرا أَو سَفِيها حلف الْمُدَّعِي بعد ثُبُوت حَقه يَمِين الْقَضَاء بِأَنَّهُ مَا قبض شَيْئا من حَقه وَلَا وهبه وَلَا أسْقطه وَلَا أحَال لَهُ وَلَا اسْتَحَالَ وَلَا أَخذ فِيهِ ضَامِنا وَلَا رهنا وَإِن حَقه بَاقٍ على الْمَطْلُوب إِلَى الْآن وَحِينَئِذٍ يحكم وَتقوم هَذِه الْيَمين مقَام الْأَعْذَار وَأما (الْحَالة الثَّانِيَة) فَهِيَ أَن يَأْتِي باشهد وَاحِد عدل فَلَا يَخْلُو أَن يكون فِي الْأَمْوَال أَو فِي الطَّلَاق وَالْعتاق أَو فِي غير ذَلِك فَإِن كَانَ فِي الْأَمْوَال أَو فِيمَا يؤول إِلَيْهَا حلف مَعَ شَاهده بِشَرْط أَن يكون بَين الْعَدَالَة وَقضى لَهُ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة خلافًا لأبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَيحيى بن يحيى الأندلسي وَإِن شهد لَهُ امْرَأَتَانِ حلف مَعَهُمَا خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن نكل الْمُدَّعِي عَن الْيَمين مَعَ الشَّاهِد أَو الْمَرْأَتَيْنِ انقلبت الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن حلف برىء وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن كَانَ فِي الطَّلَاق أَو فِي الْعتاق لم يحلف الْمُدَّعِي مَعَ شَاهده وَوَجَبَت الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن حلف برىء وَإِن نكل فَقَالَ أَشهب يقْضِي عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم يحبس سنه لِيُقِر أَو يحلف فَإِن تَمَادى على الِامْتِنَاع مُتَّهمًا أخلي سَبيله وَقَالَ سَحْنُون يحبس ابدأ حَتَّى يقر أَو يحلف وَإِن كَانَ فِي النِّكَاح أَو الرّجْعَة أَو غير ذَلِك لم يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّاهِد كَالْعدمِ فرع أَن شهد شَاهد وَاحِد لمن لَا تصح مِنْهُ الْيَمين كالصغير وَجَبت الْيَمين على الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَإِن نكل قضى عَلَيْهِ وَإِن حلف برىء وَقيل يُوقف الْمَحْلُوف عَلَيْهِ حَتَّى يبلغ الصَّبِي وَيملك أَمر نَفسه ويستحلف حِينَئِذٍ فَإِن حلف وَجب لَهُ الْحق وَإِن نكل حلف الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ وبرىء فَإِن نكل أَخذ الْحق مِنْهُ فرع يقوم الورقة فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد مقَام موروثهم فَيحلفُونَ مَعَه حَيْثُ يحلف هُوَ وَيَقْضِي لَهُم (الْحَالة الثَّالِثَة) وَهِي أَن يَأْتِي الْمُدَّعِي بِشَيْء فَإِن كَانَ فِي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يقبل فِيهَا إِلَّا شَاهِدَانِ وَذَلِكَ مَا عدا الْأَمْوَال كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالنّسب وَالْوَلَاء وَقتل الْعمد لم تجب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ وَلم تنْقَلب على الْمُدَّعِي وَلم يلْزم شَيْء بِمُجَرَّد الدَّعْوَى خلافًا للشَّافِعِيّ وَإِن كَانَ فِي الْأَمْوَال وَمَا يؤول إِلَيْهَا مِمَّا يقبل فِيهِ رجل وَامْرَأَتَانِ فَحِينَئِذٍ تجب الْيَمين على الْمُنكر بعد إِثْبَات الْخلطَة أَو دونهَا حَيْثُ لَا يشْتَرط فَإِن حلف برىء وَإِن نكل لم يجب شَيْء بِنُكُولِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يغرم بِنُكُولِهِ وعَلى الْمَذْهَب تنْقَلب الْيَمين على الْمُدعى فَإِن حلف أَخذ حَقه وَإِن نكل فَلَا شَيْء لَهُ قَالَ ابْن حَارِث وكل من وَجَبت الْيَمين لَهُ أَو عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَال أَو الْجراح خَاصَّة وَنكل عَنْهَا فَلَا بُد من رد الْيَمين على صَاحبه طلب ذَلِك خَصمه أَو لم يَطْلُبهُ فَإِن نكل من انقلبت عَلَيْهِ الْيَمين بَطل حَقه إِن كَانَ طَالبا وَغرم إِن كَانَ مَطْلُوبا تَلْخِيص مَا تقدم أَنه يحكم فِي دَعْوَى الْأَمْوَال بِسِتَّة أَشْيَاء بِشَاهِدين وَشَاهد وَيَمِين الْمُدَّعِي وبامرأتين وَيَمِين الْمُدَّعِي وبشاهد ونكول الْمُدعى عَلَيْهِ وبامرأتين ونكول الْمُدعى عَلَيْهِ وبيمين المعدي ونكول الْمُدعى عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فرع إِذا تَعَارَضَت الْبَيِّنَتَانِ رجح أعدلهما وَإِن كَانَ أقل عددا فِي الْمَشْهُور وَقيل يرجح بِالْكَثْرَةِ وفَاقا للشَّافِعِيّ فَإِن تعَارض شَاهِدَانِ مَعَ شَاهد وَيَمِين فَاخْتلف هَل يرجح الشَّاهِدَانِ أَو الشَّاهِد وَالْيَمِين فرع لَيْسَ للْمُدَّعِي أَن يطْلب الْمُدعى عَلَيْهِ بضامن عِنْد ابْن الْقَاسِم حَتَّى يُقيم على دَعْوَاهُ شَاهدا وَحِينَئِذٍ يحكم عَلَيْهِ بالضامن إِلَى أَن يحكم بَينهمَا فَإِن كَانَ فِيمَا لَا يَصح فِيهِ الضَّمَان كالحدود حبس لَهُ إِن أَتَى بِشَاهِد فرع إِذا أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ إنكارا كليا على الْعُمُوم ثمَّ اعْترف بذلك أَو قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة فَأَقَامَ بَيِّنَة بعد ذَلِك بِالْبَرَاءَةِ لم تَنْفَعهُ لإنكاره أَولا فَإِن كَانَ قَالَ مَالك عَليّ من هَذَا شَيْء نفعته الْبَرَاءَة وَكَذَلِكَ تَنْفَعهُ إِن أَتَى بِوَجْه لَهُ فِيهِ عذر مَسْأَلَة إِذا عجز الْمُدَّعِي عَن الْإِثْبَات بعد الْآجَال وَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ القَاضِي أَن يعجزه أشهد القَاضِي بتعجيزه بعد اعترافه بِالْعَجزِ وَيصِح التَّعْجِيز فِي كل دَعْوَى إِلَّا فِي خَمْسَة أَشْيَاء فِي الْعتْق وَالطَّلَاق وَالنّسب والأحباس والدماء وَفَائِدَة التَّعْجِيز أَنه إِن أَقَامَ بعده بَيِّنَة لم يقْض بهَا وَقيل يقْضى لَهُ بهَا إِذا حلف أَنه لم يعلم بهَا وَإِن لم يعجزه القَاضِي فَلهُ الْقيام بهَا وَيقْضى لَهُ بهَا وَسَحْنُون وَابْن الْمَاجشون لَا يَقُولَانِ بالتعجيز وَإِن ادّعى بعد الْآجَال أَن لَهُ بَيِّنَة يرتجيها نظر فَإِن أمكن صدقه ضرب لَهُ أجل آخر وَإِن تبين لدده قضى عَلَيْهِ وأرجيء لَهُ الْحجَّة وَله الْقيام بهَا مَتى وجدهَا عِنْد هَذَا القَاضِي أَو غَيره فرع إِذا الْتبس على القَاضِي أَمر الْعُقُود الْقَدِيمَة وَرَجا فِي تقطيعها تقريب أَمر الْخَصْمَيْنِ قطعهَا وَقد أحرقها أبان بن عُثْمَان وَاسْتَحْسنهُ مَالك الْبَاب الْخَامِس فِي الحكم فِي التداعي والحوز إِذا تداعى رجلَانِ ملك شَيْء فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون الشَّيْء الْمُدعى بيد كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِمَّا أَن لَا يكون بيد وَاحِد مِنْهُمَا وَفِي كل وَاحِد من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدعيًا ومدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مستويان فِي الدَّعْوَى وَإِمَّا أَن يكون بيد وَاحِد مِنْهُمَا قد حازه دون الآخر فَيكون من حازه مدعى عَلَيْهِ لِأَن الْحَوْز يُقَوي دَعْوَاهُ وَيكون الآخر مُدعيًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يُقَوي دَعْوَاهُ فَأَما حَيْثُ يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدعيًا فعلى كل وَاحِد إِثْبَات الْملك واتصاله إِلَى حِين النزاع ثمَّ لَا يَخْلُو أَن يُقيم الْبَيِّنَة أَحدهمَا أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو لم يقم أحد مِنْهُمَا فَإِن أَقَامَهَا أَحدهمَا حكم لَهُ بِعَدَمِ الاعذار إِلَى الآخر وَإِن أَقَامَهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا حكم لمن كَانَت بَينته أعدل فَإِن تَسَاوَت الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَة قسم بَينهمَا بعد إيمانهما وَإِن لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة قسم أَيْضا بَينهمَا بعد إِيمَانهم بَيَان وَإِذا قُلْنَا يقسم بَينهمَا فَإِن اسْتَويَا فِي مِقْدَار الدَّعْوَى اسْتَويَا فِي الْقِسْمَة مثل أَن يَدعِي كل وَاحِد مِنْهُمَا جَمِيعه فَيقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَإِن اخْتلفَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فِي مِقْدَار الدَّعْوَى فِي الْقلَّة وَالْكَثْرَة فمذهب مَالك أَنه يقسم بَينهمَا على قدر الدعاوي وتعول عول الْفَرَائِض وَمذهب ابْن الْقَاسِم أَنه يقسم بَينهمَا على قدر الدعاوي وَيخْتَص صَاحب الْأَكْثَر بِالزِّيَادَةِ الَّتِي وَقع تَسْلِيم الآخر لَهُ فِيهَا بِدَعْوَى الْأَقَل مثل ذَلِك إِذا ادّعى أَحدهمَا جَمِيعه وَالْآخر نصفه فعلى مَذْهَب مَالك تعول بِنصْف لِأَن أَحدهمَا ادّعى نِصْفَيْنِ وَالْآخر نصفا فَيقسم على ثَلَاثَة يكون لمُدعِي الْجَمِيع اثْنَان ولمدعي النّصْف وَاحِد وعَلى مَذْهَب ابْن الْقَاسِم يكون لمُدعِي الْجَمِيع ثَلَاثَة أَربَاع ولمدعي النّصْف ربع لِأَن مدعي النّصْف قد سلم فِي النّصْف الآخر لمُدعِي الْجَمِيع فَيخْتَص بِهِ وَيقسم بَينهمَا النّصْف الْمُتَنَازع فِيهِ وَيتبع هَذَا الْحساب كَثْرَة الدعاوي والمتداعين وَأما إِن كَانَ بيد وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا يَخْلُو الَّذِي حازه أَن يكون بِيَدِهِ مُدَّة الْحَوْز أَو أقل فَإِن بَقِي مُدَّة الْحَوْز فَأكْثر وَهِي عشرَة أَعْوَام بَين الْأَجَانِب وَخَمْسُونَ بَين الْأَقَارِب وَقيل أَرْبَعُونَ مَعَ حُضُور خَصمه وَعلمه وسكوته لم تسمع دَعْوَاهُ وَلم تقبل بَينته إِلَّا إِن أثبت أَنه بيد الْحَائِز على وَجه الْكِرَاء أَو الْمُسَاقَاة أَو الإعتمار أَو شبه ذَلِك وَأَن كَانَ لَهُ أقل من مُدَّة الْحَوْز طُولِبَ الْمُدَّعِي بإثباته بَيِّنَة فَإِن أثْبته اسْتَحَقَّه بعد أَن يحلف أَنه مَا بَاعه وَلَا فَوته وَلَا خرج عَن ملكه وَإِن لم يُثبتهُ قضي بِهِ لحائزه بعد أَن يحلف أَنه مَا بَاعه وَلَا فَوته وَلَا خرج عَن ملكه فَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَحكم لَهُ بِهِ فَإِن نكل الْمُدَّعِي بَقِي بيد الْحَائِز بَيَان الشَّهَادَة على إِثْبَات الشَّيْء الْمُدَّعِي فِيهِ تكون على عينه فيحضر حِين أَدَاء الشَّهَادَة وتؤدى على عينه وَإِن كَانَ عقارا وقف القَاضِي إِلَيْهِ مَعَ الشُّهُود أَو وَجه شُهُود الْحِيَازَة على الشُّهُود فَيَقُولُونَ لَهُم هَذَا هُوَ الَّذِي شَهِدنَا بِهِ عِنْد القَاضِي ثمَّ يعْذر غلى الْخصم فِي شُهُود الْإِثْبَات وشهود الْحِيَازَة فرع إِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ عرضا أَو حَيَوَانا أَمر القَاضِي بإيقافه حَتَّى يحكم فِيهِ وَنَفَقَة العَبْد وَالدَّابَّة فِي مُدَّة الإيقاف على من يثبت لَهُ وَإِن كَانَ عقارا فَإِن أَقَامَ الطَّالِب شَاهدا وَاحِدًا منع الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ من إِحْدَاث شَيْء فِيهِ فَإِن أَقَامَ شَاهدا ثَانِيًا أخرج من يَده وَمنع من التَّصَرُّف فِيهِ وأغلق إِن كَانَ دَارا حَتَّى ينفذ الحكم فِيهِ الْبَاب السَّادِس فِي الْيَمين فِي الْأَحْكَام وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (المسالة الأولى) فِي الْمَحْلُوف بِهِ وَهُوَ (بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) لكل حلف فِي جَمِيع الْحُقُوق على الْمَشْهُور وَقيل يُزَاد فِي الْقسَامَة وَاللّعان (عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم) وَقيل يزِيد الْيَهُودِيّ (الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى) وَالنَّصْرَانِيّ (الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى) وَقَالَ الشَّافِعِي يُزَاد (الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة) (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَالْيَمِين فِي الْأَحْكَام كلهَا على نِيَّة المستحلف وَهُوَ القَاضِي فَلَا تصح فِيهَا التورية وَلَا بنفع الإستثناء ثمَّ أَن الْيَمين أَرْبَعَة أَنْوَاع ((الأولى)) يَمِين الْمُنكر على نفي الدَّعْوَى فَإِن حلف على مُطَابقَة الْإِنْكَار بَرِيء اتِّفَاقًا وَإِن حلف على أَعم من ذَلِك فَفِيهِ خلاف مثل لَو جحد البَائِع قبض الثّمن فأحلفه المُشْتَرِي فَإِن حلف أَنه لم يقبض من عِنْده شَيْئا من الثّمن بَرِيء وَإِن حلف أَن لَيْسَ لَهُ عِنْده شَيْء على الْإِطْلَاق فَقَوْلَانِ (الثَّانِيَة) يَمِين الْمُدَّعِي على صِحَة دَعْوَاهُ إِذا انقلبت الْيَمين عَلَيْهِ (الثَّالِثَة) يَمِين الْمُدَّعِي مَعَ شَاهده فَيحلف أَنه شهد لَهُ بِالْحَقِّ ((الرَّابِعَة)) يَمِين الْقَضَاء بعد ثُبُوت الْحق على الْغَائِب والمحجور حَسْبَمَا تقدم ثمَّ أَن الْحَالِف إِن حلف على مَا ينْسبهُ إِلَى نَفسه حلف على الْبَتّ فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات وَإِن حلف على مَا ينْسبهُ إِلَى غَيره حلف على الْبَتّ فِي الْإِثْبَات كيمبنه أَن لموروثه على فلَان دينا وعَلى الْعلم فِي النَّفْي كحلفه أَنه لَا يعلم على موروثه شَيْئا (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي مَكَان الْحلف وزمانه أما الْمَكَان فَفِي الْمَسْجِد قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَإِن كَانَ فِي مَسْجِد الْمَدِينَة حلف على الْمِنْبَر وَلَا يشْتَرط الْحلف على الْمِنْبَر فِي سَائِر الْمَسَاجِد خلافًا للشَّافِعِيّ وَقيل إِن حلف على أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار شَرْعِي حلف قَاعِدا حَيْثُ يقْضى عَلَيْهِ من مَسْجِد أَو غَيره وَيحلف الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ حَيْثُ يعظمون من كنائسهم وتحلف المخدرة وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي لَا تخرج فِي الْمَسْجِد بِاللَّيْلِ على مَا لَهُ بَال وتحلف فِي بَيتهَا على أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار شَرْعِي وَإِذا وَجَبت الْيَمين على مَرِيض فَإِن شَاءَ خَصمه أحلفه فِي مَوْضِعه أَو أَخّرهُ إِلَى أَن يبرأ واما الزَّمَان فَفِي كل وَقت إِلَّا فِي الْقسَامَة وَاللّعان فَيحلف بعد صَلَاة الْعَصْر وَيُوجه القَاضِي شَاهِدين للحضور على الْيَمين وَيجْزِي وَاحِد فرع إِذا حلف الْمُنكر ثمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة فَإِن كَانَت غَائِبَة أَو كَانَ لم يعلم بهَا قضى لَهُ بهَا وَإِن كَانَ عَالما بهَا وَهِي حَاضِرَة لم يقْض لَهُ بهَا وَلم تسمع بعد الْيَمين فِي الْمَشْهُور وفَاقا للظاهرية وَخِلَافًا لَهما ولأشهب الْبَاب السَّابِع فِي شُرُوط الشُّهُود وَهِي سَبْعَة الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة والتيقظ وَالْعَدَالَة وَعدم التُّهْمَة فَأَما الْإِسْلَام وَالْعقل فمشترطان إِجْمَاعًا إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة أجَاز شَهَادَة الْكفَّار على الوزصية فِي السّفر وَأما الْحُرِّيَّة فمشترطة خلافًا للظاهرية وَابْن الْمُنْذر وَأما الْبلُوغ فَيشْتَرط فِي كل مَوضِع إِلَّا أَن مَالِكًا أجَاز شَهَادَة الصّبيان بَعضهم على بعض فِي الدِّمَاء خلافًا لَهُم بِشَرْط أَن يتفقوا فِي الشَّهَادَة وَأَن يشْهدُوا قبل تفرقهم وَأَن لَا يدْخل بَينهم كَبِير وَاخْتلف فِي أناثهم وَأما التيقظ فتحرزا بِهِ من الْمُغَفَّل فَلَا تقبل شَهَادَته وَإِن كَانَ صَالحا وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الْعَدَالَة فمشترطة إِجْمَاعًا وَالْعدْل هُوَ الَّذِي يجْتَنب الذُّنُوب الْكَبَائِر ويتحفظ من الصَّغَائِر ويحافظ على مروءته فَلَا تقبل شَهَادَة من وَقع فِي كَبِيرَة كالزنى وَشرب الْخمر وَالْقَذْف وَكَذَلِكَ الْكَذِب إِلَّا إِن تَابَ وَظهر صَلَاحه فَتقبل شَهَادَته إِلَّا أَن يشْهد على أحد بِمَا كَانَ هُوَ قد حد فِيهِ فَلَا تقبل شَهَادَته فِي الْمَشْهُور وَلَا يشْتَرط فِي الشَّاهِد انْتِفَاء الذُّنُوب فَإِن ذَلِك مُتَعَذر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَكْفِي فِي الْعَدَالَة الْإِسْلَام وَعدم معرفَة الجرحة وَتسقط الشَّهَادَة بالإدمان على الشطرنج والنرد وبالإشتغال بِهِ عَن صَلَاة وَاحِدَة حَتَّى يخرج وَقتهَا وَترك صَلَاة الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير عذر وَقيل بِتَرْكِهَا مرّة وَاحِدَة وَتسقط أَيْضا بِفعل مَا يسْقط الْمُرُوءَة وَإِن كَانَ مُبَاحا كَالْأَكْلِ فِي الطرقات وَالْمَشْي حافيا أَو عُريَانا وملازمة سَمَاعه وَأما عدم التُّهْمَة فَيرجع إِلَى سِتَّة أُمُور (الأول) الْميل للْمَشْهُود لَهُ فَلَا تقبل شَهَادَة الْوَلَد لوَالِديهِ وَلَا لأجداده وجداته وَلَا شَهَادَة وَاحِد مِنْهُم لَهُ عِنْد الْجُمْهُور وَلَا شَهَادَة الزَّوْج لامْرَأَته وَلَا شهادتها لَهُ خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا شَهَادَة وَصِيّ لمحجوره وَاخْتلف فِي شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَقيل تقبل إِذا كَانَ عدلا مبرزا وَقيل إِذا لم يكن تَحت صلته وَاخْتلف فِي شَهَادَة الصهر لصهره وَالصديق لصديقه وَفِي شَهَادَة الرجل لِابْنِ امْرَأَته وَفِي شَهَادَة الْمَرْأَة لِابْنِ زَوجهَا وَفِي شَهَادَة الْوَلَد لأحد وَالِديهِ على الآخر وَفِي شَهَادَة الْوَالِد لأحد ولديه على الآخر (الثَّانِي) الْميل على الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا الْخصم على خَصمه وكل من لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فَتقبل لَهُ وكل من لاتقبل شَهَادَته لَهُ فَتقبل عَلَيْهِ (الثَّالِث) أَن يجر لنَفسِهِ مَنْفَعَة بِالشَّهَادَةِ أَو يدْفع عَن نَفسه مضرَّة مثل من شهد على موروثه الْمُحصن بالزنى فيرجم ليرثه أَو من لَهُ دين على مُفلس فَيشْهد للْمُفلس أَن لَهُ دينا على آخر ليتوصل غلى دينه أَو من شهد بِحَق لَهُ وَلغيره (الرَّابِع) الْحِرْص على الشَّهَادَة فِي التَّحَمُّل أَو الْأَدَاء أَو الْقبُول أَو يحلف على شَهَادَته فَذَلِك قَادِح فِيهَا (الْخَامِس) شَهَادَة السُّؤَال الَّذين يَتَكَفَّفُونَ النَّاس لعدم الثِّقَة بهم 0 (السَّادِس) شَهَادَة بدوي على قروي فَلَا تقبل فِي الْأَمْوَال وَشبههَا مِمَّا يُمكن الْإِشْهَاد عَلَيْهَا فِي الْحَضَر بِخِلَاف مَا يطْلب بِهِ الخلوات كالدماء بَيَان وَهَذِه الشُّرُوط السَّبْعَة الَّتِي ذكرنَا فِي الشُّهُود إِنَّمَا تشْتَرط فِي حِين أَدَاء الشَّهَادَة وَأما فِي حِين تحملهَا فَلَا يشْتَرط إِلَّا التيقظ والضبط لما يشْهد فِيهِ سَوَاء كَانَ فِي حِين التَّحَمُّل مُسلما أَو كَافِرًا عدلا أَو غير عدل أَو حرا أَو عبدا وَإِذا ردَّتْ شَهَادَة العَبْد أَو الْكَافِر أَو الصَّغِير أَو الْفَاسِق ثمَّ انقلبت أَحْوَالهم عَن ذَلِك لم تقبل شَهَادَتهم فِيمَا كَانُوا قد ردَّتْ فِيهِ شَهَادَتهم فرع إِذا عثر على شَاهد الزُّور عُوقِبَ بالسجن وَالضَّرْب وَيُطَاف بِهِ فِي الْمجَالِس وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ يسود وَجهه وَلَا تقبل شَهَادَته أبدا لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته (فرع) شَهَادَة الْأَعْمَى جَائِزَة فِيمَا وَقع لَهُ الْعلم بِهِ بِسَمَاع الصَّوْت أَو لمس أَو غير ذَلِك مَا عدا النّظر خلافالهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الْبَاب الثَّامِن فِي مَرَاتِب الشَّهَادَات وَالشُّهُود أما الشَّهَادَة فَهِيَ على سِتّ مَرَاتِب (الأولى) شَهَادَة أَرْبَعَة رجال وَذَلِكَ فِي الشَّهَادَة على الرُّؤْيَة فِي الزِّنَا بِإِجْمَاع (الثَّانِيَة) شَهَادَة رجلَيْنِ وَذَلِكَ فِي جَمِيع الْأُمُور سوى الزِّنَا (وَالثَّالِثَة) شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال خَاصَّة دون حُقُوق الْأَبدَان وَالنِّكَاح وَالْعِتْق والدماء والجراح وَمَا يتَّصل بذلك كُله وَاخْتلف فِي الْوكَالَة على المَال وأجازها أَبُو حنيفَة فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وأجازها الظَّاهِرِيَّة مُطلقًا (وَالرَّابِعَة) شَهَادَة امْرَأتَيْنِ دون رجل وَذَلِكَ فِيمَا لَا تطلع عَلَيْهِ الرجل كالحمل والولادة والإستهلال وَزَوَال الْبكارَة وعيوب النِّسَاء وَقيل إِنَّمَا يعْمل بهَا بِشَرْط أَن يفشو مَا شهدتا بِهِ عِنْد الْجِيرَان وينتشر وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بُد من أَربع نسْوَة وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة (وَالْخَامِسَة) رجل مَعَ يَمِين وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال خَاصَّة (وَالسَّادِسَة) امرأتات مَعَ يَمِين وذلم فِي الْأَمْوَال أَيْضا فتلخص أَن شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو رجل وَيَمِين أَو امْرَأتَيْنِ وَيَمِين مُخْتَصَّة بالأموال وَأما مَرَاتِب الشُّهُود فَهِيَ أَيْضا سِتّ (الأولى) الْعدْل المبرز فِي الْعَدَالَة فَتقبل شَهَادَته فِي كل شَيْء وَلَا يقبل فِيهِ التجريح إِلَّا بالعداوة (الثَّانِيَة) الْعدْل غير المبرز فَتقبل شَهَادَته فِي كل شَيْء وَيقبل فِيهِ التجريح بالعداوة وَغَيرهَا (الثَّالِثَة) الَّذِي تتوسم فِيهِ الْعَدَالَة (الرَّابِعَة) الَّذِي لَا تتوسم فِيهِ الْعَدَالَة وَلَا الجرحة (الْخَامِسَة) الَّذِي تتوسم فِيهِ الجرحة فَلَا تقبل شَهَادَة هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة دون تَزْكِيَة (السَّادِسَة) الْمَعْرُوف بالجرحة فَلَا تقبل شَهَادَته حَتَّى يُزكي وَإِنَّمَا يُزَكِّيه من علم تَوْبَته ورجوعه عَمَّا جرح بِهِ بَيَان يجب أَن يَقُول الْمُزَكي هُوَ عدل رَضِي وَاخْتلف أَن اقْتصر على قَوْله عدل أَو على قَوْله رَضِي وَلَا يَكْفِي أَن يَقُول لَا أعلم فِيهِ إِلَّا خيرا وَيجب أَن ينص المجرح على الجرحة مَا هِيَ وعَلى تاريخها إِذْ يُمكن أَن يكون قد تَابَ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي فِي التجريح وَالتَّعْدِيل أقل من شَاهِدين إِلَّا أَن يسْأَل القَاضِي رجلا فيخبره فَيَكْفِي وَاحِد لِأَنَّهُ من بَاب الْخَبَر وَيشْتَرط فِي الْمُزَكي كل مَا يشْتَرط فِي الشَّاهِد من الشُّرُوط وَيُزَاد إِلَى ذَلِك ثَلَاثَة شُرُوط (أَحدهَا) أَن يكون عَارِفًا بالتزكية (الثَّانِي) أَن يكون مطلعا على أَحْوَال الْمُزَكي بمجاورته أَو مخالطته لَهُ (الثَّالِث) أَن يكون ذكرا فَلَا يجوز تَعْدِيل النِّسَاء وَلَا تجريحهن فرع إِذا زكى شَاهِدَانِ رجلا وجرحه آخرَانِ قدم الشَّاهِدَانِ بالتجريح وَقيل يقدم من كَانَ أعدل فرع لَا يجرح الشَّاهِد إِلَّا من هُوَ أظهر مِنْهُ عَدَالَة إِلَّا إِن جرحه بالعداوة فَيجوز تجريح من هُوَ مثله أَو دونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الْبَاب التَّاسِع فِي التَّحَمُّل وَالْأَدَاء ومستند علم الشَّاهِد وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي تحمل الشَّهَادَة وأدائها وَكِلَاهُمَا فرض كِفَايَة إِلَّا أَن تعين أما التَّحَمُّل فَلَا يجب على الشَّاهِد أَن يتَحَمَّل إِلَّا أَن يفْتَقر إِلَيْهِ ويخشى تلف الْحُقُوق لعدمه وَأما أَدَاء الشَّهَادَة فَيجب على من تحملهَا إِذا كَانَ مُتَعَيّنا وَذَلِكَ إِذا لم يشْهد غَيره أَو تعذر أَدَاء سَائِر الشُّهُود ودعي إِلَى أَدَائِهَا من مَسَافَة قريبَة كالبريد والبريدين وَلَا يجوز أَخذ الْأُجْرَة على الْأَدَاء لِأَنَّهُ وَاجِب (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي ابْتِدَاء الشَّاهِد بأَدَاء شَهَادَته قبل أَن يدعى إِلَى الْأَدَاء وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) يجب عَلَيْهِ فِيهِ الإبتداء وَيجوز لَهُ وَذَلِكَ فِيمَا كَانَ من حُقُوق الله وَهُوَ يستدام فِيهِ التَّحْرِيم كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالشَّهَادَة بِالرّضَاعِ والأحباس (الثَّانِي) لَا يجب عَلَيْهِ فِيهِ الإبتداء وَيجوز لَهُ وَذَلِكَ فِيمَا كَانَ من حُقُوق الله وَلَا يستدام فِيهِ تَحْرِيم كَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَترك الإبتداء بِالشَّهَادَةِ أولى لِأَنَّهُ ستر (الثَّالِث) لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْأَدَاءِ حَتَّى يدعى فَإِن دعِي إِلَيْهِ أدّى وَإِن سكت عَنهُ ترك ذَلِك وَإِن بَدَأَ بهَا قبل أَن دعِي إِلَيْهَا لم تقبل مِنْهُ وَذَلِكَ فِي حُقُوق النَّاس بَعضهم على بعض فروع من كَانَت عِنْده شَهَادَة لرجل لَا يعلم بهَا صَاحبهَا فليخبره بهَا ثمَّ يُؤَدِّيهَا عِنْد الْحَاكِم إِن طلبه صَاحبهَا بِالْأَدَاءِ وَمن أدخلهُ رجلَانِ بَينهمَا للصلح جَازَ لَهُ أَن يشْهد بِالصُّلْحِ وَلَا يشْهد بِمَا أقرّ بِهِ أَحدهمَا وَمن قَالَ لَهُ رجلَانِ اسْمَع منا وَلَا تشهد علينا فَلَا يفعل فَإِن فعل واحتيج إِلَى شَهَادَته فليؤدها وَمن سمع رجلا يقر بِحَق فَلَا يشْهد عَلَيْهِ حَتَّى يستشهد لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون خَبرا عَمَّا تقدم إِلَّا أَن قَالَ الْمقر هُوَ عَليّ الْآن وَنَحْو من الْيَقِين وَمن أقرّ فِي الخلا وَجحد فِي الملا فَيجوز أَن يَجْعَل الْغَرِيم من يسمع إِقْرَاره خلف حَائِط أَو ستر إِلَّا إِن كَانَ الْمقر ضَعِيفا أَو مخدوعا فَلَا يجوز للشَّاهِد أَن يسْتَتر عَنهُ وَلَا تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بذلك (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الشَّهَادَة على الْخط وَقد اخْتلف فِيهَا وَلَكِن جرى الْعَمَل بجوازها وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع شَهَادَة الشَّاهِد على خطّ نَفسه وَشَهَادَة الشَّاهِد على خطّ شَاهد غَيره وَشَهَادَة الشَّاهِد على خطّ غَيره بِمَا أقرّ بِهِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لَا يجوز للْإنْسَان أَن يشْهد إِلَّا بِمَا علمه يَقِينا لَا يشك فِيهِ إِمَّا بِرُؤْيَة أَو سَماع إِلَّا أَنه تجوز الشَّهَادَة على شَهَادَة شَاهد آخر ونقلها عَنهُ بِالْقَاضِي إِذا تعذر أَدَاء الشَّاهِد الأول لمرضه أَو غيبته أَو مَوته أَو غير ذَلِك فِي جَمِيع الْحُقُوق ومنعها الشَّافِعِي فِي حُقُوق الله وَأَبُو حنيفَة فِي الْقصاص وَيَكْفِي شَاهِدَانِ فِي نقل شَهَادَة شَاهِدين وَقَالَ الشَّافِعِي أَرْبَعَة (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) تجوز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ الفاشي فِي أَبْوَاب مَخْصُوصَة وَهِي عشرُون النِّكَاح وَالرّضَاع وَالْحمل والولادة وَالْمَوْت وَالنّسب وَالْوَلَاء وَالْحريَّة والأحباس وَالضَّرَر وتولية القَاضِي وعزله وترشيد السَّفِيه وَالْوَصِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَإِن فلَانا وصّى وَالصَّدقَات المتقادمة والأشربة المتقادمة وَالْإِسْلَام وَالْعَدَالَة والجرحة وَلَا تجوز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ الفاشي فِي أثبات ملك لطالبه وَإِنَّمَا تجوز للَّذي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِشَرْط حوزه لَهُ سِنِين كَثِيرَة كالأربعين وَالْخمسين فرع اخْتلف فِيمَن رفع إِلَى الشُّهُود كتابا مطبوعا وَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ وَفِي القَاضِي يطبع على كتاب وَيشْهد الشُّهُود بِأَنَّهُ كِتَابه فَقيل تجوز الشَّهَادَة وَإِن لم يقرؤوه وَقيل لَا تجوز إِلَّا أَن يقرؤوه ويعلموا مَا فِيهِ الْبَاب الْعَاشِر فِي رُجُوع الشَّاهِد عَن شَهَادَته فَإِن رَجَعَ قبل الحكم بهَا لم يحكم وَلم يلْزمه شَيْء خلافًا لقوم وَإِن رَجَعَ بعد الحكم لم ينْقض الحكم عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للأوزاعي وَسَعِيد بن الْمسيب وَيلْزم الشَّاهِد مَا أتلف بِشَهَادَتِهِ إِذا أقرّ أَنه تعمد الزُّور ثمَّ أَن شَهَادَته الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا بعد الحكم إِن كَانَت فِي مَال لزمَه غرمه وَإِن كَانَت فِي دم غرم الدِّيَة فِي الْخَطَأ والعمد وفَاقا لأبي حنيفَة وَقَالَ أَشهب يقْتَصّ مِنْهُ فِي الْعمد وفَاقا للشَّافِعِيّ وَإِن كَانَت فِي حد فَإِن رَجَعَ قبل الحكم حد وَإِن رَجَعَ بعده حد أَيْضا فَإِن كَانَ الْحَد رجما فَاخْتلف هَل تُؤْخَذ مِنْهُ الدِّيَة أَو يقتل وَإِن كَانَت فِي عتق لزمَه قيمَة العَبْد لسَيِّده وَإِن كَانَت فِي طَلَاق قبل الدُّخُول لزم الشَّاهِدين نصف الصَدَاق بِخِلَاف بعد الدُّخُول فَلَا يلْزمهُمَا شَيْء وَقَالَ أَبُو حنيفَة صدَاق الْمثل وَإِذا ادّعى الشَّاهِد الْغَلَط فَاخْتلف هَل يلْزمه مَا لزم الْمُتَعَمد للكذب أم لَا وَالصَّحِيح أَنه يلْزمه فِي الْأَمْوَال لِأَنَّهَا تضمن فِي الْخَطَأ فرع إِذا حكم حَاكم بِشَهَادَة شَاهِدين ثمَّ قَامَت بعد الحكم بَيِّنَة بفسقهما لم يضمن مَا أتلف بِشَهَادَتِهِمَا وَلَو قَامَت بَيِّنَة بكفرهما أَو رقهما ضمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 = الْكتاب السَّادِس فِي الْأَبْوَاب المشاكلة للأقضية لتعلقها بِالْأَحْكَامِ وَفِيه سِتَّة عشر بَابا = الْبَاب الأول فِي الْإِقْرَار وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْمقر وكل مقرّ يقبل إِقْرَاره إِلَّا سِتَّة وهم الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يقبل إقرارهما مُطلقًا وَالثَّالِث العَبْد يقبل إِقْرَاره فِيمَا يرجع إِلَى بدنه كالحدود دون مَا يرجع إِلَى المَال وَالرَّابِع السَّفِيه فَيقبل إِقْرَاره فِي الْجِنَايَات وَالْحُدُود دون الْأَمْوَال وَالْخَامِس الْمُفلس وَسَيَأْتِي حكمه وَالسَّادِس الْمَرِيض فَلَا يقبل إِقْرَاره لمن يتهم بمودته من قريب أَو صديق ملاطف سَوَاء كَانَ وَارِثا أَو غير وَارِث إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة وَيقبل فِيمَا سوى ذَلِك فرع إِذا أَبْرَأ الْمَرِيض أحد ورثته من شَيْء فَإِن كَانَ ابراؤه من شَيْء لَو ادّعى الْوَارِث الْبَرَاءَة مِنْهُ كلف الْبَيِّنَة على ذَلِك لم تَنْفَعهُ تبرئة الْمَرِيض وَعَلِيهِ أَن يُقيم الْبَيِّنَة على صِحَة ذَلِك وَإِلَّا غرم وَإِن كَانَ ابراؤه مِمَّا لَو ادّعى الْبَرَاءَة مِنْهُ صدق بِغَيْر بَيِّنَة نفعته التبرئة وَمن أقرّ على نَفسه وعَلى غَيره لزمَه الْإِقْرَار على نَفسه وَلم يلْزمه إِقْرَار على غَيره وَلكنه يكون شَاهدا فِيهِ وَلذَلِك لَا يقبل قَرَار الْوَصِيّ على مَحْجُوره وَلَا الْأَب على وَلَده الصَّغِير أَو الْكَبِير ويكونان شَاهِدين وَمن أقرّ بِمَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ قبل إِقْرَاره فِيمَا عَلَيْهِ دون مَاله (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْمقر بِهِ إِذا كَانَ اللَّفْظ بَينا لزمَه مَا أقرّ بِهِ من مَال أَو حد أَو قصاص فَإِن كَانَ لفظا مُحْتملا حمل على أظهر مَعَانِيه وَفِي هَذَا الْفَصْل فروع كَثِيرَة اخْتلف الْفُقَهَاء فِيهَا لاخْتِلَاف مَعَانِيهَا فَمن قَالَ لفُلَان عَليّ شَيْء قبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مَال قبل مَا يُفَسر بِهِ وَلَو حَبَّة أَو قيراطاويحلف وَقيل لَا يقبل فِي أقل من نِصَاب الزَّكَاة وَقيل فِي ربع دِينَار وَلَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كثير فَقيل هُوَ كَقَوْلِه مَال وَقيل هُوَ ألف دِينَار قدر الدِّيَة فَلَو قَالَ كَذَا فَهُوَ كالشيء يقبل مَا يفسره بِهِ وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا بالْعَطْف لزمَه أحد وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أقل الْأَعْدَاد المعطوفات فَلَو قَالَ كَذَا درهما لزمَه عشرُون وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما بِغَيْر وَاو لزمَه أحد عشر لِأَنَّهُ أقل عدد مركب وَلَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ونيف فَالْقَوْل قَوْله فِي النيف وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف فَسرهَا بِمَا شَاءَ من دَنَانِير أَو دَرَاهِم أَو غير ذَلِك وَإِن قَالَ لَهُ عَليّ بضعَة عشر كَانَ ثَلَاثَة عشر لِأَن الْبضْعَة من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ أَكثر مائَة أَو جلّ مائَة أَو نَحْو مائَة أَو مائَة إِلَّا قَلِيلا فَعَلَيهِ الثُّلُثَانِ وَقيل النّصْف وَزِيَادَة وَهُوَ أحد وَخَمْسُونَ وَلَو قَالَ دَنَانِير أَو دَرَاهِم أَو جمع من أَي من الْأَصْنَاف كَانَ لزمَه ثَلَاثَة وَكَذَلِكَ إِن صغر فَقَالَ دريهمات وَلَو قَالَ دَرَاهِم كَثِيرَة فَقيل يلْزمه أَرْبَعَة وَقيل تِسْعَة وَقيل مِائَتَان وَلَو قَالَ مَا بَين وَاحِد إِلَى عشرَة لَزِمته تِسْعَة وَقيل عشرَة وَلَو قَالَ عشرَة فِي عشرَة لَزِمته مائَة إِلَّا أَن فَسرهَا بِأَنَّهُ تعيّنت لَهُ عِنْده عشرَة فِي عشرَة بَاعهَا مِنْهُ وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ زَيْت أَو عسل فِي زق أَو فِي جرة لزمَه الْمقر بِهِ والوعاء وَلَو قَالَ دِرْهَم دِرْهَم لزمَه دِرْهَم وَاحِد وللطالب أَن يحلفهُ أَنه مَا أَرَادَ دِرْهَمَيْنِ وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم أَو دِرْهَم ثمَّ دِرْهَم أَو دِرْهَم مَعَ دِرْهَم أَو فَوق دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم أَو قبل دِرْهَم أَو بعد دِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِينَار لزمَه الدِّينَار وَسقط الدِّرْهَم وَلَو قَالَ لفُلَان فِي هَذِه الدَّار نصيب أَو حق قبل تَفْسِيره بِمَا قل أَو كثر إِلَّا أَن يدعى الْمقر لَهُ أَكثر فيحلفه على نفي الزِّيَادَة وَلَو قَالَ يَوْم السبت لَهُ عَليّ ألف وَقَالَ كَذَلِك يَوْم الْأَحَد لم يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد إِلَى أَن يضيف إِلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين وَلَو اخْتلف الْإِقْرَار فَأقر لَهُ فِي موطن بِمِائَة وَفِي موطن آخر بمائتين لزمَه ثَلَاثمِائَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف من خمر أَو خِنْزِير لم يلْزم شَيْء وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِن حلف فَحلف الْمقر لَهُ فَلَا شَيْء لَهُ لِأَن الْمقر يَقُول مَا ظَنَنْت أَنه يحلف وَإِن أقرّ بِمِائَة دِينَار دينا لَزِمته دينا أَو وَدِيعَة لَزِمته وَدِيعَة فَإِن قَالَ دينا أَو وَدِيعَة كَانَت دينا مَسْأَلَة فِي الِاسْتِثْنَاء إِذا اسْتثْنى مَا لَا يسْتَغْرق صَحَّ كَقَوْلِه عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة فَيلْزمهُ وَاحِد فَإِن اسْتثْنى فَقَالَ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا أَرْبَعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا إثنان إِلَّا وَاحِد لَزِمته خَمْسَة فَإِن اسْتثْنى من غير الْجِنْس كَقَوْلِه ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء على الْمَشْهُور وَذكر قيمَة الثَّوْب فأخرجت من الْألف وَقيل اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِل (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار فَإِن أقرّ بِحَق لمخلوق لم ينفع الرُّجُوع وَإِن أقرّ بِحَق الله تَعَالَى كالزنى وَشرب الْخمر فَإِن رَجَعَ إِلَى شُبْهَة قبل مِنْهُ وَإِن رَجَعَ إِلَى غير شُبْهَة فَفِيهِ قَولَانِ قيل يقبل مِنْهُ وفَاقا لَهما وَقيل لَا يقبل مِنْهُ وفَاقا لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ الْبَاب الثَّانِي فِي الحكم على الْمديَان وَهُوَ الْغَرِيم وَيُقَال أَيْضا غَرِيم لصَاحب الْحق وَفِي الْبَاب ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَنْوَاع الْغُرَمَاء وهم ثَلَاثَة أَنْوَاع (الأول) غَرِيم ملي فَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 يجب الْأَدَاء وَلَا يحل لَهُ المطل (الثَّانِي) غَرِيم مُعسر غير عديم فَيُسْتَحَب تَأْخِيره وَهُوَ الَّذِي يجحف بِهِ الْأَدَاء وَيضْرب بِهِ (الثَّالِث) غَرِيم مُعسر عديم فَيجب تَأْخِيره إِلَى أَن يوسر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لغرمائه أَن يلازموه ويدوروا مَعَه حَيْثُمَا دَار وَقَالَ عمر بن عبد العزيز وَابْن حَنْبَل لَهُم أَن يؤاجروه وَكَانَ الحكم فِي أول الْإِسْلَام أَن يُبَاع فِي دينه فنسخ لقَوْل الله تَعَالَى ((وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة)) (الْفَصْل الأول) فِي الحكم على المذيان فَإِذا عدا صَاحب الْحق غَرِيمه إِلَى القَاضِي بعد ثوبت الْحق وحلوله فَلَا يَخْلُو من وَجْهَيْن (الأول) أَن يَدعِي الْعَدَم (الثَّانِي) أَن لَا يَدعِي الْعَدَم فَأَما إِن ادّعى الْعَدَم فَلَا يقبل مِنْهُ لِأَن النَّاس محمولون على الملاء حَتَّى يثبت عدمهم فَأَما أَن يُعْطي رهنا أَو ضَامِنا بِوَجْهِهِ وَإِلَّا سجن اتِّفَاقًا حَتَّى يتَبَيَّن عَدمه ويتبين عَدمه إِن ثَبت بالشهود الْعُدُول وَيحلف بعد ذَلِك أَنه مَا لَهُ مَال وَلَا ظَاهر وَلَا بَاطِن لِأَن شَهَادَة الشُّهُود بِالْعدمِ هِيَ على نفي الْعلم وَيحلف هُوَ على الْبَتّ فَإِذا خلف بعد الثُّبُوت سرح وَسقط عَنهُ الطّلب حَتَّى يَسْتَفِيد مَالا وَيُؤَدِّي مِنْهُ فَإِن ادّعى صَاحب الْحق بعد ذَلِك أَنه قد اسْتَفَادَ مَالا لم يكا لَهُ أَن يحلفهُ وَأما الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ إِذا لم يدع الْغَرِيم الْعَدَم فَإِنَّهُ يُؤمر بِالْأَدَاءِ فَإِن قَالَ أمهلوني بَيْنَمَا يَتَيَسَّر لي أعطي رهنا أَو ضَامِنا بِالْمَالِ لم يسجن ويؤخره القَاضِي مُدَّة على حسب قلَّة الدّين وكثرته وَذَلِكَ يرجع إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي وَهَذَا إِذا لم يكن من أهل الناض فَإِن كَانَ من أهل الناض لم يُؤَخر وَأمر بِالْأَدَاءِ معجلا فَإِن امْتنع مِنْهُ سجن فَإِن ادّعى صَاحب الْحق أَن عِنْد الْغَرِيم ناضا وَأنكر الْغَرِيم حلف الْغَرِيم أَنه لَيْسَ عِنْده ناض فَإِن نكل عَن الْيَمين حلف صَاحب الْحق وأجبر الْغَرِيم على الْأَدَاء وَلم يُؤَخر فَإِن طلب صَاحب الْحق أَن يفتش دَار الْغَرِيم فَاخْتلف هَل يُمكن من ذَلِك أم لَا (الْفَصْل الثَّالِث) فِي سجن الْغَرِيم وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع ((الأول)) سجن من ادّعى الْعَدَم وجهلت حَالَته فيسجن حَتَّى يثبت عَدمه أَو يُعْطي ضَامِنا بِوَجْهِهِ ((الثَّانِي)) سجن من اتهمَ أَنه أخْفى مَالا وغيبه فَإِنَّهُ يسجن حَتَّى يُؤَدِّي أَو يثبت عَدمه إِلَى أَن يُعْطي ضَامِنا بِالْمَالِ ((الثَّالِث)) يسجن من أَخذ أَمْوَال النَّاس وتقعد عَلَيْهَا وَادّعى الْعَدَم فَتبين كذبه فَإِنَّهُ يحبس أبدا حَتَّى يُؤَدِّي أَمْوَال النَّاس أَو يَمُوت فِي السجْن وَقَالَ سَحْنُون يضْرب الْمرة بعد الْمرة حَتَّى يُؤَدِّي أَمْوَال النَّاس وَلَا ينجيه من ذَلِك إِلَّا ضَامِن بِالْمَالِ الْبَاب الثَّانِي فِي التَّفْلِيس الْفلس هُوَ عدم المَال والتفليس هُوَ خلع الرجل عَن مَاله للْغُرَمَاء فَإِذا أحَاط الدّين بِمَال أحد وَلم يكن فِي مَاله وَفَاء بديونه وَقَامَ الْغُرَمَاء عِنْد القَاضِي فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 يجْرِي فِي ذَلِك على الْمديَان أَحْكَام التَّفْلِيس وَهِي خَمْسَة (الأول) أَنِّي سجن اسْتِبْرَاء لأَمره (الثَّانِي) أَن تحل عَلَيْهِ الدُّيُون المؤجلة والمعجلة فِي الْمَذْهَب بعد سجنه أَو استتاره كَمَا تحل على الْإِنْسَان إِذا مَاتَ اتِّفَاقًا (الثَّالِث) أَن لَا يقبل إِقْرَاره بدين وَشبهه وَإِن كَانَ إِقْرَاره بعد الدُّيُون وَقبل التَّفْلِيس قبل فِيمَن لَا يتهم عَلَيْهِ وَلَا يقبل فِيمَن يتهم بالميل إِلَيْهِ من قريب أَو صديق فَإِن كَانَ إِقْرَاره بعد التَّفْلِيس لم يقبل أصلا وَلَكِن يجب فِي ذمَّته مَتى اسْتَفَادَ مَالا وَاخْتلف فِي إِقْرَاره بِمَال معِين كَالْوَدِيعَةِ بَيِّنَة والقراض فَقيل يقبل وَقيل لَا يقبل وَقيل يقبل إِن كَانَ على أصل الْقَرَاض والوديعة بَينه (الرَّابِع) أَن يحْجر عَلَيْهِ فَلَا ينفذ تصرفه فِي مَاله فَإِن تصرف فِيهِ بعد الدُّيُون وَقبل التَّفْلِيس نفذ مَا كَانَ تصرفه بعوض كَالْبيع وَلم ينفذ مَا كَانَ بِغَيْر عوض كالهية وَالْعِتْق وَاخْتلف فِي جَوَاز رَهنه وقضائه بعض غُرَمَائه دون بعض وَأما بعد التَّفْلِيس فَلَا ينفذ شَيْء من أَفعاله سَوَاء كَانَ بعوض أَو بِغَيْر عوض ((الْخَامِس)) قسم مَاله على الْغُرَمَاء بعد أَن يتْرك لَهُ مِنْهُ كسوته وَمَا يَأْكُلهُ أَيَّامًا هُوَ وَأَهله وَفِي الْوَاضِحَة الشَّهْر وَنَحْوه وَاخْتلف هَل تتْرك كسْوَة زَوجته وَهل تبَاع عَلَيْهِ كتب الْعلم ثمَّ يجْتَمع كل مَا وجد لَهُ من أصُول وعروض وَغير ذَلِك وتباع الْأُصُول وَالْعرُوض وَيقسم الْمَجْمُوع على الْغُرَمَاء فَإِن وفيى بِدِينِهِ سرح من السجْن وبريء من الدُّيُون وَإِن كَانَ مَاله لَا يقوم بالديون قسم قسْمَة المحاصة وَالْعَمَل فِي المحاصة أَن ينظر نِسْبَة مَاله من جَمِيع الدُّيُون وَيُعْطى كل وَاحِد من الْغُرَمَاء بِتِلْكَ النِّسْبَة دينه مِثَال ذَلِك إِذا كَانَ مالخ عشرَة دَنَانِير والديون عشرُون دِينَار فَيعْطى كل وَاحِد مِنْهُم نصف دينه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مَاله عشرَة والديون ثَلَاثُونَ أعطي كل وَاحِد مِنْهُم ثلث دينه وَيحلف الْمُفلس أَنه لَيْسَ لَهُ مَال ظَاهر وَلَا بَاطِن يُؤَدِّي مِنْهُ بَقِيَّة دينه وَحِينَئِذٍ يسرح من السجْن وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ للْحَاكِم أَن يحجز على الْمُفلس وَلَا يَبِيع مَاله بل يحْبسهُ حَتَّى يُؤَدِّي أَو يَمُوت فِي السجْن مَسْأَلَة من بَاعَ سلْعَة ثمَّ أفلس المُشْتَرِي أَو مَاتَ قبل أَدَاء الثّمن فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال (الأولى) يكون البَائِع أَحَق بسلعته فِي فلس المُشْتَرِي وَوجه ذَلِك إِذا كَانَت السّلْعَة بَاقِيَة بيد البَائِع وَكَذَلِكَ الصناع إِذا أفلس رب الْمَتَاع أَو مَاتَ وَالْمَتَاع بيد الصناع وَكَذَلِكَ الأَرْض أَحَق بالزرع فِي الْكِرَاء (الثَّانِيَة) يكون البَائِع أحل بالسلعة فِي فلس المُشْتَرِي دون مَوته وَهُوَ إِذا كَانَت السّلْعَة بَاقِيَة بيدالمشتري وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ أَحَق بهَا فِي الْمَوْت والفلس وَعكس أَبُو حنيفَة (الثَّالِثَة) يكون البَائِع فِيهَا سَوَاء مَعَ سَائِر الْغُرَمَاء فِي الْمَوْت والفلس وَهَذَا إِذا كَانَت السّلْعَة قد فَاتَت أَو ذهبت فرع قَالَ ابْن حَارِث اتَّفقُوا على أَن البَائِع إِذا وجد عين مَاله بيد المُشْتَرِي وَقد زَاد أَو نقص كَانَ لَهُ أَخذه على مَا يُوجب الحكم فِي الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَقَالَ ابْن مُحرز إِن تَغَيَّرت تغيرا يَسِيرا فَالْحكم فِيهَا أَن صَاحبهَا أَحَق بهَا وَإِن تَغَيَّرت تغيرا كثيرا بَطل حق البَائِع فِيهَا وَإِن ترَتّب الدّين على الْمَيِّت أَو الْمُفلس من كِرَاء أَو إِجَارَة أَو شَيْء غير البيع فالغرماء كلهم سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْبَاب الرَّابِع فِي الْحجر المحجورون سَبْعَة وهم الصَّغِير وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه وَالْعَبْد وَالْمَرِيض وَالْمَرْأَة والمفلس فَأَما لصغير فَهُوَ غير الْبَالِغ فَلَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله فَإِن تصرف بعوض كَالْبيع وَالشِّرَاء فَذَلِك إِلَى نظر وليه فَإِن شَاءَ رد وَإِن شَاءَ أجَاز وَلَا كَلَام فِي ذَلِك لمن عَامله وَإِذا رد مَا بَاعه الصَّبِي من مَاله فَلَا شَيْء للْمُشْتَرِي مِمَّا دفع الثّمن للصَّبِيّ إِلَّا أَن يكون الصَّبِي أنْفق ذَلِك فِي مَصَالِحه الَّتِي لَا بُد لَهُ مِنْهَا فَيلْزم الْوَلِيّ رده وَإِن تصرف بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق فَهُوَ مَرْدُود وكل مَا يعْقد الْوَالِد على وَلَده الصَّغِير فَحكمه فِيهِ نَافِذ لولايته عَلَيْهِ وَنَظره لَهُ إِلَّا مَا وهب من مَاله أَو تصدق بِهِ فَهُوَ غير بَائِن وَينفذ عتقه لرقيق وَلَده وَتلْزَمهُ الْقيمَة وكل مَا أقرّ بهالوالد على وَلَده الصَّغِير فِيمَا ينظر لَهُ فِيهِ فَإِقْرَاره جَائِز وَمَا أقرّ بِهِ عَلَيْهِ من الْغَصْب وَالْجِنَايَة لم يجز إِقْرَاره عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيهِ شَاهد وَيجوز للْأَب أَن يَشْتَرِي من نَفسه لِابْنِهِ الصَّغِير وَإِن يَشْتَرِي لنَفسِهِ من مَاله إِذا كَانَ ذَلِك نظر للْوَلَد بَيَان فَإِذا بلغ فَلَا يَخْلُو أَن يكون ذكرا أَو أُنْثَى فَإِن كَانَ ذكرا فَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام (أَحدهَا) أَن يكون أَبوهُ حَيا فَإِنَّهُ ينْطَلق من الْحجر بِبُلُوغِهِ مَا لم يظْهر مِنْهُ سفه أَو يحجره أَبوهُ (الثَّانِي) أَن يكون أَبوهُ قد مَاتَ وَعَلِيهِ وَصِيّ فَلَا ينْطَلق من الْحجر إِلَّا بالترشيد فَإِن كَانَ وَصِيّه بِتَقْدِيم الْأَب فَلهُ أَن يرشده من غير إِذن القَاضِي وَإِن كَانَ الْوَصِيّ مقدما من قَاض لم يكن لَهُ ترشيد إِلَّا بِإِذن القَاضِي وللقاضي ترشيد الْمَحْجُور إِذا ثَبت عِنْده رشده سَوَاء كَانَ يُوصي أَو بِغَيْر وَصِيّ (الثَّالِث) أَن يبلغ وَلَا يكون أَب وَلَا وَصِيّ وَهُوَ المهمل فَهُوَ مَحْمُول على الرشد إِلَّا أَن يتَبَيَّن سفهه وَإِن كَانَت أُنْثَى فَهِيَ تَنْقَسِم إِلَى تِلْكَ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَأَما ذَات الْأَب إِذا بلغت فَتبقى فِي حجره حَتَّى تتَزَوَّج وَيدخل بهَا زَوجهَا وَتبقى مُدَّة بعد الدُّخُول وَاخْتلف فِي تَحْدِيد تِلْكَ الْمدَّة من عَام إِلَى سَبْعَة أَعْوَام وَقيل لَا تَنْطَلِق حَتَّى يرشدها أَبوهَا أَو يشْهد لَهَا بِالرشد وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة إِذا بلغت ملكت أمرهَا وَأما ذَات الْوَصِيّ فَلَا تَنْطَلِق من الْحجر إِلَّا بالترشيد حَسْبَمَا ذكرنَا وَأما الْمُهْملَة فَقيل أَنَّهَا تملك أَمر نَفسهَا إِذا بلغت وَقيل حَتَّى يدْخل بهَا زَوجهَا أَو تعنس وَأما السَّفِيه فَهُوَ المبذر لمَاله إِمَّا لإنفاقه باتباعه لشهوته وَإِمَّا لعدم مَعْرفَته بمصالحه وَإِن كَانَ صَالحا فِي دينه والرشيد هُوَ الضَّابِط لمَاله وَلَا يشْتَرط صَلَاحه فِي دينه خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن الْمَاجشون فَإِذا ثَبت سفهه حجره القَاضِي وَإِن كَانَ كَبِيرا وَقَالَ أَبُو حنيفَة من بلغ خمْسا وَعشْرين سنة انْطلق من الْحجر وَلم يجز الْحجر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ سَفِيها وأفعال السَّفِيه نَافِذَة مَا لم يحْجر عَلَيْهِ وَابْن الماشجون إِنَّمَا تجوز أَفعاله إِذا كَانَ رشيدا ثمَّ سفه بِخِلَاف من بلغ سَفِيها وَطَلَاق السَّفِيه نَافِذ وعتقه لأم وَلَده وَلَا يُزَوّج بَنَاته إِلَّا بِإِذن وليه وأفعال المهمل نَافِذَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 عِنْد غير ابْن الْقَاسِم حَتَّى يحْجر عَلَيْهِ تَكْمِيل فِي أَحْكَام الْوَصِيّ فَلَا يجوز أَن يكون الْوَصِيّ إِلَّا عدلا وَإِذا قبل الْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ أَن يرجع فِي طول حَيَاته وَلَا يرجع بعد مماته وكل مَا يُجِيز الْوَصِيّ من فعل الْمَحْجُور فَهُوَ جَائِز وكل مَا يَفْعَله الْوَصِيّ على وَجه النّظر فَهُوَ جَائِز بِخِلَاف مَا فعله على وَجه الْمُحَابَاة وَسُوء النّظر وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتَرِي من مَال الْمَيِّت شَيْئا لما يلْحقهُ من التُّهْمَة إِلَّا أَن يكون بيع ذَلِك قَاض بِالسَّوَادِ على مَلأ من النَّاس وَلَا يَبِيع الْوَصِيّ عقار الْمَحْجُور إِلَّا لحَاجَة أَو مصلحَة وَلَا تجوز شَهَادَة الْوَصِيّ لمحجوره وَإِذا دفع الْوَصِيّ دين الْمَيِّت بِغَيْر بَيِّنَة ضمن وَإِذا كَانَ وصيان اثْنَان لم يفعل شَيْئا إِلَّا بِإِذن الآخر وَيكون المَال عِنْد أعدلهما وَلَا يقسم بَينهمَا وَإِذا اخْتلفَا نظر السُّلْطَان بَينهمَا وَإِذا أنْفق الْوَصِيّ على الْمَحْجُور فَإِن كَانَ فِي حضانته صدق فِيمَا يشبه دون بَيِّنَة وَإِن لم يكن فِي حضانته فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَنه أنْفق عَلَيْهِم أَو دفع إِلَيْهِم وَيَأْكُل الْوَصِيّ الْفَقِير من مَال مَحْجُوره خلافًا لأبي حنيفَة ووصي الْوَصِيّ كالوصي فِي كل مَا ذكر وَأما الْمَجْنُون فيحجر عَلَيْهِ حَتَّى يبرأ وَأما العَبْد فَلَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله إِلَّا بِإِذن سَيّده وَقد تقدم فِي مُعَاملَة العبيد وَأما الْمَرِيض فَهُوَ نَوْعَانِ مَرِيض لَا يخَاف عَلَيْهِ الْمَوْت غَالِبا كالأبرص والمجذوم والأرمد وَغير ذَلِك فَلَا حجر عَلَيْهِ أصلا ومريض يخَاف عَلَيْهِ فِي الْعَادة كالحمى والسل وَذَات الْجنب وَشبه ذَلِك فَهَذَا هُوَ الَّذِي يحْجر عَلَيْهِ فَيمْنَع مِمَّا زَاد على قدر الْحَاجة من الْأكل وَالشرب وَالْكِسْوَة والتداوي وَمِمَّا يخرج من مَاله بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق وَلَا يمْنَع من الْمُعَارضَة إِلَّا أَن كَانَ فِيهَا مُحَابَاة فَإِن مَاتَ كَانَ مَا فعل مِمَّا يمْنَع مِنْهُ فِي ثلثه وَإِن عَاشَ كَانَ فِي رَأس مَاله وَإِنَّمَا الْحجر عَلَيْهِ لحق ورثته وَيلْحق بِهِ من يخَاف عَلَيْهِ الْمَوْت كالمقاتل فِي الصَّفّ والمحبوس للْقَتْل وَالْحَامِل إِذا بلغت سِتَّة أشهر وَاخْتلف فِي رَاكب الْبَحْر وَقت الهول وَأما الْمَرْأَة فَإِنَّمَا يحْجر عَلَيْهَا إِذا كَانَت ذَات زوج أَن تتصرف بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق فِيمَا زَاد على ثلث مَالهَا خلافًا لَهما وَإِذا تصرفت فِي أَكثر من الثُّلُث فَقيل تبطل الزِّيَادَة على الثُّلُث خَاصَّة وَقيل يبطل الْجَمِيع وَلها التَّصَرُّف بعوض فِي جَمِيع مَاله وَبِغير عوض فِي فَمَا دون إِلَّا أَن تكون قد أمتعت زَوجهَا فِي مَالهَا فَلَيْسَ لَهَا التَّصَرُّف فِي شَيْء مِمَّا أمتعته لَا بعوض وَلَا بِغَيْر عوض إِلَّا بِإِذْنِهِ وَقد تقدم حكم الْمُفلس الْبَاب الْخَامِس فِي الرهون وَفِيه عشر مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأول) فِي الْمَرْهُون وَيجوز رهن كل شَيْء يَصح تملكه من الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَالْعَقار وَيجوز رهن الْمشَاع خلافًا لأبي حنيفَة وَيجوز رهن الدَّنَانِير إِذا طبع عَلَيْهَا وَيجوز رهن الدّين خلافًا للشَّافِعِيّ وَرهن التَّمْر قبل بَدْء صَلَاحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَيجوز الرَّهْن قبل حُلُول الْحق خلافًا للشَّافِعِيّ وَبعد حُلُوله اتِّفَاقًا وَالرَّهْن محتبس بِالْحَقِّ مَا بَقِي مِنْهُ دِرْهَم وَلَا ينْحل بعضه بأَدَاء بعض الْحق (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْمَرْهُون فِيهِ وَهُوَ جَمِيع الْحُقُوق من بيع أَو سلف أَو غير ذَلِك إِلَّا الصّرْف وَرَأس مَال السّلم وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة لَا يجوز أَخذ الرَّهْن إِلَّا فِي السّلم يَعْنِي الْمُسلم فِيهِ واشترطوا أَن يكون أَيْضا فِي السّفر وَإِن لَا يُوجد كَاتب (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْقَبْض وَهُوَ الْحَوْز فَهُوَ شَرط تَمام فِي العقد وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة شَرط صِحَة وعَلى الْمَذْهَب فَإِذا عقد الرَّهْن بالْقَوْل لزم وأجبر الرَّاهِن على أقباضه للْمُرْتَهن فِي الْمُطَالبَة بِهِ فَإِن ترَاخى الْمُرْتَهن فِي الْمُطَالبَة بِهِ أَو رَضِي بِتَرْكِهِ فِي يَد الرَّاهِن بَطل الرَّهْن وَلَا يَكْفِي فِي الْقَبْض الْإِقْرَار بِهِ وَلَا بُد فِيهِ من مُعَاينَة الْبَيِّنَة إِذا قبض الرَّهْن ثمَّ أفلس الرَّاهِن أَو مَاتَ فالمرتهن أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء وَيصِح أَن يقبض الرَّهْن الْمُرْتَهن أَو أَمِين يتفقان عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) يشْتَرط دوَام الْقَبْض خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِذا قبض الرَّهْن ثمَّ رده إِلَى الرَّاهِن بعارية أَو وَدِيعَة أَو كِرَاء أَو اسْتِخْدَام العَبْد أَو ركُوب الدَّابَّة بَطل الرَّهْن وَمهما احْتِيجَ إِلَى اسْتِعْمَال الرَّهْن أَو إِجَارَته فليتول ذَلِك الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي الْمَنْفَعَة فِي الرَّهْن وَهِي المراهين فَإِذا اشترطها الْمُرْتَهن جَازَ إِن كَانَ الدّين من بيع أَو شبهه وَلم يجز إِن كَانَ سلفا لِأَنَّهُ سلف جر مَنْفَعَة فَإِن لم يشترطها الْمُرْتَهن ثمَّ تطوع لَهُ الرَّاهِن بهَا لم يجز لِأَنَّهَا هَدِيَّة مديان وَقَالَ ابْن حَنْبَل ينْتَفع الْمُرْتَهن بِالْحَيَوَانِ بِنَفَقَتِهِ (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي بيع الرَّهْن وَلَا يجوز للرَّاهِن بَيْعه وَيجوز أَن يَبِيعهُ الْمُرْتَهن وينصف نَفسه من ثمنه إِن كَانَ الرَّاهِن قد جعل لَهُ بَيْعه وَإِلَّا بَاعه الرَّهْن (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِيمَا يتبع الرَّهْن فَأَما مَا لَا يتَمَيَّز مِنْهُ كسمن الْحَيَوَان فَهُوَ تَابع لَهُ إِجْمَاعًا وَإِن كَانَ متناسلا عَنهُ كالولادة والنتاج فَيكون تَابعا لَهُ خلافًا للشَّافِعِيّ بِخِلَاف غير ذَلِك كصوف الْغنم ولبنها أَو ثمار الْأَشْجَار وَسَائِر الغلات فَلَا تتبعها فِي الرَّهْن خلافًا لأبي حنيفَة (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) فِي ضَمَان الرَّهْن إِذا تلف إِذا كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فضمانه من الرَّهْن كالعقار وَالْحَيَوَان وَإِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ كَسَائِر الْأَشْيَاء فضمانه من الْقَبْض من الْمُرْتَهن إِلَّا أَن تقوم بهلاكه بَيِّنَة وَإِن كَانَ على يَد أَمِين فضمانه من الرَّاهِن وَقَالَ الشَّافِعِي ضَمَانه من الرَّاهِن ومصيبته عَلَيْهِ مُطلقًا وَعكس أَبُو حنيفَة (الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة) لَا يجوز غلق الرَّهْن وَهُوَ أَن يشْتَرط الْمُرْتَهن أَن الرَّهْن لَهُ بِحقِّهِ إِن لم ينصفه الرَّاهِن عِنْد حُلُول الْأَجَل (الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة) إِذا اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْحق الَّذِي رهن فِيهِ فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن عِنْدهَا وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْمُرْتَهن إِلَّا فِيمَا زَاد على قيمَة الرَّهْن فَالْقَوْل قَول الرَّهْن الْبَاب السَّادِس فِي الْحمالَة وَهِي الْكفَالَة والزعامة وَالضَّمان وَيُقَال للضامن حميل وكفيل وزعيم وَفِيه أَربع مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الْمَضْمُون وَهُوَ كل حق تصح النِّيَابَة فِيهِ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال وَمَا يَئُول إِلَيْهَا فَلَا يَصح الضَّمَان فِي الْحُدُود وَلَا فِي الْقصاص لِأَنَّهَا لَا تصح النِّيَابَة فِيهَا وَإِنَّمَا الحكم فِيهَا بالسجن حَتَّى يثبت ويستوفي وَأَجَازَ قوم الضَّمَان فِيهَا بِالْوَجْهِ وَيجوز صمان المَال الْمَعْلُوم اتِّفَاقًا والمجهول خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجوز الضَّمَان بعد وجوب الْحق اتِّفَاقًا وَقبل وُجُوبه خلافًا لشريحة القَاضِي وَسَحْنُون وَالشَّافِعِيّ وَيلْزم الضَّامِن الْحق بِإِقْرَار الْمَطْلُوب حَتَّى يُثبتهُ فِي الْمَشْهُور وَقيل يلْزمه باعترافه كاعتراف الْمَأْذُون لَهُ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْمَضْمُون عَنهُ وَهُوَ كل مَطْلُوب بِمَال وَيجوز الضَّمَان عَن الْحَيّ وَالْمَيِّت وَمنع أَبُو حنيفَة الضَّمَان عَن الْمَيِّت إِذا لم يتْرك وَفَاء بِدِينِهِ وَعَن الْغَائِب وَيجوز عَن الْمُوسر والمعدم وَيجوز الضَّمَان بِإِذن الْمَضْمُون وَبِغير إِذْنه (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الضَّامِن وَهُوَ كل من يجوز تصرفه فِي مَاله فَلَا يجوز ضَمَان السَّفِيه وَلَا الصَّغِير وَلَا العَبْد إِلَّا بِإِذن سَيّده سَوَاء كَانَ مَأْذُونا أَو غير مَأْذُون لَهُ وَلَا الْمَرْأَة فِيمَا زَاد على ثلث مَالهَا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي أَنْوَاع الضَّمَان وَهُوَ نَوْعَانِ ضَمَان مَال وَضَمان وَجه فَأَما ضَمَان المَال فَيغرم فِيهِ الضَّامِن وَيرجع فِيهِ الْمَضْمُون عَنهُ إِن ضمنه بِإِذْنِهِ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ إِن ضمنه بِغَيْر إِذْنه خلافًا لأبي حنيفَة وينقسم ضَمَان المَال قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون على حكم ضَمَان الْخِيَار فَيَأْخُذ من شَاءَ من الضَّامِن أَو الْغَرِيم على الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن كنَانَة وَأَشْهَب لَا يغرم الضَّامِن إِلَّا مَعَ عدم الْغَرِيم وَالْآخر أَن لَا يكون كَذَلِك فَاخْتلف فِيهِ فَقيل يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ كضمان الْخَيْر وفَاقا لَهُم وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِنَّمَا يَأْخُذ من الْغَرِيم إِلَّا أَن أفلس أَو غَابَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذ من الضَّامِن فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) إِذا أَخذ ضامنين بِحقِّهِ فَلَيْسَ على أَحدهمَا إِلَّا نصف الْحق إِلَّا أَن يكون أَحدهمَا فِي موطنين فَكل وَاحِد مِنْهُمَا ضَامِن لجملة الْحق وَكَذَلِكَ إِذا ضمنا بِحكم ضَمَان الْخِيَار أَو ضمن كل وَاحِد الآخر (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا أخر الطَّالِب الْمَطْلُوب فَهُوَ تَأْخِير للْكَفِيل وَقيل إِسْقَاط للكفالة وَإِذا أخر الطَّالِب الْكَفِيل فَهُوَ تَأْخِير للمديان إِلَّا أَن يحلف أَنه لم يرد تَأْخِيره (الْفَرْع الثَّالِث) من تحمل عَن أحد صَدَاقا أَو ثمنا فِي نفس العقد على وَجه الْحمل لَا على وَجه الْحمالَة فَهُوَ لَازم لَهُ فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته فَإِن تحمله بعد العقد لزمَه فِي الْحَيَاة دون الْوَفَاة وَقَالَ ابْن الماشجون يلْزمه فيهمَا وَأما ضَمَان الْوَجْه فَهُوَ جَائِز خلافًا للشَّافِعِيّ وللظاهرية هُوَ على قسمَيْنِ (أَحدهمَا) أَن يضمن إِحْضَاره وَيشْتَرط إِن لم يحضرهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فينفع شَرطه وَلَا غرم عَلَيْهِ إِن لم يحضرهُ وَالْقَوْل قَوْله فِي أَنه لم يجده إِلَّا أَن ثَبت أَنه قكان قَادِرًا على الْإِتْيَان بِهِ ففرط وَإِن مَاتَ الضَّامِن فَلَا شَيْء على ورثته (الثَّانِي) أَن يضمن إِحْضَاره وَلَا يشْتَرط ذَلِك فَإِن أحضرهُ بَرِيء وَإِن لم يحضرهُ غرم المَال وَإِن مَاتَ غرمه ورثته من تركته إِلَّا أَن يحضروا الْمَضْمُون وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحبس حَتَّى يَأْتِي بِهِ والإحضار وَهُوَ أَن يجمعه مَعَ مطالبه فِي مَوَاضِع الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الْبَاب السَّابِع فِي الْحِوَالَة وَهِي على نَوْعَيْنِ إِحَالَة قطع وإحالة إِذن فَأَما إِحَالَة الْقطع فَلَا تجوز فيالمذهب إِلَّا بِثَلَاثَة شُرُوط (الشَّرْط الأول) أَن يكون الدّين الْمحَال بِهِ قد حل سَوَاء كَانَ الْمحَال فِيهِ قد حل أَو لم يحل وَلَا تجوز بِمَا لم يحل سَوَاء كَانَ الْمحَال فِيهِ قد حل أم لَا لِأَنَّهُ بيع دين بدين (الشَّرْط الثَّانِي) أَن يكون الدّين الْمحَال بِهِ مُسَاوِيا للمحال فِيهِ فِي الصّفة والمقدار فَلَا يجوز أَن يكون أَحدهمَا أقل أَو أَكثر أَو أدنى أَو أَعلَى لِأَنَّهُ يخرج عَن الإحالة إِلَى البيع فيدخله الدّين بِالدّينِ (الشَّرْط الثَّالِث) أَن لَا يكون الدينان أَو أَحدهمَا طَعَاما من سلم لِأَنَّهُ بيع الطَّعَام قبل قَبضه فَإِذا وَقعت الإحالة بَرِئت بهَا ذمَّة الْمُحِيل من الدّين الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ للمحال وانتقل إِلَى طلب الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا رُجُوع للمحال على الْمُحِيل إِن أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَو أنكر إِلَّا أَن يكون الْمُحِيل قد غر الْمحَال لكَونه يعلم فلس الْمحَال عَلَيْهِ أَو بطلَان حَقه قبله وَلم يعلم الْمحَال بذلك وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يرجع على الْمُحِيل غره أَو لم يغره وَأما الْإِذْن فَهُوَ كالتوكيل على الْقَبْض والاقتطاع فَيجوز بِمَا حل وَبِمَا لم يحل وَلَا تَبرأ بِهِ ذمَّة الْمُحِيل حَتَّى يقبض الْمحَال من الْمحَال عَلَيْهِ مَاله وَيجوز للْمُحِيل أَن يعْزل الْمحَال فِي الْإِذْن على الْقَبْض وَلَا يجوز لَهُ عَزله فِي إِحَالَة الْقطع وَيشْتَرط فِي الإحالة وَالْإِذْن رضى الْمُحِيل والمحال وَلَا يشْتَرط رضى الْمحَال عَلَيْهِ خلافًا لداود وَلَا يلْزم الْمحَال قبُول الإحالة خلافًا لداود الْبَاب الثَّامِن فِي الْوكَالَة وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل وَتجوز وكَالَة الْغَائِب وَالْمَرْأَة وَالْمَرِيض اتِّفَاقًا ووكالة الْحَاضِر الصَّحِيح خلافًا لأبي حنيفَة وَأما الْوَكِيل فَكل من جَازَ لَهُ التَّصَرُّف لنَفسِهِ فِي شء جَازَ لَهُ أَن يَنُوب فِيهِ عَن غَيره إِلَّا أَنه لَا يجوز تَوْكِيل الْعَدو على عدوه وَلَا يجوز تَوْكِيل الْكَافِر على بيع أَو شِرَاء أَو سلم لِئَلَّا يفعل الْحَرَام وَلَا تَوْكِيله على قبض من الْمُسلمين لِئَلَّا يستعلي عَلَيْهِم (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَا تصح الوكاة فِيهِ وَمَا لَا تصح وَتجوز الوكاة فِي كل مَا تصح النِّيَابَة فِيهِ من الْأُمُور الْمَالِيَّة وَغَيرهَا والعبادات والقربات إِلَّا الْعِبَادَة الْمُتَعَلّقَة بالأبدان كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام فَلَا تصح النِّيَابَة فِيهَا وَتَصِح فِي الْعِبَادَة الْمُتَعَلّقَة بالأموال كَالزَّكَاةِ وَاخْتلف فِي صِحَّتهَا فِي الْحَج (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي أَنْوَاع الْوكَالَة وَهِي نَوْعَانِ (الأول) تَفْوِيض عَام فَيدْخل تَحْتَهُ جَمِيع مَا تصح فِي النِّيَابَة من الْأُمُور الْمَالِيَّة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك إِلَّا مَا يستثنيه الْمُفَوض من الْأَشْيَاء وَقَالَ الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 لَا يَصح التَّفْوِيض الْعَام (الثَّانِي) تَوْكِيل خَاص فَيخْتَص بِمَا جعل الْمُوكل للْوَكِيل من قبض أَو بيع أَو خصام أَو غير ذَلِك فَإِذا وَكله على البيع وَعين لَهُ ثمنا لم يجز لَهُ أَن يَبِيع بِأَقَلّ مِنْهُ وَإِن وَكله على البيع مُطلقًا لم يجز لَهُ أَن يَبِيع بِعرْض وَلَا نَسِيئَة وَلَا بِمَا دون ثمن الْمثل خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن أذن لَهُ أَن يَبِيع بِمَا يرى وكيفما يرى جَازَ لَهُ ذَلِك كُله وَيجوز للْوَكِيل وَالْوَصِيّ أَن يشتريا لأنفسهما من مَال الْمُوكل واليتيم إِذا لم يحابيا أَنفسهمَا وَمنعه الشَّافِعِي وَقَالَ هُوَ مَرْدُود وَإِن وَكله على الْخِصَام لم يكن لَهُ أَن يقر عَنهُ إِلَّا أَن جعل لَهُ ذَلِك فِي التَّوْكِيل وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الْإِقْرَار عَلَيْهِ وَإِن جعله لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز وَإِن لم يَجْعَل لَهُ وَلَا يجوز للْوَكِيل أَن يُوكل غَيره إِلَّا أَن جعل لَهُ الْمُوكل ذَلِك أَو يكون تَوْكِيله عَاما (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِيمَا يبطل الْوكَالَة وَهُوَ شَيْئَانِ موت الْمُوكل بِخِلَاف فِي الْمَذْهَب وعزل الْوَكِيل وَاخْتلف هَل تبطل الْوكَالَة بِنَفس الْعَزْل أَو الْمَوْت قبل أَن يعلم الْوَكِيل بذلك أَو لَا تبطل حَتَّى يعلم الْوَكِيل بذلك وَإِذا ابْتَدَأَ الْوَكِيل الْخِصَام فِي مجْلِس أَو مجلسين لم يكن لمُوكلِه أنيعزله إِلَّا بِإِذن خَصمه وَتبطل الْوكَالَة إِذا طَالَتْ مدَّتهَا نَحْو سِتَّة أشهر إِلَّا أَن يَجْعَلهَا على الدوما أَو تكون على أَمر معِين فَلَا تبطل حَتَّى يَنْقَضِي (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) تجوز الوكاة بِأُجْرَة وَبِغير أُجْرَة فَإِن كَانَت بِأُجْرَة فَحكمهَا حكم الْإِجَارَات وَإِن كَانَت بِغَيْر أُجْرَة فَهُوَ مَعْرُوف من الْوَكِيل وَله أَن يعْزل نَفسه إِلَّا حَيْثُ يمْنَع مُوكله من عَزله (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي اخْتِلَاف الْمُوكل وَالْوَكِيل فَإِذا قَالَ الْوَكِيل قد دفعت إِلَيْك وَأنكر ذَلِك الْمُوكل فَالْقَوْل قَول الْوَكِيل مَعَ يَمِينه وَإِن طَال الزَّمَان فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَإِذا قبض الْوَكِيل شَيْئا فَادّعى تلفه بعد قَبضه لم يبرأ الدَّافِع إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة على الدّفع وَإِذا اخْتلفَا هَل وَكله أم لَا فَقَالَ وكلتني وَقَالَ الآخر مَا وَكلتك فَالْقَوْل قَول الْمُوكل الْبَاب التَّاسِع فِي الْغَصْب وَفِيه ثَمَان مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حد الْغَصْب وَهُوَ أَخذ رَقَبَة الْملك أَو منفعَته بِغَيْر إِذن الْمَالِك على وَجه الْغَلَبَة والقهر دون حرابة وَذَلِكَ أنأخذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ على عشرَة أوجه كلهَا حرَام وَالْحكم فِيهَا مُخْتَلف الأول الْحِرَابَة وَالثَّانِي الْغَصْب وَالثَّالِث السّرقَة وَالرَّابِع الاختلاس وَالْخَامِس الْخِيَانَة وَالسَّادِس الإذلال وَالسَّابِع الْفُجُور فِي الْخِصَام بإنكار الْحق أَو دَعْوَى الْبَاطِل وَالثَّامِن الْقمَار كالشطرنج والنرد وَالتَّاسِع الرِّشْوَة فَلَا يحل أَخذهَا وَلَا إعطاؤها والعاشر الْغِشّ والخلابة فِي الْبيُوع (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِيمَا يجب على الْغَاصِب وَذَلِكَ حقان (أَحدهمَا) حق الله تَعَالَى وَهُوَ أَن يضْرب ويسجن زجرا لَهُ ولأمثاله على حسب اجْتِهَاد الْحَاكِم (الثَّانِي) حق الْمَغْصُوب مِنْهُ وَهُوَ أَن يرد إِلَيْهِ مَا غصبه فَإِن كَانَ الْمَغْصُوب قَائِما رده بِعَيْنِه إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قد فَاتَ رد إِلَيْهِ مثله أَو قِيمَته فَيرد الْمثل فِيمَا لَهُ مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَذَلِكَ فِي كل مَكِيل وموزون ومعدود من الطَّعَام وَالدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَغير ذَلِك وَيرد الْقيمَة فِيمَا لَا مثل لَهُ كالعروض وَالْحَيَوَان وَالْعَقار وَتعْتَبر الْقيمَة فِي ذَلِك يَوْم الْغَصْب لَا يَوْم الرَّد وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة إِنَّمَا يرد الْمثل وَلَا يرد الْقيمَة والفوات الَّذِي يرد إِلَى الْمثل أَو الْقيمَة هُوَ هَلَاك الْمَغْصُوب أَو نقصانه أَو حُدُوث عيب مُفسد فِيهِ أوصنع شَيْء مِنْهُ حَتَّى يُسمى باسم آخر كالفضة تصاغ حليا والنحاس يصنع مِنْهُ قدر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن الْغَاصِب عقارا إِن تلف بسيل أَو حريق أَو شبه ذَلِك خلافًا للإمامين وَأَجْمعُوا على الضَّمَان إِذا كَانَ تلفه بِجِنَايَة من الغاسب (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي دَعْوَى الْغَصْب وَذَلِكَ أَنه إِن ثَبت على الْمُدعى عَلَيْهِ باعتراف أَو بَيِّنَة بعد الْأَعْذَار إِلَيْهِ قضي عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا وَإِن لم يثبت عَلَيْهِ فَيقسم أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا بالصلاح فَلَا يَمِين عَلَيْهِ ويؤدب الْمُدَّعِي (الثَّانِي) أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مَسْتُور الْحَال من أَوسط النَّاس فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدب الْمُدَّعِي (الثَّالِث) أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّن يتهم بذلك فَعَلَيهِ الْيَمين فَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَاسْتحق (الرَّابِع) أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا بِالْغَصْبِ فَيضْرب ويهدد ويسجن حَتَّى يعْتَرف (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي غلَّة الشَّيْء الْمَغْصُوب أما إِن كَانَت الْغلَّة ولادَة كنتاج الْبَهَائِم وَولد الْأمة فيردها الْغَاصِب مَعَ الْأُم بِاتِّفَاق وَإِن وطىء الْجَارِيَة فَعَلَيهِ الْحَد وَولده مِنْهَا رَقِيق للْمَغْصُوب مِنْهُ وَأما إِن كَانَت غير ذَلِك فَفِيهَا خَمْسَة أَقْوَال قيل يردهَا مُطلقًا لتعديه وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل لَا يردهَا مُطلقًا لِأَنَّهَا فِي مُقَابلَة الضَّمَان الَّذِي عَلَيْهِ وَقيل يردهَا فِي الْأُصُول وَالْعَقار لِأَنَّهُ مَأْمُون وَلَا يتَحَقَّق الضَّمَان فِيهِ دون الْحَيَوَان وَشبهه مِمَّا يتَحَقَّق فِيهِ الضَّمَان وَقيل يردهَا إِن انْتفع بهَا وَلَا يردهَا إِن عطلها وفَاقا لأبي حنيفَة وقِي يردهَا إِن غصب الْمَنَافِع خَاصَّة وَلَا يردهَا إِن غصب الْمَنَافِع والرقاب (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) من غصب أَرضًا فَبنى فِيهَا فربها بِالْخِيَارِ بينهدم الْبُنيان وإزالته وَيَأْخُذ الْغَاصِب أنقاضه وَبَين تَركه على أَن يُعْطي الْغَاصِب قيمَة أنقاض الْبُنيان من خشب وقرميد وَأجر وَغير ذَلِك تقوم منقوضة بعد طرح أُجْرَة الْقلع وَلَا يُعْطِيهِ قيمَة التجصيص والتزويق وَشبه ذَلِك مِمَّا لَا قيمَة لَهُ وَمن غصب سَارِيَة أَو خَشَبَة فَبنى عَلَيْهَا فلربها أَخذهَا وَإِن هدم الْبُنيان وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا لَهُ قيمتهَا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) من غصب أَرضًا فغرس فِيهَا أشجارا لَا يُؤمر بقلعها وللمغصوب مِنْهُ أَن يُعْطِيهِ قيمتهَا بعد طرح أُجْرَة الْقلع كالبنيان فَإِن غصب أشجارا فغرسها فِي أرضه أَمر بقلعها خلافًا لأبي حنيفَة فإنزرع فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة زرعا فَإِن أَخذهَا صَاحبهَا فِي أبان الزِّرَاعَة فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يقْلع الزَّرْع أَو يتْركهُ للزارع وَيَأْخُذ الْكِرَاء وَإِن أَخذهَا بعد أبان الزِّرَاعَة فَقيل هُوَ مُخَيّر كَمَا ذكرنَا وَقيل لَيْسَ لَهُ قلعه وَله الْكِرَاء وَيكون الزَّرْع لزارعه (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) إِذا نقص الْمَغْصُوب عِنْد الْغَاصِب فصاحبة مُخَيّر بَين أَن يَأْخُذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب ويتركه للْغَاصِب وَبَين أَن يَأْخُذهُ وَيَأْخُذ قيمَة النَّقْص إِن كَانَ من فعل الْغَاصِب وَإِن كَانَ من فعل الله لم يَأْخُذ قيمَة النَّقْص (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 اخْتلف الْغَاصِب وَالْمَغْصُوب مِنْهُ فِي جنس الْمَغْصُوب أَو صفته أَو قدره وَلم يكن لأَحَدهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب مَعَ يَمِينه وَالْغَاصِب ضَامِن لما غصبه سَوَاء تلف بِأَمْر الله أَو من مَخْلُوق الْبَاب الْعَاشِر فِي التَّعَدِّي وَهُوَ أَعم من الْغَصْب لِأَن التَّعَدِّي يكون فِي الْأَمْوَال والفروج والنفوس والأبدان فَأَما التَّعَدِّي فِي النُّفُوس والأبدان فنذكره فِي بَاب الدِّمَاء وَالْقصاص وَنَذْكُر هُنَا فصلين فِي الْأَمْوَال والفروج (الْفَصْل الأول) فِي التَّعَدِّي فِي الْأَمْوَال وَهُوَ على أَرْبَعَة أَنْوَاع (الأول) أَخذ الرَّقَبَة وَهُوَ الْغَصْب الَّذِي تقدّمت أَحْكَامه فِي الْبَاب قبل هَذَا (الثَّانِي) أَخذ الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة وَهُوَ ضرب من الْغَصْب وَيجب فِيهِ الْكِرَاء مُطلقًا (الثَّالِث) الإستهلاك بِإِتْلَاف الشَّيْء كَقَتل الْحَيَوَان أَو تحريق الثَّوْب كُله أَو تخريقه وَقطع الشّجر وَكسر الفخار وَإِتْلَاف الطَّعَام وَالدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَشبه ذَلِك وَيجْرِي مجْرَاه التسبيب فِي التّلف كمن فتح حانوتا لرجل فَتَركه مَفْتُوحًا فَسرق أَو فتح قفص طَائِر فطار أَو حل دَابَّة فهربت أَو حل عبدا موثقًا فأبق أَو أوقد نَارا فِي يَوْم ريح فأحرقت شَيْئا أَو حفر بِئْرا بِحَيْثُ يكون حفره تَعَديا فَسقط فِيهِ إِنْسَان أَو بَهِيمَة أَو قطع وَثِيقَة فَضَاعَ مَا فِيهَا من الْحُقُوق فَمن فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ ضَامِن لما اسْتَهْلكهُ أَو أتْلفه أَو تسبب فِي إِتْلَافه سَوَاء فعل ذَلِك كُله عمدا أَو خطأ إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يضمن الطَّائِر من فتح قفصه فطار وَعَلِيهِ غرم الْمثل فِي الْمكيل والمعدود وَالْمَوْزُون وَغرم الْقيمَة يَوْم الْإِتْلَاف فِيمَا سوى ذَلِك فرعان (الْفَرْع الأول) إِذا خيف على الْمركب الْغَرق جَازَ طرح مَا فِيهِ من الْمَتَاع أذن أربابه أَو لم يأذنوا إِذا رجا بذلك نجاته وَكَانَ الْمَطْرُوح بَينهم على قدر أَمْوَالهم وَلَا غرم على من طَرحه (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا اصطدم مركبان فِي جريهما فانكسر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَان فِي ذَلِك (الرَّابِع) الْإِفْسَاد هُوَ على نَوْعَيْنِ (أَحدهمَا) أَن يذهب الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة من الشَّيْء كمن قطع يَد عبد أَو رجل دَابَّة فَيُخَير صَاحبه بَين أَن يَأْخُذ قيمَة مَا نَقصه ذَلِك الْفساد أَو يُسلمهُ للمفسد وَيَأْخُذ قِيمَته مِنْهُ كَامِلَة وَالْآخر أَن يكون يَسِيرا فَيُصْلِحهُ من أفْسدهُ وَيَأْخُذ صَاحبه قيمَة مَا نقص كثقب الثَّوْب وَقطع ذَنْب الدَّابَّة إِلَّا أَن تكون لركوب ذَوي الهيئات فَقطع ذنبها كتعطيل مَنْفَعَتهَا بَيَان وَهَذَا كُله إِذا تعمد إِنْسَان مُكَلّف فَإِن كَانَ غير بَالغ فَيحكم عَلَيْهِ فِي التَّعَدِّي فِي الْأُمُور بِحكم الْبَالِغ إِذا كَانَ يعقل فَيغرم مَا أتْلفه إِن كَانَ لَهُ مَال فَإِن لم يكن لَهُ مَال أتبع بِهِ وَأما الصَّبِي الَّذِي لَا يعقل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيمَا أتْلفه من نفس أَو مَال كالعجماء وَقيل المَال هدر والدماء على الْعَاقِلَة كَالْمَجْنُونِ وَقيل المَال فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 مَاله وَالدَّم على عَاقِلَته إِن بلغ الثُّلُث وَأما مَا أفسدت الدَّوَابّ فَإِن كَانَ لَهَا رَاكب أَو سائق أَو قَائِد فَهُوَ ضَامِن لما تفسده فِي النُّفُوس وَالْأَمْوَال وَأما مَا أفسدت الْمَوَاشِي من الزَّرْع وَالشَّجر فَإِن كَانَ بِاللَّيْلِ على أَرْبَاب الْمَوَاشِي وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم إِلَّا إِن فرطوا فِي حفظهَا وَلم يمنعوها من الزَّرْع وَالضَّمان فِي ذَلِك على الرَّاعِي لَا على صَاحب الْمَاشِيَة وَمَا أتلفت الْمَوَاشِي سوى الزَّرْع وَالثِّمَار من النُّفُوس وَالْأَمْوَال فَلَا شَيْء فِيهِ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي التَّعَدِّي فِي الْفروج فَمن اغتصب امْرَأَة وزنى بهَا فَعَلَيهِ حد الزِّنَى وَإِن كَانَت حرَّة فَعَلَيهِ صدَاق مثلهَا وَإِن كَانَت أمة فَعَلَيهِ مَا نقص من ثمنهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد وَيكون الْوَلَد من الْأمة الَّتِي اغتصبها أَو زنى بهَا عبدا لسَيِّد الْأمة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا صدَاق على المستكره فِي الزِّنَى وَهَذَا كُله إِذا ثَبت عَلَيْهِ ذَلِك باعترافه أَو بمعاينة أَرْبَعَة شُهُود أَو ادَّعَت ذَلِك مَعَ قيام الْبَيِّنَة على غيبته عَلَيْهَا فَإِن ادَّعَت عَلَيْهِ أَنه استكرهها فَغَاب عَلَيْهَا وَوَطئهَا وَأنكر هُوَ وَلم يكن لَهَا بَيِّنَة فَلَا يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَى وَإِنَّمَا النّظر هَل يجب عَلَيْهِ يَمِين على نفي دَعْوَاهَا أَو هَل لَهَا عَلَيْهِ صدَاق وَهل تحد هِيَ حد الْقَذْف أَو حد الزِّنَى فَفِي ذَلِك تَفْصِيل وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو أَن تَدعِي ذَلِك على رجل صَالح أَو طالح يتهم بذلك أَو مَجْهُول الْحَال فَإِن ادَّعَت ذَلِك على رجل صَالح لم يجب عَلَيْهِ يَمِين وَلَا صدَاق وَوَجَب عَلَيْهَا حد الْقَذْف وَأما حد الزِّنَى لاعترافها على نَفسهَا فَإِن كَانَت قد جَاءَت مستغيثة متمسكة بِهِ قد فضحت نَفسهَا وَهِي تدمي إِن كَانَت بكرا سقط عَنْهَا حد الزِّنَى وَإِن كَانَت قد جَاءَت على غير ذَلِك حدت حد الزِّنَى وَأما إِن ادَّعَت ذَلِك على رجل يتهم بذلك فَلَيْسَ عَلَيْهَا حد قذف وَلَا زنى وَيجب على الرجلَيْن الْيَمين فَإِن حلف بَرِيء وَإِن نكل عَن الْيَمين حَلَفت الْمَرْأَة واستحقت صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بعد أَن يسجن ليكشف عَن أمره وَأما إِن ادَّعَت ذَلِك على من كَانَ مَجْهُول الْحَال اسْتحْلف فَإِن نكل عَن الْيَمين حَلَفت هِيَ وَأخذت صَدَاقهَا الْبَاب الْحَادِي عشر فِي الإستحقاق وَهُوَ أَن يكون شَيْء بيد شخص ثمَّ يظْهر أَنه حق شخص آخر مِمَّا تثبت بِهِ الْحُقُوق شرعا من اعْتِرَاف أَو شَاهِدين أَو شَاهد وَيَمِين أَو غير ذَلِك فَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَلَا يَخْلُو أَن يكون الْمُسْتَحق من يَده قد صَار لَهُ ذَلِك الشَّيْء الْمُسْتَحق بِغَصب أَو شُبْهَة ملك كالشراء وَالْإِرْث وَغير ذَلِك فَإِن صَار لَهُ بِغَصب فقد تقدم حكم ذَلِك فِي بَاب الْغَضَب وَإِن صَار لَهُ بِشُبْهَة ملك فالمستحق بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذهُ بِعَيْنِه أَو يُجِيز البيع وَيتْرك السّلْعَة فِي يَد المُشْتَرِي فَيتبع البَائِع بِالثّمن وَلَيْسَ حكمه حكم الْغَصْب بل يُخَالِفهُ فِي مسَائِل فَمِنْهَا أَن أَن يسْتَحق مِنْهُ لَا يرد الْغلَّة الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 استفادها فِيهِ وَلَا يُعْطي فِيهَا كِرَاء وَمِنْهَا أَنه كَانَ قد زرع الأَرْض فَلَيْسَ لمستحقها قلع الزَّرْع فَإِن كَانَ الإستحقاق فِي أبان الزِّرَاعَة فَلهُ الْكِرَاء وَإِن كَانَ بعد أبان الزَّرْع فَلَا كِرَاء لَهُ وَمِنْهَا أَنه إِن كَانَ قد بنى بهَا فَلَيْسَ للْمُسْتَحقّ هدم الْبناء بل يُقَال للْمُسْتَحقّ تعطيه قيمَة بنائِهِ قَائِما لَا منقوضا فَإِن أَبى قيل للْآخر أعْطه قيمَة أرضه دون الْبُنيان فَإِن أَبَا كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَة أرضه وَذَاكَ بِقِيمَة بُنْيَانه وَمِنْهَا أَنَّهَا إِن كَانَت أمة فَوَطِئَهَا فَلَا حد عَلَيْهِ وَإِن ولدت مِنْهُ فَاخْتلف هَل يَأْخُذهَا الْمُسْتَحق أَو يَأْخُذ قيمتهَا وَأما الْوَلَد فَلَا يَأْخُذهُ بِاتِّفَاق وَلَكِن اخْتلف هَل يَأْخُذ قِيمَته أم لَا وَمِنْهَا أَنه إِن كَانَ الشَّيْء الْمُسْتَحق قد صَار للْمُسْتَحقّ مِنْهُ بشرَاء فَلهُ أَن يرجع بِالثّمن على الَّذِي بَاعه مِنْهُ فَإِن كَانَ البَائِع فِي بلد آخر وَأَرَادَ الْمُسْتَحق من يَده أَن يحمل الشَّيْء الْمُسْتَحق إِلَى الْبَلَد الَّذِي فِيهِ البَائِع ليرْجع عَلَيْهِ بِثمنِهِ فَيُوقف قِيمَته وَيذْهب بِهِ الْبَاب الثَّانِي عشر فِي مُوجبَات الضَّمَان وَمن أَخذ مَال غَيره فَهَل يضمنهُ أم لَا يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف وُجُوه الْقَبْض فَإِنَّهُ على وُجُوه وَذَلِكَ إِن كَانَ لمَنْفَعَة الْقَابِض فَالضَّمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لمَنْفَعَة الدَّافِع فَلَا ضَمَان مِنْهُ وَإِن كَانَ لمنفعتهما مَعًا فَينْظر من أقوى مَنْفَعَة فَيضمن وَقد يخْتَلف فِي فروع من هَذَا الأَصْل وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى سَبْعَة أَقسَام (الأول) أَن يقبضهُ على وَجه التَّعَدِّي وَالْغَصْب فَهُوَ ضَامِن لَهُ حَسْبَمَا تقدم فِي بَابه (الثَّانِي) أَن يقبضهُ على وَجه انْتِقَال تملكه إِلَيْهِ بشرَاء أَو هبة أَو وَصِيَّة فَهُوَ ضَامِن أَيْضا سَوَاء كَانَ البيع صَحِيحا أَو فَاسِدا (الثَّالِث) أَن يقبضهُ على وَجه السّلف فَهُوَ ضَامِن لَهُ أَيْضا (الرَّابِع) أَن يقبضهُ على وَجه الْعَارِية وَالرَّهْن فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُصُول وَالْحَيَوَان لم يضمنهُ وَإِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ كالعروض فَهُوَ ضَامِن لَهُ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على التّلف من غير تعد مِنْهُ وَلَا تَضْييع (الْخَامِس) أَن يقبضهُ على وَجه الْوَدِيعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ مِمَّا يُغَاب أم لَا (السَّادِس) أَن يكون على وَجه الْقَرَاض أَو الْإِجَارَة على حمله أَو الْإِجَارَة على رِعَايَة الْغنم فَلَا يضمن الْعَامِل وَلَا الْأَجِير إِلَّا إِن تعدى وَهُوَ مُصدق فِي دَعْوَى التّلف مَعَ يَمِينه وخسارة المَال من ربه إِلَّا الْأَجِير على حمل الطَّعَام فَإِنَّهُ لَا يصدق على دَعْوَى التّلف إِلَّا بِبَيِّنَة (السَّابِع) تضمين الصناع فيضمنون مَا غَابُوا عَلَيْهِ سَوَاء عملوه بِأُجْرَة أَو بِغَيْر أُجْرَة وَلَا يضمنُون مَا لم يغيبوا عَلَيْهِ وَلَا يضمن الصَّانِع الْخَاص الَّذِي لم ينصب نَفسه للنَّاس وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن من عمل بِغَيْر أُجْرَة وَللشَّافِعِيّ فِي ضَمَان الصناع قَولَانِ فَإِن قَامَت بَيِّنَة على التّلف سقط عَنْهُم الضَّمَان وَاخْتلف هَل يجب لَهُم أُجْرَة إِذا كَانَ هَلَاكه بعد تَمام الْعَمَل وَكَذَلِكَ يضمنُون كل مَا جَاءَ على أَيْديهم من حرق أَو كسر أَو قطع إِذا عمله فِي حانوته إِلَّا فِي الْأَعْمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الَّتِي فِيهَا تغرير كاحتراق الثَّوْب فِي قدر الصّباغ واحتراق الْخبز فِي الفرن وتقويم السيوف فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيهَا إِلَّا أَن يعلم أَنهم تعدوا وَمثل ذَلِك الطَّبِيب يسْقِي الْمَرِيض أَو يكويه فَيَمُوت والبيطار يطْرَح الدَّابَّة فتموت والحجام يختن الصَّبِي أَو يقْلع الضرس فَيَمُوت صَاحبه فَلَا ضَمَان على هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ التعزيز وَهَذَا إِذا لم يخطيء فِي فعله فَإِن أَخطَأ فَالدِّيَة على عَاقِلَته وَينظر فَإِن كَانَ عَارِفًا فَلَا يُعَاقب على خطئه وَإِن كَانَ غير عَارِف وَعرض نَفسه فيؤدب بِالضَّرْبِ والسجن وَلَا ضَمَان على صَاحب السَّفِينَة خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا على صَاحب الْحمام إِذا ضَاعَت الثِّيَاب بِغَيْر تَقْصِير بَيَان كل من قُلْنَا أَنه يصدق فِي دَعْوَى التّلف فَلَا يَمِين عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مُتَّهمًا فَأَما إِن ادّعى رد الشَّيْء فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يصدق فِي دَعْوَى التّلف مثل الْوَدِيعَة والقراض وعارية مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يصدق فِي دَعْوَى الرَّد إِذا كَانَ قَبضه بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن كَانَ قَبضه بِبَيِّنَة لم يصدق فِي دَعْوَى الرَّد إِلَّا بِبَيِّنَة تَكْمِيل كل أَمِين على شَيْء فَهُوَ مُصدق دون يَمِين فِيمَا يَقُوله ادّعى عَلَيْهِ من وَجه يجب عَلَيْهِ بِهِ الضَّمَان إِلَّا أَن يكون مُتَّهمًا فَيجب عَلَيْهِ الْيَمين فَمن ذَلِك الْوَالِد فِي مَال ابْنه الصَّغِير وَمَال ابْنَته الْبكر وَالْوَصِيّ فِي مَال مَحْجُوره وَأمين الْحَاكِم الَّذِي يضع المَال على يَدَيْهِ والمستودع وَالْعَامِل فِي الْقَرَاض والأجير فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ والأجير على حمل شَيْء غير الطَّعَام وَالْوَكِيل فِيمَا وكل عَلَيْهِ والمأمور بِالشِّرَاءِ وَالْبيع والسمسار الَّذِي يَبِيع للنَّاس أَمْوَالهم وَيدخل فِيمَا بَينهم وَالشَّرِيك فِي المَال وَالرَّسُول فِيمَا يُرْسل بِهِ من شَيْء وَالَّذِي يُرْسل مَعَه مَال يَشْتَرِي بِهِ شَيْئا والصانع على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وكل من تصرف مِنْهُم على غير الْوَجْه الْجَائِز لَهُ ضمن كالمقارض إِذا دفع المَال إِلَى غَيره أَو خَالف سنة الْقَرَاض والأمين إِذا حرك الْأَمَانَة والمأمور إِذا فعل غير مَا أَمر بِهِ وكل من فعل مَا يجوز لَهُ فعله فتولد مِنْهُ تلف لم يضمن فَإِن قصد أَن يفعل الْجَائِز فَأَخْطَأَ فَفعل غَيره أَو جَاوز فِيهِ الْحَد أَو قصر فِيهِ عَن الْحَد فتولد مِنْهُ تلف يضمنهُ وكل مَا خرج عَن هَذَا الأَصْل فَهُوَ مَرْدُود إِلَيْهِ الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الصُّلْح الْإِصْلَاح بَين النَّاس مَنْدُوب وَلَا بَأْس أَن يُشِير الْحَاكِم بِالصُّلْحِ على الْخُصُوم وَلَا يجبرهم عَلَيْهِ وَلَا يلح فِيهِ إلحاحا يشبه الْإِلْزَام وَإِنَّمَا يندبهم إِلَى الصُّلْح مَا لم يتَبَيَّن لَهُ أَن الْحق لأَحَدهمَا فَإِن تبين لَهُ أنفذ الحكم لصَاحب الْحق وَالصُّلْح على نَوْعَيْنِ (النَّوْع الأول) إِسْقَاط وإبراء وَهُوَ جَائِز مُطلقًا (النَّوْع الثَّانِي) صلح على عوض فَهَذَا يجوز إِلَّا إِن أدّى إِلَى حرَام وَحكمه حكم البيع سَوَاء كَانَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 عين أَو دين فَيقدر الْمُدعى بِهِ والمقبوض عَن الصُّلْح كالعوضين فِيمَا يجوز بَينهمَا وَيمْتَنع فَيمْتَنع فِيهِ الْجَهَالَة وَالْغرر والربى والوضع على التَّعْجِيل وَمَا أشبه ذَلِك وَيجوز الصُّلْح على الذَّهَب وعَلى الْفضة بِالذَّهَب بِشَرْط حُلُول الْجَمِيع وتعجيل الْقَبْض وَيجوز الصُّلْح على الْإِقْرَار اتِّفَاقًا وعَلى الْإِنْكَار خلافًا للشَّافِعِيّ وَهُوَ أَن يُصَالح من وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين على أَن يفتدي مِنْهَا وَيحل لمن بذل لَهُ شَيْء فِي الصُّلْح أَن يَأْخُذهُ إِن علم أَنه مطَالب بِالْحَقِّ فَإِن علم أَنه مطَالب بِالْبَاطِلِ لم يجز لَهُ أَخذه فرعان (الْفَرْع الأول) من ادّعى على رجل حَقًا فَأنْكر فَصَالحه ثمَّ ثَبت الْحق بعد الصُّلْح باعتراف أَو بَيِّنَة فَلهُ الرُّجُوع فِي الصُّلْح إِلَّا إِن كَانَ عَالما بِالْبَيِّنَةِ وَهِي حَاضِرَة وَلم يقم بهَا فَالصُّلْح لَهُ لَازم (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا كَانَ أحد المتصالحين قد أشهد قبل الصُّلْح اشهاد تقية أَن صلحه إِنَّمَا هُوَ لما يتوقعه من إِنْكَار صَاحبه أَو غير ذَلِك فَإِن الصُّلْح لَا يلْزمه إِذا ثَبت أصا حَقه الْبَاب الرَّابِع عشر فِي أَحْكَام الْأَرْضين وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي إحْيَاء الْمَوْت وَمن أَحْيَا أَرض موَات فَهِيَ لَهُ والموات هِيَ الأَرْض الَّتِي لَا عمَارَة فِيهَا وَلَا يملكهَا أحد وإحياؤها يكون بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْس والزراعة والحرث وإجراء الْمِيَاه فِيهَا وَغير ذَلِك فَإِن كَانَت قريبَة من الْعمرَان افْتقر إحياؤها إِلَى أذن الإِمَام بِخِلَاف الْبَعِيدَة من الْعمرَان (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْحَرِيم وحريم الْبِئْر مَا حوله فَهُوَ يخْتَلف بِقدر كبر الْبِئْر وصغرها وَشدَّة الأَرْض ورخاوتها وحريم الدَّار مدخلها ومخرجها ومواضع مضابطها وَشبه ذَلِك وحريم الفدان حَوَاشِيه ومدخله ومخرجه وحريم الْقرْيَة مَوضِع محطبها ومرعاها (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي الْمِيَاه وَهِي بِالنّظرِ إِلَى تَملكهَا والإنتفاع بهَا تَنْقَسِم إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام ((الْقسم الأول)) مَاء خَاص وَهُوَ المَاء المتملك فِي الأَرْض المتملكة كالبئر وَالْعين فينتفع بِهِ صَاحبه وَله أَن يمْنَع غَيره من الإنتفاع بِهِ وَأَن يَبِيعهُ وَيسْتَحب لَهُ أَن يبذله بِغَيْر ثمن وَلَا يجْبر على ذَلِك إِلَّا أَن يكون قوم اشْتَدَّ بهم الْعَطش فخافوا الْمَوْت فَيجب عَلَيْهِ سقيهم فَإِن مَنعهم فَلهم أَن يقاتلوه على ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن انهارت بِئْر جَاره وَله زرع يخَاف عَلَيْهِ التّلف فَعَلَيهِ أَن يبْذل لَهُ فضل مائَة مَا دَامَ متشاغلا بإصلاح بئره ((الْقسم الثَّانِي)) مَاء عَام وَهُوَ غير متملك فِي أَرض غير متملكة كالأنهار والعيون والغدر فَالنَّاس فِيهِ سَوَاء لَا يخْتَص بِهِ أحد دون أحد ((الْقسم الثَّالِث)) مَاء يتجمع من الأمطار والسيول فَيجْرِي إِلَى أَرض بعد أَرض فَيَأْخذهُ الْأَعْلَى فالأعلى فيسقي ويمسكه حَتَّى يصل إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يُطلقهُ للَّذي تَحْتَهُ ((الْقسم الرَّابِع)) الْآبَار الَّتِي تحفر فِي الْبَوَادِي لسقي الْمَوَاشِي فَمن حفرهَا يبْدَأ بالإنتفاع وَيَأْخُذ النَّاس مَا فضل لَهُم وَلَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُم من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الْكلأ وَهُوَ المرعى فَإِن كَانَ فِي أَرض غير متملكة فَالنَّاس فِيهِ سَوَاء وَإِن كَانَ فِي أَرض متملكة فَلصَاحِب الأَرْض الإنتفاع بِهِ وَاخْتلف هَل يجوز لَهُ بَيْعه وَمنع مِنْهُ أم لَا الْبَاب الْخَامِس عشر فِي الْمرَافِق وَمنع الضَّرَر وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الجدران والسقف وَفِيه ثَلَاث مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) إِذا كَانَ جِدَار بَين دارين لِرجلَيْنِ فَلَا يَخْلُو ذَلِك من ثَلَاثَة أَحْوَال (الْحَالة الأولى) أَن يكون لأَحَدهمَا فَلهُ أَن يتَصَرَّف فِيهِ بِمَا يَشَاء وَيسْتَحب لَهُ أَن لَا يمْنَع جَاره من غرز خَشَبَة فِيهِ وَلَا يجْبر على ذَلِك وَقَالَ الشَّافِعِي يجْبر فَإِن انْهَدم هَذَا الْحَائِط لم يجب على صَاحبه بِنَاؤُه وَإِن دعى الْجَار صَاحبه إِلَى الْبُنيان لم يلْزمه وَيُقَال اسْتُرْ على نَفسك (الْحَالة الثَّانِيَة) أَن يكون الْجِدَار ملكا لِرجلَيْنِ فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف فِيهِ إِلَّا بِإِذن شَرِيكه وَإِن انْهَدم فبنيانه عَلَيْهِمَا فَإِن أَبى أَحدهمَا من الْبناء فَإِن كَانَ يَنْقَسِم قسم بَينهمَا وَإِن لم يَنْقَسِم أجبر على بُنْيَانه مَعَ شَرِيكه وَقيل لَا يجْبر فَإِن هَدمه أحد فَعَلَيهِ أَن يردهُ إِلَّا إِذا كَانَ هَدمه صلاحا فَهُوَ بَينهمَا (الْحَالة الثَّالِثَة) إِذا تنَازعا فِي ملكه فَيحكم بِهِ لمن يشْهد الْعرف الْعرف بِأَنَّهُ لَهُ وَهُوَ لمن كَانَت إِلَيْهِ القمط والعقود فالقمط هِيَ مَا تشد بِهِ الْحِيطَان من الجص وَشبهه والعقود هِيَ الْخشب الَّتِي تجْعَل فِي أَرْكَان الْحِيطَان لتشدها فَإِن لم يشْهد الْعرف لأَحَدهمَا حكم بِأَحْكَام التداعي وَقَالَ الشَّافِعِي لَا دَلِيل فِي الْخشب على ملك الْحَائِط والحائط بَينهمَا مَعَ إيمانهما (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِذا انْهَدم حَائِط بُسْتَان مُشْتَرك فَأَرَادَ بَعضهم بناءه وأبى بَعضهم فَإِن كَانَ مقسوما إِلَّا أَن الْحِيطَان تضمه فَلَا حجَّة لبَعْضهِم على بعض وَمن أَرَادَ أَن يحرز مَتَاعه أحرزه وَمن أَرَادَ التّرْك تَركه وَإِن كَانَ غير مقسوم قسم وَإِن كَانَ لم تمكن قسمته أنْفق من أحب فِي صيانته وَأخذ نَفَقَته من نصيب صَاحبه وَإِن انْهَدَمت رحاء مُشْتَركَة فأقامها أحدهم بعد امْتنَاع البَاقِينَ فالغلة للَّذي أَقَامَهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم وَقَالَ ابْن الْمَاجشون الْغلَّة بَينهم على حسب الْأَنْصِبَاء وَيَأْخُذ الْمُنفق من أنصبائهم مَا أنْفق (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) إِذا كَانَ علو الدَّار لرجل وأسفلها للْآخر فالسقف الَّذِي بَينهمَا لصَاحب السفا وَعَلِيهِ إِصْلَاحه وبناؤه إِن انْهَدم وَلِصَاحِب الْعُلُوّ الْجُلُوس عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فَوْقه علو آخر فسقفه لصَاحب الْعُلُوّ الْجُلُوس عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فَوْقه علو آخر فسقفه لصَاحب الْعُلُوّ الأول وَبِنَاء الْعُلُوّ على صَاحبه وَبِنَاء السّفل على صَاحبه وَقَالَ الشَّافِعِي السّقف مُشْتَرك بَين صَاحب الْعُلُوّ والسفل وَإِن كَانَ مرحاض الْأَعْلَى مَنْصُوبًا على الْأَسْفَل فكنسه بَينهمَا على قدر الرؤوس عِنْد ابْن وهب وَأصبغ وَقَالَ أَشهب هُوَ لصَاحب السّفل وَلَيْسَ لصَاحب الْعُلُوّ أَن يزِيد فِي بُنْيَانه شَيْئا إِلَّا بِإِذن صَاحب السّفل (الْفَصْل الثَّانِي) من أحدث ضَرَرا أَمر بِقطعِهِ وَلَا ضَرَر وَلَا ضرار وينقسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الضَّرَر الْمُحدث قسمَيْنِ أَحدهمَا مُتَّفق عَلَيْهِ وَالْآخر مُخْتَلف فِيهِ فالمتفق عَلَيْهِ أَنْوَاع فَمِنْهُ فتح كوَّة أَو طاق يكْشف مِنْهَا على جَاره فيؤمؤ بسدها أَو سترهَا وَمِنْه أَن يَبْنِي فِي دَاره فرنا أَو حَماما أَو كير حداد أَو صائغ مِمَّا يضر بجاره دخانه فَيمْنَع مِنْهُ إِلَّا إِن احتال فِي إِزَالَة الدُّخان وَمِنْه أَن يصرف مَاءَهُ على دَار جَاره أَو على سقفه أَو يجْرِي فِي دَاره مَاء فَيضر بحيطان جَاره وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فَمثل أَن يعلي بنيانا يمْنَع جَاره الضَّوْء وَالشَّمْس فَالْمَشْهُور أَنه لَا يمْنَع مِنْهُ وَقيل يمْنَع وَمِنْه أَن يَبْنِي بنيانا يمْنَع الرّيح للإنذار فَالْمَشْهُور مَنعه مِنْهُ وَمن ذَلِك أَن يَجْعَل فِي دَاره رحى يضر دويها بجاره فَاخْتلف هَل يمْنَع من ذَلِك وَأما فتح الْبَاب فِي الزقاق وَإِن كَانَ نَافِذا جَازَ لَهُ فَتحه بِغَيْر إذْنهمْ إِلَّا أَن يكْشف على دَار أحد جِيرَانه فَيمْنَع من ذَلِك وَمن بنى فِي طَرِيق الْمُسلمين أَو أضَاف إِلَى ملكه شَيْئا من الطَّرِيق منع من ذَلِك بِاتِّفَاق وَله أَن يَبْنِي غرفَة على الطَّرِيق إِذا كَانَت الْحِيطَان لَهُ من جَانِبي الطَّرِيق وَإِن كَانَ بَين شَرِيكَيْنِ نهر أَو عين أَو بِئْر فَمن أنْفق مِنْهُم فَلهُ أَن يمْنَع شَرِيكه من الإنتفاع حَتَّى يُعْطِيهِ قسطه من النَّفَقَة الْبَاب السَّادِس عشر فِي اللّقطَة واللقيط وَفِيه ثَمَان مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكم الإلتقاط وَلَيْسَ بِوَاجِب وَهُوَ مُسْتَحبّ وَقيل مَكْرُوه وَيجب إِن كَانَت اللّقطَة بَين قوم غير مأمونين وَقيل يسْتَحبّ إِن وثق الْمُلْتَقط بأمانة نَفسه وَيكرهُ أَن يخَاف خِيَانَة نَفسه وَيحرم إِن علم خِيَانَة نَفسه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْمُلْتَقط وَهُوَ كل مَال مَعْصُوم معرض للضياع كَانَ فِي مَوضِع عَامر أَو غامر سَوَاء كَانَ حَيَوَانا أَو جمادا على تَفْصِيل فِي ضوال الْحَيَوَان وَهُوَ أَنه إِن كَانَ من الْإِبِل وَوجد فِي الصَّحرَاء لم يلتقط وَإِن كَانَ من الْغنم التقطه وَاخْتلف فِي الْتِقَاط الْبَقر وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي ضَمَان اللّقطَة وَأَخذهَا على ثَلَاثَة أوجه إِن أَخذهَا واجدها على وَجه الإلتقاط لزمَه حفظهَا وتعريفها فَإِن ردهَا لموضعها ضمنهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب وَإِن أَخذهَا على وَجه الإغتيال فَهُوَ غَاصِب ضَامِن وَإِن أَخذهَا ليحفظها لمَالِكهَا أَو ليتأملها فَهُوَ أَمِين وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن ردهَا لموضعها وَلَا يعرف الْوَجْه الَّذِي قصد بأخذها إِلَّا من قَوْله وَهُوَ مُصدق دون يَمِين إِلَّا أَن يتهم وَسَوَاء أشهد حِين التقطها أَو لم يشْهد (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي تَعْرِيف اللّقطَة وينقسم بِحَسب ذَلِك إِلَى أَقسَام ((الأول)) الْيَسِير جدا كالتمرة فَلَا يعرف ولواجده أَن ياكله أَو يتَصَدَّق بِهِ ((الثَّانِي)) الْيَسِير الَّذِي ينْتَفع بِهِ وَيُمكن أَن يَطْلُبهُ صَاحبه فَيجب أَن يعرف اتِّفَاقًا وَاخْتلف فِي قدره فَقيل سنة كَالَّذي لَهُ بَال وَقيل أَيَّامًا ((الثَّالِث)) الْكثير الَّذِي لَهُ بَال فَيجب تَعْرِيفه سنة بِاتِّفَاق وينادي عَلَيْهِ فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد دبر الصَّلَوَات وَفِي الْمَوَاضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الَّتِي يجْتَمع إِلَيْهَا النَّاس وَحَيْثُ يظنّ أَن ربه هُنَاكَ وَيجوز أَن يعرفهَا الْوَاجِد بِنَفسِهِ أَو يَدْفَعهَا إِلَى الإِمَام ليعرفها إِن كَانَ عدلا أَو يَدْفَعهَا لمن يَثِق بِهِ ليعرفها أَو يسْتَأْجر عَلَيْهَا من يعرفهَا ((الرَّابِع)) مَا لَا يبْقى بيد الْمُلْتَقط كالطعام الرطب أَو يخْشَى عَلَيْهِ التّلف كالشاة فِي مفازة فَيجوز لمن وجدهَا أَن يأكلها غَنِيا أَو فَقِيرا أَو يتَصَدَّق بهَا وَاخْتلف فِي ضَمَانه فَقيل يضمنهُ أكله أَو تصدق بِهِ وَقيل لَا يضمن فيهمَا وَقيل يضمنهُ إِن أكله لَا أَن تصدق بِهِ ((الْخَامِس)) مَا لَا يخْشَى عَلَيْهِ التّلف وَيبقى بيد ملتقطه كَالْإِبِلِ فَلَا تُؤْخَذ وَإِن أخذت عرف بهَا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) لمن تدفع فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَأقَام عَلَيْهَا بَيِّنَة دفعت لَهُ اتِّفَاقًا وَإِن عرف عفاصها ووكاءها وعددها دفعت إِلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُقيم الْبَيِّنَة عَلَيْهِمَا خلافًا لَهما وَاخْتلف فِي الْمَذْهَب هَل عَلَيْهِ يَمِين أم لَا فَإِن عرف العفاص والوكاء دون الْعدَد أَو العفاص دون الوكاء أَو الوكاء دون العفاص فَاخْتلف هَل تدفع لَهُ أم لَا والعفاص هُوَ مَا تشد بِهِ من خرقَة أَو نَحْوهَا والوكاء مَا تشد بِهِ من خيط وَنَحْوه (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) إِذا عرف بهَا سنة فَلم يَأْتِ صَاحبهَا فَهُوَ مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن يمْسِكهَا فِي يَده أَمَانَة أَو يتَصَدَّق بهَا ويضمنها أَو يتملكها وَينْتَفع بهَا ويضمنها على كَرَاهَة لذَلِك وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة للْفَقِير وَمنعه الشَّافِعِي مُطلقًا هَذَا حكمهَا فِي كل بلد إِلَّا فِي مَكَّة فَقَالَ ابْن رشد وَابْن الْعَرَبِيّ لَا تتملك لقطتهَا بل تعرف على الدَّوَام قَالَ صَاحب الْجَوَاهِر الْمَذْهَب أَنَّهَا كَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْن رشد أَيْضا لَا يَنْبَغِي أَن تلْتَقط لقطَة الْحَاج للنَّهْي عَن ذَلِك (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِي اللقط وَهُوَ الطِّفْل المنبوذ والتقاطه من فروض الْكِفَايَة فَمن وجده وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاك إِن تَركه لزمَه أَخذه وَلم يحل لَهُ تَركه وَمن أَخذه بنية أَنه يربيه لم يحل لَهُ رده وَأما إِن أَخذه بنية أَن يَدْفَعهُ إِلَى السُّلْطَان فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي رده إِلَى مَوضِع أَخذه إِن كَانَ موضعا لَا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاك لِكَثْرَة النَّاس واللقيط حر وَلَاؤُه للْمُسلمين وَلَا يخْتَص بِهِ الْمُلْتَقط إِلَّا بتخصيص الإِمَام وَقَالَ قوم هُوَ عبد لمن وجده وَنَفَقَة اللَّقِيط فِي مَاله وَهُوَ مَا وقف على اللقطاء أَو وهب لَهُم أَو وجد مَعَهم فَإِن لَك يكن لَهُ مَال فنفقته على بَيت المَال إِلَّا أَن يتَبَرَّع أحد بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَمن أنْفق عَلَيْهِ حسبَة لم يرجع عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ وَإِن ادّعى رجل أَن اللَّقِيط وَلَده فَاخْتلف هَل يلْحق بِهِ دون بَيِّنَة أم لَا (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) من رد عبدا آبقا فَلَا أُجْرَة مثله وَإِن لم يشْتَرط لَهُ شَيْء إِذا طلب الْأُجْرَة وَكَانَ مثله مِمَّن يرد الْآبِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 = الْكتاب السَّابِع فِي الدِّمَاء وَالْحُدُود = الْجِنَايَات الْمُوجبَة للعقوبة ثَلَاثَة عشر وَهِي الْقَتْل وَالْجرْح والزنى وَالْقَذْف وَشرب الْخمر وَالسَّرِقَة وَالْبَغي والحرابة وَالرِّدَّة والزندقة وَسَب الله وَسَب الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَعمل السحر وَترك الصَّلَاة وَالصِّيَام وَفِي الْكتاب عشرَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الْقَتْل إِذا ثَبت الْقَتْل وَجب على الْقَاتِل إِمَّا الْقصاص وَإِمَّا الدِّيَة وَقد تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالتَّعْزِير وَفِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الْقصاص وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفة الْقَتْل وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع اثْنَان مُتَّفق عَلَيْهِمَا وهما الْعمد وَالْخَطَأ وَوَاحِد مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ شبه الْعمد فَأَما الْعمد فَهُوَ أَن يقْصد الْقَاتِل إِلَى الْقَتْل بِضَرْب محدد أَو مثقل أَو بإحراق أَو تغريق أَو خنق أَو سم أَو غير ذَلِك وَيجب فِيهِ الْقود وَهُوَ الْقصاص وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا قصاص إِلَّا فِي الْقَتْل بالحديد وَأما الْخَطَأ فَهُوَ أَن لَا يقْصد الضَّرْب وَلَا الْقَتْل مثل لَو سقط على غَيره فَقتله أَو رمى صيدا فَأصَاب إنْسَانا فَلَا قصاص فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة وَهِي الْعقل وَأما شبه الْعمد فَهُوَ أَن يقْصد الضَّرْب وَلَا يقْصد الْقَتْل وَالْمَشْهُور أَنه كالعمد وَقيل كالخطأ وَقيل تغلظ فِيهِ الدِّيَة وفَاقا للشَّافِعِيّ (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي صفة الْقَاتِل وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ إِلَّا إِذا كَانَ بَالغا عَاقِلا فَلَا يقْتَصّ من صبي وَلَا مَجْنُون وعمدها كالخطأ وَأما السَّكْرَان فيقتص مِنْهُ وَأما الْمَأْمُور بِالْقَتْلِ فَإِن أمره من تلْزمهُ طَاعَته أَو من يخافه إِن عَصَاهُ كالسلطان أَو السَّيِّد فيقتص من الْآمِر دون الْمَأْمُور وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يقْتَصّ من الْآمِر دون الْمَأْمُور وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يقْتَصّ من وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن أمره من لَيْسَ كَذَلِك فيقتص من الْقَاتِل دون الْآمِر وَقَالَ قوم يقتلان مَعًا وَمن أمسك إنْسَانا لآخر حَتَّى قَتله قتلا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِي يقتل الْقَاتِل وَحده وَيُعَزر الممسك (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي صفة الْمَقْتُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَلَا يقْتَصّ لَهُ إِلَّا إِذا كَانَ دَمه مُسَاوِيا لدم الْقَاتِل أَو أَعلَى مِنْهُ وَلَا يقْتَصّ للأدنى من الْأَعْلَى وَاعْتِبَار ذَلِك بوصفين الْإِسْلَام وَالْحريَّة فَأَما الْإِسْلَام فَيقْتل الْمُسلم بِالْمُسلمِ وَيقتل الْكَافِر بالكافر سَوَاء اتّفقت أديانهما أَو اخْتلفت وَيقتل الْكَافِر بِالْمُسلمِ وَلَا يقتل الْمُسلم بالكافر إِلَّا إِن قتل الذِّمِّيّ قتل غيلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُسلم بالذمي وَأما الْحُرِّيَّة فَيقْتل الْحر بِالْحرِّ وَيقتل العَبْد بِالْعَبدِ وَلَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ وَلَكِن يغرم قِيمَته مَا بلغت وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْحر بِالْعَبدِ إِلَّا بِعَبْد نَفسه وَقَالَ النَّخعِيّ وَدَاوُد يقتل بِعَبْدِهِ وَعبد غَيره وَإِذا قتل العَبْد حرا فيسلمه سَيّده لأولياء الْمَقْتُول فَإِن شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِن شَاءُوا أحيوه فَإِن اخْتَارُوا حَيَاته فسيده بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ تَركه يكون عبدا لَهُم وَإِن شَاءَ أفتكه مِنْهُم بدية الْمَقْتُول وَلَا تعْتَبر الْمُسَاوَاة فِي الذُّكُور وَلَا فِي الْعدَد عِنْد الْأَرْبَعَة بل يقتل الرجل بِالرجلِ وَتقتل الْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ وَيقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ خلافًا لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وَتقتل الْمَرْأَة بِالرجلِ وَكَذَلِكَ يقتل الْوَاحِد بِالْوَاحِدِ وَكَذَلِكَ تقتل الْجَمَاعَة بِالْجَمَاعَة وَتقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ خلافًا للظاهرية (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي صفة الْقصاص وَيقتل الْقَاتِل بالقتلة الَّتِي قتل بهَا من ضَرْبَة بحديد أَو حجر أَو خنق أَو غير ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا قصاص إِلَّا بالحديد وَاخْتلف هَل يقتل بالنَّار أَو بالسم إِذا كَانَ قد قتل بهما أم لَا وَهَذَا إِذا ثَبت الْقَتْل بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف وَأما إِن كَانَ بالقسامة فَلَا يقتل الْقَاتِل إِلَّا بِالسَّيْفِ فروع ثَمَانِيَة (الْفَرْع الأول) إِذا وَجب الْقصاص فلأولياء الْمَقْتُول أَن يعفوا على أَن يَأْخُذُوا الدِّيَة برضى الْقَاتِل فِي الْمَشْهُور وَقيل لَا يعْتَبر رِضَاهُ وفَاقا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وعَلى أَن لَا يَأْخُذُوا شَيْئا وَإِذا عَفا بَعضهم سقط الْقصاص (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا سقط الْقصاص عَن قَاتل الْعمد بِعَفْو عَنهُ أَو بِعَدَمِ مُكَافَأَة دَمه لدم الْمَقْتُول كَالْحرِّ يقتل العَبْد وَالْمُسلم يقتل الْكَافِر فَعَلَيهِ التَّعْزِير فِي الْمَذْهَب خلافًا للشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل وَهُوَ ضرب مائَة وَحبس سنة سَوَاء قتل حرا أَو عبدا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القاتلون جمَاعَة فَقتل وَاحِد مِنْهُم قصاص فَإِن بَقِيَّتهمْ يضْربُونَ مائَة ويحبسون عَاما (الْفَرْع الثَّالِث) لَا يجوز الْعَفو عَن الْقَاتِل غيلَة وَهِي الْقَتْل على وَجه المخادعة وَالْحِيلَة فَإِن عَفا أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فَإِن الإِمَام يقتل الْقَاتِل (الْفَرْع الرَّابِع) يجْرِي الْقصاص بَين الْأَقَارِب كَمَا يجْرِي بَين الْأَجَانِب فَأَما قتل الْأَب لِابْنِهِ فَإِن كَانَ على وَجه الْعمد الْمَحْض مثل أَن يذبحه أَو يشق بَطْنه فيقتص لَهُ مِنْهُ خلافًا لَهُم وَإِن كَانَ على غير ذَلِك مِمَّا يحْتَمل الشُّبْهَة أَو التَّأْدِيب وَعدم الْعمد فَلَا قصاص فِيهِ وَعَلِيهِ الدِّيَة فِي مَاله مُغَلّظَة وَيجْرِي مجْرى الْأَب وَالأُم والأجداد والجدات (الْفَرْع الْخَامِس) أَوْلِيَاء الدَّم هم الذُّكُور الْعصبَة دون الْبَنَات وَالْأَخَوَات وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة فَلَيْسَ لَهُم قَول مَعَ الْعصبَة فِي الْمَشْهُور خلافًا لَهُم (الْفَرْع السَّادِس) إِذا عَفا الْمَقْتُول عمدا لزم ذَلِك ورثته خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجوز عَفْو الْبكر وَالسَّفِيه وَاخْتلف فِي الْجراح وَإِن عَفا الْمَقْتُول خطأعن الدِّيَة كَانَ فِي ثلثه إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة (الْفَرْع السَّابِع) إِذا اشْترك فِي الْقَتْل عَامِد وخاطىء أَو بَالغ وَصبي قتل الْعَامِد خلافًا لَهما (الْفَرْع الثَّامِن) إِذا كَانَ فِي الْأَوْلِيَاء صغَار وكبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فللكبار الْقود وَلَا ينْتَظر بُلُوغ الصغار خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الدِّيَة وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع دِيَة الْخَطَأ ودية الْعمد إِذا عُفيَ عَنهُ ودية الْجَنِين فَأَما دِيَة الْخَطَأ فَهِيَ مائَة من الْإِبِل على أهل الْإِبِل وَألف دِينَار على أهل الذَّهَب وَاثنا عشر ألف دِرْهَم على أهل الْوَرق وَهَذِه دِيَة الْمُسلم الذّكر وَأما الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالذِّمِّيّ فديته نصف دِيَة الْمُسلم وَقَالَ الشَّافِعِي ثلث دِيَة الْمُسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة مثل دِيَة الْمُسلم وَأما الْمَرْأَة الْمسلمَة فديتها نصف دِيَة الْمُسلم اتِّفَاقًا وَأما دِيَة الْيَهُودِيَّة والنصارنية فَهِيَ فِي الْمَذْهَب نصف دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ودية الْجَنِين عبد أَو وليدة سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى وَسَوَاء تمّ خلقه أم لم يتم إِذا خرج من بطن أمه مَيتا وَلَا يقتل قَاتل الْجَنِين فِي الْعمد لِأَن حَيَاته غير مَعْلُومَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا دِيَة فِيهِ حَتَّى يتم خلقه فَإِن مَاتَت أمه من الضَّرْب ثمَّ سقط الْجَنِين مَيتا فَلَا شَيْء فِيهِ خلافًا لأَشْهَب وَإِن مَاتَت الْأُم وَلم ينْفَصل فَلَا شَيْء فِيهِ وَفِي جَنِين الْأمة من غير سَيِّدهَا عشر أمة ودية الْجَنِين فِي مَال الْجَانِي وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة فِي مَال الْعَاقِلَة وَهِي موروثة عَن الْجَنِين على الْفَرَائِض عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ ربيعَة تكون الْأمة خَاصَّة وَأما دِيَة الْعمد فَهِيَ غير محدودة فَيجوز مَا يتراضون عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير فَإِن انبهمت كَانَت مثل دِيَة الْخَطَأ وَتُؤَدِّي دِيَة الْخَطَأ عَاقِلَة الْقَاتِل وهم عصبته من الْأَقَارِب والموالي تنجم عَلَيْهِم فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن لم تكن لَهُ عَاقِلَة أدّيت من بَيت المَال وَيُؤَدِّي الْقَاتِل دِيَة الْعمد من مَاله حَالا وَقيل تنجم عَلَيْهِ وَتُؤَدِّي الْعَاقِلَة عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَقَالَ الشَّافِعِي عمد الصَّبِي فِي مَاله وَالدية موروثة عَن الْقَاتِل على حسب الْفَرَائِض وَتدْخل فهيا وَصيته بَيَان وَإِنَّمَا تُؤدِّي الْعَاقِلَة الدِّيَة بأَرْبعَة شُرُوط وَهِي أَن تكون الثُّلُث فَأكْثر وَقَالَ ابْن حَنْبَل تُؤدِّي الْقَلِيل وَالْكثير وَأَن تكون عَن دم احْتِرَازًا من قيمَة العَبْد وَأَن تكون عَن خطأ وَإِن يثبت بِغَيْر اعْتِرَاف وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا مِنْهُم من كَانَ ذكرا بَالغا عَاقِلا مُوسِرًا مُوَافقا فِي الدّين وَالدَّار وتوزع عَلَيْهِم حسب حَالهم فِي المَال فَيُؤَدِّي كل وَاحِد مِنْهُم مَا لَا يضر بِهِ وَيبدأ بالأقرب فَالْأَقْرَب فرع تجب على قَاتل الْخَطَأ الْكَفَّارَة مَعَ الدِّيَة وَهِي تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة كَامِلَة سليمَة من الْعُيُوب فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين وَلَا طَعَام فِيهَا وَلَا كَفَّارَة فِي الْعمد خلافًا للشَّافِعِيّ وتستحب فِي قتل الْجَنِين خلافًا لأبي حنيفَة وأوجبها الشَّافِعِي وَلَا كَفَّارَة فِي قتل عبد وَلَا كَافِر إِلَّا أَنَّهَا تسْتَحب فِي قتل العَبْد (الْفَصْل الثَّالِث) فِيمَا يثبت بِهِ الْقَتْل وَهُوَ ثَلَاثَة أَشْيَاء اعْتِرَاف الْقَاتِل إِجْمَاعًا وَشَهَادَة عَدْلَيْنِ إِجْمَاعًا والقسامة وَفِي الْقسَامَة مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي صفتهَا وَهِي أَن يحلف أَوْلِيَاء الدَّم خمسين يَمِينا فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم بعد الصَّلَاة عِنْد اجْتِمَاع النَّاس أَن هَذَا قَتله فَيجب بهَا الْقصاص فِي الْعمد وَالدية فِي الْخَطَأ وفَاقا لِابْنِ حَنْبَل وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة إِنَّمَا تجب بهَا الدِّيَة وَلَا يراق بهَا دم وَقَالَ عمر بن عبد العزيز لَا يجب بهَا شَيْء (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْحَالِف وهم أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فَإِن كَانَ فِي قتل الْعمد فَلَا يحلف النِّسَاء وَلَا الصّبيان وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 رجل وَاحِد وَإِنَّمَا يحلف بجلان فَأكْثر تقسم الْإِيمَان بَينهم على قددهم فيستحقون الْقصاص فَإِن نكلوا عَن الْإِيمَان ردَّتْ الْإِيمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ فَيحلف خمسين يَمِينا أَنه مَا قتل فَإِن نكل بعد الْأَوْلِيَاء فَفِيهَا قَولَانِ قيل يحلف من بَقِي مِنْهُم وَيَأْخُذ نصِيبه من الدِّيَة لِأَن الْقود قد سقط بِالنّكُولِ وَقيل ترد الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن نكل حبس حَتَّى يحلف فَإِن طَال حَبسه ترك وَعَلِيهِ جلد مائَة وَحبس عَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبْدَأ بِالْحلف فِي الْقسَامَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِذا أقسم الْأَوْلِيَاء على جمَاعَة أَنهم قتلوا اخْتَارُوا وَاحِدًا مِنْهُم فَقَتَلُوهُ وَلَا يقتل بالقسامة أَكثر من وَاحِد وَإِن كَانَت الْقسَامَة فِي الْخَطَأ أَو حَيْثُ لَا يقْتَصّ فِي الْعمد مثل أَن يكون الْقَاتِل صَغِيرا أَو المقتلو غير مكافىء للْقَاتِل فَيقسم فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء ويجزىء الرجل الْوَاحِد وتقسم الْإِيمَان بَينهم على قدر موارثهم فَإِذا حلفوا استحقوا الدِّيَة وَإِن نكلوا ردَّتْ الْيَمين على عَاقِلَة الْقَاتِل وَإِن نكل وَاحِد من الْأَوْلِيَاء حلف باقيهم وَأخذُوا نصِيبهم من الدِّيَة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي شُرُوط الْقسَامَة وَهِي ثَلَاثَة أَن يكون الْمَقْتُول مُسلما وَأَن يكون حرا فَلَا قسَامَة فِي قتل الذِّمِّيّ وَلَا العَبْد وَالثَّالِث اللوث وَلَا تكون الْقسَامَة إِلَّا مَعَ لوث وَهُوَ إِمَارَة على الْقَتْل غير قَاطِعَة وَشَهَادَة الشَّاهِد الْعدْل على الْقَتْل لوث وَاخْتلف فِي شَهَادَة غير الْعدْل وَفِي شَهَادَة الْجَمَاعَة إِذا يَكُونُوا عُدُولًا وَفِي شَهَادَة النِّسَاء وَالْعَبِيد وَشَهَادَة عَدْلَيْنِ على الْجرْح لوث إِذا عَاشَ الْمَجْرُوح بعد الْجرْح وَأكل وَشرب وَاخْتلف فِي شَهَادَة عدل وَاحِد على الرجح وَفِي شَهَادَته على الْإِقْرَار الْقَاتِل هَل يقسم بذلك أم لَا وَمن اللوث أَن يُوجد رجل قرب الْمَقْتُول مَعَه سيف أَو شَيْء من آلَة الْقَتْل أَو متلطخا بِالدَّمِ وَمن اللوث أَن يحصل الْمَقْتُول فِي دَار مَعَ قوم فَيقْتل بَينهم أَو يكون فِي مَحَله قوم أَعدَاء لَهُ وَمن اللوث عِنْد مَالك وَأَصْحَابه التدمية فِي الْعمد وَهُوَ قَول الْمَقْتُول فلَان قتلني أَو دمي عِنْد فلَان سَوَاء كَانَ المدمى عدلا أَو مسخوطا وَوَافَقَهُ اللَّيْث ابْن سعد فِي الْقسَامَة بالتدمية وَخَالَفَهُمَا سَائِر الْعلمَاء وَاخْتلف فِي الْمَذْهَب فِي كَون التدمية فِي الْخَطَأ لوثا على قَوْلَيْنِ فرع من أقرّ أَنه قتل خطأ فَالدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله وَقيل على عَاقِلَته بعد أَن يقسم أَوْلِيَاء الْمَقْتُول على قَول الْقَاتِل وَقيل لَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا على عَاقِلَته الْبَاب الثَّانِي فِي الْجِرَاحَات وَهِي على نَوْعَيْنِ الأول الْجرْح وَالثَّانِي قطع عُضْو وَإِزَالَة مَنْفَعَة فَفِي الْبَاب فصلان (الْفَصْل الأول) فِي الْجرْح وَفِيه مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي أَسمَاء الْجراح وَهِي عشرَة أَولهَا الدامية وَهِي الَّتِي تدمي الْجلد ثمَّ الحارصة (بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ) وَهِي الَّتِي تشق الْجلد ثمَّ السمحاق وَهِي الَّتِي تكشط الْجلد ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الباضعة وَهِي الَّتِي تشق اللَّحْم ثمَّ المتلاحمة وَهِي الَّتِي تقطع اللَّحْم فِي عدَّة مَوَاضِع ثمَّ الملطأة وَهِي الَّتِي يبْقى بَينهمَا وَبَين انكشاف الْعظم ستر رَقِيق ثمَّ الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم أَي تظهره ثمَّ الهاشمة وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم ثمَّ المنقلة وَهِي الَّتِي تكسر الْعظم فيطير الْعَظِيم مَعَ الدَّوَاء ثمَّ المأمومة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى أم الدِّمَاغ وَهِي مُخْتَصَّة بِالرَّأْسِ والجائفة الَّتِي تصل إِلَى الْجوف وَهِي مُخْتَصَّة بالجسد (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الْوَاجِب فِي الْجراح وَلَا يَخْلُو أَن يكون خطأ أَو عمدا فَإِن كَانَ خطأ فَلَا قصاص فِيهِ وَلَا أدب وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة فَفِي الْمُوَضّحَة نصف عشر الدِّيَة وَهِي خمس من الْإِبِل وَفِي الهاشمة عشر الدِّيَة وَقيل حُكُومَة وَفِي المنقلة عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا وَفِي المأمومة والجائفة ثلث الدِّيَة وَأما مَا قبل الْمُوَضّحَة فَلَيْسَ فِيهَا دِيَة مَعْلُومَة وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَة وَذَلِكَ أَن يقوم الْمَجْرُوح سالما من عثل الضَّرْبَة وَيقوم بالعثل لَو كَانَ عبدا فِي الْحَالين فَمَا كَانَ بَين الْقِيمَتَيْنِ سمي من قِيمَته سالما فَمَا كَانَ من الْأَجْزَاء كَانَ لَهُ ذَلِك الْجُزْء من دِيَته وَهَذَا إِذا بئت على عثل فَإِن بَرِئت من غير عثل فَلَا شَيْء فِيهَا وَإِن كَانَ عمدا فَفِيهِ الْقصاص وَذَلِكَ بِأَن يقيس أهل الطِّبّ والمعرفة طول الْجرْح وَعرضه وعمقه ويشقون مِقْدَاره فِي الْجَارِح وَلَا قصاص فِي المأمومة وَلَا فِي الْجَائِفَة لِأَنَّهُمَا يخْشَى مِنْهُمَا الْمَوْت وَإِنَّمَا فيهمَا الدينة الْمَذْكُورَة فَاسْتَوَى فيهمَا الْعمد وَالْخَطَأ وَاخْتلف هَل فيهمَا الدِّيَة على الْجَانِي أَو على عَاقِلَته وَلَا يقْتَصّ من الْجَارِح حَتَّى يندمل الْجرْح خلافًا للشَّافِعِيّ لِئَلَّا يَنْتَهِي إِلَى النَّفس فَيحصل الْقصاص بِالنَّفسِ لَا بِالْجرْحِ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي قطع الْأَعْضَاء فَإِن كَانَ عمدا فَفِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يخَاف مِنْهُ التّلف وَإِن كَانَ خطأ فَفِيهِ الدِّيَة وَهِي تخْتَلف فَفِي كل زوج من الْبدن دِيَة كَامِلَة وَفِي الْفَرد نصف الدِّيَة وَذَلِكَ العينان والأذنان والشفتان وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ والأنثيان والأليتان وثديا الْمَرْأَة وَفِي الْأنف وَاللِّسَان وَفِي الذّكر دِيَة كَامِلَة وَفِي السن خمس من الْإِبِل وَفِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل وَتجب الدِّيَة كَامِلَة فِي إِزَالَة الْعقل وَفِي إِزَالَة السّمع وَفِي إِزَالَة الْبَصَر وَفِي إِزَالَة الشم وَفِي إِزَالَة النُّطْق وَفِي إِزَالَة الصَّوْت وَفِي إِزَالَة الذَّوْق وَفِي إِزَالَة قُوَّة الْجِمَاع وَفِي إِزَالَة الْقُدْرَة على الْقيام وَالْجُلُوس فَإِن أَزَال بعض هَذِه الْمَنَافِع فَعَلَيهِ بِحِسَاب مَا نقص فَإِن أَزَال سمع الْأذن الْوَاحِدَة أَو بصر الْعين الْوَاحِدَة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَفِي عين الْأَعْوَر دِيَة كَامِلَة وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة نصف الدِّيَة فروع ثَمَانِيَة (الْفَرْع الأول) دِيَة جراح الْمَرْأَة كدية جراح الرجل فِيمَا دون ثلث الدِّيَة الْكَامِلَة فَإِذا بلغت الثُّلُث أَو زَادَت عَلَيْهَا رجعت إِلَى نصف دِيَة الرجل فعلى هَذَا فِي ثَلَاثَة أصابعها ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وَفِي أَرْبَعَة أصابعها عشرُون من الْإِبِل (الْفَرْع الثَّانِي) تجب حُكُومَة فِي كسر الضلع أَو الترقوة وَقطع الْيَد الشلاء وَفِي شعر اللِّحْيَة وَفِي إشراف الْأُذُنَيْنِ وَفِي جفن الْعَينَيْنِ (الْفَرْع الثَّالِث) من اطلع على رجل فِي بَيته ففقأ عينه بحصاة أَو غَيرهَا فَعَلَيهِ الْقصاص خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَرْع الرَّابِع) من أتلف عضوا على وَجه اللّعب فَاخْتلف هَل يقْتَصّ مِنْهُ أم لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (الْفَرْع الْخَامِس) دِيَة الْخَطَأ فِي الْجراح فِي مَال الْجَانِي إِذا كَانَت أقل من ثلث الدِّيَة الْكَامِلَة فَإِن كَانَت الثُّلُث فَأكْثر فَهِيَ على الْعَاقِلَة وَقَالَ الشَّافِعِي تحمل الْعَاقِلَة الْقَلِيل وَالْكثير وَقَالَ أَيْضا لَا تحمل إِلَّا الدِّيَة الْكَامِلَة وَأما الْعمد إِذا لم يقْتَصّ مِنْهُ فَالدِّيَة على الْجَانِي لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل عمدا وَلَا اعترافا (الْفَرْع السَّادِس) يشْتَرط فِي الْقصاص فِي الْجراح مَا يشْتَرط فِي الْقصاص فِي النُّفُوس من الْعمد وَكَون الْجَانِي عَاقِلا بَالغا ومكافأة دم الْمَجْرُوح لدم الْجَارِح فِي الدّين وَالْحريَّة حَسْبَمَا قدما فِي بَاب الْقَتْل (الْفَرْع السَّابِع) أُجْرَة الْحجام وَشبهه مِمَّن يتَوَلَّى فعل الْقصاص على الْمُقْتَص مِنْهُ فَإِن مَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فِي الْجراح فَلَا شَيْء على الْمُقْتَص وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ الدِّيَة (الْفَرْع الثَّامِن) إِنَّمَا يثبت الْجراح بالاعتراف وَالشَّهَادَة وَلَا قسَامَة فِي الْجراح الْبَاب الثَّالِث فِي جنايات العبيد جنايات العبيد تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام (أَحدهَا) جناياتهم على العبيد (الثَّانِي) جناياتهم على الْأَحْرَار (الثَّالِث) جناياتهم على الْأَمْوَال فَأَما جنايتهم على العبيد فَلَا يخلوا أَن تكون عمدا أَو خطأ فَإِن كَانَت خطأ فسيد العَبْد الْجَانِي مُخَيّر بَين أَن يُسلمهُ بِجِنَايَتِهِ لسَيِّد العَبْد المجنى عَلَيْهِ أَو يفتكه بِقِيمَة العَبْد الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي الْقَتْل أَو بِمَا نقص الْجرْح مِنْهُ فِي الْجرْح وَإِن لم ينقص الْجرْح شَيْئا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَأما إِن كَانَ عمدا فَإِن سيد العَبْد الْمَقْتُول أَو الْمَجْرُوح مُخَيّر بَين أَن يقْتَصّ أَو يَأْخُذ العَبْد الْجَارِح إِلَّا أَن يَشَاء سَيّده أَن يفتكه بِقِيمَة الْمَقْتُول أَو بِمَا نقص الْجرْح مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا قصاص بَين العبيد فِيمَا دون النَّفس وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لَا قصاص بَينهم فِي النُّفُوس وَلَا فِيمَا دونهَا وَأما جنايتهم على الْأَحْرَار فَإِن كَانَت فِي النَّفس وَكَانَت خطأ فسيد الْقَاتِل مُخَيّر بَين أَن يُسلمهُ أَو يفتكه بِالدِّيَةِ وَإِن كَانَ عمدا فقد تقدم حكمهَا فِي بَاب الْقَتْل وَإِن كَانَت الْجِنَايَة على الْأَحْرَار فِيمَا دون النَّفس فَسَوَاء كَانَ الْجرْح عمدا أَو خطأ لِأَن العَبْد لَا يُقَاد من الْحر بالجراح فَيُخَير سيد العَبْد الْجَارِح بَين أَن يُسلمهُ أَو يفتكه بدية الْجرْح وَأما جنايتهم على الْأَمْوَال فَسَوَاء كَانَت لحر أَو لعبد فَذَلِك فِي رَقَبَة العَبْد الْجَانِي يُخَيّر سَيّده بَين أَن يُسلمهُ بِمَا استهكل من الْأَمْوَال أَو بفتكه بذلك وَسَوَاء كَانَ الْمُسْتَهْلك مثل قِيمَته أَو أقل أَو أَكثر وَهَذَا فِي الْأَمْوَال الَّتِي لم يُؤمن العَبْد عَلَيْهَا وَأما مَا اؤتمن عَلَيْهِ بعارية أَو كِرَاء أَو وَدِيعَة أَو إِجَارَة فَذَلِك فِي ذمَّة العَبْد لَا فِي رقبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الْبَاب الرَّابِع فِي حد الزِّنَى وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط الْحَد وَلَا حد على الزَّانِي والزانية إِلَّا بِشُرُوط مِنْهَا مُتَّفق عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلف فِيهِ وَهِي عشرَة (الأول) أَن يكون بَالغا (الثَّانِي) أَن يكون عَاقِلا فَلَا يحد الصَّبِي غير الْبَالِغ وَلَا الْمَجْنُون باتفقاق وَإِن زنى عَاقل بمجنونة أَو مَجْنُون بعاقلة حد الْعَاقِل مِنْهُمَا (الثَّالِث) أَن يكون مُسلما فَلَا يحد الْكَافِر إِن زنى بكافرة خلافًا للشَّافِعِيّ ويؤدب إو أظهره وَأَن استكره مسلمة على الزِّنَى وَإِن زنى بهَا طَائِعَة نكل وَقيل يقتل لِأَنَّهُ نقض للْعهد (الرَّابِع) أَن يكون طَائِعا وَاخْتلف هَل يحد الْمُكْره على الزِّنَى وَقَالَ القَاضِي عبد الوهاب إِن انْتَشَر قضيبه حَتَّى أولج فَعَلَيهِ الْحَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أكرهه غير السُّلْطَان حد وَلَا تحد الْمَرْأَة إِذا استكرهت أَو اغتصب (الْخَامِس) أَن يزنى بآدمية فَإِن أَتَى بَهِيمَة فَلَا حد عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ وَلكنه يُعَزّر وَلَا تقتل الْبَهِيمَة وَلَا بَأْس بأكلها خلافًا للشَّافِعِيّ (السَّادِس) أَن تكون مِمَّن يُوطأ مثلهَا فَإِن كَانَت صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا وَلَا تحد الْمَرْأَة إِذا كَانَ الواطىء غير بَالغ (السَّابِع) أَن لَا يفعل ذَلِك بِشُبْهَة فَإِن كَانَ بِشُبْهَة سقط الْحَد مثل أَن يظنّ بِامْرَأَة أَنَّهَا زَوجته أَو مملوكته فَلَا حد خلافًا لأبي حنيفَة أَو أَن يكون نِكَاحا فَاسِدا مُخْتَلفا فِيهِ كَالنِّكَاحِ دون ولي أَو بِغَيْر شُهُود إِذا استفاض واشتهر فَإِن كَانَ فَاسِدا بِاتِّفَاق كالجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَنِكَاح خَامِسَة وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم من النّسَب أَو الرَّضَاع أَو تزوج فِي الْعدة أَو ارتجاع من ثَلَاث دون أَن تتَزَوَّج غَيره أَو شبه ذَلِك فَيحد فِي ذَلِك كُله إِلَّا أَن يَدعِي الْجَهْل بِتَحْرِيم ذَلِك كُله فَفِيهِ قَولَانِ وَلَا يحد من وطىء أمته المتزوج أَو الْمُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره أَو أمة أحلّت لَهُ أَو أمة وَلَده أَو أمة عبدخ للشُّبْهَة وَإِن كَانَ ذَلِك كُله حَرَامًا (الثَّامِن) أَن يكون عَالما بِتَحْرِيم الزِّنَى فَإِن ادّعى الْجَهْل بِهِ وَهُوَ مِمَّن يظنّ بِهِ ذَلِك فَفِيهِ قَولَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وَأصبغ (التَّاسِع) أَن تكون الْمَرْأَة غير حربية فَإِن كَانَت حربية حد عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لِابْنِ المشاجون وَكَذَلِكَ إِن كَانَت من الْمغنم حد عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب (الْعَاشِر) أَن تكون الْمَرْأَة حَيَّة وَيحد واطىء الْميتَة فِي الْمَشْهُور فرع يحد من زنى بمملوكة وَالِده وَلَا يحد من زنى بمملوكة وَلَده وَعَلِيهِ غرم قيمتهَا وَيحد من وطىء مَمْلُوكَة زَوجته وَقَالَ ابْن حَنْبَل لَا يحد وَقَالَ قوم إِنَّمَا عَلَيْهِ تَعْزِير وَلَا يحد عِنْد أبي حنيفَة من وطىء أجيرته خلافًا لجَمِيع الْعلمَاء وَلَا يحد من وطىء أمة لَهُ فِيهَا نصيب خلافًا لأبي ثَوْر (الْفَصْل الثَّانِي) فِي مِقْدَار الْحَد وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع (الأول) الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوت وَذَلِكَ للْحرّ الْمُحصن والحرة المحصنة وَلَا يجلدان قبل الرَّجْم عِنْد الثَّلَاثَة خلافًا لِابْنِ حَنْبَل واسحاق وَدَاوُد (الثَّانِي) جلد مائَة وتغريب عَام إِلَى بلد آخر يسمجن فِيهِ وَذَلِكَ للرجل الْحر الْغَيْر الْمُحصن وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تغريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (الثَّالِث) جلد مائَة دون تغريب وَذَلِكَ للْحرَّة غير المحصنة وَقَالَ الشَّافِعِي تغرب الْمَرْأَة مَعَ الْجلد كَالرّجلِ (الرَّابِع) جلد خمسين جلدَة دون تغريب وَذَلِكَ للْعَبد وَالْأمة وكل من فِيهِ بَقِيَّة رق سَوَاء كَانَ مُحصنا أَو غير مُحصن عِنْد الْأَرْبَعَة إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ يغرب العَبْد وَالْأمة مَعَ الْجلد وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِن أحصنا فعلَيْهِمَا خَمْسُونَ جلدَة وَإِن لم يحصنا فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا وَقَالَ قوم حكمهمَا كَالْحرِّ فِي الجرم وَالْجَلد وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة يجلد العَبْد خمائة وَالْأمة خمسين وتحد أم الْوَلَد فِي حَيَاة سَيِّدهَا حد الْأمة وَبعد مَوته حد الْحرَّة غير المحصنة إِلَّا أَن تتَزَوَّج ويطأها زَوجهَا فيحصنها فروع ثَمَانِيَة (الْفَرْع الأول) الْإِحْصَان الْمُشْتَرط فيالزوج لَهُ خَمْسَة شُرُوط الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام وَتقدم الوطىء بِنِكَاح صَحِيح وَهُوَ أَن يتَقَدَّم للزاني والزانية وَطْء مُبَاح فِي الْفرج بتزويج صَحِيح فَلَا يحصن زنى مُتَقَدم وَلَا وَطْء بِملك الْيَمين وَلَا وَطْء فِيمَا دون الْفرج وَلَا وَطْء بِنِكَاح فَاسد أَو شُبْهَة وَلَا وَطْء فِي صِيَام أَو حيض أَو اعْتِكَاف أَو إِحْرَام وَلَا وَطْء نِكَاح فِي الشّرك وَلَا عقد نِكَاح دون وَطْء وَيَقَع الْإِحْصَان بمغيب الْحَشَفَة وَإِن لم ينزل وَإِذا أقرّ أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْوَطْءِ مُحصن دون الْمُنكر (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا اخْتلفت أَحْكَام الزِّنَى والزانية فَيكون أَحدهمَا حرا وَالْآخر مَمْلُوكا غير مُحصن فَيحكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْحَد بِحكم نَفسه (الْفَرْع الثَّالِث) من فعل فعل قوم لوط رجم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ سَوَاء كَانَا محصنين أَو غير محصنين وَقَالَ الشَّافِعِي حَده كالزنى يرْجم الْمُحصن وَيحد غَيره مائَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُعَزّر وَلَا حد عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عبدا فَقيل يرْجم وَقيل يجلد خمسين وَهُوَ الْأَصَح لِأَن العَبْد لَا يرْجم وَالشَّهَادَة فِي اللواطة كَالشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى وَمن أَتَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي دبرهَا فَقيل عَلَيْهِمَا حد اللواط وَقيل حد الزِّنَى وَإِذا تساحقت امْرَأَة مَعَ أُخْرَى فَقَالَ ابْن الْقَاسِم تؤديان على حسب اجْتِهَاد الإِمَام وَقَالَ أصبغ تجلدان مائَة مائَة (الْفَرْع الرَّابِع) يُؤَخر الْجلد عَن الْمَرِيض إِلَى برئه وَعَن الْحَامِل إِلَى وَضعهَا وَيُؤَخر الرَّجْم عَن الْحَامِل لَا عَن الْمَرِيض وَلَا يجلدان فِي شدَّة الْحر وَالْبرد (الْفَرْع الْخَامِس) الرَّجْم بحجارة متوسطة قدر مَا يرفع الرَّامِي لَا بصخرة كَبِيرَة تقتل فِي مرّة وَلَا بحصيات (الْفَرْع السَّادِس) إذاحضر الإِمَام الرَّجْم جَازَ لَهُ أَن يبْدَأ هُوَ وَأَن يبْدَأ غَيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة تلْزمهُ الْبِدَايَة إِذا ثَبت الزِّنَى بِالْإِقْرَارِ وَتلْزم الْبِدَايَة للشُّهُود إِذا ثَبت بِالشَّهَادَةِ (الْفَرْع السَّابِع) يسْتَحبّ أَن يحضر حد الزِّنَى طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وَأَقلهمْ أَرْبَعَة وَقَالَ ابْن حَنْبَل اثْنَان وَقيل وَاحِد وَقيل عشرَة (الْفَرْع الثَّامِن) لَا تحفر للمرجوم حُفْرَة يرْجم فِيهَا خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّالِث) فِيمَا يثبت بِهِ الْحَد وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَشْيَاء الِاعْتِرَاف وَالشَّهَادَة وَظُهُور الْحمل فَأَما الِاعْتِرَاف من الْعَاقِل الْبَالِغ فَيُوجب الْحَد وَلَو مرّة وَاحِدَة وَاشْترط ابْن حَنْبَل الِاعْتِرَاف أَربع مَرَّات وَزَاد أَبُو حنيفَة فِي أَربع مجَالِس فَإِن رَجَعَ عَن اعترافه إِلَى شُبْهَة لم يحد وَإِن رَجَعَ لغير شُبْهَة فَقَوْلَانِ وَإِن رَجَعَ بعد ابْتِدَاء الْحَد وَقبل تَمَامه قبل مِنْهُ فِي الْمَشْهُور وَأما الشَّهَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فَأَرْبَعَة