الكتاب: نهاية الزين في إرشاد المبتدئين المؤلف: محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا (المتوفى: 1316هـ) الناشر: دار الفكر - بيروت الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نهاية الزين نووي الجاوي الكتاب: نهاية الزين في إرشاد المبتدئين المؤلف: محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا (المتوفى: 1316هـ) الناشر: دار الفكر - بيروت الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] خطْبَة الْكتاب الْحَمد لله الَّذِي قوى بدلائل دينه أَرْكَان الشَّرِيعَة وَصحح بأحكامه فروع الْملَّة الحنيفية أَحْمَده سُبْحَانَهُ على مَا علم وأشكره على مَا أنعم وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث رَحْمَة للْعَالمين الْقَائِل من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه صَلَاة تَنْشَرِح بهَا الصُّدُور وتهون بهَا الْأُمُور وتنكشف بهَا الستور وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا مَا دَامَت الدهور أما بعد فَيَقُول العَبْد الْفَقِير الراجي من ربه الْخَبِير غفر الذُّنُوب وَالتَّقْصِير مُحَمَّد نووي ابْن عمر التناري بَلَدا الْأَشْعَرِيّ اعتقادا الشَّافِعِي مذهبا هَذَا شرح على قُرَّة الْعين بمهمات الدّين للشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين ابْن الشَّيْخ عبد الْعَزِيز ابْن الْعَلامَة زين الدّين بن عَليّ بن أَحْمد المليباري الفناني قصدت بِهِ نفع إخْوَانِي القاصرين مثلي وسميته نِهَايَة الزين فِي إرشاد االمبتدئين وَلم يكن لي مِمَّا سطر فِي هَذَا الْكتاب شَيْء بل جَمِيعه مَأْخُوذ من عِبَارَات المؤلفين نفعنا الله بهم آمين وغالب مَا فِيهِ من نِهَايَة الأمل للشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أبي خضير الدمياطي فَإِنَّهَا عين غديقة وَمن نِهَايَة الْمُحْتَاج وتحفة المحتاجللإكليلين مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَأحمد بن حجر فَإِنَّهُمَا عمدتان للمتأخرين من الْعلمَاء الشَّافِعِيَّة وَمن فتح الْجواد وَالنِّهَايَة شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أبي شُجَاع وَمن الْحَوَاشِي فَمَا كَانَ فِيهِ من صَوَاب فمنسوب إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا كَانَ من خطأ فَمن ذهني الكليل فالمرجو مِمَّن اطلع عَلَيْهِ أَن يصلحه بلطف واحتياط وَالله أسأَل وبنبيه الْكَرِيم أتوسل أَن ينفع بِهِ كَمَا نفع بأصوله وَأَن يحله مَحل الْقبُول إِنَّه أكْرم مسؤول (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) أَقسَام الِاسْم تِسْعَة أَولهَا الِاسْم الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب ذَاته كَسَائِر الْأَعْلَام نَحْو زيد فَإِنَّهُ ذَات الشَّيْء وَحَقِيقَته ثَانِيهَا الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب جُزْء من أَجزَاء ذَاته كالجوهر للجدار والجسم لَهُ ثَالِثهَا الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِذَاتِهِ كالأسود والأبيض والحار والبارد رَابِعهَا الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة إضافية فَقَط كالمعلوم وَالْمَفْهُوم وَالْمَذْكُور وَالْمَالِك والمملوك خَامِسهَا الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة سلبية كأعمى وفقير وسليم عَن الْآفَات سادسها الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة حَقِيقِيَّة مَعَ صفة إضافية كعالم وقادر بِنَاء على أَن الْعلم وَالْقُدْرَة صفة حَقِيقِيَّة لَهَا إِضَافَة للمعلومات والمقدورات سابعها الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة حَقِيقِيَّة مَعَ صفة سلبية كقادر لَا يعجز وعالم لَا يجهل وكواجب الْوُجُود ثامنها الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب صفة إضافية على صفة سلبية كلفظة أول فَإِنَّهُ عبارَة عَن كَونه سَابِقًا غَيره وَهُوَ صفة إضافية وَأَنه لَا يسْبقهُ غَيره وَهُوَ صفة سلبية وكالقيوم فَإِن مَعْنَاهُ كَونه قَائِما بِنَفسِهِ أَي لَا يحْتَاج إِلَى غَيره وَهُوَ سلب ومقوما لغيره وَهُوَ إِضَافَة تاسعها الْوَاقِع على الشَّيْء بِحَسب مَجْمُوع صفة حَقِيقِيَّة وإضافية وسلبية كالإله فَإِنَّهُ يدل على كَونه مَوْجُودا أزليا وَاجِب الْوُجُود لذاته وعَلى الصِّفَات السلبية الدَّالَّة على التَّنْزِيه وعَلى الصِّفَات الإضافية الدَّالَّة على الإيجاد والتكوين وَالله علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود أَي الَّذِي لَا يُمكن عَدمه لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَال وَلَا فِي الِاسْتِقْبَال وَلم يُوجد نَفسه وَلم يوجده غَيره قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ الِاسْم الْأَعْظَم هُوَ الله عِنْد أهل الْعلم والرحمن الرَّحِيم صفتان مشبهتان من رحم بتنزيله منزلَة اللَّازِم بِأَن يبْقى على صفته غير مُتَعَلق بالمفعول فَيُقَال رحم الله أَي كثرت رَحمته أَو بجعله لَازِما بِأَن يحول من فعل بِكَسْر الْعين إِلَى فعل بضَمهَا وَقدم الله على الرَّحْمَن الرَّحِيم لِأَنَّهُ اسْم ذَات وهما اسْما صفة والذات مُقَدّمَة على الصّفة وَقدم الرَّحْمَن على الرَّحِيم لِأَنَّهُ خَاص إِذْ لَا يُقَال لغير الله بِخِلَاف الرَّحِيم وَالْخَاص مقدم على الْعَام وَلِأَنَّهُ أبلغ من الرَّحِيم والأبلغية تُوجد تَارَة بِاعْتِبَار الْعدَد وَلِهَذَا قيل يَا رَحْمَن الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يعم الْمُؤمن وَالْكَافِر وَرَحِيم الْآخِرَة لِأَنَّهُ يخص الْمُؤمن وَتارَة بِاعْتِبَار الصّفة وَلِهَذَا قيل يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَرَحِيم الدُّنْيَا لِأَن النعم الأخروية كلهَا جسام وَأما النعم الدُّنْيَوِيَّة فجليلة وحقيرة (الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا) أَي دلنا لهَذَا الْعَمَل (وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وَهَذِه الْجُمْلَة مستأنفة أَو حَال لَكِنَّهَا فِي معنى التَّعْلِيل وَمَا نَافِيَة وَكَانَ فعل نَاقص ونا اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف مُتَعَلق للام الْجُحُود الزَّائِدَة أَي مَا كُنَّا مرَادا هدايتنا وَأَن هدَانَا الله مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا وَجَوَاب لَوْلَا مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ قَوْله وَمَا كُنَّا لنهتدي أَي لَوْلَا هِدَايَة الله مَوْجُودَة مَا اهتدينا وَالْحَمْد اللَّفْظِيّ لُغَة الثَّنَاء بِآلَة النُّطْق لأجل الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ حَقِيقَة أَو حكما مَعَ قصد التَّعْظِيم ظَاهرا وَبَاطنا سَوَاء كَانَ فِي مُقَابلَة نعْمَة أم لَا (وَالصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي الدُّعَاء لله بِالرَّحْمَةِ المقرونة بتعظيم وَالدُّعَاء لله بالتحية بالسلامة من الْآفَات (على سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله) رِسَالَة عَامَّة للإنس وَالْجِنّ على وَجه التَّكْلِيف ولغيرهم على وَجه التشريف وشرعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ينسخه شرع آخر لعدم وجوده بعده وَوَقع نسخ بعض شَرعه بِبَعْضِه وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْمَخْلُوقَات جَمِيعًا ويليه سيدنَا إِبْرَاهِيم ثمَّ سيدنَا مُوسَى ثمَّ سيدنَا عِيسَى ثمَّ سيدنَا نوح وَهَؤُلَاء أولو الْعَزْم ثمَّ بَقِيَّة الرُّسُل ثمَّ الْأَنْبِيَاء غير الرُّسُل ثمَّ الرؤساء الْأَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة وهم جِبْرِيل ثمَّ مكيائيل ثمَّ إسْرَافيل ثمَّ عزرائيل ثمَّ عوام الْبشر وَالْمرَاد بهم غير الْأَنْبِيَاء من الْأَوْلِيَاء كَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وأشباههم ثمَّ عوام الْمَلَائِكَة وَالْمرَاد من عدا الرؤساء الْأَرْبَعَة كحملة الْعَرْش وهم الْآن أَرْبَعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَيّدهُم الله تَعَالَى بأَرْبعَة أُخْرَى وكالكروبيين بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء وهم مَلَائِكَة حافون بالعرش طائفون بِهِ (وعَلى آله) وهم الْمُؤْمِنُونَ وَلَو عصاة واعتقاد أهل السّنة أَن أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْأُمَم أَجْمَعِينَ (وَصَحبه) اسْم جمع لصَاحب بِمَعْنى الصَّحَابِيّ وَهُوَ من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نبوته فِي حَال حَيَاته وَلَو أعمى كَابْن أم مَكْتُوم أَو غير مُمَيّز وَمن ثمَّ عدوا مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا صحابيا مَعَ وِلَادَته قبل وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثَة أشهر وَأَيَّام وعد بعض الْمُحدثين من رَآهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النُّبُوَّة وَمَات قبلهَا على دين الحنيفية كزيد بن عَمْرو بن نفَيْل صحابيا (الفائزين بِرِضا الله) تَعَالَى وَخير الصَّحَابَة رؤوسهم الْأَرْبَعَة الَّذين توَلّوا الْخلَافَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فأفضليتهم على تَرْتِيب الْخلَافَة فَأَبُو بكر مكث فِي الْخلَافَة سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَعمر مكث فِي الْخلَافَة عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَعُثْمَان مكث فِي الْخلَافَة إِحْدَى عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَتِسْعَة أَيَّام وَعلي مكث فِي الْخلَافَة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام ثمَّ بعد هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بَقِيَّة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد وَسَعِيد وَأَبُو عُبَيْدَة عَامر بن الْجراح ثمَّ بعدهمْ أهل دَار الخيزران غير من ذكر وَكلهمْ أَرْبَعُونَ رجلا كملوا بعمر بن الْخطاب وَقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مستخفين فِي دَار الخيزران وَفِي سَاعَة إِسْلَام عمر قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله لَا يعبد الله بعد الْيَوْم سرا اخْرُج بِنَا إِلَى قُرَيْش إِلَّا نَخَاف وَنحن أَرْبَعُونَ رجلا فَخَرجُوا صفّين يقدم أَحدهمَا عمر وَالْآخر حَمْزَة عَم رَسُول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ حَمْزَة قد أسلم قبله بِثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ بعدهمْ أهل غَزْوَة بدر وَهُوَ مَكَان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وهم ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر عدد أَصْحَاب طالوت غزوا مَعَ ألف من كفار قُرَيْش وَمَات من الصَّحَابَة أَرْبَعَة عشر رجلا سِتَّة من الْمُهَاجِرين وَثَمَانِية من الْأَنْصَار ثمَّ بعدهمْ فِي الْفَضِيلَة أهل غَزْوَة أحد وَهُوَ اسْم جبل قريب من الْمَدِينَة وهم سَبْعمِائة غزوا مَعَ ثَلَاثَة آلَاف من كفار مَكَّة وَمَات من الصَّحَابَة سَبْعُونَ ثمَّ بعدهمْ فِي الْفَضِيلَة أهل الْحُدَيْبِيَة وَهِي بِئْر بِقرب مَكَّة على طَرِيق جدة وهم الَّذين بَايعُوهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعَة الرضْوَان فهم ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم من الْمَدِينَة عَام سِتَّة من الْهِجْرَة لزيارة الْبَيْت الْحَرَام والاعتمار وَلم يكن مَعَهم سلَاح إِلَّا السيوف فنزلوا بأقصى الْحُدَيْبِيَة فصدهم الْمُشْركُونَ عَن دُخُول مَكَّة ودعا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس عِنْد الشَّجَرَة لِلْبيعَةِ على الْمَوْت أَو على أَن لَا يَفروا بل يصبرون على الْحَرْب فَبَايعُوهُ على ذَلِك فمشت الوسائط فِي الصُّلْح تَنْبِيه ينْدَرج فِي إِثْبَات الرسَالَة لسيدنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبَاحث علم الْفِقْه وَهِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ومباحث علم التَّوْحِيد وَهِي ثَلَاثَة إلهيات ونبويات وسمعيات فالإلهيات هِيَ الْمسَائِل المبحوث فِيهَا عَمَّا يجب لله تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَمَا يجوز فِي حَقه والنبويات هِيَ الْمسَائِل المبحوث فِيهَا عَمَّا يجب للرسل وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِم وَمَا يجوز فِي حَقهم والسمعيات هِيَ الْمسَائِل الَّتِي لَا تتلقى إِلَّا عَن السّمع وَلَا تعلم إِلَّا من الْوَحْي وَذَلِكَ كسؤال مُنكر وَنَكِير لنا فِي الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر ونعيمه والبعث للحشر والشفاعة وَكتب الْأَعْمَال والحساب وَالْمِيزَان والصراط وَالْجنَّة وَالنَّار والإسراء والمعراج وَبعد أَي بعد مَا تقدم من الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من ذكر (فَهَذَا) الْمُؤلف الْحَاضِر فِي الذِّهْن لَا فِي الْخَارِج (مُخْتَصر) أَي قَلِيل اللَّفْظ (فِي الْفِقْه) أَي لتَحْصِيل الْفِقْه وَهُوَ لُغَة الْفَهم وَاصْطِلَاحا ظن قوي بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية مكتسب من أدلتها التفصيلية بِأَن يُقَال اقيموا من قَوْله تَعَالَى {أقِيمُوا الصَّلَاة} أَمر وَالْأَمر للْوُجُوب فَقَوله أقِيمُوا للْوُجُوب وموضوعه أَفعَال الْمُكَلّفين من حَيْثُ عرُوض الْأَحْكَام التكليفية والوضعية لَهَا ومأخذه من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس والاستصحاب وَالِاسْتِحْسَان والاستقراء والاقتران فَإِن هَذِه أَدِلَّة ثمَّ الِاسْتِحْسَان دَلِيل ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد كَمَا اسْتحْسنَ إمامنا الشَّافِعِي التَّحْلِيف على الْمُصحف فَإِنَّهُ أبلغ فِي الزّجر وَفَائِدَته امْتِثَال أوَامِر الله تَعَالَى وَاجْتنَاب مناهيه المحصلان للفوائد الدُّنْيَوِيَّة والأخروية وَذَلِكَ كَالْبيع وَالشِّرَاء وكالصلاة وفضله أَنه من أشرف الْعُلُوم وَهُوَ من عُلُوم الدّين الشَّرْعِيَّة ونسبته أَنه فرع علم التَّوْحِيد واسْمه علم الْفِقْه وَعلم الْفُرُوع والواضع لَهُ إِجْمَالا الإِمَام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بِمَعْنى أَنه أول مُصَنف فِيهِ إِلَّا بَاب التَّفْلِيس وَالْحجر والسبق وَالرَّمْي فَأول مُصَنف فِيهِ إمامنا الشَّافِعِي وَحكم الشَّارِع فِي تعلمه الْوُجُوب الْعَيْنِيّ فِيمَا يتلبس بِهِ الشَّخْص والكفائي فِي غير ذَلِك ومسائله قضاياه الَّتِي يبْحَث فِيهِ عَنْهَا كَزَكَاة التِّجَارَة وَاجِبَة وَالْحلف بِغَيْر الله مَكْرُوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وزيارة الْقُبُور مُسْتَحبَّة وَالْأكل لَا بِقصد شَيْء مُبَاح (على مَذْهَب الإِمَام) الْمُجْتَهد اجْتِهَادًا مُطلقًا أَي على اخْتِيَاره للْأَحْكَام (الشَّافِعِي) نِسْبَة إِلَى شَافِع بن السَّائِب نسب هَذَا الإِمَام إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صَحَابِيّ ابْن صَحَابِيّ (رَحمَه الله تَعَالَى) والمجتهد الْمُطلق هُوَ من يقدر على استنباط الْأَحْكَام من الْأَدِلَّة ومجتهد الْمَذْهَب هُوَ الَّذِي يقدر على الاستنباط من قَوَاعِد إِمَامه كالمزني والبويطي ومجتهد الْفَتْوَى من يقدر على التَّرْجِيح لبَعض أَقْوَال إِمَامه على بعض كالنووي والرافعي لَا كالرملي وَابْن حجر لِأَنَّهُمَا مقلدان فَقَط وَيجب على من لم يكن فِيهِ أَهْلِيَّة الِاجْتِهَاد الْمُطلق أَن يُقَلّد فِي الْفُرُوع وَاحِدًا من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْمَشْهُورين وهم الإِمَام الشَّافِعِي وَالْإِمَام أَبُو حنيفَة وَالْإِمَام مَالك وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنْهُم وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} 21 الْأَنْبِيَاء الْآيَة 7 فَأوجب الله السُّؤَال على من لم يعلم وَيلْزم عَلَيْهِ الْأَخْذ بقول الْعَالم وَذَلِكَ تَقْلِيد لَهُ وَلَا يجوز تَقْلِيد غير هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من بَاقِي الْمُجْتَهدين فِي الْفُرُوع مثل الإِمَام سُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّحْمَن بن عمر الْأَوْزَاعِيّ وَلَا يجوز أَيْضا تَقْلِيد وَاحِد من أكَابِر الصَّحَابَة لِأَن مذاهبهم لم تضبط وَلم تدون وَأما من فِيهِ أَهْلِيَّة الِاجْتِهَاد الْمُطلق فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ التَّقْلِيد وَيجب على من لم يكن فِيهِ الْأَهْلِيَّة أَن يُقَلّد فِي الْأُصُول أَي العقائد للْإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ أَو الإِمَام أبي مَنْصُور الماتريدي لَكِن إِيمَان الْمُقَلّد مُخْتَلف فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْكَام الْآخِرَة أما بِالنّظرِ إِلَى أَحْكَام الدُّنْيَا فيكفيه الْإِقْرَار فَقَط وَالأَصَح أَن الْمُقَلّد مُؤمن عَاص إِن قدر على النّظر وَغير عَاص إِن لم يقدر ثمَّ إِن جزم بقول الْغَيْر جزما قَوِيا بِحَيْثُ لَو رَجَعَ الْمُقَلّد بِالْفَتْح لم يرجع هُوَ كَفاهُ فِي الْإِيمَان لكنه عَاص بترك النّظر إِن كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّة النّظر وَإِن لم يجْزم بقول الْغَيْر جزما قَوِيا بِأَن كَانَ جَازِمًا لَكِن لَو رَجَعَ الْمُقَلّد بِالْفَتْح لرجع هُوَ لم يكفه فِي الْإِيمَان وَيجب على من ذكر أَن يُقَلّد فِي علم التصوف إِمَامًا من أَئِمَّة التصوف كالجنيد وَهُوَ الإِمَام سعيد بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد سيد الصُّوفِيَّة علما وَعَملا رَضِي الله عَنهُ وَالْحَاصِل أَن الإِمَام الشَّافِعِي وَنَحْوه هداة الْأمة فِي الْفُرُوع وَالْإِمَام الْأَشْعَرِيّ وَنَحْوه هداة الْأمة فِي الْأُصُول والجنيد وَنَحْوه هداة الْأمة فِي التصوف فجزاهم الله خيرا ونفعنا بهم آمين (وسميته) أَي هَذَا الْمُخْتَصر (بقرة الْعين بمهمات الدّين راجيا) أَي مؤملا (من الرَّحْمَن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أَي كثير الرَّحْمَة جدا (أَن ينْتَفع بِهِ) أَي بِهَذَا الْمُخْتَصر (الأذكياء) أَي سراع الْفَهم (وَأَن تقر) أَي تفرح (بِهِ) أَي بِسَبَب هَذَا الْمُخْتَصر (عَيْني غَدا) أَي فِي الْجنَّة (بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم بكرَة وعشيا) وَيجب اعْتِقَاد أَنه تَعَالَى يرى بالأبصار فِي الْآخِرَة للْمُؤْمِنين بِلَا تكيف للمرئي بكيفية من كيفيات الْحَوَادِث من مُقَابلَة وجهة وتحيز وَغير ذَلِك وَمحل الرُّؤْيَة الْجنَّة بِلَا خلاف فيراه تَعَالَى أَهلهَا فِي مثل يَوْم الْجُمُعَة والعيد وَيَرَاهُ تَعَالَى خواصهم كل يَوْم بكرَة وعشيا قَالَ أَبُو زيد البسطامي إِن لله خَواص من عباده لَو حجبهم عَن الْجنَّة عَن رُؤْيَته تَعَالَى سَاعَة لاستغاثوا من الْجنَّة وَنَعِيمهَا كَمَا يستغيث أهل النَّار من النَّار وعذابها بَاب الصَّلَاة حَقِيقَتهَا شرعا أَقْوَال غَالِبا وأفعال وَلَو قلبية مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ المقترن بِالنِّيَّةِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ على وَجه مَخْصُوص وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع فرض عين بِالشَّرْعِ وَفرض عين بِالنذرِ وَفرض كِفَايَة وَسنة فالفرض الْعَيْنِيّ بِالشَّرْعِ خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَهِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح لَا غير ووجوبها مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فيكفر جاحدها وفرضت لَيْلَة الْمِعْرَاج فِي السَّمَاء وَهَذِه الصَّلَوَات تَفَرَّقت فِي الْأَنْبِيَاء فالفجر لآدَم وَالظّهْر لإِبْرَاهِيم وَالْعصر لِسُلَيْمَان وَالْمغْرب لعيسى رَكْعَتَيْنِ عَن نَفسه وركعة عَن أمه وَالْعشَاء خصت بِهِ هَذِه الْأمة وَقيل الظّهْر لداود وَالْمغْرب ليعقوب وَالْعشَاء ليونس وَقيل لمُوسَى وَالأَصَح أَن الْعشَاء من خصوصيتنا كَمَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم وَالْغَرَض بِالنذرِ هُوَ مَا يُوجِبهُ الْمُكَلف على نَفسه بِالنذرِ من النَّوَافِل ويسلك بِالنذرِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع فِي العزائم كوجوب فعله دون الرُّخص كالقصر وَالْجمع وَفرض الْكِفَايَة هُوَ صَلَاة الْجِنَازَة وَالسّنة هِيَ النَّوَافِل الْآتِي بَيَانهَا (إِنَّمَا تجب الْمَكْتُوبَة) أَي الصَّلَوَات الْخمس (على مُسلم) وَلَو فِيمَا مضى ذكر أَو غَيره فَلَا تجب على كَافِر أُصَلِّي وجوب مُطَالبَة بهَا منا فِي الدُّنْيَا لعدم صِحَّتهَا مِنْهُ لَكِن تجب عَلَيْهِ وجوب معاقبة عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة لتمكنه من فعلهَا بِالْإِسْلَامِ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِذا أسلم فَإِذا أسلم أثيب على مَا فعله من الْقرب الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى نِيَّة كصدقة وصلَة وَعتق وَتجب على الْمُرْتَد فيقضيها إِذا أسلم حَتَّى زمن الْجُنُون فِي الرِّدَّة تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ التزمها بِالْإِسْلَامِ فَلَا تسْقط عَنهُ بالجحود كحق الْآدَمِيّ بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 زمن الْحيض وَالنّفاس فِيهَا فَلَا تقضي فِي ذَلِك (مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل سليم الْحَواس بلغته الدعْوَة فَلَا تجب على صبي وَلَا على مَجْنُون لم يَتَعَدَّ بِسَبَب جُنُونه كمن وثب وثبة لم يرد بهَا زَوَال عقله وَلَا على سَكرَان بِغَيْر مؤثم لعدم تكليفهم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل أَو يفِيق رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَمن نَشأ بشاهق جبل وَلم تبلغه دَعْوَة الْإِسْلَام غير مُكَلّف بِشَيْء وَكَذَا من خلق أعمى أَصمّ فَإِنَّهُ غير مُكَلّف بِشَيْء إِذْ لَا طَرِيق لَهُ إِلَى الْعلم بذلك وَلَو كَانَ ناطقا لِأَن النُّطْق بِمُجَرَّدِهِ لَا يكون طَرِيقا لمعْرِفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بِخِلَاف من طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِك بعد الْمعرفَة فَإِنَّهُ مُكَلّف وَلَو أسلم من لم تبلغه الدعْوَة وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ منزل منزلَة مُسلم نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء بِخِلَاف من خلق أعمى أَصمّ فَإِنَّهُ إِن زَالَ مانعه لَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّة الْخطاب (طَاهِر) من الْحيض وَالنّفاس فَلَا تجب على حَائِض ونفساء لعدم صِحَّتهَا مِنْهُمَا فَمن توفرت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة إِجْمَاعًا (وَيقتل) أَي من ذكر بِضَرْب عُنُقه بِالسَّيْفِ لَا بِغَيْر ذَلِك (إِن أخرجهَا) أَي الصَّلَاة وَلَو صَلَاة وَاحِدَة فَقَط (عَن وَقت جمع) لَهَا إِن كَانَ فَلَا يقتل بترك الظّهْر كالعصر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَلَا بترك الْمغرب كالعشاء حَتَّى يطلع الْفجْر لِأَن وَقت الْجمع وَقت الصَّلَاة فِي الْعذر فَكَانَ شُبْهَة فِي الْقَتْل وَيقتل بترك الصُّبْح بعد طُلُوع الشَّمْس أما الْجُمُعَة فَيقْتل بهَا إِذا ضَاقَ الْوَقْت عَن أقل مُمكن من الْخطْبَة وَالصَّلَاة وَإِن قَالَ أصليها ظهرا لِأَن الظّهْر لَيْسَ بَدَلا عَنْهَا (كسلا) أَو تهاونا مَعَ اعْتِقَاده وُجُوبهَا (إِن لم يتب) أَي إِن لم يفعل الصَّلَاة بعد مُطَالبَة الإِمَام أَو نَائِبه بأدائها وتوعده بِالْقَتْلِ فَلَا يُفِيد طلب غَيره وتوعده ثُبُوت الْقَتْل لِأَنَّهُ لَيْسَ من منصبه فَيُطَالب ندبا الإِمَام أَو نَائِبه فِي الْحَال بأدائها إِذا ضَاقَ وَقتهَا عَن فعلهَا بِأَن بَقِي من الْوَقْت زمن يسع مِقْدَار الْفَرِيضَة وَالطَّهَارَة ويتوعده بِالْقَتْلِ إِن أخرجهَا عَن الْوَقْت فَيَقُول لَهُ صل فَإِن صليت تركناك وَإِن أخرجتها عَن الْوَقْت قتلناك وَعلم من ذَلِك أَن الْوَقْت وقتان وَقت أَمر وَوقت قتل فَلَا يقتل عِنْد ضيق الْوَقْت بِحَيْثُ يتَحَقَّق فَوتهَا ثمَّ الْقَتْل بعد خُرُوج الْوَقْت لَيْسَ لمُطلق كَونهَا قَضَاء إِذْ لَا قتل بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ للترك بِلَا عذر مَعَ الطّلب مِنْهُ فِي الْوَقْت وامتناعه من الْفِعْل بعده وَإِن لم يُصَرح بقوله لَا أفعل كَمَا فِي فتح الْجواد وَحكمه بعد قَتله حكم بَاقِي الْمُسلمين فِي وجوب الدّفن وَالْغسْل والتكفين وَالصَّلَاة عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِمَّن قتل حدا من الْمُسلمين وَلَو زعم زاعم أَن بَينه وَبَين الله حَالَة أسقطت عَنهُ الصَّلَاة وَأحلت لَهُ شرب الْخمر كَمَا زَعمه بعض الصُّوفِيَّة فَلَا شكّ فِي وجوب قَتله وَإِن كَانَ فِي خلوده فِي النَّار نظر وَقتل مثله أفضل من قتل مائَة كَافِر لِأَن ضَرَره أَكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 (ويبادر بفائت) من فرض صَلَاة أَو غَيرهَا مَتى تذكره وجوبا إِن فَاتَ بِغَيْر عذر تعجيلا لبراءة الذِّمَّة فَلَا يجوز لغير الْمَعْذُور أَن يصرف زَمنا فِي غير قَضَائِهِ كالتطوع وَفرض الْكِفَايَة وَفرض عين موسع إِلَّا فِيمَا يضْطَر إِلَيْهِ كالنوم وَتَحْصِيل مُؤنَة من تلْزمهُ مُؤْنَته وكالصور المستثناة من وُجُوبهَا الْفَوْرِيَّة وَهِي مسَائِل مِنْهَا مَا إِذا خَافَ فَوت أَدَاء حَاضِرَة بِأَن علم أَنه لَو اشْتغل بِقَضَاء الْفَائِتَة لم يدْرك من وَقت الْحَاضِرَة مَا يسع رَكْعَة فَيبْدَأ بالحاضرة وجوبا وَخرج بفوت أَدَاء الْحَاضِرَة فَوت جماعتها فَإِذا خَافَ فَوتهَا بَدَأَ بِالْقضَاءِ وَظَاهر هَذَا أَنه يبْدَأ بالفائتة وَلَو بِعُذْر وَأَنه لَا فرق بَين أَن يَرْجُو جمَاعَة غير هَذِه أَو لَا وَمِنْهَا مَا إِذا لم يُوجد إِلَّا ثوب وَاحِد فِي رفْقَة عُرَاة أَو ازدحموا على بِئْر أَو مَكَان للصَّلَاة فَلَا يقْضِي حَتَّى تَنْتَهِي النّوبَة إِلَيْهِ وَمِنْهَا فَاقِد الطهُورَيْنِ إِذا صلى لحُرْمَة الْوَقْت ثمَّ وجد خَارج الْوَقْت تُرَابا لَا يسْقط بِهِ الْفَرْض كَأَن كَانَ بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء فَلَا يقْضِي بِهِ إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ وَمِنْهَا مَا إِذا وجد غريقا يجب إنقاذه فَيحرم اشْتِغَاله بِالْقضَاءِ ويبادر بفائت اسْتِحْبَابا مسارعة لبراءة ذمَّته إِن فَاتَ بِعُذْر فَإِن وجوب قَضَائِهِ على التَّرَاخِي والعذر كنوم لم يَتَعَدَّ بِهِ بِأَن كَانَ قبل دُخُول الْوَقْت أَو فِيهِ ووثق بيقظته قبل خُرُوجه بِحَيْثُ يدْرك الصَّلَاة فِيهِ فَإِن كَانَ مُتَعَدِّيا بِهِ كَأَن نَام بعد دُخُوله وَلم يَثِق بيقظته فِيهِ وَجب الْقَضَاء فَوْرًا وَحَيْثُ لم يكن مُتَعَدِّيا بِالنَّوْمِ واستيقظ من نَومه وَقد بَقِي من وَقت الْفَرِيضَة مَا لَا يسع إِلَّا الْوضُوء أَو بعضه فَحكمه حكم مَا فَاتَهُ بِعُذْر فَلَا يجب قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَمن الْأَعْذَار نِسْيَان لم ينشأ عَن تَقْصِير فَإِن كَانَ عَن تَقْصِير كاشتغال بلعب فَلَيْسَ عذرا واشتغال بِمَا يلْزمه تَقْدِيمه على الصَّلَاة كدفع صائل وتقضي الْجُمُعَة ظهرا وَينْدب قَضَاء النَّوَافِل المؤقتة دون النَّفْل الْمُطلق وَذي السَّبَب وَلَو كَانَ عَلَيْهِ فوائت لَا يعلم عَددهَا قضى مَا تحقق تَركه فَلَا يقْضِي الْمَشْكُوك فِيهِ على مَا قَالَه الْقفال وَالْمُعْتَمد مَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن أَنه يقْضِي مَا زَاد على مَا تحقق فعله فَيَقْضِي مَا ذكر (وَيسن ترتيبه) أَي الْفَائِت فِي الْقَضَاء على تَرْتِيب أَوْقَات الْفَوَائِت وأيامها خُرُوجًا من خلاف من أوجبه فَيبْدَأ بالفائت أَولا وَلَو بِعُذْر وَيُؤَخر عَنهُ الْفَائِت ثَانِيًا وَلَو بِلَا عذر فَلَو فَاتَهُ ظهر هَذَا الْيَوْم مثلا بِعُذْر وعصره بِلَا عذر قدم فِي الْقَضَاء الظّهْر مُرَاعَاة للتَّرْتِيب وَفهم من هَذَا الْمِثَال أَنه لَو فَاتَهُ عصر الأمس وَظهر الْيَوْم قدم فِي الْقَضَاء عصر الأمس على ظهر الْيَوْم مُرَاعَاة للتَّرْتِيب (و) يسن (تَقْدِيمه) أَي الْفَائِت (على حَاضِرَة) على تَفْصِيل فِي ذَلِك حَاصله أَنه إِن كَانَ يعلم أَنه بعد فَرَاغه من الْفَائِتَة يدْرك الْحَاضِرَة كلهَا فِي الْوَقْت بَدَأَ بالفائتة وجوبا إِن فَاتَتْهُ بِلَا عذر وندبا إِن فَاتَتْهُ بِعُذْر وَإِن كَانَ يعلم أَنه بعد فَرَاغه مِنْهَا لَا يدْرك من الْحَاضِرَة إِلَّا رَكْعَة فِي الْوَقْت بَدَأَ بالفائتة ندبا مُطلقًا وَلَو كَانَ الْبَاقِي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الْوَقْت مَا يسع الْوضُوء وَدون رَكْعَة قدم الْحَاضِرَة على الْفَائِتَة لِئَلَّا تصير صَاحِبَة الْوَقْت فَائِتَة أَيْضا وَلَو تذكر فَائِتَة بعد شُرُوعه فِي حَاضِرَة أتمهَا ضَاقَ الْوَقْت أَو اتَّسع وَسَوَاء كَانَت الْفَائِتَة يجب قَضَاؤُهَا فَوْرًا أَو لَا وَلَو شرع فِي فَائِتَة مُعْتَقدًا سَعَة الْوَقْت فَبَان ضيقه وَجب قطعهَا وَالْأَفْضَل قَلبهَا نفلا مُطلقًا حَيْثُ فعل مِنْهَا رَكْعَة فَأكْثر لَا أقل (وَيُؤمر) صبي ذكر وَأُنْثَى (مُمَيّز) بِأَن يصير أَهلا لِأَن يَأْكُل وَحده وَيشْرب ويستنجي كَذَلِك (بهَا) أَي الصَّلَاة وَلَو قَضَاء أَي يجب على كل من أَبَوَيْهِ وَإِن علا ثمَّ الْوَصِيّ أَو الْقيم وَكَذَا نَحْو الْمُلْتَقط وَمَالك الرَّقِيق والوديع وَالْمُسْتَعِير أَن يَأْمر الطِّفْل بِالصَّلَاةِ (لسبع) من السنين أَي بعد استكمالها فَلَا يجب الْأَمر قبل اجْتِمَاع السَّبع والتمييز وَلَا يقْتَصر الْوَلِيّ على مُجَرّد الْأَمر بل مَعَ التهديد على ترك الصَّلَاة كَأَن يتوعده بِمَا يخوفه إِذا تَركهَا (وَيضْرب) أَي الْمُمَيز وجوبا على من ذكر (عَلَيْهَا) أَي على تَركهَا ضربا غير مبرح (لعشر) لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْبلُوغ فَيجوز ضربه فِي أثْنَاء الْعَاشِرَة وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع (كَصَوْم أطاقه) بِأَن لم تحصل لَهُ بِهِ مشقة لَا تحْتَمل عَادَة وَإِن لم تبح التَّيَمُّم وَيجب على من مر نَهْيه عَن الْمُحرمَات وتعليمه الْوَاجِبَات وَسَائِر الشَّرَائِع كالسواك وَحُضُور الْجَمَاعَات ثمَّ إِن بلغ رشيدا انْتَفَى ذَلِك عَن الْأَوْلِيَاء أَو سَفِيها فولاية الْأَب مستمرة فَيكون كَالصَّبِيِّ وَأُجْرَة تَعْلِيمه الْوَاجِبَات فِي مَاله فَإِن لم يكن فعلى الْأَب ثمَّ الْأُم وَيخرج من مَاله أُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن والآداب كزكاته وَنَفَقَة ممونه وَبدل متلفه فَمَعْنَى وُجُوبهَا فِي مَاله ثُبُوتهَا فِي ذمَّة الصَّبِي (وَأول وَاجِب) من الْمَقَاصِد على كل مُكَلّف من ذكر وَأُنْثَى معرفَة كل عقيدة بِالدَّلِيلِ الإجمالي وَيقوم مقَام ذَلِك مَعْرفَته بالكشف والمعرفة جزم بالعقائد مُطَابق للْوَاقِع ناشىء عَن دَلِيل فَخرج بهَا الظَّن وَالشَّكّ وَالوهم فِي العقائد فَإِن صَاحبهَا كَافِر وَأول وَاجِب من الْوَسَائِل النّظر وَهُوَ أَن يتَأَمَّل بفكره فِي المصنوعات فيستدل بهَا على وجود الصَّانِع وَصِفَاته فَينْظر فِي أَحْوَال ذَاته وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من سمع وبصر وَكَلَام وَطول وعمق ورضا وَغَضب وَبَيَاض وَحُمرَة وَسَوَاد وَعلم وَجَهل وَلَذَّة وألم وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى وَكلهَا متغيرة من عدم إِلَى وجود وَبِالْعَكْسِ فَتكون حَادِثَة وَهِي قَائِمَة بِالذَّاتِ لَازِمَة لَهَا وملازم الْحَادِث حَادث وَذَلِكَ دَلِيل الافتقار إِلَى صانع حَكِيم وَاجِب الْوُجُود عَام الْعلم تَامّ الْقُدْرَة والإرادة فَاعل بِالِاخْتِيَارِ يفعل مَا يَشَاء ثمَّ يتَأَمَّل فِي الْعَالم الْعلوِي وَهُوَ مَا ارْتَفع من الفلكيات من سموات وكواكب وَغَيرهَا فَإِنَّهُ يجد بعض ذَلِك سَاكِنا وَبَعضه متحركا وَبَعضه نورانيا وَبَعضه ظلمانيا وَذَلِكَ دَلِيل حدوثها وافتقارها إِلَى صانع حَكِيم ثمَّ يتَأَمَّل فِي الْعَالم السفلي وَهُوَ مَا نزل من الفلكيات كالهواء والسحاب وَالْأَرْض وَمَا فِيهَا من الْمَعَادِن والبحار والنبات وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ يجد فِي ذَلِك صنعا بديع الحكم من ألوان مستحسنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فِي الْحَيَوَانَات والنباتات وَغَيرهمَا وَاخْتِلَاف بقاع وأصوات وألوان ومقادير ولغات إِلَى مَا لَا يُحْصى من الصِّفَات وَلَا يُحِيط بِهِ إِلَّا خَالق الأَرْض وَالسَّمَوَات وَجَمِيع ذَلِك ملازم للأعراض الْحَادِثَة وَذَلِكَ يدل على حُدُوثه فَيكون دَالا على وجود الصَّانِع وَعلمه وَقدرته وإرادته وحياته لِأَن ذَلِك لَا يصدر إِلَّا عَمَّن اتّصف بِمَا ذكر وَقَالَ السَّمْعَانِيّ يجب (على الْآبَاء) ثمَّ على الْوَصِيّ أَو الْقيم (تَعْلِيمه) أَي الْمُمَيز (أَن نَبينَا) مُحَمَّد بن عبد الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بِمَكَّة) إِلَى كَافَّة الثقلَيْن (وَدفن بِالْمَدِينَةِ) وَأَنه وَاجِب الطَّاعَة والمحبة انْتهى وَاعْلَم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغ من الْعُمر أَرْبَعِينَ سنة نبأه الله تَعَالَى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ فِي شهر ربيع الأول وأرسله لكافة النَّاس بشيرا وَنَذِيرا وَلما بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعُمر إِحْدَى وَخمسين سنة وَنصفا أسرى بجسده وروحه يقظة من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عرج مِنْهُ إِلَى السَّمَوَات السَّبع إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى إِلَى مستوى سمع فِيهِ صريف الأقلام إِلَى الْعَرْش إِلَى مَكَان الْخطاب مَعَ ربه وَفرض فِي ذَلِك الْوَقْت عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أمته خمس صلوَات وَلما كمل لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعُمر ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة أمره الله تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَخرج من مَكَّة يَوْم الْخَمِيس هِلَال ربيع الأول واختفى بِغَار ثَوْر ثمَّ خرج مِنْهُ لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَي قبَاء يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول وَلما كمل لَهُ من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة توفاه الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول فَدفن فِي حجرَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ حمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ فِي غرَّة رَجَب وولادته يَوْم الْإِثْنَيْنِ أَو لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول فى مَكَّة فِي سوق اللَّيْل من مَحل مولده الْمَشْهُور وَقَالَ الصبان الَّذِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمل بِهِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَمثله وِلَادَته وبعثته وَخُرُوجه من مَكَّة أَي من غَار ثَوْر ووصوله الْمَدِينَة أَي قبَاء ووفاته وَنقل بعض الأفاضل عَن القليوبي وَعَن جمع من الْمُحَقِّقين أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُولد من الْفرج بل من مَحل فتح فَوق الْفرج وَتَحْت السُّرَّة والتأم فِي سَاعَته وَنقل عَن القَاضِي عِيَاض أَن مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ لَكِن قَالَ الْعَلامَة التلمساني وكل من الْأَنْبِيَاء غير نَبينَا مولودون من فَوق الْفرج وَتَحْت السُّرَّة وَأما نَبينَا فمولود من الخاصرة الْيُسْرَى تَحت الضلوع ثمَّ التأم لوقته خُصُوصِيَّة لَهُ فَتحصل لَك من هَذِه أَنه لم يَصح نقل بولادته من الْفرج وَكَذَا غَيره من الْأَنْبِيَاء وَلِهَذَا أفتى الْمَالِكِيَّة بقتل من قَالَ إِن نَبينَا ولد من مجْرى الْبَوْل اه فصل فِي مسَائِل منثورة (شُرُوط الصَّلَاة خَمْسَة أَحدهَا طَهَارَة عَن حدث وجنابة) ومقاصد الطَّهَارَة أَرْبَعَة الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة النَّجَاسَة ووسائلها أَرْبَعَة الْمِيَاه وَالتُّرَاب والدابغ وَحجر الِاسْتِنْجَاء ووسائل الْوَسَائِل شَيْئَانِ الِاجْتِهَاد والأواني أما الِاجْتِهَاد فَإِذا اشْتبهَ طهُور مَاء أَو تُرَاب بمتنجس مِنْهُمَا اجْتهد وجوبا إِن لم يقدر على الْيَقِين وجوازا إِن قدر على طهُور بِيَقِين كَأَن كَانَ على شط نهر وَاسْتعْمل مَا ظَنّه طهُورا وَإِذا اشْتبهَ مَاء وَمَاء ورد مُنْقَطع الرَّائِحَة تَوَضَّأ بِكُل مرّة وَإِذا اشْتبهَ مَاء وَبَوْل أراقهما أَو خلطهما ثمَّ تيَمّم وللاجتهاد شُرُوط التَّعَدُّد فِي المشتبه وأصلية الطَّهَارَة فِيهِ وَكَون الْعَلامَة لَهَا فِيهِ مجَال أَي مدْخل كالأواني وَالثيَاب بِخِلَاف اخْتِلَاط الْمحرم بنسوة وَالْعلم بِالنَّجَاسَةِ أَو ظَنّهَا بِإِخْبَار الْعدْل والملامة من التَّعَارُض وَبَقَاء المشتبهين إِلَى تَمام الِاجْتِهَاد فَلَو انصب أَحدهمَا بِتَمَامِهِ أَو تلف امْتنع الِاجْتِهَاد وَيتَيَمَّم وَيُصلي من غير إِعَادَة وَإِن لم يرق مَا بَقِي والحصر فِي المشتبه فَلَو اشْتبهَ إِنَاء بَوْل بأواني بلد فَلَا اجْتِهَاد بل يَأْخُذ مِنْهَا مَا شَاءَ وَأما سَعَة الْوَقْت فلست بِشَرْط بل يجْتَهد وَإِن أدّى اجْتِهَاده إِلَى خُرُوج الْوَقْت وَكَذَا لَا يشْتَرط كَون الإناءين لوَاحِد بل لَو كَانَا لاثْنَيْنِ لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يتَوَضَّأ من إنائه إِلَّا بعد الِاجْتِهَاد وَشرط الْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ ظُهُور الْعَلامَة فَإِن لم يظْهر لَهُ شَيْء أراق الماءين أَو خلط أَحدهمَا أَو بعضه بِالْآخرِ ثمَّ تيَمّم وَعلم أَن هَذَا شَرط للْعَمَل لَا لأصل الِاجْتِهَاد وَأما الْأَوَانِي فَيحل اسْتِعْمَال كل إِنَاء طَاهِر وَلَو نفيسا كياقوت وَنَحْوه إِلَّا آنِية الذَّهَب أَو الْفضة فَحَرَام اسْتِعْمَالهَا واتخاذها من غير اسْتِعْمَال على النِّسَاء وَالرِّجَال ثمَّ الطَّهَارَة قِسْمَانِ طَهَارَة لأجل حدث أَصْغَر وطهارة لأجل حدث أكبر (فَالْأولى) أَي الطَّهَارَة لحَدث أَصْغَر وَهُوَ الْمَقْصد الأول (الْوضُوء) وَهُوَ مُشْتَقّ من الْوَضَاءَة بِالْمدِّ وَهِي النَّظَافَة وَهُوَ فِي الشَّرْع اسْتِعْمَال المَاء فِي أَعْضَاء مَخْصُوصَة مفتتحا بِالنِّيَّةِ وَكَانَ قد فرض مَعَ الصَّلَاة فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج كَمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَهُوَ فرض على الْمُحدث وَسنة لتجديد إِذا صلى بِالْأولِ صَلَاة مَا غير سنة الْوضُوء وتندب إدامة الْوضُوء (وشروطه) أَي الْوضُوء (كالغسل) أَي كشروطه خَمْسَة أَحدهَا (مَاء مُطلق) وَلَو مظنونا وَهُوَ مَا يَصح أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم المَاء بِلَا قيد فَشَمَلَ المَاء الْمُتَغَيّر كثيرا بِمَا لَا يسْتَغْنى المَاء عَنهُ كطين وطحلب وَهُوَ شَيْء أَخْضَر يَعْلُو على وَجه المَاء من طول الْمكْث وَلَا فرق بَين أَن يكون فِي مقرّ المَاء وممره أَولا والمتغير بِمَا فِي مَوضِع قراره ومروره فَهُوَ مُطلق يَصح التَّطْهِير بِهِ وَلَو كَانَ التَّغَيُّر كثيرا لعدم استغنائه عَنهُ وَمن المَاء الْمُطلق مَا إِذا تغير المَاء بِمَا تساقط فِيهِ من أوراق الْأَشْجَار وَلَو ربيعية أَو تفتتت فِيهِ لتعذر صون المَاء عَنْهَا وَمِنْه مَا إِذا تغير مَاء المغاطس بأوساخ أبدان المغتسلين وَمَاء الفساقى بأوساخ أرجل المتوضئين فَإِنَّهُ لَا يضر وَلَو كثر التَّغَيُّر ثمَّ ذكر المُصَنّف للْمَاء الْمُطلق قيودا تستلزمه (غير مُسْتَعْمل فِي) مَا لَا بُد مِنْهُ أَثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تَاركه أم لَا من (رفع حدث) كالغسلة الأولى فَشَمَلَ وضوء الصَّبِي وَلَو غير مُمَيّز بِأَن وضأه وليه للطَّواف وَإِن لم ينْو وَشَمل مَا اسْتعْمل فِي غسل بدل مسح من رَأس أَو خف أَو فِي غسل كِتَابِيَّة أَو مَجْنُونَة عَن حيض أَو نِفَاس ليحل وَطْؤُهَا وَلَو كَانَ الحليل كَافِرًا أَو الْوَطْء زنا وَالْوَطْء غير حرَام من جِهَة الطَّهَارَة عَن حيض لَا من جِهَة الزِّنَا (و) إِزَالَة (نجس) وَلَو معفوا عَنهُ (قَلِيلا) أَي حَالَة كَون الْمُسْتَعْمل فِي حَال قلته وَهُوَ دون الْقلَّتَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأكْثر فَإِنَّهُ إِذا رفع الْحَدث لَا يحكم عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِذا أَزَال النَّجس لَا يحكم بتنجسه إِلَّا إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ وَلَا يحكم بِاسْتِعْمَالِهِ أَيْضا وَلَو جمعت الْمِيَاه المستعملة حَتَّى صَارَت مَاء كثيرا قُلَّتَيْنِ فَأكْثر عَاد طهُورا وَالْمَاء الْقَلِيل الَّذِي أزيلت بِهِ النَّجَاسَة طَاهِر غير مطهر بِشُرُوط أَن يكون المَاء واردا بِخِلَاف مَا لَو كَانَ المَاء مورودا كَأَن وضع الشَّيْء فِي المَاء الْقَلِيل فَإِنَّهُ ينجس بِمُجَرَّد ملاقاة النَّجَاسَة وَأَن لَا يتَغَيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَأَن لَا يزِيد وَزنه عَمَّا كَانَ قبل الْغسْل بِهِ بعد اعْتِبَار مَا يتشربه المغسول من المَاء وَمَا يمجه من الْوَسخ وَأَن يطهر الْمحل فَإِن فقد شَرط من ذَلِك كَانَ المَاء متنجسا (و) غير (متغير) تغيرا (كثيرا) يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ بِأَن يحدث لَهُ بِسَبَب ذَلِك اسْم آخر يَزُول بِهِ وصف الْإِطْلَاق (بخليط طَاهِر غَنِي) أَي المَاء (عَنهُ) أَي الخليط سَوَاء كَانَ التَّغَيُّر حسيا أم تقديريا وَسَوَاء كَانَ المَاء قَلِيلا أَو كثيرا فَلَو وَقع فِي المَاء مَائِع طَاهِر يُوَافقهُ فِي صِفَاته فرض وصف الخليط الْمَفْقُود مُخَالفا فِي أَوسط الصِّفَات كلون عصير الْعِنَب أَبيض أَو أسود وَطعم الرُّمَّان وريح اللاذن كَذَا قَالَه ابْن أبي عصرون وَاعْتبر الرَّوْيَانِيّ الْأَشْبَه بالخليط فماء الْورْد الْمُنْقَطع الرَّائِحَة يفْرض على القَوْل الأول من اللاذن فَإِنَّهُ أَوسط فِي الرَّائِحَة وَإِن لم يشبه صفة الْوَاقِع وعَلى الثَّانِي يعْتَبر بِمَاء ورد لَهُ رَائِحَة لِأَنَّهُ أشبه بالمخالط فَلَا يضر المَاء تغيره بطول الْمكْث وَلَا بالمجاور الطَّاهِر وَلَو كَانَ التَّغَيُّر كثيرا نعم إِن تحلل مِنْهُ شَيْء كَمَا لَو نقع التَّمْر فِي المَاء فاكتسب الْحَلَاوَة مِنْهُ سلبه الطّهُورِيَّة كَذَا قَالَه الشبراملسي (أَو) كَانَ المَاء غير متغير بخليط طَاهِر بل كَانَ تغيره (بِنَجس) فَإِنَّهُ لَا يُسمى مَاء مُطلقًا (وَلَو كَانَ) أَي المَاء (كثيرا) قُلَّتَيْنِ فَأكْثر فالماء إِذا تغير بِنَجس صَار متنجسا بِالْإِجْمَاع سَوَاء كَانَ التَّغَيُّر قَلِيلا أم كثيرا وَسَوَاء المخالط والمجاور وَلَا فرق بَين التَّغَيُّر الْحسي والتقديري فَإِن كَانَ الخليط نجسا فِي مَاء كثير اعْتبر بأشد الصِّفَات كلون الحبر وَطعم الْخلّ وريح الْمسك لغلظه وَالْحَاصِل أَن الْمِيَاه أَرْبَعَة أَقسَام أَحدهَا مَاء طَاهِر فِي نَفسه مطهر لغيره غير مَكْرُوه اسْتِعْمَاله وَهُوَ المَاء الْمُطلق الْغَيْر المتشمس وَثَانِيها مَاء طَاهِر فِي نَفسه مطهر لغيره مَكْرُوه اسْتِعْمَاله وَهُوَ المَاء الْمُطلق المتشمس ولكراهة اسْتِعْمَاله تِسْعَة شُرُوط الأول أَن يكون بِبَلَد حَار كبلاد الْحجاز غير الطَّائِف بِخِلَاف الْبَارِد كبلاد الشَّام غير حران والمعتدل كبلاد مصر والحاوه فَلَا يكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 اسْتِعْمَال المتشمس فِيهَا الثَّانِي أَن تنقله الشَّمْس من حَالَة إِلَى أُخْرَى بِحَيْثُ تنفصل مِنْهُ زهومة تعلو المَاء بِخِلَاف مُجَرّد انْتِقَاله من الْبُرُودَة إِلَى الْحَرَارَة حَيْثُ لم يصل إِلَى هَذِه الْحَالة الثَّالِث أَن يكون فِيمَا ينطبع غير الذَّهَب وَالْفِضَّة كالحديد والنحاس وَنَحْوهمَا بِخِلَاف مَا لَو كَانَ غير منطبع كالفخار أَو فِي منطبع من الذَّهَب أَو الْفضة فَلَا كَرَاهَة الرَّابِع أَن يسْتَعْمل فِي حَال حرارته بِخِلَاف مَا لَو تَركه حَتَّى زَالَت حرارته الْخَامِس أَن يكون اسْتِعْمَاله فِي الْبدن وَلَو شربا وَلَو كَانَ بدن أبرص أَو ميت أَو حَيَوَان غير آدَمِيّ حَيْثُ كَانَ يُدْرِكهُ البرص كالخيل السَّادِس أَن يكون تشمسه فِي زمن الْحر كالصيف بِخِلَاف الزَّمن الْبَارِد أَو المعتدل السَّابِع أَن يجد غَيره الثَّامِن أَن يكون الْوَقْت متسعا فَإِن ضَاقَ الْوَقْت أَو لم يجد غير المتشمس فَلَا كَرَاهَة فِي اسْتِعْمَاله بل يجب اسْتِعْمَاله إِلَّا إِذا تحقق الضَّرَر أَو ظَنّه فَيحرم اسْتِعْمَاله بل يتَيَمَّم التَّاسِع أَن لَا يتَحَقَّق الضَّرَر أَو يَظُنّهُ وَإِلَّا حرم اسْتِعْمَاله كَمَا تقدم وَثَالِثهَا مَاء طَاهِر فِي نَفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ قِسْمَانِ المَاء الْمُسْتَعْمل فِيمَا لَا بُد مِنْهُ من رفع حدث أَو إِزَالَة نجس وَلَو معفوا عَنهُ وَكَانَ المَاء دون الْقلَّتَيْنِ وَالْمَاء الْمُتَغَيّر بِشَيْء خالطه من الْأَعْيَان الطاهرات المستغنى عَنْهَا تغيرا كثيرا يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ بِأَن يَزُول بِهِ وصف الْإِطْلَاق كَأَن يُقَال مَاء نورة أَو مَاء سدر أَو مرقة وَرَابِعهَا مَاء مُتَنَجّس وَهُوَ المَاء الَّذِي لاقته نَجَاسَة تدْرك الْبَصَر وَهُوَ قِسْمَانِ قَلِيل دون الْقلَّتَيْنِ بِأَكْثَرَ من رطلين سَوَاء تغير أم لَا وَلَكِن يسْتَثْنى من النَّجَاسَة ميتَة لَا دم لَهَا سَائل أَصَالَة كزنبور وعقرب ووزغ وذباب وقمل وبرغوث إِذا وَقعت فِي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ مَاء قَلِيل أَو شَيْء من الْمَائِعَات كالزيت وَالْعَسَل فَإِنَّهَا لَا تنجسه بِشَرْط أَن لَا يَطْرَحهَا طارح وَلَو حَيَوَانا وَهِي ميتَة وَتصل ميتَة وَإِلَّا نجسته وَكثير بِأَن كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأكْثر وَقد تغير باتصال النَّجَاسَة وَلَو تغيرا يَسِيرا أَو كَانَ تقديريا وَلَو نقل من مَحل إِلَى آخر فَوجدَ فِيهِ طعم النَّجَاسَة أَو رائحتها فَإِن وجد سَبَب يُحَال عَلَيْهِ التَّنْجِيس كَأَن كَانَ محلهَا الأول مِمَّا يحصل فِيهِ بَوْل مثلا حكم بِنَجَاسَة ذَلِك وَإِلَّا فَلَا وَلَو جمعت الْمِيَاه المتنجسة حَتَّى صَارَت مَاء كثيرا قُلَّتَيْنِ فَأكْثر وَلَا تغير بِهِ عَاد طهُورا وَلَو زَالَ تغير المَاء الْكثير بِمَا زيد عَلَيْهِ أَو نقص مِنْهُ وَالْبَاقِي قلتان فَأكْثر عَاد طهُورا والقلتان خَمْسمِائَة رَطْل بالبغدادي تَقْرِيبًا وَأما التُّرَاب فَإِنَّهُ يكون مطهرا اسْتِقْلَالا فِي التَّيَمُّم أَو مَعَ انضمامه للْمَاء فِي إِزَالَة النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة بِشَرْط أَنه لم يكن اسْتعْمل فِي فرض مُطلقًا وَلم يخْتَلط بِغَيْرِهِ فِي التَّيَمُّم وَأما الدابغ فَهُوَ كل حريف ينْزع فضول الْجلد وَهُوَ رطوبته ومائيته الَّتِي يُفْسِدهُ بَقَاؤُهَا ويطيبه نَزعهَا بِحَيْثُ لَو نقع فِي المَاء لم يعد إِلَيْهِ النتن وَالْفساد وَذَلِكَ كالعفص وقشور الرُّمَّان وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الطَّاهِر وَالنَّجس كذرق الطُّيُور وَلَو كَانَ النَّجس من مغلظ لَكِن يحرم التضمخ بِهِ إِذا وجد مَا يقوم مقَامه وكل جلد نجس بِالْمَوْتِ يطهر بالدباغ ظَاهرا وَبَاطنا دون مَا عَلَيْهِ من الشّعْر فَلَا يطهر بالدباغ إِلَّا جلد الْكَلْب أَو الْخِنْزِير أَو فرع أَحدهمَا مَعَ الآخر أَو مَعَ حَيَوَان طَاهِر فَإِن جلد ذَلِك كَانَ نجسا فِي حَال الْحَيَاة وَجلد الْحَيَوَان الْمَأْكُول المذكى لَا يحْتَاج إِلَى الدّباغ لِأَنَّهُ طَاهِر بعد الْمَوْت بِسَبَب تذكيته نعم لَو أَصَابَته نَجَاسَة من دم أَو نَحوه طهر بِالْمَاءِ وَأما حجر الِاسْتِنْجَاء فَيجوز الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَحده بَدَلا عَن المَاء وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على المَاء لَكِن لَهُ شُرُوط من حَيْثُ اسْتِعْمَاله وشروط من حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ذَاته وشروط من حَيْثُ الْخَارِج وشروط من حَيْثُ الْمحل أما شُرُوطه من حَيْثُ اسْتِعْمَاله فأمران أَحدهمَا ثَلَاث مسحات بِحَيْثُ يعم بِكُل مسحة الْمحل وَلَو بأطراف حجر ثَانِيهمَا إنقاء الْمحل بِحَيْثُ لَا يبْقى إِلَّا قدر لَا يُزِيلهُ إِلَّا المَاء أَو صغَار الخزف فَإِن لم يحصل الإنقاء بِالثلَاثِ وَجَبت الزِّيَادَة عَلَيْهَا حَتَّى يحصل الإنقاء وَيسن الإيتار إِذا لم يحصل الإنقاء بِوتْر وَإِذا حصل الإنقاء بِدُونِ الثَّلَاث وَجب تتميمها وَأما شُرُوطه من حَيْثُ ذَاته فَهِيَ أَن يكون جَامِدا طَاهِرا قالعا غير مُحْتَرم وَلَا مبتل وَمن الْمُحْتَرَم مطعوم الْآدَمِيّين أَو الْجِنّ وَأما شُرُوطه من حَيْثُ الْخَارِج فَهِيَ أَن لَا يجِف الْخَارِج النَّجس وَأَن لَا ينْتَقل وَأَن لَا يَنْقَطِع وَأَن لَا يطْرَأ عَلَيْهِ أَجْنَبِي وَأَن لَا يُجَاوز فِي الْغَائِط صفحته وَلَا فِي الْبَوْل حشفته وَأما من حَيْثُ الْمحل فَلهُ شَرط وَاحِد وَهُوَ أَن يكون ذَلِك الْمحل فرجا مُعْتَادا وَحَقِيقَة الِاسْتِنْجَاء إِزَالَة الْخَارِج من الْفرج بِمَاء أَو حجر وَالْأَصْل فِي ذَلِك هُوَ المَاء وَالْحجر رخصَة وَهُوَ من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَإِذا أَرَادَ المستنجي الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فالماء أفضل وَالْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا بِتَقْدِيم الْأَحْجَار والاستنجاء تعتريه أَحْكَام أَرْبَعَة يكون وَاجِبا من كل خَارج نجس ملوث وَيكون مُسْتَحبا من دود وبعر بِلَا لوث وَيكون مَكْرُوها من الرّيح وَيكون حَرَامًا بالمحترم وأركانه أَرْبَعَة مستنج ومستنجى مِنْهُ ومستنجى بِهِ ومستنجى فِيهِ فالمستنجى الشَّخْص والمستنجى مِنْهُ الْخَارِج والمستنجى بِهِ المَاء أَو الْحجر والمستنجى فِيهِ الْفرج وشروطه استفراغ مخرج وَإِزَالَة نجس وَرفع شكّ وَثُبُوت يَقِين وَالْمرَاد بِالْيَقِينِ مَا يَشْمَل غَلَبَة الظَّن فَإِن الْوَاجِب فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ اسْتِعْمَال قدر يغلب على الظَّن مَعَه زَوَال النَّجَاسَة وعلامته ذهَاب النعومة وحدوث الخشونة وسننه أَن يكون بِالْيَدِ الْيُسْرَى وَأَن يقدم الْقبل على الدبر فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَعَكسه فِي الْحجر وَأَن يدلك يَده بِنَحْوِ الأَرْض بعده ثمَّ يغسلهَا وَأَن ينضح فرجه وَإِزَاره بعده بِالْمَاءِ وَأَن يعْتَمد أُصْبُعه الْوُسْطَى لِأَنَّهُ أمكن وَأَن يَقُول بعد فَرَاغه وَبعد خُرُوجه من مَحل قَضَاء الْحَاجة اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وحصن فَرجي من الْفَوَاحِش وَمن آدَاب قَاضِي الْحَاجة أَن يقدم يسراه فِي دُخُول مَحل قَضَاء الْحَاجة ويمناه فِي الْخُرُوج مِنْهُ وَلَو بِوَضْع إبريق مثلا وَأَن يعْتَمد يسَاره فِي الْجُلُوس لقَضَاء الْحَاجة وَأَن يبعد عَن النَّاس بِحَيْثُ لَا يسمع للْخَارِج مِنْهُ صَوت وَلَا يشم لَهُ ريح وَلَا يَبُول فِي مَاء راكد وَلَا فِي مهب ريح وَلَا فِي طَرِيق النَّاس وَلَا فِي مَوَاضِع جلوسهم وَلَا تَحت الشَّجَرَة المثمرة وَلَا فِي الثقب وَلَا فِي مَكَان صلب وَأَن لَا يكون قَائِما وَأَن لَا ينظر إِلَى فرجه وَلَا إِلَى الْخَارِج مِنْهُ وَلَا يعبث بِيَدِهِ وَلَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالا وَلَا يسْتَقْبل الشَّمْس وَلَا الْقَمَر وَلَا صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَلَا يدْخل الْخَلَاء حافيا وَلَا مَكْشُوف الرَّأْس وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يستنجي بِالْمَاءِ فِي مَحل قَضَاء الْحَاجة بل ينْتَقل مِنْهُ إِلَّا فِي الْمَكَان الْمعد لقَضَاء الْحَاجة فَلَا ينْتَقل مِنْهُ ويستبرىء من الْبَوْل بِحَسب عَادَته فَإِن عَادَة الْإِنْسَان تخْتَلف وَإِذا صَارَت عَادَة الشَّخْص أَنه لَا يَنْقَطِع بَوْله إِلَّا بالاستبراء وَجب ذَلِك فِي حَقه وَيَقُول كل من دخل الْخَلَاء (باسم الله اللَّهُمَّ إنى أعوذ بك من الْخبث والخبائث) وَإِذا خرج قَاضِي الْحَاجة يَقُول (غفرانك الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني) وَيجب الاستتار عَن عين من يحرم نظره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وَيجب ترك اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها حَال قَضَاء الْحَاجة فِي غير الْمعد لذَلِك وَيكرهُ أَن يَبُول فِي المَاء الْجَارِي لَيْلًا وَفِي المَاء الراكد مُطلقًا وَمحل الْكَرَاهَة إِن كَانَ المَاء مُبَاحا أَو مَمْلُوكا لَهُ فَإِن كَانَ المَاء مسبلا أَو مَمْلُوكا لغيره حرم الْبَوْل فِيهِ إِلَّا بِإِذن الْمَالِك وَأَن يَبُول فِي مَحل اغتساله فَإِنَّهُ يَقع فِي الوسواس وَيحرم قَضَاء الْحَاجة على الْقَبْر وَفِي الْمَسْجِد وَلَو فِي إِنَاء تَنْبِيه لَو كَانَ مستنجيا بالأحجار حرم عَلَيْهِ الْجِمَاع قبل غسل الذّكر وَإِن لم يجد المَاء نعم إِن خَافَ الزِّنَا كَانَ عذرا وَلَو كَانَ فرج الْمَرْأَة متنجسا أَو كَانَت مستنجية بالأحجار حرم عَلَيْهَا تَمْكِين الحليل قبل تَطْهِيره وَلَا تعد بِعَدَمِ التَّمْكِين نَاشِزَة (و) ثَانِيهَا (جرى مَاء على عُضْو) مغسول فَلَا يَكْفِي مَسحه وَلَا مَسّه بِالْمَاءِ من غير جَرَيَان وَلَا يمْنَع من عد هَذَا شرطا كَونه مَعْلُوما من مَفْهُوم الْغسْل لِأَنَّهُ قد يُرَاد بِالْغسْلِ مَا يعم النَّضْح (و) ثَالِثهَا (أَن لَا يكون عَلَيْهِ) أَي الْعُضْو (مغير لماء) تغيرا مضرا بِهِ كزعفران (و) رَابِعهَا أَن لَا يكون على الْعُضْو (حَائِل) يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى جَمِيع أَجزَاء الْعُضْو الَّذِي يجب تعميمه (كنورة) ودهن لَهُ حرم يمْنَع وُصُول المَاء للبشرة ووسخ تَحت أظفار حَيْثُ لم يصر كالجزء وغبار على بدن لَا عرق متجمد عَلَيْهِ وَإِن لم يصر كالجزء وَلم يتأذ بإزالته لِكَثْرَة تكرره وللمشقة فِي إِزَالَته وَإِذا تراكم الْوَسخ على الْعُضْو وَصَارَ جُزْءا من الْبدن يتعسر فَصله عَنهُ بِحَيْثُ يخْشَى من فَصله مَحْذُور تيَمّم فَلَا يمْنَع صِحَة الْوضُوء وينتقض الْوضُوء بلمسه وَبَقِي للْوُضُوء شُرُوط وَهِي إِسْلَام وتمييز وَهَذَانِ الشرطان فِي كل عبَادَة تفْتَقر لنِيَّة وَعدم الْمنَافِي كالحيض وَالنّفاس فِي الْوضُوء لغير أغسال الْحَج وَنَحْوه ودوام النِّيَّة حكما بِأَن لَا يَأْتِي بِمَا ينافيها فَإِن قصد بِغسْل الْعُضْو تبردا أَو تنظفا فَإِن كَانَ مَعَ الْغَفْلَة عَن نِيَّة الْوضُوء كَانَ صارفا للنِّيَّة فَيضر وَمن ذَلِك مَا إِذا قصد إِزَالَة مَا على رجلَيْهِ من الْوَسخ بحكها على بلاط المطهرة فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيل وَتقدم إِزَالَة النَّجَاسَة بِغسْل غير غسل الْحَدث إِذا لم تزل بغسلة وَاحِدَة فِي الْوضُوء وَعلم بكيفية الْوضُوء فَلَا بُد من التَّمْيِيز بَين فروضه وسننه على تَفْصِيل فِي ذَلِك حَاصله أَنه مَتى ميز الْفُرُوض من السّنَن أَو اعتقده كُله فروضا صَحَّ من الْعَالم والعامى وَهَاتَانِ صُورَتَانِ وان اعتقده كُله سننا أَو علم أَن فِيهِ فروضا وسننا وَلم يُمَيّز بَينهَا واعتقد بِفَرْض معِين نفلا بَطل من الْعَالم والعامي وَهَاتَانِ صُورَتَانِ وَإِن اعْتقد أَن فِيهِ فروضا وسننا وَلم يُمَيّز بَينهَا وَلم يعْتَقد بِفَرْض معِين نفلا كَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 كَانَ كلما سُئِلَ عَن شَيْء مِنْهُ هَل هُوَ فرض أَو سنة يَقُول لَا أَدْرِي صَحَّ من الْعَاميّ دون الْعَالم وَهَذِه صُورَة وَاحِدَة فالصور خمس اثْنَتَانِ تصحان من الْعَاميّ والعالم وَاثْنَتَانِ تبطلان مِنْهُمَا وَوَاحِدَة تصح من الْعَاميّ وَتبطل من الْعَالم وَهَذَا الشَّرْط مَعَ هَذَا التَّفْصِيل عَام فِي جَمِيع الْعِبَادَات كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَنَحْو ذَلِك لَكِن بَعضهم اسْتثْنى الْحَج قَالَ فَلَا يشْتَرط ذَلِك فَهَذِهِ عشرَة فِي وضوء السَّلِيم وَصَاحب الضَّرُورَة مَعًا وَيُزَاد فِي وضوء صَاحب الضَّرُورَة شَرط آخر وَهُوَ خَامِس فِي كَلَام المُصَنّف فَقَالَ (وَدخُول وَقت) أَو ظن دُخُوله (لدائم حدث) كسلس بَوْل وَهُوَ الَّذِي يتقاطر بَوْله دَائِما وَيشْتَرط لَهُ أَيْضا تقدم الِاسْتِنْجَاء على الْوضُوء لِأَنَّهُ يشْتَرط لطهره تقدم إِزَالَة النَّجَاسَة وَتقدم التحفظ مثل الحشو والعصب والموالاة بَين الِاسْتِنْجَاء والتحفظ والموالاة بَينهمَا وَبَين الْوضُوء وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَ السلس بِالرِّيحِ فَلَا يشْتَرط الْمُوَالَاة بَين ذَلِك والموالاة بَين أَفعاله وَأما الْمُوَالَاة بَين الْوضُوء وَالصَّلَاة فَشرط لجَوَاز فعل الصَّلَاة بِهِ لَا شَرط لصِحَّته كَمَا قَالَه الرَّشِيدِيّ (وفروضه) أَي الْوضُوء سِتَّة أَولهَا (نِيَّة) أَدَاء (فرض وضوء) أَو فرض الْوضُوء أَو أَدَاء الْوضُوء أَو رفع الْحَدث أَو الطَّهَارَة عَن الْحَدث أَو نَحْو ذَلِك من النيات الْمُعْتَبرَة وَالنِّيَّة لُغَة الْقَصْد وَشرعا قصد الشَّيْء مقترنا بِفِعْلِهِ فَإِن ترَاخى عَنهُ سمي عزما وَحكمهَا الْوُجُوب ومحلها الْقلب أما التَّلَفُّظ بالمنوي فَسنة ليساعد اللِّسَان الْقلب وَالْمَقْصُود بهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات كالجلوس فِي الْمَسْجِد يكون للاعتكاف تَارَة وللاستراحة أُخْرَى أَو تَمْيِيز رتب الْعِبَادَات كَالصَّلَاةِ تكون فرضا تَارَة ونفلا أُخْرَى وَالنِّيَّة تميز هَذَا من هَذَا وَشَرطهَا إِسْلَام الناوي وتمييزه وَعلمه بالمنوي وَعدم إِتْيَانه بِمَا ينافيها كردة أَو قطع بِأَن يستصحبها حكما أما استصحابها ذكرا إِلَى آخر الْوضُوء فَهُوَ سنة وَأَن لَا تكون معلقَة فَلَو قَالَ نَوَيْت الْوضُوء إِن شَاءَ الله فَإِن قصد التَّعْلِيق أَو أطلق لم تصح أَو قصد التَّبَرُّك أَو أَن ذَلِك وَاقع بِمَشِيئَة الله تَعَالَى صَحَّ ووقتها أول الْعِبَادَات إِلَّا نِيَّة الصَّوْم فَلَا تجوز فِيهَا مُقَارنَة الْفجْر إِذا كَانَ فرضا لوُجُوب تبييت النِّيَّة فِيهِ وَتجوز من أول اللَّيْل وكيفيتها تخْتَلف بِحَسب الْأَبْوَاب فكيفيتها فِي الْوضُوء قد علمتها وَسَيَأْتِي كيفيتها فِي كل بَاب بِحَسبِهِ فَهَذِهِ سَبْعَة أُمُور تتَعَلَّق بِالنِّيَّةِ وَيجب وجودهَا (عِنْد) أول (غسل) جُزْء من (وَجه) وَيَنْبَغِي أَن يَنْوِي سنَن الْوضُوء عِنْد الشُّرُوع فِي غسل الْكَفَّيْنِ أول الْوضُوء ليثاب على السّنَن وَهَذَا أسهل من الْإِتْيَان بنية من نيات الْوضُوء الْمُعْتَبرَة عِنْد غسل الْكَفَّيْنِ لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت كَافِيَة لَكِن يعسر مَعهَا تَحْصِيل الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِذْ مَتى انغسل جُزْء من حمرَة الشفتين مَعَ هَذِه النِّيَّة فَاتَهُ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق (و) ثَانِيهَا (غسل وَجهه و) حَده طولا (هُوَ مَا بَين منابت) شعر (رَأسه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْمُعْتَاد (و) بَين تَحت (مُنْتَهى لحييْهِ) بِفَتْح اللَّام (و) عرضا (مَا بَين) وتدي (أُذُنَيْهِ) وَيجب تَعْمِيم الْوَجْه بِالْمَاءِ طولا وعرضا وَيجب غسل جُزْء من رَأسه وَمن تَحت ذقنه وَمن صفحة عُنُقه وَمن كل مَا كَانَ مُتَّصِلا بِالْوَجْهِ مِمَّا يُحِيط بِهِ ليتَحَقَّق تَعْمِيم الْوَجْه بِالْمَاءِ من بَاب مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب وَإِذا كَانَ على الْوَجْه حَائِل وَجَبت إِزَالَته وَمِنْه الرمص فِي الْعين والوسخ الَّذِي يكون فِي بَاب الْأنف فَلَا بُد من إِزَالَة ذَلِك وَإِذا كثفت لحية الرجل وعارضاه كَفاهُ غسل ظَاهر ذَلِك وَهُوَ الطَّبَقَة الْعليا من الشّعْر وَضَابِط الكثافة أَن لَا ترى الْبشرَة من خلال الشّعْر عِنْد التخاطب مَعَ الْقرب وَلَو خفت اللِّحْيَة والعارضان بِأَن ترى الْبشرَة من الشّعْر عِنْد التخاطب مَعَ الْقرب وَجب غسل الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ الطَّبَقَة السُّفْلى وَمَا فِي خلال الشّعْر وَبَاقِي شُعُور الْوَجْه إِن كثف وَخرج عَن حد الْوَجْه كفى غسل ظَاهره وَإِلَّا وَجب غسل ظَاهره وباطنه (و) ثَالِثهَا (غسل يَدَيْهِ ب) كل (مرفق) أَي مَعَه وَالْمرَاد بِالْيَدِ هُنَا من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى رَأس الْعَضُد وَإِذا كَانَ على الْيَدَيْنِ شعر وَجب غسل ظَاهره وباطنه وَإِن كثف وَتجب إِزَالَة مَا تَحت الأظافر من الْوَسخ وَكَذَا مَا على الْيَدَيْنِ من شمع وَنَحْوه من كل مَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى الْعُضْو وَمثل الْيَدَيْنِ فِي ذَلِك الْوَجْه وَالرجلَانِ فَلَو رأى بعد تَمام وضوئِهِ على يَدَيْهِ مثلا حَائِلا كقشرة سمك وَعلم أَن ذَلِك كَانَ حَاصِلا وَقت الْوضُوء وَجب عَلَيْهِ إِزَالَته وَغسل مَا تَحْتَهُ وإعادة تَطْهِير الْأَعْضَاء الَّتِي بعده لأجل مُرَاعَاة التَّرْتِيب فِي الْوضُوء (و) رَابِعهَا (مسح بعض رَأسه) وَلَو قَلِيلا سَوَاء كَانَ من بشرة الرَّأْس أَو من شعرهَا الَّذِي لَا يخرج عَنْهَا بِالْمدِّ من جِهَة نُزُوله وَلَو بعض شَعْرَة وَالْمرَاد بِالْمَسْحِ مُجَرّد وُصُول البلل إِلَى الرَّأْس وَإِن لم يمر يَده عَلَيْهَا (و) خَامِسهَا (غسل رجلَيْهِ ب) كل (كَعْب) أَي مَعَه وَيجب غسل بَاطِن شقوق فيهمَا وَإِذا كَانَ فِي تِلْكَ الشقوق شمع أَو نَحوه وَجَبت إِزَالَته إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ غور فِي اللَّحْم وَإِذا كَانَ فِي عُضْو يجب تعميمه شَوْكَة فَفِيهَا تَفْصِيل حَاصله أَنَّهَا إِذا كَانَت بِحَيْثُ لَو قلعت لم يبْق محلهَا مَفْتُوحًا كشوكة القثاء فَلَا تضر وَإِذا كَانَت بِحَيْثُ لَو قلعت بَقِي محلهَا مَفْتُوحًا كَانَت حَائِلا فتحب إِزَالَتهَا مَا لم يكن لَهَا غور فِي اللَّحْم فَإِن كَانَ لَهَا غور فِي اللَّحْم فَلَا تضر فِي الْوضُوء وَأما فِي الصَّلَاة فتضر إِذا كَانَت مُتَّصِلَة بِدَم كثير وَإِلَّا فَلَا هَذَا كُله مَا لم يلتحم الْجلد فَوْقهَا وَإِلَّا صَارَت من حكم الْبَاطِن فَلَا تضر فِي وضوء وَلَا صَلَاة وَتجب إِزَالَة مَا على الرجلَيْن من قشف وَنَحْوه وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُد من تَخْصِيص الرجلَيْن بمزيد الِاحْتِيَاط لِأَن الرجل مَظَنَّة الأوساخ خُصُوصا الْعقب فَإِنَّهُ مَحل تراكم الأوساخ وَقد ورد فِي الحَدِيث ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَلَو أَزَال شعرًا أَو قلم ظفرا أَو قطع عضوا من أَعْضَاء الْوضُوء أَو كشط مِنْهُ جُزْءا بعد تَطْهِير ذَلِك لم يجب تَطْهِير موضعهَا لِأَن الْوضُوء يرفع الْحَدث عَن الظَّاهِر وَالْبَاطِن (و) سادسها (تَرْتِيب) بِأَن يبْدَأ بِالْوَجْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مَقْرُونا بِالنِّيَّةِ ثمَّ غسل الْيَدَيْنِ ثمَّ مسح بعض الرَّأْس ثمَّ غسل الرجلَيْن وَلَو شرع ثَلَاثَة نفر فِي غسل بَقِيَّة أَعْضَائِهِ بعد غسل بعض الْوَجْه لم يرْتَفع غير حدث وَجهه وَلَو اغْتسل مُحدث حَدثا أَصْغَر فَقَط بنية رفع الْحَدث أَو نَحوه أَو بنية رفع الْجَنَابَة أَو فرض الْغسْل أَو أَدَائِهِ غالطا ورتب ترتيبا حَقِيقِيًّا أَجزَأَهُ حَيْثُ وجدت النِّيَّة عِنْد غسل الْوَجْه وَمِنْه مَا لَو وقف تَحت نَحْو ميزاب وَاسْتمرّ المَاء يجْرِي مِنْهُ على أَعْضَائِهِ إِذْ الدفعة الأولى مثلا يرْتَفع بهَا حدث الْوَجْه فالماء الَّذِي بعده يرفع حدث الْيَدَيْنِ وَهَكَذَا وَلَو انغمس مُحدث وَلَو فِي مَاء قَلِيل بنية مَا ذكر أَجزَأَهُ عَن الْوضُوء وَإِن لم يمْكث زَمنا يُمكن فِيهِ التَّرْتِيب لحصوله تَقْديرا فِي لحظات لَطِيفَة لَا يظْهر فِي الْحس هَذَا إِذا وجدت النِّيَّة عِنْد وُصُول المَاء إِلَى الْوَجْه أما لَو انغمس وَنوى عِنْد وُصُول المَاء إِلَى صَدره مثلا ثمَّ تمم الانغماس وَلم يستحضر النِّيَّة عِنْد وُصُول المَاء للْوَجْه لم يَصح وضوؤه لعدم النِّيَّة وَإِن أمكن التَّرْتِيب بمكثه وَلَو أغفل لمْعَة من غير أَعْضَاء الْوضُوء أَجزَأَهُ ذَلِك الانغماس خلافًا للْقَاضِي حُسَيْن (وَسن) للمتوضىء تعوذ و (تَسْمِيَة) وَحمد الله (أَوله) عِنْد غسل الْكَفَّيْنِ مَعَ نِيَّة سنَن الْوضُوء بِقَلْبِه ليجمع بَين عمل اللِّسَان والجنان والأركان فِي أول وضوئِهِ ثمَّ يتَلَفَّظ بِالنِّيَّةِ فَيَقُول عِنْد ذَلِك أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله على الْإِسْلَام وَنعمته الْحَمد لله الَّذِي جعل المَاء طهُورا وَالْإِسْلَام نورا رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون (فَغسل الْكَفَّيْنِ) وَإِذا شكّ فِي طهرهما كره مباشرتهما للْمَاء الْقَلِيل قبل غسلهمَا ثَلَاثًا خَارجه (فسواك ب) كل (خشن) فَيحصل بِخرقَة وأركانه خَمْسَة مستاك وَهُوَ الشَّخْص ومستاك بِهِ وَهُوَ كل خشن ومستاك مِنْهُ كالتغير مثلا ومستاك فِيهِ وَهُوَ الْفَم وَنِيَّة للسنية كَأَن يَنْوِي بِهِ سنيته للصَّلَاة مثلا وَمحله فِي الْوضُوء بعد غسل الْكَفَّيْنِ وَقبل الْمَضْمَضَة وَلَا يحْتَاج حِينَئِذٍ لنِيَّة لِأَن نِيَّة الْوضُوء تشمله والسواك مُسْتَحبّ فِي كل حَال وَفِي كل وَقت إِلَّا بعد الزَّوَال للصَّائِم وَلَو نفلا ويتأكد فِي أَحْوَال مِنْهَا الْوضُوء وَعند إِرَادَة الصَّلَاة وَعند الاحتضار وَفِي السحر وللصائم قبل الزَّوَال وَعند قِرَاءَة الْقُرْآن أَو الحَدِيث أَو الْعلم الشَّرْعِيّ وَلذكر الله تَعَالَى وَعند تغير الْفَم وَعند دُخُول الْمنزل وَعند إرداة النّوم ومراتبه خمس مرتبَة فِي الْأَفْضَلِيَّة الْأَرَاك ثمَّ جريد النّخل ثمَّ الزَّيْتُون ثمَّ ذُو الرّيح الطّيب من الأعواد ثمَّ بَاقِي الأعواد وكل وَاحِد مِنْهَا فِيهِ خمس مَرَاتِب مرتبَة فِي الْأَفْضَلِيَّة أَيْضا وَهِي الْيَابِس المندى بِالْمَاءِ ثمَّ المندى بِمَاء الْورْد ثمَّ المندى بالريق ثمَّ الرطب خلقَة ثمَّ الْيَابِس الْغَيْر المندى وكل وَاحِد من الْخمس الأول بمراتبه الْخمس مقدم على مَا بعده وَاعْتمد بَعضهم أَن الْيَابِس الْغَيْر المندى مقدم على الرطب لِأَنَّهُ أقوى فِي إِزَالَة التَّغَيُّر وَلَا تجْرِي فِي الْخِرْقَة الْمَرَاتِب الْخمس الثَّانِيَة لِأَن الرُّطُوبَة الخلقية لَا تتَصَوَّر فِيهَا وَيسن أَن يكون السِّوَاك فِي عرض الْأَسْنَان ظَاهرا وَبَاطنا وَفِي اللِّسَان طولا وَأَن يمسِكهُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى يَجْعَل خِنْصره تَحْتَهُ والبنصر وَالْوُسْطَى والسبابة فَوْقه والإبهام أَسْفَل رَأسه وَلَا يقبض عَلَيْهِ بِيَدِهِ لِأَن ذَلِك يُورث الْبَاسُور وَأَن يبْدَأ بِيَمِين فَمه وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن يبْدَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بالجانب الْأَيْمن من فَمه فيستوعبه بِاسْتِعْمَال السِّوَاك فِي الْأَسْنَان الْعليا والسفلى ظهرا وبطنا إِلَى الْوسط ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك ثمَّ اللِّسَان ثمَّ سقف الْحلق وَيسن أَن يبلع رِيقه وَقت وضع السِّوَاك فِي الْفَم وَقبل أَن يحركه كثيرا لما قيل إِن ذَلِك أَمَان من الجذام والبرص وَمن كل دَاء سوى الْمَوْت وَلَا يبلع رِيقه بعده لما قيل إِنَّه يُورث الوسواس وَيكرهُ أَن يزِيد طوله على شبر معتدل لما قيل ان الشَّيْطَان يركب على الزَّائِد (فمضمضة) وأقلها جعل المَاء فِي الْفَم من غير إدارة فِيهِ وَمَج مِنْهُ وأكملها أَن يبلغ المَاء إِلَى أقْصَى الحنك ووجهي الْأَسْنَان وَاللِّسَان وإمرار أصْبع يَده على ذَلِك وإدارة المَاء فِي الْفَم ومجه مِنْهُ (فاستنشاق) وَأقله وضع المَاء فِي الْأنف وَإِن لم يصل إِلَى الخيشوم وأكمله أَن يصعد المَاء إِلَى الخيشوم وَيسن الاستنثار وَهُوَ أَن يخرج بعد الِاسْتِنْشَاق مَا فِي أَنفه من مَاء وأذى فقد ورد عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا مِنْكُم من أحد يتمضمض ثمَّ يستنشق فيستنثر إِلَّا خرت خَطَايَا وَجهه وخياشيمه وَالْأَفْضَل أَن يكون إِخْرَاج ذَلِك بخنصر يَده الْيُسْرَى (و) الْأَفْضَل (جَمعهمَا) بغرفة وَاحِدَة بِأَن يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق مِنْهَا ثمَّ يفعل مِنْهَا كَذَلِك ثَانِيًا وثالثا أَو بِأَن يتمضمض مِنْهَا وَلَاء ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق كَذَلِك وَهَذِه فِي الْحَقِيقَة فصل لِأَنَّهُ لم ينْتَقل لتطهير الثَّانِي إِلَّا بعد الْفَرَاغ من الأول وتسميتها وصلا بِاعْتِبَار اتِّحَاد الغرفة وَالْأولَى مِنْهُمَا أَن يكون الْجمع (بِثَلَاث غرف) يتمضمض من كل غرفَة ثمَّ يستنشق وَهَذِه ثَلَاث كيفيات للْجمع وَهِي أفضل من الْفَصْل وكيفياته ثَلَاثَة أَيْضا الأولى أَن يكون بغرفتين يتمضمض بِالْأولَى ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق بِالْأُخْرَى كَذَلِك وَالثَّانيَِة أَن يكون بست غرف بِأَن يَأْخُذ غرفَة يتمضمض مِنْهَا ويطرحها وَيَأْخُذ أُخْرَى يستنشق مِنْهَا ويطرحها وَهَكَذَا وَالثَّالِثَة أَن يكون بست غرف أَيْضا يتمضمض بِثَلَاث ثمَّ يستنشق بِثَلَاث وَهَذِه أضعفها وأنظفها وَتسن الْمُبَالغَة فيهمَا للمفطر وَهِي فِي الْمَضْمَضَة أَن يبلغ المَاء إِلَى أقْصَى الحنك ووجهي الْأَسْنَان واللثات مَعَ إمرار الْأصْبع الْيُسْرَى على ذَلِك وَفِي الِاسْتِنْشَاق أَن يصعد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخيشوم بِحَيْثُ لَا يصل دماغه مَعَ إِدْخَال أُصْبُعه الْيُسْرَى ليزيل مَا فِيهِ من أَذَى ثمَّ يستنثر كالمتمخط (وَمسح كل رَأس) ويثاب ثَوَاب الْفَرْض على الْقدر المجزىء فَقَط وثواب النَّفْل على مَا عداهُ وَالسّنة فِي كيفيته أَن يضع يَدَيْهِ على مقدم رَأسه ويلصق سبابته بِالْأُخْرَى وَيَضَع إبهاميه على صدغيه ثمَّ يذهب بأصابعه غير الإبهامين إِلَى قَفاهُ ثمَّ يردهَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي ذهب مِنْهُ إِن كَانَ لَهُ شعر يَنْقَلِب ليصل البلل لجميعه وَحِينَئِذٍ يكون الذّهاب وَالرَّدّ مسحة وَاحِدَة لعدم تَمام المسحة بالذهاب فَإِن لم يكن لَهُ شعر يَنْقَلِب لقصره أَو عَدمه لم يرد لعدم الْفَائِدَة فَإِن رد لم تحسب مسحة ثَانِيَة لِأَن المَاء صَار مُسْتَعْملا لاختلاط بلله ببلل يَده الْمُنْفَصِل عَنهُ حكما بِالنِّسْبَةِ للثَّانِيَة ولضعف البلل أثر فِيهِ أدنى اخْتِلَاط فَإِن كَانَ على رَأسه نَحْو عِمَامَة كخمار وقلنسوة وَلم يرد رفع ذَلِك كمل بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لبسهَا على حدث لَكِن بِشُرُوط أَن لَا يكون على الْعِمَامَة أَو نَحْوهَا نَجَاسَة وَلَو معفوا عَنْهَا كَدم البراغيث وَأَن لَا يكون عَاصِيا باللبس لذاته كَأَن لبسهَا وَهُوَ محرم لغير عذر وَأَن يبْدَأ بمسح الْقدر الْوَاجِب من الرَّأْس وَلَو كَانَ فَوق الْعِمَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 طيلسان كفى الْمسْح عَلَيْهِ (و) بعد الرَّأْس مسح (الْأُذُنَيْنِ) ظَاهرا وَبَاطنا بِمَاء جَدِيد وَالْأَفْضَل فِي كَيْفيَّة مسحهما أَن يدْخل مسبحتيه فِي صماخيه ويديرهما فِي المعاطف ويمر إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ وَيسن غسل الْأُذُنَيْنِ مَعَ غسل الْوَجْه ثَلَاثًا مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا من الْوَجْه وَيسن مسحهما مَعَ الرَّأْس ثَلَاثًا مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا من الرَّأْس وبالكيفية الْمُتَقَدّمَة ثَلَاثًا مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا عضوان مستقلان لَا من الْوَجْه وَلَا من الرَّأْس وَهُوَ الْمُعْتَمد وَيسن أَن يمسحهما ثَلَاثًا استظهارا بِأَن يضع كفيه وهما مبلولتان على الْأُذُنَيْنِ فجملة مَا يسن فيهمَا اثْنَتَا عشرَة مرّة (ودلك أَعْضَاء) وَهُوَ إمرار الْيَد عَلَيْهَا عقب ملاقاتها للْمَاء أَو مَعهَا فِرَارًا من خلاف من أوجبه وَيَنْبَغِي الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الْعقب لَا سِيمَا فِي الشتَاء (وتخليل لحية كثة) وَنَحْوهَا من كل شعر يَكْتَفِي بِغسْل ظَاهره وكيفيته أَن يدْخل أَصَابِعه من أَسْفَل اللِّحْيَة ليصل المَاء إِلَى بَاطِنهَا (و) تَخْلِيل (أَصَابِع) الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ إِن كَانَ المَاء يصل بِدُونِ التَّخْلِيل وَإِلَّا وَجب فتخليل أَصَابِع الْيَدَيْنِ بالتشبيك بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت بِأَن يدْخل أَصَابِع إِحْدَى يَدَيْهِ فِي أَصَابِع الْأُخْرَى سَوَاء فِي ذَلِك وضع إِحْدَى الراحتين على الْأُخْرَى أَو غير ذَلِك لَكِن الْأَفْضَل أَن يضع بطن الْكَفّ الْيُسْرَى على ظهر الْيُمْنَى ويخلل أَصَابِعه ثمَّ يضع بطن الْيُمْنَى على ظهر الْيُسْرَى وَيفْعل كَذَلِك وَالْأَفْضَل فِي تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن أَن يكون بخنصر الْيَد الْيُسْرَى مبتدئا بخنصر الرجل الْيُمْنَى مختتما بخنصر الرجل الْيُسْرَى فَيكون بخنصر من خنصر إِلَى خنصر (وإطالة غرَّة وتحجيل) فالغرة فِي الْوَجْه والتحجيل فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وهما اسمان للْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَغَايَة الإطالة فِي الْغرَّة أَن يغسل صفحتي الْعُنُق مَعَ مُقَدمَات الرَّأْس وَفِي التحجيل اسْتِيعَاب العضدين والساقين (وتثليث كل) مِمَّا ذكر من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال فَلَا بُد أَن يَقع تثليث مغسول وممسوح على مَحل وَاحِد فإيصال المَاء لغيره محاولة تَعْمِيم لَا تكْرَار وَلَا يجزىء تثليث عُضْو قبل إتْمَام وَاجِب وَلَا بعد تَمام الْوضُوء وَلَو تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ أعَاد كَذَلِك لم تحصل فَضِيلَة التَّثْلِيث كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ الْمُعْتَمد وَحكم هَذِه الْإِعَادَة الْكَرَاهَة فَلَا يُقَال إِنَّه عبَادَة فَاسِدَة فَتحرم وَإِنَّمَا لم يحرم مَعَ أَن الثَّانِي وَالثَّالِث بعد تَمام الْوضُوء وَقبل صَلَاة لِأَن الرَّوْيَانِيّ والفوراني قَالَا بِحُصُول التَّثْلِيث بِهِ وَذَلِكَ شُبْهَة دافعة للتَّحْرِيم (وتيامن) إِلَّا فِي الْكَفَّيْنِ أول الْوضُوء والخدين والأذنين لغير أقطع وَمن خلق بيد وَاحِدَة وَيسن بداءة فِي الْوَجْه بأعلاه وَفِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بالأصابع إِن لم يكن الْوضُوء بالصب من الْغَيْر أَو من نَحْو حنفية وَإِلَّا بَدَأَ فِي الْيَدَيْنِ بالمرفقين وَفِي الرجلَيْن بالكعبين وَيبدأ فِي الرَّأْس بمقدمه كَمَا تقدم (وَوَلَاء) بَين أَعْضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الْوضُوء بِحَيْثُ لَا يجِف الْعُضْو الأول قبل الشُّرُوع فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَال الرّيح وطبائع الشَّخْص نَفسه وَالْمَكَان وَالزَّمَان فَلَو خرج وَاحِد من ذَلِك عَن الِاعْتِدَال قدر اعتداله وَيقدر الْمَمْسُوح مغسولا هَذَا فِي وضوء السَّلِيم إِذا كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا أما وضوء صَاحب الضَّرُورَة فَتجب فِيهِ الْمُوَالَاة وَكَذَا على السَّلِيم عِنْد ضيق الْوَقْت (وتعهد موق) وَإِذا كَانَ عَلَيْهِ حَائِل كرمص وَجب إِزَالَته وَيسن أَن يُحَرك خَاتمه إِذا كَانَ المَاء يصل إِلَى مَا تَحْتَهُ بِدُونِ التحريك وَإِلَّا وَجب تحريكه (واستقبال) للْقبْلَة وَيسن جُلُوس بِمحل لَا يُصِيبهُ فِيهِ رشاش المَاء وَيسن أَن لَا يلطم وَجهه بِالْمَاءِ (وَترك تكلم) فِي أثْنَاء وضوئِهِ بِغَيْر ذكر لِأَنَّهُ شاغل عَن الْعِبَادَة وَقد يسن لعذر بل يجب لنَحْو إنذار من خيف عَلَيْهِ مؤذ لم يشْعر بِهِ (و) ترك (تنشيف) لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ أَخذ المَاء بِخرقَة نعم ينْدب فِي ميت ولعذر كَأَن هبت ريح بِنَجس أَو آلمه نَحْو برد أما ترك النفض فَهُوَ كَتَرْكِ الِاسْتِعَانَة بصب المَاء عَلَيْهِ من غير عذر ففعلهما خلاف الأولى لَا مَكْرُوه كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الاكليلان الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَتسن أذكار الْأَعْضَاء بِأَن يَقُول عِنْد غسل الْكَفَّيْنِ اللَّهُمَّ احفظ يَدي عَن مَعَاصِيك كلهَا وَعند الْمَضْمَضَة اللَّهُمَّ أَعنِي على ذكرك وشكرك اللَّهُمَّ اسْقِنِي من حَوْض نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأسا لَا أظمأ بعْدهَا أبدا وَعند الِاسْتِنْشَاق اللَّهُمَّ أرحني رَائِحَة الْجنَّة اللَّهُمَّ لَا تحرمني رَائِحَة نعيمك وجناتك وَعند غسل الْوَجْه اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَعند غسل الْيَد الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني وحاسبني حسابا يَسِيرا وَعند غسل الْيَد الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تعطني كتابي بشمالي وَلَا من وَرَاء ظَهْري وَعند مسح الرَّأْس اللَّهُمَّ حرم شعري وبشري على النَّار وأظلني تَحت ظلّ عرشك يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظلك وَعند مسح الْأُذُنَيْنِ اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه وَعند غسل الرجلَيْن اللَّهُمَّ ثَبت قدمي على الصِّرَاط يَوْم تزل الْأَقْدَام (والشهادتان عقبه) أَي الْوضُوء بِأَن تنسبا للْوُضُوء فَإِن أخرهما بِحَيْثُ يطول فاصل عَنهُ عرفا فَاتَ مَحلهمَا فَيَقُول مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء كَهَيئَةِ الدَّاعِي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى قَوْله وَرَسُوله فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وأبواب الْجنَّة ثَمَانِيَة بَاب الصَّدَقَة وَبَاب الصَّلَاة وَبَاب الصَّوْم وَيُقَال لَهُ الريان وَبَاب الْجِهَاد وَبَاب الكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَبَاب الرَّاحِمِينَ وَبَاب من لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَبَاب التَّوْبَة وَيُقَال لَهُ بَاب الرَّحْمَة وَبَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَفْتُوح مُنْذُ خلقه الله تَعَالَى لَا يغلق إِلَّا إِذا طلعت الشَّمْس من مغْرِبهَا فَحِينَئِذٍ يغلق وَلَا يفتح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهَذِه الْأَبْوَاب مقسومة على أَعمال الْبر إِلَّا بَاب التَّوْبَة فَلَيْسَ بَاب عمل وَإِنَّمَا هُوَ بَاب الرَّحْمَة الْعُظْمَى وَإِنَّمَا فتحت لَهُ الْأَبْوَاب الثَّمَانِية تكرمة لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ إِذا اتّصف بِنَوْع من هَذِه الْأَعْمَال دخل من بَابه فَلَو اتّصف بنوعين فَأكْثر فَيُخَير أَو يدْخل من الْبَاب الَّذِي هُوَ لَازم نَوعه أَكثر وَيجب الْإِيمَان بذلك من غير بحث وَزَاد التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 على رِوَايَة مُسلم اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين وَزَاد الْحَاكِم على روايتهما سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فَقَالَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ عقب الْوضُوء سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إِلَى آخِره كتب فِي رق ثمَّ طبع عَلَيْهِ بِطَابع فَلم يتَطَرَّق إِلَيْهِ خلل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهَذَا كِنَايَة عَن عدم إحباط ثَوَابه وَفِيه بشرى بِأَن قَائِله يَمُوت على الْإِيمَان وَلَا يحصل لَهُ ردة أبدا لِأَن الرِّدَّة إِن اتَّصَلت بِالْمَوْتِ أحبطت الْعَمَل من أَصله وَإِن لم تتصل بِالْمَوْتِ بِأَن عَاد لِلْإِسْلَامِ قبل الْمَوْت عَادَتْ لَهُ الْأَعْمَال مُجَرّدَة عَن الثَّوَاب فَيكون قَائِل هَذَا الدُّعَاء مبشرا بالسلامة من هَذَا كُله وَيسن أَن يَقُول عقبه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَيسن أَن يقْرَأ بعد ذَلِك مَعَ رفع الْبَصَر كَمَا فِي الشَّهَادَتَيْنِ من غير رفع الْيَدَيْنِ سُورَة إِنَّا أَنزَلْنَاهُ لخَبر من قَرَأَ فِي أثر وضوئِهِ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} 97 الْقدر الْآيَة 1 مرّة وَاحِدَة كَانَ من الصديقين وَمن قَرَأَهَا مرَّتَيْنِ كتب فِي ديوَان الشُّهَدَاء وَمن قَرَأَهَا ثَلَاثًا حشره الله محشر الْأَنْبِيَاء رَوَاهُ الديلمي عَن أنس وَيسن بعد قِرَاءَة السُّورَة الْمَذْكُورَة أَن يَقُول ثَلَاثًا مُسْتَقْبل الْقبْلَة بصدره رَافعا يَدَيْهِ وبصره اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي ووسع فِي دَاري وَبَارك لي فِي رِزْقِي وَلَا تفتني بِمَا زويت عني (وشربه من فضل وضوئِهِ) بِفَتْح الْوَاو أَي مَائه الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ لما ورد فِي الْخَبَر أَن فِيهِ شِفَاء من كل دَاء ومكروهات الْوضُوء الْإِسْرَاف فِي المَاء كَأَن يزِيد على الثَّلَاث بنية الْوضُوء أَو يَأْخُذ فِي الغرفة زِيَادَة عَمَّا يَكْفِي الْعُضْو وَلَو كَانَ يغترف من الْبَحْر وَمحل كَون الْإِسْرَاف مَكْرُوها إِن كَانَ المَاء مُبَاحا أَو مَمْلُوكا لَهُ فَإِن كَانَ مسبلا للْوُضُوء كالفساقي أَو مَمْلُوكا للْغَيْر وَأذن فِي الْوضُوء مِنْهُ وَلم يَأْذَن فِي الْإِسْرَاف حرم وَيجب الِاقْتِصَار فِي المسبل على مَا أَرَادَ مسبله فَيحرم اسْتِعْمَاله فِي غير ذَلِك كتزويد الدواة وَنَحْوه وكالاستنجاء من مَاء الفساقي الْمعدة للْوُضُوء أَو مَاء مغاطس الْمَسْجِد إِلَّا إِذا لم يكن فِي بيُوت الأخلية مَاء للْعُذْر وَيحرم تقذير ذَلِك كالبول فِيهِ وَوضع الْعُضْو فِيهِ متنجسا وَكَذَا البصق أَو الامتخاط أَو نَحْو ذَلِك وَمن مكروهات الْوضُوء النَّقْص عَن الثَّلَاث وَالْوُضُوء فِي المَاء الراكد بِلَا عذر وَلَو كثيرا مَا لم يكن مستبحرا (وليقتصر) أَي المتوضىء (حتما) أَي وجوبا (على وَاجِب لضيق وَقت) عَن إِدْرَاك فرض الصَّلَاة كلهَا فِيهِ فَيجب ترك جَمِيع السّنَن لذَلِك على مَا قَالَه ابْن حجر وَيجب الِاقْتِصَار على مرّة وَاحِدَة لذَلِك أَيْضا بِحَيْثُ لَو ثلث خرج وَقت الْفَرْض (أَو قلَّة مَاء) بِحَيْثُ كَانَ المَاء لَا يَكْفِي إِلَّا فرض الْوضُوء أَو كَانَ المتوضىء يحْتَاج للفاضل للعطش بِحَيْثُ لَو أكمل الْوضُوء لاستغرق المَاء وأدركه الْعَطش (و) ليقتصر (ندبا) على الْوَاجِب (لإدراك جمَاعَة) لم يرج غَيرهَا نعم مَا قيل بِوُجُوبِهِ كالدلك لَا يسن تَركه لأجل الْجَمَاعَة بل يسن إِتْيَانه وَإِن أدّى إِلَى فَوت الْجَمَاعَة قِيَاسا على ندب رِعَايَة تَرْتِيب الْفَوَائِت وَإِن فَاتَت الْجَمَاعَة إِذْ قد قيل بِوُجُوب ترتيبها (ونواقضه) أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الْوضُوء أَي الْأَسْبَاب الَّتِي يَنْتَهِي بهَا الطُّهْر أَرْبَعَة فَقَط ثَابِتَة بالأدلة أَحدهَا (خُرُوج شَيْء) غير منيه الْمُوجب للْغسْل (من أحد سبيلي حَيّ) أَي من قبل الْحَيّ الْوَاضِح أَو دبره وَخرج بالحي الْمَيِّت فَلَا نقض بالخارج من قبله أَو دبره بعد وضوئِهِ وَخرج بالواضح الْمُشكل وَهُوَ من لَهُ آلتان آلَة تشبه آلَة الرِّجَال وَآلَة تشبه آلَة النِّسَاء فَلَا نقض إِلَّا بالخارج من الآلتين جَمِيعًا أَو من دبره وَلَا فرق فِي الْخَارِج بَين أَن يكون عينا أَو ريحًا طَاهِرا أَو نجسا جافا أَو رطبا مُعْتَادا كالبول أَو نَادرا كَالدَّمِ انْفَصل أَو لَا قَلِيلا أَو كثيرا طَوْعًا أَو كرها سَهوا أَو عمدا (وَلَو كَانَ) أَي الْخَارِج (باسورا) بِأَن خرج الْبَاسُور نَفسه من دَاخل الدبر أَو زَاد خُرُوجه فَإِنَّهُ نَاقض وَكَذَا دم بواسير من باسور دَاخل الدبر لَا خَارجه وَأما منيه الْمُوجب للْغسْل كَأَن أمنى بِمُجَرَّد نظر أَو احْتِلَام مُمكنا مقعدته فَلَا نقض بِهِ لِأَنَّهُ أوجب أعظم الْأَمريْنِ وَهُوَ الْغسْل بِخُصُوص كَونه منيا فَلَا يُوجب أدونهما وَهُوَ الْوضُوء بِعُمُوم كَونه خَارِجا كزنا الْمُحصن لما أوجب أعظم الحدين وَهُوَ الرَّجْم بِخُصُوص كَونه زنا مُحصن لم يُوجب أدونهما وَهُوَ الْجلد والتغريب بِعُمُوم كَونه زنا وَلَو انسد الْفرج بِأَن صَار لَا يخرج مِنْهُ شَيْء وَإِن لم يلتحم وَانْفَتح بدله ثقبة لخُرُوج الْخَارِج فَإِن كَانَت تَحت السُّرَّة أَعْطَيْت حكم الْفرج فِي ثَلَاثَة أُمُور النَّقْض بِالْخرُوجِ مِنْهَا وَجَوَاز وَطْء الحليلة فِيهَا وَعدم النَّقْض بِالنَّوْمِ مُمكنا لَهَا وَلَا يصير الواطىء جنبا بِالْوَطْءِ فِيهَا إِلَّا إِذا أنزل وَلَو عَاد الْأَصْلِيّ منفتحا عَادَتْ لَهُ جَمِيع الْأَحْكَام من الْآن وتلغو أَحْكَام الثقبة فَإِنَّهَا مَتى كَانَ الْفرج منفتحا لَا عِبْرَة بهَا وَلَا بُد فِي الثقبة الَّتِي تقوم مقَام الْفرج أَن تكون قريبَة من السُّرَّة عرفا فَإِن كَانَت فِي رجله أَو نَحْوهَا فَلَا ينْقض الْخَارِج مِنْهَا فَإِن لم تكن تَحت السُّرَّة بل كَانَت فَوْقهَا أَو فِيهَا أَو فِي محاذيها فَلَا نقض بِالْخرُوجِ مِنْهَا هَذَا فِي الانسداد الْعَارِض أما الخلقي فينقض مَعَه الْخَارِج من المنفتح مُطلقًا أَي فِي أَي مَوضِع كَانَ من الْبدن وَيثبت لَهُ جَمِيع أَحْكَام الْأَصْلِيّ من النّظر بالإيلاج فِيهِ وَوُجُوب الْحَد بِهِ وَحُرْمَة النّظر إِلَيْهِ وَوُجُوب ستره من غير الحليل وَفِي الصَّلَاة وَتبطل بكشفه وَلَو فِي الْجَبْهَة وَيصِح السُّجُود مَعَ الْحَائِل لوُجُوب ذَلِك شرعا والفرج حِينَئِذٍ كعضو زَائِد من الْخُنْثَى لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم من أَحْكَام الْفرج وَلَو قَامَ مقَام الْفرج شَيْء من المنافذ الْأَصْلِيَّة كالفم وَالْأنف وَالْأُذن فَلَا نقض بالخارج مِنْهُ على الْمُعْتَمد (و) ثَانِيهَا (زَوَال عقل) أَي تَمْيِيز بجنون أَو سكر أَو إِغْمَاء وَلَو خَفِيفا أَو شرب دَوَاء أَو غيبوبة حَال ذكر أَو نَحْو ذَلِك وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين المتمكن وَغَيره (لَا) ينْتَقض بِزَوَال التَّمْيِيز (بنوم مُمكن مَقْعَده) من مقره لأمن خُرُوج شَيْء من دبره حِينَئِذٍ لَكِن يسن الْوضُوء خُرُوجًا من الْخلاف وَلَا تَمْكِين لمن نَام على قَفاهُ مُلْصقًا مَقْعَده بمقره وَكَذَا لَو كَانَ نحيفا بِحَيْثُ يكون بَين بعض ألييه ومقره تجاف وَإِنَّمَا كَانَ النّوم على غير هَيْئَة الْمُمكن مقعدته من مقره ناقضا لِأَنَّهُ مَظَنَّة لخُرُوج شَيْء من دبره ثمَّ نزلُوا المظنة منزلَة المئنة ثمَّ جعلُوا نفس النّوم على هَذِه الْهَيْئَة ناقضا وَإِن تَيَقّن عدم خُرُوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 شَيْء من دبره كَمَا لَو أخبرهُ مَعْصُوم بِأَنَّهُ لم يخرج مِنْهُ شَيْء أَو كَانَ الْمحل مسدودا بِمَا لَا يُمكن مَعَه خُرُوج شَيْء وَعلم مِمَّا ذكر أَن الْقبل لَا يجب تَمْكِينه وَإِن احْتمل خُرُوج ريح مِنْهُ لِأَن ذَلِك نَادِر بل قَالُوا لَا يضر وَإِن كَانَ من عَادَته خُرُوج الرّيح من قبله نعم إِن تَيَقّن خُرُوج شَيْء من قبله انْتقض وضوؤه وَلَو نَام مُمكنا وزالت إِحْدَى ألييه أَو سقط ذراعه على الأَرْض فَلهُ أَربع حالات فَإِن كَانَ ذَلِك قبل انتباهه يَقِينا انْتقض وضوؤه أَو بعده أَو مَعَه أَو شكّ فَلَا وَلَو شكّ هَل كَانَ مُتَمَكنًا أم لَا فَلَا نقض وَلَا ينْقض النعاس لِأَنَّهُ أخف من النّوم لِأَن سَبَب النّوم ريح تَأتي من قبل الدِّمَاغ فتغطي الْقلب فَإِن لم تصل إِلَى الْقلب بل غطت الْعين فَقَط كَانَ نعاسا وَمن عَلَامَات النّوم الرُّؤْيَا وَمن عَلَامَات النعاس سَماع كَلَام الْحَاضِرين مَعَ عدم فهمه فَلَو رأى رُؤْيا علم أَن ذَلِك نوم وَلَو شكّ هَل نَام أَو نعس وَأَن الَّذِي خطر بِبَالِهِ رُؤْيا أَو حَدِيث نفس فَلَا نقض (و) ثَالِثهَا (مس فرج آدَمِيّ) وَهُوَ قبله وَلَو مَحل الْجب أَو ذكرا أشل وحلقة دبره من نَفسه أَو غَيره وَلَو مَعَ التوافق فِي الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة وَالْمرَاد بفرج الْمَرْأَة الشفران من أَولهمَا إِلَى آخرهما وَمن ذَلِك مَا يظْهر عِنْد جلوسها على قدميها وَالظَّاهِر أَن من ذَلِك مَا يظْهر عِنْد الاسترخاء الْمَطْلُوب فِي الِاسْتِنْجَاء وَمثل ذَلِك مَا يقطع فِي الْخِتَان مِنْهَا حَال اتِّصَاله وَلَو بارزا وَالْمرَاد بِحَلقَة الدبر ملتقى منفذه فَمَا عدا ذَلِك كُله لَا نقض فِيهِ بالمس فَلَا نقض بِمَسّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا بِمَسّ الْعَانَة (بِبَطن كف) وَهِي رَاحَة مَعَ أَصَابِع وَلَو من يَد شلاء من غير حَائِل سَوَاء كَانَ الْآدَمِيّ ذكرا أَو أُنْثَى بلغ حد الشَّهْوَة أم لَا عمدا أَو سَهوا طَوْعًا أَو كرها وَلَو بِلَا قصد وَلَا فعل مُتَّصِلا كَانَ الْفرج أَو مُنْفَصِلا وَكَانَ بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفرج وَلَو نبت على بَاطِن الْكَفّ شعر كثير لَا يعد حَائِلا بل ينْقض الْمس بِهِ ثمَّ عِنْد مس الْقبل إِن كَانَ كل من الماس والممسوس وَاضحا فَالْأَمْر وَاضح وَكَذَا إِن كَانَ الماس مُشكلا والممسوس وَاضحا وَأما عكس هَذِه وَهِي أَن يكون الماس وَاضحا والممسوس مُشكلا فَإِن مس الآلتين جَمِيعًا فَالْأَمْر ظَاهر وَإِن مس إِحْدَاهمَا فَإِن كَانَ مثل مَا لَهُ مَعَ فقد الْمَحْرَمِيَّة والصغر انْتقض الْوضُوء جزما لِأَن الممسوس إِن كَانَ مثل الماس ذكورة أَو أنوثة فقد حصل مس وَإِن لم يكن مثله فقد لمس وَإِن كَانَ غير مَا لَهُ أَو مثله مَعَ الْمَحْرَمِيَّة أَو الصغر فَلَا نقض لاحْتِمَال توافقهما فِي الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة فِي الأولى ولوجود الْمَحْرَمِيَّة أَو الصغر فِي الثَّانِيَة وَإِن كَانَ كل من الماس والممسوس مُشكلا فَلَا بُد من مس الآلتين جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا إِن كَانَا ذكرين فقد مس آلَة الذُّكُور أَو أنثيين فقد مس آلَة النِّسَاء أَو متخالفين فَهُوَ مس ولمس وَلَو تعدد الْقبل من الْوَاضِح فعلى التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِي خُرُوج الْخَارِج وَلَو نَبتَت لَهُ أصْبع زَائِدَة فَإِن كَانَت على سمت الْأَصْلِيَّة نقض بَاطِنهَا دون ظَاهرهَا وَإِن كَانَت بِبَطن الْكَفّ فَإِن سامتت فَكَذَلِك وَإِن لم تسامت نقض بَاطِنهَا وظاهرها كسلعة فِي بطن الْكَفّ وَإِن كَانَت بِظهْر الْكَفّ لَا ينْقض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ظَاهرهَا وَلَا بَاطِنهَا وَكَذَا لَو كَانَت بِحرف الرَّاحَة وَلم تكن على سمت الْأَصْلِيَّة وَخرج بِبَطن الْكَفّ رُؤُوس الْأَصَابِع وَمَا بَينهَا وحروفها وحروف الرَّاحَة فَلَا نقض بذلك وَخرج بفرج الْآدَمِيّ فرج الْبَهِيمَة وَالطير فَلَا نقض بمسه نعم الجني كالآدمي تَنْبِيه ضَابِط مَا ينْقض الْمس بِهِ هُوَ مَا يسْتَتر عِنْد وضع إِحْدَى الراحتين على الْأُخْرَى مَعَ تحامل يسير هَذَا بِالنِّسْبَةِ لغير الإبهامين أما بِالنِّسْبَةِ لَهما فَهُوَ مَا يسْتَتر عِنْد وضع بطن أَحدهمَا على بطن الآخر بِحَيْثُ تكون رَأس أَحدهمَا عِنْد أصل الآخر مَعَ تحامل يسير (و) رَابِعهَا اللَّمْس وَهُوَ (تلاقي بشرتي ذكر وَأُنْثَى) وَلَو كَانَ الذّكر خَصيا أَو عنينا أَو ممسوحا أَو كَانَ أَحدهمَا مَيتا لَكِن لَا ينْتَقض وضوء الْمَيِّت سَوَاء كَانَ التلاقي عمدا أَو سَهوا بِشَهْوَة أَو دونهَا بعضو سليم أَو أشل أُصَلِّي أَو زَائِد من أَعْضَاء الْوضُوء أَو غَيرهَا وَلَو كَانَت الْأُنْثَى عجوزا شوهاء لَا تشْتَهى وَلَا ينْقض لمس الْعُضْو المبان وَلَو قطع عُضْو من شخص والتصق بآخر وحلته الْحَيَاة فَلهُ حكم من اتَّصل بِهِ لَا إِن انْفَصل عَنهُ فَلَو قطعت يَد رجل والتصقت بِامْرَأَة وحلتها الْحَيَاة انْتقض وضوء الرجل بلمسها وَعَكسه وَلَو قطعت الْمَرْأَة جزأين فَلَا نقض بلمس أَحدهمَا إِلَّا إِذا كَانَ يُطلق عَلَيْهِ اسْم امْرَأَة بِمُجَرَّد النّظر إِلَيْهِ (بكبر) أَي مَعَ كبرهما يَقِينا بِأَن بلغ كل مِنْهُمَا حد الشَّهْوَة لأرباب الطباع السليمة وَإِن انْتَفَت الشَّهْوَة لهرم أَو مرض لِأَنَّهُ مَا من سَاقِطَة إِلَّا وَلها لاقطة (لَا) ينْتَقض الْوضُوء بتلاقي بشرتيهما (مَعَ محرمية) وَالْحَاصِل أَن اللَّمْس نَاقض بِشُرُوط خَمْسَة أَحدهَا أَن يكون بَين مُخْتَلفين ذكورة وأنوثة فَلَا نقض بَين ذكرين وَلَا بَين أنثيين وَلَا بَين أَحدهمَا وَخُنْثَى لاحْتِمَال أَن يكون مثله ثَانِيهَا أَن يكون بالبشرة وَهِي ظَاهر الْجلد وَمثلهَا اللَّحْم كلحم الْأَسْنَان وَاللِّسَان وباطن الْعين وداخل الْأنف والفم فَلَا نقض بالشعر وَإِن نبت على الْفرج وَالسّن وَالظفر والعظم ثَالِثهَا أَن يكون بِدُونِ حَائِل فَلَا نقض مَعَ الْحَائِل وَلَو رَقِيقا رَابِعهَا أَن يبلغ كل مِنْهُمَا حدا يَشْتَهِي فِيهِ فَلَو بلغه أَحدهمَا وَلم يبلغهُ الآخر فَلَا نقض وخامسها عدم الْمَحْرَمِيَّة فَلَا نقض بلمس الْمَحَارِم وَمن خصوصيات نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدم نقض وضوئِهِ بلمس غير الْمَحَارِم وَاعْلَم أَن اللَّمْس يُفَارق الْمس فِي سَبْعَة أُمُور أَحدهمَا أَن اللَّمْس لَا يخْتَص بعضو بِخِلَاف الْمس فَإِنَّهُ يخْتَص بِبَطن كف ثَانِيهَا أَنه لَا بُد فِي اللَّمْس من اخْتِلَاف الْجِنْس بِخِلَاف الْمس ثَالِثهَا أَن الْفرج المبان ينْقض مَسّه على مَا تقدم بِخِلَاف الْعُضْو المبان لَا ينْقض لمسه رَابِعهَا أَن اللَّمْس ينْقض وضوء اللامس والملموس بِخِلَاف الْمس فَإِنَّهُ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس لَا ينْقض إِلَّا وضوء الماس خَامِسهَا أَن مس فرج الْمحرم نَاقض بِخِلَاف لمسها سادسها اشْتِرَاط بُلُوغ حد الشَّهْوَة فِي اللَّمْس دون الْمس سابعها أَن اللَّمْس لَا بُد فِيهِ من التَّعَدُّد بِخِلَاف الْمس فَإِنَّهُ يحصل بِمَسّ فرج نَفسه تَتِمَّة من الْقَوَاعِد المقررة الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة اسْتِصْحَاب الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَطرح الشَّك وإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن الشَّخْص لَو شكّ هَل طلق زَوجته أَو لَا فَإِن الأَصْل عدم الطَّلَاق فَيجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَأَنه لَو شكّ فِي امْرَأَة هَل تزَوجهَا أم لَا فَإِن الأَصْل عدم التَّزَوُّج بهَا فَلَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا (و) من ذَلِك أَنه (لَا يرْتَفع يَقِين وضوء أَو حدث بِظَنّ ضِدّه) فَمن تَيَقّن الطُّهْر ثمَّ شكّ هَل أحدث أم لَا فَالْأَصْل عدم الْحَدث وَمن تَيَقّن الْحَدث ثمَّ شكّ هَل تطهر أم لَا فَالْأَصْل عدم الطُّهْر خَاتِمَة وَمن كَانَ لابسا للخفين وَأَرَادَ الْمسْح عَلَيْهِمَا بَدَلا من غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء جَازَ لَهُ ذَلِك بِشُرُوط أَرْبَعَة الأول أَن يبتدىء لبسهما بعد كَمَال الطَّهَارَة الثَّانِي أَن يَكُونَا ساترين لمحل الْفَرْض وَهُوَ الْقدَم بكعبيه من سَائِر الجوانب وَلَا يشْتَرط السّتْر من الْأَعْلَى وَالْمرَاد بالستر الْحَيْلُولَة وَإِن لم يمْنَع الرُّؤْيَة فَيَكْفِي الشفاف الثَّالِث أَن يَكُونَا مِمَّا يُمكن تتَابع الْمَشْي فيهمَا لتردد مُسَافر لِحَاجَتِهِ عِنْد النُّزُول وَالسير وَغَيرهمَا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة وَلَو كَانَ لابسه مقْعدا وَهَذِه الشُّرُوط الثَّلَاثَة لَا بُد من وجودهَا عِنْد ابْتِدَاء اللّبْس الرَّابِع أَن يَكُونَا طاهرين وَهَذَا الشَّرْط يَكْفِي وجوده قبل الْحَدث وَلَو بعد اللّبْس وَمُدَّة الْمسْح ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها للْمُسَافِر سفر قصر وَيَوْم وَلَيْلَة لغيره وابتداؤها من وَقت الْحَدث بعد لبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ إِن كَانَ الْحَدث بِاخْتِيَارِهِ كاللمس والمس وَالنَّوْم فابتداء الْمدَّة من ابْتِدَاء الْحَدث وَإِن كَانَ الْحَدث بِغَيْر اخْتِيَاره كالجنون وَالْإِغْمَاء وَالْبَوْل وَالْغَائِط وَالرِّيح كَانَ ابْتِدَاء الْمدَّة من آخِره وَالْعبْرَة فِي ذَلِك بالشأن فَمَا شَأْنه أَن يكون بِالِاخْتِيَارِ فالمدة من ابْتِدَائه وَإِن حصل قهرا وَمَا شَأْنه أَن يكون بِغَيْر اخْتِيَار فالمدة من انتهائه وَإِن حصل بِغَيْر قهر فَإِن مسح فِي سفر الْقصر ثمَّ زَالَ السّفر أَو مسح فِي غير سفر الْقصر ثمَّ سَافر سفر قصر لم يكمل مُدَّة سفر الْقصر فِي الْحَالين وَيَكْفِي الْقَلِيل فِي الْمسْح فِي مَحل الْفَرْض بِظَاهِر أَعلَى الْخُف كمسح الرَّأْس حَتَّى لَو وضع أُصْبُعه المبتلة على ظَاهر أَعلَى الْخُف وَلم يمرها أَجزَأَهُ وَكَذَا لَو قطر عَلَيْهِ قَطْرَة مَاء وَيسن مسح أَعْلَاهُ وأسفله خُطُوطًا بِأَن يضع يَده الْيُسْرَى تَحت الْعقب واليمنى على ظهر الْأَصَابِع ثمَّ يمر الْيُمْنَى إِلَى آخر سَاقه واليسرى إِلَى أَطْرَاف الْأَصَابِع من تَحت مفرجا بَين أَصَابِع يَدَيْهِ فاستيعابه بِالْمَسْحِ خلاف الأولى وَيكرهُ تكراره وَغسل الْخُف وَيبْطل حكم الْمسْح على الْخُف بِوَاحِد من ثَلَاثَة أَشْيَاء الأول ظُهُور شَيْء مِمَّا ستر بِهِ من رجل أَو لفافة أَو غَيرهمَا الثَّانِي انْقِضَاء الْمدَّة المحدودة الْمُتَقَدّم ذكرهَا الثَّالِث عرُوض مَا يُوجب الْغسْل من جَنَابَة أَو حيض أَو نِفَاس أَو ولادَة وَالثَّانيَِة أَي الطَّهَارَة لأجل حدث أكبر وَهُوَ الْمَقْصد الثَّانِي من مَقَاصِد الطَّهَارَة (الْغسْل) وَحَقِيقَته شرعا سيلان المَاء على جَمِيع الْبدن بنية وَلَو مَنْدُوبَة كَمَا فِي غسل الْمَيِّت وَهُوَ نَوْعَانِ فرض وَسنة فالفرض (مُوجبه) أَي أَسبَابه ثَلَاثَة أَحدهَا جَنَابَة وَهِي إِمَّا (خُرُوج منيه) من طَرِيقه الْمُعْتَاد وَإِن لم يكن مستحكما أَو من صلب الرجل وترائب الْمَرْأَة والمعتاد منسد إِن كَانَ مستحكما أَي خَارِجا لَا لعِلَّة وَيعرف الْمَنِيّ بتدفقه أَو لَذَّة وَقت خُرُوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 أَو ريح عجين أَو طلع نخل إِذا كَانَ رطبا أَو ريح بَيَاض بيض إِذا كَانَ الْمَنِيّ جافا فَإِن فقدت هَذِه الصِّفَات فَلَا غسل لِأَن الْخَارِج حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمني فَإِن احْتمل كَون الْخَارِج منيا أَو غَيره كودي أَو مذي تخير بَينهمَا على الْمُعْتَمد فَإِن اخْتَار كَونه منيا اغْتسل وَإِن اخْتَار كَونه غير مني تَوَضَّأ وَغسل مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَو اخْتَار أَحدهمَا ثمَّ عَن لَهُ اخْتِيَار الآخر كَانَ لَهُ الرُّجُوع عَن اخْتِيَار الأول وَلَو بعد أَن فعل مُقْتَضَاهُ وَلَا يُعِيد مَا فعله بِالْأولِ وَلَو رأى فِي فرَاشه أَو ثَوْبه وَلَو بِظَاهِرِهِ منيا لَا يحْتَمل كَونه من غَيره لزمَه الْغسْل وإعادة كل صَلَاة لَا يحْتَمل خلوها عَنهُ وَيسن إِعَادَة كل صَلَاة احْتمل خلوها عَنهُ وَلَو أحس بنزول الْمَنِيّ فَأمْسك ذكره فَلم يخرج مِنْهُ شَيْء فَلَا غسل عَلَيْهِ (و) إِمَّا (دُخُول حَشَفَة) من ذكر أُصَلِّي أَو قدرهَا مِنْهُ من فاقدها (فرجا) قبلا أَو دبرا وَلَو من ميت أَو بَهِيمَة مَعَ إِكْرَاه أَو نوم أَو نِسْيَان وَبلا إِنْزَال وَمن ذكر أشل وَغير منتشر وبحائل كلف خرقَة على الذّكر وَلَو غَلِيظَة فَلَو غيب بعض الْحَشَفَة لم يجب الْغسْل على المولج وَلَا على الآخر نعم ينْدب (و) ثَانِيهَا (حيض) وَالْمُعْتَبر فِيهِ وَفِيمَا يَأْتِي انْقِطَاعه مَعَ الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَنَحْوهَا وَأَقل زمن الْحيض مِقْدَار يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة فلكية مُتَّصِلَة اتِّصَالًا معهودا فِي الْحيض والساعة خمس عشرَة دَرَجَة والدرجة أَربع دقائق والدقيقة مِقْدَار سُورَة الْإِخْلَاص مرّة وَقيل ثَلَاث مَرَّات وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا بلياليها وَإِن لم يتَّصل (و) ثَالِثهَا (نِفَاس) لكَونه دم حيض مجتمعا وَأقله زمن يسير وَلَو قدر مَا يسع مجة بعد انْفِصَال الْوَلَد وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا وغالبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا اعْتِبَارا بالوجود فِي الْجَمِيع وَمن مُوجب الْغسْل تحير الْمُسْتَحَاضَة وولادة وَلَو لعلقة ومضغة لِأَن الْغسْل يجب بِخُرُوج المَاء الَّذِي يخلق مِنْهُ الْوَلَد فبخروج الْوَلَد أولى والمسنون كثير مِنْهُ غسل الْجُمُعَة وَالِاسْتِسْقَاء والكسوف للشمس والخسوف للقمر لمن أَرَادَ حُضُور صلَاتهَا فِي الْأَرْبَعَة وَغسل الْعِيد وَغسل الْكَافِر إِذا أسلم وَالْغسْل من غسل الْمَيِّت وَالْغسْل من الْحجامَة وَالْغسْل عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج من الْحمام وَالْأولَى أَن يكون بِمَاء معتدل بَين الْحَرَارَة والبرودة وَالْغسْل من نتف الْإِبِط وَمن إِزَالَة الْعَانَة وَمن حلق الرَّأْس وَمن الْإِغْمَاء وَمثله الْجُنُون وَمن الْبلُوغ بِالسِّنِّ وللإحرام بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة ولدخول الْحرم ولدخول مَكَّة وللوقوف بِعَرَفَة وللمبيت بِمُزْدَلِفَة وللوقوف بالمشعر الْحَرَام غَدَاة النَّحْر إِن لم يكن اغْتسل للوقوف بِعَرَفَة وَإِلَّا كفى عَنْهَا ولرمي الْجمار فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة ولتغير الْبدن ولحضور كل مجمع من مجامع الْخَيْر وللاعتكاف ولدخول الْمَدِينَة المشرفة وَلكُل لَيْلَة من رَمَضَان وَعند سيلان الْوَادي وآكد هَذِه الأغسال غسل الْجُمُعَة ثمَّ غسل غاسل الْمَيِّت وَمن أَرَادَ غسلا مسنونا نوى بِهِ السَّبَب كَأَن يَنْوِي الْغسْل الْمسنون للْجُمُعَة أَو للعيد مثلا إِلَّا غسل الْإِفَاقَة من الْجُنُون أَو الْإِغْمَاء فَإِنَّهُ يَنْوِي رفع الْجَنَابَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْبَالِغ وَغَيره على الْمُعْتَمد (وفروضه) أَي الْغسْل شَيْئَانِ أَولهمَا (نِيَّة أَدَاء فرض الْغسْل) أَو أَدَاء الْغسْل أَو فرض الْغسْل أَو الْغسْل الْمَفْرُوض أَو الْوَاجِب أَو الطَّهَارَة للصَّلَاة أَو الْغسْل لَهَا أَو نِيَّة رفع جَنَابَة إِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 جنبا أَو رفع حدث الْحيض إِن كَانَت الْمَرْأَة المغتسلة حَائِضًا أما نِيَّة الْغسْل الْمسنون فقد تقدم (مقرونة بأوله) أَي الْغسْل وَأول فرض هُنَا هُوَ أول مغسول من بدنه سَوَاء أَكَانَ أَعلَى أم أَسْفَل لعدم التَّرْتِيب فِيهِ فَلَو نوى بعد غسل جُزْء وَجب إِعَادَة غسله وَإِذا اقترنت بِأول مَفْرُوض فَلَا يحصل لَهُ شَيْء من السّنَن السَّابِقَة (و) ثَانِيهمَا (تَعْمِيم) ظَاهر (بدن حَتَّى مَا تَحت قلفة) من الأقلف وَحَتَّى بَاطِن الشّعْر وَلَو كثيفا وَيجب لَهُ نقض الضفائر والعقائص إِن لم يصل المَاء إِلَى الْبَاطِن إِلَّا بِالنَّقْضِ (بِمَاء وَيَكْفِي ظن عُمُومه) ثمَّ الِاغْتِسَال عَن الْحَدث الْأَكْبَر إِمَّا بالانغماس أَو بالصب أَو بالاغتراف من المَاء فَإِن كَانَ بالانغماس فَالْأَمْر ظَاهر وَإِن كَانَ بالصب فيبقي للمغتسل مُرَاعَاة مَحل الِاسْتِنْجَاء لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يصل إِلَيْهِ مَاء الصب فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ الْحَدث الْأَكْبَر فَيحْتَاج إِلَى غسله آخرا فَإِن مَسّه بِبَطن كَفه من غير حَائِل انْتقض وضوؤه وَإِن لف على يَده خرقَة مثلا فَفِيهِ كلفة والمخلص من ذَلِك أَنه بعد فرَاغ الِاسْتِنْجَاء يَنْوِي رفع الْحَدث الْأَكْبَر مَعَ صب المَاء على الْمحل وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى الدقيقة لَكِن إِذا أطلق النِّيَّة فَإِن الْحَدث الْأَكْبَر يرْتَفع عَن مَحل الِاسْتِنْجَاء وَعَن بَاطِن كف المغتسل لملاقاة ذَلِك للْمَاء حَال النِّيَّة ويرتفع الْحَدث الْأَصْغَر عَن بَاطِن الْكَفّ فِي ضمن ارْتِفَاع الْحَدث الْأَكْبَر ثمَّ يعود الْحَدث الْأَصْغَر على بَاطِن الْكَفّ بِمَسّ حَلقَة الدبر فَيحْتَاج المغتسل إِلَى إفَاضَة المَاء على بطن كَفه بنية رفع الْحَدث الْأَصْغَر عَنهُ بعد رفع حدث وَجهه وَإِنَّمَا قُلْنَا بعد رفع حدث وَجهه لوُجُوب التَّرْتِيب فِي الْحَدث الْأَصْغَر إِذا لم يكن ارتفاعه فِي ضمن الْأَكْبَر وَحدث الْكَفّ فِي هَذِه الْحَالة لَيْسَ فِي ضمن الْأَكْبَر فيراعى فِيهِ التَّرْتِيب وَالْمُسلم من هَذِه الورطة أَن يُقيد النِّيَّة بِأَن يَقُول نَوَيْت رفع الْحَدث الْأَكْبَر عَن مَحل الِاسْتِنْجَاء بِخُصُوصِهِ ثمَّ يَأْتِي بنية أُخْرَى لباقي بدنه وَهَذِه تسمى دقيقة الدقيقة فمجموع الْمَسْأَلَتَيْنِ يُسمى الدقيقة ودقيقة الدقيقة وَإِن كَانَ يغْتَسل بالاغتراف من المَاء فَإِن كَانَ يغترف من مَاء كثير فَالْأَمْر ظَاهر وَإِن كَانَ يغترف من مَاء قَلِيل فَإِن وضع يَده فِي المَاء بنية رفع الْحَدث الْأَكْبَر ارْتَفع حدث يَده فِي المَاء وَصَارَ مُسْتَعْملا فالمخلص أَنه يَنْوِي الاغتراف من هَذَا المَاء ليغسل بِهِ خَارج الْإِنَاء وَمحل نِيَّة الاغتراف بعد نِيَّة رفع الْحَدث وَقبل مماسة يَده للْمَاء لَكِن يكون مستحضرا للنيتين عِنْد مماسة يَده للْمَاء لتحصل الْمُقَارنَة وَلَو غرف من المَاء الْقَلِيل لَا بِقصد رفع الْحَدث ثمَّ لما أخرج يَده من الْإِنَاء غسلهَا بنية رفع الْحَدث بِالْمَاءِ الَّذِي أَخذه صَار الْحَدث مَرْفُوعا عَنْهَا فَلَا يضر غمسها فِي المَاء بعد ذَلِك وَلَو كَانَ فِي يَده إِنَاء فارغ يغترف بِهِ من المَاء الْقَلِيل وَيغسل بِمَا فِيهِ خَارج الْإِنَاء من غير مماسة يَده للْمَاء فَلَا يضر وَمَسْأَلَة الدقيقة ودقيقة الدقيقة تَأتي فِي الِاغْتِسَال بالاغتراف أَيْضا وَمَسْأَلَة نِيَّة الاغتراف تَأتي فِي الْوضُوء أَيْضا إِذا كَانَ يتَوَضَّأ بالاغتراف من مَاء قَلِيل لَكِن مَحلهمَا فِي الْوضُوء بعد غسل الْوَجْه الغسلة الأولى إِن أَرَادَ الِاقْتِصَار عَلَيْهَا أَو الغسلات الثَّلَاث إِن أَرَادَ استيفاءها أَو أطلق نظرا لطلبها شرعا وَقبل غسل الْيَدَيْنِ (وَسن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 للْغسْل مُطلقًا (تَسْمِيَة) أَوله لَكِن من بِهِ حدث أكبر يَقُولهَا بِقصد الذّكر أَو يُطلق فَإِن قصد الْقِرَاءَة وَحدهَا أَو مَعَ الذّكر أَو قصد وَاحِدًا لَا بِعَيْنِه حرم (و) مضمضة واستنشاق أَوله كَالْوضُوءِ وبعدهما (إِزَالَة قذر) طَاهِرا أَو نجسا (ف) بعد إِزَالَته (وضوء) كَامِلا قبل الْغسْل (فتعهد معاطف) كالأذنين وطبقات الْبَطن والموق وَتَحْت الْمقبل من الْأنف وَتَحْت الْأَظْفَار إِذا وصل المَاء إِلَى ذَلِك بِدُونِهِ وَإِلَّا وَجب وتخليل الشّعْر والأصابع قبل إفَاضَة المَاء لِأَنَّهُ أبعد عَن الْإِسْرَاف (ودلك) لجَمِيع بدنه خُرُوجًا من خلاف من أوجبه وتحصيلا للنظافة (وتثليث) فِي واجبه وسننه (واستقبال) للْقبْلَة وَأَن يكون فِي مَحل لَا يَنَالهُ فِيهِ رشاش المَاء (وَجَاز تكشف لَهُ) أَي الْغسْل (فِي خلْوَة) قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْجواد وَيسن ستر عَوْرَته إِن لم يكن ثمَّ من يحرم نظره إِلَيْهَا وَإِلَّا وَجب انْتهى وَذكر بَعضهم أَنه يحرم كشف الْعَوْرَة بِحَضْرَة من يحرم عَلَيْهِ النّظر وَلَو غض بَصَره وَلَا يَكْفِي قَوْله لَهُم غضوا أبصاركم نعم إِن ضَاقَ الْوَقْت وَكَانَت الصَّلَاة لَا بدل لَهَا واضطر إِلَى كشف عَوْرَته لقَضَاء الْحَاجة مثلا جَازَ وَلزِمَ الْحَاضِرين غض الْبَصَر والأكمل فِي كَيْفيَّة الْغسْل أَن يُسَمِّي الله أَولا ثمَّ يتمضمض ويستنشق ثمَّ يزِيل مَا على جسده من قذر كمني ثمَّ الْوضُوء ثمَّ يتعهد معاطفه ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه ثَلَاثًا مَعَ التَّخْلِيل والدلك فِي كل مرّة ثمَّ شقَّه الْأَيْمن مقدما ومؤخرا كَذَلِك ثمَّ الْأَيْسَر مقدما ومؤخرا كَذَلِك وَلَو أَفَاضَ المَاء على بدنه جَمِيعه مرّة مَعَ التَّخْلِيل والدلك ثمَّ ثَانِيَة ثمَّ ثَالِثَة كَذَلِك حصل لَهُ أصل الْكَمَال وَلَو غسل رَأسه مرّة مَعَ التَّخْلِيل والدلك ثمَّ شقَّه الْأَيْمن مقدما ومؤخرا كَذَلِك ثمَّ شقَّه الْأَيْسَر مقدما ومؤخرا كَذَلِك ثمَّ ثَانِيَة ثمَّ ثَالِثَة حصل لَهُ أصل الْكَمَال أَيْضا وَلَو انغمس فِي المَاء ثَلَاثًا مَعَ التَّخْلِيل والدلك فِي كل مرّة حصل لَهُ أصل الْكَمَال أَيْضا لَكِن لَا بُد من رفع الْقَدَمَيْنِ فِي كل مرّة عَن مقرهما ليحصل التَّثْلِيث إِلَى باطنهما والكيفية الأولى أفضل من هَذَا جَمِيعه وَلَو اجْتمع على الشَّخْص أغسال من نوع وَاحِد بِأَن كَانَت كلهَا وَاجِبَة أوكلها مسنونة كَفاهُ نِيَّة وَاحِدَة مِنْهَا فَيحصل الْبَاقِي وَإِن لم يُنَوّه إِلَّا إِذا كَانَا واجبين جعليين كالمنذورين أَو جعليا وشرعيا فَلَا بُد من نِيَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن اخْتلف النَّوْع كفرض وَنفل فَإِن نوى الْجَمِيع حصل وَإِن نوى أحد النَّوْعَيْنِ حصل فَقَط دون غَيره وَمن كَانَ عَلَيْهِ الْحَدث الْأَكْبَر وَالْحَدَث الْأَصْغَر كَفاهُ نِيَّة رفع الْحَدث الْأَكْبَر ويرتفع الْأَصْغَر فِي ضمنه وَمن لزمَه غسل يسن لَهُ أَلا يزِيل شَيْئا من بدنه وَلَو دَمًا أَو شعرًا أَو ظفرا حَتَّى يغْتَسل لِأَن كل جُزْء يعود لَهُ فِي الْآخِرَة فَلَو أزاله قبل الْغسْل عَاد عَلَيْهِ الْحَدث الْأَكْبَر تبكيتا للشَّخْص ثمَّ الْحَدث إِمَّا أَصْغَر وَهُوَ كل مَا أوجب الْوضُوء وَإِمَّا متوسط وَهُوَ الْجَنَابَة والولادة وَإِمَّا أكبر وَهُوَ الْحيض وَالنّفاس وَيحرم بِكُل مِنْهَا أَشْيَاء فَالَّذِي يحرم بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر خَمْسَة أَشْيَاء أَولهَا الصَّلَاة بأنواعها وَكَذَا سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 نعم يجوز صَلَاة الْفَرْض لفاقد الطهُورَيْنِ لحُرْمَة الْوَقْت وَيُعِيد إِذا وجد أَحدهمَا لَكِن إِذا وجد التُّرَاب بعد الْوَقْت لَا يُعِيد بِهِ إِلَّا بِمحل يسْقط فِيهِ الْفَرْض بِالتَّيَمُّمِ وَأما إِذا وجده فِي الْوَقْت فَيُعِيد بِهِ مُطلقًا لَكِن إِذا كَانَ فِي مَحل يغلب فِيهِ وجود المَاء تلْزمهُ الْإِعَادَة ثَالِثا إِذا وجد المَاء أَو التُّرَاب بِمحل يغلب فِيهِ فقد المَاء أَو يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ وَحِينَئِذٍ يتَصَوَّر لَهُ فعل الْفَرْض أَربع مَرَّات بِأَن يُصَلِّي أَولا لحُرْمَة الْوَقْت ثمَّ بِالتُّرَابِ فِي الْوَقْت بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء ثمَّ بِالْمَاءِ أَو التُّرَاب فِي مَحل يغلب فِيهِ الْفَقْد أَو يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ ثمَّ يُعِيد تِلْكَ الصَّلَاة جمَاعَة وَظَاهر هَذَا أَن فَاقِد الطهُورَيْنِ لَهُ أَن يُصَلِّي أول الْوَقْت وَهُوَ كَذَلِك إِن أيس من وجود أَحدهمَا فِيهِ وَثَانِيها الطّواف بأنواعه وَإِن لم يكن فِي ضمنه نسك وَثَالِثهَا خطْبَة الْجُمُعَة أَي أَرْكَانهَا وَرَابِعهَا مس الْمُصحف وَلَو بِحَائِل ثخين حَيْثُ عد ماسا لَهُ عرفا وَالْمرَاد بالمصحف كل مَا كتب فِيهِ شَيْء من الْقُرْآن بِقصد الدراسة كلوح أَو عَمُود أَو جِدَار كتب عَلَيْهِ شَيْء من الْقُرْآن للدراسة فَيحرم مَسّه مَعَ الْحَدث حِينَئِذٍ سَوَاء فِي ذَلِك الْقدر المشغول بالنقوش وَغَيره كالهامش وَمَا بَين السطور وَيحرم أَيْضا مس جلده الْمُتَّصِل بِهِ وَكَذَا الْمُنْفَصِل عَنهُ مَا لم تَنْقَطِع نسبته عَنهُ كَأَن جعل جلد كتاب وَإِلَّا فَلَا وَلَو كَانَ فِيهِ مَا يدل على أَنه كَانَ جلد مصحف كَأَن كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} 56 الْوَاقِعَة الْآيَة 79 وَمَا دَامَ لم تَنْقَطِع نسبته عَن الْمُصحف لَا يحل مَسّه مَعَ الْحَدث وَإِن مرت عَلَيْهِ سنُون وَيحرم مس علاقَة اللَّوْح إِلَّا الْقدر الَّذِي جَاوز الْعَادة فِي الطول وَيحرم مس كيس الْمُصحف إِذا كَانَ فِيهِ الْمُصحف وَأعد لَهُ وَحده وَلَو زَائِدا على حجمه فَإِن لم يكن فِيهِ فَلَا أوكان غير معد لَهُ وَكَانَ كَبِيرا عرفا فَلَا يحرم إِلَّا مس المحاذي لَهُ فَقَط وَكَذَا لَو كَانَ معدا لَهُ وَلغيره وَمن ذَلِك مَا لَو جعل الْمُصحف مَعَ كتاب فِي جلد وَاحِد فَلَا يحرم إِلَّا مس المحاذي للمصحف دون غَيره وَمثل الْكيس فِي هَذَا التَّفْصِيل الصندوق وَمِنْه بَيت الربعة الْمَعْرُوف فَيحرم مَسّه إِن كَانَ فِيهِ الْأَجْزَاء أَو بَعْضهَا وَأما الْكُرْسِيّ فَإِن كَانَ صَغِيرا كَالَّذي يكون فِي الْمكَاتب وَكَانَ عَلَيْهِ الْمُصحف حرم مس أَي جُزْء مِنْهُ فَإِن لم يكن عَلَيْهِ الْمُصحف فَلَا وَإِن كَانَ كَبِيرا كالكرسي الَّذِي يجلس عَلَيْهِ فَلَا يحرم وَيسْتَثْنى من ذَلِك الصَّبِي الْمُسلم الْمُمَيز الْمُحدث فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من مس مصحفه أَو لوحه وَلَا من حمله مَعَ الْحَدث وَلَو أكبر وَلَو كَانَ حَافِظًا عَن ظهر قلب وفرغت مُدَّة حفظه وَأفْتى الْحَافِظ ابْن حجر بِأَن معلم الْأَطْفَال الَّذين لَا يَسْتَطِيع أَن يُقيم بِالْوضُوءِ أَكثر من فَرِيضَة يسامح لَهُ فِي مس أَلْوَاح الصّبيان مَعَ الْحَدث لما فِي تَكْلِيفه الْوضُوء حِينَئِذٍ من الْمَشَقَّة عَلَيْهِ لَكِن يتَيَمَّم وَلَو كَانَ الْمُصحف فِي خزانَة لم يحرم مس شَيْء مِنْهَا وَلَو أعدت لَهُ لِأَنَّهَا لَا تعد ظرفا لَهُ عرفا وَخرج بالمصحف غَيره وَخرج بِمَا كتب للدراسة مَا كَانَ لغير ذَلِك كالثياب وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِذا كتب عَلَيْهَا شَيْء من الْقُرْآن فَيحل مس ذَلِك وَحمله مَعَ الْحَدث وَكَذَا التميمة كورقة يكْتب فِيهَا شَيْء من الْقُرْآن وَتعلق على الرَّأْس مثلا للتبرك فَيجوز مَسهَا وَحملهَا مَعَ الْحَدث وَلَو أكبر وَالْعبْرَة بِقصد الْكَاتِب لنَفسِهِ أَو لغيره بِغَيْر أَمر وَلَا إِجَارَة فَإِن كَانَ يكْتب للْغَيْر بِأَمْر أَو إِجَارَة فَالْعِبْرَة بِقصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الْآمِر أَو الْمُسْتَأْجر وخامسها حمل الْمُصحف لِأَنَّهُ أبلغ من الْمس نعم يجب حمله مَعَ الْحَدث لضَرُورَة كخوف عَلَيْهِ من غرق أَو حرق أَو نَجَاسَة أَو وُقُوعه فِي يَد كَافِر وَلم يتَمَكَّن من الطَّهَارَة فَإِن قدر على التَّيَمُّم وَجب وَلَو تعَارض إلقاؤه فِي قاذورة ووقوعه فِي يَد كَافِر قدم الثَّانِي لِأَن أَخذه غير مُحَقّق الإهانة بِخِلَاف الْإِلْقَاء الْمَذْكُور وَلَو خَافَ عَلَيْهِ الضّيَاع وَلم يتَمَكَّن من الطُّهْر جَازَ حمله مَعَ الْحَدث وَلَو حَال تغوطه وَلَا يجب لعدم تحقق تلفه وَيحل حمله فِي مَتَاع وَلَو كَانَ ذَلِك الْمَتَاع قَلِيلا لَا يصلح للاستتباع بِشَرْط أَن لَا يعد ماسا لَهُ إِن قصد الْمَتَاع وَحده أَو أطلق أَو قصدهما مَعًا بِخِلَاف مَا لَو قصد الْمُصحف وَحده أَو قصد وَاحِدًا لَا بِعَيْنِه وَيحل حمله فِي تَفْسِير سَوَاء تميزت حُرُوف الْقُرْآن بلون أم لَا إِذا كَانَ التَّفْسِير أَكثر يَقِينا بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الْقُرْآن أَكثر أَو تَسَاويا أَو شكّ فِي ذَلِك فَيحرم وَلَو وضع يَده على قُرْآن وَتَفْسِير فَهُوَ كالحمل فِي التَّفْصِيل بَين كَون التَّفْسِير الَّذِي تَحت يَده أَكثر أَولا فَالْعِبْرَة بالموضع الَّذِي وضع يَده فِيهِ لَا بجملة التَّفْسِير وَأما الْحمل فَالْعِبْرَة فِيهِ بجملة التَّفْسِير وَالْعبْرَة أَيْضا بِعَدَد حُرُوف الرَّسْم العثماني فِي الْقُرْآن ورسم الْخط فِي التَّفْسِير لَا بِعَدَد الْكَلِمَات وَلَو كَانَ بِهَامِش الْمُصحف تَفْسِير فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِي الْحمل أما تَرْجَمَة الْمُصحف الْمَكْتُوبَة تَحت سطوره فَلَا تُعْطِي حكم التَّفْسِير بل تبقى للمصحف حُرْمَة مَسّه وَحمله كَمَا أفتى بِهِ السَّيِّد أَحْمد دحلان حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن كِتَابَة تَرْجَمَة الْمُصحف حرَام مُطلقًا سَوَاء كَانَت تَحْتَهُ أم لَا فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن يكْتب بعد الْمُصحف تَفْسِيره بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ يكْتب تَرْجَمَة ذَلِك التَّفْسِير وَالَّذِي يحرم بِالْحَدَثِ الْمُتَوَسّط ثَمَانِيَة أَشْيَاء الْخَمْسَة الْمُتَقَدّمَة على الْوَجْه الْمُتَقَدّم فِيهَا نعم قد يجوز فعل صُورَة الصَّلَاة مَعَ هَذَا الْحَدث كَمَا قد يَقع للشَّخْص فِي بعض الأحيان أَنه ينَام فِي مَكَان فِيهِ نسَاء أَو أَوْلَاد مرد ويحتلم ويخشى على نَفسه من الْوُقُوع فِي عرضه إِذا اغْتسل فَهَذَا عذر مُبِيح للتيمم لِأَنَّهُ أشق من الْخَوْف على أَخذ المَال لَكِن قبل التَّيَمُّم يغسل مَا يُمكنهُ غسله من بدنه وَيُصلي وَيُعِيد لِأَن هَذَا مثل التَّيَمُّم للبرد هَذَا إِذا سهل لَهُ فعل ذَلِك وَإِلَّا أَتَى بِأَفْعَال الصَّلَاة بِغَيْر نِيَّة وَلَا حُرْمَة عَلَيْهِ وَالسَّادِس قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن وَلَو حرفا حَيْثُ قصد أَنه من الْقُرْآن كَأَن قصد أَن يتَلَفَّظ بالبسملة فَأتى بِالْبَاء مِنْهَا وَسكت فَيحرم من حَيْثُ إِنَّه نوى الْمعْصِيَة وَشرع فِيهَا لَا من حَيْثُ أَن الْحَرْف الْوَاحِد يُسمى قُرْآنًا وللحرمة شُرُوط سِتَّة أَن يكون بِقصد الْقُرْآن وَحده أَو مَعَ الذّكر أَو بِقصد وَاحِد لَا بِعَيْنِه بِخِلَاف مَا إِذا قصد الذّكر وَحده أَو أطلق فَلَا حُرْمَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين مَا يُوجد نظمه فِي غير الْقُرْآن وَمَا لَا يُوجد نظمه إِلَّا فِيهِ وَأَن يكون مَا أَتَى بِهِ يُسمى قُرْآنًا إِلَّا إِذا نوى الْقِرَاءَة وَشرع فِيهَا فَإِنَّهُ يَأْثَم بالحرف الْوَاحِد كَمَا تقدم وَأَن تكون الْقِرَاءَة نفلا لتخرج قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة لفاقد الطهُورَيْنِ وَآيَة خطْبَة الْجُمُعَة لَهُ وَمَا لَو نذر قِرَاءَة فِي وَقت معِين وَأَن يتَلَفَّظ بهَا فَخرج مَا إِذا أجْرى الْقُرْآن على قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَإِشَارَة الْأَخْرَس المفهمة مثل التَّلَفُّظ وَأَن يسمع نَفسه حَيْثُ كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا مَانع من لغط وَنَحْوه وَإِلَّا فالمدار على كَونه بِحَيْثُ لَو لم يكن مَانع لسمع وَأَن يكون مُكَلّفا فَائِدَة عدد آيَات الْقُرْآن الْعَظِيم سِتَّة آلَاف وسِتمِائَة وست وَسِتُّونَ آيَة ألف مِنْهَا أَمر وَألف نهي وَألف وعد وَألف وَعِيد وَألف قصَص وأخبار وَألف عبر وأمثال وَخَمْسمِائة لتبيين الْحَلَال وَالْحرَام وَمِائَة لتبيين النَّاسِخ والمنسوخ وَسِتَّة وَسِتُّونَ دُعَاء واستغفار وأذكار وَالسَّابِع الْمكْث فِي الْمَسْجِد وَالثَّامِن التَّرَدُّد فِيهِ وَلَو فِي هوائه وسرداب تَحت أرضه أَو فِي رحبته أَو روشن مُتَّصِل بِهِ وَالْمرَاد بِالْمَسْجِدِ مَا تحققت مسجديته أَو ظنت بالاستفاضة وَلَو مشَاعا وَتَصِح التَّحِيَّة فِي الْمشَاع لَا الِاعْتِكَاف على الْمُعْتَمد وَمحل الِاكْتِفَاء بالاستفاضة فِي الْمَسْجِد إِن لم يعلم أَصله فَإِن علم أَصله كالمساجد المحدثة بحريم الْبَحْر أَو بمنى أَو بالقبور المسبلة للدفن فِيهَا لم يحرم الْمكْث فِيهِ نعم يجوز الْمكْث فِي الْمَسْجِد لضَرُورَة كَأَن نَام فِيهِ فَاحْتَلَمَ وَتعذر الْخُرُوج مِنْهُ لخوف عسس وَنَحْوه لَكِن يلْزمه التَّيَمُّم إِن وجد غير تُرَاب الْمَسْجِد أما إِذا لم يجد إِلَّا ترابه فَيحرم وَيصِح وَالْمرَاد بترابه الدَّاخِل فِي وقفتيه أما لَو كَانَت أرضه مبلطة وجلب الرّيح فِيهَا تُرَابا أَو فَوق حصره فَلَا يحرم التَّيَمُّم بِهِ وَيَنْبَغِي وجوب غسل مَا يُمكنهُ غسله من بدنه لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَلَو شكّ فِي التُّرَاب هَل هُوَ من الْمَسْجِد أَو جلبه الرّيح فالأشبه الْحل وَمذهب الإِمَام أَحْمد جَوَاز الْمكْث فِي الْمَسْجِد للْجنب بِالْوضُوءِ لغير ضَرُورَة فَيجوز تَقْلِيده وَيشْتَرط فِي الماكث والمتردد أَن يكون مُكَلّفا غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما غير الْمُكَلف فَيجوز لوَلِيِّه تَمْكِينه من ذَلِك وَأما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيجوز لَهُ ذَلِك لَكِن لم يَقع مِنْهُ وَخرج بالمكث والتردد العبور وَهُوَ الدُّخُول من بَاب وَالْخُرُوج من آخر من غير مكث وَلَا تردد فَلَا يحرم على الْجنب فَإِن كَانَ لحَاجَة كَأَن كَانَ الْمَسْجِد أقرب طريقيه فَلَا كَرَاهَة فِيهِ وَلَا خلاف الأولى وَإِن لم يكن لحَاجَة فَهُوَ خلاف الأولى وَأما الْحَائِض فَإِن خَافت التلويث حرم عَلَيْهَا العبور وَإِن أمنته كَانَ مَكْرُوها لغلظ حدثها مَا لم يكن لحَاجَة وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة وَخرج بِالْمَسْجِدِ الْمدَارِس والربط ومصلى الْعِيد وَالْمَوْقُوف غير مَسْجِد فَلَا يحرم فِيهِ ذَلِك نعم ان لوثته الْحَائِض حرم من حَيْثُ تنجس حق الْغَيْر وَالَّذِي يحرم بِالْحَدَثِ الْأَكْبَر ثَلَاثَة عشر شَيْئا هَذِه الثَّمَانِية على الْوَجْه الْمُتَقَدّم فِيهَا وَالتَّاسِع الْوَطْء وَلَو بِحَائِل ثخين وَلَو بعد انْقِطَاع الدَّم وَقبل الْغسْل وَهُوَ كَبِيرَة من الْعَامِد الْعَالم بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَار يكفر مستحله إِذا كَانَ قبل الِانْقِطَاع وَقبل بُلُوغ عشرَة أَيَّام وَإِلَّا فَلَا يكفر للْخلاف فِيهِ حِينَئِذٍ وَمحل الْكفْر بالاستحلال أَيْضا إِن كَانَ فِي بلد مَعْلُوم عِنْدهم حُرْمَة ذَلِك بِالضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا كفر كبعض الْبِلَاد الَّذين يجهلون حُرْمَة ذَلِك وَمحل حرمته إِذا لم يخف الزِّنَا فَإِن خافه وَتعين الْوَطْء فِي الْحيض طَرِيقا لدفعه جَازَ لِأَنَّهُ إِذا تعَارض على الشَّخْص مفسدتان قدم أخفهما وَلَو تعَارض عَلَيْهِ الْوَطْء فِي الْحيض والاستنماء بِيَدِهِ فَالَّذِي يظْهر أَنه يقدم الاستنماء فَإِن الْوَطْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فِي الْحيض مُتَّفق على أَنه كَبِيرَة بِخِلَاف الاستنماء فَإِن بعض الْمذَاهب يَقُول بِجَوَازِهِ عِنْد هيجان الشَّهْوَة وَهُوَ عِنْد الشَّافِعِي صَغِيرَة وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَنه لَو تعَارض عَلَيْهِ الزِّنَا والاستنماء بِيَدِهِ قدم الاستنماء لما ذكر وكما يحرم الْوَطْء فِي الْحيض يحرم وَطْء حليلته فِي دبرهَا فِي الْحيض وَغَيره وَلَو تعَارض عَلَيْهِ الزِّنَا وَوَطْء الحليلة فِي دبرهَا قدم الْوَطْء فِي الدبر وَلَو تعَارض عَلَيْهِ الْوَطْء فِي الدبر والاستنماء بِيَدِهِ قدم الاستنماء والعاشر الْمُبَاشرَة فِيمَا بَين سرة الْحَائِض وركبتها وَلَو بِلَا شَهْوَة لِأَن ذَلِك قد يَدعُوهُ إِلَى الْجِمَاع وَخرج بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة بَاقِي جَسدهَا فَلَا تحرم مُبَاشَرَته وكل مَا منعناه من مُبَاشَرَته نمنعها من أَن تمسه بِهِ فِي شَيْء من بدنه فَيجوز لَهُ أَن يلمس جَمِيع بدنهَا إِلَّا مَا بَين سرتها وركبتها وَيجوز لَهَا أَن تلمس جَمِيع بدنه بِجَمِيعِ بدنهَا إِلَّا مَا بَين سرتها وركبتها وَيحرم عَلَيْهِ تمكينها من اللَّمْس بذلك وَالْحَادِي عشر الصَّوْم بأنواعه وَيجب قَضَاء مَا فاتها من رَمَضَان زمن الْحيض بِخِلَاف الصَّلَاة الْفَائِتَة زَمَنه لَا يجب قَضَاؤُهَا بل إِذا قضتها لَا تَنْعَقِد وَالْفرق بَين الصَّوْم وَالصَّلَاة أَن الصَّلَاة متكررة كل يَوْم فَيشق قَضَاؤُهَا بِخِلَاف الصَّوْم وَالثَّانِي عشر طَلَاق الْحَائِض بِشَرْط أَن تكون مَوْطُوءَة لَهُ تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ بِغَيْر عوض مِنْهَا لتضررها حِينَئِذٍ بطول الْمدَّة فَإِن زمن الْحيض وَالنّفاس لَو طلقت فِيهِ لَا يحْسب الْعدة فَلَا تشرع فِي الْعدة من حِين الطَّلَاق بل بعد انْقِضَاء الْحيض أَو النّفاس وَالْوَاجِب كَون الطَّلَاق فِي زمن تشرع فِيهِ فِي الْعدة بِمُجَرَّد الطَّلَاق وَالثَّالِث عشر الْغسْل أَو التَّيَمُّم إِلَّا فِي أغسال الْحَج أَو التَّيَمُّم عَنْهَا وَإِذا انْقَطع الْحيض وَالنّفاس حل لَهَا الْغسْل وَحل طَلاقهَا وصومها وَلَو قبل الْغسْل وارتفع عَنْهَا سُقُوط الصَّلَاة وَأما بَاقِي مُحرمَات الْحيض فَلَا يحل إِلَّا بِالْغسْلِ أَو التَّيَمُّم الْمَقْصد الثَّالِث من مَقَاصِد الطَّهَارَة التَّيَمُّم وَحَقِيقَته شرعا إِيصَال التُّرَاب إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ على وَجه مَخْصُوص بنية وَسَببه الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء بِسَبَب مرض أَو فقد ثمَّ اعْلَم أَن الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء إِمَّا حسي كفقد المَاء وضابطه تعذر اسْتِعْمَاله وَإِمَّا شَرْعِي وَهَذَا لَا يتَعَذَّر اسْتِعْمَال المَاء لَكِن وجد للشَّخْص عذر جوز لَهُ الشَّارِع بِسَبَبِهِ الْعُدُول عَن المَاء إِلَى التَّيَمُّم رَحْمَة من الله تَعَالَى فَإِذا علمت ذَلِك فَمَتَى كَانَ الْعَجز حسيا تيَمّم وَصلى فَإِن كَانَت الصَّلَاة بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء وَجَبت الْإِعَادَة وَإِن كَانَت بِمحل ينْدر فِيهِ وجود المَاء أَو يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ فَلَا إِعَادَة فَالْعِبْرَة بمَكَان الصَّلَاة لَا بمَكَان التَّيَمُّم كَمَا أَن الْعبْرَة بِوَقْت فعل الصَّلَاة لَا بِجَمِيعِ السّنة وَمَتى كَانَ الْعَجز شَرْعِيًّا كالمرض وَنَحْوه تيَمّم وَصلى وَلَا إِعَادَة مُطلقًا فَشرط عدم الْإِعَادَة إِخْبَار الطَّبِيب الْعدْل وَلَو عدل رِوَايَة بِأَن اسْتِعْمَال المَاء يضرّهُ بِسَبَب خوف حُدُوث مرض أَو بطء برْء أَو زِيَادَة ألم أَو شين فَاحش فِي عُضْو ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كنحول واستحشاف أَو لحْمَة تزيد أَو ثغرة تبقى والعضو الظَّاهِر الْوَجْه وَالْيَدَانِ وَيَكْفِي معرفَة نَفسه إِذا كَانَ عَالما بالطب فَإِن لم يسْتَند إِلَى شَيْء من ذَلِك بل اعْتمد على التجربة لَزِمته الْإِعَادَة وَإِذا تَيَقّن الضَّرَر لَو اسْتعْمل المَاء أَو غلب على ظَنّه ذَلِك حرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال المَاء وَوَجَب عَلَيْهِ التَّيَمُّم وَإِن توهمه أَو شكّ فِيهِ جَازَ التَّيَمُّم وَلَا يحرم اسْتِعْمَال المَاء وَقد يجْتَمع الْعذر الْحسي والشرعي كَمَا إِذا حَال بَينه وَبَين المَاء سبع أَو عَدو فَإِن ذَلِك فِيهِ عجز حسي نظرا للْحَيْلُولَة بَينه وَبَين المَاء وَعجز شَرْعِي حَيْثُ إِن الشَّارِع نَهَاهُ عَن الْإِقْدَام على مَا فِيهِ ضَرَره وَهَذَا لَا إِعَادَة فِيهِ مُطلقًا أَيْضا على الْمُعْتَمد نظرا لجَانب الشَّرْع وَمن أَفْرَاد الْعَجز الشَّرْعِيّ فَقَط مَا إِذا لم يجد إِلَّا مَاء مسبلا لغير الطُّهْر بِهِ لِأَنَّهُ مَمْنُوع من اسْتِعْمَاله شرعا فَإِذا علم أَن مسبله عمم الِانْتِفَاع بِهِ مُطلقًا اسْتَعْملهُ فِي الطَّهَارَة وَلَا يجوز التَّيَمُّم فَإِن شكّ فِي ذَلِك حكم الْعرف والقرائن وَلَا يجوز نقل المَاء المسبل للشُّرْب من مَحَله إِلَى مَحل آخر كَأَن يَأْخُذهُ للشُّرْب فِي بَيته مثلا إِلَّا إِذا علم أَو قَامَت قرينَة على أَن مسبله يسمح بذلك وَمثل ذَلِك مَا إِذا أَبَاحَ لَهُ غَيره طَعَاما ليأكله لَا يجوز أَن يحمل مِنْهُ شَيْئا وَلَا أَن يطعم غَيره إِلَّا إِذا علم أَن مُبِيح الطَّعَام يسمح بذلك فَإِن شكّ حكم الْعرف والقرينة وَإِذا وجد المَاء يُبَاع بِثمن مثله وَهُوَ عَاجز عَنهُ أَو يَحْتَاجهُ للمؤنة أَو وجده لَا يُبَاع إِلَّا بِأَكْثَرَ من ثمن مثله أَو لم يجد مَا يَسْتَقِي بِهِ من دلو أَو حَبل تيَمّم لأجل ذَلِك كُله وَلَا إِعَادَة وَلَو علم ذُو النّوبَة من مزدحمين على بِئْر أَو نَحوه أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد خُرُوج الْوَقْت وَلم يجد مَاء آخر صلى بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْت وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَمثل المَاء فِي هَذَا ستْرَة الصَّلَاة وَلَو كَانَ مَعَه مَاء لَكِن يحْتَاج إِلَيْهِ لعطش حَيَوَان مُحْتَرم وَلَو لغيره أَو يحْتَاج ثمنه لنفقة ذَلِك الْحَيَوَان أَو كَانَ الْخبز الْمَوْجُود لَا يُمكن أكله إِلَّا إِذا بل بِالْمَاءِ وَالْمَاء الْمَوْجُود مَعَه لَا يَكْفِي لذَلِك وللطهارة وَلم يقدر على غير هَذَا المَاء وَجب عَلَيْهِ التَّيَمُّم صونا للروح أَو غَيرهَا عَن التّلف وَيحرم عَلَيْهِ الْوضُوء بِهِ حِينَئِذٍ وَمن ذَلِك مَا إِذا كَانَ فِي قافلة الْحَاج وَكَانُوا بِموضع لَا مَاء فِيهِ فَمن كَانَ مَعَه مَاء يحرم عَلَيْهِ الْوضُوء بِهِ بل يتَيَمَّم لِأَن قافلة الْحَاج لَا تَخْلُو عَن عطشان وَإِن لم يعلم بِهِ وموضوع هَذِه الْمسَائِل أَنه يخَاف من اسْتِعْمَال المَاء ضَرَرا وَلَا بُد أَن يعْتَمد فِي خوف ذَلِك قَول الطَّبِيب الْعدْل كَمَا تقدم هَذَا إِن وجد الطَّبِيب حَاضرا وَإِلَّا فَلَيْسَ من محَاسِن الشَّرِيعَة مَنعه من الشّرْب حَتَّى يُوجد الطَّبِيب وَمن أَفْرَاد اجْتِمَاع الْأَمريْنِ مَا إِذا خَافَ رَاكب السَّفِينَة الْغَرق لَو تَوَضَّأ من الْبَحْر فيتيمم وَيُصلي وَلَا إِعَادَة مُطلقًا وَلَو كَانَ مَعَه مَاء لَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعطش لَكِن لَا يَكْفِيهِ لطهارته وَجب عَلَيْهِ اسْتِعْمَاله فِي الطَّهَارَة ثمَّ تمم طَهَارَته بِالتَّيَمُّمِ وفروض التَّيَمُّم سَبْعَة الأول النِّيَّة المقرونة بِنَقْل التُّرَاب وبأول مسح جُزْء من الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 كَأَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو نَحْوهَا مِمَّا يفْتَقر إِلَى طَهَارَة عَن الْحَدث كطواف وَحمل مصحف وَسُجُود تِلَاوَة ثمَّ إِن الْمَرَاتِب ثَلَاثَة الْمرتبَة الأولى فرض الصَّلَاة وَفرض الطّواف وخطبة الْجُمُعَة والمنذور من الصَّلَاة أَو الطّواف الْمرتبَة الثَّانِيَة نفل الصَّلَاة وَصَلَاة الْجِنَازَة الْمرتبَة الثَّالِثَة مس الْمُصحف وَحمله وَسُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر والمكث فِي الْمَسْجِد والتردد فِيهِ وَالِاعْتِكَاف وَقِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن بِالنِّسْبَةِ لمن بِهِ حدث أكبر فِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة وتمكين الحليل بِالنِّسْبَةِ للْحيض وَالنّفاس فَإِن نوى اسْتِبَاحَة وَاحِد من الْمرتبَة الأولى كَأَن قَالَ نَوَيْت اسْتِبَاحَة فرض الصَّلَاة أُبِيح لَهُ مَا نَوَاه أَو غَيره مِمَّا فِي مرتبته بَدَلا عَنهُ فَلهُ أَن يفعل بِهَذَا التَّيَمُّم إِمَّا فرض الصَّلَاة وَإِمَّا فرض الطّواف وَإِمَّا الْمَنْذُور مِنْهُمَا وَإِمَّا خطْبَة الْجُمُعَة وَيُبَاح لَهُ بِهَذَا التَّيَمُّم جَمِيع مَا فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يجمع بَين اثْنَيْنِ من الْمرتبَة الأولى بِتَيَمُّم وَاحِد لِأَن التَّيَمُّم الْوَاحِد لَا يجمع بَين فرضين فَإِذا صلى بِهِ فرضا ثمَّ أَرَادَ أَن يُصَلِّي فرضا آخر وَجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد التَّيَمُّم لأَجله نعم لَو نذر الْوتر أَو الضُّحَى كَفاهُ تيَمّم وَاحِد وَإِن كَانَ يُصَلِّي أكمل الْوتر وَهُوَ إِحْدَى عشرَة رَكْعَة أَو أكمل الضُّحَى وَهُوَ ثَمَان وَإِن كَانَ يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ لِأَن الْجَمِيع صَلَاة وَاحِدَة مَا لم ينذر السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ مثلا وَإِلَّا وَجب التَّيَمُّم بعدده وَلَو نذر التَّرَاوِيح وَجب عشر تيممات لوُجُوب السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ فَلم تكن كَصَلَاة وَاحِدَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة وَله أَن يفعل بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِد من الْمرتبَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مَا شَاءَ وَلَو نوى اسْتِبَاحَة شَيْء مِمَّا فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة أُبِيح لَهُ جَمِيع مَا فِيهَا وَجَمِيع مَا فِي الْمرتبَة الثَّالِثَة وَلَا يُبَاح لَهُ بِهَذَا التَّيَمُّم شَيْء مِمَّا فِي الْمرتبَة الأولى وَلَو نوى اسْتِبَاحَة شَيْء مِمَّا فِي الْمرتبَة الثَّالِثَة أُبِيح لَهُ جَمِيع مَا فِيهَا بِهَذَا التَّيَمُّم وَلَا يُبَاح لَهُ بِهِ شَيْء مِمَّا فِي الْمرتبَة الأولى أَو الثَّانِيَة الرُّكْن الثَّانِي مسح الْوَجْه حَتَّى ظَاهر مَا استرسل من لحية وَلَو خَفِيفَة والمقبل من أَنفه على شَفَتَيْه وَلَا يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى بَاطِن اللِّحْيَة الحفيفة لعسر ذَلِك الرُّكْن الثَّالِث مسح الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين وَيجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى مَا تَحت الْأَظْفَار والأكمل فِي مسح الْيَدَيْنِ أَن يضع بطُون أَصَابِع الْيُسْرَى سوى الْإِبْهَام تَحت أَطْرَاف أنامل الْيُمْنَى بِحَيْثُ لَا تخرج أنامل الْيُمْنَى عَن مسبحة الْيُسْرَى وَلَا أنامل الْيُسْرَى عَن مسبحة الْيُمْنَى ويمرها على ظهر كَفه الْيُمْنَى فَإِذا بلغ الْكُوع وَهُوَ رَأس الزند مِمَّا يَلِي الْإِبْهَام ضم أَطْرَاف أَصَابِعه إِلَى حرف الذِّرَاع فيمرها عَلَيْهِ ثمَّ يمسح بطن الذِّرَاع بِبَطن الْكَفّ رَافعا إبهامه فَإِذا بلغ الْكُوع أَمر بطن إِبْهَام الْيُسْرَى على ظهر إِبْهَام الْيُمْنَى ثمَّ يفعل باليسرى كَذَلِك ثمَّ يمسح إِحْدَى الراحتين بِالْأُخْرَى وَإِذا كَانَ فِي أُصْبُعه خَاتم سنّ نَزعه فِي الأولى ليَكُون مسح الْوَجْه بِجَمِيعِ الْيَدَيْنِ وَيجب نَزعه فِي الثَّانِيَة ليصل التُّرَاب إِلَى مَحَله وَلَا يَكْفِي تحريكه بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْر بِالْمَاءِ لِأَن التُّرَاب لَا يدْخل تَحْتَهُ بِخِلَاف المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الرُّكْن الرَّابِع التَّرْتِيب بَين الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بِأَن يبْدَأ بِالْوَجْهِ ثمَّ الْيَدَيْنِ وَلَو كَانَ التَّيَمُّم بَدَلا عَن الْغسْل الرُّكْن الْخَامِس نقل التُّرَاب وَلَو من الْهَوَاء أَو من فَوق ظهر كلب إِذا كَانَ الْغُبَار طهُورا وَلَا رُطُوبَة بِأحد الْجَانِبَيْنِ وَلَا يشْتَرط التَّرْتِيب فِي النَّقْل فَلَو نقل تُرَابا أَولا بِقصد الْيَدَيْنِ كَأَن نَقله بِخرقَة وَلم يمسح بِهِ ثمَّ نقل ثَانِيًا بِقصد الْوَجْه وَمسح بِهِ وَجهه ثمَّ مسح يَده بِتُرَاب النقلَة الأولى كفى الرُّكْن السَّادِس التُّرَاب الطّهُور الَّذِي لَهُ غُبَار فَلَا يَصح التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ الْمُتَنَجس وَلَا بِالْمُسْتَعْملِ وَلَا بِمَا لَا غُبَار لَهُ وَكَذَا إِذا خالطه شَيْء يمْنَع من وُصُوله إِلَى الْعُضْو كرمل أَو دَقِيق أَو نَحْو ذَلِك وَدخل فِي التُّرَاب الأعفر والأصفر والأحمر والأبيض وَخرج بِالتُّرَابِ النورة والزرنيخ وسحاقة الخزف وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَكْفِي الرُّكْن السَّابِع قصد التُّرَاب للنَّقْل مِنْهُ وشروط التَّيَمُّم تعدد النَّقْل وَكَون التُّرَاب طهُورا وَكَونه غير مخلوط بِمَا يمْنَع وُصُول الْغُبَار إِلَى الْعُضْو الْمَمْسُوح والبحث على المَاء وَلَو بمأذونه فِي الْوَقْت إِلَّا الْمَرِيض ومتيقن الْفَقْد وَالْإِسْلَام إِلَّا فِي كِتَابِيَّة تيممت من نَحْو حيض لتحل لحليلها والتمييز وَعدم نَحْو حيض كنفاس إِلَّا فِي التَّيَمُّم بَدَلا عَن أغسال الْحَج وَعدم الْحَائِل بَين التُّرَاب والعضو الْمَمْسُوح وَتقدم إِزَالَة النَّجَاسَة عَن بدنه فَلَا يَصح التَّيَمُّم مَعَ وجودهَا كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وَقَالَ ابْن حجر بِصِحَّتِهِ وَمن ثَمَرَات الْخلاف أَن الأقلف إِذا مَاتَ وَتعذر غسل مَا تَحت القلفة وَكَانَ مَا تحتهَا متنجسا قَالَ الرَّمْلِيّ يدْفن بِلَا صَلَاة عَلَيْهِ وَلَا ييمم عَمَّا تَحت القلفة لنجاسته وَقَالَ ابْن حجر ييمم عَمَّا تَحت القلفة وَيصلى عَلَيْهِ وَالْعلم بِدُخُول الْوَقْت وَلَو بِالِاجْتِهَادِ وَكَون نقل التُّرَاب فِي الْوَقْت وَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة وَلم يجد أحد الطهُورَيْنِ المَاء وَالتُّرَاب صلى الْفَرْض فَاقِد الطهُورَيْنِ لحُرْمَة الْوَقْت ثمَّ أَعَادَهَا عِنْد وجود أَحدهمَا لَكِن إِذا كَانَ يَرْجُو وجود أَحدهمَا فِي الْوَقْت لَا يُصَلِّي حَتَّى ييأس أَو يضيق الْوَقْت وَإِن كَانَ لَا يَرْجُو أَحدهمَا فِي الْوَقْت صلى وَلَو فِي أول الْوَقْت وَإِذا شقّ اسْتِعْمَال المَاء فِي عُضْو وَلم يكن على مَوضِع الْعلَّة جبيرَة وَجب أَمْرَانِ غسل الصَّحِيح وَالتَّيَمُّم عَن الجريح وَلَا إِعَادَة إِن كَانَ مُسْتَندا فِي ذَلِك لقَوْل الطَّبِيب الْعدْل فَإِذا كَانَ على مَوضِع الْعلَّة جبيرَة فَإِن أمكنه نَزعهَا بِلَا مشقة وتطهير مَا تحتهَا وَجب ذَلِك فَإِن لم يَنْزِعهَا لم تصح طَهَارَته وَلَا صلَاته نعم إِن لم تَأْخُذ من الصَّحِيح شَيْئا أصلا فَلَا يجب نَزعهَا إِلَّا إِذا كَانَت فِي أَعْضَاء التَّيَمُّم فَإِن شقّ عَلَيْهِ نَزعهَا وَكَانَت أخذت من الصَّحِيح شَيْئا وَجب ثَلَاثَة أُمُور غسل الصَّحِيح وَالتَّيَمُّم عَن الجريح وَالْمسح على الْجَبِيرَة بِالْمَاءِ بَدَلا عَمَّا أَخَذته من الصَّحِيح فَإِن لم تَأْخُذ من الصَّحِيح شَيْئا فَلَا يجب إِلَّا أَمْرَانِ غسل الصَّحِيح وَالتَّيَمُّم عَن الجريح وَلَا يجب الْمسْح عَلَيْهَا بِالْمَاءِ لِأَن مسحها بِالْمَاءِ يكون عوضا عَمَّا أَخَذته من الصَّحِيح وَهِي لم تَأْخُذ من الصَّحِيح شَيْئا ثمَّ إِن كَانَت الْجَبِيرَة فِي أَعْضَاء التَّيَمُّم وَجَبت الْإِعَادَة مُطلقًا وَإِن كَانَت فِي غَيرهَا فَإِن أخذت من الصَّحِيح زِيَادَة على قدر الاستمساك فَكَذَلِك وَإِن أخذت من الصَّحِيح بِقدر الاستمساك فَقَط فَإِن كَانَ وَضعهَا على حدث فَكَذَلِك وَإِن كَانَ وَضعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 على طهر كَامِل من الحدثين فَلَا تجب الْإِعَادَة وَكَذَا لَا تجب الْإِعَادَة إِذا لم تَأْخُذ من الصَّحِيح شَيْئا أصلا سَوَاء كَانَ وَضعهَا على حدث أَو على طهر وَثَانِيها أَي ثَانِي شُرُوط الصَّلَاة (طَهَارَة بدن) وَلَو دَاخل فَمه أَو أَنفه أَو عينه أَو أُذُنه (وملبوس) ومقبوض لَهُ وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته (وَمَكَان) يصلى فِيهِ (عَن نجس) لَا يُعْفَى عَنهُ فَلَا تصح صلَاته مَعَ شَيْء من ذَلِك وَإِن كَانَ جَاهِلا بِوُجُودِهِ أَو ببطلانها بِهِ وَلَو رَأينَا فِي ثوب من يُرِيد الصَّلَاة نَجَاسَة لَا يعلم بهَا وَجب علينا إِعْلَامه بهَا لِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يتَوَقَّف على الْعِصْيَان وَمحل ذَلِك حَيْثُ كَانَت تمنع صِحَة الصَّلَاة عِنْده وَعلمنَا بذلك وَإِلَّا فَلَا لجَوَاز كَونه صلى مَعَ علمه بذلك لعدم اعْتِقَاده الْبطلَان مَعَه فِي مذْهبه وَحَقِيقَة النَّجَاسَة شرعا مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وَمن أَفْرَاد ذَلِك كل مَائِع خرج من أحد السَّبِيلَيْنِ إِلَّا الْمَنِيّ (كروث وَبَوْل وَلَو من) جن حَيْثُ تحققنا مِنْهَا رَوْثًا وبولا وَمن طير (مَأْكُول) أَو مِمَّا لَا نفس لَهُ سائله أَو سمك وجراد نعم إِن كَانَ الْخَارِج حبا متصلبا بِحَيْثُ لَو زرع لنبت فَهُوَ مُتَنَجّس يطهر بِالْغسْلِ وَلَو بَال شخص فِي المَاء الْكثير فتطاير من المَاء شَيْء فَأصَاب قَاضِي الْحَاجة أَو غَيره أَو ظَهرت رغوة على وَجه المَاء فَإِن تحقق أَن ذَلِك من الْبَوْل فنجس وَإِلَّا فطاهر هَذَا حَاصِل الْمُعْتَمد ويعفى عَمَّا فِي جَوف السّمك الصَّغِير الَّذِي يبتلع برمتِهِ وَيجوز بلعه بِمَا فِي جَوْفه وَلَو قلي بِمَا فِي جَوْفه فَلَا ينجس الزَّيْت وَلَو صنع للنحل كوارة من رَوْث الْبَقر عفى عَنْهَا فَيجوز الْأكل من عسلها وَلَو حلبت الْبَهِيمَة المأكولة فَأصَاب لَبنهَا وَقت الْحَلب شَيْء من بعرها أَو بولها عفى عَنهُ وَكَذَا لَو كَانَ ضرْعهَا متنجسا بِنَجَاسَة تمرغت فِيهَا أَو وضعت على ثديها لمنع وَلَدهَا من شربهَا عفى عَنهُ وَلَو وضع الْإِنَاء وَفِيه اللَّبن لتسخينه بِنَار نَجِسَة فتطاير شَيْء مِنْهَا فِي اللَّبن عفى عَنهُ وَلَو سقى الْبِطِّيخ أَو نَحوه بِالنَّجسِ حَتَّى نما جَازَ أكله وَلَو بنى الْمَسْجِد بالآجر المعجون بالزبل أَو فرشت أَرض الْمَسْجِد بِهِ عفى عَنهُ فَتجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْمَشْي عَلَيْهِ وَلَو مَعَ رُطُوبَة الرجل فَائِدَة إِذا فسد الْبيض بِحَيْثُ لَا يصلح للتخلق فَهُوَ نجس وَكَذَا بيض الْميتَة وَمَا عدا ذَلِك طَاهِر مَأْكُول وَلَو من حَيَوَان غير مَأْكُول كالحدأة والغراب وَالْعِقَاب والبومة والتمساح والسلحفاة وَنَحْوهَا إِلَّا بيض الْحَيَّات وَلَيْسَ لنا شَيْء من الْحَيَوَانَات يُؤْكَل فَرعه وَلَا يُؤْكَل أَصله إِلَّا لبن الْآدَمِيّ وبيض مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه وَعسل النَّحْل والزباد يُؤْخَذ من سنور بري غير مَأْكُول وَمَعَ ذَلِك لَا يمْنَع أكل الزباد وَيجوز أكل قشر الْبيض وَلَو من حَيَوَان غير مَأْكُول وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لم تفْسد الْبَيْضَة لَكِن اخْتَلَط بياضها بصفارها وأنتنت فَهِيَ طَاهِرَة يحل أكلهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك بِلَا سَبَب أَو بِسَبَب حضن دجَاجَة لَهَا أَو وَضعهَا فِي مَكَان وإرسال الدُّخان عَلَيْهَا ليخرج الفرخ عَنْهَا كقطعة لحم أنتنت ودادت فَإِنَّهُ يحل أكلهَا على الصَّحِيح وَلَو مَعَ الدُّود الَّذِي تولد مِنْهَا مَا لم تضر وَلَو كسرت بَيْضَة حَيَوَان مَأْكُول وَوجد فِي جوفها فرخ لم يكمل خلقه أَو كمل خلقه لَكِن قبل نفخ الرّوح فِيهِ جَازَ أكله بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بعد نفخ الرّوح وزالت حَيَاته بِغَيْر ذَكَاة شَرْعِيَّة فَإِنَّهُ يكون ميتَة وَأما إِذا كَانَت الْبَيْضَة من حَيَوَان غير مَأْكُول وَوجد فِي جوفها حَيَوَان كَامِل أَو غير كَامِل فَإِنَّهُ غير مَأْكُول وَلَو صلقت الْبَيْضَة بِالْمَاءِ الْمُتَنَجس تنجس ظَاهرهَا فَقَط دون بياضها وصفارها (ومذي) وَهُوَ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة قَوِيَّة عِنْد ثوران الشَّهْوَة وَلَو ابتلى بالمذي وَكَانَ غسل الذّكر مِنْهُ قبل الْجِمَاع يفتر شَهْوَته عفى عَنهُ بِالنِّسْبَةِ للجماع فَقَط (وودي) وَهُوَ مَاء أَبيض كدر ثخين يخرج عقب الْبَوْل عِنْد يبس الطبيعة أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل فَلَا يخْتَص بالبالغين بِخِلَاف الْمَذْي فَيخْتَص بهم لِأَن خُرُوجه ناشىء عَن الشَّهْوَة ورطوبة الْفرج وَهِي مَاء أَبيض مُتَرَدّد بَين الْمَذْي والعرق على ثَلَاثَة أَقسَام طَاهِرَة قطعا وَهِي الناشئة مِمَّا يظْهر من الْمَرْأَة عِنْد قعودها لقَضَاء حَاجَتهَا لَكِن لَو طرأت عَلَيْهَا نَجَاسَة تنجست وطاهرة على الْأَصَح وَهِي مَا يصل إِلَيْهَا ذكر المجامع ونجسة وَهِي مَا وَرَاء ذَلِك (وَدم) بتَخْفِيف الْمِيم وتشديدها أَي سَائل فَخرج الكبد وَالطحَال وَإِن سحقا وصارا كَالدَّمِ وَلَو سَالَ من سمك وكبد وطحال وَأما الدَّم الْبَاقِي على اللَّحْم وعظامه وعروقه من المذكاة فنجس مَعْفُو عَنهُ وَذَلِكَ إِذا لم يخْتَلط بِشَيْء كَمَا لَو ذبحت شَاة وَقطع لَحمهَا فَبَقيَ عَلَيْهِ أثر من الدَّم وَإِن تلون المرق بلونه بِخِلَاف مَا لَو اخْتَلَط بِغَيْرِهِ كَالْمَاءِ كَمَا يفعل فِي الْبَقر الَّذِي تذبح فِي الْمحل الْمعد لذبحها من صب المَاء عَلَيْهَا لإِزَالَة الدَّم عَنْهَا فَإِن الْبَاقِي من الدَّم على اللَّحْم بعد صب المَاء عَلَيْهِ لَا يُعْفَى عَنهُ وَإِن قل لاختلاطه بأجنبي وَلَو شكّ فِي الِاخْتِلَاط وَعَدَمه لم يضر لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة (وقيح) لكَونه دَمًا يَسْتَحِيل إِلَى نَتن وَفَسَاد وَمثله مَاء قرح ونفط وحدري متغير لَونه أَو رِيحه (وقيء معدة) وَلَو بِلَا تغير وَالْمرَاد بذلك الرَّاجِع بعد الْوُصُول إِلَى مَا جَاوز مخرج الْحَرْف الْبَاطِن وَهُوَ الْحَاء الْمُهْملَة نعم لَو رَجَعَ مِنْهُ حب صَحِيح صلابته بَاقِيَة بِحَيْثُ لَو زرع نبت كَانَ متنجسا لَا نجسا وَكَذَا لَو ابتلع بيضًا بقشره فتقيأه كَمَا هُوَ فَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو حضن لفرخ فَهُوَ مُتَنَجّس يطهر بِالْغسْلِ وَإِلَّا فنجس أما الْخَارِج من الصَّدْر أَو الْحلق كالنخامة والنازل من الدِّمَاغ وَهُوَ البلغم فطاهران بِخِلَاف البلغم الصاعد من الْمعدة فَإِنَّهُ نجس وَلَو ابتلى شخص بالقيء عفى عَنهُ مِنْهُ فِي الثَّوْب وَغَيره وَإِن كثر وَالْمَاء السَّائِل من النَّائِم نجس إِن كَانَ من الْمعدة كَأَن خرج منتنا بصفرة لَا إِن كَانَ من غَيرهَا أَو شكّ فِي أَنه مِنْهَا أَولا فَإِنَّهُ طَاهِر نعم لَو ابتلى بِهِ شخص عفى عَنهُ وَالْمرَاد بالابتلاء بِهِ أَن يكثر وجوده بِحَيْثُ يقل خلْوَة مِنْهُ وَمن النَّجَاسَات سم الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَسَائِر الْهَوَام وَتبطل الصَّلَاة بلسعة الْحَيَّة لِأَن سمها يظْهر على مَحل اللسعة لَا بلسعة الْعَقْرَب على الْأَوْجه لِأَن إبرتها تغوص فِي بَاطِن اللَّحْم وتمج فِيهِ السم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَالْبَاطِن لَا يجب غسله (وميتة غير بشر وسمك وجراد) وَلَو نَحْو ذُبَاب كدود خل مَعَ شعرهَا وصوفها ووبرها وريشها وعظمها وظلفها وظفرها وحافرها وَسَائِر أَجْزَائِهَا وَمن ذَلِك ثوب الثعبان بِخِلَاف نسج العنكبوت فَإِنَّهُ من اللعاب وَالْمرَاد بالميتة شرعا مَا زَالَت حَيَاته لَا بِذَكَاة شَرْعِيَّة فَدخل فِيهَا مذكى غير الْمَأْكُول ومذكى الْمَأْكُول تذكية غير شَرْعِيَّة كذبيحة الْمَجُوس وَمَا ذبح بالعظم وَنَحْوه وذبيحة الْمحرم إِذا كَانَ مَا ذكاه صيدا وحشيا أما المذكاة شرعا فطاهرة وَلَو جَنِينا فِي بَطنهَا وصيدا لم تدْرك ذَكَاته وبعيرا ند فذكاة الْجَنِين بِذَكَاة أمه وَالصَّيْد الْمَيِّت بالضغطة وَالْبَعِير الناد بعقره لِأَن الشَّارِع جعل ذَلِك ذكاتها أما الْآدَمِيّ وَلَو كَافِرًا فطاهر وَمثله الْملك والجنى فَإِن ميتتهما طَاهِرَة وَأما ميتَة السّمك وَالْجَرَاد فللإجماع على طهارتهما وَلَو كَانَ السّمك طافيا بِأَن ظهر بعد الْمَوْت على ظهر المَاء وَهُوَ مَا يُؤْكَل من حَيَوَان الْبَحْر وَإِن لم يسم سمكًا ويعفى عَن الدُّود الْمَيِّت فِي الْجُبْن والخل والفاكهة وَيجوز أكله مَعَه لعسر تَمْيِيزه مَا لم يلقه فِيهِ بعد خُرُوجه مِنْهُ ويعفى عَن السكر الْأَبْيَض الْمَعْمُول بِعظم الْميتَة لَكِن قَالَ بَعضهم يجب غسل الْفَم بعد أكله وَلَو انْكَسَرَ عظمه فجبره بِعظم نجس وَلَو من مغلظ وَلم يجد عظما طَاهِرا صَالحا للجبر غَيره أَو خَافَ من نَزعه ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم أَو أكره على الْجَبْر بِهَذَا الْعظم عفى عَنهُ فَإِن لم تُوجد هَذِه الشُّرُوط وَجب نَزعه مَا لم يكن قد مَاتَ وَإِلَّا فَلَا ينْزع لِئَلَّا تنتهك حرمته وَلَو تعَارض عَلَيْهِ المغلظ وَغَيره قدم غير المغلظ نعم إِذا قَالَ أهل الْخِبْرَة إِن المغلظ أسْرع فِي الْجَبْر جَازَ تَقْدِيمه (ومسكر) أَي شَأْنه الْإِسْكَار وَإِن كَانَ قَلِيلا (مَائِع) خمرًا كَانَ وَهِي الَّتِي قوى تغيرها حَتَّى صَارَت مسكرة أَو مُثَلّثَة وَهِي الَّتِي أغليت على النَّار حَتَّى ذهب ثلثاها والخمرة هِيَ المتخذة من مَاء الْعِنَب وَمثلهَا فِي ذَلِك النَّبِيذ على الْمُعْتَمد وَهُوَ الْمُتَّخذ من مَاء التَّمْر أَو الزَّبِيب وَخرج بالمائع غَيره كالحشيشة والبنج والأفيون فَإِنَّهُ وَإِن أسكر طَاهِر وَإِذا انقلبت الْخمر خلا طهرت بِشَرْط أَن يكون تخللها بِلَا مصاحبة عين وَحَاصِل ذَلِك أَنه إِذا وَقعت عين قبل التخلل وَكَانَت تِلْكَ الْعين نَجِسَة لم تطهر الْخمر بالتحلل سَوَاء نزعت تِلْكَ الْعين مِنْهَا قبل التخلل أَو صاحبتها إِلَى التخلل وَسَوَاء تخَلّل من تِلْكَ الْعين شَيْء فِي الْخمر أم لَا لِأَن الْعين النَّجِسَة بِمُجَرَّد ملاقاتها للخمر تنجسها نَجَاسَة غير نجاستها الْأَصْلِيَّة لِأَن النَّجس يقبل التَّنْجِيس فَإِن تخللت زَالَت النَّجَاسَة الْأَصْلِيَّة وَبقيت النَّجَاسَة الطارئة وَكَذَلِكَ إِذا وَقعت فِيهَا عين طَاهِرَة لَكِن تحلل مِنْهَا فِي الْخمر شَيْء كَمَاء البصل أَو صاحبت الْخمر حَتَّى تخللت فَإِنَّهَا لَا تطهر بِخِلَاف مَا إِذا وَقعت فِيهَا عين طَاهِرَة وَلم يَتَخَلَّل مِنْهَا شَيْء ونزعت قبل التخلل وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تهبط الْخمر بنزعها عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ حَال حُصُول الْعين فِيهَا فَإِن الْخمر تطهر بالتخلل حِينَئِذٍ وَلَا يضر نقلهَا من شمس إِلَى ظلّ وَعَكسه مَا لم يحصل فِيهَا ارْتِفَاع وهبوط وَإِلَّا تنجس مَا فَوْقهَا من الدن ثمَّ يعود عَلَيْهَا بالتنجيس بعد التخلل لاتصاله بهَا نعم لَو غمر ذَلِك الْمُرْتَفع بِخَمْر قبل جفافه ثمَّ تخَلّل مَا فِي الدن طهر وَلَو حصل الِارْتفَاع والهبوط بغليانها بِنَفسِهَا فَلَا يضر وَلَو كَانَ فِي الْخمر دود أَو شَيْء من بذر الْعِنَب الَّذِي تساقط فِيهَا وَقت الْعصير عفى عَنهُ وَحَيْثُ طهرت الْخمْرَة طهر دنها تبعا لَهَا وَلَا يضر مصاحبة المَاء للعنب لِأَنَّهُ من ضرورياته تَنْبِيه الحلاوي الَّتِي تشبه الْفُلُوس وَهِي الَّتِي فِي طعمها شَيْء يلْدغ اللِّسَان نَجِسَة لَا يُعْفَى عَنْهَا لِأَنَّهَا معمولة من الْخمر (وكلب) وَلَو معلما (وخنزير) وَفرع كل مِنْهُمَا ومنيهما (ويعفى) فِي الثَّوْب وَالْبدن (عَن دم نَحْو برغوث) كقمل وبق وبعوض (ودمل) وفصد وحجم وقروح وبواسير وَنَحْو ذَلِك (وَإِن كثر) الدَّم فِي ذَلِك وَلَو تفاحش فِي الصُّورَة الأولى على الْمُعْتَمد مالم يخْتَلط بأجنبي مُطلقًا هَذَا إِذا كَانَ الْكثير (بِغَيْر فعله) فَلَا يُعْفَى عَن ذَلِك إِذا كَانَ بِفِعْلِهِ كَأَن قتل برغوثا فِي ثَوْبه أَو عصر الدمل وَلَا يضر فعل الْفَاعِل فِي الفصد والحجم لِأَنَّهُ لحَاجَة وَمحل الْعَفو عَمَّا فِيهِ دم البراغيث إِن كَانَ ملبوسا وَلَو للتجمل فَإِن كَانَ مفروشا أَو مَحْمُولا فَلَا عَفْو إِلَّا عَن الْقَلِيل بِالنِّسْبَةِ للصَّلَاة وَمَا ألحق بهَا كالطواف وَسجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَدخُول الْمَسْجِد وَإِن كَانَ يحرم إِدْخَال النَّجَاسَة فِيهِ وَمِمَّا عَمت الْبلوى حُصُول دم البراغيث فِي خرقَة يَضَعهَا بعض النَّاس تَحت عمَامَته صِيَانة لَهَا عَن الْوَسخ فيعفى عَنهُ وَإِن كثر وَمثل ذَلِك مَا لَو تخَلّل الصئبان فِي خياطَة الثَّوْب وَإِن فرضت حَيَاته ثمَّ مَوته لعُمُوم الْبلوى بِهِ مَعَ مشقة فتق الْخياطَة لإخراجه وَلَو اخْتَلَط دم البرغوث أَو القملة بجلدة نَفسه وَقت قَتله عفى عَنهُ بِخِلَاف مَا إِذا اخْتَلَط بجلدة أُخْرَى فَلَا يُعْفَى عَنهُ وَقَالَ بَعضهم بِالْعَفو عَن الْقَلِيل من ذَلِك وَأما نفس قشرة البرغوث أَو القملة أَو البقة أَو نَحْوهَا فنجسة غير مَعْفُو عَنْهَا فَلَو صلى بِشَيْء من ذَلِك وَإِن لم يعلم بِهِ فَصلَاته بَاطِلَة وَبَعْضهمْ قَالَ بِالْعَفو إِن لم يعلم بِهِ وَكَانَ مِمَّن ابتلى بذلك وَنقل عَن الْعَلامَة الجفني والعلامة العزيزي أَن الشَّخْص لَو وجد بعد فرَاغ صلَاته قشر قمل فِي طي عمَامَته أَو فِي غرز خياطَة ثَوْبه لَا إِعَادَة وَإِن علم أَنه كَانَ مَوْجُودا حَال الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلّفا بالتفتيش فِي كل صَلَاة وَقَالا إِن ذَلِك هُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يضر فِي الْعَفو عَن هَذِه الدِّمَاء انتشارها بِسَبَب مَاء الْوضُوء أَو الْغسْل الْمَطْلُوب أَو الْعرق أَو مَا تساقط من المَاء حَال شربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أَو من الطَّعَام حَال أكله أَو بصاق فِي ثَوْبه أَو مَا على آلَة نَحْو الفصد من ريق ودهن وَنَحْوهمَا وَكَذَا كل مَا يشق الِاحْتِرَاز عَنهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يبل بِهِ الشّعْر لأجل سهولة حلقه بِخِلَاف المَاء الَّذِي تغسل بِهِ الرَّأْس بعد الْحلق فَلَا يُعْفَى عَنهُ (وَقَلِيل دم غَيره) من غير نَحْو كلب وَلَو من نَفسه بِأَن عَاد إِلَيْهِ بعد انْفِصَاله عَنهُ (وحيض ورعاف) لوُقُوع الْقَلِيل فِي مَحل الْمُسَامحَة إِذْ جنس الدَّم مِمَّا يتَطَرَّق لَهُ الْعَفو والقليل مَا تعافاه النَّاس أَي عدوه عفوا وَحَاصِل مَسْأَلَة الدَّم تَفْصِيل فَإِن كَانَ من نَفسه وَكَانَ قَلِيلا عرفا عفى عَنهُ بِشَرْط أَن لَا يخْتَلط بأجنبي لم تمس الْحَاجة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ كثيرا عرفا عفى عَنهُ بِشَرْط أَن لَا يكون بِفعل فَاعل وَأَن لَا يخْتَلط بأجنبي وَأَن لَا يُجَاوز مَحَله وَهُوَ مَا يغلب إِلَيْهِ السيلان من الْبدن وَمَا يُقَابله من الثَّوْب وَأَن لَا ينْتَقل من الْمحل الَّذِي اسْتَقر فِيهِ عِنْد خُرُوجه وَإِن كَانَ من غَيره عفى عَنهُ بِشُرُوط أَن يكون قَلِيلا وَأَن لَا يعْصى بالتضمخ بِهِ كَأَن تضمخ بِهِ لغير غَرَض وَأَن لَا يكون من مغلظ وَأَن لَا يخْتَلط بأجنبي وَهَذَا التَّفْصِيل إِذا كَانَ الدَّم يُدْرِكهُ الطّرف فَإِن كَانَ لَا يُدْرِكهُ الطّرف المعتدل عفى عَنهُ مُطلقًا وَلَو من مغلظ وَلَو اخْتَلَط بأجنبي والصديد وَهُوَ مَاء رَقِيق مختلط بِالدَّمِ قبل أَن يغلظ والقيح كَالدَّمِ فِيمَا ذكر لكَونه دَمًا مستحيلا إِلَى نَتن وَفَسَاد وَاعْلَم أَن الفسيخ وَهُوَ مَا ملح من سمك وطبق بعضه على بعض نجس نَجَاسَة الْعين لَا يطهر بِالْغسْلِ لاختلاط أَجْزَائِهِ بصديد أَجْنَبِي وَذَلِكَ فِي غير الطَّبَقَة الْعليا أما هِيَ فطاهرة وَهَذَا إِذا طبق فِي إِنَاء بِخِلَاف مَا إِذا جعل فِي أَرض محفورة فَإِنَّهُ طَاهِر لِأَن الصديد يغور فِي الأَرْض وَكَذَا إِذا ذبح السّمك حَال حَيَاته وَجعل فسيخا فَإِنَّهُ طَاهِر لِأَن التذكية تزيل الدَّم أما إِذا أفرد السّمك عَن غَيره فطاهر هَذَا حكم الصديد وَأما حكم الروث فيعفى عَنهُ فِي السّمك الصَّغِير دون الْكَبِير فَلَا يجوز أكله إِذا لم ينْزع مَا فِي جَوْفه لامتزاج لَحْمه بفضلاته الَّتِي فِي بَاطِنه بِوَاسِطَة الْملح وَيسْتَثْنى البطروخ فطاهر لِأَن بَينه وَبَين الفضلات حَائِلا فَإِن ظرف الروث إِذا انْكَسَرَ لَا يصل ذَلِك الروث إِلَى البطروخ وَوصل إِلَى اللَّحْم وامتزج بِهِ وَالله أعلم (وَعَن رَوْث خفاش) وخطاف وفراش وَكَذَا كل حَيَوَان تكْثر مخالطته للنَّاس كالزنبور وَبَوْل كل من ذَلِك كروثه فيعفى عَن الْقَلِيل وَالْكثير فِي الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان فِي الْمَسَاجِد والبيوت وَأما بَقِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الطُّيُور غير مَا ذكر فيعفى عَن روثها بِشُرُوط ثَلَاثَة أَن يشق الِاحْتِرَاز عَنهُ وَأَن لَا يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهِ وَأَن لَا يكون بِأحد الْجَانِبَيْنِ رُطُوبَة نعم يُعْفَى عَمَّا يحصل فِي مطهرة الْجَامِع من ذَلِك إِذا لم يجد عَنهُ معدلا للْمَشَقَّة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْمَسْجِد وَغَيره وَلَو قصد محلا من الْجَامِع مثلا ليُصَلِّي فِيهِ فَوجدَ فِيهِ زرق الطُّيُور كثيرا فَلَا يُكَلف الِانْتِقَال مِنْهُ إِلَى غَيره بل يُعْفَى عَنهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة وَمن أحرم بِفَرْض أَو نفل فطرأ عَلَيْهِ أَمر كخطف نعل أَو شَردت دَابَّته أَو قصدته اللُّصُوص أَو خَافَ حرقا أَو غرقا أَو خَافَ فَوت الْوُقُوف بِعَرَفَة فَلهُ الْمَشْي بعد إِحْرَامه لهَذَا الْعذر ويومىء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود إِذا لم يُمكنهُ إِتْمَامهمَا وتغتفر لَهُ الْأَفْعَال الْكَثِيرَة وَوَطْء النَّجَاسَة بِشَرْط أَن تكون جافة وَأَن لَا يجد عَنْهَا معدلا وَأَن لَا يكون عَاصِيا بِالسَّفرِ وَمَعَ ذَلِك تلْزمهُ الْإِعَادَة وَإِن تمّ غَرَضه أتم صلَاته فِي مَكَان تَمام الْغَرَض وَلَا تغتفر لَهُ الْأَفْعَال الْكَثِيرَة حِينَئِذٍ فَلَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول ويعفى عَن طين شَارِع نجس يَقِينا بِشَرْط أَن تكون عين النَّجَاسَة مستهلكة فِيهِ فَإِن كَانَت متميزة فَلَا يُعْفَى عَنْهَا وبشرط أَن يكون مَا أَصَابَهُ مِنْهَا يَسِيرا عرفا بِحَيْثُ لَا ينْسب لسقطة وَلَا لقلَّة التحفظ وَيخْتَلف الْعَفو باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان وَالصّفة فيعفى فِي الشتَاء عَمَّا لَا يُعْفَى عَنهُ فِي الصَّيف ويعفى عَمَّا فِي الذيل أَكثر مِمَّا فِي أَعلَى الثَّوْب ويعفى فِي الْأَعْمَى مَا لَا يُعْفَى فِي حق الْبَصِير وَهَذَا الحكم عَام فِي مَاء الْمَطَر وَفِي المَاء الَّذِي ترش بِهِ الأَرْض أَيَّام الصَّيف وَنَحْو ذَلِك وَمحل ذَلِك إِذا وصل إِلَيْهِ ذَلِك بِنَفسِهِ بِخِلَاف مَا لَو تلطخ كلب بطين الشَّارِع وانتفض على إِنْسَان وَمَا لَو رش السقاء على الأَرْض النَّجِسَة أَو على ظهر كلب فطار مِنْهُ شَيْء على شخص فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنهُ وَالْمرَاد بالشارع مَحل الْمُرُور وَإِن لم يكن شَارِعا كالمحلات الَّتِي عَمت الْبلوى باختلاطها بِالنَّجَاسَةِ كَمَا حول الفساقى مِمَّا لَا يعْتَاد تَطْهِيره أما مَا جرت الْعَادة بحفظه وتطهيره إِذا أَصَابَته نَجَاسَة فَلَا يُعْفَى عَنهُ بل مَتى تيقنت نَجَاسَته وَجب الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلَا يُعْفَى عَن شَيْء من ذَلِك فَتنبه لذَلِك وَلَو كَانَ مارا بِالطَّرِيقِ فَنزل عَلَيْهِ مَاء من ميزاب جَهله فَالْأولى عدم الْبَحْث عَن هَذَا المَاء هَل هُوَ طَاهِر أَو نجس لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِطَهَارَتِهِ مَا لم يعلم بِخِلَافِهَا وَلَو حصل فِي نَعله شَيْء من طين الشوارع أَو قَلِيل من تُرَاب الْمقْبرَة المنبوشة أَو الرماد النَّجس عفى عَنهُ ويعفى عَن جرة الْحَيَوَان وَهِي مَا يُخرجهُ من جَوْفه للمضغ ثَانِيًا ثمَّ يبتلعه فَلَو أصَاب رِيقه أحدا أَو وضع فَمه فِي مَاء قَلِيل عفى عَنهُ ويفعى عَن غُبَار السرجين بِشَرْط أَن يكون قَلِيلا ثمَّ المعفوات ثَلَاثَة أَقسَام قسم يُعْفَى عَنهُ فِي الثَّوْب وَالْمَاء وَهُوَ مَا لَا يُدْرِكهُ الطّرف وَقسم يُعْفَى عَنهُ فِي الثَّوْب دون المَاء وَهُوَ قَلِيل الدَّم لسُهُولَة صون المَاء عَنهُ بِخِلَاف الثَّوْب وَمن هَذَا الْقسم أثر الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ فيعفى عَنهُ فِي الثَّوْب وَالْبدن حَتَّى لَو سَالَ مِنْهُ عرق وَأصَاب الثَّوْب فِي الْمحل المحاذي لِلْفَرجِ عفى عَنهُ دون المَاء وَقسم يُعْفَى عَنهُ فِي المَاء دون الثَّوْب مثل الْميتَة الَّتِي لَا دم لَهَا سَائل حَتَّى لَو حملهَا فِي الصَّلَاة بطلت وَمن هَذَا الْقسم منفذ الْحَيَوَان غير الْآدَمِيّ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَة وَوَقع فِي المَاء أَو الْمَائِع لَا يُنجسهُ وَلَو حمل فِي الصَّلَاة بطلت وَمثل المنفذ رجل الطَّائِر وفمه إِذا غلب النَّجس فِي مثل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 والمقصد الرَّابِع من مَقَاصِد الطَّهَارَة إِزَالَة النَّجَاسَة وإزالتها وَاجِبَة إِلَّا فِي النَّجَاسَة المعفو عَنْهَا وَهِي على الْفَوْر إِن عصى بهَا كَأَن تضمخ بهَا لغير حَاجَة وَمن ذَلِك التضمخ بِدَم الْأُضْحِية وَمَا يَفْعَله الْعَوام من تزويق الْأَبْوَاب بِهِ حرَام وَتجب إِزَالَته فَوْرًا فَإِن لم يعْص بهَا فَهِيَ على التَّرَاخِي إِلَّا عِنْد إِرَادَة الْقيام إِلَى الصَّلَاة أَو نَحْوهَا مِمَّا تشْتَرط لَهُ إِزَالَة النَّجَاسَة أَو عِنْد خوف الانتشار وَينْدب أَن يعجل بإزالتها فِيمَا عدا ذَلِك سَوَاء فِيمَا ذكر الْمُغَلَّظَة وَغَيرهَا على الْمُعْتَمد وَخرج بِغَيْر حَاجَة مَا إِذا كَانَ التضمخ بهَا لحَاجَة كَأَن بَال وَلم يجد شَيْئا ينشف بِهِ فَلهُ تنشيف ذكره بِيَدِهِ حَتَّى يجد المَاء وَكَذَا نزح بيُوت الأخلية وَنَحْوهَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ وَاعْلَم أَن الفضلات قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيل إِلَى صَلَاح كالمني وَاللَّبن من الْحَيَوَان الْمَأْكُول وَمن الْآدَمِيّ فطاهر وَلَو على لون الدَّم وَمِنْهَا مَا يَسْتَحِيل إِلَى فَسَاد كالبول وَالْغَائِط وَالدَّم فنجس وَيسْتَثْنى من ذَلِك فضلات نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا فضلات سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ النَّجَاسَة على ثَلَاثَة أَقسَام مُخَفّفَة ومتوسطة ومغلظة فالمخففة بَوْل الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ الْحَوْلَيْنِ وَلم يَأْكُل غير اللَّبن على جِهَة التغذي بِأَن لم يَأْكُل غير اللَّبن أصلا أَو أكل غير اللَّبن على وَجه التَّدَاوِي مثلا فَهَذَا الْقسم يطهر مصابه برش المَاء عَلَيْهِ بِأَن يغمر بِالْمَاءِ بِغَيْر سيلان بِشَرْطَيْنِ زَوَال عين النَّجَاسَة قبل رشه بِحَيْثُ لَا يبْقى فِيهِ رُطُوبَة تنفصل وَأَن لَا يخْتَلط الْبَوْل بِغَيْرِهِ وَإِلَّا تعين الْغسْل والمغلظة وَهِي نَجَاسَة الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا مَعَ الآخر أَو مَعَ حَيَوَان طَاهِر يغسل مصابها سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ مصحوبة بِالتُّرَابِ الطّهُور الَّذِي يُعَكر المَاء ويعم مَحل النَّجَاسَة وَالْأَفْضَل أَن يكون التُّرَاب مصاحبا للغسلة الأولى وَتقدم أَن التُّرَاب يَشْمَل الأعفر والأصفر كالطفل والأحمر والأبيض وَنَحْو ذَلِك وَلَو كَانَ مختلطا بدقيق أَو نَحوه بِخِلَاف مَا تقدم فِي التَّيَمُّم وَلَو لم تزل عين النَّجَاسَة إِلَّا بست غسلات مثلا حسبت وَاحِدَة وَلَو أصَاب بعض مَا غسله من الغسلات شَيْئا وَجب غسله بِعَدَد مَا بَقِي من الغسلات بعد هَذِه الغسلة الَّتِي أَصَابَهُ مَاؤُهَا فَإِن كَانَت الأولى غسل سِتا وَإِن كَانَت الثَّانِيَة غسل خمْسا وَهَكَذَا فَإِن كَانَ ترب فِيهَا أَو فِيمَا قبلهَا فَلَا يحْتَاج إِلَى تتريب الْمُصَاب وَإِلَّا تربه وَلَو اجْتمع مَاء الغسلات فِي إِنَاء مثلا ثمَّ أصَاب شَيْئا غسل سِتا مَعَ التتريب إِن لم يكن ترب فِي الأول فَإِن كَانَ ترب فِي الأول لم يحْتَج إِلَى تتريب الْمُصَاب وَلَو دخل نَحْو كلب حَماما وانتشرت النَّجَاسَة فِي أرضه وحصره وفوطه واستمرت النَّاس على دُخُوله والاغتسال فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة فَمَا تَيَقّن إِصَابَته بِالنَّجَاسَةِ من ذَلِك فنجس وَإِلَّا فطاهر لأَنا لَا ننجس بِالشَّكِّ وَحَيْثُ مَضَت عَلَيْهِ هَذِه الْمدَّة وَاحْتمل مُرُور المَاء عَلَيْهِ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِتُرَاب وَلَو طفْلا صَار لَا ينجس دَاخله لأَنا لَا ننجس بِالشَّكِّ كَمَا تقدم وَأما هُوَ فِي ذَاته فَهُوَ مُتَنَجّس حَتَّى يتَيَقَّن طهره فَهُوَ كفم الْهِرَّة إِذا رأيناها وَضعته فِي نَجَاسَة ثمَّ غَابَتْ غيبَة يحْتَمل فِيهَا وُرُودهَا مَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 كثيرا فَلَا يحكم بِكَوْن فمها ينجس مَا أَصَابَهُ حِينَئِذٍ لما تقدم وَأما فمها فِي ذَاته فمتنجس حَتَّى يتَيَقَّن طهره وَأما النَّجَاسَة المتوسطة فَهِيَ مَا عدا ذَلِك فَإِن كَانَت حكمِيَّة وَهِي الَّتِي لَيْسَ لَهَا جرم وَلَا طعم وَلَا لون وَلَا ريح كقطرة بَوْل جَفتْ كفى جرى المَاء على محلهَا مرّة وَاحِدَة وَلَو بِغَيْر فعل أحد كَأَن جرى عَلَيْهَا الْمَطَر وَيسن تثليثها وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة وَهِي الَّتِي لَهَا جرم أَو طعم أَو لون أَو ريح وَجَبت إِزَالَة ذَلِك وَلَو توقف زَوَاله على الِاسْتِعَانَة بِغَيْر المَاء كصابون وَجَبت وَالْعبْرَة بظنه بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه زَوَال ذَلِك وَلَا يجب عَلَيْهِ اختبارها بالشم وَالْبَصَر وَلَا يجب على الْأَعْمَى وَلَا على من بِهِ رمد أَن يسْأَل بَصيرًا هَل زَالَت الْأَوْصَاف أَو لَا إِلَّا مَا عسر زَوَاله من لون كلون الدَّم أَو ريح كريح الْخمر فَإِنَّهُ يحكم بِطَهَارَتِهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة وَنَحْوهَا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الأَرْض وَالثَّوْب والإناء فيطهر الْمحل طهرا حَقِيقِيًّا بِحَيْثُ لَو قدر على إِزَالَته بعد ذَلِك لَا تجب وَضَابِط الْعسر قرصه ثَلَاث مَرَّات مَعَ الِاسْتِعَانَة الْمُتَقَدّمَة فَلَو صبغ شَيْء بصبغ مُتَنَجّس ثمَّ غسل الْمَصْبُوغ حَتَّى صفت الغسالة وَلم يبْق إِلَّا مُجَرّد اللَّوْن حكم بِطَهَارَتِهِ أما الطّعْم وَحده أَو اللَّوْن وَالرِّيح مَعًا فِي مَحل وَاحِد من نَجَاسَة وَاحِدَة فَلَا بُد من تعذر زَوَاله بِحَيْثُ لَا يَزُول إِلَّا بِالْقطعِ فَإِذا تعذر ذَلِك حكم على الْمحل بِالْعَفو بِحَيْثُ لَو قدر على إِزَالَته بعد ذَلِك وَجَبت وَلَو كَانَ المَاء قَلِيلا اشْترط وُرُوده لِئَلَّا يَتَنَجَّس الثَّوْب لَو عكس وَلَو كَانَ الثَّوْب فِيهِ دم براغيث وَوَضعه فِي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ مَاء قَلِيل ليغسله فَإِن كَانَ غسله بِقصد تنظيفه من الأوساخ الطاهرة لَا ينجس المَاء وَلَا يضر بَقَاء دم البراغيث فِي الثَّوْب وَإِن كَانَ بِقصد إِزَالَة دم البراغيث أَو الأوساخ النَّجِسَة تنجس المَاء الْقَلِيل بورود النَّجَاسَة عَلَيْهِ وَعَاد على بَاقِي الثَّوْب بالتنجيس وَصَارَ دم البراغيث غير مَعْفُو عَنهُ (وَثَالِثهَا ستر رجل) أَي ذكر وَلَو صَبيا (وَأمة) وَلَو مبعضة (مَا بَين سرة وركبة وحرة غير وَجه وكفين) ظهرا وبطنا إِلَى الكوعين عَن الْعُيُون من إنس وجن وَلَو كَانَ الْمصلى خَالِيا فِي ظلمَة (بِمَا لَا يصف لونا) للبشرة وَلَو طينا أَو حشيشا أَو مَاء كدرا أَو نَحْو ذَلِك فَشرط السَّاتِر أَن يكون جرما يمْنَع إِدْرَاك لون الْبشرَة لَا حجمها فَلَا يَكْفِي فِي السّتْر لون نَحْو الْحِنَّاء لِأَنَّهُ لَيْسَ جرما وَلَا يَكْفِي فِيهِ الشفاف الَّذِي لَا يمْنَع إِدْرَاك لون الْبشرَة كالزجاج (إِن قدر) أَي الْمُصَلِّي (عَلَيْهِ) أَي السّتْر فَإِن عجز عَن جَمِيع مَا ذكر صلى عَارِيا وَيتم رُكُوعه وَسُجُوده وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَو كَانَت الستْرَة متنجسة وَعجز عَمَّا يطهرها بِهِ وَكَانَ قطع مَوضِع النَّجَاسَة ينقص قيمَة الستْرَة أَكثر من أُجْرَة ثوب يُصَلِّي فِيهِ لَو اكتراه وَلم يجد ستْرَة طَاهِرَة غَيرهَا صلى عَارِيا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لعَجزه عَن الستْرَة شرعا وَكَذَا لَو حبس فِي مَكَان نجس وَلم يجد شَيْئا يفرشه فِيهِ للصَّلَاة إِلَّا سترته فرشها وَصلى عَارِيا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما ذكر وَالْوَاجِب ستر الْعَوْرَة من أَعلَى وجوانب لَا من أَسْفَل فَلَو كَانَت عَوْرَته بِحَيْثُ ترى من طوق قَمِيصه أَو من كمه مثلا لَا تصح فالمدار على رؤيتها بِالْقُوَّةِ وَإِن لم تَرَ بِالْفِعْلِ وَكَذَا لَو كَانَ ثَوْبه قَصِيرا بِحَيْثُ لم يستر جَمِيع الْعَوْرَة وَلَو كَانَ ثَوْبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ينْكَشف عَن بعض الْعَوْرَة عِنْد الرُّكُوع أَو السُّجُود فَلَا تبطل صلَاته الْآن بل حَتَّى ينْكَشف حَتَّى لَو ستر عِنْد الرُّكُوع أَو السُّجُود وَلم يظْهر شَيْء من الْعَوْرَة استمرت صلَاته على الصِّحَّة وَلَا تضر رُؤْيَة الْعَوْرَة من أَسْفَل كَأَن صلى فِي علو وَتَحْته من يرى عَوْرَته من ذيله وَلَو لم يجد الرجل إِلَّا ثوب حَرِير لزمَه السّتْر بِهِ وَيسن للرجل أَن يلبس للصَّلَاة أحسن ثِيَابه وَأَن يُصَلِّي فِي ثَوْبَيْنِ لحَدِيث إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه فَإِن الله أَحَق أَن يزين لَهُ وَيكرهُ أَن يُصَلِّي فِي ثوب فِيهِ صُورَة وَأَن يُصَلِّي الرجل متلثما وَالْمَرْأَة متنقبة إِلَّا أَن تكون فِي مَكَان وَهُنَاكَ أجانب لَا يحترزون من النّظر إِلَيْهَا فَلَا يجوز لَهَا رفع النقاب إِلَّا إِذا سترت وَجههَا بِشَيْء آخر وَحَاصِل القَوْل فِيمَا يتَعَلَّق بالعورة أَن الرجل لَهُ ثَلَاث عورات إِحْدَاهَا مَا بَين سرته وركبته وَهِي عَوْرَته فِي الصَّلَاة وَلَو فِي الْخلْوَة وَعند الذُّكُور وَعند النِّسَاء الْمَحَارِم ثانيتها السوءتان أَي الْقبل والدبر وَهِي عَوْرَته فِي الْخلْوَة ثالثتها جَمِيع بدنه وشعره حَتَّى قلامة ظفره وَهِي عَوْرَته عِنْد النِّسَاء الْأَجَانِب فَيحرم على الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة النّظر إِلَى شَيْء من ذَلِك وَلَو علم الشَّخْص أَن الْأَجْنَبِيَّة تنظر إِلَى شَيْء من ذَلِك وَجب حجبه عَنْهَا ولسنا نقُول إِن وَجه الرجل فِي حَقّهَا عَورَة كوجه الْمَرْأَة فِي حَقه بل هُوَ كوجه الصَّبِي الْأَمْرَد فِي حق الرجل فَيحرم النّظر عِنْد خوف الْفِتْنَة فَقَط فَإِن لم تكن فتْنَة فَلَا إِذْ لم يزل الرِّجَال على ممر الزَّمَان مكشوفي الْوُجُوه وَالنِّسَاء يخْرجن متنقبات وَلَو كَانَ وُجُوه الرِّجَال عَورَة فِي حق النِّسَاء لأمروا بالتنقيب أَو منعُوا من الْخُرُوج إِلَّا لضَرُورَة وَمن فِيهَا رق لَهَا ثَلَاث عورات أَيْضا إِحْدَاهَا مَا بَين سرتها وركبتها وَهِي عورتها فِي الْخلْوَة وَعند الرِّجَال الْمَحَارِم وَعند النِّسَاء الْمُؤْمِنَات ثانيتها جَمِيع بدنهَا إِلَّا مَا يظْهر عِنْد المهنة أَي خدمَة بَيتهَا وَهِي عِنْد النِّسَاء الكافرات ثالثتها جَمِيع بدنهَا حَتَّى قلامة ظفرها وَهِي عِنْد الرِّجَال الْأَجَانِب نعم يجوز لمن أَرَادَ شراءها النّظر إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَى تقليبها وَيجوز للطبيب النّظر إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَى مداواتها والحرة لَهَا أَربع عورات إِحْدَاهَا جَمِيع بدنهَا إِلَّا وَجههَا وكفيها ظهرا وبطنا وَهُوَ عورتها فِي الصَّلَاة فَيجب عَلَيْهَا ستر ذَلِك فِي الصَّلَاة حَتَّى الذراعين وَالشعر وباطن الْقَدَمَيْنِ ثانيتها مَا بَين سرتها وركبتها وَهِي عورتها فِي الْخلْوَة وَعند الرِّجَال الْمَحَارِم وَعند النِّسَاء الْمُؤْمِنَات ثالثتها جَمِيع الْبدن إِلَّا مَا يظْهر عِنْد المهنة وَهِي عورتها عِنْد النِّسَاء الكافرات رابعتها جَمِيع بدنهَا حَتَّى قلامة ظفرها وَهِي عورتها عِنْد الرِّجَال الْأَجَانِب فَيحرم على الرجل الْأَجْنَبِيّ النّظر إِلَى شَيْء من ذَلِك وَيجب على الْمَرْأَة ستر ذَلِك عَنهُ والمراهق فِي ذَلِك كَالرّجلِ فَيلْزم وليه مَنعه من النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة ويلزمها الاحتجاب مِنْهُ وَمثل الْمَرْأَة فِي ذَلِك الْأَمْرَد الْجَمِيل الْوَجْه وَالْخُنْثَى كالأنثى فِي جَمِيع مَا ذكر (وَرَابِعهَا معرفَة دُخُول وَقت) وَلَو ظنا بِالِاجْتِهَادِ أَو تقليدا لمجتهد فَلَو هجم وَصلى من غير اجْتِهَاد فِي دُخُول الْوَقْت لَا تَنْعَقِد صلَاته وَإِن صادفت الْوَقْت لِأَن الِاعْتِبَار فِي الْعِبَادَات بِمَا فِي ظن الْمُكَلف وَبِمَا فِي نفس الْأَمر مَعًا وَفِي الْعُقُود بِمَا فِي نفس الْأَمر فَقَط وَلَا يخفى أَن الْوَقْت أهم شُرُوط الصَّلَاة لِأَن بِدُخُولِهِ تجب الصَّلَاة وبخروجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 تفوت فَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيمه على جَمِيع الشُّرُوط لَكِن الِاتِّبَاع خير من الابتداع وَلكُل وَاحِد من الْفُرُوض الْخَمْسَة وَقت مَحْدُود شرعا بِحَيْثُ لَو خرجت عَنهُ كَانَت قَضَاء إِلَّا إِذا نوى التَّأْخِير فِي سفر الْقصر (وَقت ظهر من زَوَال) أَي من ميل الشَّمْس عَن وسط السَّمَاء إِلَى جِهَة الْمغرب (إِلَى مصير ظلّ كل شَيْء مثله غير ظلّ اسْتِوَاء) أَي سوى ظلّ الشَّيْء حَالَة الاسْتوَاء إِن كَانَ كَمَا فِي أَكثر الْبِلَاد والأزمنة وَأول وَقت الظّهْر أَيْضا حُدُوث الظل بعد الاسْتوَاء إِن لم يكن للشَّيْء ظلّ عِنْده كَمَا فِي بعض الْأَزْمِنَة فِي بعض الْبِلَاد كمكة والبتاوي وَذَلِكَ فِي مَكَّة فِي ثامن برج الجوزاء وَفِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من برج السرطان وَفِي البتاوي فِي السَّادِس عشر من برج الْمِيزَان فِي ميل سِتّ درج وَفِي الرَّابِع عشر من برج الْحُوت ثمَّ البروج اثْنَا عشر نظمها بَعضهم من بَحر الْكَامِل بقوله حمل وثور وجوزة سرطان أَسد وسنبلة كَذَا ميزَان قل عقرب قَوس وجدي يَا أخي دلو وحوت خذفذا إِحْسَان وَمَعْرِفَة الزَّوَال أَمر يصعب لكنك إِذا اسْتقْبلت الْقبْلَة فَكَانَت الشَّمْس على حاجبك الْأَيْمن فِي الصَّيف فقد زَالَت بِلَا شكّ فصل الظّهْر فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ وَقت الْعَصْر فَإِذا كَانَت الشَّمْس على حاجبك الْأَيْسَر فِي الصَّيف أَيْضا وَأَنت مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَاعْلَم أَنَّهَا لم تزل بعد فَإِذا كَانَت بَين عَيْنَيْك فَهُوَ قِيَامهَا فِي كبد السَّمَاء وَقد يجوز أَنَّهَا قد زَالَت إِذا كَانَت فِي أول الشتَاء وَقصر النَّهَار وَأما إِذا كَانَت على حاجبك الْأَيْمن فَتكون قد زَالَت فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك فِي الصَّيف فَهُوَ أول وَقت الظّهْر وَإِن كَانَ فِي الشتَاء فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر وَإِذا كَانَت على حاجبك الْأَيْسَر فقد يجوز أَنَّهَا قد زَالَت لقصر النَّهَار فِي أول الشتَاء وَلَا يجوز فِي أول الصَّيف لطول النَّهَار وَإِذا كَانَت بَين عَيْنَيْك فِي الشتَاء فقد زَالَت بِلَا شكّ فَإِذا صَارَت إِلَى حاجبك الْأَيْمن فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر وَهَذَا لأهل إقليم الْعرَاق وخراسان الَّذين يصلونَ إِلَى الرُّكْن الْأسود وَبَاب الْبَيْت وَأما أهل الْيمن وَالْمغْرب وَمن يليهم فعلى ضد ذَلِك لأَنهم يصلونَ إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ ومؤخر الْكَعْبَة فَإِذا عرفت الزَّوَال وَأَرَدْت أَن تعرف الْقبْلَة فَاجْعَلْ ظلك على يسارك فَإنَّك تكون حِينَئِذٍ مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَاعْلَم ذَلِك مُخْتَصرا بِلَا تَعب كَذَا قَالَ سَيِّدي عبد الْقَادِر الجيلاني وللظهر سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أَي وَقت لوُقُوع الصَّلَاة فِيهِ فضل يزِيد على مَا بعده وَهُوَ أول الْوَقْت بِمِقْدَار أكل لقيمات يقمن صلبه وَستر الْعَوْرَة والتطهر وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَصَلَاة الْفَرْض برواتبه الْقبلية وَذَلِكَ اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة فِي الظّهْر لِأَن لَهَا أَرْبعا قبلية وأربعا بعدية وثمان رَكْعَات فِي الْعَصْر لِأَن لَهَا أَرْبعا قبلية وَلَا بعدية لَهَا وَسبع رَكْعَات فِي الْمغرب لِأَن رواتبها أَربع اثْنَتَانِ قبلهَا وَاثْنَتَانِ بعْدهَا وثمان رَكْعَات فِي الْعشَاء لِأَن رواتبها أَربع اثْنَتَانِ قبلهَا وَاثْنَتَانِ بعْدهَا كَمَا فِي الْمغرب وَأَرْبع رَكْعَات فِي الصُّبْح لِأَن راتبها اثْنَتَانِ قبلهَا وَلَا بعدية لَهَا وَالْعبْرَة فِي هَذِه الْأَعْمَال بالوسط المعتدل من غَالب النَّاس وَوقت اخْتِيَار أَي وَقت يخْتَار فِيهِ فعل الصَّلَاة بِالنِّسْبَةِ لما بعده وَوقت جَوَاز كَرَاهَة يدْخل بِأول الْوَقْت كوقت الْفَضِيلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ويمتد إِلَى أَن لَا يبْقى من الْوَقْت مَا يسع الْفَرْض فَقَط وَوقت حُرْمَة أَي يحرم تَأْخِير الصَّلَاة إِلَيْهِ وَهُوَ أَن لَا يبْقى من الْوَقْت مَا يسع فروض الصَّلَاة وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الْعَصْر لمن يجمع تَأْخِيرا فِي السّفر وَوقت ضَرُورَة وَهُوَ وَقت زَوَال الْمَوَانِع وَهُوَ آخر الْوَقْت وَلَو بِمِقْدَار مَا يسع تَكْبِيرَة الْإِحْرَام كَأَن زَالَ الصِّبَا أَو الْجُنُون أَو الْحيض أَو النّفاس أَو الْكفْر وَقد بَقِي من وَقت الصَّلَاة مَا يسع تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَط فَتجب هَذِه الصَّلَاة إِن خلا من الْمَانِع زَمنا يَسعهَا بعد صَاحِبَة الْوَقْت الَّذِي دخل فَلَو زَالَ حَيْضهَا وَقد بَقِي من وَقت الظّهْر مَا يسع تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَط وَجَبت الظّهْر إِن خلت من الْمَانِع زَمنا يسع فعلهَا وطهرها بعد اعْتِبَار مَا يسع فعل الْعَصْر الَّتِي هِيَ صَاحِبَة الْوَقْت وطهرها فَلَو طَرَأَ مَانع كجنون قبل مُضِيّ ذَلِك الزَّمن لَا تجب الظّهْر ثمَّ إِن كَانَ زمن الْخُلُو من الْمَوَانِع يسع الْعَصْر الَّتِي هِيَ صَاحِبَة الْوَقْت وطهرها وَجَبت وَإِلَّا فَلَا وَوقت إِدْرَاك وَهُوَ وَقت طروء الْمَوَانِع فَإِذا طَرَأَ مَانع من جُنُون أَو إِغْمَاء أَو حيض أَو نِفَاس فِي الْوَقْت واستغرق بَاقِيه وَكَانَ أدْرك من الْوَقْت قبل طروء الْمَانِع زَمنا يَسعهَا ويسع طهرهَا الَّذِي لَا يَصح تَقْدِيمه على الْوَقْت كالتيمم ووضوء صَاحب الضَّرُورَة وَجَبت وَإِلَّا فَلَا (فعصر) من الزِّيَادَة على ظلّ الْمثل وَإِن قلت (إِلَى غرُوب) للشمس بِجَمِيعِ قرضها وَلها ثَمَانِيَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة بالضبط الْمُتَقَدّم وَوقت اخْتِيَار من أول الْوَقْت إِلَى أَن يصير ظلّ الشَّيْء مثلَيْهِ غير ظلّ الزَّوَال وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة من أول الْوَقْت إِلَى الاصفرار فهذان الوقتان يَشْتَرِكَانِ مَعَ وَقت الْفَضِيلَة فِي الدُّخُول ثمَّ إِذا مضى مَا يسع الْأَعْمَال الْمُتَقَدّمَة خرج وَقت الْفَضِيلَة وَإِذا صَار ظلّ الشَّيْء مثلَيْهِ غير ظلّ الزَّوَال خرج وَقت الِاخْتِيَار فإدا حصل الاصفرار خرج وَقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة وَيدخل وَقت الْجَوَاز بِكَرَاهَة إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يسع فَرضهَا فَقَط فَإِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت لَا يسع فروض الصَّلَاة دخل وَقت الْحُرْمَة أَي الْوَقْت الَّذِي يحرم تَأْخِير الصَّلَاة إِلَيْهِ لَا أَن فعلهَا حِينَئِذٍ حرَام كَمَا يَعْتَقِدهُ بعض الْعَوام إِذْ يجب على الشَّخْص حِينَئِذٍ فعلهَا قبل أَن يخرج الْوَقْت كُله وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الظّهْر لمن يجمع تَقْدِيمًا فِي السّفر مثلا وَوقت ضَرُورَة كَمَا تقدم لَكِن فِي هَذِه تجب الظّهْر مَعَ الْعَصْر لِأَن وَقت الْعَصْر وَقت لِلظهْرِ فِي الْعذر فَفِي الضَّرُورَة أولى وَيشْتَرط الْخُلُو من الْمَوَانِع زَمنا يَسعهَا كَمَا تقدم وَوقت إِدْرَاك كَالَّذي تقدم أَيْضا (فمغرب) من تَمام غرُوب الشَّمْس (إِلَى مغيب شفق) أَي أَحْمَر وَلها ثَمَانِيَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَوقت اخْتِيَار وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة هَذِه الثَّلَاثَة متحدة فِي الْمغرب دُخُولا وخروجا تدخل بِأول الْوَقْت وَتخرج بِمُضِيِّ زمن الْأَعْمَال الْمُتَقَدّمَة فَيدْخل وَقت الْجَوَاز بِكَرَاهَة إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا لَا يسع إِلَّا فروضها فَإِذا بَقِي مَا لَا يسع الْفُرُوض دخل وَقت الْحُرْمَة وَوقت الْعذر وَقت الْعشَاء لمن يجمعها مَعًا تَأْخِيرا فِي السّفر وَوقت الضَّرُورَة وَوقت الْإِدْرَاك كَمَا تقدم (فعشاء) من مغيب الشَّفق الْأَحْمَر (إِلَى فجر صَادِق) وَلها اسمان أَحدهمَا عتمة وَثَانِيهمَا الْعشَاء الْآخِرَة وَلها ثَمَانِيَة أَوْقَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الْفجْر الأول ويدخلان بِأول الْوَقْت كوقت الْفَضِيلَة كَمَا تقدم وَوقت جَوَاز بِكَرَاهَة وَهُوَ مَا بَين الفجرين إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يسع فروضها فَقَط فَإِذا بَقِي من الْوَقْت مَا لَا يسع فروضها فَهُوَ وَقت الْحُرْمَة وَوقت الْعذر وَقت الْمغرب لمن يجمعها مَعهَا تَقْدِيمًا فِي السّفر أَو الْمَطَر وَوقت الضَّرُورَة وَوقت الْإِدْرَاك كَمَا تقدم (فَصبح) من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي (إِلَى) ابْتِدَاء (طُلُوع شمس) وَلها سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار إِلَى الإضاءة وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الاحمرار وَوقت جَوَاز بِكَرَاهَة إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يسع فروضها فَقَط فَإِذا بَقِي من الْوَقْت مَا لَا يسع فروضها دخل وَقت الْحُرْمَة وَوقت الضَّرُورَة وَوقت الْإِدْرَاك كَمَا تقدم فَتبين أَن الصُّبْح لَيْسَ لَهَا وَقت عذر لِأَنَّهَا لَا تجمع لَا تَقْدِيمًا وَلَا تَأْخِيرا وَأَن الظّهْر لَيْسَ لَهَا وَقت جَوَاز بِكَرَاهَة تَنْبِيهَانِ الأول قد ظهر مِمَّا تقدم أَن وَقت الْفَضِيلَة وَوقت الِاخْتِيَار وَوقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة تدخل سَوَاء من أول الْوَقْت فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَتخرج مترتبة فوقت الْفَضِيلَة يخرج أَولا لِأَن زَمَنه قصير ثمَّ وَقت الِاخْتِيَار ثمَّ وَقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَّا فِي الْمغرب فَإِنَّهَا متحدة فِيهِ دُخُولا وخروجا وَإِلَّا فِي الظّهْر فَإِن وَقت الِاخْتِيَار وَوقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة فِيهِ متحدان دُخُولا وخروجا على الرَّاجِح وَقيل يخرج وَقت الِاخْتِيَار إِذا صَار ظلّ الشَّيْء مثل ربعه وَيسْتَمر وَقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يسع الصَّلَاة فَقَط الثَّانِي حَاصِل القَوْل فِي وَقت الضَّرُورَة وَوقت الْإِدْرَاك أَن مَوَانِع وجوب الصَّلَاة تِسْعَة الصِّبَا وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء وَالسكر بِلَا تعد وَالْكفْر الْأَصْلِيّ وَالْحيض وَالنّفاس وَعدم بُلُوغ الدعْوَة وَعدم سَلامَة الْحَواس وَالَّذِي يُمكن طروه مِنْهَا خَمْسَة الْجُنُون وَالْحيض وَالنّفاس وَالْإِغْمَاء وَالسكر بِلَا تعد فَلَو كَانَ بالشخص مَانع من هَذِه الْمَوَانِع التِّسْعَة وَزَالَ وَقد بَقِي من وَقت الصَّلَاة مَا يسع تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَجَبت هَذِه الصَّلَاة وَالَّتِي قبلهَا إِن كَانَت تجمع مَعهَا وخلا من الْمَوَانِع زَمنا يسعهما ويسع صَاحِبَة الْوَقْت الَّذِي دخل ويسع طهر الثَّلَاثَة مِثَال ذَلِك زَالَ الْحيض وَقد بَقِي من وَقت الْعَصْر مَا يسع تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَجَبت الْعَصْر وَالظّهْر لِأَنَّهَا تجمع مَعهَا تَأْخِيرا فِي السّفر وَالْمغْرب لِأَنَّهَا صَاحِبَة الْوَقْت الَّذِي دخل إِن استمرت خَالِيَة من الْمَوَانِع زَمنا يسع الْفُرُوض الثَّلَاثَة وطهرها فَلَو طَرَأَ على الْمَرْأَة مَانع آخر كالجنون وَلم تدْرك إِلَّا زَمنا يسع الْمغرب فَقَط وطهرها وَجَبت الْمغرب وَحدهَا وَإِن كَانَ زمن الْخُلُو يسع الْمغرب وَالْعصر فَقَط وطهرهما وجبتا دون الظّهْر هَذَا مَا يتَعَلَّق بِوَقْت الضَّرُورَة وَأما وَقت الْإِدْرَاك فَهُوَ وَقت طرُو الْمَانِع فَلَو طَرَأَ عَلَيْهِ مَانع من الْمَوَانِع الَّتِي يُمكن طروها وَقد أدْرك من الْوَقْت زَمنا يسع الصَّلَاة وَجَبت هَذِه الصَّلَاة وَالَّتِي قبلهَا إِن كَانَت تجمع مَعهَا وخلا زَمنا يسعهما وَأما طهرهما فَإِن كَانَ لَا يُمكن تَقْدِيمه على الْوَقْت كالتيمم ووضوء صَاحب الضَّرُورَة فَإِن شَرط صحتهما دُخُول الْوَقْت فَلَا بُد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 يدْرك زَمنا يَسعهُ قبل طرُو الْمَانِع وَإِن كَانَ يَصح تَقْدِيمه على الْوَقْت كوضوء السَّلِيم الَّذِي لم يمْنَع من تَقْدِيمه مَانع فَلَا يشْتَرط أَن يدْرك من الْوَقْت زَمنا يَسعهُ إِذا كَانَ يُمكن تَقْدِيمه على الْوَقْت مِثَال ذَلِك زَالَ حَيْضهَا فِي أول وَقت الْعَصْر مثلا وَأدْركت من وَقت الْعَصْر جُزْءا ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الْجُنُون فَإِن كَانَ زمن الْخُلُو من الْمَانِع يسع الْعَصْر وَالظّهْر وطهرهما وجبتا وَإِن كَانَ لَا يسع إِلَّا الْعَصْر فَقَط وطهرها وَجَبت الْعَصْر وَحدهَا دون الظّهْر وَالطُّهْر فِي هَذَا الْمِثَال لَا يُمكن تَقْدِيمه على الْحيض لِأَن الْوَقْت مَانع مِنْهُ وَمن أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فِي الْوَقْت فقد أدْركهَا أَدَاء وَإِن كَانَ يحرم تَأْخِيرهَا إِلَى وَقت لَا يسع فروضها كَمَا تقدم وَمَتى كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت لَا يسع الْفُرُوض وَجب الِاقْتِصَار على الْوَاجِبَات وَلَا يجوز الْإِتْيَان بالسنن وَيَنْوِي الْأَدَاء إِن كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت يسع رَكْعَة وَإِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت يسع جَمِيع الْفُرُوض وَلَا يسع السّنَن فَالْأَفْضَل الْإِتْيَان بالسنن وَلَو لزم على ذَلِك إِخْرَاج الصَّلَاة أَو بَعْضهَا عَن وَقتهَا فَإِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت يسع الْفُرُوض وَالسّنَن لَكِن طول فِي الْقِرَاءَة أَو السُّكُوت حَتَّى خرج بعض الصَّلَاة أَو كلهَا عَن الْوَقْت فَلَا حُرْمَة عَلَيْهِ لكنه خلاف الأولى وَحِينَئِذٍ إِذا لم يدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فِي الْوَقْت تصير قَضَاء لَا إِثْم فِيهِ وَيَنْوِي الْأَدَاء وَهَذَا هُوَ الْمَدّ الْجَائِز فَتبين أَن الْأَحْوَال ثَلَاثَة حَالَة يجب فِيهَا الِاقْتِصَار على الْوَاجِبَات وَيحرم الْإِتْيَان بالسنن وَهِي مَا إِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت لَا يسع الْفُرُوض وَحَالَة الْأَفْضَل فِيهَا الْإِتْيَان بالسنن وَلَو خرج بعض الصَّلَاة عَن وَقتهَا وَهِي مَا إِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت يسع جَمِيع الْفُرُوض دون السّنَن وَحَالَة يجوز فِيهَا الْمَدّ مَعَ كَونه خلاف الأولى وَإِن خرجت الصَّلَاة كلهَا عَن الْوَقْت وَهِي مَا إِذا كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت يسع الْفُرُوض وَالسّنَن جَمِيعًا وبدخول الْوَقْت تجب الصَّلَاة وجوبا موسعا إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يَسعهَا لَكِن إِذا أَرَادَ تَأْخِير فعلهَا عَن أول الْوَقْت لزم الْعَزْم على فعلهَا فِي الْوَقْت على الْأَصَح فَإِن أَخّرهَا عَن أول وَقتهَا مَعَ الْعَزْم على ذَلِك وَمَات فِي أثْنَاء الْوَقْت قبل فعلهَا لم يكن عَاصِيا بِخِلَاف مَا إِذا لم يعزم الْعَزْم الْمَذْكُور فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْوَقْت قبل فعلهَا كَانَ عَاصِيا وَالْأَفْضَل أَن يُصليهَا فِي أول الْوَقْت لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل فَقَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا نعم قد يكون تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول وَقتهَا أفضل فِي صور مِنْهَا الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ وَهُوَ تَأْخِيرهَا عَن أول وَقتهَا حَتَّى يصير للحيطان ظلّ يمشي فِيهِ طَالب الْجَمَاعَة بِشَرْط أَن يكون فِي زمن الْحر بقطر حَار كالحجاز لمصل جمَاعَة أَو فِي مَسْجِد وَلَو فُرَادَى بمصلى يأتونه بِمَشَقَّة تذْهب الْخُشُوع أَو كَمَاله وكل كَمَال اقْترن بِهِ التَّأْخِير عَن أول الْوَقْت وخلا عَنهُ التَّقْدِيم فِي أول الْوَقْت كالسترة وَالْجَمَاعَة وَالْوُضُوء وَنَحْو ذَلِك فالتأخير لَهُ أفضل وَقد يجب إِخْرَاج الصَّلَاة عَن وَقتهَا كَمَا إِذا خيف انفجار الْمَيِّت أَو فَوت الْحَج أَو فَوت إنقاذ الْأَسير أَو الغريق لَو شرع فِيهَا وَتقدم أَن الْوَاجِب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس صلوَات فَقَط لَكِن مَحَله فِي أيامنا هَذِه أما فِي أَيَّام الدَّجَّال فيزيد على ذَلِك فَإِن أول يَوْم من أَيَّامه كَسنة وَثَانِي يَوْم كشهر وثالث يَوْم كأسبوع وَبَاقِي الْأَيَّام كأيامنا فاليوم الَّذِي كَسنة يقدر لَهُ قدره فَتجب الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا حَتَّى الْعشَاء وَالْمغْرب وَلَو فِي النَّهَار لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 زمن خارق للْعَادَة وَتعلم الْأَوْقَات بالساعات مثلا ويصام رَمَضَان إِذا جَاءَ وقته ويحج الْبَيْت إِذا جَاءَ وقته فتعمل فِي ذَلِك الْيَوْم أَعمال السّنة بِتَمَامِهَا وَيُقَاس على ذَلِك اليومان بعده وَمثل ذَلِك لَيْلَة طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا فَإِنَّهَا تطول بِمِقْدَار ثَلَاث لَيَال فَيقدر لَهَا قدرهَا فرع وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم صَلَاة فِي خَمْسَة أَوْقَات فِي غير حرم مَكَّة وَلَا تَنْعَقِد عِنْد اسْتِوَاء الشَّمْس حَتَّى تَزُول إِلَّا يَوْم جُمُعَة فَلَا يحرم التَّنَفُّل فِيهَا حَالَة الاسْتوَاء وَلَو لمن لم يحضرها وَبعد صَلَاة صبح أَدَاء مغنية عَن الْقَضَاء وَعند طُلُوع الشَّمْس سَوَاء صلى الصُّبْح أم لَا حَتَّى لَا ترْتَفع فيهمَا كرمح فِي رَأْي الْعين وَهُوَ مِقْدَار سَبْعَة أَذْرع وَبعد صَلَاة عصر أَدَاء وَلَو مَجْمُوعَة فِي وَقت ظهر وَعند اصفرار الشَّمْس سَوَاء صلى الْعَصْر أم لَا حَتَّى تغرب فيهمَا ثمَّ الْمحرم فِي هَذِه الْأَوْقَات صَلَاة لَا سَبَب لَهَا كالنوافل الْمُطلقَة وَصَلَاة التَّسْبِيح أَولهَا سَبَب مُتَأَخّر عَن الصَّلَاة كإحرام واستخارة فَلَا تَنْعَقِد وَاحِدَة مِنْهُمَا لضعف السَّبَب الْمُتَأَخر لاحْتِمَال وُقُوعه وَعَدَمه وَلَو نوى صَلَاة الاستخارة وَغَيرهَا بطلت الصَّلَاة تَغْلِيبًا للمفسد وَخرج بالمتأخر سَبَب مُقَارن للصَّلَاة فَلَا تحرم كَصَلَاة فَرِيضَة معادة فِي جمَاعَة وَسبب مُتَقَدم عَلَيْهَا فَلَا تحرم كَصَلَاة الْعِيد بِنَاء على دُخُول وَقتهَا بِطُلُوع الشَّمْس واستسقاء وجنازة إِن لم يقْصد تَأْخِير الصَّلَاة عَلَيْهَا إِلَى الْوَقْت الْمَكْرُوه من حَيْثُ كَونه مَكْرُوها بِخِلَافِهِ لنَحْو زِيَادَة الْمُصَلِّين أَو رَجَاء صَلَاة صَالح وكفائتة لم يقْصد تَأْخِيرهَا إِلَيْهَا ليقضيها فِيهَا وَسنة وضوء وَطواف وَدخُول منزل وَسجْدَة تِلَاوَة لم يقْرَأ آيتها بِقصد السُّجُود فَقَط (وخامسها اسْتِقْبَال الْقبْلَة) أَي الْكَعْبَة وَالْوَاجِب فِي الِاسْتِقْبَال إِصَابَة عين الْقبْلَة يَقِينا مَعَ الْقرب إِمَّا بِرُؤْيَتِهِ لَهَا أَو مَسهَا بِيَدِهِ أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُفِيد الْيَقِين أَو ظنا مَعَ الْبعد فَلَا يَكْفِي إِصَابَة الْجِهَة مَعَ الْخُرُوج عَن اسْتِقْبَال عينهَا فَلَو امْتَدَّ صف بِقرب الْكَعْبَة وَخرج بعض الْمُصَلِّين عَن محاذاة عينهَا لم تصح صلَاته وَأما فِي حَالَة الْبعد عَنْهَا فَلَا يضر طول الصَّفّ فَإِنَّهُم لَا يخرجُون عَن محاذاتها وَلَو طَال الصَّفّ لِأَن صَغِير الحجم كلما زَاد بعده زَاد محاذاته كغرض الرُّمَاة والاستقبال يكون بالصدر حَقِيقَة فِي حق الْقَائِم والجالس وَحكما فِي حق الرَّاكِع والساجد وَيكون بِالْوَجْهِ ومقدم الْبدن فِي حق المضطجع وَيكون بِالْوَجْهِ والأخمصين فِي حق المستلقي فَلَا بُد من رفع رَأسه عَن الأَرْض بِنَحْوِ وسَادَة ليَكُون مُسْتَقْبلا بِوَجْهِهِ وَمن وضع عَقِبَيْهِ بِالْأَرْضِ ليَكُون مُسْتَقْبلا بأخمصيه ويجتهد إِن عجز عَن الْعلم بِالنَّفسِ وَعَن إِخْبَار الثِّقَة عَن علم فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد قلد رب الْمنزل حِينَئِذٍ وَلَو اجْتهد الشَّخْص فِي الْقبْلَة وَصلى ثمَّ تَيَقّن الْخَطَأ أعَاد صلَاته وَأما إِذا لم يتَيَقَّن الْخَطَأ بل تغير اجْتِهَاده إِلَى جِهَة أُخْرَى فَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد الثَّانِي أرجح وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ سَوَاء كَانَ متلبسا بِالصَّلَاةِ أم لَا وَلَا يجب عَلَيْهِ إِعَادَة مَا صلاه بِالْأولِ لِأَن الِاجْتِهَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 لَا ينْقض بِاجْتِهَاد آخر حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات لأَرْبَع جِهَات بِأَرْبَع اجتهادات صَحَّ فَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد الثَّانِي مُسَاوِيا للِاجْتِهَاد الأول تخير بَينهمَا إِن لم يكن فِي صَلَاة فَإِن كَانَ فِيهَا تعين عَلَيْهِ الْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ الأول وَلَا يجوز لَهُ الْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْتزم بِدُخُولِهِ فِي الصَّلَاة جِهَة فَلَا يتَحَوَّل عَنْهَا إِلَّا إِلَى أرجح مِنْهَا وَمَتى ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطلع على محراب وَأقرهُ كَانَ فِي مرتبَة الْعلم بِالنَّفسِ فَلَا تجوز مُخَالفَته وَلَا الِاجْتِهَاد فِيهِ لَا جِهَة وَلَا يمنة وَلَا يسرة وَأما محاريب الْمُسلمين الموثوق بهَا فَهِيَ فِي مرتبَة إِخْبَار الثِّقَة عَن علم وَلَا يجوز الِاجْتِهَاد فِيهَا جِهَة لِاسْتِحَالَة الْخَطَأ فِي الْجِهَة وَيجوز الِاجْتِهَاد فِيهَا يمنة أَو يسرة والمحراب اصْطِلَاحا مقَام الإِمَام فِي الصَّلَاة وَأما الْمِحْرَاب الْمُعْتَاد الْآن وَهُوَ التجويف الَّذِي يكون فِي الْأَمْكِنَة الَّتِي بنيت للصَّلَاة فِيهَا فِي جِهَة الْقبْلَة فَلم يكن مَوْجُودا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِي زمن أَصْحَابه بل هُوَ حَادث بعدهمْ وَلَكِن لَا بَأْس بِهِ وَالْأَعْمَى وَمن فِي ظلمَة يعْتَمد الْمِحْرَاب بالمس أَو نَحوه كَمَا يعتمده الْبَصِير الَّذِي لَيْسَ فِي ظلمَة بِالْمُشَاهَدَةِ وَمَتى انْفَرد إِنْسَان فِي نَاحيَة وَجب عَلَيْهِ تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة على سَبِيل فرض الْعين وَإِذا وجد غَيره مَعَه كَانَ التَّعَلُّم فرض كِفَايَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين السّفر والحضر وأدلتها كَثِيرَة مِنْهَا مَا هُوَ ليلِي كَالْقَمَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ نهاري كَالشَّمْسِ وَمِنْهَا مَا هُوَ أرضي كالجبال وَمِنْهَا مَا هُوَ هوائي كالرياح وَمِنْهَا مَا هُوَ سماوي كَالنُّجُومِ وَمن جملَة النُّجُوم القطب الْمَعْرُوف وَهُوَ بَين الفرقدين وَبَنَات نعش الصُّغْرَى لَكِن مَتى عرفه يَقِينا وَعرف كَيْفيَّة الِاسْتِقْبَال بِهِ فِي الْقطر الَّذِي هُوَ فِيهِ كَانَ فِي مرتبَة الْعلم بِالنَّفسِ وَإِلَّا كَانَ من أَدِلَّة الِاجْتِهَاد كباقي النُّجُوم (إِلَّا فِي شدَّة خوف) فِي قتال جَائِز فَيصَلي كَيفَ أمكنه نعم إِن أَمن فِي أثْنَاء الصَّلَاة امْتنع عَلَيْهِ ترك الِاسْتِقْبَال حَتَّى لَو كَانَ رَاكِبًا اشْترط أَن لَا يستدبرها فِي حَال نُزُوله فَإِن استدبرها حِينَئِذٍ بطلت صلَاته بِاتِّفَاق وَمثل شدَّة الْخَوْف فِي ذَلِك دفع الصَّائِل والفرار من سبع أَو نَار أَو عَدو أَو سيل أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُبَاح الْفِرَار مِنْهُ لَكِن إِن أَمن فِي أَثْنَائِهَا وَجب عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَال وَلَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول بل يُتمهَا فِي الْمَكَان الَّذِي انْتهى سيره إِلَيْهِ وَمثل ذَلِك من خطف مَتَاعه أَو شَردت دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلهُ السَّعْي خلف ذَلِك لتحصيله وكما يُبَاح لهَؤُلَاء ترك الِاسْتِقْبَال يغْتَفر لَهُم الْأَفْعَال الْكَثِيرَة إِذا اقتصروا على قدر الْحَاجة (وَنفل سفر مُبَاح) وَلَو راتبة وعيدا وَفِي مَعْنَاهُ سجدتا التِّلَاوَة وَالشُّكْر المفعولتان خَارج الصَّلَاة فَيتَوَجَّه إِلَى جِهَة مقْصده لصيرورتها بَدَلا عَن الْقبْلَة وَيحرم إنحرافه عَنْهَا إِلَّا إِلَى الْقبْلَة وَذَلِكَ مَشْرُوط بِأُمُور تِسْعَة أَحدهَا أَن يكون ذَلِك فِيمَا يُسمى سفرا وَلَو قَصِيرا ثَانِيهَا أَن يكون السّفر مُبَاحا ثَالِثهَا أَن يقْصد قطع الْمسَافَة الْمُسَمّى قطعهَا سفرا رَابِعهَا ترك الْأَفْعَال الْفَاحِشَة كركض وعدو بِلَا حَاجَة خَامِسهَا دوَام السّفر فَلَو صَار مُقيما فِي أثْنَاء السّفر لزمَه الِاسْتِقْبَال إِن اسْتمرّ فِيهَا وَإِلَّا فَقطع النَّفْل جَائِز سادسها دوَام السّير فَلَو انْقَطع سيره لم يجز لَهُ ترك الِاسْتِقْبَال حَتَّى لَو وقف لاستراحة أَو لانتظار رفْقَة لزمَه الِاسْتِقْبَال مَا دَامَ وَاقِفًا فَإِن سَار لأجل سير الْقَافِلَة أتمهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 إِلَى جِهَة مقْصده وَإِن سَار مُخْتَارًا للسير بِلَا ضَرُورَة لم يجز أَن يسير حَتَّى تَنْتَهِي صلَاته إِن أَرَادَ الِاسْتِمْرَار فِيهَا سابعها عدم وَطْء النَّجَاسَة عمدا مُطلقًا وَكَذَا نِسْيَانا فِي نَجَاسَة رطبَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَلَو بَالَتْ دَابَّته أَو راثت أَو وطِئت نَجَاسَة بِنَفسِهَا أَو أَوْطَأَهَا إِيَّاهَا لم يضر لِأَنَّهُ لم يلاقها وَذَلِكَ حَيْثُ لم يكن زمامها بِيَدِهِ ثامنها أَن يكون السّفر ميلًا فَأكْثر تاسعها أَن يكون لغَرَض صَحِيح وَقَوْلهمْ يتَوَجَّه إِلَى جِهَة مقْصده يُفِيد أَنه لَا يجب اسْتِقْبَال عين مقْصده بل يَكْفِي التَّوَجُّه إِلَى جِهَته وَلَا ينحرف عَن جِهَة مقْصده إِلَّا إِلَى الْقبْلَة لِأَنَّهَا الأَصْل فَلَو انحرف إِلَى غَيرهَا عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته وَلَو قصر الزَّمن أما إِذا كَانَ خطأ أَو نِسْيَانا أَو لجماح الدَّابَّة فَإِن طَال الزَّمن بطلت وَإِلَّا فَلَا لَكِن يسن أَن يسْجد للسَّهْو لِأَن عمد ذَلِك مُبْطل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد (وعَلى ماش إتْمَام رُكُوع وَسُجُود واستقبال فيهمَا وَفِي تحرم) وَالْحَاصِل أَنه يسْقط وجوب الِاسْتِقْبَال فِي صور مِنْهَا غريق على لوح لَا يُمكنهُ الِاسْتِقْبَال وَمِنْهَا مربوط إِلَى غير الْقبْلَة وَمِنْهَا عَاجز لم يجد من يوجهه وَمِنْهَا خَائِف من نُزُوله عَن رَاحِلَته على نفس أَو مَال أَو انْقِطَاعًا عَن رفْقَة وَمِنْهَا من كَانَ فِي أَرض مَغْصُوبَة وَخَافَ خُرُوج الْوَقْت لَو أخر الصَّلَاة حَتَّى يخرج مِنْهَا فَلهُ أَن يحرم بِالصَّلَاةِ وَيتَوَجَّهُ لِلْخُرُوجِ من تِلْكَ الأَرْض وَيُصلي بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهَا من كَانَ فِي حَال شدَّة الْخَوْف فِي قتال جَائِز فيصلى كَيفَ أمكنه وَمِنْهَا النَّفْل فِي السّفر فَيتَوَجَّه إِلَى جِهَة مقْصده لَكِن على تَفْصِيل فِي ذَلِك حَاصله أَنه إِن كَانَ مَاشِيا وَجب عَلَيْهِ التَّوَجُّه للْقبْلَة فِي أَربع وَهِي تحرمه وركوعه وَسُجُوده وجلوسه بَين السَّجْدَتَيْنِ وَيجوز أَن يتَوَجَّه إِلَى مقْصده فِي أَربع فِي قِيَامه واعتداله وتشهده وَسَلَامه وَهَذَا معنى قَوْلهم يتَوَجَّه فِي أَربع وَيَمْشي فِي أَربع وَإِن كَانَ رَاكِبًا فَإِن كَانَ فِي سرج أَو على مُجَرّد ظهر الدَّابَّة أَو كَانَ على ظهرهَا ثوب أَو نَحوه فَإِن سهل عَلَيْهِ التَّوَجُّه فِي جَمِيع صلَاته وإتمام جَمِيع أَرْكَانهَا أَو بَعْضهَا وَهُوَ الرُّكُوع وَالسُّجُود لزمَه ذَلِك وَإِن لم يسهل عَلَيْهِ ذَلِك لم يلْزمه إِلَّا توجه فِي تحرمه إِن سهل فَإِن لم يسهل لم يلْزم شَيْء وَإِن كَانَ رَاكِبًا فِي مرقد أَو هودج أَو محفة أَو شقدف أَو نَحْوهَا أَو فِي سفينة وَهُوَ غير ملاح فَإِن جَمِيع من ذكر إِن أمكنهم الِاسْتِقْبَال فِي جَمِيع صلَاتهم وإتمام جَمِيع الْأَركان جَازَ لَهُم التَّنَفُّل وَإِلَّا وَجب تَركه وَأما ملاح السَّفِينَة وَهُوَ من لَهُ دخل فِي تسييرها بِحَيْثُ يخْتل السّفر لَو اشْتغل وَإِن لم يكن من المعدين لتسييرها كَمَا لَو عاون الركاب أهل الْعَمَل فِيهَا فِي بعض أَعْمَالهم فَلهُ التَّنَفُّل إِلَى جِهَة مقْصده كالراكب على السرج وَنَحْوه مِمَّا تقدم وَيلْحق بالملاح مسير المرقد كَمَا اعْتَمدهُ الشبراملسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فصل فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِوَاجِب وينقسم لداخل فِي ماهيتها وَيُسمى ركنا ولخارج عَنْهَا وَيُسمى شرطا وبمندوب وينقسم لما يجْبر بِالسُّجُود وَيُسمى بَعْضًا لتأكد شَأْنه بالجبر لشبهه بِالْبَعْضِ حَقِيقَة وَلما لَا يجْبر وَيُسمى هَيْئَة وَهُوَ مَا عدا الأبعاض (أَرْكَان الصَّلَاة) أَرْبَعَة عشر بِجعْل الطمأنينات الْأَرْبَع ركنا وَاحِدًا نظرا لِاتِّحَاد جِنْسهَا كَمَا عدوا السجودين ركنا وَاحِدًا لذَلِك أَحدهَا (نِيَّة) وأجمعت الْأمة على اعْتِبَار النِّيَّة فِي الصَّلَاة ثمَّ إِن كَانَت الصَّلَاة نَافِلَة مُطلقَة وَهِي الَّتِي لَا تتقيد بِوَقْت وَلَا سَبَب (فَيجب فِيهَا) أَي الصَّلَاة أَمر وَاحِد وَهُوَ (قصد فعلهَا) لتتميز عَن بَقِيَّة الْأَفْعَال وَلَا يجب التَّعْيِين وَلَا نِيَّة النفلية وَإِن كَانَت نَافِلَة مُؤَقَّتَة أَو ذَات سَبَب وَجب فِيهَا أَمْرَانِ قصد فعلهَا (وتعيينها) لتتميز عَن سَائِر الصَّلَوَات خُصُوصا الَّتِي يجب فِيهَا التَّعْيِين من ظهر وَغَيره (وَلَو) كَانَت الصَّلَاة (نفلا) ذَا سَبَب لَا يحصل الْمَقْصُود مِنْهُ بِكُل صَلَاة فينوي فِي ذَلِك سَببهَا كَصَلَاة الْكُسُوف وَالِاسْتِسْقَاء وَعِيد الْفطر أَو الْأَضْحَى وَسنة الظّهْر مثلا الْقبلية أَو البعدية سَوَاء كَانَ صلى الْفَرْض قبل الْقبلية أم لَا أما النَّفْل الَّذِي يحصل الْمَقْصُود مِنْهُ بِكُل صَلَاة فكالنفل الْمُطلق وَذَلِكَ كتحية الْمَسْجِد وركعتي الْوضُوء وَالْإِحْرَام والاستخارة وَالطّواف وَصَلَاة الْحَاجة وَسنة الزَّوَال وَصَلَاة الْغَفْلَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَالصَّلَاة فِي بَيته وَإِذا أَرَادَ الْخُرُوج للسَّفر وَصَلَاة الْمُسَافِر إِذا نزل منزلا وَأَرَادَ مُفَارقَته وَصَلَاة التَّوْبَة وركعتي الْقَتْل وَعند الزفاف وَنَحْو ذَلِك من كل مَا قصد بِهِ مُجَرّد الشّغل بِالصَّلَاةِ وَلَا تجب فِي النَّوَافِل نِيَّة النفلية وَإِن كَانَت الصَّلَاة فرضا وَلَو نذرا أَو قَضَاء أَو كِفَايَة وَجب فِي نِيَّته ثَلَاثَة أُمُور نِيَّة الْفِعْل وَالتَّعْيِين (وَنِيَّة فرض فِيهِ) أَي ذَلِك الْفَرْض لَكِن لَا تجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة فِي صَلَاة الصَّبِي لِأَنَّهَا تقع نفلا وَقيل لَا فرق بَين الْبَالِغ وَغَيره لوُجُوب الْقيام فِي الْفَرْض على غير الْبَالِغ وَمِثَال اجْتِمَاع هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة (كأصلي فرض الظّهْر) وَالْحَاصِل أَن مَرَاتِب الصَّلَوَات ثَلَاثَة الْمرتبَة الأولى الْفَرْض بأقسامه فَيعْتَبر فِيهِ ثَلَاثَة أَشْيَاء الْقَصْد وَالتَّعْيِين وَنِيَّة الْفَرْضِيَّة الْمرتبَة الثَّانِيَة النَّفْل الْمُؤَقت أَو ذُو السَّبَب فَيعْتَبر فِيهِ أَمْرَانِ الْقَصْد وَالتَّعْيِين وَلَا حَاجَة لنِيَّة النفلية الْمرتبَة الثَّالِثَة النَّفْل الْمُطلق وَيعْتَبر فِيهِ أَمر وَاحِد وَهُوَ قصد فعله وَلَا حَاجَة للتعيين وَلَا لنِيَّة النفلية وَلَو شرك فِي نِيَّة بَين فرض وَنفل غير مَقْصُود كَسنة وضوء وتحية مَسْجِد صَحَّ وَحصل مَا نَوَاه بل يحصل ذَلِك وَإِن لم يُنَوّه بل وَإِن نَفَاهُ (وَسن إِضَافَة) للصَّلَاة (إِلَى الله) تَعَالَى حَال النِّسْبَة ليتَحَقَّق معنى الْإِخْلَاص (وَتعرض لأَدَاء أَو قَضَاء) وَيصِح الْأَدَاء بنية الْقَضَاء وَعَكسه إِن جهل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه وَلَو تبين خلاف مَا نَوَاه وَكَذَا لَو قصد بِالْأَدَاءِ أَو الْقَضَاء الْمَعْنى اللّغَوِيّ فَإِنَّهُمَا فِي اللُّغَة بِمَعْنى وَاحِد يُقَال قضيت الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وأديته أما إِذا فعل ذَلِك عَامِدًا عَالما وَلم يقْصد الْمَعْنى اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ لَا يَصح لتلاعبه (و) سنّ تعرض (لاستقبال) الْقبْلَة (وَعدد رَكْعَات) وَلَو غير الْعدَد كَأَن نوى الظّهْر ثَلَاثًا أَو خمْسا فَلَا تَنْعَقِد صَلَاة سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو غالطا لِأَن مَا يجب التَّعَرُّض لَهُ وَلَو إِجْمَالا يضر الْغَلَط فِيهِ وَالْعدَد يجب التَّعَرُّض لَهُ إِجْمَالا بِسَبَب التَّعْيِين إِذْ قَوْله الظّهْر يَقْتَضِي أَن تكون أَرْبعا وَلَا يجب التَّعَرُّض لليوم فَلَو عينه وَأَخْطَأ لم يضر سَوَاء كَانَت الصَّلَاة أَدَاء أَو قَضَاء وَلَو مكث فِي مَكَان عشْرين سنة يتَرَاءَى لَهُ الْفجْر فَيصَلي ويعين الْيَوْم ثمَّ تبين لَهُ خَطؤُهُ فِي ذَلِك وَجب عَلَيْهِ قَضَاء صَلَاة وَاحِدَة لِأَن صَلَاة كل يَوْم تقع عَمَّا قبله وَلَا عِبْرَة بِتَعْيِين الْيَوْم فَتبقى عَلَيْهِ صَلَاة وَاحِدَة وَهِي صَلَاة الْيَوْم الْأَخير لِأَنَّهَا وَقعت عَن الْيَوْم الَّذِي قبله أما قَوْلهم لَو أحرم بفريضة قبل دُخُول وَقتهَا ظَانّا دُخُوله انْعَقَدت نفلا فمحله إِن لم يكن عَلَيْهِ فَائِتَة نظيرها وَإِلَّا وَقعت عَنْهَا هَذَا كُله لَو صلى ظَانّا دُخُول الْوَقْت بِالِاجْتِهَادِ وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِد صلَاته وَلَو صادفت الْوَقْت وَمن عَلَيْهِ فوائت لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي ظهر كَذَا مثلا بل يَكْفِيهِ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَتقدم فِي الْوضُوء أَن النِّيَّة محلهَا الْقلب (و) لَكِن ينْدب (نطق بمنوي) قبيل التَّكْبِير ليساعد اللِّسَان الْقلب وَلِأَنَّهُ أبعد عَن الوسواس وَلَا يضر النُّطْق بِخِلَاف مَا فِي الْقلب كَأَن قصد الصُّبْح وَسبق لِسَانه إِلَى الظّهْر (و) ثَانِيهَا (تَكْبِير تحرم مَقْرُونا بِهِ) أَي التَّكْبِير (النِّيَّة وَيتَعَيَّن) فِي لفظ التَّكْبِير على الْقَادِر بالنطق بِهِ (الله أكبر وَيجب إسماعه نَفسه كَسَائِر ركن قولي) وَالْحَاصِل أَن شُرُوطه عشرُون إِيقَاعه فِي حَال الْقيام فِي الْفَرْض وباللغة الْعَرَبيَّة للقادر عَلَيْهَا وَلَفظ الْجَلالَة وَلَفظ أكبر وَتَقْدِيم لفظ الْجَلالَة على أكبر وَعدم مد همزَة الْجَلالَة وَيجوز إِسْقَاطهَا إِذا وَصلهَا بِمَا قبلهَا كَأَن يَقُول إِمَامًا أَو مَأْمُوما الله أكبر لَكِن وَصلهَا خلاف الأولى وَلَا يجوز إِسْقَاط همزَة أكبر وَيغْتَفر للعامي إبدالها واوا وَيغْتَفر لَهُ أَيْضا إِبْدَال كَاف أكبر همزَة عِنْد الْعَجز وَعدم مد بَاء أكبر وَعدم تشديدها وَعدم زِيَادَة وَاو سَاكِنة أَو متحركة بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَعدم وَاو قبل الْجَلالَة وَعدم سكتة طَوِيلَة بَين الْكَلِمَتَيْنِ بِخِلَاف السكتة الْيَسِيرَة فَإِنَّهَا لَا تضر وَضَابِط الطول أَن تزيد على سكتة التنفس والعي وَأَن يسمع نَفسه جَمِيع حُرُوفه إِذا كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا مَانع وَدخُول الْوَقْت فِي الْفَرْض وَالنَّفْل الْمُؤَقت أَو ذِي السَّبَب وإيقاعها حَال الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شرطناه وتأخيره عَن تَكْبِيرَة الإِمَام فِي حق الْمُقْتَدِي وَأَن لَا تبدل همزَة أكبر واوا وَلَا تبدل كافها همزَة فَلَا يَصح ذَلِك من الْعَالم فِي الأولى وَلَا من الْعَالم الْعَامِد الْقَادِر فِي الثَّانِيَة وَأَن لَا يزِيد فِي مد الْألف الَّتِي بَين اللَّام وَالْهَاء إِلَى حد لَا يرَاهُ أحد من الْقُرَّاء وَهُوَ عَالم بِالْحَال بِأَن لَا يزِيد على أَربع عشرَة حَرَكَة فَإِن زَاد عَلَيْهَا ضرّ وَعدم الصَّارِف فَلَو كَانَ مَسْبُوقا فَأحْرم خلف إِمَام رَاكِع وَلم ينْو بِهِ التَّحَرُّم وَحده يَقِينا مَعَ وُقُوع جَمِيعه فِي مَحل تجزىء فِيهِ الْقِرَاءَة لم يَصح وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْمَسْبُوق إِذا أدْرك الإِمَام رَاكِعا فَكبر وَركع خَلفه لَهُ سَبْعَة أَحْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يَصح التَّحَرُّم فِي وَاحِدَة مِنْهَا وَهِي مَا إِذا قصد بِالتَّكْبِيرِ التَّحَرُّم وَحده يَقِينا وأوقع جَمِيعه فِي مَحل تجزىء فِيهِ الْقِرَاءَة والستة الْبَاقِيَة لَا تَنْعَقِد فِيهَا الصَّلَاة وَهِي مَا إِذا شرك بَين الْإِحْرَام والانتقال أَو قصد الِانْتِقَال فَقَط أَو قصد أَحدهمَا مُبْهما أَو أطلق أَو شكّ هَل قصد التَّحَرُّم وَحده أم لَا أَو قصد التَّحَرُّم وَحده يَقِينا لَكِن لم يتم التَّكْبِير إِلَّا بعد وُصُوله إِلَى مَحل لَا تجزىء فِيهِ الْقِرَاءَة وَمن شُرُوط التَّكْبِير وَهُوَ تَمام الْعشْرين قرن النِّيَّة بِهِ حَقِيقَة أَو عرفا مَعَ الاستحضار الْحَقِيقِيّ أَو الْعرفِيّ وَالْحَاصِل أَن لَهُم مُقَارنَة حَقِيقِيَّة ومقارنة عرفية واستحضارا حَقِيقِيًّا واستحضارا عرفيا فالاستحضار الْحَقِيقِيّ أَن يستحضر جَمِيع أَرْكَان الصَّلَاة تَفْصِيلًا والاستحضار الْعرفِيّ أَن يستحضر أَرْكَان الصَّلَاة إِجْمَالا وَيَكْفِي فِي ذَلِك الْقَصْد وَالتَّعْيِين وَنِيَّة الْفَرْضِيَّة كَمَا قَالَه الحفني نقلا مسلسلا عَن شيخ الْإِسْلَام قَالَ الشَّيْخ مَنْصُور الطوخي هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَعْلُوم أَن اشْتِرَاط الْأُمُور الثَّلَاثَة فِي الاستحضار الْعرفِيّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض أما النَّفْل الْمُؤَقت أَو ذُو السَّبَب فَيشْتَرط فِيهِ الْقَصْد وَالتَّعْيِين فَقَط وَأما النَّفْل الْمُطلق فَيشْتَرط فِيهِ الْقَصْد فَقَط والمقارنة الْحَقِيقِيَّة أَن يقرن هَذَا المستحضر بِجَمِيعِ أَجزَاء التَّكْبِير من أَوله إِلَى آخِره والمقارنة الْعُرْفِيَّة أَن يقرن هَذَا المستحضر بِجُزْء من أَجزَاء التَّكْبِير وَاخْتَارَ بعض الأفاضل الِاكْتِفَاء بالاستحضار الْعرفِيّ والمقارنة الْعُرْفِيَّة وَهُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة والوسوسة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام من تلاعب الشَّيْطَان وَهِي تدل على خبل فِي الْعقل أَو جهل فِي الدّين وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْحسن الشاذلي يعلم أَصْحَابه لدفع الوسواس والخواطر الرَّديئَة وَيَقُول لَهُم من أحس بذلك فليضع يَده الْيُمْنَى على صَدره وَليقل سُبْحَانَ الْملك القدوس الخلاق الفعال سبع مَرَّات ثمَّ يقل {إِن يَشَأْ يذهبكم وَيَأْتِ بِخلق جَدِيد وَمَا ذَلِك على الله بعزيز} 35 فاطر الْآيَة 16 17 يَقُول ذَلِك الْمُصَلِّي قبل الْإِحْرَام وَلَو كبر للْإِحْرَام تَكْبِيرَات نَاوِيا بِكُل مِنْهَا الِافْتِتَاح دخل فِي الصَّلَاة بالأوتار وَخرج بالأشفاع هَذَا إِن لم ينْو بَينهمَا خُرُوجًا أَو افتتاحا وَلم يحصل مِنْهُ تردد فِي النِّيَّة مَعَ طول وَإِلَّا فَيخرج بِالنِّيَّةِ وَيدخل بِالتَّكْبِيرِ فَإِن لم ينْو بِغَيْر الأولى شَيْئا لم يضر لِأَنَّهُ ذكر فَلَا تبطل بِهِ صلَاته هَذَا كُله مَعَ الْعمد أما مَعَ السَّهْو كَأَن نسي كَونه أحرم أَولا فَكبر قَاصِدا الْإِحْرَام فَلَا بطلَان وَلَو شكّ فِي أَنه أحرم أَولا فَأحْرم قبل أَن يَنْوِي الْخُرُوج من الصَّلَاة لم تَنْعَقِد هَذِه النِّيَّة لِأَنَّهُ شكّ فِي هَذِه النِّيَّة أَنَّهَا شفع أَو وتر فَلَا تَنْعَقِد الصَّلَاة مَعَ الشَّك هَذَا إِذا كَانَ قبل طول الْفَصْل فَإِن طَال بطلت صلَاته للتردد أما إِن علم عَن قرب أَنه أحرم قبل تبين انْعِقَاد صلَاته وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا من الْفُرُوع النفيسة (وَسن جزم رائه) أَي التَّكْبِير وَلَا يضر ضم الرَّاء خلافًا لجمع متأخرين تبعا للجيلي (و) سنّ للْمُصَلِّي وَلَو امْرَأَة (رفع كفيه) وَإِن اضْطجع (بكشف) لَهما (حَذْو مَنْكِبَيْه مَعَ تحرم) للصَّلَاة بِالْإِجْمَاع (و) عِنْد هوي إِلَى (رُكُوع و) عِنْد (رفع مِنْهُ) أَي الرُّكُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 (و) عِنْد قيام (من تشهد أول) وَكَذَا عِنْد الْقيام من جلْسَة الاسْتِرَاحَة على الْمُعْتَمد بِخِلَاف الْقيام من السُّجُود فَلَا يسن فِيهِ الرّفْع فَإِن ترك الرّفْع فِيمَا أَمر بِهِ أَو فعله لم يُؤمر بِهِ كره ويبتدىء التَّحَرُّم من ابْتِدَاء الرّفْع وينهيه عِنْد غَايَة الرّفْع وَرفع الرُّكُوع يكون قبل الْهَوِي بِحَيْثُ يهوي بعد تَمام الرّفْع وَالرَّفْع الْمَطْلُوب عِنْد رَفعه من الرُّكُوع يبتدىء مَعَ ابْتِدَاء رفع رَأسه من الرُّكُوع فَإِذا اسْتَوَى معتدلا أرسلهما إرْسَالًا خَفِيفا تَحت صَدره وَفَوق سرته وَهَكَذَا بعد كل رفع من ذَلِك إِلَّا فِي رفع الْهَوِي للرُّكُوع وَكَذَا فِي الرّفْع للاعتدال عِنْد ابْن حجر والرملي وَالْحكمَة فِي هَذَا الرّفْع الْإِشَارَة إِلَى رفع الْحجاب بَين العَبْد وربه وَقَالَ الشَّافِعِي وحكمته إعظام جلال الله تَعَالَى ورجاء ثَوَابه وأكمله أَن تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه مَعَ تَفْرِيق الْأَصَابِع تفريقا وسطا وإمالتها للْقبْلَة وَيحصل أصل السّنة بِفعل بعض ذَلِك ثمَّ للأصابع سِتّ حالات إِحْدَاهَا حَالَة الرّفْع فِي تحرم وركوع واعتدال وَقيام من تشهد أول أَو من جلْسَة استراحة فَينْدب تفريقها ثانيتها حَالَة قيام من غير تشهد أول وَمن غير جلْسَة استراحة فَلَا تفرق ثالثتها حَالَة رُكُوع فَينْدب تفريقها على الرُّكْبَتَيْنِ رابعتها حَالَة سُجُود فتضم وَتوجه للْقبْلَة خامستها حَالَة جُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ فَالْأَصَحّ أَنه كالسجود سادستها حَالَة الْجُلُوس للتَّشَهُّد فاليمين مَقْبُوضَة الْأَصَابِع إِلَّا المسبحة واليسرى مبسوطة وَالأَصَح فِيهَا الضَّم (وَوَضعهمَا) أَي الْكَفَّيْنِ (تَحت صَدره آخِذا بِيَمِينِهِ يسَاره) أَي قَابِضا كوع يسَاره بكفه الْيُمْنَى ويجعلهما تَحت صَدره وَفَوق سرته مائلتين إِلَى جِهَة يسَاره قَلِيلا لخَبر مُسلم عَن وَائِل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حِين دخل فِي الصَّلَاة ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى (و) ثَالِثهَا (قيام قَادر فِي فرض) وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل فَلَيْسَ الْقيام ركنا فِيهِ لكنه فِيهِ أفضل من الْقعُود نعم الصَّلَاة الْمُعَادَة وَإِن كَانَت نفلا لَا بُد فِيهَا من الْقيام وَمثل ذَلِك مَا لَو صلى الصَّبِي إِحْدَى الْخمس فَلَا بُد فِيهَا من الْقيام وَإِن كَانَت صَلَاة الصَّبِي تقع لَهُ نفلا (و) خرج بالقادر الْعَاجِز فَيجوز (لعاجز شقّ عَلَيْهِ قيام) كَأَن حصل لَهُ بِالْقيامِ مشقة تذْهب الْخُشُوع أَو كَمَاله (صَلَاة قَاعِدا) وَمن ذَلِك مَا لَو خَافَ رَاكب السَّفِينَة غرقا أَو دوران الرَّأْس لَو صلى من قيام وَكَذَا لَو كَانَ بِهِ سَلس بَوْل وَلَو قَامَ سَالَ بَوْله وَلَو قعد لم يسل أَو قَالَ طَبِيب ثِقَة لمن بِعَيْنِه مَاء إِن صليت مُسْتَلْقِيا أمكنت مداواتك فَلهُ ترك الْقيام فِي الْجَمِيع وَيفْعل مقدوره وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَشرط الْقيام نصب ظهر الْمُصَلِّي وَلَو كَانَ مُسْتَندا إِلَى شَيْء وَلَو تحامل عَلَيْهِ وَلَو كَانَ بِحَيْثُ لَو زَالَ مَا اسْتندَ عَلَيْهِ لسقط هُوَ بِشَرْط استقراره على مَكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وُقُوفه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ يُمكنهُ رفع قَدَمَيْهِ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَيْسَ قَائِما بل مُعَلّق نَفسه فَلَو وقف منحنيا إِلَى قدامه أَو خَلفه أَو مائلا إِلَى يسَاره أَو يَمِينه بِحَيْثُ لَا يُسمى قَائِما لَا يَصح قِيَامه والانحناء المضر أَن يصير إِلَى أقل الرُّكُوع أقرب مِنْهُ إِلَى الْقيام فَإِن عجز عَن ذَلِك وَصَارَ كراكع لكبر أَو غَيره وقف كَذَلِك وَزَاد وجوبا انحناءه لركوعه إِن قدر على الزِّيَادَة ليتميز الركنان وَلَو عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقدر على الْقيام لزمَه الْقيام وَيجب أَن يفعل مقدوره فِي الانحناء لركوعه وَسُجُوده فَإِن عجز فبرقبته وَرَأسه فَإِن عجز أَوْمَأ إِلَيْهِمَا بأجفانه وَلَو قدر على الْقيام لَكِن بِمعين أَو عكازة وَجب وَلَو بِأُجْرَة مثل للمعين لَكِن لَا يجب الْمعِين إِلَّا إِذا كَانَ يحْتَاج إِلَيْهِ فِي النهوض فَقَط وَلَو من كل رَكْعَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ يحْتَاج إِلَى الْمعِين فِي دوَام قِيَامه فَإِنَّهُ لَا يجب وَأما العكازة فَتجب مُطلقًا وَالْفرق بَينهمَا الْمَشَقَّة فِي الأولى دون الثَّانِيَة وَحَيْثُ عجز عَن الْقيام قعد كَيفَ شَاءَ والافتراش أفضل من غَيره فَإِن عجز عَن الْقعُود اضْطجع على جنبه جاعلا وَجهه ومقدم بدنه للْقبْلَة وَالْأَفْضَل الْأَيْمن فَإِن عجز عَن الِاضْطِجَاع اسْتلْقى على ظَهره رَافعا رَأسه بِشَيْء ليتوجه بِوَجْهِهِ إِلَى الْقبْلَة وَكَذَا يرفع قَدَمَيْهِ جاعلا أخمصيه للْقبْلَة ويركع وَيسْجد بِقدر إِمْكَانه فَلَو قدر على الرُّكُوع فَقَط كَرَّرَه للسُّجُود وَلَو قدر على زِيَادَة على أكمل الرُّكُوع تعيّنت تِلْكَ الزِّيَادَة للسُّجُود لِأَن الْفرق بَينهمَا وَاجِب على الْمُمكن فَإِن عجز عَن ذَلِك أَوْمَأ بِرَأْسِهِ وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع لما تقدم فَإِن عجز أَوْمَأ بأجفانه وَلَا يجب فِي هَذَا جعل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع لعدم ظُهُوره فَإِن عجز أجراهما على قلبه وَكَذَا لَو عجز عَن الصَّلَاة كلهَا فَإِنَّهُ يجْرِي أفعالها وأقوالها على قلبه بِأَن يمثل نَفسه قَائِما وقارئا وراكعا إِلَى آخِره وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا وَعلم مِمَّا تقدم أَن من قدر على الْإِيمَاء لَا يَكْفِيهِ الإجراء وَلَا يجب عَلَيْهِ جمعه مَعَ الْإِيمَاء وَهُوَ كَذَلِك (كمتنفل) فَلهُ صَلَاة النَّفْل قَاعِدا وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام كَمَا تقدم وَهَذَا عَام فِي جَمِيع النَّوَافِل حَتَّى النَّفْل الَّذِي تسن فِيهِ الْجَمَاعَة كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ وَحَتَّى رواتب الْفَرَائِض وَكَذَا لَهُ صَلَاة النَّفْل مُضْطَجعا وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْقعُود وَيجب عَلَيْهِ الْجُلُوس للرُّكُوع وَالسُّجُود بَين السَّجْدَتَيْنِ نعم مصلى النَّفْل قَاعِدا لَهُ نصف أجر الْقَائِم ومصليه مُضْطَجعا لَهُ نصف أجر الْقَاعِد إِذا كَانَ مَعَ الْقُدْرَة أما مَعَ الْعَجز فَلَا ينقص أجره وَلَا يجوز الاستلقاء إِلَّا إِذا عجز عَن جَمِيع مَا تقدم فَإِن اسْتلْقى مَعَ إِمْكَان الْقيام أَو الْقعُود أَو الِاضْطِجَاع فَلَا تصح صلَاته (و) رَابِعهَا (قِرَاءَة فَاتِحَة كل رَكْعَة) فِي قِيَامهَا أَو بدله (إِلَّا رَكْعَة مَسْبُوق) بهَا حَقِيقَة كَأَن وجد الإِمَام رَاكِعا أَو حكما كَأَن زحم عَن السُّجُود فَتسقط الْفَاتِحَة أَو بَعْضهَا عَن الْقَادِر عَلَيْهَا فِي رَكْعَة مَسْبُوق وَهُوَ من لم يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ للوسط المعتدل لَا بِالنِّسْبَةِ لقرَاءَته وَلَا لقِرَاءَة إِمَامه فَإِنَّهُ إِذا جَاءَ وَوجد الإِمَام رَاكِعا أحرم وَركع خَلفه ويتحمل عَنهُ إِمَامه الْفَاتِحَة كلهَا بِشَرْط أَن يكون أَهلا للتحمل بِأَن لَا يكون مُحدثا وَلَا فِي رَكْعَة زَائِدَة وَلَا فِي الرُّكُوع الثَّانِي من صَلَاة الْكُسُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 نعم إِن اطْمَأَن يَقِينا قبل رفع الإِمَام عَن أقل الرُّكُوع أدْرك الرُّكُوع وَإِن لم يطمئن أَو شكّ فِي ذَلِك فَاتَتْهُ الرَّكْعَة فيتداركها بعد سَلام إِمَامه وَإِذا جَاءَ قبل رُكُوع الإِمَام وَأحرم خَلفه وَلم يشْتَغل بِسنة كدعاء افْتِتَاح قَرَأَ مَا أمكنه من الْفَاتِحَة وَإِذا ركع إِمَامه ركع مَعَه ويتحمل عَنهُ الإِمَام بَاقِي الْفَاتِحَة إِن كَانَ أَهلا للتحمل كَمَا مر فَإِن لم يرْكَع مَعَ إِمَامه فَاتَتْهُ الرَّكْعَة فيوافق الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه وَلَا تبطل صلَاته إِلَّا إِذا تخلف عَن الإِمَام بركنين فعليين بِلَا عذر هَذَا إِن لم ينْو الْمُفَارقَة وَإِلَّا صَار مُنْفَردا فَيجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه فَإِن اشْتغل بِسنة فَإِن كَانَ يظنّ أَنه يدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع وَأَن الِاشْتِغَال بِالسنةِ لَا يُؤَخِّرهُ عَن ذَلِك فَتبين خلاف ظَنّه وَجب عَلَيْهِ أَن يتَخَلَّف حَتَّى يَأْتِي من الْفَاتِحَة بِقدر مَا أَتَى بِهِ من السّنة فَإِذا فرغ من ذَلِك وَأدْركَ الإِمَام فِي الرُّكُوع وَاطْمَأَنَّ مَعَه يَقِينا أدْرك الرَّكْعَة وَإِلَّا فَاتَتْهُ ويتدراكها بعد سَلام إِمَامه وَإِذا رفع الإِمَام من الرُّكُوع قبل أَن يكمل الْمَأْمُوم مَا عَلَيْهِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَة أَيْضا فَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه بل يُوَافق الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ بعد تَكْمِيل مَا عَلَيْهِ مَا لم يسْبق بركنين فعليين فَلَو أَرَادَ الإِمَام الْهَوِي للسُّجُود قبل أَن يكمل الْمَأْمُوم مَا عَلَيْهِ وَجب عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة وَإِلَّا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ الْمَسْبُوق يظنّ أَنه لَا يدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع لَو اشْتغل بِالسنةِ وَمَعَ ذَلِك اشْتغل بهَا كدعاء الِافْتِتَاح فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ التَّخَلُّف كَمَا مر لَكِن تجب عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة قبل رفع الإِمَام من الرُّكُوع وَإِلَّا حرم عَلَيْهِ وَلَا تبطل صلَاته إِلَّا إِذا تخلف بركنين فعليين بِلَا نِيَّة مُفَارقَة وَلَو اقْتدى بِإِمَام رَاكِع فَرَكَعَ وَاطْمَأَنَّ مَعَه فِي رُكُوعه وَلما أتم الرَّكْعَة وَقَامَ وجد إِمَامًا غَيره رَاكِعا فَنوى مُفَارقَة هَذَا واقتدى بِالْآخرِ وَركع وَاطْمَأَنَّ مَعَه وَهَكَذَا إِلَى آخر صلَاته جَازَ وعَلى هَذَا فَيمكن سُقُوط الْفَاتِحَة عَنهُ فِي جَمِيع الرَّكْعَات وَلَو اقْتدى بِإِمَام سريع الْقِرَاءَة على خلاف الْعَادة وَالْمَأْمُوم معتدلها وَكَانَ فِي قيام كل رَكْعَة لَا يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة من الْوسط المعتدل فَهُوَ مَسْبُوق فِي كل رَكْعَة فَيقْرَأ من الْفَاتِحَة مَا أدْركهُ وَإِذا ركع إِمَامه ركع مَعَه وَسقط عَنهُ بَاقِي الْفَاتِحَة لتحمل الإِمَام لَهُ وعَلى هَذَا فَيمكن سُقُوط بعض الْفَاتِحَة عَنهُ فِي كل رَكْعَة وَتجب الْفَاتِحَة (مَعَ) قِرَاءَة (بَسْمَلَة) فَإِنَّهَا آيَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَى آخرهَا سِتّ آيَات فالجملة سبع آيَات والبسملة آيَة من كل سُورَة إِلَّا بَرَاءَة (و) مَعَ (تشديدات) أَربع عشرَة فَلَو خفف تشديدة مِنْهَا فَإِن غير الْمَعْنى وتعمد وَعلم بطلت صلَاته كتخفيف إياك بل إِن اعْتقد مَعْنَاهُ كفر لِأَن إيا بِالْقصرِ مخففا اسْم لضوء الشَّمْس وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو كَانَ التَّخْفِيف لَا يُغير الْمَعْنى لم تبطل صلَاته بل تبطل قِرَاءَته فَيجب عَلَيْهِ أَن يُعِيدهَا على الصَّوَاب قبل الرُّكُوع وَإِلَّا بطلت صلَاته وَلَا بُد من كَونه قَادِرًا على الصَّوَاب وَلَو بالتعلم (و) مَعَ (رِعَايَة) عدد (حُرُوف) وَهِي مائَة وَأحد وَأَرْبَعُونَ حرفا على قِرَاءَة ملك بِغَيْر ألف لَكِن الْأَفْضَل بِالْألف لِأَن الْحَرْف الْوَاحِد بِعشر حَسَنَات فَلَا يجوز نقص حرف من ذَلِك الْعدَد وحروف الْفَاتِحَة مَعَ تشديداتها مائَة وَخَمْسَة وَخَمْسُونَ حرفا لِأَن الْحَرْف المشدد مَحْسُوب بحرفين (و) تجب الْفَاتِحَة مَعَ رِعَايَة (مخارجها) فَلَو أبدل حرفا بِغَيْرِهِ فَإِن كَانَ يُغير الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بِأَن ينْقل الْكَلِمَة إِلَى معنى آخر أَو يصير الْكَلِمَة لَا معنى لَهَا كإبدال حاء الْحَمد هَاء أَو إِبْدَال ذال الَّذين زايا أَو دَالا وَكَانَ مَعَ الْعمد وَالْعلم بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته وَإِن كَانَ لَا يُغير الْمَعْنى كالعالمون بدل الْعَالمين لم تبطل صلَاته بل تبطل قِرَاءَته لتِلْك الْكَلِمَة فَإِن لم يعدها على الصَّوَاب قبل الرُّكُوع وَركع عَامِدًا بطلت صلَاته وَبَعْضهمْ قَالَ إِن الْإِبْدَال مَعَ الْعمد وَالْعلم وَالْقُدْرَة على الصَّوَاب مُبْطل للصَّلَاة مُطلقًا وَإِن لم يُغير الْمَعْنى كالعالمون لِأَنَّهَا كلمة أَجْنَبِيَّة وَأما اللّحن فِي الْفَاتِحَة وَالْمرَاد بِهِ تغير شَيْء من حركاتها أَو سكناتها لَا خُصُوص اللّحن فِي اصْطِلَاح النَّحْوِيين وَهُوَ تَغْيِير الْإِعْرَاب وَالْخَطَأ فِيهِ فَالْمُرَاد هُنَا مَا هُوَ أَعم من ذَلِك فَإِن غير الْمَعْنى كضم تَاء أَنْعَمت أَو كسرهَا فَإِن تعمد وَعلم بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا أَنه فِي الصَّلَاة أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ بطلت قِرَاءَته فَيجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا على الصَّوَاب قبل الرُّكُوع وَإِلَّا بطلت صلَاته كَمَا تقدم هَذَا كُله إِن كَانَ قَادِرًا على الصَّوَاب وَلَو بالتعلم كَمَا تقدم فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الصَّوَاب وَعَن تعلمه فَصلَاته صَحِيحَة فِي نَفسه وَتَصِح إِمَامَته لمثله وَإِن كَانَ الْإِبْدَال لَا يُغير الْمَعْنى كضم هَاء الْحَمد لله أَو ضم صَاد الصِّرَاط أَو كسر بَاء نعْبد أَو فتحهَا أَو كسر نونها فَلَا تبطل بِهِ الصَّلَاة مُطلقًا لَكِن يحرم عَلَيْهِ ذَلِك مَعَ الْعمد وَالْعلم من حَيْثُ كَونه قُرْآنًا وَلَو نطق الْقَادِر على الصَّوَاب بِالْقَافِ كَمَا تنطق بِهِ أجلاف الْعَرَب صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَة وَتجب الْفَاتِحَة مَعَ رِعَايَة ترتيبها بِأَن يَأْتِي بهَا على نظمها الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ مرجع منَاط البلاغة والإعجاز فَلَو ترك التَّرْتِيب كَأَن بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لم يعْتد بِهِ مُطلقًا ثمَّ إِذا أَتَى بِنِصْفِهَا الأول بعد ذَلِك وَلم يقْصد بِهِ التَّكْمِيل على مَا أَتَى بِهِ بِأَن قصد الِاسْتِئْنَاف أَو أطلق اعْتد بِهِ بِشَرْط أَن يكمل عَلَيْهِ بَاقِي الْفَاتِحَة من غير فصل طَوِيل أَو كَانَ بِعُذْر وَلَو طَال وَإِلَّا لم يعْتد بِهِ (و) مَعَ رِعَايَة (مُوالَاة) بِأَن يَأْتِي بكلماتها على الْوَلَاء (فَيُعِيد) الْفَاتِحَة (بتخلل ذكر أَجْنَبِي) غير مُتَعَلق بِالصَّلَاةِ وَإِن كَانَ قَلِيلا كحمد عاطس وَإجَابَة مُؤذن (لَا بتأمين وَسُجُود) لتلاوة إِمَامه سجده مَعَ إِمَامه (ودعا) أَمن سُؤال رَحْمَة واستعاذة من عَذَاب وَلَا بقول بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين وَلَا بقول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم أَو غير ذَلِك (لقِرَاءَة إِمَام) الْآيَة الَّتِي يسن فِيهَا ذَلِك (و) لَا ب (فتح عَلَيْهِ) أَي الإِمَام عِنْد توقفه وسكوته وَالْفَتْح تلقين الْآيَة فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا دَامَ يُرَدِّدهَا فَإِن فتح عَلَيْهِ حِينَئِذٍ انْقَطَعت الْمُوَالَاة (و) يُعِيد الْفَاتِحَة (بسكوت طَال) مُطلقًا بِأَن زَاد على سكتة الاسْتِرَاحَة والإعياء لإشعاره بِالْإِعْرَاضِ أَو قصر إِن قصد بالتقصير قطع الْقِرَاءَة لإعراضه عَنْهَا حَقِيقَة لاقتران الْفِعْل بنية الْقطع (بِلَا عذر) فِي مَسْأَلَتي ذكر أَجْنَبِي وسكوت طَوِيل بِخِلَاف ذَلِك مَعَ النسْيَان فَلَا يقطع الْمُوَالَاة بل يَبْنِي فَلَو نسي آيَة فَسكت طَويلا لتذكرها فَإِنَّهُ لَا يُؤثر فِي الْمُوَالَاة كَمَا قَالَه القَاضِي وَغَيره وَلَو كرر آيَة مِنْهَا للشَّكّ أَو التفكر أَولا لسَبَب عمدا فَالْأَصَحّ أَنه يَبْنِي (وَلَا أثر لشك فِي حرف بعد تَمامهَا) أَي الْفَاتِحَة لِأَن الظَّاهِر حِينَئِذٍ مضيها تَامَّة وَلِأَن الشَّك فِي حروفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 يكثر لكثرتها فعفى عَنهُ للْمَشَقَّة فَاكْتفى فِيهَا بِغَلَبَة الظَّن (واستأنف) وجوبا إِذا شكّ فِي بَعْضهَا (قبله) أَي التَّمام كالشك فِي أصل الْقِرَاءَة فَإِنَّهُ يُوجب استئنافها وَلَو بعد تَمام الْفَاتِحَة لِأَن الأَصْل عدم قرَاءَتهَا وَالْأَوْجه إِلْحَاق التَّشَهُّد بهَا فِيمَا ذكر لَا سَائِر الْأَركان فَإِنَّهُ إِذا شكّ فِيهَا أَو فِي صفتهَا وَجب إِعَادَتهَا مُطلقًا فَوْرًا وَمن ذَلِك مَا لَو شكّ فِي شَيْء من الْأَعْضَاء السَّبْعَة هَل وَضعه أَولا فَيُعِيد السُّجُود وَإِن كَانَ الشَّك بعد الْفَرَاغ مِنْهُ هَذَا إِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا وَيُعِيد بعد سَلام الإِمَام إِن كَانَ مَأْمُوما حَيْثُ امْتنع عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَيْهِ بِأَن تلبس مَعَ الإِمَام بِمَا بعده فَإِن عجز الْمُصَلِّي عَن جَمِيع الْفَاتِحَة لعدم معلم أَو مصحف أَو نَحْو ذَلِك وَجب سبع آيَات وَلَو مُتَفَرِّقَة لَا تنقص حروفها حُرُوف الْفَاتِحَة سَوَاء أفادت معنى منظوما أم لَا وَلَا يلْزمه إِلَّا الْإِتْيَان بِبَدَل حروفها الْمَوْجُودَة فِي النُّطْق دون الرَّسْم والمشدد بحرفين من الْفَاتِحَة وَالْبدل وَمن يحسن بعض الْفَاتِحَة يَأْتِي بهَا وببدل الْبَاقِي وَيجب التَّرْتِيب بَين الأَصْل وَالْبدل فَلَو كَانَ يحسن أول الْفَاتِحَة أَتَى بِهِ أَولا ثمَّ يَأْتِي بِبَدَل الْبَاقِي وَإِن كَانَ يحسن آخر الْفَاتِحَة أَتَى بِبَدَل الأول ثمَّ يَأْتِي بآخرها وَإِن كَانَ يحسن وَسطهَا أَتَى بِبَدَل الأول ثمَّ يَأْتِي بالوسط الَّذِي يُحسنهُ ثمَّ يَأْتِي بِبَدَل الآخر فَإِن عجز عَن الْقُرْآن أَتَى بسبعة أَنْوَاع من الذّكر أَو الدُّعَاء لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة وَيجب تعلق الدُّعَاء بِالآخِرَة إِن عرف ذَلِك وَإِلَّا أَتَى بِدُعَاء دُنْيَوِيّ فَلَا يعدل إِلَى الدنيوي إِلَّا إِذا عجز عَن الأخروي وَلَو بِغَيْر الْعَرَبيَّة فَإِن عجز عَن ذَلِك كُله لزمَه وَقْفَة قدر الْفَاتِحَة فِي ظَنّه لِأَن الْقيام ركن فِي نَفسه (وَسن بعد تحرم) وَقبل تعوذ (افْتِتَاح) وَذَلِكَ فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة أما فِيهَا فَلَا يسن لبنائها على التَّخْفِيف وَله صِيغ كَثِيرَة مِنْهَا وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين وَمِنْهَا الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ وَمِنْهَا الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا وَمِنْهَا اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب اللَّهُمَّ نقني من خطاياي كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ غسلني من خطاياي بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد وَمِنْهَا اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت واهدني لأحسن الْأَخْلَاق لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت واصرف عني سيئها لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر كُله فِي يَديك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك أَنا بك وَإِلَيْك تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَمِنْهَا غير ذَلِك وبأيها افْتتح حصلت السّنة وَيسن الْجمع بَينهَا لمنفرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل (مَا لم يجلس مَأْمُوم وَإِن خَافَ فَوت سُورَة) وَلَا يسن دُعَاء الِافْتِتَاح إِلَّا بِشُرُوط أَرْبَعَة أَن يكون فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة وَلَو على قبر أَو غَائِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 خلافًا لِابْنِ الْعِمَاد وَأَن يحرم فِي وَقت يسع الصَّلَاة وَأَن لَا يخَاف الْمَأْمُوم فَوت بعض الْفَاتِحَة لَو اشْتغل بِهِ وَأَن لَا يدْرك الإِمَام فِي غير الْقيام فَإِن أدْركهُ فِي الِاعْتِدَال مثلا لَا يفْتَتح ويفوت دُعَاء الِافْتِتَاح بِالشُّرُوعِ فِيمَا بعده عمدا أَو سَهوا وَخرج بذلك مَا لَو سبق لِسَانه فَلَا يفوت (ف) يسن بعد دُعَاء الِافْتِتَاح وَبعد تَكْبِير صَلَاة الْعِيد (تعوذ) للْقِرَاءَة (كل رَكْعَة) وَله شُرُوط دُعَاء الِافْتِتَاح الْمُتَقَدّمَة آنِفا نعم يسن التَّعَوُّذ فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَفِيمَا لَو اقْتدى بِإِمَام جَالس وَجلسَ مَعَه فَيَأْتِي بِهِ بعد قِيَامه لِأَنَّهُ للْقِرَاءَة بِخِلَاف دُعَاء الِافْتِتَاح فِي ذَلِك وَلَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا بعد تَمام الانتصاب فَلَو أَتَى بِهِ نهوضه للْقِيَام لَا يحْسب وَكَانَ مَكْرُوها وَيسن الْإِسْرَار بِهِ فِي الصَّلَاة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت سَرِيَّة أَو جهرية وَكَذَا دُعَاء الِافْتِتَاح وَأما التَّعَوُّذ للْقِرَاءَة خَارج الصَّلَاة فَإِنَّهُ تَابع للْقِرَاءَة سرا وجهرا ويفوت التَّعَوُّذ بِالشُّرُوعِ فِيمَا بعده عمدا أَو سَهوا لَا بسبق اللِّسَان وَأفضل صِيغ التَّعَوُّذ على الْمُعْتَمد أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقيل أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَيحصل أصل السّنة بالإتيان بِبَعْضِه وَلَو عجز عَن الْفَاتِحَة سنّ التَّعَوُّذ للبدل حَتَّى لَو كَانَ بدلهَا نفس التَّعَوُّذ سنّ التَّعَوُّذ لَهُ وَظَاهر هَذَا أَنه يتَعَوَّذ للبدل وَلَو كَانَ ذكرا مَحْضا مَعَ أَن الذّكر الْمَحْض لَا يسن ابتداؤه بالبسملة وَيُمكن أَن يُوَجه بِأَنَّهُ لما كَانَ بَدَلا عَن الْقِرَاءَة أعْطى حكمهَا (و) سنّ (وقف على رَأس كل آيَة مِنْهَا) أَي الْفَاتِحَة وَقَالَ ابْن حجر فِي فتح الْجواد وَالْأولَى أَن يصل بَين الْبَسْمَلَة والحمدلة نعم الْأَفْضَل الْوَقْف على رَأس كل آيَة من بَقِيَّة الْفَاتِحَة لِلِاتِّبَاعِ وَالْأولَى أَن لَا يقف على أَنْعَمت عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لَيْسَ بوقف تَامّ وَلَا مُنْتَهى آيَة عندنَا فرع من سنَن الهيئات الْجَهْر فِي مَوْضِعه والإسرار فِي مَوْضِعه فالجهر فِي الصُّبْح وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وخسوف الْقَمَر وَالِاسْتِسْقَاء والتراويح ووتر رَمَضَان وركعتي الطّواف لَيْلًا أَو وَقت الصُّبْح وأولتي العشاءين والإسرار فِي غير ذَلِك إِلَّا نوافل اللَّيْل الْمُطلقَة فيتوسط فِيهَا بَين الْجَهْر والإسرار بِحَيْثُ يسر تَارَة ويجهر أُخْرَى مَا لم يشوش على نَائِم أَو مصل أَو نَحْو ذَلِك وَالْعبْرَة فِي قَضَاء الصَّلَاة بِوَقْت الْقَضَاء على الْمُعْتَمد فيجهر فِي قَضَاء الظّهْر لَيْلًا وَيسر فِي قَضَاء الْعشَاء نَهَارا وَمثل اللَّيْل وَقت الصُّبْح لِأَنَّهُ وَقت جهر فَلَو قضى صَلَاة الضُّحَى لَيْلًا أَو وَقت صبح جهر نعم صَلَاة الْعِيدَيْنِ جهرية قَضَاء وَأَدَاء ووتر غير رَمَضَان ورواتب الْفَرَائِض سَرِيَّة أَدَاء وَقَضَاء وجهر الْمَرْأَة دون جهر الرجل نعم لَا تجْهر بِحَضْرَة الرِّجَال الْأَجَانِب وَمثلهَا الْخُنْثَى (و) سنّ (تَأْمِين) أَي قَول آمين (عَقبهَا) أَي الْفَاتِحَة أَو عقب بدلهَا إِن تضمن دُعَاء وَلَو فَصله عَن الْفَاتِحَة بِذكر آخر فَاتَهُ نعم يسْتَثْنى نَحْو رب اغْفِر لي وَمثل الذّكر فِي ذَلِك السُّكُوت الطَّوِيل بِخِلَاف السُّكُوت الْيَسِير فَإِنَّهُ سنة بَين آمين والفاتحة أَو بدلهَا فَائِدَة السكتات الْمَطْلُوبَة فِي الصَّلَاة سِتّ سكتة بَين تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَدُعَاء الِافْتِتَاح وسكتة بَين دُعَاء الِافْتِتَاح والتعوذ وسكتة بَين التَّعَوُّذ والفاتحة أَو بدلهَا وسكتة بَين الضَّالّين وآمين وسكتة بَين آمين وَالسورَة وسكتة بَين السُّورَة وَالرُّكُوع وَكلهَا بِقدر سُبْحَانَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إِلَّا سكُوت الإِمَام بَين آمين وَالسورَة فَإِنَّهُ بِقدر قِرَاءَة الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة وَالْأولَى للْإِمَام أَن يشْتَغل حِينَئِذٍ بِدُعَاء أَو قِرَاءَة سرا فالقراءة أولى وَحِينَئِذٍ يكون تَسْمِيَة ذَلِك سكُوتًا بِحَسب الظَّاهِر فَقَط والتأمين تَابع للفاتحة سرا وجهرا (و) يسن للْمَأْمُوم أَن يُؤمن فِي الجهرية (مَعَ إِمَامه إِن سمع) قِرَاءَة الإِمَام وَإِلَّا فَلَا يُؤمن فَخرج مَا لَو كَانَ خَارج الصَّلَاة فَسمع قِرَاءَة غَيره من إِمَام ومنفرد فَلَا يسن لَهُ التَّأْمِين وَلَيْسَ فِي الصَّلَاة مَا تسن مُقَارنَة الإِمَام فِيهِ إِلَّا هَذَا فَإِن لم تتفق لَهُ مقارنته أَمن عقبه وَلَو تَأَخّر الإِمَام عَن الزَّمن الْمسنون فِيهِ التَّأْمِين أَمن الْمَأْمُوم وَلَو قَرَأَ الْمَأْمُوم مَعَ الإِمَام وفرغا مَعًا كَفاهُ تَأْمِين وَاحِد وَإِن فرغ الْمَأْمُوم قبل الإِمَام أَمن لنَفسِهِ ثمَّ يُؤمن للمتابعة وَلَا ينتظره على الْمُعْتَمد وَإِن فرغ الإِمَام قبله أَمن مَعَه للمتابعة ثمَّ يُؤمن لنَفسِهِ عقب قِرَاءَته فَائِدَة الْأَحْوَال الَّتِي يجْهر فِيهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام خَمْسَة حَالَة تأمينه مَعَ إِمَامه وَحَالَة دُعَاء الإِمَام فِي قنوت الصُّبْح وَفِي قنوت الْوتر فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان وَفِي قنوت النَّازِلَة فِي الصَّلَوَات الْخمس وَحَالَة فَتحه على إِمَامه وَمَا عدا ذَلِك يسر فِيهِ (و) سنّ قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن وَهُوَ (آيَة) فَأكْثر والأكمل ثَلَاث وَالْأَوْجه حُصُول أصل السّنة بِمَا دون آيَة إِن أَفَادَ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر (بعْدهَا) أَي الْفَاتِحَة فِي صَلَاة فرض أَو نفل (و) ذَلِك (فِي الْأَوليين) لَا فِي ثَالِثَة الرّبَاعِيّة ورابعتها وَلَا فِي ثَالِثَة الْمغرب وَيسن تَطْوِيل قِرَاءَة الأولى على الثَّانِيَة وَأَن يكون على تَرْتِيب الْمُصحف وَالسورَة أفضل من بعض سُورَة إِن كَانَ قدرهَا أَو أقل فَإِن كَانَ أَكثر فَهُوَ أفضل مِنْهَا على الْمُعْتَمد وَمحل أَفضَلِيَّة السُّورَة على الْبَعْض فِي غير الْمَوَاضِع الَّتِي ورد فِيهَا الْبَعْض كالتروايح فَإِن السّنة فِيهَا الصَّلَاة بِجَمِيعِ الْقُرْآن فيجزئه على اللَّيَالِي بِحَيْثُ يكون آخر الختمة منطبقا على آخر لَيْلَة فِي الشَّهْر وكركعتي الْفجْر فَإِن السّنة فيهمَا قِرَاءَة آيتي الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَلَو كرر سُورَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ حصل أصل سنة الْقِرَاءَة وتكفي فواتح السُّور نَحْو الم وص وق ون (لغير مَأْمُوم سمع) وَلَا سُورَة للْمَأْمُوم فِي الجهرية بل يستمع قِرَاءَة إِمَامه فَإِن لم يسْمعهَا لصمم أَو بعد أَو غَيره قَرَأَ سُورَة فَأكْثر إِلَى أَن يرْكَع الإِمَام إِذْ سُكُوته لَا معنى لَهُ وَأما السّريَّة فَيقْرَأ فِيهَا السُّورَة لعدم سَمَاعه قِرَاءَة إِمَامه مَا لم يكن مَسْبُوقا وَإِلَّا سَقَطت عَنهُ السُّورَة تبعا لسُقُوط الْفَاتِحَة أَو بَعْضهَا وَيسن للصبح طوال الْمفصل وللظهر قريب مِنْهَا وللعصر وَالْعشَاء أوساطه إِن كَانَ مُقيما مُنْفَردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أَو إِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل أما الْمُسَافِر فَإِنَّهُ يقْرَأ فِي صلَاته كلهَا بالكافرون وَالْإِخْلَاص وَأما الْمَأْمُوم فَلَا يسن لَهُ شَيْء من ذَلِك وَأما إِمَام غير المحصورين وَمثله إِمَام المحصورين غير الراضين بالتطويل فَيسنّ لَهُ التَّخْفِيف وللمغرب قصاره وَابْتِدَاء الْمفصل الحجرات وطواله من الحجرات إِلَى عَم وأوساطه من عَم إِلَى الضُّحَى وقصاره من الضُّحَى إِلَى الآخر (وَفِي جُمُعَة وعشائها الْجُمُعَة والمنافقون أَو سبح وَهل أَتَاك وصبحها) فِي الرَّكْعَة الأولى (الم تَنْزِيل) السَّجْدَة تلِي سُورَة لُقْمَان (و) فِي الثَّانِيَة (هَل أَتَى) وَهَذَا عَام فِي إِمَام المحصورين وَغَيره وَمثل ذَلِك ق واقتربت فِي الْعِيدَيْنِ وَالْأَفْضَل أَن يقْرَأ السورتين بكمالهما وَله الِاقْتِصَار على بعض مِنْهُمَا وَلَو آيَة السَّجْدَة وَلَو بِقصد السُّجُود وَإِن لم يضق الْوَقْت على الْمُعْتَمد وَلَو قَرَأَ فِي الأولى من صبح الْجُمُعَة هَل أَتَى وَفِي الثَّانِيَة الم تَنْزِيل وَسجد صَحَّ وَتسن الْمُحَافظَة على السَّجْدَة فِي صبح الْجُمُعَة وَلَا نظر لكَون الْعَامَّة قد تعتقد وُجُوبهَا خلافًا لمن نظر فِي ذَلِك (و) فِي (مغْرِبهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاص) كَمَا تسن هَاتَانِ السورتان للْمُسَافِر فِي صبح الْجُمُعَة وصبح غَيرهَا لَكِن قَالَ الونائي والمعوذتان للْمُسَافِر فِي صبحه أولى اه وَقَالَ المُصَنّف فِي إرشاد الْعباد وَسن قِرَاءَة للمعوذتين فِي مغرب السبت اه وَقَالَ مُحَمَّد الْمصْرِيّ فِي شرح أبي شُجَاع وَالسّنة أَن يبْدَأ السُّورَة بالبسملة لِأَنَّهَا آيَة مِنْهَا وَأَن يَقُول قبل السُّورَة إِن كَانَت من الضُّحَى إِلَى آخر الْقُرْآن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لما نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع رجلا يكبر هَذَا التَّكْبِير فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ أَحْسَنت وأصبت السّنة (و) سنّ للْمُصَلِّي (تَكْبِير فِي كل خفض وَرفع لَا) فِي الرّفْع (من رُكُوع) فَيَقُول فِيهِ سمع الله لمن حَمده (ومده) أَي التَّكْبِير من الْفِعْل الَّذِي انْتقل مِنْهُ إِلَى الْحُصُول فِي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ وَلَو فصل بَينهمَا بجلسة الاسْتِرَاحَة وَهَذِه يُقَال لَهَا أذكار الِانْتِقَالَات وَيسر بهَا كل من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد كأذكار الْأَركان (و) لَكِن لَو توقف الْعلم بانتقالات الإِمَام على جهره بأذكار الِانْتِقَالَات سنّ (جهر بِهِ) أَي بالمذكور (لإِمَام وَكره) أَي الْجَهْر بذلك (لغيره) أَي الإِمَام فَإِن لم يبلغ صَوت الإِمَام جَمِيع الْمَأْمُومين سنّ لبَعْضهِم الْجَهْر بذلك لإسماع الْبَاقِي والمبلغ يجْهر بِمَا يجْهر بِهِ الإِمَام وَمِنْه سمع الله لمن حَمده لِأَنَّهُ من أذكار الِانْتِقَالَات وَيسر بِمَا يسر بِهِ الإِمَام وَمِنْه رَبنَا لَك الْحَمد فِي الِاعْتِدَال لِأَنَّهُ من أذكار الْأَركان وَمُخَالفَة ذَلِك من جهل الْأَئِمَّة والمبلغين (و) خَامِسهَا (رُكُوع) وَأقله فِي حق الْقَائِم المعتدل الْخلقَة أَن ينحني (بانحناء) خَالص لَا انخناس فِيهِ (بِحَيْثُ تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ) يَقِينا إِذا أَرَادَ وضعهما عَلَيْهِمَا وَهُوَ سنة والراحة بطن الْكَفّ غير الْأَصَابِع فَلَا يحصل بانخناس وَلَا بِهِ مَعَ انحناء وَلَو طَالَتْ يَدَاهُ أَو قَصرنَا أَو قطع شَيْء مِنْهُمَا لم يعْتَبر ذَلِك فَإِن عجز عَن ذَلِك إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بِمعين وَلَو باعتماد على شَيْء أَو انحناء على شقَّه لزمَه (وَسن) فِي حق الْقَائِم ليَكُون رُكُوعه أكمل (تَسْوِيَة ظهر وعنق) بِحَيْثُ يصيران كالصفيحة الْوَاحِدَة وَنصب سَاقيه وفخذيه (وَأخذ رُكْبَتَيْهِ) مفرقتين بِقدر شبر (بكفيه) وتفرقة أَصَابِعه تفريقا وسطا لجِهَة الْقبْلَة لِأَنَّهَا أشرف الْجِهَات وَالْعَاجِز ينحني قدر إِمْكَانه فَإِن عجز عَن الانحناء أصلا أَوْمَأ بِرَأْسِهِ ثمَّ بطرفه وَأما الرُّكُوع فِي حق الْقَاعِد فأقله أَن تحاذي جَبهته أَمَام رُكْبَتَيْهِ وأكمله أَن تحاذي مَحل سُجُوده وَمن عجز فعل مقدوره نَظِير مَا تقدم (و) سنّ فِي الرُّكُوع (قَول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم) لِلِاتِّبَاعِ وَتسن زِيَادَة (وَبِحَمْدِهِ) وَيحصل أصل السّنة بِمرَّة والأكمل أَن يَقُولهَا (ثَلَاثًا) وَتكره الزِّيَادَة عَلَيْهَا لإِمَام قوم غير مَحْصُورين أَو كَانُوا غير راضين بالتطويل فَإِن كَانَ مُنْفَردا أَو إِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل فالأكمل أَن يَقُولهَا خمْسا وأكمل مِنْهَا سبعا وأكمل مِنْهَا تسعا وأكمل مِنْهَا إِحْدَى عشرَة وَهِي نِهَايَة الْمَطْلُوب وَيسن لمن ذكر أَن يزِيد على ذَلِك اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين (و) سادسها (اعْتِدَال) وَلَو لنافلة وَيحصل (بِعُود لبدء) أَي لما كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا (وَيسن أَن يَقُول فِي رَفعه) إِلَى الِاعْتِدَال (سمع الله لمن حَمده) أَي تقبل الله مِنْهُ حَمده وَيحصل أصل السّنة بقوله من حمد الله سمع لَهُ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد (و) يسن (بعد انتصاب) أَن يُرْسل يَدَيْهِ وَيَقُول (رَبنَا لَك الْحَمد) أَي رَبنَا استجب لنا وَلَك الْحَمد على هدايتك إيانا وَيسن أَن يزِيد بعد ذَلِك حمدا كَبِيرا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ (ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد) أَي بعدهمَا كالعرش والكرسي وَغَيرهمَا مِمَّا لَا يُعلمهُ غَيره تَعَالَى وَيجوز فِي ملْء رَفعه على الصّفة ونصبه على الْحَال أَي مالئا لَو كَانَ الْحَمد جسما وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد وَمن بِمَعْنى عِنْد وَالْجد بِفَتْح الْجِيم الْغنى لَكِن لَو كَانَ الِاعْتِدَال مَحل قنوت وَأَرَادَ من ذكر أَن يقنت فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْقُنُوتِ بعد قَوْله وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد وَلَا يَأْتِي بباقي الذّكر وَالْمَذْكُور (و) سنّ (قنوت بصبح) أَي فِي اعْتِدَال ركعته الثَّانِيَة بعد إِتْيَانه بِالذكر الرَّاتِب خلافًا لِابْنِ الفركاح فَإِنَّهُ يَقُول لَا يَأْتِي بِالذكر وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا ثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يزل يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا (و) فِي اعْتِدَال الرَّكْعَة الْأَخِيرَة من (وتر نصف أخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 من رَمَضَان و) فِي اعْتِدَال الرَّكْعَة الْأَخِيرَة من (سَائِر مَكْتُوبَة) أَي بَاقِيهَا من الْخمس (لنازلة) نزلت بِالْمُسْلِمين وَلَو وَاحِدًا تعدى نَفعه كأسر الْعَالم والشجاع وَسَوَاء فِيهَا الْخَوْف من نَحْو عَدو وَلَو مُسلمين والقحط وَالْجَرَاد والوباء والطاعون وقنوت النَّازِلَة لَيْسَ من الأبعاض لِأَنَّهُ سنة فِي الصَّلَاة لَا سنة مِنْهَا وَيحصل الْقُنُوت (بِنَحْوِ) اللَّهُمَّ اغْفِر لي يَا غَفُور وارحمني يَا رَحِيم من كل مَا يشْتَمل على دُعَاء وثناء فالدعاء حصل باغفر وَارْحَمْ وَالثنَاء حصل بغفور وَرَحِيم وَمثل ذَلِك آيَة تَتَضَمَّن دُعَاء وثناء كآخر سُورَة الْبَقَرَة بِشَرْط أَن يقْصد بهَا الْقُنُوت وَالْأَفْضَل أَن يَأْتِي بِالْقُنُوتِ الْمَشْهُور وَهُوَ (اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت الخ) أَي الْقُنُوت وتتمته وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت وَلَا يعز من عاديت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت فلك الْحَمد على مَا قضيت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَيسن لمنفرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل أَن يزِيد على ذَلِك الْقُنُوت الْمَرْوِيّ عَن سيدنَا عمر وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله نشكرك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد أَي نسرع نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك الْجد بِكَسْر الْجِيم أَي الْحق بالكفار مُلْحق بِكَسْر الْحَاء أَي لَاحق بهم اللَّهُمَّ عذب الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين أَعدَاء الدّين الَّذين يصدون عَن سَبِيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات الْأَحْيَاء مِنْهُم والأموات اللَّهُمَّ أصلح ذَات بَينهم وَألف بَين قُلُوبهم وَاجعَل فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة وثبتهم على مِلَّة رَسُولك وأوزعهم أَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ وانصرهم على عَدوك وعدوهم إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم ثمَّ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه فَيَقُول وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم بِصِيغَة الْمَاضِي أَو الْأَمر فِي الْفِعْلَيْنِ وَالْأولَى أولى من البليغ الَّذِي يُرَاعِي النكات فَإِن لَفظه لفظ الْخَبَر فَكَأَن الصَّلَاة وَالسَّلَام حصلا من الله بِالْفِعْلِ وَأخْبر عَنْهُمَا وَلَا يُقَال إِن ذَلِك يحصل بِهِ تَطْوِيل الِاعْتِدَال وَهُوَ مُبْطل لأَنا نقُول مَحَله فِي التَّطْوِيل بِغَيْر الْوَارِد على أَن ذَلِك مُقَيّد بِغَيْر الِاعْتِدَال الْأَخير من سَائِر الصَّلَوَات لِأَنَّهُ ورد تطويله فِي الْجُمْلَة وَلَو عجز عَن الْقُنُوت وقف وَقْفَة يسيرَة تسع قنوتا وَلَو قَصِيرا وتسع مَا بعده من الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي وَآله وَصَحبه فَإِن لم تسع ذَلِك سنّ سُجُود السَّهْو على الْأَوْجه والوارد أَن يجمع بَين القنوتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْمَذْكُورين لَكِن لَو اقْتصر على وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا سُجُود (وجهر بِهِ) أَي الْقُنُوت (إِمَام) اسْتِحْبَابا فِي الجهرية والسرية كَأَن قضى صبحا أَو وترا بعد طُلُوع الشَّمْس (وَأمن مَأْمُوم) للدُّعَاء جَهرا إِذا جهر إِمَامه و (سمع) أَي الْمَأْمُوم قنوت الإِمَام وَمن الدُّعَاء الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا طلب من الإِمَام الْجَهْر بِالْقُنُوتِ فِي السّريَّة مَعَ أَنَّهَا لَيست مَحل الْجَهْر لِأَن الْمَقْصُود من الْقُنُوت الدُّعَاء وتأمين الْقَوْم عَلَيْهِ فَطلب الْجَهْر ليسمعوا فيؤمنوا وَلَا يُؤمن الْمَأْمُوم للثناء بل يسن أَن يَقُول ثَنَاء سرا وَهُوَ من فَإنَّك تقضي إِلَى آخِره أَو يستمع لَهُ لِأَنَّهُ ثَنَاء وَذكر لَا يَلِيق بِهِ التَّأْمِين والمشاركة أولى (وَكره لإِمَام تَخْصِيص نَفسه بِدُعَاء) وَإِنَّمَا يسن لَهُ أَن يَأْتِي بضمير الْمُتَكَلّم وَمَعَهُ غَيره بِأَن يَقُول اللَّهُمَّ اهدنا إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يَقُول عَن نَفسه وَعَن الْمَأْمُومين فَلَو خص الإِمَام نَفسه بِالْقُنُوتِ بِأَن لَا يَأْتِي بِلَفْظ الْجمع سنّ للْمَأْمُوم التَّأْمِين لِأَنَّهُ الْوَارِد لَا الْقُنُوت كَمَا قَالَه الشبراملسي وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي الْقُنُوت كَسَائِر الْأَدْعِيَة وَالْأولَى عدم مسح وَجهه بهما (و) سابعها (سُجُود مرَّتَيْنِ) فِي كل رَكْعَة وَإِنَّمَا شرع تكْرَار السُّجُود دون غَيره لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّوَاضُع وَلِأَنَّهُ لما عرج بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء فَمن كَانَ من الْمَلَائِكَة قَائِما سلمُوا عَلَيْهِ قيَاما ثمَّ ركعوا شكرا لله تَعَالَى على رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كَانَ مِنْهُم رَاكِعا رفعوا رؤوسهم من الرُّكُوع وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ سجدوا شكرا لله تَعَالَى على رُؤْيَته وَمن كَانَ مِنْهُم سَاجِدا رفعوا رؤوسهم من السُّجُود وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ سجدوا ثَانِيَة شكرا لله تَعَالَى على رُؤْيَته فَلذَلِك صَار السُّجُود مثنى مثنى فَلم يرد الله أَن يكون للْمَلَائكَة حَال إِلَّا وَجعل لهَذِهِ الْأمة حَالا هُوَ مثل حَالهم وَلِأَن فِي تكْرَار السُّجُود إِشَارَة إِلَى أَنه خلق من الأَرْض وَسَيَعُودُ إِلَيْهَا وَحَقِيقَة السُّجُود شرعا وضع الْأَعْضَاء السَّبْعَة فَوق مَا يصلى عَلَيْهِ من أَرض أَو غَيرهَا والأعضاء السَّبْعَة هِيَ الْجَبْهَة وَالرُّكْبَتَانِ وباطن الْيَدَيْنِ وبطون أَصَابِع الرجلَيْن وَيَكْفِي وضع بعض كل عُضْو من ذَلِك وشروطه سِتَّة أَن لَا يقْصد بِهِ غَيره فَقَط وَهَذَا الشَّرْط عَام فِي جَمِيع الْأَركان ويعبر عَنهُ بِعَدَمِ الصَّارِف وَأَن تَسْتَقِر أعضاؤه السَّبْعَة كلهَا فِي آن وَاحِد فَلَو وضع بَعْضهَا ثمَّ رَفعه وَوضع الْبَعْض الآخر لم يكف وَأَن يكون السُّجُود (على غير مَحْمُول وَإِن تحرّك) أَي ذَلِك الْغَيْر (بحركته) فَلَا يَصح السُّجُود على طرف كمه الطَّوِيل إِن تحرّك بحركته لِأَنَّهُ مَحْمُول لَهُ بِخِلَاف مَا إِذا لم يَتَحَرَّك بحركته فَإِنَّهُ كالمنفصل وَبِخِلَاف مَا لَو سجد على نَحْو سَرِير يَتَحَرَّك بحركته فَيصح لِأَنَّهُ غير مَحْمُول لَهُ وَالْمرَاد بالمحمول مُتَّصِل بِهِ يَتَحَرَّك بحركته وَخرج بذلك مَا هُوَ فِي حكم الْمُنْفَصِل عَنهُ عرفا كعود أَو منديل بِيَدِهِ فَلَا يضر السُّجُود عَلَيْهِ ويضر السُّجُود على عمَامَته أَو عرقيته أَو نَحْوهمَا وَلَو كَانَ بِمحل سُجُوده تُرَاب أَو ورقة أَو نَحْو ذَلِك فالتصق بجبهته وَصَارَ حَائِلا فَلَا يَصح السُّجُود الثَّانِي حَتَّى ينحيه وَلَو صلى قَاعِدا وَسجد على مُتَّصِل بِهِ لَا يَتَحَرَّك بحركته إِلَّا إِذا صلى قَائِما لم يجزه السُّجُود عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهُ كَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قَالَه الرَّمْلِيّ تبعا لوالده خلافًا لِابْنِ حجر وَشَيخ الْإِسْلَام فِي فَتَاوِيهِ كَذَا قَالَه الشبراملسي وَأَن يكون السُّجُود (مَعَ تنكيس) وَهُوَ رفع أسافل الْبدن على أعاليه فَلَو انعكس أَو تَسَاويا لم يجزه قطعا فِي الانعكاس وعَلى الْأَصَح فِي الْمُسَاوَاة نعم لَو كَانَ فِي سفينة وَلم يتَمَكَّن من ارْتِفَاع ذَلِك لميلها أَو غَيره كزحمة صلى على حسب حَاله وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْإِعَادَة لندرته هَذَا إِذا ضَاقَ الْوَقْت أَو لم يضق وَلَكِن لم يرج التَّمَكُّن من السُّجُود على الْوَجْه المجزىء قبل خُرُوج الْوَقْت فَإِن رجا ذَلِك وَجب التَّأْخِير إِلَى التَّمَكُّن أَو إِلَى ضيق الْوَقْت وَلَو أكب على وَجهه وَمد رجلَيْهِ لم يجز جزما كَمَا لَو ارْتَفَعت الأعالي نعم لَو كَانَ بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ السُّجُود مَعهَا إِلَّا كَذَلِك بِأَن يكون فِيهِ مشقة شَدِيدَة أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن شفي بعد ذَلِك وَأَن يكون السُّجُود (بِوَضْع بعض جَبهته بكشف) للجبهة إِن سهل الْكَشْف بِحَيْثُ لَا يَنَالهُ بِهِ مشقة لَا تحْتَمل عَادَة فَلَو كَانَ بجبهته جرح أَو نَحوه وَعَلِيهِ عِصَابَة وشق عَلَيْهِ نَزعهَا صَحَّ السُّجُود عَلَيْهَا وَلَا تلْزمهُ الْإِعَادَة (و) أَن يكون السُّجُود مَعَ (تحامل) على الْجَبْهَة بِحَيْثُ لَو كَانَ تحتهَا قطن أَو حشيش لانكبس وَظهر أَثَره فِي الْيَد لَو فرضت تَحْتَهُ وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي بَقِيَّة الْأَعْضَاء السَّبْعَة (و) كَمَا يجب السُّجُود على بعض جَبهته يجب على بعض (رُكْبَتَيْهِ و) بعض (بطن كفيه) من الرَّاحَة وبطون الْأَصَابِع دون مَا عداهما (و) بعض بطن (أَصَابِع قَدَمَيْهِ) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم على الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ (وَسن وضع أنف) مكشوفا مَعَ الْجَبْهَة وأكمل السُّجُود أَن يكبر لهويه بِلَا رفع يَدَيْهِ وَيَضَع رُكْبَتَيْهِ وقدميه ثمَّ كفيه ثمَّ جَبهته وَأَنْفه مَعًا وَيكرهُ مُخَالفَة التَّرْتِيب الْمَذْكُور وَعدم وضع الْأنف لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم على الْجَبْهَة وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنفه وَمن الهيئات أَن يفرق رُكْبَتَيْهِ قدر شبر وَيَضَع كفيه مكشوفتين حَذْو مَنْكِبَيْه ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة وَأَن يفرق قَدَمَيْهِ ويبرزهما من ذيله وَأَن يُجَافِي الرجل فِي السُّجُود وَفِي الرُّكُوع بِأَن يرفع بَطْنه عَن فَخذيهِ ومرفقيه عَن جَنْبَيْهِ وَأما الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى فيضم كل مِنْهُمَا بعضه إِلَى بعض فيهمَا لِأَن الضَّم أستر لَهما (و) سنّ فِي السُّجُود (قَول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) وَتسن زِيَادَة (وَبِحَمْدِهِ) وَيحصل أصل السّنة بِمرَّة والأكمل أَن يَقُولهَا (ثَلَاثًا) وَالْأَفْضَل لمنفرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل أَن يَقُولهَا خمْسا فسبعا فتسعا فإحدى عشرَة وَهِي غَايَة الْكَمَال كَمَا تقدم وَيزِيد من ذكر اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ وَيزِيد من ذكر أَيْضا سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح وَيَنْبَغِي الْإِكْثَار من الدُّعَاء فِي السُّجُود بعد ذَلِك لحَدِيث أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء أَي فِي سُجُودكُمْ وَمن الْمَأْثُور فِي السُّجُود اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي كُله دقه وجله أَوله وَآخره وعلانيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وسره اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عُقُوبَتك وَأَعُوذ بك مِنْك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك وَمعنى أعوذ بك مِنْك أستعين بك على دفع غضبك وَيَأْتِي الْمَأْمُوم بِمَا يُمكنهُ من غير تخلف بِقدر ركن (و) ثامنها (جُلُوس بَينهمَا) أَي السَّجْدَتَيْنِ وَلَو فِي نفل (وَلَا يطوله) أَي ذَلِك الْجُلُوس (وَلَا اعتدالا) لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ليسَا مقصودين لذاتهما بل للفصل وَهَذَا معنى الْمُوَالَاة الَّتِي جرى الْخلاف فِي كَونهَا ركنا أَو شرطا وَتَطْوِيل الِاعْتِدَال يحصل بِأَن يطوله زِيَادَة عَن الذّكر الْمَشْرُوع فِيهِ قدر الْفَاتِحَة وَهَذَا فِي غير اعْتِدَال الرَّكْعَة الْأَخِيرَة من سَائِر الصَّلَوَات أما هُوَ فَلَا يضر تطويله لِأَنَّهُ ورد تطويله فِي الْجُمْلَة بِالْقُنُوتِ فِيهِ فِي أَوْقَات النَّازِلَة كَمَا تقدم وَتَطْوِيل الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ يحصل بِأَن يطوله زِيَادَة عَن الذّكر الْمَشْرُوع فِيهِ بِقدر الْوَاجِب فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَسَيَأْتِي بَيَانه قَرِيبا وَسَيَأْتِي بَيَان الذّكر الْمَشْرُوع فِيهِ وَأما الذّكر الْمَشْرُوع فِي الِاعْتِدَال فقد تقدم (وَسن فِيهِ) أَي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ (و) فِي (تشهد أول) وَفِي بَاقِي الجلسات غير الْجُلُوس الْأَخير فَإِنَّهُ على تَفْصِيل يَأْتِي (افتراش) بِأَن يضع رجله الْيُسْرَى بِحَيْثُ يَلِي ظهرهَا الأَرْض وَيجْلس على كعبها وَينصب رجله الْيُمْنَى وَيجْعَل أَطْرَاف أَصَابِعه مِنْهَا للْقبْلَة (وَاضِعا كفيه) على فَخذيهِ (قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ) بِحَيْثُ تسامت رؤوسهما الرّكْبَة لِلِاتِّبَاعِ ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود (قَائِلا رب اغْفِر لي إِلَى آخِره) تتمته وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وَعَافنِي رب هَب لي قلبا تقيا نقيا من الشّرك بريا لَا كَافِرًا وَلَا شقيا وَلم أر تَخْصِيص هَذَا الدُّعَاء بالمنفرد كَذَا فِي نِهَايَة الأمل وَقَالَ الرَّمْلِيّ وَفِي تَحْرِير الْجِرْجَانِيّ يَقُول رب اغْفِر وَارْحَمْ وَتجَاوز عَمَّا تعلم إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم ثمَّ قَالَ الشبراملسي هَذَا زِيَادَة على مَا تقدم وَلَا فرق بَين تَقْدِيمه على قَول رب هَب لي قلبا إِلَى آخِره وَبَين تَأْخِيره عَنهُ أَي وكل مِنْهُمَا مُؤخر عَن قَوْله واعف عني (و) من سنَن الهيئات (جلْسَة استراحة) بِقدر الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ (لقِيَام) بعد سُجُود لغير تِلَاوَة وَتسن فِي مَحل التَّشَهُّد الأول عِنْد تَركه وَفِي غير الْعَاشِرَة لمن صلى عشر رَكْعَات مثلا بتشهد وَلَا تسن للقاعد وَيكرهُ تطويلها على الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَلَا تبطل بِهِ الصَّلَاة على الْمُعْتَمد وَيَأْتِي بهَا الْمَأْمُوم ندبا وَإِن تَركهَا الإِمَام وَلَا يعد من فحش الْمُخَالفَة لِأَن الشَّأْن أَنَّهَا يسيرَة وَهِي فاصلة بَين الرَّكْعَتَيْنِ وَيسن أَن يمد التَّكْبِير من رَفعه من السُّجُود إِلَى قِيَامه لَا أَنه يكبر تكبيرتين وَذَلِكَ بِشَرْط أَن لَا يزِيد على سبع ألفات وَإِلَّا بطلت صلَاته إِن علم وتعمد وَمن سنَن الهيئات اعْتِمَاد على الأَرْض بِبَطن كفيه وأصابعه مبسوطة على الأَرْض عِنْد قِيَامه من جُلُوسه أَو سُجُوده وَهُوَ كَهَيئَةِ الْعَاجِز وَلَو كَانَ قَوِيا (و) تاسعها (طمأنينة فِي كل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 من الْأَركان الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ الرُّكُوع والاعتدال والسجودان وَالْجُلُوس بَينهمَا وَلَو فِي نفل وَهِي سُكُون الْأَعْضَاء بعد حركتها من هوي من الرُّكُوع وَالسُّجُود وَمن نهوض إِلَى الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بِحَيْثُ يسْتَقرّ كل عُضْو مَحَله بِمِقْدَار التلفط بسبحان الله (و) عَاشرهَا (تشهد أخير) وَهُوَ مَا يعقبه سَلام (وَأقله التَّحِيَّات لله إِلَى آخِره) تتمته سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَهَذَا الْأَقَل هُوَ الْمَعْدُود من الأبعاض فِي التَّشَهُّد الأول والمعدود من الْأَركان فِي الْجُلُوس الَّذِي يعقبه سَلام وَتجب مُرَاعَاة حُرُوفه فَلَو أبدل حرفا مِنْهُ بآخر لم يَصح وَمثل ذَلِك لحن يُغير الْمَعْنى وَتجب مُرَاعَاة تشديداته فَلَو خفف مشددا لم يَصح نعم فِي النَّبِي لُغَتَانِ التَّشْدِيد والهمز فَيجوز كل مِنْهُمَا وَلَو أظهر النُّون المدغمة فِي أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَو التَّنْوِين المدغم فِي مُحَمَّدًا رَسُول الله لم يضر على الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ لم يسْقط حرفا وَإِنَّمَا أظهر المدغم على أَن البزي خير بَين الْإِدْغَام والإظهار فِي النُّون والتنوين مَعَ اللَّام وَالرَّاء وَتجب موالاته بِأَن لَا يفصل بَين كَلِمَاته بغَيْرهَا وَلَو من ذكر أَو قُرْآن نعم يغْتَفر وَحده لَا شريك لَهُ بعد إِلَّا الله لِأَنَّهَا وَردت فِي رِوَايَة وَمثل ذَلِك الْكَلِمَات الْوَارِدَة فِي أكمل التَّشَهُّد الْآتِي بَيَانه الَّتِي تذكر فِي خلال الْوَاجِب وَلَا يضر زِيَادَة يَا الندائية قبل أَيهَا وَلَا زِيَادَة مِيم فِي عَلَيْك وَلَا يجب ترتيبه نعم إِن كَانَ عدم التَّرْتِيب يخل بِالْمَعْنَى ضرّ وَتبطل بِهِ الصَّلَاة مَعَ الْعمد وَالْحَاصِل أَنه يشْتَرط فِي التَّشَهُّد إسماع النَّفس وَعدم الصَّارِف والموالاة ومراعاة الْحُرُوف والكلمات والتشديدات كالفاتحة وَالتَّرْتِيب إِن حصل بِعَدَمِهِ إخلال بِالْمَعْنَى وَأَن يكون بِالْعَرَبِيَّةِ للقادر عَلَيْهَا وَلَو بالتعلم وقراءته قَاعِدا إِلَّا لعذر وأكمل التَّشَهُّد التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله (و) الْحَادِي عشر (صَلَاة على النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعده) أَي التَّشَهُّد فِي الْجُلُوس الَّذِي يعقبه سَلام وَلَا تشْتَرط الْمُوَالَاة بَينهَا وَبَين التَّشَهُّد بل لَو فصل بَينهمَا بِذكر أَو دُعَاء جَازَ (وأقلها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَسن فِي) تشهد (أخير صَلَاة على آله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تسن فِي الأول لبنائه على التَّخْفِيف وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمُنْفَرد وَالْإِمَام وَلَو لمحصورين رَضوا بالتطويل خلافًا للْأَذْرَعِيّ وَأَقل الصَّلَاة على النَّبِي وَآله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله والأكمل أَن يَقُول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَالْأَفْضَل الْإِتْيَان بِلَفْظ السِّيَادَة وَآل مُحَمَّد كل مُؤمن كَمَا هُوَ أحسن فِي مقَام الدُّعَاء فقد ورد إِذا دعوتم فعمموا وَآل إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وأولادهما بِلَا وَاسِطَة أَو ذريتهما الْمُؤْمِنُونَ مُطلقًا (و) من سنَن الهيئات (دُعَاء) عقب التَّشَهُّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَمَا بعده من الصَّلَاة على النَّبِي وَآله بِمَا شَاءَ من دُعَاء دُنْيَوِيّ وأخروي والمأثور أفضل وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر وَمن عَذَاب النَّار وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال هَذَا متأكد وأوجبه قوم وَيَنْبَغِي أَن يخْتم بِهِ دعاءه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واجعلهن آخر مَا تَقول وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمعزم وَمِنْه اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَمِنْه اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كَبِيرا كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم وَالْأَفْضَل للْإِمَام أَن لَا يبلغ بِالدُّعَاءِ قدر التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَفْضَل لَهُ كَون الدُّعَاء أقل من قدر مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهُمَا فَإِن أطالهما أطاله وَإِن خففهما خففه لِأَنَّهُ تبع لَهما وَأما غَيره فيطيل مَا شَاءَ مَا لم يخف وُقُوعه فِي سَهْو قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم فَإِن لم يزدْ على ذَلِك كرهته أَي إِذا اقْتصر الْمُصَلِّي على التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَأْتِ بعدهمَا بِشَيْء كَانَ ذَلِك الِاقْتِصَار مَكْرُوها (و) الثَّانِي عشر (قعُود لَهما) أَي التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي فالتشهد وقعوده إِن عقبهما سَلام فهما ركنان وَإِلَّا فسنتان (وَسن تورك فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْقعُود مَا لم يطْلب مِنْهُ سُجُود السَّهْو وَمَا لم يرد الْإِتْيَان بِهِ أَو مَا لم يُطلق أما من طلب مِنْهُ سُجُود السَّهْو بِأَن فعل مَا يَقْتَضِيهِ وَأَرَادَ السُّجُود أَو أطلق فَإِنَّهُ يفترش فَعلم أَنه يتورك عِنْد إِرَادَة تَركه فَلَو عَن لَهُ إِرَادَة السُّجُود افترش وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى انحناء يصل بِهِ إِلَى رُكُوع الْقَاعِد لتولده من مَأْمُور بِهِ كَذَا قَالَ الشبراملسي وَالْحَاصِل أَن جلسات الصَّلَاة سبع يفترش فِي سِتّ مِنْهَا وَهِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وجلوس الاسْتِرَاحَة وجلوس الْمَسْبُوق وجلوس التَّشَهُّد الأول وجلوس الْمُصَلِّي قَاعِدا للْقِرَاءَة وجلوس التَّشَهُّد الْأَخير لمن أَرَادَ سُجُود السَّهْو أَو أطلق وَمثلهَا الْجُلُوس لسجود التِّلَاوَة وَالشُّكْر قبل السُّجُود ويتورك فِي وَاحِدَة وَهِي الْجُلُوس للتَّشَهُّد الْأَخير إِذا لم يطْلب مِنْهُ سُجُود السَّهْو أَو أَرَادَ تَركه وَمثله الْجُلُوس للسلام بعد سَجْدَة التِّلَاوَة أَو الشُّكْر وَالضَّابِط أَن كل جُلُوس يعقبه حَرَكَة من سُجُود أَو قيام يسن فِيهِ الافتراش وكل جُلُوس يعقبه سَلام يسن فِيهِ التورك وَهُوَ كالافتراش لَكِن يخرج يسراه من جِهَة يمناه ويلصق ألييه بِالْأَرْضِ وَعلم من كَون الافتراش والتورك من سنَن الهيئات أَنه لَو قعد كَيفَ شَاءَ جَازَ لكنه خلاف السّنة (و) سنّ (وضع يَدَيْهِ) أَي كفيه (فِي تشهديه) وَمَا مَعَهُمَا (على طرف رُكْبَتَيْهِ) بِحَيْثُ تسامت رؤوسهما الرّكْبَة مَعَ ضم الْأَصَابِع كلهَا حَتَّى الْإِبْهَام فَلَا يفرجها خلافًا للرافعي وَالْمَاوَرْدِيّ وَمَعَ نشرها فِي جِهَة الْقبْلَة فَلَا يقبضهَا وَهَذِه الْهَيْئَة فِي جَمِيع الجلسات غير جُلُوس التَّشَهُّد الأول والأخير فَإِن الْمُصَلِّي يطْلب أَن يكون فيهمَا (ناشرا أَصَابِع يسراه) فَقَط (وقابضا يمناه) بعد وَضعهَا منشورة الْأَصَابِع على فَخذه الْيُمْنَى (إِلَّا المسبحة) فَإِنَّهُ يُشِير بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 (و) سنّ (رَفعهَا) مَعَ إمالتها لجِهَة الْقبْلَة قَلِيلا فِي حَالَة الرافع (عِنْد) قَوْله (إِلَّا الله) بِأَن يبتدىء بِالرَّفْع عِنْد همزَة إِلَّا الله (و) سنّ (إدامته) أَي الرّفْع إِلَى الْقيام من التَّشَهُّد الأول وَإِلَى تَمام التسليمتين فِي الْأَخير كَمَا مَال إِلَيْهِ الشبراملسي ويقصد بذلك الرّفْع أَن المعبود وَاحِد فَيجمع فِي توحيده بَين اعْتِقَاده وَقَوله وَفعله وَعلم من عد وضع الْكَفَّيْنِ على الْفَخْذ من السّنَن فِي جَمِيع جلسات الصَّلَاة أَنه لَو لم يضعهما على الفخذين فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بل أدام وضعهما على الأَرْض إِلَى السُّجُود الثَّانِي لَا يضر خلافًا لمن وهم فِي ذَلِك (و) سنّ (نظر إِلَيْهَا) أَي المسبحة وَلَو مستورة ويديم النّظر إِلَيْهَا مَا دَامَت مُرْتَفعَة وَإِلَّا ندب نظر مَحل السُّجُود وَلَو قطعت سبابته لَا ينظر إِلَى موضعهَا بل إِلَى مَوضِع سُجُوده (و) الثَّالِث عشر (تَسْلِيمَة أولى وأقلها السَّلَام عَلَيْكُم) ويجزىء عَلَيْكُم السَّلَام مَعَ الْكَرَاهَة (وَسن ثَانِيَة) وَإِن اقْتصر إِمَامه على وَاحِدَة وَقد يحرم الثَّانِيَة مَعَ صِحَة الصَّلَاة عِنْد عرُوض منَاف للصَّلَاة عقب الأولى كحدث وتحويل صَدره عَن الْقبْلَة وَخُرُوج وَقت جُمُعَة وتخرق خف وَنِيَّة إِقَامَة وانكشاف عَورَة انكشافا مُبْطلًا للصَّلَاة وَسُقُوط نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَإِن لم تكن جُزْءا من الصَّلَاة هِيَ من توابعها ومكملاتها (و) سنّ أَن يقرن كلا من التسليمتين (برحمة الله) وَلَا تسن زِيَادَة وَبَرَكَاته على الْمُعْتَمد وشروط التسليمة أحد عشر تَعْرِيفهَا بأل وكاف الْخطاب وَمِيم الْجمع وإسماع نَفسه وتوالي كلمتيها وَعدم قصد الْإِعْلَام وَحده وَأَن تكون من قعُود وَأَن يكون مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَأَن يَأْتِي بهَا بِالْعَرَبِيَّةِ إِذا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا وَأَن لَا يزِيد فِيهَا زِيَادَة تغير الْمَعْنى كَأَن قَالَ السَّلَام وَعَلَيْكُم بِخِلَاف مَا لَو قَالَ السَّلَام التَّام عَلَيْكُم فَإِنَّهُ لَا يضر وَأَن لَا ينقص مِنْهَا مَا يُغير الْمَعْنى فَلَو اخْتَلَّ شَرط مِنْهَا كَانَت غير مُعْتَبرَة بل إِذا تحلل بِغَيْر الْوَارِد وخاطب وتعمد بطلت صلَاته وَالْحكمَة فِي السَّلَام أَن الْمُصَلِّي كَانَ مَشْغُولًا عَن النَّاس وَقد أقبل عَلَيْهِم (و) سنّ (الْتِفَات فيهمَا) أَي التسليمتين يلْتَفت فِي الأولى يَمِينا حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْمن لمن وَرَاءه نَاوِيا السَّلَام على من عَن يَمِينه من مَلَائِكَة ومؤمني إنس وجن ويلتفت فِي الثَّانِيَة يسارا حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْسَر لمن وَرَاءه نَاوِيا السَّلَام على من عَن يسَاره كَذَلِك وينويه على من خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأولَى أولى وَيَنْوِي الْمَأْمُوم الِابْتِدَاء على من لم يسلم عَلَيْهِ من إِمَام ومأموم وَغَيرهمَا وَالرَّدّ على من سلم عَلَيْهِ وَأما الإِمَام فَإِذا تَأَخّر تَسْلِيم الْمَأْمُومين عَن تسليمتيه فَإِنَّهُ يَنْوِي الِابْتِدَاء بِكُل من التسليمتين وَإِلَّا نوى الرَّد على من سلم وَيسن للْمَأْمُوم أَن لَا يسلم إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من تسليمتيه وَلَو قارنه جَازَ كَبَقِيَّة الْأَركان لَكِنَّهَا مَكْرُوهَة مفوتة لثواب الْجَمَاعَة فِيمَا قَارن فِيهِ فَقَط تَنْبِيه مُقَارنَة الْمَأْمُوم للْإِمَام إِمَّا حرَام ومبطلة وَهِي الْمُقَارنَة فِي التَّحَرُّم وَإِمَّا مَكْرُوهَة وَهِي الْمُقَارنَة فِي السَّلَام وَفِي الْأَفْعَال وَإِمَّا سنة وَهِي الْمُقَارنَة فِي التَّأْمِين وَإِمَّا وَاجِبَة وَذَلِكَ فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة حَيْثُ علم أَنه لَا يتَمَكَّن من قرَاءَتهَا بعد قِرَاءَة الإِمَام وَهِي مُبَاحَة فِيمَا عدا ذَلِك وَلَو سلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الأولى عَن يسَاره وَالثَّانيَِة عَن يَمِينه أَو جَعلهمَا مَعًا عَن يَمِينه أَو عَن يسَاره جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو أَرَادَ الِاقْتِصَار على وَاحِدَة أَتَى بهَا قبل وَجهه فَلَو الْتفت فِيهَا يَمِينا أَو يسارا كَانَ خلاف الْمَطْلُوب وَحَيْثُ نوى الْمُصَلِّي بِالسَّلَامِ الِابْتِدَاء لَا يجب الرَّد على أحد وَلَو سَمِعُوهُ وَعَلمُوا بنيته فروع الْمُوَالَاة وَهِي عدم تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَعدم طول الْفَصْل بعد سَلَامه نَاسِيا وَعدم طول الْفَصْل أَو عدم مُضِيّ ركن بعد شكه فِي نِيَّة صلَاته لَا ركن على الْمُعْتَمد وَنِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة سنة على الْمُعْتَمد وَلَا بُد أَن تكون مُقَارنَة للسلام الأول فَإِن تقدّمت عَلَيْهِ بطلت بهَا الصَّلَاة وَإِن تَأَخَّرت عَنهُ فَاتَت السّنيَّة وَتَعْيِين غير صلَاته لِلْخُرُوجِ عمدا مُبْطل للصَّلَاة وَسن أَن يبتدىء السَّلَام مُسْتَقْبلا للْقبْلَة بِوَجْهِهِ ثمَّ يلْتَفت كَمَا تقدم ويتمه بِتمَام الِالْتِفَات وَالذكر إِذا نابه شَيْء فِي الصَّلَاة سبح أَي قَالَ سُبْحَانَ الله وَغَيره من امْرَأَة وَخُنْثَى إِذا نابه شَيْء فِي الصَّلَاة صفق وَالْأولَى أَن يكون بِضَرْب بطن الْيُمْنَى على ظهر الْيَسَار (و) الرَّابِع عشر (تَرْتِيب) أَرْكَانهَا على الْوَجْه الْمُتَقَدّم الْمُشْتَمل على كَون النِّيَّة مُقَارنَة لتكبيرة الْإِحْرَام وهما مَعَ الْقِرَاءَة فِي الْقيام وَكَون التَّشَهُّد الْأَخير وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتسليمة الأولى فِي الْقعُود فالترتيب مُرَاد فِيمَا عدا ذَلِك وَأَنت خَبِير بِأَن مَحل عدم التَّرْتِيب فِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مَعَ جلوسها وَأما هِيَ نَفسهَا فالترتيب بَينهَا حَاصِل وَكَذَا مَحل عدم التَّرْتِيب فِي الْقِرَاءَة إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للْقِيَام وَأما بِالنِّسْبَةِ للتكبير المقرون بِالنِّيَّةِ فالترتيب حَاصِل وَتَقْدِيم الانتصاب على ابْتِدَاء تَكْبِيرَة الْإِحْرَام واستحضار النِّيَّة مَعَ التَّكْبِير شَرط لَهَا لَا ركن وَخرج بالأركان السّنَن فالترتيب فِيهَا كالفاتحة وَالسورَة وَالتَّشَهُّد وَالدُّعَاء لَيْسَ بِرُكْن فِي الصَّلَاة وَإِنَّمَا هُوَ شَرط للاعتداد بسنيتها فَإِن ترك تَرْتِيب الْأَركان عمدا كَأَن قدم ركنا فعليا كَأَن سجد قبل رُكُوعه أَو ركع قبل قِرَاءَته بطلت صلَاته لكَونه متلاعبا وَمثل ذَلِك مَا إِذا قدم ركنا قوليا يضر نَقله كسلامه قبل تشهده فَإِنَّهُ قدم ركنا قوليا غير سَلام كتشهد على سُجُود أَو قوليا على قولي كَالصَّلَاةِ على النَّبِي على التَّشَهُّد لم تبطل لَكِن لَا يعْتد بِمَا قدمه بل عَلَيْهِ إِعَادَته فِي مَحَله (وَلَو مِنْهَا غير مَأْمُوم) أَي ترك التَّرْتِيب سَهوا (بترك ركن) فَمَا فعله بعد الْمَتْرُوك لَغْو لوُقُوعه فِي غير مَحَله فَإِن تذكر الْمَتْرُوك قبل بُلُوغ فعل مثله من رَكْعَة أُخْرَى فعله بعد تذكره فَوْرًا وجوبا فَإِن تَأَخّر بطلت صلَاته وَإِن قل التَّأَخُّر (أَو شكّ) غير مَأْمُوم فِي ركن هَل فعله أم لَا كَأَن شكّ فِي رُكُوعه هَل قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو فِي سُجُوده هَل ركع أم لَا (أَتَى بِهِ) أَي بذلك الرُّكْن حَالا فَإِن مكث قَلِيلا ليتذكر بطلت صلَاته بِخِلَاف مَا لَو شكّ فِي قِيَامه فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَسكت ليتذكر فَلَا تبطل وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو تذكر فِي سُجُوده أَو شكّ أَنه ترك الرُّكُوع فَإِنَّهُ يرجع إِلَى الْقيام ليركع مِنْهُ وَلَا يَكْفِيهِ أَن يقوم رَاكِعا لِأَن الانحناء غير مُعْتَد بِهِ لِأَنَّهُ قد صرف الْهَوِي للسُّجُود وَفِي هَذِه الصُّورَة زِيَادَة على الْمَتْرُوك قَالَ الشبراملسي وَمَعَ وجوب الرُّجُوع إِلَى الْقيام لَا يجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 عَلَيْهِ الرُّكُوع فَوْرًا وَمثله مَا لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة ثمَّ هوى ليسجد فَتذكر ترك الرُّكُوع فَعَاد للْقِيَام فَلَا يجب الرُّكُوع فَوْرًا لِأَنَّهُ بتذكره عَاد لما كَانَ فِيهِ وَلَو شكّ غير مَأْمُوم بعد تَمام رُكُوعه فِي الْفَاتِحَة فَعَاد للْقِيَام ثمَّ تذكر أَنه قَرَأَ فيحسب لَهُ انتصابه عَن الِاعْتِدَال لِأَنَّهُ لم يصرف الرُّكْن لأَجْنَبِيّ عَنهُ فَإِن الْقيام وَاحِد وَإِنَّمَا ظن صفة أُخْرَى لم تُوجد فَلم ينظر لظَنّه بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَة الرُّكُوع فَإِنَّهُ بِقَصْدِهِ السُّجُود لم يتَضَمَّن ذَلِك قصد الرُّكُوع لِأَن الِانْتِقَال إِلَى السُّجُود لَا يستلزمه وَبِذَلِك يعلم أَنه لَو شكّ قَائِما فِي رُكُوعه فَرَكَعَ ثمَّ بَان أَنه سَهَا عَن اعتداله لم يلْزمه الْعود للْقِيَام بل لَهُ الْهوى من رُكُوعه لِأَن هوي الرُّكُوع بعض هوى السُّجُود فَلم يقْصد أَصْلِيًّا أما الْمَأْمُوم لَو علم فِي رُكُوعه أَنه ترك الْفَاتِحَة أَو شكّ لم يعد إِلَيْهَا بل يُصَلِّي رَكْعَة بعد سَلام الإِمَام وعَلى هَذَا لَو كَانَ الشاك إِمَامًا فَعَاد بعد رُكُوع الْمَأْمُومين مَعَه أَو سجودهم فينتظرون فِي الرُّكْن الَّذِي عَاد مِنْهُ الإِمَام حملا لَهُ على أَنه عَاد سَاهِيا لَكِن يَنْبَغِي إِذا عَاد وَالْمَأْمُوم فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ أَن يسْجد وينتظره فِي السُّجُود حذرا من تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَذَلِكَ (إِن كَانَ) فِي حَال التَّذَكُّر أَو الشَّك (قبل فعل مثله) أَي الرُّكْن الْمَتْرُوك أَو الْمَشْكُوك فِيهِ (وَإِلَّا) بِأَن لم يتَذَكَّر أَو بِأَن دَامَ الشَّك حَتَّى بلغ فعل مثله (أَجزَأَهُ) أَي قَامَ ذَلِك الْمثل مقَام ذَلِك الرُّكْن وَلَو كَانَ الْمثل مَنْدُوبًا لوُقُوعه عَن متروكه وَلَو كَانَ الْمثل لمحض الْمُتَابَعَة كَمَا لَو أحرم مُنْفَردا وَصلى رَكْعَة وَنسي مِنْهَا سَجْدَة ثمَّ قَامَ فَوجدَ مُصَليا فِي السُّجُود أَو الِاعْتِدَال فاقتدى بِهِ وَسجد مَعَه للمتابعة فيجزئه ذَلِك وتكمل بِهِ ركعته كَمَا نقل عَن الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ وَاعْتَمدهُ الشهَاب الرَّشِيدِيّ (وتدارك) الْبَاقِي من صلَاته لإلغاء مَا بَينهمَا نعم إِن لم يكن الْمثل من الصَّلَاة كسجود تِلَاوَة أَو سُجُود سَهْو لم يجزه لعدم شُمُول نِيَّة الصَّلَاة لذَلِك بِخِلَاف جلْسَة الاسْتِرَاحَة فَإِنَّهَا جُزْء من الصَّلَاة وَمحل إِجْزَاء الْمثل إِن عرف عين الْمَتْرُوك وَمحله وَإِلَّا أَخذ بالمتيقن فَمَا تَيَقّن فعله حسب لَهُ وَمَا لم يتيقنه فلغو وأتى بِالْبَاقِي وَيسْجد للسَّهْو فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَمحل الْأَخْذ بالمتيقن وَالْبناء على مَا فعله مَا لم يُوجب الشَّك استئنافها فَإِن أوجبه كشكه فِي النِّيَّة أَو تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَلَا يَأْتِي بِالْبَاقِي لِأَنَّهُ قد بطلت صلَاته إِن طَال زمن الشَّك وَهُوَ بِقدر سُبْحَانَ الله أَو مضى ركن كَمَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ وَابْن قَاسم والشبراملسي خلافًا لِابْنِ حجر فَإِنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاط طول وَمضى ركن وَلَو كَانَ الْمَتْرُوك أَو الْمَشْكُوك فِيهِ السَّلَام وتذكره قبل طول الْفَصْل أَتَى بِهِ وَكَذَا بعد طوله حَيْثُ لم يَأْتِ بِمَا يبطل الصَّلَاة كَفعل كثير وَإِن تذكر ذَلِك الرُّكْن الْمَتْرُوك بعد السَّلَام وَالزَّمَان قريب وَلم يطَأ نَجَاسَة وَلم يتَكَلَّم كثيرا وَلم يفعل مَا يبطل عمده وسهوه كالفعل الْكثير أَتَى بِهِ وجوبا وَبنى عَلَيْهِ بَقِيَّة الصَّلَاة وَإِن تكلم قَلِيلا واستدبر الْقبْلَة وَخرج من الْمَسْجِد بِدُونِ أَفعَال كَثِيرَة وَيسن لَهُ سُجُود السَّهْو فِي الْجَمِيع فَإِن طَال الزَّمَان أَو حصل مِنْهُ مَا لَا يعْذر فِيهِ كَوَطْء النَّجَاسَة اسْتَأْنف الصَّلَاة والمرجع فِي طول الزَّمن وقصره الْعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فرع (سنّ دُخُول صَلَاة بنشاط) لِأَن الله ذمّ تَارِك ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَإِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى} 4 النِّسَاء الْآيَة 142 والكسل الفتور عَن الشَّيْء والتواني فِيهِ وَهُوَ ضد النشاط (وفراغ قلب) عَن الشواغل الدُّنْيَوِيَّة لِأَن ذَلِك أدعى لتَحْصِيل الْغَرَض فَإِذا كَانَت صلَاته كَذَلِك انْفَتح لَهُ فِيهَا من المعارف مَا يقصر عَنهُ فهم كل عَارِف فَيقْرَأ فرَاغ بِالْجَرِّ مَعْطُوفًا على نشاط فَهُوَ من ذكر السَّبَب بعد الْمُسَبّب كَمَا قَالَه عَطِيَّة (و) سنّ (فِيهَا) أَي فِي جَمِيع صلَاته (خشوع) أما الْخُشُوع فِي جُزْء من الصَّلَاة فَوَاجِب لَيْسَ بِشَرْط وَلَو فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام كَمَا أَفَادَهُ بَعضهم وَهُوَ بِالْقَلْبِ بِأَن لَا يحضر فِيهِ غير مَا هُوَ فِيهِ وَإِن تعلق بِالآخِرَة فَلَو اشْتغل بِذكر الْجنَّة وَالنَّار وَغَيرهمَا من الْأَحْوَال الشَّرِيفَة الَّتِي لَا تعلق لَهَا بذلك الْمقَام كَانَ من حَدِيث النَّفس وَهُوَ مَكْرُوه وَيكرهُ أَن يتفكر فِي صلَاته فِي أَمر دُنْيَوِيّ أَو فِي مَسْأَلَة فقهية كَمَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن وبالجوارح بِأَن لَا يعبث بأحدها (وتدبر قِرَاءَة) أَي تَأمل مَعَانِيهَا بطرِيق الْإِجْمَال فَلَا يُبَالغ فِي ذَلِك بل يتَصَوَّر الْمعَانِي إِجْمَالا بِحُصُول الْخُشُوع وَالْأَدب بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُود وَبِه تَنْشَرِح الصُّدُور وتستنير الْقُلُوب وَسن ترتيل الْقِرَاءَة وَهُوَ التأني فِي إِخْرَاج الْحُرُوف حَيْثُ أحرم بِالصَّلَاةِ فِي وَقت يَسعهَا كَامِلَة وَإِلَّا وَجب الْإِسْرَاع لِأَنَّهُ يقْتَصر على أخف مَا يُمكن فإفراط الْإِسْرَاع مَكْرُوه وحرف الترتيل أفضل من حرفي غَيره أَي فَنصف السُّورَة مثلا مَعَ الترتيل أفضل من تَمامهَا بِدُونِهِ وَهَذَا فِي غير مَا طلب بِخُصُوصِهِ كَقِرَاءَة الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة فَإِن إِتْمَامهَا مَعَ الْإِسْرَاع لتحصيله سنية قرَاءَتهَا أفضل من قِرَاءَة بَعْضهَا مَعَ التأني فِي الْقِرَاءَة وَيسن للقارىء مُصَليا أَو غَيره أَن يسْأَل الله الرَّحْمَة إِذا مر بِآيَة رَحْمَة ويستعيذ من الْعَذَاب إِذا مر بِآيَة عَذَاب وَمحل اسْتِحْبَاب ذَلِك إِذا لم تكن آيَة الرَّحْمَة وَالْعَذَاب فِي شَيْء قَرَأَهُ بدل الْفَاتِحَة وَإِلَّا فَلَا يَأْتِي بِهِ لِئَلَّا يقطع الْمُوَالَاة فَإِن مر بِآيَة تَسْبِيح سبح أَو بِآيَة مثل تفكر وَإِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} 95 التِّين الْآيَة 8 سنّ لَهُ أَن يَقُول بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين وَإِذا قَرَأَ {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} 7 الْأَعْرَاف الْآيَة 185 يَقُول آمَنت بِاللَّه وَإِذا قَرَأَ {فَمن يأتيكم بِمَاء معِين} 67 الْملك الْآيَة 30 يَقُول الله رب الْعَالمين وَيَقُول ذَلِك الإِمَام وَالْمَأْمُوم سرا كأذكار الْأَركان وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو مر الإِمَام بِآيَة رَحْمَة أَو عَذَاب فَإِنَّهُ يجْهر بالسؤال وَيُوَافِقهُ الْمَأْمُوم فِيهِ وَلَا يُؤمن على دُعَائِهِ وَإِن أَتَى بِهِ بِلَفْظ الْجمع (و) تدبر (ذكر) وَلَا يُثَاب عَلَيْهِ إِلَّا أَن عرف مَعْنَاهُ وَلَو بِوَجْه كَمَا أَفَادَهُ الونائي وَقَالَ الشبراملسي لَا بُد أَن يعرفهُ وَلَو بِوَجْه وَمن الْوَجْه الْكَافِي أَن يتَصَوَّر أَن فِي التَّسْبِيح والتحميد وَنَحْوهمَا تَعْظِيمًا لله وثناء عَلَيْهِ انْتهى وَقَالَ الشنواني فقد قَالَ الأكابر الأخيار أَن الشَّخْص لَا يُثَاب على الذّكر إِلَّا إِذا عرف مَعْنَاهُ واستحضره وَلَو إِجْمَالا مَا عدا الْقُرْآن وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي الْمُخْتَار (وإدامة نظر مَحل سُجُوده) فِي جَمِيع صلَاته وَلَو بِحَضْرَة الْكَعْبَة وَإِن كَانَ أعمى أَو فِي ظلمَة بِأَن تكون حَالَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 حَالَة النَّاظر لمحل سُجُوده لِأَنَّهُ أقرب للخشوع وَكَذَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة فَلَا ينظر للْمَيت نعم يسن فِي التَّشَهُّد أَن لَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته مَا دَامَت مُرْتَفعَة وَإِلَّا ندب نظر مَحل السُّجُود وَيسن أَيْضا لمن فِي صَلَاة الْخَوْف والعدو أَمَامه نظره إِلَى جِهَته لِئَلَّا يبغتهم وَلمن صلى على نَحْو بِسَاط مُصَور عَم التَّصْوِير مَكَان سُجُوده أَن لَا ينظر إِلَيْهِ فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك إِلَّا بتغميض عَيْنَيْهِ فعله كَمَا يسن التغميض لمن صلى لحائط مُزَوق وَنَحْوه مِمَّا يشوش فكره وَيجب التغميض إِذا كَانَ الْعَرَايَا صُفُوفا وَيجوز فِي قَوْله نظر الْإِضَافَة وَتركهَا (و) سنّ (ذكر وَدُعَاء سرا عَقبهَا) أَي الصَّلَاة لَكِن يجْهر بهما من يُرِيد تَعْلِيم النَّاس مَأْمُوما كَانَ أَو غَيره وَهَذَا مَا يُقَال عقب الصَّلَوَات الْخمس أَو بَعْضهَا يسْتَغْفر الله ثَلَاثًا وَيَقُول اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه لَهُ النِّعْمَة وَله الْفضل وَله الثَّنَاء الْجَمِيل الْحسن لَا إِلَه إِلَّا الله مُخلصين لَهُ الدّين وَله كره الْكَافِرُونَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد أَنَّك الرب وَحدك لَا شريك لَك اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد أَن الْعباد كلهم إخْوَة اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء اجْعَلنِي مخلصا لَك وَأَهلي كل سَاعَة من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام اسْمَع واستجب الله الْأَكْبَر الله الْأَكْبَر الله الْأَكْبَر الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض الله أكبر حسبي الله وَنعم الْوَكِيل الله أكبر الله أكبر اللَّهُمَّ أَعنِي على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وَمِمَّا ترجى بركته أَن يَقُول عقب الْفُرُوض أسْتَغْفر الله الْعَظِيم لي ولوالدي ولأصحاب الْحُقُوق عَليّ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات الْأَحْيَاء مِنْهُم والأموات وَهَذَا مَا يُقَال عقب صَلَاة الصُّبْح فَيَقُول أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَأَتُوب إِلَيْهِ ثَلَاثًا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير عشر مَرَّات لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وأعز جنده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا شَيْء قبله وَلَا شَيْء بعده لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه لَهُ النِّعْمَة وَله الْفضل وَله الثَّنَاء الْحسن الْجَمِيل لَا إِلَه إِلَّا الله مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم اللَّهُمَّ أجرنا من النَّار سبع مَرَّات اللَّهُمَّ أجرنا وَأجر والدينا من النَّار بجاه النَّبِي الْمُخْتَار وأدخلنا الْجنَّة مَعَ الْأَبْرَار بِفَضْلِك وكرمك يَا عَزِيز يَا غفار اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن ثَلَاث مَرَّات نَعُوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق ثَلَاثًا بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ثَلَاثًا رَضِينَا بِاللَّه تَعَالَى رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وبسيدنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا ورسولا ثَلَاثًا اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا راد لما قضيت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة بِتَمَامِهَا {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 163 وَآيَة الْكُرْسِيّ {آمن الرَّسُول} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 285 إِلَى آخر السُّورَة ويكرر {واعف عَنَّا واغفر لنا وارحمنا} الْبَقَرَة (2 الْآيَة 286) ثَلَاثًا {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِلَى قَوْله {الْإِسْلَام} 3 آل عمرَان الْآيَة 18 19 و {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك} إِلَى قَوْله {بِغَيْر حِسَاب} 3 آل عمرَان الْآيَة 26 27 {اللَّهُمَّ} {وارزقنا وَأَنت خير الرازقين} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 114 وَأَنت حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} 9 التَّوْبَة الْآيَة 128 إِلَى آخر السُّورَة ويكرر {فَإِن توَلّوا} 9 التَّوْبَة الْآيَة 129 إِلَى آخرهَا سبعا ثمَّ سُورَة الْإِخْلَاص ثَلَاثًا ثمَّ المعوذتين مرّة مرّة {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} 17 الْإِسْرَاء الْآيَة 44 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُبْحَانَ الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ الْحَمد لله كَذَلِك الله أكبر كَذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 56 اللَّهُمَّ صل وَسلم وَبَارك على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله عدد كَمَال الله وكما يَلِيق بِكَمَالِهِ عشر مَرَّات وَرَضي الله عَن أَصْحَاب رَسُول الله أَجْمَعِينَ آمين يَا ألله يَا مُقَلِّب الْقُلُوب والأبصار ثَبت قلبِي على دينك يَا الله يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا الله يَا رَبنَا يَا وَاسع الْمَغْفِرَة يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ثَلَاثًا اللَّهُمَّ آمين وصل وَسلم على جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وآلهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاثًا سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله حَقًا وصدقا اللَّهُمَّ استجب دَعَانَا واشف مرضانا وَارْحَمْ مَوتَانا وصل وَسلم على جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ يَدْعُو بِمَا أحب ثمَّ يقْرَأ المسبعات الْعشْرَة المنسوبة إِلَى الْخضر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهِي الْفَاتِحَة وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل هُوَ الله أحد وَقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَآيَة الْكُرْسِيّ وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد كَمَا صليت على سيدنَا إِبْرَاهِيم وعَلى آل سيدنَا إِبْرَاهِيم وَبَارك على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد كَمَا باركت على سيدنَا إِبْرَاهِيم وعَلى آل سيدنَا إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولوالدي وارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا وَلِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات الْأَحْيَاء مِنْهُم والأموات اللَّهُمَّ افْعَل بِي وبهم عَاجلا وآجلا فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَا أَنْت لَهُ أهل وَلَا تفعل بِنَا يَا مَوْلَانَا مَا نَحن لَهُ أهل إِنَّك غَفُور حَلِيم جواد كريم رؤوف رَحِيم كل وَاحِدَة تقْرَأ سبعا على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد عدد معلوماتك عشر مَرَّات يَا جَبَّار إِحْدَى وَعشْرين مرّة ثمَّ يَقُول يَا جَبَّار اجبر حَالي على وفْق مرادك وَلَا تجعلني جبارا على عِبَادك إِنَّك على كل شَيْء قدير ثَلَاثًا وَهَذِه المسبعات لقنها الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى سيدنَا إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَأخْبرهُ أَنه أَخذهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لما عمل بهَا رأى ذَات يَوْم فِي مَنَامه كَأَن الْمَلَائِكَة احتملته وأدخلته الْجنَّة فَرَأى مَا أعد لَهُ فِيهَا من النَّعيم فَقَالَ للْمَلَائكَة لمن هَذَا فَقَالُوا للَّذي يعْمل مثل عَمَلك ثمَّ جَاءَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ سَبْعُونَ نَبيا وَسَبْعُونَ صفا من الْمَلَائِكَة كل صف مثل مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب فَسلم عَلَيْهِ وَأَخذه بِيَدِهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله الْخضر أَخْبرنِي أَنه سمع مِنْك هَذَا الحَدِيث فَقَالَ صدق الْخضر صدق الْخضر وكل مَا يحكيه فَهُوَ حق وَهُوَ عَالم أهل الأَرْض وَهُوَ رَئِيس الأبدال وَهُوَ من جنود الله تَعَالَى فِي الأَرْض فَقَالَ يَا رَسُول الله من فعل مثل ذَلِك أَو عمله وَلم ير مثل الَّذِي رَأَيْت فِي مَنَامِي هَل يُعْطي شَيْئا مِمَّا أَعْطَيْت فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا إِنَّه ليعطي الْعَامِل بذلك وَإِن لم يرني وَلم ير الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه ليغفر لَهُ جَمِيع الْكَبَائِر الَّتِي عَملهَا وَيرْفَع الله تَعَالَى عَنهُ غَضَبه ومقته وَيَأْمُر صَاحب الشمَال أَن لَا يكْتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 عَلَيْهِ خَطِيئَة من السَّيِّئَات إِلَى سنة وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا مَا يعْمل بِهَذَا إِلَّا من خلقه الله سعيدا وَلَا يتْركهُ إِلَّا من خلقه الله شقيا ثمَّ يذكر إِلَى أَن تطلع الشَّمْس ثمَّ يخْتم الْفَاتِحَة وَيَدْعُو بِمَا أحب وَمِمَّا يُفِيد حفظ الْإِيمَان أَن يُقَال عقب صَلَاة الصُّبْح قبل التَّكَلُّم مَعَ أحد اللَّهُمَّ أَنْت الْهَادِي إِلَى طَرِيق الزّهْد والرشاد وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم بِعَدَد كل حرف جرى بِهِ الْقَلَم (وَندب) لمريد صَلَاة وَلَو صَلَاة جَنَازَة (توجه) الى ستْرَة ومراتبها أَربع أولاها أَن يُصَلِّي (لنَحْو جِدَار) كعمود وَنَحْوه مِمَّا لَهُ ثبات وَظُهُور كظهور العمود (ف) ثانيتها أَن يُصَلِّي إِلَى (عَصا مغروزة) وَيشْتَرط فِي هَاتين أَن يكون ارتفاعهما ثُلثي ذِرَاع فَأكْثر وَبَين الْمُصَلِّي وَبَينهمَا ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل والنعش فِي مرتبَة الْعَصَا حَيْثُ كَانَ ارتفاعه كَمَا تقدم (ف) ثالثتها (بسط مصلى) كسجادة بِفَتْح السِّين ورابعتها خطّ أَمَامه خطا طولا بِأَن يكون أَوله من جِهَة رجله وَآخره جِهَة الْقبْلَة وَيشْتَرط فِي هَاتين أَن يكون بَين مَا اعْتمد عَلَيْهِ الْمُصَلِّي وَبَين طرفهما الَّذِي يَلِي الْقبْلَة ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل سَوَاء صلى من قيام أَو قعُود أَو اضطجاع وَلَا يَكْفِي مَا عدا الأولى من الْمَرَاتِب إِلَّا إِذا لم يسهل مَا قبلهَا وَلذَلِك أَتَى المُصَنّف بِالْفَاءِ المفيدة للتَّرْتِيب وَحَيْثُ صلى إِلَى الستْرَة الْمَذْكُورَة يسن لَهُ وَلغيره دفع الْمَار بَينه وَبَينهَا بالأخف فالأخف كَمَا يدْفع الصَّائِل بِغَيْر فعل كثير متوال وَإِلَّا بطلت الصَّلَاة وَيحرم الْمُرُور بَين يَدَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِن لم يجد الْمَار سَبِيلا غير هَذَا لحَدِيث لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ لَكِن مَحل ذَلِك مَا لم يقصر الْمُصَلِّي وَإِلَّا كَأَن وقف بقارعة الطَّرِيق فَلَا حُرْمَة بل وَلَا كَرَاهَة وَمَا لم يكن فِي الصَّفّ الَّذِي أَمَام ذَلِك الْمُصَلِّي فُرْجَة لَا يُمكن الْوُصُول إِلَى سدها إِلَّا بالمرور بَين يَدَيْهِ وَلَو صلى بِلَا ستْرَة أَو تبَاعد عَنْهَا بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة أَذْرع أَو لم تكن بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة فَلَيْسَ لَهُ دفع الْمَار بَين يَدَيْهِ لتَقْصِيره وَلَا يحرم الْمُرُور بَين يَدَيْهِ حِينَئِذٍ لَكِن الأولى تَركه وَإِذا صلى إِلَى الستْرَة فَالسنة أَن يَجْعَلهَا مُقَابلَة ليمينه أَو شِمَاله وَلَا يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه وَهل الْأَفْضَل جعلهَا مُقَابلَة للْيَمِين أَو الشمَال قيل بِكُل وَيَنْبَغِي أَن يكون مثل الصَّلَاة فِي ذَلِك سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَالْأَوْجه عدم الِاكْتِفَاء بالسترة بالآدمي وَنَحْوه وَإِن لم يستقبله فَإِن استقبله كَانَ مَكْرُوها وَبَعض الصُّفُوف لَا يكون ستْرَة لبعضها كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وَخَالف فِي ذَلِك ابْن حجر فَاكْتفى بالصفوف (وَكره فِيهَا) أَي فِي جُزْء من الصَّلَاة (الْتِفَات) بِالْوَجْهِ يَمِينا أَو شمالا بِلَا حَاجَة سَوَاء أَكَانَ الْمُصَلِّي ذكرا أم أُنْثَى أما إِذا كَانَ لحَاجَة كحفظ مَتَاع فَلَا كَرَاهَة وَهَذَا فِي غير المستلقي أما هُوَ فالتفاته بِالْوَجْهِ مُبْطل لوُجُوب الِاسْتِقْبَال بِوَجْهِهِ كَمَا تقدم وَإِشَارَة بِنَحْوِ عين أَو حَاجِب أَو شفة وَلَو من أخرس بِلَا حَاجَة هَذَا مَا لم تكن على وَجه اللّعب وَإِلَّا كَانَت مبطلة (وَنظر نَحْو سَمَاء) كَمَا يكره رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء يكره نظر مَا يلهي عَن الصَّلَاة كَثوب لَهُ أَعْلَام (وبصق) بالصَّاد وَالزَّاي وَالسِّين (أماما) بِفَتْح الْهمزَة أَي قبل وَجهه (ويمينا) وَلَو خَارج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الصَّلَاة بل عَن يسَاره إِن كَانَ فِي غير الْمَسْجِد أما فِيهِ فيبصق فِي ثَوْبه من الْجِهَة الْيُسْرَى وَلَو كَانَ فِيهِ دم براغيث للعفو عَن ذَلِك كَمَا تقدم فَلَو بَصق فِي الْمَسْجِد حرم لحَدِيث الشَّيْخَيْنِ البصاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارتها دَفنهَا بِأَن تكون أرضه ترابية لَكِن إِذا هيأ لَهَا موضعا وبصق فِيهِ ثمَّ رد عَلَيْهَا التُّرَاب كَانَ ذَلِك دافعا للإثم ابْتِدَاء وَأما إِذا أَلْقَاهَا فِي الْمَسْجِد قبل تهيئة مَحل لَهَا ثمَّ غطاها بِالتُّرَابِ كَانَ ذَلِك قَاطعا لدوام الْإِثْم وَمثل ذَلِك مَا لَو كَانَت أرضه مبلطة أَو بَصق على شَيْء من فرَاشه ثمَّ دلكها حَتَّى لم يبْق لَهَا أثر وَمحل كَرَاهَة البصاق عَن الْيَمين دون الْيَسَار فِي غير الْمَسْجِد النَّبَوِيّ أما فِيهِ فينعكس الحكم فِي حق الْمُسْتَقْبل لِأَن الْقَبْر الشريف يكون حِينَئِذٍ فِي جِهَة يسَاره وَمحل كَرَاهَة البصاق قبالة الْوَجْه خَارج الصَّلَاة إِذا كَانَ متقبلا بِخِلَاف غَيره (وكشف رَأس ومنكب) فَلَو سقط نَحْو رِدَائه أَو طرف عمَامَته كره لَهُ تسويته إِلَّا لضَرُورَة مِنْهَا خوف الِاسْتِهْزَاء بِهِ واضطباع وَهُوَ أَن يَجْعَل وسط رِدَائه تَحت مَنْكِبه الْأَيْمن وطرفيه على الْأَيْسَر كَفعل أهل الشطارة (و) كره (صَلَاة بمدافعة حدث) وَيُسمى من اتّصف بذلك حاقبا بِالْبَاء إِذا كَانَ مدافعا بالغائط وحاقنا بالنُّون إِذا كَانَ مدافعا بالبول وحاقما بِالْمِيم إِذا كَانَ مدافعا بهما وحازقا بالزاي إِذا كَانَ مدافعا بِالرِّيحِ وَالْعبْرَة فِي كَرَاهَة ذَلِك بِوُجُودِهِ عِنْد التَّحَرُّم وَيلْحق بِهِ مَا لَو عرض لَهُ قبل التَّحَرُّم فَرده وَعلم من عَادَته أَنه يعود لَهُ فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَالسّنة تَفْرِيغ نَفسه من ذَلِك لِأَنَّهُ يخل بالخشوع وَإِن خَافَ فَوت الْجَمَاعَة حَيْثُ كَانَ الْوَقْت متسعا فَإِن ضَاقَ وَجَبت الصَّلَاة مَعَ ذَلِك إِلَّا إِن خَافَ ضَرَرا لَا يحْتَمل عَادَة وَلَا يجوز لَهُ الْخُرُوج من الْفَرْض بطرو ذَلِك لَهُ فِيهِ إِلَّا إِن غلب على ظَنّه حُصُول ضَرَر بكتمه فَلهُ حِينَئِذٍ الْخُرُوج مِنْهُ وتأخيره عَن الْوَقْت وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل فَلَا يحرم الْخُرُوج مِنْهُ وَإِن نذر إتْمَام كل نفل دخل فِيهِ لِأَن وجوب الْإِتْمَام لَا يلْحقهُ بِالْفَرْضِ وَيَنْبَغِي كَرَاهَته عِنْد طرُو ذَلِك عَلَيْهِ (و) صَلَاة (بمقبرة) بِتَثْلِيث الْبَاء إِذا لم تنبش أَو نبشت وفرش عَلَيْهَا طَاهِر أَو نبت عَلَيْهَا حشيش غطاها وَإِنَّمَا كرهت الصَّلَاة فِيهَا لمحاذاته للنَّجَاسَة سَوَاء مَا تَحْتَهُ أَو أَمَامه أَو بجانبه وَمن ثمَّ لم تفترق الْكَرَاهَة بَين المنبوشة بِحَائِل وَغَيرهَا وَلَا بَين الْمقْبرَة الْقَدِيمَة والجديدة بِأَن دفن فِيهَا أول ميت بل لَو دفن ميت بِمَسْجِد كَانَ كَذَلِك وتنتفي الْكَرَاهَة عِنْد انْتِفَاء الْمُحَاذَاة وَإِن كَانَ فِيهَا لبعد الْمَوْتَى عَنهُ عرفا وَمن مكروهات الصَّلَاة جعل يَدَيْهِ فِي كميه عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَعند الرُّكُوع وَعند الْقيام من التَّشَهُّد الأول وَعند الْجُلُوس لَهُ أَو للأخير فالجملة خَمْسَة وَهَذَا فِي حق الذّكر أما الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يكره والجهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار وَعَكسه بِلَا حَاجَة أما لَهَا فَلَا كَرَاهَة والجهر خلف الإِمَام بِغَيْر آمين وَنَحْوه مِمَّا مر وَوضع الْيَد فِي الخاصرة بِلَا عذر وافتراش السَّبع فِي سُجُوده بِأَن يضع ذِرَاعَيْهِ فِي الأَرْض كَمَا يفعل السَّبع لغير عذر فَإِن كَانَ لعذر فَلَا كَرَاهَة وإيطان الْمَكَان الْوَاحِد أَي ملازمته لِأَن السّنة إِذا أَرَادَ صَلَاة أُخْرَى أَن ينْتَقل من مَكَان الأولى إِلَى مَكَان آخر وَلَو قَرِيبا من الْمَكَان الأول وَلَو رَجَعَ فِي الصَّلَاة إِلَى مَكَان الأولى كفى وَالْمُبَالغَة فِي خفض الرَّأْس فِي الرُّكُوع وإطالة التَّشَهُّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الأول وَلَو بِمَا ينْدب بعد التَّشَهُّد الْأَخير وَصَلَاة الْمُنْفَرد وَلَو عَن الصَّفّ وَالْجَمَاعَة قَائِمَة إِذا كَانَت مَطْلُوبَة وَإِلَّا فَلَا وَصَلَاة فِي الْأَسْوَاق وَفِي الرحاب الْخَارِجَة عَن الْمَسْجِد وَفِي طَرِيق وَلَو فِي بُنيان فصل فِي سُجُود السَّهْو وَشرع لجبر الْخلَل الْوَاقِع فِي الصَّلَاة غير صَلَاة الْجِنَازَة أَو فِي سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَلَا مَانع من جبر الشَّيْء بِمَا هُوَ أَكثر مِنْهُ ولإرغام الشَّيْطَان لَكِن إِن كَانَ مقتضيه حصل سَهوا فالمقصود بِالذَّاتِ جبر الْخلَل وَيحصل إرغام الشَّيْطَان تبعا وَهُوَ من خصوصيات هَذِه الْأمة وَالْمرَاد بَيَان أَسبَابه وَحكمه وَمحله وعدده وكيفيته فَحكمه النّدب وَيجب لمتابعة الإِمَام وعدده كَمَا قَالَ (تسن سَجْدَتَانِ) وَإِن كثر السَّهْو لِأَنَّهُ يجْبر جَمِيع مَا وَقع قبله أَو فِيهِ أَو بعده حَتَّى لَو فعله ثَلَاثًا سَهوا جبر الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ أَو سجد ثمَّ سَهَا بِكَلَام قَلِيل أَو نَحوه لَا يسْجد ثَانِيًا لِأَن ذَلِك مجبور بِالسُّجُود الَّذِي حصل وَقد يَتَعَدَّد السُّجُود صُورَة كَمَا لَو سَهَا إِمَام الْجُمُعَة وسجدوا للسَّهْو فَبَان فَوتهَا أتموها ظهرا وسجدوا ثَانِيًا آخر الصَّلَاة لتبين أَن السُّجُود الأول لَيْسَ فِي آخر الصَّلَاة وَلَو ظن سَهوا فَسجدَ فَبَان عدم السَّهْو سجد للسَّهْو لِأَنَّهُ زَاد سَجْدَتَيْنِ سَهوا وَلَو سجد فِي آخر صَلَاة مَقْصُورَة فَعرض لَهُ الْإِتْمَام سجد ثَانِيًا بعد إتْمَام الصَّلَاة وَكَذَا الْمَسْبُوق يسْجد مَعَ إِمَامه للمتابعة ثمَّ يسْجد فِي آخر صلَاته لَكِن أَنْت خَبِير بِأَن السُّجُود الجابر للخلل هُوَ الْوَاقِع آخرا فِي الْجَمِيع فَلهَذَا كَانَ التَّعَدُّد صُورَة لَا حكما وَمحله بعد التَّشَهُّد و (قبيل سَلام) وَلَو أَتَى بِهِ قبل الصَّلَاة على الْآل وَمَا بعْدهَا ثمَّ أَتَى بهَا وبالمأثور أَجْزَأَ وَحصل السّنة وَامْتنع عَلَيْهِ إِعَادَته ثَانِيًا بعد ذَلِك وكيفيته كسجود الصَّلَاة فِي واجباته ومندوباته كوضع الْجَبْهَة والطمأنينة والتحامل والتنكيس وَالتَّكْبِير والافتراش فِي الْجُلُوس بَينهمَا والتورك بعدهمَا لَكِن إِذا كَانَ مُقْتَضى السُّجُود وَقع سَهوا فالأليق بِالْحَال أَن يَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ الَّذِي لَا ينَام وَلَا يسهو أَو يَقُول سُبْحَانَ من لَا ينَام وَلَا يغْفل وَإِذا وَقع عمدا فالأليق الاسْتِغْفَار قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَذكر الْجُلُوس بَينهمَا كذكر الْجُلُوس بَين سَجْدَتي الصَّلَاة وَلَا بُد لغير الْمَأْمُوم من نِيَّة سُجُود السَّهْو بِقَلْبِه دون لِسَانه فَلَو تلفظ بهَا بطلت صلَاته أَو سجد بِلَا نِيَّة بطلت أَيْضا وَأما أَسبَابه فخمسة السَّبَب الأول (لترك بعض) من الأبعاض الْآتِيَة فَإِن تَركهَا أَو شَيْئا مِنْهَا عمدا أَو سَهوا سنّ لَهُ سُجُود السَّهْو فِي آخر صلَاته جبرا لهَذَا الْخلَل (و) الْمُسَمّى أبعاضا (هُوَ) ثَمَانِيَة الأول (تشهد أول) وَلَو فِي نفل فَلَو نوى أَرْبعا من النَّوَافِل راتبة كَانَت أَو غَيرهَا بِقصد أَن يَأْتِي بتشهدين فَترك أَولهمَا سَهوا أَو عمدا سجد للسَّهْو على الْمُعْتَمد فَإِن لم يقْصد الْإِتْيَان بذلك بِأَن قصد تَركه أَو أطلق وَتَركه فَلَا سُجُود والمعدود من الأبعاض فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 التَّشَهُّد الأول هُوَ الْأَلْفَاظ الْوَاجِبَة فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَأما مَا زَاد على ذَلِك وَهُوَ الْمَعْدُود من أكمل التَّشَهُّد الْأَخير فَلَيْسَ من الأبعاض فَلَا يسْجد لتَركه وَإِن كَانَ يسن الْإِتْيَان بِهِ فِي التَّشَهُّد الأول أَيْضا (و) الثَّانِي (قعوده) وَإِن استلزم تَركه ترك التَّشَهُّد لِأَن السُّجُود إِذا شرع لترك التَّشَهُّد شرع لترك جُلُوسه لِأَنَّهُ مَقْصُود لَهُ وَصُورَة تَركه وَحده أَن لَا يُحسنهُ فَإِنَّهُ يسن لَهُ حِينَئِذٍ الْجُلُوس بِقَدرِهِ (و) الثَّالِث (قنوت راتب) وَهُوَ قنوت الصُّبْح وَالْوتر فِي نصف رَمَضَان الثَّانِي دون قنوت النَّازِلَة لِأَنَّهُ سنة عارضة فِي الصَّلَاة يَزُول بزوالها فَلم يتَأَكَّد شَأْنه بالجبر وَترك بعض الْقُنُوت وَلَو كلمة ككله مَا لم يقطعهُ ويعدل إِلَى آيَة تَتَضَمَّن ثَنَاء وَدُعَاء وَإِلَّا فَلَا سُجُود من جِهَة ترك الْقُنُوت بِخِلَاف مَا إِذا قطعه وَاقْتصر على مَا أَتَى بِهِ فَيسْجد وَلَو اقْتصر ابْتِدَاء على قنوت عمر فَلَا سُجُود لإتيانه بقنوت كَامِل بِخِلَاف مَا لَو أَتَى بِبَعْضِه وبجميع الْقُنُوت الْمَشْهُور وَعَكسه فَيسْجد لِأَن كلا مِنْهُمَا ورد بِخُصُوصِهِ فَكَانَا كقنوت وَاحِد والقنوت الْوَاحِد يسْجد لترك بعضه وَلَو كلمة بِخِلَاف مَا تقدم من الْآيَة لِأَنَّهَا لما لم تطلب بخصوصها كَانَت قنوتا مُسْتقِلّا فأسقط الْعُدُول إِلَيْهَا حكم الْقُنُوت الَّذِي شرع فِيهِ وَلَو عزم على الْإِتْيَان بالقنوتين قنوت مَشْهُور وقنوت عمر ثمَّ ترك أَحدهمَا فَلَا يسْجد لِأَن السّنَن لَا تلْزم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهَا كَذَا أَفَادَهُ الشبراملسي (و) الرَّابِع (قِيَامه) بِأَن لم يحسن الْقُنُوت فَإِنَّهُ يسن لَهُ الْقيام بِقَدرِهِ زِيَادَة على ذكر الِاعْتِدَال فَإِذا تَركه سجد لَهُ وَلَو ترك الْقُنُوت تبعا لإمامه الْحَنَفِيّ سجد وَكَذَا لَو أَتَى بِهِ خَلفه لِأَنَّهُ بترك الإِمَام لَهُ لحقه سَهْوه فِي اعْتِقَاده وَلَو اقْتدى فِي الصُّبْح بمصلي سنتها سجد إِن لم يتَمَكَّن من الْقُنُوت خَلفه فَإِن فعله فَلَا كَذَا قَالَ الرَّمْلِيّ وَمثل سنة الصُّبْح كل صَلَاة لَا قنوت فِيهَا (و) الْخَامِس وَالسَّادِس (صَلَاة على النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعدهمَا) أَي التَّشَهُّد الأول والقنوت (و) السَّابِع وَالثَّامِن (صَلَاة على آل بعد) تشهد (أخير وقنوت) وَالْجُلُوس للصَّلَاة على النَّبِي فِي التَّشَهُّد الأول وعَلى الْآل فِي الْأَخير كالقعود للتَّشَهُّد الأول وَالْقِيَام للصَّلَاة على النَّبِي وعَلى الْآل فِي الْقُنُوت كالقيام لَهُ فَتكون من الأبعاض وعَلى ذَلِك فالأبعاض اثْنَا عشر وَصُورَة السُّجُود لترك الصَّلَاة على الْآل فِي الْأَخير أَن يتَيَقَّن ترك إِمَامه لَهَا بعد سَلام إِمَامه وَقبل أَن يسلم هُوَ أَو بعده إِن سلم وَقرب الْفَصْل وَسميت هَذِه السّنَن أبعاضا لتأكد شَأْنهَا بالجبر تَشْبِيها بِالْبَعْضِ حَقِيقَة حَيْثُ تَأَكد شَأْنه بِحَيْثُ تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهِ وَلَيْسَ المُرَاد أَن كلا يجْبر بِالسُّجُود فَإِنَّهُ لوترك ركنا سَهوا يجب فعله وَالسُّجُود إِنَّمَا هُوَ للزِّيَادَة الْحَاصِلَة بتداركه إِن وجدت (و) السَّبَب الثَّانِي (لشك فِيهِ) أَي فِي ترك بعض فَلَو شكّ فِي ترك بعض معِين كقنوت سجد لِأَن الأَصْل عدم الْإِتْيَان بِهِ أَو شكّ فِي بعض مُبْهَم لم يدر هَل هُوَ قنوت أَو تشهد أول فَكَذَلِك بِخِلَاف مَا لَو شكّ هَل أَتَى بِكُل الأبعاض أَو ترك شَيْئا مِنْهَا فَلَا يسْجد وَقد يُقَال أَن الأَصْل عدم الْإِتْيَان بِكُل الأبعاض فَكَانَ مُقْتَضى ذَلِك السُّجُود لَكِن لما ضعف بالإبهام لم ينظر لذَلِك وَبِخِلَاف الشَّك فِي ترك مَنْدُوب لم يدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 هَل هُوَ بعض أَو هَيْئَة لَا يسْجد لِأَن الْمَتْرُوك قد لَا يَقْتَضِي السُّجُود وَلَو سَهَا وَشك هَل سجد للسَّهْو أم لَا سجد لِأَن الأَصْل عَدمه أَو هَل سجد وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ سجد أُخْرَى وَلَو ترك التَّشَهُّد الأول أَو الْقُنُوت عمدا وقارب الْقيام فِي الأول أَو بلغ الرَّاكِع فِي الثَّانِي لم يعد فَإِن عَاد عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته فَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ لم تبطل وَلَو كَانَ الْجَاهِل بَين أظهر الْعلمَاء لِأَن هَذَا مِمَّا يخفى على الْعَوام لَكِن يسن لمن عَاد نَاسِيا أَو جَاهِلا سُجُود السَّهْو (وَلَو نسي بَعْضًا) أَي ترك ذَلِك سَهوا (و) قد (تلبس بِفَرْض) وَهُوَ الْوُصُول إِلَى مَحل تجزىء فِيهِ الْقِرَاءَة فِي التَّشَهُّد الأول وَإِلَى السُّجُود بِوَضْع الْأَعْضَاء السَّبْعَة وَإِن لم يتحامل وَلم ينكس عِنْد الْخَطِيب أَو مَعَ ذَلِك عِنْد بَعضهم فِي الْقُنُوت لم يعد (فَإِن عَاد) عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ (بطلت) صلَاته (لَا) إِن عَاد (جَاهِلا) بِتَحْرِيمِهِ وَإِن كَانَ مخالطا لنا وَلَا إِن عَاد نَاسِيا كَونه فِي صَلَاة أَو نَاسِيا حُرْمَة عوده فَلَا تبطل لعذره وَرفع الْقَلَم عَنهُ نعم يجب عَلَيْهِ عِنْد تذكره أَو تعلمه الْعود إِلَى ذَلِك الْفَرْض فَوْرًا فَإِن لم يتلبس بِالْفَرْضِ على هَذَا الْوَجْه ندب لَهُ الْعود وَلَو بعد وضع الْجَبْهَة نعم إِن كَانَ إِمَامًا وَكَانَ عوده يشوش على الْمَأْمُومين فَالْأولى لَهُ عدم الْعود (لَكِن يسْجد) أَي أَن الْمُعْتَمد ينْدب لمن عَاد نَاسِيا أَو جَاهِلا سُجُود السَّهْو إِن قَارب الْقيام فِي التَّشَهُّد الأول أَو بلغ حد الرَّاكِع فِي الْقُنُوت لِأَن عمد ذَلِك مُبْطل هَذَا كُله فِي الْمُنْفَرد وَالْإِمَام (وَلَا مَأْمُوما) فَإِنَّهُ إِن ترك التَّشَهُّد الأول أَو الْقُنُوت عمدا وتلبس بِالْفَرْضِ مَعَ تخلف الإِمَام لَهما خير بَين الْعود والانتظار لِأَنَّهُ قد تلبس بِفَرْض ومتابعة الإِمَام فَخير بَين الفرضين لَكِن يسن لَهُ الْعود (بل) إِن ترك ذَلِك سَهوا وَجب (عَلَيْهِ عود) فَإِن لم يعد بطلت صلَاته إِن لم ينْو الْمُفَارقَة وَالْفرق بَين الْعَامِد والساهي أَن الْعَامِد فَوت على نَفسه الْفَضِيلَة بتعمده وَقد تلبس بِفَرْض فَخير بَين الفرضين والساهي فعله كلا فعل فَتعين عَلَيْهِ الْعود ليعظم أجره وَلَو ترك الإِمَام التَّشَهُّد الأول فَتخلف لَهُ الْمَأْمُوم بطلت صلَاته إِن شرع فِي التَّشَهُّد أَو طَال الْفَصْل وَقصد الْمُخَالفَة وَلم ينْو الْمُفَارقَة بِخِلَاف مَا لَو ترك إِمَامه الْقُنُوت فَإِن الْمَأْمُوم ينْدب لَهُ التَّخَلُّف لَهُ إِن علم أَنه يُدْرِكهُ فِي السُّجُود الأول وَيجوز بِلَا ندب إِن علم أَنه يُدْرِكهُ فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَيمْتَنع إِن علم أَنه لَا يُدْرِكهُ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة الْقُنُوت يحدث فِي تخلفه وقوفا لم يَفْعَله الإِمَام بل نِهَايَة مَا فِيهِ أَنه أَطَالَ الْوُقُوف زِيَادَة على مَا فعله الإِمَام وَأما فِي مَسْأَلَة التَّشَهُّد فَإِنَّهُ أحدث جُلُوس تشهد لم يَفْعَله الإِمَام وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن الْمَأْمُوم يمْتَنع عَلَيْهِ التَّخَلُّف للتَّشَهُّد وَلَو كَانَ الإِمَام جلس للاستراحة فَتدبر وَلَو ترك التَّشَهُّد الأول أَو الْقُنُوت عمدا وقارب الْقيام فِي الأول أَو بلغ حد الرَّاكِع فِي الثَّانِي ثمَّ عَاد الإِمَام لم يعد الْمَأْمُوم لِأَن الإِمَام إِمَّا نَاس أَو جَاهِل فَلَا يُوَافقهُ فِي الْخَطَأ وَإِمَّا عَامِد فَصلَاته بَاطِلَة بل يُفَارِقهُ بِالنِّيَّةِ أَو ينْتَظر فِي الْقيام أَو فِي السُّجُود حملا على أَنه عَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 نَاسِيا أَو جَاهِلا فَإِن عَاد الْمَأْمُوم عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا فَلَا وَكَذَا لَو قَامَ الإِمَام وَترك التَّشَهُّد الأول وقارب الْقيام ثمَّ عَاد قبل قيام الْمَأْمُوم حرم على الْمَأْمُوم اسْتِمْرَار الْقعُود بل يجب عَلَيْهِ الْقيام بِمُجَرَّد انتصاب الإِمَام ثمَّ لَهُ أَن ينتظره فِي الْقيام حملا على أَنه مَعْذُور فِي الْعود وَله أَن يُفَارِقهُ بِالنِّيَّةِ (و) السَّبَب الثَّالِث (لنقل قولي غير مُبْطل) سَوَاء كَانَ ركنا كالفاتحة أَو غير ركن كالسورة وَسَوَاء نَقله عمدا أَو سَهوا لَكِن لَا بُد فِي الرُّكْن أَن يكون أَتَى بِهِ فِي مَحَله ثمَّ أَعَادَهُ ثَانِيًا فِي غير مَحَله كالفاتحة إِذا أَتَى بهَا فِي محلهَا ثمَّ أَعَادَهَا فِي الرُّكُوع كَمَا علم من التَّقْيِيد بِغَيْر الْمُبْطل وَأما إِذا لم يَأْتِ بالركن فِي مَحَله كَأَن ركع قبل قِرَاءَة الْفَاتِحَة عَامِدًا عَالما فَإِن صلَاته تبطل وَمحل كَون نقل السُّورَة يَقْتَضِي سُجُود السَّهْو إِذا نقلهَا لغير الْقيام كالركوع أما إِذا نقلهَا قبل الْفَاتِحَة فَلَا سُجُود لِأَن الْقيام محلهَا فِي الْجُمْلَة وَالْحَاصِل أَن الْمَطْلُوب القولي الْمَنْقُول عَن مَحَله إِمَّا أَن يكون ركنا أَو بَعْضًا أَو هَيْئَة فالركن يسْجد لنقله مُطلقًا وَمثله الْبَعْض إِن كَانَ تشهدا أول فَإِن كَانَ قنوتا فَإِن نَقله بنية الْقُنُوت سجد أَو بِقصد الذّكر فَلَا والهيئة لَا يسْجد لنقلها إِلَّا السُّورَة إِذا قُرِئت فِي غير الْقيام وَإِن لم يكن بنيتها (و) السَّبَب الرَّابِع (لسهو مَا يبطل عمده) فَقَط (لاهو) أَي لَا سَهْو كتطويل الرُّكْن الْقصير وَكَلَام قَلِيل وَلَو شكّ فِي حُصُول ذَلِك مِنْهُ لَا يسْجد لِأَن الأَصْل عَدمه وَلَو علم حُصُول سَهْو مِنْهُ لَكِن شكّ هَل هُوَ بترك بعض ارْتِكَاب مَا يبطل عمده دون سَهْوه سجد لتيقن مُقْتَضى السُّجُود وَخرج بذلك مَا لَا يبطل عمده وَلَا سَهْوه كالالتفات والخطوتين فَلَا يسْجد لسَهْوه وَلَا لعمده لعدم وُرُوده وَيسْتَثْنى من ذَلِك نقل القولي الْمُتَقَدّم وَأما مَا يبطل عمده وسهوه ككثير كَلَام وَأكل وَفعل فَلَا يسْجد لَهُ أَيْضا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاة (و) السَّبَب الْخَامِس (لشك فِيمَا صلاه وَاحْتمل زِيَادَة) وَهُوَ إِيقَاع الْفِعْل مَعَ التَّرَدُّد فِي زِيَادَته فَلَو شكّ فِي عدد مَا أَتَى بِهِ من الرَّكْعَات أَهِي ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة بنى على الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل وأتى وجوبا بِمَا بَقِي وَسجد للسَّهْو للتردد فِي الزِّيَادَة وَهَذَا بِخِلَاف مَالا يحْتَمل الزِّيَادَة كَأَن شكّ فِي ثَالِثَة من ربَاعِية أَهِي ثَالِثَة أَو رَابِعَة فَتذكر فِيهَا أَنَّهَا ثَالِثَة لَا يسْجد لِأَن مَا فعله مِنْهَا مَعَ التَّرَدُّد غير مُحْتَمل للزِّيَادَة وَمن شكّ فِي عدد الرَّكْعَات لَا يرجع فِي فعله إِلَى غَيره سَوَاء قَوْلهم وفعلهم إِلَّا إِذا بلغُوا عدد التَّوَاتُر فَيرجع لقَولهم وَكَذَا فعلهم على الْمُعْتَمد وَعند مُحَمَّد الرَّمْلِيّ يعْمل بقَوْلهمْ دون فعلهم لِأَن القَوْل يدل بِوَضْعِهِ بِخِلَاف الْفِعْل وَلَو قَامَ الْخَامِسَة فِي ربَاعِية نَاسِيا ثمَّ تذكر قبل جُلُوسه عَاد إِلَى الْجُلُوس فَوْرًا فَإِن كَانَ قد تشهد فِي الرَّابِعَة أَجزَأَهُ وَإِن ظَنّه التَّشَهُّد الأول فَإِن لم يتَذَكَّر إِلَّا بعد جُلُوسه وَقبل تشهده أَتَى بالتشهد أَو بعد تشهده أَجزَأَهُ وَيسن لَهُ سُجُود السَّهْو فِي الْجَمِيع (و) يلْحق الْمَأْمُوم سَهْو إِمَام لَهُ غير الْمُحدث وَنَحْوه وسهو إِمَام الإِمَام وسهو إِمَام إِمَام الإِمَام وَهَكَذَا كَأَن اقْتدى مَسْبُوق بساه فَلَمَّا قَامَ الْمَسْبُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ليتم صلَاته اقْتدى بِهِ آخر وَهَكَذَا فَحِينَئِذٍ سنّ لمأموم سَجْدَتَانِ (لسهو إِمَام) وَلَو كَانَ سَهْو الإِمَام قبل اقْتِدَاء الْمَأْمُوم فِي الأولى وَقبل اقْتِدَاء إِمَامه فِي الثَّانِيَة لتطرق الْخلَل فيهمَا من صَلَاة الإِمَام إِلَى صَلَاة الْمَأْمُوم ولتحمل الإِمَام عَنهُ السَّهْو وَإِن ترك الإِمَام السُّجُود أَو فَارقه أَو بطلت صَلَاة الإِمَام بعد وُقُوع السَّهْو مِنْهُ فَإِن سجد الإِمَام للسَّهْو فِي آخر صلَاته وَجب على الْمَأْمُوم مُتَابَعَته وَإِن لم يعلم مِنْهُ خللا حملا على أَنه لَا يفعل السُّجُود إِلَّا لمقتضيه فَلَو ترك الْمَأْمُوم الْمُتَابَعَة عمدا بطلت صلَاته إِن لم يكن نوى الْمُفَارقَة قبل السُّجُود للمخالفة حَال الْقدْوَة وَتبطل بِمُجَرَّد هوي الإِمَام إِن قصد الْمُخَالفَة وَإِلَّا فبهويه للسجدة الثَّانِيَة فَإِن تخلف عَنهُ سَهوا ثمَّ تذكر قبل سَلام نَفسه سجد وجوبا وَلَو بعد سَلام الإِمَام فَإِن سلم عمدا من غير سُجُود بطلت صلَاته أَو سَهوا فَإِن قصر الزَّمَان تَدَارُكه وَإِن طَال اسْتَأْنف فَلَو سجد الإِمَام قبل أَن يتم الْمَأْمُوم تشهده فَعِنْدَ ابْن حجر يسْجد مَعَ الإِمَام وجوبا ثمَّ بعد ذَلِك يكمل تشهده وجوبا بِنَاء لَا استئنافا وَعند الرَّمْلِيّ يجب عَلَيْهِ أَن يتَخَلَّف لإتمام التَّشَهُّد وَيتَعَيَّن عَلَيْهِ السُّجُود بعد إتْمَام تشهده وَلَو كَانَ الإِمَام قد سلم فَإِن سلم الْمَأْمُوم عمدا من غير سُجُود بطلت صلَاته وَإِن سجد عمدا قبل إتْمَام تشهده بطلت أَيْضا هَذَا فِي الْمُوَافق وَأما الْمَسْبُوق فَمَتَى سجد إِمَامه سجد مَعَه وجوبا وَلَو قبل تَمام تشهده وَإِن كَانَ مَحل تشهد لَهُ بِاتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ لِأَن الْمُتَابَعَة آكِد من تشهده فَإِنَّهُ سنة فَإِذا تخلف الْمَسْبُوق عمدا عَن السُّجُود مَعَ الإِمَام بطلت صلَاته أَو سَهوا لم تبطل وَيسْقط عَنهُ وجوب السُّجُود إِن اسْتمرّ سَهْوه حَتَّى فرغ مِنْهُ الإِمَام لِأَنَّهُ لمحض الْمُتَابَعَة وَقد فَاتَت فَإِن زَالَ سَهْوه فِي أَثْنَائِهِ وَجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا أدْرك مِنْهُ وَسقط عَنهُ الْبَاقِي لما مر وَلَو لم يسْجد الإِمَام عمدا أَو سَهوا فِي آخر صلَاته سجد الْمَأْمُوم ندبا فِي آخر صَلَاة نَفسه بعد سَلام الإِمَام لجبر الْخلَل الْحَاصِل فِي صَلَاة نَفسه نعم إِن كَانَ الْخلَل صدر من الْمَأْمُوم وَحده حَال الْقدْوَة وَلم يصدر من الإِمَام فَلَا يسْجد الْمَأْمُوم كَمَا قَالَ المُصَنّف (لَا) لغير سَهْو الإِمَام فَلَا يسْجد الْمَأْمُوم (لسَهْوه) الْوَاقِع مِنْهُ حَال كَونه (خلف إِمَام) متطهر عَن الْحَدث وَالنَّجس كَأَن سَهَا عَن التَّشَهُّد الأول فَلَا يسْجد لذَلِك لتحمل الإِمَام لَهُ لوُقُوعه حَال اقتدائه بِهِ فَلم يُؤمر بِهِ وَإِن لم يتذكره إِلَّا بعد سَلام الإِمَام كَمَا يحمل عَنهُ الْجَهْر وَالسورَة وَغَيرهمَا كالقنوت فَلَو ظن الْمَأْمُوم سَلام الإِمَام فَسلم فَتبين خِلَافه سلم مَعَ إِمَامه وَلَا سُجُود لِأَن سَهْوه يحملهُ الإِمَام وَلَو تذكر فِي تشهده ترك ركن غير نِيَّة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَغير سَجْدَة من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة أَتَى بعد سَلام إِمَامه بِرَكْعَة وَلَا سُجُود لما مر وَخرج بالتذكر مَا لَو شكّ فِي ذَلِك فَإِنَّهُ يَأْتِي بعد سَلام الإِمَام بِرَكْعَة وَيسْجد وَالْفرق بَينهمَا أَن مَا فعله بعد سَلام الإِمَام فِي صُورَة الشَّك مُتَرَدّد فِي زِيَادَته بعد فرَاغ الْقدْوَة بِخِلَافِهِ فِي صُورَة التَّذَكُّر وَخرج بِحَال الْقدْوَة سَهْوه قبلهَا كَمَا لَو أحرم مُنْفَردا وَحصل مِنْهُ مُقْتَضى السُّجُود ثمَّ اقْتدى بِإِمَام فَلَا يتحمله بل يسْجد فِي آخر صَلَاة نَفسه بعد انْقِضَاء الْقدْوَة وَقبل سَلَامه وَخرج أَيْضا سَهْوه بعد الْقدْوَة كَمَا لَو سَهَا بعد سَلام إِمَامه سَوَاء كَانَ مَسْبُوقا أَو مُوَافقا لانْتِهَاء الْقدْوَة فَلَو سلم الْمَسْبُوق بعد سَلام إِمَامه أَو مَعَه نَاسِيا فَتذكر حَالا بنى على صلَاته وَسجد للسَّهْو لِأَن سَهْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بعد انْقِضَاء الْقدْوَة أَو اختلالها بِالشُّرُوعِ فِي السَّلَام (وَلَو شكّ بعد سَلام) لَا يحصل بعده عود للصَّلَاة (فِي فرض) أَي فِي ترك ركن (غير نِيَّة تحرم وَلم يُؤثر) وَإِن قصر الْفَصْل لِأَن الظَّاهِر مضى الصَّلَاة على الصِّحَّة وَإِلَّا لعسر على النَّاس خُصُوصا على ذَوي الوسواس فَخرج مَا لَو شكّ فِي السَّلَام نَفسه فَيجب تَدَارُكه مَا لم يَأْتِ بمبطل وَلَو بعد طول الْفَصْل إِذْ غَايَة الْأَمر أَن ذَلِك سكُوت طَوِيل وتعمده غير مُبْطل فَلَا يسْجد لسَهْوه وَخرج مَا لَو سلم نَاسِيا أَن عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو فَعَاد للصَّلَاة عَن قرب ليتداركه وَشك بعد عوده فِي ترك ركن فَهُوَ كَمَا لَو شكّ قبل السَّلَام أَي فَيجب تَدَارُكه أما لَو شكّ فِي النِّيَّة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام فيؤثر على الْمُعْتَمد وَلَو كَانَ طرُو الشَّك بعد طول الْفَصْل من السَّلَام وَيجب الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّهُ شكّ فِي أصل الِانْعِقَاد مَا لم يتَذَكَّر أَنه أَتَى بهما وَلَو بعد طول الزَّمَان وَمَوْضِع الْمَسْأَلَة أَن الشَّك طَرَأَ بعد السَّلَام أما لَو شكّ فِي النِّيَّة أَو تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَإِن تذكر عَن قرب قبل مُضِيّ أقل الطُّمَأْنِينَة لَا يضر وَإِلَّا ضرّ وَكَذَا لَو شكّ فِي شَرط من شُرُوط الصَّلَاة فِي أَثْنَائِهَا وَمن الشَّك فِي النِّيَّة مَا لَو شكّ أنوى فرضا أم نفلا لَا شكّ فِي نِيَّة الْقدْوَة فِي غير الْجُمُعَة والمعادة والمجموعة جمع تَقْدِيم بالمطر بِخِلَاف الْمَنْذُور فعلهَا جمَاعَة لِأَن الْجَمَاعَة لَيست شرطا لصحتها بل وَاجِبَة للوفاء بِالنذرِ فَخرج بذلك مَا لَو أحرم بِفَرْض ثمَّ ظن أَنه فِي غَيره فكمل عَلَيْهِ ثمَّ علم الْحَال لم يضر وَإِن ظن أَن مَا أحرم بِهِ نفل وَعَلِيهِ فَهَذَا مِمَّا يفرق فِيهِ بَين الظَّن وَالشَّكّ وَخرج بقوله بعد سَلام مَا قبله فَإِن كَانَ الشَّك فِي ترك ركن أَتَى بِهِ إِن بَقِي مَحَله وَإِلَّا فبركعة وَسجد للسَّهْو فيهمَا لاحْتِمَال الزِّيَادَة أَو لضعف النِّيَّة بالتردد فِي مُبْطل وَلَو سلم وَقد نسي ركنا فَأحْرم بِأُخْرَى فَوْرًا لم تَنْعَقِد لبَقَائه فِي الأولى ثمَّ إِن ذكر قبل طول الْفَصْل عرفا بَين السَّلَام وتيقن التّرْك بنى على الأولى وَلَا نظر لتحرمه هُنَا بِالثَّانِيَةِ وَإِن تخَلّل كَلَام يسير أَو استدبر الْقبْلَة أَو خرج من الْمَسْجِد بِخِلَاف مَا لَو وطىء نَجَاسَة أَو بعد طوله استأنفها لبطلانها بِهِ مَعَ السَّلَام بَينهمَا وَمَتى بنى لم تحسب قِرَاءَته وَيجب الْعود للقعود وإلغاء قِيَامه وَخرج بالفور مَا لَو طَال الْفَصْل بَين السَّلَام وَتحرم الثَّانِيَة فَيصح التَّحَرُّم بهَا وَالْمُعْتَمد أَن الشَّرْط كالركن فَلَا يُؤثر فِيهِ الشَّك الطارىء بعد الحكم بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ أدّى الْعِبَادَة فِي الظَّاهِر فَلَو شكّ بعد السَّلَام هَل كَانَ متوضئا أم لَا لَا يضر وَإِن كَانَ مُتَيَقن الْحَدث قبل الصَّلَاة وَمن ذَلِك مَا لَو شكّ بعد السَّلَام فِي نِيَّة الْوضُوء فَلَا تلْزمهُ الْإِعَادَة بِخِلَاف شكه فِي نِيَّة الطَّهَارَة قبل الصَّلَاة فَإِنَّهُ يُؤثر فَإِن قيل إِن الأَصْل بَقَاء الْحَدث فِي ذَلِك أُجِيب بِأَن هَذَا الأَصْل معَارض بِأَن الأَصْل أَنه لم يدْخل فِي الصَّلَاة إِلَّا بعد الطَّهَارَة لَكِن يمْتَنع عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف صَلَاة أُخْرَى بِهَذِهِ الطَّهَارَة مَا دَامَ شكه فرع تسن سَجدَات التِّلَاوَة لمن قَرَأَ آيَة سَجْدَة قِرَاءَة مَشْرُوعَة مَقْصُودَة أَو سَمعهَا ويتأكد السُّجُود للسامع سُجُود القارىء وَالْمرَاد بالمشروعة أَن لَا تكون مُحرمَة وَلَا مَكْرُوهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 لذاتها وَخرج غير الْمَقْصُودَة كَقِرَاءَة النَّائِم والساهي والسكران والطيور وَنَحْوهَا وبالمشروعة غَيرهَا كَقِرَاءَة الْبَالِغ الْمُسلم الْجنب وكقراءة الْمُصَلِّي فِي غير الْقيام وَالْحَاصِل أَن الشُّرُوط سِتَّة كَون الْقِرَاءَة مَشْرُوعَة مَقْصُودَة من شخص وَاحِد فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة لجَمِيع الْآيَة وَأَن لَا تكون بَدَلا عَن الْفَاتِحَة وَهَذِه السِّتَّة عَامَّة للْمُصَلِّي وَغَيره وَيزِيد الْمُصَلِّي أَن لَا يقْصد بقرَاءَته السُّجُود فِي غير صبح الْجُمُعَة بالم تَنْزِيل وَإِن كَانَ مَأْمُوما شَرط أَن لَا يسْجد إِلَّا لسجود إِمَامه وآيات السُّجُود أَربع عشرَة وَاحِدَة فِي الْأَعْرَاف وَوَاحِدَة فِي الرَّعْد وَوَاحِدَة فِي النَّحْل وَوَاحِدَة فِي الْإِسْرَاء وَوَاحِدَة فِي مَرْيَم وثنتان فِي الْحَج وَوَاحِدَة فِي الْفرْقَان وَوَاحِدَة فِي النَّمْل وَوَاحِدَة فِي الم تَنْزِيل السَّجْدَة وَوَاحِدَة فِي فصلت وَوَاحِدَة فِي النَّجْم وَوَاحِدَة فِي الانشقاق وَوَاحِدَة فِي اقْرَأ باسم رَبك فَفِي الْأَعْرَاف يسْجد عِنْد آخر السُّورَة وَأول الْآيَة {إِن الَّذين عِنْد رَبك} 7 الْأَعْرَاف الْآيَة 206 وَفِي الرَّعْد عِنْد قَوْله تَعَالَى {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} 13 الرَّعْد الْآيَة 15 وَأول الْآيَة {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} 13 الرَّعْد الْآيَة 15 وَفِي النَّحْل عِنْد قَوْله تَعَالَى {ويفعلون مَا يؤمرون} 16 النَّحْل الْآيَة 50 وَقيل {يَسْتَكْبِرُونَ} 16 النَّحْل الْآيَة 49 وَأول الْآيَة {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة} 16 النَّحْل الْآيَة 49 وَفِي الْإِسْرَاء عِنْد قَوْله تَعَالَى {ويزيدهم خشوعا} 17 الْإِسْرَاء الْآيَة 109 وَأول الْآيَة {قل آمنُوا بِهِ} 17 الْإِسْرَاء الْآيَة 107 وَفِي مَرْيَم عِنْد قَوْله تَعَالَى {خروا سجدا وبكيا} 19 مَرْيَم الْآيَة 58 وَأول الْآيَة {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم} 19 مَرْيَم الْآيَة 58 وَفِي الْحَج الأولى عِنْد قَوْله تَعَالَى {يفعل مَا يَشَاء} 22 الْحَج الْآيَة 18 وَأول الْآيَة {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} 22 الْحَج الْآيَة 18 وَالثَّانيَِة عِنْد قَوْله تَعَالَى {لَعَلَّكُمْ تفلحون} 22 الْحَج الْآيَة 77 وَأول الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} 22 الْحَج الْآيَة 77 وَفِي الْفرْقَان عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَزَادَهُمْ نفورا} 25 الْفرْقَان الْآيَة 60 وَأول الْآيَة {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن} 25 الْفرْقَان الْآيَة 60 وَفِي النَّمْل عِنْد قَوْله تَعَالَى {رب الْعَرْش الْعَظِيم} 27 النَّمْل الْآيَة 26 وَأول الْآيَة {أَلا يسجدوا لله} 27 النَّمْل الْآيَة 25 وَفِي {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة عِنْد قَوْله تَعَالَى {وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ} 32 السَّجْدَة الْآيَة 15 وَأول الْآيَة {إِنَّمَا يُؤمن} 32 السَّجْدَة الْآيَة 15 وَفِي فصلت عِنْد قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} 41 فصلت الْآيَة 37 وَأول الْآيَة {وَمن آيَاته اللَّيْل وَالنَّهَار} 41 فصلت الْآيَة 37 وَفِي النَّجْم عِنْد آخر السُّورَة وَأول الْآيَة {فَلَا أقسم بالشفق} 53 النَّجْم الْآيَة 59) وَفِي الانشقاق عِنْد قَوْله تَعَالَى {لَا يَسْجُدُونَ} 84 الانشقاق الْآيَة 21 وَأول الْآيَة {فَلَا أقسم بالشفق} 84 الانشقاق الْآيَة 16 لَكِن قَالَ الشبراملسي وَالْأولَى فِي الانشقاق تَأْخِير السُّجُود إِلَى آخرهَا خُرُوجًا من الْخلاف لِأَنَّهُ لَا يسْتَحبّ السُّجُود عِنْد كل مَحل سَجْدَة عملا بالقولين بل يمْتَنع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ آتٍ بِسَجْدَة لم تشرع وَفِي اقْرَأ عِنْد آخر السُّورَة وَأول الْآيَة {فَليدع نَادِيه} 96 العلق الْآيَة 17 وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن آيَة سَجْدَة تِلَاوَة غير مَا ذكر وَلَو ذكر فِيهَا السُّجُود كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْحجر {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين} 15 الْحجر الْآيَة 98 وَوَقع اضْطِرَاب فِيمَن قَرَأَ آيَة سَجْدَة فِي غير الصَّلَاة بِقصد أَن يسْجد وَالْمُعْتَمد أَنه يسن لَهُ السُّجُود حَيْثُ لم يقْرَأ فِي وَقت الْكَرَاهَة بِقصد أَن يسْجد فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَأما فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ فِي صبح يَوْم الْجُمُعَة بالم تَنْزِيل صَحَّ ذَلِك بِاتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَإِن كَانَ فِي غير صبح الْجُمُعَة فَإِن قَرَأَ آيَة سَجْدَة بِقصد السُّجُود وَسجد عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 باتفاقهما أَيْضا وَلَو قَرَأَ آيَة لَا بِقصد السُّجُود فاتفق أَنَّهَا آيَة سَجْدَة جَازَ السُّجُود عِنْدهمَا وَإِن كَانَ فِي صبح الْجُمُعَة بِغَيْر الم تَنْزِيل جَازَ عِنْد ابْن حجر لِأَن صبح الْجُمُعَة مَحل السُّجُود فِي الْجُمْلَة وَامْتنع عِنْد الرَّمْلِيّ لعدم الْوُرُود وَيسْجد الْمَأْمُوم تبعا لإمامه وجوبا وَلَا يحْتَاج لنِيَّة لِأَن سُجُوده للمتابعة بِخِلَاف الإِمَام وَالْمُنْفَرد فَيحْتَاج سجودهما لنِيَّة بِالْقَلْبِ دون اللِّسَان لِأَن التَّلَفُّظ بهَا مُبْطل فَإِن سجدا بِلَا نِيَّة بطلت صلاتهما وأركان سُجُود التِّلَاوَة لغير مصل تحرم مقرون بِالنِّيَّةِ وَسجْدَة وَسَلام بعد الْجُلُوس وَأما الْمُصَلِّي فَإِن كَانَ مَأْمُوما فَعَلَيهِ مُتَابعَة إِمَامه وَلَا يطْلب مِنْهُ غَيرهَا وَإِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا وَجب عَلَيْهِ نِيَّة السُّجُود فَقَط بِقَلْبِه كَمَا تقدم وَلَا يجوز لَهُ غَيرهَا وشروطه شُرُوط الصَّلَاة وَأَن لَا يطول فصل عرفا بَين السُّجُود وَالْقِرَاءَة بِأَن لَا يزِيد على رَكْعَتَيْنِ بأخف مُمكن من الْوسط المعتدل فَإِن زَاد فَاتَت وَلَا تقضى فَإِن لم يتَمَكَّن من فعلهَا لشغل قَالَ أَربع مَرَّات سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَكَذَا سَجْدَة الشُّكْر وَكَذَا تَحِيَّة الْمَسْجِد وَهُوَ كسجود الصَّلَاة فِي واجباته ومندوباته قَالَ الرَّمْلِيّ أفضل مَا ورد فِيهِ سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ وَالدُّعَاء فِيهِ بمناسب الْآيَة حسن انْتهى ويتكرر بِتَكَرُّر الْآيَة نعم إِن لم يسْجد حَتَّى كرر الْآيَة كَفاهُ سَجْدَة وَاحِدَة وَيسن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد التَّحَرُّم بهَا كَالصَّلَاةِ وتفوت بِالْإِعْرَاضِ وَطول الْفَصْل وَيسن سُجُود الشُّكْر لهجوم نعْمَة لَهُ وَإِن كَانَ لَهُ نظيرها أَو لنَحْو وَلَده أَو قَرِيبه أَو صديقه أَو من يعم النَّفْع بِهِ كالعالم أَو لعُمُوم الْمُسلمين وَالْمرَاد بالهجوم أَن تكون من حَيْثُ لَا يحْتَسب فِي وَقت لم يتَيَقَّن وجودهَا فِيهِ وَإِن كَانَ متوقعا لَهَا بِحَيْثُ لَا تنْسب لتسببه عَادَة كَالْوَلَدِ والعافية وَلَا عِبْرَة بتسببه بِالْوَطْءِ وتعاطي الدَّوَاء لعدم الانتساب إِلَى ذَلِك عَادَة وَخرج بالهجوم النعم المستمرة كالعافية المستمرة وَالْإِسْلَام والغنى عَن النَّاس وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ مَا حصل بتسببه عَادَة كربح مُعْتَاد لتاجر فَلَا يسْجد لذَلِك أَو هجوم اندفاع نقمة عَنهُ أَو عَمَّن تقدم سَوَاء كَانَ يتوقعها أم لَا أَو رُؤْيَة مبتلى بِفَتْح اللَّام فِي نَحْو عقله أَو بدنه أَو رُؤْيَة نَحْو عَاص متجاهر بِمَعْصِيَة وَلَو بارتكاب صَغِيرَة من غير إِصْرَار وَإِنَّمَا يسْجد من رأى الْمُبْتَلى والعاصي إِذا كَانَ غير مصاب بِمثل بلوته بِأَن كَانَ سليما أَو مصابا بأخف مِنْهَا وَلَو من نوعها ويتعدد السُّجُود بِتَعَدُّد رُؤْيَة الْمُبْتَلى أَو الْفَاسِق نعم لَو تعدّدت الْأَسْبَاب قبل السُّجُود كَفاهُ سُجُود وَاحِد للْجَمِيع وَلَو اخْتلفت الْأَسْبَاب كَأَن هجمت النِّعْمَة عِنْد رُؤْيَة الْمُبْتَلى والعاصي وَيسن إِظْهَار سُجُود الشُّكْر إِلَّا للمبتلى لِئَلَّا يتَأَذَّى نعم إِن كَانَ غير مَعْذُور كمقطوع فِي سَرقَة أَو مجلود فِي زنا وَلم يعلم تَوْبَته أظهره لَهُ وَإِلَّا فيسره وَإِلَّا للعاصي إِن خَافَ ضَرَره وَهِي كسجدة التِّلَاوَة خَارج الصَّلَاة فِي كيفيتها وشروطها ومندوباتها وَيسن أَن يَقُول فِيهِ أَيْضا اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا وضع عني بهَا وزرا واقبلها مني كَمَا قبلتها من عَبدك دَاوُد وَالظَّاهِر أَن هَذَا الدُّعَاء لَا يُقَال إِلَّا فِي سَجْدَة ص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَلَا يجوز فعل هَذَا السُّجُود فِي الصَّلَاة وَيسن أَن يَقُول بعد السُّجُود لرؤية الْمُبْتَلى أَو الْفَاسِق سرا الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني على كثير من خلقه تَفْضِيلًا وَقد ورد أَنه إِذا قَالَ ذَلِك عافاه الله من ذَلِك الْبلَاء طول عمره وَكَانَ السّلف الصَّالح يفرحون بالمصائب الَّتِي لَا تضر فِي الدّين نظرا لثوابها فَيَنْبَغِي للْعَبد أَن يفرح بِالْمرضِ كَمَا يفرح بِالصِّحَّةِ ويشكر الله تَعَالَى فِي أَيَّام الْبلَاء وَأَيَّام الرخَاء فَمَا قضى الله لعَبْدِهِ الْمُؤمن أمرا غير مُخَالف لأوامر الشَّرْع إِلَّا وَكَانَت لَهُ الْخيرَة فِيهِ وَسجْدَة الشُّكْر لَا تدخل صَلَاة بل تحرم فِيهَا وتبطلها وتفوت بطول الْفَصْل عرفا بَينهَا وَبَين سَببهَا وَمِنْهَا سَجْدَة ص عِنْد قَوْله تَعَالَى {وخر رَاكِعا وأناب} 38 ص الْآيَة 24 وَأول الْآيَة {وَظن دَاوُد} 38 ص الْآيَة 24 فَإِن دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سجدها شكرا لله تَعَالَى على قبُول تَوْبَته من خلاف الأولى الَّذِي ارْتَكَبهُ وَهُوَ إضماره أَنه إِن مَاتَ وزيره تزوج بِزَوْجَتِهِ وَنحن نسجد هَذِه السَّجْدَة شكرا لله تَعَالَى على ذَلِك عِنْد تِلَاوَة هَذِه الْآيَة وَلَا يشْتَرط أَن يَنْوِي بهَا سُجُود الشُّكْر على قبُول تَوْبَة دَاوُد بل يَكْفِي مُطلق نِيَّة الشُّكْر وَكَذَا لَو قَالَ نَوَيْت السُّجُود لقبُول تَوْبَة دَاوُد بِخِلَاف مَا لَو نوى الشُّكْر والتلاوة مَعًا خَارج الصَّلَاة فَلَا يَصح لِأَن سُجُود التِّلَاوَة إِن لم يكن من السجدات الْمَشْرُوعَة كَانَ بَاطِلا فَإِذا نواهما فقد نوى مُبْطلًا وَغَيره فيغلب الْمُبْطل فصل فِي مفسدات الصَّلَاة (تبطل الصَّلَاة) بِعشْرين شَيْئا الأول (بنية قطعهَا) وَهِي نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة قبل مَجِيء محلهَا وَهُوَ مقارنتها للسلام إِمَّا حَالا أَو بعد رَكْعَة مثلا فَإِنَّهَا تبطل حَالا كَمَا لَو نوى أَنه يكفر غَدا فَإِنَّهُ يكفر حَالا فَائِدَة الْعِبَادَات بِالنِّسْبَةِ إِلَى قطع النِّيَّة أَرْبَعَة أَقسَام قسم يبطل بِمُجَرَّد قطع نِيَّته اتِّفَاقًا وَهُوَ الْإِسْلَام وَالصَّلَاة وَقسم لَا يبطل بذلك اتِّفَاقًا وَهُوَ الْحَج وَالْعمْرَة وَقسم لَا يبطل بذلك على الْأَصَح وَهُوَ الصَّوْم وَالِاعْتِكَاف وَقسم لَا يبطل مَا مضى مِنْهُ على الْأَصَح لَكِن يحْتَاج الْبَاقِي إِلَى تَجْدِيد نِيَّة وَهُوَ الْوضُوء وَالْغسْل (و) الثَّانِي ب (تردد فِيهِ) أَي فِي قطعهَا أَو تَعْلِيقهَا بِشَيْء وَلَو محالا عاديا لمنافاته الْجَزْم الْمَطْلُوب دَوَامه فِي الصَّلَاة بِخِلَاف الْمحَال الْعقلِيّ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْجَزْم الْمَذْكُور (و) الثَّالِث ب (فعل كثير) عرفا إِذا كَانَ كثيرا يَقِينا ثقيلا (وَلَاء) بِغَيْر عذر وَلَا فرق فِي الْفِعْل الْمُبْطل بَين عمده وسهوه فَيبْطل مُطلقًا (وَلَو سَهوا) سَوَاء كَانَ من جنس وَاحِد (كثلاث خطوَات) أَو ضربات مُتَوَالِيَة أَو من أَجنَاس كخطوة وضربة وخلع نعل وَيفهم مِمَّا تقدم أَن ضَابِط الْكَثْرَة الْعرف فَمَا يعده النَّاس كثيرا يضر مثل ثَلَاث خطوَات وَإِن كَانَت بِقدر خطْوَة وَاحِدَة وَالْمُعْتَمد أَن الخطوة نقل الْقدَم إِلَى أَي جِهَة كَانَت فَإِن نقلت الْأُخْرَى عدت ثَانِيَة سَوَاء سَاوَى بهَا الأولى أم قدمهَا عَلَيْهَا أم أَخّرهَا عَنْهَا وَذَهَاب الرجل وعودها يعد مرَّتَيْنِ مُطلقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بِخِلَاف ذهَاب الْيَد وعودها على الِاتِّصَال فَإِنَّهُ يعد مرّة وَاحِدَة وَكَذَا رَفعهَا ثمَّ وَضعهَا وَلَو فِي غير موضعهَا وَأما رفع الرجل فَإِنَّهُ يعد مرّة ووضعها يعد مرّة ثَانِيَة إِن وَضعهَا فِي غير موضعهَا وَالْفرق بَين الْيَد وَالرجل أَن الرجل عَادَتهَا السّكُون بِخِلَاف الْيَد وَلَو نوى الْفِعْل الْكثير وَشرع فِيهِ بطلت صلَاته لِأَنَّهُ قصد الْمُبْطل وَشرع فِيهِ وَخرج بِالْيَقِينِ مَا لَو شكّ فِي كثرته فَلَا بطلَان وَخرج بالثقيل الْخَفِيف كَمَا قَالَ (لَا بحركات خَفِيفَة) فَلَا بطلَان بذلك مَا لم يكن على وَجه اللّعب فَإِن كَانَ كَذَلِك بطلت الصَّلَاة (كتحريك أَصَابِع) فِي سبْحَة بِلَا تَحْرِيك الْكَفّ (أَو جفن) أَو لِسَان أَو شفتين أَو ذكر أَو أنثيين وَمن الْخَفِيف نزع الْخُف أَو الضَّرْبَة أَو الضربتان أَو الخطوة أَو الخطوتان فَلَا يضر مَا لم يحصل وثبة وَخرج بقوله وَلَاء المتفرق بِحَيْثُ لَا ينْسب الثَّانِي إِلَى الأول أَو الثَّالِث إِلَى الثَّانِي عرفا فَلَا يضر وَخرج بِغَيْر عذر مَا إِذا كَانَ لعذر كَصَلَاة شدَّة الْخَوْف وَالصَّلَاة الَّتِي أحرم بهَا فِي أَرض مَغْصُوبَة فَإِنَّهُ يتَوَجَّه لِلْخُرُوجِ مِنْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة كَمَا تقدم وَمن ذَلِك صَلَاة النَّافِلَة فِي السّفر كَمَا تقدم أَيْضا فَإِن الْمَاشِي يتَوَجَّه فِي أَربع وَيَمْشي فِي أَربع والراكب إِذا احْتَاجَ إِلَى تَحْويل رجله أَو نَحوه فَلَا يضر وَلَو كَانَ فِي الصَّلَاة وناداه نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَلَب الْمَجِيء وَجَبت عَلَيْهِ الْإِجَابَة بِمَا طلبه وَلَا تبطل صلَاته وَلَو كثرت الْأَفْعَال وتوالت وَلَو استدبر الْقبْلَة وَإِذا انْتهى فرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم صلَاته فِيمَا وصل إِلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَن يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول حَيْثُ لزم على ذَلِك أَفعَال مُتَوَالِيَة مَا لم يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعودِ وَلَو كَانَ إِمَامًا يتَأَخَّر عَن الْقَوْم بِسَبَب الْإِجَابَة جَازَ ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن على الْمَأْمُومين نِيَّة الْمُفَارقَة بِمُجَرَّد تَأَخره عَنْهُم لاحْتِمَال أَن يَأْمُرهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعودِ إِلَى مَكَانَهُ الأول فَلهم الصَّبْر إِلَى تبين الْحَال وَلَو تقدم عَلَيْهِم بِأَكْثَرَ من ثلثمِائة ذِرَاع بِسَبَب الْإِجَابَة جَازَ لَهُم الْبَقَاء على الْمُتَابَعَة وتغتفر الزِّيَادَة لِأَنَّهَا فِي الدَّوَام وَيغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء كَمَا لَو زَالَت الرابطة فِي الدَّوَام وَمثل الْفِعْل الْكثير الفعلة الْفَاحِشَة كالنطة وكتحريك جَمِيع بدنه لِأَن الصَّلَاة ذَات أَفعَال منظومة والفعلة الْفَاحِشَة تقطع نظمها (و) الرَّابِع (بنطق) بِكَلَام مَخْلُوق (بحرفين) وَإِن لم يفهما نعم يعْذر فِي التَّلَفُّظ بِنذر التبرر الْخَالِي عَن التَّعْلِيق وَالْخطاب لمخلوق غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ مُنَاجَاة لله فَهُوَ من جنس الدُّعَاء لتَضَمّنه ذكرا بِخِلَاف غير التبرر أَو كَانَ بتعليق أَو خطاب وَبِخِلَاف بَاقِي الْقرب كَالْعِتْقِ وَالْوَقْف فَإِن الصَّلَاة تبطل بذلك وَفِي إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دَعَاهُ وَلَو بِالْإِشَارَةِ وَيشْتَرط أَن يجِيبه بِمَا دَعَاهُ بِهِ فَلَو طلب مِنْهُ القَوْل فَأَجَابَهُ بِالْفِعْلِ أَو عَكسه بطلت صلَاته وَهَذِه خُصُوصِيَّة لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج بَاقِي الْأَنْبِيَاء وَكَذَا الْمَلَائِكَة فَتبْطل الصَّلَاة بإجابتهم (وَلَو ظهر فِي تنحنح لغير تعذر قِرَاءَة وَاجِبَة) ولغير تعذر وَاجِب قولي غَيرهَا أما السّنة فَلَا ضَرُورَة إِلَى التنحنح لأَجلهَا ولاضرورة لمن يُمكنهُ إتْيَان وَاجِب قولي سرا (أَو نَحوه) كضحك وبكاء وأنين وَنفخ من أنف أَو وسعال وعطاس وَخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بالضحك التبسم فَلَا تبطل بِهِ (أَو بِحرف مفهم) نَحْو ق أَو ع أَو ل أَو ط من الْوِقَايَة والوعاية وَالْولَايَة وَالْوَطْء (لَا بِيَسِير نَحْو تنحنح لغَلَبَة وَكَلَام) فيعذر فِي يسير كَلَام عرفا (بسهو) بِأَن نسي كَونه فِي الصَّلَاة (أَو سبق لِسَان) إِلَى الْكَلَام الْيَسِير (أَو جهل تَحْرِيمه) فِيهَا (لقرب إِسْلَام أَو بعد عَن الْعلمَاء) بِخِلَاف من بعد إِسْلَامه من الْعلمَاء فَلَا يعْذر لتَقْصِيره بترك التَّعَلُّم واليسير عرفا هُوَ الَّذِي يكون سِتّ كَلِمَات عرفية فَأَقل وَخرج بذلك الْكثير وَهُوَ مَا زَاد على سِتّ كَلِمَات عرفية فَإِنَّهُ مُبْطل مُطلقًا وَضَابِط الْبعد عَن الْعلمَاء أَن يعسر عَلَيْهِ السّفر إِلَيْهِم لخوف أَو عدم زَاد أَو ضيَاع من تلْزمهُ نَفَقَتهم أَو نَحْو ذَلِك من أعذار الْحَج فَإِن انْتَفَى ذَلِك لزمَه السّفر لتعلم الْمسَائِل الظَّاهِرَة دون الْخفية وَالْمرَاد بالعلماء هُنَا الْعَالمُونَ بِهَذَا الحكم الْمَجْهُول وَإِن لم يَكُونُوا عُلَمَاء عرفا وَلَو علم تَحْرِيم جنس الْكَلَام فِي الصَّلَاة لَكِن جهل تَحْرِيم مَا أَتَى بِهِ من ذَلِك لَا تبطل إِن قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو كَانَ بَعيدا عَن الْعلمَاء وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ يَسِيرا عرفا واستنبط بَعضهم من ذَلِك صِحَة صَلَاة الْمبلغ والفاتح على الإِمَام بِقصد الْإِعْلَام فَقَط إِذا كَانَ يجهل امْتنَاع ذَلِك قَالَ وَيَنْبَغِي صِحَة صلَاته وَإِن لم يقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ وَلَو نَشأ قَرِيبا من الْعلمَاء لمزيد خَفَاء ذَلِك على الْعَوام ويعذر فِي التنحنح للغلبة إِن قل ولتعذر ركن قولي وَإِن كثر عرفا فيتنحنح بِقدر مَا يسمع نَفسه وَلَا يعْذر فِي التنحنح للسنن كجهر وَقِرَاءَة سُورَة وقنوت وَتَكْبِيرَة انتقالات وَالْحَاصِل أَن التنحنح إِذا لم يظْهر مِنْهُ حرفان أَو حرف مفهم لَا يضر مُطلقًا وَإِن ظهر مِنْهُ حرفان أَو حرف مفهم إِن كَانَ لغير عذر ضرّ مُطلقًا فَإِن كَانَ للغلبة وَلم يكن مَرضا ملازما لَا يضر إِن قل عرفا وَلَو ظهر مِنْهُ حرفان وَلَو فِي كل مرّة فَإِن صَار ملازما بِحَيْثُ لَا يَخْلُو الشَّخْص مِنْهُ فِي الْوَقْت زَمنا يسع الصَّلَاة لَا يضر وَلَو كثر عرفا وَكَذَا إِذا كَانَ لتعذر الرُّكْن القولي والبكاء والأنين والتأوه وَلَو كَانَ كل مِنْهَا من خوف الْآخِرَة والضحك والنفخ بالفم أَو الْأنف والسعال والعطاس والتثاؤب إِن كَانَ ذَلِك للغلبة لَا يضر إِن قل عرفا وَلَو ظهر مِنْهُ حرفان وَلَو فِي كل مرّة فَإِن كثر عرفا ضرّ وَكَذَا لَو كَانَ بِغَيْر عذر وَظهر مِنْهُ حرفان أَو حرف مفهم وَخرج بِكَلَام الْمَخْلُوق كَلَام الله تَعَالَى وَمثله الذّكر فَلَا بطلَان بِهِ وَكَذَا الدُّعَاء مَا لم يُخَاطب بِهِ غير الله وَرَسُوله وَلم يكن محرما وَإِلَّا بطلت صلَاته كَأَن قَالَ لغيره رَحِمك الله أَو دَعَا بإثم أَو قطيعة رحم أَو دَعَا على إِنْسَان بِمَا لَا يجوز وَلَو تكلم بنظم الْقُرْآن ك {يَا يحيى خُذ الْكتاب} 19 مَرْيَم الْآيَة 12 مفهما بِهِ من استأذنه أَن يَأْخُذ شَيْئا لَا تبطل صلَاته إِن قصد التِّلَاوَة فَقَط أَو مَعَ الإفهام أَو شكّ فِي ذَلِك فَإِن قصد الإفهام فَقَط أَو أطلق بطلت صلَاته وَكَذَا يُقَال فِي الْفَتْح على الإِمَام وَفِي جهر الإِمَام أَو الْمبلغ بتكبيرات الِانْتِقَالَات لإسماع الْمَأْمُومين وَيُؤْخَذ مِمَّا تقدم تَخْصِيص ذَلِك بالعارف أما غَيره فَفِيهِ مَا تقدم وَتبطل الصَّلَاة بِمَا لَا يعقل كَأَن قَالَ يَا أَرض رَبِّي وَرَبك الله أعوذ بِاللَّه من شرك وَشر مَا فِيك وَشر مَا دب عَلَيْك وَلَو قَالَ إِمَامه {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 1 - الْفَاتِحَة الْآيَة 5 فَقَالَهَا أَو قَالَ استعنا بِاللَّه أَو استعنت بِاللَّه فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وَلَو قَالَ لإمامه صدقت حِين نطق بالثناء فِي الْقُنُوت بطلت صلَاته لِأَنَّهُ خطاب وَإِذا قَالَ أشهد فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وَلَو سلم نَاسِيا فَظن بطلَان صلَاته فَتكلم يَسِيرا عَامِدًا لم تبطل وَلَا تجب إِجَابَة الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاة بل تحرم فِي الْفَرْض وَأما النَّفْل فالإجابة فِيهِ أفضل إِن شقّ عَلَيْهِمَا عدمهَا وَإِلَّا فالاستمرار أفضل (و) الْخَامِس (بمفطر) للصَّوْم فَكل مَا أبطل الصَّوْم أبطل الصَّلَاة وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن ذَلِك مَا لَو كَانَ فِي فَمه بَاقِي مطعوم أَو مشروب فَجرى بِهِ رِيقه فابتلعه فَإِن صلَاته تبطل نعم لَو كَانَ بَين أَسْنَانه طَعَام وَعجز عَن تَمْيِيزه ومجه فَجرى بِهِ رِيقه فَنزل إِلَى حلقه بِغَيْر إِرَادَته فَإِنَّهُ لَا يضر كَمَا فِي الصَّوْم وَتبطل الصَّلَاة بِأَكْل بِضَم الْهمزَة وَلَو بِلَا حَرَكَة وَلَو قَلِيلا لشدَّة منافاته للصَّلَاة لِأَنَّهُ يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا نعم لَو كَانَ نَاسِيا للصَّلَاة أَو جَاهِلا تَحْرِيمه فِيهَا وَقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء لَا تبطل صلَاته بِالْأَكْلِ الْقَلِيل بِخِلَاف الْكثير فَإِنَّهُ مُبْطل مُطلقًا بِخِلَاف الصَّوْم وَلَا فرق بَين الْمُكْره وَغَيره لندرة الْإِكْرَاه (و) السَّادِس (بِزِيَادَة ركن) أَي تكْرَار ركن (فعلي عمدا) لغير عذر فَإِن كَانَ لعذر كمتابعة الإِمَام لَا يضر وَلَا يضر جُلُوس قصير بِقدر الطُّمَأْنِينَة بعد الْهَوِي من الِاعْتِدَال وَقبل السُّجُود الأول لِأَن الْجُلُوس عهد فِي الصَّلَاة غير ركن كجلوس الاسْتِرَاحَة بِخِلَاف مَا إِذا انحنى حَتَّى خرج عَن حد الْقيام بِأَن صَار أقرب إِلَى الرُّكُوع عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ فَتبْطل صلَاته وَمثله فِي السُّجُود إِذا كَانَ لغير مَطْلُوب كَمَا تقدم عَن الشبراملسي وَخرج بالفعلي فِي الصُّورَتَيْنِ القولي كالفاتحة وَالتَّشَهُّد وبالعمد فيهمَا السَّهْو فَلَا بطلَان وَإِذا أدْرك الْمَسْبُوق الإِمَام فِي السَّجْدَة الأولى من صلب صلَاته فَسجدَ مَعَه ثمَّ رفع الإِمَام رَأسه فأحدث وَانْصَرف فَالْأَصَحّ أَنه لَا يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَة لِأَنَّهُ بِحَدَث الإِمَام انْفَرد فَهِيَ زِيَادَة مَحْضَة بِغَيْر مُتَابعَة فَكَانَت مبطلة (و) السَّابِع (باعتقاد فرض) بِعَيْنِه من فروض الصَّلَاة (نفلا) لتلاعبه وَإِنَّمَا صَحَّ الِاقْتِدَاء بِمن يرى سنية الطُّمَأْنِينَة لِأَن الْمدَار فِي الْقدْوَة على الْإِتْيَان بِمَا يَعْتَقِدهُ الْمَأْمُوم وَإِن لم يعْتَقد الإِمَام مَا يَعْتَقِدهُ الْمَأْمُوم وَإِلَّا لم يَصح الِاقْتِدَاء بمخالف وَمحل الْبطلَان بِظَنّ ذَلِك إِن كَانَ فِي ركن فعلي وَفعله مَعَ ذَلِك أَو فِي قولي أَتَى بِهِ مَعَ ذَلِك وَشرع فِيمَا بعده أما لَو أعَاد القولي فِي مَحَله بنية الْفَرْض أَو لَا بنية شَيْء فَلَا بطلَان كَذَا فِي فتح الْجواد وَالثَّامِن مِمَّا يفْسد الصَّلَاة الْحَدث بأقسامه الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة وَلَو بِلَا قصد وَاخْتِيَار وَأما فَسَادهَا فِيمَن تعمد ذَلِك فبالإجماع وَلِحَدِيث مُسلم لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَأما فِيمَن سبقه الْحَدث فَلذَلِك الحَدِيث وَالتَّاسِع الشَّك فِي النِّيَّة أَو فِي شَيْء من شُرُوط الصَّلَاة كالطهارة أَو هَل نوى ظهرا أَو عصرا وَمضى على ذَلِك زمن يسع ركنا أما لَو زَالَ الشَّك سَرِيعا كَأَن خطر لَهُ خاطر وَزَالَ سَرِيعا فَلَا وَفرض الْمَسْأَلَة أَنه طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّك وَهُوَ فِي الصَّلَاة قبل السَّلَام مِنْهَا والعاشر الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 انكشاف الْعَوْرَة مَعَ الْقُدْرَة على سترهَا وَلَو كَانَ فِي خلْوَة إِلَّا إِن كشفها الرّيح فسترها حَالا قبل مُضِيّ أقل الطُّمَأْنِينَة فَلَا بطلَان حِينَئِذٍ إِلَّا إِن كثر وتوالى بِحَيْثُ يحْتَاج السّتْر إِلَى أَفعَال كَثِيرَة مُتَوَالِيَة وَإِلَّا بطلت وَالْحَادِي عشر الانحراف عَن الْقبْلَة بِبَعْض مَا وَجب الِاسْتِقْبَال بِهِ وَلَو بإكراه لندرة الْإِكْرَاه فِي الصَّلَاة وَمن ذَلِك مَا يَقع كثيرا أَن ينفذ شخص بَين مصليين فيحرفهما أَو أَحدهمَا عَن الْقبْلَة أَو يمر بِجنب مصل فيحرفه فَإِن الصَّلَاة تبطل على الْمُعْتَمد نعم لَو انحرف عَن الْقبْلَة نَاسِيا أَنه فِي الصَّلَاة وَعَاد عَن قرب لَا يضر وَالثَّانِي عشر الرِّدَّة أعاذنا الله وَالْمُسْلِمين مِنْهَا وَالثَّالِث عشر ظُهُور بعض مَا ستر بالخف من رجل أَو لفافة أَو انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح وَهُوَ فِي الصَّلَاة فِي الْحَالين وَالرَّابِع عشر اتِّصَال نَجَاسَة بِبدنِهِ وَلَو دَاخل أَنفه أَو عينه أَو بملبوسه إِلَّا إِن نحاها حَالا بِغَيْر حمل لَهَا أَو لما اتَّصَلت بِهِ وَمِثَال تنحيتها بِغَيْر حمل أَن تكون يابسة فينفضها كَأَن يمِيل كتفه فيلقيها وَله نفضها حِينَئِذٍ وَلَو فِي الْمَسْجِد وَإِن اتَّسع الْوَقْت ثمَّ تجب إِزَالَتهَا بعد ذَلِك فَوْرًا فَإِن كَانَت رطبَة فتنحيتها برمي مَا أَصَابَته حَالا من غير حمل لَهُ لَكِن إِن كَانَ فِي الْمَسْجِد وَلزِمَ على إلقائها فِيهِ تنجيسه فَإِن اتَّسع الْوَقْت راعاه فَلَا يلقيها فِيهِ بل يقطع الصَّلَاة ويلقيها خَارجه وَإِلَّا رَاعى الصَّلَاة وَألقى النَّجَاسَة وَتجب إِزَالَتهَا بعد الصَّلَاة فَوْرًا وَخرج بِالْمَسْجِدِ الرِّبَاط والمدرسة وَملك الْغَيْر والآدمي الْمُحْتَرَم وقبره وَملك نَفسه فَإِنَّهُ يُرَاعِي الصَّلَاة فِي جَمِيع ذَلِك وَإِن لزم على ذَلِك إِفْسَاد شَيْء وَلَا يرد على الْغَايَة الْمَذْكُورَة أَن فِيهَا إِضَاعَة مَال وَهِي حرَام لِأَن مَحل الْحُرْمَة مَا لم تكن لغَرَض شَرْعِي وَهُوَ هُنَا تَصْحِيح الصَّلَاة وَالَّذِي يتَعَيَّن مُرَاعَاة الْمُصحف وجوف الْكَعْبَة وَإِن ضَاقَ الْوَقْت وَلَو كَانَت النَّجَاسَة جافة لعظم حرمتهَا وَمثل تنحيتها فَوْرًا مَا لَو غسل مَا أَصَابَته فَوْرًا كَمَا لَو كَانَ بِجنب مَاء كثير فَأصَاب يَده بَوْل مثلا فغمسها فَوْرًا فِي ذَلِك المَاء قَالَ بَعضهم وَلَعَلَّ ضَابِط الْفَوْرِيَّة أَن لَا يُرِيد على قدر الطُّمَأْنِينَة وَالْخَامِس عشر تَقْدِيم الرُّكْن الْفعْلِيّ على مَحَله عمدا وَالسَّادِس عشر ترك ركن من أَرْكَان الصَّلَاة عمدا بِخِلَافِهِ سَهوا مَا لم يسلم ويطل الْفَصْل وَإِلَّا استأنفها وَالسَّابِع عشر تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَهُوَ الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَتقدم تَصْوِير تَطْوِيل ذَلِك وَالثَّامِن عشر التَّقَدُّم على الإِمَام بركنين فعليين عَامِدًا عَالما بِلَا عذر أَو التَّخَلُّف عَنهُ بهما كَذَلِك أما التَّقَدُّم على الإِمَام بِأَقَلّ من ركنين فعليين فَلَيْسَ مُبْطلًا لكنه فِي الْفعْلِيّ حرَام وَلَو بِبَعْض ركن وَالتَّاسِع عشر الِاقْتِدَاء بِمن لَا يقْتَدى بِهِ وَلَو مَعَ الْجَهْل بِحَالهِ نعم إِن بَان إِمَامه مُحدثا أَو ذَا نَجَاسَة خُفْيَة حَيْثُ كَانَ الْمَأْمُوم غير عَالم بذلك لم يضر والنجاسة الْخفية هِيَ مَا لَو تأملها الْمَأْمُوم لم يرهَا وَقيل مَا كَانَت مستترة بالثياب فَإِن قلت الْكَلَام فِيمَا يفْسد الصَّلَاة وَهُوَ الَّذِي يطْرَأ بعد انْعِقَادهَا فيفسدها والاقتداء بِمن لَا يقْتَدى بِهِ يمْنَع الِانْعِقَاد فَكيف عد من المفسدات قلت يصور بِمَا إِذا أحرم بِالصَّلَاةِ مُنْفَردا ثمَّ بعد انْعِقَادهَا نوى الِاقْتِدَاء بِمن لَا يقْتَدى بِهِ فتفسد هَذِه النِّيَّة على مَا تقدم وَالْعشْرُونَ صرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 نِيَّة صَلَاة إِلَى صَلَاة أُخْرَى سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا (و) لَكِن (ندب لمنفرد) أَي لمن يُصَلِّي مُنْفَردا (رأى جمَاعَة) مَشْرُوعَة (أَن يقلب فَرْضه نفلا) أَي يصرف فَرْضه إِلَى نفل مُطلق ليدرك فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِشُرُوط سِتَّة الأول أَن يتَحَقَّق إِتْمَامهَا فِي الْوَقْت لَو استأنفها وَإِلَّا حرم الْقلب فِي هَذِه الثَّانِي أَن تكون الصَّلَاة المقلوبة ثلاثية أَو ربَاعِية (و) الثَّالِث أَن لَا يشرع فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة لِأَنَّهُ طلب مِنْهُ أَن (يسلم من رَكْعَتَيْنِ) أَو رَكْعَة الرَّابِع أَن لَا تُوجد جمَاعَة غَيرهَا الْخَامِس أَن لَا يكون الإِمَام مُخَالفا فِي الْمَذْهَب وَلَا مبتدعا وَإِلَّا جَازَ الْقلب فِي هَذِه الْأَرْبَعَة وَلم ينْدب السَّادِس أَن تكون الْجَمَاعَة مَطْلُوبَة فِي تِلْكَ الصَّلَاة فَلَو كَانَ يُصَلِّي فَائِتَة لم يجز قَلبهَا نفلا ليصليها فِي جمَاعَة حَاضِرَة أَو فَائِتَة لَيست من نوعها فَلَو كَانَت الْجَمَاعَة فِي فَائِتَة من نوعها كَأَن كَانَتَا ظهرين أَو عصرين جَازَ الْقلب وَلم ينْدب مَا لم يجب قَضَاء الْفَائِتَة فَوْرًا وَإِلَّا حرم الْقلب وَلَو خشِي فِي فَائِتَة فَوت حَاضِرَة قَلبهَا نفلا فَعلم أَن الْقلب تَارَة يسن وَتارَة يجب وَتارَة يحرم وَتارَة يجوز وَلَا تعتريه الْكَرَاهَة فصل فِي سنَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة قبل الدُّخُول فِيهَا وَهِي شَيْئَانِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة أما الْأَذَان فَهُوَ قَول مَخْصُوص مَطْلُوب لفريضة الصَّلَاة وكلماته خمس عشرَة كلمة وَهِي أَن يَقُول الله أكبر أَرْبعا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله كَذَلِك حَيّ على الصَّلَاة كَذَلِك حَيّ على الْفَلاح كَذَلِك الله أكبر كَذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله مرّة وَأما الْإِقَامَة فَهِيَ ذكر مَخْصُوص يكون سَببا للْقِيَام إِلَى الْمَكْتُوبَة وكلماتها إِحْدَى عشرَة كلمة وَهِي الله أكبر تقال مرَّتَيْنِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح تقال كل وَاحِدَة مرّة قد قَامَت الصَّلَاة تقال مرَّتَيْنِ الله أكبر تقال مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا الله تقال مرّة فَتبين بذلك أَن مُعظم الْأَذَان مثنى وَمِنْه مَا هُوَ أَربع وَهُوَ التَّكْبِير فِي أَوله كَمَا تقدم وَمَا هُوَ وَاحِد وَهُوَ التَّوْحِيد آخِره ومعظم الْإِقَامَة فُرَادَى وَمِنْه مَا هُوَ اثْنَان وَهُوَ التَّكْبِير أَولهَا وَآخِرهَا وَقد قَامَت الصَّلَاة (سنّ أَذَان وَإِقَامَة) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم وَلخَبَر إبي دَاوُد وَتقول إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة الله أكبر الله أكبر إِلَى آخر الْإِقَامَة (لذكر وَلَو مُنْفَردا) بِالصَّلَاةِ فِي صحراء أَو غَيرهَا وَيَكْفِي فِي أَذَان الْمُنْفَرد إسماع نَفسه بِخِلَاف أَذَان الْإِعْلَام كَمَا يَأْتِي وَلَكِن سنية كل من الْأَذَان وَالْإِقَامَة سنة كِفَايَة للْجَمَاعَة وَسنة عين للمنفرد (وَإِن سمع أذانا) من غَيره حَيْثُ لم يكن مدعوا بِهِ أما إِذا كَانَ مدعوا بِهِ بِأَن سَمعه من مَكَان وَأَرَادَ الصَّلَاة فِيهِ وَصلى مَعَهم فَلَا ينْدب لَهُ الْأَذَان ثمَّ الْأَذَان وَإِن كَانَ سنة أفضل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الْجَمَاعَة الَّتِي هِيَ فرض عين فِي الْجُمُعَة والمعادة والمجموعة بالمطر تَقْدِيمًا وَفِي الْمَنْذُور جماعتها وَفرض كِفَايَة فِيمَا عدا ذَلِك من الْمَكْتُوبَة فَهُوَ من السّنَن الَّتِي فضلت الْفَرْض كإنظار الْمُعسر وإبرائه فَإِن الإنظار وَاجِب وَالْإِبْرَاء مَنْدُوب وَالْإِبْرَاء أفضل من الإنظار وكابتداء السَّلَام ورده فَإِن ابتداءه سنة ورده فرض كِفَايَة والابتداء أفضل من الرَّد وَبَقِي من سنَن الْكِفَايَة تشميت الْعَاطِس وَالتَّسْمِيَة على الطَّعَام إِذا كَانَ المتناول مِنْهُ أَكثر من وَاحِد وَمَا يفعل بِالْمَيتِ إِذا ندب إِلَيْهِ وَالْأُضْحِيَّة فِي حق أهل الْمنزل الْوَاحِد فجملتها سَبْعَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَابْتِدَاء السَّلَام وتشميت الْعَاطِس وَالتَّسْمِيَة على الطَّعَام وَمَا يفعل بِالْمَيتِ إِذا ندب إِلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ للْجَمَاعَة فِي الْجَمِيع وَالْأُضْحِيَّة فِي حق أهل الْمنزل الْوَاحِد وَعلم مِمَّا مر فِي تَعْرِيف الْأَذَان وَالْإِقَامَة أَنَّهُمَا لَا يسنان إِلَّا (لمكتوبة) وَالْأَذَان حق للفريضة لَا للْوَقْت على الْمُعْتَمد (و) لَكِن سنّ (أَن يُؤذن للأولى) فَقَط (من صلوَات توالت) سَوَاء كَانَت قَضَاء أَو أَدَاء كالمجموعتين بِالسَّفرِ أَو الْمَطَر نعم إِن اخْتلف الْوَقْت كَأَن أَرَادَ صَلَاة الظّهْر فِي آخر وَقتهَا فَأذن لَهَا ثمَّ دخل وَقت الْعَصْر وَأَرَادَ صلَاته سنّ لَهَا الْأَذَان لاخْتِلَاف الْوَقْت (وَيُقِيم لكل) من الصَّلَوَات الَّتِي والاها سَوَاء كَانَت قَضَاء أَو أَدَاء كَمَا تقدم وَلَا يَصح الْأَذَان من امْرَأَة وَخُنْثَى لرجال أَو خناثى وَلَو محارم (و) إِنَّمَا تسن (إِقَامَة لأنثى) لنَفسهَا ولجماعة النِّسَاء لَا للذكور وَلَا للخناثى لَكِن لَو أَذِنت لجَماعَة النِّسَاء بِلَا رفع صَوت لم يحرم وَلم يكره وَكَذَا لَو أَذِنت لنَفسهَا وَكَانَ الْأَذَان ذكرا لله تَعَالَى فَإِن رفعت صَوتهَا فَوق مَا تسمع صواحباتها حرم على الصَّحِيح وَمثلهَا فِي ذَلِك الْخُنْثَى فَلَا يُقيم إِلَّا لنَفسِهِ أَو لجَماعَة النِّسَاء لَا للذكور وَلَا لجَماعَة الخناثى لاحْتِمَال أنوثته وذكورتهم (و) أما النَّفْل فَإِن كَانَ مِمَّا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيدين والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء والتراويح ووتر رَمَضَان وَأُرِيد فعله جمَاعَة فَهُوَ (يُنَادي) لهَذِهِ و (لجَماعَة نفل) شرعت لَهُ وَإِن نذر فعله بِنَحْوِ (الصَّلَاة جَامِعَة) مثل الصَّلَاة الصَّلَاة وهلموا إِلَى الصَّلَاة وَالصَّلَاة رحمكم الله وَالصَّلَاة فَقَط وَكَذَا حَيّ على الصَّلَاة وَذَلِكَ ذكر شرع لهَذِهِ الصَّلَاة استنهاضا للحاضرين وَلَيْسَ بَدَلا عَن شَيْء كَمَا قَالَه الشبراملسي وَلَا يُقَال إِلَّا مرّة وَاحِدَة على الْمُعْتَمد وَيفْعل ذَلِك فِي كل رَكْعَتَيْنِ من التَّرَاوِيح فَإِن كَانَ النَّفْل لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة أَو كَانَت تسن لَكِن أُرِيد فعله فُرَادَى فَلَا يُنَادى لَهُ بِشَيْء وَمثله صَلَاة الْجِنَازَة لِأَن المشيعين حاضرون فَلَا حَاجَة إِلَى النداء نعم إِن كَانُوا يزِيدُونَ بالنداء طلب (وَشرط فيهمَا) أَي فِي كل من الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثَمَانِيَة مِنْهَا ثَلَاثَة فِي فاعلهما وَهِي الْإِسْلَام فَلَا يصحان من كَافِر لِأَن فِي إِتْيَانه بهما نوع استهزاء فَلَو فعل الْكَافِر ذَلِك حكم بِإِسْلَامِهِ لنطقه بِالشَّهَادَتَيْنِ مَا لم يكن عيسويا وهم طَائِفَة من الْيَهُود منسوبون إِلَى أبي عِيسَى إِسْحَاق بن يَعْقُوب الْأَصْفَهَانِي الْيَهُودِيّ كَانَ فِي خلَافَة الْمَنْصُور وَكَانَ يعْتَقد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى الْعَرَب خَاصَّة وَلَا يشْتَرط فِي صِحَة الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 عطف إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ على الْأُخْرَى لِأَن الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَان لَا عطف بَينهمَا كَذَا قَالَ الشبراملسي والتمييز وَلَو صَبيا والذكورة وَلَو عبدا إِذا كَانَ الْأَذَان لغير النِّسَاء أما لَهُنَّ فَلَا يَصح مِنْهُنَّ وتطلب مِنْهُنَّ الْإِقَامَة على الْمُعْتَمد بِأَن تفعلها إِحْدَاهُنَّ وَمِنْهَا خَمْسَة فِي ذاتهما وَهِي (تَرْتِيب) لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَن تَركه يُوهم اللّعب ويخل بالإعلام (وَوَلَاء) لِأَن ترك ذَلِك يخل بالإعلام فَلَا يفصل بَين كلماتهما بسكوت أَو كَلَام طَوِيل وَخرج بالطويل الْيَسِير مِنْهُمَا وَلَو عمدا (وجهر لجَماعَة) وَيحصل أصل السّنة بِمُجَرَّد الرّفْع فَوق مَا يسمع نَفسه أَو أحدا من الْمُصَلِّين وَكَمَال السّنة بِالرَّفْع طاقته بِلَا مشقة (وَوقت) أَي دُخُوله لِأَن الْقَصْد الْإِعْلَام وَلَا معنى لَهُ قبل الْوَقْت مَعَ مَا فِيهِ من التَّدْلِيس (لغير أَذَان صبح) فَإِن الْأَذَان الأول للصبح يدْخل بِنصْف اللَّيْل وَيحرم قبله وَلَيْسَ مثله أَذَان الْجُمُعَة الأول على الْأَوْجه إِذْ لَا مدْخل للْقِيَاس فِي ذَلِك وتختص الْإِقَامَة بتقييدها بِالْوَقْتِ فَلَا تصح قبله وَلَو للصبح وباشتراط أَن لَا يطول فصل عرفا بَينهَا وَبَين فعل الصَّلَاة كَذَا فِي فتح الْجواد وَعدم الْبناء على أَذَان غَيره وإقامته لِأَن الْبناء يخل بالإعلام وَذَلِكَ كَالْحَجِّ أَو الْعمرَة فَإِن من مَاتَ أثناءهما لَا يجوز للْآخر الْبناء على فعله (وَسن) للأذان وَحده سِتَّة (تثويب) فِي أذاني (صبح) بِأَن يَقُول بعد الحيعلتين الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ أَي الْيَقَظَة للصَّلَاة خير من الرَّاحَة الَّتِي تحصل من النّوم فَتكون كَلِمَات الْأَذَان سبع عشرَة وَيسن للصبح وَحدهَا أذانان وَلَو من وَاحِد أَذَان قبل الْفجْر وَهُوَ وَقت السحر وَالْمُخْتَار فِي السُّدس الْأَخير وَآخر بعده لِلِاتِّبَاعِ (وترجيع) بِأَن يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ كل وَاحِدَة مرَّتَيْنِ بخفض صَوت قبل رفع الصَّوْت بهما فَيَأْتِي بالأربع وَلَاء فَلَو لم يَأْتِ بهما سرا أَولا أَتَى بهما بعد الْجَهْر كَذَا قَالَ الشبراملسي نقلا عَن الْعباب فَتكون جملَة كَلِمَات أَذَان الصُّبْح بالترجيع والتثويب إِحْدَى وَعشْرين كلمة (وَجعل مسبحتيه) أَي أنملتهما (بصماخيه) لِأَنَّهُ أجمع للصوت وَيعرف بِهِ الْأَذَان لصمم أَو بعد وَلَو تَعَذَّرَتْ يَد وَاحِدَة جعل الْأُخْرَى أَو سبابتهما جعل غَيرهمَا من بَقِيَّة أَصَابِعه وترتيل بِأَن يفرد كل كلمة بِصَوْت إِلَّا التَّكْبِير أَوله وَآخره فَيجمع كل كَلِمَتَيْنِ بِصَوْت لخفته مَعَ وَقْفَة لَطِيفَة على الأولى فَإِن لم يقف فَالْأولى الضَّم وَقيل الْفَتْح وَرفع الصَّوْت قدر الْإِمْكَان لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِعْلَام نعم إِن أذن فِي مَسْجِد أَو نَحوه وَكَانَ قد صليت فِيهِ صَاحِبَة الْوَقْت قبل ذَلِك لَا يسن رفع الصَّوْت لِئَلَّا يتَوَهَّم السامعون دُخُول وَقت صَلَاة أُخْرَى أَو أَن الَّتِي فَعَلُوهَا وَقعت قبل الْوَقْت وَأَن يكون على مَوضِع عَال وَلَو لم يكن لِلْمَسْجِدِ مَنَارَة سنّ الصعُود فَوق السَّطْح فَيُؤذن عَلَيْهِ وَإِن تعسر ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يكون على بَاب الْمَسْجِد وَخرج بِالْأَذَانِ الْإِقَامَة فَلَا يسن لَهَا شَيْء من ذَلِك كُله نعم إِن اتَّسع الْمَسْجِد سنّ أَن تكون على عَال (و) سنّ (فيهمَا) أَي الْأَذَان وَالْإِقَامَة مَعًا سَبْعَة (قيام) فيكرهان للقاعد وللمضطجع أَشد وللراكب الْمُقِيم بِخِلَاف الْمُسَافِر فَلَا يكرهان لَهُ رَاكِبًا جَالِسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 (واستقبال) للْقبْلَة إِذا كَانَت الْبَلَد صَغِيرَة عرفا أما إِذا كَانَت كَبِيرَة عرفا فَيسنّ حِينَئِذٍ الدوران فِي الْأَذَان كَمَا هُوَ وَاقع الْآن وَكَذَا لَا يسن الِاسْتِقْبَال فِي الْأَذَان إِذا كَانَت مئذنة الْمَسْجِد فِي طرف الْقرْيَة من جِهَة الْقبْلَة بل يسْتَقْبل الْقرْيَة حِينَئِذٍ وَإِن استدبر الْقبْلَة (وتحويل وَجهه) دون صَدره وَرجلَيْهِ (فيهمَا) أَي الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَإِن قل الْجمع (يَمِينا) مرّة (فِي) قَوْله (حَيّ على الصَّلَاة) مرَّتَيْنِ (وَشمَالًا) مرّة أُخْرَى (فِي) قَوْله (حَيّ على الْفَلاح) كَذَلِك حَتَّى يتمهما فِي الالتفاتين واختصت الحيعلتان بالالتفات لِأَنَّهُمَا خطاب الْآدَمِيّ كالسلام فِي الصَّلَاة وَأما غَيرهمَا فَهُوَ ذكر الله تَعَالَى وَإِنَّمَا ينْدب لِأَن الْقَصْد مِنْهَا الْإِعْلَام وَلَا يلْتَفت فِي قَوْله الصَّلَاة خير من النّوم وَالطَّهَارَة من الحدثين والخبث وَعدم التَّغَنِّي بهما فَإِنَّهُ يكره مَا لم يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى وَإِلَّا حرم وَعدم التمطيط أَي التمديد فَإِنَّهُ يكره وَقد يبطل بل يكفر الْمُتَعَمد فِي بعض الْكَلِمَة كمد بَاء أكبر وهمزته وَمد همزَة أشهد وَألف الله وَكَذَا يبطل عدم النُّطْق بهاء الصَّلَاة وَأَن يكون كل من الْمُؤَذّن والمقيم حسن الصَّوْت عدلا فِي الرِّوَايَة بِالنِّسْبَةِ لأصل السّنة وَفِي الشَّهَادَة بِالنِّسْبَةِ لكمالها لِأَنَّهُ أَمِين على الْوَقْت فَإِن أذن الْفَاسِق كره إِذْ لَا يُؤمن من أَن يُؤذن فِي غير الْوَقْت لَكِن يحصل بأذانه أصل السّنة وَإِن لم يقبل خَبره (و) سنّ (لسامعهما) أَي الْمُؤَذّن والمقيم (أَن يَقُول وَلَو غير متوضىء) أَو جنبا أَو حَائِضًا أَو نفسَاء خلافًا للسبكي حَيْثُ قَالَ يسن للمحدث لَا للْجنب وَالْحَائِض وَخِلَافًا لِابْنِهِ وَهُوَ التَّاج السُّبْكِيّ حَيْثُ قَالَ تجيب الْحَائِض لطول أمدها بِخِلَاف الْجنب (مثل قَوْلهمَا) والمجامع وقاضي الْحَاجة يجيبان بعد فرَاغ شغلهما كغيرهما مَا لم يطلّ الْفَصْل عرفا وَإِلَّا لم تسْتَحب لَهما الْإِجَابَة (إِلَّا فِي حيعلات فيحوقل) أَي يَقُول الْمُجيب بدل كل مِنْهَا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه يَقُولهَا أَربع مَرَّات وَإِنَّمَا يسن للمجيب ذَلِك لِأَنَّهُ تَفْوِيض مَحْض إِلَى الله تَعَالَى والحيعلات دُعَاء إِلَى الصَّلَاة فَلَا يَلِيق بِغَيْر الْمُؤَذّن وَإِلَّا فِي كلمتي الْإِقَامَة فَيَقُول الْمُجيب مرَّتَيْنِ أَقَامَهَا الله وأدامها وَجَعَلَنِي من صالحي أَهلهَا (و) إِلَّا فِي التثويب فَإِن الْمُجيب (يصدق) بقوله صدقت وبررت مرَّتَيْنِ (إِن ثوب) أَي إِن أَتَى مُؤذن الصُّبْح بالتثويب ويشتغل بالإجابة وَلَو كَانَ يفوت تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مَعَ الإِمَام أَو الْفَاتِحَة لِأَنَّهُ قيل بِوُجُوبِهَا (و) سنّ (لكل) من مُؤذن ومقيم وسامع ومستمع (أَن يُصَلِّي على النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعد فراغهما) أَي فرَاغ كل من الْأَذَان وَالْإِقَامَة إِلَّا إِمَام الْجُمُعَة فِي الْإِقَامَة كَمَا قَالَه عَليّ الونائي وَتحصل السّنة بِأَيّ لفظ أَتَى بِهِ مِمَّا يُفِيد الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأفضل الصِّيَغ على الرَّاجِح صَلَاة التَّشَهُّد فَيَنْبَغِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 تَقْدِيمهَا على غَيرهَا كَذَا قَالَ الشبراملسي (ثمَّ) يَقُول عقب ذَلِك (اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة إِلَى آخِره) وَهُوَ التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته إِنَّك لَا تخلف الميعاد وأوردنا حَوْضه واسقنا من يَده الشَّرِيفَة شربة هنيئة مريئة لَا نظمأ بعْدهَا أبدا إِنَّك على كل شَيْء قدير وَيسن أَن يَقُول الْمُؤَذّن وَمن سَمعه بعد أَذَان الْمغرب اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي وَيَقُول كل مِنْهُمَا بعد أَذَان الصُّبْح اللَّهُمَّ هَذَا إقبال نهارك وإدبار ليلك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي وَيسن الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَإِن طَال مَا بَينهمَا وَيحصل أصل السّنة بِمُجَرَّد الدُّعَاء وَالْأولَى شغل الزَّمَان بِتَمَامِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَّا وَقت فعل الرَّاتِبَة فالدعاء فِي نَحْو سجودها كَاف وَلَا يطْلب الدُّعَاء بعد الْإِقَامَة وَقبل التَّحَرُّم وَالْمَطْلُوب من الْمُصَلِّي الْمُبَادرَة إِلَى التَّحَرُّم لتحصل لَهُ الْفَضِيلَة التَّامَّة وآكد الدُّعَاء سُؤال الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيسن لغير الْمُقِيم الْقيام بعد الْفَرَاغ من كَلِمَات الْإِقَامَة كلهَا ومكروهات الْأَذَان وَالْإِقَامَة وقوعهما من الْمُحدث وَالْكَرَاهَة للْجنب أَشد وَفِي الْإِقَامَة أغْلظ والتغني بهما أَي الِانْتِقَال من نغم إِلَى نغم آخر فَالسنة أَن يسْتَمر على نغم وَاحِد والتمطيط أَي مد الْحُرُوف وَلَو بنغم وَاحِد وَمحل كَرَاهَته مَا لم يتَغَيَّر الْمَعْنى بِهِ وَإِلَّا حرم كمد بَاء أكبر وهمزته وهمزة أشهد وهمزة الله وَمد الْهَاء من أشهد وإبدالها حاء وَإِسْقَاط همزَة التَّكَلُّم مِنْهَا وَأَن يَقُول فِي مُحَمَّد محامد وَأَن يَقُول حاي على الصَّلَاة أَو حاي على الْفَلاح وَإِسْقَاط شدَّة الله وَعدم النُّطْق بهاء الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك بل بعض ذَلِك مكفر فَيَنْبَغِي التَّحَرُّز من ذَلِك وَالْكَلَام لغير مصلحَة فيهمَا وَالْقعُود فيهمَا للقادر على الْقيام والاضطجاع أَشد كَرَاهَة وَأَن يُقَال فيهمَا حَيّ على خير الْعَمَل كَمَا قد يَقع ذَلِك بعد الحيعلتين لِأَنَّهُ شعار الزيدية وَأما إِذا أَتَى بذلك عوضا عَن الحيعلتين فَلَا يَصح الْأَذَان وَلَا الْإِقَامَة لِأَن ترك كلمة مِنْهُمَا مُبْطل لَهما ووقوعهما من فَاسق أَو صبي مُمَيّز وَمثلهمَا الْأَعْمَى بِالنِّسْبَةِ للأذان إِذا كَانَ وَحده أما إِذا كَانَ مَعَه بَصِير يعرف الْوَقْت فَلَا كَرَاهَة ومبطلاتهما الرِّدَّة وَالْعِيَاذ بِاللَّه مِنْهَا وَالْجُنُون وَالسكر وقطعهما بسكوت أَو كَلَام إِن طَال الْفَصْل بِحَيْثُ لَا يعد الْبَاقِي مَعَ الأول أذانا وَلَا إِقَامَة بِخِلَاف الْيَسِير وَترك كلمة مِنْهُمَا فَإِن عَاد عَن قرب وأتى بهَا وَأعَاد مَا بعْدهَا صَحَّ وَهَذَا فِي الْكَلِمَات الَّتِي لَا بُد مِنْهَا للصِّحَّة فَلَا يضر ترك الترجيع وَلَا التثويب وَلَا يعود إِلَيْهِ لَو تَركه فصل فِي صَلَاة النَّفْل وَهُوَ لُغَة الزِّيَادَة وَاصْطِلَاحا مَا عدا الْفَرَائِض من الصَّلَاة وَغَيرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَهُوَ مَا طلبه الشَّارِع طلبا غير جازم ويعبر عَنهُ بِالسنةِ وَالْمَنْدُوب وَالْحسن والمرغب فِيهِ وَالْمُسْتَحب والتطوع وَالْإِحْسَان وَالْأولَى بِفِعْلِهِ من تَركه وثواب الْفَرْض يفضله بسبعين دَرَجَة وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع مُؤَقّت وَذُو سَبَب مُتَقَدم وَذُو سَبَب مُتَأَخّر وَمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب وأفراد النَّوَافِل لَا تَنْحَصِر أما الْمُؤَقت فَهُوَ قِسْمَانِ قسم تسن فِيهِ الْجَمَاعَة وَسَيَأْتِي وَقسم لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَهِيَ فِيهِ خلاف الأولى وَإِن حصل ثَوَابهَا على الْمُعْتَمد كَمَا نَقله الونائي عَن ابْن قَاسم وَهُوَ مَا ذكره بقوله (يسن أَربع رَكْعَات قبل عصر) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله امْرَءًا صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا فَيَنْبَغِي الْمُحَافظَة عَلَيْهَا رَجَاء الدُّخُول فِي دَعوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) أَربع قبل (ظهر) لعدم تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ (و) أَربع (بعده) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله على النَّار وَالْجُمُعَة كالظهر فلهَا أَربع قبلية وَأَرْبع بعدية إِن كَانَت مغنية عَن الظّهْر فَإِن وَجب الظّهْر بعْدهَا فَلَا بعدية لَهَا وللظهر بعْدهَا أَربع قبلية وَأَرْبع بعدية وَحِينَئِذٍ تقع الْقبلية الَّتِي صلاهَا قبل الْجُمُعَة نفلا مُطلقًا وَلَا تغني عَن قبلية الظّهْر (وركعتان بعد مغرب) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة وَينْدب فِي رَكْعَتي الْمغرب بعْدهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاص وَيسن تطويلهما حَتَّى ينْصَرف أهل الْمَسْجِد فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي إِذا أَرَادَ الْأَكْمَل أَن يقدم الْكَافِرُونَ لورودها بخصوصها ثمَّ يضم إِلَيْهَا مَا شَاءَ وَمثله يُقَال فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من أَنه يقدم الْإِخْلَاص لذَلِك وَالْأولَى فِيمَا يضمه رِعَايَة تَرْتِيب الْمُصحف فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ تَطْوِيل برعاية ذَلِك ضم إِلَى ذَلِك مَا شَاءَ وَإِن خَالف تَرْتِيب الْمُصحف (و) رَكْعَتَانِ بعد (عشَاء) للْخَبَر الْمَار (و) رَكْعَتَانِ خفيفتان (قبلهمَا) أَي الْمغرب وَالْعشَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا قبل صَلَاة الْمغرب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمرة الثَّالِثَة لمن شَاءَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك كَرَاهَة أَن يَتَّخِذهُ النَّاس طَريقَة لَازِمَة وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين كل أذانين أَي أَذَان وَإِقَامَة صَلَاة وَيسْتَحب فعل الرَّوَاتِب الْقبلية بعد إِجَابَة الْمُؤَذّن فَإِن تَعَارَضَت هِيَ وفضيلة التَّحَرُّم لإسراع الإِمَام بِالْفَرْضِ عقب الْأَذَان أَخّرهَا إِلَى مَا بعْدهَا وَيكون ذَلِك عذرا فِي التَّأْخِير وَلَا يقدمهَا على الْإِجَابَة لِأَنَّهَا تفوت بِالتَّأْخِيرِ وللخلاف فِي وُجُوبهَا كَمَا قَالَه الشبراملسي (و) رَكْعَتَانِ قبل (صبح) لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَله فِي نِيَّتهَا كيفيات سنة الصُّبْح سنة الْفجْر سنة الْبرد سنة الْوُسْطَى بِنَاء على القَوْل الْمَرْجُوح أَنَّهَا الْوُسْطَى سنة الْغَدَاة وَله أَن يحذف لفظ السّنة كَأَن يَقُول أُصَلِّي الْغَدَاة أَو أُصَلِّي رَكْعَتي الْبرد وَيسْتَحب تخفيفهما بِأَن لَا يطولهما تَطْوِيلًا يخرج بِهِ عَن حد السّنة والاتباع لِأَنَّهُ يطْلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أَن يقْرَأ فِيهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاص وَآيَة الْبَقَرَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {مُسلمُونَ} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 136 وَآيَة آل عمرَان وَهِي قَوْله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله أَيْضا {مُسلمُونَ} 3 آل عمرَان الْآيَة 64 و {ألم نشرح} 94 الشَّرْح الْآيَة 1 و {ألم تَرَ كَيفَ} 105 الْفِيل الْآيَة 1 وروى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الثَّانِيَة {رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} 3 آل عمرَان الْآيَة 53 و {إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 119 فَيسنّ الْجمع بَين ذَلِك ليتَحَقَّق الْإِتْيَان بالوارد وَهَاتَانِ فِي الْأَفْضَلِيَّة بعد الْوتر وهما أفضل من بَقِيَّة الرَّوَاتِب الْمُؤَكّدَة وَيَقُول بعدهمَا وَقبل صَلَاة الْفَرْض يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أَرْبَعِينَ مرّة و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 إِحْدَى عشرَة مرّة والمعوذتين مرّة مرّة وَسُبْحَان الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم أسْتَغْفر الله مائَة مرّة وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صلى رَكْعَتي الْفجْر قَالَ قبل صَلَاة الْفَرْض اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك رَحْمَة من عنْدك تهدي بهَا قلبِي وَتجمع بهَا شملي وتلم بهَا شعثي وَترد بهَا ألفتي وَتصْلح بهَا ديني وَتحفظ بهَا غائبي وترفع بهَا شَاهِدي وتزكي بهَا عَمَلي وتبيض بهَا وَجْهي وتلهمني بهَا رشدي وتعصمني بهَا من كل سوء اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا صَادِقا ويقينا لَيْسَ بعده كفر وَرَحْمَة أنال بهَا شرف كرامتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْفَوْز عِنْد الْقَضَاء ومنازل الشُّهَدَاء وعيش السُّعَدَاء والنصر على الْأَعْدَاء ومرافقة الْأَنْبِيَاء اللَّهُمَّ إِنِّي أنزل حَاجَتي وَإِن ضعف رَأْيِي وَقلت حيلتي وَقصر أَهلِي وافتقرت إِلَى رحمتك فأسألك يَا قَاضِي الْأُمُور وَيَا شافي الصُّدُور كَمَا تجير بَين البحور أَن تجيرني من عَذَاب السعير وَمن دَعْوَة الثبور وَمن فتْنَة الْقُبُور اللَّهُمَّ مَا قصر عَنهُ رَأْيِي وَضعف عَنهُ أملي وَلم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحدا من عِبَادك أَو خير أَنْت معطيه أحدا من خلقك فَإِنِّي أَرغب إِلَيْك فِيهِ وَأَسْأَلك يَا رب الْعَالمين اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هادين مهتدين غير ضَالِّينَ وَلَا مضلين حَربًا لأعدائك وسلما لأوليائك نحب بحبك من أطاعك من خلقك اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاء وَعَلَيْك الْإِجَابَة وَهَذَا الْجهد وَعَلَيْك التكلان وَإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ذِي الْحَبل الشَّديد وَالْأَمر الرشيد أَسأَلك الْأَمْن يَوْم الْوَعيد وَالْجنَّة يَوْم الخلود مَعَ المقربين الشُّهُود والركع السُّجُود الْمُوفينَ بالعهود إِنَّك رَحِيم ودود وَأَنت تفعل مَا تُرِيدُ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ من تعطف بالمجد وتكرم بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيح إِلَّا لَهُ سُبْحَانَ ذِي الْفضل وَالنعَم سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة وَالْكَرم سُبْحَانَ الَّذِي أحصى كل شَيْء بِعِلْمِهِ اللَّهُمَّ اجْعَل لي نورا فِي قلبِي ونورا فِي قَبْرِي ونورا فِي سَمْعِي ونورا من بَين يَدي ونورا من خَلْفي ونورا عَن يَمِيني ونورا عَن شمَالي ونورا من فَوقِي ونورا من تحتي اللَّهُمَّ زِدْنِي نورا وَأَعْطِنِي نورا وَمِمَّا ثَبت لَهُ فضل عَظِيم بَين سنة الصُّبْح وفرضه سُبْحَانَ من تعزز بالعظمة سُبْحَانَ من تردى بالكبرياء سُبْحَانَ من تفرد بالوحدانية سُبْحَانَ من احتجب بِالنورِ سُبْحَانَ من قهر الْعباد بِالْمَوْتِ سُبْحَانَ من لَا يفوتهُ فَوت سُبْحَانَ الأول المبدىء سُبْحَانَ الآخر المفني سُبْحَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 من تسمى قبل أَن يُسمى سُبْحَانَ من علم آدم الْأَسْمَاء سُبْحَانَ من كَانَ عَرْشه على المَاء سُبْحَانَ من لَا يعلم قدره غَيره وَيَقُول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ثَلَاثًا سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَيسن قبل الْقيام لصَلَاة الْفَرْض ضجعة لَطِيفَة وَيحصل أصل السّنة بِأَيّ كَيْفيَّة فعلت وَالْأولَى أَن تكون على الْجنب الْأَيْمن مَعَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة بِمقدم الْبدن يتَذَكَّر بهَا ضجعة الْقَبْر فَإِن لم تتيسر لَهُ تِلْكَ الْحَالة فِي مَحَله انْتقل إِلَى غَيره مِمَّا يسهل فعلهَا فِيهِ يَقُول فِيهَا اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزائيل وَرب سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجرني من النَّار ثَلَاثًا وَجُمْلَة الرَّوَاتِب وَهِي السّنَن التابعة للفرائض ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ رَكْعَة والمؤكد من ذَلِك عشر رَكْعَات وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعده وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَمَتى كَانَت الصَّلَاة لَهَا قبلية وبعدية فَلَا بُد فِي رواتبها من نِيَّة الْقبلية أَو البعدية لأجل التَّمْيِيز فَلَو أخر الْقبلية بعد الْفَرْض وَصلهَا مَعَ البعدية بِإِحْرَام وَاحِد يَنْوِي الْقبلية والبعدية مَعًا وَلَو أحرم بِرَكْعَتَيْنِ قبلية فَقَط انصرفتا للمؤكدتين وَإِن لم يقصدهما وَكَذَا يُقَال فِي البعدية وَلَو لم يصل شَيْئا قبل الْفَرْض وَأحرم بعده بِأَرْبَع رَكْعَات قبلية وبعدية انصرفت للمؤكدة وَإِن لم يقصدها وَيدخل وَقت الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرْض بِدُخُول وَقت الْفَرْض والرواتب الَّتِي بعد الْفَرْض يدْخل وَقتهَا بِفعل الْفَرْض وَشرط البعدية صِحَة الْفَرْض يَقِينا فَمن ثمَّ لَو تعدّدت الْجُمُعَة زِيَادَة على قدر الْحَاجة لَا بعدية لَهَا إِذا لم يتَيَقَّن سبقها لما عَداهَا وَيخرج وَقت النَّوْعَيْنِ بِخُرُوج وَقت الْفَرْض وَلَو قبل فعل الْفَرْض وَحِينَئِذٍ يلغز بالبعدية فَيُقَال لنا صَلَاة خرج وَقتهَا وَلم يدْخل وَلَو فَاتَت الرَّوَاتِب ندب قَضَاؤُهَا (و) من الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة (وتر) فِي غير رَمَضَان (وَأقله رَكْعَة) وَلَا كَرَاهَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهَا على الْمُعْتَمد بل خلاف الأولى وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث وأكمل مِنْهُ خمس ثمَّ سبع ثمَّ تسع (وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة) وَهِي غَايَة الْكَمَال فَلَا تصح الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَلَو أحرم بِثَلَاث عشرَة دفْعَة وَكَانَ عَامِدًا عَالما بَطل الْجمع وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا وَقعت نفلا مُطلقًا وَإِن أحرم بِرَكْعَتَيْنِ بعد أَن صلى الإحدى عشرَة لم تَنْعَقِد هَذِه الصَّلَاة إِن كَانَ عَامِدًا عَالما وَإِلَّا وقعتا نفلا مُطلقًا وَلمن زَاد على رَكْعَة الْفَصْل بَين الرَّكْعَات بِالسَّلَامِ بِأَن يحرم بالوتر رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يحرم بالأخيرة وَيَنْوِي بالأخيرة الْوتر وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل ومقدمة الْوتر وسنته وَرَكْعَتَيْنِ من الْوتر لِأَنَّهُمَا بعضه وَلَا يَصح أَن يَنْوِي بالركعتين وترا لِأَنَّهُمَا شفع لَا وتر وَيجوز فِي الْأَخِيرَة أَن يَقُول رَكْعَة من الْوتر لِأَنَّهَا بعضه أَيْضا وَله الْوَصْل بتشهد فِي الْأَخِيرَة أَو تشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْل غير ذَلِك إِن أحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 بِهِ دفْعَة وَاحِدَة أما لَو أَرَادَ أَن يُصَلِّي إِحْدَى عشرَة مثلا وَأَرَادَ تَأْخِير ثَلَاثَة مِنْهَا يحرم بهَا دفْعَة وَأحرم بالثمانية قبلهَا بِإِحْرَام وَاحِد جَازَ لَهُ التَّشَهُّد فِي كل شفع فقد زَاد فِي الْوَصْل على تشهدين لِأَنَّهُ لم يحرم بِهِ دفْعَة وَاحِدَة والوصل بتشهد أفضل مِنْهُ بتشهدين فرقا بَينه وَبَين الْمغرب وَهَذَا جَازَ فِيمَا لَو أحرم بِزِيَادَة على ثَلَاث دفْعَة لما فِي الْإِتْيَان بتشهدين من مشابهته للمغرب فِي الْجُمْلَة والفصل أفضل من الْوَصْل لزِيَادَة الْأَعْمَال فِيهِ وَلَو أحرم بالوتر وَأطلق أَي لم يُقَيِّدهُ بِعَدَد يُخَيّر بَين رَكْعَة وَثَلَاث وَخمْس وَهَكَذَا عِنْد الْخَطِيب وَاعْتمد الشَّمْس الرَّمْلِيّ الِاقْتِصَار على ثَلَاث لِأَنَّهَا أدنى الْكَمَال فَيحمل عَلَيْهَا عِنْد الْإِطْلَاق فِي الْإِحْرَام وَكَذَا فِي النّذر وَمَتى صلى الرَّكْعَة المفردة سَوَاء كَانَت وَحدهَا أَو مَعَ غَيرهَا وَبَقِي مِنْهُ شَيْء لم يجز الْإِتْيَان بِهِ لفواته وَإِذا صلى الْوتر رَكْعَة فَقَط قَرَأَ فِيهَا بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْإِخْلَاص {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} 113 الفلق الْآيَة 1 {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} 114 النَّاس الْآيَة 1 وَإِن صَلَاة ثَلَاثًا قَرَأَ فِي الأولى سُورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة السُّور الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة وَإِن صَلَاة زِيَادَة على الثَّلَاث قَرَأَ فِي الأولى من كل الرَّكْعَتَيْنِ سُورَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} 97 الْقدر الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْكَافِرُونَ مَا عدا الْأَخِيرَتَيْنِ وَمَا عدا رَكْعَة الْوتر أما هَذِه فَيقْرَأ فِيهَا مَا تقدم وَيسن أَن يَقُول بعد الْوتر سُبْحَانَ الْملك القدوس ثَلَاثًا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك أَي أستجير بك من غضبك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك وَوَقته من صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي فَعلم أَن صِحَّته متوقفة على فعل الْعشَاء لَكِن لَا يَفْعَله إِذا صَار مُقيما فعله وَبعد فعل الْعشَاء كَأَن وصلت سفينته دَار إِقَامَته بعد فعل الْعشَاء أَو نوى الْإِقَامَة بل يُؤَخِّرهُ حَتَّى يدْخل وقته الْحَقِيقِيّ لِأَن كَونه فِي وَقت الْعشَاء انْتَفَى بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَيسن جعله آخر صَلَاة اللَّيْل فَإِن كَانَ لَهُ تهجد أخر الْوتر بعده هَذَا إِن وثق بيقظته آخر اللَّيْل وَإِلَّا فَالْأَفْضَل تَعْجِيله بعد فَرِيضَة وراتبها وَلَو أوتر أول اللَّيْل ثمَّ اسْتَيْقَظَ آخِره لاتصح إِعَادَة الْوتر لحَدِيث لَا وتران فِي لَيْلَة (و) من هَذَا الْقسم (الضُّحَى) وَمن فوائدها أَنَّهَا تجزىء عَن الصَّدَقَة الَّتِي تصبح على مفاصل الانسان الثلاثمائة وَسِتِّينَ مفصلا كَمَا أخرجه مُسلم (وأقلها رَكْعَتَانِ) وَأدنى الْكَمَال أَربع وأكمل مِنْهُ سِتّ (و) أفضلهَا و (أَكْثَرهَا ثَمَان) على الْمُعْتَمد ووقتها من ارْتِفَاع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وَالِاخْتِيَار فعلهَا عِنْد مُضِيّ ربع النَّهَار ليَكُون فِي كل ربع مِنْهُ صَلَاة فَفِي الرّبع الأول صبح وَفِي الثَّانِي ضحى وَفِي الثَّالِث ظهر وَفِي الرَّابِع عصر وَيسن أَن يحرم بهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيجوز أَن يحرم بهَا دفْعَة وَاحِدَة إِمَّا بتشهد فِي الْأَخِيرَة فَقَط أَو فِي كل شفع وَيَنْوِي بهَا سنة الضُّحَى وَيقْرَأ فِي الأولى من الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين بعد الْفَاتِحَة سُورَة {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} 91 الشَّمْس الْآيَة 1 وَسورَة الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة مِنْهَا سُورَة الضُّحَى وَسورَة الْإِخْلَاص ثمَّ فِي بَاقِي الرَّكْعَات يقْتَصر فِي الأولى على الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة على الْإِخْلَاص وَلَو أحرم بِزِيَادَة على الثَّمَانِية وَكَانَ الْجَمِيع بِإِحْرَام وَاحِد لم ينْعَقد إِن كَانَ عَامِدًا عَالما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَإِلَّا وَقعت نفلا مُطلقًا فَإِن أحرم بِالزِّيَادَةِ وَحدهَا بعد أَن فرغ من الثَّمَانِية لم تَنْعَقِد الزِّيَادَة إِن كَانَ عَامِدًا عَالما وَإِلَّا وَقعت نفلا مُطلقًا فَفِي دُعَاء الضُّحَى رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا عَن ابْن علوان وَهِي اللَّهُمَّ فك أقفال قُلُوبنَا بمشيئتك وَأحسن توفيقنا بدوام الصدْق فِي إرادتك وانشر علينا فِي هَذِه السَّاعَة راية هدايتك وقلدنا بسيوف ولايتك وتوجنا بتيجان معرفتك وأمطر علينا من سحائب رحمتك واسقنا من شراب محبتك وأثبتنا فِي ديوَان خاصتك وأوقفنا فِي ميدان ملاحظتك وصف سرائرنا وَنور أبصارنا واجمعنا فِي حظائر قدسك وآنسنا بلطيف أنسك وَلَا تقطعنا بغيرك عَن نَفسك اللَّهُمَّ مَا كَانَ منا من إقبال إِلَى غَيْرك وإعراض عَنْك تعمدا أَو خطأ أَو نِسْيَانا فأزله عَنَّا إِنَّك على كل شَيْء قدير وثانيتهما عَن سَيِّدي مُحَمَّد الْبكْرِيّ رَحمَه الله وَهِي إِن الضحا ضحاؤك والبهاء بهاؤك والنور نورك وَالْعَظَمَة عظمتك أَسأَلك بِحَق ضحائك وبهائك وَعزَّتك وجلالك أَن تسخر لي رزقا حَلَالا طيبا يكون عصمَة لي فِي ديني ودنياي وعونا لي على آخرتي اللَّهُمَّ أَحَي روحي ببارقة تسري بِي فِي أَي صُورَة أحببتها بك وَأَرِنِي بَدَائِع حكمتك فِي صنعك حَتَّى أحكم بصنعة كل مَصْنُوع فأقابل كلا بِمَا يجب لَهُ عَليّ حَتَّى يحيا لي كل قلب ميت وتنقاد لي كل نفس أبيَّة إِن شَأْنك الْعدْل والإصلاح وَإِلَيْك تنقاد النُّفُوس والأرواح إِنَّك على كل شَيْء قدير وَمن ذَلِك صَلَاة الْإِشْرَاق وَهِي رَكْعَتَانِ بعد شروق الشَّمْس وارتفاعها يَنْوِي بهما سنة الْإِشْرَاق يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {وَالضُّحَى} 93 الضُّحَى الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة {ألم نشرح} 94 الشَّرْح الْآيَة 1 وتفوت بعلق النَّهَار وَلَا تمتد إِلَى الزَّوَال ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ يَا نور النُّور بِالطورِ وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور أَسأَلك أَن ترزقني نورا أستهدي بِهِ إِلَيْك وأدل بِهِ عَلَيْك ويصحبني فِي حَياتِي وَبعد الِانْتِقَال من ظلام مشكاتي وَأَسْأَلك بالشمس وَضُحَاهَا وَنَفس مَا سواهَا أَن تجْعَل شمس معرفتك مشرقة بِي لَا يحجبها غيم الأوهام وَلَا يعتريها كسوف قمر الواحدية عِنْد التَّمام بل أَدَم لَهَا الْإِشْرَاق والظهور على ممر الْأَيَّام والدهور وصل اللَّهُمَّ على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين اللَّهُمَّ اغْفِر لنا ولوالدينا وَلِإِخْوَانِنَا فِي الله أَحيَاء وأمواتا أَجْمَعِينَ وَمن النَّفْل الْمُؤَقت الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة الزَّوَال وَهِي رَكْعَتَانِ أَو أَربع بعد الزَّوَال وَقيل هِيَ سنة الظّهْر يَنْوِي بهَا سنة الزَّوَال وَمِنْه صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَتسَمى صَلَاة الْغَفْلَة ووقتها بعد صَلَاة الْمغرب إِلَى مغيب الشَّفق الْأَحْمَر وَلَو جمع الْعشَاء مَعَ الْمغرب تَقْدِيمًا أَخّرهَا عَن فعل الْعشَاء لوُجُوب الْمُوَالَاة فِي جمع التَّقْدِيم وأقلها رَكْعَتَانِ وأوسطها سِتّ وأكثرها عشرُون وتفوت بِخُرُوج وَقت الْمغرب وَينْدب قَضَاؤُهَا إِذا فَاتَت وَيَنْوِي بهَا سنة صَلَاة الْأَوَّابِينَ أَو سنة صَلَاة الْغَفْلَة وَلَا بَأْس لَو نوى بالركعتين الأولتين من السِّت صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَحفظ الْإِيمَان كَأَن يَقُول نَوَيْت أُصَلِّي من صَلَاة الْأَوَّابِينَ لحفظ الْإِيمَان وَإِذا فَاتَ شَيْء من هَذَا النَّوْع ندب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 قَضَاؤُهُ ثمَّ يَقُول بعد السَّلَام مِنْهَا اللَّهُمَّ سددني بِالْإِيمَان واحفظه عَليّ فِي حَياتِي وَعند وفاتي وَبعد مماتي (و) أما النَّفْل ذُو السَّبَب الْمُتَقَدّم فَهُوَ قِسْمَانِ قسم تسن فِيهِ الْجَمَاعَة وَسَيَأْتِي وَقسم لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَمِنْهُ (رَكعَتَا تَحِيَّة) لِلْمَسْجِدِ وَلَو كَانَ مشَاعا أَي بعضه مَسْجِد وَبَعضه غير مَسْجِد على الشُّيُوع وَإِن قل الْبَعْض جعل مَسْجِدا بِخِلَاف الِاعْتِكَاف فَإِنَّهُ لَا يَصح فِي الْمشَاع وَلَا يشْتَرط تحقق الْمَسْجِد بل تَكْفِي غَلَبَة الظَّن فتطلب التَّحِيَّة لما هُوَ على صُورَة الْمَسْجِد كالزوايا فِي الْقرى مَا لم تقم الْقَرِينَة على عدم المسجدية وَلَيْسَ من علاماته المنارة وَلَا الْمِنْبَر وَخرج بِالْمَسْجِدِ الْمدَارِس والرباطات وَمَا فِي الأَرْض المحكرة وَمَا فِي سواحل الْأَنْهَار وَمَا فِي الأَرْض الْمَوْقُوفَة أَو المسبلة وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الْجُلُوس لكل دَاخل متطهر مُرِيد الْجُلُوس فِيهِ لم يشْتَغل بهَا عَن الْجَمَاعَة وَلم يخف فَوت راتبة وَلَا تسن للخطيب إِذا خرج للخطبة وَلَا لمن دخل آخر الْخطْبَة بِحَيْثُ لَو فعل التَّحِيَّة فَاتَهُ أول الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام وَلَو أحرم بهَا زِيَادَة على رَكْعَتَيْنِ صحت لَكِن الْأَفْضَل الِاقْتِصَار على رَكْعَتَيْنِ هَذَا إِن أحرم بِالْجَمِيعِ مرّة وَاحِدَة فَلَو أحرم بِرَكْعَتَيْنِ بنية التَّحِيَّة ثمَّ بعد الْفَرَاغ مِنْهُمَا أحرم بِرَكْعَتَيْنِ غَيرهمَا بنية التَّحِيَّة لم تَنْعَقِد الثَّانِيَة وَتحصل بِفَرْض وَنفل آخر سَوَاء نَوَيْت مَعَ ذَلِك أَو لَا نعم إِن نفاها فَاتَ فَضلهَا وَإِن سقط الطّلب وَالْحَاصِل أَنه إِن نَوَاهَا حصل الثَّوَاب اتِّفَاقًا وَإِن نفاها فَاتَهُ الثَّوَاب اتِّفَاقًا وَإِن أطلق حصل الثَّوَاب على الْمُعْتَمد وَفِي الْجَمِيع يسْقط الطّلب وتتكرر بِتَكَرُّر الدُّخُول وَلَو على قرب وتفوت بِالْجُلُوسِ عمدا وَلَو قَصِيرا كالجلوس للشُّرْب إِن ألصق مقعدته بِالْأَرْضِ أما إِذا جلس للشُّرْب على قَدَمَيْهِ وَلم يلصق مقعدته بِالْأَرْضِ وَلم يطلّ الْفَصْل فَلَا تفوت أما الْجُلُوس سَهوا أَو جهلا مَعَ الْقصر فَلَا تفوت بِهِ وتفوت بطول الْوُقُوف وَلَو سَهوا أَو جهلا وَضَابِط الطول أَن يكون زَائِدا على مَا يسع رَكْعَتَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا قصر الْوُقُوف فَلَا تفوت بِهِ وَلَو عمدا وَالْحَاصِل أَنَّهَا تفوت بِالْجُلُوسِ الطَّوِيل وبالوقوف كَذَلِك مُطلقًا فيهمَا وبالجلوس الْقصير عمدا وَلَا تفوت بسجود التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَلَا بِصَلَاة الْجِنَازَة وَلَو جلس وَترك التَّحِيَّة يسن لَهُ أَن يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم مرّة وَقيل أَربع مَرَّات فَإِن ذَلِك يقوم مقَام التَّحِيَّة وَمن دخل الْمَسْجِد الْمَكِّيّ بَدَأَ بِالطّوافِ لِأَنَّهُ تَحِيَّة الْبَيْت ثمَّ بعد ذَلِك يُصَلِّي التَّحِيَّة فَإِذا أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ سنة الطّواف حصلت بهما سنة التَّحِيَّة أَي سقط الطّلب وَفِي حُصُول الثَّوَاب مَا تقدم فَإِن دخل غير مُرِيد للطَّواف صلى التَّحِيَّة ابْتِدَاء وَلَو ابْتَدَأَ مُرِيد الطّواف بالتحية صَحَّ لكنه ترك الْأَفْضَل وَمِنْه صَلَاة سنة الْوضُوء عقب الْفَرَاغ مِنْهُ وَقبل طول الْفَصْل والإعراض وَتحصل بِمَا تحصل بِهِ تَحِيَّة الْمَسْجِد فَلَو أَتَى بِصَلَاة غَيرهَا عقب الْوضُوء من فرض أَو نفل فَفِيهَا مَا تقدم فِي تَحِيَّة الْمَسْجِد من جِهَة حُصُول الثَّوَاب وَسُقُوط الطّلب وَمثل الْوضُوء الْغسْل وَالتَّيَمُّم وَلَو تَوَضَّأ خَارج الْمَسْجِد ثمَّ دخل فِي الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فَهَل لَهُ إِفْرَاد كل من التَّحِيَّة وَسنة الْوضُوء عَن الْأُخْرَى وَلَا تفوت المؤخرة بالمقدمة مُطلقًا أَو بِشَرْط قصر الْفَصْل أَو لَا يطْلب الْإِفْرَاد بل الْمَطْلُوب رَكْعَتَانِ يَنْوِي بهما كلا مِنْهُمَا فَقَالَ الْعَلامَة الشَّوْبَرِيّ الْأَخير أوجه لِأَنَّهُ مَتى اشْتغل بِإِحْدَاهُمَا سقط عَنهُ طلب الْأُخْرَى وَمِنْه صَلَاة بعد الْأَذَان وَهِي رَكْعَتَانِ يَنْوِي بهما سنة الْأَذَان وَمِنْه رَكْعَتَانِ عقب الْخُرُوج من الْحمام فِي الْمَسْجِد أَو فِي أَي مَحل كَانَ غير الْحمام لكَرَاهَة الصَّلَاة فِيهِ وَمِنْه رَكعَتَا الزفاف تسن هَذِه الصَّلَاة لكل من الزَّوْج وَالزَّوْجَة يَنْوِي بهَا سنة الزفاف وركعتان بعد الْخُرُوج من الْكَعْبَة يفعلهما فِي مواجهتها وركعتان عِنْد حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَبعد نتف الْإِبِط وقص الشَّارِب وَحلق الْعَانَة وَحلق الرَّأْس وَعند حُصُوله فِي أَرض لم يمر بهَا قطّ أَو فِي أَرض لم يعبد الله فِيهَا وَمِنْه صَلَاة الْحَاجة فَمن ضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمر ومسته حَاجَة فِي صَلَاح دينه ودنياه وتعسر عَلَيْهِ ذَلِك فَليصل هَذِه الصَّلَاة الْآتِيَة رُوِيَ عَن وهيب بن الْورْد أَنه قَالَ إِن من الدُّعَاء الَّذِي لَا يرد أَن يُصَلِّي العَبْد ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَآيَة الْكُرْسِيّ وَقل هُوَ الله أحد فَإِذا فرغ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي تعطف بالمجد وتكرم بِهِ سُبْحَانَ ذِي الْعِزّ وَالْكَرم سُبْحَانَ ذِي الطول أَسأَلك بمعاقد الْعِزّ من عرشك ومنتهى الرَّحْمَة من كتابك وباسمك الْأَعْظَم وَجدك الْأَعْلَى وكلماتك التامات العامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر أَن تصلي على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد ثمَّ يسْأَل حَاجته الَّتِي لَا مَعْصِيّة فِيهَا فيجاب إِن شَاءَ الله عز وَجل قَالَ بلغنَا أَنه كَانَ يُقَال لَا تعلموها لسفهائكم فيتعاونوا بهَا على مَعْصِيّة الله عز وَجل وَتحصل بِرَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بهما قَضَاء حَاجته وتندرجان فِي الْفَرْض وَالنَّفْل كتحية الْمَسْجِد وَيُصلي بعدهمَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم لَا إِلَه إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رِضَاء إِلَّا قضيتها فَائِدَة يسن لكل أحد أَن يتَضَرَّع بِالدُّعَاءِ وَنَحْوه عِنْد الزلازل وَنَحْوهَا كالصواعق وَالرِّيح الشَّديد والخسف وَأَن يُصَلِّي فِي بَيته مُنْفَردا كَمَا قَالَه ابْن الْمقري لِئَلَّا يكون غافلا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا عصفت الرّيح قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا فِيهَا وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أرْسلت بِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا ولاتجعلها ريحًا (و) أما ذُو السَّبَب الْمُتَأَخر فَلَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَمِنْهُ صَلَاة (استخارة) فِي كل أَمر مُبَاح وَتَكون فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الْمَنْدُوب إِذا تعَارض عَلَيْهِ مندوبان أَيهمَا يبْدَأ بِهِ أَو يقْتَصر عَلَيْهِ وَمثل ذَلِك الْوَاجِب الْمُخَير كخصال كَفَّارَة الْيَمين أَو الموسع كَالْحَجِّ فِي هَذَا الْعَام وَتَكون فِي الْعَظِيم والحقير وَتحرم فِي الْحَرَام وَالْمَكْرُوه وَكَيْفِيَّة الاستخارة أَنه إِذا عزم على أَمر يتَوَضَّأ وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ بنية استخارة وَيقْرَأ فِي الأولى الْفَاتِحَة والكافرون وَفِي الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَالْإِخْلَاص ثمَّ بعد سَلَامه يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي فِي ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي فِي ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثمَّ رضني بِهِ ويسمي حَاجته فَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَأْتِي بِلَفْظ قَوْله هَذَا الْأَمر بل يُسَمِّي حَاجته كَالْبيع وَالشِّرَاء والزواج فيسمي الزَّوْجَة ثمَّ يفعل مَا ينشرح لَهُ صَدره فَإِن لم يظْهر لَهُ الْحَال فِي أول مرّة كرر مَا عدا الصَّلَاة فَإِن لم يظْهر لَهُ شَيْء توكل على الله وَمضى لما هُوَ عازم فَيكون الْخَيْر فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْه صَلَاة التَّوْبَة وَهِي رَكْعَتَانِ قبل التَّوْبَة يَنْوِي بهما سنة التَّوْبَة وتصحان بعْدهَا وَالتَّوْبَة وَاجِبَة على الْفَوْر وَلَو من صَغِيرَة وتأخيرها ذَنْب تجب التَّوْبَة مِنْهُ وَلَا يعد تَأْخِير التَّوْبَة بإتيان الرَّكْعَتَيْنِ لأَجلهَا لِأَنَّهُمَا من وسائلها وَفَائِدَة التَّوْبَة أَنَّهَا حَيْثُ صحت كفرت الذَّنب وَلَو كَبِيرَة قطعا فِي الْكفْر وَغَيره وَقيل قطعا فِي الْكفْر وظنا فِي غَيره وَهِي من أفضل الطَّاعَات وَمِنْه صَلَاة سنة الْإِحْرَام قبيله بِحَيْثُ تنْسب إِلَيْهِ عرفا وَمِنْه رَكْعَتَانِ عِنْد الْقَتْل وَلَو ظلما إِن أمكن وَعند الْخُرُوج من الْمنزل أَو معقله وَعند الْخُرُوج من مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسَّفر وركعتان قبل عقد النِّكَاح وَمِنْه صَلَاة الاستخارة الْمَعْرُوفَة عِنْد الصُّوفِيَّة وَهِي الاستخارة الْمُطلقَة الَّتِي يعملها أهل الله كل يَوْم وَهِي رَكْعَتَانِ غير الاستخارة الْمَشْهُورَة يقْصد بهما أَن تكون حركاته وسكناته من هَذَا الْوَقْت إِلَى مثله من الْيَوْم الآخر خيرا فِي حَقه وَحقّ غَيره وَأَن تكون حركات غَيره وسكناته فِي تِلْكَ الْمدَّة خيرا فِي حَقه هُوَ قَالَ بعض العارفين وَقد جرب ذَلِك فشوهد نَفعه يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة قَوْله تَعَالَى {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار} إِلَى {يعلنون} 28 الْقَصَص الْآيَة 68 أَو {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} 109 الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة} إِلَى {مُبينًا} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 36 أَو {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 وَله فعلهَا فِي أَي وَقت أَرَادَ من ليل أَو نَهَار مَا عدا أَوْقَات الْكَرَاهَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا لَكِن الأولى أَن يَفْعَلهَا بعد صَلَاة الْإِشْرَاق وَقبل صَلَاة الضُّحَى ثمَّ يَدْعُو بِدُعَاء الاستخارة وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن جَمِيع مَا أتحرك فِيهِ أَو أسكن فِي حَقي وَفِي حق غَيْرِي وَجَمِيع مَا يَتَحَرَّك فِيهِ غَيْرِي أَو يسكن فِي حَقي وَفِي حق أَهلِي وَوَلَدي وَمَا ملكت يَمِيني من سَاعَتِي هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إِلَى مثلهَا من الْيَوْم الآخر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَإِن كنت تعلم أَن جَمِيع مَا أتحرك فِيهِ أَو أسكن فِي حَقي وَفِي حق غَيْرِي وَجَمِيع مَا يَتَحَرَّك فِيهِ غَيْرِي أَو يسكن فِي حَقي وَحقّ أَهلِي وَوَلَدي وَمَا ملكت يَمِيني من سَاعَتِي هَذِه إِلَى مثلهَا من الْيَوْم الآخر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كنت وتول بلطفك أَمْرِي دنيا وَأُخْرَى إِنَّك على كل شَيْء قدير وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَمِنْه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ لَيْلَة الْجُمُعَة بعد الْمغرب لتسهيل الْمَوْت وَمَا بعده من الْأَهْوَال كَمَا ذكره السنوسي وَغَيره يقْرَأ فِي كل رَكْعَة مِنْهُمَا بعد الْفَاتِحَة سُورَة الزلزلة خمس عشر مرّة وَمِنْه رَكْعَتَانِ بعد الْمغرب أَيْضا لحفظ الْإِيمَان يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْقدر مرّة وَسورَة الْإِخْلَاص سِتا والمعوذتين مرّة مرّة وَيَقُول فِي السُّجُود اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك ديني وإيماني فاحفظهما عَليّ فِي حَياتِي وَعند مماتي وَبعد وفاتي وَيَقُول بعد السَّلَام سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم وَمِنْه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ للأنس فِي الْقَبْر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يَأْتِي على الْمَيِّت أَشد من اللَّيْلَة الأولى فارحموا بِالصَّدَقَةِ من يَمُوت فَمن لم يجد فَليصل رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا أَي فِي كل رَكْعَة مِنْهُمَا فَاتِحَة الْكتاب مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة و {أَلْهَاكُم التكاثر} 102 التكاثر الْآيَة 1 مرّة و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 عشر مَرَّات وَيَقُول بعد السَّلَام اللَّهُمَّ إِنِّي صليت هَذِه الصَّلَاة وَتعلم مَا أُرِيد اللَّهُمَّ ابْعَثْ ثَوَابهَا إِلَى قبر فلَان ابْن فلَان فيبعث الله من سَاعَته إِلَى قَبره ألف ملك مَعَ كل ملك نور وهدية يؤنسونه إِلَى يَوْم ينْفخ فِي الصُّور اه وَفِي الحَدِيث أَن فَاعل ذَلِك لَهُ ثَوَاب جسيم مِنْهُ أَنه لَا يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يرى مَكَانَهُ فِي الْجنَّة قَالَ بَعضهم فطوبى لعبد واظب على هَذِه الصَّلَاة كل لَيْلَة وَأهْدى ثَوَابهَا لكل ميت من الْمُسلمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَمِنْه صَلَاة الإستعاذة وَهِي رَكْعَتَانِ بعد صَلَاة الضُّحَى يَنْوِي بهما سنة الِاسْتِعَاذَة يقْصد بهما أَن الله يعيذه من شَرّ يَوْمه وَلَيْلَته يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} 113 الفلق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} 114 النَّاس الْآيَة 1 ثمَّ يَدْعُو بِدُعَاء الِاسْتِعَاذَة وَهُوَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من خَلِيل ماكر عَيناهُ ترياني وَقَلبه يرعاني إِن رأى حَسَنَة دَفنهَا وَإِن رأى سَيِّئَة أذاعها اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من يَوْم السوء وَأَعُوذ بك من لَيْلَة السوء وَأَعُوذ بك من سَاعَة السوء وَأَعُوذ بك من صَاحب السوء وَأَعُوذ بك من جَار السوء فِي دَار الْمقَام وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَمِنْه صَلَاة السّفر وَهِي رَكْعَتَانِ عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج للسَّفر يَنْوِي بهما سنة السّفر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا اسْتخْلف عبد عِنْد أَهله من خَليفَة أحب إِلَى الله من أَربع رَكْعَات يصليهن فِي بَيته إِذا شدّ عَلَيْهِ ثِيَاب سَفَره يقْرَأ فِيهِنَّ بِفَاتِحَة الْكتاب و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 بِهن إِلَيْك فَاخْلُفْنِي بِهن فِي أَهلِي وَمَالِي فَهِيَ خَلِيفَته فِي أَهله وَمَاله وحرز حول دَاره حَتَّى يرجع إِلَى أَهله وَإِذا فَاتَ النَّفْل الْمُؤَقت ندب قَضَاؤُهُ كَمَا تقدم وَأما ذُو السَّبَب فَلَا يقْضِي إِذا فَاتَ تَنْبِيه مَتى كَانَت النَّافِلَة غير مَقْصُودَة لذاتها كفى عَنْهَا صَلَاة أُخْرَى من فرض أَو نفل وَفِي حُصُول الثَّوَاب وَسُقُوط الطّلب مَا تقدم فِي تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسنة الْوضُوء (و) الْقسم الثَّانِي من النَّفْل الْمُؤَقت وَهُوَ مَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة (صَلَاة الْعِيدَيْنِ) الْأَصْغَر والأكبر وَهِي من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَصَلَاة الْأَضْحَى أفضل من صَلَاة الْفطر لثبوتها بِنَصّ الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} 108 الْكَوْثَر الْآيَة 2 وَمحل سنّ الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْأَضْحَى لغير الْحَاج أما هُوَ فتسن لَهُ فُرَادَى سَوَاء كَانَ بمنى أَو غَيرهَا وَلَو فِي طَرِيقه إِلَى مَكَّة وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ سنة مُؤَكدَة ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس يَوْم الْعِيد وزوالها وَيسن تَأْخِيرهَا عَن طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع كرمح فِي رَأْي الْعين لَكِن لَو فعلهَا قبل الِارْتفَاع وَبعد الطُّلُوع صحت من غير كَرَاهَة على الْمُعْتَمد وَهِي رَكْعَتَانِ كَغَيْرِهَا فِي الْأَركان والشروط وأقلها أَن يحرم بالركعتين بنية صَلَاة عيد الْفطر أَو الْأَضْحَى ويصليهما كراتبة الظّهْر مثلا وأكملها أَن يكبر فِي الرَّكْعَة الأولى سبع تَكْبِيرَات بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَبعد دُعَاء الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي كل تَكْبِيرَة كَمَا فِي التَّحَرُّم وَيسن أَن يفصل بَين كل اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقدر آيَة معتدلة يهلل وَيكبر ويمجد وَيحسن فِي ذَلِك أَن يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لِأَنَّهُ لَائِق بِالْحَال وَيسن أَن يضع يمناه على يسراه تَحت صَدره بَين كل تكبيرتين وَلَو شكّ فِي عدد التَّكْبِيرَات أَخذ بِالْأَقَلِّ وَهِي من الهيئات كالتعوذ وَدُعَاء الِافْتِتَاح فَلَا يسْجد لترك شَيْء مِنْهَا وَإِن كَانَ التّرْك مَكْرُوها وَلَو نسي التَّكْبِيرَات أَو شَيْئا مِنْهَا وَشرع فِي الْقِرَاءَة لم يتداركها وَلَو لم يتم الْفَاتِحَة بِخِلَاف مَا لَو نَسِيَهَا وَشرع فِي التَّعَوُّذ ثمَّ تذكرها فَإِنَّهُ يعود إِلَيْهَا وَلَا يفوت بهَا دُعَاء الِافْتِتَاح ويفوت بالتعوذ ويفوت الْكل بِالْقِرَاءَةِ وَلَو نَاسِيا ثمَّ يتَعَوَّذ بعد التَّكْبِيرَة الْأَخِيرَة وَيقْرَأ الْفَاتِحَة كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات وَينْدب أَن يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى {ق} 50 ق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} 54 الْقَمَر الْآيَة 1 أَو (50) ق {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 فِي الأولى والغاشية فِي الثَّانِيَة وَهِي صَلَاة جهرية ثمَّ إِذا قَامَ للركعة الثَّانِيَة يكبر خمْسا بِالصّفةِ الْمُتَقَدّمَة بعد تَكْبِيرَة الْقيام وَقبل التَّعَوُّذ وَيسن الْغسْل للعيدين وَإِن لم يرد الْحُضُور لِأَنَّهُ يَوْم زِينَة وَيدخل وقته بِنصْف اللَّيْل وَلَكِن الْأَفْضَل فعله بعد الْفجْر وَيخرج بالغروب وَيسن البكور بعد الصُّبْح لغير الإِمَام وَأَن يحضر الإِمَام وَقت صلَاته وَأَن يعجل الْحُضُور فِي الْأَضْحَى ويؤخره فِي الْفطر قَلِيلا وحكمته اتساع وَقت الْأُضْحِية وَالْأَفْضَل فِي صَدَقَة الْفطر أَن تكون قبل الصَّلَاة وَينْدب التَّطَيُّب للذّكر بِأَحْسَن مَا يجده عِنْده من الطّيب والتزين بِأَحْسَن ثِيَابه وأفضلها الْبيض إِلَّا أَن يكون غَيرهَا أحسن فَهُوَ أفضل مِنْهَا هُنَا لَا فِي الْجُمُعَة وَالْفرق أَن المُرَاد هُنَا إِظْهَار النعم وَثمّ التَّوَاضُع وفعلها بِالْمَسْجِدِ أفضل لشرفه وَأَن يذهب للصَّلَاة فِي طَرِيق طَوِيل مَاشِيا بسكينة وَيرجع فِي آخر قصير كَالْجُمُعَةِ وَأَن يَأْكُل قبلهَا فِي عيد الْفطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَالْأولَى أَن يكون تَمرا وترا وَأَن يمسك عَن الْأكل فِي الْأَضْحَى وَلَا يكره لغير الإِمَام التَّنَفُّل قبلهَا بعد ارْتِفَاع الشَّمْس وَلَا بعْدهَا إِن لم يسمع الْخطْبَة وَإِلَّا كره أما الإِمَام فَيكْرَه لَهُ التَّنَفُّل قبلهَا وَبعدهَا وَيسْتَحب إِزَالَة الشّعْر وَالظفر وَالرِّيح الكريهة وَمن لَهُ ثوب وَاحِد يغسلهُ ندبا لكل جُمُعَة وَعِيد وَيكبر ندبا كل أحد من غرُوب الشَّمْس من لَيْلَتي عيد الْفطر والأضحى بِرَفْع الصَّوْت فِي الْمنَازل والأسواق وَغَيرهمَا وَاسْتثنى الرَّافِعِيّ من رفع الصَّوْت الْمَرْأَة إِذا حضرت مَعَ غير محارمها وَنَحْوهم وَمثلهَا الْخُنْثَى وَيسْتَمر ذَلِك إِلَى أَن يدْخل الإِمَام فِي صَلَاة الْعِيد فَإِن صلى مُنْفَردا فَالْعِبْرَة بإحرامه هُوَ وَلَو تَأَخّر إِحْرَام من ذكر إِلَى الزَّوَال وَمن لم يرد الصَّلَاة أصلا يسْتَمر تكبيره إِلَى الزَّوَال وَهَذَا يُسمى التَّكْبِير الْمُرْسل وَيكبر فِي عيد الْأَضْحَى خلف صَلَاة الْفَرَائِض والنوافل وَلَو فَائِتَة وَصَلَاة جَنَازَة من فجر يَوْم عَرَفَة إِلَى الْغُرُوب من آخر أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لغير الْحَاج فجملة مَا يكبر عقبه من المكتوبات المؤداة فِي هَذِه الْأَيَّام ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَلَو تعَارض عَلَيْهِ التَّكْبِير وأذكار الصَّلَوَات قدم عَلَيْهَا لِأَنَّهُ شعار الْوَقْت وَإِن كَانَ لَا يفوت بهَا أما الْحَاج فيكبر عقب كل صَلَاة من ظهر يَوْم النَّحْر لِأَنَّهَا أول صلواته بعد انْتِهَاء وَقت التَّلْبِيَة إِلَى الْغُرُوب من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فجملة مَا يكبر عقبه من المكتوبات المؤداة فِي هَذِه الْأَيَّام سَبْعَة عشر وَهَذَا يُسمى التَّكْبِير الْمُقَيد فَعلم أَن الْمُرْسل لكل من الْفطر والأضحى وَأَن الْمُقَيد للأضحى فَقَط وَأَن صَلَاة عيد الْفطر لَا تَكْبِير عَقبهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُقَيّد بِخِلَاف صَلَاة عيد الْأَضْحَى ومرسل الْفطر أفضل من مُرْسل الْأَضْحَى ومقيد الْأَضْحَى أفضل من الْمُرْسلين وَالْمحرم بِالْحَجِّ لَا يكبر لَيْلَة الْأَضْحَى لِأَن شعاره التَّلْبِيَة وَكَذَا لَو أحرم بِالْحَجِّ عِنْد ابْتِدَاء أول لَيْلَة من شَوَّال لَا يكبر بل يُلَبِّي وَصِيغَة التَّكْبِير المحبوبة الله أكبر الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده وَيسْتَحب بعد ذَلِك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} 94 الشَّرْح الْآيَة 4 أَي لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي والمعتاد فِي ذَلِك أَن يَقُول اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد وعَلى أَصْحَاب سيدنَا مُحَمَّد وعَلى أَزوَاج سيدنَا مُحَمَّد وعَلى ذُرِّيَّة سيدنَا مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا (و) الْقسم الثَّانِي من النَّفْل ذِي السَّبَب الْمُتَقَدّم وَهُوَ مَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (الكسوفين) أَي صَلَاة كسوف الشَّمْس وَصَلَاة خُسُوف الْقَمَر وَهِي سنة مُؤَكدَة وأقلها رَكْعَتَانِ كراتبة الظّهْر مثلا يحرم بهما بنية صَلَاة الْكُسُوف أَو الخسوف وأوسطها رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان فَيحرم بهما بنية مَا ذكر ثمَّ بعد الِافْتِتَاح والتعوذ يقْرَأ الْفَاتِحَة ويركع ثمَّ يعتدل وَيقْرَأ الْفَاتِحَة ثَانِيًا ويركع ثَانِيًا ثمَّ يعتدل ثَانِيًا ثمَّ يسْجد السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بالطمأنينة فِي محلهَا فَهَذِهِ رَكْعَة ثمَّ يَأْتِي بِرَكْعَة أُخْرَى كَذَلِك وأكملها رَكْعَتَانِ يحرم بهما بنية مَا ذكر فِي كل رَكْعَة قيامان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 يُطِيل الْقِرَاءَة فيهمَا فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول بعد الْفَاتِحَة وسوابقها من افْتِتَاح وتعوذ الْبَقَرَة بكمالها إِن أحْسنهَا وَإِلَّا فقدرها وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي مِقْدَار مِائَتي آيَة مِنْهَا وَفِي الْقيام الثَّالِث مِقْدَار مِائَتَيْنِ وَخمسين مِنْهَا وَفِي الْقيام الرَّابِع مِقْدَار مائَة مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي آل عمرَان أَو قدرهَا وَفِي الثَّالِث النِّسَاء أَو قدرهَا وَفِي الرَّابِع الْمَائِدَة أَو قدرهَا وَفِي كل رَكْعَة ركوعان يُطِيل التَّسْبِيح فيهمَا فيسبح فِي الرُّكُوع الأول قدر مائَة آيَة من الْبَقَرَة وَفِي الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ مِنْهَا وَفِي الثَّالِث قدر سبعين مِنْهَا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة وَفِي الرَّابِع قدر خمسين مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع وَالْمُعْتَمد أَنه يُطِيل السُّجُود الأول من كل رَكْعَة نَحْو الرُّكُوع الأول مِنْهَا وَالسُّجُود الثَّانِي نَحْو الرُّكُوع الثَّانِي وَأما الأعتدال الثَّانِي من كل رَكْعَة وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ من كل رَكْعَة فَلَا يطيلهما وَلَا بُد فِي النِّيَّة من تعْيين كَون هَذِه الصَّلَاة لكسوف الشَّمْس أَو لخسوف الْقَمَر وَإِن أحرم بهَا بِقصد أَن يَفْعَلهَا كَسنة الظّهْر فَعَن لَهُ بعد الْإِحْرَام أَن يزِيد على ذَلِك لم يجز على الْمُعْتَمد وَإِن أحرم بهَا بِقصد أَن يَفْعَلهَا بقيامين وركوعين فَعَن لَهُ أَن يَفْعَلهَا كَسنة الظّهْر أَيْضا وَإِن أحرم بهَا وَأطلق تخير بَين الْأَقَل وَغَيره وَيسن فعلهَا فِي الْجَامِع وَيسن للنِّسَاء غير ذَوَات الهيئات أَن يصلينها مَعَ الإِمَام فِي الْجَامِع وَذَوَات الهيئات يصلين فِي بُيُوتهنَّ منفردات فَإِن اجْتَمعْنَ مَعَ الإِمَام فَلَا بَأْس وَيدخل وَقتهَا بابتداء التَّغَيُّر يَقِينا وتفوت صَلَاة كسوف الشَّمْس بالانجلاء التَّام يَقِينا وبغروبها كاسفة وَصَلَاة خُسُوف الْقَمَر بالانجلاء التَّام يَقِينا وبطلوع الشَّمْس لَا بِطُلُوع الْفجْر وَلَا بغروب الْقَمَر خاسفا وَلَو حصل الانجلاء أَو الْغُرُوب أَو طُلُوع الشَّمْس فِي أثْنَاء الصَّلَاة لَا تبطل بِلَا خلاف وَيسن الْإِسْرَار فِي صَلَاة كسوف الشَّمْس لِأَنَّهَا نهارية والجهر فِي صَلَاة خُسُوف الْقَمَر لِأَنَّهَا صَلَاة ليل أَو مُلْحقَة بهَا وَيسن للْإِمَام أَن يخْطب (بخطبتين) للْجَمَاعَة دون الْمُنْفَرد (بعدهمَا) أَي بعد السَّلَام من صَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَتَكون خطبتا الْعِيدَيْنِ كخطبتي الْجُمُعَة فِي الْأَركان وَالسّنَن لَا فِي الشُّرُوط كالقيام والستر وَالطَّهَارَة وَالْجُلُوس بَينهمَا وَيسن الْجُلُوس قبلهمَا للاستراحة نعم لَا بُد فِي أَدَاء السّنة وَصِحَّة الْخطْبَة من الإسماع بِالْفِعْلِ وَالسَّمَاع وَلَو بِالْقُوَّةِ كَمَا تقدم فِي الْجُمُعَة وَكَون الْخطْبَة عَرَبِيَّة وَكَون الْخَطِيب ذكرا على الْمُعْتَمد وَيسن للخطيب أَن يعلمهُمْ فِي عيد فطر الْفطْرَة وَعِيد أضحى الْأُضْحِية وَيسن أَن يكبر فِي افْتِتَاح الْخطْبَة الأولى تسعا بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على السِّين وَفِي افْتِتَاح الثَّانِيَة سبعا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة مَعَ الْمُوَالَاة وإفراد كل تَكْبِيرَة بِنَفس ويفوت هَذَا التَّكْبِير بِالشُّرُوعِ فِي أَرْكَان الْخطْبَة كَمَا يفوت تَكْبِير الصَّلَاة بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَة ويخطب الإِمَام فِي الكسوفين وَلَو بعد الانجلاء كخطبتي الْعِيد لَكِن لَا يكبر فيهمَا قَالَ بَعضهم وَيحسن أَن يسْتَغْفر لِأَنَّهُ لَائِق بِالْحَال لِأَن الْكُسُوف مِمَّا يخوف الله بِهِ عباده وَلَا يشْتَرط فيهمَا شُرُوط خطْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الْجُمُعَة بل تسن كَمَا فِي خطْبَة الْعِيد وَلَا يَكْفِي خطْبَة وَاحِدَة ويحث فيهمَا السامعين على فعل الْخَيْر من تَوْبَة وَصدقَة وَعتق وَنَحْوهَا فَائِدَة الْخطب الْمَشْرُوعَة عشر خطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَأَرْبع فِي الْحَج وَكلهَا بعد الصَّلَاة إِلَّا خطْبَة الْجُمُعَة وعرفة فقبلها وكل مِنْهَا ثِنْتَانِ إِلَّا الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي الْحَج ففرادى وَلَو اجْتمع على الشَّخْص فرض وَصَلَاة كسوف أَو خُسُوف فَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض وَاسِعًا قدم الْكُسُوف أَو الخسوف لِأَنَّهُ يخَاف فَوتهَا وَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض ضيقا قدمه ثمَّ الْكُسُوف أَو الخسوف إِن لم يفت وَلَو اجْتمع عيد وجنازة أَو كسوف وجنازة قدمت الْجِنَازَة فيهمَا خوفًا من تغير الْمَيِّت لِأَنَّهُ مَظَنَّة للتغير هَذَا إِذا حضرت وَحضر الْوَلِيّ وَإِلَّا أفرد الإِمَام جمَاعَة ينتظرونها واشتغل مَعَ البَاقِينَ بغَيْرهَا والعيد مَعَ الْكُسُوف كالفرض مَعَه لِأَن الْعِيد أفضل مِنْهُ وَلَو اجْتمع فرض وجنازة وَلم يخف تغير الْمَيِّت فَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض وَاسِعًا وَجب تَقْدِيم الْجِنَازَة وَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض ضيقا وَجب تَقْدِيم الْفَرْض فَلَو خيف تغير الْمَيِّت وَجب تَقْدِيم الْجِنَازَة على الْفَرْض وَإِن خيف فَوت وقته تَتِمَّة قد جعل الله الشَّمْس قدر الأَرْض اثْنَتَيْ عشرَة مرّة وَجعل سَيرهَا فِي البروج من السّنة إِلَى السّنة وَهِي تسير كل شهر فِي برج مِنْهَا فَبعد تَمام السّنة ترجع إِلَى البرج الَّذِي ابتدأت مِنْهُ السّير وَتَكون فِي الشتَاء فِي أَسْفَل البروج وَفِي الصَّيف فِي أَعلَى البروج وَلَا تَجْتَمِع مَعَ الْقَمَر فِي سُلْطَانه لِئَلَّا يبطل كل وَاحِد مِنْهُمَا خاصية صَاحبه إِذْ فِي الشَّمْس خَصَائِص لَا تُوجد فِي الْقَمَر وَبِالْعَكْسِ لِأَن الله تَعَالَى جعل الشَّمْس طباخة للثمار والفواكه ولولاها مَا نبت زرع وَلَا خرجت فَاكِهَة وَلها خَصَائِص أخر وَجعل الله الْقَمَر صباغا لسَائِر أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَفِيه خَصَائِص أخر قَالَ الإِمَام السُّيُوطِيّ الْحِكْمَة فِي كسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر أَنه لما سبق فِي علمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن الْكَوَاكِب تعبد من دون الله خُصُوصا الشَّمْس وَالْقَمَر قضى عَلَيْهِمَا بالخسوف والكسوف وَجعل ذَلِك دلَالَة على أَنَّهُمَا مَعَ إشراق نورهما وَمَا يظْهر من حسن آثارهما مأموران وَفِي مصَالح الْعباد مسيران فسبحان الْحَكِيم وَقَالَ ابْن الْعِمَاد سَبَب كسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر تخويف الْعباد بِحَبْس ضوئهما ليرجعوا إِلَى الطَّاعَة لِأَن هَذِه النِّعْمَة إِذا حبست لم ينْبت زرع وَلم يجِف ثَمَر وَلم يحصل لَهُ نضج وَقيل سَببه أَن الْمَلَائِكَة تجرها وَفِي السَّمَاء بَحر فَإِذا وَقعت فِيهِ استتر ضوؤها (و) من ذِي السَّبَب الْمُتَقَدّم الَّذِي تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (استسقاء) وَهُوَ شرعا طلب سقيا الْعباد من الله تَعَالَى عِنْد حَاجتهم إِلَيْهَا وَالِاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أَنْوَاع أدناها أَن يكون بِالدُّعَاءِ مُطلقًا فُرَادَى ومجتمعين وأوسطها يكون بِالدُّعَاءِ خلف الصَّلَوَات فَرضهَا ونفلها وَفِي خطْبَة الْجُمُعَة وخطبة الْعِيدَيْنِ وَنَحْو ذَلِك وأكملها يكون بِالصَّلَاةِ على الْوَجْه الْآتِي وَإِنَّمَا يفعل الاسْتِسْقَاء عِنْد الْحَاجة بِسَبَب انْقِطَاع المَاء أَو قلته بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَو ملوحته ولاستزادة نفع وَشَمل مَا ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 مَا لَو انْقَطع المَاء عَن طَائِفَة من الْمُسلمين واحتاجت إِلَيْهِ يسن لغَيرهم أَن يستسقوا لَهُم ويسألوا الزِّيَادَة النافعة لأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرَادَ صَلَاة الاسْتِسْقَاء جمَاعَة يسن للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يخرج بهم إِلَى الصَّحرَاء لَا عذر تأسيا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن النَّاس يكثرون فَلَا يسعهم الْمَسْجِد غَالِبا وَقبل الْخُرُوج يسن للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يَأْمُرهُم بأَشْيَاء مِنْهَا التَّوْبَة من جَمِيع الْمعاصِي القولية والفعلية مِنْهَا الْمُبَادرَة إِلَى مصالحة الْأَعْدَاء المتشاحنين لأمر دُنْيَوِيّ أَو لحظ نفس وَإِذا كَانَ الهجران لله تَعَالَى بِأَن كَانَ لأمر ديني فَلَا وَمِنْهَا الْمُبَادرَة إِلَى صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة قبل ميعاد يَوْم الْخُرُوج فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَة أَيَّام وَمِنْهَا امْتِثَال أَمر الإِمَام فِي جَمِيع مَا ذكر وَلَو مسافرين وَلَو فِي النّصْف الثَّانِي من شعْبَان لِأَن هَذَا الصَّوْم لسَبَب وَإِنَّمَا وَجب امْتِثَال أمره فِي ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا أَمر بِوَاجِب تَأَكد وُجُوبه وَإِذا أَمر بمندوب وَجب وَإِن أَمر بمباح فَإِن كَانَ فِيهِ مصلحَة عَامَّة كَتَرْكِ شرب الدُّخان وَجب بِخِلَاف مَا إِذا أَمر بِمحرم أَو مَكْرُوه أَو مُبَاح لَا مصلحَة فِيهِ عَامَّة وَيجب تبييت النِّيَّة فِي هَذَا الصَّوْم لِأَنَّهُ وَاجِب نعم لَا تجب الصَّدَقَة بِأَمْر الإِمَام بهَا إِلَّا على من تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر لَا مُطلقًا وَيَكْفِي فِي التَّصَدُّق أقل مُتَمَوّل إِن لم يعين الإِمَام قدرا وَإِلَّا تعين إِلَّا إِذا زَاد ذَلِك الْقدر على مَا يجب فِي زَكَاة الْفطر فَلَا يجب إِلَّا إِذا فضل ذَلِك الْقدر عَن كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْمُعْتَمد ثمَّ يخرج الإِمَام أَو نَائِبه بِالنَّاسِ فِي الْيَوْم الرَّابِع من صِيَامهمْ إِلَى الصَّحرَاء وهم صِيَام غير متطيبين وَلَا متزينين بل فِي ثِيَاب بذلة وَفِي استكانة أَي خشوع وَفِي تضرع وَيسن لَهُم التَّوَاضُع فِي مشيهم وَكَلَامهم وجلوسهم لَا حُفَاة وَلَا مكشوفي الرؤوس ويتنظفون بِالسِّوَاكِ وَالْغسْل وَقطع الروائح الكريهة وَيخرجُونَ من طَرِيق ويعودون من آخر وَيخرج ندبا مَعَهم الصّبيان وَلَو غير مميزين والشيوخ والعجائز وَمن لَا هَيْئَة لَهُ من النِّسَاء لِأَن دعاءهم أقرب إِلَى الْإِجَابَة إِذْ الْكَبِيرَة أرق قلبا وَالصَّغِير لَا ذَنْب عَلَيْهِ وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل ترزقون وتنصرون إِلَّا بضعفائكم وَيسن إِخْرَاج الْبَهَائِم لِأَن الجدب قد أَصَابَهَا أَيْضا وتقف الْبَهَائِم معزولة عَن النَّاس وَيفرق بَين الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد حَتَّى يكثر الصياح والضجة والرقة فَيكون ذَلِك أقرب إِلَى الْإِجَابَة ثمَّ بعد خروح الإِمَام بِالنَّاسِ إِلَى الصَّحرَاء يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي كيفيتهما من التَّكْبِير بعد الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ سبعا فِي الأولى وخمسا فِي الثَّانِيَة مَعَ رفع الْيَدَيْنِ فِي كل تَكْبِيرَة وَهَذِه الصَّلَاة جهرية سَببهَا الْحَاجة ينوى بهما سنة صَلَاة الاسْتِسْقَاء يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {ق} 05 ق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} 54 الْقَمَر الْآيَة 1 أَو {سبح} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 و {الغاشية} 88 الغاشية الْآيَة 1 وَلَا توقت بِوَقْت عيد وَلَا غَيره بل تصلى فِي أَي وَقت كَانَ من ليل أَو نَهَار لِأَنَّهَا ذَات سَبَب فدارت مَعَ سَببهَا ثمَّ يخْطب الإِمَام بعدهمَا خطبتين ويبدل التَّكْبِير بالاستغفار أَولهمَا فَيَقُول أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَأَتُوب إِلَيْهِ بدل كل تَكْبِيرَة وَيكثر فِي أثنائهما من قَول اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا وَمن دُعَاء الكرب وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم وَيتَوَجَّهُ الْقبْلَة من نَحْو ثلث الْخطْبَة الثَّانِيَة ويحول رِدَاءَهُ عِنْد اسْتِقْبَال الْقبْلَة بِأَن يَجْعَل يَمِين الرِّدَاء يسَاره وَعَكسه وَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وَهَذَا يُسمى تنكيسا وَلَيْسَ التَّحْوِيل والتنكيس خاصين بِالْإِمَامِ بل مثله الذُّكُور الْحَاضِرُونَ بِخِلَاف النِّسَاء والخناثى وَحِكْمَة التَّحْوِيل التفاؤل بِتَغَيُّر الْحَال من شدَّة إِلَى رخاء فيغيرون بواطنهم بِالتَّوْبَةِ وظواهرهم بتحويل أرديتهم وتنكيسها وَيتْرك الرِّدَاء محولا مُنَكسًا حَتَّى تنْزع الثِّيَاب والرداء هُوَ مَا يوضع على الْكَتِفَيْنِ والطيلسان مَا يوضع على الرَّأْس ويغطي بِهِ بعض الْوَجْه والإزار مَا يوضع فِي الْوسط وَكَانَ طول إزَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَذْرع وَعرضه ذِرَاع وَطول عمَامَته سَبْعَة أَذْرع وعرضها ذِرَاع وَيكثر الْخَطِيب فِي الْخطْبَتَيْنِ من الدُّعَاء سرا وجهرا وَيرْفَع الْحَاضِرُونَ أَيْديهم عِنْد دُعَائِهِ جاعلين ظُهُور أكفهم إِلَى السَّمَاء لِأَن الْقَصْد رفع الْبلَاء بِخِلَاف من يَدْعُو قَاصِدا تَحْصِيل شَيْء فَإِنَّهُ يَدْعُو وبطن كَفه إِلَى السَّمَاء وَمُقْتَضى مَا ذكر أَنه فِي الاسْتِسْقَاء تجْعَل ظُهُور الأكف إِلَى السَّمَاء وَلَو كَانَت صِيغَة الدُّعَاء بِطَلَب تَحْصِيل شَيْء نَحْو اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث اعْتِبَارا بِقصد المستسقين فَإِنَّهُم قاصدون رفع الْبلَاء وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْعَلامَة الْخَطِيب وَاخْتَارَ بَعضهم أَن الْعبْرَة بالصيغة فَإِن كَانَ فِيهَا طلب رفع شَيْء جعلت ظُهُور الأكف إِلَى السَّمَاء وَإِن كَانَ فِيهَا طلب حُصُول شَيْء جعلت بطُون الأكف إِلَى السَّمَاء وَلَيْسَ هَذَا خَاصّا بالاستسقاء بل يَأْتِي فِي كل دُعَاء وَيكثر أَيْضا فِي الْخطْبَتَيْنِ من الاسْتِغْفَار وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن ذَلِك أَرْجَى لحُصُول الْمَقْصُود وَيَدْعُو فِي الْخطْبَة الأولى بِدُعَاء سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ اللَّهُمَّ سقيا رَحْمَة وَلَا سقيا عَذَاب وَلَا محق وَلَا بلَاء وَلَا هدم اللَّهُمَّ اسقنا غيثا هَنِيئًا مريئا مريعا غدقا مجللا سَحا طبقًا دَائِما اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من الْجهد والجوع والضنك مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع وَأنزل علينا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنْبت لنا من بَرَكَات الأَرْض واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَا لَا يكشفه غَيْرك اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا وَلَو نزل الْمَطَر وَكثر وتضرروا بكثرته فَالسنة أَن يسْأَلُوا الله رَفعه بِأَن يَقُولُوا اللَّهُمَّ على الآكام والظراب ومنابت الْأَشْجَار وبطون الأودية اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا وَيسن الِاغْتِسَال فِي الْوَادي إِذا سَالَ وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين الْغسْل وَالْوُضُوء ثمَّ الِاقْتِصَار على الْغسْل ثمَّ على الْوضُوء قَالَ الْعَلامَة الْخَطِيب وَهَذَا الْغسْل وَالْوُضُوء لَا يشْتَرط فيهمَا نِيَّة لِأَن الْغَرَض إمساس المَاء لهَذِهِ الْأَعْضَاء كَمَا يسن البروز للمطر وَهَذَا لَا يحْتَاج لنِيَّة وَمثله فِي شرح الرَّمْلِيّ إِلَّا إِن أَرَادَ بهما الْغسْل وَالْوُضُوء الشرعيين فَلَا بُد من النِّيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر وَيسن أَن يَقُول عِنْد سَماع الرَّعْد سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته وَكَذَا عِنْد رُؤْيَة الْبَرْق وَالْمُنَاسِب عِنْدهَا أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أَن يَقُول سُبْحَانَ من يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وَيَقُول عِنْد ذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ سبوح قدوس وَينْدب أَن لَا يتبع بَصَره الْبَرْق لِأَنَّهُ يُضعفهُ وَينْدب أَن يَقُول عِنْد نزُول الْمَطَر اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ فَإِن الدُّعَاء يُسْتَجَاب عِنْد نزُول الْغَيْث وَإِقَامَة الصَّلَاة ورؤية الْكَعْبَة وَينْدب أَن يَقُول عقب الْمَطَر مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته (و) من النَّفْل الْمُؤَقت الَّذِي تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (التَّرَاوِيح) وَهِي عشرُون رَكْعَة مجمع على سنيتها وَيجوز لأهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة دون غَيرهم فعلهَا سِتا وَثَلَاثِينَ رَكْعَة وَمَعَ ذَلِك الْأَفْضَل لَهُم الِاقْتِصَار على عشْرين وَالْمرَاد بِأَهْل الْمَدِينَة من كَانَ بهَا وَقت الْأَدَاء وَإِن لم يكن متوطنا وَلَا مُقيما وَالْعبْرَة فِي قَضَائهَا بِمحل الْأَدَاء فَلَو فَاتَتْهُ فِي الْمَدِينَة قَضَاهَا سِتا وَثَلَاثِينَ وَلَو فِي غَيرهَا بِخِلَاف مَا لَو فَاتَتْهُ فِي غَيرهَا فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا عشْرين وَلَو فِي الْمَدِينَة وَلَا تصح بنية مُطلقَة بل يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ من التَّرَاوِيح أَو من قيام رَمَضَان أَو سنة التَّرَاوِيح وَلَا يَصح أَن يُصَلِّي أَرْبعا مِنْهَا بِسَلام بل لَا بُد أَن يكون كل رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِسَلام لِأَنَّهَا وَردت كَذَلِك وفعلها بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيع الشَّهْر أفضل من تكْرَار سُورَة الْإِخْلَاص ووقتها من صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا إِلَى طُلُوع الْفجْر الصَّادِق فَعلم أَن صِحَّتهَا متوقفة على فعل الْعشَاء وَمِنْه الْوتر فِي رَمَضَان وَلَا بُد أَن يكون بعد فعل الْعشَاء سَوَاء صلى التَّرَاوِيح أَو لَا وَتقدم الْكَلَام على الْوتر فِي الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة من النَّفْل الْمُؤَقت وَأما النَّفْل الْمُطلق فَهُوَ مَا لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة خير مَوْضُوع استكثر أَو أقل فَإِن نوى فَوق رَكْعَة وَلم يعين قدرا فَلهُ الِاقْتِصَار على رَكْعَتَيْنِ وَله الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا مَا شَاءَ وَإِذا عين قدرا فَلهُ الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَله النَّقْص عَنهُ بِالنِّيَّةِ فيهمَا وَإِلَّا بَطل فَلَو قَامَ لزِيَادَة سَهوا ثمَّ تذكر قعد ثمَّ إِن أَرَادَ الزِّيَادَة قَامَ لَهَا بِالنِّيَّةِ وَلَو أَرَادَ النَّقْص فَلَا بُد من نِيَّة الْخُرُوج حِينَئِذٍ عِنْد السَّلَام على الْمُعْتَمد وَلَيْسَ لنا صُورَة يجب فِيهَا نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة على القَوْل الْمُعْتَمد إِلَّا هَذِه وَمَتى زَاد على الرَّكْعَتَيْنِ فَلهُ أَن يتَشَهَّد آخرا فَقَط أَو آخر كل رَكْعَتَيْنِ أَو كل ثَلَاث أَو كل أَربع وَهَكَذَا سَوَاء الأوتار والأشفاع وَلَا يشْتَرط تَسَاوِي الْأَعْدَاد بَين التشهدات فَلهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ويتشهد ثمَّ ثَلَاثًا ويتشهد ثمَّ أَرْبعا ويتشهد وَهَكَذَا والممتنع أَن يُوقع رَكْعَة غير الْأَخِيرَة بَين تشهدين إِذا قصد ذَلِك ابْتِدَاء أما لَو نوى رَكْعَة وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي بثانية فَأتى بهَا وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي بثالثة فَأتى بهَا وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي برابعة وَهَكَذَا فَلَا يمْتَنع مَا لم يكن متلاعبا وَالْأَفْضَل السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ وَالنَّفْل الْمُطلق بِاللَّيْلِ أفضل مِنْهُ بِالنَّهَارِ وَمن النَّفْل الْمُطلق قيام اللَّيْل وَإِذا كَانَ بعد نوم وَلَو فِي وَقت الْمغرب وَبعد فعل الْعشَاء تَقْدِيمًا يُسمى تهجدا وَلَو قسم اللَّيْل أنصافا أَو أَثلَاثًا أَو أَربَاعًا على نِيَّة أَن يقوم نصفا أَو ثلثا أَو ربعا فَقَط فَالْأَفْضَل الْأَخير من جَمِيع ذَلِك وَلَو قسم اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أسداسا فَالْأَفْضَل السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس لينام فِي السُّدس السَّادِس فَيكون أنشط لصَلَاة الصُّبْح وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد كَانَ ينَام نصف اللَّيْل الأول وَيقوم ثلثه وينام سدسه وَيحصل قيام اللَّيْل بالنفل وَلَو مؤقتا وَلَو سنة الْعشَاء أَو الْوتر وبالفرض وَلَو قَضَاء أَو نذرا وَيسن للمتهجد القيلولة وَهِي النّوم قبل الزَّوَال وَهِي للمتهجد بِمَنْزِلَة السّحُور للصَّائِم وَيكرهُ ترك التَّهَجُّد لمعتاده بِلَا عذر وَرُوِيَ عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ أبي من القوامين لله فِي سَواد اللَّيْل قَالَ رَأَيْت ذَات لَيْلَة فِي مَنَامِي امْرَأَة لَا تشبه نسَاء الدُّنْيَا فَقلت لَهَا من أَنْت فَقَالَت أَنا حوراء أمة الله فَقلت لَهَا زوجيني نَفسك قَالَت اخطبني من عِنْد رَبِّي وأمهرني فَقلت لَهَا وَمَا مهرك فَقَالَت طول التَّهَجُّد وَورد أَن المتهجد يشفع فِي أهل بَيته وَيكرهُ قيام بلَيْل يضر بِهِ أما إِذا كَانَ لَا يضرّهُ فَلَا يكره وَلَو فِي لَيَال كَامِلَة فقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أَحْيَا اللَّيْل كُله وَيكرهُ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أما إحياؤها بِغَيْر صَلَاة فَلَا يكره خُصُوصا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك مَطْلُوب فِيهَا ويتأكد الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فِي جَمِيع سَاعَات اللَّيْل وَفِي النّصْف الْأَخير آكِد وَعند السحر أفضل وَمِنْه صَلَاة التسابيح وَهِي أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وَهُوَ الْأَحْسَن نَهَارا أَو بتسليمتين وَهُوَ الْأَحْسَن لَيْلًا لحَدِيث صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى وصفتها أَن تحرم بهَا وتقرأ دُعَاء الِافْتِتَاح والفاتحة وشيئا من الْقُرْآن إِن أردْت وَالْأولَى فِي ذَلِك أَوَائِل سُورَة الْحَدِيد والحشر والصف والتغابن للمناسبة فِي ذَلِك فَإِن لم يكن فسورة الزلزلة وَالْعَادِيات وألهاكم وَالْإِخْلَاص ثمَّ تَقول بعد ذَلِك وَقبل الرُّكُوع سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم خمس عشرَة مرّة وَفِي الرُّكُوع عشرا وَفِي الِاعْتِدَال عشرا وَفِي السُّجُود الأول عشرا وَفِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ عشرا وَفِي السُّجُود الثَّانِي عشرا وَفِي جلْسَة الاسْتِرَاحَة أَو بعد التَّشَهُّد عشرا فَتلك خَمْسَة وَسَبْعُونَ فِي كل رَكْعَة مِنْهَا فَأَرْبَعَة فِي خَمْسَة وَسبعين بثلاثمائة وَيَأْتِي قبل هَذِه التسبيحات بِالذكر الْوَارِد فِي هَذِه الْأَركان وَهَذِه رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَهِي أرجح من رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَهِي بعد التَّحَرُّم وَقبل الْقِرَاءَة خمس عشرَة مرّة وَبعد الْقِرَاءَة وَقبل الرُّكُوع عشرا وَفِي الرُّكُوع عشرا وَفِي الِاعْتِدَال عشرا وَفِي السُّجُود الأول عشرا وَفِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ عشرا وَفِي السُّجُود الثَّانِي عشرا وَلَا شَيْء فِي جُلُوس الاسْتِرَاحَة وَلَا بعد التَّشَهُّد وَفِيمَا عدا الرَّكْعَة الأولى يَقُول الْخَمْسَة عشر بعد الْقيام وَقبل الْقِرَاءَة فَإِن اسْتَطَعْت أَن تصليها فِي كل يَوْم فافعل فَإِن لم تستطع فَفِي كل شهر مرّة فَإِن لم تستطع فَفِي كل سنة مرّة فَإِن لم تستطع فَفِي عمرك مرّة فَإِن لم يَفْعَلهَا أصلا دلّ ذَلِك على تكاسله فِي الدّين وَيَدْعُو بعد التَّشَهُّد الْأَخير بِهَذَا الدُّعَاء اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك توفيق أهل الْهدى وأعمال أهل الْيَقِين ومناصحة أهل التَّوْبَة وعزم أهل الصَّبْر ووجل أهل الخشية وَطلب أهل الرَّغْبَة وَتعبد أهل الْوَرع وعرفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أهل الْعلم حَتَّى أخافك اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَخَافَة تحجزني عَن مَعَاصِيك حق أعمل بطاعتك عملا أستحق بِهِ رضاك وَحَتَّى أناصحك فِي التَّوْبَة وخوفا مِنْك حَتَّى أخْلص لَك النَّصِيحَة وَحَتَّى أتوكل عَلَيْك فِي الْأُمُور كلهَا وَحَتَّى أكون حسن الظَّن بك سُبْحَانَ خَالق النُّور وَمَتى كَانَ النَّفْل مُطلقًا أَو ذَا سَبَب مُتَأَخّر يكره كَرَاهَة تَحْرِيم فِي خَمْسَة أَوْقَات وَلَا ينْعَقد وَالنَّهْي الَّذِي يتَعَلَّق بِالزَّمَانِ ثَلَاثَة أَوْقَات عِنْد طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَعند الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَعند الْغُرُوب وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وقتان بعد صَلَاة الصُّبْح أَدَاء وَبعد صَلَاة الْعَصْر كَذَلِك وَلَو مَجْمُوعَة مَعَ الظّهْر تَقْدِيمًا وَهَذَا كُله فِي غير حرم مَكَّة أما هُوَ فَلَا تكره الصَّلَاة فِيهِ فِي أَي وَقت كَانَ سَوَاء فِي الْمَسْجِد وَغَيره أما الْفَرْض وَالنَّفْل الْمُؤَقت أَو ذُو السَّبَب الْمُتَقَدّم فَلَا يكره شَيْء مِنْهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات نعم إِن تحرى إِيقَاع شَيْء من ذَلِك فِي هَذِه الْأَوْقَات بِأَن قصد إِيقَاعه فِيهِ من حَيْثُ إِنَّه وَقت كَرَاهَة حرم وَلَا ينْعَقد وَمثل ذَلِك سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَنَصّ الْغَزالِيّ على أَن الصَّلَاة ذَات السَّبَب الْمُتَقَدّم إِذا كَانَ سَببهَا ضَعِيفا مثل رَكْعَتي الْوضُوء لَا تجوز فِي أَوْقَات الْكَرَاهَة وَمعنى كَون رَكْعَتي الْوضُوء سَببهَا ضَعِيف أَنه ضَعِيف من حَيْثُ التَّسَبُّب لِأَن الصَّلَاة سَبَب للْوُضُوء لَا الْعَكْس وَتحرم الصَّلَاة مُطلقًا إِلَّا تَحِيَّة الْمَسْجِد من وَقت صعُود الإِمَام لخطبة الْجُمُعَة وَيكرهُ ابْتِدَاء مُطلق النَّفْل كَرَاهَة تَنْزِيه فِي وَقت إِقَامَة الصَّلَاة فَإِن كَانَ فِيهِ أتمه إِن لم يخْش فَوت الْجَمَاعَة بِسَلام الإِمَام وَإِلَّا قطعه ندبا وَدخل فِيهَا لِأَنَّهَا أولى مِنْهُ فصل فِي الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة وَهِي من خَصَائِص هَذِه الْأمة فَإِن أول من صلى جمَاعَة من الْبشر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا كَانُوا يصلونَ قبل ذَلِك فُرَادَى وَمَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ ربط صَلَاة الْمَأْمُوم بِصَلَاة الإِمَام ولفظها يصلح لكل من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَيتَعَيَّن لأَحَدهمَا بِالْقَرِينَةِ وَهِي أفضل من الِانْفِرَاد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة وَالْحكمَة فِيهَا أَن الصَّلَاة ضِيَافَة ومائدة بركَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 والكريم لَا يضع مائدته إِلَّا لجَماعَة وأقلها فِي غير الْجُمُعَة إِمَام ومأموم (صَلَاة الْجَمَاعَة فِي أَدَاء مَكْتُوبَة) غير جُمُعَة (سنة مُؤَكدَة) عِنْد الرَّافِعِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْمُعْتَمد عِنْد النَّوَوِيّ وَغَيره أَنَّهَا فِي غير الْجُمُعَة فرض كِفَايَة لرجال أَحْرَار مقيمين غير عُرَاة فِي أَدَاء مَكْتُوبَة وَالْوَاجِب فعلهَا على وَجه يظْهر بِهِ الشعار فَيَكْفِي فِي الْقرْيَة الصَّغِيرَة إِقَامَتهَا بِمحل وَاحِد يظْهر بِهِ الشعار وَأما الْقرْيَة الْكَبِيرَة والبلد فَلَا بُد فيهمَا من إِقَامَة الْجَمَاعَة بمواضع بِحَيْثُ يظْهر بِهِ الشعار وَضَابِط ذَلِك أَن لَا تشق الْجَمَاعَة على طالبيها وَلَا يحتشم صَغِير وَلَا كَبِير من دُخُول محلهَا فَإِن أُقِيمَت على وَجه لَا يظْهر بِهِ الشعار كَأَن أُقِيمَت فِي مَحل وَاحِد فِي بلد كَبِير بِحَيْثُ يشق حُضُوره على الْبعيد أَو أُقِيمَت فِي الْبيُوت بِحَيْثُ يستحيا من دُخُولهَا لم يسْقط الْفَرْض وَكَذَا إِذا أُقِيمَت خَارج الْعمرَان بِحَيْثُ تكون فِي مَكَان تقصر فِيهِ الصَّلَاة لَا يَكْفِي فِي سُقُوط الْفَرْض فَلَو امْتَنعُوا من إِقَامَتهَا على هَذَا الْوَجْه قَاتلهم الإِمَام أَو نَائِبه دون آحَاد النَّاس وَكَذَا لَو تَركهَا أهل حارة من الْقرْيَة الْكَبِيرَة أَو الْبَلَد وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات كَمَا يَقع فِي غَالب الْقرى وَفِي أَطْرَاف حارات الْبلدَانِ وَيسْقط الْفَرْض بِفعل طَائِفَة من أهل الْبَلَد إِذا كَانُوا ذُكُورا بالغين أحرارا وَظهر بهم الشعار فَلَا يَكْفِي غير أهل الْبَلَد وَلَا النِّسَاء وَلَا الصّبيان وَلَا الأرقاء وَجَمِيع فروض الْكِفَايَة لَا تسْقط بالصبيان كَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والحرف فَلَا تجب الْجَمَاعَة على النِّسَاء ومثلهن الخناثى وَلَا على من فِيهِ رق لاشتغالهم بِخِدْمَة السَّادة وَلَا على الْمُسَافِرين لَكِن الْجَمَاعَة فِي حَقهم إِذا كَانُوا فِي أَرض فلاة بِخَمْسِينَ دَرَجَة وَلَا على العراة بل هِيَ والانفراد فِي حَقهم سَوَاء إِلَّا أَن يَكُونُوا عميا أَو فِي ظلمَة فتسن لَهُم وَلَا فِي مقضية خلف مقضية من نوعها بل تسن أما مقضية خلف مُؤَدَّاة أَو بِالْعَكْسِ أَو خلف مقضية لَيست من نوعها فَلَا تسن وَلَا تكره بل خلاف السّنة وَلَا فِي منذورة بل لَا تسن وَلَا تكره وَلَا خلاف الأولى فَتكون مُبَاحَة مَا لم تكن الْمَنْذُورَة من النَّوَافِل الَّتِي تسن فِيهَا الْجَمَاعَة فتستمر على سنيتها وَلَو نذر الْجَمَاعَة فِيهَا حِينَئِذٍ وَجَبت أما الْجُمُعَة فالجماعة فِيهَا فرض عين لِأَنَّهَا شَرط فِي صِحَّتهَا وَكَذَا الْمُعَادَة والمجموعة تَقْدِيمًا بالمطر وَالْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد وَإِن قلت لغير الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى أفضل مِنْهَا فِي غير الْمَسْجِد كالبيت وَإِن كثرت لِأَن الْمَسْجِد مُشْتَمل على الشّرف وشأنه ظُهُور الشعار وَكَثْرَة الْجَمَاعَة أما الْمَرْأَة أَو الْخُنْثَى فجماعتهما فِي الْبَيْت وَإِن قلت أفضل مِنْهَا فِي الْمَسْجِد وَإِن كثرت بل يكره حُضُور الْمَسَاجِد لذوات الهيئات إِذا خرجن بِإِذن الزَّوْج وَلم تكن فتْنَة وَإِلَّا حرم وَتحصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِصَلَاة الشَّخْص فِي بَيته بِزَوْجَتِهِ أَو ولد أَو رَقِيق أَو غير ذَلِك وَيُؤمر الصَّبِي بِحُضُور الْمَسَاجِد وجماعات الصَّلَاة ليعتادها وَهَذَا فِي غير الْأَمْرَد الْجَمِيل أما هُوَ فَحكمه حكم الْمَرْأَة (وَهِي) أَي صَلَاة الْجَمَاعَة (بِجمع كثير أفضل) مِنْهَا فِي جَمِيع قَلِيل أَي مَا كثر جمعه من الْمَسَاجِد أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا وَمَا كثر جمعه من الْبيُوت أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا وَذهب الْمُتَوَلِي إِلَى أَن الِانْفِرَاد فِي أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد رَسُول الله وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى أفضل من الْجَمَاعَة خَارجه (إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 لنَحْو بِدعَة إِمَامه) أَي الْكثير بِمَسْجِد قرب أَو بعيد أَي الْبِدْعَة الَّتِي لَا يكفر بهَا كمعتزلي ورافضي وقدري وَمثله الْفَاسِق وَالْمُتَّهَم بالبدعة أَو الْفسق تُهْمَة قَوِيَّة أَو كَانَ بِالْإِمَامِ وصف آخر يَقْتَضِي كَرَاهَة الِاقْتِدَاء بِهِ (أَو تعطل مَسْجِد) قريب مِنْهُ أَو بعيد (عَنْهَا) أَي الْجَمَاعَة لغيبته عَنهُ لكَونه إِمَامه أَو يحضر النَّاس بِحُضُورِهِ فَصلَاته فِيهِ مَعَ قلَّة جماعته أفضل مِنْهَا فِي غَيره وَإِن كثر جمعه وَإِذا كَانَ عَلَيْهِ الْإِمَامَة فِي مَسْجِد فَلم يحضر مَعَه أحد يُصَلِّي مَعَه وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة فِيهِ وَحده لِأَن عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد والإمامة فِيهِ فَإِذا فَاتَ أَحدهمَا لَا يسْقط الآخر (وتدرك جمَاعَة) أَي فضيلتها فِي غير الْجُمُعَة (مَا لم يسلم إِمَام) وَإِن لم يقْعد مَعَه بِأَن سلم عقب تحرمه وَيحرم عَلَيْهِ الْجُلُوس لِأَنَّهُ كَانَ للمتابعة وَقد فَاتَت بِسَلام الإِمَام فَإِن جلس عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته أما الْجُمُعَة فَلَا تحصل الْجَمَاعَة فِيهَا إِلَّا بِرَكْعَة يُدْرِكهَا مَعَ الإِمَام محسوبة لَهُ (و) تحصل فَضِيلَة تَكْبِيرَة (تحرم بِحُضُورِهِ) تَكْبِيرَة إِحْرَام الإِمَام (واشتغال بِهِ) أَي التَّحَرُّم (عقب تحرم إِمَامه) من غير تراخ فإدراك تحرم مَعَ الإِمَام فَضِيلَة أُخْرَى غير فَضِيلَة الْجَمَاعَة لخَبر الْبَزَّار لكل شَيْء صفوة وصفوة الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولى فحافظوا عَلَيْهَا ويعذر فِي الوسوسة الْخَفِيفَة وَهِي مَا لَا يطول بهَا زمَان عرفا فَلَا تفوت فَضِيلَة التَّحَرُّم بِخِلَاف مَا لَو أَبْطَأَ لغير وَسْوَسَة وَلَو لمصْلحَة الصَّلَاة كالطهارة أَو لوسوسة ظَاهِرَة وَهِي بِحَيْثُ أدَّت إِلَى فَوَات الْقيام أَو معظمه أَو لم يحضر تحرم الإِمَام (و) تدْرك (رَكْعَة) لمسبوق أدْرك الإِمَام رَاكِعا أَو فِي آخر مَحل قِرَاءَته بأمرين (بتكبيرة الْإِحْرَام) فيكبر الْمَسْبُوق للْإِحْرَام وجوبا ثمَّ للرُّكُوع ندبا فَإِن نواهما بتكبيرة وَاحِدَة مُقْتَصرا عَلَيْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته لتشريكه بَين فرض وَسنة مَقْصُودَة فَأشبه نِيَّة الظّهْر وسنته (و) بِإِدْرَاك (رُكُوع مَحْسُوب) للْإِمَام بِأَن يكون الإِمَام متطهرا فِي غير رَكْعَة زَائِدَة سَهَا بهَا (تَامّ) بِأَن يطمئن فِي رُكُوعه قبل ارْتِفَاع إِمَامه عَن أقل الرُّكُوع وَهُوَ بُلُوغ راحتيه رُكْبَتَيْهِ (يَقِينا) وَيحصل الْيَقِين بِرُؤْيَة الإِمَام فِي الْبَصِير مَعَ الضَّوْء أَو بِوَضْع يَده على ظَهره فِي الْأَعْمَى وَمن فِي ظلمَة أَو سَمَاعه تَسْبِيح الإِمَام فِي الرُّكُوع وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِك الظَّن وَلَا سَماع صَوت الْمبلغ بِخِلَاف مَا لَو لم يطمئن أَو اطْمَأَن بعد ارْتِفَاع الإِمَام عَن أقل الرُّكُوع أَو شكّ هَل اطْمَأَن قبل ذَلِك الِارْتفَاع لِأَن إِدْرَاك مَا قبل الرُّكُوع بِالرُّكُوعِ رخصَة فَلَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا بِيَقِين فَلَا يَكْتَفِي بِغَلَبَة الظَّن خلافًا لزركشي وَيسْجد الشاك للسَّهْو لِأَنَّهُ شَاك بعد سَلام الإِمَام فِي عدد ركعاته فَلم يتحمله عَنهُ وَإِذا وجد للْإِمَام هَذِه الشُّرُوط أدْرك الرَّكْعَة وَلَو قصر بِتَأْخِير تحرمه إِلَى رُكُوع الإِمَام من غير عذر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة قبل أَن يُقيم الإِمَام صلبه فقد أدْركهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 (و) يجب على الْمَسْبُوق أَن يُوَافق إِمَامه فِي فعل كسجود أدْركهُ مَعَه وَإِن لم يحْسب لَهُ وَإِلَّا بطلت صلَاته إِن علم وتعمد وَيُؤْخَذ من عدم حسبان السُّجُود أَنه لَا يجب عَلَيْهِ وضع الْأَعْضَاء السَّبْعَة وَلَا الطُّمَأْنِينَة فِي هَذَا السُّجُود لِأَنَّهُ لمحض الْمُتَابَعَة كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَيَأْتِي الْمَسْبُوق اسْتِحْبَابا بِرَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد قيام الإِمَام من التَّشَهُّد الأول وَإِن لم يكن أَولا لَهُ أما القولي وَلَو وَاجِبا كالتشهد الْأَخير فَلَا تجب مُوَافَقَته فِيهِ بل تسن وَحِينَئِذٍ (يكبر) ندبا (مَسْبُوق انْتقل مَعَه) أَي الإِمَام لانتقاله فَإِذا أدْركهُ معتدلا كبر للهوي وَمَا بعده مُوَافقَة لإمامه فِي تكبيره أَو سَاجِدا مثلا لم يكبر للهوي إِلَى السُّجُود لِأَنَّهُ لم يُتَابِعه فِيهِ وَلَيْسَ السُّجُود محسوبا لَهُ وَخرج بِهَذَا مَا لَو أدْركهُ فِي سَجْدَة التِّلَاوَة فيكبر لِأَنَّهُ كإدراك الإِمَام فِي الرُّكُوع وَهُوَ مَحْسُوب لَهُ ويوافق الْمَسْبُوق إِمَامه اسْتِحْبَابا فِي أذكار مَا أدْركهُ مَعَه وَإِن لم يحْسب لَهُ كالتحميد وَالدُّعَاء حَتَّى عقب التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الصَّلَاة لَا سكُوت فِيهَا (و) يكبر الْمَسْبُوق ندبا أَيْضا للْقِيَام أَو بدله إِذا سلم الإِمَام (بعد سلاميه) فَيسنّ لَهُ انْتِظَار سَلَامه الثَّانِي لِأَنَّهُ من لواحق الصَّلَاة وَيجب انْتِظَار السَّلَام الأول فقيامه بِلَا نِيَّة مُفَارقَة قبل مِيم عَلَيْكُم مِنْهُ مُبْطل للصَّلَاة من عَالم عَامِد وَلَا يُقَال غَايَته أَنه سبق بِرُكْن والسبق بِرُكْن لَا يبطل لِأَن صَلَاة الإِمَام قد تمت وَإِن كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا لم يعْتد بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ حَتَّى يجلس وَلَو كَانَ الإِمَام سلم حَتَّى يقوم بعد سَلام الإِمَام وَمَتى علم وَلم يجلس بطلت صلَاته لعدم الْإِتْيَان بِالْجُلُوسِ الْوَاجِب عَلَيْهِ هَذَا (إِن كَانَ) أَي جُلُوسه مَعَ الإِمَام (مَوضِع جُلُوسه) لَو كَانَ مُنْفَردا كَأَن أدْركهُ فِي ثَانِيَة الْمغرب أَو ثَالِثَة الرّبَاعِيّة لِأَنَّهُ مَوضِع تَكْبِير الْمُنْفَرد وَغَيره بِلَا خلاف وَإِن لم يكن ذَلِك مَوضِع جُلُوسه لَو انْفَرد كَأَن أدْركهُ آخر رَكْعَة فَلَا يكبر بل يسكت ندبا فِي انْتِقَاله للْقِيَام أَو مَا قَامَ مقَامه لِأَنَّهُ غير مَحل تكبيره وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافقَة لإمامه وَحرم حِينَئِذٍ مكثه بعد تسليمتي الإِمَام فَتبْطل صلَاته بِهِ إِن تَعَمّده وَعلم تَحْرِيمه وَزَاد على قدر جلْسَة الاسْتِرَاحَة وَإِلَّا فَلَا وَيسْجد للسَّهْو فَإِن مكث فِي مَحل جُلُوسه لَو كَانَ مُنْفَردا جَازَ وَإِن طَال وَمَا أدْركهُ الْمَسْبُوق مَعَ الإِمَام مِمَّا يعْتد لَهُ بِهِ فَهُوَ أول صلَاته وَمَا يَأْتِي بِهِ بعد سَلَامه آخرهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا وإتمام الشَّيْء إِنَّمَا يكون بعد أَوله فَيُعِيد فِي الْبَاقِي الْقُنُوت وَالتَّشَهُّد وَسُجُود السَّهْو (وَشرط لقدوة) اثْنَا عشر الأول (نِيَّة اقْتِدَاء أَو جمَاعَة مَعَ تحرم) فَلَو ترك هَذِه النِّيَّة أَو شكّ فِيهَا وَتَابعه فِي فعل أَو سَلام بعد انْتِظَار كثير عرفا للمتابعة بطلت صلَاته لِأَنَّهُ وَقفهَا على صَلَاة غَيره بِلَا رابطة بَينهمَا فَهُوَ متلاعب أَو فِي حكمه وَلَا فرق بَين الْعَالم بِالْمَنْعِ وَالْجَاهِل بِهِ وَخرج الِانْتِظَار الْيَسِير أَو الْكثير اتِّفَاقًا أَي لَا بِقصد الْمُتَابَعَة فَلَيْسَ مُبْطلًا (وَنِيَّة إِمَامَة) أَو نَحْوهَا مَعَ تحرم وَاجِبَة على الإِمَام اذا كَانَت الْجَمَاعَة شرطا فِي صِحَة صلَاته وَذَلِكَ فِي الْجُمُعَة والمعادة والمجموعة بالمطر و (سنة لإِمَام فِي غير) مَا ذكر من (جُمُعَة) وتالييها نعم لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 كَانَ إِمَام الْجُمُعَة زَائِدا على الْأَرْبَعين وَلم يكن من أهل وُجُوبهَا كالرقيق وَكَانَ نَاوِيا غير الْجُمُعَة كالظهر لَا تجب عَلَيْهِ نِيَّة الْجَمَاعَة بل تسن (و) الثَّانِي (عدم تقدم على إِمَام) فِي الْموقف بِأَن يتَأَخَّر عَنهُ أَو يُسَاوِيه فَإِن تقدم عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الصَّلَاة بطلت أَو عِنْد التَّحَرُّم لم تَنْعَقِد كالتقدم بتكبيرة الْإِحْرَام قِيَاسا للمكان على الزَّمَان نعم يسْتَثْنى من ذَلِك صَلَاة شدَّة الْخَوْف فَإِنَّهُ لَا يضر فِيهَا تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام للْعُذْر وَلَو شكّ هَل هُوَ مُتَقَدم أم لَا كَأَن كَانَ فِي ظلمَة صحت صلَاته مُطلقًا أَي سَوَاء جَاءَ من قُدَّام الإِمَام أَو من خَلفه وَالِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم وَغَيره للقائم (بعقب) وَهُوَ مُؤخر الْقدَم فَلَو تَسَاويا فِي الْعقب وَتَقَدَّمت أَصَابِع الْمَأْمُوم لم يضر إِلَّا إِن كَانَ اعْتِمَاده على أَصَابِعه وللقاعد بالألية وَمِنْه الرَّاكِب فالاعتبار فِيهِ بالألية وللساجد برؤوس الْأَصَابِع وللمصلوب بالكتف وللمقطوعة رجله بِمَا اعْتمد عَلَيْهِ وللمضطجع بالجنب وللمستلقي بِالرَّأْسِ وَالْحَاصِل أَن أَحْوَال الْمَأْمُوم سِتَّة إِمَّا أَن يكون قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا أَو مُسْتَلْقِيا أَو مُعْتَمدًا على خشبتين مثلا أَو مصلوبا وأحوال الإِمَام خَمْسَة وَهِي مَا عدا المصلوب لِأَن المصلوب تلْزمهُ الْإِعَادَة وَشرط الإِمَام أَلا تلْزمهُ الْإِعَادَة وَسِتَّة فِي خَمْسَة بِثَلَاثِينَ صُورَة وَالضَّابِط فِيهَا أَن يُقَال لَا يَصح أَن يتَقَدَّم الْمَأْمُوم بِجَمِيعِ مَا اعْتمد عَلَيْهِ على جُزْء مِمَّا اعْتمد عَلَيْهِ الإِمَام (وَندب وقُوف ذكر) وَلَو صَبيا اقْتدى وَحده بمصل (عَن يَمِين الإِمَام مُتَأَخِّرًا) عَنهُ (قَلِيلا) عرفا لِلِاتِّبَاعِ واستعمالا للأدب بِأَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا على ثَلَاثَة أَذْرع فَإِن زَاد كره وَكَانَ مفوتا لفضيلة الْجَمَاعَة قَالَ الشبراملسي وَلَا يتَوَقَّف حُصُول السّنة على زِيَادَة الْقرب بِحَيْثُ يُحَاذِي بعض بدن الْمَأْمُوم بعض بدن الإِمَام فِي الرُّكُوع أَو السُّجُود (فَإِن جَاءَ) ذكر (آخر أحرم عَن يسَاره ثمَّ) تقدم الإِمَام أَو (تأخرا) فِي الْقيام وَمِنْه الِاعْتِدَال لِأَنَّهُ قيام فِي الصُّورَة فَإِن لم يكن بيسار الإِمَام مَحل أحرم خَلفه ثمَّ تَأَخّر إِلَيْهِ من هُوَ على الْيَمين ويصطفان وَرَاءه وتأخرهما أفضل من تقدمه إِن أمكن كل من التَّقَدُّم والتأخر وَإِلَّا فعل الْمُمكن (و) ندب وقُوف (رجلَيْنِ) أَو صبيين أَو صبي وَبَالغ (أَو رجال) حَضَرُوا ابْتِدَاء (خَلفه) كامرأة فَأكْثر وَيسن أَن يقف خَلفه رجال لفضلهم فصبيان إِن استوعب الرِّجَال الصَّفّ وَإِلَّا كمل بهم أَو ببعضهم فخناثى لاحْتِمَال ذكورتهم فنساء لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِك وَلَا يكمل بالخناثى وَلَا بِالنسَاء صف غَيرهم وَأَن تقف إمامتهن فِي وسطهن من غير تقدم فَلَو أمهن غير امْرَأَة قدم عَلَيْهِنَّ وكالمرأة عَار أَو عُرَاة بصراء فِي ضوء (و) سنّ للرِّجَال وقوفهم (فِي صف أول) لِأَنَّهُ أفضل صُفُوف الرِّجَال أما الخناثى وَالنِّسَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فأفضل صفوفهم آخرهَا لبعده عَن الرِّجَال وَإِن لم يكن فيهم رجل غير الإِمَام سَوَاء كن إِنَاثًا فَقَط أَو خناثى فَقَط أَو الْبَعْض من هَؤُلَاءِ وَالْبَعْض من هَؤُلَاءِ فالأخير من الخناثى أفضلهم والأخير من النِّسَاء أفضلهن (ثمَّ مَا يَلِيهِ) أَي الصَّفّ الأول فِي حق الرِّجَال والصف الْأَخير فِي حق غَيرهم وَهَكَذَا وَهَذَا فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة أما هِيَ فتستوي صفوفها فِي الرُّتْبَة عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس لطلب تعدد الصُّفُوف فِيهَا وَأفضل كل صف يَمِينه ثمَّ يسَاره وَمَتى سبق وَاحِد إِلَى الصَّفّ الأول لم يجز لغيره تَأْخِيره إِلَّا فِي مسَائِل الأولى أَن يكون مِمَّن يتَأَذَّى بِهِ الْقَوْم لرائحة كريهة كصنان وَنَحْوه الثَّانِيَة إِذا حضر العَبْد بِإِذن السَّيِّد إِلَى الصَّفّ الأول فللسيد تَأْخِيره الثَّالِثَة إِذا تقدم إِلَى الصَّفّ الأول من لَيْسَ من أَهله لَكِن لَو حضر الصّبيان أَولا ثمَّ حضر الرِّجَال لم يؤخروا من مكانهم بِخِلَاف من عداهم الرَّابِعَة إِذا تقدم خلف الإِمَام من لَا يصلح للاستخلاف فَيَنْبَغِي أَن يُؤَخر ويتقدم خلف الإِمَام من يصلح للْإِمَامَة (وَكره) لمأموم (انْفِرَاد) عَن صف من جنسه إِن وجد سَعَة بل يدْخل الصَّفّ حِينَئِذٍ وَله أَن يخرق الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا فَوْقه لأَجلهَا لأجل تقصيرهم بِتَرْكِهَا وَلَا يتَقَيَّد خرق الصُّفُوف فِي هَذَا بصفين بل يتَقَيَّد بِهِ تخطي الرّقاب الْآتِي فِي الْجُمُعَة فَإِن لم يجد سَعَة أحرم ثمَّ بعد إِحْرَامه إِذا لم يجد من يصطف مَعَه جر إِلَيْهِ شخصا من الصَّفّ ليصطف مَعَه وَسن لمجروره مساعدته لِأَنَّهُ من بَاب المعاونة على الْبر وَلَا يفوتهُ ثَوَاب الصَّفّ الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ لم يخرج مِنْهُ إِلَّا لعذر شَرْعِي وسنية الْجَرّ لَهَا شُرُوط خَمْسَة أَن يكون الْمَجْرُور حرا وَأَن يجوز مُوَافَقَته لَهُ وَأَن يكون الصَّفّ الْمَجْرُور مِنْهُ أَكثر من اثْنَيْنِ وَأَن يكون فِي الْقيام وَبعد الْإِحْرَام وَإِلَّا فَلَا يسن الْجَرّ وَلَو أمكنه أَن يصطف مَعَ الإِمَام حِينَئِذٍ فَلهُ أَن يخرق الصَّفّ لذَلِك وَلَو كَانَ الصَّفّ الَّذِي أَمَامه اثْنَيْنِ فَقَط وَالْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ وَاسع فَلهُ أَن يجرهما ليصطفا مَعَه والانفراد عَن الصَّفّ مَعَ إِمْكَان الدُّخُول فِيهِ مفوت لفضيلة الْجَمَاعَة لِأَن ارْتِكَاب الْمَكْرُوه من حَيْثُ الْجَمَاعَة يفوتها (و) حِينَئِذٍ كره (شُرُوع فِي صف قبل إتْمَام مَا قبله) وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّد الرَّمْلِيّ أَن الصُّفُوف الْمُقطعَة تحصل لَهُم فَضِيلَة الْجَمَاعَة دون فَضِيلَة الصَّفّ وَالْمُعْتَمد الأول نعم إِن كَانَ تأخرهم عَن سد الفرجة لعذر كوقت الْحر بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام لم يكره لعدم التَّقْصِير فَلَا تفوتهم الْفَضِيلَة (و) الثَّالِث (علم بانتقالات إِمَام) بِرُؤْيَتِهِ أَو رُؤْيَة صف أَو بعضه أَو سَماع صَوته أَو صَوت مبلغ ثِقَة أَو برابطة وَهُوَ شخص يقف أَمَام منفذ كالباب ليرى الإِمَام أَو بعض الْمَأْمُومين فيتبعه من بجانبه أَو خَلفه وَإِن لم يعلم بانتقالات الإِمَام اكْتفى بِعِلْمِهِ بانتقالات الرابطة فَيكون الرابطة كَالْإِمَامِ لَهُم فَيشْتَرط أَلا يتقدموا عَلَيْهِ فِي الْموقف وَلَا فِي الْإِحْرَام وَأَن يكون مِمَّن تصح إِمَامَته لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَألا يخالفوه فِي أَفعاله وَإِن خَالف الإِمَام حَتَّى لَو كَانَ بطيء الْقِرَاءَة وتخلف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَجب عَلَيْهِم التَّأَخُّر مَعَه وَإِذا بطلت صلَاته تابعوا الإِمَام الْأَصْلِيّ إِن علمُوا بانتقالاته وَإِلَّا وَجب عَلَيْهِم نِيَّة الْمُفَارقَة وَمَتى كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم حَائِل فَلَا بُد من الرابطة بِالْوَجْهِ الْمُتَقَدّم وَبِمَا تقرر علم أَنه لَا يَصح اقْتِدَاء أعمى أَصمّ إِلَّا بهداية ثِقَة لَهُ وَأَنه لَا بُد من كَون الْأَفْعَال فِي صَلَاة الإِمَام ظَاهِرَة (و) الرَّابِع (اجْتِمَاعهمَا) أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم (بمَكَان) بِأَن لَا تزيد الْمسَافَة بَينهمَا وَلَا بَين كل صفّين أَو شَخْصَيْنِ مِمَّن ائتم بِالْإِمَامِ خَلفه أَو بجانبه على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْآدَمِيّ تَقْرِيبًا فيغتفر زِيَادَة ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل وَهَذَا الشَّرْط عَام فِيمَن وقف فِي علو وإمامه فِي سفل أَو عَكسه على مَا رَجحه النَّوَوِيّ خلافًا لمن قَالَ بِشَرْط الْمُحَاذَاة لمن ذكر بِحَيْثُ تكون رَأس الْأَسْفَل المعتدل الْقَامَة تلاقي قدم الْأَعْلَى لَو ذهب الْمُقدم إِلَى الْخلف وَلَا يجب فِي الفضاء غير ذَلِك فَإِن كَانَا فِي بِنَاء أَو بناءين أَو كَانَ أَحدهمَا فِي فضاء وَالْآخر فِي بِنَاء والجميع غير مَسْجِد اشْترط مَعَ مَا مر آنِفا عدم حَائِل بَينهمَا يمْنَع الرُّؤْيَة أَو الاستطراق العادي بِحَيْثُ لَو أَرَادَ الْوُصُول للْإِمَام لَا يُمكنهُ أَو يستدبر الْقبْلَة وَيُقَال لهَذَا إزورار وانعطاف فَلَا يضر كَونهَا عَن يَمِينه أَو يسَاره على فرض وُصُوله للْإِمَام وَعلم من تَصْوِير منع الْمُرُور العادي بِمَا ذكر أَن اعْتِبَار الْمُرُور العادي فِي كل مَكَان بِحَسبِهِ وَلَو كَانَ الْوُصُول إِلَى الإِمَام بانحناء مثلا فالمدار على إِمْكَان الْوُصُول إِلَى الإِمَام من غير استدبار الْقبْلَة فَلَو حَال بَينهمَا جِدَار لَا بَاب فِيهِ أَو بَاب مسمر أَو مغلق أَو مَرْدُود أَو شباك منع صِحَة الِاقْتِدَاء وَلَيْسَ من الْحَائِل النَّهر وَلَو أحْوج إِلَى سباحة وَلَا الشَّارِع وَإِن كثر طروقه فَلَو كَانَ أَحدهمَا بدكان وَالْآخر بِأُخْرَى فِي الصَّفّ الْمُقَابل لَهُ صَحَّ وَلَو وقف أَحدهمَا بسطح وَالْآخر بسطح آخر فِي صف ثَان صَحَّ إِن كَانَ يُمكن الْوُصُول من أحد السطحين إِلَى الآخر كَأَن يَجْعَل بَينهمَا نَحْو إسقالة (فَإِن كَانَا بِمَسْجِد) فالمدار على الْعلم بالانتقالات بطرِيق من الطّرق الْمُتَقَدّمَة وَحِينَئِذٍ (صَحَّ الِاقْتِدَاء) وَإِن بَعدت الْمسَافَة بَينهمَا وزادت على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَلَا بُد من إِمْكَان الْوُصُول إِلَى الإِمَام وَلَو بازورار وانعطاف نعم لَا يضر الْبَاب المغلق وَلَا الْمَرْدُود من غير إغلاق بِالْأولَى وَالْبَاب المسمر يضر فِي الِابْتِدَاء دون الدَّوَام وَمثله مَا لَو كَانَ بسطح أَو دكة لَا مرقى لَهَا فَيضر ابْتِدَاء لَا دواما لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء فَلَو حَال بَينهمَا جِدَار لَا بَاب فِيهِ أَو شباك ضرّ لعدم إِمْكَان الْوُصُول وَلَو كَانَ أَحدهمَا بعلو كسطح الْمَسْجِد أَو منارته وَالْآخر بسفل كسردابه أَو بِئْر فِيهِ لَا يضر وَلَو حَال بَينهمَا نهر أَو طَرِيق قديم بِأَن سبقا وجود الْمَسْجِد بل أَو قارناه كَانَ كَمَا لَو كَانَ أَحدهمَا فِي مَسْجِد وَالْآخر فِي غَيره وَسَيَأْتِي حكمه بِخِلَاف مَا لَو كَانَ النَّهر طارئا بعد المسجدية فَلَا عِبْرَة بِهِ والمساجد المتلاصقة الَّتِي تفتح أَبْوَاب بَعْضهَا إِلَى بعض كمسجد وَاحِد (وَلَو كَانَ أَحدهمَا فِيهِ وَالْآخر خَارجه) كَأَن كَانَ الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم خَارجه اعْتبرت الْمسَافَة الْمُتَقَدّمَة من آخر الْمَسْجِد لِأَن الْمَسْجِد مَبْنِيّ للصَّلَاة فَلَا يدْخل فِي الْحَد الْفَاصِل وَمن آخر صف خَارج عَن الْمَسْجِد إِذا خرجت الصُّفُوف عَن الْمَسْجِد وَفِي الْحَائِل مَا مر فِي غير الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فَلَو كَانَ الْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام خَارجه اعْتبرت الْمسَافَة من طرفه الَّذِي يَلِي الإِمَام (شَرط عدم حَائِل) كَمَا مر (أَو) حَال بَينهمَا حَائِل فِيهِ بَاب نَافِذ شَرط (وقُوف وَاحِد) مثلا (حذاء منفذ) وَهَذَا الْوَاقِف كَالْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ لمن خَلفه لَا يحرمُونَ قبله وَلَا يَرْكَعُونَ قبل رُكُوعه وَلَا يسلمُونَ قبل سَلَامه وَلَا يتَقَدَّم المقتدى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن الإِمَام وَمَعَ ذَلِك لَو سمع قنوت الرابطة لَا يُؤمن عَلَيْهِ لِأَن الْعبْرَة فِي ذَلِك بِالْإِمَامِ الْأَصْلِيّ كَذَا قَالَ الشبراملسي (و) الْخَامِس (مُوَافقَة) للْإِمَام (فِي سنَن تفحش مُخَالفَة فِيهَا) فعلا وتركا كسجدة تِلَاوَة وَتشهد أول على تَفْصِيل فِيهِ تقدم بِخِلَاف مَا لَا تفحش الْمُخَالفَة فِيهِ كجلسة الاسْتِرَاحَة فَلَا تضر مُخَالفَة الإِمَام فِي ذَلِك فعلا وتركا وَالسَّادِس تَبَعِيَّة الإِمَام فِي الْأَفْعَال والأقوال وَهُوَ تَأَخّر ابْتِدَاء تحرم الْمَأْمُوم عَن انْتِهَاء تحرم الإِمَام يَقِينا فَلَو قارنه فِي حرف من التَّكْبِير لم تَنْعَقِد صلَاته وَمحل هَذَا الشَّرْط فِيمَا لَو كَانَ الْمَأْمُوم مقتديا من ابْتِدَاء صلَاته أما لَو نوى الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء صلَاته فَلَا يشْتَرط تَأَخّر تحرمه عَن تحرم الإِمَام الَّذِي نوى الِاقْتِدَاء بِهِ فِي الْأَثْنَاء بل يَصح تقدمه عَلَيْهِ وَكَذَا لَو كبر الْمَأْمُوم عقب تَكْبِير الإِمَام ثمَّ طَرَأَ للْإِمَام شكّ فِي تكبيره فَكبر ثَانِيًا خُفْيَة وَلم يعلم بِهِ الْمَأْمُوم لَا يضر على الْمُعْتَمد وَصَلَاة الْمَأْمُوم حِينَئِذٍ فُرَادَى وَعدم سبقه على إِمَامه بركنين فعليين وَلَو غير طويلين (وَعدم تخلف عَن إِمَام بركنين فعليين) تامين وَإِن لم يَكُونَا طويلين (بِلَا عذر مَعَ تعمد وَعلم) بِالْمَنْعِ كَأَن يهوي الإِمَام للسُّجُود وَالْمَأْمُوم فِي قيام الْقِرَاءَة فَلَا يتَحَقَّق السَّبق والتخلف بركنين إِلَّا إِذا انْفَصل عَن الثَّانِي مِنْهُمَا فَإِن خَالف فِي السَّبق أَو التَّخَلُّف بهما لغير عذر بطلت صلَاته لفحش الْمُخَالفَة بِلَا عذر بِخِلَاف سبقه بهما نَاسِيا أَو جَاهِلا وَمَتى تذكر أَو علم وَجب عَلَيْهِ الْعود لموافقة الإِمَام فَإِن لم يعد بطلت صلَاته فَإِن اسْتمرّ سَهْوه أَو جَهله فَلَا بطلَان لَكِن لَا يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة فَيَأْتِي بعد سَلام إِمَامه بِرَكْعَة وَبِخِلَاف سبقه بِرُكْن كَأَن ركع قبله وابتدأ رفع الِاعْتِدَال وَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق سبقه بِرُكْن وَأما إِذا اسْتمرّ فِي الرُّكُوع وَلم يبتدىء رفع الِاعْتِدَال فَلَا يُقَال سبقه بِرُكْن بل يُقَال سبقه بِبَعْض ركن وكل مِنْهُمَا لَا تبطل بِهِ الصَّلَاة لِأَنَّهُ يسير لكنه فِي الْفعْلِيّ بِلَا عذر حرَام وَهُوَ كَبِيرَة إِن كَانَ بِرُكْن وصغيرة إِن كَانَ بِبَعْضِه وَقيل كَبِيرَة أَيْضا وَأما مُجَرّد رفع الرَّأْس من الرُّكْن كالركوع من غير وُصُول للركن الَّذِي بعده فمكروه كَرَاهَة تَنْزِيه وَمثل رفع الرَّأْس من الرُّكْن الْهَوِي مِنْهُ إِلَى ركن آخر كالهوي من الِاعْتِدَال من غير وُصُول للسُّجُود وَبِخِلَاف سبقه بركنين غير فعليين كَقِرَاءَة وركوع أَو تشهد وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تجب إِعَادَة ذَلِك وَبِخِلَاف تخلفه بفعلي مُطلقًا أَو بفعليين بِعُذْر وَبِخِلَاف الْمُقَارنَة فِي غير التَّحَرُّم لَكِنَّهَا فِي الْأَفْعَال مَكْرُوهَة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فِيمَا قَارن فِيهِ لَا فِي جَمِيع الصَّلَاة وَأما ثَوَاب الصَّلَاة فَلَا يفوت بذلك فقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذا صلى فِي أَرض مَغْصُوبَة أَن الْمُحَقِّقين على حُصُول الثَّوَاب فالمكروه أولى (و) عدم تخلف عَن الإِمَام (بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أَرْكَان طَوِيلَة) وَهِي الْمَقْصُودَة فِي نَفسهَا فَلَا يحْسب مِنْهَا الْقصير وَهُوَ الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بِأَن يَنْتَهِي الإِمَام إِلَى الْجُلُوس للتَّشَهُّد أَو الْقيام وَالْمَأْمُوم فِي الْقيام (بِعُذْر أوجبه) أَي اقْتضى وجوب ذَلِك التَّخَلُّف (كإسراع إِمَام قِرَاءَة) وحركة مَعَ بطء الْمَأْمُوم فِي حركاته أَو فِي قِرَاءَته الْوَاجِبَة لنَحْو عجز لِسَانه بِخِلَاف قِرَاءَة السُّورَة فَإِنَّهُ لَا يتَأَخَّر لَهَا وَإِلَّا بطلت صلَاته بِتمَام ركنين فعليين كالتخلف لوسوسة بِأَن كَانَ يردد الْكَلِمَات من غير مُوجب (وانتظار مَأْمُوم سكتته) أَي الإِمَام فَإِذا سبق بِثَلَاثَة طَوِيلَة كالركوع والسجدتين فِي التَّخَلُّف لإتمام الْفَاتِحَة (فليوافق) إِمَامه وجوبا إِن لم ينْو مُفَارقَته (فِي) الرُّكْن (الرَّابِع) وَهُوَ الْقيام أَو الْجُلُوس للتَّشَهُّد فِي هَذِه الصُّورَة وَيتْرك تَرْتِيب نَفسه (ثمَّ يتدارك) بعد سَلام الإِمَام مَا بَقِي عَلَيْهِ وَالْحَاصِل أَنه قد يعرض للْمَأْمُوم أعذار تجوز لَهُ أَن يتَخَلَّف عَن إِمَامه بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَذَلِكَ فِي أَربع عشرَة مَسْأَلَة الأولى أَن يكون الْمَأْمُوم بطيء الْقِرَاءَة لعجز خلقي كثقل لِسَانه أَو للترتيل لَا للوسوسة وَالْإِمَام معتدلها وَكَانَ الْمَأْمُوم مُوَافقا بِأَن أحرم وَأدْركَ مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ للوسط المعتدل لَا بِالنِّسْبَةِ لقرَاءَته وَلَا لقِرَاءَة إِمَامه فَأَتمَّ الإِمَام فاتحته وَركع قبل أَن يتم الْمَأْمُوم فَيجب على الْمَأْمُوم حِينَئِذٍ التَّخَلُّف لإتمام فاتحته لكَونه مُوَافقا وَيغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَهِي الرُّكُوع والسجودان فَلَا يحْسب مِنْهَا الِاعْتِدَال وَلَا الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ثمَّ إِن أتم الْمَأْمُوم فاتحته قبل أَن يتلبس الإِمَام بالركن الرَّابِع وَهُوَ الْقيام أَو قبل أَن يجلس للتَّشَهُّد الأول أَو الْأَخير جرى على نظم صَلَاة نَفسه فيركع ويعتدل وَيسْجد السجودين فَإِذا فرغ من ذَلِك وَقَامَ فَوجدَ الإِمَام رَاكِعا فِي الثَّانِيَة ركع مَعَه وَسَقَطت عَنهُ الْفَاتِحَة فَإِن اطْمَأَن فِي الثَّانِيَة يَقِينا قبل رفع الإِمَام عَن أقل الرُّكُوع أدْرك الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَإِلَّا فَاتَتْهُ فيتدارك رَكْعَة بعد سَلام الإِمَام وَإِن وجد الإِمَام فِي الْقيام قبل أَن يرْكَع وقف مَعَه فَإِن أدْرك مَعَه قبل الرُّكُوع زَمنا يسع الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ للوسط المعتدل فَهُوَ مُوَافق فَيجب عَلَيْهِ إتْمَام الْفَاتِحَة وَيغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة كَمَا تقدم وَإِن لم يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة فَهُوَ مَسْبُوق يقْرَأ مَا أمكنه من الْفَاتِحَة وَمَتى ركع الإِمَام وَجب عَلَيْهِ الرُّكُوع مَعَه وَإِن وجد الإِمَام فِيمَا بعد الرُّكُوع وَافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ وتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ وَإِن لم يتم الْمَأْمُوم فاتحته حَتَّى تلبس الإِمَام بالركن الرَّابِع وَهُوَ الْقيام وَافقه وَبنى على مَا تقدم من قِرَاءَته وَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه فَإِن جرى على ذَلِك عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا فَلَا بطلَان لَكِن لَا يعْتد بِمَا أَتَى بِهِ ثمَّ إِذا أَرَادَ الإِمَام الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة وَكَانَ الْمَأْمُوم أتم فاتحته ركع مَعَه وحسبت للْمَأْمُوم رَكْعَة ملفقة من قيام الأولى وقراءتها وَمن رُكُوع الثَّانِيَة واعتدالها وسجودها وَإِذا لم يكن الْمَأْمُوم أتم فاتحته عِنْد إِرَادَة الإِمَام الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة وَجب عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة فَإِن تخلف بِلَا نِيَّة مُفَارقَة عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته هَذَا إِن كَانَ تخلف الْمَأْمُوم فِي رَكْعَة أولى أَو ثَالِثَة من الرّبَاعِيّة فَلَو كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 تخلفه فِي رَكْعَة ثَانِيَة أَو ثَالِثَة من الثلاثية أَو رَابِعَة من الرّبَاعِيّة وَجلسَ الإِمَام للتَّشَهُّد الأول أَو الْأَخير وَالْمَأْمُوم فِي قيام الْقِرَاءَة وَجب عَلَيْهِ قطع الْقيام وَالْجُلُوس مَعَ الإِمَام ثمَّ إِذا قَامَ بعد التَّشَهُّد وَجب عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الْقِرَاءَة وَلَا يَبْنِي على مَا تقدم وَيجْرِي فِيهِ مَا سبق حَيْثُ كَانَت الْقدْوَة بَاقِيَة أما الوسوسة فَلَيْسَتْ عذرا فَلَو ركع إِمَامه قبل أَن يتم هُوَ فاتحته بِسَبَب الوسوسة وَجب عَلَيْهِ التَّخَلُّف لإتمامها وَلَا يضر ذَلِك فِي صِحَة صلَاته مَا لم يسْبق بركنين فَمَتَى أَرَادَ إِمَامه الْهَوِي للسُّجُود قبل أَن يتم فاتحته وَجَبت عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة فَإِن لم ينْو الْمُفَارقَة عَامِدًا عَالما وَهوى الإِمَام للسُّجُود بطلت صلَاته الثَّانِيَة من شكّ قبل رُكُوعه وَبعد رُكُوع إِمَامه هَل قَرَأَ الْفَاتِحَة أم لَا فَيجب عَلَيْهِ التَّخَلُّف لقراءتها وَيغْتَفر لَهُ ثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَيَأْتِي فِيهَا وَفِيمَا يَأْتِي من بَقِيَّة الْمسَائِل جَمِيع مَا تقدم وَمثل الشَّك الْعلم بِالْأولَى فَإِن كَانَ ذَلِك بعد رُكُوعه وركوع إِمَامه لم يجز لَهُ الْعود إِلَى الْقيام بل يُوَافق إِمَامه ويتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ الثَّالِثَة من نسي أَنه فِي الصَّلَاة وَلم يقْرَأ حَتَّى ركع إِمَامه فيتخلف كَمَا تقدم الرَّابِعَة من ذهل عَن الْفَاتِحَة حَتَّى ركع إِمَامه ثمَّ تذكر قبل أَن يرْكَع مَعَ إِمَامه فَإِن تذكر بعد أَن ركع مَعَه وَافق إِمَامه كَمَا تقدم ويتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ الْخَامِسَة لَو عدل الْمُوَافق عَن الْفَاتِحَة وأتى بِسنة كدعاء افْتِتَاح أَو تعوذ وَكَانَ يظنّ إِدْرَاك الْفَاتِحَة مَعَ ذَلِك فَإِن تحقق فَوت الْفَاتِحَة لَو اشْتغل بِالسنةِ فَلَا عذر فِي التَّخَلُّف بل إِن أتم الْفَاتِحَة وَأدْركَ الإِمَام فِي الرُّكُوع أدْرك الرَّكْعَة وَإِلَّا فَاتَتْهُ الرَّكْعَة ويوافق الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه فَإِن فَاتَهُ الإِمَام بركنين فعليين وَلم ينْو الْمُفَارقَة بطلت صلَاته السَّادِسَة إِذا انْتظر الْمَأْمُوم سكُوت الإِمَام بعد الْفَاتِحَة ليقْرَأ هُوَ فِيهِ فَرَكَعَ عَقبهَا السَّابِعَة إِذا أسْرع الإِمَام فِي التَّشَهُّد الأول وَقَامَ وتخلف الْمَأْمُوم لإتمامه وَبعد أَن أتمه قَامَ وَلم يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة الثَّامِنَة إِذا نَام الْمَأْمُوم فِي التَّشَهُّد الأول مُتَمَكنًا فَلَمَّا أَفَاق قَامَ وَلم يدْرك مَعَه زَمنا يسع الْفَاتِحَة التَّاسِعَة لَو رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة مكبرا فَظن الْمَأْمُوم أَنه جلس للتَّشَهُّد الأول فَجَلَسَ هُوَ فَإِذا الإِمَام قَامَ وَترك التَّشَهُّد الأول الْعَاشِرَة لَو سمع الْمَأْمُوم تَكْبِيرا وَهُوَ فِي أثْنَاء الْفَاتِحَة فَظَنهُ تَكْبِيرَة الإِمَام للرُّكُوع فَترك بَاقِي الْفَاتِحَة وَركع ثمَّ تبين لَهُ أَن الإِمَام بَاقٍ فِي قِيَامه فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعود لتكميل الْفَاتِحَة الْحَادِيَة عشرَة كَانَ فِي السُّجُود فنسي أَنه مقتد بِالْإِمَامِ وَاسْتمرّ نسيانه حَتَّى ركع إِمَامه الثَّانِيَة عشرَة من شكّ فِي الزَّمَان الَّذِي أدْركهُ مَعَ الإِمَام بعد الْإِحْرَام هَل يسع الْفَاتِحَة أم لَا الثَّالِثَة عشرَة من نذر على نَفسه قِرَاءَة سُورَة فِي الصَّلَاة عقب الْفَاتِحَة فَرَكَعَ الإِمَام قبل قرَاءَتهَا فَلهُ التَّخَلُّف ليَأْتِي بهَا الرَّابِعَة عشرَة من شكّ قبل رُكُوعه وَبعد رُكُوع إِمَامه فِي حُرُوف الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا شكّ فِيهِ وَبَعْضهمْ يَجْعَل التَّخَلُّف للترتيل مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة فيعد الْمسَائِل خمس عشرَة وَفِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل يغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 طَوِيلَة هَذَا كُله فِي الْمَأْمُوم الْمُوَافق (و) أما الْمَسْبُوق وَهُوَ ضد الْمُوَافق فَإِذا ركع الإِمَام قطع الْفَاتِحَة ليركع مَعَه وَسقط عَنهُ بقيتها فَإِن قَرَأَ الْفَاتِحَة ففاته الرُّكُوع مَعَ الإِمَام بِأَن لم يطمئن قبل ارْتِفَاع الإِمَام عَن أَقَله لغت ركعته إِذْ لم يدْرك مَعَ الإِمَام ركوعها فيوافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ بعد فَلَو ركع عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته وَحِينَئِذٍ كَانَ تخلفه بعد قِرَاءَة مَا أدْركهُ من الْفَاتِحَة لإتمامها بِلَا عذر وَكَانَ تخلفه بِلَا عذر بِأَن كَانَ عَامِدًا عَالما فَيكون مَكْرُوها بل تبطل صلَاته على وَجه ضَعِيف وَتبطل على الْمَذْهَب إِن سبقه الإِمَام بِتمَام ركنين فعليين هَذَا كُله إِن لم يشْتَغل الْمَسْبُوق بِسنة فَأَما (لَو اشْتغل مَسْبُوق بِسنة) كالتعوذ والافتتاح أَو سكت أَو اسْتمع قِرَاءَة الإِمَام أَو غَيره (قَرَأَ) وجوبا من الْفَاتِحَة بعد رُكُوع الإِمَام (قدرهَا) أَي قدر حُرُوف السّنة فِي ظَنّه فَيجب أَن يعد أَو يحْتَاط وَيصرف قدر الزَّمن الَّذِي سكته إِلَى قِرَاءَة مَا يَسعهُ من الْفَاتِحَة لتَقْصِيره بعدوله عَن فرض إِلَى غَيره (وَعذر) أَي من تخلف لسنة فَمَتَى ركع قبل وَفَاء مَا لزمَه عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته وَإِلَّا لم يعْتد بِمَا فعله فَيَأْتِي بِرَكْعَة بعد سَلام إِمَامه وَمَتى ركع إِمَامه وَهُوَ متخلف لما لزمَه وَقَامَ من رُكُوعه فَاتَتْهُ الرَّكْعَة وَوَجَب مُوَافقَة الإِمَام فِي هويه للسُّجُود فَلَا يرْكَع وَإِلَّا بطلت صلَاته إِن علم وتعمد وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ مَعْذُورًا أَنه لَا كَرَاهَة وَلَا بطلَان بتخلفه قطعا وَأَنه مُلْزم بِالْقِرَاءَةِ فَيكون مَحل بطلَان صلَاته بهوي الإِمَام للسُّجُود إِذا لم يُفَارِقهُ فِي غير هَذِه الصُّورَة لَكِن تفوته الرَّكْعَة وَلَيْسَ معنى كَونه مُتَخَلِّفًا بِعُذْر أَنه يعْطى حكم الْمَعْذُور من كل وَجه أما من تخلف لغير سنة كمن أَتَى بتسبيح بعد تحرم فَهُوَ مقصر فَإِذا فَاتَهُ الرُّكُوع فَاتَتْهُ الرَّكْعَة اتِّفَاقًا (وَسَبقه على إِمَام بركنين فعليين) تامين متواليين سَوَاء كَانَا طويلين أم قصيرين كَأَن ركع واعتدل وَالْإِمَام لم يرْكَع (مُبْطل) للصَّلَاة إِذا كَانَ عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ للمخالفة الْفَاحِشَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا أَنه لَا يعْتد لَهُ بهما فَإِن لم يعد للإتيان بهما مَعَ إِمَامه لسَهْوه أَو جَهله أَتَى بعد سَلام الإِمَام بِرَكْعَة وَإِلَّا أعَاد الصَّلَاة (و) سبقه (بِرُكْن فعلي) تَامّ عمدا كَأَن ركع وَرفع وَالْإِمَام قَائِم (حرَام) وَهُوَ كَبِيرَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل رَأس الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار وَيُؤْخَذ من هَذَا الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أَن السَّبق بِبَعْض ركن كَأَن ركع قبل الإِمَام ولحقه الإِمَام فِي الرُّكُوع كالسبق بِرُكْن فَهُوَ كَبِيرَة أَيْضا فِي قَول (ومقارنته) أَي الْمَأْمُوم للْإِمَام (فِي أَفعَال مَكْرُوهَة كتخلف عَنهُ) أَي الإِمَام (إِلَى فرَاغ ركن) وَالْحَاصِل أَن الْمُقَارنَة على خَمْسَة أَقسَام حرَام مَانِعَة من الِانْعِقَاد وَهِي الْمُقَارنَة فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ومندوبة وَهِي الْمُقَارنَة فِي التَّأْمِين ومكروهة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فِيمَا قَارن فِيهِ مَعَ الْعمد وَهِي الْمُقَارنَة فِي الْأَفْعَال وَفِي السَّلَام وواجبة إِذا علم أَنه إِن لم يقْرَأ الْفَاتِحَة مَعَ الإِمَام لم يُدْرِكهَا ومباحة فِيمَا عدا ذَلِك (و) السَّابِع أَن لَا يقْتَدى بِمن يعْتَقد بطلَان صلَاته فَإِذا كَانَ هَذَا شرطا لصِحَّة الْقدْوَة فَحِينَئِذٍ (لَا يَصح قدوة بِمن اعْتقد بطلَان صلَاته) وَالْمرَاد بالاعتقاد مَا يَشْمَل غَلَبَة الظَّن كشافعي اقْتدى بحنفي مس فرجه وكمجتهدين اخْتلفَا فِي إناءين من المَاء طَاهِر ومتنجس وكل مِنْهُمَا تَوَضَّأ بِمَا ظَنّه الطَّاهِر فَلَا يَقْتَدِي أَحدهمَا بِالْآخرِ لظَنّه بطلَان صلَاته بِمُقْتَضى اجْتِهَاده (و) الثَّامِن أَن لَا يقْتَدى بِمن يجوز كَونه مَأْمُوما فَحِينَئِذٍ (لَا) يَصح قدوة (بمقتد) وَلَا بِمن شكّ فِي كَونه مقتديا وَلَو اقْتدى مَسْبُوق بعد سَلام إِمَامه بمسبوق آخر صَحَّ فِي غير الْجُمُعَة لَكِن لَا ثَوَاب فِيهِ لِأَن فِيهِ نِيَّة الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَنه لَو اقْتدى بِهِ إِنْسَان من أول صلَاته كَانَ فِيهِ الثَّوَاب أما فِي الْجُمُعَة فَلَا يَصح إِذْ لَا يجوز إنْشَاء جُمُعَة بعد أُخْرَى (و) التَّاسِع أَن لَا يكون الْمَأْمُوم قَارِئًا وَالْإِمَام أُمِّيا سَوَاء أمكنه التَّعَلُّم أَو لَا فَحِينَئِذٍ (لَا) يَصح قدوة (قارىء بأمي) وَهُوَ من يخل بِحرف من الْفَاتِحَة كأرت بمثناة فوقية وَهُوَ من يدغم بإبدال فِي غير مَحل الْإِدْغَام بِخِلَاف الْإِدْغَام بِلَا إِبْدَال كتشديد اللَّام أَو الْكَاف من مَالك أَو ألثغ بمثلثة وَهُوَ من يُبدل حرفا بِغَيْرِهِ كَأَن يَأْتِي بِالْمُثَلثَةِ بدل السِّين فَيَقُول المثتقيم أَو بِالْهَمْزَةِ بدل الْقَاف فِي الْمُسْتَقيم أَو بالزاي أَو الدَّال الْمُهْملَة بدل الذَّال الْمُعْجَمَة فِي الَّذين وَمن الْإِخْلَال بِحرف تَخْفيف مشدد من الْفَاتِحَة وَمثل الْإِبْدَال اللّحن الَّذِي يُغير الْمَعْنى كضم تَاء أَنْعَمت أَو كسرهَا ثمَّ إِن كَانَ فَاعل ذَلِك قَادِرًا على التَّعَلُّم فَصلَاته بَاطِلَة فَلَا يَصح أَن يكون إِمَامًا لأحد مُطلقًا وَإِن كَانَ عَاجز عَن التَّعَلُّم فَصلَاته فِي نَفسه صَحِيحَة كاقتداء مثله بِهِ وَلَا بُد من الْمُمَاثلَة فِي الْحَرْف المعجوز عَنهُ وَفِي مَحَله فَلَو اخْتلفَا فِي ذَلِك لَا يَصح اقْتِدَاء أَحدهمَا بِالْآخرِ لِأَن كلا يحسن مَا لَا يُحسنهُ الآخر وَمن ذَلِك يُؤْخَذ أَنه لَا يَصح اقْتِدَاء أخرس بأخرس أصليين أَو عارضين فَإِن كَانَ أَحدهمَا أَصْلِيًّا وَالْآخر عارضا صَحَّ اقْتِدَاء الْأَصْلِيّ بالعارض دون عَكسه وَلَو كَانَت اللثغة يسيرَة بِأَن لم تمنع أصل مخرج الْحُرُوف بل كَانَ غير صَاف لم تُؤثر لِأَنَّهُ لم يحصل إِبْدَال وَلَو تردد الْمَأْمُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فِي حَال الإِمَام فَإِن كَانَ فِي سَرِيَّة فَلَا ضَرَر وَإِن كَانَ فِي جهرية وَأسر الإِمَام تَابعه الْمَأْمُوم وَوَجَب عَلَيْهِ الْبَحْث عَن حَاله بعد السَّلَام فَإِن تبين أَنه غير قارىء أعَاد وَإِن تبين أَنه قارىء وَلَو بقوله نسيت الْجَهْر أَو أسررت لكَونه جَائِزا وَصدق الْمَأْمُوم لم يعد وَإِن لم يتَبَيَّن حَاله كَأَن تعذر عَلَيْهِ الْبَحْث أَو بحث مَعَه فَلم يجبهُ قيل تجب الْإِعَادَة وَقيل لَا وَلَو طَرَأَ للْإِمَام الْعَجز فِي أثْنَاء صلَاته كخرسه لزم الْمَأْمُوم مُفَارقَته فَإِن لم يعلم بِحَالهِ إِلَّا بعد السَّلَام لَزِمته الْإِعَادَة لِأَن ذَلِك نَادِر فَإِن كَانَ اللّحن لَا يُغير الْمَعْنى كضم هَاء لله وَكسر بَاء نعْبد أَو فتحهَا وَضم صَاد الصِّرَاط لَا يضر فِي صِحَة الصَّلَاة وَلَا الْقدْوَة وَإِن كَانَ الْمُتَعَمد لذَلِك آثِما وَالْحَاصِل أَن اللّحن حرَام على الْعَامِد الْعَالم الْقَادِر مُطلقًا ثمَّ إِن كَانَ يُغير الْمَعْنى فَإِن كَانَ قَادِرًا على الصَّوَاب أَو أمكنه التَّعَلُّم فَسدتْ صلَاته والقدوة بِهِ مُطلقًا وَإِلَّا فَصلَاته صَحِيحَة وقدوة مثله بِهِ صَحِيحَة دون غير مثله هَذَا بِالنِّسْبَةِ للفاتحة وَمثلهَا بدلهَا أما تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَإِن كَانَ يخل بِهِ مَعَ الْقُدْرَة وائتم بِهِ غَيره فَإِن دخل فِي الصَّلَاة عَالما بِأَن إِمَامه يخل بِالتَّكْبِيرِ لم تَنْعَقِد وَإِن لم يعلم إِلَّا بعد فرَاغ الصَّلَاة وَجَبت الْإِعَادَة وَإِن علم فِي الْأَثْنَاء وَجب الِاسْتِئْنَاف وَلَا تَنْفَعهُ نِيَّة الْمُفَارقَة وَأما مَعَ الْعَجز فَلَا ضَرَر وَأما الْإِخْلَال فِي التَّشَهُّد فَإِن دخل الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة مَعَه عَالما بذلك لم تَنْعَقِد صلَاته فَإِن لم يعلم إِلَّا بعد أَن سلم لَا إِعَادَة وَإِن كَانَ قبل سَلَامه سجد للسَّهْو وَسلم وَلَا إِعَادَة أَيْضا وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء التَّشَهُّد انتظره لَعَلَّه يُعِيدهُ على الصَّوَاب فَإِذا سلم وَلم يعده سجد الْمَأْمُوم للسَّهْو وَسلم وَإِنَّمَا سجد للسَّهْو حملا على أَنه أخل بذلك سَهوا وَمَا يبطل عمده يسن السُّجُود لسَهْوه وَحكم السَّلَام كالتشهد وَجَمِيع مَا تقرر إِنَّمَا هُوَ فِي إِبْدَال حرف بآخر أَو لحن يُغير الْمَعْنى أما مَا لَا يُغير الْمَعْنى فَلَا يضر فِي صِحَة الصَّلَاة وَلَا الْقدْوَة وَبحث الْأَذْرَعِيّ صِحَة اقْتِدَاء من يحسن نَحْو التَّكْبِير أَو التَّشَهُّد بِالْعَرَبِيَّةِ بِمن لَا يحسنها بهَا وَوَجهه أَن هَذِه لَا مدْخل لتحمل الإِمَام فِيهَا فَلم ينظر لعَجزه عَنْهَا وَأما السُّورَة فَإِن كَانَ اللّحن لَا يُغير الْمَعْنى صحت صلَاته والقدوة بِهِ لكنه مَعَ التعمد وَالْعلم حرَام وَإِن كَانَ يُغير الْمَعْنى فَإِن عجز عَن التَّعَلُّم أَو كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا صحت صلَاته والقدوة بِهِ مُطلقًا مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو قيل بِحرْمَة قِرَاءَة غير الْفَاتِحَة على مثل هَذَا لم يكن بَعيدا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك فَإِن كَانَ قَادِرًا على التَّعَلُّم وَكَانَ عَامِدًا عَالما لَا تصح صلَاته وَلَا الْقدْوَة بِهِ للْعَالم بِحَالهِ وَلَا يَصح اقْتِدَاء من يحسن الْفَاتِحَة بِمن لَا يحسن إِلَّا بدلهَا والعاشر أَن لَا يكون الإِمَام أنقص من الْمَأْمُوم بِصفة ذاتية فَلَا يجوز أَن يَقْتَدِي ذكر بأنثى أَو خُنْثَى وَلَا خُنْثَى بأنثى أَو خُنْثَى لاحْتِمَال أَن يكون الْخُنْثَى الإِمَام أُنْثَى وَالْخُنْثَى الْمَأْمُوم ذكرا فَهَذِهِ أَربع بَاطِلَة وَيصِح اقْتِدَاء أُنْثَى بأنثى وبخنثى كَمَا يَصح اقْتِدَاء أُنْثَى بِذكر وَخُنْثَى بِذكر وَذكر بِذكر وَهَذِه خمس صَحِيحَة فالمجموع تسع صور أَربع بَاطِلَة وَخمْس صَحِيحَة كَمَا سَمِعت وَالْحَادِي عشر أَن لَا يَقْتَدِي بِمن تلْزمهُ الْإِعَادَة كالمتيمم للبرد أَو لفقد المَاء بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء وفاقد الطهُورَيْنِ وَلَو كَانَ الْمَأْمُوم مثله فِي ذَلِك لَكِن مَحل ذَلِك إِن علم الْمَأْمُوم بِحَالهِ وَلَو نسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 بعد ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا لم يعلم بِحَالهِ إِلَّا بعد فرَاغ الْقدْوَة فَإِنَّهُ لَا يضر لِأَن غَايَة مَا فِيهِ أَن الإِمَام إِمَّا مُحدث أَو بِمَنْزِلَتِهِ وَتبين حدث الإِمَام بعد الصَّلَاة لَا يُوجب الْإِعَادَة وَالثَّانِي عشر توَافق نظم صَلَاة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء مَعَ اختلافه كمكتوبة وكسوف أَو جَنَازَة لتعذر الْمُتَابَعَة حِينَئِذٍ وَيصِح اقْتِدَاء مؤد بقاض ومفترض بمتنفل وَفِي طَوِيلَة بقصيرة كَظهر بصبح وبالعكوس وَلَا يضر اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم بِمثل ذَلِك والمقتدى فِي نَحْو ظهر بصبح أَو مغرب كمسبوق فَيتم صلَاته بعد سَلام إِمَامه وَالْأَفْضَل مُتَابَعَته فِي قنوت الصُّبْح وَفِي تشهد آخر الْمغرب وَله فِرَاقه بِالنِّيَّةِ إِذا اشْتغل بهما والمقتدى فِي صبح أَو مغرب بِنَحْوِ ظهر إِذا أتم صلَاته لَهُ مُفَارقَة الإِمَام بِالنِّيَّةِ وَالْأَفْضَل انْتِظَاره فِي الصُّبْح ليسلم مَعَه بِخِلَافِهِ فِي الْمغرب لَيْسَ لَهُ انْتِظَاره لِأَنَّهُ يحدث جُلُوس تشهد لم يَفْعَله الإِمَام وَله أَن يقنت فِي الصُّبْح إِن أمكنه الْقُنُوت بِأَن كَانَ يدْرك الإِمَام قبل هويه للسجدة الثَّانِيَة وَإِلَّا تَركه وجوبا إِن لم ينْو الْمُفَارقَة وَلَا سُجُود عَلَيْهِ لتحمل الإِمَام لَهُ وَنِيَّة الْمُفَارقَة فِي ذَلِك لعذر فَلَا تفوت فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَتجوز صَلَاة الْعشَاء خلف من يُصَلِّي التَّرَاوِيح فَإِذا سلم الإِمَام من الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمَأْمُوم إِلَى بَاقِي صلَاته وأتمها مُنْفَردا وَيصِح الِاقْتِدَاء فِي الْفَرْض خلف صَلَاة الْعِيد أَو الاسْتِسْقَاء وَإِذا أَتَى الإِمَام بتكبيرات الْعِيد ندب للْمَأْمُوم أَن لَا يُتَابِعه فِيهَا فَإِن تَابعه فِيهَا لَا يضر وَمَا عدا هَذِه الاثْنَي عشر مِمَّا يذكرُونَهُ فِي الشُّرُوط إِمَّا دَاخل فِيمَا ذكر أَو جَار على مَرْجُوح وَكره الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء صلَاته وَلَا تحصل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَيتبع الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِن فرغ إِمَامه أَولا فَهُوَ كمسبوق أَو فرغ هُوَ أَولا فانتظاره أفضل من مُفَارقَته ليسلم مَعَه مَا لم يحدث جُلُوسًا لم يَفْعَله الإِمَام كَأَن نوى الِاقْتِدَاء فِي رَابِعَة الرّبَاعِيّة بِإِمَام فِي أَولهَا فتتعين عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة حِينَئِذٍ قبل رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة بل لَو نوى الِاقْتِدَاء وَهُوَ فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بِإِمَام فِي الْقيام لم يجز لَهُ رفع رَأسه مِنْهَا بل ينتظره فِيهَا أَو يَنْوِي الْمُفَارقَة وَكَذَا لَو كَانَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَنوى الِاقْتِدَاء بِإِمَام فِي الْقيام لم يجز مُتَابَعَته بل ينتظره أَو يَنْوِي الْمُفَارقَة وَلَا يضر الِانْتِظَار فِي هَذَا الْجُلُوس وَإِن كَانَ لم يَفْعَله الإِمَام لِأَن هَذَا لَيْسَ إِحْدَاث جُلُوس بل دَوَامه وَيغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء وَنِيَّة الْمُفَارقَة بِلَا عذر مَكْرُوهَة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فَلَا يحرم عَلَيْهِ قطع الْقدْوَة بنية الْمُفَارقَة وَإِن قُلْنَا إِن الْجَمَاعَة فرض كِفَايَة لِأَن فرض الْكِفَايَة لَا يلْزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ إِلَّا فِي الْجِهَاد وَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْحج وَالْعمْرَة وَمحل جَوَاز ذَلِك مَا لم يَتَرَتَّب على ذَلِك تَعْطِيل الْجَمَاعَة كَأَن لم يكن هُنَاكَ إِلَّا إِمَام ومأموم وَإِلَّا حرم لِأَن فرض الْكِفَايَة إِذا انحصر تعين فَإِن كَانَت الْمُفَارقَة لعذر كَمَرَض وَتَطْوِيل إِمَام وَتَركه سنة مَقْصُودَة وَهِي مَا جبر بسجود السَّهْو أَو قوي الْخلاف فِي وُجُوبهَا أَو وَردت الْأَدِلَّة بعظيم فَضلهَا فَلَا كَرَاهَة وَلَا تَفْوِيت وَمِمَّا وَردت الْأَدِلَّة بعظيم فَضلهَا التسبيحات خُصُوصا وَقد نقل عَن الإِمَام أَحْمد بطلَان الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا وَوُجُوب سُجُود السَّهْو بِتَرْكِهَا نِسْيَانا بِخِلَاف تَكْبِير الِانْتِقَالَات وجلسة الاسْتِرَاحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَرفع الْيَدَيْنِ من قيام التَّشَهُّد الأول لِأَنَّهُ لَا يفوت على الْمَأْمُوم بترك الإِمَام لَهَا شَيْء لِأَنَّهُ يُمكنهُ الْإِتْيَان بِهِ وَإِن تَركه إِمَامه وتنقطع الْقدْوَة بِخُرُوج إِمَامه من صلابة بِحَدَث أَو غَيره كموت أَو وُقُوع نَجَاسَة عَلَيْهِ وَلم يزلها حَالا وَإِذا انْقَطَعت الْقدْوَة بذلك صَار الْمَأْمُوم مُسْتقِلّا فَلهُ أَن يَقْتَدِي بِغَيْر هَذَا وَلغيره أَن يَقْتَدِي بِهِ وَإِذا حصل مِنْهُ سَهْو بعد انقطاعها وَلم يقتد بِغَيْرِهِ لَا يتحمله عَنهُ أحد بِخِلَاف السَّهْو الْحَاصِل مِنْهُ قبل انقطاعها وَقد تجب نِيَّة الْمُفَارقَة مَعَ انْقِطَاع الْقدْوَة لوُجُود الْمُتَابَعَة الصورية بِبَقَاء الإِمَام على صُورَة الْمُصَلِّين أما لَو ترك الصَّلَاة وَانْصَرف أَو جلس على غير هَيْئَة الْمُصَلِّين أَو مَاتَ فَلَا يحْتَاج لنِيَّة الْمُفَارقَة وَالْجَمَاعَة فِي الْجُمُعَة ثمَّ صبح الْجُمُعَة ثمَّ صبح غَيرهَا ثمَّ الْعشَاء ثمَّ الْعَصْر أفضل ثمَّ الظّهْر وَالْمغْرب (وَلَو اقْتدى مِمَّن ظَنّه أَهلا) أَي متصفا بِصفة الْإِمَامَة (فَبَان) بعد الصَّلَاة كَون الإِمَام (خِلَافه) أَي على خلاف ظَنّه (أعَاد) صلَاته لتَقْصِيره بترك الْبَحْث إِذْ أَمارَة الْمُبْطل من أنوثة أَو كفر ظَاهِرَة لَا تخفى وَالْخُنْثَى ينتشر أمره غَالِبا وَالْمرَاد بِالظَّنِّ مَا قَابل الْعلم فَيدْخل فِيهِ من جهل إِسْلَامه أَو قِرَاءَته فَتَصِح الْقدْوَة بِهِ حَيْثُ لم يتَبَيَّن بِهِ نقص يُوجب الْإِعَادَة وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لَو لم يظنّ ذكورته وَلَا إِسْلَامه لم تصح الْقدْوَة بِهِ لِأَنَّهُ قد يُقَال جهل الْإِسْلَام يُفِيد الظَّن بِالنّظرِ للْغَالِب على من يُصَلِّي أَنه مُسلم وَالْحَاصِل أَنه لَو بَان إِمَامه كَافِرًا وَلَو مخفيا كفره كزنديق أَو خُنْثَى أَو مَجْنُونا أَو أُمِّيا قَادِرًا على التَّعَلُّم أَو تَارِكًا للفاتحة أَو الْبَسْمَلَة فِي الجهرية أَو تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة أَو سَاجِدا على كمه الَّذِي يَتَحَرَّك بحركته أَو تَارِكًا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَو قَادِرًا على الْقيام أَو الستْرَة وَكَانَ يُصَلِّي من قعُود أَو عَارِيا وَجَبت الْإِعَادَة إِن بَان بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَإِن بَان فِي أَثْنَائِهَا وَجب استئنافها لكَون الإِمَام لَيْسَ من أهل الْإِمَامَة فِي ذَاته (لَا) إِن بَان إِمَامه (ذَا حدث) وَلَو أكبر (أَو خبث) أَي ذَا نَجَاسَة خُفْيَة وَهِي الْحكمِيَّة الَّتِي لَا يدْرك لَهَا طعم وَلَا لون وَلَا ريح وَمثل ذَلِك كل مَا يخفى على الْمَأْمُوم عَادَة كَعَدم النِّيَّة وكتيممه بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء وَكَونه تَارِكًا للفاتحة أَو للبسملة فِي السّريَّة أَو للتَّشَهُّد مُطلقًا وَلَو أحرم الْمَأْمُوم بِإِحْرَام الإِمَام ثمَّ كبر الإِمَام ثَانِيًا بنية سرا لكَونه شكّ فِي التَّكْبِير الأول لَا يضر فِي صِحَة صَلَاة الْمَأْمُوم لِأَن هَذَا مِمَّا يخفى وَلَا أَمارَة عَلَيْهِ أما لَو بَان إِمَامه ذَا نَجَاسَة ظَاهِرَة وَهِي العينية فَإِنَّهُ تلْزمهُ الْإِعَادَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْقَرِيب والبعيد وَلَا بَين الْقَائِم والقاعد وَلَا بَين الْأَعْمَى والبصير وَلَا بَين بَاطِن الثَّوْب وَظَاهره نظرا للشأن (وَصَحَّ اقْتِدَاء سليم بسلس) وطاهر بمستحاضة غير متحيرة وحافظ قُرْآن بحافظ القاتحة فَقَط وكامل اللبَاس بساتر عَوْرَته فَقَط وَلَو بالطين ومتوضىء بالجامع بَين التُّرَاب وَالْمَاء ولابس بِمن عجز عَن الستْرَة ومتوضىء بماسح الْخُف أَو الْجَبِيرَة حَيْثُ لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة وبالمتيمم الَّذِي لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة وَيصِح اقْتِدَاء الْبَالِغ بِالصَّبِيِّ وَالْحر بِمن فِيهِ رق نعم الْبَالِغ أولى من الصَّبِي وَالْحر أولى من الرَّقِيق وَيصِح اقْتِدَاء الْقَائِم بالقاعد وبالمضطجع وَإِن كَانَ موميا حَيْثُ كَانَ يَأْتِي بالأركان فَأَما من يُشِير إِلَيْهَا بجفنه أَو يجْرِي أَفعَال الصَّلَاة على قلبه فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ لعدم الْعلم بانتقالاته كَمَا مر نعم يَصح اقْتِدَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الْقَائِم بالمستلقي وَلَو موميا حَيْثُ علم بانتقالات الإِمَام وَلَو بطرِيق الْكَشْف لِأَن الْمدَار على علمه بذلك وَهُوَ مَوْجُود فِيهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَإِنَّمَا اغتفر ذَلِك فِي حَقه لعلمه بِحَقِيقَة الْحَال وَمحل كَون الخوارق لَا يعْتد بهَا قبل وُقُوعهَا أما بعد وُقُوعهَا فيعتد بهَا فِي حق من قَامَت بِهِ كَذَا قَالَ الشبراملسي (وَكره) الِاقْتِدَاء (بفاسق ومبتدع) لَا يكفر ببدعته وبالتأتاء والفأفاء والوأواء وَمن تغلب على الْإِمَامَة وَلَا يَسْتَحِقهَا وَمن لَا يحْتَرز عَن النَّجَاسَة أَو يمحق هيئات الصَّلَاة أَو يتعاطى معيشة مذمومة أَو يعاشر أهل الْفسق وَنَحْوهم أَو لاحن بِمَا لَا يُغير الْمَعْنى أَو يكرههُ أَكثر الْقَوْم لأمر مَذْمُوم فِيهِ كإكثار الضحك والحكايات المضحكة تصنعا لَا طبعا فَإِن كرهه كلهم حرمت إِمَامَته وإمامة ولد الزِّنَا وَولد الْمُلَاعنَة وَمن لَا يعرف لَهُ أَب خلاف الأولى وَالْأَعْمَى والبصير فِي الْإِمَامَة سَوَاء كَعبد أفقه وحر غير أفقه ثمَّ إِذا اجْتمع جمَاعَة مِمَّن فِيهِ أَهْلِيَّة الْإِمَامَة يقدم مِنْهُم الأفقه فِي الصَّلَاة فَالْأَصَحّ قِرَاءَة فالأكثر قُرْآنًا فالأزهد فالأورع فالمهاجر فالأقدم هِجْرَة فالأسن فِي الْإِسْلَام فالأشرف نسبا فَالْأَحْسَن ذكرا فالأنظف ثوبا فبدنا فصنعة أَي كسبا فَيقدم الزَّارِع والتاجر على غَيرهمَا فَالْأَحْسَن صَوتا فَالْأَحْسَن خلقا بِفَتْح الْخَاء بِأَن يكون سليم الْأَعْضَاء من الآفة مُسْتَقِيمًا فَالْأَحْسَن وَجها أَي الأجمل صُورَة فَهُوَ غير الْأَحْسَن خلقا كَمَا سَمِعت فَالْأَحْسَن زَوْجَة فالأبيض ثوبا فَيقدم على لابس غير الْأَبْيَض وَيقدم الْأَبْيَض وَجها على غَيره فَإِن اسْتَويَا وتشاحا أَقرع بَينهمَا هَذَا كُله إِن لم يكن هُنَاكَ إِمَام راتب وَلَا إِمَام أعظم وَلَا نَائِبه وَلَا رب منزل وَإِلَّا قدم الْوَالِي فِي مَحل ولَايَته على غَيره وَلَو على رب الْمنزل وَالْإِمَام الرَّاتِب وَإِن اخْتصَّ ذَلِك الْغَيْر بِصِفَات مرجحة من فقه وَغَيره وَيقدم من الْوُلَاة الْأَعْلَى فالأعلى فَيقدم السُّلْطَان على غَيره والباشا على القَاضِي وَنَحْو ذَلِك وَبعده الإِمَام الرَّاتِب وَهُوَ من ولاه النَّاظر تَوْلِيَة صَحِيحَة أَو كَانَ بِشَرْط الْوَاقِف فَإِن لم يحضر اسْتحبَّ أَن يبْعَث إِلَيْهِ ليحضر فَإِن خيف فَوَات الْوَقْت اسْتحبَّ أَن يتَقَدَّم غَيره إِلَّا أَن يخَاف فتْنَة فيصلوا فُرَادَى وَيقدم السَّاكِن بِحَق وَلَو غير مَالك على غَيره وَلَو مَالِكًا فَيقدم الْمُسْتَأْجر على الْمُؤَجّر وَيقدم الْمُوصى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ على مَالك الْعين نعم لَا يقدم الْمُسْتَعِير على الْمُعير وَلَا غير الْمكَاتب على سَيّده الَّذِي أذن لَهُ فِي السُّكْنَى بل يقدم سَيّده عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا الْإِذْن إِعَارَة لِأَن الْإِعَارَة تَقْتَضِي ملك الِانْتِفَاع وَالرَّقِيق لَا يملك وَلَو بِتَمْلِيك سَيّده أما الْمكَاتب إِذا كَانَ سَاكِنا بِحقِّهِ فَلَا يقدم عَلَيْهِ سَيّده بل الْمكَاتب هُوَ الْمُقدم لاستقلاله فَإِذا أذن لسَيِّده فِي دُخُوله دَارا اشْتَرَاهَا مثلا فَهُوَ الْمُقدم لَا سَيّده فَإِن كَانَ سَيّده هُوَ الْمُعير لَهُ الدَّار فالسيد هُوَ الْمُقدم وَيُؤْخَذ مِمَّا تقدم بِالْأولَى عدم تَقْدِيمه على قنه الْمبعض فِيمَا ملكه بِبَعْضِه الْحر فَإِن لم يكن السَّاكِن أَهلا للْإِمَامَة كامرأة قدم من هُوَ أهل وَينْدب فِي الْجَمَاعَة أَشْيَاء مِنْهَا أَنه يسن للْإِمَام التَّخْفِيف مَعَ فعل الأبعاض والهيئات إِلَّا أَن يُرْضِي المحصورون بتطويله وَيسن لَهُ نِيَّة الْجَمَاعَة فِي غير الْجُمُعَة وَتَصِح مِنْهُ نِيَّة الْإِمَامَة وَإِن لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يكن إِمَامًا فِي الْحَال لِأَنَّهُ سيصير إِمَامًا وَإِذا لم يحضر عِنْده فِي هَذِه الْحَالة أحد لَكِن وثق بِالْجَمَاعَة صحت مِنْهُ نِيَّة الْإِمَامَة فَلَو فرغ من صلَاته وَلم يَأْتِ أحد فَصلَاته صَحِيحَة وَلَو أَتَى بِهَذِهِ النِّيَّة فِي أثْنَاء صلَاته جَازَ وَحَازَ الْفَضِيلَة من حِين النِّيَّة وَلَا تنعطف نِيَّته على مَا قبلهَا وَفهم مِمَّا تقدم أَنه لَو نوى الْمَأْمُوم الْجَمَاعَة وَلم ينوها الإِمَام حصلت الْفَضِيلَة للْمَأْمُوم دون الإِمَام وَثَبت لَهُ أَحْكَام الْقدْوَة كتحمل سَهْوه وفاتحته وَنَحْو ذَلِك وَيسن للْإِمَام أَن يقف قُدَّام الْمقَام عِنْد الْكَعْبَة بِحَيْثُ يكون الْمقَام بَينه وَبَين الْكَعْبَة وَأَن يستدير المأمومون حولهَا وَلَا يضر كَونهم أقرب إِلَيْهَا فِي غير جِهَة الإِمَام مِنْهُ إِلَيْهَا فِي جِهَته كَمَا لَو وَقفا فِي الْكَعْبَة وَاخْتلفَا جِهَة فَإِنَّهُ إِذا اجْتمعَا فِيهَا يجوز أَن يكون وَجهه إِلَى وَجه الإِمَام أَو جنبه وَأَن يكون ظَهره إِلَى ظهر الإِمَام أَو جنبه وَلَا يجوز أَن يكون ظَهره إِلَى وَجه الإِمَام لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَقَدم عَلَيْهِ فِي جِهَته وَلَو وقف الإِمَام فِيهَا وَالْمَأْمُوم خَارِجهَا جَازَ وَله التَّوَجُّه إِلَى أَي جِهَة شَاءَ وَلَو وَقفا بِالْعَكْسِ جَازَ أَيْضا لَكِن لَا يتَوَجَّه الْمَأْمُوم إِلَى الْجِهَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا الإِمَام بِحَيْثُ يكون ظَهره فِي وَجه الإِمَام لتقدمه عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي جِهَته وَلَو وقف الإِمَام فِي ركن من أَرْكَانهَا فجهته مَجْمُوع جهتي جانبيه مَعَ الرُّكْنَيْنِ المتصلين بهما فَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ الْمَأْمُوم فِي ذَلِك وَحَاصِل مَا ذكر صور أَربع لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يَكُونَا دَاخل الْكَعْبَة أَو خَارِجهَا أَو أَحدهمَا داخلها وَالْآخر خَارِجهَا وَقد علمت أَحْكَامهَا وَيسن تَسْوِيَة الصُّفُوف وَأَن لَا يزِيد مَا بَين كل صفّين أَو شَخْصَيْنِ على ثَلَاثَة أَذْرع وَإِلَّا فَاتَ ثَوَاب الْجَمَاعَة من تَأَخّر بذلك وَيكرهُ فِيهَا أُمُور مِنْهَا أَنه يكره للْإِمَام التَّطْوِيل وَلَو ليلحق آخَرُونَ وَلَو كَانَ من عَادَتهم الْحُضُور نعم لَو أحس فِي رُكُوع غير ثَان من صَلَاة الْكُسُوف أَو فِي تشهد أخير بداخل مَحل الصَّلَاة يَقْتَدِي بِهِ سنّ لَهُ انْتِظَاره لله تَعَالَى إِن لم يُبَالغ فِي الِانْتِظَار وَلم يُمَيّز بَين الداخلين وَإِلَّا كره وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه يسن للْإِمَام انْتِظَار من يُرِيد الِاقْتِدَاء بِهِ بِشُرُوط تِسْعَة أَن يكون ذَلِك الِانْتِظَار فِي رُكُوع غير ثَان من صَلَاة الْكُسُوف أَو فِي تشهد أخير وَأَن لَا يخْشَى فَوت الْوَقْت وَأَن يكون الَّذِي ينتظره دَاخل مَحل الصَّلَاة دون من هُوَ خَارجه وَأَن ينتظره لله تَعَالَى لَا لتودد وَإِلَّا كره وَأَن لَا يُبَالغ فِي الِانْتِظَار وَلَو بِضَم انْتِظَار مَأْمُوم إِلَى آخر وَإِلَّا كره وَأَن لَا يُمَيّز بَين الداخلين فينتظر بَعْضًا دون بعض وَأَن يظنّ أَن يَقْتَدِي بِهِ ذَلِك الدَّاخِل وَأَن يظنّ أَنه يرى إِدْرَاك الرَّكْعَة بِالرُّكُوعِ وَأَن يظنّ أَنه يَأْتِي بِالْإِحْرَامِ على الْوَجْه الْمَطْلُوب من كَونه فِي الْقيام وَالْإِمَام لَيْسَ بِقَيْد بل مثله الْمُنْفَرد وَإِن كَانَ لَا يَأْتِي فِيهِ جَمِيع الشُّرُوط وَيكرهُ ارْتِفَاع الْمَأْمُوم على إِمَامه وَعَكسه حَيْثُ أمكن وقوفهما على مستو إِلَّا لحَاجَة كتعليم الإِمَام الْمَأْمُومين صفة الصَّلَاة وكتبليغ الْمَأْمُوم تَكْبِيرَة الإِمَام فَيسنّ ارتفاعهما لذَلِك وَحَيْثُ لم تكن حَاجَة ثبتَتْ الْكَرَاهَة وفاتت فَضِيلَة الْجَمَاعَة مَا لم يكن وضع الْمَكَان مُشْتَمِلًا على انخفاض وارتفاع وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَلَو تعَارض عَلَيْهِ إِكْمَال الصَّفّ الأول لَكِن مَعَ ارْتِفَاع أَو انخفاض وَالْوُقُوف فِي الصَّفّ الثَّانِي بِدُونِ ذَلِك وقف فِي الصَّفّ الثَّانِي وَترك تَكْمِيل الأول لِأَن كَرَاهَة الأول أَشد فَإِنَّهَا تفوت فَضِيلَة الْجَمَاعَة اتِّفَاقًا بِخِلَاف تقطيع الصُّفُوف فَفِيهِ خلاف كَمَا تقدم تَتِمَّة وَرخّص فِي ترك الْجَمَاعَة بِعُذْر عَام أَو خَاص كمشقة مطر وَمثله تقاطر السقوف على المارين بعد فرَاغ الْمَطَر وَشدَّة ريح بلَيْل أَو وَقت صبح وَمثل الرّيح الشَّدِيدَة الظلمَة الشَّدِيدَة وَالرِّيح الْبَارِدَة وَشدَّة وَحل وَشدَّة حر وَشدَّة برد وَشدَّة جوع وَشدَّة عَطش بِحَضْرَة طَعَام مَأْكُول أَو مشروب وَمَا قرب حُضُوره كالحاضر ومشقة مرض ومدافعة حدث وَخَوف على مَعْصُوم من نفس أَو عُضْو أَو مَنْفَعَة أَو مَال كخبز فِي تنور أَو قدر على نَار لَو ذهب للْجَمَاعَة وَتَركه تلف وَخَوف من غَرِيم لَهُ وبالخائف إعسار يعسر عَلَيْهِ إثْبَاته وَخَوف من عُقُوبَة يَرْجُو الْخَائِف الْعَفو بغيبته وَخَوف من تخلف عَن رفْقَة وفقد لِبَاس لَائِق وَأكل ذِي ريح كريهة تعسر إِزَالَتهَا لَا بِقصد إِسْقَاط الْجَمَاعَة وَإِلَّا لم يكن عذرا وَحُضُور مَرِيض بِلَا متعهد سواهُ أَو كَانَ لَهُ متعهد لَكِن كَانَ الْمَرِيض نَحْو قريب محتضر الرّوح أَي ويأنس بِهِ وَمن الْأَعْذَار زَلْزَلَة وَغَلَبَة نُعَاس وَسمن مفرط وسعي فِي اسْتِرْدَاد مَال يَرْجُو حُصُوله لَهُ أَو لغيره وعمى حَيْثُ كَانَ الْأَعْمَى لَا يجد قائدا وَلَو بِأُجْرَة مثل قدر عَلَيْهَا وَلَا أثر لإحسانه الْمَشْي بالعصا والاشتغال بتجهيز ميت وَحمله وَدَفنه وَوُجُود من يُؤْذِيه فِي طَرِيقه بشتم أَو نَحوه مَا لم يُمكن دَفعه من غير مشقة وَالنِّسْيَان وَالْإِكْرَاه وَتَطْوِيل الإِمَام فَوق الْمَشْرُوع وَتَركه سنة مَقْصُودَة وَكَون الإِمَام مِمَّن يكره الِاقْتِدَاء بِهِ أَو كَانَ يخْشَى من الافتتان بِجَمَال أَمْرَد أَو كَانَ هُوَ مِمَّن يخْشَى الافتتان بِهِ وَمعنى كَون هَذِه أعذارا سُقُوط الطّلب بِسَبَبِهَا لَا حُصُول فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَجزم الرَّوْيَانِيّ بِأَنَّهُ يكون محصلا لثواب الْجَمَاعَة إِذا صلى مُنْفَردا وَكَانَ قَصده الْجَمَاعَة لَوْلَا الْعذر وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد بِشَرْط أَن يكون ملازما لَهَا قبل الْعذر وَلم يتعاط السَّبَب بِاخْتِيَارِهِ وَلم يتأت لَهُ إِقَامَة الْجَمَاعَة فِي بَيته لَكِن الْفَضِيلَة الَّتِي تحصل لَهُ دون فَضِيلَة من فعلهَا تَكْمِيل اعْلَم أَن الصَّلَوَات الْخمس بِالنِّسْبَةِ للقصر وَالْجمع ثَلَاثَة أَقسَام قسم يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الرباعيات الثَّلَاث وَقسم يجوز فِيهِ الْجمع دون الْقصر وَهُوَ الْمغرب وَقسم لَا يجوز فِيهِ هَذَا وَلَا هَذَا وَهُوَ الصُّبْح وَيجوز للْمُسَافِر قصر الصَّلَاة بِأَن يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ بِشُرُوط اثنى عشر أَن تكون الصَّلَاة ربَاعِية مَكْتُوبَة أَصَالَة مُؤَدَّاة أَو فَائِتَة سفر قصر كالظهر وَالْعصر وَالْعشَاء وَأَن يكون الْمُسَافِر فِي سفر طَوِيل وَهُوَ سِتَّة عشر فرسخا وَهِي مرحلتان وَأَن لَا يكون عَاصِيا بِالسَّفرِ وَأَن يكون سَفَره لغَرَض صَحِيح ديني أَو دُنْيَوِيّ وَأَن يقْصد محلا مَعْلُوما فِي أول سَفَره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَلَو بالجهة وَأَن لَا يرْبط صلَاته بِمن جهل سَفَره أَو بمتم وَلَو فِي نفس الْأَمر وَلَو فِي جُزْء من صلَاته وَلَو فِي صبح وَأَن يَنْوِي الْقصر مَعَ التَّحَرُّم كَأَن يَقُول مَقْصُورَة أَو رَكْعَتَيْنِ أَو صَلَاة السّفر وَأَن يتحرز عَن منافي نِيَّة الْقصر فِي دوَام الصَّلَاة ودوام السّفر فِي جَمِيع الصَّلَاة يَقِينا وَأَن يعلم بِجَوَاز الْقصر وَأَن يعلم الْكَيْفِيَّة وَأَن يُجَاوز مَحل الْإِقَامَة ويصل إِلَى مَحل يعد فِيهِ مُسَافِرًا وَيجوز للْمُسَافِر السّفر الْمَذْكُور أَن يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر أَو بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ تَقْدِيمًا فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا أَو تَأْخِيرا فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا وَالْجُمُعَة كالظهر فِي جمع التَّقْدِيم فَقَط وَيشْتَرط لجمع التَّقْدِيم سِتَّة شُرُوط الأول التَّرْتِيب بِأَن يبْدَأ بصاحبة الْوَقْت لِأَن الْوَقْت لَهَا فَلَو عكس التَّرْتِيب صحت صَاحِبَة الْوَقْت فَقَط الثَّانِي نِيَّة الْجمع فِي الأولى وَلَو مَعَ التَّحَلُّل مِنْهَا الثَّالِث الْوَلَاء بَين الصَّلَاتَيْنِ بِأَن لَا يَتَخَلَّل بَين الصَّلَاتَيْنِ زمن يسع رَكْعَتَيْنِ بأخف مُمكن وَحِينَئِذٍ لَا يجوز أَن يُصَلِّي الرَّاتِبَة بَينهمَا الرَّابِع دوَام السّفر إِلَى عقد الثَّانِيَة وَإِن أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا وَلَا يشْتَرط وجود السّفر عِنْد عقد الأولى الْخَامِس بَقَاء وَقت الأولى يَقِينا إِلَى تَمام الثَّانِيَة فَيبْطل الْجمع وَالصَّلَاة إِذا خرج الْوَقْت فِي أثْنَاء الثَّانِيَة أَو شكّ فِي خُرُوجه السَّادِس ظن صِحَة الأولى لتخرج الْمُتَحَيِّرَة فَلَيْسَ لَهَا جمع التَّقْدِيم وَكَذَا لَو كَانَت الأولى جُمُعَة فِي مَكَان تعدّدت فِيهِ لغير حَاجَة وَشك فِي السَّبق والمعية وَمثل ذَلِك كل من تلْزمهُ الْإِعَادَة كفاقد الطهُورَيْنِ والمتيمم للبرد أَو لفقد المَاء بِمحل يغلب فِيهِ الْوُجُود أَو نَحْو ذَلِك وَيشْتَرط لجمع التَّأْخِير شَرْطَانِ الأول نِيَّة التَّأْخِير فِي وَقت الأولى مَا بَقِي مِنْهُ قدر يَسعهَا تَامَّة أَو مَقْصُورَة إِن أَرَادَ قصرهَا فَإِن لم ينْو التَّأْخِير أصلا أَو نَوَاه وَالْبَاقِي من الْوَقْت قدر لَا يَسعهَا عصى وَكَانَت قَضَاء مَا لم يُوقع مِنْهَا رَكْعَة أَو أَكثر فِي وَقتهَا وَإِلَّا فأداء مَعَ الْحُرْمَة الثَّانِي دوَام السّفر إِلَى تَمام الصَّلَاتَيْنِ فَلَو أَقَامَ قبل ذَلِك صَارَت الَّتِي نوى تَأْخِيرهَا قَضَاء سَوَاء رتب بَين الصَّلَاتَيْنِ أَولا لَكِن لَا إِثْم فِيهِ وَلَو كَانَ انْتِهَاء السّفر فِي أثْنَاء الظّهْر الَّتِي نوى تَأْخِيرهَا فَائِتَة حضر فَلَا يجوز قصرهَا وَترك الْجمع أفضل وَإِذا أَرَادَ الْجمع فَإِن كَانَ نازلا فِي وَقت الأولى سائرا فِي وَقت الثَّانِيَة فَالْأَفْضَل جمع التَّقْدِيم وَإِن كَانَ نازلا فيهمَا أَو سائرا فيهمَا أَو سائرا فِي الأولى نازلا فِي الثَّانِيَة فَالْأَفْضَل جمع التَّأْخِير وَيجوز للمقيم أَن يجمع مَا يجمع بِالسَّفرِ وَلَو عصرا مَعَ الْجُمُعَة تَقْدِيمًا فِي وَقت الأولى بِسَبَب الْمَطَر وَلَو كَانَ الْمَطَر قَلِيلا لَكِن كَانَ يبل الثَّوْب وَمثل الْمَطَر ثلج وَبرد ذائبان وشفان بِفَتْح الشين وَتَشْديد الْفَاء وَهُوَ ريح بَارِدَة يصحبها مطر قَلِيل وَلَا بُد أَن يكون كل وَاحِد مِنْهَا يبل الثَّوْب وَلِهَذَا الْجمع شُرُوط ثَمَانِيَة أَن يُوجد نَحْو الْمَطَر عِنْد تحرمه بهما وَعند تحلله من الأولى ليتصل بِأول الثَّانِيَة وَيُؤْخَذ من ذَلِك اعْتِبَار امتداده بَينهمَا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يضر انْقِطَاعه فِي أثْنَاء الأولى أَو الثَّانِيَة أَو بعدهمَا وَالتَّرْتِيب وَالْوَلَاء وَنِيَّة الْجمع كَمَا تقدم وَأَن تصلى الثَّانِيَة جمَاعَة وَإِن انفردوا قبل تَمام ركعتها الأولى وَلَو قبل ركوعها وَإِن لم يحصل ثَوَاب الْجَمَاعَة كَأَن كَانَت مَكْرُوهَة وَلَا بُد من نِيَّة الْجَمَاعَة أَو الْإِمَامَة وَإِلَّا لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَا صلَاتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 إِن علمُوا بذلك وَأَن يفعل ذَلِك بمصلى بعيد عرفا بِحَيْثُ يأتونه بِمَشَقَّة فِي طريقهم إِلَيْهِ لَكِن يجوز للْإِمَام الرَّاتِب أَن يجمع بالمأمومين وَإِن لم يتأذ بالمطر وَكَذَا من يلْزم من عدم إِمَامَته تَعْطِيل الْجَمَاعَة وَلمن اتّفق لَهُ وجود الْمَطَر وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ أَن يجمع وَإِلَّا لاحتاج إِلَى صَلَاة الْعَصْر أَو الْعشَاء فِي جمَاعَة وَفِيه مشقة فِي رُجُوعه إِلَى بَيته ثمَّ عوده أَو فِي إِقَامَته وَإِذا تخلف شَرط من ذَلِك امْتنع الْجمع الْمَذْكُور تَنْبِيه قد علم مِمَّا مر أَنه لَا يجمع بِغَيْر سفر وَنَحْو الْمَطَر كَمَرَض وريح وظلمة وَخَوف ووحل وَهُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم ينْقل وَحكى فِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة جَوَازه بالمذكورات وَهُوَ قوي جدا فِي الْمَرَض والوحل وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} الْحَج 22 الْآيَة 78 وعَلى ذَلِك فَيسنّ للْمَرِيض أَن يُرَاعِي الأرفق بِنَفسِهِ فَمن يحم فِي وَقت الثَّانِيَة يقدمهَا بشرائط جمع التَّقْدِيم بِالسَّفرِ أَو فِي وَقت الأولى يؤخرها بالشرطين الْمُتَقَدِّمين لجمع التَّأْخِير وَيجْعَل دوَام الْمَرَض هُنَا كدوام السّفر هُنَاكَ فَائِدَة يخْتَص بِالسَّفرِ الطَّوِيل أَربع الْجمع على الْأَظْهر وَالْقصر وَالْفطر فِي رَمَضَان وَالْمسح على الْخُف ثَلَاثَة أَيَّام وَيجوز فِي الْقصير ترك الْجُمُعَة والتنفل على الرَّاحِلَة ويختصان بِالسَّفرِ فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع يعْتق الله فِيهِ سِتّمائَة ألف عَتيق من النَّار وَمن مَاتَ فِيهِ أعطي أجر شَهِيد وَوقى فتْنَة الْقَبْر وَهِي السُّؤَال بِأَن يُخَفف عَنهُ لِأَن عدم السُّؤَال أصلا خَاص بالأنبياء وَنَحْوهم مِمَّن اسْتثْنى وليلتها أفضل اللَّيَالِي بعد لَيْلَة الْقدر وَلَيْلَة الْقدر أفضل من لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالنِّسْبَةِ لنا أما بِالنِّسْبَةِ لسيدنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليلة الْإِسْرَاء أفضل إِذْ وَقع لَهُ فِيهَا رُؤْيَة الْبَارِي بعيني رَأسه وَلَيْلَة المولد الشريف أفضل من لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلَيْلَة الْقدر لِأَنَّهَا أَصلهمَا وَالْمرَاد بليلة المولد وَلَيْلَة الْإِسْرَاء الليلتان المعينتان لَا نظيرتهما من كل سنة وفرضت صَلَاة الْجُمُعَة بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلم تقم بهَا لقلَّة الْمُسلمين أَو لخفاء الْإِسْلَام إِذْ ذَاك فَإِن شعارها الْإِظْهَار وَأول من أَقَامَهَا بِجِهَة الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة أسعد بن زُرَارَة بقرية على ميل من الْمَدِينَة وَاسْمهَا نَقِيع الخضمان وَهِي أفضل الصَّلَوَات وَمن خَصَائِص هَذِه الْأمة وَلَيْسَت ظهرا مَقْصُورا لِأَنَّهُ لَا يغنى عَنْهَا وَإِن كَانَ وَقتهَا وقته وتتدارك بِهِ بل صَلَاة مُسْتَقلَّة وَمَعْلُوم أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وتختص بِشُرُوط لوُجُوبهَا وشروط لصحتها وآداب كَمَا قَالَ (تجب جُمُعَة) وجوب عين (على) كل مُسلم (مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل وَألْحق بِهِ فِي انْعِقَاد السَّبَب لَا فِي التَّكْلِيف مُتَعَدٍّ بمزيل عقله فَيلْزمهُ قَضَاؤُهَا ظهرا (ذكر حر متوطن) بِبَلَد الْجُمُعَة بِأَن لَا يُسَافر عَن وَطنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 صيفا وَلَا شتاء إِلَّا لحَاجَة كتجارة (غير مَعْذُور) بمجوز لترك الْجَمَاعَة (و) تجب الْجُمُعَة أَيْضا (على مُقيم) بِمحل إِقَامَة الْجُمُعَة أَو بِمحل يسمع فِيهِ نداءها وَإِن لم يستوطنه وكالمقيم بذلك الْمحل الْمُسَافِر إِلَيْهِ من مَحل الْجُمُعَة كَذَا قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْجواد (وَلَا تَنْعَقِد) الْجُمُعَة (بِهِ) أَي بمقيم فِي ذَلِك الْمحل على عزم الْعود إِلَى بَلَده بعد مُدَّة وَلَو طَوِيلَة كالمتفقهة والتجار وَمثله متوطن خَارج بلد الْجُمُعَة فَلَا تَنْعَقِد بِهِ (وَلَا بِمن بِهِ رق) وَإِن قل (وصبا) وَحَاصِل مَا فِي هَذَا الْبَاب أَن صَلَاة الْجُمُعَة كَغَيْرِهَا من الْخمس فِي الْأَركان والشروط والآداب لَكِنَّهَا تزيد عَلَيْهِ بِشُرُوط للزومها وبشروط لصحتها وبآداب أخر أما شُرُوط لُزُومهَا المختصة بهَا فَأَرْبَعَة الْحُرِّيَّة والذكورة وَعدم الْعذر المجوز لترك الْجَمَاعَة وَالْإِقَامَة فَلَا جُمُعَة على رَقِيق وَلَا أُنْثَى وَلَا مُسَافر وَلَا مَعْذُور بمجوز لترك الْجَمَاعَة وَمِنْه الِاشْتِغَال بتجهيز الْمَيِّت والإسهال الَّذِي لَا يضْبط نَفسه مَعَه ويخشى مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد وَالْحَبْس عَنهُ إِذا لم يكن مقصرا فِيهِ فَإِذا رأى القَاضِي الْمصلحَة فِي مَنعه مَنعه وَإِلَّا أطلقهُ لفعل الْجُمُعَة وَتلْزم الشَّيْخ الْهَرم والزمن وَهُوَ من بِهِ عاهة أبطلت حركته إِن وجدا مركبا ملكا أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة وَلَو آدَمِيًّا إِذا لم يزر بهما وَلم يشق الرّكُوب عَلَيْهِمَا كمشقة الْمَشْي فِي الوحل وَتلْزم الْأَعْمَى إِن وجد قائدا وَلَو بِأُجْرَة مثل يجدهَا زَائِدَة على مَا يَأْتِي فِي الْفطْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو مُتَبَرعا أَو ملكا فَإِن لم يجده لم يلْزمه الْحُضُور وَإِن أحسن الْمَشْي بالعصى على الْمُعْتَمد لما فِيهِ من التَّعَرُّض للضَّرَر نعم إِن كَانَ قَرِيبا من الْجَامِع لَا يتَضَرَّر بذلك وَجب عَلَيْهِ الْحُضُور لعدم الضَّرَر وَمن صحت ظَهره مِمَّن لَا تلْزمهُ جُمُعَة صحت جمعته وتغني عَن ظَهره كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْمُسَافر وَله أَن ينْصَرف من الْمصلى قبل إِحْرَامه بهَا وَلَو بعد دُخُول وَقتهَا إِلَّا الْمَرِيض وَنَحْوه مِمَّن ألحق بِهِ كالأعمى لَا يجد قائدا فَلَا يجوز لَهُ الِانْصِرَاف بعد دُخُول الْوَقْت إِلَّا إِن زَاد ضَرَره بانتظاره فعلهَا وَإِلَّا فَلهُ الِانْصِرَاف مَا لم تكن قد أُقِيمَت وَإِلَّا فَلَا ينْصَرف وَالْحَاصِل أَن نَحْو الْمَرِيض لَهُ الِانْصِرَاف قبل دُخُول الْوَقْت وَهُوَ الزَّوَال مُطلقًا مَا لم يحصل لَهُ مشقة لَا تحْتَمل وَأما بعد دُخُول الْوَقْت وَقبل الْإِحْرَام فَإِن زَاد ضَرَره بانتظاره فعلهَا وَلم تقم جَازَ لَهُ الِانْصِرَاف وَإِن لم يزدْ ضَرَره أَو أُقِيمَت فَلَا ثمَّ حَاصِل مَا ذكره المُصَنّف أَن النَّاس فِي الْجُمُعَة سِتَّة أَقسَام قسم تلْزمهُ وتنعقد بِهِ وَهُوَ كل مُسلم مُكَلّف متوطن حر ذكر لَا عذر لَهُ يرخص فِي ترك الْجَمَاعَة وَقسم لَا تلْزمهُ وتنعقد بِهِ وَهُوَ الْمَعْذُور بمسقط لوُجُوبهَا غير الْمُسَافِر وَمن الْأَعْذَار مَا لَو حلف بِالطَّلَاق أَنه لَا يُصَلِّي خلف زيد فولى زيد الْمَذْكُور إِمَامَة الْجُمُعَة وَلم يكن فِي الْمحل غَيرهَا فَتسقط عَنهُ على الْمُعْتَمد وَقيل هُوَ مكره شرعا فَيصَلي وَلَا حنث وَقسم تلْزمهُ وَتَصِح مِنْهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَهُوَ الْمُقِيم غير المتوطن والمتوطن بِمحل يسمع مِنْهُ النداء وَلم يبلغ أَهله أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ السَّعْي إِلَى بلد الْجُمُعَة وَلَا يحْسب من عَددهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من المتوطنين ببلدها فَإِن بلغُوا أَرْبَعِينَ لَزِمَهُم إِقَامَتهَا فِي محلهم وَحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 عَلَيْهِم تعطيله وَإِن فَعَلُوهَا فِي غَيره وَقسم تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَلَا تصح مِنْهُ وَهُوَ الْمُرْتَد وَقسم لَا تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَتَصِح مِنْهُ وَهُوَ من بِهِ رق وَالصَّبِيّ الْمُمَيز وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافر والمقيم بِمحل لَا يسمع مِنْهُ النداء وَلم يبلغ أَهله أَرْبَعِينَ أَو كَانُوا أهل خيام وَقسم لَا تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَلَا تصح مِنْهُ وَهُوَ الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ والسكران وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالْكَافِر الْأَصْلِيّ (و) أما شُرُوط صِحَة الْجُمُعَة فستة وَهِي مَا (شَرط) زَائِدا على مَا يشْتَرط لغَيْرهَا الأول (وُقُوعهَا جمَاعَة) إِجْمَاعًا فَلَا تصح فُرَادَى إِذْ لم ينْقل فعلهَا كَذَلِك وَالْجَمَاعَة شَرط (فِي الرَّكْعَة الأولى) فَقَط أما الْعدَد فَشرط فِي جَمِيع الْجُمُعَة فَيشْتَرط أَن يستمروا مَعَ الإِمَام إِلَى سجودها الثَّانِي فَلَو نووا كلهم الْمُفَارقَة بعد الرَّكْعَة الأولى وَأَتمُّوا صلَاتهم فُرَادَى صحت جمعتهم وجمعة الإِمَام وَيشْتَرط أَن لَا تبطل صَلَاة وَاحِد من الْأَرْبَعين قبل سَلام نَفسه وَإِلَّا بطلت صَلَاة الْكل وَإِن كَانَ هُوَ الْأَخير وَإِن ذهب الْأَولونَ إِلَى مكانهم ويلغز بذلك وَيُقَال رجل أحدث فِي الْمَسْجِد فبطلت صَلَاة من فِي الْبَيْت وَلَو كَانَ من جملَة الْأَرْبَعين شخص مالكي فَترك الْبَسْمَلَة بطلت صَلَاة الْجَمِيع بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ زَائِدا على الْأَرْبَعين (و) الثَّانِي أَن يكون عدد جمَاعَة المجمعين أَرْبَعِينَ مِنْهُم الإِمَام وَإِن كَانَ بَعضهم صلاهَا فِي قَرْيَة أُخْرَى وَلَا نظر لكَونهَا تقع لَهُ نَافِلَة فَلَا تَنْعَقِد بِأَقَلّ مِنْهُم وَذَلِكَ بِأَن تُقَام (بِأَرْبَعِينَ) من أهل الْجُمُعَة وهم الذُّكُور الْأَحْرَار المكلفون المستوطنون بمحلها لَا يظعنون عَنهُ شتاء وَلَا صيفا إِلَّا لحَاجَة قَالَ بَعضهم وَلَا بُد من صِحَة إِمَامَة كل وَاحِد مِنْهُم بالباقين وَقَالَ بَعضهم الْمدَار على صِحَة صَلَاة كل مِنْهُم فِي نَفسه حَيْثُ كَانَ إمَامهمْ تصح إِمَامَته لَهُم وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة وَلَا بُد من وجود هَذَا الْعدَد كَامِلا من ابْتِدَاء الْخطْبَة إِلَى انْتِهَاء الصَّلَاة وَتَصِح الْجُمُعَة خلف عبد وَصبي مُمَيّز ومسافر وَمن بَان مُحدثا وَلَو حَدثا أكبر إِن تمّ الْعدَد بغيرهم وَلَو كَانُوا ناوين ظهرا بِخِلَاف مَا إِذا لم يتم الْعدَد إِلَّا بهم لأَنهم لَا يحسبون من عدد الْجُمُعَة وَلَا تَنْعَقِد بِأَرْبَعِينَ فَقَط وَفِيهِمْ أُمِّي لارتباط صِحَة صَلَاة بَعضهم بِبَعْض فَصَارَ كاقتداء القارىء بالأمي وَمحله إِذا قصر الْأُمِّي فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِح الْجُمُعَة إِن كَانَ الإِمَام قَارِئًا وَعلم من ذَلِك أَن عِلّة بطلَان صلَاتهم تقصيرهم لَا ارتباط صَلَاة بَعضهم بِبَعْض وَمَعْلُوم أَن الْأُمِّيين إِذا لم يَكُونُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة لَا يَصح اقْتِدَاء بَعضهم بِبَعْض فَلَا تصح جمعتهم لِأَن الْجَمَاعَة المشترطة هُنَا للصِّحَّة صيرت بَينهم ارتباطا كالارتباط بَين صَلَاة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَصَارَ كاقتداء قارىء بأمي وَعلم مِمَّا ذكر أَنه لَا بُد لصِحَّة الْجُمُعَة من اغناء صلَاتهم عَن الْقَضَاء وَلَو كَانَ بقرية أَرْبَعُونَ كاملون حرم عَلَيْهِم أَن يصلوها فِي الْمصر على الْمُعْتَمد سمعُوا النداء أم لَا لتعطيلهم الْجُمُعَة فِي محلهم وَتسقط عَنْهُم الْجُمُعَة بِفِعْلِهَا فِي الْمصر وَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَاز إِذْ الْإِسَاءَة لَا تنَافِي الصِّحَّة وَيجب على الْحَاكِم مَنعهم من ذَلِك وَلَا يكون قصدهم البيع وَالشِّرَاء فِي الْمصر عذرا فِي تَركهم الْجُمُعَة فِي قريتهم إِلَّا إِذا ترَتّب عَلَيْهِ فَسَاد شَيْء من أَمْوَالهم أَو احتاجوا إِلَى مَا يصرفونه فِي نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم الضرورية وَلَا يكلفون الِاقْتِرَاض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَلَو تقاربت قَرْيَتَانِ فِي كل مِنْهُمَا دون أَرْبَعِينَ بِصفة الْكَمَال وَلَو اجْتَمعُوا لبلغوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد بهم وَإِن سَمِعت كل وَاحِدَة نِدَاء الْأُخْرَى لِأَن الْأَرْبَعين غير متوطنين فِي مَوضِع الْجُمُعَة وَلَو كَانَ لَهُ زوجتان كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي بَلْدَة يُقيم عِنْد كل يَوْمًا مثلا انْعَقَدت بِهِ الْجُمُعَة فِي الْبَلدة الَّتِي إِقَامَته فِيهَا أَكثر دون الْأُخْرَى فَإِن اسْتَويَا فِي الْإِقَامَة انْعَقَدت بهم فِي الْبَلدة الَّتِي مَاله فِيهَا أَكثر دون الْأُخْرَى فَإِن اسْتَويَا فِي المَال اعْتبرت نِيَّته فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن لم تكن نِيَّة اعْتبر الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ (و) الثَّالِث أَن تُقَام (بِمحل مَعْدُود من الْبَلَد) أَي فِي خطة أبنية أوطان الْمُصَلِّين للْجُمُعَة سَوَاء الرحاب المسقفة والساحات والمساجد فَتجوز فِي الفضاء الْمَعْدُود من خطة الْبَلَد بِأَن كَانَ فِي مَحل لَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة بِخِلَاف غير الْمَعْدُود مِنْهَا وَلَا فرق فِي الْمَعْدُود مِنْهَا بَين الْمُتَّصِل بالأبنية والمنفصل عَنْهَا وَلَو انْهَدَمت الْأَبْنِيَة وَأقَام أَهلهَا قَاصِدين عمارتها صحت مِنْهُم الْجُمُعَة وَإِن لم يَكُونُوا فِي مظال لِأَنَّهَا وطنهم وَلَا تَنْعَقِد فِي غير بِنَاء إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة فَلَا تجوز إِقَامَتهَا خَارج الْأَبْنِيَة حَيْثُ أُقِيمَت فِي مَحل تقصر فِيهِ الصَّلَاة وَلَا جُمُعَة على أهل الْخيام نعم إِن كَانَت خيامهم فِي خلال الْأَبْنِيَة وهم مقيمون لزمتهم الْجُمُعَة وَلَو كَانُوا متوطنين بِمحل من الْبَادِيَة قريب من بلد الْجُمُعَة بِحَيْثُ يسمعُونَ النداء من بلد الْجُمُعَة لزمتهم وَوَجَب السَّعْي إِلَيْهَا وَالْمرَاد سَماع من يكون بِطرف محلتهم الَّذِي يَلِي بلد الْجُمُعَة أَي من أصغى مِنْهُم وَلَو وَاحِدًا وَهُوَ معتدل السّمع مِمَّن بِطرف بلد الْجُمُعَة الَّذِي يَلِي محلتهم ويفرض عدم الْمَانِع وَالْمُعْتَبر أَن يكون الْمُؤَذّن على الأَرْض لَا على مَوضِع عَال إِلَّا أَن تكون الْبَلدة فِي أَرض بَين أَشجَار فَيعْتَبر فِيهَا الْعُلُوّ على مَا يُسَاوِي الْأَشْجَار وَلَو كَانَ بقرية مَسْجِد ثمَّ خرب مَا حوله فَصَارَ مُنْفَردا وَلم يهجر بل اسْتمرّ النَّاس يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ فِي الصَّلَوَات وَغَيرهَا صحت الْجُمُعَة فِيهِ وَلَو بعد الْعمرَان عَنهُ إِذْ بَقَاء التَّرَدُّد اليه يصيره معدودا من الْبَلَد أفتى بِهِ البُلْقِينِيّ وَغَيره قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَأكْثر أهل الْقرى يؤخرون الْمَسْجِد عَن جِدَار الْقرْيَة قَلِيلا صِيَانة لَهُ عَن نَجَاسَة الْبَهَائِم وَعدم انْعِقَاد الْجُمُعَة فِيهِ بعد وَالضَّابِط أَن الْمَسْجِد الْخَارِج عَن الْأَبْنِيَة إِن كَانَ بِحَيْثُ تقصر الصَّلَاة قبل مجاوزته لَا تجوز إِقَامَة الْجُمُعَة فِيهِ وَإِلَّا جَازَت (و) الرَّابِع وُقُوع الصَّلَاة كلهَا فِي الْوَقْت يَقِينا لِأَن الْوَقْت شَرط لافتتاحها فَكَانَ شرطا لتمامها وَلِأَنَّهُمَا فرضا وَقت وَاحِد فَلم يخْتَلف وقتهما أما بَقِيَّة الصَّلَوَات فَلَيْسَ الْوَقْت شرطا لافتتاحها بِدَلِيل الْقَضَاء خَارجه فَلَا بُد من وُقُوع الصَّلَاة كلهَا مَعَ الْخطْبَة (فِي وَقت ظهر) فَلَو خرج الْوَقْت قبل التَّلَبُّس بهَا أَو كَانُوا فِيهَا أَو ضَاقَ عَنْهَا وَعَن خطبتها أَو شكّ فِي ذَلِك صليت ظهرا فِي الْجَمِيع وَلَو مد الرَّكْعَة الأولى بِأَن أحرم بِالْجمعَةِ فِي وَقت يَسعهَا لكنه طول حَتَّى تحقق أَنه لم يبْق مَا يسع الثَّانِيَة انقلبت ظهرا الْآن عِنْد ابْن حجر كالروياني أَو انقلبت ظهرا عِنْد خُرُوج الْوَقْت على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ فيسر بِالْقِرَاءَةِ من وَقت الانقلاب وَلَو سلم الإِمَام التسليمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الأولى وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْت وَسلمهَا الْبَاقُونَ خَارجه صحت جُمُعَة الإِمَام وَمن مَعَه أما الْمُسلمُونَ خَارجه فَلَا تصح جمعتهم وَكَذَا لَو كَانَ الْمُسلمُونَ فِيهِ أقل من أَرْبَعِينَ وَالْخَامِس أَن لَا يسبقها وَلَا يقارنها جُمُعَة فِي محلهَا وَلَو عظم نعم إِذا كبر الْمحل وعسر اجْتِمَاعهم فِي مَكَان وَاحِد بِأَن لم يكن فِي مَحل الْجُمُعَة مَكَان يسعهم بِلَا مشقة وَلَو غير مَسْجِد جَازَ التَّعَدُّد على قدر الْحَاجة وَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة فِي الْعسر بِمن يُصَلِّي فِي ذَلِك الْمحل غَالِبا وَإِن لم يكن من أهل الْبَلَد وَلَو كَانَ الْغَالِب يخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة اعْتبرنَا كل زمَان بِحَسبِهِ لَا بِمن تلْزمهُ وَلَو لم يحضر وَلَا بِجَمِيعِ أهل الْبَلَد كَمَا قيل بذلك وَالْقَوْل الْأَخير يُفِيد أَن التَّعَدُّد فِي مصر كُله لحَاجَة فَعَلَيهِ لَا تجب الظّهْر ثمَّ عسر الِاجْتِمَاع إِمَّا لكثرتهم كَمَا مر أَو لقِتَال بَينهم أَو لبعد أَطْرَاف الْبَلَد بِحَيْثُ كَانَ من بطرفها لَو سعى إِلَيْهَا بعد الْفجْر لَا يُدْرِكهَا فَإِن اجْتمع من أهل الْمحل الْبعيد أَرْبَعُونَ أَقَامُوا الْجُمُعَة وَإِلَّا صلوها ظهرا وَحَاصِل مَا يُقَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن التَّعَدُّد ان كَانَ لحَاجَة جَازَ بِقَدرِهَا على الْأَصَح وَصحت صَلَاة الْجَمِيع سَوَاء وَقع إِحْرَام الْأَئِمَّة مَعًا أَو مُرَتبا وَتسن الظّهْر مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ الْمَانِع من التَّعَدُّد مُطلقًا أَو لغير حَاجَة فِي جَمِيعهَا أَو بَعْضهَا أَو لم يدر هَل هُوَ لحَاجَة أم لَا كَمَا فِي بعض الْأَمْصَار فلهَا خَمْسَة أَحْوَال لِأَنَّهَا إِمَّا أَن يَقع سبق وَتعلم عين السَّابِقَة وَلم تنس أَو تعلم وتنسى أَو يعلم سبق وَاحِدَة لَا بِعَينهَا أَو يعلم وقوعهما مَعًا أَو يشك فِي الْمَعِيَّة والسبق فَفِي الأولى تجب الظّهْر على المسبوقة لبُطْلَان جمعتها وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة يجب على الْجَمِيع فعل الظّهْر لوُجُود جُمُعَة صَحِيحَة لأحد الْفَرِيقَيْنِ فَلَا تتأتى إِقَامَة جُمُعَة بعْدهَا لَكِن لما كَانَت مُبْهمَة وَجب على الْجَمِيع فعل الظّهْر لتبرأ ذمتهم بِيَقِين وَفِي الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة يجب على الْجَمِيع أَن يجتمعوا بِمحل أَو بمحال بِقدر الْحَاجة ويقيموا جُمُعَة أُخْرَى وَهل يجب مَعَ ذَلِك فِي الْخَامِسَة فعل الظّهْر لِأَن احْتِمَال السَّبق فِي احداهما يَقْتَضِي وجوب الظّهْر على الْأُخْرَى أَو ينْدب فَقَط لِأَن الأَصْل عدم جُمُعَة مجزئة فِي حق كل مِنْهُمَا قَالَ الإِمَام بِالْأولِ وَالْمُعْتَمد الثَّانِي فَإِن ضَاقَ الْوَقْت أَو لم يتَّفق اجْتِمَاعهم كَمَا هُوَ جَار الْآن وَجب الظّهْر تَنْبِيه صَلَاة الظّهْر بعد الْجُمُعَة إِمَّا وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة ويعلمان مِمَّا تقدم أَو حرَام وَلَا تَنْعَقِد إِذا لم يكن بِالْبَلَدِ إِلَّا جُمُعَة وَاحِدَة فَائِدَة الْجُمُعَة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا مَعَ الزَّائِد على قدر الْحَاجة كالجمعتين الْمُحْتَاج إِلَى إِحْدَاهمَا فَفِي ذَلِك التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم (و) السَّادِس تقدم خطبتين على صَلَاة الْجُمُعَة فَلَا بُد من وُقُوعهَا (بعد خطبتين) لَهَا متلبستين (بأركانهما) وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ وخطبة أَرْكَانهَا قد تعلم خمس تعد يَا أخي وتفهم حمد الْإِلَه وَالصَّلَاة الثَّانِي على نَبِي جَاءَ بِالْقُرْآنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَصِيَّة ثمَّ الدعا للْمُؤْمِنين وَآيَة من الْكتاب المستبين (وَهِي) خَمْسَة إِجْمَالا ثَمَانِيَة تَفْصِيلًا أَولهَا (حمد الله) تَعَالَى (و) ثَانِيهَا (صَلَاة على النَّبِي) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بلفظهما) وَالْحَاصِل أَن مَادَّة الْحَمد وَالصَّلَاة متعينة فَلَا يجزىء الشُّكْر وَالثنَاء وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَنَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْحَمد لله بل يجزىء نحمد الله أَو لله الْحَمد أَو نَحْو ذَلِك وَيتَعَيَّن لفظ الْجَلالَة فَلَا يجزىء الْحَمد للرحمن أَو نَحوه وَلَا يتَعَيَّن لفظ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بل يجزىء نصلي أَو أُصَلِّي أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ مُحَمَّد بل يَكْفِي أَحْمد أَو النَّبِي أَو الماحي أَو الحاشر أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يَكْفِي الضَّمِير نَحْو صلى الله عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي رحم الله مُحَمَّدًا (و) ثَالِثهَا (وَصِيَّة بتقوى) وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْوَصِيَّة وَلَا مادتها لِأَن الْمَقْصُود الْوَعْظ والحث على طَاعَة الله فَيَكْفِي أطِيعُوا الله وراقبوه وَهَذِه الثَّلَاثَة أَرْكَان (فيهمَا) أَي فِي كل من الْخطْبَتَيْنِ فَتكون سِتَّة تَفْصِيلًا (و) رَابِعهَا (قِرَاءَة آيَة فِي إِحْدَاهمَا) سَوَاء أَتَى بهَا فِي خلال الْأَركان أَو قبل الشُّرُوع فِيهَا أَو بعد فراغها وَالسّنة أَن تكون فِي آخر الْخطْبَة الأولى لتَكون فِي مُقَابلَة الدُّعَاء للْمُؤْمِنين فِي الثَّانِيَة (و) خَامِسهَا (دُعَاء) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم دُعَاء للْمُؤْمِنين وَيجب أَن يكون بأخروي فَلَا يَكْفِي الدنيوي وَالْأولَى فِي الدُّعَاء التَّعْمِيم (وَلَو) خص بِهِ الْحَاضِرين أَو أَرْبَعِينَ مِنْهُم كَقَوْلِه (رحمكم الله) أَو يَرْحَمكُمْ الله فَيَكْفِي ذَلِك إِذْ الْقَصْد مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء وَلَا بُد من عدم صرفه فَلَو صرف ذَلِك للرحمة الدُّنْيَوِيَّة لم يكف كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي أما لَو خص بِهِ الغائبين فَلَا يَكْفِي وَيكون (فِي ثَانِيَة) لِأَن الدُّعَاء بالخواتيم أليق وَيُبَاح الدُّعَاء للسُّلْطَان بِخُصُوصِهِ وَيحرم وَصفه بِالصِّفَاتِ الكاذبة إِن لم يخْش من تَركه فتْنَة وَإِلَّا وَجب كَمَا فِي قيام بعض النَّاس لبَعض وَيسن الدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين وولاة أُمُورهم عُمُوما بالصلاح وَالْهِدَايَة وَالْعدْل (وَشرط فيهمَا) أَي الْخطْبَتَيْنِ أُمُور سَبْعَة (إسماع أَرْبَعِينَ) مِمَّن تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة (الْأَركان) أَي أَرْكَان الْخطْبَتَيْنِ لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُمَا وعظهم وَهُوَ لَا يحصل إِلَّا بذلك فَإِن كَانَ الْخَطِيب مِمَّن تَنْعَقِد بِهِ الْجُمُعَة فَلَا يشْتَرط أَن يسمع نَفسه فَيَكْفِي كَونه أَصمّ لِأَنَّهُ يعلم مَا يَقُول فَلَا بُد من إسماع تِسْعَة وَثَلَاثِينَ مِمَّن تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة وَالْمرَاد إسماعهم بِالْفِعْلِ بِأَن يرفع الْخَطِيب صَوته بِحَيْثُ يسمعهُ الْحَاضِرُونَ لَو أصغوا وَأما السماع مِنْهُم فبالقوة وَإِن لم يسمعوا بِالْفِعْلِ لوُجُود لغط أَو نوم خَفِيف بِخِلَافِهِ لصمم أَو بعد أَو نوم ثقيل وَلَا يضر عدم فهم مَعْنَاهُمَا حَتَّى فِي حق الْخَطِيب كمن يؤم الْقَوْم وَلَا يعرف معنى الْفَاتِحَة (وعربية) بِأَن تكون أَرْكَان الْخطْبَتَيْنِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِن لم يكن ثمَّ من يحسن الْعَرَبيَّة وَلم يُمكن تعلمهَا خطب بغَيْرهَا فَإِن أمكن وَجب على الْجَمِيع على سَبِيل فرض الْكِفَايَة فَيَكْفِي فِي ذَلِك وَاحِد فَلَو تركُوا التَّعَلُّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 مَعَ امكانه عصوا وَلَا جُمُعَة لَهُم فيصلون الظّهْر (وَقيام قَادر) فيهمَا جَمِيعًا فَإِن عجز عَنهُ خطب جَالِسا وَلَو مَعَ وجود الْقَادِر وَالْأولَى للعاجز الِاسْتِنَابَة (وطهر) عَن الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر وَعَن نجس غير مَعْفُو عَنهُ فِي بدنه وثوبه ومكانه كَمَا فِي شُرُوط الصَّلَاة (وَستر) أَي ستر الْعَوْرَة فَلَو أحدث فِي أثْنَاء الْخطْبَة استأنفها وَإِن سبقه الْحَدث وَقصر الْفَصْل لِأَنَّهَا عبَادَة وَاحِدَة فَلَا تُؤَدّى بطهارتين كَالصَّلَاةِ وَمن ثمَّ لَو أحدث بَين الْخطْبَة وَالصَّلَاة وتطهر عَن قرب لم يضر وَلَا يشْتَرط طهر السامعين وَلَا سترهم (وجلوس بَينهمَا) بطمأنينة فِي جُلُوسه وجوبا وَمن خطب قَاعِدا لعذر أَو قَائِما وَعجز عَن الْجُلُوس أَو مُضْطَجعا للعجز فصل بَينهمَا بسكتة وجوبا فَوق سكتة التنفس والعي وَيسن أَن تكون الجلسة أَو السُّكُوت بِقدر سُورَة الْإِخْلَاص وَأَن يَقْرَأها فِي ذَلِك (وَوَلَاء) بَين الْخطْبَتَيْنِ وَبَين أركانهما وَبَعضهَا وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة وَضَابِط الْمُوَالَاة أَن لَا يَتَخَلَّل مَا يسع رَكْعَتَيْنِ بأخف مُمكن وَلَا يضر تخَلّل الْوَعْظ بَين الْأَركان وَإِن طَال وَأفْتى الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِيمَا لَو ابْتَدَأَ الْخَطِيب فسردها أَي ذكرهَا متتابعة ثمَّ أَعَادَهَا كَمَا اُعْتِيدَ الْآن كَأَن قَالَ الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته لقَوْله تَعَالَى {من عمل صَالحا فلنفسه} 41 فصلت الْآيَة 46 الْآيَة الْحَمد لله الَّذِي إِلَى آخِره بِأَن الْأَركان هُوَ مَا أَتَى بِهِ أَولا وَمَا أَتَى بِهِ ثَانِيًا بِمَنْزِلَة التوكيد فَهُوَ بِمَنْزِلَة تَكْرِير الرُّكْن القولي وَذَلِكَ لَا يضر وَمن شُرُوط الْخطْبَة للْجُمُعَة تَقْدِيمهَا على صلَاتهَا وَأَن تكون بعد الزَّوَال لجَرَيَان أهل الْأَعْصَار والأمصار عَلَيْهِ وَلَو جَازَ تَقْدِيمهَا لقدمها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَخْفِيفًا على المبكرين وإيقاعا للصَّلَاة فِي أول الْوَقْت وَيسن تَرْتِيب الْأَركان بِأَن يبْدَأ بِالْحَمْد ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ الْوَصِيَّة ثمَّ الْقِرَاءَة ثمَّ الدُّعَاء وَيسن كَونهمَا على مِنْبَر فَإِن لم يكن فعلى مُرْتَفع وَأَن يسلم الْخَطِيب على من عِنْد الْمِنْبَر وَأَن يقبل عَلَيْهِم إِذا صعد الْمِنْبَر أَو نَحوه وانْتهى إِلَى الدرجَة الَّتِي يجلس عَلَيْهَا الْمُسَمَّاة بالمستراح وَأَن يسلم عَلَيْهِم وَيجب رد السَّلَام عَلَيْهِ فِي الْحَالين وَهُوَ فرض كِفَايَة كالسلام فِي بَاقِي الْمَوَاضِع ثمَّ يجلس ندبا بعد سَلَامه على المستراح ليستريح من تَعب الصعُود فَلَو لم يَأْتِ بِالسَّلَامِ قبل الْجُلُوس فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْتِي بِهِ بعده وَيحصل لَهُ أصل السّنة كَمَا قَالَه الشبراملسي فَيُؤذن وَاحِد أما اتِّخَاذ المرقي فبدعة لِأَنَّهُ لم يكن فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِنَّهَا حَسَنَة إِذْ فِي تِلَاوَة الْآيَة ترغيب فِي الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْيَوْم الْعَظِيم الْمَطْلُوب فِيهِ إكثارها وَفِي قِرَاءَة الحَدِيث بعد الْأَذَان وَقبل الْخطْبَة تيقيظ للمكلف لاجتناب الْكَلَام الْمحرم أَو الْمَكْرُوه على اخْتِلَاف الْعلمَاء وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَذَا الْخَبَر على المبنر وَهُوَ حَدِيث صَحِيح وَلَعَلَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بقوله فِي ابْتِدَاء الْخطْبَة لكَونه مُشْتَمِلًا على الْأَمر بالإنصات وَكَذَا الْأَذَان الَّذِي فَوق المنارة قبل الْأَذَان الَّذِي بَين يَدي الْخَطِيب بِدعَة حَسَنَة أحدثها عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَقيل مُعَاوِيَة لما كثر النَّاس وَيسن أَن تكون الْخطْبَة فصيحة جزلة لَا مبتدلة وَلَا ركيكة قريبَة للفهم لَا غَرِيبَة وحشية إِذْ لَا ينْتَفع بهَا أَكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 النَّاس متوسطة لِأَن الطَّوِيل يمل والقصير يخل قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَحسن أَن يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف أَحْوَال وأزمان وَأَسْبَاب وَقد يَقْتَضِي الْحَال الإسهاب كالحث على الْجِهَاد إِذا طرق الْعَدو الْبِلَاد وَغير ذَلِك من النَّهْي عَن الْخمر وَالْفَوَاحِش وَالزِّنَا وَالظُّلم إِذا تتَابع النَّاس فِيهَا اه وَأَن لَا يلْتَفت فِي شَيْء مِنْهَا بل يسْتَمر مُقبلا عَلَيْهِم إِلَى فراغها وَأَن يقبلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ وَأَن يشغل يسراه بِسيف أَو عَصا أَو قَوس أَو رمح أَي تَارَة على هَذَا وَتارَة على هَذَا وحكمته الْإِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الدّين قَامَ بِالسِّلَاحِ ويشغل يمناه بِحرف الْمِنْبَر إِن لم تكن فِيهَا نَجَاسَة وَأَن يُقيم بعد فَرَاغه من الْخطْبَة مُؤذن وَأَن يُبَادر ليبلغ الْمِحْرَاب بعد فَرَاغه من الْإِقَامَة وَأَن يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْمُنَافِقين جَهرا أَو سبح وَهل أَتَاك (و) أما آدَاب الْجُمُعَة فكثيرة مِنْهَا أَنه (سنّ لمريدها) أَي لمن أَرَادَ حُضُور الْجُمُعَة (غسل) وَإِن لم تجب عَلَيْهِ بل وَإِن حرم عَلَيْهِ الْحُضُور كامرأة بِغَيْر إِذن حَلِيلهَا على الْمُعْتَمد وَوَقته (بعد فجر) أَي من طُلُوع الْفجْر الصَّادِق إِلَى صعُود الْخَطِيب على الْمِنْبَر أَو إِلَى فرَاغ الصَّلَاة وتقريبه من ذَهَابه إِلَى الْجُمُعَة أفضل لِأَنَّهُ أفْضى إِلَى الْمَقْصُود من انْتِفَاء الروائح الكريهة وَلَو تعَارض الْغسْل والتبكير فمراعاة الْغسْل أولى لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي وُجُوبه ولتعدى أَثَره إِلَى الْغَيْر وَلَا يُبطلهُ حدث وَلَا جَنَابَة فَإِن عجز عَن المَاء تيَمّم بَدَلا عَنهُ بِأَن يَنْوِي التَّيَمُّم بَدَلا عَن غسل الْجُمُعَة (و) مِنْهَا (بكور) وَهُوَ الْمُبَادرَة إِلَى الْجَامِع والساعة الأولى أفضل مِمَّا بعْدهَا ثمَّ الثَّانِيَة وَهَكَذَا إِلَى السَّادِسَة وَابْتِدَاء ذَلِك من طُلُوع الْفجْر فَمن جَاءَ فِي السَّاعَة الأولى نَاوِيا التبكير ثمَّ عرض لَهُ عذر فَخرج على نِيَّة الْعود لَا تفوته فَضِيلَة التبكير وَيجب السَّعْي على بعيد الدَّار إِلَى الْجُمُعَة قبل الزَّوَال بِمِقْدَار يتَوَقَّف فعلهَا عَلَيْهِ وَيسْتَحب الْإِتْيَان اليها مَاشِيا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غسل يَوْم الْجُمُعَة واغتسل وَبكر وابتكر وَمَشى وَلم يركب ودنا من الإِمَام واستمع وَلم يلغ كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة عمل سنة أجر صيامها وقيامها وَالْمعْنَى من غسل ثِيَابه وَرَأسه ثمَّ اغْتسل للْجُمُعَة ثمَّ خرج من بَيته باكرا وَأدْركَ أَوَان الْخطْبَة وَمَشى من غير ركُوب وَلَو فِي بعض الطَّرِيق كَانَ لَهُ ذَلِك (و) مِنْهَا (تزين بِأَحْسَن ثِيَابه) وَأفضل ثِيَابه الْبيض لخَبر البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهُ خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم وَيسن للْإِمَام أَن يزِيد فِي حسن الْهَيْئَة والعمة والارتداء لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُور إِلَيْهِ وَبحث بَعضهم تَخْصِيص الْبيَاض بِغَيْر زمَان الشتَاء والوحل فَإِن لبس مصبوغا فِيمَا صبغ غزله قبل النسج لَا مَا صبغ منسوجا فَإِنَّهُ يكره قَالَ ابْن حجر فِي تَنْبِيه الأخيار وَقد أمرنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلبْس أَجود مَا نجد وَأَن نتطيب بأجود مَا نجد وَأَن نلبس الْبيَاض نعم فِي يَوْم الْعِيد يقدم الْأَحْسَن غير الْأَبْيَض على الْأَبْيَض غير الْأَحْسَن فَيسنّ فِي يَوْم الْعِيد تَقْدِيم الْأَخْضَر على الْأَبْيَض لَكِن لَا خُصُوصِيَّة للأخضر بل كل ذِي لون كَذَلِك فَإِن الخضرة أفضل الألوان بعد الْأَبْيَض اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَيسن أَن تكون الثِّيَاب جَدِيدَة إِن تيسرت لَهُ وَإِلَّا فَمَا قرب من الجديدة أولى من غَيره وَلَو كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عيد فيرجح مُرَاعَاة الْعِيد فَيقدم الْأَعْلَى مُطلقًا أَي سَوَاء وَقت إِقَامَة الْجُمُعَة أَو بَقِيَّة الْيَوْم إِذْ الزِّينَة فِيهِ آكِد مِنْهَا فِي الْجُمُعَة وَلِهَذَا سنّ الْغسْل وَغَيره فِيهِ لكل أحد وَإِن لم يحضر كَذَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم (و) مِنْهَا (تعمم) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَانِ بعمامة خير من سبعين رَكْعَة بِلَا عِمَامَة رَوَاهُ الديلمي عَن جَابر وَفِي الحَدِيث أَيْضا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بالعمائم فَإِنَّهَا سِيمَا الْمَلَائِكَة وتيجان الْعَرَب وأرخوها من خلف ظهوركم إِلَى الْجِهَة الْيُسْرَى مِقْدَار أَرْبَعَة أَصَابِع وَفِي تَنْبِيه الأخيار كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُفَارق الطيلسان وَكَانَ طول طيلسانه سِتَّة أَذْرع وَعرضه ثَلَاثَة أَذْرع اه وَهُوَ شبه الأردية يوضع على الرَّأْس والكتفين وَالظّهْر كَمَا نقل عَن السُّيُوطِيّ (و) مِنْهَا (تطيب) لحَدِيث من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَلبس من أحسن ثِيَابه وَمَسّ من طيب إِن كَانَ عِنْده ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة وَلم يتخط أَعْنَاق النَّاس ثمَّ صلى مَا كتب الله لَهُ صلَاته كالتحية ثمَّ أنصت إِذا خرج إِمَامه حَتَّى يفرغ من صلَاته كَانَ كَفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الَّتِي قبلهَا قَالَ الشبراملسي وَلَعَلَّ مَا فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان للأكمل وَمِنْهَا تنظيف الْجَسَد من الروائح الكريهة كالصنان فيزال بِالْمَاءِ أَو غَيره وَمِنْهَا أَخذ الظفر إِن طَال وَالشعر كَذَلِك فينتف إبطه ويقص شَاربه ويحلق عانته وَأما حلق الرَّأْس فَلَا يطْلب إِلَّا فِي نسك وَفِي الْمَوْلُود فِي سَابِع وِلَادَته وَفِي الْكَافِر إِذا أسلم وَأما فِي غير ذَلِك فَهُوَ مُبَاح ومعظم هَذِه الْآدَاب لَا يخْتَص بِالْجمعَةِ بل يسن لكل من أَرَادَ حُضُور مجمع لَكِن ذَلِك فِي الْجُمُعَة أَشد اسْتِحْبَابا (و) سنّ لمن يسمع الْخطْبَتَيْنِ (إنصات) أَي سكُوت مَعَ الإصغاء (لخطبة) وَيكرهُ الْكَلَام من المستمعين حَال الْخطْبَة وَقَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة بحرمته نعم إِن دعت إِلَيْهِ حَاجَة وَجب أَو سنّ كالتعليم لواجب وَالنَّهْي عَن محرم وَلَا يكره قبل الْخطْبَة وَلَا بعْدهَا وَلَا بَينهمَا وَلَو لغير حَاجَة وَيجب رد السَّلَام وَإِن كره ابتداؤه فِي هَذِه الْحَالة وَيسن تشميت الْعَاطِس وَالرَّدّ على المشمت وَرفع الصَّوْت بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذكره لَكِن المُرَاد الرّفْع الَّذِي لَيْسَ ببليغ أما البليغ كَمَا يَفْعَله بعض الْعَوام فبدعة أما من لم يسمع الْخطْبَة فيسكت أَو يشْتَغل بِالذكر أَو الْقِرَاءَة وَذَلِكَ أولى من السُّكُوت (و) سنّ (قِرَاءَة) سُورَة (كَهْف) يَوْم الْجُمُعَة وليلتها وَيسْتَحب الْإِكْثَار من ذَلِك وَأقله ثَلَاثَة لما صَحَّ فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَهَا يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين أَي وَإِن لم يَقْرَأها فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَورد من قَرَأَهَا لَيْلَتهَا أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَينه وَبَين الْبَيْت الْعَتِيق وقراءتها نَهَارا آكِد وأولاها بعد الصُّبْح مسارعة للخير مَا أمكن وَحِكْمَة ذَلِك أَن الله ذكر فِيهَا أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَالْجُمُعَة تشبهها لما فِيهِ من اجْتِمَاع الْخلق لِأَن الْقِيَامَة تقوم يَوْم الْجُمُعَة (وإكثار صَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَأقله ثَلَاثمِائَة بِاللَّيْلِ وَمثله بِالنَّهَارِ وَمَعْلُوم أَن أفضل الصِّيَغ الصِّيغَة الإبراهيمية ثمَّ نقل الشبراملسي عَن فَتَاوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ابْن حجر نقلا عَن ابْن الْهمام أَن أفضل الصِّيَغ من الكيفيات الْوَارِدَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنَا عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك مُحَمَّد وَآله وَسلم عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كثيرا وزده تَشْرِيفًا وتكريما وأنزله الْمنزل المقرب عنْدك يَوْم الْقِيَامَة (يَوْمهَا وليلتها) لخَبر إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلخَبَر أَكْثرُوا من الصَّلَاة عَليّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة فَمن صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا (وَدُعَاء) أَي إكثار دُعَاء فِي يَوْمهَا وليلتها أما فِي يَوْمهَا فلرجاء أَن يُصَادف سَاعَة الْإِجَابَة وَالصَّحِيح فِيهَا مَا ورد أَنَّهَا مَا بَين أَن يجلس الإِمَام للخطبة إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة وَلَيْسَ المُرَاد أَنَّهَا مستغرقة لهَذَا الزَّمن بل المُرَاد أَنَّهَا لَحْظَة لَطِيفَة لَا تخرج عَن هَذَا الْوَقْت وَأما لَيْلَتهَا فلقول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بَلغنِي أَن الدُّعَاء يُسْتَجَاب فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وللقياس على يَوْمهَا وَيسن كَثْرَة الصَّدَقَة وَفعل الْخَيْر فِي يَوْمهَا وليلتها (وَحرم تخط) للرقاب أَي الْقَرِيب مِنْهَا وَهُوَ المناكب (لَا لمن وجد فُرْجَة قدامه) وَهَذَا كَمَا نقل عَن نَص الشَّافِعِي وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ وَابْن حجر أَن التخطي مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَقَالَ الشبراملسي نقلا عَن ابْن قَاسم فَإِن قلت مَا وَجه تَرْجِيح الْكَرَاهَة على الْحُرْمَة مَعَ أَن الْإِيذَاء حرَام وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْلِسْ فقد آذيت وَهُوَ يخْطب وَقد رأى رجلا يتخطى رِقَاب النَّاس قلت لَيْسَ كل إِيذَاء حَرَامًا وللمتخطي هُنَا غَرَض فَإِن التَّقَدُّم أفضل اه وَمن التخطي الْمَكْرُوه مَا جرت بِهِ الْعَادة من التخطي لتفرقة الْأَجْزَاء أَو تبخير الْمَسْجِد أَو سقِِي المَاء أَو السُّؤَال لمن يقْرَأ فِي الْمَسْجِد أَو نَحْو ذَلِك أما مُجَرّد السُّؤَال من غير تخط فَلَا كَرَاهَة فِيهِ بل هُوَ سعي فِي خير وإعانة عَلَيْهِ مَا لم يرغب الْحَاضِرُونَ الَّذين يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِك وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة وَيُؤْخَذ من التَّعْبِير بالتخطي أَنه يرفع رجله بِحَيْثُ تحاذي أَعلَى منْكب الْجَالِس أما مَا يَقع من الْمُرُور بَين يَدي النَّاس ليصل إِلَى نَحْو الصَّفّ الأول فَلَيْسَ من التخطي أصلا بل من خرق الصُّفُوف إِذا لم يكن بَين النَّاس فرج يمشى فِيهَا وَإِلَّا فَلَا خرق أَيْضا وَيسْتَثْنى من كَرَاهَة التخطي صور مِنْهَا الإِمَام إِذا لم يبلغ الْمِنْبَر أَو الْمِحْرَاب إِلَّا بالتخطي فَلَا يكره لَهُ لاضطراره وَمِنْهَا مَا إِذا وجد فِي الصُّفُوف الَّتِي بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يبلغهَا إِلَّا بتخطي رجل أَو رجلَيْنِ فَلَا يكره لَهُ وَإِن وجد غَيرهَا لتقصير الْقَوْم بإخلاء فُرْجَة لَكِن يسن إِذا وجد غَيرهَا أَن لَا يتخطى فَإِن زَاد فِي التخطي عَلَيْهِمَا وَرَجا أَن يتقدموا إِلَى الفرجة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة اسْتحبَّ ترك التخطي وَمِنْهَا إِذا سبق من لَا تَنْعَقِد بهم إِلَى الْجَامِع فَإِنَّهُ يجب على الكاملين إِذا حَضَرُوا التخطي لسَمَاع الْخطْبَة إِذا كَانُوا لَا يسمعونها مَعَ الْبعد وَمِنْهَا الرجل الْمُعظم فِي نفوس النَّاس لصلاح أَو ولَايَة لِأَن النَّاس يتبركون بِهِ ويسرون بتخطيه سَوَاء ألف موضعا أَو لَا فَإِن لم يكن مُعظما لم يتخط وَإِن كَانَ لَهُ مَحل مألوف وَمن جلس فِي ممر النَّاس لَا يكره تخطيه وَالْحَاصِل أَن التخطي يُوجد فِيهِ سِتَّة أَحْكَام فَيجب إِن توقفت الصِّحَّة عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيحرم مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 التأذي وَيكرهُ مَعَ عدم الفرجة أَمَامه وَينْدب فِي الفرجة الْقَرِيبَة إِذا لم يجد موضعا وَفِي الْبَعِيدَة لمن لَا يَرْجُو سدها وَلم يجد موضعا وَيكون خلاف الأولى فِي الْقَرِيبَة لمن وجد موضعا وَفِي الْبَعِيدَة لمن رجا سدها وَوجد موضعا وَيُبَاح فِي هَذِه لمن لم يجد لَهُ موضعا وَيحرم أَن يُقيم غَيره ليجلس فِي مَكَانَهُ فَإِن قَامَ الْجَالِس بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلسهُ فَلَا حُرْمَة وَلَا كَرَاهَة فِي حَقه وَأما الَّذِي قَامَ من مَكَانَهُ فَإِن انْتقل إِلَى مَكَان أقرب إِلَى الإِمَام أَو مثله لم يكره وَإِلَّا كره إِن لم يكن لَهُ عذر لِأَن الإيثار بِالْقربِ مَكْرُوه وَأما قَوْله تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم} 59 الْحَشْر الْآيَة 9 فَالْمُرَاد الإيثار فِي حظوظ النَّفس نعم إِن آثر قَارِئًا أَو عَالما ليعلم الإِمَام أَو يرد عَلَيْهِ إِذا غلط فَالْمُتَّجه أَنه لَا كَرَاهَة لكَونه مصلحَة عَامَّة (و) حرم على من تلْزمهُ الْجُمُعَة (نَحْو مبايعة) أَي فَيحرم عَلَيْهِ التشاغل عَن الْجُمُعَة بِأَن يتْرك السَّعْي إِلَيْهَا بِالْبيعِ أَو غَيره من سَائِر الْعُقُود والصنائع وَغير ذَلِك (بعد) الشُّرُوع فِي (أَذَان خطْبَة) أَي فِي الْأَذَان بَين يَدي الْخَطِيب حَال جُلُوسه على الْمِنْبَر لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} 62 الْجُمُعَة الْآيَة 9 فورد النَّص فِي البيع وَقيس عَلَيْهِ غَيره مِمَّا شَأْنه أَن يشغل فِي كَون كل مفوتا وَشَمل ذَلِك مَا لَو قطع بِعَدَمِ فَوَاتهَا لَكِن إِن بَاعَ صَحَّ بَيْعه لِأَن النَّهْي لِمَعْنى خَارج عَن العقد وَيكرهُ ذَلِك قبل الْأَذَان الْمَذْكُور بعد الزَّوَال لدُخُول وَقت الْوُجُوب وَلَو تبَايع اثْنَان أَحدهمَا تلْزمهُ فَقَط وَالْآخر لَا تلْزمهُ أثما لارتكاب الأول النَّهْي وإعانة الثَّانِي لَهُ عَلَيْهِ وَيحرم على الْحَاضِرين بالجامع إنْشَاء صَلَاة سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا وَلَو كَانَ قَضَاؤُهَا فوريا من وَقت صعُود الْخَطِيب على الْمِنْبَر وَلَو قبل الشُّرُوع فِي الْخطْبَة إِلَى فراغها فَلَو فعلهَا لم تَنْعَقِد وَلَو فِي حَال الدُّعَاء للسُّلْطَان أَو الترضي عَن الصَّحَابَة وَلَو كَانَ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَركان على الْمُعْتَمد وَأما من دخل الْمَسْجِد فِي هَذَا الْوَقْت فَيجوز لَهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين تَحِيَّة الْمَسْجِد ثمَّ يجلس فَإِن لم يكن صلى سنة الْجُمُعَة نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ وَحصل بهما تَحِيَّة الْمَسْجِد وَلَا تجوز الزِّيَادَة على رَكْعَتَيْنِ وَلَا يجوز لَهُ غير تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسنة الْجُمُعَة من فرض وَنفل وَلَو جلس قبل التَّحِيَّة عمدا أَو طَال الْفَصْل فَاتَت فَلَا تصح مِنْهُ بعد ذَلِك وَلَو كَانَ الْجَامِع غير مَسْجِد لم يجز أَن يُصَلِّي فِيهِ فِي هَذَا الْوَقْت شَيْئا بِالْإِجْمَاع وَهَذَا مِمَّا غلب فِيهِ الْجَهْل على الْعَوام (و) حرم على من تلْزمهُ الْجُمُعَة بِأَن كَانَ من أَهلهَا وَإِن لم تَنْعَقِد بِهِ كمقيم لَا يجوز لَهُ الْقصر (سفر) مفوت لَهَا (بعد فجرها) أَي بعد طُلُوع فجر يَوْمهَا فَإِن سَافر كَانَ عَاصِيا بِالسَّفرِ فتمتنع عَلَيْهِ الرُّخص حَتَّى ييأس من إِدْرَاكهَا وَخرج بِالسَّفرِ النّوم قبل الزَّوَال فَلَا يحرم وَإِن علم فَوت الْجُمُعَة بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَأْن النّوم الْفَوات أما السّفر الَّذِي لَا يفوتها كَأَن غلب على ظَنّه أَنه يُدْرِكهَا فِي مقْصده أَو طَرِيقه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بِهِ وَلَو تبين خلاف ظَنّه لَا يكون سَفَره حِينَئِذٍ مَعْصِيّة وَيكرهُ لَهُ السّفر لَيْلَة الْجُمُعَة وَذكر فِي الْإِحْيَاء أَن من سَافر لَيْلَة الْجُمُعَة دَعَا عَلَيْهِ ملكاه لَكِن قَالَ ابْن حجر هَذَا السَّنَد ضَعِيف جدا وَهِي الْحَج المبرور وَالْوُضُوء مَعَ الإسباغ وَقيام لَيْلَة الْقدر وَقيام شهر رَمَضَان وصيامه وَصَوْم يَوْم عَرَفَة ومقارنة الإِمَام فِي التَّأْمِين وَقِرَاءَة أَوَاخِر سُورَة الْحَشْر من قَوْله تَعَالَى {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} 59 {الْحَشْر} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَائِدَة سَبْعَة عشر من الْأَعْمَال يكفر كل وَاحِد مِنْهَا الذُّنُوب الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة الْآيَة 22 24) إِلَى آخر السُّورَة وقود الْأَعْمَى أَرْبَعِينَ خطْوَة وَأَن يَقُول عِنْد سَماع الْمُؤَذّن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا ورسولا وَالسَّعْي فِي قَضَاء حَاجَة الْمُسلم وَصَلَاة الضُّحَى وَأَن يَقُول عِنْد لبس الثَّوْب الْحَمد لله الَّذِي كساني هَذَا ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة وَأَن يَقُول بعد الْأكل الْحَمد لله الَّذِي أَطْعمنِي هَذَا الطَّعَام ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة والمجيء من بَيت الْمُقَدّس مهلا بِحَجّ أَو بِعُمْرَة وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقل هُوَ الله أحد والمعوذتين كل وَاحِدَة سبعا بعد صَلَاة الْجُمُعَة ومصافحة الْمُسلم غير الْفَاسِق مَعَ ذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله فصل فِي الْجَنَائِز يتَعَيَّن على كل مُكَلّف الْمُبَادرَة بِالتَّوْبَةِ لِئَلَّا يفجأه الْمَوْت المفوت لَهَا وَالْمَرِيض آكِد من غَيره وَيكرهُ تمني الْمَوْت لغير خوف على دينه وَإِذا دَعَتْهُ نَفسه إِلَى ذَلِك فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي وَيسْتَحب لمن أيس من حَيَاته أَن يَقُول اللَّهُمَّ أَعنِي على غَمَرَات الْمَوْت وسكرات الْمَوْت اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى وَأَن يكثر من تِلَاوَة الْقُرْآن والأذكار وَيكرهُ الْجزع وَسُوء الْخلق والمخاصمة والشتم والمنازعة فِي غير الْأُمُور الدِّينِيَّة ويستحضر أَن هَذَا آخر أوقاته من الدُّنْيَا فيجتهد فِي خَتمهَا بِخَير ويبادر إِلَى أَدَاء الْحُقُوق ورد الودائع والعواري وَاسْتِحْلَال أَهله وَولده وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وَمن كَانَ بَينه وَبَينه مُعَاملَة أَو لَهُ عَلَيْهِ تباعة من قبل أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ ذَلِك وَيكون شاكرا لله تَعَالَى رَاضِيا حسن الظَّن بِاللَّه أَن يرحمه وَيغْفر لَهُ وَأَن الله غَنِي عَن عَذَابه وَعَن طَاعَته فيطلب مِنْهُ الْعَفو والصفح وَيطْلب أَن تقْرَأ عِنْده آيَات الرَّجَاء وَالْأَحَادِيث فِيهِ وآثار الصَّالِحين فِيهِ وآيات الرَّحْمَة وأحاديثها ويوصي بِأُمُور أَوْلَاده ويحافظ على الصَّلَوَات ويجتنب النَّجَاسَات ويحذر من التساهل فِي ذَلِك فَإِن من أقبح القبائح أَن يكون آخر عَهده من الدُّنْيَا التَّفْرِيط فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَلَا يَقُول قَول من يثبط عَن ذَلِك وَيسْتَحب لَهُ أَن يُوصي أَهله بِالصبرِ عَلَيْهِ فِي مَرضه وَفِي مصيبتهم بِهِ ويجتهد فِي وصيتهم بترك الْبكاء عَلَيْهِ وَيَقُول لَهُم صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله فإياكم يَا أحبابي وَالسَّعْي فِي أَسبَاب عَذَابي وَأَن يتعاهدوه بِالدُّعَاءِ لَهُ وَورد أَن المحتضر إِذا بلغت روحه التراقي تعرض عَلَيْهِ الْفِتَن وَذَلِكَ أَن إِبْلِيس لَعنه الله قد أنفذ أعوانه إِلَى هَذَا الْإِنْسَان خَاصَّة واستعملهم عَلَيْهِ ووكلهم بِهِ وأكد عَلَيْهِم بِالِاجْتِهَادِ فِي إغوائه فَيَأْتُونَ الْمَرْء وَهُوَ فِي تِلْكَ الغمرات يمثلون لَهُ فِي صُورَة أحبابه الميتين الَّذين كَانُوا يحبونه فِي دَار الدُّنْيَا كَالْأَبِ وَالأُم وَالْأَخ وَالْأُخْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَالصديق الْحَمِيم فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْت تَمُوت يَا فلَان وَقد سبقناك فِي هَذَا الشَّأْن فمت يَهُودِيّا فَهُوَ الدّين المقبول عِنْد الله تَعَالَى فَإِذا أَبى جَاءَهُ آخَرُونَ وَقَالُوا لَهُ مت نَصْرَانِيّا فَإِنَّهُ دين الْمَسِيح وَقد نسخ فِيهِ دين مُوسَى ويذكرون لَهُ عقائد كل مِلَّة فَعِنْدَ ذَلِك يزِيغ الله من يُرِيد زيغه فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد هِدَايَة وتثبيتا جَاءَهُ جِبْرِيل فيطرد عَنهُ الشَّيَاطِين وَيمْسَح الشحوب عَن وَجهه فيبتسم وَكَثِيرًا من يرى مُتَبَسِّمًا فِي هَذَا الْمقَام فَرحا بالبشير الَّذِي جَاءَهُ رَحْمَة من الله تَعَالَى فَيَقُول لَهُ يَا فلَان أما تعرفنِي أَنا جِبْرِيل وَهَؤُلَاء أعداؤك من الشَّيَاطِين مت على الْملَّة الحنيفية والشريعة الجليلة فَمَا شَيْء أحب إِلَى الْإِنْسَان وأفرح مِنْهُ بذلك الْملك ثمَّ يقبض روحه والمحبوب عِنْد الْمَوْت من صُورَة المحتضر الهدوء والسكون وَمن لِسَانه النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمن قلبه أَن يكون حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى فالمطلوب مِنْهُ فِي هَذِه الْحَالة قُوَّة الرَّجَاء فيرجو من الله الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة والتجاوز عَمَّا مضى وَيكون رَاضِيا منقادا ممتثلا طيب الْقلب بِمَا يرد عَلَيْهِ من السكرات والنزعات مستحضرا أَن عَاقِبَة ذَلِك خير عَظِيم لِأَنَّهُ لَو ضَاقَ صَدره بذلك يخْشَى عَلَيْهِ من سوء الخاتمة وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَيكون مُسْتَبْشِرًا بالقدوم على الْكَرِيم الَّذِي لَا يخيب من قَصده كَمَا نقل مثل ذَلِك عَن السّلف الصَّالح فقد فتح عبد الله بن الْمُبَارك عَيْنَيْهِ عِنْد الْوَفَاة وَضحك وَقَالَ لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ وَمن عَلَامَات السَّعَادَة عِنْد الْمَوْت عرق الجبين وذرف الْعين وانتشار المنخر رُوِيَ عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ارقبوا الْمَيِّت عِنْد مَوته ثَلَاثًا إِن رشح جَبينه وذرفت عَيناهُ وانتشر منخراه فَهُوَ رَحْمَة من الله قد نزلت بِهِ وَإِن غط غطيط الْبكر المخنوق وأخمد لَونه وأزبد شدقاه فَهُوَ عَذَاب من الله قد حل بِهِ اه وَقد تظهر العلامات الثَّلَاث وَقد تظهر وَاحِدَة أَو ثِنْتَانِ بِحَسب تفَاوت النَّاس فِي الْأَعْمَال وَأما عَلامَة ذَلِك فِي حَال الصِّحَّة فتوفيقه للْعَمَل بِالسنةِ على قدر الطَّاقَة وَحَيْثُ احْتضرَ يُوَجه للْقبْلَة بِمقدم بدنه على جنبه الْأَيْمن إِن أمكن فَإِن تعسر فعلى جنبه الْأَيْسَر فَإِن تعسر فعلى ظَهره وَحِينَئِذٍ يَجْعَل وَجهه وأخمصاه للْقبْلَة وَيقْرَأ عِنْده سُورَة يس جَهرا وَسورَة الرَّعْد سرا وَلَو تعَارض عَلَيْهِ قراءتهما فَيَنْبَغِي أَن يُرَاعى حَال المحتضر فَإِن كَانَ عِنْده شُعُور وتذكر بأحوال الْبَعْث قَرَأَ سُورَة يس وَإِلَّا قَرَأَ سُورَة الرَّعْد فَهِيَ تهون طُلُوع الرّوح وَيكثر المحتضر من قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَيَقُول لَهُم إِذا أهملت فنبهوني قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَقَالَ لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن عجز عَن القَوْل لقنه من حَضَره بِرِفْق مَخَافَة أَن يضجر فيردها وَإِذا قَالَهَا مرّة لَا يُعِيدهَا عَلَيْهِ إِلَّا إِذا تكلم بِكَلَام آخر وَيكون الَّذِي يلقنها لَهُ غير مُتَّهم كوارث وعدو وحاسد لِئَلَّا يتهمه المحتضر فِي قَوْلهَا أَي إِن كَانَ ثمَّ غَيره وَإِلَّا لقنه وَإِن اتهمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أحضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله وبشروهم بِالْجنَّةِ فَإِن الْحَلِيم من الرِّجَال يتحير عِنْد هَذَا المصرع وَإِن الشَّيْطَان أقرب مَا يكون من ابْن آدم عِنْد ذَلِك المصرع وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمعاينة ملك الْمَوْت أَشد من ألف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تخرج نفس عبد من الدُّنْيَا حَتَّى يتألم كل عُضْو مِنْهُ على حياله وَلَا يَقُول أحد من الْحَاضِرين إِلَّا خيرا فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا يَقُولُونَ وَورد فِي الْخَبَر أَنه إِذا دنت منية الْمُؤمن نزل عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَمْلَاك ملك يجذب النَّفس من قدمه الْيُمْنَى وَملك يجذبها من قدمه الْيُسْرَى وَملك يجذبها من يَده الْيُمْنَى وَملك يجذبها من يَده الْيُسْرَى وَالنَّفس تنسل انسلال القذاة من السقاء وهم يجذبونها من أَطْرَاف البنان ورؤوس الْأَصَابِع وَالْكَافِر تنسل روحه كالسفود من الصُّوف المبتل فَإِذا مَاتَ المحتضر غمض وَيَقُول الَّذِي يغمضه بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وارفع دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه الغابرين واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين وافسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ ويشد لحياه بِشَيْء لِئَلَّا ينفتح فَمه وتلين مفاصله فَيرد ساعده إِلَى عضده وَسَاقه إِلَى فَخذه وَفَخذه إِلَى بَطْنه ثمَّ تمد وتلين أَصَابِعه كَذَلِك لأجل تسهيل غسله وتكفينه فَإِن فِي الْبدن عقب مُفَارقَة الرّوح حرارة فَإِذا لينت المفاصل حِينَئِذٍ لانت وَإِلَّا فَلَا يُمكن تليينها بعد وتنزع ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا لِأَنَّهَا تسرع إِلَيْهِ الْفساد ثمَّ يغطى بِشَيْء خَفِيف يَجْعَل طرفاه تَحت رَأسه وَرجلَيْهِ لِئَلَّا ينْكَشف وَيُوجه للْقبْلَة مثل المحتضر ويتولى فعل ذَلِك من يكون لَهُ بِهِ رفق ويعجل بِقَضَاء دينه إِن أمكن وَإِلَّا سَأَلَ وَارثه غرماءه أَن يحللوه أَو يحتالوا بِهِ على الْوَارِث إِكْرَاما للْمَيت وتعجيلا لبراءة ذمَّته ويبادر أَيْضا بتنفيذ وَصيته وبتجهيزه بعد تَيَقّن مَوته بِظُهُور شَيْء من عَلَامَات الْمَوْت كاسترخاء قدمه وميل أَنفه وانخساف صُدْغه فَإِن شكّ فِي مَوته وَجب تَأْخِيره إِلَى الْيَقِين بِتَغَيُّر الرَّائِحَة أَو غَيره وَاعْلَم أَن الْمُؤمن ينْكَشف لَهُ عقب الْمَوْت من إنعام الله مَا تكون الدُّنْيَا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ كالسجن والمضيق وَيكون مِثَاله كالمحبوس فِي بَيت مظلم فتح لَهُ بَاب إِلَى بُسْتَان وَاسع الأكناف فِيهِ أَنْوَاع الْأَشْجَار والأزهار وَالثِّمَار والطيور فَلَا يَشْتَهِي الْعود إِلَى السجْن المظلم وَقد ضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا فَقَالَ فِي رجل قد مَاتَ أصبح هَذَا مرتحلا عَن الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا فَإِن كَانَ قد رَضِي فَلَا يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يسر أحدكُم أَن يرجع إِلَى بطن أمه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا خرج من بَطنهَا بَكَى على مخرجه حَتَّى إِذا رأى الضَّوْء لم يحب أَن يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْمُؤمن يجزع عِنْد الْمَوْت فَإِذا أفْضى إِلَى ربه لم يحب أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يحب الْجَنِين أَن يرجع إِلَى بطن أمه هَذَا فِي الْمُؤمن المعرض عَن الدُّنْيَا الْمقبل على الْآخِرَة وَأما المتنعم بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا المعرض عَن الْآخِرَة فَيكون حَاله كَحال من تنعم فِي غيبَة ملك من الْمُلُوك فِي دَاره وَملكه وحريمه اعْتِمَادًا على أَن الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 يتساهل فِي أمره أَو على أَن الْملك لَيْسَ يدْرِي مَا يتعاطاه من قَبِيح أَفعاله فَأَخذه الْملك بَغْتَة وَعرض عَلَيْهِ جَرِيدَة قد دونت فِيهَا جَمِيع فواحشه وجناياته ذرة ذرة وخطوة خطْوَة وَالْملك قاهر متسلط غيور على حريمه ومنتقم من الجناة على ملكه غير ملتفت إِلَى من يتشفع إِلَيْهِ فِي العصاة عَلَيْهِ فَانْظُر إِلَى هَذَا الْمَأْخُوذ كَيفَ يكون حَاله قبل نزُول عَذَاب الْملك بِهِ من حُلُول الْخَوْف والخجلة وَالْحيَاء والتحسر والندم فَهَذَا حَال الْمَيِّت الْفَاجِر المغتر بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا قبل نزُول عَذَاب الْقَبْر بِهِ بل عِنْد مَوته نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ فَهَذِهِ حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت شَاهدهَا أَرْبَاب البصائر بمشاهدة باطنة أقوى من مُشَاهدَة الْعين وَعَن عَمْرو بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يعلم مَا يكون فِي أَهله بعده وَإِنَّهُم ليغسلونه ويكفنونه وَإنَّهُ لينْظر إِلَيْهِم اه إِذْ الرّوح بَاقِيَة على مَا كَانَ لَهَا قبل مُفَارقَة الْجَسَد من الْعلم والإدراك والفرح والحزن واللذة والألم وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا الَّذِي تسبب عَن الْمَوْت انْقِطَاع تصرف الرّوح فِي الْجَوَارِح فَصَارَ فِي جَمِيع الْجَسَد ظَاهرا وَبَاطنا زمانة عَامَّة فتنعدم حواس الْجِسْم وحركاته وَيصير أَهلا للنتن والبلى (صَلَاة الْمَيِّت فرض كِفَايَة كغسله) وَسَائِر تَجْهِيزه أَي يجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير شَهِيد المعركة وَغير السقط وَلَو قَاتل نَفسه خَمْسَة أَشْيَاء غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحمله وَدَفنه على سَبِيل فرض الْكِفَايَة إِن علم بِمَوْتِهِ جمَاعَة فَإِن لم يعلم بِهِ إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ وَمَتى قَامَ بذلك وَاحِد سقط الطّلب عَن الْجَمِيع فَإِن لم يعلم بِهِ أحد إِلَّا بعد ظُهُور رَائِحَته فَلَا حُرْمَة على أحد لعدم الْعلم بِهِ نعم يحرم على نَحْو جَاره مِمَّن حَقه السُّؤَال عَنهُ أما الْكَافِر فَإِن كَانَ ذِمِّيا وَجب تكفينه وَدَفنه وَفَاء بِذِمَّتِهِ وعلينا مُؤَن تَجْهِيزه حَيْثُ لم يكن لَهُ تَرِكَة وَلَا من تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فَلَا يجب فِيهِ شَيْء بل يجوز إغراء الْكلاب على جيفته نعم إِن تضرر الْمُسلمُونَ برائحته وَجَبت مواراته دفعا للضَّرَر عَنْهُم الأول من الْخَمْسَة الَّتِي تجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير الشَّهِيد وَغير السقط غسله فَيَكْفِي الْغسْل من كَافِر وَإِن كَانَ يحرم اطِّلَاعه على بدن الْمُسلم كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّة وَلَا يَكْفِي الْغَرق وَلذَا قَالَ (وَلَو غريقا) لأَنا مأمورون بِغسْلِهِ فَلَا يسْقط الْفَرْض عَنَّا إِلَّا بفعلنا أَعنِي جنس الْمُكَلّفين وَلَو صَبيا غير مُمَيّز أَو مَجْنُونا أَو من الْجِنّ أَو تغسيل الْمَيِّت نَفسه كَرَامَة كَمَا وَقع من سَيِّدي عبد الله المنوفي وَمن سَيِّدي أَحْمد البدوي نفعنا الله بهما وَلَو مَاتَ موتا حَقِيقِيًّا ثمَّ جهز ثمَّ أحيى حَيَاة حَقِيقِيَّة ثمَّ مَاتَ وَجب تجهيز آخر وَلَا يَكْفِي تغسيل الْمَلَائِكَة لأَنهم لَيْسُوا من جنس الْمُكَلّفين بِخِلَاف التَّكْفِين والدفن لِأَن الْقَصْد مِنْهُمَا المواراة والستر وَقد حصل وَمثلهمَا الْحمل وَالْمَقْصُود من الْغسْل التَّعَبُّد بفعلنا لَهُ بِدَلِيل أَنه لَو مَاتَ عقب اغتساله بِالْمَاءِ يجب غسله وَأَنا لَو عجزنا عَن طَهَارَته بِالْمَاءِ وَجب تيَمّمه مَعَ أَنه لَا نظافة فِيهِ وَلِهَذَا ينبش للْغسْل لَا للتكفين وَأَقل الْغسْل حَاصِل (بتعميم بدنه بِالْمَاءِ) مرّة وَاحِدَة من غير حَائِل وَلَا تجب فِيهِ نِيَّة لِأَن الْقَصْد بِهِ النَّظَافَة وَهِي لَا تتَوَقَّف على نِيَّة لَكِن تسن وأكمله أَن يغسل فِي خلْوَة لَا يدخلهَا إِلَّا الْغَاسِل وَمن يُعينهُ وَالْأولَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فِي قَمِيص لِأَنَّهُ أستر لَهُ وَيكون بَالِيًا أَو مهلهل النسج بِحَيْثُ لَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى بدنه لِأَن الْقوي يحبس المَاء على مُرْتَفع كلوح لِئَلَّا يُصِيبهُ الرشاش وَمِنْه الدكة الْمَعْرُوفَة بِمَاء مالح بَارِد لِأَنَّهُ يشد الْبدن إِلَّا لحَاجَة إِلَى المسخن كوسخ وَبرد لِأَن الْمَيِّت يتَأَذَّى مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ الْحَيّ وَأَن يجلسه الْغَاسِل على الْمُرْتَفع بِرِفْق مائلا إِلَى وَرَائه وَيَضَع يَمِينه بَين كَتفيهِ وإبهامه فِي نقرة قَفاهُ لِئَلَّا تميل رَأسه ويسند ظَهره بركبته الْيُمْنَى ويمر يسَاره على بَطْنه بتكرار ورفق ليخرج مَا فِيهِ من الفضلات ثمَّ يضجعه على قَفاهُ وَيغسل بِخرقَة ملفوفة على يسَاره سوأتيه ثمَّ يلقيها ويلف خرقَة أُخْرَى على الْيَد بعد غسلهَا إِن تلوثت وينظف أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ بسبابة الْيُسْرَى وَلَا تفتح أَسْنَانه لِئَلَّا يسْبق المَاء إِلَى جَوْفه فيسرع فَسَاده نعم لَو تنجس فَمه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَتوقف طهره على فتح أَسْنَانه اتجه فتحهَا وَإِن علم سبق المَاء إِلَى جَوْفه وَلَا تكسر أَسْنَانه لَو توقفت إِزَالَة النَّجَاسَة على كسرهَا ثمَّ يوضئه كالحي ثَلَاثًا ثَلَاثًا بمضمضة واستنشاق ويميل رَأسه فيهمَا لِئَلَّا يسْبق المَاء إِلَى جَوْفه وَمن ثمَّ لَا تندب فيهمَا مُبَالغَة وَيتبع بِعُود لين مَا تَحت أَظْفَاره إِن كَانَ شَيْء وَلَا بُد من نِيَّة لهَذَا الْوضُوء كَأَن يَقُول الَّذِي يوضئه نَوَيْت الْوضُوء الْمسنون لهَذَا الْمَيِّت فَلَا يَصح بِلَا نِيَّة مَعَ أَنه مَنْدُوب وَالْغسْل لَا يتَوَقَّف على نِيَّة مَعَ أَنه وَاجِب ثمَّ يغسل رَأسه فلحيته بِنَحْوِ سدر ويسرح شعرهما إِن تلبد بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان وَيجب دفن المنتتف من الشّعْر مَعَه وَيسن أَن يكون فِي كَفنه ثمَّ يغسل مقدم شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر من عُنُقه إِلَى قدمه ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْسَر فَيغسل شقَّه الْأَيْمن مِمَّا يَلِي قَفاهُ ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْمن فَيغسل الْأَيْسَر كَذَلِك وَيحرم كَبه على وَجهه لما فِيهِ من الإزراء بِهِ مستعينا فِي ذَلِك كُله بِنَحْوِ سدر ثمَّ يُزِيلهُ بِمَاء من فَوْقه إِلَى قدمه ثمَّ يعمه كَذَلِك بِمَاء قراح فِيهِ قَلِيل كافور بِحَيْثُ لَا يُغير المَاء فَهَذِهِ الغسلات الثَّلَاث تحسب وَاحِدَة وَتسن ثَانِيَة وثالثة كَذَلِك أَعنِي الأولى من كل مِنْهُمَا بسدر أَو نَحوه وَالثَّانيَِة مزيلة لَهُ وَالثَّالِثَة مَاء قراح فِيهِ قَلِيل كافور وَلَو خرج بعد الْغسْل نجس وَجَبت إِزَالَته عَنهُ وَينْدب أَن لَا ينظر الْغَاسِل من غير عَوْرَته إِلَّا قدر الْحَاجة أما عَوْرَته وَهِي مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَلَا يجوز النّظر إِلَى شَيْء مِنْهَا وَأَن يُغطي وَجه الْمَيِّت من أول وَضعه على المغتسل إِلَى آخر الْغسْل وَأَن يكون الْغَاسِل أَمينا فَإِن رأى خيرا كاستنارة وَجهه وَطيب رَائِحَته سنّ ذكره وَإِن رأى ضِدّه كإظلام وَجه وَتغَير رَائِحَة وانقلاب صُورَة حرم ذكره لِأَنَّهُ غيبَة لمن لَا يَتَأَتَّى الاستحلال مِنْهُ وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ستر على مُسلم ستره الله فِي الدُّنْيَا وَعنهُ أَيْضا من غسل مَيتا وكتم عَلَيْهِ غفر الله لَهُ أَرْبَعِينَ سَيِّئَة نعم إِذا