الكتاب: الوسيط في المذهب المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) المحقق: أحمد محمود إبراهيم , محمد محمد تامر الناشر: دار السلام - القاهرة الطبعة: الأولى، 1417 عدد الأجزاء: 7   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الوسيط في المذهب أبو حامد الغزالي الكتاب: الوسيط في المذهب المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) المحقق: أحمد محمود إبراهيم , محمد محمد تامر الناشر: دار السلام - القاهرة الطبعة: الأولى، 1417 عدد الأجزاء: 7   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الْقسم الأول فى الْمُقدمَات وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى الْمِيَاه الطاهرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والطهورية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 مُخْتَصَّة بِالْمَاءِ من بَين سَائِر الْمَائِعَات أما فى طَهَارَة الْحَدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فبالإجماع وَأما فى طَهَارَة الْخبث فَعِنْدَ الشَّافِعِي خلافًا لأبي حنيفَة راضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الله عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 واختصاص الطّهُورِيَّة بِهِ إِمَّا تعبد لَا يعقل مَعْنَاهُ وَإِمَّا أَن يُعلل باختصاص المَاء بِنَوْع من اللطافة والرقة وَتفرد فى التَّرْكِيب لَا يُشَارِكهُ فِيهَا سَائِر الْمَائِعَات وَهُوَ الْأَقْرَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ثمَّ الْمِيَاه ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول مَا بَقِي على أَوْصَاف خلقته فَهُوَ الطّهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فَيدْخل تَحْتَهُ مَاء الْبِئْر وَمَاء الْبَحْر وكل مَا نبع من الأَرْض أَو نزل من السَّمَاء وَهُوَ المَاء الْمُطلق حَقًا وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا الْحَد إِلَّا المَاء الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث فَإِنَّهُ عِنْد الشَّافِعِي طَاهِر غير طهُور وَعند مَالك رَضِي الله عَنهُ طهُور وَهُوَ قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَعند أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ نجس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَيدل على طَهَارَته قلَّة احْتِرَاز الْأَوَّلين مِنْهُ وَأَنه لم يلق محلا نجسا وَيدل على سُقُوط طهوريته أَن الْأَوَّلين فى إعواز المَاء لم يجمعوا المَاء الْمُسْتَعْمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ليستعملوه ثَانِيًا ثمَّ سُقُوط الطّهُورِيَّة بِاعْتِبَار مَعْنيين أَحدهمَا تأدي الْعِبَادَة بِهِ وَالْآخر انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ فَإِن انْتَفَى المعنيان فطهور كالمستعمل فى الكرة الرَّابِعَة وَإِن وجد أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الْمَعْنيين دون الثَّانِي فَوَجْهَانِ كالمستعمل فى الكرة الثَّانِيَة أَو فى التَّجْدِيد فَإِنَّهُ لم يُوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والذى استعملته الذِّمِّيَّة حَتَّى تحل لزَوجهَا الْمُسلم فَإِنَّهُ وجد انْتِقَال الْمَنْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَلم يُوجد تأدي الْعِبَادَة إِلَّا إِذا لم نوجب الْإِعَادَة عَلَيْهَا إِذا أسلمت فروع أَرْبَعَة الأول الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث هَل يسْتَعْمل فى الْخبث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن للْمَاء قوتين وَلم يسْتَوْف إِلَّا إِحْدَاهمَا وَالثَّانِي لَا لِأَن تِلْكَ الْقُوَّة فى حكم خصْلَة وَاحِدَة لَا تتجزأ وَهَذَا كَمَا أَن الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث لَا يسْتَعْمل فى الْجَنَابَة وَلَا يُقَال إِن هَذِه الْقُوَّة بَاقِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الثَّانِي إِذا جمع المَاء الْمُسْتَعْمل حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يعود طهُورا كَالْمَاءِ النَّجس إِذا جمع فَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَلِأَن الْكَثْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 تدفع حكم الِاسْتِعْمَال فَإِذا طرأت تقطع حكمه كالنجاسة وَالثَّانِي لَا يعود طهُورا لِأَن حكم النَّجَاسَة يسْقط إِذا انغمرت واستهلكت بِكَثْرَة المَاء وَأَن الإستعمال أبطل قُوَّة المَاء فَيلْحق بِمَاء الْورْد وَسَائِر الْمَائِعَات الثَّالِث إِذا انغمس الْجنب فى مَاء قَلِيل وَخرج ارْتَفَعت جنابته وَصَارَ المَاء مُسْتَعْملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَقَالَ الخضري من أَصْحَابنَا لَا ترْتَفع لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا بملاقاة أول جُزْء مِنْهُ وَهُوَ غلط إِذْ حكم الإستعمال إِنَّمَا يثبت بالإنفصال وَلَا يثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 حَالَة تردده على الْأَعْضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الرَّابِع الْمُحدث إِذا أَدخل يَده فى الْإِنَاء بعد غسل الْوَجْه وَكَانَ قد نوى رفع الْحَدث صَار المَاء مُسْتَعْملا إِذا انفصلت الْيَد من المَاء فطريقة أَن يقْصد الاغتراف والتنحية حَتَّى لَا يصير مُسْتَعْملا فَإِن غفل عَن نِيَّة رفع الْحَدث وَعَن قصد الاغتراف فَالْمَشْهُور أَنه يصير مُسْتَعْملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَيتَّجه أَن يُقَال هَيْئَة الاغتراف صارفة للملاقاة إِلَى هَذِه الْجِهَة بِحكم الْعَادة فَلَا يصير مُسْتَعْملا الْقسم الثَّانِي فِيمَا تغير عَن وصف خلقته وَلَكِن تغيرا يَسِيرا لَا يزايله اسْم المَاء الْمُطلق فَهُوَ طهُور كَالْمَاءِ الْمُتَغَيّر بطول الْمكْث أَو الْمُتَغَيّر بزعفران يسير ظهر عَلَيْهِ أدنى ظُهُور فَإِنَّهُ طهُور على الْمَذْهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيّر بِمَا يجاوره كالعود والعنبر والكافور الصلب وَكَذَا الْمُتَغَيّر بِمَا يتَعَذَّر صون المَاء عَنهُ كالتراب والزرنيخ والنورة وَمَا لَا يَخْلُو المَاء عَنهُ فى مقره فَإِن اسْم المَاء الْمُطلق لَا ينسلب بِهِ وَكَذَلِكَ المسخن والمشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 نعم فى المشمس كَرَاهِيَة من جِهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الطِّبّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لِأَن حمي الشَّمْس يفصل من الْإِنَاء أَجزَاء تعلو المَاء كالهباء فَإِذا لَاقَى الْبدن أورث البرص ثمَّ اخْتلفُوا فى أَن هَذِه الْكَرَاهِيَة هَل تخْتَص بالبلاد الحارة وبالأواني المنطبعة وبقصد التشميس وَهَذَا خلاف لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهِيَة إِلَّا من جِهَة الطِّبّ والمحذور من جِهَة الطِّبّ يخْتَص بالحرارة المفرطة وَلَا يخْتَص بِوُجُود الْقَصْد وَيخْتَص بالجواهر المنطبعة فَلَا يجْرِي فى الْخشب والخزف وَالْجَلد وَلَعَلَّه لَا يجْرِي فى الذَّهَب وَالْفِضَّة من المنطبعات لصفاء جوهريهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الْقسم الثَّالِث مَا تفاحش تغيره بمخالطة مَا يَسْتَغْنِي المَاء عَنهُ بِحَيْثُ لَا يفهم من مُطلق اسْم المَاء فَإِن استجد اسْما آخر كالحبر والصبغ والمرقة فَلَيْسَ بِطهُور بِالْإِجْمَاع وَإِن لم يستجد اسْما مُنْفَردا فَلَيْسَ بِطهُور أَيْضا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 رَحْمَة الله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تعبد بِالْوضُوءِ بِالْمَاءِ وَقد سقط اسْم المَاء وَإِن لم يَتَجَدَّد اسْم آخر فروع أَرْبَعَة الأول فى الْمُتَغَيّر بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَيْسَ بِطهُور لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف فَإِن التَّغَيُّر بِالتُّرَابِ لَا يسلب اسْم المَاء وَيعلم أَن الْأَوَّلين كَانُوا إِذا رَأَوْا مَا متغيرا بِالتُّرَابِ لم يبحثوا عَن سَببه وَلِأَن التُّرَاب مجاور لَهُ فَإِنَّهُ يرسب على الْقرب وينفصل عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 المَاء الثَّانِي إِذا تغير المَاء بالملح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَيفرق فى الثَّالِث بَين الْجبلي والمائي وَيُشبه المائي بالجمد وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَو كَانَ كالجمد لذاب فى الشَّمْس وَلَكِن تَعْلِيله التَّشْبِيه بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فَإِن مَاء الْبَحْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 مالح وملوحته من أَجزَاء سبخَة فى الأَرْض تَنْتَشِر فِيهِ ثمَّ هُوَ طهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقصد آدَمِيّ فَإِذا طرح قصدا خرج على الْخلاف الثَّالِث الأوراق إِذا تناثرت فى المَاء فَمَا دَامَت مجاورة لَا تضر وَإِن تعفنت واختلطت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فى الثَّالِث بَين الخريفي والربيعي لتعذر الِاحْتِرَاز عَن الخريفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الرَّابِع إِذا صب مِقْدَار من مَاء الْورْد أَو غَيره من الْمَائِعَات على مَاء قَلِيل وَكَانَ بِحَيْثُ لَو خَالف لَونه لون المَاء لتفاحش تغيره خرج عَن كَونه طهُورا وَإِن كَانَ أقل مِنْهُ فَلَا يخرج عَن كَونه طهُورا فَلَو اسْتعْمل الْكل فَهُوَ جَائِز على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الظَّاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَمِنْهُم من قَالَ إِذا بَقِي قدر ذَلِك الْمَائِع لم يجز اسْتِعْمَاله لِأَنَّهُ عِنْد ذَلِك يتَحَقَّق أَن الْجَارِي على بعض أَعْضَائِهِ لَيْسَ بِمَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا صَار مغمورا ثَبت للْكُلّ حكم المَاء فَلَا يفصل جُزْء عَن جُزْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى الْمِيَاه النَّجِسَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فى النَّجَاسَات والأعيان تَنْقَسِم إِلَى حيوانات وجمادات والجمادات أَصْلهَا على الطَّهَارَة إِلَّا الْخمر فَإِنَّهَا نَجِسَة تَغْلِيظًا وفى مَعْنَاهَا كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 نَبِيذ مُسكر وَكَذَا الْخمر المحترمة على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَأما الْحَيَوَانَات مَا دَامَت حَيَّة فأصلها على الطَّهَارَة إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر فَإِذا مَاتَت فأصلها على النَّجَاسَة إِلَّا فى أَرْبَعَة أَجنَاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الأول الْآدَمِيّ فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 لِأَنَّهُ تعبد بِغسْلِهِ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق بكرامته الحكم بِنَجَاسَتِهِ الثَّانِي السّمك وَالْجَرَاد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيتَتَانِ السّمك وَالْجَرَاد والدمان الكبد وَالطحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الثَّالِث مَا يَسْتَحِيل من الطَّعَام كدود الْخلّ والتفاح فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب وَيحل أكله على أحد الْوَجْهَيْنِ وَقيل إِنَّه حرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 لتحَقّق الْمَوْت الرَّابِع مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة كالذباب والبعوض والخنافس والعقارب فَفِي نَجَاسَة المَاء بموتها قَولَانِ الْجَدِيد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 المَاء لَا ينجس بِهِ ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا خلاف فى أَن هَذِه الْحَيَوَانَات هَل تنجس بِالْمَوْتِ وَكَأن عِلّة النَّجَاسَة احتباس الدَّم المعفن الْخَفي فى الْبَاطِن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تنجس بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا لَا ينجس المَاء فى قَول لتعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فى أَنه هَل يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهل يفرق بَين مَا يعم كالبعوض والذباب أَو لَا يعم كالعقارب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 هَذَا حكم الْحَيَوَانَات فَأَما أجزاؤها فَكل عُضْو أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت إِلَّا الْعظم وَالشعر فَفِيهِ خلاف سَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أما الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِلَة عَن بَاطِن الْحَيَوَان فَكل مترشح لَيْسَ لَهُ مقرّ يَسْتَحِيل فِيهِ كالدمع واللعاب والعرق فَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان طَاهِر وَمَا اسْتَحَالَ فى الْبَاطِن فأصله على النَّجَاسَة كَالدَّمِ وَالْبَوْل والعذرة إِلَّا مَا هُوَ مَادَّة الْحَيَوَانَات كاللبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 والمني وَالْبيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَالنَّظَر فى فضلات خَمْسَة الأولى الدَّم والقيح فَهُوَ نجس من كل حَيَوَان إِلَّا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لما رُوِيَ أَن أَبَا طيبَة الْحجام شرب دَمه فَقَالَ لَهُ إِذا لَا يبجع بَطْنك أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الثَّانِيَة الْبَوْل والعذرة نجس من كل حَيَوَان وَيسْتَثْنى عَنهُ موضوعان الأول بَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان وَجه الطَّهَارَة لما رُوِيَ أَن أم أَيمن شربت بَوْله فَلم يُنكر عَلَيْهَا فَقَالَ إِذا تلج النَّار بَطْنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الثَّانِي رَوْث السّمك وَالْجَرَاد وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لِأَنَّهُ إِذا حكم بِطَهَارَة ميتتهما فكأنهما فى معنى النَّبَات وَهَذِه رطوبات فى بَاطِنهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فَأَما بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه فنجس خلافًا لِأَحْمَد وَمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَماعَة أصفرت وُجُوههم لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فشربتم من أبوالها وَأَلْبَانهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فَفَعَلُوا ذَلِك فصحوا فَهَذَا مَحْمُول على التَّدَاوِي وَهُوَ جَائِز بِجَمِيعِ النَّجَاسَات إِلَّا بِالْخمرِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بِالْخمرِ فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن من غص بلقمة لَهُ أَن يسيغها بِخَمْر إِن لم يجد غَيرهَا فَمن أَصْحَابنَا من جوز التَّدَاوِي قِيَاسا على إساغة اللُّقْمَة وَحمل الحَدِيث على صُورَة علم أَن الشِّفَاء لَا يحصل بهَا الثَّالِثَة الألبان وهى طَاهِرَة من الْآدَمِيّ وكل حَيَوَان مَأْكُول وَالْمذهب نجاستها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 من كل حَيَوَان لَا يُؤْكَل لِأَنَّهَا من بَين فرث وَدم وَإِنَّمَا طَهَارَتهَا لحل التَّنَاوُل وَاخْتلفُوا فى الإنفحة وهى لبن يَسْتَحِيل فى جَوف الخروف والجدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَغَيرهمَا وَالْقِيَاس نجاستها وَمِنْهُم من حكم بِالطَّهَارَةِ إِذْ بهَا يجبن اللَّبن والأولون لم يحترزوا مِنْهُ الرَّابِعَة الْمَنِيّ فَهُوَ طَاهِر من الْآدَمِيّ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ومني سَائِر الْحَيَوَانَات الطاهرة فِي ثلَاثه أوجه أَحدهَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ وَالثَّانِي النَّجَاسَة فَإِن ذَلِك تكرمة للآدمي وَالثَّالِث أَنه طَاهِر من الْحَيَوَان الْمَأْكُول تَشْبِيها ببيض الطَّائِر الْمَأْكُول وَأما مني الْمَرْأَة فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن رُطُوبَة بَاطِن فرجهَا طَاهِر أَو نجس وَفِيه وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَالْخَامِسَة الْبيض وَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان مَأْكُول وَمِمَّا لَا يُؤْكَل لَحْمه فَوَجْهَانِ وَإِذا استحالت مذرة فَتخرج على الْوَجْهَيْنِ فى الْمَنِيّ إِذا اسْتَحَالَ مُضْغَة فَفِي وَجه تستدام الطَّهَارَة وفى وَجه يحكم بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ دَمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فروع أَرْبَعَة الأول إِذا مَاتَت الدَّجَاجَة وفى بَطنهَا بيض فَهَل ينجس فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم كاللبن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُنْعَقد فى نَفسه لَا يمتزج بِغَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الْفَرْع الثَّانِي إِذا أبين عُضْو فى الْآدَمِيّ أَو السَّمَكَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَاهِر وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن مَا أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت وَلَا تزيد الْإِبَانَة على الْمَوْت الثَّالِث دود القز طَاهِر وَيجوز بَيْعه وفى روثه وبزره من الْخلاف الذى فِي بيض الْحَيَوَان الذى لَا يَأْكُل يُؤْكَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الرَّابِع الْمسك طَاهِر وَفِي فأرته وَجْهَان أصَحهمَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 يحْتَرز الْأَولونَ من استصحابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الْفَصْل الثَّانِي فى المَاء الراكد إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة أما الْقَلِيل فيتنجس وَإِن لم يتَغَيَّر مهما وَقع فِيهِ نَجَاسَة يُدْرِكهَا الطّرف فَإِن كَانَ لَا يُدْرِكهَا فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مُخْتَلف فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجْتَنب فى المَاء وَالثَّوْب لتحَقّق وُصُول النَّجَاسَة وَالثَّانِي أَنه يُعْفَى عَنهُ لتعذر الإحتراز مِنْهُ وَمِنْهُم من قَالَ يُعْفَى عَنهُ فى المَاء وَلَا يُعْفَى فى الثَّوْب على وفْق النصين لِأَن أَكثر ذَلِك يَقع بطيران الذُّبَاب من النَّجَاسَة وَلَا يُمكن صون المَاء عَنهُ وصون الثَّوْب عَنهُ مُمكن فَإِن فى طيرانها مَا يجفها وصونه عَن غَيره من النَّجَاسَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 مُمكن وَهُوَ الْأَصَح وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ يُعْفَى فى الثَّوْب لِأَنَّهُ بارز للنجاسات وتغطية المَاء مُمكن وَهَذَا خلاف النَّص وَلَعَلَّ الصَّحِيح أَن مَا انْتَهَت قلته إِلَى حد لَا يُدْرِكهُ الطّرف مَعَ مُخَالفَة لَونه للون مَا اتَّصل بِهِ فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكهُ الطّرف عِنْد تَقْدِير اخْتِلَاف اللَّوْن فَلَا يُعْفَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قَالَ مَالك المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غير طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَفرق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بَين الْقَلِيل وَالْكثير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا فَإِذا بلغ قُلَّتَيْنِ فينجس إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ وَإِن كَانَ التَّغَيُّر يَسِيرا ثمَّ يعود طَاهِرا مهما زَالَ التَّغَيُّر بهبوب الرّيح وَطول الْمكْث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَلَو زَالَ بِوُقُوع الزَّعْفَرَان أَو الْمسك فَلَا لِأَنَّهُ لستتار لَا زَوَال وَلَو زَالَ بِوُقُوع التُّرَاب منشؤهما التَّرَدُّد فى أَن التُّرَاب سَاتِر أم مُبْطل فَإِن قيل مَا حد الْقلَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قُلْنَا قيل خَمْسمِائَة من وَقيل خَمْسمِائَة رَطْل والأقسط مَا ارْتَضَاهُ الْقفال وَصَاحب الْكَافِي أَنَّهَا ثَلَاثمِائَة من لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من استقلاق الْبَعِير وابل الْعَرَب ضِعَاف لَا تحمل أَكثر من مائَة وَسِتِّينَ منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فيحط عَنهُ عشرَة أمنان للراوية والحبال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَالصَّحِيح أَن هَذَا تقريب وَلَيْسَ بتحديد فعلى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَو نقص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 رطلان لم يضر وَلم يسمحوا بِثَلَاثَة وَمِنْهُم من لم يسمح بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يضر نُقْصَانا نصف الْقرْبَة وَهُوَ الذى تردد فِيهِ ابْن جريج إِذْ قَالَ لقد رَأَيْت قلال هجر فَكَانَت الْقلَّة تسع قربتين أَو قربتين وشيئا وَلَعَلَّ الْأَقْرَب أَن يُقَال إِذا نقص قدر لَو طرح عَلَيْهِ من الزَّعْفَرَان مثل مَا طرح على الْكَمَال لظهر التَّفَاوُت للحس فَهُوَ مُؤثر وَهَذَا الضَّبْط أولى من التَّقْدِير بالأرطال فَإِن ذَلِك تشوف إِلَى التَّحْدِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فَإِن وَقع الشَّك فى أَن النَّاقِص فَوق هَذَا الْقدر أَو دونه فَيحْتَمل أَن يُقَال الأَصْل النَّجَاسَة إِلَى أَن تستيقن الْكَثْرَة الدافعة أَو يُقَال الأَصْل طَهَارَة المَاء إِلَى أَن يستيقن النُّقْصَان وَالِاحْتِمَال الأول أظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فروع خمس الأول إِذا وَقعت نَجَاسَة مائعة فى قُلَّتَيْنِ فَالْكل طَاهِر وَإِن كَانَت جامدة فَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا يجوز الاغتراف إِلَّا بعد التباعد عَنْهَا بقلتين وَالْقَوْل الْقَدِيم وَعَلِيهِ فَتْوَى الْأَكْثَرين أَنه لَا يجب التباعد عَنْهَا بقلتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 لِأَن المَاء الْكثير دَافع للنَّجَاسَة بكثرته فالاغتراف من جوارها لَيْسَ بأبعد من الاغتراف من جوَار المَاء المجتنب بِسَبَبِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فَإِن أَوجَبْنَا التباعد فَلَو كَانَ فى بَحر فتباعد بِقدر شبر ليحسب العمق فى قُلَّتَيْنِ لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يتباعد قدرا لَو حسب مثله فى العمق وَسَائِر الجوانب كَانَ قُلَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الثَّانِي قلتان نجستان جمعتا عادتا طاهرتين فَإِذا فرقتا بَقِيَتَا على الطَّهَارَة وَلم يضر التَّفْرِيق الثَّالِث كوز فِيهِ مَاء نجس غمس فى مَاء كثير فَإِن كَانَ الْكوز وَاسع الرَّأْس طهر بالاتصال بالكثير إِن مكث سَاعَة وَهل يطهر على الْفَوْر فِيهِ خلاف وَإِن كَانَ الْكوز ضيق الرَّأْس فالأشهر أَنه لَا يطهر لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ قوته وَلَا يصير كالجزء مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الرَّابِع إِذا وَقعت نَجَاسَة جامدة فى المَاء الْكثير وَتَروح بهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا ينجس لِأَنَّهُ تغير بالمجاورة وَالثَّانِي ينجس لِأَنَّهُ تغير بعد الْوُقُوع فِيهِ والتغير بِهِ يعد مستقذرا الْخَامِس إِذا وَقع فى الْبِئْر نَجَاسَة وغيرته فالطريق أَن يزَال تغيره بالمكاثرة بِالْمَاءِ أَو بِالصبرِ حَتَّى يَزُول بطول الْمكْث فَإِن وَقعت فِيهِ فَأْرَة وانمعطت شعورها فَكل دلو يستقيه لَا يَنْفَكّ عَن شعر فى غَالب الْأَمر فالطريق أَن يستقى المَاء بدلاء على الْوَلَاء إِلَى أَن تنزف مثل جمة الْبِئْر مرّة أَو مَرَّات استطهارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فَمَا يَتَجَدَّد بعد ذَلِك من المَاء طَاهِر لِأَنَّهُ مستيقن الطَّهَارَة وَكَون الشّعْر فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 مشكوكا فِيهِ بل الْغَالِب عَدمه لِأَن اسْتِيفَاء جَمِيع المَاء على الْوَلَاء يستوعب جيمع الشّعْر فِي غَالب الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الْفَصْل الثَّالِث فِي المَاء الْجَارِي وطبيعة المَاء الْجَارِي التفاصل فى الجريات بِخِلَاف الراكد فَإِن طَبِيعَته التواصل والتراد فَإِذا وَقعت نَجَاسَة فَإِن كَانَت جامدة تجْرِي بجري المَاء فَمَا فَوْقهَا طَاهِر إِذْ لم يتَّصل بِالنَّجَاسَةِ فَإِن الجريات متفاصلة وَمَا تحتهَا طَاهِر إِذْ النَّجَاسَة لم تتصل بهَا وَمَا على يَمِينهَا وشمالها وفى سمتها إِلَى العمق طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالطَّهَارَةِ لتفاصل جَمِيع أَجزَاء الْجَارِي وَمِنْهُم من خرج على قولي التباعد لِأَن التفاصل فى جِهَة تلاحق الجرايات فى طول النَّهر لَا فى الْعرض فَإِن كَانَت النَّجَاسَة واقفة فَالْحكم مَا سبق إِلَّا مَا أَمَام النَّجَاسَة فَإِن المَاء يجْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 عَلَيْهَا وينفصل عَنْهَا فَهُوَ نجس فِيمَا دون الْقلَّتَيْنِ فَإِذا انْتهى إِلَى حد الْقلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص هُوَ طَاهِر لِأَن بَين المغترف وَبَين النَّجَاسَة قُلَّتَيْنِ وَقَالَ ابْن سُرَيج هُوَ نجس فَإِن امْتَدَّ الْجَدْوَل فراسخ إِلَى أَن يجْتَمع فى حَوْض قدر قُلَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن جريات المَاء متفاصلة فَلَا تحصل الْكَثْرَة إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بالركود إِمَّا إِن كَانَت النَّجَاسَة مائعة فَإِن غيرت المَاء فالقدر الْمُتَغَيّر كنجاسة جامدة وَإِن انمحقت لَا ينجس المَاء وَإِن كَانَ قَلِيلا لِأَن الْأَوَّلين مَا زَالُوا يَتَوَضَّئُونَ ويستنجون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 من الْأَنْهَار الصَّغِيرَة هَذَا فى الْأَنْهَار المعتدلة أما النَّهر الْعَظِيم الذى يُمكن التباعد فِيهِ عَن جَمِيع جَوَانِب النَّجَاسَة بِقدر قُلَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فَصَاعِدا الذى قطع بِهِ مُعظم الْأَئِمَّة أَنه لَا يجْتَنب فِيهِ إِلَّا حَرِيم النَّجَاسَة وَهُوَ الذى تغير شكله بِسَبَب النَّجَاسَة وَهَذَا الْحَرِيم مجتنب فى المَاء الراكد أَيْضا فرع الْحَوْض إِذا كَانَ يجْرِي المَاء فى وَسطه وطرفاه راكدان فللطرفين حكم الراكد وللمتحرك حكم الْجَارِي فَلَو وَقعت نَجَاسَة فى الْجَارِي فَلَا ينجس الراكد إِذا لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 نوجب التباعد وَإِن كَانَ الْجَارِي قَلِيلا وَإِن وَقعت فى الراكد وَهُوَ أقل من الْقلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس والجاري يلاقي فى جَرَيَانه مَاء نجسا فَإِن كَانَ يخْتَلط بِهِ مَا يُغَيِّرهُ لَو خَالفه لَونه فينجسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الْفَصْل الرَّابِع فى كَيْفيَّة إِزَالَة النَّجَاسَة وَحكم الغسالة والنجاسة لَا تَخْلُو إِن كَانَت حكمِيَّة فَيَكْفِي إِجْرَاء المَاء على جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة فَلَا بُد من إِزَالَة عينهَا فَإِن بَقِي طعم النَّجَاسَة لم يطهر فَإِنَّهُ يدل على بَقَاء الْعين وَإِن بَقِي اللَّوْن بعد الحت وَالْقَرْض فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ لتعذر إِزَالَته بِخِلَاف إِزَالَة الطّعْم وَإِن بقيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الرَّائِحَة فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه كاللون لِأَنَّهَا تعبق بِالثَّوْبِ إِذا كَانَت فائحة ويعسر إِزَالَتهَا ثمَّ يسْتَحبّ الِاسْتِظْهَار فى العينية والحكمية بعد حُصُول الطَّهَارَة بغسلة ثَانِيَة وثالثة وَهل تقف الطَّهَارَة على عصر الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن الغسالة طَاهِرَة أَو نَجِسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فَإِن قُلْنَا يجب الْعَصْر فَفِي الِاكْتِفَاء بالجفاف وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنا نقدر انْتِقَال النَّجَاسَة بالعصر وَلَا يَزُول بالجفاف إِلَّا بَلل المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 هَذَا إِذا أورد المَاء على النَّجَاسَة فَإِن أورد الثَّوْب النَّجس على مَاء قَلِيل نجس المَاء وَلم يطهر الثَّوْب وَقَالَ ابْن سُرَيج يطهر لِأَن الملاقاة لَا تخْتَلف بِأَن يكون الثَّوْب موردا للْمَاء أَو واردا عَلَيْهِ وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ لَو كَانَ فى إجانة مَاء نجس فكوثر بصب مَاء قَلِيل عَلَيْهِ صَار الْكل طَاهِرا بِنَاء على أَن غسالة النَّجَاسَة طَاهِرَة ثمَّ قضى بِأَن الثَّوْب لَو وَقع فِي مَاء قَلِيل بتحريك الرّيح نجس المَاء فَظن بِهِ أَنه يشْتَرط النِّيَّة فى إِزَالَة النَّجَاسَة هَذَا كُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فِي الثَّوْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أما الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة إِن كَانَت جامدة ترفع عينهَا وَإِن كَانَت مائعة كالبول يفاض المَاء عَلَيْهِ بِحَيْثُ تحصل بِهِ الْغَلَبَة على النَّجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا زِيَادَة فى النَّجَاسَة وَهُوَ مُخَالف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من المَاء لما بَال الْأَعرَابِي فى الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ثمَّ إِن لم نوجب عصر الثَّوْب طهر بالافاضة وَإِلَّا فنضوب المَاء فِي الأَرْض كالعصر فِي الثَّوْب فيطهر قبل الْجَفَاف وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم فِي أَن الأَرْض إِذا جَفتْ عَن الْبَوْل بالشمس عَادَتْ طَاهِرَة وَلَا تَفْرِيع على هَذَا القَوْل فعلى هَذَا الْآجر الذى عجن بِمَاء نجس فَإِنَّهُ طَاهِر على الْقَدِيم لِأَن تَأْثِير النَّار آكِد من تَأْثِير الشَّمْس وعَلى الْجَدِيد لَو نقع فى المَاء لم يطهر بَاطِنه بِخِلَاف اللَّبن فَإِنَّهُ يطهر إِذا يصب المَاء فِيهِ وَلَكِن إِذا أفيض المَاء على الْآجر قَالَ الْقفال يطهر ظَاهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَهَذَا حسن إِن لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة وَقَالَ أَبُو حَامِد لَا يطهر وَهَذَا لَا يتَّجه إِذا لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة بِأَن كَانَ معجونا بِمَاء نجس فَإِن المَاء يجْرِي على ظَاهره وَلَا محَالة فيطهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 هَذَا كُله فِي النَّجَاسَة الْمُطلقَة سوى المخففة والمغلظة أما المخففة فبول الصَّبِي قبل أَن يطعم الطَّعَام يَكْفِي فِيهِ رش المَاء بِحَيْثُ يُصِيب جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَلَا يشْتَرط الإجراء وَالْغسْل بِخِلَاف الصَّغِيرَة لما رُوِيَ أَن الْحسن أَو الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا بَال فى حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لبَابَة بنت الْحَارِث أأغسل إزارك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يغسل من بَوْل الصبية ويرش على بَوْل الْغُلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مِنْهُم من قَاس الصبية عَلَيْهِ وَهُوَ غلط لمُخَالفَته النَّص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أما الْمُغَلَّظَة فنجاسة الْكَلْب فَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا للْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وفى معنى لعابه عرقه وروثة وَسَائِر أَجْزَائِهِ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَفِي إِلْحَاق الْخِنْزِير بِهِ قَولَانِ من حَيْثُ إِنَّه مَخْصُوص بالتغليظ كَالْكَلْبِ إِلَّا أَن الِاخْتِلَاط بِهِ لَا يَقع غَالِبا هَذَا منشأ التَّرَدُّد ثمَّ خاصية هَذِه النَّجَاسَة الْعدَد والتعفير أما الْعدَد فَلَا يسْقط إِلَّا إِذا غمس الْإِنَاء فى مَاء كثير فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسْقط وَفَاء بالتعبد وَالثَّانِي يسْقط لِأَنَّهُ عَاد إِلَى حَالَة لَو كَانَ عَلَيْهَا ابْتِدَاء لم ينجس وَأما التعفير فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ مِنْهُم من قَالَ هُوَ تعبد مَحْض لَا يُعلل وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بالاستطهار بِغَيْر المَاء ليَكُون فِيهِ مزِيد كلفة وتغليظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور فعلى هَذَا الْخلاف تخرج أَرْبَعَة فروع الأول الصابون والأشنان هَل يقوم مقَام التُّرَاب فَمن مَحْض التَّعَبُّد لم يجوز عِنْد وجود التُّرَاب وَاخْتلفُوا عِنْد عَدمه فَمنهمْ من جوز لِأَن الاستطهار أَيْضا مَقْصُود مَعَ كَون الْمُسْتَعْمل تُرَابا فَعِنْدَ الْعَجز يقْتَصر على الْمُمكن وَمن علل بالاستطهار بِشَيْء آخر جوز اسْتِعْمَاله فى كل حَال وَمن علل بِالْجمعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بَين نَوْعي الطّهُور لم يجوز وَقد قيل يجوز فِي الثَّوْب لَا فِي الْإِنَاء لِأَن التُّرَاب يفْسد الثَّوْب وَهُوَ بعيد الثَّانِي التُّرَاب النَّجس اكْتفى بِهِ من علل بالاستطهار وَلم يجوزه من مَال إِلَى التَّعَبُّد أَو إِلَى الْجمع بَين نَوْعي الطّهُور الثَّالِث إِذا مزج التُّرَاب بالخل فَهُوَ جَائِز عِنْد من يُعلل بالاستطهار أَو بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور وَهُوَ مُمْتَنع عِنْد من يمِيل إِلَى التَّعَبُّد الرَّابِع الغسلة الثَّامِنَة لَا تقوم مقَام التعفير إِلَّا على وَجه بعيد فِي أَن المَاء أولى بالتعفير من التُّرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فَأَما إِذا ذَر التُّرَاب على الْمحل بعد الْغسْل لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يكدر بِهِ المَاء حَتَّى يصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجْزَائِهِ هَذَا حكم الْكَلْب أما الْهِرَّة فسؤرها طَاهِر وَلَكِن إِذا أكلت فَأْرَة ثمَّ ولغت فى مَاء قَلِيل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه نجس لتيقن نَجَاسَة الْفَم مَعَ أَنه لم يتَيَقَّن زَوَالهَا وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لعُمُوم الْحَاجة وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الثَّالِث أَنَّهَا إِن غَابَتْ وَاحْتمل ولوغها فِي مَاء كثير فطاهر وَإِلَّا فنجس أما الْفَأْرَة إِذا وَقعت فى مَاء قَلِيل وَخرجت حَيَّة فَلَا يحكم بِنَجَاسَة المَاء على الْأَظْهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَلَا مبالاة بِتَقْدِير النَّجَاسَة على مَحل النجو مِنْهَا بِخِلَاف الْآدَمِيّ إِذا استنقع فِي مَاء قبل الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ ينجس المَاء الْقَلِيل فَإِن الْأَوَّلين لم يلتفوا إِلَى تَقْدِير ذَلِك فِي الْفَأْرَة هَذَا كَيْفيَّة الْغسْل فى النَّجَاسَات أما الغسالة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْقَدِيم أَنه طَاهِر أبدا مَا لم يتَغَيَّر والجديد أَنه إِن طهر الْمحل فطاهر مَا لم يتَغَيَّر وَإِن لم يطهر الْمحل فنجس فَكَانَ حكمهَا حكم الْمحل بعد الْغسْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن حكمهَا حكم الْمحل قبل الْغسْل تخريجا من رفع الْحَدث فعلى هَذَا لَو أَصَابَت قَطْرَة من غسالة الْكَلْب فِي الكرة الثَّالِثَة ثوبا فَلَا يغسل على الْقَدِيم وَيغسل على الْجَدِيد أَرْبعا لِأَنَّهُ فى حكم الْمحل بعد الْغسْل ويعفر إِن كَانَ التعفير قد بَقِي وعَلى القَوْل الْمخْرج يغسل خمْسا لِأَن حكمه حكم الْمحل قبل الْغسْل فرع الْمُسْتَعْمل فِي النَّجَاسَة إِذا حكمنَا بِطَهَارَتِهِ هَل يسْتَعْمل فِي الْحَدث فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَجْهَان كالوجهين فِي الْمُسْتَعْمل فِي الْحَدث أَنه هَل يسْتَعْمل فى الْخبث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاجْتِهَاد بَين النَّجس والطاهر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمهما استبهم طَاهِر بِنَجس وَجب الِاجْتِهَاد وَالْبناء على غَالب الظَّن وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَهُ أَن يسْتَعْمل أَي الماءين شَاءَ لِأَنَّهُ استيقن الطَّهَارَة وَشك فى النَّجَاسَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن يَقِين الطَّهَارَة عَارضه يَقِين النَّجَاسَة وَقَالَ الْمُزنِيّ يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد فى ثَوْبَيْنِ صلى صَلَاتَيْنِ فيهمَا ثمَّ للِاجْتِهَاد شَرَائِط سِتَّة الأول أَن يكون للعلامة مجَال فى الْمُجْتَهد فِيهِ كَمَا إِذا اشْتبهَ إِنَاء نجس بطاهر أَو ثوب نجس بطاهر فَإِن اشتبهت أُخْت من الرَّضَاع بأجنبية فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 اجْتِهَاد لِأَنَّهُ لَا عَلامَة وَلَو اشْتبهَ لحم مذكاة بميتة فَلَا اجْتِهَاد أَيْضا على الْأَصَح الثَّانِي أَن يكون فى الْمُجْتَهد فِيهِ أصل مستصحب كَالْمَاءِ النَّجس مَعَ المَاء الطَّاهِر فَإِن كَانَ مَعَه بَوْل أَو مَاء ورد واشتبه بِالْمَاءِ فَالْأَظْهر منع الِاجْتِهَاد فالاجتهاد ضَعِيف فى النَّجَاسَات فَلَا بُد وَأَن يعتضد بالاستصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الثَّالِث أَن لَا يقدر على الْوُصُول إِلَى الْيَقِين فَإِن قدر على الْخَلَاص بِيَقِين فِي مَوضِع آخِره كَمَا إِذا كَانَ على شط الْبَحْر فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَنه يَقِين فى غير مَحل الِاجْتِهَاد فَلَا يمْنَع وَعَلِيهِ يخرج مَا إِذا كَانَ أحد الإناءين مَاء مُسْتَعْملا أَو مَاء ورد إِذْ استعمالهما مُمكن جَمِيعًا وَكَذَا إِذا اشْتبهَ الثِّيَاب وَمَعَهُ مَاء يغسل بِهِ ثَوْبه الرَّابِع أَن تكون النَّجَاسَة مستيقنة فى أحد الإناءين فَإِن كَانَ مشكوكا فِيهَا فَلَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد بل يَأْخُذ بِالْيَقِينِ السَّابِق وَإِن كَانَت النَّجَاسَة غالبة على الظَّن فيلتحق بِمحل الشَّك أَو بِالْيَقِينِ فعلى وَجْهَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أَحدهمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد لِأَن الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ كالطهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 مَعَ الْحَدث وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد لِأَن غَلَبَة الظَّن لَهَا تَأْثِير فى النَّجَاسَات فَإِنَّهَا مَطْلُوب بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَاف الْأَحْدَاث فَإِنَّهُ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا وعَلى هَذَا يخرج جَوَاز الصَّلَاة فى ثِيَاب مدمن الْخمر والنصاري والقصابين والتوضؤ من أواني الْكَفَرَة المتدينين فِي بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة وَالصَّلَاة فى الْمَقَابِر المنبوشة وَمَعَ طين الشوارع فَإِن الْغَالِب فى الْكل النَّجَاسَة نعم يُعْفَى من طين الشوارع عَمَّا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَمهما أخبرهُ عدل بُلُوغ الْكَلْب فى أحد الإناءين فَهَذَا كاليقين فَلَا يحْتَاج إِلَى الِاجْتِهَاد وَإِن قَالَ أَحدهمَا نجس لم يلْزمه الْقبُول إِذا الْمذَاهب مُخْتَلفَة فِي أَسبَاب النَّجَاسَة فَلَعَلَّهُ اعْتقد النَّجَاسَة فِيمَا لَيْسَ بِنَجس وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو رأى ظَبْيَة تبول فى مَاء فَانْتهى إِلَى المَاء وَهُوَ متغير فَلَا يدْرِي أَنه من طول الْمكْث أَو الْبَوْل أَخذ بِنَجَاسَتِهِ إِحَالَة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 السَّبَب الظَّاهِر الْخَامِس أَن يكون الْمُجْتَهد بَصيرًا فالأعمى يجْتَهد فِي وَقت الصَّلَاة بالأوراد وَلَا يجْتَهد فى الْقبْلَة وَهل يجْتَهد فِي الْأَوَانِي فعلى وَجْهَيْن لتردد الْأَوَانِي بَين الْأَصْلَيْنِ وَيدْرك الْأَعْمَى نَجَاسَة أحد الإناءين بولوغ الْكَلْب بِنُقْصَان المَاء واضطرابه وابتلال طرف الْإِنَاء السَّادِس أَن تلوح لَهُ عَلامَة فى اجْتِهَاده فَإِن تَأمل لم يظْهر لَهُ عَلامَة تيَمّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَصلى وَأعَاد الصَّلَاة لِأَنَّهُ تيَمّم وَمَعَهَا مَاء مستيقن الطَّهَارَة وَإِن كَانَ عَاجِزا لجهله وَلَكِن الْجَهْل لَيْسَ بِعُذْر فَإِن صب المَاء قبل التَّيَمُّم سقط الْقَضَاء وَهُوَ مَعْذُور فى صبه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ المَاء طَاهِرا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط الْقَضَاء فى أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ متعتد بالصب فروع ثَلَاثَة الأول إِذا صب أحد الإناءين قبل الِاجْتِهَاد أَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ فَهَل يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لَهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ بِالظَّاهِرِ فِي الثَّانِي فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بَقِي شاكا فى نَجَاسَته مَعَ يَقِين الطَّهَارَة وَالثَّانِي لَا إِذْ كَانَ الِاجْتِهَاد وَاجِبا قبل الصب فبعده كَذَلِك وَلَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فاجتهد وَغسل مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان ومنشأ الْمَنْع أَن هَذَا اجْتِهَاد خَال عَن الِاسْتِصْحَاب فَهُوَ كَمَاء الْورْد مَعَ المَاء الثَّانِي إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى أحد الإناءين فصلى بِهِ الصُّبْح فَأدى اجْتِهَاده عِنْد الظّهْر إِلَى الثَّانِي وَلم يبْق من الأول شَيْء نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يتَيَمَّم وَلَا يسْتَعْمل الآخر لِأَن الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَسْتَعْمِلهُ ويورده على جَمِيع موارد الأول لِئَلَّا يكون مُصَليا مَعَ يَقِين النَّجَاسَة وَهُوَ الْأَصَح لِأَن هَذِه قَضِيَّة مستأنفة فَلَا يُؤثر فِيهَا الِاجْتِهَاد الْمَاضِي فَإِن فرعنا عَن النَّص لم يقْض صلَاته الأولى وَهل يقْضِي الثَّانِيَة فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَجْهَان وَجه الْقَضَاء أَن مَعَه مَاء اطاهرا بِحكم الِاجْتِهَاد فَكَانَ كالطاهر بِالْيَقِينِ إِذا الْتبس عَلَيْهِ وَجه الِاجْتِهَاد وعَلى مَذْهَب ابْن سُرَيج لَا قَضَاء فِي الصَّلَاتَيْنِ قطعا كَمَا إِذا صلى إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين وَلم يتَعَيَّن الْخَطَأ فِي أَحدهمَا الثَّالِث ثَلَاثَة أواني وَاحِد مِنْهَا نجس اجْتهد فِيهَا ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَاسْتعْمل كل وَاحِد وَاحِدًا وصلوا ثَلَاث صلوَات بِالْجَمَاعَة كل وَاحِد إِمَام فى وَاحِدَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يَصح لكل وَاحِد مَا كَانَ مقتديا فِيهِ لِأَنَّهُ شَاك فى صِحَة صَلَاة إِمَامه فَصَارَ كالمقتدي بالخنثى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصَّلَاة الأولى صَحِيحَة لكل وَاحِد فى اقتدائه الأول وفى الِاقْتِدَاء الثَّانِي بطلت إِحْدَى صلاتيه فَيلْزمهُ قضاؤهما ليتفصي عَنهُ بِيَقِين وَقَالَ ابْن الْحداد الِاقْتِدَاء الثَّانِي فِي حق كل وَاحِد بَاطِل لِأَن فِيهِ يتَعَيَّن تَقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 النَّجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْأَوَانِي وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فى الْمُتَّخذ من الْجُلُود وكل جلد طَاهِر يجوز اتِّخَاذ الْأَوَانِي مِنْهُ وطهارة الْجلد بالذكاة والدباغ أما الذَّكَاة فَتطهر جلد كل مَا يُؤْكَل لَحْمه وَأما الدّباغ فيطهر كل جلد إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وفروعهما خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ عمم أثر الدّباغ والذكاة جَمِيعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَأما الْآدَمِيّ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ على الصَّحِيح وَإِن قيل بِنَجَاسَتِهِ فَفِي دباغ جلده تردد لِأَنَّهُ مَعْصِيّة ثمَّ كَيْفيَّة الدّباغ إِحَالَة بِاسْتِعْمَال الشث والقرظ وَاسْتِعْمَال الْأَشْيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الحريفة المنتزعة للفضلات المعفنة فَلَا يَكْفِي تجميد الفضلات بالتتريب والتشميس خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَهل يجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدّباغ ليصل إِلَى بَاطِن الْجلد وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْمُغَلب على الدّباغ الإحالة أم الْإِزَالَة ثمَّ إِذا فرغ من الدّباغ فَهَل يجب إفَاضَة المَاء الْمُطلق على ظَاهر الْجلد وَجْهَان أَحدهمَا يجب لإِزَالَة أَجزَاء الشث والقرظ فَإِنَّهَا نَجِسَة لاصقة بِالْمحل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر علق الطَّهَارَة بِمُجَرَّد الدّباغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَمن يُوجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدبغ يجوز أَن يكون متغيرا بالشث والقرظ وَمن يُوجب بعد الدّباغ فَلَا يجوز ذَلِك فرع إِذا دبغ الْجلد طهر ظَاهره وباطنه وَجَاز بَيْعه إِلَّا فى قَول قديم مُسْتَنده مُوَافقَة مَالك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يطهر ظَاهر الْجلد دون بَاطِنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فَأَما جَوَاز الْأكل مِنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ طَاهِر غير مُضر وَلَا مُحْتَرم فَجَاز أكله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَالثَّانِي الْمَنْع لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا وَالثَّالِث الْفرق بَين مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا لَا يُؤْكَل لَحْمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْفَصْل الثَّانِي فى الشُّعُور وَالْعِظَام وَفِي الشّعْر وَالصُّوف والريش قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص هَاهُنَا أَنَّهَا تنجس بِالْمَوْتِ والإبنابة تبعا للْأَصْل فى حكم الْحَيَاة وَالْمَوْت وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص فى الدِّيات أَنَّهَا لَا تنجس بِمَوْت الأَصْل فَإِنَّهَا خَالِيَة عَن الْحَيَاة وَأما الْعِظَام فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بنجاستها بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا تتألم وَلِأَن الودك فِيهَا نجس فَيدل على نَجَاسَة الظّرْف إِذْ لَا حَيَاة فِي الودك وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ التَّفْرِيع إِن ألحقناها بالجمادات فَجَمِيع الشُّعُور طَاهِرَة إِلَّا شعر الْكَلْب وَالْخِنْزِير على أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الْوَجْهَيْنِ وَإِن حكمنَا بنجاستها فشعور مَا يُؤْكَل لَحْمه لَا تنجس بالجز لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا فِي المفارش وَجلد الْميتَة إِذا دبغ وَعَلِيهِ شعره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس لِأَن الدّباغ لَا يُؤثر إِلَّا فِي الْجلد الثَّانِي أَنه يطهر تبعا كَمَا ينجس بِمَوْتِهِ تبعا وَأما شُعُور الْآدَمِيّ فقد نقل إِبْرَاهِيم الْبَلَدِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 رَجَعَ عَن تنجيسه وَهُوَ الصَّحِيح وَإِن حكم بِنَجَاسَتِهِ فَفِي شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْفَصْل الثَّالِث فى أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وهى مُحرمَة الِاسْتِعْمَال على الرِّجَال وَالنِّسَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الَّذِي يشرب فى آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا يجرجر فى بَطْنه نَار جَهَنَّم وَفِيه سِتّ مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الأولى أَن هَذَا نهي تَحْرِيم لتأكده بالوعيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَنه نهي كَرَاهِيَة وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة أَن التَّحْرِيم غير مَقْصُور على الشّرْب بل فِي مَعْنَاهُ وُجُوه الِانْتِفَاع خلافًا لداود وتزيين الحوانيت بِهِ من وُجُوه الِانْتِفَاع الْمحرم على أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 بطلت منفعَته من كل وَجه حرم اتِّخَاذه فَلَا قيمَة على كاسره الثَّالِثَة أَن هَذَا التَّحْرِيم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْجَوَاهِر النفيسة كالفيروزج والياقوت لِأَن الْمُفَاخَرَة بهما لَا يُدْرِكهَا إِلَّا الْخَواص وَفِيه وَجه آخر أَنه يتَعَدَّى لعُمُوم الْمَعْنى وَلَا خلاف فِي أَن الزّجاج لَا يلْتَحق بِهِ وَكَذَا مَا نفاسته فِي صَنعته الرَّابِعَة إِذا موه الْإِنَاء بِالذَّهَب لم يحرم على أظهر المذهبين لِأَن المموه لَا يخفى وَفِيه وَجه آخر أَنه يحرم لما فِيهِ من تخييل الْمُفَاخَرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الْخَامِسَة تضبيب الْإِنَاء بِالذَّهَب فى مَحل يلقى فَم الشَّارِب مَحْظُور على الْأَظْهر وَإِن لم يلق وَكَانَ صَغِيرا على قدر الْحَاجة جَازَ لأجل الْحَاجة وَإِن كَانَ كَبِيرا فَوق الْحَاجة حرم وَإِن وجد أحد الْمَعْنيين فَوَجْهَانِ وَمعنى الْحَاجة أَن يكون على قدر حَاجَة الشّعب لَا أَن يعجز عَن التضبيب بِغَيْرِهِ فَإِن ذَلِك يجوز اسْتِعْمَال أصل الْإِنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وحد الصَّغِير مَا لَا يظْهر على الْبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 السَّادِسَة فِي الْآنِية الصَّغِيرَة كالمكحلة وظرف الغالية تردد هَذَا إتْمَام قسم الْمُقدمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْقسم الثَّانِي فِي الْمَقَاصِد وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى صفة الْوضُوء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فَرَائض وَسنَن أما الْفَرَائِض فست الأول النِّيَّة وَالنَّظَر فى أَصْلهَا ووقتها وكيفيتها الأول النّظر فِي أَصْلهَا وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى أَن طَهَارَة الْأَحْدَاث تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة النَّجَاسَة لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا نِيَّة إِلَّا فِي التَّيَمُّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الثَّانِيَة أَن أَهْلِيَّة النِّيَّة شَرط فَلَا يَصح وضوء الْكَافِر وغسله وَإِن نوى وَكَذَا الْمُرْتَد وَلَو تَوَضَّأ ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لم يبطل وضوؤه وَفِي التَّيَمُّم وَجْهَان لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَعِيفَة تبطل بِرُؤْيَة السراب الثَّالِثَة الذِّمِّيَّة تَحت الْمُسلم تغسل عَن الْحيض لحق الزَّوْج فَإِن أَبَت أجبرت فَلَو أسلمت بعد الْغسْل فَفِي وجوب الْإِعَادَة للصَّلَاة وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 أَحدهمَا يجب لِأَنَّهَا اغْتَسَلت بِغَيْر النِّيَّة وَإِنَّمَا جَازَ فى حق الْوَطْء للضَّرُورَة وَالثَّانيَِة لَا يجب لِأَنَّهُ اسْتَقل بِأحد المقصودين كَالزَّكَاةِ فِي حق الْمُمْتَنع فَأَما الْكَافِرَة إِذا لم يكن لَهَا زوج أَو الْمسلمَة إِذا امْتنعت فأجبرت على الْغسْل فعلَيْهِمَا الْإِعَادَة لأجل الصَّلَاة لانْتِفَاء الضَّرُورَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ النّظر الثَّانِي فِي وَقت النِّيَّة وَهُوَ عِنْد حَالَة غسل الْوَجْه فَلَو غربت بعد ذَلِك لَا يضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 والأكمل أَن يقرنها بِأول سنَن الْوضُوء فَإِن غربت قبل غسل الْوَجْه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْأَجْزَاء لاتصاله بِجُزْء من الْعِبَادَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يتَّصل بِالْفَرْضِ النّظر الثَّالِث فى كَيْفيَّة النِّيَّة وَهِي على ثَلَاثَة أوجه الأول أَن يَنْوِي رفع الْحَدث فَهُوَ كَاف على الْإِطْلَاق فَلَو عين بعض الْأَحْدَاث بِالرَّفْع فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 أَحدهَا أَنه يرْتَفع على الْإِطْلَاق لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ فَرفع بعضه رفع كُله وَالثَّانِي أَنه لَا يرْتَفع فَإِن بَقَاء بعضه بَقَاء كُله وَلم ينْو رفع الْبَعْض وَالثَّالِث إِن نوى رفع الْحَدث الأول صَحَّ فَإِن مَا بعده لَيْسَ بِحَدَث الرَّابِع إِن لم ينف مَا عدا الْمعِين صَحَّ مُطلقًا وَإِن نفي رفع الآخر فَلَيْسَ الْإِثْبَات أولى من النَّفْي فَيبقى الْحَدث وَلَو غلط من حدث إِلَى حدث فَكَانَ مُحدثا من الْبَوْل فَقَالَ نَوَيْت رفع حدث النّوم ارْتَفع حَدثهُ لِأَن الْأَسْبَاب جنس وَاحِد فِي حق الْحَدث الْوَجْه الثَّانِي إِن نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو مَا لَا يستباح إِلَّا بالضوء كمس الْمُصحف للمحدث أوة الْمكْث فِي الْمَسْجِد للْجنب فَهُوَ كَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وَإِن نوى مَا لَا يسْتَحبّ فِيهِ الْوضُوء كاستباحة دُخُول السُّوق وزيارة الْأَمِير فَلَا يَصح وَإِن مَا يسْتَحبّ الْوضُوء لَهُ كَقِرَاءَة الْقُرْآن للمحدث وعبور الْمَسْجِد للْجنب فَوَجْهَانِ وَلَو نوى تَجْدِيد الْوضُوء أَو غسل الْجُمُعَة فَالْمَذْهَب أَن الْحَث لَا يرْتَفع لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحبا لأجل الْحَدث بِخِلَاف الْحَدث قِرَاءَة الْقُرْآن فَإِن الْوضُوء مُسْتَحبّ فِيهِ لأجل الْحَدث وَلَو نوى اسْتِبَاحَة صَلَاة مُعينَة كالصبح وَنفي غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يُبَاح لَهُ مَا عينه دون غَيره وَهُوَ الأضعف لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ بَقَاء وارتفاعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فرع من استيقن الطَّهَارَة وَشك فى الْحَدث فَلهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ فَلَو تطهر احْتِيَاطًا ثمَّ تبين الْحَدث فَفِي وجوب الْإِعَادَة وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَن نِيَّة الاستباحة لم تكن جازمة لتردده فى الْحَدث الْوَجْه الثَّالِث أَن يَنْوِي أَدَاء الْوضُوء أَو فَرِيضَة الْوضُوء فَهُوَ جَائِز بِخِلَاف مَا إِذا نوى فرض التَّيَمُّم فَإِن الْوضُوء قربَة مَقْصُودَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَلذَلِك يسْتَحبّ تجديده بِخِلَاف التَّيَمُّم وَهل يشْتَرط أَن يضيف الْوضُوء إِلَى الله تَعَالَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي النِّيَّة فِي سَائِر الْعِبَادَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فروع خَمْسَة الأول لَو نوى بوضوئه رفع الْحَدث والتبرد جَمِيعًا صَحَّ على الْأَظْهر لِأَن التبرد حَاصِل قصد أَو لم يقْصد وَإِن نوى التبرد فى أثْنَاء الطَّهَارَة فَإِن كَانَ قبل غرُوب النِّيَّة لم يضر على الْأَظْهر وَإِن كَانَ بعد غُرُوبهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقطع حكم النِّيَّة السَّابِقَة لِأَنَّهَا بقيت حكما وَهَذِه وجدت حَقِيقَة وَالثَّانِي أَنه لَا يضر لِأَن بقاءها حكما كبقائها حَقِيقَة الثَّانِي أَن الْجنب يَوْم الْجُمُعَة لَو نوى بِغسْلِهِ الْجُمُعَة وَرفع الْجَنَابَة حصلا على الْأَصَح كمن يُصَلِّي الصُّبْح وتحية الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَلَو اقْتصر على نِيَّة الْجَنَابَة فَفِي حُصُول غسل الْجُمُعَة قَولَانِ وَلَو اقْتصر على غسل الْجُمُعَة لَا يحصل بِهِ رفع الْجَنَابَة على الْأَصَح الثَّالِث لَو أغفل لمْعَة فِي الغسلة الأولى فانغسلت فى الثَّانِيَة وَهُوَ على قصد التَّنَفُّل هَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 يرْتَفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نِيَّة الْفَرْض بَاقِيَة حكما وَقصد التَّنَفُّل مَوْجُود حَقِيقَة فَلَا يتَأَدَّى الْفَرْض بِهِ الرَّابِع فى تَفْرِيق النِّيَّة على أَعْضَاء الْوضُوء وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع لِأَنَّهَا عبَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَاحِدَة فتشملها نِيَّة وَاحِدَة الْخَامِس الْمُسْتَحَاضَة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل لَا يَكْفِيهِ نِيَّة رفع الْحَدث لِأَن الْحَدث فى حَقه دَائِم وتكفي نِيَّة اسْتِبَاحَة الصَّلَاة على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَفِيه وَجه أَنه يجب الْجمع بَين نِيَّة رفع الْحَدث والاستباحة وَإِلَيْهِ ذهب الخضري فَقَالَ نِيَّة رفع الْحَدث للْحَدَث السَّابِق والاستباحة للأحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْفَرْض الثَّانِي غسل الْوَجْه وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن حد الْوَجْه من مُبْتَدأ تسطيح الْجَبْهَة إِلَى مُنْتَهى مَا يقبل من الذقن فى الطول وَمن الْأذن إِلَى الْأذن فى الْعرض فَلَا يدْخل فى الْحَد النزعتان على طرفِي الجبين وَلَا مَوضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الصلع من الرَّأْس وَفِي مَوضِع التحذيف خلاف وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه من الْوَجْه وَلذَلِك تعودت النِّسَاء تنحية الشّعْر عَنهُ وَهُوَ الْقدر الَّذِي إِذا وضع طرف الْخَيط على رَأس الْأذن الطّرف وَالثَّانِي على زَاوِيَة الجبين وَقع فى جَانب الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَأما مَوضِع الغمم فَإِن استوعبا جَمِيع الْجَبْهَة وَجب إِيصَال المَاء إِلَيْهِ وَإِن أَخذ بعض الْجَبْهَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ مقبل فى جِهَة الْوَجْه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فِي تدوير الرَّأْس الثَّانِيَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت الشُّعُور الْأَرْبَعَة الحاجبان والأهداب والشاربان والعذاران وهما الخطان الموازيان للأذنين لعلتين إِحْدَاهمَا أَنَّهَا خَفِيفَة فِي غَالب الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَالثَّانيَِة أَن بَيَاض الْوَجْه مُحِيط بهَا من الجوانب وَأما اللِّحْيَة فَإِن كَانَت خَفِيفَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت مَا وَقع فى حد الْوَجْه والخفيفة مَا يتَرَاءَى مِنْهَا الْبشرَة للنَّاظِر فى مجْلِس التخاطب أَو مَا يصل المَاء إِلَيْهِ من غير مزِيد تكلّف وَإِن كَانَت كثيفة فَلَا يجب إِلَى فى حق الْمَرْأَة لِأَن اللِّحْيَة لَهَا نادرة ثمَّ هَل تجب إفَاضَة المَاء على ظَاهر اللِّحْيَة الْخَارِجَة عَن حد الْوَجْه فِيهِ قَولَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقبل عِنْد التخاطب فيسمى وَجها وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهِ عَن حد الْوَجْه أما العنفقة الكثيفة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى منابتها وَجْهَان إِن عللنا فى الشُّعُور الْأَرْبَعَة بالخفة غَالِبا فَهِيَ خَفِيفَة غَالِبا وَإِن عللنا بإحاطة الْبيَاض فَلَا الْفَرْض الثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين وَفِيه ثَلَاثَة فروع الأول لَو قطع يَده من الساعد وَجب غسل الْبَاقِي من الساعد وَإِن قطع فَوق الْمرْفق اسْتحبَّ إمساس المَاء مَا بَقِي من عضده فَإِن تَطْوِيل الْغرَّة سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فَتبقى وَإِن سقط الْفَرْض وَإِن قطع من الْمفصل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب غسل عظم الْعَضُد لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن عظم الساعد وَقد زَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أَو لِأَن غسل الْعَضُد كَانَ تَابعا وَقد سقط الْمَتْبُوع وَهَذَا القَوْل نَقله الْمُزنِيّ وَالثَّانِي نَقله الرّبيع وَهُوَ أَنه يجب لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن مُجْتَمع الْعِظَام وَغسل الْكل أصل لَا تبع وَمن الْأَصْحَاب من قطع بِالْوُجُوب وَغلط الْمُزنِيّ فى النَّقْل وتكلف تَأْوِيله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْفَرْع الثَّانِي لَو نفذ سهم فى كَفه وَبَقِي متفتقا وَجب إِيصَال المَاء إِلَى بَاطِنه وَإِن تكشطت جلدَة من الساعد وتدلت وَجب استيعابها بِالْغسْلِ وَإِن التصقت بِبَعْض الساعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أجْرى المَاء على المتجافي من غير فتق فَإِن ارْتَفَعت إِلَى الْعَضُد والتصقت يجب غسلهَا أَيْضا نظرا إِلَى أَصله وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب غسل مَا فِي حد الْعَضُد لِأَنَّهُ صَار من الْعَضُد وَإِن تدلت من الْعَضُد فَلَا يجب غسله وَإِن التصقت بالساعد يجب غسل ظَاهر مَا الْتَصق بَدَلا عَمَّا استتر من الساعد وَلَا يجب غسل بَاقِيه نظرا إِلَى أَصله وَيحْتَمل على رَأْي الْعِرَاقِيّين أَن يجب غسل مَا يُحَاذِي