رجال عدُول يشْهدُونَ مُجْتَمعين لَا تراخي بَين أَوْقَات إقامتهم الشَّهَادَة على مُعَاينَة الزِّنَى كالمرور فِي المكحلة فَإِن كَانُوا أقل من أَرْبَعَة لم يحد الْمَشْهُود عَلَيْهِ وحد الشُّهُود حد الْقَذْف وَإِن رَجَعَ بعض الْأَرْبَعَة قبل الحكم أَو شكّ فِي شَهَادَته بعد أَدَائِهَا حد الْأَرْبَعَة وَإِن رَجَعَ أَو شكّ بعد الحكم حد الرَّاجِع أَو الشاك وَحده وَإِن شهد ثَلَاثَة وَتوقف الرَّابِع حد الثَّلَاثَة دون الرَّابِع وَإِن شهدُوا مفترقين فِي مجَالِس حدوا خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون وَأما الْحمل فَإِن ظهر بحرة أَو بِأمة وَلَا يعلم لَهَا زوج وَلَا أقرّ سَيِّدهَا بِوَطْئِهَا وَتَكون الْحرَّة مُقِيمَة غير غَرِيبَة فتحد خلافًا لَهما فِي قَوْلهمَا لَا حد بِالْحملِ فَإِن قَالَت غصبت أَو استكرهت لم يقبل ذَلِك مِنْهَا إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إِمَارَة على صدقهَا كالصياح والاستغاثة وَيُقِيم السَّيِّد على عَبده أَو أمته حد الزِّنَى وَالْقَذْف وَالشرب خلافًا للشَّافِعِيّ دون الْقطع فِي السّرقَة وَالتَّوْبَة لَا تسْقط الْحَد فيالزنى وَلَا فِي شرب الْخمر خلافًا للشَّافِعِيّ الْبَاب الْخَامِس فِي حد الْقَذْف وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط الْحَد فِي الْقَذْف وَهِي ثَمَانِيَة مِنْهَا سِتَّة فِي الْمَقْذُوف وَهِي الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْعقل وَالْبُلُوغ والعفاف عَمَّا رمي بِهِ من الزِّنَى وَأَن تكون مَعَه آلَة الزِّنَى فَلَا يكون حصورا وَلَا مجبوبا قد حب قبل بُلُوغه وَاثْنَانِ فِي الْقَذْف وهما الْعقل وَالْبُلُوغ سَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا مُسلما أَو كَافِرًا وَيحد الْوَالِد إِذا قذف وَلَده على الْمَشْهُور وَتسقط عَدَالَة الْوَلَد (الْفَصْل الثَّانِي) فِي معنى الْقَذْف وَحده الرَّمْي بِوَطْء حرَام فِي قبل أَو دبر أَو نفي من النّسَب للْأَب بِخِلَاف النَّفْي من الْأُم أَو تَعْرِيض بذلك وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة لَا حد فِي التَّعْرِيض بل تَعْزِير إِلَّا أَن يَقُول أردْت بِهِ الْقَذْف فَيحد وَذَلِكَ أَن من رمى أحدا بِمَا يكره فَلَا يخلوا أَن يرجع مَا رَمَاه بِهِ إِلَى مَا وَصفنَا أَو إِلَى غير ذَلِك فَإِن رَجَعَ مَعْنَاهُ إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ فِيهِ حد الْقَذْف وَلَكِن فِيهِ التَّأْدِيب بِالِاجْتِهَادِ على حسب حَال الْقَائِل وَالْمقول لَهُ وَإِن رَجَعَ إِلَى مَا ذكرنَا فَفِيهِ حد الْقَذْف فَمن ذَلِك من رمى أحدا بالزنى أَو اللواط أَو قَالَ لَهُ لست لأَبِيك أَو لست ابْن فلَان يَعْنِي أَبَاهُ أَو جده أَو أَنْت ابْن فلَان يَعْنِي غَيرهمَا سَوَاء كَانَت أم الْمَقْذُوف مسلمة أَو كَافِرَة أَو حرَّة أَو أمة وَفِي معنى ذَلِك الْكِنَايَة كَقَوْلِه للعربي يَا بربري أَو مَا أشبه ذَلِك خلافًا لَهما وَأما التَّعْرِيض فكقوله مَا أَنا بزان وَمَا أَنا زَان وَمن قَالَ لامْرَأَته زينت بك فَعَلَيهِ حد الزِّنَى وحد الْقَذْف فرع فِي تكْرَار الْقَذْف وَمن قذف شخصا وَاحِدًا مرَارًا كَثِيرَة فَعَلَيهِ حد وَاحِد إِذا لم يحد لوَاحِد مِنْهَا اتِّفَاقًا فَإِن قذفه فحد ثمَّ قذفه مرّة أُخْرَى حد مرّة أُخْرَى اتِّفَاقًا فَإِن قذف جمَاعَة فِي كلمة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حد وَاحِد جمعهم أَو فرق وَقَالَ الشَّافِعِي يحد لكل وَاحِد مِنْهُم وَقَالَ قوم أَن جمعهم فِي كلمة وَاحِدَة كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 يَا زناة حد حدا وَاحِدًا وَإِن فرقهم حد لكل وَاحِد مِنْهُم (الْفَصْل الثَّالِث) فِي مِقْدَار حد الْقَذْف وموجبه ومسقطه فَأَما مِقْدَاره فيجلد الْحر والحرة ثَمَانِينَ جلدَة ويجلد العَبْد وَالْأمة أَرْبَعِينَ جلدَة عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة ثَمَانِينَ وَتسقط شَهَادَة الْقَاذِف إِذا حد اتِّفَاقًا وَلَا تسْقط قبل أَن يحد خلافًا للشَّافِعِيّ وأصبع وَإِن تَابَ قبلت شَهَادَته خلافًا لأبي حنيفَة وَأما مَا يسْقط الْحَد عَن الْقَاذِف فشيئان أَحدهمَا إِذا ثَبت على الْمَقْذُوف مَا رمي بِهِ أَو كَانَ مَعْرُوفا بِهِ وَالثَّانِي اخْتلف فِيهِ وَهُوَ هَل يسْقط الْحَد إِذا عَفا الْمَقْذُوف فَقَالَ مَالك لَهُ الْعَفو بلغ ذَلِك الإِمَام أَو لم يبلغ وَرُوِيَ عَنهُ أَن لَهُ الْعَفو مَا لم يبلغ الإِمَام فَإِن بلغه فَلَا عَفْو وفَاقا للشَّافِعِيّ إِلَّا أَن يُرِيد سترا على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا عَفْو بلغ ذَلِك الإِمَام أم لم يبلغ وَأما مُوجب الْحَد فاعتراف الْقَاذِف أَو شَهَادَة عَدْلَيْنِ عَلَيْهِ فَإِن كَانَ شَاهد وَاحِد حلف الْقَاذِف فَإِن نكل سجن أبدا حَتَّى يحلف وَإِن لم يقم شَاهد فَلَا يَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَ صَاحب الْجَوَاهِر وَقَالَ ابْن رشد فِي إجَازَة شَهَادَة النِّسَاء فِي الْقَذْف وثبوته بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد أَو إِيجَاب الْيَمين على الْقَاذِف بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد أَو بِالدَّعْوَى إِذا لم يكن شَاهد خلاف بَين أَصْحَابنَا فرع يجوز فِي الْمَذْهَب التَّعْزِير بِمثل الْحُدُود وَأَقل وَأكْثر على حسب الِاجْتِهَاد وَقَالَ ابْن وهب لَا يُزَاد فِي التَّعْزِير على عشرَة أسواط للْحَدِيث الصَّحِيح وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يبلغ بِهِ عشْرين سَوْطًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ الْبَاب السَّادِس فِي السّرقَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط الْقطع وَهِي أحد عشر (الأول) الْعقل (الثَّانِي) الْبلُوغ فَلَا يقطع الصَّبِي وَلَا الْمَجْنُون اتِّفَاقًا (الثَّالِث) أَن لَا يكون عبدا للمسروق مِنْهُ فَلَا يقطع العَبْد إِذا سرق مَال سَيّده خلافًا لداود (الرَّابِع) أَن لَا يكونله على الْمَسْرُوق ولادَة فَلَا يقطع الْأَب فِي سَرقَة مَال ابْنه وَزَاد الشَّافِعِي الْجد فَلَا يقطع فِي مَال حفيده وَزَاد أَبُو حنيفَة كل ذِي رحم وَاخْتلف فِي الزَّوْج وَالزَّوْجَة إِذا سرق كل وَاحِد مِنْهُمَا من مَال صَاحبه (الْخَامِس) أَن لَا يضْطَر إِلَى السّرقَة من جوع (السَّادِس) أَن يكون الشَّيْء الْمَسْرُوق مِمَّا يتمول وَيجوز بَيْعه على اخْتِلَاف أَصْنَاف الْأَمْوَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا قطع فِي طَعَام وَلَا فِيمَا أَصله مُبَاح الْحَطب فَلَا يقطع فِي خمر وَلَا فِي خِنْزِير وَشبه ذَلِك وَلَا قطع فِيمَا لَا يتَمَلَّك إِلَّا فِي سَرقَة الْحر الصَّغِير فَإِنَّهُ يقطع فِيهِ خلافًا لَهما وَلابْن الماشجون لَا فِي الْحر الكبي (السَّابِع) أَن لَا يكون للسارق فِيهِ ملك وَلَا شبه ملك فَلَا قطع على من سرق رَهنه من مرتهنه وأجرته من الْمُسْتَأْجر وَلَا من سرق شَيْئا لَهُ فِيهِ نصيب وَلَا على صَاحب الدّين إِذا سرق من غَرِيمه وَاخْتلف فِي قطع من سرق من الْمغنم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 قبل الْقِسْمَة إِذا كَانَ لَهُ فِيهَا نصيب (الثَّامِن) أَن يكون الْمَسْرُوق نِصَابا فَأكْثر خلافًا لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ والخوارج والظاهرية والنصاب عِنْد الْإِمَامَيْنِ ثَلَاثَة دَرَاهِم من الْوَرق أَو ربع دِينَار من الذَّهَب شَرْعِيَّة أَو مَا قِيمَته أَحدهمَا حِين السّرقَة وَيقوم بالأغلب مِنْهُمَا فِي الْبَلَد والنصاب عِنْد أبي حنيفَة عشرَة دَرَاهِم وَعند ابْن أبي ليلى خَمْسَة دَرَاهِم وَيقطع من سرق مُصحفا وَمن أخرج كفنا من قبر إِذا بلغت قِيمَته النّصاب خلافًا لأبي حنيفَة فيهمَا وَإِذا سرق جمَاعَة نِصَابا وَلم يكن فِي نصيب أحدهم نِصَاب قطعُوا خلافًا لَهما إِلَّا أَن يكون فِي نصيب كل مِنْهُم نِصَاب فيقطعون اتِّفَاقًا (التَّاسِع) أَن يكون من حرز وَهُوَ الْموضع الَّذِي يحرز فِيهِ ذلكالمسروق من دَار أَو حَانُوت أَو ظهر دَابَّة أَو سفينة مِمَّا جرت عَادَة النَّاس أَن يحفظوا فِيهِ أَمْوَالهم فَلَا قطع على من سرق من غير حرز عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للظاهرية وَقد يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف عوائد النَّاس وَلَا يقطع من سرق قناديل الْمَسْجِد خلافًا للشَّافِعِيّ وَاخْتلف فِي قطع من سرق من بَيت المَال وَفِي من سرق من الثِّيَاب الْمُعَلقَة فِي حَبل الغسال وَلَا يقطع الصَّيف إِذا سرق من الْبَيْت الَّذِي أذن لَهُ فِي دُخُوله وَاخْتلف إِذا سرق من خزانَة فِي الْبَيْت وَلَا قطع فِي شجر وَلَا ثَمَر مُعَلّق (الْعَاشِر) أَن يخرج الشَّيْء الْمَسْرُوق من الْحِرْز (الْحَادِي عشر) أَن يَأْخُذهُ على وَجه السّرقَة وَهِي الْأَخْذ الْخَفي لَا على وَجه الانتهاب والاختلاس وَهُوَ الاقتطاف من غير حرز خلافًا لِابْنِ حَنْبَل والظاهرية وَلَا فِي الْغَصْب وَلَا فِي الْخِيَانَة فِيمَا ائْتمن عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن حَنْبَل وللظاهرية إِن اسْتعَار شَيْئا فجحده قطع خلافًا للثَّلَاثَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَا يجب على السَّارِق وَذَلِكَ حقان حق لله تَعَالَى وَهُوَ الْقطع وَحقّ للمسروق مِنْهُ وَهُوَ غرم مَا سرق فَأَما الْقطع فتقطع يَده الْيُمْنَى ثمَّ إِن سرق ثَانِيَة تقطع رجله اليسري ثمَّ إِن سرق ثَالِثَة تقطع يَده الْيُسْرَى ثمَّ إِن سرق رَابِعَة تقطع رجله الْيُمْنَى ثمَّ إِن سرق بعد ذَلِك ضرب وَحبس وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقطع فِي الثَّالِثَة وَلَا فِي الرَّابِعَة بل يضْرب وَيحبس وَقطع الْأَيْدِي من الْكُوع وَقطع الأرجل من الْمفصل الَّذِي بَين الْكَعْبَيْنِ وَأما الْغرم فَإِن كَانَ الشَّيْء الْمَسْرُوق قَائِما رده بِاتِّفَاق وَإِن كَانَ قد اسْتهْلك فمذهب مَالك أَنه إِن كَانَ مُوسِرًا يَوْم الْقطع ضمن قيمَة السّرقَة وَإِن كَانَ عديما لم يضمن وَلم يغرم وَقيل يضمن فِي الْعسر واليسر وَقيل لَا يضمن فيهمَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يجمع عِنْده بَين الْقطع وَالْغُرْم وَإِن كَانَ الشَّيْء الْمَسْرُوق مِمَّا لَا يجب فِيهِ الْقطع لقلته رغمه بِاتِّفَاق فِي الْعسر واليسر (الْفَصْل الثَّالِث) فِيمَا تثبت بِهِ السّرقَة وَهِي الِاعْتِرَاف وَالشَّهَادَة فَأَما الِاعْتِرَاف فَإِن كَانَ بِغَيْر ضرب وَلَا تهديد فَفِيهِ الْقطع سَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا عَلَيْهِ الْغرم وَسقط عَنهُ الْقطع إِن رَجَعَ إِلَى شُبْهَة وإنر جع إِلَى غير شُبْهَة فَقَوْلَانِ وَيَكْفِي الْإِقْرَار مرّة وَقَالَ ابْن حَنْبَل مرَّتَيْنِ وَأما الشَّهَادَة فرجلان عَدْلَانِ وَلَا يقطع بِشَاهِد وَيَمِين وَلَا بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنَّمَا يجب بذلك الْغرم خَاصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الْبَاب السَّابِع فِي شرب الْخمر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي شُرُوط الْحَد وَهِي ثَمَانِيَة (الأول) أَن يكون الشَّارِب عَاقِلا (الثَّانِي) أَن يكون بَالغا (الثَّالِث) أَن يكون مُسلما فَلَا حد على الْكَافِر فِي شرب الْخمر وَلَا يمْنَع مِنْهُ (الرَّابِع) أَن يكون غير مكره (الْخَامِس) أَن لَا يضْطَر إِلَى شربه بغضة (السَّادِس) أَن يعلم أَنه خمر فَإِن شربه وَهُوَ يَظُنّهُ شرابًا آخر فَلَا حد عَلَيْهِ (السَّابِع) أَن يكون يعلم أَن الْخمر مُحرمَة فَإِن ادّعى أَنه لَا يعلم ذَلِك فَاخْتلف هَل يقبل قَوْله أم لَا (الثَّامِن) أَن يكون مذْهبه تَحْرِيم مَا شرب فَإِن شرب النَّبِيذ من يرى أَنه حَلَال فَاخْتلف هَل عَلَيْهِ حد أم لَا (الْفَصْل الثَّانِي) فِي مِقْدَار الْحَد وَهُوَ ثَمَانُون جلدَة للْحرّ وَأَرْبَعُونَ للْعَبد وَقَالَ الشَّافِعِي أَرْبَعُونَ للْحرّ وَعِشْرُونَ للْعَبد وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة الْحر وَالْعَبْد سَوَاء وكيفيته أَن يضْرب بِسَوْط معتدل لَيْسَ بخفيف وَلَا مبرح وَقيل الضَّرْب فِي الْحُدُود كلهَا سَوَاء وَيضْرب قَاعِدا وَلَا يمد وَلَا يرْبط وَيضْرب على الظّهْر والكتفين وتضرب الْمَرْأَة وَعَلَيْهَا مَا يَسْتُرهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْب وَلَا يضْرب فِي حَال سكره وَلَا يجلد الْمَرِيض وَيُؤَخر إِلَى برئه وَلَا يضْرب فِي الْحر الشَّديد وَلَا فِي الْبرد الشَّديد اللَّذين يخْشَى فيهمَا هَلَاكه (الْفَصْل الثَّالِث) فِيمَا يثبت بِهِ الْحَد وَهُوَ الإعتارف أَو شَهَادَة رجلَيْنِ على الشّرْب وَيلْحق بذلك أَن تشم عَلَيْهِ رَائِحَة الشَّرَاب خلافًا لَهما وَيشْهد بذلك من يعرفهَا وَيَكْفِي فِي استنهاك الرَّائِحَة شَاهد وَاحِد لِأَنَّهُ من بَاب الْخَبَر مَسْأَلَة فِي تدَاخل الْحُدُود وسقوطها وكل مَا تكَرر من الْحُدُود من جنس وَاحِد فَإِنَّهُ يتداخل كالسرقة إِذا تَكَرَّرت أَو الزِّنَى أَو الشّرْب أَو الْقَذْف فَمَتَى أقيم حد من هَذِه الْحُدُود أَجْزَأَ عَن كل مَا تقدم من جنس تِلْكَ الْجِنَايَة فَإِن ارتكبها بعد الْحَد حد مرّة أُخْرَى وَإِذا اخْتلفت أَسبَاب الْحُدُود لم تتداخل ويستوفي جَمِيعهَا كالشرب والزنى وَالْقَذْف إِلَّا أَن حد الشّرْب يدْخل تَحت حد الْقَذْف لِأَنَّهُ فرع عَنهُ فيغني أَحدهمَا عَن الآخر وَلَا تسْقط الْحُدُود بِالتَّوْبَةِ وَلَا بصلاح الْحَال وَلَا بطول الزَّمَان بل إِن ثبتَتْ وَلم يكن أقيم عَلَيْهِ فِيهَا الْحَد حد حِين ثبتَتْ وَإِن كَانَ بعد حِين وكل حد اجْتمع مَعَ الْقَتْل فالقتل يُغني عَنهُ إِلَّا حد الْقَذْف فَإِنَّهُ يحد وَحِينَئِذٍ يقتل الْبَاب الثَّامِن فِي الْحِرَابَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي معرفَة الْمُحَارب وَهُوَ الَّذِي شهر السِّلَاح وَقطع الطَّرِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَقصد سلب النَّاس سَوَاء كَانَ فِي مصر أَو قفر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكون مُحَاربًا فِي مصر وَكَذَلِكَ من حمل السِّلَاح على النَّاس من غير عَدَاوَة وَلَا ثارة فَهُوَ محَارب وَمن دخل دَارا بِاللَّيْلِ وَأخذ المَال بالكره وَمنع من الإستغاثة فَهُوَ محَارب وَالْقَاتِل غيلَة محَارب وَمن كَانَ معاونا للمحاربين كالكمين والطليعة فَحكمه كحكمهم خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي حكم الْمُحَاربين وَيجب أَن يوعظوا أَولا وَيقسم بِاللَّه عَلَيْهِم ثَلَاثًا فَإِن رجعُوا وَإِلَّا قوتلوا وقتالهم جِهَاد وَمن قتل من الْمُحَاربين فدمه هدر وَمن قتل فَهُوَ شَهِيد وَإِذا أَخذ الْمُحَارب قبل تَوْبَته أقيم عَلَيْهِ الْحَد وَهُوَ الْقَتْل أَو الصلب أَو قطع الْيَد وَالرجل أَو النَّفْي فَأَما الْقَتْل والصلب فَيجمع بَينهمَا وَيقدم الصلب عِنْد الْقَاسِم وَيُؤَخر عِنْد أَشهب وَأما الْقطع فتقطع يَده الْيُمْنَى وَرجله الْيُسْرَى وَأما النَّفْي فللحر دون العَبْد يَنْفِي إِلَى بلد آخر ويسجن فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسجن فِي بَلَده حَتَّى تظهر تَوْبَته وَإِن قتل الْمُحَارب فَلَا بُد من قَتله سَوَاء قتل حرا أَو عبدا أَو ذِمِّيا وَلَا يجوز عَفْو ولي الْمَقْتُول عَنهُ وَإِن لم يقتل فالإمام مُخَيّر بَين الْقَتْل أَو الْقطع أَو النَّفْي يفعل فِي ذَلِك مَا يرَاهُ نظرا وَلَا يحكم فِيهِ بالهوى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُخَيّر بل هَذِه الْعُقُوبَات مرتبَة على الْجِنَايَات فَإِن قتل وَإِن أَخذ المَال قطع وَإِن لم يقتل وَلم يَأْخُذ المَال نفي (الْفَصْل الثَّالِث) فِي تَوْبَته إِذا تَابَ الْمُحَارب قبل أَن يقدر عَلَيْهِ سقط عَنهُ الْحَد وَوَجَب عَلَيْهِ حُقُوق النَّاس من الْقصاص وَغرم مَا أَخذ من الْأَمْوَال وَحكمه فِي الْغرم حكم السَّارِق فِي عسره ويسره وَقيل يسْقط عَنهُ الْحَد وَالْقصاص وَالْأَمْوَال إِلَّا أَن يكون شَيْء مِنْهَا قَائِما فِي يَدَيْهِ فَيُؤْخَذ مِنْهُ وَاخْتلف فِي صفة تَوْبَته فَقيل أَن يتْرك مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحِرَابَة وَقيل أَن يَأْتِي وَقيل أَن يتْرك مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحِرَابَة وَيَأْتِي الإِمَام الْبَاب التَّاسِع فِي الْبَغي الْبُغَاة هم الَّذين يُقَاتلُون على التَّأْوِيل مثل الطوائف الضَّالة كالخوارج وَغَيرهم وَالَّذين يخرجُون على الإِمَام أَو يمتنعون من الدُّخُول فِي طَاعَته أَو يمْنَعُونَ حَقًا وَجب عَلَيْهِم كَالزَّكَاةِ وَشبههَا فَيدعونَ إِلَى الرُّجُوع للحق فَإِن فعلوا قبل مِنْهُم وكف عَنْهُم وَإِن أَبَوا قوتلوا وَحل سفك دِمَائِهِمْ فَإِن انْهَزمُوا لم يتبع مِنْهُم مُنْهَزِم وَلَا يُجهز على جريح إِلَّا أَن يخَاف رجوعهم وَلَا تصاب أَمْوَالهم وَلَا حريمهم وَإِن أخذُوا لم يقتلُوا وَلَا يُقَام عَلَيْهِم حد الْحِرَابَة وَلَا يقتل مِنْهُم أَسِير بل يُؤَدب ويسجن حَتَّى يَتُوب وَأما مَا أتلفوه فِي الْفِتْنَة من النُّفُوس وَالْأَمْوَال فَإِن كَانُوا خَرجُوا بِتَأْوِيل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم وَإِن خَرجُوا بِغَيْر تَأْوِيل فَعَلَيْهِم الْقصاص فِي النُّفُوس وَالْغُرْم فِي الْأَمْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 تَلْخِيص قتال الْبُغَاة يمتاز عَن قتال الْمُشْركين بِأحد عشر وَجها أَن يقْصد بِالْقِتَالِ ردعهم لَا قَتلهمْ وَلَا يقتل من أدبر مِنْهُم وَلَا يُجهز على جريحهم وَلَا يقتل أسيرهم وَلَا تغتنم أَمْوَالهم وَلَا تسبى ذَرَارِيهمْ وَلَا يستعان عَلَيْهِم بمشرك وَلَا يصالحون على مَال وَلَا تنصب عَلَيْهِم الرعادات وَلَا تحرق عَلَيْهِم المساكن وَلَا تقطع أَشْجَارهم وقتال الْمُحَاربين كقتال الْبُغَاة إِلَّا فِي خَمْسَة يجوز تعمد قَتلهمْ وَيقتل مدبرهم ويطالبون بِمَا استهلكوه من دم أَو مَال فِي الْحَرْب وَغَيرهَا وَيجوز حبس أَسْرَاهُم لاستبراء أَحْوَالهم وَمَا أَخَذُوهُ من الْخراج وَالزَّكَاة وَلَا يسْقط عَمَّن كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون الْبَاب الْعَاشِر فِي الْمُرْتَد والزنديق والساب والساحر أما الْمُرْتَد فَهُوَ الْمُكَلف الَّذِي يرجع عَن الْإِسْلَام طَوْعًا إِمَّا بالتصريح بالْكفْر وَإِمَّا بِلَفْظ يَقْتَضِيهِ أَو بِفعل يتضمنه وَيجب أَن يُسْتَتَاب ويمهل ثَلَاثَة وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه يُسْتَتَاب فِي الْحَال وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يُسْتَتَاب شهرا وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ أبدا فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته وَإِن لم يتب وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل وَلَا يَرِثهُ ورثته من الْمُسلمين وَلَا من الْكفَّار بل يكون مَاله فَيْئا للْمُسلمين إِلَّا أَن يكون عبدا فَمَاله لسَيِّده وَإِذا ارْتَدَّت الْمَرْأَة فَحكمهَا كَالرّجلِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب تسْتَرق وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت حرَّة حبست حَتَّى تسلت وَإِن كَانَت أمة أجبرها سَيِّدهَا على الْإِسْلَام بَيَان لَا خلاف فِي تَكْفِير من نفى الربوبية أَو الوحدانية أَو عبد مَعَ الله غَيره أَو كَانَ على دين الْيَهُود أَو النَّصَارَى وَالْمَجُوس أَو الصابئين أَو قَالَ بالحلول أَو التناسخ أَو اعْتقد أَن الله غير حَيّ أَو غير عليم أَو نفى عَنهُ صفة من صِفَاته أَو قَالَ صنع الْعَالم غَيره أَو قَالَ هُوَ متولد عَن شَيْء أَو ادّعى مجالسة الله حَقِيقَة أَو العروج إِلَيْهِ أَو قَالَ بقدم الْعَالم أَو شكّ فِي ذَلِك كُله أَو قَالَ بنبوة أحد بعد سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو جوز الْكَذِب على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو قَالَ بتخصيص الرسَالَة بالعرب أَو ادّعى أَنه يُوحى إِلَيْهِ أَو يدْخل الْجنَّة فِي الدُّنْيَا حَقِيقَة أَو كفر جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَو جحد شَيْئا مِمَّا يعلم من الدّين ضَرُورَة أَو سعى إِلَى الْكَنَائِس بزِي النَّصَارَى أَو قَالَ بِسُقُوط الْعِبَادَة عَن بعض الْأَوْلِيَاء أَو جحد حرفا فَأكْثر من الْقُرْآن أَو زَاده أَو غَيره أَو قَالَ لَيْسَ بمعجز أَو قَالَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب معنويان أَو قَالَ الْأَئِمَّة أفضل من الْأَنْبِيَاء وَمن أكره على الْكفْر وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَإِن انْتقل الْكَافِر من مِلَّة إِلَى أُخْرَى فَلَا شَيْء عَلَيْهِ (وَأما الزنديق) فَهُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام وَيسر الْكفْر فَإِذا عثر عَلَيْهِ قتل وَلَا يُسْتَتَاب وَلَا يقبل قَوْله فِي دَعْوَى التَّوْبَة إِلَّا إِذا جَاءَ تَائِبًا قبل ظُهُور زندقته وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 حنيفَة تقبل تَوْبَته وَلَا يقتل (وَأما السَّاحر) فَيقْتل إِذا عثر عَلَيْهِ كالكافر وَاخْتلف هَل تقبل تَوْبَته أم لَا قَالَ الْقَرَافِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة فِي غَايَة الْإِشْكَال فَإِن السَّحَرَة يَفْعَلُونَ أَشْيَاء تأبى قَوَاعِد الشَّرْع تكفيرهم بهَا من الْخَواص وَكتب آيَات من الْقُرْآن وَشبه ذَلِك (وَأما من سبّ الله تَعَالَى) أَو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أحدا من الْمَلَائِكَة أَو الْأَنْبِيَاء فَإِن كَانَ مُسلما قتل إتفاقا وَاخْتلف هَل يُسْتَتَاب أم لَا فعلى القَوْل بالإستتابة تسْقط عَنهُ الْعقُوبَة إِذا تَابَ وفَاقا لَهما وعَلى عدم الإستتابة وَهُوَ الْمَشْهُور لَا تسْقط عَنهُ بِالتَّوْبَةِ كالحدود وَأما مِيرَاثه إِذا قتل فَإِن كَانَ يظْهر السب فَلَا يَرِثهُ ورثته وميراثه للْمُسلمين وَإِن كَانَ مُنْكرا للشَّهَادَة عَلَيْهِ فَمَاله لوَرثَته وَإِن كَانَ كَافِرًا فَإِن كَانَ سبّ بِغَيْر مَا بِهِ كفر فَعَلَيهِ الْقَتْل وَإِلَّا فَلَا قتل عَلَيْهِ وَإِذا وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل فَأسلم فَاخْتلف هَل يقبل مِنْهُ أم لَا وَمن سبّ أحدا مِمَّن اخْتلف فِي نبوته كذي القرنين أَو فِي كَونه من الْمَلَائِكَة لم يقتل وأدب أدبا وجيعا وَأما من سبّ أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أَزوَاجه أَو أهل بَيته فَلَا قتل عَلَيْهِ وَلَكِن يُؤَدب بِالضَّرْبِ الموجع ويكرر ضربه ويطال سجنه (وَاعْلَم) أَن الْأَلْفَاظ فِي هَذَا الْبَاب تخْتَلف أَحْكَامهَا باخْتلَاف مَعَانِيهَا والمقاصد بهَا وقرائن الْأَحْوَال فَمِنْهَا مَا هُوَ كفر وَمِنْهَا مَا هُوَ دون الْكفْر وَمِنْهَا مَا يجب فِيهِ الْقَتْل وَمِنْهَا مَا يجب فِيهِ الْأَدَب وَمِنْهَا مَا لَا يجب فِيهِ شَيْء فَيجب الإجتهاد فِي كل قَضِيَّة بِعَينهَا وَقد استوفى القَاضِي أَو الْفضل عِيَاض فِي كتاب الشِّفَاء أَحْكَام هَذَا الْبَاب وَبَين أُصُوله وفصوله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 = الْكتاب الثَّامِن فِي الهبات والأحباس وَمَا شاكلها = وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الْهِبَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة الْوَاهِب والموهوب لَهُ والموهوب والصيغة فَأَما الْوَاهِب فالمالك إِذا كَانَ صَحِيحا مَالِكًا أَمر نَفسه فَإِن وهب الْمَرِيض ثمَّ مَاتَ كَانَت هِبته فِي ثلثه عِنْد الْجُمْهُور وَإِن صَحَّ صحت الْهِبَة وَيجْرِي مجْرى الْمَرِيض كل مَا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت كالكون بَين الصفين وَقرب الْحَامِل من الْوَضع وراكب الْبَحْر المرتج وَفِيه خلاف وَأما الْمَوْهُوب لَهُ فَهُوَ كل إِنْسَان وَيجوز وَيجوز أَن يهب الْإِنْسَان مَاله كُله لأَجْنَبِيّ اتِّفَاقًا وَأما هبة جَمِيع مَاله لبَعض وَلَده دون بعض أَو تَفْضِيل بَعضهم على بعض فِي الْهِبَة فمكروه عِنْد الْجُمْهُور وَإِن وَقع جَازَ وَرُوِيَ عَن مَالك الْمَنْع وفَاقا للظاهرية وَالْعدْل هُوَ التَّسْوِيَة بَينهم وَقَالَ ابْن حَنْبَل للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأما الْمَوْهُوب فَكل مَمْلُوك وَتجوز هبة مَا لَا يَصح بَيْعه كَالْعَبْدِ الْآبِق وَالْبَعِير الشارد والمجهول وَالثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا وَالْمَغْصُوب خلافًا للشَّافِعِيّ وَتجوز هبة الْمشَاع خلافًا لأبي حنيفَة وَتجوز هبة الْمَرْهُون بِقَيْد الْملك وَيجْبر الْوَاهِب على افتكاكه لَهُ وَمنعه الشَّافِعِي وَتجوز هبة الدّين خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما الصِّيغَة فَكل مَا يَقْتَضِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول من قَول أَو فعل كَلَفْظِ الْهَدِيَّة والعطية والنحلة وَشبه ذَلِك (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَنْوَاع الهبات وَهِي على قسمَيْنِ هبة رَقَبَة وَهبة مَنْفَعَة فهبة الْمَنْفَعَة كالعارية والعمري وَهبة الرَّقَبَة على ثَلَاثَة أَنْوَاع (الأول) لوجه الله تَعَالَى وَتسَمى صَدَقَة فَلَا رُجُوع فِيهَا أصلا وَلَا اعتصار وَلَا يَنْبَغِي للْوَاهِب أَن يرتجعها بشرَاء وَلَا غَيره وَإِن كَانَت شَجرا فَلَا يَأْكُل من ثَمَرهَا وَإِن كَانَت دَابَّة فَلَا يركبهَا إِلَّا أَن ترجع إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ (الثَّانِي) هبة التودد والمحبة فَلَا رُجُوع فِيهَا إِلَّا فِيمَا وهبه الْوَالِد لوَلَده صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا فَلهُ أَن يعتصره وَذَلِكَ أَن يرجع فِيهِ وَإِن قَبضه الْوَلَد إِنَّمَا يجوز الإعتصار بِخَمْسَة شُرُوط وَهِي أَن لَا يتَزَوَّج الْوَلَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 بعد الْهِبَة وَلَا يحدث دينا لأجل وَأَن لَا تَتَغَيَّر الْهِبَة عَن حَالهَا وَأَن لَا يحدث الْمَوْهُوب بِهِ فِيهَا حَدثا وَأَن لَا يمرض الْوَاهِب أَو الْمَوْهُوب لَهُ فَإِن وَقع شَيْء من ذَلِك فَيفوت الرُّجُوع وَاخْتلف فِي اعتصار الْأُم فَقيل تعتصر لولدها الصَّغِير وَالْكَبِير دا دَامَ الْأَب حَيا فَإِن مَاتَ لم تعتصر للصغار لِأَن الْهِبَة للأيتام كالصدقة فَلَا تعتصر وَقَالَ ابْن الْمَاجشون تعتصر إِن كَانَت وَصِيّا عَلَيْهِم أَو لم تكن الْهِبَة قد حيزت فِي حَيَاة الْأَب وَلَا يلْحق بهَا الْجد وَالْجدّة على الْمَشْهُور وَقَالَ الشَّافِعِي يعتصر الْأَب وَالأُم وَالْجد وَالْجدّة وَلَا يسْقط الإعتصار عِنْده فِي شَيْء مِمَّا ذكرنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعتصر من وهب لذِي رحم محرم بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ وَقَالَ ابْن حَنْبَل والظاهرية لَا يجوز الإعتصار لأحد (الثَّالِث) هبة الثَّوَاب على أَن يُكَافِئهُ الْمَوْهُوب لَهُ وَهِي جَائِزَة خلافًا للشَّافِعِيّ والموهوب لَهُ مُخَيّر بِي قبُولهَا أَو ردهَا فَإِن قبلهَا فيجل أَن يُكَافِئهُ بِقِيمَة الْمَوْهُوب وَلَا يلْزمه الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا يلْزم الْوَاهِب قبُول مَا دونهَا ثمَّ أَنه إِن كافأه بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم لزمَه قبُولهَا وَإِن كافأه بعروض لزمَه قبُولهَا خلافًا لأَشْهَب وَإِن ختلف الْوَاهِب والموهوب لَهُ فِي مُقْتَضى الْهِبَة نظر إِلَى شَوَاهِد الْحَال فَإِن كَانَت بَين غَنِي وفقير فَالْقَوْل قَول الْفَقِير مَعَ يَمِينه فَإِن لم يكن شَاهد حَال فَالْقَوْل قَول الْوَاهِب مَعَ يَمِينه وَإِذا أهْدى فَقير إِلَى غَنِي طَعَاما عِنْد قدومه من سفر أَو شبهه فَلَا ثوب لَهُ عَلَيْهِ وَحكم هبة الثَّوَاب كَحكم البيع يجوز فِيهَا مَا يجوز فِي الْبيُوع وَيمْتَنع فِيهَا مَا يمْتَنع فِيهَا من النَّسِيئَة وَغير ذَلِك (الْفَصْل الثَّالِث) فِي شَرط الْهِبَة وَهُوَ الْحَوْز وَلَا يشْتَرط فِي هبة الثَّوَاب وَهُوَ فِي غَيرهَا شَرط تَمام لَا شَرط صِحَة وَعِنْدَهُمَا صِحَة وَعَن ابْن حَنْبَل لَا شَرط صِحَة وَلَا شَرط تَمام وعَلى الْمَذْهَب تَنْعَقِد الْهِبَة وَتلْزم بالْقَوْل وَيجْبر الْوَاهِب على إقباضها فَإِن مَاتَ الْوَاهِب قبل الْحَوْز بطلت الْهِبَة إِلَّا إِن كَانَ الطَّالِب جادا فِي الطّلب غير تَارِك وَإِن مرض بَطل الْحَوْز وَلَا تبطل الْهِبَة إِلَّا أَن يَمُوت من مَرضه ذَلِك فَإِن أَفَاق صحت ولزمت وأجبر الْوَاهِب على الْإِقْبَاض وَإِن أفلس بطلت وَلَو بَقِي فِي الدَّار الْمَوْهُوبَة باكتراء أَو اعتمار أَو غير ذَلِك حَتَّى مَاتَ بطلت فَإِن وَهبهَا الْوَاهِب لرجل آخر قبل الْقَبْض فَإِن حازها الثَّانِي فَاخْتلف هَل تكون للْأولِ أَو للحائز وَإِن لم يحزها الثَّانِي فَهِيَ للْأولِ وَلَو بَاعهَا الْوَاهِب قبل الْقَبْض نفذ البيع وَكَانَ الثّمن للْمَوْهُوب لَهُ إِذا علم بِالْهبةِ فَلهُ أَن ينفذ البيع وَمن وهب عبدا فَلم يقبضهُ الْمَوْهُوب لَهُ حَتَّى أعْتقهُ الْوَاهِب فالعتق نَافِذ وَلَا شَيْء للْمَوْهُوب لَهُ وَلَا تبطل هبة الثَّوَاب بعد الْقَبْض لِأَنَّهَا كَالْبيع فرع يحوز الْمَالِك أَمر نَفسه لنَفسِهِ بمعاينة الْبَيِّنَة ويحوز للمحجور وَصِيَّة ويحوز الْوَالِد لوَلَده الْحر الصَّغِير ووهبه لَهُ هُوَ مَا عد الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَمَا وهبه لَهُ غير مُطلقًا فَإِن وهب لِابْنِهِ دَارا فَعَلَيهِ أَن يخرج مِنْهَا وَإِن عَاد لسكناها بعد عَام لم تبطل الْهِبَة وَإِن وهب لَهُ مَا يستغل ثمَّ استغله لنَفسِهِ بطلت الْهِبَة وَعقد الْكِرَاء حوز وَإِن وهب لَهُ دَنَانِير أَو دَرَاهِم لم يكف الْإِقْرَار بالحوز حَتَّى يُخرجهَا عَن نَفسه ويقبضها بمعاينة الْبَيِّنَة وَقَالَ ابْن الْمَاجشون تجوز إِذا طبع عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَوجدت بعد مَوته كَذَلِك وَإِن وهب لَهُ عرُوضا أَو حَيَوَانا جَازَ إِذا أبرزه من سَائِر مَاله فَإِن كبر وَملك أَمر نَفسه فَلم يقبضهُ حَتَّى مَاتَ الْأَب بطلت وَكَذَلِكَ إِذا لم يقبض الْكَبِير الْبَاب الثَّانِي فِي الْوَقْف وَهُوَ الْحَبْس وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْفَصْل الأول) فِي حكم التحبيس وَهُوَ جَائِز عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَغَيرهمَا خلافًا لأبي حنيفَة وَقد رَجَعَ عَن ذَلِك صابه أَبُو يُوسُف لما ناظره مَالك وَاسْتدلَّ بأحباس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَصَارَ الْمُتَأَخّرُونَ من الْحَنَفِيَّة يُنكرُونَ منع إمَامهمْ وَيَقُولُونَ مذْهبه أَنه جَائِز وَلَكِن لَا يلْزم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الْمحبس والمحبس والمحبس عَلَيْهِ والصيغة فَأَما الْمحبس فكالواهب وَأما الْمحبس فَيجوز تحبيس الْعقار كالأرضين والديار والحوانيت والجنات والمساجد والى بار والقناطر والمقابر والطرق وَغير ذَلِك وَلَا يجوز تحبيس الطَّعَام لِأَن منفعَته فِي إستهلاكه وَفِي تحبيس الْعرُوض وَالرَّقِيق وَالدَّوَاب رِوَايَتَانِ على أَن تحبيس الْخَيل للْجِهَاد أَمر مَعْرُوف وَأما الْمحبس عَلَيْهِ فَيصح أَن يكون إنْسَانا أَو غَيره كالمساجد والمدارس وَيصِح على الْمَوْجُود والمعدوم والمعين والمجهول وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ والقريب والبعيد فروع فِي مُقْتَضى الْأَلْفَاظ الَّتِي يعبر بهَا عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِم فَأَما لفظ الْوَلَد وَالْأَوْلَاد فَإِن قَالَ حبست على وَلَدي أَو على أَوْلَادِي فَيتَنَاوَل ولد الصلب ذكورهم وإناثهم وَولد الذُّكُور مِنْهُم لأَنهم قد يَرِثُونَ وَلَا يتَنَاوَل ولد الْإِنَاث مِنْهُم خلافًا لأبي عمر بن عبد الْبر وَإِن قَالَ حبست على أَوْلَادِي وَأَوْلَادهمْ فَاخْتلف فِي دُخُول ولد لبنات أَيْضا وَإِن قَالَ على أَوْلَادِي ذكورهم وإناثهم سَوَاء سماهم أَو لم يسمهم ثمَّ قَالَ وعَلى أَعْقَابهم أَو أَوْلَادهم فَيدْخل أَوْلَاد الْبَنَات وَأما لفظ الْعقب فَحكمه حكم الْوَلَد فِي كل مَا ذكرنَا وَكَذَلِكَ لفظ الْبَنِينَ وَقد يخْتَص بالذكور إِلَّا أَن يَقُول ذكورهم وإناثهم وَأما لفظ الذُّرِّيَّة والنسل فَيدْخل فيهمَا أَوْلَاد الْبَنَات على الْأَصَح وَأما لفظ الْآل والأهل فَيدْخل فِيهِ الْعصبَة من الْأَوْلَاد وَالْبَنَات والأخوة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات وَاخْتلف فِي دُخُول الأخوال والخالات وَأما لفظ الْقَرَابَة فَهُوَ أَعم فَيدْخل فِيهِ كل ذِي رحم من قبل الرِّجَال وَالنِّسَاء محرم أَو غير محرم على الْأَصَح وَأما الصِّيغَة فَهِيَ لفظ الْحَبْس وَالْوَقْف وَالصَّدَََقَة وكل مَا يَقْتَضِي ذَلِك من قَول كَقَوْلِه محرم لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَمن فعل كالإذن للنَّاس فِي الصَّلَاة فِي الْموضع الَّذِي بناه مَسْجِدا وَلَا يشْتَرط قبُول الْمحبس عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 إِلَّا إِذا كَانَ معينا مَالِكًا أَمر نَفسه (الْفَصْل الثَّالِث) فِي شَرطه وَهُوَ الْحَوْز حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْهِبَة فَإِن مَاتَ الْمحبس أَو مرض أَو أفلس قبل الْحَوْز بَطل التحبيس وَكَذَلِكَ إِن سكن دَارا قبل تَمام عَام أَو أَخذ غلَّة الأَرْض لنَفسِهِ بَطل التحبيس وَيجوز أَن يقبض للكبير غَيره مَعَ حُضُوره بِخِلَاف الْهِبَة وَيقبض الْوَالِد لوَلَده الصَّغِير وَالْوَصِيّ لمحجوره وَيقبض صَاحب الأحباس مَا حبس على الْمَسَاجِد والمساكن وَشبه ذَلِك وَلَا بُد من مُعَاينَة الْبَيِّنَة للحوز إِذا كَانَ الْمحبس عَلَيْهِ فِي غير ولَايَة الْمحبس أَو كَانَ فِي ولَايَته وَالْحَبْس فِي دَار سكناهُ أَو قد جعل فِيهَا متاعة فَلَا يَصح إِلَّا بالإخلاء والمعاينة وَإِذا عقد الْمحبس عَلَيْهِ أَو الْمَوْهُوب لَهُ فِي الْملك الْمحبس أَو الْمَوْهُوب كِرَاء أَو نزل فيهمَا لعمارة فَذَلِك حوز (الْفَصْل الرَّابِع) فِي مصرف الْحَبْس بعد انْقِرَاض الْمحبس عَلَيْهِم وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) حبس على قوم مُعينين فَإِن ذكر لفظ الصَّدَقَة أَو التَّحْرِيم لم ترجع إِلَيْهِ أبدا وَإِن لم يذكرهما فَإِذا انقرضوا فَاخْتلف قَول مَالك فَقَالَ أَولا ترجع إِلَى الْمحبس إو إِلَى ورثته ثمَّ قَالَ لَا ترجع إِلَيْهِ وَلَكِن لأَقْرَب النَّاس إِلَيْهِ (الثَّانِي) حبس على مَحْصُورين غير مُعينين كأولاد فلَان وَأَعْقَابهمْ (الثَّالِث) حبس على غير مَحْصُورين وَلَا مُعينين كالمساكن فَلَا يرجع إِلَيْهِ بِاتِّفَاق وَيرجع إِلَى أقرب النَّاس إِلَيْهِ إِن كَانَ لم يعين لَهُ مصرفا فَإِن عين مصرفا لم تعد إِلَى غَيره (الْفَصْل الْخَامِس) والأحباس بِالنّظرِ إِلَى بيعهَا على ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) الْمَسَاجِد فَلَا يحل بيعهَا أصلا بِإِجْمَاع (الثَّانِي) الْعقار لَا يجوز بَيْعه إِلَّا أَن يكون مَسْجِدا تحيط بِهِ دور محبسة فَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي مِنْهَا ليوسع بِهِ وَالطَّرِيق كالمسجد فِي ذَلِك وَقيل أَن ذَلِك فِي مَسَاجِد الْأَمْصَار لَا فِي مَسَاجِد الْقَبَائِل وَأَجَازَ ربيعَة بيع الرّبع المحبي إِذا خرب ليعوض بِهِ آخر خلافًا لمَالِك وَأَصْحَابه (الثَّالِث) الْعرُوض وَالْحَيَوَان قَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا ذهبت مَنْفَعَتهَا كالفرس يهرم وَالثَّوْب يخلق بِحَيْثُ لَا ينْتَفع بهما جَازَ بَيْعه وَصرف ثمنه فِي مثله فَإِن لم تصل قِيمَته إِلَى كَامِل جعلت فِي نصيب من مثله وَقَالَ ابْن الْمَاجشون لَا يُبَاع أصلا (الْفَصْل السَّادِس) بَقِيَّة أَحْكَام الْمحبس فَمِنْهَا أَن الْمحبس إِذا اشْترط شَيْئا وَجب الْوَفَاء بِشَرْطِهِ وَالنَّظَر فِي الأحباس إِلَى من قدمه الْمحبس فَإِن لم يقدم قدم القَاضِي وَلَا ينظر فِيهَا الْمحبس فَإِن فعل بَطل التحبيس وتبتنى الرباع المحبسة من غلاتها فَإِن لم تكن فَمن بَيت المَال فَإِن لم يكن تركت حَتَّى تهْلك وَلَا يلْزم الْمحبس النَّفَقَة فِيهَا وَينْفق على الْفرس الْمحبس من بَيت المَال فَإِن لم يكن بيع واشتري بِالثّمن مَا لَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة كالسلاح وَقَالَ ابْن الْمَاجشون لَا يجوز بيع ذَلِك وَلَا يجوز نقض بُنيان الْحَبْس وَلَا تَغْيِيره وَإِذا انْكَسَرَ مِنْهَا جذع لم يجز بَيْعه بل يسْتَعْمل فِي الْحَبْس وَكَذَلِكَ النَّقْض وَقيل يُبَاع وَلَا يناقل بِالْحَبْسِ وَإِن خرب مَا حواليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْبَاب الثَّالِث فِي الْعمريّ والرقبى والمنحة والعرية أما الْعُمْرَى فجائزة وَهِي أَن يَقُول أعمرتك دَاري أَو ضيعتي أَو أسكنتك أَو وهبت لَك سكناهَا أَو استغلالها فَهُوَ قد وهب لَهُ منعتها فينتفع بهَا حَيَاته فَإِذا مَاتَ رجعت إِلَى رَبهَا وَإِن قَالَ لَك ولعقبك فَإِذا انقرض عقبه رجعت إِلَى رَبهَا إو إِلَى ورثته وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل لَا تعود غليه أبدا لِأَنَّهُ قد خرج عَن الرَّقَبَة وَأما الرقبى فَهُوَ أَن يَقُول الرجل للْآخر إِن مت قبلك فداري لَك وَإِن مت قبلي فدارك لي وَهِي غير جَائِزَة خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما المنحة فَهِيَ أَن يُعْطِيهِ شَاة أَو بقرة أَو نَاقَة يحلبها فِي أَيَّام اللَّبن ثمَّ تعود غلى رَبهَا وَأما الْعرية فَهِيَ أَن يهب لَهُ تمر نَخْلَة أَو ثَمَر شَجَرَة دون أَصْلهَا وَيجوز لمعري شراؤها مِنْهُ بِخرْصِهَا تَمرا بأَرْبعَة شُرُوط وَهِي أَن يَبْدُو صَلَاحهَا وَأَن يكون خَمْسَة أوسق فَأَقل وَأَن يكون الثّمن من نوع ثَمَر العربة وَأَن يُعْطِيهِ الثَّمر عِنْد الْجذاذ لَا نَقْدا وَذَلِكَ مُسْتَثْنى من الْمُزَابَنَة وَأَجَازَ الشَّافِعِي بيعهَا من المعرى وَغَيره وَلم يجزها إِلَّا فِي التَّمْر وَالْعِنَب الْبَاب الرَّابِع فِي الْعَارِية (وَهِي تمْلِيك مَنَافِع الْعين بِغَيْر عوض وَهِي مَنْدُوب إِلَيْهَا وفيهَا فصلان) (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة (الأول) الْمُعير وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا كَونه مَالِكًا للمنفعة غير مَحْجُور فَتَصِح من مَالك الرَّقَبَة ومكتريها ومستعيرها (الثَّانِي) الْمُسْتَعِير وَهُوَ من كَانَ أَهلا للتبرع عَلَيْهِ (الثَّالِث) المعار وَله شَرْطَانِ ((أَحدهمَا)) أَن ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا معنى لإعارة الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا من المكيلات والموزونات وَإِنَّمَا تكون سلفا وَكَذَلِكَ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم إِذا أخذت لتنفق وَيجوز استعارتها مَعَ بَقَاء أعيانها للزِّينَة بهَا ((الثَّانِي)) أَن تكون الْمَنْفَعَة مُبَاحَة فَلَا تجوز إِعَارَة الْجَوَارِي للإستمتاع وَيكرهُ للْخدمَة إِلَّا من ذِي محرم أَو امْرَأَة أوصبي أَو صَغِير (الرَّابِع) الصِّيغَة وَهِي كل مَا يدل على هبة الْمَنْفَعَة من قَول أَو فعل (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَامهَا وَهِي أَرْبَعَة (الأول) الضَّمَان وَالْعَارِية فِي ضَمَان صَاحبهَا إِن تحقق هلاكها من غير تعد وَلَا تَفْرِيط من الْمُسْتَعِير فَإِن لم يظْهر ضمن الْمُسْتَعِير مَا يُغَاب عَلَيْهِ دون مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَيقبل قَوْله فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ مَا لم يظْهر كذبه وَلَا يقبل فِيمَا يُغَاب إلاببينة وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَشْهَب يضمن مُطلقًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن مُطلقًا (الثَّانِي) الإنتفاع حَسْبَمَا يُؤذن لَهُ (الثَّالِث) اللُّزُوم فَإِن كَانَت إِلَى أجل مَعْلُوم أَو قدر مَعْلُوم كعارية الدَّابَّة إِلَى مَوضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 كَذَا لم يجز لِرَبِّهَا أَخذهَا قبل ذَلِك وَإِلَّا لزمَه إبقاؤها قدر مَا ينْتَفع بهَا الإنتفاع الْمُعْتَاد وَقَالَ أَشهب لَهُ أَن يَأْخُذهَا مَتى شَاءَ (الرَّابِع) إِذا قَالَ الْمُسْتَعِير كَانَت عَارِية وَقَالَ رَبهَا كَانَت كِرَاء فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَإِن اخْتلفَا فِي ردهَا قبل قَول الْمُسْتَعِير فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ دون مَا يضمنهُ الْبَاب الْخَامِس فِي الْوَدِيعَة (وَهِي استنابة فِي حفظ المَال وَهِي أَمَانَة جَائِزَة من الْجِهَتَيْنِ) (( (فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا حلهَا مَتى شَاءَ وفيهَا فصلان)) ) (الْفَصْل الأول) فِي الضَّمَان وَلَا يجب إِلَّا عِنْد التقصيروله سِتَّة أَسبَاب (الأول) إِن ودع عِنْد غَيره لغير عذر فَإِن فعل ذَلِك ثمَّ استردها فَضَاعَت ضمن وَإِن فعله لعذر كالخوف على منزله أَو لسفره لم يضمن (الثَّانِي) نقل الْوَدِيعَة فَإِن نقلهَا من بلد غلى بلد ضمن بِخِلَاف نقلهَا من منزل إِلَى منزل (الثَّالِث) خلط الْوَدِيعَة بِمَا لَا يتَمَيَّز عَنهُ مِمَّا هُوَ غير مماثل لَهَا كخلط الْقَمْح بِالشَّعِيرِ فَإِن خلطها بِمَا تنفصل عَنهُ كذهب بِفِضَّة لم يضمن (الرَّابِع) الإنتفاع فَلَو لبس الثَّوْب أَو ركب الدَّابَّة فَهَلَكت فِي حَال الإنتفاع ضمن وَكَذَلِكَ أَن تسلف الدَّنَانِير أَو الدَّرَاهِم أَو مَا يُكَال أَو يُوزن فَهَلَك فِي تصرفه فِيهِ (الْخَامِس) التضييع والإتلاف بِأَن يلقيه فِي مضيعة أَو يدل عَلَيْهِ سَارِقا (السَّادِس) الْمُخَالفَة فِي كَيْفيَّة الْحِفْظ مثل أَن يَأْمُرهُ أَن لَا يقفل عَلَيْهَا فقفل فَإِنَّهُ يضمن للشهرة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي فروع ((الْفَرْع الأول)) فِي سلف الْوَدِيعَة فَإِن كَانَت عينا كره وَأَجَازَ أَشهب إِن كَانَ لَهُ وَفَاء بهَا وَإِن كَانَت عرُوضا لم يجز وَإِن كَانَت مِمَّا يُكَال أَو يُوزن كالطعام فَاخْتلف هَل يلْحق بِالنَّقْدِ أَو بالعروض على قَوْلَيْنِ ((الْفَرْع الثَّانِي)) إِذا طُولِبَ الْمُودع بالوديعة فَادّعى التّلف فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الرَّد إِلَّا أَن يكون قبضهَا بِبَيِّنَة فَلَا يقبل قَوْله فِي الرَّد إِلَّا بِبَيِّنَة وَرُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم أَن القَوْل قَوْله وَإِن قبضهَا بِبَيِّنَة وفَاقا للشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة ((الْفَرْع الثَّالِث)) إِذا أودع وَدِيعَة عِنْد شخص فخانه وجحده ثمَّ أَنه استودعه مثلهَا فَهَل لَهُ أَن يجحده فِيهَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْمَنْع فِي الْمَشْهُور وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة ((الْفَرْع الرَّابِع)) من أتجر بِمَال الْوَدِيعَة فَالرِّبْح لَهُ حَلَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة الرِّبْح صَدَقَة وَقَالَ قوم الرِّبْح لصَاحب المَال ((الْفَرْع الْخَامِس)) إِذا طلب الْمُودع أُجْرَة على حفظ الْوَدِيعَة لم يكن لَهُ إِلَّا أَن تكون مِمَّا يشغل منزله فَلهُ كراؤه وَإِن احْتَاجَت إِلَى غلق أَو قفل فَذَلِك على رَبهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 = الْكتاب التَّاسِع فِي الْعتْق وَمَا يتَّصل بِهِ وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب = الْبَاب الأول فِي الْعتْق وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانه وَهِي ثَلَاثَة (الأول) الْمُعْتق وَهُوَ كل مَالك للْعَبد مَالك أَمر نَفسه لَيْسَ بمريض وَلَا أحَاط الدّين بِمَالِه فَأَما الْمَرِيض فَيصح عتقه وَيكون فِي الثُّلُث من مَاله فَإِن وسعة الثُّلُث عتق جَمِيعه وَإِلَّا عتق ثلثه وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لمَاله لم يعْتق مِنْهُ شَيْء فَإِن أعتق فِي مَرضه عبيدا وَلم يكن لَهُ مَال غَيرهم أَو أوصى بعتقهم أَقرع بَينهم بعد أَن يقسموا ثَلَاثَة أَجزَاء بِالْقيمَةِ فَيعتق جُزْء وَاحِد مِنْهُم وَقَالَ الظَّاهِرِيَّة وَأصبغ عتق الْمَرِيض نَافِذ كعتق الصَّحِيح وَإِنَّمَا يقرع عِنْدهم فِي الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَأما من أحَاط الدّين بِمَالِه فَلَا يجوز عتقه وَقَالَ أهل الْعرَاق يجوز مَا لم يحْجر عَلَيْهِ (الثَّانِي) الْمُعْتق وَهُوَ كل إِنْسَان مَمْلُوك يتَعَلَّق بِعَيْنِه حق لَازم وَلَا وَثِيقَة على اخْتِلَاف وتفصيل فِي عتق الرَّهْن (الثَّالِث) الصِّيغَة وَهِي نَوْعَانِ صَرِيح وَهُوَ لفظ الْإِعْتَاق والتحرير وَفك الرَّقَبَة وكناية كَقَوْلِه قد وهبت لَك نَفسك أَو لَا سَبِيل لي عَلَيْهِ أَو اذْهَبْ واغرب فَلَا تعْمل إِلَّا باقتران النِّيَّة فينوي السَّيِّد فِيمَا أَرَادَ فَإِن قَالَ لعَبْدِهِ يَا بني أَو قَالَ لأمته يَا بِنْتي لم يكن عتقا خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن قَالَ أعتقك إِن شَاءَ الله لم ينفع الإستثناء فِي الْمَذْهَب وَيَقَع الْعتْق بِشَرْط الْملك خلافًا للشَّافِعِيّ (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَنْوَاع الْعتْق وأسبابه أما أَنْوَاعه فسبعة عتق مبتل وَعتق مُؤَجل وَعتق الْبَعْض وَوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَكِتَابَة وتدبير واستيلاد وَأما أَسبَابه فستة تطوع ابْتِغَاء الْأجر إِذْ هُوَ من أفضل الْأَعْمَال وباقيها وَاجِبَة وَهِي عتق فِي النّذر وَهِي الْكَفَّارَات وَالْعِتْق بالمثلة وَالْعِتْق بالتبعيض وَالْعِتْق بِالْقَرَابَةِ فَأَما الْمثلَة فَمن مثل بِعَبْدِهِ عمدا مثلَة بَيِّنَة عُوقِبَ وَعتق عَلَيْهِ كَقطع أُنْمُلَة أَو طرف أذن أَو أرنبة أنف أَو قطع بعض الْجَسَد وَلَيْسَت الْجراح بمثلة إِلَّا أَن صَار بذلك ذَا شين فَاحش وَمن حلف أَن يضْرب عَبده مائَة سَوط عجل عتقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قبل الضَّرْب عِنْد أصبغ لَا عِنْد ابْن الْمَاجشون واتفقا على الْعتْق فِي الزِّيَادَة على الْمِائَة وَلَا يعْتق بالمثلة إِلَّا بالحكم وَقَالَ أَشهب بالمثلة يصير حرا وَقَالَ قوم لَا يعْتق بمثلة وَأما تبعيض الْعتْق فَمن أعتق بعض عَبده أَو عضوا مِنْهُ عتق سائره عَلَيْهِ وفيعتقه بِالسّرَايَةِ أَو بالحكم رِوَايَتَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة والظاهرية يعْتق مِنْهُ مَا أعتق ويستسعى العَبْد فِي الْبَاقِي وَلَو أعتق نَصِيبا لَهُ فِي عبد قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي فغرم لشَرِيكه قيمَة نصِيبه وَعتق جَمِيع العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الشَّرِيك مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن يعْتق نصِيبه أَو يَأْخُذ قِيمَته أَو يستسعى العَبْد وَيشْتَرط فِي الْمَذْهَب فِي تَكْمِيل الْعتْق ثَلَاثَة شُرُوط (أَحدهَا) أَن يعْتق نصيب نَفسه أَو الْجَمِيع فَلَو قَالَ أعتق نصيب شَرِيكي كَانَ لَغوا (الثَّانِي) أَن يكون مُوسِرًا فَإِن كَانَ مُعسرا لم يلْزمه شَيْء وَعتق من العَبْد مَا أعتق وَبَقِي سائره رَقِيقا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن يسْعَى العَبْد فِي قيمَة حَظّ من لم يعْتق وَقَالَ مَالك لَا يسْعَى العَبْد إِلَّا أَن تطوع سَيّده بذلك (الثَّالِث) أَن يحصل الْعتْق بِاخْتِيَارِهِ أَو بِسَبَبِهِ فَلَو ورث نصفه قَرِيبه لم يحصل الْعتْق وَلَو وهب لَهُ أَو اشْتَرَاهُ سرا وَإِنَّمَا تحصل السَّرَايَة بالتقويم وَقيل بِنَفس عتق الْبَعْض وعَلى الأول لَو أعتق الشَّرِيك حِصَّته نفذ وَلَو بَاعهَا قوم على المُشْتَرِي وَقيل يرد البيع وَأما الْعتْق بِالْقَرَابَةِ فسببه دُخُولهمْ فِي الْملك فَيعتق عَلَيْهِ عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للظاهرية من دخل فِي ملكه بشرَاء أَو مِيرَاث أَو غير ذَلِك من أُصُوله مَا علت وفصوله مَا سفت وَيلْحق بهم إخْوَته الشقائق أَو لأَب أَو لأم فِي الْمَشْهُور خلافًا للشَّافِعِيّ وَزَاد وهب الْعم وَقيل كل ذِي رحم مُحرمَة وفَاقا لأبي حنيفَة (فرع) إِذا أعتق أحد عبيده فِي صِحَّته قبل قَوْله فِيمَن يعين مِنْهُم (فرع) إِذا شكّ فِي عتق عَبده لم يجز لَهُ أَن يسترقه وَإِن أعتق أحد عبديه ثمَّ نسي أَيهمَا كَانَ وَجب عَلَيْهِ عتقهما (فرع) من حلف بِعِتْق عَبده ثمَّ مَاتَ قبل أَن يبر يَمِينه عتق العَبْد من ثلثه (فرع) يلْزم عتق الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا كَانَ الْحمل ظَاهرا وَاخْتلف إِذا كَانَ غير ظَاهر (فرع) إِذا قَالَ كل أمة اشْتَرَيْتهَا فَهِيَ حرَّة لم يلْزمه شَيْء وَإِذا قَالَ كل عبد اشْتَرَيْته فَهُوَ حر فَاخْتلف فِيهِ هَل يلْزمه أم لَا (فرع) للسَّيِّد أَن ينتزع مَال عَبده وَمَال الْمُعْتق إِلَى أجل مَا لم يقرب الْأَجَل وَلَيْسَت السّنة قربا وَمَال أم الْوَلَد وَالْمُدبر مَا لم يمرض فَإِذا أعتق العَبْد تبعه مَاله إِلَّا أَن يستثنيه سَيّده بِبَيِّنَة فَإِن لم تكن إِلَّا دَعْوَاهُ لم يصدق وَكَانَ القَوْل قَول العَبْد مَعَ يَمِينه وَله رد الْيَمين وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل مَال العَبْد لسَيِّده الْبَاب الثَّانِي فِي الْوَلَاء وَالْولَايَة خَمْسَة أَنْوَاع ولَايَة الْإِسْلَام وَلَا يُورث بهَا إِلَّا مَعَ عدم غَيرهَا وَولَايَة الْحلف وَولَايَة الْهِجْرَة وَكَانَ يتوارث بهما أَو الْإِسْلَام ثمَّ نسخ وَولَايَة الْقَرَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَولَايَة الْعتْق وَالْمِيرَاث بهما ثَابت ومقصودنا ولَايَة الْعتْق وَحكمهَا الْعُصُوبَة وَهِي تفِيد الْمِيرَاث وَولَايَة النِّكَاح وَتحمل الْعقل وفيهَا فصلان (الْفَصْل الأول) فِي بَيَان الموَالِي الْمولى الْأَعْلَى وَهُوَ مُعتق العَبْد بِأَيّ نوع من أنواعالعتق أعْتقهُ أَو مُعتق أَبِيه أَو جده أَو أمه وَهُوَ وَارِث الْمولى الْأَسْفَل الْعَتِيق ووارث أَوْلَاده وأحفاده ووارث كل من أعْتقهُ الْعَتِيق أَو من أعْتقهُ عَتيق الْعَتِيق على تَرْتِيب نذكرهُ وَذَلِكَ أَنه إِذا مَاتَ عبد بعد أَن عتق فَإِن كَانَ لَهُ عصبَة وَرثهُ عصبته دون مَوْلَاهُ فَإِن لم تكن لَهُ عصبَة وَرثهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمُعْتق أَو مُعتق الْمُعْتق فِي عدم الْمُعْتق فَإِذا انْفَرد أَخذ المَال كُله وَإِن كَانَ مَعَ ذَوي سِهَام أَخذ مَا يفضل عَنْهُم فَإِن كَانَ المتوفي حرا فِي الأَصْل غير مُعتق كَانَ الْوَلَاء لمن أعتق جده هَكَذَا مَا ارْتَفع وَعلا فَإِن لم يكن فِي آبَائِهِ عَتيق لم يَرِثهُ موَالِي أمه إِلَّا إِن كَانَ مُنْقَطع النّسَب كَوَلَد الزِّنَى والمنفي بِاللّعانِ أَو كَانَ آباؤه كفَّارًا فَحِينَئِذٍ يَرِثهُ موَالِي أمه إِن كَانَت مُعتق فَإِن كَانَت حرَّة غير مُعتقة كَانَ الْوَلَاء لموَالِي أَبِيهَا فَإِن لم يكن أَبوهَا عتيقا لم يَرِثهُ موَالِي أمهَا إِلَّا إِن كَانَت هِيَ مُنْقَطِعَة النّسَب وَهَكَذَا تَرْتِيب الموَالِي أبدا فِيمَا علا من الْآبَاء والأمهات فرع من أعتق عَبده عَن نَفسه فَلهُ الْوَلَاء إِجْمَاعًا فَإِن أعْتقهُ عَن غَيره فَالْولَاء للْمُعْتق عَنهُ علم بِهِ أَو لم يعلم خلافًا لَهما وَلَا يجوز بيع الْوَلَاء وَلَا هِبته وَمن أسلم على يَدَيْهِ رجل لم يكن وَلَاؤُه لَهُ خلافًا لأبي حنيفَة وَمن سيب عَبده فولاؤه للْمُسلمين خلافًا لَهُم وَمن أعتق عَبده عَن الزَّكَاة فولاؤه للْمُسلمين (الْفَصْل الثَّانِي) فِي انْتِقَال الْوَلَاء وَإِذا مَاتَ الْمولى الْأَعْلَى انْتقل إِلَى ابْنه الذّكر ثمَّ ابْنه مَا سفل وَالْأَقْرَب يحجب الْأَبْعَد فَإِن فقد العمود الْأَسْفَل فَإِن فقد الْأَب انْتقل الْوَلَاء للْأَخ الشَّقِيق ثمَّ إِلَى الْأَخ للْأَب ثمَّ إِلَى ابْن الْأُخَر الشَّقِيق ثمَّ إِلَى ابْن الْأَخ للْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الْعم للْأَب ثمَّ ابْن الْعم الشَّقِيق ثمَّ ابْن الْعم للْأَب ثمَّ ابْن الْعم الشَّقِيق ثمَّ ابْن الْعم للْأَب وَقَالَ الشَّافِعِي يقدم الْجد على الْأُخوة وَأَبْنَائِهِمْ بَيَان لَا ينجر مِيرَاث الْوَلَاء إِلَى الْمَرْأَة وَإِنَّمَا تَرث بِالْوَلَاءِ من أَعتَقته أَو من أعتقت من أعْتقهُ إِن عدم من أعْتقهُ أَو ذُرِّيَّة من أعْتقهُ أَو من أعْتقهُ من أعْتقهُ لَا من أعْتقهُ موروثها تلخيث الْمولي أَرْبَعَة أَقسَام مُعتق الْمَيِّت ومعتق مُعتق الْمَيِّت ومعتق وَالِد الْمَيِّت أَو جده وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة يَرِثُونَ سَوَاء كَانُوا ذُكُورا أَو إِنَاثًا الرَّابِع وَارِث هَؤُلَاءِ فَلَا ينجر إِلَيْهِ الْمِيرَاث إِلَّا إِن كَانَ ذكرا عاصبا الْبَاب الثَّالِث فِي الْكِتَابَة وَهِي مَنْدُوبَة وأوجبها الظَّاهِرِيَّة وَفِيه فصلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة الْمكَاتب وَالْمكَاتب والعوض والصيغة وَذَلِكَ أَن معنى الْكِتَابَة شِرَاء العَبْد نَفسه من سَيّده بِمَال يكسبه العَبْد فالسيد كالبائع وَالْعَبْد كالمشتري ورقبته كالمثمون وَالْمَال الثّمن فَأَما السَّيِّد فَهُوَ كل مَالك غير مَحْجُور صَحِيح وَكِتَابَة الْمَرِيض كعتقه من الثُّلُث إِلَّا أَن أجَازه الْوَرَثَة وَقيل يَصح كَالْبيع إِذا لم تكن مُحَابَاة وَيجوز أَن يُكَاتب الْمكَاتب عَبده خلافًا لأبي حنيفَة ويكاتب الْوَصِيّ عَن مَحْجُوره وَأما العَبْد فَلهُ شَرْطَانِ (أَحدهمَا) أَن يكون قَوِيا على الْأَدَاء وَاخْتلف فِي الصَّغِير الضَّعِيف عَن الْأَدَاء هَل يُكَاتب أم لَا وَكَذَلِكَ الْأمة الَّتِي لَا صَنْعَة لَهَا (الثَّانِي) أَن يُكَاتب العَبْد كُله فَلَو كَاتب نصف عَبده لم يجز وَلَو كَاتب من نصفه حر لجَاز لحُصُول كَمَال الْحُرِّيَّة وَلَو كَاتب أحد الشَّرِيكَيْنِ لم يَصح وَإِن أذن شَرِيكه خلافًا لَهما وَلَو كاتباه مَعًا جَازَ وَإِذا جمع فِي الْكِتَابَة أَكثر من عبد وَاحِد جَازَ وَكَانَ بَعضهم ضَامِنا عَن بعض بمضمن عقد الْكِتَابَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا يلْزم ضَمَان بَعضهم عَن بعض بِمُجَرَّد الشَّرْط وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بعثد وَلَا بِشَرْط وَأما المَال فشرطه كشروطه فِي البيع إِلَّا أَنه يجوز على عبد غير مَوْصُوف مُسَامَحَة وَيكون للسَّيِّد الْوسط خلافًا للشَّافِعِيّ وَيشْتَرط أَن يكون منجما مُؤَجّلا فَإِن لم يذكر الْأَجَل نجمت عَلَيْهِ بِقدر سِعَايَة مثله وَتجوز حَالَة وَتسَمى قطاعه خلافًا للشَّافِعِيّ وَيسْتَحب أَن يسْقط السَّيِّد عَن العَبْد شَيْئا مِنْهَا وَأما لصيغة فَهِيَ أَن يَقُول كاتبت على كَذَا وَكَذَا فِي نجم أَو نجمين أَو أَكثر وَإِن لم يقل أَن أديته فَأَنت حر لِأَن لفظ الْكِتَابَة يَقْتَضِي الْحُرِّيَّة فَإِن قَالَ لَهُ أَنْت حر على ألف فَقيل عتق فِي الْحَال وَالْألف فِي ذمَّته كمديان (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَامهَا وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) يحصل الْعتْق بأَدَاء جَمِيع الْعِوَض فَإِن بَقِي مِنْهُ شَيْء لم يعْتق وَإِن عجز عَن أَدَاء النُّجُوم أَو عَن أَدَاء نجم مِنْهَا رق وفسخت الْكِتَابَة بعد أَن يتلوم لَهُ الْأَيَّام بعد الْأَجَل فَلَو امْتنع من الْأَدَاء مَعَ الْقُدْرَة لم يفْسخ وَأخذ من مَاله وَلَيْسَ لَهُ تعجيز نَفسه إِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر خلافًا لِابْنِ كنَانَة فَإِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر كَانَ لَهُ تعجيز نَفسه وَقَالَ سَحْنُون لَا يعجزه إِلَّا السُّلْطَان (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) لَو عجل النُّجُوم قبل الْأَجَل أجبر السَّيِّد على الْقبُول فَإِن كَانَ السَّيِّد غَائِبا وَلَا وَكيل لَهُ دفع ذَلِك إِلَى الإِمَام وأنفذ لَهُ عتقه (الْمَسْأَلَة الثَّالِث) تَنْفَسِخ الْكِتَابَة بِمَوْت العَبْد وَإِن خلف وَفَاء إِلَّا أَن يكون لَهُ ولد يقوم بهَا فيؤديها حَالَة ثمَّ لَهُ مَا بَقِي مِيرَاثا دون سائره وَلَده (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) لَا يَصح بيع رَقَبَة الْمكَاتب وَلَا انتزاع مَاله وَيجوز بيع كِتَابَته خلافًا للشَّافِعِيّ وعَلى الْمَذْهَب يبْقى مكَاتبا فَإِن وفى عتق وَوَلَاؤُهُ لبائعها لَا لمشتريها وَإِن عجز أرقه مشتريها وَيشْتَرط فِي ثمنهَا التَّعْجِيل لِئَلَّا يكون بيع دين بدين والمخالفة لجنس مَا عقدت الْكِتَابَة بِهِ لِئَلَّا يكون رَبًّا (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) الْمكَاتب فِي تَصَرُّفَاته كَالْحرِّ إِلَّا فِيمَا تربع فَلَا ينفذ عتقه وَلَا هِبته وَلَا يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن سَيّده وَلَا التَّسَرِّي بِغَيْر إِذْنه (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) تسري الْكِتَابَة من الْمُكَاتبَة إِلَى وَلَدهَا الَّذِي تلده بعد الْكِتَابَة من زنى أَو نِكَاح وَكَذَا ولد الْمكَاتب الَّذِي حدثوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أمته بعد عقد كِتَابَته يتبعونه كَمَا لَهُ دون من كَانَ قبل عقد الْكِتَابَة إِلَّا أَن يشترطهم مَعَه فِي عقد كِتَابَته فيعتقون بِعِتْقِهِ الْبَاب الرَّابِع فِي التَّدْبِير وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي أَرْكَانه وَهِي ثَلَاثَة الْمُدبر وَهُوَ الْمَالِك غير الْمَحْجُور وَالْمُدبر وَهُوَ العَبْد والصيغة وَهِي قَوْله أَنْت حر عَن دبر مني أَو قد دبرتك أَو أَنْت حر بعد موتِي تدبيرا أَو مَا أشبه ذَلِك فَيعتق بعد مَوته وَلَيْسَ للسَّيِّد الرُّجُوع فِي التَّدْبِير بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَلهُ الرُّجُوع فِيهَا وَسوى الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل بَينهمَا فِي جَوَاز الرُّجُوع فَإِن قَالَ أَنْت حر بعد موتِي فَحَمله ابْن الْقَاسِم على الْوَصِيَّة حَتَّى يعلم أَنه أَرَادَ التَّدْبِير وَعكس أَشهب خلافًا لأبي حنيفَة (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَامه وَفِيه سِتّ مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) إِذا مَاتَ السَّيِّد أخرج الْمُدبر من ثلثه فَإِن ضَاقَ الثُّلُث عَنهُ عتق مِنْهُ مِقْدَار ثلث المَال وَبَقِي سائره رَقِيقا وَقَالَ أهل الظَّاهِر يخرج من رَأس المَال وعَلى مَذْهَب الْجُمْهُور يقوم الْمُدبر وَينظر كم ترك سَيّده من مَال فَيجمع إِلَى قِيمَته وَينظر كم ثلث الْجَمِيع ويمسى الثُّلُث من قيمَة الْمُدبر فَإِن كَانَ الثُّلُث مثل ذَلِك أَو أَكثر عتق جَمِيعه وَإِن كَانَ أقل عتق مِنْهُ مِقْدَار نسبته من الثُّلُث مِثَال ذَلِك لَو مَاتَ وَترك مُدبرا قيمتهعشرون دِينَارا وَترك مَعهَا أَرْبَعِينَ دِينَارا فتركته سِتُّونَ دِينَارا أعتق جَمِيع الْمُدبر لِأَن قِيمَته ثلث التَّرِكَة وَلَو كَانَت قيمَة الْمُدبر ثَلَاثِينَ وَترك السَّيِّد مَعهَا ثَلَاثِينَ عتق مِنْهُ الثُّلُثَانِ لِأَن ثلث التَّرِكَة ثلثان من قِيمَته فَإِن لم يكن لَهُ مَال غَيره عتق ثلثه (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) إِذا دبر عَبْدَيْنِ فَأكْثر فَإِن وسعهم الثُّلُث عتقوا كلهم وَإِن لم يسعهم عتق الأول فَالْأول فَإِن دبرهم فِي كلمة وَاحِدَة تحاصوا فِي الثُّلُث وَذَلِكَ بِأَن يُسمى الثُّلُث من قيمَة جَمِيعهم فَيعتق كل وَاحِد مِنْهُم على تِلْكَ النِّسْبَة وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِعِتْق عَبْدَيْنِ فَأكْثر فِي صِحَّته فإنأوصى بذلك فِي مَرضه أَقرع بَينهم إِذا لم يسعهم الثُّلُث وَكَذَلِكَ إِن بتل عتقهم فِي مَرضه (الْمَسْأَلَة الثَّالِث) يقدم الْمُدبر فِي الصِّحَّة على الْمُدبر فِي المررض وَيقدم الْمُدبر فِي الْمَرَض على الْمُوصى بِعِتْقِهِ وَذَلِكَ عِنْد ضيق الثُّلُث عَن الْجَمِيع (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي تَصَرُّفَات السَّيِّد لَا يجوز للسَّيِّد بيع مُدبر خلافًا للشَّافِعِيّ وَيجوز لَهُ وَطْء مدبرته عِنْد الْجُمْهُور بِخِلَاف الْمُكَاتبَة وَله أَن يستخدم الْمُدبر وَالْمكَاتب ويؤاجرها (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) فِي مَال الْمُدبر إِمَّا فِي حَيَاة سَيّده فَهُوَ لسَيِّده وَله انْتِزَاعه مِنْهُ مَا لم تحضره الْوَفَاة أَو يفلس وَلَيْسَ لغرمائه اخذ مَاله وَأما بعد وَفَاة السَّيِّد فَيقوم مَاله مَعَه كَأَنَّهُ جُزْء مِنْهُ وَيُسمى مَجْمُوع قِيمَته وَمَاله من الثُّلُث حَسْبَمَا تقدم فَيَأْخُذ من مَاله مِقْدَار مَا يعْتق من رقبته حَسْبَمَا ذكرنَا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) يبطل التَّدْبِير بقتل الْمُدبر لسَيِّده عمدا أَو باستغراق الدّين لَهُ وللتركة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الْبَاب الْخَامِس فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِيمَا تصير بِهِ أم ولد فَمن وطىء أمته فَحملت صَارَت لَهُ أم ولد سَوَاء وَضعته كَامِلا أَو مُضْغَة أَو علقَة أَو دَمًا إِذا علم أَنه حمل وَقَالَ أَشهب لَا تكون أم ولد بِالدَّمِ الْمُجْتَمع وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تكون ام ولد حَتَّى يتم شَيْء من خلقته عين أَو ظفر أَو شبه ذَلِك وَمن تزوج أمة ثمَّ اشْتَرَاهَا وَهِي حَامِل مِنْهُ فَاخْتلف هَل تصير بذلك الْحمل أم ولد أم لَا وَلَا تكون أمة العَبْد أم ولد لَهُ بِمَا ولدت فِي حَال الْعُبُودِيَّة وَاخْتلف فِي الْمُدبر وَالْمكَاتب ولمعتق إِلَى أجل (الْفَصْل الثَّانِي) فِي أَحْكَام أم الْوَلَد أما فِي حَيَاة السَّيِّد فأحكامها أَحْكَام الْمَمْلُوكَة فِي منع الْمِيرَاث وَفِي الْحَد فِي الزِّنَى وَغير ذَلِك ولسيدها وَطْؤُهَا إِجْمَاعًا وَلَا يجوز لَهُ استخدامها إِلَّا فِي الشَّيْء الْخَفِيف وَلَا مؤاجرتها خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا يجوز لَهُ بيعهَا عندالجمهور وفَاقا لعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَجَازَهُ الظَّاهِرِيَّة وفَاقا لأبي بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِن جنت جِنَايَة لم يُسَلِّمهَا كَمَا يسلم الْأمة بل يفكها بِالْأَقَلِّ من أرش الْجِنَايَة أَو قيمَة رقبَتهَا وَأما إِذا مَاتَ السَّيِّد عتقت أم وَلَده من رَأس مَاله وَإِن لم يتْرك مَالا غَيرهَا وَلَحِقت بالأحرار فِي الْمِيرَاث وَالْحَد وَالْجِنَايَة وَغير ذَلِك (الْفَصْل الثَّالِث) فِي لُحُوق الْوَلَد من أقرّ بِوَطْء أمته لحق بِهِ مَا أَتَت بِهِ من ولد وَإِن عزل عَنْهَا إِذا أَتَت بِهِ لمُدَّة لَا تنقص من سِتَّة أشهر وَلَا تزيد على الْأَكْثَر من مُدَّة الْحمل وَسَوَاء أَتَت بِهِ فِي حَيَاته أَو بعد مَوته أَو بعد أَن أعْتقهَا إِلَّا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء وَلم يَطَأهَا بعده فَيصدق وَلَا يلْحقهُ الْوَلَد وَاخْتلف هَل يصدق بِيَمِين أَو بِغَيْر يَمِين وينفي الْوَلَد عَن نَفسه بِغَيْر لعان فَإِن لم تأت بِولد وَادعت أَنَّهَا ولدت مِنْهُ لم تصدق وَلم تكن لَهُ أم ولد حَتَّى تشهد بهَا بِالْولادَةِ مِنْهُ امْرَأَتَانِ وَأما إِن أنكر الْوَطْء فأقامت بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدين وَأَتَتْ بِولد فَالصَّوَاب أَن ذَلِك بِمَنْزِلَة إِقْرَاره بِالْوَطْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 = الْكتاب الْعَاشِر فِي الْفَرَائِض والوصايا وَفِيه مُقَدّمَة وَعشرَة أَبْوَاب الْمُقدمَة إِذا مَاتَ الْإِنْسَان أخرج أَولا من رَأس مَاله مَا يلْزم فِي تكفينه وإقباره ثمَّ الدُّيُون على مراتبها ثمَّ تخرج الْوَصِيَّة من ثلثه ثمَّ يُورث مَا بَقِي بَيَان الْأَشْيَاء الَّتِي تخرج من الثُّلُث قبل الْمِيرَاث مرتبَة إِن ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُث فَيبْدَأ أَولا بالمدبر فِي الصِّحَّة ثمَّ الزَّكَاة الَّتِي فرط فِيهَا إِن أوصى بهَا ثمَّ الْمُعْتق بتلافي الْمَرَض وَالْمُدبر فِي الْمَرَض مَعًا ثمَّ الْمُوصى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِه ثمَّ الْمكَاتب ثمَّ الْحَج والرقبة الْمُوصى بهَا غير مُعينَة وَقَالَ أَشهب زَكَاة الْفطر بعد الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَقَالَ ابْن الْمَاجشون يقدم صدَاق الْمَرْأَة المتزوجة فِي الْمَرَض على الْمُدبر فِي الصِّحَّة خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم الْبَاب الأول فِي عدد الْوَارِثين وَصفَة الْوَرَثَة أساب التَّوَارُث خَمْسَة نسب وَنِكَاح وَوَلَاء عتق ورق وعبودية وَبَيت المَال والوارثون عِنْد أبي بكر الصّديق وَزيد بن ثَابت وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هم الَّذين أجمع على توريثهم لَا غير فَمن الرجل خَمْسَة عشر الابْن وَابْن الإبن وَإِن سف وَالْأَب وَالْجد وَإِن علا وَالْأَخ الشَّقِيق وَالْأَخ للْأَب وَالْأَخ للْأُم وَابْن الْأَخ الشَّقِيق وَابْن الْأَخ للْأَب وَالْعم الشَّقِيق وَالْعم للْأَب وَابْن الْعم الشَّقِيق وَابْن الْعم للْأَب وَالزَّوْج وَالْمولى وَمن النِّسَاء عشر الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفل وَالأُم والحدة للْأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة والمولاة وَزَاد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وعبد الله بن مَسْعُود وَأَبُو حنيفَة وابنحنبل تَوْرِيث الْأَرْحَام وهم أَرْبَعَة عشر أَوْلَاد الْبَنَات وَأَوْلَاد الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْعم وَالْخَال وَولده والعمة وَالْخَالَة وولدهما وَالْجد للْأُم وَالْعم للْأُم وَابْن الْأَخ للْأُم وَبنت الْعم وَأَجْمعُوا أَنهم لَا يَرِثُونَ مَعَ الْعصبَة أصلا وَلَا مَعَ ذَوي السِّهَام إِلَّا مَا فضل عَنْهُم وَأما صفة الْوَرَثَة فَفرض وتعصيب فَصَاحب الْفَرْض يَأْخُذ سَهْمه وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يتعداه والعاصب أَن انْفَرد أَخذ المَال كُله وَإِن كَانَ مَعَ ذَوي السِّهَام أَخذ مَا يفضل بعدهمْ وَإِن لم يفضل بعدهمْ شَيْء لم يَأْخُذ شَيْئا وَالْوَارِث فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) لَا يَرث إِلَّا بِالْفَرْضِ وهم سِتَّة الْأُم وَالْجدّة وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالْأَخ للْأُم وَالْأُخْت للْأُم (الثَّانِي) لَا يَرث إِلَّا بِالتَّعْصِيبِ وهم الابْن وَابْن الابْن وَالْأَخ الشَّقِيق وَللْأَب وَالْعم وَابْن الْأَخ وَابْن الْعم وَالْمولى والمولاة (الثَّالِث) من يَرث بهما وَقد يجمع بَينهمَا وهما ثانان الْأَب وَالْجدّة فَإِن كَانَ أحد منهخما يَرث سَهْمه فَإِن فضل بعد ذَوي السِّهَام شَيْء أَخذه بِالتَّعْصِيبِ (الرَّابِع) من يَرث بهما وَلَا يجمع بَينهمَا وَذَلِكَ أَرْبَعَة أَصْنَاف من النِّسَاء الْبِنْت وَابْن الإبن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَللْأَب فَإِن كَانَ مَعَ كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ذكر من صنفها ورثت مَعَه بِالتَّعْصِيبِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن لم يكن مَعهَا ذكر ورثت بِالْفَرْضِ وَالْأَخَوَات الشقائق وَللْأَب عصبَة مَعَ الْبَنَات فرعان الأول من كَانَ لَهُ سببان للميراث فَإِن كَانَا جائزين ورث بهما كالزوج يكون ابْن عَم فيرث سَهْما بِالزَّوْجِيَّةِ ويعصب الْقَرَابَة وَكَذَلِكَ الْأَخ للْأُم يكون ابْن عَم عِنْد الثَّلَاثَة وفَاقا لزيد وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِن كَانَا ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم ورث الْأَخ للْأُم السُّدس واقتسما الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ عِنْد عَليّ وَزيد وَالثَّلَاثَة وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر المَال كُله لصَاحب السببين وَإِن كَانَ السببان غير جائزين كأنكحة الْمَجُوس ورث بأقواهما وَسقط الأضعف كالأم تكون أُخْتا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يَرث بهما وَمن تزوج أمه أَو ابْنَته أَو أُخْته على جهل فَولدت مِنْهُ ورثته بِالنّسَبِ لَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَورثه وَلَدهَا (الْفَرْع الثَّانِي) من لم تكن لَهُ عصبَة وَلَا مولى فعاصبه بَيت مَال الْمُسلمين يحوز جَمِيع المَال فِي الِانْفِرَاد وَيَأْخُذ مَا بَقِي بعد ذَوي السِّهَام عِنْد زيد والإمامين وَقَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَأَبُو حنيفَة وَابْن حَنْبَل يرد الْبَاقِي على ذَوي السِّهَام فَإِن لم يَكُونُوا فلذوي الْأَرْحَام وَحكى الطرطوشي عَن الْمَذْهَب أَنه يعصب لبيت المَال إِذا كَانَ الإِمَام عدلا وَإِن لم يكن عدلا رد على ذَوي السِّهَام وَذَوي الْأَرْحَام وَحكي عَن ابْن الْقَاسِم من مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ تصدق بِمَالِه إِلَّا أَن يكون الإِمَام كعمر بن عبد العزيز الْبَاب الثَّانِي فِي الْحجب والسهام (والحجب نَوْعَانِ) حجب اسقاط وحجب نقص فَأَما حجب الاسقاط فَلَا ينَال سِتَّة من الوراث وهم الابْن وَالْبِنْت وَالأُم وَالْأَب وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة وَأما غير هَؤُلَاءِ فقد يحجبون عَن الْمِيرَاث فَأَما ابْن الإبن وَبنت الإبن فيحجبهما الإبن خَاصَّة والقري من ذُكُور الحفدة يحجب الْبعيد من ذكورهم وإناثهم وَالْجد يَحْجُبهُ الْأَب خَاصَّة ويحجب الْحَد الْقَرِيب الْبعيد وَأما الْأَخ الشَّقِيق وَالْأُخْت الشَّقِيقَة فيحبجهما الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل الْأَب وَأما الْأَخ للْأَب وَالْأُخْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 للْأَب فيحجبهما الشَّقِيق وَمن حجبه وَلَا تحجبهما الشَّقِيقَة وَأما ابْن الْأَخ الشَّقِيق فيحجبه الْجد وَالْأَخ للْأَب وَمن حجبه وَأما ابْن الْأَخ للْأَب فيحجبه ابْن الْأَخ الشَّقِيق وَمن حجبه وَأما الْعم الشَّقِيق فيحجبه ابْن الْأَخ للْأَب وَمن حجبه وَأما الْعم للْأَب فيحجبه الْعم الشَّقِيق وَمن حجبه وَأما ابْن الْعم الشَّقِيق فيحجبه الْعم للْأَب وَمن حجبه وَأما ابْن الْعم للْأَب فيحجبه ابْن الْعم الشَّقِيق وَمن حجبه وَأما الْأَخ للْأُم وَالْأُخْت للْأُم فيحجبهما الابْن وَالْبِنْت وَابْن الابْن وَبنت الابْن وَإِن سفل الْأَب وَالْجد وَإِن علا وَأما الْجدّة للْأُم فتحجبها الْأُم خَاصَّة وَأما الْجدّة للْأَب فيحجبها أَب وَالأُم عِنْد زيد وَالثَّلَاثَة وَقَالَ ابْن مسعودوابن حَنْبَل لَا يحجبها الْأَب فَإِن اجْتمع جدتان فِي قعدد وَاحِد ورثتا مَعًا السُّدس بَينهمَا وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أقرب من الاخرى حجبت الْقَرِيبَة الْبَعِيدَة إِن كَانَت من جِهَتهَا وحجبت الْقَرِيبَة الَّتِي من جِهَة الْأُم الْبَعِيدَة الَّتِي من جِهَة الْأَب وَلَا تحجب الْقَرِيبَة من جِهَة الْأَب الْبَعِيدَة من جِهَة الْأُم بل تشاركها خلافًا لأبي حنيفَة وَأما الْمولى الْمُعْتق فيحجبه الْعصبَة وَأما السَّيِّد الْمَالِك فَيمْنَع جَمِيع الْوَرَثَة وَلَا يَحْجُبهُ أحد وَأما حجب النَّقْص فَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام نقل من فرض إِلَى فرض دونه وَنقل من تعصيب إِلَى فرض إِلَى تعصيب فَأَما النَّقْل من فرض إِلَى فرض فَيخْتَص بِخَمْسَة أَصْنَاف (الأول) الْأُم ينقلها من الثُّلُث إِلَى السُّدس الابْن وَابْن الابْن وَالْبِنْت وَبنت الإبن وَاثْنَانِ فَأكْثر من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات سَوَاء كَانُوا شقائق أَو للْأَب أَو للْأُم (الثَّانِي) الزَّوْج يَنْقُلهُ الابْن وَابْن الإبن وَالْبِنْت وَبنت الإبن من النّصْف إِلَى الرّبع (الثَّالِث) الزَّوْجَة والزوجات ينقلهن الإبن وَابْن الإبن وَالْبِنْت وَبنت الإبن من الرّبع إِلَى الثّمن (الرَّابِع) بنت الإبن تنقلها الْبِنْت الْوَاحِدَة عَن النّصْف إِلَى السُّدس وتنقل اثْنَتَيْنِ فَأكْثر من بَنَات الإبن من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس (الْخَامِس) الْأُخْت للْأَب تنقلها الشَّقِيقَة منالنصف إِلَى السُّدس وتنقل اثْنَتَيْنِ فَأكْثر من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس وَأما النَّقْل من تعصيب إِلَى فرض فَيخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد ينقلهما الإبن وَابْن الإبن من التعصب إِلَى السُّدس وَكَذَلِكَ يرثان إِذا استغرقت السِّهَام المَال وَأما النَّقْل من فرض إِلَى تعصيب فَهُوَ للْبِنْت وَبنت الإبن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَللْأَب ينْقل كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ فَأكْثر أَخُوهَا عَن فَرضهَا ويعصبها وَكَذَلِكَ الْأَخَوَات الشقائق وَللْأَب يعصبهن الْبَنَات فتنقلهن الْبِنْت الْوَاحِدَة فَأكْثر من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب (تَنْبِيه) كل مَمْنُوع من الْمِيرَاث بمانع كالكفر وَالرّق فَلَا يحجب غَيره أصلا خلافًا لِابْنِ مَسْعُود وَحده وكل مَحْجُوب فَلَا يحجب غَيره إِلَّا الْأُخوة فَإِن الْأَب يحجبهم وهم يحجبون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَقَالَ ابْن عَبَّاس من بَين سَائِر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء لَا يحجبهم الْأَب حِينَئِذٍ بل يَأْخُذُونَ السُّدس الَّذِي حجبوا الْأُم عَنهُ فصل سِهَام الْفَرَائِض سِتَّة النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس فَأَما النّصْف فلخمسة للزَّوْج فِي عدم الْوَلَد وللبنت ولابنة الابْن فِي عدم الإبن وَللْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب فِي عدم الشَّقِيقَة وَأما الرّبع فلاثنين للزَّوْج مَعَ الْوَلَد وللزوجة مَعَ عَدمه سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر وَإِذا كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 زوجتان فَأكْثر قسم بَينهمَا بالسواء وَأما الثّمن فللزوجة مَعَ الْوَلَد سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر وَأما الثُّلُثَانِ فلأربعة لاثْنَتَيْنِ فَأكْثر من الْبَنَات وَمن بَنَات الإبن فِي عدم الْبَنَات وَمن الْأَخَوَات الشقائق وَمن الْأَخَوَات للْأَب فِي عدم الشقائق وَأما الثُّلُث فلإثنين الْأُم فِي فقد من يردهَا إِلَى السُّدس والإثنين فَأكْثر من الْإِخْوَة للْأُم ذكورهم وإناثهم وَأما السُّدس فلسبعة الْأُم وَالْأَب وَالْجد مَعَ وجود من يردهم إِلَيْهِ وَالْجدّة أَو الجدتين إِذا اجتمعتا وللواحدة فَأكْثر من بَنَات الإبن مَعَ الْبِنْت وللواحدة فَأكْثر من الْأَخَوَات للْأَب مَعَ الشَّقِيقَة وللواحدة من الْإِخْوَة للْأُم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى الْبَاب الثَّالِث فِي بسط الْفَرَائِض وترتيبها على الْوَارِث أما الإبن فَإِن انْفَرد أَخذ المَال وَإِن كَانَ ابْنَانِ فَأكْثر قسموه بالسواء وَإِن اجْتمع ذُكُور وإناث فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأما الْبِنْت فَإِن كَانَت وَاحِدَة دون ابْن فلهَا النّصْف وَإِن كَانَ ثَلَاث بَنَات فَأكْثر فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِإِجْمَاع وَإِن كَانَ ابنتان فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ أَيْضا عِنْد زيد بن ثَابت وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْأَرْبَعَة خلافًا لِابْنِ عَبَّاس فَلَهُمَا عِنْده النّصْف وَأما ابْن الإبن فَإِذا عدم قَامَ مقَامه وَإِن كَانَ مَعَ بنت أَو بَنَات أَخذ مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ وَأما بنت الإبن فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن ابْن فِي درجتها أَو دونهَا عصبها فورثت مَعَه للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر وَإِن لم يكن مَعهَا ابْن ابْن فَإِن كَانَت مَعهَا بنت وَاحِدَة أخذت بنت الإبن السُّدس تَكْمِلَة السدسين سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر وَإِن كَانَ مَعهَا بنتان أَو أَكثر لم يكن لبِنْت الابْن شَيْء إِلَّا أَن كَانَ مَعهَا ابْن ابْن فِي درجتها أَو دونهَا فتأخذ مَعَه مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ وَإِن لم يكن مَعهَا بنت قَامَت مقَامهَا فورثت بنت الإبن النّصْف إِن كَانَت وَاحِدَة أَو الثُّلثَيْنِ إِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأكْثر وَإِذا اجْتمع بَنَات ابْن بَعضهم أَعلَى من بعض قَامَت الْعليا مقَام الْبِنْت وَمن دونهَا مقَام بنت الإبن فِي جَمِيع مَا ذكر فتأخذ الْعليا النّصْف وَتَأْخُذ الْوُسْطَى السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَتسقط السُّفْلى إِلَّا أَن يكون مَعهَا ابْن فِي درجتها أَو دونهَا فيعصبها وَإِن كَانَ مَعَ الْوُسْطَى ابْن ابْن فِي درجتها أَو دونهَا عصبها وحجب من دونهَا من ذكر أَو أُنْثَى وَإِن كَانَت الْعليا اثْنَتَيْنِ فَأكْثر فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَتسقط الْوُسْطَى وَمن دونهَا إِلَّا أَن كَانَ مَعَهُنَّ ذكر فِي درجتهن أَو سفل مِنْهُنَّ وَأما الْأَب فَإِن انْفَرد حَاز المَال بِالتَّعْصِيبِ وَإِن كَانَ مَعَ ابْن أَو ابْن ابْن أَخذ السُّدس خَاصَّة وَإِن كَانَ مَعَ بنت أَو بنت ابْن أَو سَائِر ذَوي السِّهَام أَخذ السُّدس بِالْفَرْضِ وَأخذ مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ وَأما الْأُم فلهَا الثُّلُث إِلَّا مَعَ ابْن أَو ابْن ابْن أَو بنت ابْن أَو اثْنَتَيْنِ فَأكْثر من الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات فلهَا السُّدس وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا يحجبها الْأُخوة عَن الثُّلُث إِلَّا إِن كَانُوا ثَلَاثَة وَلَا يحجبها عِنْده اثْنَان خلافًا لسَائِر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء وَإِذا كَانَت فِي الفريضتين الفراوين وهما أَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَأم وَزَوْجَة أَو أَب وَأم وَزوج ففرضها ثلث مَا بَقِي بعد الزَّوْج أَو الزَّوْجَة وَهُوَ الرّبع فِي الأولى وَالسُّدُس فِي الثَّانِيَة وَللْأَب الثُّلُثَانِ مِمَّا بَقِي بعدهمَا وَأما الْجد فَيقوم مقَام الْأَب فِي عَدمه إِلَّا مَعَ الْأُخوة وَذَلِكَ أَنه إِذا انْفَرد المَال وَإِن كَانَ مَعَ ابْن أَو ابْن ابْن أَخذ السُّدس خَاصَّة وَإِن كَانَ مَعَ بنت أَو بنت ابْن أَو مَعَ سَائِر ذَوي السِّهَام أَخذ السُّدس بِالْفَرْضِ وَمَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ ويحجب الْأُخوة للْأُم وَإِن كَانَ مَعَ أخوة شقائق أَو لأَب لم يحجبهم عِنْد عمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأَبُو حنيفَة والزني رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ الْجد يحجب الْأُخوة وَإِذا فرعنا على الْمَذْهَب الأول فَلهُ الْأَرْجَح مَعَ حالتين أما الثُّلُث من المَال كُله أَو مقاسمة الْأُخوة كذكر مِنْهُم فَإِن كَانَ مَعَ أَخذ وَاحِد أَو ثَلَاث أَخَوَات فَأَقل فالمقاسمة لَهُ أفضل وَإِن كن خمس أَخَوَات أَو ثَلَاث أخوة فَأكْثر فَالثُّلُث لَهُ أفضل وَإِن كن أَربع أَخَوَات أَو أَخَوَيْنِ اسْتَوَت الْمُقَاسَمَة وَالثلث وَإِذا اجْتمع مَعَه أخوة شقائق ولأب عد عَلَيْهِ جَمِيعهم وَأخذ هُوَ كذكر ثمَّ يَأْخُذ الأشقاء مَا أصَاب الْأُخوة للْأَب لأَنهم يحجبونهم مِثَال ذَلِك أَن يتْرك الْمَيِّت جدا وأخا شقيقا وأخا لأَب فَإِن الْأَخ الشَّقِيق يُعَاد الْجد بالأخ للْأَب فَيكون للْجدّ الثُّلُث وَهُوَ الَّذِي تعطيه الْمُقَاسَمَة وَلَوْلَا الْمُعَادَة لَكَانَ للْجدّ النّصْف فِي الْمُقَاسَمَة ثمَّ يَأْخُذ الشَّقِيق الثُّلُث الَّذِي للْأَخ للْأَب فَيكون لَهُ الثُّلُثَانِ وَلَو كَانَ مَعَ الْأَخ الشَّقِيق أُخْت فالقسمة من خَمْسَة للشقيق اثْنَان وللجد اثْنَان وَللْأُخْت وَاحِد ثمَّ يَأْخُذ الشَّقِيق الْوَاحِد من الْأُخْت وَإِن كَانَ مَعَ أَخ الْأَب وَأُخْت شَقِيقَة فالقسمة أيضامن خَمْسَة ثمَّ تَأْخُذ الشَّقِيقَة تَمام فَرضهَا وَهُوَ النّصْف من يَد الْأَخ تَكْمِيل وَإِذا اجْتمع مَعَ الْجد أخوة وذوو سِهَام كَانَ لَهُ الْأَرْجَح من ثَلَاثَة أَشْيَاء السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث مَا بَقِي بعد ذَوي السِّهَام أَو مقاسمة الْأُخوة كذكر مِنْهُم إِلَّا فِي فَرِيضَة يُقَال لَهَا الخرقاء وَهِي أم وجد وَأُخْت فَقَالَ مَالك وَزيد للْأُم الثُّلُث وَمَا بَقِي يقتسمه الْجد وَالْأُخْت للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَالَ أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس لَا شَيْء للأمت وَقَالَ عَليّ للْأُم الثُّلُث وَللْأُخْت النّصْف وللجد مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس بَيَان لَا يفْرض للْأُخْت مَعَ جد بل تَرث مَعَه فِي الْبَقِيَّة إِلَّا فِي الْفَرِيضَة الأكدرية وَتسَمى الغراء وَهِي زوج وَأم وجد وأمت شَقِيقَة أَو لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس ويعال للْأُخْت بِالنِّصْفِ ثمَّ يرد الْجد سدسه ويخلط نصِيبه مَعَ نصيب الْأُخْت ثمَّ يقتسمانه للْجدّ ثلثان وَللْأُخْت ثلث وَتَصِح الْفَرِيضَة من سَبْعَة وَعشْرين للْجدّ ثَمَانِيَة وَللْأُخْت أَرْبَعَة وَللزَّوْج تِسْعَة وَللْأُمّ سِتَّة هَذَا مَذْهَب زيد وَمَالك وَقَالَ عمر وَابْن مَسْعُود للزَّوْج النّصْف وَللْأُخْت النّصْف وللجد سدس وَللْأُمّ سدس على جِهَة الْعَوْل وَإِن كَانَ مَكَانهَا أختَان فَأكْثر سقط الْعَوْل لِأَن الْأُم لَا تَأْخُذ مَعَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا السُّدس ويقاسم الْجد الْأُخْتَيْنِ وَإِن كَانَ مَكَان الْأُخْت أَخ شَقِيق أَو لأَب لم يكن لَهُ شَيْء لِأَنَّهُ عاصب لم يفضل لَهُ شَيْء بعد ذَوي السِّهَام فَإِن كَانَ فِيهَا أَخ لأَب وأخوة لأم فَهِيَ الْفَرِيضَة الْمَالِكِيَّة وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أَن تتْرك المتوفاة زوجا وَأما وجدا وأخا لأَب وأخوة لأم فمذهب مَالك أَن للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللجد مَا بَقِي وَلَا يَأْخُذ الْأُخوة لأم شَيْئا لِأَن الْجد يحجبهم وَلَا يَأْخُذ الْأَخ للْأَب شَيْئا لِأَن الْجد يَقُول لَهُ لَو كنت ((دوني لم تَرث شَيْئا لِأَن ذَوي السِّهَام يحصلون المَال بوراثة الْأُخوة للْأُم فَلَمَّا حجبت أَنا الْأُخوة للْأُم كنت أَحَق بِهِ)) وَمذهب زيد أَن للْجدّ السُّدس وللأخ مَا بَقِي بعد ذَوي الْهَام دون الْأَخ وَمذهب زيد أَن للْجدّ السُّدس خَاصَّة وَيَأْخُذ الْأَخ مَا بَقِي كَالْحكمِ فِي الَّتِي قبلهَا تَلْخِيص مسَائِل الْجد إِن لَهُ سِتَّة أَحْوَال (الأولى) أَن ينْفَرد فَيَأْخُذ المَال (الثَّانِيَة) أَن يكون مَعَ ابْن أَو ابْن ابْن فَلهُ السُّدس خَاصَّة (الثَّالِثَة) أَن يكون مَعَ ذَوي السِّهَام فَلهُ السُّدس وَمَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ (الرَّابِعَة) أَن يكون مَعَ أخوة شقائق خَاصَّة أَو مَعَ أخوة لأَب خَاصَّة فَلهُ الْأَرْجَح من حالتين الثُّلُث والمقاسمة (الْخَامِسَة) أَن يكون مَعَ مَجْمُوع الْأُخوة الشقائق والأخوة للْأَب فَلهُ الْأَرْجَح من الْحَالَتَيْنِ مَعَ الْمُعَادَة (السَّادِسَة) أَن يكون مَعَ الْأُخوة وَمَعَ ذَوي السِّهَام فَلهُ الْأَرْجَح من ثَلَاثَة أَحْوَال وَقد تقدم بسط ذَلِك كُله وَأما الْجدّة ففرضها السُّدس سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر حَسْبَمَا تقدم فِي الْحجب وَلَا تَرث إِلَّا أَربع جدات أم الْأُم وأمهاتها وَأم الْأَب وأمهاتها وَلَا تَرث أم الْجد عِنْد مَالك خلافًا لزيد وَعلي وَابْن عَبَّاس وَأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وعَلى الْمَذْهَب لَا يجْتَمع فِي الْمِيرَاث إِلَّا جدتان لاأكثر وعَلى غَيره قد يجْتَمع ثَلَاث (تَنْبِيه) ذكر القَاضِي عبد الْوَهَّاب مَسْأَلَة فِيهَا سِتّ وَثَلَاثُونَ جدة وَقَالَ السُّهيْلي إِنَّمَا تتَصَوَّر فِي أمة بَين شُرَكَاء وَطئهَا جَمِيعهم وَألْحق الْوَلَد بهم كلهم على قَول من يرى ذَلِك ثمَّ مَاتَ الْوَلَد بعد آبَائِهِ فورثه أمهاتهم وَهن الْجدَّات وَأما الْأَخ الشَّقِيق وَللْأَب لم يحجبهما غَيرهمَا فميراثهما كالأولاد إِذا انْفَرد أَخذ المَال وَإِن كَانَ أَخَوان فَأكْثر اقتسموه بالسواء وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن كَانَ مَعَ ذَوي السِّهَام اقتسموا مَا يفضل بعدهمْ وَإِن لم يفضل شَيْء لم يرثوا وَأما الْأُخْت الشَّقِيقَة فَإِن كَانَت مَعَ شَقِيق ورثت مَعَه بِالتَّعْصِيبِ فَإِن كَانَت دون أَخ شَقِيق فلهَا فلهَا النّصْف وَإِن كَانَت أختَان فَأكْثر فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ بالسواء وَإِن كَانَت مَعَ بنت فَأكْثر فَهِيَ عاصبة لِأَن الْأَخَوَات عصبَة مَعَ الْبَنَات عِنْد زيد وَالْأَرْبَعَة وَقَالَ دَاوُد لَا تَرث الْأُخْت مَعَ الْبِنْت وَأما الْأُخْت للْأَب فَإِن كَانَت مَعَ أَخ الْأَب ورثت مَعَه بِالتَّعْصِيبِ وَإِن كَانَت دونه وَدون أُخْت شَقِيقَة تنزلت منزلَة الشَّقِيقَة فللواحدة النّصْف وللاثنتين فَأكْثر الثُّلُثَانِ وتعصب الْبَنَات كَمَا تعصبهن الشَّقِيقَة وَإِن كَانَت مَعَ أُخْت شَقِيقَة وَاحِدَة فلهَا السُّدس تَكْمِلَة للثلثين سَوَاء كَانَت وَاحِدَة أَو أَكثر وَإِن كَانَت مَعَ أُخْتَيْنِ شقيقتين فَأكْثر لم يكن لَهَا شَيْء إِلَّا أَن يعصبها أَخ الْأَب وَأما الْأَخ للْأُم وَالْأُخْت للْأُم فَلَا يرثان إِلَّا مَعَ عدم العمودين الْأَعْلَى والأسفل وَتلك الْكَلَالَة وللواحد السُّدس سَوَاء كَانَ ذكرا أم أُنْثَى وللاثنين فَأكْثر الثُّلُث سَوَاء كَانُوا ذُكُورا أَو إِنَاثًا أَو مختلطين وللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَى الْوَاحِدَة وشذ فِي مسائلهم الْفَرِيضَة الْمُسَمَّاة بالحمارية وبالمشتركة وَهِي زوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَأم وأخوة شقائق وأخوة الْأُم فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوة للْأُم الثُّلُث وَفرغ المَال فَيَقُول الأشقاء هَب إِن أَبَانَا كَانَ حمارا فيرث بأمنا فيحسبون أخوة لأم فيرثون الثُّلُث مَعَ الْأُخوة للْأُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَى هَذَا مَذْهَب عمر وَعُثْمَان وَزيد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ لَا شَيْء للشقائق وَأما ابْن الْأَخ وَالْعم وَابْن الْعم فهم عصبَة إِن انْفَرد وَاحِد مِنْهُم أَخذ المَال وَإِن كَانُوا اثْنَيْنِ فَأكْثر اقتسموه بالسواء إِن انْفَرد وَاحِد مِنْهُم أَخذ المَال وَإِن كَانُوا اثْنَيْنِ فَأكْثر اقتسموه بالسواء وَإِن كَانُوا مَعَ ذَوي السِّهَام اقتسموا مَا فضل بعدهمْ وَمَا لم يفضل شَيْء لم يرثوا وَأما الْمولى فَذكر حكمه فِي بَاب الْوَلَاء من كتاب الْعتْق بَيَان الْفَرَائِض الشاذة هِيَ الفراوان والخرفاء والاكدرية والمالكية وَأُخْتهَا والمشتركة وَكلهمْ قد ذكرت فِي هَذَا الْبَاب (تَنْبِيه) مَذْهَب مَالك مُوَافق لمَذْهَب زيد فِي الْفَرَائِض كلهَا إِلَّا فِي الْمَالِكِيَّة وَأُخْتهَا وتوريث الْجدّة الثَّالِثَة