رأى من المبتدع أَمارَة خير يكتمها لِئَلَّا يغري النَّاس على الْوُقُوع فِي مثل بدعته وضلاله بل لَا يبعد وجوب الكتمان عِنْد ظن الإغراء بهَا والوقوع فِيهَا وَلَو كَانَ الْمَيِّت مبتدعا مظهر الْبِدْعَة ورؤي بِهِ أَمارَة سوء لَا يجب ستره بل يجوز التحدث بِهِ لينزجر النَّاس عَنْهَا وَكَذَا لَو كَانَ مستترا ببدعته وَظهر عَلَيْهِ أَمارَة سوء فَيجوز التحدث بهَا عِنْد المطلعين عَلَيْهَا المائلين اليها لَعَلَّهُم ينزجرون وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 تعذر غسله لفقد مَاء أَو نَحوه كاحتراق وَلَو غسل لتهرى يمم وتندب النِّيَّة فِي التَّيَمُّم كالغسل وَلَا تجب على الْمُعْتَمد وَيشْتَرط فِي صِحَة التَّيَمُّم أَن لَا يكون على بدنه نَجَاسَة فَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة وتعذرت إِزَالَتهَا كالأقلف دفن بِلَا صَلَاة عَلَيْهِ على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ وَالَّذِي اعْتَمدهُ ابْن حجر أَنه ييمم عَمَّا تحتهَا ويعفى عَن هَذِه النَّجَاسَة وَيغسل بَاقِي بدنه مَا عدا مَحل القلفة إِن لم يُمكن فَسخهَا وَيصلى عَلَيْهِ وَيجوز للرجل غسل حليلته من زَوْجَة وَأمة وَلَو كِتَابِيَّة وَيجوز للْمَرْأَة غسل زَوجهَا وَيجوز لكل مِنْهُمَا النّظر والمس للْآخر بِدُونِ شَهْوَة وَلَو لما بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا بُد من اتِّحَاد الْجِنْس فِي الْغَاسِل وَالْمَيِّت إِلَّا فِي الحليل وَالْمحرم فَإِذا لم يُوجد إِلَّا أَجْنَبِي فِي الْمَيِّت الْمَرْأَة أَو أَجْنَبِيَّة فِي الْمَيِّت الرجل يمم والأمرد الْجَمِيل يغسلهُ الرِّجَال بِلَا مس لَهُ إِذْ مَسّه حرَام وَلَو بعد مَوته إِن لم تخش فتْنَة وَإِلَّا يمم نعم لَو كَانَ من ذكر فِي ثِيَاب سابغة بِحَضْرَة نهر مثلا وَأمكن التَّعْمِيم بِالْمَاءِ من غير مس وَلَا نظر وَجب وَالصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الشَّهْوَة يغسلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَمثله الْخُنْثَى الْكَبِير عِنْد فقد الْمحرم وَيكون فِي ثوب سابغ ويحتاط الْغَاسِل فِي غض الْبَصَر والمس ويقتصر فِيهِ على غسلة وَاحِدَة لِأَن الضَّرُورَة تقدر بِقَدرِهَا وَيجوز لأهل الْمَيِّت تقبيله مَا لم يحملهم التَّقْبِيل على جزع كَمَا هُوَ الْغَالِب من حَال النِّسَاء وَإِلَّا حرم وَيجوز ذَلِك أَيْضا لغير أَهله لَكِن لَا بُد من اتِّحَاد الْجِنْس وَانْتِفَاء المرودة عِنْد عدم الْمَحْرَمِيَّة وَلَا بَأْس بالإعلام بِمَوْتِهِ بل يسْتَحبّ إِذا قصد كَثْرَة الْمُصَلِّين عَلَيْهِ بِخِلَاف نعي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ النداء بِمَوْت الشَّخْص وَذكر مآثره ومفاخره وَمن أقبح الْمُنْكَرَات مَا يَفْعَله النِّسَاء الْآن فِي الاعلام بِمَوْتِهِ من دورانهن فِي الْأَزِقَّة صارخات جازعات فَيجب إِنْكَار ذَلِك عَلَيْهِنَّ وَمن قدر على إِزَالَة ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ الثَّانِي فِي تكفينه بعد غسله أَو تيَمّمه احتراما فَلَا يجوز تَقْدِيم تكفينه على غسله وَلَا بُد من (تكفينه) بِمَا يجوز لَهُ لبسه حَيا وَأَقل الْكَفَن بِالنِّسْبَةِ لحق الله تَعَالَى مُخْتَصّ (بساتر عَورَة) فَقَط وَيخْتَلف بذكورة الْمَيِّت وأنوثته فالرجل مَا يستر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَالْمَرْأَة حرَّة كَانَت أَو أمة وَمثلهَا الْخُنْثَى مَا يستر بدنهَا غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَوُجُوب سترهما فِي الْحَيَاة لخوف الْفِتْنَة لَا لكَونهَا عَورَة وبالنسبة للْغُرَمَاء ثوب يستر جَمِيع الْبدن تكريما لَهُ إِلَّا رَأس الْمحرم وَوجه الْمُحرمَة فللغريم منع مَا زَاد عَلَيْهِ وبالنسبة للْوَرَثَة وَحقّ الْمَيِّت ثَلَاثَة فَلَيْسَ للْوَارِث الْمَنْع مِنْهَا هَذَا إِذا كَانَ تكفينه من تركته أما إِذا كَانَ تكفينه من الْغَيْر كَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيق وَمن لَا شَيْء لَهُ يُكفن مِنْهُ فَلَا يلْزم من يجهزه من زوج وَسيد وَبَيت مَال إِلَّا ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع الْبدن بل لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ من بَيت المَال وَكَذَا إِذا كفن مِمَّا وقف للتكفين وأكمله فِي حق الذّكر ثَلَاثَة أَثوَاب بيض كلهَا لفائف لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَالْأَفْضَل الِاقْتِصَار عَلَيْهَا لخَبر الشَّيْخَيْنِ عَن عَائِشَة قَالَت كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب يَمَانِية بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَتجوز الزِّيَادَة فيزاد قَمِيص وعمامة تَحت اللفائف إِن لم يكن محرما لِأَن عبد الله بن عمر كفن ابْنا لَهُ فِي خَمْسَة أَثوَاب ثَلَاث لفائف وقميص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وعمامة وهما خلاف الأولى حَيْثُ كَانَت الزِّيَادَة بِرِضا الْوَرَثَة المطلقين التَّصَرُّف وَإِلَّا حرمت وأكمله فِي حق الْمَرْأَة وَمثلهَا الْخُنْثَى خَمْسَة إِزَار فقميص فخمار وَهُوَ مَا يغطى بِهِ الرَّأْس فلفافتان لزِيَادَة السّتْر فِيهَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفن فِيهَا ابْنَته أم كُلْثُوم رَضِي الله عَنْهَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالزِّيَادَة على الْخَمْسَة للْمَرْأَة وَغَيرهَا مَكْرُوه بل قيل حرَام وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيّ نعم ينْدب شدّ سادس على صدر الْمَرْأَة فَوق الأكفان ليجمعها عَن انتشارها باضطراب ثديها عِنْد الْحمل وَيحل عَنْهَا فِي الْقَبْر كَبَقِيَّة الشدادات وَينْدب تبخير الْكَفَن ثَلَاثًا بِعُود إِذا كَانَ لغير محرم وَلَو محدة لِلْأَمْرِ بذلك وَيسن المغسول لِأَنَّهُ للصديد وَأَن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها أَولا ليَكُون فَوق الْجَمِيع عِنْد لفها على الْمَيِّت ثمَّ الْبَاقِي فَوْقهَا وَأَن يذر على كل مِنْهَا وعَلى الْمَيِّت حنوط وَهُوَ الطّيب من كافور وَغَيره إِذا لم يكن محرما أما الْمحرم فَلَا يطيب لَا فِي بدنه وَلَا فِي كَفنه وَلَا فِي مَاء غسله وَأَن يوضع الْمَيِّت فَوْقهَا مُسْتَلْقِيا على ظَهره وَتجْعَل يَدَاهُ على صَدره ويمناه على يسراه أَو يرسلان فِي جنبه وَأَن يَجْعَل على منافذه قطن عَلَيْهِ حنوط كعينيه وَأُذُنَيْهِ وَمنْخرَيْهِ وَغَيرهَا وَكَذَا على جَبهته وَأَن تشد ألياه بِخرقَة ثمَّ تلف عَلَيْهِ اللفائف وتشد اللفائف بشداد خوف الانتشار عِنْد الْحمل إِلَّا أَن يكون محرما وَيحل الشداد فِي الْقَبْر إِلَّا شَدَّاد الألية تفاؤلا بِحل الشدائد عَنهُ وَلِأَنَّهُ يكره أَن يكون مَعَه فِي الْقَبْر شَيْء وَسَوَاء فِي ذَلِك الْكَبِير وَالصَّغِير وَتكره المغالاة فِي الْكَفَن بِأَن يكون من الثِّيَاب المثمنة إِن لم يكن فِي الْوَرَثَة مَحْجُور عَلَيْهِ أَو غَائِب وَلم يكن الْمَيِّت مُفلسًا وَإِلَّا حرمت وَنقل عَن الشَّيْخ سُلْطَان وَغَيره أَنه يجوز تكفين الْمَرْأَة ودفنها فِي ثِيَابهَا المثمنة أَي وَلَو مِمَّا يُسَاوِي ألوفا من الذَّهَب كالبشت المزركش بِالذَّهَب وَفِي صيغتها كَذَلِك وَلَا يحرم من جِهَة إِضَاعَة المَال لِأَن مَحل الْحُرْمَة إِذا لم يكن لغَرَض وَهُوَ هُنَا إكرام الْمَيِّت وَأَيْضًا فِيهِ تسكين للحزن لِأَن الْمَرْأَة مثلا إِذا رَأَتْ مَتَاع بنتهَا بعد مَوتهَا يشْتَد حزنها وَيشْتَرط أَن لَا يكون فِي الْوَرَثَة قَاصِر وَأَن تتفق الْوَرَثَة على ذَلِك وَأَن لَا يكون عَلَيْهَا دين مُسْتَغْرق وَيكرهُ أَن يكون فِي الْكَفَن مَا يُخَالف لون الْبيَاض لَا فرق بَين الذّكر وَالْأُنْثَى فَائِدَة تحرم كِتَابَة شَيْء من الْقُرْآن على الْكَفَن صِيَانة لَهُ عَن صديد الْمَوْتَى وَمثله كل اسْم مُعظم وَيكرهُ اتِّخَاذ الْكَفَن إِلَّا من حل أَو من أثر صَالح بِخِلَاف اتِّخَاذ الْقَبْر فَإِنَّهُ يسْتَحبّ وَالثَّالِث حمله وَلَا يحمل الْجِنَازَة وَلَو أُنْثَى إِلَّا الرِّجَال فَيكْرَه للنِّسَاء حملهَا لضعفهن عَن ذَلِك وَحملهَا بَين العمودين بِأَن يضع مُقَدّمَة النعش رجل على عَاتِقيهِ وَرَأسه بَينهمَا وَيحمل المؤخرتين رجلَانِ أفضل من التربيع بِأَن يتَقَدَّم رجلَانِ ويتأخر آخرَانِ وَقيل التربيع أفضل بل حُكيَ وُجُوبه وَالْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا بِأَن تحمل تَارَة بهيئة الْحمل بَين العمودين وَتارَة بهيئة التربيع وَالْحمل فِي حد ذَاته وَاجِب وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْكَيْفِيَّة الَّتِي هِيَ أفضل من غَيرهَا وَلَيْسَ فِي الْحمل دناءة وَلَا سُقُوط مُرُوءَة بل هُوَ بر وإكرام وَقد فعله بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَيحرم حملهَا على هَيْئَة مزرية كحملها فِي قفة أَو على هَيْئَة يخْشَى مِنْهَا سُقُوطهَا وَيَنْبَغِي لواضعها فِي النعش أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يَقُول باسم الله وَيسن تشييعها وَمكث إِلَى فرَاغ من الدّفن بِأَن يوارى الْمَيِّت ويهال التُّرَاب جَمِيعه عَلَيْهِ كَذَا قَالَ ابْن حجر فقد ورد فِي الحَدِيث من شيع جَنَازَة إِلَى الْمَسْجِد فَلهُ قِيرَاط من الْأجر فَإِن وقف حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان والقيراط مثل جبل أحد ثمَّ إِن المشيع لَهُ أَحْوَال إِمَّا رَاكب أَو ماش وَإِمَّا أمامها أَو خلفهَا وَإِمَّا قريب أَو بعيد وَالْأَفْضَل الْمَشْي وبأمامها وقربها بِحَيْثُ لَو الْتفت لرآها والماشي أمامها أَو خلفهَا أفضل من الرَّاكِب مُطلقًا والراكب الْقَرِيب أفضل من الرَّاكِب الْبعيد والأمام أفضل من الْخلف وَلَا يكره الرّكُوب فِي رُجُوعه مِنْهَا وَيسْتَحب لمن رَآهَا أَن يَقُول عِنْد رؤيتها الله أكبر ثَلَاثًا {هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله وَصدق الله وَرَسُوله وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 22 أَو يَقُول اللَّهُمَّ ارْفَعْ دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه الغابرين واغفر لنا وَله إِلَى يَوْم الدّين أَو يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق سيدنَا مُحَمَّد وَآل سيدنَا مُحَمَّد أَن لَا تعذب هَذَا الْمَيِّت ثَلَاثًا أَو يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه واعف عَنهُ وعافه ووسع مدخله واغسله بِمَاء وثلج وَبرد ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَارا خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وَإِذا جمع بَين ذَلِك كَانَ أفضل ورؤي الإِمَام فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي بِكَلِمَة كنت أقولها عِنْد رُؤْيَة الْجِنَازَة وَكَانَ يَقُولهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَهِي سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَيسن الْإِسْرَاع بهَا إِن أَمن تغير الْمَيِّت وَإِلَّا فيتأنى بهَا فَإِن خيف تغيرها بالتأني أَيْضا زيد فِي الْإِسْرَاع وَيسن لغير الذّكر مَا يستره كقبة وَيكرهُ اللَّغط فِي الْجِنَازَة بل الْمُسْتَحبّ التفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده قَالَ القليوبي وَيكرهُ رفع الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالذكر وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ المدابغي وَهَذَا بِاعْتِبَار مَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول وَأما الْآن فَلَا بَأْس بذلك لِأَنَّهُ شعار للْمَيت وَتَركه مزرأة وَلَو قيل بِوُجُوبِهِ لم يبعد اه وَيكرهُ اتباعها بِنَار فِي مجمرة أَو غَيرهَا إِلَّا لحَاجَة كبخور لدفع نَتن أَو فَتِيلَة لرؤية دَفنه لَيْلًا فَلَا كَرَاهَة وَفِي كَلَام بَعضهم ينْدب البخور عِنْد الْمَيِّت من وَقت مَوته إِلَى تَمام دَفنه (و) الرَّابِع دَفنه فِي قبر بعد الصَّلَاة عَلَيْهِ فَيحرم قبلهَا وَإِن أَجْزَأت بعده لِأَن فِي الدّفن قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ إزراء بِالْمَيتِ وَلَا بُد من (دَفنه فِي حُفْرَة تمنع) بعد ردمها (رَائِحَة) أَي ظُهُور رَائِحَة مِنْهُ فتؤذي الْحَيّ وَإِن كَانَ الْمحل لَا يدْخلهُ من يتَأَذَّى بذلك بل وَإِن كَانَ لَا رَائِحَة لَهُ أصلا كَأَن جف (وَسبعا) أَي وتمنع نبش سبع لَهَا فيأكل الْمَيِّت فتنتهك حرمته وَإِن كَانَ فِي مَحل لَا تصله السبَاع أصلا إِذْ حِكْمَة الدّفن صونه عَن انتهاك جِسْمه وانتشار رِيحه فَلَا بُد من حُفْرَة تمنع ذَيْنك أما لَو وضع الْمَيِّت على وَجه الأَرْض ثمَّ جعل عَلَيْهِ مَا يمْنَع عَنهُ ذَلِك كبناء مثل مَا يَفْعَله بعض أهل الْقرى فَلَا يَكْفِي حَيْثُ لم يتَعَذَّر الْحفر وَرُبمَا يبنون فسقية على ظهر أُخْرَى ويضعون فِيهَا الْمَيِّت وَقد علمت أَنه لَا يَكْفِي فِي الدّفن وأكمل الدّفن حُفْرَة يكون عمقها قامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وبسطة من رجل معتدلهما أَي قدر قامة رجل رفع يَدَيْهِ مبسوطتين فَوق رَأسه وَذَلِكَ أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف على الْمُعْتَمد ثمَّ إِن كَانَت الأَرْض صلبة فَالْأَفْضَل أَن يَجْعَل لَهُ فِيهَا لحد بِأَن يحْفر فِي أَسْفَل الْجَانِب القبلي مِنْهَا قدر مَا يسع الْمَيِّت ويستره وَإِن كَانَت الأَرْض رخوة فَالْأَفْضَل أَن يَجْعَل لَهُ فِيهَا شقّ خشيَة الانهيار وَهُوَ أَن يحْفر فِي قعرها مثل النَّهر وَيَبْنِي جانباه بِلَبن أَو غَيره غير مَا مسته النَّار وَيجْعَل الْمَيِّت بَينهمَا وَينْدب رش الْقَبْر بِمَاء بَارِد تفاؤلا ببرودة المضجع وَلَا بَأْس بِقَلِيل من مَاء الْورْد لِأَن الْمَلَائِكَة تحب الرَّائِحَة الطّيبَة وَيكرهُ أَن يَجْعَل لَهُ فرش ومخدة وصندوق لم يحْتَج إِلَيْهِ لِأَن فِي ذَلِك إِضَاعَة مَال وَمحل الْكَرَاهَة مَا لم يكن من مَال مَحْجُور عَلَيْهِ وَإِلَّا حرم وَمن خصوصيات الْأَنْبِيَاء جَوَاز الْفرش لَهُم فِي قُبُورهم بِلَا كَرَاهَة لأَنهم أَحيَاء فِي الْقُبُور أما إِذا احْتِيجَ إِلَى الصندوق لنداوة أَو نَحْوهَا فَلَا يكره وَلَا تنفذ وَصيته بِهِ إِلَّا حِينَئِذٍ وَيدخل من قبل رَأسه بِرِفْق وَيُقَال عِنْد إِدْخَاله اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه وَأكْرم منزله ووسع لَهُ فِي قَبره لما فِي ذَلِك من الثَّمَرَة الْعَظِيمَة وَيَقُول الَّذِي يلحده باسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أسلمه إِلَيْك الْأَشْخَاص من وَالِده وَأَهله وقرابته وإخوانه وَفَارق من كَانَ يحب قربه وَخرج من سَعَة الدُّنْيَا والحياة إِلَى ظلمَة الْقَبْر وضيقه وَنزل بك وَأَنت غير منزل بِهِ إِن عاقبته فبذنب وَإِن عَفَوْت عَنهُ فَأَنت أهل الْعَفو أَنْت غَنِي عَن عَذَابه وَهُوَ فَقير إِلَى رحمتك اللَّهُمَّ اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عَذَاب الْقَبْر واجمع لَهُ بِرَحْمَتك الْأَمْن من عذابك واكفه كل هول دون الْجنَّة اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فِي الفائزين وارفعه فِي عليين وعد عَلَيْهِ بِفضل رحمتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَإِذا حثا عَلَيْهِ التُّرَاب يَقُول فِي الأولى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} 20 طه الْآيَة 55 وَفِي الثَّانِيَة {وفيهَا نعيدكم} 20 طه الْآيَة 55 وَفِي الثَّالِثَة {وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} 20 طه الْآيَة 55 وَيُوضَع الْمَيِّت فِي اللَّحْد أَو غَيره على جنبه وجوبا مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِمقدم بدنه وجوبا فَلَو وَجه لغَيْرهَا نبش وَوجه إِن لم يتَغَيَّر وَإِلَّا فَلَا ينبش وَالْأَفْضَل أَن يكون على الْيَمين وَيكرهُ على الْيَسَار وَلَا ينبش لذَلِك وَينْدب أَن يُفْضِي بخده إِلَى الأَرْض وَأَن يسند وَجهه وَرجلَاهُ إِلَى جِدَار الْقَبْر وظهره بِنَحْوِ لبنة كحجر حَتَّى لَا ينكب وَلَا يستلقي وَلَا يكره دَفنه بِاللَّيْلِ مُطلقًا وَلَا وَقت الْكَرَاهَة إِلَّا إِذا تحراه فَيكْرَه كَرَاهَة تَنْزِيه وَتحرم إهالة التُّرَاب عَلَيْهِ فَلَا بُد من سد اللَّحْد أَو الشق بعد إضجاع الْمَيِّت فِيهِ ثمَّ إهالة التُّرَاب فَإِذا سوي عَلَيْهِ قَبره دَعَا لَهُ شخص من الْحَاضِرين يَقُول اللَّهُمَّ عَبدك رد إِلَيْك فارأف بِهِ وارحمه اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ وَافْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه وتقبله مِنْك بِقبُول حسن اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسنا فضاعف لَهُ فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَنهُ وَيسن أَن يقف جمَاعَة بعد دَفنه عِنْد قَبره سَاعَة يسْأَلُون لَهُ التثبيت (و) إِن كَانَت الأَرْض مَمْلُوكَة أَو مُبَاحَة كالموات (كره بِنَاء لَهُ) أَي الْقَبْر (أَو عَلَيْهِ) أَو تجصيصه أَي تبييضه بالنورة الْبَيْضَاء وَلَا بَأْس بتطيينه وَتكره الْكِتَابَة عَلَيْهِ سَوَاء كتب اسْم صَاحبه أَو غَيره نعم إِن كتب اسْم صَاحبه وَنسبه بِقصد أَن يعرف فيزار فَلَا كَرَاهَة بِشَرْط الِاقْتِصَار على قدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الْحَاجة لَا سِيمَا قُبُور الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تعرف إِلَّا بذلك عِنْد تطاول السنين وَيكرهُ أَن يَجْعَل على الْقَبْر مظلة كقبة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ رأى قبَّة فنحاها وَقَالَ دَعوه يظله عمله وَإِن كَانَت الأَرْض مسبلة للدفن وَهِي الَّتِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بالدفن فِيهَا حرم الْبناء وَهدم وَاسْتثنى بَعضهم قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوهم وَلَو كَانَ بقبة لإحياء الزِّيَارَة والتبرك بهم وَأفْتى بِهِ الْحلَبِي وَقَالَ أَمر بِهِ الشَّيْخ الزيَادي مَعَ ولَايَته وكل ذَلِك لم يرتضه الْعَلامَة الشَّوْبَرِيّ وَقَالَ الْحق خِلَافه وقبة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيست فِي الأَرْض المسبلة بل هِيَ فِي دَار ابْن عبد الْحَكِيم وَلَو وجد بِنَاء فِي أَرض مسبلة وَلم يعلم أصل وَضعه هَل هُوَ بِحَق أَو لَا ترك لاحْتِمَال أَنه وضع بِحَق نعم لَو كَانَ الْبناء فِي المسبلة لخوف نبش سَارِق أَو سبع أَو تخرق سيل جَازَ وَلَا يهدم (و) كره جُلُوس على الْقَبْر الْمُحْتَرَم واتكاء عَلَيْهِ واستناد إِلَيْهِ و (وَطْء عَلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة) أَي حَاجَة بِأَن حَال الْقَبْر عَمَّن يزوره وَلَو أَجْنَبِيّا بِأَن لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا يكره وَفهم بِالْأولَى عدم الْكَرَاهَة لضَرُورَة الدّفن وَالْحكمَة فِي عدم الْجُلُوس وَنَحْوه توقير الْمَيِّت واحترامه وَأما خبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِأَن يجلس أحدكُم على جَمْرَة فتخلص إِلَى جلده خير لَهُ من أَن يجلس على قبر ففسر الْجُلُوس عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ للبول وَالْغَائِط وَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع أما غير الْمُحْتَرَم كقبر مُرْتَد وحربي فَلَا كَرَاهَة فِي الْجُلُوس وَنَحْوه وَلَا يحرم الْبَوْل والتغوط على قبورهما (و) لَا يجوز نبش الْقَبْر بعد دفن الْمَيِّت وَقبل البلى عِنْد أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض للنَّقْل وَلَو لنَحْو مَكَّة أَو غَيره كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وتكفينه إِلَّا لوَاحِد من خَمْسَة الأول مَا إِذا دفن بِلَا غسل وَلَا تيَمّم بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّن يجب غسله فَحِينَئِذٍ (نبش) وجوبا (لغسل) تداركا للطهر الْوَاجِب مَا لم يتَغَيَّر ثمَّ يصلى عَلَيْهِ الثَّانِي مَا إِذا دفن بِأَرْض أَو ثوب مغصوبين وطالب بهما مالكهما فَيجب نبشه وَإِن تغير إِذا وجد مَا يُكفن فِيهِ غير الثَّوْب الْمَغْصُوب وَإِلَّا فَلَا يجوز الثَّالِث مَا إِذا وَقع فِي الْقَبْر مَال وَإِن قل كخاتم وَطَلَبه مَالِكه فَيجب النبش وَإِن تغير الرَّابِع مَا لَو بلع مَالا لغيره وَطَلَبه مَالِكه وَلم يضمن مثله أَو قِيمَته أحد من الْوَرَثَة أَو غَيرهم ينبش ويشق جَوْفه وَيخرج مِنْهُ وَيرد لصَاحبه الْخَامِس إِذا دفن لغير الْقبْلَة يجب نبشه وَيُوجه للْقبْلَة مَا لم يتَغَيَّر أما بعد البلى فَإِن مَضَت مُدَّة قَالَ فِيهَا أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض إِن الْمَيِّت لم يبْق لَهُ أثر فَيجوز نبش الْقَبْر وَدفن غَيره فِيهِ وَمن ذَلِك يعلم حُرْمَة اتِّخَاذ الفساقي الْمَعْرُوفَة لوَجْهَيْنِ الْبناء فِي الأَرْض المسبلة والتحجير على الْبقْعَة (و) ينبش الْقَبْر أَيْضا فِيمَا لَو دفنت امْرَأَة حَامِل بجنين ترجى حَيَاته بِأَن يكون لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر فَيشق جوفها والشق فِي الْقَبْر أولى لِأَنَّهُ أستر نعم لَا يجوز تَأْخِيره إِلَيْهِ إِلَّا إِن غلب على الظَّن بقول الخبراء بسلامة الْجَنِين لَو أخر إِلَيْهِ فَإِن لم ترج حَيَاته حرم الشق لَكِن (لَا تدفن امْرَأَة فِي بَطنهَا جَنِين حَتَّى يتَحَقَّق مَوته) وَلَو تَغَيَّرت لِئَلَّا يدْفن الْحمل حَيا وَقَول التَّنْبِيه ترك عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يَمُوت ضَعِيف بل غلط فَاحش فليحذر وَمَعَ ذَلِك لَا ضَمَان فِيهِ مُطلقًا بلغ سِتَّة أشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أَو لَا لعدم تَيَقّن حَيَاته (و) أما السقط وَهُوَ الْوَلَد النَّازِل قبل تَمام الْأَشْهر فَفِيهِ تَفْصِيل حَاصله أَنه إِن لم تظهر حَيَاته وَلَا أماراتها وَلَا خلقه لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَيسن ستره بِخرقَة وَدَفنه وَكَذَا غسله كَمَا قَالَ ابْن حجر إِذا سنّ غسله سنّ ستره بِخرقَة وَدَفنه وَإِذا وَجب وجبا وَإِن لم تظهر حَيَاته وَلَا أماراتها لَكِن ظهر خلقه وَجب مَا عدا الصَّلَاة فَحِينَئِذٍ (ووري) أَي ستر بِخرقَة (سقط) مَوْصُوف بِمَا ذكر (وَدفن) أَي وَغسل وجوبا فِي هَذِه الثَّلَاثَة وَحرمت الصَّلَاة عَلَيْهِ (فَإِن) ظَهرت حَيَاته بصياح أَو غَيره أَو ظَهرت أمارتها كَأَن (اختلج) أَي اضْطربَ أَو تحرّك بعد انْفِصَاله فَهُوَ كالكبير وَلَو دون أَرْبَعَة أشهر إِن فرض كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَحِينَئِذٍ كفن وَدفن وَغسل وجوبا قطعا و (صلي عَلَيْهِ) وجوبا على الْأَظْهر فِي مَسْأَلَة عدم ظُهُور الْحَيَاة كالبكاء مَعَ ظُهُور أمارتها كالتحرك لاحْتِمَال حَيَاته بِهَذِهِ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَيْهَا وللاحتياط وَقد نظم بَعضهم هَذِه الْأَحْوَال فَقَالَ والسقط كالكبير فِي الْوَفَاة إِن ظَهرت أَمارَة الْحَيَاة أَو خفيت وخلقه قد ظهرا فامنع صَلَاة وسواها اعتبرا أَو اختفى أَيْضا فَفِيهِ لم يجب شَيْء وَستر ثمَّ دفن قد ندب أما النَّازِل بعد تَمام الْأَشْهر وَهُوَ سِتَّة أشهر فكالكبير مُطلقًا وَإِن نزل مَيتا وَلم يعلم لَهُ سبق حَيَاة وَقَالَ الشبراملسي وَإِن لم يظْهر فِيهِ تخطيط وَلَا غَيره حَيْثُ علم أَنه آدَمِيّ إِذْ هُوَ خَارج من تَعْرِيف السقط وَخرج بِالسقطِ الْعلقَة والمضغة لِأَنَّهُمَا لَا يسميان ولدا فيدفنان ندبا من غير ستر وَالْخَامِس الصَّلَاة عَلَيْهِ وَيجب تَقْدِيمهَا على الدّفن وتأخيرها عَن الْغسْل أَو التَّيَمُّم عِنْد وجود مسوغه فَلَو دفن بِلَا صَلَاة أَثم الدافنون والراضون بدفنه قبلهَا لوُجُوب تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ إِن لم يكن ثمَّ عذر وَيصلى على قَبره لِأَنَّهُ لَا ينبش للصَّلَاة عَلَيْهِ (وأركانها) أَي الصَّلَاة على الْمَيِّت سَبْعَة الأول (نِيَّة) كنية غَيرهَا من الصَّلَوَات وَلَا بُد فِيهَا من نِيَّة الْفَرْضِيَّة وَإِن لم يقل كِفَايَة وَلَو فِي صَلَاة امْرَأَة مَعَ رجال وَلَو فِي صَلَاة الصَّبِي وَحده أَو مَعَ الرِّجَال فَلَا بُد فِي صلَاته من نِيَّة الْفَرْضِيَّة وَلَا يجب فِي الْمَيِّت الْحَاضِر تَعْيِينه باسمه أَو نَحوه وَلَا مَعْرفَته بل يَكْفِي تَمْيِيزه نوع تَمْيِيز كنويت الصَّلَاة على هَذَا الْمَيِّت أَو على من يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام وَكَذَا لَو صلاهَا آخر النَّهَار وَقَالَ نَوَيْت الصَّلَاة على من توفّي من أقطار الأَرْض مِمَّن تصح الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَو حضر موتى نوى الصَّلَاة عَلَيْهِم وَإِن لم يعرف عَددهمْ وَلَو أحرم بِالصَّلَاةِ على جَنَازَة ثمَّ حضرت أُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة تركت حَتَّى يفرغ ثمَّ يُصَلِّي على الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لم ينوها أَولا وَيجب على الْمَأْمُوم نِيَّة الِاقْتِدَاء أَو نَحْوهَا (و) الثَّانِي (قيام) للقادر عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا من الْفَرَائِض وَلَو معادة وإلحاقها بالنفل فِي التَّيَمُّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 لَا يلْزم مِنْهُ ذَلِك هُنَا لِأَن الْقيام هُوَ الْمُقَوّم لصورتها فَفِي عَدمه محو لصورتها بِالْكُلِّيَّةِ وَشَمل ذَلِك الصَّبِي وَالْمَرْأَة إِذا صليا مَعَ الرِّجَال فَإِن عجز صلى على حسب حَاله (و) الثَّالِث (أَربع تَكْبِيرَات) بتكبيرة التَّحَرُّم وَلَو زَاد عَلَيْهَا لم تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ سَهوا أَو عمدا لِأَنَّهُ إِنَّمَا زَاد ذكرا مَا لم يعْتَقد الْبطلَان أَو يوال رفع يَده عِنْد الزِّيَادَة ثَلَاث مَرَّات وَإِلَّا بطلت وَلَو زَاد إِمَامه عَلَيْهَا لَا تسن لَهُ مُتَابَعَته فِي الزَّائِد بل تكره وَلَو تَابعه لم تبطل على مَا تقدم وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَات الْأَرْبَع حَذْو مَنْكِبَيْه وَوَضعهمَا بعد كل تَكْبِيرَة تَحت صَدره كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات (و) الرَّابِع (فَاتِحَة) بعد أَي تَكْبِيرَة مِنْهَا وَالْأولَى أفضل فَلهُ أَن يجمع بَين الْفَاتِحَة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة وَبَينهَا وَبَين الدُّعَاء للْمَيت بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة وَلَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَينهَا وَبَين الْوَاجِب بعد هَذِه التَّكْبِيرَة من صَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو دُعَاء للْمَيت فَيجوز إخلاء التَّكْبِيرَة الأولى من الْقِرَاءَة وَلَا يجوز أَن يقْرَأ بعض الْفَاتِحَة فِي ركن وَبَعضهَا فِي ركن آخر وَيسن إسرار الْفَاتِحَة وَلَو لَيْلًا كثالثة الْمغرب فِي أَن كلا لَا يشرع فِيهِ السُّورَة وَيسن جهر الإِمَام أَو الْمبلغ بِالتَّكْبِيرِ وَالسَّلَام (و) الْخَامِس (صَلَاة على النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعد) تَكْبِيرَة (ثَانِيَة) وأقلها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَتسن الصَّلَاة على الْآل وَالدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عَقبهَا بِنَحْوِ اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْحَمْد لله قبلهَا بِأَيّ صِيغَة من صيغه وَالْمَشْهُور مِنْهَا الْحَمد لله رب الْعَالمين وأكمل الصَّلَاة مَا فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَلَا يشْتَرط تَرْتِيب بَين ذَلِك بل هُوَ أولى (و) السَّادِس (دُعَاء لمَيت) بِخُصُوصِهِ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات ويجزىء كل مَطْلُوب أخروي كانظر إِلَيْهِ (بعد ثَالِثَة) وَهُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم من الصَّلَاة على الْمَيِّت وَأقله مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء وَيسن أَن يكثر من الدُّعَاء لَهُ وأكمله اللَّهُمَّ هَذَا عَبدك وَابْن عبديك خرج من روح الدُّنْيَا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فِيهَا إِلَى ظلمَة الْقَبْر وَمَا هُوَ لاقيه كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأَنت أعلم بِهِ اللَّهُمَّ إِنَّه نزل بك وَأَنت خير منزول بِهِ وَأصْبح فَقِيرا إِلَى رحمتك وَأَنت غَنِي عَن عَذَابه وَقد جئْنَاك راغبين إِلَيْك شُفَعَاء لَهُ اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسنا فزد فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَنهُ ولقه بِرَحْمَتك رضاك وقه فتْنَة الْقَبْر وعذابه وافسح لَهُ فِي قَبره وجاف الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ ولقه بِرَحْمَتك الْأَمْن من عذابك حَتَّى تبعثه آمنا إِلَى جنتك بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَهَذَا فِي الْبَالِغ الذّكر فَإِن كَانَ أُنْثَى عبر بالأمة وأنث مَا يعود إِلَيْهَا من الضمائر فَخرج قَوْله وَأَنت خير منزول بِهِ فَلَا يؤنث ذَلِك الضَّمِير لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى الله تَعَالَى وَلَو ذكرهَا بِقصد الشَّخْص جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَإِن كَانَ خُنْثَى عبر بالمملوك وَنَحْوه وَكَذَا إِذا لم يعرف أَن الْمَيِّت ذكر أَو أُنْثَى وَيجوز أَن يَأْتِي بالضمائر مذكرة على إِرَادَة الشَّخْص أَو الْمَيِّت ومؤنثة على إِرَادَة الْجِنَازَة وَلَو صلى على جمع مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبه فَلَو قَالَ فِي ذَلِك اللَّهُمَّ هَذَا عَبدك بتوحيد الْمُضَاف وَاسم الْإِشَارَة صحت صلَاته إِذْ لَا اختلال فِي صِيغَة الدُّعَاء أما اسْم الْإِشَارَة فَلِأَنَّهُ قد يشار بِمَا للْوَاحِد إِلَى الْجمع وَأما لفظ العَبْد فَلِأَنَّهُ مُفْرد مُضَاف إِلَى معرفَة فَيعم أَفْرَاد من أُشير إِلَيْهِ وَلَو صلى على من مَاتَ فِي يَوْمه أَو سنته فِي أقطار الأَرْض يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي الدُّعَاء لَهُم اللَّهُمَّ من كَانَ مِنْهُم محسنا فزد فِي إحسانه وَمن كَانَ مِنْهُم مسيئا فَتَجَاوز عَن سيئاته دون أَن يَقُول محسنين وَلَا مسيئين لِأَن الظَّاهِر فِي الْجَمِيع أَنهم لَيْسُوا كلهم محسنين وَلَا مسيئين وروى مُسلم عَن عَوْف بن مَالك أَنه قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَنَازَة فَسَمعته يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه واعف عَنهُ وعافه وَأكْرم نزله ووسع مدخله واغسله بِمَاء وثلج وَبرد ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَارا خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار قَالَ عَوْف فتمنيت أَن أكون أَنا ذَلِك الْمَيِّت وَلَو جمع بَين هذَيْن الدعاءين فَالْأَفْضَل تَقْدِيم هَذَا الْأَخير لِأَن حَدِيثه أصح وَأما الصَّغِير فَيَقُول فِيهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وَثقل بِهِ موازينهما وأفرغ الصَّبْر على قلوبهما وَلَا تفتنهما بعده وَلَا تحرمهما أجره وَيَكْفِي الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ ارحمه وَيُؤَنث الضمائر إِذا كَانَ الصَّغِير أُنْثَى وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى والمجهول حَاله مَا مر قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهَذَا فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسلمين فَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال وَلَو علم كفرهما كتبعية الصَّغِير للسابي حرم الدُّعَاء لَهما بالمغفرة والشفاعة وَنَحْوهمَا وَإِذا تردد فِي بُلُوغ الْمُرَاهق دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا وَيسْتَحب أَن يقدم على تِلْكَ الدَّعْوَات الثَّلَاث اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وَذكرنَا وأنثانا اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان وَلَو اقْتصر على هَذَا الدُّعَاء لم يكف لِأَنَّهُ يجب الدُّعَاء للْمَيت بِخُصُوصِهِ بِخِلَاف دُعَاء الطِّفْل وَهُوَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ إِلَى آخِره فَإِنَّهُ يَكْفِي لثُبُوته بِالنَّصِّ بِخُصُوصِهِ على أَن مَعْنَاهُ أَي سَابِقًا مهيئا لمصالحهما فِي الْآخِرَة فَذَلِك دُعَاء للطفل بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ لَا يكون كَذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ شرف عِنْد الله يتَقَدَّم بِسَبَبِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي (و) السَّابِع (سَلام بعد رَابِعَة) كسلام غَيرهَا من الصَّلَوَات فِي كيفيته وتعدده وَتسن الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد جمَاعَة بِثَلَاثَة صُفُوف فَأكْثر وَيسن التَّعَوُّذ قبل الْقِرَاءَة لَا دُعَاء الِافْتِتَاح وَأَن يَقُول بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة وَقبل السَّلَام اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده واغفر لنا وَله وَأَن يطول بعد الرَّابِعَة بِقدر مَا قبلهَا من التَّكْبِيرَات الثَّلَاث وَمَا فِيهَا من الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة على النَّبِي وَآله وَالدُّعَاء وَنقل بَعضهم أَنه يقْرَأ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله} إِلَى قَوْله {الْعَظِيم} 40 غَافِر الْآيَة 7 9 نعم لَو خيف تغير الْمَيِّت وانفجاره لَو أَتَى بالسنن وَجب الِاقْتِصَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 على الْأَركان وَأَن يلْتَفت فِي السَّلَام يَمِينا وَشمَالًا خلافًا لمن قَالَ يقْتَصر على تَسْلِيمَة يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه وَأَن يَجْعَل رَأس الذّكر عَن يسَار الإِمَام وَيقف الإِمَام قَرِيبا من رَأسه وَمثله الْمُنْفَرد وَرَأس الْأُنْثَى عَن يَمِينه وَيقف عِنْد عجزها وَتكره الصَّلَاة عَلَيْهِ قبل تكفينه لما فِيهَا من الإزراء بِالْمَيتِ وَلَو تخلف الْمَأْمُوم عَن إِمَامه بِلَا عذر بتكبيرة حَتَّى شرع إِمَامه فِي أُخْرَى بطلت صلَاته إِذْ الِاقْتِدَاء هُنَا إِنَّمَا يظْهر فِي التَّكْبِيرَات وَهُوَ تخلف فَاحش يشبه التَّخَلُّف بِرَكْعَة وَلَا شكّ أَن التَّقَدُّم كالتخلف بل أولى فَإِن كَانَ هُنَاكَ عذر كبطء الْقِرَاءَة أَو نسيانها فَلَا تبطل إِلَّا بتخلفه بتكبيرتين أما لَو نسي الصَّلَاة أَو الِاقْتِدَاء فَلَا يضر تخلفه مَا دَامَ نَاسِيا وَلَو بِجَمِيعِ التَّكْبِيرَات وَمن جَاءَ بعد أَن فعل الإِمَام بعض الْأَركان يكبر وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَإِن كَانَ الإِمَام فِي غَيرهَا كالدعاء لِأَن مَا أدْركهُ لمسبوق أول صلَاته وَلَو كبر الإِمَام أُخْرَى قبل قِرَاءَته كبر مَعَه وَسَقَطت عَنهُ الْفَاتِحَة أَو بَعْضهَا لكَونه مَسْبُوقا وَإِذا سلم الإِمَام تدارك لمسبوق حتما بَاقِي التَّكْبِيرَات بأذكارها وجوبا فِي الْوَاجِب وندبا فِي الْمَنْدُوب وَيسن أَن لَا ترفع الْجِنَازَة حَتَّى يتم الْمَسْبُوق صلَاته وَلَا يضر رَفعهَا قبل إِتْمَامه وَيجوز لمن حضر بعد الصَّلَاة على الْمَيِّت فعلهَا جمَاعَة وفرادى وَالْأولَى التَّأْخِير إِلَى الدّفن مسارعة إِلَى دَفنه وَيَنْوِي الْفَرْض لوقوعها مِنْهُ فرضا (وَشرط لَهَا) أَي لصِحَّة الصَّلَاة على الْمَيِّت شُرُوط غَيرهَا من الصَّلَوَات مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهَا و (تقدم طهره) أَي الْمَيِّت فَلَو تعذر كَأَن وَقع فِي حُفْرَة وَتعذر إِخْرَاجه وطهره لم يصل عَلَيْهِ وَلَو لم يُوجد مَاء وَلَا تُرَاب صلي عَلَيْهِ فَإِن وجد كَاف للْمَيت أَو الْمُصَلِّي عَلَيْهِ تعين الْمَيِّت (وَأَن لَا يتَقَدَّم) أَي الْمُصَلِّي (عَلَيْهِ) حَالَة كَون الْمَيِّت حَاضرا وَلَو فِي قبر وَيشْتَرط أَيْضا أَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا فِي غير الْمَسْجِد على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع تَقْرِيبًا وَأَن لَا يكون بَينهمَا حَائِل وَمحل هذَيْن الشَّرْطَيْنِ فِي الِابْتِدَاء أما فِي الدَّوَام كَأَن رفعت الْجِنَازَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَزَاد مَا بَينهمَا على مَا ذكر أَو حَال حَائِل فَلَا يضر لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء نعم لَو كَانَ الْمَيِّت فِي صندوق لَا يضر وَلَو أحرم على الْجِنَازَة وَهِي سائرة صَحَّ بِشُرُوط ثَلَاثَة أَن تكون إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَقت التَّحَرُّم وَأَن لَا يكون هُنَاكَ حَائِل حَال التَّحَرُّم وَلَا تشْتَرط الْمُحَاذَاة على الْمُعْتَمد وَأَن لَا تبعد عَنهُ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثمِائَة ذِرَاع إِلَى تَمام الصَّلَاة بِخِلَاف مَا إِذا أحرم عَلَيْهَا وَهِي قارة ثمَّ رفعت قبل تَمام الصَّلَاة فَإِن ذَلِك لَا يضر كَمَا تقدم (وَتَصِح) الصَّلَاة (على غَائِب عَن بلد) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على النَّجَاشِيّ رَضِي الله عَنهُ بِالْمَدِينَةِ يَوْم مَوته بِالْحَبَشَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة تسع وَقد أجمع كل من أجَاز الصَّلَاة على الْغَائِب بِأَن ذَلِك يسْقط فرض الْكِفَايَة عَن الْحَاضِرين إِلَّا مَا حُكيَ عَن ابْن الْقطَّان وَمحل السُّقُوط بهَا حَيْثُ علم بهَا الْحَاضِرُونَ وَلَا تجوز الصَّلَاة على الْغَائِب حَتَّى يعلم أَو يظنّ أَنه قد غسل أَو يمم نعم إِن علق النِّيَّة على طهره بِأَن نوى الصَّلَاة إِن كَانَ قد طهر صحت الصَّلَاة عَلَيْهِ (لَا) تصح الصَّلَاة على الْمَيِّت الَّذِي (فِيهَا) أَي الْبَلَد الَّتِي كَانَ الْمُصَلِّي حَاضرا فِيهَا وَلم يحضر فِي ذَلِك الْمَيِّت وَإِن كَبرت الْبَلَد لتيسر الْحُضُور غَالِبا وَالْمُتَّجه أَن الْمُعْتَبر الْمَشَقَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَعدمهَا فَحَيْثُ شقّ الْحُضُور وَلَو فِي الْبَلَد لكبرها وَنَحْوه صحت وَحَيْثُ لَا وَلَو خَارج السُّور لم تصح كَمَا نَقله الشبراملسي عنابن قَاسم فَلَو كَانَ الْمَيِّت خَارج السُّور قَرِيبا مِنْهُ فَهُوَ كداخله وَالْمرَاد بِالْقربِ هُنَا حد الْغَوْث وَهُوَ مَا يجب طلب المَاء مِنْهُ فِي التَّيَمُّم لَا حد الْقرب كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَلَو تعذر على من فِي الْبَلَد الْحُضُور لحبس أَو مرض جَازَ ذَلِك وَمثل ذَلِك مَا إِذا قتل إِنْسَان بِبَلَد وأخفى قَبره عَن النَّاس وَلَو نوى الإِمَام مَيتا حَاضرا أَو غَائِبا وَنوى الْمَأْمُوم آخر كَذَلِك جَازَ لِأَن اخْتِلَاف نيتهما لَا يضر (و) تصح الصَّلَاة على حَاضر (مدفون) فِي قبر وَلَو بعد البلى والاندراس وَيسْقط الْفَرْض بِالصَّلَاةِ على الْقَبْر على الصَّحِيح (غير نَبِي) أما الصَّلَاة على نَبِي فَلَا تجوز لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد وَالأَصَح تَخْصِيص صِحَة الصَّلَاة على الْغَائِب والقبر بِمن كَانَ (من أهل) أَدَاء (فَرضهَا) أَي الصَّلَاة (وَقت مَوته) دون غَيره فَلَا تصح من كَافِر وحائض يَوْم مَوته كمن بلغ أَو أَفَاق بعد الْمَوْت وَقبل الْغسْل (وَسقط الْفَرْض) فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة (بِذكر) وَاحِد كصبي مُمَيّز وَلَو مَعَ وجود الرِّجَال لِأَنَّهُ من جنسهم مَعَ حُصُول الْفَرْض بِصَلَاتِهِ وَإِن كَانَت نفلا وَلِأَن الْجَمَاعَة لَا تشْتَرط فِيهَا فَكَذَا الْعدَد وَلَا تَكْفِي فِي إِسْقَاط فَرضهَا امْرَأَة وَخُنْثَى مَعَ وجود الذّكر (و) أما الشَّهِيد فَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام لِأَنَّهُ إِمَّا شَهِيد الْآخِرَة فَقَط فَهُوَ كَغَيْر الشَّهِيد وَذَلِكَ كالمبطون وَهُوَ من قَتله بَطْنه بالاستسقاء أَي اجْتِمَاع مَاء أصفر فِيهِ أَو بالإسهال والغريق وَإِن عصي فِي الْغَرق بِنَحْوِ شرب خمر دون الغريق بسير سفينة فِي وَقت هيجان الرّيح فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيد والمطعون وَلَو فِي غير زمن الطَّاعُون أَو بِغَيْرِهِ فِي زَمَنه أَو بعده حَيْثُ كَانَ صَابِرًا محتسبا وَالْمَيِّت عشقا بِشَرْط الْكَفّ عَن الْمَحَارِم حَتَّى عَن النّظر بِحَيْثُ لَو اختلى بمحبوبه لم يتَجَاوَز الشَّرْع وبشرط الكتمان حَتَّى عَن معشوقه وَالْميتَة طلقا وَلَو من زنا إِذا لم تتسبب فِي إِسْقَاط الْوَلَد والمقتول ظلما وَلَو بِحَسب الْهَيْئَة كمن اسْتحق الْقَتْل بِقطع الرَّأْس فَقتل بالتوسط مثلا والغريب وَإِن عصي بغربته كآبق وناشزة وَالْمَيِّت فِي طلب الْعلم وَلَو على فرَاشه والحريق وَالْمَيِّت بهدم وَكَذَا من مَاتَ فَجْأَة أَو فِي دَار الْحَرْب قَالَه ابْن الرّفْعَة وَكَذَا الْمَحْدُود سَوَاء زيد على الْحَد الْمَشْرُوع أم لَا وَسَوَاء سلم نَفسه لِاسْتِيفَاء الْحَد مِنْهُ تَائِبًا أم لَا قَالَه الشبراملسي وَمعنى الشَّهَادَة لَهُم أَنهم {أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} 3 آل عمرَان الْآيَة 169 قَالَه الحصني وَالْأَوْجه فِي ذَلِك أَن يُقَال إِن كَانَ الْمَوْت مَعْصِيّة كَأَن تسببت الْمَرْأَة فِي إِلْقَاء الْحمل فَمَاتَتْ أَو ركب شخص الْبَحْر وسير السَّفِينَة فِي وَقت لَا تسير فِيهِ السفن فغرق لم تحصل لَهُ الشَّهَادَة للعصيان بِالسَّبَبِ المستلزم للعصيان بالمسبب وَإِن لم يكن السَّبَب مَعْصِيّة حصلت الشَّهَادَة وَإِن قارنها مَعْصِيّة لِأَنَّهُ لَا تلازم بَينهمَا وَمن ذَلِك مَا لَو صَاد حَيَّة وَهُوَ لَيْسَ حاذقا فِي صيدها أَو صنع نَحْو البهلوان وَلم يكن حاذقا فِي صَنعته فَمَاتَ فَلَيْسَ بِشَهِيد بِخِلَاف الحاذق فيهمَا فَإِنَّهُ شَهِيد لعدم تسببه فِي هَلَاك نَفسه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَكثر شُهَدَاء أمتِي لأَصْحَاب الْفرش أَي الَّذين يألفون النّوم على الْفرش وَلَا يهاجرون الْفرش ويقصدون للغزو وَقَالَ الْحَكِيم هَؤُلَاءِ قوم اطمأنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 نُفُوسهم إِلَى رَبهم وشغلوا بِهِ عَن الدُّنْيَا وتمنوا لقاءه فَإِذا حضرهم الْمَوْت جادوا بِأَنْفسِهِم طَوْعًا وبذلوها لَهُ إيثارا لمحبته على محبتها فهم وَمن قتل فِي معركة الْمُشْركين سَوَاء فينالون منَازِل الشُّهَدَاء لِأَن الشُّهَدَاء بذلوا أنفسهم سَاعَة من نَهَار وَهَؤُلَاء بذلوها طول الْعُمر وَأما شَهِيد الدُّنْيَا فَقَط فَهُوَ من قتل فِي قتال الْكفَّار بِسَبَبِهِ وَقد غل فِي الْغَنِيمَة أَو قتل مُدبرا على وَجه غير مرضِي شرعا أَو قَاتل رِيَاء أَو نَحوه وَأما شَهِيد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَعًا فَهُوَ من قتل كَذَلِك لَكِن قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وَمُرَاد الْفُقَهَاء أحد هذَيْن الْأَخيرينِ وحكمهما أَنه يجب الدّفن و (تحرم صَلَاة على شَهِيد) أَي شَهِيد المعركة (كغسله) لخَبر البُخَارِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر فِي قَتْلَى أحد بدفنهم بدمائهم وَلم يغسلهم وَلم يصل عَلَيْهِم وَلَو كَانَ جنبا وحائضا ونفساء لِأَن حَنْظَلَة بن الراهب قتل يَوْم أحد وَهُوَ جنب وَلم يغسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله وتزال وجوبا نَجَاسَة غير دم مُطلقًا كبول خرج بِسَبَب الْقَتْل وَدم حصل بِغَيْر سَبَب الشَّهَادَة وَإِن زَالَ بِسَبَبِهِ دَمهَا وَلَا يزَال النَّجس المعفو عَنهُ فَتحرم إِزَالَته إِن أدَّت إِلَى إِزَالَة دم الشَّهَادَة وَهُوَ الْخَارِج من الْمَقْتُول نَفسه وَهَذَا تحرم إِزَالَته (وَهُوَ) أَي شَهِيد المعركة الَّذِي يحرم غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ ضابطه أَنه (من) كل شخص (مَاتَ) وَلَو امْرَأَة أَو رَقِيقا أَو غير مُكَلّف (فِي قتال) كَافِر وَاحِد أَو (كفار) وَلَو كَانَ الْقَاتِل مُسلما لاستعانتهم بِهِ بِخِلَاف مَا لَو اسْتَعَانَ بغاة كفار علينا فالمقتول منا لَا يكون شَهِيدا إِلَّا من قَتله كَافِر أَو من لم تبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة قبل انْقِضَاء حَرْب الْكفَّار الْجَائِز (بِسَبَبِهِ) أَي الْقِتَال كَأَن قَتله كَافِر أَو أَصَابَهُ سلَاح مُسلم خطأ أَو عَاد عَلَيْهِ سلاحه أَو رمحته دَابَّته أَو سقط عَنْهَا أَو تردى حَال الْقِتَال فِي بِئْر أَو انْكَشَفَ عَنهُ الْحَرْب وَهُوَ ميت وَلم يعلم سَبَب مَوته وَإِن لم ير عَلَيْهِ أثر دم لِأَن الظَّاهِر أَن مَوته بِسَبَب الْحَرْب بِخِلَاف مَا إِذا انْقَضتْ الْحَرْب وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلَو كَانَ إِصَابَته فِيهَا جِرَاحَة يقطع بِمَوْتِهِ بِسَبَبِهَا ثمَّ مَاتَ بهَا وَالْحَاصِل أَن الْمَجْرُوح إِمَّا أَن تكون حركته حَرَكَة مَذْبُوح فَهُوَ شَهِيد جزما وَإِمَّا أَن تكون فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة ثمَّ هَذَا إِمَّا أَن يقطع بِمَوْتِهِ من الْجراحَة كَأَن قطعت أمعاؤه فَهُوَ غير شَهِيد فِي الْأَظْهر سَوَاء أَطَالَ الزَّمن أم قصر لِحَيَاتِهِ بعد انْقِضَاء الْقِتَال فَأشبه مَوته بِسَبَب آخر وَإِمَّا أَن لَا يقطع بِمَوْتِهِ مِنْهَا بل تتَوَقَّع حَيَاته فَغير شَهِيد جزما وَمن ذَلِك يفهم قَوْله (لَا أَسِير قتل صبرا) فَإِنَّهُ إِن قتل صبرا بعد انْقِضَاء الْحَرْب فَغير شَهِيد وَإِن قتل صبرا فِي بطن المعركة قبل انْقِضَائِهَا فشهيد وَبِخِلَاف من مَاتَ قبل انْقِضَاء الْحَرْب لَا بِسَبَبِهَا كَأَن مَاتَ بِمَرَض أَو فَجْأَة أَو قَتله مُسلم عمدا وَكَذَا لَو مَاتَ فِي قتال الْبُغَاة أَو فِي قتال الذميين من غير مجوز لَهُ فَلَيْسَ لَهُ حكم شَهِيد المعركة كمن اغتاله مُسلم مُطلقًا أَو كَافِر فِي غير قتال (وكفن شَهِيد) وجوبا وَيسن أَن يكون تكفينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 (فِي ثِيَابه) الَّتِي مَاتَ فِيهَا إِن اُعْتِيدَ لبسهَا غَالِبا وَإِن لم تكن بيضًا وَإِن لم تكن ملطخة بِالدَّمِ والملطخة بِهِ أولى فَإِن لم تكف وَجب تتميمها (لَا) يجوز تكفينه فِي (حَرِير) اضْطر إِلَيْهِ لِلْقِتَالِ بل ينْزع وجوبا كمحيط لبسه محرم للْحَاجة وَيسن نزع آلَة الْحَرْب عَنهُ كدرع وَكَذَا مَا لَا يعْتَاد التَّكْفِين فِيهِ كفروة وجبة محشوة وَلَو اخْتَلَط من يصلى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلم يتَمَيَّز كمسلم بِكَافِر وَغير شَهِيد بِشَهِيد وَسقط يصلى عَلَيْهِ بسقط لَا يصلى عَلَيْهِ وَجب تجهيز كل إِذْ لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بذلك وَيصلى على الْجَمِيع وَهُوَ أفضل أَو على وَاحِد فواحد بِقصد من يصلى عَلَيْهِ فِي الكيفيتين وَيغْتَفر التَّرَدُّد فِي النِّيَّة للضَّرُورَة وَيَقُول فِي الْمِثَال الأول وَهُوَ اخْتِلَاط مُسلم بِكَافِر اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُسلمِ مِنْهُمَا فِي الْكَيْفِيَّة الأولى وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ إِن كَانَ مُسلما فِي الْكَيْفِيَّة الثَّانِيَة وَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي الْمِثَال الثَّانِي وَالثَّالِث لانْتِفَاء الْمَحْذُور وَهُوَ الدُّعَاء بالمغفرة للْكَافِرِ (وَينْدب تلقين) ميت (بَالغ وَلَو شَهِيدا) خلافًا لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيّ (بعد دفن) لاحتياجه إِلَى التَّذْكِير فِي هَذَا الْوَقْت وَأَن يقْعد الملقن عِنْد رَأس الْقَبْر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ أحدكُم فسويتم عَلَيْهِ التُّرَاب فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمع وَلَا يُجيب ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ يَقُول أرشدنا يَرْحَمك الله وَلَكِن لَا تَسْمَعُونَ فَيَقُول لَهُ اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَإِن مُنْكرا ونكيرا يتَأَخَّر كل وَاحِد مِنْهُمَا فَيَقُول انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد هَذَا وَقد لقن حجَّته وَيكون الله عز وَجل حجيجه دونهمَا فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَإِن لم يعرف اسْم أمه قَالَ فلينسبه إِلَى حَوَّاء أما طِفْل وَلَو مراهقا وَمَجْنُون لم يتقدمه تَكْلِيف فَلَا يسن تلقينهما لِأَنَّهُمَا لَا يفتنان وَيسن أَن يقْرَأ عِنْده شَيْء من الْقُرْآن وَإِن ختم كَانَ أفضل (و) ينْدب (زِيَارَة قُبُور) أَي قُبُور الْمُسلمين (لرجل) أَي ويتأكد ندب ذَلِك فِي حق الْأَقَارِب خُصُوصا الْأَبَوَيْنِ وَلَو كَانُوا بِبَلَد آخر غير بلد الزائر وَيسن أَن يكون الزائر على طَهَارَة وَتكره زيارتها للنِّسَاء والخناثى هَذَا فِي غير زِيَارَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما هِيَ فَلَا تكره بل تكون من أعظم القربات للذكور وَالْإِنَاث وَيَنْبَغِي أَن تكون قُبُور سَائِر الْأَنْبِيَاء والأولياء كَذَلِك كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة والقمولي وَمحل ذَلِك إِذا أذن لَهَا الزَّوْج أَو السَّيِّد أَو الْوَلِيّ (وَسَلام) ندبا حَالَة كَون الزائر مُسْتَقْبلا وَجه الْقُبُور قَائِلا مَا علمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهُوَ السَّلَام على أهل الدَّار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ والمستأخرين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أَو مَا علمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه وَهُوَ السَّلَام على أهل الدَّار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة رَوَاهُ مُسلم زَاد أَبُو دَاوُد بِسَنَد ضَعِيف اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم وَلَا تفتنا بعدهمْ وَيقْرَأ وَيَدْعُو عقب قِرَاءَته وَالدُّعَاء ينفع الْمَيِّت وَهُوَ عقب الْقِرَاءَة أقرب للإجابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَينْدب وضع الشَّيْء الرطب على الْقَبْر كالجريد الْأَخْضَر وَالريحَان لِأَنَّهُ يسْتَغْفر للْمَيت مَا دَامَ رطبا وَلَا يجوز للْغَيْر أَخذه قبل يبسه وَأما بعد اليبس فَيجوز لَهُ أَخذه لِأَن وَاضعه أعرض عَنهُ حِينَئِذٍ كَمَا علم هَذَا فِي غير وَاضعه أما هُوَ فَإِن كَانَ الشَّيْء الْأَخْضَر قَلِيلا كخوصة أَو خوصتين فَلَا يجوز لَهُ أَخذه قبل يبسه لِأَنَّهُ صَار حَقًا للْمَيت أما إِذا كَانَ كثيرا فَإِنَّهُ يجوز لَهُ الْأَخْذ مِنْهُ ليضعه على قبر آخر مثلا وَينْدب جمع الْأَقَارِب فِي مَوضِع من الْمقْبرَة لِأَنَّهُ أسهل على الزائر وَالْأَفْضَل أَن يكون بجوار أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَلَو انْهَدم الْقَبْر على الْمَيِّت فالوارث مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أُمُور إِصْلَاحه وَتَركه وَنقل الْمَيِّت مِنْهُ إِلَى غَيره وَمثل ذَلِك انهيار التُّرَاب عَلَيْهِ عقب دَفنه وَمَعْلُوم أَن الْكَلَام حَيْثُ لم يخْش عَلَيْهِ نَحْو سبع أَو ظُهُور رَائِحَة وَإِلَّا وَجب إِصْلَاحه قطعا وَكَذَا لَو أفْضى انهدام الْقَبْر إِلَى ظُهُور شَيْء من الْمَيِّت والدفن فِي الْمقْبرَة أفضل من غَيره لينال الْمَيِّت دُعَاء الزائرين وَيكرهُ الْمبيت بهَا لما فِيهِ من الوحشة وَلَا يجوز جمع اثْنَيْنِ فِي قبر وَاحِد بل يفرد كل وَاحِد بِقَبْر وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ بِالْكَرَاهَةِ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس أَو الْمَحْرَمِيَّة أَو الزَّوْجِيَّة أَو عدم بُلُوغ حد الشَّهْوَة وَيكرهُ عِنْد شيخ الْإِسْلَام وَإِن اخْتلف الْجِنْس وَاخْتلفت الْمَحْرَمِيَّة لَكِن يَجْعَل بَينهمَا مَا يمْنَع التمَاس كتراب وَنَحْوه وَالْمُعْتَمد الأول نعم يسْتَثْنى من حُرْمَة الْجمع مَا لَو أوصى كل من الميتين بذلك فَيجوز لِأَن الْحق لَهُ وَمن ذَلِك إِدْخَال ميت على آخر قبل ذهَاب أَثَره وَيحرم جمع عِظَام الْمَوْتَى لدفن غَيرهم وَكَذَا وَضعه فَوْقهَا نعم إِن دعت الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك كَأَن كثرت الْمَوْتَى وعسر إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر لضيق الأَرْض فَيجمع بَين الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَكْثَر فِي قبر بِحَسب الضَّرُورَة وَيحرم نقل الْمَيِّت قبل دَفنه من مَحل مَوته إِلَى مَحل أبعد من مَقْبرَة مَحل مَوته ليدفن فِيهِ إِلَّا أَن يكون بِقرب مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس بِحَيْثُ تكون الْمسَافَة لَا يتَغَيَّر فِيهَا الْمَيِّت فَيجوز حِينَئِذٍ نَقله إِلَيْهَا بعد غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ فِي مَحل مَوته لتوجه الْفَرْض قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي أَن يكون مثل ذَلِك مَا لَو كَانَ بِقرب مَقَابِر أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح لِأَن الشَّخْص يقْصد الْجَار الْحسن فَائِدَة من مَاتَ فِي سفينة وَتعذر دَفنه فِي الْبر يجب أَن يوضع بعد غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ بَين لوحين مثلا ويرمى فِي الْبَحْر وَإِن ثقل بِحجر ليصل إِلَى الْقَرار فَهُوَ أولى تَنْبِيه مَحل تجهيز الْمَيِّت تركته ويراعى فِيهِ حَالَة سَعَة وضيق وَإِن كَانَ مقترا على نَفسه فِي حَيَاته إِلَّا زَوجته وخادمها الْمَمْلُوك لَهَا أَو الْمُكْتَرِي بالانفاق عَلَيْهِ فعلى زَوجهَا الْغَنِيّ وَلَو كَانَ غناهُ بِمَا يَخُصُّهُ من التَّرِكَة وَالْمرَاد بِهِ من يملك زِيَادَة على التَّجْهِيز مَا يَكْفِي مُؤنَة يَوْم وَلَيْلَة وَإِن امْتنع الزَّوْج من تجهيزها أَو كَانَ غَائِبا فجهزها الْوَرَثَة أَو غَيرهم من مَالهَا أَو غَيره رجعُوا عَلَيْهِ بذلك إِن فَعَلُوهُ بِإِذن حَاكم يرى ذَلِك وَإِلَّا فَلَا نعم إِن لم يُوجد الْحَاكِم كفى المجهز الْإِشْهَاد على أَنه جهز من مَال نَفسه ليرْجع وَخرج بِالزَّوْجِ ابْنه فَلَا يلْزم تجهيز زَوْجَة أَبِيه وَإِن لَزِمته نَفَقَتهَا فِي الْحَيَاة وَلَو أوصت الزَّوْجَة بتجهيزها من مَالهَا توقف على إجَازَة الْوَرَثَة لِأَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الزَّوْج حَيْثُ أسقطت الْوَاجِب عَلَيْهِ والمفتى بِهِ عِنْد الْحَنَفِيَّة أَن تجهيز الزَّوْجَة على الزَّوْج مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو لَا وَعند الْمَالِكِيَّة والحنابلة أَن تجهيزها من مَالهَا مُطلقًا فَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة فتجهيزه على من عَلَيْهِ نَفَقَته حَيا فِي الْجُمْلَة ليدْخل الْمكَاتب وَالْولد الْكَبِير الَّذِي كَانَ قَادِرًا على الْكسْب فَإِن لم يكن للْمَيت من تلْزمهُ نَفَقَته فتجهيزه فِي بَيت المَال فَإِن تعذر بَيت المَال فعلى مياسير الْمُسلمين وَمثل غيبَة الزَّوْج فِيمَا تقدم غيبَة من يجب عَلَيْهِ نَفَقَة الْمَيِّت فِي الْحَيَاة والمحكوم عَلَيْهِ فِيمَا تقدم بِأَنَّهُ فرض كِفَايَة هُوَ الْأَفْعَال وَأما الْأَعْيَان كَثمن المَاء والكفن وَأُجْرَة من يغسلهُ ويحمله ويلحده وَنَحْو ذَلِك فمما ذكر وَلَا بَأْس بالبكاء على الْمَيِّت قبل مَوته وَبعده وَالْأولَى عَدمه بِحَضْرَة المحتضر وَهُوَ قبل الْمَوْت مُبَاح وَأما بعده فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ لمحبة أَو رقة كالبكاء على الطِّفْل فَلَا بَأْس بِهِ وَالصَّبْر أجمل وَإِن كَانَ لما فقد من علمه وصلاحه وبركته وشجاعته فَيظْهر اسْتِحْبَابه وَإِن كَانَ لما فَاتَهُ من بره وَالْقِيَام بمصالحه فَيظْهر كَرَاهَته لتَضَمّنه عدم الثِّقَة بِاللَّه تَعَالَى وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين مَا كَانَ بِمُجَرَّد دمع الْعين أَو كَانَ بِرَفْع صَوت وَكَانَ دَاخِلا تَحت الِاخْتِيَار وَهَذَا كُله مَا لم يقْتَرن بِهِ مَا يدل على الْجزع كالنوح وشق الجيب وَنشر الشّعْر وتسويد الْوَجْه وَوضع التُّرَاب على الرَّأْس وَرفع الصَّوْت بإفراط فِي الْبكاء وَإِلَّا حرم وَلَا يعذب الْمَيِّت بِشَيْء من ذَلِك مَا لم يوص بِهِ بِأَن أوصى بِتَرْكِهِ أَو سكت أما إِذا أوصى بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ يعذب بِهِ وَيسن أَن يعزى كل من يحصل لَهُ عَلَيْهِ وجد حَتَّى الزَّوْجَة وَالصديق وتندب الْبدَاءَة بأضعفهم عَن حمل الْمُصِيبَة وَيُقَال فِي تَعْزِيَة الْمُسلم بِالْمُسلمِ أعظم الله أجرك وَأحسن عزاءك وَغفر لميتك وأخلف عَلَيْك وَيُقَال فِي تَعْزِيَة الْكَافِر بِالْمُسلمِ غفر الله لميتك وَأحسن عزاءك وَيَنْبَغِي للمعزي إِجَابَة التَّعْزِيَة بِنَحْوِ جَزَاك الله خيرا وَيسن زِيَارَة الْقُبُور وَورد أَن من زار قبر أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا فِي كل جُمُعَة مرّة غفر لَهُ وَكَانَ بارا لوَالِديهِ وَفِي رِوَايَة من زار قبر وَالِديهِ فِي جُمُعَة أَو أَحدهمَا فَقَرَأَ عِنْده {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} 36 يس الْآيَة 1 غفر الله لَهُ بِعَدَد ذَلِك آيَة وحرفا وَفِي رِوَايَة من زار قبر وَالِديهِ أَو أَحدهمَا يَوْم الْجُمُعَة كَانَ كحجة بَاب مَا يحرم اسْتِعْمَاله من اللبَاس والحلي وَمَا لَا يحرم لَا يجوز للرجل وَالْخُنْثَى اسْتِعْمَال الْحَرِير بِسَائِر أَنْوَاعه كالإبريسم والديباج والسندس والقز وَنَحْو ذَلِك بِمَا يعد اسْتِعْمَالا عرفا كالكتابة عَلَيْهِ وَلَو لصداق امْرَأَة حَيْثُ كَانَ الْكَاتِب رجلا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْكَاتِب أُنْثَى وَلَو للرجل فَلَا حُرْمَة وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَرِير على أَصله وَلم يكن مُسْتَهْلكا فَإِن اسْتهْلك كَمَا فِي ورق الْحَرِير فَلَا حُرْمَة وكجلوس تَحْتَهُ كناموسية وتدثر أَي تغط بِهِ كلحاف وَجهه حَرِير وَمِمَّا يحرم جُبَّة محشوة ظَاهرهَا أَو بَاطِنهَا حَرِير وَلَا يضر كَون الحشو وَحده حَرِيرًا لَا فِيهَا وَلَا فِي اللحاف وقلنسوة حَرِير فَإِن خيط شَيْء فَوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 اللحاف أَو الْجُبَّة أَو القلنسوة بِحَيْثُ ستر الْحَرِير حل اسْتِعْمَاله بِخِلَاف مُجَرّد وضع شَيْء على مَا ذكر بِدُونِ خياطَة فَلَا يَكْفِي وَمثل ذَلِك القاووق فَإِذا كَانَت بطانته وظهارته حَرِيرًا فَلَا بُد من خياطَة غشاء يعمهما أما لَو كَانَ أَحدهمَا حَرِيرًا فَقَط فَالْعِبْرَة بِهِ فِي الْخياطَة عَلَيْهِ وَمن الِاسْتِعْمَال الْجُلُوس عَلَيْهِ أَو الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ بِلَا حَائِل فيهمَا وَلَو رَقِيقا وَإِن لم يخط مَا لم يتَّخذ حَصِيرا من حَرِير وَإِلَّا فَالْوَجْه الْحُرْمَة وَإِن بسط فَوْقهَا شَيْئا لما فِيهِ من السَّرف وَمن الِاسْتِعْمَال ستر الجدران بِهِ إِلَّا ستر الْكَعْبَة وَمثلهَا قُبُور سَائِر الْأَنْبِيَاء على الْمُعْتَمد بِخِلَاف قُبُور غَيرهم وَلَو من أهل الصّلاح وَالْولَايَة على الْمُعْتَمد وَيحرم إلباسه للدواب لِأَنَّهَا لَا تنقص عَن ستر الجدران بِهِ وغطاء الْعِمَامَة وكيس الدَّرَاهِم وَيحرم التفرج على الزِّينَة الْمُحرمَة لكَونهَا بِنَحْوِ الْحَرِير بِخِلَاف الْمُرُور لحَاجَة فَلَا يحرم وَلَو أكره النَّاس عَلَيْهَا جَازَت لَهُ للْعُذْر وَحرم التفرج عَلَيْهَا لِأَن مَا هُوَ حرَام فِي نَفسه يحرم التفرج عَلَيْهِ وَإِن جَازَ فعله لعذر لِأَنَّهُ رضَا بِهِ وَكَذَا مَا أَكْثَره حَرِير بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ أَكْثَره من غير الْحَرِير أَو تَسَاويا فَلَا حُرْمَة وَالْعبْرَة بِالْوَزْنِ لَا بالظهور فِي الرُّؤْيَة فالأطالس الْمَعْرُوفَة حَلَال وَقيل بحرمتها وَفِيه تضييق وَمثل الْحَرِير فِي الْحُرْمَة المزعفر أَي الْمَصْبُوغ بالزعفران كُله أَو بعضه بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم الزَّعْفَرَان فِي الْعرف وَأما المعصفر فَإِنَّهُ مَكْرُوه بِخِلَاف سَائِر المصبوغات من أَحْمَر وأصفر وأخضر وأسود ومخطط فَإِنَّهَا تحل من غير كَرَاهَة فِي شَيْء مِنْهَا على الْمُعْتَمد وَيحل من الْحَرِير خيط الْمِفْتَاح وخيط الْمِيزَان وخيط الْكوز وغطاؤه وخيط المنطقة وخيط الْقنْدِيل وليقة الدواة وتكة اللبَاس وزر الطربوش وكيس الْمُصحف وخيطه وزر نَحْو الْقَمِيص وخيط الْخياطَة وخيط السبحة وَاخْتلف فِي شراريبها فَقيل حَلَال مُطلقًا وَقيل حرَام مُطلقًا وَالْمُعْتَمد التَّفْصِيل فالشرابة الَّتِي هِيَ طرف الْخَيط عِنْد الْمُسَمَّاة بالمئذنة تحل إِذا كَانَت من أصل خيط السبحة وَإِلَّا حرمت بِخِلَاف مَا بَين الحبات من الشراريب فَإِنَّهَا تحرم وَلَو من أصل الْخَيط وَيحل الْمَشْي على الْحَرِير وَلَو مَعَ التَّرَدُّد وَيجوز الدُّخُول بَين ستر الْكَعْبَة وجدارها لنَحْو الدُّعَاء وَيجوز الالتصاق بسترها من خَارج فِي نَحْو الْمُلْتَزم وَلمن لَهُ ولَايَة التَّأْدِيب إلباس الْحَرِير للصَّبِيّ وَالْمَجْنُون لَا افتراشه وَلَا ادثاره وَيحل وضع الأشرطة بِشَرْط أَن لَا تزيد على وزن الثَّوْب وَأَن لَا تزيد الأشرطة على أَرْبَعَة أَصَابِع فِي الْعرض وَإِن زَادَت فِي الطول وَأَن لَا تزيد الرقع على أَرْبَعَة أَصَابِع طولا وعرضا وَيحل التطريف بالحرير بِأَن يَجْعَل طرف ثَوْبه مسجفا بِهِ قدر عَادَة أَمْثَاله من غير نظر إِلَى زِيَادَة الْوَزْن فَإِن زَاد على عَادَة أَمْثَاله وَجب قطع الزَّائِد وَإِن بَاعه لمن هُوَ عَادَته بِخِلَاف مَا لَو اشْتَرَاهُ مِمَّن عَادَته ذَلِك وَكَانَ زَائِدا على عَادَة أَمْثَال المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يحل لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء وَيجوز اسْتِعْمَال الْحَرِير لضَرُورَة كحر وَبرد مهلكين أَو مضرين وكفجأة حَرْب ولحاجة كجرب وَدفع قمل وَستر عَورَة فِي الصَّلَاة وَعَن عُيُون النَّاس وَفِي الْخلْوَة إِذا لم يجد غير الْحَرِير فِي الْجَمِيع مِمَّا يقوم مقَامه وَيحرم على الرجل وَالْخُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْيَسِير وَالْكثير نعم يجوز لَهما لبس خَاتم الْفضة حَيْثُ كَانَ على عَادَة أمثالهما قدرا ومحلا وَصفَة وَكَذَا يجوز لَهما اتِّخَاذ الْأنف والأنملة وَالسّن مِنْهُمَا وَلَو تعدّدت الْأُنْمُلَة حَيْثُ تعدّدت الْأَصَابِع بعددها وَلَا يجوز اتِّخَاذ أصْبع بكمالها مِنْهُمَا وَأما الأنملتان من أصْبع وَاحِد فَإِن كَانَتَا من أَعلَى الْأَصَابِع جَازَ اتخاذهما لوُجُود الْعَمَل بِوَاسِطَة الْأُنْمُلَة السُّفْلى وَإِن كَانَتَا من أَسْفَله امْتنع لعدم وجود الْعَمَل وَيحل للرجل حلية آلَة الْحَرْب بِالْفِضَّةِ وَإِن لم يكن مُحَاربًا لِأَن الْمَقْصُود إغاظة الْكفَّار وَهِي حَاصِلَة وَلَو لمن بِدَارِنَا مِنْهُم وَذَلِكَ بِشَرْط أَن تكون هَذِه الْآلَة مِمَّا يصلح للحرب عَادَة كسيف ورمح وسكين الْحَرْب وترس وَمثل ذَلِك الحياصة والدرع والخف بِشَرْط عدم السَّرف أما مَعَ السَّرف فَتحرم لَا مثل سكين المهنة والمقشط وَنَحْوه فَلَا يجوز فِيهِ ذَلِك وَخرج بالآلة أوعيتها كالقراب وَنَحْوه فَلَا يجوز فِيهِ ذَلِك وَمثل ذَلِك مَا لَيْسَ ملبوسا لَهُ كسرج ولجام وركاب وَخرج بِالْفِضَّةِ الذَّهَب فَيحرم ذَلِك مِنْهُ مُطلقًا وَخرج بِالرجلِ الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى فَلَا يجوز لَهما شَيْء من ذَلِك لما فِيهِ من التَّشَبُّه بِالرِّجَالِ والتحلية تسمير قطع النَّقْد على نفس الْآلَة مَعَ الإحكام فَخرج التمويه فَإِن فعله حرَام مُطلقًا لما فِيهِ من إِضَاعَة المَال وَتحرم تحلية الدواة والمرآة وَنَحْوهمَا وَمثل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْحُرْمَة المنسوج بهما كُله أَو بعضه والمطلى بِأَحَدِهِمَا إِذا حصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار وَمن المطلى أَطْرَاف الشاشات الَّتِي فِيهَا قصب فَيحل ذَلِك إِن لم يحصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار وَإِلَّا حرم أما الْمَرْأَة فَيحل لَهَا جَمِيع ذَلِك لباسا وفرشا وَغَيرهمَا بِالنِّسْبَةِ للحرير أما المنسوج والمموه بِالذَّهَب أَو الْفضة وَكَذَا الْمُطَرز بهما وبأحدهما فَيحل لبسه فَقَط على الْمُعْتَمد وَيحرم عَلَيْهَا فرشه وَالْجُلُوس عَلَيْهِ وَغَيرهمَا من سَائِر وُجُوه الاستعمالات لِأَن عِلّة الْحل تزينها الدَّاعِي إِلَى الْميل إِلَيْهَا وَوَطئهَا الْمُؤَدِّي إِلَى كَثْرَة النَّسْل الْمَطْلُوب للشارع وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي غير اللّبْس وَالْحَاصِل أَن سَائِر أَنْوَاع الذَّهَب وَالْفِضَّة يجوز للنِّسَاء اسْتِعْمَاله وَمن ذَلِك القبقاب فَيجوز لَهَا اتِّخَاذه من ذهب أَو فضَّة إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ الأولى الْأَوَانِي إِذْ لَا فرق فِي تَحْرِيمهَا بَين النِّسَاء وغيرهن وَمِنْهَا القماقم والمباخر وظروف الفناجيل فَتحرم على الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالثَّانيَِة المنسوج والمموه والمطرز بهما على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وَيجوز لمن لَهُ ولَايَة التَّأْدِيب إلباس حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة والمموه بهما للصَّبِيّ وَلَو مراهقا وَله إلباسه نعلا من ذهب حَيْثُ لَا سرف عَادَة وَمثل ذَلِك الحياصة وَأما الخنجر والسكين المطليان بِالذَّهَب أَو الْفضة فَيحرم إلباسهما لَهُ إِن حصل من الطلاء شَيْء بِالْعرضِ على النَّار وَلَا يجوز أَن يفرش لَهُ الْحَرِير وَلَا المموه بِالذَّهَب أَو الْفضة وَمثله فِي جَمِيع ذَلِك الْمَجْنُون وَيحرم خرم الْأنف ليجعل فِيهِ حَلقَة من ذهب أَو نَحوه لَا فرق فِي ذَلِك بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَا عِبْرَة بِاعْتِبَار ذَلِك لبَعض النَّاس فِي نِسَائِهِم وَأذن الصَّبِي كَذَلِك وَلَا نظر لمزيته بذلك وَأما الْأُنْثَى فَيجوز خرم أذنها على الْمُعْتَمد وَيجوز تحلية الْمُصحف بِالْفِضَّةِ للرِّجَال وَالنِّسَاء وبالذهب للنِّسَاء خَاصَّة وَخرج بالتحلية التمويه فَهُوَ حرَام مُطلقًا لما فِيهِ من إِضَاعَة المَال سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بَاب الزَّكَاة حصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار أَولا وَتجوز كِتَابَته بهما لَا تحلية كتب علم أَو حَدِيث وَلَا كتابتهما بهما وَيحرم تحلية قُبُور سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ والكعبة ومقام إِبْرَاهِيم بِالذَّهَب أَو الْفضة وَمثل ذَلِك مَا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمُجْمل الْمَعْرُوف فَهُوَ حرَام وَيحرم التفرج عَلَيْهِ وَلَا يَصح الْوَقْف عَلَيْهِ وَكَذَا الذَّهَب الَّذِي على كسْوَة الْكَعْبَة والبرقع على الْمُعْتَمد وَقَالَ البُلْقِينِيّ يجوز كسْوَة الْكَعْبَة بالحرير المنسوج بِالذَّهَب لما فِيهِ من التَّعْظِيم بكسوتها الفاخرة وَيحل لبس شَيْء تنجس لَا رُطُوبَة فِيهِ لِأَن نَجَاسَته عارضة سهلة الْإِزَالَة وَلَا يحل لبس نجس الْعين كَجلْد الْميتَة لما يجب عَلَيْهِ من التنقية باجتناب النَّجس لإِقَامَة الْعِبَادَة إِلَّا لضَرُورَة كحر وَنَحْوه وَيحل لِبَاس الْجلد النَّجس للدابة إِذْ لَا تعبد عَلَيْهَا مَا لم يكن من مغلظ تَتِمَّة لَا يحرم اسْتِعْمَال النشاء فِي الثِّيَاب من الْمَالِك لَهَا أَو بِإِذْنِهِ وَاسْتِعْمَال الدقاق فِي غسل الْأَيْدِي بِقدر الْحَاجة وَالْأولَى لمَالِك الثِّيَاب ترك دقها أما إِذا كَانَ ذَلِك للْبيع فَهُوَ من الْغِشّ الْمحرم فَيجب إِعْلَام المُشْتَرِي بِهِ وَالْأولَى أَيْضا ترك صقلها وَيَنْبَغِي طي الثِّيَاب وَذكر اسْم الله عَلَيْهَا لما ورد من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسْم الله تَعَالَى عَلَيْهَا لِئَلَّا تلبسها الْجِنّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُم بِالنَّهَارِ فتبلى سَرِيعا وَينْدب للْعُلَمَاء والقضاة التزين بِمَا صَار شعارا لَهُم ليعرفوا فيسئلوا وليطاعوا فِيمَا عَنهُ زجروا وَيحرم على غَيرهم التزيي بزيهم لما فِيهِ من التلبيس كَمَا يحرم على غير الصَّالح التزيي بزِي الصلحاء وَفِي لبس الْعِمَامَة الخضراء لمن لَيْسَ من أَوْلَاد فَاطِمَة خلاف والشريف هُوَ الَّذِي لَهُ نسب من جِهَة الْأَب وَأما الَّذِي نسبه من جِهَة الْأُم فَقَط فَلَيْسَ شريفا نعم لَهُ مزية على من لم يكن لَهُ نِسْبَة أصلا لِأَنَّهُ من ذُريَّته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن أَقَاربه بَاب الزَّكَاة وَهِي اسْم لما يخرج عَن مَال أَو بدن سمي بهَا ذَلِك لِأَنَّهُ يطهر الْمخْرج عَنهُ عَن تدنيسه بِحَق الْمُسْتَحقّين والمخرج عَن الْإِثْم ويقيه من الْآفَات ويمدحه عِنْد الله تَعَالَى حَتَّى يشْهد لَهُ بِصِحَّة الايمان وأصل وُجُوبهَا قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا} 9 التَّوْبَة الْآيَة 103 وَقَوله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} 9 التَّوْبَة الْآيَة 5 وأخبار كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة قنطرة الْإِسْلَام رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَي الزَّكَاة جسر الْإِسْلَام الَّذِي يعبر مِنْهُ إِلَيْهِ فإيتاؤها طَرِيق فِي التَّمَكُّن فِي الدّين ووجوبها مَعْلُوم ضَرُورَة فيكفر جاحدها فِي الْمجمع عَلَيْهَا دون الْمُخْتَلف فِيهَا كَزَكَاة الرِّكَاز وَزَكَاة التِّجَارَة وَزَكَاة مَال الصَّبِي وَمن جهلها عرف بهَا فَإِن جَحدهَا بعد ذَلِك كفر وفرضت فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 بعد زَكَاة الْفطر (تجب) أَي الزَّكَاة (على) كل (مُسلم) وَلَو غير مُكَلّف وَالْمرَاد أَنَّهَا تلْزم فِي مَاله فعلى الْوَلِيّ إخْرَاجهَا مِنْهُ إِن اعْتقد الْوُجُوب كشافعي وَإِلَّا كحنفي فَلَا أما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فَلَا يلْزمه إخْرَاجهَا وَلَو بعد الْإِسْلَام لكنه يُعَاقب عَلَيْهَا زِيَادَة على كفره وَالزَّكَاة الْوَاجِبَة بِالْإِسْلَامِ لَا تسْقط بِالرّدَّةِ ووقف الْأَمر فِي مَال الْمُرْتَد لردته فَإِن مَاتَ مُرْتَدا بعد مُضِيّ حول من ردته بَان أَن لَا مَال لَهُ من حينها فَلَا زَكَاة وَإِن أسلم أخرج مَا مضى وَله الْإِخْرَاج فِي ردته وَإِن لم تصح نِيَّته للضَّرُورَة (حر) وَلَو كَانَ حر الْبَعْض وَقد ملك بِبَعْضِه الْحر نِصَابا لتَمام ملكه على مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر أما الْقِنّ فَلَا تلْزمهُ لعدم ملكه وَكَذَا الْمكَاتب لضعف ملكه وَلَا تلْزم سَيّده لِأَنَّهُ غير مَالك وَلَا بُد من أَن يكون من وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة معينا مُنْفَصِلا فَلَا زَكَاة فِي مَال بَيت المَال وريع مَوْقُوف على نَحْو الْفُقَرَاء والمساجد لعدم تعين الْمَالِك بِخِلَاف الْمَوْقُوف على معِين وَاحِد أَو جمَاعَة وَلَا زَكَاة فِي مَال وقف على جَنِين لِأَنَّهُ لَا ثِقَة لوُجُوده وَلَا لِحَيَاتِهِ ثمَّ الزَّكَاة نَوْعَانِ زَكَاة بدن وَهِي الْفطْرَة وَزَكَاة مَال وَهِي وَاجِبَة فِي ثَمَانِيَة أَصْنَاف من أَجنَاس المَال وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة والزروع وَالنَّخْل وَالْعِنَب وَالْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَيجب صرف الزَّكَاة لثمانية أَصْنَاف من طَبَقَات النَّاس وَأما عرُوض التِّجَارَة فَهِيَ ترجع لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّة لِأَن زَكَاتهَا تتَعَلَّق بِقِيمَتِهَا وَهِي إِنَّمَا تكون مِنْهُمَا بِخِلَاف زَكَاة الْبَاقِي فَإِنَّهَا تتَعَلَّق بِعَيْنِه وَيجب (فِي ذهب) وَلَو غير مَضْرُوب (بلغ عشْرين مِثْقَالا وَفِضة) وَلَو غير مَضْرُوبَة (بلغت مِائَتي دِرْهَم ربع عشر) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي أقل من عشْرين دِينَارا شَيْء وَفِي عشْرين نصف دِينَار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وأواق كجوار وَذَلِكَ بِوَزْن مَكَّة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِكْيَال مكيال الْمَدِينَة وَالْوَزْن وزن مَكَّة والمثقال لم يتَغَيَّر جَاهِلِيَّة وَلَا إسلاما وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّة شعير معتدلة لم تقشر وَقطع من طرفيها مَا دق وَطَالَ وَالْمرَاد بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِم الإسلامية الَّتِي كل عشرَة مِنْهَا سَبْعَة مَثَاقِيل وكل عشرَة مَثَاقِيل أَرْبَعَة عشر درهما وسبعان وَكَانَت مُخْتَلفَة فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ ضربت على هَذَا الْوَزْن فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز أَو عبد الْملك بن مَرْوَان أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا يكمل نِصَاب أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ لاخْتِلَاف الْجِنْس ويكمل الْجيد بالرديء من الْجِنْس الْوَاحِد وَعَكسه وَإِن اخْتلف النَّوْع وَالْمرَاد بالجودة النعومة وَنَحْوهَا وبالرداءة الخشونة وَنَحْوهَا وَيُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ إِن سهل بِأَن قلت الْأَنْوَاع وَإِلَّا أَخذ من الْوسط وَلَا يجزىء رَدِيء ومكسور عَن جيد وصحيح وَله اسْتِرْدَاده إِن بَين عِنْد الدّفع أَنه عَن ذَلِك المَال وَإِلَّا فَلَا وَإِذا جَازَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد فَإِن بَقِي أَخذه وَإِلَّا أخرج التَّفَاوُت وَكَيْفِيَّة معرفَة التَّفَاوُت أَن يقوم الْمخْرج بِجِنْس آخر كَأَن يكون مَعَه مِائَتَا دِرْهَم جَيِّدَة فَأخْرج عَنْهَا خَمْسَة مَعِيبَة والجيدة تَسَاوِي بِالذَّهَب نصف دِينَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 والمعيبة تَسَاوِي بِهِ خمسي دِينَار فَيبقى عَلَيْهِ دِرْهَم جيد وَذَلِكَ لِأَن نصف الدِّينَار إِذا قسم على الْخَمْسَة الجيدة خص كل نصف خمس مِنْهُ دِرْهَم والمعيبة تَسَاوِي خمسي دِينَار وقيمتهما أَرْبَعَة دَرَاهِم من الجيدة فَيبقى من نصف الدِّينَار نصف خمس يُقَابل بدرهم من الجيدة ويجزىء الْجيد وَالصَّحِيح عَن ضدهما بل هُوَ أفضل (كَمَال تِجَارَة) فَإِنَّهُ يجب فِيهِ ربع عشر قِيمَته آخر الْحول من نقد رَأس المَال الَّذِي اشْترى الْعرض بِهِ وَلَو فِي ذمَّته وَإِن كَانَ بعض نِصَاب أَو أبْطلهُ السُّلْطَان أَو لم يكن هُوَ الْغَالِب لِأَنَّهُ أصل مَا بِيَدِهِ وَأقرب إِلَيْهِ من نقد الْبَلَد أما أَنه ربع الْعشْر فَكَمَا فِي النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ يقوم بهما وَأما أَنه من الْقيمَة فَلِأَنَّهَا المنضبطة وَألْحق الرِّبْح بِالْأَصْلِ لِأَنَّهُ إِن ضم إِلَيْهِ فِي الْحول بِأَن لم ينض من جنس مَا يقوم بِهِ كَانَ كالنتاج مَعَ الْأُمَّهَات وَإِلَّا بِأَن أفرد بحول فَهُوَ مَال تِجَارَة وَإِنَّمَا انْقَطع عَن الأَصْل فِي الْحول فَقَط لبَقَاء حكمه عَلَيْهِ فِي قدر الْمخْرج وَمحل الْإِخْرَاج وَأما اعْتِبَاره بآخر الْحول فَلِأَنَّهُ وَقت الْوُجُوب فَقطع النّظر عَمَّا سواهُ لاضطراب الْقيم وَلَو كَانَ رَأس المَال عرضا للْقنية أَو نِكَاحا أَو خلعا أَو صلحا عَن دم عمد فَيقوم مَال التِّجَارَة بغالب نقد الْبَلَد من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير فَإِن بلغ نِصَابا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَو حَال الْحول بِموضع لَا نقد فِيهِ كبلد يتعامل فِيهَا بفلوس أَو نَحْوهَا اعْتبر أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ أَو بِموضع فِيهِ نقدان غالبان قوم بِمَا بلغ بِهِ نِصَابا لتحَقّق تَمام النّصاب بِأحد النَّقْدَيْنِ فَإِن بلغه بهما تخير الْمَالِك فَيقوم بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأَصْل فِي وجوب زَكَاة التِّجَارَة قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 267 قَالَ مُجَاهِد نزلت هَذِه الْآيَة فِي زَكَاة التِّجَارَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِبِل صدقتها وَفِي الْبَقر صدقتها وَفِي الْغنم صدقتها وَفِي الْبر صدقته (وَشرط) لوُجُوب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة (تَمام نِصَاب كل الْحول) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره نعم لَو ملك نِصَابا سِتَّة أشهر مثلا ثمَّ أقْرضهُ إنْسَانا لم يَنْقَطِع الْحول كَمَا نَقله الرَّمْلِيّ عَن الرَّافِعِيّ أَي لِأَنَّهُ لما كَانَ بَاقِيا فِي ذمَّة الْغَيْر كَأَنَّهُ لم يخرج عَن ملكه وَكَذَا مَا نَقله شيخ الْإِسْلَام عَن البُلْقِينِيّ وَهُوَ عَن أبي حَامِد لَكِن قَالَ الشرقاوي وَالْمُعْتَمد وجوب الِاسْتِئْنَاف فِي ذَلِك فِي حق كل من الْمُقْتَرض والمقرض أما الْمُقْتَرض فَلِأَن النّصاب لم يدْخل فِي ملكه إِلَّا بِقَبْضِهِ فَيدْخل فِيهِ وَإِن لم يتَصَرَّف فِي ذَلِك المَال وَأما الْمقْرض فَلِأَن المَال خرج عَن ملكه بالإقراض فَتجب عَلَيْهِ الزَّكَاة إِذا تمّ الْحول من الْإِقْرَاض بِمَعْنى أَنَّهَا تَسْتَقِر فِي ذمَّته وَلَا يجب الْإِخْرَاج إِلَّا إِذا رَجَعَ لَهُ النّصاب (وَيَنْقَطِع) أَي الْحول (بتخلل زَوَال ملك) فَإِن زَالَ ملكه فِي أثْنَاء الْحول عَن النّصاب أَو بعضه بِبيع أَو غَيره فَعَاد بشرَاء أَو غَيره اسْتَأْنف الْحول لانقطاعه بِزَوَال ملكه فعوده ملك جَدِيد فَلَا بُد لَهُ من حول وَمن ذَلِك مُبَادلَة أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ الْمُسَمَّاة بالمصارفة كصرف ريالات فضَّة بِذَهَب كَمَا يَفْعَله الصيارفة فيستأنف الْحول كلما بادل هَذَا فِي غير التِّجَارَة أما هِيَ فَلَا تضر الْمُبَادلَة فِيهَا أثْنَاء الْحول وَهِي جَائِزَة مَعَ الْكَرَاهَة إِن وجدت الشُّرُوط الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْحُلُول والتقابض والمماثلة عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس والاثنان اللَّذَان هما الْحُلُول والتقابض عِنْد اختلافه وَلم يشْتَمل النقدان أَو أَحدهمَا على غش وَوجدت الصِّيغَة وَإِلَّا بِأَن لم تُوجد الشُّرُوط أَو لم تُوجد صِيغَة كَانَت الْمُبَادلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 بَاطِلَة وَكَذَا إِن اشتملا على غش لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ من قَاعِدَة مد عَجْوَة وَدِرْهَم (وَكره) أَي فعل زَوَال ملك (لحيلة) أَي بِأَن قصد بِهِ الْفِرَار من الزَّكَاة فَقَط وَلم يكن ذَلِك لحَاجَة لِأَنَّهُ فرار من عبَادَة فَإِن أطلق أَو كَانَ لحَاجَة فَقَط أَو لَهَا وللفرار مَعًا فَلَا كَرَاهَة (وَلَا زَكَاة فِي حلي مُبَاح) كالحلي من ذهب أَو فضَّة للبس امْرَأَة (وَلَو) اتَّخذهُ بِلَا قصد أَو قصد لإعارة أَو (لإجارة) لَهَا إِلَّا إِن أسرفت كخلخال وزن مَجْمُوع فردتيه مِائَتَا مِثْقَال مثلا فَلَا يحل لَهَا وَتجب زَكَاته وَلَو اشْترى إِنَاء ليتخذه حليا مُبَاحا فحبس واضطر إِلَى اسْتِعْمَاله فِي طهره مثلا وَلم يُمكنهُ غَيره فَبَقيَ حولا كَذَلِك أَو للشُّرْب مِنْهُ لمَرض أخبر من الثِّقَة أَنه لَا يُزِيلهُ إِلَّا هُوَ وأمسكه لأَجله أَو اتخذ الْإِنَاء ابْتِدَاء لذَلِك لَا تلْزمهُ زَكَاته لِأَنَّهُ معد لاستعمال مُبَاح (إِلَّا) إِذا كَانَ الْمُبَاح مصحوبا (بنية كنز) فَتجب زَكَاته للصرف لَهُ بِهَذِهِ النِّيَّة عَن الِاسْتِعْمَال فَصَارَ مُسْتَغْنى عَنهُ كالدراهم أَو كَانَ الْمَالِك لم يُعلمهُ بِأَن ورث حليا مُبَاحا وَلم يُعلمهُ إِلَّا بعد حول فَتجب زَكَاته لِأَنَّهُ لم ينْو إِمْسَاكه لاستعمال مُبَاح وَخرج بالحلي الْمُبَاح الْمحرم كالمرود والإبرة وخلال الْأَسْنَان من ذهب أَو فضَّة فَإِنَّهَا مُلْحقَة بِالْإِنَاءِ وكسن الْخَاتم من ذهب والدملج مِنْهُ للرجل سَوَاء كَانَ الْمحرم لعَينه كآنية أَو بِالْقَصْدِ كقصد رجل لبس حلي امْرَأَة أَو عَكسه أَو لغَيْرِهِمَا كتبر مَغْصُوب صِيغ حليا وَالْمَكْرُوه كضبة صَغِيرَة للزِّينَة وَمَا فِيهِ أدنى سرف فَتجب زكاتهما (و) يجب (فِي قوت كبر وأرز) بِفَتْح الْهمزَة وَضم الرَّاء وَتَشْديد الزَّاي وَهِي اللُّغَة الْمَشْهُورَة واللغة الثَّانِيَة كَذَلِك إِلَّا أَن الْهمزَة مَضْمُومَة أَيْضا الثَّالِثَة ضمهما وَتَخْفِيف الزَّاي على وزن كتب الرَّابِعَة بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء كوزن قفل الْخَامِسَة حذف الْهمزَة وَتَشْديد الزَّاي السَّادِسَة رنز بنُون بَين الرَّاء وَالزَّاي السَّابِعَة فتح الْهمزَة مَعَ تَخْفيف الزَّاي على وزن عضد (وتمر وعنب بلغ) أَي الْقُوت (خَمْسَة أوسق منقى) من تبن وقشر لَا يُؤْكَل مَعَه غَالِبا وَغَيرهمَا (عشر) لخَبر لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة وَخبر مُسلم لَيْسَ فِي حب وَلَا تمر صَدَقَة حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق وَإِنَّمَا تخْتَص الزَّكَاة بالقوت لِأَن الاقتيات من الضروريات الَّتِي لَا حَيَاة بِدُونِهَا وَخرج بِهِ مَا يُؤْكَل تداويا أَو تنعما أَو تأدما كالزيتون والزعفران وَعسل النَّحْل وَحب الفجل والبطيخ وَالرُّمَّان وَغَيرهَا والوسق سِتُّونَ صَاعا كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره فمجموع الْخَمْسَة ثَلَاثمِائَة صَاع والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد فَيكون النّصاب ألف مد ومائتي مد وَأما مَا يُؤْكَل قشره مَعَه غَالِبا كالذرة فَلَا يعْتَبر تقشيره عَنهُ بل يدْخل فِي الْحساب وَإِن أزيل تنعما كَمَا يقشر الْبر وَأما مَا يدّخر فِي قشره وَلَا يُؤْكَل مَعَه كالأرز فنصابه عشرَة أوسق اعْتِبَارا بقشره الَّذِي ادخاره فِيهِ أصلح لَهُ وَأبقى بِالنِّصْفِ فتصفيته من قشره لَا تجب وقشره لَا يدْخل فِي الْحساب نعم لَو حصلت الْخَمْسَة أوسق من دون الْعشْرَة اعتبرناه دونهَا وَذَلِكَ (إِن سقِِي) أَي الْقُوت (بِلَا مُؤنَة) كَمَاء مطر أَو نهر أَو عين أَو قناة أَو ساقية حفرت من النَّهر وَإِن احْتَاجَت لمؤنة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا سقت السَّمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْعشْر (وَإِلَّا) يكن كَذَلِك بِأَن سقِِي بمؤنة كالدالية (فنصفه) أَي الْعشْر لخَبر الشَّيْخَيْنِ فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر والعثرى بِفَتْح الْعين والثاء الْمُثَلَّثَة أَو بِسُكُون الثَّانِيَة هُوَ أَن يحْفر حفيرة يجْرِي فِيهَا المَاء من السَّيْل إِلَى أصُول الشّجر وَتسَمى تِلْكَ الحفيرة عاثورا لِأَن الْمَار عَلَيْهَا يتعثر بهَا والنضح هُوَ حمل المَاء من نهر أَو بِئْر بحيوان لسقي الزَّرْع وَيُسمى الْبَعِير الذّكر ناضحا وَالْأُنْثَى ناضحة وَيُسمى هَذَا الْحَيَوَان أَيْضا سانية وَإِن سقِِي بمؤنة ودونها على السوية وَجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر أَو كَانَ ثلثا السَّقْي بمطر وَثلثه بدالية وَجب خَمْسَة أَسْدَاس الْعشْر وَفِي عَكسه ثُلُثَاهُ وَيكون التقسيط بِاعْتِبَار عَيْش الزَّرْع أَو الثَّمر بِاعْتِبَار الْمدَّة لَا بِاعْتِبَار السقيات فَلَو كَانَت الْمدَّة من يَوْم الزَّرْع إِلَى يَوْم الْإِدْرَاك ثَمَانِيَة أشهر وَاحْتَاجَ فِي سِتَّة أشهر من الشتَاء وَالربيع إِلَى سقيتين فسقي بِمَاء السَّمَاء وَفِي شَهْرَيْن من الصَّيف إِلَى ثَلَاث سقيات فسقي بالنضح وَجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر للسقيتين وَربع نصفه للثلاث وَإِن جهل الْمِقْدَار جعل نِصْفَيْنِ فَيجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر أخذا بالأحوط وَلَو علم أَن أَحدهمَا أَكثر وَجَهل عينه فَالْوَاجِب ينقص عَن الْعشْر وَيزِيد على نصفه فَيُؤْخَذ وَيُوقف الْبَاقِي إِلَى الْبَيَان وَالْمعْنَى فِي التَّفْرِقَة كَثْرَة الْمُؤْنَة وخفتها وَلَا فرق فِي وجوب الْعشْر أَو نصفه بَين الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة وَذَات الْخراج وَغَيرهمَا وَتَكون الأَرْض خَرَاجِيَّة إِذا فتحهَا الإِمَام عنْوَة ثمَّ تعوضها من الْغَانِمين ووقفها علينا وَضرب عَلَيْهَا خراجا أَو فتحهَا صلحا على أَن تكون لنا ويسكنها الْكفَّار بخراج مَعْلُوم فَهُوَ أُجْرَة لَا يسْقط بِإِسْلَامِهِمْ فَإِن سكنوها بِهِ وَلم تشْتَرط هِيَ لنا كَانَ جِزْيَة تسْقط بِإِسْلَامِهِمْ قَالَ حُسَيْن الْمحلي فِي كشف اللثام نقلا عَن فَتَاوَى الرَّمْلِيّ لَا تسْقط الزَّكَاة عَن الأَرْض الخراجية وَلَا يحْسب مَا يَأْخُذهُ السُّلْطَان من الْخراج أَو ظلما من الزَّكَاة وَلَا يقوم ذَلِك مقَامهَا لِأَن الْآخِذ لَيْسَ من مستحقيها (و) يجب (فِي كل خمس إبل) بِالتَّنْوِينِ فيهمَا على أَن الثَّانِي بدل أَو عطف بَيَان كَمَا قَالَه ابْن حجر فِي فتح الْجواد (شَاة) جَذَعَة ضَأْن لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة أَو أجذعت قبلهَا تَنْزِيلا لَهُ منزلَة الْبلُوغ بالاحتلام أَو ثنية معز لَهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة وَلَو كَانَ الْمخْرج من الشَّاة ذكرا وَإِبِله كلهَا إناث وإيحاب الْغنم فِي الْإِبِل على خلاف الْقَاعِدَة رفقا بالفريقين لِأَنَّهُ لَو وَجب بعير لأضر بأرباب الْأَمْوَال وَلَو وَجب جُزْء لأضر بالفريقين بالتشقيص وَوُجُوب الشَّاة فِي كل خمس من الْإِبِل مُسْتَمر (إِلَى خمس وَعشْرين) مِنْهَا فَإِذا بلغت ذَلِك الْعدَد (فبنت مَخَاض) وَهِي واجبها إِلَى سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهِي ذَات سنة كَامِلَة سميت بذلك لِأَن أمهَا آن لَهَا أَن تصير من الْمَخَاض أَي الْحَوَامِل فَإِن لم يكن فِي إبِله بنت مَخَاض فَابْن لبون وَلَو خُنْثَى أَو مَعَ قدرته على شِرَاء بنت مَخَاض أَو كَانَت قِيمَته أقل مِنْهَا (وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ) إِلَى سِتّ وَأَرْبَعين (بنت لبون) وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا سنتَانِ سميت بذلك لِأَنَّهَا آن لأمها أَن تَلد ثَانِيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فَتكون ذَات لبن فَإِن فقدها لم يجز عَنْهَا حق (وست وَأَرْبَعين) إِلَى إِحْدَى وَسِتِّينَ (حقة) وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا ثَلَاث سِنِين وَسميت بذلك لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن يطرقها الْفَحْل وَأَن تركب وَيحمل عَلَيْهَا (وَإِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا أَربع سِنِين سميت بذلك لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أجذعت مقدم أسنانها أَي أسقطته وَهِي آخر أَسْنَان إبل الزَّكَاة واعتبرت فِي الْجَمِيع الْأُنُوثَة لما فِيهَا من رفق الدّرّ والنسل (وست وَسبعين) إِلَى إِحْدَى وَتِسْعين (بِنْتا لبون وَإِحْدَى وَتِسْعين) إِلَى مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين (حقتان وَمِائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون) ولتغير الْوَاجِب بِهَذِهِ الْوَاحِدَة لَا بَعْضهَا كَانَ لَهَا قسط من الْوَاجِب فَسقط بموتها بَين تَمام الْحول والتمكن من الْإِخْرَاج جُزْء من مائَة وَأحد وَعشْرين جُزْءا من بَنَات اللَّبُون الثَّلَاث (ثمَّ) يسْتَمر ذَلِك إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ فيتغير الْوَاجِب بِزِيَادَة تسع ثمَّ بِكُل عشر بعْدهَا فَحِينَئِذٍ يجب بعد زِيَادَة تسع على الْمِائَة والأحد وَالْعِشْرين (فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون و) فِي كل (خمسين حقة) فَفِي مائَة وَثَلَاثِينَ بِنْتا لبون وحقة وَفِي مائَة وَأَرْبَعين حقتان وَبنت لبون وَفِي مائَة وَخمسين ثَلَاث حقاق وَفِي مائَة وَسِتِّينَ أَربع بَنَات لبون (و) يجب (فِي ثَلَاثِينَ بقرة) إِلَى أَرْبَعِينَ (تبيع) وَهُوَ ذُو سنة كَامِلَة سمي بذلك لِأَنَّهُ يتبع أمه فِي المسرح ويجزىء عَنهُ تبيعة بِالْأولَى لِأَنَّهَا زَادَت خيرا بالأنوثة وَإِن كَانَت أقل مِنْهُ قيمَة (وَأَرْبَعين) بقرة إِلَى سِتِّينَ (مُسِنَّة) وَتسَمى ثنية وَهِي ذَات سنتَيْن كاملتين سميت بذلك لتكامل أسنانها ويجزىء عَنْهَا تبيعان لاجزائهما عَن سِتِّينَ كَمَا قَالَ (وَسِتِّينَ تبيعان ثمَّ) يخْتَلف الْوَاجِب بِكُل عشر فَيجب (فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَأَرْبَعين مُسِنَّة) فَحِينَئِذٍ يجب فِي كل سبعين مُسِنَّة وتبيع وَفِي ثَمَانِينَ مسنتان وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة وَفِي مائَة وَعشرَة مسنتان وتبيع وَفِي مائَة وَعشْرين ثَلَاث مسنات أَو أَرْبَعَة أتبعة (و) يجب (فِي أَرْبَعِينَ غنما) إِلَى مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين (شَاة) فَمن الضائن جَذَعَة ضَأْن وَهِي مَا لَهَا سنة وَمن الماعز ثنية معز وَهِي مَا لَهَا سنتَانِ (وَمِائَة وَإِحْدَى وَعشْرين) شَاة إِلَى مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة (شَاتَان وَمِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة) إِلَى ثَلَاثمِائَة (ثَلَاث) من الشياه (وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أَربع) مِنْهَا (ثمَّ فِي كل مائَة شَاة) جَذَعَة من الضَّأْن وَهِي مَا لَهَا سنة وثنية من الْمعز وَهِي مَا لَهَا سنتَانِ وَمَا بَين النصابين يُسمى وقصا وَهُوَ عَفْو لَا شَيْء فِيهِ وَلَو تَفَرَّقت مَاشِيَة الْمَالِك فِي أَمَاكِن فَهِيَ كَالَّتِي فِي مَكَان وَاحِد حَتَّى لَو ملك أَرْبَعِينَ شَاة فِي بلدين لَزِمته الزَّكَاة وَلَو ملك ثَمَانِينَ فِي بلدين فِي كل بلد أَرْبَعُونَ لَا يلْزمه إِلَّا شَاة وَاحِدَة وَإِن بَعدت الْمسَافَة بَينهمَا (وَتجب الْفطْرَة على حر بغروب لَيْلَة فطر عَمَّن تلْزمهُ نَفَقَته وَلَو رَجْعِيَّة إِن فضل عَن قوت ممون) لَهُ (يَوْم عيد وَلَيْلَته وَعَن دين) كَمَا اعْتَمدهُ ابْن حجر تبعا للماوردي كَقَوْل إِمَام الْحَرَمَيْنِ دين الْآدَمِيّ يمْنَع وجوب الْفطْرَة بالِاتِّفَاقِ (وَمَا يُخرجهُ فِيهَا) أَي الْفطْرَة وَالْحَاصِل أَنه يشْتَرط فِي الْمُؤَدِّي ثَلَاثَة شُرُوط الأول الْإِسْلَام فَلَا تلْزم الْكَافِر فطْرَة نَفسه بِمَعْنى أَنه لَا يُطَالب بهَا فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ يُعَاقب على تَركهَا فِي الْآخِرَة وَتلْزم فطْرَة رَقِيقه وقريبه الْمُسلم لوُجُوب نفقتهما عَلَيْهِ هَذَا فِي الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَأما الْمُرْتَد ففطرته مَوْقُوفَة على عوده لِلْإِسْلَامِ وَكَذَا الرَّقِيق الْمُرْتَد الثَّانِي الْحُرِّيَّة فَلَا فطْرَة على رَقِيق لَا عَن نَفسه وَلَا عَن غَيره سَوَاء كَانَ مكَاتبا أَو لَا أما الْمكَاتب فَلَا تجب فطرته على أحد لَا على سَيّده لاستقلاله وَلَا عَلَيْهِ لضعف ملكه وَمن بعضه حر وَبَعضه الآخر رَقِيق يلْزمه من الْفطْرَة بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة وباقيها على مَالك الْبَاقِي هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَة بَينه وَبَين مَالك بعضه وَإِلَّا اخْتصّت الْفطْرَة بِمن وَقع زمن الْوُجُوب فِي نوبَته وَمثله فِي ذَلِك الرَّقِيق الْمُشْتَرك الثَّالِث أَن يملك مَا يفضل عَن مُؤنَة من تلْزمهُ مؤنتهم من نَفسه وَزَوجته الَّتِي فِي طَاعَته بِخِلَاف النَّاشِزَة إِذْ لَا تلْزمهُ مؤنتها وَمثل الزَّوْجَة الرَّجْعِيَّة والبائن الْحَامِل لوُجُوب نفقتهما وَلَو زوج أمته بِعَبْدِهِ لزمَه فطرتها وَلَا بُد أَيْضا أَن تكون الْفطْرَة فاضلة عَن مسكن وخادم لائقين بِهِ يحْتَاج إِلَيْهِمَا وَالْمرَاد بحاجته للخادم أَن يَحْتَاجهُ لخدمته أَو خدمَة ممونه أما حَاجته لعمله فِي أرضه أَو مَاشِيَته فَلَا أثر لَهَا نعم لَو ثبتَتْ الْفطْرَة فِي ذمَّة إِنْسَان يُبَاع فِيهَا مَسْكَنه وخادمه لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَارَت من الدُّيُون وَأَن تكون فاضلة عَن دست ثوب يَلِيق بِهِ وبممونه وَلَا يشْتَرط كَونهَا فاضلة عَن دينه وَلَو لآدَمِيّ كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع وَاعْتَمدهُ الْأَذْرَعِيّ وَابْن الْمقري لِأَن الدّين لَا يمْنَع الزَّكَاة وَلَا يمْنَع إِيجَاب نَفَقَة الزَّوْجَة والقريب فَلَا يمْنَع إِيجَاب الْفطْرَة التابعة لَهَا وَإِنَّمَا لم يمْنَع الدّين وُجُوبهَا لِأَن مَاله لَا يتَعَيَّن صرفه لَهُ وَإِنَّمَا بيع الْمسكن وَالْخَادِم فِيهِ تَقْدِيمًا لبراءة ذمَّته على الِانْتِفَاع بهما لِأَن تحصيلهما بالكراء أسهل كَذَا قَالَ الرَّمْلِيّ وَيعْتَبر وجود الْفضل بِمَا ذكر وَقت الْوُجُوب فوجوده بعده لَا يُوجِبهَا اتِّفَاقًا وَفَارق الْكَفَّارَة حَيْثُ تَسْتَقِر فِي ذمَّته عِنْد الْعَجز عَنْهَا لِأَن الْقَاعِدَة أَن الْحق المالي إِذا وَجب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الشَّخْص بتسبب مِنْهُ اسْتَقر فِي ذمَّته وَإِن كَانَ مُعسرا وَقت وُجُوبه كالكفارة وَإِن لم يتسبب فِي وُجُوبه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا كَانَ مُعسرا وَقت وُجُوبه وَإِن أيسر بعده كالفطرة وَيشْتَرط فِي الْمُؤَدى عَنهُ أَمْرَانِ الأول الْإِسْلَام فَلَا تخرج الْفطْرَة عَن كَافِر وَفِي الْمُرْتَد مَا مر الثَّانِي أَن يدْرك وَقت وُجُوبهَا الَّذِي هُوَ آخر جُزْء من رَمَضَان وَأول جُزْء من شَوَّال فَتخرج عَمَّن مَاتَ بعد الْغُرُوب وَعَمن ولد قبله وَلَو بلحظة دون من مَاتَ قبله وَدون من ولد بعده وَلَو كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَة فِي رَقِيق بَين اثْنَيْنِ بليلة وَيَوْم بِأَن كَانَ يخْدم أَحدهمَا لَيْلَة وَالْآخر يَوْمًا أَو فِي نَفَقَة قريب بَين اثْنَيْنِ كَذَلِك فَهِيَ عَلَيْهِمَا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَقع فِي نوبَته جُزْء من وَقت الْوُجُوب وَلَو قَالَ لرقيقه أَنْت حر مَعَ آخر جُزْء من رَمَضَان فالفطرة على الْعَتِيق إِن أيسر فِي هَذِه اللحظة بِإِرْث أَو نَحوه ضَابِط كل من لزمَه نَفَقَة شخص لزمَه فطرته إِن كَانَ ذَلِك الشَّخْص مُسلما وَذَلِكَ كَالزَّوْجَةِ وَالْأُصُول وَالْفُرُوع والرقاب وَمثل الزَّوْجَة خَادِمهَا الْمَمْلُوك لَهَا أَو لَهما أَو الْمُسْتَأْجر بِالنَّفَقَةِ بِخِلَاف الْمُسْتَأْجر بِدَرَاهِم وَلَو صحبتهَا امْرَأَة لتخدمها بِالنَّفَقَةِ لَا يلْزم الزَّوْج فطرتها لعدم الْإِجَارَة وَيسْتَثْنى من هَذَا الضَّابِط مسَائِل مِنْهَا أَنه لَا يلْزم العَبْد فطْرَة زَوجته حرَّة كَانَت أَو غَيرهَا وَإِن وَجَبت نَفَقَتهَا فِي كَسبه وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يملك وَإِن ملكه سَيّده وَمِنْهَا أَنه لَا يلْزم الابْن فطْرَة زَوْجَة أَبِيه ومستولدته وَإِن وَجَبت نفقتهما على الْوَلَد لكَون الْأَب فَقِيرا لِأَن النَّفَقَة لَازِمَة للْأَب مَعَ إِعْسَاره فيتحملها الْوَلَد بِخِلَاف الْفطْرَة وَمِنْهَا عبد بَيت المَال تجب نَفَقَته على الإِمَام دون فطرته وَمِنْهَا مَا لَو آجر عَبده وَشرط نَفَقَته على الْمُسْتَأْجر فَإِن الْفطْرَة على سَيّده وَمِنْهَا عبد الْمَالِك فِي الْمُسَاقَاة والقراض إِذا شَرط عمله مَعَ الْعَامِل فنفقته على الْعَامِل وفطرته على سَيّده وَمِنْهَا مَا لَو حج بِالنَّفَقَةِ ففطرته على نَفسه وَمِنْهَا عبد الْمَسْجِد سَوَاء كَانَ ملكه أَو مَوْقُوفا عَلَيْهِ فَلَا تجب فطرتهما وَإِن وَجَبت نفقتهما وَصُورَة الْملك أَن يُوهب لَهُ أَو يوصى لَهُ بِهِ وَلَا يشْتَرط الْقبُول من النَّاظر فيهمَا وَفَائِدَة كَونه ملكه أَنه يُبَاع فِي مَصَالِحه بِخِلَاف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْمَوْقُوف على غير معِين كَرجل ومدرسة ورباط أَو على جِهَة كالفقراء وَمِنْهَا الزَّوْجَة الغنية الَّتِي فِي طَاعَة الزَّوْج الْمُعسر تجب نَفَقَتهَا دون فطرتها لِأَن الْمُخَاطب بفطرتها زَوجهَا وَالْحَال أَنه مُعسر فَلَا يجب عَلَيْهَا إِخْرَاج فطْرَة نَفسهَا لِأَن الْمُخَاطب بهَا غَيرهَا نعم يسن لَهَا ذَلِك وَخرج بِمَا ذكر النَّاشِزَة فَإِن فطرتها على نَفسهَا وَلَو كَانَت الزَّوْجَة أمة مسلمة لزَوجهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِن كَانَ حرا مُوسِرًا فَعَلَيهِ نَفَقَتهَا وفطرتها وَإِن كَانَ رَقِيقا أَو مُعسرا فَعَلَيهِ نَفَقَتهَا وعَلى سَيِّدهَا فطرتها وَإِن كَانَت مسلمة لَهُ لَيْلًا فَقَط ويستخدمها السَّيِّد نَهَارا فنفقتها وفطرتها على السَّيِّد سَوَاء كَانَ الزَّوْج رَقِيقا أَو حرا مُوسِرًا أَو مُعسرا وَمَفْهُوم هَذَا الضَّابِط أَن من لم تجب نَفَقَته لَا تجب فطرته وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة فَإِن نَفَقَته لَا تلْزم السَّيِّد وَتلْزَمهُ فطرته وَلَو كَانَت الزَّوْجَة شافعية وَالزَّوْج حَنَفِيّ لَا تجب فطرتها على أحد لِأَنَّهَا ترَاهَا على زَوجهَا وَهُوَ يَرَاهَا عَلَيْهَا وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 كَانَ بعكس ذَلِك وَجَبت على الزَّوْج لكَونه يَرَاهَا على نَفسه وَلَو اسْتَأْجر شخصا لخدمته أَو لرعي دوابه أَو لخدمة زرعه بِشَيْء معِين من الدَّرَاهِم لَا تجب على الْمُسْتَأْجر فطرته لكَونه مؤجرا بِدَرَاهِم إِجَارَة صَحِيحَة أَو فَاسِدَة بِخِلَاف مَا لَو استخدمه بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة فَإِنَّهُ تجب عَلَيْهِ فطرته ويجزىء أَدَاء المتحمل عَنهُ للفطرة بِغَيْر إِذن المتحمل لِأَنَّهُ الأَصْل وَقد نوى كَمَا قَالَه ابْن حجر وَالْحَاصِل أَن اعْتِبَار الْفطْرَة شرعا مُتَوَقف على أَرْبَعَة أُمُور النِّيَّة وَالْقدر الْمخْرج والمؤدي والمؤدى عَنهُ أما النِّيَّة فَتكون من الْمُؤَدِّي عَن نَفسه أَو عَمَّن تلْزمهُ فطرته من زَوْجَة وخادمها ورقيق وأصول وفروع إِذا وَجَبت نَفَقَتهم وَنَحْو ذَلِك أَو عَن موليه الْغَنِيّ من صَغِير وَمَجْنُون وسفيه وَلَو من مَال نَفسه لِأَنَّهُ يسْتَقلّ بتمليكه بِخِلَاف أُصُوله وفروعه الَّذين لَا تجب نَفَقَتهم وَبِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ فَإِنَّهُ لَا بُد من الْإِذْن لَهُ فِي الْأَدَاء عَنْهُم فَلَو أدّى عَنْهُم بِغَيْر إذْنهمْ لَا يَقع الْموقع وَمن كَانَت فطرته وَاجِبَة على غَيره كَالزَّوْجَةِ فَأخْرج عَن نَفسه من مَاله بِغَيْر إِذن من وَجَبت عَلَيْهِ صَحَّ وَلَا رُجُوع لَهُ بهَا على من وَجَبت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تجب ابْتِدَاء على الْمُؤَدى عَنهُ ثمَّ يتحملها عَنهُ الْمُؤَدِّي وَتَكون النِّيَّة عِنْد الْعَزْل عَن المَال أَو عِنْد الدّفع إِلَى الْمُسْتَحق أَو بَينهمَا (و) الْقدر الْمخْرج من زَكَاة الْفطْرَة عَن وَاحِد (هِيَ صَاع) بِصَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من غَالب قوت بَلَده) أَي غَالب قوت مَحل وَقت الْوُجُوب من جنس وَاحِد عَن شخص وَاحِد فَلَا يجوز تبعيضه من جِنْسَيْنِ وَإِن كَانَ أحد الجنسين أَعلَى من الآخر كَمَا لَا يجزى فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن يكسو خَمْسَة وَيطْعم خَمْسَة أما لَو أخرج الصَّاع عَن اثْنَيْنِ كَأَن ملك شخص نصفي عَبْدَيْنِ أَو مبعضين ببلدين مختلفي الْقُوت فَإِنَّهُ يجوز تبعيضه وَلَو كَانَ قوتهم الْبر الَّذِي فِيهِ قَلِيل من الشّعير تسومح بِهِ فَإِن كَانَ قوتهم الْبر الْمُخْتَلط بشعير كثير تخير إِن تساوى الخليطان فَيخرج صَاعا من الْبر أَو الشّعير فَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر وَجب مِنْهُ ويجزى الْأَعْلَى عَن الْأَدْنَى لَا عَكسه فَإِن لم يجد إِلَّا نصفا من ذَا وَنصفا من ذَا فَالْأَوْجه أَنه يخرج النّصْف الْوَاجِب عَلَيْهِ وَلَا يُجزئهُ الآخر لما مر من أَن الصَّاع لَا يبعض من جِنْسَيْنِ والعلو بِزِيَادَة الاقتيات لَا بِزِيَادَة الْقيمَة فأعلى الأقوات الْبر فالسلت فالشعير فالذرة فالأرز فالحمص فالماش فالعدس فالفول فالتمر فالزبيب فالأقط فاللبن فالجبن ورمز بَعضهم لترتيبها فَقَالَ بِاللَّه سل شيخ ذِي رمز حكى مثلا عَن فَور ترك زَكَاة الْفطر لَو جهلا حُرُوف أَولهَا جَاءَت مرتبَة أَسمَاء قوت زَكَاة الْفطر إِن عقلا فَهَذِهِ أَرْبَعَة عشر لَو غلب اقتيات وَاحِد مِنْهَا فِي بعض النواحي وَجب إِخْرَاج صَاع مِنْهُ فِي زَكَاة الْفطر ويجزى أَعلَى مِنْهُ لَا أدنى وَذَلِكَ بِخِلَاف زَكَاة المَال فَإِنَّهُ لَا يجزى فِيهَا إِخْرَاج جنس عَن آخر كذهب عَن فضَّة وَعَكسه لِأَن الزَّكَاة الْمَالِيَّة مُتَعَلقَة بِالْمَالِ فَأمر أَن يواسي الْفُقَرَاء بِمَا واساه الله بِهِ والفطرة زَكَاة الْبدن فَنظر فِيهَا لما هُوَ غذَاء الْبدن والأعلى يحصل بِهِ هَذَا الْغَرَض وَزِيَادَة وَلَو كَانَ فِي الْبَلَد أقوات لَا غَالب فِيهَا تخير بَينهَا وَلَو اخْتلف الْغَالِب باخْتلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الْأَوْقَات فَالْعِبْرَة بغالب قوت السّنة لَا غَالب قوت وَقت الْوُجُوب على الْمُعْتَمد فَأهل الْبَلَد الَّذين يقتاتون الذّرة فِي غَالب السّنة والقمح لَيْلَة الْعِيد مثلا يجب عَلَيْهِم الذّرة فَإِن غلب فِي بعض الْبَلَد جنس وَفِي بَعْضهَا جنس آخر أَجْزَأَ أدناهما فِي ذَلِك الْوَقْت هَكَذَا نصوا عَلَيْهِ وَلَا يجزى الْإِخْرَاج من غير هَذِه الأقوات الْأَرْبَعَة عشر فَلَو كَانَ بعض النواحي يقتاتون بغَيْرهَا كالنرجيل والمتخذ من مَاء عصير الشّجر وكالسمك وَجَبت الْفطْرَة من غَالب قوت أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِم مِمَّا يجزى فِيهَا فَإِن كَانَ بقربهم محلان مستويان قربا وَاخْتلف الْغَالِب من الأقوات فيهمَا تخير بَينهمَا وَلَو اخْتلف مَحل الْمُؤَدِّي والمؤدى عَنهُ فَالْعِبْرَة بغالب قوت مَحل الْمُؤَدى عَنهُ وَيجب صرفهَا إِلَى مستحقي مَحل الْمُؤَدى عَنهُ فَإِن لم يعرف مَحل الْمُؤَدى عَنهُ كَعبد أبق قَالَ جمَاعَة يحْتَمل اسْتثِْنَاء هَذِه أَي فَيخرج السَّيِّد من غَالب قوت مَحَله وَيحْتَمل أَنه يخرج فطرته من غَالب قوت آخر مَحل عهد وُصُوله إِلَيْهِ لِأَن الأَصْل أَنه فِيهِ ويدفعه للْحَاكِم لِأَن لَهُ نقل الزَّكَاة وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَله أَن يخرج عَن نَفسه من قوت وَاجِب وَعَمن تلْزمهُ فطرته من زَوْجَة ورقيق وَنَحْوهمَا أَو عَمَّن تبرع عَنهُ بِإِذْنِهِ أَعلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ زَاد خيرا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالعراقي فَيكون الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا بِهِ قَالَ جمَاعَة الصَّاع أَربع حفنات بكفي رجل معتدلهما وَلَا بُد أَن يكون الْحبّ سليما فَلَا يجزى المسوس وَإِن اقتاته وَلَا بُد أَن يكون خَالِصا من التِّبْن والطين وَنَحْو ذَلِك وَتسن الزِّيَادَة على الصَّاع لاحْتِمَال أَن يكون فِيهِ شَيْء من العفش وَلَا يجزى أقل من صَاع إِلَّا لمن بعضه مكَاتب ولرقيق مُشْتَرك بَين مُوسر ومعسر وَلمن لَا يملك زِيَادَة عَن كِفَايَة يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته إِلَّا بعض الصَّاع تَتِمَّة من أيسر بِبَعْض الْوَاجِب فَعَلَيهِ أَن يقدم نَفسه فزوجته فخادمها فولده الصَّغِير فأباه فأمه الفقيرين فولده الْكَبِير الَّذِي تجب نَفَقَته بِأَن كَانَ فَقِيرا عَاجِزا عَن الْكسْب فَإِن لم يكن كَذَلِك لَا تجب على الْأَب فطرته لعدم وجوب نَفَقَته وفطرة ولد الزِّنَا والمنفي بِاللّعانِ على أمهما لوُجُوب نفقتهما عَلَيْهَا (وَحرم تَأْخِيرهَا عَن يَوْمه) أَي الْفطر وَالْحَاصِل أَن للفطرة خَمْسَة أَوْقَات وَقت جَوَاز وَهُوَ من ابْتِدَاء رَمَضَان فَإِنَّهُ يجوز تَعْجِيلهَا من ابْتِدَائه وَلَا يجوز إخْرَاجهَا قبله وَوقت وجوب وَهُوَ بِإِدْرَاك جُزْء من رَمَضَان وجزء من شَوَّال وَوقت ندب وَهُوَ قبل صَلَاة الْعِيد وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ مَا بعد صَلَاة الْعِيد وَقبل فرَاغ الْيَوْم فَإِنَّهُ يكره تَأْخِيرهَا عَنْهَا مَا لم يكن لعذر من انْتِظَار قريب أَو أحْوج وَوقت حُرْمَة وَهُوَ مَا بعد يَوْم الْعِيد فَإِنَّهُ يحرم تَأْخِيرهَا عَنهُ وَتَكون قَضَاء يجب على الْفَوْر إِن كَانَ التَّأْخِير بِلَا عذر وَإِلَّا فعلى التَّرَاخِي فصل فِي أَدَاء الزَّكَاة وَهُوَ دَفعهَا لمستحقيها (يجب أَدَاؤُهَا فَوْرًا) لِأَن حَاجَة الْمُسْتَحقّين إِلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ناجزة وَلِأَنَّهَا حق لَزِمته وَقدر على أَدَائِهَا (بتمكن) من الْأَدَاء وَذَلِكَ (بِحُضُور مَال) وَإِن عسر الْوُصُول لَهُ لاتساع الْبَلَد مثلا أَو ضيَاع مِفْتَاح أَو نَحوه فَإِن لم يحضر المَال لم يلْزمه الْأَدَاء من مَحل آخر وَإِن جَوَّزنَا نقل الزَّكَاة (و) بِحُضُور (مستحقيها) لِاسْتِحَالَة الْإِعْطَاء من غير قَابض وَإِن لم يطلبوا وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين دين الْآدَمِيّ حَيْثُ لَا يجب دَفعه إِلَّا بِالطَّلَبِ أَن الدّين لزم ذمَّة الْمَدِين بِاخْتِيَارِهِ وَرضَاهُ فتوقف وجوب دَفعه على طلبه بِخِلَاف مَا هُنَا فَإِنَّهُ وَجب لَهُ بِحكم الشَّارِع فَلم يتَوَقَّف وجوب دَفعه على طلب (وحلول دين مَعَ قدرَة) على اسْتِيفَائه بِأَن كَانَ على ملىء حَاضر باذل أَو جَاحد عَلَيْهِ بَيِّنَة أَو يُعلمهُ القَاضِي أَو على غَيره وَقَبضه وبحصول جفاف فِي الثِّمَار وتنقية من نَحْو تبن فِي حب وتراب فِي مَعْدن وبخلو مَالك من مُهِمّ ديني أَو دُنْيَوِيّ كَمَا فِي رد الْوَدِيعَة وبزوال حجر فلس لِأَن الْحجر بِهِ مَانع من التَّصَرُّف وبعود مَغْصُوب وضال فَيخرج الزَّكَاة حِينَئِذٍ عَن الْأَحْوَال الْمَاضِيَة فَإِن تلف قبل التَّمَكُّن فَلَا زَكَاة وَشرط لوُجُوب الْأَدَاء عَن التَّمَكُّن بِهَذِهِ الْأُمُور تقرر أُجْرَة قبضت قبل مُضِيّ الْمدَّة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فَلَو أجر دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار مُعينَة أَو فِي الذِّمَّة وتسلمها لم يلْزمه كل سنة أَن يخرج إِلَّا زَكَاة مَا اسْتَقر عَلَيْهِ ملكه لضعف الْملك فِي غَيره بتعرضه للزوال بِتَلف الْعين الْمُؤجرَة بِخِلَاف الصَدَاق فَلَا يشْتَرط تقرره بتشطير أَو موت أَو وَطْء وَلذَا قَالَ (وَلَو أصدقهَا) أَي الْمَرْأَة (نِصَاب نقد زكته) لِأَنَّهَا ملكته بِالْعقدِ ملكا تَاما إِذْ لَا يسْقط بموتها قبل وَطْء وَإِن لم تسلم الْمَنَافِع للزَّوْج وَإِنَّمَا يثبت تشطيره بِتَصَرُّف مُبْتَدأ من الزَّوْج من طَلَاق وَنَحْوه وَبِذَلِك فَارق الْأُجْرَة فَإِذا أصدقهَا نِصَاب سَائِمَة مُعينَة وَمضى حول من الإصداق زكته وَإِن لم تقبضه وَلَا وَطئهَا وَخرج بمعينة مَا فِي الذِّمَّة لِأَن السّوم لَا يثبت فِيهَا بِخِلَاف إصداق النَّقْد فَإِنَّهُ يزكّى إِذا تمّ الْحول من الإصداق وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة وَقبل التَّمَكُّن وَبعده (وَشرط لَهُ) أَي أَدَاء الزَّكَاة شَرْطَانِ أَحدهمَا (نِيَّة) قَالَ ابْن حجر فِي (فتح الْجواد) وَالنِّيَّة فِي الزَّكَاة ركن وَلَا يشْتَرط النُّطْق بهَا وَلَا يَكْفِي وَحده اه (كَهَذا زَكَاة) أَو زَكَاة المَال فتجزىء هَذِه النِّيَّة وَلَو بِدُونِ الْفَرْضِيَّة إِذْ الزَّكَاة لَا تكون إِلَّا فرضا (أَو صَدَقَة مَفْرُوضَة) أَو وَاجِبَة وَكَذَا هَذَا فرض الصَّدَقَة وَلَا يضر شُمُوله لصدقة الْفطر أَلا ترى أَن نِيَّة الزَّكَاة تشملها وَذَلِكَ لدلَالَة مَا ذكر على الْمَقْصُود كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر بِخِلَاف صَدَقَة مَالِي فَلَا يَكْفِي لشمولها النَّفْل وَفرض مَالِي لشُمُوله الْكَفَّارَة وَالنّذر وَصدقَة فَقَط لصدقها بِصَدقَة التَّطَوُّع (لَا) يشْتَرط (مقارنتها) أَي النِّيَّة (للدَّفْع بل يَكْفِي) وجود النِّيَّة قبل الْأَدَاء إِن وجدت (عِنْد عزل أَو) عِنْد (إِعْطَاء وَكيل) أَو إِمَام وَالْأَفْضَل لَهما أَن ينويا عِنْد التَّفْرِيق على الْمُسْتَحقّين أَيْضا أَو بعد أَحدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَقبل التَّفْرِيق لعسر اقتران النِّيَّة بأَدَاء كل مُسْتَحقّ (أَو) وجدت النِّيَّة (بعد أَحدهمَا) أَي الْعَزْل وَالتَّوْكِيل (وَقبل التَّفْرِقَة) فَلَو دفع مَالا إِلَى وَكيله ليفرقه تَطَوّعا ثمَّ نوى بِهِ الْفَرْض ثمَّ فرقه الْوَكِيل وَقع عَن الْفَرْض إِن كَانَ الْقَابِض مُسْتَحقّا أما تَقْدِيم النِّيَّة على الْعَزْل أَو إِعْطَاء الْوَكِيل فَلَا يجزى كأداء الزَّكَاة بعد الْحول من غير نِيَّة وَلَو نوى الزَّكَاة مَعَ الْإِفْرَاز فَأَخذهَا صبي أَو كَافِر وَدفعهَا لمستحقها أَو أَخذهَا الْمُسْتَحق لنَفسِهِ ثمَّ علم الْمَالِك بذلك أَجْزَأَ وبرئت ذمَّته مِنْهَا لوُجُود النِّيَّة من الْمُخَاطب بِالزَّكَاةِ مُقَارنَة لفعله ويملكها الْمُسْتَحق لَكِن إِذا لم يعلم الْمَالِك بِإِعْطَاء الصَّبِي أَو الْكَافِر لمستحقها وَجب عَلَيْهِ إخْرَاجهَا وَتَقَع الأولى تَطَوّعا وَلَو أفرز قدرهَا ونواها لم يتَعَيَّن ذَلِك الْقدر المفرز لِلزَّكَاةِ إِلَّا بِقَبض الْمُسْتَحق لَهُ سَوَاء أَكَانَت زَكَاة مَال أم بدن وَالْفرق بَين ذَلِك وَالشَّاة الْمعينَة للتضحية أَن الْمُسْتَحقّين لِلزَّكَاةِ شُرَكَاء لِلْمَالِ بِقَدرِهَا فَلَا تَنْقَطِع شركتهم إِلَّا بِقَبض مُعْتَبر (وَجَاز) كَمَا قَالَ الْجِرْجَانِيّ (لكل) من أحد الشَّرِيكَيْنِ (إِخْرَاج زَكَاة الْمُشْتَرك بِغَيْر إِذن) شَرِيكه (الآخر) وَمن ذَلِك يُؤْخَذ أَن نِيَّة أَحدهمَا تغني عَن نِيَّة الآخر وَذَلِكَ إِذا أخرج من الْمُشْتَرك (و) جَازَ التَّوْكِيل فِي أَدَاء الزَّكَاة لِأَنَّهَا حق مَالِي فَجَاز أَن يُوكل فِيهِ كديون الْآدَمِيّين وَلذَلِك جَازَ (تَوْكِيل كَافِر وَصبي) أَي مُمَيّز (فِي إعطائها لمُعين) أَي يشْتَرط لجَوَاز تَوْكِيل دفع الزَّكَاة إِلَى من ذكر تعْيين الْمَدْفُوع إِلَيْهِ وَيشْتَرط لبراءة ذمَّة الْمُوكل الْعلم بوصولها للْمُسْتَحقّ وَمثل الصَّبِي الْمُمَيز السَّفِيه وَالرَّقِيق فِي ذَلِك (و) جَازَ لمَالِك النّصاب (تَعْجِيلهَا) أَي الزَّكَاة فِي المَال الحولي (قبل) تَمام (حول) فِيمَا انْعَقَد حوله وَوجد النّصاب فِيهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص فِي التَّعْجِيل للْعَبَّاس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَلِأَنَّهُ وَجب بسببين فَجَاز تَقْدِيمه على أَحدهمَا كتقديم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وَمحل جَوَاز التَّعْجِيل فِي غير الْوَلِيّ أما هُوَ فَلَا يجوز لَهُ التَّعْجِيل عَن موليه سَوَاء الْفطْرَة وَغَيرهَا نعم إِن عجل من مَاله جَازَ وَلَا يرجع بِهِ على الصَّبِي وَإِن نوى الرُّجُوع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يرجع عَلَيْهِ فِيمَا يصرفهُ عَنهُ عِنْد الِاحْتِيَاج وَلَا يَصح تَعْجِيل الزَّكَاة على ملك النّصاب فِي زَكَاة عَيْنِيَّة كَأَن ملك مائَة دِرْهَم فَعجل خَمْسَة دَرَاهِم لتَكون زَكَاة إِذا تمّ النّصاب وَحَال الْحول عَلَيْهِ وَاتفقَ ذَلِك فَلَا يُجزئهُ إِذْ لم يُوجد سَبَب وُجُوبهَا لعدم المَال الزكوي فَأشبه أَدَاء الثّمن قبل البيع وَالدية قبل الْقَتْل وَالْكَفَّارَة قبل الْيَمين وَخرج بِالزَّكَاةِ العينية زَكَاة التِّجَارَة فَيجوز التَّعْجِيل فِيهَا بِنَاء على مَا مر من أَن النّصاب فِيهَا مُعْتَبر بآخر الْحول فَلَو اشْترى عرضا قِيمَته مائَة فَعجل زَكَاة مِائَتَيْنِ مثلا أَو قِيمَته مِائَتَان فَعجل زَكَاة أَرْبَعمِائَة وَحَال الْحول وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِك أَجزَأَهُ وَكَأَنَّهُم اغتفروا لَهُ التَّرَدُّد فِي النِّيَّة إِذْ الأَصْل عدم الزِّيَادَة لضَرُورَة التَّعْجِيل وَإِلَّا لم يجز تَعْجِيل أصلا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا حَاله عِنْد آخر الْحول (لَا) يجوز تَعْجِيل الزَّكَاة (لعامين) وَلَا لأكْثر مِنْهُمَا إِذْ زَكَاة غير الأول لم ينْعَقد حوله والتعجيل قبل انْعِقَاد الْحول مُمْتَنع فَإِن عجل لأكْثر من عَام أَجزَأَهُ عَن الأول مُطلقًا أَي ميز مَا لكل عَام أَو لَا دون غَيره سَوَاء أَكَانَ قد ميز حِصَّة كل عَام أم لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَشرط وُقُوع الْمُعَجل زَكَاة بَقَاء الْمَالِك بِصفة الْوُجُوب عِنْد آخر الْحول والقابض بِصفة الِاسْتِحْقَاق وَالْمَال إِلَى تَمام الْحول فَإِن مَاتَ مَالك أَو قَابض قبله أَو ارْتَدَّ قَابض أَو غَابَ وَلم تجز نقل الزَّكَاة أَو اسْتغنى بمحض غير الْمُعَجل كمعجل آخر أَخذه بعد الأول أَو نقص نِصَاب أَو زَالَ عَن ملكه وَلَيْسَ مَال تِجَارَة لم تُجزئه لِخُرُوجِهِ عِنْد الْوُجُوب عَن الْأَهْلِيَّة فِي الطَّرفَيْنِ وَلَا يضر غناهُ بالمعجل وَحده أَو مَعَ غَيره وَلَا عرُوض مَانع فِيهِ قبل الْحول كردة وَكَذَا لَو لم يعلم اسْتِحْقَاقه أَو حَيَاته (وَحرم تَأْخِيرهَا) أَي تَأْخِير الْمَالِك أَدَاء الزَّكَاة بعد التَّمَكُّن (وَضمن) أَي الْمَالِك (إِن) أخر الْأَدَاء (وَتلف) أَي المَال (بعد تمكن) وَقد مر لتَقْصِيره وَمن ثمَّ لَو أتْلفه بعد الْحول وَلَو قبل التَّمَكُّن ضمنه بِأَن يُؤَدِّي مَا كَانَ يُؤَدِّيه قبل التّلف فَإِن أتْلفه أَجْنَبِي تعلّقت الزَّكَاة بِالْقيمَةِ وَيجوز التَّأْخِير لطلب الْأَفْضَل لتفريقه أَو لطلب الإِمَام حَيْثُ كَانَ تفريقه أفضل ولانتظار قرَابَة وَإِن بَعدت وجار أَو أحْوج أَو أصلح لِأَنَّهُ تَأْخِير لغَرَض ظَاهر هَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ مُضْطَر أما إِذا كَانَ ثمَّ من يتَضَرَّر بِالْجُوعِ أَو العري مثلا ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم فَيحرم التَّأْخِير مُطلقًا وَيضمن مَا تلف فِي مُدَّة التَّأْخِير فَيخرج قدر الزَّكَاة لمستحقيه وَإِن لم يَأْثَم كَأَن أخر ذَلِك لحُصُول الْإِمْكَان وَإِذا أخر لغَرَض نَفسه فيتقيد جَوَاز التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة أما مَا تلف قبل التَّمَكُّن من غير تَقْصِير فَلَا ضَمَان سَوَاء كَانَ تلفه بعد الْحول أم قبله فَإِذا كَانَ من نِصَاب لَا وقص سقط قسطه وَبَقِي قسط الْبَاقِي فَيتَعَلَّق الْفَرْض بالنصاب فَقَط وَذَلِكَ لانْتِفَاء تَقْصِيره فَإِن قصر كَأَن وَضعه فِي غير حرز مثله كَانَ ضَامِنا وَخرج بالتلف قبل التَّمَكُّن مَا لَو مَاتَ الْمَالِك قبل التَّمَكُّن فَلَا يسْقط الضَّمَان بل يتَعَلَّق الْوَاجِب بِتركَتِهِ (و) ثَانِيهمَا (إعطاؤها) أَي الزَّكَاة (لمستحقيها) فَلَا تصرف الزكوات إِلَّا إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} 9 التَّوْبَة الْآيَة 60 وَبَيَان هَذِه الْأَصْنَاف على تَرْتِيب الْآيَة الْكَرِيمَة أَن نقُول الْفَقِير هُوَ من لَا مَال لَهُ وَلَا كسب لَائِق بِهِ يَقع كل مِنْهُمَا أَو مجموعهما موقعا من كِفَايَته مطعما وملبسا ومسكنا وَغَيرهَا مِمَّا لَا بُد لَهُ مِنْهُ على مَا يَلِيق بِحَالهِ وَحَال ممونه كمن يحْتَاج إِلَى عشرَة فِي كل يَوْم وَلَا يملك أَو لَا يكْتَسب إِلَّا أقل من خَمْسَة وَالْمرَاد باللائق أَن يكون حَلَالا يَلِيق بِهِ فالكسب الْحَرَام لَا يمْنَع الْفقر وَلَو كَانَ فِي سَعَة مِنْهُ فَيحل لَهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة وَعلم من ذَلِك أَن أهل الْبيُوت الَّذين لَا يعتادون الْكسْب بِأَيْدِيهِم لَهُم أَخذ الزَّكَاة وَهُوَ الْمُعْتَمد والكسوب غير فَقير وَإِن لم يكْتَسب بِالْفِعْلِ إِن وجد من يَسْتَعْمِلهُ وَقدر عَلَيْهِ ولاق بِهِ وَحل لَهُ تعاطيه والمسكين هُوَ من لَهُ مَال أَو كسب لَائِق بِهِ يَقع موقعا من كِفَايَته إِن قتر وَلَا يَكْفِيهِ لَو توَسط كمن لَا يَكْفِيهِ إِلَّا عشرَة وَلَا يملك أَو يكْتَسب إِلَّا خَمْسَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى دون مَا يَكْفِيهِ وَيمْنَع فقر الشَّخْص ومسكنته كِفَايَة بِنَفَقَة وَاجِبَة إِن تيسرت لَهُ أما إِذا تعسرت كَأَن كَانَ الزَّوْج مُعسرا بِالنَّفَقَةِ أَو بِتَمَامِهَا فللزوجة أَن تَأْخُذ كفايتها من الزَّكَاة وَمن لم يكفها مَا وَجب لَهَا على زَوجهَا لكَونهَا أكولة تَأْخُذ تَمام كفايتها من الزَّكَاة وَلَو من زَوجهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَلَو كَانَ لَهُ كسب لَائِق بِهِ لكنه كَانَ مشتغلا بِالْعلمِ الشَّرْعِيّ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيله وَالْكَسْب يمنعهُ جَازَ لَهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة قَالَ بَعضهم وَحِينَئِذٍ تجب نَفَقَته على وَالِده وَالْعلم الشَّرْعِيّ الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وآلاتها وَلَا يمْنَع فقره مَسْكَنه الَّذِي يَحْتَاجهُ ويليق بِهِ وَلَا ثِيَابه وَلَو للتجمل وَلَا كتب لَهُ يحتاجها وَإِن تعدّدت بِتَعَدُّد الْفُنُون فَإِن تعدّدت من فن وَاحِد بيع مَا زَاد إِلَّا لمدرس فَتبقى لَهُ كلهَا وَيبقى الْمَبْسُوط لغيره وَلَا مَال غَائِب بمرحلتين أَو حَاضر حيل بَينه وَبَينه أَو مُؤَجل فَيعْطى إِلَى أَن يصل إِلَى مَاله أَو يتَمَكَّن مِنْهُ أَو يحل الْأَجَل لِأَنَّهُ الْآن فَقير أَو مِسْكين وَعلم مِمَّا مر أَن الْفَقِير أَسْوَأ حَالا من الْمِسْكِين وَالْعَامِل على الزَّكَاة مثل السَّاعِي الَّذِي يجبيها وَالْكَاتِب الَّذِي يكْتب مَا أعطَاهُ أَرْبَاب الْأَمْوَال وَالقَاسِم الَّذِي يقسم الزكوات بَين الْمُسْتَحقّين والحاشر الَّذِي يجمع أَرْبَاب الْأَمْوَال أَو الْمُسْتَحقّين والحافظ لَهَا والحاسب للأموال لَا قَاض ووال بل رزقهما فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح والمؤلفة قُلُوبهم أَرْبَعَة أَقسَام من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام أَو أَهله وَمن أسلم وَنِيَّته قَوِيَّة فيهمَا وَلَكِن لَهُ شرف فِي قومه يتَوَقَّع بإعطائه إِسْلَام غَيره وَمن أسلم وَنِيَّته كَذَلِك لَكِن هُوَ كَاف لنا شَرّ من يَلِيهِ من كفار أَو مانعي زَكَاة وَهَذَا تَحْتَهُ قِسْمَانِ فيعطي كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة لَكِن إِنَّمَا يعْطى الأخيران إِذا كَانَ إعطاؤهما أَهْون علينا من تجهيز جَيش يبْعَث لذَلِك والرقاب هم المكاتبون كِتَابَة صَحِيحَة لغير المزكى فيعطون مَا يعينهم على الْعتْق إِن لم يكن مَعَهم مَا يَفِي بنجوم الْكِتَابَة وَلَو بِغَيْر إِذن ساداتهم أَو قبل حُلُول النُّجُوم وَإِن كَانَ كسوبا أما مكَاتب المزكى فَلَا يُعْطي من زَكَاته شَيْئا لعود الْفَائِدَة عَلَيْهِ مَعَ كَونه ملكه والغارم ثَلَاثَة أَقسَام الأول من تداين لنَفسِهِ فِي مُبَاح طَاعَة كَانَ أَو لَا وَإِن صرفه فِي مَعْصِيّة أَو فِي غير مُبَاح كخمر وَصَرفه فِيهِ وَتَابَ وَظن صدقه أَو فِي غير مُبَاح وَصَرفه فِي مُبَاح هَذَا كُله قسم أول من أَقسَام الْغَارِم الثَّلَاثَة فَيعْطى مَعَ الْحَاجة بِأَن يحل الدّين وَلَا يقدر على وفائه بِخِلَاف من تداين لمعصية وَصَرفه فِيهَا وَلم يتب وَمن لم يحْتَج فَلَا يعْطى شَيْئا الثَّانِي من تداين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَي الْحَال بَين الْقَوْم كَأَن وجد قَتِيل بَين قبيلتين وَلم يظْهر قَاتله وتنازعا فِي ذَلِك فَتحمل دِيَته تسكينا للفتنة فَيعْطى وَلَو غَنِيا ترغيبا فِي هَذِه المكرمة الثَّالِث من تداين لضمان فَيعْطى إِن حل الدّين وأعسر مَعَ الْأَصِيل أَو وَحده وَكَانَ مُتَبَرعا بِالضَّمَانِ بِأَن ضمن بِلَا إِذن بِخِلَاف مَا لَو ضمن بِالْإِذْنِ وَكَانَ الْأَصِيل مُوسِرًا فَلَا يعْطى الضَّامِن لِأَنَّهُ يرجع على الْأَصِيل بِمَا أَدَّاهُ وَفِي سَبِيل الله الْمُجَاهِد المتطوع بِالْجِهَادِ فَيعْطى وَلَو غَنِيا إِعَانَة لَهُ على الْغَزْو وَابْن السَّبِيل هُوَ منشىء السّفر من بلد مَال الزَّكَاة أَو مجتاز بِهِ فِي سَفَره فَيعْطى إِن احْتَاجَ وَلَا مَعْصِيّة بِسَفَرِهِ وَمن علم أَو ظن الدَّافِع حَاله من اسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَعَدَمه عمل بِمُقْتَضى ذَلِك وَمن لم يعلم أَو يظنّ حَاله فَإِن ادّعى ضعف إِسْلَام أَو فقرا أَو مسكنة أَو كَونه غازيا أَو ابْن سَبِيل صدق بِلَا يَمِين وَإِن ادّعى عيالا أَو تلف مَال عرف أَنه لَهُ أَو عَاملا أَو مكَاتبا أَو غارما أَو بَقِيَّة الْمُؤَلّفَة كلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 بِبَيِّنَة وَهِي عَدْلَانِ أَو عدل وَامْرَأَتَانِ يخبران بذلك وَإِن لم يكن بِلَفْظ الشَّهَادَة وَإِن لم يتَقَدَّم دَعْوَى عِنْد حَاكم وَلَا استشهاد ويغني عَن الْبَيِّنَة الاستفاضة بَين النَّاس أَي الإشاعة من قوم يُؤمن تواطؤهم على الْكَذِب وَيَكْفِي أَيْضا تَصْدِيق دائن للغارم وَسيد للْمكَاتب وَلَو تخلف الْغَازِي وَابْن السَّبِيل عَمَّا أخذا لأَجله بِأَن مضى ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يترصدا لِلْخُرُوجِ وَلم ينتظرا رفْقَة اسْتردَّ مِنْهُمَا مَا أخذاه وَكَذَا لَو فضل عَن حَاجَة الْغَازِي شَيْء لَهُ وَقع وَلم يكن قتر على نَفسه أما مَا لَا وَقع لَهُ فَلَا يسْتَردّ مُطلقًا وَكَذَا لَو قتر على نَفسه وَفضل شَيْء بِسَبَب ذَلِك فَلَا يسْتَردّ بِخِلَاف ابْن السَّبِيل فَإِنَّهُ يسْتَردّ مِنْهُ الْفَاضِل مُطلقًا وَمثله الْمكَاتب إِذا عتق بِغَيْر مَا أَخذه والغارم إِذا برىء أَو اسْتغنى بِغَيْر مَا أَخذه وَيَنْبَغِي للآخذ أَن يَدْعُو للمعطي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أسدى إِلَيْكُم مَعْرُوفا فكافئوه فَإِن لم تقدروا على مكافأته فَادعوا لَهُ أَي من أحسن إِلَيْكُم أَي إِحْسَان فكافئوه بِمثلِهِ فَإِن لم تَجدوا فبالغوا فِي الدُّعَاء لَهُ جهدكم حَتَّى تحصل المثلية وَالْأولَى أَن يَقُول فِي دُعَائِهِ طهر الله قَلْبك فِي قُلُوب الْأَبْرَار وزكى عَمَلك فِي عمل الأخيار وَصلى على روحك فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَإِذا قسم الإِمَام وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَشْيَاء تَعْمِيم الْأَصْنَاف الثَّمَانِية إِن وجدوا وتعميم آحَاد كل صنف إِن وفى بهم المَال وَإِلَّا بِأَن كَانَ قدرا لَو وزع عَلَيْهِم لم يسد مسدا لم يجب التَّعْمِيم بل يقدم الأحوج فالأحوج مِنْهُم والتسوية بَين الْأَصْنَاف مُطلقًا غير الْعَامِل أما هُوَ فَيعْطى أُجْرَة مثله والتسوية بَين آحَاد الْأَصْنَاف إِن اسْتَوَت الْحَاجَات فَإِن لم يُوجد جَمِيع الْأَصْنَاف وَجب تَعْمِيم من وجد مِنْهُم وَإِن لم تتساو الْحَاجَات دفع إِلَيْهِم بحسبها فَيعْطى الْفَقِير والمسكين كِفَايَة بَقِيَّة الْعُمر الْغَالِب وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة فيشتريان بِمَا يعطيانه عقارا يستغلانه وَللْإِمَام أَن يَشْتَرِي لَهما ذَلِك هَذَا فِيمَن لَا يحسن الْكسْب بحرفة وَلَا تِجَارَة أما من يحسن الْكسْب بحرفة فَيعْطى مَا يشترى بِهِ آلتها وَأما من يحسن التِّجَارَة فَيعْطى مَا يشترى بِهِ مَا يحسن التِّجَارَة فِيهِ مِمَّا يَفِي ربحه بكفايته غَالِبا وَيُعْطى مكَاتب وغارم لغير إصْلَاح ذَات الْبَين مَا عَجزا عَنهُ من وَفَاء دينهما وَيُعْطى ابْن السَّبِيل مَا يوصله مقْصده أَو مَاله إِن كَانَ لَهُ فِي طَرِيقه مَال وَيُعْطى الْغَازِي حَاجته فِي غَزوه ذَهَابًا وإيابا وَإِقَامَة لَهُ ولعياله ويهيأ لَهُ مركوب إِن لم يطق الْمَشْي أَو طَال سَفَره وَمَا يحمل زَاده ومتاعه إِن لم يعْتد مثله حملهما كَابْن السَّبِيل وَيُعْطى الْمُؤَلّفَة مَا يرَاهُ وَيُعْطى كل فَرد من أَفْرَاد الْعَامِل أُجْرَة مثله وَمن فِيهِ صفتا اسْتِحْقَاق كفقير غَارِم يَأْخُذ بِإِحْدَاهُمَا وَمثل الإِمَام فِيمَا ذكر الْمَالِك إِن انحصروا فِي الْبَلَد ووفى بهم المَال فَيجب عَلَيْهِ تَعْمِيم الْأَصْنَاف حَيْثُ وجدوا والتسوية بَينهم وَإِن تفاوتت الْحَاجَات وتعميم آحَاد كل صنف لَكِن لَا تجب التَّسْوِيَة بَين آحَاد الصِّنْف إِلَّا إِن قسم الإِمَام وتساوت الْحَاجَات كَمَا مر فَإِن لم ينحصروا أَو لم يوف بهم المَال لم يجز الِاقْتِصَار على أقل من ثَلَاثَة من كل صنف وَمَعْلُوم أَنه لَا عَامل حَيْثُ قسم الْمَالِك تَنْبِيه مَا تقرر من أَنه لَا بُد من تَعْمِيم الْأَصْنَاف هُوَ مُعْتَمد الْمَذْهَب لِأَن معنى الْحصْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الْمَذْكُور فِي الْآيَة عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا تصرف لهَؤُلَاء لَا لغَيرهم وَلَا لبَعْضهِم فَقَط بل يجب استيعابهم وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا من الصعوبة سِيمَا فِي زَكَاة الْفطر وَالْمعْنَى عِنْد الإِمَام مَالك وَأبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّمَا تصرف لهَؤُلَاء لَا لغَيرهم وَهَذَا يصدق بِعَدَمِ استيعابهم فَيجوز دَفعهَا لصنف مِنْهُم وَلَا يجب التَّعْمِيم قَالَ ابْن عجيل اليمني ثَلَاث مسَائِل فِي الزَّكَاة يُفْتى فِيهَا على خلاف الْمَذْهَب نقل الزَّكَاة وَدفع زَكَاة وَاحِد لوَاحِد وَدفعهَا إِلَى صنف وَاحِد قَالَ وَلَو كَانَ الشَّافِعِي حَيا لأفتى بذلك وَاخْتَارَ جمع جَوَاز دفع زَكَاة الْفطر إِلَى ثَلَاثَة فُقَرَاء أَو مَسَاكِين وَآخَرُونَ جَوَازه لوَاحِد وَأطَال بَعضهم فِي الِانْتِصَار لَهُ وَفهم من ذَلِك أَن مُقْتَضى الْمَذْهَب حُرْمَة نقل الزَّكَاة من مَحل وُجُوبهَا مَعَ وجود الْمُسْتَحقّين بِهِ إِلَى مَحل آخر وَالْمرَاد بالمستحقين من كَانُوا فِيهَا فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِن لم يَكُونُوا من أَهلهَا دون غَيرهم وَمحل الْوُجُوب شَامِل للبلد والقرية وَالْبَحْر وَالْبر حَتَّى لَو حَال الْحول وَالْمَال فِي الْبَحْر حرم نَقله إِلَى الْبر وَالْمرَاد بِمحل الْوُجُوب الْمحل الَّذِي حَال الْحول وَالْمَال فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لزكاة المَال أما زَكَاة الْفطر فَمحل الْوُجُوب هُوَ الَّذِي غربت شمس آخر يَوْم من رَمَضَان والشخص فِيهِ وَالْمرَاد بِالْمحل الآخر الَّذِي يحرم نقل الزَّكَاة إِلَيْهِ الْمحل الَّذِي بالوصول اليه يجوز الْقصر للْمُسَافِر وَلَو خَارج السُّور فَإِن عدمت الْأَصْنَاف فِي مَحل وُجُوبهَا أَو فضل عَنْهُم شَيْء وَجب نقلهَا أَو الْفَاضِل إِلَى مثلهم بأقرب بلد إِلَيْهِ فَإِن عدم بَعضهم أَو فضل عَنهُ شَيْء رد نصيب الْبَعْض أَو الْفَاضِل عَنهُ على البَاقِينَ إِن نقص نصِيبهم عَن كفايتهم فَإِن لم ينقص نقل ذَلِك إِلَى ذَلِك الصِّنْف بأقرب بلد إِلَيْهِ وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ للْمَالِك أما الإِمَام فَلهُ وَلَو بنائبه نقل الزَّكَاة مُطلقًا فَائِدَة لَو كَانَ لَهُ دين على آخر فَقَالَ الْمَدِين لصَاحب الدّين ادْفَعْ لي من زكاتك حَتَّى أقضيك دينك فَفعل أَجْزَأَ عَن الزَّكَاة وَلَا يلْزم الْمَدِين قَضَاء الدّين مِمَّا أَخذه بل لَهُ دفع غَيره وَلَو قَالَ صَاحب الدّين للْمَدِين اقْضِ مَا عَلَيْك لأرده إِلَيْك من زكاتي فَفعل صَحَّ الْقَضَاء وَلَا يلْزم رده إِلَيْهِ وَلَو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فَقَالَ جعلته عَن زكاتي لم يُجزئهُ على الصَّحِيح حَتَّى يقبضهُ ثمَّ يردهُ إِلَيْهِ وَقيل يُجزئهُ كَمَا لَو كَانَ وَدِيعَة وَشرط آخذ الزَّكَاة من هَذِه الْأَصْنَاف أَن لَا يكون فِيهِ رق إِلَّا الْمكَاتب وَأَن لَا يكون كَافِرًا وَلَا من بني هَاشم وَبني الْمطلب ومواليهم (و) حِينَئِذٍ (لَو أَعْطَاهَا) أَي الزَّكَاة (لكَافِر أَو من بِهِ رق) غير مكَاتب (أَو هاشمي أَو مطلبي أَو غَنِي) بِمَال أَو كسب يَلِيق بِحَالهِ ومروءته (أَو مكفي بِنَفَقَة قريب) أَو زوج (لم يجزىء) أَي ذَلِك الْمُعْطى عَن الزَّكَاة نعم يجوز أَن يكون الْحمال والكيال والوزان والحافظ كَافِرًا وهاشميا ومطلبيا ورقيقا لِأَن مَا يأخذونه أُجْرَة فِي الْحَقِيقَة أما الْكَافِر فللإجماع فِيمَا عدا زَكَاة الْفطر وَترك الْمُسلم الصَّلَاة لَا يُؤثر فِي إِعْطَائِهِ نعم إِن بلغ كَذَلِك أَخذ لَهُ وليه وَأما الرَّقِيق فَلِأَنَّهُ غَنِي بِنَفَقَة سَيّده وَلِأَنَّهُ لَو ملك لم يملك وَأما بَنو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 هَاشم وَبَنُو الْمطلب فلحديث الْحَاكِم عَن عَليّ أَن الْعَبَّاس سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَسْتَعْمِلهُ على الصَّدَقَة فَقَالَ مَا كنت أستعملك على غسالة الْأَيْدِي وروى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذِه الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد وروى الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا أحل لكم أهل الْبَيْت من الصَّدقَات شَيْئا وَلَا غسالة الْأَيْدِي إِن لكم فِي خمس الْخمس مَا يكفيكم أَو يغنيكم أَي بل يغنيكم وَفِي موَالِي بني هَاشم وَبني الْمطلب خلاف قيل يجوز الدّفع إِلَيْهِم لِأَن منع ذَوي الْقُرْبَى لشرفهم وَهُوَ مَفْقُود فيهم وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تحل لَهُم أَيْضا لخَبر مولى الْقَوْم مِنْهُم وَأما الْغَنِيّ فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حق فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب وَلَو غَابَ الزَّوْج أَو الْمُنفق وَلم يتْرك منفقا وَلَا مَالا يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ أَعْطَيْت الزَّوْجَة أَو الْقَرِيب بالفقر والمسكنة وَخرج بذلك المكفي بِنَفَقَة مُتَبَرّع فَلهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة وَيسن للزَّوْجَة أَن تُعْطِي زَوجهَا من زَكَاتهَا إِن كَانَ من أهل اسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَإِن أنفقها عَلَيْهَا تَنْبِيه مثل الزَّكَاة الْكَفَّارَة وَالنّذر لِأَنَّهُ يسْلك بِهِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع هَذَا إِذا كَانَ النّذر على جِهَة عَامَّة كَهَذا عَليّ الْفُقَرَاء أما إِذا نذر لشخص معِين مِمَّن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة الْوَاجِبَة فَينْعَقد فَإِن كَانَ النّذر بِمعين كَهَذا الدِّينَار ملكه بِنَفس النّذر وَلَا يتأثر بِالرَّدِّ كإعراض الغانم بعد اخْتِيَار التَّمَلُّك أَو بِشَيْء فِي الذِّمَّة ملكه بِالْقَبْضِ الصَّحِيح وَالشّرط عدم الرَّد وَينْعَقد النّذر للغني وَالْكَافِر على التَّعْيِين بِخِلَاف الْكَفَّارَة فَلَا يحل إعطاؤها لَهما وَلَيْسَ كل حكم من الْأَحْكَام مَنْصُوصا عَلَيْهِ بل مَا دخل تَحت إِطْلَاق الْأَصْحَاب منزل منزلَة تصريحهم كَذَا نقل عَن (زَاد الْغَرِيب شرح أَلْفَاظ التَّقْرِيب) للشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ (وَيسن صَدَقَة تطوع كل يَوْم) أَي كل وَقت لَيْلًا وَنَهَارًا لَا سِيمَا أَيَّام الجدب والضيق ليحوز بذلك الْعَافِيَة فِي الْجِسْم وَالْمَال والأهل وَالْخلف السَّرِيع فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب الجزيل فِي الْآخِرَة وَلَا تتقيد الصَّدَقَة بِمِقْدَار بل تحصل (بِمَا تيَسّر) وَلَو شَيْئا يَسِيرا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَالْمعْنَى اجعلوا بَيْنكُم وَبَين نَار جَهَنَّم وقاية من الصَّدَقَة وأعمال الْبر وَلَو كَانَ الاتقاء الْمَذْكُور بِجَانِب التمرة أَو نصفهَا فَإِنَّهُ قد يسد الرمق سِيمَا للطفل فَلَا يحتقر الْمُصدق ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} 99 الزلزلة الْآيَة 7 وَدِرْهَم الصَّدَقَة أفضل من دِرْهَم الْقَرْض على الْمُعْتَمد وَيسن أَن يتَصَدَّق بِمَا يُحِبهُ لقَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} 3 آل عمرَان الْآيَة 92 وَيحرم الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ وَيبْطل بِهِ ثَوَابهَا وتباح على الْغَنِيّ وَالْكَافِر غير الْحَرْبِيّ وَقد يعرض لَهَا مَا يحرمها كَأَن يُعْطِيهَا لمن يعلم مِنْهُ أَنه يصرفهَا فِي مَعْصِيّة (وإعطاؤها) أَي الصَّدَقَة المندوبة (سرا وبرمضان ولقريب) وَنَحْوه كَزَوْجَة وصديق (وجار) أقرب فأقرب (أفضل) من غير ذَلِك وَيسن الْإِكْثَار من الصَّدَقَة فِي رَمَضَان لَا سِيمَا فِي عشره الْأَوَاخِر وأمام الْحَاجَات وَعند كسوف وَمرض وَحج وَجِهَاد وَفِي أزمنة وأمكنة فاضلة كعشر ذِي الْحجَّة وَأَيَّام الْعِيد وَالْجُمُعَة والمحتاجين (لَا) يطْلب شرعا التَّصَدُّق (بِمَا يَحْتَاجهُ) لنفقة ممونه من نَفسه وَغَيره فَإِنَّهُ حرَام إِن لم يصبر على الإضاقة وَإِلَّا فَلَا حُرْمَة لقَوْله تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} 59 الْحَشْر الْآيَة وعاشوراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَشهر رَجَب وَشَعْبَان وَمَكَّة وَالْمَدينَة وَأَن يخص بِصَدَقَتِهِ أهل الْخَيْر 9) أَو بِمَا يَحْتَاجهُ لوفاء دين لَا يظنّ لَهُ وَفَاء لَو تصدق بذلك بَاب الصَّوْم حَقِيقَته شرعا الْإِمْسَاك عَن جَمِيع المفطرات على وَجه مَخْصُوص وَصَوْم رَمَضَان فرض بِالْإِجْمَاع مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فيكفر جاحده إِلَّا إِذا كَانَ جَاهِلا نَشأ ببادية بعيدَة عَن الْعلمَاء أَو كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ وَمن ترك صَوْمه لغير عذر من سفر وَمرض غير جَاحد لوُجُوبه كَأَن قَالَ الصَّوْم وَاجِب عَليّ وَلَكِن لَا أَصوم حبس وَمنع من الطَّعَام وَالشرَاب نَهَارا لتحصل لَهُ صُورَة الصَّوْم وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام الْخَمْسَة وَهِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَهِي فِي الْأَفْضَلِيَّة على هَذَا التَّرْتِيب (يجب صَوْم رَمَضَان) بِأحد أَرْبَعَة أُمُور الأول إِكْمَال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْد عدم ثُبُوت رَمَضَان لَيْلَة الثَّلَاثِينَ الثَّانِي رُؤْيَة الْهلَال لَيْلَة الثَّلَاثِينَ فَيجب الصَّوْم على الرَّائِي وَلَو غير عدل وَإِن كَانَ حَدِيد الْبَصَر وَإِن قَالَ المنجمون إِن الْحساب الْقطعِي دلّ على عدم إِمْكَان الرُّؤْيَة خلافًا للقليوبي وَمن أخبرهُ موثوق بِهِ بِأَنَّهُ رأى الْهلَال وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم وَإِن لم يصدقهُ لِأَن خبر الثِّقَة مَقْبُول شرعا وَلَا أثر لرُؤْيَته فِي المَاء وَلَا فِي الْمرْآة وَخرج بليلة الثَّلَاثِينَ مَا لَو رُؤِيَ نَهَارا فَلَا أثر لذَلِك لَا فِي دُخُول الصَّوْم وَلَا فِي خُرُوجه وَفِي معنى الرُّؤْيَة الْعلم بالأمارة الدَّالَّة على ثُبُوت رَمَضَان كسماع المدافع ورؤية الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالمنائر وَلَو طفئت بعد إيقادها لنَحْو شكّ فِي الرُّؤْيَة ثمَّ أُعِيدَت لثبوتها وَجب تَجْدِيد النِّيَّة على من علم بطفئها دون غَيره وَيجب على كل من المنجم والحاسب أَن يعْمل بِحِسَابِهِ وَكَذَا من صدقهما الثَّالِث حكم الْحَاكِم بِثُبُوتِهِ بِمُقْتَضى شَهَادَة عدل عِنْده بِالرُّؤْيَةِ فَلَا بُد أَن يَقُول حكمت بِثُبُوت هِلَال رَمَضَان أَو ثَبت عِنْدِي هِلَال رَمَضَان وَإِلَّا لم يجب الصَّوْم وَحَيْثُ صدر مِنْهُ حكم وَجب الصَّوْم على عُمُوم من كَانَ مطلعه مُوَافقا لمطلع مَحل الرُّؤْيَة بِأَن يكون غرُوب الشَّمْس وَالْكَوَاكِب وطلوعها فِي المحلين فِي وَقت وَاحِد فَإِن غرب شَيْء من ذَلِك أَو طلع فِي أحد المحلين قبله فِي الآخر أَو بعده لم يجب على من لم ير بِرُؤْيَة أهل الْمحل الآخر لَكِن لَو سَافر من أحد المحلين إِلَى الآخر فَوجدَ أَهله صَائِمين أَو مفطرين لزمَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 موافقتهم سَوَاء فِي أول الشَّهْر أَو آخِره وَهَذَا أَمر مرجعه إِلَى طول الْبِلَاد وعرضها سَوَاء قربت الْمسَافَة أَو بَعدت وَلَا نظر إِلَى مَسَافَة الْقصر وَعدمهَا وَعلم أَنه مَتى حصلت الرُّؤْيَة فِي الْبَلَد الشَّرْقِي لزم رُؤْيَته فِي الْبَلَد الغربي دون عَكسه كَمَا فِي مَكَّة المشرفة ومصر المحروسة فَيلْزم من رُؤْيَته فِي مَكَّة رُؤْيَته فِي مصر لَا عَكسه لِأَن الْهلَال يرى غاربا وتكفي الْعَدَالَة الظَّاهِرَة وَلَو رَجَعَ عَن شَهَادَته بعد شروعهم فِي الصَّوْم أَو بعد حكم الْحَاكِم وَلَو قبل شروعهم فِي الصَّوْم لَزِمَهُم الصَّوْم وكل شهر اشْتَمَل على عبَادَة يثبت بِشَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد بِالنّظرِ لِلْعِبَادَةِ وَذَلِكَ كرجب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذي الْحجَّة وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَة أشهد أَنِّي رَأَيْت الْهلَال الرَّابِع ظن دُخُوله بِالِاجْتِهَادِ فِيمَن اشْتبهَ عَلَيْهِ رَمَضَان كَأَن كَانَ أَسِيرًا أَو مَحْبُوسًا وللصوم شُرُوط لوُجُوبه وشروط لصِحَّته وأركان وَسنَن ومكروهات ومبطلات أما شُرُوط وُجُوبه فَثَلَاثَة الْإِسْلَام والتكليف وَالْقُدْرَة على الصَّوْم كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك المُصَنّف بقوله (يجب صَوْم رَمَضَان على مُكَلّف مطيق لَهُ) وشروط صِحَّته أَرْبَعَة الْإِسْلَام والنقاء من الْحيض وَالنّفاس وَالْعقل وَالْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم (وفرضه) أَي أَرْكَان الصَّوْم اثْنَان الأول (نِيَّة) لَيْلًا (لكل يَوْم) ومحلها الْقلب وَيسْتَحب التَّلَفُّظ بهَا وَلَو نسي النِّيَّة لَيْلًا وطلع الْفجْر وَهُوَ نَاس لم يحْسب لَهُ ذَلِك الْيَوْم لَكِن يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك رِعَايَة لحُرْمَة الْوَقْت وَيسن فِي أول الشَّهْر أَن يَنْوِي صَوْم جَمِيعه وَذَلِكَ يُغني عَن تجديدها فِي كل لَيْلَة عِنْد الإِمَام مَالك فَيسنّ ذَلِك عندنَا لِأَنَّهُ رُبمَا نسي التبييت فِي بعض اللَّيَالِي فيقلد الإِمَام مَالِكًا وَيشْتَرط أَن يحضر فِي الذِّهْن صِفَات الصَّوْم مَعَ ذَاته ثمَّ يضم الْقَصْد إِلَى ذَلِك الْمَعْلُوم فَلَو خطر بِبَالِهِ الْكَلِمَات مَعَ جَهله مَعْنَاهَا لم يَصح وَمن صِفَات الصَّوْم كَون الشَّهْر رَمَضَان وَإِن لم يحضر فِي الذِّهْن ذَلِك لم يحصل لَهُ الْيَوْم الأول وَلَا غَيره (وَشرط لفرضه) أَي الصَّوْم من رَمَضَان وَلَو من صبي أَو غَيره كقضاء أَو كَفَّارَة أَو استسقاء أَمر بِهِ الامام أَو نذر (تبييت) للنِّيَّة لكل لَيْلَة وَلَو من أول اللَّيْل وَلَا يجب التبييت فِي نفل الصَّوْم بل تصح نِيَّته قبل الزَّوَال بِشَرْط أَن لَا يسبقها منَاف للصَّوْم (وَتَعْيِين) فِي الْفَرْض الْمَنوِي كرمضان أَو نذر أَو قَضَاء أَو كَفَّارَة وَفِي نفل لَهُ سَبَب بِخِلَاف النَّفْل الْمُؤَقت كَصَوْم الْإِثْنَيْنِ وعرفة وعاشوراء وَأَيَّام الْبيض وَسِتَّة من شَوَّال فَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّعْيِين لِأَن الصَّوْم فِي تِلْكَ الْأَيَّام منصرف إِلَيْهَا بل لَو نوى بِهِ غَيرهَا حصلت أَيْضا كتحية الْمَسْجِد لِأَن الْمَقْصُود وجود صَوْم فِيهَا وَيسْتَثْنى من وجوب التَّعْيِين مَا لَو كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء رمضانين أَو صَوْم نذر أَو كَفَّارَة من جِهَات مُخْتَلفَة فَنوى صَوْم غَد عَن قَضَاء رَمَضَان أَو صَوْم نذر أَو كَفَّارَة جَازَ وَإِن لم يعين عَن قَضَاء أَيهمَا فِي قَضَاء رمضانين وَلَا نَوعه فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ كُله جنس وَاحِد وَلَو نوى صَوْم غَد وَهُوَ يَعْتَقِدهُ الْإِثْنَيْنِ فَكَانَ الثُّلَاثَاء أَو صَوْم رَمَضَان هَذِه السّنة وَهُوَ يعتقدها سنة ثَلَاث فَكَانَت سنة أَربع صَحَّ صَوْمه وَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ بِخِلَاف مَا لَو نوى صَوْم الثُّلَاثَاء لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَلم يخْطر بِبَالِهِ صَوْم غَد أَو صَوْم رَمَضَان سنة ثَلَاث وَكَانَت سنة أَربع وَلم يخْطر بِبَالِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 السّنة الْحَاضِرَة فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ لم يعين الْوَقْت الَّذِي نوى فِي ليلته وَلَو نوى صَوْم غَد يَوْم الْأَحَد مثلا وَهُوَ غَيره فَالْأَوْجه الصِّحَّة من الغالط لَا الْعَامِد لتلاعبه وَخرج بِالتَّعْيِينِ مَا لَو نوى الصَّوْم عَن فَرْضه أَو عَن فرض وقته فَلَا يَكْفِي لِأَنَّهُ فِي الأولى يحْتَمل رَمَضَان وَغَيره وَفِي الثَّانِيَة يحْتَمل الْقَضَاء وَالْأَدَاء وَأَقل التَّعْيِين هُنَا أَن يَنْوِي صَوْم غَد عَن رَمَضَان وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للغد بِخُصُوصِهِ لحُصُول التَّعْيِين دونه كَأَن يَقُول الْخَمِيس مثلا عَن رَمَضَان أَو يَقُول رَمَضَان بِدُونِ ذكر يَوْم وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال للتبييت بل يَكْفِي نِيَّة دُخُوله فِي صَوْم الشَّهْر (وأكملها) أَي النِّيَّة وَعبارَة الْمِنْهَاج كالمحرر كَمَال التَّعْيِين (نَوَيْت صَوْم غَد عَن أَدَاء فرض رَمَضَان هَذِه السّنة لله تَعَالَى) إِيمَانًا واحتسابا بِإِضَافَة رَمَضَان إِلَى مَا بعْدهَا لتتميز عَن أضدادها ويغني عَن ذكر الْأَدَاء أَن يَقُول عَن هَذَا الرمضان واحتيج لذكره مَعَ هَذِه السّنة وَإِن اتَّحد محترزهما إِذْ فرض غير هَذِه السّنة لَا يكون إِلَّا قَضَاء لِأَن لفظ الْأَدَاء يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْفِعْل كَذَا قَالَه الرَّمْلِيّ وَالثَّانِي الْإِمْسَاك عَن جَمِيع المفطرات الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله (وَيفْطر عَامِدًا عَالم مُخْتَار) فَخرج بالعمد النسْيَان فَلَو أكل أَو شرب نَاسِيا للصَّوْم لَا يضرّهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه وبالعلم بِالتَّحْرِيمِ الْجَهْل بِهِ إِذا كَانَ جَاهِلا مَعْذُورًا فَلَا يفْطر وبالاختيار الْإِكْرَاه فَلَو أكره حَتَّى أكل أَو شرب لَا يبطل صَوْمه (بجماع) أَي إِدْخَال حَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها فرجا قبلا أَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره أنزل أَو لَا عَامِدًا مُخْتَارًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يفْطر بِالْوَطْءِ نَاسِيا للصَّوْم وَإِن تكَرر وَلَا بِالْإِكْرَاهِ مَا لم يكن زنا لِأَنَّهُ لَا يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ فيفطر بِهِ وَاعْتمد الْعَلامَة العزيزي الْإِطْلَاق وَقَالَ لَا يفْطر حَيْثُ أكره على الزِّنَا لشُبْهَة الْإِكْرَاه وَالْحُرْمَة من حَيْثُ نفس الْوَطْء وَكَذَا لَو وطىء جَاهِلا بِأَن الْوَطْء مُبْطل للصَّوْم وَكَانَ مَعْذُورًا كَمَا مر وَلَو أَدخل شخص ذكره فِي دبر نَفسه فَإِنَّهُ يفْطر وَيحد وَيفْسد حجه وَيجب عَلَيْهِ الْغسْل وَالْكَفَّارَة فِي الصَّوْم كَمَا نقل عَن البُلْقِينِيّ (واستمناء) أَي طلب خُرُوج الْمَنِيّ وَهُوَ مُبْطل للصَّوْم مُطلقًا سَوَاء كَانَ بِيَدِهِ أَو بيد حليلته أَو غَيرهمَا بِحَائِل أَو لَا بِشَهْوَة أَو لَا أما إِذا كَانَ الْإِنْزَال من غير طلب خُرُوج الْمَنِيّ فَتَارَة يكون بِمُبَاشَرَة مَا تشتهيه الطباع السليمة أَو لَا فَإِن كَانَ لَا تشتهيه الطباع السليمة كالأمرد الْجَمِيل والعضو المبان فَلَا فطر بالإنزال مُطلقًا سَوَاء كَانَ بِشَهْوَة أَو لَا بِحَائِل أَو لَا وَإِن كَانَ تشتهيه الطباع السليمة فَتَارَة يكون من مَحَارمه وَتارَة لَا فَإِن كَانَ من الْمَحَارِم وَكَانَ بِشَهْوَة وَبِدُون حَائِل أفطر وَإِلَّا فَلَا وَإِن لم يكن من الْمَحَارِم فَإِن كَانَ بِدُونِ حَائِل أفطر سَوَاء كَانَ بِشَهْوَة أَو لَا أما وَإِن كَانَ بِحَائِل وَلَو رَقِيقا جدا فَلَا إفطار وَلَو بِشَهْوَة كَمَا قَالَ (لَا بِضَم بِحَائِل) وَالْمرَاد بالشهوة أَن يقْصد مُجَرّد اللَّذَّة من غير أَن يقْصد خُرُوج الْمَنِيّ وَإِلَّا كَانَ استمناء وَهُوَ مفطر مُطلقًا كَمَا مر وَخرج بِالْمُبَاشرَةِ النّظر والفكر فَلَو نظر أَو تفكر فأمنى فَلَا فطر مَا لم يكن من عَادَته الْإِنْزَال بذلك وَإِلَّا أفطر وَلَو أحس بانتقال الْمَنِيّ وتهيئه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لِلْخُرُوجِ بِسَبَب النّظر فاستدامه حَتَّى أنزل أفطر قطعا وَلَا يضر نُزُوله فِي النّوم وَيحرم نَحْو اللَّمْس كالقبلة إِن حرك شَهْوَته خوف الْإِنْزَال وَإِلَّا فَتَركه أولى وَمن خصوصياته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز الْقبْلَة فِي الصَّوْم الْمَفْرُوض مَعَ قُوَّة شَهْوَته لِأَنَّهُ كَانَ أملك النَّاس لإربه (واستقاءة) أَي طلب قيء عمدا مُخْتَارًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ كَمَا مر وَإِن تَيَقّن أَنه لم يرجع شَيْء إِلَى جَوْفه كَأَن تقايأ مُنَكسًا وَمن الْقَيْء مَا لَو دخلت ذُبَابَة جَوْفه فأخرجها وكالقيء التجشي فَإِن تَعَمّده وَخرج شَيْء من معدته إِلَى حد الظَّاهِر أفطر وَلَو كَانَ نَاسِيا للصَّوْم أَو مكْرها كَمَا لَو غَلبه الْقَيْء أَو جَاهِلا مَعْذُورًا فَلَا فطر وَيسْتَثْنى من الْقَيْء مَا لَو اقتلع نخامة من الْبَاطِن ورماها سَوَاء قلعهَا من دماغه أَو من بَاطِنه لِأَن الْحَاجة إِلَى ذَلِك تَتَكَرَّر وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بقوله (لَا بقلع نخامة) وَلَو نزلت من دماغه أَو خرجت من جَوْفه ووصلت إِلَى حد الظَّاهِر وَجب قلعهَا ومجها ويعفى عَمَّا أَصَابَته لَو كَانَت نَجِسَة فَإِن تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك فَرَجَعت إِلَى حد الْبَاطِن أفطر لتَقْصِيره وَلَو كَانَ فِي فرض صَلَاة وَلم يقدر على مجها إِلَّا بِظُهُور حرفين فَأكْثر لم تبطل صلَاته بل يتَعَيَّن ذَلِك مُرَاعَاة لمصلحتها كالتنحنح لتعذر الْقِرَاءَة الْوَاجِبَة وحد الظَّاهِر هُوَ مخرج الْخَاء الْمُعْجَمَة عِنْد الرَّافِعِيّ والحاء الْمُهْملَة عِنْد النَّوَوِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد فَإِن لم تصل إِلَى حد الظَّاهِر الْمَذْكُور بِأَن كَانَت دَاخِلا عَمَّا ذكر أَو حصلت فِي حد الظَّاهِر وَلم يقدر على قلعهَا ومجها لم يضر وَلَو أصبح وَفِي فَمه خيط مُتَّصِل بجوفه كَأَن أكل بِاللَّيْلِ كنافة وَبَقِي مِنْهَا خيط بفمه تعَارض عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الصَّوْم وَالصَّلَاة لبُطْلَان الصَّوْم بابتلاعه لِأَنَّهُ أكل أَو نَزعه لِأَنَّهُ استقاء ولبطلان الصَّلَاة بِبَقَائِهِ لاتصاله بِنَجَاسَة الْبَاطِن فطريق خلاصه أَن يَنْزعهُ مِنْهُ غَيره وَهُوَ غافل فَإِن لم يكن غافلا وَتمكن من دفع النازع أفطر إِذْ النزع مُوَافق لغَرَض النَّفس فَهُوَ حِينَئِذٍ مَنْسُوب إِلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَقد لَا يطلع عَلَيْهِ عَارِف بِهَذَا الطَّرِيق وَيُرِيد الْخَلَاص فطريقه أَن يجْبرهُ الْحَاكِم على نَزعه وَلَا يفْطر لِأَنَّهُ كالمكره وَحَيْثُ لم يتَّفق لَهُ شَيْء من ذَلِك وَجب عَلَيْهِ نَزعه أَو ابتلاعه مُحَافظَة على الصَّلَاة لِأَن حكمهَا أغْلظ لقتل تاركها وَقَالَ بَعضهم يتَعَيَّن عَلَيْهِ بلعه فِي هَذِه الْحَالة وَلَا يُخرجهُ لِأَنَّهُ ينجس فَمه (وَدخُول عين) من أَعْيَان الدُّنْيَا وَإِن قلت كسمسمة أَو لم تُؤْكَل كحصاة (جوفا) أَي يفْطر صَائِم بوصول عين من تِلْكَ إِلَى مُطلق الْجوف من منفذ مَفْتُوح مَعَ الْعمد وَالِاخْتِيَار وَالْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَمن الْعين الحقنة وَمِنْهَا الدُّخان الْمَعْرُوف بِخِلَاف دُخان البخور لِأَن شَأْنه الْقلَّة وَأما أَعْيَان الْجنَّة فَلَا تفطر وَالْمرَاد بِمُطلق الْجوف كل مَا يُسمى جوفا وَإِن لم يكن فِيهِ قُوَّة إِحَالَة الْغذَاء والدواء كحلق وباطن أذن وإحليل ومثانة فَلَو أَدخل عودا فِي أُذُنه أَو إحليله فوصل إِلَى الْبَاطِن أفطر وَيَنْبَغِي الِاحْتِرَاز حَالَة الِاسْتِنْجَاء لِأَنَّهُ مَتى أَدخل من أُصْبُعه أدنى شَيْء فِي دبره أفطر وَكَذَا لَو فعل بِهِ غَيره ذَلِك بِاخْتِيَارِهِ مَا لم يتَوَقَّف خُرُوج الْخَارِج على إِدْخَال أُصْبُعه فِي دبره وَإِلَّا أدخلهُ وَلَا فطر وَضَابِط دُخُول الْمُفطر أَن يصل الدَّاخِل إِلَى مَا لَا يجب غسله فِي الِاسْتِنْجَاء بِخِلَاف مَا يجب غسله فِيهِ فَلَا يفْطر إِذا أَدخل أُصْبُعه ليغسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الطيات الَّتِي فِيهِ وَمثل الْأصْبع غَائِط خرج مِنْهُ وَلم ينْفَصل ثمَّ ضم دبره فَدخل مِنْهُ شَيْء إِلَى دَاخله فيفطر حَيْثُ تحقق دُخُول شَيْء مِنْهُ بعد بروزه من معدته وَخرج بِالْعينِ الطّعْم وَالرِّيح فَلَا يضرّهُ وبالجوف مَا لَو طعن فَخذه مثلا فَلَا يضرّهُ ويعفى عَن مقعدة المبسور حَتَّى لَو توقف دُخُولهَا على الِاسْتِعَانَة بِأُصْبُعِهِ عُفيَ عَنهُ وَيُؤْخَذ من التَّقْيِيد بالمنفذ المفتوح أَن الْوَاصِل بتشرب المسام لَا يضر فَلَا يضر الاكتحال وَإِن وجد أَثَره فِي الْحلق كَمَا لَا يضر الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ وَإِن وجد أثر الْبُرُودَة أَو الْحَرَارَة بباطنه (لَا بريق طَاهِر صرف) بِكَسْر الصَّاد أَي خَالص (من معدنه) أَي مَحَله وَهُوَ جَمِيع الْفَم أَي فَلَا يضر وُصُول ريق من معدنه جَوْفه إِذا كَانَ طَاهِرا وَلم يخْتَلط بِغَيْرِهِ وَلَو أخرج رِيقه من فَمه على لِسَانه أَو جمعه على لِسَانه ثمَّ أخرجه على طرفه ثمَّ أَعَادَهُ لَا يفْطر لِأَن اللِّسَان كَيْفَمَا تقلب مَعْدُود من دَاخل الْفَم بِخِلَاف مَا إِذا خرج عَن معدنه كالخارج إِلَى حمرَة الشفتين أَو كَانَ مختلطا بِغَيْرِهِ كبقايا الطَّعَام أَو متنجسا كَأَن دميت لثته فَإِنَّهُ يضر نعم لَو ابتلى بذلك بِحَيْثُ يجْرِي دَائِما أَو غَالِبا سومح بِمَا يشق الِاحْتِرَاز عَنهُ وَيَكْفِي بصقه ويعفى عَن أَثَره وَلَا سَبِيل إِلَى تَكْلِيفه غسله جَمِيع نَهَاره إِذْ الْفَرْض أَنه يجْرِي أَو يرشح دَائِما أَو غَالِبا وَرُبمَا إِذا غسله زَاد رشحه قَالَه الْأَذْرَعِيّ قَالُوا وَهُوَ فقه ظَاهر وَلَو بَقِي بَين أَسْنَانه شَيْء من أثر طَعَام وَعجز عَن تَمْيِيزه ومجه فَسبق مَعَ رِيقه إِلَى جَوْفه بِغَيْر اخْتِيَاره لَا يضر وَلَا يضر وُصُول الذُّبَاب أَو غُبَار الطَّرِيق أَو غربلة الدَّقِيق جَوْفه وَإِن تعمد فتح فَمه لأجل ذَلِك لِأَن شَأْنه عسر التَّحَرُّز عَنهُ وَلَا بُد من تَقْيِيد الْغُبَار بالطاهر فَيضر النَّجس وَلَا يضر بلع رِيقه أثر الْمَضْمَضَة فِي الْوضُوء لعسر التَّحَرُّز عَنهُ (وَلَا بسبق مَاء جَوف مغتسل عَن جَنَابَة بِلَا انغماس) وَالْحَاصِل أَن الصَّائِم لَو اغْتسل من حيض أَو نِفَاس أَو جَنَابَة فَسبق المَاء إِلَى جَوْفه لَا يضر وَلَا نظر إِلَى إِمْكَان إمالة رَأسه بِحَيْثُ لَا يدْخل شَيْء لعسره نعم إِن عرف من عَادَته ذَلِك حرم عَلَيْهِ الانغماس وَأفْطر قطعا إِن تمكن من الْغسْل على غير تِلْكَ الْحَالة وَمثل ذَلِك الْغسْل الْمسنون بِخِلَاف غسل التبرد فَلَا يُعْفَى عَنهُ وَكَذَا لَو تولد من غير مَأْمُور بِهِ أَو من مَأْمُور بِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَو سبق مَاء الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق إِلَى جَوْفه فَإِن كَانَ مَعَ الْمُبَالغَة أَو كَانَ من رَابِعَة يَقِينا أفطر وَإِلَّا فَلَا وَمن مبطلات الصَّوْم الْحيض وَالنّفاس وَيجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء بعد انْقِضَاء الدَّم والولادة وَلَو لعلقة ومضغة وَإِن لم تَرَ الْمَرْأَة دَمًا وإغماء كل الْيَوْم وَالْجُنُون وَلَو فِي لَحْظَة من النَّهَار وَالرِّدَّة وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَلَو لَحْظَة وَجُمْلَة المبطلات عشرَة (وَيُبَاح فطر) فِي صَوْم فرض (بِمَرَض مُضر) فَإِن شقّ عَلَيْهِ الصَّوْم فالفطر أفضل وَإِلَّا فالصوم أفضل لما فِيهِ من تَعْجِيل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْفطر لَهُ جَائِز إِن خَافَ مشقة شَدِيدَة تبيح التَّيَمُّم كَأَن خشِي من الصَّوْم بطء برْء فَإِن تحققها أَو غلبت على ظَنّه حرم الصَّوْم وَوَجَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الْفطر ثمَّ إِن كَانَ الْمَرَض مطبقا أَو كَانَ محموما وَقت الْفجْر فَلهُ ترك النِّيَّة من اللَّيْل وَإِن كَانَ مُطلقًا بِأَن كَانَ يحم وقتا دون وَقت فَإِن كَانَ محموما وَقت صِحَة النِّيَّة جَازَ لَهُ تَركهَا وَإِلَّا فَعَلَيهِ أَن يَنْوِي فَإِن عَاد الْمَرَض وَاحْتَاجَ إِلَى الْإِفْطَار أفطر فَإِن لم يخف الْمَرِيض مشقة بِالصَّوْمِ تبيح التَّيَمُّم بِأَن كَانَ مَرضه يَسِيرا كصداع ووجع أذن أَو سنّ لم يجز الْفطر إِلَّا أَن يخَاف الزِّيَادَة بِالصَّوْمِ فللمريض ثَلَاثَة أَحْوَال إِن توهم ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم كره لَهُ الصَّوْم وَجَاز لَهُ الْفطر وَإِن تحقق الضَّرَر الْمَذْكُور أَو غلب على ظَنّه أَو انْتهى بِهِ الْعذر إِلَى الْهَلَاك أَو ذهَاب مَنْفَعَة عُضْو حرم الصَّوْم وَوَجَب الْفطر وَإِن كَانَ الْمَرَض خَفِيفا بِحَيْثُ لَا يتَوَهَّم فِيهِ ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم حرم الْفطر وَوَجَب الصَّوْم مَا لم يخف الزِّيَادَة وكالمريض الحصادون والملاحون والفعلة وَنَحْوهم وَمثله الْحَامِل والمرضع وَلَو كَانَ الْحمل من زنا أَو شُبْهَة وَلَو بِغَيْر آدَمِيّ حَيْثُ كَانَ مَعْصُوما أَو كَانَت الْمُرْضع مستأجرة أَو متبرعة وَلَو لغير آدَمِيّ (وَفِي سفر قصر) مُبَاح بِأَن فَارق مَا تشْتَرط مجاوزته فِي صَلَاة الْمُسَافِر قبل الْفجْر يَقِينا وَالْفطر فِيهِ جَائِز وَإِن لم يشق عَلَيْهِ الصَّوْم سَوَاء كَانَ من رَمَضَان أم من غَيره نذرا وَلَو تعين أَو كَفَّارَة أَو قَضَاء بِخِلَاف السّفر الْقصير وسفر الْمعْصِيَة وَصَوْم الْمُسَافِر بِلَا ضَرَر يحصل لَهُ مِنْهُ أحب من فطره لبراءة ذمَّته وفضيلة الْوَقْت وَمحله إِن لم ينذر الْإِتْمَام وَإِلَّا لم يجز لَهُ الْفطر مَعَ عدم الضَّرَر على الْأَوْجه أما إِذا تضرر فالفطر أفضل (ولخوف هَلَاك) بِالصَّوْمِ على نَفسه أَو عضوه أَو منفعَته من عَطش أَو جوع وَإِن كَانَ صَحِيحا مُقيما وَكَذَا لَو خَافَ على غَيره كَأَن توقف إنقاذ نَحْو الغريق على فطره فَيلْزمهُ إنقاذه وَالْفطر وَإِن وجد غَيره لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى التواكل وَالْفطر فِيمَا ذكر كُله جَائِز بل وَاجِب إِن خيف نَحْو هَلَاك الْوَلَد وَلم تُوجد مُرْضِعَة أُخْرَى وَيلْزم كل مترخص بِالْفطرِ نِيَّة التَّرَخُّص ليتميز الْفطر الْمُبَاح عَن غَيره (وَيجب) على من أفطر (قَضَاء) صَوْم وَاجِب من (رَمَضَان) وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 184 وَالتَّقْدِير فَأفْطر فَعَلَيهِ عدَّة وَيجب إتْمَام قَضَاء وَاجِب وَلَو موسعا شرع فِيهِ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} 47 مُحَمَّد الْآيَة 33 وَلَا يجب إتْمَام تطوع غير حج وَعمرَة إِلَّا بِالنذرِ وَلَا إتْمَام فرض كِفَايَة كتعلم علم شَرْعِي غير عَيْني إِلَّا النّسك وَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْجهَاد فَيجب إِتْمَامهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا وَقيل يحرم قطع فرض الْكِفَايَة مُطلقًا كالعيني وَإِنَّمَا لم يحرم قطع الْعلم لِأَنَّهُ لَيْسَ خصْلَة وَاحِدَة (و) يجب (إمْسَاك فِيهِ) أَي فِي رَمَضَان لَا فِي غَيره على متعمد الْفطر وَهُوَ المُرَاد بقوله (إِن أفطر بِغَيْر عذر) وعَلى من لم يبيت النِّيَّة فِيهِ (أَو بغلط) كمن تسحر ظَانّا بَقَاء اللَّيْل أَو أفطر ظَانّا الْغُرُوب فَبَان خِلَافه وَمن ظهر لَهُ يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان أَنه من رَمَضَان وَمن سبقه مَاء الْمُبَالغَة أَو الرَّابِعَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِخِلَاف صبي بلغ مُفطرا وَمَجْنُون أَفَاق وَكَافِر أسلم ومسافر ومريض زَالَ عُذْرهمَا بعد الْفطر وَالضَّابِط فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أَن كل من جَازَ لَهُ الْإِفْطَار مَعَ عمله بِحَقِيقَة الْيَوْم لَا يلْزمه الْإِمْسَاك بل يسن وكل من لَا يجوز لَهُ مَعَ ذَلِك يلْزمه الْإِمْسَاك وَيجب الْقَضَاء على الْجَمِيع إِلَّا الْكَافِر إِذا أسلم فِي أثْنَاء الْيَوْم وَالصَّبِيّ إِذا بلغ مُفطرا فَلَا يجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء بل يسن وَلَو بلغ الصَّبِي صَائِما لزمَه الْإِمْسَاك وَاسْتحبَّ لَهُ الْقَضَاء (و) يجب (على من أفْسدهُ) أَي صَوْم يَوْم من رَمَضَان أَو منع انْعِقَاده (بجماع) أَي بتغييب جَمِيع الْحَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها فِي فرج وَلَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره من حَيّ أَو ميت وَإِن لم ينزل (كَفَّارَة) وتعزير (مَعَه) أَي الْقَضَاء أَي من وطىء عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ فِي نَهَار رَمَضَان يَقِينا وَلَو غرب بعض القرص وَلم يتم الْغُرُوب وَهُوَ مُكَلّف صَائِم آثم بِالْوَطْءِ بِسَبَب الصَّوْم مَعَ عدم الشُّبْهَة وَمَعَ كَونه أَهلا للصَّوْم بَقِيَّة الْيَوْم وَجب عَلَيْهِ وعَلى الموطوء الْمُكَلف الْقَضَاء وَعَلِيهِ وَحده الْكَفَّارَة دون الموطوء وَحَاصِل مَا ذكر فِي هَذَا الْمقَام من الشُّرُوط أحد عشر شرطا الأول أَنَّهَا على الواطىء الثَّانِي أَن يكون الْوَطْء مُفْسِدا فَخرج النَّاسِي وَالْجَاهِل وَالْمكْره الثَّالِث أَن يكون مَا أفْسدهُ صوما فَخرج نَحْو الصَّلَاة الرَّابِع أَن يكون صَوْم نَفسه فَخرج الْمُفطر إِذا جَامع زَوجته الصائمة الْخَامِس أَن يكون الْإِفْسَاد بِالْوَطْءِ فَخرج الْإِفْسَاد بِغَيْرِهِ السَّادِس أَن ينْفَرد الْوَطْء بالإفساد فَخرج بِالْوَطْءِ وَغَيره مَعًا السَّابِع أَن يسْتَمر على الْأَهْلِيَّة كل الْيَوْم فَخرج مَا إِذا جن أَو مَاتَ بعد الْجِمَاع وَقبل فرَاغ الْيَوْم فَلَا كَفَّارَة الثَّامِن أَن يكون الصَّوْم من أَدَاء رَمَضَان يَقِينا فَخرج الْقَضَاء وَالنّذر وَمن وطىء فِي رَمَضَان وَكَانَ صَامَ بِالِاجْتِهَادِ وَلم يتَيَقَّن أَنه مِنْهُ أَو صَامَ يَوْم الشَّك حَيْثُ جَازَ فَبَان أَنه من رَمَضَان وَيحصل الْيَقِين بِالرُّؤْيَةِ أَو الْحساب أَو خبر الموثوق بِهِ أَو غير الموثوق بِهِ إِذا اعْتقد صدقه التَّاسِع أَن يَأْثَم بِالْوَطْءِ فَخرج الصَّبِي وَالْمُسَافر إِذا وطىء حليلته مَعَ نِيَّة التَّرَخُّص الْعَاشِر أَن يكون إثمه لأجل الصَّوْم فَخرج الصَّائِم الْمُسَافِر الواطىء زنا وَلم ينْو ترخصا بالإفطار لِأَنَّهُ لم يَأْثَم بِالْوَطْءِ للصَّوْم بل للزِّنَا أَو لعدم نِيَّة التَّرَخُّص الْحَادِي عشر عدم الشُّبْهَة فَخرج من ظن بَقَاء اللَّيْل أَو شكّ فِيهِ أَو ظن دُخُوله فَبَان نَهَارا فَلَا كَفَّارَة وَكَذَا من أكل نَاسِيا فَظن أَنه أفطر فوطىء عَامِدًا فيفطر وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن الْكَفَّارَة كالحدود تدرأ بِالشُّبْهَةِ وَمن ذَلِك مَا لَو أكره على الزِّنَا فَفعل فَإِنَّهُ يفْطر لِأَن الزِّنَا لَا يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لشُبْهَة الْإِكْرَاه وَلَو طلع الْفجْر وَهُوَ مجامع فاستدام عَالما بطلوعه وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ لَا يقدر أَن صَوْمه انْعَقَد ثمَّ أفسد وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ وَالْكَسْب فَإِن لم يجدهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا أَو فَقِيرا لكل وَاحِد مد من غَالب قوت الْبَلَد وَلَو شرع فِي الصَّوْم ثمَّ قدر على الرَّقَبَة ندب عتقهَا أَو شرع فِي الْإِطْعَام ثمَّ قدر على الصَّوْم ندب لَهُ فَلَو عجز عَن جَمِيع الْخِصَال الْمَذْكُورَة اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة الْمَذْكُورَة فِي ذمَّته لما مر فِي زَكَاة الْفطر وَالْكَفَّارَات أَربع هَذِه وَكَفَّارَة الظِّهَار وَهُوَ أَن يَقُول الزَّوْج لزوجته أَنْت عَليّ أَو مني أَو عِنْدِي كَظهر أُمِّي أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 هُوَ مُبين فِي مَحَله فَإِذا قَالَ ذَلِك وَلم يتبعهُ بِالطَّلَاق بِأَن يمْسِكهَا بعد ظِهَاره زَمنا يسع التَّلَفُّظ بِالطَّلَاق صَار عَائِدًا فَتلْزمهُ الْكَفَّارَة وَهِي كَمَا مر وَكَفَّارَة الْقَتْل وَهِي كَمَا مر إِلَّا أَنَّهَا لَا إطْعَام فِيهَا وَهَذِه الثَّلَاثَة مرتبَة ابْتِدَاء وانتهاء وَكَفَّارَة الْيَمين وَهِي مخيرة ابْتِدَاء إِمَّا أَن يعْتق رَقَبَة أَو يطعم عشرَة مَسَاكِين لكل مِسْكين مد أَو يكسوهم مرتبَة انْتِهَاء أَي فَإِذا عجز عَمَّا ذكر صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو مُتَفَرِّقَة وَاعْلَم أَن الْإِفْطَار فِي رَمَضَان أَرْبَعَة أَنْوَاع مُوجب للْقَضَاء فَقَط وَهُوَ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْفطر فيهمَا وَاجِب وَيحرم عَلَيْهِمَا الصَّوْم وَلَا يَصح مِنْهُمَا وَلَا يسن لَهما الْإِمْسَاك إِلَّا إِذا انْقَطع الدَّم فِي أثْنَاء يَوْم فَيسنّ إمْسَاك بَاقِي ذَلِك الْيَوْم ومسافر سفرا طَويلا مُبَاحا ومريض وَنَحْو الحصادين وَمثله المنقذ للغريق وحامل ومرضع إِذا أفطرتا للخوف على نفسهما وَلَو مَعَ غَيره ومغمى عَلَيْهِ وناسي النِّيَّة لَيْلًا والمتعدي بفطره بِغَيْر جماع وَمُوجب للفدية فَقَط وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يُطيق الصَّوْم ومريض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَمُوجب للْقَضَاء والفدية وَهُوَ الْإِفْطَار للخوف على غَيره وَحده كالإفطار لإنقاذ المشرف على الْغَرق وكإفطار الْحَامِل والمرضع خوفًا على الْوَلَد وَإِن كَانَ ولد غير الْمُرْضع وَغير مُوجب لشَيْء مِنْهُمَا وَهُوَ للمجنون غير الْمُتَعَدِّي وَالصَّبِيّ وللكافر الْأَصْلِيّ وَالْقَضَاء فِي جَمِيع مَا ذكر على التَّرَاخِي إِلَّا فِيمَن أَثم بِالْفطرِ وَالْمُرْتَدّ وَترك التبييت عمدا فعلى الْفَوْر والفدية فِيمَا ذكر مد من غَالب قوت الْبَلَد لكل يَوْم من رَمَضَان يصرف للْفَقِير والمسكين دون غَيرهمَا من مُسْتَحقّ الزَّكَاة ثمَّ اعْلَم أَنه تجب الْفِدْيَة فَقَط بطرِيق وَاحِدَة وَهِي فَوَات الصَّوْم وَهُوَ على نَوْعَيْنِ الأول على هرم لم يطق الصَّوْم فِي زمن من الْأَزْمَان وَلَو بعد رَمَضَان وَإِلَّا لزمَه إِيقَاع الصَّوْم فِيمَا يطيقه فِيهِ وَنَحْوه من كل عَاجز عَنهُ كَذَلِك وَهَذَا هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (وعَلى من أفطر لعذر لَا يُرْجَى زَوَاله مد بِلَا قَضَاء) وَلم يجب قَضَاء وَإِن قدر عَلَيْهِ بعد لِأَنَّهُ غير مُخَاطب بِالصَّوْمِ فالفدية فِي حَقه وَاجِبَة ابْتِدَاء لَا بَدَلا وَبِذَلِك فَارق معضوبا شفي بعد الْحَج لِأَنَّهُ مُخَاطب بِهِ وَلَو عجز عَنْهَا لم تثبت فِي ذمَّته كالفطرة وَالثَّانِي على ميت مُسلم لزمَه صَوْم وَاجِب وَتمكن من قَضَائِهِ فَيجب فِي تركته لكل يَوْم مد وَإِن ترك الْأَدَاء لعذر فَإِن انْضَمَّ إِلَيْهِ تَأْخِير فمدان أَو أَكثر بِحَسبِهِ مد لفَوَات أصل الصَّوْم وَمد للتأخير وَمن ثمَّ لَو أفطرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الْمَرْأَة خوفًا على ولد وأخرت الْقَضَاء سنة لعذر وَمَاتَتْ قبل الْقَضَاء وَجب فِي تركتهَا لكل يَوْم ثَلَاثَة أَمْدَاد لِأَن كلا مِنْهَا يجب عِنْد الِانْفِرَاد فَكَذَا عِنْد الِاجْتِمَاع وَتجب الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء بطريقين الطَّرِيق الأول فَضِيلَة الْوَقْت فَتجب الْفِدْيَة على قسمَيْنِ الأول على حرَّة حَامِل ومرضع غير متحيزة من مَالهمَا وَإِن كَانَتَا مريضتين أَو مسافرتين وَإِن كَانَت الْمُرضعَة مستأجرة لِأَن الْفِدْيَة من تَتِمَّة إِيصَال الْمَنَافِع اللَّازِمَة بِخِلَاف أجِير تمتّع فَإِنَّهُ يلْزم الدَّم مستأجرة لِأَنَّهُ من تَتِمَّة النّسك اللَّازِم لَهُ وَذَلِكَ إِذا خَافت كل مِنْهُمَا على ولد فَقَط وَلَو لغير الْمُرْضع وَالثَّانِي على منقذ مُحْتَرم مشرف على هَلَاك نَفسه أَو عضوه أَو منفعَته بِنَحْوِ صائل وَتوقف الإنقاذ على الْفطْرَة فَأفْطر وَلَيْسَ المنقذ متحيرة وَلَا نَحْو مُسَافر قصد التَّرَخُّص أَو أطلق لِأَن هَذَا الْفطر فطر ارتفق بِهِ شخصان هُنَا وَفِيمَا مر كالجماع فَإِنَّهُ لما كَانَ من شَأْنه ارتفاق الواطىء والموطوء لزم بِهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة الْعُظْمَى وَالْأَوْجه وجوب الْفطر فِي إنقاذ حَيَوَان مُحْتَرم مَعَ الْفِدْيَة وجوازه فِي مَال غير حَيَوَان وَلَا فديَة لِأَنَّهُ ارتفق بِهِ شخص وَاحِد وَالطَّرِيق الثَّانِي تَأْخِير الْقَضَاء فَمن عَلَيْهِ شَيْء من رَمَضَان فَأخر قَضَاءَهُ بِغَيْر عذر حَتَّى دخل رَمَضَان حرم عَلَيْهِ وَلَزِمَه فديَة التَّأْخِير لكل يَوْم مد طَعَام وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بقوله (وعَلى مُؤخر قَضَاء بِلَا عذر) أَي فِي التَّأْخِير بِأَن أمكنه الْقَضَاء فِي تِلْكَ السّنة (مد) وَإِنَّمَا جَازَ تَأْخِير قَضَاء الصَّلَاة إِلَى سِنِين لصِحَّته كل الْأَوْقَات وَتَأْخِير الصَّوْم إِلَى رَمَضَان آخر تَأْخِير لَهُ إِلَى نَظِيره الَّذِي لَا يقبله وَلَا يَصح فِيهِ وَكَانَ كتأخيرة عَن الْوَقْت فَإِن أخر الْقَضَاء بِعُذْر كَأَن اسْتمرّ سَفَره أَو نسيانه أَو جَهله الَّذِي يعْذر بِهِ أَو إكراهه أَو إِرْضَاع الْمَرْأَة إِلَى عَام قَابل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ من الْفِدْيَة وَالْحُرْمَة مَا بَقِي الْعذر وَإِن اسْتمرّ سِنِين وَلَو كَانَ إفطاره بِغَيْر عذر إِذْ لَا يلْزم من الْإِثْم الْفِدْيَة وَخرج بالعذر خلوه عَن الْعذر بِقدر مَا عَلَيْهِ فَتلْزمهُ الْفِدْيَة ويتكرر الْمَدّ بِتَكَرُّر السنين فَيجب (لكل سنة) لِأَن الْحُقُوق الْمَالِيَّة لَا تتداخل بِخِلَافِهِ فِي نَحْو الْهَرم لَا يتَكَرَّر لعدم التَّقْصِير وَمن عجز عَن ذَلِك اسْتَقر فِي ذمَّته أما الْقِنّ فَلَا يلْزمه فديَة هُنَا وَلَا فِيمَا مر إِذْ لَا قدرَة لَهُ عَلَيْهَا فَإِن عتق لَزِمته فَإِن الْعبْرَة بِوَقْت الْأَدَاء لَا بِوَقْت الْوُجُوب وَلَو لم يبْق بَينه وَبَين رَمَضَان الْقَابِل مَا يسع قَضَاء جَمِيع الْفَائِت لَزِمته الْفِدْيَة حَالا عَمَّا لَا يَسعهُ وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام رَمَضَان أَو نذر أَو كَفَّارَة قبل إِمْكَان فعله بِأَن اسْتمرّ مَرضه الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو سَفَره الْمُبَاح إِلَى مَوته فَلَا تدارك للفائت بالفدية وَلَا بِالْقضَاءِ وَلَا إِثْم عَلَيْهِ لعدم تَقْصِيره فَإِن تعدى بالإفطار ثمَّ مَاتَ قبل التَّمَكُّن وَبعده أَو أفطر بِعُذْر وَمَات بعد التَّمَكُّن أطْعم عَنهُ وليه من تركته لكل يَوْم فَاتَهُ مد طَعَام من غَالب قوت الْبَلَد فَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة لم يلْزم الْوَلِيّ إطْعَام وَلَا صَوْم بل يسن لَهُ ذَلِك لخَبر من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه وَيجوز لقريبه أَن يَصُوم عَنهُ وَلَو بِغَيْر إِذْنه وَإِن لم يكن عَاصِيا وَلَا وَارِثا وَلَا ولي مَال وَيجوز ذَلِك للْأَجْنَبِيّ بِإِذن الْقَرِيب وَشرط كل من الْآذِن والمأذون الْبلُوغ لَا الْحُرِّيَّة لِأَن الْقِنّ من أهل فرض الصَّوْم ويجزىء صَوْم ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْإِذْنِ فِي يَوْم وَاحِد أما أَجْنَبِي لم يَأْذَن لَهُ قريب وَلَا ميت فَيمْتَنع صَوْمه لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ النَّص وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 صَلَاة أَو اعْتِكَاف لم يفعل ذَلِك عَنهُ وَلَا فديَة لعدم وُرُودهَا لَكِن يسن كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي نعم لَو نذر أَن يعْتَكف صَائِما جَازَ أَن يعْتَكف عَنهُ وليه صَائِما فَإِن لم يفعل بَقِي الِاعْتِكَاف فِي ذمَّة الْمَيِّت وَمثله رَكعَتَا الطّواف فَيجوز أَن يفعلهما الْوَلِيّ عَن الْمَيِّت تبعا لِلْحَجِّ عَنهُ وَفِي كل من الصَّلَاة وَالِاعْتِكَاف قَول كَالصَّوْمِ فَفِي وَجه عَلَيْهِ كثير من أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن الْوَلِيّ يطعم عَن كل صَلَاة مدا وَاخْتَارَ جمع من محققي الْمُتَأَخِّرين أَن الصَّلَاة تفعل عَن الْمَيِّت أوصى بهَا أَو لَا حَكَاهُ الْعَبَّادِيّ عَن الشَّافِعِي وَحكى غَيره عَن إِسْحَاق وَعَطَاء بل نقل ابْن برهَان عَن الْقَدِيم أَنه يلْزم الْوَلِيّ إِن خلف الْمَيِّت تَرِكَة أَن يُصَلِّي عَنهُ كَالصَّوْمِ وَاخْتَارَ ذَلِك ابْن أبي عصرون وَابْن دَقِيق الْعِيد والسبكي حَتَّى قيل إِن السُّبْكِيّ صلى عَن قَرِيبه بعد مَوته بل قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي شرح التَّنْبِيه يصل للْمَيت كل عبَادَة تفعل عَنهُ وَاجِبَة أَو مَنْدُوبَة وَقَالَ ابْن حجر نقلا عَن شرح الْمُخْتَار مَذْهَب أهل السّنة أَن للْإنْسَان أَن يَجْعَل ثَوَاب عمله وَصلَاته للْمَيت ويصله اه وَعند السَّادة الْحَنَفِيَّة أَنه لَو مَاتَ وَعَلِيهِ صلوَات وَأوصى بِالْكَفَّارَةِ عَنْهَا يعْطى لكل صَلَاة نصف صَاع من بر كالفطرة وَكَذَا حكم الْوتر وَالصَّوْم وَيُعْطِي من ثلث مَاله وَلَو لم يتْرك مَالا اسْتقْرض وَارثه نصف صَاع مثلا ويدفعه لفقير ثمَّ يَدْفَعهُ الْفَقِير للْوَارِث ثمَّ وَثمّ حَتَّى يتم مَا عَلَيْهِ وَيجوز عِنْدهم أَن يقوم بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَتصرف للْفُقَرَاء وَلَو فدى عَن صلَاته فِي مَرضه لَا يَصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (و) سنَن الصَّوْم عشرَة الأول مَذْكُور بقوله (سنّ تسحر) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة وَيحصل السّحُور على شَيْء وَإِن قل وَلَو جرعة مَاء وَيدخل وقته بِنصْف اللَّيْل وَالْأَفْضَل تَأْخِير السّحُور مَا لم يَقع فِي شكّ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا عجلوا الْفطر وأخروا السّحُور (و) الثَّانِي (تَعْجِيل الْفطر) بعد تحقق الْغُرُوب وَقبل الصَّلَاة للْخَبَر السَّابِق وَسن ذَلِك وَلَو مارا بِالطَّرِيقِ وَلَا تنخرم مروءته بِهِ كَطَلَب الْأكل يَوْم عيد الْفطر قبل الصَّلَاة وَلَو مارا بِالطَّرِيقِ وَالْمُعْتَمد عدم حُصُول سنة التَّعْجِيل بِالْجِمَاعِ لما فِيهِ من إضعاف الْقُوَّة (و) سنّ أَن يكون الْفطر (بِتَمْر فماء) لخَبر صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان إِذا كَانَ أحدكُم صَائِما فليفطر على التَّمْر فَإِن لم يجد التَّمْر فعلى المَاء فَإِنَّهُ طهُور وترتيبه فِي الْأَفْضَلِيَّة أَن يكون على رطب فتمر فماء فحلو فحلواء لما ورد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفْطر قبل أَن يُصَلِّي على رطبات فَإِن لم يكن فعلى تمرات فَإِن لم يكن حسا حسوات من مَاء وَقَضِيَّة هَذَا الْخَبَر أَن السّنة تثليث مَا يفْطر عَلَيْهِ من رطب وَغَيره وَيقدم الْعَسَل على اللَّبن لأَنهم نظرُوا للحلو فِي هَذَا الْمحل بعد فقد التَّمْر وَالْمَاء وَنَحْوهمَا مِمَّا ورد تفاؤلا بالحلاوة أَو لنفع الْبَصَر وَالثَّالِث الدُّعَاء الْمَأْثُور عقب فطره وَهُوَ اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توكلت ذهب الظمأ وابتلت الْعُرُوق وَثَبت الْأجر إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَا وَاسع الْفضل اغْفِر لي الْحَمد لله الَّذِي هَدَانِي فَصمت وَرَزَقَنِي فأفطرت (و) الرَّابِع (غسل عَن) الْحَدث الْأَكْبَر من (جَنَابَة) وحيض ونفاس (قبل فجر) ليؤدي الْعِبَادَة على الطَّهَارَة وللخشية من وُصُول المَاء إِلَى بَاطِن الْأذن أَو الدبر أَو غَيرهمَا وَيَنْبَغِي أَن يغسل هَذِه الْمَوَاضِع قبل الْفجْر بنية رفع الْجَنَابَة إِن لم يتهيأ لَهُ الْغسْل الْكَامِل وَالْخَامِس كف اللِّسَان عَمَّا لَا يَعْنِي سِيمَا كل محرم ككذب وغيبة لِأَنَّهُ محبط للثَّواب (و) السَّادِس (كف) النَّفس عَن (شَهْوَة) مُبَاحَة لَا تبطل الصَّوْم من توسع طَعَام وشراب وتلذذ بِنَحْوِ مسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم ريحَان وَنظر إِلَيْهِ ولمسه لِأَن فِيهِ ترفها لَا يُنَاسب حِكْمَة الصَّوْم (و) السَّابِع مَذْكُور بقوله (برمضان إكثار صَدَقَة) وجود وَزِيَادَة توسعه على الْعِيَال وإحسان إِلَى ذَوي الْأَرْحَام وَالْجِيرَان وَمن ثمَّ سنّ أَن يفطرهم بِأَن يعشيهم فَإِن عجز عَن عشائهم فطرهم بِشَربَة مَاء أَو بتمرة أَو غَيرهمَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فطر صَائِما فَلهُ مثل أجره وَلَا ينقص من أجر الصَّائِم شَيْء (و) إكثار (تِلَاوَة) وأذكار وَفعل الْخيرَات فِي كل مَكَان حَتَّى الْحمام وَالطَّرِيق فَمن التِّلَاوَة المدارسة الْمعبر عَنْهَا بالإدارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَهِي أَن يقْرَأ على غَيره وَيقْرَأ غَيره عَلَيْهِ وَلَو غير مَا قَرَأَهُ الأول لخَبر إِن جِبْرِيل كَانَ يلقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان (و) الثَّامِن إكثار (اعْتِكَاف) بِأَن يعْتَكف فِي جَمِيع الشَّهْر وَهُوَ فِي الْعشْر الآخر آكِد وَلذَا قَالَ (سِيمَا) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَهِي دَالَّة لأولوية مَا بعْدهَا بالحكم مِمَّا قبلهَا لَا مُسْتَثْنى بهَا والأفصح جر مَا بعْدهَا على الْإِضَافَة وَتَقْدِيم لَا عَلَيْهَا بل قَالَ بعض الْمُحَقِّقين إِن حذفهَا لحن وَمَا زَائِدَة وَيجوز رفع مَا بعد لَا سِيمَا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَمَا حِينَئِذٍ مَوْصُولَة وَيجوز نَصبه على أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف وَهُوَ صلَة لما أَي لَا شَيْء الَّذِي أُرِيد (عشر آخِره) فَهِيَ أولى بذلك كُله من غَيره لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْعشْر الْأَخير أَحْيَا اللَّيْل وَأَيْقَظَ أَهله وَشد المئزر وَهَذَا كِنَايَة عَن الإقبال على الْعِبَادَة بهمة ونشاط وَالتَّاسِع ختم الْقُرْآن فِي جَمِيع رَمَضَان والعاشر التَّتَابُع فِي قَضَاء رَمَضَان ومكروهات الصَّوْم ثَلَاثَة عشر أَن يستاك بعد الزَّوَال وَتَأْخِير الْفطر وَأَن يحجم لغيره وَأَن يحتجم مِنْهُ ويفصد وَيدخل الْحمام والمخاصمة فَإِن شَتمه أحد فَلْيقل إِنِّي صَائِم وَالْكذب وَالْفُحْش وَيكرهُ أَن يَقُول بِحَق الْخَتْم الَّذِي على فمي وَمثله بِحَق الْخَاتم الَّذِي على الْعباد وَوجه الْكَرَاهَة أَنه حلف بِغَيْر الله تَعَالَى وَصِفَاته والقبلة لغير من تحرّك شَهْوَته ومضغ العلك وَمحل كَرَاهَته فِي علك لَا يتفتت أما هُوَ فَيحرم مضغه إِن تَيَقّن وُصُول بعض جرمه إِلَى جَوْفه فَإِن وصل عمدا أفطر بِخِلَاف مَا إِذا شكّ أَو وصل طعمه أَو رِيحه فَلَا يضر لِأَنَّهُ مجاور ومضغ الطَّعَام لِئَلَّا يصل لحلقه نعم إِن احْتَاجَ إِلَى مضغ نَحْو خبز لطفل لم يكره وذوق الطَّعَام أَو غَيره خوف الْوُصُول إِلَى حلقه أَو خوف تعاطيه لغَلَبَة شَهْوَة نعم لَو ذاق الطَّعَام لغَرَض إِصْلَاحه لمتعاطيه لم يكره للْحَاجة وَإِن كَانَ عِنْده مفطر غَيره لِأَنَّهُ قد لَا يعرف إِصْلَاحه مثل الصَّائِم كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي فصل فِي صَوْم التَّطَوُّع وَهُوَ كثير وَالَّذِي (يسن) متأكدا مِنْهُ خَمْسَة عشر الأول (صَوْم) يَوْم (عَرَفَة) لغير الْحَاج وَهُوَ تَاسِع ذِي الْحجَّة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن صَوْم عَرَفَة فَقَالَ يكفر السّنة الْمَاضِيَة والمستقبلة وصومه للْحَاج خلاف الأولى وَيَوْم عَرَفَة أفضل الْأَيَّام حَتَّى من يَوْم من أَيَّام رَمَضَان لَا من جَمِيعهَا وَلَا من الْعشْر الْأَخير مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 (و) الثَّانِي صَوْم يَوْم (عَاشُورَاء) وَهُوَ عَاشر الْمحرم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ يكفر السّنة الْمَاضِيَة وَإِنَّمَا كَانَ صَوْم عَرَفَة بِسنتَيْنِ وعاشوراء بِسنة لِأَن الأول يَوْم نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانِي يَوْم غَيره من الْأَنْبِيَاء وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَنْبِيَاء فَكَانَ يَوْمه بِسنتَيْنِ وَلِأَن المزية لَا تَقْتَضِي الْفَضِيلَة وَحكي أَن نوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما اسْتَقَرَّتْ بِهِ السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء قَالَ لمن مَعَه اجْمَعُوا مَا بَقِي مَعكُمْ من الزَّاد فجَاء هَذَا بكف من الباقلاء وَهُوَ الفول وَهَذَا بكف من العدس وَهَذَا بأرز وَهَذَا بشعير وَهَذَا بحنطة فَقَالَ اطبخوه جَمِيعًا فقد هنئتم بالسلامة فَمن ذَلِك اتخذ الْمُسلمُونَ طَعَام الْحُبُوب وَكَانَ ذَلِك أول طَعَام طبخ على وَجه الأَرْض بعد الطوفان وَاتخذ ذَلِك عَادَة فِي يَوْم عَاشُورَاء وللحافظ ابْن حجر شعر من الرجز فِي الْحُبُوب الَّتِي طبخها نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي يَوْم عَاشُورَاء سبع تهترس بر شعير ثمَّ ماش وعدس حمص ولوبيا والفول هَذَا هُوَ الصيح وَالْمَنْقُول وَنقل عَن بعض الأفاضل أَن الْأَعْمَال فِي يَوْم عَاشُورَاء اثْنَا عشر عملا الصَّلَاة وَالْأولَى أَن تكون صَلَاة التَّسْبِيح وَالصَّوْم وَالصَّدَََقَة والتوسعة على الْعِيَال والاغتسال وزيارة الْعَالم الصَّالح وعيادة الْمَرِيض وَمسح رَأس الْيَتِيم والاكتحال وتقليم الْأَظْفَار وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص ألف مرّة وصلَة الرَّحِم وَقد وَردت الْأَحَادِيث فِي الصَّوْم والتوسعة على الْعِيَال وَأما غَيرهمَا فَلم يرد فِي الْأَحَادِيث وَقد ذكر إِمَام الْمُحدثين ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي شرح البُخَارِيّ كَلِمَات من قَالَهَا فِي يَوْم عَاشُورَاء لم يمت قلبه وَهِي سُبْحَانَ الله ملْء الْمِيزَان ومنتهى الْعلم ومبلغ الرِّضَا وزنة الْعَرْش وَالْحَمْد لله ملْء الْمِيزَان ومنتهى الْعلم ومبلغ الرِّضَا وزنة الْعَرْش وَالله أكبر ملْء الْمِيزَان ومنتهى الْعلم ومبلغ الرِّضَا وزنة الْعَرْش لَا ملْجأ وَلَا منجا من الله إِلَّا إِلَيْهِ سُبْحَانَ الله عدد الشفع وَالْوتر وَعدد كَلِمَات الله التامات كلهَا وَالْحَمْد لله عدد الشفع وَالْوتر وَعدد كَلِمَات الله التامات كلهَا وَالله أكبر عدد الشفع وَالْوتر وَعدد كَلِمَات الله التامات كلهَا أَسأَلك السَّلامَة بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَنقل سَيِّدي عَليّ الأَجْهُورِيّ أَن من قَالَ يَوْم عَاشُورَاء سبعين مرّة حسبي الله وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير كَفاهُ الله تَعَالَى شَرّ ذَلِك الْعَام وَذكر الْعلمَاء أَن ليَوْم عَاشُورَاء مزايا لم تكن لغيره وَذَلِكَ أَنه خلق فِيهِ آدم دَاخل الْجنَّة وتيب عَلَيْهِ فِيهِ واستوت سفينة نوح على الجودي وفلق الْبَحْر لمُوسَى وَأغْرقَ فِي الْبَحْر فِرْعَوْن وَأخرج يُونُس من بطن الْحُوت ويوسف من الْجب وتيب على قوم يُونُس وَولد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنَجَا من النَّار فِيهِ وَولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَرفع إِلَى السَّمَاء فِيهِ ورد بصر يَعْقُوب وكشف ضرّ أَيُّوب وَغفر لنَبِيّ الله دَاوُد فِيهِ اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 (و) الثَّالِث صَوْم يَوْم (تاسوعاء) وَهُوَ تَاسِع الْمحرم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع والعاشر فَقبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَامه (و) الرَّابِع صَوْم (سِتَّة من شَوَّال) لحَدِيث من صَامَ رَمَضَان ثمَّ أتبعه سِتا من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر وَلقَوْله أَيْضا صِيَام رَمَضَان بِعشْرَة أشهر وَصِيَام سِتَّة أَيَّام بشهرين فَذَلِك صِيَام السّنة أَي كصيامها فرضا وَتحصل السّنة بصومها مُتَفَرِّقَة مُنْفَصِلَة عَن يَوْم الْعِيد لَكِن تتابعها واتصالها بِيَوْم الْعِيد أفضل وتفوت بِفَوَات شَوَّال وَيسن قَضَاؤُهَا (و) الْخَامِس صَوْم (أَيَّام) اللَّيَالِي (الْبيض) من كل شهر وَهِي الثَّالِث عشر وتالياه وَفِي ذِي الْحجَّة يَصُوم السَّادِس عشر بدل الثَّالِث عشر لِأَنَّهُ من أَيَّام التَّشْرِيق وصيامها حرَام (و) السَّادِس وَالسَّابِع صَوْم يَوْم (الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتحَرَّى صومهما وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تعرض فيهمَا الْأَعْمَال فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم وَالثَّامِن صَوْم الثَّمَانِية أَيَّام قبل يَوْم عَرَفَة سَوَاء فِي ذَلِك الْحَاج وَغَيره وَالتَّاسِع صَوْم الثَّمَانِية فِي الْمحرم قبل التَّاسِع وَلَا بَأْس بإفراده والعاشر صَوْم أَيَّام الْأَشْهر الْحرم وَهِي أَرْبَعَة الْمحرم وَرَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَأفضل الشُّهُور رَمَضَان ثمَّ الْمحرم ثمَّ رَجَب ثمَّ ذُو الْحجَّة ثمَّ ذُو الْقعدَة ثمَّ شعْبَان وَظَاهر كَلَامهم أَن بَاقِي شهور السّنة على حد سَوَاء وَالْحَادِي عشر صَوْم أَيَّام اللَّيَالِي السود من كل شهر وَهِي الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وتالياه وَالثَّانِي عشر صَوْم شعْبَان لحبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صِيَامه فَمن صَامَهُ نَالَ شَفَاعَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة وَالثَّالِث عشر صَوْم يَوْم وَفطر يَوْم وَالرَّابِع عشر صَوْم يَوْم وَفطر يَوْمَيْنِ وَالْخَامِس عشر صَوْم يَوْم لَا يجد فِيهِ مَا يَأْكُلهُ وَلَو نذر شَيْئا من صَوْم التَّطَوُّع وَجب وَيكرهُ الصَّوْم للْمَرِيض وَالْحَامِل والمرضع وَالْمُسَافر وَالشَّيْخ الْكَبِير إِذا خَافُوا مِنْهُ مشقة شَدِيدَة وَقد يُفْضِي ذَلِك إِلَى التَّحْرِيم كَمَا مر وَيكرهُ التَّطَوُّع بِصَوْم يَوْم وَعَلِيهِ قَضَاء فرض وإفراد يَوْم الْجُمُعَة أَو السبت أَو الْأَحَد بِالصَّوْمِ وَصَوْم الدَّهْر لمن خَافَ بِهِ ضَرَرا أَو فَوت حق وَيحرم صَوْم الْعِيدَيْنِ وَصَوْم أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة وتالياه وَصَوْم الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَصَوْم يَوْم الشَّك بِلَا سَبَب وَهُوَ يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان إِذا تحدث النَّاس بِرُؤْيَة الْهلَال وَلم يثبت بِخِلَاف مَا إِذا صَامَهُ عَن قَضَاء أَو نذر أَو كَفَّارَة أَو وَافق صَوْمه عَادَة لَهُ فَلَا يحرم بل يجب أَو يسن وَصَوْم النّصْف الثَّانِي من شعْبَان إِلَّا أَن يصله بِمَا قبله أَو يَصُومهُ بِسَبَب مِمَّا مر بَاب الِاعْتِكَاف حَقِيقَته شرعا اللّّبْث فِي الْمَسْجِد من شخص مَخْصُوص بنية وَهُوَ سنة فِي كل وَقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 لحَدِيث من اعْتكف فوَاق نَاقَة فَكَأَنَّمَا أعتق نسمَة وَيجب بِالنذرِ وَيحرم على الزَّوْجَة وَالرَّقِيق بِغَيْر إِذن وَيكرهُ لذات الْهَيْئَة مَعَ الْإِذْن فتعتريه الْأَحْكَام مَا عدا الْإِبَاحَة وَهُوَ فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي غَيره لطلب لَيْلَة الْقدر فيحييها ومراتب إحيائها ثَلَاثَة عليا وَهِي إحْيَاء لَيْلَتهَا بِالصَّلَاةِ ووسطى وَهِي إحْيَاء معظمها بِالذكر وَدُنْيا وَهِي أَن يُصَلِّي الْعشَاء فِي جمَاعَة وَالصُّبْح فِي جمَاعَة وَالْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي ألف شهر وينال الْعَامِل فَضلهَا وَإِن لم يطلع عَلَيْهَا على الْمُعْتَمد لَكِن حَال من اطلع عَلَيْهَا أكمل وَيسن الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة فِي لَيْلَتهَا ويومها وَيسن لمن رَآهَا أَن يكتمها وَهِي من خصوصيات هَذِه الْأمة وباقية إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ومنحصرة فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي وَتلْزم لَيْلَة مِنْهُ بِعَينهَا على الْمُعْتَمد فَقيل هِيَ لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين وَقيل لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين وَقيل لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين وَمُقَابل الْمُعْتَمد أَنَّهَا تنْتَقل فِي ليَالِي الْعشْر وأرجاها ليَالِي الأوتار وأرجى الأوتار لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين وَنقل عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين وَبِالْجُمْلَةِ فَهِيَ من الْأَسْرَار الَّتِي يطلع الله عَلَيْهَا من يَشَاء من عباده وَينْدب أَن يكثر فِي لَيْلَتهَا من قَول اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عني وَمن علاماتها أَنَّهَا متوسطة لَا حارة وَلَا بَارِدَة وتطلع الشَّمْس فِي صبيحتها بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا كثير شُعَاع وَهِي لَحْظَة لَطِيفَة على صُورَة الْبَرْق الخاطف لَكِن تصير اللَّيْلَة كلهَا ذَات فضل لأَجلهَا وَكَذَلِكَ تردد الْمَلَائِكَة فِي جَمِيع اللَّيْل صعُودًا وهبوطا بَين الله تَعَالَى وَبَين عباده لقَضَاء حوائجهم ويتجلى الله تَعَالَى فِيهَا جَمِيعهَا بِخِلَاف غَيرهَا فَإِنَّهُ فِي الثُّلُث الْأَخير فَقَط فَينْدب إحْيَاء ليَالِي الْعشْر كلهَا لأجل مصادفة لَيْلَة الْقدر وَهِي لَيْلَة ينْكَشف فِيهَا شَيْء من عجائب الملكوت وَالنَّاس فِي هَذَا الْكَشْف متفاوتون فَمنهمْ من يكْشف لَهُ عَن ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض فَيرى الْمَلَائِكَة بَين رَاكِع وَسَاجِد وَمِنْهُم من يرى طبقَة من نور وَأفضل اللَّيَالِي لَيْلَة المولد الشريف فالقدر فالإسراء فعرفة فالجمعة فَنصف شعْبَان فالعيد فَهَذِهِ سبع لَيَال مرتبَة فِي الْأَفْضَلِيَّة وَأفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة فَنصف شعْبَان فالجمعة وَاللَّيْل أفضل من النَّهَار وأركان الِاعْتِكَاف أَرْبَعَة نِيَّة ولبث وَلَا بُد أَن يزِيد على قدر طمأنينة الصَّلَاة وَمَسْجِد ومعتكف وشروطه إِسْلَام وعقل وخلو من حدث أكبر فَلَا يَصح اعْتِكَاف من اتّصف بضد شَيْء من ذَلِك وَتجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة فِي الْمَنْذُور مِنْهُ وَيَقَع كُله فرضا على الْمُعْتَمد وَإِن طَال مكثه وَإِن لم يُقَيِّدهُ بِمدَّة ومراتب الِاعْتِكَاف ثَلَاثَة مُطلق ومقيد بِمدَّة من غير تتَابع ومقيد بِمدَّة وتتابع فَإِن كَانَ مُطلقًا كفته نِيَّته وَإِن طَال مكثه لَكِن لَو خرج من الْمَسْجِد بِلَا عزم عود وَعَاد جدد النِّيَّة إِن أَرَادَ الِاعْتِكَاف وَيكون هَذَا اعتكافا آخر لِأَن الأول قد انْقَطع فَإِن خرج عَازِمًا على الْعود للاعتكاف سَوَاء لِلْمَسْجِدِ الَّذِي خرج مِنْهُ أَو لغيره كَانَ هَذَا الْعَزْم قَائِما مقَام النِّيَّة فَلَا يحْتَاج لتجديد نِيَّة وَإِن كَانَ مُقَيّدا بِمدَّة من غير تتَابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ليومين وَخرج لغير تبرز بِلَا عزم عود وَعَاد جدد النِّيَّة وَإِن لم يطلّ الزَّمن بِخِلَاف خُرُوجه للتبرز فَلَا يحْتَاج لتجديد نِيَّة وَإِن طَال الزَّمن لِأَنَّهُ لَا بُد مِنْهُ فَهُوَ كالمستثنى عِنْد النِّيَّة أما إِذا خرج عَازِمًا على الْعود وَعَاد فَلَا يحْتَاج لتجديد نِيَّة على الْمُعْتَمد سَوَاء فِي جَمِيع ذَلِك الْمَنْذُور وَغَيره وَإِن كَانَ مُقَيّدا بِمدَّة وتتابع كعشرة أَيَّام مُتَوَالِيَة فَلَا يَنْقَطِع تتابعه بِخُرُوجِهِ من الْمَسْجِد لعذر كنسيان الِاعْتِكَاف وكحيض ونفاس لَا تَخْلُو عَنهُ مُدَّة الِاعْتِكَاف غَالِبا أَو عذر مرض يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد لحَاجَة فرش أَو خَادِم أَو تردد طَبِيب أَو يخَاف مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد كإسهال وإدرار بَوْل بِخِلَاف الْمَرَض الْخَفِيف فَيَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْخرُوجِ لَهُ وَفِي معنى الْمَرَض الْخَوْف من لص أَو حريق وَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِخُرُوج مُؤذن راتب إِلَى مَنَارَة مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد قريبَة مِنْهُ للأذان لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة لَهُ مَعْدُودَة من توابعه وَقد اعْتَادَ الرَّاتِب صعودها وَألف النَّاس صَوته فيعذر فِيهِ وَيجْعَل زمن الْأَذَان كالمستثنى من الِاعْتِكَاف وَمَتى زَالَ عذره وَجب عَلَيْهِ الْعود فَوْرًا وَبنى على مَا مضى وَمَا يطول زَمَنه عَادَة كَمَرَض وحيض ونفاس وعدة لَا بِاخْتِيَار يجب قَضَاء زَمَنه وَمَا لم يطلّ زَمَنه عَادَة كَأَكْل وَغسل جَنَابَة وأذان مُؤذن راتب وتبرز لَا يجب قَضَاء زَمَنه لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى إِذْ لَا بُد مِنْهُ وَلِأَنَّهُ معتكف فِيهِ حكما فَإِن خرج لغير عذر انْقَطع تتابعه فيجدد النِّيَّة ويستأنف وَلَا يَبْنِي على مَا مضى مِنْهُ لبطلانه وَالَّذِي يبطل الِاعْتِكَاف تِسْعَة أَشْيَاء الْوَطْء والإنزال عَن مُبَاشرَة بِشَهْوَة وَالسكر المتعدى بِهِ وَالرِّدَّة وَالْحيض إِذا كَانَت مُدَّة الِاعْتِكَاف تَخْلُو عَنهُ غَالِبا وَالنّفاس كَذَلِك وَالْخُرُوج لغير عذر وَالْخُرُوج لِاسْتِيفَاء عُقُوبَة ثبتَتْ بِإِقْرَارِهِ وَكَذَلِكَ الْخُرُوج لِاسْتِيفَاء حق مماطل بِهِ وَالْخُرُوج لعدة ثبتَتْ باختيارها فَمَتَى طَرَأَ وَاحِد من هَذِه على الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور الْمُقَيد بالمدة والتتابع أبْطلهُ وَخرج مِنْهُ وَوَجَب الِاسْتِئْنَاف وَإِن أثيب على مَا مضى فِي غير الرِّدَّة إِن كَانَ مُقَيّدا بِمدَّة من غير تتَابع فَمَعْنَى بُطْلَانه أَن زمن ذَلِك لَا يحْسب من الِاعْتِكَاف فَإِذا زَالَ ذَلِك جدد النِّيَّة وَبنى على مَا مضى وَإِن كَانَ مُطلقًا فَمَعْنَى بُطْلَانه أَنه انْقَطع استمراره ودوامه وَلَا بِنَاء وَلَا تَجْدِيد نِيَّة وَمَا مضى مُعْتَد بِهِ وَحصل بِهِ الِاعْتِكَاف وَالْحَاصِل أَن الطارىء على الِاعْتِكَاف المتتابع إِمَّا أَن يَنْقَطِع تتابعه أَو لَا الَّذِي لَا يقطع تتابعه إِمَّا أَن يحْسب من الْمدَّة وَلَا يقْضى أَو لَا فَالَّذِي يقطعهُ هَذِه التِّسْعَة وَالَّذِي لَا يقطعهُ وَيقْضى كالمرض وَالْجُنُون وَالْحيض الَّذِي تَخْلُو عَنهُ الْمدَّة غَالِبا وَالْعدة الَّتِي بِغَيْر اخْتِيَارهَا وَالَّذِي لَا يقْضى التبرز وَالْأكل وَغسل الْجَنَابَة وأذان الرَّاتِب وَاعْلَم أَن الْوَطْء والمباشرة بِشَهْوَة حرَام فِي الْمَسْجِد مُطلقًا وَلَو من غير معتكف وَكَذَا خَارجه فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب دون الْمُسْتَحبّ لجَوَاز قطعه وَلَا يبطل بالغيبة أَو الشتم أَو أكل الْحَرَام نعم ينقص ثَوَابه وَسن للمعتكف الصَّوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 بَاب الْحَج وَالْعمْرَة حَقِيقَة الْحَج شرعا قصد الْكَعْبَة للنسك الْآتِي بَيَانه مَعَ فعل الْأَركان الْآتِيَة وَقَالَ ابْن الرّفْعَة هُوَ نفس الْأَفْعَال الْآتِيَة وَحَقِيقَة الْعمرَة شرعا قصد الْبَيْت للأفعال الْآتِيَة أَو نفس الْأَفْعَال والنسك آخر أَرْكَان الْإِسْلَام وَمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فيكفر جاحده إِلَّا الْجَاهِل الْمَعْذُور بِأَن قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء وَهُوَ يكفر الصَّغَائِر والكبائر حَتَّى التَّبعَات على الْمُعْتَمد إِن مَاتَ فِي حجه أَو بعده وَقبل التَّمَكُّن من أَدَائِهَا لَكِن قَالَ الشبراملسي وتكفيره لما ذكر إِنَّمَا هُوَ لإثم الْإِقْدَام لَا لسُقُوط حُقُوق الْآدَمِيّين بِمَعْنى أَنه إِذا غصب مَالا أَو قتل نفسا ظلما وعدوانا غفر الله لَهُ إِثْم الْإِقْدَام على مَا ذكر وَوَجَب عَلَيْهِ الْقود ورد الْمَغْصُوب وَإِلَّا فَأمره إِلَى الله فِي الْآخِرَة وَمثله سَائِر حُقُوق الْآدَمِيّين وَهُوَ مُخَالف لإِطْلَاق غَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وتكفير الْحَج للذنوب إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لأمور الْآخِرَة حَتَّى لَو أَرَادَ شَهَادَة بعده فَلَا بُد من التَّوْبَة والاستبراء وَله فَضَائِل لَا تحصى مِنْهَا مَا روى ابْن حبَان عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْحَاج حِين يخرج لم يخط خطْوَة إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة فَإِذا وقفُوا بِعَرَفَات باهى الله بهم مَلَائكَته يَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي أَتَوْنِي شعثا غبرا أشهدكم أَنِّي غفرت لَهُم ذنوبهم وَإِن كَانَت عدد قطر السَّمَاء وَرمل عالج وَإِذا رمى الْجمار لم يدر أحد مَا لَهُ حَتَّى يوفاه يَوْم الْقِيَامَة وَإِذا حلق شعره فَلهُ بِكُل شَعْرَة سَقَطت من رَأسه نور يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا قضى آخر طَوَافه بِالْبَيْتِ خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه (يجبان) أَي الْحَج وَالْعمْرَة (على مُكَلّف حر مستطيع مرّة بتراخ) من حَيْثُ الْأَدَاء فَلِمَنْ وجبا عَلَيْهِ بِنَفسِهِ أَو نَائِبه تأخيرهما بعد سنة الْإِمْكَان لِأَن الْحَج فرض سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَلم يحجّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا سنة عشر وَمَكَّة قد فتحت سنة ثَمَان فَعدم حجه سنة ثَمَان وتسع دلَالَة على عدم