الساعد وَإِن لم يلتصق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الْفَرْع الثَّالِث لَو نَبتَت يَد زَائِدَة من الساعد يجب غسلهَا وَإِن كَانَت الزَّائِدَة لَا تتَمَيَّز عَن الْأُخْرَى وَجب غسلهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَإِن نَبتَت من فَوق الْمرْفق لم تغسل فَإِن دخل رَأسهَا فى حد الساعد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم على أَنه يغسل مَا يُحَاذِي الساعد لحُصُول اسْم الْيَد ومحاذاة بعض مَحل الْفَرْض وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الْفَرْض الرَّابِع مسح الرَّأْس وَالنَّظَر فى قدره وَمحله وكيفيته أما قدره فَمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَلَو على بعض شَعْرَة من الرَّأْس وَقيل أَنه لَا يُجزئ أقل من ثَلَاث شَعرَات وَقدره أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِالربعِ وَمَالك أوجب الِاسْتِيعَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أما كيفيته فَهُوَ مد البلل على جُزْء من الرَّأْس وَلَو غسل أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ فَوق الْمسْح وَلَكِن لَا يسْتَحبّ وَهل يكره فِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه لَا يكره وَغسل الْخُف بدل الْمسْح مَكْرُوه وَلَكِن مسح الرَّأْس يسْتَحبّ فِيهِ التّكْرَار بِخِلَاف الْحق وَهُوَ تقريب من الْغسْل وَلَو وضع المَاء على الرَّأْس وَلم يمده فَوَجْهَانِ اخْتَار الْقفال أَنه لَا يُجزئ لِأَنَّهُ مَنُوط بالإسم وَذَلِكَ لَا يُسمى مسحا وَالْأَظْهَر الْجَوَاز لحُصُول الإبلال كَمَا يُجزئ الْغسْل وَإِن لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 يُسمى مسحا وَأما مَحَله فَهُوَ الرَّأْس وكل شعر كَائِن فى حد الرَّأْس فَإِن مسح على شعر متجعد يخرج مَحل الْمسْح بِالْمدِّ عَن حد الرَّأْس لم يجز وَلَو حلق الشّعْر الَّذِي مسح عَلَيْهِ لم تلْزمهُ الْإِعَادَة خلافًا لإبن خيران الْفَرْض الْخَامِس غسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَعند الشِّيعَة الْوَاجِب هُوَ الْمسْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْفَرْض السَّادِس التَّرْتِيب خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول لَو نسي التَّرْتِيب لَا يُجزئهُ وَفِيه قَول قديم أَنه يُجزئهُ وَكَذَلِكَ فِي ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِي إِذا انغمس الْمُحدث فِي مَاء وَنوى رفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 يُجزئ لِانْعِدَامِ التَّرْتِيب وَالثَّانِي يُجزئ لعلتين إِحْدَاهمَا أَن الْغسْل حط عَنهُ تَخْفِيفًا فَإِذا اغْتسل صَار الْجَمِيع كالعضو الْوَاحِد فَأشبه الْجنب وَالثَّانيَِة أَن المَاء يلاقي أعضاءه فِي لحظات متعاقبة فيترتب رفع الْحَدث وعَلى هَذَا لَو تنكس فأوصل المَاء إِلَى أسافله ثمَّ إِلَى أعاليه خرج على العلتين الثَّالِث الْجنب الَّذِي لَيْسَ بمحدث لَا وضوء عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لف على قضيبه خرقَة وغيب الْحَشَفَة وَإِن كَانَ مُحدثا يَكْفِيهِ الْغسْل واندرجت الطَّهَارَة الصُّغْرَى تَحت الْكُبْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَفِي مُرَاعَاة التَّرْتِيب فى أَعْضَاء الْمُحدث وَجْهَان أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيب فى الْغسْل حَتَّى ينْدَرج تَحْتَهُ وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّرْتِيب هَيْئَة لهَذِهِ الطَّهَارَة وَقد اندرج أصل الطَّهَارَة فَسقط حكم الْهَيْئَة الرَّابِع إِذا خرج مِنْهُ بَلل وَلم يدر مني أَو مذي لَا يلْزمه الْغسْل لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن الْجَنَابَة وَلَكِن يتَخَيَّر إِن شَاءَ تَوَضَّأ مَعَ التَّرْتِيب وَغسل الثَّوْب وَإِن شَاءَ اغْتسل وَترك غسل الثَّوْب أخذا بِأَنَّهُ مني فَإِن تَوَضَّأ وَلم يغسل الثَّوْب وَصلى فِيهِ لم يَصح على الْمَذْهَب وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ وَقيل أَيْضا لَو تَوَضَّأ مُنَكسًا جَازَ لِأَن التَّرْتِيب غير مستقين وَهُوَ خطأ لِأَن التَّرْتِيب لَا يسْقط إِلَّا بِالْغسْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 القَوْل فِي سنَن الْوضُوء وَهِي ثَمَانِي عشرَة الأولى السِّوَاك لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ثمَّ آلَته قضبان الْأَرَاك وكل خشن يزِيل القلح وَلَا يَكْفِي السِّوَاك بالإصبع لعدم الإسم وَوَقته عِنْد الصَّلَاة وَإِن لم يتَوَضَّأ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 بسواك أفضل من سبعين صَلَاة بِغَيْر سواك وَعَن الْوضُوء وَإِن لم يصل وَعند تغير النكهة بِالنَّوْمِ أَو بطول الأزم أَو أكل مَا لَهُ رَائِحَة كريهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَلَا يكره إِلَّا بعد الزَّوَال للصَّائِم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك وكيفيته أَن يستاك عرضا وطولا وَإِن اقْتصر على أَحدهمَا فعرضا كَذَلِك كَانَ يستاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الثَّانِيَة التَّسْمِيَة وَهِي مُسْتَحبَّة فى ابْتِدَاء الْوضُوء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا وضوء لمن لم يسم الله وَمَعْنَاهُ لَا وضوء كَامِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الثَّالِثَة غسل الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قبل إدخالهما فى الْإِنَاء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وَإِن تَيَقّن طَهَارَة يَده فَفِي بَقَاء الِاسْتِحْبَاب وَجْهَان الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فى الْوضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا ثمَّ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ غرفَة لفيه وَأَنْفه هَكَذَا روى عبد الله بن زيد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنقل الْبُوَيْطِيّ أَنه يغْرف لفيه غرفَة ولأنفه غرفَة وَهَكَذَا روى عُثْمَان وَعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 من وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل بِهِ وَقيل الْأَقَل مَا نَقله الْمُزنِيّ والأكمل مَا نَقله الْبُوَيْطِيّ التَّفْرِيع إِن أَخذ لكل وَاحِدَة غرفَة قدم الْمَضْمَضَة على الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا التَّقْدِيم مُسْتَحبّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 أَو مُسْتَحقّ فعلى وَجْهَيْن وَإِن أَخذ غرفَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يخلط فيتمضمض ويستنشق مرّة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَانِيَة وثالثة لِأَن اتِّحَاد الغرفة يدل على أَنَّهُمَا فى حكم عُضْو وَاحِد وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَن يقدم الْمَضْمَضَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ثمَّ يسْتَحبّ الْمُبَالغَة فيهمَا بتصعيد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخياشيم وَالرَّدّ إِلَى الغلصمة إِلَّا أَن يكون صَائِما فيرفق كَمَا ورد فِي الحَدِيث السَّادِسَة التّكْرَار مُسْتَحبّ فِي الْمَمْسُوح والمغسول فَلَو شكّ أَنه غسل ثَلَاثًا أَو مرَّتَيْنِ أَخذ بِالْأَقَلِّ كَنَظِيرِهِ فى رَكْعَات الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ حذارا من أَن يزِيد فَإِنَّهُ بِدعَة وَترك سنة أَهْون من اقتحام بِدعَة السَّابِعَة تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا كَانَت كثيفة الثَّامِنَة تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى التَّاسِعَة تَطْوِيل الْغرَّة الْعَاشِرَة اسْتِيعَاب الرَّأْس بِالْمَسْحِ وكيفيته أَن يبل جَمِيع الْكَفَّيْنِ ويلصق أَطْرَاف الْأَصَابِع من إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيبدأ بِمقدم رَأسه ويردهما إِلَى الْقَفَا ثمَّ يعيدهما إِلَى مُقَدّمَة الرَّأْس ليبتل كلا وَجْهي الشّعْر فَإِن لم يكف فَلَا فَائِدَة فِي الْإِعَادَة وَإِن عسر تنحية الْعِمَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 كمل الْمسْح بِالْمَسْحِ على الْعِمَامَة وَلَو اقْتصر على مسح الْعِمَامَة لم يجز الْحَادِيَة عشرَة مسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد وكيفيته أَن يدْخل مسبحته فى صماخي أُذُنَيْهِ ويدير إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ ثمَّ يضع الْكَفَّيْنِ على الْأُذُنَيْنِ استظهارا والتكرار مَحْبُوب فِيهِ أَيْضا الثَّانِيَة عشرَة مسح الرَّقَبَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الرَّقَبَة أَمَان من الغل الثَّالِثَة عشرَة تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة وكيفيته أَن يخلل بِالْيَدِ الْيُسْرَى من أَسْفَل أَصَابِع الرجل الْيُمْنَى وَيبدأ بالخنصر من الرجل الْيُمْنَى وَيخْتم بالخنصر من الْيُسْرَى الرَّابِعَة عشرَة الْمُوَالَاة وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا وَاجِبَة وحد التَّفْرِيق الْكثير أَن تَجف الْأَعْضَاء مَعَ اعْتِدَال الْحَال والهواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 ثمَّ إِذا طَال الزَّمَان فَهَل تجب إِعَادَة النِّيَّة فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا تجب لِأَنَّهُ انْقَطع حكم النِّيَّة بطول الزَّمَان وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه لَا تجب لِأَنَّهُ لم يجر قطع يضاد النِّيَّة الْخَامِسَة عشرَة أَلا يَسْتَعِين فِي وضوئِهِ بِغَيْرِهِ فالأجر على قدر النصب وَقد اسْتَعَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّة كمها ضيق فعسر عَلَيْهِ الإسباغ مُنْفَردا السَّادِسَة عشرَة أَن لَا ينشف الْأَعْضَاء لإبقاء أثر الْعِبَادَة وَقد نشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فَتبين جَوَازه وَكَانَ يواظب على تَركه فَبين بِهِ الْأَفْضَل وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ لِأَن فِيهِ تصاونا عَن التصاق الْغُبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 السَّابِعَة عشرَة أَلا ينفض يَده لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم الثَّامِنَة عشرَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد غسل الْوَجْه اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَعند غسل الْيَدَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني وَلَا تعطني بشمالي وَعند مسح الرَّأْس اللَّهُمَّ حرم شعري وبشري على النَّار وَعند مسح الْأذن اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه وَعند غسل الرجل اللَّهُمَّ ثَبت قدمي على الصِّرَاط وَعند الْفَرَاغ أشهد أَن لَا إِلَه الله وَحده لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فقد ورد فِيهَا الْأَخْبَار الدَّالَّة على كَثْرَة فَضلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى الِاسْتِنْجَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فى آدَاب قَضَاء الْحَاجة وَهِي سَبْعَة عشر أَن يبعد عَن أعين النظارين فِي الصَّحرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَأَن يسْتَتر بِشَيْء إِن وجد وَأَن لَا يكْشف عَوْرَته قبل الإنتهاء إِلَى مَوضِع الْجُلُوس وَأَن لَا يسْتَقْبل الشَّمْس وَالْقَمَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَأَن لَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها وَهُوَ وَاجِب إِلَّا إِذا كَانَ فِي بِنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَإِن استتر فِي الصَّحرَاء براحلته جَازَ وَكَذَا بذيله على أحد الْوَجْهَيْنِ وَأَن يَتَّقِي الْجُلُوس فِي متحدث النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَأَن لَا يَبُول فِي المَاء الراكد وَلَا تَحت الْأَشْجَار المثمرة وَلَا فى الجحرة وفيهَا أَخْبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَأَن يَتَّقِي الْمحل الصلب ومهاب الرِّيَاح فى الْبَوْل استنزاها من رشاشه وَأَن يتكئ فى جُلُوسه على الرجل الْيُسْرَى وَإِن كَانَ فى بُنيان يقدم الرجل الْيُسْرَى فى الدُّخُول واليمنى فى الْخُرُوج وَأَن لَا يستصحب شَيْئا عَلَيْهِ اسْم الله عز وَجل وَرَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يدْخل ذَلِك الْبَيْت حاسر الرَّأْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَأَن يَقُول عِنْد الدُّخُول بِسم الله أغوذ بِاللَّه من الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان الرَّجِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَعند الْخُرُوج الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني مَا يُؤْذِينِي وَأبقى على مَا يَنْفَعنِي وَأَن يعد النبل قبل الْجُلُوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَأَن لَا يستنجي بِالْمَاءِ فِي مَوضِع قَضَاء الْحَاجة وَأَن يستبرئ عَن الْبَوْل بالتنحنح والنتر وإمرار الْيَد على أَسْفَل الْقَضِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يستنجى عَنهُ وهى كل نَجَاسَة ملوثة خَارِجَة عَن الْمخْرج الْمُعْتَاد نَادرا كَانَ أَو مُعْتَادا جَازَ الِاقْتِصَار فِيهِ على الْحجر إِذا لم ينتشر إِلَّا مَا ينتشر من الْعَامَّة وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَوْل وَالْغَائِط وَالرجل وَالْمَرْأَة وَنقل الرّبيع أَنه إِن كَانَ فى جَوف مقعدته بواسير أَنه لم يجز الِاسْتِنْجَاء إِلَّا بِالْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا قولا وَعلل الْقَوْلَيْنِ بِأَن الِاعْتِبَار بالخارج أَو الْمخْرج وَمن الْأَصْحَاب من أول مَا نَقله الرّبيع وَقطع بِمَا نَقله الْمُزنِيّ فَإِن الْبَحْث عَن النَّجَاسَات مَعَ أَن الْمخْرج مُعْتَاد فِيهِ عسر وَاخْتَارَ الْقفال فِيمَا حَكَاهُ الفوراني أَنه إِن خرج غير الْمُعْتَاد خَالِصا لم يكف الْحجر وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَكْفِي الْحجر فى دم الْحيض الْمُوجب للْغسْل وعدوا الْمَذْي من النَّجَاسَات النادرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَنقل الْمُزنِيّ أَنه يستنجي مَا لم يعد الْمخْرج وَنقل الرّبيع أَنه يستنجي مَا لم يخرج إِلَى ظَاهر الأليتين فَمنهمْ من جعل النصين قَوْلَيْنِ آخَرين وَمِنْهُم من قطع بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ الْمَنْصُوص فى الْقَدِيم وَأول هَذِه النُّصُوص فرع لَو خرجت حَصَاة جافة أَو دودة غير ملوثة فَفِي وجوب الِاسْتِنْجَاء وَجْهَان وَوجه إِيجَابه أَنه لَا يَنْفَكّ عَن لوث وَإِن قل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يستنجى بِهِ فَإِن استنجى بِالْمَاءِ فَلْيَكُن طهُورا وَإِن اقْتصر على الْحجر فَلْيَكُن طَاهِرا منشفا غير مُحْتَرم وَلَا يخْتَص بِالْحجرِ لِأَن مَا عداهُ فِي مَعْنَاهُ احترزنا بالطاهر عَن الروث وَالْعين النَّجِسَة فَإِنَّهَا تزيد الْمحل نَجَاسَة أَجْنَبِيَّة فَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ المَاء بعد اسْتِعْمَالهَا وبقولنا منشف عَن الزّجاج الأملس لِأَنَّهُ يبسط النَّجَاسَة فَإِن نقلهَا عَن محلهَا تعين المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وفى التُّرَاب والحممة اخْتِلَاف نَص وَالْوَجْه الْقطع بِالْجَوَازِ فِيمَا لَا يتفتت بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْمَنْع فِي الرخو تَنْزِيلا بالنصن على اخْتِلَاف حَالين وبقولنا غير مُحْتَرم عَن المطعومات وَمَا كتب عَلَيْهِ شَيْء مُحْتَرم والعصفورة الْحَيَّة والاستنجاء بيد الْغَيْر كل ذَلِك محرم فِي وجوب عَادَة الِاسْتِنْجَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَن الرُّخص لَا تستفاد بِالْمَعَاصِي والعظم من المطعومات وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ أما الْجلد فقد نقل حَرْمَلَة منع الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَنقل الْبُوَيْطِيّ جَوَازه وَنقل الرّبيع مَنعه قبل الدّباغ دون مَا بعده فَقيل إِنَّه أَقْوَال وَالصَّحِيح الْجَوَاز وَحمل الْمَنْع على جلد الدسم قبل الدّباغ الَّذِي لَا يقْلع النَّجَاسَة كَمَا نَقله الرّبيع فرع الْحجر الْمُسْتَعْمل لَا يسْتَعْمل ثَانِيًا وَإِن غسل إِلَّا بعد الْجَفَاف لِأَن تِلْكَ الرُّطُوبَة تصير نَجَاسَة فَتكون كنجاسة أَجْنَبِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الْفَصْل الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء وَفِيه مسَائِل أَرْبَعَة الأولى أَن الْعدَد شَرط لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار فَإِن لم يحصل الإنقاء فليستعمل رَابِعَة فَإِن حصل أوتر بخامسة لِأَن الإيتار مُسْتَحبّ وَقَالَ مَالك يَكْفِي وَلَو بِوَاحِدَة إِذا حصل الإنقاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حَاجَة إِلَى الْحجر وَلَا إِلَى المَاء بل يُعْفَى عَن هَذِه النَّجَاسَة ثمَّ يتَأَدَّى الْعدَد بِأَن يستنجي بِحجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف بِثَلَاث مسحات متفاصلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل بِوَاحِد وَيُدبر بِوَاحِد ويحلق بالثالث وَقَالَ فى حَدِيث آخر خجر للصفحة وَحجر الْيُمْنَى للصفحة الْيُسْرَى وَحجر للوسط فَاخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من أَخذ بِالْحَدِيثِ الأول وَاجِب اسْتِعْمَال كل حجر فى جَمِيع الْمحل إِذْ بِهِ يتَحَقَّق الْعدَد وَأول الثَّانِي بِأَن الْبِدَايَة بالصفحة الْيُمْنَى وَمِنْهُم من أَخذ بالرواية الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مصرحة بالتخصيص وَإِنَّمَا مُرَاعَاة الْعدَد بِالْإِضَافَة إِلَى جملَة الْمحل لَا إِلَى كل جُزْء ثمَّ الْأَصَح أَن هَذَا خلاف فى الأحب وَقيل إِنَّه خلاف فِي الْوُجُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن يضع الْحجر على مَوضِع طَاهِر ويدير فَإِن أَمر وَنقل النَّجَاسَة تعين المَاء وَإِن لم ينْقل فَوَجْهَانِ الصَّحِيح جَوَازه لِأَن تَكْلِيف الإدارة يضيق بَاب الرُّخْصَة وَلَا يخلوا كل استنجاء عَن نقل يسير فيتسامح بِهِ الرَّابِعَة الْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى {رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} وَأَن يستنجي باليسار فَإِن أَخذ الْقَضِيب بيد وَالْحجر بِأُخْرَى فليحرك الْيَد الْيُسْرَى فالاستنجاء بالمتحرك وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَحْدَاث وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي أَسبَابهَا وَهِي أَرْبَعَة السَّبَب الأول خُرُوج الْخَارِج من أحد السَّبِيلَيْنِ ريحًا كَانَ أَو عينا نَادرا أَو مُعْتَادا طَاهِرا أَو نجسا وَقد تخرج الرّيح من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الإحليل لاسترخاء الْأسر فَكل ذَلِك ينْقض الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَالْخَارِج من غير السَّبِيلَيْنِ بالفصد والحجامة والقيء والقهقهة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا كل ذَلِك لَا ينْقض الْوضُوء خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا وضوء مِمَّا مسته النَّار خلافًا لِأَحْمَد فرع لَو انفتحت ثقبة تَحت الْمعدة وانسد المسلك الْمُعْتَاد وَخرجت مِنْهَا النَّجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الْمُعْتَادَة انْتقض الطُّهْر لِأَنَّهُ فِي معنى الْمَنْصُوص وَلَو كَانَ السَّبِيل الْمُعْتَاد منفتحا أَو كَانَ السَّبِيل منسدا وَلَكِن الثقبة فَوق الْمعدة فَقَوْلَانِ منشؤهما التَّرَدُّد فِي أَنه هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ أم لَا التَّفْرِيع حَيْثُ حكمنَا بانتقاض الطُّهْر فَلَو كَانَ الْخَارِج نَادرا فَقَوْلَانِ فَمحل الْقطع عِنْد اجْتِمَاع ثَلَاثَة أُمُور أَن يكون السَّبِيل الْمُعْتَاد منسدا وَأَن تكون الثقبة تَحت الْمعدة وَأَن يكون الْخَارِج مُعْتَادا فَعِنْدَ فقد بعض هَذِه الْمعَانِي يثور التَّرَدُّد وَحَيْثُ حكم بالانتقاض فَفِي جَوَاز الِاقْتِصَار على الْحجر ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْمُعْتَاد وَغَيره وكأنا نرى الِاقْتِصَار على الْحجر أبعد من الْقيَاس من انْتِقَاض الطُّهْر وَفِي انْتِقَاض الطُّهْر بمسه وَوُجُوب الْغسْل بالإيلاج فِيهِ وَحل النّظر إِلَيْهِ تردد وَلَا يتَعَدَّى التَّرَدُّد من أَحْكَام الْأَحْدَاث إِلَى خَصَائِص أَحْكَام الْوَطْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْعقل فَإِن حصل بغشية أَو إِغْمَاء أَو جُنُون أَو سكر انْتقض الطُّهْر قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا وَإِن حصل بِالنَّوْمِ انْتقض إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُمكنا مقعدته من الأَرْض فَلَو تجافى بمقعدته انْتقض وَلَو تمايل وانتبه وَكَانَ التنبه قبل التَّجَافِي لم ينْتَقض وَإِن كَانَ بعده انْتقض إِذْ يَتَيَسَّر بِهِ خُرُوج حدث لَا يشْعر بِهِ وَقَالَ الْمُزنِيّ النّوم كالإغماء فينتقض الْوضُوء بِكُل حَال وَهُوَ ضَعِيف لما روى أَن طَلْحَة قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن هَذَا وضوء وَكَانَ قد نَام قَاعِدا فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 لَا أَو تضع جَنْبك وَقَالَ أَبُو حنيفَة النّوم على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين لَا ينْقض الْوضُوء وَنقل الْبُوَيْطِيّ فى الْقَدِيم وَهُوَ ضَعِيف السَّبَب الثَّالِث اللَّمْس قَالَ الله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} فَحَمله أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ على المجامعة وَحمله الشَّافِعِي على الجس بِالْيَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ثمَّ فِيهِ فروع أَرْبَعَة الأول اللَّمْس وفَاقا من غير قصد نَاقض للْوُضُوء للْعُمُوم خلافًا لمَالِك وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِيهِ تشوفا إِلَى رِعَايَة الْمَعْنى الثَّانِي الملموس وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا لَا ينْتَقض طهره اقتصارا على الظَّاهِر فَإِنَّهُ مَا لمس وَالثَّانِي ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى لِأَن الْمُلَامسَة مفاعلة وَلَا خلاف أَن الْمَرْأَة إِذا كَانَت هِيَ اللامسة انْتقض طهرهَا لِأَنَّهَا فِي معنى الرجل الثَّالِث فِي الْمحرم وَالْميتَة وَالصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهى قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى والعجوز الهرمة ينْتَقض الْوضُوء بلمسها فَلِكُل سَاقِط لاقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الرَّابِع فِي الشّعْر وَالظفر خلاف وَكَذَا فِي الْعُضْو المبان مِنْهَا وَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض لانْتِفَاء الْمَعْنى وَهُوَ الظَّاهِر إِذْ لَا يُقَال لمس النِّسَاء السَّبَب الرَّابِع مس الذّكر قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَفِي مَعْنَاهُ من مس ذكر غَيره وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا مست فرجهَا وَلَو لمس حَلقَة دبره قَالَ فِي الْقَدِيم لَا ينْقض وَفِي الْجَدِيد ألحقهُ بالمنصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ فِي فرج الْبَهِيمَة فِي الْجَدِيد لَا ينْتَقض بمسه وَفِي الْقَدِيم ألحقهُ بِهِ وَأما الصَّغِير وَالْمَيِّت فينتقض الطُّهْر بِمَسّ ذكرهمَا لوُجُود اسْم الذّكر قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا يدل على تَحْرِيم النّظر إِلَى فرج الصَّغِير فَيحمل مَا رُوِيَ من تَقْبِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن على جَرَيَانه وَرَاء الثَّوْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 فَأَما الذّكر المبان فَفِيهِ وَجْهَان وَأما مَحل الْجب فينقض الْوضُوء بمسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ثمَّ هَذَا كُله فِي الْمس بالكف فَإِن كَانَ بِرَأْس الْأَصَابِع فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ خَارج عَن سمت الْكَفّ وَلكنه من جنس بشرة الْكَفّ وَإِن كَانَ بِمَا بَين الْأَصَابِع فَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض فرع إِذا مس الْخُنْثَى من نَفسه فرجيه انْتقض طهره فَإِن مس أَحدهمَا فَلَا لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد وَإِن مس أَحدهمَا وَصلى ثمَّ تَوَضَّأ وَمَسّ الآخر وَصلى فإحدى صلاتيه بَاطِلَة قطعا وَهل يقْضِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقضيهما جيمعا كمن فَاتَتْهُ صَلَاة من صَلَاتَيْنِ وَالثَّانِي لَا يقضيهما لِأَن لكل صَلَاة حكمهَا فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاتَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين أما إِذا مس رجل فرج الْخُنْثَى إِن مس ذكره انْتقض وَإِن مس فرجه لم ينْتَقض وَالْمَرْأَة إِن مست فرجه انْتقض وَإِن مست ذكره لم ينْتَقض لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَلَو أَن خنثيين مس أَحدهمَا من صَاحبه الْفرج وَمَسّ الآخر الذّكر فقد انتقضت طَهَارَة أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه بِكُل حَال وَلَكِن تصح صلاتهما وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِاحْتِمَال الصِّحَّة كَمَا إِذا قَالَ الرجل إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فامرأتي طَالِق وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق وأشكل دَامَ الْحل لكل وَاحِد مِنْهَا فَإِن قيل وَبِمَا يتَبَيَّن حَال الْخُنْثَى قُلْنَا بِثَلَاثَة طرق أَحدهمَا خُرُوج الْخَارِج من أحد الفرجين فَإِن بَال بفرج الرِّجَال أَو أمنى فَرجل وَإِن بَال بفرج النِّسَاء أَو حَاضَت فإمرأة وَإِن أمنى بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء فمشكل وَإِن بَال بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء قيل التعويل على المبال لِأَنَّهُ أدوم وَقيل مُشكل الثَّانِيَة نَبَات اللِّحْيَة ونهود الثدي فِيهِ خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا عِبْرَة بهما لِأَن ذَلِك لَا يعد نَادرا على خلاف الْمُعْتَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَلَا خلاف أَن عدم نَبَات اللِّحْيَة وَعدم نهود الثدي فى أوانهما لَا نظر إِلَيْهِ وَلَا نظر إِلَى مَا قيل من تفَاوت عدد الأضلاع فَلَا أصل لَهُ فى الشَّرْع والتشريح الثَّالِثَة أَن يُرَاجع الشَّخْص ليحكم بميله فَإِن أخبر لَا يقبل رُجُوعه إِلَّا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 يكذبهُ الْحس بِأَن يَقُول أَنا رجل ثمَّ يلد ولدا قَاعِدَة يَقِين الطَّهَارَة لَا يرفع بِالشَّكِّ وَلَا يَقِين الْحَدث يرفع بشك الطَّهَارَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فينفخ بَين أليتيه وَيَقُول أحدثت أحدثت فَلَا ينصرفن حَتَّى يسمع صَوتا أَو يشم ريحًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فَإِن غلب على ظَنّه الْحَدث فَلَا تعويل عَلَيْهِ لِأَن العلامات تندر فِي الْأَحْدَاث فَلَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهَا بِخِلَاف النَّجَاسَات وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص من هَذَا أَربع مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 إِحْدَاهَا أَن النَّاس لَو شكوا فى انْقِضَاء وَقت الْجُمُعَة صلوا الظّهْر وَإِن كَانَ الأَصْل بَقَاء الْوَقْت وعلته وَأَن الأَصْل وجوب الْأَرْبَع فَلَا يعدل إِلَى الْجُمُعَة إِلَّا بِيَقِين الثَّانِيَة إِذا شكّ فى انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح لم يمسح وَسَببه أَن الأَصْل غسل الرجل فَلَا عدُول إِلَّا بِيَقِين الثَّالِثَة إِذا انْتهى الْمُسَافِر إِلَى مَكَان وَشك أَنه وَطنه أم لَا أَخذ بِأَنَّهُ وَطنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الرَّابِعَة لَو شكّ أَنه نوى الْإِقَامَة أم لَا لم يترخص بِالْقصرِ لِأَن الأَصْل الْإِتْمَام وَأبْدى بعض الْأَصْحَاب خلافًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ دون الْأَوليين وَهُوَ بعيد فرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 إِذا تَيَقّن أَنه بعد طُلُوع الشَّمْس تَوَضَّأ وأحدث وَلم يدر أَيهمَا سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يسند الْوَهم إِلَى مَا قبله فَإِن انْتهى إِلَى الْحَدث فَهُوَ الْآن متطهر لِأَنَّهُ تَيَقّن طهرا بعده وَشك فى الْحَدث بعد الطُّهْر وَإِن انْتهى إِلَى الطُّهْر فَهُوَ الْآن مُحدث لما ذَكرْنَاهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِن انْتهى إِلَى طهر فمتطهر وَإِن انْتهى إِلَى حدث فمحدث والظنان الطارئان يتعارضان وَالصَّحِيح هُوَ الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الْفَصْل الثَّانِي فى حكم الْحَدث وَهُوَ الْمَنْع من الصَّلَاة وَالطّواف وَسُجُود التِّلَاوَة وَمَسّ الْمُصحف وَحمله وَيَسْتَوِي فى الْمس الْجلد والحواشي وَمحل الكتبة نعم فِي الخريطة والصندوق والغلاف والعلاقة وَجْهَان وَلَو قلب الأوراق بقضيب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ حَامِل للورقة وَلَو قلب بِطرف الْيَد وَهِي مستورة بالكم فَحَرَام لِأَن التقليب بِالْيَدِ حرَام وَأما الْحمل فَهُوَ محرم إِلَّا إِذا كَانَ فِي الصندوق وَمَعَهُ أَمْتعَة فَوَجْهَانِ وَوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 التجويز أَنه غير مَقْصُود وَلَا يحرم مس كتاب فِيهِ بِسم الله وَلَا كتب التَّفْسِير وَالْفِقْه وَلَا الثَّوْب لطرازه وَلَا الدِّرْهَم لنقشه وَكَذَا كل مَا لم يكْتب للدراسة فَأَما لوح الصّبيان فَلَا وَإِن كتب للدراسة لِأَن فِيهِ مشقة وَالأَصَح أَنه لَا يجب على الْمعلم تَكْلِيف الصَّبِي الْمُمَيز الطَّهَارَة لمس الْمُصحف واللوح فَإِن فِي حفظهَا عَلَيْهِم عسرة أما الْجَنَابَة فكالحدث ونزيد هَاهُنَا تَحْرِيم قِرَاءَة الْقُرْآن والمكث فِي الْمَسْجِد أما العبور فَلَا ثمَّ لَا فرق فِي الْقِرَاءَة بَين آيَة أَو بَعْضهَا إِلَّا أَن يَأْتِي بهَا على قصد الذّكر كَقَوْلِه بِسم الله وَالْحَمْد لله وَالْمذهب أَن الْحَائِض كالجنب وَحكى أَبُو ثَوْر عَن أبي عبد الله أَنه كَانَ لَا يحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 عَلَيْهَا الْقِرَاءَة إِمَّا لحَاجَة التَّعْلِيم وَإِمَّا خيفة النسْيَان فَقيل أَرَادَ بِأبي عبد الله الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقيل أَرَادَ بِهِ مَالِكًا رَضِي الله عَنهُ وَلَا بَأْس للْجنب بِأَن يُجَامع وَيَأْكُل وَيشْرب وَلَكِن يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَوَضَّأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وضوءه للصَّلَاة وَيغسل فرجه عِنْد الْجِمَاع فقد ورد فِيهِ الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَرُوِيَ أَن رجلا سلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ جنبا فَضرب يَده على الْجِدَار وَتيَمّم ثمَّ أجَاب تَعْظِيمًا للسلام فعلى هَذَا لَو تيَمّم الْمُحدث لقِرَاءَة الْقُرْآن مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وجود المَاء كَانَ جَارِيا على وفْق الحَدِيث وَلَا يجوز ذَلِك فِي صَلَاة الْجِنَازَة فَإِن الطَّهَارَة فِيهِ وَاجِبَة وَفضل مَاء الْجنب طَاهِر وَهُوَ الَّذِي مَسّه الْجنب وَالْحَائِض والمحدث خلافًا لِأَحْمَد رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْغسْل وَالنَّظَر فى مُوجبه وكيفيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النّظر الأول فى الْمُوجب وَهِي أَرْبَعَة الأول الْحيض وَالنّفاس وَسَيَأْتِي حكمهمَا فى موضعهما الثَّانِي الْمَوْت وَسَيَأْتِي فى الْجَنَائِز الثَّالِث الْولادَة فَإِذا انْفَصل الْوَلَد دون النّفاس فَالْأَصَحّ وجوب الْغسْل لِأَنَّهُ إِذا أوجب بِخُرُوج المَاء وَهُوَ أصل الْوَلَد فبأن يجب بِنَفس الْوَلَد أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَقيل إِنَّه لَا يجب لِأَن الْأَحْدَاث لَا تثبت قِيَاسا الرَّابِع الْجَنَابَة وَهِي الْمَقْصُودَة بِالذكر وَيحصل بالتقاء الختانين وَخُرُوج الْمَنِيّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا ونعني بالالتقاء التحاذي فَإِن ختان الْمَرْأَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فَوق المنفذ يُقَال التقى الفارسان إِذا تحاذيا ثمَّ لَيْسَ الْمَقْصُود الْخِتَان فَلَو قطعت الْحَشَفَة فغيب مثل الْحَشَفَة كفى وَكَذَلِكَ إِذا ولج فِي فرج ميت أَو بَهِيمَة أَو فِي غير المأتى وَلَا ختان فِيهِ وَفِي وجوب إِعَادَة غسل الْمَيِّت إِذا أولج فِيهِ خلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 أما خُرُوج الْمَنِيّ فموجب الْغسْل وَصفته أَنه أَبيض ثخين دفاق يخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 بدفعات وشهوة ويعقب خُرُوجه فتور وتشبه رائحتة رَائِحَة الطّلع فَلَو فقد من هَذِه الصِّفَات التَّلَذُّذ بِخُرُوجِهِ بِأَن يخرج بِمَرَض وَجب الْغسْل خلافًا لأبي حنيفَة وَكَذَا إِن خرج بعد الْغسْل من بقيه الأول خلافًا لمَالِك لِأَن بَقِيَّة الصِّفَات معرفَة كَونه منيا وَكَذَا لَو خرج على لون الدَّم لاستكثار الْجِمَاع وَجب الْغسْل فخواصه ثَلَاث التَّلَذُّذ ورائحة الطّلع والتدفق بدفعات فَإِن وجد وَاحِد من هَذِه الصِّفَات كفى فَلَو تنبه من النّوم وَوجد رَائِحَة الطّلع من البلل لزمَه الْغسْل وَإِن لم ير إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الثخانة وَالْبَيَاض فَلَا يلْزمه لِأَنَّهُ مثل الودي فَإِن كَانَ الودي لَا يَلِيق بطبع صَاحب الْوَاقِعَة أَو تذكر فى النّوم نشاطا وتلذذ فَهُوَ غَالب ظن يحْتَمل أَن يطْرَح كَمَا فى الْأَحْدَاث وَيحْتَمل أَن يخرج على الْخلاف فى النَّجَاسَات إِذا قَابل الْغَالِب الأَصْل لِأَن الْمَنِيّ مجَال العلامات كالنجاسات وَأما الْمَرْأَة فمنيها أصفر رَقِيق وَلَا يعرف فى حَقّهَا إِلَّا من الشَّهْوَة فَإِذا تلذذت لخُرُوج المَاء اغْتَسَلت لما رُوِيَ أَن إم سليم إم أنس بن مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل على إحدانا غسل إِذا هِيَ احْتَلَمت فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فضحت النِّسَاء فَضَحِك الله أَو تحتلم الْمَرْأَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَالسَّلَام تربت يَمِينك فمم الشّبَه إِذن إِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد إِلَى أَعْمَامه وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل نزع الْوَلَد إِلَى أَخْوَاله ثمَّ قَالَ لإم سليم نعم عَلَيْهَا الْغسْل إِذا رَأَتْ المَاء فَأَما إِذا خرج مني الرجل من الْمَرْأَة بعد أَن اغْتَسَلت فَلَا يلْزمهَا الْغسْل إِلَّا إِذا كَانَت قَضَت وطرها فيغلب اخْتِلَاط منيها بِهِ فَيجب الْغسْل بِحكم الْغَالِب وَهَذَا يدل على أَن لغَلَبَة الظَّن أثرا النّظر الثَّانِي فى كَيْفيَّة الْغسْل وَأَقل واجبه أَمْرَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أَحدهمَا النِّيَّة فَإِن نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو رفع الْجَنَابَة أَو قِرَاءَة الْقُرْآن كفى وَإِن نوى رفع الْحَدث مُطلقًا فَالصَّحِيح جَوَازه وَإِن نَوَت الْحَائِض بغسلها اسْتِبَاحَة الْوَطْء جَازَ وَقيل لَا لِأَن الْوَطْء مُوجب للْغسْل وَالثَّانِي الِاسْتِيعَاب فَلَا يجب فِيهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت الشُّعُور وَإِن كثفت وَنقض الضفائر إِن كَانَ المَاء لَا يصل إِلَى بَاطِنهَا دون النَّقْض كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلوا الشّعْر وانقوا الْبشرَة فَإِن كل تَحت شَعْرَة جَنَابَة أما الْأَكْمَل فَيُسْتَحَب فِيهِ سِتَّة أُمُور الأول أَن يغسل أَولا مَا على بدنه من أَذَى ونجاسة إِن كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الثَّانِي أَن يتَوَضَّأ بعد ذَلِك وضوءه للصَّلَاة وَإِن لم يكن مُحدثا وَيتَصَوَّر ذَلِك بتغيب الْحَشَفَة مَعَ حَائِل أَو بسبق الْمَنِيّ على الطَّهَارَة وَهل يُؤَخر غسل الرجلَيْن فِي وضوئِهِ إِلَى آخر الْغسْل فِيهِ قَولَانِ لاخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الثَّالِث يتعهد معاطف بدنه ومنابت شعوره بعد وضوءه ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه ثمَّ على ميامنه ثمَّ على مياسره الرَّابِع التّكْرَار ثَلَاثًا كَمَا فى الْوضُوء وَالْأَظْهَر أَن تَجْدِيد الْغسْل لَا يسْتَحبّ فَإِنَّهُ لَا يَنْضَبِط بِخِلَاف الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَفِيه وَجه الْخَامِس إِذا اغْتَسَلت من الْحيض فَيُسْتَحَب لَهَا أَن تسْتَعْمل فرْصَة من مسك إمَاطَة للرائحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 أَو مَا يقوم مقَامه فَإِن لم تَجِد فالماء كَاف السَّادِس الدَّلْك وَهُوَ مُسْتَحبّ وَمَاء الْغسْل وَالْوُضُوء غير مُقَدّر وَقد يرفق بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي ويخرق بالكثير فَلَا يَكْفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 = كتاب التَّيَمُّم = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يُبِيح التَّيَمُّم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَلَكِن للعجز سَبْعَة أَسبَاب السَّبَب الأول فقد المَاء وللمسافر فِيهِ أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتَحَقَّق عدم المَاء حواليه فيتيمم من غير طلب إِذْ لَا معنى للطلب مَعَ الْيَأْس الْحَالة الثَّانِيَة أَن يتَوَهَّم وجود المَاء حواليه فَيلْزمهُ أَن يَطْلُبهُ من مَوَاضِع الخضرة ومنزل الرفاق ويتردد إِلَى حد يلْحقهُ غوث الرفاق عِنْد الْحَاجة وَلَا يلْزمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 أَكثر من ذَلِك ثمَّ يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْبِقَاع وَالْأَحْوَال فليجتهد الْمُكَلف فِيهِ رَأْيه فَلَو أدّى صَلَاة بِهَذَا الطّلب وَدخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَفِي وجوب إِعَادَة الطّلب وَجْهَان أولاهما أَنه لَا يجب لِأَن غَلَبَة الظَّن بَاقِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْحَالة الثَّالِثَة أَن يتَيَقَّن وجود المَاء فى حد الْقرب فَيلْزمهُ أَن يسْعَى إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وحد الْقرب إِلَى حَيْثُ يتَرَدَّد إِلَيْهِ الْمُسَافِر للرعي والاحتطاب وَهُوَ فَوق حد الْغَوْث فَإِن انْتهى الْبعد إِلَى حَيْثُ لَا يجد المَاء فى الْوَقْت فَلَا يلْزمه وَإِن كَانَ بَين الرتبتين فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يلْزمه الْوضُوء إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 كَانَ على يَمِين الْمنزل ويساره وَنَصّ فِيمَا إِذا كَانَ قدامه على صوب مقْصده أَنه لَا يلْزمه فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَهُوَ الْأَصَح أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ علق التَّيَمُّم بالفقد وَهَذَا غير فَاقِد وَالثَّانِي لَا يجب لِأَنَّهُ فى الْحَال فَاقِد وَمِنْهُم من فرق بَين النصين وَقَالَ يَمِين الْمنزل ويساره مَنْسُوب إِلَيْهِ وَعَادَة الْمُسَافِر التَّرَدُّد إِلَيْهِ وَأما التَّقَدُّم ثمَّ الْعود قهقرى فَلَيْسَ بمعتاد وَرُوِيَ أَن ابْن عمر تيَمّم فَقيل لَهُ أتتيمم وجدران الْمَدِينَة تنظر إِلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فَقَالَ أَو أحيي حَتَّى أدخلها ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس حَيَّة وَلم يقْض الصَّلَاة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجوز التَّيَمُّم فَمَا الأولى نظر إِن تَيَقّن وجود المَاء قبل مُضِيّ الْوَقْت فَالْأولى التَّأْخِير للْوُضُوء وَإِن توقعه بِظَنّ غَالب فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعْجِيل أولى كَمَا أَن تَعْجِيلهَا أولى من تَأْخِيرهَا لحيازة فَضِيلَة الْجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 إِذْ فَضِيلَة الأولى ناجزة وَالْأُخْرَى موهومة وَالثَّانِي التَّأْخِير أولى لِأَن للْوُضُوء رُتْبَة الْفَرَائِض فبجبره تنجبر فَضِيلَة الْوَقْت الْحَالة الرَّابِعَة أَن يكون المَاء حَاضرا كَمَاء الْبِئْر إِذا تنَازع عَلَيْهِ النازحون وَعلم أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد فَوَات الْوَقْت نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يصبر إِذْ لَا تيَمّم مَعَ وجود المَاء وَنَصّ فى الثَّوْب الْوَاحِد يتناوب عَلَيْهِ جمَاعَة العراة أَنه يصبر وَلَا يُصَلِّي عَارِيا وَنَصّ فى السَّفِينَة فِيهَا مَوضِع وَاحِد يُمكن الْقيام فِيهِ أَنه يُصَلِّي قَاعِدا وَلَا يصبر وَقَالَ أَبُو زيد الْمروزِي وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين لَا فرق بل فيهمَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا الصَّبْر لِأَن الْقُدْرَة حَاصِلَة وَالثَّانِي التَّعْجِيل لِأَن الْقُدْرَة بعد الْوَقْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 لَا تَأْثِير لَهَا فِي صَلَاة الْوَقْت وَهُوَ جَار فِيمَا لَو لَاحَ للْمُسَافِر مَاء فِي حد الْقرب وَعلم أَنه لَو اشْتغل بِهِ لفاتته الصَّلَاة وَلَا جَرَيَان لَهُ فِي الْمُقِيم بِحَال حَتَّى إِذا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت وَعلم فَوَاته لم يتَيَمَّم هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَمن الْأَصْحَاب من قرر النصين وَفرق بِأَن أَمر الْقعُود أسهل وَلذَلِك يجوز تَركه فى النَّفْل مَعَ الْقُدْرَة بِخِلَاف التَّيَمُّم وكشف الْعَوْرَة فرعان أَحدهمَا لَو وجد مَاء لَا يَكْفِيهِ لوضوئه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه فَاقِد فيتيمم وَالثَّانِي وَاجِد فيستعمل لِأَن الْمَقْدُور لَا يسْقط بالمعسور كَمَا لَو كَانَ بعض أَعْضَائِهِ جريحا فَإِن قُلْنَا يسْتَعْمل فَيقدمهُ على التَّيَمُّم حَتَّى يكون فاقدا عِنْد التَّيَمُّم الثَّانِي لَو صب المَاء قبل الْوَقْت ثمَّ تيَمّم فى الْوَقْت لم يقْض وَلَو صب المَاء بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 دُخُول الْوَقْت أَو وهب من غير عوض للمتهب فَفِي الْقَضَاء وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَجه وُجُوبه أَنه عصى بصبه وَالْهِبَة مَعَ حَاجَة إِلَى الْوضُوء والرخص لَا تناط بِالْمَعَاصِي بِخِلَاف مَا قبل الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا حَاجَة وَبِخِلَاف مَا لَو جَاوز شط النَّهر فى أول الْوَقْت لِأَنَّهُ لَا لم يضيع ثمَّ الصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء تِلْكَ الصَّلَاة لِأَنَّهُ فى حق غَيرهَا صب قبل وقته وَقيل يلْزمه قَضَاء مَا يغلب إِمْكَان أَدَائِهِ بِوضُوء وَاحِد السَّبَب الثَّانِي أَن يخَاف على نَفسه أَو مَاله لَو تَوَضَّأ بِأَن كَانَ بَينه وَبَين المَاء سبع أَو سَارِق فَلهُ التَّيَمُّم وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا لَو وهب مِنْهُ المَاء أَو أعير مِنْهُ أَو أقْرض ثمن المَاء وَهُوَ مُوسر فَعَلَيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الْقبُول إِذْ الْمِنَّة لَا تثقل فِيهَا وَهل يجب الإبتداء بسؤال هَذِه الْأُمُور فِيهِ وَجْهَان لِأَن السُّؤَال أصعب على ذَوي المروعات وَإِن هان قدر الْمَسْئُول فَأَما إِذا وهب مِنْهُ الدَّلْو أَو ثمن المَاء لم يلْزمه الْقبُول لعظم الْمِنَّة فِيهِ الثَّانِيَة لَو بيع المَاء بِغَبن لم يلْزمه شِرَاؤُهُ وَكَذَا إِن بيع بِثمن الْمثل وَلَكِن عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق أَو احْتَاجَ إِلَيْهِ لنفقة سَفَره فى ذَهَابه وإيابه فَلَا يلْزمه شِرَاؤُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وفى قدر ثمن الْمثل ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه أُجْرَة نقل المَاء فبه تعرف الرَّغْبَة فى المَاء وَإِن كَانَ مَمْلُوكا على الْأَصَح هَذَا أعدل الْوُجُوه وَقيل يعْتَبر بِحَال السَّلامَة واتساع المَاء وَقيل تعْتَبر الْحَالة الراهنة وضرورتها السَّبَب الثَّالِث إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ لعطشه فى الْوَقْت أَو لتوقع الْعَطش فى ثَانِي الْحَال أَو لعطش رَفِيقه فى الْوَقْت أَو لعطش حَيَوَان مُحْتَرم فَكل ذَلِك يُبِيح التَّيَمُّم وتوقع عَطش الرفيق فى الْمَآل فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 نظر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو كَانَ مَعَه مَاء فَمَاتَ ورفقاؤه محتاجون إِلَيْهِ لعطشهم يمموه وَشَرِبُوا المَاء وصرفوا ثمنه إِلَى ورثته لِأَن مثل المَاء لَا قيمَة لَهُ فى ذَلِك الْموضع فى غَالب الْأَمر فَكَانَ الْعُدُول إِلَى الْقيمَة أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فرع إِذا سلم مَاء إِلَى وَكيله وَقَالَ سلمه إِلَى أولى النَّاس بِهِ فَحَضَرَ جنب وحائض وميت فالميت أولى لِأَنَّهُ آخر عَهده والأحياء يتيممون وَمن عَلَيْهِ النَّجَاسَة أولى من الْجنب وَالْحَائِض إِذْ لَا بدل لإِزَالَة النَّجَاسَة وَفِيه مَعَ الْمَيِّت وَجْهَان وَالْجنب مَعَ الْحَائِض يتساويان وَقيل الْحَائِض أولى لِأَن حدثها أغْلظ وَلَو اجْتمع مُحدث وجنب فالجنب أولى إِلَّا أَن يكون المَاء على قدر الْوضُوء فَالصَّحِيح أَن الْمُحدث أولى لاكتفائه بِهِ وَلَو انْتهى هَؤُلَاءِ إِلَى مَاء مُبَاح فى سفر فَمن سبق إِلَى المَاء فَهُوَ ملكه وَإِن تساووا فَهُوَ فى يدهم وَالْمَالِك إِن كَانَ مُحدثا أولى بِمَاء ملكه من الْجنب السَّبَب الرَّابِع الْعَجز بِسَبَب الْجَهْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَفِيه أَربع صور أَحدهَا أَن ينسى المَاء فى رَحْله بعد أَن كَانَ علمه فَتَيَمم وَصلى قضى الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه قَول قديم كَمَا فِي نِسْيَان الْفَاتِحَة وترتيب الْوضُوء نَاسِيا الثَّانِيَة إِذا أدرج فِي رَحْله مَاء وَلم يشْعر بِهِ فطريقان أَحدهمَا الْقطع بِأَن لَا قَضَاء إِذْ لَا تَقْصِير وَالثَّانِي تَخْرِيجه على الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي النسْيَان الثَّالِثَة لَو أضلّ المَاء فِي رَحْله مَعَ توهم وجوده فَإِن لم يمعن فِي الطّلب لزمَه الْقَضَاء وَإِن أمعن حَتَّى غلب ظن الْفَقْد فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ كالقولين فِيمَن أَخطَأ فِي اجْتِهَاده فِي الْقبْلَة الرَّابِعَة لَو أضلّ رَحْله فِي جنح ليل لزمَه الْقَضَاء إِن لم يمعن فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الطّلب وَإِن أمعن فطريقان أَحدهمَا أَنه يجب الْقَضَاء كَمَا إِذا أضلّ المَاء فِي رَحْله وَالثَّانِي الْقطع بِأَن لَا قَضَاء لِأَن الرحل أضبط للْمَاء من المخيم للرحل فَلَا تَقْصِير فرع لَو رأى بِئْرا بِالْقربِ بعد التَّيَمُّم فَهُوَ كَمَا إِذا وجد المَاء فِي رَحْله فِي صُورَة الْجَهْل وَصُورَة النسْيَان جَمِيعًا السَّبَب الْخَامِس الْمَرَض الَّذِي يخَاف من اسْتِعْمَال المَاء مَعَه فَوت الرّوح أَو فَوت عُضْو مُبِيح للتيمم وَإِن لم يخف عاقبته وَلَكِن يألم بِهِ من برد أَو حر أَو جرح لم يجز التَّيَمُّم وَإِن خَافَ مِنْهُ مَرضا مخوفا فَالصَّحِيح أَنه يُبَاح التَّيَمُّم وَإِن لم يخف إِلَّا شدَّة الضنى وبطء الْبُرْء فَوَجْهَانِ منشؤهما أَن الضَّرَر الظَّاهِر هَل يَكْفِي أم لَا بُد من خوف فَوَات وَالأَصَح أَن الضَّرَر الظَّاهِر يَكْفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 لِأَن هَذَا أشق من طلب مَاء من فَرسَخ وَنصف فَرسَخ وَذَلِكَ لَا يجب وَلَو خَافَ بَقَاء شين قَبِيح فَإِن لم يكن على عُضْو ظَاهر لم يتَيَمَّم وَإِن كَانَ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ ضَرَر ظَاهر السَّبَب السَّادِس إِلْقَاء الْجَبِيرَة بانخلاع الْعُضْو وَهُوَ كالمرض فَيجب غسل مَا صَحَّ من الْأَعْضَاء وَالْمسح على الْجَبِيرَة بِالْمَاءِ وَهل ينزل الْمسْح منزلَة مسح الْخُف فى تَقْدِير مدَّته وَسُقُوط الِاسْتِيعَاب وَجْهَان أَحدهمَا نعم قِيَاسا عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا بل يجب الِاسْتِيعَاب لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الضَّرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فيراعي فِيهِ أقْصَى الْإِمْكَان وَالتَّقْدِير لَا يعرف إِلَّا بتوقيف فى الْمدَّة ثمَّ يتَيَمَّم مَعَ الْغسْل وَالْمسح على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقيل إِنَّه لَا يتَيَمَّم كَمَا لَا يتَيَمَّم مَعَ الْمسْح على الْخُف وَهل يمسح على الْجَبِيرَة بِالتُّرَابِ فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يجب لِأَن التُّرَاب ضَعِيف لَا أثر لَهُ على سَاتِر وفى تَقْدِيم الْغسْل على التَّيَمُّم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب كَمَا لَو وجد مَاء لَا يَكْفِي لتَمام الطَّهَارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَالثَّانِي لَا حجر فِيهِ فَإِن التَّيَمُّم للجراحة وَهِي قَائِمَة وَثمّ لفقد المَاء فَلَا بُد من إفنائه أَولا وَالثَّالِث أَنه لَا ينْتَقل إِلَى عُضْو مَا لم يتمم تَطْهِير الْعُضْو الأول فَلَو كَانَ الْجراحَة على يَده فَيغسل وَجهه ثمَّ يَدَيْهِ وَيمْسَح على الْجَبِيرَة ثمَّ يتَيَمَّم ثمَّ يمسح رَأسه وَيغسل رجلَيْهِ السَّبَب السَّابِع الْعَجز بِسَبَب جِرَاحَة فَإِن لم يكن عَلَيْهِ لصوق فَلَا يمسح على مَحل الْجرْح وَإِن كَانَ عَلَيْهِ لصوق فيمسح على اللصوق كالجبيرة وهلى يلْزمه إِلْقَاء اللصوق عِنْد إِمْكَانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فِيهِ تردد للأصحاب ويتقدم عَلَيْهِ التَّرَدُّد فى وجوب لبس الْخُف على من وجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لَو مسح على الْخُف وَلَا يَكْفِيهِ لَو غسل فرعان أَحدهمَا أَنه تجب إِعَادَة التَّيَمُّم عِنْد كل صَلَاة وَلَا تجب إِعَادَة الْغسْل وَلَا إِعَادَة مسح الْجَبِيرَة الثَّانِي إِذا توهم الِانْدِمَال وَفتح الْجَبِيرَة فَإِذا هُوَ مندمل فَهُوَ كنزع الْخُف فى غسل ذَلِك الْعُضْو وتدارك سَائِر الْأَعْضَاء وَإِن كَانَ الْجرْح قَائِما فَوَجْهَانِ فى إِعَادَة التَّيَمُّم أَحدهمَا نعم كَمَا لَو رأى سرابا وَالثَّانِي لَا إِذْ طلب الإندمال غير وَاجِب بِخِلَاف طلب المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى كَيْفيَّة التَّيَمُّم وَله سَبْعَة أَرْكَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول نقل التُّرَاب الطّهُور إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 فَلَو ضرب الْيَد على حجر صلد وَمسح وَجهه لم يجز خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ ليكن الْمَنْقُول تُرَابا طَاهِرا خَالِصا مُطلقًا أما قَوْلنَا تُرَاب فيندرج تَحْتَهُ الأعفر وَهُوَ الْأسود الَّذِي يسْتَعْمل فى الدواة والأصفر والأحمر وَهُوَ الطين الإرمني والأبيض وَهُوَ الْمَأْكُول من التُّرَاب لَا الجص والسبخ وَهُوَ الَّذِي لَا ينْبت لَا الَّذِي يعلوه ملح وَالْملح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 لَيْسَ بِتُرَاب والبطحاء هُوَ التُّرَاب اللين فى مسيل المَاء وَيخرج الزرنيخ والنورة وَسَائِر الْمَعَادِن لِأَنَّهُ لَا يُسمى تُرَابا وَقَوْلنَا طَاهِر يخرج مِنْهُ أَن التُّرَاب النَّجس لَا يتَيَمَّم بِهِ إِذْ الطّهُور مَا يكون طَاهِرا فِي نَفسه وَقَوْلنَا خَالص يخرج عَلَيْهِ التُّرَاب المشوب بالزعفران والدقيق فَلَا يجوز التَّيَمُّم بِهِ فَإِن كَانَ الزَّعْفَرَان مَغْلُوبًا لَا يرى فَيجوز التَّيَمُّم على وَجه كالزعفران الْيَسِير فِي المَاء وعَلى الثَّانِي لَا لِأَن المَاء بلطافته يجْرِي على مَوَاضِع الزَّعْفَرَان وَقَوْلنَا مُطلق يخرج عَلَيْهِ أَن سحاقة الخزف أَصْلهَا تُرَاب وَلَكِن لَا يُسمى تُرَابا فَلَا يتَيَمَّم بِهِ وفى الطين الْمَأْكُول إِذا شوي ثمَّ سحق وَجْهَان لِأَن الشي فِيهِ قريب اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فى الرمل وَالأَصَح تَنْزِيله على حَالين فَإِن كَانَ عَلَيْهِ غُبَار جَازَ وَإِلَّا فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَفِي التُّرَاب الْمُسْتَعْمل وَهُوَ الَّذِي الْتَصق بِوَجْه الْمُتَيَمم وَجْهَان وَجه التَّفْرِيق بَينه وَبَين المَاء أَن التُّرَاب لَا يرفع الْحَدث الرُّكْن الثَّانِي الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد فَلَو تعرض لمهب الرِّيَاح ثمَّ مسح وَجهه لم يجز لِأَن التَّيَمُّم عبارَة عَن الْقَصْد وَحكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ وَجها آخر قِيَاسا على الْوضُوء وَلَو يممه غَيره بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ كالتعرض للريح وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ عَاجز وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الرُّكْن الثَّالِث النَّقْل فَلَو كَانَ على وَجهه تُرَاب فردده عَلَيْهِ بِالْمَسْحِ لم يجز إِذْ لَا نقل وَإِن نقل من سَائِر أَعْضَائِهِ إِلَى وَجهه وَيَديه جَازَ وَإِن نقل من يَده إِلَى وَجهه جَازَ لوُجُود النَّقْل وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 يجوز لِأَن أَعْضَاء التَّيَمُّم فى حكم عُضْو وَاحِد وَلَو مَعَك وَجهه فى التُّرَاب فَالصَّحِيح جَوَازه لوُجُود الْقَصْد وَالنَّقْل وَإِن لم يكن بِوَاسِطَة الْيَد الرُّكْن الرَّابِع النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِن نوى رفع الْحَدث فَلَا يَصح لِأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث وَلذَلِك يجب الْغسْل على الْجنب عِنْد رُؤْيَته المَاء وَقَالَ ابْن سُرَيج يرفع الْحَدث فى حق فَرِيضَة وَاحِدَة الثَّانِيَة إِذا نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة جَازَ فَإِن نوى الاستباحة عَن الْحَدث وَهُوَ جنب أَو بِالْعَكْسِ لم يضر لِأَنَّهُ غلط فِيمَا يَسْتَغْنِي عَن ذكره ثمَّ لَهُ أَرْبَعَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة مُطلقًا فَالْمَذْهَب صِحَة تيَمّمه للْفَرض وَالنَّفْل جَمِيعًا وَقيل يقْتَصر على النَّفْل كالمصلي إِذا نوى الصَّلَاة وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة أَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الْفَرْض وَالنَّفْل فَالصَّحِيح جوازهما وَقيل لَا بُد من تعْيين الْفَرْض الْمَقْصُود وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا نوى الْفَرْض كَانَ لَهُ أَن يُؤَدِّي بِهِ النَّفْل بطرِيق التّبعِيَّة على الْأَصَح نعم لَو خرج وَقت الْفَرِيضَة فَفِي النَّفْل بذلك التَّيَمُّم وَجْهَان لفَوَات وَقت الْمَتْبُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَلَو تنفل قبل الْفَرِيضَة فَقَوْلَانِ مشهوران أصَحهمَا الْجَوَاز وَهُوَ نَصه فى الْأُم وَوجه الْمَنْع أَن التَّابِع لَا يقدم الرَّابِعَة إِذا نوي النَّفْل وَلم يتَعَرَّض للْفَرض فَهَل يُصَلِّي للْفَرض فِيهِ قَولَانِ مشهوران فَإِن قُلْنَا لَا يُؤَدِّي الْفَرْض فَهَل يُؤَدِّي النَّفْل فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن النَّفْل تَابع فَلَا يفرد وَهُوَ ضَعِيف إِذْ حَاجَة الْمُسَافِر تمس إِلَى النَّوَافِل مُفردا فرع لَو نوى اسْتِبَاحَة فريضتين فَسدتْ نِيَّته على وَجه وَصَحَّ فى حق فرض وَاحِد على الْوَجْه الثَّانِي الرُّكْن الْخَامِس مسح الْوَجْه وَيجب فِيهِ الِاسْتِيعَاب وَلَا يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى منابت الشُّعُور وَإِن خفت للعسر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو أغفل ربع الْوَجْه لجَاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الرُّكْن السَّادِس مسح الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَقَالَ مَالك إِلَى الكوعين وَهُوَ قَول قديم ثمَّ تَخْفيف التُّرَاب مُسْتَحبّ وَطَرِيق الِاسْتِيعَاب مَعَ التَّخْفِيف والاقتصار على ضربتين فَإِنَّهُ سنة أَن يضْرب ضَرْبَة لَا يفرج فِيهَا أَصَابِعه وَيمْسَح وَجهه ويستوعب إِذْ سَعَة الْوَجْه قريب من سَعَة الْكَفَّيْنِ وفى الضَّرْبَة الثَّانِيَة يفرج أَصَابِعه ثمَّ يلصق ظهر أَصَابِع يَده الْيُمْنَى ببطون أَصَابِع يَده الْيُسْرَى بحث لَا يُجَاوز أَطْرَاف الأنامل من إِحْدَى الْيَدَيْنِ عرض المسبحة من الْأُخْرَى ثمَّ يمر يَده الْيُسْرَى من حَيْثُ وَضعهَا على ظَاهر ساعده الْيُمْنَى ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 يقلب بطن كَفه الْيُسْرَى على بطن ساعده الْيُمْنَى ويمرها إِلَى الْكُوع وَيجْرِي بطن إبهامه الْيُسْرَى على ظهر إبهامه الْيُمْنَى ثمَّ يفعل باليسرى كَذَلِك ثمَّ يمسح كفيه ويخلل بَين أَصَابِعه فَإِن لم يحصل الِاسْتِيعَاب زَاد ضَرْبَة ثَالِثَة وَلَو فرج الْأَصَابِع فى الضَّرْبَة الأولى قَالَ الْقفال لَا يَصح لِأَن غُبَار الضَّرْبَة الثَّانِيَة لَا يصل إِلَى تِلْكَ الْبشرَة وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ تضييق للرخصة الرُّكْن السَّابِع التَّرْتِيب كَمَا ذَكرْنَاهُ فى الْوضُوء وَكَذَا حكم الْمُوَالَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فى أَحْكَام التَّيَمُّم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الحكم الأول أَنه يبطل بِرُؤْيَة المَاء قبل الشُّرُوع فى الصَّلَاة بل بِظَنّ المَاء عِنْد رُؤْيَة السراب أَو طُلُوع الركب لِأَنَّهُ يجب الطّلب وَتَقْدِيم الطّلب شَرط التَّيَمُّم بِخِلَاف مَا إِذا ظن الْمُتَيَمم العاري ثوبا فَلم يكن لَا يبطل تيَمّمه لِأَن طلبه لَيْسَ من شَرط التَّيَمُّم أما بعد الشُّرُوع فَلَا تبطل الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة والمزني وَفِيه وَجه آخر مخرج من وَجْهَيْن ذكرهمَا ابْن سُرَيج فى الْمُسْتَحَاضَة إِذا انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الصَّلَاة وَظَاهر الْمَذْهَب الْفرق لِأَن حدث الْمُسْتَحَاضَة يَتَجَدَّد وَلَا بدل لَهُ فَإِذا قُلْنَا لَا تبطل صلَاته فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن الأولى أَن يقلب فَرْضه نفلا حَتَّى يتدارك فَضِيلَة الْوضُوء وَالثَّانِي أَن الأولى أَن يتم الصَّلَاة وَالثَّالِث أَن الأولى أَن يخرج من الصَّلَاة حَتَّى لَا يكون مُصَليا مَعَ وجود المَاء وَالرَّابِع أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يخرج وَلَا أَن يقلب نفلا بل يلْزمه الِاسْتِمْرَار وَهَذَا بعيد إِذْ الْوَقْت إِذا كَانَ متسعا فالشروع لَيْسَ بملزم إِذا لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 خلل فَكيف إِذا كَانَ وَلذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُنْفَرد إِذا أدْرك جمَاعَة يقطع الصَّلَاة فَكيف يقطع الْفَرْض لأجل الْفَضِيلَة لَوْلَا جَوَازه وَكَذَا الْمُسَافِر يصبح صَائِما فَلهُ أَن يفْطر وَلَا يلْزمه بِالشُّرُوعِ وَهَذَا الْقَائِل يَقُول المتنفل إِذا رأى المَاء تبطل صلَاته فَإِنَّهُ لَا مَانع من الْخُرُوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَالصَّحِيح أَنه يتمم كَمَا فى الْفَرْض نعم لَو كَانَ نوى أَرْبعا فَهَل يلْزمه الِاقْتِصَار على أقل صَلَاة أَو كَانَ نوى رَكْعَتَيْنِ فَهَل يمْتَنع أَن يزِيد فيجعلهما أَرْبعا فعلى وَجْهَيْن مشهورين الحكم الثَّانِي فِيمَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ وَفِيه أصلان للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ الأول أَنه لَا يجمع بَين فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورَة نعم يجمع بَين النَّوَافِل وَبَين فرض ونوافل لِأَن النَّوَافِل تَابِعَة وهى فِي حكم جنس وَاحِد قطعت بتسليمات أَو جمعت تَحت تحريمة وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَرْبَعَة فروع الأول الْجمع بَين منذور وفريضة أَو منذورتين يخرج على أَنه يسْلك بالمنذور مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع حَتَّى لَا يجوز الْقعُود فِيهِ مَعَ الْقُدْرَة أَو مَسْلَك جائزه وَفِيه قَولَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الثَّانِي نَص على الْجمع بَين فَرِيضَة وَصَلَاة جَنَازَة أَو بَين صَلَاتي جَنَازَة وَنَصّ على منع الْقعُود فِيهَا مَعَ الْقُدْرَة فِيهِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج منشؤهما أَنَّهُمَا تلْحق بالفرائض أَو النَّوَافِل وَقيل إِذا تعين عَلَيْهِ لم يجمع وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ هِيَ فى حكم نَافِلَة وَلَكِن الْقيام أعظم أَرْكَانهَا وَالْقعُود يُغير