الْبَاب الرَّابِع فِي مَوَانِع الْمِيرَاث وَهِي عشرَة (الْمَانِع الأول) اخْتِلَاف الدّين فَلَا يرع كَافِر مُسلما إِجْمَاعًا وَلَا يَرث مُسلم كَافِرًا عِنْد الْجُمْهُور وَلَا يَرث كَافِر كَافِرًا إِذا اخْتلف دينهما خلافًا لَهما ولداود وَإِذا أسلم الْكَافِر بعد موت موروثه الْمُسلم لم يَرِثهُ وَكَذَلِكَ مَا زَالَ مانعه بعد موت موروثه وَمَال مَمْلُوك الْكَافِر لسَيِّده بِالْملكِ فَإِن أعْتقهُ لم يَرِثهُ بِالْوَلَاءِ إِن مَاتَ كَافِرًا وَالْمُرْتَدّ فِي الْمِيرَاث كالكافر الْأَصْلِيّ خلافًا لأبي حنيفَة وَأما الزنديق فيرثه ورثته من الْمُسلمين إِذا كَانَ يظْهر الْإِسْلَام (الْمَانِع الثَّانِي) الرّقّ فَالْعَبْد وكل من فِيهِ شعبه من رق كالمدبر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد وَالْمُعتق بعضه وَالْمُعتق إِلَى أجل لَا يَرث وَلَا يُورث وميراثه لمَالِكه (الْمَانِع الثَّالِث) قتل الْعمد فَمن قتل موروثه عمدا لم يَرث من مَاله وَلَا دينه وَلم يحجب وَارِثا وَإِن قَتله خطأ ورث من المَال دون الدِّيَة وحجب وهما يرثان الْوَلَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة كل قَاتل لَا يَرث إِلَّا ثَلَاثَة الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَقَاتل الْبَاغِي مَعَ الإِمَام وَقَالَ قوم يَرث الْقَاتِل مُطلقًا وَعكس قوم (الْمَانِع الرَّابِع) اللّعان فَلَا يَرث الْمَنْفِيّ بِهِ النَّافِي وَلَا يَرِثهُ هُوَ وَإِذا مَاتَ ولد الْمُلَاعنَة ورثته أمه وأخوته للْأُم وَمَا بَقِي لبيت المَال وتوأما الْمُلَاعنَة شقيقان وتوأما الْبَغي للْأُم فَقَط وَفِي توأمي المغتصبة قَولَانِ (الْمَانِع الْخَامِس) الزِّنَى فَلَا يَرث ولد الزِّنَى وَالِده وَلَا يَرِثهُ هُوَ لِأَنَّهُ غير لَاحق بِهِ وَإِن أقرّ بِهِ الْوَالِد حد وَلم يلْحق بِهِ وَمن تزوج أما بعد ابْنة أَو بِنْتا بعد أم لم تَرثه وَاحِدَة مِنْهُمَا وَمن تزوج أُخْتا بعد أُخْت وَالْأولَى فِي عصمته ورثته دون الثَّانِيَة (الْمَانِع السَّادِس) الشَّك فِي موت الْمَوْرُوث كالأسير والمفقود وَقد تقدم حكمهَا فِي بَاب النِّكَاح (الْمَانِع السَّابِع) الْحمل فَيُوقف بِهِ المَال إِلَى الْوَضع (الْمَانِع الثَّامِن) الشَّك فِي حَيَاة الْمَوْلُود فَإِن اسْتهلّ صَارِخًا ورث وَورث وَإِلَّا فَلَا وَلَا يقوم مقَام الصُّرَاخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْحَرَكَة والعطاس فِي الْمَذْهَب إِلَّا أَن يطول أَو يرضع (الْمَانِع التَّاسِع) الشَّك فِي تقدم موت الْمَوْرُوث أَو الْوَارِث كميتين تَحت هدم وغرق فَلَا يَرث أَحدهمَا الآخر وَيَرِث كل وَاحِد مِنْهُمَا سَائِر ورثته وَبِذَلِك قَالَ أَبُو بكر وَزيد وَابْن عَبَّاس وَقَالَ عَليّ وَشُرَيْح القَاضِي يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من تلاد المَال دون الطارف وَمعنى ذَلِك أَنه لَا يَرث وَاحِد مِنْهُمَا من الْمِقْدَار الَّذِي يَرث من صَاحبه وَيَرِث مِمَّا سوى ذَلِك (الْمَانِع الْعَاشِر) الشَّك فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَهُوَ الْخُنْثَى ويختبر بالبول واللحية وَالْحيض فَإِن لحق بِالرِّجَالِ ورث مِيرَاث الرِّجَال وَإِن لحق بِالنسَاء ورث ميراثهن وَإِن أشكل أمره أعطي نصف نصيب أُنْثَى وَنصف نصيب ذكر الْبَاب الْخَامِس فِي أصُول الْفَرَائِض وعولها إِذا كَانَ الْوَرَثَة كلهم عصبَة فَأصل فريضتهم عدد رؤوسهم فَإِن كَانُوا كلهم ذُكُورا فعد كل وَاحِد مِنْهُم بِوَاحِد وَإِذا كَانُوا ذُكُورا وإناثا فعد الذّكر بانثيين وَالْأُنْثَى بِوَاحِد وَإِذا كَانَ فِيهَا صَاحب سهم فَأصل الْفَرِيضَة من مقَام سَهْمه وأصول الْفَرَائِض سَبْعَة أعداد وَهِي اثْنَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَسِتَّة وَثَمَانِية وَاثنا عشر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فَأَما الِاثْنَان فللنصف وَأما الثَّلَاثَة فللثلث أَو الثُّلثَيْنِ أَو لاجتماعهما وَأما الْأَرْبَعَة فللربع أَو لربع وَنصف وَأما السِّتَّة فللسدس أَو لسدس وَنصف أَو سدس وَثلث أَو سدس وثلثين وَأما الثَّمَانِية فللثمن أَو لثمن وَنصف وَأما الاثنا عشر فللربع مَعَ ثلث أَو مَعَ ثلثين أَو مَعَ سدس وَأما الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ فللثمن مَعَ ثلث أَو مَعَ ثلثين أَو مَعَ سدس فصل لفرائض ذَوي السِّهَام ثَلَاثَة أَحْوَال (الأولى) أَن يفضل بَعضهم شَيْء للْعصبَةِ أَو لبيت المَال كَزَوج وَأم عاصب فالفريضة من سِتَّة للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأُمّ اثْنَان وللعاصب مَا بَقِي وَهُوَ وَاحِد (الثَّانِي) أَن يستوفوا المَال فَلَا يفضل شَيْء وَلَا ينقص شَيْء كَزَوج وَأم وَأَخ لأم (الثَّالِث) أَن تكْثر السِّهَام حَتَّى لَا تسعها الْفَرِيضَة فمذهب زيد وَسَائِر الصَّحَابَة وَالْأَرْبَعَة وَغَيرهم أَنه ينشأ فِيهَا الْعَوْل فَيُوجب نقصا لكل وَارِث على نِسْبَة مِيرَاثه وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا عول بل يقدم قوم وَيُؤَخر آخَرُونَ وَإِذا فرعنا على مَذْهَب الْجُمْهُور فَإِن الْأُصُول الَّتِي تعول ثَلَاثَة السِّتَّة والاثنا عشر وَالْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ فَأَما السِّتَّة فتعول إِلَى سَبْعَة وَإِلَى ثَمَانِيَة وَإِلَى تِسْعَة وَإِلَى عشرَة مِثَال ذَلِك زوج وَأُخْت شَقِيقَة وَأُخْت لأم فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة لِاجْتِمَاع السُّدس مَعَ النّصْف للزَّوْج ثَلَاثَة وللشقيقة ثَلَاثَة وَفرع المَال للْأُخْت للْأُم بِوَاحِد وَهُوَ السُّدس فعالت إِلَى سَبْعَة فَصَارَ سدسها سَبْعَة وَالنّصف ثَلَاثَة أَسْبَاع فَإِن زَادَت فِي الْمَسْأَلَة أُخْت ثَانِيَة للْأُم يكون بَينهمَا اثْنَان فتعول إِلَى ثَمَانِيَة وَإِن زَاد على ذَلِك أم فلهَا سدس فتعول إِلَى تِسْعَة فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك شَقِيقَة أُخْرَى يكون بَينهمَا ثلثان فتعول إِلَى عشر وَأما الاثنا عشر فتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وَإِلَى خَمْسَة عشر وَإِلَى سَبْعَة عشر مِثَال ذَلِك زوج وشقيقتان وَأَخ لأم للزَّوْجَة ثَلَاثَة وللشقيقتين ثَمَانِيَة وللأخ للْأُم السُّدس اثْنَان فَذَلِك ثَلَاثَة عشر فَلَو زَاد على ذَلِك أَخ آخر لأم لعالت إِلَى خَمْسَة عشر فَلَو زَاد مَعَ ذَلِك أم لعالت إِلَى سَبْعَة عشر وَأما الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ فتعول إِلَى سَبْعَة وَعشْرين كَزَوْجَة وأبوين وبنتين فللبنتين سِتَّة عشر وللام أَرْبَعَة وَللْأَب أَرْبَعَة وَعيلَ للزَّوْجَة بِثَلَاثَة فَصَارَ ثمنهَا تسعا وَهَذِه الْفَرِيضَة تسمى المنبرية لِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ أفتى فِيهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر الْبَاب السَّادِس فِي الإنكسار والتصحيح وَلَا بُد من تَقْدِيم مُقَدّمَة وَهِي أَن كل عدد بِالنِّسْبَةِ إِلَى عدد آخر لَا يَخْلُو من أَن يَكُونَا متماثلين أَو متداخلين أَو متوافقين أَو متباينين فَأَما المتماثلان فَلَا خَفَاء فيهمَا كثلاثة مَعَ ثَلَاثَة أَو عشرَة مَعَ عشرَة وَأما المتداخلان فهما اللَّذَان يكون الْأَصْغَر دَاخِلا تَحت الْأَكْبَر يعده مرَّتَيْنِ فَأكْثر حَتَّى يفنى كدخول الثَّلَاثَة تَحت السِّتَّة وَتَحْت التِّسْعَة وَتَحْت الْخَمْسَة عشر وَأما المتوافقان بِجُزْء ويعدهما اسْم ذَلِك الْجُزْء كالأربعة والستة فَإِنَّهُمَا اتفقَا بِالنِّصْفِ ويعد كل وَاحِد مِنْهُمَا اثْنَان وَأما المتباينان فهما مَا سوى ذَلِك فَإِذا تقرر هَذَا فَإِن انقسمت مهام الْفَرِيضَة على رُؤُوس أَهلهَا فَلَا إِشْكَال وَذَلِكَ إِذا تماثلا أَو كَانَ عدد الرؤوس دَاخِلا تَحت عدد السِّهَام وَإِن لم يَنْقَسِم فَيحْتَاج إِلَى التَّصْحِيح والإنكسار يكون على فريق وَاحِد وعَلى فريقين وعَلى ثَلَاثَة وَقد يكون على أَرْبَعَة فِي مَذْهَب من يُورث ثَلَاث جدات فَأَما الإنكسار على فريق فَيكون فِي الْمُوَافقَة والمباينة فَإِن تبَاين عدد السِّهَام والرؤوس ضربت عدد الرؤوس فِي أُصَلِّي الْفَرِيضَة وَصحت من الْمَجْمُوع ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث فِيمَا ضربت فِيهِ أصل الْفَرِيضَة وَإِن توافقا ضربت وفْق عدد الرؤوس وَهُوَ الرَّاجِع فِي أصل الْفَرِيضَة وَصحت من الْمَجْمُوع ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث فِيمَا ضربت فِيهِ أصل الْفَرِيضَة وَهُوَ الوفق وَلَو ضربت عدد الرؤوس بجملتها كالمتباين لصَحَّ وَلَكِن الْمَقْصُود الإختصار إِلَى أقل عدد صَحِيح تصح مِنْهُ مِثَال ذَلِك خمس بَنَات وَأم عاصب فالفريضة من سِتَّة للبنات أَرْبَعَة وَهُوَ مباين لرؤوسهن فَاضْرب الْخَمْسَة وَهِي عدد الرؤوس فِي أصل الْفَرِيضَة بِثَلَاثِينَ فَمن ذَلِك تصح ثمَّ اضْرِب الْأَرْبَعَة الَّتِي بيد الْبَنَات فِي الْخَمْسَة الَّتِي ضربت فِيهَا أصل الْفَرِيضَة يكن لَهُنَّ عشرُون لكل وَاحِدَة أَرْبَعَة وَللْأُمّ السُّدس خَمْسَة وللعاصب الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَة فَلَو كَانَ الْبَنَات سِتا لكانا متوافقين بِالنِّصْفِ فَتضْرب وفْق الرؤوس وَهُوَ ثَلَاثَة فِي أصل الْفَرِيضَة بِثمَانِيَة عشر فَمِنْهَا تصح ثمَّ تضرب مَا بيد كل وَارِث فِي الثَّلَاثَة فَيكون للبنات اثْنَا عشر لكل وَاحِدَة اثْنَان وَللْأُمّ ثَلَاثَة وللعاصب ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَأما الإنكسار على فريقين فتنظر بَين سِهَام كل فريق ورؤوسه كَمَا تقدم فَمَا تبَاين مَعَ السِّهَام أثبت عدده وَمَا توَافق أثبت وَفقه ثمَّ تنظر بَين العددين المثبتين من الرؤوس أَو وفقها فَإِن تماثلا اكتفيت بِأَحَدِهِمَا وضربته فِي أصل الْفَرِيضَة وَإِن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته فِي أصل الْفَرِيضَة وَإِن توافقا ضربت وفْق أَحدهمَا فِي كل الآخر ثمَّ ضربت الْمَجْمُوع فِي أصل الْفَرِيضَة وَإِن تباينا ضربت أَحدهمَا فِي الآخر ثمَّ ضربت الْمَجْمُوع فِي أصل الْفَرِيضَة ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث فِيمَا ضربت فِيهِ أصل الْفَرِيضَة مِثَال ذَلِك أختَان وشقيقتان وزوجتان وعاصبان فأصلها من اثنى عشر وانكسرت سِهَام الزوجتين والعاصبين كل وَاحِد مِنْهُمَا مباين لرؤوسه والرؤوس متماثلان فَاضْرب أَحدهمَا وَهُوَ اثْنَان فِي أصل الْفَرِيضَة بأَرْبعَة وَعشْرين فَلَو كَانَ الزَّوْجَانِ أَرْبعا لدخل فِيهَا رُؤُوس العاصبين فتكتفي بالأربعة وتضربهما فِي أصل الْفَرِيضَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين فَلَو ترك أما وست أَخَوَات شقائق وَأَرْبع أَخَوَات لأم فَالْمَسْأَلَة بعولها من سَبْعَة وانكسرت سِهَام الشقائق على رؤوسهن وَهِي مُوَافقَة لَهما فَأثْبت وفْق الرؤوس وَهُوَ ثَلَاثَة وَقد انْكَسَرت أَيْضا الْأَخَوَات للْأُم وَهِي مُوَافقَة لرؤوسها ووفقها اثْنَان وتباين الوفقان فَاضْرب أَحدهمَا فِي الآخر بِسِتَّة ثمَّ اضْرِب السِّتَّة فِي السَّبْعَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين فَمِنْهَا تصح ثمَّ اضْرِب مَا بيد كل وَارِث فِي السِّتَّة تَلْخِيص يتَصَوَّر فِي الإنكسار على فريقين اثْنَتَا عشرَة صُورَة وَذَلِكَ أَن سِهَام كل فريق مَعَ أبدانهم إِمَّا أَن يتَّفقَا مَعًا أَو يتباينا أَو يتَّفق أَحدهمَا ويتباين الآخر فَتلك ثَلَاثَة وَيتَصَوَّر فِي كل وَاحِد مِنْهَا أَربع صور وَهِي أَن تتماثل الرؤوس والأوفاق أَو تتداخل أَو تتوافق أَو تتباين وَثَلَاثَة فِي أَرْبَعَة عشر وَمن فهم القانون اسْتغنى عَن كَثْرَة التَّمْثِيل وَأما الإنكسار على ثَلَاث فرق فَأحْسن عمل فِيهَا عمل الْكُوفِيّين وَهُوَ أَن تنظر فِي الْفَرِيقَيْنِ خَاصَّة حَسْبَمَا تقدم فَمَا تلخص مِنْهَا نظرته مَعَ الثَّالِث كَمَا تنظر بَين الْفَرِيقَيْنِ فَإِن كَانَ فريق رَابِع نظرت مَا تلخص من الثَّلَاثَة مَعَه ثمَّ ضرب مَا تلخص آخرا فِي أصل الْفَرِيضَة ثمَّ تضرب اعْتِمَادًا على الْبَيَان الْمُتَقَدّم وَخَوف التَّطْوِيل الْبَاب السَّابِع فِي قسْمَة مَال التَّرِكَة إِن كَانَ المَال مِمَّا يعد أَو يُكَال أَو يُوزن فاقسم عدده على الْعدَد الَّذِي صحت مِنْهُ الْفَرِيضَة وَإِن كَانَ عرُوضا أَو عقارا فَيقوم وتقسم قِيمَته أَو يُبَاع وَيقسم ثمنه على عدد الْفَرِيضَة فَمَا خرج ضربت فِيهِ مَا بيد كل وَارِث فَذَلِك مَا يحصل لَهُ من المَال وَإِن شِئْت سميت مَا بيد كل وَارِث من أصل الْفَرِيضَة فَذَلِك الإسم نصِيبه من المَال مِثَاله زوج وَأم وَابْن فالفرضة من اثنى عشر وَالْمَال سِتُّونَ فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 قسمته على أصل الْفَرِيضَة خرج خَمْسَة فتضربها فِيمَا بيد كل وَارِث فَيكون للام عشرَة وَللزَّوْج خَمْسَة عشر وللابن خَمْسَة وَثَلَاثُونَ وَإِن سميت يكون للْأُم سدس المَال وَهُوَ عشرَة وَللزَّوْج ربعه وَهُوَ الْخَمْسَة عشر وللابن ثَلَاثَة أَسْدَاس وَنصف سدس وَهُوَ الْخَمْسَة وَالثَّلَاثُونَ فروع ثَلَاثَة (الْفَرْع الأول) إِذا ضم أحد الْوَرَثَة فِي نصِيبه عرضا أَو عقارا وَأخذ سَائِرهمْ الْعين فَإِن كَانَت قِيمَته قدر حَظه فَلَا إِشْكَال وَإِن كَانَت أَزِيد دفع لسَائِر الْوَرَثَة مَا زَاد وَإِن كَانَت أقل دفع لَهُ سَائِر الْوَرَثَة مَا نقص ثمَّ يقسم سَائِر الْوَرَثَة مَا كَانَ فِي التَّرِكَة من عين ويضيفون إِلَى ذَلِك مَا زادهم أَو ينقصُونَ مِنْهُ مَا زادوه (الْفَرْع الثَّانِي) إِذا كَانَ على أحد الْوَرَثَة دين للمتوفى جمع مَعَ سَائِر التَّرِكَة وَقسم الْمَجْمُوع على الْفَرِيضَة فَإِن صَار للمديان من التَّرِكَة مثل دينه أسقطت سَهْمه وَدينه وَقسمت بَاقِي التَّرِكَة على سَائِر الْوَرَثَة وَإِن صَار لَهُ أَكثر من دينه أَخذ الزَّائِد من التَّرِكَة وَقسمت الْبَاقِي على سَائِر الْوَرَثَة وَإِن صَار لَهُ أقل من دينه أسقطت مَا صَار من دينه وَتَبعهُ سَائِر الْوَرَثَة بِالْبَاقِي على محاصتهم فيقسمون المَال الْحَاضِر على سِهَامهمْ دونه (الْفَرْع الثَّالِث) إِذا طَرَأَ دين على التَّرِكَة بعد قسْمَة التَّرِكَة انْفَسَخت الْقِسْمَة وَقَالَ سَحْنُون لَا تَنْفَسِخ وَلَكِن صَاحب الدّين يَأْخُذ من كل وَارِث قدر حِصَّته الْبَاب الثَّامِن فِي المناسخات وَهِي أَن يَمُوت إِنْسَان فَلَا تَنْقَسِم تركته حَتَّى يَمُوت بعض ورثته وَقد يتسلسل ذَلِك فَإِن كَانَ وَرَثَة الْمَيِّت الثَّانِي هم وَرَثَة الأول ويرثون الثَّانِي على نَحْو مَا ورثوا الأول فأقسم التركتين على من بَقِي كستة بَنِينَ وَثَلَاث بَنَات ثمَّ يَمُوت أحد الْبَنِينَ عَن أخوته وأخواته لَا غير ثمَّ مَاتَ ابْن آخر عَن البَاقِينَ ثمَّ بنت ثمَّ بنت أُخْرَى وَبَقِي أَرْبَعَة أخوة وَأُخْت فاقسم الشّركَة على تِسْعَة لكل ذكر اثْنَان وللأنثى وَاحِد وَإِن اخْتلف الوراث أَو حظوظهم فَالْعَمَل فِي ذَلِك أَن تصحح فَرِيضَة الْمَيِّت الأول ثمَّ فَرِيضَة الثَّانِي وتقسم حَظّ الثَّانِي من الْفَرِيضَة الأولى على فريضته فَإِن انقسم صحت الفريضتان من عدد الأولى فِي التَّمَاثُل والتداخل وَأعْطيت كل وَاحِد حَظه من الفريضتين إِن ورث فيهمَا أَو من الْوَاحِدَة إِن ورث فِيهَا خَاصَّة وَإِن لم يَنْقَسِم وَذَلِكَ إِذا كَانَ سَهْمه مُوَافقا للفريضة أَو مباينا فَإِن كَانَ مباينا فَاضْرب فريضته فِي الأولى وتصحان من الْمَجْمُوع وَإِن كَانَ مُوَافقا فَاضْرب وفْق فريضته فِي الأولى وتصحان من الْمَجْمُوع ثمَّ اضْرِب مَا بيد كل وَارِث من الأولى فِي عدد الثَّانِيَة أَو وفقها وَمَا بيد كل وَارِث من الثَّانِيَة فِي نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من الْفَرِيضَة الأولى أَو فِي وَفقه واجمع لمن يَرث فِي الفريضتين حَظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 مِنْهُمَا مِثَال ذَلِك زَوْجَة وشقيقة وَأَخ لأم وَعم ثمَّ مَاتَت الشَّقِيقَة عَن أَخِيهَا للْأُم وَعَن الْعم فالفريضة الأولى من اثنى عشر وحظ المتوفاة الثَّانِيَة مِنْهَا سِتَّة وفريضتها سِتَّة فانقسمت بالتماثل وَصحت الفريضتان من اثنى عشر للزَّوْجَة ثَلَاثَة من الأولى وللأخ للْأُم اثْنَان من الأولى وَوَاحِد من الثَّانِيَة وللعم وَاحِد من الأولى وَخَمْسَة من الثَّانِيَة فَلَو تركت الثَّانِيَة ثَلَاثَة بَنِينَ انقسمت بالتداخل فَلَو تركت خَمْسَة بَنِينَ لم تَنْقَسِم للتباين فَتضْرب الخمية فِي الاثنى عشر بستين وَمِنْهَا تصح الفريضتان ثمَّ تضرب مَا بيد كل وَارِث من الأولى فِي خَمْسَة وَمَا بيد كل وَارِث من الثَّانِيَة فِي سِتَّة وَهِي نصِيبهَا من الأولى فَلَو تركت زوجا وَثَلَاثَة بَنِينَ لم تَنْقَسِم للتوافق فَتضْرب وفْق الْأَرْبَعَة وَهُوَ اثْنَان فِي الاثنى عشر بأَرْبعَة وَعشْرين ثمَّ تضرب مَا بيد كل وَارِث من الأولى فِي اثْنَيْنِ وَمَا بيد كل وَارِث من الثَّانِيَة فِي ثَلَاثَة وَهِي وفْق نصِيبهَا (تَنْبِيه) رُبمَا تتفق السِّهَام فِي المناسخات بِجُزْء وَاحِد فَيَنْبَغِي أَن ترد إِلَيْهِ ليختصر عَددهَا ولتصح من أقل عدد يُمكن الْبَاب التَّاسِع فِي الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وَالصُّلْح وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي فقه الْإِقْرَار مُوجبَات ثُبُوت نسب الْوَارِث أَو مِيرَاثه تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام (الأول) يثبت بِهِ النّسَب وَالْمِيرَاث مَعًا وَهُوَ ثَلَاثَة أَشْيَاء (أَحدهمَا) ذكران عَدْلَانِ سَوَاء كَانَا من الْأَقَارِب وَالْوَرَثَة أَو من غَيرهم (الثَّانِي) استلحاق الرجل ولدا أَو والدا بِشَرْط أَن لَا يكون للمستلحق نسب مَعْرُوف وَأَن يصدقهُ على خلاف فِي هَذَا وَأَن يكون مثله فِي السن يُولد للمستلحق وَأَن لَا يتَبَيَّن كذبه مثل أَن يكون الْمُسْتَلْحق عَرَبيا والمستلحق حَبَشِيًّا وَقيل لَا يقبل قَوْله حَتَّى يثبت أَن أم الْوَلَد كَانَت عِنْد الْوَالِد بِنِكَاح أَو ملك يَمِين وَأَنَّهَا أَتَت بِهِ لمثل مُدَّة الْولادَة وَإِذا أقرّ رجل وبزوجة أَو امْرَأَة بِزَوْج لم يقبل قَوْلهمَا بِغَيْر بَيِّنَة إِلَّا أَن يَكُونَا طارئين على الْبَلَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقبل مُطلقًا (الثَّالِث) الحاق القافه خلافًا لأبي حنيفَة وهم قوم من الْعَرَب لَهُم معرفَة باشتباه الْقَرَابَة فَيَقْضِي بقَوْلهمْ فِي موضِعين ((أَحدهمَا)) اللَّقِيط إِذا ادَّعَاهُ رجلَانِ فَأكْثر ((الثَّانِي)) ولد الْأمة إِذا وَطئهَا رجلَانِ فَأكْثر فِي طهر وَاحِد فَإِن ألحقهُ الْقَافة بأحدهم لحق بِهِ فِي النّسَب وَالْمِيرَاث وَإِن ألحقوه بِاثْنَيْنِ ترك حَتَّى يبلغ وَيُقَال لَهُ وَال من شِئْت مِنْهُمَا وَقَالَ قوم يكون ابْنا لَهما (الثَّانِي) لَا يثبت بِهِ نسب وَلَا مِيرَاث وَهُوَ إِقْرَار موروث غير الْأَب وَالِابْن بوارث لَهُ كأخ وَابْن عَم إِذا كَانَ لَهُ وَارِث آخر بِالْقَرَابَةِ أَو بِالْوَلَاءِ (الثَّالِث) يثبت بِهِ الْمِيرَاث دون النّسَب وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَشْيَاء (أَحدهَا) إِقْرَار موروث غير الْأَب وَالِابْن بوارث وَلَيْسَ لَهُ وَارِث غَيره وَقَالَ سَحْنُون لَا يثبت بِهِ مِيرَاث وَلَا نسب (الثَّانِي) شَاهد عدل وَيَمِين فِي مِيرَاث من لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَارِث لَهُ (الثَّالِث) إِقْرَار وَارِث بوارث آخر مَعَه فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة يُعْطي الْمقر للْمقر بِهِ من مَاله مَا نَقصه الْإِقْرَار وَلَا يثبت نسبه وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يسْتَحق مِيرَاثا وَلَا نسبا إِلَّا إِن كَانَ الْمقر بِهِ محيطا بِالْمَالِ كُله فَيثبت بِهِ الْمِيرَاث وَالنّسب عِنْده (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْعَمَل إِذا اقر وَارِث بوارث حَيْثُ لَا يثبت النّسَب فَإِنَّمَا يَأْخُذ الْمقر بِهِ مَا يُوجب الْإِقْرَار من نقص للْمقر فَإِن لم يُوجب لَهُ نقصا لم يَأْخُذ شَيْئا كَزَوْجَة أقرَّت بِأم وَإِن أقرّ بِمن يَحْجُبهُ أعطَاهُ جَمِيع نصِيبه كَابْن ابْن أقرّ بِابْن وَإِن أقرّ بِمن ينقصهُ أعطَاهُ فضل مَا يحصل لَهُ فِي الْإِنْكَار على مَا يحصل لَهُ فِي الْإِقْرَار وَالْعَمَل فِي ذَلِك أَن تصحح فَرِيضَة الْإِنْكَار ثمَّ فَرِيضَة الْإِقْرَار وَتنظر بَين عدديها حَتَّى يصحا مَعًا مَعًا من عدد وَاحِد فَإِن كَانَتَا مثماثلتين كفت إِحْدَاهمَا وَأعْطيت الْمقر بِهِ فضل مَا بيد الْمقر فِي الْإِنْكَار وَإِن كَانَتَا متداخلتين كفت الْكُبْرَى فقسمتها على الصُّغْرَى ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث من الصُّغْرَى فِي الْخَارِج من الْقِسْمَة وَإِن كَانَتَا متباينتين ضربت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث من هَذِه فِي عدد هَذِه وَمَا بيد كل وَارِث من هَذِه وفْق هَذِه مِثَال زوج وَابْن أقرّ للِابْن ببنت ففريضة الْإِنْكَار من أَرْبَعَة وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار وبيد الْمقر فِي الْإِنْكَار ثَلَاثَة وَفِي الْإِقْرَار اثْنَان فأعط الْمقر بِهِ وَاحِدًا وَهُوَ فضل مَا بيد الْمقر فَإِن أقرّ الابْن بِابْن كَانَتَا متداخلتين الْإِنْكَار من أَرْبَعَة وَالْإِقْرَار من ثَمَانِيَة وبيد الْمقر فِي الْإِنْكَار سِتَّة وَفِي الْإِقْرَار ثَلَاثَة فاعط الْمقر بِهِ ثَلَاثَة فَإِن كَانَ ثَلَاثَة أخوة أقرّ أحدهم بِأَخ رَابِع كَانَتَا متباينتين لِأَن الْإِنْكَار من ثَلَاثَة وَالْإِقْرَار من أَرْبَعَة فَتضْرب إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى باثنى عشر يكون للْمقر على الْإِنْكَار أَرْبَعَة وعَلى الْإِقْرَار ثَلَاثَة فَيَأْخُذ الْمقر بِهِ وَاحِدًا بَيَان يتَصَوَّر فِي هَذَا الْبَاب أَربع صور (الأولى) يتحد الْمقر وَالْمقر بِهِ فَالْعَمَل على مَا تقدم (الثَّانِيَة) أَن يتَّخذ الْمقر بِهِ ويتمدد الْمقر فَيَأْخُذ الْمقر بِهِ من يَد كل مقرّ على مَا نَقصه الْإِقْرَار وَيجمع لَهُ ذَلِك (الثَّالِثَة) أَن يتحد الْمقر ويتعدد الْمقر بِهِ فيقسمون فضل مَا بيد الْمقر على حسب محاصتهم (الرَّابِعَة) أَن يَتَعَدَّد الْمقر وَالْمقر بِهِ فَيَأْخُذ كل مقرّ بِهِ مَا بيد كل من أقرّ ربه (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الصُّلْح الصُّلْح على ثَلَاثَة أضْرب (أَحدهَا) أَن يُصَالح الْوَارِث على أَن يسْقط جَمِيع نصِيبه فَالْعَمَل فِي ذَلِك أَن تفرض الْمَسْأَلَة وَتسقط سَهْمه مِنْهَا وتقسم المَال على الْبَقِيَّة (الثَّانِي) أَن يُصَالح بِأَقَلّ من نصِيبه مثل أَن يُعْطي ثلث حَظه أَو ربعه فَالْعَمَل فِي ذَلِك أَن تَأْخُذ من نصِيبه الْجُزْء الَّذِي صَالح بِهِ وتقسمه على رُؤُوس الْوَرَثَة إِن كَانَ الصُّلْح على الرؤوس أَو على سِهَامهمْ إِن كَانَ الصُّلْح على السِّهَام وَتدْخل الْمصَالح مَعَهم إِن اشْترط ذَلِك وتخرجه إِن لم يَشْتَرِطه وتعطيه بَقِيَّة نصِيبه فَإِن انقسم الْجُزْء فَلَا إِشْكَال وَإِن لم يَنْقَسِم ضربت وفْق الرؤوس أَو السِّهَام فِي الْمُوَافقَة وَكلهَا فِي المباينة فِي أصل الْمَسْأَلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَصحت من الْمَجْمُوع ثمَّ ضربت مَا بيد كل وَارِث فِيمَا ضربت فِيمَا فِيهِ أصل الْمَسْأَلَة ثمَّ ضربت جُزْء الصُّلْح فِيمَا ضربت فِيهِ أصل الْمَسْأَلَة ثمَّ تقسيمه وَتجمع لكل وَارِث مَا صَار لَهُ من الْفَرِيضَة وَمن الصُّلْح الضَّرْب الثَّالِث أَن يُصَالح بِأَكْثَرَ من نصِيبه فَالْعَمَل فِي ذَلِك أَن تقسم الْجُزْء الَّذِي صَالح بِهِ من مقَامه ثمَّ تسْقط الْجُزْء من الْمقَام وتقسم بَقِيَّة الْمقَام على المحاصة وَهِي سِهَام سَائِر الْوَرَثَة غير الْمصَالح فَإِن انقسمت فَلَا إِشْكَال وَإِن لم تَنْقَسِم فَاضْرب المحاصة أَو وفقها فِي الْمقَام وَمن الْمَجْمُوع تصح ثمَّ أعظ الْمصَالح مَا صَالح عَلَيْهِ واقسم الْبَاقِي على سَائِر الْوَرَثَة مِثَال ذَلِك من ترك أما وابنين وبنتا فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة لأحد الِابْنَيْنِ اثْنَان فَإِن صَالح على إِسْقَاط حَظه بقيت أَرْبَعَة فتقسم المَال عَلَيْهَا وَإِن صَالح على نصف حَظه وَهُوَ وَاحِد فاقسمه على الْأَرْبَعَة إِن كَانَت الْقِسْمَة على السِّهَام وعَلى الثَّلَاثَة إِن كَانَت على الرؤوس وَإِن دخل الْمصَالح مَعَهم بِرَأْسِهِ فاقسمها على أَرْبَعَة واعمل فِي الْقِسْمَة على مَا تقدم وَإِن صَالح على أَن يكون لَهُ ثَلَاثَة أخمال التَّرِكَة فأقم مقَامهَا وَهُوَ خَمْسَة وَأسْقط مِنْهَا ثَلَاثَة واقسم الْبَاقِي وَهُوَ اثْنَان على سَائِر الْوَرَثَة حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ الْبَاب الْعَاشِر فِي الْوَصَايَا وَفِيه فصلان أَحدهمَا فِي الْفِقْه وَالْآخر فِي الْعَمَل (الْفَصْل الأول) أَرْكَان الْوَصِيَّة ثَلَاثَة (الأول) الْمُوصي وَهُوَ كل مَالك حر مُمَيّز فَلَا تصح من العَبْد وَلَا الْمَجْنُون إِلَّا حَال إِفَاقَته وَلَا من الصَّبِي غير الْمُمَيز وَتَصِح من الصَّبِي الْمُمَيز إِذا عقل الْقرْبَة خلافًا لأبي حنيفَة وَمن السَّفِيه وَمن الْكَافِر إِلَّا أَن يُوصي بِخَمْر أَو خِنْزِير لمُسلم (الرُّكْن الثَّانِي) الْمُوصى لَهُ وَهُوَ كل من يتَصَوَّر لَهُ الْملك من كَبِير أَو صَغِير حر أَو عبد سَوَاء كَانَ مَوْجُودا أَو منتظر الْوُجُود كالحمل إِلَّا الْوَارِث فَلَا تجوز لَهُ اتِّفَاقًا فَإِن أجازها سَائِر الْوَرَثَة جَازَت عِنْد الْأَرْبَعَة خلافًا للظاهرية وَإِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة وَيشْتَرط قبُول الْمُوصى لَهُ إِذا كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّة للقبول كَالْهِبَةِ خلافًا للشَّافِعِيّ فرع من أوصى لمَيت وَهُوَ يَظُنّهُ حَيا بطلت الْوَصِيَّة اتِّفَاقًا فَإِن أوصى لَهُ بعد علمه بِمَوْتِهِ صحت وَكَانَت لوَرَثَة الْمُوصى لَهُ خلافًا لَهما (الرُّكْن الثَّانِي) الْمُوصى بِهِ وَهُوَ خَمْسَة أَقسَام الأول يجب على الْوَرَثَة تنفيذه وَهُوَ الْوَصِيَّة بقربة وَاجِبَة كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَات أَو مَنْدُوب كالصدقة وَالْعِتْق وأفضلها الْوَصِيَّة للأقارب وَالثَّانِي اخْتلف هَل يجب تنفيذه أم لَا وَهُوَ الْوَصِيَّة بِمَا لَا قربَة فِيهِ كَالْوَصِيَّةِ بِبيع شَيْء أَو شِرَائِهِ الثَّالِث إِن شَاءَ الْوَرَثَة أنفذوه أَو ردُّوهُ وَهُوَ نَوْعَانِ الْوَصِيَّة لوَارث وَالْوَصِيَّة بِأَكْثَرَ من الثُّلُث الرَّابِع لَا يجوز تنفيذه وَهُوَ الْوَصِيَّة بِمَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يجوز كالنياحة وَغَيرهَا الْخَامِس يكره تنفيذه وَهُوَ الْوَصِيَّة بمكروه فروع عشرَة (الأول) للْمُوصي أَن يرجع عَن وَصيته فِي صِحَّته ومرضه إِلَّا عَن التَّدْبِير (الثَّانِي) إِذا أجَاز الْوَرَثَة الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ لوَارث أَو بِأَكْثَرَ من الثُّلُث بعد موت الْمُوصي لَزِمَهُم فَإِن أجازوها فِي صِحَّته لم تلزمهم فَإِن أجازوها فِي مَرضه لَزِمت من لم يكن فِي عِيَاله دون من كَانَ تَحت نَفَقَته (الثَّالِث) إِن أوصى لغير وَارِث ثمَّ صَار وَارِثا بِأَمْر حَادث بطلت الْوَصِيَّة (الرَّابِع) إِذا ضَاقَ الثُّلُث عَن الْوَصَايَا تحاص أهل الْوَصَايَا فِي الثُّلُث ثمَّ إِن كَانَت وَصيته فِي شَيْء معِين كدار أَو عبد أَو ثوب أَخذ حِصَّته من ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه وَمن كَانَت وَصيته فِي غير معِين أَخذ حِصَّته من سَائِر الثُّلُث (الْخَامِس) إِذا أوصى لوَارث وأجنبي فَإِن كَانَ مَجْمُوع الوصيتين أقل من الثُّلُث أَخذ الْأَجْنَبِيّ وَصيته كَامِلَة وَردت الْوَصِيَّة للْوَارِث وَإِن كَانَ أَكثر من الثُّلُث أَخذ الْأَجْنَبِيّ مَنَابه من الثُّلُث (السَّادِس) إِذا أوصى بِجُزْء أَو سهم من مَاله فتقام فريضته وَيُعْطى الْمُوصى لَهُ سَهْما وَاحِدًا فَإِن أوصى بِشَيْء وَلم يَجْعَل لَهُ غَايَة كَقَوْلِه أعْطوا للْمَسَاكِين كَذَا فِي كل شهر أخرج ذَلِك من الثُّلُث (السَّابِع) إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد أَوْلَاده فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فللموصى لَهُ الثُّلُث وَإِن كَانُوا أَرْبَعَة فَلهُ الرّبع (الثَّامِن) إِذا أوصى بِشَيْء معِين فَتلف بطلت الْوَصِيَّة (التَّاسِع) من أوصى وَله مَال يعلم بِهِ وَمَال لَا يعلم بِهِ فَالْوَصِيَّة فِيمَا علم بِهِ دون مَا لم يعلم بِهِ خلافًا لَهما إِلَّا الْمُدبر فِي الصِّحَّة فَهُوَ فِيمَا علم وَفِيمَا لم يعلم (الْعَاشِر) من أوصى بِشَيْء معِين لإِنْسَان ثمَّ أوصى بِهِ لآخر قسم بَينهمَا وَقيل يكون للْأولِ وَقيل للثَّانِي لِأَنَّهُ نسخ فَإِن أوصى لشخص وَاحِد بوصيتين وَاحِدَة بعد أُخْرَى فَإِن كَانَتَا من جنس وَاحِد كالدنانير فَلهُ الْأَكْثَر مِنْهُمَا وَإِن كَانَتَا من جِنْسَيْنِ فَلهُ الوصيتان مَعًا (الْفَصْل الثَّانِي) إِذا أوصى بِجُزْء مَعْلُوم كالثلث أَو الرّبع أَو الْعشْر أَو جُزْء من أحد عشر أَو غير ذَلِك فَفِي الْعَمَل وَجْهَان أَحدهمَا أَن تصحح الْفَرِيضَة ثمَّ تزيد عَلَيْهِمَا من الْعدَد مَا قبل الْجُزْء الْمُوصى بِهِ فَإِن أوصى بِثلث زِدْت نصف الْفَرِيضَة وَإِن أوصى بِربع زِدْت ثلثهَا وَإِن أوصى بِعشر زِدْت تسعها وَالثَّانِي أَن تنظر مقَام الْجُزْء الْمُوصى بِهِ فتعطي للْمُوصى لَهُ وَصيته مِنْهُ وتقسم الْبَاقِي على فَرِيضَة الْوَرَثَة فَإِن انقسم صحت الْفَرِيضَة وَالْوَصِيَّة من الْمقَام وَذَلِكَ فِي الْمُمَاثلَة والمداخلة وَإِن لم تَنْقَسِم ضربت بالمباينة عدد الْفَرِيضَة فِي مقَام الْوَصِيَّة وصحتا من الْمَجْمُوع وَضربت فِي الْمُوَافقَة رَاجع أَحدهمَا فِي كل الآخر وصحتا من الْمَجْمُوع مِثَال ذَلِك تركت زوجا وَثَلَاثَة بَنِينَ وأوصت بالخمس فالفريضة من أَرْبَعَة فعلى الْوَجْه الأول تزيد عَلَيْهَا وَاحِدًا وَهُوَ ربعهَا فتصحان من خَمْسَة وعَلى الْوَجْه الثَّانِي تَأْخُذ مقَام الْخمس وَهُوَ خَمْسَة فتعطي الْمُوصى لَهُ وَاحِدًا وتقسم الْأَرْبَعَة على الْفَرِيضَة فَتبقى كَمَا كَانَت للتماثل فَلَو أوصت بِالثُّلثِ فعلى الْوَجْه الأول يزِيد عَلَيْهَا نصف الْفَرِيضَة وَهُوَ اثْنَان وتصحان من سِتَّة وعَلى الثَّانِي تنظر مقَام الثُّلُث وَهُوَ ثَلَاثَة فتعطي الْمُوصى لَهُ وَاحِدًا وَيبقى اثْنَان لَا تَنْقَسِم على الْفَرِيضَة وتوافقها بِالنِّصْفِ فَتضْرب اثْنَيْنِ وَهُوَ رَاجع الْفَرِيضَة فِي مقَام الثُّلُث وَهُوَ ثَلَاثَة بِسِتَّة وَمِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تصحان وَلَوْلَا الْمُوَافقَة لضَرَبْت الْفَرِيضَة كلهَا فِي مقَام الثُّلُث باثنى عشر تَكْمِيل إِذا تعدّدت أَجزَاء الْوَصِيَّة أخذت مقَام كل مِنْهَا فضربته فِي مقَام الآخر إِن تباينا أَو فِي وَفقه إِن توافقا وَيكون الْمَجْمُوع مقَاما لجميعها مثل مَا لَو أوصى بِثلث وَربع ضربت ثَلَاثَة فِي أَرْبَعَة باثنى عشر أَو بِخمْس وَسدس ضربت خَمْسَة فِي سِتَّة بِثَلَاثِينَ أَو بسدس وَربع ضربت ثَلَاثَة وَهِي وفْق مقَام السُّدس فِي تِسْعَة وَهُوَ مقَام التسع بِثمَانِيَة عشر فَكَذَلِك مقَام الْوَصَايَا ثمَّ يتَصَوَّر فِي ذَلِك خمس صور (الأول) إِن جَازَ جَمِيع الْوَرَثَة جَمِيع الْوَصَايَا عملت على مَا تقدم وَذَلِكَ أَن تقيمها من مقَام وَاحِد ثمَّ تُعْطِي الْمُوصى لَهُم جَمِيع الْوَصَايَا وتقسم بَقِيَّة الْمقَام على الْفَرِيضَة (الثَّانِيَة) إِن منع جَمِيعهم جَمِيعهَا لَزِمَهُم الثُّلُث فَإِن كَانَ لوَاحِد أَخذه وَإِن كَانَ لأكْثر من وَاحِد قسم بَينهم على المحاصة (الثَّالِثَة) إِن أجَاز جَمِيعهم بَعْضهَا وردوا بَعْضهَا فَلِمَنْ أَجَازُوا لَهُ وَصيته كَامِلَة وَلمن يجيزوا لَهُ نصِيبه من الحصاص فِي الثُّلُث لَو أَنهم لم يجيزوا وَلَا يمنعونه من ذَلِك (الرَّابِعَة) إِن أجَاز بَعضهم جَمِيعًا ورد بَعضهم جَمِيعًا لزم من إجَازَة مَا ينوبه من جَمِيعهَا وَلزِمَ من لم يجز مَنَابه من الثُّلُث (الْخَامِسَة) إِن أجَاز بَعضهم لبَعض وَبَعْضهمْ لآخرين لزم كل وَارِث لمن أجَاز لَهُ كَمَال وَصيته وَلمن لم يجز لَهُ مَا ينوبه من الحصاص فِي الثُّلُث والقانون فِي عمل ذَلِك كُله على مَا تقدم من قيمَة الْمقَام وَالنَّظَر إِلَى التَّمَاثُل والتداخل والتباين والتوافق ثمَّ أَنه تخْتَص صُورَة مِنْهَا وَجها من الْعَمَل تَرَكْنَاهُ مَخَافَة التَّطْوِيل (تَنْبِيه) بعض النَّاس يذكر أَحْكَام الْمُدبر فِي كتاب الْفَرَائِض وَقد قدمنَا حكمه فِي بَابه من كتاب الْعتْق فأغنى ذَلِك عَن إِعَادَته هُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 = كتاب الْجَامِع وَهُوَ الضَّابِط لما شَذَّ عَن الْكتب الْمُتَقَدّمَة وَهُوَ يشْتَمل على علم وَعمل = ثمَّ إِن الْعَمَل مِنْهُ مَا يتَعَلَّق بالألسنة وَهِي الْأَقْوَال وَمَا يتَعَلَّق بالأبدان وبالقلوب وبالأموال وَفِي كل قسم مأمورات ومنهيات وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي خَاصَّة الْإِنْسَان وَفِيمَا بَينه وَبَين النَّاس وَفِي هَذَا الْكتاب عشرُون بَابا الْبَاب الأول فِي سيرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَارك وترحم وَشرف وكرم ذكر نسبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم (مُحَمَّد) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هِشَام بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان إِلَى هُنَا انْتهى النّسَب الَّذِي أجمع النَّاس عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا على أَن عدنان من ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل النَّبِي بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام وَاخْتلفُوا فِي عدد الْآبَاء الَّذِي بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل تَكْمِيل الْعَرَب كلهم رَاجِعُون إِلَى أصلين أَحدهمَا قحطان وهم أصل الْيمن وَالْآخر عدنان وهم قُرَيْش وَسَائِر الْعَرَب وَإِنَّمَا يُقَال قُرَيْش لمن كَانَ من ذُرِّيَّة النَّضر بن كنَانَة دون غَيرهم وَكَانَت قُرَيْش مُتَفَرِّقَة فِي الْبلدَانِ فيجمعهم بِمَكَّة قصي وَلذَلِك قيل لَهُ مجمع وَهُوَ كَانَ سيدهم المطاع وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلَاد عبد منَاف وَعبد الْعزي وعبد الدار وعدي وَكَانَ لعبد منَاف أَرْبَعَة أَوْلَاد هَاشم وَالْمطلب وَعبد شمس وَنَوْفَل وَكَانَ لهاشم أَرْبَعَة أَوْلَاد عبد المطلب وَأسد وَأَبُو نَضْلَة وَصَيْفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وانقرض نَسْله إِلَّا من عبد المطلب وَكَانَ لعبد الْمطلب عشرَة أَوْلَاد ذُكُور عبد الله وَالِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمومته التِّسْعَة وَأدْركَ الْإِسْلَام مِنْهُم أَرْبَعَة حَمْزَة وَالْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَبُو طَالب وَأَبُو لَهب وَمَات قبل الْبعْثَة خَمْسَة الْحَارِث وَالزُّبَيْر وحجل وَضِرَار والمقدم وَكَانَت لَهُ سِتّ بَنَات أُمَيْمَة وَأم حَكِيم وَهِي الْبَيْضَاء وبرة وعاتكة وَصفِيَّة وأروى وَهن عماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمه الَّتِي وَلدته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب ذكر مولده ومنشئه ومبعثه وهجرته ووفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَكَّة لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول وَقيل لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة مِنْهُ عَام الْفِيل وَظَهَرت عِنْد مولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عجائب خرج مَعَه نور وَارْتجَّ إيوَان كسْرَى وخمدت نَار فَارس وَكَانَت لم تخمد مُنْذُ ألف عَام وأرضعته حليمة بنت أبي ذُؤَيْب السعدية من بني سعد بن بكر وَعِنْدهَا كَانَ حِين شقّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بَطْنه وَغسل قلبه وَمَات أَبوهُ وَهُوَ فِي بطن أمه وَقيل بعد وِلَادَته وَمَاتَتْ أمه وَهُوَ ابْن خمس سِنِين وكفله جده عبد المطلب ثمَّ مَاتَ وَخَلفه وَهُوَ ابْن ثَمَانِيَة أَعْوَام فكقله عَمه أَبُو طَالب شَقِيق أَبِيه وَكَانَ شفيقا عَلَيْهِ وناصرا لَهُ وَخرج بِهِ فِي صغره إِلَى الشَّام فَعرفهُ بحيرا الراهب بِصِفَات النبوءة فَأَشَارَ على عَمه أَن يرجع بِهِ خوفًا من الْيَهُود وَكَانَ يُسمى فِي قُرَيْش الْأمين وَبَعثه الله وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَقيل ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأول مَا جَاءَهُ جِبْرِيل وَهُوَ يتعبد بِغَار حراء فَأنْزل الله عَلَيْهِ سُورَة ((اقْرَأ باسم رَبك)) وآمن بِهِ قوم من قُرَيْش وَكفر أكقرهم وَكَانَ الْكفَّار يفتنون الْمُؤمنِينَ ويعذبون من قدرُوا على تعذيبه حَتَّى خرج جمَاعَة من الْمُؤمنِينَ إِلَى أَرض النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة فَأسلم وَأكْرمهمْ وَلما مَاتَ أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَوْتِهِ وَصلى عَلَيْهِ وكتبت قُرَيْش صحيفَة بَينهم وَبَين بني هَاشم وَبَين الْمطلب بِأَن لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وحصروهم فِي الشّعب وَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الأرضة قد أكلت الصَّحِيفَة فوجدوها كَذَلِك فنقضوا أمرهَا وأسري برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِلَى السَّمَاوَات السَّبع وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب ويدعوهم إِلَى الله فَاسْتَجَاب لَهُ الْأَوْس والخزرج هم الْأَنْصَار على أَن يحملوه إِلَى بِلَادهمْ وينصروه فَأَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة بعد الْبَعْث عشر سِنِين وَقيل ثَلَاث عشرَة سنة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فوصلها يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول وَهُوَ أول عَام من تَارِيخ الْمُسلمين وَهَاجَر إِلَيْهِ أَصْحَابه وَاجْتمعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وأعز الله الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 فَبَقيَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة عشر سِنِين حَتَّى بلغ رِسَالَة ربه وأكمل الله دينه فَقَبضهُ الله إِلَيْهِ بعد أَن خَيره بَين الْمَوْت والعيش فَاخْتَارَ لِقَاء الله فَمَرض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَي عشر يَوْمًا وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول عَام أحد عشر وَدفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَقيل يَوْم الثُّلَاثَاء بِبَيْت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَقيل ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ ذكر خلقه وخلقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أما خلقه فَكَانَ أحسن النَّاس وَجها أَزْهَر اللَّوْن مشبوها بحمرة رجل الشّعْر حسن الجمة أكحل الشّعْر لَيْسَ بالجعد القطط وَلَا بالسبط ربعَة وَلَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير أقنى الْأنف أدعج الْعَينَيْنِ حسن الثغر وَاسع الْفَم حسن الْعُنُق ضخم الْيَدَيْنِ وَاضح الصَّدْر كث اللِّحْيَة واسعها بَين كَتفيهِ خَاتم النبوءة وَأما خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجمع أكْرم الشَّمَائِل وَأعظم الْفَضَائِل فَمِنْهَا شرف النّسَب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحسن الصُّورَة وَقُوَّة الْحَواس ووفور الْعقل ودقة الْفَهم وَكَثْرَة الْعلم وفصاحة اللِّسَان والنطق بالحكمة وَكَثْرَة الْعِبَادَة والزهد وَالصَّبْر وَالشُّكْر والعفة وَالْعدْل وَالْحيَاء وَالْأَمَانَة والمروءة وَالْعَفو وَالِاحْتِمَال والشفقة وَالرَّحْمَة وَالْكَرم والشجاعة وَالْوَقار والصمت والمودة والتواضع والاقتصاد والحلم وَطيب النَّفس وسماحة الْوَجْه وَحسن المعاشرة وَصدق اللِّسَان وَالْوَفَاء بالعهود وَبِذَلِك المجهود فِي رضى المعبود والتزام آدَاب الْعُبُودِيَّة وَالْقِيَام بِحُقُوق الربوبية وَاحْتِمَال المشقات فِي جنب الله تَعَالَى وارتكاب الْأَهْوَال الْعِظَام فِي دُعَاء الْخلق إِلَى الله تَعَالَى ة وَشدَّة الْخَوْف مِنْهُ والرجاء فِيهِ والمراقبة لَهُ والتوكل عَلَيْهِ والانقطاع بِالْكُلِّيَّةِ إِلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تكل عَنهُ الأقلام وتعجز دونه الأفهام ذكر بعض معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمِنْهَا الْقُرْآن الْعَظِيم وَانْشَقَّ لَهُ الْقَمَر ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه وفجر المَاء فِي عين تَبُوك وبئر الْحُدَيْبِيَة وَأَشْبع الْجمع الْكثير من الطَّعَام الْقَلِيل مرَارًا وحن إِلَيْهِ الْجذع وانقاد إِلَيْهِ الشّجر وَسلم عَلَيْهِ الْحجر وَمسح ضرع شَاة حَائِل فَدرت وصقط عين بعض أَصْحَابه فَردهَا فَكَانَت أحسن عَيْنِيَّة وتفل فِي عين عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر وَهُوَ أرمد فبرىء من حِينه وَأخْبر بِكَثِير من الغيوب فَوَقَعت على حسب مَا قَالَ وَهَذَا الْبَاب وَاسع جدا وَظَهَرت إِجَابَة دُعَائِهِ فِي أُمُور لَا تحصى وَإِنَّمَا ذكرنَا من معجزاته مَا نقل بالتواتر الَّذِي لَا شكّ فِيهِ ومعجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف معْجزَة ظَاهِرَة وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ذكر أَزوَاج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا تزوج خديجية بنت خويلد بن أَسد بن عبد العزى وَهُوَ ابْن خَمْسَة وَعشْرين سنة وَبعث وَهِي مَعَه فسارعت إِلَى تَصْدِيقه وَلم يتَزَوَّج عَلَيْهَا غَيرهَا حَتَّى مَاتَت بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَتزَوج بعْدهَا عشر نسْوَة وَدخل بِهن أولهنَّ سَوْدَة بنت زَمعَة القرشية من بني عَامر ثمَّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا تزَوجهَا بِمَكَّة وَهِي بنت سِتّ سِنِين وَبنى بهَا فِي الْمَدِينَة وَهِي بنت تسع سِنِين وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة القرشية من بني مَخْزُوم وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب القرشية من بني أُميَّة وَزَيْنَب بنت جحش وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث بن أبي ضرار من بني المصطلق من خُزَاعَة وَصفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب من بني إِسْرَائِيل ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث بن خزرالهلالية فَمَاتَتْ قبله زَيْنَب قبله زَيْنَب بنت خُزَيْمَة وَمَاتَتْ التِّسْعَة بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتزَوج نسْوَة أُخْرَى طلقهن وَاخْتلف فِي أسمائهن وعددهن ذكر أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدت لَهُ خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا الْقَاسِم الَّذِي كَانَ يكنى بِهِ وَالطّيب والطاهر وَقيل اسْم أَحدهمَا عبد الله وَزَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَولدت مَارِيَة سرتيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِبْرَاهِيم وَلم يُولد لَهُ من غَيرهمَا فَأَما الذُّكُور فماتوا صغَارًا وَأما الْإِنَاث فتزوجن كُلهنَّ تزوج زَيْنَب أَبُو العَاصِي بن الرّبيع من بني عبد شمس وَتزَوج أم كُلْثُوم ورقية عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَتزَوج فَاطِمَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا فَولدت لَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسنا وَأم كُلْثُوم وَمَاتَتْ بَنَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته إِلَّا فَاطِمَة مَاتَت بعده بِسِتَّة أشهر ذكر غَزَوَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحجه وعمرته غزا بِنَفسِهِ سبعا وَعشْرين غَزْوَة (أَولهَا) غَزْوَة ودان وَهِي الْأَبْوَاء ثمَّ غَزْوَة بواط ثمَّ غَزْوَة العشرية ثمَّ غَزْوَة بدر الأولى ثمَّ غَزْوَة بدر الثَّانِيَة وَهِي يَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فنصر الله الْإِسْلَام وَقتل من الْمُشْركين سَبْعُونَ وَأسر سَبْعُونَ وَأهْلك الله فِيهَا صَنَادِيد الْكفَّار ثمَّ غَزْوَة السويق ثمَّ غَزْوَة غطفان وَهِي غَزْوَة ذِي أَمر ثمَّ غَزْوَة نَجْرَان ثمَّ غَزْوَة بني قينقاع ثمَّ غَزْوَة أحد اسْتشْهد فِيهَا حَمْزَة وَجَمَاعَة من الْمُسلمين ثمَّ غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد ثمَّ غَزْوَة بني النَّضِير وهم يهود فَفتح حصنهمْ وأجلاهم ثمَّ غَزْوَة ذَات الرّقاع ثمَّ غَزْوَة بدر الثَّالِثَة ثمَّ غَزْوَة دومة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الجندل ثمَّ غَزْوَة الخَنْدَق ثمَّ غَزْوَة بني قُرَيْظَة وهم يهود فَفتح حصنهمْ وَقتل رِجَالهمْ وسبى نِسَاءَهُمْ وذريتهم ثمَّ غَزْوَة بني لحيان ثمَّ غَزْوَة ذِي قرد ثمَّ غَزْوَة بني المصطلق ثمَّ غَزْوَة الحديبة ثمَّ غَزْوَة خَيْبَر فتحهَا وَأقر الْيَهُود فِيهَا يعْملُونَ نخلها مُسَاقَاة ثمَّ غَزْوَة الْفَتْح فتح مَكَّة وَاخْتلف هَل دَخلهَا عنْوَة أَو صلحا وَأسلم يَوْمئِذٍ كَافَّة أَهلهَا ثمَّ غَزْوَة حنين وفيهَا رمى الْكفَّار بقبضة من التُّرَاب فَانْهَزَمُوا وغنم الْمُسلمُونَ نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ ثمَّ غَزْوَة الطَّائِف حضرها أَيَّامًا ثمَّ رَحل عَنْهَا وَأسلم أَهلهَا بعد ذَلِك ثمَّ غَزْوَة تَبُوك إِلَى أَرض الرّوم وَهِي آخر غَزَوَاته وَبعث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه إِلَى الْغَزْو ثمانيا وَثَلَاثِينَ مرّة فِي سَرَايَا يُؤمر عَلَيْهِم وَاحِدًا مِنْهُم وَحج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع بعد الْهِجْرَة عَام عشرَة وَاعْتمر عمرتين عمْرَة الْقَضِيَّة سنة سبع وَعمرَة من الْجِعِرَّانَة سنة ثَمَان الْبَاب الثَّانِي ذكر خلفاء الصَّدْر الأول إِلَى آخر دولة بني أُميَّة بالمشرق (أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ) واسْمه عبد الله وَقيل عَتيق بن أبي قُحَافَة الْقرشِي من بني تيم رَضِي الله عَنهُ أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار بُويِعَ يَوْم مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمي خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت خِلَافَته عَاميْنِ وَثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام (عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْقرشِي) من بني عدي سمي بالفاروق وَعز الله بِهِ الْإِسْلَام وَنزل بتصديقه الْقُرْآن وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بكر الصّديق وزيرين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته وضجيعين لَهُ فِي مماته عهد إِلَيْهِ أَبُو بكر بالخلافة وَهُوَ أول من دعِي بأمير الْمُؤمنِينَ وَكَثُرت الفتوحات فِي مدَّته وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَنصف شهر وَقَتله أَبُو لؤلؤة العلج النَّصْرَانِي وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْمِحْرَاب (عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ الْقرشِي) من بني أُميَّة سمي ذَا النورين لتزوجه بِنْتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجمع الْقُرْآن فِي الْمَصَاحِف وجهز جَيش الْعسرَة ولي الْخلَافَة بعد عمر بِإِجْمَاع أهل الشورى وَجَمَاعَة الْمُسلمين وَقَتله الْعَامَّة ظلما وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعده بِالْجنَّةِ على ذَلِك وَكَانَت خِلَافَته اثْنَي عشر عَاما غير عشرَة أَيَّام (عَليّ بن أبي طَالب الْقرشِي) من بني هَاشم رَضِي الله عَنهُ صهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسيبه وَأَخُوهُ وَابْن عَمه وَأسد الحروب وبحر الْعُلُوم وَمُطلق الدُّنْيَا بُويِعَ يَوْم قتل عُثْمَان فانتقل إِلَى سُكْنى الكوفى وَكَانَ الْخُلَفَاء قبله بِالْمَدِينَةِ وَقَتله عبد الرحمن بن ملجم الْخَارِجِي الشقي ظلما وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام (الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ) سبط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وريحانته من الدُّنْيَا بُويِعَ يَوْم ممات أَبِيه فَبَقيَ سِتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 أشهر ثمَّ سلم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة تورعا وإشفاقا من سفك الدِّمَاء وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين (مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْقرشِي) من بني أُميَّة كَانَ أَبوهُ سيد قُرَيْش وَأسلم هُوَ وَأَبوهُ يَوْم الْفَتْح وَكَانَ كَاتبا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاه عمر الشَّام فَبَقيَ عَلَيْهَا إِلَى أَن قتل عُثْمَان ثمَّ بَايعه الْحسن فِي ربيع الأول عَام وَاحِد وَأَرْبَعين وَسمي عَام الْجَمَاعَة استوطن دمشق هُوَ وَسَائِر خلفاء بني أُميَّة (يزِيد بن مُعَاوِيَة) هُوَ أول من عهد إِلَيْهِ أَبوهُ بالخلافة وَفِي أَيَّامه قتل الْحُسَيْن ابْن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَت وقْعَة الْحرَّة بِالْمَدِينَةِ (مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة) ولي بعد أَبِيه فَبَقيَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ ترك الْأَمر تورعا وَمَات بأثر ذَلِك (عبد الله ابْن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي) من بني أَسد أمه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وجدته صَفِيَّة بنت عبد المطلب وَهُوَ أول مَوْلُود فِي الْإِسْلَام قَامَ بِمَكَّة أول مُدَّة يزِيد فَملك الْحجاز وَالْعراق وَغَيرهمَا إِلَى أَن حاصره الْحجَّاج وَقَتله بِمَكَّة أول مُدَّة يزِيد فَملك الْحجاز وَالْعراق وَغَيرهمَا إِلَى أَن حاصره الْحجَّاج وَقَتله وصلبه (مَرْوَان بن الحكم الْقرشِي) من بني أُميَّة ولد فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ بعد مُعَاوِيَة بن يزِيد (عبد الملك بن مَرْوَان) تمهدت لَهُ الدُّنْيَا وَقتل كل من نازعه وَملك بِلَاد الْإِسْلَام شرقا وغربا وأورث الخفاء أهل بَيته وهم (الْوَلِيد بن عبد الملك) ثمَّ (سُلَيْمَان بن عبد الملك) ثمَّ (عمر بن عبد العزيز بن مَرْوَان الإِمَام الْعَادِل ذُو الْفَضَائِل الْمَشْهُورَة) ثمَّ (يزِيد بن عبد الملك) ثمَّ (هِشَام ابْن عبد الملك) ثمَّ (الْوَلِيد بن يزِيد) ثمَّ (يزِيد بن الْوَلِيد) ثمَّ (إِبْرَاهِيم ابْن الْوَلِيد) ثمَّ (مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان) وَهُوَ آخِرهم قتل فِي ربيع عَام اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فجملة دولة بني أُميَّة تسعون سنة وَأحد عشر شهرا وَسَبْعَة عشر يَوْمًا ذكر خلفاء بني الْعَبَّاس قَامُوا بخرسان واستوطنوا بَغْدَاد وملكوا بِلَاد الْإِسْلَام شرقا وغربا إِلَّا الأندلس وأفريقة ومصر فِي دولة بني عبيد الله وَأول من ولي مِنْهُم (أَبُو الْعَبَّاس السفاح) واسْمه عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بن عبد المطلب بُويِعَ بعد قتل مَرْوَان بن مُحَمَّد وَقتل كثيرا من بني أُميَّة ثمَّ أَخُوهُ (أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور) ثمَّ (مُحَمَّد الْمهْدي بن الْمَنْصُور) ثمَّ (مُوسَى الْهَادِي بن الْمهْدي) ثمَّ (هَارُون الرشيد بن الْمهْدي) ثمَّ (مُحَمَّد الْأمين بن الرشي) وَهُوَ المخلوع ثمَّ (عبد الله الْمَأْمُون بن الرشيد) وَكَانَ عَالما فَاضلا ثمَّ (أَبُو اسحق المعتصم ابْن الرشيد) ثمَّ (الواثق بن المعتصم) ثمَّ (المتَوَكل بن المعتصم) ثمَّ (الْمُنْتَصر بن المتَوَكل) ثمَّ (المستعين) ثمَّ (المهي) وَكَانَ صَالحا عادلا ثمَّ (المعتضد) ثمَّ (المكتفي) ثمَّ (المقتدر) ثمَّ (القاهر) ثمَّ (الراضي) ثمَّ المتقي) ثمَّ (المستكفي) ثمَّ (الْمُطِيع) ثمَّ (الطائع) ثمَّ (الْقَادِر) ثمَّ (الْقَائِم) ثمَّ (الْمُقْتَدِي) ثمَّ (المستظهر) ثمَّ (المسترشد) ثمَّ (الراشد) ثمَّ (المتقفي) ثمَّ (المستنجد) ثمَّ (المستضيء) ثمَّ (النَّاصِر) ثمَّ (الطَّاهِر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ثمَّ (الْمُسْتَنْصر) ثمَّ (المعتصم) وَهُوَ آخِرهم قتل بِبَغْدَاد عَام سِتَّة وَخمسين وسِتمِائَة فعدد خلفائهم سَبْعَة وَثَلَاثُونَ ومدتهم خَمْسمِائَة وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سنة) ذكر فتح الأندلس وَذكر من ملكهَا افتتحت عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين أرسل إِلَيْهَا مُوسَى بن نصير عَامل أفريقية فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الملك مَوْلَاهُ طَارِقًا فَفَتحهَا وَوجد فِيهَا مائدة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيرهَا من الذَّخَائِر ووليها جمَاعَة من الْوُلَاة إِلَى أَن انقرضت دولة بني أُميَّة بالمشرق فَخرج رجل مِنْهُم فَارًّا بِنَفسِهِ وَهُوَ عبد الرحمن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الملك بن مَرْوَان فَدخل الأندلس وملكها عَام ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَلذَلِك سمي بالداخل واستوطن قرطبة وَأقَام بهَا ملكا ثمَّ ملكهَا بعد ابْنه ((هِشَام بن عبد الرحمن)) ((الحكم بن هِشَام)) ثمَّ ((عبد الرحمن بن الحكم)) ثمَّ ((مُحَمَّد بن عبد الرحمن)) ثمَّ ((الْمُنْذر بن مُحَمَّد)) ثمَّ ((عبد الله بن مُحَمَّد)) ثمَّ ((عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عبد الله)) وَهُوَ النَّاصِر وَهُوَ أول من دعِي بالأندلس بأمير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ جَيْشه مائَة ألف وَكَانَ يعطيهم ثلث جبايته ويختزن ثلثهَا ويتصرف فِي ثلثهَا وَكَانَت خِلَافَته خمسين سنة ثمَّ ((الحكم الْمُسْتَنْصر بن النَّاصِر)) وَكَانَ محبا فِي الْعلمَاء وَالْعلم واقتنى من الْكتب مَا لم يجمعه أحد قطّ ثمَّ ((هِشَام الْمُؤَيد بن الحكم)) بُويِعَ وَهُوَ صَغِير فاستولى على الْأَمر حَاجِبه الْمَنْصُور مُحَمَّد بن أبي عَامر وَضعف أَمر بني أُميَّة إِلَى أَن انقرضت دولتهم فِي محرم عَام سَبْعَة وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَت دولتهم بالأندلس مِائَتي سنة وَتِسْعَة وَسِتِّينَ سنة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ الشرفاء بَنو حمود وهم ((عَليّ)) ثمَّ ((الْقَاسِم)) ثمَّ ((يحيى)) وَكَانَت دولتهم سَبْعَة أَعْوَام وَسَبْعَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام ثمَّ قَامَ الثوار بالبلاد فَقَامَ بأشبيلة بَنو عباد وبقرطبة بَنو جهور وبطليطلة بَنو ذِي النُّون وبغرناطة بَنو صنهاجة وبالمرية زُهَيْر وخيران ثمَّ ابْن صمادح وبسرقسطة بَنو هود وببطليوس بن مُسلم وبدانية مُجَاهِد ثمَّ جَازَ إِلَى الأندلس أَمِير الْمُؤمنِينَ ((يُوسُف بن ناشفين)) اللمتوني صَاحب الْمغرب وَقَومه المسمون بالمرابطين فَقتل المتَوَكل بن مسلمة وَأَوْلَاده وخلع الْمُعْتَمد بن المتعضد بن عباد وعبد الله حفيد باديس بن حبوس صَاحب غرناطة وَغَيرهَا عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَملك الأندلس مَعَ العدوة ثمَّ ملكهَا بعده ابْنه ((عَليّ بن يُوسُف)) وَقَامَ بِبِلَاد الأندلس قضاتها على اتِّفَاق مِنْهُم نظرا للْمُسلمين فَقَامَ بقرطبة ابْن حمدين وبغرناطة ابْن أضحى وبجيان أَبُو بكر بن عبد الرحمن بن جزي وَهُوَ جد جد وَالِد الْمُؤلف لهَذَا الْكتاب وبمالقة ابْن حسون وَذَلِكَ عَام أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة ذكر الْخُلَفَاء الْمُوَحِّدين ظهر الْمهْدي مُحَمَّد بن عبد الله الحسني بالمغرب عَام خَمْسَة عشر وَخَمْسمِائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَاجْتمعَ عَلَيْهِ قوم يسمون بالموحدين فَجرى بَينه وَبَين المرابطين حَرْب إِلَى أَن توفّي عَام أَرْبَعَة وَعشْرين وَخَمْسمِائة فَقَامَ خلفيته عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْس فَملك الْمغرب كُله وأفريقية والأندلس وَتسَمى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعظم ملكه وساعدته دولته ثمَّ ((ابْنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف)) ثمَّ ((ابْنه الْمَنْصُور أَبُو يُوسُف يَعْقُوب)) وَكَانَ عَالما مُحدثا ألف كتاب التَّرْغِيب فِي الصَّلَاة وَحمل النَّاس على الظَّاهِرِيَّة وأحرق كتب الْمَالِكِيَّة ثمَّ ((ابْنه مُحَمَّد النَّاصِر بن الْمَنْصُور)) ثمَّ ((الْمُسْتَنْصر أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن النَّاصِر)) ثمَّ ((عبد الواحد بن أبي يَعْقُوب بن عبد المؤمن وَهُوَ المخلوع)) ثمَّ ((الْعَادِل عبد الله بن الْمَنْصُور)) ثمَّ ((الْمَأْمُون أَبُو الْعَلَاء إِدْرِيس بن الْمَنْصُور)) ثمَّ ((يحيى بن النَّاصِر)) ثمَّ ((الرشيد عبد الواحد بن الْمَأْمُون)) ثمَّ ((السعيد عَليّ بن الْمَنْصُور)) ثمَّ ((المرتضى عمر بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن أبي يَعْقُوب بن عبد الؤمن)) ثمَّ ((الواثق الْمَعْرُوف بِأبي دبوس وَهُوَ ((إِدْرِيس بن أبي عبد الله بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن)) وَهُوَ آخِرهم قتل فِي محرم سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فعدد خلفائهم بعد المهي ثَلَاثَة عشر وَمُدَّة خلافتهم مائَة سنة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ سنة وَكَانَت دولتهم بالأندلس قد انقرضت بِقِيَام أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل مُحَمَّد بن يُوسُف بن هود دَاعيا لبني الْعَبَّاس عَام أَرْبَعَة وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ ظهر أَمِير الْمُسلمين الْغَالِب بِاللَّه ((مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر)) عَام تِسْعَة وَعشْرين وسِتمِائَة وَملك حَضْرَة غرناطة واستوطنها عَام خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَملك مَا بَقِي للْمُسلمين من بِلَاد الْمُسلمين الأندلس وأورثها أهل بَيته ثمَّ انقرضت دولة الْمُوَحِّدين بني عبد المؤمن بِقِيَام بني حَفْص عَلَيْهِم بتونس وَقيام بني عبد الوارد بتلمسان وَقيام بني مرين بالمغرب وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد الْبَاب الثَّالِث فِي الْعلم وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي فَضله وَمِنْه فرض عين وَفرض كِفَايَة فَفرض الْعين مَا يلْزم الْمُكَلف من معرفَة أصُول الدّين وفروعه فَإِذا بلغ وَجب عَلَيْهِ أَولا معرفَة الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَإِذا دخل رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ معرفَة الصّيام فَإِن كَانَ لَهُ مَال وَجب معرفَة الزَّكَاة فَإِذا بَاعَ وَاشْترى وَجب عَلَيْهِ معرفَة الْبيُوع وَكَذَلِكَ سَائِر أَبْوَاب الْفِقْه وَأما فرض الْكِفَايَة فَهُوَ مَا زَاد على ذَلِك والاشتغال بِهِ أفضل من الْعِبَادَات لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النُّصُوص الْوَارِدَة فِي تَفْضِيل الْعَالم على العابد (الثَّانِي) أَن مَنْفَعَة الْعِبَادَة لصَاحِبهَا خَاصَّة وَمَنْفَعَة الْعلم لَهُ وَلغيره (الثَّالِث) أَن أجر الْعِبَادَة يَنْقَطِع بِالْمَوْتِ وَأجر الْعلم يبْقى أبدا لمن خلف علما ينْتَفع بِهِ بعده (الْفَصْل الثَّانِي) فِي شُرُوطه فَمِنْهَا مَا يشْتَرك فِيهِ الْعَالم والمتعلم وهما شَرْطَانِ أَحدهمَا إخلاص النِّيَّة فِيهِ لله تَعَالَى وَالْآخر الْعَمَل بِهِ وَمِنْهَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 يخْتَص بِهِ الْعَالم وهما شَرْطَانِ أَحدهمَا بذل الْعلم لطالبه والسائل عَنهُ بجد ونصيحة وَالْآخر التَّسْوِيَة فِي التَّعْلِيم بَين الْأَغْنِيَاء والفقراء فَلَقَد كَانَ الْأَغْنِيَاء فِي مجْلِس سُفْيَان الثَّوْريّ يودون أَن يَكُونُوا فُقَرَاء وَمِنْهَا مَا يخْتَص بِهِ المتعلم وهما شَرْطَانِ (أَحدهمَا) أَن يبْدَأ بتعليم المهم فالأهم لِأَن الْعلم كثير وَالْعصر قصير (وَالْآخر) توقير معلمه ظَاهرا وَبَاطنا فقد قَالَ بعض الْعلمَاء من قَالَ لشيخ لم لم يفلح (الْفَصْل الثَّالِث) فِي فنون الْعلم وَهِي على الْجُمْلَة ثَلَاثَة أَنْوَاع عُلُوم شَرْعِيَّة وعلوم هِيَ آلَات للشرعية وعلوم لَيست بشرعية وَلَا آلَات للشرعية فَأَما الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فأصلها الْكتاب وَالسّنة وَيتَعَلَّق بِالْكتاب علمَان الْقرَاءَات وَالتَّفْسِير وَيتَعَلَّق بِالسنةِ علمَان أصُول الدّين وفروع الْفِقْه وينخرط التصوف فِي سلك الْفِقْه لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة فقه الْبَاطِن كَمَا أَن الْفِقْه أَحْكَام الظَّاهِر وَأما آلَات الشَّرْعِيَّة فَهِيَ أصُول الْفِقْه وعلوم اللِّسَان وَهِي النَّحْو واللغة وَالْأَدب وَالْبَيَان وَأما الَّتِي لَيست بشرعية وَلَا آلَات للشرعية فتنقسم إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) مَا ينفع وَلَا يضر كالطب والحساب وَقد يعد الْحساب من آلَات الشَّرْع للاحتياج إِلَيْهِ فِي الْفَرَائِض وَغَيرهَا (الثَّانِي) مَا يضر وَلَا ينفع كعلوم الفلسفة وعلوم النُّجُوم أَعنِي أَحْكَامهَا إِلَّا التَّعْدِيل الَّذِي تخرج بِهِ الْأَوْقَات والقبلة فَذَلِك لَا بَأْس بِهِ وَأما أَحْكَام النُّجُوم فَمن اعْتقد تَأْثِير النُّجُوم فَهُوَ كَافِر وَمن زعم الِاطِّلَاع على المغيبات بهَا فَهُوَ مُبْتَدع وَكَذَلِكَ كل من يروم التطلع على الْغَيْب بِأَيّ وَجه كَانَ (الثَّالِث) مَا يضر وينفع كالمنطق فَإِنَّهُ ينفع من حَيْثُ إِصْلَاحه للمعاني كإصلاح النَّحْو للألفاظ ويضر من حَيْثُ هُوَ مدْخل للفلسفة (الرَّابِع) مَا لَا يضر وَلَا ينفع كعلم الإنساب إِلَّا مَا فِيهِ اعْتِبَار أَو اقْتِدَاء أَو استعانة على صلَة الْأَرْحَام الْبَاب الرَّابِع فِي التَّوْبَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا أما التَّوْبَة فمعناها الرُّجُوع إِلَى الله تَعَالَى وَهِي وَاجِبَة على كل مُكَلّف فِي كل حِين وَهِي أول مقامات السالكين وفرائضها ثَلَاثَة الدَّم على الذَّنب من حَيْثُ عصى بِهِ ذُو الْجلَال لَا من حَيْثُ أضرّ ببدن أَو مَال والإقلاع عَن الذَّنب فِي أول أَوْقَات الْإِمْكَان من غير تراخ وَلَا توان والعزم على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا وَمهما قضى عَلَيْهِ بِالْعودِ أحدث عزما مجددا ولآدابها ثَلَاثَة الِاعْتِرَاف بِالذنُوبِ بَين يَدي الله تَعَالَى مَقْرُونا بالانكسار والإكثار من الاسْتِغْفَار والإكثار من الْحَسَنَات لمحو مَا تقدم من السَّيِّئَات والبواعث عَلَيْهَا سَبْعَة خوف الْعقَاب ورجاء الثَّوَاب والخجل من الْحساب ومحبة الحبيب ومراقبة الرَّقِيب الْقَرِيب وتعظيم الْمقَام وشكر الْأَنْعَام ومراتبها سبع فتوبة الْكفَّار من الْإِشْرَاك وتوبة المخلصين من الذُّنُوب والكبائر وتوبة الْعُدُول من الصَّغَائِر وتوبة السالكين مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يخَامر الْقُلُوب من الْعِلَل والآفات المفسدات وتوبة العابدين من الفترات وتوبة أهل الْوَرع من الشُّبُهَات وتوبة أهل الْمُشَاهدَة من الغفلات وَأما التَّقْوَى فَهِيَ فعل مَا أَمر الله بِهِ وَترك مَا نهى الله عَنهُ وثوابها على مَا ورد فِي الْكتاب الْعَزِيز عشرَة أَشْيَاء ولَايَة الله تَعَالَى ومحبته ونصرته وغفران الذُّنُوب وتفريج الكروب والرزق من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَالْفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل والبشري فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَدخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار وَأما الاسْتقَامَة فَهِيَ الثَّبَات على التَّقْوَى إِلَى الْمَمَات وَإِنَّمَا تحصل بعد الْقدر الأزلي والتوفيق الرباني بمجاهدة النَّفس بالمعاهدة والمرابطة ثمَّ المراقبة والمحاسبة ثمَّ المعاتبة للنَّفس والمعاقبة وجماع الْخَيْر كُله فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء وَهِي أَن يطاع الله فَلَا يعْصى وَأَن يذكر فَلَا ينسى وَأَن يشْكر فَلَا يكفر فصل الذُّنُوب الَّتِي تجب التَّوْبَة مِنْهَا نَوْعَانِ كَبَائِر وصغائر وَتغْفر الصغئار باجتناب الْكَبَائِر وَقد اخْتلف النَّاس فِي الْفرق بَينهمَا اخْتِلَافا كثيرا وَالْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب أَن الْكَبَائِر هِيَ مَا ورد فِي النَّص على أَنَّهَا كَبَائِر أَو ورد عَلَيْهَا وَعِيد فِي الْقُرْآن أَو فِي الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم الْكَبَائِر سبع عشرَة أَربع فِي الْقلب وَهِي الْإِشْرَاك والإصرار على الذُّنُوب والأمن من عَذَاب الله واليأس من رَحْمَة الله وَأَرْبَعَة فِي اللِّسَان وَهِي السحر وَالْقَذْف وَالْيَمِين الْغمُوس وَشَهَادَة الزُّور وَثَلَاثَة فِي الْبَطن وَهِي شرب الْخمر وَأكل الرِّبَا وَمَال الْيَتِيم وَاثْنَانِ فِي الْفرج وهما الزِّنَا وَفعل قوم لوط وَاثْنَانِ فِي الْيَدَيْنِ وهما الْقَتْل وَأخذ المَال بِغَيْر حق وَوَاحِد فِي الرجلَيْن وَهُوَ الْفِرَار من الْقِتَال وَوَاحِد فِي جَمِيع الْجَسَد وَهُوَ عقوق الْوَالِدين مَسْأَلَة النَّرْد حرَام بِإِجْمَاع وَأما الشطرنج فَإِن كَانَ بقمار فَهُوَ حرَام بِإِجْمَاع وَإِن كَانَ دونه فمكروه وفَاقا للشَّافِعِيّ وَقيل حرَام وفَاقا لأبي حنيفَة وَقيل يحرم إِن أدمن عَلَيْهِ أَو شغله عَن أَوْقَات الصَّلَاة أَو غَيرهَا من أُمُور الدّين أَو فعل على وَجه يقْدَح فِي الْمُرُوءَة كلعبة مَعَ الأوبابش أَو على الطَّرِيق بِخِلَاف مَا سوى ذَلِك وتنقسم الذُّنُوب أَيْضا قسمَيْنِ ذنُوب بَين الله تَعَالَى وَبَين العَبْد فَإِذا تَابَ مِنْهَا تَوْبَة صَحِيحَة غفرها الله لَهُ وذنوب بَين العَبْد وَبَين النَّاس فَلَا بُد فِيهَا مَعَ التَّوْبَة من إنصاف الْمَظْلُوم وإرضاء الْخُصُوم وَهِي فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء فِي الدِّمَاء والأبدان وَالْأَمْوَال والأعراض وتنقسم أَيْضا قسمَيْنِ وُقُوع فِي الْمُحرمَات وتفريط فِي الْوَاجِبَات وَلَا بُد فِي هَذَا من الْقَضَاء والاستدراك لما فَاتَ الْبَاب الْخَامِس فِي المأمورات الْمُتَعَلّقَة بِاللِّسَانِ وَهِي أَرْبَعَة تِلَاوَة الْقُرْآن وَذكر الله وَالدُّعَاء وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الْمُنكر فَفِي الْبَاب أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) التِّلَاوَة وكل حرف بِعشر حَسَنَات وآدابها سَبْعَة الْوضُوء وإتقان الْقِرَاءَة وترتيبها والتدبر فِي الْمعَانِي وتوفية حق كل آيَة على مَا يَلِيق بهَا فَيسْأَل عِنْد آيَة الرَّحْمَة ويتعوذ عِنْد آيَة الْعَذَاب ويعزم على الطَّاعَة فِي آيَة الْأَوَامِر والنواهي ويتعظ عِنْد المواعظ وتعظيم الْكَلَام لِعَظَمَة الْمُتَكَلّم بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يسمعهُ ورؤية الْمِنَّة عَلَيْهِ فِي بُلُوغ كَلَام الْحق إِلَيْهِ فيجد لَهُ حلاوة وطلاوة ويزداد بِهِ شغفا وولوعا ودرجات عُلُوم الْقُرْآن أَرْبَعَة حفظه ثمَّ معرفَة قِرَاءَته ثمَّ معرفَة تَفْسِيره ثمَّ تَفْسِيره ثمَّ مَا يفتح الله تَعَالَى فِيهِ من الْفَهم وَالْعلم لمن يَشَاء وَإِنَّمَا يحصل هَذَا بعد تَحْصِيل الأدوات وملازمة الخلوات وتطهير الْقُلُوب من الْآفَات (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الذّكر وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع ذكر بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وَهُوَ أَعْلَاهَا وَذكر بِالْقَلْبِ خَاصَّة وَذكر بِاللِّسَانِ خَاصَّة وَهُوَ أدناها وَالذكر على نَوْعَيْنِ وَاجِب وفضيلة فَالْوَاجِب التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فِي الْعُمر وَقيل مَتى مَا ذكر والفضيلة مَا عدا ذَلِك وَهِي أَنْوَاع كَثِيرَة كالتهليل وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح والتحميد والحوقلة والحسبلة والبسملة وَأَسْمَاء الله تَعَالَى كلهَا وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكُل ذكر معنى وَفَائِدَة مَخْصُوصَة توصل إِلَى مقَام مَخْصُوص والمنتهى إِلَى الذّكر الْفَرد وَهُوَ قَوْلك الله وَقد قيل أَنه اسْم الله الْأَعْظَم وَلِلنَّاسِ فِي الذّكر مقصدان فمقصد الْعَامَّة إكتساب الأجور ومقصد الْخَاصَّة الترقي بالحضور وكلا وعد الله الْحسنى وَبَينهمَا مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَفرق بَين من يطْلب حَظّ نَفسه وَبَين من يطْلب مجالسة رب الْعَالمين لقَوْله جلّ وَعز أَنا جليس من ذَكرنِي على أَنه يحصل فِي ضمن ذَلِك اكْتِسَاب الأجور ونيل كل مأمول والأمن من كل مَحْذُور وَلذَلِك كَانَ الذّكر أقرب الطّرق الموصلة إِلَى الله تَعَالَى قَالَ بَعضهم من أعطَاهُ الله الذّكر فقد أعطَاهُ منشور الْولَايَة (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الدُّعَاء وَيَنْبَغِي ملازمته لأربعة أوجه (أَحدهَا) الْأَمر بِهِ فِي الْكتاب وَالسّنة (الثَّانِي) أَنه سَبَب السَّعَادَة لقَوْله جلّ وَعز ((وَلم أكن بدعائك رب شقيا)) (الثَّالِث) لرجاء الْإِجَابَة فِي المسؤول (الرَّابِع) لإِظْهَار ذلة افتقار الْعُبُودِيَّة وَعزة قدرَة الربويية وآداب الدُّعَاء سَبْعَة الْوضُوء لَهُ وَتَقْدِيم ذكر الله وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبله وَرفع الْيَدَيْنِ بِهِ والالحاح بالتكرار وَالْإِخْلَاص فَلَا يُسْتَجَاب إِلَّا لمضطر أَو مخلص والتضرع حِين السُّؤَال وَقصد الْأَوْقَات الَّتِي ترجى فِيهَا الْإِجَابَة كساعة الْجُمُعَة وَلَيْلَة الْقدر وَالسُّجُود وَبَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَعند قيام الصَّلَاة وَحُضُور الْجِهَاد وَالثلث الْأَخير من اللَّيْل ودبر الصَّلَوَات ومكروهاته سَبْعَة أَن يَقُول اللَّهُمَّ افْعَل لي كَذَا إِن شِئْت وتكلف السجع فِيهِ والإستعجال فِي الْإِجَابَة وَهُوَ أَن يَقُول دَعَوْت فَلم يستجب لي وَرفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء حِين الدُّعَاء وَالدُّعَاء على نَفسه أَو مَاله أَو وَلَده وَالدُّعَاء على أحد من الملمين وَتَخْصِيص نَفسه بِالدُّعَاءِ دون الْمُسلمين وكراهية هَذَا فِي حق الإِمَام أَشد ((فَوَائِد)) أفضل الدُّعَاء مَا ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَقد اسْتَوْفَيْنَا فِي كتاب الدَّعْوَات والأذكار مَا ورد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب الْخَمْسَة من الذّكر وَالدُّعَاء وَمَا يتَعَلَّق بهما وَنَذْكُر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 هُنَا طرفا من ذَلِك فَمن دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اصلح لي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي وَأصْلح لي دنياي الَّتِي فِيهَا معاشي وَأصْلح لي آخرتي الَّتِي إِلَيْهَا معادي وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير وَاجعَل الْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والتقى والعفاف والغنى وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك حبك وَحب من يحبك وَالْعَمَل الَّذِي يبلغنِي حبك اللَّهُمَّ اجْعَل حبك أحب إِلَيّ من نَفسِي وَأَهلي وَمن المَاء الْبَارِد وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَافِيَة والمعافاة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمِنْه اللَّهُمَّ عَافنِي فِي بدني اللَّهُمَّ عَافنِي فِي سَمْعِي اللَّهُمَّ عَافنِي فِي بَصرِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَافِيَة فِي ديني ودنياي وَأَهلي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتي وَأمن روعاتي وأجب دَعْوَتِي وَمِنْه اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وقدرتك على الْخلق أحيني مَا علمت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا علمت الْوَفَاة خيرا لي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خشيتك فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَأَسْأَلك كلمة الحكم فِي الرضى وَالْغَضَب وَأَسْأَلك الْقَصْد فِي الْفقر والغنى وَأَسْأَلك نعيما لَا يبيد وَأَسْأَلك قُرَّة عين لَا تَنْقَطِع وَأَسْأَلك برد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَأَسْأَلك لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك والشوق إِلَى لقائك فِي غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة اللَّهُمَّ زينا بزينة الْإِيمَان واجعلنا هداة المهتدين وَمِنْه اللَّهُمَّ انفعني بِمَا علمتني وَعَلمنِي مَا يَنْفَعنِي وزدني علما الْحَمد لله على كل حَال وَأَعُوذ بِاللَّه من حَال أهل النَّار وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الثَّبَات فِي الْأَمر والعزيمة على الرشد وَأَسْأَلك شكر نِعْمَتك وَحسن عبادتك وَأَسْأَلك لِسَانا صَادِقا وَقَلْبًا سليما وَأَسْأَلك خير مَا تعلم وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تعلم وأستغفرك مِمَّا تعلم إِنَّك أَنْت علام الغيوب وَمِنْه اللَّهُمَّ ألف بَين قُلُوبنَا وَأصْلح ذَات بَيْننَا واهدنا سبل السَّلَام ونجنا من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وجنبنا الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَبَارك لنا فِي أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وَأَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثبتين لَهَا قابلين وأتمها علينا بِرَحْمَتك يَا أرْحم الراحيمن وَمِنْه اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد ونق قلبِي من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وباعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَمِنْه اللَّهُمَّ الهمني رشدي وأجرني من شَرّ نَفسِي وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير مَا سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّد نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعوذ بك من شَرّ مَا استعاذك مِنْهُ مُحَمَّد نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت الْمُسْتَعَان وَعَلَيْك الْبَلَاغ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَمن استعاذاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء وَسُوء الْقَضَاء وشماتة الْأَعْدَاء وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن وَالْعجز والكسل وَالْبخل والجبن وضلع الدّين وَغَلَبَة الرِّجَال وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم وَمن فتْنَة الْقَبْر وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة النَّار وَعَذَاب النَّار وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى وَمن شَرّ فتْنَة الْفقر وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن عين لَا تَدْمَع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفقر والقلة والذلة وَأَعُوذ بك أَن أظلم أَو أظلم وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الشقاق والنفاق وَسُوء الْأَخْلَاق وَمِنْهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحويل عافيتك وفجأة نقمتك وَجَمِيع سخطك (وَمِمَّا يُقَال عِنْد الصَّباح والمساء سيد الإستغفار) اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت خلقتني وَأَنا عَبدك وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ وأبوء لَك بذنبي فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي فَمَاتَ دخل الْجنَّة وَمن قَالَهَا حِين يصبح فَمَاتَ دخل الْجنَّة وَعند الصَّباح اللَّهُمَّ بك أَصْبَحْنَا وَبِك أمسينا وَبِك نحيا وَبِك نموت وَإِلَيْك النشور وَعند الْمسَاء اللَّهُمَّ بك أمسينا وَبِك أَصْبَحْنَا وَبِك نحيا وَبِك نموت وَإِلَيْك الْمصير وَمن قَالَ حِين يصبح اللَّهُمَّ إِنَّك أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك أعتق الله ربعه ذَلِك الْيَوْم من النَّار فَإِن قَالَهَا أَربع مَرَّات أعْتقهُ الله من النَّار وَمن قَالَ حِين يصبح اللَّهُمَّ مَا أصبح بِي من نعْمَة أَو بِأحد من خلقك فمنك وَحدك لَا شريك لَك فلك الْحَمد وَلَك الشُّكْر فقد أدّى شكر ذَلِك الْيَوْم وَمن قَالَ فِي صباح كل يَوْم وَمَسَاء كل لَيْلَة بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمَع شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ثَلَاث مَرَّات لم يضرّهُ شَيْء إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيُقَال عِنْد أَخذ المضجع اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمت وَجْهي إِلَيْك وفوضت أَمْرِي إِلَيْك وألحأت ظَهْري إِلَيْك رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك لَا ملْجأ ومنجي مِنْك إِلَّا إِلَيْك آمَنت بكتابك الَّذِي أنزلت وبنبيك الَّذِي أرْسلت وَيُقَال أَيْضا بِاسْمِك اللَّهُمَّ وضعت جَنْبي وباسمك اللَّهُمَّ أرفعه إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحها وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ الصَّالِحين وَعند الإنتباه من النّوم الْحَمد لله الَّذِي أحياني بَعْدَمَا أماتني وَإِلَيْهِ النشور وَعند الْقيام إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَلَك الْحَمد أَنْت قيوم السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَلَك الْحَمد أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ أَنْت الْحق وَوَعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق وَالنَّار حق وَالْجنَّة حق والساعة حق وَسَيِّدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَعَلَيْك توكلت وَإِلَيْك أنبت وَبِك خَاصَمت وَإِلَيْك حاكمت فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت أَنْت الْمُقدم الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَعند نزُول الْمنزل أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلقت لم يضرّهُ شَيْء حَتَّى يرتحل مِنْهُ وَعند الْخُرُوج من الْمنزل بِسم الله توكلت على الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَفَّارَة الْمجْلس سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَعند الكرب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَرب الْعَرْش الْعَظِيم وَعند رُؤْيَة المبلي الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني على كثير مِمَّن خلق تَفْضِيلًا من قَالَهَا عوفي من ذَلِك الْبلَاء مَا عَاشَ وَعند الرَّعْد وَالصَّوَاعِق اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافنَا قبل ذَلِك وَعند الرّيح اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا أرْسلت بِهِ وَعند الْمَطَر اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سَبَب رَحْمَة وَلَا تَجْعَلهُ سَبَب عَذَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (الْفَصْل الرَّابِع) فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهُوَ الاحتساب أَرْكَانه أَرْبَعَة الْمُحْتَسب والمحتسب فِيهِ والمحتسب عَلَيْهِ والاحتساب فَأَما الْمُحْتَسب فَلهُ شُرُوطه وَهِي أَن يكون عَاقِلا بَالغا مُسلما قَادِرًا على الإحتساب عَالما بِمَا يحْتَسب فِيهِ وَأَن يَأْمَن أَن يُؤَدِّي إِنْكَاره الْمُنكر إِلَى مُنكر أكبر مِنْهُ مثل أَن يُنْهِي عَن شرب خمر فيئول نَهْيه إِلَى قتل نفس وَأَن يعلم أَو يغلب على ظَنّه أَن إِنْكَاره الْمُنكر مزيل لَهُ وَأَن أمره بِالْمَعْرُوفِ نَافِع وفقد هَذَا الشَّرْط الْأَخير يسْقط الْوُجُوب فَيبقى الْجَوَاز وَالنَّدْب وفقد مَا قبله يسْقط الْجَوَاز وَاخْتلف هَل يجوز لِلْفَاسِقِ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر أم لَا وَأما الْمُحْتَسب عَلَيْهِ فَكل إِنْسَان سَوَاء كَانَ مُكَلّفا أَو غير مُكَلّف وَأما الْمُحْتَسب فِيهِ فَلهُ شُرُوطه وَهِي أَن يكون مُنْكرا لَا شكّ فِيهِ فَلَا يحْتَسب فِيمَا مضى لَكِن يُقيم فِيهِ الْحُدُود أهل الْأَمر وَلَا فِيمَا يسْتَقْبل إِلَّا بالوعظ وَأَن يكون مَعْلُوما بِغَيْر تجسس فَكل من ستر على نَفسه وأغلق بَابه لَا يجوز أَن يتجسس عَلَيْهِ وَأما الإحتساب فَلهُ مَرَاتِب أَعْلَاهَا التَّغْيِير بِالْيَدِ فَإِن لم يقدر على ذَلِك انْتقل إِلَى اللِّسَان فَإِن لم يقدر على ذَلِك أَو خَافَ عاقبته انْتقل إِلَى الثَّالِثَة وَهِي التَّغْيِير بِالْقَلْبِ والتغيير اللِّسَان مَرَاتِب وَهِي النَّهْي والوعظ بِرِفْق وَذَلِكَ أولى ثمَّ التعنيف ثمَّ التَّشْدِيد الْبَاب السَّادِس فِي المنهيات الْمُتَعَلّقَة بِاللِّسَانِ وَهِي (عشرُون) الْغَيْبَة وَهِي ذكر الْمُسلم بِمَا يكره وَإِن كَانَ ذَلِك حَقًا سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي دينه أَو نسبه أَو خلقه أَو مَاله أَو فعله أَو قَوْله أَو غير ذَلِك وَهِي حرَام إِلَّا فِي عشرَة مَوَاضِع (أَحدهَا) التظلم وَهُوَ أَن يشكو بِمن ظلمه (الثَّانِي) الإستعانة على تَغْيِير الْمُنكر (الثَّالِث) الاستفثاء (الرَّابِع) التحذير من أهل الشَّرّ كأرباب الْبدع والتصانيف المضلة (الْخَامِس) أَن يكون الْإِنْسَان مَعْرُوفا بِمَا يعرف عَن عينه كالأعمش والأعرج (السَّادِس) أَن يكون مجاهرا بِالْفِسْقِ (السَّابِع) النَّصِيحَة لمن شاوره فِي نِكَاح أَو شُبْهَة (الثَّامِن) الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي الشُّهُود والرواة (التَّاسِع) الإِمَام الجائر (الْعَاشِر) زَاد بعضهمم إِذا كَانَ الْقَائِل وَالْمقول لَهُ عَالمين بِمَا وَقعت وَفِيه الْغَيْبَة وكما تحرم الْغَيْبَة بِاللِّسَانِ تحرم بِالْقَلْبِ وَهُوَ سوء الظَّن وَيحرم الْهَمْز فالهمز عيب الْإِنْسَان فِي حُضُوره واللمز فِي عزيمته وَقيل بِالْعَكْسِ (الثَّانِي) الْبُهْتَان وَهُوَ ذكر الْمُسلم بِمَا يكرههُ وَهُوَ كَاذِب أَو غير مُتَحَقق وَهُوَ أَشد من الْغَيْبَة وَمِنْه الْقَذْف وَقد تقدم فِي بَابه وَكَفَّارَة الْغَيْبَة والبهتان والاستحلال من الْمَذْكُور وَقَالَ الْحسن يَكْفِي الإستغفار لَهُ وَقَالَ مُجَاهِد يثني عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ بِخَير وَذَلِكَ بعد شُرُوط التَّوْبَة الْمُتَقَدّمَة (الثَّالِث) الْكَذِب وَهُوَ حرَام إِلَّا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع (أَحدهَا) فِي الْإِصْلَاح بَين النَّاس إِن اضْطر للكذب فِيهِ (وَثَانِيها) الخداع فِي الْحَرْب (وَثَالِثهَا) كذب الرجل لزوجته وَقيل إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 يجوز فِيهِ التَّعْرِيض لَا التَّصْرِيح بِالْكَذِبِ (وَرَابِعهَا) دفع الْمَظَالِم كمن اختفى عِنْده رجل مِمَّن يُرِيد قَتله فيجحده والتعريض جَائِز وَفِيه مندوحة عَن الْكَذِب (الرَّابِع) الْيَمين الْغمُوس وَهُوَ أَشد أَنْوَاع الْكَذِب وَلَا يَنْبَغِي كَثْرَة الْحلف وَإِن كَانَ على حق (الْخَامِس) شَهَادَة الزُّور (السَّادِس) النميمة وَإِن كَانَت حَقًا فَإِن كَانَت بَاطِلا فقد جمع بَين الْكَذِب والنميمة (السَّابِع) الِاسْتِهْزَاء وَهُوَ السخرية وَهُوَ حرَام سَوَاء كَانَ بقول أَو فعل كالمحاكاة أَو بِإِشَارَة (الثَّامِن) إِطْلَاق مَا لَا يحل إِطْلَاقه على الله تَعَالَى أَو على رَسُوله أَو على الْمَلَائِكَة أَو الْأَنْبِيَاء أَو الصَّحَابَة (التَّاسِع) كَلَام الْعَوام فِي دقائق علم الْكَلَام مِمَّا لَا يعلمُونَ فَرُبمَا يؤديهم ذَلِك إِلَى الزندقة أَو الشَّك أَو الْبِدْعَة (الْعَاشِر) السحر وَقد تقدم مَا يفعل بالساحر فِي بَاب الْحُدُود (الْحَادِي عشر) الْفُحْش من الْكَلَام وَهُوَ الرَّفَث (الثَّانِي عشر) الشّعْر والغناء وَلَيْسَ مذموما على الْإِطْلَاق قَالَ الشَّافِعِي الشّعْر كَلَام فَمِنْهُ حسن وَمِنْه قَبِيح وَذَلِكَ أَن الشّعْر أَرْبَعَة أَصْنَاف ((أَحدهَا)) حسن وَهُوَ الْجد وَالْحكمَة ((الثَّانِي)) مَمْنُوع مُطلقًا وَهُوَ الهجو ((الثَّالِث)) الْمَدْح والرثاء فَإِن كَانَ حَقًا فَهُوَ مَكْرُوه وَإِن كَانَ بَاطِلا فَهُوَ مَمْنُوع ((الرَّابِع)) التغزل فَإِن كَانَ فِيمَن لَا يحل لَهُ فَهُوَ حرَام وَإِلَّا فَلَا وَأما الْغناء فَروِيَ مِنْهُ عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَمنع مَالك شِرَاء الْجَارِيَة الْمُغنيَة وَرَأى أَن الغنساء فِيهَا عيب ترد بِهِ وَأَجَازَهُ قوم مُطلقًا وَهُوَ مَذْهَب أَكثر المتصوفة وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا يحرم مِنْهُ أَرْبَعَة أَشْيَاء (أَولهَا) غناء امْرَأَة لَا يحل سَماع صَوتهَا (الثَّانِي) أَن اقْترن بِهِ آلَة لَهو كالمزامير والأوتار وَاخْتلف النَّاس فِي الشبابة (الثَّالِث) إِن كَانَ الشّعْر مِمَّا لَا يجوز حَسْبَمَا قدمنَا (الرَّابِع) إِذا كَانَ الْغناء يُحَرك قلب السَّامع إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي (الثَّالِث عشر) الْمَدْح وَإِن كَانَ حَقًا لَا سِيمَا بِحَضْرَة الممدوح فَإِنَّهُ يهيج فِي الْقلب الْكبر وَالْعجب (الرَّابِع عشر) كَلَام ذِي الْوَجْهَيْنِ وَذي اللسانين وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه (الْخَامِس عشر) تَزْكِيَة الْإِنْسَان لنَفسِهِ وَإِن كَانَت بِحَق (السَّادِس عشر) إفشاء السِّرّ لِأَنَّهُ خِيَانَة وَقد جَاءَ فِي الْأَثر إِذا حدث الرجل بِحَدِيث ثمَّ الْتفت فَهِيَ أَمَانَة (السَّابِع عشر) الْكَذِب فِي الْوَعْد وَهُوَ من أَخْلَاق الْمُنَافِقين (الثَّامِن عشر) الْجِدَال وَالْخِصَام وَهُوَ المراء سَوَاء كَانَ فِي المناظرة العلمية أَو فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة فَإِن سَببه حط النَّفس وَهُوَ سَبَب فِي الحقد والعدواة وَيجوز إِذا كَانَ الْقَصْد إِظْهَار الْحق (التَّاسِع عشر) ذمّ الْأَشْيَاء كالأطعمة وَغَيرهَا وَلعن الْإِنْسَان وَغَيره (الْعشْرُونَ) الْكَلَام فِيمَا لَا يَعْنِي وَإِن كَانَ مُبَاحا (تَنْبِيه) ورد النَّهْي عَن بعض الْأَسْمَاء فَمِنْهَا التكنية بِأبي الْقَاسِم وَإِنَّمَا منع ذَلِك فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة لِأَن أَبَا بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا قد كنى كل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَده أَبَا الْقَاسِم بعد ذَلِك وَمِنْهَا أَن يُسمى الْغُلَام نجاحا أَو أَفْلح أَو شبه ذَلِك وَقَالَ الرَّاوِي نهينَا عَن ذَلِك وَلم يعزم علينا وَمِنْهَا تَسْمِيَة الْعِنَب بِالْكَرمِ نهي عَنهُ وَلكنه نهي تَأْدِيب لَا نهي تَحْرِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الْبَاب السَّابِع فِي المأمورات الْمُتَعَلّقَة بالقلوب وَهِي عشرُون (الأول) الْخَوْف من الله تَعَالَى وَهُوَ اللجام القامع عَن الْمعاصِي وَسَببه معرفَة شدَّة عَذَاب الله وَيُسمى خشيَة وَرَهْبَة وتقوى وَالنَّاس فِيهِ على ثَلَاثَة مَرَاتِب فخوف الْعَامَّة من الذُّنُوب وَخَوف الْخَاصَّة من الخاتمة وَخَوف خَاصَّة الْخَاصَّة من السَّابِقَة وَالْفرق بَين الْخَوْف والحزن أَن الْخَوْف مِمَّا يسْتَقْبل والحزن على مَا تقدم وَكِلَاهُمَا يثير