وُجُوبه على الْفَوْر وَمحل جَوَاز التَّأْخِير إِن عزم على فعلهمَا فِي الْمُسْتَقْبل كَمَا فِي الصَّلَاة أَي فالنسك فرض عين على المستطيع وَمن الشَّرَائِع الْقَدِيمَة بل مَا من نَبِي إِلَّا وَحج ووجوبه على التَّرَاخِي لَكِن لَو مَاتَ قبل أَدَائِهِ تبين عصيانه من السّنة الْأَخِيرَة من سني الْإِمْكَان حَتَّى لَو شهد فِيهَا شَهَادَة وَلم يحكم بهَا حَتَّى مَاتَ فَلَا يحكم بهَا وَالْمُتَّجه أَن المُرَاد بِالسنةِ الْأَخِيرَة زمن إِمْكَان الْحَج على عَادَة أهل بَلَده وَمثل مَوته فِيمَا ذكر عضبه فيتبين من آخر سني الْإِمْكَان وَفِيمَا بعده إِلَى أَن يحجّ عَنهُ وَيجب عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَة فَوْرًا وَيسْتَثْنى من كَونه على التَّرَاخِي مَا لَو خشِي العضب أَو الْمَوْت أَو هَلَاك مَاله وَكَذَا لَو أفسد حجَّة الْإِسْلَام فَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَوْرًا أَو تضيق بِالنذرِ وَمَعَ كَون الْحَج على التَّرَاخِي فَلَا بُد من الْعَزْم على فعله وَيسن تَعْجِيله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 خُرُوجًا من خلاف من أوجب الْفَوْر كَالْإِمَامِ مَالك وَالْإِمَام أَحْمد وَلَا يجب النّسك بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي الْعُمر وَقد يجب أَكثر مِنْهَا لعَارض كنذر وَقَضَاء عِنْد إِفْسَاد التَّطَوُّع وإحياء الْكَعْبَة كل عَام بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة فرض كِفَايَة بِشَرْط الِاسْتِطَاعَة إِن قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط الطّلب عَن البَاقِينَ وَإِلَّا أثموا جَمِيعًا وللنسك شُرُوط وأركان وواجبات وَسنَن ومحظورات ومفسد ومبطل أما شُرُوطه فَالْكَلَام فِيهَا فِي خمس مقامات الْمقَام الأول للصِّحَّة الْمُطلقَة وشروطها الْإِسْلَام وَالْوَقْت وَهُوَ فِي الْحَج من ابْتِدَاء شَوَّال إِلَى فجر يَوْم النَّحْر وَفِي الْعمرَة جَمِيع السّنة فَلَا يَصح من كَافِر أُصَلِّي أَو مُرْتَد وَلَا يَصح الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل وقته الْمَذْكُور بل ينْعَقد عمْرَة وَلَا الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ إِذا بَقِي عَلَيْهِ شَيْء من أَعمال الْحَج وَلَا يشْتَرط فِي الصِّحَّة الْمُطلقَة تَكْلِيف وَلَا تَمْيِيز فلولي المَال الْإِحْرَام بالنسك عَن الصَّغِير وَلَو مُمَيّزا وَعَن الْمَجْنُون كَأَن يَقُول جعلت فلَانا محرما بِالْحَجِّ سَوَاء كَانَ قبل الْإِحْرَام عَن نَفسه أَو بعده فَيصير من أحرم عَنهُ محرما بذلك وَلَا يشْتَرط حُضُوره ومواجهته حَال الْإِحْرَام عَنهُ وَلَا يصير الْوَلِيّ بذلك محرما وَيَطوف الْوَلِيّ بِغَيْر الْمُمَيز بِشَرْط طهارتهما وَجعل الْبَيْت عَن يسارهما وَيصلى عَنهُ رَكْعَتي الطّواف وَيسْعَى بِهِ ويحضره المواقف كلهَا وَلَا يَكْفِي حُضُوره بِدُونِهِ وَمِنْهَا المرمى وَهُوَ مَا يقف فِيهِ الرَّامِي وَلَو كَانَ خَارج منى لِأَن الْمدَار على إِيصَال الْحجر للمرمى فَيلْزمهُ إِحْضَاره إِيَّاه حَالَة رميه عَنهُ وَإِن لم يتَصَوَّر مِنْهُ لِأَن الْوَاجِب شَيْئَانِ الْحُضُور وَالرَّمْي فَلَا يسْقط أَحدهمَا بِسُقُوط الآخر ويناوله الْأَحْجَار فيرميها إِن قدر وَإِلَّا رمى عَنهُ من لَا رمي عَلَيْهِ من ولي ومأذونه وَلَا بُد فِي جَمِيع ذَلِك من تقدم فعل الْوَلِيّ أَو مأذونه عَن نَفسه فَلَا بُد من تقدم رميه عَن نَفسه أَولا والمميز يطوف وَيسْعَى وَيَرْمِي الْأَحْجَار بِنَفسِهِ وَيجب على الْوَلِيّ مَنعه عَن جَمِيع مُحرمَات الْإِحْرَام فَإِن فعل شَيْئا مِنْهَا فَإِن كَانَ غير مُمَيّز فَلَا فديَة عَلَيْهِ وَلَا على وليه وَإِن كَانَ مُمَيّزا فَإِن تطيب أَو لبس نَاسِيا فَلَا فديَة قطعا وَإِن تعمد ذَلِك بنى على الْقَوْلَيْنِ فِي عمد الصَّبِي فَإِن قُلْنَا عمده عمد وَجَبت وَإِن قُلْنَا عمده خطأ فَلَا وَلَو حلق أَو قلم أَو قتل صيدا وَجَبت الْفِدْيَة وَحَيْثُ وَجَبت فَهِيَ فِي مَال الْوَلِيّ وَهِي كالواجبة عَلَيْهِ بِفعل نَفسه فَإِن اقْتَضَت صوما أَو غَيره فعله وَمثل ذَلِك بِالْأولَى مَا لَو طيبه أَو ألبسهُ أَو حلق لَهُ وَإِن كَانَ ذَلِك لحَاجَة الطِّفْل على الْأَصَح وَلَو طيبه أَجْنَبِي فالفدية فِي مَال الْأَجْنَبِيّ وَلَو ترك وَاجِبا كالمبيت بِمُزْدَلِفَة أَو منى أَو غير ذَلِك وَجب الدَّم وَالْمَجْنُون كَالصَّبِيِّ فِيمَا سبق وَالسَّفِيه يكفر بِالصَّوْمِ وَخرج بِمن ذكر الْمغمى عَلَيْهِ فَلَا يحرم عَنهُ غَيره إِن كَانَ بُرْؤُهُ يُرْجَى عَن قرب لِأَنَّهُ لَيْسَ بزائل الْعقل الْمقَام الثَّانِي فِي صِحَة الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ اسْتِقْلَالا وشروطها الْإِسْلَام وَالْوَقْت والتمييز وَلَو صَبيا بِإِذن وليه أَو رَقِيقا وَلَكِن لَا يَقع النّسك لَهما عَن فرض الْإِسْلَام إِلَّا إِذا كملا قبل الْوُقُوف وَلَو كَانَا سعيا بعد طواف الْقدوم فَلَا بُد من إِعَادَة السَّعْي وَمِثَال الْوُقُوف طواف الْعمرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الْمقَام الثَّالِث صِحَة الْمَنْذُور وَشَرطهَا الْإِسْلَام والتكليف فَيصح من الرَّقِيق وَيكون فِي ذمَّته الْمقَام الرَّابِع الْوُقُوع عَن فرض الْإِسْلَام وَشَرطه الْوَقْت وَالْإِسْلَام والتكليف وَالْحريَّة فيجزىء ذَلِك من فَقير لَا من صَغِير ورقيق كَمَا مر وَلَو حج أَو اعْتَمر بِمَال حرَام عصى وَسقط فَرْضه الْمقَام الْخَامِس الْوُجُوب وشروطه مَا ذكر مَا عدا الْوَقْت مَعَ الِاسْتِطَاعَة وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا استطاعة بِالنَّفسِ وَلَا تتَحَقَّق إِلَّا بِأُمُور سَبْعَة أَحدهَا وجود مُؤنَة السّفر كالزاد وأوعيته وكلفة ذَهَابه إِلَى مَكَّة ورجوعه مِنْهَا إِلَى وَطنه وَإِن لم يكن لَهُ فِيهِ أهل وَلَا عشيرة ثَانِيهَا وجود الرَّاحِلَة الصَّالِحَة لمثله بشرَاء بِثمن مثل أَو اسْتِئْجَار بِأُجْرَة مثل لمن بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر قدر على الْمَشْي أَو لَا لَكِن ينْدب للقادر على الْمَشْي الْحَج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه حِينَئِذٍ وَأما من بَينه وَبَين مَكَّة دون مرحلَتَيْنِ فَإِن كَانَ قَادِرًا على الْمَشْي لزمَه الْحَج وَلَا يعْتَبر فِي حَقه الرَّاحِلَة وَلَا يلْزمه الحبو والزحف وَإِن عجز عَن الْمَشْي أَو لحقه بِهِ ضَرَر ظَاهر فكالبعيد عَن مَكَّة فَيشْتَرط فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة وَإِن لحقه بالراحلة مشقة شَدِيدَة اشْترط فِي حَقه وجود الْمحمل وَهَذَا فِي الرجل أما الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى فَيشْتَرط فِي حَقّهمَا وجود الْمحمل مُطلقًا وَإِن لم يتضررا بالراحلة لِأَنَّهُ أستر لَهما وَيشْتَرط وجود شريك يجلس فِي الشق الآخر لتعذر ركُوب شقّ لَا يعادله شَيْء وَيشْتَرط أَن يَلِيق بِهِ ذَلِك المعادل بِأَن لَا يكون فَاسِقًا وَلَا شَدِيد الْعَدَاوَة وَأَن لَا يكون بِهِ نَحْو برص وَيشْتَرط كَون مَا ذكر من الزَّاد والمحمل وَالشَّرِيك فَاضلا عَن دينه وَلَو مُؤَجّلا وَعَن مُؤنَة من عَلَيْهِ مؤنتهم مُدَّة ذَهَابه وإيابه وَعَن مَسْكَنه اللَّائِق بِهِ الَّذِي لم يزدْ على حَاجته وَعَن عبد يَلِيق بِهِ وَيحْتَاج إِلَيْهِ لخدمته وَيلْزم صرف مَال تِجَارَته إِلَى الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَمَا يتَعَلَّق بهما وَلَا يلْزمه بيع آلَة محترف وَلَا كتب فَقِيه وَلَا بهائم زرع أَو نَحْو ذَلِك ثَالِثهَا أَمن الطَّرِيق وَلَو ظنا فِي كل مَحل بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ نفسا وبضعا ومالا وَلَو يَسِيرا وَيجب ركُوب الْبَحْر إِن تعين طَرِيقا وغلبت السَّلامَة فِي ركُوبه فان غلب الْهَلَاك أَو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَو جهل الْحَال حرم ركُوبه رَابِعهَا وجود مَاء وَزَاد وعلف دَابَّة بمحال يعْتَاد حملهَا مِنْهَا بِثمن الْمثل وَهُوَ الْقدر اللَّائِق بهَا زَمَانا ومكانا فَإِن لم يُوجد ذَلِك أَو وجد بِزِيَادَة على ثمن الْمثل لم يجب النّسك خَامِسهَا أَن يخرج مَعَ الْمَرْأَة زَوجهَا أَو محرمها أَو عَبدهَا أَو مَمْسُوح أَو نسْوَة ثِقَات بِأَن جمعن صِفَات الْعَدَالَة وَإِن كن إِمَاء وَلَو بِأُجْرَة مثل فتلزمها إِذا لم يخرج إِلَّا بهَا وَيشْتَرط فِي وجوب النّسك عَلَيْهَا قدرتها عَلَيْهَا لِأَنَّهَا من أهبة سفرها سادسها الثُّبُوت على المركوب وَلَو فِي محمل أَو نَحوه بِلَا ضَرَر شَدِيد فَمن لم يثبت عَلَيْهِ أصلا أَو ثَبت بِضَرَر شَدِيد لمَرض أَو غَيره لَا يلْزمه النّسك بِنَفسِهِ سابعها وجود الزَّمن الَّذِي يسع الْمَعْهُود للنسك من بَلَده إِلَى مَكَّة بِأَن يكون قد بَقِي من الْوَقْت بعد الِاسْتِطَاعَة مَا يتَمَكَّن فِيهِ من السّير الْمُعْتَاد لأَدَاء النّسك وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد فَإِن وجدت الِاسْتِطَاعَة وَالْبَاقِي زمن لَا يسع السّير الْمُعْتَاد لم ينْعَقد الْوُجُوب فِي حَقه فِي هَذَا الْعَام وَيعْتَبر فِي الِاسْتِطَاعَة امتدادها فِي حق كل إِنْسَان من وَقت خُرُوج أهل بَلَده مِنْهُ لِلْحَجِّ إِلَى عودهم فَمَتَى أعْسر فِي جُزْء من ذَلِك فَلَا استطاعة وَلَا عِبْرَة بيساره قبل ذَلِك وَلَا بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَهَذَا فِي حق الْحَيّ أما من مَاتَ بعد الِاسْتِطَاعَة فَإِنَّهُ يحجّ من تركته وَإِن كَانَ مَوته بعد حجتهم وَقبل عودهم وَلَا بُد من وجود رفْقَة يخرج مَعَهم فِي الْوَقْت الَّذِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بِالْخرُوجِ فِيهِ وَأَن يَسِيرُوا السّير الْمُعْتَاد وَهَذَا إِن احْتِيجَ إِلَى الرّفْقَة لدفع الْخَوْف فَإِن أَمن الطَّرِيق بِحَيْثُ لَا يخَاف الْوَاحِد فِيهَا لزمَه النّسك وَلَا حَاجَة للرفقة وَلَا نظر للوحشة لِأَن النّسك لَا بدل لَهُ ثَانِيهَا استطاعة بِغَيْرِهِ فَتجب الْإِنَابَة عَن غير مُرْتَد مَاتَ وَعَلِيهِ نسك وَلَو بِنَحْوِ نذر من تركته كَمَا تقضى مِنْهَا دُيُونه فَلَو لم تكن لَهُ تَرِكَة سنّ لوَارِثه أَن يَفْعَله عَنهُ وَلَو فعله عَنهُ أَجْنَبِي وَلَو بِلَا إِذن من الْوَارِث جَازَ كَمَا يَصح قَضَاء دُيُونه بِلَا إِذن فَإِن لم يكن عَلَيْهِ نسك بِأَن كَانَ أدّى حجَّة الْإِسْلَام لَا تجوز الْإِنَابَة عَنهُ إِلَّا لَو أوصى بذلك وَإِلَّا جَازَت مُطلقًا قَالَ شَيخنَا يُوسُف إِذا كَانَت الْأُجْرَة من الْمُنِيب لَا من التَّرِكَة جَازَت الْإِنَابَة بِلَا وَصِيَّة أما الْمُرْتَد فَلَا تجوز الْإِنَابَة عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْعِبَادَة بل لَو خلف مَالا قضى مِنْهُ دينه وَمَا فضل يكون فَيْئا وَتجب الْإِنَابَة عَن المعضوب الَّذِي عَلَيْهِ النّسك وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة الْعَاجِز عَن مُبَاشرَة النّسك بِنَفسِهِ إِذا كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر أما لَو كَانَ دون مرحلَتَيْنِ أَو كَانَ بِمَكَّة فَإِنَّهُ يلْزمه مُبَاشرَة النّسك بِنَفسِهِ لقلَّة الْمَشَقَّة نعم إِن أنهاه الضنى إِلَى حَالَة لَا يحْتَمل الْحَرَكَة بِحَال جَازَت النِّيَابَة عَنهُ إِمَّا بِأُجْرَة مثل فاضلة عَمَّا مر غير مُؤنَة عِيَاله سفرا لِأَنَّهُ مُقيم عِنْدهم وَإِمَّا بِوُجُود مُتَطَوّع بالنسك عَنهُ وَيشْتَرط فِي النَّائِب مُطلقًا أَن يكون غير معضوب موثوقا بِهِ أدّى فَرْضه وَيجوز كَون النَّائِب فِي نسك التَّطَوُّع صَبيا مُمَيّزا أَو عبدا لِأَنَّهُمَا من أهل التَّطَوُّع بالنسك لأنفسهما وَيشْتَرط فِي صِحَة عقد الِاسْتِئْجَار لِلْحَجِّ معرفَة الْعَاقِدين أَعمال الْحَج فرضا ونفلا حَتَّى لَو ترك مِنْهُ أدبا سقط من الْأُجْرَة مَا يُقَابله والاستئجار فِيمَا مر ضَرْبَان أَحدهمَا إِجَارَة عين كاستأجرتك عني أَو عَن ميتي هَذِه السّنة فَإِن عين غير السّنة الأولى لم يَصح العقد وَإِن أطلق صَحَّ وَحمل على السّنة الْحَاضِرَة وَيشْتَرط لصِحَّة العقد قدرَة الْأَجِير على الشُّرُوع فِي الْعَمَل واتساع الْمدَّة لَهُ والمكي وَنَحْوه يسْتَأْجر فِي أشهر الْحَج الثَّانِي إِجَارَة ذمَّة كَقَوْلِه ألزمت ذِمَّتك تَحْصِيل حجَّة وَيجوز الِاسْتِئْجَار فِي هَذَا الضَّرْب على الْمُسْتَقْبل فَإِن أطلق حمل على الْحَاضِرَة فَتبْطل إِن ضَاقَ الْوَقْت وَلَا يشْتَرط قدرته على السّفر لِإِمْكَان الِاسْتِنَابَة فِي إِجَارَة الذِّمَّة وَلَو قَالَ ألزمت ذِمَّتك لتحج عني بِنَفْسِك بطلت الْإِجَارَة على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ خلافًا لما نقل عَن الْبَغَوِيّ أَن ذَلِك يَصح وَتَكون تِلْكَ الْإِجَارَة إِجَارَة عين وَلَو اسْتَأْجر للقران فالدم على الْمُسْتَأْجر فَإِن شَرطه على الْأَجِير بطلت الْإِجَارَة وَلَو كَانَ الْمُسْتَأْجر للقران مُعسرا فالصوم الَّذِي هُوَ بدل الدَّم على الْأَجِير لِأَن الصَّوْم يَقع بعضه فِي الْحَج وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى من الْمُسْتَأْجر لِأَن الْفَرْض أَنه معضوب وَأَنه فِي غير مَكَّة وَلَو أفسد الْأَجِير الْحَج بِالْجِمَاعِ لزمَه قَضَاؤُهُ عَن نَفسه فَيَقَع الْقَضَاء لَهُ وَعَلِيهِ الْمُضِيّ فِي فاسده وَالْكَفَّارَة وتنفسخ بِهِ إِجَارَة الْعين وَيلْزمهُ رد مَا أَخذه من الْمُسْتَأْجر وَيبقى عَلَيْهِ الْحَج فِي ذمَّته إِن كَانَت الْإِجَارَة إِجَارَة ذمَّة فَيلْزمهُ فِيهَا أَن يَأْتِي بعد الْقَضَاء عَن نَفسه بِحَجّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 آخر للْمُسْتَأْجر فِي عَام آخر أَو يَسْتَنِيب من يحجّ عَنهُ فِي ذَلِك الْعَام أَو غَيره وَلَو اسْتَأْجر المعضوب من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ ثمَّ شفي لم يَقع عَنهُ فَلَا يسْتَحق الْأَجِير أُجْرَة على الْمُعْتَمد وَيَقَع الْحَج نفلا للْأَجِير وَلَو حضر مَكَّة أَو عَرَفَة فِي سنة حج الْأَجِير لم يَقع حج الْأَجِير عَنهُ لتعين مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ وَيلْزمهُ للْأَجِير الْأُجْرَة وَالْفرق بَين هَذِه وَمَا قبلهَا أَنه لَا تَقْصِير مِنْهُ فِي حق الْأَجِير فِي الشِّفَاء بِخِلَاف الْحُضُور فَإِنَّهُ بعد أَن ورط الْأَجِير مقصر بِهِ فَلَزِمته أجرته (و) أما (أَرْكَانه) أَي الْحَج فستة الأول (إِحْرَام) أَي نِيَّة دُخُول فِي الْحَج فَإِن أحرم بحجتين انْعَقَدت وَاحِدَة وَالْأَفْضَل أَن يعين فِي نِيَّته فَلَو أحرم وَأطلق بِأَن قَالَ نَوَيْت الْإِحْرَام أَو نَوَيْت الْإِحْرَام بالنسك فَإِن كَانَ فِي أشهر الْحَج صرفه إِلَى مَا شَاءَ من النُّسُكَيْنِ أَو أَحدهمَا إِن كَانَ وَقت الصّرْف صَالحا لَهما ثمَّ بعد التَّعْيِين يَأْتِي بِمَا عينه فَلَا يجزىء الْعَمَل قبله وَإِن كَانَ فِي غير أشهر الْحَج انْعَقَد عمْرَة بِمُجَرَّد النِّيَّة الْمُطلقَة فَلَو صابر الْإِحْرَام وَلم يشرع فِي شَيْء من الْأَعْمَال حَتَّى دخلت أشهر الْحَج فَلَيْسَ لَهُ صرفه إِلَى الْحَج لِأَن وَقت النِّيَّة لَا يقبل غير الْعمرَة وَيجوز أَن يَقُول نَوَيْت الْإِحْرَام كإحرام زيد فَإِن كَانَ زيد غير محرم أَو كَانَ إِحْرَامه فَاسِدا انْعَقَد إِحْرَامه مُطلقًا وَإِلَّا فكإحرامه فَإِن تعذر معرفَة إِحْرَامه نوى قرانا ثمَّ أَتَى بِعَمَلِهِ وَيسن النُّطْق بِالنِّيَّةِ فالتلبية عَقبهَا وَإِذا فرغ من التَّلْبِيَة صلى وَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَ الله تَعَالَى رضوانه وَالْجنَّة واستعاذ بِهِ من النَّار (و) الثَّانِي (وقُوف بِعَرَفَة) وَيجب فِيهِ حُضُوره بِجُزْء من أرْضهَا أَو على غُصْن شَجَرَة فِيهَا بِخِلَاف مَا إِذا ركب على طَائِر فِي هوائها أَو ركب على سَحَاب فِيهِ أَو طَار هُوَ فِيهِ فَلَا يَكْفِي لِأَن هَوَاء عَرَفَات لَيْسَ لَهُ حكمهَا وَيَكْفِي الْحُضُور بأرضها وَإِن كَانَ مارا فِي طلب آبق وَإِن لم يدر أَنَّهَا عَرَفَات وَعلم من ذَلِك أَن صرف الْوُقُوف إِلَى غَيره لَا يُؤثر بِخِلَاف الطّواف وَالسَّعْي وَرمي الْجمار فَإِنَّهَا يضر فِيهَا الصَّارِف وَيشْتَرط فِي الْوَاقِف كَونه محرما أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا مغمى عَلَيْهِ جَمِيع وَقت الْوُقُوف وَلَا يضر النّوم وَوَقته (بَين زَوَال) ليَوْم تَاسِع ذِي الْحجَّة (وفجر نحر) فَفِي أَي وَقت من ذَلِك وقف أَجزَأَهُ وَيسْتَحب أَن يجمع فِي الْوُقُوف بَين اللَّيْل وَالنَّهَار وَيسن فِي الْوُقُوف أَن يكون على طَهَارَة وإكثار الذّكر والتهليل وَالدُّعَاء والتلبية وَقِرَاءَة الْقُرْآن وإكثار التضرع والذلة والإلحاح فِي الدُّعَاء فيستقبل الْبَيْت الْحَرَام ويبسط كفيه وَيَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ يُلَبِّي ثَلَاثًا وَيَقُول الله أكبر وَللَّه الْحَمد ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ انقلني من ذل الْمعْصِيَة إِلَى عز الطَّاعَة واكفني بحلالك عَن حرامك وأغنني بِفَضْلِك عَمَّن سواك وَنور قلبِي وقبري واهدني وأعذني من الشَّرّ كُله واجمع لي الْخَيْر كُله اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والتقى والعفاف والغنى اللَّهُمَّ آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا كَبِيرا وَإنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم اللَّهُمَّ اغْفِر لي مغْفرَة تصلح بهَا شأني فِي الدَّاريْنِ وارحمني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 رَحْمَة وَاسِعَة أسعد بهَا فِي الدَّاريْنِ وَتب عَليّ تَوْبَة نصُوحًا لَا أنكثها أبدا وألزمني سَبِيل الاسْتقَامَة لَا أزيغ عَنْهَا أبدا وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة وَخير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَيسنّ الْإِكْثَار من ذَلِك حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن اسْتَطَاعَ أَن يَأْتِي بهَا مائَة ألف مرّة فَلْيفْعَل وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة بِأَن طلع فجر يَوْم النَّحْر وَلم يحضر بِجُزْء مِنْهَا بعد زَوَال يَوْم التَّاسِع فِي لَحْظَة من ليل أَو نَهَار فَاتَهُ الْحَج وَيجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا بَقِي من أَرْكَانه وَهُوَ الطّواف الْمَتْبُوع بالسعي إِن لم يكن سعى بعد طواف الْقدوم وَالْحلق وَيَنْوِي عِنْد كل مِنْهُمَا التَّحَلُّل من حجه وبفراغها يصير حَلَالا وَهَذَا معنى قَوْلهم تحلل بِعَمَل عمْرَة وَأما الْمبيت بِمُزْدَلِفَة وَمنى وَرمي الْجمار فقد سقط عَنهُ بِفَوَات الْحَج وَلَا يُغْنِيه ذَلِك عَن عمْرَة الْإِسْلَام وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء فَوْرًا من عَام قَابل لهَذَا الْحَج الَّذِي فَاتَهُ سَوَاء كَانَ فرضا أَو نفلا وَسَوَاء كَانَ الْفَوات بِعُذْر أَو لَا وَلَا تشْتَرط الِاسْتِطَاعَة بل يجب عَلَيْهِ وَلَو مَاشِيا إِن أطاقه وَلَو كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر وَلَو استدام الْإِحْرَام حَتَّى حج بِهِ من قَابل لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو وقف فَإِنَّهُ يجوز لَهُ مصابرة الْإِحْرَام للطَّواف وَالسَّعْي وَالْحلق وَلَو سِنِين لِأَنَّهُ لَا آخر لوَقْتهَا مَعَ تبعيتها للوقوف وَلَيْسَ لِلْحَجِّ ركن يفوت بِفَوَات وقته إِلَّا الْوُقُوف وَأما بَاقِي الْأَركان فَلَا آخر لوَقْتهَا كَمَا مر وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فِي فَوَات لم ينشأ عَن حصر فَإِن نَشأ عَنهُ بِأَن أحْصر فسلك طَرِيقا آخر ففاته الْحَج وتحلل بِعَمَل عمْرَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل مَا فِي وَسعه وَمحل ذَلِك إِن كَانَ الطَّرِيق الَّذِي سلكه أطول من الأول أما لَو سلك طَرِيقا آخر مُسَاوِيا للْأولِ أَو أقرب مِنْهُ أَو صابر إِحْرَامه غير متوقع زَوَال الْإِحْصَار ففاته الْوُقُوف فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَمحله أَيْضا غير الْفَرْض أما هُوَ فَفِي ذمَّته إِن اسْتَقر عَلَيْهِ كحجة الْإِسْلَام بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان فَإِن لم يسْتَقرّ كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت استطاعة جَدِيدَة بعد زَوَال الْحصْر إِن وجدت وَجب وَإِلَّا فَلَا (و) الثَّالِث (طواف إفَاضَة) وَهُوَ الْوَاقِع بعد الْوُقُوف وأنواع الطّواف من حَيْثُ هُوَ سَبْعَة طواف الْقدوم وَطواف الْإِفَاضَة وَطواف الْوَدَاع وَطواف التَّحَلُّل وَطواف الْعمرَة والمنذور والمتطوع بِهِ (و) الرَّابِع (سعي) بَين الصَّفَا والمروة (سبعا) لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل النَّاس فِي الْمَسْعَى وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اسْعوا فَإِن السَّعْي قد كتب عَلَيْكُم وشروطه سَبْعَة الأول أَن تكون بعد طواف وَاجِب كطواف الْإِفَاضَة فَيمْتَنع حِينَئِذٍ أَن يسْعَى بعد طواف نفل وَفعله بعد طواف الْقدوم أفضل تعجيلا لبراءة الذِّمَّة وَلَا يسْتَحبّ لَهُ إِعَادَته بعد طواف الْإِفَاضَة بل يكره وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو سعى الصَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بعد طواف الْقدوم ثمَّ بلغ فِي أثْنَاء الْوُقُوف أَو قبله فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إِعَادَة السَّعْي وَعتق الرَّقِيق فِي ذَلِك كبلوغ الصَّبِي وَلَا تشْتَرط الْمُوَالَاة بَين الطّواف وَالسَّعْي وَظَاهر كَلَام الْجُمْهُور أَنه لَا يجوز السَّعْي إِلَّا بعد طواف قدوم أَو ركن وَقَالَ بَعضهم الشَّرْط وُقُوعه بعد طواف صَحِيح فرض أَو نفل الرَّابِع قطع الْمسَافَة بَين الصَّفَا والمروة بِحَيْثُ يلصق عقبه بِمَا ذهب مِنْهُ وأصابع رجلَيْهِ بِمَا ذهب إِلَيْهِ الْخَامِس أَن يكون بِبَطن الْوَادي فَلَا يجزىء السَّعْي مَعَ الْخُرُوج عَنهُ السَّادِس فقد الصَّارِف فَلَو سعى فِي طلب غَرِيم لَهُ لم يجز السَّابِع أَن لَا يكون منكوسا وَلَا مُعْتَرضًا وَلَا طائرا فِي الْهَوَاء كَمَا فِي الْوُقُوف وَالطّواف (و) الْخَامِس (إِزَالَة شعر) من الرَّأْس بحلق أَو قصّ أَو نتف أَو غَيرهَا وَالْحلق للذّكر أفضل وَالتَّقْصِير لغيره وَيسن التَّيَامُن فِي إِزَالَته واستقبال صَاحب الشّعْر الْقبْلَة وَالتَّكْبِير بعد الْفَرَاغ مِنْهُ وَأقله إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات من رَأسه وَيسن لمن لَا شعر بِرَأْسِهِ إمرار الموسى عَلَيْهِ وَيدخل وَقت طواف الْإِفَاضَة وَإِزَالَة الشّعْر بِنصْف لَيْلَة النَّحْر لمن وقف قبل ذَلِك وَلَا آخر لوقتهما كَمَا مر وَلَا تَرْتِيب بَينهمَا (و) السَّادِس (تَرْتِيب) لمعظم الْأَركان بِأَن يبْدَأ بِالنِّيَّةِ ثمَّ الْوُقُوف ثمَّ الطّواف وَالْحلق ثمَّ السَّعْي إِن لم يكن سعى بعد طواف الْقدوم وَتقدم قَرِيبا أَنه لَا تَرْتِيب بَين الطّواف وَإِزَالَة الشّعْر (وَلَا تجبر) أَي تِلْكَ الْأَركان إِذا ترك وَاحِدًا مِنْهَا (بِدَم) وَلَا بِغَيْرِهِ بل لَا بُد من فعلهَا (وَغير وقُوف) بِعَرَفَة (أَرْكَان لعمرة) لَكِن لَا بُد من تَرْتِيب جَمِيع أَرْكَانهَا بِأَن يفعل الطّواف بعد الْإِحْرَام بهَا ثمَّ السَّعْي ثمَّ إِزَالَة الشّعْر (وَشرط الطّواف) بأنواعه تِسْعَة الأول (طهر) عَن الْحَدث الْأَصْغَر والأكبر وَعَن النَّجس فِي ثَوْبه وبدنه ومكانه وَمن الْحَدث الْحيض فَيمْتَنع أَن تَطوف الْحَائِض حَتَّى تطهر فَإِن رحلت الْقَافِلَة قبل أَن تَطوف طواف الرُّكْن وخافت من التَّخَلُّف فلهَا الرحيل مَعَهم بِلَا طواف فَإِذا وصلت إِلَى مَحل يتَعَذَّر عَلَيْهَا الرُّجُوع مِنْهُ إِلَى مَكَّة جَازَ لَهَا أَن تتحلل بِذبح فحلق أَو تَقْصِير مَعَ نِيَّة التَّحَلُّل كالمحصر وَتحل حِينَئِذٍ من إحرامها وَيبقى الطّواف فِي ذمَّتهَا إِلَى أَن تعود وَالْأَقْرَب أَن الْعود على التَّرَاخِي وَإِذا مَاتَت وَلم تعد وَجب الإحجاج عَنْهَا بِشَرْطِهِ وتحتاج عِنْد فعل الطّواف إِلَى إِحْرَام للإتيان بِالطّوافِ فَقَط دون مَا فعلته قبله من أَرْكَان الْحَج كالوقوف وَإِنَّمَا احْتَاجَت إِلَى إِحْرَام جَدِيد لخروجها من الْحَج بالتحلل ويعفى عَمَّا يشق الِاحْتِرَاز عَنهُ من نَجَاسَة المطاف مَا لم تكن رطبَة أَو يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهَا (و) الثَّانِي (ستر) للعورة السَّابِقَة فِي الصَّلَاة مَعَ الْقُدْرَة وَإِن حرم اللّبْس لكَون السَّاتِر محيطا فيبني الطَّائِف على مَا مضى من طَوَافه إِن فقد بعض شُرُوطه فِي أَثْنَائِهِ كَأَن أحدث أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 تنجس بدنه أَو ثَوْبه أَو مطافه بِغَيْر مَعْفُو عَنهُ أَو عري وَلم يستر حَالا مَعَ الْقُدْرَة على السّتْر وَإِن تعمد ذَلِك وَطَالَ الْفَصْل إِذْ لَا يشْتَرط الْمُوَالَاة فِي الطّواف بعد أَن تطهر واستتر نعم يسن لَهُ الِاسْتِئْنَاف خُرُوجًا من الْخلاف هَذَا فِي غير الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالسكر أما من اتّصف بذلك فِي أثْنَاء الطّواف فَيجب الِاسْتِئْنَاف للْوُضُوء وَالطّواف لزوَال التَّكْلِيف (و) الثَّالِث (نِيَّته) أَي الطّواف (إِن اسْتَقل) بِأَن كَانَ الطّواف لَيْسَ فِي ضمن نسك كطواف النَّفْل والمنذور من الْحَلَال وكطواف الْوَدَاع فَلَا بُد لَهُ من نِيَّة لوُقُوعه بعد التَّحَلُّل بِخِلَاف طواف الرُّكْن والقدوم للْحَاج فَلَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لشمُول نِيَّة النّسك لَهُ (و) الرَّابِع (بدؤه بِالْحجرِ الْأسود محاذيا لَهُ) أَي الْحجر أَو لجزئه فِي مروره عَلَيْهِ ابْتِدَاء (بِبدنِهِ) أَي بِجَمِيعِ مَنْكِبه فَلَو تقدم شَيْء من مَنْكِبه عَنهُ لم يحْسب مَا طافه فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَو أزيل الْحجر وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَجب محاذاة مَحَله وَصفَة الْمُحَاذَاة أَن يسْتَقْبل الْبَيْت وَيقف بِجَانِب الْحجر من جِهَة الرُّكْن الْيَمَانِيّ بِحَيْثُ يصير جَمِيع الْحجر عَن يَمِينه ومنكبه الْأَيْمن عِنْد طرفه ثمَّ يَنْوِي الطّواف ثمَّ يمشي مُسْتَقْبل الْحجر مارا إِلَى جِهَة يَمِينه حَتَّى يُجَاوِزهُ فَإِذا جاوزه انْفَتَلَ وَجعل يسَاره إِلَى الْبَيْت وَلَو فعل هَذَا من الأول وَترك اسْتِقْبَال الْحجر جَازَ لَكِن فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة وَلَيْسَ شَيْء من الطّواف يجوز مَعَ اسْتِقْبَال الْبَيْت إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ من مروره فِي الِابْتِدَاء وَذَلِكَ سنة فِي الطوفة الأولى لَا غير بل هُوَ مَمْنُوع فِي غَيرهَا وَهَذَا غير الِاسْتِقْبَال الْمُسْتَحبّ عِنْد لِقَاء الْحجر قبل أَن يبْدَأ بِالطّوافِ فَإِن ذَلِك مُسْتَحبّ قطعا وَسنة مُسْتَقلَّة أَي فَيسنّ لمن أَرَادَ الطّواف أَن يلمس الْحجر الْأسود بِيَدِهِ بعد استقباله أول طَوَافه ويقبله ثَلَاثًا وَيَضَع بعد ذَلِك جَبهته ثَلَاثًا ثمَّ يتَأَخَّر بِحَيْثُ يكون طرف مَنْكِبه الْأَيْمن عِنْد طرف الْحجر ثمَّ يمر إِلَى أَن يُجَاوِزهُ فينفتل وَحكى الْأَذْرَعِيّ وَجها أَنه يجب استقباله بِالْوَجْهِ عِنْد ابْتِدَاء الطّواف وانتهائه قَالَ فالاحتياط التَّام فعل ذَلِك (و) الْخَامِس (جعل الْبَيْت عَن يسَاره) مارا تِلْقَاء وَجهه وَالسَّادِس أَن يكون الطَّائِف خَارِجا بِكُل بدنه وثوبه عَن الْبَيْت فَلَو أَدخل جُزْءا من ذَلِك فِي هَوَاء الشاذروان أَو هَوَاء غَيره من أَجزَاء الْبَيْت أَو دخل من إِحْدَى فتحتي الْحجر المحوط بَين الرُّكْنَيْنِ الشاميين لم يَصح بعض طوفته وَمِمَّا يطْلب التفطن لَهُ فِي حَال تَقْبِيل الْحجر الْأسود أَنه يَنْبَغِي أَن يقر قَدَمَيْهِ فِي حَال التَّقْبِيل فِي مَحلهمَا حَتَّى يرفع قامته لأجل أَن يخرج عَن محاذاة الشاذروان ثمَّ يمشي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا انحنى للتقبيل يصير جُزْء من بدنه فِي هَوَاء الشاذروان فَلَو مَشى قبل رفع قامته لم يَصح بعض طوفته وَيُقَاس بِمن يقبل الْحجر الْأسود فِيمَا ذكر من يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ (و) السَّابِع (كَونه) أَي الطّواف (سبعا) يَقِينا وَلَو فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا وَإِن كَانَ رَاكِبًا لغير عذر فَلَو ترك مِنْهَا شَيْئا وَإِن قل لم يُجزئهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَالثَّامِن كَونه فِي الْمَسْجِد وَإِن وسع مَا لم يبلغ الْحل بِحَيْثُ تصير حَاشِيَته فِي الْحل بِسَبَب التَّوسعَة وَإِلَّا فَلَا يَصح الطّواف فِي الْحَاشِيَة الَّتِي فِي الْحل بل لَا بُد أَن يكون فِي أَرض الْحرم وَلَو كَانَ على سطح الْمَسْجِد وَلَو مرتفعا عَن الْبَيْت وَلَو حَال بَينه وَبَين الْبَيْت حَائِل كزمزم والسواري وَنَحْوهَا فَلَو طَاف خَارج الْمَسْجِد وَلَو بِالْحرم لم يَصح وَالتَّاسِع عدم صرفه لغيره كَطَلَب غَرِيم فَإِن صرفه لنَحْو طلب الْغَرِيم انْقَطع (وَسن) للطائف أُمُور عشرَة الأول (أَن يفْتَتح) أَي الطَّائِف (باستلام الْحجر) الْأسود بعد استقباله أَي بلمسه بِيَدِهِ وَتَقْبِيله مَعَ تَخْفيف الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا يسمع لَهَا صَوت وَوضع جَبهته عَلَيْهِ ثَلَاثًا فِي الْجَمِيع (و) يسن أَن (يستلمه) أَي الْحجر (فِي كل طوفة) من الطوفات السَّبع وَهُوَ فِي الأوتار آكِد وَيسْتَحب أَن يكون الاستلام بِالْيَمِينِ فَإِن عجز عَن الاستلام بِيَدِهِ اسْتَلم بِنَحْوِ عَصا ثمَّ يقبل مَا اسْتَلم بِهِ فَإِن عجز أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِمَا فِيهَا ثمَّ قبل مَا أَشَارَ بِهِ وَلَا يسن للنِّسَاء استلام وَلَا تَقْبِيل وَلَا قرب من الْبَيْت إِلَّا عِنْد خلو المطاف (و) سنّ أَن يسْتَلم (الرُّكْن الْيَمَانِيّ) فِي كل طوفة وَلَا يقبله لعدم نَقله وَيقبل يَده بعد استلامه بهَا وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَلَا يقبلهما (و) الثَّانِي أَن (يرمل ذكر) وَهُوَ أَن يُقَارب الخطا بِسُرْعَة من غير عَدو وَلَا وثب وَذَلِكَ (فِي) الطوفات (الثَّلَاث الأول من) السَّبع لَا فِي جَمِيعهَا مستوعبا بالرمل الْبَيْت وَإِنَّمَا يسن ذَلِك فِي (طواف بعده سعي) مَطْلُوب فِي حج أَو عمْرَة وَالثَّالِث أَن يضطبع وَهُوَ أَن يَجْعَل وسط رِدَائه تَحت مَنْكِبه الْأَيْمن ويكشفه وطرفيه على عَاتِقه الْأَيْسَر وَإِنَّمَا يسن للذّكر فِي طواف فِيهِ رمل وَالرَّابِع أَن يقرب من الْبَيْت قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالِاحْتِيَاط الإبعاد عَن الْبَيْت بِقدر ذِرَاع وَقَالَ الْكرْمَانِي بِقدر ثَلَاث خطوَات ليأمن الطّواف على الشاذروان وَمحل اسْتِحْبَاب الْقرب من الْبَيْت مَا لم يتأذ أَو يؤذ بالزحام وَإِلَّا فالبعد أولى وَمن ثمَّ ندب لَهُ ترك الِاسْتِقْبَال والتقبيل حِينَئِذٍ وَالْخَامِس أَن يطوف حافيا فَلَو طَاف فِي نعل طَاهِر أَسَاءَ لإخلاله بالتعظيم إِلَّا أَن يشق عَلَيْهِ مُبَاشرَة الأَرْض بباطن الْقدَم لشدَّة الْحر فَلَا يكره وَالسَّادِس أَن يَأْتِي بِالطّوافِ بتؤدة وسكينة ووقار وَالسَّابِع أَن يوالي بَين الطوفات وَالثَّامِن أَن يَأْتِي بالدعوات المأثورة فِيهِ وَالتَّاسِع أَن يَنْوِي الطّواف الَّذِي فِي ضمن النّسك وَإِلَّا وَجَبت كَمَا مر والعاشر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعده يَنْوِي بهما سنة الطّواف وَيَدْعُو بعدهمَا بِمَا أحب من أَمر الْآخِرَة وَالدُّنْيَا ثمَّ بعد ذَلِك يَأْتِي الْحجر فيقبله وَيَضَع جَبهته عَلَيْهِ (وواجباته) أَي الْحَج خَمْسَة أَولهَا (إِحْرَام من مِيقَات) أَي كَون الْإِحْرَام من الْمِيقَات المكاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَاعْلَم أَن قَاصد النّسك إِمَّا أَن يكون مكيا وَهُوَ من بِمَكَّة سَوَاء كَانَ من أَهلهَا أَو غَرِيبا مُقيما بهَا أَو عَابِر سَبِيل وَإِمَّا أَن يكون آفاقيا وَهُوَ من بَلَده وَرَاء الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة الَّتِي نظمها بعض الْفُضَلَاء بقوله عرق الْعرَاق يَلَمْلَم الْيمن وبذي الحليفة يحرم الْمدنِي وَالشَّام جحفة إِن مَرَرْت بهَا وَلأَهل نجد قرن فاستبن وَأما أَن يكون لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ من مَسْكَنه بَين مَكَّة وَأحد الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَال الأولى أَن يكون مكيا فميقاته لِلْحَجِّ نفس مَكَّة فَلَا يجوز الْإِحْرَام بعد مجاوزتها إِلَى جِهَة عَرَفَة وَمن فعل ذَلِك لزمَه دم أما لَو كَانَ الْحَاج مِنْهَا فِي محاذاتها فَلَا حُرْمَة وَلَا دم وَالْأَفْضَل للمكي إِذا أَرَادَ الْإِحْرَام أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته سنة الْإِحْرَام ثمَّ يخرج فَيحرم من بَاب دَاره ثمَّ يَأْتِي الْمَسْجِد فيطوف للوداع ثمَّ يتَوَجَّه جِهَة مقْصده الْحَال الثَّانِيَة أَن يكون آفاقيا وَفِي طَرِيقه أحد الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة حِين سلكه أَو كَانَ فِي طَرِيقه مَوضِع جعل ميقاتا وَإِن لم يكن ميقاتا أَصْلِيًّا وَحكمه حِينَئِذٍ أَنه يحرم قبل مجاوزته فَإِن جاوزه غير محرم أَسَاءَ وَلَزِمَه دم وَيجوز مُجَاوزَة الْمِيقَات إِلَى جِهَة اليمنة أَو اليسرة وَيحرم من مثل مِيقَات بَلَده أَو أبعد وَمن لَا مِيقَات بطريقه فميقاته محاذاته فِي بر أَو بَحر هَذَا إِن سامت وَاحِدًا من الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة يمنة أَو يسرة فَيَكْفِي الْإِحْرَام من محاذاتها يمنة أَو يسرة وَلَا عِبْرَة بالمسامتة خلفا وأماما فَإِن كَانَ فِي طَرِيقه يُحَاذِي ميقاتين فَإِن حاذاهما دفْعَة كَأَن يكون أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فميقاته مَكَان الْمُحَاذَاة وَإِن حاذاهما على التَّرْتِيب كَأَن يكون كل مِنْهُمَا عَن يَمِينه أَو عَن شِمَاله أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فميقاته محاذاة الأول مِنْهُمَا إِن كَانَ أقرب إِلَيْهِ وَأبْعد إِلَى مَكَّة وَلَا يجوز لَهُ انْتِظَار الْوُصُول إِلَى محاذاة الْأَقْرَب إِلَى مَكَّة كَمَا لَيْسَ للآتي من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَن يُجَاوز ذَا الحليفة ليحرم من الْجحْفَة فَإِن اسْتَويَا فِي الْقرب إِلَيْهِ عِنْد الْمُحَاذَاة وَكَانَ أَحدهمَا أبعد إِلَى مَكَّة لزمَه الْإِحْرَام من محاذاة الْأَبْعَد عَن مَكَّة على الْأَصَح وَقيل إِنَّه يتَخَيَّر فَإِن شَاءَ أحرم من الْموضع المحاذي لأبعدهما وَإِن شَاءَ لأقربهما فَإِن كَانَ الْأَبْعَد إِلَى مَكَّة بَعيدا عَنهُ أَيْضا أحرم من محاذاة أقربهما إِلَيْهِ وَإِن كَانَ أقرب إِلَى مَكَّة وَمن لم يحاذ ميقاتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 أصلا كالجائي من الْبَحْر من جِهَة سواكن فميقاته على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة إِذْ لَا مِيقَات أقل مَسَافَة من هَذَا الْقدر وَتحصل معرفَة ذَلِك بِأَن كَانَ عِنْده من يعرف تِلْكَ الْمسَافَة أَو بِأَن يجْتَهد فِيهَا وَيفهم من ذَلِك أَن جدة إِن كَانَت مسافتها إِلَى مَكَّة لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ يَكْفِي أَن تكون ميقاتا للجائي من الْبَحْر من جِهَة الْيمن وَإِلَّا فَلَا بُد أَن يحرم قبل وُصُول جدة بِحَيْثُ تبلغ الْمسَافَة إِلَى مَكَّة مرحلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَن جِهَة جدة من مَكَّة غربي وجهة يَلَمْلَم مِنْهَا جنوبي شَرْقي فَصَارَت أَمَام الجائي بِخِلَافِهِ الْمَار على ذِي الحليفة فَلَا يجوز أَن يُؤَخر إِحْرَامه إِلَى الْجحْفَة لِأَن جهتهما من مَكَّة متحدة الْحَال الثَّالِثَة أَن يكون مَسْكَنه بَين مَكَّة والميقات فميقاته مَسْكَنه فَإِن كَانَ سَاكِنا فِي قَرْيَة أَو خيام أَو وَاد فميقاته ذَلِك وَلَو ترك منزله وَقصد الْمِيقَات وَرَاءه وَأحرم مِنْهُ جَازَ وَلَا دم عَلَيْهِ كالمكي إِذا خرج إِلَى الْمِيقَات وَأحرم مِنْهُ فَلَو جَاوز مَسْكَنه إِلَى جِهَة مَكَّة فكمجاوزة الْمِيقَات الشَّرْعِيّ وَمثل من ذكر الآفاقي الَّذِي جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد للنسك ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَحَله وَلَا يُكَلف الْعود إِلَى الْمِيقَات (و) ثَانِيهَا (مبيت بِمُزْدَلِفَة) وَالْوَاجِب فِيهِ لَحْظَة من النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل فَإِن دفع مِنْهَا قبل النّصْف الثَّانِي لزمَه الْعود فَإِن لم يعد حَتَّى طلع الْفجْر لزمَه دم وَيسن أَن يَأْخُذ مِنْهَا حَصى رمي يَوْم النَّحْر وَهُوَ سبع حَصَيَات وَأما حَصى رمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيَأْخذهُ من بطن محسر أَو من منى فَتحصل السّنة بِالْأَخْذِ من كل مِنْهُمَا وَيكرهُ أَخذ الْحَصَى من المرمى لما قيل إِن المقبول يرفع والمردود يتْرك وَلَوْلَا ذَلِك لسد مَا بَين الجبلين (و) ثَالِثهَا مبيت (بمنى) ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة وَالْوَاجِب فِيهِ مُعظم اللَّيْل وَهَذَا يتَحَقَّق بِمَا زَاد على النّصْف وَلَو بلحظة وَيحْتَمل أَن المُرَاد مَا يُسمى مُعظما فِي الْعرف فَلَا يَكْفِي ذَلِك وَمحل وجوب مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة إِن لم ينفر النَّفر الأول وَإِلَّا سقط عَنهُ مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة كَمَا سقط عَنهُ رمي يَوْمهَا وَاعْلَم أَنه قد اخْتصّت منى بِخمْس فَضَائِل رفع مَا يقبل من الْأَحْجَار وكف الحدأة عَن اللَّحْم المنثور والذباب عَن الحلو وَقلة البعوض فِيهَا واتساعها للْحَاج كاتساع الْفرج للْوَلَد (و) رَابِعهَا (طواف الْوَدَاع) وَإِنَّمَا يجب ذَلِك على مُرِيد السّفر من مَكَّة إِلَى مَسَافَة الْقصر مكيا كَانَ أَو غَيره وعَلى مُرِيد الْخُرُوج لمنزله أَو لمحل يُقيم بِهِ وَيلْزم الْأَجِير فعله ويحط عِنْد تَركه من الْأُجْرَة مَا يُقَابله لِأَنَّهُ وَجب بِمُجَرَّد إِحْرَامه وَلِأَنَّهُ وَإِن لم يكن من الْمَنَاسِك هُوَ من توابعها الْمَقْصُودَة وَمن ثمَّ لم ينْدَرج فِي غَيره كَذَا قَالَ ابْن حجر وعَلى هَذَا القَوْل يجب على الْوَلِيّ أَن يطوف بِالْوَلَدِ الصَّغِير إِن خرج الْوَلِيّ بالصغير عقب النّسك وَإِلَّا فَلَا يجب أما على القَوْل بِأَنَّهُ من الْمَنَاسِك فَيلْزم الْوَلِيّ أَن يطوف بالصغير مُطلقًا إِذا أحرم بِهِ وَلَا يلْزم على الْوَلِيّ ذَلِك مُطلقًا على القَوْل بِأَنَّهُ وَاجِب مُسْتَقل لَيْسَ من وَاجِبَات الْحَج وعد بَعضهم من وَاجِبَات الْحَج بدل هَذَا اجْتِنَاب مُحرمَات الْإِحْرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (و) خَامِسهَا (رمي) إِلَى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر وَإِلَى الْجمار الثَّلَاث كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق فَيدْخل وَقت رمي يَوْم النَّحْر بانتصاف لَيْلَة النَّحْر وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيدْخل وَقت رمي كل يَوْم بِزَوَال شمسه وَيبقى وَقت الِاخْتِيَار فِي الْجَمِيع إِلَى غرُوب يَوْمه وَوقت الْجَوَاز فِيهَا إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَشرط رمي الْجمار مُطلقًا خَمْسَة الأول أَن يكون سبع مَرَّات لكل جَمْرَة فَلَو رمى سبع حَصَيَات مرّة وَاحِدَة أَو حصاتين كَذَلِك إِحْدَاهمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بيساره لم يحْسب إِلَّا وَاحِدَة وَلَو رمى حَصَاة وَاحِدَة سبع مَرَّات كفى وَلَا يَكْفِي وضع الْحَصَى فِي المرمى لِأَنَّهُ لَا يُسمى رميا الثَّانِي أَن يكون بِالْيَدِ فَلَا يَكْفِي بِرَجُل وَلَا بِفَم وَلَا بمقلاع الثَّالِث كَونه (بِحجر) فَإِن الرَّمْي يجزىء بأنواع الْحجر وَمِنْه الزبرجد والعقيق وَلَيْسَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤ وَلَا الخزف وَلَا النورة وَهُوَ المحرق من الكذان نعم إِن ترَتّب على الرَّمْي بالياقوت وَنَحْوه كسر أَو إِضَاعَة مَال حرم وَإِن أَجْزَأَ وَلَا يشْتَرط فِي حجر الرَّمْي طَهَارَته الرَّابِع قصد المرمى وَضَبطه بعض الْمُتَأَخِّرين بِثَلَاثَة أَذْرع من كل جَانب إِلَّا جَمْرَة الْعقبَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا وَجه وَاحِد فَلَو قصد الرَّمْي إِلَى الْعلم الْمَنْصُوب أَو إِلَى الْحَائِط الَّتِي لجمرة الْعقبَة فَأَصَابَهُ ثمَّ وَقع فِي المرمى أَجْزَأَ على مَا استقربه الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما اسْتَظْهرهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ من عدم الْإِجْزَاء الْخَامِس تحقق إِصَابَة المرمى بِالْحجرِ وَيُزَاد شَرط سادس فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ التَّرْتِيب فَيبْدَأ بالجمرة الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ الْوُسْطَى ثمَّ الْعقبَة وَهَذِه الْأَخِيرَة لَيست من منى بل منى تَنْتَهِي إِلَيْهَا فَلَا بُد أَن يَسْتَوْفِي الرَّمْي للجمرة الأولى قبل الثَّانِيَة وللثانية قبل الثَّالِثَة فَلَو ترك حَصَاة من الأولى أَو شكّ فِيهَا هَل هِيَ من الأولى أَو من غَيرهَا جعلهَا من الأولى فَيَرْمِي بهَا إِلَيْهَا وَيُعِيد رمي الْجَمْرَتَيْن بعْدهَا وَلَو ترك وَاحِدَة من سَبْعَة يَوْم النَّحْر وَرمي الجمرات الثَّلَاث فِي أول أَيَّام التَّشْرِيق حسبت رمية من جَمْرَة الْعقبَة عَن المتروكة وَيَلْغُو الْبَاقِي وَيُعِيد الثَّلَاث وَلَا بُد أَن يكون رميه عَن يَوْمه بعد رميه عَن أمسه وَأَن يكون رميه عَن غَيره بعد رميه عَن نَفسه وَمن عجز عَن الرَّمْي بِنَفسِهِ أناب من يَرْمِي عَنهُ بِأَن يَرْمِي النَّائِب الجمرات الثَّلَاث عَن نَفسه ثمَّ يرميها عَن المستنيب فَلَو رمى عَنهُ قبل أَن يرميها عَن نَفسه وَقعت الرميات عَن نَفسه وَلَو زَالَ عذر المستنيب بعد رمي النَّائِب عَنهُ وَالْوَقْت بَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة الرَّمْي وَيسن أَن يكون الْحَصَى بِقدر الباقلاء وَأَن يرفع الذّكر يَده بِالرَّمْي حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَأَن يكون الرَّمْي بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَأَن يَدْعُو وَيذكر الله تَعَالَى ويهلل ويسبح بعد رمي الْجَمْرَة الأولى وَالثَّانيَِة لَا الثَّالِثَة بل يذهب بعد رميها (وتجبر) أَي هَذِه الْخَمْسَة أَي وَاحِدَة من وَاجِبَات الْحَج الْخَمْسَة بِدَم (وسننه) أَي الْحَج ثنتا عشرَة الأولى الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ وَحده ثمَّ بعد فَرَاغه من أَعماله يحرم بِالْعُمْرَةِ ويليه فِي الْفَضِيلَة التَّمَتُّع وَهُوَ عكس الْإِفْرَاد ويليه الْقرَان وَهُوَ أَن يحرم بِحَجّ وَعمرَة مَعًا أَو بِعُمْرَة فحج قبل الشُّرُوع فِي طواف الْعمرَة ويكتفي للنسكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 بِطواف وَاحِد وسعي وَاحِد وَحلق وَاحِد وكل من الْإِفْرَاد وَالْقرَان لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي أشهر الْحَج أما إِذا وصل إِلَى الْمِيقَات فِي غير أشهر الْحَج وَهُوَ مُرِيد الْعمرَة مُطلقًا أَو مُرِيد الْحَج فِي تِلْكَ السّنة وَجب الْإِحْرَام مِنْهُ بِعُمْرَة بِخِلَاف مَا إِذا قصد الْحرم لنَحْو زِيَارَة أَو تِجَارَة فَيُسْتَحَب لَهُ الْإِحْرَام بالنسك وَفِي قَول يجب وعَلى هَذَا لَو دخل غير محرم لم يلْزمه قَضَاء إِذْ الْإِحْرَام تَحِيَّة الْبقْعَة فَلَا تقضى كتحية الْمَسْجِد وَلَا يجْبر بِالدَّمِ بِخِلَاف مَا لَو أحرم بعد مُجَاوزَة الْمِيقَات فَعَلَيهِ دم وثانيتها الأغسال المسنونة فِي الْحَج وَذَلِكَ (غسل لإحرام) بِحَجّ وَكَذَا بِعُمْرَة ولدخول الْحرم (وَدخُول مَكَّة ووقوف) بِعَرَفَة بعد الزَّوَال وللمبيت بِمُزْدَلِفَة وللوقوف بالمشعر الْحَرَام غَدَاة النَّحْر إِن لم يكن اغْتسل للوقوف بِعَرَفَة ولرمي الْجمار فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة (و) ثالثتها (تطيب) فِي الْبدن (قبيله) أَي الْإِحْرَام سَوَاء كَانَ الْمحرم ذكرا أم غَيره شَابة أم عجوزا خلية أم لَا وَمحل نَدبه بعد غسله وَيحصل بِأَيّ طيب كَانَ وَالْأَفْضَل الْمسك وَأَن يخلطه بِمَاء الْورْد وَنَحْوه وَلَا بَأْس باستدامة الطّيب فِي الْبدن بعد الْإِحْرَام لَكِن إِذا لزم الْمَرْأَة الْإِحْدَاد بعد الْإِحْرَام لَزِمَهَا إِزَالَته أما التَّطَيُّب فِي الثَّوْب فمباح لَا مَنْدُوب على الْمُعْتَمد لَكِن لَو نزع ثَوْبه المطيب ورائحة الطّيب مَوْجُودَة فِيهِ ثمَّ لبسه لزمَه الْفِدْيَة (و) رابعتها (تَلْبِيَة) وَهِي أَن يَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك وَيسن وَقْفَة لَطِيفَة على لبيْك الثَّالِثَة وعَلى لبيْك بعد لَا شريك لَك وعَلى الْملك قبل لَا شريك لَك وليحذر الملبي فِي حَال تلبيته من أُمُور يَفْعَلهَا بعض الغافلين من الضحك واللعب وَليكن مُقبلا على مَا هُوَ بصدده بسكينة ووقار وليشعر نَفسه أَنه يُجيب البارىء تَعَالَى فَإِن أقبل على الله تَعَالَى بِقَلْبِه أقبل عَلَيْهِ وَإِن أعرض أعرض عَنهُ وَمن لم يحسنها بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بهَا بلغته وَيسن للْمحرمِ إكثار التَّلْبِيَة فِي دوَام إِحْرَامه وَيرْفَع الذّكر صَوته بهَا وتتأكد عِنْد تغاير الْأَحْوَال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفْقَة وافتراقهم وإقبال ليل أَو نَهَار (و) خامستها (طواف قدوم) إِذا دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف أَو بعده وَقبل انتصاف لَيْلَة النَّحْر والحلال مثل الْحَاج فِي طلب طواف الْقدوم مِنْهُ أما إِذا دخل الْحَاج مَكَّة بعد الْوُقُوف وَبعد نصف اللَّيْل فَلَا يطوف طواف الْقدوم بل يطوف طواف الْإِفَاضَة لدُخُول وقته كالمعتمر فَإِنَّهُ لَا يسن لَهُ طواف الْقدوم لِأَنَّهُ يشْتَغل بِطواف الْعمرَة (و) سادستها (مبيت بمنى لَيْلَة) التَّاسِع فِي حَال الذّهاب إِلَى (عَرَفَة) لِأَنَّهُ للاستراحة لَا للنسك (و) سابعتها (وقُوف) بالمشعر الْحَرَام بعد صَلَاة الصُّبْح فِي وَقت ظلام إِلَى الْإِسْفَار أَي الإضاءة وَذَلِكَ بعد حُصُوله فِي مُزْدَلِفَة لَحْظَة من النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل وَهُوَ جبل صَغِير فِي آخر الْمزْدَلِفَة اسْمه قزَح بِضَم الْقَاف وَفتح الزَّاي وَالْأولَى أَن يكون الْوُقُوف فَوق ذَلِك الْجَبَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 إِن سهل وَإِلَّا فَتحته وَسمي مشعرا لما فِيهِ من الشعائر وَهِي معالم الدّين وَسمي حَرَامًا لِأَنَّهُ مَمْنُوع من إِزَالَة حرمته جَاهِلِيَّة وإسلاما وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقوله (بِجمع) وَهُوَ اسْم للمزدلفة كَمَا فِي الصِّحَاح والمصباح سميت بذلك لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهَا أَو لِأَن آدم اجْتمع هُنَاكَ بحواء (و) ثامنتها (أذكار) فِي الْوُقُوف وَالْمَبِيت وَالطّواف وَالسَّعْي وَفِي الْجمار وَغير ذَلِك تاسعتها الْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة عاشرتها شدَّة السّير فِي بطن وَادي محسر وَهُوَ مَوضِع فاصل بَين مُزْدَلِفَة وَمنى حادية عشرهَا أَن يحلق الذّكر وَيقصر غَيره ثَانِيَة عشرهَا أَن يمْكث بمنى حَيْثُ يبيت بهَا اللَّيْلَة الثَّالِثَة من ليَالِي التَّشْرِيق بِأَن لَا ينفر النَّفر الأول وَيسن إِذا نفر من منى أَن يَأْتِي المحصب فَينزل بِهِ وَيُصلي فِيهِ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ويبيت فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ مَكَان متسع بَين مَكَّة وَمنى وَحده مَا بَين الجبلين إِلَى الْمقْبرَة ثمَّ يَأْتِي مَكَّة بعد طُلُوع الْفجْر فصل فِي مَحْظُورَات النّسك (يحرم بِإِحْرَام) أُمُور وَهِي على ثَلَاثَة أَقسَام مِنْهَا مَا يحرم على رجل وَأُنْثَى وَهُوَ كثير مِنْهُ (وَطْء) وَكَذَا مقدماته (و) هِيَ (قبْلَة) ومباشرة وَنظر ولمس ومعانقة بِشَهْوَة وَلَو مَعَ عدم إِنْزَال أَو مَعَ حَائِل (و) مِنْهُ (استمناء) بيد (و) مِنْهُ (نِكَاح) أَي عقده بِولَايَة أَو وكَالَة وقبوله وَخرج بذلك الرّجْعَة فَلَا تحرم (و) مِنْهُ (تطيب) أَي اسْتِعْمَال طيب بِمَا يقْصد بِهِ رَائِحَته غَالِبا وَلَو مَعَ غَيره إِذا لم يستهلك فِيهِ كالمسك وَالْعود والكافور والزعفران سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي ملبوسه أَو فِي بدنه وَسَوَاء كَانَ ذَلِك بِأَكْل أَو استعاط أَو احتقان وَخرج بِمَا يقْصد بِهِ رَائِحَته مَا يقْصد بِهِ الْأكل أَو التَّدَاوِي وَإِن كَانَ لَهُ ريح طيبَة كالتفاح وَسَائِر الأبازير الطّيبَة كالقرنفل والهيل الْهِنْدِيّ فَلَا يحرم (و) مِنْهُ (دهن شعر) فِي رَأس وَوجه بِزَيْت أَو نَحوه وَلَو غير مُطيب وَلَا فرق فِي الشّعْر بَين الْكثير والقليل وَلَو وَاحِدَة ومحلوقا (و) مِنْهُ (إِزَالَته) أَي الشّعْر من أَي جُزْء من بدنه بحلق أَو قصّ أَو نتف أَو إحراق أَو نَحْو ذَلِك (و) مِنْهُ (قلم) للأظفار من الْيَد أَو الرجل وَمِنْه التَّعَرُّض للصَّيْد الْبري الوحشي الْمَأْكُول أَو الَّذِي كَانَ متولدا بَين الْبري الوحشي الْمَأْكُول وَبَين غَيره كالمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي أَو بَين شَاة وظبي وَذَلِكَ يَشْمَل تنفيره وإزعاجه من مَكَانَهُ والإعانة عَلَيْهِ كدفع آلَة صيد لصائده وَدلَالَة متعرضه عَلَيْهِ وكما يحرم التَّعَرُّض لَهُ يحرم التَّعَرُّض لجزئه كَيده وشعره وَغَيرهمَا (و) مِنْهَا مَا (يحرم) على الذّكر فَقَط وَهُوَ (ستر رجل بعض رَأس) وَلَو الْبيَاض الَّذِي وَرَاء الْأذن سَوَاء ستر الْبَعْض الآخر أَو لَا (بِمَا يعد ساترا) عرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 كالعمامة والطيلسان وَكَذَا الطين والحناء الثخينان بِخِلَاف الرقيقين وَبِخِلَاف مَا لَا يعد ساترا عرفا كاستظلال بمحمل وَإِن مَسّه وكانغماسه فِي مَاء كدر وكوضع يَده على رَأسه وَإِن قصد بِهِ السّتْر وَأما وضع قفة أَو نَحْوهَا على رَأسه فَيجوز إِن لم تعمه أَو غالبه وَلم يقْصد بهَا السّتْر (ولبسه محيطا) ستر بدنه أَو عضوا مِنْهُ سَوَاء كَانَ مخيطا أَو منسوجا أَو ملزقا وَسَوَاء كَانَ من قطن أَو جلد أَو غير ذَلِك وَذَلِكَ كقميص وقباء وَإِن لم يخرج يَدَيْهِ من كميه وخريطة لخضاب لحيته وقفاز ليديه وَمن الْمُحِيط سرموجة لإحاطتها بِالرجلِ والبابوج لإحاطته بالأصابع وَيجوز لبس النَّعْل والقبقاب بِشَرْط أَن لَا يسترا جَمِيع الْأَصَابِع وَإِلَّا حرما (بِلَا عذر) وَمن لم يجد نَحْو النَّعْلَيْنِ مِمَّا يجوز لبسه جَازَ لَهُ لبس الْخُفَّيْنِ بِشَرْط أَن يقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ وَإِن بَقِي مِنْهُمَا مَا يُحِيط بالعقب والأصابع وَظهر الْقَدَمَيْنِ وَأَن يحْتَاج إِلَيْهِمَا (و) مِنْهَا مَا يحرم على غير الذّكر فَقَط وَهُوَ (ستر امْرَأَة بعض وَجه) إِلَّا لحَاجَة فَيجوز مَعَ الْفِدْيَة وَيجب على الْحرَّة أَن تستوعب رَأسهَا بالستر للصَّلَاة وَلَو لزم على ذَلِك ستر بعض الْوَجْه مُرَاعَاة للصَّلَاة فَإِذا أَرَادَت الْمَرْأَة ستر وَجههَا عَن النَّاس أرخت عَلَيْهِ مَا يستره من نَحْو ثوب متجاف عَنهُ بِنَحْوِ خَشَبَة بِحَيْثُ لَا يَقع السَّاتِر على بشرة الْوَجْه وَلها لبس الْمُحِيط فِي بَاقِي بدنهَا إِلَّا القفاز وَهُوَ شَيْء يعْمل لليد وَتجب فِي جَمِيع هَذِه الْمُحرمَات الْفِدْيَة إِلَّا عقد النِّكَاح فَلَا فديَة فِيهِ لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد فوجوده كَالْعدمِ وَلَا دم فِي النّظر بِشَهْوَة والقبلة بِحَائِل وَإِن أنزل بِخِلَاف مَا سوى ذَلِك من الْمُقدمَات فَإِن فِيهِ الدَّم إِن بَاشر عمدا بِشَهْوَة وَبِخِلَاف الاستمناء فَلَا تجب الْفِدْيَة إِلَّا إِذا أنزل وَكلهَا صغائر إِلَّا قتل الصَّيْد وَالْجِمَاع الْمُفْسد فَإِنَّهُمَا من الْكَبَائِر وَلَا يفْسد الْحَج بِشَيْء من هَذِه الْمُحرمَات إِلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِن لم ينزل بِشَرْط أَن يكون المجامع مُمَيّزا وَلَو صَبيا أَو رَقِيقا وَأَن يكون عَامِدًا عَالما مُخْتَارًا وَأَن يكون قبل التَّحَلُّل الأول فِي الْحَج فَإِن لَهُ تحللين يحصل التَّحَلُّل الأول مِنْهُمَا بِفعل اثْنَيْنِ من ثَلَاثَة وَهِي رمي جَمْرَة الْعقبَة وَإِزَالَة الشّعْر وَطواف الْإِفَاضَة الْمَتْبُوع بالسعي إِن لم يكن سعى بعد طواف الْقدوم وَيحل بِهِ سَائِر مُحرمَات الْإِحْرَام إِلَّا مَا يتَعَلَّق بِالنسَاء من عقد النِّكَاح وَالْجِمَاع ومقدماته وَإِذا فعل الثَّالِث من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة حصل لَهُ التَّحَلُّل الثَّانِي وَحل لَهُ بَاقِي مُحرمَات الْإِحْرَام وَيحرم على الْحَلَال كالمحرم التَّعَرُّض للصَّيْد الْبري الوحشي الْمَأْكُول أَو الْمُتَوَلد بَينه وَبَين غَيره فِي الْحرم والتعرض لشجر الْحرم مُطلقًا إِذا كَانَ رطبا غير مؤذ وَإِلَّا جَازَ قطعه ولزرع الْحرم غير مَا يستنبته الآدميون وَتجب فِيهِ الْقيمَة نعم يجوز أَخذه لعلف الْبَهَائِم وللتداوي والدماء الْوَاجِبَة على الْحَاج والمعتمر أحد وَعِشْرُونَ دَمًا مقسومة أَرْبَعَة أَقسَام الأول دم تَخْيِير وَتَقْدِير وَمعنى التَّخْيِير هُوَ أَن يجوز الِانْتِقَال إِلَى الثَّانِي مَعَ الْقُدْرَة على الأول وَيكون مُخَيّرا بَينهمَا وَمعنى التَّقْدِير أَنه ينْتَقل إِلَى شَيْء قدره الشَّارِع بِمَا لَا يزِيد وَلَا ينقص (وفدية ارْتِكَاب) وَاحِد من الْأَسْبَاب الثَّمَانِية من (مَا يحرم) هَذَا الْمَذْكُور فالسبب الأول إِزَالَة الشّعْر بِأَيّ طَرِيق كَانَ من مُمَيّز لم يتَحَلَّل أَزَال من نَفسه أَو أزيل مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا من الرَّأْس أَو غَيره أَو بعض كل مِنْهُمَا فِي زمَان وَاحِد عرفا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 مَكَان وَاحِد فَلَو أَزَال ثَلَاث شَعرَات فِي ثَلَاثَة أزمان فالفدية لَا تكمل بل تجب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَمْدَاد وَكَذَا فِي تعدد الْمَكَان وَالسَّبَب الثَّانِي قلم الْأَظْفَار وَلَو انْكَسَرَ بعض الظفر وتأذى بِهِ جَازَ قطع المنكسر أَو قلمه وَلَا فديَة كشعر نبت دَاخل الجفن وَالسَّبَب الثَّالِث اللّبْس من محرم مُمَيّز عَامِد عَالم بِالتَّحْرِيمِ وللمحرم أَن يدْخل يَده فِي قَمِيص مُنْفَصِل وَرجله فِي سَاق الْخُف لإفراده وتكرر الْفِدْيَة بِتَكَرُّر اللّبْس والستر مَعَ اخْتِلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان وَلَو لبس فَوق ملبوسه فَإِن ستر الثَّانِي زِيَادَة على مَا ستر الأول تَكَرَّرت الْفِدْيَة وَإِلَّا فَلَا وَالسَّبَب الرَّابِع دهن شَيْء من شعر رَأسه أَو لحيته وَلَو محلوقين بدهن مَا وَالسَّبَب الْخَامِس اسْتِعْمَال الطّيب على الْوَجْه المألوف فِيهِ كالتبخر بِالْعودِ بِخِلَاف أكله وَحمله وَوَضعه فِي النَّار من غير أَن يعد متطيبا بِهِ على الْعَادة وَلَا شَيْء بشم نَحْو مَاء الْورْد من غير مس إِذْ الْعَادة فِيهِ التصمخ وَلَا شَيْء فِي زهر الْبَادِيَة ونبتها لِأَنَّهُ لَا يعد طيبا عرفا وَمن الطّيب الرياحين كالورد واستعمالها يكون بملاقاتها للأنف فَلَا شَيْء بشمها من غير إلصاقها بالأنف وَالسَّبَب السَّادِس مُقَدمَات الْجِمَاع وَلَو بَين التحللين لَكِن لَو جَامع بعد ذَلِك اندرجت فديَة الْمُبَاشرَة فِي دم الْجِمَاع الْوَاقِع بعْدهَا سَوَاء كَانَ بَدَنَة أَو شَاة أَو بدل الْبَدنَة وَسَوَاء أَطَالَ الزَّمن بَين الْمُقدمَات وَالْجِمَاع أم قصر وَالسَّبَب السَّابِع الْوَطْء بعد الْجِمَاع الْمُفْسد مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا وتتعدد الْفِدْيَة بِتَكَرُّر الْجِمَاع وَلَو كثرت المرات وَإِن كَانَ على التوالي الْمُعْتَاد مَعَ اتِّحَاد الْمَكَان وَإِن لم يسْبق التَّكْفِير على الصَّحِيح وَالسَّبَب الثَّامِن الْوَطْء بَين التحللين وَإِذا تكَرر الْجِمَاع بَين التحللين قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين الظَّاهِر أَن حكمه حكم تكرره بعد الْإِفْسَاد فَهَذِهِ الْأَسْبَاب الثَّمَانِية فديتها إِمَّا (ذبح شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية (أَو تصدق بِثَلَاثَة آصَع لسِتَّة) من الْمَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع (أَو صَوْم ثَلَاثَة) من الْأَيَّام (و) الثَّانِي دم تَرْتِيب وَتَقْدِير وَمعنى التَّقْدِير أَنه لَا ينْتَقل إِلَى الثَّانِي إِلَّا بعد الْعَجز عَن الأول وَلِهَذَا أَسبَاب فالخمسة مِنْهَا (دم ترك مَأْمُور) من الْأُمُور الْخَمْسَة الأول مُجَاوزَة الْمِيقَات وَيجب الدَّم على من جَاوز مِيقَاته مرِيدا للنسك ثمَّ أحرم بِعُمْرَة مُطلقًا أَو بِحَجّ فِي سنته وَلم يعد قبل التَّلَبُّس بنسك إِلَى مِيقَاته أَو إِلَى مِيقَات مثل مسافته أَو أبعد مِنْهُ لَا أقرب وعَلى حرمي أحرم بِالْعُمْرَةِ من الْحرم وَلم يخرج إِلَى أدنى الْحل قبل التَّلَبُّس بنسك وَلَا فرق فِي وجوب الدَّم بذلك بَين الْعَالم الْعَامِد وضده وَإِن افْتَرَقُوا فِي الْإِثْم وَعَدَمه وَالثَّانِي ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة لَيْلَة النَّحْر بعد الْوُقُوف أما الْمَعْذُور فَلهُ ترك الْمبيت بهَا وَلَا دم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 عَلَيْهِ كمن اشْتغل بِالْوُقُوفِ عَن الْمبيت وَالثَّالِث ترك الْمبيت بمنى مُعظم لَيْلَة من ليَالِي التَّشْرِيق أما أَصْحَاب الْأَعْذَار فَلهم ترك الْمبيت وَلَا دم عَلَيْهِم كالرعاء إِن خَرجُوا نَهَارا وَأهل السِّقَايَة مُطلقًا وَكَمن ضَاعَ لَهُ مَال أَو أبق لَهُ عبد أَو خَافَ على نَفسه أَو مَاله أَو كَانَ بِهِ مرض يشق مَعَه الْمبيت أَو كَانَ لَهُ مَرِيض يحْتَاج إِلَى تعهده وَفِي ترك اللَّيْلَة الْوَاحِدَة مد والليلتين مدان إِن كَانَ قَادِرًا فَإِن عجز عَن مد وَاحِد صَامَ أَرْبَعَة أَيَّام وَالرَّابِع ترك الرَّمْي لثلاث حَصَيَات فَأكْثر من حَصى الْجمار ويتحقق ترك مَا ذكر بغروب ثَالِث أَيَّام التَّشْرِيق إِن لم ينفر النَّفر الأول وثانيه إِن نفره وَسَوَاء الْمَعْذُور بِمَرَض أَو حبس مثلا وَغَيره أما الْحَصَاة الْوَاحِدَة فَفِيهَا مد وَفِي الحصاتين مدان بِأَن يتْرك ذَلِك من جَمْرَة الْعقبَة آخر أَيَّام التَّشْرِيق هَذَا إِن كَانَ قَادِرًا فَإِن عجز عَن الْمَدّ صَامَ عَن الْحَصَاة الْوَاحِدَة أَرْبَعَة أَيَّام وَذَلِكَ لِأَن ثلث عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة أَيَّام وَثلث يَوْم فيكمل المنكسر فَتَصِير أَرْبَعَة لَكِن يَصُوم ثَلَاثَة أعشارها مُعجلَة وَهُوَ يَوْمَانِ بتكميل المنكسر وَسَبْعَة أعشارها فِي بَلَده وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام بتكميل المنكسر وَفِي الحصاتين سَبْعَة أَيَّام بتكميل المنكسر يَصُوم ثَلَاثَة أعشارها مُعجلَة وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام بتكميل المنكسر وَسَبْعَة أعشارها فِي بَلَده وَهُوَ خَمْسَة أَيَّام بتكميل المنكسر وَالْخَامِس ترك طواف الْوَدَاع وَيجب الدَّم على من خرج من مَكَّة إِلَى وَطنه أَو إِلَى مَوضِع يُقيم فِيهِ مُطلقًا أَو إِلَى مَسَافَة الْقصر فَلَا يَتَقَرَّر عَلَيْهِ الدَّم إِلَّا بوصول مقْصده أَو بُلُوغ مَسَافَة الْقصر وَيشْتَرط فِي وجوب الدَّم بترك طواف الْوَدَاع أَن لَا يكون مَعْذُورًا كالحائض وَالنُّفَسَاء والخائف من ظَالِم أَو فَوت رفْقَة أَو من غَرِيم لَهُ وَهُوَ مُعسر وَلَا يدْخل طواف الْوَدَاع تَحت غَيره حَتَّى لَو أخر طواف الْإِفَاضَة وَفعله عِنْد إِرَادَة السّفر لم يكف وَالسَّبَب السَّادِس التَّمَتُّع وَيجب بِهِ الدَّم بأَرْبعَة شُرُوط أَولهَا أَن يكون إِحْرَامه بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج ثَانِيهَا أَن يحجّ فِي عَامه ثَالِثهَا أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام حِين إِحْرَامه بهَا وَالْمرَاد بحاضريه من هُوَ مستوطن بِالْحرم أَو على دون مرحلَتَيْنِ مِنْهُ فَلَا يَكْفِي مُجَرّد الْإِقَامَة بِدُونِ استيطان رَابِعهَا أَن لَا يعود قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ أَو بعده وَقبل التَّلَبُّس بنسك إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أحرم بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَو إِلَى مثل مسافته أَو إِلَى مِيقَات أقرب مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا دم عَلَيْهِ وَالسَّبَب السَّابِع الْقرَان وَيجب بِهِ الدَّم بِشَرْطَيْنِ أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَن لَا يعود إِلَى الْمِيقَات قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالسَّبَب الثَّامِن فَوَات الْوُقُوف بِعَرَفَة بِأَن يطلع فجر يَوْم النَّحْر قبل حُضُوره فِي جُزْء من أرْضهَا وَإِذا كَانَ قَارنا تفوت الْعمرَة تبعا لِلْحَجِّ وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء فَوْرًا من عَام قَابل سَوَاء فَاتَهُ بِعُذْر أَو بِغَيْرِهِ وَلَا يَصح الذّبْح إِلَّا بعد دُخُول وَقت الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَيمْتَنع تَقْدِيمه عَلَيْهِ وَإِن كَانَ واجبه الصَّوْم صَار الثَّلَاثَة فِي حجَّة الْقَضَاء والقارن إِذا فَاتَهُ الْوُقُوف يلْزمه ثَلَاثَة دِمَاء دم للفوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَدم للْقَضَاء وَإِن أفرد فِيهِ بذبحان فِي عَام الْقَضَاء وَدم للقران يذبح فِي عَام الْفَوات وَالسَّبَب التَّاسِع مُخَالفَة الْمَنْذُور كَأَن نذر الْمَشْي أَو الرّكُوب أَو الْإِفْرَاد أَو الْحلق فَخَالف ذَلِك فَالْوَاجِب فِي كل سَبَب من هَذِه الْأَسْبَاب التِّسْعَة مُرَتّب مُقَدّر وَهُوَ (ذبح) فَهُوَ مُخَاطب بِهِ ابْتِدَاء (ف) إِن عجز عَنهُ حسا أَو شرعا وَجب عَلَيْهِ (صَوْم) عشرَة أَيَّام (ثَلَاثَة) فِي الْحَج أَي بعد الْإِحْرَام بِهِ و (قبل) يَوْم (نحر وَسَبْعَة بوطنه) أَي فِي بَلَده وَالْمرَاد بِهِ الْمحل الَّذِي قصد التوطن فِيهِ سَوَاء الْموضع الَّذِي خرج مِنْهُ وَغَيره حَتَّى لَو استوطن مَكَّة صَامَ بهَا وَيجب فِي هَذَا الصَّوْم تَعْيِينه من كَونه تمتعا أَو قرانا أَو غَيرهمَا وتبييت النِّيَّة فِيهِ لِأَنَّهُ وَاجِب تَنْبِيه مَا تقرر من كَونه يَصُوم ثَلَاثَة فِي الْحَج ظَاهر فِي ترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من الْمِيقَات وَفِي الْمُتَمَتّع والقارن وَفِي الْفَوات لِأَنَّهُ يصومها بعد الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَفِيمَا لَو نذر الْإِفْرَاد أَو الْمَشْي أَو الرّكُوب فِي الْحَج فَخَالف ذَلِك أما إِذا ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة أَو منى أَو الرَّمْي فَلَا يُمكنهُ صَوْم الثَّلَاثَة فِي الْحَج لِأَن وَقت الْحَج قد فَاتَ وَكَذَا إِذا ترك الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَات إِذْ لَا حج وَكَذَا إِذا نذر الْحلق فِي النّسك فخالفه وَكَذَا إِذا ترك طواف الْوَدَاع لِأَنَّهُ وَاجِب مُسْتَقل فَيجب صَومهَا بعد أَيَّام التَّشْرِيق فِي ترك الْمبيت وَالرَّمْي لِأَن ذَلِك وَقت إِمْكَان الصَّوْم بعد الْوُجُوب وَفِي ترك الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَات يصومها فِي الْعمرَة إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ عقب التَّحَلُّل مِنْهَا وَفِيمَا لَو نذر الْحلق فخالفه يصومها بعد الْمُخَالفَة وَفِي ترك طواف الْوَدَاع يصومها حَيْثُ وصل إِلَى مَحل يَتَقَرَّر عَلَيْهِ فِيهِ الدَّم فَإِن فعل كَذَلِك فأداء وَإِلَّا فقضاء وَاعْلَم أَن دم التَّمَتُّع يتَعَلَّق بسببين أَحدهمَا الْفَرَاغ من الْعمرَة وَثَانِيهمَا الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من عَامه فَيجوز الذّبْح بعد وجود السَّبَب الأول وَقبل وجود السَّبَب الثَّانِي لِأَن الْحق المالي إِن تعلق بسببين يجوز تَقْدِيمه على ثَانِيهمَا بِخِلَاف الصَّوْم لَا يجوز إِلَّا بعد وجود السببين جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ ماليا فَلَو فعل قبل وجود السَّبَب الثَّانِي لَا يَصح وَكَذَا دم الْفَوات لَهُ سببان أَحدهمَا فَوَات الْحَج وَثَانِيهمَا الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ فَيجوز الذّبْح قبل وجود السَّبَب الثَّانِي بِشَرْط دُخُول وَقت الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَلَا يجوز الصَّوْم إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِهِ وَبَاقِي الدِّمَاء التِّسْعَة لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَبَب وَاحِد وَهُوَ الْإِحْرَام بالنسك فِي ترك الْمِيقَات وَخلف النّذر فِي الْمَشْي وَالرُّكُوب وَالْحلق الْمَنْذُورَة فِي النّسك وَخلف الْإِفْرَاد الْمَنْذُور فِي الْحَج وَتَمام الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة فِي الْقرَان وطلوع فجر يَوْم النَّحْر فِي الْمبيت بِمُزْدَلِفَة وفراق مَكَّة فِي ترك طواف الْوَدَاع وفراغ أَيَّام منى فِي بَقِيَّة الدِّمَاء التِّسْعَة فَلَا يجوز ذبح وَلَا صَوْم إِلَّا بعد تحقق السَّبَب وَكَانَ الْوَقْت يقبل الصَّوْم وَإِلَّا أَخّرهُ حَتَّى يَجِيء الْوَقْت الْقَابِل لَهُ كَتَرْكِ الْمبيت بِمُزْدَلِفَة يتَحَقَّق بِطُلُوع فجر يَوْم النَّحْر فَيجب تَأْخِير الصَّوْم إِلَى فرَاغ أَيَّام التَّشْرِيق لِأَن الْوَقْت غير قَابل لَهُ بِخِلَاف الذّبْح فَيجوز فِيهَا وَلَا آخر لوقته وَالثَّالِث دم تَرْتِيب وتعديل وَمَعْنَاهُ التَّقْوِيم والعدول إِلَى غَيره بِاعْتِبَار الْقيمَة وَهَذَا يجب فِي سببين السَّبَب الأول الْإِحْصَار والمحصر هُوَ محرم مَنعه عَدو أَو حبس من سُلْطَان أَو نَحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ظلما أَو بدين لَا يتَمَكَّن من أَدَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَة تشهد بإعساره أَو زوج أَو سيد أَو أصل فِي تطوع عَن إتْمَام النّسك من حج أَو عمْرَة وَلم يغلب على ظَنّه انكشاف الْمَانِع فِي مُدَّة يُمكنهُ إِدْرَاك الْحَج فِيهَا إِن كَانَ حَاجا أَو فِي ثَلَاثَة أَيَّام إِن كَانَ مُعْتَمِرًا فَإِذا أَرَادَ التَّحَلُّل تحلل بِالذبْحِ ثمَّ الْحلق بنية التَّحَلُّل بهما إِن كَانَ حرا واجدا للدم وبالحلق فَقَط بنية التَّحَلُّل إِن لم يجد دَمًا وَلَا طَعَاما لإعساره أَو غَيره وَالْأولَى للمحصر الْمُعْتَمِر الصَّبْر عَن التَّحَلُّل وَكَذَا للْحَاج إِن اتَّسع الْوَقْت وَمن الْأَعْذَار المجوزة للتحلل الْمَرَض إِن شَرط التَّحَلُّل بذلك عَن ابْتِدَاء الْإِحْرَام وَلَا يلْزمه الذّبْح إِلَّا إِذا شَرطه وَإِلَّا تحلل بِالْحلقِ فَقَط وَمن الْأَعْذَار إضلال الطَّرِيق ونفاد النَّفَقَة ويذبح الْمحصر حَيْثُ أحْصر وَلَو فِي غير الْحرم أَو يُرْسل الشَّاة إِلَى الْحرم لتذبح فِيهِ وَلَا يجوز لَهُ أَن يرسلها إِلَى مَوضِع آخر من الْحل غير الَّذِي أحْصر فِيهِ وَإِذا أحْصر فِي الْحرم تعين عَلَيْهِ الذّبْح فِيهِ وَلَو فِي بقْعَة مِنْهُ غير الَّتِي أحْصر فِيهَا وَلَا يجوز لَهُ إرْسَال الشَّاة إِلَى الْحل لتذبح فِيهِ ثمَّ إِن كَانَ نُسكه تَطَوّعا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فرضا مُسْتَقرًّا كحجة الْإِسْلَام فِيمَا بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان أَو كَانَ قَضَاء أَو نذرا بَقِي فِي ذمَّته على مَا كَانَ عَلَيْهِ من فَور أَو تراخ فَإِن كَانَ غير مُسْتَقر كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة بعد زَوَال الْإِحْصَار السَّبَب الثَّانِي الْجِمَاع الْمُفْسد للنسك من حج أَو عمْرَة (و) يجب الدَّم (على) ذكر مُمَيّز (مُفسد نسك بِوَطْء) بِأَن جَامع وَلَو بِحَائِل عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا قبل التَّحَلُّل من الْعمرَة المستقلة وَقبل التَّحَلُّل الأول من الْمُفْرد والقارن وَلم يسْبق مِنْهُ جماع مُفسد فَيجب فِي الْإِحْصَار شَاة وَفِي الْجِمَاع الْمُفْسد (بَدَنَة) فَإِن عجز عَنْهَا فبقرة فَإِن عجز عَنْهَا فسبع شِيَاه فَإِن عجز عَن الدَّم الْوَاجِب فِي هَذَا الْقسم وَهُوَ الشَّاة فِي الْإِحْصَار والبدنة فِي الْجِمَاع الْمُفْسد قومه بِالنَّقْدِ الْغَالِب بِسعْر مَكَّة حَال الْوُجُوب وَاشْترى بِقِيمَتِه طَعَاما يجزىء فِي الْفطْرَة وَتصدق بِهِ على فُقَرَاء الْحرم ومساكينه أَو أخرج ذَلِك مِمَّا عِنْده فَإِن عجز عَن ذَلِك صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَن كل مد يَوْمًا ويكمل المنكسر فَلَو قدر على بعض ذَلِك أخرجه وَصَامَ عَن الْبَاقِي فَإِن انْكَسَرَ مد صَامَ عَنهُ يَوْمًا وَيجب على من أفسد نُسكه بِالْجِمَاعِ الْمُضِيّ فِي نُسكه لِأَنَّهُ لَا يخرج مِنْهُ بِالْفَسَادِ (و) يلْزمه (قَضَاء) أَي إِعَادَة (فَوْرًا) وَإِن كَانَ نُسكه الَّذِي أفْسدهُ نفلا وَيبْطل الْحَج بِالرّدَّةِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَلَا يجوز الْمُضِيّ فِيهِ لِأَنَّهُ يخرج مِنْهُ بِالْبُطْلَانِ فَفرق بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل فِي الْحَج بِخِلَاف بَاقِي الْعِبَادَات فَلَا فرق فِيهِ بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل بل هما مُتَرَادِفَانِ وَالثَّالِث دم تَخْيِير وتعديل وَله سببان أَحدهمَا الصَّيْد الْبري الوحشي الْمَأْكُول هُوَ أَو أحد أُصُوله وَلَو عرض لَهُ التأنس بِشَرْط أَن يكون فَاعل ذَلِك مُمَيّزا وَلَو نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مخطئا أَو مكْرها السَّبَب الثَّانِي الْأَشْجَار فَيجب الدَّم على من قلع أَو قطع شَجَرَة حرمية رطبَة غير مؤذية نَبتَت بِنَفسِهَا وَكَذَا مَا أَنْبَتَهُ الآدميون على الصَّحِيح فَإِن كَانَت الشَّجَرَة أخذت من الْحل وغرست فِي الْحرم أَو عَكسه فلهَا حكم أَصْلهَا فيهمَا وَأما نَبَات الْحرم فَإِن كَانَ شَأْنه أَن يستنبته الآدميون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 كالقمح والذرة جَازَ أَخذه وَإِن نبت بِنَفسِهِ وَإِن كَانَ شَأْنه أَن ينْبت بِنَفسِهِ لَا يجوز أَخذه وَإِن استنبت فَمن أَخذه ضمنه بِالْقيمَةِ إِن لم يخلف فَإِن أخلف بِلَا نقص فَلَا ضَمَان وَإِن أخلف نَاقِصا فَعَلَيهِ أرش النَّقْص نعم الْحَشِيش وَهُوَ الْيَابِس من النَّبَات إِن جف وَمَات جَازَ قطعه وقلعه وَإِن لم يمت جَازَ قطعه لاقلعه بِشَرْط أَن يَأْخُذهُ لغير بيع أما أَخذه للْبيع فَلَا يجوز وَيجوز إرْسَال الْبَهَائِم فِي حشيش الْحرم لرعيه خَاتمه يسْتَحبّ اسْتِحْبَابا مؤكدا زِيَارَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا من أعظم القربات وأنجح المساعي ويقصد الْمَسْجِد الشريف مَاشِيا بسكينة ووقار ممثلا فِي نَفسه أَنه يضع قَدَمَيْهِ على مَوَاضِع أَقْدَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا وصل إِلَى بَاب الْمَسْجِد الشريف وَيَنْبَغِي أَن يكون بَاب جِبْرِيل قصد الرَّوْضَة الشَّرِيفَة وَهِي مَا بَين الْمِنْبَر والقبر الْمُقَدّس فَيصَلي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِي موقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيجْعَل عَمُود الْمِنْبَر حذاء مَنْكِبه الْأَيْمن وَيسْتَقْبل السارية الَّتِي إِلَى جَانبهَا الصندوق وَتَكون الدائرة الَّتِي فِي الْقبْلَة بَين عَيْنَيْهِ فَتلك موقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا فرغ من التَّحِيَّة شكر الله تَعَالَى على مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ إتْمَام النِّعْمَة بِقبُول زيارته ثمَّ يَأْتِي الْقَبْر الشريف الْمُقَدّس فيقف قبالة الْوَجْه الشريف بِأَن يستدبر الْقبْلَة وَيسْتَقْبل جِدَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَيقف على مِقْدَار ثَلَاثَة أَذْرع من الْجِدَار نَاظرا إِلَى الأَرْض غاض الطّرف فِي مقَام الهيبة والتعظيم والإجلال فارغ الْقلب من جَمِيع العلائق مستحضرا فِي قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هُوَ بِحَضْرَتِهِ فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع وَيعلم وقوفك بَين يَدَيْهِ وَليقل بِحُضُور قلب وخفض صَوت وَسُكُون جوارح السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله السَّلَام عَلَيْك يَا حبيب الله السَّلَام عَلَيْك يَا صفوة الله السَّلَام عَلَيْك يَا سيد الْمُرْسلين الطيبين الطاهرين السَّلَام عَلَيْك وعَلى أَزوَاجك الطاهرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ السَّلَام عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك أَجْمَعِينَ السَّلَام عَلَيْك وعَلى الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر عباد الله الصَّالِحين السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ السُّبْكِيّ والمروي عَن السّلف الإيجاز فِي ذَلِك جدا فَعَن الإِمَام مَالك رَحمَه الله أَنه كَانَ يَقُول السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ إِن كَانَ أحد أوصاه بِالسَّلَامِ فَلْيقل السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله من فلَان بن فلَان أَو نَحْو هَذَا ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى جِهَة يَمِينه قدر ذِرَاع للسلام على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لِأَن رَأسه عِنْد منْكب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر السَّلَام عَلَيْك يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفيه وثانيه فِي الْغَار جَزَاك الله عَن أمة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى جِهَة يَمِينه قدر ذِرَاع للسلام على عمر رَضِي الله عَنهُ لِأَن رَأسه عِنْد منْكب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَيَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق الَّذِي أعز الله بِهِ الْإِسْلَام جَزَاك الله عَن أمة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا ثمَّ يعود إِلَى موقفه الأول ويتوسل بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 حَوَائِجه ويستشفع بِهِ إِلَى ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَدْعُو لنَفسِهِ ولوالديه وَأَوْلَاده وَلمن أحب بِمَا أحب وَيخْتم دعاءه بآمين وبالصلاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِنَّك قلت وقولك الْحق {وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما} اللَّهُمَّ إننا قد سمعنَا قَوْلك وأطعنا أَمرك وقصدنا نبيك هَذَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستشفعين بِهِ إِلَيْك من ذنوبنا وَمَا أثقل ظُهُورنَا من أوزارنا تَائِبين إِلَيْك من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا اللَّهُمَّ فتب علينا وشفع نبيك هَذَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِينَا اللَّهُمَّ اغْفِر للمهاجرين وَالْأَنْصَار وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم وَيَنْبَغِي للزائر مُدَّة إِقَامَته بِالْمَدِينَةِ أَن يستحضر جلالتها وفضلها وَأَنَّهَا الْبَلدة الَّتِي حرمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي أنشأ تَحْرِيمهَا أَي أظهر تَحْرِيمهَا وَأَنَّهَا الَّتِي اخْتَارَهَا الله تَعَالَى لهجرة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستيطانه وَدَفنه وليستحضر تردده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا ومشيه فِي بقاعها وَمن ثمَّ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يركب فِيهَا وَأَن يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن يقْصد الأسطوانات الَّتِي فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلِكُل وَاحِدَة مِنْهَا فضل إِذْ لَا تَخْلُو من صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو صَلَاة أحد من أَصْحَابه إِلَيْهَا وَالَّذِي ورد لَهُ فضل خَاص مِنْهَا ثَمَانِيَة الأولى الأسطوانة الَّتِي هِيَ علم الْمصلى الشريف فِي مَحل كرْسِي الشمعة كَانَ جذعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يخْطب إِلَيْهِ أمامها ثمَّ أسطوانة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَتسَمى أسطوانة الْقرعَة صلى إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَكْتُوبَة بعد تَحْويل الْقبْلَة بضعَة عشر يَوْمًا وَهِي الثَّالِثَة من الْمِنْبَر وَمن الْقَبْر الشريف متوسطة الرَّوْضَة وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر وَغَيرهمَا رَضِي الله عَنْهُم يصلونَ إِلَيْهَا والمهاجرون من قُرَيْش يَجْتَمعُونَ عِنْدهَا وَالدُّعَاء عِنْدهَا مستجاب ويليها من نَاحيَة الْقَبْر أسطوانة التَّوْبَة الَّتِي ترْبط أَبُو لبَابَة نَفسه بهَا وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعْتكف يخرج لَهُ فرَاشه أَو سَرِيره إِلَيْهَا مِمَّا يَلِي الْقبْلَة فيستند إِلَيْهَا وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي نوافله إِلَيْهَا وَالرَّابِعَة أسطوانة السرير وَهِي اللاصقة بالشباك الْيَوْم شَرْقي أسطوانة التَّوْبَة كَانَ سَرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوضع عِنْدهَا مرّة وَعند أسطوانة التَّوْبَة مرّة أُخْرَى الْخَامِسَة أسطوانة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهِي الَّتِي تلِي الْقَبْر الشريف وَهِي خلف أسطوانة التَّوْبَة من جِهَة الشمَال وَكَانَ مَحل خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيت عَائِشَة وَخَلفهَا الشمَال أسطوانة الْوُفُود كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجلس عِنْدهَا لوفود الْعَرَب السَّابِعَة أسطوانة مربعة يُقَال لَهَا مقَام جِبْرِيل وَهِي فِي حائز الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَبَينهَا وَبَين أسطوانة الْوُفُود الأسطوانة اللاصقة بشباك الْحُجْرَة كَانَت بَاب فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد حرمت النَّاس من التَّبَرُّك بهَا وبأسطوانة السرير لغلق أَبْوَاب الشباك الدائرة على الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الثَّامِنَة أسطوانة التَّهَجُّد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصليه إِلَيْهَا ومحلها الْآن دعامة بهَا محراب مرخم قرب بَاب جِبْرِيل ونوزع فِي أَن ذَلِك محلهَا ثمَّ إِذا عزم على الرُّجُوع إِلَى أَهله يسن لَهُ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 يودع الْمَسْجِد الشريف بِرَكْعَتَيْنِ نفلا مُطلقًا وَالْأولَى أَن يكون بمصلاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بِمَا قرب مِنْهُ ثمَّ يَدْعُو بِمَا أحب دينا وَدُنْيا وَمن آكده الابتهال إِلَى الله تَعَالَى فِي قبُول زيارته ثمَّ يَأْتِي الْقَبْر المكرم وَيُعِيد جَمِيع مَا مر عِنْده فِي ابْتِدَاء الزِّيَارَة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تجْعَل هَذَا آخر الْعَهْد بيني وَبَين مَسْجده وَحرمه وَيسر لي الْعود إِلَى زيارته والعكوف فِي حَضرته سَبِيلا سهلا وارزقني الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وردنا إِلَى أهلنا سَالِمين غَانِمِينَ ثمَّ ينْصَرف وَيَمْشي تِلْقَاء وَجهه على الْعَادة وَلَا يمشي الْقَهْقَرِي فرع فِي أَحْكَام النذور (النّذر) شرعا الْوَعْد بِخَير خَاصَّة قَالَه الرَّوْيَانِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ غَيرهمَا (الْتِزَام مُكَلّف) قربَة غير وَاجِبَة عينا بِأَصْل الشَّرْع وأركانه ثَلَاثَة صِيغَة وناذر ومنذور وَشرط الصِّيغَة لفظ يشْعر بِالْتِزَام وَفِي مَعْنَاهُ كِتَابَة مَعَ نِيَّة وَلَو من نَاطِق وَإِشَارَة أخرس وَلَا يلْزم النّذر بِالنِّيَّةِ وَحدهَا وَإِن تَأَكد فِي حَقه مَا نَوَاه وَمثل النّذر غَيره من سَائِر الْقرب فيتأكد بنيتها وَيَكْفِي فِي صَرَاحَة الصِّيغَة نذرت لَك كَذَا وَإِن لم يقل لله بِخِلَاف مَا لَو قَالَ نذرت لفُلَان كَذَا فَلَا ينْعَقد لِأَن الِاسْم الظَّاهِر لَا يتَبَادَر مِنْهُ الْإِنْشَاء بِخِلَاف الْخطاب فَإِنَّهُ يدل على الْإِنْشَاء بِحَسب الْعرف وَظَاهر أَنه لَو نوى بذلك الْإِقْرَار ألزم بِهِ وَشرط النَّاذِر إِسْلَام وَاخْتِيَار ونفوذ تصرف فِيمَا ينذره فَيصح نذر سَكرَان لَا كَافِر وَغير مُكَلّف ومكره ومحجور صفة أَو فلس فِي قربَة مَالِيَّة عَيْنِيَّة وَشرط الْمَنْذُور كَونه (قربَة لم تتَعَيَّن) نفلا كَانَت أَو فرض كِفَايَة كَصَلَاة الضُّحَى وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَخرج بقوله قربَة الْمحرم كَصَلَاة بِحَدَث أَو شرب خمر وَالْمَكْرُوه كَصَوْم الدَّهْر لمن خَافَ بِهِ ضَرَرا أَو فَوت حق والمباح كَأَكْل طَعَام طيب وَخرج بقوله لم تتَعَيَّن الْوَاجِب الْمُتَعَيّن كَصَلَاة الظّهْر وَلَو نذر من اقْترض مَالا معينا لمقرضه كل يَوْم مَا دَامَ شَيْء من دينه فِي ذمَّته فَإِن قصد أَن نَذره ذَلِك فِي مُقَابلَة الرِّبْح الْحَاصِل لَهُ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ على هَذَا الْوَجْه الْخَاص غير قربَة بل يتَوَصَّل بِهِ إِلَى رَبًّا النَّسِيئَة وَإِن جعل نَذره فِي مُقَابلَة حُدُوث نعْمَة ربح الْمُقْتَرض إِن اتّجر فِيهِ أَو اندفاع نقمة الْمُطَالبَة إِن احْتَاجَ لبَقَائه فِي ذمَّته لإعسار أَو إِنْفَاق صَحَّ لِأَنَّهُ يسن للمقترض رد زِيَادَة عَمَّا اقترضه فَإِذا التزمها ابْتِدَاء بِنذر انْعَقَد وَلَزِمتهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُكَافَأَة إِحْسَان لَا وصلَة للربا إِذْ هُوَ لَا يكون إِلَّا فِي عقد كَبيع وَمن ثمَّ لَو شَرط عَلَيْهِ النّذر فِي عقد الْقَرْض كَانَ رَبًّا وَمحل الصِّحَّة حَيْثُ نذر لمن ينْعَقد نَذره لَهُ بِخِلَاف مَا لَو نذر لأحد بني هَاشم وَالْمطلب فَلَا ينْعَقد لحُرْمَة الصَّدَقَة الْوَاجِبَة كَالزَّكَاةِ وَالنّذر وَالْكَفَّارَة عَلَيْهِم وَإِن أطلق بِأَن لم يقْصد شَيْئا من ذَلِك صَحَّ النّذر لِأَن إِعْمَال كَلَام الْمُكَلف حَيْثُ كَانَ لَهُ محمل صَحِيح خير من إهماله وَلَو اقْتصر على قَوْله فِي نَذره مَا دَامَ مبلغ الْقَرْض فِي ذمَّته ثمَّ دفع الْمُقْتَرض شَيْئا مِنْهُ بَطل حكم النّذر لانْقِطَاع الديمومة وَلَو نذر شَيْئا لذِمِّيّ أَو مُبْتَدع جَازَ صرفه لمُسلم أَو سني وعَلى هَذَا فَلَو اقْترض من ذمِّي وَنذر لَهُ شَيْئا مَا دَامَ دينه فِي ذمَّته انْعَقَد نَذره لَكِن يجوز دَفعه لغيره من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الْمُسلمين وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو اقْترض الذِّمِّيّ من مُسلم وَنذر لَهُ شَيْئا مَا دَامَ الدّين عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصح نَذره لِأَن شَرط النَّاذِر الْإِسْلَام ثمَّ النّذر قِسْمَانِ أَحدهمَا نذر تبرر سمي بِهِ لِأَنَّهُ لطلب الْبر أَو التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ نَوْعَانِ لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يلْتَزم ابْتِدَاء قربَة (بِلَفْظ منجز) أَي من غير تَعْلِيق على شَيْء (كلله عَليّ كَذَا) أَي صَوْم أَو صَدَقَة لفُلَان أَو أَن أعْطِيه كَذَا وَلم يرد الْهِبَة (أَو عَليّ كَذَا) بِدُونِ ذكر لله (أَو نذرت كَذَا) وَلَا بُد للصِّحَّة من ذكر لله أَو لَك بِالْخِطَابِ كَمَا مر (أَو) أَن يلْتَزم قربَة بِلَفْظ (مُعَلّق) فِي مُقَابلَة حُدُوث نعْمَة أَو اندفاع بلية وَيُسمى هَذَا الْمُعَلق نذر المجازاة أَيْضا (كَإِن شفاني الله أَو سلمني) أَو رَزَقَنِي ولدا (فعلي كَذَا) أَي إِعْتَاق أَو صَوْم أَو صَلَاة (فَيلْزم مَا الْتَزمهُ حَالا) أَي وجوبا موسعا (فِي منجز) على الرَّاجِح كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَاحْتج لَهُ بِإِطْلَاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَقَالَ ثَعْلَب لَا يَصح الْمُنجز وَلَا يلْزمه شَيْء لعدم الْمُقَابل وَلِأَن النّذر عِنْد الْعَرَب وعد بِشَرْط (و) يلْزمه الْوَفَاء بِمَا الْتزم (عِنْد وجود صفة فِي مُعَلّق) وَحجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم} 16 النَّحْل الْآيَة 91 وَلَو قَالَ عِنْد نَحْو شِفَاء لله عَليّ عتق لزمَه ذَلِك جزما تَنْزِيلا لهَذَا منزلَة المجازاة لوُقُوعه شكرا فِي مُقَابلَة نعْمَة الشِّفَاء وَثَانِيهمَا نذر لجاج بِفَتْح اللَّام وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَة وَيُسمى نذر اللجاج وَالْغَضَب والغلق وَيَمِين اللجاج وَالْغَضَب والغلق وَهُوَ أَن يمْنَع نَفسه من شَيْء أَو يحملهَا عَلَيْهِ بتعليق الْتِزَام قربَة كَأَن يَقُول إِن كلمت فلَانا أَو دخلت دَاره أَو إِن لم أسافر أَو إِن سَافَرت وَنَحْو ذَلِك فَللَّه عَليّ صَوْم شهر أَو صَلَاة أَو إِعْتَاق رَقَبَة أَو أَن أَتصدق من مَالِي أَو أحج وَنَحْو ذَلِك فالناذر فِي اللجاج مُخَيّر عِنْد وجود الصّفة بَين أَن يلْتَزم مَا الْتَزمهُ وَبَين كَفَّارَة يَمِين فَيُخَير فِيهَا بَين عتق رَقَبَة أَو كسْوَة عشرَة مَسَاكِين أَو إطعامهم فَإِن عجز عَن هَذِه الثَّلَاثَة صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا فرق فِي وجوب التَّخْيِير بَين أَن يكون مَا الْتَزمهُ معينا كَإِن كلمتك فَللَّه عَليّ عتق عَبدِي هَذَا مثلا وَبَين أَن يكون غَيره وَذَلِكَ لِأَن نذر اللجاج يشبه النّذر من حَيْثُ إِنَّه الْتزم قربَة وَالْيَمِين من حَيْثُ إِن مَقْصُوده مَقْصُود الْيَمين فَلَا سَبِيل إِلَى الْجمع بَين موجبيهما وَلَا إِلَى تعطيلهما فَوَجَبَ التَّخْيِير أما إِذا الْتزم غير قربَة كَأَن قَالَ إِن كلمت زيدا فَللَّه عَليّ أَن لَا آكل الْخبز فَيلْزمهُ كَفَّارَة يَمِين بِلَا خلاف وَلَو قَالَ إِن كَلمته فعلي كَفَّارَة يَمِين أَو كَفَّارَة نذر لَزِمته الْكَفَّارَة عِنْد وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لحكم الْيَمين فِي الصُّورَة الأولى وَلخَبَر مُسلم كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة الْيَمين فِي الثَّانِيَة وَمن نذر اللجاج مَا يعْتَاد على أَلْسِنَة النَّاس الْعتْق يلْزَمنِي أَو يلْزَمنِي عتق عَبدِي فلَان لَا أفعل أَو لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِن لم ينْو تَعْلِيق الِالْتِزَام فلغو وَإِن نَوَاه تخير ثمَّ إِن اخْتَار الْعتْق أَو عتق الْمعِين أَجزَأَهُ مُطلقًا أَي سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 كَانَ يجزىء فِي الْكَفَّارَة أم لَا أَو اخْتَار الْكَفَّارَة وَأَرَادَ عتقه عَنْهَا فَاعْتبر فِيهِ صفة الْإِجْزَاء وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط للمنذور لَهُ قبُوله النّذر فِي قسمي النّذر بل الشَّرْط عدم رده وَنذر اللجاج مَكْرُوه بِخِلَاف غَيره بَاب البيع وَهُوَ شرعا عقد يَقْتَضِي انْتِقَال الْملك فِي الْمَبِيع للْمُشْتَرِي وَفِي الثّمن للْبَائِع وأركانه ثَلَاثَة عَاقد ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة وَقدم الصِّيغَة على الْعَاقِد لِأَنَّهُ لَا يكون عاقدا إِلَّا بعد إِتْيَانه بالصيغة فَقَالَ (يَصح) أَي البيع (بِإِيجَاب) من البَائِع وَهُوَ مَا دلّ على التَّمْلِيك دلَالَة ظَاهِرَة وَله صِيغ (كبعتك) ذَا بِكَذَا وَهَذَا مَبِيع مِنْك وَأَنا بَائِعه لَك بِكَذَا أَو هُوَ لَك بِكَذَا أَو عاوضتك أَو شريتك بِمَعْنى بِعْتُك ذَا بِكَذَا (وملكتك ذَا بِكَذَا) وَأما قَوْله أدخلت هَذَا فِي ملكك فكناية لاحْتِمَاله إِدْخَاله فِي ملكه الْحسي وَكَذَا قَوْله ثامنتك فَهُوَ كِنَايَة على مَا اعْتَمدهُ ابْن حجر (وَقبُول) من المُشْتَرِي وَهُوَ مَا دلّ على التَّمَلُّك دلَالَة ظَاهِرَة (كاشتريت) وَمَا اشتق مِنْهُ (وَقبلت) وابتعت واخترت (هَذَا بِكَذَا) سَوَاء كَانَ الْعَاقِد هازلا أم لَا وَالْفرق بَين الْهزْل والاستهزاء أَن فِي الْهزْل قصد اللَّفْظ لمعناه إِلَّا أَن الهازل لَيْسَ رَاضِيا وَلَيْسَ فِي الِاسْتِهْزَاء قصد اللَّفْظ لمعناه فَلَا يَصح البيع بِهِ وَلذَا لَا يعْتد بِهِ فِي الْإِقْرَار وَيصِح البيع الضمني بِلَا صِيغَة فِي اللَّفْظ وَهُوَ مَا تضمنه التمَاس الْعتْق وَجَوَابه لِأَن الصِّيغَة مَوْجُودَة تَقْديرا اسْتغْنَاء عَنْهَا بالالتماس وَذَلِكَ كَأَن يَقُول الملتمس بِكَسْر الْمِيم أعتق عَبدك عني بِأَلف فَإِذا قَالَ الملتمس مِنْهُ عتق العَبْد بِفَتْح الْمِيم أَعتَقته عتق من الطَّالِب وَلَزِمَه الْعِوَض فَكَأَنَّهُ قَالَ بعنيه وَأعْتقهُ عني فَأَجَابَهُ الْمَطْلُوب ببعتك وأعتقته عَنْك وَيشْتَرط فِي الملتمس الِاخْتِيَار وَعدم الْحجر وَلَا يشْتَرط فِي الملتمس عتقه قدرته عَلَيْهِ وَلَا ينْعَقد البيع بالمعاطاة وَهِي أَن يتَّفقَا على ثمن ومثمن وَلم يُوجد من أَحدهمَا لفظ صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ كجمع من حَيْثُ الدَّلِيل وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا البيع عَن ترَاض انْعِقَاد البيع بالمعاطاة فِي كل مَا يعده النَّاس بيعا بالمعاطاة سَوَاء كَانَ محقرا أَو غَيره كالخبز وَاللَّحم بِخِلَاف نَحْو الْأَرَاضِي وَالدَّوَاب فعلى اشْتِرَاط الصِّيغَة لَا مُطَالبَة فِي الْآخِرَة من حَيْثُ المَال بِسَبَب المعاطاة أَي بِمَا يَأْخُذهُ كل من الْعَاقِدين بهَا للرضى وللخلاف فِيهَا أما فِي الدُّنْيَا فَيجب على كل رد مَا أَخذه إِن كَانَ بَاقِيا وبدله إِن تلف بِخِلَاف تعَاطِي البيع الْفَاسِد فَيُطَالب بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فِي الْآخِرَة إِذا لم يُوجد لَهُ مكفر وَشرط صِحَة الْإِيجَاب وَالْقَبُول كَونهمَا (بِلَا فصل) طَوِيل بَين اللَّفْظَيْنِ أَو الإشارتين أَو الكتابتين أَو بَين لفظ أحد الْعَاقِدين وَكِتَابَة الآخر أَو إِشَارَته أَو بَين كِتَابَة أَحدهمَا وَإِشَارَة الآخر (و) بِلَا (تخَلّل لفظ أَجْنَبِي) أَي لَا تعلق لَهُ بِالْعقدِ بِأَن لم يكن من مُقْتَضَاهُ وَلَا من مَصَالِحه وَلَا من مستحباته من الْمَطْلُوب جَوَابه وَلَو كلمة إِلَّا نَحْو قد (و) بِلَا (تَعْلِيق) كَأَن مَاتَ أبي فقد بِعْتُك هَذَا إِلَّا فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ من أَحدهمَا كَأَن يَقُول بِعْتُك أَو اشْتريت مِنْك إِن شِئْت أَو أردْت أَو رضيت فَيَقُول اشْتريت أَو بِعْت لَا شِئْت إِلَّا إِن نوى بقوله شِئْت الشِّرَاء وَذَلِكَ لِأَن الْمَشِيئَة من ضَرُورَة العقد (و) بِلَا (تأقيت) كبعتك هَذَا شهرا أَو حياتك أَو ألف سنة وَيشْتَرط فِي الْقبُول أَن يكون مُوَافقا للْإِيجَاب فِي الْمَعْنى وَإِن اخْتلف لَفْظهمَا حَتَّى بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة فَإِن خَالفه معنى كبعتك بِأَلف فَزَاد أَو نقص أَو بِأَلف حَالَة فأجل أَو عَكسه أَو مُؤَجّلَة كشهرين فنقص لم يَصح البيع للمخالفة وَكَأن قَالَ البَائِع بِأَلف فَقَالَ المُشْتَرِي قبلت نصفه بِخَمْسِمِائَة وَنصفه بِخَمْسِمِائَة وَنوى تعدد العقد أَو أطلق فَإِنَّهُ لَا يَصح بِخِلَاف مَا إِذا نوى تَفْصِيل مَا أجمله البَائِع فَيصح وَيشْتَرط ذكر المبتدىء للْعقد بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا الثّمن فَلَا تَكْفِي نِيَّته لَا فِي الصَّرِيح وَلَا فِي الْكِنَايَة فالكناية تكون فِي الصِّيغَة وَحدهَا لَا فِي ذكر الثّمن كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر (وَشرط فِي عَاقد) بَائِعا أَو غَيره إبصار و (تَكْلِيف) وَعدم الْحجر فَيصح البيع مِمَّن جهل رشده ورقه وحريته لِأَن الْغَالِب عدم الْحجر وَمن حجر عَلَيْهِ بفلس إِذا عقد فِي الذِّمَّة بِخِلَاف صبي وَلَو مراهقا وَمَجْنُون ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه مُطلقًا وفلس بِالنِّسْبَةِ لبيع عين مَاله وَإِنَّمَا صَحَّ بيع العَبْد من نَفسه وَلَو سَفِيها لِأَن مَقْصُوده الْعتْق وَيصِح بيع السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي مَعَ كَونه غير مُكَلّف (و) شَرط فِي المتملك عدم حرابة لتملك شَيْء من عدَّة حَرْب كسيف ورمح وخيل فَلَا يَصح نَحْو شِرَاء ذَلِك لحربي لِأَنَّهُ يَسْتَعِين بِهِ على قتالنا بِخِلَاف ذمِّي فِي دَارنَا لِأَنَّهُ فِي قبضتنا إِلَّا إِذا خشِي إرْسَاله إِلَى أهل الْحَرْب وَشرط فِيهِ (إِسْلَام لتملك) شَيْء من رَقِيق (مُسلم) وَلَو بطرِيق تبعيته لغيره وَلَو بِشَرْط الْعتْق وَالْمرَاد الْمُنْفَصِل فَيصح بيع الْأمة الْحَامِل بِمُسلم عَن شُبْهَة لَا تَقْتَضِي حريَّة الْوَلَد بِأَن ظَنّهَا الْمُسلم زَوجته الْأمة وَمثل الْمُسلم فِي ذَلِك الْمُرْتَد لبَقَاء علقَة الْإِسْلَام فِيهِ إِلَّا أَن يحكم بِعِتْق العَبْد على المتملك بِدُخُولِهِ فِي ملكه كَمَا إِذا قَالَ لمَالِكه أعْتقهُ عني وَإِن لم يذكر عوضا وَلَو اشْترى الْكَافِر ذَلِك لمُسلم صَحَّ (و) شَرط فِي المتملك إِسْلَام أَيْضا لتملك شَيْء من (مصحف) وَهُوَ مَا فِيهِ قُرْآن فَلَا يَصح تملك الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا لنَفسِهِ أَو لمثله بِنَفسِهِ أَو بوكيله وَلَو مُسلما مَا فِيهِ قُرْآن وَإِن قل وَإِن كَانَ فِي ضمن نَحْو علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 نعم يتَسَامَح بتملك الْكَافِر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي عَلَيْهَا شَيْء من الْقُرْآن وَمثل الْمُصحف الحَدِيث وَلَو ضَعِيفا وَكتب الْعلم الَّتِي بهَا الحكايات المأثورة عَن الصَّالِحين وَخرج الْجلد الْمُنْفَصِل عَن الْمُصحف فَإِنَّهُ وَإِن حرم مَسّه للمحدث يَصح بَيْعه للْكَافِرِ (و) شَرط (فِي مَعْقُود عَلَيْهِ) مَبِيعًا كَانَ أَو ثمنا سِتَّة أُمُور أَحدهَا (ملك لَهُ) أَي لمن يصدر مِنْهُ العقد (عَلَيْهِ) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ ملكا تَاما فَخرج بيع نَحْو الْمَبِيع قبل قَبضه بِأَن يصدر العقد من عَاقد ذِي ولَايَة على الْمَعْقُود عَلَيْهِ بِملك أَو نِيَابَة أَو ولَايَة كولاية الْأَب وَالْوَصِيّ وَالْقَاضِي لمَال الْمُمْتَنع والظافر بِغَيْر جنس حَقه والملتقط لما يخَاف تلفه فَكل من الظافر والملتقط وَكيل عَن الْمَالِك بِإِذن الشَّرْع لَهُ فِي التَّصَرُّف فَخرج الْفُضُولِيّ وَهُوَ من لَيْسَ بوكيل وَلَا ولي للْمَالِك فتصرفه بَاطِل وَإِن أجَازه الْمَالِك وَقيل صِحَة بيع الْفُضُولِيّ مَوْقُوفَة على رضَا الْمَالِك فَإِن أجَاز العقد نفذ وَإِلَّا فَلَا لِأَن حَدِيث عُرْوَة ظَاهر فِي ذَلِك وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكله فِي شِرَاء شَاة فَاشْترى لَهُ شَاتين ثمَّ بَاعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَالْمُعْتَبر إجَازَة من يملك التَّصَرُّف عِنْد العقد فَلَو بَاعَ مَال الطِّفْل فَبلغ وَأَجَازَ لم ينفذ وَمحل الْخلاف مَا لم يحضر الْمَالِك فَلَو بَاعَ مَال غَيره بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِت لم يَصح قطعا وَذَلِكَ إِذا تيسرت مُرَاجعَته بِلَا مشقة وَإِلَّا كَانَ كالغائب وَيصِح عقد ذِي الْولَايَة عِنْد العقد كَأَن بَاعَ مَال مُوَرِثه أَو أَبرَأَهُ أَو أعتق رَقِيقه أَو زوج أمته ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا أَو بَاعَ مَال الْغَيْر ظَانّا عدم إِذْنه لَهُ فَبَان آذنا لَهُ فَيصح ذَلِك لتبين ولَايَته عَلَيْهِ لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْعَاقِد لعدم احتياجها لنِيَّة وَالْوَقْف هُنَا وقف تبين لَا وقف صِحَة وَإِنَّمَا لم يَصح تزوج الْخُنْثَى وَإِن بَان وَاضحا وَلَا نِكَاح المشتبهة عَلَيْهِ بمحرمه وَلَو بَانَتْ أَجْنَبِيَّة لوُجُود الشَّك فِي حل الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ أولى بِالِاحْتِيَاطِ من الشَّك فِي ولَايَة الْعَاقِد (و) ثَانِيهَا (طهره) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ شرعا بالتحقيق أَو بالإمكان وَإِن غلبت النَّجَاسَة فِي مثله فَلَا يَصح بيع نجس الْعين كَجلْد ميتَة وَإِن أمكن طهره بالاندباغ وكلب وَلَو معلما وَلَا بيع أحد مشتبهين قبل الحكم بِطَهَارَة أَحدهمَا وَلَا بيع مُتَنَجّس لَا يطهره غسل كَمَاء تنجس وَإِمْكَان طهر قَلِيله بالمكاثرة وَكَثِيره بِزَوَال التَّغَيُّر كإمكان طهر الْخمر بالتخلل إِذْ طهره من بَاب الإحالة لَا من بَاب التَّطْهِير بِخِلَاف مَا يطهره غسل كَثوب تنجس بِمَا لَا يستر شَيْئا مِنْهُ فَيصح بَيْعه وَيصِح بيع دَار بنيت بالزبل لِأَنَّهُ فِيهَا تَابع لَا مَقْصُود وَأَرْض سمدت بِنَجس ورقيق عَلَيْهِ وشم وَيصِح بيع القز وَفِيه الدُّود وَلَو مَيتا لِأَنَّهُ من مصْلحَته كالحيوان ببطانه النَّجَاسَة وَيُبَاع القز جزَافا ووزنا وَيحل اقتناء السرجين وتربية الزَّرْع بِهِ مَعَ الْكَرَاهَة حَيْثُ صلح نَبَاته بِدُونِهَا أما لَو توقف صَلَاحه عَادَة على التربية بِهِ فَلَا كَرَاهَة واقتناء الْكَلْب لنَحْو حراسة وتربية الجرو لذَلِك وَإِن لم يكن من نسل معلم وَيمْتَنع اقتناء الْخِنْزِير مُطلقًا وَيجوز الصَّدَقَة بالمتنجس وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة بِهِ (و) ثَالِثهَا (رُؤْيَته) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وتكفي معاينته وَإِن جهل المتعاقدان قدره أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 جنسه أَو صفته وَلَا يشْتَرط الشم والذوق فِي المشموم والمذوق وتكفي رُؤْيَته قبل العقد وَلَو لمن عمي وقته فِيمَا لَا يظنّ أَنه يتَغَيَّر غَالِبا إِلَى وَقت العقد كأرض وحديد ونحاس وآنية اكْتِفَاء بِتِلْكَ الرُّؤْيَة وَالْغَالِب بَقَاؤُهُ على مَا شَاهده عَلَيْهِ نعم يشْتَرط أَن يكون ذَاكِرًا حَال العقد لأوصافه الَّتِي رَآهَا كأعمى اشْترى مَا رَآهُ قبل الْعَمى وَإِلَّا لم يَصح وَلَا يَصح بيع مَا لم يره أحد الْعَاقِدين ثمنا أَو مثمنا وَإِن كَانَ حَاضرا فِي مجْلِس البيع أَو رَآهُ لَيْلًا فِي ضوء إِن ستر الضَّوْء لَونه كورق أَبيض وَفِي قَول وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة يَصح بيع مَا لم ير المتعاقدان إِن ذكر جنسه وَيثبت الْخِيَار لَهما عِنْد الرُّؤْيَة وَالرَّابِع الْعلم بالمعقود عَلَيْهِ عينا فِي الْعين وَقدرا وَصفَة فِيمَا فِي الذِّمَّة كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي فَيصح بيع جُزْء مشَاع كبعتك الأَرْض إِلَّا ربعهَا مشَاعا وَلَو يجزىء آخر من مثله كَبيع حِصَّته من دَار بِحِصَّة شَرِيكه وَفَائِدَته عِنْد اسْتِوَاء الحصتين سُقُوط الرُّجُوع بِهِ فِي نَحْو هبة الْوَالِد وَمنع الرَّد بِنَحْوِ عيب وَلَا يَصح بيع اثْنَيْنِ عبديهما لثالث بِثمن وَاحِد من غير بَيَان مَا لكل مِنْهُ وَبيع أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الْعَبْدَيْنِ مثلا وَإِن اسْتَوَت قيمتهمَا كَمَا لَا يَصح البيع بِأَحَدِهِمَا للْجَهْل بِعَين الْمَبِيع أَو الثّمن وَقد تكون الْإِشَارَة وَالْإِضَافَة كَافِيَة عَن التَّعْيِين كداري وَلم يكن لَهُ غَيرهَا وكهذه الدَّار وَإِن غلط فِي حُدُودهَا وَالْخَامِس النَّفْع بالمعقود عَلَيْهِ شرعا حَالا كَالْمَاءِ فِي شط النَّهر وَالْعَبْد الزَّمن فَيصح بَيْعه لمَنْفَعَة عتقه أَو مَآلًا كالجحش الصَّغِير الَّذِي مَاتَت أمه فَلَا يَصح بيع حبتي الْحِنْطَة وَنَحْوهمَا وَلَو فِي زمن الغلاء لانْتِفَاء النَّفْع بذلك لقلته وَمن الْمَنَافِع شرعا حق الْمَمَر بِأَرْض أَو على سقف وَجَاز تملكه بِالْعِوَضِ على التَّأْبِيد بِلَفْظ البيع مَعَ أَنه مَحْض مَنْفَعَة إِذْ لَا تملك بِهِ عين للْحَاجة إِلَيْهِ على التَّأْبِيد وَلذَا جَازَ ذَلِك بِلَفْظ الْإِجَارَة أَيْضا دون ذكر مُدَّة وَالسَّادِس قدرَة كل من الْعَاقِدين على تَسْلِيم مَا بذله للْآخر حسا وَشرعا من غير كثير مُؤنَة ومشقة وَذَلِكَ لِأَن الْقَصْد وُصُول المُشْتَرِي إِلَى الْمَبِيع وَالْبَائِع إِلَى الثّمن فَالشَّرْط قدرَة التسلم إِمَّا لقدرة الْآخِذ أَو الْبَاذِل وَهَذَا فِي غير البيع الضمني وَفِي غير من يحكم بِعِتْقِهِ على المُشْتَرِي أما بيع ذَلِك فَلَا تشْتَرط فِيهِ الْقُدْرَة على ذَلِك فَلَا يَصح بيع نصف معِين من الْإِنَاء وَلَو حَقِيرًا لبُطْلَان نَفعه بكسره فَخرج الشَّائِع لانْتِفَاء إِضَاعَة المَال عَنهُ وكالإناء نَحوه مِمَّا تنقص قِيمَته أَو قيمَة الْبَاقِي بكسره نقصا يهتم بِمثلِهِ (و) الرِّبَا حرَام اتِّفَاقًا وَهُوَ إِمَّا رَبًّا فضل بِأَن يزِيد أحد الْعِوَضَيْنِ وَمِنْه رَبًّا الْقَرْض بِأَن يشْتَرط فِيهِ مَا فِيهِ نفع للمقرض غير الرَّهْن وَالْكَفَالَة وَالشَّهَادَة وَإِنَّمَا جعل رَبًّا الْقَرْض من رَبًّا الْفضل مَعَ أَنه لَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ لما شَرط نفعا للمقرض كَانَ بِمَنْزِلَة أَنه بَاعَ مَا أقْرضهُ بِمَا يزِيد عَلَيْهِ من جنسه فَهُوَ مِنْهُ حكما وَمن شَرط النَّفْع مَا لَو أقْرضهُ بِمصْر وَأذن لَهُ فِي دَفعه لوَكِيله بِمَكَّة مثلا وَإِمَّا رَبًّا يَد بِأَن يُفَارق أَحدهمَا مجْلِس العقد قبل التَّقَابُض وَإِمَّا رَبًّا نسَاء بِأَن يشرط أجل فِي أحد الْعِوَضَيْنِ وَكلهَا مجمع على بُطْلَانهَا وَالْقَصْد هُنَا بَيَان مَا (شَرط فِي بيع) رِبَوِيّ زِيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 على مَا مر ثمَّ العوضان الربويان وَغَيرهمَا إِن اتفقَا جِنْسا اشْترط ثَلَاثَة شُرُوط أَو عِلّة وَهِي الطّعْم أَو النقدية اشْترط شَرْطَانِ وَإِلَّا كَبيع طَعَام بِنَقْد أَو ثوب أَو حَيَوَان بحيوان وَنَحْوه لم يشْتَرط شَيْء من تِلْكَ الثَّلَاثَة إِذا علمت ذَلِك علمت أَنه لَا يَصح بيع (مطعوم وَنقد بِجِنْسِهِ) أَي الْمَذْكُور من المطعوم والنقد إِلَّا إِذا وجد فِيهِ ثَلَاثَة شُرُوط (حُلُول) للعوضين من الْجَانِبَيْنِ فَمَتَى اقْترن بِأَحَدِهِمَا تَأْجِيل وَإِن قل زَمَنه كدرجتين مثلا وَحل قبل تفرقهما لم يَصح البيع (وتقابض قبل تفرق) وَلَا بُد من قبض حَقِيقِيّ وَلَو بِقَبض وَكيل قبل مُفَارقَة الْمُوكل الْمجْلس فَلَا تَكْفِي حِوَالَة وإبراء وَضَمان وَيبْطل العقد بالحوالة وَالْإِبْرَاء لتضمنهما الْإِجَازَة وَهِي قبل التَّقَابُض مبطلة للْعقد أما الضَّمَان فَلَا يبطل العقد بِمُجَرَّدِهِ بل إِن حصل التَّقَابُض من الْعَاقِدين فِي الْمجْلس فَذَاك وَإِلَّا بَطل بالتفرق وَلَو قبضا بعض الْعِوَضَيْنِ صَحَّ فِي ذَلِك تفريقا للصفقة (ومماثلة) بَين الْعِوَضَيْنِ مَعَ الْعلم بهَا حَال العقد وَاعْلَم أَن ضَابِط الْجِنْس هُوَ بِأَن جمع الثّمن والمثمن اسْم خَاص من أول دخولهما فِي الرِّبَا واشتركا فِيهِ اشتراكا معنويا بِأَن يوضع اسْم لحقيقة وَاحِدَة تحتهَا أَفْرَاد كَثِيرَة كالقمح مثلا أما الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ فَهُوَ مَا وضع فِيهِ اللَّفْظ لكل من الْمعَانِي بِخُصُوصِهِ فيتعدد الْوَضع فِيهِ بِتَعَدُّد مَعَانِيه كالقرء فَإِنَّهُ وضع لكل من الطُّهْر وَالْحيض وَخرج بالخاص الْعَام كالحب وبقولنا من أول دخولهما فِي الرِّبَا الأدقة فَإِنَّهَا دخلت فِي الرِّبَا قبل طرُو اسْم الدَّقِيق لَهَا فَكَانَت أجناسا كأصولها وبقولنا واشتركا فِيهِ اشتراكا معنويا الْبِطِّيخ الْهِنْدِيّ والأصفر فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ كالجوز الْهِنْدِيّ والجوز الْمَعْرُوف إِذْ إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِمَا لَيْسَ لقدر مُشْتَرك بَينهمَا أَي لَيْسَ مَوْضُوعا لحقيقة وَاحِدَة بل لحقيقتين مختلفتين (و) لَا يَصح بيع مطعوم أَو نقد (بِغَيْر جنسه) إِلَّا إِن وجد فِيهِ شَرْطَانِ (حُلُول) من الْجَانِبَيْنِ (وتقابض) وَالْمرَاد بِهِ مَا يعم الْقَبْض فَيَكْفِي الِاسْتِقْلَال بِقَبض الْعِوَض الْمعِين وَإِن كَانَ للْبَائِع حق الْحَبْس وَإِن لم يفد صِحَة التَّصَرُّف وَجَاز التَّفَاضُل فِي هَذَا بَين الْعِوَضَيْنِ (و) شَرط (فِي) صِحَة سلم سِتَّة أُخْرَى اخْتصَّ بهَا وَهُوَ بيع شَيْء (مَوْصُوف) فِي ذمَّة بِبَدَل يجب تَعْجِيله بِمَجْلِس البيع بِلَفْظ السّلم أَو السّلف الأول (قبض رَأس مَال) وَهُوَ الثّمن وَيجوز الاستبداد بِقَبض رَأس المَال إِذا كَانَ معينا إِمَّا إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَلَا مَا لم يعين فِي الْمجْلس فَإِن عين فِيهِ جَازَ الاستبداد بِقَبْضِهِ (قبل تفرق) أَو قبل لُزُوم عقد فَلَو قاما وتماشيا منَازِل حَتَّى حصل الْقَبْض قبل التَّفَرُّق لم يضر (و) الثَّانِي (كَون مُسلم فِيهِ دينا) فَلَو قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب أَو دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي سُكْنى هَذِه سنة لم يَصح السّلم أَو قَالَ فِي هَذَا العَبْد فَلَيْسَ بسلم قطعا لاختلال رُكْنه وَهُوَ الدِّينِيَّة وَلَا ينْعَقد بيعا حِينَئِذٍ وَمَتى وضع يَده عَلَيْهِ ضمنه الغصوب وَلَا عِبْرَة بِإِذْنِهِ لَهُ فِي قَبضه لِأَنَّهُ لَيْسَ إِذْنا شَرْعِيًّا بل هُوَ لاغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (و) الثَّالِث كَونه (مَقْدُورًا) على تَسْلِيمه من غير مشقة كَبِيرَة (فِي مَحَله) بِكَسْر الْحَاء أَي فِي وَقت حُلُوله أَي وَقت وجوب التَّسْلِيم وَذَلِكَ بِالْعقدِ إِن كَانَ السّلم حَالا وبالحلول إِن كَانَ مُؤَجّلا فَإِن أسلم فِي مُنْقَطع عِنْد العقد أَو الْحُلُول كرطب فِي الشتَاء لم يَصح وَكَذَا لَو ظن حُصُوله عِنْد الْوُجُوب لَكِن بِمَشَقَّة عَظِيمَة كَقدْر كثير من الباكورة فَإِنَّهُ لَا يَصح وَذكر هَذَا الشَّرْط مَعَ علمه مِمَّا مر فِي البيع لبَيَان مَحل الْقُدْرَة المشترطة وَهُوَ حَالَة وجوب التَّسْلِيم الْمُقَارنَة للْعقد فِي الْحَال والمتأخرة عَنهُ إِلَى وَقت الْحُلُول فِي الْمُؤَجل بِخِلَاف بيع الْمعِين فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ اقتران الْقُدْرَة بِالْعقدِ (و) الرَّابِع كَونه (مَعْلُوم قدر) بكيل فِي مَكِيل أَو وزن فِي مَوْزُون أَو ذرع فِي مذروع أَو عد فِي مَعْدُود وَيجوز التَّقْدِير بِوَزْن فِي جَمِيع ذَلِك وَبِه أَو كيل لَا بهما مَعًا فَلَا يَصح وَمحل جَوَاز كيل الْمَوْزُون إِن عد الْكَيْل فِي مثله ضابطا وَإِلَّا كفتات الْمُسلم والعنبر تعين وَزنه لِأَن ليسيره الْمُخْتَلف بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن مَالِيَّة كَثِيرَة بِخِلَاف اللآلىء الصغار لقلَّة تفاوتها كالقمح والفول وخامسها معرفَة الْأَوْصَاف الْمُتَعَلّقَة بِالْمُسلمِ فِيهِ للعاقدين مَعَ شَاهِدين عَدْلَيْنِ الَّتِي يَنْضَبِط الْمُسلم فِيهِ بهَا وَيخْتَلف الْغَرَض بهَا اخْتِلَافا ظَاهرا وَلَيْسَ الأَصْل عدمهَا لِأَن الْقيمَة تخْتَلف بِسَبَبِهَا إِذْ لَا يخرج عَن الْجَهْل بِهِ إِلَّا بِذكر الْأَوْصَاف الَّتِي يخْتَلف بهَا الْغَرَض بِخِلَاف مَا يتَسَامَح عَادَة بإهماله كالسمن وَمَعَ ذَلِك لَو شَرطه وَجب الْعَمَل بِهِ وَمَا الأَصْل عَدمه ككتابة الرَّقِيق وَزِيَادَة قوته على الْعَمَل وَلَو شَرط كَون الرَّقِيق سَارِقا أَو زَانيا مثلا صَحَّ فَلَو أَتَى لَهُ بِغَيْر سَارِق وزان وَجب قبُوله لِأَنَّهُ خير مِمَّا شَرطه وسادسها بَيَان مَحل تَسْلِيم مُسلم فِيهِ على تَفْصِيل فِيهِ حَاصله أَنه إِن لم يصلح الْموضع للتسليم وَجب الْبَيَان مُطلقًا وَإِن صلح وَلَيْسَ لحمله مُؤنَة لم يجب الْبَيَان مُطلقًا وَإِن صلح ولحمله مُؤنَة وَجب الْبَيَان فِي الْمُؤَجل دون الْحَال وَإِذا لم يشْتَرط الْبَيَان تعين مَحل العقد للتسليم فَإِن عينا غَيره تعين (وَحرم رَبًّا) فِي سَائِر أَنْوَاعه بِاتِّفَاق الْعلمَاء قيل مُطلقًا وَقيل حَيْثُ لم يُوجد حِيلَة شَرْعِيَّة مخلصة من الرِّبَا وَقَالَ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَالْحِيلَة المخلصة من صور الرِّبَا بِسَائِر أَنْوَاعه مَكْرُوهَة خلافًا لمن خص الْكَرَاهَة بالتخلص من رَبًّا الْفضل وَلَو قَالَ لصيرفي اصرف لي بِنصْف هَذَا الدِّرْهَم فضَّة وبالنصف الآخر فُلُوسًا جَازَ لِأَنَّهُ جعل نصفا فِي مُقَابلَة الْفضة وَنصفا فِي مُقَابلَة الْفُلُوس بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اصرف لي بِهَذَا الدِّرْهَم نصف فضَّة وَنصف فلوس لَا يجوز لِأَنَّهُ إِذا قسط عَلَيْهِمَا ذَلِك احْتمل التَّفَاضُل وَيجوز بيع الْجَوْز بالجوز واللوز باللوز كَيْلا وَإِن اخْتلفت القشور وَبيع لب كل بِمثلِهِ وَإِنَّمَا امْتنع بيع مَا نزع نَوَاه من التَّمْر لبُطْلَان كَمَاله وَسُرْعَة فَسَاده بِخِلَاف لب الْجَوْز واللوز وَيجوز بيع الْبيض مَعَ قشره ببيض كَذَلِك وزنا إِن اتَّحد الْجِنْس فَإِن اخْتلف جَازَ مُتَفَاضلا (و) حرم على من ملك آدمية وَوَلدهَا (تَفْرِيق بَين أمة) وَإِن رضيت أَو كَانَت كَافِرَة أَو مَجْنُونَة لَهَا شُعُور تتضرر مَعَه بِالتَّفْرِيقِ أَو آبقة مَا لم يحصل الْيَأْس من عودهَا وَفرع وَلَو من زنا (لم يُمَيّز) بِأَن يصير الْوَلَد بِحَيْثُ يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويستنجي وَحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَلَا يقدر هُنَا بِسبع سِنِين وَمن غير الْمُمَيز الْمَجْنُون قبل إِفَاقَته (بِنَحْوِ بيع) كَهِبَة وقرض وَقِسْمَة وَيجوز التَّفْرِيق إِن اخْتلف الْمَالِك أَو كَانَ أَحدهمَا حرا كَمَا يجوز بِعِتْق وَوَصِيَّة إِذْ الْمُعْتق محسن وَالْوَصِيَّة لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيق بوضعها وَيصِح بيع أَحدهمَا لمن يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ دون بَيْعه بِشَرْط عتقه كَمَا يَصح لمن أقرّ بحريَّته أَو شهد بهَا وَردت شَهَادَته وَيجوز التَّفْرِيق بِالْوَقْفِ مُحَافظَة على تَحْصِيل الْقرْبَة كَالْعِتْقِ كَمَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر (و) التَّفْرِيق كَبِيرَة فَإِذا فرق بَينهمَا بِبيع أَو غَيره مِمَّا مر تَفْصِيله (بَطل) البيع (فيهمَا) أَي الْأُم وَالْولد على الْأَظْهر لانْتِفَاء الْقُدْرَة على التَّسْلِيم شرعا وَبيع الْوَلَد قبل سقيه اللبأ بَاطِل قطعا (و) حرم (بيع نَحْو عِنَب) كرطب وتمر وزبيب (مِمَّن) من بِمَعْنى اللَّام أَي لمن (ظن أَنه يَتَّخِذهُ مُسكرا) وَمثل ذَلِك كل تصرف يُفْضِي إِلَى مَعْصِيّة كَبيع أَمْرَد لمن عرف بِالْفُجُورِ وَأمة لمن يتخذها لغناء محرم وخشب لمن يَتَّخِذهُ آلَة لَهو ودابة لمن يكلفها فَوق طاقتها وورق مُشْتَمل على نَحْو اسْم الله تَعَالَى لمن يَتَّخِذهُ كاغدا للدراهم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ امتهان وثوب حَرِير للبس رجل بِلَا نَحْو ضَرُورَة وَسلَاح لنَحْو بَاغ وقاطع طَرِيق وديك للمهارشة وكبش للمناطحة وَالْحُرْمَة ثَابِتَة وَإِن كَانَ الْمَبِيع لنَحْو صبي وَلم يُوجد من يرغب فِيهِ بذلك غير الْمُتَّخذ الْمَذْكُور (و) حرم مَعَ علم التَّحْرِيم (احتكار قوت) كتمر وزبيب وكل مجزىء فِي الْفطْرَة بِأَن يمسك مَا اشْتَرَاهُ من الْقُوت فِي وَقت الغلاء عرفا ليَبِيعهُ بِأَكْثَرَ عِنْد اشتداد حَاجَة أهل مَحَله أَو غَيرهم إِلَيْهِ وَإِن لم يشتره بِقصد ذَلِك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحتكر إِلَّا خاطىء أَي آثم أما احتكار طَعَام غير قوت واحتكار قوت لم يشتره كغلة ضيعته أَو اشْتَرَاهُ وَقت الرُّخص أَو وَقت الغلاء لنَفسِهِ وَعِيَاله أَو ليَبِيعهُ لَا بِأَكْثَرَ أَو ليَبِيعهُ بِأَكْثَرَ وَهُوَ جَاهِل بِالنَّهْي فَلَا يحرم ذَلِك الاحتكار وَالْأولَى بيع مَا فضل عَن كِفَايَة ممونه سنة فَإِن خَافَ المحتكر جَائِحَة فِي زرع السّنة الثَّانِيَة فَلهُ بِلَا كَرَاهَة إمْسَاك كفايتها وَذَلِكَ إِن لم يشْتَد حَاجَة النَّاس لما عِنْده وَإِلَّا أجبر على بيع مَا فَوق كِفَايَة سنة وَهَذَا حَيْثُ لم يتَحَقَّق إضطرار نَاس معِين وَإِلَّا لم يبْق لَهُ شَيْء وكما يحرم الاحتكار يحرم صد جالب مَا تكْثر حَاجَة أهل الْبَلَد إِلَيْهِ عَن تَعْجِيل بيع وَلَو كَانَ نَقْدا أَو اختصاصا بِأَن يَقُول إِنْسَان ابْتِدَاء لمن جلبه اتركه عِنْدِي أَو عنْدك لأبيعه لَك على التدريج بأغلى أَو بِنَوْع أرفع أَو ليَبِيعهُ فلَان معي سَوَاء كَانَ الجالب بدويا وصاده حضريا أم لَا وَإِن كَانَ الجالب قادما لوطنه على مَا اعْتَمدهُ ابْن حجر فِي فتح الْجواد وَقَالَ فِي التُّحْفَة إِن بعض أهل الْبَلَد لَو كَانَ عِنْده مَتَاع مخزون فَأخْرجهُ ليَبِيعهُ بِسعْر يَوْمه فتعرض لَهُ من يفوضه لَهُ ليَبِيعهُ تدريجا بأغلى حرم أَيْضا لَكِن اعْتمد الشبراملسي نقلا عَن بَعضهم عدم الْحُرْمَة لِأَن النُّفُوس لَهَا تشوف لما يقدم بِهِ بِخِلَاف الْحَاضِر وَيخْتَص التَّحْرِيم بالصَّاد أما الجالب فقد دفع الْإِثْم عَنهُ غَرَضه الرِّبْح لإباحته لقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 198 وإعانة الجالب على الْمعْصِيَة غير مُحَققَة لانقضائها بِانْقِضَاء كَلَام الصَّاد إِذْ يحرم عَلَيْهِ ذَلِك الصد وَإِن لم يجبهُ الجالب وَالْعلَّة فِي تَحْرِيم الصد التَّضْيِيق على النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فَإِن التمس الجالب من الْحَاضِر بِأَن قَالَ لَهُ ابتداءا أترك هَذَا عنْدك لتبيعه بالتدريج أَو انْتَفَى عُمُوم حَاجَة أهل الْبَلَد إِلَى ذَلِك المجلوب بِأَن لم يحْتَج إِلَيْهِ أصلا أَو إِلَّا نَادرا أَو عَمت وَقصد الجالب بَيْعه بالتدريج فَسَأَلَهُ الحضري أَن يفوضه إِلَيْهِ أَو قصد بَيْعه بِسعْر يَوْمه فَقَالَ لَهُ اتركه عِنْدِي لأبيعه كَذَلِك لم يحرم لِأَنَّهُ لم يضر بِالنَّاسِ وَمثل البيع فِي ذَلِك الحكم الْإِجَارَة فَلَو أَرَادَ شخص أَن يُؤجر محلا حَالا فأرشده شخص إِلَى تَأْخِير الْإِجَارَة لوقت كَذَا حرم ذَلِك لما فِيهِ من إِيذَاء الْمُسْتَأْجر وكما يحرم صد الجالب يحرم اشْتِرَاء مَتَاعه من غير طلب مِنْهُ حَال كَونه خَارِجا عَن الْبَلَد مثلا قبل علمه بِسعْر الْمَتَاع وَإِن لم يقْصد المُشْتَرِي التلقي وَإِن لم يكن المجلوب مِمَّا تعم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلم يكن الجالب غَرِيبا فيعصي بِالشِّرَاءِ وَيصِح وللجالب الْخِيَار فَوْرًا إِذا عرف الْغبن وَلَو قبل قدومه الْبَلَد وَالْعلَّة فِي التَّحْرِيم غبن الجالب سَوَاء أخبر كَاذِبًا أم لم يخبر وَقيل خشيَة حبس المُشْتَرِي لما يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فيضيق على أهل الْبَلَد وَلَا إِثْم للْمُشْتَرِي وَلَا خِيَار للجالب بتلقيه فِي الْبَلَد قبل الدُّخُول للسوق لتَقْصِيره حِينَئِذٍ وَلَو اشْترى مِنْهُ قبل التَّمَكُّن من معرفَة السّعر حرم وَثَبت الْخِيَار لعدم تَقْصِيره فَأشبه مَا لَو اشْترى مِنْهُ قبل دُخُوله الْبَلَد وَلَا خِيَار أَيْضا فِيمَا لَو عرف الجالب سعر الْبَلَد الْمَقْصُود وَلَو بِخَبَر المُشْتَرِي إِن صدقه فِيهِ فَاشْترى مِنْهُ بِهِ أَو بِدُونِهِ وَلَو قبل قدومه الْبَلَد لانْتِفَاء الْغبن وَلَا فِيمَا إِذا اشْترى مِنْهُ بِطَلَبِهِ وَلَو غبنه وَفِيمَا إِذا لم يعرف السّعر وَلَكِن اشْترى بِهِ أَو بِأَكْثَرَ لَا خِيَار على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَلَا إِثْم إِذْ لَا تغرير (و) حرم مَعَ علم التَّحْرِيم أَيْضا (سوم على سوم) بِأَن يزِيد على آخر فِي ثمن مَا يُرِيد أَو يخرج لَهُ أرخص مِنْهُ أَو يرغب الْمَالِك فِي اسْتِرْدَاد الْمَبِيع ليشتريه بأغلى وَإِنَّمَا يحرم ذَلِك (بعد تقرر ثمن) بِأَن يكون الْمُتَبَايعَانِ قد صرحا بالتوافق على شَيْء معِين وَإِن كَانَ أنقص من قِيمَته بِخِلَاف مَا لَو انْتَفَى ذَلِك الِاسْتِقْرَار أَو كَانَ الْمَبِيع يُطَاف بِهِ طلبا للزِّيَادَة فَتجوز الزِّيَادَة فِيهِ إِذا كَانَت بِقصد الشِّرَاء وَإِلَّا حرمت لِأَنَّهَا من النجش بل يحرم على من لم يرد الشِّرَاء أَخذ الْمَتَاع الَّذِي يُطَاف بِهِ لمُجَرّد التفرج عَلَيْهِ لِأَن صَاحبه إِنَّمَا يَأْذَن عَادَة فِي تقليبه لمريد الشِّرَاء وَيدخل فِي ضَمَانه بِمُجَرَّد ذَلِك حَتَّى لَو تلف فِي يَد غَيره كَانَ طَرِيقا فِي الضَّمَان لِأَنَّهُ غَاصِب بِوَضْع يَده عَلَيْهِ فليتنبه لَهُ فَإِنَّهُ يَقع كثيرا أما لَو زَاد الثّمن لَا على نِيَّة الْأَخْذ بل لمُجَرّد إِضْرَار الْغَيْر فَهُوَ حرَام لِأَن ذَلِك نجش وَلَو زَاد على نِيَّة الْأَخْذ لَا لغَرَض بل لإضرار غَيره حرم وَمَعَ ذَلِك لَا يحرم على الْمَالِك بيع الطَّالِب بِتِلْكَ الزِّيَادَة كَذَا قَالَ الشبراملسي وَحُرْمَة السّوم بعد عقد وَقبل لُزُومه بِأَن يكون الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي زمن خِيَار مجْلِس أَو شَرط أَشد من الْحُرْمَة قبل العقد وَبعد التَّرَاضِي بِالثّمن لِأَن الْإِيذَاء هُنَا أَكثر وَذَلِكَ بِأَن يَبِيع على بيع الْغَيْر بِأَن يرغب المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ ليَبِيعهُ خيرا من ذَلِك الْمَبِيع بِمثل ثمنه أَو مثل ذَلِك بِأَقَلّ أَو يَشْتَرِي على شِرَائِهِ بِأَن يرغب البَائِع فِي الْفَسْخ ليَشْتَرِي السّلْعَة مِنْهُ بِأَكْثَرَ وَمن ذَلِك أَن يَبِيع بِحَضْرَة مُشْتَر مثل الْمَبِيع بأرخص وَأَن يطْلب السّلْعَة من المُشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَالْبَائِع حَاضر قبل لُزُوم العقد فَيحرم ذَلِك لأدائه إِلَى الْفَسْخ أَو النَّدَم (و) حرم (نجش) أَي إثارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الرَّغْبَة فِي السّلْعَة وَهُوَ أَن يزِيد فِي ثمن سلْعَة معروضة للْبيع لَا لرغبة فِي شِرَائهَا بل ليخدع غَيره أَو لينفع البَائِع وَلَا فرق بَين بُلُوغ السّلْعَة قيمتهَا أَو لَا وَكَونهَا ليتيم أَو غَيره وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي لتَفْرِيطه حَيْثُ لم يتَأَمَّل وَلم يسْأَل وَكَذَا لَا خِيَار فِيمَا لَو أخبرهُ عَارِف بِأَن هَذَا عقيق أَو فيروزج فَاشْتَرَاهُ فَبَان خِلَافه وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا مُقْتَصرا عَلَيْهِ أما لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العقيق أَو الفيروزج فَبَان خِلَافه لم يَصح العقد لِأَنَّهُ حَيْثُ سمي جِنْسا فَبَان خِلَافه فسد بِخِلَاف مَا لَو سمي نوعا وَتبين من غَيره فَإِن البيع صَحِيح وَيثبت الْخِيَار كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَلَو لم يواطىء البَائِع الناجش فَلَا خِيَار جزما ومدح السّلْعَة ليرغب فِيهَا بِالْكَذِبِ كالنجش فصل فِي الْخِيَار وَهُوَ طلب خير الْأَمريْنِ وهما هُنَا إِمْضَاء البيع وفسخه وَهُوَ إِمَّا خِيَار ترو وَله سببان الْمجْلس وَالشّرط وَإِمَّا خِيَار نقص وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِفَوَات مَقْصُود مظنون نَشأ الظَّن فِي الْمَقْصُود من الْتِزَام شرطي أَو تغرير فعلي أَو قَضَاء عرفي وَقد ذكر الخيارات الثَّلَاثَة مرتبَة فَقَالَ (يثبت) لكل من المتعاوضين مَا دَامَ فِي الْمجْلس (خِيَار مجْلِس فِي) كل مُعَاوضَة مَحْضَة وَاقعَة على عين لَيْسَ فِيهَا تملك قهري وَلَا جرت مجْرى الرُّخص وَيكون فِي أَنْوَاع (بيع) وَيَنْقَطِع خِيَار الْمجْلس بالتخاير من الْعَاقِدين بِأَن يختارا لُزُوم العقد صَرِيحًا كتخايرناه وأجزناه وأمضيناه وألزمناه وأبطلنا الْخِيَار وأفسدناه أَو ضمنا بِأَن يتبايعا الْعِوَضَيْنِ بعد قبضهما فِي الْمجْلس فَإِن ذَلِك يتَضَمَّن الرِّضَا بِلُزُوم الأول وَمن كنايات الْخِيَار قَوْله أَحْبَبْت العقد أَو كرهته (و) تبعض الْخِيَار فِي ذَلِك بِاخْتِيَار لُزُوم العقد لَهُ أَو لنَحْو الطِّفْل فَعلم من ذَلِك أَنه (سقط خِيَار من اخْتَار لُزُومه) أَي البيع من أحد الْعَاقِدين وَبَقِي خِيَار الآخر وَلَو كَانَ مُشْتَريا نعم لَو كَانَ البيع مِمَّن يعْتق على المُشْتَرِي سقط خِيَاره أَيْضا للْحكم بِعِتْق الْمَبِيع بعد اخْتِيَار البَائِع اللُّزُوم فَإِن قَالَ للْآخر اختر انْقَطع خِيَار الْقَائِل مُطلقًا لتَضَمّنه الرِّضَا باللزوم وَكَذَا الْمَقُول لَهُ إِن اخْتَار انْقِطَاع الْخِيَار وَفسخ أَحدهمَا مقدم على إجَازَة الآخر وَإِن تَأَخّر عَنْهَا (و) انْقَطع أَيْضا خِيَار الْمجْلس بمفارقة مُتَوَلِّي الطَّرفَيْنِ لمجلسه وَخيَار (كل) من الْعَاقِدين (بفرقة بدن عرفا) طَوْعًا وَإِن وَقعت من أَحدهمَا فَقَط نَاسِيا أَو جَاهِلا لَا بِمَوْت وجنون وإغماء ونوم وخرس طَرَأَ فِي الْمجْلس لَهما أَو لأَحَدهمَا فَلَا يَنْقَطِع خِيَار الْمجْلس كَخِيَار الشَّرْط فَينْتَقل الْخِيَار لوَارث تأهل وَلَو عَاما كَالْإِمَامِ عَن بَيت المَال فَإِن لم يتأهل الْوَارِث نصب الإِمَام من يفعل لَهُ الْأَصْلَح وَلَا يبطل خِيَار مكره بِنَحْوِ فِرَاقه وَإِن لم يسد فَمه بل بمفارقته الْمجْلس الَّذِي زَالَ فِيهِ الْإِكْرَاه إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ بِوَجْه لِأَن السُّكُوت عَن الْفَسْخ لَا يقطع الْخِيَار وَيبقى خِيَار الآخر إِن منع من اتِّبَاعه وَيعْتَبر فِي التَّفَرُّق الْعرف كالمشي إِلَى ثَلَاثَة أَذْرع فَلَا يحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 التَّفَرُّق بإرخاء ستر وَلَا بِإِقَامَة جِدَار بَينهمَا لِأَن الْمجْلس بَاقٍ (وَحلف نافي فرقة) إِذا تنَازع العاقدان فِي أصل التَّفَرُّق وَإِن طَال الزَّمن (أَو فسخ قبلهَا) أَي الْفرْقَة بِأَن اتفقَا على التَّفَرُّق وتنازعا فِي الْفَسْخ قبله أَي صدق مُنكر أَحدهمَا بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل دوَام الِاجْتِمَاع وَعدم الْفَسْخ فَالْخِيَار بَاقٍ لَهُ فَإِن اتفقَا على عدم التَّفَرُّق وَادّعى الآخر الْفَسْخ انْفَسَخ العقد إِذْ دَعْوَى الْفَسْخ فسخ (و) يثبت (لَهما) أَي الْعَاقِدين ولأحدهما المبتدىء بِالْإِيجَابِ أَو الْقبُول (شَرط خِيَار) بِأَن يتَلَفَّظ كل مِنْهُمَا بِالشّرطِ أَو يتَلَفَّظ المبتدىء بِهِ وَيُوَافِقهُ الآخر من غير تلفظ بِهِ أما لَو شَرط من تَأَخّر قبُوله أَو إِيجَابه بَطل العقد وَالشّرط لانْتِفَاء الْمُطَابقَة نعم إِن اخْتصَّ شَرط الْخِيَار بمشتر بعضه كابنه أَو أَبِيه لم يجز لعتقه عَلَيْهِ لاخْتِصَاص الْملك بِهِ فَيلْزم من ثُبُوت الْخِيَار عدم ثُبُوته بِخِلَاف شَرطه لَهما أَو للْبَائِع إِذْ لَا يعْتق إِلَّا باللزوم وَخيَار الْمجْلس وَالشّرط متلازمان وَقد يمْتَنع خِيَار الشَّرْط وَيثبت خِيَار الْمجْلس لِأَنَّهُ أولى لقصر زَمَنه وَلَا عكس فَحِينَئِذٍ لَا يجوز شَرط الْخِيَار إِن حرم تفرق بِلَا قبض كَمَا فِي الرِّبَوِيّ وَالسّلم لِأَنَّهُ أولى بِالْمَنْعِ من التَّأْجِيل الْمُمْتَنع فيهمَا وَالْخيَار الْمَشْرُوط للمشروط لَهُ من عَاقد أَو مُوكل أَو أَجْنَبِي بَالغ وَلَو سَفِيها سَوَاء أشرط العاقدان الْخِيَار لوَاحِد أم أَحدهمَا لوَاحِد وَالْآخر لآخر لِأَن الْحَاجة قد تَدْعُو إِلَى الْأَجْنَبِيّ لكَونه أعرف دون الشارط وموكله فَقَوْل الْعَاقِد بِعْت على أَن أشاور يَوْمًا مثلا صَحِيح وَيكون شارط الْخِيَار لنَفسِهِ فَإِن مَاتَ الْأَجْنَبِيّ الْمَشْرُوط لَهُ انْتقل الْخِيَار للعاقد مَالِكًا كَانَ أَو وَكيلا لَا إِلَى الْمُوكل أَو مَاتَ الْوَكِيل انْتقل للْمُوكل لَا لوَارث الْوَكِيل وَيشْتَرط لصِحَّة شَرط الْخِيَار بَيَان الْمدَّة فَلَا بُد من بَيَانهَا وَإِلَّا بَطل العقد وَيشْتَرط أَن تكون الْمدَّة (ثَلَاثَة أَيَّام) مُتَوَالِيَة (فَأَقل) مِنْهَا لَا فَوْقهَا اقتصارا على مورد النَّص وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة ثمَّ أَنْت بِالْخِيَارِ فِي كل سلْعَة ثَلَاث لَيَال والخلابة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وبالموحدة مَعْنَاهَا لَا غبن وَلَا خديعة وَجَاز الْأَقَل بِالْأولَى لَكِن بِشَرْط كَونه مُقَدرا وتحسب الْمدَّة الْمَشْرُوطَة (من) حِين العقد إِن وَقع الشَّرْط فِيهِ وَإِلَّا بِأَن وَقع بعده فِي الْمجْلس فَمن (الشَّرْط) وَإِن مضى قبله ثَلَاثَة أَيَّام فَأكْثر فَإِن شَرط الْخِيَار من التَّفَرُّق بَطل العقد وَلَو شَرط ثَلَاثَة أَيَّام من طُلُوع الْفجْر لم تدخل اللَّيْلَة الثَّالِثَة لليوم الثَّالِث لِأَن شَرط الْخِيَار لم يتَنَاوَل تِلْكَ اللَّيْلَة (وَيحصل فسخ) للْعقد فِي زمن الْخِيَار بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ صَرِيحًا أَو كِنَايَة فصريحه حَاصِل (بِنَحْوِ فسخت) البيع كرفعته واسترجعت الْمَبِيع ورددت الثّمن وكنايته نَحْو هَذَا البيع لَيْسَ بِحسن (وإجازة) لَهُ فِيهِ بِلَفْظ يدل عَلَيْهَا صَرِيحًا أَو كِنَايَة فصريحها حَاصِل (بِنَحْوِ أجزت) البيع كأمضيته وألزمته وكنايتها ثَنَاء على الْمَبِيع بِنَحْوِ هُوَ حسن ثمَّ فِي ملك الْمَبِيع وَالثمن مَعَ ريعهما فِي زمن خِيَار الْمجْلس وَالشّرط تَفْصِيل فَإِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو لأَجْنَبِيّ عَنهُ فَملك الْمَبِيع مَعَ ريعه لَهُ وَملك الثّمن مَعَ توابعه للْمُشْتَرِي وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي أَو لأَجْنَبِيّ عَنهُ فَلهُ ملك الْمَبِيع وَللْبَائِع ملك الثّمن أما إِن كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَجْنَبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 عَنْهُمَا فالملك فِي الْمَبِيع وَالثمن مَوْقُوف فَإِن تمّ البيع فَملك الْمَبِيع للْمُشْتَرِي وَملك الثّمن للْبَائِع من حِين العقد وَإِن فسخ فَللْبَائِع ملك الْمَبِيع وَللْمُشْتَرِي ملك الثّمن من حِين العقد (و) يثبت خِيَار النقيضة وَهُوَ كَمَا مر الْمُتَعَلّق بِفَوَات مَقْصُود مظنون نَشأ الظَّن فِي الْمَقْصُود من الْتِزَام شرطي أَو قَضَاء عرفي أَو تغرير فعلي فالمتعلق بِالْتِزَام شرطي هُوَ مُخَالفَة الشَّرْط إِلَى مَا هُوَ أدون كَمَا إِذا شَرط الْعَاقِد وَصفا مَقْصُودا ككون العَبْد كَاتبا وَكَون الْأمة حَامِلا أَو ذَات لبن أَو كثيرته وَكَون الدَّابَّة كَذَلِك فَيصح العقد مَعَ ذَلِك الشَّرْط لِأَنَّهُ شَرط يتَعَلَّق بمصلحة العقد وَهُوَ الْعلم بِصِفَات الْمَبِيع الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض وَيثبت (لمشتر) الْخِيَار فَوْرًا إِذا لم يُوجد الشَّرْط الَّذِي شَرطه لفَوَات شَرطه والمتعلق بِقَضَاء عرفي هُوَ وجود عيب قديم فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَقد جَهله الْعَاقِد أَي وجود كل مَا ينقص الْعين أَو الْقيمَة نقصا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح وَقد غلب فِي الْعرف الْعَام عَدمه فِي جنس الْمَبِيع أَو الثّمن فَيثبت لعاقد (جَاهِل) بِالْعَيْبِ سَوَاء كَانَ بَائِعا أَو مُشْتَريا (خِيَار) فِي رد الْمَعْقُود عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ مَبِيعًا أَو ثمنا (ب) ظُهُور (عيب) بَاقٍ إِلَى الْفَسْخ (قديم) أَي سَابق على العقد إِجْمَاعًا وَكَذَا بِعَيْب حَادث بعد العقد بِآفَة أَو بِفعل بَائِع أَو أَجْنَبِي وَقبل قبض وَكَذَا بعد الْقَبْض واستند إِلَى سَبَب سَابق على العقد أَو الْقَبْض لِأَن الْمَبِيع حِينَئِذٍ من ضَمَان البَائِع كَمَا لَو اشْترى بكرا مُزَوّجَة وَهُوَ جَاهِل فأزال الزَّوْج بَكَارَتهَا فَلهُ الرَّد فَإِن كَانَ عَالما فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا أرش لرضاه بِسَبَبِهِ وَالْأَوْجه أَنه إِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع فَقَط تخير بِمَا حدث فِي زمن الْخِيَار وَلَو بعد الْقَبْض وَلَا يثبت الْخِيَار إِن حدث الْعَيْب قبل الْقَبْض لفعل مُشْتَر كَأَن قطع أصْبع الْمَبِيع فَلَا يتَخَيَّر بل يمنعهُ ذَلِك من الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَإِن زَالَ مَا أحدثه على الْأَوْجه لتَقْصِيره وَلِأَن إِتْلَافه قبض للمتلف فيستقر عَلَيْهِ ضَمَانه بِجُزْء من الثّمن بِنِسْبَة نقص الْقيمَة بِالْقطعِ إِلَى تَمامهَا لَو كَانَ سليما فَلَو قطع المُشْتَرِي يَد عبد قِيمَته ثَلَاثُونَ فَصَارَت بِالْقطعِ عشْرين ثمَّ مَاتَ قبل الْقَبْض اسْتَقر عَلَيْهِ ثلث الثّمن كَذَا فِي فتح الْجواد ثمَّ الْعُيُوب سِتَّة أَقسَام الأول عيب الْمَبِيع وَمثله عيب الْغرَّة أَي الرَّقِيق الَّذِي وَجب فِي دِيَة الْجَنِين فَإِنَّهُ يشْتَرط أَن يكون سليما من عيب الْمَبِيع الثَّانِي عيب الْأُضْحِية وَالْهدى والعقيقة وَهُوَ مَا نقص اللَّحْم الثَّالِث عيب الْإِجَارَة وَهُوَ مَا أثر فِي الْمَنْفَعَة تَأْثِيرا يظْهر بِهِ تفَاوت فِي الْأُجْرَة الرَّابِع عيب النِّكَاح وَمَا ينفر عَن الْوَطْء وَيكسر الشَّهْوَة الْخَامِس عيب الصَدَاق إِذا طلق قبل الدُّخُول وَهُوَ مَا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح سَوَاء غلب فِي جنسه عَدمه أم لَا السَّادِس عيب الْكَفَّارَة وَهُوَ مَا أضرّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَينا وَالْعَيْب هُنَا (كاستحاضة) وتطاول طهر فَوق عَادَة غالبة وَعدم حيض بعد عشْرين سنة لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يكون لعِلَّة وَحمل فِي جَارِيَة لَا بَهِيمَة (وسرقة) وَلَو اختصاصا (وإباق) إِلَّا إِذا جَاءَ الرَّقِيق إِلَيْنَا مُسلما من بِلَاد الْهُدْنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 لِأَن هَذَا إباق مَطْلُوب أَو إِلَى الْحَاكِم لضَرَر من نَحْو سَيّده أَو إِلَى من يتَعَلَّم مِنْهُ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة حَيْثُ لم يغنه السَّيِّد عَنهُ فَلَا يثبت بذلك الْخِيَار وَمحل الرَّد بالإباق إِذا عَاد وَإِلَّا فَلَا رد وَلَا أرش اتِّفَاقًا (وزنا) فِي رَقِيق ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مرّة من صَغِير لَهُ نوع تَمْيِيز وَإِن تَابَ وَحسن حَاله ولواط العَبْد وتمكينه من نَفسه وسحاقة الْأمة (وَبَوْل بفراش) مَعَ اعتياده ذَلِك عرفا وبلوغه سبع سِنِين وَمحل الرَّد بالبول إِن وجد فِي يَد المُشْتَرِي أَيْضا وَإِلَّا فَلَا لتبين أَن الْعَيْب زَالَ وَخرج بالفراش غَيره كَمَا لَو كَانَ يسيل بَوْله وَهُوَ ماش فَإِنَّهُ يثبت بِهِ الْخِيَار بِالطَّرِيقِ الأولى لِأَنَّهُ يدل على ضعف بالمثانة وَمن عُيُوب الرَّقِيق كَونه تَمامًا أَو شتاما أَو آكل الطين أَو البنج أَو الْحَشِيش أَو شاربا للخمر أَو تمتاما مثلا أَو كذابا أَو قذافا وَلَو لغير الْمُحْصنَات أَو مقامرا أَو أَصمّ وَلَو فِي إِحْدَى أُذُنَيْهِ أَو أَقرع أَو أبله أَو أَبيض الشّعْر لدوّنَ أَرْبَعِينَ سنة وَلَيْسَ من الْعُيُوب مَا لَو وجد أنف الرَّقِيق مثقوبا أَو أُذُنه لِأَنَّهُ للزِّينَة كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي (وجماح) بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ امتناعها على راكبها (وعض) وَكَون الدَّابَّة ترهب من كل مَا ترَاهُ وَكَونهَا كَثِيرَة الرفس وَكَونهَا درداء أَي سَاقِطَة الْأَسْنَان لَا لكبر أَو قَليلَة الْأكل (و) الْمُتَعَلّق بتغرير فعلي وجود التَّدْلِيس وَهُوَ حرَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَشنَا فَلَيْسَ منا فَيثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي (بتصرية) من نَحْو البَائِع وَهُوَ ربط أخلاف الْبَهِيمَة أَو ترك حلبه على خلاف عَادَته وتحمير وجنة وتبييض وَجه إيهاما لحسن أَو سمن وتجعيد للشعر إيهاما لقُوَّة الْبدن وَهُوَ مَا فِيهِ التواء وانقباض وتسويده إيهاما أَنه خلقَة (لَا) خِيَار بتلطيخ ثوب الرَّقِيق بشوب ليوهم أَنه كَاتب أَو خباز وبتوريم ضرع شَاة أَو بتكبير بَطنهَا بالعلف كَمَا لَا خِيَار (بِغَبن فَاحش كظن) مُشْتَر نَحْو (زجاجة جَوْهَرَة) لقربها من صفتهَا فاشتراها بِقِيمَتِهَا لتَقْصِيره بِعَمَلِهِ بقضية وهمه من غير بحث وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يثبت الْخِيَار لمن يغبن بل أرشده إِلَى اشْتِرَاطه (وَالْخيَار) فِي الرَّد بِالْعَيْبِ (فوري) إِجْمَاعًا بِأَن يرد المُشْتَرِي الْمَبِيع الْمعِين فِي العقد حَال اطِّلَاعه على عَيبه وَلَو قبل الْقَبْض لِأَن الأَصْل فِي البيع اللُّزُوم فَيبْطل بِالتَّأْخِيرِ من غير عذر وَلِأَنَّهُ خِيَار ثَبت بِالشَّرْعِ لدفع الضَّرَر عَن المَال فَكَانَ فوريا كالشفعة فَلَو قبض شَيْئا عَمَّا فِي الذِّمَّة بِنَحْوِ بيع أَو سلم فَوَجَدَهُ معيبا لم يلْزمه فَور لِأَنَّهُ لَا يملكهُ إِلَّا بِالرِّضَا بِعَيْبِهِ وَلِأَنَّهُ غير مَعْقُود عَلَيْهِ وَلَا يجب فَور فِي طلب الْأَرْش أَيْضا لِأَن أَخذه لَا يُؤَدِّي إِلَى فسخ العقد وَلَا فِي حق جَاهِل بِأَن لَهُ الرَّد وَهُوَ مِمَّن يخفى عَلَيْهِ لعذره بِقرب إِسْلَامه أَو نشئه بَعيدا عَن الْعلمَاء وجاهل بِأَن الرَّد على الْفَوْر إِن كَانَ عاميا يخفى على مثله أَو جَاهِل لحاله فيعذر فِي الرَّد وَلَا بُد من يَمِينه فِي جَمِيع الصُّور وَيشْتَرط أَيْضا لجَوَاز الرَّد ترك اسْتِعْمَال الْمَبِيع مثمنا أَو ثمنا بعد الِاطِّلَاع على الْعَيْب وَلَا يكون اسْتِعْمَال الْوَكِيل وَالْوَلِيّ مسْقطًا للرَّدّ ويعذر فِي ركُوب جموح للرَّدّ يعسر سوقها وقودها وَإِذا سقط رده بتقصير مِنْهُ فَلَا أرش لَهُ لتَقْصِيره فَهُوَ المفوت لَهُ وَلَو حدث عِنْده عيب لَا بِسَبَب وجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فِي يَد البَائِع واطلع على عيب قديم وَالْحَال أَنه لَا خِيَار لَهُ أَو كَانَ الْخِيَار للْبَائِع سقط الرَّد القهري وَلَو حدث عيب لَا يعرف الْقَدِيم إِلَّا بِهِ ككسر رائج رد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَلَا أرش عَلَيْهِ بِخِلَاف بيض نَحْو دَجَاج مذر وَنَحْو بطيخ مدود جَمِيعه فَإِنَّهُ يُوجب فَسَاد البيع لِأَنَّهُ غير مُتَقَوّم فَيرجع المُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن وَيلْزم البَائِع تنظيف الْمحل من قشوره لاختصاصها بِهِ فصل فِي حكم الْمَبِيع وَالثمن قبل قبضهما وَبعده وَبَيَان الْقَبْض (الْمَبِيع قبل قَبضه من ضَمَان بَائِع) بِمَعْنى أَن البيع يَنْفَسِخ قبل قبض وَكَذَا بعده فِي زمن الْخِيَار إِذا كَانَ الْملك للْبَائِع بِتَلف الْمَبِيع بِآفَة أَو إِتْلَاف بَائِع وَأَن الْخِيَار يثبت بتعيبه وَخرج بِالْمَبِيعِ زوائده الْمُنْفَصِلَة فَإِنَّهَا أَمَانَة فِي يَده وَمثل الْمَبِيع الثّمن وَإِنَّمَا انْفَسَخ البيع بالتلف لتعذر قَبضه فَسقط الثّمن إِن لم يقبض وَإِلَّا رده للْمُشْتَرِي (وَإِتْلَاف مُشْتَر) أهل لقبض الْمَبِيع حسا أَو شرعا (قبض) لَهُ إِن علم أَنه الْمَبِيع وَلم يكن لعَارض يبيحه فَخرج قَتله لدفع صياله وَلَو على غَيره وَلأَجل حد لزمَه وَالْمُشْتَرِي الإِمَام أَو نَائِبه أَو لزناه بِأَن زنى ذِمِّيا مُحصنا ثمَّ حَارب ثمَّ أرق أَو لردته أَو لنَحْو تَركه الصَّلَاة فَلَا يكون الْإِتْلَاف فِي هَذِه الصُّور كلهَا قبضا سَوَاء أَكَانَ عَالما أَنه الْمَبِيع أم جَاهِلا لِأَنَّهُ لما أتْلفه بِحَق كَانَ تلفه وَاقعا عَن ذَلِك الْحق دون غَيره وَالْمرَاد بالمشتري هُوَ الْمَالِك وَإِن لم يُبَاشر العقد لَا وَكيله وَإِن بَاشرهُ بل هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن أذن لَهُ الْمَالِك فِي الْقَبْض وَلَا وليه من أَب أَو جد أَو وَصِيّ أَو قيم فَلَا يكون إتلافهم قبضا وَذَلِكَ إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو لَهما وَإِلَّا انْفَسَخ البيع فيسترد المُشْتَرِي الثّمن وَيغرم للْبَائِع بدل الْمَبِيع من قيمَة أَو مثل (وَيبْطل تصرف بِنَحْوِ بيع فِيمَا لم يقبض) أَي فَلَا يَصح قبل قبض نَحْو الْمَبِيع تصرف ككتابة وَرهن وَصدقَة وَإِجَارَة وإقراض وَجعله عوضا فِي نَحْو سلم وَصلح وَنِكَاح وخلع لضعف الْملك لانفساخ الْمَبِيع بتلفه وَإِن أذن البَائِع مثلا وَقبض الثّمن أَو كَانَ تصرفه مَعَه نعم إِن بَاعه المُشْتَرِي لَهُ بِعَين الثّمن أَو مثله إِن تلف أَو كَانَ الثّمن فِي الذِّمَّة صَحَّ وَكَانَ إِقَالَة بِلَفْظ البيع وَخرج بِالْمَبِيعِ زوائده الْحَادِثَة بعد العقد فَيصح بيعهَا لعدم ضَمَانهَا وَيمْتَنع التَّصَرُّف بعد الْقَبْض أَيْضا إِذا كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَوله وَللْمُشْتَرِي مَعًا وَلَو اشْترى طَعَاما مُقَدرا بِالْكَيْلِ فَقَبضهُ جزَافا لَا يَصح التَّصَرُّف فِيهِ حَتَّى يكيله وَيدخل فِي ضَمَانه (لَا بِنَحْوِ إِعْتَاق) من إيلاد من مُشْتَر وَأَصله وَلَو مُعَلّقا وتدبير وتزويج وَإِجَارَة لما اكتراه من مؤجر فَلَا يمْتَنع شَيْء مِنْهَا قبل الْقَبْض وَإِن اسْتحق البَائِع الْحَبْس لقُوَّة هَذِه الْمَذْكُورَات نعم يمْتَنع عتق الْمَبِيع بِمَال وَعَن كَفَّارَة الْغَيْر (وَقبض غير مَنْقُول) وَمَا يعد تَابعا لَهُ من أَرض وَبِنَاء وَشَجر سَوَاء كَانَ رطبا أَو يَابسا وَنَحْوهَا مِمَّا لَا ينْقل عَادَة كسفينة كَبِيرَة على الْبر وَثَمَرَة مبيعة وَزرع ظهر مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْمَقْصُود أَي إقباض ذَلِك يحصل (بتخلية) من البَائِع أَو وَكيله (لمشتر) أَو وَكيله بِلَفْظ يدل عَلَيْهَا مَعَ تَسْلِيم مِفْتَاح مَا لَهُ مِفْتَاح وَمَعَ إخلاء للْمَبِيع حَيْثُ لم يكن غَائِبا من مَتَاع بَائِع أَو أَجْنَبِي وَلَا يشْتَرط إخلاء أَرض مبيعة من زرع فِيهَا للْبَائِع أَو غَيره بل يَكْفِي فِيهَا مُجَرّد التَّخْلِيَة لتعذر تفريغها حَالا غَالِبا وَلَا إخلاء عقار من مَتَاع مُشْتَر نعم يسامح فِي حقير كحصير وَبَعض ماعون (و) قبض (مَنْقُول) غير غَائِب كسفينة صَغِيرَة أَو كَبِيرَة على الْبَحْر (بنقله) من مَحَله إِلَى مَحل آخر مَعَ تَفْرِيغ السَّفِينَة المشحونة بالأمتعة الَّتِي لغير المُشْتَرِي وَلَا يشْتَرط فِي قبض الدَّابَّة تَفْرِيغ ظهرهَا من أَمْتعَة غير المُشْتَرِي وَيفرق بَينهَا وَبَين السَّفِينَة بِأَنَّهَا تعد ظرفا لما فِيهَا لُغَة وَعرفا فَأَشْبَهت الدَّار بِخِلَاف الدَّابَّة أما غَائِب عَن مَحل العقد غير مَنْقُول أَو مَنْقُول بيد مُشْتَر أَو أَجْنَبِي فَيَكْفِي فِي غير الْمَنْقُول التَّخْلِيَة مَعَ مُضِيّ زمن يُمكن فِيهِ الْوُصُول للْمَبِيع والتفريغ وَفِي الْمَنْقُول مُضِيّ زمن يُمكن فِيهِ النَّقْل وَيَكْفِي فِي حَاضر بيد مُشْتَر أَو أَجْنَبِي وَلَا أَمْتعَة فِيهِ لغير مُشْتَر مُضِيّ زمن يُمكن التَّخْلِيَة فِي غير مَنْقُول وَالنَّقْل فِي الْمَنْقُول وَلَا يحْتَاج فِي الْكل إِلَى إِذن البَائِع إِلَّا إِن كَانَ لَهُ حق الْحَبْس وَقبض خَفِيف يُؤْخَذ بِالْيَدِ كَثوب حَاصِل يتَنَاوَل بِالْيَدِ وَإِن لم يتَحَوَّل عَن مَكَانَهُ وَإِن تَركه بعد ذَلِك بدار البَائِع أَو كَانَ فِي مَحل يخْتَص بِهِ وَقبض جُزْء شَائِع حَاصِل بِقَبض الْجَمِيع لَكِن إِن كَانَ لَهُ شريك لم يجز نقل الْمَنْقُول إِلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَاف التَّخْلِيَة لَا تتَوَقَّف على إِذن الشَّرِيك وَالزَّائِد على الْجُزْء أَمَانَة بيد الْقَابِض إِن أذن مَالِكه فِي قَبضه وَيضمن البَائِع فِي هَذِه الصُّورَة بِالتَّعَدِّي بِتَسْلِيم الْمشَاع لَا بِالتَّخْلِيَةِ وَيشْتَرط فِي صِحَة التَّصَرُّف أَيْضا رُؤْيَة الْقَابِض للمقبوض وَلَا يَصح بيع الْمُثمن الَّذِي فِي الذِّمَّة نَحْو الْمُسلم فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ قبل قَبضه بِغَيْر نَوعه لعُمُوم النَّهْي عَن بيع مَا لم يقبض وَلعدم استقراره وَجَاز بيع دين مُسْتَقر غير مثمن كَثمن بِذِمَّة وَأُجْرَة وصداق وَعوض صلح بِغَيْر دين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فَقَط إِن عين عوضه فِي مجْلِس الِاسْتِبْدَال ليخرج عَن بيع الدّين بِالدّينِ (وَجَاز استبدال عَن ثمن) ثَابت فِي الذِّمَّة وَإِن لم يقبض الْمَبِيع حَيْثُ كَانَ بعد لُزُوم العقد لَا قبله فَإِن استبدل مُوَافقا فِي جنس الرِّبَا كذهب عَن ذهب اشْترط الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فَلَو كَانَ لَهُ على غَيره دَرَاهِم فَعوضهُ عَنْهَا مَا هُوَ من جِنْسهَا اشْترط الْحُلُول والمماثلة وَقبض مَا جعله عوضا عَمَّا فِي ذمَّته فِي الْمجْلس وَمحل اشْتِرَاط الْمُمَاثلَة حَيْثُ لم يجر التعويض بِلَفْظ الصُّلْح أَو مُوَافقا فِي عِلّة الرِّبَا كدراهم عَن دَنَانِير اشْترط قبض الْبَدَل فِي الْمجْلس حذرا من الرِّبَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِين عَنهُ وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين للبدل فِي عقد الِاسْتِبْدَال بِأَن يَقُول هَذَا لِأَن الصّرْف عَمَّا فِي الذِّمَّة جَائِز وَإِن استبدل مَا لَا يُوَافق فِي عِلّة الرِّبَا فَلَا يشْتَرط الْقَبْض فِي الْمجْلس كَمَا لَو بَاعَ ثوبا بِدَرَاهِم فِي الذِّمَّة لَكِن يشْتَرط تعْيين الثَّوْب فِي الْمجْلس وَالرَّاجِح فِي استبدال الْمُوَافق عدم اشْتِرَاط التَّعْيِين فِي العقد (و) جَازَ استبدال عَن (دين) أَي دين قرض بِأَن تصرف فِيهِ فَلَزِمَهُ بدله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَكَذَا عَن نفس الْقَرْض بِأَن كَانَ بَاقِيا فِي يَد الْمُقْتَرض كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وَعَن بدل الْمُتْلف من قيمَة الْمُتَقَوم وَمثل المثلى حَيْثُ لَا رَبًّا فَلَا تضر زِيَادَة تبرع بهَا الْمُؤَدِّي بِأَن لم يَجْعَلهَا فِي مُقَابلَة شَيْء وَيَكْفِي هُنَا الْعلم بِالْقدرِ وَلَو بِإِخْبَار الْمَالِك إِذْ الْقَصْد الْإِسْقَاط لَا حَقِيقَة الْمُعَاوضَة فَلَو تبين خلاف الْإِخْبَار تبين بطلَان الِاسْتِبْدَال وَلَا يَصح استبدال مُؤَجل عَن حَال وَيصِح عَكسه وَشرط الِاسْتِبْدَال لفظ يدل عَلَيْهِ صَرِيحًا أَو كِنَايَة مَعَ النِّيَّة كأخذته عَنهُ وَالثمن النَّقْد إِن قوبل بِغَيْرِهِ فَإِن لم يُوجد فِي أحد الطَّرفَيْنِ بِأَن كَانَا عرضين أَو نقدين فالثمن مَا اتَّصَلت بِهِ الْبَاء والمثمن مُقَابِله فصل فِي بيع الأَرْض وَالشَّجر وَالثِّمَار (يدْخل فِي بيع أَرض) أَو ساحة أَو عَرصَة أَو بقْعَة (مَا فِيهَا من بِنَاء) وَلَو بِئْرا لَكِن لَا يدْخل المَاء الْمَوْجُود فِيهَا وَقت البيع إِلَّا بِشَرْطِهِ وَهُوَ النَّص عَلَيْهِ (وَشَجر) ثَابت رطب وَلَو شجر موز لَا مقلوع وَلَا جَاف وَيلْحق بِالْبيعِ كل ناقل للْملك كَهِبَة ووقف وَوَصِيَّة وإصداق وَعوض خلع وَصلح وَأُجْرَة وَلَا يدْخل ذَلِك فِي رهن وكل مَا لَا ينْقل الْملك كعارية وَإِجَارَة وَإِقْرَار وَمثل الشّجر مَا يجز مرّة بعد أُخْرَى أَو تُؤْخَذ ثَمَرَته مرّة بعد أُخْرَى وَإِن لم يبْق فِي الأَرْض إِلَّا أقل من سنة كقطن حجازي والقثاء والكرفس وَإِن لم يُثمر (و) يدْخل (فِي) بيع (بُسْتَان أَرض وَشَجر) وعريشة وكل مَاله أصل ثَابت من الزَّرْع (وَبِنَاء) فِيهِ يدْخل وحيطان وجدار منهدم لَا نَحْو غُصْن يَابِس وشجرة وعروق يابسين (و) يدْخل فِي بيع (دَار) عِنْد الْإِطْلَاق (هَذِه) أَي أَرض مَمْلُوكَة للْبَائِع بجملتها حَتَّى تخومها إِلَى الأَرْض السَّابِعَة وَشَجر رطب مغروس فِيهَا ويابس قصد دَوَامه كجعله دعامة بهَا مثلا وكل بِنَاء من علو أَو سفل وَلَو من نَحْو سعف (وأبواب مَنْصُوبَة) أَو مخلوعة وَهِي بَاقِيَة بمحلها أما لَو نقلت من محلهَا فَهِيَ كالمقلوعة فَلَا تدخل فِي البيع وإجانات مثبتة وَهِي مَا يغسل فِيهِ ورف وَسلم مسمران لِأَن الْجَمِيع مَعْدُود من أَجزَاء الدَّار لاتصالها بهَا (لَا) يدْخل (فِي) بيع (قن) ذكر أَو غَيره (ثوب) عَلَيْهِ حَالَة البيع وَلَو سَاتِر عَوْرَته خلافًا للرافعي وَالْمَاوَرْدِيّ وَلَا قرط فِي أُذُنه وَلَا خَاتم فِي يَده وَلَا نعل خلافًا للسبكي (و) يدْخل (فِي) بيع (شجر) رطب بِلَا أَرض عِنْد الْإِطْلَاق أَو مَعَ نَحْو أَرض صَرِيحًا أَو تبعا (عرق) وَلَو امْتَدَّ وَجَاوَزَ الْعَادة مَا لم يخرج عَن أَرض البَائِع (وغصن رطب) لَا يَابِس أما الشّجر الجاف فيتبعه غصنه الْيَابِس وورق رطب وَلَا فرق فِي دُخُول الْوَرق بَين أَن يكون من فرصاد وَسدر وحناء وتوت أَبيض ونيلة وَأَن يكون من غير ذَلِك كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ تبعا لوالده وَاعْتَمدهُ ابْن حجر أَن ورق الْحِنَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وورق النيلة وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا ثَمَر غَيره لَا يدْخل فِي البيع والفرصاد اسْم للتوت الْأَحْمَر خَاصَّة اه (لَا) يدْخل فِي بيع الشّجر (مغرسه) بِكَسْر الرَّاء أَي مَحل غرس الشّجر وَهُوَ مَا سامت الشّجر من الأَرْض وَمَا يَمْتَد إِلَيْهِ عروقه فَلَا يتبعهُ فِي بَيْعه وَلَا فِي استثنائه من الأَرْض الْمَبِيعَة لِأَن اسْم الشّجر لَا يتَنَاوَلهُ فَلَيْسَ لمشتري الشّجر بَيْعه وَلَا غرس بدل ذَلِك الشّجر لَو قلع لَكِن مُسْتَحقّ منفعَته بِلَا عوض فَيجب على مَالِكه أَو مُسْتَحقّ منفعَته بِإِجَارَة أَو وَصِيَّة تَمْكِينه مِنْهُ مَا بَقِي الشّجر حَيا تبعا لَهُ (و) لَا (ثَمَر) وَهُوَ مَا يقْصد من الْمَبِيع وَلَو مشموما كطلع نخل وثمر نَحْو عِنَب وكمام ورد وَنَحْو رمان وَجوز إِن (ظهر) ذَلِك بتشقق وبروز وتفتح وتناثر بعد انْعِقَاد وبانعقاد فَلَا يدْخل ذَلِك الثَّمر فِي بيع الشّجر بل هُوَ للْبَائِع فَإِن شَرط فِيمَا يظْهر أَنه لمشتر وَفِيمَا لم يظْهر أَنه للْبَائِع عمل بِهِ (ويبقيان) أَي الثَّمر الظَّاهِر وَالشَّجر عِنْد الْإِطْلَاق فَيسْتَحق البَائِع تبقية الثَّمر إِلَى أول أَوَان الْجذاذ فَيَأْخذهُ دفْعَة لَا على التدريج إِلَّا فِيمَا اُعْتِيدَ قطعه قبل النضج فَإلَى وَقت عَادَته أَو أَصَابَهُ آفَة وَلم يبْق فِي تَركه فَائِدَة وَيسْتَحق المُشْتَرِي تبقية الشّجر مَا دَامَ حَيا وَإِن بذل لَهُ أرش الْقلع تحكيما للْعَادَة (و) يدْخل (فِي) بيع (دَابَّة) عِنْد الْإِطْلَاق نعلها المسمر وبرتها وَهِي الْحلقَة الَّتِي فِي أنفها لاتصالهما بهَا مَعَ كَون استعمالهما لمَنْفَعَة تعود على الدَّابَّة مَا لم يَكُونَا من ذهب وَفِضة لعدم الْمُسَامحَة حِينَئِذٍ بهما وَلَا يدْخل فِي بيعهَا عذارها ومقودها ولجامها وسرجها وَلَا يَصح بيع الْجَنِين وَحده للنَّهْي عَن بيع الملقوحة وَهِي (حملهَا) أَي الدَّابَّة وَلَا يَصح بيع الْحَامِل دون الْحمل لِأَنَّهُ لَا يجوز إِفْرَاده بِالْعقدِ لتعذر استثنائه لِأَنَّهُ كعضو مِنْهَا وَلَو قَالَ بِعْتُك هَذِه الدَّابَّة وَحملهَا أَو مَعَ حملهَا بَطل البيع كَمَا لَو قَالَ بعتكها وَلبن ضرْعهَا لِأَن مَا لَا يَصح بَيْعه وَحده لَا يَصح بَيْعه مَقْصُودا مَعَ غَيره وَلزِمَ من ذكر الْحمل توزيع الثّمن عَلَيْهِمَا وَهُوَ مَجْهُول وإعطاؤه حكم الْمَعْلُوم إِنَّمَا هُوَ عِنْد كَونه تبعا لَا مَقْصُودا وَلَو بَاعَ حَامِلا مُطلقًا من غير تعرض لدُخُول وَعَدَمه دخل الْحمل فِي البيع إِن كَانَ مالكهما متحدا إِجْمَاعًا وَإِلَّا بَطل البيع فصل فِي اخْتِلَاف الْعَاقِدين وَفِي التَّحَالُف (وَلَو اخْتلف متعاقدان) وَلَو وكيلين أَو اخْتلف الْوَارِث أَو النَّائِب لأَحَدهمَا هُوَ وَالْآخر أَو نَائِبه أَو وَارثه (فِي صفة عقد) فِي مُعَاوضَة مَحْضَة أَو غَيرهَا من بيع صدَاق (و) الْحَال أَنه (قد صَحَّ) العقد باتفاقهما أَو بِيَمِين البَائِع وَقد بَقِي العقد إِلَى حَال النزاع (كَقدْر عوض) بِأَن ادّعى أَحدهمَا نَحْو قدر ومدعي المُشْتَرِي مثلا فِي الْمَبِيع أَكثر أَو مدعي البَائِع مثلا فِي الثّمن أَكثر أَو جنس كذهب وَفِضة أَو صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 كصحاح ومكسرة أَو عين كَقَوْلِه بِعْتُك العَبْد فَيَقُول الآخر بل الْأمة (وَلَا بَيِّنَة) لوَاحِد مِنْهُمَا بمدعاه أَو لكل بَيِّنَة لَكِن الْبَيِّنَتَانِ قد تَعَارَضَتَا بِأَن أطلقتا أَو أطلقت إِحْدَاهمَا وأرخت الْأُخْرَى أَو أرختا بتاريخ وَاحِد (حلف كل) مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِن كَانَ زمن الْخِيَار بَاقِيا سَوَاء أبقى العوضان وقبضا أم لَا نعم عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الْقدر يشْتَرط بَقَاء الْعِوَضَيْنِ يَمِينا وَاحِدَة متلبسة بِنَفْي لقَوْل غَيره وَإِثْبَات لقَوْله بِأَن يجمعهما مقدما للنَّفْي كَأَن يَقُول وَالله مَا بِعْت بِمِائَة بل بِأَلف أَو يَقُول مَا اشْتريت بِأَلف بل بِمِائَة لِأَن كلا مُدع ومدعى عَلَيْهِ وَيحلف الْوَارِث فِي الْإِثْبَات على الْبَتّ إِذا غلب على ظَنّه صدق مُوَرِثه وَفِي النَّفْي على نفي الْعلم فَيَقُول وَالله لَا أعلم أَن مورثي بَاعَ بِكَذَا وَلَقَد بَاعَ بِكَذَا وَإِذا تحَالفا لم يَنْفَسِخ العقد بالتحالف بل يدعوهما الْحَاكِم للاتفاق (فَإِن) رَضِي أَحدهمَا بِدفع مَا طَالبه صَاحبه أجبر الآخر عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَن رِضَاهُ كَمَا لَو رَضِي بِالْعَيْبِ فَإِن لم يتَّفقَا على شَيْء بل (أصرا) على النزاع (فَلِكُل) مِنْهُمَا الْفَسْخ لِأَنَّهُ لاستدراك الظلامة كالفسخ بِالْعَيْبِ (أَو الْحَاكِم فَسخه) أَي العقد وَإِن لم يسألاه قطعا للنزاع ثمَّ بعد الْفَسْخ وَجب على المُشْتَرِي رد الْمَبِيع بزوائده الْمُتَّصِلَة دون الْمُنْفَصِلَة إِن قَبضه المُشْتَرِي وَبَقِي بِحَالهِ وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم فَإِن تلف شرعا كَأَن وَقفه المُشْتَرِي أَو حسا كَأَن مَاتَ أَو تعلق بِهِ حق لَازم ككتابة صَحِيحَة لزمَه قِيمَته إِن كَانَ مُتَقَوّما وَلَو زَادَت على ثمنه وَمثله إِن كَانَ مثلِيا وَلَزِمَه رد قيمَة الرَّقِيق الْآبِق وَهِي قيمَة وَقت التّلف الشَّرْعِيّ أَو الْحسي (وَلَو) اخْتلفَا فِي عقدين كَأَن (ادّعى) أَحدهمَا (بيعا وَالْآخر رهنا) أَو هبة كَأَن قَالَ أَحدهمَا بِعْتُك بِأَلف وَقَالَ الآخر بل وهبتني أَو رهنتني فَلَا تحالف لعدم اتِّفَاقهمَا على عقد وَاحِد بل (حلف كل) مِنْهُمَا (نفيا) أَي على نفي دَعْوَى الآخر كَسَائِر الدَّعَاوَى ثمَّ يرد مدعي البيع ألفا لِأَنَّهُ مقرّ بهَا وَيسْتَرد الْعين بزوائدها الْمُتَّصِلَة والمنفصلة وَإِن اتفقَا على حدوثها فِي ملك الرَّاد لإِثْبَات كل مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ نفي دَعْوَى الآخر فتساقطتا وَبَان بحلفهما أَنه لَا عقد على أَن الْهِبَة لَا تَقْتَضِي ملكا إِلَّا مَعَ قبض بِإِذن وَلم يُوجد وَلَا أُجْرَة لاتِّفَاقهمَا على الْإِذْن لَهُ فِي الِانْتِفَاع (و) إِذا اخْتلفَا فِي صِحَة عقد بِأَن ادّعى أَحدهمَا اشتماله على مُفسد من انْتِفَاء ركن أَو شَرط كَأَن ادّعى بَائِع أَو مُشْتَر عدم الرُّؤْيَة (حلف مدعي صِحَة) فَيصدق غَالِبا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا لِأَن الظَّاهِر فِي الْعُقُود الصِّحَّة وَمن غير الْغَالِب بيع ذِرَاع من أَرض يعلمَانِ ذرعها فَإِذا ادّعى بَائِع أَنه أَرَادَ ذِرَاعا مُبْهما ليفسد البيع بِأَن قَالَ البَائِع عِنْد الِاخْتِلَاف أردْت بِقَوْلِي ذِرَاعا أَنه يفرز لَك ذِرَاع معِين من الْعشْرَة تنْفق عَلَيْهِ وَادّعى مُشْتَر الإشاعة ليَصِح البيع صدق البَائِع بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بإرادته وَمن غير الْغَالِب تَصْدِيق مدعي صلح الْإِنْكَار لِأَنَّهُ الْغَالِب ومشتري مَغْصُوب بِأَن قَالَ كنت أَظن الْقُدْرَة وَأَنا الْآن عَاجز ومدعي نَحْو بيع وَبِه نَحْو صبا أمكن فَيصدق لِأَن الأَصْل عدم تأهله للْبيع وَإِذا اخْتلف العاقدان فِي مَرْدُود بِعَيْب فَإِن كَانَ الْمَرْدُود مَقْبُوضا عَمَّا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الذِّمَّة بِنَحْوِ بيع أَو سلم كَأَن قَالَ بَائِع لمشتر هَذَا ثمنك الَّذِي أقبضتنيه عَمَّا فِي ذِمَّتك وَكَأن قَالَ مُسلم لمُسلم إِلَيْهِ إِن هَذَا الْمُسلم فِيهِ الَّذِي أقبضتنيه وَأنكر مُشْتَر وَمُسلم إِلَيْهِ ذَلِك حلف غَرِيم ادّعى أَن الْمَرْدُود بِالْعَيْبِ هُوَ الْمَقْبُوض وَهُوَ البَائِع وَالْمُسلم وَلَو وَكيلا لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على قبض مَا عقد عَلَيْهِ وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ فِي الذِّمَّة وَإِن كَانَ الْمَرْدُود معينا كَأَن قَالَ بَائِع لمشتر هَذَا ثمنك الْمعِين فِي العقد أَو مُشْتَر لبائع هَذَا مبيعك الْمعِين فِي العقد وَأنكر ذُو عوض معِين صدق هَذَا بِيَمِينِهِ وَهُوَ مُشْتَر فِي الصُّورَة الأولى وبائع فِي الثَّانِيَة لاتِّفَاقهمَا على قبض مَا عقد وتنازعهما فِي سَبَب الْفَسْخ وَهُوَ الْعَيْب وَالْأَصْل عَدمه وَبَقَاء العقد وَيصدق غَاصِب رد عينا وَقَالَ هِيَ الْمَغْصُوبَة وَكَذَا وديع فصل فِي الْقَرْض وَالرَّهْن وَهُوَ جعل عين مَال متمولة وَثِيقَة بدين ليستوفي مِنْهَا عِنْد تعذر وفائه فَخرج بِعَين مَال الاختصاصات وبمتمولة نَحْو القمحة والقمحتين والوثائق بالحقوق ثَلَاثَة شَهَادَة وَرهن وَضَمان فَالْأول لخوف الْجحْد والآخران لخوف الإفلاس وَالْقَرْض بِفَتْح الْقَاف أشهر من كسرهَا وَهُوَ اسْم مصدر بِمَعْنى الْمقْرض اسْم للْمَفْعُول أَو بِمَعْنى الْإِقْرَاض مصدرا (الْإِقْرَاض) الَّذِي هُوَ شرعا تمْلِيك الشَّيْء برد بدله من الْمثل حَقِيقَة فِي المثلى وَصُورَة فِي الْمُتَقَوم (سنة) متأكدة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نفس عَن أَخِيه كربَة من كرب الدُّنْيَا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ فِي عون أَخِيه رَوَاهُ مُسلم وَيجوز أَن يُقَال تِلْكَ الْكُرْبَة الَّتِي تنفس يَوْم الْقِيَامَة عشر كرب من كرب الدُّنْيَا لِأَن أُمُور الْآخِرَة لَا يُقَاس عَلَيْهَا وَأَن يُقَال نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة زِيَادَة على ثَوَاب عمله فَذَلِك التَّنْفِيس كالمضاعفة وَفِي خبر ضَعِيف إِن دِرْهَم الصَّدَقَة بِعشر وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر وَوجه ذَلِك أَن دِرْهَم الْقَرْض فِيهِ تَنْفِيس كربَة وانتظار إِلَى قَضَاء حَاجته ورده فَفِيهِ عبادتان فَكَانَ بمنزله دِرْهَمَيْنِ وهما بِعشْرين حَسَنَة فالتضعيف ثَمَانِيَة عشر وَهُوَ الْبَاقِي فَقَط لِأَن الْمقْرض يسْتَردّ وَمن كَون الأَصْل اسْتِرْدَاده فالتضعيف بَاقٍ وَلَو أَبْرَأ مِنْهُ كَانَ لَهُ عشرُون ثَوَاب الأَصْل والمضاعفة وَمحل ندب الْإِقْرَاض مَا لم يكن الْمُقْتَرض مُضْطَرّا وَإِلَّا كَانَ وَاجِبا على الْمقْرض مَا لم يعلم أَو يظنّ من أَخذه أَنه يُنْفِقهُ فِي مَعْصِيّة وَإِلَّا حرم عَلَيْهِمَا مَعَ صِحَة الْقَرْض كَبيع الْعِنَب لعاصر الْخمر أَو فِي مَكْرُوه وَإِلَّا كره لَهما وَيحرم على غير مُضْطَر الِاقْتِرَاض إِن لم يرج وفاءه من سَبَب قريب الْحُصُول مَا لم يعلم الْمقْرض بِحَالهِ فَإِن علم فَلَا حُرْمَة بل يكره إِن لم يكن ثمَّ حَاجَة وَيجوز لمضطر مُطلقًا وَيحرم الِاقْتِرَاض على من أخْفى غناهُ وَأظْهر فاقته عِنْد الْقَرْض مَا لم يعلم الْمقْرض حَاله وَلَو أخْفى الْفَاقَة وَأظْهر الْغنى حَالَة الْقَرْض حرم الِاقْتِرَاض أَيْضا لما فِيهِ من التَّدْلِيس وَيملك الْقَرْض وَلَو علم الْمُقْتَرض أَنما يقْرضهُ لنَحْو صَلَاحه أَو علمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَهُوَ فِي الْبَاطِن بِخِلَاف ذَلِك حرم عَلَيْهِ الِاقْتِرَاض وَيملك الْقَرْض وَقد يكون الِاقْتِرَاض مُبَاحا كَمَا إِذا دفع الْقَرْض إِلَى غَنِي بسؤال من الدَّافِع مَعَ عدم احْتِيَاج الْغَنِيّ إِلَيْهِ فَيكون مُبَاحا لَا مُسْتَحبا لِأَنَّهُ لم يشْتَمل على تَنْفِيس كربَة وَقد يكون فِي ذَلِك غَرَض للدافع لحفظ مَاله بإحرازه فِي ذمَّة الْمُقْتَرض وأركان الْقَرْض أَرْبَعَة عاقدان ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة فِي غير الْقَرْض الْحكمِي أما هُوَ فَلَا يشْتَرط فِيهِ صِيغَة أصلا كإنفاق على لَقِيط وَإِنَّمَا يقْرض (بِإِيجَاب كأقرضتك) كَذَا أَو أسلفتك هَذَا وَإِن لم يقل فِي هَاتين الصيغتين بِمثلِهِ لِأَن ذَلِك وضع صِيغَة الْقَرْض أَو خُذْهُ بِمثلِهِ أَو بِبَدَلِهِ أَو ملكتكه على أَن ترد بدله أَو أَخذه ورد بدله أَو اصرفه فِي حوائجك ورد بدله فَإِن اقْتصر على قَوْله خُذْهُ أَو اصرفه فِي حوائجك من غير ذكر ورد بدله فكناية قرض إِذا سبقه أَقْرضنِي وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَة هبة أَو بيع إِن تقدم ذكر الثّمن فِي لفظ المُشْتَرِي وَلَو اقْتصر على ملكتكه فَإِن نوى مَعَه الْبَدَل فكناية قرض وَإِلَّا فهبة (وَقبُول) مُتَّصِل بِالْإِيجَابِ مُوَافق لَهُ فِي الْمَعْنى كاقترضت هَذَا وتملكته بِمثلِهِ وَقبلت قرضه نعم الْقَرْض الْحكمِي كإطعام جَائِع وَكِسْوَة عَار لَا يحْتَاج لصيغة وَمحل عدم اشْتِرَاط الصِّيغَة فِي الْمُضْطَر وُصُوله إِلَى حَالَة لَا يقدر مَعهَا على صِيغَة وَإِلَّا فَيشْتَرط وَلَا يكون إطْعَام الجائع وَكِسْوَة العاري وَنَحْوهمَا قرضا إِلَّا أَن يكون الْمُقْتَرض غَنِيا وَإِلَّا بِأَن كَانَ فَقِيرا والمقرض غَنِيا فَهُوَ صَدَقَة وَيصدق الْآخِذ فِيمَا إِذا ادّعى الْفقر وَأنْكرهُ الدَّافِع لِأَن الأَصْل عدم لُزُوم ذمَّته شَيْئا كَمَا قَالَ الشبراملسي والتماس الْمقْرض كَقَوْلِه اقْترض مني كإيجابه والمقترض كَقَوْلِه أقْرض كقبوله وَيشْتَرط فِي الْمقْرض أَهْلِيَّة التَّبَرُّع بِأَن يكون غير مَحْجُور عَلَيْهِ مُخْتَارًا فَلَا يَصح إقراض مكره إِذا كَانَ الْإِكْرَاه بِغَيْر حق فَلَو أكره بِحَق وَذَلِكَ بِأَن يجب عَلَيْهِ لنَحْو اضطرار صَحَّ وَيجوز إقراض كل مَا يسلم فِيهِ من حَيَوَان وَغَيره إِلَّا أمة وَلَو نَحْو رتقاء غير مشتهاة تحل لمقترض وَلَو ممسوحا أَو كَانَ صَغِيرا جدا فَلَا يجوز إقراضها وَإِن جَازَ الْمُسلم فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبمَا تبقى الْأمة عِنْد الصَّغِير إِلَى بُلُوغه حدا يُمكنهُ التَّمَتُّع بهَا فِيهِ (وَملك مقترض) شَيْئا مقرضا (بِقَبض) بِإِذن مقرض وَإِن لم يتَصَرَّف فِيهِ بِمَا يزِيل الْملك فينفقه وَيعتق عَلَيْهِ إِن كَانَ الشَّيْء الْمقْرض بَعْضًا للمقترض وَمَعَ حُصُول الْملك للمقترض جَازَ لَهُ رد لما اقترضه بِعَيْنِه وعَلى الْمقْرض قبُوله إِلَّا إِذا نقص فَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يردهُ مَعَ الْأَرْش وَأَن يرد بدله مثله سليما (ولمقرض اسْتِرْدَاد) فِي عين الْمقْرض إِن بَقِي فِي ملك الْمُقْتَرض أَو زَالَ عَن ملكه ثمَّ عَاد وَإِن كَانَ مؤجرا فَيَأْخذهُ مسلوب الْمَنْفَعَة أَو يَأْخُذ مثله أَو كَانَ مُعَلّقا عتقه بِصفة أَو مُدبرا وَيرجع الْمقْرض مَعَ زِيَادَة مُتَّصِلَة لَا مُنْفَصِلَة بِخِلَاف مَا لَو تعلق بالمقترض حق لَازم كرهن وَكِتَابَة وَتعلق أَرض جِنَايَة بِرَقَبَتِهِ فَلَا يرجع فِيهِ حِينَئِذٍ وَإِذا تلف مقرض وَلَو شرعا وَجب على مقترض رد مثل مَا اقترضه حَقِيقَة فِي المثلى وَلَو فِي نقد بَطل التَّعَامُل بِهِ وَصُورَة فِي الْمُتَقَوم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْترض بكرا ورد رباعيا بِفَتْح الرَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَتَخْفِيف الْيَاء وَهُوَ مَا دخل فِي السّنة السَّابِعَة وَالْبكْر الفتي من الْإِبِل (و) جَازَ من غير كَرَاهَة (نفع) يصل لمقرض من مقترض (بِلَا شَرط) فِي العقد بل يسن ذَلِك للمقترض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خياركم أحاسنكم قَضَاء وأحاسن جمع أحسن وَفِي رِوَايَة إِن خياركم محاسنكم قَضَاء ومحاسن بِضَم الْمِيم مَعْنَاهُ ذُو المحاسن وَقيل جمع محسن بِفَتْح الْمِيم نعم يمْتَنع على مقترض لنَحْو مَحْجُوره أَو جِهَة وقف رد الزَّائِد وَالْأَوْجه أَن الْإِقْرَاض مِمَّن تعود الزِّيَادَة بقصدها مَكْرُوه وَأَن الْمقْرض يملك الزَّائِد من غير لفظ لِأَنَّهُ وَقع تبعا وَأَيْضًا فَهُوَ يشبه الْهَدِيَّة فَيمْتَنع على الْبَاذِل رُجُوعه فِيهِ لدُخُوله فِي ملك الْآخِذ بِمُجَرَّد الدّفع وَالْأَوْجه أَن الْمُقْتَرض إِذا دفع أَكثر مِمَّا عَلَيْهِ وَادّعى أَنه إِنَّمَا دفع ذَلِك ظنا مِنْهُ أَنه الَّذِي عَلَيْهِ حلف وَرجع فِيهِ وَلَا يجوز قرض نقد أَو غَيره إِن اقْترن بِشَرْط جر نفع مقرض كرد زِيَادَة أورد جيد عَن رَدِيء لخَبر فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ كل قرض جر مَنْفَعَة فَهُوَ رَبًّا أَي كل قرض شَرط فِيهِ مَا يجر إِلَى الْمقْرض مَنْفَعَة فَهُوَ رَبًّا فَإِن فعل ذَلِك فسد العقد حَيْثُ وَقع الشَّرْط فِي صلب العقد أما لَو توافقا على ذَلِك وَلم يَقع شَرط فِي العقد فَلَا فَسَاد وَمن شَرط الْمَنْفَعَة الْقَرْض لمن يسْتَأْجر ملكه أَي مثلا بِأَكْثَرَ من قِيمَته لأجل الْقَرْض إِن وَقع ذَلِك شرطا فِي صلب العقد إِذْ هُوَ حِينَئِذٍ حرَام إِجْمَاعًا وَإِلَّا كره عندنَا وَحرم عِنْد كثير من الْعلمَاء وَجَاز فِي الْقَرْض شَرط رهن وَشرط كَفِيل وَلَا بُد من تعيينهما وَشرط إِقْرَار أَو إِشْهَاد عِنْد حَاكم لِأَن هَذِه الْأُمُور توثقات لَا مَنَافِع زَائِدَة (و) أَرْكَان الرَّهْن أَرْبَعَة الرُّكْن الأول صِيغَة وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ المُصَنّف بقوله إِنَّمَا (يَصح رهن بِإِيجَاب وَقبُول) كرهنت وارتهنت أَو استيجاب وَإِيجَاب كارهن هَذَا ورهنت أَو اسْتِقْبَال وَقبُول كارتهن عَبدِي هَذَا بِكَذَا وارتهنته وَلَو شَرط الرَّهْن فِي عقد كَبيع أَو نِكَاح أَو إِجَارَة كبعتك على أَن ترهنني فَقَالَ اشْتريت ورهنت صَحَّ الرَّهْن وَإِن لم يقل الأول بعده ارتهنت أَو قبلت الرُّكْن الثَّانِي العاقدان وشرطهما أَن يَكُونَا (من أهل تبرع) بِأَن يكون كل مِنْهُمَا مُكَلّفا مُخْتَارًا غير مَحْجُور عَلَيْهِ فَلَا يَصح الرَّهْن من أضداد هَؤُلَاءِ ثمَّ إِن صدر من أهل تبرع فِي مَاله فَذَاك وَإِلَّا فَالشَّرْط وُقُوعه على وَجه الْمصلحَة وَذَلِكَ كَمَا إِذا أقْرض مَال مَحْجُوره أَو بَاعه مُؤَجّلا لضَرُورَة كنهب وكما إِذا بَاعَ مَاله عقارا كَانَ أَو غَيره مُؤَجّلا بغبطة فَيلْزمهُ الارتهان بِالثّمن وارتهان الْوَلِيّ فِيمَا ذكر جَائِز إِن كَانَ قَاضِيا وَإِلَّا فَوَاجِب الرُّكْن الثَّالِث الْمَرْهُون وَله شَرْطَانِ الأول كَونه مِمَّا يحصل بِهِ توثق وَيقدر على تَسْلِيمه وَمن ثمَّ لَا يُوجد صِحَة الرَّهْن إِلَّا فِي عين وَلَو جُزْءا مشَاعا وَيشْتَرط إِذن شريك فِي قبض مَا ينْقل فَقَط لتوقفه على النَّقْل الْمُمْتَنع من غير إِذْنه الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون عينا تقبل البيع وَقت حُلُول نعم يَصح رهن أمة دون وَلَدهَا وَعَكسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَذَلِكَ ليستوفي من ثمنهَا فَلَا يَصح رهن نَحْو أم ولد ومكاتب وَمَوْقُوف وجان تعلق بِرَقَبَتِهِ مَال ومدبر وَلَو رهن بِحَال لِأَن سَيّده قد يَمُوت فَجْأَة قبل التَّمَكُّن من بَيْعه ومعلق عتق بِصفة لم يعلم حُلُول الدّين قبلهَا وَلَا يشْتَرط ملك الرَّاهِن للعين بل يَصح الرَّهْن (وَلَو) كَانَت الْعين (عَارِية) لِأَنَّهُ يجوز اسْتِعَارَة شَيْء ليرهنه بِدِينِهِ بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَت الْعَارِية ضمنا كَمَا لَو قَالَ لغيره ارهن عَبدك على ديني فَفعل فَإِنَّهُ كَمَا لَو قَبضه وَرَهنه وَذَلِكَ لِأَن الرَّهْن توثق وَهُوَ يحصل بِمَا لَا يملكهُ كالإشهاد وَالْكَفَالَة فَإِن كلا مِنْهُمَا يحصل بِهِ التَّوَثُّق مَعَ كَونه لَيْسَ ملكا للشارط فَإِذا لزم الرَّهْن فَلَا رُجُوع للْمَالِك وَلَو أذن الرَّاهِن للْمُرْتَهن فِي بيع الْمَرْهُون وَاسْتِيفَاء الْحق فَإِن بَاعه بِحَضْرَة الرَّاهِن صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يَبِيعهُ لغَرَض نَفسه فاتهم فِي غيبته بالاستعجال فَلَو قدر الثّمن انْتَفَت التُّهْمَة وَصَحَّ البيع مُطلقًا كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار وَإِنَّمَا تصح الْعَارِية للرَّهْن من مَالك عَارِف بالمرتهن كَكَوْنِهِ زيدا وَكَونه وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا وبجنس الدّين كذهب أَو فضَّة وبقدره كعشرة أَو مائَة وبصفته كصحة وتكسر وحلول وتأجيل نعم لَو قَالَ الْمَالِك للْمُسْتَعِير ارهن عَبدِي بِمَا شِئْت صَحَّ أَن يرهنه بِأَكْثَرَ من قِيمَته كَمَا نَقله الرَّمْلِيّ وَابْن حجر عَن الْقَمُولِيّ الرُّكْن الرَّابِع الْمَرْهُون بِهِ وَله أَرْبَعَة شُرُوط لصِحَّة الرَّهْن الأول كَونه دينا فِي نفس الْأَمر وَلَو زَكَاة تعلّقت بِالذِّمةِ بِأَن تلف المَال بعد التَّمَكُّن من إِخْرَاج الزَّكَاة فَيجوز الرَّهْن من الْمُسْتَحقّين المنحصرين أَو من كل ثَلَاثَة من كل صنف أَو من الإِمَام أَو مَنْفَعَة كالعمل فِي إِجَارَة الذِّمَّة لَا إِجَارَة الْعين فَلَا يَصح الرَّهْن بِسَبَب الْعين الْمَضْمُونَة كالمأخوذ بِالْبيعِ الْفَاسِد والمغصوبة والمستعار وَألْحق بِالْعينِ الْمَضْمُونَة مَا يجب رده فَوْرًا كالأمانة الشَّرْعِيَّة الثَّانِي كَونه مَوْجُودا حَالا فَلَا يَصح بِغَيْرِهِ وَإِن جرى سَبَب وُجُوبه كَنَفَقَة زَوجته فِي الْغَد الثَّالِث كَونه لَازِما فِي نَفسه كَثمن الْمَبِيع بعد الْخِيَار دون دين الْكِتَابَة فَلَا يَصح الرَّهْن بِجعْل الْجعَالَة قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل الرَّابِع كَونه مَعْلُوما لَهما لَكِن يجوز الرَّهْن بقوله رهنتك هَذَا بِمَا عَليّ من دِرْهَم إِلَى عشرَة كَمَا جَازَ ضَمَان ذَلِك فَيكون ضَامِنا لتسعة كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَاعْلَم أَن الشَّرْط فِي الرَّهْن لما يُوَافق مُقْتَضَاهُ كتقديم مُرْتَهن بالمرهون عِنْد تزاحم الْغُرَمَاء مُؤَكد للرَّهْن وَالشّرط فِيهِ بِمَا فِيهِ مصلحَة وَهُوَ مَا لَيْسَ بِلَازِم مُسْتَحبا كَانَ أَو مُبَاحا كالإشهاد بِالْعقدِ لَازم وَالشّرط فِيهِ بِكَوْن العَبْد الْمَرْهُون لَا يَأْكُل إِلَّا كَذَا لَغْو إِلَّا إِذا أضرّ العَبْد بِأَكْل غير مَا شَرط بِأَن نقصت بِهِ الْوَثِيقَة فَلَا يكون ذَلِك الشَّرْط لَغوا لوُجُود الْغَرَض وَالشّرط بِمَا يضر أحد الْعَاقِدين مُفسد للرَّهْن وَإِلَى هَذَا أَشَارَ المُصَنّف بقوله (لَا) يَصح الرَّهْن (بِشَرْط مَا يضر) الْمُرْتَهن وينفع الرَّاهِن (كَأَن لَا يُبَاع) أَي الْمَرْهُون (عِنْد الْمحل) بِكَسْر الْحَاء أَي وَقت الْحُلُول أَو لَا يُبَاع إِلَّا بِأَكْثَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 من ثمن الْمثل فَيبْطل الشَّرْط وَالرَّهْن لِأَن هَذَا الشَّرْط منَاف لمقصود الرَّهْن بِالْكُلِّيَّةِ (و) لَا يَصح الرَّهْن بِشَرْط مَا يضر الرَّاهِن وينفع الْمُرْتَهن ك (شَرط منفعَته) أَي الْمَرْهُون (لمرتهن) من غير تَقْيِيد بِمدَّة فَيبْطل الشَّرْط وَكَذَا الرَّهْن على القَوْل الْأَظْهر لتغيير قَضِيَّة العقد أما لَو قدرت الْمَنْفَعَة بِسنة مثلا وَالرَّهْن مَشْرُوط فِي بيع فَهُوَ جمع بَين بيع وَإِجَارَة وَهُوَ جَائِز وَصُورَة ذَلِك أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِدِينَار على أَن ترهنني بِهِ دَارك هَذِه وَيكون سكناهَا لي سنة فَيقبل الآخر فَهَذَا العقد جمع بَين بيع الثَّوْب واستئجار الدَّار سنة بِالثَّوْبِ فمجموع الدِّينَار وَالْمَنْفَعَة الْمعينَة ثمن وَالثَّوْب مَبِيع وَأُجْرَة فَلَو عرض مَا يُوجب انْفِسَاخ الْإِجَارَة انْفَسَخ عقدهَا فِيمَا يُقَابل أُجْرَة مثل الدَّار سنة من الثَّوْب وَخرج بِكَوْن الرَّهْن مَشْرُوطًا فِي بيع مَا لَو لم يكن الرَّهْن كَذَلِك كَقَوْلِه رهنتك هَذِه الدَّار على كَذَا على أَن يكون سكناهَا سنة بِدِينَار فَلَا يَصح الرَّهْن لاشتمال العقد على شَرط مَا لَيْسَ من مقتضيات الرَّهْن وَلَا من مَصَالِحه فَهُوَ مُقْتَض للْفَسَاد فَهُوَ رهن بِشَرْط مُفسد كَمَا لَو بَاعَ دَاره لشخص بِشَرْط أَن يقْرضهُ كَذَا وَهُوَ مُبْطل وَلَو شَرط رهن مَا يحدث من زَوَائِد الْمَرْهُون كنتاج وَثَمَرَة فسد الرَّهْن لعدمها مَعَ الْجَهْل بهَا وَلَو شَرط كَون الْمَرْهُون مَبِيعًا للْمُرْتَهن عِنْد حُلُول الدّين فسد عقد الرَّهْن لتأقيته وَلَا يَصح البيع لتعليقه وَلَو لم يؤقت الرَّهْن بِأَن قَالَ رهنتك وَإِذا لم أقض عِنْد الْحُلُول فَهُوَ مَبِيع مِنْك كَانَ الْفَاسِد البيع وَحده دون الرَّهْن لِأَنَّهُ لم يشرط فِيهِ شَيْء (وَلَا يلْزم) أَي الرَّهْن من جِهَة الرَّاهِن (إِلَّا) بإقباضه أَو (بِقَبض) من الْمُرْتَهن (بِإِذن) من الرَّاهِن فِي قَبضه وَإِن كَانَ الْمَرْهُون تَحت يَد الْمُرْتَهن لِأَن الْمَرْهُون غير مُسْتَحقّ بِالْعقدِ وَإِنَّمَا يَصح الْقَبْض والإقباض مِمَّن يَصح مِنْهُ عقد الرَّهْن (وَالْيَد) على الْمَرْهُون بعد لُزُوم الرَّهْن بالإقباض أَو الْقَبْض (لمرتهن) غَالِبا فَإِن الْيَد ركن أعظم فِي التَّوَثُّق فَلَا تزَال إِلَّا للِانْتِفَاع ثمَّ يرد لَهُ وَقت الْفَرَاغ وَخرج بالغالب رهن نَحْو مُسلم أَو مصحف من كَافِر وَرهن سلَاح من حَرْبِيّ فتوضع عِنْد من لَهُ تملكه مِمَّن يتَّفق الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعِنْدَ عدل وَرهن أمة غير صَغِيرَة فتوضع عِنْد من مر وَرهن صيد من محرم فَيُوضَع عِنْد حَلَال (وَهِي) أَي الْيَد (أَمَانَة) أَي يَد أَمَانَة على الْمَرْهُون قَالَ الحصني الْمَرْهُون أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ قَبضه بِإِذن الرَّاهِن فَكَانَ كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجرَة فَلَا يضمنهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي كَسَائِر الْأَمَانَات وَذَلِكَ كالانتفاع بالمرهون بِأَن كَانَ دَابَّة فركبها أَو حمل عَلَيْهَا أَو كَانَت آنِية فاستعملها فَلَو تلف الْمَرْهُون بِغَيْر تعد لم يضمنهُ وَلم يسْقط من الدّين شَيْء لِأَنَّهُ وَثِيقَة فِي دين فَلَا يسْقط الدّين بتلفه كموت الضَّامِن وَالشَّاهِد والمرهون بعد زَوَال الرَّهْن بِالْبَرَاءَةِ من الدّين أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن من راهنه أَي من ضَمَان فَلَا يضمنهُ الْمُرْتَهن إِذا تلف إِلَّا بِالتَّعَدِّي كَأَن امْتنع من رده بعد سُقُوط الدّين (و) لَو ادّعى الْمُرْتَهن تلف الْمَرْهُون (صدق) بِيَمِينِهِ (فِي تلف) حَتَّى لَا يضمن حَيْثُ لَا تَفْرِيط لِأَنَّهُ أَمِين وَهَذَا إِذا لم يذكر سَببا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 لتلفه أَو ذكر سَببا خفِيا (لَا) يصدق فِي (رد) على الرَّاهِن لِأَن قَبضه لغَرَض نَفسه كالمستأجر وَالْمُسْتَعِير بِخِلَاف الْوَدِيع وَالْوَكِيل وَسَائِر الْأُمَنَاء وَيُخَالف دَعْوَاهُ التّلف لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِاخْتِيَارِهِ فَلَا تمكن فِيهِ الْبَيِّنَة غَالِبا وَضَابِط من يقبل قَوْله فِي الرَّد أَن كل أَمِين ادَّعَاهُ على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن والمكتري بِأَن اكترى حمارا مثلا ليركبه إِلَى التَّنْعِيم مثلا فَرَكبهُ ثمَّ ادّعى رده إِلَى من اسْتَأْجرهُ مِنْهُ وَلَيْسَ من ذَلِك الدَّلال والصباغ والخياط والطحان فِي دَعْوَى الرَّد لأَنهم أجراء لَا مستأجرون لما فِي أَيْديهم فَائِدَة قَالَ السُّبْكِيّ كل من جعلنَا القَوْل قَوْله فِي الرَّد كَانَت مُؤنَة الرَّد للعين على الْمَالِك (وَله) أَي الْمُرْتَهن أحد الْأَمريْنِ إِمَّا (طلب بَيْعه) أَي الْمَرْهُون أَو وَفَاء دينه من غَيره (إِن حل دين) وَلم يوف أَو قرب الرَّهْن إِلَى الْفساد قبل الْحُلُول هَذَا إِن كَانَ رهن فَقَط أما إِذا كَانَ بِالدّينِ رهن وضامن طلب الْمُرْتَهن وفاءه من أَيهمَا شَاءَ تقدم أَحدهمَا أَولا وَإِذا بيع الْمَرْهُون وَلم يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ جِنَايَة قدم الْمُرْتَهن ثمنه على سَائِر الْغُرَمَاء فَإِن التَّقْدِيم من فَوَائِد الرَّهْن لتَعلق حَقه بِهِ وبالذمة أما حَقهم فمرسل فِيهَا فَقَط وللراهن أَن يخْتَار البيع والتوفية من ثمن الْمَرْهُون وَإِن قدر على التوفية من غَيره وَإِن طَالَتْ الْمدَّة حَيْثُ كَانَ للرَّاهِن غَرَض صَحِيح فِي التَّأْخِير وَإِن وَجب حق الْمُرْتَهن فَوْرًا لرضا الْمُرْتَهن بِاسْتِيفَاء الدّين من الْمَرْهُون لتعليقه الْحق بِعَين الْمَرْهُون وَطَرِيق ذَلِك الِاسْتِيفَاء بَيْعه قَالَ بَعضهم وَطَرِيق الْمُرْتَهن فِي طلب التوفية من غير الْمَرْهُون أَن يفْسخ الرَّهْن لجوازه من جِهَته وَيُطَالب الرَّاهِن بالتوفية (وَيجْبر رَاهن) أَي إِذا طلب الْمُرْتَهن بيع الْمَرْهُون فَأبى الرَّاهِن مِنْهُ ألزمهُ القَاضِي قَضَاء الدّين من مَحل آخر أَو بَيْعه ليوفي مِنْهُ بِمَا يرَاهُ من حبس أَو غَيره (فَإِن أصر) على إبائه أَو كَانَ غَائِبا وَلَيْسَ لَهُ مَال يُوفي مِنْهُ غير الرَّهْن أَو كَانَ بَيْعه أصلح (بَاعه) أَي الرَّهْن عَلَيْهِ (قَاض) بعد ثُبُوت الدّين وَملك الرَّاهِن الرَّهْن وَكَونه بِمحل ولَايَته وَقضى الدّين من ثمنه دفعا لضَرَر الْمُرْتَهن وَلَا يَبِيعهُ الرَّاهِن أَو وَكيله إِلَّا بِإِذن الْمُرْتَهن فَإِن أَبى من الْإِذْن ألزمهُ الْحَاكِم بِأَن يَأْذَن فِي بَيْعه ليَأْخُذ حَقه من ثمنه أَو يُبرئهُ من الدّين دفعا لضَرَر الرَّاهِن فَإِن أصر على الإباء سُئِلَ فَإِن لم يذكر عذرا سائغا بَاعه الْحَاكِم أَو أذن للرَّاهِن فِي بَيْعه وَمنعه من التَّصَرُّف فِي ثمنه ثمَّ يعلم الْمُرْتَهن ليَأْخُذ حَقه مِنْهُ أَو يَأْذَن للرَّاهِن فِي التَّصَرُّف فِيهِ كَيفَ شَاءَ فَإِن اسْتمرّ أذن الْحَاكِم للرَّاهِن فِي ذَلِك فَإِن سَأَلَ الرَّاهِن الْحَاكِم أَن يقبض الْمُرْتَهن حَقه أمره بِقَبْضِهِ أَو إبرائه فَإِن امْتنع من ذَلِك قَبضه الْحَاكِم ليبرأ مِنْهُ الرَّاهِن وَتَركه فِي بَيت المَال للْمُرْتَهن وَلَو عجز الرَّاهِن عَن اسْتِئْذَان الْمُرْتَهن وَالْحَاكِم جَازَ لَهُ بَيْعه على الْأَوْجه كَمَا أَن للْمُرْتَهن البيع عِنْد الْعَجز عَن اسْتِئْذَان الرَّاهِن وَالْحَاكِم (وعَلى مَالِكه) أَي الرَّهْن من رَاهن وَغَيره (مُؤنَة) للرَّهْن وَهِي الَّتِي تبقى بهَا عينه من نَفَقَة رَقِيق وَكسوته وعلف دَابَّة وَأُجْرَة سقِِي أَشجَار وجذاذ ثمار وتجفيفها وَأُجْرَة الْحِفْظ والدلال عِنْد البيع ورد الهارب وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن من راهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه رَوَاهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْغنم كثمرة وَكسب عبد وَالْغُرْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 كَأُجْرَة حجامة وفصد وَلَا يجْبر الْمَالِك على نَحْو أُجْرَة الفصد لِأَنَّهَا لَا تسمى مؤنا عرفا نعم يجْبر على ذَلِك لحق الرَّقِيق من خَالص مَاله (وَلَيْسَ لَهُ) أَي الْمَالِك بعد لُزُوم الرَّهْن عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ تصرف يزِيل الْملك مَعَ غير الْمُرْتَهن بِغَيْر إِذْنه كَبيع وَهبة وَكِتَابَة للمرهون لفَوَات التَّوَثُّق بِكُل ذَلِك فَيحرم عَلَيْهِ وَلَا ينفذ مِنْهُ (رهن) لغير الْمُرْتَهن لمزاحمته حق الأول (وَوَطْء) للْأمة الْمَرْهُونَة بكرا أَو ثَيِّبًا حذرا من الْحَبل فِيمَن يُمكن حبلها وحسما للباب فِي غَيرهَا وَلَو صَغِيرَة نعم لَو خَافَ الزِّنَا لَو لم يَطَأهَا فَلهُ وَطْؤُهَا وَخرج بِالْوَطْءِ مقدماته إِن أَمن الْوَطْء وَإِلَّا حرمت على الْأَوْجه (وتزويج) للرقيق الْمَرْهُون وَكَذَا إِجَارَة للمرهون إِن جَاوَزت مدَّتهَا زمن الْحُلُول بِأَن كَانَ الدّين حَالا أَو مُؤَجّلا يحل قبل انْقِضَاء مدَّتهَا (لَا) إِذا كَانَ التَّزْوِيج وَالْإِجَارَة (مِنْهُ) أَي الْمُرْتَهن فَلَا يمتنعان على الرَّاهِن لانْتِفَاء نقص الْقيمَة وَينفذ الْإِعْتَاق من الْمُوسر بِقِيمَة الْمَرْهُون فِي الدّين الْمُؤَجل وبأقل الْأَمريْنِ من قِيمَته حَالَة الْإِعْتَاق وَمن الدّين فِي الْحَال ويتبين الْيَسَار بِمَا فِي الْفطْرَة أما الْمُعسر فَلَا ينفذ وَمثل الْإِعْتَاق الِاسْتِيلَاد وَالْحَاصِل أَن أَسبَاب الْحجر على الرَّاهِن إِلَى وَفَاء الدّين أَو الْإِبْرَاء فِي التَّصَرُّفَات فِي الْمَرْهُون ثَلَاثَة مَا يزِيل الْملك كَالْبيع وَمَا يقلل الرَّغْبَة كالتزويج وَالْوَطْء وَمَا يُؤَدِّي إِلَى مزاحمة كَالرَّهْنِ وَنفذ كل من التَّصَرُّفَات الممتنعة على الرَّهْن بِإِذن مُرْتَهن لِأَن الْمَنْع كَانَ لحقه وَقد زَالَ بِإِذْنِهِ وَيبْطل الرَّهْن بِالْإِذْنِ وَإِن رده الرَّاهِن كَمَا أَن الْإِبَاحَة لَا ترتد بِالرَّدِّ بِخِلَاف الْوكَالَة لِأَنَّهَا عقد فترتفع بِالرَّدِّ وَالْأَوْجه أَن الْإِذْن فِي الْوَطْء لَا يتَنَاوَل إِلَّا مرّة مَا لم تحبل مِنْهَا (وَلَو اخْتلفَا) أَي الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن (فِي) أصل (رهن) كَأَن قَالَ رهنتني كَذَا فَأنْكر (أَو) فِي (قدره) أَي الرَّهْن بِمَعْنى الْمَرْهُون كَأَن قَالَ رهنتني الأَرْض بأشجارها فَقَالَ الرَّاهِن بل الأَرْض فَقَط أَو فِي عينه كَهَذا العَبْد فَقَالَ بل الْجَارِيَة حَيْثُ صدقهَا الرَّاهِن فِي هَذِه فَلَا تعلق للْمُرْتَهن بهَا لإنكاره وَلَا بِالْعَبدِ لإنكار الْمَالِك أَو فِي قدر الْمَرْهُون بِهِ كمائتين فَقَالَ بل مائَة أَو فِي صفة الْمَرْهُون بِهِ كرهنتني بِالْألف الْحَال فَقَالَ الرَّاهِن بالمؤجل أَو فِي جنسه كَمَا لَو قَالَ رهنته بِالدَّنَانِيرِ فَقَالَ الْمُرْتَهن بل بِالدَّرَاهِمِ (صدق رَاهن) أَو مَالك الْعَارِية بِيَمِينِهِ وَإِن كَانَ الْمَرْهُون بيد الْمُرْتَهن وَإِن لم يبين الرَّاهِن جِهَة كَونه فِي يَده على الْأَوْجه لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ الْمُرْتَهن وَإِطْلَاق الرَّاهِن فِي الصُّورَة الأولى بِاعْتِبَار زعم الْمُدَّعِي وَإِلَّا فمنكر الرَّهْن لَيْسَ براهن وَهَذَا حَيْثُ لم يقم بالراهن مَانع من الْحلف كصبا أَو جُنُون أَو سفه أما إِذا قَامَ بِهِ ذَلِك وَقد رهن الْوَلِيّ فَإِنَّهُ الَّذِي يحلف دونهم لعدم زَوَال الْحجر عَنْهُم فرع لَو ادّعى كل من اثْنَيْنِ على آخر أَنه رَهنه عَبده مثلا وَأقَام كل مِنْهُمَا بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ فَإِن اتَّحد تاريخهما أَو أطلقت الْبَيِّنَتَانِ أَو إِحْدَاهمَا تَعَارَضَتَا وَإِن أرختا بتاريخين مُخْتَلفين عمل بسابقة التَّارِيخ مَا لم يكن فِي يَد أَحدهمَا وَإِلَّا قدمت بَينته وَإِن تَأَخّر تاريخها لاعتضادها بِالْيَدِ أَفَادَ ذَلِك الشبراملسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فصل فِي الْحجر وَهُوَ الْمَنْع من التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة وَشرع إِمَّا لمصْلحَة النَّفس والغير كَالْمكَاتبِ فَيمْتَنع على السَّيِّد بَيْعه بِلَا إِذن مِنْهُ لأجل حق السَّيِّد وَحقّ الله تَعَالَى أَو الْغَيْر فَقَط كالمفلس فَيمْنَع تصرفه فِي عين مَاله مِمَّا يضر الْغُرَمَاء كوقف وَهبة وَبيع بِخِلَاف تصرفه فِي ذمَّته وكالراهن فَيمْنَع تصرفه فِي الْمَرْهُون إِلَى وَفَاء جَمِيع الدّين أَو الْإِبْرَاء بِمَا يزِيل الْملك كَالْبيع أَو يقلل الرَّغْبَة كالتزويج وَالْوَطْء أَو يُؤَدِّي إِلَى مزاحمة كَالرَّهْنِ وَلَا تنفذ تَصَرُّفَاته إِلَّا الْإِعْتَاق والإيلاد إِذا كَانَ مُوسِرًا وَيغرم قِيمَته وَتَكون رهنا مَكَان الْمُعْتق والمستولدة وكالمريض فَيمْتَنع تصرفه فِيمَا زَاد على الثُّلُث بِلَا عوض يُسَاوِيه إِذا تصرف مَعَ غير الْوَرَثَة وَفِي جُزْء من المَال وَلَو دون الثُّلُث إِذا تصرف مَعَ الْوَارِث بِلَا عوض يُسَاوِيه إِلَّا أَن يُجِيز بَاقِي الْوَرَثَة هَذَا فِي غير الْوَقْف أما هُوَ كَأَن وقف شَيْئا يخرج من الثُّلُث على بعض الْوَرَثَة فَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة بَقِيَّتهمْ بِخِلَاف الْوَصِيَّة فَإِن الْملك للْمُوصى لَهُ وَأما الْوَقْف فالملك لله تَعَالَى وكالعبد فَيمْنَع تصرفه لأجل حق السَّيِّد وَهُوَ خدمته وكالمرتد فَيمْنَع تصرفه لأجل حق الْمُسلمين أَو لمصْلحَة النَّفس فَقَط وَهُوَ حجر الْجُنُون وَالصبَا والسفه وكل أَعم مِمَّا بعده وَهُوَ الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْبَاب (حجر جُنُون) يثبت بِمُجَرَّد الْجُنُون فتسلب بِهِ الولايات وَاعْتِبَار الْأَقْوَال كلهَا وَأكْثر الْأَفْعَال فَلَا يعْتد بِشَيْء من تَصَرُّفَات الْمَجْنُون أصلا بِخِلَاف تملكه بِنَحْوِ احتطاب وإتلافه فَينفذ إيلاده وَالْحُرْمَة بإرضاعه وَالْمهْر وَالنّسب بِوَطْئِهِ وَيغرم مَا أتْلفه وَيسْتَمر ذَلِك الْحجر (إِلَى إفاقة) فيرتفع بمجردها من غير فك قَاض بِلَا خلاف وَإِن خَلفه حجر صبا أَو سفه (و) حجر (صبا) بِكَسْر الصَّاد يثبت بِمُجَرَّد الْولادَة فتسلب بِهِ الولايات وَاعْتِبَار الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال لَكِن يعْتد بِبَعْض تَصَرُّفَات الصَّبِي كالعبادة من مُمَيّز وَنَهْيه عَن الْمُنكر وإيصاله الْهَدِيَّة وإذنه فِي دُخُول دَار وإبلاغه طلب مولم إِن لم يجرب عَلَيْهِ كذب وَدفع زَكَاة إِذا عين لَهُ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ وتملكه الْمُبَاحَات وَيسْتَمر ذَلِك الْحجر (إِلَى بُلُوغ) فيرتفع بِهِ من غير فك قَاض حجر الصِّبَا ويخلفه حجر السَّفه إِن لم يُوجد الرشد وَهُوَ صَلَاح الدّين وَالْمَال جَمِيعًا ويعتد بِقبُول المبذر النِّكَاح بِإِذن من وليه وَلَا يُزَوجهُ وليه إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيصِح تَدْبيره لأرقائه وَالْبُلُوغ يحصل إِمَّا (بِخمْس عشرَة سنة) قمرية تحديدية أَي باستكمالها وابتداؤها من انْفِصَال جَمِيع أَجزَاء الْوَلَد (أَو خُرُوج مني) لوقت إِمْكَانه من ذكر أَو أُنْثَى فِي نوم أَو يقظة بجماع أَو غَيره (أَو حيض) لوقت إِمْكَانه وَهُوَ استكمال تسع سِنِين قمرية تحديدية فِي الإمناء سَوَاء فِي ذَلِك الذّكر وَالْأُنْثَى تقريبية فِي الْحيض هَذَا عِنْد الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر فَإِنَّهُ قَالَ وَقت إِمْكَان الإمناء فِي الذّكر وَالْأُنْثَى تسع سِنِين قمرية تَقْرِيبًا كَمَا فِي الْحيض (وَنبت الْعَانَة الخشنة) الَّتِي تحْتَاج فِي إِزَالَتهَا إِلَى نَحْو حلق (فِي) حق ولد (كَافِر) أَو مَجْهُول إِسْلَامه (أَمارَة على بُلُوغه بِالسِّنِّ أَو الِاحْتِلَام) سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْعَانَة على فرج وَاضح أَو فَرجي مُشكل مَعًا (وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 بلغ الصَّبِي رشيدا) بِأَن يحكم عَلَيْهِ بِالرشد بِاعْتِبَار مَا يرى من أَحْوَاله انْفَكَّ الْحجر عَنهُ بِنَفس الْبلُوغ أَو بلغ غير رشد ثمَّ رشد انْفَكَّ بِنَفس الرشد لِأَن هَذَا حجر ثَبت من غير حَاكم فارتفع من غير فكه بِخِلَاف حجر السَّفه الطارىء فَإِنَّهُ يجب على القَاضِي الْحجر على السَّفِيه بتبذير طارىء على من بلغ رشيدا وَيسن لَهُ الْإِشْهَاد على الْحجر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا على أَيدي سفهائكم و (أعطي مَاله) وَلَو كَانَ الرشيد الَّذِي يُعْطي مَاله امْرَأَة فَيصح تصرفها حِينَئِذٍ من غير إِذن زَوجهَا خلافًا لمَالِك حَيْثُ ذهب إِلَى أَنه لَا يسلم للْمَرْأَة الرشيدة مَالهَا حَتَّى تتَزَوَّج وَحِينَئِذٍ لَا ينفذ تبرعها بِمَا زَاد على الثُّلُث بِغَيْر إِذْنه مَا لم تصر عجوزا ثمَّ بعد إفاقة الْمَجْنُون وبلوغ الصَّبِي يرْتَفع حجر الْجُنُون وَالصبَا ويخلفه حجر السَّفه إِن لم يُوجد رشد وَحكم السَّفِيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ حسا أَو شرعا أَنه يَصح مِنْهُ إِسْلَام وَعبادَة مَا عدا صرف الزَّكَاة إِلَّا إِن عين لَهُ الْمَدْفُوع لَهُ لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون بِحَضْرَة الْوَلِيّ أَو نَائِبه وَتصرف غير مَالِي كَطَلَاق وخلع وَلَو بِدُونِ مهر الْمثل وَنفي نسب واستلحاق وَينْفق على الْمُسْتَلْحق من بَيت المَال وكإقراره بِمُوجب قَود أَو حد فصل فِي الْحِوَالَة بِفَتْح الْحَاء وَهِي عقد يَقْتَضِي تحول دين من ذمَّة إِلَى ذمَّة وَقد يُطلق على هَذَا الِانْتِقَال نَفسه وَيسن قبُولهَا على ملىء باذل لَا شُبْهَة بِمَالِه وأركانها سَبْعَة محيل ومحتال ومحال عَلَيْهِ وَدين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ وَدين للمحتال على الْمُحِيل وَإِيجَاب وَقبُول (تصح حِوَالَة) بِوُجُود تِلْكَ الْأَركان كلهَا بشروطها وَإِنَّمَا تحصل صِحَة الْحِوَالَة (بِصِيغَة) وَهِي إِيجَاب الْمُحِيل وَقبُول الْمُحْتَال فالإيجاب كَقَوْلِه أحلتك على فلَان بِكَذَا بِالدّينِ الَّذِي لَك عَليّ فَهُوَ صَرِيح وَإِن لم يقل بِالدّينِ الَّذِي لَك عَليّ وَلم يُنَوّه كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْحِوَالَة بل يَكْفِي مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا كنقلت حَقك إِلَى فلَان أَو جعلت مَا أستحقه على فلَان لَك أَو مَلكتك الدّين الَّذِي عَلَيْهِ بحقك وَلَو قَالَ أحلني فكقوله بِعني فَيكون استيجابا قَائِما مقَام الْقبُول وَمثله مَا لَو قَالَ احتل على فلَان بِمَالك عَليّ من الدّين فَقَالَ احتلت أَو قبلت فَيكون اسْتِقْبَالًا قَائِما مقَام الْإِيجَاب (ورضا محيل) وَإِنَّمَا يشْتَرط رِضَاهُ لِأَن لَهُ إِيفَاء الْحق من حَيْثُ شَاءَ وَمَعْرِفَة رِضَاهُ إِنَّمَا تحصل بالصيغة (ومحتال) وَإِنَّمَا يشْتَرط رِضَاهُ لِأَن حَقه فِي ذمَّة الْمُحِيل فَلَا ينْتَقل لغيره إِلَّا بِرِضَاهُ أما الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لِأَنَّهُ مَحل الْحق كالرقيق الْمَبِيع وَلِأَن الْحق للْمُحِيل فَلم يتَعَيَّن اسْتِيفَاؤهُ بِنَفسِهِ كَمَا أَن لَهُ أَن يُوكل (وَيلْزم بهَا) أَي الْحِوَالَة حق الْمُحْتَال ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ و (دين محتال) وَهُوَ محَال بِهِ (محالا عَلَيْهِ) للمحتال فَيبرأ الْمُحِيل بالحوالة عَن دين الْمُحْتَال وَيبرأ الْمحَال عَلَيْهِ عَن دين الْمُحِيل لِأَن ذَلِك هُوَ فَائِدَة الْحِوَالَة (فَإِن تعذر أَخذه) أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الْمُحْتَال من الْمحَال عَلَيْهِ (بفلس) طَرَأَ بعد الْحِوَالَة أَو قارنها أَو بِمَوْت الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا (أَو جحد) أَي إِنْكَار من الْمحَال عَلَيْهِ للحوالة أَو لدين الْمُحِيل وَحلف وَلَا يتَعَذَّر الْحق بِغَيْر ذَلِك كتعذر الْمحَال عَلَيْهِ أَو موت شُهُود الْحِوَالَة (لم يرجع) أَي الْمُحْتَال (على محيل) لِأَن الْحِوَالَة بِمَنْزِلَة الْقَبْض وقبولها مُتَضَمّن للاعتراف بشروطها فَهِيَ عقد لَازم لَا يَنْفَسِخ بفسخها فَامْتنعَ الرُّجُوع (وَلَو) أذن مَدين لدائنه فِي الْقَبْض من مدينه ثمَّ (اخْتلفَا) فِي صفة الْإِذْن (هَل وكل أَو أحَال) بِأَن قَالَ الْمَدِين الْآذِن لم يصدر مني إِلَّا أَنِّي قلت وَكلتك لتقبض لي وَقَالَ الدَّائِن بل الصَّادِر مِنْك أَنَّك أحلتني فَصَارَ الْحق لي صدق الْمَدِين بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بنيته وَكَذَا لَو قَالَ الْمَدِين الْآذِن أردْت بِقَوْلِي اقبض من فلَان أَو بِقَوْلِي أحلتك بِمِائَة مثلا على زيد الْوكَالَة فَيصدق بِيَمِينِهِ بِنَاء على الْأَصَح من صِحَة الْوكَالَة بِلَفْظ الْحِوَالَة لاحْتِمَال اللَّفْظ ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو لم يحْتَمل بِأَن قَالَ أحلتك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَليّ على فلَان فَيصدق الدَّائِن وَهُوَ مدعي الْحِوَالَة بِيَمِينِهِ قطعا لِأَن هَذَا اللَّفْظ لَا يحْتَمل غير الْحِوَالَة وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يتَّفقَا على أصل الدّين أما لَو أنكر مدعي الْوكَالَة أصل الدّين فَهُوَ الْمُصدق بِيَمِينِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِن اخْتلف الْمَدِين والدائن فِي أصل اللَّفْظ الصَّادِر كَأَن قَالَ الْمَدِين أحلتك فَقَالَ الدَّائِن بل وكلتني فِي الْقَبْض من فلَان أَو اخْتلفَا فِي المُرَاد من لفظ مُحْتَمل كاقبض أَو أحلتك (صدق مُنكر حِوَالَة) وَهُوَ النَّافِي لَهَا بِيَمِينِهِ إِذْ الأَصْل بَقَاء حَقه فِي ذمَّة الْمَدِين وَلَو اخْتلفَا فِي أصل الْإِذْن فِي الْقَبْض فَالْقَوْل قَول الْمَدِين كَمَا إِذا اخْتلفَا فِي صفته وَإِن اقْتَضَت الْفساد كَأَن قَالَ أردْت أَن تقبض مَالِي على فلَان لنَفسك فَإِن الْقَبْض فِي نَفسه صَحِيح وللمأذون لَهُ بَاطِل بَاب فِي الْوكَالَة والقراض الْوكَالَة بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا وَهِي تَفْوِيض شخص أمره إِلَى آخر فِي عمل مَخْصُوص على وَجه مَخْصُوص فِي حَال الْحَيَاة وَينْدب قبُولهَا والقراض عقد يتَضَمَّن دفع المَال الْمَخْصُوص لآخر ليتجر فِيهِ وَالرِّبْح بَينهمَا وابتداؤه يشبه الْوكَالَة بالجعل وانتهاؤه يشبه الْجعَالَة بِنَاء على الْأَصَح أَن الْعَامِل يملك حِصَّته بِالْقِسْمَةِ لَا بالظهور وأركان الْوكَالَة أَرْبَعَة مُوكل ووكيل وموكل فِيهِ وَصِيغَة لَكِن لَا يشْتَرط الْقبُول لفظا فِي وكَالَة بِغَيْر جعل بل الشَّرْط اللَّفْظ من أحد الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْل من الآخر إِلَّا فِيمَا لَو كَانَ لَهُ عين مؤجرة أَو معارة أَو مَغْصُوبَة فَوَهَبَهَا لآخر وَأذن لَهُ فِي قبضهَا فَوكل الْمَوْهُوب لَهُ من هِيَ بِيَدِهِ من الْمُسْتَأْجر أَو الْمُسْتَعِير أَو الْغَاصِب فِي قبضهَا لَهُ فَلَا بُد من قبُول لفظا مِمَّن هِيَ تَحت يَده لتزول يَده عَنْهَا بِهِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْإِمْسَاك لِأَنَّهُ اسْتِدَامَة لما سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فَلَا دلَالَة فِيهِ على الرِّضَا بِقَبْضِهِ عَن الْمُؤَجّر أَو الْمُعير أَو الْمَالِك فِي الأَصْل أما الْوكَالَة بِجعْل فَلَا بُد فِيهَا من الْقبُول فَوْرًا لفظا وَلَا فرق بَين كَون التَّوْكِيل بِصِيغَة الْأَمر أَو غَيره كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي خلافًا لِابْنِ حجر وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ الْعَمَل الْمُوكل فِيهِ مضبوطا لتَكون الْوكَالَة حِينَئِذٍ إِجَارَة (تصح وكَالَة فِي كل عقد) كَبيع وَغَيره (وَفسخ) بِنَحْوِ عسر أَو إِقَالَة أَو تحالف (عَلَيْهِ) أَي الْمُوكل فِيهِ (ولَايَة لموكل) وَقت التَّوْكِيل فَإِن شَرط الْمُوكل فِيهِ أَن يملك الْمُوكل التَّصَرُّف فِيهِ حِين التَّوْكِيل أَو يذكرهُ تبعا لذَلِك فَلَو وكل بِبيع عبد سيملكه وَطَلَاق امْرَأَة سينكحها بَطل التَّوْكِيل لانْتِفَاء ولَايَته عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَو وكل الْوَلِيّ من يُزَوّج موليته إِذا انْقَضتْ عدتهَا أَو طلقت لم يَصح التَّوْكِيل على مَا صحّح الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَلَو قَالَت الْمَرْأَة لوَلِيّهَا وَهِي فِي نِكَاح أَو عدَّة أَذِنت لَك فِي تزويجي إِذا حللت صَحَّ الْإِذْن كَمَا نَقله الشَّيْخَانِ عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَالْفرق بَين التَّوْكِيل وَالْإِذْن أَن تَزْوِيج الْوَلِيّ بِالْولَايَةِ الشَّرْعِيَّة وتزويج الْوَكِيل بِالْولَايَةِ الجعلية فَالْأولى أقوى وَبَاب الْإِذْن أوسع من بَاب الْوكَالَة وَيصِح التَّوْكِيل فِي قبض حق عين أَو دين وإقباض لَهُ كَذَلِك نعم لَا يَصح تَوْكِيل إقباض الْعين الَّذِي يقدر على ردهَا بِنَفسِهِ مَضْمُونَة أَو أَمَانَة لانْتِفَاء إِذن مَالِكهَا فِي ذَلِك وَمن ثمَّ ضمن بِهِ مَا لم تصل بِحَالِهَا لمَالِكهَا وَيصِح فِي الدَّعْوَى بِنَحْوِ مَال أَو عُقُوبَة لغير الله تَعَالَى وَفِي الْجَواب وَإِن كره الْخصم وَتَصِح الْوكَالَة بِجعْل وَغَيره فِي تملك الْمُبَاحَات كإحياء واحتطاب واصطياد فَيملكهُ الْمُوكل إِن قَصده الْوَكِيل وَإِلَّا فَلَا أما فِي الْتِقَاط غير الْمعِين فَلَا تصح (لَا) تصح الْوكَالَة فِي (إِقْرَار) كوكلتك لتقر عني لفُلَان بِكَذَا فَيَقُول أَقرَرت عَنهُ بِكَذَا أَو جعلته مقرا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن حق فَلَا يقبل التَّوْكِيل كَالشَّهَادَةِ نعم التَّوْكِيل فِي الْإِقْرَار بِمعين أَو مُبْهَم إِقْرَار بِخِلَاف التَّوْكِيل فِي مُطلق الْإِقْرَار (و) لَا فِي (يَمِين) كلعان وإيلاء وظهار كَأَنْت على موكلي كَظهر أمه أَو جعلت موكلي مُظَاهرا مِنْك لِأَن الْيَمين كالعبادات لتَعلق حكمهَا بتعظيمه تَعَالَى وَمَا بعْدهَا يشبهها وَمثلهَا النّذر وَتَعْلِيق نَحْو الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير فالتوكيل بِسَائِر التَّعَالِيق بَاطِل سوى الْوَصِيَّة وَالْولَايَة على الْجَيْش مثلا بِأَن يَقُول إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد أوصيت لَهُ بِكَذَا لِأَن الْوَصِيَّة تقبل الْجعَالَة وَبِأَن يَقُول إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر ففلان أَمِير فِي الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة للْحَاجة إِلَى الْإِمَارَة وَلَا يضر تَعْلِيق التَّصَرُّف فَقَط كبعه لَكِن بعد شهر وَلَا يضر تَوْقِيت الْوكَالَة كوليتك شهرا (و) لَا فِي (عبَادَة) وَإِن لم تحتج لنِيَّة كالأذان وَالْإِقَامَة إِذْ الْقَصْد مِنْهَا امتحان عين الْمُكَلف وَيسْتَثْنى من ذَلِك أَشْيَاء الْحَج وَالْعمْرَة وَذبح أضْحِية وعقيقة وهدي وشَاة وَلِيمَة وتفريق زَكَاة وَنذر وَصدقَة وَكَفَّارَة وَصَوْم الْكَفَّارَات وركعتا الطّواف إِذا صلاهما الْأَجِير تبعا للطَّواف أما إِذا وكل فيهمَا فَقَط فَلَا تصح الْوكَالَة قطعا كَمَا صرح بِهِ الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا تصح الْوكَالَة (بِإِيجَاب) وَهُوَ مَا دلّ على إِذن الْمُوكل فِي التَّصَرُّف من لفظ أَو كِتَابَة أَو إِشَارَة أخرس مفهمة للْوَكِيل فَإِن فهمها كل أحد كَانَت صَرِيحَة سَوَاء كَانَ الْإِيجَاب بِصِيغَة العقد (كوكلتك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فِي كَذَا أَو أنبتك فِيهِ أَو أقمتك مقَامي فِيهِ أَو فوضته إِلَيْك (أَو) بِصِيغَة الْأَمر كَقَوْلِه (بِعْ) أَو طلق أَو اعْتِقْ أَو زوج إِذْ لَا يحصل الرِّضَا إِلَّا بِالْإِيجَابِ فَالْأَمْر قَائِم مقَام الْإِيجَاب وأبلغ مِنْهُ وَلَا يجب الْقبُول لفظا بل الشَّرْط عدم الرَّد فَقَط نعم التَّوَكُّل بِجعْل لَا بُد فِيهِ من قبُول لفظا وَلَو بِصِيغَة الْأَمر وَذَلِكَ إِن كَانَ عمل الْوَكِيل مضبوطا لِأَنَّهَا إِجَارَة فَإِن لم يكن مضبوطا وَعمل فَهُوَ إِجَارَة فَاسِدَة فَيسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ عمل طامعا أَي حَيْثُ لم يكن عَالما بِالْفَسَادِ وَقد يشْتَرط الْقبُول لفظا فِيمَا إِذا لم تزل الْيَد عَن الْعين الْمَضْمُونَة إِلَّا بِهِ كَمَا مر فَائِدَة لَو قَالَ وَكلتك فِي أُمُور زَوْجَتي فَلَا يَسْتَفِيد طَلَاق تِلْكَ الْمَرْأَة حَيْثُ لَا قرينَة فِي تَوْكِيل التَّطْلِيق (وَبَاعَ وَكيل بِثمن مثل) فَأكْثر أَو بِأَقَلّ من ثمن الْمثل إِن كَانَ النَّقْص مِمَّا يتَسَامَح بِهِ وَذَلِكَ يعْتَبر فِي كل نَاحيَة بعرف أَهلهَا المطرد عِنْدهم وَيخْتَلف باخْتلَاف مقادير الْأَمْوَال (حَالا) من نقد بلد البيع الْمَأْذُون فِيهَا لَا بلد التَّوَكُّل (إِذا أطلق الْمُوكل) الْوكَالَة بِأَن لم يُقيد بِثمن وَلَا حُلُول وَلَا تَأْجِيل وَلَا نقد وَمَتى خَالف شَيْئا مِمَّا ذكر فسد تصرفه وَضمن قيمَة الْمَبِيع يَوْم تَسْلِيمه للْمُشْتَرِي وَلَو فِي مثلي لتعديه بِتَسْلِيمِهِ لمن لَا يسْتَحقّهُ بِبيع بَاطِل وَيُطَالب الْوَكِيل المُشْتَرِي بِالْمثلِ لِأَن الْمَضْمُون بِهِ مَا تلف فِي يَده فَإِن لم يُطلق الْمُوكل اتبع مَا عينه فَإِذا قَالَ للْوَكِيل بِعْ هَذَا بِمَا شِئْت أَو بِمَا تيَسّر جَازَ لَهُ بَيْعه بِغَيْر نقد الْبَلَد لَا بنسيئة وَلَا غبن لِأَن مَا للْجِنْس أَو قَالَ بِعْهُ كَيفَ شِئْت جَازَ بنسيئة فَقَط لَا بِغَبن فَاحش وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد لِأَن كَيفَ للْحَال فَشَمَلَ الْحَال والمؤجل أَو بِعْهُ بكم شِئْت جَازَ بِالْغبنِ فَقَط لَا بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد لِأَن كم للعدد الْقَلِيل وَالْكثير لَكِن يَنْبَغِي أَن لَا يفرط فِي الْغبن بِحَيْثُ يعد إِضَاعَة وَأَن لَا يكون ثمَّ رَاغِب بِالزِّيَادَةِ أَو بِعْهُ بِمَا عز وَهَان جَازَ غير النَّسِيئَة لِأَن مَا للْجِنْس فقرنها بصلتها الْمَذْكُورَة يَشْمَل عرفا الْقَلِيل وَالْكثير من نقد الْبَلَد وَغَيره وَإِذا أمره الْمُوكل أَن يَبِيع بِنَقْد عينه فَأبْطل بعد التَّوْكِيل وَقبل البيع وجدد نقد آخر جَازَ للْوَكِيل البيع بالجديد لِأَن الظَّاهِر من حَال الْمُوكل إِرَادَة مَا يروج فِي الْبَلَد وَقت البيع من النُّقُود لَا سِيمَا إِذا تَعَذَّرَتْ مُرَاجعَة الْمُوكل كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي (وَلَا يَبِيع) أَي الْوَكِيل (لنَفسِهِ) ولولده الصَّغِير أَو الْمَجْنُون أَو السَّفِيه وَإِن أذن الْمُوكل فِي ذَلِك وَقدر الثّمن وَنَهَاهُ عَن الزِّيَادَة لِئَلَّا يلْزم تولي الطَّرفَيْنِ لِأَن الْأَب إِنَّمَا يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ فِي مُعَامَلَته لنَفسِهِ مَعَ موليه أَو موليته وَهنا لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمُعَامَلَة لغيره (و) إِذا وكل فِي شِرَاء مَوْصُوف أَو معِين وَإِن جهل الْمُوكل عَيبه توكيلا مُطلقًا بِأَن لم ينص للْوَكِيل على غير التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ فالوكيل (لَيْسَ) يحسن (لَهُ) أَي الْوَكِيل (شِرَاء معيب) لِأَن الْإِطْلَاق يَقْتَضِي السَّلامَة وَإِنَّمَا جَازَ لعامل الْقَرَاض شِرَاؤُهُ لِأَن الْقَصْد مِنْهُ الرِّبْح وَمن ذَلِك لَو كَانَ الْقَصْد هُنَا ذَلِك جَازَ لَهُ شِرَاؤُهُ وَيجوز للْوَكِيل الشِّرَاء نَسِيئَة وَبِغير نقد الْبَلَد حَيْثُ رأى فِيهِ مصلحَة إِذْ لَا ضَرَر فِيهِ على الْمُوكل (وَوَقع) أَي الشِّرَاء (لَهُ) أَي الْوَكِيل (إِن علم) الْعَيْب وَكَانَ شِرَاء الْمَعِيب فِي الذِّمَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَلم ينص الْمُوكل لَهُ على السَّلِيم سَوَاء أساوى مَعَ الْعَيْب مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أم زَاد على مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ غير مَأْذُون فِيهِ عرفا أَو علم الْعَيْب وَكَانَ الشِّرَاء فِي الذِّمَّة أَو بِالْعينِ وَلم يساو الْمَعِيب مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لتقصير الْوَكِيل إِذْ قد يتَعَذَّر الرَّد فيتضرر الْمُوكل أما إِن جهل الْوَكِيل الْعَيْب وَقع الشِّرَاء للْمُوكل فِي الصُّورَتَيْنِ لانْتِفَاء الْمُخَالفَة وَالتَّقْصِير وَالضَّرَر لتمكن الْمُوكل من رد الْمَعِيب نعم لَو نَص للْوَكِيل على السَّلِيم لم يَقع للْمُوكل لِأَنَّهُ غير مَأْذُون فِيهِ ولعذر الْوَكِيل بجهله مَعَ اندفاع الضَّرَر بِثُبُوت الْخِيَار لَهُ وَخرج بِالذِّمةِ الشِّرَاء بِعَين مَال الْمُوكل فَإِنَّهُ لَيْسَ للْوَكِيل رده لتعذر انقلاب العقد لَهُ وَإِن وَقع الشِّرَاء للْمُوكل أَيْضا بِهَذِهِ الشُّرُوط الَّتِي هِيَ عدم النَّص على السَّلِيم ومساواته مَا اشْتَرَاهُ وَجَهل الْوَكِيل الْعَيْب أما لَو اشْترى الْوَكِيل بِالْعينِ وَكَانَ عَالما بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَقع الشِّرَاء لوَاحِد مِنْهُمَا وَيحرم لتعاطيه عقدا فَاسِدا كَمَا نَقله الشبراملسي عَن الزيَادي وَإِذا وَقع الشِّرَاء فِي الذِّمَّة للْمُوكل فِي صُورَتي الْجَهْل فَلِكُل من الْمُوكل وَالْوَكِيل الرَّد بِالْعَيْبِ فَيرد الْمُوكل على البَائِع إِن ذكره الْوَكِيل فِي العقد أَو نَوَاه وَقد صدقه البَائِع وَإِلَّا رده على الْوَكِيل وَلَو رَضِي الْمُوكل بِالْعَيْبِ امْتنع على الْوَكِيل رده بِخِلَاف عَكسه وَلَو رده قبل علمه بِرِضا الْمُوكل ثمَّ تبين أَنه كَانَ رَاضِيا بِهِ حِين الرَّد تبين بطلَان الرَّد (وَلَا) يجوز للْوَكِيل (تَوْكِيل بِلَا إِذن) من الْمُوكل (فِيمَا يَتَأَتَّى) أَي يسهل (مِنْهُ) أَي الْوَكِيل لِأَن الْمُوكل لم يرض بِتَصَرُّف غَيره وَلَا ضَرُورَة فَلَا يجوز التَّوْكِيل فِي قبض دين وإرساله مَعَ بعض عِيَاله وَقَول القَاضِي أبي الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن الْجُورِي يَصح التَّوْكِيل إِن وكل أحدا من عِيَاله إِذا كَانَ أَمينا للْعُرْف رَأْي ضَعِيف كَذَا قَالَ الزيَادي أما إِذا لم يُمكن مَا وكل فِيهِ من الْوَكِيل لكَونه لَا يُحسنهُ أصلا أَو لَا يَلِيق بِهِ أَو يشق عَلَيْهِ تعاطيه مشقة لَا تحْتَمل فِي الْعَادة فَلهُ التَّوْكِيل عَن مُوكله فَلَو وكل عَن نَفسه لم يَصح التَّوْكِيل أَو أطلق وَقع عَن الْمُوكل فِيمَا زَاد على الْمُمكن دون غَيره وَلَو أذن الْمُوكل فِي التَّوْكِيل وَقَالَ للْوَكِيل وكل عَن نَفسك فَفعل فَالثَّانِي وَكيل الْوَكِيل وللموكل عَزله وينعزل الثَّانِي بعزل الأول إِيَّاه وانعزاله بِنَحْوِ مَوته أَو جُنُونه أَو عزل الْمُوكل للْأولِ لِأَن الثَّانِي نَائِب الأول وَإِن قَالَ الْمُوكل وكل عني سَوَاء عين الْوَكِيل أم لَا فَفعل فَالثَّانِي وَكيل الْمُوكل وَكَذَا إِن أطلق بِأَن لم يقل عَنْك وَلَا عني وَفِي التَّقْيِيد بقوله عني وَالْإِطْلَاق لَا يعْزل أَحدهمَا الآخر وَلَا يَنْعَزِل بانعزاله لانْتِفَاء كَونه وَكيلا عَنهُ وَحَيْثُ جَوَّزنَا للْوَكِيل التَّوْكِيل عَنهُ أَو عَن الْمُوكل يشْتَرط أَن يُوكل أَمينا كَافِيا لذَلِك التَّصَرُّف وَلَو رَقِيقا إِلَّا أَن يعين الْمُوكل غير الْأمين فَيتبع تَعْيِينه لإذنه فِيهِ نعم إِن علم الْوَكِيل فسقه دون الْمُوكل لم يجز أَن يُوكله وَلم ينفذ تَوْكِيله كَمَا لَا يَشْتَرِي مَا عينه الْمُوكل وَلم يعلم عَيبه وَالْوَكِيل يُعلمهُ وَالْمُعْتَمد أَنه لَا يجوز تَوْكِيل غير الْأمين وَإِن قَالَ الْمُوكل للْوَكِيل وكل من شِئْت بِخِلَاف مَا لَو قَالَت الْمَرْأَة لوَلِيّهَا زَوجنِي مِمَّن شِئْت فَإِنَّهُ جَازَ لَهُ تَزْوِيجهَا من غير كُفْء لِأَن الْمَقْصُود هُنَا حفظ المَال وَحسن التَّصَرُّف فِيهِ وَغير الْأمين لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِك وَثمّ مُجَرّد وجود صفة كَمَال هِيَ الْكَفَاءَة وَقد يتَسَامَح بِتَرْكِهَا بل قد يكون غير الْكُفْء أصلح وَلَو وكل الْوَكِيل أَمينا ففسق لم يملك الْوَكِيل عَزله لِأَن الْمُوكل أذن لَهُ فِي التَّوْكِيل دون الْعَزْل وَلَو وكل الْوَكِيل عَن ولي لم يُوكل إِلَّا عدلا مُطلقًا سَوَاء عين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الْمُوكل لَهُ فَاسِقًا أَو غَيره (وَهُوَ) أَي الْوَكِيل (أَمِين) وَإِن كَانَ يَجْعَل لنيابته عَن مُوكله فِي الْيَد وَالتَّصَرُّف وَلِأَنَّهُ عقد إِحْسَان وَالضَّمان منفر عَنهُ وَقَول الْوَكِيل فِي تلف المَال مَقْبُول بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِين كالوديع وَكَذَا قَوْله فِي الرَّد للمعوض أَو الْعِوَض على مُوكله فَإِنَّهُ مَقْبُول حَيْثُ لم تبطل أَمَانَته لِأَنَّهُ أَخذ الْعين لنفع الْمُوكل أما لَو ادّعى الْوَكِيل أَنه أرسل الْعِوَض للْمُوكل مَعَ وَكيل عَن نَفسه فِي الدّفع فَلَا يقبل لِأَن الْمُوكل لم يأتمن الرَّسُول وَلم يَأْذَن للْوَكِيل فِي الدّفع إِلَيْهِ فطريقه فِي بَرَاءَة ذمَّته مِمَّا بِيَدِهِ أَن يسْتَأْذن الْمُوكل فِي الْإِرْسَال لَهُ مَعَ من تيَسّر الْإِرْسَال مَعَه وَلَو غير معِين (فَإِن تعدى) أَي الْوَكِيل (ضمن) ضَمَان الغصوب كَسَائِر الْأُمَنَاء وَمن التَّعَدِّي أَن يضيع مِنْهُ المَال وَلَا يعرف كَيفَ ضَاعَ أَو وَضعه فِي مَحل ثمَّ نَسيَه أَو نسي من عَامله وَلَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بِالتَّعَدِّي بِغَيْر إِتْلَاف الْمُوكل فِيهِ لِأَن الْوكَالَة إِذن فِي التَّصَرُّف وَالْأَمَانَة حكم يتَفَرَّع عَلَيْهَا وَلَا يلْزم من ارتفاعها ارْتِفَاع أَصْلهَا كَالرَّهْنِ بِخِلَاف الْوَدِيعَة فَإِنَّهَا مَحْض ائتمان فارتفعت بِالتَّعَدِّي (وينعزل) أَي الْوَكِيل (بعزل أَحدهمَا) أَي الْوَكِيل وَالْمُوكل وصريحه عزل وَفسخ وَخُرُوج وَإِبْطَال ورد وَإِزَالَة وَرفع وَنَحْوهَا وَإِن لم يعلم الْمَعْزُول وَإِنَّمَا توقف انعزال القَاضِي على الْعلم لتَعلق الْمصَالح الْكُلية بِهِ وَكَذَا الْمُسْتَعِير لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة فَلَا تضمن عَلَيْهِ قبل علمه بِرُجُوع الْمُعير لِأَن المقصر هُوَ الْمُعير وَيَنْبَغِي الْإِشْهَاد على الْعَزْل إِذْ لَا يصدق الْمُوكل بعد تصرف الْوَكِيل فِي قَوْله كنت عزلته إِلَّا بِبَيِّنَة وينعزل أَيْضا بِسَبَب إِنْكَار أَحدهمَا الْوكَالَة عَامِدًا بِلَا عذر لَهُ فِي الْإِنْكَار من نَحْو خوف ظَالِم على أَخذه المَال الْمُوكل فِيهِ أَو نِسْيَان لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ رد للوكالة بِخِلَاف الْإِنْكَار لعذر (و) يَنْعَزِل الْوَكِيل أَيْضا بِزَوَال أَهْلِيَّة وَاحِد مِنْهُمَا (بِمَوْت أَو جُنُون) وَإِن لم يعلم الآخر بِهِ وَإِن قصرت مُدَّة الْجُنُون أَو بإغماء إِلَّا إِذا لم يسْقط بِهِ فرض الصَّلَاة لخفته نعم وَكيل رمي الْجمار لَا يَنْعَزِل بإغماء الْمُوكل لِأَنَّهُ زِيَادَة فِي عَجزه الْمُشْتَرط لصِحَّة الْإِنَابَة وَمثل ذَلِك طرُو نَحْو الْفسق أَو الرّقّ أَو التبذير فِيمَا شَرط فِيهِ السَّلامَة من ذَلِك (وَزَوَال ملك مُوكل) عَمَّا وكل فِيهِ حَتَّى لَو بَاعه الْوَكِيل ثمَّ عَاد إِلَيْهِ بِنَحْوِ عيب لَا يَبِيعهُ ثَانِيًا إِلَّا بِإِذن جَدِيد وَزَوَال منفعَته الَّتِي يملكهَا عَنهُ كتزويج الْأمة لَا العَبْد فَإِذا زَوجهَا سَيِّدهَا انْعَزل الْوَكِيل فِي بيعهَا وكالإجارة وَالرَّهْن مَعَ الْقَبْض لإشعار ذَلِك بالندم على التَّصَرُّف وَإِن عزل الْوَكِيل وَهُوَ غَائِب انْعَزل فِي الْحَال لِأَنَّهُ لم يحْتَج للرضا فَلم يحْتَج للْعلم كَالطَّلَاقِ (و) يَنْبَغِي للْمُوكل الْإِشْهَاد إِذْ (لَا يصدق) أَي الْمُوكل فِي قَوْله كنت عزلت الْوَكِيل (بعد تصرف) من الْوَكِيل (إِلَّا بِبَيِّنَة) وَإِن وَافقه بِالنِّسْبَةِ للْمُشْتَرِي مثلا من الْوَكِيل أما فِي غير ذَلِك فَإِن وَافقه على الْعَزْل وَلَكِن ادّعى أَنه بعد التَّصَرُّف ليستحق الْجعل مثلا فَإِذا اتفقَا على وَقت الْعَزْل وَقَالَ الْوَكِيل تصرفت قبله وَقَالَ الْمُوكل بعده حلف الْمُوكل أَنه لَا يعلم أَنه تصرف قبله فَيصدق لِأَن الأَصْل عَدمه إِلَى مَا بعده أَو اتفقَا على وَقت التَّصَرُّف وَقَالَ الْمُوكل عزلتك قبله فَقَالَ الْوَكِيل بل بعده حلف الْوَكِيل أَنه لَا يعلم عَزله قبله فَيصدق فَإِن تنَازعا فِي السَّبق بِلَا اتِّفَاق فِي الْوَقْت صدق من سبق بِالدَّعْوَى سَوَاء جَاءَا مَعًا للْقَاضِي أم لَا لِأَن مدعاه سَابق لاستقرار الحكم بقوله فَإِن ادّعَيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مَعًا صدق الْمُوكل لِأَن جَانِبه أقوى من أصل بَقَاء جَوَاز التَّصَرُّف الناشىء من الْإِذْن لِأَن بَقَاءَهُ متنازع فِيهِ (و) الْقَرَاض تَوْكِيل خَاص لامتيازه بأركان وَأَحْكَام فأركانه خَمْسَة عاقدان وَصِيغَة وَرَأس مَال وَعمل وَربح (يَصح قِرَاض) إِذا وجدت شُرُوطه مَعَ أَرْكَانه فالركن الأول العاقدان وَلَهُمَا شُرُوط فَشرط الْمَالِك أَهْلِيَّة تَوْكِيل وَالْعَامِل أَهْلِيَّة التَّوَكُّل فَلَا يَصح الْقَرَاض إِذا كَانَ أَحدهمَا مَحْجُورا أَو عبدا أذن لَهُ فِي التِّجَارَة أَو الْمَالِك مُفلسًا أَو الْعَامِل أعمى والركن الثَّانِي رَأس المَال وَله شُرُوط فَمِنْهَا كَونه (فِي نقد خَالص مَضْرُوب) دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَلَا يَصح فِي فلوس وحلي وتبرع وعروض كثمنها إِن بَاعهَا وَلَا يَصح فِي مغشوش إِلَّا إِن كَانَ يروج رواج الْخَالِص فِي كل مَكَان مَعَ انْتِفَاء الْخَالِص وَإِلَّا إِن اسْتهْلك غشه بِأَن لَا يتَمَيَّز النّحاس عَن الْفضة مثلا فِي رَأْي الْعين وَمِنْهَا كَونه فِي مَعْلُوم الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة فَلَا يَصح فِي نقد مَجْهُول أَخذهَا وَلَو مرئيا للْجَهْل بِالرِّبْحِ وَمِنْهَا كَونه قد عين فِي مجْلِس العقد وَإِن لم يعين فِي صلبه فَلَو قارضه على ألف فِي ذمَّته وعينه فِي الْمجْلس جَازَ وَكَذَا لَو أعطَاهُ أَلفَيْنِ أَو صرتين وَقَالَ قارضتك على أَحدهمَا فَإِنَّهُ يَصح إِن عين أَحدهمَا فِي الْمجْلس وَإِن لم تفتح الصرة وَيصِح على مَا بيد غَيره وَدِيعَة أَو غصبا أَو غَيرهمَا الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل وَله شُرُوط مِنْهَا كَونه فِي تِجَارَة وَهِي تقليب المَال بِنَحْوِ البيع وَالشِّرَاء لغَرَض الرِّبْح وَيدخل فِيهَا توابعها كنشر وطي وَمِنْهَا كَون رَأس المَال وَالتِّجَارَة بيد الْعَامِل ليستقل بِالتِّجَارَة وتوابعها من غير مُزَاحم لَهُ فِيهَا وَمِنْهَا أَن لَا يضيق الْعَمَل بتعليق أَو تأقيت وَمن ثمَّ بَطل الْقَرَاض بتعليقه وَتَعْلِيق تصرفه كَقَوْلِه قارضتك الْآن وَلَا تتصرف إِلَّا بعد شهر لمنافاته لغَرَض الرِّبْح بِخِلَاف الْوكَالَة وَبَطل بتوقيت غير اشْتِرَاء كَأَن قارضه سنة وَإِن لم يمنعهُ التَّصَرُّف بعْدهَا إِذْ قد لَا يجد رَاغِبًا فِيهَا أما تَوْقِيت الاشتراء بِأَن مَنعه الشِّرَاء بعْدهَا دون البيع فَيصح لحُصُول الاسترباح بِالْبيعِ الَّذِي لَهُ فعله بعْدهَا الرُّكْن الرَّابِع كَون الْقَرَاض (بِصِيغَة) إِنَّمَا تحصل بِإِيجَاب من جِهَة رب المَال كَقَوْلِه قارضتك وعاملتك وَخذ هَذِه الدَّرَاهِم واتجر فِيهَا أَو بِعْ واشتر على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَلَو اقْتصر على قَوْله بِعْ أَو اشْتَرِ فسد الْقَرَاض وَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ صَار وَكيلا بِلَا جعل وبقبول فَوْرًا من جِهَة الْعَامِل بِأَن يتَّصل بِالْإِيجَابِ كَالْبيع وَيقوم مقَام اللَّفْظ الْكِتَابَة وَإِشَارَة الْأَخْرَس المفهمة الرُّكْن الْخَامِس الرِّبْح وَله شُرُوط مِنْهَا اخْتِصَاصه بالمالك وَالْعَامِل واشتراكهما فِيهِ وَتَقْدِير نصيب كل مِنْهُمَا بجزئية وَلَا يَصح الْقَرَاض إِلَّا إِن عقد (مَعَ شَرط ربح لَهما) بِأَن لَا يخْتَص بِهِ أَحدهمَا وَأَن لَا يشْتَرط مِنْهُ شَيْء لغَيْرِهِمَا مِمَّن لَيْسَ بعامل وَلَا مَمْلُوك لأَحَدهمَا وَإِلَّا بَطل الْقَرَاض سَوَاء اشْترط الْمَالِك إعطاءه من نصِيبه أَو نصيب الْعَامِل وَخرج بِالشّرطِ الْوَعْد فَلَو قَالَ نصف الرِّبْح لَك وَنصفه لي وَنَصِيبِي نصفه لزوجتي صَحَّ لِأَنَّهُ وعد هبة لتِلْك الْمَرْأَة (و) مَعَ شَرط الرِّبْح لَهما (يشْتَرط كَونه) أَي الرِّبْح (مَعْلُوما بالجزئية) كَنِصْف وَثلث لَا بِنَحْوِ الْوَزْن فَإِن قَالَ على أَن الرِّبْح بَيْننَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَة أَو قَالَ لَك ربع سدس الْعشْر صَحَّ وَإِن لم يعلماه عِنْد العقد لسُهُولَة مَعْرفَته وَهُوَ جُزْء من مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين جُزْءا فالعشر أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وسدسه أَرْبَعَة وَربع السُّدس وَاحِد وَإِذا فسد الْقَرَاض لنَحْو فَوَات شَرط وَبَقِي الْإِذْن نفذ تصرف الْعَامِل نظرا لبَقَاء الْإِذْن كَمَا فِي الْوكَالَة الْفَاسِدَة وَالرِّبْح كُله للْمَالِك لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَعَلِيهِ الخسران أَيْضا (و) عَلَيْهِ (لعامل فِي فَاسد أُجْرَة مثل) وَإِن لم يحصل ربح بل وَإِن حصل خسران لِأَنَّهُ عمل طامعا فِي الْمُسَمّى وَلم يسلم لَهُ فَرجع إِلَى الْأُجْرَة وَإِن علم الْفساد وَظن أَن لَا أُجْرَة أما إِذا فسد الْإِذْن لعدم أَهْلِيَّة الْعَاقِد فَلَا ينفذ تصرفه وَيضمن مَال الْقَرَاض ضَمَان الغصوب لوضع يَده عَلَيْهِ بِلَا إِذن من مَالِكه وَلَو قَالَ الْمَالِك لِلْعَامِلِ بِعْ فِي هَذَا واشتر أَو قَالَ اتّجر فِيهِ وَلم يذكر ربحا فَلَا شَيْء لَهُ لِأَن مَا ذكره تَوْكِيل لَا قِرَاض وَكَذَا لَو قَالَ قارضتك وَجَمِيع الرِّبْح لي فَلَا شَيْء لَهُ لِأَنَّهُ عمل مجَّانا غير طامع فِي شَيْء (وَلَا يمون) الْعَامِل نَفسه بِالنَّفَقَةِ وَغَيرهَا من مَال الْقَرَاض حضرا وسفرا إِذْ الْمُؤْنَة قد تستغرق الرِّبْح فَيلْزم انْفِرَاده بِهِ وَقد تزيد عَلَيْهِ فَيلْزم أَخذه من رَأس المَال وَإِن جرت الْعَادة بذلك فَإِذا أذن لَهُ الْمَالِك فِي ذَلِك فَيكون من الرِّبْح لَا من أصل مَال الْقَرَاض فَإِن لم يُوجد ربح حسب من رَأس المَال وَلَو شَرط الْمُؤْنَة سفرا أَو حضرا فِي العقد فسد (وَصدق) أَي الْعَامِل بِيَمِينِهِ (فِي تلف) لِأَنَّهُ أَمِين وَهَذَا شَامِل لما لَو ادّعى تلفه ثمَّ اعْترف بِبَقَائِهِ ثمَّ ادّعى تلفه وَلَو ادّعى الْمَالِك بعد تلف المَال أَنه قرض وَالْعَامِل أَنه قِرَاض صدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ إِذْ الْقَاعِدَة أَن من كَانَ القَوْل قَوْله فِي أصل الشَّيْء فَالْقَوْل قَوْله فِي صفته مَعَ أَن الأَصْل عدم الائتمان الدَّافِع للضَّمَان أما قبل التّلف فَيصدق الْمَالِك قطعا لِأَن الْعَامِل يدعى عَلَيْهِ الْإِذْن فِي التَّصَرُّف وحصته من الرِّبْح وَالْأَصْل عدمهما (وَعدم ربح) بِأَن يَقُول الْعَامِل لم أربح شَيْئا أصلا (وَقدره) بِأَن يَقُول لم أربح إِلَّا كَذَا لِأَن الأَصْل مَعَه (وخسر) مُمكن وَإِن أخبر قبل بِرِبْح لِأَنَّهُ أَمِين وَلَو أقرّ بِرِبْح قدر ثمَّ ادّعى غَلطا فِي الْحساب أَو كذبا لم يقبل لِأَنَّهُ أقرّ بِحَق لغيره فَلم يقبل رُجُوعه عَنهُ نعم لَهُ تَحْلِيف الْمَالِك وَإِن لم يذكر شُبْهَة (ورد) لمَال الْقَرَاض ادَّعَاهُ الْعَامِل وَلَو بعد إخْبَاره بِالرِّبْحِ وَأنْكرهُ الْمَالِك وَيصدق الْعَامِل أَيْضا فِي قدر رَأس المَال وجنسه وَصفته سَوَاء أَكَانَ فِي المَال ربح أم لَا لِأَن الأَصْل عدم دفع الزَّائِد على مَا قَالَه الْعَامِل وَفِي نِيَّة شِرَاء للقراض وَإِن كَانَ خاسرا ولنفسه وَإِن كَانَ رابحا لِأَنَّهُ أعرف بِقَصْدِهِ وَفِي عدم نهي من الْمَالِك عَن شِرَاء كَذَا بِأَن توافقا على الْإِذْن فِي شِرَائِهِ كَأَن اشْترى الْعَامِل سلْعَة فَقَالَ الْمَالِك نهيتك عَن شِرَائهَا فَقَالَ الْعَامِل لم تنهني فَيصدق الْعَامِل وَتَكون للقراض لِأَن الأَصْل عدم النَّهْي أما لَو قَالَ الْمَالِك لم آذن لَك فِي شِرَاء كَذَا فَقَالَ الْعَامِل بل أَذِنت لي فالمصدق الْمَالِك تَتِمَّة الشّركَة نَوْعَانِ أَحدهمَا فِي الشَّيْء الْمَمْلُوك بِدُونِ عقد سَوَاء كَانَ الْملك على جِهَة الْقَهْر أَو الِاخْتِيَار كإرث وَشِرَاء على جِهَة الشُّيُوع وَلَا فرق فِي الْمَمْلُوك بَين أَن يكون أعيانا أَو مَنَافِع وَقد تكون الشّركَة فِي مُجَرّد الْحُقُوق إِمَّا على الْعُمُوم كالشوارع وَإِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 على الْخُصُوص كحق التحجر وَثَانِيهمَا أَرْبَعَة أَنْوَاع شركَة أبدان بِأَن يَجْعَل الشخصان كسبهما ببدنهما بَينهمَا مَعَ تساو فِي الْكسْب واتفاق حِرْفَة أَو ضدهما سَوَاء شرطا أَن عَلَيْهِمَا مَا يعرض من غرم أم لَا وَذَلِكَ كخياطين أَو حطابين أَو خياط ورتاء وَهَذِه بَاطِلَة عندنَا مُطلقًا وَذَلِكَ فِي نَحْو الاحتطاب إِذا لم يقْصد كل مِنْهُمَا بِهِ نَفسه وَصَاحبه فَإِن قصدهما كَانَ بَينهمَا مُطلقًا وصحيحة عِنْد أبي حنيفَة مُطلقًا وصحيحة عندمالك إِن اتّحدت الحرفة وَشركَة الْمُفَاوضَة بِأَن يجعلا كسبهما وربحهما ببدن أَو مَال من غير خلط وغرمهما بِنَحْوِ غصب أَو إِتْلَاف بَينهمَا وَهَذِه بَاطِلَة أَيْضا وَشركَة الْوُجُوه بِأَن يتَّفق وجيهان على أَن يشتريا فِي ذمتهما بمؤجل أَو حَال وَربحه بَينهمَا أَو وجيه وخامل على أَن يَشْتَرِي الْوَجِيه فِي ذمَّته وَيبِيع الخامل أَو على أَن يُعْطي الخامل المَال وَيعْمل فِيهِ الْوَجِيه ليَكُون المَال من هَذَا وَالْعَمَل من هَذَا من غير تَسْلِيم المَال وَالرِّبْح بَينهمَا وَهَذِه بَاطِلَة أَيْضا وَالصُّورَة الثَّالِثَة قِرَاض فَاسد لاستقلال الْمَالِك بِالْيَدِ وَقد يحصل الْفساد بِغَيْر ذَلِك ككون المَال غير نقد فَلَا يتَوَقَّف الْفساد حِينَئِذٍ على عدم تَسْلِيم المَال وَشركَة الْعَنَان وَهِي صَحِيحَة إِذا وجدت شُرُوط خَمْسَة أَحدهَا أَن تكون على ناض من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بِالْإِجْمَاع وَتَصِح فِي الْمَغْشُوش الرائج فِي بلد التَّصَرُّف على الْأَصَح وَمثله سَائِر الْمِثْلِيَّات وَلَا تصح فِي المتقومات لتعذر الْخَلْط فِيهَا لِأَنَّهَا أَعْيَان متميزة وَحِينَئِذٍ تتعذر الشّركَة لِأَن بَعْضهَا قد يتْلف فَيذْهب على صَاحبه وَحده وَالْحِيلَة فِي الشّركَة فِي غير الْمِثْلِيَّات من المتقومات أَن يَبِيع كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض عرضه بِبَعْض عرض الآخر ويتقابضا ثمَّ يَأْذَن كل مِنْهُمَا للْآخر فِي التَّصَرُّف وَثَانِيها أَن يتَّفقَا فِي الْجِنْس فَلَا تصح الشّركَة فِي الدَّرَاهِم وَالذَّهَب وَثَالِثهَا الْخَلْط بِشَرْط أَن لَا يبْقى مَعَه تَمْيِيز وَأَن يتَقَدَّم الْخَلْط على العقد وَالْإِذْن فَلَو اشْتَركَا فِي ثَوْبَيْنِ من غزل وَاحِد والصانع وَاحِد لم تصح الشّركَة لتمييز أَحدهمَا عَن الآخر وَأما عدم معرفَة كل مِنْهُمَا ثَوْبه فَيُقَال لَهُ اشْتِبَاه أما لَو كَانَ المَال مشَاعا كَأَن اشترياه مَعًا على الشُّيُوع أَو ورثاه فَإِنَّهُ كَاف لحُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ عدم التَّمْيِيز وَرَابِعهَا الْإِذْن مِنْهُمَا فِي التَّصَرُّف وَتصرف الشَّرِيك كتصرف الْوَكِيل فَلَا يَبِيع بِغَيْر نقد الْبَلَد وَلَا يَبِيع بالأجل وَلَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي بِغَبن فَاحش وخامسها أَن يكون الرِّبْح على قدر الْمَالَيْنِ سَوَاء تَسَاويا فِي الْعَمَل أَو تَفَاوتا فصل فِي الشُّفْعَة وَهِي حق تملك قهري ثَبت للشَّرِيك الْقَدِيم على الْحَادِث فِيمَا ملك بعوض بِمَا ملك بِهِ لدفع الضَّرَر أَي ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة واستحداث الْمرَافِق وَغَيرهَا أَو ضَرَر سوء الْمُشَاركَة (إِنَّمَا تثبت الشُّفْعَة لِشَرِيك) مَالك للرقبة (فِي بيع أَرض مَعَ تابعها كبناء) وتوابعه الدَّاخِلَة فِي مُطلق البيع كأبواب مَنْصُوبَة ورفوف مسمرة (وَشَجر) رطب وأصل يجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 مرّة بعد أُخْرَى (وثمر غير مؤبر) عِنْد البيع إِن شَرط دُخُوله كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي خلافًا لِابْنِ حجر وَالْحَاصِل أَن أَرْكَان الشُّفْعَة ثَلَاثَة آخذ وَهُوَ الشَّرِيك الْقَدِيم وَشَرطه كَونه شَرِيكا مَالِكًا وَلَو مكَاتبا وَغير عَاقل كمسجد لَهُ شقص لم يُوقف بِأَن وهب لَهُ أَو اشْتَرَاهُ لَهُ النَّاظر من ريع الْوَقْف فَإِذا بَاعَ شَرِيكه أَخذ لَهُ النَّاظر بِالشُّفْعَة فَخرج بالشريك الْجَار وبالمالك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَنَحْوه فَلَا شُفْعَة لَهُم ومأخوذ وَشَرطه أَن يكون أَرضًا بتابعها ومأخوذ مِنْهُ وَشَرطه تَأَخّر سَبَب ملكه عَن سَبَب ملك الْآخِذ فَلَو بَاعَ أحد شَرِيكَيْنِ نصِيبه بِشَرْط الْخِيَار لَهُ فَبَاعَ الآخر نصِيبه فِي زمن الْخِيَار بيع بت فَالشُّفْعَة للْمُشْتَرِي الأول إِن لم يَأْخُذ بَائِعه بِالشُّفْعَة بِأَن يفْسخ البيع وَيَأْخُذ بهَا وَيكون أَخذه فسخا وَأما الصِّيغَة فَإِنَّمَا تجب فِي التَّمَلُّك فَلَا يَصح عدهَا ركنا وَإِنَّمَا هِيَ شَرط للْملك بَاب فِي الْإِجَارَة بِتَثْلِيث الْهمزَة وَالْكَسْر أشهر وَهِي عقد على مَنْفَعَة مَقْصُودَة مَعْلُومَة قَابِلَة للبذل وَالْإِبَاحَة بعوض مَعْلُوم (تصح إِجَارَة) إِذا وجدت أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة الأول العاقدان وشرطهما كالمتبايعين فِي الرشد وَعدم الْإِكْرَاه بِغَيْر حق نعم اسْتِئْجَار كَافِر لمُسلم وَلَو إِجَارَة عين صَحِيح لَكِن إِجَارَة الْعين مَكْرُوهَة وَمَعَ ذَلِك يجْبر على إيجاره لمُسلم فِيهَا لإِزَالَة الْيَد عَنهُ فَلَو لم يفعل وخدم الْمُسلم بِنَفسِهِ اسْتحق الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة وَيصِح إِيجَار سَفِيه نَفسه لما لَا يقْصد من عمله كَالْحَجِّ لِأَنَّهُ يجوز لَهُ التَّبَرُّع بِهِ وَذَلِكَ بِأَن يكون غَنِيا بِمَالِه عَن كسب يصرفهُ على نَفَقَة نَفسه وَمن تلْزمهُ مُؤْنَته وَيصِح بيع السَّيِّد للْعَبد نَفسه لَا إِجَارَته إِيَّاهَا لإفضاء بَيْعه إِلَى عتقه فاغتفر فِيهِ مَا لم يغْتَفر فِي الْإِجَارَة لعدم أَدَائِهَا إِلَيْهِ وَلَو وكل شخص عبدا فِي شِرَاء نَفسه أَو استئجارها لمُوكلِه صَحَّ الرُّكْن الثَّانِي الصِّيغَة وَشرط فِيهَا جَمِيع مَا مر فِي البيع إِلَّا عدم التَّأْقِيت فَحِينَئِذٍ صِحَة عقد إِجَارَة لَا تكون إِلَّا (بِإِيجَاب) وَهُوَ إِمَّا صَرِيح أَو كِنَايَة فالصريح (كآجرتك) هَذَا أَو أكريتك هَذَا أَو عوضتك مَنْفَعَة هَذِه الدَّار سنة بِمَنْفَعَة هَذِه الدَّار سنة بِمَنْفَعَة دَارك أَو مَلكتك مَنَافِع هَذَا سنة (بِكَذَا) وَسنة ظرف لمقدر وَالتَّقْدِير انْتفع بِهِ سنة إِن جعل ظرفا لمنافع أَو مُتَعَيّنا إِن جعل ظرفا لآجر وتختص إِجَارَة الذِّمَّة بِنَحْوِ ألزمت ذِمَّتك كَذَا أَو سلمت إِلَيْك هَذِه الدَّرَاهِم فِي خياطَة هَذَا أَو فِي دَابَّة صفتهَا كَذَا لحمل كَذَا أَو فِي حملي إِلَى الْمحل الْفُلَانِيّ وعد ذَلِك إِيجَابا مَعَ أَنه من الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهَا سلم فِي الْمَنَافِع والإيجاب فِي السّلم من جَانب الْمُسلم (و) لَا بُد مَعَ الْإِيجَاب من (قبُول) مُتَّصِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مُوَافق لَهُ فِي الْمَعْنى (كاستأجرت أَو اكتريت أَو استكريت أَو قبلت وَالْكِنَايَة جعلت لَك مَنْفَعَة هَذَا سنة أَو أعطيتكها بِكَذَا أَو اسكن دَاري شهرا بِكَذَا وَمِنْهَا الْكِتَابَة وَلَا بُد فِي الْكِنَايَة من نِيَّة الرُّكْن الثَّالِث الْأُجْرَة وَلَا يَصح عقد الْإِجَارَة إِلَّا (بِأَجْر) مَذْكُور فِي العقد (مَعْلُوم) جِنْسا وَقدرا وَصفَة إِن كَانَ الْأجر فِي الذِّمَّة وَإِلَّا كفت معاينتها فِي إِجَارَة الْعين والذمة ثمَّ ذَلِك الْأجر لَهُ حكم ثمن فِي إِجَارَة عَيْنِيَّة فَلَمَّا لِلْأجرِ الَّذِي فِي الذِّمَّة حكم الثّمن الَّذِي فِي الذِّمَّة من نَحْو جَوَاز استبدال عَنهُ وحوالة بِهِ وَعَلِيهِ وإبراء مِنْهُ وتعجيله وتأجيله وَوُجُوب ضَبطه وَوَصفه وَلما لِلْأجرِ الْمعِين حكم الثّمن الْمعِين فِي شُرُوطه كالرؤية وَإِن سبقت العقد وَامْتِنَاع تَأْجِيله وَفِي أَنه يملك فِي الْحَال وَله حكم رَأس مَال سلم فِي إِجَارَة ذمَّة وَإِن لم يعْقد بِلَفْظ سلم لِأَنَّهَا سلم فِي الْمَنَافِع الرُّكْن الرَّابِع الْمَنْفَعَة فَلَا يَصح عقد إِجَارَة إِلَّا (فِي) مَحْض (مَنْفَعَة) حَالَة فَلَا يَصح اسْتِئْجَار الْبُسْتَان للثمار وَالشَّاة للبنها أَو لصوفها أَو وَلَدهَا وَالْبركَة لسمكها وَلَا يَصح اسْتِئْجَار جحش صَغِير لِأَن وضع الْإِجَارَة على تَعْجِيل الْمَنَافِع وَلَا يَصح إِلَّا فِي مَنْفَعَة (مُتَقَومَة) أَي لَهَا قيمَة ليحسن بذل المَال فِي مقابلتها كاستئجار ريحَان للشم وطائر للأنس بِصَوْتِهِ أَو لَونه وشجرة للاستظلال بظلها فَلَا يَصح اسْتِئْجَار آلَات اللَّهْو كالطنبور والمزمار والرباب وَنَحْوهَا فَإِن استئجارها حرَام يحرم بذل الْأُجْرَة فِي مقابلتها وَيحرم أَخذ الْأُجْرَة لِأَنَّهُ من نوع أكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ وَلَا يَصح اسْتِئْجَار الطَّعَام لتزيين الحوانيت لِأَن مَنْفَعَتهَا تافهة وَلَا يَصح اسْتِئْجَار بياع على كلمة لَا تتعب قَائِلهَا عَادَة نعم يجوز أَخذ الْأُجْرَة على ضَرْبَة من ماهر يصلح بهَا اعوجاج سيف وَإِن لم يكن فِيهِ مشقة لِأَن من شَأْن هَذِه الصَّنَائِع أَن يتعب فِي تَحْصِيلهَا بالأموال وَغَيرهَا بِخِلَاف الْأَقْوَال وَلَا يَصح عقد الْإِجَارَة إِلَّا فِي مَنْفَعَة (مَعْلُومَة) فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا لَا تتقدر إِلَّا بِالزَّمَانِ فَالشَّرْط فِي صِحَة الْإِجَارَة فِيهَا أَن تقدر بِمدَّة وَذَلِكَ كَالْإِجَارَةِ للسُّكْنَى وَالرّضَاع وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَت لَا تتقدر إِلَّا بِالْعَمَلِ قدر بِهِ وَإِن ورد العقد فِيهِ على الذِّمَّة كالركوب وَالْحج وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَت تتقدر بالمدة وَالْعَمَل كالخياطة وَالْبناء قدر بِأَحَدِهِمَا كَقَوْلِه استأجرتك لتخيط هَذَا الثَّوْب أَو استأجرتك لتخيط لي ثوبا شهرا فَإِن قدر بهما كَأَن قَالَ استأجرتك لتخيط لي هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا الْيَوْم لم يَصح العقد وَإِن قصد التَّقْدِير بِالْعَمَلِ وَذكر الْيَوْم للتعجيل وَكَانَ الثَّوْب صَغِيرا بِأَن يفرغ عَادَة فِي أقل من يَوْم فَذَلِك بَاطِل كَمَا اعْتَمدهُ الزيَادي وَأَبُو بكر الحصني خلافًا لبَعْضهِم وَلَا تصح إِجَارَة أحد عبديه وَغير مرئي فِي إِجَارَة الْعين ومجهول الْعَمَل أَو الْمدَّة وَيشْتَرط تَحْدِيد جِهَات الْعقار حَيْثُ لم يشْتَهر بِدُونِهِ فَلَا يَكْفِي أَن يَقُول آجرتك قِطْعَة من هَذِه الأَرْض مثلا بِخِلَاف إِيجَار دَار مثلا فتكفي مشاهدتها وَلَا يَصح عقد الْإِجَارَة إِلَّا فِي مَنْفَعَة (وَاقعَة للمكتري) أَو مُوكله أَو موليه وَخرج بذلك الْعِبَادَة الَّتِي لَا تقبل النِّيَابَة كَالصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَيشْتَرط كَون عقد الْمَنْفَعَة فِي (غير مُتَضَمّن لِاسْتِيفَاء عين قصدا) فَلَا يَصح عقد الْإِجَارَة على مَا يتَضَمَّن إِتْلَاف عين فَمن ذَلِك اسْتِئْجَار الشمع للإشعال وَقد تقع الْعين تبعا كَمَا إِذا اسْتَأْجر امْرَأَة للإرضاع فَإِنَّهُ جَائِز لوُرُود النَّص وَالأَصَح أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْقيام بِأَمْر الصَّبِي من وَضعه فِي حجر الرَّضِيع وتلقيمه الثدي وعصره بِقدر الْحَاجة وَذَلِكَ هُوَ الْفِعْل وَاللَّبن يسْتَحق تبعا قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} 65 الطَّلَاق الْآيَة 6 علق الله تَعَالَى الْأُجْرَة بِفعل الْإِرْضَاع لَا بِاللَّبنِ (و) يتَعَيَّن لدفع الْخِيَار لَا لدفع الْإِثْم (على مكر تَسْلِيم مِفْتَاح) ضبة (دَار) إِلَى الْمُكْتَرِي لتوقف الِانْتِفَاع عَلَيْهِ وَهُوَ أَمَانَة بِيَدِهِ فَإِذا تلف بتقصيره ضمنه بِقِيمَتِه الْآن أَو بِعَدَمِهِ فَلَا وَفِيهِمَا يلْزم الْمكْرِي تجديده فَإِن أَبى لم يجْبر على التَّجْدِيد وَلم يَأْثَم لَكِن يتَخَيَّر الْمُكْتَرِي (وعمارتها) الشاملة لنَحْو تطيين سطح وإعادة رُخَام قلعه الْمُؤَجّر أَو غَيره (فَإِن بَادر) أَي قبل مُضِيّ مُدَّة لَهَا أُجْرَة لإصلاحها أَو تَسْلِيم الْمِفْتَاح فَذَاك وَاضح (وَإِلَّا) يُبَادر إِلَى ذَلِك (فللمكتري) قهرا على الْمُؤَجّر (خِيَار) إِن نقصت الْمَنْفَعَة (وعَلى مكتر تنظيف عرصتها) أَي الدَّار (من كناسَة) حصلت فِي دوَام الْمدَّة وَهِي مَا يسْقط من نَحْو قشر وَطَعَام ورماد وَبعد انْقِضَاء الْمدَّة يجْبر الْمُكْتَرِي على نقل الكناسة لِأَنَّهَا من فعله وَأما التُّرَاب الْحَاصِل بِالرِّيحِ فَلَا يلْزم وَاحِدًا مِنْهُمَا نَقله بِخِلَاف كناسَة مَوْجُودَة عِنْد ابْتِدَاء الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يجب تَفْرِيغ الدَّار مِنْهَا على مكر وَلَو غير مَالك كَأَن كَانَ مَالك الْمَنْفَعَة فَقَط (وَهُوَ) أَي الْمُكْتَرِي (أَمِين) على الْعين المكتراة (مُدَّة الْإِجَارَة) إِن قدرت بِزَمن أَو مُدَّة إِمْكَان اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة إِن قدرت بِمحل عمل لعدم إِمْكَان الِاسْتِيفَاء للمنفعة بِدُونِ وضع يَده (وَكَذَا بعْدهَا) إِن لم يسْتَعْمل تِلْكَ الْعين استصحابا لما كَانَ وَلِأَنَّهُ لَا يلْزمه غير التَّخْلِيَة فَلَا يلْزمه الرَّد وَلَا مُؤْنَته (كأجير) فَإِنَّهُ أَمِين فِيمَا فِي يَده لأجل أَن يعْمل فِيهِ كَمَا إِذا اسْتَأْجر لقصارة ثوب وَنَحْوه وَتلف (فَلَا ضَمَان إِلَّا بتقصير) كَمَا إِذا اسْتَأْجر للخبز فأسرف فِي الإيقاد أَو تَركه حَتَّى احْتَرَقَ أَو ألصقه قبل وقته وكما لَو تعدى الْمُسْتَأْجر فِي ذَات الْعين الْمُسْتَأْجرَة كَأَن يكبح الدَّابَّة باللجام أَو يضْربهَا بِرجلِهِ أَو يعدو بهَا فِي غير مَحل الْعَدو على خلاف الْعَادة فِي هَذِه الْأُمُور فَإِنَّهُ يضمنهَا بِخِلَاف مَا إِذا فعل ذَلِك على الْعَادة بِالنِّسْبَةِ لمثل تِلْكَ الدَّابَّة وَيصدق أجِير الدَّابَّة فِي نفي تعديه مَا لم يشْهد خبيران بِخِلَافِهِ وَاعْلَم أَن الْمرجع فِي الْعدوان إِلَى الْعرف فَلَو ربط الدَّابَّة فِي الإططبل فَمَاتَتْ لم يضمن وَأما إِن انْهَدم عَلَيْهَا فَمَاتَتْ فَأطلق الْغَزالِيّ نقلا عَن الْأَصْحَاب أَنه يضمن وَقَالَ غَيره إِن انْهَدم فِي وَقت عهد أَن تكون الدَّابَّة فِيهِ كالليل فِي الشتَاء وكالمطر الشَّديد فِي النَّهَار فَلَا ضَمَان وَإِلَّا ضمن وَلَو ربط دَابَّة اكتراها لحمل أَو ركُوب وَلم ينْتَفع بهَا لم يضمن إِلَّا إِذا انْهَدم عَلَيْهَا إصطبل فِي وَقت لَو انْتفع بهَا لم يصبهَا الْهدم كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار (وَلَا أُجْرَة) لعمل كحلق رَأس وخياطة ثوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (بِلَا شَرط) بِأَن لم يذكر أَحدهمَا أُجْرَة بِحَضْرَة الآخر وَلم يذكر مَا يفهمها وَإِن عرف ذَلِك الْعَمَل بهَا لعدم التزامها مَعَ صرف الْعَامِل منفعَته هَذَا إِذا كَانَ حرا مُكَلّفا مُطلق التَّصَرُّف فَلَو كَانَ عبدا أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو نَحوه اسْتحق الْأُجْرَة إِذْ لَيْسُوا من أهل التَّصَرُّف بمنافعهم الْمُقَابلَة بالأعواض وَكَذَا لَو دخل سفينة بِلَا إِذن فَإِنَّهُ تجب عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَإِن علم بِهِ الْمَالِك لِأَنَّهُ بجلوسه فِيهَا صَار غَاصبا لذَلِك الْمحل بِخِلَاف وضع الْمَتَاع على الدَّابَّة فَإِنَّهُ لَا يصير غَاصبا لَهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَا بُد فِيهَا من النَّقْل أَو الرّكُوب أما لَو دخل السَّفِينَة بِإِذن فَلَا تجب عَلَيْهِ أُجْرَة لعدم اشْتِرَاطهَا مَعَ انْتِفَاء الْغَصْب (و) مَتى قبض الْمُكْتَرِي الْعين الْمُؤجرَة كالدابة وَالدَّار (تقررت) أَي الْأُجْرَة (عَلَيْهِ) أَي الْمُكْتَرِي (بِمُضِيِّ مُدَّة) للإجارة (وَإِن لم يسْتَوْف) الْمَنْفَعَة وَلَو لعذر مَنعه من الِاسْتِيفَاء كخوف أَو مرض لتلف الْمَنَافِع تَحت يَده حَقِيقَة أَو حكما فاستقر عَلَيْهِ بدلهَا وَمَتى خرج الْمُسْتَأْجر بهَا مَعَ الْخَوْف صَار ضَامِنا لَهَا إِلَّا إِذا ذكر ذَلِك حَالَة العقد أَو كَانَ الزَّمن زمن خوف وَعلم بِهِ الْمُؤَجّر وَكَذَا تتقرر الْأُجْرَة إِذا اكترى دَابَّة لركوب إِلَى مَوضِع معِين وَقَبضهَا بِمُضِيِّ مُدَّة إِمْكَان السّير إِلَيْهِ لكَونه مُتَمَكنًا من الِاسْتِيفَاء وَهَذِه مقدرَة بِعَمَل فتستقر الْأُجْرَة بِمُضِيِّ مُدَّة الْعَمَل الَّذِي ضبطت بِهِ الْمَنْفَعَة وَتلك مقدرَة بِزَمن وتستقر فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة أُجْرَة الْمثل سَوَاء زَادَت على الْمُسَمّى أم نقصت بِمَا يسْتَقرّ بِهِ الْمُسَمّى فِي الصَّحِيحَة مِمَّا ذكر وَإِن لم ينْتَفع نعم تخلية الْعقار والوضع بَين يَدَيْهِ وَالْعرض عَلَيْهِ وَإِن امْتنع لَا يَكْفِي فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة بل لَا بُد من الْقَبْض الْحَقِيقِيّ (وتنفسخ) أَي الْإِجَارَة (بِتَلف مُسْتَوفى مِنْهُ معِين) فِي عقدهَا شرعا كمسلمة استؤجرت بِنَفسِهَا لخدمة مَسْجِد فَحَاضَت فِيهَا أَو حسا كموت الدَّابَّة الْمعينَة وَلَو بِفعل الْمُسْتَأْجر وانهدام الدَّار كلهَا وَلَو بِفعل الْمُكْتَرِي (فِي) زمن (مُسْتَقْبل) لَا فِي الزَّمَان الْمَاضِي بعد الْقَبْض الَّذِي يُقَابل بِأُجْرَة فَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة لاستقراره بِالْقَبْضِ فيستقر قسطه من الْمُسَمّى بِالنّظرِ لأجرة الْمثل بِأَن تقوم مَنْفَعَة الْمدَّة الْمَاضِيَة والباقية ويوزع الْمُسَمّى على نِسْبَة قيمتهمَا وَقت العقد دون مَا بعده فَلَو كَانَت مُدَّة الْإِجَارَة سنة وَمضى نصفهَا وَأُجْرَة مثله مثلا أُجْرَة النّصْف الْبَاقِي وَجب من الْمُسَمّى ثلثا أَو بِالْعَكْسِ فثلثه لَا على نِسْبَة المدتين لاخْتِلَاف الْأُجْرَة إِذْ قد تزيد أُجْرَة شهر على شهور فَلَو قسط الْأُجْرَة على عدد الشُّهُور كَأَن قَالَ أجرتك هَذِه الدَّار سنة كل شهر مِنْهَا بِكَذَا اعْتبر مَا سَمَّاهُ موزعا وَلم ينظر لأجرة مثل الْمدَّة الْمَاضِيَة وَلَا الْمُسْتَقْبلَة عملا بِمَا وَقع بِهِ العقد أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الْمعِين فِي إِجَارَة الذِّمَّة فيبدل وجوبا لتلف أَو عيب وَيجوز الْإِبْدَال عِنْد عدمهما لَكِن بِرِضا الْمُكْتَرِي لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ اخْتصَّ بِهِ وَخرج بالمستوفى مِنْهُ غَيره فَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بتلفه فَيجوز إِبْدَال الْمُسْتَوْفى بِمثلِهِ أَو بِدُونِهِ فيركب مثله فِي الضَّرَر اللَّاحِق بِالْعينِ أَو دونه ويسكنه ويلبسه لِأَنَّهُ يجوز للمكتري اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ الْأمين لِأَنَّهَا ملكه فَلَو شَرط عَلَيْهِ استيفاءها بِنَفسِهِ فسد العقد وَيجوز إِبْدَال الْمُسْتَوْفى بِهِ بِمثلِهِ وَإِن أَبى الْأَجِير لِأَنَّهُ طَرِيق للاستيفاء لَا مَعْقُود عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَمَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة مُعينَة لركوب أَو حمل مَتَاع فَيجوز إِبْدَال الرَّاكِب وَالْمَتَاع بِلَا خلاف وَكَذَا إِذا الْتزم فِي ذمَّته خياطَة ثوب معِين أَو حمل مَتَاع معِين أَو إِرْضَاع صبي معِين فَيجوز إِبْدَال ذَلِك بِمثلِهِ بِلَا مُعَاوضَة على الْأَصَح أما إِن كَانَ الْإِبْدَال بِلَفْظ يدل على التعويض كَقَوْلِه عوضتك كَذَا عَن كَذَا فَيجوز قطعا وَيجوز إِبْدَال الْمُسْتَوْفى فِيهِ كطريق بِمِثْلِهَا مَسَافَة وَأمنا وسهولة أَو حزونة بِشَرْط أَن لَا يخْتَلف مَحل التَّسْلِيم إِذْ لَا بُد من بَيَان مَوْضِعه فرع لَو أعْطى الْمَالِك للخياط ثوبا ليخيطه بعد قطع الْخياط إِيَّاه فخاطه قبَاء وَقَالَ أَمرتنِي بِقطعِهِ قبَاء فَقَالَ الْمَالِك بل أَمرتك بِقطعِهِ قيمصا صدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْمُصدق فِي أصل الْإِذْن فَكَذَا فِي صفته فَيحلف أَنه مَا أذن فِي قطعه قبَاء وَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ إِذا حلف وعَلى الْخياط أرش نقص الثَّوْب وَهُوَ مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومقطوعا على مُعْتَمد ابْن حجر أَو بَين قِيمَته مَقْطُوعًا قَمِيصًا ومقطوعا قبَاء على مُعْتَمد الرَّمْلِيّ وعَلى هَذَا الْوَجْه الثَّانِي إِن لم ينقص القباء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وللخياط نزع خيطه وَعَلِيهِ أرش نقص النزع إِن حصل النَّقْص فِي الْقَمِيص نَفسه كَأَن نقصت قِيمَته ينْزع الْخَيط عَن قِيمَته قماشا مفصلا بِلَا خياطَة وَلَو قَالَ الْمَالِك إِن كَانَ هَذَا يَكْفِينِي قيمصا فاقطعه فَقَطعه وَلم يكفه ضمن أرش الْقطع وَهُوَ مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومقطوعا لِأَن الشَّرْط لم يحصل بِخِلَاف مَا لَو قَالَ هَل يَكْفِينِي فَقَالَ نعم فَقَالَ اقْطَعْ لِأَن الْإِذْن مُطلق (وَلَو اخْتلفَا فِي أُجْرَة) أَو مَنْفَعَة (أَو مُدَّة) أَو قدر الْمَنْفَعَة أَو قدر الْمُسْتَأْجر (تحَالفا وفسخت) أَي الْإِجَارَة وَوَجَب على الْمُسْتَأْجر أُجْرَة الْمثل لما اسْتَوْفَاهُ فرع لَا تصح المخابرة وَهِي الْمُعَامَلَة على الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا وَالْبذْر من الْعَامِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يذر المخابرة فليأذن بِحَرب من الله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ولسهولة تَحْصِيل مَنْفَعَة الأَرْض بِالْإِجَارَة وَلَا تصح الْمُزَارعَة وَهِي الْمُعَامَلَة عَلَيْهَا بذلك وَالْبذْر من الْمَالِك لما رُوِيَ عَن ثَابت بن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة وَأمر بالمؤاجرة رَوَاهُ مُسلم والمخابر فِي معنى مُسْتَأْجر الأَرْض فَيلْزم عَلَيْهِ أُجْرَة الأَرْض وَإِن عطلها بِلَا زرع والمزارع فِي معنى الْأَجِير على عمل فَلَا يلْزمه شَيْء إِذا عطل الأَرْض لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف مَنْفَعَتهَا وَلَا بَاشر إتلافها فَلَا وَجه للُزُوم وَلَا تصح المراعاة وَهِي أَن يسْتَأْجر شخص رَاعيا لغنمه سنة كَامِلَة وَيجْعَل لَهُ الْأُجْرَة ثلث نتاجها وَهَذِه الْإِجَارَة فَاسِدَة لِأَن النِّتَاج مَجْهُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَثَبت لفاسدة من أُجْرَة الْمثل مَا ثَبت لمسمى فِي صَحِيحَة فَيسْتَحق الْأَجِير أُجْرَة الْمثل للمدة الَّتِي رعى تِلْكَ الْغنم فِيهَا لِأَنَّهُ لم يبْذل منفعَته مجَّانا بَاب فِي الْعَارِية بتَشْديد الْيَاء وَقد تخفف وَهِي شرعا إِبَاحَة الِانْتِفَاع مجَّانا بِمَا يحل الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه وَمَعَ كَونهَا إِبَاحَة ترتد بِالرَّدِّ بِخِلَاف مُطلق الْإِبَاحَة فَإِنَّهَا لَا ترتد والإعارة بعد التماسها سنة وَكَانَت أول الْإِسْلَام وَاجِبَة وَقد تجب كإعارة ثوب لدفع حر أَو برد أَو لتوقف صِحَة الصَّلَاة عَلَيْهِ وإعارة مَا ينقذ غريقا كحبل وإعارة سكين لذبح حَيَوَان مَأْكُول يخْشَى فَوته وَقد تحرم كإعارة صيد من محرم وَأمة غير صَغِيرَة من أَجْنَبِي وَقد تكره كإعارة عبد مُسلم لكَافِر وَقد تُبَاح وتصور الْإِبَاحَة بإعارة من لَا حَاجَة لَهُ بالمعار بِوَجْه وأركانها أَرْبَعَة الأول معير وَشَرطه اخْتِيَاره وَصِحَّة تبرعه وَمن ثمَّ (صَحَّ) من شخص مُخْتَار ذِي تبرع إِعَارَة مَا يَأْتِي لِأَن الْعَارِية تبرع بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا تصح إِعَارَة مكره بِغَيْر حق أما بِهِ كَمَا لَو أكره على إِعَارَة وَاجِبَة فَتَصِح وَلَا إِعَارَة مَحْجُور عَلَيْهِ لَكِن تصح إِعَارَة السَّفِيه لبدن نَفسه حَيْثُ لم يكن عمله مَقْصُودا الرُّكْن الثَّانِي الْمُسْتَعِير وَشَرطه تَعْيِينه فَلَا يَصح أعرت أَحَدكُمَا وَصِحَّة التَّبَرُّع عَلَيْهِ بِعقد فَيصح من ذِي تبرع (إِعَارَة) أهل لقبُول التَّبَرُّع فَلَا يَصح لغير أهل لقبوله كَغَيْر مُكَلّف وكسفيه على الْأَوْجه الَّذِي جرى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الرُّكْن الثَّالِث المعار وَشَرطه حل الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ ملك منفعَته وَبَقَاء عينه وَإِن لم يعين ذَلِك المعار حَتَّى لَو قَالَ أعرني دَابَّة فَقَالَ ادخل الإصطبل وَخذ مَا أردْت صحت الْإِعَارَة بِخِلَاف الْإِجَارَة لِأَن الْغرَر لَا يحْتَمل فِي الْمُعَاوَضَات فيجور إِعَارَة (عين لانتفاع مَمْلُوك) وَلَو بِوَصِيَّة أَو إِجَارَة أَو وقف وَإِن لم يملك الْمُعير الْعين لِأَن الْعَارِية ترد على الْمَنْفَعَة فَقَط وَالْمرَاد بِملك الْمَنْفَعَة هُنَا مَا يعم الِاخْتِصَاص بهَا لتصحيحهم إِعَارَة كلب الصَّيْد وإعارة منذور أضْحِية وهدي مَعَ خُرُوجه عَن ملك الْمُعير فَلَو تلف الْمَنْذُور ضمنه الْمُعير وَالْمُسْتَعِير وَلَيْسَ لنا معير يضمن إِلَّا فِي هَذِه وَالْمرَاد أَن كلا مِنْهُمَا طَرِيق فِي الضَّمَان وَأَن الْقَرار على من تلف المعار تَحت يَده وَلَا بُد فِي الِانْتِفَاع الْمَمْلُوك من (مُبَاح) اسْتِيفَاؤهُ للْمُسْتَعِير فَلَا يعار نَحْو حمَار زمن وَأمة لخدمة أَجْنَبِي وآلات الملاهي الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَإِنَّمَا تصح الْإِعَارَة (بِلَفْظ) أَو كِتَابَة بنية أَو إِشَارَة أخرس (يشْعر بِإِذن فِيهِ) أَي يدل ذَلِك على الْإِذْن فِي الِانْتِفَاع أَو على طلبه إِذْ الِانْتِفَاع بِملك الْغَيْر يتَوَقَّف على ذَلِك (كأعرتك) هَذَا أَو أعرتك منفعَته أَو أبحتك منفعَته أَو اركب أَو خُذْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 لتنتفع بِهِ أَو أعرني أَو أركبني وَيَكْفِي لفظ أَحدهمَا مَعَ فعل الآخر وَإِن تَأَخّر أَحدهمَا عَن الآخر وَإِن طَال الزَّمن جدا فَحَيْثُ حصلت الصِّيغَة لَا يضر التَّأَخُّر إِن لم يُوجد من الْمُعير مَا يدل على الرُّجُوع وَلَا من الْمُسْتَعِير مَا يدل على الرَّد (وعَلى مستعير ضَمَان قيمَة يَوْم التّلف) للمعار بَدَلا أَو أرشا وَإِن شرطا عدم ضَمَانه وَلَو لم يفرط كسقوط الدَّابَّة فِي بِئْر حَالَة سَيرهَا وَهَذَا تلف بِغَيْر الِاسْتِعْمَال الْمَأْذُون فِيهِ لِأَنَّهُ تلف فِي الِاسْتِعْمَال لَا بِهِ وَمِنْه مَا لَو اسْتعَار ثورا لاستعماله فِي ساقية فَسقط فِي بِئْرهَا فَإِنَّهُ يضمنهُ لِأَنَّهُ تلف فِي الِاسْتِعْمَال الْمَأْذُون فِيهِ بِغَيْرِهِ لَا بِهِ وَمِنْه أَيْضا مَا لَو أَصَابَهُ السِّلَاح مثلا من آلَة الْحَرْث فَيضمنهُ كل من الْمُسْتَعِير والْحَارث وقرار الضَّمَان على الْحَارِث وَشرط التّلف المضمن أَن يحصل (لَا بِاسْتِعْمَال) مَأْذُون فِيهِ فَإِن حصل مَعَ الِاسْتِعْمَال بِأَن تلفت الْعين المستعارة أَو جزؤها بِاسْتِعْمَال مَأْذُون فِيهِ كركوب مُعْتَاد أَو حمل مُعْتَاد فعرجت أَو تقرحت أَو لبس مُعْتَاد فانمحقت الْعين أَو انسحقت فَلَا ضَمَان لحدوث التّلف بِإِذن الْمَالِك إِلَّا فِي الْحمل على أضْحِية أَو هدي منذورين فيضمنان بقيمتيهما وَلَو اسْتعَار رَقِيقا لتنظيف سطح مثلا فَسقط من سلمه وَمَات ضمنه بِخِلَاف مَا لَو اسْتَأْجرهُ وَلَا يشْتَرط فِي ضَمَان الْمُسْتَعِير كَون الْعين فِي يَده بل وَإِن كَانَت فِي يَد الْمَالِك لَكِن بعد قبض الْمُسْتَعِير مَعَ بَقَاء حكم الْعَارِية أَو قبل الْقَبْض بِالْفِعْلِ لَكِن استعملها الْمَالِك فِي شغل الْمُسْتَعِير وَلَو حمل مَتَاع غَيره على دَابَّته بسؤال الْغَيْر كَانَ ذَلِك الْغَيْر مستعيرا لكل الدَّابَّة إِن لم يكن عَلَيْهَا شَيْء لغير الْمُسْتَعِير وَإِلَّا فبقدر مَتَاعه وَلَو اخْتلفَا فِي حُصُول التّلف بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُون فِيهِ أَولا صدق الْمُسْتَعِير بِيَمِينِهِ لعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَلِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَكَون الأَصْل فِي الْعَارِية الضَّمَان هُوَ بِالنِّسْبَةِ لليد لَا للذمة وَتعلق الضَّمَان بِالذِّمةِ أَمر طارىء على الأَصْل كَذَا فِي النِّهَايَة (وَعَلِيهِ) أَي الْمُسْتَعِير (مُؤنَة رد) للمعار إِذا اسْتعَار من الْمَالِك وَكَذَا إِذا اسْتعَار من نَحْو مُسْتَأْجر ورد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبضه للغرض نَفسه أما إِذا رده الْمُسْتَعِير على الْمَالِك فالمؤنة على الْمَالِك وَلَو كَانَ اسْتِحْقَاق الْمُسْتَأْجر بَاقِيا كَمَا لَو رد عَلَيْهِ معيره الْمُسْتَأْجر (وَلكُل) من الْمُعير وَالْمُسْتَعِير (رُجُوع) فِي الْعَارِية الْمُطلقَة والمؤقتة قبل فرَاغ الْمدَّة مَتى شَاءَ إِلَّا إِذا أعَار أَرضًا لدفن ميت غير حَرْبِيّ ومرتد فَيمْتَنع الرُّجُوع أَي اسْتِرْدَاد الْمُعير ورد الْمُسْتَعِير إِذا كَانَ بعد إدلاء الْمَيِّت فِي هَوَاء الْقَبْر وَإِن لم يصل إِلَى أسلفه كَمَا يمْتَنع الرُّجُوع فِي الْكَفَن المعار بِمُجَرَّد وَضعه على الْمَيِّت وَإِن لم يلف عَلَيْهِ وعَلى الْمُعير إِذا رَجَعَ بعد الْحفر مُؤنَة حفر مَا رَجَعَ فِيهِ لوَارث الْمَيِّت سَوَاء حفر بِنَفسِهِ أَو بالاستئجار لمن حفر لَهُ أَو بِحَفر مُتَبَرّع بِقصد الْمُسْتَعِير وَإِلَّا إِذا اسْتعَار ثوبا للستر أَو الْفراش على نجس فِي صَلَاة الْفَرْض وَشرع فِيهَا فَيمْتَنع على الْمُعير الِاسْتِرْدَاد كَمَا يمْتَنع على الْمُسْتَعِير الرَّد إِلَّا بعد فرَاغ الصَّلَاة وَيلْزمهُ الِاقْتِصَار على أقل مجزىء من واجباتها بعد الرُّجُوع بِخِلَاف مَا لَو استعاره لمُطلق الصَّلَاة فالعارية لَازِمَة من جِهَة الْمُسْتَعِير فَقَط إِن أحرم بِفَرْض فللمعير الرُّجُوع وَإِذا رَجَعَ نَزعه الْمُسْتَعِير وَبنى على صلَاته وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ فَإِن أحرم بنفل كَانَت جَائِزَة من جهتهما وَإِلَّا إِذا اسْتعَار سفينة وَوضع فِيهَا مَتَاعا فِي مَاء غزير فَيمْتَنع على الْمُعير الرُّجُوع حِينَئِذٍ أَي يمْتَنع عَلَيْهِ تفريغها حِينَئِذٍ حَتَّى تصل إِلَى مَحل تأمن فِيهِ وَإِن كَانَ لَهُ الرُّجُوع بالْقَوْل وَيسْتَحق الْأُجْرَة من حِينَئِذٍ وَإِلَّا إِذا اسْتعَار مَكَانا لسكنى مُعْتَدَّة فَيمْتَنع على الْمُسْتَعِير الرَّد وَيجوز للْمُعِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الِاسْتِرْدَاد وَإِذا رَجَعَ الْمُعير نقلت الْمُعْتَدَّة لأَقْرَب الْمَوَاضِع إِن لم يرض بِالْأُجْرَةِ فَلَو رَضِي بهَا امْتنع النَّقْل وَلَو اسْتعْمل الْمُسْتَعَار بعد الرُّجُوع جَاهِلا فَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا لَو اسْتعْمل الْعَارِية بعد جُنُون الْمُعير أَو إغمائه أَو مَوته غير عَالم بذلك فَتلْزمهُ الْأُجْرَة لبُطْلَان الْإِذْن بذلك فَإِن الْمُعير بعده لَيْسَ أَهلا للْإِبَاحَة وَإِذا اسْتعَار للغراس وَالْبناء لم يفعل ذَلِك إِلَّا مرّة فَإِن قلعه لم يعده إِلَّا بِإِذن جَدِيد مَا لم يَأْذَن لَهُ فِي التَّجْدِيد مرّة بعد أُخْرَى فصل فِي الْغَصْب وَهُوَ الِاسْتِيلَاء على حق الْغَيْر على طَرِيق الظُّلم وَيدخل فِي الْحق الاختصاصات وَالْمَنَافِع ككلب الصَّيْد وَجلد الْميتَة وخمرمحترم وسرجين وَحقّ التحجر وَحقّ من قعد فِي سوق أَو مَسْجِد أَو شَارِع وَالْغَصْب من الْكَبَائِر وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 188 وأخبار كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته فِي منى إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ حرَام عَلَيْكُم كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ظلم قيد شبر من أَرض طوقه من سبع أَرضين رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وعَلى الْغَاصِب رد) فَوْرًا عِنْد التَّمَكُّن للمنقول بِنَفسِهِ أَو فعل أَجْنَبِي وَإِن عظمت الْمُؤْنَة فِي رده وَلَو لم يكن متمولا كحبة بر وكلب مُحْتَرم يقتنى وَإِن لم يَطْلُبهُ الْمَالِك سَوَاء كَانَ بِبَلَد الْغَصْب أم منتقلا عَنهُ وَعَلِيهِ خُرُوج من الْعقار بنية عدم الْعود إِلَيْهِ وتمكين الْمَالِك مِنْهُ (و) عَلَيْهِ (ضَمَان مُتَمَوّل) أَي مُتَقَوّم كثياب وحيوان غير رَقِيق وَغير صيد على الْمحرم أَو فِي الْحرم (تلف بأقصى قِيمَته من حِين غصب إِلَى تلف) لِأَنَّهُ فِي حَال زِيَادَة الْقيمَة غَاصِب مطَالب بِالرَّدِّ فَلَمَّا لم يرد فِي تِلْكَ الْحَالة ضمن الزِّيَادَة لتعديه وَتجب قِيمَته من نقد الْبَلَد الَّذِي حصل فِيهِ التّلف إِذا لم ينْقل الْمَغْصُوب فَإِن نَقله فَيعْتَبر نقد الْبَلَد الَّذِي تعْتَبر الْقيمَة فِيهِ وَهُوَ أَكثر البلدين قيمَة وَذَلِكَ بِاعْتِبَار النَّقْد الْغَالِب فَإِن غلب نقدان وتساويا عين القَاضِي وَاحِدًا أما الرَّقِيق فتضمن نَفسه كلا أَو بَعْضًا بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت والتقويم يكون بعد الِانْدِمَال دَائِما وَالْقيمَة الْمُعْتَبرَة كلا أَو بَعْضًا أقْصَى الْقيم فِي الْمَغْصُوب وَقِيمَة يَوْم التّلف فِي غَيره وَأما الصَّيْد فَيضمن بِمثلِهِ (وَيضمن مثلي بِمثلِهِ) مَا لم يتراضيا على قِيمَته لِأَن الْمثل أقرب إِلَى حَقه فَإِن خرج الْمثْلِيّ عَن الْقيمَة كَمَا لَو أتلف مَاء بمفازة ثمَّ اجْتمعَا بِمحل لَا قيمَة للْمَاء فِيهِ أصلا لزمَه قِيمَته بِمحل الْإِتْلَاف بِخِلَاف مَا إِذا بقيت لَهُ قيمَة وَلَو تافهة فَلَا يعدل عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الْمثل لِأَنَّهُ الأَصْل وَهَذَا إِذا لم يكن لنقله مُؤنَة وَإِلَّا فَالْوَاجِب الْقيمَة بِمحل التّلف ثمَّ الْمثْلِيّ مَا جَازَ السّلم فِيهِ وَأمكن ضَبطه بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْن وَإِن لم يعْتد فِيهِ بِأَن لم تجر عَادَة أهل الشَّرْع بِمثلِهِ فَمَا حصره عد أَو ذرع كحيوان وَثيَاب مُتَقَوّم وَإِن جَازَ السّلم فِيهِ والمعجونات والجواهر وَنَحْوهمَا مِمَّا يمْتَنع السّلم فِيهِ مُتَقَوّم وَإِن حصره وزن أَو كيل وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ أَن خل التَّمْر مثلي كبر اخْتَلَط بشعير فَيجب إِخْرَاج الْقدر الْمُحَقق من كل مِنْهُمَا بَاب فِي مُطلق الْهِبَة (الْهِبَة) الْمُطلقَة ثَلَاثَة أَنْوَاع هبة وَصدقَة وهدية فَإِن أعْطى مُحْتَاجا شَيْئا بِلَا عوض وَلَو لم يقْصد ثَوَاب الْآخِرَة أَو غَنِيا لأجل ثَوَاب آخِرَة فصدقة وَهِي أفضل الثَّلَاثَة ثمَّ الْهَدِيَّة لوُرُود الْآثَار فِي الحض عَلَيْهَا لَا سِيمَا بِالنِّسْبَةِ للْمُسَافِر وَهِي مَا نَقله المملك بِلَا عوض إِلَى مَكَان الْمَوْهُوب لَهُ للإكرام والتودد فَكل من الصَّدَقَة والهدية هبة وَلَا عكس لانفراد الْهِبَة فِي ذَات الْأَركان وَهِي (تمْلِيك) تطوع فِي حَيَاة فَخرج بالتمليك الْعَارِية والضيافة وَالْوَقْف وبالتطوع غَيره كَالْبيع وَالزَّكَاة وَالنّذر وَالْكَفَّارَة وَالْوَاجِب من الْأُضْحِية وَالْهَدْي والعقيقة بِخِلَاف الْمَنْدُوب مِنْهَا وَقد أعْطى لَغَنِيّ فَهُوَ من الْهَدِيَّة لوُجُود التَّمْلِيك فِيهِ وَإِن امْتنع التَّصَرُّف فِيهِ بِنَحْوِ بيع وَخرج بقولنَا فِي حَيَاة الْوَصِيَّة لِأَن التَّمْلِيك فِيهَا إِنَّمَا يتم بِالْقبُولِ وَهُوَ بعد الْمَوْت وَإِذا اجْتمع النَّقْل وَالْقَصْد أَو النَّقْل والاحتياج كَانَ الْمَوْهُوب صَدَقَة وهدية (بِلَا عوض) فَخرج بذلك الْهِبَة بِشَرْط عوض مَعْلُوم كَقَوْلِه وَهبتك هَذَا على أَن تثيبني عَلَيْهِ كَذَا فيقبله فَإِنَّهَا بيع حَقِيقَة فَيجْرِي فِيهَا أَحْكَام البيع من الخيارين وَالشُّفْعَة وَحُصُول الْملك بِالْعقدِ لَا بِالْقَبْضِ وَمنع قبُول بعض الْمَوْهُوب بِبَعْض الْعِوَض أَو كُله لاشْتِرَاط الْمُطَابقَة فِي البيع بِخِلَاف الْهِبَة الَّتِي بِلَا عوض فَإِنَّهُ لَا يضر فِيهَا قبُول بعض الْمَوْهُوب وَخرج بذلك الْهِبَة أَيْضا بِشَرْط عوض مَجْهُول فَلَا تكون بيعا لجَهَالَة الْعِوَض وَلَا تكون هبة لذكر الْعِوَض وَقيل تكون هبة وأركان الْهِبَة أَرْبَعَة العاقدان وَيشْتَرط فيهمَا مَا مر فِي البَائِع وَالْمُشْتَرِي نعم يعْتَبر فِي المملك أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَفِي المتملك أَهْلِيَّة الْملك وَلَو سَفِيها وَالثَّالِث الْمَوْهُوب وَشرط فِيهِ صِحَة جعله عوضا إِلَّا نَحْو حَبَّة بر فَتَصِح هبتها وَإِن لم يَصح بيعهَا فَنقل الْيَد عَن الِاخْتِصَاص لَا يُسمى هبة وَإِلَّا هبة مَوْصُوف فِي الذِّمَّة كَأَن يَقُول وَهبتك كَذَا فِي ذِمَّتِي فَلَا يَصح لِأَن الْهِبَة إِنَّمَا ترد على الْأَعْيَان لَا على مَا فِي الذِّمَّة بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يرد عَلَيْهِمَا وَالرَّابِع الصِّيغَة وَلَا تصح الْهِبَة غير الضمنية إِلَّا (بِإِيجَاب كوهبتك) هَذَا وملكتكه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ومنحتكه وأكرمتك بِهَذَا وعظمتك ونحلتك وَكَذَا أطعمتك وَلَو فِي غير طَعَام (وَقبُول) مُتَّصِل بِالْإِيجَابِ مُوَافق لَهُ (كقبلت) ورضيت واتهبت لفظا فِي حق النَّاطِق وَإِشَارَة فِي حق الْأَخْرَس لِأَنَّهَا تمْلِيك فِي الْحَيَاة كَالْبيع وَلِهَذَا انْعَقَدت الْهِبَة بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّة كَقَوْلِه لَك كَذَا وكسوتك هَذَا وبالمعاطاة على القَوْل بهَا وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِي البيع وَمِنْه اعْتِبَار الْفَوْرِيَّة وَلَا يضر الْفَصْل إِلَّا بأجنبي وَعلم من اعْتِبَار الصِّيغَة أَن الْأَب أَو الْأُم لَو جهزا بنتهما أَو ابنهما الصَّغِير بجهاز وَلم يصدر مِنْهُمَا صِيغَة تمْلِيك لَا يملكهُ وَيَكْفِي فِي الصِّيغَة قَول أَحدهمَا عِنْد نَقله لدار الزَّوْج مثلا هَذَا جهاز بِنْتي فَيكون ملكا لَهَا وَإِلَّا فَهُوَ عَارِية وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي عدم تمليكها ذَلِك إِن ادَّعَتْهُ وَخرج بِالْهبةِ الصَّدَقَة والهدية فَلَا يعْتَبر لَهما صِيغَة بل يَكْفِي فيهمَا بِعْت وقبضت وَلذَا يصحان من الْأَعْمَى وَعَلِيهِ فيوكل فِي الْقَبْض والإقباض وَقد لَا تشْتَرط صِيغَة كخلع الْمُلُوك لاعتياد عدم اللَّفْظ فيهمَا وَلَا قبُول كَهِبَة النّوبَة للضرة وَيشْتَرط كَون الصِّيغَة (بِلَا تَعْلِيق) فَلَا تصح الْهِبَة بأنواعها مَعَ شَرط مُفسد كتوقيت الْوَاهِب بعمر نَفسه أَو أَجْنَبِي كَأَن قَالَ جعلت هَذَا لَك عمري أَو عمر فلَان لِلْخُرُوجِ من اللَّفْظ الْمُعْتَاد وَلما فِيهِ من تأقيت الْملك فَإِن الْوَاهِب أَو الفلان قد يَمُوت أَولا بِخِلَاف الْعَكْس فَيصح كَأَن يَقُول أعمرتك هَذَا حياتك أَو مَا عِشْت فَإِن الْإِنْسَان لَا يملك إِلَّا مُدَّة حَيَاته فَكَانَ كلا تأقيت لِأَنَّهُ تَصْرِيح بِمُقْتَضى الْحَال وَمن جملَة صِيغ الْهِبَة مسَائِل الْعمريّ والرقبي وَلَو بِغَيْر لَفْظهمَا كَقَوْلِه أعمرتك هَذِه الدَّار أَو هَذَا الْحَيَوَان مثلا فَإِذا مت فَهِيَ لورثتك فَهَذِهِ الصِّيغَة صِيغَة هبة طول فِيهَا الْعبارَة فَيعْتَبر فِيهَا الْقبُول وَتلْزم بِالْقَبْضِ وَتَكون لوَرثَته وَكَقَوْلِه أعمرتك هَذِه أَو جَعلتهَا لَك عمرك أَو وَهبتك هَذِه عمرك فَإِذا مت عَادَتْ إِلَيّ أَو إِلَى ورثتي إِن كنت مت فَهَذِهِ الصِّيغَة صِيغَة هبة إِلْغَاء للشّرط الْفَاسِد وَقَوله أرقبتك هَذِه أَو جَعلتهَا لَك رقبي أَي إِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقَرَّتْ لَك فَتَصِح الْهِبَة على الْأَصَح وَيَلْغُو الشَّرْط الْفَاسِد فَيشْتَرط قبُولهَا وَالْقَبْض وَذَلِكَ لخَبر أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَا تعمروا وَلَا ترقبوا فَمن أرقب شَيْئا أَو أعْمرهُ فَهُوَ لوَرثَته أَي لَا ترقبوا وَلَا تعمروا طَمَعا فِي أَن يعود إِلَيْكُم فَإِن سَبيله الْمِيرَاث (وَتلْزم) أَي الْهِبَة (بِقَبض) بِإِذن الْوَاهِب أَو وَكيله فِيهِ بعد تَمام الصِّيغَة فَلَو قَالَ وَهبتك هَذَا أَو أَذِنت لَك فِي قَبضه فَقَالَ قبلت لم يكف وَلَو اخْتلفَا فِي الْإِذْن فِي الْقَبْض صدق الْوَاهِب وَلَو اتفقَا عَلَيْهِ لَكِن قَالَ الْوَاهِب رجعت قبل أَن تقبض الْمَوْهُوب وَقَالَ الْمُتَّهب بل بعده صدق الْمُتَّهب وَلَا تملك الْهِبَة بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا إِلَّا بِالْقَبْضِ الْحَقِيقِيّ وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْفَوْر وَإِن كَانَ الْمَوْهُوب بيد الْمُتَّهب وَلَو من أَب لوَلَده الصَّغِير وَلَا يَكْفِي الْإِتْلَاف وَلَا الْوَضع بَين يَدَيْهِ من غير إِذن لِأَن قَبضه غير مُسْتَحقّ كَالْوَدِيعَةِ فَاشْترط تحقق الْقَبْض نعم إِن كَانَ الْإِتْلَاف بِالْأَكْلِ أَو الْعتْق وَأذن فِيهِ الْوَاهِب كَانَ قبضا وَيقدر انْتِقَاله قبيل الْوَضع فِي الْفَم والتلفظ بالصيغة لِلْعِتْقِ وَذَلِكَ لما روى الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى إِلَى النَّجَاشِيّ ثمَّ قَالَ لأم سَلمَة إِنِّي لأرى النَّجَاشِيّ قد مَاتَ وَلَا أرى الْهَدِيَّة الَّتِي أهديت إِلَيْهِ إِلَّا سترد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فَإِذا ردَّتْ إِلَيّ فَهِيَ لَك فَكَانَ كَذَلِك وَفِي رِوَايَة أَنه أهْدى إِلَى النَّجَاشِيّ مسكا فَمَاتَ النَّجَاشِيّ قبل أَن تصل إِلَيْهِ ثمَّ ردَّتْ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَسمهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين نِسَائِهِ وَلِأَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ نحل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا جدَاد عشْرين وسْقا فَلَمَّا مرض قَالَ وددت أَنَّك حُزْتِيهِ أَو قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم ملك الْوَارِث فَلَو توقف الْملك على الْقَبْض لما قَالَ أَنه ملك الْوَارِث وقالعمر لَا تتمّ النحلة حَتَّى يحوزها المنحول وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن عُثْمَان وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَلَا يعرف لَهُم مُخَالف كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار (ولأصل) من النّسَب وَإِن بعد أَو كَانَ أُنْثَى (رُجُوع فِيمَا وهب) عينا أَو تصدق أَو أهْدى (لفرع) كَذَلِك (إِن بَقِي) أَي الْمَوْهُوب (فِي سلطنته) بِأَن يكون الْمَوْهُوب خَالِيا عَن حق الْغَيْر وَإِلَّا امْتنع الرُّجُوع كَمَا إِذا رهن وأقبض وَغير ذَلِك وَإِن عَاد الْمَوْهُوب إِلَى الْفَرْع لِأَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يعد وَلَو وهب الْوَالِد شَيْئا لوَلَده فوهبه الْوَلَد لوَلَده لم يرجع الْجد لانتقال الْملك فِي الْوَلَد بِخِلَاف مَا لَو وهبه ابْتِدَاء لِابْنِ ابْنه فَإِن لَهُ الرُّجُوع وَالْمَنَافِع فَهِيَ فِي الْهِبَة كَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ أما لَو وهب الأَصْل فَرعه دينا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوع لَهُ فِيهِ إِذْ لَا يُمكن عوده بعد سُقُوطه وَيحصل الرُّجُوع (بِنَحْوِ رجعت) فِيمَا وهبت أَو استرجعته أَو رَددته إِلَى ملكي أَو نقضت الْهِبَة أَو أبطلتها أَو فسختها وبكناية مَعَ النِّيَّة كأخذته وقبضته لَا بِبيعِهِ وَوَقته لكَمَال ملك الْفَرْع فَلم يقو الْفِعْل على إِزَالَته وَلَا يَصح الرُّجُوع إِلَّا مُنجزا فَلَا يَصح مُعَلّقا (وَهبة دين لمدين) أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ (إِبْرَاء) فَلَا يحْتَاج إِلَى قبُول نظرا للمعنى نعم ترك الدّين للْمَدِين بِلَفْظ التّرْك وَنَحْوه كِنَايَة إِبْرَاء وَذَلِكَ كَأَن يَقُول تركته لَك أَو لَا آخذه مِنْك فَلَا يكون عدم طلبه لَهُ كِنَايَة فِي الْإِبْرَاء لانْتِفَاء مَا يدل عَلَيْهِ وَتَصِح هبة نُجُوم الْكِتَابَة للْمكَاتب كَمَا يَصح الْإِبْرَاء مِنْهَا وَلَو وهب لفقير دينا عَلَيْهِ بنية الزَّكَاة لم يَقع عَنْهَا كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار (و) هبة دين مُسْتَقر (لغيره) أَي الْمَدِين بَاطِلَة فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ غير مَقْدُور على تَسْلِيمه لِأَن مَا يقبض من الْمَدِين عين لَا دين وَيُؤَيّد ذَلِك صِحَة بيع الْمَوْصُوف دون هِبته وَالدّين مثله بل أولى وَيفرق بَين صِحَة بَيْعه وَعدم صِحَة هِبته بِأَن بيع مَا فِي الذِّمَّة الْتِزَام لتَحْصِيل الْمَبِيع فِي مُقَابلَة الثّمن الَّذِي اسْتَحَقَّه والالتزام فِيهَا صَحِيح بِخِلَاف هِبته فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن الِالْتِزَام إِذْ لَا مُقَابل فِيهَا فَكَانَت بالوعد أشبه فَلم يَصح وَقيل هِيَ هبة (صَحِيحَة) وعَلى هَذَا القَوْل لَا تلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ الْحَقِيقِيّ بِإِذن الْوَاهِب أما دين مُسْتَقر كنجوم الْكِتَابَة فَإِنَّهُ لَا تصح هِبته لغير من هُوَ عَلَيْهِ قطعا فرع لَو بعث هَدِيَّة فِي ظرف أَو وهب شَيْئا فِي ظرف من غير بعث فَإِن لم تجر الْعَادة برده كزنبيل فَهُوَ هَدِيَّة أَو هبة أَيْضا تحكيما للْعُرْف المطرد ككتابة الرسَالَة فَإِنَّهُ يملكهُ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِن لم تدل قرينَة على عوده أَو إخفائه بِأَن كتب لَهُ فِيهَا رد الْجَواب فِي ظَهره أما إِذا اُعْتِيدَ رد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الظّرْف أَو اضْطَرَبَتْ الْعَادة فَلَا يكون هَدِيَّة بل أَمَانَة فِي يَد المهدى إِلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ وَيحرم اسْتِعْمَاله لِأَنَّهُ انْتِفَاع بِملك غَيره بِغَيْر إِذْنه إِلَّا فِي أكل الْهَدِيَّة مِنْهُ إِن اقتضته الْعَادة عملا بهَا وَيكون عَارِية حِينَئِذٍ وَيسن رد الْوِعَاء حَالا وَهَذَا فِي مَأْكُول أما غَيره فيختلف رد ظرفه باخْتلَاف عَادَة النواحي فَيعْمل فِي كل نَاحيَة بعرفهم وَيعْمل فِي كل قوم عرفهم باخْتلَاف طبقاتهم بَاب فِي الْوَقْف وَهُوَ حبس شَيْء ينْتَظر الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِمَنْع التَّصَرُّف فِي عينه على مصرف مُبَاح وَجهه وَالشَّيْء يَشْمَل الْكَلْب الْمعلم لِأَنَّهُ يَصح وَقفه على وَجه وَالرَّاجِح أَنه لَا يَصح وَقفه كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار وَهُوَ قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا قَالَ الله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر} 22 الْحَج الْآيَة 77 وَأول من وقف سيدنَا عمر بن الْخطاب بإشارته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تتَابع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم على ذَلِك حَتَّى زادوا على الثَّمَانِينَ وأركانه أَرْبَعَة الأول الْوَاقِف وَشَرطه صِحَة تبرعه فَحِينَئِذٍ إِنَّمَا (صَحَّ وقف) مَا يَأْتِي من أهل تبرع فِي الْحَيَاة ككافر وَلَو لمَسْجِد نظرا لاعتقادنا أَو مصحف بِأَن كتبه أَو وَرثهُ من أَبِيه وأعمى إِذْ يَصح وقف غير المرئي وَإِمَام من بَيت المَال على معِين أَو جِهَة فَلَا يَصح من صبي وَمَجْنُون وسفيه ومكاتب بِغَيْر إِذن سَيّده ومفلس وَإِن زَاد مَاله على دُيُونه كَأَن طَرَأَ لَهُ مَال بعد الْحجر أَو ارْتَفع سعر مَاله الَّذِي حجر عَلَيْهِ فِيهِ وَولي الرُّكْن الثَّانِي الْمَوْقُوف فَلَا يرد الْوَقْف إِلَّا فِي (عين) فَلَا يَصح وقف الْمَنْفَعَة وَإِن ملكهَا مُؤَبَّدًا بِالْوَصِيَّةِ وَمن ذَلِك الخلوات فَلَا يَصح وَقفهَا وَلَا وقف الْمُلْتَزم فِي الذِّمَّة لِأَن حَقِيقَة الْوَقْف إِزَالَة ملك عَن عين نعم يجوز الْتِزَامه فِيهَا بِالنذرِ (مَمْلُوكَة) وَلَو لغير الْوَاقِف كوقف الإِمَام نَحْو أَرَاضِي بَيت المَال على جِهَة ومعين بِشَرْط ظُهُور الْمصلحَة فِي ذَلِك إِذْ تصرفه فِيهِ مَنُوط بهَا فَلَا يَصح وقف حر نَفسه لِأَن ذَاته غير مَمْلُوكَة لَهُ وَلَا بُد أَن تكون الْعين مِمَّا يقبل النَّقْل فَلَا يَصح وقف مُسْتَوْلدَة لعدم قبُولهَا للنَّقْل كَالْحرِّ وَلَا وقف مكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة (تفِيد) أَي تِلْكَ الْعين فَائِدَة كالفحل للضراب بِخِلَاف إِجَارَته لَهُ فَلَا تصح لِأَنَّهُ يحْتَمل فِي الْقرْبَة مَا لَا يحْتَمل فِي غَيرهَا أَو تفِيد مَنْفَعَة تصح إِجَارَتهَا سَوَاء كَانَت حَالا أَو مَآلًا كالجحش الصَّغِير وَالْمَغْصُوب وَلَو من عَاجز عَن انْتِزَاعه (وَهِي) أَي الْعين (بَاقِيَة) لِأَن الْوَقْف شرع ليَكُون صَدَقَة جَارِيَة فَيصح وقف بِنَاء وغراس فِي أَرض مستأجرة لِأَنَّهُمَا مملوكان ينْتَفع بهما مَعَ بَقَاء عينهما وَإِن استحقا الْقلع بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة وَيصِح وقف الْمُدبر وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة وَإِن عتقا بِالْمَوْتِ وَوُجُود الصّفة وَبَطل الْوَقْف بهما لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَدُوم نَفعه دواما نسبيا بِخِلَاف المطعوم والمشموم والأثمان فَلَا يَصح وَقفهَا لِأَن المطعوم إِنَّمَا ينْتَفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 بِأَكْلِهِ ولسرعة فَسَاد المشموم المحصود بِخِلَاف المزروع فَيصح وَقفه للشم لبَقَاء مدَّته وَإِن لم يطلّ زَمَنه وَلِأَن الْأَثْمَان إِنَّمَا ينْتَفع بإخراجها الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة بِاللَّفْظِ كَالْعِتْقِ أَو بِإِشَارَة أخرس مفهمة أَو بكتابته أَو كِتَابَة النَّاطِق مَعَ نِيَّته وصريحه يحصل (بوقفت) هَذَا على كَذَا (وسبلت كَذَا على كَذَا) فَلَا بُد من بَيَان الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَو قَالَ وقفت هَذَا الْكتاب لله تَعَالَى لم يكف بل لَا بُد أَن يَقُول على كَذَا بِخِلَاف الْوَصِيَّة كأوصيت بِثلث مَالِي لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يَصح (وَجعلت هَذَا) الْمحل أَو مَكَان كَذَا (مَسْجِدا) فَيصير بذلك مَسْجِدا وَإِن لم يقل لله وَلم ينْو لِأَن الْمَسْجِد لَا يكون إِلَّا وَقفا ووقفته للاعتكاف صَرِيح فِي المسجدية وللصلاة صَرِيح فِي مُطلق الوقفية وَقَوله أَذِنت للصَّلَاة كِنَايَة فِي المسجدية فَإِن نَوَاهَا صَار مَسْجِدا وَإِلَّا صَار وَقفا على الصَّلَاة وَإِن لم يكن مَسْجِدا كالمدرسة وَذَلِكَ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِي مَسْجِد بِخِلَاف الصَّلَاة وَمثل الِاعْتِكَاف صَلَاة التَّحِيَّة فَلَو قَالَ أَذِنت فِي صَلَاة التَّحِيَّة فِي هَذَا الْمحل صَار مَسْجِدا لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَلَو بنى الْبقْعَة على هَيْئَة الْمَسْجِد لَا يكون الْبناء كِنَايَة وَإِن أذن فِي الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا فِي موَات فَيصير مَسْجِدا بِمُجَرَّد الْبناء مَعَ النِّيَّة لِأَن اللَّفْظ إِنَّمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ لإِخْرَاج مَا كَانَ فِي ملكه عَنهُ وَهَذَا لَا يدْخل فِي ملك من أَحْيَاهُ مَسْجِدا فَلم يحْتَج للفظ وَصَارَ للْبِنَاء حكم الْمَسْجِد تبعا وَيجْرِي ذَلِك فِي بِنَاء مدرسة أَو رِبَاط وحفر بِئْر وإحياء مَقْبرَة فِي الْموَات بِقصد السَّبِيل (وَشرط لَهُ) أَي الْوَقْف (تأبيد) فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على الْفُقَرَاء أَو على مَسْجِد مثلا سنة مثلا فَوَقفهُ بَاطِل لفساد الصِّيغَة إِذْ وَضعه على التَّأْبِيد سَوَاء فِي ذَلِك طَوِيل الْمدَّة وقصيرها نعم إِن أشبه التَّأْقِيت التَّحْرِير كَقَوْلِه جعلت هَذَا مَسْجِدا سنة صَحَّ مُؤَبَّدًا وَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَو وقف على فُقَرَاء ألف سنة أَو نَحْوهَا مِمَّا يبعد بَقَاء الدُّنْيَا إِلَيْهِ صَحَّ نظرا لمقصود اللَّفْظ وَهُوَ التَّأْبِيد دون مَدْلُوله وَهُوَ التَّأْقِيت فَإِن الْمَقْصُود من الْوَقْف قربَة مَحْضَة بِخِلَاف البيع وَالنِّكَاح (وتنجيز) فَلَا يَصح تَعْلِيق الْوَقْف فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير كَقَوْلِه إِذا جَاءَ زيد فقد وقفت كَذَا على كَذَا لِأَن الْوَقْف عقد يَقْتَضِي نقل الْملك إِلَى الله تَعَالَى أَو للْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَالا كَالْبيع وَالْهِبَة نعم يَصح تَعْلِيقه بِالْمَوْتِ كَقَوْلِه إِذا مت فداري وقف على كَذَا أَو فقد وقفتها إِذْ الْمَعْنى فاعلموا أَنِّي قد وقفتها بِخِلَاف قَوْله إِذا مت وقفتها وَالْفرق أَن الأول إنْشَاء تَعْلِيق وَالثَّانِي تَعْلِيق إنْشَاء وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وعد مَحْض قَالَ السَّيِّد عمر الْبَصْرِيّ وَالْحَاصِل أَنه إِذا علق الْوَقْف بِمَوْت نَفسه صَحَّ لِأَنَّهُ وَصِيَّة سَوَاء قَالَ إِذا مت فداري وقف أَو فقد وقفتها بِخِلَاف مَا إِذا علقه بِمَوْت غَيره فَلَا يَصح لِأَنَّهُ تَعْلِيق وَلَيْسَ بِوَصِيَّة حَتَّى يغْتَفر فِيهَا التَّعْلِيق لِأَن مَا لَا يقبل التَّعْلِيق من التَّمْلِيك كَالْهِبَةِ إِذا علق بِالْمَوْتِ صَحَّ لِأَنَّهُ وَصِيَّة انْتهى أما مَا يضاهي التَّحْرِير كَقَوْلِه إِذا جَاءَ رَمَضَان فقد وقفت هَذَا مَسْجِدا فَإِن الْوَقْف يَصح مُؤَبَّدًا كَمَا لَو ذكر فِيهِ شرطا فَاسِدا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعِتْقِ الرُّكْن الرَّابِع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَشَرطه إِن كَانَ معينا وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا عدم الْمعْصِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وتعيينه (وَإِمْكَان تمْلِيك) من الْوَاقِف فِي الْحَال لِأَن حَقِيقَة الْوَقْف نقل ملك الْمَنَافِع إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْملك لله تَعَالَى وتمليك مَا لَا يملك بَاطِل كتمليك الْمَعْدُوم فَلَا يَصح الْوَقْف على حمل لِأَن الْوَقْف تسليط فِي الْحَال وَلَا على نَفسه لتعذر تمْلِيك الْإِنْسَان ملكه لنَفسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِل وَيمْتَنع تَحْصِيل الْحَاصِل وَله حيل وأحسنها أَن يُؤجر الْعين مُدَّة طَوِيلَة مَعْلُومَة بِأُجْرَة منجمة ثمَّ يستأجرها لنَفسِهِ تِلْكَ الْمدَّة وَلَا يَصح الْوَقْف على جَمِيع النَّاس وَلَا على بَهِيمَة غير مَوْقُوفَة أما الْمَوْقُوفَة أَو المرصدة فِي سَبِيل الله فَيصح الْوَقْف على عَلفهَا وَكَذَا على حمام مَكَّة وَلَا على العَبْد نَفسه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك وَإِنَّمَا صَحَّ على الأرقاء الموقوفين لخدمة نَحْو الْكَعْبَة لِأَن الْقَصْد ثمَّ الْجِهَة وَالْكَلَام هُنَا فِي الْوَقْف على الْمعِين وَلَا يَصح على أحد هذَيْن وَلَا على عمَارَة الْمَسْجِد إِذا لم يُبينهُ وَلَا على مُرْتَد وحربي وَلَو غير آلَة حَرْب لانْتِفَاء قصد الْقرْبَة لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لَهما لِأَنَّهُمَا مقتولان بكفرهما وَلَا يَصح على ميت إِلَّا إِذا كَانَ الْمَيِّت صحابيا أَو وليا فَيصح الْوَقْف إِذا اطرد الْعرف بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ بِقصد الصّرْف فِي مصَالح ضريحه أَو زواره فَإِن إطراد الْعرف قرينَة مُعينَة لإِرَادَة الْوَاقِف بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجِهَة لَا تَمْلِيكه الْمُمْتَنع كَذَا قَالَه عمر الْبَصْرِيّ وَلَا يَصح الْوَقْف على مَسْجِد سيبنى أَو على وَلَده وَلَا ولد لَهُ أَو على فُقَرَاء أَوْلَاده وَلَا فَقير فيهم وَلَا على الْقِرَاءَة على رَأس قَبره أَو قبر أَبِيه الْحَيّ لانْقِطَاع الأول وَيصِح الْوَقْف على الْمَعْدُوم تبعا كوقفته على وَلَدي ثمَّ على ولد وَلَدي وَلَا ولد ولد لَهُ وكوقفته على مَسْجِد كَذَا وكل مَسْجِد سيبنى فِي تِلْكَ الْمحلة وَيصِح الْوَقْف على جِهَة قربَة والفقراء وَالْعُلَمَاء والمساجد والمدارس والكعبة والقناطر وتجهيز الْمَوْتَى فَيخْتَص الْفُقَرَاء بفقراء الزَّكَاة نعم المكتسب كِفَايَته وَلَا مَال لَهُ يجوز أَن يَأْخُذ من ذَلِك الْمَوْقُوف وَيخْتَص الْعلمَاء بأصحاب عُلُوم الشَّرْع كَالْوَصِيَّةِ وَيخْتَص بتجهيز الْمَوْتَى من لَا تَرِكَة لَهُ وَلَا منفق وَيصِح على جِهَة لَا تظهر فِيهَا الْقرْبَة كالأغنياء وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ أَنه يشْتَرط قبُول فَوْرًا من بطن أول مَوْقُوف عَلَيْهِ معِين لِأَن الْوَقْف تمْلِيك إِن كَانَ أَهلا للقبول وَكَانَ حَاضرا وَإِلَّا فقبول وليه عقب الْإِيجَاب ومتراخيا وَإِن طَال الزَّمن حَيْثُ كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ غَائِبا فَلم يبلغهُ الْخَبَر إِلَّا بعد الطول وَلَا يشْتَرط قبُول من بعد الْبَطن الأول بل الشَّرْط عدم الرَّد فَإِن ردوا بَطل الْوَقْف فِيمَا يخصهم وانتقل لمن بعدهمْ وَيكون كمنقطع الْوسط وَإِن رد الأول بَطل الْوَقْف وَخرج بالمعين الْجِهَة الْعَامَّة وجهة التَّحْرِير كالمسجد فَلَا قبُول فِيهِ جزما وَلَا يشْتَرط قبُول نَاظر الْمَسْجِد مَا وقف عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا وهب لَهُ وَمثل الْمَسْجِد الرِّبَاط والمدرسة والمقبرة لمشابهتها لِلْمَسْجِدِ فِي كَون الْحق فِيهَا لله تَعَالَى كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَالْمُعْتَمد عِنْد ابْن حجر أَنه (لَا) يشْتَرط (قبُول وَلَو من معِين) نظرا إِلَى أَن الْوَقْف بِالْقربِ أشبه مِنْهُ بِالْعُقُودِ بل الشَّرْط عدم الرَّد نعم لَو وقف على وَرَثَة الْحَائِز شَيْئا يخرج من الثُّلُث لزم وَإِن رده لِأَن الْقَصْد من الْوَقْف دوَام الثَّوَاب للْوَاقِف فَلم يملك الْوَارِث رده وَبَطل وقف مُنْقَطع الِابْتِدَاء كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقفت على من سيولد لي بِخِلَاف مُنْقَطع الْوسط كوقفت على زيد ثمَّ رجل ثمَّ الْفُقَرَاء ومنقطع الآخر كوقفت على زيد ثمَّ بكر ثمَّ رجل فَإِنَّهُمَا يصحان (وَلَو انقرض) أَي الْمَوْقُوف عَلَيْهِم أَو جهلت أَرْبَاب الْوَقْف فِي (مُنْقَطع آخر) فالوقف بَاقٍ لِأَن وَضعه على الدَّوَام كَالْعِتْقِ (فمصرفه) أَي الْوَقْف (الْأَقْرَب) أَي أقرب النَّاس (إِلَى الْوَاقِف) حِين الانقراض وَالْمُعْتَبر الْقرب رحما لَا إِرْثا فَيقدم وجوبا ابْن بنت على ابْن عَم وَيعْتَبر فِي أقَارِب الْوَاقِف الْمَذْكُورين الْفقر وَلَا يفضل الذّكر على غَيره فَإِن فقدوا أَو كَانُوا كلهم أَغْنِيَاء صرف الرّيع لمصَالح الْمُسلمين أَو إِلَى الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين وَلَا يخْتَص بفقراء بلد الْوَاقِف وَكَذَا لَو كَانَ الْوَاقِف الإِمَام فَيصْرف وَقفه إِذا انْقَطع الآخر للْمصَالح لَا لأقاربه وَلَو انْقَطع الأول فِي مُنْقَطع الْوسط فمصرفه من ذكر بعد الْوسط إِن لم يعرف أمد انْقِطَاعه كَرجل مُبْهَم فَيصْرف الْوَقْف بعد موت الأول لمن ذكر بعد الرجل بِخِلَاف مَا لَو عرف أمد انْقِطَاعه بِأَن كَانَ الْمُتَوَسّط معينا كَعبد زيد نَفسه أَو دَابَّته نَفسهَا ثمَّ الْفُقَرَاء فَإِنَّهُ يكون كمنقطع الآخر فَيَنْصَرِف بعد موت الأول لأَقْرَب رحم الْوَاقِف فَإِن لم يُوجد فَإلَى الأهم من الْمصَالح أَو الْفُقَرَاء (وَلَو شَرط) أَي الْوَاقِف لملكه (شَيْئا) كَأَن شَرط أَن لَا يُؤجر الْوَقْف أصلا أَو سنة أَو أَن لَا يُؤجر من ذِي شَوْكَة أَو أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يسكن فِيهِ بِنَفسِهِ (اتبع) شَرطه فِي غير حَالَة الضَّرُورَة كَسَائِر شُرُوطه الَّتِي لم تخَالف الشَّرْع وَذَلِكَ لما فِيهِ من وجود الْمصلحَة وَخرج بِغَيْر حَالَة الضَّرُورَة مَا لَو لم يُوجد إِلَّا من لَا يرغب فِيهِ إِلَّا على وَجه مُخَالف لذَلِك فَيجوز لِأَن الظَّاهِر أَنه لَا يُرِيد تَعْطِيل وَقفه وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَنه لَو وجد من يَأْخُذ بِأُجْرَة الْمثل ويستأجر على مَا يُوَافق شَرط الْوَاقِف وَمن يَطْلُبهُ بِزِيَادَة على أُجْرَة الْمثل فِي إِجَارَة تخَالف شَرط الْوَاقِف عدم الْجَوَاز وَأَنه لَو وجد من يَأْخُذ بِدُونِ أُجْرَة الْمثل ويوافق شَرط الْوَاقِف فِي الْمدَّة وَمن يَأْخُذ بِأُجْرَة الْمثل وَيُخَالف شَرط الْوَاقِف عدم الْجَوَاز أَيْضا رِعَايَة لشرط الْوَاقِف فيهمَا وَالْملك فِي الْمَوْقُوف على جِهَة أَو معِين ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى أَي يَنْفَكّ عَن اخْتِصَاص الْخلق كَالْعِتْقِ فَلَا يكون للْوَاقِف خلافًا للْإِمَام مَالك وَلَا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ خلافًا للْإِمَام أَحْمد وَإِنَّمَا ثَبت الْوَقْف بِشَاهِد وَيَمِين دون بَقِيَّة حُقُوقه تَعَالَى لِأَن الْمَقْصُود ريعه وَهُوَ حق آدَمِيّ كَمَا قَالَ (ولموقوف عَلَيْهِ ريع) وَهُوَ فَوَائِد الْمَوْقُوف الْحَادِثَة بعد الْوَقْف كَأُجْرَة وَثَمَرَة وَولد وَمهر بِوَطْء أَو نِكَاح فَإِنَّهَا ملك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ يتَصَرَّف فِيهَا تصرف الْملاك لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَقْصُود من الْوَقْف وَعَلِيهِ زَكَاتهَا فيستوفي مَنَافِعه بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ بإعارة أَو إِجَارَة إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ نَاظرا وَإِلَّا امْتنع عَلَيْهِ نَحْو الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يتعاطى ذَلِك إِلَّا النَّاظر أَو نَائِبه وَذَلِكَ كَسَائِر الْأَمْلَاك وَالثَّمَرَة الْمَوْجُودَة حَال الْوَقْف للْوَاقِف إِن كَانَت مؤبرة وَإِلَّا فَهِيَ مَوْقُوفَة كالحمل الْمُقَارن لحالة الْوَقْف وَولد الْأمة من شُبْهَة حر فعلى أَبِيه قِيمَته ويملكها الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا يطَأ الْمَوْقُوفَة إِلَّا زوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 فَإِن وَطئهَا الْوَاقِف أَو الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حدا بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ بمنفعتها والمزوج للموقوفة هُوَ الْحَاكِم بِإِذن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا يُزَوّجهَا لَهُ وَلَا للْوَاقِف وَولد الْمحبس فِي سَبِيل الله وقف كَأَصْلِهِ من غير إنْشَاء وقف وَهَذَا إِن أطلق أَو شَرط ذَلِك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ فالموقوفة على ركُوب إِنْسَان فوائدها من لبن وصوف وَشعر ووبر للْوَاقِف ومؤنها عَلَيْهِ أَيْضا لِأَنَّهُ لم يَجْعَل مِنْهَا للْمُسْتَحقّ إِلَّا الرّكُوب فَكَأَنَّهَا بَاقِيَة على ملكه وَلَا يملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ قيمَة الْمَوْقُوف إِذا أتْلفه وَاقِف أَو أَجْنَبِي أَو مَوْقُوف عَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي بل يَشْتَرِي بهَا مثله سنا وجنسا وَغَيرهمَا ليَكُون وَقفا مَكَانَهُ مُرَاعَاة لغَرَض الْوَاقِف وَبَقِيَّة الْبُطُون وَالْمُشْتَرِي لذَلِك هُوَ الْحَاكِم وَإِن كَانَ للْوَقْف نَاظر خَاص ثمَّ بعد شِرَائِهِ لَا بُد من إنْشَاء وَقفه أما مَا اشْتَرَاهُ النَّاظر من مَاله أَو من ريع الْوَقْف أَو يعمره من ذَلِك مُسْتقِلّا كبناء بَيت لِلْمَسْجِدِ فالمنشىء لوقفه النَّاظر أما إِذا لم يَتَعَدَّ الْمَوْقُوف بِإِتْلَاف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا يكون ضَامِنا كَمَا لَو وَقع مِنْهُ كوز سَبِيل على حَوْض فانكسر من غير تَقْصِير (وَلَا يُبَاع مَوْقُوف وَإِن خرب) كشجرة جَفتْ أَو قلعتها نَحْو ريح ودابة زمنت وَمَسْجِد انْهَدم وتعذرت إِعَادَته إدامة للْوَقْف فِي عينه وَلِأَنَّهُ يُمكن الِانْتِفَاع بِأَرْض الْمَسْجِد كَصَلَاة واعتكاف وبجذع الشَّجَرَة بِإِجَارَة وَغَيرهَا وبلحم الدَّابَّة إِن أكلت وَلَو مَاتَت ودبغ جلدهَا عَاد وَقفا فَلَو لم يكن الِانْتِفَاع بجذع الشَّجَرَة إِلَّا باستهلاكها بإحراق وَنَحْوه صَارَت ملكا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَكِنَّهَا لَا تبَاع وَلَا توهب بل ينْتَفع بِعَينهَا وَالْحَاصِل من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه حَيْثُ تعذر الِانْتِفَاع بهَا من الْجِهَة الَّتِي وقفت عَلَيْهَا صَارَت ملكا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِمَعْنى أَنه ينْتَفع بهَا كانتفاع الْملاك بِغَيْر البيع وَالْهِبَة وَإِن لم يتَعَذَّر الِانْتِفَاع بهَا من الْجِهَة الَّتِي قصدت بِالْوَقْفِ لَا ينْتَفع بهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لنَفسِهِ بل ينْتَفع بهَا من الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَإِن لم يكن على الْوَجْه الْأَكْمَل وَهَذَا بِخِلَاف حصر الْمَسْجِد الْمَوْقُوفَة البالية وجذوعه المنكسرة أَو الْقَرِيبَة الانكسار فَإِنَّهُ يجوز بيعهمَا لِئَلَّا يضيعا وَيَشْتَرِي بثمنهما مثلهمَا أما الْحصْر الْمَوْهُوبَة لِلْمَسْجِدِ أَو الْمُشْتَرَاة لَهُ من غير وقف لَهَا فتباع جزما للْحَاجة وَتصرف على مصَالح الْمَسْجِد وَلَا يتَعَيَّن صرفهَا فِي شِرَاء حصر بدلهَا وَلَا يجوز استبدال الْمَوْقُوف عندنَا وَإِن خرب خلافًا للحنفية وَصورته عِنْدهم أَن يكون الْمحل قد آل إِلَى السُّقُوط فيبدل بِمحل آخر أحسن مِنْهُ بعد حكم حَاكم يرى صِحَّته وَعمارَة الْوَقْف مُقَدّمَة على الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَيصرف ريع مَا وقف على الْمَسْجِد وَقفا مُطلقًا أَو على عِمَارَته فِي بِنَاء وتجصيص مُحكم وَسلم ومكانس ومساح لنقل التُّرَاب وظلة تمنع إِفْسَاد خشب بَاب وَنَحْوه بمطر وَنَحْوه إِن لم يضر بالمارة وَأُجْرَة قيم وَكَذَا يصرف ذَلِك الرّيع للمؤذن وَالْإِمَام والحصر والدهن إِذا كَانَ الْوَقْف وَقفا مُطلقًا وَلأَهل الْوَقْف الْمُهَايَأَة لَا قسمته إِن حصل بهَا تَغْيِير لما كَانَ عَلَيْهِ الْوَقْف وَلَا تَغْيِير هَيئته كجعل الْبُسْتَان دَارا عَكسه مَا لم يشرط الْوَاقِف الْعَمَل بِالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَيجوز تَغْيِير الْوَقْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 بحسبها قَالَ السُّبْكِيّ يجوز تَغْيِيره فِي غير صُورَة الشَّرْط بِثَلَاثَة شُرُوط أَن يكون يَسِيرا لَا يُغير مُسَمَّاهُ وَأَن لَا يزِيل شَيْئا من عينه بل يَنْقُلهُ من جَانب إِلَى آخر وَأَن يكون فِيهِ مصلحَة للْوَقْف فَلَو أَن شخصا أَرَادَ عمَارَة جَامع خرب بِآلَة جَدِيدَة غير آلَته وَرَأى الْمصلحَة فِي جعل بَابه من مَحل آخر غير الْمحل الأول لكَونه بجوار من يمْنَع الِانْتِفَاع بِهِ على الْوَجْه الْمُعْتَاد جَازَ لَهُ ذَلِك لِأَن فِيهِ مصلحَة أَي مصلحَة للجامع وَالْمُسْلِمين وَلَو خربَتْ الْبَلَد وَكَانَ فِيهَا مَسْجِد وَعمر مَسْجِد بِمحل آخر جَازَ نقل وَقفه للمحل الآخر حَيْثُ تعذر إجراؤه على الْمَسْجِد الأول بِأَن لم يصل فِيهِ أحد وَيجوز هدم جدران الْمَسْجِد لإصابة الْقبْلَة كَمَا يجوز توسيعه فَإِن الْمَسْجِد الْحَرَام قد وسع مرَارًا (وَلَو) كَانَ الْوَقْف للِاسْتِغْلَال لم يتَصَرَّف فِيهِ إِلَّا النَّاظر الْخَاص أَو الْعَام أَو لينْتَفع بِهِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَأطلق أَو قَالَ كَيفَ شَاءَ فَلهُ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِأَن يركبه الدَّابَّة مثلا ليقضي لَهُ عَلَيْهَا حَاجَة ثمَّ إِن (شَرط وَاقِف نظرا لَهُ) أَي الْوَاقِف نَفسه (أَو لغيره اتبع) كَسَائِر شُرُوطه وَقبُول من شَرط لَهُ النّظر كقبول الْوَكِيل لَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَّا أَن يشرط لَهُ شَيْء من مَال الْوَقْف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يشرطه لأحد بِأَن لم يعلم شَرطه لأحد سَوَاء علم شَرطه أَو جهل الْحَال (فلقاض) أَي فالنظر لقَاضِي بلد الْمَوْقُوف بِالنِّسْبَةِ لحفظه وَنَحْو إِجَارَته ولقاضي بلد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لما عدا ذَلِك نَظِير مَال الْيَتِيم إِذْ نظره عَام فَهُوَ أولى من غَيره وَلَو وَاقِفًا مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ شخصا معينا وَشرط النَّاظر وَإِن كَانَ هُوَ الْوَاقِف الْعَدَالَة الْبَاطِنَة وَلَو امْرَأَة سَوَاء ولاه الْوَاقِف أَو الْحَاكِم والكفاية لما تولاه من نظر خَاص أَو عَام وَهِي الاهتداء إِلَى التَّصَرُّف الْمُفَوض إِلَيْهِ ووظيفته عِنْد الْإِطْلَاق حفظ الْأُصُول والغلات على وَجه الِاحْتِيَاط وَالْإِجَارَة بِأُجْرَة الْمثل والعمارة وَكَذَا الِاقْتِرَاض على الْوَقْف عِنْد الْحَاجة إِن شَرطه لَهُ الْوَاقِف أَو أذن لَهُ القَاضِي وَتَحْصِيل الْغلَّة وقسمتها على مستحقيها وَيلْزمهُ رِعَايَة زمن عينه الْوَاقِف وَيسْتَحق النَّاظر مَا شَرط من الْأُجْرَة وَإِن زَادَت على أُجْرَة مثله مَا لم يكن هُوَ الْوَاقِف فَإِن لم يشرط لَهُ شَيْء فَلَا أُجْرَة لَهُ بَاب فِي الْإِقْرَار وَهُوَ إِخْبَار خَاص عَن حق سَابق للْغَيْر على الْمخبر أَو عِنْده فَإِن كَانَ الْإِخْبَار لَهُ على غَيره فدعوى أَو لغيره على غَيره فشهادة أما الْإِخْبَار الْعَام عِنْد أَمر محسوس فَهُوَ الرِّوَايَة أَو عَن أَمر شَرْعِي فَإِن كَانَ فِيهِ إِلْزَام فَحكم وَإِلَّا ففتوى وأركانه أَرْبَعَة مقرّ وَصِيغَة ومقر لَهُ ومقر بِهِ الأول الْمقر وَشَرطه تَكْلِيف وَاخْتِيَار وَعدم الْحجر فَحِينَئِذٍ (يُؤَاخذ بِإِقْرَار مُكَلّف مُخْتَار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 غير مَحْجُور عَلَيْهِ وَلَو كَافِرًا أَو فَاسِقًا وَإِن أقرّ بِجِنَايَة وَقعت مِنْهُ قبل رشده وَكَذَا سَكرَان مُتَعَدٍّ بسكره وَإِن كَانَ غير مُكَلّف لَا صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ وسكران لم يَتَعَدَّ ومكره أقرّ بِمَا أكره ومفلس أقرّ بدين غير دين الْجِنَايَة فِي حكم غُرَمَائه إِن أسْند وُجُوبه بعد أول الْحجر وسفيه إِلَّا فِي نذر قربَة بدنية أَو فِي نفس التَّدْبِير بِأَن قَالَ قلت لعبدي أَنْت حر بعد موتِي وَفِي وَصِيَّة وحد وقود وَطَلَاق وخلع وظهار وإيلاء ورجعة وَنفي نسب واستلحاق لَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ إِقْرَار السَّفِيه بِهَذِهِ الْمَذْكُورَات لِأَنَّهُ يَصح مِنْهُ إنشاؤها وَيقبل إِقْرَارا لرقيق بِسَبَب عُقُوبَة كقود وزنا وَشرب خمر وسرقة بِالنِّسْبَةِ للْقطع وَأما المَال فَيثبت فِي ذمَّته تَالِفا كَانَ أَو بَاقِيا الرُّكْن الثَّانِي الصِّيغَة (و) حِينَئِذٍ (شَرط فِيهِ) أَي الْإِقْرَار (لفظ) يشْعر بالالتزام وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَة مَعَ النِّيَّة وَإِشَارَة الْأَخْرَس ثمَّ الِالْتِزَام إِمَّا بدين أَو عين فللإقرار بِالدّينِ صِيغ (ك) قَوْله (عَليّ) لزيد كَذَا أَو فِي ذِمَّتِي كَذَا لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر من هذَيْن اللَّفْظَيْنِ عرفا لكِنهمْ قبلوا التَّفْسِير فِي قَوْله عَليّ بالوديعة فَلَو أَرَادَ بهما الْعين صدق فِي عَليّ فَقَط وللإقرار بِالْعينِ صِيغ كَقَوْلِه لدي (أَو عِنْدِي كَذَا) وَقيل لدي للحاضر وَعِنْدِي لَهُ وللغائب أَو معي لزيد ألف فَلَو ادّعى وَدِيعَة وَأَنَّهَا تلفت أَو أَنه ردهَا بعد ذَلِك فِي زمن يُمكن فِيهِ الرَّد صدق بِيَمِينِهِ وَحمل على الْوَدِيعَة عِنْد الْإِطْلَاق لِأَنَّهَا أدنى الْمَرَاتِب وَإِن قبل تَفْسِيره بالمغصوبة وَنَحْوهَا وَكَذَا بِالدّينِ لِأَنَّهُ أغْلظ وَقَوله لزيد كَذَا فِي قبلي بِكَسْر فَفتح صَالح للعين وَالدّين وَقَوله لزيد كَذَا إِقْرَار لَكِن مَحَله فِي الْعين وَإِلَّا فَلَا بُد أَن يضيف إِلَيْهِ نَحْو عَليّ فَإِن أَتَى بِلَفْظ يدل عَلَيْهِمَا كَقَوْلِه عَليّ وَمَعِي عشرَة فَيرجع إِلَيْهِ فِي تَفْسِير بعض ذَلِك بِالْعينِ وَبَعضه بِالدّينِ (و) كَقَوْلِه (نعم) وبلى وَأجل وجير وإي بِكَسْر الْهمزَة وصدقت بِفَتْح التَّاء (وأبرأتني) وأبرئني مِنْهُ (وَقَضيته) بالضمير وَكَذَلِكَ بِدُونِهِ وأقضى غَدا وَأَنا مقرّ بِهِ وَلَا أنكر مَا تدعى بِهِ وَذَلِكَ كُله (لجواب) من قَالَ لَهُ (أَلَيْسَ لي) عَلَيْك ألف مثلا أَو هَل لي عَلَيْك مائَة مِثَالا (أَو) لجواب من قَالَ لَهُ (لي عَلَيْك كَذَا) من غير اسْتِفْهَام وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين النَّحْوِيّ وَغَيره لخفائه على كثير من النُّحَاة أَو قَالَ فِي جَوَاب ذَلِك أمهلني فِي ذَلِك أَو حَتَّى أقعد أَو أفتح الْكيس أَو أجد الْمِفْتَاح أَو الدَّرَاهِم مثلا الرُّكْن الثَّالِث الْمقر لَهُ وَيشْتَرط فِيهِ تَعْيِينه بِحَيْثُ يُمكن مُطَالبَته وأهلية اسْتِحْقَاق الْمقر بِهِ حسا وَشرعا وَعدم تَكْذِيبه الْمقر فِي إِقْرَاره بِأَن صدقه أَو سكت وَإِلَّا بَطل فِي حَقه دون غَيره فَيصح الْإِقْرَار بقوله لأحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مثلا عَليّ كَذَا بِخِلَاف قَوْله لأحد أهل هَذَا الْبَلَد وَيصِح بقوله عَليّ بِسَبَب هَذِه الدَّابَّة لمَالِكهَا كَذَا وَبِقَوْلِهِ لحمل هِنْد كَذَا عَليّ أَو عِنْدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 بِإِرْث من نَحْو أَبِيه أَو وَصِيَّة لَهُ بِخِلَاف قَوْله لهَذِهِ الدَّابَّة عَليّ كَذَا وَقَوله لمن أعْتقهُ عقب إِعْتَاقه لَهُ عَليّ ألف فَلَا يَصح لاستحالته أَو بعد ثُبُوته الرُّكْن الرَّابِع الْمقر بِهِ (و) شَرط (فِي مقرّ بِهِ) أَن يكون مِمَّا تجوز بِهِ الْمُطَالبَة و (أَن لَا يكون) ملكا (لمقر) حَقِيقَة أَي بِأَن لَا يَأْتِي فِي لفظ الْإِقْرَار بِمَا يدل على أَنه ملك للْمقر فَالْعِبْرَة فِي الْبَاطِن بِمَا فِي نفس الْأَمر فَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لزيد وَلم تكن لزيد لم يَصح الْإِقْرَار وَلَو قَالَ دَاري الَّتِي ملكتها لزيد وَكَانَت لَهُ فِي نفس الْأَمر فَهُوَ إِقْرَار صَحِيح وَلَا يَصح الْإِقْرَار بِمَا لَا يُمكن إنشاؤه كإقراره بِعِتْق رَقِيق غَيره لَكِن لَو أقرّ بحريّة عبد معِين فِي يَد غَيره أَو شهد بهَا ثمَّ اشْتَرَاهُ لنَفسِهِ أَو ملكه بِوَجْه آخر حكم بحريَّته بعد انْقِضَاء مُدَّة خِيَار البَائِع فَترفع يَد المُشْتَرِي عَنهُ أما لَو اشْتَرَاهُ لمُوكلِه لم يحكم بحريَّته لِأَن الْملك يَقع ابْتِدَاء للْمُوكل (وَصَحَّ إِقْرَار من مَرِيض) مرض الْمَوْت بِمَال أَو غَيره (وَلَو لوَارث) حَال الْمَوْت وَإِن كذبه بَقِيَّة الْوَرَثَة أَو بَعضهم لِأَن الظَّاهِر أَنه محق مَعَ أَنه انْتهى إِلَى حَالَة يصدق فِيهَا الكذوب وَيَتُوب فِيهَا الْفَاجِر وَلَو أقرّ فِي صِحَّته بدين لشخص وَفِي مَرضه بدين لشخص آخر لم يقدم الأول بل يتساويان كَمَا لَو أقرّ بهما فِي الصِّحَّة أَو الْمَرَض وَكَذَا لَو أقرّ بدين لشخص وَأقر وَارثه بعد مَوته بدين لآخر فَلَا يقدم الأول أما لَو كَانَ الإقراران بِعَين كَأَن قَالَ الْمُورث هَذَا العَبْد لزيد وَقَالَ الْوَارِث بعد مَوته هَذَا لخَالِد وَجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْمقر بِهِ لزيد وَيغرم لخَالِد قِيمَته (و) صَحَّ إِقْرَار (بِمَجْهُول) لأي شخص كَانَ إِجْمَاعًا ابْتِدَاء كَانَ أَو جَوَابا لدعوى لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن حق سَابق فَيَقَع مُجملا ومفصلا وَالْمرَاد بِالْمَجْهُولِ مَا يعم الْمُبْهم كَأحد الْعَبْدَيْنِ وَيجب على الْمقر تَفْسِيره فَإِن فسره بِمَا يقبل فَذَاك وَاضح وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيَانِ وَحبس عَلَيْهِ إِن امْتنع فَلَو قَالَ مَا يَدعِيهِ زيد فِي تركتي فَهُوَ حق صَحَّ الْإِقْرَار وعينه الْوَارِث وَلَو قَالَ لَهُ على شَيْء قبل تَفْسِيره بِكُل مَا يتمول وَإِن قل وَكَذَا بِمَا لَا يتمول إِذا كَانَ من جنس مَا يتَّخذ مَالا كحبة حِنْطَة وَكَذَا بِنَجس يحل اقتناؤه ككلب معلم لحراسة أَو صيد أَو قَابل للتعليم وميتة لمضطر وكل نجس يقتني كَمَا يقبل تَفْسِيره بِحَق شُفْعَة وحد قذف ووديعة وَلَو قَالَ لَهُ على حق قبل تَفْسِيره بالعيادة ورد السَّلَام كَمَا قالهالبغوي خلافًا للْقَاضِي حُسَيْن حَيْثُ قَالَ لَا يَصح تَفْسِيره بهما كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار وَلَو أقرّ بِمَال مُطلق أَو مَال عَظِيم أَو كَبِير أَو كثير أَو نَفِيس قبل تَفْسِيره بِمَا قل من المَال وَإِن لم يتمول كحبة بر وقمع باذنجانة صَالح للْأَكْل وَإِلَّا فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَا من جنسه (و) صَحَّ إِقْرَار (نسب ألحقهُ بِنَفسِهِ) من غير وَاسِطَة كَهَذا أبي وَابْني بِشُرُوط خَمْسَة الأول أَن يكون الْإِلْحَاق (بِشَرْط إِمْكَان) فِي اللحوق فَلَا يثبت بالاستلحاق إِلَّا نسب مَجْهُول مُمكن كَونه ولد الْمقر بِأَن يكون غير مَمْسُوح وَأَن يكون فِي سنّ يتَصَوَّر كَونه مِنْهُ وَإِلَّا لم يلْحقهُ لِأَن الْحس يكذبهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 (و) الثَّانِي أَن يكون مصاحبا مَعَ (تَصْدِيق مستلحق) بِفَتْح الْحَاء وَهُوَ الْمقر بِهِ إِن كَانَ أَهلا للتصديق بِأَن كَانَ بَالغا عَاقِلا حَيا فَإِن كذب الْمُكَلف الْمقر أَو قَالَ لَا أعلم أَو سكت وأصر لم يثبت نسبه مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة أَو يَمِين مَرْدُودَة كَبَقِيَّة الْحُقُوق وَلَا يعرض على الْقَائِف وَالثَّالِث أَن لَا يعلم نسب الْمُسْتَلْحق لغير الْمقر فَلَا يثبت بالاستلحاق إِلَّا نسب مَجْهُول لَا مَعْلُوم من فرَاش نِكَاح صَحِيح وَإِن صدقه الْمقر بِهِ لِأَن النّسَب الثَّابِت من شخص لَا ينْتَقل لغيره وَلَا يَصح استلحاق ولد الزِّنَا وَلَا يَصح لغير ناف استلحاق منفي عَن فرَاش نِكَاح صَحِيح فَخرج النِّكَاح الْفَاسِد وَوَطْء الشُّبْهَة فلغير النَّافِي استلحاق منفي فيهمَا وَالرَّابِع أَن يكون الْمقر بِهِ الْمُسْتَلْحق حرا لَا وَلَاء عَلَيْهِ فَلَا يستلحق إِلَّا من لم يرق دون قن الْغَيْر أَو عتيقه الصَّغِير أَو الْمَجْنُون مُطلقًا وَدون الْمُكَلف إِن كذبه أَو سكت مُحَافظَة على حق الْوَلَاء للسَّيِّد بِخِلَاف الْمُصدق لَكِن العَبْد الْمُصدق بَاقٍ على رقّه إِذْ لَا تنَافِي بَين النّسَب وَالرّق وَالْخَامِس الذُّكُورَة والتكليف وَالِاخْتِيَار للْمقر فَلَا يثبت النّسَب إِلَّا بِإِقْرَار مُكَلّف مُخْتَار وَلَو كَافِرًا سَفِيها قِنَا وَكَذَا السَّكْرَان ذكر لَا امْرَأَة خلية أَو مُزَوّجَة لِإِمْكَان إِثْبَات الْولادَة بِالْبَيِّنَةِ (وَلَو أقرّ بِبيع) مثلا (أَو هبة وإقباض) بعد الْهِبَة (فَادّعى فَسَاده لم يقبل) أَي بِالنِّسْبَةِ لسُقُوط الْحق وَإِن قَالَ ظَنَنْت صِحَّته لِأَن الِاسْم عِنْد الْإِطْلَاق يحمل على الصَّحِيح نعم يقبل مدعي الْفساد لتحليف الْمقر لَهُ كَمَا لَو أقرّ بِقَبض نَحْو قرض أَو ثمن مَبِيع فَإِن نكل عَن الْحلف حلف الْمقر أَن ذَلِك كَانَ فَاسِدا وَحكم بِالْفَسَادِ وَثَبت مَا ادَّعَاهُ لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ وَخرج بقوله وإقباض مَا لَو اقْتصر على الْإِقْرَار بِالْهبةِ فَإِن الْإِقْرَار بِالْهبةِ وَالْملك لَيْسَ إِقْرَارا بِالْقَبْضِ إِلَّا إِن كَانَ الْمقر بِهِ بيد الْمقر لَهُ وَلَو قَالَ وهبته لَهُ وَقَبضه بِغَيْر رضاي صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عدم الرِّضَا وَقبل فِي الْإِقْرَار اسْتثِْنَاء مُتَّصِل بالمستثنى مِنْهُ إِن قَصده قبل فرَاغ الْإِقْرَار وَلم يسْتَغْرق الْمُسْتَثْنى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وسَمعه من بِقُرْبِهِ وَلَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء من نفي فَإِنَّهُ من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي فَلَو قَالَ لزيد عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة لزمَه تِسْعَة إِذْ الْمَعْنى إِلَّا تِسْعَة لَا تلزمني إِلَّا ثَمَانِيَة تلزمني فتضم الثَّمَانِية إِلَى الْوَاحِد الْبَاقِي من الْعشْرَة فَإِن قَالَ مَعَ ذَلِك إِلَّا سَبْعَة وَهَكَذَا إِلَى الْوَاحِد لزمَه خَمْسَة وَطَرِيق ذَلِك أَن تجمع كل مُثبت وكل منفي وَتسقط هَذَا من ذَاك فالباقي هُوَ الْوَاجِب فمثبت هَذِه الصُّورَة ثَلَاثُونَ ومنفيها خَمْسَة وَعِشْرُونَ أسقطها مِنْهَا تبْق خَمْسَة فَائِدَة لَو قَالَ لزيد عَليّ عشرَة وَثلث مَا لبكر ولبكر عشرَة وَثلث مَا لزيد فَهُوَ إِقْرَار مَجْهُول لِأَن مَجْمُوع الْمقر بِهِ مَجْهُول فحساب هَذِه الْمَسْأَلَة بطرِيق الْعدَد أَن تضرب مقَام الثُّلُث فِي مثله وَهُوَ ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة وتضرب بَسطه فِي مثله وَهُوَ وَاحِد فِي وَاحِد وتطرح أقل الحاصلين من أكبرهما فَيكون الْفضل بَينهمَا ثَمَانِيَة وَهُوَ الإِمَام ثمَّ تزيد على عشرَة كل ثلث عشرَة الآخر فيجتمع ثَلَاثَة عشر وَثلث ولنسمه معدلا اصْطِلَاحا فَيكون نِسْبَة الإِمَام إِلَى الْمعدل كنسبة مسطح المقامين وَهُوَ تِسْعَة إِلَى الْمَطْلُوب فالمجهول الرَّابِع فَاضْرب الْمعدل فِي مسطح المقامين واقسم الْحَاصِل وَهُوَ مائَة وَعِشْرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 على الإِمَام يخرج خَمْسَة عشر وَذَلِكَ جملَة مَا لكل مِنْهُمَا وحسابها بالجبر والمقابلة أَن تَقول قدر الْمَعْطُوف على عشرَة كل مِنْهُمَا مَجْهُول فتفرضه شَيْئا فجملة الْمقر بِهِ كل مِنْهُمَا عشرَة وَشَيْء فثلث ذَلِك وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث وَثلث شَيْء يعدل الشَّيْء الْمَفْرُوض فاطرح الْمُشْتَرك يبْق ثَلَاثَة وَثلث تعدل ثُلثي شَيْء فاقسم مَبْسُوط الثَّلَاثَة وَالثلث وَهُوَ عشرَة على مَبْسُوط الثُّلثَيْنِ وَهُوَ اثْنَان يخرج خَمْسَة وَهُوَ قدر الْمَعْطُوف على الْعشْرَة فَيكون لكل مِنْهُمَا خَمْسَة عشر وحسابها بطرِيق الخطأين أَن تفرض لزيد مَا شِئْت فَكَأَنَّهُ ثَمَانِيَة عشر فَيكون لبكر ثلثهَا على عشرته فَيكون جملَة مَاله سِتَّة عشر وَيجب أَن يكون لزيد مثل ثلثهَا فيجتمع لَهُ خَمْسَة عشر وَثلث وَكُنَّا فَرضنَا لَهُ ثَمَانِيَة عشر فالخطأ بِاثْنَيْنِ وثلثين وَهُوَ بِالنُّقْصَانِ فاحفظه ثمَّ افْرِضْ لَهُ عددا آخر فَكَأَنَّهُ أحد وَعِشْرُونَ فَإِذا حملت ثلثهَا على عشرَة بكر ثمَّ ثلث الْمُجْتَمع وَهُوَ خَمْسَة وَثُلُثَانِ على عشرَة زيد كَانَ لَهُ خَمْسَة عشر وَثُلُثَانِ وَكُنَّا فَرضنَا لَهُ أحدا وَعشْرين فالخطأ بِخَمْسَة وَثلث وَهُوَ أَيْضا بِالنُّقْصَانِ فَاضْرب الْمَفْرُوض الأول فِي الْخَطَأ الثَّانِي والمفروض الثَّانِي فِي الْخَطَأ الأول واقسم الْفضل بَين الحاصلين وَهُوَ أَرْبَعُونَ على الْفضل بَين الخطأين وَهُوَ اثْنَان وَثُلُثَانِ يخرج الْمَطْلُوب بَاب فِي الْوَصِيَّة وَهِي لُغَة الإيصال لِأَن الْمُوصي وصل خير عقباه أَي انتفاعه بالثواب الْحَاصِل بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ بِخَير دُنْيَاهُ أَي نَفعه فِي دُنْيَاهُ بِالْمَالِ وَلِأَنَّهُ وصل الْقرْبَة الْوَاقِعَة بعد الْمَوْت بالقربات المنجزة فِي حَيَاته وَشرعا تبرع بِحَق مَنْسُوب اسْتِحْقَاقه وَأَخذه لما بعد الْمَوْت لَيْسَ بتدبير وَلَا تَعْلِيق عتق بِصفة غير موت السَّيِّد يُوجد مَعَ الْمَوْت سَوَاء كَانَ نسبته لما بعد الْمَوْت حَقِيقَة كَقَوْلِه أوصيت لزيد بِكَذَا بعد موتِي أَو تَقْديرا كَقَوْلِه أوصيت لَهُ بِكَذَا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة لَهُ بعد موتِي كَذَا وَالْأَصْل فيهمَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من الْقُرْآن {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحروم من حرم الْوَصِيَّة من مَاتَ على وَصِيَّة مَاتَ على سَبِيل وَسنة وتقى وَشَهَادَة وَمَات مغفورا لَهُ وَالْوَصِيَّة سنة مُؤَكدَة فِيمَا دون الثُّلُث لغير الْوَارِث وَتكره فِي الزَّائِد وَقت الْوَصِيَّة لَا وَقت الْمَوْت إِذْ لَا نعلم حَال المَال وَقت الْمَوْت ويتوقف تنفيذه على إجَازَة الْوَرَثَة بعد الْمَوْت أما للْوَارِث فمباحة فِي الثُّلُث أَو غَيره ويتوقف على الْإِجَازَة مُطلقًا روى الإِمَام أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَإِذا جَار فِي وَصيته فيختم لَهُ بِسوء عمله فَيدْخل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار سبعين سنة فيعدل فِي وَصيته فيختم لَهُ بِخَير عمله فَيدْخل الْجنَّة وَاعْلَم أَن صَدَقَة الشَّخْص صَحِيحا ثمَّ حَيا أفضل من صدقته مَرِيضا وَبعد الْمَوْت وَيَنْبَغِي أَن لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يغْفل عَن الْوَصِيَّة سَاعَة قَالَ الْعَلامَة الحفني وَالَّذِي لم يوص من أبخل البخلاء لِأَنَّهُ بخل بِشَيْء يكون بعد مَوته وأركان الْوَصِيَّة أَرْبَعَة موص وموصى لَهُ وموصى بِهِ وَصِيغَة وَشرط فِي الْمُوصي تَكْلِيف وحرية وَاخْتِيَار وَلَو كَانَ كَافِرًا حَرْبِيّا أَو غَيره وَإِن اسْترق بعد الْوَصِيَّة حَيْثُ عتق قبل مَوته أَو مَحْجُور سفه كَمَا يَقع من الْوَصِيَّة من الْمَرْأَة للغاسلة بِخَاتم أَو نَحوه أَو فلس كَمَا قَالَ (تصح وَصِيَّة مُكَلّف حر) مُخْتَار وَلَا بُد من وجود هَذِه الْأَوْصَاف عِنْد الْوَصِيَّة وَذَلِكَ لصِحَّة عبارتهم واحتياجهم للثَّواب الشَّامِل للتَّخْفِيف من عَذَاب غير الْكفْر فِي حق الْكَافِر والسكران كالمكلف وَإِن لم يكن تَمْيِيز فَلَا تصح الْوَصِيَّة من صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ ورقيق وَلَو مكَاتبا ومكره كَسَائِر الْعُقُود لعدم ملك الرَّقِيق أَو ضعفه وَشرط فِي الْمُوصى لَهُ عدم الْمعْصِيَة وَعدم الْكَرَاهَة فِي الْوَصِيَّة لَهُ بِأَن تكون الْوَصِيَّة (لجِهَة حل) سَوَاء كَانَ الْمُوصى لَهُ جِهَة عَامَّة أَو غَيرهَا فَلَا تصح الْوَصِيَّة لكَافِر بِعَبْد مُسلم ومرتد ومصحف وَكتب علم فِيهَا آثَار السّلف لكَونهَا مَعْصِيّة إِذا بَقِي الْمُوصى لَهُ على الْكفْر إِلَى موت الْمُوصي ثمَّ إِن كَانَت الْوَصِيَّة على غير جِهَة اشْترط فِي الْمُوصى لَهُ أَيْضا كَونه مَوْجُودا مَعْلُوما أَهلا للْملك فَلَا تصح الْوَصِيَّة لحمل سيحدث وَإِن حدث قبل موت الْمُوصي لِأَنَّهَا تمْلِيك وتمليك الْمَعْدُوم مُمْتَنع وَلَا تصح لأحد هذَيْن الرجلَيْن لِأَن الْملك لَا يتَصَوَّر للمبهم مَا دَامَ على إبهامه وَلذَلِك صَحَّ أَن يَقُول أعْطوا هَذَا لأحد هذَيْن لِأَنَّهُ تَفْوِيض لغيره وَهُوَ إِنَّمَا يعْطى معينا كَمَا صَحَّ قَوْله لوَكِيله بِعْهُ لأَحَدهمَا وَلَا تصح لمَيت لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك وَلَا لدابة غير مَوْقُوفَة لذَلِك إِلَّا إِن فسر الْوَصِيَّة لَهَا بِالصرْفِ فِي عَلفهَا فَتَصِح لِأَن عَلفهَا على مَالِكهَا فَهُوَ الْمَقْصُود بِالْوَصِيَّةِ فَيشْتَرط قبُوله وَيتَعَيَّن الصّرْف إِلَى جِهَة الدَّابَّة رِعَايَة لغَرَض الْمُوصي وَلَا يسلم عَلفهَا للْمَالِك بل يصرفهُ الْوَصِيّ الَّذِي أَقَامَهُ الْمُوصي فَإِن لم يكن فَالْقَاضِي وَلَو بنائبه وَشَمل قَوْله لجِهَة حل الْقرْبَة كعمارة الْمَسَاجِد وَلَو من كَافِر وَعمارَة نَحْو قبَّة على قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ لما فِي ذَلِك من إحْيَاء الزِّيَارَة والتبرك بهَا وَذَلِكَ إِذا كَانَ الدّفن فِي مَوَاضِع مَمْلُوكَة لَهُم أَو لمن دفنهم فِيهَا لأبناء الْقُبُور نَفسهَا للنَّهْي عَنهُ وَلَا فعل ذَلِك فِي الْمَقَابِر المسبلة فَإِن فِيهِ تضييقا على الْمُسلمين والمباحة كفك أُسَارَى كفار منا وَإِن كَانَ الْمُوصي ذِمِّيا وَأَعْطَاهُ غَنِي وَكَافِر وَلَو حَرْبِيّا ومرتدا إِذا لم يمت على ردته وَبِنَاء رِبَاط لنزول أهل الذِّمَّة أَو سكناهم بِهِ مَا لم يَأْتِ بِمَا يدل على أَنه للتعبد وَحده أَو مَعَ نزُول الْمَارَّة فَلَا تصح الْوَصِيَّة حِينَئِذٍ وكما لَو أوصى بِأَن يدْفن فِي بَيته فَتَصِح لِأَن الدّفن فِيهِ مُبَاح لَيْسَ بمكروه وَتَصِح الْوَصِيَّة لقَاتل بِأَن يُوصي لشخص فيقتله هُوَ أَو سَيّده وَلَو عمدا لِأَنَّهَا تمْلِيك بِعقد فَأَشْبَهت الْهِبَة لَا الْإِرْث أما لَو أوصى لمن يقْتله أَو يقتل غَيره عُدْوانًا فَلَا تصح لِأَنَّهَا مَعْصِيّة (و) تصح (لحمل) حرا كَانَ أَو رَقِيقا من زوج أَو شُبْهَة أَو زنا إِن انْفَصل حَيا حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَإِلَّا لم يسْتَحق شَيْئا وَوجد حَال الْوَصِيَّة يَقِينا أَو ظنا (و) تصح (لوَارث) من وَرَثَة متعددين (مَعَ إجَازَة) بَاقِي (ورثته) المطلقين التَّصَرُّف سَوَاء أزاد على الثُّلُث أم لَا وَالْعبْرَة بإرثهم وَقت الْمَوْت وبردهم وإجازتهم بعده وَالْحِيلَة فِي أَخذ الْوَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 من غير توقف على إجَازَة من بَقِيَّة الْوَرَثَة أَن يُوصي لفُلَان بِأَلف أَي وَهُوَ ثلث فَأَقل إِن تبرع لولد الْمُوصي بِخَمْسِمِائَة أَو بِأَلفَيْنِ فَإِذا قبل وَأدّى للِابْن مَا شَرط عَلَيْهِ أَخذ الْوَصِيَّة وَلم يُشَارك بَقِيَّة الْوَرَثَة الابْن فِيمَا حصل لَهُ وَشرط فِي الْمُوصى بِهِ كَونه مُبَاحا يقبل النَّقْل من شخص إِلَى آخر فَتَصِح بِحمْل مَوْجُود إِن انْفَصل حَيا أَو مَيتا مَضْمُونا بِأَن كَانَ ولد أمة وجنى عَلَيْهِ بِخِلَاف ولد الْبَهِيمَة إِن انْفَصل مَيتا بِجِنَايَة فَإِن الْوَصِيَّة تبطل وَمَا يغرمه الْجَانِي حِينَئِذٍ مِمَّا نقص من قيمَة أمه يكون للْوَارِث وبثمر وَحمل وَلَو معدومين وبمبهم فَيرجع فِي تَفْسِيره للْوَارِث إِن لم يُبينهُ الْمُوصي وبمعجوز عَن تَسْلِيمه وتسلمه وبنجس يقتنى ككلب قَابل للتعليم وزبل وخمر مُحْتَرمَة وميتة لإطعام الْجَوَارِح وَلَو ميتَة كلب أَو خِنْزِير وَشرط فِي الصِّيغَة لفظ إِيجَاب يشْعر بِالْوَصِيَّةِ وصريحه حَاصِل (بأعطوه كَذَا أَو هُوَ لَهُ بعد موتِي) فِي الِاثْنَيْنِ (وبأوصيت لَهُ) بِكَذَا وَلَو لم يقل بعد موتِي لوضعها شرعا لذَلِك فَإِن اقْتصر على نَحْو وهبته لَهُ فهبة ناجزة أَو اقْتصر على نَحْو ادفعوا لَهُ كَذَا من مَالِي فتوكيل يرْتَفع بِمَوْتِهِ فَكل من هذَيْن لَا يكون كِنَايَة وَصِيَّة أَو اقْتصر على قَوْله جعلته لَهُ احْتمل الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَإِن علمت نِيَّته لأَحَدهمَا صَحَّ وَإِلَّا بَطل أَو اقْتصر على قَوْله ثلث مَالِي للْفُقَرَاء لم يكن إِقْرَارا بل كِنَايَة وَصِيَّة على الرَّاجِح وَمَعْلُوم أَن الْكِنَايَة تفْتَقر إِلَى نِيَّة أما قَوْله هُوَ لَهُ فَقَط فإقرار لِأَنَّهُ من صرائحه وَوجد نفاذا فِي مَوْضُوعه فَلَا يَجْعَل كِنَايَة فِي غَيره وَهُوَ الْوَصِيَّة وَكَذَا لَو اقْتصر على قَوْله هُوَ صَدَقَة أَو وقف على كَذَا فينجز من حِينَئِذٍ وَإِن وَقع جَوَابا مِمَّن قيل لَهُ أوص لِأَن وُقُوعه جَوَابا لَا يُفِيد فِي صرفه عَن كَونه صَدَقَة أَو وَقفا وكنايته كِتَابَة وَلَو من نَاطِق فتنعقد الْوَصِيَّة بهَا مَعَ النِّيَّة وَقَوله هُوَ لَهُ من مَالِي وعينت لَهُ هَذَا أَو عَبدِي هَذَا لَهُ ويكتفي هُنَا فِي النِّيَّة باقترانها بِجُزْء من اللَّفْظ بِخِلَاف مَا فِي البيع فَلَا بُد من اقترانها بِجَمِيعِ اللَّفْظ وَتلْزم الْوَصِيَّة بِمَوْت لَكِن (مَعَ قبُول) موصى لَهُ (معِين) مَحْصُور (بعد موت موص) وَلَو بتراخ فَلَا يَصح الْقبُول قبل الْمَوْت وَذَلِكَ إِن تأهل الْمُوصى لَهُ للقبول وَإِلَّا فَيشْتَرط الْقبُول من وليه أَو سَيّده أَو نَاظر الْمَسْجِد بِخِلَاف نَحْو الْخَيل المسبلة بالثغور لَا تحْتَاج لقبُول لِأَنَّهَا تشبه الْجِهَة الْعَامَّة وَلَو كَانَ الْمُوصى بِهِ إعتاقا كَأَن قَالَ أعتقوا عني فلَانا بعد موتِي فَلَا حَاجَة إِلَى الْقبُول بِخِلَاف مَا إِذا أوصى للرقيق بِرَقَبَتِهِ فَلَا بُد مِنْهُ وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي غير مَحْصُور وَغير معِين كالفقراء والعلوية بل تلْزم الْوَصِيَّة بِمَوْت الْمُوصي لتعذر الْقبُول مِنْهُم وَلَو ردوا لم ترتد بردهمْ وَيجوز الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة مِنْهُم وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهم بِخِلَاف المحصورين فَيجب قبولهم واستيعابهم والتسوية بَينهم وَالْوَصِيَّة بِالثُّلثِ وَقت الْوَصِيَّة خلاف الأولى وَيَنْبَغِي أَن لَا يُوصي بزائد على الثُّلُث سَوَاء كَانَ ورثته فُقَرَاء أَو أَغْنِيَاء وَلذَلِك (لَا) تصح الْوَصِيَّة (فِي زَائِد على ثلث فِي مرض مخوف) أَي يخَاف مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الْمَوْت وَيَمُوت فِيهِ لِأَن الْمَرِيض مَحْجُور عَلَيْهِ فِي الزَّائِد بِخِلَاف مَا إِذا شفي مِنْهُ فَإِنَّهُ ينفذ لتبين عدم الْحجر وَذَلِكَ (إِن رده) أَي الزَّائِد (وَارِث) خَاص مُطلق التَّصَرُّف لِأَنَّهُ حَقه فَإِن كَانَ الْوَارِث عَاما بطلت الْوَصِيَّة فِي الزَّائِد ابْتِدَاء من غير رد لِأَن الْحق للْمُسلمين فَلَا مجيز أما إِذا كَانَ الْوَارِث الْخَاص غير مُطلق التَّصَرُّف فَلَا يَصح رده وَلَا إِجَازَته بل توقف إِلَى كَمَاله إِن رجى وَإِلَّا كجنون مستحكم أيس من برئه بطلت الْوَصِيَّة ظَاهرا وَإِلَّا فَلَا وعَلى كل من الْيَأْس من برئه وَعَدَمه فَمَتَى برأَ وَأَجَازَ بَان نفوذها وَإِن أجَاز الْوَارِث الْخَاص الْمُطلق التَّصَرُّف فإجازته إِمْضَاء لتصرف الْمُوصي بِالزِّيَادَةِ على الثُّلُث لصِحَّته وَحقّ الْوَارِث إِنَّمَا يثبت فِي ثَانِي الْحَال وَهُوَ بعد الْإِجَازَة لَا وَقت الْمَوْت فَأشبه عَفْو الشَّفِيع من حَيْثُ كَونه بعد البيع لَا قبله وَيعْتَبر المَال ليعلم قدر الثُّلُث مِنْهُ وَقت الْمَوْت لَا وَقت الْوَصِيَّة وبالموت تلْزم من جِهَة الْمُوصي فَلَو قتل فَوَجَبت دِيَته بِنَفس الْقَتْل بِأَن كَانَ خطأ أَو شبه عمد ضمت لمَاله حَتَّى لَو أوصى بِثُلثِهِ أَخذ الْمُوصى لَهُ ثلث الدِّيَة أما لَو كَانَ الْقَتْل عمدا يُوجب الْقصاص إِذا عُفيَ عَنهُ على مَال بعد مَوته فَلَا يضم إِلَى التَّرِكَة لِأَنَّهُ لم يكن مَال الْمُوصي وَقت الْمَوْت وَلَو أوصى برقيق وَلَا رَقِيق لَهُ ثمَّ ملك عِنْد الْمَوْت رَقِيقا تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَو زَاد مَاله تعلّقت الْوَصِيَّة بذلك الزَّائِد (وَيعْتَبر مِنْهُ) أَي الثُّلُث الَّذِي يُوصي بِهِ (عتق علق بِالْمَوْتِ) فِي الصِّحَّة أَو الْمَرَض وَلَو مَعَ غَيره كَمَا لَو قَالَ إِن مت وَدخلت الدَّار فَأَنت حر نعم لَو قَالَ صَحِيح لرقيقه أَنْت حر قبل مرض موتِي بِيَوْم ثمَّ مَاتَ من مرض بعد التَّعْلِيق بِأَكْثَرَ من يَوْم أَو قبل موتِي بِشَهْر ثمَّ مرض دونه وَمَات بعد أَكثر من شهر عتق من رَأس المَال فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَن عتقه وَقع فِي الصِّحَّة (ووقف) وعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مَبِيع كَذَلِك فَيعْتَبر من الثُّلُث أُجْرَة الْعَارِية وَثمن الْمَبِيع وَإِن بَاعه بأضعاف ثمن مثله لِأَن تَفْوِيت يدهم كتفويت ملكهم (وَهبة) منجزة فِي مرض الْمَوْت وَعتق لغير مستولدته إِذْ هُوَ لَهَا فِيهِ من رَأس المَال وإبراء وَهبة فِي صِحَة وإقباض فِي مرض حَيْثُ اتّفق الْمُتَّهب وَالْوَارِث على أَن الْقَبْض وَقع فِي الْمَرَض وَإِلَّا حلف الْمُتَّهب أَن الْقَبْض وَقع فِي الصِّحَّة فَيكون الِاعْتِبَار من رَأس المَال وَاعْلَم أَنه إِذا ثَبت الْمَرَض مخوفا عندنَا فِي زمن الْمَرَض وَمَات بِهِ حكم عِنْد الْمَوْت بِعَدَمِ نُفُوذ التَّبَرُّع الزَّائِد على الثُّلُث حِينَئِذٍ فَإِن برأَ نفذ وَإِن ثَبت عندنَا فِي زمن الْمَرَض أَنه غير مخوف فَمَاتَ فَإِن حمل على الْفجأَة حكمنَا بعد الْمَوْت بنفوذه وَإِلَّا فَلَا وَلَو تصرف فِي مرض غير مخوف ثمَّ عقبه مرض مخوف وَمَات بِهِ فَإِن كَانَ الْمَرَض الأول مِمَّا لَا يتَوَلَّد عَنهُ الثَّانِي عَادَة نفذ التَّصَرُّف فِيهِ وَإِن كَانَ مِمَّا يتَوَلَّد عَنهُ الثَّانِي عَادَة لم ينفذ لِأَن الْمَوْت مَنْسُوب إِلَيْهِ وَلَو بِوَاسِطَة كَمَا قَالَه عمر الْبَصْرِيّ ثمَّ الْوَصِيَّة إِن كَانَ مَطْلُوبَة حِين فعلهَا إِذا عرض للْمُوصى لَهُ مَا يَقْتَضِي أَنه يصرفهَا فِي محرم وَجب الرُّجُوع أَو فِي مَكْرُوه ندب الرُّجُوع أَو فِي طَاعَة كره الرُّجُوع (وَتبطل) أَي الْوَصِيَّة (بِرُجُوع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 عَن الْوَصِيَّة وَعَن بَعْضهَا وَيحصل الرُّجُوع (بِنَحْوِ نقضت) الْوَصِيَّة كأبطلتها وَرجعت فِيهَا ورفعتها ورددتها وأزلتها وفسختها وَكلهَا صرائح كَهُوَ حرَام على الْمُوصى لَهُ (و) بقوله (هَذَا) أَي الْمُوصى بِهِ (لوارثي) أَو مِيرَاث عني وَإِن لم يقل بعد موتِي لِأَنَّهُ لَا يكون كَذَلِك إِلَّا وَقد أبطل الْوَصِيَّة فِيهِ فَصَارَ كَقَوْلِه رَددتهَا (وب) نَحْو (بيع رهن) وَلَو بِلَا قبُول لظُهُور صرفه بذلك عَن جِهَة الْوَصِيَّة (وَعرض عَلَيْهِ) وتوكيل فِي البيع وَفِي الْعرض (وغرس) وَبِنَاء فِي أَرض سَوَاء أَكَانَ ذَلِك بِفِعْلِهِ أم بِفعل مأذونه بِخِلَاف زرعه فِيهَا (وَتَنْفَع مَيتا صَدَقَة) لأَجله من وَارِث وَغَيره وَمِنْهَا وقف الْمُصحف وَغَيره وحفر بِئْر وغرس شجر روى مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أُمِّي انفلتت نَفسهَا وَلم توص وأظنها لَو تَكَلَّمت تَصَدَّقت أفلها أجر إِن تَصَدَّقت عَنْهَا قَالَ نعم اه وَالتَّصَدُّق عَن الْمَيِّت بِوَجْه شَرْعِي مَطْلُوب وَلَا يتَقَيَّد بِكَوْنِهِ فِي سَبْعَة أَيَّام أَو أَكثر أَو أقل وتقييده بِبَعْض الْأَيَّام من العوائد فَقَط كَمَا أفتى بذلك السَّيِّد أَحْمد دحلان وَقد جرت عَادَة النَّاس بالتصدق عَن الْمَيِّت فِي ثَالِث من مَوته وَفِي سَابِع وَفِي تَمام الْعشْرين وَفِي الْأَرْبَعين وَفِي الْمِائَة وَبعد ذَلِك يفعل كل سنة حولا فِي يَوْم الْمَوْت كَمَا أَفَادَهُ شَيخنَا يُوسُف السنبلاويني أما الطَّعَام الَّذِي يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس لَيْلَة دفن الْمَيِّت الْمُسَمّى بالوحشة فَهُوَ مَكْرُوه مَا لم يكن من مَال الْأَيْتَام وَإِلَّا فَيحرم كَذَا فِي كشف اللثام (وَدُعَاء) قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار أجمع الْعلمَاء على أَن الدُّعَاء للأموات يَنْفَعهُمْ ويصلهم ثَوَابه اه رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا الْمَيِّت فِي قَبره إِلَّا كالغريق المغوث بِفَتْح الْوَاو الْمُشَدّدَة أَي الطَّالِب لِأَن يغاث ينْتَظر دَعْوَة تلْحقهُ من ابْنه أَو أَخِيه أَو صديق لَهُ فَإِذا لحقته كَانَت أحب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَأَن هَدَايَا الْأَحْيَاء للأموات الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وقالحسين الْمحلي فِي كشف اللثام يحصل ثَوَاب الْقِرَاءَة للْمَيت بِمُجَرَّد قَصده بهَا وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَكَذَا الْقِرَاءَة بِحَضْرَة الْمَيِّت أَو بنية القارىء ثَوَاب قِرَاءَته لَهُ أَو بدعائه لَهُ عقب الْقِرَاءَة وَمِنْه اللَّهُمَّ أوصل ثَوَاب مَا قرأناه إِلَى فلَان وَلَو قَالَ بعده ثمَّ إِلَى أموات الْمُسلمين اه وَقَالَ مُحَمَّد أَبُو خضير فِي نِهَايَة الأمل وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال من خلاف كَبِير أَن الْمَيِّت يَنْفَعهُ مَا يفعل لَهُ من الْخيرَات بعد مَوته لَكِن لَا بُد أَن يقْصد الْفَاعِل ثَوَاب ذَلِك للْمَيت أَو يَدْعُو لَهُ عقب الْفِعْل بِحُصُول الثَّوَاب لَهُ أَو يكون عِنْد قَبره وَيحصل لفاعل ذَلِك ثَوَاب أَيْضا وَلَو سقط ثَوَاب الْفَاعِل لمسقط كَأَن غلب الْبَاعِث الدنيوي كَأَن كَانَ بِأُجْرَة فَيَنْبَغِي أَن لَا يسْقط مثله بِالنِّسْبَةِ للْمَيت وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يجب اعْتِقَاد أَن الدُّعَاء ينفع الْأَحْيَاء والأموات إِن دَعَا لَهُم غَيرهم ويضرهم إِن دَعَا عَلَيْهِم بِحَق وروى الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يُغني حذر من قدر وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل وَإِن الْبلَاء لينزل ويتلقاه الدُّعَاء فيتعالجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأجْمع على نَفعه السّلف وَالْخلف من أهل السّنة وَاعْلَم أَن للدُّعَاء شُرُوطًا وآدابا فَمن شُرُوطه أكل الْحَلَال وَأَن يَدْعُو وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 موقن بالإجابة وَأَن لَا يكون قلبه غافلا وَأَن لَا يَدْعُو بِمَا فِيهِ إِثْم أَو قطيعة رحم أَو إِضَاعَة حُقُوق الْمُسلمين وَأَن لَا يَدْعُو بمحال وَلَو عَادَة وَمن آدابه أَن يخْتَار الْأَوْقَات الفاضلة كَأَن يَدْعُو فِي السحر وَعند الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَمِنْهَا تَقْدِيم الْوضُوء وَالصَّلَاة واستقبال الْقبْلَة وَرفع الْأَيْدِي جِهَة السَّمَاء وَتَقْدِيم التَّوْبَة وَالِاعْتِرَاف بالذنب وَالْإِخْلَاص وافتتاحه بِالْحَمْد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وختمه بهما وَجعل الصَّلَاة فِي وَسطه أَيْضا وَقَالَ ابْن عَطاء الله رَحمَه الله للدُّعَاء أَرْكَان وَأَجْنِحَة وَأَسْبَاب وأوقات فَإِن وَافق أَرْكَان قوي وَإِن وَافق أجنحته طَار فِي السَّمَاء وَإِن وَافق مواقيته فَازَ وَإِن وَافق أَسبَابه نجح فأركانه حُضُور الْقلب والرقة والاستكانة والخضوع وَتعلق الْقلب بِاللَّه وقطعه من الْأَسْبَاب وأجنحته الصدْق ومواقيته الأسحار وأسبابه الصَّلَاة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن الْإِجَابَة تتنوع فَتَارَة يَقع الْمَطْلُوب بِعَيْنِه على الْفَوْر وَتارَة يَقع وَلَكِن يتَأَخَّر لحكمة وَتارَة تقع الْإِجَابَة بِغَيْر الْمَطْلُوب حَالا أَو مَآلًا وَتارَة يدّخر بذلك ثَوابًا فِي الْآخِرَة بَاب الْفَرَائِض أَي مسَائِل قسْمَة الْمَوَارِيث أَي التركات يبْدَأ وجوبا من تَرِكَة الْمَيِّت بِحَق مُتَعَلق بِنَفس التَّرِكَة كَالزَّكَاةِ وَالنّذر وَكَفَّارَة وَحج والمرهون والجاني الْمُتَعَلّق بِذَاتِهِ مَال وَالْمَبِيع بِثمن فِي الذِّمَّة إِذا مَاتَ المُشْتَرِي مُفلسًا وَيقدم دين الله على دين الْآدَمِيّ ثمَّ بكلفة التَّجْهِيز للْمَيت وَلمن عَلَيْهِ مُؤْنَته بِالْمَعْرُوفِ بِحَسب الْيَسَار والإعسار غير زَوْجَة وخادمها فكلفة تجهيزهما على الزَّوْج الْغَنِيّ ثمَّ بِالدّينِ الْمُرْسل فِي الذِّمَّة لكَونهَا حَقًا وَاجِبا على الْمَيِّت ثمَّ بِالْوَصِيَّةِ من ثلث الْبَاقِي بعد الدّين ثمَّ بقسمة الْبَاقِي من التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة وهم بالأسباب الْخَاصَّة قِسْمَانِ ذُكُور وإناث فالذكور خَمْسَة عشر الابْن وَابْنه وَالْأَب وَالْجد وَالْأَخ لِأَبَوَيْنِ وَالْأَخ للْأَب وَالْأَخ للْأُم وَابْن الْأَخ لِأَبَوَيْنِ وَابْن الْأَخ للْأَب وَالْعم لِأَبَوَيْنِ وَالْعم للْأَب وَابْن الْعم لِأَبَوَيْنِ وَابْن الْعم للْأَب وَالزَّوْج وَذُو الْوَلَاء وَالْإِنَاث عشرَة الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْجدّة للْأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْأُخْت لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة وَذَات الْوَلَاء فَلَو اجْتمع الذُّكُور فالوارث أَب وَابْن وَزوج أَو اجْتمع الْإِنَاث فالوارث بنت وَبنت ابْن وَأم وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَزَوْجَة أَو اجْتمع الْمُمكن اجتماعه من الصِّنْفَيْنِ فالوارث أَبَوَانِ وَابْن وَبنت وَأحد زَوْجَيْنِ فَلَو لم يسْتَغْرق الْوَرَثَة مِنْهُمَا رد مَا فضل عَن الْوَرَثَة على ذَوي فروض غير زَوْجَيْنِ بِنِسْبَة فروض من يرد عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخ عَطاء الله وأصول الرَّد اثْنَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة لِأَنَّهُ إِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة سدسان كجدة وَأَخ لأم فأصلها اثْنَان وَإِن كَانَ فِيهَا ثلث وَسدس كَأُمّ وَأَخ مِنْهَا فَثَلَاثَة وَإِن كَانَ فِيهَا نصف وَسدس كَبِنْت وَأم فَأَرْبَعَة وَإِن كَانَ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 نصف وسدسان كَبِنْت وَبنت ابْن وَأم أَو نصف وَثلث كأخت لغير أم وأخوين لأم فخمسة اه (الْفُرُوض) أَي الْأَنْصِبَاء المحصورة للْوَرَثَة (فِي كتاب الله تَعَالَى) سِتَّة الرّبع وَالثلث وَضعف كل وَنصفه وَزيد على هَذِه السِّتَّة ثلث مَا يبْقى وَلَيْسَ المُرَاد أَن كل من لَهُ شَيْء من الْأَنْصِبَاء يَأْخُذهُ بِنَصّ الْقُرْآن لِأَن فِيهِنَّ من أَخذ بِالْإِجْمَاع أَو الْقيَاس أَحدهَا (ثلثان) وَهُوَ لأَرْبَع (لاثْنَيْنِ) أَي لاثْنَتَيْنِ متساويتين فَأكْثر مِمَّن يَرث النّصْف (من بنت وَبنت ابْن وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ و) أُخْت (لأَب) قَالَ الله تَعَالَى فِي الْبَنَات {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَبَنَات الابْن كالبنت والبنتان وبنتا الابْن مقيستان على الْأُخْتَيْنِ وَقَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ فَأكْثر {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك} 4 النِّسَاء الْآيَة 176 نزلت هَذِه الْآيَة فِي سبع أَخَوَات لجَابِر بن عبد الله حِين مرض وَسَأَلَ عَن إرثهن مِنْهُ فدلت هَذِه الْآيَة على أَن المُرَاد الْأخْتَان فَأكْثر (وَعصب كلا) من الْأَرْبَع (أَخ سَاوَى) لَهُ فِي الدرجَة فالابن يعصب الْبِنْت وَابْن الابْن يصعب بنت الابْن الَّتِي فِي دَرَجَته وَالْأَخ الشَّقِيق يعصب الْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأَخ لأَب يعصب الْأُخْت لأَب ثمَّ إِن ابْن الابْن كَمَا يعصب أُخْته وَبنت عَمه الَّتِي فِي دَرَجَته يعصب بنت ابْن فَوْقه وَهِي عمته وَبنت عَم أَبِيه إِن لم يكن سدس كبنتين وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن ابْن وَإِلَّا فَلَا يعصبها كَبِنْت وَبنت ابْن وَابْن ابْن لِأَن لَهَا فرضا استغنت بِهِ عَن تعصيبه وَهُوَ السُّدس وَله الثُّلُث الْبَاقِي وَلَو كَانَ فِي هَذَا الْمِثَال بنت ابْن ابْن أَيْضا قسم الثُّلُث بَينهَا وَبَين أَخِيهَا لِأَن هَذِه لَا شَيْء لَهَا فِي السُّدس الَّذِي هُوَ تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ فعصبها وَمعنى تعصيب الْأَخ أُخْته أَن يكون للذّكر فِي التَّرِكَة مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ أما تعصيب الْمسَاوِي للْأُنْثَى فَلقَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَقَوله تَعَالَى {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} 4 النِّسَاء الْآيَة 176 وَأما النَّازِل عَنْهَا فبالأولى لِأَن الَّتِي فَوْقه أقرب من الَّتِي فِي دَرَجَته وَقد تعصب الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب بالجد لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة أَخِيهَا (و) عصب (الْأُخْرَيَيْنِ) أَي الْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت لأَب (الأوليان) وهما الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْمعْنَى أَن الْأُخْت تَأْخُذ مَا تبقيه الْبِنْت أَو بنت الابْن فتأخذ الْأُخْت الشَّقِيقَة أَو الْأُخْت لأَب أَو الْأَخَوَات المتساويات بالعصوبة مَا فضل من فرض الْبِنْت أَو بنت الابْن وَهُوَ النّصْف إِن كَانَت وَاحِدَة وَالثُّلُثَانِ إِن كَانَت مُتعَدِّدَة وَالْأُخْت الشَّقِيقَة مَتى صَارَت عصبَة مَعَ الْغَيْر صَارَت بِمَنْزِلَة الْأَخ الشَّقِيق فتحجب الْإِخْوَة للْأَب وَبَاقِي الْعَصَبَات وَمَا ذكر من أَن الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات عصبات هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور خلافًا لِابْنِ عَبَّاس الْقَائِل بِأَن الْبَنَات أَو بَنَات الابْن يحجبن الْأَخَوَات كَمَا قَالَه البيلي (و) ثَانِيهَا (نصف) وَهُوَ لخمسة (لَهُنَّ) أَي للْبِنْت وَابْن الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت لأَب حَيْثُ كن (منفردات) عَن أخواتهن وَعَمن يعصبهن من الذُّكُور قَالَ تَعَالَى فِي الْبِنْت {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَقَالَ فِي الْأُخْت {وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك} 4 النِّسَاء الْآيَة 176 وَالْمرَاد أُخْت لغير أم أَو أُنْثَى وَسَوَاء كَانَ من الزَّوْج أَو من غَيره لقَوْله تَعَالَى {وَلكم نصف مَا} (ولزوج لَيْسَ لزوجته فرع) وَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 من الْوَلَد أَو ولد الابْن سَوَاء كَانَ ذكرا ترك {أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَولد الابْن كَالْوَلَدِ إِجْمَاعًا وَقِيَاسًا أَو لفظ الْوَلَد يَشْمَلهُ بِنَاء على إِعْمَال اللَّفْظ فِي حَقِيقَته ومجازه كَمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وفقدان الْفَرْع الْوَارِث بِأَن لَا يكون فرع أَو كَانَ لكنه غير وَارِث لقِيَام مَانع أَو لكَونه ولد بنت (و) ثَالِثهَا (ربع) وَهُوَ لاثْنَيْنِ (لَهُ) أَي لزوج (مَعَه) أَي مَعَ وجود فرع وَارِث للْمَيت لقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع مِمَّا تركن} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَلها أَي لزوجة فَأكْثر (دونه) أَي مَعَ فقدان فرع للزَّوْج سَوَاء كَانَ من تِلْكَ الزَّوْجَة أَو من غَيرهَا لقَوْله تَعَالَى {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد} 4 النِّسَاء الْآيَة 12 (و) رَابِعهَا (ثمن) وَهُوَ (لَهَا) أَي لزوجة فَأكْثر (مَعَه) أَي فرع وَارِث للْمَيت لقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن مِمَّا تركْتُم} النِّسَاء (4 الْآيَة 12) والزوجان يتوارثان فِي عدَّة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَذَلِكَ دَاخل فِي كَلَام المُصَنّف (و) خَامِسهَا (ثلث) وَهُوَ لاثْنَيْنِ (لأم لَيْسَ لميتها) فرع وَارِث (وَلَا عدد من إخْوَة) ذكران أَو أنثيان أَو خنثيان أَو مُخْتَلِفَانِ من ذَلِك قَالَ تَعَالَى {فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَالْمرَاد بهم اثْنَان فَأكْثر هَذَا إِن لم يكن مَعَ الْأُم أَب أَو أحد الزَّوْجَيْنِ وَإِلَّا فلهَا ثلث الْبَاقِي فمسألة زوج وأبوين من سِتَّة وَمَسْأَلَة زَوْجَة وأبوين من أَرْبَعَة وَإِنَّمَا لم يفْرض لَهَا فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ الثُّلُث كَامِلا ليَأْخُذ الْأَب مثلي مَا تَأْخُذهُ هِيَ على الأَصْل فِي اجْتِمَاع ذكر وَأُنْثَى فِي دَرَجَة ففرضها فِي الْحَقِيقَة فِي الأولى السُّدس وَفِي الثَّانِيَة الرّبع لَكِن أبقى الْعلمَاء لَفْظَة الثُّلُث مُوَافقَة لقَوْله تَعَالَى {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 ويعايا بِالْأولَى فَيُقَال أم ورثت السُّدس وَلَيْسَ لميتها فرع وَارِث وَلَا ذُو إخْوَة وبالثانية فَيُقَال امْرَأَة ورثت الرّبع بِلَا عول وَلَا رد وَلَا زوجية وَهَاتَانِ تلقبان بالغراوين لِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة غرت الْأُم أَو لِأَنَّهُمَا كغرة الْفرس فِي الشُّهْرَة وبالعمريتين لقَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ فيهمَا بذلك وَخَالف فِي ذَلِك ابْن عَبَّاس حَيْثُ يُعْطي للْأُم ثلث جَمِيع المَال وَوَافَقَهُ ابْن سِيرِين وَوَافَقَهُ الْجُمْهُور فِي مَسْأَلَة الزَّوْج (ولولديها) أَي وَلَدي أم فَأكْثر يَسْتَوِي فِي ولد الْأُم الذّكر وَالْأُنْثَى قَالَ تَعَالَى {وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} 4 النِّسَاء الْآيَة 12 وَالْمرَاد أَوْلَاد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَغَيره وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَالْقِرَاءَة الشاذة كالخبر على الصَّحِيح الْمَنْصُوص (و) سادسها (سدس) وَلَو لسبعة (لأَب وجد لميتهما فرع) وَارِث قَالَ تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك إِن كَانَ لَهُ ولد} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَالْجد كَالْأَبِ وَالْمرَاد جد لم يدل بأنثى وَإِلَّا فَلَا يَرث بِخُصُوص الْقَرَابَة لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَأم لميتها ذَلِك) أَي فرع وَارِث (أَو عدد من إخْوَة) مُطلقًا اثْنَان فَأكْثر وَإِن لم يرثا لحجبهما بالشخص دون الْوَصْف كأخ لأَب مَعَ شَقِيق وكأخوين لأم مَعَ جد قَالَ تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَالْمرَاد بالإخوة الْجِنْس عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لِابْنِ عَبَّاس الْقَائِل إِن الْأُم لَا تحجب عَن الثُّلُث إِلَى السُّدس إِلَّا بِثَلَاث من الْإِخْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 متمسكا بِظَاهِر هَذِه الْآيَة من أَن أقل الْجمع ثَلَاثَة وَلَو اجْتمع مَعَ الْأُم فرع وَعدد من الْإِخْوَة فَالظَّاهِر كَمَا قالابن الرّفْعَة وَغَيره إِن الْحَاجِب هُوَ الْفَرْع لِأَنَّهُ أقوى (وَجدّة) فَأكْثر لأم أَو لأَب سَوَاء كَانَ مَعهَا ولد أم لَا وَسَوَاء كَانَ مَعهَا عدد من الْإِخْوَة أم لَا فالوارث من الْجدَّات كل جدة أدلت بمحض الْإِنَاث كَأُمّ أم الْأُم أَو بمحض الذُّكُور كَأُمّ أبي الْأَب أَو بمحض الْإِنَاث إِلَى الذُّكُور كَأُمّ أم الْأَب أما المدلية إِلَى الْمَيِّت بذكور إِلَى إناث كَأُمّ أبي الْأُم فَهِيَ الْجدّة المحجوبة فَلَا تَرث عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَأما الْجدّة الساقطة وَهِي كَمَا لَو مَاتَ الْمَيِّت عَن أم الْأُم وَعَن أم الْأَب مَعَ وجود الْأَب فَعِنْدَ الإِمَام مَالك وَأبي حنيفَة السُّدس كُله لأم الْأُم فَقَط وَلَا شَيْء لأم الْأَب لحجبها بِالْأَبِ وَكَذَلِكَ عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي على الرَّاجِح وَمُقَابِله عِنْد السَّادة الشَّافِعِيَّة أَن الَّتِي من قبل الْأُم لَهَا نصف السُّدس وَالنّصف الثَّانِي يَأْخُذهُ الْأَب لِأَنَّهُ حجب أم نَفسه وَعند الإِمَام أَحْمد ابْن حَنْبَل السُّدس بَين الجدتين بِالسَّوِيَّةِ لِأَن الْأَب لَا يحجب أم نَفسه عِنْده (وَبنت ابْن فَأكْثر مَعَ بنت أَو) بنت ابْن مَعَ (بنت ابْن أَعلَى) لقضائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسدس فِي بنت الابْن الْوَاحِدَة مَعَ بنت رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَقيس بهَا الْأَكْثَر فَلَو كَانَت بنت الابْن مَعَ بنتين فَأكْثر فَلَا تَرث إِلَّا إِذا كَانَ مَعهَا ابْن ابْن يعصبها (وَأُخْت فَأكْثر لأَب مَعَ أُخْت لِأَبَوَيْنِ) قِيَاسا على الَّتِي قبلهَا فَلَو كَانَ مَعَ الْأُخْت لأَب أختَان شقيقتان فَأكْثر فَلَا تَرث إِلَّا إِذا كَانَ مَعهَا أَخ لأَب يعصبها (وَوَاحِد من ولد أم) ذكرا كَانَ أَو غَيره قَالَ تَعَالَى {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} 4 النسا الْآيَة 12 فَإِن فسر الْكَلَالَة بالورثة إِذا لم يكن فيهم أَب فَمَا علا وَلَا ابْن فَمَا سفل فَقَوله تَعَالَى {كَلَالَة} 4 النِّسَاء الْآيَة 12 إِمَّا حَال من ضمير يُورث فَكَانَ نَاقِصَة وَيُورث خبر أَو تَامَّة فيورث صفة وَإِمَّا خبر فيورث صفة والرابط الْمُسْتَتر فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ على تَقْدِير مُضَاف أَي ذَا كَلَالَة وَإِذا فسر الْكَلَالَة بِالْمَيتِ الَّذِي لم يتْرك ولدا وَلَا والدا فكلالة أَيْضا حَال أَو خبر وَلَكِن لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير مُضَاف وَإِذا فسر بِالْقَرَابَةِ غير الْوَلَد وَالْوَالِد فَهِيَ مفعول لأَجله كَمَا فِي مُغنِي اللبيب ثمَّ استطرد المُصَنّف فِي ذكر فرض الْأُم بعد فرض الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ (وَثلث بَاقٍ لأم مَعَ أحد زَوْجَيْنِ وَأب) فلهذه الْمَسْأَلَة صُورَتَانِ تلقبان بالغراوين تَشْبِيها لَهما بالكوكب الْأَغَر لشهرتهما فِيمَا بَين الفرضيين وتلقبان أَيْضا بالعمريتين لِأَنَّهُمَا رُفِعَتَا إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَجعل للْأُم ثلث مَا يبْقى بعد فرض الزَّوْجَيْنِ وتلقبان أَيْضا بالغريبتين لغرابتهما فِي الْمسَائِل الْفَرْضِيَّة ولمخالفتهما للقواعد الْفَرْضِيَّة فالصورة الأولى زوج وأبوان أَصْلهَا من اثْنَيْنِ للزَّوْج وَاحِد يبْقى وَاحِد على ثَلَاثَة مخرج الثُّلُث لَا يَنْقَسِم وَلَا يُوَافق فَيضْرب اثْنَان فِي ثَلَاثَة فَالْحَاصِل سِتَّة للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأَب اثْنَان وَللْأُمّ وَاحِد ثلث مَا يبْقى وَالصُّورَة الثَّانِيَة زَوْجَة وأبوان أَصْلهَا من أَرْبَعَة وَمِنْهَا تصح للزَّوْجَة وَاحِد وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَللْأَب الْبَاقِي وَجعل لَهُ ضعفاها لِأَن كل أُنْثَى مَعَ ذكر عَن جِنْسهَا لَهُ مِثْلَاهَا فَعلم من ذَلِك الْمَذْكُور أَن السِّتَّة فِي الصُّورَة الأولى تَصْحِيح وَالْأَرْبَعَة فِي الثَّانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 تأصيل والحجب على نَوْعَيْنِ حجب حرمَان وَهُوَ منع الْإِرْث بِالْكُلِّيَّةِ وحجب نُقْصَان وَهُوَ منع أوفر الحظين وحجب الحرمان على قسمَيْنِ حجب بِالْوَصْفِ كرق وَقتل وَاخْتِلَاف دين فَيدْخل على جَمِيع الْوَرَثَة وحجب بالشخص فَلَا يدْخل على سِتَّة الابْن وَالْبِنْت وَالْأَب وَالأُم وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة وَيدخل على غَيرهم وحجب النُّقْصَان لَا يكون إِلَّا بالشخص وَيدخل على كل وَارِث سَوَاء كَانَ يَرث بِالْفَرْضِ أَو بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ سَبْعَة أَقسَام الأول الْحجب من فرض إِلَى فرض أقل مِنْهُ كالزوج وَالزَّوْجَة وَالأُم وَالثَّانِي الْحجب من تعصيب إِلَى فرض كحجب الْأَب وَالْجد من الْكل إِلَى السُّدس وَالثَّالِث الِانْتِقَال من فرض إِلَى تعصيب كالبنات وَبَنَات الابْن وَالْأَخَوَات الأشقاء أَو للْأَب إِذا كَانَ مَعَهُنَّ ذكر يعصبهن وَالرَّابِع الِانْتِقَال من تعصيب إِلَى تعصيب مثل الْأُخْت الشَّقِيقَة أَو للْأَب مَعَ الْبِنْت أَو بنت الابْن فَإِنَّهَا انْتَقَلت من التَّعْصِيب بِالْغَيْر إِلَى التَّعْصِيب مَعَ الْغَيْر وَالْخَامِس الْمُزَاحمَة فِي الْفَرْض كَالزَّوْجَةِ إِذا تعدّدت وَالْجدّة كَذَلِك وَالْبَنَات وَبَنَات الابْن وَالْأَخَوَات الأشقاء أَو للْأَب أَو للْأُم وَالسَّادِس الْمُزَاحمَة فِي التَّعْصِيب كالبنين وَبني الابْن وَالإِخْوَة الأشقاء أَو لأَب وَالسَّابِع الْمُزَاحمَة فِي الْعَوْل كَمَا فِي الْمَسْأَلَة المنبرية وَهِي زَوْجَة وأبوان وبنتان وكل من حجب حرمانا لَا يحجب غَيره حرمانا وَقد يحجب غَيره نُقْصَانا كالإخوة للْأُم مَعَ الْأُم وَالْجد فَإِنَّهُم يحجبون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس حجب نُقْصَان (ويحجب ولد ابْن بِابْن) سَوَاء كَانَ أَبَاهُ أَو عَمه (أَو ابْن ابْن أقرب مِنْهُ و) يحجب (جد) أَبُو الْأَب وَإِن علا (بأب) متوسط بَينه وَبَين الْمَيِّت سَوَاء كَانَ الْجد يَرث بِالتَّعْصِيبِ وَحده كجد فَقَط أَو بِالْفَرْضِ وَحده كجد مَعَ ابْن أَو بِالْفَرْضِ والتعصيب مَعًا كجد مَعَ بنت فَإِن الْجد إِذا كَانَ مَعَه أَب فِي حالاته الثَّلَاث ورث الْأَب وحجب الْجد بِالْأَبِ (و) تحجب (جدة لأم بِأم) لِأَنَّهَا تدلى بهَا (و) جدة (لأَب بأب) لِأَنَّهَا تدلي بِهِ (وَأم) بِالْإِجْمَاع وَلِأَن إرثها بالأمومة وَالأُم أقرب مِنْهَا (و) يحجب (أَخ لِأَبَوَيْنِ) بِثَلَاثَة (بأب وَابْن) وَابْنه وَإِن نزل إِجْمَاعًا لِأَن جِهَة ابْن الابْن مُقَدّمَة على جِهَة الْأَخ (و) يحجب أَخ (لأَب) بِخَمْسَة (بهما) أَي بأب وَابْن وبابنة وَإِن نزل (وبأخ لِأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُ أقوى من المدلي بِأَصْل وَاحِد وبأخت لِأَبَوَيْنِ مَعهَا بنت أَو بنت ابْن (و) يحجب أَخ (لأم) بِسِتَّة (بأب) وجد وَإِن علا عِنْد الْجُمْهُور خلافًا لِابْنِ عَبَّاس الْقَائِل بِأَن الْأَخ للْأُم يَرث مَعَ وجود الْجد وَهُوَ شَاذ (وَفرع) وَارِث من ابْن وَابْنه وَبنت وَبنت ابْن (و) يحجب (ابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ) بِسِتَّة (بأب وجد) أَبِيه وَإِن علا (وَابْن) وَابْنه وَإِن نزل (وَأَخ) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ (و) يحجب ابْن أَخ (لأَب) بسبعة (بهؤلاء) السِّتَّة (وبابن أَخ لِأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ ويحجب ابْن ابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ بِابْن أَخ لأَب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ وَاعْلَم أَن ابْن الْأَخ وَإِن نزل لَا يعصب بنت الْأَخ الَّتِي فِي دَرَجَته وَلَا الْأُنْثَى الَّتِي فَوْقه من بَنَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْأَخ إِجْمَاعًا لِأَنَّهُمَا من ذَوي الْأَرْحَام وَكَذَلِكَ لَا يعصب ابْن الْأَخ من فَوْقه من الْأَخَوَات لِأَنَّهُنَّ مستغنيات بفرضهن بِخِلَاف ابْن الابْن فَإِنَّهُ يعصب الْأُنْثَى الَّتِي فِي دَرَجَته وَالْأُنْثَى الَّتِي فَوْقه لِأَنَّهُمَا من ذَوي السِّهَام وَهَذَا هُوَ الْقَرِيب الْمُبَارك وَهُوَ من لولاه لسقطت الْأُنْثَى الَّتِي يعصبها سَوَاء كَانَ أخاها مُطلقًا أَو ابْن عَمها أَو أنزل مِنْهَا أما الْقَرِيب المشؤوم فَهُوَ الَّذِي لولاه لورثت الْأُنْثَى وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا مُسَاوِيا لَهَا من أَخ مُطلقًا أَو ابْن عَم لبِنْت ابْن وَذَلِكَ كَمَا لَو هَلَكت الْمَرْأَة عَن زَوجهَا وَأمّهَا وأبيها وبنتها وَبنت ابْنهَا فَهَذِهِ خَمْسَة فَالْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر للزَّوْج الرّبع وَللْأُمّ السُّدس وَللْأَب السُّدس وللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس فتعول الْمَسْأَلَة لخمسة عشر فَلَو كَانَ مَعَ بنت الابْن ابْن ابْن سَقَطت هِيَ مَعَه لاستغراق الْفُرُوض التَّرِكَة وَتَكون الْمَسْأَلَة إِذْ ذَاك عائلة لثَلَاثَة عشر فَقَط فلولاه لورثت فَهَذَا الْأَخ مشؤوم عَلَيْهَا ويحجب عَم لِأَبَوَيْنِ بأب وجد وَابْن وَابْنه وَأَخ لِأَبَوَيْنِ ولأب وَابْن أَخ الْأَبَوَيْنِ ولأب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ جِهَة ويحجب عَم لأَب بهؤلاء الثَّمَانِية وَعم لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ ويحجب ابْن عَم لِأَبَوَيْنِ بهؤلاء التِّسْعَة وَعم لأَب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ ويحجب ابْن عَم لأَب بهؤلاء الْعشْرَة وَابْن عَم لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ ويحجب ابْن ابْن عَم لِأَبَوَيْنِ بِابْن عَم لأَب وتحجب بَنَات ابْن بِابْن أَو بنتين إِن لم يعصبن بِنَحْوِ أَخ أَو ابْن عَم فَإِن عصبن بِهِ أخذن مَعَه الْبَاقِي بعد ثُلثي البنتين بِالتَّعْصِيبِ وتحجب الْأَخَوَات لأَب بأختين لِأَبَوَيْنِ فَإِن كَانَ مَعَهُنَّ أَخ عصبهن وبأخت لِأَبَوَيْنِ مَعهَا بنت أَو بنت ابْن ويحجب عصبَة مِمَّن حجب باستغراق ذَوي فروض للتركة كَزَوج وَأم وَأَخ مِنْهَا وَعم فالعم مَحْجُوب بالاستغراق ويحجب من لَهُ وَلَاء ذكرا كَانَ أَو غَيره بعصب نسب لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ (وَمَا فضل) عَن الْفَرْض من التَّرِكَة إِن كَانَ مَعَ الْعصبَة ذُو فرض (أَو الْكل) أَي كل التَّرِكَة إِن لم يكن مَعَه ذُو فرض (لعصبة) وَهُوَ من لَا مُقَدّر لَهُ من الْوَرَثَة وَيُسمى بذلك الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث وَيسْقط عِنْد الِاسْتِغْرَاق إِلَّا إِذا انْقَلب من عصوبة إِلَى فرض كالأخ الشَّقِيق فِي المشركة وَالْأُخْت فِي الأكدرية فَلَا يحجبهما بالاستغراق فصورة مَسْأَلَة المشركة زوج وَأم وَولدا أم وَأَخ لِأَبَوَيْنِ فَأكْثر فَإِن الْفُرُوض فِيهَا تستغرق التَّرِكَة للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس ولولدي الْأُم الثُّلُث فَالْقِيَاس سُقُوط الْإِخْوَة الأشقاء لِأَن الْقَاعِدَة إِذا استغرقت الْفُرُوض التَّرِكَة سقط العاصب وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي عملا بِالْقِيَاسِ وَالْمذهب الْمُعْتَمد عَنهُ وَبِه قَالَ الإِمَام مَالك أَن يَجْعَل الأشقاء أَوْلَاد أم لاشتراكهم فِي الإدلاء بهَا وتلغى قرَابَة الْأَب لِئَلَّا يسقطوا وَيقسم ثلث التَّرِكَة الَّذِي هُوَ فرض وَلَدي الْأُم عَلَيْهِمَا وعَلى الأشقاء على عدد رؤوسهم فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى من الْفَرِيقَيْنِ لِأَن أَوْلَاد الْأُم إِذا كَانَ بَعضهم ابْن عَم تلغى عصوبته وَيَرِث بِالْفَرْضِ فالأخ لِلْأَبَوَيْنِ أولى فَلَو كَانَ بدل الْأَخ الشَّقِيق أَخ لأَب سقط وَلَو كَانَ بدل الْأُم جدة لم يخْتَلف الحكم وَلَو كَانَ ولد الْأُم وَاحِدًا لم تكن الْمَسْأَلَة مُشركَة لِأَن لَهُ حِينَئِذٍ السُّدس فَيبقى للشقيق وَاحِد وَكَذَا لَو كَانَ بدل الزَّوْج زَوْجَة فَلَا تكون مُشْتَركَة لِأَن للزَّوْجَة الرّبع وللجدة السُّدس وللإخوة للْأُم الثُّلُث فَيبقى للشقيق ثَلَاثَة وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 كَانَ بدل الشَّقِيق أُخْت لم تكن مُشْتَركَة لِأَن الْمَسْأَلَة تعال لَهَا بِمثل النّصْف فَتكون من سِتَّة عالت لتسعة وَلَو تعدّدت الْأُخْت الشَّقِيقَة لم تكن مُشْتَركَة لِأَنَّهَا تعال لَهُنَّ بِمثل الثُّلثَيْنِ فَصَارَت عشرَة وَتسَمى مَسْأَلَة المشركة بالحمارية والحجرية واليمية والمنبرية لما رُوِيَ أَن الْإِخْوَة لِلْأَبَوَيْنِ قَالُوا لعمر هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا مَا زادنا الْأَب إِلَّا قربا وَرُوِيَ أَنهم قَالُوا هَب أَن أَبَانَا كَانَ حجرا ملقى فِي اليم وَلِأَن عمر سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ على الْمِنْبَر وَبَعْضهمْ يلغز بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَيَقُول امْرَأَة حُبْلَى رَأَتْ قوما يقسمون مَالا فَقَالَت لَهُم لَا تعجلوا فَإِنِّي حُبْلَى فَإِن ولدت أُنْثَى ورثت وَإِن ولدت ذكرا فَقَط أَو ذُكُورا وإناثا لم يرثوا فَالْجَوَاب أَن الْقَوْم الَّذين يقسمون المَال هم الزَّوْج وَالأُم وَالإِخْوَة للْأُم وَهَذِه الحبلى زَوْجَة الْأَب فَإِن ولدت إِنَاثًا ورثن وَإِن ولدت ذُكُورا فَقَط أَو مَعَ إناث لم يرثوا وَصُورَة الأكدرية زوج وَأم وجد وَأُخْت لغير أم فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة فَللزَّوْج نصف وَللْأُمّ ثلث ويفضل سدس وَكَانَ الْقيَاس أَن يفْرض للْجدّ وَتسقط الْأُخْت وَبِذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَهُوَ قَول أبي بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَالْجُمْهُور يفْرض للْجدّ السُّدس الْفَاضِل ويفرض للْأُخْت النّصْف لِأَنَّهَا بطلت عصوبتها بالجد وَلَا حَاجِب يحجبها فتعول الْمَسْأَلَة بِنِصْفِهَا من سِتَّة إِلَى تِسْعَة ثمَّ يعود الْجد وَالْأُخْت إِلَى الْمُقَاسَمَة فينقلبان من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب ويقسمان نصيبهما أَثلَاثًا للْجدّ الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت الثُّلُث وسهامهما أَرْبَعَة لَا تَنْقَسِم أَثلَاثًا فَتضْرب ثَلَاثَة مخرج الثُّلُث فِي تِسْعَة مبلغ الْمَسْأَلَة بعولها فَتَصِح من سَبْعَة وَعشْرين للزَّوْج تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب ثَلَاثَة فِي مثلهَا وَللْأُمّ سِتَّة حَاصِلَة من ضرب اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَة وَللْأُخْت أَرْبَعَة وللجد ثَمَانِيَة ويعايا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَيُقَال هلك هَالك وَخلف أَرْبَعَة من الْوَرَثَة فَخص أحدهم ثلث المَال وَالثَّانِي ثلث الْبَاقِي وَالثَّالِث ثلث بَاقِي الْبَاقِي وَالرَّابِع الْبَاقِي وَسميت هَذِه الْمَسْأَلَة أكدرية لِأَن عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ رجلا لَهُ معرفَة بالفرائض يُقَال لَهُ أكدر فَأَخْطَأَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَا قَالَه ابْن حبيب وَقيل سميت بذلك لِأَنَّهَا كدرت أصل زيد لِأَنَّهُ لَا يفْرض فِي بَاب الْجد وَالإِخْوَة للْأُخْت وَلَا يعيل وَقد فرض لَهَا هُنَا وأعال وَقيل إِن الْمَرْأَة الْميتَة كَانَت من أكدر وَقيل إِن الزَّوْج كَانَ اسْمه أكدر أَو لتكدر أَقْوَال الصَّحَابَة أَو لِأَن زيد بن ثَابت كدر على الْأُخْت مِيرَاثهَا فَإِنَّهُ أَعْطَاهَا النّصْف ثمَّ استرجعه مِنْهَا واقتسما النَّصِيبَيْنِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ أَو لِأَن المسؤول عَنْهَا كَانَ يُقَال لَهُ أكدر أَو أَبُو أكدر وتلقب هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا بالغراء لظهورها وشهرتها كَالْكَوْكَبِ الْأَغَر إِذْ لَيْسَ فِي مسَائِل الْجد وَالإِخْوَة مَسْأَلَة يفْرض فِيهَا للْأُخْت سواهَا أَو لِأَن الْأُخْت قد غرها الْجد فِيهَا وَلَو كَانَ بدل الْأُخْت أَخ سقط أَو أختَان فللأم السُّدس وَلَهُمَا السُّدس الْبَاقِي فَاسْتَوَى للْجدّ الْمُقَاسَمَة وَالسُّدُس وَلَو كَانَ بدل الْجد أَب لكَانَتْ إِحْدَى الغراوين وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة زوج فَهِيَ الْمُسَمَّاة بالخرقاء فللأم الثُّلُث وَالْبَاقِي بَين الْأُخْت وَالْجد يقتسمانه للْجدّ ضعف مَا للْأُخْت فَأصل الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة وَصحت من تِسْعَة (وَهِي) أَي الْعصبَة بِنَفسِهِ لِأَن الْعصبَة إِذا أطلق لَا ينْصَرف إِلَّا لذَلِك (ابْن فابنه) وَإِن سفل فَابْن الابْن كالابن إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُ مَعَ الْبِنْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 مِثْلَاهَا لِأَنَّهُ لَا يعصبها وَلَيْسَ لَهُ مَعَ الْأَكْثَر مثل اثْنَتَيْنِ بل لَهُ الْبَاقِي (فأب فأبوه) وَإِن علا فالجد أَبُو الْأَب كَالْأَبِ إِلَّا أَنه لَا يحجب الْإِخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب بل يشاركونه ثمَّ إِذا لم يكن مَعَ الْجد وَالإِخْوَة ذُو فرض فللجد ثَلَاث حالات إِمَّا أَن يقاسم مَعَ الْإِخْوَة وَإِمَّا أَن يَأْخُذ ثلث المَال وَإِمَّا أَن يَسْتَوِي الثُّلُث والمقاسمة فَإِذا كَانَ مَعَه إخْوَة دون مثلَيْهِ فالمقاسمة أَكثر وَذَلِكَ فِي خمس صور أَخ فَقَط أُخْت فَقَط أختَان ثَلَاثَة إخْوَة أَخ وَأُخْت أَو أَكثر من مثلَيْهِ فَالثُّلُث خير لَهُ وَلَا تَنْحَصِر صوره كأخوين وَأُخْت أَو كَانَ مَعَه مثلاه اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَذَلِكَ فِي ثَلَاث صور أَخَوان أَربع أَخَوَات أَخ وأختان ويعبر الفرضيون فِيهَا بِالثُّلثِ لِأَنَّهُ أسهل وَوجه اعْتِبَار الثُّلُث للْجدّ أَن لَهُ مَعَ الْأُم مثلي مَالهَا غَالِبا وَالإِخْوَة لَا ينقصونها عَن السُّدس فَلَا ينقصونه عَن ضعفه وَوجه الْمُقَاسَمَة أَن الْجد كالأخ فِي إدلائه بِالْأَبِ وَإِنَّمَا أَخذ الْأَكْثَر لِأَنَّهُ قد اجْتمع فِيهِ جهتا الْفَرْض والتعصيب فَأخذ بأكثرهما وَاخْتلف فِي أَخذ الْجد ثلث جَمِيع المَال فقالابن الهائم يَأْخُذ بِالْفَرْضِ وَقَالَ الْغَزالِيّ يَأْخُذهُ بِالتَّعْصِيبِ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب وَإِذا كَانَ مَعَ الْجد وَالإِخْوَة صَاحب فرض فَلهُ أَربع حالات إِمَّا أَن يتَعَيَّن لَهُ الْمُقَاسَمَة كَبِنْت وجد وَأَخ وَأُخْت أَو يتَعَيَّن ثلث الْبَاقِي كَزَوج وَأم وجد وأخوين وَأُخْت وَإِمَّا أَن يتَعَيَّن لَهُ سدس جَمِيع المَال كبنتين وجد وأخوين وَإِمَّا أَن يَسْتَوِي لَهُ الْمُقَاسَمَة بعد الْفَرْض مَعَ ثلث الْبَاقِي عَن الْفَرْض وَمَعَ السُّدس كَزَوج وجد وأخوين ولمعرفة الْأَكْثَر من الثَّلَاثَة ضَابِط وَهُوَ إِن كَانَ الْفَرْض نصفا أَو أقل فالقسمة أغبط إِن كَانَ الْإِخْوَة دون مثلي الْجد وَإِن زادوا على مثلَيْهِ فثلث الْبَاقِي أغبط وَإِن كَانُوا مثلَيْهِ اسْتَويَا وَقد تستوي الثَّلَاث فَإِن كَانَ الْفَرْض ثلثين فالقسمة أغبط إِن كَانَ مَعَه أُخْت وَإِلَّا فَلهُ السُّدس وَإِن كَانَ الْفَرْض بَين النّصْف والثلثين كَنِصْف وَثمن فالقسمة أغبط مَعَ أَخ أَو أُخْت أَو أُخْتَيْنِ فَإِن زادوا فَلهُ السُّدس وَهَذَا إِذا بَقِي أَكثر من السُّدس وَإِلَّا فَيَأْخُذ الْجد السُّدس وَسقط الْإِخْوَة فمثال مَا يبْقى السُّدس بنتان وَأم وجد وإخوة وَمِثَال مَا يبْقى أقل مِنْهُ بنتان وَزوج وجد وإخوة وَمِثَال مَا لم يبْق شَيْء بنتان وَأم زوج وجد وإخوة فتعول الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بالسدس والأخيرة بِتَمَامِهِ ويعد أَوْلَاد الْأَبَوَيْنِ على الْجد أَوْلَاد الْأَب فِي الْحساب أما أَوْلَاد الْأُم مَعَ الْجد فمحرومون أبدا بِخِلَاف ولد الْأَب مَعَ ولد الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ ولد الْأَبَوَيْنِ ذكرا أَو هُوَ وَأُنْثَى أَو هِيَ مَعهَا بنت سقط ولد الْأَب وَإِن لم يكن كَذَلِك فتأخذ الشَّقِيقَة الْوَاحِدَة شَيْئا منتهيا إِلَى النّصْف وَتَأْخُذ من فَوْقهَا إِلَى الثُّلثَيْنِ إِن وجد مَا يكمل النّصْف أَو الثُّلثَيْنِ وَيَأْخُذ ولد الْأَب مَا فضل عَن ذَلِك إِن كَانَ فمثال مَا تستكمل النّصْف جد وشقيقة وَأَخ لأَب فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة من خَمْسَة على عدد الرؤوس للْجدّ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم ولأخ سَهْمَان يرد مِنْهُمَا على الْأُخْت تَمام النّصْف وَهُوَ سهم وَنصف يبْقى فِي يَده نصف سهم فَيضْرب مخرجه فِي أصل الْمَسْأَلَة تبلغ عشرَة وَمِنْهَا تصح وَقس عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الزيَادي نقلا عَن الْكِفَايَة وَمِثَال مَا نقص عَن النّصْف وَهُوَ مَا إِذا كَانَ مَعَ الْأُخْت صَاحب فرض كَزَوج وجد وَأُخْت شَقِيقَة وَأَخ لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَاحِد يبْقى وَاحِد فالأحظ للْجدّ الْمُقَاسَمَة فَلهُ خمس وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فَتضْرب خَمْسَة فِي اثْنَيْنِ بِعشْرَة للزَّوْج النّصْف خَمْسَة وللجد اثْنَان وَللْأُخْت ثَلَاثَة وَهِي أقل من النّصْف كَمَا قَالَه الْبُجَيْرِمِيّ وَمِثَال مَا نقص عَن الثُّلثَيْنِ جد وشقيقتان وَأُخْت لأَب فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة عدد الرؤوس للْجدّ اثْنَان يبْقى للشقيقتين ثَلَاثَة وَهِي دون النّصْف فيقتصران عَلَيْهَا وَهِي لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِمَا فَتضْرب اثْنَان فِي خَمْسَة بِعشْرَة للْجدّ أَرْبَعَة وَللْأُخْت سِتَّة وَهِي أقل من الثُّلثَيْنِ وَمِثَال مَا لم يبْق شَيْء عَن النّصْف جد وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَأُخْت لأَب للْجدّ سَهْمَان من أَرْبَعَة وَللْأُخْت سَهْمَان وهما قدر فَرضهَا وَترجع بالاختصار إِلَى اثْنَيْنِ وَتسقط الْأُخْت للْأَب كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ فِي التُّحْفَة الأنسية وَمِثَال مَا لم يبْق شَيْء عَن الثُّلثَيْنِ جد وشقيقتان وَأَخ لأَب فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة إِن اعْتبرنَا الثُّلُث أَو من سِتَّة إِن اعْتبرنَا الْمُقَاسَمَة للْجدّ الثُّلُث وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ للشقيقتين وَسقط الْأَخ للْأَب وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَعَن عَليّ وَابْن مَسْعُود أَن الْإِخْوَة الأشقاء لَا يعدون الْإِخْوَة للْأَب على الْجد فِي الْقِسْمَة فعلى هَذَا لَا تنقيص لأَنهم محجوبون بهم كحجبهم عِنْد فَقده (فأخ لِأَبَوَيْنِ و) أَخ (لأَب) فالأخ للْأَب كالأخ لِأَبَوَيْنِ إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُ مَعَ الْأُخْت لِأَبَوَيْنِ مِثْلَاهَا لِأَنَّهُ لَا يعصبها وَإِلَّا أَنه يحجب فِي المشركة وَفِي اجْتِمَاع الْأُخْت الشَّقِيقَة مَعَ الْبِنْت أَو بنت الابْن وَفِي اجْتِمَاع الزَّوْج مَعَ الْأُخْت الشَّقِيقَة فَلَا شَيْء للْأَخ للْأَب فِيمَا ذكر اعْلَم أَن الْإِخْوَة على ثَلَاثَة أَصْنَاف بَنو أَعْيَان وَبَنُو علات وَبَنُو أخلاط فبنو الْأَعْيَان هم الْإِخْوَة لِأَبَوَيْنِ وَسموا أعيانا لأَنهم من عين وَاحِدَة وَهُوَ أَب وَاحِد وَأم وَاحِدَة وَبَنُو العلات هم الْإِخْوَة للْأَب فَقَط لِأَن كل وَاحِدَة من الْأُم لم تعل ولد الْأُخْرَى أَي لم تسقه بلبنها وَبَنُو الأخلاط هم الْإِخْوَة للْأُم لأَنهم من أخلاط الرِّجَال لَا من رجل وَاحِد وَيُقَال فيهم بَنو الأخياف بِمَعْنى الأخلاط وهما شَيْء وَاحِد (فبنوهما) أَي الْأَخ لِأَبَوَيْنِ وَالْأَخ لأَب وَإِن بعدوا (فَعم لِأَبَوَيْنِ فلأب فبنوهما) أَي الْعم لِأَبَوَيْنِ ولأب ثمَّ عَم الْأَب ثمَّ بنوه ثمَّ عَم الْجد ثمَّ بنوه (فمعتق) إِذا فقد الْعصبَة من النّسَب ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَا تكون الْأُنْثَى عصبَة بِنَفسِهَا إِلَّا الْمُعتقَة (فذكور عصبته) أَي الْمُعْتق من النّسَب لَكِن يقدم هُنَا أَخُو مُعتق لغير أم وَابْن أَخِيه كَذَلِك على جده فمعتق الْمُعْتق فعصبته من النّسَب كالترتيب فِي عصبَة الْمُعْتق فَإِن فقدوا فمعتق مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته وَهَكَذَا ثمَّ بَيت المَال فَلَو اشترت امْرَأَة أَبَاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَعتق عَلَيْهَا ثمَّ اشْترى هُوَ عبدا وَأعْتقهُ فَمَاتَ الْأَب عَنْهَا وَعَن ابْن أَو أَخ أَو عَم ثمَّ مَاتَ عَتيق الْأَب عَنْهُمَا فميراثه للِابْن مثلا دونهَا لِأَنَّهُ عصبَة مُعتق من النّسَب بِنَفسِهِ وَهِي مُعتقة مُعتق وَالْأول أقوى وَتسَمى هَذِه مَسْأَلَة الْقُضَاة لما قيل أَنه أَخطَأ فِيهَا أَرْبَعمِائَة قَاض غير المتفقهة حَيْثُ جعلُوا الْمِيرَاث للْبِنْت لقربها وَاعْلَم أَن جِهَات الْعُصُوبَة عِنْد الشَّافِعِيَّة سبع الْبُنُوَّة ثمَّ الْأُبُوَّة ثمَّ الجدودة ثمَّ الْأُخوة ثمَّ العمومة ثمَّ الْوَلَاء ثمَّ بَيت المَال وَعند الْحَنَابِلَة جهاتها سِتّ بِإِسْقَاط بَيت المَال وَعند الْحَنَفِيَّة جهاتها خمس بعد الْأُبُوَّة والجدودة شَيْئا وَاحِدًا (فَلَو اجْتمع بنُون وَبَنَات أَو إخْوَة وأخوات فالتركة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ) قَالَ تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} 4 النِّسَاء الْآيَة 11 وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} 4 النِّسَاء الْآيَة 176 وَذَلِكَ أَن الذّكر ذُو حاجتين حَاجَة لنَفسِهِ وحاجة لِعِيَالِهِ وللأنثى حَاجَة وَاحِدَة وَهِي لنَفسهَا وَلِأَن الذّكر طلب فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَهُوَ ذُبَاب عَنْهَا وقوام عَلَيْهَا وَرُوِيَ أَن جعفرا الصَّادِق سُئِلَ عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ لِأَن حَوَّاء أخذت حفْنَة من الْحِنْطَة وأكلتها وَأخذت حفْنَة أُخْرَى وادخرتها ثمَّ أخذت حفْنَة أُخْرَى ورفعتها لآدَم فَلَمَّا فضلت نَفسهَا نقصت وَجرى ذَلِك فِي النِّسَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة اه وَبنت الابْن كالبنت إِلَّا أَنَّهَا تحجب بالابن لِأَنَّهُ أقرب مِنْهَا وَهُوَ عصبَة وبالبنتين فَأكْثر كَمَا مر وَالْجدّة كالأم إِلَّا أَنَّهَا لَا تَرث الثُّلُث وَلَا تَرث ثلث مَا بَقِي بل فَرضهَا دَائِما السُّدس أَي لَا يُسمى مِيرَاث الْجدّة بِثلث الْبَاقِي وَإِن كَانَ مثله فِي زوج وَوَلَدي أم وَجدّة وَالْأُخْت لأَب كالأخت الشَّقِيقَة إِلَّا أَنَّهَا تحجب بالأخ الشَّقِيق لِأَنَّهُ أقوى مِنْهَا فَإِن درجتهما وَاحِدَة وبالعدد من الْأَخَوَات الأشقاء وَالنَّاس فِي الْإِرْث على أَرْبَعَة أَقسَام قسم يَرث وَيُورث وَهُوَ من وجد فِيهِ سَبَب من أَسبَاب الْإِرْث وتوفرت فِيهِ الشُّرُوط وانتفت عَنهُ الْمَوَانِع فأسباب الْإِرْث أَرْبَعَة الأول قرَابَة ناشئة عَن الرَّحِم خَاصَّة أَو عَامَّة وَالثَّانِي نِكَاح وَهُوَ عقد الزَّوْجِيَّة الصَّحِيح وَالثَّالِث وَلَاء وَهُوَ عصوبة سَببهَا نعْمَة الْمُعْتق وَالرَّابِع جِهَة الْإِسْلَام إِن انتظم بَيت المَال وشروطه أَرْبَعَة الأول تحقق موت الْمُورث حَقِيقَة أَو إِلْحَاقه بالموتى حكما أَو تَقْديرا وَالثَّانِي تحقق حَيَاة الْوَارِث بعد موت الْمُورث أَو إِلْحَاقه بالأحياء حكما أَو تَقْديرا وَالثَّالِث معرفَة إدلائه للْمَيت بِقرَابَة أَو نِكَاح أَو وَلَاء وَالرَّابِع الْعلم بالجهة الْمُقْتَضِيَة للإرث تَفْصِيلًا كالأبوة أَو الْبُنُوَّة وبالدرجة الَّتِي اجْتمع الْمَيِّت وَالْوَارِث فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وموانعه أَرْبَعَة الرّقّ وَالْقَتْل وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي وَقسم لَا يَرث وَلَا يُورث وَهُوَ الرَّقِيق وَقسم يُورث وَلَا يَرث كالمبعض وَقسم يَرث وَلَا يُورث وهم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْحكمَة فِي كَونهم لَا يورثون خوفًا من تمني الْوَارِث مَوْتهمْ فَيُؤَدِّي إِلَى الْكفْر وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى فصل فِي أصُول الْمسَائِل وَبَيَان مَا يعول مِنْهَا (أصل الْمَسْأَلَة عدد الرؤوس إِن كَانَت الْوَرَثَة عصبات) ذُكُورا كَانُوا كثلاثة بَنِينَ أَو إِنَاثًا كثلاث نسْوَة أعتقن رَقِيقا بِالسَّوِيَّةِ بَينهُنَّ (وَقدر الذّكر أنثيين إِن اجْتمعَا) أَي الذُّكُور وَالْإِنَاث من النّسَب فَفِي ابْن وَبنت الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أما الْوَلَاء فَلَا تَقْدِير فِيهِ بذلك بل أصل الْمَسْأَلَة مخرج أَجزَاء الْملك فَفِي ثلث وَنصف وَسدس أصل الْمَسْأَلَة سِتَّة وَإِن كَانَ المعتقون أَرْبَعَة فَملك أحدهم الرّبع وَملك الثَّانِي الرّبع وَملك الثَّالِث الثُّلُث وَالرَّابِع السُّدس فأصلها اثْنَا عشر وَهَذَا فِي أصُول الْمسَائِل الَّتِي لَا فرض فِيهَا وَهِي لَا تَنْحَصِر أما الْمسَائِل الَّتِي فِيهَا فرض فأعداد أصُول مسَائِل الْفَرَائِض عِنْد الْمُتَقَدِّمين سَبْعَة والأخصر أَن يُقَال ثَلَاثَة وضعفها وَضعف ضعفها وَضعف ضعف ضعفها وَاثْنَانِ وَضعفهمَا وَضعف ضعفهما وَذَلِكَ بِاعْتِبَار مخارج الْفُرُوض انفرادا واجتماعا وَزَاد بعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ أَبُو النجا على هَذِه السَّبْعَة أصلين فِي بَاب الْجد وَالإِخْوَة ثَمَانِيَة عشر تركيب سدس وَثلث مَا بَقِي وَسِتَّة وَثَلَاثِينَ تركيب سدس وَربع وَثلث مَا بَقِي فمثال الأول جدة وجد وَخَمْسَة أخوة لغير أم وَمِثَال الثَّانِي هَؤُلَاءِ وَزَوْجَة للْجدّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض فَأَقل عدد يخرج مِنْهُ كسور الأول ثَمَانِيَة عشر وَالثَّانِي ضعفها لِأَن الْمُعْتَبر فِي الأَصْل والمخرج أقل عدد يخرج مِنْهُ الكسور وَاخْتَارَ هَذَا جمَاعَة مِنْهُم النَّوَوِيّ وَقَالَ إِنَّه الْأَصَح الْجَارِي على الْقَوَاعِد لِأَن الْعَمَل بِهِ أخصر وَقَالَ الْجُمْهُور هَذَانِ أصلان ناشئان من أُصَلِّي سِتَّة وضعفها لِأَن المخارج مَوْضُوعَة على الْفُرُوض الْمقدرَة فِي الْكتاب وَالسّنة وَثلث الْبَاقِي لم يرد فيهمَا وجعلوهما تصحيحين لَا تأصيلين وأصول بَاب التَّصْحِيح معرفَة نِسْبَة مَا بَين الْأَصْنَاف بَعْضهَا مَعَ بعض وَالنّسب أَربع متماثلان متوافقان متداخلان متباينان فيكتفي فِي المتماثلين بِأَحَدِهِمَا كنصفين فِي بنت وَأُخْت لغير أم وَفِي المتوافقين بالحاصل من ضرب أَحدهمَا فِي وفْق الآخر كسدس وَثمن فِي مَسْأَلَة أم وَزَوْجَة وَابْن وَفِي المتداخلين بأكثرهما كسدس وَثلث فِي مَسْأَلَة أم وَأَخ لأم وَعم وَكَذَا يَكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ فِي إِحْدَى الغراوين وَهِي زَوْجَة وأبوان وَلَيْسَ فِيهَا تدَاخل إِذْ ثلث الْبَاقِي لَيْسَ دَاخِلا فِي الْأَرْبَعَة وَمَعَ ذَلِك يَكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ وَهُوَ الرّبع عَن الْأَصْغَر وَهُوَ الثُّلُث فَتكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 من أَرْبَعَة تأصيلا وَيصِح أَن يعْتَبر التباين بَين مخرج الرّبع وَثلث الْبَاقِي فَتَصِح من اثْنَي عشر وَترجع بالاختصار إِلَى أَرْبَعَة وَيكون ذَلِك تَصْحِيحا وَلَكِن ترك تَطْوِيل الْحساب ربح وَفِي المتباينين بالحاصل من ضرب أَحدهمَا فِي الآخر كثلث وَربع فِي مَسْأَلَة أم وَزَوْجَة وَأَخ لغير أم (وأصل كل فَرِيضَة) أَي مَسْأَلَة (فِيهَا نِصْفَانِ وَمَا بَقِي اثْنَان) مخرج النّصْف وَهُوَ من المناصفة لتناصف الْقسمَيْنِ واستوائهما وَذَلِكَ كَزَوج وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب وكزوج وَأَخ لغير أم (أَو ثلثان وَثلث أَو ثلثان وَمَا بَقِي أَو ثلث وَمَا بَقِي ثَلَاثَة) مخرج الثُّلُث والثلثين فَجَمِيع الْمخْرج مُشْتَقّ من اسْم الْعدَد إِلَّا النّصْف فَإِنَّهُ من المناصفة فمثال الأولى أختَان لغير أم وأختان لأم وَمِثَال الثَّانِيَة بنتان وَأَخ لغير أم وَمِثَال الثَّالِثَة أم وَعم (أَو ربع وَمَا بَقِي) كَزَوْجَة وَعم أَو ربع وَنصف وَمَا بَقِي كَزَوْجَة وَأُخْت لغير أم وَعم (أَرْبَعَة) مخرج الرّبع (أَو سدس وَمَا بَقِي أَو سدس وَثلث) وَمَا بَقِي (أَو) سدس (وَثُلُثَانِ) وَمَا بَقِي (أَو) سدس (وَنصف) وَمَا بَقِي أَو نصف وَثلث وَمَا بَقِي (سِتَّة) مخرج السُّدس فَالْأولى أم وَابْن أَو أَبَوَانِ وَابْن فَأصل السِّتَّة تَارَة يكون من فرض وَاحِد وَتارَة يكون من أَكثر وَالثَّانيَِة أم وَأَخَوَانِ مِنْهَا وَعم وَالثَّالِثَة أم وبنتان وَعم وَالرَّابِعَة أم وَبنت وَعم وَالْخَامِسَة زوج وَأم وَعم (أَو ثمن وَمَا بَقِي أَو) ثمن (وَنصف وَمَا بَقِي ثَمَانِيَة) مخرج الثّمن كَزَوْجَة وَابْن وكزوجة وَبنت وَأَخ لغير أم (أَو ربع وَسدس) وَمَا بَقِي أَو ربع وَثُلُثَانِ وَمَا بَقِي (اثْنَا عشر) مَضْرُوب وفْق أحد المخرجين فِي الآخر فِي مَسْأَلَة زَوْجَة وَأَخ لأم وَفِي زوج وَأم وَابْن ومضروب أَحدهمَا فِي الآخر فِي مَسْأَلَة زَوْجَة وَأم وَعم وَفِي زوج وبنتين وَعم (أَو ثمن وَسدس) وَمَا بَقِي كَزَوْجَة وَأم وَابْن أَو ثمن وَثُلُثَانِ وَمَا بَقِي كَزَوْجَة وبنتين ومعتق (أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ) مَضْرُوب وفْق أَحدهمَا فِي الآخر فِي الْمَسْأَلَة الأولى ومضرب أَحدهمَا فِي الآخر فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وأصل كل مَسْأَلَة فِيهَا سدس وَثلث مَا بَقِي وباق ثَمَانِيَة عشر كَأُمّ وجد وإخوة لغير أم وأصل كل مَسْأَلَة فِيهَا ربع وَسدس وَثلث مَا بَقِي وباق ضعفها كَزَوْجَة وَأم وجد وإخوة لغير أم ثمَّ إِن انقسم على كل وَارِث حَظه من أصل مَسْأَلته فالمقصود قد تمّ وَذَلِكَ كَمَسْأَلَة أم الأرامل وَهِي جدتان وَثَلَاث زَوْجَات وثمان أَخَوَات لغير أم وَأَرْبع أَخَوَات لأم ولقبت هَذِه الْمَسْأَلَة بذلك لِكَثْرَة مَا فِيهَا من الأرامل وَقيل لِأَن الْوَرَثَة كُلهنَّ أناث وَيُقَال لَهَا أم الْفروج بِالْجِيم لأنوثة الْجَمِيع وتلقب أَيْضا بالدينارية الصُّغْرَى وبالسبعة عشرِيَّة لِأَنَّهُ يعايا بهَا وَيُقَال لنا شخص خلف سبع عشرَة امْرَأَة من أَصْنَاف مُخْتَلفَة وَترك سَبْعَة عشر دِينَارا فَخص كل امْرَأَة دِينَار وَإِن وَقع الْكسر على جنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فَإِن توَافق بحظه ضرب وَفقه فِي أصل الْمَسْأَلَة بِلَا عول أَو فِي عوله إِن عالت مِثَال ذَلِك بِلَا عول أم وَأَرْبَعَة أعمام هِيَ من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان يُوَافق عدد الْأَعْمَام بِالنِّصْفِ فَيضْرب نصفه اثْنَان فِي ثَلَاثَة فَتَصِح الْمَسْأَلَة من سِتَّة ومثاله بالعول زوج وأبوان وست بَنَات فَالْمَسْأَلَة بعولها من خَمْسَة عشر وَتَصِح من خَمْسَة وَأَرْبَعين وَإِن تبَاين الْجِنْس بحظه ضرب عدد كل جنس فِي الأَصْل أَو فِيهِ بعوله مِثَال ذَلِك بِلَا عول زوج وَأَخَوَانِ لأَب هِيَ من اثْنَيْنِ للزَّوْج وَاحِد يبْقى وَاحِد للأخوين يباين عددهما فَيضْرب عددهما فِي اثْنَيْنِ فَتَصِح من أَرْبَعَة ومثاله بالعول زوج وَخمْس أَخَوَات لأَب الْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة وَتَصِح بِضَرْب خَمْسَة فِي سَبْعَة من خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَإِن وَقع الْكسر على حيزين فأردد فريقا وَافق حَظه إِلَى وَفقه وأثبته واترك فريقا مباينا حَظه وأثبته وَحصل جُزْء السهْم وَهُوَ أقل عدد تصح قسمته على الْمُثبت وَاضْرِبْهُ فِي الأَصْل أَو فِي عوله وَذَلِكَ كَأُمّ وَسِتَّة إخْوَة لأم وثنتي عشرَة أُخْتا لأَب فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة للإخوة سَهْمَان يوافقان عَددهمْ بِالنِّصْفِ فَأثْبت نصفه ثَلَاثَة وللأخوات أَرْبَعَة يُوَافق عددهن بِالربعِ فَأثْبت ربعه ثَلَاثَة وَاضْرِبْ أحد الثلاثتين وَهُوَ جُزْء السهْم فِي سَبْعَة تصح من أحد وَعشْرين وكجدتين وَثَلَاثَة إخْوَة للْأُم وَخَمْسَة أعمام الْمَسْأَلَة من سِتَّة للجدتين سهم وللإخوة سَهْمَان وللأعمام ثَلَاثَة وَبَين عدد كل حيّز وحظه مباينة فَأثْبت اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَخَمْسَة وَحصل أقل عدد يَنْقَسِم على كل مِنْهَا يكن ثَلَاثِينَ وَهُوَ جُزْء السهْم فَاضْرِبْهُ فِي السِّتَّة فَتَصِح من مائَة وَثَمَانِينَ وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة بالصماء وَهِي كل مَسْأَلَة عَمها التباين فِي الْأَنْصِبَاء بَعْضهَا مَعَ بعض والأصناف بَعْضهَا مَعَ بعض وكل صنف مَعَ سهامه ولقبت هَذِه الْمَسْأَلَة بذلك لتحَقّق الشدَّة فِيهَا بِوَاسِطَة عُمُوم التباين وكجدتين وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وَسِتَّة أعمام فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة وحظ الجدتين يباين عددهما وحظ الْإِخْوَة يُوَافق عَددهمْ بِالنِّصْفِ وحظ الْأَعْمَام يُوَافق عَددهمْ بِالثُّلثِ فَأثْبت اثْنَيْنِ عدد الجدتين واثنين نصف عدد الْإِخْوَة واثنين ثلث عدد الْأَعْمَام وَاضْرِبْ أحد الاثنتين وَهُوَ جُزْء السهْم فِي سِتَّة فَتَصِح من اثْنَي عشر وَيُقَاس على هَذَا الْمَذْكُور الانكسار على ثَلَاثَة فرق كعشر جدات وَخَمْسَة عشر أَخا لأم وَخَمْسَة وَعشْرين عَمَّا فجزء سهم الْمَسْأَلَة مائَة وَخَمْسُونَ حَاصِلَة من ضرب خمس الْفَرِيق الأول فِي الثَّانِي وَخمْس حَاصِل الضَّرْب فِي الثَّالِث للتوافق بَين الرؤوس بالخمس وَتَصِح من تِسْعمائَة حَاصِلَة من ضرب مائَة وَخمسين فِي سِتَّة فللجدات الْعشْر السُّدس وَاحِد فِي مائَة وَخمسين لكل وَاحِدَة خَمْسَة عشر وللأخوة للْأُم الْخَمْسَة عشر الثُّلُث اثْنَان فِي مائَة وَخمسين بثلاثمائة لكل وَاحِد عشرُون وللأعمام الْخَمْسَة وَالْعِشْرين الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَة فِي مائَة وَخمسين بأربعمائة وَخمسين لكل وَاحِد ثَمَانِيَة عشر وَيُقَاس على ذَلِك الانكسار على أَرْبَعَة رُؤُوس كزوجتين وست جدات وَعشرَة إخْوَة لأم وَسَبْعَة أعمام وجزء سهم الْمَسْأَلَة مِائَتَان وَعشرَة لتباين المحفوظات وَصحت الْمَسْأَلَة من أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَعشْرين حَاصِلَة من ضرب مِائَتَيْنِ وَعشرَة فِي اثْنَي عشر فللزوجتين الرّبع ثَلَاثَة من اثْنَي عشر مَضْرُوبَة فِي مِائَتَيْنِ وَعشْرين لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وللجدات السِّت السُّدس اثْنَان من اثْنَي عشر مضروبين فِي مِائَتَيْنِ وَعشرَة بأربعمائة وَعشْرين لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سَبْعُونَ وللإخوة للْأُم الْعشْرَة الثُّلُث أَرْبَعَة من اثْنَي عشر مَضْرُوبَة فِي مِائَتَيْنِ وَعشرَة بثمانمائة وَأَرْبَعين لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ وللأعمام السَّبْعَة مَا بَقِي ثَلَاثَة فِي مِائَتَيْنِ وَعشرَة بستمائة وَثَلَاثِينَ لكل وَاحِد مِنْهُم سَبْعُونَ وَإِذا جمعت أنصباء الْوَرَثَة جَمِيعًا وجدته مَا صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة كَامِلا وَالْحَاصِل أَنا نَنْظُر فِي سِهَام كل صنف وَعدد رؤوسهم فَحَيْثُ وجدنَا الْمُوَافقَة رددنا الرؤوس إِلَى جُزْء الوفق إِلَّا بقيناها بِحَالِهَا ثمَّ فِي عدد الْأَصْنَاف تماثلا وتوافقا وتداخلا وتباينا وَلَا يعْتَبر بَين الصِّنْف وحظه إِلَّا نسبتان التوافق والتباين وَإِنَّمَا سقط التَّمَاثُل لِأَنَّهُ لَا انكسار فِيهِ والتداخل لِأَن الدَّاخِل إِن كَانَ هُوَ النّصْف فِي حَظه فَلَا انكسار أَيْضا أَو بِالْعَكْسِ فداخل فِي الْمُوَافقَة وَلِأَن الِاكْتِفَاء بِالْأَكْثَرِ يُؤَدِّي إِلَى تَصْحِيح الْمَسْأَلَة من عدد مَعَ إِمْكَان تصحيحها من أقل مِنْهُ وَذَلِكَ مُمْتَنع وَاعْلَم أَن الْأُصُول قِسْمَانِ تَامّ وناقص فالتام هُوَ الَّذِي تساويه أجزاؤه الصَّحِيحَة أَو تزيد عَلَيْهِ والناقص مَا عداهُ فالستة أجزاؤها تساويها والاثنا عشر وَالْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ أجزاؤهما تزيد عَلَيْهِمَا بِخِلَاف المخارج الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة فَإِن أَجزَاء كل تنقص عَنهُ فالتام هُوَ الَّذِي يعول والناقص هُوَ الَّذِي لَا يعول (وتعول) من أصُول مسَائِل الْفَرَائِض ثَلَاثَة (سِتَّة) فتنتهي بالعول على التوالي (إِلَى عشرَة) فعولها لسبعة كَزَوج وأختين لغير أم فلثمانية كهم وَأم فلتسعة كهم وَأُخْت لأم فلعشرة كهم وَأَخ لأم وتلقب هَذِه الْمَسْأَلَة بِأم الفروخ بِالْخَاءِ العجمة لِكَثْرَة سهامها العائلة تَشْبِيها بطائر أُنْثَى لَهَا أفراخ وبأم الْفروج بِالْجِيم لِكَثْرَة الْإِنَاث فِيهَا وبالشريحية لِأَنَّهَا وَقعت للْقَاضِي شُرَيْح (وَاثنا عشر) فتنتهي بالعول ثَلَاث مَرَّات (إِلَى سَبْعَة عشر وترا) فَقَط فعوله لثَلَاثَة عشر كَزَوْجَة وَأم وأختين لغير أم ولخمسة عشر كهم وَأَخ لأم ولسبعة عشر كهم وَأَخ لأم (وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ) فينتهي بعوله بِمثل ثمنه فَقَط (لسبعة وَعشْرين) وتلقب بِالْمَسْأَلَة البخيلة لقلَّة عولها فَإِنَّهَا تعول عولة وَاحِدَة وَذَلِكَ كبنتين وأبوين وَزَوْجَة وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة بالمنبرية لِأَن عليا سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على مِنْبَر الْكُوفَة يخْطب وَكَانَ أول خطبَته الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا وَيجْزِي كل نفس بِمَا تسْعَى وَإِلَيْهِ المآب والرجعى فَسئلَ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَأجَاب على سَبِيل الارتجال أَي من غير إمعان للمسائل صَار ثمن الْمَرْأَة تسعا وَمضى فِي خطبَته فرع إِذا مَاتَ إِنْسَان ثمَّ مَاتَ وَارِث قبل قسْمَة التَّرِكَة فَإِن صَحَّ قسمهَا عَلَيْهِ فالمصحح الأول مغن عَن الْمُصَحح الثَّانِي كَأَن مَاتَت امْرَأَة عَن زوج وَأم وَعم فَمَاتَ الزَّوْج عَن ثَلَاثَة بَنِينَ فَالْمَسْأَلَة الأولى من سِتَّة وَالثَّانيَِة من ثَلَاثَة وحظ ميتها من الأولى ثَلَاثَة منقسمة على مَسْأَلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فَتَصِح المسألتان من سِتَّة وَإِن لم يَصح قسمهَا عَلَيْهِ ضرب فِي الأولى مَسْأَلَة ثَانِيَة إِن يباينها حَظّ ميتها أَو وفقها فَتَصِح المسألتان مِثَال المباينة زوج وَأم وَعم مَاتَ الزَّوْج عَن خَمْسَة بَنِينَ فحظ الزَّوْج من الأولى ثَلَاثَة تبَاين مَسْأَلته وَهِي خَمْسَة فَاضْرب الثَّانِيَة فِي الأولى فتصحان من ثَلَاثِينَ فَمن لَهُ شَيْء من الأولى ضرب فِي الثَّانِيَة وَهُوَ خَمْسَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة ضرب فِي سهم مُوَرِثه وَهُوَ ثَلَاثَة وَمِثَال الْمُوَافقَة زوج وَأم وَعم مَاتَ الزَّوْج عَن سِتَّة بَنِينَ فحظه من الأولى يُوَافق مَسْأَلته وَهِي سِتَّة بِالثُّلثِ فَاضْرب ثلثهَا فِي الأولى فتصحان من اثْنَي عشر فَمن لَهُ شَيْء من الأولى ضرب فِي وفْق الثَّانِيَة وَهُوَ اثْنَان وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة ضرب فِي وفْق سِهَام مُوَرِثه وَهُوَ وَاحِد فَإِن مَاتَ ثَالِث أَو أَكثر فَاجْعَلْ مَا عدا الْمُصَحح الْأَخير كَأَنَّهُ الْمُصَحح الأول وَاجعَل مصحح الْأَخِيرَة كَأَنَّهُ الثَّانِي فاعمل كَمَا مر فَفِي زَوْجَة وَثَلَاثَة بَنِينَ وَثَلَاث بَنَات مِنْهَا ثمَّ مَاتَ ابْن عَن الْبَاقِي ثمَّ بنت كَذَلِك فَالْمَسْأَلَة الأولى من اثْنَيْنِ وَسبعين للِابْن مِنْهَا أَرْبَعَة عشر توَافق مَسْأَلته وَهُوَ اثْنَان وَأَرْبَعُونَ بِنصْف سبع فَتَصِح المسألتان من مِائَتَيْنِ وَسِتَّة عشر فَمن لَهُ شَيْء من الأولى ضرب فِي وفْق الثَّانِيَة ثَلَاثَة أَو من الثَّانِيَة فَفِي وفْق سِهَام مُوَرِثه وَحِينَئِذٍ فللأم أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ وَلكُل من الِابْنَيْنِ الْحَيَّيْنِ اثْنَان وَخَمْسُونَ وَلكُل بنت سِتَّة وَعِشْرُونَ وترجعان بالاختصار إِلَى مائَة وَثَمَانِية للتوافق بِالنِّصْفِ فللأم سَبْعَة عشر وَلكُل ابْن سِتَّة وَعِشْرُونَ وَلكُل بنت ثَلَاثَة عشر تبَاين مَسْأَلَة الْبِنْت الْميتَة وَهِي سِتَّة وَثَلَاثُونَ فَتَصِح المسألات الثَّلَاث من ثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَثَمَانِينَ فَمن لَهُ شَيْء من الْأَوليين ضرب فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ أَو من الثَّالِثَة فَفِي ثَلَاثَة عشر فللأم سِتّمائَة وَتسْعُونَ وَلكُل من الِابْنَيْنِ ألف وَسِتَّة وَسِتُّونَ وَلكُل من البنتين خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَكَيْفِيَّة قسْمَة التركات لَهَا طرق مِنْهَا أَن تنْسب سِهَام كل وَارِث من الْمَسْأَلَة إِلَيْهَا وَتَأْخُذ من التَّرِكَة بِتِلْكَ النِّسْبَة فالمأخوذ حِصَّته فَلَو مَاتَ شخص عَن زَوْجَة وَأم وَعم وَترك مائَة دِينَار فَالْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأُمّ أَرْبَعَة وللعم خَمْسَة فنسبة ثَلَاثَة الزَّوْجَة إِلَى الْمَسْأَلَة ربعهَا فَخذ لَهَا ربع الْمِائَة وَهِي خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَنسبَة أَرْبَعَة الْأُم إِلَى الْمَسْأَلَة ثلثهَا فلهَا ثلث الْمِائَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث وَنسبَة خَمْسَة الْعم ربع وَسدس فَلهُ ربع الْمِائَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ وسدسها سِتَّة عشر وَثُلُثَانِ وَهَذِه الطَّرِيقَة أسهل الطّرق وأعمها لِأَنَّهَا تَأتي فِي الْمَعْدُود وَالْمَوْزُون والمكيل فصل فِي الْوَدِيعَة أَرْكَان الْإِيدَاع أَرْبَعَة وَدِيعَة وَصِيغَة ومودع ووديع (وَشرط فِي الْمُودع والوديع مَا فِي مُوكل ووكيل) فَلَا يودع محرم صيدا وَلَا كَافِر مُسلما وَلَا نَحْو مصحف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَلَو أودع نَحْو صبي شخصا كَامِلا ضمن مَا أَخذه مِنْهُ عِنْد تلفه أَو إِتْلَافه قصر أم لَا ضَمَان الغصوب نعم إِن أَخذه مِنْهُ لرغبة ثَوَاب الْآخِرَة خوفًا على تلفه فِي يَده أَو أتْلفه مودعه لم يضمنهُ وَفِي عكس ذَلِك بِأَن أودع كَامِل نَحْو صبي إِنَّمَا يضمن بِإِتْلَاف مِنْهُ أما لَو أودعهُ نَاقص مثله فَإِنَّهُ يضمن بِمُجَرَّد الِاسْتِيلَاء التَّام وَشرط فِي الْعين المودعة كَونهَا مُحْتَرمَة وَلَو نجسا ككلب ينفع أَو حَبَّة بر وَإِن لم تضمن بِالْإِتْلَافِ (و) شَرط (فِي الصِّيغَة لفظ من أحد الْجَانِبَيْنِ وَفعل من الآخر) أَو لفظ مِنْهُمَا مَعًا وَهُوَ إِمَّا صَرِيح (كأودعتك هَذَا أَو استحفظتكه أَو) كِنَايَة مَعَ النِّيَّة (كخذه والوديعة أَصْلهَا أَمَانَة) وَقد تضمن الْوَدِيعَة بعوارض عشرَة نظمها الدَّمِيرِيّ بقوله عوارض التَّضْمِين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها وَترك إيصاء وَدفع مهلك وَمنع ردهَا وتضييع حكى وَالِانْتِفَاع وَكَذَا المخالفه فِي حفظهَا إِن لم يزدْ من خَالفه فصل فِي اللّقطَة وَهِي (على أَرْبَعَة أَقسَام) أَحدهَا (مَا يبْقى على الدَّوَام فيعرفه وجوبا سنة) سَوَاء أَرَادَ التَّمَلُّك أَو قصد بِأَخْذِهِ الْحِفْظ ويتأكد التَّعْرِيف (على أَبْوَاب الْمَسَاجِد) عِنْد خُرُوجهمْ من الْجَمَاعَات (وَفِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ والأسواق) ومجامع النَّاس فِي بلد الِالْتِقَاط وَمَا قرب مِنْهُ (فَإِن لم يجد صَاحبه) بعد أَن عرفه بِقصد التَّمَلُّك (جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ بِاللَّفْظِ) لاختيار قصد التَّمَلُّك (كَأَن يَقُول تملكت هَذَا) وَيصير ضَامِنا لَهُ فَإِن جَاءَ صَاحبه وَهُوَ بَاقٍ وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم تعين رده إِلَيْهِ (و) ثَانِيهَا (مَا لَا يبْقى على الدَّوَام) كالطعام الرطب (فالملتقط مُخَيّر فِيهِ بَين أكله بعد تملكه فِي الْحَال وَغرم قِيمَته لمَالِكه أَو بَيْعه وَحفظ ثمنه ثمَّ يعرفهُ ليتملك ثمنه) سَوَاء وجده فِي مفازة أَو عمرَان وعَلى جَوَاز الْأكل يجب التَّعْرِيف فِي الْعمرَان دون الْمَفَازَة لعدم فَائِدَته فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 (و) ثَالِثهَا (مَا يبْقى بعلاج) كالرطب الَّذِي يجفف (فيفعل الْمُلْتَقط مَا فِيهِ الْمصلحَة من بَيْعه كُله وَحفظ ثمنه بِإِذن الْحَاكِم إِن وجده وَإِلَّا اسْتَقل بِهِ أَو تجفيفه وَحفظه إِن تبرع بِهِ الْوَاجِد أَو غَيره) لِأَنَّهُ مَال الْغَيْر فروعي فِيهِ الْمصلحَة فَإِن لم يُوجد من يتَبَرَّع بتجفيفه بيع بعضه لتجفيف الْبَاقِي (و) رَابِعهَا (مَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة عَلَيْهِ) كالحيوان (وَهُوَ) على قسمَيْنِ أَحدهمَا (حَيَوَان لَا يمْتَنع بِنَفسِهِ من صغَار السبَاع) إِمَّا لضَعْفه كالغنم أَو لصغره كصغار الْبَقر (فالواجد مُخَيّر إِن كَانَ فِي الْبَادِيَة بَين أكله فِي الْحَال متملكا لَهُ وَغرم ثمنه لمَالِكه عِنْد ظُهُوره) وَلَا يجب التَّعْرِيف بعد الْأكل عِنْد الإِمَام (أَو تَركه من غير بيع والتطوع بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أَو بَيْعه فِي الْحَال) اسْتِقْلَالا إِن لم يجد حَاكما أَو بِإِذن الْحَاكِم إِن وجده (وَحفظ ثمنه على صَاحبه) ويعرفه سنة ثمَّ يتَمَلَّك الثّمن لِأَنَّهُ إِذا لم يفعل ذَلِك ذهبت قِيمَته فِي نَفَقَته فَيضر بمالكه وَخرج بالبادية غَيرهَا من بلد وقرية وَمَا قرب مِنْهُمَا فَلَا يَأْكُلهُ لتيسر البيع فِيهِ وتخييره بَين مَا ذكر لَيْسَ تشهيا بل عَلَيْهِ فعل الأحظ قِيَاسا على مَا لَا يُمكن تجفيفه ثَانِيهمَا حَيَوَان يمْتَنع بِنَفسِهِ مِمَّا ذكر إِمَّا بقوته كالبقر وَالْخَيْل وَإِمَّا بسرعته فِي الْعَدو كالأرنب وَإِمَّا بطيرانه كالحمام فَإِن كَانَ فِي الْبَادِيَة لم يجز لَهُ فِي زمن الْأَمْن الْتِقَاطه للتَّمَلُّك وَذَلِكَ لِإِمْكَان عيشه فِي الْبر بِلَا رَاع وَإِن وجده فِي الْحَضَر فَهُوَ مُخَيّر بَين الشَّيْئَيْنِ الْمُتَقَدِّمين لِأَنَّهُ لَا يجوز أكله إِذا كَانَ فِي الْحَاضِرَة وَإِذا تملك الْمُلْتَقط اللّقطَة وَلم يظْهر لَهَا صَاحب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بل هُوَ كسب من أكسابه فَلَا مُطَالبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة وَكَذَا فِي النِّهَايَة شرح أبي شُجَاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب النِّكَاح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ عقد يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْء بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج أَي مَا اشتق مِنْهُمَا لَا بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لنا عقد يخْتَص بحروف مَخْصُوصَة إِلَّا الْكِتَابَة وَالسّلم وَالنِّكَاح وَهُوَ حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الْوَطْء لصِحَّة نفي النِّكَاح عَن الْوَطْء (سنّ) أَي النِّكَاح بِمَعْنى التَّزَوُّج (لتائق) لَهُ بتوقانه للْوَطْء وَلَو خَصيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أَو مشتغلا بِالْعبَادَة (قَادر) على أهبة النِّكَاح من مهر مثل وَكِسْوَة فصل التَّمْكِين وَنَفَقَة يَوْمه وَلَيْلَته وَحَيْثُ ندب كره تَركه وَيجب بِالنذرِ لَا بخوف الزِّنَا فَإِن لم يقدر على ذَلِك فَالْأولى لَهُ تَركه وَيكسر شَهْوَته بِالصَّوْمِ ندبا فَإِن لم تنكسر بِالصَّوْمِ حرم كسرهَا بِنَحْوِ كافور بل يتَزَوَّج فَإِن أَضْعَف الشَّهْوَة وَلم يذهبها كره (و) سنّ (نظر كل) من الرجل وَالْمَرْأَة (الآخر غير عَورَة) بِلَا مس شَيْء مِنْهُمَا وَهِي من الْحرَّة غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى الْكُوع ظهرا وبطنا لدلَالَة الْوَجْه على الْجمال وَالْكَفَّيْنِ على خصب الْبدن وَمِمَّنْ فِيهَا رق مَا عدا مَا بَين سرتها وركبتها وَامْرَأَة إِذا رغبت فِي نِكَاح رجل تنظر مِنْهُ إِلَى غير عَوْرَته فَإِنَّهُ يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا وَوقت النّظر بعد الْعَزْم على نِكَاحهَا وَقبل الْخطْبَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُغِيرَة وَقد عزم على خطْبَة امْرَأَة انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى من أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم أَي تدوم الْمَوَدَّة وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ألْقى الله فِي قلب امرىء خطْبَة امْرَأَة فَلَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره فَإِن لم يَتَيَسَّر ذَلِك النّظر بعث امْرَأَة تتأملها وتصفها لَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث أم سليم إِلَى امْرَأَة وَقَالَ انظري إِلَى عرقوبها وشمي معاطفها (و) سنّ (خطْبَة) بِضَم الْخَاء (لَهُ) أَي للنِّكَاح عِنْد إِرَادَة التَّلَفُّظ بِالْعقدِ سَوَاء الْوَلِيّ أَو نَائِبه وَالزَّوْج أَو نَائِبه وأجنبي كَأَن يَقُول الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل الله فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا بَين يَدي السَّاعَة من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر الله شَيْئا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} 3 آل عمرَان الْآيَة 102 {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} إِلَى قَوْله {رقيبا} 4 النِّسَاء الْآيَة 1 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا} إِلَى قَوْله {عَظِيما} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 70 أما بعد فَإِن الْأُمُور كلهَا بيد الله يقْضِي فِيهَا مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا مُؤخر لما قدم وَلَا مقدم لما أخر وَلَا يجْتَمع اثْنَان وَلَا يفترقان إِلَّا بِقَضَاء وَقدر وَكتاب قد سبق وَإِن مِمَّا قضى الله تَعَالَى وَقدر أَنه قد خطب فلَان بن فلَان فُلَانَة بنت فلَان على صدَاق كَذَا أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم أَجْمَعِينَ وَيسْتَحب قَول الْوَلِيّ فَقَط قبل العقد زَوجتك على مَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ من إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان ثمَّ يذكر الْإِيجَاب ثَانِيًا وَيسن الدُّعَاء للزَّوْج مِمَّن حضر سَوَاء الْوَلِيّ وَغَيره عقب العقد بقوله بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير وَيَنْبَغِي أَن من لم يحضر العقد ينْدب لَهُ ذَلِك إِذا لَقِي الزَّوْج وَإِن طَال الزَّمن مَا لم تنتف نِسْبَة القَوْل إِلَى التهنئة عرفا وَيسْتَحب أَن يُقَال لكل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ بَارك الله لكل وَاحِد مِنْكُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فِي صَاحبه وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير وَيسْتَحب للزَّوْج الْأَخْذ بناصية زَوجته أول لقياها وَيَقُول بَارك الله لكل منا فِي صَاحبه ثمَّ إِذا أَرَادَ الْجِمَاع تغطيا بِثَوْب وَقدم قبله التَّنْظِيف والتطيب والتقبيل وَنَحْوه مِمَّا ينشط لَهُ وَيسْتَحب قَول كل مِنْهُمَا وَإِن أيس من الْوَلَد بِسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا وليتحر استحضار ذَلِك القَوْل بِصدق فِي قلبه عِنْد الْإِنْزَال فَإِن لَهُ أثرا بَينا فِي صَلَاح الْوَلَد وَغَيره وَيكرهُ أَن يتَكَلَّم أَحدهمَا فِي أَثْنَائِهِ بِمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ لَا بِمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مَقْصُوده من الْجِمَاع كَأَن يطْلب مِنْهَا أَن تكون على صفة يتَمَكَّن مَعهَا من تَمام مُرَاده فِي الْوَطْء (ودينة) بِحَيْثُ تُوجد فِيهَا صفة الْعَدَالَة لَا الْعِفَّة عَن الزِّنَا فَقَط (ونسيبة) أَي مَعْرُوفَة الأَصْل طيبَة لنسبتها إِلَى الْعلمَاء والصلحاء (وجميلة) بِأَن يُوجد فِيهَا وصف قَائِم بِالذَّاتِ مستحسن عِنْد ذَوي الطباع السليمة (و) قرَابَة (بعيدَة) وَهِي أَن لَا تكون فِي أول دَرَجَات الخؤولة والعمومة (وَبكر) بَالِغَة وافرة الْعقل حَسَنَة الْخلق خَفِيفَة الْمهْر (وولود) وَيعرف فِي الْبكر بأقاربها (أولى) من غَيرهَا وكل مِمَّا ذكر مُسْتَقل بالندب فَينْدب أَن لَا يُزَوّج بنته الْبكر إِلَّا من بكر لم يتَزَوَّج قطّ نعم الثّيّب أولى للعاجز عَن الافتضاض وَلمن عِنْده عِيَال يحْتَاج إِلَى كَامِلَة تقوم عَلَيْهِنَّ وَيكرهُ نِكَاح بنت الزِّنَا وَالْفَاسِق ولقيطة وَمن لَا يعرف أَبوهَا وَيكرهُ نِكَاح ذَات الْجمال المفرط لِأَنَّهَا مَا سلمت من فتْنَة أَو تطلع فَاجر إِلَيْهَا أَو تَقوله عَلَيْهَا وَيكرهُ نِكَاح الْقَرَابَة الْقَرِيبَة وَهِي من فِي أول دَرَجَات النِّسَاء اللَّاتِي تحل لِأَن نحافة الْوَلَد الناشئة غَالِبا عَن الاستحياء من الْقَرَابَة الْقَرِيبَة معنى ظَاهر يصلح أصلا للكراهة وَلَو تَعَارَضَت تِلْكَ الصِّفَات فَالْأولى تَقْدِيم ذَات الدّين مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت جميلَة أم لَا ثمَّ الْعقل وَحسن الْخلق ثمَّ النّسَب ثمَّ الْبكارَة ثمَّ الْولادَة ثمَّ الْجمال ثمَّ مَا الْمصلحَة فِيهِ أظهر بِحَسب اجْتِهَاده وَيسن أَن يتَزَوَّج فِي شَوَّال وَفِي صفر لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي شَوَّال وَزوج ابْنَته فَاطِمَة عليا فِي شهر صفر على رَأس اثْنَي عشر شهرا من الْهِجْرَة وَأَن يعْقد فِي الْمَسْجِد وَأَن يكون العقد مَعَ جمع وَأول النَّهَار وَيَوْم الْجُمُعَة (أَرْكَانه) أَي النِّكَاح خَمْسَة (زَوْجَة وَزوج وَولي وشاهدان) عدهما ركنا وَاحِدًا لعدم اخْتِصَاص أَحدهمَا بِشَرْط دون الآخر بِخِلَاف الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يعْتَبر فِي كل مِنْهُمَا مَا لَا يعْتَبر فِي الآخر (وَصِيغَة وَشرط فِيهَا) أَي الصِّيغَة (إِيجَاب كزوجتك أَو أنكحتك) موليتي فُلَانَة مثلا قَالَ عمر الْبَصْرِيّ حَيْثُ تقرر أَن أنكحك لُغَة فَالظَّاهِر أَنه يَصح العقد بهَا حَتَّى من غير أَهلهَا وَإِن كَانَ عَارِفًا بِالْأَصْلِ قَادِرًا عَلَيْهِ انْتهى فَلَا بُد من عَائِد على الْمَنْكُوحَة من نَحْو اسْم أَو ضمير أَو إِشَارَة وَلَا يَصح النِّكَاح إِلَّا بِلَفْظ مُشْتَقّ من التَّزْوِيج أَو الْإِنْكَاح فَيصح نَحْو أَنا مزوجك إِلَى آخِره لخَبر مُسلم اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله وكلمته تَعَالَى مَا ورد فِي كِتَابه من نَحْو قَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 4 - النِّسَاء الْآيَة 3 وَقَوله تَعَالَى {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 37 فَلم يَصح النِّكَاح