صورتهَا فَلَا يحْتَمل مَعَ الْقُدْرَة الثَّالِث أَن لَا يجمع بَين رَكْعَتي الطّواف وَصَلَاة أُخْرَى إِن قُلْنَا أَنَّهُمَا فريضتان على قَول وَهل يجمع بَينهمَا وَبَين الطّواف من حَيْثُ إِنَّه كالجزء التَّابِع لَهُ فعلى وَجْهَيْن الرَّابِع من نسي صَلَاة من خمس صلاوات مُبْهمَة فَعَلَيهِ خمس صلوَات قَالَ الخضري يتَيَمَّم لكل صَلَاة وَالصَّحِيح أَن يَكْفِيهِ تيَمّم وَاحِد لِأَن الْمَقْصُود بِالْوُجُوب وَاحِد فعلى هَذَا لَو نسي صَلَاتَيْنِ من يَوْم وَلَيْلَة فَإِن شَاءَ تيَمّم خمْسا وَاقْتصر على خمس صلوَات وهى رَأْي صَاحب التَّلْخِيص وَإِن شَاءَ اقْتصر على تيممين يُؤَدِّي بأولهما الْأَرْبَعَة الأولى من الْخمس وَهِي الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعَتَمَة فَيكون متفضيا عَن الْعهْدَة بِيَقِين فَلَو أدّى بِالتَّيَمُّمِ الأول الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة لم يجز لاحْتِمَال أَن الْفَائِتَة ظهر وعشاء وَالْعشَاء فِي النّوبَة الأولى لم تصادف إِلَّا تيمما مُسْتَعْملا وَفِي النّوبَة الثَّانِيَة مَا صلى الْعشَاء الأَصْل الثَّانِي أَنه لَا يتَيَمَّم لصَلَاة قبل دُخُول وَقتهَا خلافًا لأبي حنيفَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْنَمَا أدركتني الصَّلَاة تيممت وَصليت وَإِنَّمَا تدْرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 صَلَاة الخسوف بالخسوف وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء ببروز النَّاس إِلَى الصَّحرَاء وَصَلَاة الْمَيِّت بِغسْل الْمَيِّت والفائتة بتذكرها وفى النَّوَافِل الرَّوَاتِب وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتأقت تيممها لِأَن التَّأْقِيت فِيهَا غير مَقْصُود بل هِيَ تَابِعَة فروع ثَلَاثَة أَولهَا لَو تيَمّم لفائتة ضحوة النَّهَار فَلم يؤدها فَأَرَادَ أَن يُؤَدِّي الظّهْر بعد الزَّوَال جَازَ عِنْد ابْن الْحداد لِأَن التَّيَمُّم لم يكن مُسْتَغْنى عَنهُ فى وَقت فعله بِخِلَاف مَا إِذا نوى بِهِ اسْتِبَاحَة الظّهْر قبل الزَّوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وَقَالَ أَبُو زيد لَا يجوز لتقدمه على وقته الثَّانِي لَو تيَمّم لِلظهْرِ فى وقته ثمَّ تذكر فَائِتَة فَأَرَادَ أداءها على الْأَصَح وَمِنْهُم من خرج على الْوَجْهَيْنِ لِأَن وَقت الْفَائِتَة بالتذكر الثَّالِث لَو تيَمّم للنافلة ضحوة فَأَرَادَ أَن يُؤَدِّي الظّهْر بعد الزَّوَال بِهِ إِذا قُلْنَا يجوز أَدَاء الْفَرْض بِمثل هَذَا التَّيَمُّم فَفِيهِ من الْخلاف مَا فِي الْفَائِتَة وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن هَذَا التَّيَمُّم لم يستعقب إِبَاحَة فرض مَقْصُود الحكم الثَّالِث فِيمَا يقْضى من الصَّلَوَات المؤداة على نوع من الْخلَل وَالضَّابِط فِيهِ إِن كَانَ بِسَبَب عذر إِذا وَقع دَامَ فَلَا قَضَاء فِيهِ كَصَلَاة سَلس الْبَوْل والمستحاضة وَصَلَاة الْمَرِيض قَاعِدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أَو مُضْطَجعا وَصَلَاة الْمُسَافِر بتيممه وَإِن لم يكن الْعذر دَائِما نظر فَإِن لم يكن عَنهُ بدل وَجب الْقَضَاء كمن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا فصلى على حسب حَاله أَو المربوط على خَشَبَة إِذا صلى بِالْإِيمَاءِ أَو من على جرحه أَو عضده أَو محجمه نَجَاسَة إِذْ لَا بدل لإِزَالَة النَّجَاسَة ويستثني عَن هَذَا الصَّلَاة فى حَال المسابغة إِذْ لَا قَضَاء فِيهَا رخصَة بِنَصّ الْقُرْآن فَأَما إِذا كَانَ لَهَا بدل كتيمم الْمُقِيم فى الْحَضَر أَو التَّيَمُّم لإلقاء الْجَبِيرَة أَو تيَمّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الْمُسَافِر بِعُذْر الْبرد فِيهِ قَولَانِ وَرُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ كسر زنده فَألْقى الْجَبِيرَة عَلَيْهِ وَكَانَ يمسح عَلَيْهَا وَلم يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَضَاء الصَّلَاة وَتوقف الشَّافِعِي فى صِحَة هَذَا الحَدِيث وَلَعَلَّ أولى الْقَوْلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 بِسُقُوط الْقَضَاء وَقد قَالَ الْمُزنِيّ كلا صَلَاة وَجَبت فى الْوَقْت فَلَا قَضَاء لَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كل صَلَاة تفْتَقر إِلَى الْقَضَاء فَلَا تُؤدِّي فى الْوَقْت وهما قَولَانِ معزيان إِلَى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فرع العاري إِذا صلى إِن كَانَ مِمَّن لَا يعْتَاد السّتْر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وَإِن كَانَ مِمَّن يعتاده وَلَكِن عجز فقضاؤه يَنْبَنِي على أَنه يتمم الرُّكُوع وَالسُّجُود أم لَا وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا حذرا من كشف السوأتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَالثَّانِي نعم حذارا من ترك السُّجُود وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَكَذَا الْأَوْجه فى الْمَحْبُوس فى مَوضِع نجس إِن سجد سجد على النَّجَاسَة وَكَذَا من لَيْسَ مَعَه إِلَّا إِزَار نجس وَهُوَ بَين أَن يُصَلِّي عَارِيا أَو نجسا فَإِن قُلْنَا لَا يتمم السُّجُود فَالْأَصَحّ وجوب الْقَضَاء وَإِن قُلْنَا يتم فَالْأَصَحّ أَنه لَا يقْضِي وَبِه قطع صَاحب التَّقْرِيب على الْإِطْلَاق وَعلل بِأَن وجوب السّتْر لَا يخْتَص بِالصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رخصَة لم ينكرها إِلَّا الروافض الَّذين أثبتوا الْمسْح على الرجل وَدَلِيله قَول صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنَّا مسافرين أَو سفرا أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَالنَّظَر فى شَرط الْمسْح وكيفيته وَحكمه الأول فِي الشَّرْط وَله شَرْطَانِ الأول أَن يلبس الْخُف على طَهَارَة تَامَّة قَوِيَّة احترزنا بالتامة عَمَّا إِذا غسل رجله الْيُمْنَى وأدخلها الْخُف قبل غسل الثَّانِيَة فَلَا يعْتد بِهَذَا اللّبْس وَكَذَلِكَ إِذا لبس قبل الْغسْل ثمَّ صب المَاء فِي الْخُف لم يجز لِأَن كل مَا شَرط الطَّهَارَة فِيهِ شَرط تَقْدِيمهَا بكمالها عَلَيْهِ واحترزنا بالقوية عَن طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة فَإِنَّهَا لَو تَوَضَّأت ولبست وَلم تصل بِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الْوضُوء ثمَّ أحدثت فَأَرَادَتْ أَن تمسح لتصلي بِهِ فَرِيضَة وَاحِدَة ونوافل كَمَا كَانَت تصلي بوضوئها لم يجز ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ لضعف طَهَارَتهَا وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يَصح فِي حق صَلَاة وَاحِدَة كَمَا فِي الْوضُوء وَلَا زِيَادَة على صَلَاة وَاحِدَة بِالْإِجْمَاع حَتَّى لَو تَوَضَّأت وصلت فَرِيضَة وَاحِدَة ثمَّ لبست لم تنْتَفع بِهَذَا اللّبْس فى حق الْفَرَائِض والجريج إِذا تيَمّم وَغسل الصَّحِيح فطهارته كطهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الْمُسْتَحَاضَة فِي بِنَاء اللّبْس عَلَيْهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الملبوس ساترا قَوِيا مَانِعا للْمَاء من النّفُوذ حَلَالا فَهَذِهِ أَرْبَعَة قيود المُرَاد بِالْأولِ أَن الْخُف يَنْبَغِي أَن يكون ساترا إِلَى مَا فَوق الْكَعْبَيْنِ فَلَو تخرق وبدا جُزْء من مَحل الْفَرْض لم يجز الْمسْح عَلَيْهِ خلافًا لمَالِك فَإِنَّهُ جوز وَهُوَ قَول قديم والملبوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 المشف كالزجاجة مثلا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ والملبوس المشقوق الْقدَم الَّذِي يشد مَحل الشق مِنْهُ بشرج فِيهِ تردد وَالصَّحِيح جَوَاز الْمسْح لمسيس الْحَاجة إِلَيْهِ فى الْعَادة وَأما الثَّانِي فَالْمُرَاد بِهِ أَن يقوى بِحَيْثُ يَتَأَتَّى التَّرَدُّد عَلَيْهِ فى الْمنَازل على الْحَوَائِج وَإِن كَانَ لَا يداوم الْمَشْي عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْمسْح على الجورب وَلَا على اللفاف وَلَا جورب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 الصُّوفِيَّة وَيجوز الْمسْح على خف من حَدِيد وَإِن عسر المشيء فِيهِ لضعف اللابس وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ مَانِعا للْمَاء احْتِرَازًا عَن المنسوج فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَوِيا ساترا فَينفذ المَاء مِنْهُ إِلَى الْقدَم وَفِيه وَجْهَان وَالصَّحِيح جَوَاز الْمسْح عَلَيْهِ لوُجُود السّتْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 كَمَا إِذا انثقبت طَهَارَة الْخُف وبطانته فى موضِعين غير متوازيين وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ حَلَالا الْمسْح على الْخُف الْمَغْصُوب فَإِنَّهُ مَمْنُوع على أحسن الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مَأْمُور بالنزع وَالْمسح إِعَانَة على الاستدامة وَقيل إِنَّه يُبِيح كالتوضؤ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوب فَإِنَّهُ يرفع الْحَدث فرع الجرموق الضَّعِيف فَوق الْخُف لَا يمسح عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَوِيا والخف ضَعِيف فَهُوَ الْخُف وَالْآخر لفاف فَيجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن كَانَا قويين لم يجز الْمسْح على الجرموق فى القَوْل الْجَدِيد لِأَنَّهُ يبعد أَن يَجْعَل بَدَلا على الْبَدَل وَالْحَاجة لَا تمس إِلَيْهِ إِلَّا نَادرا فَلْيدْخلْ الْيَدَيْنِ فِي الْخُفَّيْنِ وليمسح على الْأَسْفَل وَالْقَوْل الْقَدِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ أَنه يجوز الْمسْح لِأَنَّهُ من مرافق السّفر ثمَّ تَقْدِيره أَن يكون كظهارة الْخُف أَو يكون بَدَلا عَن الرجل والأسفل لفافا أَو يكون بَدَلا عَن الْخُف الْأَسْفَل فَهَذِهِ ثَلَاثَة احتمالات تتفرع مِنْهَا مسَائِل أَربع الأولى إِن لبس الجرموق على طَهَارَة كَامِلَة فَلهُ الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن لبس على الْحَدث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ فى حكم ظهارة ألصقت بعد اللّبْس وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ بدل عَن الْخُف أَو الرجل فليلبس على طَهَارَة فَأَما إِذا لبسهما على طَهَارَة الْمسْح فَإِن جَوَّزنَا على الْحَدث فَهَذَا أولى وَإِن منعنَا فَوَجْهَانِ مأخذهما ضعف طَهَارَة الْمسْح كطهارة الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة لَو نزع الجرموقين بعد الْمسْح عَلَيْهِمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه شَيْء وَكَأَنَّهُ نحى الطَّهَارَة بعد الْمسْح وَالثَّانِي يلْزمه إِمَّا الْمسْح على الْخُف لِأَنَّهُ بدل عَنهُ أَو غسل الرجل إِن جعل بَدَلا من الرجل الثَّالِثَة لَو لبس فى إِحْدَى رجلَيْهِ جرموقا ليمسح عَلَيْهِ وعَلى الْخُف الآخر فَوَجْهَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 أَحدهمَا أَنه يجوز فَأَنَّهُ كطاقة من الْخُف وَالثَّانِي لَا يجوز لِأَنَّهُ كالجمع بَين الْبَدَل والمبدل إِن جَعَلْنَاهُ مبدلا عَن الْخُف وَإِن جَعَلْنَاهُ بَدَلا عَن الرجل فَالْأَصَحّ جَوَازه لِأَن الْخُف الثَّانِي مُسْتَقل بِنَفسِهِ الرَّابِعَة إِذا مسح عَلَيْهِمَا ثمَّ نزع أَحدهمَا فَإِن جَعَلْنَاهُ كطاقة لم يضر تَركه وَإِن قدرناه بَدَلا عَن الرجل أَو الْخُف لزم نزع الآخر حَتَّى لَا يكون جمعا بَين الْبَدَل والمبدل وَقد ثَبت لذَلِك الْخُف حكم اللفاف إِذا مسح على سائره بِخِلَاف مَا إِذا لم يلبس إِلَّا أحد الجرموقين النّظر الثَّانِي فى كَيْفيَّة الْمسْح وَأقله مَا يُطلق عَلَيْهِ الإسم مِمَّا يوازي مَحل الْفَرْض فَلَو اقْتصر على الْأَسْفَل فَظَاهر النَّص مَنعه لِأَنَّهُ لم يُؤثر الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَالْبَاب بَاب الرُّخْصَة وَقدر أَبُو حنيفَة الْمسْح بِثَلَاثَة أَصَابِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أما الْأَكْمَل فالمسح وَالْغسْل وتكرار الْمسْح مكروهان وَقصد الِاسْتِيعَاب لَيْسَ بِسنة إِذْ لم ينْقل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَنه مسح على الْخُف خُطُوطًا وَلَكِن يسْتَحبّ أَن يمسح على الْخُف وأسفله والموازي للعقب فَهَل يسْتَحبّ عَلَيْهِ الْمسْح فِيهِ خلاف النّظر الثَّالِث فى حكمه وَهُوَ إِبَاحَة الصَّلَاة بِغَيْر حصر وَلَكِن إِلَى إِحْدَى غايتين الْغَايَة الأولى مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة من وَقت الْحَدث الْوَاقِع بعد اللّبْس فى حق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْمُقِيم ومضي ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن فى حق الْمُسَافِر وَقَالَ مَالك لَا يتَقَدَّر فرع ان الأول إِذا لبس الْمُقِيم على الطَّهَارَة ثمَّ سَافر قبل الْحَدث أتم مُدَّة مسح الْمُسَافِرين وفَاقا لِأَنَّهُ الْعَادة وَلَو أحدث فى الْحَضَر فَكَذَلِك لِأَنَّهُ لَا حجر فى الْحَدث وَقَالَ الْمُزنِيّ يقْتَصر على مُدَّة المقيمين لِأَن أول الْمدَّة من وَقت الْحَدث وَقد وَقع فى الْحَضَر أما إِذا مسح فى الْحَضَر ثمَّ سَافر أتم مسح المقيمين خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو مسح فى السّفر ثمَّ أَقَامَ اقْتصر على مُدَّة المقيمين تَغْلِيبًا للإقامة فَإِن كَانَ قد اسْتَوْفَاهُ فى السّفر اقْتصر عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُزنِيّ يوزع فَإِن كَانَ قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 استوفى فى يَوْمَيْنِ وليلتين فَبَقيَ لَهُ ثلث الْمدَّة فيستوفي ثلث مُدَّة المقيمين وعَلى هَذَا الْقيَاس منهاجه الثَّانِي لَو شكّ فَلم يدر أَمسَح فى الْحَضَر أم لَا أَو شكّ فَلم يدر انْقَضتْ الْمدَّة أم لَا أَخذ بالأسوأ وَهُوَ أَنه مسح وانقضى إِذْ الأَصْل الْغسْل فَلَا يتْرك إِلَّا باستيقان المرخص الْغَايَة الثَّانِيَة لَو نزع الْخُفَّيْنِ أَو أَحدهمَا فَإِنَّهُ يُوجب غسل الْقَدَمَيْنِ وَهل يُوجب اسْتِئْنَاف الْوضُوء قيل إِنَّه مَبْنِيّ على المولاة وَقَالَ الْقفال لَا بل الْقَوْلَانِ جرايان مَعَ قرب الزَّمَان ومأخذه أَن الْمسْح هَل يرفع الْحَدث وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يرفع فَيَكْفِي الْغسْل وَإِن قُلْنَا يرفع فقد عَاد الْحَدث بالنزع وَهُوَ فِي عوده لَا يتَجَزَّأ فَيجب الِاسْتِئْنَاف فرع لَو لبس فَرد خف وَكَانَت الرجل الْأُخْرَى سَاقِطَة من الكعب جَازَ الْمسْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَلَو بَقِي بَقِيَّة فَلَا يجوز الْمسْح مَا لم يوار تِلْكَ الْبَقِيَّة بساتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 = كتاب الْحيض = وَفِيه سِتَّة أَبْوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى حكم الِاسْتِحَاضَة وَالْحيض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْحيض فسنه مَأْخُوذ من سنّ الْبلُوغ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أول السّنة التَّاسِعَة وَالثَّانِي أول السّنة الْعَاشِرَة وَالثَّالِث إِذا مضى سِتَّة أشهر من التَّاسِعَة وَإِنَّمَا عول فى هَذَا الْوُجُود فَإِن رَأَتْ الدَّم قبل هَذَا فَهُوَ دم فَاسد لَا دم حيض وَأما مُدَّة الْحيض فأكثرها خَمْسَة عشر يَوْمًا وأقلها يَوْم وَلَيْلَة وَأَقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا وأكثرها لَا حد لَهُ وَنَصّ فى مَوضِع فى أقل الْحيض على يَوْم فَقيل أَرَادَ بليلته وَقيل بالاختصار عَلَيْهِ وَأما أغلب الْحيض فست أوسبع وأغلب الطُّهْر أَربع وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَهُوَ تَتِمَّة الدّور ومستند هَذِه التقديرات الْوُجُود الْمَعْلُوم بالاستقراء قَالَ الشَّافِعِي رَأَيْت امْرَأَة لم تزل تحيض يَوْمًا وَقَالَ أَبُو عبد الله الزبيرِي فى نسائنا من تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة وفيهن من تحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَذَلِكَ قَالَ عَطاء فعلى هَذَا لَو وجد فِي عصر آخر امْرَأَة تحيض أقل من ذَلِك أَو أَكثر فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أَحدهَا لَا يعْتَبر لِأَن بحث الْأَوَّلين أوفى وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن معولهم على الْوُجُود وَالثَّالِث كل قدر قَالَ بِهِ بعض الْعلمَاء جَازَ اعْتِمَاده وَمَا لَا يُوَافق مَذْهَب ذِي مَذْهَب فَلَا وَلَا خلاف أَنَّهَا لَو رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما نقاء وَهَكَذَا على التَّعَاقُب فَلَا يَجْعَل كل يَوْم طهرا كَامِلا بل حكمه مَا يَأْتِي فِي بَاب التلفيق أما حكم الْحيض فَهُوَ الْمَنْع من أَرْبَعَة أُمُور الأول كل مَا يفْتَقر إِلَى الطَّهَارَة كسجود الشُّكْر وَسُجُود التِّلَاوَة وَالطّواف وَالصَّلَاة فَلَا يَصح من الْحَائِض وَلَا يجب عَلَيْهَا قَضَاء الصَّلَاة وَلَا تصح طَهَارَة الْحَائِض إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 غسلهَا لأجل الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة لِأَنَّهُ للنظافة الثَّانِي الِاعْتِكَاف بل العبور فى الْمَسْجِد حرَام عَلَيْهَا فَإِن أمنت التلويث فَفِي العبور الْمُجَرّد وَجْهَان الثَّالِث الصَّوْم فَهُوَ مَمْنُوع وَالْقَضَاء وَاجِب بِخِلَاف الصَّلَاة الرَّابِع الْجِمَاع وَهُوَ محرم بِالنَّصِّ قَالَ الله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} والاستمتاع بِمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة جَائِز وَفِي الِاسْتِمْتَاع بِمَا تَحت الْإِزَار مِمَّا سوى الْجِمَاع وَجْهَان وَيشْهد للْإِبَاحَة قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام افعلوا كل شَيْء إِلَّا الْجِمَاع وللتحريم قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مضجعه فحضت فانسللت فَقَالَ مَالك أنفست قلت نعم فَقَالَ خذي ثِيَاب حيضتك وعودي إِلَى مضجعك ونال مني مَا ينَال الرجل من امْرَأَته إِلَّا مَا تَحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الْإِزَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 فرع إِن جَامعهَا وَالدَّم عبيط تصدق بِدِينَار وَفِي أَوَاخِر الدَّم يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار وَهُوَ اسْتِحْبَاب لحَدِيث ضَعِيف ورد فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 أما الِاسْتِحَاضَة فَلَا تمنع الصَّلَاة وَالصَّوْم وَلَكِن حكمهَا حكم سَلس الْبَوْل فعلَيْهَا أَن تتوضأ لكل صَلَاة بعد دُخُول وَقتهَا وَلَا تُؤدِّي بِوضُوء وَاحِد أَكثر من فَرِيضَة وَاحِدَة وَمن النَّوَافِل مَا شَاءَت كالمتيمم وَفِي وجوب الْمُبَادرَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب لتقليل الْحَدث وَالثَّانِي لَا كالمتيمم وَالثَّالِث لَهَا فسحة مَا دَامَ وَقت الصَّلَاة بَاقِيا وَعَلَيْهَا أَن تلتجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وتستثفر وَعَلَيْهَا تَجْدِيد الْعِصَابَة لكل فَرِيضَة إِن نزل الدَّم إِلَى ظَاهرهَا وَإِن لم يظْهر فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه يجب كَالْوضُوءِ فَإِن بَاطِن الْعِصَابَة نجس وَاحْتمل للضَّرُورَة وَلَو زَالَت الْعِصَابَة بعد الْفَرِيضَة بِنَفسِهَا وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب زِيَادَة نَجَاسَة فتمنع من النَّوَافِل لِأَن ذَلِك مَنْسُوب إِلَى تَقْصِيرهَا فرع إِذا شفيت قبل الشُّرُوع فى الصَّلَاة لَزِمَهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء وَإِن شفيت فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالمتيمم إِذا رأى المَاء فيستمر وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تتوضأ وتستأنف لِأَن الْحَدث متجدد وَلَا بدل لَهُ وَقد خرج فى الْمُتَيَمم من الْمُسْتَحَاضَة وَجه وَالْمذهب هُوَ الْفرق وَإِن شفيت بعد الصَّلَاة فَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَلَو انْقَطع بعد الْوضُوء بساعة تتسع لوضوء وَصَلَاة فَلم تصل يلْزمهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء السَّابِق على الِانْقِطَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 لتقصيرها وَلَو انْقَطع فِي الْحَال وَهِي لَا تَدْرِي أيعود أم لَا إِن كَانَ لَا يبعد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 عَادَتهَا الْعود فلهَا الشُّرُوع فى الصَّلَاة من غير اسْتِئْنَاف الْوضُوء وَلَكِن إِن دَامَ الِانْقِطَاع فعلَيْهَا الْقَضَاء وَإِن بعد ذَلِك من عَادَتهَا فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء فِي الْحَال فَإِن شرعت من غير اسْتِئْنَاف وَلم يعد لم تصح الصَّلَاة وَإِن عَاد فَوَجْهَانِ لِأَنَّهَا شرعت على تردد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي المستحاضات وَهن أَربع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُسْتَحَاضَة الأولى مُبتَدأَة مُمَيزَة وَهِي الَّتِي لم تسبق لَهَا عَادَة وَلَكِن انقسم دَمهَا إِلَى الْقوي والضعيف فَهِيَ تتحيض فى الدَّم الْقوي وتستحيض فِي الضَّعِيف بِشَرْط أَن لَا ينقص الْقوي عَن يَوْم وَلَيْلَة وَلَا يزِيد على خَمْسَة عشر يَوْمًا وبشرط أَن لَا ينقص الضَّعِيف عَن خَمْسَة عشر يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَالْأَصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش قَالَت إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا هُوَ عرق انْقَطع إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَفِي رِوَايَة وَدم الْحيض أسود بحراني محتدم ذُو دفعات لَهُ رَائِحَة تعرف والمحتدم اللذاع للبشرة لحدته وَله الرَّائِحَة الكريهة والبحراني ناصع اللَّوْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 والتعويل على اللَّوْن لَا على الرَّائِحَة والاحتدام فرعان الأول مَحل الِاتِّفَاق مبتدأه رَأَتْ السوَاد أَولا خَمْسَة مثلا ثمَّ أطبقت الْحمرَة أَو الصُّفْرَة فَلَو رَأَتْ أَولا خَمْسَة حمرَة ثمَّ خَمْسَة سوادا ثمَّ استمرت الْحمرَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه الأول أَن النّظر إِلَى لون الدَّم لَا إِلَى الأولية فالأسود هُوَ الْحيض وَالثَّانِي أَنه يجمع إِذا أمكن إِلَّا إِذا زَاد السوَاد مَعَ الْحمرَة على خَمْسَة عشر يَوْمًا الثَّالِث أَنَّهَا فاقدة للتمييز وَسَيَأْتِي حكمهَا فعلى هَذَا لَو رَأَتْ خَمْسَة حمرَة وَعشرَة سوادا ثمَّ أطبقت الْحمرَة فعلى الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 عشرَة السوَاد حيض والحمرة قبلهَا دم فَسَاد وعَلى الثَّانِي جَمِيع الْخمس عشرَة حيض فَلَو كَانَ السوَاد أحد عشر فعلى الأول السوَاد حيض وعَلى الثَّانِي هِيَ فاقدة للتمييز قيل إِنَّهَا تقتصر على أَيَّام الْحمرَة لقوه مُجَرّد الأولية وَهُوَ بعيد فَإِن كَانَ السوَاد سِتَّة عشر فقد تعذر الْجمع وَتَجْرِيد السوَاد فَهِيَ فاقدة للتمييز لِأَن تَجْرِيد الأولية وَجه ضَعِيف الثَّانِي أَن الْقُوَّة والضعف إِضَافَة فالصفرة بعد الْحمرَة كالحمرة بعد السوَاد فَلَو رَأَتْ خَمْسَة سوادا ثمَّ خَمْسَة حمرَة ثمَّ أطبقت الصُّفْرَة فالحمرة المتوسطة مُلْحقَة بِالسَّوَادِ فى كَونهَا حيضا لضعف مَا بعْدهَا على أحد الْوَجْهَيْنِ وعَلى الْوَجْه الثَّانِي هِيَ مُلْحقَة بالصفرة فَلَو رَأَتْ خَمْسَة سوادا وَأحد عشر حمرَة فالحيض هُوَ السوَاد على وَجه إِلْحَاق الْحمرَة بالصفرة وعَلى الْوَجْه الآخر تعذر الْجمع فَيتَعَيَّن الرُّجُوع إِلَى السوَاد وَفِيه وَجه أَنَّهَا فاقدة للتمييز وَكَانَ السوَاد قد أطبق على سِتَّة عشر يَوْمًا تَنْبِيهَات ثَلَاثَة الأول المبتدأة إِذا فاتحها الدَّم الْأسود خَمْسَة ثمَّ تغير إِلَى الضَّعِيف فَلَا تَغْتَسِل وَلَا تصلي بل تَتَرَبَّص فَلَعَلَّ الضَّعِيف يَنْقَطِع دون الْخَمْسَة عشر فَيكون الْكل حيضا فَإِن جَاوز وَاسْتمرّ الدَّم فَإذْ ذَلِك نأمرها بتدارك مَا فَاتَ فِي أَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الضَّعِيف نعم فِي الشَّهْر الثَّانِي كَمَا انْقَلب الدَّم إِلَى الضَّعِيف تَغْتَسِل إِذْ بَان استحاضتها فِي الشَّهْر الأول والاستحاضة عِلّة مزمنة طَوِيلَة الْبَقَاء فَلَا تخرج على أَن الْعَادة هَل تثبت بِمرَّة الثَّانِي أَنَّهَا لَو شفيت قبل خَمْسَة عشر فى بعض الأدوار فَجَمِيع ذَلِك الدَّم حيض مَعَ الضَّعِيف لانقطاعه دون أقل الْمدَّة كَمَا لَو وَقع مثلا فى الدّور الأول الثَّالِث إِذا رَأَتْ المبتدأة أَولا خَمْسَة عشر يَوْمًا دَمًا أَحْمَر ثمَّ أطبق السوَاد فقد تركت الصَّلَاة فِي النّصْف الأول من الشَّهْر رَجَاء الِانْقِطَاع وتترك فى النّصْف الثَّانِي رَجَاء اسْتِقْرَار التَّمْيِيز لظُهُور الدَّم الْقوي إِذا فرعنا على أَنه لَا ينظر إِلَى الأولية فَلَا تعهد امْرَأَة تُؤمر بترك الصَّلَاة شهرا كَامِلا إِلَّا هَذِه للانتظار الَّذِي ذَكرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة المبتدأة الَّتِي لَيست مُمَيزَة إِمَّا بإطباق لون وَاحِد أَو بفقد شَرط من شَرَائِط التَّمْيِيز فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى أقل مُدَّة الْحيض يَوْمًا وَلَيْلَة احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ المستيقن وَالثَّانِي أَنَّهَا ترد إِلَى أغلب عادات النِّسَاء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لبَعض المستحاضات تحيضي فى علم الله سِتا أَو سبعا كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن مِيقَات حيضهن وطهرهن وَقَوله فى علم الله مَعْنَاهُ فَمَا أعلمك الله من عاداتهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 التَّفْرِيع إِن رددناها إِلَى الْأَغْلَب فَلَا خيرة بَين السِّت والسبع لَكِن تتبع الْعَادة فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 كَانَت عادات النسْوَة دون السِّت ردَّتْ إِلَى السِّت وَإِن كَانَت فَوق السَّبع ردَّتْ إِلَى السَّبع لتعيين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هذَيْن العددين هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل إِن الْعَادة تتبع بِقَدرِهَا وَالتَّعْيِين جرى وفَاقا ثمَّ الْعبْرَة بِأَيّ نسْوَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا تعْتَبر بنساء الْبَلدة وَالثَّانِي بنساء الْعَشِيرَة من الْجَانِبَيْنِ فَإِن رددناها إِلَى الْأَقَل فى الْحيض فَفِي الطُّهْر ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ترد إِلَى الْأَقَل كَمَا فى الْحيض وَهَذَا ضَعِيف إِذْ الرَّد إِلَى أقل الْحيض احْتِيَاط وَالثَّانِي أَنه ترد إِلَى تسع وَعشْرين يَوْمًا تتميما للدور وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَقْرَب وَهُوَ أَنَّهَا ترد إِلَى أغلب الْعَادَات وَليكن إِلَى أَربع وَعشْرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فَإِن الِاحْتِيَاط فِيهِ أَكثر مِنْهُ فى ثَلَاثَة وَعشْرين ثمَّ الْوَقْت الَّذِي حكم بطهرها فِيهِ مَاذَا تفعل فعلى قَوْلَيْنِ أصَحهمَا أَن حكمهَا حكم الطاهرات المستحاضات وَالثَّانِي أَنَّهَا تحتاط احْتِيَاط الْمُتَحَيِّرَة كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله الْمُسْتَحَاضَة الثَّالِثَة الْمُعْتَادَة وَهِي الَّتِي استحيضت بعد عادات منظومة فَترد إِلَى عَادَتهَا فِي قدر الْحيض وميقاته لما رُوِيَ أَن أم سَلمَة استفتت لبَعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 المستحاضات فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مريها فتنظر عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن من الشَّهْر قبل أَن يُصِيبهَا الَّذِي أَصَابَهَا فلتدع الصَّلَاة فَإِذا خلفت ذَلِك فلتغتسل ثمَّ لتستثفر بِثَوْب ثمَّ لتصل فَإِذن الْمُسْتَفَاد من الْعَادة قدر الْحيض وَوَقته ولتغير الْعَادة صور الأولى كَانَت تحيض خمْسا وتطهر بَقِيَّة الشَّهْر فَجَاءَهَا دور وحاضت سِتا وطهرت بَقِيَّة الشَّهْر ثمَّ استحيضت فى الشَّهْر الآخر فَالْمَذْهَب أَنَّهَا ترد إِلَى السِّت لِأَنَّهَا ناسخة وَفِيه وَجه أَن الْعَادة لَا تثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالصَّحِيح الأول لِأَن إِمْكَان مَا عهد على الْقرب وَلَو بِمرَّة أظهر من إِمْكَان مَا سلف الثَّانِيَة كَانَت تحيض خمْسا فَحَاضَت فى دور آخر سِتا وَفِي دور ثَالِث سبعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 واستحيضت فِي الرَّابِع فَترد إِلَى السَّبع على الظَّاهِر لِأَنَّهُ النَّاسِخ وعَلى الْوَجْه الآخر وَجْهَان أَحدهمَا الرَّد إِلَى الْخمس فَإِنَّهُ المتكرر وَالثَّانِي إِلَى السِّت لِأَن السَّبع تشْتَمل على السِّت فقد تكَرر السِّت الثَّالِثَة تغير الْمِيقَات بالتأخر بِأَن كَانَت تحيض خَمْسَة فى أول الشَّهْر فَجَاءَهَا دور فَحَاضَت فِي الْخَمْسَة الثَّانِيَة واستحيضت فقد صَار الدّور خمْسا وَثَلَاثِينَ فإليه ترد على الصَّحِيح وَلَا نبالي بالأولية وَإِن قُلْنَا لَا تثبت الْعَادة بِمرَّة فتقيم دورها ثَلَاثِينَ كَمَا عهد وَلَا نبالي بِفَوَات الْأَوَّلين وَقيل لَا بُد من مُرَاعَاة الأولية وَهَؤُلَاء اخْتلفُوا مِنْهُم من قَالَ ينقص من طهرهَا خَمْسَة أَيَّام فِي هَذَا الشَّهْر بِأَن نحيضها هَذِه الْخَمْسَة الثَّانِيَة ونطهرها بَقِيَّة الشَّهْر عشْرين يَوْمًا ثمَّ تعود إِلَى أول الشَّهْر فنحيضها خَمْسَة ونطهرها خَمْسَة وَعشْرين أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا نحيضها خَمْسَة فِي هَذَا الشَّهْر أصلا لفَوَات أَوله بل نجْعَل الدَّم اسْتِحَاضَة فَإِذا جَاءَ أول الشَّهْر حيضناها خمْسا وأقمنا الأدوار الْقَدِيمَة على وَجههَا الرَّابِعَة إِذا تقدم الْحيض إِلَى الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من الشَّهْر فقد صَار الدّور خمْسا وَعشْرين مرّة وَاحِدَة فَلَا يخفى أمره إِن أثبتنا الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة أَو لم تثبت وَلَكِن لم نبال بالأولية وَإِن تشوفنا إِلَى الأولية أمكن أَن نجْعَل هَذِه الْخَمْسَة اسْتِحَاضَة ثمَّ نحيضها فى الْخَمْسَة الأولى من الشَّهْر الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي إِسْحَاق وَعند غَيره نحيضها فِي هَذِه الْخَمْسَة وَفِي خَمْسَة من أول الشَّهْر فنزيد فى حَيْضهَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ تعود إِلَى القانون السَّابِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْخَامِسَة إِذا عاجلها الْحيض بِحَيْثُ عَاد النَّقَاء إِلَى أَرْبَعَة عشر فعلى مَذْهَب الْجَمِيع لَا بُد وَأَن نخلف يَوْمًا من أول الدَّم ونجعله اسْتِحَاضَة تَتِمَّة للطهر ثمَّ التَّفْصِيل بعده كَمَا سبق بِأَن نُقِيم دورها عشْرين إِذا أثبتنا الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة إِذْ لَا يُمكن أَن يَجْعَل تِسْعَة عشر فَجعل الْخَامِس عشر طهرا ضَرُورَة أَولا نثبت بِمرَّة فتقيم دورها الْقَدِيم من الْوَقْت وَلَا نبالي بالأولية أَو نتشوف إِلَى الأولية بِأَن نجْعَل بَقِيَّة الشَّهْر اسْتِحَاضَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الْمُسْتَحَاضَة الرَّابِعَة الْمُعْتَادَة المميزة وَهِي الَّتِي أطبق الدَّم عَلَيْهَا وسبقت لَهَا عَادَة مَعْلُومَة وَاخْتلف لون الدَّم فَإِن طابق قُوَّة الدَّم أَيَّام الْعَادة فَذَاك وَإِن أختلفت بِأَن كَانَت عَادَتهَا خَمْسَة فرأت عشرَة سوادا وَالْبَاقِي حمرَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الحكم بِالْعَادَةِ لِأَنَّهُ مجمع عَلَيْهِ وَفِي الحكم بالتمييز خلاف وَلِأَن الثِّقَة بِالْعَادَةِ أولى وَالثَّانِي أَن التَّمْيِيز أولى لِأَنَّهُ عَلامَة ناجزة فَإِن الْعَادة قد انْقَضتْ وَالثَّالِث أَنه يجمع بَينهمَا فنحيضها فى الْعشْر بالعلتين فَإِن رَأَتْ خَمْسَة حمرَة وَأحد عشر سوادا فقد عسر الْجمع فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 أَحدهَا أَن نجرد الْعَادة وَالْآخر أَن نجرد التَّمْيِيز وَالْآخر أَنَّهُمَا يتدافعان فَهِيَ كمبتدأة لَا تَمْيِيز لَهَا فرعان الأول المبتدأة إِذا رَأَتْ خَمْسَة سوادا ثمَّ أطبق الدَّم على لون وَاحِد فَفِي الشَّهْر الثَّانِي نحيضها خمْسا لِأَن التَّمْيِيز أثبت لَهَا عَادَة فَلَو تمكنت بعد ذَلِك من التَّمْيِيز مرّة أُخْرَى وَلَكِن رَأَتْ السوَاد فِي الْعشْرَة فَترد إِلَى الْعشْرَة وَلَا يخرج على الْخلاف فِي إِثْبَات الْعَادة بِمرَّة لِأَن هَذِه عَادَة تمييزية فينسخها مرّة وَاحِدَة كَغَيْر الْمُسْتَحَاضَة إِذا تَغَيَّرت عَادَتهَا الْقَدِيمَة مرّة وَاحِدَة فَإنَّا نحكم بالحالة الناجزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الثَّانِي قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الصُّفْرَة والكدرة فِي أَيَّام الْحيض حيض وَذَلِكَ فِيمَا يُوَافق أَيَّام الْعَادة وَمَا وَرَاء عَادَتهَا إِلَى تَمام خَمْسَة عشر فِيهِ ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا أَنَّهَا حيض لِأَنَّهَا مُدَّة الْإِمْكَان كأيام الْعَادة وَالثَّانِي لَا لقَوْل بنت جحش كُنَّا لَا نعتد بالصفرة وَرَاء الْعَادة شَيْئا وَالثَّالِث إِن كَانَ مَا تقدمها من الصُّفْرَة دم قوي وَلَو لَحْظَة فَهُوَ حيض لقُوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَإِن كَانَ الْكل صفرَة فتقتصر على أَيَّام الْعَادة فِيهِ فَأَما المبتدأة إِذا رَأَتْ الصُّفْرَة أَولا فمردها أَعنِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَو السِّت والسبع كأيام الْعَادة فِي حق الْمُعْتَادَة أَو كَمَا وَرَاء الْعَادة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْمُسْتَحَاضَة الْمُتَحَيِّرَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي الَّتِي نسيت عَادَتهَا قدرا ووقتا وفيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالمبتدأة فِي قدر الْحيض أما وقته فَردهَا إِلَى أول الْأَهِلّة فَإِنَّهُ مبادئ أَحْكَام الشَّرْع وَهَذَا مزيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فَإِن اخْتِصَاص الْحيض بِأول الْهلَال لَا يَقْتَضِيهِ طبع وَلَا شرع فَالْقَوْل الصَّحِيح أَنَّهَا مأمورة بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذ بِأَسْوَأ الِاحْتِمَالَات فى أُمُور سَبْعَة الأول أَن لَا يُجَامِعهَا زَوجهَا فى كل حَال لاحْتِمَال الْحيض الثَّانِي أَن لَا تدخل الْمَسَاجِد وَلَا تقْرَأ الْقُرْآن إِلَّا فِي الصَّلَاة إِلَّا على وَجه بعيد فِي أَن الْحَائِض تقْرَأ خيفة النسْيَان وَهَذِه أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الثَّالِث إِذا طلقت انْقَضتْ عدتهَا بِثَلَاثَة أشهر وَلَا يقدر تبَاعد حَيْضهَا إِلَى سنّ الْيَأْس أخذا بِأَسْوَأ الِاحْتِمَالَات لِأَنَّهُ تَشْدِيد عَظِيم الرَّابِع أَنَّهَا تصلي وظائف الْأَوْقَات لاحْتِمَال الطُّهْر وتغتسل لكل صَلَاة لاحْتِمَال انْقِطَاع الدَّم ثمَّ لَا تَغْتَسِل لصَلَاة إِلَّا بعد دُخُول وَقتهَا وَالأَصَح أَن الْمُبَادرَة لَا تجب عَلَيْهَا بعد الْغسْل إِذْ الِانْقِطَاع لَا يتَكَرَّر بعد الْغسْل بِخِلَاف الْأَحْدَاث فى حق الْمُسْتَحَاضَة الْخَامِس يجب عَلَيْهَا أَن تَصُوم جَمِيع شهر رَمَضَان لاحْتِمَال دوَام الطُّهْر ثمَّ عَلَيْهَا أَن تقضي سِتَّة عشر يَوْمًا لاحْتِمَال دوَام الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وانطباقه على سِتَّة عشر يَوْمًا بطريانه فى وسط النَّهَار وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقضي خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَأَنَّهُ لم يخْطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 لَهُ تَقْدِير الطريان فِي وسط النَّهَار السَّادِس إِذا كَانَ عَلَيْهَا صَوْم يَوْم وَاحِد قَضَاء فَلَا تَبرأ ذمَّتهَا بِيَوْم وَاحِد وَلَا بيومين فَإِنَّهَا لَو عَمَدت إِلَى سِتَّة عشر يَوْمًا وصامت من أَولهَا يَوْمًا وَمن آخرهَا يَوْمًا فَرُبمَا انطبق حيض على السِّتَّة عشر بالطريان نصف النَّهَار فَإِن جعل بَين الْيَوْمَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 خَمْسَة عشر يَوْمًا فطرا فعلعهما وَقعا فِي طرفِي حيض وَكَانَ الطُّهْر فِي أَيَّام الْفطر فسبيلها أَن تَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام وتعمد إِلَى سَبْعَة عشر يَوْمًا تَصُوم يَوْمًا فِي أَوله وتفطر يَوْمًا ثمَّ تَصُوم يَوْمًا ثمَّ تَصُوم السَّابِع عشر فَتخرج عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن طَرَأَ الْحيض فِي الْيَوْم الأول انْقَطع قبل الآخر وَإِن انْقَطع على الآخر لم يكن طارئا فِي الأول وَإِن وَقع الأول والأخير فِي طرفِي حيضتين فالوسط فِي نقاء بَينهمَا والضبط فِيهِ أَن يقدر الشَّهْر نِصْفَيْنِ وَهُوَ الدّور بِكَمَالِهِ فِي تقديرنا وتصوم يَوْمَيْنِ من أول الشَّهْر فِي النّصْف الأول بَينهمَا فطر فتصوم الْيَوْم الثَّالِث فِي النّصْف الْأَخير وتؤخره عَن أول النّصْف الْأَخير بِقدر أَيَّام الْفطر بَين الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَإِن خللت بَينهمَا يَوْمَيْنِ فلتصم الثَّالِث فِي الثَّامِن عشر وَإِن كَانَ المتخلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 ثَلَاثًا فَفِي التَّاسِع عشر وَإِذا فعلت ذَلِك فكيفما قدم الْحيض أَو أخر وَقع يَوْم النَّقَاء فَإِن كَانَ عَلَيْهَا قَضَاء يَوْمَيْنِ فتضعف فَيصير أَرْبَعَة وتزيد يَوْمَيْنِ فَيصير سِتَّة وتصوم ثَلَاثَة وَلَاء من أول الشَّهْر وَثَلَاثَة وَلَاء من أول النّصْف الثَّانِي فَيَقَع اثْنَان لَا محَالة فِي الطُّهْر إِمَّا الأول وَإِمَّا الثَّانِي وَإِمَّا من كل وَاحِد مِنْهُمَا يَوْم وَإِن كَانَ الْوَاجِب ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة فيضعف وتزيد يَوْمَيْنِ إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فيضعف وتزيد يَوْمَيْنِ فَيصير ثَلَاثِينَ يَوْمًا فتصوم جَمِيع الشَّهْر وَيحصل لَهَا أَرْبَعَة عشر كَمَا ذَكرْنَاهُ فى شهر رَمَضَان فَإِن كَانَ الْقَضَاء خَمْسَة عشر يَوْمًا فعلت بأَرْبعَة عشر يَوْمًا مَا ذَكرْنَاهُ ثمَّ لَا يخفى حكم الْوَاحِد الزَّائِد كَمَا مضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 السَّابِع إِذا أدَّت وظائف الصَّلَوَات فِي وَقتهَا لم يلْزمهَا الْقَضَاء إِذْ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سكت عَن قَضَاء الصَّلَاة وَصرح بِقَضَاء الصَّوْم مَعَ أَن الْقيَاس التَّسْوِيَة وَلَكِن لَعَلَّه رأى الْحَرج شَدِيدا فى قَضَاء الصَّلَوَات وَقَالَ أَبُو زيد الْمروزِي لَا بُد من الْقَضَاء فِي قَول الِاحْتِيَاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وسبيل قَضَاء الصَّلَوَات مَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَّوْم فَإِن كَانَ عَلَيْهَا مائَة صَلَاة فتضعف وتزيد صَلَاتَيْنِ فَتكون مِائَتَيْنِ وصلاتين فتأتي بِالنِّصْفِ وَهِي مائَة صَلَاة وَصَلَاة فى أول الثَّلَاثِينَ من أَي وَقت شَاءَت ثمَّ تَأتي بِالنِّصْفِ الآخر فِي أول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 النّصْف الثَّانِي من الشَّهْر وَهُوَ أول السَّادِس عشر فَتخرج عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِين وَإِنَّمَا استغنينا فى الصَّلَاة بِزِيَادَة صَلَاتَيْنِ على الضعْف لِأَن الِانْقِطَاع فِي وَاحِد لَا يفْسد مَا مضى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الصَّلَوَات وَإِن كَانَت الصَّلَاة مُخْتَلفَة الْأَجْنَاس مثل قَضَاء عشْرين يَوْمًا فَهِيَ مائَة صَلَاة من كل جنس عشرُون صَلَاة فتضعف وتزيد عشر صلوَات وَهِي صَلَاة يَوْمَيْنِ وليلتين فَتُصَلِّي الْمِائَة عشْرين عشْرين فى أول الثَّلَاثِينَ ثمَّ تصلي الصَّلَوَات الْعشْر فِي الْخَمْسَة عشر بعد الْمِائَة بساعة فَمَا فَوْقهَا ثمَّ تتْرك فِي السَّادِس عشر سَاعَة تسع صَلَاة ثمَّ تعيد الْمِائَة من الْأَجْنَاس فتبرأ ذمَّتهَا وَإِنَّمَا زِدْنَا عشرَة لِأَن الِانْقِطَاع مُمكن فِي صَلَاتَيْنِ متماثلتين فِي كلا الطَّرفَيْنِ وَكَذَا الطريان وَإِذا فَسدتْ الصَّلَاتَان المتماثلتان من يَوْمَيْنِ وليلتين فسبيل قضائهما قَضَاء صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الْيَوْمَيْنِ والليلتين ووراء مَا ذَكرْنَاهُ طرق فِي الْقَضَاء فصلناه فى الْمَذْهَب الْبَسِيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْمُتَحَيِّرَة وَهِي الَّتِي تحفظ شَيْئا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل فِي الْبَاب أَن كل وَقت لَا يحْتَمل الطُّهْر فَهُوَ حيض بِيَقِين وكل وَقت لَا يحْتَمل الْحيض فَهُوَ طهر بِيَقِين وَإِن احْتمل كِلَاهُمَا فَإِن احْتمل انْقِطَاع الدَّم يلْزمهَا الْغسْل لكل صَلَاة وَإِن لم يحْتَمل الِانْقِطَاع فيلزمها الْوضُوء لكل صَلَاة وتحتاط على التَّفْصِيل السَّابِق وفصول الْبَاب ثَلَاثَة الْفَصْل الأول فِيمَا إِذا لم تحفظ قدر الطُّهْر وَالْحيض وَفِيه صور أَرْبَعَة إِحْدَاهَا إِذا قَالَت أحفظ أَن ابْتِدَاء الدَّم كَانَ أول كل شهر فَيوم وَلَيْلَة من أول كل شهر حيض بِيَقِين وَبعده يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر فتغتسل لكل صَلَاة وَبعده إِلَى آخر الشَّهْر طهر بِيَقِين فتتوضأ لكل صَلَاة الثَّانِيَة قَالَت حفظت أَن الدَّم كَانَ يَنْقَطِع آخر كل شهر فَأول الشَّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 إِلَى المنتصف طهر بِيَقِين ثمَّ بعده يتعارض الِاحْتِمَال فَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع لِأَن فِي آخِره حيضا بِيَقِين فتتوضأ وَتصلي إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين وَالْيَوْم الْأَخير بليلته حيض يَقِين الثَّالِثَة قَالَت كنت أخلط شهرا بِشَهْر حيضا بحيض فلحظة من آخر الشَّهْر الأول ولحضة من أول الشَّهْر الثَّانِي حيض بِيَقِين ثمَّ بعده يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى قبيل غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم الْخَامِس عشر بلحظة فتغتسل لكل صَلَاة ثمَّ لَحْظَة من آخر الْخَامِس عشر ولحظة من أول السَّادِس عشر طهر بِيَقِين ثمَّ بعده إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين يحْتَمل الْحيض وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فلتتوضأ لكل صَلَاة الرَّابِعَة إِذا قَالَت كنت أخلط الشَّهْر بالشهر وَكنت الْيَوْم السَّادِس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 طَاهِرا فلحظة من أول الشَّهْر ولحظة من آخِره حيض بِيَقِين ثمَّ بعده يحْتَمل الْحيض وانقطاعه إِلَى انْقِطَاع الْخَامِس فتغتسل وَتصلي ثمَّ الْيَوْم السَّادِس طهر بِيَقِين إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر ولحظة من لَيْلَة السَّادِس عشر ثمَّ بعده يحْتَمل الْحيض وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى قبيل غرُوب الشَّمْس من آخر الشَّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 الْفَصْل الثَّانِي فى الضَّالة وَلها حالتان الأولى أَن تحفظ قدر الْحيض وَلَا تحفظ الْأَيَّام الَّتِي كَانَت فِيهَا فَإِذا قَالَت أضللت خَمْسَة فِي شهر وأحفظ أَنِّي كنت لَا أخلط شهرا بِشَهْر فتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس ثمَّ تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الشَّهْر فَإِذا جاءها شهر رَمَضَان تَصُوم كُله ثمَّ تقضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 خَمْسَة وَلَو قَالَت أضللت خَمْسَة فِي شهر وَكنت الْيَوْم الْخَامِس حَائِضًا بِيَقِين فتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الرَّابِع ثمَّ الْيَوْم الْخَامِس حيض بِيَقِين ثمَّ تَغْتَسِل لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع ثمَّ هِيَ طَاهِرَة بِيَقِين إِلَى آخر الشَّهْر الْحَالة الثَّانِيَة أَن تحفظ الْأَيَّام الَّتِي أضلتها وَالَّتِي أضلت فِيهَا وَلها صور أَرْبَعَة إِحْدَاهَا أَن تَقول أضللت عشرَة فِي عشْرين من أول الشَّهْر فالعشر الْأَخير طهر بِيَقِين وَجَمِيع الْعشْرين من أول الشَّهْر يحْتَمل الْحيض وَالطُّهْر نعم لَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي الْعشْر الأول فتتوضأ لكل صَلَاة وَيحْتَمل فِي الْعشْر الثَّانِي فتغتسل لكل صَلَاة وَالضَّابِط أَنا نقدم الْحيض إِلَى أقْصَى الْإِمْكَان ونؤخرها إِلَى أقْصَى الْإِمْكَان فَمَا يخرج من التَّقْدِيرَيْنِ طهر بِيَقِين وَمَا ينْدَرج تحتهما حيض بِيَقِين وَمَا ينْدَرج تَحت أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ نعم لَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي مُدَّة التَّقْدِيم وَيحْتَمل فِي مُدَّة التَّأْخِير الصُّورَة الثَّانِيَة قَالَت أضللت خَمْسَة عشر فِي عشْرين من أول الشَّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 فالخمسة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة من الشَّهْر حيض بِيَقِين لِأَنَّهَا تندرج تَحت تَقْدِير التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير جَمِيعًا وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي خَمْسَة عشر من أول الشَّهْر وَيحْتَمل فِي الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من الْعشْرين وَأما الْعشْر الْأَخِيرَة فَهِيَ طهر بِيَقِين الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا قَالَت أضللت عشرَة فِي عشْرين من أول الشَّهْر وَكنت الْيَوْم الْعَاشِر حَائِضًا فَلَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين إِلَّا ذَلِك الْيَوْم وَأحد عشر من آخر الشَّهْر طهر بِيَقِين الصُّورَة الرَّابِعَة أَن تَقول كنت الْيَوْم الْخَامِس عشر حَائِضًا فَهِيَ حَائِض فِي الْحَادِي عشر إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر بِيَقِين لِأَنَّهُ دَاخل فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَهَذِه التصورات لَا حصر لَهَا وَفِي هَذَا الْقدر مقنع وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْعَادة الدائرة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى إِذا اتسقت عَادَتهَا فَكَانَت تحيض فى شهر ثَلَاثًا وَفِي الثَّانِي خمْسا وَفِي الثَّالِث سبعا ثمَّ تعود إِلَى الثَّلَاث ثمَّ إِلَى الْخمس ثمَّ إِلَى السَّبع وتكرر ذَلِك ثمَّ استيض فَفِي ردهَا إِلَى الْعَادة الدائرة وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ لَا يثبت بهَا عَادَة لاخْتِلَاف الْمَقَادِير فَكَأَنَّهَا مُبتَدأَة إِذا استحيضت وَمِنْهُم من قَالَ تثبت بِهِ عَادَة فَترد إِلَيْهَا فَإِن قُلْنَا لَا ترد إِلَى الْعَادة الدائرة فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 أَحدهمَا أَنَّهَا كالمبتدأة وَالثَّانِي أَنَّهَا ترد إِلَى الْقدر الْأَخير قبل الِاسْتِحَاضَة بِنَاء على أَن الْعَادة تثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَالثَّالِث أَنَّهَا ترد إِلَى الثَّلَاثَة إِن استحيضت بعد الْخَمْسَة لِأَنَّهَا متكررة فِي الْخَمْسَة الثَّانِيَة إِذا كَانَت الأقدار مَا سبق من ثَلَاث وَخمْس وَسبع وَلَكِن لَا على الاتساق فَإِن قُلْنَا إِن الْعَادة المتسقة لَا ترد إِلَيْهَا الْمُسْتَحَاضَة فَهَذِهِ أولى وَإِن قُلْنَا ترد فَهَذِهِ كَالَّتِي نسيت النّوبَة الْمُقدمَة على الِاسْتِحَاضَة بِالْعَادَةِ الدائرة وَحكمهَا الِاحْتِيَاط فعلَيْهَا بعد الثَّلَاث أَن تَغْتَسِل لِأَن الثَّلَاث حيض بِيَقِين ثمَّ بعد الثَّالِثَة تتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس ثمَّ تَغْتَسِل مرّة أُخْرَى وتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء السَّابِع ثمَّ تَغْتَسِل ثمَّ هِيَ طَاهِرَة إِلَى آخر الشَّهْر وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي التلفيق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْكَلَام فى قسمَيْنِ الأول غير الْمُسْتَحَاضَة وَهِي الَّتِي انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا وَلَكِن انْقَطع على الْخَمْسَة عشر فَفِيهَا قَولَانِ الْمَنْصُوص فِي مَوَاضِع عدَّة وَهُوَ الْأَصَح وَمذهب أبي حنيفَة أَنه يسحب حكم الْحيض على أَيَّام النَّقَاء وَيجْعَل ذَلِك كالفترات بَين دفعات الدَّم لِأَن الطُّهْر النَّاقِص فَاسد كالحيض النَّاقِص وَلَكِن يسحب حكم الْحيض على النَّقَاء بِشَرْطَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 أَحدهمَا أَن يكون النَّقَاء محتوشا بدمين فِي الْأَيَّام الْخَمْسَة عشر حَتَّى يثبت لَهَا حكم الْحيض فيتعدى إِلَى النَّقَاء بَينهمَا حَتَّى لَو رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة وَأَرْبَعَة عشر نقاء وَرَأَتْ فِي السَّادِس عشر دَمًا فالنقاء مَعَ مَا بعده من الدَّم طهر لِأَنَّهُ لَيْسَ محتوشا بِالْحيضِ فِي الْمدَّة الشَّرْط الثَّانِي فِي قدر الْحيض الْمُحِيط بالنقاء وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا بُد وَأَن يكون كل دم يَوْمًا وَلَيْلَة حَتَّى يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فيسري وَالثَّانِي أَنه لَا يعْتَبر بل لَو رَأَتْ سَاعَة دَمًا فِي أول النّوبَة وَسَاعَة فِي آخر الْخَامِس عشر كَانَ النَّقَاء المتخلل حيضا والأعدل اخْتِيَار أبي بكر المحمودي وَهُوَ أَن يشْتَرط أَن يكون جَمِيع الدِّمَاء الْوَاقِعَة فِي الْخَمْسَة عشر يَوْمًا وَلَيْلَة لَا ينقص عَنْهَا حَتَّى يسري إِلَى النَّقَاء حكمه فرع المبتدأة إِذا انْقَطع دَمهَا فتؤمر بِالْعبَادَة فِي الْحَال فَإِذا اسْتمرّ التقطع فَفِي الدّور الثَّالِث لَا تُؤمر بِالْعبَادَة وَفِي الدّور الثَّانِي يبْنى على أَن الْعَادة هَل تثبت بِمرَّة أم لَا وَفِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَجْهَان غَرِيبَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا تُؤمر أبدا عِنْد النَّقَاء بِالْعبَادَة ثمَّ إِن عَاد الدَّم تبين الْبطلَان فالعادة لَا تُؤثر فِي ترك الْعِبَادَة مَعَ النَّقَاء وَلِهَذَا إِذا استحيضت هَذِه لم تلْتَقط أَيَّام الْحيض من دورها حَتَّى يتخللها أَيَّام الطُّهْر على قَول التلفيق أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الثَّانِي أَنه إِذا تكَرر التقطع فِي النّوبَة الأولى فِي الْخَمْسَة عشر فتستفيد مِنْهُ التَّوَقُّف فى الْعِبَادَة لِأَنَّهُ تكَرر التقطع فِي هَذِه النّوبَة وَعند هَذَا فَجَمِيع مَا تُؤثر فِيهِ الْعَادة وَمَا لَا تُؤثر فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام الأول مَا يثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَهِي الِاسْتِحَاضَة فَإنَّا فِي الدّور الثَّانِي نأمرها بِالْعبَادَة بعد انْقِضَاء مُدَّة الْعَادة لِأَنَّهَا عِلّة مزمنة إِذا نزلت دَامَت الثَّانِي مَا لَا يثبت وَإِن تَكَرَّرت الْعَادة كالمستحاضة إِذا كَانَت عَادَتهَا تقطع الدَّم فَإنَّا وَإِن حكمنَا بالتلفيق لَا تلْتَقط من أَيَّام الِاسْتِحَاضَة وَكَذَلِكَ إِذا ولدت وَلدين وَهِي ذَات جفاف ثمَّ استحيضت فِي الثَّالِثَة فَلَا يصير عدم النّفاس عَادَة بل يُقَال هَذِه مُبتَدأَة فِي النّفاس وَكَذَلِكَ لَو حَاضَت عشرا وطهرت خمس سِنِين ثمَّ كَذَلِك مَرَّات ثمَّ استحيضت فَلَا نديم طهرهَا إِلَى هَذَا الْحَد وَعند هَذَا يعسر ضبط مرده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 فَقَالَ الْقفال غَايَة الدّور تسعون يَوْمًا الْحيض مِنْهَا خَمْسَة عشر فَمَا دونه وَالْبَاقِي طهر لِأَنَّهُ اكْتفى فِي عدَّة الآيسة بِثَلَاثَة أشهر فَلَو تصور أَن يزِيد الدّور عَلَيْهِ لما اكْتفى بِهِ وَهَذَا مُتَعَلق فِي هَذَا الْمضيق لَا بَأْس بِهِ فعلى هَذَا لَو حَاضَت خَمْسَة وطهرت خمْسا وَثَمَانِينَ ثَبت بِهِ الدّور إِمَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَإِن زَاد الْمَجْمُوع على التسعين فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الثَّالِث مَا اخْتلف فِي أَن الْعَادة وَإِن تَكَرَّرت هَل تُؤثر فِيهِ كالعادة الدائرة المتسقة وَغير المتسقة والتوقف بِسَبَب تقطع الدَّم كَمَا ذَكرْنَاهُ الرَّابِع مَا يثبت بِالْعَادَةِ بمرتين وَفِي ثُبُوته بالمرة الْوَاحِدَة خلاف كَمَا فِي قدر الْحيض إِن لَازم أول الدّور فَإِن اسْتَأْخَرَ فَفِيهِ تصرف أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّا لَا نسحب حكم الْحيض على النَّقَاء لِأَنَّهُ تَغْيِير للْحَقِيقَة بل نحكم باللقط والتلفيق وَالنَّظَر على هَذَا القَوْل فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن مَجْمُوع الدِّمَاء فِي خَمْسَة عشر لَو نقص عَن يَوْم وَلَيْلَة فَلَا حيض لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَإِن اكتفينا بِهِ على القَوْل الأول لِأَنَّهَا صَارَت حيضا بانضمام الطُّهْر إِلَيْهَا فكلمت الْمدَّة وَهَاهُنَا لَا تكتمل فَأَما إِذا كَانَ مَجْمُوع الدِّمَاء يَوْمًا وَلَيْلَة وَلَكِن ينقص عِنْد آحَاد الدِّمَاء فَالْمَذْهَب الصَّحِيح أَنه حيض يفرق على الطُّهْر كَمَا يفرق الطُّهْر على الْحيض وعَلى هَذَا لَو كَانَت تحيض نصف يَوْم وتطهر نصف يَوْم فَتُصَلِّي فِي وَقت النَّقَاء وتترك فِي وَقت الْحيض وَلَا يبْقى مَعَ هَذَا التَّقْدِير لأَقل الْحيض وَأَقل الطُّهْر معنى النّظر الثَّانِي فِي قدر النَّقَاء وَليكن ذَلِك زَائِدا على الفترات الْمُعْتَادَة بَين دفعات الدَّم حَتَّى يُمكن أَن تجْعَل نقاء مُسْتقِلّا النّظر الثَّالِث فِي الْغسْل عِنْد ظُهُور النَّقَاء فَإِن كَانَ الدَّم المتقطع أقل من يَوْم وَلَيْلَة لم تَغْتَسِل إِن قُلْنَا إِن مَجْمُوع الدِّمَاء لَو بلغ يَوْمًا وَلَيْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 يكون حيضا فَفِي الْغسْل وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب بِالشَّكِّ إِذْ رُبمَا لَا يعود مَا يتم بِهِ حيضا وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ دم فِي زمَان إِمْكَان الْحيض وَلَا يخرج عَن كَونه حيضا إِلَّا بخلو الْخمس عشر عَن دم يتممه فلتغتسل بِنَاء على النَّقَاء الْمشَاهد وَالْقسم الثَّانِي فى المستحاضات وَهن أَربع الأولى الْمُعْتَادَة فَإِذا كَانَت تحيض خمْسا وتطهر خمْسا وَعشْرين فَجَاءَهَا دور وأطبق الدَّم مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 التقطع فَكَانَت ترى الدَّم يَوْمًا وَلَيْلَة والنقاء كَذَلِك فعلى قَول السحب نحيضها خَمْسَة من أول الدّور وَلَاء لِأَن النَّقَاء فِيهِ محتوش بِالدَّمِ وعَلى قَول اللقط وَجْهَان أَحدهمَا نحيضها الأول وَالثَّالِث وَالْخَامِس لأَنا لَا نجاور فِي اللقط أَيَّام الْعَادة وَالثَّانِي أَنا نحيضها خَمْسَة كَامِلَة ونجاوز أَيَّام الْعَادة فنضم إِلَى ذَلِك السَّابِع وَالتَّاسِع وعَلى الْوَجْهَيْنِ فِي الدّور الأول نأمرها بِأَن تتحيض أَيَّام الدَّم إِلَى خَمْسَة عشر إِذْ يتَصَوَّر أَن يَنْقَطِع قبل الْخمس عشر فَلَا تكون مُسْتَحَاضَة وتتفرع على الْوَجْهَيْنِ صور إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت ترى دَمًا يَوْمَيْنِ ويومين نقاء فَإِن التقطنا من أَيَّام الْعَادة حيضناها الأول وَالثَّانِي وَالْخَامِس وَفِي الْخَامِس وَجه ضَعِيف أَنه لَيْسَ بحيض لاتصاله بالسادس وَهُوَ اسْتِحَاضَة وَإِن جاوزنا أَيَّام الْعَادة كملنا الْخَمْسَة بِضَم السَّادِس وَالتَّاسِع إِلَيْهَا الثَّانِيَة لَو كَانَت ترى يَوْمَيْنِ دَمًا وَأَرْبَعَة نقاء وَهَكَذَا فَإِن لم تتجاوز أَيَّام الْعَادة حيضناها الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَقَط وَإِن تجاورنا كملنا الْخَمْسَة بِمَا بعْدهَا وعَلى السحب نحيضها الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَقَط لِأَن النَّقَاء بعده لَيْسَ محتوشا بحيضتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الثَّالِثَة إِذا كَانَت تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة وتطهر تِسْعَة وَعشْرين فاستحيضت فِي دور فَكَانَت ترى يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَة نقاء وَهَكَذَا فعلى قَول السحب فِيهِ إِشْكَال فَإِن الْيَوْم الْوَاحِد لَيْسَ بحيض كَامِل وَاللَّيْلَة لَيست محتوشة بدمين فِي وَقت الْحيض فَلَا يُمكن تَكْمِيل الْيَوْم بِهِ وَإِن ضممنا إِلَيْهِ الْيَوْم الثَّانِي كُنَّا جاوزنا وَقت الْعَادة والمجاوزة على قَول السحب محَال وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا حيض لَهَا لِاسْتِحَالَة الْأَقْسَام كلهَا وَقَالَ أَبُو بكر المحمودي نعود إِلَى قَول اللقط فِي هَذِه الصُّورَة للضَّرُورَة فَإِن شطر عمرها دم فَكيف لَا نحيضها قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحْتَمل أَن نسحب حكم الْحيض على لَيْلَة النَّقَاء ونضم الْيَوْم الثَّانِي إِلَيْهِ فَيكون قد ازْدَادَ حَيْضهَا وَذَلِكَ أقرب من التلفيق على قَول ترك التلفيق فَأَما إِذا فرعنا على قَول اللقط وجاوزنا أَيَّام الْعَادة فِي اللقط فَلَا إِشْكَال فَإنَّا نستوفي مُدَّة الْعَادة وَإِن لم نجاوز فَلَا طَرِيق إِلَّا مَذْهَب المحمودي وَهُوَ مُجَاوزَة أَيَّام الْعَادة وَالرُّجُوع إِلَى الْوَجْه الآخر هَذَا كُله كَلَام فِي الدّور الأول من اسْتِحَاضَة ذَات التلفيق أما الدّور الثَّانِي إِن انطبق فِيهِ الدَّم على أول الدّور على ترتيبه فى الأول لم يخْتَلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الحكم وَإِن اقْتضى تعاقب الْحَالين ترَاخى الدَّم عَن أول الدّور الثَّانِي فيتصدى نظر أبي إِسْحَاق الرَّد إِلَى أول الدّور وَنظر الْأَصْحَاب إِلَى الدَّم وَبَيَانه بصور ذَكرنَاهَا فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة المبتدأة فَإِذا انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فَإِذا رَأَتْ النَّقَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي صَامت وصلت هَكَذَا تفعل مهما رَأَتْ النَّقَاء إِلَى خَمْسَة عشر فَإِذا جَاوز الدَّم ذَلِك فَتبين أَنَّهَا اسْتِحَاضَة وَفِي مردها قَولَانِ فَإِن ردَّتْ إِلَى يَوْم وَلَيْلَة نحيضها على قَول السحب واللقط يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ لَا يلْزمهَا إِلَّا قَضَاء تِسْعَة أَيَّام فِي رَمَضَان لِأَنَّهَا صَامت سَبْعَة فِي أَيَّام النَّقَاء من جملَة الشّطْر الأول وَلَوْلَا ذَلِك النَّقَاء لما لَزِمَهَا إِلَّا سِتَّة عشر فَإِذا احتسبنا مِنْهَا سَبْعَة بقيت تِسْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَوضِع على لُزُوم قَضَاء الصَّوْم كُله فتحصلنا على قَوْلَيْنِ وَاخْتلف فِي أَصله قَالَ الْقفال أَصله أَن المبتدأة فِيمَا وَرَاء المرد هَل يلْزمهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الِاحْتِيَاط إِلَى خَمْسَة عشر أم لَهَا حكم الطاهرات فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَفْرِيعا على الِاحْتِيَاط وَذَلِكَ يجْرِي فِي كل شهر فَلذَلِك قَالَ الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ نَفْعل فِي الْمُسْتَقْبل وَإِن رددناها إِلَى الْغَالِب فَالْقَوْل فِي مردها كالقول فِي الْمُعْتَادَة سِتا أَو سبعا وَجَمِيع التفريعات يعود الْمُسْتَحَاضَة الثَّالِثَة المميزة وَهِي الَّتِي ترى يَوْمًا دَمًا قَوِيا وَيَوْما دَمًا ضَعِيفا فَإِن انْقَطع الْقوي على الْخَمْسَة عشر وأطبق الضَّعِيف بعده فَجعلنَا الضَّعِيف نقاء على قَول اللقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وحيضانها ثَمَانِيَة أَيَّام وعَلى السحب حيضناها خَمْسَة عشر يَوْمًا لإحاطة السوَاد بالضعيف المتخلل فَإِذا اسْتمرّ تعاقب السوَاد والحمرة فِي جَمِيع الشَّهْر فقد فقدت التَّمْيِيز لفَوَات الشَّرْط فَهُوَ كَمَا لَو أطبق لون وَاحِد وَلَا تلْتَقط من أَيَّام الشَّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا سوادا بالِاتِّفَاقِ فَلم يجوز أحد تَفْرِيق الْحيض على الطُّهْر وَإِن جوزوا تَفْرِيق الطُّهْر على الْحيض فَهَذَا يُقَوي قَول السحب الْمُسْتَحَاضَة الرَّابِعَة الناسية وفيهَا صور إِحْدَاهَا الْمُتَحَيِّرَة الَّتِي لَا تحفظ شَيْئا إِذا انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فعلى قَول السحب خرج أمرهَا على الْقَوْلَيْنِ فِي الِاحْتِيَاط فَإِن أمرناها بِالِاحْتِيَاطِ فَحكمهَا حكم من أطبق الدَّم عَلَيْهَا إِذْ مَا من نقاء إِلَّا وَيحْتَمل أَن يكون حيضا وَإِنَّمَا يفارقها فِي أَنا لَا نأمرها بتجديد الْوضُوء فِي وَقت النَّقَاء لِأَن الْحَدث فِي صورته غير متجدد وَلَا نأمرها بتجديد الْغسْل إِذْ يَسْتَحِيل تَقْدِير وُقُوع الِانْقِطَاع فِي حَالَة انتقاء الدَّم وعَلى قَول اللقط يَغْشَاهَا زَوجهَا فِي أَيَّام النَّقَاء وَهِي طَاهِرَة فِيهَا فى كل حكم وَأَيَّام الدَّم يسْلك فِيهَا مَسْلَك الِاحْتِيَاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الثَّانِيَة إِذا قَالَت أضللت خَمْسَة فِي عشرَة من أول الشَّهْر وتقطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فعلى قَول السحب تَنْحَصِر حَيْضَتهَا فِي التِّسْعَة من أول الشَّهْر لِأَنَّهُ تكون نقية فِي الْعَاشِرَة فَلَيْسَ محتوشا بدمين فِي الْمدَّة وَمَعَ الانحصار فِي التِّسْعَة لَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين وَإِن زَاد أَيَّام الْحيض على نصف مَحل الضلال بِخِلَاف مَا إِذا أضلت خَمْسَة فى تِسْعَة غير ذَات التلفيق لِأَن الْعشْرَة هَاهُنَا مَحل الضلال على التَّحْقِيق إِلَّا أَنا فِي تَقْدِير التَّأْخِير نرد الْخَمْسَة إِلَى ثَلَاثَة إِذْ السَّادِس نقاء وَكَذَا الْعَاشِر فينتقص الْقدر بذلك فَنَقُول لَيْسَ لَهَا يَقِين حيض وَعَلَيْهَا الْغسْل فِي آخر الْخَامِس وَآخر السَّابِع وَالتَّاسِع وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَغْتَسِل لكل صَلَاة فِي أَيَّام الدَّم إِذْ يتَصَوَّر الِانْقِطَاع فِي الْوسط وَهُوَ فَاسد إِذْ من ضَرُورَته أَن يقدر الِابْتِدَاء فِي وسط النَّقَاء وَهُوَ محَال إِذْ كل نقاء لَيْسَ محتوشا بحيضتين لَا يَجْعَل حيضا على قَول السحب هَذَا كُله على قَول السحب فَأَما على قَول اللقط فَإِن لم نجاوز مَحل الْعَادة فَلَا نجاوز الْعشْرَة والتفريع كالتفريع على قَول السحب إِلَّا فِي الْغسْل فَإِنَّهُ يجب على الْخَمْسَة الأولى إِذْ كل مُنْقَطع حيض وَمَا بعده طهر على هَذَا القَوْل فَإِن جاوزنا الْعَادة فَلَا بُد من تحيضها خَمْسَة فَيحْتَمل الأول وَالثَّالِث وَالْخَامِس وَالسَّابِع وَالتَّاسِع وَيحْتَمل فِي حِسَاب التَّأْخِير السَّابِع وَالتَّاسِع وَالْحَادِي عشر وَالثَّالِث عشر وَالْخَامِس عشر فَيدْخل السَّابِع وَالتَّاسِع فِي الحسابين فهما حيض بِيَقِين وَحكم الْأَيَّام الْأَخِيرَة مَا سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي النّفاس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْكَلَام فِي قسمَيْنِ الأول فِي النُّفَسَاء غير الْمُسْتَحَاضَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي قدر النّفاس وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا وأغلبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأقله لَحْظَة والتعويل فِيهِ على الْوُجُود وَقَالَ الْمُزنِيّ أَقَله أَرْبَعَة أَيَّام لِأَن أَكْثَره مثل أَكثر الْحيض أَربع مَرَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْفَصْل الثَّانِي فِي الدَّم قبل الْولادَة وَلَا شكّ أَن الْحَامِل قد ترى الدَّم على أدوار الْحيض وَهل لَهُ حكم الْحيض فَفِيهِ قَولَانِ مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ مُضِيّ الْعدة فَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَلَو كَانَت تحيض خمْسا وتطهر خمْسا وَعشْرين فَحَاضَت خمستها وَولدت قبل مُضِيّ خَمْسَة عشر من بعض الْحيض فَمَا بعد الْولادَة نِفَاس ونقصان الطُّهْر قبله لَا يقْدَح فِيهِ أما تِلْكَ الْخَمْسَة فَهَل تنعطف عَلَيْهَا الْأَصَح أَنه لَا تنعطف لِأَن تخَلّل الْولادَة أعظم من الْفَصْل بَين الدمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 من تخَلّل طهر كَامِل وَلَو اتَّصَلت الْولادَة بآخر الْخَمْسَة وجعلناها حيضا فَلَا نعدها من النّفاس وَلَا نقُول هُوَ نِفَاس سبق وَكَذَلِكَ إِذا بَدَت مخايل الطلق فَظهر الدَّم قبل الْولادَة وَفِي هَذِه الصُّورَة وَجه أَنه من النّفاس وَهُوَ بعيد نعم ظهر اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِيمَا ظهر مَعَ ظُهُور الْوَلَد قبل انْفِصَاله هَل يثبت لَهُ حكم النّفاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 الْفَصْل الثَّالِث فِي الدَّم بَين التوءمين وَفِيه وَجْهَان أصَحهمَا أَنه نِفَاس لِأَنَّهُ على أثر الْوَلَد الأول وَالثَّانِي أَنه كَدم الْحَامِل لِأَنَّهُ قبل فرَاغ الرَّحِم إِلَّا أَنه أولى بِأَن يَجْعَل حيضا فَإِن قُلْنَا إِنَّه نِفَاس فَمَا بعد الْوَلَد الثَّانِي أَيْضا نِفَاس ولكنهما نفاسان أَو نِفَاس وَاحِد فِي حكم الْمِقْدَار فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه نفاسان وَإِن قُلْنَا إِنَّه نِفَاس وَاحِد فَلَو تَمَادى مَا بعد الأول سِتِّينَ يَوْمًا قَالَ الصيدلاني مَا بعد الْوَلَد الثَّانِي يَنْقَطِع عَنهُ بالِاتِّفَاقِ فَيكون نفاسا مُفردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الْقسم الثَّانِي فِي النُّفَسَاء المستحاضات وَهن أَربع الأول الْمُعْتَادَة فَإِذا ولدت مرّة أَو مرَّتَيْنِ ونفست أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا استحيضت رددناها إِلَى الْأَرْبَعين فَمَا بعد ذَلِك دم فَسَاد إِلَى أَن تعود إِلَى أدوارها فِي الْحيض فتكمل بعد الْأَرْبَعين طهرهَا الْمُعْتَاد فَقدر النُّفَسَاء كحيضة وَلَو ولدت مَرَّات وَهِي ذَات جفاف ثمَّ ولدت واستحيضت فَهِيَ كالمبتدأة وَعدم النّفاس لَا يثبت لَهَا عَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 الثَّانِيَة المبتدأة إِذا استحيضت ترد إِلَى لَحْظَة على قَول أَو إِلَى الْأَرْبَعين وَقَالَ الْمُزنِيّ ترد المبتدأة إِلَى أَكثر النّفاس وَهُوَ تحكم الثَّالِثَة المميزة فَيجْرِي فِيهَا مَا يجْرِي فِي الْحَائِض إِلَّا أَن السِّتين فِي هَذَا الْمقَام بِمَثَابَة خَمْسَة عشرَة فِي أدوار الْحيض فَلَا يَنْبَغِي أَن يزِيد الدَّم الْقوي عَلَيْهِ فرع المميزة إِذا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة سوادا ثمَّ استمرت الْحمرَة سنة فَصَاعِدا فَقِيَاس التَّمْيِيز أَنَّهَا طَاهِرَة فِي الْجَمِيع وَيحْتَمل أَن لَا تخلي كل تسعين يَوْمًا من حيض تلقيا مِمَّا ذكره الْقفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 الرَّابِعَة الْمُتَحَيِّرَة إِذا نسيت عَادَتهَا فِي النّفاس فعلى قَول ترد إِلَى الِاحْتِيَاط وعَلى قَول إِلَى المبتدأة كَمَا فِي الْحيض وَالرَّدّ هَا هُنَا إِلَى المبتدأة أولى لِأَن أول وقته مَعْلُوم بِالْولادَةِ فرع إِذا انْقَطع الدَّم على النُّفَسَاء عَاد الْخلاف فِي التلفيق فَلَو طهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ عَاد الدَّم فَفِي الْعَائِد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نِفَاس لوُقُوعه فِي السِّتين وَالثَّانِي أَنه حيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 قَالَ الصيدلاني هَذَا الْخلاف فِيهِ إِذا لم يُجَاوز الْعَائِد سِتِّينَ فَإِن جَاوز قَطعنَا بِأَنَّهُ حيض التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِن الْعَائِد نِفَاس ورأينا ترك التلفيق فالأشهر أَن مُدَّة النَّقَاء حيض وَإِن بلغ خَمْسَة عشر وَمِنْهُم من قَالَ تستثنى هَذِه الصُّورَة على قَول السحب إِذْ يبعد تَقْدِير مُدَّة كَامِلَة فِي الطُّهْر حيضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وَعَلِيهِ يخرج مَا إِذا ولدت وَلم تَرَ الدَّم إِلَى الْخَمْسَة عشر فِي أَن الدَّم الْوَاقِع فِي السِّتين هَل هُوَ نِفَاس أم لَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 = كتاب الصَّلَاة = وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 قَالَ الله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس وَقَالَ الصَّلَاة عماد الدّين فَمن تَركهَا فقد هدم الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وافتراض الصَّلَوَات الْخمس مجمع عَلَيْهَا وَقد كَانَ التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَاجِبا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ إِلَّا فِي حق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّظَر فِي الصَّلَاة تحصره أَبْوَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَاقِيت وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي وَقت الرَّفَاهِيَة للصلوات الْخمس وَالْأَصْل فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وَصلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَصلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم ثمَّ عَاد فصلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثلَيْهِ وَصلى بِي الْمغرب كصلاته بالْأَمْس وَصلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل وَصلى بِي الصُّبْح حِين كَاد حَاجِب الشَّمْس يطلع ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 فنبدأ بِصَلَاة الظّهْر تأسيا بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيدخل وَقتهَا بالزوال وَهُوَ عبارَة عَن ظُهُور زِيَادَة الظل فِي جَانب الْمشرق بعد تراجعه من جَانب الْمغرب فَإِذا صَار ظلّ الشَّخْص مثله من مَوضِع الزِّيَادَة خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر وَتَمَادَى إِلَى غرُوب قرص الشَّمْس وللظهر وقتان وَقت الْفَضِيلَة وَهُوَ أَوله وَوقت الِاخْتِيَار بعد ذَلِك إِلَى آخِره وللعصر أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت الْفَضِيلَة فِي الأول وَوقت الِاخْتِيَار بعده إِلَى أَن يصير الظل مثلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَهُوَ مُنْتَهى بَيَان جِبْرِيل وَوقت الْجَوَاز بعده إِلَى الاصفرار وَوقت الْكَرَاهِيَة عِنْد الاصفرار وَدَلِيل الزِّيَادَة على بَيَان جِبْرِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَن الْوَقْت لَا يزِيد على بَيَان جِبْرِيل فَإِن قيل صلى جِبْرِيل الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول حِين صلى فِيهَا الظّهْر فِي الْيَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الثَّانِي فليثبت اشْتِرَاك بَين الْوَقْتَيْنِ قُلْنَا ذهب مَالك إِلَى أَن مِقْدَار أَربع رَكْعَات مُشْتَرك وَحمل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعَصْر على انطباق ابْتِدَائه فِي الْمثل الأول وَقَوله صلى الظّهْر على انطباق التَّحَلُّل عَلَيْهِ كَمَا يُقَال بلغ الْبَلَد إِذا دَخلهَا وَبلغ إِذا قاربها فَأَما الْمغرب فَيدْخل وقته بغروب الشَّمْس وَيعلم فِي قلل الْجبَال بإقبال الظلام وانهزام الضَّوْء وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَأَشَارَ إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 ثمَّ فِي وَقت الْمغرب قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَمْتَد إِلَى غرُوب الشَّفق وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى الْمغرب عِنْد اشتباك النُّجُوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَالثَّانِي أَنه إِذا مضى بعد الْغُرُوب وَقت وضوء وأذان وَإِقَامَة وَقدر خمس رَكْعَات فقد انْقَضى الْوَقْت لِأَن جِبْرِيل صلى فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد وعَلى هَذَا لَا بَأْس بتناول لقْمَة أَو لقمتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 يسكن بهَا سُورَة الْجُوع فرع لَو شرع فِي الْوَقْت ومده حَتَّى مضى هَذَا الْقدر فَإِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الصَّلَاة مقضية فِي غير الْمغرب فَفِي الْمغرب وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُؤَدَّاة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي الْمغرب فَدلَّ أَن آخِره غير مُقَدّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 فَأَما الْعشَاء فَيدْخل وقته بغيبوبة الشَّفق وَهِي الْحمرَة دون الصُّفْرَة وَالْبَيَاض الذى يَزُول بعد الْحمرَة ثمَّ يَمْتَد وَقت الِاخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل على قَول لبَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِلَى النّصْف على قَول لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل فَيدل ذَلِك على الِاسْتِحْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 فَأَما الصُّبْح فَيدْخل وقته بِطُلُوع الْفجْر الصَّادِق ويتمادى وَقت اخْتِيَاره إِلَى الْإِسْفَار وَوقت جَوَازه إِلَى الطُّلُوع وَلَا نظر إِلَى الْفجْر الْكَاذِب وَهُوَ يَبْدُو مستطيلا ثمَّ ينمحق ويبدو الصَّادِق مُسْتَطِيرا ثمَّ لَا يزَال الضَّوْء يزْدَاد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَغُرنكُمْ الْفجْر المستطيل وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 فرع لَا يقدم أَذَان صَلَاة على وَقتهَا إِلَّا أَذَان الصُّبْح قَالَ سعد الْقرظ كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشتَاء لسبع بَقِي من اللَّيْل وَفِي الصَّيف لنصف سبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَقيل إِذا خرج وَقت اخْتِيَار الْعشَاء دخل وَقت أَذَان الصُّبْح وَهُوَ بعيد ثمَّ الأولى أَن يُؤذن مؤذنان أَحدهمَا قبل الصُّبْح وَالْآخر بعده وَلَو اقْتصر على مَا قبل الصُّبْح أَجزَأَهُ قَوَاعِد ثَلَاثَة الأولى تجب الصَّلَاة عندنَا بِأول الْوَقْت وجوبا موسعا خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ثمَّ لَو مَاتَ فِي أثْنَاء الْوَقْت قبل الْأَدَاء هَل يلقى الله عَاصِيا فِيهِ وَجْهَان وَلَو أدّى فِي آخر الْوَقْت وَوَقع بعضه خَارج الْوَقْت فَهِيَ مُؤَدَّاة نظرا إِلَى ابتدائها على وَجه ومقضية نظرا إِلَى تَمامهَا على وَجه وَالْوَاقِع فِي الْوَقْت مؤدى وَالْبَاقِي قَضَاء على وَجه ثَالِث فَإِن جَعَلْنَاهُ قَضَاء لم يجز التَّأْخِير إِلَيْهِ قصدا وَلم يمْتَنع صِحَّته بنية الْأَدَاء كالمحبوس إِذا اجْتهد فِي الْوَقْت وَنوى الْأَدَاء فَكَانَ فِي غير الْوَقْت لم يلْزمه الْإِعَادَة الثَّانِيَة تَعْجِيل الصَّلَوَات فِي أَوَائِل الْأَوْقَات أفضل عندنَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخره عَفْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الله قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رضوَان الله أحب إِلَيْنَا من عَفْو الله قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْعَفو يُوشك أَن يكون للمقصرين وحيازة فَضِيلَة الأولية بِأَن يشْتَغل بِأَسْبَاب الصَّلَاة كلما دخل الْوَقْت وَقيل لَا بُد من بعد تَقْدِيم الْأَسْبَاب حَتَّى ينطبق التَّكْبِير على أول الْوَقْت فَهِيَ الأولية وَقيل تتمادى فَضِيلَة الأولية إِلَى النّصْف من بَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيسْتَثْنى عَن فَضِيلَة التَّعْجِيل الْعشَاء وَالظّهْر فَفِي الْعشَاء قَولَانِ فِي قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 يسْتَحبّ التَّأْخِير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي الحَدِيث وَأما الظّهْر فالإبراد بِهِ مُسْتَحبّ فِي شدَّة الْحر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت قد أكل بَعْضِي بَعْضًا فَأذن لَهَا فِي نفسين نفس فِي الصَّيف وَنَفس فِي الشتَاء فأشد مَا تَجِدُونَ فِي الْبرد من زمهريرها وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر من حرهَا فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم ثمَّ قيل إِن الْإِبْرَاد سنة لِلْأَمْرِ الْوَارِد وَقيل هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 رخصَة وَحده أَن يتَمَكَّن الماشون إِلَى الْجَمَاعَات من الْمَشْي فِي الظل وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يخْتَص بالبلاد الحارة وَفِي أَن من يمشي فِي كن إِلَى الْجَمَاعَة هَل يسْتَحبّ لَهُ وَاخْتلفُوا فِي الْجُمُعَة على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن فَوَاتهَا خطر وَلَا بُد من تَقْدِيم الْخطْبَة فالبدار أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 الثَّالِثَة من اشْتبهَ عَلَيْهِ الْوَقْت يجْتَهد ويتبين ذَلِك بالأوراد وَغَيرهَا ثمَّ يُصَلِّي فَإِن وَقع فِي الْوَقْت أَو بعْدهَا فَلَا قَضَاء وَإِن كَانَ قبل الْوَقْت وَأدْركَ الْوَقْت صلى وَإِن تبين بعد انْقِضَاء الْوَقْت فَقَوْلَانِ وَكَذَا فِي طلب شهر رَمَضَان فرع إِذا أمكنه أَن يصبر إِلَى دَرك الْيَقِين فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْحَال وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أفطر بِالِاجْتِهَادِ وَغلط وَكَانَ قَادِرًا على الصَّبْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الْفَصْل الثَّانِي فِي وَقت أَرْبَاب الْأَعْذَار ونعني بالعذر الْجُنُون والصبى وَالْحيض وَالْكفْر وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَخْلُو عَنْهَا آخر الْوَقْت فَإِن بَقِي قبل غرُوب الشَّمْس مَا يسع رَكْعَة فَزَالَ الْعذر وَجب الْعَصْر وفَاقا وَلَو بَقِي مَا يسع تَكْبِيرَة فَقَوْلَانِ أقيسهما وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يلْزم لِأَن هَذَا الْقدر يَتَّسِع الْإِلْزَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 ولسنا نعتبر وَقت الْأَدَاء وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يُدْرِكهُ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن أدْرك رَكْعَة قبل غرُوب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر وَمَا دونهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا فَإِن مدرك رَكْعَة من الْجُمُعَة مدرك لَهَا بِخِلَاف مدرك التَّكْبِيرَة هَذَا حكم الْعَصْر أما الظّهْر فَيلْزم أَيْضا بِإِدْرَاك وَقت الْعَصْر لِأَنَّهُ وقته فِي حق الْمَعْذُور بِالسَّفرِ وَهَذَا الْعذر أَشد وَلكنه بكم يصير مدْركا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا بِمَا يصير بِهِ مدْركا للعصر وَالثَّانِي لَا بُد من زِيَادَة أَربع رَكْعَات على ذَلِك ليتصور الْفَرَاغ من الظّهْر فعلا ثمَّ لُزُوم الْعَصْر بعده وَهل تعْتَبر مُدَّة الْوضُوء مَعَ ذَلِك فعلى قَوْلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَهَذِه الرَّكْعَات الْأَرْبَع فِي مُقَابلَة الظّهْر أَو الْعَصْر فعلى قَوْلَيْنِ مخرجين هَذَا إِذا زَالَ الْعذر قبل أَدَاء الصَّلَاة فَإِن زَالَ بعده وَذَلِكَ يتَصَوَّر فِي الصَّبِي يُصَلِّي ثمَّ يبلغ وَالْوَقْت بَاقٍ فَلَا يلْزمه الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة فَلَو صلى الظّهْر فَبلغ وَوقت الْجُمُعَة قَائِم قَالَ ابْن الْحداد تلْزمهُ الْجُمُعَة وَهُوَ غلط عِنْد الْأَكْثَرين وَمِنْهُم من وَجهه بِأَن الصَّبِي مَضْرُوب على ترك حُضُور الْجُمُعَة والمتعدي بِالظّهْرِ قبل الْجُمُعَة لَا يَصح ظَهره على وَجه وَلَو بلغ الصَّبِي بِالسِّنِّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أتمهَا وَلَو بلغ فِي أثْنَاء يَوْم من رَمَضَان وَهُوَ صَائِم فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَمِنْهُم من علل بِوُقُوعِهِ عَن الْفَرْض وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ لم يدْرك وقتا يتَصَوَّر فِيهِ الشُّرُوع فِي الْعِبَادَة وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي الصَّبِي الْمُفطر إِذا بلغ وللعراقيين وَجه أَن الصَّبِي تلْزمهُ إِعَادَة الصَّلَاة وَإِن بلغ بعد الْأَدَاء الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَخْلُو أول الْوَقْت فَإِذا طَرَأَ الْحيض فَإِن مضى من الْوَقْت قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 مَا يسع الصَّلَاة لَزِمته وَإِن كَانَ أقل فَلَا بِخِلَاف آخر الْوَقْت فَإِن الشُّرُوع فِي آخر الْوَقْت يُمكن إِتْمَامه بِمَا بعد الْوَقْت وَهَاهُنَا لَا يُمكن فِي زمَان الْحيض وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه لَا تلْزمهُ مَا لم يدْرك جَمِيع الْوَقْت أَو آخِره وَأما الْعَصْر فَلَا يلْزم بِإِدْرَاك جُزْء من أول الظّهْر لِأَن وَقت الظّهْر لَا يصلح للعصر مَا لم يَقع الْفَرَاغ من فعل الظّهْر بِخِلَاف وَقت الْعَصْر وَذهب أَبُو يحيى الْبَلْخِي إِلَى أَن أول الظّهْر فِي إِدْرَاك الْعَصْر كآخر الْعَصْر فِي إِدْرَاك الظّهْر الْحَالة الثَّالِثَة أَن يعم الْعذر جَمِيع الْوَقْت فَيسْقط الْقَضَاء بِالْحيضِ وَالْجُنُون وَالْكفْر والصبى وَلَا تلتحق الرِّدَّة بالْكفْر بل يجب الْقَضَاء على الْمُرْتَد نعم الصَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَإِن لم يكن عَلَيْهِ قَضَاء وَلَكِن يُؤمر بِالصَّلَاةِ بعد سبع سِنِين وَيضْرب على تَركهَا بعد عشر سِنِين وَالْإِغْمَاء فِي معنى الْجُنُون قل أَو كثر أما الشُّكْر وَزَوَال الْعقل بِسَبَب محرم كشرب بنج أَو تردية من مَكَان فَلَا يسْقط الْقَضَاء فرع لَو سكر ثمَّ جن فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي وَقت السكر وَقيل يجب قَضَاء أَيَّام الْجُنُون لاتصاله بالسكر وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ جن يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ فِي وَقت الرِّدَّة وَقيل يجب قَضَاء مَا فَاتَ فِي الْجُنُون لِأَن حكم الرِّدَّة مُسْتَمر فِي الْجُنُون وَلَو ارْتَدَّت أَو سكرت ثمَّ حَاضَت لَا يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض لِأَن سُقُوط الْقَضَاء عَن الْمَجْنُون رخصَة وَعَن الْحَائِض عَزِيمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وهى خَمْسَة اثْنَان مِنْهَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ فهما من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَوجه تَعْلِيقهَا بِالْفِعْلِ أَنه يتمادى بالبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَيقصر بِالتَّأْخِيرِ وَثَلَاث مِنْهَا تتَعَلَّق بِالْوَقْتِ وَهُوَ وَقت طُلُوع الشَّمْس والاستواء والغروب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا دنت للغروب قارنها وَإِذا غربت فَارقهَا وَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 فَأَما المنوط بالطلوع فَمن وَقت بَدو إشراق الشَّمْس إِلَى طُلُوع قرصها وَقيل يَمْتَد إِلَى اسْتِيلَاء سُلْطَان الشَّمْس لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَأما الاسْتوَاء فعبارة عَن وَقت وقُوف الظل قبل ظُهُور الزِّيَادَة أما الْغُرُوب فَتدخل كراهيته باصفرار الشَّمْس إِلَى تَمام الْغُرُوب وَيسْتَثْنى من هَذِه الْكَرَاهِيَة من الصَّلَوَات مَا لَهَا سَبَب وَمن الْأَيَّام الْجُمُعَة وَمن الْبِقَاع مَكَّة أما الأول فَلَمَّا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رأى قيس بن قهد يُصَلِّي بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 الصُّبْح فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ رَكعَتَا الْفجْر فَلم يُنكر فَفِي مَعْنَاهُمَا كل مَا لَهُ سَبَب كالفائتة وَصَلَاة الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة وتحية الْمَسْجِد وَأما رَكعَتَا الْإِحْرَام فَيكْرَه لِأَن سَببهَا الْإِحْرَام وَهُوَ عذر مُتَأَخّر وَفِي الاسْتِسْقَاء تردد لِأَن تَأْخِيره مُمكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَأما اسْتثِْنَاء الْجُمُعَة فَلَمَّا روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أَنه نهى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار حَتَّى تَزُول الشَّمْس إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَقيل يخْتَص ذَلِك بِمن يَغْشَاهُ النعاس فيقصد طرده بِرَكْعَتَيْنِ وَقيل إِنَّه لَا يخْتَص بِهِ بل هُوَ خاصية يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 فَأَما اسْتثِْنَاء مَكَّة فَلَمَّا رُوِيَ عَن أبي ذَر أَنه أَخذ بِعضَادَتَيْ الْكَعْبَة وَقَالَ من عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا جُنْدُب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس إِلَّا بِمَكَّة وَلذَلِك لَا يكره الطّواف فِي سَائِر الْأَوْقَات لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا بني عبد منَاف من ولي مِنْكُم من أُمُور النَّاس شَيْئا فَلَا يمنعن أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 قَاعِدَة لَو تحرم بِالصَّلَاةِ فِي وَقت الْكَرَاهِيَة فَفِي الِانْعِقَاد وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالصَّلَاةِ فِي الْحمام وَالدَّار الْمَغْصُوبَة وَالثَّانِي لَا كَصَوْم يَوْم الْعِيد فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد لم تلْزم بِالنذرِ فَأَما أَدَاء الْمَنْذُورَة فِيهَا فَجَائِز لِأَن النّذر سَبَب كالقضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَذَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَذَان سنة مُؤَكدَة وَقيل إِنَّه فرض كِفَايَة وَلَو امْتنع عَنهُ أهل بَلْدَة يُقَاتلُون عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من شَعَائِر الْإِسْلَام وَالصَّحِيح أَنهم لَا يُقَاتلُون لِأَنَّهُ سنة وَالْأَصْل فِيهِ أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شاور أَصْحَابه فِي أَمارَة ينصبونها لحضور الْجَمَاعَات فَذكر النَّار والناقوس فَذكر النَّصَارَى وَالْمَجُوس فَتَفَرَّقُوا عَن غير اتِّفَاق رَأْي فَقَالَ عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ كنت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 إِذْ نزل ملك من السَّمَاء عَلَيْهِ ثِيَاب خضر وَبِيَدِهِ ناقوس فَقلت أتبيع هَذَا الناقوس مني فَقَالَ وَمَا تصنع بِهِ مني فَقلت أضْرب بِهِ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَو لَا أدلك على خير من ذَلِك فَقلت بلَى فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ الله أكبر وسرد الْأَذَان ثمَّ اسْتَأْخَرَ غير بعيد فَأَقَامَ فَأَصْبَحت وحكيت الرُّؤْيَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رُؤْيا صدق إِن شَاءَ الله ألقه على بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك فَقلت ائْذَنْ لي مرّة وَاحِدَة فَأَذنت بِإِذْنِهِ فَلَمَّا سمع عمر صوتي خرج يجر رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُول وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رَأَيْت مثل مَا أرى فَقَالَ الْحَمد لله فَذَاك أثبت ثمَّ أَتَاهُ بضعَة عشر من الصَّحَابَة قد رَأْي كلهم مثل ذَلِك هَذَا تمهيد الْبَاب ومقصوده يحصره ثَلَاثَة فُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الْفَصْل الأول فِي الْمحل الَّذِي يشرع فِيهِ الْأَذَان وَهُوَ جمَاعَة الرِّجَال فِي كل مَفْرُوضَة مُؤَدَّاة وَفِي الضَّابِط قيود أَرْبَعَة الأول الْجَمَاعَة فالمنفرد فِي بَيته أَو فِي سفر إِذا لم يبلغهُ نِدَاء الْمُؤَذّن فِيهِ قَولَانِ الْجَدِيد أَنه يُؤذن وَيُقِيم لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ إِنَّك رجل تحب الْبَادِيَة وَالْغنم فَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة فَأذن وارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع صَوْتك شجر وَلَا مدر وَلَا حجر إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة وَفِي الْقَدِيم لَا يشرع لِأَن مَقْصُوده الإبلاغ فَيخْتَص بِالْجَمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَقيل إِن كَانَ يَرْجُو حُضُور جمع يُؤذن وَإِلَّا فَلَا وَكَانَ الْخُدْرِيّ يَرْجُو حُضُور غلمانه ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحبّ رفع الصَّوْت وَإِن كَانَ مُنْفَردا أما إِذا بلغه نِدَاء الْبَلَد فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى أَن لَا يُؤذن اكْتِفَاء بالنداء الْعَام وَإِن أذن فَأولى بألا يرفع الصَّوْت الْقَيْد الثَّانِي الرِّجَال فَفِي أَذَان الْمَرْأَة فِي الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تؤذن وتقيم وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِث تقيم وَلَا تؤذن ثمَّ هى مَمْنُوعَة عَن رفع الصَّوْت منع تَحْرِيم الْقَيْد الثَّالِث الْمَفْرُوضَة فَلَا أَذَان فِي جمَاعَة النَّوَافِل كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء والجنازة والعيد بل يُنَادى الصَّلَاة جَامِعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 الْقَيْد الرَّابِع المؤداة أما الغائبة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنه يُقيم لَهَا وَلَا يُؤذن لِأَن الْإِقَامَة للشروع وَالْأَذَان للإبلاغ وَالْقَدِيم أَنه يُؤذن وَيُقِيم نظرا إِلَى حُرْمَة الصَّلَاة وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء أَنه إِن كَانَ يَرْجُو جمَاعَة أذن وَإِلَّا اقْتصر على الْإِقَامَة فَإِن قُلْنَا يُؤذن فَلَو كَانَ يُؤَدِّي فوائت فَلَا يُؤذن إِلَّا مرّة وَاحِدَة لَا سَبِيل إِلَى مُوالَاة أذانين فِي وَقت وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَلَو قدم الْعَصْر إِلَى وَقت الظّهْر يُؤذن لِلظهْرِ أَولا وَيُقِيم للعصر بعده وَلَا يُؤذن فَإِن أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَإِن قُلْنَا يُؤذن كالفائتة فَيُؤذن لِلظهْرِ ثمَّ يُقيم للعصر بعده وَإِن قُلْنَا لَا يُؤذن للفائتة فَلَا يُؤذن لِلظهْرِ لِأَنَّهَا كالفائتة ثمَّ لَا يُؤذن للعصر أَيْضا كَيْلا تَنْقَطِع الْمُوَالَاة بَين الصَّلَاتَيْنِ وَيشْهد لَهُ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي وَقت الظّهْر بِعَرَفَة بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَأخر الْمغرب إِلَى الْعشَاء بِمُزْدَلِفَة بإقامتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 فرع الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِي الْمَسْجِد المطروق هَل يُؤذن لَهَا فِيهِ قَولَانِ نقلهما صَاحب التَّقْرِيب أَحدهمَا لَا فَإِن كل وَاحِد من الْجمع مدعُو بِالْأَذَانِ الأول مُجيب وَالثَّانِي نعم لِأَن الدعْوَة الأولى تمت بالإجابة الأولى ثمَّ إِذا قُلْنَا هَاهُنَا وَفِي الْمُنْفَرد إِنَّه لَا يُؤذن فَفِي الْإِقَامَة خلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الْفَصْل الثَّانِي فِي صفة الْأَذَان ويشرع فِيهِ أُمُور خَمْسَة الأول الْأَذَان مثنى مَعَ الترتيل وَالْإِقَامَة فُرَادَى مَعَ الإدراج بأخبار صحت فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِقَامَة كالأذان إِلَّا فِي الترتيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَبَالغ مَالك فِي الْإِفْرَاد وَاكْتفى بقوله الله أكبر مرّة وَاحِدَة الثَّانِي الترجيع مَأْمُور بِهِ لقَوْل أبي مَحْذُورَة عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان تسع عشرَة كلمة وكيفيته أَن يذكر كلمتي الشَّهَادَة مَعَ خفض الصَّوْت مرَّتَيْنِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ وَيرْفَع الصَّوْت وَالأَصَح أَنه لَيْسَ ركنا إِذْ لَا إبلاغ فِيهِ الثَّالِث التثويب فِي أَذَان الصُّبْح مَشْرُوع على الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد أكره ذَلِك لِأَن أَبَا مَحْذُورَة لم يحكه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَالْفَتْوَى على الْقَدِيم لِأَنَّهُ صَحَّ عَن أبي مَحْذُورَة وَإِن لم يبلغ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تمّ الْمَشْهُور أَنه لَيْسَ ركنا وَجها وَاحِدًا وَفِيه احْتِمَال الرَّابِع الْقيام واستقبال الْقبْلَة فِي جَمِيع الْأَذَان مَشْرُوع وَهل يعْتد بِالْأَذَانِ دونهمَا فعلى وَجْهَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول مَقْصُود الإبلاغ دونهمَا وَفِي الثَّانِي إِلَى اسْتِمْرَار الْخلق عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالْقعُود بَينهمَا وعَلى الْوَجْهَيْنِ يسْتَحبّ أَن يَقُول حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ ملتفتا إِلَى الْيَمين بِحَيْثُ لَا يحول صَدره على الْقبْلَة وَفِي حَيّ على الْفَلاح إِلَى الْيَسَار وَاخْتَارَ الْقفال أَنه يقسم الحيعلتين على الْجِهَتَيْنِ أما رفع الصَّوْت فركن إِذْ لَا يحصل الإبلاغ دونه ثمَّ لَا تتأدى سنة هَذَا الشعار إِلَّا بِأَن يعم صَوت المؤذنين جَمِيع أَطْرَاف الْبَلَد الْخَامِس يشْتَرط التَّرْتِيب والموالاة فِي كَلِمَات الْأَذَان فَإِن عكسها لم يعْتد بِهِ وَإِن طول السُّكُوت فِي أَثْنَائِهَا فَقَوْلَانِ وَوجه الْبطلَان أَنه يكَاد يفوت مَقْصُود الإبلاغ بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يبطل فَلَو تكلم فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة فَقَوْلَانِ وَلَو بنى عَلَيْهِ غَيره فَقَوْلَانِ مرتبان لزِيَادَة اللّبْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وَلَو ارْتَدَّ وَطَالَ الزَّمَان فَقَوْلَانِ مرتبان على السُّكُوت وَلَو قصر الزَّمَان فَقَوْلَانِ وَوجه الْبطلَان أَن الرِّدَّة تحبط مَا مضى من الْعِبَادَة وَلَو تكلم فِي أثْنَاء الْأَذَان بِكَلَام يسير لم يضر إِلَّا إِذا رفع صَوته على حد الْأَذَان فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ يجر لبسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الْفَصْل الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَذّن والمشروط ثَلَاث صِفَات أَن يكون مُسلما عَاقِلا ذكرا فَلَا يعْتد بِأَذَان الْكَافِر وَيتَصَوَّر ذَلِك مِنْهُ إِذا كَانَ عيسويا يعْتَقد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول الله إِلَى الْعَرَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَجْنُون والسكران المخبط وَيصِح أَذَان الصَّبِي الْمُمَيز وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَرْأَة أَعنِي أَذَان الإبلاغ للرِّجَال إِذْ رفع الصَّوْت محرم عَلَيْهَا وَالصِّفَات المسنونة ثَلَاث الأولى الطَّهَارَة فيعتد بِأَذَان الْجنب والمحدث مَعَ كَرَاهِيَة وكراهية الْجنب أَشد والكراهية فِي الْإِقَامَة أَشد الثَّانِيَة أَن يكون صيتًا حسن الصَّوْت ليَكُون أرق لسامعيه الثَّالِثَة أَن يكون عدلا ثِقَة لإشرافه على بيُوت النَّاس ولتقلده عُهْدَة مَوَاقِيت الْعِبَادَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 مسَائِل ثَلَاثَة بهَا ختام الْبَاب الأولى أَن الْإِمَامَة أفضل من التأذين على الْأَصَح لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واظب على الْإِمَامَة وَلم يُؤذن وَقيل سَبَب ذَلِك أَنه لَو قَالَ حَيّ على الصَّلَاة للَزِمَ الْحُضُور وَقيل سَببه أَنه لَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله لخرج عَن جزل الْكَلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وَلَو قَالَ أشهد أَنِّي رَسُول الله لتغير نظم الْأَذَان الثَّانِيَة يسْتَحبّ أَن يكون فِي الْمَسْجِد المطروق مؤذنان أَحدهمَا للصبح قبل الْفجْر وَالْآخر بعده كعادة بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم وَإِذا كثر المؤذنون فَلَا يسْتَحبّ أَن يتراسلوا بل إِن وسع الْوَقْت ترتبوا وَإِن ضَاقَ أذنوا آحادا فِي أقطار الْمَسْجِد ثمَّ إِنَّمَا يُقيم من أذن أَولا فَإِن تساووا أَقرع بَينهم وَوقت الْإِقَامَة مَنُوط بِنَظَر الإِمَام وَوقت الْأَذَان مَنُوط بِنَظَر الْمُؤَذّن وَلَو سبق الْمُؤَذّن الرَّاتِب أَجْنَبِي بِالْأَذَانِ لم يسْتَحق ولَايَة الْإِقَامَة على الْأَصَح الثَّالِثَة للْإِمَام أَن يسْتَأْجر على الْأَذَان من بَيت المَال إِذا لم يجد مُتَطَوعا وَهل لآحاد النَّاس ذَلِك فِيهِ خلاف وَوجه الْمَنْع أَن الْفَائِدَة لَا تخْتَص بِهِ فَلَيْسَ لَهُ بذل المَال عوضا عَمَّا لَا يحصل لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَقْبل الصَّخْرَة من بَيت الْمُقَدّس مُدَّة مقَامه بِمَكَّة وَهِي قبْلَة الْأَنْبِيَاء وَكَانَ يقف بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين إِذْ كَانَ لَا يُؤثر استدبار الْكَعْبَة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة لم يُمكن استقبالها إِلَّا باستدبار الْكَعْبَة وعيرته الْيَهُود وَقَالُوا إِنَّه على ديننَا وَيُصلي إِلَى قبلتنا فَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يحوله إِلَى الْكَعْبَة فَنزل قَوْله تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 ثمَّ للاستقبال ثَلَاثَة أَرْكَان الصَّلَاة الَّتِى فِيهَا الِاسْتِقْبَال والقبلة وَالْمُصَلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الرُّكْن الأول الصَّلَاة وَيتَعَيَّن الِاسْتِقْبَال فِي فرائضها من أَولهَا إِلَى آخرهَا إِلَّا فِي شدَّة الْخَوْف حَال الْقِتَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَلَا يجوز أَدَاء الْفَرَائِض على الرَّاحِلَة وَأما الْمَنْذُور فَجَائِز إِن قُلْنَا يسْلك بِهِ مَسْلَك جَائِز الشَّرْع لَا مَسْلَك واجبه وَالأَصَح أَن صَلَاة الْجِنَازَة لَا تُقَام على الرَّاحِلَة لِأَن الرُّكْن الْأَظْهر فِيهَا الْقيام ثمَّ لَيْسَ منع الْفَرْض على الرَّاحِلَة للانحراف عَن الْقبْلَة فَقَط بل لَو صلى على بعير مَعْقُول أَو فِي أرجوحة معلقَة بالحبال لم تجز لِأَنَّهَا غير معدة للقرار بِخِلَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 السَّفِينَة الْجَارِيَة والزورق المشدود على السَّاحِل لِأَنَّهَا كالسرير وَالْمَاء كالأرض والسفينة الْجَارِيَة تمس حَاجَة الْمُسَافِر إِلَيْهَا إِذْ الْخُرُوج إِلَى السَّاحِل مُتَعَذر للصَّلَاة وَفِي صَلَاة الْمُقِيم بِبَغْدَاد فِي الزواريق الْجَارِيَة مَعَ تَمام الِاسْتِقْبَال وَالْأَفْعَال تردد وَاحْتِمَال أما النَّوَافِل فَيجوز إِقَامَتهَا فِي السّفر الطَّوِيل رَاكِبًا وماشيا رخصَة وترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل روى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته أَنِّي تَوَجَّهت بِهِ دَابَّته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر على الْبَعِير فاستدل بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه غير وَاجِب فِي السّفر الْقصير قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 أَحدهمَا جَوَاز التنقل على الرَّاحِلَة لمسيس الْحَاجة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تغير ظَاهر لهيئة الصَّلَاة فتختص بالطويل لَا الْقصير وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى جَوَاز ذَلِك للمقيم وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ثمَّ نظر فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة للمتنفل وَكَيْفِيَّة أَحْوَاله أما الِاسْتِقْبَال فَفِي ابْتِدَاء الصَّلَاة أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب الِاسْتِقْبَال عِنْد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ لَا عسر فِيهِ بِخِلَاف الدَّوَام فَأشبه النِّيَّة وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذِه الْحَاجة تعم جَمِيع الصَّلَاة الثَّالِث أَن الْعَنَان والزمام إِذا كَانَ بِيَدِهِ وَجب لتيسره وَإِن كَانَت الدَّابَّة مقطرة فَلَا الرَّابِع أَن وَجه الدَّابَّة إِن كَانَت إِلَى الْقبْلَة فَلَا يجوز تحريفها وَإِن كَانَ إِلَى الطَّرِيق فَلَا يلْزمه تحريفها إِلَى الْقبْلَة وَإِن كَانَ إِلَى غَيرهمَا فَلَا بُد من التحريف فليحرفها إِلَى الْقبْلَة ثمَّ ليستبد فِي الطَّرِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 ثمَّ من أوجب فِي الِابْتِدَاء تردد فِي وَقت السَّلَام كَمَا فِي النِّيَّة أما دوَام الصَّلَاة فَلَا يجب الِاسْتِقْبَال فِيهَا لَكِن صوب الطَّرِيق بدل عَن الْقبْلَة فَلَو كَانَ رَاكب تعاسيف فَلَا يتَنَفَّل أصلا لِأَن الثُّبُوت فِي جِهَة لَا بُد مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فَلَو كَانَ لمقصده صوب وَلَكِن لم يسْلك طَرِيقا مَعْلُوما فَقَوْلَانِ فرع لَو انحرفت الدَّابَّة فِي أثْنَاء الصَّلَاة عَن صوب الطَّرِيق نظر فَإِن كَانَ بتحريفه عمدا وَلَو فِي لَحْظَة بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا للصَّلَاة وتدارك مَعَ قصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَفِيهِ خلاف وَمثله جَار فِي الاستدبار نَاسِيا ثمَّ إِذا لم تبطل يسْجد للسَّهْو وَإِن كَانَ بجماح الدَّابَّة بَطل إِن طَال الزَّمَان كَمَا إِذا أمال الْمُسْتَقْبل إِنْسَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وَإِن قصر الزَّمَان فَوَجْهَانِ فِي الإمالة وَالظَّاهِر أَنه فِي الجماح أَنه لَا يبطل لِأَن جماح الدَّابَّة عَام ثمَّ هَاهُنَا لَا يسْجد للسَّهْو إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ أما كَيْفيَّة الْأَفْعَال فَإِن كَانَ فِي مرقد فليتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وَإِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 على سرج أَو رَحل فينحني لَهما وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وَلَا يلْزمه أَن ينحني بِحَيْثُ يُسَاوِي الساجد على الأَرْض وَلَا أَن تمس جَبهته شَيْئا لِأَن نزقات الدَّابَّة لَا تؤمن أما الْمَاشِي فيتنفل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَحكم استقباله حكم رَاكب بِيَدِهِ زِمَام دَابَّته وَنقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمَاشِي يرْكَع وَيسْجد وَيقْعد ويستقر لابثا فِي هَذِه الْأَركان وَلَا يمشي إِلَّا فِي حَالَة الْقيام قَارِئًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه لَا يلبث ويقتصر على الْإِيمَاء بِالسُّجُود وَالرُّكُوع كَيْلا يتعطل مَقْصُود السّفر فرعان الأول لَو مسي فِي نَجَاسَة قصدا فَسدتْ صلَاته بِخِلَاف مَا لَو وطئ فرسه نَجَاسَة وَلَا يُكَلف الْمَاشِي أَن يُبَالغ فِي التحفظ عَن النَّجَاسَات الْيَابِسَة فَإِن ذَلِك مِمَّا يكثر فِي الطّرق الثَّانِي لَو عزم على الْإِقَامَة وَهُوَ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهُ أَن يتمم رَاكِبًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 بل عَلَيْهِ أَن ينزل ويتمم وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة وَهُوَ مُتَرَدّد لِحَاجَتِهِ فِي الْبَلَد أَو وَاقِف على رجله فَلهُ أَن يتمم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 الرُّكْن الثَّانِي الْقبْلَة وفيهَا مسَائِل تتشعب من موقف الْمُسْتَقْبل الْموقف الأول جَوف الْكَعْبَة فالواقف فِيهَا لَهُ أَن يسْتَقْبل أَي جِدَار شَاءَ وَلَهُم عقد الْجَمَاعَة متدابرين مُسْتَقْبلين للجدران وَلَو اسْتقْبل الْبَاب وَهُوَ مَرْدُود صَحَّ لِأَنَّهُ من أَجزَاء الْبَيْت وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا والعتبة مُرْتَفعَة قدر مؤخرة الرحل جَازَ وَإِن كَانَت أقل فَلَا وَلَو انْهَدَمت الْكَعْبَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَوقف فِي وسط الْعَرَصَة لم تصح صلَاته إِلَّا أَن يكون بَين يَدَيْهِ شَجَرَة أَو بَقِيَّة من حيطان الْبَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه يَصح صلَاته لِأَن بَين يَدَيْهِ أَرض الْكَعْبَة وَهُوَ مستعل عَلَيْهَا الْموقف الثَّانِي سطح الْكَعْبَة وَلَا تصح الصَّلَاة عَلَيْهَا إِن لم يكن بَين يَدَيْهِ شئ شاخص من نفس الْكَعْبَة كسترة أَو خَشَبَة لِأَنَّهُ لَا يُسمى مُسْتَقْبلا بِخِلَاف مَا لَو وقف على أبي قبيس والكعبة تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يُسمى مُسْتَقْبلا لِخُرُوجِهِ مِنْهَا وَلَو وضع بَين يَدَيْهِ شَيْئا لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءا وَلَو غرز بَين يَدَيْهِ خَشَبَة فَوَجْهَانِ لِأَن الْمُثبت بالغرز قد يعد من أَجزَاء الْبناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الثَّالِث الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد يلْزمه محاذاة الْكَعْبَة فَلَو وقف على طرف وَنصف بدنه فِي محاذاة ركن فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان وَلَو امْتَدَّ صف مستطيل قريب من الْبَيْت فالخارجون عَن سمت الْبَيْت ومحاذاته لَا صَلَاة لَهُم وَهَؤُلَاء بعينهم قد يفْرض تراخيهم إِلَى آخر بَاب الْمَسْجِد فَتَصِح صلواتهم لحُصُول صُورَة الِاسْتِقْبَال من حَيْثُ الِاسْم الرَّابِع الْوَاقِف بِمَكَّة خَارج الْمَسْجِد يَنْبَغِي أَن يُسَوِّي محرابه بِنَاء على عيان الْكَعْبَة فَإِن دخل بَيْتا وَلم يقدر على مُعَاينَة الْكَعْبَة لتسوية الْقبْلَة فَلهُ أَن يسْتَدلّ على الْكَعْبَة بِمَا يدل عَلَيْهِ الْخَامِس الْوَاقِف بِالْمَدِينَةِ ينزل محراب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقه منزلَة الْكَعْبَة إِذْ لَا يُمكن الْخَطَأ فِيهِ وَلَا يجوز الِاجْتِهَاد فِيهِ بالتيامن والتياسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 أما فِي سَائِر الْبِلَاد فَيجوز الِاعْتِمَاد على الْمِحْرَاب الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَالظَّاهِر جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي التَّيَامُن والتياسر وَقيل إِن ذَلِك مَمْنُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن كَانَ قَادِرًا على معرفَة جِهَة الْقبْلَة يَقِينا لم يجز لَهُ الِاجْتِهَاد فَإِن عجز عَن الْيَقِين اجْتهد فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد بالعمى فليقلد شخصا مُكَلّفا مُسلما عَارِفًا بدلائل الْقبْلَة أما الْمُجْتَهد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُقَلّد غَيره فَإِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت وَهُوَ مار فِي نظره فَهُوَ كمن يتناوب مَعَ جمع على بِئْر وَعلم أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْوَقْت وَقد ذكرنَا حكمه وَإِن ارتج عَلَيْهِ طَرِيق الصَّوَاب وتحير فَفِي تَقْلِيده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 خلاف وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ جَوَازه لِأَنَّهُ الْآن كالأعمى وَمِنْهُم من منع لِأَنَّهُ نَاظر والتقليد لَا يَلِيق بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يُقَلّد فيصلى على حسب حَاله ثمَّ يقْضِي كالأعمى إِذْ لم يجد من يرشده وَالأَصَح أَنه يُقَلّد وَلَكِن يقْضى لِأَن هَذَا عذر نَادِر أما الْبَصِير الْجَاهِل بالأدلة فيبتنى أمره على أَن تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة هَل يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا يتَعَيَّن فالتقليد لَا يسْقط الْقَضَاء عَنهُ لِأَنَّهُ مقصر وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يتَعَيَّن فَهُوَ كالأعمى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 هَذَا بَيَان مَحل التَّقْلِيد وَالِاجْتِهَاد فَأَما حكم الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا بنى عَلَيْهِ لم يلْزمه قَضَاء الصَّلَاة إِلَّا إِذا تعين لَهُ الْخَطَأ وَبَان جِهَة الصَّوَاب فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ أدّى مَا كلف وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ فَاتَ الْمَقْصُود وَالْقَوْلَان جاريان فِي الِاجْتِهَاد فِي الْأَوَانِي وَالثيَاب وَكَذَا فِي وَقت الصَّوْم وَالصَّلَاة إِن بَان لَهُ أَنه أداهما قبل الْوَقْت فَأَما إِذا وَقع بعد الْوَقْت فَلَا قَضَاء هَذَا فِيمَن عجز عَن دَرك الْيَقِين فِي الْوَقْت فَأَما من اجْتهد فِي أول الْوَقْت وَهُوَ مُتَمَكن من الصَّبْر فَالْأَوْجه أَن يُقَال اجْتِهَاده صَحِيح بِشَرْط الْإِصَابَة وسلامة الْعَاقِبَة أما إِذا بَان الْخَطَأ يَقِينا وَلم تظهر لَهُ جِهَة الصَّوَاب إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 الْقَضَاء قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْخَطَأ أَيْضا مُمكن فِي الْقَضَاء فَأشبه خطأ الحجيج يَوْم عَرَفَة أما إِذا تغير حَاله فِي الصَّلَاة بِأَن تَيَقّن أَنه مستدبر للكعبة فَإِن أَوجَبْنَا الْقَضَاء بطلت صلَاته وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف وَإِن قُلْنَا لَا قَضَاء فَقَوْلَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 أَحدهمَا أَنه يتَحَوَّل إِلَى الْجِهَة الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف لِأَن الْجمع فِي صَلَاة واحده بَين جِهَتَيْنِ مستنكر وَلَو تبين بِالِاجْتِهَادِ أَنه مستدبر فَحكمه حكم التيقن أما إِذا ظهر الْخَطَأ يَقِينا أَو ظنا وَلَكِن لم تظهر جِهَة الصَّوَاب فَإِن طَال زمَان التحير بَطل وَإِن قصر فَقَوْلَانِ ثمَّ حد الطول أَن يمْضِي ركن أَو وَقت مُضِيّ ركن وَالْقصر دون ذَلِك فَإِن عجز عَن الدَّرك بِالِاجْتِهَادِ على الْقرب بطلت صلَاته وَإِن قدر على ذَلِك فَفِي الْبطلَان قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لأجل التحير ثمَّ مُدَّة الْقرب تعْتَبر بِمَا إِذا صرف وَجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الْمُصَلِّي عَن الْقبْلَة قهرا هَذَا كُله فِي الْخَطَأ فِي الْجِهَة فَإِن بَان لَهُ الْخَطَأ فِي التَّيَامُن والتياسر فَهَذَا هَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 يُؤثر فِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الْمَطْلُوب جِهَة الْكَعْبَة أَو عينهَا هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَفِيه نظر لِأَن الْجِهَة لَا تَكْفِي بِدَلِيل الْقَرِيب من الْكَعْبَة إِذْ خرج عَن محاذاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الرُّكْن فَإِنَّهُ لَا تصح صلَاته مَعَ اسْتِقْبَال الْجِهَة ومحاذاة الْعين أَيْضا لَيْسَ بِشَرْط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 فَإِن الصَّفّ الطَّوِيل فِي آخر الْمَسْجِد لَو تزاحفوا إِلَى الْكَعْبَة خرج بَعضهم عَن محاذاة الْعين وَتَصِح صلَاتهم فَكيف الصَّفّ الطَّوِيل فِي أقْصَى الْمشرق فَلَعَلَّ مُرَاد الْأَصْحَاب أَن بَين موقف المحاذي الذى يَقُول الحاذق فِيهِ إِنَّه على غَايَة السداد وَبَين موقفه الذى يُقَال فِيهِ إِنَّه خرج عَن اسْم الِاسْتِقْبَال بِالْكُلِّيَّةِ مَوَاقِف يُقَال فِيهَا إِن بَعْضهَا أَسد من بعض وَإِن كَانَ الْكل سديدا فَطلب الْأسد هَل يجب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لإمكانه وَالثَّانِي لَا لِأَن حَقِيقَة الْمُحَاذَاة فِي الْمَسْجِد مُمكن ثمَّ لم تجب اكْتِفَاء بِالِاسْمِ فَكَذَا هَاهُنَا فروع أَرْبَعَة الأول لَو صلى أَربع صلوَات إِلَى أَربع جِهَات بِأَرْبَع اجتهادات فالنص أَنه لَا قَضَاء قولا وَاحِدًا لِأَن الْخَطَأ لم يتَعَيَّن وَخرج صَاحب التَّقْرِيب أَنه يقْضِي الْكل كَمَا لَو نسي ثلث صلوَات من أَربع صلوَات الثَّانِي إِذا صلى الظّهْر بِاجْتِهَاد فَهَل يلْزمه اسْتِئْنَاف الِاجْتِهَاد للعصر فعلى وَجْهَيْن ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى تعدد الصَّلَاة وَإِمْكَان تغير الِاجْتِهَاد وَفِي الثَّانِي إِلَى اتِّحَاد الْقبْلَة واتحاد الْمَكَان الثَّالِث إِذا أدّى اجْتِهَاد رجلَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ فَلَا يَقْتَدِي أَحدهمَا بِالْآخرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 الرَّابِع إِذا تحرم الْمُقَلّد بِالصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ من هُوَ دون مقلده أَو مثله أَخطَأ بك فلَان لم يلْزمه قبُوله وَإِن كَانَ أعلم مِنْهُ فَهُوَ كتغير اجْتِهَاد الْبَصِير فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَلَو قطع بخطئه وَقَالَ الْقبْلَة وَرَاءَك وَهُوَ عدل فَيلْزمهُ الْقبُول لِأَن قطعه أرجح من ظن غَيره وَلَو قَالَ بَصِير للأعمى المتلبس بِالصَّلَاةِ أَنْت مُسْتَقْبل الشَّمْس وَعلم الْأَعْمَى أَن الْقبْلَة لَيست فِي جِهَة الشَّمْس فَعَلَيهِ قبُوله لِأَن هَذَا إِخْبَار عَن محسوس لَا اجْتِهَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأفعال الصَّلَاة تَنْقَسِم إِلَى أَرْكَان وأبعاض وَسنَن وهيئات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 أما الْأَركان فأحد عشر التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع والاعتدال مِنْهُ مَعَ الطُّمَأْنِينَة فيهمَا وَالسُّجُود والقعدة بَين السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الطُّمَأْنِينَة وَالتَّشَهُّد الْأَخير وَالْقعُود فِيهِ والصلاه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام وَأما النِّيَّة فبالشروط أشبه كاستقبال الْقبْلَة وَالطَّهَارَة وَلَو كَانَت النِّيَّة ركنا لافتقرت إِلَى نِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وَأما الأبعاض فِيمَا ينجبر تَركه بسجود السَّهْو وَهُوَ أَرْبَعَة الْقُنُوت وَالتَّشَهُّد الأول وَالْقعُود فِيهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أحد الْقَوْلَيْنِ وَأما الهيئات فَمَا لَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود كتكبير الِانْتِقَالَات والتسبيحات فلنورد هَذِه الْأَركان بسننها على ترتيبها القَوْل فِي النِّيَّة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي أصل النِّيَّة وَالصَّلَاة بالِاتِّفَاقِ مفتقرة إِلَى النِّيَّة فِي ابتدائها وَلَا يضر غُرُوبهَا فِي أثْنَاء الصَّلَاة نعم لَو طَرَأَ مَا يُنَاقض جزم النِّيَّة بَطل وَذَلِكَ من ثَلَاثَة أوجه الأول لَو أَن يجْزم نِيَّة الْخُرُوج فِي الْحَال أَو فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة أَو يتَرَدَّد فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الْخُرُوج بطلت صلَاته وَلَو تردد فِي الْخُرُوج عَن الصَّوْم لم يبطل وَلَو جزم نِيَّة الْخُرُوج فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن الصَّوْم لَيْسَ لَهُ عقد وَتحرم وتحلل وَلذَلِك يَنْتَهِي بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس فَلَا يُؤثر فِيهِ مُجَرّد الْقَصْد الثَّانِي أَن يعلق نِيَّة الْخُرُوج بِدُخُول شخص فَفِي بُطْلَانه فِي الْحَال وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل لِأَنَّهُ نَاقض حزم النِّيَّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يدْخل ذَلِك الشَّخْص وَهُوَ فِي الْحَال مُسْتَمر وَالثَّالِث أَن يشك فِي نِيَّة الصَّلَاة فَإِن مضى مَعَ الشَّك ركن لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة كركوع أَو سُجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ ذَلِك لَا يعْتد بِهِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِعَادَته وَفِيه احْتِرَاز قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَمد الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَإِن لم يمض ركن وَقصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي الْكَلَام الْكثير مَعَ النسْيَان النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة النِّيَّة أما الْفَرْض فِي الْعبارَة عَن نِيَّته أَن يَقُول أؤدي الظّهْر فرض الْوَقْت لله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 فيتعرض بقوله {أَوديَة} لأصل الْفِعْل وللأداء وَهَذَا بِشَرْط أَن يخْطر بِقَلْبِه كَونه فِي الْوَقْت إِذْ الْأَدَاء قد يعبر بِهِ عَن الْقَضَاء ويتعرض بالفرضية لنفي النَّفْل وتمييز الظّهْر عَن الْعَصْر وَغَيره بِذكر الظّهْر وكل ذَلِك وَاجِب إِلَّا الْفَرْضِيَّة وَالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى ففيهما وَجْهَان وَوجه كَونه سنة أَن صَلَاة الظّهْر لَا تقع إِلَّا فرضا لله تَعَالَى ثمَّ هَذِه النِّيَّة محلهَا الْقلب وَلَيْسَ فِيهَا نطق ونظم حُرُوف لَا بِالْقَلْبِ وَلَا بِاللِّسَانِ نعم يسْتَحبّ مساعدة اللِّسَان الْقلب فِيهَا وَقد قَالَ الشَّافِعِي ينْعَقد إِحْرَام الْحَج بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ بِخِلَاف الصَّلَاة فغلط من ظن أَنه شَرط اللَّفْظ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفرق بَين التَّكْبِير والتلبية أما النَّوَافِل فرواتبها يجب فِيهَا التَّعْيِين بِالْإِضَافَة وَغير الرَّوَاتِب تَكْفِي فِيهَا نِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 الصَّلَاة مُطلقَة وَلَو نرى الْفَرْض قَاعِدا وَهُوَ قَادر على الْقيام لم ينْعَقد فَرْضه وَهل ينْعَقد نفلا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن مَا نَوَاه لم ينْعَقد فَكيف يحصل غَيره وَالثَّانِي نعم لِأَن التَّعَذُّر فِي وصف الْفَرْضِيَّة فَيبقى أصل الصَّلَاة وَيشْهد لذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جَوَاز قلب الْفَرْض نفلا وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَن تحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال والمسبوق إِذا وَقع تحرمه فِي الرُّكُوع أَو قلب الْمُصَلِّي ظَهره عصرا أَو وجد الْعَاجِز خفَّة فِي الصَّلَاة فَلم يقم فَإِن الْفَرْض يفوت فِي هَذِه الصُّورَة فِي بَقَاء النَّفْل قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 النّظر الثَّالِث فِي وَقت النِّيَّة وَهُوَ وَقت التَّكْبِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَنْوِي مَعَ التَّكْبِير لَا قبله وَلَا بعده وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يبسط النِّيَّة على التَّكْبِير بِحَيْثُ ينطبق أَوله على أَوله وَآخره على آخِره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وَالثَّانِي أَن تقرن بِهَمْزَة التَّكْبِير ثمَّ هَل يشْتَرط استدامتها إِلَى آخر التَّكْبِير فِيهِ فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين التَّقْدِيم والبسط لِأَن الْأَوَّلين تساهلوا فِيهِ وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن النِّيَّة قصد وَلَكِن شَرطه الْإِحَاطَة بِصِفَات الْمَقْصُود وَهُوَ كَون الصَّلَاة ظهرا وَأَدَاء وَغير ذَلِك وَرُبمَا يعسر إِحْضَار عُلُوم مُتعَدِّدَة فِي وَقت وَاحِد فالمقصود أَن يتَمَثَّل لَهُ إِحْضَار هَذِه المعلومات عِنْد أول التَّكْبِير ويقرن الْقَصْد بِهِ ويستديم الْعلم إِلَى آخر التَّكْبِير وَكَذَا الْقَصْد أَي لَا يغْفل وَلَا يعرض عَن قَصده فَإِن لم يتم كُله إِلَّا عِنْد آخر التَّكْبِير فَفِي جَوَازه تردد وَوجه الِاكْتِفَاء أَن آخر التَّكْبِير وَقت الِانْعِقَاد وَمن شَرط الاقتران بِالْأولِ نظر إِلَى أول سَبَب الِانْعِقَاد وَمن خير رفع هَذِه المضايقة وَهُوَ الأولى بِدَلِيل تساهل الْأَوَّلين فِيهِ القَوْل فِي التَّكْبِير وسننه وَالنَّظَر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز أما الْقَادِر فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَقُول الله أكبر بِعَيْنِه من غير قطع وَلَا عكس وَمعنى التَّعْيِين أَنه لَو قَالَ الله أجل أَو الرَّحْمَن أعظم لَا يقوم مقَامه وَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 تَرْجَمته خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قَالَ الله أكبر صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَاد مَا لم يُغير الْمَعْنى وَالنّظم وَلَو قَالَ الله الْجَلِيل أكبر فَوَجْهَانِ لِأَن الزِّيَادَة مفيدة مُغيرَة للنظم وَالْعَكْس أَن يَقُول الْأَكْبَر الله فالنص أَنه لَا يجوز وَنَصّ فِي قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام أَنه يجوز فَقيل لِأَن ذَلِك يُسمى تَسْلِيمًا وَهَذَا لَا يُسمى تَكْبِيرا وَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج مأخذهما أَن التَّرْتِيب هَل هُوَ شَرط بَين الْكَلِمَتَيْنِ أما الْعَاجِز فَيَأْتِي بترجمته وَلَا يُجزئهُ ذكر آخر لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِخِلَاف الْعَاجِز عَن الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يعدل إِلَى ذكر آخر لَا إِلَى ترجمتها لِأَن مقصودها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 النّظم المعجز وَقد فَاتَ وَهَذَا الْمَعْنى مَقْصُود ظَاهر فرع البدوي يلْزمه أَن يقْصد بَلْدَة لتعلم كلمة التَّكْبِير وَلَا يلْزمه ذَلِك عِنْد فقد المَاء لأجل الْوضُوء لِأَن التَّعَلُّم يبْقى وَالْوُضُوء يعرض الانتقاض وفيل بالتسوية لِأَن التَّسْوِيَة فِي حَقه كالتيمم أما سنة التَّكْبِير فَرفع الْيَدَيْنِ مَعَه وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ حَالَة التَّحَرُّم وهيئتها أَن يتْرك الْأَصَابِع منشورة وَلَا يتَكَلَّف ضمهَا وتفريجها وفيهَا ثَلَاث مسَائِل الأولى فِي قدر الرّفْع فَفِي قَول يرفع إِلَى حَذْو الْمَنْكِبَيْنِ رَوَاهُ أَبُو حميد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 السَّاعِدِيّ فِي عشْرين من جملَة الصَّحَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَالثَّانِي أَنه يرفع بِحَيْثُ تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وَكَفاهُ مَنْكِبَيْه وَقيل إِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما قدم الْعرَاق اجْتمع عِنْده الْعلمَاء فَسئلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 عَن أَحَادِيث الرّفْع فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنه رفع حَذْو مَنْكِبَيْه وحذو أُذُنَيْهِ وحذو شحمة أُذُنَيْهِ فَقَالَ أرى أَن يرفع بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وإبهامه شحمة أُذُنَيْهِ وكفيه مَنْكِبَيْه فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ فِي الْجَمِيع بَين الرِّوَايَات الثَّانِيَة فِي وَقت الرّفْع أوجه فَقيل يرفع غير مكبر ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 عِنْد إرْسَال الْيَد وَهِي رِوَايَة السَّاعِدِيّ وَقيل يَبْتَدِئ الرّفْع مَعَ التَّكْبِير فَيكون انْتِهَاء التَّكْبِير مَعَ انْتِهَاء الْيَد إِلَى مقرها وَهَذِه رِوَايَة وَائِل بن حجر وَقيل إِنَّه يكبر ويداه قارتان حَذْو مَنْكِبَيْه وَلَا يكبر فِي الرّفْع والإرسال وَهِي رِوَايَة ابْن عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 ثمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا بل صحت الرِّوَايَات كلهَا فنقبل الْكل ونجوزها على نسق وَاحِد الثَّالِثَة إِذا أرسل يَدَيْهِ وضع إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى تَحت صَدره وَيَأْخُذ الْكُوع من الْيُسْرَى بيمناه ويبسط أَصَابِع الْيُمْنَى فِي عرض الْمفصل أَو فِي صوب ساعده واليمنى عَلَيْهِ مكرمَة بِالْحملِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 القَوْل فِي الْقيام وَهُوَ ركن وَحده الانتصاب مَعَ الإقلال فَلَو اتكأ على شئ أَو انحنى لم يعْتد بِهِ وَلَا بَأْس بالإطراق فَإِن عجز عَن الإقلال انتصب مُتكئا فَإِن عجز عَن الانتصاب قَامَ منحنيا فَإِن لم يقدر إِلَّا على حد الراكعين قعد فَإِن عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود دون الْقيام قَامَ وأومى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَقَالَ أَبُو حنيفَة سقط عَنهُ الْقيام لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ النُّزُول إِلَى الرُّكُوع وَلَو عجز عَن الْقيام قعد وَلَا يتَعَيَّن فِي الْقعُود هَيْئَة للصِّحَّة وَلَكِن الإقعاء مَنْهِيّ عَنهُ وَهُوَ أَن يجلس على وركيه فينصب فَخذيهِ وركبتيه قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تقعوا إقعاء الْكَلْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 ثمَّ فِي الْهَيْئَة المختارة قَولَانِ أَحدهمَا الافتراش كالتشهد الأول وَالثَّانِي التربيع وَاخْتَارَ القَاضِي حُسَيْن أَن ينصب ركبته الْيُمْنَى كَالَّذي يجلس بَين يَدي الْمُقْرِئ ليحصل بِهِ مُفَارقَة جلسات التَّشَهُّد ثمَّ هَذَا الْقَاعِد إِن قدر على الِارْتفَاع إِلَى حد الرُّكُوع يلْزمه ذَلِك فِي الرُّكُوع وَإِن لم يقدر فيركع قَاعِدا وينحني مِقْدَارًا تكون النِّسْبَة بَينه وَبَين السُّجُود كالنسبة بَينهمَا فِي حَال الْقيام وَأَقل رُكُوعه أَن ينحني بِحَيْثُ تقَابل جَبهته مَا وَرَاء ركبته من الأَرْض فَيحصل الْأَقَل بِأول الْمُقَابلَة والكمال بِتَمَامِهَا بِحَيْثُ يُحَاذِي جَبهته مَحل السُّجُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وَلَو عجز عَن السُّجُود قرب الْجَبْهَة من الأَرْض إِلَى قدر الْإِمْكَان وَيجب أَن يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن لم يقدر إِلَّا على أكمل الرُّكُوع فَيَأْتِي بِهِ مرَّتَيْنِ وَلَا يلْزمه الِاقْتِصَار فِي الرُّكُوع على الْأَقَل لإِظْهَار التَّفَاوُت بل ذَلِك وَاجِب فِيمَا يُجَاوز أكمل الرُّكُوع أما إِذا عجز عَن الْقعُود صلى على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبلا بِجَمِيعِ مقاديم بدنه الْقبْلَة كَالَّذي يوضع فِي اللَّحْد وَقيل إِنَّه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يُومِئ بِالرُّكُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَالسُّجُود فَإِن عجز فيومئ بالطرف فَإِن لم يبْق فِي أجفانه حراك فيمثل الْأَفْعَال فِي قلبه حَتَّى إِن خرس لِسَانه يجْرِي الْقِرَاءَة على قلبه وَذَلِكَ كُله لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أَمرتكُم بشئ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عجز عَن الْقعُود سَقَطت الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فروع ثَلَاثَة الأول إِذا وجد الْقَاعِد خفَّة فِي أثْنَاء الْفَاتِحَة فليبادر إِلَى الْقيام وليترك الْقِرَاءَة فِي وَقت النهوض قبل الِاعْتِدَال وَإِذا اعتدل فَلَا يلْزمه اسْتِئْنَاف الْفَاتِحَة وَلَو عجز فِي أثْنَاء الْقيام قعد وَعَلِيهِ مداومة الْقِرَاءَة فِي حَالَة الانحناء إِلَى الْقعُود لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيام وَإِن وجد خفَّة بعد الْفَاتِحَة لزمَه الْقيام ليهوي إِلَى الرُّكُوع وَلَا تلْزمهُ الطُّمَأْنِينَة بِخِلَاف مَا لَو اعتدل عَن الرُّكُوع وخف قبل الطُّمَأْنِينَة فَإِنَّهُ يلْزمه الِاعْتِدَال والطمأنينة فِيهِ فَإِن خف فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة وَجب أَن يرْتَفع منحنيا كَذَلِك إِلَى حد الرُّكُوع إِذْ لَو انتصب قَائِما ثمَّ عَاد إِلَى الرُّكُوع كَانَ قد زَاد رُكُوعًا وَإِن خف بعد الطُّمَأْنِينَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب الِارْتفَاع رَاكِعا لِأَنَّهُ تمّ الرُّكُوع قَاعِدا الثَّانِي الْقَادِر على الْقعُود ينتفل مُضْطَجعا مومئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 على أحد الْوَجْهَيْنِ وتشبيها للنفل فِي حق الْقَادِر بِالْفَرْضِ فِي حق الْعَاجِز وَلَا يسوغ ذَلِك فِي الْوَجْه الثَّانِي لِأَن ذَلِك يجر إِلَى تَجْوِيز الْإِيمَاء بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا احْتمل ذَلِك لضَرُورَة الْفَرِيضَة فَلَا يحْتَمل فِي النَّفْل بِالْقِيَاسِ الثَّالِث من بِهِ رمد وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِنَّه لَو اضْطجع أَيَّامًا أفادت المعالجة فَفِيهِ خلاف وَقد وَقع ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس فاستفتى عَائِشَة وَأَبا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يرخصا لَهُ لقدرته على الْقيام فِي الْحَال والأقيس جَوَازه فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 خطر الْعَمى شَدِيد وَقد جَوَّزنَا الْقعُود بأدني مرض يسلب الْخُشُوع فليجوز الِاضْطِجَاع بِمَا يقرب من حد الضَّرُورَة كَمَا جَوَّزنَا للْمَرِيض التَّيَمُّم عِنْد خَوفه على نَفسه من شدَّة الضنى القَوْل فِي الْقِرَاءَة والأذكار وَالنَّظَر فِي الْفَاتِحَة وسوابقها ولواحقها أما السوابق فدعاء الاستفتاح عقيب التَّكْبِير وَهُوَ مَشْهُور والتعوذ بعده من غير جهر إِلَّا فِي قَول قديم وَأما اسْتِحْبَاب التَّعَوُّذ فِي كل رَكْعَة فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الصَّلَاة فِي حكم شئ وَاحِد وَلَكِن كل رَكْعَة كالمنقطع عَمَّا قبلهَا أما الْفَاتِحَة فالنظر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز أما الْقَادِر فَتلْزمهُ أَمر خَمْسَة الأول أَن أصل الْفَاتِحَة مُتَعَيّن على الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة السّريَّة والجهرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 إِلَّا فِي رَكْعَة الْمَسْبُوق وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم ترجمتها وَغَيرهَا من السُّور مقَامهَا وَخَالف قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب وَقَالَ لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم أصلا وَهُوَ الذى نَقله الْمُزنِيّ وَلَكِن فِي الصَّلَاة الجهرية الثَّانِي تجب قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذْ روى البُخَارِيّ أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن آيَة مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ثمَّ التَّسْمِيَة عندنَا آيَة من أول كل سُورَة كتبت فِيهَا وَلكنهَا آيَة مُسْتَقلَّة أم هى مَعَ أول السُّورَة آيَة فَفِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 قَولَانِ وَذكر الصيدلاني الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل هى من الْقُرْآن فِي أول كل سُورَة سوى الْفَاتِحَة وَالْمَشْهُور هُوَ الأول الثَّالِث كل حرف من الْفَاتِحَة ركن فَلَو ترك تشديدا فَهُوَ ترك حرف وَلَو أبدل حرفا بِحرف لم يجز وَلَو أبدل الضَّاد بالظاء فَفِيهِ تردد لقرب الْمخْرج عسر التَّمْيِيز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 الرَّابِع رِعَايَة التَّرْتِيب فِيهَا شَرط فَلَو قَرَأَ النّصْف الْأَخير أَولا لم يجز لِأَن التَّرْتِيب ركن فِي الإعجاز فَأَما التَّشَهُّد إِذا قدم الْمُؤخر مِنْهُ وَلم يُغير الْمَعْنى فَهُوَ قريب من قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام الْخَامِس الْمُوَالَاة شَرط بَين كلماتها فَلَو قطعهَا بسكوت طَوِيل وَجب الِاسْتِئْنَاف إِلَّا على وَجه بعيد ذكره الْعِرَاقِيُّونَ وَلَو تخللها تَسْبِيح يسير انْقَطع الْوَلَاء بِخِلَاف مَا لَو كرر كلمة من نفس الْفَاتِحَة فَإِن ذَلِك لَا يعد انتقالا إِلَى غَيرهَا وَلذَلِك لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة مَرَّات لم يضر بِخِلَاف تَكْرِير الرُّكُوع وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه كالركوع فرعان الأول لَو قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ الْمَأْمُوم {آمين} لَا تَنْقَطِع بِهِ الْفَاتِحَة إِذا كَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَفِيه وَجه آخر أَنه تَنْقَطِع وَالْأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا جرى لَهُ سَبَب لم يعْتد انتقالا وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِيمَا إِذا سَأَلَ أَو استعاذ الله عِنْد قِرَاءَة الإِمَام آيَة رَحْمَة أَو عِقَاب أَو سجد مَعَ الإِمَام عِنْده قِرَاءَة الإِمَام آيَة سَجْدَة فَإِن هَذِه الْأَسْبَاب متقاضية الثَّانِي لَو ترك الْمُوَالَاة نَاسِيا نقل الْعِرَاقِيُّونَ أَنه لَا يضر وَللشَّافِعِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 رَضِي الله عَنهُ قَول فِي الْقَدِيم أَنه لَو ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا لم يضر لِأَن النسْيَان عذر كالسبق وَلَكِن لَيْسَ هَذَا تَفْرِيعا عَلَيْهِ إِذْ فرق بَينه وَبَين ترك ترتيبه نَاسِيا ويتأيد ذَلِك بِأَنَّهُ لَو طول ركنا قَصِيرا لم يضر وَإِن انْقَطَعت بِهِ مُوالَاة الْأَركان وَأما الْعَاجِز وَهُوَ الْأُمِّي فَفِيهِ أَربع مسَائِل الأولى أَنه لَا تجزيه تَرْجَمته بل إِن قدر فَيَأْتِي بِسبع آيَات من الْقُرْآن مُتَوَالِيَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة فَإِن نقص الْحُرُوف دون عدد الْآيَات فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 فَإِن عجز عَن آيَات مُتَوَالِيَة فتجزئه آيَات مُتَفَرِّقَة فَإِن لم تكن آحادها مفهمة كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ نظر} لم يبعد أَن يرد إِلَى الْأَذْكَار فَإِن لم يحسن إِلَّا آيَة وَاحِدَة فَيَأْتِي بهَا وَتَأْتِي الْأَذْكَار بَدَلا عَن الْبَقِيَّة وَقيل إِنَّه يُكَرر الْآيَة سبعا فتكفيه فَإِن لم يحسن من الْقُرْآن شَيْئا فَيَأْتِي بتسبيح وتهليل كَقَوْلِه سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَمَا فِيهِ ثَنَاء على الله ويراعي مُسَاوَاة الْحُرُوف وَفِي الدُّعَاء الْمَحْض اخْتِلَاف فِي أَنه هَل يقوم مقَام التَّسْبِيح الثَّانِيَة إِذا لم يحسن النّصْف الأول من الْفَاتِحَة فَيَأْتِي أَولا بِالذكر بَدَلا مِنْهُ ثمَّ يَأْتِي بِمَا يحسن مِنْهَا الثَّالِثَة إِذا تعلم الْفَاتِحَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة قبل قِرَاءَة الْبَدَل لَزِمته وَإِن كَانَ بعد الرُّكُوع لم تلْزمهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَإِن كَانَ قبل الرُّكُوع وَبعد الْفَرَاغ فَوَجْهَانِ وَوجه الْوُجُوب بَقَاء مَظَنَّة الْقِرَاءَة وَلَو كَانَ فِي أثْنَاء الْبَدَل لزمَه مَا بَقِي من الْبَدَل وَفِي لُزُوم الِاسْتِئْنَاف خلاف وَالأَصَح أَنه يجب الرَّابِعَة إِذا قَرَأَ الْأُمِّي دُعَاء الاستفتاح وَقصد بِهِ بدل الْفَاتِحَة جَازَ وَإِن قصد بِهِ الاستفتاح لم تسْقط بِهِ الْقِرَاءَة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة وَلَو أطلق فَفِي سَائِر الْأَذْكَار تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب فِي أَنه هَل يشْتَرط قصد الْبَدَلِيَّة واشتراطه فِي دُعَاء الاستفتاح أوجه لِأَن قرينَة الْحَال تصرفه إِلَى الاستفتاح أما لواحق الْفَاتِحَة فشيئان الأول التَّأْمِين فَهُوَ مُسْتَحبّ عقيب الْفَرَاغ للْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَفِيه لُغَتَانِ الْقصر وَالْمدّ وَالْمِيم مُخَفّفَة على اللغتين وَهُوَ صَوت وضع لتحقيق الدُّعَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وَمَعْنَاهُ ليكن كَذَلِك كَقَوْلِهِم صه لِلْأَمْرِ بِالسُّكُوتِ ثمَّ اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي جهر الإِمَام بِهِ وَقيل إِن كَانَ فِي الْقَوْم كَثْرَة جهروا ليبلغ الصَّوْت وَإِلَّا فَلَا وَقيل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَمن أَمن من خَلفه حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ ضجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَالثَّانِي لَا كَسَائِر الْأَذْكَار وَأما الضجة فَهِيَ هينمة حصلت من هَمس الْقَوْم عِنْد كثرتهم وَقيل إِنَّه إِن لم يجْهر الإِمَام جهر الْمَأْمُوم وَإِن جهر الإِمَام فَفِي الْمَأْمُوم قَولَانِ ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يُؤمن مَعَ تَأْمِين الإِمَام لَا قبله وَلَا بعده لِأَنَّهُ يُؤمن لقرَاءَته لَا لتأمينه وَقد رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ إِذا قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا آمين فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول آمين فَمن وَافق تأمينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر الثَّانِي السُّورَة وَيسْتَحب قرَاءَتهَا للْإِمَام وَالْمُنْفَرد فِي رَكْعَتي الْفجْر والأوليين من غَيرهمَا وَهل تسْتَحب فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة قَولَانِ منصوصان الْجَدِيد أَنَّهَا تسْتَحب لقَوْل أبي سعيد الْخُدْرِيّ حزرنا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوليين من الظّهْر فَكَانَت قدر سبعين آيَة وحزرناها فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَكَانَ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 النّصْف من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَالْقَوْل الثَّانِي وَعَلِيهِ الْعَمَل أَنه لَا تسْتَحب لِأَن مبناهما على التَّخْفِيف أما الْمَأْمُوم فَلَا يقْرَأ السُّورَة فِي الجهرية بل يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي سكتة الإِمَام بعد الْفَاتِحَة ثمَّ يستمع السُّورَة وَإِن لم يبلغهُ صَوت الإِمَام فَوَجْهَانِ الْقيَاس أَنه يقْرَأ لِأَنَّهُ كالمنفرد عِنْد فَوَات السماع وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنْتُم خَلْفي فَلَا تقرءوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ لَا صَلَاة إِلَّا بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 القَوْل فِي الرُّكُوع وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ لَو مدهما بالانحناء لَا بالانخناس ويطمئن بِحَيْثُ ينْفَصل هويه عَن ارتفاعه فَلَو زَاد بالانحناء لم يحْسب ذَلِك بَدَلا عَن الطُّمَأْنِينَة وَلَا يجب عندنَا ذكر فِي الرُّكُوع خلافًا لِأَحْمَد لِأَن الرُّكُوع يُخَالف الْمُعْتَاد بصورته لَا كالقيام وَالْقعُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَأما فِي الْأَكْمَل فهيئته أَن ينحني بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهره وعنقه كالصفيحة الْوَاحِدَة وَينصب رُكْبَتَيْهِ وَيَضَع كفيه عَلَيْهِمَا وَيتْرك الْأَصَابِع على جبلتها منشورة نَحْو الْقبْلَة ويتجافى عِنْد ذَلِك مرفقاه عَن جَنْبَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الانحناء الاسْتوَاء وَإِذا ابْتَدَأَ الْهَوِي وَقَالَ الله أكبر رَافعا يَدَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ أَحدهمَا أَن يمد التَّكْبِير إِلَى أَن يَسْتَوِي رَاكِعا كَيْلا يَخْلُو هويه عَن الذّكر وَالثَّانِي الْحَذف حذارا عَن التَّغْيِير بِالْمدِّ وَهُوَ جَار فِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات كلهَا وَالذكر الْمَشْهُور سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثمَّ إِن كَانَ إِمَامًا لم يزدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 على ثَلَاث وروى أَبُو هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت أَنْت رَبِّي خشع سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين القَوْل فِي الِاعْتِدَال إِذا رفع الرَّأْس من الرُّكُوع رفع الْيَدَيْنِ فيعدل قَائِما وَقد انْتَهَت يَدَاهُ إِلَى مَنْكِبَيْه ثمَّ يخْفض يَدَيْهِ بعد الِاعْتِدَال وَأقله الِاعْتِدَال والطمأنينة وَيسْتَحب أَن يَقُول سمع الله لمن حَمده عِنْد الرّفْع ثمَّ يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد يَسْتَوِي فِي الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شئ بعده أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد كلنا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد فَإِن كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 اسْتحبَّ الْقُنُوت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة خلافًا لأبي حنيفَة لما روى أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ثمَّ كَلِمَاته مَشْهُورَة وَهِي متعينة ككلمات التَّشَهُّد ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا نزل بِالْمُسْلِمين نازلة وَأَرَادُوا الْقُنُوت فِي الصَّلَوَات الْخمس جَازَ وَإِن لم تنزل فَقَوْلَانِ وَقيل إِن لم تنزل لم يجز وَإِن نزل فَقَوْلَانِ وَهُوَ أقرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَاخْتلفُوا فِي الْجَهْر بِهِ فِي الصَّلَاة الجهرية وَالظَّاهِر أَن الْجَهْر مَشْرُوع ثمَّ إِذا جهر الإِمَام أَمن الْمَأْمُوم وَإِن لم يسمع صَوته فَيُؤمن أَو يقْرَأ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 ثمَّ يسْتَحبّ أَن يرفع يَدَيْهِ وَيمْسَح بهما وَجهه فِي آخِره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 القَوْل فِي السُّجُود والاعتدال عَنهُ أما أَقَله فَالْكَلَام فِي الْمَوْضُوع على الأَرْض وَكَيْفِيَّة الْوَضع وهيئة الساجد أما الْمَوْضُوع فالجبهة وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا ثمَّ يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَفِي وضع الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين قَولَانِ أَحدهمَا يجب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة آرَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّجُود عبارَة عَن وضع الْجَبْهَة فَفِيهِ تَمْكِين أعز الْأَعْضَاء من التُّرَاب فَإِن أَوجَبْنَا فَلَا يجب كشف الْقَدَمَيْنِ والركبتين وَيجب كشف الْجَبْهَة وَفِي الْيَدَيْنِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب لقَوْل خباب بن الْأَرَت شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حر الرمضاء فِي وُجُوهنَا وأكفنا فَلم يشكنا أَي لم يزل شكوانا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّوَاضُع حصل بِالْوَضْعِ ثمَّ لَا يَكْفِي فِي الْوَضع الإمساس مَعَ إقلال الرَّأْس بل لَا بُد وَأَن يُرْخِي رَأسه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُوده كالخرقة البالية ثمَّ فِي كشف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الْجَبْهَة يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو سجد على طرفه أَو على كور عمَامَته أَو طرف كمه الذى يَتَحَرَّك لم يجز أما هَيْئَة الساجد وَهُوَ التنكس بِحَيْثُ يكون أسافله أَعلَى من أعاليه فَلَو سجد على وسَادَة وَكَانَ رَأسه مُسَاوِيا لظهره فِيهِ وَجْهَان لفَوَات التنكس وَلَو كَانَ بِهِ مرض يمنعهُ من التنكس فَهَل يجب عَلَيْهِ وضع وسَادَة ليضع الْجَبْهَة عَلَيْهَا فِيهَا وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن صُورَة السُّجُود بِالْوَضْعِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 بالتنكس والطمأنينة أَيْضا وَاجِبَة فِي السُّجُود أما الْأَكْمَل فَلْيَكُن أول مَا يَقع على الأَرْض مِنْهُ ركبتاه وَقَالَ أَبُو حنيفَة بل يَدَاهُ ثمَّ يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى وَلَا يرفع الْيَد وَيَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات وَيَضَع الْأنف على الأَرْض مَعَ الْجَبْهَة مكشوفا وَيفرق رُكْبَتَيْهِ ويجافي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ بِحَيْثُ يرى عفرَة إبطَيْهِ ويقل بَطْنه عَن فَخذيهِ وَيَضَع يَدَيْهِ منشورة الْأَصَابِع على موضعهما فِي رفع الْيَدَيْنِ وأصابعهما مستطيلة فِي جِهَة الْقبْلَة مَضْمُومَة وَلَا يُؤمر بِضَم الْأَصَابِع إِلَّا هَاهُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وَنقل الْمُزنِيّ أَنه يضع أَصَابِع رجلَيْهِ بِحَيْثُ تكون رءوسها فِي قبالة الْقبْلَة أما الْمَرْأَة فَتتْرك التخويه والتجافي فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ثمَّ يكبر عِنْد الِاعْتِدَال وَيجْلس مفترشا بَين السَّجْدَتَيْنِ وَيَضَع يَدَيْهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ منشورة الْأَصَابِع وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي واجبرني وَعَافنِي وارزقني واهدني ويطمئن فِي جُلُوسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 ثمَّ يسْجد سَجْدَة أُخْرَى مثلهَا فَإِن كَانَ يستعقب ذَلِك قيَاما فيجلس جلْسَة خَفِيفَة للاستراحة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير بِحَيْثُ يَنْتَهِي عِنْد استوائه جَالِسا أَو يَسْتَوِي جَالِسا ثمَّ ينْهض مبكرا إِلَى الْقيام فِيهِ خلاف ثمَّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ فِي صلَاته وضع يَدَيْهِ على الأَرْض كَمَا يضع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 العاجن فرع إِذا خر الهاوي إِلَى السُّجُود على وَجهه اعْتد بِهِ لِأَن الْهَوِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 مَقْصُود وَإِن خر على جنبه واستد على قصد السُّجُود اعْتد بِهِ وَإِن قصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 الاسْتقَامَة وَصرف فعله عَن السُّجُود فَلَا يعْتد بسجوده لِأَنَّهُ غير نِيَّة الأَصْل وَإِن لم يخْطر لَهُ أَمر الصَّلَاة وَقصد الاسْتقَامَة غافلا فالنص أَنه لَا يعْتد بِهِ كَمَا لَو صرفه عَن السُّجُود ذَاكِرًا وَفِيه وَجه مخرج يجْرِي نَظِيره فِي اتِّبَاع الْغَرِيم فِي الطّواف ثمَّ إِذا لم يعْتد بسجوده فيكفيه أَن يعتدل جَالِسا ثمَّ يسْجد وَلَا يلْزمه الْقيام على الظَّاهِر القَوْل فِي التَّشَهُّد وَالْقعُود أما الْقعُود فِي التَّشَهُّد الأول فمسنون على هَيْئَة الافتراش وَفِي الْأَخير على هَيْئَة التورك لِأَن الافتراش هَيْئَة مستوفز للحركة حَتَّى نقُول الْمَسْبُوق يفترش فِي التَّشَهُّد الْأَخير للْإِمَام وَلَو كَانَ على الإِمَام سُجُود سَهْو هَل يفترش فِيهِ خلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 والافتراش أَن يضجع الرجل الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْقدَم اليمني وَيَضَع أَطْرَاف الْأَصَابِع على الأَرْض والتورك أَن يضجع رجله كَذَلِك ثمَّ يُخرجهَا من جِهَة يَمِينه وَيُمكن وركه من الأَرْض ثمَّ يضع الْيَد الْيُسْرَى على طرف الرّكْبَة منشورة مَعَ التَّفْرِيج المقتصد وأطراف الْأَصَابِع مسامية للركبة وَأما الْيَد الْيُمْنَى فَيَضَعهَا كَذَلِك لَكِن يقبض الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى وَيُرْسل المسبحة وَفِي الْإِبْهَام أوجه قيل يرسلها أَيْضا وَقيل يحلق الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى وَقيل يضمها إِلَى الْوُسْطَى المقبوضة كالقابض ثَلَاثَة وَعشْرين ثمَّ يرفع مسبحته عِنْد قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله مَعَ الْهمزَة من قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 إِلَّا الله وَهل يحركها عِنْد الرّفْع فِيهِ وَجْهَان فَأَما التَّشَهُّد فَوَاجِب فِي الْأَخير خلافًا لأبي حنيفَة وَالصَّلَاة على الرَّسُول وَاجِب مَعَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وعَلى الْآل قَولَانِ وَالتَّشَهُّد الأول مسنون وَفِي الصَّلَاة على الرَّسُول فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف فَإِن أَوجَبْنَا الصَّلَاة على الْآل فِي الْأَخير فَفِي كَونهَا سنة فِي الأول قَولَانِ ثمَّ أكمل التَّشَهُّد مَشْهُور وكلماته متعينة وَأما الْأَقَل فَهُوَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَسَلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأسْقط الْعِرَاقِيُّونَ كلمة أشهد فِي الكرة الثَّانِيَة وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الْأَقَل مَا رَآهُ متكررا فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَأما ابْن سُرَيج فَإِنَّهُ أوجز بِالْمَعْنَى وَقَالَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي سَلام على عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله ثمَّ يَقُول بعد التَّشَهُّد اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد ثمَّ يسْتَحبّ بعده أَن يَقُول كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد ثمَّ يسْتَحبّ بعده الدُّعَاء ويختصر إِذا كَانَ إِمَامًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد تَمام للتَّشَهُّد ثمَّ ليتخير أحدكُم من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ وَالْأولَى أَن يكون سُؤَاله لأمور الْآخِرَة فرع الْعَاجِز عَن التَّشَهُّد يَأْتِي بترجمته كتكبيرة التَّحَرُّم وَالْعَاجِز عَن الدُّعَاء لَا يَدْعُو بالعجمية بِحَال وتكبيرات الِانْتِقَالَات وَغَيرهَا من الْأَذْكَار فَفِي الْإِتْيَان بترجمتها خلاف قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 بِالْمَنْعِ لِأَن العجمية مبطلة وَترك الذّكر لَيْسَ بمبطل وَالثَّانِي يَأْتِي بهَا كالتكبير وَالثَّالِث مَا يجْبر تَركه بسجود السَّهْو يَأْتِي بترجمته ومالا فَلَا القَوْل فِي السَّلَام لَا يقوم مقَام التَّسْلِيم غَيره من أضداد الصَّلَاة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَأقله أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم مرّة وَاحِدَة وَهل تشْتَرط نِيَّة الْخُرُوج وَجْهَان وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَجْهَان فِي إِقَامَة التَّنْوِين مقَام الْألف وَاللَّام وَلَو قَالَ عَلَيْكُم السَّلَام فطريقان كَمَا سبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أما الْأَكْمَل فَأن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله والتسليمة الثَّانِيَة تسن وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه لَا تسن وَنقل الرّبيع أَنه إِن كَانَ إِمَامًا فِي جمع مُتَعَيّن يقْتَصر على تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَإِن كثر الْجمع فتسليمتان ثمَّ إِن سلم وَاحِدَة فتلقاء وَجهه وَإِن سلم تسليمتين فيلتفت حَتَّى يرى خداه أَي يرى من كل جَانب خد وَاحِد ثمَّ يَنْوِي بِالسَّلَامِ السَّلَام على من على يَمِينه من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة وَكَذَا من الْجَانِب الآخر والمقتدون ينوون الرَّد عَلَيْهِ وَلَو أحدث فِي التسليمة الثَّانِيَة لم تبطل الصَّلَاة لِأَنَّهَا وَاقعَة بعد الصَّلَاة تَابِعَة هَذَا تَمام كَيْفيَّة الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 خَاتِمَة من فَاتَهُ صلوَات فَلَا تَرْتِيب عَلَيْهِ فِي قَضَائهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه تَقْدِيم الأول فَالْأول إِلَّا إِذا زَاد على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة نعم رِعَايَة التَّرْتِيب بَين الْفَائِتَة والمؤداة عندنَا مُسْتَحبَّة فَيقدم الْفَائِتَة إِن اتَّسع الْوَقْت لَهما وَإِلَّا قدم المؤداة وَسبب التَّقْدِيم أَن لَا يتساهل فِي الْقَضَاء بِالتَّأْخِيرِ وَلَو تذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي مُؤَدَّاة أتم الَّتِي هُوَ فِيهَا ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي شَرَائِط الصَّلَاة ونواقضها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والشرائط سِتّ الأول الطَّهَارَة عَن الْحَدث فَهُوَ شَرط فِي الِابْتِدَاء والدوام حَتَّى لَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 أحدث فِي الصَّلَاة عمدا أَو سَهوا بطلت صلَاته وَلَو سبقه الْحَدث بسبق بَوْل أَو مني أَو مذي أَو خُرُوج ريح بطلت صلَاته على الْجَدِيد وعَلى الْقَدِيم لَا تبطل صلَاته لما رُوِيَ مُرْسلا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَلِأَنَّهُ لَو انحل إزَاره عَن عَوْرَته فَرده على الْقرب أَو وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة يابسة فنفضها لم تبطل صلَاته قولا وَاحِدًا وَلَو كَانَ ذَلِك قصدا لبطل مَعَ قصر الزَّمَان وعَلى هَذَا القَوْل إِذا طَرَأَ نَاقض بِغَيْر قَصده وَلَا تَقْصِيره فَلهُ التَّدَارُك بِخِلَاف مَا لَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح فِي أثْنَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ مقصر بابتداء الصَّلَاة فِي آخر مُدَّة الْمسْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وَلَا تخرق خفه فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ قد ينْسب إِلَى تَقْصِير لذهوله عَن ضعف الْخُف والمتيمم إِذا رأى المَاء فِي أثْنَاء صلَاته لم تبطل صلَاته لِأَن الصَّلَاة مَانِعَة من الِاسْتِعْمَال فانتفت الْقُدْرَة ثمَّ من سبقه الْحَدث يطْلب المَاء وَيتَوَضَّأ وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يحدث عمدا وَبعد وضوئِهِ لَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول فَإِنَّهُ فعل مستغن عَنهُ بل يَبْنِي على مَكَانَهُ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَلَو سبقه الْحَدث فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة فليعد إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بعْدهَا فَلَا لِأَن سبق الْحَدث لَا يبطل مَا مضى وَلَو طير الرّيح الثَّوْب وافتقر فِي الْإِعَادَة إِلَى فعل كثير خرج ذَلِك على قولي سبق الْحَدث الشَّرْط الثَّانِي طَهَارَة الْخبث وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِيمَا عُفيَ عَنهُ من النَّجَاسَات وَهِي أَرْبَعَة الأولى الْأَثر على مَحل النجو بعد الِاسْتِجْمَار على الشَّرْط الْمَعْلُوم فَلَو حمل الْمصلى إنْسَانا قد استجمر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَعْفُو عَنهُ وَالأَصَح الْمَنْع لِأَنَّهُ مَعْفُو على مَحل نجو الْمُصَلِّي للْحَاجة وَلَا حَاجَة إِلَى الْحمل وَلَو حمل طيرا لم تبطل صلَاته لِأَن مَا فِي الْبَطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 لَيْسَ لَهُ حكم النَّجَاسَة قبل الْخُرُوج وَمَا على منفذه لَا مبالاة بِهِ وَمِنْهُم من قطع بِالْبُطْلَانِ لِأَن منفذ نَجَاسَته لَا يَخْلُو عَن النَّجَاسَة وَفِي إِلْحَاق الْبَيْضَة المذرة بِالْحَيَوَانِ تردد فَإِن النَّجَاسَة فِيهَا أَيْضا مستترة خلقَة فَلَا تُفَارِقهُ إِلَّا فِي الْحَيَاة ويطرد ذَلِك فِيمَن حمل عنقودا اسْتَحَالَ بَاطِن حباته خمرًا وَكَذَا فِي كل استتار خلقي وَلَا يجْرِي فِي القارورة المصممة الرَّأْس خلافًا لِابْنِ أبي هُرَيْرَة الثَّانِيَة طين الشوارع المستيقن نَجَاسَته يعفي عَنهُ بِقدر مَا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ فَإِن انْتهى إِلَى حد ينْسب صَاحبه إِلَى سقطة أَو نكبة من دَابَّة لم يعف عَنهُ وَكَذَا مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 على أَسْفَل الْخُف من نَجَاسَة لَا يَخْلُو الطَّرِيق عَن مثلهَا فِي حق من يُصَلِّي مَعَ الْخُف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الثَّالِثَة دم البراغيث مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا كثر كَثْرَة ينْدر وُقُوعه وَرُبمَا يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْأَوْقَات والأماكن فَإِن الْحَاجة تخْتَلف بِهِ وَالِاجْتِهَاد فِيهِ إِلَى رَأْي الْمُكَلف فَإِن رَآهُ مجاوزا لحد الْحَاجة فليغسل وَإِن رَآهُ على حد الْحَاجة فَليصل مَعَه وَإِن تردد احْتمل أَن يُقَال الأَصْل الْعَفو إِلَّا فِيمَا علم كثرته أَو يُقَال الأَصْل الْمَنْع إِلَّا فِيمَا تحققت الْحَاجة إِلَيْهِ وَطَرِيق الِاحْتِيَاط لَا يخفى والميل إِلَى الرُّخْصَة أليق هَاهُنَا بالفقه الرَّابِعَة دم البثرات وَمَا ينْفَصل مِنْهَا من قيح وصديد يُعْفَى عَنْهَا للْحَاجة نقل عَن ابْن عمر أَنه دلك بثرة على وَجهه فَخرج مِنْهَا الدَّم وَصلى وَلم يغسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَإِن أَصَابَهُ من بدن غَيره فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِإِمْكَان الِاحْتِرَاز وَأما لطخات الدماميل والقروح والفصد فَمَا يَدُوم مِنْهَا غَالِبا يلْحق بِدَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الِاسْتِحَاضَة وَمَا لَا يَدُوم يلْحق بِدَم الْأَجْنَبِيّ لِأَن وُقُوعهَا نَادِر وَمَال صَاحب التَّقْرِيب إِلَى إلحقاها بِدَم البثرات وَهُوَ مُتَّجه النّظر الثَّانِي فِيمَا يطهر عَن النَّجَاسَة وَهُوَ ثَلَاثَة الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان أما الثَّوْب فقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله فَإِن تَيَقّن نَجَاسَة أحد الثَّوْبَيْنِ اجْتهد وَقَالَ الْمُزنِيّ يُصَلِّي فِي الثَّوْبَيْنِ صَلَاتَيْنِ وَقَالَ فِي الإنائين إِنَّه يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد فروع ثَلَاثَة الأول لَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فَأدى اجْتِهَاده إِلَى أَحدهمَا فَغسله فَفِي صِحَة صلَاته فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه استيقن نَجَاسَة الثَّوْب وَلم يستيقن طَهَارَته وَكَذَا الْخلاف لَو وَقع ذَلِك فِي ثَوْبَيْنِ وَلَكِن صلى فيهمَا جَمِيعًا الثَّانِي لَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ وَصلى فِي الآخر من غير اجْتِهَاد فَفِي صِحَة صلَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَجْهَان وَلَو أشكل مَحل النَّجَاسَة فَغسل نصفه ثمَّ غسل النّصْف الثَّانِي قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لم يطهر لاحْتِمَال أَن تكون النَّجَاسَة على وسط الثَّوْب فَإِذا غسل النّصْف الثَّانِي فينعكس أثر النَّجَاسَة على النّصْف الأول لاتصاله بِهِ الثَّالِث إِذا ألْقى طرف عمَامَته على نَجَاسَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الطّرف يَتَحَرَّك بحركته أَو لَا يَتَحَرَّك وَلَو قبض على حَبل أَو طرف عِمَامَة فَإِن كَانَ يَتَحَرَّك الملاقي للنَّجَاسَة بحركته بطلت صلَاته وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَا ينْسب إِلَيْهِ لبسا بِخِلَاف الْعِمَامَة وَلَو شدّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 على وَسطه كَانَ كَمَا لَو قبض على طرفه وَلَو كَانَ تَحت رجله فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلا وَلَا مُتَّصِلا وَلَو كَانَ طرف الْحَبل على عنق كلب فَهُوَ كَمَا إِذا كَانَ على نَجَاسَة إِن بعد مِنْهُ وَإِن كَانَ قَرِيبا بِحَيْثُ لَو لم يتَعَلَّق بالكلب لَكَانَ هُوَ حامله فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو كَانَ مُتَعَلقا بساجور فِي عنق الْكَلْب فَأولى بِالْجَوَازِ وَلَو كَانَ فِي عنق حمَار وعَلى الْحمار نَجَاسَة فَوَجْهَانِ وَيظْهر هَاهُنَا وَجه الْجَوَاز الْمحل الثَّانِي الذى يجب تَطْهِيره عَن النَّجَاسَة الْبدن وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله وتتعلق بِهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى إِذا وصل عظما نجسا فِي مَحل كسر وَجب نَزعه فَإِن كَانَ يخَاف الْهَلَاك فالمنصوص أَنه يجب نَزعه لأَنا نسفك الدَّم فِي مُقَابلَة ترك صَلَاة وَاحِدَة وَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمره وَفِي قَول مخرج أَنه لَا يحب لِأَن النَّجَاسَة تحْتَمل بالأعذار وَخَوف الْهَلَاك عَظِيم ثمَّ إِنَّمَا ينقدح النَّص إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِي الِابْتِدَاء بِأَن وجد عظما ظَاهرا وَإِذا لم يسْتَتر الْعظم بِاللَّحْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 فَإِن استتر بعد إِيجَاب النزع ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا مَاتَ قبل النزع فقد صَار مَيتا كُله أَي لَا ينْزع وَهُوَ إِشَارَة إِلَى نَجَاسَة الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ وَقيل بِوُجُوب النزع لأَنا تعبدنا بِغسْلِهِ فَهُوَ كالحي أما من شرب الْخمر وَغسل فَاه صحت صلَاته لِأَن مَا فِي الْجوف لَا حكم لَهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي وصل الشّعْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الوشر تَحْدِيد أَطْرَاف السن والوشم نفر الْأَطْرَاف بالحديدة وتسويدها وَأما الْوَصْل فَإِن كَانَ الشّعْر نجسا فَهُوَ حرَام وَإِن كَانَ شعر آدَمِيّ فَإِن كَانَ شعر امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فَيحرم لِأَن زَوجهَا ينظر إِلَيْهَا وَإِن كَانَ شعر رجل حرم عَلَيْهَا النّظر فِيهِ على قَوْلنَا بِتَحْرِيم النّظر إِلَى الْعُضْو المبان وَإِن كَانَ شعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 بَهِيمَة فَإِن لم تكن ذَات زوج فَهِيَ متعرضة للتُّهمَةِ فَيحرم عَلَيْهَا وَإِن كَانَت ذَات زوج يحرم للخداع وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور وَإِن كَانَ بِإِذن الزَّوْج فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لعُمُوم الحَدِيث وَلِأَن ذَلِك تصرف فِي الْخلقَة بالتغيير وَالثَّانِي الْجَوَاز وَهُوَ الْقيَاس إِذْ لَا معنى للتَّحْرِيم إِلَّا سَبَب التزوير وَلَا خلاف فِي جَوَاز تجعيد الشّعْر وتصفيف الطرة وَفِي إِلْحَاق تحمير الوجنة بوصل الشّعْر تردد للصيدلاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 الْمحل الثَّالِث الْمَكَان فَيَنْبَغِي أَن يكون مَا يماس بدنه طَاهِرا وَهُوَ موقع الْأَعْضَاء السَّبْعَة فِي السُّجُود وَكَذَا مَا يماس ثَوْبه وَلَو كَانَ على طرف الْبسَاط نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَلَو كَانَ مَا يُحَاذِي صَدره فِي السُّجُود نجسا وَكَانَ لَا يماسه فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه كالمنسوب إِلَيْهِ وَلَو بسط إزارا سخيفا على مَوضِع نجس إِن كَانَت المنافذ بِحَيْثُ لَا تمنع الملاقاة لم تصح الصَّلَاة وَفِي مثله فِي الْفرش على الْحَرِير تردد فَإِن النّظر فِيهِ إِلَى غَالب مَا يلاقي وَذَلِكَ يحل العتابي الذى قطنه غَالب وَمِمَّا يصل بمَكَان الصَّلَاة نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة أَمَاكِن المزبلة والمجزرة وقارعة الطَّرِيق وبطن الْوَادي وَالْحمام وَظهر الْكَعْبَة وأعطان الْإِبِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وَفِي مسلح الْحمام تردد بِنَاء على أَن الْعلَّة خوف رشاش النَّجَاسَة أَو أَنه بَيت الشَّيْطَان فعلى الْعلَّة الْأَخِيرَة تكره وَأما أعطان الْإِبِل فَلَيْسَ المُرَاد بهَا المرابض الَّتِى يكثر فِيهَا البعر فَإِن ذَلِك مَوْجُود فِي مرابض الْغنم من النَّجَاسَة وَلَا كَرَاهَة وَلَكِن الْإِبِل تزدحم على المنهل ذودا حَتَّى إِذا شربت استيقت فَلَا يُؤمن نفارها وتفرقها فِي ذَلِك الْموضع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِبِل إِنَّهَا جن خلقت من جن أما ترى إِذا نفرت كَيفَ تشمخ بأنافها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 خَاتِمَة من استصحب النَّجَاسَة عمدا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ جَاهِلا فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ وَلَو علم النَّجَاسَة ثمَّ نَسِيَهَا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْإِعَادَةِ منشأ الْقَوْلَيْنِ أَن الطَّهَارَة عَنْهَا من قبيل الشَّرَائِط فَلَا يكون الْجَهْل فِي تَركهَا عذرا أَو استصحابها من قبيل المناهي فَلَا يعد النَّاسِي مُخَالفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه من الشُّرُوط ومعتمد الْقَدِيم مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خلع نَعله فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَخلع النَّاس نعَالهمْ فَقَالَ بعد الْفَرَاغ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن على نعلك نَجَاسَة الشَّرْط الثَّالِث ستر الْعَوْرَة وَهُوَ وَاجِب فِي غير الصَّلَاة وَفِي وُجُوبه فِي الْخلْوَة تستر عَن أعين الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ تردد وَلَكِن فِي غير وَقت الْحَاجة وَأما الْمُصَلِّي فِي خلْوَة فَيلْزمهُ التستر وَالنَّظَر فِي الْعَوْرَة والساتر وَأما الْعَوْرَة من الرجل فَمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا تدخل السُّرَّة وَالركبَة فِيهِ على الصَّحِيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَأما الْحرَّة فَجَمِيع بدنهَا عَورَة فِي حق الصَّلَاة إِلَّا الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الكوعين الظّهْر والكف وَظهر الْقدَم عَورَة وَفِي إخمصيها وَجْهَان أما الْأمة فَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالَة المهنة كالرأس والرقبة وأطراف السَّاق والساعد فَلَيْسَ بِعَوْرَة وَمَا هُوَ عَورَة من الرجل عَورَة مِنْهَا وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان أما السَّاتِر فَهُوَ كل مَا يحول بَين النَّاظر ولون الْبشرَة فَلَا يَكْفِي الثَّوْب السخيف الحاكي للون الْبشرَة وَلَا المَاء الصافي والزجاج وَيَكْفِي المَاء الكدر والطين وَلَو لم يجد ثوبا فَهَل يُكَلف التطيين فعلى وَجْهَيْن فروع أَرْبَعَة الأول إِذا كَانَ الْقَمِيص متسع الذيل وَلَا سَرَاوِيل صحت الصَّلَاة فَإِنَّمَا يجب التستر من الفوق وَمن الجوانب وَلَو لم يكن مزرورا بِحَيْثُ لَو ركع انكشفت عَوْرَته لم تصح صلَاته فَإِن كَانَ كَثَافَة لحيته تمنع من الرُّؤْيَة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن السَّاتِر يَنْبَغِي أَن يكون غير الْمُسْتَتر وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو وضع الْيَد على ثقبة فِي إزَاره الثَّانِي إِذا بدا من عَوْرَته قدر يسير بطلت صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تبطل مَا لم يظْهر من الْعَوْرَة الْكُبْرَى مثل دِرْهَم وَمن الصُّغْرَى الرّبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 فَلَو وجد خرقَة لَا تفي إِلَّا بِإِحْدَى السوأتين قيل يستر الْقبل فَإِن السوأة الْأُخْرَى مستترة بانضمام الأليتين وَقيل يستر الدبر لِأَنَّهُ أفحش فِي السُّجُود وَالْأولَى التَّخْيِير وَلَا يَنْبَغِي أَن يتْرك السوأة وَيسْتر الفخد فَإِن الفخد تَابع فِي حكم الْعَوْرَة كالحريم لَهُ الثَّالِث فِي عقد جمَاعَة العراة قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا سنة ثمَّ يَغُضُّونَ الْبَصَر وَيقف الإِمَام وسط الصَّفّ كإمام النِّسَاء وَالثَّانِي أَن تَركهَا أولى احْتِيَاطًا للعورة الرَّابِع لَو عتقت الْأمة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَكَانَ الْخمار بِالْقربِ تسترت واستمرت وَإِن كَانَ بَعيدا فعلى قولي سبق الْحَدث فَإِن فرعنا على الْقدَم فَمَكثت حَتَّى أُتِي بالخمار فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة الَّتِى كَانَت تمشي إِلَيْهِ فَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا أولي لترك الْأَفْعَال وَيحْتَمل أَن يُقَال التشاغل بالتدارك أولى من التعطل الشَّرْط الرَّابِع ترك الْكَلَام فَكَلَام الْعَامِد مُبْطل للصَّلَاة وَإِن قل فَإِن كَانَ مفهما فالحرف الْوَاحِد مُبْطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 كَقَوْلِه ق وع من وقى وعى وَإِن كَانَ غير مفهم فَلَا يبطل إِلَّا بتوالي حرفين وَلَا تبطل بِصَوْت غفل من غير حرف وَهل تبطل بِحرف وَاحِد بعْدهَا مُدَّة فِيهِ تردد وَفِي التنحنح ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبطل صلَاته إِلَّا إِذا كَانَ مَغْلُوبًا أَو امْتنعت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فتنحنح وعَلى هَذَا إِن تنحنح لأجل امْتنَاع الْجَهْر فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 الثَّانِي نَقله ابْن أبي هُرَيْرَة عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن التنحنح لَا يبطل أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الْكَلَام الثَّالِث قَالَ الْقفال لَو كَانَ مطبقا شَفَتَيْه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَا يكون على هَيْئَة الْحُرُوف وَإِن كَانَ فاتحا فَاه بَطل وَالْأول هُوَ الْأَصَح هَذَا فِي غير الْمَعْذُور أما أعذار الْكَلَام فخمسة الأول أَن يتَكَلَّم لمصْلحَة الصَّلَاة فَتبْطل صلَاته خلافًا لمَالِك وَيدل عَلَيْهِ أَمر التَّنْبِيه على سَهْو الإِمَام بالتسبيح والتصفيق مَعَ أَن تنبيهه من مصلحَة الصَّلَاة الثَّانِي النسْيَان وَهُوَ عذر فِي قَلِيل الْكَلَام لحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَفِي كَثْرَة وَجْهَان وتعليل وَجه الْبطلَان لمعنيين أَحدهمَا انخرام نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي وُقُوع ذَلِك نَادرا وعَلى الْأَخير يبطل الصَّوْم بِالْأَكْلِ الْكثير الثَّالِث الْجَهْل بِتَحْرِيم الْكَلَام عذر فِي حق قريب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ لأحاديث وَردت فِيهِ وَلَيْسَ عذرا فِي حق غَيره وَالْجهل بِكَوْن الْكَلَام مُبْطلًا مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ لَا يكون عذرا وَالْجهل بِكَوْن التنحنح مُبْطلًا أَو مَا يجْرِي مجْرَاه فِيهِ تردد وَالأَصَح أَنه عذر الرَّابِع لَو الْتفت لِسَانه بِكَلِمَة بدرت مِنْهُ فَهَذَا عذر وَأَبُو حنيفَة يُوَافق ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يزِيد على سبق الْحَدث الْخَامِس لَو أكره على الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَفِي بُطْلَانهَا قَولَانِ كَمَا لَو أكره على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الْأكل فِي الصَّوْم فرعان الأول إِذا قَالَ وَقد اسْتَأْذن جمع على بَابه {ادخلوها بِسَلام آمِنين} إِن قصد الْقِرَاءَة لم تبطل صلَاته وَإِن قصد الْخطاب الْمُجَرّد بَطل وَإِن قصدهما جَمِيعًا لم تبطل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة الثَّانِي السُّكُوت الطَّوِيل ذكر الْقفال فِيهِ وَجْهَيْن أصَحهمَا أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَيْسَ يخرم نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَنَّهُ يقطع الْوَلَاء بَين أَفعَال الصَّلَاة وعَلى هَذَا لَو كَانَ نَاسِيا فطريقان أَحدهمَا أَنه على الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَام الْكثير وَالثَّانِي أَنه كَالْكَلَامِ الْقَلِيل وَهُوَ الْأَصَح النّظر الْخَامِس ترك الْأَفْعَال الْكَثِيرَة فَلَو مَشى ثَلَاث خطوَات بطلت صلَاته وَكَذَا إِذا ضرب ثَلَاث ضربات وَأما الْفِعْل الْقَلِيل فَإِن كَانَ من جنس الصَّلَاة كركوع أَو قيام فَهُوَ مُبْطل وَإِن لم يكن من جِنْسهَا فَلَا لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ أذن ابْن عَبَّاس وأداره من يسَاره إِلَى يَمِينه وَأدْركَ أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّكُوع فَرَكَعَ ثمَّ خطا خطْوَة واتصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 بالصف فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زادك الله حرصا وَلَا تعد وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا مر الْمَار بَين يَدي أحدكُم فليدفعه فَإِن أَبى فليدفعه فَإِن أبي فليقاتله فَإِنَّهُ شَيْطَان فَدلَّ على جَوَاز الْفِعْل الْقَلِيل وَهَذَا الدّفع لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 بِوَاجِب والمرور لَيْسَ بمحظور وَلكنه مَكْرُوه وَإِنَّمَا الْمُبَالغَة لتأكيد الْكَرَاهَة وَليكن للْمُصَلِّي حَرِيم يمْنَع الْمَار بِأَن يسْتَقْبل جدارا أَو سَارِيَة أَو يبسط مصلى أَو ينصب خَشَبَة بعيدَة مِنْهُ بِقدر مَا بَين الصفين فَتكون الْعَلامَة مَانِعَة من الْمُرُور وَلَو خطّ فِي الأَرْض خطا مَال فِي الْقَدِيم إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ وَكتب ذَلِك فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 الْجَدِيد ثمَّ خطّ عَلَيْهِ فَلَو قصر الْمُصَلِّي وَترك الْعَلامَة فَهَل لَهُ منع الْمَار فعلى وَجْهَيْن يلْتَفت فِي أَحدهمَا إِلَى التَّقْصِير وَفِي الثَّانِي إِلَى عُمُوم الْخَبَر وَمهما لم يجد الْمَار سَبِيلا سواهُ فَلَا يدْفع الْحَال فَإِن قيل مَا حد الْفِعْل الْقَلِيل قُلْنَا غَايَة مَا قيل فِيهِ إِنَّه الذى لَا يعْتَقد النَّاظر إِلَى فَاعله أَنه معرض عَن الصَّلَاة وَهَذَا لَا يُفِيد تحديدا فقد تردد الْقفال فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 تَحْرِيك الإصبع على التوالي فِي حِسَاب أَو إدارة مسبحة أَو فِي حكة وأصناف الْأَفْعَال كَثِيرَة فليعول الْمُكَلف فِيهِ على اجْتِهَاده وَلَو قَرَأَ الْقُرْآن من الْمُصحف وَهُوَ يقلب الأوراق أَحْيَانًا لم يضرّهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يحفظ الْقُرْآن على ظهر قلبه لم يجز الشَّرْط السَّادِس ترك الْأكل وَهُوَ مُبْطل قل أَو كثر لِأَنَّهُ يعد إعْرَاضًا عَن الصَّلَاة وَلَو كَانَ يمتص سكرة من غير مضغ فَوَجْهَانِ منشأ الْخلاف أَن الْوَاجِب هُوَ الْإِمْسَاك أَو ترك فعل الْأكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 خَاتِمَة شَرط الْمكْث فِي الْمَسْجِد عدم الْجَنَابَة فَيجوز للمحدث الْمكْث وللجنب العبور وَلَا يلْزمه فِي العبور انتحاء أقرب الطّرق وَلَيْسَ لَهُ التَّرَدُّد فِي حافات الْمَسْجِد من غير غَرَض وَلَيْسَ للحائض العبور عِنْد خوف التلويث وَكَذَا من بِهِ جِرَاحَة نضاخة بِالدَّمِ فَإِن أمنت التلويث فَوَجْهَانِ لغلط حكم الْحيض وَالْكَافِر يدْخل الْمَسْجِد بِإِذن آحَاد الْمُسلمين وَلَا يدْخل بِغَيْر إِذن على أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ جنبا فَهَل يمْنَع من الْمكْث فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم كَالْمُسلمِ وَالثَّانِي لَا لأَنهم لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي أَحْكَام السجدات وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأولى سَجْدَة السَّهْو وَهِي سنة عندنَا وَعند أبي حنيفَة وَاجِبَة وَالنَّظَر فِي مقتضيه وَمحله الأول الْمُقْتَضِي وَهُوَ قِسْمَانِ ترك مَأْمُور وارتكاب مَنْهِيّ أما المأمورات فالأركان لَا تجبر بِالسُّجُود بل لَا بُد من التَّدَارُك وَإِنَّمَا يتَعَلَّق السُّجُود من جملَة السّنَن بِمَا يُؤَدِّي تَركه إِلَى تَغْيِير شعار ظَاهر خَاص بِالصَّلَاةِ وَهِي أَرْبَعَة التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس فِيهِ والقنوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وعَلى الْآل فِي التَّشَهُّد الثَّانِي إِن رأيناهما سنتَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَلَا يتَعَلَّق السُّجُود بترك السُّورَة وَلَا بترك الْجَهْر وَسَائِر السّنَن وَلَا بترك تَكْبِيرَات صَلَاة الْعِيد وَإِن كَانَ شعارا ظَاهرا وَلكنه لَيْسَ خَاصّا فِي الصَّلَاة بل يشرع فِي الْخطْبَة وَغَيرهَا فِي أَيَّام الْعِيد وعلق أَبُو حنيفَة بالسورة وتكبيرات الْعِيد وَترك الْجَهْر فرع لَو تعمد ترك هَذِه الأبعاض فَفِي السُّجُود وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْجد لِأَنَّهُ أحْوج إِلَى الْجَبْر من الساهي وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يجْبر مَعَ الْعذر والعامد غير مَعْذُور أما المنهيات فَمَا يبطل الصَّلَاة عمده يتَعَلَّق السُّجُود بسهوه وَمَا لَا فَلَا ومواضع السَّهْو سِتَّة نوردها على تَرْتِيب الصَّلَاة الأول إِذا نقل ركنا إِلَى غير مَحَله كَمَا لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو التَّشَهُّد فِي الِاعْتِدَال من الرُّكُوع فقد جمع بَين النَّقْل وَتَطْوِيل ركن قصير فَالظَّاهِر أَنه يبطل عمده وَيَقْتَضِي السُّجُود سَهْوه وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يبطل فَأَما إِذا وجد النَّقْل إِلَى ركن طَوِيل أَو تَطْوِيل الْقصير بِغَيْر نقل فَفِي الْبطلَان وَجْهَان أَحدهمَا نعم كنقل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقِرَاءَة كالجنس الْوَاحِد وعَلى هَذَا هَل يسْجد بسهوه فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَجه قَوْلنَا يسْجد أَنه تَغْيِير ظَاهر وكما لَا يبعد أَن يناط السُّجُود بترك مَا لَيْسَ بِوَاجِب من السّنَن لَا يبعد أَن يناط بترك مَا لَيْسَ بمبطل من المنهيات وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن الضَّبْط الذى ذَكرْنَاهُ فِي المنهيات وَلَو نقل الْقِرَاءَة إِلَى الْقعُود بَين السَّجْدَتَيْنِ فَالْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه ركن طَوِيل كالقعود للتَّشَهُّد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا يبعد تَشْبِيه بالاعتدال عَن الرُّكُوع لِأَن الْمَقْصُود الظَّاهِر مِنْهُ الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الْموضع الثَّانِي إِذا نسي التَّرْتِيب فَمَا جَاءَ بِهِ قبل أَوَانه غير مُعْتَد بِهِ وَكَأَنَّهُ ارْتكب مَنْهِيّا سَهوا وَلَو ترك سَجْدَة من الأولى وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فَلَا يعْتد من سجدتيه فِي الثَّانِيَة إِلَّا بِوَاحِدَة يتم بهَا الرَّكْعَة الأولى وَلَو ترك أَربع سَجدَات من أَربع رَكْعَات كَذَلِك فَلم يحصل لَهُ إِلَّا رَكْعَتَانِ إِذْ حصل من كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَة فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيسْجد للسَّهْو وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَكْفِيهِ أَن يقْضِي أَربع سَجدَات فِي آخر صلَاته وَلَو ترك ثَمَانِي سَجدَات لم يجوز الْقَضَاء جَمِيعًا بل قَالَ مَا لم تتقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة وَاحِدَة لم يعْتد بهَا فرعان الأول لَو ترك سَجْدَة من الأولى وثنتين من الثَّانِيَة وَوَاحِدَة من الرَّابِعَة فقد حصل لَهُ من الثَّلَاثَة الأولى رَكْعَة تَامَّة حصلت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بِلَا سَجْدَة فليسجد ثَانِيَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ وَإِن نسي أَربع سَجدَات وَلم يدر من أَيْن تَركهَا فليسجد سَجْدَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ أَخذ بِهَذَا التَّقْدِير الذى هُوَ أَسْوَأ التقديرات الثَّانِي إِذا تذكر فِي قيام الثَّانِيَة أَنه ترك سَجْدَة فليجلس للسُّجُود فَإِن كَانَ قد جلس بَين السَّجْدَتَيْنِ على قصد الْفَرْض لم يلْزمه إِلَّا السُّجُود وَإِن كَانَ جلس على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 قصد الاسْتِرَاحَة فيبنى على الْخلاف فِي أَن الْفَرْض هَل يتَأَدَّى بنية النَّفْل وَإِن لم يكن جلس بعد السَّجْدَة الأولى فَالْأَظْهر أَنه يجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد وَفِيه وَجه أَن الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ قد حصل بِالْقيامِ فيغنيه ذَلِك عَن الْجُلُوس الْموضع الثَّالِث إِذا قَامَ قبل التَّشَهُّد الأول نَاسِيا فَإِن انتصب لم يعد لِأَنَّهُ لابس فرضا فَإِن عَاد مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن الْجَوَاز لم تبطل لَكِن يسْجد للسَّهْو وَلَو كَانَ مَأْمُوما وَقد قعد الإِمَام وَقَامَ الْمَأْمُوم إِلَى الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَهَل يرجع فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَن الْقدْوَة أَيْضا وَاجِبَة وَالثَّانِي لَا لِأَن سبق الإِمَام بِرُكْن وَاحِد لَا يبطل الصَّلَاة وَلَا خلاف أَنه لَو قَامَ عمدا لم تبطل صلَاته وَلم يجز لَهُ الرُّجُوع إِلَى مُوَافقَة الإِمَام كَمَا لَو رفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 رَأسه قبل الإِمَام قصدا وَرجع إِلَى السُّجُود مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن أَن الإِمَام رَافع رَأسه فَرفع فَفِي جَوَاز الْعود وَجْهَان أما إِذا تذكر ترك السُّجُود قبل الانتصاب فَيرجع ثمَّ يسْجد للسَّهْو إِن كَانَ قد انْتهى إِلَى حد الراكعين لِأَنَّهُ زَاد رُكُوعًا وَإِن كَانَ دون حد الرُّكُوع فَلَا يسْجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَإِن ارْتَفع غير منحن وَصَارَ أقرب إِلَى الْقيام مِنْهُ إِلَى الْقعُود رَجَعَ وَفِي السُّجُود نظر قَالَ الصيدلاني يسْجد لِأَنَّهُ فعل كثير من جنس الصَّلَاة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن الخطوتين تزيد عَلَيْهِ فَلَا تبطل الصَّلَاة بعمده بِخِلَاف الانتصاب وَالرُّكُوع فَإِنَّهُمَا من جنس وَاجِبَات الصَّلَاة الْموضع الرَّابِع إِذا جلس عَن قيام الرَّكْعَة الْأَخِيرَة للتَّشَهُّد قبل السُّجُود فَإِذا تذكر بعد التَّشَهُّد تدارك السُّجُود وَأعَاد التَّشَهُّد وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ زَاد قعُودا طَويلا فِي غير وقته وَلَو ترك السَّجْدَة الثَّانِيَة فَتشهد ثمَّ تذكر تداركها وَأعَاد التَّشَهُّد وَلَا يسْجد لِأَن الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ركن طَوِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه قصير أَو قُلْنَا مُجَرّد نقل الرُّكْن يبطل فَأَما إِذا جلس عَن قيام وَلم يتَشَهَّد فَإِن طول سجد للسَّهْو وَإِن كَانَ خَفِيفا فَلَا لِأَن جلْسَة الاسْتِرَاحَة معهودة فِي الصَّلَاة وَهَذَا يساويها وَإِن لم يكن فِي مَحَله بِخِلَاف الرُّكُوع وَالسُّجُود الْموضع الْخَامِس إِذا تشهد فِي الْأَخِيرَة وَقَامَ إِلَى الْخَامِسَة نَاسِيا لم تبطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 صلَاته وَإِن كثرت أَفعاله الزَّائِدَة لِأَنَّهُ من جنس الصَّلَاة فَلَا تضر مَعَ النسْيَان وَلَكِن إِذا عَاد فَالْقِيَاس أَنه لَا يُعِيد التَّشَهُّد بل يسْجد للسَّهْو وَيسلم وَلَكِن ظَاهر النَّص أَنه يتَشَهَّد وَعلل ابْن سُرَيج بعلتين إِحْدَاهمَا رِعَايَة الْوَلَاء بَين التَّشَهُّد وَالسَّلَام وَالثَّانيَِة أَن لَا يبْقى السَّلَام مُنْفَردا غير مُتَّصِل بِرُكْن من أحد الْجَانِبَيْنِ والمعنيان ضعيفان وَفرع على الْمَعْنيين مَا إِذا هوى إِلَى السُّجُود قبل الرُّكُوع فَإِن حاذرنا بَقَاء السَّلَام فَردا فيكفيه أَن يرْتَفع إِلَى حد الراكعين وَإِن راعينا الْوَلَاء فَيَنْبَغِي أَن يقوم ويركع عَن الْقيام ليتصل الرُّكُوع بِقِيَام يعْتد بِهِ الْموضع السَّادِس إِذا شكّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِي عدد الرَّكْعَات أَخذنَا بِالْأَقَلِّ وَسجد للسَّهْو لاحْتِمَال الزِّيَادَة وَلَو سلم ثمَّ شكّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 أَحدهَا أَن ذَلِك محطوط عَنهُ لِأَن الشَّك يكثر بعد الْفَرَاغ فَلَا سَبِيل إِلَى تتبعه وَالثَّانِي أَنه كالشك فِي الصَّلَاة فَإِن الأَصْل أَنه لم يفعل فَإِن قرب الزَّمَان قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ سلم فِي غير مَحَله وَإِن طَال الزَّمَان فَلَا وَجه إِلَّا الْقَضَاء والاستئناف وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ من تصرف الْأَصْحَاب أَنه إِذا شكّ بعد تطاول الزَّمَان فَلَا يعْتَبر لِأَن من تفكر فِي صَلَاة أمسه فيتشكك فِيهَا وغن قرب الزَّمَان يعْتَبر وَلَيْسَ من الشَّك أَن لَا يتَذَكَّر كَيْفيَّة صلَاته السَّابِقَة بل الشَّك أَن يتعارض اعتقادان على التَّنَاقُض بِأَسْبَاب حَاضِرَة فِي الذّكر توجب تنَاقض الِاعْتِقَاد قَوَاعِد أَرْبَعَة الأولى من شكّ فِي السَّهْو فَإِن كَانَ شكه فِي ترك مَأْمُور سجد للسَّهْو إِذْ الأَصْل أَنه لم يَفْعَله وَإِن شكّ فِي ارْتِكَاب مَنْهِيّ لم يسْجد لِأَن الأَصْل أَنه لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يرتكب وَلَو علم السَّهْو وَشك فِي أَنه هَل سجد لَهُ أم لَا فَالْأَصْل أَنه لم يسْجد وَلَو سجد للسَّهْو فَلم يدر أَسجد سَجْدَتَيْنِ أم وَاحِدَة أَخذ بِالْأَقَلِّ لِأَن الأَصْل عدمهَا فَيسْجد سَجْدَة أُخْرَى ثمَّ لَا يسْجد لهَذَا السَّهْو لِأَنَّهُ يجْبر نَفسه وَغَيره وَالْأَخْذ بِالْيَقِينِ مطرد إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي من شكّ أصلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَخذ بِالْأَقَلِّ وَسجد لوُرُود الحَدِيث وَإِن كَانَ الأَصْل أَنه لم يزدْ قَالَ الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 أَبُو عَليّ سَبَب السُّجُود أَنه إِن لم يزدْ فقد أدّى الرَّابِعَة مَعَ تَجْوِيز أَنَّهَا خَامِسَة فتطرق إِلَيْهِ نقص حَتَّى لَو تَيَقّن قبل السَّلَام أَنَّهَا رَابِعَة سجدا أَيْضا لوُجُود التَّرَدُّد فِي نفس الرَّكْعَة وَأنكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تَعْلِيله وتفريعه وَقَالَ لَا يسْجد إِذا زَالَ التَّرَدُّد قبل السَّلَام الثَّانِيَة إِذا تكَرر السَّهْو لم يتَكَرَّر السُّجُود بل يَكْفِي لجَمِيع أَنْوَاع السَّهْو سَجْدَتَانِ وَقَالَ ابْن أبي ليلى لكل سَهْو سَجْدَتَانِ وَهُوَ لفظ الْخَبَر لَكِن مَعْنَاهُ تَعْمِيم السُّجُود على أَنْوَاع السَّهْو كَمَا يُقَال لكل ذَنْب تَوْبَة فَلَا يتَكَرَّر سُجُود السَّهْو إِلَّا إِذا أَدَّاهُ فِي غير مَحَله كَمَا إِذا سجد فِي صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ بَان لَهُم أَن الْوَقْت خَارج تمموها ظهرا وأعادوا السُّجُود وَكَذَا الْمُسَافِر إِذا قصر وَسجد فَتبين لَهُ انْتِهَاء السَّفِينَة إِلَى دَار الْإِقَامَة أتم وَأعَاد السُّجُود وَكَذَا الْمَسْبُوق إِذا سجد لسهو الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 مُتَابعَة أعَاد فِي آخر صَلَاة نَفسه على رَأْي فرع لَو ظن سَهوا فَسجدَ ثمَّ تبين أَنه لم يكن سَهْو فقد زَاد إِذا سَجْدَتَيْنِ قَالَ بعض الْمُحَقِّقين يسْجد الْآن لزِيَادَة السَّجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ذَلِك السُّجُود سُجُود سَهْو من وَجه وجبر لنَفسِهِ من وَجه كالشاة من الْأَرْبَعين فَإِنَّهَا تزكي نَفسهَا وَبَقِيَّة النّصاب الثَّالِثَة إِذا سَهَا الْمَأْمُوم لم يسْجد بل الإِمَام يتَحَمَّل عَنهُ كَمَا يتَحَمَّل عَنهُ سُجُود التِّلَاوَة وَدُعَاء الْقُنُوت والجهر فِي الجهرية وَالْقِرَاءَة واللبث فِي الْقيام من الْمَسْبُوق وَكَذَا التَّشَهُّد الأول عَن الْمَسْبُوق بِرَكْعَة وَاحِدَة فَإِن ثانيته ثَالِثَة الإِمَام وَلَا يقْعد فِيهَا نعم لَو سلم الإِمَام وَسلم الْمَسْبُوق نَاسِيا قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد لسَهْوه بِالسَّلَامِ بعد مُفَارقَة الإِمَام فرع لَو سمع صَوتا فَظن أَن الإِمَام سلم فَقَامَ ليتدارك ثمَّ عَاد إِلَى الْجُلُوس وَالْإِمَام بعد فِي الصَّلَاة فَكل مَا جَاءَ بِهِ سَهْو لَا يعْتد بِهِ وَلَا يسْجد لِأَن الْقدْوَة مطردَة فَإِذا سلم الإِمَام فليتدارك الْآن وَإِن تذكر فِي الْقيام أَن الإِمَام لم يَتَخَلَّل فَليرْجع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 إِلَى الْقعُود أَو لينتظر قَائِما سَلَامه ثمَّ ليشتغل بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة الرَّابِعَة إِذا سَهَا الإِمَام سجد وَسجد الْمَأْمُوم لمتابعته فَلَو ترك قصدا بطلت صلَاته لمُخَالفَته وَلَو ترك الإِمَام السُّجُود فَظَاهر النَّص أَن الْمَأْمُوم يسْجد ثمَّ يسلم لِأَن سُجُوده لسهو الإِمَام ولمتابعته جَمِيعًا وَمذهب الْبُوَيْطِيّ والمزني وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب أَنه لَا يسْجد لِأَنَّهُ يسْجد لمتابعة الإِمَام فرع إِذا سهى الإِمَام بعد اقْتِدَاء الْمَسْبُوق سجد وَيسْجد الْمَأْمُوم مَعَه للمتابعة وَإِن لم يكن آخر صلَاته هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَهل يُعِيد فِي آخر صلَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 فِيهِ قَولَانِ يلتفتان على أَنه يسْجد للسَّهْو أَو لمتابعته وَإِن لم يسْجد الإِمَام فَظَاهر النَّص أَنه يسْجد فِي آخر صَلَاة نَفسه وَإِن كَانَ الإِمَام سهى قبل اقتدائه فَهَل يلْحقهُ حكمه كَمَا بعد الِاقْتِدَاء ظَاهر الْمَذْهَب أَنه يلْحقهُ النّظر الثَّانِي فِي مَحل السُّجُود وكيفيته وَظَاهر النَّص الْجَدِيد أَنه يسْجد سَجْدَتَيْنِ بعد التَّشَهُّد قبل السَّلَام وَقَالَ مَالك إِن كَانَ السَّهْو نُقْصَانا فَهُوَ قبل السَّلَام وَإِن كَانَ زِيَادَة فبعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْجد بعد السَّلَام وَمذهب مَالك قَول قديم والتخيير بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير قَول ثَالِث ومستند الْأَقْوَال تعَارض الْأَخْبَار وَلَكِن كَانَ آخر سُجُود الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَام فَكَأَنَّهُ نَاسخ لغيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 ثمَّ هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الولى أَو الْوُجُوب فِيهِ وَجْهَان فَإِن فرعنا على أَنه قبل السَّلَام فَلَو سلم عَامِدًا قبل السُّجُود فقد فَوت على نَفسه وَإِن سلم نَاسِيا وتذكر على الْقرب فَهَل يسْجد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مسنون وَالسَّلَام ركن جرى محللا وَالثَّانِي نعم وَكَأن السَّلَام مَوْقُوف فَإِن عَن لَهُ السُّجُود بَان أَنه لم يتَحَلَّل حَتَّى لَو أحدث فِي السُّجُود بطلت صلَاته وَإِن عَن لَهُ أَن لَا يسْجد بَان أَنه كَانَ محللا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 لَو طَال الزَّمَان ثمَّ تذكر تبين أَنه كَانَ محللا إِذْ تعذر التَّدَارُك وَإِن فرعنا على أَنه بعد السَّلَام فَهَل يفوت بطول الْفَصْل وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يفوت لِأَنَّهُ من التوابع كالتسليمة الثَّانِيَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ جبران فيضاهي جبرانات الْحَج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 السجد الثَّانِيَة سَجْدَة التِّلَاوَة وَهِي سنة مُؤَكدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّهَا وَاجِبَة ومواضعها فِي الْقُرْآن أَربع عشرَة آيَة وَلَيْسَ فِي صُورَة ص سَجْدَة خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يسجدهما لم يقرأهما وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة وَأثبت ابْن سُرَيج سَجْدَة ص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن السجدات إِحْدَى عشرَة إِذْ روى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه مَا سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمفصل بعد مَا هَاجر وَلَكِن روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْجَدِيد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سجد فِي سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} قد رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَقد أسلم بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 ثمَّ هَذِه السجدات مَشْرُوعَة فِي حق الْقَارئ والمستمع أَيْضا إِذا كَانَ متطهرا فَإِن لم يسْجد الْقَارئ لم يتَأَكَّد الِاسْتِحْبَاب فِي حق المستمع وَهَذَا فِي غير الصَّلَاة أما فِي الصَّلَاة فَلَا يسْجد الْمَأْمُوم إِلَّا لقِرَاءَة إِمَامه إِذا سجد مُتَابعَة لَهُ وَلَا يسْجد لقِرَاءَة نَفسه وَلَا لقِرَاءَة غير الإِمَام وَمن قَرَأَ آيَة من مجْلِس وَاحِد مرَّتَيْنِ فَهَل تشرع السَّجْدَة الثَّانِيَة لَهُ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة هَذِه السَّجْدَة قُلْنَا هى سَجْدَة وَاحِدَة تفْتَقر إِلَى شَرَائِط الصَّلَاة كالاستقبال وَالطَّهَارَة والستر وَفِي أقلهَا ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنَّهَا سَجْدَة فردة يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى إِلَى الأَرْض وَقيل لَا يسْتَحبّ وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من التَّحَرُّم بِالتَّكْبِيرِ وَالنِّيَّة وَسجْدَة وَسَلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يجب فَفِي اسْتِحْبَاب التَّشَهُّد وَجْهَان وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُود التِّلَاوَة يَقُول سجد وَجْهي للذى خلقه وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته وَرُوِيَ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي عنْدك بهَا أجرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا واقبلها مني كَمَا قبلت من عَبدك دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الثَّالِث أَن التَّحَرُّم لَا بُد مِنْهُ أما السَّلَام فَلَا هَذَا فِي غير الصَّلَاة أما الْمُصَلِّي فيكفيه سَجْدَة وَاحِدَة وَيسْتَحب فِي حَقه تَكْبِير الْهَوِي وَلَا يسْتَحبّ رفع الْيَد وَفِي غير الصَّلَاة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْتَحبّ رفع الْيَد لِأَنَّهُ تَكْبِيرَة التَّحَرُّم فرع إِذا كَانَ مُحدثا فِي حَال التِّلَاوَة أَو كَانَ متطهرا وَترك السُّجُود حَتَّى طَال الْفَصْل فَفِي قَضَائهَا قَولَانِ كَمَا فِي النَّوَافِل ذكرهمَا صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ مَا لَا يتَقرَّب بِهِ ابْتِدَاء لَا يقْضى كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن المتقرب بِسَجْدَة من غير سَبَب جَائِز وَكَانَ الشَّيْخ أَو مُحَمَّد شدد النكير على فَاعل ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح فعلى هَذَا يبعد الْقَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 السَّجْدَة الثَّالِثَة سَجْدَة الشُّكْر وَهِي مسنونة عِنْد مفاجأة الْإِنْسَان نعْمَة أَو دفع بلية وَلَا يسْتَحبّ لاستمرار نعْمَة وَلَو بشر بِولد فِي صلَاته فَسجدَ بطلت صلَاته بِخِلَاف التِّلَاوَة فَإِن لَهَا تعلقا بِالصَّلَاةِ ثمَّ إِن رأى فَاسِقًا وَسجد شكرا على دفع الْمعْصِيَة فليظهره فَلَعَلَّهُ يرعوي وَإِن رأى مبتلى فَلَا يظهره كي لَا يتَأَذَّى بِهِ فرع سُجُود التِّلَاوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة يُؤدى على الرَّاحِلَة فَأَما فِي غير الصَّلَاة فَهَل يُؤدى على الرَّاحِلَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة لِأَن أظهر أَرْكَانه تَمْكِين الْجَبْهَة من الأَرْض وينمحي بِالْإِيمَاءِ وَكَذَا الْخلاف فِي سُجُود الشُّكْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّابِع فِي صَلَاة التَّطَوُّع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِي السّنَن الرَّوَاتِب تبعا للفرائض وَهُوَ إِحْدَى عشرَة رَكْعَة رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعده وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَالْوتر رَكْعَة وَزَاد آخَرُونَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر وَزَاد بَعضهم أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر فَيصير الْعدَد سبع عشرَة على وفْق عدد الْفَرَائِض وَلم يواظب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سنة قبل الْعَصْر حسب مواظبته على رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَاسْتحبَّ بعض الْأَصْحَاب رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 أما الْوتر فَسنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاجِب وَأَحْكَامه خَمْسَة الأول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أوتر بِوَاحِدَة وَثَلَاث وَخمْس وَكَذَا بالأوتار إِلَى إِحْدَى عشرَة وَالنَّقْل مُتَرَدّد فِي ثَلَاث عشرَة فَلَو زَاد على هَذَا الْعدَد فَفِي صِحَة إيتاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن هَذِه سنة مُؤَكدَة فَيتبع فِي حَدهَا التَّوْقِيف كركعتي الصُّبْح وَوجه الْجَوَاز أَن اخْتِلَاف فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على فتح الْبَاب الثَّانِي إِذا زَاد على الْوَاحِدَة فَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتَشَهَّد تشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد فِي الْأَخِيرَة تشهدا وَاحِدًا كَيْلا يشْتَبه بالمغرب إِن كَانَ ثَلَاثًا وكل ذَلِك مَنْقُول وَالْكَلَام فِي الأولى نعم لَو تشهد فِي كل رَكْعَة فَهَذَا لم ينْقل الثَّالِث الْأَفْضَل فِي عدد الرَّكْعَات مَاذَا فِيهِ أَرْبَعَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 أَحدهمَا أَنه ثَلَاثَة مَوْصُولَة أفضل فَإِن الرَّكْعَة المفردة لَيست صَلَاة عِنْد قوم فليحترز عَن شُبْهَة الْخلاف الثَّانِي أَن رَكْعَة فردة أولى من ثَلَاثَة مَوْصُولَة بل من إِحْدَى عشرَة مَوْصُولَة لِأَنَّهُ صَحَّ مواظبته على الفردة فِي آخر التَّهَجُّد الثَّالِث أَن ثَلَاثَة مفصولة بسلامين أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة وَلَكِن الْوَاحِدَة لَيست أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة الرَّابِع أَن الإِمَام تسْتَحب فِي حَقه الموصولة لاخْتِلَاف اعْتِقَاد المقتدين بِهِ حَتَّى تصح صلَاته فِي كل مَذْهَب الحكم الرَّابِع حق الْوتر أَن يكون موترا لما قبله فَلَو أوتر بِوَاحِدَة قبل الْفَرْض لم يَصح وتره على الْمَذْهَب وَلَو أوتر بِوَاحِدَة بعد الْفَرْض فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن الموتر هُوَ النَّفْل وَكَأَنَّهُ مُقَدّمَة مَشْرُوطَة لصِحَّة الْوتر فَإِن وصل بهما تَسْلِيمَة وَاحِدَة نوى بِالْكُلِّ الْوتر وَإِن لم يصل نوى سنة ثمَّ يصير وترا بِمَا بعْدهَا وَليكن الْوتر آخر صلوَات المتهجد كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يُوتر وينام ثمَّ يقوم وَيُصلي ويوتر وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يُوتر ثمَّ ينَام وَيقوم ويتهجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ووتره سَابق فَتَرَافَعَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا أَخذ بالحزم عَنى بِهِ أَبَا بكر وَهَذَا أَخذ بِالْقُوَّةِ عَنى بِهِ عمر وَكَانَ ابْن عمر يُوتر ثمَّ إِذا انتبه صلى رَكْعَة وَجعل وتره شفعا ويتهجد ثمَّ أعَاد الْوتر وسمى ذَلِك نقض الْوتر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وَاخْتَارَ الشَّافِعِي فعل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه الْخَامِس الْقُنُوت مُسْتَحبّ فِي الْوتر فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان بعد رفع الرَّأْس من الرُّكُوع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقنت قبل الرُّكُوع فِي الْوتر جَمِيع السّنة وَقَالَ مَالك بعد الرُّكُوع فِي جَمِيع شهر رَمَضَان وَفِي الْجَهْر بِالْقُنُوتِ خلاف وَالْعَادَة قِرَاءَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فِي الْأَوليين وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين فِي الْأَخِيرَة وَقيل إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَوَت ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الْفَصْل الثَّانِي فِي غير الرَّوَاتِب وهى تَنْقَسِم إِلَى مَا يشرع فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيدين والخسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَهِي أفضل مِمَّا لَا جمَاعَة فِيهِ وأفضلها العيدان لتأقيتهما ثمَّ الخسوفان أما الرَّوَاتِب فأفضلها الْوتر وركعتا الْفجْر وَفِيهِمَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْوتر أفضل لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وَإِن زادكم صَلَاة هى خير لكم من حمر النعم وَالثَّانِي رَكعَتَا الْفجْر أفضل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فَأَما مَا عدا الرَّوَاتِب مِمَّا لَا تشرع الْجَمَاعَة فِيهَا كَصَلَاة الضُّحَى وتحية الْمَسْجِد وركعتي الطّواف وَسَائِر التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا وَفِي التَّرَاوِيح ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَن الْجَمَاعَة أولى تأسيا بعمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي الِانْفِرَاد أولى لِأَن الأستخلاء بِصَلَاة اللَّيْل أبعد من الرِّيَاء وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ لَا يخَاف الكسل ويحفظ الْقُرْآن فالانفراد أولى وَإِلَّا فالجماعة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضل تطوع الرجل فِي بَيته على تطوعه فِي الْمَسْجِد كفضل صَلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الْمَسْجِد على صلَاته فِي بَيته وَرُوِيَ أَنه قَالَ صَلَاة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره من الْمَسَاجِد وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من ألف صَلَاة فِي مَسْجِدي وَأفضل من ذَلِك كل رجل يُصَلِّي فِي زَاوِيَة بَيته رَكْعَتَيْنِ لَا يعلمهما إِلَّا الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 قَوَاعِد ثَلَاثَة الأولى التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا لَا حصر لركعاتها فَإِن تحرم بِرَكْعَة جَازَ لَهُ أَن يُتمهَا مائَة بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة إِن تحرم بِمِائَة جَازَ لَهُ أَن يقْتَصر على وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا وَله أَن يتَشَهَّد بَين كل رَكْعَتَيْنِ أَو فِي كل رَكْعَة أَو فِي آخر الصَّلَاة فَقَط وَالْأولَى من التطوعات مثنى مثنى على نهج الرَّوَاتِب الثَّانِيَة فِي قَضَاء النَّوَافِل ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنَّهَا تقضى قِيَاسا على الْفَرَائِض وَالثَّانِي لَا وَالْأَصْل أَن الْقَضَاء يجب بِأَمْر مُجَدد فَأَما الْفَرَائِض فَإِنَّهَا دُيُون لَازِمَة وَالثَّالِث مَا تأقت بِوَقْت وَلم يتبع فَرِيضَة كَصَلَاة الْعِيد وَالضُّحَى يقْضى والتوابع لَا تقضى فَإِن فرعنا على الْقَضَاء فَالصَّحِيح أَنه يقْضى أبدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وَقيل إِن فَائت النَّهَار يقْضى بِالنَّهَارِ وفائت اللَّيْل بِاللَّيْلِ وَلَا يتَجَاوَز ذَلِك وَقيل تقضى نَافِلَة كل صَلَاة مَا لم يدْخل وَقت فَرِيضَة أُخْرَى أما رَكعَتَا الصُّبْح فتؤدى بعد فعل الصُّبْح وَلَا يكون قَضَاء فَإِن تَقْدِيمه أدب الثَّالِثَة يُؤَدِّي النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَفِي الِاضْطِجَاع خلاف وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أقوم فِي كل نَافِلَة لم يلْزمه كَمَا لَو الْتزم الْإِتْمَام وَالصَّوْم فِي السّفر فَإِن هَذَا تَغْيِير الشَّرْع فخلاف مَا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي أَربع رَكْعَات قَائِما فَإِن ذَلِك يلْزمه وَلَو لم يقل قَائِما وَقُلْنَا النّذر ينزل على وَاجِب الشَّرْع لَا على جائزه يلْزمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 = كتاب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة وَحكم الْقدْوَة والإمامة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي فضل الْجَمَاعَة الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الْأَئِمَّة الْبَاب الثَّالِث فِي الْقدْوَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي فضل الْجَمَاعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى مُسْتَحبَّة غير وَاجِبَة إِلَّا فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَهِي وَاجِبَة عِنْد دَاوُد وَأحمد وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا هى فرض على الْكِفَايَة وفيهَا خمس مسَائِل الأولى الْجَمَاعَة فِي الْجمع الْكثير أفضل إِلَّا إِذا تعطل فِي جواره مَسْجِد فإحياؤه وَلَو بِجمع قَلِيل أفضل الثَّانِيَة تحوز الْمَرْأَة فضل الْجَمَاعَة اقتدت بِرَجُل أَو امْرَأَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تقف إِمَام النِّسَاء وسطهن وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تفعل كَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَة فِي حَقّهَا سَوَاء الثَّالِثَة وَردت رغائب فِي فَضِيلَة التَّكْبِيرَة الأولى وَذَلِكَ بِشُهُود الْمُقْتَدِي تحرم الإِمَام واتباعه لَهُ وَقيل مدرك الرُّكُوع مدرك لفضيلتها وَقيل لَا بُد من إِدْرَاك الْقيام أما فَضِيلَة الْجَمَاعَة فَتحصل بِأَن يدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع الْأَخير وَلَا تحصل بِمَا بعده لِأَنَّهُ لَيْسَ محسوبا لَهُ فِي صلَاته الرَّابِعَة إِذا أحس الإِمَام بداخل فِي الرُّكُوع فمده ليدركه الدَّاخِل فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن ذَلِك لَا يجوز بل لَو طول بطلت صلَاته وَالثَّانِي أَنه لَا يبطل وَلَكِن يكره وَالثَّالِث أَنه يسْتَحبّ وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يظْهر التَّطْوِيل وَأَن لَا يُمَيّز بَين دَاخل وداخل الْخَامِسَة من صلى فِي جمَاعَة لم يسْتَحبّ لَهُ إِعَادَتهَا فِي جمَاعَة أُخْرَى عل الصَّحِيح فَأَما الْمُنْفَرد فَيُعِيد بِالْجَمَاعَة ثمَّ الْفَرْض أَيهمَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه الأولى لسُقُوط الْخطاب بِهِ وعَلى هَذَا لَا ينوى فِي الثَّانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الْفَرْضِيَّة بل يكون ظهرا نفلا كَمَا فِي حق الصَّبِي وَقيل إِن كَانَ فِي الْمغرب يزِيد رَكْعَة حَتَّى لَا يبْقى وترا فَإِن الأحب فِي النَّوَافِل الشفع الثَّانِي أَن الْفَرْض أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه يحتستب الله تَعَالَى أَيهمَا شَاءَ فعلى هَذَا يَنْوِي الْفَرْض فِي الثَّانِي قَاعِدَة لَا رخصَة فِي ترك الْجَمَاعَات إِلَّا بِعُذْر عَام كالمطر مَعَ الوحل وَالرِّيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الْعَاصِفَة بِاللَّيْلِ دون النَّهَار أَو خَاص مثل أَن يكون مَرِيضا أَو جائعا أَو ممرضا أَو هَارِبا من السُّلْطَان أَو مديونا مُعسرا يحذر الْحَبْس أَو حَافظ مَال أَو منشد ضَالَّة أَو عَلَيْهِ قصاص يَرْجُو الْعَفو عِنْد سُكُون الغليل أَو كَانَ حاقنا وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يصلين أحدكُم وَهُوَ زناء وروى وَهُوَ ضام وركيه أَي حاقنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَقيل إِنَّه إِذا ألحقته الْحَاجة بِحَيْثُ تبطل الْخُشُوع لم تصح صلَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الْأَئِمَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِيمَن يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ وكل من لَا تُجزئ صلَاته عَن وجوب الْقَضَاء فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ كمن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا وَلَو اقْتدى بِهِ مثله فَفِيهِ تردد وَمن صحت صلَاته فِي نَفسه صَحَّ الِاقْتِدَاء بِهِ إِلَّا الْمُقْتَدِي وَالْمَرْأَة والأمي فَيصح الِاقْتِدَاء بِالصَّبِيِّ وَالرَّقِيق والمتيمم وَالْمَرِيض الْقَاعِد وَيقف الْمُقْتَدِي قَائِما وَيصِح الِاقْتِدَاء بالأعمى وَهُوَ أولى من الْبَصِير لِأَنَّهُ أخشع خلافًا لأبي حنيفَة أما الْمُقْتَدِي فَهُوَ تَابع فَلَا يقْتَدى بِهِ وَأما الْمَرْأَة فَلَا يَقْتَدِي الرجل بهَا وَإِن كَانَ محرما وَلَا بالخنثى وَلَا يَقْتَدِي الْخُنْثَى بالخنثى فَإِن اقْتدى بخنثى ثمَّ بَان بعد الصَّلَاة كَونه رجلا فأصح الْقَوْلَيْنِ وجوب الْقَضَاء لِأَن التَّرَدُّد منع الصِّحَّة فِي الِابْتِدَاء أما الْمَرْأَة فتقتدي بِالرجلِ وبالخنثى وَلَا بَأْس بِحُضُور الْعَجُوز الْمَسْجِد ووقوفها فِي آخر الصَّفّ وَمن الْعلمَاء من كره ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 أما الْأُمِّي وَهُوَ الذى يحسن الْفَاتِحَة أَو شَيْئا مِنْهَا فَيصح اقْتِدَاء الْأُمِّي بِهِ وَلَا يَصح للقارئ الِاقْتِدَاء بِهِ عل الْجَدِيد لِأَنَّهُ بصدد تحمل الْفَاتِحَة عَن الْمَسْبُوق وَيجوز فِي الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ مُقْتَضى قِيَاس الِاقْتِدَاء بالمتيمم وَالْمَرِيض وَخرج قَول ثَالِث إِنَّه لَا يجوز فِي الجهرية على قَوْلنَا إِن الْمَأْمُوم فِي الجهرية لَا يقْرَأ وَيجوز فِي السّريَّة فرعان أَحدهمَا من يحسن النّصْف الأول من الْفَاتِحَة لَا يَقْتَدِي بِمن لَا يحسن إِلَّا النّصْف الْأَخير لِأَنَّهُ أُمِّي فِي بعض مَا يُحسنهُ المقتدى والأمي فِي حرف كالأمي فِي الْكل الثَّانِي لَو تبين بعد الصَّلَاة أَنه كَانَ أُمِّيا لم يلْزمه الْقَضَاء كَمَا لَو بَان كَونه جنبا أَو مُحدثا وَلَو بَان كَونه امْرَأَة أَو كَافِرًا لزمَه الْقَضَاء لِأَن ذَلِك مِمَّا تظهر علامته غَالِبا وَلَا يعرف بِصَلَاتِهِ كَونه مُسلما مَا لم يسمع مِنْهُ كلمة الشَّهَادَة وَلَو بَان كَونه زنديقا فَوَجْهَانِ لِأَن ذَلِك يخفى فِي غَالب الْأَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن هُوَ أولى بِالْإِمَامَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يؤمكم أقرؤكم فَإِن لم يكن فأعلمكم بِالسنةِ فَإِن لم يكن فأقدمكم سنا إِلَّا أَن الأفقه مقدم على الأقرأ لِأَن حَاجَة الصَّلَاة إِلَى الْفِقْه أَكثر والفقيه أَيْضا مقدم على الْمَشْهُور بالورع لذَلِك وَإِن كَانَ الْوَرع مقدما عل الْفَقِيه الْفَاسِق وَقدم رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الأقرأ إِذْ كَانَ أقرأهم فِي ذَلِك الْعَصْر أفقههم فأحق الْخِصَال الْفِقْه ثمَّ ظُهُور الْوَرع ثمَّ السن وَالنّسب وَفِيهِمَا قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 أَحدهمَا تَقْدِيم النّسَب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قدمُوا قُريْشًا وَالثَّانِي تَقْدِيم السن لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقدمكم سنا فَإِن تَسَاوَت هَذِه الصِّفَات فيرجح بِحسن المنظر ونظافة الثَّوْب وَمن كره الْقَوْم إِمَامَته كره لَهُ ذَلِك وَأما بِاعْتِبَار الْمَكَان فالوالي أولى من الْمَالِك وَالْمَالِك أولى من غَيره وَالْمُسْتَأْجر أولى من الْمَالِك وَالسَّيِّد أولى من العَبْد السَّاكِن وَفِي الْمُسْتَعِير والمعير تردد للأصحاب وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي شَرَائِط الْقدْوَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وشروطها الْمُتَابَعَة قصدا وفعلا وموقفا وَيرجع ذَلِك إِلَى شُرُوط سِتَّة الأول أَن لَا يتَقَدَّم فِي الْموقف على الإِمَام فَإِن فعل بطلت صلَاته على الْجَدِيد خلافًا لمَالِك وَلَا تبطل بتقدمه صَلَاة الإِمَام وَلَا بتقدم الْمَرْأَة إِذا اقتدت خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو ساواه جَازَ وَلَكِن التَّخَلُّف قَلِيلا أحب ثمَّ التعويل على مُسَاوَاة الكعب فَإِن الْمشْط قد يطول وَالْمُسْتَحب إِذا كَانُوا ثَلَاثَة أَن يصطفوا خَلفه وَالْوَاحد يقف على يَمِينه والاثنان يصطفان عندنَا وَقَالَ ابْن مَسْعُود يقف أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَلَو أم بِرَجُل وامراة وقف الرجل عَن يَمِينه وَالْمَرْأَة خَلفه وَلَو أم بِامْرَأَة وَخُنْثَى وقفت الْمَرْأَة خلف الْخُنْثَى وَمِمَّا يسْتَحبّ فِي الْموقف أَن لَا يقف الدَّاخِل مُنْفَردا إِذا وجد صفا فَلْيدْخلْ الصَّفّ أَو يجذب إِلَى نَفسه وَاحِدًا مِنْهُم إِن ضَاقَ الصَّفّ وَحقّ الْمَجْرُور أَن يساعده وَصَلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الْمُنْفَرد فِي الصَّفّ مَكْرُوهَة صَحِيحَة وَقَالَ أَحْمد هى بَاطِلَة فرع لَو وقفُوا حول الْكَعْبَة أَو دَاخل الْبَيْت مُتَقَابلين صحت صلَاتهم إِذْ لَا يظْهر فِيهِ التَّقَدُّم وَقد قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْمَأْمُوم أقرب إِلَى الْكَعْبَة فِي جِهَته من الإِمَام الشَّرْط الثَّانِي أَن يجْتَمع الْمَأْمُوم وَالْإِمَام فِي مَكَان وَاحِد فَلَا يبعد تخلفه وَلَا يكون بَينهمَا حَائِل لتحصل نِسْبَة الِاجْتِمَاع والمواضع ثَلَاثَة مَوضِع بنى للصَّلَاة فَهُوَ جَامع وَإِن اخْتلف الْبناء وَبعد التَّخَلُّف فَهُوَ كالمسجد فَلَو وقف على السَّطْح الإِمَام فِي بِئْر فِي الْمَسْجِد صَحَّ وَلَو كَانَا فِي بَيْتَيْنِ فِي الْمَسْجِد أَو مسجدين متجاورين وَبَينهمَا بَاب لافظ مَفْتُوح أَو مَرْدُود وَصَحَّ الْموضع الثَّانِي الساحة الَّتِى لَا يجمعها حَائِط فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمَأْمُوم فِيهَا على حد قرب وَهُوَ غلوة سهم مَا بَين مِائَتي ذِرَاع إِلَى ثلثمِائة لِأَن الْمَكَان إِذا اتَّسع كَانَ هَذَا اجتماعا وَقيل إِنَّه مَأْخُوذ من مَسَافَة بعد المقابلين فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع عَن رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم كَانُوا مقتدين وَحكم الصَّلَاة مُسْتَمر عَلَيْهِم وَيُمكن حد ذَلِك بِمَا يبلغ الْمَأْمُوم فِيهِ صَوت الإِمَام عِنْد الْجَهْر الْمُعْتَاد وَهَذَا جَار فِي الْأَمْلَاك والبيوت الواسعة وَقيل إِنَّه يشْتَرط اتِّصَال الصَّفّ فِي الْملك وَهُوَ بعيد فرع إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم شَارِع مطروق أَو نهر لَا يَخُوض فِيهِ غير السابح فَفِي انْقِطَاع الِاجْتِمَاع بِهِ وَجْهَان أما النَّهر الذى يَخُوض فِيهِ السابح فَلَا يقطع الِاتِّصَال الْموضع الثَّالِث الْأَبْنِيَة الْمَمْلُوكَة وَبهَا تلتحق الْمدَارِس والرباطات فَإِذا وَقفا فِي بناءين لم يَصح إِلَّا باتصال محسوس كَمَا إِذا تواصلت المناكب على الْبَاب المفتوح بَين البنائين فَلَو بَقِي على العتبة مقَام وَاقِف لم يحز وَإِن تخَلّل فُرْجَة لَا تتسع لواقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 فَالْأَصَحّ الْجَوَاز وَلَو تقدم على الصَّفّ الْمُتَّصِل فِي الْبناء الذى لَيْسَ فِيهِ الإِمَام لم تصح صلَاته وَلَو وقف وَرَاءَهُمْ صَحَّ فَأَما إِذا كَانَ الِاتِّصَال بتلاحق الصُّفُوف بِأَن كَانَ الْبناء الآخر وَرَاء الإِمَام لَا على طرق جَنْبَيْهِ فَإِن زَاد مَا بَين الصفين على ثَلَاثَة أَذْرع لم يَصح وَإِن لم يزدْ فَوَجْهَانِ بِخِلَاف اتِّصَال المناكب فَإِن ذَلِك اتِّصَال مُحَقّق وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ اخْتِلَاف الْبناء لَا يضر إِذا لم يكن بَينهمَا جِدَار حَائِل فروع ثَلَاثَة الأول الْبَحْر كالموات فَلَو كَانَ فِي سفينتين مكشوفتين وَبَينهمَا أقل من غلوة سهم جَازَ فَإِن مَا بَينهمَا بحوض السَّفِينَة لَا كالنهر على الأَرْض وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يحوز إِلَّا إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا مربوطة بِالْأُخْرَى بِحَيْثُ يُؤمن من التباعد الثَّانِي إِذا اخْتلف الْموقف ارتفاعا وانخفاضا فَهُوَ كاختلاف الْبناء فَلَا بُد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 اتِّصَال محسوس وَهُوَ أَن يلقى رَأس المتسفل ركبة العالي تَقْديرا لَو قدر لكل وَاحِد مِنْهُمَا قامة معتدلة الثَّالِث إِذا اخْتلف الْبِقَاع بِأَن وقف الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم فِي ملك فَهُوَ كَمَا لَو كَانَا فِي بناءين مملوكين وَإِن كَانَ الْمَأْمُوم فِي موَات وَلَا حَائِل فَيعْتَبر غلوة سهم من موقف الإِمَام على وَجه وَمن آخر الْمَسْجِد على وَجه وَلَو كَانَ بَينهمَا حَائِل يمْنَع الْبَصَر والوصول كالجدار لم يجز على الْأَصَح وَمَا يمْنَع الْوُصُول دون الْبَصَر كالشباك أَو الْبَصَر دون الْوُصُول كالباب الْمَرْدُود فَوَجْهَانِ وَالْبَاب المغلق كالجدار الشَّرْط الثَّالِث نِيَّة الِاقْتِدَاء فَلَو تَابع من غير النِّيَّة بطلت صلَاته وَلَا يجب على الإِمَام نِيَّة الْإِمَامَة وَلَكِن لَا ينَال الثَّوَاب إِذا لم ينْو وَلَا يجب على الْمَأْمُوم تعْيين الإِمَام وَلَو عينه وَأَخْطَأ بَطل بِخِلَاف الإِمَام إِذا عين الْمُقْتَدِي وَأَخْطَأ وَلَو ربط الْمُقْتَدِي نِيَّته بالحاضر وَقَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاء بزيد الْحَاضِر فَإِذا هُوَ عَمْرو فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان كَمَا إِذا قَالَ بِعْت هَذِه الرمكة فَإِذا هى نعجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وَاخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم لَا يضر فَيجوز اقْتِدَاء المتنفل بالمفترض وَعَكسه وَفِي الْأَدَاء بِالْقضَاءِ وَعَكسه وَإِن كَانَ أَحدهمَا ظهرا وَالْآخر عصرا خلافًا لأبي حنيفَة الشَّرْط الرَّابِع توَافق الصَّلَاتَيْنِ فِي النّظم فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء فِي الرَّوَاتِب بِمن يُصَلِّي على الْجِنَازَة أَو صَلَاة الخسوف لتعذر الْمُتَابَعَة وَقيل إِنَّه يَصح ثمَّ عِنْد الْمُخَالفَة ينْفَرد فرَاغ الإِمَام مِمَّا يُخَالف وَهُوَ بعيد نعم لَو اخْتلف عدد الرَّكْعَات فَإِن كَانَ صَلَاة الْمَأْمُوم أطول جَازَ وَيكون كالمسبوق إِذا أسلم الإِمَام وَإِن كَانَ أقصر كَمَا لَو اقْتضى فِي الصُّبْح بِمن يُصَلِّي الظّهْر فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة ثمَّ إِذْ قَامَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة تخير فَإِن شَاءَ سلم وَإِن شَاءَ صَبر حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 يعود إِلَيْهِ الإِمَام فَيسلم مَعَه وَلَا يُقَال يقوم ويوافق وَلَا يحْتَسب لَهُ لِأَن ذَلِك لَا يحْتَمل فِي رَكْعَات مُسْتَقلَّة الشَّرْط الْخَامِس الْمُوَافقَة وَهُوَ أَن لَا يشْتَغل بِمَا تَركه الإِمَام من سُجُود تِلَاوَة أَو قعُود للتَّشَهُّد الأول فَإِن فعل بطلت صلَاته فَأَما جلْسَة الاسْتِرَاحَة فَلَا بَأْس وَأما الْقُنُوت فَلَا بَأْس بِهِ أَيْضا إِن أدْرك الإِمَام فِي السُّجُود إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تخلف يسير الشَّرْط السَّادِس الْمُتَابَعَة وَهُوَ أَن لَا يتَقَدَّم على الإِمَام وَلَا يتَخَلَّف عَنهُ تخلفا كثيرا وَلَا يساوقه بل يُتَابِعه فَإِن ساوق لم يضر إِلَّا فِي التَّكْبِير فَإِن ابْتِدَاء تكبيره يَنْبَغِي أَن يكون بعد فرَاغ الإِمَام على الْعَادة وَالْمُسْتَحب أَن يكبر الإِمَام إِذا ظن اسْتِوَاء الصُّفُوف بعد قَوْله اسْتَووا رحمكم الله وَالنَّاس يسوون صفوفهم بعد فرَاغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوون عِنْد قَوْله حَيّ على الصَّلَاة وَيكبر الإِمَام عِنْد قَوْله قد قَامَت الصَّلَاة وَالصَّحِيح أَن السَّلَام كَسَائِر الْأَركان فَيجوز المساوقة فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هُوَ كالتكبيرة أما التَّخَلُّف إِن كَانَ بِرُكْن وَاحِدًا لم يبطل وَإِن كَانَ بركنين بَطل لَو لم يرْكَع حَتَّى سجد الإِمَام بطلت صلَاته قطعا وَلَو لم يرْكَع حَتَّى رفع رَأسه من الرُّكُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يبطل لِأَن الِاعْتِدَال أَيْضا ركن فقد سبق بركنين وَالثَّانِي لَا لعلتين إِحْدَاهمَا أَنه لَيْسَ ركنا مَقْصُودا فعلى هَذَا لَا تبطل مَا لم يلابس السُّجُود قبل رُكُوع الْمَأْمُوم الثَّانِيَة أَن الِاعْتِدَال إِنَّمَا يكون سَابِقًا بِهِ إِذا فرغ عَنهُ لَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ فعلى هَذَا إِذا هوى للسُّجُود قبل رُكُوعه بطلت صلَاته وَإِن لم يلابس السُّجُود بعد وَحكم التَّقَدُّم كالتخلف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد التَّقَدُّم بِرُكْن وَاحِد يبطل لِأَنَّهُ لَا يَلِيق بالمتابعة كالتقدم فِي الْمَكَان وَهُوَ بعيد فِي الْمَذْهَب هَذَا كُله إِذا تَأَخّر بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ مَعْذُورًا كالمسبوق إِذا أدْرك بعض الْفَاتِحَة فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 أَحدهَا يتْرك الْفَاتِحَة ويركع لِأَن السَّبق يسْقط كل الْفَاتِحَة فبعضها أولى وَالثَّانِي يتمم لِأَنَّهُ الْتزم الْخَوْض وَالثَّالِث إِن اشْتغل بِدُعَاء الاستفتاح فقد قصر فليتدارك وَإِلَّا فليركع فَإِن قُلْنَا بتدارك فَرفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع قبل رُكُوعه فقد فَاتَتْهُ هَذِه الرَّكْعَة وَتبطل صلَاته على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن هَذَا الرُّكُوع قَائِم مقَام رَكْعَة فَكَأَنَّهُ سبقه بِرَكْعَة وَهُوَ بعيد فروع خَمْسَة الأول الْمَسْبُوق يَنْبَغِي أَن يكبر للْعقد ثمَّ للهوي فَإِن اقْتصر على وَاحِد وَقصد الْهَوِي بِهِ لم ينْعَقد وَإِن قصد العقد انْعَقَد بِشَرْط أَن يَقع تكبيره فِي اعتداله وَإِن أطلق فَالْقِيَاس أَنه ينْعَقد لقَرِينَة الْبِدَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ قارنته قرينَة الْهَوِي وَلَا مُخَصص الثَّانِي إِذا نوى قطع الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع وَفَاء بالملتزم وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَنَّهُ نفل فَلَا يلْزم بِالشُّرُوعِ وَالثَّالِث الْجَوَاز للمعذور بِعُذْر يجوز ترك الْجَمَاعَة بِهِ وعَلى الْأَقْوَال إِذْ أحدث الإِمَام انْقَطَعت الْقدْوَة وَلم تبطل صَلَاة الْمَأْمُوم الثَّالِث الْمُفْرد إِذا أنشأ الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة فالنص الْجَدِيد يدل على مَنعه وَالْقَدِيم على جَوَازه وَيشكل على الْجَدِيد جَوَاز الِاسْتِخْلَاف فَإِن فِيهِ اقْتِدَاء بِمن لم يقتد بِهِ وَإِنَّمَا منع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الِاسْتِخْلَاف فِي الْقَدِيم وَلَكِن لَيْسَ فِي الِاسْتِخْلَاف انْتِقَال الْمُنْفَرد إِلَى الِاقْتِدَاء بل هُوَ تَبْدِيل المقتدى بِهِ الرَّابِع إِذا شكّ الْمَسْبُوق فَلم يدر أَن الإِمَام فَارق حد الراكعين قبل رُكُوعه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه مدرك إِذْ الأَصْل بَقَاء الرُّكُوع وَالثَّانِي لَا إِذْ الأَصْل عدم الْإِدْرَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الْخَامِس إِذا كَانَ مَسْبُوقا فَسلم الإِمَام نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه يقوم من غير تَكْبِير وعلته أَنه كبر فِي ارتفاعه عَن السُّجُود مَعَ الإِمَام وَهُوَ الِانْتِقَال فِي حَقه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يكبر هَاهُنَا للانتقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 = كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي الْقصر الْبَاب الثَّانِي فِي الْجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْقصر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رخصَة جَائِزَة عِنْد وجود السَّبَب وَالْمحل وَالشّرط وَالنَّظَر الأول فِي السَّبَب وَهُوَ كل سفر طَوِيل مُبَاح فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول السّفر وَحده الِانْتِقَال مَعَ ربط الْقَصْد بمقصد مَعْلُوم فالهائم وراكب التعاسيف لَا يترخص وَإِن مَشى ألف فَرسَخ وَأمر السّفر ظَاهر وَإِنَّمَا الغموض فِي بدايته ونهايته أما الْبِدَايَة فَهِيَ الِانْفِصَال عَن الوطن والمستقر والمستقر ثَلَاثَة الأول الْبَلَد والانفصال عَنهُ بمجاوزة السُّور فَإِن لم يكن لَهُ سور فبمفارقة الْبُنيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فَإِن كَانَ وَرَاء الْبُنيان خراب فَفِي اشْتِرَاط مجاوزته تردد وَلَا يشْتَرط مُجَاوزَة الْمزَارِع والبساتين الَّتِى يخرج إِلَيْهَا للتنزه الثَّانِي الْقرْيَة وَلَا بُد فِيهَا من مُجَاوزَة الْبَسَاتِين والمزارع المحوطة دون الَّتِى لَيست محوطة وَإِن اتَّصَلت أبنية قَرْيَة بِأُخْرَى فَالْقِيَاس أَن يَكْفِيهِ مُجَاوزَة قريته وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن ذَلِك لَا يَكْفِي الثَّالِث الصَّحرَاء والانفصال عَنْهَا بمجاوزة الْخيام والنادي والدمن وَإِن نزلُوا على منهل أَو محتطب فَلَا بُد من مجاوزتهما إِلَّا أَن يَتَّسِع بِحَيْثُ لَا يخْتَص بالنازلين وَإِن تَفَرَّقت الْخيام بِحَيْثُ لَا يَسْتَعِين بَعضهم بِبَعْض فَلِكُل حلَّة حكمهَا وَقد قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو نزلُوا فِي وَاد وَالسّفر فِي عرضه فَلَا بُد من جزعه وَقَالَ الْأَصْحَاب إِن كَانُوا على ربوة فَلَا بُد من الهبوط أَو فِي وهدة فَلَا بُد من الصعُود فرع إِذا رَجَعَ الْمُسَافِر ليَأْخُذ شَيْئا خَلفه فَلَا يقصر فِي الرُّجُوع وَلَا فِي مستقره فَإِن لم يكن المستقر وطنا بل أَقَامَ بهَا غَرِيبا فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه كسفره أما نِهَايَة السّفر فَتحصل بِأحد أُمُور ثَلَاثَة الأول الْوُصُول إِلَى عمرَان الوطن الثَّانِي الْعَزْم على الْإِقَامَة مُطلقًا أَو مُدَّة تزيد على ثَلَاثَة أَيَّام فِي مَوضِع تتَصَوَّر الْإِقَامَة بِهِ وَلَو فِي وَاد فَإِن كَانَ لَا يتَصَوَّر فَالْأَصَحّ أَنه يترخص لِأَن الْعَزْم فَاسد الثَّالِث الْإِقَامَة فِي صورتهَا إِذا زَادَت على ثَلَاثَة أَيَّام انْقَطع التَّرَخُّص وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 يحْسب فِي الثَّلَاث يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج ثمَّ الْمُقِيم فَوق الثَّلَاثَة إِذا كَانَ عَازِمًا على أَن يشْغلهُ أَلا يتنجز فِي الثَّلَاثَة فَلَا يترخص كالمتفقه والتاجر تِجَارَة كَبِيرَة إِلَّا إِذا كَانَ شغله قتالا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يترخص لما رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصر فِي بعض الْغَزَوَات ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَرُوِيَ سَبْعَة عشر وَرُوِيَ عشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُقيم والقتال المجدد لَا يرخص فِي الْقصر وَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحمل على عزمه الارتحال فِي كل يَوْم إِن تنجز غَرَضه فَإِن قُلْنَا يترخص فَفِي الزِّيَادَة على هَذِه الْمدَّة قَولَانِ الأقيس الْجَوَاز لِأَنَّهُ لَو طَال الْقِتَال على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتمرّ على الْقصر وَلما رُوِيَ أَن ابْن عمر أَقَامَ على الْقِتَال بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر وَكَانَ يقصر أما إِذا كَانَ عزمه الْخُرُوج فِي كل سَاعَة لَو تنجز غَرَضه وَلَكِن انْدفع بعائق فَإِن كَانَ غَرَضه الْقِتَال يرخص على الصَّحِيح للْخَبَر وَمن منع حمل ذَلِك على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَإِن كَانَ غَرَضه غير الْقِتَال فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَن هَذَا خاصية الْقِتَال وَإِلَّا فَهُوَ مُقيم من حَيْثُ الصُّورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يترخص لِأَنَّهُ منزعج بِالْقَلْبِ وَلَا فرق بَين الْقِتَال وَبَين غَيره فِي حكم الْقيَاس فرع لَو خرج من بَغْدَاد يقْصد الرّيّ فَبَدَا لَهُ أثْنَاء الطَّرِيق الْعود انْقَطع سَفَره فَلَا يقصر فِي الْحَال مَا لم يُفَارق مَكَانَهُ كمشي السّفر ثمَّ إِن فَارق وَكَانَ بَينه وَبَين مقْصده مرحلتان قصر وَإِلَّا فَلَا وَلَو انْتقض عزمه فِي الْعود وَأَرَادَ التَّمَادِي إِلَى الرّيّ وَلم تبْق مرحلتان لَا يقصر وَكَذَا لَو غير عزيمته من الرّيّ إِلَى هَمدَان انْقَطع ذَلِك السّفر فليفارق مَكَانَهُ ثمَّ ليترخص الْقَيْد الثَّانِي الطَّوِيل وَحده مسيرَة يَوْمَيْنِ وبالمراحل مرحلتان وبالأميال ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا بالهاشمي كل ثَلَاثَة أَمْيَال فَرسَخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رخص السّفر ثَمَانِيَة أَرْبَعَة مِنْهَا تتَعَلَّق بالقصير والطويل كَالصَّلَاةِ على الرَّاحِلَة على أصح الْقَوْلَيْنِ وَترك الْجُمُعَة وَالتَّيَمُّم وَأكل الْميتَة وَأَرْبَعَة تتلعق بالطويل الْقصر وَالْفطر وَالْمسح ثَلَاثَة أَيَّام وَالْجمع فِي أصح الْقَوْلَيْنِ ثمَّ الصَّوْم أفضل من الْفطر وَفِي الْقصر والإتمام قَولَانِ وَقَالَ الصيدلاني الْقصر أفضل وَفِي الْفطر قَولَانِ لِأَن بدل الصَّوْم يثبت فِي الذِّمَّة ونقصان الْقصر لَا يثبت فِي الذِّمَّة ثمَّ لطول السّفر أَرْبَعَة شَرَائِط الأول أَن يعزم عَلَيْهِ فِي الأول فَلَو خرج فِي طلب الْآبِق على عزم أَن ينْصَرف مهما لقِيه لم يترخص وَإِن مَشى ألف فَرسَخ إِلَّا إِذا علم أَولا أَنه لَا يلقاه قبل مرحلَتَيْنِ الثَّانِي أَن لَا يحْسب الإياب فِي طول السّفر فَلَو كَانَ مَجْمُوع الإياب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 والذهاب مرحلَتَيْنِ لَا يقصر لَا ذَاهِبًا وَلَا جائيا الثَّالِث أَن يكون طوله ضَرُورِيًّا فَلَو ترك الطَّرِيق الْقصير وسلك الطَّوِيل لم يقصر إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ غَرَض من أَمن أَو سهولة طَرِيق وَفِي غَرَض التَّنَزُّه والتفرج وَجْهَان الرَّابِع أَن لَا يعزم على الْإِقَامَة فِي الطَّرِيق فَلَو قصد سفرا طَويلا على أَن يُقيم فِي كل مرحلة أَرْبَعَة أَيَّام لم يترخص الْقَيْد الثَّالِث الْمُبَاح فالعاصي بِسَفَرِهِ لَا يترخص كالآبق والعاق وقاطع الطَّرِيق لِأَن الرُّخْصَة إِعَانَة وَلَا يعان على الْمعْصِيَة وَمن عين مقصدا وَلَا غَرَض لَهُ لم يترخص لِأَنَّهُ عَاص بإتعابه نَفسه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد من الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة طوف الصُّوفِي إِذا لم يكن لَهُ غَرَض سوى رُؤْيَة الْبِلَاد وَفِي جَوَاز أكل الْميتَة وَالْمسح يَوْمًا وَلَيْلَة للعاص وَجْهَان الْأَصَح الْجَوَاز فَإِنَّهُ لَيْسَ من خَصَائِص السّفر فَأشبه تنَاول الْمُبَاحَات أما العَاصِي فِي سَفَره بالشرب وَغَيره فيترخص فرع لَو أنشأ سفرا مُبَاحا ثمَّ غير الْقَصْد إِلَى مَعْصِيّة فالنص أَنه يترخص لِأَن الشُّرُوط إِنَّمَا تعْتَبر عِنْد ابْتِدَاء الْأَسْبَاب وَقد انْعَقَد هَذَا السّفر سَببا مرخصا وَكَذَا على الْعَكْس الْآبِق إِذا توجه إِلَى سَيّده لم يترخص لفقد الشَّرْط فِي الِابْتِدَاء وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن النّظر إِلَى الْحَال لَا إِلَى الِابْتِدَاء وَهَذَا أوضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 النّظر الثَّانِي فِي مَحل الْقصر وَهُوَ كل صَلَاة ربَاعِية مُؤَدَّاة فِي السّفر أدْرك وَقتهَا فِي السّفر والرباعية احْتِرَاز عَن الْمغرب وَالصُّبْح فَلَا قصر فيهمَا والمؤداة احْتِرَاز عَن المقضية وَلَا قصر إِذا قضى فِي السّفر مَا فَاتَ فِي الْحَضَر وَلَو فَاتَ فِي السّفر فَفِي قَضَائهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ جَوَاز الْقصر إِذْ لم يجب إِلَّا هَذَا الْقدر وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ هَذِه رخصَة وَوقت الْقَضَاء متسع الثَّالِث إِن قضى فِي السّفر قصر وَأما فِي الْحَضَر فَلَا وَإِن تحلل حضر بَين سفرين فَوَجْهَانِ فرع نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُسَافِر فِي آخر الْوَقْت يقصر وَنَصّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 الْحَائِض إِذا أدْركْت أول الْوَقْت أَنه تلزمها الصَّلَاة فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أحد الْقَوْلَيْنِ أَنه يلْزم بِأول الْوَقْت الْإِتْمَام على الْمُقِيم وأصل الصَّلَاة على الْحَائِض لإدارك وَقت الْإِمْكَان ولتغليب جَانب الْوُجُوب وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوُجُوب إِنَّمَا يسْتَقرّ بِكُل الْوَقْت أَو بِآخِرهِ وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْحيض إِذا طَرَأَ كَانَ ذَلِك الْقدر من الْوَقْت بِالْإِضَافَة إِلَى إمكانها كل الْوَقْت بِخِلَاف الْمُسَافِر النّظر الثَّالِث فِي الشَّرْط وَهُوَ اثْنَان الأول أَن لَا يَقْتَدِي بمتم فَإِن اقْتدى بِهِ وَلَو فِي لَحْظَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَو تردد فِي أَن إِمَامَة مُسَافر أَو مُقيم لزمَه الْإِتْمَام وَإِن كَلَام مُسَافِرًا بِمُجَرَّد التَّرَدُّد بِخِلَاف مَا لَو شكّ أَن إِمَامه هَل نوى الْإِتْمَام لِأَن النِّيَّة لَا يطلع عَلَيْهَا وشعار الْمُسَافِر ظَاهر وَالظَّاهِر من الْمُسَافِر أَن يَنْوِي الْقصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فروع الأول لَو اقْتدى بمتم ثمَّ فَسدتْ لزمَه الْإِتْمَام فِي الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّهُ الْتزم مرّة بِالشُّرُوعِ الثَّانِي لَو اقْتدى بِمن ظَنّه مُسَافِرًا ثمَّ بَان كَونه مُقيما لزمَه الْإِتْمَام لِأَنَّهُ مقصر إِذْ شعار الْإِقَامَة ظَاهر وَلَو بَان أَنه مُقيم مُحدث قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَهُ الْقصر لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِر ظَنّه مُسَافِرًا وَفِي الْبَاطِن لم تصح قدرته وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه يتمم ويلتفت على أَن الْمَسْبُوق هَل يصير مدْركا بِالرُّكُوعِ إِذا بَان كَون إِمَامه مُحدثا الثَّالِث إِذا رعف الإِمَام الْمُسَافِر وَخَلفه المسافرون فاستخلف مُقيما أتم المقتدون وَكَذَا الراعف إِذا عَاد واقتدى بالمستخلف لِأَنَّهُ لم يكمل وَاحِد صلَاته حَتَّى كَانَ فِيهَا فِي صَلَاة مُقيم الشَّرْط الثَّانِي أَن يسْتَمر على نِيَّة الْقصر جزما فِي جَمِيع الصَّلَاة فَلم ينْو الْقصر وَلَا الْإِتْمَام لزمَه الْإِتْمَام وَلَو شكّ فِي أَنه هَل نوى الْقصر وَلَو فِي لَحْظَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَو قَامَ الإِمَام على الثَّالِثَة سَاهِيا فَشك أَنه هَل نوى الْإِتْمَام لزمَه الْإِتْمَام بِخِلَاف مَا إِذا شكّ فِي نِيَّة إِمَامه لِأَن النِّيَّة لَا يطلع عَلَيْهَا وَحَال الْمُسَافِر ظَاهِرَة الْقصر بِخِلَاف مَا إِذا قَامَ إِلَى الثَّالِثَة فَإِنَّهُ تَأَكد ظن الْإِتْمَام بِالْقيامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 أما القاصد إِذا قَامَ إِلَى الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة سَهوا فَيسْجد لسَهْوه وَلَا يعْتد بِهِ إتماما بل لَو قصد أَن يَجعله إتماما لزمَه أَن يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْجمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وقتيهما جَائِز بسببين السّفر والمطر ونعني بِهِ السّفر الْمُبَاح وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْجمع بِالسَّفرِ وَفِي السّفر الْقصير عندنَا قَولَانِ أَحدهمَا نعم فَإِن أهل مَكَّة يجمعُونَ بِمُزْدَلِفَة وسفرهم قصير وَالثَّانِي لَا كالقصر وَأهل مَكَّة يجمعُونَ بِعُذْر النّسك وَلذَلِك يجوز لأهل عَرَفَة أَيْضا وَلَيْسوا مسافرين وَمن علل بِالسَّفرِ منع أهل عَرَفَة من الْجمع وَيخرج أهل مَكَّة على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ شَرَائِط الْجمع ثَلَاثَة الأول التَّرْتِيب وَهُوَ تَقْدِيم الظّهْر على الْعَصْر مهما عجل الْعَصْر فَإِن أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَفِي تَقْدِيمه وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْعَصْر فِي وقته فَلم يفْتَقر إِلَى تَقْدِيم غَيره بِخِلَاف الْعَصْر فِي وَقت الظّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الثَّانِي الْمُوَالَاة عِنْد التَّقْدِيم فَلَا يحْتَمل الْفَصْل بِأَكْثَرَ من قدر إِقَامَة لتحَقّق صُورَة الْجمع فَأَما فِي التَّأْخِير فَفِي الْمُوَالَاة وَجْهَان وَفَائِدَة اشْتِرَاطهَا فِي التَّأْخِير أَن يصير الظّهْر فَائِتَة لَا يجوز قصرهَا إِذا لم يصل الْعَصْر عقيبها الثَّالِث نِيَّة الْجمع عِنْد التَّقْدِيم فِي أول الصَّلَاة الأولى أَو فِي وَسطهَا فَلَو نوى فِي أول الصَّلَاة الثَّانِيَة لم يجز وَقَالَ الْمُزنِيّ يجوز لِأَن اتصالها بِهِ لَا يزِيد على اتِّصَال سُجُود السَّهْو وَمعنى النِّيَّة فِي التَّأْخِير أَن لَا يَتْرُكهَا على قصد التكامل وَالتّرْك فيعصى بِهِ وَتصير قَضَاء وَقد تردد الْأَصْحَاب فِي أَن الظّهْر الْمُؤخر مَعَ نِيَّة الْجمع أَدَاء أَو قَضَاء وَالصَّحِيح أَنه أَدَاء السَّبَب الثَّانِي الْمَطَر وَقد جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر وَقَالَ الشَّافِعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 رَضِي الله عَنهُ مَا أرَاهُ إِلَّا من عذر الْمَطَر وَلَا خلاف أَن الأوحال والرياح لَا تلْحق بالمطر وَفِي الثَّلج خلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 هَذَا فِي الْجَمَاعَة أما من يُصَلِّي فِي بَيته أَو كَانَ طَرِيقه إِلَى الْمَسْجِد فِي ركن فَفِي حَقه وَجْهَان ثمَّ قَالَ أَصْحَابنَا التَّقْدِيم بِعُذْر الْمَطَر جَائِز وَفِي التَّأْخِير وَجْهَان لِأَنَّهُ بالتقديم يفرغ قلبه وَفِي التَّأْخِير لَا يَأْمَن انْقِطَاع الْمَطَر فرع لَو نوى الْإِقَامَة قبل صَلَاة الْعَصْر بَطل الْجمع وَلَو نرى فِي خلال الْعَصْر فَوَجْهَانِ وَلَو نوى بعد الْعَصْر وَأدْركَ الْعَصْر فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل أما انْقِطَاع الْمَطَر فِي أثْنَاء الظّهْر وَالْعصر بعد اتِّصَاله بِأول الصَّلَاتَيْنِ غير ضار وَقَالَ أَبُو زيد يَنْبَغِي أَن يتَّصل الْمَطَر بالتحلل من الأول والتحرم بِالثَّانِي ليتَحَقَّق الْجمع والاتصال هَذَا إِذا كَانَ يَنْقَطِع وَيعود فَلَو انْقَطع وَلم يعد فَهُوَ كَمَا لَو نوى الْمُسَافِر الْإِقَامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 = كتاب الْجُمُعَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي شرائطها الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان من تلْزمهُ الْجُمُعَة الْبَاب الثَّالِث فِي كَيْفيَّة أَدَاء الْجُمُعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شرائطها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول الْوَقْت فَلَو وَقعت تَسْلِيمَة الإِمَام فِي وَقت الْعَصْر فَاتَت الْجُمُعَة والمسبوق لَو وَقع آخر صلَاته فِي وَقت الْعَصْر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تصح لِأَنَّهُ تَابع للْقَوْم وَقد صحت صلَاتهم وَلذَلِك حط شَرط الْقدْوَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة عَنهُ وَالثَّانِي أَن الْجُمُعَة فَائِتَة لِأَن الإعتناء بِالْوَقْتِ أعظم بِخِلَاف الْقدْوَة وانفضاض الْعدَد فَإِنَّهُمَا يتعلقان بِغَيْر الْمُصَلِّي فَالْأَمْر فيهمَا أخف الشَّرْط الثَّانِي دَار الْإِقَامَة فَلَا تُقَام الْجُمُعَة فِي الْبَوَادِي وَلَا عِنْد الْخيام لِأَنَّهَا معرضة للنَّقْل وَإِن كَانَ لإقامتهم أثر فِي قطع رخص السّفر وَإِن كَانَت أبنيتهم من سعف وخشب جَازَ لِأَنَّهُمَا لَا ينْقل وَلَا يشْتَرط أَن يعْقد الْجُمُعَة فِي ركن أَو مَسْجِد بل يجوز فِي الصَّحرَاء إِذا كَانَ معدودا من خطة الْبَلَد فَإِن بعد عَن الْبَلَد بِحَيْثُ يترخص الْمُسَافِر إِذا انْتهى إِلَيْهِ لم تَنْعَقِد إِلَيْهِ لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة فِيهَا بِخِلَاف صَلَاة الْعِيد فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهَا دَار الْإِقَامَة ويشهدها الرجالة والركبان فالأحب فِيهَا الْخُرُوج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُقَام فِي الْقرى بل لَا بُد من مصر جَامع بسوق قَائِم ونهر جَار وسلطان قاهر الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا تكون الْجُمُعَة مسبوقة بِأُخْرَى فَلَا تَنْعَقِد فِي بلد جمعتان لِأَنَّهُ إِذا لم تجز إِقَامَتهَا فِي كل مَسْجِد كَسَائِر الْجَمَاعَات فالمقصود شعار الِاجْتِمَاع ثمَّ لَا مرد بعد الْوَاحِد وَقَالَ أَبُو يُوسُف تصح جمعتان وَلَا تصح ثَلَاثَة وَهُوَ تحكم فرعان أَحدهمَا إِذا كثر الْجمع وَعشر الِاجْتِمَاع فِي مَسْجِد وَاحِد إِمَّا للزحمة وَإِمَّا لنهر لَا يَخُوض إِلَّا السابح كدجلة فَيجوز عقد جمعتين كَمَا بِبَغْدَاد وَمِنْهُم من علل حكم بَغْدَاد بِأَنَّهَا كَانَت قرى متفاصلة فَحدثت العمارات الْوَاصِلَة فاستمر الحكم الْقَدِيم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب حكم الْعلَّة يَقْتَضِي أَن يترخص الْمُسَافِر عَن قريته وَإِن لم يُجَاوز هَذِه العمارات استصحابا لما كَانَ فَإِن لم يجوز لَهُ التَّرَخُّص نظرا إِلَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 حدث فمقتضاه منع الجمعتين وَمَا ذكره مُتَّجه فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد الثَّانِي لَو عقدت جمعتان فالسابقة هى الصَّحِيحَة إِن كَانَ فِيهَا السُّلْطَان وَإِن كَانَ السُّلْطَان فِي الثَّانِيَة فَوَجْهَانِ وَهَذَا التَّرَدُّد بعيد عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ لَا تعلق للْجُمُعَة عِنْده بالسلطان وَلَكِن يَصح للترجيح إِذْ لَا يعجز كل شرذمة عَن الْمُبَادرَة بِعقد جُمُعَة فيفوتون على البَاقِينَ ثمَّ النّظر فِي السَّبق إِلَى تحريمة الصَّلَاة وَقيل إِلَى التَّحَلُّل وَقيل إِلَى أول الْخطْبَة وهما ضعيفان أما إِذا وقعتا مَعًا تدافعتا وَإِن احْتمل التساوق والتلاحق تدافعتا أَيْضا واستؤنفت الْجُمُعَة إِذْ لم يحصل لأحد بَرَاءَة الذِّمَّة فِي حَال وَإِن تلاحقا وَلَكِن لم يعرف السَّابِق فَقَوْلَانِ أظهرهمَا التدافع إِذْ لم تحصل الْبَرَاءَة وَحكى الرّبيع بن سُلَيْمَان أَنهم يصلونَ الظّهْر إِذْ صحت جُمُعَة فِي علم الله تَعَالَى قطعا أما إِذا تعين السَّابِق ثمَّ الْتبس فَالْمَذْهَب أَن الْجُمُعَة فَائِتَة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ بعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 الشَّرْط الرَّابِع الْعدَد فَلَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة عندنَا بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ ذُكُورا مكلفين أحرارا مقيمين لَا يظعنون شتاء وَلَا صيفا إِلَّا لحَاجَة وَهل يشْتَرط أَن يكون الإِمَام زَائِدا على الْأَرْبَعين فِيهِ وَجْهَان ومستند الْعدَد أَن الْمَقْصُود الِاجْتِمَاع وَلم ينْقل فِي التَّقْدِير خبر وَالْأَرْبَعُونَ أَكثر مَا قيل وَقَالَ جَابر بن عبد الله مَضَت السّنة أَن فِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقهَا جُمُعَة فاستأنس الشَّافِعِي بِهِ وبمذهب عمر بن عبد الْعَزِيز وبالاحتياط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 فرع إِذا انفض الْقَوْم فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى فِي الْخطْبَة فَلَو سكت الإِمَام وعادوا على قرب أَو مكانهم آخَرُونَ بنى عَلَيْهِ وَإِن مضى ركن فِي غيبتهم لم يعْتد بِهِ لِأَن الْخطْبَة وَاجِبَة الِاسْتِمَاع فَلَا بُد من اسْتِمَاع أَرْبَعِينَ جَمِيع الْأَركان قولا وَاحِدًا وَإِن طَال سكُوت الإِمَام فَفِي جَوَاز الْبناء قَولَانِ يقربان من قولي الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء الثَّانِيَة أَن يَنْفضوا بعد الْخطْبَة وَقبل الصَّلَاة وَطَالَ الْفَصْل فَفِي جَوَاز بِنَاء الصَّلَاة قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْمُوَالَاة بَين الْخطْبَة وَالصَّلَاة هَل يشْتَرط فَإِن قُلْنَا تشْتَرط فَلَا بُد من إِعَادَة الْخطْبَة فَإِن لم تعد أَثم المنفضون وَفِي إِثْم الْخَطِيب قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أدّى مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الذَّنب للْقَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ تمكن من الْإِعَادَة الثَّالِثَة أَن يَنْفضوا فِي خلال الصَّلَاة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال منصوصة أَحدهَا أَن تبطل الْجُمُعَة بِنُقْصَان الْعدَد فِي لَحْظَة كَمَا فِي الْوَقْت وكما فِي الْخطْبَة فعلى هَذَا لَو تَأَخّر تَكْبِير المقتدين إِلَى فَوَات الرُّكُوع لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة وَإِن تَأَخّر بِحَيْثُ لم تفتهم الْفَاتِحَة انْعَقَدت وَإِن تَأَخّر بِحَيْثُ التحقوا بالمسبوقين فَفِيهِ تردد وَالأَصَح الْمَنْع وَلَو انْفَضُّوا بعد الشُّرُوع وَلحق الإِمَام أَرْبَعُونَ على الِاتِّصَال مِمَّن سمعُوا الْخطْبَة استمرت الصِّحَّة وَإِن لم يسمعوا فَلَا إِلَّا إِذا لَحِقُوا قبل انفضاض السامعين فتستمر الْجُمُعَة وتستقل بهم وَكَانُوا كثمانين سمعُوا وانفض مِنْهُم أَرْبَعُونَ وَالْقَوْل الثَّانِي إِن كَمَال الْعدَد لَا يشْتَرط إِلَّا فِي الِابْتِدَاء للانعقاد وَفِي الدَّوَام يَكْفِي أَن يبْقى وَاحِد لتبقى الْجَمَاعَة وَالْقَوْل الثَّالِث أَنه لَا بُد وَأَن يبْقى اثْنَان وَالْإِمَام ثالثهم ليبقى أقل الْجمع وَخرج قَول رَابِع إِنَّه يَصح وَإِن لم يبْق إِلَّا الإِمَام لِأَن النَّاقِص كَالْمَعْدُومِ وَخرج الْمُزنِيّ خَامِسًا وَهُوَ أَنهم إِن انْفَضُّوا فِي الأولى بطلت وَفِي الثَّانِيَة لَا فانفراد الإِمَام كانفراد الْمَسْبُوق بِرَكْعَة ثَانِيَة الشَّرْط الْخَامِس الْجَمَاعَة فَلَا يَصح الِانْفِرَاد بِالْجمعَةِ وَلَا يشْتَرط حُضُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 السُّلْطَان فِي جماعتها وَلَا إِذْنه فِي جَمَاعَتهمْ خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى فِي أَحْوَال الإِمَام فَإِن كَانَ الْعدَد قد تمّ بِهِ فَلَا بُد وَأَن يكون كَامِلا مُصَليا للْجُمُعَة وَإِن كمل الْعدَد دونه فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون متنفلا أَو صَبيا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لِأَن الِاقْتِدَاء فِي الْفَرْض بالنفل جَائِز وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ الأَصْل فاعتبار كَمَاله ليَكُون فِي جُمُعَة مَفْرُوضَة أولى الثَّانِيَة أَن يكون مُحدثا وَلم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لِأَن الإِمَام هَاهُنَا لَيْسَ مُصَليا إِلَّا أَنه فِي حق المتقدي كالمصلي وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق رُكُوع الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَفِيهِ وَجْهَان يرجع حاصلهما إِلَى أَن الْمُصَلِّي خلف الْمُحدث مَعَ الْجَهْل مقتد أَو مُنْفَرد فَإِذا جَعَلْنَاهُ مُنْفَردا لم تصح الْجُمُعَة بِهِ وَإِذا صححنا الْجُمُعَة لزم إِلْحَاق الْمَسْبُوق بِهِ الثَّالِثَة أَن يكون الإِمَام عبدا أَو مُسَافِرًا فهما فِي جُمُعَة مَفْرُوضَة فَالصَّحِيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 الْجَوَاز وَفِيه وَجه أَنا إِذا قُلْنَا إِن الإِمَام مَحْسُوب من الْأَرْبَعين لَا يَصح بل تشْتَرط فِيهِ صِفَات الْكَمَال الرَّابِعَة إِذا قَامَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة فِي الْجُمُعَة نَاسِيا فأدركه مَسْبُوق فِيهَا فَهَذَا مصل لَكِن فعله لَيْسَ محسوبا من الْجُمُعَة فَهُوَ كالمحدث فِي حَقه إِذْ لم يعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَقيل إِنَّه لَا يدْرك الْجُمُعَة بِهِ لِأَن الْحَدث لَا يعرف وَالزِّيَادَة تعرف فَكَانَ ككفر الإِمَام وأنوثته الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي الِاسْتِخْلَاف وَقد اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاز أَدَاء صَلَاة وَاحِدَة خلف إمامين بِأَن تبطل صَلَاة الأول بِحَدَث أَو غَيره فيستخلف غَيره فِي الْبَاقِي الْجَدِيد جَوَازه وَقد نقل فِيهِ الْخَبَر وَاخْتلفُوا فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ مِنْهُم من أطلق وَمِنْهُم من خصص بِالْجمعَةِ وَقطع بِجَوَازِهِ فِي غَيرهَا وَلَو خطب وَاحِد وَأم آخر فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ فَإِن منعنَا الِاسْتِخْلَاف تَعَذَّرَتْ الْجُمُعَة إِلَّا بالاستئناف إِن كَانَ حدث الإِمَام فِي الأولى وَإِن كَانَ فِي الثَّانِيَة فيتمونه جُمُعَة وَلَا يضر انفرادهم فِي الثَّانِيَة كالمسبوق وَإِن فرعنا على الْجَدِيد فَلهُ ثَلَاث شَرَائِط الأول أَن يسْتَخْلف من كَانَ مقتديا بِهِ فَلَا يَصح اسْتِخْلَاف من لم يشرع فِي الِابْتِدَاء الثَّانِي أَن يسْتَخْلف على الْفَوْر فَلَو أَدّوا ركنا قبل استخلافه لم يجز الثَّالِث أَن يكون الْمُسْتَخْلف قد سمع الْخطْبَة على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْأَظْهَر أَن ذَلِك لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ شَارك فِي الشُّرُوع فِي الْجُمُعَة وَلَا يشْتَرط فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 الأول أَن يكون حدث الإِمَام سبقا بل لَو تعمد واستخلف جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة لِأَن سبق الْحَدث فِي الْجَدِيد مُبْطل كالعمد الثَّانِي لَا يشْتَرط اسْتِئْنَاف نِيَّة الْقدْوَة بل هُوَ خَليفَة الأول فَكَأَنَّهُ هُوَ الثَّالِث لَا يشْتَرط صدوره من الإِمَام بل لَو قدم القَوْل أَو وَاحِد مِنْهُم أَو تقدم وَاحِد بِنَفسِهِ جَازَ وَإِن اجْتمع تعْيين الْقَوْم وَالْإِمَام فَلَعَلَّ تعْيين الْقَوْم أولى لأَنهم المصلون وَيجب عَلَيْهِم التَّقْدِيم فِي الرَّكْعَة الأولى إِذا لم يسْتَخْلف الإِمَام وَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلهم الْخيرَة بَين الِانْفِرَاد وَبَين التَّقْدِيم فرع لَو اسْتخْلف فِي الثَّانِيَة مَسْبُوقا بِالْأولَى لَكِن بعد أَن اقْتدى بِهِ فِي الثَّانِيَة لم يجز أَن شرطنا سَماع الْخطْبَة وَإِن لم يشْتَرط فَقَوْلَانِ مَأْخَذ الْمَنْع أَنه لَيْسَ مُصَليا للْجُمُعَة فَلَا يصلح للخلافة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة وَلَا هُوَ إِمَام مُسْتَقل فَإِن جَوَّزنَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذِه فِي حَقه رَكْعَة الأولى وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يجلس للتَّشَهُّد على تَرْتِيب صَلَاة الإِمَام فَإِذا انْتهى إِلَى التَّحَلُّل قَامَ إِلَى مَا قَصده من ظهر أَو نفل وأومى إِلَى الْقَوْم ليتحللوا عَن جمعتهم فَإِذا قَامَ مَا عَلَيْهِ لم يتم جمعته لِأَنَّهُ كَانَ مقتديا فِي أول عقد الصَّلَاة وَلم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة على قَول فَإِذا لم تصح جمعته فَهَل تصح ظهرا تخرج على أصلين أَحدهمَا أَن الظّهْر هَل ينْعَقد بنية الْجمع فَإِنَّهُ قد نوى الْجُمُعَة وَفِي خلاف وَالثَّانِي الظّهْر قبل الْفَرَاغ من الْجُمُعَة هَل يَصح فَإِن تحرمه بِالصَّلَاةِ مقدم على فرَاغ الْقَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 فَإِذا قُلْنَا لَا يَصح ظَهره فَيكون نفلا أَو بَاطِلا إِلَى نَظَائِر هَذَا فِي حق غير الْمُسْتَخْلف خلاف فَإِن قُلْنَا إِنَّه بَاطِل لم يكن تَقْرِير هَذَا القَوْل تَفْرِيعا على جَوَاز اسْتِخْلَاف الْمَسْبُوق ثمَّ ينقدح أَن يَجْعَل نفلا فعلى هَذَا لَو اقْتدى بِهَذَا الْمَسْبُوق الْمُسْتَخْلف مَسْبُوق فَهَل يكون مدْركا للْجُمُعَة يَنْبَنِي على الِاقْتِدَاء بالمتنفل هَل يجوز فِي الْجُمُعَة فَإِن جَوَّزنَا فَهُوَ مدرك للْجُمُعَة وَإِن لم يكن إِمَامه فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهُ نَائِب الأول فِي حق الْقَوْم وَإِن قُلْنَا لَا يجوز لم يكن الْمَسْبُوق المقتدى بِهِ مدْركا بِخِلَاف الْقَوْم الأول فَإِنَّهُم أدركوا رَكْعَة مَعَ الإِمَام من الْجُمُعَة والاقتداء فِي الثَّانِيَة بالخليفة لَيْسَ وَاجِبا فَإِن اقتدوا بمتنفل كَانُوا كالمقتدين فِي سَائِر الصَّلَوَات وَهَذَا كُله تصرف ابْن سُرَيج الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي الزحام فَإِذا زوحم الْمُقْتَدِي عَن سُجُود الرَّكْعَة الأولى فليسجد على ظهر غَيره على هَيْئَة التنكيس فَإِن عجز عَن التنكيس فَلهُ نِيَّة الِانْفِرَاد فِي غير الْجُمُعَة لعذر الزحمة وَفِي الْجُمُعَة ينْتَظر التَّمَكُّن وَقيل إِنَّه يُومِئ أَو يتَخَيَّر بَين الْإِيمَاء والانتظار كتخير العاري بَين الصَّلَاة قَائِما أَو قَاعِدا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن دقيقة التَّخَلُّف عَن الإِمَام لَا تقاوم مَا بَين السُّجُود والإيماء فَإِن الْإِيمَاء ترك للسُّجُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ثمَّ لَهُ صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يتَمَكَّن قبل رُكُوع الإِمَام فَعِنْدَ فَرَاغه للْإِمَام أَرْبَعَة أَحْوَال الأولى أَن يكون قَائِما فَيقْرَأ ويركع مَعَه وَلَا يضرّهُ التَّخَلُّف للْعُذْر الثَّانِيَة أَن يكون رَاكِعا فَهَل يلْتَحق بالمسبوق حَتَّى تحط عَنهُ الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَوَجْهَانِ مشهوران الثَّالِثَة أَن يجد الإِمَام رَافعا من الرُّكُوع فَإِن قُلْنَا إِنَّه كالمسبوق عِنْد إِدْرَاك الرُّكُوع حَتَّى لَا يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ فهاهنا أَيْضا يُتَابع الإِمَام إِلَّا أَنه لَا يكون مدْركا هَذِه الرَّكْعَة فَيقوم بعد سَلام الإِمَام إِلَى الثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا لَيْسَ كالمسبوق فيشتغل بترتيب صَلَاة نَفسه فَكَذَلِك يفعل هَاهُنَا ثمَّ يسْعَى خلف الإِمَام بِحَسب الْإِمْكَان والقدوة منسحبة عَلَيْهِ الرَّابِعَة لَو سلم الإِمَام قبل فَرَاغه من السُّجُود فَاتَتْهُ الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة تَامَّة الصُّورَة الثَّانِيَة للْمَأْمُوم أَن لَا يتَمَكَّن من السُّجُود حَتَّى يرْكَع الإِمَام فَإِن أمرناه بِالرُّكُوعِ مُوَافقَة فَاتَهُ سُجُود الرَّكْعَة الأولى وَلم تنتظم صلَاته وَإِن أمرناه بِالسُّجُود كثر تخلفه عَن الإِمَام وَجَاوَزَ الرُّكُوع الثَّانِي وَهُوَ مرد الْإِدْرَاك فَفِيهِ قَولَانِ لتعارض الإشكالين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فَإِن قُلْنَا يرْكَع فَرَكَعَ فالمحسوب لَهُ الرُّكُوع الأول ليَكُون الْحَاصِل رَكْعَة ملفقة من ذَلِك الرُّكُوع وَهَذَا السُّجُود أَو المحسوب الرُّكُوع الثَّانِي ليتصل بِالسُّجُود وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا المحسوب هُوَ الأول فركعة وَاحِدَة ملفقة هَل تصلح لإدراك الْجُمُعَة بهَا وَهِي دون الرَّكْعَة الْمَنْظُومَة فِي الْجُمُعَة فعلى وَجْهَيْن فَإِن قُلْنَا لَا يدْرك فقد فَاتَت الْجُمُعَة فرع لَو خَالف فَلم يرْكَع مَعَ الإِمَام وَلَكِن يسْجد فَإِن كَانَ عَالما مستديما نِيَّة الْقدْوَة بطلت صلَاته وَإِن قطع نِيَّة الْقدْوَة فَفِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات لِأَن الْآن قد فَاتَت الْجُمُعَة وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا تبطل صلَاته وَسُجُوده سَهْو فَيقدر كَأَنَّهُ لم يسْجد فَإِن لحق الإِمَام فِي الرُّكُوع فقد عَاد التَّفْرِيع كَمَا مضى وَإِن فَاتَ الرُّكُوع نظر فَإِن رَاعى تَرْتِيب صَلَاة نَفسه فَإِذا سجد فِي ركعته الثَّانِيَة حصلت لَهُ رَكْعَة ملفقة لوُقُوع السَّجْدَة بعد الرُّكُوع الثَّانِي فَإِن قُلْنَا يدْرك بالملفقة فقد حصل السُّجُود فِي قدوة حكمِيَّة فَهَل تصلح الْحكمِيَّة لإدراك الْجُمُعَة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَمن منع جعل الرُّكُوع الثَّانِي نِهَايَة انسحاب حكم الْقدْوَة فَإِذا سجد قبله كَانَ كالمقتدي حسا وَإِن كَانَ بعده كَانَ مقتديا حكما أما إِذا تَابع الإِمَام بعد الْفَرَاغ من سُجُوده الذى سَهَا بِهِ فقد سجد الإِمَام حسا وتمت لَهُ رَكْعَة ملفقة وَقد ذَكرنَاهَا أما إِذا فَرغْنَا على القَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَنه لَا يرْكَع مَعَ الإِمَام بل يُرَاعِي تَرْتِيب صَلَاة نَفسه فَإِن خَالف مَعَ الْعلم وَركع مَعَ الإِمَام بطلت صلَاته وَإِن كَانَ جَاهِلا لم تبطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وَحصل لَهُ بسجوده مَعَ الإِمَام رَكْعَة ملفقة وَإِن وَافق قَوْلنَا وَسجد فسجوده وَاقع فِي قدوة حكمِيَّة فيصلح للإدراك على أحد الْوَجْهَيْنِ فعلى هَذَا للْإِمَام حالتان عِنْد فَرَاغه من السُّجُود إِن كَانَ رَاكِعا بعد وألحقنا الْمَسْبُوق فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بالمسبوق فِي الأولى فيركع مَعَه وَقد أدْرك الرَّكْعَتَيْنِ وَإِن قُلْنَا لَيْسَ كالمسبوق فَالْأَظْهر أَنه يجْرِي على تَرْتِيب صَلَاة نَفسه وَكَذَا إِذا وجده رَافعا رَأسه من الرُّكُوع لأَنا فِي هَذَا القَوْل أمرناه بترتيب صَلَاة نَفسه مَعَ كَون الإِمَام رَاكِعا فَكيف فِيمَا بعده تَنْبِيهَات الأول أَنا حَيْثُ حكمنَا بِفَوَات الْجُمُعَة هَل تنْقَلب صلَاته ظهرا فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُور أَو هى صَلَاة على حَالهَا وَفِيه قَولَانِ فَإِن قُلْنَا ظهر مَقْصُور جَازَ أَن يتَأَدَّى الظّهْر بتحريمة الْجُمُعَة كَمَا يتَأَدَّى الْإِتْمَام بنية الْقصر وَإِن قُلْنَا لَا تتأدى ظهرا فَهَل تنْقَلب نفلا يَنْبَنِي على أَن من تحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال هَل تَنْعَقِد صلَاته نفلا وَفِيه قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد صلَاته نفلا فالقائل بِهَذَا لَا يَأْمُرهُ فِي مسَائِل الزحام بِالْفِعْلِ الذى أمرناه بِهِ إِذا كَانَ يُفْضِي آخِره إِلَى الْبطلَان فَإِنَّهُ تَفْرِيع يرفع آخِره أَوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 الثَّانِي لَو زوحم عَن السُّجُود فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَإِن لم يكن مَسْبُوقا فيتدارك وَلَو بعد سَلام الإِمَام لِأَنَّهُ أدْرك رَكْعَة مَعَ وَإِن كُنَّا مَسْبُوقا وَلم يتدارك قبل السَّلَام فقد فَاتَت الْجُمُعَة الثَّالِث النسْيَان هَل يكون عذرا كالزحام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن النسْيَان والعمد فِي الْأَفْعَال الْكَثِيرَة على وتيرة وَاحِدَة فِي الصَّلَاة وَالثَّانِي لَا لِأَن عذر النسْيَان نَادِر فَلَا ينتهض عذرا مرخصا فِي التَّخَلُّف الشَّرْط السَّادِس الْخطْبَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول فِي أَرْكَانهَا وَهِي خَمْسَة الأول الْحَمد لله وَلَا يقوم مقَامه لفظ آخر بل يتَعَيَّن ككلمة التَّكْبِير الثَّانِي الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيتَعَيَّن لفظ الصَّلَاة الثَّالِث الْوَصِيَّة بتقوى الله وَلَا يتَعَيَّن فِيهِ لفظ إِذْ الْغَرَض الْوَعْظ والتحذير وَأقله أَن يَقُول أطِيعُوا الله قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأبواب المواعظ رَاجِعَة إِلَى الْأَمر بِالطَّاعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 والزجر عَن الْمعْصِيَة وَفِي أَحدهمَا مَا يشْعر بِالثَّانِي فيكتفي بِهِ الرَّابِع الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَأقله أَن يَقُول للحاضرين رحمكم الله وَلَا يَكْفِي أَن يقْتَصر فِي دُعَائِهِ على حظوظ الدُّنْيَا الْخَامِس قِرَاءَة الْقُرْآن وَأقله آيَة وَاحِدَة وَيحْتَمل أَن لَا يَكْتَفِي بِآيَة لَا تفهم كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ نظر} ويكتفي بشضطر آيَة يُفِيد الْمَعْنى فَأَقل الْخطْبَة أَن يَقُول الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُوله أطِيعُوا الله رحمكم الله وَيقْرَأ مَعَه آيَة والأركان الثَّلَاثَة الأول وَاجِبَة فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالدُّعَاء لَا يجب فِي الثَّانِيَة وَفِي اخْتِصَاص الْقِرَاءَة بِالْأولَى وَجْهَان وَصَاحب التَّلْخِيص لم يعد إِلَّا الثَّلَاث وَلم ير الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة ركنا وَنقل ذَلِك عَن إملاء الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة أقلهَا أَن يَقُول الإِمَام فِي نَفسه سُبْحَانَ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 فرع لَو أبدل الْأَركان بآيَات تفِيد مَعْنَاهَا من الْقُرْآن فَلَا بَأْس وَلَو أبدل الْكل فَفِيهِ نظر إِذْ يكَاد يكون تغيرا للوضع فَإِن الذّكر مَقْصُود فِيهَا كَمَا فِي التَّشَهُّد والقنوت إِلَّا أَنه لم يعين حَتَّى لَا يأنس النَّاس بِهِ فَيسْقط وقعه من نُفُوسهم الطّرف الثَّانِي الشَّرَائِط وَهِي سَبْعَة الأول الْوَقْت فَلَا بُد من تَأْخِيرهَا عَن الزَّوَال وَالثَّانِي تَقْدِيمهَا على الصَّلَاة كَيْلا يتفرق النَّاس بِخِلَاف صَلَاة الْعِيد الثَّالِث الْقيام فيهمَا الرَّابِع الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ مَعَ الطُّمَأْنِينَة والمستند الِاتِّبَاع فَإِن هَذِه الْأُمُور لم تخْتَلف مَعَ اخْتِلَاف الْأَحْوَال الْخَامِس طَهَارَة الْحَدث والخبث والموالاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَفِي جملَة ذَلِك خلاف وَوجه الِاشْتِرَاط كتشبيههما بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا بدل رَكْعَتَيْنِ والأقيس أَن لَا يشْتَرط الِاسْتِقْبَال السَّادِس إِن شرطنا الطَّهَارَة فَلَو سبق الْخَطِيب حدث وأتى بِرُكْن فِيهِ لَا يجْزِيه فَإِن تَوَضَّأ وَعَاد فَإِن قُلْنَا الْمُوَالَاة شَرط فَلَا بُد من الِاسْتِئْنَاف وَإِن قصر الزَّمَان أَو قُلْنَا لَا مُوالَاة فَفِي وجوب الِاسْتِئْنَاف وَجْهَان وَجه الْوُجُوب أَنه يبعد أَدَاء خطْبَة بطهارتين السَّابِع رفع الصَّوْت بِحَيْثُ يسمع أَرْبَعِينَ موصوفين بِصِفَات الْكَمَال فَإِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي حُضُور بِغَيْر سَماع فَهُوَ كحضور الْأَصَم عقد النِّكَاح وَفِي وجوب الْإِنْصَات وَترك الْكَلَام على من عدا الْأَرْبَعين قَولَانِ أَحدهمَا نعم لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قيل أَرَادَ بِهِ الْخطْبَة سمى قُرْآنًا لاشْتِمَاله عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي كَلَامهم إِلَى هينمة تمنع الْأَرْبَعين عَن السماع وَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا يجب السُّكُوت كَمَا لَا يجب على الْخَطِيب إِذْ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أثْنَاء الْخطْبَة لسليك الْغَطَفَانِي لَا تجْلِس حَتَّى تصلي رَكْعَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَسَأَلَ ابْن أبي الْحقيق عَن كَيْفيَّة الْقَتْل بعد قفولهم من الْجِهَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تَحْرِيم الْكَلَام على الْخَطِيب أَيْضا وَهُوَ بعيد للْخَبَر ولان كَلَامه لَا يفوت سَماع ركن بِحَال التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجب الْإِنْصَات فَفِي من لَا يسمع صَوت الْخَطِيب وَجْهَان لِأَنَّهُ رُبمَا يتداعى إِلَى كَلَام السامعين وعَلى وجوب الْإِنْصَات لَا يسلم الدَّاخِل فَإِن سلم لَا يُجَاب وَفِي تشميت الْعَاطِس وَجْهَان لِأَنَّهُ غير مُخْتَار فَإِن قُلْنَا لَا يجب تشميت الْعَاطِس وَفِي رد السَّلَام وَجْهَان لِأَنَّهُ ترك الْمُسْتَحبّ اخْتِيَارا وعَلى الْأَقْوَال يُصَلِّي الدَّاخِل تَحِيَّة الْمَسْجِد خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ لَا يحرم الْكَلَام قبل أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ مَكَانا وَلَا بَين الْخطْبَتَيْنِ الطّرف الثَّالِث فِي السّنَن والآداب وَيسْتَحب للخطيب إِذا انْتهى إِلَى الْمِنْبَر أَن يسلم على من عِنْد الْمِنْبَر فَإِذا صعد الْمِنْبَر أقبل على النَّاس بِوَجْهِهِ وَسلم على الْجَمِيع ثمَّ يجلس بعد السَّلَام وَيُؤذن الْمُؤَذّن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 بَين يَدَيْهِ وَلم يكن أَذَان سوى ذَلِك إِلَى زمن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا كثر النَّاس فِي زَمَانه أَمر المؤذنين أَن يؤذنوا فِي أماكنهم فاطردت الْعَادة كَذَلِك ثمَّ إِذا فرغ الْمُؤَذّن قَامَ الْخَطِيب وخطب ويشغل يَدَيْهِ كَيْلا يلْعَب بهما كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشغل إِحْدَى يَدَيْهِ بِحرف الْمِنْبَر ويعتمد بِالْأُخْرَى على عنزة أَو سيف أَو قَوس فَإِن لم يجد الْخَطِيب شَيْئا وضع إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى أَو أرسلها وَلَا تَوْقِيف فِيهِ ثمَّ يخْطب مستدبرا للْقبْلَة فَإِن اسْتَقْبلهَا وأسمع صَحَّ وَكَانَ تَارِكًا للأدب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 ثمَّ يجلس بَين الْخطْبَتَيْنِ قدر قِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة فَإِذا فرغ ابْتَدَأَ النُّزُول وابتدأ الْمُؤَذّن الْإِقَامَة بِحَيْثُ يُوَافق بُلُوغه الْمِحْرَاب الْفَرَاغ من الْإِقَامَة وَيسْتَحب أَن تكون الْخطْبَة بليغة قريبَة من الأفهام خَالِيَة من الْغَرِيب مُؤَدَّاة على ترتيل مائلة إِلَى الْقصر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة من فقه الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان مَا تلْزمهُ الْجُمُعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا تلْزم الْمُكَلف الْحر الذّكر الْمُقِيم الصَّحِيح فَمن لم يَتَّصِف بِهَذِهِ الصِّفَات لم تلْزمهُ الْجُمُعَة فَإِن حضر لم يتم الْعدة بِهِ إِلَّا الْمَرِيض لكنه ينْعَقد لَهُم إِلَّا الْمَجْنُون وَلَهُم أَدَاء الظّهْر مَعَ الْحُضُور بِخِلَاف الْمَرِيض لِأَن الْمَرِيض كَامِل وَفِي العَبْد وَجه أَنه كَالْمَرِيضِ ويلتحق بِالْمرضِ عذر الْمَطَر والوحل الشَّديد على الْأَصَح وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَعْذَار فِي ترك الْجَمَاعَة وَعذر التمريض أَيْضا إِذا كَانَ الْمَرِيض قَرِيبا مشرفا على الْوَفَاة وَفِي مَعْنَاهُ الزَّوْجَة والمملوك إِذْ يعظم على الْقلب الْغَيْبَة وَفِي وَقت الْوَفَاة فِي حق هَؤُلَاءِ دون الْأَجَانِب وَإِن لم يكن الْمَرِيض مشرفا وَكَانَ يتفقده غَيره لم يكن عذرا فَإِن كَانَ ينْدَفع بِحُضُورِهِ ضَرَر يعد دَفعه من فروض الكفايات كَانَ عذرا وَإِن لم يبلغ تِلْكَ الدرجَة فَثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 فروع سَبْعَة فِي الْأَعْذَار الأول من نصفه حر وَنصفه رَقِيق كالرقيق وَقيل إِن جرت مُهَايَأَة وَكَانَت الْجُمُعَة فِي نوبَته وَجب الْحُضُور الثَّانِي الْمُسَافِر إِذا عزم على الْإِقَامَة ببلدة أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام لتفقه أَو تِجَارَة لزمَه الْجُمُعَة وَلم يتم الْعدَد بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مستوطنا وَلَا مُسَافِرًا وَلذَلِك قُلْنَا أَرْبَاب الْخيام لَا جُمُعَة لَهُم وَلَيْسوا مسافرين وَفِي الْغَرِيب الْمُقِيم مُدَّة وَجه أَن الْعدَد يتم الثَّالِث أهل الْقرى يلْزمهُم الْجُمُعَة إِن اشْتَمَلت الْقرْيَة على أَرْبَعِينَ من أهل الْكَمَال ثمَّ إِن أَحبُّوا دخلُوا الْبَلَد للْجُمُعَة وَإِن أَحبُّوا عقدوها فِي الْقرْيَة وَهِي الأولى وَإِن نقص عَددهمْ لَا يلْزمهُم إِلَّا إِذا بَلغهُمْ نِدَاء الْبَلَد من رجل جَهورِي الصَّوْت وَاقِف على طرف الْبَلَد فِي وَقت هدوء الْأَصْوَات وركود الرِّيَاح الرَّابِع الْعذر إِذا طَرَأَ بعد الزَّوَال وَقبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة أَبَاحَ التّرْك للْجُمُعَة إِلَّا السّفر فَإِنَّهُ لَا ينشأ بعد الزَّوَال لِأَن اخْتِيَاره إِلَيْهِ وَوُجُوب الْجُمُعَة لَيْسَ على التَّوَسُّع فَإِنَّهَا تتضيق بمبادرة الإِمَام وَفِي جَوَاز السّفر قبل الزَّوَال وَبعد الْفجْر قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز وَهُوَ الأقيس لِأَن الْوُجُوب بالزوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَالثَّانِي لَا لِأَن الصَّلَاة منسوبة إِلَى الْيَوْم وَجَمِيع الْيَوْم مَنْسُوب إِلَى الصَّلَاة وَمِنْهُم من حمل النَّص على التَّأْكِيد وَقطع بِالْجَوَازِ قَالَ الصيدلاني التَّرَدُّد فِي سفر الْمُبَاح أما الْوَاجِب وَالطَّاعَة فَجَائِز لما رُوِيَ أَن عبد الله بن رَوَاحَة تخلف عَن جَيش جهزهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعلل بِصَلَاة الْجُمُعَة لما سَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا أدْركْت غدوتهم الْخَامِس يسْتَحبّ لمن يَرْجُو زَوَال عذره أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى فَوَات الْجُمُعَة وَذَلِكَ بِرَفْع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع الثَّانِي وَقيل عِنْد طول الْمسَافَة يحصل إياسه عَن اللحوق لَو قصد فَأَما من لَا يرجا زَوَال عذره كالزمن وَالْمَرْأَة فَلَا بَأْس بتعجيل الظّهْر فِي حَقهم فَإِن زَالَ عذر الْمَعْذُور بعد الْفَرَاغ من الظّهْر فَلَا جمعه عَلَيْهِ وَكَذَا الصَّبِي إِذا بلغ بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 الظّهْر وَقبل فَوَات الْجُمُعَة لِأَنَّهُ أدّى الْوَظِيفَة مرّة وَقَالَ ابْن الْحداد يلْزمه وَهُوَ غلط بناه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَزَوَال الْعذر فِي أثْنَاء الظّهْر كرؤية الْمُتَيَمم المَاء فِي الصَّلَاة السَّادِس غير الْمَعْذُور إِذا صلى الظّهْر قبل الْجُمُعَة فَفِي صِحَّته قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا لَا لعصيانه بِهِ وَالثَّانِي يَصح ظَهره ويعصى بترك الْجُمُعَة كَمَا لَو صلى بعد الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يسْقط الْخطاب بِالْجمعَةِ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْقط وَمعنى صِحَّته أَن الْخطاب لَا يَتَجَدَّد بِهِ بعد فَوَات الْجُمُعَة وعَلى هَذَا لَو صلى الْجُمُعَة أَيْضا فالفرض أَيهمَا فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال وَهُوَ الأول أَو الثَّانِي أَو كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَهُوَ الْأَصَح فيحتسب الله مَا شَاءَ مِنْهُمَا السَّابِع جمَاعَة من المعذورين أَرَادوا عقد الْجَمَاعَة فِي الظّهْر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تسْتَحب لِأَنَّهَا شعار الْجُمُعَة فِي هَذَا الْيَوْم والأقيس أَنه يسْتَحبّ ثمَّ الأولى إِخْفَاؤُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي كَيْفيَّة أَدَاء الْجُمُعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي كَسَائِر الصَّلَوَات وَإِنَّمَا تتَمَيَّز مِنْهَا بأَرْبعَة أُمُور الأول الْغسْل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غسل واغتسل وَبكر وابتكر وَلم يرْفث خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وَمَعْنَاهُ تَوَضَّأ واغتسل وَبكر إِلَى الصُّبْح وابتكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ هَذَا الْغسْل يُفَارق غسل الْعِيد فِي أَنه لَا يسْتَحبّ إِلَّا لمن حضر الصَّلَاة وَأَنه لَا يُجزئ قبل الْفجْر وَفِي غسل الْعِيد وَجْهَان وَقَالَ الصيدلاني من عدم المَاء يتَيَمَّم وَهُوَ بعيد لِأَن الْغَرَض نفي الروائح الكريهة والتنظيف وَلذَلِك كَانَ أقربه إِلَيّ الرواح أحب إِلَيْنَا والأغتسال المسنونة هى الْغسْل للْجُمُعَة وللعيدين وَمن غسل الْمَيِّت وللإحرام وللوقوف بِعَرَفَة ولمزدلفة ولدخول مَكَّة وَثَلَاثَة أغسال أَيَّام التَّشْرِيق ولطواف الْوَدَاع على القَوْل الْقَدِيم وللكافر إِذا أسلم غير جنب بعد الْإِسْلَام وَقيل يقدم على الْإِسْلَام وَهُوَ بعيد إِذْ تَأْخِير الْإِسْلَام لَا وَجه لَهُ وَالْغسْل عَن الْإِفَاقَة من زَوَال الْعقل أَيْضا مُسْتَحبّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَذكر صَاحب التَّلْخِيص الْغسْل عَن الْحجامَة وَالْخُرُوج من الْحمام وَقَالَ هما اختياران لَا يبلغان مبلغ السّنَن المتأكدة وَأنكر مُعظم الْأَصْحَاب استحبابهما الثَّانِي البكور إِلَى الْجَامِع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فِي السَّاعَة الأولى فَكَأَنَّمَا قرب بدنه وَمن رَاح فِي الثَّانِيَة فبقرة وَفِي الثَّالِثَة كَبْشَة وَفِي الرَّابِعَة دجَاجَة وَفِي الْخَامِسَة بَيْضَة وَالْمَلَائِكَة على الطّرق يَكْتُبُونَ الأول فَالْأول فَإِذا أَخذ الْخَطِيب يخْطب طَوَوْا الصُّحُف وَجَاءُوا يَسْتَمِعُون الذّكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 الثَّالِث التزين فَيُسْتَحَب فِيهِ الثِّيَاب الْبيض للرِّجَال وَاسْتِعْمَال الطّيب وَأَن يمشي على هينة والترجل أولى من الرّكُوب وَلَا بَأْس بِحُضُور الْعَجَائِز لَا فِي شهرة الثِّيَاب وعليهن اجْتِنَاب الطّيب رأى أَبُو هُرَيْرَة امْرَأَة تفوح مِنْهَا رَائِحَة الْمسك فَقَالَ تطيبت للْجُمُعَة فَقَالَت نعم فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَيّمَا امْرَأَة تطيبت للْجُمُعَة لم يقبل الله صلَاتهَا حَتَّى ترجع إِلَى بَيتهَا وتغتسل اغتسالها من الْجَنَابَة الرَّابِع يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يقْرَأ فِي الأولى سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو نسى الْجُمُعَة فِي الأولى جمع بَينهَا وَبَين سُورَة الْمُنَافِقين فِي الثَّانِيَة وَقَالَ فِي الْقَدِيم يقْرَأ فِي الأولى سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الغاشية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 = كتاب صَلَاة الْخَوْف = وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّوْع الثَّانِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان حَيْثُ لم تشتد الْحَرْب النَّوْع الثَّالِث صَلَاة ذَات الرّقاع النَّوْع الرَّابِع صَلَاة شدَّة الْخَوْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 الأول صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن النّخل إِذْ صدع أَصْحَابه صدعين فصلى بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ وَسلم ثمَّ صلى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ هى لَهُ سنة وَلَهُم فَرِيضَة وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا اقْتِدَاء مفترض بمتنفل وَهُوَ جَائِز من غير خوف النَّوْع الثَّانِي صلَاته بعسفان حَيْثُ لم تشتد الْحَرْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 إِذْ كَانَ الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد مَعَ الْكفَّار بعد فَدخل وَقت الْعَصْر فَقَالُوا قد دخل عَلَيْهِم وَقت صَلَاة هى أعز عَلَيْهِم من أَرْوَاحهم فَإِذا شرعوا فِيهَا حملنَا عَلَيْهِم حَملَة فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ بِهِ فرتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه صفّين وَصلى بهم فحرسه الصَّفّ الأول فِي السُّجُود الأول وَلم يسجدوا حَتَّى قَامَ الصَّفّ الثَّانِي فَسجدَ الحارسون وَلَحِقُوا وَكَذَلِكَ فعل الصَّفّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وَهَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ الْعَدو فِي قبالة الْقبْلَة وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّخَلُّف عَن الإِمَام بأركان وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا بِعُذْر ثمَّ لَو اخْتصَّ بالحراسة فريقان من أحد الصفين جَازَ وَلَو ابْتَدَأَ بالحراسة الصَّفّ الثَّانِي جَازَ وَلَكِن الحراسة بالصف الأول أليق قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو تقدم الصَّفّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة إِلَى الصَّفّ الأول وَتَأَخر الصَّفّ الأول وَلم يكثر أفعالهم كَانَ ذَلِك حسنا وَلَو حرس فِي الثَّانِيَة الحارسون فِي الأول فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ يتَكَرَّر عَلَيْهِم التَّخَلُّف وَلم يرخص الشَّرْع إِلَّا فِي مرّة وَاحِدَة والأقيس الْجَوَاز إِذا الأول انمحى أَثَره بتخلل فصل وَإِنَّمَا قصد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك التَّسْوِيَة بَين الصفين النَّوْع الثَّالِث صَلَاة ذَات الرّقاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَهُوَ أَن يلتحم الْقِتَال فَلَا يحْتَمل الْحَال تخلف الْكل واشتغالهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ ذَلِك فِي ذَات الرّقاع فصدع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه صدعين وانحاز بطَائفَة إِلَى حَيْثُ لَا تبلغهم سِهَام الْعَدو وَصلى بهم رَكْعَة وَقَامَ بهم إِلَى الثَّانِيَة وانفردوا بالركعة الثَّانِيَة وسلموا وَأخذُوا مَكَان إخْوَانهمْ فِي الصَّفّ وانحازت الفئة الْمُقَاتلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَائِم ينتظرهم وَاقْتَدوا بِهِ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلَمَّا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للثَّانِيَة قَامُوا وَأَتمُّوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَلَحِقُوا بِهِ وتشهدوا وَسلم بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه رِوَايَة خَوات بن جُبَير وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الِانْفِرَاد عَن الإِمَام فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وانتظار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الإِمَام للطائفة الثَّانِيَة مرَّتَيْنِ فِي الْقيام وَالتَّشَهُّد وروى ابْن عمر أَنه لما قَامَ إِلَى الثَّانِيَة مَا انفردوا بالركعة لَكِن أخذُوا مَكَان إخْوَانهمْ فِي الصَّفّ وهم فِي الصَّلَاة وانحاز الْآخرُونَ فصلوا رَكْعَة فتحلل بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَجَعُوا إِلَى مَكَان إخْوَانهمْ وَعَلَيْهِم بعد رَكْعَة ثمَّ رَجَعَ الْفَرِيق الأول فَأتمُّوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة منفردين ونهضوا إِلَى الصَّفّ وَعَاد الْآخرُونَ وَأَتمُّوا كَذَلِك وَأخذ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِرِوَايَة خَوات بن جُبَير لمعنيين أَحدهمَا أَن الروَاة لَهَا أَكثر وَهُوَ إِلَى الِاحْتِيَاط وَترك الْأَفْعَال المستغنى عَنْهَا أقرب وَالثَّانِي أَن رِوَايَة خَوات مُقَيّدَة بِذَات الرّقاع وَهِي آخر الْغَزَوَات وَرِوَايَة ابْن عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 مُطلقَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تصح الصَّلَاة على وفْق رِوَايَة ابْن عمر لصِحَّة الرِّوَايَتَيْنِ لَكِن الأولى رِوَايَة خَوات وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ تَخْيِير فِي أَفعَال كَثِيرَة مُسْتَغْنى عَنْهَا ثمَّ النّظر فِي هَذِه الصَّلَاة فِي طرفين أَحدهمَا فِي كيفيتها وَقد تشككوا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول نقل الْمُزنِيّ أَن الإِمَام يقْرَأ بالطائفة الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَسورَة وَمَعْنَاهُ أَنه يسكت قبله منتظرا وغلطه الْأَصْحَاب لَا يسكت لكِنهمْ إِذا لَحِقُوا مد الْقِرَاءَة بِحَيْثُ تتسع عَلَيْهِم قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَهُوَ نقل الرّبيع وتوجيه قَول الْمُزنِيّ التَّسْوِيَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فَإِنَّهُ يقْرَأ الْفَاتِحَة بِالْأولَى فليقرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 بِالثَّانِيَةِ الثَّانِي هَل يتَشَهَّد قبل لُحُوق الْفرْقَة الثَّانِيَة بِهِ أم يصبر حَتَّى يعودوا فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالفاتحة وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد إِذْ لَيْسَ يفوت التَّسْوِيَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّشَهُّد الثَّالِث أَن مَالِكًا ذهب إِلَى أَن الْفرْقَة الثَّانِيَة يتشهدون مَعَ الإِمَام ثمَّ يقومُونَ عِنْد سَلَامه إِلَى الثَّانِيَة قيام الْمَسْبُوق وَهُوَ قَول قديم وَلَا شكّ فِي جَوَازه وَلَكِن مَا رَوَاهُ خَوات جَائِز أَيْضا خلافًا لمَالِك الطّرف الثَّانِي فِي تَعديَة النَّص إِلَى صَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْحَضَر وَالْجُمُعَة أما الْمغرب فَليصل الإِمَام فِيهَا بالطائفة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة ثمَّ إِن انتظرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 فِي التَّشَهُّد الأول فَجَائِز وَإِن انتظرهم فِي الْقيام فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَحسن لِأَن التَّطْوِيل بِالْقيامِ أليق وَنقل عَن الْإِمْلَاء أَن الِانْتِظَار فِي التَّشَهُّد أولى وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى بالطائفة الأولى رَكْعَة وبالثانية رَكْعَتَيْنِ فِي لَيْلَة الهرير وَهُوَ قَول نقل عَن الْإِمْلَاء وَالصَّحِيح الأول لِأَن فِي هَذَا تَكْلِيف الطَّائِفَة الثَّانِيَة زِيَادَة تشهد لَا يحْسب لَهُم أما الرّبَاعِيّة فِي الْحَضَر فليصلي الإِمَام فِي الطَّائِفَة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَتَيْنِ فَلَو فرقهم أَربع فرق وَصلى بِكُل فرقة رَكْعَة فَهَل يحرم الِانْتِظَار الثَّالِث فعلى قَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا يحرم فَهَل تبطل بِهِ الصَّلَاة فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يجوز ذَلِك كَمَا جَازَ بالمرة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رخصَة فَلَا يُزَاد على مَحل النَّص فعلى هَذَا يمْتَنع الِانْتِظَار فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة وَمَا قبلهَا جرى على وَجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وَقَالَ ابْن سُرَيج تخريجا الْمَنْع يخْتَص بالركعة الرَّابِعَة فَإِن الِانْتِظَار فِي الثَّالِثَة هُوَ الِانْتِظَار الثَّانِي للْإِمَام بَدَلا من انْتِظَاره فِي التَّشَهُّد إِلَّا أَن المنتظر فِي التَّشَهُّد ثمَّ هُوَ المنتظر فِي الْقيام بِعَيْنِه وَهَاهُنَا المنتظر ثَانِيًا غير المنتظر أَولا وَهَذَا لَا يقْدَح فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُتَّجه أما الْجُمُعَة فَفِي إِقَامَتهَا على هَذَا الْوَجْه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْعدَد فِيهَا شَرط فَكيف ينْفَرد الإِمَام بِالثَّانِيَةِ مَعَ انفضاض الْفرْقَة الأولى إِلَى عود الْفرْقَة الثَّانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 فرعان الأول فِي وجوب رفع السِّلَاح فِي هَذِه الصَّلَاة وَصَلَاة عسفان قَولَانِ وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ فِي الْبعد عَن السِّلَاح خطر ظَاهر فَهُوَ محرم فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَإِن كَانَت الْمَوْضُوعَة والمحمولة وَاحِدَة لتيسر أَخذهَا فِي الْحَال فَلَا يحرم وَإِن لم يظْهر فِي تنحية السِّلَاح خلل فَهَذَا مَحل الْجَزْم فَفِي وجوب الْأَخْذ بِهِ واستحبابه تردد وَكَيف مَا كَانَ فَلَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهِ لِأَن الْعِصْيَان لَا يتَمَكَّن من نفس الصَّلَاة الثَّانِي فِي السَّهْو وَلَا شكّ أَن سَهْو الطَّائِفَة الأولى فِي الرَّكْعَة الأولى وسهو الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة للْإِمَام مَحْمُول وسهو الطَّائِفَة الأولى فِي ركعتهم الثَّانِيَة غير مَحْمُول لانفرادهم ومبدأ الِانْفِرَاد آخر الرَّكْعَة الأولى وَهُوَ رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود أَو أول الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَهُوَ اعتداله فِي الْقيام فِيهِ وَجْهَان أما سَهْو الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي ركعتهم الثَّانِيَة وهم على عزم اللحوق بِالْإِمَامِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى آخر الْأَمر وَفِي الثَّانِي إِلَى صُورَة التفرد فِي الْحَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وهما جاريان فِي المزحوم إِذا سَهَا وَقت التَّخَلُّف وفيمن انْفَرد رَكْعَة وسها ثمَّ انشأ الْقدْوَة فِي الثَّانِيَة على أحد الْقَوْلَيْنِ النَّوْع الرَّابِع صَلَاة شدَّة الْخَوْف وَذَلِكَ إِذا التحم الْفَرِيقَانِ وَلم يحْتَمل تخلف طَائِفَة عَن الْقِتَال فَلَا سَبِيل إِلَّا الصَّلَاة رجَالًا وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها إِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَلَا تحْتَمل فِيهَا الصَّيْحَة والزعقة للاستغناء عَنْهَا وَلَا تحْتَمل الضربات الْكَثِيرَة من غير حَاجَة وتحتمل القليلة مَعَ الْحَاجة وَفِي الْكَثِيرَة مَعَ الْحَاجة ينظر فَإِن كَانَ فِي أشخاص فيحمتل مَا لَا يتوالى مِنْهَا وَإِن كَانَ فِي شخص وَاحِد فَلَا يحْتَمل لكَونه عذرا نَادرا وَفِيه قَول إِنَّه يحْتَمل فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ منقاس لِأَن الْوَاحِد أَيْضا قد يدْفع عَن نَفسه فِي بسلاحه وَدِرْعه فَيحْتَاج إِلَى الْمُوَالَاة وَفِيه قَول ثَالِث إِنَّه لَا يحْتَمل فِي الْأَشْخَاص أَيْضا لندور الْحَاجة وضيق بَاب الرُّخْصَة وَمِمَّا يحْتَمل أَيْضا تلطخ السِّلَاح بِالدَّمِ مهما أَلْقَاهُ عقيب التلطخ فَإِن أمْسكهُ مُخْتَارًا لزمَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 الْقَضَاء وَإِن كابه حَاجَة إِلَى الْإِمْسَاك فَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وجوب الْقَضَاء أَيْضا لنذور الْعذر والأقيس أَن لَا يحب لِأَن أصل الْقِتَال وَإِن كَانَ نَادرا ألحق بالأعذار الْعَامَّة فِي إِسْقَاط الْقَضَاء مَعَ الْإِيمَاء وَترك الِاسْتِقْبَال هَذِه كَيْفيَّة الصَّلَاة وَالنَّظَر الْآن فِي السَّبَب المرخص وَهُوَ خوف مَخْصُوص ويتبين خصوصه بمسائل الأولى لَو انهزم الْمُسلمُونَ لم يصلوا صَلَاة الْخَوْف إِلَّا إِذا كَانَ الْكفَّار فَوق الضعْف فَعِنْدَ ذَلِك يجوز وَإِلَّا فالهزيمة مُحرمَة والرخص لَا تستفاد بِالْمَعَاصِي فَأَما إِذا انهزم الْكفَّار لم يجز لنا صَلَاة الْخَوْف فِي اتِّبَاع أقفيتهم لِأَنَّهُ لَا خوف الثَّانِيَة الْقِتَال الْمُبَاح كالواجب فِي التَّرَخُّص وَذَلِكَ كالذب عَن المَال وَقد نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو رَكبه سيل وَلم ينج مَا لَهُ إِلَّا بِصَلَاة الْخَوْف لم يصل وَظَاهر النُّصُوص الجديدة خِلَافه وَخرج من هَذَا أَن قتل الصَّائِل على المَال لَا يجوز وَهُوَ بعيد لِأَن المَال كالنفس قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الثَّالِثَة لَو تغشاه حريق أَو غرق أَو تبعه سبع أَو مطَالب بِالدّينِ وَهُوَ مُعسر خَائِف من الْحَبْس عَاجز عَن بَيِّنَة الْإِعْسَار فَلهُ صَلَاة الْخَوْف وَكَذَا من هرب من حق الْقصاص فِي وَقت يتَوَقَّع من التَّأْخِير سُكُون الغليل وَحُصُول الْعَفو هَكَذَا ذكره الْأَصْحَاب فرع لَو خَافَ الْمحرم فَوَات الْوُقُوف بِعَرَفَة فَيصَلي مسرعا فِي مَشْيه على وَجه وَيتْرك الصَّلَاة على وَجه وَتلْزَمهُ الصَّلَاة سَاكِنا على وَجه وَمن ومنشؤ التَّرَدُّد أَنه من قبيل طلب شَيْء أَو خوف فَوَات فِي مُحَصل الرَّابِعَة لَو رأى سوادا فَظَنهُ عدوا لَا يُطَاق فصلى صَلَاة شدَّة الْخَوْف فَإِذا هُوَ إبل تسرح فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ مشهوران ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى تحقق الْخَوْف وَفِي الثَّانِي إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الْخَطَأ فِي السَّبَب وَالْقَوْلَان جاريان فِي كل سَبَب جَهله وَلَو عرفه لبطل الْخَوْف كجهله بحصن على الْقرب مِنْهُ أَو نهر حَائِل بَينه وَبَين عدوه فرعان الأول لَو ركب فِي أثْنَاء صلَاته لهجوم خوف فَبنِي على صلَاته قَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح وَلَو انْقَطع الْخَوْف فَنزل وَصلى بَقِيَّة صلَاته مُتَمَكنًا صحت فَظن الْمُزنِيّ أَن الْفرق كَثْرَة أَفعَال الرّكُوب وَاعْترض بِأَن ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَقيل سَببه أَنه شرع فِي صَلَاة تَامَّة فَلَا يتممها على النُّقْصَان وَهُوَ منقوض بِمن مرض فِي أثْنَاء صلَاته فَإِنَّهُ يقْعد فِي الْبَقِيَّة وَلَكِن أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا بَادر الرّكُوب أخذا بالحزم مَعَ إِمْكَان إتْمَام الْبَقِيَّة قبل الرّكُوب فَإِن فرض تحقق الْخَوْف أَو انْقِطَاعه فَلَا فرق بَين النُّزُول وَالرُّكُوب بل إِن قل فعله مَعَ الْحَاجة لم يضر وَإِن كثر مَعَ الْحَاجة فَوَجْهَانِ كَمَا فِي الضربات المتوالية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 الثَّانِي لبس الْحَرِير وَجلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير جَائِز عِنْد مفاجأة الْقِتَال وَلَيْسَ جَائِزا فِي حَالَة الِاخْتِيَار بِخِلَاف الثِّيَاب النَّجِسَة وَفِي جلد الشَّاة الْميتَة وَجْهَان يبتنيان على أَن تَحْرِيم لبس جلد الْكَلْب للتغليظ أَو لنجاسة الْعين وَكَذَلِكَ فِي تجليل الْخَيل بجل من جلد الْكَلْب تردد وَالظَّاهِر جَوَازه وَفِي الاستصباح بالزيت النَّجس قَولَانِ فَأَما تسميد الأَرْض بالزبل فَجَائِز لمسيس الْحَاجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 = كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ= الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَهِي سنة مُؤَكدَة على كل مَا يلْزمه حُضُور الْجُمُعَة وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْفِعْل الْمُتَوَاتر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قيل أَرَادَ بِهِ صَلَاة عيد النَّحْر وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَنَّهَا من فروض الكفايات وطردوا ذَلِك فِي جَمِيع الشعائر وَأَقل هَذِه الصَّلَاة رَكْعَتَانِ كَسَائِر النَّوَافِل والتكبيرات الزَّائِدَة لَيست من أبعاضها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فَلَا يتَعَلَّق بِتَرْكِهَا سُجُود السَّهْو ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس إِلَى زَوَالهَا وشروطها كَشَرط سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ فِي الْقَدِيم شَرطهَا كَشَرط الْجُمُعَة إِلَّا أَن خطبتها تتأخر ويحوز أَدَاؤُهَا فِي الْجَبانَة البارزة من خطة الْبَلَد فَأَما الْأَكْمَل فَنَذْكُر سوابقه ولواحقه على تَرْتِيب الْوُجُود وَله سنَن الأولى إِذا غربت الشَّمْس لَيْلَة عيد الْفطر يسْتَحبّ التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة إِلَى أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 يتحرم الإِمَام بِصَلَاة الْعِيد فَالنَّاس يُصْبِحُونَ مكبرين حَيْثُ كَانُوا وَفِي الطَّرِيق رافعي أَصْوَاتهم كَذَلِك كَانَ يفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَصّ فِي مَوضِع أَنهم يكبرُونَ إِلَى خُرُوج الإِمَام وَقيل إِنَّه قَول آخر وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ تحرم الإِمَام لِأَنَّهُ يتَّصل بِهِ غَالِبا وَنقل نَص آخر أَنه يَدُوم إِلَى آخر الْخطْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَهل تسْتَحب هَذِه التَّكْبِيرَات إدبار الصَّلَوَات لَيْلَة الْعِيد وصبيحته فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَن يتَمَيَّز هَذَا الشعار عَن شعار التَّكْبِيرَات الْمقيدَة فِي عيد النَّحْر كَمَا سَيَأْتِي الثَّانِيَة إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الثَّالِثَة الْغسْل بعد طُلُوع الْفجْر أما قبله فَهَل يُجزئ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالْجُمُعَةِ وَالثَّانِي نعم لِأَن أهل الْقرى يبكرون لَيْلًا فيعر عَلَيْهِم الْغسْل بعد الْخُرُوج فَيجْعَل جَمِيع اللَّيْل وقتا الرَّابِعَة التَّطَيُّب والتزين بالثياب الْبيض للقاعد وَالْخَارِج لِأَنَّهُ يَوْم السرُور وَأما الْعَجَائِز فيخرجن فِي ثِيَاب البذلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يخْرجن وَيحرم على الرِّجَال التزين بالحرير والإبريسم الْمَحْض وَفِيه مسَائِل الأولى الْمركب من الإبريسم وَغَيره فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من نظر إِلَى الْقلَّة وَالْكَثْرَة فِي الْوَزْن وَمِنْهُم من نظر إِلَى الظُّهُور فأحل الْخَزّ وَحرم العتابي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 الثَّانِيَة الثَّوْب الْمُطَرز والمطرف بالديباج مُبَاح كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب كَذَلِك والمحشو بالإبريسم وَالْحَرِير مُبَاح إِذْ لَا يعد لابسه لابس حَرِير فَإِن كَانَت البطانة من حَرِير لم يجز لِأَنَّهُ لم يحرم بِسَبَب الْخُيَلَاء بل لِأَنَّهُ ترفه فِي خنوثة لَا تلِيق بشهامة الرِّجَال وَأمر الْحَرِير أَهْون من الذَّهَب إِذْ الْمطرف بِغَيْر حَاجَة جَائِز والمضبب غير جَائِز الثَّالِثَة افتراش الْحَرِير محرم على الرِّجَال وَفِي تَحْرِيمه على النِّسَاء خلاف تلقيا من الْمُفَاخَرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وَفِي تَحْرِيم إلباس الصّبيان الديباج خلاف من حَيْثُ إِن شهامة الصَّبِي لَا تأبي ذَلِك الرَّابِعَة حَيْثُ حرمنا الْحَرِير أبحناه لحَاجَة الْقِتَال ولحاجة المحكة مَعَ السّفر وَلَو انْفَرَدت عَن السّفر وَأمكن التعهد فَفِيهِ خلاف وَوجه الْجَوَاز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص لِحَمْزَة فِي الْحَرِير لحكة كَانَت بِهِ وَلم تخصص السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 الْخَامِسَة إِذا اغْتسل وتزين وتطيب فليقصد الصَّحرَاء مَاشِيا فَهُوَ أولى من الرّكُوب وليبكر فِي عيد الْأَضْحَى ليتسع وَقت الْأُضْحِية بعد الصَّلَاة وليستأخر قَلِيلا فِي الْفطر ليتسع تَفْرِقَة الصَّدقَات وليفطر فِي عيد الْفطر قبل الصَّلَاة وليمسك فِي عيد النَّحْر حَتَّى يُصَلِّي وَالصَّلَاة فِي الصَّحرَاء أفضل إِلَّا بِمَكَّة فَإِن اتَّسع الْمَسْجِد بِبَلَد آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَسْجِد أولى كمسجد مَكَّة وَالثَّانِي لَا لِأَن مَكَّة مَخْصُوصَة بالشرف السَّادِسَة يَنْبَغِي أَن يخرج الْقَوْم قبل الإِمَام ينتظرونه وَلَا بَأْس لوصلوا متنفلين فَإِذا خرج الإِمَام تحرم بِالصَّلَاةِ وَلم ينْتَظر أحدا فَإِذا انْتهى إِلَى الْمصلى نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وَتحرم بِالصَّلَاةِ فَيقْرَأ دُعَاء الاستفتاح أَولا ثمَّ يكبر سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام والهوي وَيَقُول بَين كل تكبيرتين سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِذا فرغ مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 تعوذ وَقَرَأَ الْفَاتِحَة وَسورَة ق وَفِي الثَّانِيَة يكبر خمْسا زَائِدَة كَمَا مضى ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة اقْتَرَبت وَيسْتَحب رفع الْيَدَيْنِ فِي هَذِه التَّكْبِيرَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة التَّكْبِيرَات الزَّائِدَة ثَلَاثَة فِي كل رَكْعَة وَقَالَ مَالك فِي الأولى سِتَّة وَفِي الثَّانِيَة خَمْسَة وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس السَّابِعَة الْخطْبَة بعد الصَّلَاة وَهِي كخطبة الْجُمُعَة إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه يكبر قبل الْخطْبَة الأولى تسع تَكْبِيرَات وَقبل الثَّانِيَة سبع تَكْبِيرَات على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 مِثَال الرَّكْعَتَيْنِ الثَّانِي أَن الْخَطِيب فِي الْجُمُعَة كَمَا صعد جلس لسَمَاع الْأَذَان وَهَاهُنَا يجلس للاستراحة إِذْ لَا أَذَان وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يجلس هَاهُنَا الثَّامِنَة إِذا فرغ من الْخطْبَة انْصَرف إِلَى بَيته من طَرِيق آخر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من طَرِيق وَيعود من طَرِيق فَقيل كَانَ يحذر من مَكَائِد الْمُنَافِقين وَقيل ليستفتى فِي الطَّرِيقَيْنِ وَقيل كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 يسْلك أطول الطَّرِيقَيْنِ فِي الذّهاب لِأَنَّهُ قربَة ثمَّ من شَارك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْمعَانِي تأسى بِهِ وَمن لم يُشَارِكهُ فِي السَّبَب فَفِي التأسي بِهِ فِي الحكم وَجْهَان التَّاسِعَة يسْتَحبّ فِي عيد النَّحْر رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ عقيب خمس عشرَة مَكْتُوبَة أَولهَا الظّهْر من يَوْم الْعِيد وَآخِرهَا الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَنه يسْتَحبّ عقيب ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة أَولهَا الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة وَآخِرهَا الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق الآخر أَنه يدْخل وقته عقيب صَلَاة الْمغرب لَيْلَة النَّحْر وَلم يتَعَرَّض فِي هَذَا النَّص للأخير وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الثَّلَاث مَذْهَب عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَمذهب الْمُزنِيّ وَاخْتِيَار ابْن سُرَيج وَقيل مَذْهَب الشَّافِعِي هُوَ الأول وَمَا عداهُ حِكَايَة لمَذْهَب الْغَيْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَربع مسَائِل الأولى أَن إرْسَال هَذِه التَّكْبِيرَات فِي هَذِه الْأَيَّام هَل يسْتَحبّ من غير صَلَاة كَمَا اخْتلفُوا فِي أَن التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ هَل تسْتَحب عقيب الصَّلَاة الثَّانِيَة أَنَّهَا تسْتَحب عقيب الْفَرَائِض وعقيب النَّوَافِل قَولَانِ الثَّالِثَة لَو قضيت صَلَاة هَذِه الْأَيَّام فِي غَيرهَا فَلَا يكبر وَلَو قضيت فِيهَا كبر وَالتَّكْبِير مقضي أَو مؤدى فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا مؤدى فَلَو قضى فِيهَا صَلَاة غير هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الْأَيَّام كبر عقيبها وَإِن قُلْنَا مقضية فَلَا الرَّابِعَة إِذا كبر الإِمَام خلف صَلَاة على خلاف اعْتِقَاد الْمُقْتَدِي فقد تردد ابْن سُرَيج فِي أَنه هَل يُوَافق بِسَبَب الْقدْوَة كَمَا يُوَافق فِي الْقُنُوت من حَيْثُ إِن تَوَابِع الصَّلَاة من الصَّلَاة وَكَيْفِيَّة هَذِه التَّكْبِيرَات أَن يَقُول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثَلَاثًا نسقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة مرَّتَيْنِ ثمَّ يَقُول بعده كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فروع أَرْبَعَة الأول لَو ترك تَكْبِيرَات الرَّكْعَة نَاسِيا وتذكرها بعد الْقِرَاءَة فالمنصوص جَدِيدا أَنه لَا يكبر لفَوَات وقته وَقَالَ فِي الْقَدِيم يكبر لبَقَاء الْقيام وَمن الْأَصْحَاب من طرد القَوْل الْقَدِيم فِي تدارك دُعَاء الاستفتاح الثَّانِي إِذا فَاتَ صَلَاة الْعِيدَيْنِ بِزَوَال الشَّمْس فَفِي قَضَائهَا أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهمَا لَا يقْضِي الثَّانِي يقْضِي وَلَكِن يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ إِن فَاتَ يَوْم الثَّلَاثِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 لِأَنَّهُ يحْتَمل هَذَا الْيَوْم الْأَدَاء الثَّالِث يقْضِي طول هَذَا الشَّهْر الرَّابِع أَنه يقْضِي أبدا وَقد سبق نَظِيره فِي النَّوَافِل الثَّالِث إِذا شهدُوا على الْهلَال قبل الزَّوَال أفطرنا وصلينا وَإِن أنشأوا الشَّهَادَة بعد الْغُرُوب يَوْم الثَّلَاثِينَ لم يصغ إِلَيْهِم إِذْ لَا فَائِدَة إِلَّا ترك صَلَاة الْعِيد وَإِن أنشأوا بَين الزَّوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 والغروب أفطرنا وَبَان فَوَات الْعِيد فَإِن رَأينَا قضاءها فبقية الْيَوْم أولى أَو يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْمُبَادرَة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن تشبه وَقت الْقَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 بِالْأَدَاءِ وَفِيه وَجه أَنا نفطر وَلَا نحكم بِفَوَات الصَّلَاة فَإِن الْغَلَط مُمكن وَهَذَا شعار عَظِيم لَا يُمكن تفويته فَيصَلي يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بنية الْأَدَاء أما إِذا شهدُوا قبل الْغُرُوب وَلَكِن عدلوا بِاللَّيْلِ فَفِي فَوَات الصَّلَاة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن النّظر إِلَى وَقت التَّعْدِيل وَقد عدل فِي غير وقته وَالثَّانِي أَن النّظر إِلَى وَقت الشَّهَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 الرَّابِع إِذا كَانَ الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة وَحضر أهل الْقرى مِمَّن يبلغهم النداء فَالْقِيَاس أَنه لَا يجوز لَهُم الِانْصِرَاف حَتَّى يصلوا الْجُمُعَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الصَّحِيح الْجَوَاز وَرووا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرخص لأهل السوَاد فِي مثل هَذَا الْيَوْم فِي الِانْصِرَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 = كتاب صَلَاة الخسوف= الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَهِي سنة فِي سَائِر الْأَوْقَات لِأَن لَهَا سَببا خلافًا لأبي حنيفَة وَلما مَاتَ إِبْرَاهِيم ولد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كسفت الشَّمْس فَقَالَ بعض النَّاس إِنَّهَا كسفت لمَوْته فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لآيتان من آيَات الله لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 ثمَّ أقل هَذِه الصَّلَاة رَكْعَتَانِ يَنْوِي فِيهَا صَلَاة الخسوف ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة ثمَّ يرْكَع ثمَّ يعتدل فَيقْرَأ الْفَاتِحَة ثمَّ يرْكَع على تَرْتِيب سَائِر الصَّلَوَات وَكَذَلِكَ يفعل فِي الثَّانِيَة وَفِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان فَلَو تَمَادى الخسوف جَازَ أَن يزِيد ثَالِثا ورابعا على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ روى أَحْمد بن حَنْبَل أَن الرُّكُوع فِي كل رَكْعَة ثَلَاث فليحمل على صُورَة التَّمَادِي وَالْقِيَاس الْمَنْع إِن لم يَصح الْخَبَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنه بعد الْفَرَاغ هَل يسْتَأْنف صَلَاة أُخْرَى عِنْد التَّمَادِي وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنه هَل يقْتَصر على رُكُوع وَاحِد إِن أسْرع الانجلاء فَأَما الْأَكْمَل فَهُوَ أَن يقْرَأ فِي القومة الأولى بعد دُعَاء الاستفتاح سُورَة الْفَاتِحَة وَالْبَقَرَة وَفِي الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَآل عمرَان وَفِي الثَّالِثَة الْفَاتِحَة وَالنِّسَاء وَفِي الرَّابِعَة الْمَائِدَة أَو مقدارها من الْقُرْآن وَذَلِكَ بعد الْفَاتِحَة فِي كل قومة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فَأَما الرُّكُوع فيسبح فِي الأول مِقْدَار مائَة آيَة وَفِي الثَّانِي بِقدر ثَمَانِينَ وَفِي الثَّالِث بِقدر سبعين وَفِي الرَّابِع بِقدر خمسين وَأما السجدات فَلَا يطولها وَنقل الْبُوَيْطِيّ عَنهُ أَنَّهَا على قدر الرُّكُوع الَّذِي قبله وَلَا خلاف أَن الْقعدَة بَين السَّجْدَتَيْنِ لَا تطول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 ثمَّ إِذا فرغ من الصَّلَاة يسْتَحبّ أَن يخْطب خطبتين كَمَا فِي الْعِيد إِلَّا أَنه لَا يجْهر فِي الْكُسُوف بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ نهاري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 ويجهر بالخسوف لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ وَالْجَمَاعَة فِيهَا مسنونة غير وَاجِبَة فروع ثَلَاثَة الأول الْمَسْبُوق إِذا أدْرك الرُّكُوع الثَّانِي نقل الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا يكون مدْركا لِأَن الأَصْل هُوَ الأول وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يصير مدْركا للقومة الَّتِي قبلهَا فَبَقيَ عَلَيْهِ قيام وَاحِد وركوع وَاحِد وَالْأول أصح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الثَّانِي تفوت صَلَاة الْكُسُوف بالانجلاء وبغروب الشَّمْس كاسفة وتفوت صَلَاة الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشَّمْس وَلَا تفوت غرُوب الْقَمَر فِي جنح اللَّيْل خاسفا لِأَن اللَّيْل بَاقٍ وسلطان الْقَمَر فِي جَمِيعه وَهل تفوت بِطُلُوع الصُّبْح فِيهِ قَولَانِ الْجَدِيد أَنه لَا تفوت لبَقَاء سلطنة الْقَمَر بدوام الظلمَة الثَّالِث إِذا اجْتمع عيد وخسوف وَخيف الْفَوات فالعيد أولى وَإِن اتَّسع الْوَقْت فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الخسوف أولى لِأَنَّهُ على عرض الْفَوات بالانجلاء وَالثَّانِي الْعِيد أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 لِأَنَّهُ سنة مُؤَكدَة رُبمَا يعوض عَنْهَا عائق وَلَو أنكر منجم وجود الْكُسُوف يَوْم الْعِيد لم نرده على قَوْلنَا إِن الله على كل شَيْء قدير وَلَو اجْتمع كسوف وجمعة قدمنَا الْجُمُعَة إِن خفنا فَوَاتهَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَمَا فِي الْعِيد ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يخْطب للْجُمُعَة والكسوف خطْبَة وَاحِدَة يتَعَرَّض فِيهَا للكسوف وللجمعة حَتَّى لَا يطول الْوَقْت وَلَا بَأْس بِوُقُوع الْخطْبَة قبل صَلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الْكُسُوف لِأَنَّهَا لَيست من شرائطها وَكَذَا يفعل عِنْد اجْتِمَاع الْعِيد والكسوف وَلَو اجْتمع جَنَازَة مَعَ هَذِه الصَّلَوَات فَهِيَ مُقَدّمَة إِلَّا مَعَ الْجُمُعَة عِنْد ضيق الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح تَقْدِيم الْجُمُعَة وَوجه تَقْدِيم الْجِنَازَة أَن الْجُمُعَة لَهَا بدل ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي وَلَا يبرز بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ رُبمَا يفوت بالبروز وَلَا يصلى لغير الخسوفين من الْآيَات كالزلازل وَغَيرهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 = كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء= الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وَهِي سنة عرفت من فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِدعَة وسببها أَن يَنْقَطِع مَاء السَّمَاء أَو الْعُيُون فتستحب عِنْده صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَلَو أخبرنَا أَن طَائِفَة من الْمُسلمين ابتلوا بِهِ فَيسنّ لنا