الْبكاء والإنكسار وَيبْعَث العَبْد على الرُّجُوع إِلَى الله تَعَالَى (الثَّانِي) الرَّجَاء وسبه معرفَة سَعَة رَحْمَة الله وَيُسمى طَمَعا ورغبة وَيَنْبَغِي أَن يكون الرَّجَاء وَالْخَوْف المعتدلين فَإِن الْخَوْف إِذا فرط قد يعود لى الْيَأْس وَهُوَ حرَام والرجاء إِذا فرط قد يعود إِلَى الْأَمْن وَهُوَ حرَام (الثَّالِث) الصَّبْر وأجره بِغَيْر حِسَاب بِخِلَاف سَائِر الْأَعْمَال فَإِن أجورها بِمِقْدَار وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع صَبر على بلَاء الله وَهُوَ الْمَقْصُود بِالذكر وصبر على نعم الله أَن لَا يطغي بهَا وصبر على طَاعَة الله وصبر على معاصي الله (الرَّابِع) الشُّكْر وَهُوَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان والجوارح فَشكر اللِّسَان الثَّنَاء وشكر الْقلب معرفَة الْمِنَّة وَقدر النِّعْمَة وشكر الْجَوَارِح بِطَاعَة الْمُنعم (الْخَامِس) التَّوَكُّل وَهُوَ الِاعْتِمَاد على الله تَعَالَى فِي دفع المكاره والمخاوف وتيسير المطالب وَالْمَنَافِع وخصوصا فِي شَأْن الرزق وَسَببه ثَلَاثَة أَشْيَاء الْمعرفَة بِأَن الْأُمُور كلهَا بيد الله وَإِن الْخلق كهلم تَحت قهره وَفِي قَبضته وَإنَّهُ لَا يضيع من توكل عَلَيْهِ (السَّادِس) التَّفْوِيض إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ خُرُوج العَبْد عَن مُرَاد نَفسه إِلَى مَا يختاره الله لَهُ وَسَببه الْمعرفَة بِأَن اخْتِيَار الله خير من اخْتِيَار العَبْد لنَفسِهِ لِأَن الله تَعَالَى يعلم عواقب الْأُمُور وَالْعَبْد لَا يعلمهَا (السَّابِع) حسن الظَّن بِاللَّه فَإِن الله يَقُول أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَسَببه الْمعرفَة بِفضل الله وَكَرمه وسعة رَحمته (الثَّامِن) التَّسْلِيم لأمر الله تبَارك وَتَعَالَى بترك الِاعْتِرَاض ظَاهرا وَترك الْكَرَاهَة بَاطِنا (التَّاسِع) الرِّضَا بِالْقضَاءِ وَهُوَ سرُور النَّفس بِفعل الله زِيَادَة على السَّلِيم وسببها ثَلَاثَة أَشْيَاء محبَّة الله تَعَالَى فَإِن فعل المحبوب وَمَعْرِفَة حكمته فِي كل مَا يفعل وَإِن الْمَالِك يفعل فِي ملكه مَا يَشَاء (الْعَاشِر) الْإِخْلَاص لله تَعَالَى وَيُسمى نِيَّة قصدا وَهُوَ إِرَادَة وَجه الله تَعَالَى بالأقوال وَالْأَفْعَال وضده الرِّيَاء وَسَببه الْمعرفَة بِأَن الله لَا يقبل إِلَّا الْخَالِص وَإنَّهُ يطلع على النيات والضمائر كَمَا يطلع على الظَّوَاهِر (الْحَادِي عشر) المراقبة وَهِي معرفَة العَبْد باطلاع الله عَلَيْهِ على الدَّوَام فيثمر ذَلِك الْحيَاء والهيبة وَالتَّقوى (الثَّانِي عشر) الْمُشَاهدَة وَهِي وام النّظر بِالْقَلْبِ إِلَى الله تَعَالَى واستغراق فِي صِفَاته وأفعاله وَذَلِكَ مقَام الْإِحْسَان الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى مقَام المراقبة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَبَين المقامين فرق (الثَّالِث عشر) التفكر وَهُوَ ينبوع كل حَال ومقام فَمن تفكر فِي عَظمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الله اكْتسب التَّعْظِيم وَمن تفكر فِي قدرته اسْتَفَادَ التَّوَكُّل وَمن تفكر فِي عَذَابه اسْتَفَادَ الْخَوْف وَمن تفكر فِي رَحمته اسْتَفَادَ الرَّجَاء وَمن تفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده اسْتَفَادَ قصر الأمل وَمن تفكر فِي ذنُوبه اشْتَدَّ خَوفه وصغرت عِنْده نَفسه (الرَّابِع عشر) معرفَة الله تَعَالَى وَهِي نَوْعَانِ خَاصَّة وَعَامة فالعامة حَاصِلَة لكل مُؤمن والخاصة هِيَ الَّتِي ينْفَرد بهَا الْأَنْبِيَاء والأولياء وَهُوَ الْبَحْر الْأَعْظَم الَّذِي لَا سَاحل لَهُ وَلَا يعرف الله على الْحَقِيقَة إِلَّا الله وَلذَلِك فَإِن أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْعَجز عَن دَرك الْإِدْرَاك إِدْرَاك (الْخَامِس عشر) التَّوْحِيد وَهُوَ نَوْعَانِ عَام وخاص فالعام هُوَ عدم الْإِشْرَاك الْجَلِيّ وَذَلِكَ حَاصِل لجَمِيع الْمُسلمين وَالْخَاص عدم الْإِشْرَاك الْخَفي وَهُوَ مقَام العرافين وَكِلَاهُمَا دَاخل تَحت قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله فسبب التَّوْحِيد الْجَلِيّ الْبَرَاهِين الْقَائِمَة عَلَيْهِ وَقد تضمنها الْقُرْآن الْمُبين وبسطناها فِي كتاب النُّور الْمُبين وَسبب التَّوْحِيد الْخَفي معرفَة قيومية الله تَعَالَى على كل شَيْء وإحاطة علمه وَقدرته وقهره بِكُل شَيْء وَإِن كل شَيْء إِنَّمَا وجد بإيجاده لَهُ وَبَقِي بإمساكه لَهُ فَلَا موجد فِي الْحَقِيقَة إِلَّا وَهُوَ ((كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه)) (السَّادِس عشر) الْيَقِين وَهُوَ صدق الْإِيمَان حَتَّى يطمئن بِهِ الْقلب بِحَيْثُ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ شكّ وَلَا احْتِمَال وَسَببه شَيْئَانِ أَحدهمَا قُوَّة الْأَدِلَّة وَكَثْرَتهَا وَالْآخر نور من الهل يَضَعهُ فِي قلب من يَشَاء (السَّابِع عشر) محبَّة الله تَعَالَى وَهِي نَوْعَانِ عَامَّة وخاصة فالعامة لجَمِيع الْمُسلمين وَلَا يَصح الْإِيمَان إِلَّا بهَا وَهُوَ مقَام أَصْحَاب الْيَقِين والخاصة مقَام المقربين وَهِي أَعلَى المقامات وَأَرْفَع الدَّرَجَات وَلَا سِيمَا الْمُحب المحبوب وسببها الْمعرفَة بصفتين وهما الْجمال والإجمال فَإِن المحسن وَالْإِحْسَان محبوبان لَا محَالة وتختلف أَقْوَال المحبيبن بالتلوين فِي الْقَبْض والبسط والشوق والأنس والصحو وَالسكر وَهَذِه أَحْوَال ذوقية قد علم كل أنَاس مشربهم (الثَّامِن عشر) والتواضع وَهُوَ ضد التكبر وَسَببه شَيْئَانِ التحقق بمقام الْعُبُودِيَّة وَمَعْرِفَة الْإِنْسَان بعيوب نَفسه (التَّاسِع عشر) الْحيَاء وَهُوَ نَوْعَانِ حَيَاء من الله وحياء من النَّاس وَهُوَ مستحسن فِي كل حَال إِلَّا طلب الْعلم (الْعشْرُونَ) سَلامَة الصَّدْر للْمُسلمين وَهُوَ يُثمر طيب النَّفس وسماحة الْوَجْه وَإِرَادَة الْخَيْر لكل أحد والشفقة والمودة وَحسن الظَّن وَيذْهب الشحناء والبغضاء والحقد والحسد وَلذَلِك ينَال بِهَذِهِ الْخصْلَة مَا ينَال بالصيام وَالْقِيَام الْبَاب الثَّامِن فِي المنهيات الْمُتَعَلّقَة بالقلوب وَهِي عشرُون (الأول) الرِّيَاء فِي الْعِبَادَات وَهُوَ الشّرك الْأَصْغَر وَهُوَ ضد الْإِخْلَاص وَلَهُمَا مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة فِي قبُول الْعَمَل وإحباطه وَفِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب على الرِّيَاء فقد يكون الْعَمَل أَولا خَالِصا ثمَّ يحدث الرِّيَاء فِي أَثْنَائِهِ فيفسده إِن تَمَادى أَو يحدث بعد الْفَرَاغ مِنْهُ فَلَا يضر وَقد يكون أَولا على الرِّيَاء ثمَّ يحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْإِخْلَاص فِي أَثْنَائِهِ أَو بعد الْفَرَاغ مِنْهُ فَيَنْبَغِي استئنافه وَقد يبدأه ممتزجا فَينْظر أَيهمَا أغلب فيناط بِهِ الحكم قَالَ بَعضهم الْعَمَل لأجل النَّاس شرك وَترك الْعَمَل لأجل النَّاس رِيَاء وَمَا يتَعَلَّق بالرياء تسميع النَّاس بِالْعَمَلِ والتزين للنَّاس بِإِظْهَار الْخَيْر فِي القَوْل أَو فِي الْفِعْل أَو فِي اللبَاس أَو غير ذَلِك والمداهنة والنفاق وَهُوَ إِظْهَار ضد مَا فِي قلبه (الثَّانِي) الْعجب وَهُوَ مُفسد للْعَمَل وَمَعْنَاهُ استعظام العَبْد لما يعْمل من الْعَمَل الصَّالح ونسيان منَّة الله بِهِ (الثَّالِث) الْغرُور وَهُوَ غلط النَّفس وَحَقِيقَته إعجاب بِمَا لَا خطر لَهُ أَو ركون إِلَى مَا لَا ينفع والمغترون أَصْنَاف كَثِيرَة من الْعلمَاء والعباد والمتصوفة وَأهل الدُّنْيَا وَغَيرهم (الرَّابِع) الْكبر وَهُوَ من المهلكات وَمَعْنَاهُ تعاظم الْإِنْسَان فِي نَفسه وتحقيره لغيره ثمَّ إِن التكبر لَهُ أَسبَاب فَمِنْهَا الْعلم وَالْعِبَادَة والحسب والشجاعة وَالْقُوَّة وَالْجمال وَالْمَال والجاه وَهُوَ دَرَجَات فأشده التكبر على الله وَرَسُوله وَهُوَ الَّذِي حمل أَكثر الْكفَّار على الْكفْر ثمَّ التكبر على أهل الدّين من الْعلمَاء والصلحاء وَغَيرهم بالازدراء بهم وَعدم الْقبُول لمناصحتهم ثمَّ التكبر على سَائِر الناء (الْخَامِس) الْحَسَد وَهُوَ حرَام وَمَعْنَاهُ تألم الْقلب بِنِعْمَة الله على عباده وَتمنى زَوَالهَا عَن الْمُنعم عَلَيْهِ فَإِن تمنى مثلهَا لنَفسِهِ وَلم يتمن زَوَالهَا عَن غَيره فَذَلِك غِبْطَة جَائِزَة (السَّادِس) الحقد وَهُوَ خلق مَذْمُوم يثير الْعَدَاوَة والبغضاء والإضرار بِالنَّاسِ (السَّابِع) الْغَضَب وَهُوَ مَنْهِيّ عَن فَيَنْبَغِي كظمه لِئَلَّا يعود إِلَى مُنكرَات الْأَقْوَال أَو الْأَفْعَال (الثَّامِن) التسخط من الأقدار وَهُوَ ضد التَّسْلِيم والرضى (التَّاسِع) خوف الْفقر وَهُوَ من الشَّيْطَان (الْعَاشِر) حب المَال وسنتكلم عَلَيْهِ فِي بَابه (الْحَادِي عشر) حب الجاغه وَهُوَ يُوقد إِلَى ارْتِكَاب الأخطار والتعرض للمهالك فِي الدُّنْيَا وَالدّين (الثَّانِي عشر) حب الْمَدْح وَهُوَ أقوى أَسبَاب الرِّيَاء (الثَّالِث عشر) كَرَاهَة الذَّم وَهُوَ أقوى أَسبَاب الْغَضَب والحقد (الرَّابِع عشر) طول الأمل وَسَببه نِسْيَان الْمَوْت وَهُوَ يُثمر شدَّة الْحِرْص على الدُّنْيَا والتهاون بِالآخِرَة (الْخَامِس عشر) كَرَاهَة الْمَوْت فَمن أحب لِقَاء الله أحب لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره لقاءه (السَّادِس عشر) تَعْظِيم الْأَغْنِيَاء لأجل غناهم واحتقار الْفُقَرَاء لأجل فَقرهمْ وَسَببه عَظمَة الدُّنْيَا فِي الْقُلُوب (السَّابِع عشر) نِسْيَان العَبْد عُيُوب نَفسه لَا سِيمَا إِن اشْتغل مَعَ ذَلِك بعيوب النَّاس (الثَّامِن عشر) خوف غير الله ورجاء غير الله وَهُوَ ضد التَّوْكِيل وَسَببه عدم الْيَقِين (التَّاسِع عشر) الْإِصْرَار على الذوب وَمَعْنَاهُ الْعَزْم على الدَّوَام عَلَيْهَا وَهُوَ ضد التَّوْبَة (الْعشْرُونَ) الْغَفْلَة وَهِي سَبَب كل شَرّ وضدها التفكر والتيقظ الْبَاب التَّاسِع فِي المأمورات والمنهيات الْمُتَعَلّقَة بالأموال أما المأمورات فَهِيَ ثَلَاثَة الزّهْد والورع والإنفاق وَأما المنهيات فَهِيَ ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أضداد هَذِه الثَّلَاثَة فضد الزّهْد الْحِرْص وضد الْوَرع كسب المَال من غير وَجهه وضد الْإِنْفَاق الْبُخْل وَيجمع كل وَاحِد مَعَ ضِدّه فِي فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الزّهْد وَمَعْنَاهُ قلَّة الرَّغْبَة فِي المَال أَو عدمهَا وَخُرُوج حب الدُّنْيَا من الْقلب والزهد الْكَامِل هُوَ الزّهْد فِي جَمِيع الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة من الجاه وَالْمَال والتعظيم والمدح وشهرة الذّكر والتنعم بِطيب المأكل والملبس وفضول الْعَيْش وَغير ذَلِك وَلَيْسَ الزّهْد بترك الْحَلَال وَلَا إِضَاعَة المَال فقد يكون الْغَنِيّ زاهدا إِذا كَانَ قلبه مفرغا عَن الدُّنْيَا وَقد يكون الْفَقِير دنيويا إِذا اشْتَدَّ حرصه وَكَانَ معمور الْقلب بالدنيا مَسْأَلَة اخْتلفت النَّاس فِي المفاضلة بَين الْفقر والغنى فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَن الْغنى أفضل وَاسْتَدَلُّوا بِأَن الْغَنِيّ يقدر على أَعمال صَالِحَة وَلَا يقدر عَلَيْهَا الْفَقِير كالصدقة وَالْعِتْق وَبِنَاء الْمَسَاجِد وَذهب أَكثر الصُّوفِيَّة إِلَى أَن الْفَقِير أفضل وَاسْتَدَلُّوا بنصوص فِي هَذَا الْمَعْنى وَلَا يَصح التَّفْضِيل إِلَّا بعد تَفْصِيل وَهُوَ أَن من كَانَ يقوم بِحُقُوق الله فِي الْغنى وَلَا يقوم فِي الْفقر فالغنى أفضل لَهُ اتِّفَاقًا وَمن كَانَ بِالْعَكْسِ فالفقر أفضل لَهُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا مَحل الْخلاف فِيمَن كَانَ يقوم بِحُقُوق الله فِي الْحَالَتَيْنِ والحقوق فِي الْغنى هُوَ أَدَاء الْوَاجِبَات والتطوع بالمندوبات وَالشُّكْر لله وَعدم الطغيان بِالْمَالِ والحقوق فِي الْفقر هِيَ الصَّبْر عَلَيْهِ والقناعة وَعدم التشوف للزِّيَادَة واليأس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس وَللَّه در غَنِي شَاكر أَو فَقير صابر وَقَلِيل مَا هم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْوَرع وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات ورع عَن الْحَرَام وَهُوَ وَاجِب وورع عَن الشُّبُهَات وَهُوَ متأكد وَإِن لم يجب وورع عَن الْحَلَال مَخَافَة الْوُقُوع فِي الْحَرَام وَهُوَ فَضِيلَة وَهُوَ ترك مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا مِمَّا بِهِ الْبَأْس وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا أُمُور متشابهات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس فَمن اتَّقى الشُّبُهَات فقد اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ إِلَى آخر الحَدِيث وَلذَلِك قيل أَن هَذَا الحَدِيث ربع الْعلم وَقيل ثلثه مَسْأَلَة فِي مُعَاملَة أَصْحَاب الْحَرَام وينقسم حَالهم قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون الْحَرَام قَائِما بِعَيْنِه عِنْد الْغَاصِب أَو السَّارِق أَو شبه ذَلِك فَلَا يحل شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَلَا البيع بِهِ إِن كَانَ عينا وَلَا أكله إِن كَانَ طَعَاما وَلَا لبسه إِن كَانَ ثوبا وَلَا قبُول شَيْء من ذَلِك هبة وَلَا أَخذه فِي دين وَمن فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَالْقسم الثَّانِي أَن يكون الْحَرَام قد فَاتَ من يَده وَلزِمَ ذمَّته فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال ((الْحَالة الأولى)) أَن يكون الْغَالِب على مَاله الْحَلَال فَأجَاز ابْن الْقَاسِم مُعَامَلَته وحرمها أصبغ ((وَالثَّانيَِة)) أَن يكون الغالبعلى مَاله الْحَرَام فتمنع مُعَامَلَته على وَجه الْكَرَاهَة عِنْد ابْن الْقَاسِم وَالتَّحْرِيم عِنْد أصبغ ((وَالثَّالِثَة)) أَن يكون مَاله كُله حَرَامًا فَإِن لم يكن لَهُ قطّ مَال حَلَال حرمت مُعَامَلَته وَإِن كَانَ لَهُ مَال حَلَال إِلَّا أَنه اكْتسب من الْحَرَام مَا أربى على مَاله واستغرق ذمَّته فَاخْتلف فِي جَوَاز مُعَامَلَته بِالْجَوَازِ وَالْمَنْع والتفرقة بَين مُعَامَلَته بعوض فَيجوز كَالْبيع وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 هِبته وَنَحْوهَا فَلَا يجوز (الْفَصْل الثَّالِث) فِي الْإِنْفَاق وهما قِسْمَانِ ((الأول)) وَاجِب فالبخل بِهِ حرَام كَالزَّكَاةِ والنفقات والواجبة وعلف الدَّوَابّ وَأَدَاء الدُّيُون ((وَالثَّانِي)) مَنْدُوب كإطعام الجائع وَكِسْوَة الْعُرْيَان وَعتق الرّقاب وَبِنَاء الْمَسَاجِد والقناطر وَالْوَقْف على سَبِيل الْخَيْر وإعانة الْمديَان وَالنَّفقَة فِي الْجِهَاد وَغير ذَلِك وأفضله صلَة الرَّحِم وَيقدم مِنْهَا الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَيقدم من النَّفَقَات الأهم فالأهم الْبَاب الْعَاشِر فِي الْأكل وَالشرب وآدابهما عشرَة ((الأول)) تَسْمِيَة الله عِنْد الِابْتِدَاء وحمده عِنْد الْفَرَاغ ((الثَّانِي)) التقليل من الْأكل فَيجْعَل ثلثا للطعام وَثلثا للشراب وَثلثا للنَّفس ((الثَّالِث)) الْأكل وَالشرب بِالْيَمِينِ ((الرَّابِع)) الْأكل مِمَّا يَلِيهِ إِلَّا أَن يكون ألوانا مُخْتَلفَة وَرخّص ابْن رشد أَن يَأْكُل من غير مَا يَلِيهِ مَعَ أَهله وَولده ((الْخَامِس)) أَن لَا يَأْكُل مُتكئا ((السَّادِس)) أَن لَا ينْفخ فِي الطَّعَام وَلَا فِي الشَّرَاب وَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء ((السَّابِع)) أَن يُوَافق من يَأْكُل مَعَه فِي تَصْغِير اللقم وإطالة المضع والتمهل فِي الْأكل ((الثَّامِن)) أَن يغسل يَده وفمه من الدسم وَكره مَالك تعمد غسل الْيَد للْأَكْل ((التَّاسِع)) أَن لَا يشرب من فَم السقاء ((الْعَاشِر)) أَن لَا يقرن الثَّمر وَيجوز الشّرْب قَائِما خلافًا لقوم وَإِذا كَانَ جمَاعَة فأدير عَلَيْهِم مَا يشربون فَيَأْخُذ بعد الأول الْأَيْمن فالأيمن الْبَاب الْحَادِي عشر فِي اللبَاس وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي أَنْوَاع اللبَاس وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى أَقسَام الشَّرِيعَة الْخَمْسَة فَالْوَاجِب مَا يستر الْعَوْرَة وَمَا يقي الْحر وَالْبرد وَمَا يستدفع بِهِ الضَّرَر فِي الْحَرْب وَغَيرهَا وَالْمَنْدُوب كالرداء فِي الصَّلَاة والتجمل بالثياب فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَأما الْحَرَام فلباس الْحَرِير وَالذَّهَب للرِّجَال واشتمال الصماء والاختباء على غير ثوب يستر الْعَوْرَة وكل مَا فِيهِ سرف أَو يخرج إِلَى البطر وَالْخُيَلَاء وتشبه الرِّجَال بِالنسَاء وَالنِّسَاء بِالرِّجَالِ فِي اللبَاس وَغَيره وَأما الْمَكْرُوه فالتلثم وتغطية الْأنف فِي الصَّلَاة ولباس زِيّ الْعَجم والتعمم بِغَيْر قناع ولباس مَا فِيهِ شهرة كلباس الصَّالِحين الصّرْف والمباح مَا عدا ذَلِك ((الْفَصْل الثَّانِي)) فِي أَنْوَاع الملبوسات وَيجوز جَمِيعهَا للنِّسَاء وَأما الرِّجَال فيحمر عَلَيْهِم الْحَرِير وَالذَّهَب على الْجُمْلَة ثمَّ أَنه على أَنْوَاع فَأَما الخالث مِنْهُ فاجمع على تَحْرِيم لِبَاسه قَالَ ابْن حبيب وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 يلتحف بِهِ وَلَا يفترشه وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ويكه للصبيان وَأما مَا سداه حَرِير وَلحمَته من غير فمكروه وَأَجَازَهُ قوم وَحرمه قوم إِلَّا الْخَزّ فَيجوز اتبَاعا للسلف وَأما مَا فِيهِ شَيْء من حَرِير فَلَا يجوز فِي الْمَذْهَب وإنكان يَسِيرا وَاخْتلف فِي الْعلم فِي الثَّوْب وَفِي اتِّخَاذ الزر والطوق من حَرِير وَقَالَ ابْن حبيب لَا يسْتَعْمل مَا بطن بحرير أَو حشي بِهِ أَو رقم بِهِ قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد إِذا كَانَ الْحَرِير فِيهِ كثيرا وَلَا بَأْس أَن يخاط الثَّوْب بالحرير وَأَجَازَ ابْن الْقَاسِم أَن يتَّخذ مِنْهُ راية فِي أَرض الْعَدو وَأَجَازَ ابْن الْمَاجشون لِبَاسه فِي الْجِهَاد وَالصَّلَاة بِهِ للترهيب بِهِ على الْعَدو خلافًا لمَالِك وَيجوز لِبَاسه لحمكمة وَشبههَا وَكَرِهَهُ مَالك وَقَالَ ابْن حبيب لَا بَأْس أَن يعلق ستر من حَرِير وَيكرهُ ستر الجدران إِلَّا الْكَعْبَة (الْفَصْل الثَّالِث) فِي التَّخَتُّم وَيحرم مِنْهُ على الرِّجَال مَا كَانَ من ذهب أَو مَا فِيهِ ذهب وَلَو حَبَّة بِخِلَاف الْفضة وَالْأَفْضَل التَّخَتُّم باليسار وَكره مَالك التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَلَا بَأْس أَن ينقش فِي الْخَاتم اسْم الله (الْفَصْل الرَّابِع) فِي الانتعال وَيسْتَحب الِابْتِدَاء بِالْيَمِينِ فِي اللّبْس وباليساء فِي الْخلْع وَلَا يمشي أحد فِي نعل وَاحِدَة وَلَا يقف فِيهَا إِلَّا أَن يكون الشَّيْء الْخَفِيف فِي حَال كَونه متشاغلا بإصلاح الْأُخْرَى وليلبسهما جَمِيعًا وليخلعهما جَمِيعًا الْبَاب الثَّانِي عشر فِي دُخُول الْحمام وَهُوَ لرجال دون النِّسَاء بِعشْرَة شُرُوط ((الأول)) أَن يدْخل وَحده أَو مَعَ قوم يستترون ويتعمد أَوْقَات الْخلْوَة قلَّة النَّاس ((الثَّانِي)) أَن يستر عَوْرَته بإزار صفيق ((الثَّالِث)) أَن يسْتَقْبل الْحَائِط لِئَلَّا يَقع بَصَره على مَحْظُور ((الرَّابِع)) أَن يُغير مَا يرى بِرِفْق ((الْخَامِس)) أَن لَا يُمكن الدلاك من عَوْرَته من السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة إِلَّا امْرَأَته ومملوكته ((السَّادِس)) أَن يدْخلهُ بنية التَّدَاوِي والتطهر من الْوَسخ ((السَّابِع)) أَن يدْخلهُ بِأُجْرَة مَعْلُومَة بِشَرْط أَو عَادَة ((الثَّامِن)) أَن يصب المَاء على قدر حَاجته ((التَّاسِع)) أَن يتَذَكَّر بِهِ جَهَنَّم ((الْعَاشِر) 9 إِن لم يقدر على دُخُوله وَحده أَن بكتريه بِهِ قوم يحفظون أديانهم وَأما النِّسَاء فَاخْتلف فِيهِ دخولهن فَقيل يمنعن من الْحمام إِلَّا من ضَرُورَة كالمرض أَو شدَّة الْبرد وَشبه ذَلِك وَقيل إِنَّمَا منع حِين لم يكن لَهُنَّ حمامات مُنْفَرِدَة فَأَما مَعَ انفرادهن دون الرِّجَال فَلَا بَأْس ثمَّ إِذا دخلت فَقيل تستر جَمِيع جَسدهَا وَقَالَ ابْن رشد لَا يلْزمهَا من السِّرّ مَعَ النِّسَاء إِلَّا مَا يلْزم الرجل ستره من الرِّجَال فَإِن النِّسَاء مَعَ النِّسَاء كالرجال مَعَ الرِّجَال فرع لَا بَأْس أَن يتدلك فِي الْحمام بالجلبان والفول وَمَا أشبه ذَلِك من الطَّعَام ويدهن بعض جسده بالزيت وَالسمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الرُّؤْيَا فِي الْمَنَام وحقيقتها عِنْد الْمُحَقِّقين أَمْثِلَة جعلهَا الله دَلِيلا على الْمعَانِي كَمَا جعلت الْأَلْفَاظ دَلِيلا على الْمعَانِي وَلذَلِك مِنْهَا ظَاهر ومحتمل كَمَا فِي الْأَلْفَاظ ظَاهر ومحتمل وَهِي خَمْسَة أَقسَام أَرْبَعَة مِنْهَا لَا تعبر وَهِي مَا يكون متولدا عَن أحد الأخلاط الْأَرْبَعَة وَعَن حَدِيث النَّفس والأحلام والمختلطة بِحَيْثُ لَا تعقل وَوَاحِدَة تعبر وَهِي مَا سوى ذَلِك فَإِن كَانَت خيرا فليستبشر بهَا وَلَا يخبر بهَا أحدا إِلَّا من يجب وَإِن كَانَت شرا فَلَا يخبر بهَا أحدا ولينفث عَن يسَاره ثَلَاث مَرَّات وَيَقُول أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا رَأَيْت فَإِذا فعل ذَلِك موقنا بِهِ لم يضرّهُ وَلَا يَنْبَغِي أَن يعبر الرُّؤْيَا إِلَّا عَارِف بهَا وعبارتها على وُجُوه مُخْتَلفَة فَمِنْهَا مَأْخُوذ من اشتقاق اللَّفْظ وَمن قلبه وَمن تصحيفه وَمن الْقُرْآن وَمن الحَدِيث وَمن الشّعْر وَمن الْأَمْثَال وَمن التشابه فِي الْمَعْنى وَمن غير ذَلِك وَقد تعبر الرُّؤْيَا الْوَاحِدَة لإِنْسَان بِوَجْه وَلآخر بِوَجْه آخر حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ جالها (تَنْبِيه) قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فِي الْمقَام فقد رَآنِي فِي الْمقَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَقَالَ الْعلمَاء لَا تصح رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطعا إِلَّا لصحابي رَآهُ لحافظ صفته حَتَّى يكون الْمِثَال الَّذِي رَآهُ فِي الْمَنَام مطابقا لخلقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَاب الرَّابِع عشر فِي السّفر وَفِيه فصلان (الأول) فِي أَنْوَاعه وَهُوَ ضَرْبَان هرب وَطلب فَأَما الْهَرَب فَهُوَ الْخُرُوج من دَار الْحَرْب إِلَى دَار السَّلَام وَالْخُرُوج من دَار الْبِدْعَة وَالْخُرُوج من أَرض غلب عَلَيْهَا الْحَرَام والفرار من الاذاية فِي الْبدن أَو الْأَهْل أَو المَال وَأما الطّلب فسفر الْعبْرَة وَهُوَ ندب وسفر الْحَج وَهُوَ فرض وسفر الْجِهَاد وَله حِكْمَة وسفر المعاش للتِّجَارَة أَو نَحْوهَا وَالسّفر لقصد الْبِقَاع الْكَرِيمَة وَهِي إِمَّا أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَأما مَوَاضِع الرِّبَاط وَالسّفر لطلب الْعلم ولزيارة الاخوان ولقاء الصَّالِحين (الْفَصْل الثَّانِي) فِي آدابه وَهِي سَبْعَة الأول تَقْدِيم الإستخارة وَالثَّانِي أَن يَقُول عِنْد خُرُوجه بِسم الله اللَّهُمَّ أَنْت الصاحب فِي السّفر والخليفة فِي الْأَهْل اللَّهُمَّ أزو لنا الأَرْض وهون علينا السّفر اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنقلب وَمن سوء المنظر فِي الْأَهْل وَالْمَال الثَّالِث أَن ينظر الرفيق وَخير الرفقاء أَرْبَعَة وَإِن كَانَت امْرَأَة فَلَا تُسَافِر إِلَّا مَعَ زوج أَو ذِي محرم فَإِن عدمتها واضطرت إِلَى الْخُرُوج سَافَرت مَعَ نسَاء مؤمنات ويجوزأن تُسَافِر المتجالة الَّتِي انْقَطَعت حَاجَة النَّاس مِنْهَا مَعَ غير ذِي محرم الرَّابِع الرِّفْق بالدواب الْخَامِس أَن لَا يعرس على الطَّرِيق لِأَنَّهَا طَرِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الدَّوَابّ ومأوى الْحَيَّات السَّادِس أَن يعجل الرُّجُوع إِلَى أَهله إِذا قضى مهمته من سَفَره السَّابِع أَن يدْخل فِي صدر النَّهَار وَلَا يَأْتِي أَهله طروقا الْبَاب الْخَامِس عشر فِي آدَاب الصُّحْبَة اخْتلفت مَذَاهِب النَّاس فِي صُحْبَة النَّاس فَمنهمْ من اخْتَار الصُّحْبَة لقصد النَّفْع والإنتفاع ولفضل الْأُخوة فِي الله تَعَالَى وَمِنْهُم من اخْتَار الإنقباض وَالْعُزْلَة لِأَنَّهَا أقرب إِلَى السَّلامَة وَلِأَن شُرُوط الصُّحْبَة قل مَا تُوجد وَالنَّاس ثَلَاثَة أَصْنَاف أصدقاء وَقَلِيل مَا هم ومعارف وهم أضرّ النَّاس عَلَيْهِ وَمن لَا يعرفك وَلَا تعرفه فقد سلمت مِنْهُ وَسلم مِنْك فَأَما الصّديق فشروطه سَبْعَة (الأول) أَن يكون سنيا فِي اعْتِقَاده (الثَّانِي) أَن يكون تقيا فِي دينه فَإِنَّهُ إِن كَانَ بدعيا أَو فَاسِقًا رُبمَا جر صَاحبه إِلَى مذْهبه أَو ظن النَّاس فِيهِ ذَلِك فَإِن الْمَرْء على دين خَلِيله (الثَّالِث) أَن يكون عَاقِلا فصحبة الأحمق بلَاء (الرَّابِع) أَن يكون حسن الْخلق فَإِن كَانَ سيء الْخلق لم تؤمن عداوته وتختبره بِأَن تغضبه فَإِن غضب فاترك صحبته (الْخَامِس) أَن يكون سليم الصَّدْر فِي الْحُضُور والغيبة لَا حقودا وَلَا حسودا وَلَا مرِيدا للشر وَلَا ذَا وَجْهَيْن (السَّادِس) أَن يكون ثَابت الْعَهْد غير ملول وَلَا متلول (السَّابِع) أَن يقوم بحقوقك كَمَا تقوم بحقوقه فَلَا خير فِي صُحْبَة من لَا يرى لَك من الْحق مثل الَّذِي ترى لَهُ وَحُقُوق الصّديق سَبْعَة ((الأول)) الْمُشَاركَة فِي المَال حَتَّى لَا يخْتَص أَحدهمَا بِشَيْء دون الآخر ((الثَّانِي)) الْإِعَانَة بِالنَّفسِ فِي قَضَاء الْحَاجَات وَتَقْدِيم حَاجته على حَاجَتك ((الثَّالِث)) الْمُوَافقَة لَهُ على أَقْوَاله والمساعدة لَهُ على أغراضه من غير مُخَالفَة وَلَا مُنَازعَة فَإِن الْمُخَالفَة توجب الْبغضَاء ((الرَّابِع)) الْعَفو عَن هفوات الصّديق والإغضاء عَن عيوبه فَمن طلب صديقا بِلَا عيب بَقِي بِلَا صديق ((الْخَامِس)) النَّصِيحَة لَهُ فِي دينه ودنياه ((السَّادِس)) الخلوص فِي مودته ظَاهرا وَبَاطنا حَاضرا وغائبا والإنتصار لَهُ فِي غيبته ((السَّابِع)) الدُّعَاء لَهُ بِظهْر الْغَيْب وَأما سَائِر النَّاس فحقوق الْمُسلم على الْمُسلم عشرَة أَن يسلم عَلَيْهِ إِذا لقِيه ويعوده إِذا مرض ويجيبه إِذا دَعَاهُ ويشمته إِذا عطس وَيشْهد جنَازَته إِذا مَاتَ ويبر قسمه إِذا أقسم وَينْصَح لَهُ إِذا استنصحه وَيُحب لَهُ من الْخَيْر مَا يحب لنَفسِهِ ويكف عَنهُ شَره مَا اسْتَطَاعَ فالمسلم من سلم الْمُسلمُونَ من يَده وَلسَانه ويبذل لَهُ من خَيره مَا اسْتَطَاعَ فِي دينه ودنياه فَإِن لم يقدر على شَيْء فكلمة طيبَة فَإِن كَانَ من الْقَرَابَة فيزيد على ذَلِك حق صلَة الرَّحِم بِالْإِحْسَانِ والزيارة وَحسن الْكَلَام وَاحْتِمَال الْجفَاء وَإِن كَانَ جارا أَو ضيفا فَلهُ حق الضِّيَافَة والجوار وَإِن كَانَ مَمْلُوكا فَلهُ حق الرِّفْق بِهِ وتوفية حُقُوقه من كسوته وَطَعَامه وموجبات الْمَوَدَّة ثَلَاثَة أَن تبدأ أَخَاك بِالسَّلَامِ وَتوسع لَهُ الْمجْلس وَتَدْعُوهُ بِأحب أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ وجماع حسن الْخلق ثَلَاثَة كف الْأَذَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَاحْتِمَال الْأَذَى وبذل الْمَعْرُوف وجماع ذَلِك كُله أَن تكون لأخيك كَمَا تحب أَن يكون هُوَ لَك وَأفضل الْفَضَائِل أَن تصل من قَطعك وَتُعْطِي من حَرمك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك وَلَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث لَيَال وَالسَّلَام يخرج عَن الهجران وخيرهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ ويهجر أهل الْبدع والفسوق لِأَن الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله من الْإِيمَان مَسْأَلَة لَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون وَاحِد لِأَن ذَلِك يحزنهُ لَا فِي سفر وَلَا فِي حضر وَكَذَلِكَ لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَة دون وَاحِد وَكلما كَثْرَة الْجَمَاعَة اشْتَدَّ حزنه فَيجب الْمَنْع الْبَاب السَّادِس عشر فِي السَّلَام والإستيذان والعطاس والتثاؤب وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي السَّلَام والإبتداء بِهِ سنة على الْكِفَايَة ورده وَاجِب على الْكِفَايَة فَذَلِك يَجْزِي الْوَاحِد عَن الْجَمَاعَة فِي الإبتداء وَالرَّدّ وَلَا يُزَاد فِيهِ على الْبركَة وَيسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي وَالصَّغِير على الْكَبِير والقليل على الْكثير فَأَما الدَّاخِل على شخص أَو الْمَار عَلَيْهِ فَيسلم عَلَيْهِ مُطلقًا وَلَا يبْدَأ الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَمن سلم عَلَيْهِم لم يحْتَج أَن يستقيلهم خلافًا لِابْنِ عمر وَإِذا بَدَأَ وَارِد عَلَيْهِم عَلَيْكُم بِغَيْر وَاو وَقيل وَعَلَيْكُم بإثباتها وَلَا يسلم على الْمَرْأَة الشَّابَّة بِخِلَاف المتجالة وَلَا يسلم على أهل الْبدع كالخوارج والقدرية وَغَيرهم إِلَّا على أهل لَهُ حَال تَلبسهمْ بِهِ وَلَا يسن السَّلَام على الْمُصَلِّي وَيكرهُ على من يقْضِي حَاجته وَمن دخل منزله فليسلم على أَهله وَإِن دخل منزلا لَيْسَ فِيهِ أحد فَلْيقل السَّلَام عَليّ وعَلى عباد الله الصَّالِحين وَأما المصافحة فجائزة وَقيل مَكْرُوهَة وَقيل مُسْتَحبَّة وَتكره المعانقة وتقبيل الْيَد فِي السَّلَام وَلَو من العَبْد وَيَنْبَغِي لسَيِّده أَن يزجره عَن ذَلِك إِلَّا أَن يكون غير مُسلم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الإستيذان وَصفته أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم أَدخل ثَلَاثًا فَإِن أذن لَهُ وَإِلَّا انْصَرف والإستيذان وَاجِب فَلَا يجوز لأحد أَن يدْخل على أحد بَيته حَتَّى يسْتَأْذن عَلَيْهِ أَجْنَبِيّا كَانَ أَو قَرِيبا ويستأذن على أمه وعَلى كل من لَا يحل لَهُ النّظر إِلَى عورتها وَإِذا اسْتَأْذن وَقيل لَهُ من أَنْت فليسم نَفسه باسمه أَو بِمَا يعرف بِهِ وَلَا يقل أَنا (الْفَصْل الثَّالِث) فِي العطاس والتثاؤب يَنْبَغِي للعاطس أَن يَقُول الْحَمد لله وَلمن سَمعه أَن يشمته وَهُوَ يَقُول لَهُ يَرْحَمك الله فَيُجِيبهُ الْعَاطِس بقوله يغْفر الله لنا وَلكم أَو يهديكم الله وَيصْلح بالكم والتشميت بالشين الْمُعْجَمَة وبالسين الْمُهْملَة وَهُوَ مُسْتَحبّ وَكَذَلِكَ جَوَابه وَقيل هُوَ وَاجِب على الْكِفَايَة فيجزي وَاحِد عَن الْجَمَاعَة وَقيل على الْعين فَلَا يَجْزِي أحد عَن غَيره وَلَا يشمت من لم يحمد الله وليرفع صَوته بِالْحَمْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ليسمع فيشمت وَمن عطاسه شمت إِلَى الثَّلَاثَة وَلم يشمت فِيمَا بعْدهَا وَمن تثاءب فليجعل يَده على فَمه ويكظه مَا فَإِنَّهُ من الشَّيْطَان الْبَاب السَّابِع عشر فِيمَا يَفْعَله الْإِنْسَان فِي بدنه وَفِيه أَربع مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي خِصَال الْفطْرَة وَهِي عشرَة خمس فِي الرَّأْس وَهِي السِّوَاك والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق وقص الشَّارِب لَا حلقه وإعفاء اللِّحْيَة لَا أَن تطول جدا فَلهُ الْأَخْذ مِنْهَا وَخمْس فِي الْجَسَد الِاسْتِنْجَاء والختان ونتف الإبطين وَحلق الْعَانَة وتقليم الأظافر وعد بَعضهم فِيهَا فرق الشّعْر بَدَلا من ذكر السِّوَاك (فرع) مَذْهَب مَالك أَن الشَّارِب يقص وَلَا يحلق وَحمل على ذَلِك الإحفاء الْمَأْمُور بِهِ فِي الحَدِيث وَقَالَ من حلق شَاربه يوجع ضربا وَأَجَازَ الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل حلقه وحملا على ذَلِك الإحفاء (فرع) لَا حد فِي زمَان فعل هَذِه الْخِصَال فَإِذا احْتَاجَ إِلَيْهَا الْإِنْسَان فعلهَا وَقد جَاءَ الحَدِيث أَرْبَعُونَ يَوْمًا فِي قصّ الأظافر وَحلق الْعَانَة (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي حلق الشّعْر قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله الشّعْر على الرَّأْس زِينَة وحلقه بِدعَة وَيجوز أَن يتَّخذ جمة وَهُوَ مَا أحَاط بمنابت الشّعْر ووفرة وَهُوَ مَا زَاد على ذَلِك إِلَى شحمة الْأُذُنَيْنِ وَأَن يكون أطول من ذَلِك وَيكرهُ القزع وَهُوَ أَن يحلق الْبَعْض وَيتْرك الْبَعْض (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) يجوز صبغ الشّعْر بالصغرة والحناء والكتم اتِّفَاقًا وَاخْتلف هَل الْأَفْضَل الصَّبْغ أَو تَركه وَكَانَ من السّلف من يَفْعَله وَمن يتْركهُ وَاخْتلف فِي جَوَاز الصَّبْغ بِالسَّوَادِ وكراهته فَقَالَ مَالك مَا سَمِعت فِيهِ شَيْئا وَغَيره أحب إِلَيّ وَكَرِهَهُ قوم لحَدِيث أبي قُحَافَة وَيكرهُ نتف الشيب وَإِن قصد بِهِ التلبيس على النِّسَاء فَهُوَ أَشد فِي الْمَنْع (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) لَا يحل للْمَرْأَة التلبيس بتغيير خلق الله تَعَالَى وَمِنْه أَن تصل شعرهَا الْقصير بِشعر آخر طَوِيل وَأَن تشم وَجههَا وبدنها وَأَن تنشر أسنانها وَأَن تتنمص فالوشم غرز إبرة أَو مشرط أَو غير ذَلِك ثمَّ يحشى مَوْضِعه بالكحل فيخضر والنشر تَحت الْأَسْنَان حَتَّى تتفلج وتتحد أطرافها والتنمص نتف الشّعْر من وَجههَا وَيجوز لَهَا أَن تخضب يديدها ورجليها بِالْحِنَّاءِ وَأَجَازَ مَالك التطريف وَهُوَ صبغ أَطْرَاف الْأَصَابِع والأضافر وَنهى عَنهُ عمر الْبَاب الثَّامِن عشر فِي أَحْكَام الدَّوَابّ والتصوير وَفِيه خمس مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي وسم الدَّوَابّ وَلَا بَأْس بوسم الْحَيَوَان كُله بعلامة يعرف بهَا وَيكرهُ الوسم فِي الْوَجْه لِأَنَّهُ مثلَة وتوسم الْغنم فِي آذانها لتعذره فِي أجسادها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 لِأَنَّهُ يغيب بالصوف وَمن لَهُ سمة قديمَة فَأَرَادَ غَيره أَن يحدث مثلهَا منع خوف اللّبْس (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي الخصاء وَيجوز خصاء الْغنم وَسَائِر الدَّوَابّ إِلَّا الْخَيل لِأَن الْغنم ترَاد للْأَكْل وخصاؤها يزِيد فِي سمنها وَالْخَيْل ترَاد للرُّكُوب وخصاؤها ينقص من قوتها وَيقطع نسلها وَإِذا كلب الْفرس وخبث فَلَا بَأْس أَن يخصى وَيجوز أَن ينزى حمَار على فرس عَرَبِيَّة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) لَا يجوز شدّ الأوتار على الدَّوَابّ وَلَا تَعْلِيق الْأَجْرَاس عَلَيْهَا للنَّهْي عَن ذَلِك فِي الحَدِيث وَهِي الجلاجل الْكِبَار بِخِلَاف الصغار وَكلما عظم الجرس كَانَ أَشد فِي الْمَنْع لشبهه بالناقوس وَقيل لِأَنَّهُ يعلم الْعَدو بِنَا فيقصدنا إِن كَانَ طَالبا وَيبعد إِن كَانَ هَارِبا (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي قتل الدَّوَابّ المؤذية أما الْحَيَّات الَّتِي فِي الْبيُوت فتؤذن ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن بدا بعد ذَلِك قتل وَاخْتلف هَل ذَلِك عَام فِي جَمِيع الْبيُوت أم خَاص بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُؤذن مَا يُوجد من الْحَيَّات فِي غير الْبيُوت كالصحاري والأودية بل تقتل وَأما لوزع فَيقْتل حَيْثُ مَا وجد وَكَذَلِكَ الحدأ والغراب والفأرة وَالْكَلب الْعَقُور لِأَنَّهَا الفواسق الَّتِي أَمر بقتلها فِي الْحل وَالْحرم وكذلكالزنبور وَأما النَّمْل والنحل فَلَا يفتل إِلَّا أَن يُؤْذِي وَلَا يقتل شَيْء من الْحَيَوَان بالنَّار (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) لَا يجوز عمل التماثيل على صُورَة الْإِنْسَان أَو شَيْء من الْحَيَوَان وَلَا اسْتِعْمَالهَا فِي شَيْء أصلا وَالْمحرم من ذَلِك بِالْإِجْمَاع مَا لَهُ قَائِم على صفة مَا يحيى من الْحَيَوَان وَمَا سوى ذَلِك من الرسوم فِي الْحِيطَان أَو الرقوم فِي الستور والبسط والوسائد فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال الْمَنْع وَالْجَوَاز وَالْكَرَاهَة واختصاص الْجَوَاز بِمَا يمتهن كالبسط بِخِلَاف الستور والمعلقة وَيُبَاح لعب الْجَوَارِي بالصور النَّاقِصَة غير التَّامَّة الْخلقَة كالعظام الَّتِي ترسم فِيهَا وُجُوه وَقَالَ أصبغ الَّذِي يُبَاح مَا يسْرع إِلَيْهِ البلى الْبَاب التَّاسِع عشر فِي مُخَالطَة الرِّجَال للنِّسَاء وَفِيه فصلان (الْفَصْل الأول) فِي حكم النّظر وَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام (الأول) نظر الرجل للْمَرْأَة فَإِن كَانَت زَوجته أَو مملوكته جَازَ لَهُ أَن ينظر إِلَى جَمِيع جَسدهَا حَتَّى فرجهَا وَإِن كَانَت ذَات محرم جَازَ لَهُ رُؤْيَة وَجههَا ويديها دون سَائِر جَسدهَا على الْأَصَح وَإِن كَانَت سيدته جَازَ لَهُ أَن يرى مِنْهَا مَا يرى ذُو الْمحرم إِلَّا أَن يكون لَهُ منظر فَيكْرَه أَن يرى مَا عدا وَجههَا وَلَا يدْخل الْخصي على الْمَرْأَة إِلَّا إِن كَانَ عَبدهَا أَو عبد زَوجهَا وَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة جَازَ أَن يرى الرجل من المتجالة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَا يجوز أَن يرى ذَلِك من الشَّابَّة إِلَّا لعذر من شَهَادَة أَو معالجة أَو خطْبَة (الثَّانِي) نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل فَإِن كَانَ زَوجهَا أَو سَيِّدهَا جَازَ أَن ترى مِنْهُ مَا يرى مِنْهَا وَإِن كَانَت ذَات محرم أَو سيدته جَازَ أَن ترى مِنْهُ جسده كُله إِلَّا عَوْرَته وَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة فَقيل حكمهَا حكم الرجل مَعَ ذَوَات محارمة وَقيل كنظر الرجل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 (الثَّالِث) نظر الرجل إِلَى الرجل (الرَّابِع) نظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فَيمْنَع النّظر إِلَى الْعَوْرَة وَيجوز مَا سواهَا فِي الْوَجْهَيْنِ (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَا زَاد على النّظر إِمَّا الْخلْوَة فَلَا يجوز أَن يَخْلُو رجل بِامْرَأَة لَيست زَوجته وَلَا ذَات محرم مِنْهُ وَأما المجالسة والمؤاكلة فَلَا تجوز مَعَ من يمْنَع النّظر إِلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة وَلَا يجوز أَن تؤاكل الْمَرْأَة عَبدهَا إِلَّا إِذا كَانَ وَغدا دنيئا يُؤمن مِنْهُ التَّلَذُّذ بِالنسَاء بِخِلَاف من لَا يُؤمن ذَلِك مِنْهُ وَأما المضاجعة فَلَا يجوز أَن يجْتَمع رجل وَامْرَأَة غير زَوجته أَو مملوكته فِي مَضْجَع وَاحِد لَا متجردين وَلَا غير متجردين وَلَا يجوز أَن يجْتَمع رجلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي مَضْجَع وَاحِد متجردين وَقد نهى عَن المعاكمة وَمَعْنَاهَا المضاجعة وَيفرق بَين الصّبيان فِي الْمضَاجِع لسبع وَقيل لعشر الْبَاب الموفي عشْرين فِي الطِّبّ والرقي وَمَا أشبه ذَلِك وَفِيه ثَمَان مسَائِل (الْمَسْأَلَة الأولى) فِي حكم علاج الْمَرِيض وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع (الأول) مَمْنُوع وَهُوَ التَّدَاوِي بِشرب الْخمر وَبَوْل الْإِنْسَان (الثَّانِي) مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ اسْتِعْمَال الْخمر وَالْبَوْل من غير شرب كَغسْل القرحة بهما وَاسْتِعْمَال غَيرهمَا من النَّجَاسَات الَّتِي أخف وَاخْتلف فِي الكي وَالصَّحِيح جَوَازه (الثَّالِث) جَائِز كشرب الدَّوَاء أَو الحمية أَو فصد الْعُرُوق أَو غير ذَلِك (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) من النَّاس من اخْتَار التَّدَاوِي لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تداووا فَإِن الَّذِي أنزل الدَّاء أنزل الدَّوَاء وَمِنْهُم من اخْتَار تَركه توكلا على الله وتفويضا إِلَيْهِ وتسليما لأَمره تبَارك وَتَعَالَى وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَبِه أَخذ أَكثر المتصوفة (الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة) فِي حُقُوق الْمَرِيض وَفِي العيادة والتمريض فالعيادة مُسْتَحبَّة فِيهَا ثَوَاب والتمريض فرض كِفَايَة فَيقوم بِهِ الْقَرِيب ثمَّ الصاحب ثمَّ الْجَار ثمَّ سَائِر النَّاس (الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة) فِي الْعين وَمن أصَاب أحدا بِالْعينِ أَمر أَن يتَوَضَّأ لَهُ فِي إِنَاء وَيصب المَاء على الْمَأْخُوذ بِالْعينِ وَصفته أَن يغسل العائن وَجهه وَيَديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجلَيْهِ وداخلة أزراره وَهِي الطّرف الْأَيْسَر من طَرفَيْهِ اللَّذين يشد بهما وَيذكر أَن مِمَّا ينفع من الْعين قِرَاءَة قَوْله تَعَالَى وَأَن يكَاد الَّذِي كفرُوا ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ الْآيَة (الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة) يجوز تَعْلِيق التمائم وَهِي العوذة الَّتِي تعلق على الْمَرِيض وَالصبيان وفيهَا الْقُرْآن وَذكر الله تَعَالَى إِذا خرز عَلَيْهَا جلد وَلَا خير فِي ربطها بالخيوط هَكَذَا نقل الْقَرَافِيّ وَيجوز تَعْلِيقهَا على الْمَرِيض وَالصَّحِيح خوفًا من الْمَرَض وَالْعين عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَ قوم لَا يعلقها الصَّحِيح وَأما الحروز الَّتِي تكْتب بخواتم وَكِتَابَة غير عَرَبِيَّة فَلَا يتجوز لمريض وَلَا لصحيح لِأَن ذَلِك الَّذِي فِيهَا يحْتَمل أَن يكون كفرا أَو سحرًا (الْمَسْأَلَة السَّادِسَة) فِي الطَّاعُون وَهُوَ الوباء وَإِذا وَقع بِأَرْض فَلَا يخرج مِنْهَا من كَانَ فِيهَا فِرَارًا مِنْهُ وَلَا يقدم عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 من كَانَ فِي غَيرهَا على مَا ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح قَالَ ابْن رشد عَن مَالك لَا بَأْس بِالْخرُوجِ مِنْهُ والقدوم عَلَيْهِ لِأَن النَّهْي نهي إرشاد وتأديب لَا نهي تَحْرِيم (الْمَسْأَلَة السَّابِعَة) فِي الْعَدْوى وَقد نفاها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَقَالَ لَا عدوى وَلَا طيرة وَذَلِكَ تَحْقِيق للقدر وَنفي لما كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَعْتَقِدُونَ فالعدوى تعدِي الْمَرَض من إِنْسَان إِلَى آخر وَمن بَهِيمَة إِلَى أُخْرَى إِلَّا أَنه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل الْمَرَض على الصَّحِيح وَلَا يحل الصَّحِيح على الممرض وَذَلِكَ لِئَلَّا يَقع فِي النَّفس شَيْء وَأما الطَّيرَة فَهِيَ الْكَلَام الْمَكْرُوه يتطير بِهِ وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الطَّيرَة وَيُعْجِبهُ الفال الْحسن (الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة) فِي الرقي وَالدُّعَاء للْمَرِيض ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح رقية اللديغ بِأم الْقُرْآن وَإنَّهُ برىء وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَاد مَرِيضا لم يحضرهُ أَجله فَقَالَ عِنْده سبع مَرَّات اسْأَل الله الْكَرِيم رب الْعَرْش الْعَظِيم أَن يشفيك عافاه الله من ذَلِك الْمَرَض وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عَاد مَرِيضا قَالَ اذْهَبْ الباس رب النَّاس واشف فَأَنت الشافي شِفَاء لَا يُغَادر سقماء وَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام رقاه بِهَذِهِ الرّقية بِسم الله أرقيك وَالله يشفيك من كل دَاء فِيك وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعود الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فَيَقُول أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة من شَرّ كل شَيْطَان رجيم وَهَامة وَمن شَرّ كل عين لَامة وَيَقُول هَكَذَا كَانَ أبي إِبْرَاهِيم يعوذ اسحق وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام وروينا حَدِيثا مسلسلا فِي قِرَاءَة آخر سُورَة الْحَشْر مَعَ وضع الْيَد على الرَّأْس إِنَّهَا شِفَاء من كل دَاء إِلَّا السام والسام هُوَ الْمَوْت وَقد جربناه مرَارًا عديدة فوجدناه حَقًا (وَهَا هُنَا انْتهى) الْكتاب الْجَامِع وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296