بِنَحْوِ لفظ إِبَاحَة وتمليك وَهبة (وَقبُول مُتَّصِل بِهِ) أَي الْإِيجَاب (كتزوجتها أَو نكحتها أَو قبلت أَو رضيت) أَو أَحْبَبْت أَو أردْت (نِكَاحهَا) بِمَعْنى إنكاحها فَهُوَ مصدر مُضَاف لمفعوله أَو قبلت تَزْوِيجهَا أَو قبلت النِّكَاح أَو التَّزْوِيج بِخِلَاف قبلتها وقبلته بضمير يرجع إِلَى الْمَنْكُوحَة وبضمير يرجع إِلَى النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي وَقبلت فَقَط من غير ذكر نِكَاحهَا أَو تَزْوِيجهَا وَلَا يضر اخْتِلَاف الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الصِّيغَة فَإِذا قَالَ زَوجتك فَقَالَ قبلت نِكَاحهَا أَو الْعَكْس صَحَّ العقد (وَصَحَّ) أَي عقد النِّكَاح (بترجمة) للفظ تَزْوِيج إو إنكاح بِسَائِر اللُّغَات وَإِن أحسن قَائِلهَا الْعَرَبيَّة اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى وَذَلِكَ بِشَرْط أَن يفهم مَعْنَاهَا العاقدان والشاهدان وَأَن يعدها أهل تِلْكَ اللُّغَة صَرِيحَة فِي لغتهم وَقيل لَا يَصح اعْتِبَارا بِاللَّفْظِ الْوَارِد وَقيل إِن عجز عَن الْعَرَبيَّة صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَصَحَّ النِّكَاح بتقدم قبُول على إِيجَاب لحُصُول الْمَقْصُود وَذَلِكَ كَأَن يَقُول الزَّوْج قبلت نِكَاح فُلَانَة فَيَقُول الْوَلِيّ أنكحتكها وَيَقُول الزَّوْج زَوجنِي فُلَانَة مَعَ قَول الآخر عقبه زَوجتك وَيَقُول الْوَلِيّ تزوج بِنْتي فُلَانَة مَعَ قَول الزَّوْج عقبه تَزَوَّجتهَا لوُجُود الطّلب الْجَازِم الدَّال على الرِّضَا وَيشْتَرط لصِحَّة النِّكَاح ذكر الزَّوْجَة من الْجَانِبَيْنِ باسمها صَرِيحًا أَو بهاء الضَّمِير وَاسم إِشَارَة لَهَا أَو قَصدهَا ويلغى الِاسْم إِذا عَارضه الْقَصْد أَو الْوَصْف نَحْو زَيْنَب الْكَبِيرَة وَكَانَ قَصده الصَّغِيرَة (لَا) يَصح النِّكَاح (مَعَ تَعْلِيق) فَلَو بشر شخص بِولد ذكر فَقَالَ إِن كَانَ أُنْثَى فقد زوجتكها فَقبل وَبَانَتْ أُنْثَى لم يَصح النِّكَاح بِخِلَاف مَا لَو بشر بأنثى فَقَالَ إِن صدق الْمخبر فقد زوجتكها فَإِنَّهُ يَصح لِأَن إِن بِمَعْنى إِذْ فَلَيْسَ بتعليق إِذا تَيَقّن صدق الْمخبر وَإِلَّا فَلَا يَصح لِأَن لفظ إِن للتعليق وَمثل ذَلِك مَا لَو أخبر شخص بِمَوْت زَوجته وَظن صدق الْمخبر فَقَالَ إِن صدق الْمخبر فقد تزوجت بنتك وَلَو قَالَ إِن كَانَت فُلَانَة موليتي فقد زوجتكها صَحَّ العقد إِذا علم أَنَّهَا موليته لِأَن ذَلِك لَيْسَ بتعليق حِينَئِذٍ وَلَو قَالَ زَوجتك إِن شِئْت صَحَّ أَيْضا إِذا لم يرد التَّعْلِيق وَلَو كَانَت الْمَرْأَة غَابَتْ وتحدث بموتها وَلم يثبت فَقَالَ الْوَلِيّ زَوجتك بِنْتي إِن كَانَت حَيَّة لم يَصح العقد لِأَن إِن فِي هَذَا التَّرْكِيب لَيست بِمَعْنى إِذْ لِأَن الشَّك منع من حملهَا على معنى إِذْ وَأوجب اسْتِعْمَالهَا للتعليق (وتوقيت) سَوَاء كَانَ بِمدَّة مَعْلُومَة كَسنة أَو مَجْهُولَة كمدة عمره أَو عمرها أَو مُدَّة لَا تبقى الدُّنْيَا إِلَيْهَا لِأَن الْعبْرَة بصيغ الْعُقُود لَا بمعانيها وَقد صرح الْأَصْحَاب فِي البيع بِأَنَّهُ إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا حياتك لم يَصح البيع فَالنِّكَاح أولى وَمحل عدم صِحَة التَّأْقِيت إِذا وَقع فِي صلب العقد أما إِذا توافقا عَلَيْهِ قبل وتركاه فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يضر لَكِن يَنْبَغِي كَرَاهَته كالمحلل وَذَلِكَ للنَّهْي عَن نِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ النِّكَاح إِلَى أجل مُسَمّى بذلك لِأَن الْغَرَض من النِّكَاح مُجَرّد التَّمَتُّع أَي التنعم والتلذذ دون التوالد والتوارث وَكَانَ التَّوْقِيت جَائِزا فِي صدر الْإِسْلَام رخصَة للْمُضْطَر كَأَكْل كل الْميتَة لِكَثْرَة الرِّجَال وَقلة النِّسَاء اللَّاتِي أسلمن ثمَّ الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 حرم عَام خَيْبَر ثمَّ جَازَ عَام الْفَتْح وَقبل حجَّة الْوَدَاع ثمَّ حرم أبدا وَكَذَا لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة حرمت مرَّتَيْنِ وَكَذَا الْقبْلَة وَالْخمر وَالْوُضُوء مِمَّا مسته النَّار وَقد نظم الْجلَال السُّيُوطِيّ ذَلِك فَقَالَ وَأَرْبع تكَرر النّسخ لَهَا جَاءَت بهَا الْأَخْبَار والْآثَار فقبلة ومتعة وخمرة كَذَا الوضو مِمَّا تمس النَّار (و) شَرط (فِي الزَّوْجَة خلو من نِكَاح) فَلَو أَذِنت الْمَرْأَة لوليين فَأَنْكحهَا أَحدهمَا رجلا وَالْآخر رجلا آخر فَإِن وَقع نِكَاحهمَا مَعًا أَو جهل السَّبق والمعية أَو عرف سبق أَحدهمَا وَلم يتَعَيَّن وأيس من تعينه فالإنكاحان باطلان بِخِلَاف مَا إِذا أَذِنت لأَحَدهمَا فَيتَعَيَّن الصِّحَّة لَهُ فَإِذا زوج الآخر لم يَصح وَإِن عرف عين السَّابِق بِبَيِّنَة أَو تصادق مُعْتَبر وَلم ينس فَهُوَ الصَّحِيح فَإِن نسي وَجب التَّوَقُّف حَتَّى يتَبَيَّن فَلَا يجوز لوَاحِد مِنْهُمَا وَطْؤُهَا وَلَا يجوز لثالث نِكَاحهَا قبل أَن يطلقاها أَو يموتا أَو يُطلق أَحدهمَا وَيَمُوت الآخر وتنقضي عدتهَا مِمَّن دخل بهَا أَو مَاتَ عَنْهَا (و) من (عدَّة) من غَيره فَلَا يَصح نِكَاح الْمُعْتَدَّة من غَيره لتَعلق حق الْغَيْر بهَا بِخِلَاف الْمُعْتَدَّة من الناكح لِأَن المَاء لَهُ سَوَاء كَانَت الْعدة عَن وَفَاة مُطلقًا أَو عَن طَلَاق بعد الدُّخُول أَو عَن وَطْء شُبْهَة كَأَن ظَنّهَا أمته وَلَا يَصح نِكَاح المشكوكة فِي انْقِضَاء الْعدة وَنِكَاح المرتابة فِي وجود الْحمل قبل انْقِضَاء عدتهَا فَلَو نَكَحَهَا رجل بعد انْقِضَاء عدتهَا والريبة الَّتِي وجدت فِي الْعدة مَوْجُودَة حَالَة العقد ثمَّ بَان أَنه لَا حمل فَالنِّكَاح بَاطِل بِخِلَاف مَا لَو نكحت بعد الْعدة وَلَيْسَ هُنَاكَ رِيبَة ثمَّ طرأت فَالنِّكَاح صَحِيح وَكَذَا لَو انْقَضتْ وَلَا رِيبَة ثمَّ طرأت ثمَّ نكحت فَإِنَّهُ صَحِيح أَيْضا فَمَتَى وَقعت الرِّيبَة بعد الْعدة فَلَا يضر سَوَاء وَقعت قبل النِّكَاح أَو بعده لَكِن يسن الصَّبْر عَن النِّكَاح لتزول الرِّيبَة (و) شَرط فِي الزَّوْجَة حل فَلَا يَصح نِكَاح الْمُحرمَة بنسك وَلَو بَين التحللين وَلَو نكح من ظَنّهَا مُحرمَة فَبَان أَن لَا إِحْرَام فَالنِّكَاح بَاطِل للتردد فِي الْحل و (تعْيين) فَلَا يَصح نِكَاح إِحْدَى امْرَأتَيْنِ للإبهام وَيَكْفِي التَّعْيِين بِوَصْف أَو رُؤْيَة أَو نَحْوهمَا كَقَوْلِه زَوجتك بِنْتي وَلَيْسَ لَهُ غَيرهَا أَو بِنْتي الَّتِي فِي الدَّار وَلَيْسَ فِيهَا غَيرهَا أَو هَذِه وَإِن سَمَّاهَا بِغَيْر اسْمهَا فِي الْكل وَكَقَوْلِه زَوجتك هَذَا الْغُلَام وَأَشَارَ لبنته تعويلا على الْإِشَارَة وَلِأَن البنتية صفة لَازِمَة مُمَيزَة فاعتبرت ولغا الِاسْم فرع سُئِلَ الزيَادي عَن رجل خطب امْرَأَة وَعقد ثمَّ أُتِي لَهُ بِامْرَأَة غير المخطوبة فَأجَاب بِأَن العقد بَاطِل لِأَنَّهُ لم يَقع مَعهَا اه (وَعدم محرمية) فَلَو نكح من ظَنّهَا محرما ثمَّ بَان أَن لَا محرمية فَالنِّكَاح بَاطِل وَفَارق مَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه مثلا يظنّ حَيَاته فَبَان مَيتا حَيْثُ صَحَّ البيع بِالِاحْتِيَاطِ للأبضاع وَبِأَن الشَّك فِي ذَلِك شكّ فِي الْولَايَة وَهنا شكّ فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الزَّوْجَة وَهُوَ أَشد فِي الِاحْتِيَاط بِخِلَاف مَا لَو زوجت زَوْجَة الْمَفْقُود قبل ثُبُوت مَوته أَو طَلَاقه فَبَان مَيتا قبل تزَوجهَا بِمِقْدَار الْعدة حَيْثُ صَحَّ التَّزَوُّج لخلوه عَن الْمَوَانِع فِي الْوَاقِع فَإِنَّهَا لم تخاطب بعدة ظَاهِرَة حَتَّى يستصحب بَقَاؤُهَا فَاعْتبر مَا فِي نفس الْأَمر لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بِمَا فِي الظَّاهِر وَنَفس الْأَمر مَعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وللمحرمية ثَلَاثَة أَسبَاب وَهِي (بِنسَب) وَفِي ضابطه عبارتان إِحْدَاهمَا يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل غير الْفَصْل الأول فالأصول الْأُمَّهَات والفصول الْبَنَات وفصول أول الْأُصُول الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وَأول فصل من كل أصل غير الأَصْل الأول العمات والخالات فَإِن أول فصل من الأَصْل الأول هم الْأُخوة وَالْأَخَوَات وَأَوْلَادهمْ فَغير الأَصْل هُوَ الأَصْل الثَّانِي وَمَا بعده وهم الأجداد والجدات وَإِن علوا وَخرج بِأول فصل ثَانِي فصل لَا يحرمن وَهن أَوْلَاد العمات والخالات وَهَذِه الْعبارَة لأبي إِسْحَاق الإسفرايني ثانيتهما لتلميذه أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَهِي لإيجازها اخْتَارَهَا المُصَنّف فَقَالَ (فَيحرم) بِالنّسَبِ (نسَاء قرَابَة غير) من دخلت تَحت (ولد عمومة و) ولد (خؤولة) وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ أَنه يجوز للآدمي نِكَاح الجنية وَعَكسه وَيجوز وَطْؤُهَا إِن غلب على ظَنّه أَنَّهَا زَوجته وَلَو على صُورَة حمَار مثلا وَثبتت أَحْكَام النِّكَاح للإنسي مِنْهُمَا فينتقض وضوؤه بمسها وَيجب عَلَيْهِ الْغسْل بِوَطْئِهَا وَغير ذَلِك (أَو رضَاع فَيحرم بِهِ من يحرم بِنسَب) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمُوا من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب فمرضعتك وَمن أرضعتها أَو ولدتها أَو ولدت أَبَا من رضَاع أَو أَرْضَعَتْه أَو أرضعت من ولدك بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا أم رضَاع والمرتضعة بلبنك وَلبن فروعك نسبا أَو رضَاعًا وبنتها كَذَلِك وَإِن سفلت بنت رضَاع والمرتضعة بِلَبن أحد أَبَوَيْك نسبا أَو رضَاعًا أُخْت رضَاع وَكَذَا مولودة أحد أَبَوَيْك رضَاعًا وَبنت ولد الْمُرضعَة أَو الْفَحْل نسبا أَو رضَاعًا وَإِن سفلت وَمن أرضعتها أختك أَو ارتضعت بِلَبن أَخِيك وبنتها نسبا أَو رضَاعًا وَإِن سفلت وَبنت ولد أَرْضَعَتْه أمك أَو ارتضع بِلَبن أَبِيك نسبا أَو رضَاعًا وَإِن سفلت بنت أخي رضَاع أَو بنت أُخْت رضَاع وَأُخْت الْفَحْل أَو أَبِيه أَو أبي الْمُرضعَة بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا نسبا أَو رضَاعًا عمَّة رضَاع وَأُخْت الْمُرضعَة وَأمّهَا أَو أم الْفَحْل بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا نسبا أَو رضَاعًا خَالَة رضَاع وَلَا تحرم فِي الرَّضَاع أَرْبَعَة وَقد نظمها المدابغي فَقَالَ مُرْضِعَة الْأَخ أَو الْأُخْت تحل أَو ولد الْوَلَد وَلَو أُنْثَى جعل كَذَاك أم مرضع الْوَلَد وبنتها وَهِي ختام الْعدَد (فرع) لَا يثبت التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ إِلَّا بِكَوْن اللَّبن لآدمية بلغت تسعا من السنين الْهِلَالِيَّة تَقْرِيبًا وبوصول اللَّبن أَو وُصُول مَا حصل مِنْهُ للجوف من معدة أَو دماغ بِوَاسِطَة منفتح غير الْفرج وبكون الرَّضِيع لم يبلغ حَوْلَيْنِ تحديدا بِالْأَهِلَّةِ فِي ابْتِدَاء الْخَامِسَة يَقِينا وبكون الرَّضَاع أَو الحلاب فِي حَيَاتهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة وبكونه خمس رَضعَات يَقِينا عرفا وَلَو كَانَت الرضعات الْخمس غير مشبعات والرضيع إِن قطع الرَّضَاع إعْرَاضًا عَن الثدي أَو قطعته عَلَيْهِ الْمُرضعَة كَذَلِك تعدد مُطلقًا أَو قطعته لشغل أَو قطعه هُوَ للهو أَو تنفس أَو نوم أَو تحول من ثدي إِلَى آخر فَإِن طَال الزَّمن تعدد وَإِلَّا فَلَا وَيثبت الرَّضَاع برجلَيْن وبرجل وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة وَيثبت الْإِقْرَار بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَتقبل شَهَادَة مُرْضِعَة لم يسْبق لَهَا طلب أُجْرَة مَعَ ثَلَاث نسْوَة غَيرهَا أَو مَعَ رجل وَامْرَأَة (أَو مصاهرة) وَهِي خلْطَة توجب تَحْرِيمًا (فَتحرم زَوْجَة أصل) وَهُوَ من ولدك بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا من قبل الْأَب أَو الْأُم من النّسَب أَو الرَّضَاع وَإِن لم يدْخل بهَا وَخرج بِزَوْجَة أصل أمهَا وبنتها (و) زَوْجَة (فصل) وَهُوَ من وَلدته بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا وَإِن لم يدْخل بهَا وَخرج بهَا أمهَا وبنتها وَخرج أَيْضا زَوْجَة من تبناه (وأصل زَوْجَة) أَي أمهَا بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا من نسب أَو رضَاع سَوَاء أَدخل الزَّوْج بِالزَّوْجَةِ أم لَا وَلَو تَأَخّر ثُبُوت الأمومة عَن النِّكَاح كَأَن يُطلق صَغِيرَة فترضعها امْرَأَة وَيعْتَبر فِي زَوْجَتي الابْن وَالْأَب وَفِي أم الزَّوْج عِنْد عدم الدُّخُول بِهن أَن يكون العقد صَحِيحا (وَكَذَا فصلها) أَي الزَّوْجَة بِنسَب أَو رضَاع بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا فَتحرم أَيْضا بنت الربيبة وَبنت الربيب (إِن دخل) أَي الزَّوْج (بهَا) أَي الزَّوْجَة فِي الْحَيَاة وَلَو فِي الدبر بِعقد صَحِيح أَو فَاسد وَمثل الْوَطْء استدخال المَاء وَلَو فِي الدبر أَيْضا وَالْمرَاد المَاء الْمُحْتَرَم حَال الْإِنْزَال بِأَن لَا يخرج مِنْهُ على وَجه الزِّنَا لاحالة الإدخال فَلَو أنزل فِي زَوجته فساحقت بنته فَحملت مِنْهُ لحقه الْوَلَد فاستدخال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم حكمه حكم الدُّخُول فِي لُحُوق النّسَب وَعدم بينونة الْمَرْأَة إِذا طلقت قبل الدُّخُول وَلَا تصير باستدخال مَاء زَوجهَا الْمُحْتَرَم حَلِيلَة لزَوجهَا الأول وَلَا تصير مُحصنَة وَلَا يثبت لَهَا مهر وَلَا يجب عَلَيْهَا غسل فَإِن لم يدْخل بِالزَّوْجَةِ لم تحرم بنتهَا إِلَّا أَن تكون منفية بلعانه بِخِلَاف أمهَا لِأَن الدُّخُول بالأمهات يحرم الْبَنَات وَالْعقد على الْبَنَات يحرم الْأُمَّهَات وَالْفرق أَن الرجل يَبْتَلِي بمكالمة الْأُم عقب العقد لترتيب أُمُوره فَحرمت بِالْعقدِ ليسهل ذَلِك بِخِلَاف بنتهَا وَخرج بفصل الزَّوْجَة زَوْجَة الربيب وَهُوَ ابْن الزَّوْجَة وَزَوْجَة الراب وَهُوَ زوج الْأُم وكل من وطىء فِي الْحَيَاة امْرَأَة بِملك الْيَمين حرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَحرمت هِيَ على آبَائِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاع وَكَذَا الْمَوْطُوءَة الْحَيَّة بِشُبْهَة كَأَن ظَنّهَا زَوجته أَو أمته وَوَطئهَا أَو وطىء الْأمة الْمُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره أَو أمة فَرعه أَو وطىء امْرَأَة بِنِكَاح على طَريقَة من يعْتد بِخِلَافِهِ كحنفي من غير تَقْلِيد لَهُ فَيحرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَتحرم هِيَ على آبَائِهِ وأبنائه لِأَن الْوَطْء بِملك الْيَمين نَازل منزلَة الْوَطْء بِعقد النِّكَاح وَالْوَطْء بِشُبْهَة إِن كَانَت مِنْهُ وَحده توجب نسبا وعدة لَا مهْرا إِذْ لَا مهر لبغي أَو كَانَت مِنْهَا وَحدهَا توجب الْمهْر فَقَط دون النّسَب وَالْعدة أَو كَانَت مِنْهُمَا توجب الْجَمِيع وَلَا يثبت بِالشُّبْهَةِ مُطلقًا محرمية فَلَا يحل لأبي الواطىء وَابْنه نظر ولامس وَلَا خلْوَة أما الْمَرْأَة الْمُزنِيّ بهَا فَلَا يثبت بزناها حُرْمَة الْمُصَاهَرَة فللزاني نِكَاح أم من زنى بهَا وبنتها ولابنه وَأَبِيهِ نِكَاحهَا هِيَ وبنتها لِأَن الزِّنَا لَا يثبت نسبا وَلَا عدَّة فرع لَو اخْتلطت محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة أَو مُحرمَة بِسَبَب آخر كلعان أَو توثن بنسوة غير محصورات نكح إِن أَرَادَ مِنْهُنَّ وَلَو قدر بسهولة على متيقنة الْحل رخصَة لَهُ من الله تَعَالَى أَو بمحصورات لم ينْكح وَاحِدَة مِنْهُنَّ نعم لَو تَيَقّن صفة بمحرمة كسواد نكح غير ذَوَات السوَاد مُطلقًا أَي انحصرن أَو لَا واجتنبت ذَوَات السوَاد إِن انحصرن ثمَّ مَا عسر عده بِمُجَرَّد النّظر غير مَحْصُور وَمَا سهل مَحْصُور وَابْتِدَاء غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مَحْصُور خَمْسمِائَة والمائتان فَأَقل محصورات وَمَا بَينهمَا مَشْكُوك فَيلْحق بالمحصورات وَلَو اخْتلطت زَوجته بأجنبيات امْتنع وَطْء وَاحِدَة مِنْهُنَّ مُطلقًا أَي محصورات أم لَا وَلَو بِاجْتِهَاد لِأَن الْوَطْء إِنَّمَا يُبَاح بِالْعقدِ دون الِاجْتِهَاد وَلَا يحل لمُسلم نِكَاح كَافِرَة إِلَّا كِتَابِيَّة خَالِصَة ذِمِّيَّة كَانَت أَو حربية فَيحل نِكَاحهَا مَعَ الْكَرَاهَة والكتابية يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة متمسكة بِالتَّوْرَاةِ أَو الْإِنْجِيل دون سَائِر الْكتب وَمحل الْكَرَاهَة إِن لم يخْش الْعَنَت وَلم يرج إسْلَامهَا فَإِن رجى سنّ لَهُ ذَلِك وَمحل ذَلِك أَيْضا أَن يجد مسلمة صَالِحَة للتمتع وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة بل هِيَ أولى من مسلمة زَانِيَة ثمَّ الْكِتَابِيَّة على نَوْعَيْنِ إسرائيلية نِسْبَة إِلَى إِسْرَائِيل وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام وَغير إسرائيلية وَشرط حل نِكَاح الإسرائيلية أَن لَا يعلم دُخُول أول جد يُمكن انتسابها إِلَيْهِ وَلَو انتسابا لغويا فِي ذَلِك الدّين بعد بعثة تنسخه كبعثة مُوسَى فَإِنَّهَا ناسخة لما قبلهَا وبعثة عِيسَى ناسخة لبعثة مُوسَى وبعثة نَبينَا ناسخة لَهما سَوَاء علم دُخُوله فِيهِ قبل بعثة تنسخه أم شكّ وَسَوَاء علم دُخُوله فِيهِ بعد تحريفه أَو بعد بعثة لَا تنسخه كبعثة سيدنَا يُوشَع وَشرط حل نِكَاح غير الإسرائيلية أَن يعلم دُخُول أول جد يُمكن انتسابها إِلَيْهِ وَلَو من جِهَة الْأُم فِي ذَلِك الدّين قبل بعثة تنسخه وَلَو بعد تبديله أَن تجنبوا الْمُبدل أما لَو علم دُخُوله فِيهِ بعد نسخه أَو شكّ فِي دُخُوله قبل النّسخ وَبعده أَو علم دُخُوله قبله وَلم يتجنبوا الْمُبدل فَلَا تحل لمُسلم (و) شَرط (فِي الزَّوْج) حل وَاخْتِيَار وَعلم بِحل الْمَرْأَة لَهُ فَلَا يَصح نِكَاح محرم وَلَو بوكيله وَلَا مكره بِغَيْر حق أما إِذا كَانَ الْإِكْرَاه بِحَق كَأَن أكره على نِكَاح المظلومة فِي الْقسم فَيصح بِأَن ظلمها هُوَ فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ نِكَاحهَا ليبيت عِنْدهَا مَا فاتها وَلَا نِكَاح من شكّ فِي حلهَا كالخنثى أَو الْمُعْتَدَّة و (تعْيين) فَلَا يَصح نِكَاح غير معِين كَقَوْل الْوَلِيّ زوجت بِنْتي أَحَدكُمَا وَإِن نَوَاه وَقبل لِأَنَّهُ يعْتَبر من الزَّوْج الْقبُول فَلَا بُد من تَعْيِينه ليَقَع الْإِشْهَاد على قبُوله الْمُوَافق للْإِيجَاب (عدم محرمية) بِنسَب أَو رضَاع (للمخطوبة) كائنة (تَحْتَهُ) أَي الزَّوْج فَيحرم ابْتِدَاء ودواما جمع امْرَأتَيْنِ بَينهمَا نسب أَو رضَاع لَو فرضت إِحْدَاهمَا ذكرا حرم تناكحهما كامرأة وَأُخْتهَا أَو خَالَتهَا بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا فَإِن جمع بَين أُخْتَيْنِ بِعقد وَاحِد بَطل الناكحان أَو بعقدين مُرَتبا وَعرفت السَّابِقَة وَلم تنس بَطل الثَّانِي إِن صَحَّ الأول لِأَن الْجمع حصل بِهِ وَمن حرم جَمعهمَا كأختين بِنِكَاح حرم جَمعهمَا فِي الْوَطْء بِملك وَيحل لحر أَربع فَقَط وَلغيره ثِنْتَانِ فَقَط فَإِن زَاد من ذكر فِي عقد وَاحِد بَطل العقد فِي الْجَمِيع أَو فِي عقدين فَكَمَا مر وَتحل أُخْت وَنَحْوهَا وزائدة فِي عدَّة بَائِن لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة لَا فِي رَجْعِيَّة ومتخلفة عَن الْإِسْلَام ومرتدة بعد وَطْء وَقبل انْقِضَاء الْعدة لِأَنَّهَا فِي حكم الزَّوْجَة (و) شَرط (فِي الشَّاهِدين أَهْلِيَّة شَهَادَة) وَهِي حريَّة كَامِلَة فيهمَا وذكورة مُحَققَة وكونهما إنسيين وعدالة وَسمع وبصر ونطق وَعدم حجر سفه وَانْتِفَاء حرفه دنيئة تخل بمروءته وَعدم اختلال ضبط لغفلة أَو نِسْيَان وَمَعْرِفَة لِسَان الْمُتَعَاقدين فَلَا يَكْفِي إِخْبَار ثِقَة بِمَعْنَاهُ بعد تَمام الصِّيغَة (وَعدم تعينهما) أَو تعين أَحدهمَا (للولاية) فَلَا يَصح النِّكَاح بِحَضْرَة من انْتَفَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فِيهِ شَرط من ذَلِك كَأَن عقد بِحَضْرَة عَبْدَيْنِ أَو امْرَأتَيْنِ أَو خنثيين إِلَّا إِن بانا ذكرين فَيصح أَو جنيين إِلَّا إِن علمت عدالتهما الظَّاهِرَة أَو فاسقين أَو غير مكلفين أَو أصمين إِلَّا إِن كَانَ الْعَاقِد أخرس وَله إِشَارَة يفهمها كل أحد فَلَا يشْتَرط فِي الشَّاهِدين السّمع لِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ الْآن لَيْسَ قولا أَو أعميين أَو من كَانَا فِي ظلمَة شَدِيدَة لعدم علمهما بِالْمُوجبِ والقابل فَلَو سمعا الْإِيجَاب وَالْقَبُول من غير رُؤْيَة للموجب والقابل وَلَكِن جزما فِي أَنفسهمَا بِأَن الْمُوجب والقابل فلَان وَفُلَان لم يكف ذَلِك لذَلِك أَو أخرسين أَو مَحْجُور عَلَيْهِمَا بِسَفَه أَو عادمين لمروءة أَو مغفلين وَلَا بِحَضْرَة مُتَعَيّن للولاية فَلَو وكل الْأَب أَو الْأَخ الْمُنْفَرد فِي النِّكَاح وَحضر مَعَ شَاهد آخر لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ ولي عَاقد فَلَا يكون شَاهدا كالزوج وَلَو شهد وليان كأخوين من ثَلَاثَة إخْوَة والعاقد غَيرهمَا من بَقِيَّة الْأَوْلِيَاء صَحَّ النِّكَاح إِن كَانَت الْمَرْأَة أَذِنت لَهُ فِي تَزْوِيجهَا أما إِن خصت الْإِذْن بالأخوين الآخرين وأذنت لَهما فِي تَوْكِيل من شَاءَ فوكلا الثَّالِث فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لصرف العقد عَن كَونه وَكيلا يصير مزوجا بِلَا إِذن وَهُوَ بَاطِل وَمحل الصِّحَّة أَيْضا إِن كَانَ التزيج من كُفْء إِذْ لَا يشْتَرط حِينَئِذٍ إِذن الْبَاقِي وَإِلَّا فَلَا يَصح لاشْتِرَاط إذْنهمْ وَيسن إِشْهَاد على رضَا الْمَرْأَة الْبَالِغَة وَلَو مجبرة وَإِنَّمَا لم يشْتَرط لِأَن رِضَاهَا لَيْسَ من نفس النِّكَاح الْمُعْتَبر فِيهِ الْإِشْهَاد وَإِنَّمَا هُوَ شَرط فِيهِ ورضاها الْكَافِي فِي العقد يحصل بِإِذْنِهَا أَو بِإِخْبَار من يصدق قَوْله فِي الْقلب وَلَو فَاسِقًا أَو صَبيا أَو بِإِخْبَار وَليهَا مَعَ تَصْدِيق الزَّوْج أَو عَكسه وَلَو كَانَ الْوَلِيّ حَاكما كَمَا أفتى بِهِ القَاضِي وَالْبَغوِيّ (وَصَحَّ) النِّكَاح وَلَو كَانَ الْعَاقِد حَاكما (بمستوري عَدَالَة) وهما من لَا يعرف لَهما مفسق على مَا اعْتَمدهُ جمع وَهَذَا صَادِق بِمن لم يعرف لَهُ فسق وَلَا طَاعَة أَو من عرف ظاهرهما بِالْعَدَالَةِ بِأَن عرفت بالمخالطة وَلم يزكيا عِنْد الْحَاكِم على مَا اعْتَمدهُ النَّوَوِيّ لجريانه بَين أوساط النَّاس والعوام فَلَو كلفوا بِمَعْرِِفَة الْعَدَالَة الْبَاطِنَة ليحضر المتصف بهَا لطال الْأَمر عَلَيْهِم وشق وَالْمُعْتَمد الِاكْتِفَاء بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة مُطلقًا حَتَّى بِالنِّسْبَةِ للْحَاكِم كَمَا قَالَه الزيَادي وَبَطل السّتْر بتجريح عدل وَيلْزم التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ وَلم يلْحق الْفَاسِق إِذا تَابَ بالمستور فَلَا بُد من مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ سنة وَيسن اسْتِتَابَة المستور عِنْد العقد وَلَا يَصح النِّكَاح بمستوري إِسْلَام أَو حريَّة أَو بُلُوغ كَأَن وجد لَقِيط وَلم يعرف حَاله إسلاما وَلَا رقا وَلَا بلوغا فَلَا ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِن بَان الشَّاهِدَانِ مُسلمين حُرَّيْنِ بالغين فَيصح ويعتد قَول الشَّاهِد إِنَّه مُسلم أَو حر أَو بَالغ (وَبَان بُطْلَانه) أَي النِّكَاح فِي حق الزَّوْجَيْنِ (بِحجَّة) من بَيِّنَة أَو علم حَاكم (فِيهِ) أَي النِّكَاح (أَو بِإِقْرَار الزَّوْجَيْنِ بِمَا يمْنَع صِحَّته) أَي النِّكَاح كفسق الشَّاهِد وَوُقُوع النِّكَاح فِي الرِّدَّة وَإِنَّمَا يتَبَيَّن الْفسق أَو غَيره بِعلم الْحَاكِم حَيْثُ سَاغَ لَهُ الحكم بِعِلْمِهِ بِأَن كَانَ مُجْتَهدا فَيلْزمهُ التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِن لم يترافعا إِلَيْهِ مَا لم يحكم حَاكم يرَاهُ بِصِحَّتِهِ وَذَلِكَ إِذا تبين عِنْد العقد أَو قبل مُضِيّ زمن الِاسْتِبْرَاء فِي الشَّاهِد بِخِلَاف مَا إِذا تبين قبل العقد وَحَالا لاحْتِمَال حُدُوث ذَلِك الْمَانِع ثمَّ مَحل بطلَان النِّكَاح بِاتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يتَعَلَّق بحقهما دون حق الله تَعَالَى فَلَو طَلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ توافقا وَأَقَامَا أَو أَقَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الزَّوْج بَيِّنَة بِفساد النِّكَاح لم يلْتَفت لذَلِك بِالنِّسْبَةِ لسُقُوط التَّحْلِيل لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى فَلَا يرْتَفع بذلك وَلَا يُؤثر فِي إبِْطَال النِّكَاح إِقْرَار الشَّاهِدين بِمَا يمْنَع صِحَّته فَلَا يقبل قَوْلهمَا على الزَّوْجَيْنِ نعم لَهُ أثر فِي حَقّهمَا فَلَو حضرا عقد أختهما مثلا ثمَّ مَاتَت وورثاها سقط الْمهْر قبل الْوَطْء وَفَسَد الْمُسَمّى بعده فَيجب مهر الْمثل إِن لم يكن أَكثر من الْمُسَمّى وَلَو أقرّ الزَّوْج بِمَا يمْنَع صِحَة النِّكَاح فسخ مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَهَذِه الْفرْقَة لَا تنقص عدد الطَّلَاق وَعَلِيهِ الْمهْر إِن دخل بهَا وَإِلَّا فنصفه وَلَا يَرِثهَا وورثته لَكِن بعد حَلفهَا وجوبا إِنَّه عقد بعدلين أما لَو أقرَّت الزَّوْجَة بخلل ولي أَو شَاهد فَلَا يفرق بَينهمَا لَكِن لَو مَاتَ لم تَرثه وَإِن مَاتَت أَو طَلقهَا قبل وَطْء فَلَا مهر أَو بعده فلهَا أقل الْأَمريْنِ من الْمُسَمّى وَمهر الْمثل وَيسن الْإِشْهَاد على رضَا الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ سَوَاء كَانَت غير مجبرة أَو مجبرة بَالِغَة ورضاها الْكَافِي فِي العقد يحصل بِإِذْنِهَا أَو بِإِخْبَار من يصدق قَوْله فِي الْقلب وَلَو فَاسِقًا أَو صَبيا أَو بِإِخْبَار وَليهَا مَعَ تَصْدِيق الزَّوْج أَو عَكسه (وَحلفت) امْرَأَة (مدعية محرمية لم ترضه) أَي الزَّوْج أَي فَتصدق تِلْكَ الْمَرْأَة بِيَمِينِهَا إِن زوجت بِغَيْر إِذْنهَا بِأَن كَانَت مجبرة أَو بِإِذن مُطلق من غير تعْيين زوج مَا لم تمكنه من نَفسهَا بِالْوَطْءِ مختارة وَلها مهر مثل إِن وَطئهَا الرجل وَلم تكن عَالِمَة مختارة حِينَئِذٍ وَإِلَّا فزانية وَإِن لم يَطَأهَا فَلَا شَيْء لَهَا لتبين فَسَاد النِّكَاح (وَحلف) أَي رجل مدعي محرمية أَو مُنكر لَهَا (لراضية) بِأَن زوجت مِنْهُ بِرِضَاهَا بِهِ بِأَن عينته فِي إِذْنهَا أَو مكنته من نَفسهَا فَإِن (اعتذرت) أَي الراضية فِي الْإِذْن أَو التَّمْكِين بنسيان أَو غلط سَمِعت للْعُذْر وَإِلَّا فَلَا (و) شَرط (فِي الْوَلِيّ عَدَالَة) المُرَاد بهَا عدم الْفسق حَالَة العقد (وحرية) كَامِلَة (وتكليف) ورشد وَهُوَ صَلَاح الدّين وَالْمَال فَلَا ولَايَة لفَاسِق غير الإِمَام الْأَعْظَم وَلَو تَابَ الْفَاسِق تَوْبَة صَحِيحَة زوج حَالا لِأَن الشَّرْط عدم الْفسق لَا الْعَدَالَة وَبَينهمَا وَاسِطَة وَلذَا زوج المستور الظَّاهِر الْعَدَالَة وَالْمرَاد بتوبة الْوَلِيّ فِي الْحَال أَن يعزم عزما مصمما على رد الْمَظَالِم وعَلى قَضَاء الصَّلَوَات مثلا وَإِن لم يُوجد مِنْهُ رد وَلَا قَضَاء بِالْفِعْلِ بِخِلَاف الشَّاهِد فَلَا بُد أَن يمْضِي بعد تَوْبَته سنة إِذا كَانَ فسقه بمحذور فعلي كَشَهَادَة زور وَقذف إِيذَاء وَلَا ولَايَة لرقيق نعم لَو ملك الْمبعض أمة زَوجهَا لِأَنَّهُ يُزَوّج بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ وَيجوز كَون الرَّقِيق وَكيلا فِي الْقبُول لَا الْإِيجَاب وَلَا ولَايَة لصبي وَمَجْنُون فيزوج الْأَبْعَد زمن الْجُنُون فَقَط وَلَا تنْتَظر إِفَاقَته نعم لَو قل جدا كَيَوْم فِي سنة انتظرت كالإغماء وَيشْتَرط بعد إِفَاقَته صفاؤه من آثَار خبل يحملهُ على حِدة فِي الْخلق وَلَا ولَايَة على مختل نظر بهرم أَو غَفلَة وَكَثْرَة أسقام شغلته عَن اختبار الْأَكفاء وَلَا على مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه لبلوغه غير رشيد مُطلقًا أَو بتبذيره فِي مَاله بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 رشده وَحجر عَلَيْهِ (وينقل ضد كل) من الْمَذْكُورَات (ولَايَة لأبعد) لَا لحَاكم وَلَو فِي بَاب الْوَلَاء فَلَو أعتق أمة وَمَات عَن ابْن صَغِير وَأب زوج الْأَب لَا الْحَاكِم (وَهُوَ) أَي الْوَلِيّ فِي التَّزْوِيج (أَب فأبوه) وَإِن علا (فيزوجان بكرا أَو ثَيِّبًا بِلَا وَطْء) كمن زَالَت بَكَارَتهَا بِسُقُوط من علو أَو خلقت بِلَا بكارة كَبِيرَة كَانَت أَو صَغِيرَة عَاقِلَة أَو مَجْنُونَة (بِغَيْر إِذْنهَا) بِشُرُوط لصِحَّة ذَلِك التَّزْوِيج ولجواز الْإِقْدَام لذَلِك فَأَما الشَّرْط للصِّحَّة فَهُوَ أَن يُزَوّجهَا (لكفء) مُوسر بِحَال مهر مثلهَا بِأَن يكون فِي ملكه ذَلِك نَقْدا كَانَ أَو غَيره سَوَاء دخل فِي ملكه بقرض إِذْ ذَاك أَو بِغَيْرِهِ فالمدار على كَونه فِي ملكه عِنْد العقد وَأَن يُزَوّجهَا مَعَ عدم عَدَاوَة بَينهَا وَبَينه لَا ظَاهِرَة وَلَا خُفْيَة وَعدم عَدَاوَة ظَاهِرَة بَينهَا وَبَين الْأَب وَهِي بِحَيْثُ لَا تخفى على أهل محلتها وَإِلَّا فَلَا يُزَوّجهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَأما الشَّرْط لجَوَاز الْإِقْدَام لذَلِك فكون الْمهْر بِمهْر الْمثل الْحَال من نقد الْبَلَد وَذَلِكَ فِيمَن لم يعتدن التَّأْجِيل أَو غير نقد الْبَلَد وَإِلَّا جَازَ بالمؤجل وَبِغير نقد الْبَلَد وَيسن لَهما اسْتِئْذَان بكر مكلفة تطيبا لقلبها (لَا) يزوجان (ثَيِّبًا بِوَطْء) فِي قبلهَا حَلَال أَو حرَام أَو شُبْهَة وَإِن عَادَتْ الْبكارَة وَإِن كَانَ الْوَطْء حَالَة النّوم أَو من نَحْو قرد (إِلَّا بِإِذْنِهَا نطقا بَالِغَة) عَاقِلَة فَإِن كَانَت الثّيّب صَغِيرَة عَاقِلَة حرَّة لم تزوج حَتَّى تبلغ لوُجُوب إِذْنهَا وَهُوَ مُتَعَذر مَعَ صغرها أما الْمَجْنُونَة فَتزَوج أما القنة فيزوجها السَّيِّد مُطلقًا أَي ثَيِّبًا أَو غَيرهَا صَغِيرَة أَو كَبِيرَة (وَتصدق) أَي الْبَالِغَة (فِي) دَعْوَى (بكارة بِلَا يَمِين و) فِي دَعْوَى (ثيوبة قبل عقد) عَلَيْهَا (بِيَمِينِهَا وَإِن لم تتَزَوَّج وَلم تذكر سَببا أما دَعْوَاهَا الثيوبة بعد أَن يُزَوّجهَا الْأَب بِغَيْر إِذْنهَا بظنه بكرا فَلَا تسمع بل لَو شهِدت أَربع نسْوَة بثيوبتها عِنْد العقد لم يبطل النِّكَاح (ثمَّ) بعد الْجد (عصبتها وَهُوَ) الْمجمع على إرثهم كترتيبه فَيقدم (أَخ لِأَبَوَيْنِ فلأب فبنوهما) أَي الْأَخ لِأَبَوَيْنِ وَالْأَخ لأَب وَإِن سفلوا (فَعم) لِأَبَوَيْنِ ثمَّ عَم لأَب ثمَّ ابْن عَم كَذَلِك وَإِن سفل نعم لَو كَانَ أحد الْعصبَة أَخا لأم أَو كَانَ معتقا قدم (ثمَّ) بعد الْعصبَة النسبية (مُعتق فعصباته) ثمَّ مُعتق الْمُعْتق فعصبته بِسَبَب اسْتِحْقَاق الْعُصُوبَة ويزوج عتيقة الْمَرْأَة فِي حَيَاتهَا وَليهَا بعد فقد ولي العتيقة من النّسَب فيزوجها أَبُو الْمُعتقَة ثمَّ جدها وَلَا يُزَوّجهَا ابْن الْمُعتقَة وَيعْتَبر فِي تَزْوِيجهَا رِضَاهَا وَلَا يعْتَبر إِذن الْمُعتقَة إِذْ لَا ولَايَة لَهَا وَلَا إِجْبَار لَكِن يسن استئذانها ويزوج عتيقة الْمَرْأَة بعد مَوتهَا من لَهُ الْوَلَاء على العتيقة من عصباتها فَيقدم ابْنهَا على أَبِيهَا (فيزوجون) أَي هَؤُلَاءِ المذكورون (بَالِغَة) ثَيِّبًا أَو بكرا عَاقِلَة (بِإِذن ثيب بِوَطْء) فِي قبلهَا (نطقا) وَلَو بِلَفْظ الْوكَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أما الخرساء فإذنها باشارتها المفهمة أَو بكتابتها مَعَ نِيَّة الْإِذْن وَيعلم ذَلِك بكتابتها ثَانِيًا فَلَو لم تكن إِشَارَة مفهمة وَلَا كِتَابَة فَهِيَ كالمجنونة فيزوجها الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الْحَاكِم دون غَيرهم وَحِينَئِذٍ سَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة ثَيِّبًا أَو بكرا (وَصمت بكر) لم يقْتَرن بصياح أَو ضرب خد (استؤذنت) وَلَو لغير كُفْء وَإِن ظنته كفئا لَا بِدُونِ مهر مثل أَو كَونه من غير نقد الْبَلَد وَإِن لم تعلم الزَّوْج سَوَاء علمت أَن سكُوتهَا إِذن أم لَا وَسَوَاء كَانَ الاسْتِئْذَان من الْمُجبر أَو من غَيره أما إِذا لم تستأذن وَإِنَّمَا زوج بحضرتها فَلَا يَكْفِي سكُوتهَا (ثمَّ) بعد فقد الْأَوْلِيَاء الْمَذْكُورين (قَاض فيزوج) من هِيَ حَالَة العقد فِي مَحل ولَايَته وَلَا مختارة أَو أَذِنت لَهُ وَهِي خَارِجَة عَن مَحل ولَايَته ثمَّ يُزَوّجهَا بعد عودهَا لَهُ لَا قبل وصولها لَهُ وَلَو كَانَت الْمَرْأَة بِمحل ولَايَته وَالزَّوْج خَارجه بِأَن وكل فعقد الْحَاكِم مَعَ وَكيله صَحَّ فَالْعِبْرَة بِالْمَرْأَةِ دون الزَّوْج وَعلم بِمَا ذكر أَنَّهَا لَو أَذِنت لَهُ ثمَّ خرجت لغير مَحل ولَايَته ثمَّ عَادَتْ ثمَّ زَوجهَا صَحَّ وتخلل الْخُرُوج مِنْهَا أَو مِنْهُ غير مُبْطل للْإِذْن وَولَايَة القَاضِي تَشْمَل بِلَاد ناحيته وقراها وَمَا بَينهَا من الْبَسَاتِين والمزارع والبادية وَغَيرهَا فيزوج القَاضِي (بكفء بَالِغَة عدم وَليهَا) بِأَن لم يُوجد الْوَلِيّ الْخَاص بِنسَب أَو وَلَاء بالمرة (أَو غَابَ) أَي الْوَلِيّ الْأَقْرَب نسبا أَو وَلَاء (مرحلَتَيْنِ) وَلَيْسَ لَهُ وَكيل حَاضر فِي التَّزْوِيج وَإِلَّا قدم على القَاضِي خلافًا البُلْقِينِيّ فَإِذا تبين كَونه دون مَسَافَة الْقصر حَالَة العقد بِبَيِّنَة أَو بحلفه لم يَصح تَزْوِيج القَاضِي (أَو) غَابَ دون مرحلَتَيْنِ وَقد (تعذر وُصُول إِلَيْهِ) أَي الْوَلِيّ الْأَقْرَب (لخوف) فِي الطَّرِيق أَو مشقة لَا تحْتَمل عَادَة وَتصدق الْمَرْأَة بِيَمِينِهَا فِي غيبَة وَليهَا وخلوها من الْمَوَانِع وَيسْتَحب طلب بَيِّنَة مِنْهَا بذلك وَإِن لم تقم بَيِّنَة فيحلفها وجوبا (أَو فقد) أَي الْوَلِيّ الْأَقْرَب بِأَن انْقَطع خَبره بِحَيْثُ لَا يعلم مَوته وَلَا حَيَاته وَلم ينْتَه إِلَى مُدَّة يحكم فِيهَا بِمَوْتِهِ (أَو عضل) أَي الْوَلِيّ أَي منع (مكلفة) وَلَو سَفِيهَة (دعت إِلَى كُفْء) وَإِن كَانَ مَنعه لنَقص الْمهْر بِخِلَاف مَا لَو دعت إِلَى غير الْكُفْء وَلَا بُد من ثُبُوت العضل عِنْد الْحَاكِم ليزوج وَمن خطْبَة الْكُفْء لَهَا وَمن تَعْيِينهَا لَهُ وَلَو بالنوع بِأَن خطبهَا أكفاء ودعت إِلَى أحدهم وَمحل تَزْوِيج القَاضِي بالعضل إِذا لم يتَكَرَّر فَإِن تكَرر ثَلَاثًا وَلم تغلب طاعاته على مَعَاصيه فِي ذَلِك الْيَوْم عددا صَار كَبِيرَة يفسق بهَا العاضل فيزوج الْأَبْعَد وَإِلَّا فالولاية للْقَاضِي وَإِن تكَرر العضل ألف مرّة وَالْمرَاد بِالثلَاثِ الثَّلَاث بِالنِّسْبَةِ لعرض الْحَاكِم وَلَو فِي نِكَاح وَاحِد وَلَا يشْتَرط أَن تكون فِي ثَلَاثَة أنكحة ويزوج القَاضِي أَيْضا إِذا أحرم الْوَلِيّ أَو تعزز أَو توارى أَو حبس وَقد منع وُصُول النَّاس إِلَيْهِ أَو تزوج بموليته وَلم يكن لَهَا ولي فِي دَرَجَته كَمَا لَو كَانَ لَهَا ابْن عَم شَقِيق وَابْن عَم لأَب وَأَرَادَ ابْن الْعم الشَّقِيق أَن يَتَزَوَّجهَا فَلَا يَصح أَن يُزَوّج نَفسه من نَفسه وَلَا يَصح أَن يُزَوّجهَا لَهُ ابْن الْعم للْأَب لحجبه بِهِ بِخِلَاف الْعَكْس أَو جنت بَالِغَة فقدت الْمُجبر (ثمَّ مُحكم عدل) قَالَ الشرقاوي فَإِن فقد الْحَاكِم جَازَ للزوجين أَن يوليا أَمرهمَا حرا عدلا ليعقد لَهما وَإِن لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 مُجْتَهدا وَلَو مَعَ وجود مُجْتَهد بِخِلَاف مَا إِذا وجد الْحَاكِم وَلَو حَاكم ضَرُورَة فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهما أَن يوليا أَمرهمَا إِلَّا مُجْتَهدا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْحَضَر وَالسّفر نعم لَو كَانَ القَاضِي يَأْخُذ دَرَاهِم لَهَا مِقْدَار عَظِيم لَا تحْتَمل عَادَة النِّسْبَة للزوجين جَازَ لَهما تَوْلِيَة أَمرهمَا حرا عدلا مَعَ وجود القَاضِي فَعلم أَنه لَا يجوز للْمَرْأَة أَن توكل مُطلقًا (ولقاض تَزْوِيج من قَالَت أَنا خلية من نِكَاح وعدة) وَيسن طلب بَيِّنَة مِنْهَا بذلك وَإِلَّا فيحلفها وجوبا فَإِن ألحت فِي الطّلب بِلَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين أجيبت وَمحل ذَلِك (مَا لم يعرف) أَي القَاضِي (لَهَا زوجا معينا (وَإِلَّا شَرط) فِي حِصَّة تَزْوِيج الْحَاكِم لَهَا (إِثْبَات لفراقه) سَوَاء أحضر أم غَابَ وَإِن كَانَ الْقيَاس قبُول قَوْلهَا فِي الْمعِين أَيْضا حَتَّى عِنْد القَاضِي لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بقول أَرْبَابهَا فَالنِّكَاح يحْتَاط لَهُ أَكثر أما الْوَلِيّ الْخَاص فَإِذا قَالَت الْمَرْأَة لَهُ زَوجنِي فَإِن زَوجي طَلقنِي أَو مَاتَ وَانْقَضَت عدتي زَوجهَا مَعَ تعْيين الزَّوْج إِذا صدقهَا (ولمجبر) لموليته (تَوْكِيل فِي تَزْوِيج موليته بِغَيْر إِذْنهَا) كَمَا لَهُ تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا نعم ينْدب للْوَكِيل استئذانها وَيَكْفِي سكُوتهَا (و) يجب (على وَكيل رِعَايَة حَظّ) عِنْد الْإِطْلَاق فَلَا يُزَوّج غير كُفْء (وَلغيره) أَي الْمُجبر كَالْأَبِ فِي الثّيّب تَوْكِيل (بعد إِذن) مِنْهَا (لَهُ) أَي غير الْمُجبر (فِيهِ) أَي التَّزْوِيج بِأَن قَالَت لَهُ زَوجنِي وأطلقت فَلم تَأمره بتوكيل وَلَا نهته عَنهُ أَو قَالَت لَهُ وكل فَإِن نهته عَن التَّوْكِيل فَلَا يُوكل فَلْيقل وجوبا وَكيل الْوَلِيّ للزَّوْج زَوجتك بنت فلَان ابْن فلَان وَيرْفَع نسبه إِلَى أَن يتَمَيَّز ثمَّ ليقل موكلي أَو وكَالَة عَنهُ مثلا إِن جهل الزَّوْج أَو الشَّاهِدَانِ أَو أَحدهمَا وكَالَته عَنهُ وَإِلَّا لم يحْتَج لذَلِك (ولزوج تَوْكِيل فِي قبُوله) للنِّكَاح فَلْيقل الْوَلِيّ لوكيل الزَّوْج زوجت بِنْتي فلَان بن فلَان كَذَلِك وَليقل وَكيله قبلت نِكَاحهَا لَهُ أَو تَزَوَّجتهَا لَهُ مثلا فرع يُزَوّج عتيقه امْرَأَة حَيَّة) بعد فقد عصبَة العتيقة من النّسَب (وَليهَا) أَي الْمَرْأَة الْحَيَّة لِأَنَّهُ لما انْتَفَت ولَايَة الْمَرْأَة للنِّكَاح طلبت أَن يتبع الْولَايَة عَلَيْهَا الْولَايَة على عتيقها فيزوجها أَبُو الْمُعتقَة ثمَّ جدها على تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء (بِإِذن عتيقة) وَيَكْفِي سكُوتهَا إِن كَانَت بكرا وَلَا يعْتَبر إِذن الْمُعتقَة على الْأَصَح (و) يُزَوّج (أمة) امْرَأَة (بَالِغَة وَليهَا) أَي السيدة الْبَالِغَة (بِإِذْنِهَا) أَي السيدة نطقا وَلَو بكرا إِذْ لَا تَسْتَحي فَإِن كَانَت صَغِيرَة ثَيِّبًا امْتنع على أَبِيهَا تَزْوِيج أمتها إِلَّا إِذا كَانَت مَجْنُونَة وَلَيْسَ للْأَب إِجْبَار أمة الْبكر الْبَالِغ فَلَا بُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 من إِذن مِنْهَا إِن كَانَت بَالِغَة وَإِلَّا فَلَا يُزَوّج (و) يُزَوّج (أمة صَغِيرَة بكر وصغير أَب) فجد (لغبطة) فِي التَّزْوِيج اكتسابا للمهر وَالنَّفقَة فَلَا تزوج أمة صَغِيرَة عَاقِلَة ثيب وَلَا يُزَوّج السُّلْطَان أمة صَغِيرَة وصغير مَجْنُونَة بل يُزَوّجهَا الْأَب وَالْجد لِأَن لَهما إِجْبَار سيديهما فَجَاز لَهما إجبارها تبعا لسيديهما (لَا عبدهما) أَي أمة الصَّغِيرَة وَالصَّغِير (و) يُزَوّج (سيد) بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ (أمته) الَّتِي يملك جَمِيعهَا وَلم يتَعَلَّق بهَا حق لَازم على النِّكَاح (وَلَو) كَانَت الْأمة بكرا أَو ثَيِّبًا (صَغِيرَة) أَو كَبِيرَة وَلَا يَصح بِدُونِ رِضَاهَا إِذا زَوجهَا من غير من يكافئها فِي نَحْو الْعِفَّة والسلامة من الْعُيُوب ودناءة الحرفة نعم لَهُ إجبارها على رَقِيق ودنيء النّسَب إِذْ لَا نسب لَهَا ويزوج ولي نِكَاح وَمَال من أَب وَإِن علا وسلطان أمة موليه من ذِي صغر وجنون وسفه وَلَو كَانَ الْوَلِيّ أُنْثَى بِإِذن ذِي السَّفه اكتسابا للمهر وَالنَّفقَة بِخِلَاف عبد موليه فَلَا يُزَوّج لما فِيهِ من انْقِطَاع اكتسابه عَنهُ (وَلَا ينْكح عبد) سَوَاء كَانَ قِنَا أَو مُدبرا أَو مبعضا أَو مكَاتبا أَو مُعَلّقا عتقه بِصفة (إِلَّا بِإِذن سَيّده) الرشيد غير الْمحرم نطقا وَلَو كَانَ السَّيِّد كَافِرًا أَو أُنْثَى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا مَمْلُوك تزوج بِغَيْر إِذن سَيّده فَهُوَ عاهر وَإِذا بَطل النِّكَاح لعدم الْإِذْن تعلق مهر الْمثل بِذِمَّتِهِ فَقَط إِذا كَانَ فِي غير نَحْو صَغِيرَة وَإِلَّا بِأَن كَانَت صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة أَو كَبِيرَة لم تكن مختارة تعلق بِرَقَبَتِهِ لوُجُوبه بِغَيْر رضامستحقه وَكَذَا إِذا وطىء أمة غير مأذونة فَيتَعَلَّق مهر الْمثل بِرَقَبَتِهِ فصل فِي الْكَفَاءَة وَهِي مُعْتَبرَة فِي النِّكَاح دفعا للعار لَا تعْتَبر لصِحَّته على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا تعْتَبر حَيْثُ لَا رضَا من الْمَرْأَة وَحدهَا فِي جب وعنة وَمَعَ وَليهَا الْأَقْرَب فِيمَا سواهُمَا وَسَقَطت بالإسقاط وَالصِّفَات الْمُعْتَبرَة فِي الْكَفَاءَة ليعتبر مثلهَا فِي الزَّوْج خمس وَالْعبْرَة فِي الصِّفَات بِحَالَة العقد نعم الحرفة الدنيئة لَا بُد من مُضِيّ زمن يقطع نسبتها عَنهُ بِحَيْثُ صَار لَا يعير بهَا أَحدهَا حريَّة فِي الزَّوْج وَفِي الْآبَاء وَثَانِيها عفة عَن الْفسق فِيهِ وَفِي آبَائِهِ وَثَالِثهَا نسب وَالْعبْرَة فِيهِ بِالْآبَاءِ كالإسلام وَرَابِعهَا حِرْفَة فِيهِ أَو فِي أحد من آبَائِهِ وَهِي مَا يتحرف بِهِ لطلب الرزق من الصَّنَائِع وَغَيرهَا وخامسها سَلامَة للزَّوْج من الْعُيُوب المثبتة للخيار فَحِينَئِذٍ (لَا يكافىء حرَّة) وَلَو عتيقة ومبعضة (وَلَا عفيفة) وسنية ورشيدة (ونسيبة) من هاشمية ومطلبية وقرشية وعربية (وسليمة من حرف دنيئة وَمن عيب نِكَاح كجنون وجذام وبرص غير) مِمَّن بِهِ أَو بِأَبِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْأَقْرَب رق وَمن فَاسق ومبتدع ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه وَمن غير هاشمي ومطلبي وقرشي وعربي وَمن صَاحب حرف دنيئة وَهِي مَا دلّت ملابسته على انحطاط الْمُرُوءَة وَسُقُوط النَّفس فَمَا نصوا عَلَيْهِ لَا يعْتَبر فِيهِ عرف عَام وَمَا لم ينصوا عَلَيْهِ يعْتَبر فِيهِ عرف بلد الزَّوْجَة لَا بلد العقد لِأَن الْمدَار على عارها وَعَدَمه فكناس وَلَو فِي الْمَسْجِد الْحَرَام إِذا كَانَ بِأُجْرَة وراع وحجام ودباغ وَنَحْوهم من كل ذِي حِرْفَة فِيهَا مُبَاشرَة نَجَاسَة لَا يكافئون بنت خياط ثمَّ الْخياط لَا يكافىء بنت تَاجر أَو بزاز وهما لَا يكافئان بنت قَاض أَو عَالم إِذا كَانَ عَاملا وَإِلَّا فَهُوَ بِمَنْزِلَة حِرْفَة شريفة وَمن بِهِ جُنُون أَو جذام أَو برص لَا يكافىء وَلَو من بهَا ذَلِك وَإِن اتَّحد النَّوْع وَكَانَ مَا بهَا أقبح لِأَن الْإِنْسَان يعاف من غَيره مَا لَا يعافه من نَفسه أَو جب أَو عنة لَا يكافىء رتقاء أَو قرناء أما الْعُيُوب الَّتِي لَا تثبت الْخِيَار فَلَا تُؤثر كعمى وَقطع أَطْرَاف وتشوه صُورَة (وَلَا يُقَابل بَعْضهَا) أَي خِصَال الْكَفَاءَة (بِبَعْض) فَلَا تزوج حرَّة عجمية برقيق عَرَبِيّ وَلَا سليمَة من الْعُيُوب دنيئة بمعيب نسيب وَلَا حرَّة فاسقة بِعَبْد عفيف وَقيل إِن دناءة نسبه تنجبر بعفته الظَّاهِرَة وَأَن الْأمة الْعَرَبيَّة يقابلها الْحر العجمي قَالَ ابْن قَاسم نقلا عَن الرَّمْلِيّ وَيعْتَبر الْعلم فِي الزَّوْج وَفِي آبَائِهِ فالجاهل ابْن الْعَالم لَا يكافىء العالمة بنت الْجَاهِل لِأَن بعض الْخِصَال لَا يُقَابل بِبَعْض (ويزوجها بِغَيْر كُفْء ولي) مُنْفَرد أَو أقرب (لَا قَاض بِرِضا كل) ويزوجها بِغَيْر كُفْء بعض الْأَوْلِيَاء المستوين بِرِضا البَاقِينَ أما القَاضِي فَلَا يَصح تَزْوِيجهَا لغير كُفْء قطعا إِذا كَانَ لنَحْو غيبَة الْوَلِيّ أَو عضله أَو إِحْرَامه لبَقَاء حَقه وولايته وَالأَصَح على مَا صَححهُ البُلْقِينِيّ وَلَو طلبت الْمَرْأَة من القَاضِي تَزْوِيجهَا لغير كُفْء وَلم يجبها وَلَيْسَ ثمَّ قَاض يرى تَزْوِيجهَا من غير الْكُفْء فلهَا تحكيم عدل ليزوجها مِنْهُ للضَّرُورَة قَالَ ابْن حجر إِن كَانَ فِي الْبَلَد حَاكم يرى تَزْوِيجهَا من غير الْكُفْء تعين فَإِن فقد وَوجدت عدلا تحكمه ويزوجها تعين فَإِن فقد أَو خَافت الزِّنَا لزم القَاضِي الَّذِي لم يرد تَزْوِيجهَا من غير الْكُفْء إجابتها للضَّرُورَة فصل فِي نِكَاح من فِيهَا رق لَا ينْكح الرجل من يملكهَا أَو بَعْضهَا وَلَو كَانَت الْمَرْأَة مُسْتَوْلدَة ومكاتبة وَلَو كَانَ الرجل مبعضا فَيحرم النِّكَاح عَلَيْهِ لتعاطيه عقدا فَاسِدا فَإِن وَطأهَا جَائِز لَهُ من غير عقد لتناقض أَحْكَام الْملك وَالنِّكَاح إِذْ الْملك لَا يَقْتَضِي نَحْو قسم وَطَلَاق والزوجية تقتضيهما وَلَو ملك زَوجته أَو بَعْضهَا ملكا تَاما بَطل نِكَاحه لِأَنَّهُ أَضْعَف وَلَا تنْكح الْمَرْأَة من تملكه أَو بعضه ملكا تَاما لتضاد أحكامهما لِأَنَّهَا تطالبه بِالسَّفرِ للشرق لِأَنَّهُ عَبدهَا وَهُوَ يطالبها بِهِ للغرب لِأَنَّهَا زَوجته وَعند تعذر الْجمع يسْقط الأضعف وَيحل للْمَرْأَة نِكَاح عبد أَبِيهَا أَو ابْنهَا لِأَنَّهُ لَا يلْزمه إعفافها وَلَيْسَ كتزوج الْأَب أمة ابْنه لشُبْهَة الإعفاف وَيحل للْوَلَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 نِكَاح أمة أَبِيه وَلَا ينْكح الْحر كُله حرَّة وَلَدهَا رَقِيق بِأَن أوصى لرجل بِحمْل أمة دَائِما فَأعْتقهَا الْوَارِث كَمَا (حرم لحر نِكَاح أمة) للْغَيْر (إِلَّا) بِخَمْسَة شُرُوط أَحدهَا (بعجز عَمَّن تصلح لتمتع) من حرَّة أَو أمة وَلَو كِتَابِيَّة بِأَن لم يفضل عَمَّا مَعَه أَو مَعَ فَرعه الَّذِي يلْزمه إعفافه مَا يَفِي بِمهْر مثلهَا وَقد طلبته أَو لم ترض إِلَّا بِزِيَادَة عَلَيْهِ وَإِن قلت وَقدر عَلَيْهَا نعم لَو وجد حرَّة وَأمة لم يرض سَيِّدهَا إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر مثل تِلْكَ الْحرَّة وَلم ترض هَذِه الْحرَّة إِلَّا بِمَا طلبه السَّيِّد لم تحل لَهُ الْأمة وَالْمرَاد بصلاحيتها للاستمتاع بِاعْتِبَار الْعرف لَا بِاعْتِبَار ميل طبعه (و) ثَانِيهَا (بخوفه زنا) وَلَو خَصيا بِأَن تغلب شَهْوَته تقواه لقَوْله تَعَالَى {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَثَالِثهَا بِعَدَمِ من تصلح للاستمتاع تَحْتَهُ من حرَّة أَو أمة وَلَو كِتَابِيَّة ووجودها تَحْتَهُ أبلغ من استطاعة مهرهَا الْمَانِع بِنَصّ الْآيَة وَهَذَا الشَّرْط لَا يُغْنِيه مَا قبله لأَنا نجد كثيرا من تَحْتَهُ صَالِحَة لذَلِك وَهُوَ يخَاف الزِّنَا وَرَابِعهَا أَن لَا تكون الْأمة مَوْقُوفَة عَلَيْهِ وَلَا موصى لَهُ بمنفعتها أَو بخدمتها أبدا وَلَا مَمْلُوكَة لمكاتبه أَو وَلَده وخامسها أَن تكون الْأمة مسلمة وَهَذَا الشَّرْط مُخْتَصّ بِالْمُسلمِ عَام للْحرّ وَغَيره أما نِكَاح الْحر الْمَجُوسِيّ أَو الوثني الْأمة الْمَجُوسِيَّة أَو الوثنية فَهُوَ كَنِكَاح الْكِتَابِيّ الْكِتَابِيَّة فَإِنَّهُ يحل وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا طلبُوا من قاضينا ذَلِك وَإِلَّا فنكاح الْكفَّار مَحْكُوم بِصِحَّتِهِ (وَحل لمُسلم وَطْء الْكِتَابِيَّة) بِالْملكِ لَا الوثنية والمجوسية لما قيل إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يطَأ صَفِيَّة وَرَيْحَانَة قبل إسلامهما لَكِن الْمُعْتَمد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يطأهما إِلَّا بعد الْإِسْلَام فصل فِي الصَدَاق وَهُوَ مَا وَجب بِعقد فِي غير المفوضة أَو وَطْء فِيهَا وَفِي وَطْء الشُّبْهَة وَالنِّكَاح الْفَاسِد أَو بتفويت بضع قهرا كَمَا لَو أرضعت الْكُبْرَى الصُّغْرَى فَيجب للصغرى على الزَّوْج نصف الْمُسَمّى إِن كَانَ صَحِيحا وَإِلَّا فَنصف مهر الْمثل وَيجب على الْكُبْرَى لَهُ نصف مهر مثلهَا وبرجوع شُهُود كَمَا لَو شهدُوا بِطَلَاق بَائِن أَو رضَاع محرم أَو لعان ثمَّ رجعُوا عَن ذَلِك فيلزمهم الْمهْر كُله للزَّوْج وَلَو قبل الْوَطْء فقد وَجب الْمهْر فِي هَذِه للرجل على الرجل وَفِي الَّتِي قبلهَا للرجل على الْمَرْأَة وَقد يجب للْمَرْأَة على الْمَرْأَة كَمَا لَو تزوج الْمَمْلُوك لامْرَأَة بصغيرة وأرضعتها أمه أَو زَوجته فانه يَنْفَسِخ نِكَاحه وتغرم أمه أَو زَوجته الْمهْر لسيدته لِأَنَّهَا الْمُسْتَحقَّة لَهُ وَقد يجب للْمَرْأَة على الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَهُوَ الأَصْل فِيهِ (سنّ ذكر صدَاق فِي عقد) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخل نِكَاحا مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أدفَع للخصومة نعم لَو زوج عَبده بأمته وَلَو كِتَابِيَّة لم يسن ذكره إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ فالتسمية خلاف الأولى وَقد يجب ذكره لعَارض لَكِن لَا يبطل العقد بِتَرْكِهِ وَذَلِكَ بِأَن كَانَت الْمَرْأَة غير جَائِزَة التَّصَرُّف أَو مَمْلُوكَة لغير جَائِز التَّصَرُّف أَو كَانَت جائزته وأذنت لوَلِيّهَا أَن يُزَوّجهَا وَلم تفوض فَزَوجهَا هُوَ أَو وَكيله أَو كَانَ الزَّوْج غير جَائِز التَّصَرُّف وَحصل الِاتِّفَاق فِي زواجه على أقل من مهر مثل الزَّوْجَة وَهِي بَالِغَة رَشِيدَة وَفِي الصُّور السَّابِقَة على أَكثر مِنْهُ وَالزَّوْج بَالغ رشيد فتتعين التَّسْمِيَة فِي ذَلِك بِمَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَلَا يجوز إخلاؤه مِنْهُ فَلَو لم يسم أَثم وَصَحَّ العقد بِمهْر الْمثل وَقد يحرم كَمَا لَو زوج مَحْجُورا عَلَيْهِ بِمن لم ترض إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر مثلهَا فَيقبل الْوَلِيّ ساكتا وَيسن أَن لَا ينقص الْمهْر عَن عشرَة دَرَاهِم خَالِصَة وَترك المغالاة فِيهِ وَأَن لَا يزِيد على خَمْسمِائَة دِرْهَم فضَّة خَالِصَة وَأَن يكون من الْفضة لقَوْل سيدنَا عمر لَا تغَالوا بِصَدَاق النِّسَاء فَإِنَّهَا لَو كَانَت أَي هَذِه الْخصْلَة مكرمَة فِي الدُّنْيَا أَو تقوى عِنْد الله كَانَ أولى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسْتَحب أَن لَا يدْخل بهَا حَتَّى يدْفع لَهَا شَيْئا من الصَدَاق خُرُوجًا من خلاف من أوجبه سَوَاء كَانَ حَالا كُله أَو بعضه أَو مُؤَجّلا إِذْ لَا مَانع من التَّعْجِيل (وَمَا صَحَّ ثمنا صَحَّ صَدَاقا) فتلغو تَسْمِيَة غير مُتَمَوّل وَمَا لَا يُقَابل مُتَمَوّل وَتَسْمِيَة جَوْهَرَة فِي الذِّمَّة لِامْتِنَاع السّلم فِيهَا (وَلها) أَي المالكة لأمرها الَّتِي لم يدْخل بهَا (حبس نَفسهَا) للْفَرض وَالْقَبْض إِن كَانَت مفوضة وَإِلَّا فلهَا الْحَبْس (لتقبض) مهْرا ملكته بِالنِّكَاحِ (غير مُؤَجل) أَي معينا أَو حَالا كُله أَو بعضه لدفع ضَرَر فَوت بَعْضهَا بِالتَّسْلِيمِ فَخرج مَا لَو كَانَ الْمهْر مُؤَجّلا فَلَا حبس لَهَا وَإِن حل الْأَجَل قبل تَسْلِيمهَا نَفسهَا لَهُ لوُجُوب التَّسْلِيم عَلَيْهَا قبل الْقَبْض لرضاها بالتأجيل فَلَا يرْتَفع بالحلول وَمَا لَو زوج أم وَلَده فعتقت بِمَوْتِهِ أَو أعْتقهَا لِأَنَّهُ ملك للْوَارِث أَو الْمُعْتق لَا لَهَا وَمَا لَو زوج أمة ثمَّ أعْتقهَا وَأوصى لَهَا بمهرها لِأَنَّهَا إِنَّمَا ملكته بِالْوَصِيَّةِ لَا بِالنِّكَاحِ وَيحبس الْأمة سَيِّدهَا الْمَالِك للمهر أَو وليه والمحجورة وَليهَا مَا لم تكن الْمصلحَة فِي التَّسْلِيم (وَلَو أنكح) بكرا (صَغِيرَة) أَو مَجْنُونَة أَو سَفِيهَة بِدُونِ مهر الْمثل (أَو) أنكح (رَشِيدَة بكرا بِلَا إِذن) لَهُ مِنْهَا فِي النَّقْص عَن مهر الْمثل (بِدُونِ مهر مثل) بِمَا لَا يتَسَامَح بِهِ فسد الْمُسَمّى وَصَحَّ النِّكَاح بِمهْر الْمثل لِأَن فَسَاد الصَدَاق لَا يُفْسِدهُ (أَو) قَالَت رَشِيدَة لوَلِيّهَا غير الْمُجبر زَوجنِي و (عينت لَهُ قدرا) كألف (فنقص عَنهُ) أَو أطلقت لَهُ الْإِذْن بِأَن لم تتعرض فِيهِ لمهر فنقص عَن مهر مثل أَو زَوجهَا بِلَا مهر (صَحَّ) أَي النِّكَاح (بِمهْر مثل) وَلَو توَافق الزَّوْج وَالْوَلِيّ أَو الزَّوْجَة الرشيدة على مهر سرا وأعلنوا زِيَادَة وَجب مَا عقد بِهِ أَولا وَإِن تكَرر عقد قل أَو كثر اتّحدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 شُهُود السِّرّ والعلن أم لَا لِأَن الْمهْر إِنَّمَا يجب بِالْعقدِ فَلم ينظر لغيره فالعقود إِذا تَكَرَّرت اعْتبر الأول وحملوا نَص الشَّافِعِي فِي مَوضِع على أَن الْمهْر مهر السِّرّ إِذا تقدم وَفِي مَوضِع آخر على أَنه مهر العلن إِن تقدم (وَفِي وَطْء نِكَاح فَاسد) يجب (مهر مثل) لاستيفائه مَنْفَعَة الْبضْع وَيعْتَبر مهرهَا وَقت الْوَطْء لِأَنَّهُ وَقت الْإِتْلَاف وَلَو تكَرر وَطْء بِشُبْهَة وَاحِدَة فمهر وَاحِد (ويتقرر كُله) أَي الْمهْر (بِمَوْت) لأَحَدهمَا فِي نِكَاح صَحِيح قبل وَطْء لبَقَاء آثَار النِّكَاح بعده من التَّوَارُث وَغَيره وَقد لَا يسْتَقرّ بِالْمَوْتِ فِيمَا لَو قتلت أمة نَفسهَا أَو قَتلهَا سَيِّدهَا (أَو وَطْء) بتغييب حَشَفَة أَو قدرهَا من فاقدها وَإِن لم تزل الْبكارَة سَوَاء أوجب بِنِكَاح أَو فرض وَإِن حرم الْوَطْء كَوَطْء حَائِض أَو دبر لَا باستدخال مني وَإِزَالَة بكارة بِغَيْر ذكر فَإِن طَلقهَا بعد إِزَالَة الْبكارَة بِغَيْر آلَة وَجب لَهَا الشّطْر دون أرش الْبكارَة فَإِن فسخ النِّكَاح وَلم يجب لَهَا مهر وَجب أرش الْبكارَة (وَيسْقط) أَي كل الْمهْر (بِفِرَاق) مِنْهَا فِي الْحَيَاة (قبله) أَي وَطْء فِي قبل أَو دبر (كفسخها) بِعَيْبِهِ أَو بإعساره أَو بِعتْقِهَا وكردتها أَو إسْلَامهَا أَو إرضاعها لَهُ أَو لزوجة أُخْرَى لَهُ أَو ملكهَا لَهُ أَو ارتضاعها كَأَن دبت وارتضعت من أمه مثلا أَو بِسَبَب فِيهَا كفسخه بعيبها (ويتشطر) أَي الْمهْر (بِطَلَاق قبله) أَي الْوَطْء وَلَو خلعا أَو رَجْعِيًا بِأَن استدخلت مَاءَهُ الْمُحْتَرَم أَو بِإِسْلَامِهِ وَحده وردته وَحده أَو مَعهَا ولعانه وإرضاع أمه لَهَا وَهِي صَغِيرَة أَو إِرْضَاع أمهَا لَهُ وَهُوَ صَغِير وَملكه لَهَا سَوَاء طَلقهَا بِنَفسِهِ أَو فوض الطَّلَاق إِلَيْهَا فَفعلت أَو علق طَلاقهَا بِدُخُولِهَا الدَّار وَنَحْوهَا (وَصدق نافي وَطْء) من الزَّوْج بِيَمِينِهِ لموافقته للْأَصْل فَإِن الأَصْل عدم الْوَطْء ويتشطر الْمهْر لِأَن ذَلِك فَائِدَة تَصْدِيقه إِلَّا إِذا نَكَحَهَا بِشَرْط الْبكارَة ثمَّ قَالَ وَجدتهَا ثَيِّبًا وَلم أطأها فَقَالَت بل زَالَت بوطئك فَتصدق الزَّوْجَة بِيَمِينِهَا لدفع الْفَسْخ (وَإِذا اخْتلفَا) أَي الزَّوْجَانِ (فِي قدره) أَي مهر مُسَمّى كَأَن قَالَت نكحتني بِأَلف فَقَالَ بِخَمْسِمِائَة (أَو) فِي (صفته) كَأَن قَالَت بِأَلف دِينَار فَقَالَ بِأَلف دِرْهَم أَو قَالَت بِأَلف صَحِيحَة فَقَالَ بِأَلف مكسرة (وَلَا بَيِّنَة) لوَاحِد مِنْهُمَا أَو لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة وتعارضتا (تحَالفا) كَمَا فِي البيع وَيبدأ هُنَا بِالزَّوْجِ لقُوَّة جَانِبه بِبَقَاء الْبضْع لَهُ (ثمَّ) بعد التَّحَالُف (يفْسخ) الْمهْر (الْمُسَمّى) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول أَي يفسخه كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا أَو الْحَاكِم وَينفذ الْفَسْخ بَاطِنا أَيْضا من المحق فَقَط لمصيره بالتحالف مَجْهُولا وَمن الْكَاذِب بِفَسْخ القَاضِي وَلَا يَنْفَسِخ الْمُسَمّى بِنَفس التَّحَالُف كَالْبيع (وَيجب مهر الْمثل) وَإِن زَاد على مَا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَة لِأَن التَّحَالُف يُوجب رد الْبضْع وَهُوَ مُتَعَذر فَوَجَبت قِيمَته وَهِي مهر الْمثل وَهُوَ مَا يرغب بِهِ عَادَة فِي مثلهَا نسبا وَصفَة وركنه الْأَعْظَم فِي النسيبة نسب فيراعى أقربهن من نسَاء الْعصبَة فَتقدم أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ إِن فقدت أَو جهل مهرهَا أَو كَانَت مفوضة وَلم يفْرض لَهَا مهر مثل فأخت لأَب ثمَّ بَنَات أَخ وَإِن سفلن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ثمَّ عمات لابناتهن لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ بَنَات عَم ثمَّ بَنَات أَوْلَاد عَم وَإِن سفلن كَذَلِك فَإِن لم تُوجد نسَاء الْعصبَة أَو لم ينكحن أَو جهل نسبهن أَو مهرهن فقرابات للْأُم من جِهَة الْأَب أَو الْأُم وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك سنّ وعفة وعقل وجمال ويسار وفصاحة وبكارة وثيوبة وكل مَا اخْتلف بِهِ غَرَض من علم وَشرف وَإِنَّمَا لم يعْتَبر نَحْو المَال وَالْجمال فِي الْكَفَاءَة لِأَن مدارها على دفع الْعَار ومدار الْمهْر على مَا تخْتَلف بِهِ الرغبات فَإِن اخْتصّت عَنْهُن بِفضل بِشَيْء مِمَّا ذكر أَو بِنَقص بِشَيْء من ضِدّه زيد عَلَيْهِ أَو نقص عَنهُ لَائِق بِالْحَال بِحَسب مَا يرَاهُ قَاض بِاجْتِهَادِهِ (و) على الْجَدِيد (لَيْسَ لوَلِيّ عَفْو عَن مهر) كَسَائِر ديونها وحقوقها وعَلى الْقَدِيم لَهُ ذَلِك بِشُرُوط أَن يكون الْوَلِيّ أَبَا أَو جدا وَأَن يكون قبل الدُّخُول وَأَن تكون بكرا صَغِيرَة عَاقِلَة وَأَن يكون بعد الطَّلَاق وَأَن يكون الصَدَاق دينا فِي ذمَّة الزَّوْج لم يقبض فصل فِي الْقسم والنشوز وَعشرَة النِّسَاء (يجب قسم) بِفَتْح فَسُكُون (لزوجات) وَإِن كن إِمَاء هَذَا إِن مكث فِي الْحَضَر عِنْد بَعضهنَّ لَيْلًا أَو نَهَارا فَيلْزمهُ الْمكْث مثل ذَلِك الزَّمن عِنْد الْبَاقِيَات تَسْوِيَة بَينهُنَّ فَلَو تَركه كَانَ كَبِيرَة وَلَو قَامَ بِهن عذر كَمَرَض وحيض ورتق وَقرن وإحرام وجنون يُؤمن مِنْهَا لِأَن الْمَقْصُود الْأنس لَا الْوَطْء وكما تسْتَحقّ كل مِنْهُنَّ النَّفَقَة (غير نَاشِزَة) أَي خَارِجَة عَن طَاعَته بِأَن تخرج بِغَيْر إِذْنه أَو تَمنعهُ من التَّمَتُّع بهَا أَو تغلق الْبَاب فِي وَجهه وَلَو مَجْنُونَة أَو تَدعِي الطَّلَاق كذبا وَغير مُعْتَدَّة عَن وَطْء شُبْهَة لحُرْمَة الْخلْوَة بهَا وَغير صَغِيرَة لَا تطِيق الْوَطْء ومغصوبة ومحبوسة وَلَو ظلما أَو حَبسهَا الزَّوْج لحقه عَلَيْهَا وَغير أمة لم يتم تَسْلِيمهَا ومسافرة بِإِذْنِهِ وَحدهَا لحاجتها كَمَا لَا نَفَقَة لَهُنَّ وَلَو أعرض عَن الْوَاحِدَة ابْتِدَاء أَو عَنْهُن عِنْد استكمال النّوبَة لم يَأْثَم لِأَن الْمبيت حَقه وَلَكِن يسْتَحبّ أَن لَا يعطل زَوجته وَاحِدَة كَانَت أَو أَكثر من الْجِمَاع وَالْمَبِيت تحصينا لَهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى فَسَادهَا أَو إضرارها سِيمَا إِن كَانَت عِنْده سَرِيَّة جميلَة آثرها عَلَيْهَا وَيسْتَحب أَن لَا يخلي الزَّوْجَة عَن لَيْلَة من كل أَربع لَيَال اعْتِبَارا بِمن لَهُ أَربع زَوْجَات (وَله) أَي للزَّوْج الَّذِي عماده اللَّيْل (دُخُول فِي ليل على) زَوْجَة (أُخْرَى) أَي غير صَاحِبَة النّوبَة (لضَرُورَة) كمرضها الْمخوف وَلَو ظنا وَإِن طَالَتْ مدَّته وَشدَّة الطلق وَخَوف النهب والحريق وَيحرم ذَلِك لحَاجَة لما فِيهِ من إبِْطَال حق ذَات النّوبَة (و) لمن ذكر دُخُول (فِي نَهَار لحَاجَة) كوضع مَتَاع وَأَخذه وَتَسْلِيم نَفَقَة وتعريف خبر وَله تمتّع بِغَيْر وَطْء فِي دُخُوله فِي غير الأَصْل أما بِوَطْء فَيحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (بِلَا إطالة) فِي الْمكْث عرفا على قدر الْحَاجة فالإطالة حرَام على مَا اعْتَمدهُ ابْن حجر لِأَن الزَّائِد على الْحَاجة كابتداء دُخُول لغَيْرهَا وَهُوَ جَائِز لكنه خلاف الأولى على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ لوُقُوعه تَابعا وَيغْتَفر فِيهِ مَا لَا يغْتَفر فِي غَيره وَالْحَاصِل أَنه إِذا دخل فِي الأَصْل لضَرُورَة وَطَالَ زمن الضَّرُورَة عرفا أَو أطاله فَإِنَّهُ يقْضِي الْجَمِيع لِأَن حق الْآدَمِيّ لَا يسْقط بالعذر وَإِلَّا فَلَا للمسامحة فِي الْقَلِيل وَإِن دخل فِي التَّابِع لحَاجَة وَطَالَ زمن الْحَاجة فَلَا قَضَاء وَإِن طَال الْمكْث فَوق الْحَاجة قضى الزَّائِد فَقَط وَأَقل نوب الْقسم لمن ذكر لَيْلَة لَيْلَة وَلمن عماده النَّهَار كالحارس نَهَار نَهَار فَلَا يجوز تبعيضهما إِلَّا برضاهن وَذَلِكَ أفضل من الزِّيَادَة عَلَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ ولقرب زَمَنه بِهن (وَأَكْثَره ثَلَاث) فَتحرم الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِغَيْر رضاهن وَإِن تفرقن فِي الْبِلَاد لما فِيهَا من الْإِضْرَار بالإيحاش فَمن لَهُ زَوْجَة بِمَكَّة وَأُخْرَى بِالطَّائِف مثلا امْتنع عَلَيْهِ أَن يبيت عِنْد إِحْدَاهُنَّ أَكثر من ثَلَاث عِنْد عدم رضاهن فَإِذا بَات عِنْد إِحْدَاهُنَّ ثَلَاثًا امْتنع عَلَيْهِ أَن يبيت عِنْدهَا إِلَّا بعد أَن يرجع إِلَى الْأُخْرَى ويبيت عِنْدهَا ثَلَاثًا وَكَانَ قبل إِمْكَان الرُّجُوع إِلَيْهَا يبيت فِي مَسْجِد مثلا والتسوية بَينهمَا فِي قدر نوبهن وَاجِبَة لَكِن لحرة ضعفا أمة تجب نَفَقَتهَا وَلَو مبعضة وَمن عتقت قبل تَمام نوبتها التحقت بالحرائر فَلَو لم تعلم بِالْعِتْقِ إِلَّا بعد أدوار وَهُوَ يقسم لَهَا قسم الْإِمَاء لم يقْض لَهَا مَا مضى فَإِن علم الزَّوْج بِالْعِتْقِ وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء من وَقت علمه بذلك لتعديه حِينَئِذٍ (ولجديدة بكر) أَي حَقِيقَة أَو حكما كثيب بِغَيْر وَطْء كَمَرَض ووثبة أَو مخلوقة كَذَلِك وَلَو أمة وكافرة حرَّة (سبع) من اللَّيَالِي مَعَ أَيَّامهَا وَلَاء بِلَا قَضَاء للباقيات (و) لجديدة (ثيب) بِوَطْء حَلَال أَو حرَام (ثَلَاث) وَلَاء بلَاء قَضَاء وَيسن تَخْيِير الثّيّب بَين ثَلَاث بِلَا قَضَاء وَسبع بِقَضَاء وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء أَن يقرع بَينهُنَّ ويدور فالليلة الَّتِي تخصها يبيتها عِنْد وَاحِدَة من الْبَاقِيَات بِالْقُرْعَةِ أَيْضا وَفِي الدّور الثَّانِي يبيت عِنْد وَاحِدَة أُخْرَى بِالْقُرْعَةِ أَيْضا وَفِي الدّور الثَّالِث تتَعَيَّن اللَّيْلَة للثالثة فَفِي كل اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة يخص كل وَاحِدَة لَيْلَة وَهَكَذَا يفعل فِي بَقِيَّة الأدوار إِلَى أَن تتمّ السَّبع لكل وَاحِدَة وتمامها من أَربع وَثَمَانِينَ لَيْلَة (وهجر) ندبا (مضجعا) أَي وطأ أَو فراشا (وضربها) إِن شَاءَ بِشَرْط أَن يعلم إِفَادَة الضَّرْب وَلَو بِسَوْط أَو عَصا وَلَا يجوز ضرب مدم أَو مبرح وَلَا على وَجه وَإِن لم يؤذ أَو مهلك (بنشوز) أَي بِسَبَب تحَققه وَالْحَاصِل أَنه إِن أظهر أَمارَة نشورها كخشونة جَوَاب بعدلين وتعبيس بعد طلاقة وإعراض بعد إقبال حذرها ندبا عِقَاب الدُّنْيَا بِالضَّرْبِ وَسُقُوط الْمُؤَن وَالْقسم وعقاب الْآخِرَة بِعَذَاب النَّار وَيَنْبَغِي أَن يذكر لَهَا خبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا باتت الْمَرْأَة هاجرة فرَاش زَوجهَا لعنتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح وَخبر التِّرْمِذِيّ أَيّمَا امْرَأَة باتت وَزوجهَا رَاض عَنْهَا دخلت الْجنَّة وَذَلِكَ بِلَا هجر فِي الْكَلَام فَيحرم الهجر فِيهِ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو لغير الزَّوْجَيْنِ إِلَّا لعذر شَرْعِي وَلَا ضرب فلعلها تبدي عذرا أَو تتوب عَمَّا وَقع مِنْهَا بِغَيْر عذر أما الهجر فِي الْفراش فَإِذا لم يتَحَقَّق النُّشُوز جَازَ لِأَنَّهُ حَقه هَذَا إِذا لم يفوت حَقًا لَهَا من قسم أَو غَيره وَإِلَّا حرم وَإِن تحقق النُّشُوز كمنع تمتّع وَخُرُوج بِغَيْر عذر وعظها كَأَن يَقُول لَهَا اتَّقِ الله فِي الْحق الْوَاجِب لي عَلَيْك واحذري الْعقُوبَة وَيبين لَهَا أَن النُّشُوز يسْقط النَّفَقَة وَالْقسم كَمَا مر وهجرها ندبا فِي الْوَطْء أَو الْفراش وضربها وَإِن لم يتَكَرَّر النُّشُوز إِن أَفَادَ الضَّرْب وَالْأولَى الْعَفو بِخِلَاف ولي الصَّبِي فَالْأولى لَهُ عدم الْعَفو لِأَن ضربه للتأديب مصلحَة لَهُ وَضرب الزَّوْج زَوجته مصلحَة لنَفسِهِ وَلَو ادّعى أَن سَبَب الضَّرْب النُّشُوز وَأنْكرت صدق بِيَمِينِهِ حَيْثُ لم تعلم جراءته واستهتاره وَحِينَئِذٍ وَإِلَّا لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن لم يقمها صدقت فِي أَنه تعدى بضربها فيعزره القَاضِي فَمحل تَصْدِيق الرجل بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ لسُقُوط التَّعْزِير أما بِالنِّسْبَةِ لسُقُوط شَيْء من حق الْمَرْأَة فَلَا وَإِن ادّعى كل من الزَّوْجَيْنِ تعدى الآخر عَلَيْهِ واشتبه الْحَال على القَاضِي بعث القَاضِي وجوبا حكمين برضاهما يبعثهما لينظرا فِي أَمرهمَا ثمَّ يفْعَلَانِ الْمصلحَة بَينهمَا من إصْلَاح إِن سهل وتفريق بِطَلْقَة فَقَط إِن عسر الْإِصْلَاح فَإِن اخْتلف رأى الْحكمَيْنِ بعث القَاضِي آخَرين ليجتمعا على شَيْء وَلَا يجوز لوكيل فِي طَلَاق أَن يخالع وَلَا لوكيل فِي خلع أَن يُطلق مجَّانا فصل فِي الْخلْع بِضَم الْخَاء مَأْخُوذَة من الْخلْع بِفَتْحِهَا وَهُوَ النزع وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 229 وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِثَابِت بن قيس اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة وَسَببه أَن امْرَأَة ثَابت حَبِيبَة بنت سهل الْأَنْصَارِيَّة جَاءَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن ثَابت بن قيس مَا أَنْقم عَلَيْهِ فِي خلق وَلَا دين وَلَكِن أكره الْكفْر فِي الْإِسْلَام أَي كفر النِّعْمَة أَي أَن يكون للزَّوْج منَّة عَليّ فَقَالَ أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته أَي بستانه الَّذِي أصدقه لَك فَقَالَت نعم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة (الْخلْع فرقة) من زوج يَصح طَلَاقه (بعوض) مَقْصُود كميتة وقود لَهَا عَلَيْهِ رَاجع (لزوج) أَي لجِهَة زوج وَحده أَو مَعَ الْأَجْنَبِيّ فَلَو قَالَ إِن أبرأتني وَفُلَانًا فَأَنت طَالِق فأبرأتهما وَقع الطَّلَاق بَائِنا وحصلت الْبَرَاءَة لكل مِنْهُمَا نظرا لجِهَة الزَّوْج (بِلَفْظ طَلَاق) أَي بِلَفْظ مُحَصل لطلاق صَرِيح أَو كِنَايَة (أَو) بِلَفْظ (خلع) وَلَا يكون صَرِيحًا إِلَّا مَعَ ذكر المَال أَو نِيَّته سَوَاء أضمر التمَاس قبُولهَا فَقبلت أم لَا ثمَّ إِن ذكر المَال بَانَتْ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَإِن نَوَاه فَإِن توافقا فِي النِّيَّة وَقبلت وَجب الْمُسَمّى أَيْضا وَإِن اخْتلفَا فِيهَا وَجب مهل الْمثل وَمن الْخلْع لفظ المفاداة كَقَوْلِه افتدى مني أَو فاديتك (فَلَو جرى) أَي الْخلْع مَعَ الزَّوْجَة (بِلَا عوض بنية التمَاس قبُول فمهر مثل) وَالْحَاصِل أَنه إِن وَقع الْخلْع وَلم يذكر المَال وَلم ينْو كَانَ كِنَايَة إِن لم ينْو بِهِ الطَّلَاق لم يَقع شَيْء وَإِن نَوَاه بِهِ فَإِن لم يضمر التمَاس قبُولهَا وَقع رَجْعِيًا وَإِن أضمره فَإِن قبلت بَانَتْ بِمهْر الْمثل وَإِلَّا فَلَا وُقُوع وَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَمد أَنه إِن صرح بِالْعِوَضِ أَو نَوَاه وَقبلت بَانَتْ وَإِن عرى عَن ذَلِك وَنوى الطَّلَاق فَإِن أضمر التمَاس قبُولهَا وَقبلت وَهِي رَشِيدَة بَانَتْ بِمهْر الْمثل وَإِن لم يضمر أَو لم تكن رَشِيدَة وَقع رَجْعِيًا إِن قبلت فِي الثَّانِي وَإِلَّا لم يَقع عَلَيْهِ شَيْء كَمَا لَو لم ينْو الطَّلَاق فَعلم أَنه عِنْد ذكر المَال أَو نِيَّته صَرِيح وَلَا بُد فِيهِ من الْقبُول وَعند عدم ذَلِك كِنَايَة وَإِن أضمر التمَاس قبُولهَا وَقبلت وَإِن جرى مَعَ أَجْنَبِي مَعَ السُّكُوت وأضمر التمَاس قبُوله وَقع رَجْعِيًا وَلَا مَال كَمَا لَو كَانَ مَعَه والعوض فَاسد أَو ذكر الْعِوَض وَنوى الطَّلَاق وَقع بَائِنا بِهِ أَو نَوَاه فمهر الْمثل أَو نَفَاهُ فَقَالَ خالعتك بِلَا عوض وَنوى الطَّلَاق وَقع رَجْعِيًا (وَإِذا بَدَأَ) أَي الزَّوْج (ب) صِيغَة (مُعَاوضَة ك) قَوْله (طَلقتك) أَو خالعتك (بِأَلف فمعاوضة) أَي فَهُوَ عقد مُعَاوضَة بشوب تَعْلِيق لأَخذه عوضا فِي مُقَابلَة الْبضْع الْمُسْتَحق لَهُ ولتوقف وُقُوع الطَّلَاق فِي ذَلِك على قبُول المَال (فَلهُ رُجُوع قبل قبُولهَا) كَمَا هُوَ شَأْن الْمُعَاوَضَات (وَشرط قبُولهَا) أَي المختلعة الناطقة (فَوْرًا) أَي من غير انْفِصَال بِكَلَام أَجْنَبِي طَوِيل أَو بسكوت كَذَلِك بِلَفْظ كقبلت أَو اخْتلعت أَو ضمنت أَو بِفعل كإعطائه الْألف على الْمُعْتَمد أَو بِإِشَارَة خرساء مفهمة (أَو بَدَأَ) أَي الزَّوْج (ب) صِيغَة (تَعْلِيق) فِي إِثْبَات (ك) قَوْله (مَتى) أَو أَي وَقت (أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنت طَالِق فتعليق) من جَانِبه فِيهِ شوب مُعَاوضَة (فَلَا رُجُوع لَهُ) قبل الْإِعْطَاء وَلَا طَلَاق قبل تحقق الصّفة وَلَا يبطل بطرو جُنُونه عقبه (وَلَا يشْتَرط قبُول) لفظا لعدم اقْتِضَاء الصِّيغَة ذَلِك (وَلَا إِعْطَاء فَوْرًا) لذَلِك أما فِي النَّفْي كمتى لم تعطني ألفا فَأَنت طَالِق فللفور فَإِذا مضى زمن يُمكن فِيهِ الْإِعْطَاء وَلم تعط طلقت وَإِن بدأت الزَّوْجَة بِطَلَب طَلَاق كطلقني بِكَذَا أَو إِن أَو إِذا أَو مَتى طلقتني فلك عَليّ كَذَا فأجابها الزَّوْج فمعاوضة من جَانبهَا مَعَه شوب جعَالَة فلهَا الرُّجُوع قبل جَوَابه وَيشْتَرط فَور لجوابه فِي مجْلِس التواجب نظرا لجَانب الْمُعَاوضَة (وَشرط فَور فِي إِن أَعْطَيْتنِي) وَالْحَاصِل أَن أدوات التَّعْلِيق لَا يقتضين بِالْوَضْعِ فَوْرًا فِي الْمُعَلق عَلَيْهِ فِي مُثبت كالدخول إِن لم يكن عوض وَلَا تَعْلِيق بمشيئتها أما مَعَ الْعِوَض فَيشْتَرط الْفَوْر فِي بَعْضهَا كَإِن وَإِذا وَلَو وَنَحْوهَا من كل أَدَاة لَا إِشْعَار لَهَا بِالزَّمَانِ نَحْو إِن ضمنت أَو أَعْطَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بِخِلَاف نَحْو مَتى وَأي وَنَحْوهمَا من كل أَدَاة تشعر بِالزَّمَانِ وَكَذَا مَعَ التَّعْلِيق بمشيئتها خطابا بِأَن وَإِذا وَنَحْوهمَا كَانَ شِئْت فَأَنت طَالِق بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِن شَاءَت فُلَانَة فَلَا فَور أما فِي منفي فيقتضين الْفَوْر إِلَّا فِي إِن فَلَو قَالَ إِن لم تدخلي الدَّار فَأَنت طَالِق لم يَقع الطَّلَاق إِلَّا باليأس من الدُّخُول كَأَن مَاتَ أَو مَاتَت قبله فَيحكم بالوقوع قبيل مَوته أَو مَوتهَا بِمَا يسع الدُّخُول وَفَائِدَة ذَلِك الْإِرْث وَالْعدة فَإِن كَانَت بَائِنا لم يَرِثهَا وَلَا تَرثه فَإِذا مَاتَ هُوَ ابتدأت الْعدة قبيل مَوته بِزَمن لَا يسع الدُّخُول وَتعْتَد عدَّة طَلَاق لَا وَفَاة ونظم بَعضهم قَاعِدَة الأدوات من بَحر الْخَفِيف بقوله أدوات التَّعْلِيق فِي النَّفْي للفو ر سوى إِن وَفِي الثُّبُوت رأوها للتراخي إِلَّا إِذا إِن مَعَ الما ل وشئت وَكلما كرروها فَلَو قَالَ وَتَحْته نسْوَة أَربع كلما طلقت وَاحِدَة من نسَائِي فعبد من عَبِيدِي حر وَكلما طلقت ثِنْتَيْنِ فعبدان حران وَكلما طلقت ثَلَاثًا فَثَلَاثَة أَحْرَار وَكلما طلقت أَرْبعا فَأَرْبَعَة أَحْرَار فَطلق أَرْبعا مَعًا أَو مُرَتبا عتق خَمْسَة عشر عبدا لِأَن صفة الْوَاحِدَة تَكَرَّرت أَربع مَرَّات لِأَن كلا من الْأَرْبَع وَاحِدَة فِي نَفسهَا وَصفَة الثِّنْتَيْنِ لم تذكر إِلَّا مرَّتَيْنِ لِأَن مَا عد بِاعْتِبَار لَا يعد ثَانِيًا بذلك الِاعْتِبَار فالثانية عدَّة ثَانِيَة لانضمامها للأولى فَلَا تعد الثَّالِثَة ثَانِيَة لانضمامها للثَّانِيَة بِخِلَاف الرَّابِعَة فَإِنَّهَا ثَانِيَة بِالنِّسْبَةِ للثالثة وَلم تعد قبل ذَلِك كَذَلِك وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة لم تَتَكَرَّر وَبِهَذَا اتَّضَح أَن كلما لَا يحْتَاج إِلَيْهَا إِلَّا فِي التعليقين الْأَوَّلين لِأَنَّهُمَا المتكرران فَقَط فَإِن أَتَى بهَا فِي الأول فَقَط أَو مَعَ الْأَخيرينِ فَثَلَاثَة عشر وَفِي الثَّانِي وَحده أَو مَعَهُمَا فاثنا عشر فصل فِي الطَّلَاق وَهُوَ حل عقد النِّكَاح بِلَفْظ طَلَاق وَنَحْوه وتعتريه الْأَحْكَام الْخَمْسَة فَيكون وَاجِبا كَطَلَاق الْمولي والحكمين فِي الشقاق وَيكون حَرَامًا كالبدعي وَهُوَ طَلَاق مَدْخُول بهَا فِي حيض بِلَا عوض مِنْهَا أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وكطلاق من لم يسْتَوْف قسمهَا وكطلاق الْمَرِيض بِقصد حرمَان الزَّوْجَة من الْإِرْث وَيكون مَنْدُوبًا كَطَلَاق الْعَاجِز عَن الْقيام بِحُقُوق الزَّوْجِيَّة أَو من لَا يمِيل إِلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ ويأمره أحد الْأَبَوَيْنِ لغير تعنت أَو تكون غير عفيفة مَا لم يخْش فجور غَيره بهَا وَإِلَّا كَانَ الطَّلَاق مُبَاحا لِأَن فِي إبقائها صونا لَهَا وَإِن علم ذَلِك لَو طَلقهَا وانتفاءه عَنْهَا مَا دَامَت فِي عصمته حرم طَلاقهَا إِن لم يتأذ ببقائها تأذيا لَا يحْتَمل عَادَة وَمن الْمَنْدُوب طَلَاق سَيِّئَة الْخلق بِحَيْثُ لَا يصبر على عشرتها بِأَن يحصل لَهُ مِنْهَا مشقة لَا تحْتَمل عَادَة لَا مُطلقًا لِأَن سوء الْخلق غَالب فِي النِّسَاء كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة الصَّالِحَة فِي النِّسَاء كالغراب الأعصم وَهُوَ كِنَايَة عَن ندرة وجودهَا إِذْ الأعصم وَهُوَ أَبيض الجناحين أَو الرجلَيْن أَو إِحْدَاهمَا كَذَلِك وَيكون مَكْرُوها كَطَلَاق مُسْتَقِيمَة الْحَال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق وَذَلِكَ لما فِيهِ من قَاطع النَّسْل الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم من النِّكَاح وَلما فِيهِ من إِيذَاء الزَّوْجَة وَأَهْلهَا وَأَوْلَادهَا إِن كَانَ لَهَا أَوْلَاد وَمعنى البغض الْكَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَعدم الرِّضَا وَذَلِكَ صَادِق بالمكروه وَلَا يُنَافِي ذَلِك وَصفه بِالْحلِّ لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْجَائِز وَيكون مُبَاحا كَطَلَاق من لَا يشتهيها شَهْوَة كَامِلَة وَلَا تسمح نَفسه بمؤنتها من غير تمتّع بهَا (يَقع لغير بَائِن طَلَاق) زوج (مُكَلّف) بالتنجيز أَو التَّعْلِيق أما وَكيل الزَّوْج أَو الْحَاكِم فِي الْمولى فَلَا يَصح مِنْهُمَا تَعْلِيق الطَّلَاق وَلَا يَصح تَعْلِيق وَلَا تَنْجِيز من نَحْو صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ ونائم وَإِن عصى بِالنَّوْمِ (و) طَلَاق (مُتَعَدٍّ بِكَسْر) وَهُوَ كل من زَالَ عقله بِمَا أَثم بِهِ من نَحْو شراب أَو دَوَاء (لَا) يَقع طَلَاق (مَكْرُوه بمحذور) بِمَا يُنَاسب حَاله وَيخْتَلف الْمَحْذُور باخْتلَاف طَبَقَات النَّاس وأحوالهم حَتَّى إِن الضَّرْب الْيَسِير بِحَضْرَة الملاء إِكْرَاه فِي حق ذَوي المروءات لَا فِي حق غَيرهم وَأَن الاستخفاف فِي حق الْوَجِيه إِكْرَاه وَأَن الشتم فِي حق أهل المروءات إِكْرَاه وَالضَّابِط أَن كل مَا يسهل فعله على الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء لَيْسَ إِكْرَاها وَعَكسه إِكْرَاه وَلَيْسَ من الْإِكْرَاه قَول شخص طلق زَوجتك وَإِلَّا قتلت نَفسِي مَا لم يكن نَحْو فرع أَو أصل وَيَقَع طَلَاق من ذكر (بمشتق طَلَاق وفراق وسراح) بِفَتْح السِّين لاشتهار هَذِه الْأَلْفَاظ فِي معنى الطَّلَاق الَّذِي هُوَ حل الْعِصْمَة أما المصادر فكنايات إِن وَقعت خَبرا كَأَنْت طَلَاق فَإِن وَقعت فَاعِلا كَقَوْلِه يلْزَمنِي الطَّلَاق أَو مَفْعُولا كأوقعت طَلَاق فُلَانَة أَو مُبْتَدأ كَقَوْلِه عَليّ الطَّلَاق كَانَت من الصَّرِيح (وترجمته) أَي وَيَقَع الطَّلَاق بترجمة مُشْتَقّ مَا ذكر وَلَو مِمَّن أحسن الْعَرَبيَّة فترجمة الطَّلَاق صَرِيح على الْمَذْهَب لشهرة اسْتِعْمَالهَا عِنْد أَهلهَا شهرة اسْتِعْمَال الْعَرَبيَّة عِنْد أَهلهَا وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنَّهَا كِنَايَة اقتصارا فِي الصَّرِيح على الْعَرَبِيّ أما تَرْجَمَة الْفِرَاق والسراح فكناية على الْمُعْتَمد (و) بقوله طلقت بعد أَن قيل لَهُ طَلقهَا وَبقول الزَّوْجَة طلقت أَيْضا بعد قَول زَوجهَا طَلِّقِي نَفسك وَبِقَوْلِهِ (أَعْطَيْت طَلَاقك وأوقعت عَلَيْك الطَّلَاق) وَلَا يفتقد وُقُوع الطَّلَاق بصريحه إِلَى نِيَّة إِيقَاعه أما نِيَّة قصد الطَّلَاق لمعناه أَي اسْتِعْمَال لفظ الطَّلَاق فِي حل الْعِصْمَة فَلَا بُد مِنْهَا إِن كَانَ هُنَاكَ صَارف فِي كل من الصَّرِيح وَالْكِنَايَة إِلَّا فِي الْمُكْره عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى قصد الْإِيقَاع وَقصد اللَّفْظ لمعناه فصريحه كِنَايَة وَلَو قَالَ مَا كدت أَن أطلقك لم يكن إِقْرَارا بِالطَّلَاق لِأَن مَعْنَاهُ مَا بقارت أَن أطلقك وَإِذا لم يُقَارب طَلاقهَا كَيفَ يكون مقرا بِهِ وَإِنَّمَا يكون إِقْرَارا بِالطَّلَاق على قَول من يَقُول إِن نفي كَاد إِثْبَات أَو رِعَايَة الْعرف فَإِن أَهله يفهمون من ذَلِك القَوْل الْإِثْبَات وَالصَّحِيح أَن كَاد كَسَائِر الْأَفْعَال فنفيه لَيْسَ إِثْبَاتًا وَلَا يُنَافِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 71 قَوْله تَعَالَى {فذبحوها} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 71 لاخْتِلَاف وقتيهما إِذْ الْمَعْنى أَنهم مَا كَادُوا أَن يَفْعَلُوا حَتَّى انْتَهَت مقالاتهم وانقطعت تعللاتهم فَفَعَلُوا كالمضطر الملجأ إِلَى الْفِعْل وَلَو قَالَ طَلَّقَك الله وَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ صَرِيح بِخِلَاف مَا لَو قَالَ باعك الله فَإِنَّهُ كِنَايَة لِأَن الصِّيَغ فِي نَحْو طَلَّقَك الله قَوِيَّة لاستقلالها بِالْمَقْصُودِ لعدم توقفها على شَيْء آخر بِخِلَاف صِيغَة البيع فَإِنَّهَا غير مُسْتَقلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بِالْمَقْصُودِ لتوقفها على الْقبُول وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا يسْتَقلّ بِهِ الشَّخْص إِذا أَضَافَهُ إِلَى الله كَانَ صَرِيحًا وكل مَا لَا يسْتَقلّ بِهِ إِذا أَضَافَهُ إِلَى الله كَانَ كِنَايَة وَقد نظم بَعضهم هَذِه الْقَاعِدَة من الرجز بقوله مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَال بالإنشاء وَكَانَ مُسْندًا لذِي الآلاء فَهُوَ صَرِيح ضِدّه كنايه فَكُن لذا الضَّابِط ذَا درايه وَنعم صَرِيح فِي الطَّلَاق فِي جَوَاب من قَالَ لَهُ أطلقت زَوجتك فَإِن أَرَادَ الْقَائِل طلب إنْشَاء الطَّلَاق من الْمُطلق فَنعم بِمَنْزِلَة قَوْله هِيَ طَالِق فتتوقف صراحته على نِيَّة السَّائِل وَبِذَلِك يلغز فَيُقَال لنا لفظ من شخص تتَوَقَّف صراحته على نِيَّة غَيره وَلَو اخْتلفَا فِي الْقَصْد فَالْعِبْرَة بِقصد السَّائِل على الْمُعْتَمد هَذَا إِن لم يُوجد عِنْد الزَّوْج ظن فَلَو قصد السَّائِل بقوله أطلقت زَوجتك الْإِنْشَاء فَظَنهُ الزَّوْج مستخبرا أَو بِالْعَكْسِ اعْتبر ظن الزَّوْج وَقبلت دَعْوَاهُ أَنه ظن ذَلِك وَلَا عِبْرَة بِقصد السَّائِل حِينَئِذٍ وَإِن أَرَادَ الْقَائِل الاستخبار فَنعم إِقْرَار سَابق فَإِن كَانَ المسؤول كَاذِبًا فَهِيَ زَوجته فِي الْبَاطِن وَيفرق بَينهمَا ظَاهرا فَإِن قَالَ أردْت طَلَاقا مَاضِيا وَبَانَتْ وجددت نِكَاحهَا صدق ظَاهرا إِن عرف ذَلِك وَإِلَّا فَلَا وَإِن قَالَ أردْت طَلَاقا مَاضِيا وراجعت بعده صدق بِيَمِينِهِ لاحْتِمَال اللَّفْظ لَهُ وَإِن جهل مُرَاد الْقَائِل لعدم مَعْرفَته ذَلِك أَو لمَوْت أَو سفر فَيحمل على الاستخبار (و) يَقع الطَّلَاق (بكناية) وَهِي مَا احْتمل الطَّلَاق وَغَيره (مَعَ نِيَّة) لإيقاع الطَّلَاق (مقترنة بأولها) وَالْمُعْتَمد أَنه يَكْفِي اقترانها بِأَيّ جُزْء من الأول أَو الآخر أَو الْوسط وَشرط وُقُوع الطَّلَاق بِصَرِيح أَو كِنَايَة رفع صَوته بِحَيْثُ يسمع نَفسه لَو كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا عَارض وَلَا يَقع بِغَيْر لفظ وَلَا بِصَوْت خَفِي بِحَيْثُ لَا يسمع بِهِ نَفسه ويعتمد بِإِشَارَة أخرس سَوَاء كَانَ خرسه عارضا أَو أَصْلِيًّا وَإِن قدر على الْكِتَابَة فِي طَلَاق وَغَيره إِلَّا فِي الصَّلَاة فَلَا تبطل بهَا وَلَا فِي أَدَاء الشَّهَادَة فَلَا يَصح بهَا أما تحملهَا فَيصح من الْأَخْرَس وَلَا فِي حنث فَلَا يحصل بهَا فِي الْحلف على عدم الْكَلَام ونظم بَعضهم هَذِه المستثنيات الثَّلَاثَة بقوله إِشَارَة الْأَخْرَس مثل نطقه فِيمَا عدا ثَلَاثَة لصدقه فِي الْحِنْث وَالصَّلَاة والشهاده تِلْكَ ثَلَاثَة بِلَا زياده وكناية الطَّلَاق أَلْفَاظ لَا تَنْحَصِر (كَأَنْت عَليّ حرَام) أَي مُحرمَة مَمْنُوعَة للفرقة وَمثله مَا لَو زَاد على ذَلِك ألفاظا تؤكد بعده عَنْهَا كَأَنْت حرَام كالخنزير أَو كالميتة وَغَيرهمَا كَمَا اشْتهر من قَول الْعَامَّة أَنْت حرَام كَمَا حرم عَليّ لبن أُمِّي وَمن قَوْلهم إِن أَتَيْتُك أتيت مثل أُمِّي وأختي أَو مثل الزَّانِي فَإِن نوى بذلك طَلَاقا وَقع وَإِلَّا بِأَن نوى تَحْرِيم عينهَا أَو نَحْوهَا كوطئها أَو فرجهَا أَو رَأسهَا أَو أطلق بِأَن لم ينْو شَيْئا لم يَقع شَيْء وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين أَي مثلهَا حَالا وَلَو لم يَطَأهَا وَإِن قَالَ ذَلِك أبدا (و) أَنْت (خلية) أَي خَالِيَة مني (وبائن) بِدُونِ تَاء مربوطة وَهِي اللُّغَة الفصحى والقليل بَائِنَة أَي مُفَارقَة أَو بعيدَة لبعد مَكَانهَا عَنهُ حَال المخاطبة (وحرة) فَكل لفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 للإعتاق صَرِيح أَو كِنَايَة فَهُوَ كِنَايَة طَلَاق وكل لفظ للطَّلَاق صَرِيح أَو كِنَايَة فَهُوَ كِنَايَة إِعْتَاق لدلَالَة كل مِنْهُمَا على إِزَالَة مَا يملكهُ (و) أَنْت (كأمي وَيَا بِنْتي) فَكل من كِنَايَة الطَّلَاق وَالظِّهَار يكون كِنَايَة فِي الآخر لِأَن أَلْفَاظ كِنَايَة الطَّلَاق حَيْثُ احتملته احتملت الظِّهَار أَيْضا وَكَذَا عَكسه لما فِي كل مِنْهُمَا من الْإِشْعَار بالبعد عَن الْمَرْأَة والبعد يكون بِكُل من الطَّلَاق وَالظِّهَار وَلَو قَالَ لزوجته حرمتك مثلا وَنوى طَلَاقا أَو ظِهَارًا وَقع الْمَنوِي أَو نواهما تخير وَثَبت مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا وَلَا يثبتان جَمِيعًا لِأَن الطَّلَاق يرفع النِّكَاح وَالظِّهَار يُثبتهُ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم عَلَيْهِ وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين (وأعتقتك) فَلَو قَالَ لزوجته ذَلِك أَو لَا ملك لي عَلَيْك وَنوى الطَّلَاق طلقت أَو قَالَ لعَبْدِهِ طَلقتك أَو ابْنَتك وَنوى الْعتْق عتق (وتركتك وأزلتك وتزوجي) وَمثله قَول الزَّوْج لوَلِيّ الزَّوْجَة زوجنيها فَذَلِك كِنَايَة فِي الْإِقْرَار بِالطَّلَاق ثمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا آخذناه بِهِ ظَاهرا وَلم نحرم بَاطِنا وَهَذَا بِخِلَاف كِنَايَة الطَّلَاق فَإِنَّهُ إِذا نَوَاه حرمت بِهِ ظَاهرا وَبَاطنا وَلَو قَالَ لوَلِيّهَا زَوجهَا فَإِنَّهُ إِقْرَار بِالطَّلَاق وبانقضاء الْعدة إِن لم تكذبه وَإِلَّا لزمتها الْعدة مُؤَاخذَة لَهَا بإقرارها (واعتدي) استبرئي رَحِمك أَي لِأَنِّي طَلقتك سَوَاء فِي ذَلِك الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا (وخذي طَلَاقك) وذوقي أَي مرَارَة الْفِرَاق (وَلَا حَاجَة لي فِيك) أَي لِأَنِّي طَلقتك أَنْت وشأنك أَنْت ولية نَفسك وَسَلام عَلَيْك وكلي واشربي وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا كِنَايَة لِأَنَّهُ يحْتَمل كلي ألم الْفِرَاق واشربي شرابه أَو كلي واشربي من كيسك لِأَنِّي طَلقتك (وَذهب طَلَاقك أَو سقط طَلَاقك وطلاقك وَاحِد لَا) يَقع الطَّلَاق بقوله (طَلَاقك عيب وَلَا قلت كلمتك أَو حكمك) وَإِن نوى بذلك الطَّلَاق لِأَنَّهَا لَيست من الْكِنَايَات (وَصدق مُنكر نِيَّة بِيَمِينِهِ) فَلَو ادَّعَت زَوجته أَنه نوى وَأنكر صدق بِيَمِينِهِ فَإِن نكل حَلَفت وَحكم بِالطَّلَاق فَرُبمَا اعتمدت على قَرَائِن مِنْهُ تجوز الْحلف وَلَو قَالَ لزوجته إِن كَانَ الطَّلَاق بِيَدِك طلقيني فَقَالَت أَنْت طَالِق فَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة لِأَن الْعِصْمَة بِيَدِهِ فَلَا تَملكهَا هِيَ بقوله ذَلِك وَلَو قَالَ لزوجته إِن قبلت ضرتك فَأَنت طَالِق فقبلها بعد مَوتهَا لم تطلق لِأَنَّهُ لَا شَهْوَة بعد الْمَوْت بِخِلَاف تَعْلِيقه بتقبيل أمه فَإِنَّهَا تطلق بتقبيله لَهَا ميتَة لِأَنَّهُ للشفقة وَالْإِكْرَام وَلَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق كلما حللت حرمت وَقعت عَلَيْهِ طَلْقَة فَلَو رَاجعهَا فِي الْعدة وَقعت عَلَيْهِ الطَّلقَة الثَّانِيَة فَلَو رَاجعهَا وَقعت عَلَيْهِ الثَّالِثَة وَبَانَتْ سنة الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى والمخلص لَهُ الصَّبْر من غير مُرَاجعَة إِلَى انْقِضَاء الْعدة ثمَّ يعْقد عَلَيْهَا (وَلَو قَالَ طَلقتك) أَو أَنْت طَالِق أَو نَحْو ذَلِك من سَائِر الصرائح والكنايات (والنوى عددا) ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا (وَقع منوي) وَلَو فِي غير مَوْطُوءَة لِأَن اللَّفْظ لما احتمله كَانَ كِنَايَة فِيهِ فَوَقع قطعا وَبِذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 فَارق مَا لَو نوى الِاسْتِثْنَاء فَقَط حَيْثُ يَلْغُو لِأَنَّهُ قصد رفع الطَّلَاق ثمَّ من غير مَا يدل على الرّفْع لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة وَلَو نوى عددا بِصَرِيح كَأَنْت طَالِق وَاحِدَة بِالنّصب على الحالية من الْمُبْتَدَأ أَو بِالرَّفْع على أَنه خبر بعد خبر أَو بِالسُّكُونِ أَو بكناية كَانَت وَاحِدَة كَذَلِك وَقع الْمَنوِي حملا للتوحيد على التفرد عَن الزَّوْج بِالْعدَدِ الْمَنوِي وَلَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بأصبعين أَو غَيرهمَا مِمَّا دلّ على عدد كعودين لم يَقع عدد أَكثر من وَاحِدَة إِلَّا بنية عِنْد قَوْله طَالِق وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَة لِأَن الطَّلَاق لَا يَتَعَدَّد إِلَّا بِلَفْظ أَو نِيَّة وَلم يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا (وَيَقَع طَلَاق الْوَكِيل ب) قَوْله (طلقت) فُلَانَة وَنَحْوه (وَلَو) فوض طَلاقهَا لأَجْنَبِيّ كَأَن (قَالَ لآخر أَعْطَيْت) أَو جعلت بِيَدِك (طَلَاق زَوْجَتي فتوكيل) فَلَا يشْتَرط الْقبُول بل الشَّرْط عدم الرَّد فَلهُ الرُّجُوع عَن التَّفْوِيض قبل الْفَرَاغ من تطليقها لِأَن كلا من التَّمْلِيك وَالتَّوْكِيل يجوز لموجبه الرُّجُوع قبل قبُوله وَيزِيد التَّوْكِيل بِجَوَاز ذَلِك بعد الْقبُول أَيْضا (وَلَو قَالَ لَهَا) أَي الزَّوْجَة المكلفة لَا غَيرهَا (طَلِّقِي نَفسك إِن شِئْت فتمليك) للطَّلَاق (فَيشْتَرط) لوُقُوع ذَلِك الطَّلَاق (تطليقها فَوْرًا بطلقت) وَلَا يَكْفِي بقولِهَا قبلت لِأَن تطليقها وَقع جَوَاب التَّمْلِيك فَكَانَ كقبوله وقبوله فوري فَإِن أخرت التَّطْلِيق بِقدر مَا يَنْقَطِع بِهِ الْقبُول عَن الْإِيجَاب ثمَّ طلقت لم يَقع نعم لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت كَيفَ يكون تطليقي لنَفْسي ثمَّ قَالَت طلقت وَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ فصل يسير وَلَا يضر الْيَسِير وَلَو أَجْنَبِيّا كالخلع على مَا اعْتَمدهُ الإكليلان وَمحل اشْتِرَاط الْفَوْرِيَّة مَا لم يعلق بمتى شِئْت فَإِن علق بهَا لم يشْتَرط فَور وَإِن اقْتضى التَّمْلِيك اشْتِرَاطه على مَا اعْتَمدهُ جمع خلافًا لِابْنِ حجر (وَصدق مدعي إِكْرَاه) على الطَّلَاق (أَو إِغْمَاء) وَقت التَّلَفُّظ بِالطَّلَاق (أَو سبق لِسَان بِيَمِينِهِ إِن كَانَ ثمَّ قرينَة) تدل على صدق دَعْوَاهُ (وَإِلَّا فَلَا) يصدق إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَي لَا يصدق ظَاهرا فِي دَعْوَاهُ مَا يمْنَع الطَّلَاق إِلَّا بِقَرِينَة كَقَوْلِه لمن اسْمهَا طَالِق يَا طَالِق وَلم يقْصد طَلَاقا فَلَا تطلق فَإِن قصد الطَّلَاق طلقت وَإِن قصد النداء وَالطَّلَاق وَقع أما بَاطِنا فينفعه مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ هُنَاكَ قرينَة أم لَا فرع لحر طلقات ثَلَاث وَلمن فِيهِ رق وَإِن قل طَلْقَتَانِ فَمن طلق زَوجته وَلم يستكمل مَا يملكهُ وراجعها أَو جدد نِكَاحهَا عَادَتْ لَهُ بِبَقِيَّة مَاله وَلَو بعد زوج آخر سَوَاء دخل بهَا أَو لم يدْخل كَمَا لَو لم تتَزَوَّج بِغَيْرِهِ أصلا فَإِن اسْتكْمل كل مَا يملكهُ وتحللت عَادَتْ بِمَا يملكهُ أَيْضا فَإِن كَانَ الْأَمر كَذَلِك (حرم لحر) أَي لكامل الْحُرِّيَّة (من طَلقهَا ثَلَاثًا) سَوَاء كَانَت حرَّة أم غَيرهَا (ولعَبْد) أَي من فِيهِ رق وَإِن قل (من طَلقهَا ثِنْتَيْنِ) سَوَاء كَانَت أمة أَو حرَّة قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الدُّخُول أَو بعده فِي نِكَاح أَو أنكحة (حَتَّى) يُوجد شُرُوط الأول أَن تَنْقَضِي عدَّة الْمَدْخُول بهَا من الْمُطلق وَالثَّانِي أَن (تنْكح) نِكَاحا صَحِيحا رجلا (غَيره) أَي الْمُطلق وَلَو عبدا مُكَلّفا أَو مَجْنُونا قَالَ عبد الله النبراوي وَمثل العَبْد وَالْمَجْنُون صبي حر يُمكن وَطْؤُهُ وَفِي تَزْوِيجه مصلحَة لَا رَقِيق اه فَلَا يحلل الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَلَا فِي ملك الْيَمين وَلَا وَطْء الشُّبْهَة (و) الثَّالِث أَن (يولج) أَي ذَلِك الْغَيْر فِي قبلهَا خَاصَّة (حَشَفَة) مِنْهُ وَإِن لم ينزل الْمَنِيّ أَو قدرهَا فِي نَفسهَا صغرت أَو كَبرت إِذا كَانَت مَقْطُوعَة بِخِلَاف المفقودة خلقَة فالاعتبار قدر الْحَشَفَة على حَشَفَة غَالب أَمْثَال فاقدها وَلَو كَانَ عَلَيْهَا حَائِل كَأَن لف عَلَيْهَا خرقَة وَيَكْفِي تغييبها من غير إيلاج مِنْهُ كَأَن نزلت الْمَرْأَة عَلَيْهِ فِي يقظة أَو نوم وَيَكْفِي الْإِيلَاج فِيهَا وَهِي نَائِمَة وَالرَّابِع مفارقتها مِنْهُ بِطَلَاق أَو فسخ أَو موت وَالْخَامِس انْقِضَاء عدتهَا من الزَّوْج الثَّانِي وَالسَّادِس كَون الدُّخُول (بانتشار) للآلة بالوجود لَا بِالْقُوَّةِ وَإِن ضعف الانتشار وَذَلِكَ بِحَيْثُ يقوى على الدُّخُول وَلَو بإعانة بِنَحْوِ أُصْبُعه أَو أصبعها بِخِلَاف مَا لم ينتشر لشلل أَو عنة أَو غَيره فَلَو أَدخل السَّلِيم ذكره بِأُصْبُعِهِ بِلَا انتشار لم يحلل وَإِن انْتَشَر دَاخل الْفرج وَالسَّابِع كَون الزَّوْج مِمَّن يتَصَوَّر مِنْهُ ذوق اللَّذَّة بِأَن يكون متشوقا للجماع بِأَن يكون مراهقا فَلَا يَكْفِي غَيره وَإِن انْتَشَر ذكره وَالثَّامِن الافتضاض وَذَلِكَ فِي تَحْلِيل الْبكر وَلَو غورا (وَيقبل قَوْلهَا) أَي الْمُطلقَة ثَلَاثًا (فِي تَحْلِيل) لَا فِي وجوب الْمهْر أَي فَتصدق فِي أَنَّهَا زوجت وَأَنه أَدخل حشفته وَأَن الْعدة انْقَضتْ عِنْد الْإِمْكَان بِأَن مضى زمن يُمكن فِيهِ التَّزَوُّج وانقضاء الْعدة (وَإِن كذبهَا الثَّانِي) كَأَن أنكر الْمُحَلّل بعد طَلاقهَا الْوَطْء فَحِينَئِذٍ تصدق بِيَمِينِهَا أما إِذا لم يُعَارض أحد وصدقها الزَّوْج الأول فَلَا حَاجَة إِلَى الْيَمين (وللأول نِكَاحهَا) وَإِن ظن كذبهَا لَكِن يكره بِحَيْثُ لم يُصَرح بِالظَّنِّ فَإِن صرح بِهِ فَلَا بُد أَن يَقُول تبين لي صدقهَا لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بقول أَرْبَابهَا وَأَنه لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ إِذا لم يكن لَهُ مُسْتَند شَرْعِي وَلَو أنْكرت الْوَطْء لم تحل للْأولِ وَإِن اعْترف بِهِ الْمُحَلّل وَلَو أنْكرت النِّكَاح ثمَّ كذبت نَفسهَا وَادعت نِكَاحا بِشُرُوطِهِ فللأول تزَوجهَا إِن صدقهَا وَلَو كذبهَا الْغَيْر وَالْوَلِيّ وَالشُّهُود فَعِنْدَ بَعضهم تحل للْأولِ وَعند آخر لَا تحل (وَلَو أخْبرته) أَي الزَّوْج الأول (أَنَّهَا تحللت ثمَّ رجعت) عَن الْإِخْبَار بالتحليل (قبلت قبل عقد) من الزَّوْج الأول (لَا بعده وَإِن صدقهَا الثَّانِي) وَلَو حرمت عَلَيْهِ زَوجته الْأمة بازالة مَا يملكهُ عَلَيْهَا من الطَّلَاق ثمَّ اشْتَرَاهَا قبل التَّحْلِيل لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 230 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَلَو رَجَعَ من غيبته وَادّعى موت زَوجته حل لَهُ نِكَاح نَحْو أُخْتهَا بِخِلَاف مَا لَو رجعت إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَادعت موت الْأُخْرَى فَلَا تحل لزوج أُخْتهَا الَّتِي ادَّعَت مَوتهَا وَالْفرق أَن الزَّوْج قَادر على حل نَحْو الْأُخْت بِنَفسِهِ بِطَلَاق مثلا بِخِلَافِهَا فصل فِي الرّجْعَة وَهِي لُغَة الْمرة من الرُّجُوع وَشرعا رد الزَّوْج أَو من قَامَ مقَامه من وَكيل وَولي امْرَأَته إِلَى مُوجب النِّكَاح وَهُوَ الْحل فِي الْعدة من طَلَاق غير بَائِن بِشُرُوط وأركانها ثَلَاثَة مَحل ومرتجع وَصِيغَة أما الطَّلَاق فَهُوَ سَبَب لَا ركن وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى ذَلِك بقوله (صَحَّ رُجُوع مُفَارقَة بِطَلَاق دون أَكْثَره مجَّانا بعد وَطْء قبل انْقِضَاء عدَّة) فَخرج بِالطَّلَاق الْفَسْخ وَالظِّهَار وَوَطْء الشُّبْهَة وَالْحَاصِل أَنه شَرط فِي المرتجع اخْتِيَار وأهلية نِكَاح بِنَفسِهِ فَتَصِح رَجْعَة سَكرَان وَعبد وسفيه ومفلس ومحرم وَإِن لم يَأْذَن ولي وَسيد لَا مُرْتَد وَصبي وَمَجْنُون ومكره وَشرط فِي الْمحل سِتَّة أُمُور الأول كَون الْمُطلقَة لم يسْتَوْف عدد طَلاقهَا وَلَو كَانَ الطَّلَاق بتطليق القَاضِي على الْمولي وَالثَّانِي كَونهَا مَوْطُوءَة وَلَو فِي الدبر وَلَو لم تزل بَكَارَتهَا كَأَن كَانَت غوراء وكالوطء استدخال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم وَلَو فِي الدبر وَالثَّالِث كَونهَا مُطلقَة بِلَا عوض مِنْهَا أَو من غَيرهَا وَالرَّابِع كَونهَا فِي أثْنَاء الْعدة أَو قبل الشُّرُوع فِيهَا بِأَن طلقت حَائِضًا فَلهُ الرّجْعَة فِي ذَلِك وَإِن لم تشرع فِي الْعدة إِلَّا بمجيء الطُّهْر أَو طلقت فِي مُدَّة حمل وَطْء الشُّبْهَة وَالْمرَاد بِكَوْنِهَا فِي الْعدة مَا يَشْمَل احْتِمَالا كَمَا لَو شكّ هَل رَاجع فِي الْعدة أم بعْدهَا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْعدة وَصِحَّة الرّجْعَة وَلَو قارنت الرّجْعَة انْقِضَاء الْعدة لم تصح وَالْخَامِس كَونهَا قَابِلَة للْحلّ للمراجع فَلَو أسلمت الْكَافِرَة وَاسْتمرّ زَوجهَا وراجعها فِي كفره لم تصح الرّجْعَة وَإِن أسلم بعد مراجعتها أَو ارْتَدَّت الْمسلمَة لم تصح مراجعتها فِي حَال ردتها لِأَن مَقْصُود الرّجْعَة الْحل وَالرِّدَّة تنافيه وَكَذَا لَو ارْتَدَّ الزَّوْج أَو ارتدا مَعًا بِخِلَاف مَا لَو أسلم هُوَ فَقَط وَكَانَت تحل لَهُ أَو أسلما مَعًا مُطلقًا فَإِن النِّكَاح يَدُوم فِيهَا سَوَاء كَانَ قبل الدُّخُول أَو بعده وَضَابِط عدم صِحَة الرّجْعَة انْتِقَال أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى دين يمْنَع دوَام النِّكَاح وَالسَّادِس كَونهَا مُعينَة فَلَو طلق إِحْدَى زوجتيه وَأبْهم ثمَّ رَاجع بِأَن قَالَ راجعت الْمُطلقَة أَو طلقهما جَمِيعًا ثمَّ رَاجع إِحْدَاهمَا مُبْهمَة لم تصح الرّجْعَة وَلَو شكّ فِي الطَّلَاق كَأَن علقه على شَيْء وَشك فِي حُصُوله فراجع احْتِيَاطًا ثمَّ اتَّضَح الْحَال صحت الرّجْعَة لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بِمَا فِي نفس الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 بِخِلَاف الْعِبَادَة فَالْعِبْرَة فِيهَا بِمَا فِي نفس الْأَمر وَظن الْمُكَلف وَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بالمراد وتنجيز وَعدم تَوْقِيت وَتحصل الرّجْعَة بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة فالصريح حَاصِل (براجعت زَوْجَتي) أَو رجعتك أَو ارتجعتك أَو أمسكتك أَو رددتك إِلَيّ فجملة أَلْفَاظ الصَّرِيح خَمْسَة وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر مَا اشتق من مصادرها كَأَنْت مُرَاجعَة وَمَا كَانَ بالعجمية وَإِن أحسن الْعَرَبيَّة وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ بِنَحْوِ إِلَى أَو إِلَى نِكَاحي فِي الرَّد وَاجِبَة فِي كَونه صَرِيحًا فَإِن لم تُوجد كَانَ كِنَايَة بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهَا سنة فَيَقُول راجعت زَوْجَتي لعقد نِكَاحي وأمسكتها على عصمتي أما الْإِضَافَة إِلَيْهَا فَلَا بُد مِنْهَا فِي جَمِيعهَا إِمَّا للاسم الْمظهر أَو للضمير أَو لاسم الْإِشَارَة كراجعت هَذِه فَإِن اقْتصر على راجعت كَانَ لَغوا إِلَّا إِذا وَقع جَوَابا لقَوْل شخص لَهُ التماسا أراجعت زَوجتك وَالْكِنَايَة نَحْو أعدت حلك وَرفعت تحريمك وتزوجتك ونكحتك واخترت حلك أَو اخْتَرْت رجعتك أَو أَنْت زَوْجَتي فَلَا بُد فِي ذَلِك من نِيَّة الرّجْعَة وَإِلَّا فَلَا تصح وترجمة الصَّرِيح صَرِيح وترجمة الْكِنَايَة كِنَايَة وَلَا يشْتَرط لصِحَّة الرّجْعَة الْإِشْهَاد عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فِي حكم اسْتِدَامَة النِّكَاح وَمن ثمَّ لم يحْتَج لوَلِيّ وَلَا لرضاء الْمَرْأَة بل ينْدب الْإِشْهَاد قَالَ الزَّرْكَشِيّ فَفِي الْكِنَايَة يشْهد على اللَّفْظ وَيبقى النزاع فِي النِّيَّة لَكِن قَالَ الشبراملسي الْمُصدق الزَّوْج لِأَن النِّيَّة لَا تعرف إِلَّا مِنْهُ فَيقبل قَوْله فِيهَا وَلَو بعد انْقِضَاء الْعدة وَلَا تشْتَرط الشَّهَادَة على الْمَرْأَة مَعَ أَنَّهَا عماد النِّكَاح وَيحرم الِاسْتِمْتَاع بالرجعية وَلَو بِمُجَرَّد النّظر لِأَن النِّكَاح يبيحه فيحرمه الطَّلَاق لِأَنَّهُ ضِدّه فَإِن وطىء فَلَا حد وَإِن اعْتقد حُرْمَة الْوَطْء لِلْقَوْلِ الضَّعِيف فِي إِبَاحَته وَحُصُول الرّجْعَة بِهِ وَيُعَزر على الْوَطْء ومقدماته حَتَّى النّظر مُعْتَقد تَحْرِيمه بِخِلَاف مُعْتَقد حلّه وفاعل جَاهِل بِتَحْرِيمِهِ لإقدامه على مَعْصِيّة عِنْده (وَلَو تزوج) أَي شخص حر أَو رَقِيق (مُفَارقَته بِدُونِ ثَلَاث) للْحرّ وَبِدُون ثِنْتَيْنِ للرقيق (وَلَو بعد زوج آخر) قبل الْإِصَابَة أَو بعْدهَا (عَادَتْ) لَهُ (ببقيته) أَي بَقِيَّة مَاله من عدد الطَّلَاق وَلَا يهدم الزَّوْج الثَّانِي مَا وَقع من الطَّلَاق وَاحْتج أَصْحَاب الشَّافِعِي بِمَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَمَّن طلق امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا فَتزوّجت غَيره وفارقها ثمَّ تزَوجهَا الأول فَقَالَ هِيَ عِنْده بِمَا بَقِي من الطَّلَاق وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن عَليّ وَزيد ومعاذ وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم وَبِذَلِك قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَيْضًا أَن الطَّلقَة والطلقتين لَا يؤثران فِي التَّحْرِيم المحوج إِلَى زوج آخر فَالنِّكَاح الثَّانِي وَالدُّخُول فِيهِ لَا يهدمان الطَّلَاق كَوَطْء السَّيِّد الْأمة الْمُطلقَة وَهَذَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله إِن النِّكَاح يهدم مَا وَقع فتعود لَهُ بِمَالِه وَهُوَ الثَّلَاث فِي الْحرَّة والثنتان فِي الْأمة لِأَن الْعبْرَة عِنْده بِالزَّوْجَةِ لَا بِالزَّوْجِ فصل فِي الْعدة وَهِي لُغَة مَأْخُوذَة من الْعدَد لاشتمالها عَلَيْهِ غَالِبا فَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 غير الْغَالِب مَا لَو كَانَت الْمَرْأَة حَامِلا عِنْد الطَّلَاق أَو موت الزَّوْج فَوضعت حَالا بعد ذَلِك فَحِينَئِذٍ لم تشْتَمل الْعدة على الْعدَد وَشرعا مُدَّة تَتَرَبَّص فِيهَا الْمَرْأَة لبراءة رَحمهَا من الْحمل فِيمَن تحبل وَكَانَ زَوجهَا يُولد لَهُ وَكَانَت فرقة حَيَاة أَو للتعبد فِي صَغِيرَة أَو آيسة وَكَانَ زَوجهَا لَا يُولد لَهُ وَكَانَت فرقة حَيَاة أَو لتحزنها فِي فرقة الْمَوْت (تجب عدَّة لفرقة زوج حَيّ) بِطَلَاق أَو فسخ بِنَحْوِ عيب أَو انْفِسَاخ بِنَحْوِ لعان (وطىء) بِذكر مُتَّصِل وَلَو فِي دبر وَلَو من نَحْو صبي تهَيَّأ للْوَطْء وَلَا بُد من مَوْطُوءَة كَذَلِك وَلَو من خصي وَإِن كَانَ الذّكر أشل وَفِي معنى الطَّلَاق وَنَحْوه مَا لَو مسخ الزَّوْج حَيَوَانا فَتعْتَد عدَّة الطَّلَاق وَمثل الْوَطْء استدخال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم وَقت إنزاله وَهُوَ الَّذِي خرج على وَجه جَائِز كَأَن خرج بالاحتلام وَإِن دخل على وَجه محرم كَأَن أدخلته زَوجته على ظن أَنه مني الْغَيْر أما قبل الْوَطْء فَلَا عدَّة كَزَوْجَة مجبوب لم تستدخل منيه إِذا علم ذَلِك أما إِذا ساحقها وَنزل منيه وَلم يعلم هَل دخل فرجهَا أَو لَا فَتجب بِهِ الْعدة وَيلْحق بِهِ الْوَلَد وتنقضي عدتهَا بِالْحملِ الْحَاصِل مِنْهُ وكزوجة مَمْسُوح سَوَاء استدخلت مَاءَهُ أَو لَا وَإِن ساحقها حَتَّى نزل مَاؤُهُ فِي فرجهَا إِذْ لَا يلْحقهُ الْوَلَد (وَإِن تَيَقّن بَرَاءَة رحم) كَمَا فِي الصَّغِيرَة الَّتِي يُمكن وَطْؤُهَا والآيسة وكما فِي الْمُعَلق طَلاقهَا على يَقِين الْبَرَاءَة فَإِذا مضى لَهَا بعد وضع الْحمل سِتَّة أشهر طلقت وَعَلَيْهَا الْعدة تعبدا (و) تجب عدَّة (لوطء شُبْهَة) وَهُوَ كل مَا لم يُوجب حدا على الواطىء وَإِن أوجبه على الْمَوْطُوءَة كَوَطْء مَجْنُون أَو مراهق أَو مكره عَاقِلَة بَالِغَة وَلَو زنا مِنْهَا فتلزمها الْعدة لاحترام المَاء فِي الْمَجْنُون حَقِيقَة وَفِي الْمُرَاهق حكما لكَونه مَظَنَّة الْإِنْزَال وَلعدم وجوب الْحَد على الْمُكْره وَمَا دَامَت الْمَرْأَة فِي عدَّة الشُّبْهَة لَا يسْتَمْتع بهَا الزَّوْج بِوَطْء جزما وَبِغَيْرِهِ على الْمَذْهَب لِأَنَّهَا مُعْتَدَّة عَن غَيره حملا كَانَ أَو غَيره حَتَّى تقضيها بِوَضْع أَو غَيره لاختلال النِّكَاح بتعلق حق الْغَيْر بهَا وَيُؤْخَذ من هَذَا التَّعْلِيل حُرْمَة نظره إِلَيْهَا وَلَو بِلَا شَهْوَة وَالْخلْوَة بهَا وَتَكون الْعدة (بِثَلَاثَة قُرُوء) وَإِن اخْتلف وتطاول مَا بَينهَا وَإِن استجلبتها بدواء (على حرَّة تحيض) وَكَذَا لَو كَانَت حَامِلا من زنا فَإِنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة قُرُوء إِذْ حمل الزِّنَا لَا حُرْمَة لَهُ وَلَو جهل حَال الْحمل وَلم يكن لُحُوقه بِالزَّوْجِ بِأَن ولد فِي وَقت أَكثر من أَربع سِنِين من وَقت إِمْكَان وَطْء الزَّوْج لَهَا كَأَن كَانَ مُسَافِرًا بِمحل بعيد حمل أَنه زنا وَأما لَو أمكن لُحُوقه بِهِ بِأَن وَلدته فِي وَقت دون سِتَّة أشهر من نِكَاح الثَّانِي وَدون أَربع سِنِين من طَلَاق الأول حكم بلحوقه للْأولِ وَيبْطل بِهِ نِكَاح الثَّانِي والقرء هُوَ الطُّهْر المحتوش بدمين فَإِن طلقت طَاهِرا وَقد بَقِي من الطُّهْر لَحْظَة انْقَضتْ الْعدة بالطعن فِي حَيْضَة ثَالِثَة أَو طلقت حَائِضًا وَإِن لم يبْق من زمن الْحيض شَيْء فتنقضي عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة رَابِعَة إِذْ مَا بَقِي من الْحيض لَا يحْسب قرءا قطعا وَلَو طلقت فِي النّفاس فَلَا بُد من ثَلَاثَة أَقراء بعده لِأَن النّفاس لَا يحْسب من الْعدة وَلَو طلقت من لم تَحض أصلا لم تنقض عدتهَا إِلَّا بالطعن فِي الْحَيْضَة الرَّابِعَة كمن طلقت فِي الْحيض (و) تكون الْعدة (بِثَلَاثَة أشهر) بِالْأَهِلَّةِ (إِن لم تَحض) أَي الْحرَّة لصغرها أَو لعِلَّة أَو جبلة منعتها رُؤْيَة الدَّم أصلا أَو ولدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَلم تَرَ دَمًا قبل الْحمل (أَو يئست) من الْحيض بعد أَن رَأَتْهُ وَالْمُعْتَبر فِي الْيَأْس يأس كل النِّسَاء فِي كل الْأَزْمِنَة بِاعْتِبَار مَا يبلغنَا خَبره وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة بِاعْتِبَار الْغَالِب فَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر فبعده هلالان ويكمل الأول المنكسر ثَلَاثِينَ يَوْمًا من الرَّابِع وَإِن نقص فَإِن حَاضَت من لم تَحض أَو آيسة فِي أثْنَاء الْأَشْهر فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ وجوبا إِجْمَاعًا لِأَنَّهَا الأَصْل فِي الْعدة وَقد قدرت عَلَيْهَا قبل الْفَرَاغ من بدلهَا فتنتقل إِلَيْهَا كالمتيمم إِذا وجد المَاء فِي أثْنَاء التَّيَمُّم أَو حَاضَت من لم تَحض بعد تَمام الْأَشْهر لم تنْتَقل إِلَى الْأَقْرَاء بِخِلَاف الآيسة فَإِنَّهَا إِن حَاضَت بعد تَمام الْأَشْهر وَلم تنْكح زوجا آخر فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ لتبين أَنَّهَا لَيست آيسة فَإِن نكحت آخر فَلَا شَيْء عَلَيْهَا لانقضاء عدتهَا ظَاهرا مَعَ تعلق حق الزَّوْج بهَا وللشروع فِي الْمَقْصُود كَمَا إِذا قدر الْمُتَيَمم على المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة (وَمن انْقَطع حَيْضهَا) من حرَّة أَو غَيرهَا قبل الطَّلَاق أَو بعده فِي الْعدة لعِلَّة تعرف عِنْد الْأَطِبَّاء كرضاع ونفاس وَمرض وَإِن لم يرج بُرْؤُهُ تصبر اتِّفَاقًا حَتَّى تحيض فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ أَو حَتَّى تيأس فَتعْتَد بِالْأَشْهرِ وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَطَالَ ضررها بالانتظار ويمتد زمن الرّجْعَة إِلَى الْيَأْس وَمثلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهَا تَابِعَة للعدة وَقد قُلْنَا ببقائها وَطَرِيقه فِي الْخَلَاص من ذَلِك أَن يطلقهَا بَقِيَّة الطلقات الثَّلَاث أما من انْقَطع دَمهَا (بِلَا عِلّة) تعرف عِنْد الْأَطِبَّاء فَفِيهَا خلاف فَفِي القَوْل الْجَدِيد الْمُعْتَمد أَنَّهَا (لم تتَزَوَّج حَتَّى تحيض أَو تيأس) ببلوغها إِلَى سنّ الْيَأْس وَفِي الْقَدِيم تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر إِذْ هِيَ مُدَّة الْحمل غَالِبا ليعرف فرَاغ الرَّحِم وَبعدهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَهَذَا مُوَافق لقَوْل الإِمَام مَالك تصبر سنة بَيْضَاء أَي خَالِيَة عَن الدَّم لِأَن ضم الثَّلَاثَة أشهر للتسعة سنة كَامِلَة وَفِي قَول من الْقَدِيم تَتَرَبَّص أَربع سِنِين لِأَنَّهَا أَكثر مُدَّة الْحمل فتتيقن بَرَاءَة الرَّحِم ثمَّ إِن لم يظْهر حمل تَعْتَد بِالْأَشْهرِ كَمَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ الْمُعَلق طَلاقهَا بِالْولادَةِ مَعَ تَيَقّن بَرَاءَة رَحمهَا ولهذه الْمَرْأَة وَلمن لم تَحض أصلا استعجال الْحيض بدواء (و) تجب عدَّة (لوفاة زوج حَتَّى على رَجْعِيَّة وَغير مَوْطُوءَة بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام) بلياليها بعد وضع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا من غير زنا بِأَن كَانَ من شُبْهَة لِأَن عدَّة الْحمل مُقَدّمَة تقدّمت أَو تَأَخَّرت عَن الْمَوْت بِأَن وطِئت بِشُبْهَة فِي أثْنَاء الْعدة وحملت فَإِنَّهَا تقدم عدَّة الشُّبْهَة وَبعد وضع الْحمل تبنى على مَا مضى من عدَّة الْوَفَاة يَعْنِي أَن عدَّة الْحرَّة الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة إِن كَانَت حَائِلا أَو حَامِلا من غير الزَّوْج أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام بلياليها وَإِن كَانَت ذَات أَقراء وَإِن لم تُوطأ أَو كَانَت صَغِيرَة أَو زَوْجَة مَمْسُوح ذكره وأنثياه أَو زَوْجَة صبي لم يبلغ تسع سِنِين بِخِلَاف مَا إِذا بلغ أَوَان الِاحْتِلَام فَتعْتَد الْحَامِل بِالْوَضْعِ وَلَو مَاتَ شخص عَن مُطلقَة رَجْعِيَّة انْتَقَلت إِلَى عدَّة وَفَاة مَعَ عدم حسبان مَا مضى وَسَقَطت بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَتسقط نَفَقَتهَا أَو مَاتَ عَن مُطلقَة بَائِن كمفسوخ نِكَاحهَا فَلَا تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة بل تكمل عدَّة الطَّلَاق وَلها النَّفَقَة إِن كَانَت حَامِلا (مَعَ إحداد) أَي يجب الْإِحْدَاد على مُعْتَدَّة وَفَاة وَلَا فرق فِي وُجُوبه بَين الْمسلمَة والذمية وَلَو كَانَ زَوجهَا ذِمِّيا وَلَا بَين الْحرَّة وَالْأمة وَلَا بَين المكلفة وَغَيرهَا وَالْوَلِيّ يمْنَع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الصَّغِيرَة والمجنونة مِمَّا تمْتَنع مِنْهُ المكلفة وَيسْتَحب الْإِحْدَاد لبائن بخلع أَو اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق لِئَلَّا تفضى زينتها لفسادها وَفِي قَول قديم يجب عَلَيْهَا وَأما المفسوخ نِكَاحهَا بِعَيْب وَنَحْوه فَفِيهَا طَرِيقَانِ أَحدهمَا على القَوْل فِي الْبَائِن بِالطَّلَاق وَقيل لَا يجب قطعا وَأما الرَّجْعِيَّة فقد نَص الشَّافِعِي على أَن الْإِحْدَاد مُسْتَحبّ لَهَا وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى أَن الأولى أَن تتزين بِمَا يَدعُوهُ إِلَى رَجعتهَا وَذَلِكَ حَيْثُ رجت عوده بالتزين وَلم يتَوَهَّم أَنه لفرحها بطلاقه والإحداد هُوَ ترك لبس مصبوغ بِمَا يقْصد لزينة لَيْلًا وَنَهَارًا وَترك تحل بحب يتحلى بِهِ نَهَارا كلؤلؤ ومصنوع من ذهب أَو فضَّة أَو غَيرهمَا كنحاس إِن كَانَت الْمَرْأَة مِمَّن تتحلى بِهِ وَذَلِكَ كخلخال وسوار وَخَاتم وَترك تطيب فِي بدن وثوب وَطَعَام وكحل وَترك دهن شعر لرأسها وَترك اكتحال بِكُل زِينَة إِلَّا لحَاجَة كرمد فتكتحل بِهِ لَيْلًا وتمسحه نَهَارا وَيجوز للضَّرُورَة نَهَارا وَترك إسفيذاج وَهُوَ مَا يطلى بِهِ الْوَجْه وَترك دمام وَهِي حمرَة يُورد بهَا الخد وَترك خضاب مَا ظهر من الْبدن كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بِنَحْوِ حناء وَحل تجميل فرَاش وأثاث وَحل لَهَا تنظف بِغسْل رَأس وامتشاط بِلَا ترجيل بدهن وقلم ظفر وَإِزَالَة نَحْو شعر عانة وَإِزَالَة وسخ بسدر أَو نَحوه لِأَنَّهَا لَيست من الزِّينَة الداعية إِلَى الْجِمَاع وَلَو تركت المحدة المكلفة الْإِحْدَاد الْوَاجِب عَلَيْهَا كل الْمدَّة أَو بَعْضهَا عَصَتْ إِن علمت حُرْمَة ذَلِك وَانْقَضَت الْعدة مَعَ الْعِصْيَان وَإِن نشأت بَين الْعلمَاء وَلَو تركت التزين وَكَانَت على صُورَة المحدة لم تأثم لعدم قَصده (وَتعْتَد غَيرهَا) أَي الْحرَّة (بِنصْف) من الْحرَّة فَتعْتَد عَن الْوَفَاة بشهرين هلاليين وَخَمْسَة أَيَّام بلياليها مَا لم يَطَأهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة وَإِلَّا اعْتدت بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام صِحَاح وَإِن كَانَت عدَّة الْوَفَاة لَا تتَوَقَّف على الْوَطْء وَبَيَان ذَلِك أَن يطَأ زَوجته الْأمة ظَانّا أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة وَيسْتَمر ظَنّه إِلَى مَوته فَتعْتَد للوفاة عدَّة حرَّة إِذْ الظَّن كَمَا نقلهَا من الْأَقَل إِلَى الْأَكْثَر فِي الْحَيَاة فَكَذَا فِي الْمَوْت وَتعْتَد ذَوَات الْأَشْهر عَن الطَّلَاق وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْفَسْخ والانفساخ بِشَهْر هلالي وَنصف شهر لِإِمْكَان التنصيف فِي الْأَشْهر بِخِلَاف ذَات الْأَقْرَاء فَتعْتَد عَن ذَلِك بقرأين (و) إِنَّمَا (كمل الطُّهْر الثَّانِي) لتعذر تنصيفه كَالطَّلَاقِ إِذْ لَا يظْهر نصفه إِلَّا بِظُهُور كُله فَلَا بُد من الِانْتِظَار إِلَى أَن يعود الدَّم فَإِن عتقت فِي عدَّة رَجْعَة فكحرة فتكمل ثَلَاثَة أَقراء لِأَن الرَّجْعِيَّة كَالزَّوْجَةِ فِي كثير من الْأَحْكَام فَكَأَنَّهَا عتقت قبل الطَّلَاق بِخِلَاف مَا إِذا عتقت فِي عدَّة بينونة أَو وَفَاة لِأَنَّهَا كالأجنبية فَكَأَنَّهَا عتقت بعد انْقِضَاء الْعدة (وتعتدان) أَي الْحرَّة وَمن فِيهَا رق عَن فرقة الْحَيَاة وَفرْقَة الْمَوْت (بِوَضْع) جَمِيع (حمل) بِشَرْط نِسْبَة إِلَى ذِي الْعدة حَيا كَانَ أَو مَيتا أَو مُضْغَة وَلَو على غير صُورَة الْآدَمِيّ وَلَو مَعَ وَطْء غير الْآدَمِيّ لتِلْك الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة وَاحْتمل كَونه من الزَّوْج لِأَن الشَّرْط نسبته إِلَى ذِي الْعدة وَلَو احْتِمَالا وَهُوَ مَوْجُود هُنَا أما الْعلقَة وَهِي مني يصير دَمًا غليظا فَإِن لم يكن فِيهَا صُورَة خُفْيَة فَلَا تَنْقَضِي بهَا الْعدة لِأَنَّهَا لَا تسمى حملا وَإِلَّا فتنقضي بهَا كَمَا قَالَه ابْن حجر فِي شَرحه على الْمِنْهَاج قبيل كتاب الصَّلَاة (و) حَلَفت الْمَرْأَة فِي انْقِضَاء الْعدة بِغَيْر أشهر من أَقراء أَو وضع وَإِن استعجلته بدواء وَيحرم الاستعجال إِن نفخت فِيهِ الرّوح وَإِلَّا فَيكْرَه إِذا أنكرهُ الزَّوْج وَلَا يجوز لَهَا النِّكَاح وَلها النَّفَقَة عملا بإنكاره فيهمَا ف (تصدق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 بِيَمِينِهَا (فِي انْقِضَاء عدَّة) بِغَيْر أشهر (أمكن) وَإِن خَالَفت عَادَتهَا فِي الْحيض بِأَن كَانَت عَادَتهَا فِي كل شَهْرَيْن حَيْضَة فادعت أَنَّهَا حَاضَت فِي شهر حَيْضَة لِأَن النِّسَاء مؤتمنات على أرحامهن حيضا وحملا والمؤتمن على الشَّيْء يصدق فِيهِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا تصدق الْمَرْأَة فِي بَقَاء الْعدة وَإِن وصلت إِلَى سنّ الْيَأْس وَلها النَّفَقَة وَخرج بِانْقِضَاء الْعدة غَيره كنسب كَأَن تدعى أَن هَذَا الْحمل من وَطْء فلَان لَهَا بِشُبْهَة فَلَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الْولادَة بعد مُضِيّ مُدَّة من إِمْكَان الْوَطْء يُمكن فِيهَا ذَلِك وَخرج بِغَيْر الْأَشْهر انقضاؤها بِالْأَشْهرِ فَيصدق الزَّوْج بِيَمِينِهِ وَلَو انعكست الصُّورَة فَادّعى الِانْقِضَاء وَقَالَ طَلقتك فِي رَمَضَان فَقَالَت بل فِي شَوَّال صدقت بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا غلظت على نَفسهَا وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لتطويل الْعدة خَاصَّة وَأما النَّفَقَة فَإِنَّهَا لَا تستحقها فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على مَا يَقُوله الزَّوْج وَله أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا وَخرج بِإِمْكَان الِانْقِضَاء مَا إِذا لم يُمكن كقرب الزَّمن من الطَّلَاق فَيصدق بِيَمِينِهِ أما فِي حق الصَّغِيرَة فَكَانَ يَنْبَغِي الزَّوْج بِلَا يَمِين وَأما فِي حق الآيسة فَيصدق الرجل تَقْوِيَة لجانبه لِأَن الْمَرْأَة مَا دَامَت حَيَّة فحيضها مُمكن (وَلَا يقبل دَعْوَاهَا) أَي الْمَرْأَة (عدم انْقِضَائِهَا) أَي الْعدة (بعد تزوج) لرجل آخر (وتنقطع عدَّة) بِالْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهر (بمخالطة رَجْعِيَّة وَلَا رَجْعَة بعْدهَا) أَي الْعدة الْأَصْلِيَّة ويلحقها الطَّلَاق إِلَى انْقِضَاء الْعدة احْتِيَاطًا وتغليظا عَلَيْهِ لتَقْصِيره وَلَا يَصح مِنْهَا إِيلَاء وَلَا ظِهَار وَلَا لعان وَلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة لَهَا وَيجب لَهَا السُّكْنَى وَلَا يحد بِوَطْئِهَا وَله أَن يتَزَوَّج برابعة وَالْمرَاد بالمخالطة أَن يَدُوم على حَالَته الَّتِي كَانَ مَعهَا قبل الطَّلَاق من النّوم مَعهَا لَيْلًا أَو نَهَارا وَالْخلْوَة بهَا كَذَلِك وَغير ذَلِك وَالْحَاصِل أَنه إِن عَاشرهَا بِغَيْر وَطْء كخلوة أَو بِوَطْء فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة لم تنقض عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ لَا بِالْأَشْهرِ بِالنِّسْبَةِ للحوق الطَّلَاق وَانْقَضَت بِالنِّسْبَةِ للرجعة فَلَا رَجْعَة بعد الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر وللتوارث فَلَا توارث بَينهمَا فَإِذا زَالَت المعاشرة بِأَن نوى أَنه لَا يعود إِلَيْهَا أتمت على مَا مضى من عدتهَا قبل المعاشرة إِن كَانَ وَإِلَّا فَلَا معاشرة بِأَن استمرت المعاشرة من حِين الطَّلَاق فتستأنف الْعدة من حِين زَوَال المعاشرة وَإِن كَانَت بَائِنا فَلَا عِبْرَة بالمعاشرة بِغَيْر وَطْء وَلَا بِوَطْء بِلَا شُبْهَة أما إِن عَاشرهَا بِوَطْء بِشُبْهَة فكالرجعية فِي أَنَّهَا لَا تتَزَوَّج حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا من انْقِطَاع المعاشرة وَلَيْسَت كالرجعية مُطلقًا فَلَا يلْحقهَا الطَّلَاق وَله أَن يتَزَوَّج نَحْو أُخْتهَا أما عدَّة الْحمل فَلَا أثر للمعاشرة فِيهَا وَلَو مَعَ الْوَطْء فتنقضي بِوَضْعِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 فرع فِي الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ التَّرَبُّص بِالْمَرْأَةِ مِنْهَا أَو من سَيِّدهَا مُدَّة بِسَبَب حُدُوث الْملك أَو زَوَاله أَو بِسَبَب تجدّد حل الْوَطْء لبراءة الرَّحِم فِيمَن تحبل أَو للتعبد فِي الصَّغِيرَة والآيسة والمشتراة من امْرَأَة أَو صبي بِعقد وليه فَالْأول كَمَا فِي المسبية والمشتراة والموروثة وَالثَّانِي كَمَا فِي الْأمة الَّتِي أعْتقهَا سَيِّدهَا بعد وَطئهَا وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا لغيره وَالثَّالِث كَمَا فِي الْمُطلقَة قبل الدُّخُول وَالْمُكَاتبَة إِذا عجزت عَن أَدَاء النُّجُوم والمرتدة إِذا أسلمت (يجب اسْتِبْرَاء لحل) فِي تمتّع أَو تَزْوِيج بسببين أَحدهمَا (بِملك أمة) أَي بحدوثه وَلَو مُعْتَدَّة من غَيره بشرَاء أَو إِرْث أَو وَصِيَّة أَو سبي أَو رد بِعَيْب وَلَو بِلَا قبض فِي الْجَمِيع أَو هبة بِقَبض (وَإِن تَيَقّن بَرَاءَة رحم) كصغيرة وآيسة وَبكر وَسَوَاء أملكهَا من صبي أم من امْرَأَة أم مِمَّن استبرأها بِالنِّسْبَةِ لحل التَّمَتُّع أما بِالنِّسْبَةِ لروم التَّزْوِيج فقد لَا يجب الِاسْتِبْرَاء (و) ثَانِيهمَا (بِزَوَال فرَاش عَن أمة مَوْطُوءَة) غير مُسْتَوْلدَة (أَو مُسْتَوْلدَة بِعتْقِهَا) أَو بِمَوْت السَّيِّد عَنْهَا كزوال فرَاش الْحرَّة الْمَوْطُوءَة أما عتيقة قبل وَطْء فَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا قطعا وَلَو اسْتَبْرَأَ السَّيِّد أمة مَوْطُوءَة لَهُ غير مُسْتَوْلدَة فَأعْتقهَا لم يجب إِعَادَة الِاسْتِبْرَاء وتتزوج فِي الْحَال (وَلَا يَصح تَزْوِيج موطوءته) مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لَا (قبل اسْتِبْرَاء) حذرا من اشْتِبَاه الماءين أما غير مَوْطُوءَة فَإِن كَانَت غير مَوْطُوءَة لأحد فَلهُ تَزْوِيجهَا من كل أحد بِلَا اسْتِبْرَاء أَو مَوْطُوءَة غَيره فَلهُ تَزْوِيجهَا مِمَّن المَاء مِنْهُ وَكَذَا من غير صَاحب ذَلِك المَاء إِذا كَانَ المَاء غير مُحْتَرم أَو استبرأها من انْتَقَلت مِنْهُ إِلَيْهِ وَيجوز نِكَاح موطوءته مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لَا بِلَا اسْتِبْرَاء إِن أعْتقهَا كَمَا يجوز تزَوجه الْمُعْتَدَّة مِنْهُ (وَهُوَ) أَي الِاسْتِبْرَاء (لذات أَقراء حَيْضَة) وَاحِدَة بعد انْتِقَال ملكهَا إِلَيْهِ وَإِن لم يقبضهَا فَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحَيْضَة الَّتِي وجد السَّبَب فِي أَثْنَائِهَا فَإِذا كَانَ الْأمة تحيض ثمَّ انْقَطع حَيْضهَا صبرت حَتَّى تحيض فتستبرىء بِحَيْضَة كَامِلَة أَو تبلغ سنّ الْيَأْس فتستبرىء بِشَهْر (ولذات أشهر) مِمَّن لم تَحض أَو أَيِست (شهر) مَا لم تَحض فِيهِ وَإِلَّا حصل استبراؤها بالحيضة لِأَنَّهَا صَارَت من ذَوَات الْأَقْرَاء (ولحامل لَا تَعْتَد بِالْوَضْعِ) كمزوجة ومسبية غير مُزَوّجَة (وَضعه) أَي الْحمل قالعبد الله النبراوي وَلَا يلْزم توقف الِاسْتِبْرَاء على وضع حمل الزِّنَا فَإِن الِاسْتِبْرَاء يحصل بالأسبق من الْوَضع وَالْحيض ومضي الشَّهْر إِن كَانَت لَا تحيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 (وَتصدق) أَي المستبرأة بِلَا يَمِين (فِي قَوْلهَا حِضْت) لِأَن الْحيض لَا يعلم إِلَّا من جِهَتهَا لِأَنَّهَا لَو نكلت لم يقدر السَّيِّد على الْحلف على عدم الْحيض وَإِذا صدقناه وَظن كذبهَا حل لَهُ وَطْؤُهَا على الْأَوْجه قِيَاسا على مَا لَو ادَّعَت التَّحْلِيل فكذبها (وَحرم) قبل تَمام اسْتِبْرَاء فِي مسبية ومشتراة من حَرْبِيّ وَطْء دون غَيره كقبلة ولمس وَنظر بِشَهْوَة لِأَن ابْن عمر قبل أمة وَقعت فِي سَهْمه قبل الِاسْتِبْرَاء لما نظر عُنُقهَا كابريق فضَّة أَو كسيف من فضَّة فَلم يَتَمَالَك الصَّبْر عَن تقبيلها وَالنَّاس ينظرونه وَلم يُنكر أحد عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَمحل امْتنَاع الْوَطْء مَا لم يخف الزِّنَا فَإِن خافه جَازَ لَهُ كَمَا قَالَه الشبراملسي وَحرم (فِي غير مسبية تمتّع) بِوَطْء كَمَا فِي المسبية وَبِغَيْرِهِ كنظر بِشَهْوَة (قبل اسْتِبْرَاء) لأدائه إِلَى الْوَطْء الْمحرم وَإِنَّمَا حل فِي المسبية لِأَن غايتها أَن تكون مُسْتَوْلدَة حَرْبِيّ وَذَلِكَ لَا يمْنَع الْملك أَي فَلَا يحرم التَّمَتُّع وَإِنَّمَا حرم الْوَطْء صِيَانة لمائه عَن اخْتِلَاطه بِمَاء الْحَرْبِيّ لَا لحُرْمَة مَاء الْحَرْبِيّ بِمَعْنى أننا لَا نَدْرِي هَل هُوَ من حَرْبِيّ أَو غَيره فَلَا يُنَافِي أَن الرَّحِم إِذا اشْتَدَّ فَمه لَا يقبل مني آخر نعم الْخلْوَة بهَا جَائِزَة وَلَا يُحَال بَينه وَبَينهَا لتفويض الشَّرْع أما الِاسْتِبْرَاء إِلَى أَمَانَته إِلَّا إِذا كَانَ السَّيِّد مَشْهُورا بِالزِّنَا وَعدم المسكة وَهِي جميلَة فيحال بَينه وَبَينهَا وَلَو وطىء السَّيِّد قبل الِاسْتِبْرَاء أَو فِي أثْنَاء الْحيض لم يحْتَج لاستبراء ثَان وَإِن أَثم بِهِ فَإِن حملت مِنْهُ قبل الْحيض بَقِي تَحْرِيمهَا إِلَى وَضعهَا أَو حملت مِنْهُ فِي أَثْنَائِهِ حلت بانقطاعه لتمامه هَذَا إِن مضى قبل وَطئه أقل الْحيض وَإِلَّا فَلَا تحل لَهُ حَتَّى تضع كَمَا لَو أحبلها قبل الْحيض وَمَعَ ذَلِك الْمَذْكُور الْوَلَد حر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فصل فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان (يجب لزوجة) وَلَو ذِمِّيَّة أَو أمة أَو مَرِيضَة أَو رفيعة فِي النّسَب وَالْقدر (مكنت) من نَفسهَا بالتمكين التَّام نَفَقَة وَكِسْوَة وَإِسْكَان وَذَلِكَ لما أَبَاحَ الله للزَّوْج أَن يضر الْمَرْأَة بِثَلَاث ضرائر ويطلقها ثَلَاثًا جعل لَهَا ثَلَاثَة حُقُوق النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان وَهُوَ يتحملها بالمشقة غَالِبا لضعف عقلهَا فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضعف مَالهَا من الْحُقُوق وَهُوَ السِّتَّة الْمُتَقَدّمَة الثَّلَاث ضرائر والطلقات الثَّلَاث وَالْمرَاد بِالزَّوْجَةِ هِيَ الزَّوْجَة حَقِيقَة وَهِي الَّتِي فِي الْعِصْمَة أَو حكما فَتدخل الرَّجْعِيَّة وَإِن كَانَت حَائِلا والبائن الْحَامِل فَيجب لَهما مَا يجب للزَّوْجَة مَا عدا آلَة التَّنْظِيف وَلذَا قَالَ (وَلَو رَجْعِيَّة) وَقد جمع بَعضهم مَا يجب للزَّوْجَة فَقَالَ حُقُوق إِلَى الزَّوْجَات سبع ترتبت على الزَّوْج فاحفظ عدهَا بِبَيَان طَعَام وأدم كسْوَة ثمَّ مسكن وَآلَة تنظيف مَتَاع لبنيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَمن شَأْنهَا الإخدام فِي بَيت أَهلهَا على زَوجهَا فاحكم بِخِدْمَة إِنْسَان وَالْمرَاد بالبنيان الْبَيْت وَمعنى مَتَاع لبنيان فرش الْبَيْت الَّذِي تجْلِس عَلَيْهِ أَو تنام عَلَيْهِ أَو تتغطى بِهِ وَهُوَ شَامِل أَيْضا لآلة الطَّبْخ ولآلة الْأكل وَالشرب وَخرج بالتمكين التَّام التَّمْكِين غير التَّام كَمَا إِذا كَانَت صَغِيرَة لَا تطِيق الْوَطْء وَلَو تمتّع بالمقدمات وَمَا إِذا كَانَت أمة مسلمة لَهُ نَهَارا لَا لَيْلًا أَو بِالْعَكْسِ وَمَا إِذا مكنت فِي دَار مَخْصُوصَة مثلا أَو فِي نوع من التَّمَتُّع دون آخر أَو كَانَت مُعْتَدَّة عَن شُبْهَة فَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَو وَقع التَّمْكِين فِي أثْنَاء الْيَوْم أَو اللَّيْلَة وَجب لَهَا من النَّفَقَة بِقسْطِهِ من الْبَاقِي بِخِلَاف مَا لَو نشزت وعادت لم يجب لَهَا شَيْء نَفَقَة الْيَوْم أَو اللَّيْلَة فَإِن كَانَت قبضتها فَلهُ استردادها وَنَفَقَة الزَّوْجَة مقدرَة على الزَّوْج وَلَو صَغِيرا بِحَسب حَاله وَدَلِيل التَّفَاوُت قَوْله تَعَالَى {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} 65 الطَّلَاق الْآيَة 7 أَي ضيق {فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله} 65 الطَّلَاق الْآيَة 7 وَبَيَان ذَلِك أَنه يجب بفجر كل يَوْم (مد طَعَام) من غَالب قوت مَكَانهَا وَيجب تَسْلِيمه لَهَا بِقصد أَدَاء مَا لزمَه من غير افتقار إِلَى لفظ (على مُعسر) فِي فجر كل يَوْم (وَلَو مكتسبا) أَي وَلَو كَانَ كَسبه وَاسِعًا جدا (ورقيق) وَلَو مكَاتبا ومبعضا وَلَو موسرين وَإِنَّمَا ألحقا بالمعسر لضعف ملك الْمكَاتب وَنقص حَال الْمبعض (ومدان على مُوسر) وَهُوَ من لَا يصير بتكليفه مَدين مُعسرا (وَمد وَنصف على متوسط) وَهُوَ من يرجع بذلك مُعسرا وَذَلِكَ (إِن لم تواكله) فَإِن أكلت رَشِيدَة بِرِضَاهَا أَو غير رَشِيدَة بِرِضَاهَا أَو غير رَشِيدَة بِإِذن وَليهَا مَعَ الزَّوْج أكلا كالعادة بِأَن تتَنَاوَل كفايتها عَادَة سَقَطت نَفَقَتهَا لاكتفاء الزَّوْجَات بذلك فِي الْأَعْصَار وجريان النَّاس عَلَيْهِ فِيهَا وَمن جُمْلَتهمْ المجتهدون لِأَن الْإِجْمَاع لَا يكون إِلَّا مِنْهُم أما إِن كَانَت غير رَشِيدَة فَأكلت مَعَه بِغَيْر إِذن وَليهَا لم تسْقط نَفَقَتهَا بذلك وَيكون الزَّوْج مُتَطَوعا فَلَا رُجُوع لَهُ عَلَيْهَا بِشَيْء من ذَلِك إِن كَانَ غير مَحْجُور عَلَيْهِ وَإِن قصد بِهِ جعله عوضا عَن نَفَقَتهَا وَإِلَّا فلوليه الرُّجُوع عَلَيْهَا وَأما لَو أكلت مَعَه دون الْكِفَايَة طالبته بالتفاوت بَين مَا أَكلته وكفايتها فِي أكلهَا الْمُعْتَاد وَيعرف ذَلِك بعادتها فِي الْأكل بَقِيَّة الْأَيَّام وَمثل ذَلِك مَا لَو أضافها شخص إِكْرَاما لَهُ وَحده فَتسقط نَفَقَتهَا بِخِلَاف مَا لَو أضافها إِكْرَاما لَهما فَيَنْبَغِي سُقُوط النّصْف أَو لَهَا فَلَا يسْقط شَيْء من النَّفَقَة وَيجب مَا ذكر (بأدم) أَي مَعَ أَدَم غَالب مَحل الزَّوْجَة وَيخْتَلف بالفصول الْأَرْبَعَة فَيجب فِي كل فصل مَا يعْتَاد النَّاس فِيهِ حَتَّى الْفَوَاكِه فَيجب من الْأدم مَا يَلِيق بالقوت وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي التَّوسعَة يَوْم الْجُمُعَة وَالْأَوْجه وجوب سراج لَهَا أول اللَّيْل فِي مَحل جرت الْعَادة بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَلها إِبْدَاله بِغَيْرِهِ (وملح وَمَاء شرب وَمؤنَة) كَأُجْرَة طحن وخبز وطبخ وَإِن اعتادت فعل ذَلِك بِنَفسِهَا وَكَذَا مُؤنَة اللَّحْم وَمَا يطْبخ بِهِ من الْحَطب الَّذِي يُوقد بِهِ وَإِن أَكلته نيئا (وَآلَة) لأكل وَشرب وطبخ واغتسال كَقدْر وقصعة ومغرفة وكوز وجرة وَنَحْوهَا وَيَكْفِي كَونهَا من خزف أَو حجر أَو خشب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 والزيادات على ذَلِك من رعونات النَّفس (و) يجب لَهَا على الزَّوْج لفصلي الشتَاء والصيف كسْوَة على قدر الْكِفَايَة وتختلف بطول الْمَرْأَة وقصرها وهزالها وسمنها وباختلاف الْبِلَاد فِي الْحر وَالْبرد فَيجب فِي كل سِتَّة أشهر (قَمِيص) وَهُوَ ثوب مخيط يستر أَعلَى الْبدن وَفِي تَعْبِيره بقميص إِشْعَار بِوُجُوب الْخياطَة على الزَّوْج (وَإِزَار وخمار) لرأسها أَو مِمَّا يقوم مقَامه وَيجب الْجمع بَين الْخمار والمقنعة وَلَو اعتادوا العري وَجب ستر الْعَوْرَة لحق الله تَعَالَى وَتجب بَقِيَّة الْكسْوَة لَا ستر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَقَط بِخِلَاف الرَّقِيق وَالْفرق أَن كسْوَة الزَّوْجَة تمْلِيك ومعاوضة وَإِن لم تلبسها وَلم تحتج إِلَيْهَا وَكِسْوَة الرَّقِيق إمتاع (ومكعب) بِضَم فَفتح أَو بِكَسْر فَسُكُون فَفتح وَهُوَ مَا يداس فِيهِ وَيلْحق بِهِ القبقاب إِلَّا إِذا لم يعتادوه (مَعَ لِحَاف لشتاء) أَي فِي وَقت الْبرد وَلَو فِي غير الشتَاء (و) يجب (عَلَيْهِ) لَهَا (آلَة تنظيف) من الأوساخ الَّتِي تؤذيها وَذَلِكَ (كمشط) وخلال وَسدر (ودهن) وَلَو لجَمِيع بدنهَا وَيتبع فِي الدّهن عرف بَلَدهَا فَإِن ادهن أَهله بِزَيْت أَو شيرج أَو سمن أَو زَيْت مُطيب بورد مثلا وَجب وَيرجع فِي مِقْدَاره إِلَى كفايتها كل أُسْبُوع (لَا) يجب لَهَا عَلَيْهِ (طيب) وَلَا خضاب وَلَا كحل وَلَا مَا تتزين بِهِ وَمِنْه مَا جرت بِهِ الْعَادة من اسْتِعْمَال الْورْد وَنَحْوه فِي الأصداغ وَنَحْوهَا للنِّسَاء فَلَا يجب على الزَّوْج لَكِن إِذا أحضرهُ لَهَا وَجب عَلَيْهَا اسْتِعْمَاله إِذا طلب تزيينها بِهِ (و) لَا يجب لَهَا عَلَيْهِ (دَوَاء) وَلَا أُجْرَة طَبِيب وحاجم وَنَحْو ذَلِك وَيجب لَهَا طَعَام أَيَّام الْمَرَض وَلها صرفه فِي الدَّوَاء وَنَحْوه كإسفيذاج وَيجب لَهَا عَلَيْهِ مَاء غسل بِسَبَبِهِ كوطئه وولادتها مِنْهُ بِخِلَاف الْحيض والاحتلام لِأَن الْحَاجة إِلَى المَاء فِي الأول من قبل الزَّوْج بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي وَيُقَاس بذلك مَاء الْوضُوء فَيُفَرق بَين أَن يكون بمسه وَأَن يكون بِغَيْرِهِ وَعَلِيهِ أُجْرَة الْقَابِلَة وَيلْحق بالاحتلام استدخالها لذكر الزَّوْج وَهُوَ نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ وَإِن حبلت لعدم فعله كَغسْل زنَاهَا وَلَو مُكْرَهَة وولادتها من وَطْء شُبْهَة فماء هَذِه عَلَيْهَا دون الواطىء وَيلْحق بِمَاء الْوضُوء مَاء غسل نَجَاسَة (و) يجب (عَلَيْهِ) لَهَا (مسكن يَلِيق بهَا) عَادَة من دَار أَو حجرَة أَو غَيرهمَا كشعر أَو خشب أَو قصب وَإِن كَانَت من قوم لَا يعتادون السُّكْنَى وَذَلِكَ بِحَيْثُ تأمن فِيهِ على نَفسهَا وَمَالهَا وَإِن قل وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا كَانَ تَمْلِيكًا كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة والأواني يُرَاعى فِيهِ حَال الزَّوْج وَمَا كَانَ إمتاعا كالمسكن وَالْخَادِم يُرَاعى فِيهِ حَال الزَّوْجَة وَقد نظم بَعضهم ذَلِك فَقَالَ مَا كَانَ إمتاعا كمسكن وَجب لمرأة فراع حَالهَا تثب وَإِن يكن تملكا كالكسوة فحال زوج راعه لَا الزَّوْجَة وَلَا يشْتَرط فِي الْمسكن كَونه ملكه فَيَكْفِي كَونه مكترى بل (وَلَو معارا) وَمِنْه مَا لَو سكن مَعهَا فِي ملكهَا أَو فِي ملك نَحْو أَبِيهَا نعم إِن سكن فِي ذَلِك بِغَيْر إِذن وَلَا منع من خُرُوجه لَزِمته الْأُجْرَة (و) عَلَيْهِ (إخدام حرَّة تخْدم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَالْحَاصِل أَن الزَّوْجَة إِذا كَانَت مِمَّن يخْدم مثلهَا لكَونهَا لَا يَلِيق بهَا خدمَة نَفسهَا وَجب عَلَيْهِ إخدامها وَإِن لم تخْدم بِالْفِعْلِ فِي بَيت أَبِيهَا لشح مثلا وَإِذا كَانَت مِمَّن لَا يخْدم مثلهَا لَكِن هَذِه خدمت فِي بَيت أَبِيهَا بِالْفِعْلِ لم يجب عَلَيْهِ إخدامها فَلَو خدمت فِي بَيت زوج قبل فَلَا يجب على الزَّوْج الثَّانِي إخدامها وَالْوَاجِب خَادِم وَاحِد وَلَو ارْتَفَعت مرتبتها أَو احْتَاجَت لأكْثر من وَاحِدَة إِلَّا إِن مَرضت واحتاجت لما يزِيد وَيشْتَرط كَون الْخَادِم امْرَأَة أَو صَبيا أَو محرما أَو ممسوحا وَسَوَاء فِي وجوب الإخدام مُوسر ومتوسط ومعسر ومكاتب وَعبد كَسَائِر الْمُؤَن (وَتسقط) أَي مؤنها إِجْمَاعًا (بنشوز) أَي خُرُوج عَن طَاعَة الزَّوْج (وَلَو سَاعَة) وَإِن لم تأثم كصغيرة ومجنونة ومكرهة وَإِن قدر على ردهَا للطاعة فَترك فَلَو نشزت أثْنَاء يَوْم أَو ليلته سَقَطت نَفَقَته الْوَاجِبَة بفجره أَو أثْنَاء فصل سَقَطت كسوته الْوَاجِبَة بأوله وَيحصل النُّشُوز (بِمَنْع تمتّع) وَلَو بلمس مَا لم يكن امْتنَاع دلال بتغطية وَجههَا أَو إدبارها عَنهُ وَإِن مكنته من الْجِمَاع لِأَن التَّمَتُّع حَقه كَالْوَطْءِ (لَا) تسْقط الْمُؤَن إِن منعته (لتعذر) كعبالة وَهِي كبر الذّكر بِحَيْثُ لَا تحتمله الزَّوْجَة وَمرض يضر مَعَه الْوَطْء وجراحة فِي فرجهَا وَعلمت أَنه مَتى لمسها جَامعهَا وَتثبت عبالته بِأَرْبَع نسْوَة فَإِن لم تمكن مَعْرفَتهَا إِلَّا بنظرهن إِلَيْهِمَا مكشوفي الفرجين حَال انتشار عضوه جَازَ ليشهدن وَلَا يثبت الْمَرَض إِلَّا برجلَيْن من الْأَطِبَّاء لِأَنَّهُ مِمَّا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا وَلَيْسَ من الْعذر كَثْرَة جمَاعه وتكرره أَو بطء إنزاله حَيْثُ لم يحصل لَهَا مِنْهُ مشقة لَا تحْتَمل عَادَة (و) ب (خُرُوج من مسكن) أَي مَحل رضَا الزَّوْج بإقامتها فِيهِ (بِلَا إِذن) مِنْهُ وَلَا ظن رِضَاهُ وَلها اعْتِمَاد الْعرف الدَّال على رضَا أَمْثَاله بِمثل الْخُرُوج الَّذِي تريده نعم لَو علم مُخَالفَته لأمثاله فِي ذَلِك فَلَا وَلَو اخْتلفَا فِي الْإِذْن فَهُوَ الْمُصدق لِأَن الأَصْل عَدمه أَو فِي ظن الرِّضَا فَهِيَ المصدقة لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا مِنْهَا وَيجوز لَهَا الْخُرُوج إِذا أشرف الْبَيْت على الانهدام وَلَا بُد من قرينَة تدل عَلَيْهِ عَادَة وَلَا يقبل قَوْلهَا خشيت انهدامه مَعَ نفي الْقَرِينَة أَو خَافت على نَفسهَا أَو مَالهَا من فَاسق أَو سَارِق وَإِن قل المَال بِحَيْثُ لَا يكون تافها جدا أَو احْتَاجَت إِلَى الْخُرُوج لقاض تطلب عِنْده حَقّهَا أَو لتعلم للأمور الدِّينِيَّة لَا الدُّنْيَوِيَّة أَو للاستفتاء لأمر يحْتَاج إِلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وأرادت السُّؤَال عَنهُ أَو تعلمه حَيْثُ لم يغنها الزَّوْج الثِّقَة أَو نَحْو محرمها أَو أخرجهَا معير الْمنزل أَو مُتَعَدٍّ ظلما أَو خرجت إِلَى اكتسابها النَّفَقَة إِذا أعْسر بهَا الزَّوْج (وبسفرها) وَحدهَا إِلَى مَحل يجوز الْقصر مِنْهُ للْمُسَافِر (بِلَا إِذن) مِنْهُ وَلَو لغرضه (أَو) بِالْإِذْنِ وَبِغير سُؤال من الزَّوْج لَكِن (لغرضها) أَو لغَرَض أَجْنَبِي وَكَذَا لغرضهما مَعًا أَو مَعَ الْأَجْنَبِيّ أَو الْأَجْنَبِيّ (لَا) تسْقط الْمُؤَن بسفرها بِإِذْنِهِ (مَعَه) أَي الزَّوْج وَلَو لحاجتها أَو حَاجَة أَجْنَبِي أَو سفرها وَحدهَا بِإِذن لِحَاجَتِهِ وَلَو مَعَ حَاجَة غَيره لِأَنَّهَا مُمكنَة فِي الأولى وَلِأَنَّهُ مفوت لحقه فِي الثَّانِيَة أما إِذا سَافَرت مَعَه بِغَيْر إِذْنه فَلَا تجب لَهَا النَّفَقَة عَلَيْهِ إِلَّا زمن التَّمَتُّع دون غَيره نعم يَكْفِي فِي جوب نَفَقَة الْيَوْم تمتّع لَحْظَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 مِنْهُ بعد النُّشُوز وَكَذَا اللَّيْل وَاعْتمد ذَلِك الشبراملسي وَلَو امْتنعت من النقلَة مَعَه لم تجب مؤنها إِلَّا إِن كَانَ يتمتع بهَا فِي زمن الِامْتِنَاع فَتجب وَيصير تمتعه بهَا عفوا عَن النقلَة حِينَئِذٍ فرع فِي فسخ النِّكَاح (لزوجة مكلفة فسخ نِكَاح من أعْسر) مَالا وكسبا حَلَالا (بِأَقَلّ نَفَقَة) وَاجِب مُسْتَقْبل وَهُوَ مد (أَو) أقل (كسْوَة) وَهُوَ مَا لَا بُد مِنْهُ بِخِلَاف نَحْو السَّرَاوِيل والمكعب فَإِنَّهُ لَا فسخ بذلك (أَو بمسكن) أَي أَي مسكن سَوَاء كَانَ لائقا أَو لَا (أَو بِمهْر) حَال كلا أَو بَعْضًا (قبل وَطْء) لِأَنَّهَا إِذا فسخت بالجب والعنة فبالعجز عَن ذَلِك أولى لِأَن الْبدن لَا يقوم بِدُونِهِ بِخِلَاف الْوَطْء فَلَا فسخ بإعساره بِنَفَقَة مَا مضى وَلَا بِنَفَقَة الْخَادِم وَلَا بإعساره عَن الْأدم وَلَا إِذا وجد الْمسكن وَلَو غير لَائِق بهَا وَلَا بِالْمهْرِ الْمُؤَجل وَإِن حل لِأَنَّهَا رضيت بِذِمَّتِهِ وَلَا بعد الْوَطْء فِي الْمهْر وَفَارق غَيره حَيْثُ تفسخ بِالْعَجزِ وَلَو بعد الدُّخُول بِأَن الْمهْر فِي مُقَابلَة الْوَطْء فَإِذا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْج كَانَ تَالِفا فيتعذر عوده بِخِلَاف غير الْمهْر فَإِنَّهُ فِي مُقَابلَة التَّمْكِين وَلَا فسخ لوَلِيّ امْرَأَة حَتَّى صَغِيرَة ومجنونة لِأَن الْخِيَار مَنُوط بالشهوة فَلَا يُفَوض لغير مُسْتَحقّه فنفقتهما فِي مَالهمَا إِن كَانَ وَإِلَّا فعلى من تلْزمهُ مؤنتهما قبل النِّكَاح وَإِن كَانَ دينا على الزَّوْج والسفيهة الْبَالِغَة كالرشيدة هُنَا فلهَا الْفَسْخ وقدرة الزَّوْج على الْكسْب الْحَلَال كالقدرة على المَال لاندفاع الضَّرُورَة بِهِ فَلَو كَانَ يكْتَسب فِي كل يَوْم مَا يَفِي بِثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يبطل ثَلَاثَة ثمَّ يكْتَسب مَا يَفِي بهَا فَلَا فسخ لعدم مشقة الِاسْتِدَانَة حِينَئِذٍ فَصَارَ كالموسر وَإِذا عجز عَن الْكسْب بِمَرَض يُرْجَى زَوَاله فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا فسخ وَإِن طَال فلهَا الْفَسْخ وَخرج بِالْكَسْبِ الْحَلَال الْكسْب بِالْخمرِ وآلات الملاهي وبالتنجيم وَنَحْو ذَلِك وَمثل الْكسْب غَيره كالسؤال للْغَيْر حَيْثُ كَانَ لائقا بِهِ (فَلَا فسخ بامتناع غَيره) أَي الْمُعسر من الْإِنْفَاق سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو متوسطا وَسَوَاء أحضر أم غَابَ عَنْهَا (إِن لم يَنْقَطِع خَبره) لانْتِفَاء الْإِعْسَار الْمُثبت للْفَسْخ وَهِي متمكنة من خلاص حَقّهَا فِي الْحَاضِر بالحاكم بِأَن يلْزمه بالحسب وَغَيره وَفِي الْغَائِب يبْعَث الْحَاكِم إِلَى حَاكم بَلَده إِن كَانَ مَوْضِعه مَعْلُوما فَيلْزمهُ بِدفع نَفَقَتهَا وَإِن لم يعرف مَوْضِعه بِأَن انْقَطع خَبره وَتعذر اسْتِيفَاء النَّفَقَة من مَاله وَلم يعلم غيبَة مَاله فِي مرحلَتَيْنِ عَن الْبَلدة الَّتِي هُوَ مُقيم بهَا فَفِي هَذَا خلاف فَقيل لَا فسخ مَا دَامَ الزَّوْج مُوسِرًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد ابْن حجرح والرملي كالروياني وَقيل لَهَا الْفَسْخ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد السنباطي كشيخ الْإِسْلَام وَابْن الصّلاح وَقَالَ السَّيِّد عمر الْبَصْرِيّ وَهَذَا أيسر وَالْأول أحوط وَإِنَّمَا تفسخ الزَّوْجَة بعجز الزَّوْج عَن نَفَقَة مُعسر فَلَو عجز عَن نَفَقَة مُوسر أَو متوسط لم تفسخ لِأَن نَفَقَته الْآن نَفَقَة مُعسر فَلَا يصير الزَّائِد عَنْهَا دينا عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَالْحَاصِل أَن الْمُثبت للْفَسْخ خَمْسَة قيود الْإِعْسَار وَكَونه بِالنَّفَقَةِ وَكَونهَا نَفَقَة الزَّوْجَة وماضية وَكَونهَا نَفَقَة مُعسر لَكِن مثل النَّفَقَة الْكسْوَة والمسكن فَلَا فسخ بالإعسار عَن الْأَوَانِي والفرش وَلَو لما لَا بُد مِنْهُ للشُّرْب وَالْجُلُوس وَالنَّوْم وَإِن لزم أَن تنام على البلاط والرخام المضر (و) لَا فسخ بإعسار بِمهْر أَو نَحْو نَفَقَة (قبل ثُبُوت إِعْسَاره) أَي الزَّوْج (عِنْد قَاض) أَو مُحكم بِشَرْط أَن يكون مُجْتَهدا وَلَو مَعَ وجود قَاض أَو مُقَلدًا وَلَيْسَ فِي الْبَلَد قَاضِي ضَرُورَة فَلَا بُد من الرّفْع إِلَيْهِ وَيثبت إعسار الصَّغِير بِالْبَيِّنَةِ كَغَيْرِهِ وإعسار غَيره بهَا إِن عرف لَهُ مَال وَإِلَّا كفى الْيَمين على الْمُعْتَمد (ف) إِذا ثَبت الْإِعْسَار (يُمْهل) أَي القَاضِي أَو الْمُحكم وجوبا (ثَلَاثَة) من الْأَيَّام بلياليها وَلَو فِي الْمهْر على الْمُعْتَمد وَإِن لم يطْلب الزَّوْج الْإِمْهَال ليتَحَقَّق عَجزه فَإِنَّهُ قد يعجز لعَارض ثمَّ يَزُول وَهِي مُدَّة قريبَة يتَوَقَّع فِيهَا الْقُدْرَة بقرض أَو غَيره وَلها خُرُوج فِيهَا لتَحْصِيل نَفَقَة مثلا بكسب أَو سُؤال وَعَلَيْهَا رُجُوع إِلَى مَسْكَنهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقت الرَّاحَة وَلَيْسَ لَهَا مَنعه من التَّمَتُّع فِي غير أَوْقَات التَّحْصِيل (ثمَّ) بعد الْإِمْهَال (يفْسخ هُوَ) أَي القَاضِي بِنَفسِهِ أَو نَائِبه صَبِيحَة الرَّابِع فَإِن سلم نَفَقَة الرَّابِع فَلَا فسخ لتبين زَوَال مَا كَانَ الْفَسْخ لأَجله فَإِن أعْسر بعد أَن سلم نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع بِنَفَقَة الْخَامِس ثَبت الْفَسْخ على الْمدَّة فلهَا الْفَسْخ حَالا فَمَتَى أنْفق ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة وَعجز استأنفت وَإِن أنْفق دون الثَّلَاثَة بنت على مَا قبله وَالْحَاصِل أَنه إِن تخَلّل بَين الْيَسَار والإعسار دون ثَلَاثَة ثَبت وَإِلَّا استأنفت (أَو هِيَ) أَي الزَّوْجَة (بِإِذْنِهِ) أَي القَاضِي لَهَا فِي الْفَسْخ لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِي ذَلِك الْإِعْسَار كالعنة فَلَا ينفذ مِنْهَا قبل ذَلِك الْإِذْن ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وعدتها تحسب من وَقت الْفَسْخ وَلَيْسَ لَهَا مَعَ علمهَا بِالْعَجزِ الْفَسْخ قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي أَو الْمُحكم وَلَا بعده قبل الْإِذْن فِيهِ نعم إِن عجزت عَن الرّفْع إِلَى القَاضِي أَو الْمُحكم كَأَن قَالَ لَهَا لَا أفسخ حَتَّى تُعْطِينِي مَالا وفسخت نفذ الْفَسْخ ظَاهرا وَبَاطنا للضَّرُورَة وَإِن لم يكن فِي محلهَا قَاض وَلَا مُحكم اسْتَقَلت بِالْفَسْخِ فَتَقول فسخت نِكَاحي وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن الرّفْع للْقَاضِي سبق إِذْ لَا عِبْرَة بمهلة بِلَا قَاض وَكَذَا يُقَال فِيمَا سبق قَالَ بَعضهم وَالْقِيَاس لُزُوم الْإِشْهَاد لَهَا وَسُئِلَ الرَّمْلِيّ عَن شخص غَابَ عَن الْبَلَد فَهَل تفسخ عَلَيْهِ زَوجته فِي صَبِيحَة الرَّابِع كالحاضر أَو كَانَ الحكم خَاصّا بالحاضر فَأجَاب بِأَنَّهُ إِن شهِدت بَيِّنَة شَرْعِيَّة بِأَنَّهُ مُعسر الْآن عَن نَفَقَة المعسرين وَلَو باستنادها إِلَى الِاسْتِصْحَاب بِشَرْطِهِ أمهله الْحَاكِم ثَلَاثَة أَيَّام ومكنها من الْفَسْخ صَبِيحَة الرَّابِع وَحِينَئِذٍ فَالْحكم شَامِل للحاضر وَالْغَائِب (مهمات) سُئِلَ بَعضهم عَن رجل يملك عِصَابَة عَلَيْهَا ذهب وَفِضة ولؤلؤ دَفعهَا لزوجته على السُّكُوت من غير أَن يذكر لَهَا أَنَّهَا وَدِيعَة أَو هبه فَهَل تَملكهَا بِمُجَرَّد وضع الْيَد عَلَيْهَا أم كَيفَ الْحَال فَأجَاب بقوله الْعِصَابَة الْمَذْكُورَة أَمَانَة شَرْعِيَّة بيد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَللزَّوْج نَزعهَا مِنْهَا قهرا عَلَيْهَا أَي وَقت أَرَادَهُ لِأَنَّهَا ملكه وَلم يصدر مِنْهُ صِيغَة شَرْعِيَّة تنقل ملكه عَنْهَا للزَّوْجَة فَهِيَ بَاقِيَة على ملكه وَمَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من أَن كل شَيْء تتمتع فِيهِ الْمَرْأَة يصير ملكا لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 كَلَام بَاطِل لَا أصل لَهُ وَلَو اخْتلف الزَّوْجَانِ أَو وارثاهما أَو أَحدهمَا ووارث الآخر فِي أَمْتعَة دَار فَإِن صلحت لأَحَدهمَا فَقَط فَلهُ وَإِلَّا فَلِكُل تَحْلِيف الآخر إِن لم يكن بَيِّنَة وَلَا اخْتِصَاص بيد فَإِن حلفا جعلت بَينهمَا وَإِن نكل أَحدهمَا حلف الآخر وَقضى لَهُ بهَا وَلَو اشْترى حليا وديباجا وزينها بذلك لَا يصير ملكا لَهَا بذلك التزيين وَلَو اخْتلفت هِيَ وَالزَّوْج فِي الإهداء وَالْعَارِية صدق وَمثله وَارثه وَلَو جهز بنته بجهازه لم تملكه إِلَّا بِإِيجَاب وَقبُول وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه لم يملكهَا وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَن مَا يُعْطِيهِ الزَّوْج مصلحَة أَو صباحية كَمَا اُعْتِيدَ بِبَعْض الْبِلَاد لَا يملك إِلَّا بِلَفْظ أَو قصد إهداء وَأما مَصْرُوف الْعرس فَلَيْسَ بِوَاجِب فَإِذا صرفته بِإِذْنِهِ ضَاعَ عَلَيْهِ وَأما الدّفع أَي الْمهْر فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول استرده أَي اسْتردَّ نصفه وَإِلَّا فَلَا لتقرره بِهِ فَلَا يسْتَردّ بِالدُّخُولِ والمصلحة هِيَ مَا يناوله الزَّوْج لزوجته من دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَقت لِقَائِه مَعهَا لَيْلًا أَو من ثِيَاب بعد يَوْم مثلا من لِقَائِه والصباحية هِيَ مَا يَأْكُلهُ الضيوف وَقت الصَّباح فِي لَيْلَة دُخُوله بهَا من طَعَام والمصروف مَا يصرف للأريكة مثلا وَغَيرهَا من السراج وَغَيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْجِنَايَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي على الْأَبدَان عبر بهَا دون الْجراح لشمولها الْقَتْل بِسم أَو مثقل أَو سحر وَالْقَتْل ظلما أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر ومثبت لاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا يتحتم دُخُول الْقَاتِل فِي النَّار وَلَا يخلد فِيهَا وَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ وَتقبل تَوْبَته أما الخلود فِي الْآيَة فَمَحْمُول على طول الْمدَّة أَو مَحْمُول على من استحله وبالقود أَو الْعَفو لَا تبقى مُطَالبَة أخروية وَمَا أفهمهُ بعض الْعبارَات من بَقَائِهَا مَحْمُول على حَقه تَعَالَى إِذْ لَا يسْقطهُ إِلَّا تَوْبَة صَحِيحَة وَالْجِنَايَة على الْبدن ثَلَاثَة عمد وَشبهه وَخطأ (لَا قصاص إِلَّا فِي عمد) ظلم (وَهُوَ قصد فعل وشخص) أَي إِنْسَان مَعَ ظن كَونه إنْسَانا (بِمَا يقتل) بِالنِّسْبَةِ لذَلِك الْإِنْسَان كسيف أَو مثقل كَأَن رض رَأسه بِحجر كَبِير (وقصدهما) أَي الْفِعْل وَالْإِنْسَان وَإِن ظن كَونه غير إِنْسَان (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا يقتل (شبه عمد) سَوَاء أقتل كثيرا أم نَادرا كَضَرْبَة يُمكن عَادَة إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا بِنَحْوِ قلم أَو مَعَ خفتها جدا أَو ثقلهَا مَعَ كَثْرَة الثِّيَاب فموته مُوَافقَة قدر وَكَذَا بِمَا قتل غَالِبا حَيْثُ لم يقْصد عين الْمَقْتُول وَمن شبه الْعمد ضرب بِسَوْط أَو عَصا خفيفين بِلَا توال وَلم يكن الضَّرْب بمقتل وَلم يكن بِدُونِ الْمَضْرُوب نحيفا وَلَا ضَعِيفا وَلم يقْتَرن بِشدَّة حر أَو برد وَإِلَّا فَعمد وكالتوالي مَا لَو فرق الضربات وَبَقِي ألم كل إِلَى مَا بعده (وَعدم قصد) الْفِعْل وَعين الْإِنْسَان أَو قصد (أَحدهمَا) بِأَن لم يقْصد الْفِعْل كَأَن زلق فَوَقع على غَيره فَمَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 أَو قصد الْفِعْل وَقصد عين إِنْسَان فَأصَاب غَيره من الْآدَمِيّين (خطأ) فَخرج بالآدميين الْجِنّ فَإِنَّهُ لَا يضمن لِأَن الشَّارِع لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ فِي الْقود وَلِأَنَّهُ لَا يعلم مكافأته والحيوانات فَإِنَّهَا تضمن من غير تَفْصِيل والوقوع مَنْسُوب للْوَاقِع وفقد قصد الْفِعْل يلْزمه فقد الشَّخْص وَعَكسه محَال وَهُوَ قصد الشَّخْص دون الْفِعْل وَاعْلَم أَن الْفِعْل غير المزهق يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَيْضا فَلَو غرز إبرة بمقتل كالدماغ وَالْعين وَالْحلق والخاصرة فَمَاتَ فَعمد وَكَذَا لَو غرزها بِغَيْرِهِ كالألية والفخذ إِن تألم تألما شَدِيدا دَامَ بِهِ حَتَّى مَاتَ لذَلِك وَهَذَا إِذا كَانَ الغرز فِي بدن غير صَغِير أَو شيخ هرم أَو ضَعِيف الْخلقَة وَإِلَّا فَهُوَ عمد مُطلقًا قطعا فَإِن لم يشْتَد الْأَلَم أَو اشْتَدَّ ثمَّ زَالَ وَمَات فِي الْحَال أَو بعد زمن يسير فَشبه عمد وَلَو غرزها فِيمَا لَا يؤلم كجلدة عقب وَلم يتألم بِهِ فَمَاتَ فَلَا شَيْء فِيهِ بِحَال من قصاص أَو دِيَة لِأَنَّهُ لم يمت بِهِ وَالْمَوْت عقبه مُوَافقَة قدر وَلَو مَنعه طَعَاما أَو شرابًا وطلبا لَهُ حَتَّى مَاتَ فَإِن مَضَت مُدَّة من ابْتِدَاء مَنعه يَمُوت مثله فِيهَا غَالِبا جوعا أَو عطشا فَعمد لظُهُور قصد الإهلاك بِهِ وَإِن لم تمض الْمدَّة الْمَذْكُورَة فَإِن لم يسْبق مَنعه جوع عَطش فَشبه عمد وَإِن سبقه وَعلمه الْمَانِع فَعمد وَإِن لم يُعلمهُ فَنصف دِيَة شبه الْعمد وَخرج بِالْمَنْعِ مَا لَو أَخذ طَعَامه أَو شرابه بمفازة وَحده فِيهَا فَمَاتَ بذلك فَهدر لِأَنَّهُ لم يحدث فِيهِ صنعا كَمَا قَالَه السنباطي وَمثل الْمَنْع من الطَّعَام التعرية عَن الثِّيَاب وَقت الْبرد والدخن بالدخان (وَلَو وجد) فِي وَاحِد حَال كَون الْفِعْلَيْنِ (من شَخْصَيْنِ مَعًا) أَي حَال كَونهمَا مقترنين فِي زمن الْجِنَايَة بِأَن تقارنا فِي الْإِصَابَة (فعلان مزهقان) أَي مخرجان للروح (مذففان) أَي مسرعان للْقَتْل (كحز) أَي قطع للرقبة (وَقد) أَي شقّ للبدن (أَولا) أَي غير مذففين (كَقطع عضوين) أَو عُضْو من وَاحِد وأعضاء كَثِيرَة من آخر فَمَاتَ الْمَقْطُوع مِنْهُمَا (فقاتلان) يجب عَلَيْهِمَا الْقصاص فَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على عدد الرؤوس لَا الْأَعْضَاء والجراحات إِذْ رب جرح لَهُ نكاية فِي الْبَاطِن أَكثر من جروح وَإِن كَانَ أَحدهمَا مذففا دون الآخر فالمذفف هُوَ الْقَاتِل فَلَا يقتل الآخر وَإِن شككنا فِي تذفيف جرحه لِأَن الأَصْل عَدمه والقود لَا يجب بِالشَّكِّ مَعَ سُقُوطه بِالشُّبْهَةِ (أَو) وجد الفعلان من اثْنَيْنِ فِي وَاحِد (مُرَتبا فَالْأول) هُوَ الْقَاتِل (إِن أنهاه) أَي أوصله (إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح) بَان لم يبْق فِي الْمَضْرُوب إبصار وَاخْتِيَار ونقطه وحركته لِأَنَّهُ صيره إِلَى حَالَة الْمَوْت وَلَا فرق فِي فعل الأول بَين كَونه عمدا أَو خطأ أَو شبه عمد (وَيُعَزر الثَّانِي) لهتكه بِحرْمَة ميت وَإِن لم يَنْهَهُ الأول إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح فَإِن ذفف الثَّانِي كحز بعد جرح فَهُوَ الْقَاتِل وعَلى الأول ضَمَان جرحه قودا أَو مَالا وَإِن لم يذفف الثَّانِي أَيْضا وَمَات المجنى عَلَيْهِ بالجنايتين كَأَن أحافاه أَو قطع الأول يَده من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فهما قاتلان بطرِيق السَّرَايَة فعلَيْهِمَا الضَّمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقود فِي النَّفس ثَلَاثَة قَتِيل وَقَاتل وَقتل وَأَن أَرْكَانه فِي الْأَطْرَاف ثَلَاثَة أَيْضا قَاطع ومقطوع وَقطع وَأَن أَرْكَانه فِي الْمعَانِي كَذَلِك مزيل ومزال وَإِزَالَة (وَشرط) لوُجُوب الْقصاص فِي الْقَتْل كَونه عمدا ظلما فَلَا قَود فِي الْخَطَأ وَشبه الْعمد وَغير الظُّلم بِأَن كَانَ قصاصا و (فِي قَتِيل عصمَة) بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد جِزْيَة أَو عهد أَو أَمَان مُجَرّد أَو ضرب رق لِأَنَّهُ بِضَرْب الرّقّ يصير مَالا للْمُسلمين ومالهم فِي أَمَان لعصمته حِينَئِذٍ فيهدر صائل بِالنِّسْبَةِ لكل أحد إِذا تعين قَتله فِي دفع شَره وَمن عَلَيْهِ قصاص بِالنِّسْبَةِ لقاتله لاستيفائه حَقه أما بِالنِّسْبَةِ لغيره كَغَيْرِهِ فِي الْعِصْمَة وحربي وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا ومرتد فِي حق مَعْصُوم فَيقْتل بمرتد مثله وزان مُحصن قَتله مُسلم لَيْسَ كَذَلِك لاستيفائه حد الله تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة أما لَو قَتله مثله أَو مُرْتَد أَو ذمِّي فَيقْتل بِهِ (و) شَرط فِي (قَاتل) أَمْرَانِ (تَكْلِيف) وَلَو من سَكرَان أَو ذمِّي أَو مُرْتَد فَلَا يقتل صبي وَمَجْنُون حَال الْقَتْل وَإِن تقطع جُنُونه وَلَو قَالَ كنت وَقت الْقَتْل صَبيا وَأمكن صباه فِيهِ أَو مَجْنُونا وعهد جُنُونه قبله حلف فَيصدق أَو قَالَ أَنا صبي الْآن وَأمكن فَلَا قصاص وَلَا يحلف على صباه (ومكافأة) أَي مُسَاوَاة من الْمَقْتُول لقاتله حَال الْجِنَايَة بِأَن لَا يفضل قتيله حِينَئِذٍ (بِإِسْلَام) أَو أَمَان (أَو حريَّة) كَامِلَة (أَو أَصَالَة) أَو سيادة فَلَا يقتل مُسلم وَلَو زَانيا مُحصنا بِكَافِر وَلَو ذِمِّيا خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن ارْتَدَّ الْمُسلم لعدم الْمُكَافَأَة حَال الْجِنَايَة إِذْ الْعبْرَة فِي الْعُقُوبَات بِحَالِهَا وَيقتل ذُو أَمَان بِمُسلم وبذي أَمَان وَإِن اخْتلفَا دينا أَو أسلم الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لتكافئهما حَال الْجِنَايَة وَيقتل مُرْتَد حَرْبِيّ لذَلِك وَلَا يقتل حر بِغَيْرِهِ وَلَو مبعضا لعدم الْمُكَافَأَة وَلَا مبعض بِمثلِهِ وَإِن فَاتَهُ حريَّة كَأَن كَانَ نصف الْمَقْتُول حرا وَربع الْقَاتِل حرا وَيقتل رَقِيق برقيق وَإِن عتق الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لَا مكَاتب برقيقه الَّذِي لَيْسَ أَصله وَلَا قَود بَين رَقِيق مُسلم وحر كَافِر وَيقتل فرع بِأَصْلِهِ لَا أصل بفرعه وَلَا أصل لأجل فَرعه كَأَن قتل رَقِيقه أَو زَوجته أَو عتيقه أَو أمه أَو زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على فَرعه فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى (وَيقتل جمع بِوَاحِد) لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قتل سَبْعَة أَو خَمْسَة من أهل صنعاء بِرَجُل واسْمه أصيل وَسَببه قَتله زَوْجَة أَبِيه فَقَتَلُوهُ غيلَة أَي على غَفلَة فِي موقع خَال وَقَالَ لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا بِهِ وَقتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثَة بِوَاحِد وَقتل الْمُغيرَة سَبْعَة بِوَاحِد وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ وَلَو كَانُوا مائَة وَحَاصِل ذَلِك أَنهم إِذا ألقوه من شَاهِق جبل أَو فِي مَاء أَو نَار قتلوا مُطلقًا أَي سَوَاء تواطئوا أَو لَا وَأما إِذا قَتَلُوهُ بجراحات أَو ضربات فيفصل فَإِن كَانَ فعل كل يقتل لَو انفردوا قتلوا مُطلقًا أَيْضا وَإِن كَانَ فعل كل لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 فيفصل فَإِن تواطئوا قتلوا وَإِلَّا فَلَا يقتلُون وَتجب الدِّيَة وكل ذَلِك إِذا كَانَ فعل كل لَهُ دخل فِي الْقَتْل فَإِن كَانَ خَفِيفا لَا يُؤثر أصلا فَصَاحب ذَلِك الْفِعْل لَا دخل لَهُ لَا فِي قصاص وَلَا دِيَة وَأما إِذا كَانَ فعل بعض يقتل لَو انْفَرد وَفعل بعض لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل فِي الْجُمْلَة فَصَاحب الأول يقتل مُطلقًا وَصَاحب الثَّانِي يقتل إِن تواطئوا وَإِلَّا فَلَا يقتل بل تجب حِصَّته من الدِّيَة وللولي الْعَفو عَن بَعضهم بِحِصَّتِهِ من الدِّيَة وَقتل الْبَعْض الآخر وَعَن جَمِيعهم على أَخذ الدِّيَة ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد يزِيد ضَرَر الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة فتوزع الدِّيَة على عَددهمْ فعلى الْوَاحِد من الْعشْرَة عشرهَا وَسَوَاء كَانَت جراحات بَعضهم أفحش أَو جراحات بَعضهم أَكثر أم لَا وَلَو كَانَت جراحات بَعضهم ضَعِيفَة لَا تُؤثر فِي الزهوق كالخدشة الْخَفِيفَة فَلَا اعْتِبَار بهَا وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات وَذَلِكَ حَيْثُ اتَّفقُوا على عدد الضربات فَإِن اتَّفقُوا على أصل الضَّرْب وَاخْتلفُوا فِي عَددهَا أَخذ من كل الْمُتَيَقن ووقف الْأَمر فِيمَا بَقِي إِلَى الصُّلْح وَلَو ضربوه بسياط فَقَتَلُوهُ وَضرب كل مِنْهُم لَا يقتل لَو انْفَرد ومجموعها يقتل غَالِبا قتلوا إِن تواطئوا على ضربه وَإِلَّا بِأَن وَقع الضَّرْب اتِّفَاقًا فديَة الْعمد تجب عَلَيْهِم بِاعْتِبَار عدد الضربات وَإِنَّمَا لم يعْتَبر التواطؤ فِي الْجِرَاحَات وَنَحْوهَا لِأَن ذَلِك يقْصد بِهِ الإهلاك بِخِلَاف الضَّرْب بِنَحْوِ سَوط أما إِذا كَانَ ضرب كل مِنْهُم يتقل فيقتلون مُطلقًا وَإِذا آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على الضربات (مُوجب الْعمد) فِي نفس أَو طرف وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم أَي مسبب الْعمد (قَود) بِفَتْح الْوَاو أَي قصاص سمي قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي وَغَيره بِحَبل أَو نَحوه (وَالدية) فِي النَّفس وَأرش غَيرهَا (بدل) عَن المجنى عَلَيْهِ عِنْد سُقُوط الْقصاص بِمَوْت الْجَانِي أَو إِرْث بعض الْقصاص أَو بِعَفْو عَنهُ على الدِّيَة فَلَو عَفا الْمُسْتَحق عَن الْقصاص مجَّانا كَأَن يَقُول عَفَوْت عَنْك بِلَا دِيَة أَو مُطلقًا بِأَن لم يتَعَرَّض للدية بالإثبات وَلَا بِالنَّفْيِ فَلَا شَيْء لِأَن الْقَتْل لَا يُوجِبهَا وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت وَهُوَ الْقود لَا إِثْبَات مَعْدُوم وَهُوَ الدِّيَة وَالْعَفو سنة مُؤَكدَة وَبِغير مَال أفضل (وَهِي) أَي الدِّيَة الْوَاجِبَة ابْتِدَاء كَمَا فِي قتل الْوَالِد وَلَده على نَوْعَيْنِ أما الدِّيَة الْوَاجِبَة بَدَلا عَن الْقود لَا تكون إِلَّا مُغَلّظَة الأول مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد كَمَا فِي شبه الْعمد وَهُوَ كَون الدِّيَة مُثَلّثَة أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْعمد وَهِي كَونهَا على الْجَانِي وَحَالَة وَمن جِهَة السن وَالثَّانِي مُخَفّفَة من وَجْهَيْن كَمَا فِي شبه الْعمد وهما وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة ووجوبها مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْخَطَأ وَهِي كَونهَا مخمسة وعَلى الْعَاقِلَة وَكَونهَا مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين فديَة حر مُسلم ذكر مَعْصُوم غير جَنِين إِذا صدر الْقَتْل من حر (مائَة بعير) إِجْمَاعًا سَوَاء أوجبت بِالْعَفو أَو ابْتِدَاء كَقَتل الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أما إِذا صدر قتل ذَلِك من رَقِيق فَالْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْقَاتِل وَالدية هَذَا إِذا كَانَ الرَّقِيق غير رَقِيق الْمَقْتُول (مُثَلّثَة فِي عمد وَشبهه) وَكَذَا فِي خطأ فِي موَاضعه الْآتِيَة وَيزِيد تَغْلِيظ دِيَة الْعمد بِكَوْنِهَا على الْجَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 (ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة) بِكَسْر اللَّام أَي حَامِلا بقول خبيرين عَدْلَيْنِ وَإِن لم تبلغ خمس سِنِين (ومخمسة فِي خطأ من بَنَات مَخَاض و) بَنَات (لبون وَبني لبون وحقاق) أَي إناث (وجذاع) أَي إناث فالحقاق تَشْمَل الذُّكُور وَالْإِنَاث لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث والجذاع كَذَلِك كَمَا نقل عَن الْمُخْتَار فالجذع بِفتْحَتَيْنِ يجمع على جذعان وجذاع والجذعة وَهِي الْأُنْثَى تجمع على جذعات وجذاع أَيْضا لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث لِأَن إِجْزَاء الذُّكُور مِنْهُمَا لم يقل بِهِ أحد من أَصْحَاب الشَّافِعِي (إِلَّا) إِن وَقع الْخَطَأ (فِي مَكَّة) أَي حرمهَا وَإِن خرج الْمَجْرُوح فِيهِ مِنْهُ وَمَات سرَايَة خَارِجَة بِخِلَاف عَكسه فَلَو رمى من بعضه فِي الْحل وَبَعضه فِي الْحرم أَو رمى من الْحل إنْسَانا فِيهِ فَمر السهْم فِي هَوَاء الْحرم غلظ وَلَا يخْتَص التَّغْلِيظ بِالْقَتْلِ فَإِن الْجراح فِي الْحرم مُغَلّظَة وَإِن لم يمت مَعهَا أَو مَاتَ مَعهَا خَارجه بِغَيْر السَّرَايَة بِأَن مَاتَ خَارجه فَوْرًا (أَو) فِي (أشهر حرم) ذِي الْقعدَة وَذي الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب لعظم حرمتهَا وَلَا يلْتَحق بهَا شهر رَمَضَان وَإِن كَانَ سيد الشُّهُور لِأَن المتبع فِي ذَلِك التَّوْقِيف (أَو محرم رحم) بِالْإِضَافَة كَأُمّ وَأُخْت فَخرج نَحْو بنت عَم وَأم زَوْجَة لِأَن الْمَحْرَمِيَّة لَيست ناشئة من الرَّحِم أَي الْقَرَابَة بل ناشئة من كَونهَا أم زَوجته (فمثلثة) فأسباب تَغْلِيظ الدِّيَة خَمْسَة كَون الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو فِي محرم رحم وَأَسْبَاب تنقيص الدِّيَة أَرْبَعَة الْأُنُوثَة وَالرّق وَقتل الْجَنِين وَالْكفْر فَالْأول يردهَا إِلَى الشّطْر وَالثَّانِي إِلَى الْقيمَة وَالثَّالِث إِلَى الْغرَّة وَالرَّابِع إِلَى الثُّلُث أَو أقل (ودية عمد على جَان مُعجلَة) لِأَنَّهَا قِيَاس بدل الْمُتْلفَات (و) دِيَة (غَيره) من شبه عمد وَخطأ (على عَاقِلَة مُؤَجّلَة بِثَلَاث سِنِين) فِي آخر كل سنة ثلث من الدِّيَة فديَة الْخَطَأ وَإِن تثلثت لأحد الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فَهِيَ مُخَفّفَة من وَجْهَيْن ودية شبه الْعمد وَإِن خففت من هذَيْن فَهِيَ مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد فَهَذَا لأَخذه شبها من الْعمد وَالْخَطَأ مُلْحق بِكُل مِنْهُمَا من وَجه وَيجوز فِي مُعجلَة ومؤجلة الرّفْع خَبرا وَالنّصب حَالا وعاقلة جَان عصبته الْمجمع على إرثهم وَقت الْجِنَايَة من النّسَب أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين فعلى الْغَنِيّ مِنْهُم نصف دِينَار والمتوسط ربع دِينَار كل سنة من الثَّلَاث بِمَعْنى مِقْدَار النّصْف وَالرّبع لَا عينهما لِأَن الْإِبِل هِيَ الْوَاجِبَة وَمَا يُؤْخَذ يصرف إِلَيْهَا وَضَابِط الْغَنِيّ هُنَا أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب عشْرين دِينَارا والمتوسط أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على ذَلِك فَوق ربع دِينَار وَدون عشْرين دِينَارا وَإِذا لم يملك كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب يكون فَقِيرا وَالْفَقِير لَا يجب عَلَيْهِ التَّحَمُّل فَإِن فقد الْعَاقِل أَو لم يَفِ بِالْوَاجِبِ عقل بَيت المَال عَن الْمُسلم الْكل أَو مَا بَقِي فَيُؤْخَذ من سهم الْمصَالح مِنْهُ فَإِن فقد بَيت المَال أَو منع متوليه ذَلِك ظلما أَو كَانَ ثمَّ مصرف أهم فعلى الْجَانِي وَلَا يحمل أَصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَلَا فَرعه لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْإِيجَاب بخلافهما وَشرط تحمل الْعَاقِلَة أَن تكون صَالِحَة لولاية النِّكَاح (وَلَو عدمت إبل) حسا بِأَن لم تُوجد فِي مَوضِع يجب تَحْصِيلهَا مِنْهُ أَو شرعا بِأَن وجدت فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل أَو بَعدت وعظمت الْمُؤْنَة وَالْمَشَقَّة (فقيمتها) تلْزم وَقت وجوب تَسْلِيمهَا وَهُوَ وَقت طلبَهَا لَا وَقت الْجِنَايَة بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهَا بدل متْلف فَيرجع إِلَى الْقيمَة عِنْد إعوازها وَتقوم بِنَقْد بلد الْعَدَم الْغَالِب لِأَنَّهُ أقرب من غَيره وأضبط فَإِن كَانَ فِيهِ نقدان فَأكْثر لَا غَالب فيهمَا تخير الْجَانِي بَينهمَا هَذَا إِن لم يمهله الْمُسْتَحق فَإِن أمهله بِأَن قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق أَنا أَصْبِر حَتَّى تُوجد الْإِبِل لزمَه امتثاله لِأَنَّهَا الأَصْل وَلَو أخذت الْقيمَة فَوجدت الْإِبِل لم ترد لتشترى الْإِبِل لانفصال الْأَمر بِالْأَخْذِ (والقود) يثبت (للْوَرَثَة) الْعصبَة وَذَوي الْفُرُوض بِحَسب إرثهم المَال سَوَاء أَكَانَ الْإِرْث بِنسَب أَو بِسَبَب كالزوجين وَالْمُعتق وينتظر وجوبا غائبهم إِلَى أَن يحضر أَو يَأْذَن وَكَمَال صبيهم بِبُلُوغِهِ ومجنونهم بإفاقته وَيجب على الْحَاكِم حبس الْجَانِي على نفس أَو غَيرهَا إِلَى حُضُور الْمُسْتَحق أَو كَمَاله من غير توقف على طلب ولي وَلَا حُضُور غَائِب ضبطا للحق مَعَ عذر مُسْتَحقّه وَلَا يخلى بكفيل لِأَنَّهُ قد يهرب فَيفوت الْحق وَهَذَا فِي غير قَاطع الطَّرِيق أما هُوَ فيقتله الإِمَام مُطلقًا وَلَا يَسْتَوْفِي الْقود إِلَّا وَاحِد من الْوَرَثَة أَو من غَيرهم بتراض مِنْهُم أَو بِقرْعَة بَينهم إِذا لم يتراضوا بل قَالَ كل أَنا أستوفيه مَعَ إِذن من البَاقِينَ فِي الِاسْتِيفَاء بعْدهَا فَمن خرجت قرعته تولاه بِإِذن البَاقِينَ وَلَيْسَ لَهُم أَن يجتمعوا على اسْتِيفَائه لِأَن فِيهِ تعذيبا للمقتص مِنْهُ وَلَهُم ذَلِك إِذا كَانَ الْقود بِنَحْوِ إغراق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي الرِّدَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا وَهِي أفحش أَنْوَاع الْكفْر وأغلظها حكما لِأَن من أَحْكَام الرِّدَّة بطلَان التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَلَا يقر بالجزية وَلَا يَصح تأمينه وَلَا مهادنته بل مَتى لم يتب حَالا قتل وَهِي محبطة للْعَمَل كَأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا إِن اتَّصَلت بِالْمَوْتِ وَإِلَّا حَبط ثَوَابه دونه فَلَا تلْزم إِعَادَته (الرِّدَّة) لُغَة الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره وَقد انْطلق مجَازًا لغويا على الِامْتِنَاع من أَدَاء الْحق كَمَا نعي الزَّكَاة فِي زمن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُم لم يرتدوا حَقِيقَة وَإِنَّمَا منعُوا الزَّكَاة بِتَأْوِيل وَإِن كَانَ بَاطِلا وَشرعا (قطع مُكَلّف) مُخْتَار لَا صبي وَمَجْنُون ومكره (إسلاما) أَي دَوَامه (بِكفْر عزما) بِأَن نوى أَن يكفر فِي الْحَال أَو أَن يكفر فِي غَد فيكفر حَالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لِأَن اسْتِدَامَة الْإِسْلَام شَرط فَإِذا عزم على الْكفْر كفر حَالا (أَو قولا أَو فعلا باعتقاد) أَي مَعَ اعْتِقَاد لذَلِك الْعَزْم أَو القَوْل أَو الْفِعْل كَأَن قَالَ لشخص يَا كَافِر مُعْتَقدًا أَن الْمُخَاطب متصف بذلك حَقِيقَة (أَو) مَعَ (عناد) أَي معاندة شخص ومخاصمة لَهُ وَقد عرف بباطنه أَنه الْحق وَامْتنع أَن يقر بِهِ (أَو) مَعَ (استهزاء) أَي تحقير واستخفاف فَخرج بِهِ من يُرِيد إبعاد نَفسه أَو الْإِطْلَاق بقوله لَا أفعل كَذَا وَإِن جَاءَنِي النَّبِي مثلا وَخرج عَن ذَلِك من سبق لِسَانه إِلَى قَول مكفر وَذَلِكَ (كنفي صانع) كالدهريين الزاعمين أَن الْعَالم لم يزل مَوْجُودا كَذَلِك بِلَا صانع أَو اعْتِقَاد حُدُوث الصَّانِع أَو قدم الْعَالم (و) نفي (نَبِي) مجمع عَلَيْهِ فِي نبوته أَو نفي رَسُول كَذَلِك أَو تَكْذِيبه أَو تنقيصه بِأَيّ منقص كَأَن صغر اسْمه مرِيدا تحقيره أَو تَجْوِيز نبوة أحد بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتمني النُّبُوَّة بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتمني كفر مُسلم بِقصد الرِّضَا بِهِ لَا التَّشْدِيد عَلَيْهِ لكَونه ظلمه مثلا وَيُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الدُّعَاء على الظَّالِم بِسوء الخاتمة كَمَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم (وَجحد مجمع عَلَيْهِ) مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا يشْتَرك فِي مَعْرفَته الْخَاص وَالْعَام كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة أَو الرَّاتِبَة وكنحو النّصْف للزَّوْج إِرْثا وحلال البيع وَالنِّكَاح وَحُرْمَة الزِّنَا وَالْخمر أما مَا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص كاستحقاق بنت الابْن السُّدس مَعَ بنت الصلب وكحرمة نِكَاح المعتد للْغَيْر فَلَا كفر بجحده لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب وَإِن علمه ثمَّ أنكرهُ كَمَا اعْتَمدهُ الشبراملسي (وَسُجُود لمخلوق) إِلَّا لضَرُورَة كَأَن كَانَ فِي بِلَاد الْكفَّار وأمروه بِهِ وَخَافَ على نَفسه وَخرج بِالسُّجُود الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَإِن كَانَ حَرَامًا مَا لم يقْصد بِهِ التَّعْظِيم للمخلوق كتعظيم الله وَإِلَّا كَانَ كفرا أَيْضا أما مَا جرت بِهِ الْعَادة من خفض الرَّأْس والإنحناء إِلَى حد لَا يصل بِهِ إِلَى أقل الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَلَا حُرْمَة أَيْضا لَكِن يَنْبَغِي كَرَاهَته كَمَا قَالَه الشبراملسي (وَتردد فِي كفر) هَل يكفر أَو لَا وَإِنَّمَا كَانَ مكفرا لِأَن اسْتِدَامَة الْإِيمَان وَاجِبَة والتردد ينافيها وَفِي إِلْحَاق التَّرَدُّد فِي فعل مكفر بالتردد فِي الْإِلْقَاء تردد فِي الْكفْر تَأمل (ويستتاب) وجوبا حَالا (مُرْتَد) بِأَن يُؤمر بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَأْتِي بهما مَعَ ترتيبهما وموالاتهما وَإِن كَانَ مقرا بِأَحَدِهِمَا وَإِن كَانَ كفره بِمَا لَا يُنَافِي الْإِقْرَار بهما أَو بِأَحَدِهِمَا كإنكار مجمع عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لَا بُد فِي هَذَا مَعَ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ من الِاعْتِرَاف بِمَا أنكرهُ أَو التبري من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام وَفِي قَول يُمْهل بِسَبَب الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام بِمَعْنى أَن كل يَوْم تعرض التَّوْبَة عَلَيْهِ فَأول يَوْم من الثَّلَاث يخوف بِالضَّرْبِ الْخَفِيف وَثَانِي يَوْم بالثقيل وَالثَّالِث بِالْقَتْلِ (ثمَّ) إِن تَابَ بالنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشُرُوطِهِ ترك وَلَو كَانَ منافقا أَو تكَرر ذَلِك مِنْهُ لَكِن يُعَزّر إِن تكَرر وَإِلَّا (قتل) وَالْقَتْل هُنَا بِضَرْب الْعُنُق دون غَيره بِخِلَاف الْقَتْل قصاصا فَيقْتل الْقَاتِل بِمثل فعله للمناسبة وَلَا يتَوَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الْقَتْل سوى الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن افتات عَلَيْهِ أحد عزّر (بِلَا إمهال) إِلَّا إِن كَانَ الْمُرْتَد سَكرَان فَيسنّ التَّأْخِير إِلَى الصحو وَإِلَّا إِذا كَانَت الْمُرْتَدَّة حَامِلا فتهمل حَتَّى تضع حملهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من إِتْلَافه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْحُدُود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي حد الزِّنَا بقسيمه وحد الْقَذْف وحد شرب الْخمر وحد السّرقَة وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى الأول بقوله (يجلد) وجوبا (إِمَام) أَو نَائِبه (حرا مُكَلّفا) فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا وَإِن كَانَ الآخر غير مُكَلّف (زنى) بإيلاج حَشَفَة ذكر أُصَلِّي مُتَّصِل أَو قدرهَا عِنْد فقدها فِي فرج وَاضح محرم فِي نفس الْأَمر لعين الْإِيلَاج خَال عَن الشُّبْهَة مشتهى طبعا بِأَن كَانَ فرج حَيّ آدَمِيّ أَو جني وَإِن لم يكن على صوره الْآدَمِيّ (مائَة) من الجلدات وَلَاء فَلَو فرقها نظر فَإِن لم يزل الْأَلَم لم يضر وَإِلَّا فَإِن كَانَ خمسين فيبني على مَا جلده أَولا وَإِن كَانَ دون ذَلِك ضرّ فيستأنف لِأَن الْخمسين حد الرَّقِيق (ويغرب) أَي الزَّانِي (عَاما) إِلَى مَسَافَة قصر فَأكْثر (إِن كَانَ) أَي الزَّانِي (بكرا) سَوَاء كَانَ واطئا أَو موطوءا وَهُوَ من لم يطَأ أَو يُوطأ فِي نِكَاح صَحِيح وَالْحَاصِل أَن شُرُوط التَّغْرِيب سِتَّة أَن يكون من الإِمَام أَو نَائِبه وَأَن يكون عَاما وَأَن يكون إِلَى مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوق وَأَن يكون إِلَى بلد معِين وَأَن يكون الطَّرِيق والمقصد آمنا وَأَن لَا يكون بِالْبَلَدِ طاعون لحُرْمَة دُخُوله وَيُزَاد فِي حق الْمَرْأَة والأمرد الْجَمِيل أَن يخرجَا مَعَ نَحْو محرم وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي مُضِيّ عَام عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة وَيحلف ندبا إِن اتهمَ لبِنَاء حَقه تَعَالَى على الْمُسَامحَة (لَا) إِن زنى (مَعَ ظن حل) كَأَن جهل تَحْرِيم ذَلِك لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو بعده عَن الْعلمَاء وَكَأن وطىء امْرَأَة أَجْنَبِيَّة يَظُنهَا زَوجته أَو وطىء أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأمة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَلَا حد بذلك لشُبْهَة الْفَاعِل وَالْمحل وَلَيْسَ من شُبْهَة الْمحل بَيت المَال فَيحد بِوَطْء أمة بَيت المَال وَإِن كَانَت من سهم الْمصَالح الَّذِي لَهُ حق فِيهِ وَإِن خَافَ الزِّنَا إِذْ لَا يسْتَحق فِيهِ التَّزْوِيج بِحَال بِخِلَاف أمة وَلَده فَلَا يحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ يسْتَحق التَّزْوِيج وَلَو قَالَت امْرَأَة بَلغنِي وَفَاة زَوجي فاعتدت وَتَزَوَّجت فَلَا حد عَلَيْهَا وَإِن لم تقم قرينَة على ذَلِك (أَو) مَعَ (تَحْلِيل عَالم) يعْتد بِخِلَافِهِ لشُبْهَة إِبَاحَته وَهِي الْمُسَمَّاة بِشُبْهَة الْمَذْهَب فَإِنَّهُ لَا يجد بهَا وَإِن لم يقْصد تَقْلِيده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَلَا يُعَاقب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة كَنِكَاح بِلَا ولي بِأَن تزوج نَفسهَا مَعَ الشُّهُود كمذهب أبي حنفية وَنِكَاح بِلَا شُهُود وَقت العقد وَوقت الدُّخُول على الْمَرْأَة كمذهب مَالك فَالْوَاجِب عِنْده وجود الشُّهُود والشهرة عِنْد إِرَادَة الدُّخُول حَيْثُ لم تُوجد وَقت العقد وكنكاح مَعَ التَّأْقِيت وَهُوَ نِكَاح الْمُتْعَة وَلَو لغير مُضْطَر كمذهب ابْن عَبَّاس بِخِلَاف النِّكَاح بِلَا ولي وَلَا شُهُود مَعًا أَو مَعَ انْتِفَاء أَحدهمَا لَكِن حكم بإبطاله أَو بالتفرقة بَين الزَّوْجَيْنِ من يعْتَقد الْبطلَان وَوَقع الْوَطْء بعد علم الواطىء بِهِ فَيحد إِذْ لَا شُبْهَة حِينَئِذٍ وَالْحَاصِل أَن شُرُوط وجوب حد الزِّنَا بِالْجلدِ أَو بِالرَّجمِ اثْنَا عشر أَحدهَا أَن يكون المولج مُكَلّفا وَلَو كَانَ المولج فِيهِ غير مُكَلّف فَيحد الْمُكَلف وَكَذَا عَكسه فَيحد المولج فِيهِ وَثَانِيها وَاضح الذُّكُورَة فَخرج الْخُنْثَى الْمُشكل الَّذِي لَهُ آلتان للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا أولج آلَة الذُّكُورَة فَلَا حد عَلَيْهِ لاحْتِمَال أنوثته ولاحتمال كَون هَذَا عرقا زَائِدا أما إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا آلَة وَاحِدَة فَيجب الْحَد سَوَاء كَانَ مولجا أَو مولجا فِيهِ ثَالِثهَا أولج جَمِيع حشفته فَخرج مَا لَو أولج بعض الْحَشَفَة فَلَا حد رَابِعهَا أَصَالَة الذّكر فَخرج مَا لَو خلق لَهُ ذكران مشتبهان فأولج أَحدهمَا فَلَا حد للشَّكّ فِي كَونه أَصْلِيًّا خَامِسهَا اتِّصَال الذّكر فَخرج الذّكر المبان فَلَا حد فِيهِ سادسها إيلاج الْحَشَفَة فِي قبل وَاضح الْأُنُوثَة فَخرج مَا لَو أولج فِي فرج خُنْثَى مُشكل فَلَا حد لاحْتِمَال ذكورته وَكَون هَذَا الْمحل زَائِدا سابعها أَن لَا يكون الْإِيلَاج محرما لذاته فَخرج الْمحرم لأمر خَارج كَوَطْء زَوجته أَو أمته فِي نَحْو حيض وَصَوْم ودبر وَقبل مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَمن الْمحرم لذات الْإِيلَاج زَوجته خَامِسَة فَيحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهَا لما زَادَت عَن الْعدَد الشَّرْعِيّ كَانَت كأجنبية فَجعلت مُحرمَة لعينها لعدم مَا يزِيل التَّحْرِيم الْقَائِم بهَا ابْتِدَاء وَمثلهَا مُطلقَة مِنْهُ ثَلَاثًا وملاعنة ومعتدة مرتدة وَذَات زوج ومحرم وَلَو بمصاهرة ومحرمة لتوثن فَيحد بِوَطْئِهَا وَإِن كَانَ قد تزَوجهَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بِالْعقدِ الْفَاسِد أما مَجُوسِيَّة تزَوجهَا فَلَا يحد بِوَطْئِهَا للِاخْتِلَاف فِي حل وَطئهَا ثامنها أَن يكون الْإِيلَاج محرما فِي نفس الْأَمر فَخرج مَا لَو وطىء زَوجته فِي قبلهَا ظَانّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَلَا حد عَلَيْهِ لانْتِفَاء حُرْمَة الْفرج فِي نفس الْأَمر وَإِن أَثم أَثم الزِّنَا بِاعْتِبَار ظَنّه فيفسق بِهِ وَتسقط شَهَادَته وتسلب الولايات عَنهُ فَيحرم عَلَيْهِ وَطْء زَوجته إِذا ظَنّهَا أَجْنَبِيَّة كَمَا يحرم وَطْؤُهَا ممثلا لَهَا بأجنبية تاسعها الْخُلُو عَن الشُّبْهَة المسقطة للحد فَخرج وَطْء أمته الْمُزَوجَة والمعتدة وَأمته الْمُحرمَة بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة فَلَا حد لشُبْهَة الْملك وَالْوَطْء بإكراه وبجهة أَبَاحَهَا عَالم يعْتد بِخِلَافِهِ فَلَا حد لشُبْهَة الْإِكْرَاه وَالْخلاف عَاشرهَا أَن يكون الْفرج مشتهى طبعا فَخرج وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ لِأَن فرجهما غير مشتهى طبعا لكنه يُعَزّر بذلك وَلَو فِي أول مرّة حادي عشرهَا أَن يكون الواطىء مُلْتَزما للْأَحْكَام وَلَو حكما كالمرتد فَخرج وَطْء حَرْبِيّ وَلَو معاهدا وَثَانِي عشرهَا أَن يكون عَالما بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حد على جَاهِل بِهِ حَيْثُ قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء (ويرجم) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُحصنا) رجلا كَانَ أَو امْرَأَة حَتَّى يَمُوت إِجْمَاعًا نعم لَا رجم على الموطوء فِي دبره بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 حَده كَحَد الْبكر وَإِن أحصن وَلَو زنى قبل إحْصَانه وَلم يحد ثمَّ زنى بعده جلد ثمَّ رجم وَيسْقط التَّعْزِير وَالرَّجم يكون بمدر وحجارة معتدلة وَالِاخْتِيَار أَن يكون مَا يرْمى بِهِ ملْء الْكَفّ وَيجب أَن يتوقى الْوَجْه وَشرط إِحْصَان حد الزِّنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح مَعَ الشُّرُوط وَاعْلَم أَن الْإِحْصَان لَهُ فِي اللُّغَة معَان مِنْهَا الْمَنْع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتحصنكم من بأسكم} 21 الْأَنْبِيَاء الْآيَة 80 وَمِنْهَا الْبلُوغ وَالْعقل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْحُرِّيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْعِفَّة عَن الزِّنَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} 24 النُّور الْآيَة 4 وَمِنْهَا التَّزْوِيج كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَمِنْهَا الْوَطْء فِي النِّكَاح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {محصنين غير مسافحين} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَالْمرَاد هُنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح وَلَو مَعَ حيض وعدة شُبْهَة أَو فِي نَهَار رَمَضَان لِأَن حَقه بعد أَن استوفى تِلْكَ اللَّذَّة الْكَامِلَة اجْتِنَاب الزِّنَا بِخِلَاف من لم يستوفها أَو استوفاها فِي دبر أَو ملك أَو وَطْء شُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد وَلِأَن الْوَطْء فِي النِّكَاح يُقَوي طَرِيق حل الزَّوْجَة وَهُوَ العقد بِسَبَب دفع الْبَيْنُونَة بردة أَو طَلْقَة فَلَا تحصل الْبَيْنُونَة إِلَّا بِثَلَاث طلقات أَو بِانْقِضَاء الْعدة إِذا كَانَ الطَّلَاق دونهَا وَلَا بِالرّدَّةِ إِلَّا إِذا لم يجمع الزَّوْجَيْنِ إِسْلَام فِي الْعدة بِخِلَاف الطَّلَاق أَو الرِّدَّة قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ مُحَصل للبينونة فَعلم من هَذَا أَن الْوَطْء مزية تَقْتَضِي توقف الْإِحْصَان عَلَيْهِ فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّد العقد (وَأخر رجم) لزوَال جُنُون طَرَأَ بعد الْإِقْرَار و (لوضع حمل وفطام) حَتَّى يُوجد للْوَلَد كافل بعد فطمه فَلَو أقيم على الْحَامِل حد حرم واعتد بِهِ وَلَا شَيْء فِي الْحمل لِأَنَّهُ لم تتَحَقَّق حَيَاته وَهُوَ إِنَّمَا يضمن بالغرة إِذا انْفَصل فِي حَيَاة أمه وَأما وَلَدهَا إِذا مَاتَ لعدم من يرضعه فيبنغي ضَمَانه لِأَنَّهُ بقتل أمه أتلف مَا هُوَ غذَاء لَهُ كَمَا قَالَه الشبراملسي وَلَا يُؤَخر الرَّجْم لحر وَبرد مفرطين وَلَو ثَبت بِإِقْرَار وَلَا لمَرض وَلَو رُجي برْء بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ يُؤَخر لذَلِك وللحمل إِلَّا إِذا كَانَ بِبِلَاد لَا يَنْفَكّ حرهَا أَو بردهَا فَلَا يُؤَخر وَلَا ينْقل إِلَى الْبِلَاد المعتدلة لما فِيهِ من تَأْخِير الْحَد ولحوق الْمَشَقَّة وَإِلَّا إِذا لم يرج برْء مرض أَو جرح لَكِن لَا يجلد بِسَوْط وَلَا بنعال إِذا كَانَ ألمها فَوق ألم العرجون بل بأطراف ثِيَاب وبعرجون عَلَيْهِ مائَة غُصْن فَيضْرب بِهِ الْحر مرّة فَإِن كَانَ عَلَيْهِ خسمون غصنا ضرب بِهِ مرَّتَيْنِ لتكميل الْمِائَة وعَلى هَذَا الْقيَاس فِيهِ وَفِي الرَّقِيق (وَيثبت) أَي الزِّنَا (بِإِقْرَار) أَي حَقِيقِيّ مفصل وَمِنْه أَن يَقُول فِي وَقت كَذَا فِي مَكَان كَذَا وَلَو قيل لَا حَاجَة إِلَى تعْيين ذَلِك مِنْهُ بل يَكْفِي فِي صِحَة إِقْرَاره أَن يَقُول أدخلت حشفتي فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا لم يبعد لِأَنَّهُ لَا يقر إِلَّا عَن تَحْقِيق وَيَكْفِي فِي الْإِقْرَار أَن يكون مرّة وَلَا يشْتَرط تكَرر أَرْبعا خلافًا لأبي حنيفَة وَمثل الْإِقْرَار إِشَارَة أخرس إِن فهمها كل أحد وَخرج بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيّ الْحكمِي كاليمين الْمَرْدُودَة بعد نُكُول الْخصم فَلَا يثبت بِهِ زنا لَكِن يسْقط بهَا حد الْقَاذِف (وَبَيِّنَة) فصلت بِذكر المزنى بهَا وَكَيْفِيَّة الإدخال ومكانه وزمانه كَأَن تَقول أشهد أَنه أَدخل حشفته أَو قدرهَا فِي فرج فُلَانَة بِمحل كَذَا وَقت كَذَا على سَبِيل الزِّنَا وَيجب التَّفْصِيل وَلَو من عَالم مُوَافق فِي الْمَذْهَب وَسَيَأْتِي فِي فصل الشَّهَادَات أَنَّهَا أَربع رجال (وَلَو أقرّ) بِالزِّنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 (ثمَّ رَجَعَ) عَن الْإِقْرَار قبل الشُّرُوع فِي الْحَد أَو بعده بِنَحْوِ قَوْله رجعت أَو كذبت أَو مَا زَنَيْت أَي فإقراري بِهِ كذب أَو فاخذت فظننته زنا وَإِن شهد حَاله بكذبه (سقط) أَي الْحَد وَإِن قَالَ بعد رُجُوعه كذبت فِي رجوعي وعَلى قَاتله بعد رُجُوعه الدِّيَة لَا الْقود لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي سُقُوط الْحَد بِالرُّجُوعِ وَلَا يقبل رُجُوعه لإِسْقَاط مهر من قَالَ زَنَيْت بهَا مُكْرَهَة لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ مَا أَقرَرت بِالزِّنَا فَلَا يكون رُجُوعا فَلَا يسْقط بِهِ الْحَد لِأَنَّهُ مُجَرّد تَكْذِيب للبينة الشاهدة بِالْإِقْرَارِ أما الْحَد الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يسْقط هُوَ وَلَا الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ وَلَو شهدُوا على إِقْرَاره بِالزِّنَا فَإِن قَالَ مَا أَقرَرت فَلَا يقبل لِأَن فِيهِ تَكْذِيبًا للشُّهُود بِخِلَاف مَا لَو أكذب نَفسه فَإِنَّهُ يقبل وَيكون رُجُوعا سَوَاء أَكَانَ كل ذَلِك بعد الحكم أَو قبله وَلَو أقرّ وَقَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِالزِّنَا ثمَّ رَجَعَ عمل بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ سَوَاء تقدّمت عَلَيْهِ أم تَأَخَّرت لِأَن الْبَيِّنَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى أقوى من الْإِقْرَار عكس حُقُوق الْآدَمِيّين وكالزنا فِي قبُول الرُّجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ كل حد لله تَعَالَى كشرب خمر وسرقة بِالنِّسْبَةِ للْقطع أما المَال فيؤخد مِنْهُ وَفهم من ذَلِك أَن الزِّنَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ رُجُوع لكنه يتَطَرَّق اليه السُّقُوط بِغَيْر الرُّجُوع كدعوى زَوجته لمن زنى بهَا وَكَانَت متزوجة بِغَيْرِهِ أَو ملك أمة وَظن كَونهَا حليلته فَيصدق فِي ذَلِك وَدَعوى الْإِكْرَاه فروع مثل الزِّنَا اللواط وَهُوَ الْوَطْء فِي الدبر فيفصل فِيهِ بَين الْمُحصن وَغَيره لَكِن الْمَفْعُول بِهِ يجلد ويغرب إِن كَانَ مُحصنا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِن كَانَ مُكَلّفا مُخْتَارًا وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَفِي وَطْء الحليلة فِي دبرهَا التَّعْزِير إِن عَاد لَهُ بعد نهي الْحَاكِم لَهُ عَنهُ وَفِي إتْيَان الْبَهِيمَة فِي قبلهَا أَو دبرهَا التَّعْزِير فَقَط سَوَاء كَانَت من المأكولات أَو لَا وَقيل إِنَّه يقتل مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ مُحصنا أَو لَا وَفِي كَيْفيَّة قَتله أَقْوَال أَرْبَعَة قيل بِالسَّيْفِ وَقيل بِالرَّجمِ وَقيل بهدم جِدَار عَلَيْهِ وَقيل بالقائه من شَاهِق جبل وَمثل الْبَهِيمَة الْميتَة فَفِيهَا التَّعْزِير فَقَط والصلج وَهُوَ دلك الذّكر حرَام فَإِذا استمنى شخص بِيَدِهِ عزّر لِأَنَّهَا مُبَاشرَة مُحرمَة بِغَيْر إيلاج ويفضي إِلَى قطع النَّسْل فَحرم كمباشرة الْأَجْنَبِيَّة فِيمَا دون الْفرج وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث مَلْعُون من نكح يَده وتساحق النِّسَاء حرَام ويعزرن بذلك لِأَنَّهُ فعل محرم قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وإثم ذَلِك كإثم الزِّنَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيان وَلَو استمنى الرجل بيد امْرَأَته أَو أمته جَازَ لِأَنَّهَا مَحل استمتاعه وَفِي فَتَاوَى القَاضِي لَو غمزت الْمَرْأَة ذكر زَوجهَا أَو سَيِّدهَا بِيَدِهَا كره وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ إِذا أمنى لِأَنَّهُ يشبه الْعَزْل والعزل مَكْرُوه وَالله أعلم ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ حد الْقَذْف وَهُوَ شرعا الرَّمْي بِالزِّنَا فِي مقَام التوبيخ لَا فِي مقَام الشَّهَادَة وَهُوَ لرجل أَو امْرَأَة من أكبر الْكَبَائِر بعد الْقَتْل وَالزِّنَا (وحد قَاذف) مُلْتَزم للْأَحْكَام عَالم بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَار غير مَأْذُون فِي قذفه غير أصل (مُحصنا) وَهُوَ هُنَا مُسلم بَالغ عَاقل حر عفيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 عَن زنا وَوَطْء محرم مَمْلُوكَة لَهُ وَعَن وَطْء زَوجته فِي دبرهَا (ثَمَانِينَ) جلدَة إِن كَانَ الْقَاذِف حرا وَأَرْبَعين إِن كَانَ رَقِيقا حَالَة الْقَذْف وعزر مُمَيّز وأصل وَالْقَذْف يكون صَرِيحًا وكناية فالصريح كَقَوْلِه زَنَيْت وزنيت بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وَيَا زاني وَيَا زَانِيَة وَلَا يضر التَّغْيِير بالتذكير للمؤنث وَعَكسه وزنيت فِي الْجَبَل بِالْيَاءِ وَيَا لائط وَيَا قحبة وَالْكِنَايَة كَقَوْلِه زنأت فِي الْجَبَل أَو السّلم أَو نَحوه بِالْهَمْز وَيَا فَاجر وَيَا فَاسق وَيَا خَبِيث وَيَا فاجرة وَيَا فاسقة وَيَا خبيثة وَأَنت تحبين الْخلْوَة أَو الظلمَة وَأَنت لَا تردين يَد لامس وَهَذَا كِنَايَة عَن سرعَة الْإِجَابَة وَيَا لوطي وَيَا مخنث وَيَا عاهر وَيَا علق فَإِن أنكر شخص فِي الْكِنَايَة إِرَادَة قذف بهَا صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بمراده فَيحلف أَنه مَا أَرَادَ قذفه ثمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِير للايذاء وَهَذَا إِذا كَانَ ذَلِك على وَجه السب والذم أما إِذا كَانَ على وَجه المزح أَو الْهزْل أَو اللّعب فَلَا تَعْزِير خَاتِمَة إِذا سبّ شخص آخر فللآخر أَن يسبه بِقدر مَا سبه فِي الْعدَد لَا فِي اللَّفْظ إِذا كَانَ فِيهِ قذف أَو كذب أَو سبّ الْأَب أَو الْأُم وَإِنَّمَا يسبه بِمَا لَيْسَ كذبا وَلَا قذفا نَحْو يَا أَحمَق يَا ظَالِم إِذْ لَا يكَاد أحد يَنْفَكّ عَن ذَلِك لِأَن الأحمق هُوَ من وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَكَذَلِكَ الظَّالِم ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ حد شرب الْخمر فَقَالَ (ويجلد) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُكَلّفا) مُلْتَزما للْأَحْكَام مُخْتَارًا (عَالما) بِالتَّحْرِيمِ (شرب) من غير ضَرُورَة (خمرًا) وَلَو درديا وَإِن لم يسكر (أَرْبَعِينَ) جلدَة إِن كَانَ حرا وَعشْرين إِن كَانَ غَيره بِدُونِ رفع الضَّارِب يَده فَوق رَأسه مثلا لما فِيهِ من زِيَادَة الإيلام بِأحد أَمريْن إِمَّا (بِإِقْرَارِهِ) أَي الشَّارِب (أَو بِشَهَادَة رجلَيْنِ) أَنه شرب خمرًا أَو شرب مِمَّا شرب مِنْهُ غَيره فَسَكِرَ لِأَن كلا مِنْهُمَا حجَّة شَرْعِيَّة فَلَا يحد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت منزلَة الْإِقْرَار إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه وَهُوَ مَقْبُول وَصورتهَا أَن يَرْمِي غَيره بِشرب الْخمر فيدعي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاه بذلك وَيُرِيد تعزيره فيطلب الساب الْيَمين مِمَّن نسب إِلَيْهِ شربهَا فَيمْتَنع ويردها عَلَيْهِ فَيسْقط عَنهُ التَّعْزِير وَلَا يجب الْحَد على الرَّاد للْيَمِين الْمَرْدُودَة وَلَا يحد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْبَيِّنَة نَاقِصَة وَلَا برِيح خمر وَلَا بسكر وَلَا قيء لاحْتِمَال أَن يكون شرب غالطا أَو مكْرها أَو احتقن أَو استعط بهَا وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي القَاضِي الْحَد بِعِلْمِهِ فَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى نعم سيد العَبْد يَسْتَوْفِيه بِعِلْمِهِ لإِصْلَاح ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة تَفْصِيل كَأَن يَقُول كل من الْمقر وَالشَّاهِد إِنَّه شربهَا وَهُوَ عَالم بهَا مُخْتَار لِأَن الأَصْل عدم الْإِكْرَاه وَالْغَالِب من حَال الشَّارِب علمه بِمَا يشربه وَيحد الذّكر قَائِما وَالْأُنْثَى جالسة وَذَلِكَ على سَبِيل النّدب وَيكون جلد الْقوي السَّلِيم بِسَوْط أَو أيد أَو نعال أَو أَطْرَاف ثِيَاب بعد قَتله أَو شده وجوبا حَتَّى يؤلم أما نضو الْخلقَة فيجلد بِنَحْوِ عرجون وَلَا يجوز بِسَوْط فَخرج بالمكلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا حد عَلَيْهِمَا لَكِن يعزران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 إِذا كَانَ لَهما نوع تَمْيِيز وبالملتزم للْأَحْكَام الْحَرْبِيّ وَالْمُؤمن والمعاهد وَالذِّمِّيّ لعدم التزامهم وبالمختار المصبوب فِي حلقه قهرا وَالْمكْره على شربه فَلَا حد وَلَا حُرْمَة وَخرج بالعالم بِالتَّحْرِيمِ من جهل الْحُرْمَة وَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا حد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة مُدَّة السكر وَلَو قَالَ السَّكْرَان بعد الاصحاء كنت مكْرها أَو لم أعلم أَن الَّذِي شربته مُسكر صدق بِيَمِينِهِ وَلَو قرب إِسْلَامه فَقَالَ جهلت تَحْرِيمهَا لم يحد لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين من نَشأ فِي بِلَاد الْإِسْلَام أم لَا وَخرج بالشرب الحقنة بِالْخمرِ بِأَن أدخلها فِي دبره والسعوط بِأَن أدخلها فِي أَنفه فَلَا حد بذلك وَيحرم لِأَنَّهُ تلطخ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَة وَخرج بِالْخمرِ مَا حرم من الجامدات غير الْخمر المنعقدة فَلَا حد فِيهَا وَإِن أذيبت حرمت وأسكرت وَذَلِكَ ككثير البنج والزعفران والعنبر والحوزة والأفيون والحشيش الَّذِي يَأْكُلهُ الأراذل فَأكل الْكثير مِنْهَا حرَام دون الْقَلِيل وَالْمرَاد بالكثير من ذَلِك مَا يغيب الْعقل بِالنّظرِ لغالب النَّاس وَإِن لم يُؤثر فِي المتناول لَهُ لاعتياد تنَاوله وَخرج بِغَيْر ضَرُورَة مَا لَو غص بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فأساغها بِالْخمرِ فَلَا حد عَلَيْهِ لوُجُوب شربهَا عَلَيْهِ حَيْثُ خشِي الْهَلَاك من تِلْكَ اللُّقْمَة إِن لم تنزل جَوْفه وَلم يتَمَكَّن من إخْرَاجهَا ولومات بِشرب الْخمر حِينَئِذٍ مَاتَ شَهِيدا لوُجُوب تنَاوله لَهَا حِينَئِذٍ أما لَو وجد غَيرهَا وَلَو بَوْل الْكَلْب مثلا حرم إساغة اللُّقْمَة بِالْخمرِ وَوَجَب حَده وَلَا يحد بِشرب السكر فِيمَا اسْتهْلك فِيهِ وَلم يبْق لَهُ طعم وَلَا لون وَلَا ريح وَإِلَّا حد وَحرم وَلَا بِأَكْل خبز عجن دقيقه بِهِ وَلَا بِأَكْل لحم طبخ بِهِ بِخِلَاف مرق اللَّحْم الْمَطْبُوخ بِهِ إِذا شربه أَو غمس فِيهِ أَو ثرد بِهِ فَإِنَّهُ يحد لبَقَاء عينه وَيحرم تنَاول الْخمر الصرفة لدواء إِن وجد غَيرهَا أَو لعطش وَإِن لم يجد غَيرهَا وَلَا يحد لذَلِك وَإِن وجد غَيرهَا لشُبْهَة قصد التَّدَاوِي وَمحل حُرْمَة شربهَا للعطش مَا لم تتَعَيَّن لدفع الْهَلَاك وَإِلَّا جَازَ بل وَجب وَيلْحق بِالْهَلَاكِ نخو تلف عُضْو أَو مَنْفَعَة وَيجوز سقيها للصَّغِير إِذا شم رائحتها وَخيف عَلَيْهِ إِذا لم يسق مِنْهَا مرض تحصل مَعَه مشقة وَإِن لم يخف مِنْهُ الْهَلَاك وَكَذَا لَو تعذر عَلَيْهِ افتضاض الْبكر إِلَّا بإطعامها مَا يغيب عقلهَا من بنج أَو غَيره فَيجوز ذَلِك لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى تمكن الزَّوْج من الْوُصُول إِلَى حَقه وَمحل جَوَاز وَطئهَا مَا لم يحصل لَهَا بِهِ أَذَى لَا يحْتَمل مَعَه فِي إِزَالَة الْبكارَة وَيجوز التَّدَاوِي بِصَرْف النَّجس غير صرف الْخمر وَالْحَاصِل أَن شرب الْخمر تَارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة وَالْحَد وَذَلِكَ إِذا شربه عَبَثا مَعَ الْعمد وَالْعلم وَالِاخْتِيَار وَتارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة دون الْحَد إِذا شربه لعطش أَو تداو وَلم ينْتَه بِهِ الْأَمر للهلاك وَكَذَا لَو شربهَا الْكَافِر فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا يحد لِأَنَّهُ مُكَلّف بِفُرُوع الشَّرِيعَة لَكِن الذِّمِّيّ لَا يلْتَزم بِالذِّمةِ إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالذميين وَتارَة لَا يَقْتَضِي حُرْمَة وَلَا حدا إِذا غض بلقمة أَو انْتهى بِهِ الْعَطش للهلاك وَلم يجد غَيره فيهمَا وَإِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر بولا من مغلظ وَإِذا سكر بِمَا شربه لتداو أَو عَطش أَو إساغة قضى مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات لِأَنَّهُ تعمد الشّرْب لمصْلحَة نَفسه بِخِلَاف الْجَاهِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الْمَعْذُور وَهُوَ من جهل بِالتَّحْرِيمِ لقرب عَهده وَنَحْوه أَو جهل كَون المشروب خمرًا فَإِنَّهُ لَا يحد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات مُدَّة السكر ثمَّ شرع فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ حد السّرقَة فَقَالَ (وَيقطع) أَي الإِمَام بعد طلب الْمَالِك المَال وَثُبُوت السّرقَة بشروطها (كوع يَمِين بَالغ سرق) نِصَابا يَقِينا بِأَن أخرج (ربع دِينَار) ذَهَبا خَالِصا مَضْرُوبا (أَو) فضَّة أَو غَيرهَا يُسَاوِي (قِيمَته من حرز) وَقت الْإِخْرَاج مِنْهُ وَإِن لم يَأْخُذ ذَلِك كَمَا لَو قطع الجيب فانصب مَا فِيهِ شَيْئا فَشَيْئًا فَلَو نقصت قيمَة الْمخْرج بعد ذَلِك لم يسْقط الْقطع فَلَا قطع بِسَرِقَة مَا لَيْسَ محرزا وَحَاصِل الْحِرْز أَن الْمحل إِن كَانَ حصينا مُنْفَصِلا عَن الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط دوَام الملاحظة بل الشَّرْط كَون الملاحظ يقظانا قَوِيا سَوَاء كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا أَو مغلوفا أَو نَائِما مَعَ إغلاق الْبَاب وَإِن كَانَ الْمحل فِي الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط قُوَّة الملاحظ وَلَا تيقظه بل الشَّرْط كَون الْبَاب مغلوقا مَعَ وجود هَذَا الملاحظ أَو قفله مَعَ يقظته زمن أَمن نَهَارا وَأما إِن كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فَإِن كَانَ الملاحظ متيقظا كَانَ الْمحل محرزا وَإِلَّا فَلَا فَعلم من ذَلِك أَن الْإِحْرَاز قد تَكْفِي فِيهِ الحصانة وَحدهَا وَقد تَكْفِي فِيهِ الملاحظة وَحدهَا وَقد تجتمعان وَقد يمثل لانفراد الحصانة بالراقد على الْمَتَاع وبالمقابر الْمُتَّصِلَة بالعمارة فَإِنَّهَا حرز للكفن وَالْحَاصِل أَن أَرْكَان السّرقَة الْمُوجبَة ثَلَاثَة سَرقَة فالسرقة الثَّانِيَة مُطلق الْأَخْذ خُفْيَة وَالْأولَى الْأَخْذ خُفْيَة من حرز وسارق ومسروق فالسرقة أَخذ مَال خُفْيَة من حرز مثله فَلَا يقطع مختلس ومنتهب وحاجد لنَحْو وَدِيعَة وَشرط فِي السَّارِق كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا بِغَيْر إِذن فِي دُخُول دَار وأصالة وَشرط فِي الْمَسْرُوق أَرْبَعَة شُرُوط الأول كَونه ربع دِينَار خَالِصا أَو مُتَقَوّما مَعَ وَزنه إِن كَانَ ذَهَبا فَإِن لم يعرف قِيمَته بِالدَّنَانِيرِ قوم بالدارهم ثمَّ هِيَ بِالدَّنَانِيرِ فَإِن لم يكن بِمحل السّرقَة دَنَانِير انْتقل لأَقْرَب مَحل إِلَيْهَا فِيهِ ذَلِك وَتعْتَبر قيمَة مَا يُسَاوِي ربع دِينَار حَالَة السّرقَة وَالثَّانِي كَونه ملكا لغير السَّارِق فَلَا قطع بِسَرِقَة مَاله من يَد غَيره وَلَو مَرْهُونا أَو مكتري أَو ملكه قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز بِإِرْث أَو غَيره أَو بعده وَقبل الرّفْع إِلَى الْحَاكِم أما بعده فَلَا يُفِيد وَلَو قبل الثُّبُوت لِأَن الْقطع إِنَّمَا يتَوَقَّف على الدَّعْوَى وَقد وجدت وَلَو ادّعى السَّارِق ملك الْمَسْرُوق أَو بعضه لم يقطع لاحْتِمَال صدقه فَصَارَ شُبْهَة مسقطة للْقطع وَكَذَا لَو ادّعى أَنه أَخذه من الْحِرْز بِإِذْنِهِ أَو أَن الْحِرْز مَفْتُوح أَو أَن الْمَسْرُوق دون النّصاب وَإِن ثَبت كذبه وَهَذِه من الْحِيَل الْمُحرمَة بِخِلَاف دَعْوَى الزَّوْجِيَّة فِي الزِّنَا فَمن الْحِيَل الْمُبَاحَة وَالْفرق أَن دَعْوَى الْملك هُنَا بتربت عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاء على مَال الْغَيْر وَدَعوى الزَّوْجِيَّة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِسْقَاط الْحَد وَالثَّالِث كَونه لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ سَوَاء فِي ذَلِك شُبْهَة الْملك كمن سرق مَالا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أَو شُبْهَة الْفَاعِل كمن أَخذ مَالا خُفْيَة من حرز مثله يظنّ أَنه ملكه أَو ملك أَصله أَو فَرعه أَو شُبْهَة الْمحل كسرقة الابْن مَال أحد الْأُصُول أَو سَرقَة أحد الْأُصُول مَال فَرعه وَإِن سفل فَلَا يقطع لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد وَإِن اخْتلف دينهما وَلِأَن مَال كل مِنْهُمَا مرصد لحَاجَة الآخر كَمَا فِي الحَدِيث أَنْت وَمَالك لأَبِيك بِخِلَاف سَائِر الْأَقَارِب وَسَوَاء كَانَ السَّارِق من الأَصْل أَو الْفَرْع حرا أم رَقِيقا وَلَو سرق طَعَاما زمن قحط وَهُوَ لَا يقدر على ثمنه فَلَا يقطع لشُبْهَة وجوب حفظ نَفسه عَلَيْهِ وَالرَّابِع كَونه محرزا ويتحقق الْإِحْرَاز بملاحظة للمسروق من قوي متيقظ أَو حصانة مَوْضِعه (لَا) يقطع إِن سرق (مَغْصُوبًا) وَإِن أَخذه بِغَيْر نِيَّة الرَّد على الْمَالِك لِأَن مَالِكه لم يرض بإحرازه بحرز الْغَاصِب فَكَأَنَّهُ غير مُحرز (أَو فِيهِ) أَي أَو سرق من حرز مَغْصُوب وَلَو غير مَالِكه لِأَنَّهُ لَيْسَ حرز للْغَاصِب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ لعرق ظَالِم حق وَفسّر الْعرق بِأَن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا غَيره فيغرس فِيهَا أَو يحدث شَيْئا ليستوجب الأَرْض وَكَذَا لَو سرق مَالا أَو اختصاصا وأحرزه بحرزه فَسرق الْمَالِك مِنْهُ مَال السَّارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ لِأَن لَهُ دُخُول الْحِرْز وهتكه لأخذ مَاله أَو اخْتِصَاصه فَلم يكن حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلم يفْتَرق الْحَال بَين المتميز عَن مَاله والمخلوط بِهِ (وَيقطع بِمَال وقف) أَي بِسَرِقَة مَال مَوْقُوف على غَيره مِمَّن لَيْسَ نَحْو أَصله وَلَا فَرعه وَلَا مشاركا لَهُ فِي صفة من صِفَاته الْمُعْتَبرَة فِي الْوَقْف إِذْ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَمن ثمَّ لم يقطع بِسَرِقَة مَوْقُوف على جِهَة عَامَّة كبكرة بِئْر مسبلة للشُّرْب وَإِن كَانَ السَّارِق ذِمِّيا لِأَن لَهُ فِيهَا حَقًا (و) يقطع غير البواب والمجاورين فِي الْمَسْجِد مَا يتَعَلَّق بتحصين (مَسْجِد) وعمارته وأبهته كبابه وجذعه وَهُوَ السهْم الَّذِي يقف عَلَيْهِ وساريته وسقوفه وشبابيكه وقناديله الَّتِي للزِّينَة والرخام الْمُثبت للجدران لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يقْصد بِوَضْعِهِ صِيَانة الْمَسْجِد لانتفاع النَّاس (لَا) بِمَا يتَعَلَّق بانتفاعنا من (حصره) أَي الْمَسْجِد والقناديل الَّتِي تسرج فِيهِ وَإِن لم تكن فِي حَالَة الْأَخْذ تسرج والبلاط والرخام الَّذِي فِي أرضه والمنبر ودكة الْمُؤَذّن وكرسي الْوَاعِظ فَلَا يقطع بهَا وَإِن كَانَ السَّارِق لَهَا غير خطيب وَلَا مُؤذن وَلَا واعظ وَالْحَاصِل أَن كل مَا كَانَ لتحصين الْمَسْجِد وَحفظه كعواميده وأبوابه وَمَا كَانَ للزِّينَة كحصر الزِّينَة الَّتِي تفرش فِي الأعياد وَنَحْوهَا يقطع بسرقته وَمَا كَانَ للِانْتِفَاع بِهِ كالمنبر لَا قطع بسرقته وَيقطع بِأَبْوَاب الأخلية لِأَنَّهَا تتَّخذ للستر بهَا عَن أعين النَّاس حَيْثُ كَانَ السَّارِق مُسلما لَهُ فِيهَا حق بِخِلَاف الذِّمِّيّ وَالْمُسلم الَّذِي لَا حق لَهُ فِي ذَلِك بِأَن اخْتصّت بطَائفَة لَيْسَ مِنْهُم (وَلَا) يقطع (بِمَال صَدَقَة) أَي زَكَاة أفرزت (وَهُوَ مُسْتَحقّ) لَهَا بِوَصْف فقر أَو غَيره فَلَا يقطع للشُّبْهَة وَإِن أَخذ زِيَادَة على مَا يسْتَحقّهُ وَإِن لم يُوجد فِيهَا مَا يجوز الْأَخْذ بالظفر وَإِن لم يكن لَهُ فِيهَا حق كغني أَخذ صَدَقَة وَاجِبَة وَلَيْسَ غارما لإِصْلَاح الْفساد بَين الْقَوْم وَلَا غازيا قطع لانْتِفَاء الشُّبْهَة وَمثل الْغَنِيّ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 حرمت عَلَيْهِ لشرفه (و) لَا يقطع بِسَرِقَة مَال (مصَالح) وَإِن كَانَ غَنِيا لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا لِأَن ذَلِك قد يصرف فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والرباطات والقناطر فينتفع بهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير من الْمُسلمين لِأَن ذَلِك مَخْصُوص بهم بِخِلَاف الذِّمِّيّ فَيقطع بِسَرِقَة مَا فِي بَيت المَال وَلَا نظر إِلَى إِنْفَاق الإِمَام عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْفق عَلَيْهِ للضَّرُورَة وبشرط الضَّمَان بِأَن يَقُول لَهُ الإِمَام أنْفق عَلَيْك وأرجع إِذا قدرت كَمَا ينْفق الْأَغْنِيَاء على الْمُضْطَر بِشَرْط الرُّجُوع عَلَيْهِ إِذا قدر وَهَذَا إِذا كَانَ غَنِيا لَكِن مَاله غَائِب مثلا وَإِلَّا فَلَا رُجُوع وانتفاع الذِّمِّيّ بالقناطر والرباطات بالتبعية من حَيْثُ إِنَّه قاطن بدار الْإِسْلَام لَا لاختصاصه بِحَق فِيهَا فَلَا نظر إِلَى ذَلِك الِانْتِفَاع فِي دفع الْحَد (و) لَا بِسَرِقَة مَال (بعض) من أصل أَو فرع (وَسيد) وأصل سيد أَو فَرعه فَلَا قطع لشُبْهَة اسْتِحْقَاق نَفَقَته عَلَيْهِم فِي بعض الْأَحْوَال وَكَذَا لَو سرق السَّيِّد مَا ملكه عَبده بِبَعْضِه الْحر فَلَا قطع للشُّبْهَة وَذَلِكَ أَن مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر يصير ملكا لجملة العَبْد وَللسَّيِّد فِيهَا حق وَهُوَ جزؤه الرَّقِيق (وَالْأَظْهَر قطع أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ) أَي بِسَرِقَة مَاله المحرز عَنهُ فَخرج بِهِ مَا إِذا لم يكن محرزا كَأَن كَانَ لَهُ مَتَاع فِي صندوقها مثلا ففتحه وَأخذ متاعها بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن لَهُ فِيهِ شَيْء وفتحه فَيقطع فَإِن أَخذه من الْمَكَان بِدُونِ فتح فَلَا قطع لِأَنَّهُ غير مُحرز عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَمن المحرز عَلَيْهِ الخلخال الَّذِي فِي رجلهَا والسوار الَّذِي فِي يَدهَا والطوق الَّذِي فِي عُنُقهَا فَإِذا سرق ذَلِك مِنْهَا حَال نومها مثلا قطع لِأَن رجلهَا ويدها وعنقها حرز لذَلِك وشبهة اسْتِحْقَاقهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فِي مَاله لَا أثر لَهَا لِأَنَّهَا مقدرَة محدودة وَفرض الْمَسْأَلَة أَنه لَيْسَ لَهَا عِنْده شَيْء مِنْهُمَا فَإِن فرض أَن لَهَا شَيْئا من ذَلِك حَال السّرقَة وأخذته بِقصد الِاسْتِيفَاء لم تقطع كدائن سرق مَال مدينه بِقصد ذَلِك أَي فَإِن الدَّائِن إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْحَال أَو المماطل وَأَخذه بِقصد الِاسْتِيفَاء لم يقطع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُون لَهُ فِي أَخذه شرعا وَغير جنس حَقه كجنس حَقه وَلَا يقطع بزائد على قدر حَقه مَعَه وَإِن بلغ الزَّائِد نِصَابا بِخِلَاف مَا إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْمُؤَجل فَيقطع وَكَذَا مَال غَرِيمه غير المماطل (فَإِن) كَانَت يَده الْيُمْنَى مفقودة بعد السّرقَة فَلَا قطع أَو قبلهَا انْتقل للرجل الْيُسْرَى كَمَا لَو (عَاد) أَي سرق ثَانِيًا بعد قطع يمناه واندمالها (فرجله الْيُسْرَى) هِيَ الَّتِي تقطع بِخِلَاف مَا إِذا سرق مرَارًا وَلم تقطع يَده الْيُمْنَى فَإِنَّهُ لَا تقطع إِلَّا هِيَ لِاتِّحَاد السَّبَب مَعَ كَون الْقطع حَقًا لله تَعَالَى كَحَد الزِّنَا وَشرب الْخمر (ف) إِن سرق ثَالِثا قطعت (يَده الْيُسْرَى ف) إِن سرق رَابِعا قطعت (رجله الْيُمْنَى) وَالْمرَاد الْقطع من الْكُوع فِي الْيَد وَمن الكعب فِي الرجل وَالْحكمَة فِي قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَنَّهَا آلَات السّرقَة بِالْأَخْذِ وَالْمَشْي وقدمت الْيَد لقُوَّة بطشها وقدمت الْيُمْنَى لِأَن الْغَالِب كَون السّرقَة بهَا لِأَنَّهَا أقوى فَكَانَ الْبدَاءَة بهَا أردع وَإِنَّمَا لم يقطع ذكر الزَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مثله وبالقطع يفوت النَّسْل الْمَطْلُوب بَقَاؤُهُ وَلم يقطع لِسَان الْقَاذِف إبْقَاء للعبادات وَغَيرهَا (ثمَّ) إِن سرق بعد قطع الْأَرْبَع (عزّر) وَحبس حَتَّى يَمُوت على مَا نَقله الشبراملسي عَن الْعباب وَنقل الحصني عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 بَعضهم أَنه حبس حَتَّى يَتُوب وَعَن بعض آخر حبس حَتَّى تظهر تَوْبَته وَيجب على السَّارِق مَعَ الْحَد الْمَذْكُور رد الْمَسْرُوق إِلَى صَاحبه إِن بقى وَإِلَّا فبدله من مثل أَو قيمَة لِأَن الْحَد حَقه تَعَالَى وَالْغُرْم حق الْآدَمِيّ فَلَا يسْقط أَحدهمَا الآخر وَتجب أَيْضا أجرته مُدَّة وضع يَد السَّارِق عَلَيْهِ (وَتثبت) أَي السّرقَة وقطعها (برجلَيْن) كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَحلف الْمَالِك يَمِينا فَلَا قطع وَثَبت المَال إِن كَانَت الشَّهَادَة بعد دَعْوَى الْمَالِك أَو وَكيله وَإِلَّا لم يثبت المَال أَيْضا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَهَادَة حسبَة وَالْمَال لَا يثبت بهَا (وَإِقْرَار) من السَّارِق فَيقطع مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَلَا يشْتَرط تكَرر الْإِقْرَار وَثُبُوت الْقطع بِالْإِقْرَارِ بِشَرْطَيْنِ الأول أَن يكون بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَو أقرّ قبلهَا لم يثبت الْقطع فِي الْحَال بل يُوقف على حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه لِلْمَالِ أما المَال فَيثبت وَالثَّانِي أَن يفصل الْإِقْرَار وَلَو كَانَ فَقِيها مُوَافقا كَمَا فِي الشَّهَادَة فيبين السّرقَة والمسروق مِنْهُ خوفًا من أَن يكون أصلا أَو فرعا أَو سيدا وَقدر الْمَسْرُوق وَيبين الْحِرْز بِتَعْيِين أَو وصف (و) تثبت السّرقَة (بِيَمِين رد) من الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَذَلِكَ كَأَن يَدعِي على شخص سَرقَة نِصَاب فينكل ذَلِك الشَّخْص عَن الْيَمين فَترد على الْمُدَّعِي فَيحلف فَيثبت الْقطع وَالْمُعْتَمد عِنْد أَكثر الْعلمَاء لَا قطع كَمَا لَا يثبت بهَا حد الزِّنَا لِأَن الْقطع حق الله تَعَالَى وَهُوَ لَا يثبت بهَا وَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَ كَالْإِقْرَارِ إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه عَن الْإِقْرَار ورجوعه عَنهُ مَقْبُول بِالنِّسْبَةِ للْقطع وَأما المَال فَيثبت بِلَا خلاف وَالْحَاصِل أَن الْيَمين الْمَرْدُودَة لَا يثبت بهَا الْقطع وَيثبت بهَا المَال (وَقبل رُجُوع مقرّ) عَن إِقْرَاره بِالسَّرقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَلَو فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى أما المَال فَلَا يقبل رُجُوعه فِيهِ لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ وَلَو أقرّ بِالسَّرقَةِ ثمَّ رَجَعَ ثمَّ كذب رُجُوعه فَلَا يقطع كَمَا قَالَه الدَّمِيرِيّ وَلَو أقرّ بهَا ثمَّ أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة ثمَّ رَجَعَ سقط عَنهُ الْقطع لِأَن الثُّبُوت كَانَ بِالْإِقْرَارِ (وَمن أقرّ بعقوبة لله) أَي بمقتضيها كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر (فلقاض تَعْرِيض) لَهُ (بِرُجُوع) عَمَّا أقرّ بِهِ وبإنكاره أَيْضا إِذا لم يكن بَيِّنَة مَا لم يخْش أَن ذَلِك يحملهُ على إِنْكَار المَال أَيْضا كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك اخذت أَو لمست أَو باشرت وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكر فَلَا يُصَرح بذلك كَأَن يَقُول لَهُ ارْجع عَن الْإِقْرَار أَو اجحده فيأثم بِهِ لِأَنَّهُ أَمر بِالْكَذِبِ أَي يُبَاح للْقَاضِي تَعْرِيض إِذا كَانَ بعد الْإِقْرَار وَينْدب لَهُ ذَلِك إِذا كَانَ قبله وَكَذَا لَهُ أَن يعرض للشُّهُود ليمتنعوا من الشَّهَادَة أَو يراجعوا عَنْهَا وَمثل القَاضِي غَيره بل أولى من القَاضِي بِالْجَوَازِ لِامْتِنَاع التَّلْقِين على الْحَاكِم دون غَيره فَلَا يمْتَنع إِذا لم يحمل على إِنْكَار المَال وَلَا يجوز التَّعْرِيض إِذا ثَبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يحل التَّعْرِيض بِالرُّجُوعِ عَن حق الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ رُجُوعه لَا يقبل لِأَن فِي ذَلِك حملا على محرم إِذْ هُوَ كمتعاطي العقد الْفَاسِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 فصل فِي التَّعْزِير وَهُوَ لُغَة التَّأْدِيب وَشرعا تَأْدِيب على ذَنْب لَا حد فِيهِ وَلَا كَفَّارَة غَالِبا وَمن غير الْغَالِب قد يشرع التَّعْزِير حَيْثُ لَا مَعْصِيّة كَفعل غير مُكَلّف مَا يُعَزّر بِهِ الْمُكَلف أَو يحد وَكَمن يكْتَسب باللهو الْمُبَاح فللولي تَعْزِير الْآخِذ والمعطي للْمصْلحَة وَقد يَنْتَفِي التَّعْزِير مَعَ انْتِفَاء الْحَد وَالْكَفَّارَة كَقطع شخص أَطْرَاف نَفسه وكما فِي صَغِيرَة لَا حد فِيهَا وَأول زلَّة وَلَو كَبِيرَة صدرتا مِمَّن لم يعرف بِالشَّرِّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا الْحُدُود وَفسّر هَذَا الحَدِيث بذلك الْمَذْكُور وَكَمن رأى زَانيا مُحصنا بأَهْله فَقتله لعذره إِذْ الْقَتْل جَائِز بَاطِنا إِذا عجز عَن إِثْبَات زِنَاهُ عِنْد الْحَاكِم لَكِن يقْتَصّ بِهِ ظَاهرا بِخِلَاف من قدر عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْقَتْل لِإِمْكَان رَفعه للْحَاكِم وكقذفه لمن لاعنها وتكليفه رَقِيقه أَو دَابَّته مَا لَا يُطيق وَضرب حليلته تَعَديا وَوَطئهَا فِي دبرهَا قبل نهي الْحَاكِم لَهُ فِي الْجَمِيع وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة كَمَا فِي الظِّهَار وَالْيَمِين الْغمُوس إِذا اعْترف بحلفه كذبا وإفساد يَوْم من رَمَضَان بجماع حليلته وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْحَد كتعليق يَد السَّارِق فِي عُنُقه سَاعَة زِيَادَة فِي نكاله وَقد يجْتَمع الْكل كمن زنى بِأُمِّهِ فِي الْكَعْبَة صَائِما رَمَضَان معتكفا محرما فَيلْزمهُ الْحَد وَالْعِتْق والبدنة وَالتَّعْزِير لقطع رَحمَه وانتهاك حُرْمَة الْكَعْبَة (وَيُعَزر) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (لمعصية) لله أَو للآدمي (لَا حد) أَي لَا عُقُوبَة (لَهَا وَلَا كَفَّارَة غَالِبا) كمباشرة أَجْنَبِيَّة فِي غير الْفرج وَسَب لَيْسَ بِقَذْف كَمَا أفتى بالتعزير عَليّ كرم الله وَجهه فِيمَن قَالَ لآخر يَا فَاسق يَا خَبِيث وتزوير كمحاكاة خطّ الْغَيْر وَشَهَادَة زور وَضرب بِغَيْر حق بِخِلَاف الزِّنَا لإيجابه الْحَد وَبِخِلَاف التَّمَتُّع بِطيب وَنَحْوه فِي الْإِحْرَام لإيجابه الْكَفَّارَة وَيكون التَّعْزِير (بِضَرْب) غير مبرح (أَو حبس) أَو توبيخ بِاللِّسَانِ أَو تغريب دون سنة فِي الْحر وَدون نصفهَا فِي غَيره أَو كشف رَأس أَو تسويد وَجه أَو حلق رَأس لمن يكرههُ أَو إركابه الْحمار مثلا منكوسا والدوران بِهِ كَذَلِك بَين النَّاس أَو تهديده بأنواع الْعُقُوبَات أَو صلبه ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل فيجتهد الإِمَام فِي جنس التَّعْزِير وَقدره لاحتلافه باخْتلَاف مَرَاتِب النَّاس والمعاصي وَله الْعَفو فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى إِن رأى الْمصلحَة (وعزر أَب) وَإِن علا (ومأذونه) كالمعلم (صَغِيرا) ومجنونا وسفيها للتعلم وَسُوء الْأَدَب وأدب السَّيِّد رَقِيقه وَلَو لحق الله تَعَالَى (و) عزّر (زوج) امْرَأَته (لحقه) كالنشوز لَا لحقه تَعَالَى وَيصدق فِي ذَلِك بِالنِّسْبَةِ لعدم تعزيره لَا لسُقُوط نَفَقَتهَا وَلَو عَفا مُسْتَحقّ الْحَد فَلَا يجوز للْإِمَام التَّعْزِير وَلَا الْحَد أَو مُسْتَحقّ التَّعْزِير فَلهُ التَّعْزِير لتَعَلُّقه بنظره وَإِن كَانَ لَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا بعد طلب مُسْتَحقّه وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فصل فِي الصيال وَهُوَ الهجوم والقهر وَفِي حكم الختن (يجوز) للمصول عَلَيْهِ (دفع صائل على مَعْصُوم بل يجب) عَلَيْهِ دَفعه (عَن بضع) وَلَو لبهيمة (وَنَفس قَصدهَا كَافِر) وَلَو مَعْصُوما إِذْ غير الْمَعْصُوم لَا حُرْمَة لَهُ والمعصوم بطلت حرمته بصياله وَلِأَن الاستسلام للْكَافِرِ ذل فِي الدّين وَكَذَا إِذا قَصدهَا بَهِيمَة لِأَنَّهَا تذبح لاستبقاء الْآدَمِيّ فَلَا وَجه للاستسلام لَهَا وَمثل الْكَافِر الزَّانِي الْمُحصن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون دينه أَي لأجل الدّفع عَن دينه فَهُوَ شَهِيد أَي بِأَن حمله الصَّائِل على الرِّدَّة أَو الزِّنَا وَمن قتل دون دَمه أَي فِي الْمَنْع عَن الْوُصُول إِلَى دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون مَاله أَي قُدَّام مَاله فَهُوَ شَهِيد وَالْحَاصِل أَنه إِذا صال شخص وَلَو غير عَاقل كمجنون وبهيمة أَو غير مُسلم أَو غير مَعْصُوم وَلَو آدمية حَامِلا على شَيْء مَعْصُوم لَهُ أَو لغيره نفسا أَو عضوا أَو مَنْفَعَة أَو بضعا أَو مَالا وَإِن قل أَو اختصاصا كَذَلِك فَلهُ دَفعه جَوَازًا فِي المَال والاختصاص ووجوبا فِي غَيرهمَا فَإِن وَقع صيال على الْجَمِيع فِي زمن وَاحِد وَلم يُمكن إِلَّا دفع وَاحِد فواحد قدم وجوبا النَّفس أَي وَمَا يسرى إِلَيْهَا كالجرح فالبضع فَالْمَال الخطير فالحقير إِلَّا أَن يكون لذِي الخطير غَيره أَو وَقع على صبي يلاط بِهِ وَامْرَأَة يَزْنِي بهَا قدم الدّفع عَنْهَا وجوبا لِأَن حد الزِّنَا مجمع عَلَيْهِ وَلما يخْشَى من إختلاط الْأَنْسَاب وَلذَلِك كَانَ الزِّنَا أَشد حُرْمَة من اللواط لَكِن قَالَ ابْن حجر إِن كَانَت الْمَرْأَة فِي مَظَنَّة الْحمل قدم الدّفع عَنْهَا لِأَن خشيَة إختلاط الْأَنْسَاب أغْلظ فِي نظر الشَّارِع من غَيرهَا وَإِلَّا قدم الدّفع عَن اللواط وَشرط وجوب الدّفع عَن الْبضْع وَعَن نفس الْغَيْر أَن لَا يخَاف الدَّافِع على نَفسه أما الدَّافِع عَن بضع نَفسه فَيجب دَفعه وَإِن خَافَ الْقَتْل فَيحرم على الْمَرْأَة أَن تستسلم لمن صال عَلَيْهَا ليزني بهَا مثلا وَإِن خَافت على نَفسهَا إِذْ لَا سَبِيل لإباحة نَحْو الْبضْع وَلَا يجب الدّفع إِذا قصد نَفسه مُسلم مَعْصُوم الدَّم وَلَو مَجْنُونا بل يجوز الاستسلام لَهُ بل يسن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن خير ابْني آدم أَي وَهُوَ هابيل الَّذِي قَتله قابيل وخيرهما الْمَقْتُول لكَونه استسلم للْقَاتِل وَلم يدْفع عَن نَفسه وَمحل جَوَاز الاستسلام مَا لم يقدر على الْهَرَب وَإِلَّا وَجب وَحرم الْوُقُوف وَمَا لم يكن ملكا عادلا متوحدا فِي ملكه أَو عَالما متوحدا فِي زَمَانه أَو شجاعا أَو كَرِيمًا وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مصلحَة عَامَّة وَإِلَّا فَلَا يجوز لَهُ الاستسلام بل يجب حِينَئِذٍ الدّفع عَن نَفسه كَمَا يجب الدّفع عَن الْعُضْو وَالْمَنْفَعَة (وليدفع) أَي الصَّائِل الْمَعْصُوم (بالأخف) فالأخف بِاعْتِبَار غَلَبَة ظن المصول عَلَيْهِ (إِن أمكن) فيدفعه بالهرب مِنْهُ فبالزجر كتوبيخ وتذكير بوعيد الله وأليم عَذَابه أَو استغاثة فَهُوَ مُخَيّر بَينهمَا إِن لم ينشأ من الاستغاثة إِلْحَاق ضَرَر أقوى من الزّجر كإمساك حَاكم جَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 للصائل وَإِلَّا وَجب التَّرْتِيب بَينهمَا فيزجر ثمَّ يستغيث فالضرب بِالْيَدِ فبالسوط فبالعصا فبالقطع فبالقتل لِأَن دفع الصَّائِل جوز للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الأثقل مَعَ إِمْكَان تَحْصِيل الْمَقْصُود بالأخف وَفَائِدَة هَذَا التَّرْتِيب أَنه مَتى خَالف وَعدل إِلَى رُتْبَة مَعَ إِمْكَان الِاكْتِفَاء بِمَا دونهَا ضمن وَلَو بِالْقصاصِ إِذا وجدت شُرُوطه بِأَن دَفعه بِمَا يقتل غَالِبا وحصلت الْحُرْمَة فَقَط إِذا دَفعه بِغَيْرِهِ وَلَو لم يجد المصول عَلَيْهِ إِلَّا سَيْفا جَازَ لَهُ الدّفع بِهِ وَإِن كَانَ ينْدَفع بعصا إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ فِي عدم استصحابها وَلذَلِك من أحسن الدّفع بِطرف السَّيْف بِدُونِ جرح يضمن بِهِ بِخِلَاف من لَا يحسن وَلَو التحم الْقِتَال بَينهمَا وَخرج الْأَمر عَن الضَّبْط سقط مُرَاعَاة التَّرْتِيب سِيمَا لَو كَانَ الصائلون جمَاعَة إِذْ رِعَايَة التَّرْتِيب حِينَئِذٍ تُؤدِّي إِلَى إهلاكه وَلَو اخْتلفَا فِي التَّرْتِيب أَو فِي عدم إِمْكَان التَّخَلُّص بِدُونِ مَا دفع بِهِ صدق الدَّافِع لعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو تنَازعا فِي أصل الصيال فَلَا يصدق إِلَّا بِقَرِينَة ظَاهِرَة كتجريد سيف أَو نَحوه أَو بِبَيِّنَة أما المهدر كزان مُحصن وتارك صَلَاة بِشَرْطِهِ وحربي ومرتد فَلَا تجب مُرَاعَاة هَذَا التَّرْتِيب فِيهِ بل لَهُ الْعُدُول إِلَى قَتله لعدم حرمته مَا لم يكن مثله (وَوَجَب) قطع سرة الْمَوْلُود بعيد وِلَادَته بعد نَحْو ربطها لتوقف إمْسَاك الطَّعَام عَلَيْهِ وَوَجَب أَيْضا (ختان) لذكر وَأُنْثَى إِن لم يولدا مختونين (ببلوغ) وعقل لانْتِفَاء التَّكْلِيف قبلهمَا فَيجب ذَلِك فَوْرًا بعدهمَا مَا لم يخف من الْخِتَان فِي ذَلِك الزَّمن وَإِلَّا أخر إِلَى أَن يغلب الظَّن السَّلامَة مِنْهُ فَلَو غلب على ظَنّه احْتِمَاله للختان وَأَن السَّلامَة هِيَ الْغَالِبَة فختنه فَمَاتَ لم يضمنهُ وَينْدب تَعْجِيله فِي سَابِع يَوْم وِلَادَته وَيكرهُ قبل السَّابِع فَإِن أخر عَنهُ فَفِي الْأَرْبَعين وَإِلَّا فَفِي السّنة السَّابِعَة لِأَنَّهَا وَقت أمره بِالصَّلَاةِ وَبعدهَا يَنْبَغِي وُجُوبه على الْوَلِيّ إِن توقفت صِحَة الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يحْسب من السَّبْعَة يَوْم وِلَادَته لِأَنَّهُ كلما أخر قوى عَلَيْهِ فَكَانَ إيلامه أخف وَبِذَلِك التَّعْلِيل فَارق الْعَقِيقَة حَيْثُ يحْسب فِيهَا يَوْم الْولادَة من السَّبْعَة لِأَنَّهَا بر فندب الْإِسْرَاع إِلَيْهِ وَيسن إِظْهَار ختان الذُّكُور وإخفاء الْإِنَاث عَن الرِّجَال دون النِّسَاء وَلَا يلْزم من ندب وَلِيمَة الْخِتَان إِظْهَاره فِيهِنَّ ثمَّ كَيْفيَّة الْخِتَان فِي الذّكر بِقطع جَمِيع مَا يغطى حشفته حَتَّى تنكشف كلهَا وَإِذا نَبتَت الغرلة بعد ذَلِك لَا تجب إِزَالَتهَا لحُصُول الْغَرَض بِمَا فعل أَولا وَعلم من ذَلِك أَن غرلته لَو تقلصت حَتَّى انْكَشَفَ جَمِيع الْحَشَفَة فَإِن أمكن قطع شَيْء مِمَّا يجب قطعه فِي الْخِتَان مِنْهَا دون غَيرهَا وَجب وَلَا نظر لذَلِك التقلص لِأَنَّهُ قد يَزُول فَيسْتر الْحَشَفَة وَإِلَّا سقط الْوُجُوب كَمَا لَو ولد مَجْنُونا وَفِي الْأُنْثَى بِقطع جُزْء يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْخِتَان من اللحمة الْمَوْجُودَة بِأَعْلَى الْفرج فَوق ثقبة الْبَوْل تشبه عرف الديك وَتسَمى البظر فَإِذا قطعت بَقِي أَصْلهَا كالنواة وتقليل الْمَقْطُوع أفضل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للخاتنة أشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أحظى للْمَرْأَة وَأحب للبعل أَي لزيادته فِي لَذَّة الْجِمَاع وَفِي رِوَايَة أسرى للْوَجْه أَي أَكثر لمائه وَدَمه (وَحرم تثقيب أذن) قَالَ الزيَادي وَالْأَوْجه أَن ثقب أذن الصَّغِيرَة لتعليق الْحلق حرَام لِأَنَّهُ لم تدع إِلَيْهِ حَاجَة وغرض الزِّينَة لَا يجوز بِمثل هَذَا التعذيب هَذَا مَا قَالَه الْغَزالِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فِي الْإِحْيَاء وَأفْتى بذلك الشَّيْخ الرَّمْلِيّ وَرجح فِي مَوضِع آخر الْجَوَاز وَهُوَ الْمُعْتَمد كَذَا فِي تحفة الحبيب أما خرم أذن الصَّبِي فَحرم قطعا كَمَا يحرم خرم الْأنف ليجعل فِيهِ حَلقَة من ذهب أَو نَحوه وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَا عِبْرَة باعتياد ذَلِك لبَعض النَّاس فِي نِسَائِهِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْجِهَاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي الْقِتَال فِي سَبِيل الله (هُوَ فرض كِفَايَة كل عَام) إِذا كَانَ الْكفَّار ببلادهم وَأقله مرّة فِي كل سنة فَإِذا زَاد فَهُوَ أفضل مَا لم تدع حَاجَة إِلَى أَكثر من مرّة وَإِلَّا وَجب وَيسْقط طلب الْجِهَاد بِأحد أَمريْن إِمَّا بِدُخُول الإِمَام أَو نَائِبه دَارهم بالجيش لقتالهم وَإِمَّا بتشحين الثغور أَي أَطْرَاف بِلَادنَا بمكافئين لَهُم لَو قصدونا مَعَ إحكام الْحُصُون والخنادق وتقليد ذَلِك لِلْأُمَرَاءِ المؤتمنين الْمَشْهُورين بالشجاعة والنصح للْمُسلمين وَحكم فرض الْكِفَايَة أَنه إِذا فعله من فيهم كِفَايَة وَإِن لم يَكُونُوا من أهل فَرْضه كصبيان وإناث ومجانين سقط الْحَرج عَنهُ إِن كَانَ من أَهله وَعَن البَاقِينَ رخصَة وتخفيفا عَلَيْهِم نعم الْقَائِم بِفَرْض الْعين أفضل من الْقَائِم بِفَرْض الْكِفَايَة كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وفروض الْكِفَايَة كَثِيرَة (كقيام بحجج دينية) أَي براهين علمية مثبتة لعقائد التَّوْحِيد تَفْصِيلًا كثبوت الصَّانِع وَمَا يجب لَهُ وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ وَغير ذَلِك كثبوت حُدُوث الْعَالم الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ بِقَوْلِك الْعَالم متغير وكل متغير حَادث أما على سَبِيل الْإِجْمَال فَفرض عين وَخرج بذلك الْحجَج العلمية كأقيموا الصَّلَاة دَلِيلا على وُجُوبهَا فالقيام بذلك سنة وَلَا يكون إِلَّا من الْمُجْتَهد الْمُطلق (و) طلب (عُلُوم شَرْعِيَّة) كتفسير وَحَدِيث وفروع فقهية زَائِدا على مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْعِبَادَات والمعاملات إِلَى أَن يبلغ دَرَجَة الافتاء فَإِذا بلغَهَا كَانَ مَا بعد ذَلِك سنة إِلَى بُلُوغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد الْمُطلق أما مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْعِبَادَات والمعاملات فَفرض عين على كل مُكَلّف وَمثل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَا تتَعَلَّق بِهِ من عُلُوم الْعَرَبيَّة وأصول الْفِقْه وَعلم الْحساب الْمُضْطَر إِلَيْهِ فِي الْمَوَارِيث والإقرارات والوصايا وَغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ذَلِك فَيجب الْإِحَاطَة بذلك كُله لشدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك (وَدفع ضَرَر) آدَمِيّ (مَعْصُوم) أَي مُحْتَرم بإطعام الْمُضْطَر مَا يَحْتَاجهُ الْمَالِك فِي ثَانِي الْحَال وَكِسْوَة العاري إِذا لم ينْدَفع ضررهما بِنَحْوِ وَصِيَّة وَنذر ووقف وَزَكَاة وَبَيت مَال من سهم الْمصَالح وَهَذَا على من ملك زَائِدا على كِفَايَة سنة لَهُ ولممونه وعَلى وَفَاء دُيُونه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْفَقِيه من الْكتب والمحترف من الْآلَات قَالَ الشبراملسي وَيَنْبَغِي أَنه لَا يشْتَرط فِي الْغَنِيّ أَن يكون عِنْده مَال يَكْفِيهِ لنَفسِهِ ولممونه جَمِيع السّنة بل يَكْفِي فِي وجوب الْمُوَاسَاة أَن يكون لَهُ نَحْو وظائف يتَحَصَّل مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ عَادَة جَمِيع السّنة ويتحصل عِنْده زِيَادَة على ذَلِك مَا يُمكن الْمُوَاسَاة بِهِ (وَأمر بِمَعْرُوف) أَي وَاجِب وَنهي عَن محرم بِالْيَدِ فاللسان فالقلب سَوَاء الْفَاسِق وَغَيره وَفِي الحَدِيث إِن النَّاس إِذا رَأَوْا الظَّالِم فَلم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ أوشك أَن يعمهم الله بعذابه وَالْمرَاد بِالنَّهْي عَنهُ بِالْقَلْبِ هُوَ أَن يتَوَجَّه بهمته إِلَى الله تَعَالَى فِي إِزَالَته سَوَاء صدر ذَلِك التَّوَجُّه عَمَّن جرت عَادَة الله تَعَالَى بِأَن لَا يخيب توجهه أم من غَيره فَظَاهر أَنه يَكْتَفِي بتوجه الْبَعْض وَلَا يشْتَرط توجه الْجَمِيع بِخِلَاف الْكَرَاهَة بِالْقَلْبِ فَإِنَّهَا فرض عين لِأَن انتفاءها فِي فَرد يُنَافِي الْإِيمَان وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَمحل ذَلِك الْأَمر وَالنَّهْي فِي وَاجِب أَو حرَام مجمع عَلَيْهِ أَو فِي اعْتِقَاد الْفَاعِل بِالنِّسْبَةِ لغير الزَّوْج إِذْ لَهُ شافعيا منع زَوجته الْحَنَفِيَّة من شرب النَّبِيذ مُطلقًا أَي مُسكرا كَانَ أَو غَيره وبالنسبة لغير القَاضِي إِذْ الْعبْرَة باعتقاده ولغير مقلد من لَا يجوز تَقْلِيده لكَونه مِمَّا ينْقض فِيهِ قَضَاء القَاضِي فاعتقاده الْحل لَا يمْنَع من الْإِنْكَار عَلَيْهِ وَيجب الْإِنْكَار على مُعْتَقد التَّحْرِيم وَإِن اعْتقد الْمُنكر إِبَاحَته لِأَنَّهُ يعْتَقد حرمته بِالنِّسْبَةِ لفَاعِله بِاعْتِبَار عقيدته وَيمْتَنع على عَامي يجهل حكم مَا رَآهُ إِنْكَار حَتَّى يُخبرهُ عَالم بِأَنَّهُ مجمع عَلَيْهِ أَو محرم فِي اعْتِقَاد فَاعله وعَلى عَالم أَن يُنكر مُخْتَلفا فِيهِ حَتَّى يعلم من فَاعله اعْتِقَاد تَحْرِيمه لَهُ حَالَة ارتكابه لاحْتِمَال أَنه حِينَئِذٍ قلد الْقَائِل بحله أَو جهل حرمته لكنه يرشده بِأَن يبين لَهُ الحكم وَيطْلب اجتنابه مِنْهُ بلطف أما من ارْتكب مَا يرى إِبَاحَته بتقليد صَحِيح فَلَا يحل الْإِنْكَار عَلَيْهِ لَكِن لَو طلب لِلْخُرُوجِ مِنْهُ الْخلاف بِرِفْق فَحسن هَذَا كُله فِي غير الْمُحْتَسب أَي من ولي الْحِسْبَة وَهِي الْإِنْكَار والاعتراض على فعل مَا يُخَالف الشَّرْع أما هُوَ فينكر وجوبا على من أخل بِشَيْء من الشعائر الظَّاهِرَة وَلَو سنة كَصَلَاة الْعِيد وَالْأَذَان وَيلْزمهُ أَمر النَّاس بهما دون بَقِيَّة السّنَن الَّتِي لَيست من الشعائر الظَّاهِرَة وَلَكِن لَو احْتِيجَ فِي إِنْكَار ذَلِك لقِتَال لم يَفْعَله إِلَّا على أَنه فرض كِفَايَة وَيجب عَلَيْهِ النَّهْي عَن الْمَكْرُوه بِخِلَاف غَيره فَينْدب وَلَيْسَ لأحد التَّجَسُّس واقتحام الدّور بالظنون للبحث عَمَّا فِيهَا نعم إِن غلب على ظَنّه وُقُوع مَعْصِيّة وَلَو بِقَرِينَة ظَاهِرَة كإخبار ثِقَة جَازَ لَهُ بل وَجب عَلَيْهِ التَّجَسُّس إِن فَاتَ تداركها كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا وَلما لم ينزجر إِلَّا بِالرَّفْع للسُّلْطَان وَجب وَشرط وجوب الْأَمر وَالنَّهْي على مُكَلّف أَن يَأْمَن على نَفسه وعضوه وَمَاله وَإِن قل كدرهم وَعرضه وعَلى غَيره بِأَن لم يخف مفْسدَة عَلَيْهِ أَكثر من مفْسدَة الْمُنكر الْوَاقِع وَيحرم مَعَ الْخَوْف على الْغَيْر مَعَ خوف الْمفْسدَة الْمَذْكُورَة وَيسن مَعَ الْخَوْف على النَّفس (وَتحمل شَهَادَة) على أهل لَهُ وَهُوَ الْعدْل وَحضر لَهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو دَعَاهُ قَاض أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مَعْذُور جُمُعَة وَلم يعْذر الْمَطْلُوب (وأدائها) على من تحملهَا إِن كَانَ أَكثر من نِصَاب وَهُوَ اثْنَان وَإِلَّا فَهُوَ فرض عين (ورد سَلام) مسنون من مُمَيّز غير متحلل بِهِ من صَلَاة وَإِن كرهت صيغته كعليكم السَّلَام وَلَو مَعَ رَسُول أَو فِي كِتَابَة وَيجب الرَّد فَوْرًا (عَن جمع) بِأَن كَانَ الْمُسلم عَلَيْهِم جمَاعَة من مُسلمين بالغين عاقلين فَيَكْفِي رد وَاحِد مِنْهُم وَيسْقط الطّلب عَن الْبَاقِي وَيخْتَص الثَّوَاب بِمن رد فَلَو ردوا كلهم وَلَو مُرَتبا أثيبوا وَلَا يسْقط الطّلب برد الصَّبِي وَإِن كَانَ الَّذِي سلم صَبيا أَيْضا وَيشْتَرط فِي كِفَايَة الرَّد إسماع الْمُسلم واتصاله بِالسَّلَامِ كاتصال الْقبُول بِالْإِيجَابِ فِي نَحْو البيع وَالشِّرَاء وصيغته الَّتِي يجب فِيهَا الرَّد السَّلَام عَلَيْكُم أَو سَلام عَلَيْكُم بتنوين سَلام وَيكرهُ عَلَيْكُم السَّلَام وَعَلَيْكُم سَلام وَإِن وَجب الرَّد فيهمَا وَلَا يَكْفِي سَلام عَلَيْكُم بترك التَّنْوِين وأل وَكَذَا لَو قَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام بِالْوَاو أَو اقْترن بالصيغة مَا هُوَ من تَحِيَّة الْجَاهِلِيَّة كَأَن قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم صبحكم بِالْخَيرِ أَو صبحكم بِالْخَيرِ السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يجب الرَّد فِي ذَلِك وَلَو قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَجب الرَّد وَلَكِن الأولى التقليل عَن ذَلِك ليبقى للراد شَيْء يزِيد بِهِ على المبتدىء بِالسَّلَامِ كَمَا هُوَ الْأَكْمَل لَهُ والقارىء كَغَيْرِهِ فِي اسْتِحْبَاب ابْتِدَاء السَّلَام عَلَيْهِ وَوُجُوب الرَّد بِاللَّفْظِ على الْمُعْتَمد وَيجب الْجمع بَين اللَّفْظ وَالْإِشَارَة فِي الرَّد على الْأَصَم وتجزىء الْإِشَارَة من الْأَخْرَس ابْتِدَاء وردا وَالْإِشَارَة من النَّاطِق بِلَا لفظ خلاف الأولى وَلَا يجب لَهَا رد وَالْجمع بَينهمَا وَبَين اللَّفْظ أفضل وَإِذا سلم كل مِنْهُمَا على الآخر مَعًا لزم كلا مِنْهُمَا الرَّد أَو مُرَتبا كفى الثَّانِي سَلَامه فِي الرَّد إِن قصد بِهِ وَينْدب أَن يسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي والماشي على الْوَاقِف والقاعد والمضطجع والعظيم على الحقير وَالْكثير على الْقَلِيل فَلَو عكس لم يكره وَيسلم الْوَارِد مُطلقًا على من ورد عَلَيْهِ وَمن دخل دَاره سلم ندبا على أَهله أَو موضعا خَالِيا فَلْيقل ندبا السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين ويسمي الله قبل دُخُوله وَيَدْعُو وَلَو تكَرر ذَلِك مِنْهُ وَلَو سلم جمَاعَة متفرقون على وَاحِد فَقَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام وَقصد الرَّد على جَمِيعهم أَجزَأَهُ وَسقط عَنهُ فرض الْجَمِيع وَكَذَا لَو أطلق على الصَّحِيح وَلَو سلم عَلَيْهِ من وَرَاء حَائِط أَو ستر وَجب الرَّد وَكَذَا لَو سلم عَلَيْهِ مَعَ رَسُول وبلغه الرَّد إِن حصل صِيغَة شَرْعِيَّة من الْمُرْسل أَو الرَّسُول أَو مِنْهُمَا كَأَن قَالَ الْمُرْسل السَّلَام على فلَان فَقَالَ لَهُ الرَّسُول فلَان يسلم عَلَيْك أَو قَالَ الْمُرْسل سلم لي على فلَان فَقَالَ الرَّسُول السَّلَام عَلَيْك من فلَان أَو قَالَ الْمُرْسل السَّلَام على فلَان فَقَالَ الرَّسُول السَّلَام عَلَيْك من فلَان وَجب الرَّد فِي الْجَمِيع فَإِن لم تحصل صِيغَة شَرْعِيَّة لَا من هَذَا وَلَا من هَذَا كَأَن قَالَ سلم لي على فلَان فَقَالَ الرَّسُول فلَان يسلم عَلَيْك لَا يجب الرَّد وَيجب على الرَّسُول فِي جَمِيع ذَلِك تَبْلِيغ السَّلَام وَلَو بعد مُدَّة طَوِيلَة كَأَن نسي ثمَّ تذكر وَهَذَا مِمَّا يَقع التهاون فِيهِ نعم يَصح عزل نَفسه بِحَضْرَة الْمُرْسل لَا فِي غيبته فَيَقُول عزلت نَفسِي وَلَو كَانَ الْمُسلم عَلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ الرَّد فرض عين عَلَيْهِ وَيحرم السَّلَام من الشَّابَّة الْأَجْنَبِيَّة ابْتِدَاء وردا وَكَذَا الْخُنْثَى مَعَ مثله ويكرهان من الرِّجَال عَلَيْهِمَا بِخِلَاف جمع النِّسَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَلَو شواب والعجوز فَلَا يكرهان عَلَيْهِمَا وَلَا يحرمان مِنْهُمَا وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ محرمية أَو زوجية أَو سيدية فَلَا يكره وَلَو سلم الذِّمِّيّ وَجب الرَّد عَلَيْهِ بِنَحْوِ وَعَلَيْكُم فَقَط وَيحرم أَن يبتدىء السَّلَام عَلَيْهِ كالفاسق وَكَذَا تحتيه بِغَيْر السَّلَام كصبحك الله بِالْخَيرِ وَكَذَا خطابه بِكُل مَا يُفِيد تَعْظِيمه وَلَو كلمة إِلَّا لعذر فَلَو سلم على شخص وَهُوَ يجهل حَاله فَتبين أَنه ذمِّي اسْترْجع سَلَامه قيل وجوبا وَقيل ندبا فَيَقُول اسْترْجع سلامي مثلا وَلَا يجب رد سَلام على الْآكِل إِن كَانَ الطَّعَام فِي فِيهِ أما قبل وَضعه فِيهِ فَيجب عَلَيْهِ الرَّد (وابتداؤه) أَي السَّلَام على مُسلم لَيْسَ بفاسق وَلَا مُبْتَدع وَلَا نَحْو قَاضِي حَاجَة وَلَا آكل فِي فَمه اللُّقْمَة عِنْد إقباله أَو انْصِرَافه (سنة) عينا للْوَاحِد وكفاية للْجَمَاعَة كالتسمية للْأَكْل و (كتشميت عاطس) مُسلم (حمد الله) وَلم يكن الْعَاطِس بِفِعْلِهِ بِأَن يَقُول للبالغ يَرْحَمك الله أَو يَرْحَمك رَبك وللصغير أصلحك الله أَو بَارك الله فِيك أَو أنشأك الله إنْشَاء صَالحا وَيكرهُ قبل الْحَمد فَلَا يعْتد بِهِ وَيَأْتِي بِهِ ثَانِيًا بعد الْحَمد فَإِن شكّ هَل حمد الْعَاطِس أَو لَا قَالَ يرحم الله من حَمده أَو يَرْحَمك الله إِن حمدته وَتحصل بهَا سنة التشميت وَيسن تذكيره الْحَمد للْحَدِيث الْمَشْهُور من سبق الْعَاطِس بِالْحَمْد أَمن من الشوص واللوص والعلوص فالشوص وجع الضرس واللوص وجع الْأذن والعلوص وجع الْبَطن ونظمها بعضم فَقَالَ من يبتدي عاطسا بِالْحَمْد يَأْمَن من شوص ولوص وعلوص كَذَا وردا ويكرر التشميت إِلَى ثَلَاث ثمَّ يَدْعُو لَهُ بعْدهَا بالشفاء كَأَن يَقُول عافاك الله أَو شفاك الله وَيسن للعاطس وضع شَيْء على وَجهه وخفض صَوته مَا أمكنه وَإجَابَة مشمته كَأَن يَقُول غفر الله لكم أَو يهديكم الله وَلَو زَاد على ذَلِك وَيصْلح بالكم كَانَ حسنا وَلم يجب لِأَنَّهُ لَا إخافة بِتَرْكِهِ وَيسن للعاطس إِن لم يشمت أَن يَقُول يرحمني الله وَالْمُصَلي يحمد سرا وَنَحْو قَاضِي الْحَاجة يحمد فِي نَفسه بِلَا لفظ وَبَقِي من فروض الْكِفَايَة إحْيَاء الْكَعْبَة كل سنة بالزيارة بِحَجّ وَعمرَة وَلَا يُغني أَحدهمَا عَن الآخر وَلَا الصَّلَاة وَالِاعْتِكَاف وَالطّواف عَن أَحدهمَا لِأَنَّهُمَا الْقَصْد الْأَعْظَم من بِنَاء الْبَيْت وَفِيهِمَا إحْيَاء تِلْكَ المشاعر وَلَا بُد فِي القائمين بذلك من عدد يحصل بهم الشعار عرفا وَإِن كَانُوا من أهل مَكَّة كَمَا قالهالرملي وَابْن حجر ثمَّ قَالَ الزيَادي وَلَا يشْتَرط فِي الْقيام بإحياء الْكَعْبَة عدد مَخْصُوص من الْمُكَلّفين اه والحرف والصنائع مِمَّا يتم بِهِ المعاش كالتجارة والحجامة لتوقف قيام الدّين على قيام الدُّنْيَا وقيامها على تينك وَفِي الحَدِيث اخْتِلَاف أمتِي رَحْمَة فسره الْحَلِيمِيّ باخْتلَاف هَمهمْ فِي الْحَرْف والصنائع اه وَحفظ الْقُرْآن عَن ظهر قلب فَيجب أَن يكون فِي كل مَسَافَة عدوى جمَاعَة يَحْفَظُونَهُ كَذَلِك كَمَا يجب فِيهَا قَاض وَفِي كل مَسَافَة قصر مفت فَإِن اخْتلفت الْمذَاهب فِي تِلْكَ الْمسَافَة وَجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 تعدده بعددها وَإِلَّا فَلَا وَمثل ذَلِك تَعْلِيمه والاشتغال بحفظه أفضل من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ الزَّائِد على فرض الْعين ونسيانه أَو شَيْء مِنْهُ كَبِيرَة وَلَو بِعُذْر كَمَرَض واشتغال بعيني وضابطه أَن يحْتَاج فِي استرجاعه إِلَى الْحَالة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهَا إِلَى عمل جَدِيد على الْمُعْتَمد وَقيل ضابطه أَن ينقص عَن الْحَالة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يجب الْجِهَاد (على مُكَلّف ذكر حر مستطيع لَهُ سلَاح) فَلَا جِهَاد على صبي وَمَجْنُون لعدم تكليفهما وَلَا على امْرَأَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهادكن الْحَج وَالْعمْرَة وَلِأَنَّهَا مجبولة على الضعْف وَمثلهَا الْخُنْثَى وَلَا على عبد وَلَو مبعضا أَو كَاتبا لنقصه وَإِن أمره سَيّده وَلَا على غير مستطيع كأعمى وفاقد أَكثر الأنامل وَمن بِهِ عرج بَين وَإِن قدر على الرّكُوب أَو رمد أَو مرض يمنعهُ الركون أَو الْقِتَال بِأَن يحصل لَهُ مشقة لَا تحْتَمل عَادَة وَإِن لم تبح التَّيَمُّم وكمعذور بِمَا يمْنَع وجوب الْحَج إِلَّا خوف طَرِيق من كفار أَو لصوص مُسلمين فَلَا يمْنَع وجوب الْجِهَاد لِأَن مبناه على ركُوب المخاوف وَلَا على عادم أهبة قتال كسلاح وَمؤنَة ذَهَابًا وإيابا وَإِقَامَة ومركوب فِي سفر قصر فَاضل ذَلِك عَن مُؤنَة من تلْزمهُ نَفَقَته (وَحرم) على مَدين مُوسر عَلَيْهِ دين حَال وَإِن قل كفلس وَلَو لذِمِّيّ وَإِن كَانَ بِهِ رهن وثيق أَو ضَامِن (سفر) للْجِهَاد وَغَيره وَإِن قصر كميل وَنَحْوه تَقْدِيمًا لفرض الْعين وَهُوَ رِعَايَة حق الْغَيْر على غَيره وَلَو كَانَ رب الدّين مُسَافِرًا مَعَه أَو فِي الْبَلَد الَّذِي قَصدهَا من عَلَيْهِ الدّين لِأَنَّهُ قد يرجع قبل وُصُوله إِلَيْهَا أَو يَمُوت أَحدهمَا (بِلَا إِذن غَرِيم) وَبلا ظن رِضَاهُ وَبلا استنابة بِمن يَقْضِيه من مَال حَاضر وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم لوصول الدَّائِن إِلَى حَقه فِي الْحَال بِخِلَاف مَال غَائِب لِأَنَّهُ قد لَا يصل وَلَا بُد من علم الدَّائِن بالوكيل وَمن ثُبُوت الْوكَالَة وَمثل المَال الْحَاضِر دين ثَابت لمريد السّفر على ملىء لَكِن لَا يَكْفِي الْإِذْن لمن عَلَيْهِ الدّين فِي الدّفع للدائن لِأَن الشَّخْص لَا يكون وَكيلا عَن غَيره فِي إِزَالَة ملكه وَطَرِيقه فِي ذَلِك أَن يحِيل رب الدّين بِمَالِه على الْمَدِين (و) بِلَا إِذن (أصل) مُسلم وَإِن علا من سَائِر الْجِهَات وَلَو مَعَ وجود الْأَقْرَب وَإِن كَانَ رَقِيقا لِأَن بر الأَصْل فرض عين وَيحرم بِلَا إِذْنه مَعَ الْخَوْف وَإِن قصر مُطلقًا وسفر طَوِيل وَلَو مَعَ الْأَمْن إِلَّا لعذر كالسفر لبيع أَو شِرَاء لما لَا يَتَيَسَّر بَيْعه أَو شِرَاؤُهُ فِي بَلَده أَو يَتَيَسَّر لَكِن يتَوَقَّع زِيَادَة فِي ثمنه من الْبَلَد الَّذِي يُسَافر اليه (لَا) سفر (لتعلم فرض) وَلَو كِفَايَة كصنعة وَطلب دَرَجَة الْفَتْوَى فَلَا يحرم عَلَيْهِ وَإِن لم يَأْذَن أَصله وَالْحَاصِل أَنه لَا يعْتَبر إِذن الأَصْل فِي السّفر لطلب علم شَرْعِي أَو آلَة لَهُ وَلَو كَانَ فرض كِفَايَة أَو أمكن فِي الْبَلَد وَرَجا بِخُرُوجِهِ زِيَادَة فرَاغ أَو إرشاد شيخ أَو نَحْو ذَلِك وَله طلب الْعلم غير الْمُتَعَيّن بعد شُرُوعه فِيهِ وَإِن ظهر انتفاعه بِخِلَاف صَلَاة الْمَيِّت فَإِذا شرع فِيهَا لَا يجوز قطعهَا وَلَا يعْتَبر الْإِذْن فِي السّفر لتِجَارَة وَغَيرهَا حَيْثُ لَا خطر فِيهِ بِخِلَاف مَا فِيهِ خطر عَظِيم كركوب بَحر أَو بادية مخطرة وَإِن غلب الْأَمْن فَيحْتَاج إِلَى إِذن الأَصْل وَاسْتشْكل ذَلِك بِأَن الْجِهَاد فرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 كِفَايَة مَعَ حُرْمَة السّفر لَهُ إِلَّا بِإِذن وَأجِيب بِأَن فِيهِ من الأخطار مَا لَيْسَ فِي غَيره إِذْ هُوَ مَبْنِيّ على المخاوف (وَإِن دخلُوا) أَي الْكفَّار (بَلْدَة لنا) أَو صَار بَينهم وَبَينهَا دون مَسَافَة الْقصر كَانَ خطبا عَظِيما فَيلْزم أَهلهَا الدّفع لَهُم بالممكن من أَي شَيْء أطاقوه وَيكون الْجِهَاد حِينَئِذٍ قد (تعين على أَهلهَا) ثمَّ فِي ذَلِك تَفْصِيل فَإِن أمكن تأهب لِلْقِتَالِ بِأَن لم يهجموا بَغْتَة وَجب الْمُمكن فِي دفعهم على كل مِنْهُم حَتَّى على من لَا يلْزمه الْجِهَاد من فَقير وَولد ومدين وَعبد وَامْرَأَة فِيهَا قُوَّة بِلَا إِذن مِمَّن مر وَيغْتَفر ذَلِك لمثل هَذَا الْخطر الْعَظِيم الَّذِي لَا سَبِيل لإهماله وَإِن لم يُمكن تأهب لهجومهم بَغْتَة فَمن قَصده عَدو دفع عَن نَفسه بالممكن وجوبا إِن علم أَنه إِن أَخذ قتل وَإِن كَانَ مُمكن لاجهاد عَلَيْهِ لِامْتِنَاع الاستسلام لكَافِر وَإِن جوز الْأسر وَالْقَتْل فَلهُ أَن يدْفع وَأَن يستسلم إِن ظن أَنه إِن امْتنع مِنْهُ قتل لِأَن ترك الاستسلام حِينَئِذٍ تَعْجِيل للْقَتْل وَيلْزم الْمَرْأَة الدّفع إِن علمت وُقُوع فَاحِشَة بهَا حَالا بِمَا أمكنها وَإِن أفْضى إِلَى قَتلهَا إِذْ لَا يُبَاح بخوف الْقَتْل أما لَو لم تعلمه حَالا فَيجوز لَهَا الاستسلام ثمَّ إِن أُرِيد مِنْهَا الْفَاحِشَة وَجب عَلَيْهَا الِامْتِنَاع وَالدَّفْع وَإِن أدّى إِلَى قَتلهَا (و) كأهلها (من) هُوَ (دون مَسَافَة قصر مِنْهَا) وَإِن لم يكن من أهل الْجِهَاد فَيجب عَلَيْهِ الْمَجِيء إِلَيْهِم وَإِن كَانَ فيهم كِفَايَة على الْأَصَح مساعدة لَهُم لِأَنَّهُ فِي حكمهم وَكَذَا يلْزم على من فَوق تِلْكَ الْمسَافَة الْمُوَافقَة لأهل ذَلِك الْمحل فِي الدّفع بِقدر الْكِفَايَة إِن لم يكف أَهله وَمن يليهم دفعا عَنْهُم وانقاذا لَهُم وَذَلِكَ حَيْثُ وجدوا زادا وسلاحا ومركوبا وَإِن أطاقوا الْمَشْي (وَحرم) على من كَانَ من أهل فرض الْجِهَاد (انصراف عَن صف) بعد ملاقاة الْعَدو وَإِن غلب على ظَنّه قَتله لَو ثَبت أما إِن قطع بِهِ فَلَا يحرم الِانْصِرَاف (إِذا لم يزِيدُوا) أَي الْكفَّار (على مثلينا) إِلَّا متنقلا عَن مَحَله ليكمن فِي مَوضِع ويهجم أَو لأرفع مِنْهُ أَو أصون مِنْهُ عَن نَحْو ريح أَو شمس أَو عَطش أَو ذَاهِبًا إِلَى فِئَة وَإِن قلت وبعدت من الْمُسلمين ليستنصر بهَا على الْعَدو وَحِكْمَة مصابرة الضعْف أَن الْمُسلم يُقَاتل على إِحْدَى الحسنيين الشَّهَادَة أَو الْفَوْز بِالْغَنِيمَةِ مَعَ الْأجر وَالْكَافِر يُقَاتل على الْفَوْز بالدنيا فَقَط فَإِن زادوا على المثلين جَازَ الِانْصِرَاف مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْمُسلم فِي صف الْقِتَال أم لَا نعم يحرم الِانْصِرَاف إِن قاومناهم وَإِن زداوا على مثلينا بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا على الْمُعْتَمد وَيجوز انصراف مائَة ضعفاء منا عَن مائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين أبطالا من الْكفَّار (ويرق ذَرَارِي كفار) وعبيدهم وَلَو مُسلمين بِأَن أَسْلمُوا وهم فِي أَيدي الْكفَّار (بأسر) أَي يصيرون بِمُجَرَّد الْأسر أرقاء لنا وَيَكُونُونَ كَسَائِر أَمْوَال الْغَنِيمَة الْخمس لأَهله وَالْبَاقِي للغانمين وَالْمرَاد برق العبيد استمراره لَا تجدده وَدخل فِي الذَّرَارِي زَوْجَة الْمُسلم الَّتِي فِي دَار الْحَرْبِيّ وَزَوْجَة الذِّمِّيّ الحربية وَهِي الَّتِي لم تدخل تَحت قدرتنا حِين عقد الذِّمَّة لَهُ والعتيق الصَّغِير أَو الْمَجْنُون الذِّمِّيّ فيرقبون بالأسر كَمَا فِي زَوْجَة من أسلم (ولإمام) أَو أَمِير الْجَيْش بِأَن لم يكن الإِمَام غازيا بِأَن أرسل جَيْشًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وَأمر عَلَيْهِم أَمِيرا (خِيَار فِي) أَسِير (كَامِل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية بِفعل الأحظ وجوبا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين بِاجْتِهَادِهِ لَا بتشهيه (بَين) أَربع خِصَال من (قتل) بِضَرْب الْعُنُق لَا بتحريق وتغريق وتمثيل (وَمن) بتخلية سَبيله بِلَا مُقَابلَة (وَفِدَاء) بأسرى منا رجال أَو نسَاء أَو خناثى أَو من الذميين وَلَو وَاحِدًا فِي مُقَابلَة جمع أَو بِمَال من أَمْوَالهم أَو من أَمْوَالنَا الَّتِي فِي أَيْديهم (واسترقاق) فتخمس رقابهم أَيْضا فَفِي الاسترقاق وَالْفِدَاء حَظّ الْمُسلمين وَفِي الْمَنّ وَالْقَتْل حَظّ الْإِسْلَام فَإِن خَفِي عَلَيْهِ الأحظ حَالا حَبسهم وجوبا حَتَّى يظْهر لَهُ الصَّوَاب بأمارات تعين لَهُ مَا فِيهِ الْمصلحَة وَلَو بالسؤال من الْغَيْر فيفعله (وَإِسْلَام كَافِر) كَامِل أَو بذل الْجِزْيَة (بعد أسر) وَقبل اخْتِيَار الإِمَام فِيهِ منا وَلَا رقا وَلَا فدَاء (يعْصم دَمه) من الْقَتْل لَا مَاله وَزَوجته وَبَقِي الْخِيَار فِي بَاقِي الْخِصَال السَّابِقَة أَو بعد اخْتِيَار الإِمَام خصْلَة غير الْقَتْل تعيّنت وَمحل جَوَاز الْفِدَاء والمن مَعَ إِرَادَته الْإِقَامَة فِي دَار الْكفْر إِذا كَانَ لَهُ ثمَّ عشيرة يَأْمَن مَعهَا على نَفسه وَدينه وَإِلَّا فَلَا يجوز للْإِمَام فداؤه لحُرْمَة الْإِقَامَة بدار الْحَرْب على من لَيْسَ لَهُ مَا ذكر (و) إِسْلَام مُكَلّف أَو بذل الْجِزْيَة (قبله) أَي قبل أسر وَوضع أَيْدِينَا عَلَيْهِ (يعْصم دَمًا) من الْقَتْل وَضرب الرّقّ (ومالا) بِدَارِنَا ودراهم من الْغنم وفرعا حرا صَغِيرا ومجنونا من السَّبي وَيحكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لَهُ وَخرج ضِدّه فَلَا يعصمه إِسْلَام أَبِيه من السَّبي لَا زَوْجَة وَلَو حَامِلا مِنْهُ فَلَا يَعْصِمهَا إِسْلَام الرجل عَن الاسترقاق لاستقلالها فَإِن سبيت انْقَطع نِكَاحه حَالا وَلَو بعد الْوَطْء لزوَال ملكهَا عَن نَفسهَا فَملك الزَّوْج عَنْهَا أولى ولحرمة نِكَاح الْأمة الْكَافِرَة على الْمُسلم ابتداءا ودواما (وَإِذا أرق) أَي كَافِر (وَعَلِيهِ دين) لغير حَرْبِيّ (لم يسْقط) إِذْ لم يُوجد مَا يَقْتَضِي إِسْقَاطه من أَدَاء أَو إِبْرَاء فَيَقْضِي من مَاله إِن غنم بعد إرقاقه وَقد زَالَ ملكه عَنهُ بِالرّقِّ كالموت تَقْدِيمًا للدّين على الْغَنِيمَة كَالْوَصِيَّةِ كَمَا يقْضِي دين الْمُرْتَد وَإِن حكم بِزَوَال ملكه بِالرّدَّةِ أما إِذا لم يكن لَهُ مَال فَيبقى فِي ذمَّته إِلَى عتقه فَيُطَالب بِهِ وَأما إِذا غنم قبل إرقاقه أَو مَعَه فَلَا يقْضِي مِنْهُ لِأَن الْغَانِمين ملكوه إِن قُلْنَا بِملك الْغَنِيمَة بالحيازة أَو تعلق حَقهم بِعَيْنِه فَكَانَ أقوى بِنَاء على القَوْل أَن الْغَنِيمَة إِنَّمَا تملك بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ الرَّاجِح وَاعْلَم أَنه كثر اخْتِلَاف النَّاس فِي السراري والأرقاء المجلوبين وَحَاصِل الْأَصَح عندنَا أَن من لم يعلم كَونه من غنيمَة لم تخمس يحل شِرَاؤُهُ وَسَائِر التَّصَرُّفَات فِيهِ لاحْتِمَال أَن من أسره أَولا وَبَاعه حَرْبِيّ أَو ذمِّي فَإِنَّهُ لَا تخميس عَلَيْهِ وَهَذَا كثير لَا نَادِر فَإِن تحقق أَن آخذه مُسلم بِنَحْوِ سَرقَة أَو اختلاس لم يجز شِرَاؤُهُ إِلَّا على القَوْل الْمَرْجُوح إِنَّه لَا تخميس فالورع لمريد التَّسَرِّي أَن يَشْتَرِي جَارِيَة شِرَاء ثَانِيًا بِثمن ثَان غير الَّذِي اشْترى بِهِ أَولا بِثمن مثلهَا من وَكيل بَيت المَال لِأَن الْغَالِب عدم التخميس واليأس من معرفَة مَالِكهَا فَيكون ملكا لبيت المَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْقَضَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فصل الْخُصُومَة بَين خصمين فَأكْثر بِحكم الله تَعَالَى وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 49 وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَإِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَهَذَا فِي حَاكم عَالم مُجْتَهد أهل للْحكم إِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وإصابته وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر بِاجْتِهَادِهِ فِي طلب الْحق أما من لَيْسَ بِأَهْل للْحكم فَلَا يحل لَهُ أَن يحكم وَإِن حكم فَلَا أجر لَهُ بل هُوَ آثم فَلَا ينفذ حكمه سَوَاء أوافق الْحق أم لَا هَذَا إِذا كَانَ عدم أَهْلِيَّته بِسَبَب عدم معرفَة الْأَحْكَام فَصَارَت أَحْكَامه كلهَا مَرْدُودَة لِأَن إِصَابَته اتفاقية لَيست صادرة عَن دَلِيل شَرْعِي أما إِذا كَانَ عدم الْأَهْلِيَّة بِسَبَب آخر وَكَانَ فِيهِ طرف من معرفَة الْأَحْكَام فَينفذ حكمه إِذا وَافق الْحق وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل عرف الْحق وَقضى بِهِ واللذان فِي النَّار رجل عرف الْحق فجار فِي الحكم وَرجل قضى للنَّاس على جهل فَأطلق الحَدِيث بِأَن من قضى على جهل فَهُوَ فِي النَّار وَلم يفصل بَين مصادفته للحق وَعدمهَا وَالَّذِي يستفيده القَاضِي بِالْولَايَةِ إِظْهَار حكم الشَّرْع وإمضاؤه فِيمَا يرفع إِلَيْهِ بِخِلَاف الْمُفْتِي فَإِنَّهُ مظهر لَا ممض وَمن ثمَّ كَانَ الْقيام بِحقِّهِ أفضل من الافتاء لِأَن فِيهِ الْفتيا وَزِيَادَة تَنْفِيذ الحكم وَهُوَ أَيْضا أفضل من الْجِهَاد (هُوَ) أَي تولي الْقَضَاء (فرض كِفَايَة) بل هُوَ أَعلَى فروض الكفايات وَالْحَاصِل أَن تولي الْقَضَاء تطرأ عَلَيْهِ الْأَحْكَام غير الْإِبَاحَة فَيجب إِذا تعين عَلَيْهِ فِي وَطنه وَمَا حواليه إِلَى مَسَافَة الْعَدْوى دون مَا زَاد وَيجب قبُوله وَطَلَبه وَلَو ببذل مَال زَائِد على مَا يَكْفِيهِ يَوْمه وَلَيْلَته وَإِن حرم أَخذه مِنْهُ فالإعطاء جَائِز وَالْأَخْذ حرَام وَينْدب إِن لم يتَعَيَّن وَكَانَ أفضل من غَيره فَيسنّ لَهُ حِينَئِذٍ طلبه وقبوله وَيكرهُ إِن كَانَ مفضولا وَلم يمْتَنع الْأَفْضَل وَيحرم بعزل صَالح للْقَضَاء وَلَو مفضولا وَتبطل عَدَالَة الطَّالِب ببذل مَال لعزل ذَلِك القَاضِي فَلَا تصح تَوليته والمعزول بِهِ على قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَة لِأَن الْعَزْل بالرشوة حرَام وتولية المرتشى للراشي حرَام قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اسْتعْمل عَاملا على الْمُسلمين وَهُوَ يعلم أَن غَيره أفضل مِنْهُ فقد خَان الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَدخل فِي ذَلِك كل من تولى أمرا من أُمُور الْمُسلمين وَإِن لم يكن ذَلِك شَرْعِيًّا كنصب مَشَايِخ الْأَسْوَاق والبلدان وَنَحْوهمَا أما تَوْلِيَة الإِمَام الْأَعْظَم لأحد الصَّالِحين للْقَضَاء فَفرض عين عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مشتغل بِمَا هُوَ أهم من الْقَضَاء فَوَجَبَ من يقوم بِهِ فَإِن امْتنع الصالحون لَهُ أثموا وأجبر الإِمَام أحدهم وَكَذَا يجب تَوْلِيَة صَالح على قَاضِي الإقليم فِيمَا عجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 عَنهُ وَلَا يجوز إخلاء مَسَافَة الْعَدْوى عَن قَاض أَو خَليفَة لَهُ لِأَن الْإِحْضَار من فَوْقهَا مشق وإيقاع الْقَضَاء بَين المتخاصمين فرض عين على الإِمَام أَو نَائِبه وَلَا يحل لَهُ الدّفع إِذا أفْضى لتعطيل أَو طول نزاع (وَشرط قَاض كَونه أَهلا للشهادات) بِأَن يكون مُسلما مُكَلّفا حرا ذكرا عدلا سميعا بَصيرًا ناطقا (كَافِيا) أَي ناهضا للْقِيَام بِأَمْر الْقَضَاء بِأَن يكون ذَا يقظة تَامَّة وَقُوَّة على تَنْفِيذ الْحق فَلَا يُولى مُغفل ومختل نظر بكبر أَو مرض وجبان ضَعِيف النَّفس (مُجْتَهدا) وَهُوَ الْعَارِف بِأَحْكَام الْكتاب وَالسّنة وبالقياس وبأنواعها كالعام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالنَّص وَالظَّاهِر والناسخ والمنسوخ وكالمتواتر والآحاد والمتصل وَغَيره وكالأولى والمساوي والأدون وبحال الروَاة ضعفا وَقُوَّة وبلسان الْعَرَب لُغَة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال الْعلمَاء اجتماعا واختلافا فَلَا يخالفهم فِي اجْتِهَاده (فَإِن) لم يُوجد رجل متصف بذلك الشَّرْط ف (ولى) سُلْطَان أَو (ذُو شَوْكَة) بِأَن يكون فِي نَاحيَة انْقَطع غوث السُّلْطَان عَنْهَا وَلم يرجِعوا إِلَّا إِلَيْهِ مُسلما (غير أهل) للْقَضَاء كفاسق أَو جَائِر بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة (نفذ) أَي تِلْكَ التَّوْلِيَة وَنفذ قَضَاؤُهُ الْمُوَافق لمذهبه المعتد بِهِ وَإِن زَاد فسقه للضَّرُورَة لِئَلَّا تتعطل مصَالح النَّاس وَلَو ابتلى النَّاس بِولَايَة امْرَأَة أَو عبد أَو أعمى فِيمَا يضبطه نفذ قَضَاؤُهُ للضَّرُورَة لَا كَافِر وَألْحق ابْن عبد السَّلَام الصَّبِي بِالْمَرْأَةِ وَنَحْوهَا (وَيجوز تحكيم اثْنَيْنِ) فَأكْثر (أَهلا لقَضَاء) وَاحِدًا أَو أَكثر فِي غير عُقُوبَة الله تَعَالَى وَلَو مَعَ وجود قَاض أهل إِذا كَانَ الْمُحكم مُجْتَهدا بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن كَذَلِك أَو فِي قَود أَو فِي نِكَاح أما غير الْأَهْل فَلَا يجوز تحكيمه مَعَ وجود القَاضِي وَلَو قَاضِي ضَرُورَة إِلَّا إِذا كَانَ القَاضِي يَأْخُذ مَالا لَهُ وَقع فَيجوز التَّحْكِيم حِينَئِذٍ حَتَّى فِي عقد نِكَاح امْرَأَة لَا ولي لَهَا خَاص وَيجوز التَّحْكِيم فِي ثُبُوت هِلَال رَمَضَان وَينفذ على من رَضِي بِحكمِهِ فَيجب عَلَيْهِ الصَّوْم دون غَيره أما عُقُوبَة الله من حد أَو تَعْزِير فَلَا يجوز التَّحْكِيم فِيهَا إِذْ لَا طَالب لَهَا معِين وَكَذَا لَا يجوز التَّحْكِيم فِي حق الله المالي الَّذِي لَا طَالب لَهُ معِين وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ إِذا كَانَ المستحقون غير مَحْصُورين وَيشْتَرط علم الْمُحكم بِتِلْكَ الْمَسْأَلَة فَقَط وَلَا ينفذ حكمه إِلَّا بِرِضا الْخَصْمَيْنِ قبل الحكم إِن لم يكن أَحدهمَا قَاضِيا وَإِلَّا فَلَا يشْتَرط رضاهما وَلَا بُد من الرِّضَا لفظا فَلَا يَكْفِي السُّكُوت فَلَو حكما اثْنَيْنِ لم ينفذ حكم أَحدهمَا حَتَّى يجتمعا لِأَن التَّوْلِيَة للمحكم إِنَّمَا هِيَ من الْخَصْمَيْنِ ورضاهما مُعْتَبر فَالْحكم من أَحدهمَا دون الآخر حكم بِغَيْر رضَا الْخصم (وينعزل القَاضِي) الَّذِي لم يتَعَيَّن بعدلي شَهَادَة فِي عَزله أَو استفاضة لَا بِإِخْبَار وَاحِد وَلَا بِمُجَرَّد كتاب وَإِن حفت قَرَائِن تبعد تزويره (و) الْأَصَح أَنه يَنْعَزِل (نَائِبه) أَي القَاضِي بانعزاله بِمَوْت أَو غَيره لِأَنَّهُ فَرعه وَالرَّاجِح أَن نَائِبه لَا يَنْعَزِل إِلَّا إِذا بلغه الْعَزْل وَإِن لم يبلغ الأَصْل فينعزل حِينَئِذٍ النَّائِب لَا الأَصْل وَكَذَا لَو بلغ الْعَزْل الأَصْل دون النَّائِب فَإِنَّهُ يَنْعَزِل الأَصْل دون النَّائِب (لَا) من اسْتَخْلَفَهُ القَاضِي بقول الإِمَام الْأَعْظَم اسْتخْلف عني فَلَا يَنْعَزِل بذلك لِأَنَّهُ لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 نَائِبه بل خَليفَة (عَن إِمَام) وَالْقَاضِي وَكيل فِي التَّوْلِيَة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَهُ اسْتخْلف عَن نَفسك أَو أطلق لَهُ الِاسْتِخْلَاف فينعزل بذلك لِأَن الْغَرَض من الِاسْتِخْلَاف المعاونة لَهُ وَقد زَالَت ولَايَته فبطلت المعاونة وَالْمذهب لَا يَنْعَزِل القَاضِي إِلَّا (بِخَبَرِهِ) أَي ببلوغ خبر الْعَزْل إِلَيْهِ لعظم الضَّرَر بِنَقْض الْأَحْكَام وَفَسَاد التَّصَرُّفَات لَو انْعَزل فَلهُ الحكم قبل بُلُوغه ونائبه مثله وَلَو تصرف بعد الْعَزْل وَقبل بُلُوغ الْخَبَر بتزويج من لَا ولي لَهَا مثلا لم يلْزم الزَّوْج بَاطِنا وَلَا ظَاهرا انعزالها وَيجوز للْإِمَام عزل قَاض لم يتَعَيَّن بخلل ظهر مِنْهُ لَا يَقْتَضِي انعزاله ككثرة الشكاوى مِنْهُ أَو ظن أَنه ضَعِيف أَو زَالَت هيبته فِي الْقُلُوب وبأفضل مِنْهُ وَإِن لم يظْهر مِنْهُ خلل رِعَايَة للأصلح للْمُسلمين وبمصلحة كتسكين فتْنَة سَوَاء كَانَ هُنَاكَ مثله أَو دونه وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك حرم عَزله وَلكنه ينفذ مَعَ إِثْم السُّلْطَان وَالْقَاضِي الثَّانِي بذلا لطاعة السُّلْطَان بِخِلَاف القَاضِي فَإِن لَهُ عزل نوابه بِلَا سَبَب بِنَاء على انعزالهم بِمَوْتِهِ أما إِذا تعين بِأَن لم يكن ثمَّ من يصلح للْقَضَاء غَيره فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزله وَلَو عَزله لم يَنْعَزِل هَذَا فِي الْأَمر الْعَام أما الْوَظَائِف الْخَاصَّة كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وَطلب وَنظر وَنَحْوهَا فَلَا تنعزل أَرْبَابهَا بِالْعَزْلِ من غير سَبَب ثمَّ الْعبْرَة فِي السَّبَب الَّذِي يَقْتَضِي الْعَزْل بعقيدة الْحَاكِم وَمحل ذَلِك حَيْثُ لم يكن فِي شَرط الْوَاقِف مَا يَقْتَضِي خلاف ذَلِك بِأَن كَانَ فِيهِ أَن للنَّاظِر الْعَزْل بِلَا جنحة وَلَو كَانَ للْقَاضِي نظر وقف بِشَرْط الْوَاقِف فَأَقَامَ شخصا عَلَيْهِ انْعَزل بانعزاله لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة نَائِبه (و) يَنْعَزِل القَاضِي وَمثله نَائِبه بِأحد أُمُور (عزل نَفسه) فَلهُ ذَلِك كَالْوَكِيلِ وَإِن لم يعلم موليه إِلَّا إِذا تعين للْقَضَاء بِأَن لم يكن ثمَّ من يصلح غَيره فَلَا ينفذ عَزله حِينَئِذٍ وللمستخلف عزل خَلِيفَته وَلَو بِلَا مُوجب وَلَو لوَلِيّ آخر وَلم يتَعَرَّض للْأولِ وَلَا ظن نَحْو مَوته لم يَنْعَزِل على الْمُعْتَمد نعم إِن اطردت الْعَادة بِأَن مثل ذَلِك الْمحل لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَاض وَاحِد تعين الانعزال (وجنون) وإغماء وَلَو لَحْظَة وغفلة ونسيان يحل بالضبط وعمى وصمم وَمرض لَا يُرْجَى زَوَاله وَقد عجز مَعَه عَن الحكم (وَفسق) وَزِيَادَة فسق من لم يعلم موليه بِفِسْقِهِ الْأَصْلِيّ أَو الزَّائِد حَال تَوليته وَلَو زَالَت هَذِه الْأَحْوَال لم تعد ولَايَته إِلَّا بتولية جَدِيدَة وَالْقَاعِدَة أَن كل من لَهُ الْولَايَة إِذا انْعَزل لم تعد ولَايَته إِلَّا بتوليته ثَانِيًا إِلَّا أَرْبَعَة الْأَب وَالْجد والناظر بِشَرْط الْوَاقِف وَمن لَهُ الْحَضَانَة وَنقل عَن بَعضهم أَن الْأَعْمَى إِذا عَاد بَصيرًا عَادَتْ ولَايَته (لَا) يَنْعَزِل (قَاض) غير قَاضِي ضَرُورَة وَلَا قَاضِي ضَرُورَة إِذا لم يُوجد مُجْتَهد صَالح وَلَا من ولَايَته عَامَّة كناظر بَيت المَال والجيش والحسبة والأوقاف (بِمَوْت إِمَام) أعظم وَلَا بانعزاله لعظم الضَّرَر بتعطيل الْحَوَادِث وَمن ثمَّ لَو ولاه للْحكم بَينه وَبَين خَصمه انْعَزل بفراغه مِنْهُ وَلِأَن الإِمَام إِنَّمَا يُولى الْقَضَاء نِيَابَة عَن الْمُسلمين بِخِلَاف تَوْلِيَة القَاضِي لنوابه فَإِنَّهُ عَن نَفسه وَدخل فِي قَاضِي ضَرُورَة الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْأَعْمَى فَلَا يَنْعَزِل وَاحِد مِنْهُم بِمَوْت السُّلْطَان إِن لم يُوجد ثمَّ مُجْتَهد صَالح أما مَعَ وجوده فَإِن رجى تَوليته انْعَزل وَإِلَّا فَلَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي انعزاله (وَلَا يقبل قَول متول) للْقَضَاء (فِي غير مَحل ولَايَته) وَلَو على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 أهل مَحل ولَايَته (حكمت بِكَذَا) إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ لَا يملك الحكم حِينَئِذٍ فَلَا يقبل إِقْرَاره بِهِ سَوَاء قَالَهَا على وَجه الْإِقْرَار أَو الْإِنْشَاء فَقَوله فِي غير مُتَعَلق بقول وَقَوله حكمت مقول القَوْل وَالْمرَاد بِمحل ولَايَته نفس بلد قَضَائِهِ المحوط بالسور وَالْبناء الْمُتَّصِل بهَا (ك) مَا لَا يقبل ذَلِك القَوْل من (مَعْزُول) وَإِن كَانَ انعزاله بالعمى وَمن مُحكم بعد مُفَارقَة مجْلِس حكمه لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لم يقدرا على إنْشَاء الحكم أما لَو أضَاف الْمَعْزُول القَوْل لما قبل الْعَزْل كَقَوْلِه كنت حكمت بِكَذَا فَإِنَّهُ يقبل (وليسو) أَي القَاضِي وجوبا (بَين الْخَصْمَيْنِ) وَإِن وكلاء فِي سَبْعَة أَشْيَاء الأول فِي الْمجْلس بِأَن يجلسهما بَين يَدَيْهِ أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَالْجُلُوس بَين يَدَيْهِ أولى وَكَون الْجُلُوس على الركب أولى وَلَا يرْتَفع الْمُوكل على الْوَكِيل والخصم لَكِن يجب رفع مُسلم على كَافِر فِي مجْلِس وَالثَّانِي فِي اسْتِمَاع كَلَامهمَا لِئَلَّا ينكسر قلب أَحدهمَا وَالثَّالِث فِي نظر لَهما وَالرَّابِع فِي دخولهما عَلَيْهِ فَلَا يَأْذَن لأَحَدهمَا دون الآخر وَالْخَامِس فِي الْقيام لَهما فَلَا يخص أَحدهمَا بِقِيَام إِن علم أَنه فِي خُصُومَة فَإِن لم يعلم إِلَّا بعد قِيَامه لَهُ فإمَّا أَن يعْتَذر لخصمه من ترك الْقيام لَهُ كَأَن يَقُول إِنِّي مَا علمت أَنه جَاءَ فِي خُصُومَة أَو يَقُول قصدت الْقيام لَكمَا وَإِمَّا أَن يقوم لَهُ كقيامه للْأولِ وَهُوَ أولى فَلَو كَانَ أَحدهمَا يسْتَحق الْقيام دون الآخر ترك الْقيام مُحَافظَة على التَّسْوِيَة وَالسَّادِس فِي جَوَاب سَلام مِنْهُمَا إِن سلما مَعًا فَإِن سلم عَلَيْهِ أَحدهمَا انْتظر الآخر حَتَّى يسلم فيجيبهما مَعًا وَإِذا علم عدم السَّلَام من الآخر بالمرة وَجب على القَاضِي أَن يَقُول لَهُ سلم لأجيبكما وَالسَّابِع فِي طلاقة وَجه وَسَائِر أَنْوَاع الْإِكْرَام فَلَا يخص أَحدهمَا بِشَيْء مِنْهَا وَإِن اخْتلف بفضيلة أَو قرَابَة (وَحرم قبُوله) أَي القَاضِي (هَدِيَّة من لَا عَادَة لَهُ) بِتِلْكَ الْهَدِيَّة (قبل ولَايَة) للْقَضَاء أَو لَهُ عَادَة بهَا وَزَاد عَلَيْهَا قدرا أَو صفة (إِن كَانَ) أَي قبُول الْهَدِيَّة (فِي مَحَله) أَي مَحل ولَايَته (و) حرم قبُوله أَيْضا وَلَو فِي غير محلهَا هَدِيَّة (من لَهُ خُصُومَة) عِنْده وَإِن اعتادها قبل ولَايَته لِأَنَّهَا فِي الْأَخِيرَة توجب الْميل إِلَيْهِ وَفِي غَيرهَا سَببهَا الْولَايَة وَحَيْثُ حرمت الْهَدِيَّة لم يملكهَا (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ الْقبُول فِي غير مَحل ولَايَته أَو لم يزدْ الْمهْدي على عَادَته وَلَا خُصُومَة فيهمَا (جَازَ) أَي قبُول هديته وَالْحَاصِل أَنه إِن كَانَ للمهدي خُصُومَة فِي الْحَال أَو غلب على الظَّن وُقُوعهَا عَن قرب امْتنع قبُول الْهَدِيَّة مُطلقًا سَوَاء كَانَ الْمهْدي من أهل عمله أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ لَهُ عَادَة بالهدية أم لَا وَسَوَاء أهْدى لَهُ فِي مَحل ولَايَته أم لَا وَإِن لم يكن لَهُ خُصُومَة وَلَا عَادَة بالهدية امْتنع قبُولهَا أَيْضا سَوَاء أَكَانَ من أهل عمله أم لَا وَإِن كَانَ لَهُ عَادَة بهَا وَزَاد عَلَيْهَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة بعد المنصب أَي وَكَانَ ذَلِك فِي مَحل ولَايَته فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ فَالْمُعْتَمَد إِن تميزت الزِّيَادَة جِنْسا أَو قدرا حرمت الزِّيَادَة وَحدهَا وَإِلَّا حرم الْجَمِيع وَإِن كَانَ لَهُ بهَا عَادَة وَلم يزدْ إِلَّا جِنْسا وَلَا قدرا وَلَا صفة جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 قبُولهَا وَلَا فرق فِي هَذَا التَّفْصِيل بَين الْأَجَانِب وأبعاض القَاضِي على الْمُعْتَمد وَالْأولَى لمن جَازَ لَهُ قبُول الْهَدِيَّة أَن يثيب عَلَيْهَا إِذا قبلهَا أَو يردهَا لمَالِكهَا أَو يَضَعهَا فِي بَيت المَال وَأولى من ذَلِك سد بَاب الْقبُول مُطلقًا حسما للباب والضيافة وَالصَّدَََقَة فرضا أَو نفلا كالهدية وَيجوز لمن حضر ضِيَافَة القَاضِي الْأكل مِنْهَا إِذا قَامَت قرينَة على رضَا الْمَالِك بِأَكْل الْحَاضِرين من ضيافته وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَنَّهُ إِنَّمَا أحضرها للْقَاضِي وَيَأْتِي مثل هَذَا التَّفْصِيل فِي سَائِر الْعمَّال وَمن ذَلِك مَا جرت الْعَادة بِهِ من إِحْضَار طَعَام لشاد الْبَلَد أَو نَحوه من الْمُلْتَزم أَو الْكَاتِب وَالْعَارِية إِن كَانَت مِمَّا يُقَابل بِأُجْرَة كسكنى دَار وركوب دَابَّة فَحكمهَا كالهدية وَإِلَّا فَلَا وَقبُول الرِّشْوَة حرَام وَهِي مَا يبْذل للْقَاضِي ليحكم بِغَيْر الْحق أَو ليمتنع من الحكم بِالْحَقِّ وإعطاؤها كَذَلِك لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة أما لَو رشي ليحكم بِالْحَقِّ جَازَ الدّفع وَإِن كَانَ يحرم على القَاضِي الْأَخْذ على الحكم مُطلقًا أَي سَوَاء أعطي من بَيت المَال أم لَا وَيجوز للْقَاضِي أَخذ الْأُجْرَة على الحكم لِأَنَّهُ شغله عَن الْقيام بِحقِّهِ تَتِمَّة ينْدب قبُول الْهَدِيَّة لغير الْحَاكِم حَيْثُ لَا شُبْهَة قَوِيَّة فِيهَا وَحَيْثُ يظنّ المهدى إِلَيْهِ أَن الْمهْدي أهداه حَيَاء أَو فِي مُقَابل وَإِلَّا لم يجز الْقبُول مُطلقًا فِي الأول وَكَذَا فِي الثَّانِي إِن لم يثبه بِقدر مَا فِي ظَنّه بالقرائن وَيَنْبَغِي للمهدى إِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي الْهَدِيَّة عقب وصولها بِمَا أهديت لأَجله إِظْهَارًا لكَون الْهَدِيَّة فِي مَحل الْقبُول وَأَنَّهَا وَقعت الْموقع ووصلت وَقت الْحَاجة إِلَيْهَا وَإِشَارَة إِلَى تواصل الْمحبَّة بَينه وَبَين المهدى إِلَيْهِ حَتَّى أَن مَا أهداه إِلَيْهِ لَهُ مزية على غَيره مِمَّا هُوَ عِنْده وَإِن كَانَ أَعلَى وأغلى وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك صِيغَة بل يَكْفِي الْبَعْث وَالْأَخْذ (و) إِذا حكم قَاض بِاجْتِهَاد أَو تَقْلِيد ثمَّ بَان حكمه بِمن لَا تقبل شَهَادَته كعبدين بَان أَن لَا حكم فَحِينَئِذٍ (نقض) أَي القَاضِي وَغَيره من الْحُكَّام وجوبا (حكما) تَيَقّن الْخَطَأ فِيهِ أَي أظهر بُطْلَانه بِنَحْوِ قَوْله نقضته أَو أبطلته أَو فسخته كَمَا إِذا بَان الحكم (بِخِلَاف نَص) من كتاب أَو سنة أَو نَص مقلده (أَو إِجْمَاع) وَمثل مُخَالفَة الْإِجْمَاع مَا خَالف شَرط الْوَاقِف أَو خَالف الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أَو خَالف الْقَوَاعِد الْكُلية أَو خَالف الْقيَاس الْجَلِيّ وَهُوَ مَا يعم الأولى والمساوي (أَو) بَان الحكم (بمرجوح) لما نقل الْقَرَافِيّ وَابْن الصّلاح الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز الحكم بِخِلَاف الرَّاجِح فِي الْمذَاهب وَالْمرَاد بِعَدَمِ الْجَوَاز عدم الِاعْتِدَاد بذلك الحكم فَيجب نقضه لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح وَمن تبعه وَينفذ حكم من لَهُ أَهْلِيَّة التَّرْجِيح إِذا رجح قولا وَلَو مرجوحا فِي مذْهبه بِدَلِيل جيد وَلَيْسَ لَهُ أَن يحكم بشاذ أَو غَرِيب فِي مذْهبه إِلَّا أَن ترجح عِنْده وَمِمَّا ينْقض فِيهِ الحكم لمُخَالفَته مَا مر مَا لَو حكم قَاض بِصِحَّة نِكَاح زَوْجَة الْمَفْقُود بعد أَربع سِنِين وَمُدَّة الْعدة أَو بِنَفْي خِيَار الْمجْلس وَنفي بيع الْعَرَايَا وَمنع الْقصاص فِي المثقل وَصِحَّة بيع أم الْوَلَد وَصِحَّة نِكَاح الشّغَار وَنِكَاح الْمُتْعَة وَحُرْمَة الرَّضَاع بعد حَوْلَيْنِ وَقتل مُسلم بذمي وتوريث بَين مُسلم وَكَافِر أَو باستحسان فَاسد استنادا لعادة النَّاس من غير دَلِيل أَو على خلاف الدَّلِيل (وَلَا يقْضِي) أَي لَا يجوز للْقَاضِي الْقَضَاء (بِخِلَاف علمه) أَي ظَنّه الْمُؤَكّد وَإِن قَامَت بِهِ بَيِّنَة وَإِلَّا لَكَانَ قَاطعا بِبُطْلَان حكمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَالْحكم بِالْبَاطِلِ محرم وَذَلِكَ كَمَا إِذا شهد رجلَانِ عِنْده برق من يعلم حُرِّيَّته أَو بِنِكَاح من يعلم بينونتها أَو بِملك من يعلم عدم ملكه وَلَا يجوز لَهُ الْقَضَاء فِي هَذِه الصُّورَة بِعِلْمِهِ لمعارضة الْبَيِّنَة لَهُ مَعَ عدالتها ظَاهرا بل يتَوَقَّف عَن الحكم حَتَّى يظْهر فسق الْبَيِّنَة فَيحكم بِعِلْمِهِ أَو نَحْو ذَلِك كرفع الدَّعْوَى إِلَى حَاكم آخر غَيره وَكَأن علم أَن الْمُدَّعِي أَبْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ وَأقَام بِهِ بَيِّنَة أَو أَن الْمُدعى عَلَيْهِ قَتله وَقَامَت بَيِّنَة بِأَنَّهُ حَيّ فَلَا يقْضى بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا ذكر كَمَا قَالَه الْمحلي (وَيَقْضِي) أَي القَاضِي وَلَو قَاضِي ضَرُورَة (بِعِلْمِهِ) إِن شَاءَ كَأَن رأى الْمُدعى عَلَيْهِ اقْترض من الْمُدَّعِي مَا ادّعى بِهِ أَو سَمعه بِقُرْبِهِ وَأنكر هُوَ ذَلِك فَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ مُصَرحًا بِأَنَّهُ يعلم ذَلِك كَأَن يَقُول علمت أَن لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وقضيت أَو حكمت عَلَيْك بعلمي فَإِن ترك أحد اللَّفْظَيْنِ لم ينفذ حكمه وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل والتقويم قطعا وَكَذَا على من أقرّ بمجلسه أَي وَاسْتمرّ على إِقْرَاره لكنه قَضَاء بِالْإِقْرَارِ دون الْعلم فَإِن أنكر كَانَ قَضَاء بِالْعلمِ وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْقصاص وحد الْقَذْف كَالْمَالِ لِأَنَّهَا حُدُود الْآدَمِيّين بِخِلَاف حُدُود الله تَعَالَى كَحَد زنا ومحاربة أَو سَرقَة أَو شرب وَكَذَا تعازيره فَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ لندب السّتْر فِي أَسبَابهَا ولسقوطها بِالشُّبْهَةِ نعم من ظهر لَهُ مِنْهُ فِي مجْلِس حكمه مَا يُوجب تعزيرا عزره وَإِن كَانَ قَضَاء بِالْعلمِ وَقد يحكم بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى كَمَا إِذا علم من مُكَلّف أَنه أسلم ثمَّ أظهر الرِّدَّة فَيقْضى عَلَيْهِ بِمُوجب ذَلِك وكما إِذا اعْترف فِي مجْلِس الحكم بِمُوجب حد وَلم يرجع عَنهُ فَيقْضى فِيهِ بِعِلْمِهِ وَإِن كَانَ إِقْرَاره سرا وكما إِذا ظهر بِمُوجب الْحَد مِنْهُ فِي مجْلِس الحكم على رُؤُوس الأشهاد كردة وَشرب خمر (وَلَا) يقْضِي القَاضِي مُطلقًا لنَفسِهِ و (لبَعض) من أَصله وفرعه ورقيق كل مِنْهُم وَلَو مكَاتبا وَشريك كل فِي الْمُشْتَرك للتُّهمَةِ فِي ذَلِك وَيَقْضِي لكل مِنْهُم إِذا وَقع لَهُ خُصُومَة إِمَام أَو قَاض آخر مُسْتَقل أَو نَائِب عَن القَاضِي دفعا للتُّهمَةِ (وَلَو رأى) أَي القَاضِي أَو الشَّاهِد (ورقة فِيهَا حكمه) أَو شَهَادَته على شخص بِشَيْء أَو شهد على القَاضِي شَاهِدَانِ أَنَّك حكمت بِكَذَا أَو أخبرا الشَّاهِد أَنَّك شهِدت بِهَذَا (لم يعْمل بِهِ) أَي القَاضِي بذلك الحكم وَلم يشْهد بِتِلْكَ الشَّهَادَة الشَّاهِد أَي لَا يجوز لكل مِنْهُمَا الْعَمَل بذلك فِي إِمْضَاء حكم وَلَا أَدَاء شَهَادَة (حَتَّى يتَذَكَّر) أَي الْمَذْكُور الْوَاقِعَة بتفصيلها وَلَا يَكْفِي تذكره أَن هَذَا خطه فَقَط لِإِمْكَان التزوير ومشابهة الْخط وَالْمَطْلُوب علم الْحَاكِم وَالشَّاهِد وَلم يُوجد (وَله) أَي الشَّخْص (حلف على اسْتِحْقَاق) للحق لَهُ على غَيره أَو أَدَائِهِ لغيره (اعْتِمَادًا على خطّ) نَفسه وَإِن لم يتَذَكَّر وعَلى إِخْبَار عدل وعَلى خطّ مكَاتبه الَّذِي مَاتَ مكَاتبا أَن لَهُ على فلَان كَذَا أَو أَنه أدّى مَا عَلَيْهِ وعَلى خطّ مأذونه ووكيله وشريكه و (مُوَرِثه إِن وثق) بِخَط كل مِنْهُم بِحَيْثُ انْتَفَى عَنهُ احْتِمَال تزويره و (بأمانته) بِأَن علم مِنْهُ عدم التساهل فِي شَيْء من حُقُوق النَّاس اعتضادا بِالْقَرِينَةِ وَضَابِط ذَلِك أَنه لَو وجد مثله بِأَن لزيد عَليّ كَذَا سمحت نَفسه بِدَفْعِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَلم يحلف على نَفْيه وَفَارَقت هَذِه الْيَمين الْقَضَاء وَالشَّهَادَة بِأَن خطرهما عَام بخلافهما لتعلقهما بِنَفسِهِ (وَالْقَضَاء على غَائِب) عَن الْبَلَد أَو الْمجْلس لتوار أَو تعزز (جَائِز) فِي كل شَيْء غير عُقُوبَة لله تَعَالَى (إِن كَانَ لمدع حجَّة وَلم يقل هُوَ) أَي الْغَائِب (مقرّ) بِالْحَقِّ بِأَن قَالَ هُوَ جَاحد لَهُ أَو أطلق لِأَنَّهُ قد يعلم جحوده فِي غيبته وَيحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْحق فتجعل غيبته كسكوته ثمَّ تِلْكَ الْحجَّة إِمَّا علم القَاضِي وَإِمَّا بَيِّنَة وَلَو شَاهدا ويمينا فِيمَا يقْضى فِيهِ بهما وَلَا بُد من يَمِين ثَانِيَة للاستظهار وَنفي المسقطات بعد الْيَمين المكملة للحجة هَذَا فِي الْغَائِب وَكَذَا فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالْمَيِّت أما لَو قَالَ هُوَ مقرّ وَإِنَّمَا أقيم الْبَيِّنَة استظهارا مَخَافَة أَن يُنكر لم تسمع بَينته ولغت دَعْوَاهُ وَكَذَا لَو قَالَ هُوَ مقرّ لكنه مُمْتَنع فَلَا تسمع عِنْد الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْبَيِّنَة مَعَ الْإِقْرَار وَيسْتَثْنى مَا إِذا كَانَ للْغَائِب عين حَاضِرَة فِي عمل الْحَاكِم الَّذِي وَقعت عِنْده الدَّعْوَى وَإِن لم تكن بِبَلَدِهِ وَأَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة على دينه ليوفيه فَتسمع الْبَيِّنَة وَإِن قَالَ هُوَ مقرّ وَيسْتَحب للْقَاضِي نصب مسخر يُنكر عَن الْغَائِب وَمن ألحق بِهِ لتَكون الْحجَّة على إِنْكَار مُنكر وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يوري فِي إِنْكَاره على الْغَائِب وَمن فِي مَعْنَاهُ (وَوَجَب تَحْلِيفه) أَي الْمُدَّعِي يَمِين الِاسْتِظْهَار فِيمَا إِذا لم يكن للْغَائِب وَكيل حَاضر سَوَاء أَكَانَت الدَّعْوَى بدين أم عين أم بِصِحَّة عقد أم إِبْرَاء كَأَن أحَال الْغَائِب على مَدين لَهُ حَاضر فَادّعى إبراءه لاحْتِمَال دَعْوَى أَنه مكره عَلَيْهِ (بعد) إِقَامَة (بَيِّنَة) وتعديلها (أَن الْحق) فِي الصُّورَة الأولى ثَبت (فِي ذمَّته) إِلَى الْآن احْتِيَاطًا للْغَائِب لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَاضرا لربما ادّعى أَدَاء أَو إِبْرَاء وَلَا بُد أَن يَقُول مَعَ ذَلِك وَأَنه يلْزمه تَسْلِيمه إِلَيّ لِأَن الْحق قد يكون عَلَيْهِ وَلَا يلْزمه أَدَاؤُهُ لتأجيل أَو نَحوه وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الدَّعْوَى بِعَين بل يحلف فِيهَا على مَا يَلِيق بهَا كَأَن يَقُول وَالْعين بَاقِيَة تَحت يَده يلْزمه تَسْلِيمهَا إِلَيّ وَكَذَا نَحْو الْإِبْرَاء وَلَا بُد أَن يتَعَرَّض مَعَ الثُّبُوت وَلُزُوم التَّسْلِيم إِلَى أَنه لَا يعلم أَن فِي شُهُوده قادحا فِي الشَّهَادَة مُطلقًا أَو بِالنِّسْبَةِ للْغَائِب كفسق وعداوة وتهمة لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو كَانَ حَاضرا وَطلب تَحْلِيف الْمُدَّعِي على ذَلِك أُجِيب وَلَا يبطل الْحق بِتَأْخِير هَذَا الْيَمين عَن الْيَوْم الَّذِي وَقعت فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا ترتد بِالرَّدِّ بِأَن يردهَا على الْغَائِب وَيُوقف الْأَمر إِلَى حُضُوره أَو يطْلب الإنهاء إِلَى حَاكم بَلَده ليحلفه وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْيَمين لَيست مكملة للحجة وَإِنَّمَا هِيَ شَرط للْحكم وَلَو ثَبت الْحق وَحلف ثمَّ نقل إِلَى حَاكم آخر ليحكم بِهِ لم تجب إِعَادَتهَا أما إِذا كَانَ للْغَائِب وَكيل حَاضر فَإِنَّهُ يتَوَقَّف التَّحْلِيف على طلبه حَيْثُ وَقعت الدَّعْوَى على الْوَكِيل فَإِن وَقعت على الْمُوكل لم يتَوَقَّف على ذَلِك (كَمَا لَو ادّعى) أَي شخص (على صبي) أَو مَجْنُون لَا ولي لَهُ أَو لَهُ ولي وَلم يطْلب فَإِنَّهُ يحلف احيتاطا لمن ذكر وَلَا تتَوَقَّف الْيَمين على طلبه (وميت) لَيْسَ لَهُ وَارِث خَاص حَاضر فَإِن الْمُدَّعِي يحلف لما مر أما من لَهُ وَارِث كَذَلِك كَامِل فَلَا بُد فِي تَحْلِيف خَصمه بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة من طلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 لِأَن الْحق فِي هَذِه يتَعَلَّق بِالتَّرِكَةِ الَّتِي هِيَ للْوَارِث فَتَركه لطلب الْيَمين إِسْقَاط لحقه بِخِلَاف الْوَلِيّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يتَصَرَّف عَن الصَّبِي بِالْمَصْلَحَةِ وَلَو ادّعى قيم لموليه شَيْئا وَأقَام بِهِ بَيِّنَة على قيم شخص آخر وَجب انْتِظَار كَمَال الْمُدعى لَهُ ليحلف ثمَّ يحكم لَهُ (وَإِذا) حكم الْحَاكِم على الْغَائِب أَو الْمَيِّت بِمَال وَقد (ثَبت مَال) عَلَيْهِمَا بالحكم (وَله مَال) حَاضر فِي مَحل عمله أَو دين ثَابت على حَاضر فِي ذَلِك (قَضَاهُ مِنْهُ) بعد طلب الْمُدَّعِي لِأَن الْحَاكِم يقوم مقامهما وَلَا يُطَالِبهُ بكفيل لِأَن الأَصْل بَقَاء المَال وَلَا يُعْطِيهِ بِمُجَرَّد الثُّبُوت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحكم وَلَو بَاعَ قَاض مَال غَائِب فِي دينه فَقدم وأبطل الدّين بِإِثْبَات نَحْو فسق الشَّاهِد بِهِ بَطل البيع (وَإِلَّا) بِأَن لم يكن لَهُ مَال فِي مَحل ولَايَته أَو لم يحكم (فَإِن سَأَلَ الْمُدَّعِي إنهاء الْحَال) فِي ذَلِك (إِلَى قَاضِي بلد الْغَائِب) أَو إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ الْكتاب من الْقُضَاة (أَجَابَهُ) وجوبا وَإِن كَانَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ قَاضِي ضَرُورَة مسارعة لبراءة ذمَّة غَرِيمه ولوصوله إِلَى حَقه (فينهي إِلَيْهِ) أَي ذَلِك القَاضِي (سَماع بَيِّنَة) ثَبت بهَا الْحق ثمَّ إِن عدلها لم يحْتَج الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَى تعديلها وَإِلَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ (ليحكم بهَا) أَي الْبَيِّنَة (ثمَّ يَسْتَوْفِي الْحق أَو) يُنْهِي إِلَيْهِ (حكما) إِن حكم (ليستوفي) المَال لدعاء الْحَاجة إِلَى ذَلِك وَيكْتب فِي إنهاء الحكم قَامَت عِنْدِي حجَّة على فلَان لفُلَان بِكَذَا وحكمت لَهُ بِهِ فاستوف حَقه وَقد يُنْهِي علم نَفسه (والإنهاء أَن يشْهد) أَي القَاضِي الْكَاتِب (عَدْلَيْنِ بذلك) أَي بِمَا جرى عِنْده من ثُبُوت أَو حكم يؤديانه عِنْد القَاضِي الآخر وَيعْتَبر فِيهِ رجلَانِ فَلَا يَكْفِي غَيرهمَا وَلَو فِي مَال أَو هِلَال رَمَضَان وَالْمرَاد بهَا شَاهِدَانِ غير شَاهِدي الْحق أما هما فَلَا يذهبان إِلَى القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَإِنَّمَا اللَّذَان يذهبان شَاهدا الحكم وَيسن مَعَ الْإِشْهَاد أَن يذكر فِي الْكتاب مَا يُمَيّز الْخَصْمَيْنِ الْغَائِب وَذَا الْحق وَيسن خَتمه بعد قِرَاءَته على الشَّاهِدين بِحَضْرَتِهِ وَختم الْكتاب من حَيْثُ هُوَ سنة متبعة وَالْمرَاد بختمه جعل نَحْو شمع عَلَيْهِ بعد طيه ليصونه وَيخْتم عَلَيْهِ بِخَاتمِهِ وَيَقُول أشهدكما أَنِّي كتبت إِلَى فلَان بِمَا سمعتماه ويضعان خطهما فِيهِ وَلَا يَكْفِي أَن يَقُول أشهدكما أَن هَذَا خطي وَأَن مَا فِيهِ حكمي وَيدْفَع للشاهدين نُسْخَة أُخْرَى بِلَا ختم ليطالعاها ويتذكرا عِنْد الْحَاجة ويشهدان عِنْد القَاضِي الآخر على القَاضِي الْكَاتِب بِمَا جرى عِنْده من ثُبُوت أَو حكم إِن أنكر الْخصم الْمحْضر أَن المَال الْمَذْكُور فِيهِ عَلَيْهِ وَلَو خالفاه أَو انمحى أَو ضَاعَ فَالْعِبْرَة بقولهمَا تَنْبِيه صُورَة الْكتاب حضر فلَان وَادّعى على فلَان الْغَائِب الْمُقِيم بِبَلَد كَذَا بدين وحكمت لَهُ بِحجَّة أوجبت الحكم وسألني أَن أكتب إِلَيْك بذلك فأجبته وأشهدت بالحكم شَاهِدين أَو شهد عِنْدِي بِالْحَقِّ شَاهِدَانِ وَيُسمى فِي إنهاء سَماع الْحجَّة من غير حكم شَاهِدي الْحق إِن لم يعدلهما وَإِلَّا فَلهُ ترك تسميتهما أما إنهاء الحكم فَلَا حَاجَة لذكر الْبَيِّنَة الَّتِي أوجبت الحكم لِأَنَّهُ لَا مساغ لشهادة بَيِّنَة الحكم بِهِ قبل تعديلها كَمَا لَا مساغ للْحكم قبل تَعْدِيل بَيِّنَة الْحق وَالْحَاصِل أَن إنهاء الحكم أَو ثُبُوت الْحق من غير حكم لَا بُد فِيهِ من التَّعْدِيل بِخِلَاف إنهاء سَماع الْبَيِّنَة من غير حكم فَتَارَة يكون مَعَه تَعْدِيل وَتارَة لَا فَاحْتَاجَ الْأَمر حِينَئِذٍ إِلَى ذكر الشَّاهِدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الدَّعْوَى والبينات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الدَّعْوَى جمعهَا دعاوى وألفها للتأنيث لِأَنَّهَا بِوَزْن فعلى وَهِي لُغَة الطّلب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَهُم مَا يدعونَ} 36 يس الْآيَة 57 أَي يطْلبُونَ وَشرعا إِخْبَار عَن ثُبُوت حق للمخبر على غَيره عِنْد حَاكم أَو مُحكم أَو سيد أَو ذِي شَوْكَة وَالْبَيِّنَة الشُّهُود سموا بهَا لِأَن بهم يتَبَيَّن الْحق (الْمُدَّعِي من خَالف قَوْله الظَّاهِر) وَهُوَ بَرَاءَة الذِّمَّة فِي دَعْوَى المَال (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من وَافقه) وَلذَلِك جعلت الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا أقوى من الْيَمين الَّتِي جعلت على الْمُنكر لينجبر ضعف جَانب الْمُدَّعِي بِقُوَّة حجَّته وَضعف حجَّة الْمُنكر بِقُوَّة جَانِبه وَقيل الْمُدَّعِي من لَو سكت خلى وَلم يُطَالب بِشَيْء وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من لَا يخلى وَلَا يَكْفِيهِ السُّكُوت فَإِذا طَالب زيد عمرا بِحَق فَأنْكر فزيد يُخَالف قَوْله الظَّاهِر من بَرَاءَة عَمْرو وَلَو سكت ترك وَعَمْرو يُوَافق قَوْله الظَّاهِر وَلَو سكت لم يتْرك فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ وَزيد مُدع على الْقَوْلَيْنِ وَلَا يخْتَلف موجبهما غَالِبا وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالْخُصُومَةِ خَمْسَة أَشْيَاء اثْنَان مِنْهَا فِي جَانب الْمُدَّعِي وهما الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ وَهِي الْيَمين والنكول وَجَوَاب الدَّعْوَى وَهُوَ الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَشرط كل مِنْهُمَا كَونه معينا مَعْصُوما مُكَلّفا أَو سَكرَان وَلَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه فَيَقُول وَولي يسْتَحق تسلمه وتشترط الدَّعْوَى عِنْد حَاكم أَو من فِي مَعْنَاهُ فِي غير مَال سَوَاء كَانَ فِي عُقُوبَة لآدَمِيّ كقصاص وحد قذف أَو فِي غير عُقُوبَة كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْبيع وَغَيرهَا من سَائِر الْعُقُود والفسوخ وَلَا يجوز للْمُسْتَحقّ الِاسْتِقْلَال بذلك لعظم خطره أما المَال فَفِيهِ تَفْصِيل وَهُوَ إِن اسْتحق شخص عينا عِنْد آخر بِملك أَو إِجَارَة أَو وقف أَو وَصِيَّة بِمَنْفَعَة أَو وصاية اشْترط الدَّعْوَى بهَا عِنْد حَاكم إِن خَافَ بأخذها فتْنَة أَي مفْسدَة تُفْضِي إِلَى محرم كأخذ مَاله لَو اطلع عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلهُ أَخذهَا مُسْتقِلّا بِهِ أَي بِدُونِ رفع إِلَى القَاضِي لمَشَقَّة الرّفْع للْقَاضِي والمؤنة أَو اسْتحق دينا حَالا على غير مُمْتَنع من الْأَدَاء طَالبه بِهِ فَلَا يَأْخُذ شَيْئا لَهُ بِغَيْر مُطَالبَة وَلَو أَخذه لم يملكهُ مَا لم يُوجد شَرط التَّقَاصّ وَلَزِمَه رده وَيضمنهُ إِن تلف عِنْده ضَمَان الْمَغْصُوب أَو اسْتحق دينا حَالا على مُنكر أَو على من لَا يقبل إِقْرَاره أَو على مُمْتَنع مقرا كَانَ أَو مُنْكرا وَعجز عَن أَخذه بِحَيْثُ لَا بَيِّنَة لَهُ عَلَيْهِ أَو لَهُ بَيِّنَة وامتنعوا أَو طلبُوا مِنْهُ مَا لَا يلْزمه أَو كَانَ حَاكم محلته جائرا لَا يحكم إِلَّا برشوة وَإِن قلت وَقدر على أَخذ مَاله مِمَّن ذكر جَازَ لَهُ أَخذ جنس حَقه من ذَلِك المَال ظفرا أَي اسْتِيفَاء لحقه بِهِ لعَجزه عَن حَقه إِلَّا بذلك فَإِن كَانَ مثلِيا أَو مُتَقَوّما أَخذ مماثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 من جنسه لَا من غَيره فَإِن لم يُوجد جنس حَقه أَخذ نَقْدا وَلَا يجوز الْعُدُول إِلَى غَيره إِلَّا إِن فقد فَيَأْخُذ غَيره هَذَا إِذا كَانَ الْغَرِيم مُصدقا أَنه ملكه فَلَو كَانَ مُنْكرا كَونه لَهُ لم يجز لَهُ أَخذه قطعا وَإِن كَانَ متصرفا فِيهِ تصرف الْملاك لجَوَاز أَنه مَغْصُوب وتعدى بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَو أَنه وَكيل عَن غَيره وَلَو كَانَ الدّين على مَحْجُور فلس أَو على ميت لم يَأْخُذ إِلَّا قدر حِصَّته بالمضاربة إِن علمهَا وَإِلَّا احتاط فَيَأْخُذ مَا تَيَقّن أَن الْمَأْخُوذ لَا يزِيد على مَا يَخُصُّهُ ثمَّ مثل الدّين الْمَنْفَعَة الْمُتَعَلّقَة بِالذِّمةِ فلمستحقها أَن يَأْخُذ من مَال من هِيَ فِي ذمَّته قدر قِيمَته إِن كَانَ مُمْتَنعا (و) حَيْثُ كَانَ الْأَمر كَمَا ذكر جَازَ (لَهُ) أَي الشَّخْص الْمُسْتَحق (بِلَا فتْنَة) عَلَيْهِ أَو على غَيره وَإِن لم يكن لَهُ بِهِ ارتباط (أَخذ مَاله) أَي حَقه أَو جنس حَقه ظفرا إِذا عجز عَن حَقه أَو غير جنس حَقه وَلَو أمة إِن تعذر جنس حَقه كَمَا مر (من مماطل) اسْتِقْلَالا بذلك الْأَخْذ لما فِي الرّفْع إِلَى الْحَاكِم من الْمَشَقَّة والمؤنة هَذَا كُله فِي حق الْآدَمِيّ أما الزَّكَاة لَو امْتنع الْمَالِك من أَدَائِهَا وظفر المستحقون بجنسها من مَاله فَلَيْسَ لَهُم الْأَخْذ وَإِن انحصروا لتوقف إجزائها على النِّيَّة ثمَّ لمن جَازَ لَهُ الْأَخْذ فعل مَا لَا يصل لِلْمَالِ إِلَّا بِهِ ككسر بَاب ونقب جِدَار وَقطع ثوب لغريمه فَلَا يضمن ذَلِك إِن كَانَ ملكا للْغَرِيم وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم كرهن وَإِجَارَة وَيجوز الِاسْتِعَانَة بذلك لعاجز عَن نَحْو الْكسر بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَه ابْن حجر هَذَا فِي غير صبي وَمَجْنُون وغائب أما هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذ من مَالهم إِن ترَتّب عَلَيْهِ كسر أَو نقب لعذرهم خُصُوصا الْغَائِب وَإِن لم يَتَرَتَّب على الْأَخْذ مَا ذكر أَخذ من مَالهم كغيرهم على الْمُعْتَمد وَلَو لم يجد مَا يَأْخُذهُ بعد الْكسر والنقب ضمن لخطئه فِي فعله وَعدم الْعلم بِحَقِيقَة الْحَال لَا يُنَافِي الضَّمَان فرع يَقع كثيرا فِي الْقرى إِكْرَاه الشاد مثلا أهل قريته على عمل للملتزم المستولي على الْقرْيَة فَالضَّمَان على الشاد لِأَن الْمُلْتَزم لم يكرههُ على إكراههم فَإِن فرض من الْمُلْتَزم إِكْرَاه للشاد فَكل من الشاد والملتزم طَرِيق فِي الضَّمَان وقراره على الْمُلْتَزم فَائِدَة لَو كَانَ لكل من اثْنَيْنِ فِي الآخر دين وَجحد أَحدهمَا فللآخر أَن يجْحَد قدر دينه ليَقَع التَّقَاصّ وَإِن لم يَكُونَا من النُّقُود وَاخْتلف الْجِنْس (ثمَّ إِن كَانَ) أَي الْمَأْخُوذ (جنس حَقه ملكه) بَدَلا عَن حَقه إِن كَانَ بِصفتِهِ أَو بِصفة أدون فَيملكهُ حِينَئِذٍ بِمُجَرَّد الْأَخْذ بنية الظفر من غير صِيغَة تملك إِذْ لَا يجوز لَهُ نِيَّة غَيره كَأَن أَخذه ليَكُون رهنا بِحقِّهِ فَلَا يجوز الْأَخْذ وَإِن كَانَ الْمَأْخُوذ غير جنس حَقه أَو هُوَ لكنه بِصفة أرفع بَاعه مُسْتقِلّا كَمَا يسْتَقلّ بِالْأَخْذِ وَلما فِي الرّفْع من تَضْييع الزَّمَان وَمحل الِاسْتِقْلَال بِالْبيعِ إِن لم يَتَيَسَّر علم القَاضِي بِهِ لعدم علمه وَلَا بَيِّنَة أَو مَعَ أَحدهمَا لكنه يحْتَاج لمؤنة ومشقة وَإِلَّا فَلَا يَبِيع إِلَّا بِإِذن الْحَاكِم وَإِذا بَاعه فليبعه بِنَقْد الْبَلَد وَإِن كَانَ غير جنس حَقه ثمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْجِنْس ثمَّ يتَمَلَّك الْجِنْس بِصِيغَة تملك كَأَن يَقُول تملكت هَذَا عوضا عَن حَقي فَإِن تلف قبل تملكه وَلَو بعد البيع ضمنه وَلَو أخر بَيْعه لتقصير فنقصت قِيمَته ضمن النَّقْص وَلَا يَأْخُذ فَوق حَقه إِن أمكن الِاقْتِصَار على قدر حَقه وَإِن لم يُمكن بِأَن لم يظفر إِلَّا بمتاع تزيد قِيمَته على حَقه أَخذه وَلَا يضمن الزِّيَادَة لعذره وَبَاعَ مِنْهُ بِقدر حَقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 إِن أمكن تجزية وَإِلَّا بَاعَ الْكل وَأخذ من ثمنه قدر حَقه ورد الْبَاقِي بِهِبَة أَو نَحْوهَا بِحَيْثُ لَا يعلم أَنه من تِلْكَ الْجِهَة وَكَذَا لَو أَخذ غير جنس حَقه وَبَاعه وَفضل من ثمنه شَيْء فَيردهُ على خَصمه بِوَجْه من الْوُجُوه (وَشرط للدعوى) أَي لصحتها (بِنَقْد) خَالص أَو مغشوش (أَو دين) مثلي أَو مُتَقَوّم (فكر جنس وَنَوع وَقدر) وَصفَة تُؤثر فِي الْقيمَة كمائة دِرْهَم فضَّة أفرنجية صِحَاح أَو مكسرة أما إِذا لم تُؤثر الصّفة فَلَا يجب ذكرهَا إِلَّا فِي دين السّلم (و) للدعوى (بِعَين) حَاضِرَة بِالْبَلَدِ إحضارها بِمَجْلِس الحكم مثلية أَو مُتَقَومَة تنضبط بِالصِّفَاتِ كحبوب وحيوان وصفهَا بِذكر (صفة) للسلم وجوبا فِي الْمُتَقَوم دون المثلى وَلَا يجب ذكر قيمَة فَإِن لم تنضبط بِالصِّفَاتِ كجوهرة أَو ياقوتة وَجب ذكر الْقيمَة مَعَ جنس وَنَوع ولون اخْتلف وَإِن تلفت الْعين وَهِي مُتَقَومَة وَجب ذكر الْقيمَة مَعَ الْجِنْس دون الصِّفَات بِخِلَاف المثلية فَلَا يجب ذكر الْقيمَة وَيَكْفِي الضَّبْط بِالصِّفَاتِ (و) للدعوى (بعقار) ذكر (جِهَة وحدود) أَرْبَعَة إِذا لم يعلم إِلَّا بهَا (و) للدعوى (بِنِكَاح) فِي الْإِسْلَام وَصفه بِذكر صِحَة و (ولي وشاهدين عدُول) وَذكر رضَا الْمَرْأَة إِن شَرط لكَونهَا غير مجبرة وَذكر إِذن وليه إِن كَانَ سَفِيها وَإِذن سَيّده إِن كَانَ عبدا فَلَا يَكْفِي فِي دَعْوَى النِّكَاح الْإِطْلَاق لِأَن النِّكَاح فِيهِ حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ فاحتيط لَهُ (و) للدعوى (بِعقد مَالِي) كَبيع وَلَو سلما وَهبة وَلَو لأمة ذكر (صِحَّته) وَلَا يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل كَمَا فِي النِّكَاح لِأَنَّهُ دونه فِي الِاحْتِيَاط (وتلغو) أَي الدَّعْوَى (بتناقض كَشَهَادَة خَالَفت) دَعْوَى كَمَا لَو ادّعى ملكا بِسَبَب فَذكر الشَّاهِد ملكا بِسَبَب آخر فَلَا تسمع تِلْكَ الدَّعْوَى وَلَا يطْلب من الْمُدعى عَلَيْهِ جوابها وَلَا تسمع دَعْوَى محَال شرعا كحج فِي شهر رَجَب أَو حسا وَعَادَة كَمثل جبل أحد ذَهَبا أَو فضَّة وَإِنَّمَا لم تصح الدَّعْوَى بذلك لِأَنَّهُ قرب من الْمحَال الْعقلِيّ لبعد وُقُوعه وَتسمع دَعْوَى محَال عَادَة كدعوى على جليل أَنه اُسْتُؤْجِرَ لشيل الزبل فَالْحَاصِل أَن الْمحَال العادي قِسْمَانِ مَا لَا يُمكن وُقُوعه فِي الْعَادة فَلَا تصح الدَّعْوَى بِهِ كَمَا لَو ادّعى قدرا من أرز وَنَحْوه وَكَانَ الشَّخْص لَا يملكهُ عَادَة وَمَا يُمكن فَتَصِح فَيمكن أَن الْجَلِيل يُؤجر نَفسه لشيل الزبل تخلصا من يَمِين وَقعت عَلَيْهِ كَأَن حلف أَنه لَا بُد أَن يفعل ذَلِك ترويضا لنَفسِهِ مثلا (وَمن) أَي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ الَّذِي (قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة) وَحدهَا بِثُبُوت حق (لَيْسَ لَهُ تَحْلِيف الْمُدَّعِي) على اسْتِحْقَاقه مدعاه لِأَنَّهُ كطعن فِي الشُّهُود وَيسْتَثْنى مَا لَو ادّعى الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة مسْقطًا للْمُدَّعِي كأداء لَهُ أَو إِبْرَاء مِنْهُ أَو شِرَائِهِ مِنْهُ فَيحلف مدعي نَحْو الْأَدَاء مُقيم الْبَيِّنَة على نفي الْأَدَاء وَمَا بعده لاحْتِمَاله هَذَا إِذا ادّعى حُدُوث شَيْء من ذَلِك قبل قيام الْبَيِّنَة وَالْحكم بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ذَلِك بعد الحكم فَلَا يحلفهُ لثُبُوت الْحق على خَصمه بالحكم وَيسْتَثْنى أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مَا لَو قَامَت بَيِّنَة بإعسار الْمَدِين فللدائن تَحْلِيفه لجَوَاز أَن يكون لَهُ مَال بَاطِن وَمَا لَو شهِدت لَهُ بَيِّنَة بِعَين فَقَالَ الشُّهُود لَا نعلمهُ بَاعَ وَلَا وهب فلخصمه تَحْلِيفه أَنَّهَا مَا خرجت عَن ملكه بِوَجْه وَخرج بِالْبَيِّنَةِ وَحدهَا الشَّاهِد وَالْيَمِين وَالْبَيِّنَة مَعَ يَمِين الِاسْتِظْهَار وَذَلِكَ بِلَا حلف الْمُدَّعِي قبل ذَلِك إِمَّا مَعَ شَاهده أَو مَعَ يَمِين الِاسْتِظْهَار فَلَا يحلف بعد هَذِه الدَّعْوَى على نفي مَا ادَّعَاهُ الْخصم لِأَنَّهُ قد تعرض فِي يَمِينه لاستحقاقه الْحق وَلَا تسمع دَعْوَى إِبْرَاء من الدَّعْوَى لِأَنَّهُ بَاطِل (وأمهل) أَي القَاضِي وجوبا من قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بكفيل أَو بالترسيم عَلَيْهِ إِن خيف هربه إِذا طلب الْإِمْهَال (ثَلَاثَة) من الْأَيَّام (ل) أجل الْإِتْيَان ب (دَافع) من نَحْو أَدَاء أَو إِبْرَاء وَذَلِكَ بعد تَفْسِيره الدَّافِع وَمكن من سفر ليحضره إِن لم تزد الْمدَّة على الثَّلَاث فَإِنَّهَا مُدَّة قريبَة لَا يعظم الضَّرَر فِيهَا وَلَو أحضر بعد الْإِمْهَال فِي ذَلِك شُهُود الدَّافِع أَو شَاهدا وَاحِدًا أمْهل ثَلَاثَة أُخْرَى للتَّعْلِيل أَو التَّكْمِيل وَلَو عين جِهَة وَلم يَأْتِ بِبَيِّنَة ثمَّ ادّعى أُخْرَى عِنْد انْقِضَاء مُدَّة المهلة واستمهل لَهَا لم يُمْهل أَو أثناءها أمْهل بقيتها فَقَط (وَلَو ادّعى رق بَالغ) مَجْهُول نسب وَلَو سَكرَان (فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة) وَهُوَ رشيد وَلم يسْبق إِقْرَاره بِالْملكِ (حلف) فَيصدق وَإِن تداولته الْأَيْدِي بِالْبيعِ وَغَيره لموافقته الأَصْل وَهُوَ الْحُرِّيَّة وَمن ثمَّ قدمت بَيِّنَة الرّقّ على بَيِّنَة الْحُرِّيَّة لِأَن مَعَ الأولى زِيَادَة علم بنقلها عَن الأَصْل أما لَو قَالَ أعتقتني أَو أعتقني الَّذِي بَاعَنِي مِنْك فَلَا يصدق بِغَيْر بَيِّنَة وَإِذا ثبتَتْ حُرِّيَّته الْأَصْلِيَّة بقوله رَجَعَ مُشْتَرِيه على بَائِعه بِالثّمن وَإِن أقرّ لَهُ بِالْملكِ لبنائه على ظَاهر الْيَد (أَو) ادّعى رق (صبي) أَو نَحوه (لَيْسَ فِي يَده لم يصدق إِلَّا بِحجَّة) عَن شُهُود أَو علم قَاض أَو يَمِين مردوة لِأَن الأَصْل عدم الْملك نعم لَو كَانَ بيد غَيره وَصدقه الْغَيْر كفى تَصْدِيقه مَعَ تَحْلِيف الْمُدَّعِي كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ وَجَهل لقطه فَيحلف وَيحكم لَهُ برق لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَاله وَلَا يضر إِنْكَاره بعد بُلُوغه لِأَن الْيَد حجَّة وَإِنَّمَا حلف لخطر شَأْن الْحُرِّيَّة فَإِن علم لقطه لم يصدق إِلَّا بِحجَّة لِأَن اللَّقِيط مَحْكُوم بحريَّته ظَاهرا بِخِلَاف غَيره تَنْبِيه من شُرُوط الدَّعْوَى أَن لَا ينافيها دَعْوَى أُخْرَى وَأَن لَا يكذب أَصله فَلَو ثَبت إِقْرَار رجل بِأَنَّهُ عباسي فَادّعى وَلَده أَنه حسني لم تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته والشروط الثَّلَاثَة الْمَعْلُومَة مِمَّا سبق وَهِي الْعلم والإلزام وَعدم المناقضة مُعْتَبرَة فِي كل دَعْوَى وَيزِيد عَلَيْهَا فِي الدَّعْوَى على من لَا يحلف وَلَا يقبل إِقْرَاره ولي بَيِّنَة أُرِيد أَن أقيمها فَلَو طلق امْرَأَة ثمَّ نكحت آخر فَادّعى أَنه نَكَحَهَا فِي عدته لم تسمع دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُول ولي بَيِّنَة أُرِيد أَن أقيمها على أَنِّي طَلقتهَا يَوْم كَذَا فَلم تنقض عدتي وَفِي الدَّعْوَى لعين بِنَحْوِ بيع أَو هبة على من هِيَ بِيَدِهِ واشتريتها أَو اتهبتها من فلَان وَكَانَ يملكهَا أَو وسلميها لِأَن الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يتَصَرَّف فِيمَا يملكهُ وَفِي الدَّعْوَى على الْوَارِث بدين وَمَات الْمَدِين وَخلف تَرِكَة تفي بِالدّينِ أَو بِكَذَا مِنْهُ وَهِي بيد هَذَا وَهُوَ يعلم الدّين أَي أَو لي بِهِ بَيِّنَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 فصل فِي جَوَاب الدَّعْوَى من الْمُدعى عَلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بِالْجَوَابِ (إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ) حَقِيقَة أَو حكما (ثَبت الْحق) بِالْإِقْرَارِ من غير حكم لوضوح دلَالَته بِخِلَاف الْبَيِّنَة وَمن ثمَّ لَو كَانَت صُورَة الْإِقْرَار مُخْتَلفا فِيهَا احْتِيجَ للْحكم (وَإِن سكت عَن الْجَواب أمره القَاضِي) جَوَازًا (بِهِ) أَي الْجَواب وَإِن لم يسْأَله الْمُدَّعِي لِأَن الْمَقْصُود فصل الْخُصُومَة وَبِذَلِك تنفصل (فَإِن سكت) أَي أصر الْمُدعى عَلَيْهِ على سُكُوته عَن جَوَاب الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وَهُوَ عَارِف أَو جَاهِل فنبه وَلم يتَنَبَّه (فكمنكر) فَيَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي احْلِف بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يحلف الْمُدَّعِي وَلَا يُمكن السَّاكِت من الْحلف لَو أَرَادَهُ إِلَّا برضى الْمُدَّعِي وَينْدب لَهُ تَكْرِير أجبه ثَلَاثًا نعم إِن غلب على ظَنّه أَن سُكُوته لنَحْو دهشة أَو غباوة وَجب إِعْلَامه بِالْحَال بِأَن يَقُول لَهُ إِذا أطلت السُّكُوت حكمت بنكولك وقضيت عَلَيْك (فَإِن سكت) أَي أصر على السُّكُوت (فناكل) فَيرد القَاضِي الْيَمين على الْمُدَّعِي فَلَو حلف قبل ردهَا من القَاضِي لغت مَا لم يحكم بنكول الْخصم وَإِلَّا فَلَا تتَوَقَّف على رد القَاضِي فَيحلف الْمُدَّعِي إِن اخْتَار ذَلِك وَيسْتَحق الْمُدَّعِي بِهِ بفراغ الْيَمين من غير توقف على حكم لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يتَوَقَّف على حكم لَا بنكول خَصمه وَيبين القَاضِي وجوبا وَقيل ندبا حكم النّكُول للجاهل بِهِ بِأَن يَقُول لَهُ إِن نكلت عَن الْيَمين حلف الْمُدَّعِي وَأخذ مِنْك الْحق وللخصم بعد نُكُوله الْعود إِلَى الْحلف مَا لم يحكم بِنُكُولِهِ حَقِيقَة بِأَن حكم القَاضِي بِنُكُولِهِ كَقَوْلِه حكمت بِنُكُولِهِ أَو جعلته ناكلا أَو تَنْزِيلا كَقَوْل القَاضِي للْمُدَّعِي احْلِف فَإِنَّهُ نَازل منزلَة الحكم بنكول الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعود إِلَيْهِ إِلَّا بِرِضا الْمُدَّعِي وَإِذا نكل ثَانِيًا لم يحلف الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ أسقط حَقه بِرِضَاهُ بِحلف خَصمه (فَإِن ادّعى) عَلَيْهِ (عشرَة) مثلا (لم يكف) فِي الْجَواب (لَا تلزمني) أَي تِلْكَ الْعشْرَة (حَتَّى يَقُول وَلَا بَعْضهَا وَكَذَا يحلف) إِن تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِ لِأَن مدعي الْعشْرَة مُدع لكل جُزْء مِنْهَا فَاشْترط مُطَابقَة الْإِنْكَار وَالْيَمِين دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا يطابقانها إِن نفى كل جُزْء مِنْهَا فَإِن حلف على نفي الْعشْرَة فَقَط فناكل عَمَّا دون الْعشْرَة فَيحلف الْمُدَّعِي على اسْتِحْقَاقه بِجُزْء وَإِن قل بِلَا تَجْدِيد دَعْوَى وَيَأْخُذهُ نعم لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مُسْندًا إِلَى عقد كَأَن ادَّعَت نِكَاحا بِخَمْسِينَ كَفاهُ نفى العقد بهَا وَالْحلف عَلَيْهِ فَإِن نكل لم تحلف هِيَ على الْبَعْض لِأَنَّهُ يُنَاقض مَا ادَّعَتْهُ أَولا وَهُوَ النِّكَاح بالخمسين فَيجب مهر الْمثل (أَو) ادّعى عَلَيْهِ شخص (مَالا) فَأنْكر وَطلب مِنْهُ الْيَمين فَقَالَ لَا أَحْلف وَأعْطى المَال لم يلْزمه قبُوله من غير إِقْرَار من الْمُدعى عَلَيْهِ بل يجوز وللمدعي تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يَدعِي عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 بِمَا دَفعه بعد وَكَذَا لَو نكل عَن الْيَمين وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يحلف يَمِين الرَّد فَقَالَ خَصمه أَنا أبذل المَال بِلَا يَمِين فَيلْزمهُ الْحَاكِم بِأَن يقر وَإِلَّا حلف الْمُدَّعِي أَو ادّعى عَلَيْهِ مَالا (مُضَافا لسَبَب كأقرضتك) كَذَا (كَفاهُ) فِي الْجَواب (لَا تسْتَحقّ) أَنْت (عَليّ شَيْئا) أَو لَا يلْزَمنِي تَسْلِيم شَيْء إِلَيْك وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض لنفي السَّبَب فَإِن تعرض لنفيه جَازَ لِأَن الْمُدَّعِي قد يكون صَادِقا ويعرض مَا يسْقط الْمُدَّعِي بِهِ من نَحْو أَدَاء أَو إِبْرَاء أَو إعسار وَلَو اعْترف بِهِ وَادّعى مسْقطًا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ وَقد يعجز عَنْهَا فدعَتْ الْحَاجة إِلَى قبُول الْجَواب نعم لَو ادّعى عَلَيْهِ وَدِيعَة لم يكفه فِي الْجَواب لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم إِذْ لَا يلْزمه التَّسْلِيم وَإِنَّمَا يلْزمه التَّخْلِيَة فَالْجَوَاب الصَّحِيح لَا تسْتَحقّ عَليّ شَيْئا أَو يُنكر الْإِيدَاع أَو يَقُول هَلَكت الْوَدِيعَة أَو رَددتهَا وَحلف على حسب جَوَابه هَذَا ليطابق الْحلف الْجَواب فَإِن أجَاب بِنَفْي السَّبَب الْمَذْكُور بِأَن قَالَ مَا أقرضتني أَو مَا بِعْت لي أَو مَا غصبت حلف عَلَيْهِ أَو بِالْإِطْلَاقِ فَكَذَلِك ليطابق الْيَمين الْإِنْكَار وَاعْلَم أَن النّكُول يحصل بِأُمُور مِنْهَا أَن يَقُول بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ أَنا ناكل أَو يَقُول لَهُ القَاضِي احْلِف فَيَقُول لَا أَحْلف أَو لَا فَقَط وَمِنْهَا أَن يَقُول لَهُ قل بِاللَّه فَيَقُول بالرحمن وَهَذَا فِيمَن ظهر فِيهِ الْجَهْل بِأَن يصر عَلَيْهِ بعد تَعْرِيفه بِوُجُوب امْتِثَال أَمر الْحَاكِم وَمِنْهَا الِامْتِنَاع من تَغْلِيظ الْيَمين وَمِنْهَا السُّكُوت لَا لدهشة وغباوة بعد قَول القَاضِي لَهُ احْلِف كَمَا قَالَ المُصَنّف (وَلَو أصر الْمُدعى عَلَيْهِ على سكُوت عَن جَوَاب) للدعوى الصَّحِيحَة بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ لَا نَحْو دهشة (فناكل) إِن حكم القَاضِي بِنُكُولِهِ بِأَن يَقُول لَهُ جعلتك ناكلا أَو نكلتك بتَشْديد الْكَاف لامتناعه وَلَا يصير هُنَا ناكلا من غير حكم أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من طلب تَحْلِيف الْمُدَّعِي لِأَن مَا صدر عَن السَّاكِت لَيْسَ صَرِيح نُكُول وَيسن للْقَاضِي عرض الْيَمين عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَالْعرض من القَاضِي على السَّاكِت آكِد وَلَو ظهر مِنْهُ جهل حكم النّكُول وَجب عَلَيْهِ تَعْرِيفه بِأَن يَقُول لَهُ إِن نكولك يُوجب حلف الْمُدَّعِي وَأَنه لَا تسمع بينتك بعده بأَدَاء أَو نَحوه فَإِن حكم عَلَيْهِ وَلم يعرفهُ نفذ وأثم بِعَدَمِ تَعْلِيمه لِأَنَّهُ المقصر بِعَدَمِ تعلمه حكم النّكُول وَقَول القَاضِي للْمُدَّعِي بعد امْتنَاع الْمُدعى عَلَيْهِ من الْحلف أَو بعد سُكُوته احْلِف وإقباله عَلَيْهِ ليحلفه وَإِن لم يقل لَهُ احْلِف نازلان منزلَة قَوْله حكمت بِنُكُولِهِ فَلَيْسَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يحلف إِلَّا إِن رَضِي الْمُدَّعِي (وَإِذا ادّعَيَا) أَي كل من اثْنَيْنِ (شَيْئا فِي يَد ثَالِث) أَي غير هذَيْن الِاثْنَيْنِ لم ينْسبهُ إِلَى أَحدهمَا قبل الْبَيِّنَة وَلَا بعْدهَا (وَأَقَامَا) أَي كل مِنْهُمَا (بَيِّنَة) بذلك الشَّيْء (سقطتا) أَي الْبَيِّنَتَانِ إِذا تساوتا تَارِيخا وعددا لتعارضهما وَلَا مُرَجّح فأشبهتا الدَّلِيلَيْنِ إِذا تَعَارضا بِلَا تَرْجِيح وَحِينَئِذٍ فَيحلف لكل مِنْهُمَا يَمِينا فَإِن أقرّ ذُو الْيَد لأَحَدهمَا قبل الْبَيِّنَة أَو بعْدهَا رجحت بَينته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَلَو زَاد بعض حاضري مجْلِس قبل صفة مثلا إِلَّا إِن احتفت الْقَرَائِن الظَّاهِرَة على أَن الْبَقِيَّة ضابطون لَهُ من أَوله إِلَى آخِره فَقَالُوا لم نسمعها مَعَ الإصغاء إِلَى جَمِيع مَا وَقع وَكَانَ مثلهم لَا ينْسب للغفلة فِي ذَلِك فَحِينَئِذٍ يَقع التَّعَارُض لِأَن النَّفْي المحصور يُعَارض الْإِثْبَات الجزئي (أَو) ادّعى كل من اثْنَيْنِ شَيْئا (بيدهما) أَو لَا بيد أحد كعقار أَو مَتَاع ملقى فِي طَرِيق وَلَيْسَ المدعيان عِنْده وَثمّ بَيِّنَة لكل مِنْهُمَا (فَهُوَ) أَي الشَّيْء الْمُدعى بِهِ (لَهما) أَي بِالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَة لَا بِالْيَدِ السَّابِقَة على إِقَامَة الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلَّا لتحالفا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِهِ من الآخر وَالْفرق بَين الْبَيِّنَة الْقَائِمَة وَالْيَد السَّابِقَة هُوَ الْحَاجة إِلَى الْحلف فِي الثَّانِي لَا فِي الأول (أَو بيد أَحدهمَا) تَصرفا أَو إمساكا وَيُسمى الدَّاخِل (قدمت) من غير يَمِين (بَينته) وَإِن تَأَخّر تاريخها أَو كَانَت شَاهدا ويمينا وَبَيِّنَة الْخَارِج شَاهِدين أَو لم تبين سَبَب الْملك من شِرَاء أَو غَيره وَلَو أزيلت يَده بِبَيِّنَة وأسندت بَينته الْملك إِلَى مَا قبل إِزَالَة يَده تَرْجِيحا لبينته بِيَدِهِ الْحكمِيَّة والحسية مَا لم يكن مَعَ بَيِّنَة الْخَارِج زِيَادَة علم كَمَا لَو قَالَ الْخَارِج هُوَ ملكي اشْتَرَيْته مِنْك أَو اكتريته مني فَقَالَ الدَّاخِل هُوَ ملكي وَأَقَامَا بينتين بِمَا قَالَاه رجح الْخَارِج لزِيَادَة علم بَينته بِمَا ذكر وَمحله إِذا لم يسند انْتِقَال الْملك عَن شخص وَاحِد وَإِلَّا قدمت بَيِّنَة الْخَارِج إِن كَانَت أسبق تَارِيخا وَمحل تَرْجِيح بَيِّنَة الدَّاخِل (إِن أَقَامَهَا بعد بَيِّنَة الْخَارِج) وَلَو قبل تعديلها بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَهَا قبلهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسمع بعْدهَا لِأَن الأَصْل فِي جَانِبه الْيَمين لِأَنَّهُ مدعى عَلَيْهِ فَلَا يعدل عَنْهَا مَا دَامَت كَافِيَة وَهِي كَافِيَة مَا دَامَ الْخَارِج لم يقم بَيِّنَة وَلَو قَامَت بَيِّنَة بِالرّقِّ وَبَيِّنَة بِالْحُرِّيَّةِ قدمت بَيِّنَة الرّقّ لِأَن مَعهَا زِيَادَة علم لِأَنَّهَا ناقلة وَبَيِّنَة الْحُرِّيَّة مستصحبة وَلَو ادّعَيَا لقيطا بيد أَحدهمَا وَأقَام كل بَيِّنَة اسْتَويَا لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَحت الْيَد (وترجح بتاريخ سَابق) كَأَن شهِدت بَيِّنَة لوَاحِد بِملك من سنة إِلَى الْآن وَبَيِّنَة أُخْرَى لآخر بِملك بِأَكْثَرَ من سنة إِلَى الْآن وَالْعين بيدهما أَو بيد غَيرهمَا أَو لَا بيد أحد وَإِنَّمَا رجحت بَيِّنَة ذِي أَكثر المدتين وَهِي الأسبق تَارِيخا لعدم الْمُعَارضَة فِي الزَّائِد على الْأُخْرَى بل تعَارض فِي السّنة الْمُتَأَخِّرَة وَإِذا تَعَارضا فِيهَا تساقطا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فيستصحب الْملك السَّابِق وَلِصَاحِب التَّارِيخ السَّابِق أُجْرَة وَزِيَادَة حَادِثَة من يَوْم ملكه بِسَبَب الشَّهَادَة وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي أرخت بِهِ الْبَيِّنَة لَا من وَقت الحكم فَقَط لِأَنَّهُمَا ثَمَرَة ملكه نعم لَو كَانَت الْعين بيد الزَّوْج أَو البَائِع قبل الْقَبْض لم يلْزمه أُجْرَة أما لَو كَانَت الْعين بيد أَحدهمَا رجحت بَينته وَإِن كَانَت شَاهدا ويمينا أَو تَأَخّر تاريخها لِأَن الْبَيِّنَتَيْنِ متساويتان فِي إِثْبَات الْملك فِي الْحَال فيتساقطان فِيهِ وَتبقى الْيَد فِي مُقَابلَة الْملك السَّابِق وَهِي أقوى من الشَّهَادَة على الْملك السَّابِق بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تزَال بهَا (و) يرجح (بِشَاهِدين) وبشاهد وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة فِيمَا يثبت بشهادتين (على شَاهد مَعَ يَمِين) للْآخر فِي غير بَيِّنَة الدَّاخِل بل ترجح مُطلقًا على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ذكر وَيُمكن تَصْوِير ذَلِك بِمَا لَو حصل التَّنَازُع بَينهمَا فِي عيب تَحت الثِّيَاب فِي أمة يُؤَدِّي إِلَى المَال أَو فِي حرَّة لتبعيض الْمهْر مثلا (لَا بِزِيَادَة شُهُود) صفة أَو عددا لأَحَدهمَا مَا لم يبلغُوا عدد التَّوَاتُر وَإِلَّا فيرجح لإِفَادَة الْعلم الضَّرُورِيّ حِينَئِذٍ وَكَذَا لَا ترجح بَيِّنَة وقف على بَيِّنَة ملك وَلَا بَيِّنَة انْضَمَّ إِلَيْهَا حكم بِالْملكِ على بَيِّنَة بِلَا حكم وَلَا برجلَيْن على رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا على أَربع نسْوَة لكَمَال الْحجَّة فِي الطَّرفَيْنِ (وَلَا) بَيِّنَة (مؤرخة على) بَيِّنَة (مُطلقَة) لِأَن المؤرخة وَإِن اقْتَضَت الْملك قبل الْحَال فالمطلقة لَا تنفيه وَلِأَن مُجَرّد التَّارِيخ لَيْسَ بمرجح لاحْتِمَال أَن الْمُطلقَة لَو فسرت فسرت بِمَا هُوَ أَكثر من الأولى نعم لَو شهِدت إِحْدَاهمَا بدين وَالْأُخْرَى بإبراء من قدره رجحت بَيِّنَة الْإِبْرَاء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بعد الْوُجُوب وَالْأَصْل عدم تعدد الدّين بِخِلَاف مَا لَو أثبت على زيد إِقْرَارا بدين فَأثْبت زيد إِقْرَار الْمُدَّعِي بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقه عَلَيْهِ شَيْئا فَإِن إِقْرَار الْمُدَّعِي لَا يُؤثر فِي الْإِقْرَار لاحْتِمَال حُدُوث الدّين بعد وَلِأَن الثُّبُوت لَا يرْتَفع بِالنَّفْيِ الْمُحْتَمل (وَلَو ادّعَيَا) أَي كل من اثْنَيْنِ (شَيْئا بيد ثَالِث) فَإِن أقرّ بِهِ لأَحَدهمَا سلم لَهُ وَللْآخر تَحْلِيفه إِذْ لَو أقرّ بِهِ لَهُ أَيْضا غرم لَهُ بدله وَإِن أنكر مَا ادعياه وَلَا بَيِّنَة حلف لكل مِنْهُمَا يَمِينا وَترك فِي يَده (و) إِن ادّعى كل من اثْنَيْنِ على ثَالِث بِيَدِهِ شَيْء أنكرهما ثمَّ (أَقَامَ كل) مِنْهُمَا (بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهُ) مِنْهُ وَهُوَ يملكهُ وَسلمهُ ثمنه (فَإِن اخْتلف تاريخهما حكم للأسبق) مِنْهُمَا تَارِيخا لِأَن مَعهَا زِيَادَة علم وَلِأَن الثَّانِي اشْتَرَاهُ من الثَّالِث بعد زَوَال ملكه عَنهُ وَلَا نظر لاحْتِمَال عوده إِلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر (وَإِلَّا) بِأَن اتَّحد تاريخهما أَو أطلقتا التَّارِيخ أَو إِحْدَاهمَا (سقطتا) لِاسْتِحَالَة أعمالهما وَصَارَ كَأَن لَا بَيِّنَة فَيحلف الثَّالِث لكل مِنْهُمَا يَمِينا أَنه مَا بَاعه وَلَا تعَارض فِي الثمنين فيلزمانه أَي يرجع كل مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِالثّمن لثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ (وَلَو ادعوا مَالا لمورثهم) الَّذِي مَاتَ (وَأَقَامُوا شَاهدا) بذلك المَال (وَحلف بَعضهم) أَي المدعين على أَن الْمُدعى بِهِ لمورثهم (أَخذ) أَي ذَلِك الْبَعْض (نصِيبه وَلَا يُشَارك فِيهِ) أَي نصيب الْبَعْض على من لم يحلف فصل فِي بَيَان قدر النّصاب فِي الشُّهُود الْمُخْتَلف باخْتلَاف الْمَشْهُود بِهِ وَفِي بَيَان شروطهم (الشَّهَادَة) بِحَسب مَا تقبل فِيهِ وَهُوَ الْمَشْهُود بِهِ سَبْعَة أَنْوَاع لِأَنَّهُ إِمَّا حق الله تَعَالَى وَإِمَّا حق الْآدَمِيّ فَحق الله على ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا يقْصد بِهِ الْعِبَادَة فَيَكْفِي (لرمضان) أَي لرؤية هِلَال رَمَضَان بِالنِّسْبَةِ للصَّوْم وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 ألحق بِهِ ولشوال بِالنِّسْبَةِ للْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَلِذِي الْحجَّة بِالنِّسْبَةِ للوقوف (رجل) وَاحِد (و) الثَّانِي مَا لَا يقبل فِيهِ أقل من أَرْبَعَة رجال فَيشْتَرط (لزنا) ولواط وإتيان بَهِيمَة وميتة (أَرْبَعَة) لَا بُد أَن يَقُولُوا رَأَيْنَاهُ أَدخل حشفته فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا وَلَا بُد من ذكر الْمَرْأَة المزنى بهَا وَأما مَكَان الزِّنَا وزمانه فَلَا يشْتَرط ذكرهمَا حَيْثُ لم يذكرهما أحد وَإِلَّا وَجب سُؤال باقيهم لاحْتِمَال وُقُوع تنَاقض يسْقط شَهَادَتهم وَالثَّالِث مَا يقبل فِيهِ رجلَانِ وَهُوَ أَسبَاب الْحُدُود سَوَاء أَكَانَ الْحَد قتلا للمرتد أَو لقاطع الطَّرِيق إِن قتل مكافئا لَهُ أم قطعا فِي سَرقَة أَو فِي قطع الطَّرِيق أم جلدا لشارب خمر وَلَا تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى النِّسَاء أصلا (و) حق الْآدَمِيّ على أَرْبَعَة أَقسَام الأول مَا يشْتَرط (لمَال) عينا كَانَ كوديعة أَو دينا أَو مَنْفَعَة كسكنى دَار (و) لحق مَالِي أَو عقد مَالِي أَو فَسخه من (مَا قصد بِهِ مَال) مَا عدا الشّركَة والقراض وَالْكَفَالَة أما هِيَ فَلَا بُد من رجلَيْنِ إِلَّا أَن يُرِيد فِي الْأَوَّلين إِثْبَات حِصَّته من الرِّبْح وَذَلِكَ (كَبيع) وَمِنْه الْحِوَالَة لِأَنَّهَا بيع دين بدين وإقالة وَضَمان وإبراء وقرض ووقف وَصلح ورد بِعَيْب وشفعة ومسابقة وغصب وَوَصِيَّة بِمَال وَإِقْرَار وَمهر فِي نِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة وخلع وَقتل خطأ وَقتل صبي وَمَجْنُون وَقتل حر عبدا وَمُسلم ذِمِّيا وَقتل وَالِد ولدا وسرقة لَا قطع فِيهَا (وَرهن) وَخيَار وَأجل وَكَذَا جِنَايَة توجب مَالا فَيَكْفِي فِي ذَلِك كُله أحد ثَلَاثَة أُمُور إِمَّا (رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَيَمِين) من الْمُدَّعِي بعد أَدَاء شَهَادَة شَاهده وَبعد تعديله وَيذكر وجوبا فِي حلفه صدق شَاهده لِأَن الْيَمين وَالشَّهَادَة حجتان مختلفتا الْجِنْس فِي غير هَذِه الصُّورَة فَاعْتبر ارتباط إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى ليصيرا كالجنس الْوَاحِد ثمَّ هَل الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مَعًا أَو بِالشَّاهِدِ فَقَط وَالْيَمِين مُؤَكدَة أَو بِالْعَكْسِ أَقْوَال أَصَحهَا أَولهَا وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا لَو رَجَعَ الشَّاهِد فعلى الأول يغرم النّصْف وعَلى الثَّانِي يغرم الْكل وعَلى الثَّالِث لَا شَيْء (و) الثَّانِي مَا شَرط (لغير ذَلِك) أَي الْمَذْكُور من الزِّنَا والمالي وَهُوَ مَا لَا يقْصد مِنْهُ المَال أصلا كقصاص وَقذف وكمقدمات الزِّنَا كقبلة ومعانقة وكالإقرار بِالزِّنَا وكوطء الشُّبْهَة إِذا قصد بِالدَّعْوَى بِهِ إِثْبَات النّسَب أما إِذا قصد بِالدَّعْوَى بِهِ المَال وَشهد بِهِ حسبَة فَيثبت بِمَا يثبت بِهِ المَال (وَلما يظْهر للرِّجَال غَالِبا) وَالْمرَاد بالغلبة كَثْرَة اطلَاع الرِّجَال عَلَيْهِ وَإِن كَانَ اطلَاع النِّسَاء عَلَيْهِ أغلب فَلَيْسَ المُرَاد الْغَلَبَة بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِنَّ وَذَلِكَ (كَنِكَاح وَطَلَاق) ورجعة (وَعتق) وَإِقْرَار بِنَحْوِ زنا وَمَوْت ووكالة وإيصاء وَشركَة أَي عقدهَا وقراض وكفالة وَشَهَادَة على شَهَادَة ووديعة وَصورته أَن يَدعِي مَالِكهَا غصب ذِي الْيَد لَهَا وَذُو الْيَد يَدعِي أَنَّهَا وَدِيعَة فَلَا بُد من شَاهِدين لِأَن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ إِثْبَات ولَايَة الْحِفْظ لَهُ وَعدم الضَّمَان يَتَرَتَّب على ذَلِك ثمَّ حق الْآدَمِيّ فِي النِّكَاح التَّمَتُّع وَالنَّفقَة وَالْكِسْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَفِي الطَّلَاق وَالرَّجْعَة الْعدة وَفِي الْإِقْرَار بِنَحْوِ زنا خوف اشْتِبَاه الْأَنْسَاب وَفِي الْمَوْت الْعدة وَفِيمَا بعده الْولَايَة ثمَّ صُورَة الْعدة هِيَ أَن يكون الزَّوْج غَائِبا وَشهد شَاهِدَانِ بِمَوْتِهِ لأجل أَن تَعْتَد زَوجته عدَّة الْوَفَاة وَالْمرَاد بقوله كَنِكَاح أَي لأجل إِثْبَات الْعِصْمَة فَإِن ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة لإِثْبَات الْمهْر أَو شطره أَو للإرث فَيثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَالْمرَاد بِالطَّلَاق سَوَاء كَانَ بعوض أَو بِغَيْرِهِ هُوَ إِن ادَّعَتْهُ الزَّوْجَة فَإِن ادَّعَاهُ الزَّوْج بعوض ثَبت بِشَاهِد وَيَمِين وَزيد على ذَلِك الْإِسْلَام وَالرِّدَّة وَالْبُلُوغ وَالْعَفو عَن الْقصاص فَلَا يقبل فِي ذَلِك كُله إِلَّا (رجلَانِ) (و) الثَّالِث مَا شَرط (لما يظْهر للنِّسَاء) غَالِبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيوبة وَحمل ورضاع من الثدي وعيب امْرَأَة تَحت ثوبها وصياح ولد عِنْد الْولادَة ليُعْطى حكم الْكَبِير فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَالْمرَاد بقوله كولادة أَي من حَيْثُ ثُبُوت النّسَب فَفِيهَا حق آدَمِيّ وَذَلِكَ بِأَن أَتَت بِولد فَادّعى الزَّوْج أَنه مستعار فأقامت بَيِّنَة على أَنَّهَا وَلدته وَالْمرَاد بِالْحيضِ كَأَن علق طَلاقهَا على حَيْضهَا ثمَّ ادَّعَتْهُ فَأنْكر فأقامت حجَّة على ذَلِك وبالبكارة كَأَن تزوج امْرَأَة بِشَرْط الْبكارَة ثمَّ ادّعى أَنه وجدهَا ثَيِّبًا فَأَقَامَ كل مِنْهُمَا حجَّة وَالْمرَاد بِكَوْن الرَّضَاع فِيهِ حق آدَمِيّ أَن يصور بِمَا إِذا شهد شخصان على شخص بِأَنَّهُ ارتضع على أم زَوجته ليَكُون النِّكَاح بَاطِلا وَالْمرَاد بِعَيْب امْرَأَة هُوَ أَن ادّعى أَنَّهَا رتقاء أَو قرناء وَأقَام بذلك بَيِّنَة ليفسخ النِّكَاح أَو لِترد هِيَ فِي البيع فَيَكْفِي فِي ذَلِك كُله أحد ثَلَاثَة أَشْيَاء إِمَّا (أَربع) من النِّسَاء (أَو رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ) تَنْبِيه مَا قبل فِيهِ شَهَادَة النسْوَة على فعله لَا تقبل شَهَادَتهنَّ على الْإِقْرَار بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يسمعهُ الرِّجَال غَالِبا كَسَائِر الأقارير وَالرَّابِع مَا يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ وَيَمِين فِي صور سَبْعَة الأولى دَعْوَى المُشْتَرِي جَوَاز رد الْمَبِيع بِعَيْب قديم وَالثَّانيَِة الدَّعْوَى الكائنة فِي صور الْعنَّة وَصورتهَا إِذا ثبتَتْ الْعنَّة بِالْإِقْرَارِ فَضرب القَاضِي لَهُ سنة ثمَّ بعد السّنة ادّعى الْوَطْء فِيهَا وأنكرته وَهِي بكر فَلَا بُد أَن تقيم الْبَيِّنَة ببكارتها وتحلف على عدم الْوَطْء لاحْتِمَال عود الْبكارَة وَالثَّالِثَة دَعْوَى الْجراحَة فِي عُضْو بَاطِن ادّعى الْجَارِح أَنه غير سليم قبل الْجِنَايَة وَصورته أَن يختلفا فِي أصل الْجِنَايَة أَي هَل جنى أَو لَا فَلَا بُد من بَيِّنَة على وجودهَا فَإِذا ثَبت ثمَّ اخْتلفَا فِي سَلامَة الْعُضْو المجنى عَلَيْهِ وَعدمهَا أَي هَل هُوَ سليم فَتجب فِيهِ الدِّيَة أَو أشل فَتجب فِيهِ الْحُكُومَة وَكَانَ ذَلِك الْعُضْو من الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة كالذكر والأنثيين فَيحلف المجنى عَلَيْهِ أَنه كَانَ سليما بعد قيام الْبَيِّنَة بذلك أما لَو ثبتَتْ الْجِنَايَة من أول الْأَمر ثمَّ اخْتلفَا فِي السَّلامَة وَعدمهَا فَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِي عُضْو ظَاهر صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ أَو بَاطِن صدق المجنى عَلَيْهِ كَذَلِك وَالرَّابِعَة دَعْوَى إعسار نَفسه إِذا عهد لَهُ مَال فَإِن لم يعْهَد ذَلِك صدق بِيَمِينِهِ وَصُورَة ذَلِك أَن يكون عَلَيْهِ دين وَيُطَالب بِهِ فيدعي تلف مَاله بِسَبَب ظَاهر لم يعرف فَلَا بُد من بَيِّنَة على وجود ذَلِك السَّبَب ثمَّ يحلف على تلف المَال بِهِ والوديعة وَمَال الْقَرَاض وَالشَّرِكَة وَغَيرهَا كالإعسار إِذا ادّعى تلفهَا بِسَبَب ظَاهر لم يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَالْخَامِس الدَّعْوَى على الْغَائِب فَوق مَسَافَة الْعَدْوى بِأَن ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِم وَأَرَادَ أَخذهَا من مَاله وَالسَّادِس الدَّعْوَى على الْمَيِّت وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والمفقود والمتعزز والمتواري وَالسَّابِع فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق أمس ثمَّ قَالَ أردْت أَنَّهَا طَالِق من غَيْرِي بِأَن كَانَت متزوجة قبل ذَلِك فيقيم فِي هَذِه الصُّور السَّبْعَة الْبَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ وَيحلف مَعهَا طلبا للِاحْتِيَاط لاحْتِمَال تزوير الْبَيِّنَة وَالْمرَاد بالمحلوف عَلَيْهِ فِي الصُّورَة الأولى قدم الْعَيْب وَفِي الثَّانِيَة عدم الْوَطْء وَفِي الثَّالِثَة عدم السَّلامَة وَفِي الْأَخِيرَة إِرَادَة طَلَاق غَيره صورتهَا أَن امْرَأَة كَانَت متزوجة وَطلقت وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا رجل آخر وَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق أمس ثمَّ قَالَ أردْت من غَيْرِي فَإِذا أَقَامَ بَيِّنَة بتطليق الْغَيْر إِيَّاهَا وَأَنَّهَا كَانَت متزوجة حلف على إِرَادَته طَلَاق غَيره إِيَّاهَا والمحلوف عَلَيْهِ هُنَا غير مَا ادَّعَاهُ وَلَا يضر ذَلِك (وَشرط فِي شَاهد) عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة عشرَة فِي غير هِلَال رَمَضَان وَنَحْوه مِمَّا الْغَرَض مِنْهُ تَحْقِيق الْفَرْض إِذْ لَيْسَ فِيهِ مشهود عَلَيْهِ وَلَا لَهُ ونظمها بَعضهم من بَحر الطَّوِيل فَقَالَ بُلُوغ وعقل ثمَّ الْإِسْلَام نطقه وَعدل كَذَا حريَّة مُرُوءَة وَذُو يقظة لَا حجر لَيْسَ بمتهم فهذي لشهاد شَرَائِط عشرَة الأول (تَكْلِيف) فَلَا تقبل شَهَادَة صبي لقَوْله تَعَالَى {من رجالكم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 وَلَا مَجْنُون بِالْإِجْمَاع (و) الثَّانِي (حريَّة) وَلَو بِالدَّار كَأَن كَانَ لقيطا بدار الْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة رَقِيق خلافًا لِأَحْمَد وَالثَّالِث أَن يكون متيقظا فَلَا تقبل شَهَادَة مُغفل لَا يضْبط وَالرَّابِع أَن يكون ناطقا فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس وَإِن فهمت إِشَارَته لكل أحد وَالْخَامِس أَن يكون غير مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تقبل شَهَادَته وَالسَّادِس أَن يكون مُسلما فَلَا تقبل شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم وَلَا على الْكَافِر خلافًا لأبي حنيفَة فِي قبُوله شَهَادَة الْكَافِر على الْكَافِر وَلأَحْمَد فِيمَا إِذا شهد كَافِر فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر لَا فِي غَيره سَوَاء كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مُسلما أَو كَافِرًا متمسكا بقوله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 106 وَإِنَّمَا لم تقبل شَهَادَة الْكَافِر عندنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل وَلِأَنَّهُ أفسق الْفُسَّاق ويكذب على الله تَعَالَى فَلَا يُؤمن من الْكَذِب على خلقه وَقد قَالَ تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي الْمُسلمين أما قَوْله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 106 فَأُجِيب عَنهُ بِأَن مَعْنَاهُ من غير عشيرتكم أَو هُوَ مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} 65 الطَّلَاق الْآيَة 2 (و) السَّابِع أَن يكون لَهُ (مُرُوءَة) وَهِي لُغَة الاسْتقَامَة فَلَا تقبل الشَّهَادَة من عادم مُرُوءَة لِأَن من لَا مُرُوءَة لَهُ لاحياء لَهُ وَمن لَا حَيَاء لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت والمروءة شرعا توقي الأدناس عرفا وتختلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال والأماكن فيسقطها أكل وَشرب وكشف رَأس وَلبس فَقِيه قبَاء أَو قلنسوة بمَكَان لَا يعْتَاد فِي الْأَوَّلين جوع أَو عَطش وَيفْعل الرَّابِع فَقِيه فِي بلد لَا يعْتَاد مثله لبس ذَلِك فِيهِ ويسقطها أَيْضا قبْلَة زَوْجَة أَو أمة بِحَضْرَة النَّاس الَّذين يستحيا مِنْهُم فِي ذَلِك وإكثار مَا يضْحك بَينهم أَو إكثار لعب شطرنج أَو استماعه أَو رقص (و) الثَّامِن أَن يكون لَهُ (عَدَالَة) فَلَا تقبل شَهَادَة فَاسق وَلَو نَصبه الإِمَام للشَّهَادَة لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 49 الحجرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 لفاعلها كَأَن يفعل الثَّلَاثَة الأول غير سوقي فِي سوق وَلم يغلبه عَلَيْهِ الْآيَة 6) وَلَو كَانَ الْفَاسِق يعلم الْفسق من نَفسه وَصدق فِي شَهَادَة فَالْمُعْتَمَد عِنْد الرَّمْلِيّ أَنه يحل لَهُ أَن يشْهد وَيَنْبَغِي أَن لَا يتَقَدَّم على أهل الْفضل كَمَا قَالَه ابْن قَاسم نقلا عَن الرَّمْلِيّ وَلَو كَانَ الشَّاهِد يعلم فسق نَفسه وَالنَّاس يَعْتَقِدُونَ عَدَالَته جَازَ لَهُ أَن يشْهد وَالْعدْل يتَحَقَّق بخصلتين (باجتناب كَبِيرَة) كتقديم الصَّلَاة أَو تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا بِلَا عذر وَمنع الزَّكَاة وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِشَرْط أَن يكون مجمعا عَلَيْهِ أَو مُنْكرا عِنْد الْفَاعِل وَإِن لم يكن مُنْكرا عِنْد الناهي وَأَن يَأْمَن الضَّرَر على نَفسه وَمَاله وَنَحْوهمَا وَأَن لَا يخَاف الْوُقُوع فِي مفْسدَة أعظم من الْمنْهِي عَنهُ سَوَاء كَانَ الناهي ممتثلا للنَّهْي أَو لَا من الْوُلَاة أَو لَا أَفَادَ النَّهْي أَو لَا ونسيان الْقُرْآن كلا أَو بَعْضًا إِن كَانَ حفظه بعد الْبلُوغ وَأمن مكره تَعَالَى بِأَن يسترسل فِي الْمعاصِي ويجزم بِالْعَفو اعْتِمَادًا على سَعَة فضل الله وَيفْعل الطَّاعَات وَيتْرك الْمعاصِي ويجزم بالنجاة وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والإفطار فِي رَمَضَان من غير عذر وعقوق الْوَالِدين وَلَو كَافِرين وَالزِّنَا واللواط وَالْقَذْف وَالْقَتْل وَشَهَادَة الزُّور وَضرب الْمُحْتَرَم بِغَيْر حق والنميمة وَهِي نقل الْكَلَام على وَجه الْإِفْسَاد سَوَاء قصد الْإِفْسَاد أم لَا وَأما الْغَيْبَة فَإِن كَانَت فِي أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن فَهِيَ كَبِيرَة وَإِلَّا فصغيرة (و) اجْتِنَاب (إِصْرَار على صَغِيرَة) والإصرار هُوَ الْإِكْثَار من نوع أَو أَنْوَاع من الصَّغَائِر مَعَ أَن طَاعَته لَا تغلب مَعَاصيه فالمداومة على النَّوْع الْوَاحِد من الصَّغَائِر كَبِيرَة وَضبط الْغَلَبَة بِالْعدَدِ من جَانِبي الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة من غير نظر لِكَثْرَة ثَوَاب فِي الأولى وعقاب فِي الثَّانِيَة لِأَن ذَلِك أَمر أخروي أَي فتقابل حَسَنَة بسيئة بِعشر سيئات وَالْمرَاد الْغَلَبَة بِاعْتِبَار الْعُمر بِأَن تحسب الْحَسَنَات الَّتِي فعلهَا فِي عمره والسيئات أَيْضا وَينظر الْغَالِب وَلَيْسَ المُرَاد الْغَلَبَة بِاعْتِبَار يَوْم بِيَوْم فَمن الصَّغَائِر النّظر الْمحرم وهجر الْمُسلم فَوق ثَلَاثَة أَيَّام والنياحة وشق الجيب والتبختر فِي الْمَشْي وَإِدْخَال صبيان أَو مجانين فِي الْمَسْجِد يغلب تنجيسهم لَهُ وَاسْتِعْمَال نَجَاسَة فِي بدن أَو ثوب لغير حَاجَة (و) التَّاسِع (عدم تُهْمَة) فِي الشَّهَادَة لقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُم أقسط عِنْد الله وأقوم للشَّهَادَة وَأدنى أَلا ترتابوا} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 فاسم الْإِشَارَة رَاجع لِأَن تكتبوه قَوْله {أقسط عِنْد الله} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي أَكثر قسطا أَي عدلا قَوْله {وأقوم للشَّهَادَة} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي وَأثبت لَهَا وأعون على إِقَامَتهَا قَوْله {وَأدنى أَلا ترتابوا} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي وَأقرب فِي أَن لَا تَشكوا فِي جنس الدّين وَقدره وأجله وَفِي الشُّهُود أَي أقرب من عدم الرِّيبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فَمَتَى كَانَت هُنَاكَ رِيبَة امْتنعت الشَّهَادَة والريبة حَاصِلَة بالمتهم فَلَا تقبل شَهَادَة مُحَصل لنَفسِهِ نفعا بِأَن يظْهر حَال الشَّهَادَة أَن فِيهَا جر نفع لَهُ فشهادته بِمَال لأخ ميت لَهُ ابْن حَال الشَّهَادَة مَقْبُولَة وَإِن مَاتَ الابْن بعْدهَا وَلَو كَانَ لشخص على آخر دين جَاحد لَهُ فَلهُ أَن يحِيل بِهِ شخصا وَيَدعِي الْمُحْتَال على الْمحَال عَلَيْهِ بِالدّينِ وَيُقِيم الْمُحِيل شَاهدا لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تقبل شَهَادَته لَهُ وَلَا يُقَال إِن هَذِه شَهَادَة جرت نفعا فَلَا تصح لِأَن الدّين انْتقل للمحتال كَمَا لَا تقبل شَهَادَة دَافع عَن نَفسه ضَرَرا كَشَهَادَة عَاقِلَة بفسق شُهُود قتل يحملون بدله وَهُوَ الدِّيَة من خطأ أَو شبه عمد وَشَهَادَة غُرَمَاء مُفلس حجر عَلَيْهِ بفسق شُهُود دين آخر ظهر عَلَيْهِ لأَنهم يدْفَعُونَ بهَا ضَرَر الْمُزَاحمَة (فَترد) أَي الشَّهَادَة (لرقيقه) سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة وَغَيرهَا أم لَا ومكاتبه لِأَن لَهُ فِيهِ علقَة ولغريم لَهُ ميت بِأَن ادّعى وَارِث الْمَيِّت الْمَدِين بدين لَهُ على آخر وَأقَام صَاحب الدّين شَاهدا لَهُ فَلَا تصح للتُّهمَةِ لِأَنَّهُ إِذا أثبت للْغَرِيم شَيْئا أثبت لنَفسِهِ الْمُطَالبَة بِهِ وَخرج بِالْمَيتِ الْغَرِيم الْحَيّ وَهُوَ مُوسر أَو مُعسر وَلم يحْجر عَلَيْهِ حجر فلس فَتقبل شَهَادَة الْغَرِيم لَهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنة وَلَا ذِي الحنة رَوَاهُ الْحَاكِم والظنة التُّهْمَة والحنة الْعَدَاوَة (و) ترد الشَّهَادَة (لبعضه) من أصل للشَّاهِد وَإِن علا وَفرع لَهُ وَإِن سفل وَلَو بِالرشد أَو بالتزكية لَهُ أَو لشاهده لِأَنَّهُ بعضه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ والتزكية وَإِن كَانَت حَقًا لله تَعَالَى لِأَن فِيهَا إِثْبَات ولَايَة للفرع وفيهَا تُهْمَة (لَا) الشَّهَادَة (عَلَيْهِ) أَي بعضه بِشَيْء فَتقبل إِذْ لَا تُهْمَة حَيْثُ لَا عَدَاوَة وَإِلَّا لم تقبل وَلَا ترد الشَّهَادَة على أَبِيه بِطَلَاق ضرَّة أمه طَلَاقا بَائِنا وَأمه تَحْتَهُ أَو قذف الضرة الْمُؤَدِّي للعان الْمُؤَدِّي لفراقها على الْأَظْهر لضعف تُهْمَة نفع أمه بذلك إِذْ لَهُ طَلَاق أمه مَتى شَاءَ مَعَ كَون ذَلِك حسبَة تلْزمهُ الشَّهَادَة بِهِ أما إِذا كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فَتقبل قطعا هَذَا كُله فِي شَهَادَة حسبَة أَو بعد دَعْوَى الضرة فَإِن ادّعى الْأَب الطَّلَاق لإِسْقَاط نَفَقَة وَنَحْوهَا لم تقبل شَهَادَة بعضه للتُّهمَةِ وَكَذَا لَو ادَّعَت الْأُم الطَّلَاق وَلَو ادّعى الْفَرْع على آخر بدين لمُوكلِه فَأنْكر الْمَدِين فَشهد بِهِ أَبُو الْوَكِيل قبل وَإِن كَانَ فِيهِ تَصْدِيق ابْنه كَمَا تقبل شَهَادَة الْأَب وَابْنه فِي وَاقعَة وَاحِدَة لِأَن التُّهْمَة ضَعِيفَة جدا وَلَا ترد شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ والأخوين وَالصديقين للْآخر مِنْهُم لانْتِفَاء التُّهْمَة (و) ترد الشَّهَادَة (بِمَا هُوَ مَحل تصرفه) من قيم أَو وَصِيّ أَو وَكيل وَذَلِكَ كَأَن ادّعى سَفِيه على شخص بِشَيْء وَأقَام قيمه شَاهدا فَلَا تقبل شَهَادَته وكما لَو ادّعى أحد وصيين بِمَال للصَّبِيّ وَأقَام الْوَصِيّ الثَّانِي شَاهدا فَلَا تقبل شَهَادَته وكما لَو ادّعى الْمُوكل شَيْئا وَأقَام الْوَكِيل شَاهدا بِهِ فَلَا تقبل شَهَادَته وَذَلِكَ كَأَن وكل زيد فِي بيع شَيْء فَادّعى شخص أَن هَذَا الشَّيْء ملك لَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيل وَهُوَ زيد أَن يشْهد بِأَنَّهُ ملك للْمُوكل فَلَا تقبل شَهَادَة كل إِن شهد بذلك فِي حَال ولَايَته أَو وصايته أَو وكَالَته فَإِن شهد بِهِ بعد عَزله وَلم يكن خَاصم بِهِ قبلت وَتثبت الْوكَالَة بأصول الْوَكِيل وفروعه وبأصول الْمُوكل وفروعه بِخِلَاف الْوِصَايَة لَا تثبت بذلك لِأَنَّهَا أقوى من الْوكَالَة وَمثل ذَلِك الإِمَام وَالْقَاضِي وناظر الْوَقْف وَالْمَسْجِد إِذا ادعوا شَيْئا ثمَّ أَقَامُوا أصولهم أَو فروعهم شُهُودًا فَإِن شَهَادَتهم تقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 (و) ترد الشَّهَادَة (من عَدو على عدوه) فِي عَدَاوَة دنيوية ظَاهِرَة لِأَن العداو من أقوى الريب بِخِلَاف شَهَادَة لَهُ فَتقبل إِذْ لَا تُهْمَة وَمن ذَلِك أَن يشْهد رجلَانِ على ميت بِحَق فيقيم الْوَارِث بَيِّنَة بِأَنَّهُمَا عدوان للْوَارِث فَلَا يقبلان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْخصم فِي الْحَقِيقَة لانتقال التَّرِكَة لملكه وعدو الشَّخْص من يحزن بفرحه ويفرح بحزنه (و) ترد الشَّهَادَة (من مبادر) بِشَهَادَتِهِ قبل أَن تطلب مِنْهُ قبل الدَّعْوَى أَو بعْدهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَأْتِي قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَي فَإِن ذَلِك فِي مقَام الذَّم لَهُم وَالْمرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرْني أَصْحَابه وبالذين يَلُونَهُمْ التابعون وبالذين يَلُونَهُمْ الثَّانِي من يَأْخُذُونَ عَن التَّابِعين وَإِنَّمَا ترد الشَّهَادَة من المبادر لِأَنَّهُ مُتَّهم وَلَو فِي مَال يَتِيم أَو زَكَاة أَو كَفَّارَة أَو وقف أَو غَائِب أَو غير ذَلِك بل ينصب القَاضِي من يَدعِي ثمَّ يطْلب الْبَيِّنَة وَلَا تحْتَاج إِلَى حُضُور خصم وَلَا يشْتَرط فِي الشَّاهِد مَعْرفَته بفروض الصَّلَاة وَالْوُضُوء مثلا إِذا لم يقصر فِي التَّعَلُّم بِأَن أسلم قَرِيبا أَو كَانَ فِي شَاهِق جبل وَلَا يضر توقفه فِي الشَّهَادَة الْمُعَادَة بِأَن لم يرض بإعادتها خوفًا من رده كَمَا رد أَولا وَلذَلِك لَو أعَاد الشَّهَادَة فِي الْمجْلس جَازِمًا بهَا بعد طلبَهَا مِنْهُ قبلت (إِلَّا) فِي شَهَادَة حسبَة وَهِي مَا نوى بِهِ وَجه الله فَتقبل قبل الاستشهاد وَلَو بِلَا دَعْوَى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهُود الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وَإِنَّمَا تقبل فِي حق الله تَعَالَى كَصَلَاة وَزَكَاة وَكَفَّارَة وَصَوْم وَحج عَن ميت بِأَن يشْهد بِتَرْكِهَا وَحقّ لمَسْجِد ويتيم وَمَجْنُون أَو فِي حد لَهُ تَعَالَى بِأَن يشْهد بِمُوجبِه وَالْأَفْضَل فِيهِ السّتْر كَحَد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق أَو (فِي حق مُؤَكد لله) وَهُوَ مَا لَا يتَوَقَّف وُقُوعه على رضَا الْآدَمِيّ بل يَقع قهرا عَنهُ بِمُقْتَضى الشَّهَادَة (كَطَلَاق وَعتق) وَنسب وعفو عَن قَود وَبَقَاء عدَّة وانقضائها وخلع لَكِن بِالنِّسْبَةِ للفراق لَا لِلْمَالِ بِأَن يشْهد بِالْخلْعِ ليمنع من مُخَالفَة مَا ينشأ مِنْهُ وَصُورَة الشَّهَادَة لذَلِك أَن يَقُول الشُّهُود للْقَاضِي حَيْثُ لَا دَعْوَى نشْهد على فلَان بِكَذَا وَهُوَ يُنكر فَأحْضرهُ لنشهد عَلَيْهِ فَإِن ابتدؤوا فَقَالُوا فلَان زنى فهم قذفة وَإِنَّمَا تسمع شَهَادَة الْحِسْبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا حَالا فَلَو شهد اثْنَان أَن فلَانا أعتق عَبده أَو أَنه أَخُو فُلَانَة من الرَّضَاع لم يكف حَتَّى يَقُولَا وَهُوَ يُرِيد أَن يسترقه أَو هُوَ يُرِيد أَن ينْكِحهَا وَلَا عِبْرَة بقولهمَا نشْهد لِئَلَّا ينْكِحهَا وَإِن كَانَا مريدين سفرا وخشيا أَن ينْكِحهَا فِي غيبتهما أما حق الْآدَمِيّ كقود وحد قذف وَبيع وَإِقْرَار فَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة كَمَا لَا تسمع فِي مَحْض حُدُود الله تَعَالَى وَحِينَئِذٍ تسمع فِي السّرقَة قبل رد مَالهَا تَنْبِيه قد تسمع الشَّهَادَة بِلَا دَعْوَى صَحِيحَة فِي مسَائِل أخر كتصرف حَاكم فِي مَال تَحت ولَايَته وَاحْتَاجَ لمعْرِفَة نَحْو قِيمَته أَو ملكه أَو يَده فَلهُ سَماع الْبَيِّنَة بذلك من غير دَعْوَى اكْتِفَاء بِطَلَبِهِ كَمَا فِي تَعْدِيل الشَّاهِد أَو جرحه وَكَذَا فِي نَحْو مَال مَحْجُور شهد اثْنَان أَن وَصِيّه خانه وَمَال غَائِب شَهدا بفواته إِن لم يقبضهُ الْحَاكِم وَنَظِير ذَلِك قَضَاؤُهُ لنَحْو صبي فِي عمله بعد الثُّبُوت عِنْده من غير طلب أحد لحكمه (وَتقبل) أَي الشَّهَادَة (من فَاسق) أَو خارم مُرُوءَة (بعد تَوْبَة) بِشَرْط عدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وُصُوله لحالة الغرغرة لِأَن من وصل إِلَى تِلْكَ الْحَالة أيس من الْحَيَاة فتوبته إِنَّمَا هِيَ لعلمه باستحالة عوده إِلَى مثل مَا فعل وَعدم طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا (وَهِي) أَي التَّوْبَة (نَدم) على الْمعْصِيَة من حَيْثُ الْمعْصِيَة لَا لخوف عُقُوبَة لَو علم بِحَالهِ أَو فَوَات مَال أَو نَحْو ذَلِك (ب) شَرط (إقلاع) عَنْهَا فِي الْحَال إِن كَانَ متلبسا بهَا أَو عَازِمًا على معاودتها (وعزم أَن لَا يعود) إِلَيْهَا مَا عَاشَ إِن تصور مِنْهُ وَإِلَّا كمجبوب بعد زِنَاهُ لم يشْتَرط فِيهِ الْعَزْم على عدم الْعود لَهُ بالِاتِّفَاقِ (وَخُرُوج عَن ظلامة آدَمِيّ) بِأَيّ وَجه قدر عَلَيْهِ مَالا كَانَت أَو عرضا نَحْو قَود وحد قذف فَإِن أفلس وَجب عَلَيْهِ الْكسْب فَإِن عجز عَن رد الظلامة إِلَى الْمَالِك ووارثه دَفعه لحَاكم ثِقَة فَإِن تعذر صرفه فِيمَا شَاءَ من مصَالح الْمُسلمين عِنْد انْقِطَاع خَبره بنية الْقَرْض وَغرم بدله إِذا وجده وَإِنَّمَا احْتِيجَ لنِيَّة الْقَرْض لِئَلَّا يضيع على مَالِكه إِذا ظهر لكَونه نَائِبا عَنهُ فِي الصّرْف فَإِن أعْسر عزم على الْأَدَاء عِنْد قدرته فَإِن مَاتَ قبله فَلَا مُطَالبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِن لم يعْص بالتزامه والمرجو من فضل الله تَعَالَى أَن يعوض الْمُسْتَحق وَإِذا بلغت الْغَيْبَة المغتاب اشْترط استحلاله فَإِن تعذر لمَوْته أَو تعسر لغيبته الطَّوِيلَة اسْتغْفر لَهُ كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لفُلَان وَلَا أثر لتحليل وَارِث وَلَا مَعَ جهل المغتاب بِمَا حلل مِنْهُ أما إِذا لم تبلغه كفى فِيهَا النَّدَم وَالِاسْتِغْفَار لَهُ أما لَو اغتاب صَغِيرا مُمَيّزا وبلغته الْغَيْبَة فَلَا يَكْفِي الاسْتِغْفَار لَهُ لِأَن للصَّبِيّ أمدا ينْتَظر وبفرض مَوته يُمكن استحلال وَارِث الْمَيِّت من المغتاب بعد بُلُوغه وَيَكْفِي النَّدَم والإقلاع عَن الْحَد وَمن لزمَه حد وخفي أمره ندب السّتْر على نَفسه فَإِن ظهر أَتَى للْإِمَام ليقيمه عَلَيْهِ لفَوَات السّتْر وَلَا يكون اسْتِيفَاؤهُ مزيلا للمعصية بل لَا بُد مَعَه من التَّوْبَة إِذْ هُوَ مسْقط لحق الْآدَمِيّ فَقَط وَأما حق الله تَعَالَى فَيتَوَقَّف على التَّوْبَة فَإِذا لم يتب عُوقِبَ على عدم التَّوْبَة وعَلى الْإِقْدَام على الْفِعْل الْمنْهِي عَنهُ وَتَصِح التَّوْبَة من ذَنْب وَإِن أصر على غَيره وَمن ذَنْب تَابَ مِنْهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ وَلَو تكَرر مِنْهُ ذَلِك مرَارًا وَمن مَاتَ وَله دين لم يستوفه وَارثه كَانَ المطالب بِهِ فِي الْآخِرَة هُوَ دون الْوَارِث على الْأَصَح وبشرط قَول فِي صِحَة تَوْبَة من مَعْصِيّة قولية من حَيْثُ حق الْآدَمِيّ لتقبل شَهَادَته كَأَن يَقُول الْقَاذِف قذفي بَاطِل وَأَنا نادم عَلَيْهِ وَلَا أَعُود إِلَيْهِ أَو مَا كنت صَادِقا فِي قذفي وَقد تبت مِنْهُ أَو نَحْو ذَلِك وَيَقُول شَاهد الزُّور شهادتي بَاطِلَة وَأَنا نادم عَلَيْهَا (و) بِشَرْط (اسْتِبْرَاء سنة) تَقْرِيبًا بعد تَوْبَة فِي صِحَة تَوْبَة من مَعْصِيّة فعلية كالعداوة كَمَا رَجحه ابْن الرّفْعَة خلافًا للبلقيني وكخرم مُرُوءَة وَمن شَهَادَة زور وَقذف إِيذَاء لِأَن التَّوْبَة من أَعمال الْقُلُوب ووهمتهم بإظهارها لترويج شَهَادَته وعود ولَايَته وَإِنَّمَا قدرت مُدَّة الِاسْتِبْرَاء بِسنة لِأَن للفصول الْأَرْبَعَة تَأْثِيرا بَينا فِي تهييج النُّفُوس لما تشتهيه فَإِذا مَضَت السّنة على السَّلامَة أشعر ذَلِك بِحسن السريرة وَمحل الِاسْتِبْرَاء فِي الْفَاسِق اذا ظهر فسقه فَلَو كَانَ يسره وَأقر بِهِ ليقام عَلَيْهِ الْحَد قبلت شَهَادَته عقب تَوْبَته كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام تَنْبِيه اشْتِرَاط القَوْل فِي القولية والاستبراء فِي الفعلية إِنَّمَا هُوَ لقبُول الشَّهَادَات وعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الولايات أما لإِسْقَاط الْإِثْم فَلَا يشْتَرط ذَلِك (وَشرط لشهادة بِفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة وَإِتْلَاف (إبصار) للْفِعْل مَعَ فَاعله لوصول الْيَقِين بِهِ فَلَا يَكْفِي فِي ذَلِك السماع من الْغَيْر فَيقبل فِي ذَلِك أَصمّ لإبصاره وَيجوز تعمد النّظر لفرجي الزَّانِيَيْنِ لتحمل الشَّهَادَة لِأَنَّهُمَا هتكا حُرْمَة أَنفسهمَا (و) شَرط لشهادة (بقول كعقد) وَفسخ وَإِقْرَار (هُوَ) أَي إبصار للقائل (وَسمع) لِلْقَوْلِ حَال صدوره مِنْهُ وَلَو من وَرَاء نَحْو زجاج فَلَا يَكْفِي سَمَاعه من وَرَاء حجاب وَإِن علم صَوته لِأَن مَا أمكن إِدْرَاكه بِإِحْدَى الْحَواس لَا يجوز أَن يعْمل فِيهِ بِغَلَبَة ظن لجَوَاز تشابه الْأَصْوَات نعم لَو كَانَ الْمقر مثلا يبيت وَحده وَعلم أَن الصَّوْت مِمَّن فِي الْبَيْت جَازَ لَهُ اعْتِمَاد صَوته وَإِن لم يره سَوَاء كَانَ عدم الرُّؤْيَة لظلمة أَو وجود حَائِل بَينهمَا وَكَذَا لَو علم اثْنَيْنِ بِبَيْت لَا ثَالِث لَهما وسمعهما يتعاقدان وَعلم الْمُوجب مِنْهُمَا من الْقَابِل لعلمه بِمَالك الْمَبِيع أَو نَحْو ذَلِك فَلهُ الشَّهَادَة بِمَا سَمعه مِنْهُمَا وَلَا تقبل الشَّهَادَة بِقِيمَة عين إِلَّا مِمَّن رَآهَا وَعرف جَمِيع أوصافها وَإِن طَال الزَّمن حَيْثُ كَانَت مِمَّا لَا يغلب تغيره فِي تِلْكَ الْمدَّة وَتسمع دَعْوَى من غصبهَا مثلا بِأَنَّهَا تَغَيَّرت صفاتها عَن وَقت رُؤْيَة الشَّاهِد وَلَا يَصح تحمل شَهَادَة على منتقبة اعْتِمَادًا على صَوتهَا لِأَن الْأَصْوَات تتشابه فَإِن عرفهَا بِعَينهَا أَو باسم وَنسب أَو أمْسكهَا حَتَّى شهد عَلَيْهَا جَازَ التَّحَمُّل عَلَيْهَا منتقبة للْأَدَاء وَلَا يجوز كشف الْوَجْه حِينَئِذٍ إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَذَلِكَ كَأَن طَلقهَا زَوجهَا وَالشُّهُود يعْرفُونَ أَن زَوجته فُلَانَة بنت فلَان مُطلقَة من زَوجهَا أَو زوج شخص بنته مثلا بِحُضُور الشَّاهِدين فَإِذا ادّعى الزَّوْج نِكَاحهَا بعد وَأنْكرت شَهدا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا بنته وَيشْهد عِنْد الْأَدَاء بِمَا يعلم من اسْم وَنسب فَإِن لم يعرف ذَلِك كشف وَجههَا وَضبط حليتها وَكَذَا يكشفه عِنْد الْأَدَاء وَجوز بَعضهم اعْتِمَاد قَول وَلَدهَا الصَّغِير وَهِي بَين نسْوَة هَذِه أُمِّي فَيجوز حِينَئِذٍ التَّحَمُّل على المنتقبة بِصفة من طول وَقصر (وَله) أَي الشَّخْص (بِلَا معَارض شَهَادَة على نسب) لذكر وَأُنْثَى من أَب أَو أم (وَعتق وَنِكَاح) وَوَلَاء وأصل وقف وَمَوْت ورضاع (بتسامع) أَي استفاضة (من جمع يُؤمن كذبهمْ) أَي توافقهم على الْكَذِب لكثرتهم وَيحصل الظَّن الْقوي بصدقهم وَلَا يشْتَرط فيهم حريَّة وَلَا ذكورة وَلَا عَدَالَة لَكِن يشْتَرط تكليفهم وَلَا يَكْفِي أَن يَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ كَذَا على سَبِيل التَّرَدُّد بل لَا بُد من أَن يَقُول على سَبِيل الْبَتّ بِأَن يَقُول أشهد أَنه ابْنه مثلا لِأَنَّهُ قد يعلم خلاف مَا سَمعه من النَّاس وَإِنَّمَا اكْتفى بِالتَّسَامُعِ فِي الْمَذْكُورَات وَإِن تيسرت مُشَاهدَة أَسبَاب بَعْضهَا لِأَن مدَّتهَا تطول فيعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على ابتدائها فتمس الْحَاجة إِلَى إِثْبَاتهَا بِالتَّسَامُعِ وَصُورَة الاستفاضة بِالْملكِ أَن يستفيض أَنه ملك فلَان من غير إِسْنَاد لسَبَب فَإِن استفاض سَببه كَالْبيع لم يثبت بِالتَّسَامُعِ إِلَّا الْإِرْث لِأَنَّهُ ينشأ عَن النّسَب وَالْمَوْت وكل مِنْهُمَا يثبت بِالتَّسَامُعِ وَخرج بِأَصْل الْوَقْف شُرُوطه وتفاصيله فَلَا يثبتان بِهِ اسْتِقْلَالا وَلَا تبعا وَخرج بقوله بِلَا معَارض مَا لَو عَارض التسامع مَا هُوَ أقوى مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 كإنكار الْمَنْسُوب إِلَيْهِ النّسَب أَو طعن من لم تقم قرينَة على كذبه فِي الانتساب فَيمْتَنع الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ لاختلال الظَّن حِينَئِذٍ (و) لَهُ شَهَادَة (على ملك بِهِ) أَي بِالتَّسَامُعِ مِمَّن ذكر (أَو بيد وَتصرف ملاك) من سُكْنى أَو هدم وَبِنَاء أَو بيع أَو فسخ أَو إِجَارَة أَو رهن وعَلى حق كحق إِجْرَاء المَاء على سطحه أَو أرضه إِذا رأى الشَّاهِد ذَلِك الْمَذْكُور بذلك (مُدَّة طَوِيلَة) عرفا حَيْثُ لَا يعرف لَهُ مُنَازع لِأَن امتداد الْأَيْدِي وَالتَّصَرُّف مَعَ طول الزَّمَان من غير مُنَازع يغلب على الظَّن الْملك أَو الِاسْتِحْقَاق فَلَا تَكْفِي الشَّهَادَة بِمُجَرَّد الْيَد لِأَنَّهُ قد يكون عَن إِجَارَة أَو إِعَارَة وَلَا بِمُجَرَّد التَّصَرُّف لِأَنَّهُ قد يكون من وَكيل أَو غَاصِب وَلَا بهما مَعًا فِي مُدَّة قَصِيرَة فَإِن انْضَمَّ إِلَى الْيَد وَالتَّصَرُّف الاستفاضة وَنسبَة النَّاس الْملك إِلَيْهِ جَازَت الشَّهَادَة قطعا وَإِن قصرت الْمدَّة وَلَا يَكْفِي قَول الشَّاهِد رَأينَا ذَلِك سِنِين وَيسْتَثْنى من ذَلِك الرَّقِيق فَلَا تجوز الشَّهَادَة فِيهِ بِمُجَرَّد الْيَد وَالتَّصَرُّف فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة إِلَّا إِن انْضَمَّ لذَلِك السماع من ذِي الْيَد وَالنَّاس أَنه لَهُ فَلَا يَكْفِي السماع من ذِي الْيَد من غير سَماع من النَّاس وَلَا عَكسه للِاحْتِيَاط فِي الْحُرِّيَّة وَكَثْرَة اسْتِخْدَام الْأَحْرَار تَنْبِيه صُورَة الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ أشهد أَن هَذَا ولد فلَان أَو أَنه عتيقه أَو أَنه مَوْلَاهُ أَو وَقفه أَو أَنَّهَا زَوجته أَو أَنه ملكه لَا أشهد أَن فُلَانَة ولدت فلَانا أَو أَن فلَانا أعتق فلَانا أَو أَنه وقف كَذَا أَو أَنه تزوج هَذِه أَو أَنه اشْترى هَذَا لما مر من أَنه يشْتَرط فِي الشَّهَادَة بِالْفِعْلِ الابصار وبالقول الإبصار والسمع وَمِمَّا يثبت بِالتَّسَامُعِ أَيْضا ولَايَة الْقَضَاء وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والرشد وَاسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَمثل التسامع الِاسْتِصْحَاب لما سبق من نَحْو إِرْث وَشِرَاء وَإِن احْتمل زَوَاله للْحَاجة الداعية إِلَى ذَلِك وَلَا يُصَرح فِي شَهَادَته بالاستصحاب فَإِن صرح بِهِ وَظهر فِي ذكره تردد لم يقبل وَذَلِكَ كَأَن يَقُول أشهد بالاستصحاب بِكَذَا فَلَا يقبل كَمَا لَا يقبل قَوْله أشهد بالاستفاضة بِكَذَا بِخِلَاف مَا إِذا ذكرهمَا لتقوية كَلَام أَو حِكَايَة حَال بِأَن جزم بِالشَّهَادَةِ بِعِلْمِهِ ثمَّ قَالَ مستندي الْإِفَاضَة أَو الِاسْتِصْحَاب فَتسمع شَهَادَته (وَتقبل شَهَادَة على شَهَادَة) مَقْبُول شَهَادَته (فِي غير عُقُوبَة لله) تَعَالَى وَغير إِحْصَان من حُقُوق الْآدَمِيّ وَحُقُوق الله تَعَالَى كَزَكَاة وحد الْحَاكِم لشخص على نَحْو زِنَاهُ وهلال نَحْو رَمَضَان للْحَاجة إِلَى ذَلِك وَمن عُقُوبَة لآدَمِيّ كقود وحد قذف فَيقبل ذَلِك بِخِلَاف مُوجب عُقُوبَة لله تَعَالَى كزنا وَشرب وسرقة وَكَذَا إِحْصَان من ثَبت زِنَاهُ وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِحْصَان كَالنِّكَاحِ الصَّحِيح وَصورته بِأَن ادعوا على شخص بِالزِّنَا وأثبتوا زِنَاهُ بِبَيِّنَة ثمَّ ادّعى أَنه غير مُحصن حَتَّى لَا يرْجم وَهُنَاكَ شُهُود علمُوا بِأَنَّهُ مُحصن وَأَرَادُوا أَن يحملوا الشَّهَادَة لغَيرهم فَيمْتَنع عَلَيْهِم التَّحَمُّل وَخرج بمقبول الشَّهَادَة غَيره فَلَا يَصح تحمل شَهَادَة مردودها كفاسق ورقيق وعدو وَكَذَا لَا يَصح تحمل النِّسَاء وَإِن كَانَت الشَّهَادَة فِي ولادَة أَو رضَاع لِأَن شَهَادَة الْفَرْع تثبت شَهَادَة الأَصْل لَا مَا شهد بِهِ الأَصْل وَمن ثمَّ لم يَصح تحمل فرع وَاحِد عَن أصل وَاحِد فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَإِن أَرَادَ الْمُدَّعِي الْحلف مَعَ الْفَرْع وَإِنَّمَا تقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 لعدم شَرط وجوب أَدَاء الشَّهَادَة وَذَلِكَ (بتعسر أَدَاء أصل) ولوجوب الْأَدَاء شُرُوط ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يَدعِي المتحمل فِي مَسَافَة الْعَدْوى فَأَقل فَإِن دعى لما فَوْقهَا لم يجب الْحُضُور للضَّرُورَة مَعَ إِمْكَان الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِخِلَاف مَا لَو دعى من تِلْكَ الْمسَافَة فَيجب لعدم قبُولهَا حِينَئِذٍ وَثَانِيها أَن يكون المتحمل عدلا فَإِن دعى ذُو فسق مجمع عَلَيْهِ ظَاهر لم يجب عَلَيْهِ الْأَدَاء لِأَنَّهُ عَبث بل يحرم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحمل الْحَاكِم على حكم بَاطِل بِخِلَاف مَا لَو خفى فسقه فَيجوز الْأَدَاء إِذا لم ينْحَصر خلاص الْحق فِيهِ لِأَن فِي قبُوله خلافًا بل يجب إِذا انحصر خلاص الْحق فِيهِ وَكَانَ فِي الْأَدَاء إنقاذ نفس أَو عُضْو أَو بضع وَثَالِثهَا أَن لَا يكون مَعْذُورًا بِمَرَض وَنَحْوه من كل عذر مرخص فِي ترك الْجَمَاعَة نعم إِن المخدرة تعذر دون غَيرهَا فَإِن كَانَ مَعْذُورًا بذلك أشهد على شَهَادَته أَو بعث القَاضِي من يسْمعهَا دفعا للْمَشَقَّة عَنهُ وَإِذا اجْتمعت الشُّرُوط الثَّلَاثَة وَكَانَ فِي صَلَاة أَو طَعَام فَلهُ التَّأْخِير إِلَى أَن يفرغ وَيلْزمهُ الْأَدَاء عِنْد نَحْو أَمِير وقاض فَاسق لم تصح تَوليته إِن توقف خلاص الْحق عَلَيْهِ (و) تحمل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة المعتد بِهِ إِنَّمَا يحصل بِأحد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا (باسترعائه) أَي الأَصْل أَي التماسه من الْفَرْع رِعَايَة شَهَادَته وضبطها ليؤديها عَنهُ لِأَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة نِيَابَة فَاعْتبر فِيهَا إِذن المنوب عَنهُ أَو مَا يقوم مقَامه نعم لَو سَمعه يسترعي غَيره جَازَ لَهُ الشَّهَادَة على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه هُوَ بِخُصُوصِهِ (فَيَقُول أَنا شَاهد بِكَذَا) فَلَا يَكْفِي أَنا عَالم أَو خَبِير أَو أعرف أَو أعلم (وأشهدك) أَو أشهدتك أَو اشْهَدْ (على شهادتي) بِهِ أَو إِذا استشهدت على شهادتي فقد أَذِنت لَك أَن تشهد وَنَحْو ذَلِك وَثَانِيها بِسَمَاعِهِ الأَصْل يشْهد عِنْد حَاكم أَو مُحكم أَن لفُلَان على فلَان كَذَا فَلهُ أَن يشْهد على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْهد عِنْد الْحَاكِم بعد تحقق الْوُجُوب فأغناه ذَلِك عَن إِذن الأَصْل لَهُ فِيهِ وَثَالِثهَا بِسَمَاعِهِ الأَصْل يبين سَبَب الشَّهَادَة كَأَن يسمعهُ يَقُول أشهد أَن لفُلَان على فلَان ألفا قرضا فلسًا مله الشَّهَادَة على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه وَلم يشْهد عِنْد حَاكم لِأَن إِسْنَاده للسبب يمْنَع احْتِمَال التساهل فَلم يحْتَج لإذنه أَيْضا (و) لَا بُد من (تَبْيِين فرع) عِنْد الْأَدَاء (جِهَة تحمل) كَأَن يَقُول أشهد أَن فلَانا شهد بِكَذَا وأشهدني على شَهَادَته ثمَّ يَقُول وَأَنا شَاهد على شَهَادَته بذلك هَذَا إِن استرعاه الأَصْل وَإِلَّا قَالَ إِن فلَانا شهد عِنْد حَاكم بِكَذَا أَو قَالَ إِن فلَانا أسْند الْمَشْهُود بِهِ إِلَى سَببه ليتَحَقَّق القَاضِي صِحَة شَهَادَته إِذْ أَكثر الشُّهُود لَا يحسنها هُنَا فَإِن لم يبين جِهَة تحمله ووثق القَاضِي بِعِلْمِهِ وموافقته لَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فَلَا بَأْس إِذْ لَا مَحْذُور فَلَا يجب حِينَئِذٍ الْبَيَان فَيَكْفِي أَن يَقُول أشهد على شَهَادَة فلَان بِكَذَا لحُصُول الْغَرَض نعم ينْدب للْقَاضِي استفصاله (و) لَا بُد من (تَسْمِيَته) أَي الْفَرْع (إِيَّاه) أَي الأَصْل وَإِن كَانَ عدلا لتعرف عَدَالَته بِأَن يذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 اسْمه أَو لقبه أَو كنيته بِحَيْثُ لَا يخفى ذَلِك الأَصْل على الْحَاكِم لِأَنَّهُ قد يعرف جرحه لَو بَين اسْمه مثلا وَلَو حدث بِالْأَصْلِ عَدَاوَة بَينه وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو فسق بردة أَو غَيرهَا منع الْفَرْع من الشَّهَادَة لِأَن كلا يُورث رِيبَة فِيمَا مضى إِلَى التَّحَمُّل فَلَو زَالَت هَذِه الْأُمُور اشْترط تحمل جَدِيد بعد مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء الَّتِي هِيَ سنة ليتَحَقَّق زَوَالهَا أما حُدُوث ذَلِك بعد الحكم فَغير مُؤثر إِلَّا إِذا كَانَ قبل اسْتِيفَاء عُقُوبَة وَلَو تحمل الْفَرْع الشَّهَادَة نَاقِصا بِأَن كَانَ فَاسِقًا وعبدا وصبيا ثمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ كَامِل قبلت شَهَادَته كالأصل إِذا تحمل نَاقِصا ثمَّ أدّى بعد كَمَاله (وَيَكْفِي فرعان لأصلين) أَي تَكْفِي شَهَادَة رجلَيْنِ على كل من الشَّاهِدين فَلَا يشْتَرط لكل من الْأَصْلَيْنِ فرعان كَمَا إِذا شَهدا على إِقْرَار كل من رجلَيْنِ فَلَا تَكْفِي شَهَادَة وَاحِد على هَذَا وَوَاحِد على الآخر وَلَا وَاحِد على وَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَشرط قبُول شَهَادَة الْفَرْع موت أصل أَو عذره بِعُذْر جُمُعَة كَمَرَض وعمى وجنون وَخَوف من غَرِيم وَاسْتثنى الْإِغْمَاء حضرا فَينْظر لقرب زَوَاله أَو غيبته فَوق مَسَافَة عدوى فَلَا تقبل فِي غير ذَلِك لِأَنَّهَا إِنَّمَا قبلت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ وَأَن يُسَمِّيه فرع وَإِن كَانَ الأَصْل عدلا لتعرف عَدَالَته فَإِن لم يسمه لم يكف لِأَنَّهُ ينسد بَاب الْجرْح على الْخصم تَتِمَّة يسن تَغْلِيظ يَمِين مُدع غير مَرِيض وزن وحائض وَمن حلف بِالطَّلَاق أَنه لَا يحلف يَمِينا مُغَلّظَة إِذا حلف مَعَ شَاهد أَو ردَّتْ الْيَمين عَلَيْهِ وَيَمِين مدعى عَلَيْهِ وَإِن لم يطْلب الْخصم تغليظها فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد بِهِ مَال كَنِكَاح ولعان وَطَلَاق وَفِي خلع إِن بلغ عوضه نِصَابا مُطلقًا وَإِلَّا فعلى الْحَالِف مِنْهُمَا إِن كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَة فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْج فَلَا تَغْلِيظ عَلَيْهَا وَفِي مَال يبلغ نِصَاب زَكَاة نقد عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا أَو مِائَتي دِرْهَم فضَّة أَو مَا قِيمَته ذَلِك فَخرج النّصاب الَّذِي لم يبلغ نِصَاب النَّقْد وَلَا قِيمَته كخمسة من الْإِبِل لَا تَسَاوِي عشْرين مِثْقَالا وَلَا مِائَتي دِرْهَم والتغليظ يكون بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَبِزِيَادَة أَسمَاء وصفات كَأَن يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَمن التَّغْلِيظ أَن يحلفهُ القَاضِي على الْمُصحف فَيَضَع الْمُصحف فِي حجره ويفتحه وَيَقُول لَهُ ضع يدك على سُورَة بَرَاءَة وَيقْرَأ عَلَيْهِ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} 3 آل عمرَان الْآيَة 77 الْآيَة فَإِن هَذَا مرعب قَالَ بَعضهم وَينْدب تَحْلِيفه قَائِما وَإِن كَانَ الْحَالِف يَهُودِيّا حلفه القَاضِي بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ونجاه من الْغَرق أَو نَصْرَانِيّا حلفه بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى أَو مجوسيا أَو وثينا حلفه بِاللَّه الَّذِي خلقه وصوره وَلَا يجوز لقاض أَو مُحكم أَو نَحوه أَن يحلف أحدا بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر فَلَو حلف بِمَا ذكر انْعَقَدت الْيَمين حَيْثُ لَا إِكْرَاه مِنْهُ فَخرج الْخصم فَلهُ التَّحْلِيف بذلك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَتى بلغ الإِمَام أَن قَاضِيا يسْتَحْلف النَّاس بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر عَزله وجوبا عَن الحكم لِأَنَّهُ جَاهِل إِن كَانَ شافعيا فَإِن كَانَ حنفيا أَو مالكيا لم يعزله لِأَنَّهُ يرى ذَلِك وَلَا يحلف قَاض على تَركه ظلما فِي حكمه وَلَا شَاهد على أَنه لم يكذب فِي شَهَادَته وَلَا مُدع صبا وَلَو احْتِمَالا بل يمهله حَتَّى يبلغ إِلَّا كَافِرًا مسبيا أنبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الْعَانَة وَقَالَ تعجلت إنبات الْعَانَة فَيحلف لسُقُوط الْقَتْل بِنَاء على أَن الإنبات عَلامَة الْبلُوغ وَهُوَ الرَّاجِح وَقيل إِنَّه بُلُوغ حَقِيقَة وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَوْله وَالْيَمِين من الْخصم تقطع الْخُصُومَة حَالا لَا الْحق فَتسمع بَيِّنَة الْمُدَّعِي بعد حلف الْخصم وَلَو ادّعى رق غير صبي وَمَجْنُون مَجْهُول نسب فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَلَو ادّعى رق صبي أَو مَجْنُون وليسا بِيَدِهِ لم يصدق إِلَّا بِحجَّة أَو بِيَدِهِ وَجَهل لقطهما حلف وَحكم لَهُ برقهما لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَالهمَا وإنكارهما بعد كمالهما لَغْو فَلَا بُد لَهما من حجَّة وَلَا تسمع دَعْوَى بدين مُؤَجل وَإِن كَانَ بِهِ بَيِّنَة إِذْ لَا يتَعَلَّق بهَا إِلْزَام فِي الْحَال فَلَو كَانَ بعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا صحت الدَّعْوَى بِهِ لاسْتِحْقَاق الْمُطَالبَة بِبَعْضِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي بَيَان الْعتْق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الِاخْتِيَارِيّ والإجباري وَالْعِتْق بالْقَوْل قربَة سَوَاء الْمُنجز وَالْمُعَلّق حَتَّى من الْكَافِر فيخفف بِهِ عَنهُ عَذَاب غير الْكفْر وَأما صيغته فَإِن تعلق بهَا حث أَو منع أَو تَحْقِيق خبر فَلَيْسَتْ قربَة وَإِلَّا كَانَت قربَة كَإِن طلعت الشَّمْس فَأَنت حر مثلا وَأما الْعتْق بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاد فَلَيْسَ قربَة لِأَنَّهُ مُتَعَلق بِقَضَاء الأوطار إِلَّا إِن قصد بِهِ حُصُول عتق أَو ولد فَيكون قربَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا حَتَّى الْفرج بالفرج رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَالضَّمِير الأول للعتيق وَالثَّانِي للْمُعْتق والفرج الأول للْمُعْتق وَالثَّانِي للعتيق وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نسمَة وعاش كَذَلِك وَنحر بَدَنَة بِيَدِهِ الشَّرِيفَة فِي حجَّة الْوَدَاع كَذَلِك وأعتقت عَائِشَة تسعا وَسِتِّينَ نسمَة وَعَاشَتْ كَذَلِك وَأعْتق أَبُو بكر كثيرا وَأعْتق الْعَبَّاس سبعين وَأعْتق عُثْمَان وَهُوَ محاصر عشْرين وَأعْتق حَكِيم بن حزَام مائَة مطوقين بِالْفِضَّةِ وَأعْتق عبد الله بن عمر ألفا وَاعْتمر كَذَلِك وَحج سِتِّينَ حجَّة وَحبس ألف فرس فِي سَبِيل الله وَأعْتق ذُو الكراع الْحِمْيَرِي فِي يَوْم وَاحِد ثَمَانِيَة آلَاف وَأعْتق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَلَاثِينَ ألفا رَضِي الله عَنْهُم وحشرنا مَعَهم آمين ختم المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابه بِبَاب الْعتْق تفاؤلا أَن الله يعتقهُ وقارئه وشارحه وناسخه من النَّار أَي من حَيْثُ وجود لفظ الْعتْق فِي الآخر (صَحَّ عتق مُطلق تصرف) أَي نافذه حر كَامِل الْحُرِّيَّة مُخْتَار وَلَو كَافِرًا حَرْبِيّا كَسَائِر التَّصَرُّف المالي فَلَا يَصح من مكَاتب ومبعض ومكره بِغَيْر حق ومحجور عَلَيْهِ وَلَو بفلس (بِنَحْوِ أَعتَقتك أَو حررتك) من قَوْله فَككت رقبتك أَو أَنْت عَتيق أَو أَنْت حر أَو أَنْت فكيك الرَّقَبَة أَو أعتقك الله أَو الله أعتقك وَصَحَّ بكناية مَعَ نِيَّة الْعتْق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 كَقَوْلِه لَا ملك لي عَلَيْك أَو لَا سُلْطَان لي عَلَيْك أَو لَا سَبِيل لي عَلَيْك أَو لَا يَد لي عَلَيْك أَو باعك الله أَو أقالك الله أَو أَنْت مولَايَ أَو أَنْت سائبة أَو أَنْت سَيِّدي أَو أَنْت لله وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنا مِنْك حر فَلَيْسَ بكناية بِخِلَاف قَوْله أَنا مِنْك طَالِق فَإِنَّهُ كِنَايَة لِأَن النِّكَاح وصف للزوجين بِخِلَاف الرّقّ فَإِنَّهُ وصف للمملوك لَكِن قَالَ الشبرامسلي وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل كَونه غير كِنَايَة هُنَا مَا لم يقْصد بِهِ إِزَالَة الْعلقَة بَينه وَبَين رَقِيقه وَهِي عدم النَّفَقَة وَنَحْوهَا بِحَيْثُ صَار مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا كَانَ كِنَايَة (وَلَو بعوض) وَلَو فِي بيع فَلَو قَالَ أَعتَقتك بِأَلف أَو بِعْتُك نَفسك بِأَلف فَقبل حَالا عتق وَلَزِمَه الْألف وَلَو قَالَ العَبْد لسَيِّده أعتقني على ألف فَأَجَابَهُ عتق فَوْرًا حَيْثُ لم يذكر السَّيِّد أَََجَلًا فَإِن ذكره ثَبت فِي ذمَّته وَلَزِمَه الْألف وَوَجَب إنظاره إِلَى الْيَسَار كالديون اللَّازِمَة للمعسر وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ بِعْتُك نَفسك بِأَلف فِي ذِمَّتك حَالا أَو مُؤَجّلا تُؤَدِّيه بعد الْعتْق فَقَالَ اشْتريت صَحَّ البيع على الْمَذْهَب وَيعتق فَوْرًا وَعَلِيهِ ألف فِي ذمَّته عملا بِمُقْتَضى العقد وَهُوَ عقد عتاقة لَا بيع فَلَا خِيَار فِيهِ أما لَو قَالَ لَهُ بِهَذَا فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يملكهُ وَمَعَ ذَلِك يعْتق وَتجب قِيمَته كَمَا لَو قَالَ لَهُ أَعتَقتك على خمر وَالْوَلَاء لسَيِّده وَلَو كَانَ كَافِرًا وَإِن لم يَرِثهُ وَفَائِدَته أَنه قد يسلم السَّيِّد فيرثه وَعَكسه كَعَكْسِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عقد عتاقة لَا بيع وَعَلِيهِ لَو بَاعه بعض نَفسه سرى عَلَيْهِ ولاحظ هُنَا لضعف شبهه بِالْكِتَابَةِ (وَلَو أعتق حَامِلا) بمملوك لَهُ (تبعها) فِي الْعتْق وَإِن اسْتَثْنَاهُ لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهَا فعتقه بالتبعية لَا بِالسّرَايَةِ لِأَن السَّرَايَة فِي الْأَجْزَاء كالربع لَا فِي الْأَشْخَاص ولقوة الْعتْق لم يبطل بِالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِهِ فِي البيع وَلَو أعتق حملا مَمْلُوكا لَهُ دون الْحَامِل عتق فَقَط إِن نفخت فِيهِ الرّوح وَإِلَّا لَغَا على الْأَصَح وَلَا تتبعه أمه لِأَن الأَصْل لَا يتبع الْفَرْع أما لَو كَانَ لَا يملك حملهَا بِأَن كَانَ لغيره بِوَصِيَّة مثلا فَلَا يعْتق أَحدهمَا بِعِتْق الآخر (أَو) أعتق رَقِيقا (مُشْتَركا) بَينه وَبَين غَيره سَوَاء كَانَ شَرِيكه مُسلما أم لَا كثر نصِيبه أم قل (أَو) أعتق (نصِيبه) مِنْهُ كَقَوْلِه نصفك حر وَهُوَ يملك نصفه (عتق نصِيبه) لِأَنَّهُ مَالك التَّصَرُّف فِيهِ (وسرى) مِنْهُ (بِالْإِعْتَاقِ) أَي بِمُجَرَّد تلفظه بِهِ من مُوسر بِقِيمَة حِصَّة شَرِيكه وَقت الْإِعْتَاق (لما أيسر بِهِ) من نصيب الشَّرِيك أَو بعضه من غير توقف على أَدَاء الْقيمَة مَا لم يثبت لَهُ الإيلاد بِأَن اسْتَوْلدهَا مَالك الْبَاقِي مُعسرا وَإِلَّا فَلَا سرَايَة على الْمُعْتق الَّذِي هُوَ غير المستولد وَلَا يمْنَع السَّرَايَة دين وَلَو مُسْتَغْرقا كَمَا سرى بالعلوق من الْمُوسر إِلَى مَا أيسر بِهِ من نصيب الشَّرِيك أَو بعضه وَلَو مدينا وَيُبَاع كل مَا فضل عَن قوته وقوت من تلْزمهُ نَفَقَته فِي يَوْمه وَلَيْلَته ودست ثوب يلْبسهُ وسكنى يَوْم وَيصرف إِلَى ذَلِك وللشريك مُطَالبَة الْمُعْتق أَو المولد بِدفع الْقيمَة وإجباره عَلَيْهَا فَلَو مَاتَ أخذت من تركته فَإِن لم يُطَالِبهُ طَالبه القَاضِي وَإِذا اخْتلفَا فِي قدر قِيمَته فَإِن كَانَ العَبْد حَاضرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَقرب الْعَهْد رُوجِعَ أهل التَّقْوِيم أَو مَاتَ أَو غَابَ أَو طَال الْعَهْد صدق الْمُعْتق لِأَنَّهُ غَارِم وَعَلِيهِ بِمُجَرَّد السَّرَايَة قيمَة مَا أيسر بِهِ لشَرِيكه وَقت الْإِعْتَاق أَو الْعلُوق لِأَنَّهُ وَقت الْإِتْلَاف وَلَو كَانَ يسَاره بِمَال غَائِب لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِلْعِتْقِ دفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ وَعَلِيهِ لشَرِيكه فِي الْمُسْتَوْلدَة حِصَّته من مهر مَعَ أرش بكارة إِن كَانَت بكرا إِن تَأَخّر الْإِنْزَال عَن تغييب الْحَشَفَة كَمَا هُوَ الْغَالِب وَإِلَّا فَلَا يلْزمه حِصَّة مهر لِأَن الْمُوجب لَهُ تغييب الْحَشَفَة فِي ملك غَيره وَهُوَ مُنْتَفٍ لَا قيمَة حِصَّته من الْوَلَد لِأَن أمه صَارَت أم ولد حَالا فَيكون الْعلُوق فِي ملك المولد فَلَا تجب الْقيمَة وَلَا يسري تَدْبِير لِأَنَّهُ كتعليق عتق بِصفة (وَلَو ملك) أَي كَامِل الْحُرِّيَّة وَلَو غير مُكَلّف (بعضه) أَي أحد أُصُوله وَإِن علا وَلَو من جِهَة الْأُم أَو أحد فروعه وَإِن سفل من النّسَب وَلَو حملا أَو منفيا بِلعان بعد الِاسْتِلْحَاق (عتق عَلَيْهِ) أَي عتق جَمِيعه إِن ملك جَمِيعه أَو ملك بعضه وباختياره وَكَانَ مُوسِرًا بِقِيمَة الْبَعْض الآخر وَإِلَّا عتق عَلَيْهِ مَا ملكه إِمَّا فَقَط إِن لم يكن مُوسِرًا بِشَيْء من الْبَعْض الآخر أَو مَعَ مَا أيسر بِهِ من الْبَعْض الآخر أَي سَوَاء ملكه ملكا اختياريا كالشراء وَالْهِبَة أَو ملكا قهريا كَالْإِرْثِ كَأَن ورث أمه من أَخِيه لِأَبِيهِ أَو ورث أَبَاهُ أَو أمه من عَمه وَلَو ملك زَوجته الْحَامِل مِنْهُ عتق حملهَا فَلَو اطلع على عيب امْتنع الرَّد وَوَجَب لَهُ الْأَرْش (وَمن قَالَ لعَبْدِهِ) بقول صَرِيح كَقَوْلِه (أَنْت حر بعد موتِي) أَو أَعتَقتك بعد موتِي أَو حررتك بعد موتِي أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَإِن لم يقل بعد موتِي لِأَن حُرُوف التَّدْبِير لَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك بِخِلَاف غَيرهَا أَو بكناية كَقَوْلِه خليت سَبِيلك بعد موتِي أَو حبستك بعد موتِي أَي منعت عَنْك التَّصَرُّفَات بِبيع وَغَيره وَهُوَ ناو لِلْعِتْقِ (فَهُوَ مُدبر) وَحكمه أَنه (يعْتق) عَلَيْهِ (بعد وَفَاته) أَي السَّيِّد محسوبا من ثلث مَاله إِن خرج كُله من الثُّلُث وَإِلَّا عتق مِنْهُ بِقدر مَا يخرج مِنْهُ إِن لم تجز الْوَرَثَة بعد الدّين وَبعد التَّبَرُّعَات المنجزة وَإِن وَقع التَّدْبِير فِي الصِّحَّة فَلَو استغرق الدّين التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء أَو نصفهَا وَهِي هُوَ فَقَط بيع نصفه فِي الدّين وَعتق ثلث الْبَاقِي مِنْهُ وَهُوَ سدسه وَإِن لم يكن دين وَلَا مَال غَيره عتق ثلثه وَالْحِيلَة فِي عتق الْجَمِيع بعد الْمَوْت وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ أَن يَقُول هَذَا الرَّقِيق حر قبل مرض موتِي بِيَوْم أَو أقل أَو أَكثر وَإِن مت فَجْأَة فَقبل موتِي بِيَوْم فَإِذا مرض أَو مَاتَ بعد التعليقين بِأَكْثَرَ من يَوْم عتق فِي الْحَال وَلَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ أما لَو لم يزدْ على قَوْله بِيَوْم ذَلِك التَّنْجِيز فَنزل بِهِ الْمَرَض قبل مُضِيّ يَوْم من التَّعْلِيق وَاسْتمرّ الْمَرَض أَكثر من يَوْم ثمَّ مَاتَ فَلَا يعْتق لعدم تقدم يَوْم قبل الْمَرَض وَيصِح التَّدْبِير مُقَيّدا بِشَرْط كَقَوْلِه إِن مت فِي ذَا الشَّهْر أَو ذَا الْمَرَض فَأَنت حر فَإِن مَاتَ فِيهِ عتق وَإِلَّا فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ومعلقا بِصفة كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي فَإِن وجدت الصّفة قبل الْمَوْت ثمَّ مَاتَ عتق وَإِلَّا فَلَا وَلَا يصير مُدبرا حَتَّى يدْخل وَلَو مَاتَ السَّيِّد فَقبل الدُّخُول فَلَا تَدْبِير (وَبَطل) أَي التَّدْبِير بِإِزَالَة ملكه عَنهُ (بِنَحْوِ بيع) للمدبر فَلَا يعود التَّدْبِير وَإِن ملكه ثَانِيًا وَيصِح للنافذ التَّصَرُّف أَن يتَصَرَّف فِي الْمُدبر بأنواع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك كالوقف إِلَّا رَهنه فَلَا يَصح وَلَو على حَال لاحْتِمَال موت سَيّده فَجْأَة فَيفوت الرَّهْن بِعِتْقِهِ فَإِن بَاعَ بعض الْمُدبر فالباقي مُدبر وَبَطل أَيْضا بإيلاد لمدبرته لِأَن الإيلاد أقوى من التَّدْبِير بِدَلِيل أَنه لَا يعْتَبر من الثُّلُث وَلَا يمْنَع مِنْهُ الدّين بِخِلَاف التَّدْبِير فَلذَلِك يرفعهُ الْأَقْوَى (لَا بِرُجُوع لفظا) كفسخته أَو نقضته كَسَائِر التعليقات وَلَا بردة الْمُدبر أَو سَيّده صِيَانة لحق الْمُدبر عَن الضّيَاع لِأَن الرِّدَّة تُؤثر فِي الْعُقُود الْمُسْتَقْبلَة دون الْمَاضِيَة فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد من الثُّلُث وَإِن كَانَ مَاله فَيْئا لَا إِرْثا لِأَن الشَّرْط تَمام الثُّلثَيْنِ لمستحقيهما وَإِن لم يَكُونُوا وَرَثَة وَيحل وَطْء الْمُدبرَة لبَقَاء ملكه وَيصِح تَدْبِير الْمكَاتب وَيصِح تَعْلِيق كل من الْمُدبر وَالْمكَاتب بِصفة وَيعتق بالأسبق من الوصفين فَيَقُول للمدبر إِذا جَاءَ رَمَضَان فَأَنت حر وللمكاتب مثل ذَلِك فَإِذا مَاتَ السَّيِّد فِي الأولى قبل رَمَضَان عتق بِالتَّدْبِيرِ وَإِذا أدّى النُّجُوم فِي الثَّانِيَة قبل رَمَضَان عتق بِالْكِتَابَةِ (الْكِتَابَة) وَهِي عقد عتق بِلَفْظ مُشْتَمل على حُرُوف الْكِتَابَة ككاتبتك أَو أَنْت مكَاتب على كَذَا حَال كَون الْعتْق بعوض مُؤَجل بوقتين فَأكْثر (سنة) إِذا كَانَت (بِطَلَب عبد أَمِين) وَالْمرَاد بالأمين هُنَا من لَا يضيع المَال فِي مَعْصِيّة وَإِن لم يكن عدلا لنَحْو ترك صَلَاة (مكتسب) أَي قوي على الْكسْب الَّذِي يَفِي بمؤنته ونجومه وَهَذَانِ شَرْطَانِ للاستحباب فَإِن فقد أَحدهمَا كَانَت الْكِتَابَة مُبَاحَة إِذا أما الطّلب فَلَيْسَ شرطا للسنية بل لَو لم يطْلبهَا العَبْد بقيت على استحبابها وَإِنَّمَا الطّلب شَرط لكَونهَا سنة متأكدة (وَشرط فِي صِحَّتهَا) أَي الْكِتَابَة (لفظ يشْعر بهَا) حَال كَون اللَّفْظ (إِيجَابا ككاتبتك) أَو أَنْت مكَاتب (على كَذَا) كألف (منجما) أَي مؤدى إِلَى مرَّتَيْنِ فَأكْثر فِي سنة مثلا (مَعَ) انضمام ذَلِك إِلَى قَوْله (إِذا أديته) أَي ذَلِك الْمِقْدَار أَو إِذا بَرِئت مِنْهُ أَو إِذا فرغت ذِمَّتك مِنْهُ (فَأَنت حر) وَإِنَّمَا احْتِيجَ لما ذكر لِأَن لفظ الْكِتَابَة يصلح للمخارجة فاحتيج لتمييزها بِمَا ذكر ويشمل لفظ الْبَرَاءَة حُصُول ذَلِك بأَدَاء النُّجُوم والبراءة الملفوظ بهَا وفراغ الذِّمَّة شَامِل للاستيفاء والبراءة بِاللَّفْظِ حَال كَون ذَلِك القَوْل ملفوظا أَو منويا عِنْد جُزْء من الصِّيغَة فِي الْكِتَابَة الصَّحِيحَة أما الْفَاسِدَة فَلَا بُد فِيهَا من التَّصْرِيح بالْقَوْل الْمَذْكُور لِأَن الْمُغَلب فِيهَا التَّعْلِيق وَهُوَ لَا يحصل بِالنِّيَّةِ ثمَّ إِطْلَاق القَوْل على النِّيَّة نظرا لتسميتها قولا نفسيا (وقبولا) فَوْرًا (كقبلت) ذَلِك (و) شَرط فِي الْكِتَابَة (عوض) من دين وَلَو مَنْفَعَة فَلَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 كبناء دارين فِي ذمَّته وَجعل لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وقتا مَعْلُوما جَازَ وَإِن تَأَخَّرت عَن العقد كَقَوْلِه كاتبتك على بِنَاء دارين فِي ذِمَّتك فِي شهر كَذَا وَفِي شهر كَذَا وَذكر الْمدَّة لبَيَان أول الْعَمَل فِي كل وَقت لَا جَمِيع وَقت الْعَمَل أما لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين فَإِنَّهُ لَا يجوز أَي لَا يَصح عقد الْكِتَابَة كَقَوْلِه كاتبتك على أَن تخدمني الشَّهْر الْقَابِل وَالَّذِي بعده لِأَن الْعين أَي عين الْمكَاتب أَو عينا من أَعْيَان مَاله بِأَن كَانَ مبعضا وَملك بعضه الْحر أعيانا لَا تقبل التَّأْجِيل بِأَن أخرت عَن وَقت العقد كَقَوْلِه كاتبتك على أَن تخدمني شهرا بعد هَذَا الشَّهْر فَلَا يَصح بِخِلَاف مَا إِذا اتَّصَلت بِالْعقدِ وَضم إِلَيْهَا مَالا آخر مُؤَجّلا فَيصح وَإِن كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين الْمكَاتب فَقَط حَالَة نَحْو كاتبتك على أَن تخيط لي ثوبا بِنَفْسِك شهرا فَلَا بُد مَعهَا من ضميمة إِمَّا بِمَال كَقَوْلِه وتعطيني دِينَارا بعد انْقِضَاء الشَّهْر أَو بِمَنْفَعَة أُخْرَى كَأَن يَقُول وتبني دَاري فِي وَقت كَذَا أَي وَقت الشُّرُوع فِي الْبناء والضميمة شَرط فِي الْكِتَابَة ليتأتى النجمان وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط أَن يتَأَخَّر إِعْطَاء الدِّينَار عَن الْخدمَة فَلَو قدم زمن إِعْطَاء الدِّينَار على زمن الْخدمَة لم يَصح لما علم من شَرط اتِّصَال الْمَنْفَعَة الْمُتَعَلّقَة بِالْعينِ بِالْعقدِ وَخرج بِمَنْفَعَة عين الْمكَاتب مَنْفَعَة غَيرهَا كَأَن كَاتب العَبْد على مَنْفَعَة دابتين معينتين لزيد يدفعهما لَهُ فِي شَهْرَيْن فَلَا يَصح وَإِن أمكن أَن يشتريهما من زيد ويدفعهما للسَّيِّد وَخرجت المؤجلة فَلَا تصح الْكِتَابَة عَلَيْهَا وَالْحَاصِل أَنه يشْتَرط فِي مَنْفَعَة الْعين الْحُلُول والضميمة بِخِلَاف مَنْفَعَة الذِّمَّة فَلَا يشْتَرط فِيهَا شَيْء مِنْهُمَا بل الشَّرْط تعددها بِاعْتِبَار زمانها وَشرط فِي الْعِوَض (مُؤَجل) أَي مُؤَقّت إِلَى وَقت مَعْلُوم ليحصله ويؤديه فَلَا تصح الْكِتَابَة بِالْحَال وَلَو فِي مبعض وَإِن كَانَ قد يملك بِبَعْضِه الْحر مَا يُؤَدِّيه لِأَن الْكِتَابَة عقد خَالف الْقيَاس فِي وَضعه لِأَن فِيهَا بيع مَاله بِمَالِه فَاعْتبر فِيهِ سنَن السّلف (منجم بنجمين) أَي مَضْرُوب بوقتين (فَأكْثر) بِأَن يُؤَجل بعضه إِلَى وَقت مَعْلُوم وَبَعضه إِلَى آخر كَذَلِك سَوَاء تساوى البعضان أم تَفَاوتا كَقَوْلِه كاتبتك على مائَة تُؤدِّي نصفهَا فِي وَقت كَذَا وَنِصْفهَا الآخر فِي وَقت كَذَا وَأَقل الْأَجَل وقتان وَلَو قصيرين فَلَا تصح الْكِتَابَة بِأَقَلّ من نجمين وَلَو جَازَت على أقل مِنْهُمَا لفعل الصَّحَابَة لأَنهم كَانُوا يتبادرون إِلَى القربات والطاعات مَا أمكن وَلِأَن الْكِتَابَة مَأْخُوذَة من الْكتب بِمَعْنى ضم النُّجُوم بَعْضهَا إِلَى بعض وَأَقل مَا يحصل بِهِ الضَّم نجمان وَالْمرَاد بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْت الْمَضْرُوب وَيُطلق على المَال الْمُؤَدى فِيهِ من تَسْمِيَة الْحَال باسم الْمحل (مَعَ بَيَان قدره) أَي الْعِوَض (وَصفته) بِمَا مر فِي السّلم نعم إِن كَانَ بِمحل العقد نقد غَالب لم يشْتَرط بَيَانه كَالْبيع وَبَيَان عدد الْأَوْقَات اسْتَوَت أَو اخْتلفت وقسط كل عوض يُؤدى عِنْد مَجِيء كل وَقت لِأَن الْكِتَابَة عقد مُعَاوضَة فَاشْترط فِيهِ معرفَة الْعِوَض وَابْتِدَاء الْأَوْقَات من العقد (وَلزِمَ سيدا) أَو وَارِثا فِي كِتَابَة صَحِيحَة قبل عتق (حط مُتَمَوّل مِنْهُ) أَي عوض الْمكَاتب أَو دَفعه لَهُ من جنس الْعِوَض وَإِن كَانَ من غير عين الْعِوَض إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 رَضِي بِهِ الْمكَاتب بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من جنسه فَيجب قبُوله والحط أولى من الدّفع لِأَن الْقَصْد بالحط الْإِعَانَة على الْعتْق وَهِي مُحَققَة فِيهِ موهومة فِي الدّفع إِذْ قد يصرف الْمَدْفُوع فِي جِهَة أُخْرَى وَكَونه فِي النَّجْم الْأَخير أولى من غَيره وَكَونه ربع النُّجُوم أولى من غَيره أَي مِمَّا هُوَ دونه وَلَو تعدد السَّيِّد واتحد الْمكَاتب وَجب قسط على كل مِنْهُم أَو تعدد الرَّقِيق وَجب الْحَط لكل مِنْهُم وَيقدم ذَلِك على مُؤنَة تجهيز السَّيِّد لَو مَاتَ وَقت وجوب الْأَدَاء أَو الْحَط وَذَلِكَ بِأَن لم يبْق من مَال الْكِتَابَة إِلَّا مِقْدَار مَا يجب فِي الإيتاء أما لَو مَاتَ السَّيِّد قبل ذَلِك الْوَقْت وَجب تَجْهِيزه مقدما على مَا يجب فِي الإيتاء وَإِن أخر ذَلِك عَن الْعتْق أَثم وَكَانَ قَضَاء وَوقت وُجُوبه من العقد ويتضيق إِذا بَقِي من النَّجْم الْأَخير قدر مَا يَفِي بِهِ (و) الْكِتَابَة الصَّحِيحَة لَازِمَة من جِهَة السَّيِّد وَلذَلِك (لَا يفسخها) لِأَنَّهَا عقدت لحظ مكَاتبه لَا لحظه فَكَانَ فِي الْكِتَابَة كالراهن لِأَن دوامها حق عَلَيْهِ أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَهِيَ جَائِزَة من جِهَته على الْأَصَح (إِلَّا إِن عجز مكَاتب عَن أَدَاء) عِنْد مَجِيء الْأَجَل لنجم أَو بعضه غير الْوَاجِب فِي الإيتاء أما هُوَ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ بِالْعَجزِ عَنهُ (أَو امْتنع عَنهُ) عِنْد ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ (أَو غَابَ) بِغَيْر إِذن السَّيِّد عِنْد ذَلِك وَإِن حضر مَاله أَو كَانَت غيبَة الْمكَاتب دون مَسَافَة قصر وَفَوق مَسَافَة الْعَدْوى فَلهُ فَسخهَا بِنَفسِهِ وبحاكم مَتى شَاءَ لتعذر الْعِوَض عَلَيْهِ وَلَيْسَ لحَاكم أَدَاء من مَال الْمكَاتب الْغَائِب عَنهُ بل يُمكن السَّيِّد من الْفَسْخ لِأَنَّهُ رُبمَا عجز نَفسه أَو امْتنع من الْأَدَاء لَو حضر (و) الْكِتَابَة جَائِزَة من جِهَة الْمكَاتب كَالرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ للْمُرْتَهن فَحِينَئِذٍ (لَهُ فسخ) مَتى شَاءَ وَإِن كَانَ مَعَه وَفَاء وَله تعجيز نَفسه وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْكسْب وَتَحْصِيل الْعِوَض فَإِذا عجز نَفسه فللسيد الصَّبْر وَالْفَسْخ بِنَفسِهِ أَو بالحاكم فَلَا تَنْفَسِخ الْكِتَابَة بِمُجَرَّد التَّعْجِيز (وَحرم عَلَيْهِ) أَي السَّيِّد (تمتّع بمكاتبة) وَلَو بِالنّظرِ لغير مَا بَين سرتها وركبتها لِأَنَّهَا كالأجنبية لاختلال ملكه فِيهَا وَيجب لَهَا بِوَطْئِهِ مهر وَإِن طاوعته لشُبْهَة الْملك الدافعة للزِّنَا وَلَا يتَكَرَّر بِتَكَرُّر الْوَطْء إِلَّا إِذا وطىء بعد أَدَاء الْمهْر وَلَو عجزت قبل أَخذه سقط أَو حل نجم قبله وَقع التَّقَاصّ بِشَرْطِهِ وَلَا حد عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا ملكه لَكِن يُعَزّر من علم التَّحْرِيم مِنْهُمَا وَالْولد مِنْهُ حر لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي ملكه وَلَا يجب عَلَيْهِ قِيمَته لأمه لانعقاده حرا وَصَارَت بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلدَة مُكَاتبَة فَإِن عجزت عتقت بِمَوْت السَّيِّد (وَله) أَي الْمكَاتب (شِرَاء إِمَاء لتِجَارَة) توسيعا لَهُ فِي طرق الِاكْتِسَاب (لَا تزوج إِلَّا بِإِذن سيد) لما فِيهِ من الْمُؤَن (وَلَا تسر) أَي وَطْء أمته وَإِن لم ينزل وَإِن أذن لَهُ سَيّده لضعف ملكه وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِمَا دون الْوَطْء أَيْضا لِأَنَّهُ رُبمَا جَرّه إِلَى الْوَطْء وَإِنَّمَا حرم وَطْؤُهَا مَعَ كَونهَا ملكه خوفًا من هلاكها بالطلق فَإِن وَطئهَا فَلَا حد عَلَيْهِ لشُبْهَة الْملك وَلَا مهر لِأَنَّهُ لَو ثَبت لَكَانَ لَهُ وَالْإِنْسَان لَا يجب لَهُ على نَفسه شَيْء وَالْولد من وَطئه نسيب لَاحق بِهِ لَيْسَ من زنا لشُبْهَة الْملك (إِذا أحبل حر) كُله أَو بعضه وَلَو كَافِرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 أَصْلِيًّا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو سَفِيه لَا مُفلسًا (أمته) أَي الْمَمْلُوكَة لَهُ كلا أَو بَعْضًا وَلَو بِلَا وَطْء كاستدخال منيه الْمُحْتَرَم حَال خُرُوجه أَو بِوَطْء محرم لعَارض بِسَبَب حيض أَو إِحْرَام أَو فرض صَوْم أَو اعْتِكَاف أَو لكَونه قبل استبرائها أَو لكَونه ظَاهر مِنْهَا ثمَّ ملكهَا قبل التَّكْفِير أَو لكَونهَا محرما لَهُ بِنسَب أَو رضَاع أَو لكَونهَا مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة أَو مَجُوسِيَّة أَو وثنية أَو مرتدة أَو مُكَاتبَة أَو لكَونهَا مسلمة وَهُوَ كَافِر (فَولدت حَيا) أَو مَيتا (أَو مُضْغَة مصورة) بِصُورَة آدَمِيّ ظَاهِرَة أَو خُفْيَة أخبر بهَا القوابل أَربع نسْوَة مِنْهُنَّ أَو رجلَانِ خبيران أَو رجل وَامْرَأَتَانِ صَارَت أم ولد و (عتقت) من رَأس مَاله (بِمَوْتِهِ) وَلَو بقتلها لَهُ بِقصد الاستعجال وَيكون عتقهَا من حِين الْمَوْت وَإِن تَأَخّر الْوَضع عَنهُ فَيكون كسبها لَهَا من حِينه وَمثل الْمَوْت مسخ السَّيِّد حجرا أَو نصفه الْأَعْلَى وَمثله أَيْضا مَا إِذا صَار إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح بِأَن لم يبْق مَعَه نطق وَلَا إبصار وَلَا حَرَكَة اختيارية وَسبب عتقهَا بِمَوْتِهِ انْعِقَاد الْوَلَد حرا وَهُوَ جُزْء مِنْهَا فيسري الْعتْق مِنْهُ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا توقف على موت السَّيِّد مَعَ أَن الْمُوجب لَهُ الْولادَة لِأَن لَهَا حَقًا بِالْولادَةِ وَللسَّيِّد حَقًا بِالْملكِ وَفِي تَعْجِيل عتقهَا بِالْولادَةِ إبِْطَال لحقه من الْكسْب والتمتع فَفِي تَعْلِيقه بِمَوْت السَّيِّد حفظ للحقين فَكَانَ أولى ثمَّ المُرَاد بأمته مَا يَشْمَل أمته تَقْديرا كَأَن وطىء الأَصْل أمة فَرعه الَّتِي لم يستولدها الْفَرْع وَلَو مُزَوّجَة فَإِنَّهُ يقدر دُخُولهَا فِي ملك الأَصْل قبيل الْعلُوق فَسقط مَاؤُهُ فِي ملكه صِيَانة لِحُرْمَتِهِ وَمثلهَا أمة مكَاتبه أَو مُكَاتبَة وَلَده وللأمة شَرْطَانِ الأول أَن تكون مَمْلُوكَة للسَّيِّد حَال علوقها مِنْهُ الثَّانِي أَن لَا يتَعَلَّق بهَا حق لَازم غير الْكِتَابَة حَال الْعلُوق وَالسَّيِّد مُعسر وَلم يزل عَنْهَا بل بِيعَتْ فِيهِ وَلم يملكهَا السَّيِّد بعد وَذَلِكَ بِأَن لَا يتَعَلَّق بهَا حق أصلا أَو تعلق بهَا وَهُوَ غير لَازم أَو لَازم وَهُوَ كِتَابَة أَو غير كِتَابَة لكنه زائل عِنْد الْعلُوق أَو مُسْتَمر وَالسَّيِّد مُوسر أَو مُعسر وَقد زَالَ بعد ذَلِك عَنْهَا بِنَحْوِ أَدَاء أَو إِبْرَاء أَو لم يزل وبيعت فِيهِ لكنه ملكهَا السَّيِّد بعد ذَلِك فَفِي هَذِه الصُّور كلهَا يثبت الإيلاد أما إِذا تعلق بهَا ذَلِك فَلَا يثبت الِاسْتِيلَاد وَالْحق اللَّازِم مثل الرَّهْن بعد الْقَبْض وَأرش الْجِنَايَة أما الْوَطْء فِي الدبر فَلَا يثبت بِهِ استيلاد وَلَا نسب لِأَنَّهُ محرم لعَينه وَكَذَا إِدْخَال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم فِي الدبر بِخِلَاف مَا لَو تلذذ بِحَلقَة الدبر فأمنى فَإِن منيه يكون مُحْتَرما كَذَا قَالَ الشرقاوي وَمن وطىء الْأمة بِشُبْهَة ثمَّ ملكهَا فَلَا تكون أمة ولد على الْمُعْتَمد (كولدها) الْحَاصِل من غير السَّيِّد (بِنِكَاح) حَال كَون الْوَلَد رَقِيقا بِأَن كَانَ الشَّخْص متزوجا بهَا مَعَ علمه برقها بِخِلَاف مَا لَو غر بحريتها فَإِن الْوَلَد يكون حرا (أَو) وَلَدهَا الْحَادِث من (زنا بعد وَضعهَا) ولدا للسَّيِّد أَي بعد صيرورتها أم ولد فَإِن ذَلِك الْوَلَد يعْتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن مَاتَت أمه فِي حَيَاة السَّيِّد لِأَن الْوَلَد يتبع أمه فِي الرّقّ وَالْحريَّة وَكَذَا فِي سَبَب أَحْكَام الْحُرِّيَّة اللَّازِم وَهُوَ الِاسْتِيلَاد بِخِلَاف الْوَلَد الْحَاصِل بِشُبْهَة من الواطىء وَقد ظن أَن أمة الْغَيْر زَوجته الْحرَّة أَو أمته فَلَا يكون بِمَنْزِلَة الْأُم لانعقاده حرا فَإِن ظن أَنَّهَا زَوجته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 الْأمة فكأمه فِي الرّقّ إِلَّا إِذا نَكَحَهَا زَوْجَة بِشَرْط أَن أَوْلَادهَا الحادثين مِنْهُ أَحْرَار فَالْوَلَد حر وَإِلَّا فَهُوَ رَقِيق ملك لسَيِّدهَا وَبِخِلَاف الْوَلَد الْحَادِث بِنِكَاح أَو زنا قبل صيرورتها أم ولد فَإِنَّهُ رَقِيق لحدوثه قبل ثُبُوت حق الْحُرِّيَّة (وَله) أَي للسَّيِّد (وَطْء أم ولد) مَا لم يقم بِهِ مَانع ككونها مُحرمَة أَو مسلمة وَهُوَ كَافِر أَو مَوْطُوءَة ابْنه أَو مُكَاتبَته أَو كَونه مبعضا وَإِن أذن لَهُ مَالك بعضه وَله التَّصَرُّف فِيهَا بالاستخدام وَالْإِجَارَة والإعارة مَا لم تكن مُكَاتبَة وَإِلَّا امْتنع الِاسْتِخْدَام وَغَيره مِمَّا ذكر مَعَه وتزويجها جبرا وَله أرش جِنَايَة عَلَيْهَا وَقيمتهَا إِذا قتلت لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا وعَلى مَنَافِعهَا كالمدبرة (لَا تمليكها) لغَيْرهَا بِبيع أَو هبة وَلَا رَهنهَا أما الْهِبَة فَلِأَنَّهَا نقل ملك إِلَى الْغَيْر وَأما الرَّهْن فَلِأَنَّهُ تسليط على ذَلِك فَأشبه البيع وَأَيْضًا إِنَّمَا امْتنع بيعهَا وهبتها لاستحقاقها الْعتْق فَلَا تقبل النَّقْل وَلَا تصح الْوَصِيَّة بهَا وَلَا وَقفهَا وَلَا تدبيرها وَتجوز كتَابَتهَا وَالْحَاصِل أَن حكم أم الْوَلَد حكم القنة إِلَّا فِيمَا ينْتَقل بِهِ الْملك أَو يُؤَدِّي إِلَى انْتِقَاله وَمحل عدم صِحَة ذَلِك إِذا لم يرْتَفع الإيلاد فَإِن ارْتَفع بِأَن كَانَت كَافِرَة وَلَيْسَت لمُسلم وسبيت وَصَارَت قنة صَحَّ جَمِيع ذَلِك وَيسْتَثْنى من ذَلِك مسَائِل يجوز بيعهَا الأولى الْمَرْهُونَة رهنا وضعيا بِأَن رهن الْمَالِك فِي حَيَاته أَو شَرْعِيًّا بِأَن يَمُوت الْمَالِك وَعَلِيهِ دين فالتركة مَرْهُونَة بِهِ رهنا شَرْعِيًّا وَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ المستولد مُعسرا حَال الإيلاد الثَّانِيَة الجانية وسيدها مُعسر حَال الإيلاد الثَّالِثَة مُسْتَوْلدَة الْمُفلس الرَّابِعَة بيعهَا من نَفسهَا بِنَاء على أَنه عقد عتاقة وَهُوَ الْأَصَح وكبيعها فِي ذَلِك هبتها بِخِلَاف الْوَصِيَّة بهَا لاحتياجها إِلَى الْقبُول وَهُوَ إِنَّمَا يكون بعد الْمَوْت وَالْعِتْق يَقع عقبه الْخَامِسَة إِذا سبى السَّيِّد الْمُسْتَوْلدَة واسترق فَيصح بيعهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ السَّادِسَة إِذا كَانَت حربية وقهرها حَرْبِيّ آخر ملكهَا وَظَاهر أَن أم الْوَلَد الَّتِي يجوز بيعهَا لعلقة رهن وضعي أَو شَرْعِي أَو جِنَايَة أَو نَحْوهَا تمْتَنع هبتها (كولدها التَّابِع لَهَا) فِي الْعتْق بِمَوْت السَّيِّد فَلَا يَصح تَمْلِيكه لغيره وَلَا رَهنه وعتقه من رَأس المَال وَإِن حبلت بِهِ من سَيِّدهَا فِي مرض مَوته أَو أوصى بِعِتْقِهِ وَأمه من الثُّلُث كإنفاقه المَال فِي الشَّهَوَات من المآكل والمشارب فَلَا يُؤثر فِيهِ ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام من الثُّلُث وَلَا فرق فِي ذَلِك الحكم بَين أَن تكون الْأُم مَوْجُودَة أم لَا فَلَو مَاتَت قبل موت السَّيِّد بَقِي حكم الِاسْتِيلَاد فِي حق الْوَلَد وَهَذَا أحد الْمَوَاضِع الَّتِي يَزُول فِيهَا حكم الْمَتْبُوع وَيبقى حكم التَّابِع كَمَا فِي نتاج الْمَاشِيَة فِي الزَّكَاة وَالْولد الْحَادِث بَين أبوين مختلفي الحكم على أَرْبَعَة أَقسَام الأول مَا يعْتَبر بالأبوين جَمِيعًا كَمَا فِي الْأكل وَحل الذَّبِيحَة والمناكحة وَالزَّكَاة والتضحية بِهِ وَجَزَاء الصَّيْد واستحقاقهم سهم الْغَنِيمَة وَالثَّانِي مَا يعْتَبر بِالْأَبِ خَاصَّة وَذَلِكَ فِي سَبْعَة أَشْيَاء النّسَب وتوابعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَالْحريَّة إِذا كَانَ من أمته أَو من أمة غر بحريتها أَو ظَنّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته أَو من أمة فَرعه والكفاءة وَالْوَلَاء فَإِنَّهُ يكون على الْوَلَد لموَالِي الْأَب وَقدر الْجِزْيَة وَمهر الْمثل وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى وَالثَّالِث مَا يعْتَبر بِالْأُمِّ خَاصَّة وَهُوَ شَيْئَانِ الْحُرِّيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ رَقِيقا وَالرّق إِذا كَانَ أَبوهُ حرا وَأمه رقيقَة إِلَّا فِي صور ولد أمته وَمن غر بحريتها وَمن ظَنّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته وَولد أمة فَرعه وَحمل حربية من مُسلم وَالرَّابِع مَا يعْتَبر بِأَحَدِهِمَا غير معِين وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا مَا يعْتَبر بأشرفهما وَهُوَ منقسم إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا يتبع فِيهِ من لَهُ كتاب كَمَا فِي الْإِسْلَام والجزية وَثَانِيهمَا مَا يتبع فِيهِ أغلظهما كَمَا فِي ضَمَان الصَّيْد وَالدية والغرة وَالضَّرْب الثَّانِي مَا يعْتَبر بأخسهما وَذَلِكَ فِي النَّجَاسَة والمناكحة والذبيحة والأطعمة وَالْأُضْحِيَّة والعقيقة وَاسْتِحْقَاق سهم الْغَنِيمَة وَولد الْمُدبرَة وَالْمُعَلّق عتقهَا بِصفة لَا يتبعهَا فِي الْعتْق إِلَّا إِن كَانَت حَامِلا عِنْد العقد أَو وجود الصّفة وَولد الْمُكَاتبَة الْحَادِث بعد الْكِتَابَة يتبعهَا رقا وعتقا بِالْكِتَابَةِ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للسَّيِّد وَولد الْأُضْحِية وَالْهَدْي الواجبين بِالتَّعْيِينِ لَهُ أكل جَمِيعه وَجرى جمَاعَة على أَنه أضْحِية وَهدى فَلَيْسَ لَهُ أكل شَيْء مِنْهُ بل يجب التَّصَدُّق بِجَمِيعِهِ وَولد الْمَبِيعَة الَّذِي لم ينْفَصل يتبعهَا ويقابله جُزْء من الثّمن وَولد الْمَرْهُونَة والجانية والمؤجرة والمعارة والموصي بهَا أَو بمنفعتها وَقد حملت بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَين الْوَصِيَّة وَمَوْت الْمُوصي سَوَاء أولدته قبل الْمَوْت أم بعده وَولد الْمَوْقُوفَة وَولد مَال الْقَرَاض والموصي بخدمتها والموهوبة إِذا ولدت قبل الْقَبْض لَا يتبعهَا أما إِذا كَانَت الْمُوصي بهَا أَو بمنفعتها حَامِلا بِهِ عِنْد الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ وَصِيَّة أَو حملت بِهِ بعد موت الْمُوصي أَو وَلدته الْمَوْهُوبَة بعد الْقَبْض وَقد حملت بِهِ قبل الْهِبَة فَإِنَّهُ يتبعهَا لحُصُول الْملك فِيهَا الْقَابِل حِينَئِذٍ فَإِن كَانَت الْمَوْهُوبَة حَامِلا بِهِ عِنْد الْهِبَة فَهُوَ هبة وَلَو رَجَعَ الأَصْل فِي الْمَوْهُوبَة لَا ينفذ رُجُوعه فِي الْوَلَد الَّذِي حملت بِهِ بعد الْهِبَة وولدته بعد الْقَبْض وَولد الْمَغْصُوبَة والمعارة والمقبوضة بِبيع فَاسد أَو بسوم والمبيعة قبل الْقَبْض يتبعهَا فِي الضَّمَان لِأَن وضع الْيَد عَلَيْهِ تَابع لوضع الْيَد عَلَيْهَا وَمحل الضَّمَان فِي ولد المعارة إِذا كَانَ مَوْجُودا عِنْد الْعَارِية أَو حَادِثا وَتمكن من رده فَلم يردهُ وَولد الْمُرْتَد إِن انْعَقَد فِي الرِّدَّة و (أَبَوَاهُ مرتدان فمرتد وَإِن انْعَقَد قبلهَا أَو فِيهَا وَأحد أُصُوله مُسلم فَمُسلم وَلَو نجز عتق أم الْوَلَد أَو الْمُدبرَة لم يتبعهَا وَلَدهَا بِخِلَاف الْمُكَاتبَة) وَلَو كَانَ ولد أم الْوَلَد أُنْثَى لم يجز للسَّيِّد وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا شبهه بهَا فِي الْعتْق بِمَوْت سَيّده وَلَو بِيعَتْ أم الْوَلَد فِي رهن وضعي أَو شَرْعِي أَو فِي جِنَايَة ثمَّ ملكهَا المستولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فِي أَوْلَادهَا تصير أم ولد على الصَّحِيح وَأما أَوْلَادهَا الَّذين وجدوا مِنْهَا بعد البيع وَقبل عودهَا إِلَى ملكه فأرقاء لَا يُعْطون حكمهَا لأَنهم ولدُوا قبل الحكم باستيلادها أما الحادثون بعد إيلادها وَقبل بيعهَا فَلَا يجوز لَهُ بيعهم وَإِن بِيعَتْ أمّهم للضَّرُورَة لِأَن حق الْمُرْتَهن والمجني عَلَيْهِ مثلا لَا تعلق لَهُ بهم فيعتقون بِمَوْتِهِ دون أمّهم بِخِلَاف الحادثين بعد البيع لحدوثهم فِي ملك غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402