أَن نستسقي لَهُم لِأَن الْمُسلمين كَنَفس وَاحِدَة ثمَّ إِن سقوا يَوْم الْخُرُوج فَذَاك وَإِن تَمَادى كررنا ثَانِيًا وثالثا كَمَا يرَاهُ الإِمَام فَإِن سقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 قبل الاسْتِسْقَاء خَرجُوا للشكر وَالْمَوْعِظَة وَفِي أَدَاء الصَّلَاة للشكر وَجْهَان وَكَذَا فِي أَدَائِهَا للاستزادة فِي النِّعْمَة ثمَّ أقل هَذِه الصَّلَاة كأقل صَلَاة الْعِيد ووقتها وَقتهَا وأكملها أَن يَأْمر الإِمَام النَّاس بِالتَّوْبَةِ وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم وَأَن يسْتَحل بَعضهم بَعْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَيَأْمُرهُمْ بِالصَّوْمِ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يخرجُون فِي الرَّابِع فِي ثِيَاب بذلة وتخشع بِخِلَاف الْعِيد وَيسْتَحب إِخْرَاج الصّبيان وَفِي إِخْرَاج الْبَهَائِم قصدا تردد وَلَا بَأْس بِخُرُوج أهل الذِّمَّة ويحازون إِلَى جَانب وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هِيَ كَصَلَاة الْعِيد إِلَّا أَنه يُبدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 السُّورَة فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَيقْرَأ {إِنَّا أرسلنَا نوحًا} لاشتمالها على قَوْله تَعَالَى {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} ثمَّ يخْطب الإِمَام بعد الْفَرَاغ خطبتين كَمَا فِي الْعِيد لَكِن يُبدل التَّكْبِيرَات بالاستغفار ثمَّ يلْحقهُ بِالدُّعَاءِ فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فيهمَا ويستدبر النَّاس ثمَّ يحول رِدَاءَهُ تفاؤلا بتحويل الْحَال وتأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقلب الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل وَالْيَمِين إِلَى الْيَسَار وَالظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَكَانَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خميصة فَتعذر عَلَيْهِ لما حاول قَلبهَا من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل فَترك فَرَأى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجَدِيد الْإِتْيَان بِمَا هم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وَيسْتَحب أَن يَدْعُو فِي الْخطْبَة الأولى وَيَقُول اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا هَنِيئًا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقًا سَحا دَائِما اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعري واكشف عَنَّا مَا لَا يكشفه غَيْرك اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 = كتاب الْجَنَائِز = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بآداب المحتضر وبعسل الْمَيِّت وتزيينه وتكفينه وَحمل جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه والتعزية والبكاء عَلَيْهِ فتجري فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود اعتيادا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 القَوْل فِي المحتضر من أشرف على الْمَوْت فليستقبل بِهِ الْقبْلَة وَهُوَ أَن يلقى على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة وَقيل إِنَّه يلقى على جنبه الْأَيْمن كَمَا يفعل بِهِ فِي لحده وَيسْتَحب أَن يلقن كلمتي الشَّهَادَة بِرِفْق من غير إضجار وَأَن تتلى بَين يَدَيْهِ سُورَة يس وَليكن هُوَ فِي نَفسه حسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه ثمَّ إِذا فاضت نَفسه تغمض عَيناهُ ويشد لحياه بعصابة كَيْلا يتشوه خلقه وتلين مفاصله كَيْلا يتصلب ويصان عَن الثِّيَاب المدفئة فَإِنَّهَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد فَيسْتر بِثَوْب خَفِيف وَيُوضَع على بَطْنه سيف أَو مرْآة كَيْلا يَرْبُو بَطْنه وَلَا يوضع عَلَيْهِ مصحف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 القَوْل فِي الْغسْل وَالنَّظَر فِي كيفيته وَفِي الْغَاسِل أما الْكَيْفِيَّة فأقله إمرار المَاء على جَمِيع الْأَعْضَاء كَمَا فِي الْجَنَابَة وَفِي النِّيَّة وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لتعذرها على المغسول وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب على الْغَاسِل وَإِنَّمَا الْمَيِّت مَحل الْغسْل وعَلى هَذَا يبتنى غسل الْكَافِر وَمن لَفظه الْبَحْر وانغسلت أعضاؤه أما الْأَكْمَل فلتقدم عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن ينْقل إِلَى مَوضِع خَال على لوح مُهَيَّأ لذَلِك وَلَا ينْزع قَمِيصه بل يغسل فِيهِ وَإِن مست الْحَاجة إِلَى مس بدنه فتق الْغَاسِل الْقَمِيص وَأدْخل يَده فِيهِ وَإِن نزع الْقَمِيص جَازَ وَلَكِن يستر عَوْرَته إِذْ يحرم النّظر إِلَيْهَا وَيكرهُ النّظر إِلَى جَمِيع بدنه إِلَّا للْحَاجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 الثَّانِي أَن يحضر مَاء بَارِدًا كَيْلا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَليكن طَاهِرا طهُورا وَلَو اسْتعْمل السدر فِي بعض الغسلات جَازَ لَكِن الْمُتَغَيّر بالسدر لَا يتَأَدَّى بِهِ الْغَرَض خلافًا لأبي إِسْحَاق الْمروزِي وَيَنْبَغِي أَن يعد موضعا كَبِيرا للْمَاء وينحيه عَن المغتسل بِحَيْثُ لَا يصل إِلَيْهِ رشاش المَاء الْمُسْتَعْمل الثَّالِث أَن يبْدَأ بالاستنجاء فليجلس الْمَيِّت وَيمْسَح يَده على بَطْنه متحاملا بقوته لتنتفض الفضلات وَعِنْده تكون المحجرة متقدة فائحة بالطيب ثمَّ يردهُ إِلَى هَيْئَة الاستلقاء ويلف خرقَة على يَده وَيغسل إِحْدَى سوأتيه مبالغا فِيهِ ثمَّ يُبدل الْخِرْقَة وَيغسل الْأُخْرَى وَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة أزالها ثمَّ يتعهد أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ بِخرقَة نظيفة مبلولة وَيكون ذَلِك كالسواك ثمَّ يوضئه ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَإِن كَانَت أَسْنَانه متراصة فَلَا يفتحها للمضمضة بل يُوصل المَاء إِلَى أفرة وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْفَم تردد خيفة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 تسارع الْفساد ثمَّ يتعهد شعره بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان احْتِرَازًا عَن النتف ثمَّ يبتدأ بِالْغسْلِ وكيفيته أَن يضجعه على جنبه الْأَيْسَر وَيصب المَاء على شقَّه الْأَيْمن مبتدئا من رَأسه إِلَى قدمه ثمَّ يضجعه على الشق الْأَيْمن وَكَذَلِكَ يفعل بالشق الْأَيْسَر وَهِي غسلة وَاحِدَة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَلَاثًا ويمر فِي كل نوبَة الْيَد على بَطْنه لخُرُوج الفضلات فَإِن حصل النَّقَاء بِثَلَاث فَذَاك وَإِلَّا فَخمس أَو سبع ثمَّ يُبَالغ فِي نشفه صِيَانة للكفن عَن الرُّطُوبَة وَيسْتَعْمل قدرا من الكافور لدفع الْهَوَام فرعان أَحدهمَا لَو خرجت مِنْهُ نَجَاسَة بعد الْغسْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يُعِيد الْكل الثَّانِي أَنه يُعِيد الْوضُوء دون الْغسْل الثَّالِث يقْتَصر على إِزَالَة النَّجَاسَة الثَّانِي لَو احْتَرَقَ مُسلم وَكَانَ فِي غسله مَا يهرئه يممناه وَلَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح وغسله يسْرع إِلَيْهِ الْفساد غسلناه لِأَن مصيره إِلَى البلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 النّظر الثَّانِي فِي الْغَاسِل وَيجوز للرِّجَال غسل الرِّجَال وللنساء غسل النِّسَاء وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس فَلَا يجوز إِلَّا بزوجية أَو محرمية وَيجوز بِملك الْيَمين للسَّيِّد فِي أمته ومستولداته وَهل وَيجوز لَهما غسل السَّيِّد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم كَالزَّوْجَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا صارتا أجنبيتين بالعنق والانتقال إِلَى الْوَرَثَة فرعان الأول لَو مَاتَت امْرَأَة وَلم تَجِد إِلَّا رجلا أَجْنَبِيّا أَو مَاتَ رجل وَلم يجد إِلَّا أَجْنَبِيَّة تولى الْغسْل من حضر مَعَ عض الْبَصَر وَكَذَا الْخُنْثَى يتَوَلَّى غسله إِمَّا الرِّجَال وَإِمَّا النِّسَاء استصحابا لحكم الصغر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَقيل يتَيَمَّم فِي هَذِه الصُّور وفقد الْغَاسِل كفقد المَاء وَهُوَ بعيد الثَّانِي إِذا ازْدحم جمع يصلحون للْغسْل على امْرَأَة فالبداية بنساء الْمَحَارِم ثمَّ بعدهن بالأجنبيات ثمَّ بِالزَّوْجِ ثمَّ بِرِجَال الْمَحَارِم وترتيب الْمَحَارِم كترتيبهم فِي الصَّلَاة هَذِه طَريقَة المراوزة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي تَقْدِيم الزَّوْج على نسَاء الْمَحَارِم لِأَنَّهُ ينظر إِلَى مَا لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ ووجها فِي تَقْدِيم رجال الْمَحَارِم على الزَّوْج لِأَن النِّكَاح مُنْقَطع بِالْمَوْتِ وَلَا شكّ أَن الْمُسلم الْأَجْنَبِيّ أولى من الْقَرِيب الْمُشرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 هُنَا إِذا تنافسوا فَإِن تواكلوا فللمتأخر أَن يتعاطى الْغسْل قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد التَّرْتِيب بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء وَاجِب لَا يدْخلهُ الْخيرَة أما التواكل بَين الرِّجَال أَو بَين النِّسَاء فَغير مُمْتَنع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 القَوْل فِي التزيين وَفِي قلم أظفار الْمَيِّت وَحلق شعره الذى كَانَ يحلقه ندبا فِي حَال الْحَيَاة قَولَانِ أَحدهمَا يسْتَحبّ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام افعلوا بموتاكم مَا تَفْعَلُونَ بأحيائكم وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم الْمَوْت شَامِل لأجزائه فَلَا يفصل مِنْهُ شئ أما الْمحرم فَلَا يحلق شعره وَلَا يخمر رَأسه إِن كَانَ رجلا وَوَجهه إِن كَانَت امْرَأَة وَلَا يقرب طيبا وَفِي صِيَانة الْمُعْتَدَّة عَن الطّيب وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن امتناعها تحرز عَن الرِّجَال أَو تفجع على الزَّوْج وَقد فَاتَ بِالْمَوْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 القَوْل فِي التَّكْفِين وَأحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض ولبكن جنسه الْقطن أَو الْكَتَّان أما الْحَرِير فَيحرم على الرِّجَال وَيكرهُ للنِّسَاء لأجل السَّرف وَأَقل الْكَفَن ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع الْبدن فَلَو أوصى بِمَا دون ذَلِك لم ينفذ لِأَنَّهُ حق الشَّرْع فَأَما الثَّانِي وَالثَّالِث فَهُوَ حق الْمَيِّت ينفذ وَصيته فِي إِسْقَاطهَا وَالصَّحِيح أَن الْوَرَثَة يلْزمهُم الثَّانِي وَالثَّالِث وَهل للْغُرَمَاء الْمُنَازعَة فِيهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن تبرئه ذمَّته أولى من الزِّيَادَة على وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك من تجمله بعد الْمَوْت فَهُوَ كعمايتة ودراعته فِي حَال حَيَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 فَأَما الْمَرْأَة إِن لم تخلف مَالا فَهَل يجب على زَوجهَا تجهيزها فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن النِّكَاح قد انْتهى الثَّانِي نعم لِأَن النِّكَاح قد اسْتَقر وَأوجب الْإِرْث وَهَذِه آخر حاجاتها فِي الْكسْوَة فَإِن لم نوجب على الزَّوْج فتكفين كل فَقير من بَيت المَال وَلَكِن بِثَوْب وَاحِد أَو بِثَلَاثَة فِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر أَنه ثوب وَاحِد أما الْأَكْمَل فَهُوَ الثَّلَاث فِي حق الرِّجَال وَالزِّيَادَة إِلَى الْخمس جَائِز من غير اسْتِحْبَاب وَفِي حق النِّسَاء مُسْتَحبّ وَالزِّيَادَة على الْخمس سرف على الْإِطْلَاق ثمَّ إِن كفن فِي خمس فعمامة وقميص وَثَلَاث لفائف وَإِن كفن فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف من غير قَمِيص وَلَا عمائم كلهَا سوابغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَإِن كفنت فِي خمس فإزار وخمار وَثَلَاث لفائف وَفِي قَول تبدل لفافة بقميص وَإِن كفنت فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف وَإِنَّمَا التَّرَدُّد فِي الْقَمِيص إِذا كفنت فِي خمس أما كَيْفيَّة الإدراج فِي الْكَفَن فَأن يفرش اللفافة الْعليا ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط عَلَيْهَا الثَّانِيَة ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط الثَّالِثَة وَيُزَاد فِي الحنوط وَيُوضَع الْمَيِّت عَلَيْهَا ثمَّ يَأْخُذ قدرا صَالحا من الْقطن الحليج ويلف قدرا مِنْهُ ويدسه فِي الأليتين ثمَّ يبسط عَلَيْهِ قدرا عريضا من الْقطن ويشد الأليتين ويستوثق كَيْلا يخرج مِنْهُ خَارج ثمَّ يعمد إِلَى المنافذ من الْعين والفم وَالْأنف وَالْأُذن ويلصق بِكُل مَوضِع قطنه عَلَيْهَا كافور ثمَّ يلف الْكَفَن عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن يبخر الْكَفَن بِالْعودِ وَهُوَ أولى من الْمسك وَفِي كَون الحنوط وَاجِبا أَو مُسْتَحبا وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه مُسْتَحبّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 القَوْل فِي حمل الْجِنَازَة وَالْأولَى أَن يحملهُ ثَلَاثَة وَيكون السَّابِق بَين العمودين فَإِن لم يسْتَقلّ بِحمْل الخشبتين فرجلان من جانبيه وَهُوَ بَين العمودين فيكونون خَمْسَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْحمل بَين العمودين بِدعَة وَمن أَرَادَ أَن يحمل الْجِنَازَة فليحملها من جَمِيع جوانبها فَيحمل على عَاتِقه الْأَيْمن مُقَدّمَة الْجِنَازَة ثمَّ يرجع إِلَى مُقَابِله من مؤخرتها ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 يفعل ذَلِك بالشق الآخر ثمَّ الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة خلفهَا أفضل وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ رَاكِبًا فخلفها وَإِن كَانَ مَاشِيا فأمامها وَالْمَشْي أفضل من الرّكُوب والإسراع بالجنازة أولى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ خيرا فَإلَى خير تقدمونه وَإِن كَانَ غير ذَلِك فبعدا لأهل النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 القَوْل فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِيمَن يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ كل ميت مُسلم لَيْسَ بِشَهِيد فهذ ثَلَاثَة قيود الْقَيْد الأول الْمَيِّت وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى لَو صادفنا عُضْو آدَمِيّ وَاحْتمل كَون صَاحبه حَيا لم نصل عَلَيْهِ وَإِن قطع بِمَوْت صَاحبه غسلناه وصلينا عَلَيْهِ وواريناه بِخرقَة ودفناه وَتَكون هَذِه الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصلى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا وجد النّصْف الْأَكْبَر فَإِنَّهُ لَا تجوز الصَّلَاة على الْغَائِب عِنْده الثَّانِيَة السقط إِن خرج واستهل فَهُوَ كالكبير وَإِن لم يظْهر عَلَيْهِ التخطيط فيوارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فِي خرقَة وَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق حَيَاته وَإِن ظهر شكل الْآدَمِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كالكبير اسْتِدْلَالا بالشكل على الرّوح وَالثَّانِي لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم تحقق حَيَاته وَالثَّالِث أَنه يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ والدفن يجب قولا وَاحِدًا والكفن لَا يجب إكماله إِلَّا إِذا أَوجَبْنَا الصَّلَاة وَإِن اختلج بعد الِانْفِصَال قَلِيلا ثمَّ سكن فَالْخِلَاف هَاهُنَا مُرَتّب وَأولى بِأَن يعْتَقد حَيَاته الْقَيْد الثَّانِي الْإِسْلَام فَلَا يصلى قطّ على كَافِر وَلَا على مُبْتَدع يكفر فِي بدعته وَإِن كَانَ الْكَافِر حَرْبِيّا فَلَا يجب دَفنه وَأما الذِّمِّيّ فَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَكِن دَفنه وتكفينه من فروض الكفايات وَفَاء بِالذِّمةِ وَفِي كَلَام الصيدلاني إِشَارَة إِلَى أَنه كالحربي إِذْ لم يبْق لَهُ ذمَّة بعد الْمَوْت فرع إِذا اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بالمشركين نغسلهم ونكفنهم تقصيا عَن الْوَاجِب ثمَّ عِنْد الصَّلَاة نميز الْمُسلمين عَن الْكَافرين بِالنِّيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 الْقَيْد الثَّالِث الشَّهَادَة فَلَا يغسل شَهِيد وَلَا يصلى عَلَيْهِ والشهيد من مَاتَ بِسَبَب الْقِتَال مَعَ الْكفَّار فِي وَقت قيام الْقِتَال فَهَذِهِ ثَلَاثَة معَان فَإِن كَانَ فِي قتال أهل الْبَغي أَو مَاتَ حتف أَنفه فِي قتال الْكفَّار أَو مَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال بجراحة مثخنة أَصَابَته فِي الْقِتَال أَو قَتله الْحَرْبِيّ اغتيالا من غير قتال فَفِي الْكل قَولَانِ أَحدهمَا يثبت لَهُ حكم الشَّهَادَة للاشتراك فِي الْمَعْنى وَالثَّانِي لَا لِأَن لكل وصف من هَذِه الْأَوْصَاف أثرا وَلَا خلاف أَن من أَصَابَهُ فِي الْقِتَال سلَاح مُسلم أَو وطأته دَوَاب الْمُسلمين فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَلَا خلاف أَن الْمَجْرُوح إِذا كَانَ يتَوَقَّع حَيَاته فَمَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال فَلَيْسَ بِشَهِيد وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَن يقطع بِأَنَّهُ يَمُوت إِذا بقيت فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَأَما الْقَتِيل ظلما من مُسلم أَو ذمِّي أَو المبطون أَو الْغَرِيب إِذا مَاتَ فَهَؤُلَاءِ يصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 عَلَيْهِم وَإِن ورد فيهم لفظ الشَّهَادَة والقتيل بِالْحَقِّ قصاصا أَو حدا لَيْسَ بِشَهِيد فرعان أَحدهمَا تَارِك الصَّلَاة إِذا قتل يصلى عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يطمس قَبره وَلَا يُكفن وَلَا يصلى عَلَيْهِ تحقيرا لَهُ وَهُوَ بعيد الثَّانِي قَاطع الطَّرِيق إِذا صلب قيل لَا يصلى عَلَيْهِ تَغْلِيظًا وَالظَّاهِر أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه يتْرك مصلوبا حَتَّى يتهرى فالطريق أَن نَقْتُلهُ أَولا ونغسله وَنُصَلِّي عَلَيْهِ ونصلبه فِي كَفنه وَكَأن الْهَوَاء قَبره وَإِن قُلْنَا يقتل مصلوبا فَينزل بعد الْقَتْل وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن وَمن يرى أَنه يقتل مصلوبا وَيبقى فَلَا يتَمَكَّن من الصَّلَاة فَإِن قيل فبماذا يُفَارق الشَّهِيد غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 قُلْنَا فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول الْغسْل فَإِنَّهُ حرَام فِي حَقه وَإِن كَانَ جنبا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُم يحشرون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا فاللون لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَخرج ابْن سُرَيج وَجها فِي الْجنب أَنه يغسل الثَّانِي الصَّلَاة عَلَيْهِ حرَام عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ جَائِز وَلكنه غير وَاجِب الثَّالِث لَا يزَال دم الشَّهَادَة وَهل يزَال سَائِر النَّجَاسَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن المعفو عَنهُ أثر الشَّهَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَالثَّانِي لَا لِأَن إِزَالَتهَا يُؤَدِّي إِلَى إِزَالَة أثر الشَّهَادَة وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى الْإِزَالَة فَلَا يزَال وَإِلَّا فيزال الْأَمر الرَّابِع التَّكْفِين فِي حَقه كَهُوَ فِي حق غَيره إِلَّا أَن الثِّيَاب الملطخة بِالدَّمِ لَا ينْزع وَلَو نَزعه الْوَارِث أَو أبدله فَلَا يمْنَع وَأما الدرْع وَالثيَاب الخشنة فَلَا شكّ فِي نَزعهَا الطّرف الثَّانِي فِيمَن يُصَلِّي وَالنَّظَر فِي صفة الإِمَام وموقفه أما الصّفة فَالْأولى بِالصَّلَاةِ الْقَرِيب وَلَا يقدم على الْقَرَابَة إِلَّا الذُّكُورَة حَتَّى يقدم صبي مراهق على امْرَأَة والوالي يقدم على الْقَرِيب فِي الْقَدِيم ثمَّ تَرْتِيب الْأَقَارِب أَن يبْدَأ بِالْأَبِ ثمَّ الْجد ثمَّ الابْن ثمَّ الْعَصَبَات على ترتيبهم فِي الْولَايَة ثمَّ فِي تَقْدِيم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ من الْأَب طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالصَّحِيح التَّقْدِيم لِأَن لقرابة النِّسَاء مدخلًا فِي الصَّلَاة وَكَذَلِكَ إِذا فَقدنَا الْعَصَبَات قدمنَا ذَوي الْأَرْحَام وَالْأولَى تَقْدِيم الْمُعْتق عَلَيْهِم كَمَا فِي الْإِرْث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 فرعان أَحدهمَا أَن السن وَالْفِقْه إِذا تَعَارضا فِي أَخَوَيْنِ قَالَت المراوزة الأفقه أولى كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا يدل على أَن السن أولى وَنَصه فِي سَائِر الصَّلَوَات يدل على أَن الْفِقْه أولى فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَوجه تَقْدِيم السن هَاهُنَا أَن المُرَاد الدُّعَاء وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يستحي أَن يرد دَعْوَة ذِي الشيبة الْمُسلم الثَّانِي عبد فَقِيه وحر غير فَقِيه وَأَخ رَقِيق وَعم حر فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَان وَلَعَلَّ التَّسْوِيَة أولى لتعادل الْخِصَال وَعند التَّسْوِيَة لَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي فَأَما الْموقف فليقف الإِمَام وَرَاء الْجِنَازَة عِنْد صدر الْمَيِّت إِن كَانَ رجلا وَعند عجيزة الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحاول سترهَا عَن الْقَوْم فَلَو تقدم على الْجِنَازَة فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على تقدم الْمُقْتَدِي على الإِمَام وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْغَائِب قد يصلى عَلَيْهِ وَيكون الْمَيِّت وَرَاء الْمُصَلِّي وَإِن كَانَ ذَلِك بِسَبَب الْحَاجة فَلَا بَأْس بِإِدْخَال الْجِنَازَة الْمَسْجِد خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 فرعان الأول إِذا اجْتمع الْجَنَائِز فَيجوز أَن يفرد كل وَاحِدَة بِالصَّلَاةِ وَيجوز أَن يصلى على الْجمع وَفِي كَيْفيَّة الْوَضع وَجْهَان الْأَصَح أَنه يوضع الْكل بَين يَدي الإِمَام على هَذِه الصُّورَة الثَّانِي أَنه يوضع صفا مَادًّا فِي يَمِين الإِمَام على هَذِه الصُّورَة الثَّانِي أَن قرب الْجِنَازَة من الإِمَام رُتْبَة مَطْلُوبَة مُسْتَحقّ بِالسَّبقِ مرّة وبالتقدم فِي الرُّتْبَة أُخْرَى فَيُوضَع الرجل أَولا ثمَّ الصَّبِي ثمَّ الْخُنْثَى ثمَّ الْمَرْأَة وَلَا يقدم بِالْحُرِّيَّةِ وَالرّق وَلَكِن بِصِفَات دينية تزيد الرَّغْبَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَو سبقت جَنَازَة امْرَأَة فَإِذا ألحق رجل نحيت الْمَرْأَة وَلَو سبق جَنَازَة صبي لَا تنحى بِسَبَب رجل وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه ينحى وَعند تَسَاوِي الصِّفَات فَلَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة وأقلها تِسْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 أَرْكَان النِّيَّة والتكبيرات الْأَرْبَع وَالسَّلَام والفاتحة بعد الأولى وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة على الْآل خلاف وَالدُّعَاء للْمَيت بعد الثَّالِثَة ركن وَهُوَ الْمَقْصُود الأهم وَقيل يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين من غير ربط بِالْمَيتِ فَلَو زَاد تَكْبِيرَة خَامِسَة بطلت الصَّلَاة على أحد الْوَجْهَيْنِ تَشْبِيها لكل تَكْبِيرَة بِرَكْعَة فَأَما الْأَكْمَل فيرفع السَّيِّد فِي التَّكْبِيرَات عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي دُعَاء الاستفتاح والتعوذ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَا يسْتَحبّ الاستفتاح ويتعوذ لِأَنَّهُ من تَوَابِع الْقِرَاءَة وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وَقَالَ الصيدلاني يجْهر لَيْلًا وَفِي اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عِنْد الدُّعَاء للْمَيت تردد لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف وَالأَصَح الِاسْتِحْبَاب وَلم يتَعَرَّض الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لذكر بَين الرَّابِعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَالسَّلَام وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه يَقُول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده وَفِي تعدد السَّلَام خلاف مُرَتّب على سَائِر الصَّلَوَات والاقتصار هَاهُنَا أولى فَيسلم بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه وَقيل يسلم ملتفتا إِلَى يَمِينه وَيخْتم وَوَجهه مائل إِلَى يسَاره فيدير الْوَجْه فِي تَسْلِيمه وَاحِدَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يسْجد فِي هَذِه الصَّلَاة لسهو فروع ثَلَاثَة الأول إِن صلى شفعوي خلف من يكبر خمْسا إِن قُلْنَا إِن زِيَادَة التَّكْبِير تبطل الصَّلَاة فَهِيَ كالاقتداء بالحنفي وَإِن قُلْنَا لَا تبطل صحت الْقدْوَة وَلَكِن فِي الْمُوَافقَة فِي التَّكْبِير الزَّائِد قَولَانِ جاريان فِي اخْتِلَاف فعل الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَفِي الْقُنُوت وتكبيرات الْعِيدَيْنِ أَن الأولى الْمُتَابَعَة أم لَا الثَّانِي الْمَسْبُوق يكبر كَمَا أدْرك وَإِن كَانَ الإِمَام فِي الْقِرَاءَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصبر إِلَى أَن يشْتَغل الإِمَام بالتكبيرة الَّتِى يستقبلها ثمَّ لَا بَأْس إِن كَانَ هُوَ يقْرَأ بَقِيَّة الْفَاتِحَة وَالْإِمَام يُصَلِّي على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن هَذَا هُوَ أول صَلَاة الْمَسْبُوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَلَكِن يساوق الإِمَام فِي التَّكْبِيرَات فَإِذا سلم الإِمَام تدارك الْبَقِيَّة وَلَا يُبَالِي وَإِن رفعت الْجِنَازَة الثَّالِث لَو تخلف عَن الإِمَام قصدا بتكبيرة بطلت صلَاته لِأَنَّهَا كركعة وَإِذا لم يُوَافق فِيمَا بَين التكبيرتين لَا يبْقى للقدوة معنى الطّرف الرَّابِع فِي شَرَائِط الصَّلَاة وَهِي كَسَائِر الصَّلَوَات وتتميز بِأُمُور الأول أَنه لَا يشْتَرط حُضُور ميت بل يصلى على الْغَائِب خلافًا لأبي حنيفَة صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّجَاشِيّ وَقد مَاتَ بِالْحَبَشَةِ وَإِن كَانَت الْجِنَازَة فِي الْبَلَد فَفِي صَلَاة من لم يحضرها خلاف لتيسر الْحُضُور الثَّانِي لَا يشْتَرط ظُهُور الْمَيِّت بل تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد الدّفن صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المسكينة بعد الدّفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 نعم لَو دفنُوا قبل الصَّلَاة خَرجُوا وَلَكِن تصح صلَاتهم وَصَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة صَحِيحَة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَيْسَ ذَلِك تَطَوّعا بل هُوَ كَمَا لَو التحقوا بِالْجَمَاعَة الأولى وَإِنَّمَا التَّطَوُّع أَن يُعِيد الْإِنْسَان صَلَاة الْجِنَازَة وَذَلِكَ غير مُسْتَحبّ ثمَّ فِي مُدَّة جَوَاز الصَّلَاة بعد الدّفن خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَنه إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَالثَّانِي إِلَى شهر وَالثَّالِث إِلَى انمحاق أَجْزَائِهِ وَالرَّابِع أَن من كَانَ للصَّلَاة أَهلا يَوْم مَوته يصلى عَلَيْهِ وَمن لَا فَلَا الْخَامِس أَنه يجوز أبدا وعَلى هَذَا فَلَا تجوز الصَّلَاة على قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 الْأَمر الثَّالِث أَن هَذِه الصَّلَاة فرض على الْكِفَايَة وَيسْقط الْفَرْض بِصَلَاة أَرْبَعَة من الرِّجَال صلوا جمَاعَة أَو آحادا وَهل يسْقط بِجِنْس النِّسَاء فِيهِ خلاف وَقيل يَكْفِي شخص وَاحِد وَقيل لَا بُد من ثَلَاث وَقيل لَا بُد من أَربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 القَوْل فِي الدّفن الدّفن من فروض الكفايات وَأقله حُفْرَة توارى بدن الْمَيِّت وتحرسه من السبَاع وتكتم رَائِحَته وأكمله قبر على قامة رجل ربع واللحد أولى من الشق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشق لغيرنا واللحد لنا وَليكن اللَّحْد فِي جِهَة الْقبْلَة ثمَّ تُوضَع الْجِنَازَة على رَأس الْقَبْر بِحَيْثُ يكون رَأس الْمَيِّت عِنْد مُؤخر الْقَبْر فيسل الْوَاقِف دَاخل الْقَبْر الْمَيِّت من قبل رَأسه ويضعه فِي اللَّحْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة تُوضَع الْجِنَازَة بَين الْقبْلَة والقبر عرضا ثمَّ ترد قهقرى إِلَى الْقَبْر ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يدْخل الْمَيِّت قَبره إِلَّا الرجل فَإِن كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة فيتولى ذَلِك زَوجهَا أَو محارمها فَإِن لم يَكُونُوا فعبيدها فَإِن لم يَكُونُوا فخصيان فَإِن لم يَكُونُوا فأرحام فَإِن لم يَكُونُوا فالأجانب وَذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ يضعفن عَن مُبَاشرَة هَذَا الْأَمر ثمَّ إِن كَانَ المدفون صَبيا اسْتَقل بِهِ وَاحِد فَإِن زَاد فَلْيَكُن عَددهمْ وترا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 ثمَّ يضجعون الْمَيِّت على جنبه الْأَيْمن فِي اللَّحْد قبالة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا ينكب وَلَا يستلقي وَحسن أَن يُفْضِي بِوَجْهِهِ إِلَى تُرَاب أَو لبنة مَوْضُوعَة تَحت رَأسه وَلَا يوضع رَأسه على مخدة ثمَّ ينصب اللين على فتح اللَّحْد ويسد الْفرج بِمَا يمْنَع انهيار التُّرَاب عَلَيْهِ ثمَّ يحثو كل من دنا ثَلَاث حثيات من التُّرَاب ثمَّ يهال التُّرَاب عَلَيْهِ بِالْمَسَاحِي وَلَا يرفع نعش الْقَبْر إِلَّا بِمِقْدَار شبر وَلَا يجصص وَلَا يطين وَلَو صب الْحَصَى عَلَيْهِ فَلَا بَأْس وَلَو وضع حجر على رَأس الْقَبْر للعلامة فَلَا بَأْس ثمَّ تَسْتَطِيع الْقُبُور عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أفضل من تسنيمها لَكِن التسنيم الْآن أفضل مُخَالفَة لشعار الروافض حَتَّى ظن ظانون أَن الْقُنُوت إِن صَار شعارا لَهُم كَانَ الأولى تَركه هَذَا بعيد فِي أبعاض الصَّلَاة وَإِنَّمَا نخالفهم فِي هيئات مثل التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَأَمْثَاله ثمَّ الْأَفْضَل أَن يمْكث المشيع للجنازة إِلَى أَن يواري الْمَيِّت قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على ميت وَانْصَرف فَلهُ قِيرَاط من الْأجر وَمن صلى وَاتبع الْجِنَازَة وَشهد الدّفن فَلهُ قيراطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 فرعان الأول أَنه لَا يدْفن فِي قبر وَاحِد ميتان مَا أمكن وَإِن اجْتمع موتى فِي قحط وموتان جعلنَا الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد وَقدمنَا الْأَفْضَل إِلَى جِدَار اللَّحْد فَيقدم الْأَب على الابْن وَالِابْن على الْأُم لمَكَان الذُّكُورَة وَلِأَنَّهُ الْأَحْسَن فِي هَيْئَة الْوَضع وَلَا يجمع بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَإِن ظَهرت الضَّرُورَة جعلنَا بَينهمَا حاجزا من التُّرَاب الثَّانِي الْقَبْر مُحْتَرم فَيكْرَه الْجُلُوس وَالْمَشْي والاتكاء عَلَيْهِ وليخرج الزائر مِنْهُ إِلَّا حد كَانَ يقرب مِنْهُ لَو كَانَ حَيا وَلَا يحل نبش الْقُبُور إِلَّا إِذا انمحق أثر الْمَيِّت بطول الزَّمَان أَو دفن من غير غسل فَالظَّاهِر أَنه ينبش الْقَبْر وَيغسل أَو دفن فِي أَرض مَغْصُوبَة وَترك الْمَالِك إِخْرَاجه فَإِن حق الْحَيّ أولى بالمراعاة وَلَو دفن قبل الصَّلَاة صلي عَلَيْهِ فِي الْقَبْر وَلَو دفن قبل التَّكْفِين فَوَجْهَانِ أظهرهمَا أَنه لَا ينبش لِأَن الْقَبْر ستره بِخِلَاف الْغسْل فَإِن مَقْصُوده لَا يحصل بالدفن وَلَو دفن فِي كفن مَغْصُوب فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 أظهرهمَا أَنه ينبش كالأرض الْمَغْصُوبَة وكما لَو ابتلع لؤلؤة فَإِنَّهُ يشق بَطْنه لأجل ملك الْغَيْر وَالثَّانِي أَنه فِي حكم الْهَالِك فَيغرم الْقيمَة إِن أمكن وَإِلَّا فالنبش عِنْد الْعَجز عَن الْقيمَة لَا بُد مِنْهُ وَالثَّالِث أَنه إِن تغير الْمَيِّت وَأدّى إِلَى هتك حرمته فَلَا ينبش وَهُوَ الأقيس وَإِلَّا فينبش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 القَوْل فِي التَّعْزِيَة والبكاء والتعزية سنة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره ومقصوده الْحمل على الصَّبْر بوعد الْأجر والتحذير من الْوزر بإفراط الْجزع وتذكير الْمُصَاب رُجُوع الْأَمر كُله إِلَى الله تَعَالَى ثمَّ يعزى الْكَافِر بقريبه الْمُسلم وَالدُّعَاء للْمَيت ويعزى الْمُسلم بقريبه الْكَافِر وَيكون الدُّعَاء للحي فَيَقُول جبر الله مصيبتك وألهمك الصَّبْر وَيسْتَحب تهيئة طَعَام لأجل أهل الْمَيِّت وَلَا يُؤثر التَّعْزِيَة بعد ثَلَاث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث أما الْبكاء فَجَائِز من غير ندبة ونياحة وشق جيب وَضرب خد فَكل ذَلِك حرَام لِأَنَّهُ يُخَالف الانقياد لقَضَاء الله تَعَالَى بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعض أَوْلَاده فَقَالَ سعد مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة وَإِن الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 يرحم من عباده الرُّحَمَاء فَإِن قيل أَلَيْسَ قَالَ إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ هَكَذَا رَوَاهُ عمر قُلْنَا قَالَ ابْن عمر مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا إِنَّمَا قَالَ يُزَاد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ حسبكم قَوْله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وَكَانَ الْكفَّار يوصون بالبكاء والنياحة فَلذَلِك زيد فِي عَذَابهمْ وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا كذب عمر وَلكنه أَخطَأ وَنسي إِنَّمَا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَهُودِيَّة مَاتَت ابْنَتهَا وَهِي تبْكي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّهُم يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا تعذب فِي قبرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَارِك الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَارِك الصَّلَاة يقتل قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر مَعْنَاهُ عِنْد الشَّافِعِي اسْتوْجبَ عُقُوبَة الْكَافِر وَحكم أَحْمد بِكُفْرِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة بخلى وَلَا قتل عَلَيْهِ ثمَّ الصَّحِيح أَنه يقتل بِصَلَاة وَاحِدَة إِذا تَركهَا عمدا وأخرجها عَن وَقت الضَّرُورَة فَلَا يقتل بِصَلَاة الظّهْر إِلَّا إِذا غربت الشَّمْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وَفِي مهلة الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام خلاف كَمَا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَد وَقد قيل إِنَّه لَا يقتل إِلَّا إِذا صَار التّرْك عَادَة لَهُ وَقيل إِذا ترك صَلَاتَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَكل ذَلِك تحكم ثمَّ يقتل بِالسِّين وَيصلى عَلَيْهِ كَمَا يصلى على الْمُسلمين وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يرفع نعشه وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ تحكم لَا أصل لَهُ وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 = كتاب الزَّكَاة = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الأَصْل فِيهَا من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} وَمن السّنة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث وَقَوله مَانع الزَّكَاة فِي النَّار وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وجوب الزَّكَاة وَهِي بِالْإِضَافَة إِلَى متعلقاتها سِتَّة زَكَاة النعم والنقدين وَالتِّجَارَة والمعشرات والمعادن والفطرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 النَّوْع الأول الزَّكَاة النعم وَالنَّظَر فِي وُجُوبهَا وآدائها الطّرف الأول فِي الْوُجُوب وَله ثَلَاثَة أَرْكَان من يجب عَلَيْهِ وَمَا يجب فِيهِ وَهُوَ السَّبَب وَالْوَاجِب أما من يجب عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط فِيهِ عندنَا إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَتجب الزَّكَاة على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا تجب على الْكَافِر وَالرَّقِيق أَعنِي الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَأما صفة الْوَاجِب وَقدره فيتبين بِبَيَان مقادير النّصاب وَإِنَّمَا يطول النّظر فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ مَا يجب فِيهِ وَله سِتَّة شَرَائِط أَن يكون نعما نِصَابا مَمْلُوكا متهيئا لكَمَال التَّصَرُّف سَائِمَة بَاقِيا حولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الشَّرْط الأول أَن يكون نعما فَلَا زَكَاة إِلَّا فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا زَكَاة فِي البغال وَالْحمير وَالْخَيْل والرقق وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كل فرس أُنْثَى سَائِمَة دِينَار وَلَا زَكَاة فِي المتولدة من الظباء وَالْغنم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت الْأُمَّهَات من الْغنم وَجب الزَّكَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون نِصَابا أما الْإِبِل فَفِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا الْغنم فِي كل خمس شَاة فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض فَإِن لم يكن فِيهَا بنت مَخَاض فَابْن لبون ذكر وَلَيْسَ مَعَه شَيْء فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقة وَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين فَفِيهَا جَذَعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين إِلَى تسعين فَفِيهَا بنت لبون فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى مائَة وَعشْرين فَفِيهَا حقتان فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة كل ذَلِك لفظ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه كتبه فِي كتاب الصَّدَقَة لأنس بن مَالك وَبنت الْمَخَاض لَهَا سنة وَبنت اللَّبُون لَهَا سنتَانِ وللحقة ثَلَاث وللجذعة أَربع أما الْبَقر فَلَا شَيْء فِيهِ حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تبيع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ سِتِّينَ فَفِيهَا تبيعان ثمَّ اسْتَقر الْحساب فَفِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهِي الَّتِى لَهَا سنتَانِ وَأما الْغنم فقد روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتاب الصَّدَقَة وَفِيه فِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة فَإِن كَانَت الْغنم أَكثر من ذَلِك فَفِي كل مائَة شَاة وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِي الْغنم هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز والجذعة هِيَ الَّتِي لَهَا سنة وَاحِدَة وَقيل سِتَّة أشهر والثنية الَّتِى لَهَا سنتَانِ ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي زَكَاة الْإِبِل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 سِتَّة مَوَاضِع النّظر الأول فِي إِخْرَاج الشَّاة عَن خمس من الْإِبِل وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى أَن الْوَاجِب من حَيْثُ السن جَذَعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز وَمن حَيْثُ النَّوْع أَعنِي تعْيين الضَّأْن من الْمعز فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر غَالب غنم الْبَلَد فَإِن كَانَ الْغَالِب الضَّأْن أخرج الضَّأْن كَمَا تعْتَبر زَكَاة الْفطر بغالب الْقُوت على الْأَصَح خلاف الشَّاة الْوَاجِبَة فِي أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يعْتَبر بالمخرج مِنْهُ لِأَنَّهُ من جنسه وَالثَّانِي أَنه يخرج مَا شَاءَ فَإِنَّهُ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّاة وَلم يجب إِلَّا شَاة كَمَا يجْرِي فِي الرَّقَبَة الْمُطلقَة فِي الْكَفَاءَة مَا ينْطَلق الِاسْم عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاة الْمَذْكُورَة فِي الْمَنَاسِك وَقيل إِنَّه يعْتَبر جنس غنم صَاحب الْإِبِل وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة لَو أخرج جدعا ذكرا أَو ثنيا ذكرا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُجزئ اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي لَا تَنْزِيلا للمطلق هَاهُنَا على الْمفصل فِي زَكَاة الْغنم وَهِي الْأُنْثَى وَهَذَا الْخلاف جَاءَ فِي شَاة الْجبرَان الثَّالِثَة لَو أخرج بَعِيرًا عَن الْعشْرين فَمَا دونه يُجزئ لِأَنَّهُ يُجزئ عَن خمس وَعشْرين فَهُوَ بِأَن يُجزئ عَن الْأَقَل أولى وَلَا بَأْس وَإِن كَانَت قِيمَته أقل من الشَّاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَقَالَ الْقفال لَا يُؤْخَذ نَاقص الْقيمَة وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ الْتِفَات إِلَى الْبَدَل وَلم يُوجد هَذَا بطرِيق الْبَدَلِيَّة وَقيل إِنَّه لَا يُجزئ بعير عَن عشرَة بل لَا بُد من حيوانين إِمَّا بعير وشَاة وَإِمَّا بعيران وَهُوَ أَيْضا بعيد لما ذَكرْنَاهُ من طَرِيق الأولى وترددوا فِي أَن الْبَعِير الْمخْرج من الْخمس هَل كُله فرض أَو الْفَرْض خمسه النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْعُدُول عَن بنت مَخَاض عِنْد فقدها إِلَى ابْن لبون وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِن لم يكن فِي مَاله بنت مَخَاض وَلَا ابْن لبون تخير فِي الشِّرَاء لِأَنَّهُ مهما اشْترى ابْن لبون فقد صَار مَوْجُودا دون بنت مَخَاض وَيلْزم أَخذه وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يتَعَيَّن شِرَاء بنت مَخَاض لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْفَقْد كاستوائهما فِي الْوُجُود الثَّانِيَة لَو كَانَ فِي مَاله بنت مَخَاض مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة فَيُؤْخَذ مِنْهُ ابْن لبون وَإِن كَانَت كَرِيمَة فَلَا يُطَالب بهَا قَالَ الْقفال يلْزمه شِرَاء بنت مَخَاض لِأَنَّهَا مَوْجُودَة فِي مَاله وَإِنَّمَا نزل نظرا لَهُ فَلَا يُؤْخَذ ابْن لبون وَقَالَ غَيره يُؤْخَذ لِأَنَّهَا كالمعدومة إِذْ لَا يجب تَسْلِيمهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 الثَّالِثَة الْخُنْثَى من بَنَات لبون تُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض عِنْد فَقده لِأَنَّهُ بَين أَن يكون ذكرا أَو أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مأخوذان وَقيل إِنَّه لَا يُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض لتشوه الْخلقَة بِهَذَا النُّقْصَان الرَّابِعَة لَو أخرج حَقًا بَدَلا عَن بنت لبون عِنْد فقدها أَخذ جبرا لفَوَات الْأُنُوثَة بِزِيَادَة السن وَقِيَاسًا على ابْن لبون بِالنِّسْبَةِ إِلَى بنت مَخَاض وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يحْتَمل أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَنَّهُ بدل وَلَيْسَ مَنْصُوصا عَلَيْهِ النّظر الثَّالِث فِي الِاسْتِقْرَار فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على مائَة وَعشْرين فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 لبون وَفِي انبساط الْوَاجِب على الْوَاحِدَة وَجْهَان أَحدهمَا الْقيَاس أَنه ينبسط وَالثَّانِي أَنه لَا ينبسط حَتَّى يكون فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وعَلى هَذَا بنى أَنه لَو زَاد نصف بعير على مائَة وَعشْرين وَجب ثَلَاث بَنَات لبون وَهُوَ بعيد وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ يسْتَأْنف الْحساب عِنْد ذَلِك فَيجب فِي كل خمس شَاة وَقَالَ ابْن خيران يتَخَيَّر بَين مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 النّظر الرَّابِع فِي اجْتِمَاع بَنَات اللَّبُون والحقاق فَإِذا ملك مِائَتَيْنِ من الْإِبِل فَهِيَ أَربع خمسينيات وَخمْس أربعينيات فَإِن لم يُوجد فِي مَاله إِلَّا أحد السنين أَخذ وَإِن فقد فَلهُ أَن يَشْتَرِي مَا شَاءَ على الصَّحِيح وَإِن وجدا جَمِيعًا فَالْوَاجِب إِخْرَاج الأغبط للْمَسَاكِين لِأَنَّهُمَا متساويان فِي الْوُجُوب والوجود وَلَا بُد من تَرْجِيح فغرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الْمَسَاكِين أولى مَا يرجح بِهِ بِخِلَاف الشاتين وَالدَّرَاهِم فِي الْجبرَان فَإِن لفظ الْخَبَر دلّ على أَن الْخيرَة للمعطي فِيهِ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يتَخَيَّر هَاهُنَا كَمَا فِي الْجبرَان وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ قولا أَن الحقة تتَعَيَّن لِأَن رَغْبَة الشَّرْع فِي زِيَادَة السن أَكثر مِنْهُ فِي زِيَادَة الْعدَد فَإِنَّهُ لم يزدْ فِي الْعدَد إِلَّا بعد انْقِطَاع الْأَسْنَان الْمُعْتَبرَة التَّفْرِيع على النَّص إِذا أخرج غير الأغبط فَأخذ السَّاعِي عمدا لم يَقع الْموقع وَإِن أَخذه بِاجْتِهَادِهِ فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 فَإِن قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي وجوب قدر التَّفَاوُت وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يجب فَإِن لم يجد بِهِ شِقْصا أَخذنَا الدَّرَاهِم فَإِن وجد فَهَل يجب شِرَاء شقص فَوَجْهَانِ فَإِن قُلْنَا يجب فيشتري من جنس الأغبط أَو من جنس الْمخْرج فَوَجْهَانِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو أخرج حقتين وبنتي لبون وَنصف وَلم يجز للتشقيص فَلَو ملك أَرْبَعمِائَة فَأخْرج أَربع حقاق وَخمْس بَنَات لبون فَالْأَظْهر الْجَوَاز وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز التَّفْرِيق فِي جنس الْمخْرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الثَّانِي لَو جعل الحقاق الْأَرْبَع أصلا وَنزل إِلَى بَنَات الْمَخَاض وَضم ثَمَانِيَة جبرانات وَاتخذ بَنَات اللَّبُون أصلا ورقي إِلَى الجذاع وَطلب عشر جبرانات لَا يجوز لِأَنَّهُ تخطى فِي الصُّورَتَيْنِ سنا وَاجِبا هُوَ أصل فِي نَفسه وتكثير الْجبرَان بِغَيْر حَاجَة لَا يجوز الثَّالِث لَو كَانَ فِي مَاله حقة وَأَرْبع بَنَات لبون فَجعل بَنَات اللَّبُون أصلا وَأخذ جبرانا للحقة جَازَ وَلَو جعل الحقة أصلا وَأخرج مَعهَا ثَلَاث بَنَات لبون وَثَلَاث جبرانات فَالْمَذْهَب جَوَازه وَقيل يمْتَنع لِأَنَّهُ يبْقى فِي مَاله بنت لبون وَهُوَ مستغن عَن الْجبرَان فِيهِ النّظر الْخَامِس فِي الْجبرَان وجبران كل مرتبَة فِي السن عِنْد فقد السن الْوَاجِب شَاتَان أَو عشرُون درهما مَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن رقي بسنين جمع بَين جبرانين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَلَا مدْخل للجبران فِي زَكَاة الْبَقر وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى أَن الْخيرَة إِلَى الْمُعْطى فِي تعْيين الشَّاة أَو الدَّرَاهِم وَفِي الانخفاض لتسليم الْجبرَان أَو الِارْتفَاع لأخذ الْجبرَان قيل الْخيرَة فِيهِ إِلَى الْمَالِك وَمن أَصْحَابنَا من نقل نصا عَن الْإِمْلَاء أَن المتبع الأغبط للْمَسَاكِين كَمَا فِي اجْتِمَاع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ أثبت ترفيها للْمَالِك كَيْلا يحْتَاج إِلَى الشِّرَاء فَلَا يَلِيق بِهِ إِلَّا التَّخْيِير نعم لَو كَانَت إبِله مراضا فَوَجَبَ بنت لبون فَأخْرج بنت مَخَاض مَعَ جبران قبل وَلَو ارْتقى إِلَى حقة وَطلب جبرانا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يزِيد قيمَة الْجبرَان على الْمَرِيضَة الثَّانِيَة لَو وَجب بنت مَخَاض فَنزل إِلَى فصيل مَعَ جبران لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِك سنا وَلَو وَجَبت جَذَعَة فَأخْرج ثنية وَطلب جبرانا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ ذَلِك كَسَائِر الْأَسْنَان وَالثَّانِي لَا لِأَن الثَّنية لَيست من أَسْنَان الزَّكَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الثَّالِثَة لَو كَانَ عَلَيْهِ بنت لبون فَلم يجد وَفِي مَاله حقة وجذعة فرقي إِلَى الْجَذعَة وَطلب جبرانين فَفِي جَوَازه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه مستغن عَن الْجبرَان الثَّانِي بِوُجُود الحقة وَكَذَا الْخلاف إِذا نزل من الحقة إِلَى بنت الْمَخَاض مَعَ وجود بنت اللَّبُون وَلَو رقي من بنت لبون إِلَى الْجَذعَة مَعَ وجود بنت مَخَاض فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْقَرِيب الْمَوْجُود لَيْسَ فِي جِهَة الترقي الرَّابِعَة لَا يجوز تَفْرِيق الْجبرَان الْوَاحِد بِإِخْرَاج شَاة وَعشرَة دَرَاهِم وَلَو رقي سِنِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 أَو نزل وَجمع بَين عشْرين درهما وشاتين جَازَ كَمَا فِي كفاءة يمينين النّظر السَّادِس فِي صفة الْمخْرج من حَيْثُ النُّقْصَان والكمال وَالنُّقْصَان خَمْسَة الْمَرَض وَالْعَيْب والذكورة والصغر ورداءة النَّوْع كالمعز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الضَّأْن فَإِن كَانَ كل المَال كَامِلا فِي هَذِه الصِّفَات لم يُؤْخَذ إِلَّا الْكَامِل وَإِن كَانَ كل المَال نَاقِصا فَيُؤْخَذ من جنسه إِلَّا فِي نُقْصَان الذُّكُورَة وَالسّن فَإِن فِيهَا وَجْهَيْن أَحدهمَا يُؤْخَذ قِيَاسا على غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الشَّاة أَو بنت لبون ينْطَلق على الْمَرِيضَة والمعيبة والرديئة وَلَا ينْطَلق على الذّكر والفصيل وَقد وَجب بِلَفْظ بنت لبون مثلا وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي أَخذ الذّكر وَالصَّغِير إِلَى التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فَيُؤْخَذ من إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَة وَمن خمس وَعشْرين وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَيُؤْخَذ من سِتّ وَثَلَاثِينَ ابْن لبون وَمن خمس وَعشْرين وَهَذَا محَال وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه حَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا أُنْثَى وكبيرة وَإِن جَاوز هَذَا الْمِقْدَار وَأخذ من الصغار صَغِيرَة أما إِذا اخْتلف المَال فِي هَذِه الصِّفَات أما فِي صفة الذُّكُورَة والصغر فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأَكْمَل فَإِذا كَانَ فِي المَال أُنْثَى وكبيرة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأُنْثَى والكبيرة لِأَنَّهُ قَالَ فِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَالْغَالِب أَن كل المَال لَا يَنْفَكّ عَن الصَّغِير وَالذكر وَلما رُوِيَ أَن عمر قَالَ لمصدقه اعْتد عَلَيْهِم بالسخلة الَّتِي يروح بهَا الرَّاعِي على يَدَيْهِ وَلَا تأخذها وَلَا تَأْخُذ الأكولة وَلَا الربى وَلَا الماخض وَلَا فَحل الْغنم وَخذ الْجَذعَة من الضَّأْن والثنية من الْمعز فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 المَال وجباره الأكولة مَا اتخذ للْأَكْل والربى الَّتِى تربي وَلَدهَا والماخض الْحَامِل وكل ذَلِك لَا يُؤْخَذ نظرا للْمَالِك فَإِن تبرع بِهِ قبل وَأما صفة الْمَرَض فَإِذا انقسم المَال إِلَى صَحِيح ومريض لم يُؤْخَذ إِلَّا الصَّحِيح نعم يُؤْخَذ صَحِيح فِي أقل الدَّرَجَات حَتَّى بَالغ بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ لَو كَانَ الصَّحِيح وَاحِدَة وَالْوَاجِب شَاتَان صَحِيح فأخرجها مَعَ مَرِيضَة لم يجز لِأَن الْمَرِيضَة تزكّى الْمخْرج مَعهَا وَهِي صَحِيحَة وَهَذَا سرف بل يقْضى بِأَنَّهُ إِذا لم يستبق شَيْئا من الصَّحِيح جَازَ ثمَّ يكْتَفى بصحيحة بِقرب قيمتهَا من ربع عشر مَاله إِذا كَانَ الْمَمْلُوك أَرْبَعِينَ من الْغنم كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الإجحاف بِهِ أما صفة الْعَيْب فَإِذا انقسم المَال إِلَى معيب وصحيح فَليخْرجْ بِاعْتِبَار الْقيمَة مَا يكون مُسَاوِيا ربع عشر مَاله فِي صُورَة الْأَرْبَعين وَإِن كَانَ الْكل معيبا وَبَعضه أردأ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يخرج أَجود مَا عِنْده وَقَالَ الْأَصْحَاب يَأْخُذ الْوسط بَين الدرجتين وَهُوَ الْأَصَح وَأما اخْتِلَاف النَّوْع كالمعز والضأن والأرحبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 والمهرية فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْأَخْذ بالأغلب لِأَن تَمْيِيز ذَلِك عسير وَإِن اسْتَويَا فَهُوَ كاجتماع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ من كل بِقسْطِهِ حَتَّى لَو ملك عشرَة أرحبية وَعشرَة مجيدية وخمسا مهرية فَإنَّا نَأْخُذ قيمَة خمس ببنت مَخَاض أرحبية وَخمْس مجيدية وَخمْس مهرية ويشترى بِهِ صنفا من هَذِه الْأَصْنَاف فَخرج من هَذَا أَنه مهما اخْتلف المَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَالصَّغِيرَة والكبيرة لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكَبِيرَة وَالْأُنْثَى وَإِن اخْتلف فِي الْمَرَض وَالْعَيْب والسلامة فَيَأْخُذ بِالنِّسْبَةِ من كل وَاحِد وَإِن اخْتلف فِي النَّوْع فَقَوْلَانِ هَذَا بَيَان النّصاب وَلَا زَكَاة على من لم يملك نِصَابا إِلَّا إِذا تمّ بالخلطة نِصَابا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الخلطاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خَمْسَة فُصُول الأول فِي حكم الْخلطَة وَشَرطهَا وَحكم الْخلطَة تَنْزِيل الْمَالَيْنِ منزلَة ملك وَاحِد فِي وجوب الزَّكَاة وَقدره وَأَخذه ثمَّ قد يُفِيد ذَلِك تقليلا كمن خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ لغيره فَلَا يلْزمه إِلَّا نصف شَاة وَقد يُفِيد تثقيلا كمن خلط عشْرين بِعشْرين لغيره فَيلْزمهُ نصف شَاة وَأنكر أَبُو حنيفَة أثر الْخلطَة وَنفى مَالك أَثَره فِيمَا دون النّصاب وَدَلِيل تَأْثِير الْخلطَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجمع بَين مفترق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ والخليطان مَا اجْتمعَا على الرَّعْي والفحولة والحوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وللخلطة سِتَّة شُرُوط اتَّفقُوا على اثْنَيْنِ مِنْهَا الأول أَن يكون الخليط أَهلا لوُجُوب الزَّكَاة فَلَا أثر للخلطة مَعَ الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ الثَّانِي اتِّحَاد المسرح والمراح والمرعى والمشرع فَإِن التَّفْرِيق فِي شئ من ذَلِك يُنَافِي الْخلطَة فِي نفس المَال الثَّالِث اشْتِرَاك الرَّاعِي والفحل والمحلب وَفِيه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الاستبداد بِهِ لَيْسَ تفريقا فِي نفس المَال بل فِي تصرف مُتَعَلق بِالْمَالِ ثمَّ من شَرط الِاشْتِرَاك فِي المحلب لم يشْتَرط على الصَّحِيح خلط اللَّبن بل يَكْتَفِي أَن تكون المحالب بَينهم فوضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الرَّابِع أَن الِاخْتِلَاط فِي جمع السّنة هَل يشْتَرط فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي ذكرهَا الْخَامِس أَن الْقَصْد هَل يُرَاعى فِي الْخلطَة حَتَّى لَو اخْتلفت الْمَوَاشِي بِنَفسِهَا أَو تَفَرَّقت بِنَفسِهَا من غير قصد الْمَالِك فَهَل يُؤثر فِيهِ وَجْهَان كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعلف والإسامة السَّادِس أَن يكون مَا فِيهِ الْخلطَة نعما أما الثِّمَار والزروع فَهَل تقاس الْخلطَة فِيهَا على الْمَوَاشِي فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ مَال زَكَاة يحصل الرِّفْق فِيهِ بالخلطة كالمواشي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخلطَة فِي الْمَوَاشِي قد تزيد فِي الزَّكَاة وَقد تنقص وَهَاهُنَا لَا يُفِيد إِلَّا مزيدا فَلم يكن فِي مَعْنَاهُ الثَّالِث أَنه يثبت خلْطَة الشُّيُوع دون خلْطَة الْجوَار إِذْ لَا تتحد الْمرَافِق بالتجاور وَغَايَة الْمُمكن فِيهِ اتِّحَاد الناطور وَالنّهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وَأما الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَالْمَذْهَب أَن خلْطَة الْجوَار لَا تُؤثر فِيهَا إِذْ لَا وَقع لِاتِّحَاد الْحَانُوت والحارس وَفِي خلْطَة الشُّيُوع قَولَانِ الْفَصْل الثَّانِي فِي التراجع فَإِن كَانَت الْأَمْوَال شائعة فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَإِن كَانَت متجاورة مختلطة فالساعي يَأْخُذ من عرض المَال مَا ينْفق ثمَّ يرجع الْمَأْخُوذ مِنْهُ بِقِيمَة حِصَّة خليطه فَلَو خلط أَرْبَعِينَ من الْبَقر بِثَلَاثِينَ لغيره فَأخذ السَّاعِي كِلَاهُمَا من صَاحب الْأَرْبَعين رَجَعَ على الآخر بِقِيمَة ثَلَاثَة أَسْبَاع تبيع ومسنة وَإِن أخذهما من صَاحب ثَلَاثِينَ رَجَعَ على الآخر بأَرْبعَة أَسْبَاع مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن أَخذ المسنة من صَاحب الْأَرْبَعين والتبيع من صَاحب الثَّلَاثِينَ رَجَعَ باذل المسنة بِثَلَاثَة أسباعها على خليطه وَرجع باذل التبيع بأَرْبعَة أسباعه على خليطه لِأَن جَمِيع الْمَالَيْنِ كَمَال وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي إِذا قدر السَّاعِي على أَن يعنيهما عَن التراجع بِأَن يَأْخُذ من كل وَاحِد واجبه لزمَه ذَلِك وَمَا ذكره قَادِح فِي فقه الْخلطَة لِأَنَّهُ يبطل حكم اتِّحَاد الْمَالَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 الْفَصْل الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْخلطَة والانفراد فِي حول وَاحِد فَإِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم غرَّة الْمحرم وَملك غَيره مثله فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ خلطا غرَّة صفر فَالْقَوْل الْجَدِيد أَن الْوَاجِب فِي الْحول الأول على كل وَاحِد شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وعَلى الْقَدِيم يجب نصف شَاة نظرا إِلَى آخر الْحول فَأَما إِذا ملك الثَّانِي غرَّة صفر وخلط غرَّة ربيع الأول فقد زَاد تفرق أَوَائِل الْحَوْلَيْنِ فعلى الْجَدِيد تجب زَكَاة الِانْفِرَاد فِي السّنة الأولى إِذا تمت على كل وَاحِد ثمَّ زَكَاة الْخلطَة بعْدهَا وعَلى الْقَدِيم تجب زَكَاة الْخلطَة فِي الأولى وَالثَّانيَِة على كل وَاحِد نصف شَاة إِذا تمت سنته وَخرج ابْن سُرَيج فِي اخْتِلَاف الْحَوْلَيْنِ قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الْوَاجِب أبدا زَكَاة الِانْفِرَاد فَإِن الِاتِّحَاد قد تعذر بتفرق الْأَحْوَال وَكَانَ هَذَا شَرط سَابِع فِي الْخلطَة ثمَّ طرد هَذَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 الْوَاحِد إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ ثمَّ اشْترى أَرْبَعِينَ وَجب فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة عِنْد تَمام سنته أبدا وَلَا يجْرِي فِيمَا إِذا اشْترى عشْرين ثمَّ اشْترى عشْرين لِأَن الْحول انْعَقَد عَلَيْهِمَا فِي وَقت وَاحِد فرعان أَحدهمَا إِذا ملك أَحدهمَا أَرْبَعِينَ وَملك الآخر بعد شهر أَرْبَعِينَ وكما ملك خلط فعلى الْقَدِيم على كل وَاحِد عِنْد كَمَال سنته نصف شَاة وعَلى الْجَدِيد على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي نصف شَاة فَإِنَّهُ كَانَ خليطا فِي جَمِيع سنته وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَن عَلَيْهِ شَاة لِأَن خليطه لم ينْتَفع بخلطته فَهُوَ أَيْضا لَا ينْتَفع بتسوية بَينهمَا وَهُوَ بعيد الثَّانِي إِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم وَملك آخر عشْرين بعد شهر وخلطه بِهِ فعلى الْحَدِيد يجب على الأول شَاة عِنْد كَمَال سنته وعَلى الشَّرِيك ثلث شَاة وعَلى الْقَدِيم على الأول ثلثا شَاة وعَلى الثَّانِي ثلث شَاة وعَلى التَّخْرِيج على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي لَا يجب شئ أصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 الْفَصْل الرَّابِع فِي اجْتِمَاع الْمُخْتَلط وَالْمُنْفَرد فِي ملك وَاحِد فَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره وَهُوَ يملك أَرْبَعِينَ ببلدة أُخْرَى فقد اجْتمع فِي حَقه الْخلطَة والانفراد فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْخلطَة خلْطَة ملك على معنى أَن ارتباط الْملك لَا يتقاعد على الْمُجَاورَة فَكَأَنَّهُ خلط جَمِيع ملكه بالعشرين وَالثَّانِي أَن الْخلطَة خلْطَة عين على معنى أَن معنى الْخلطَة لَا يتَعَدَّى إِلَى غير الْمَخْلُوط فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وعَلى القَوْل الآخر عَلَيْهِ ربع شَاة وَكَأَنَّهُ خلط بستين أما صَاحب السِّتين فقد اجْتمع فِي حَقه الْأَمْرَانِ الِانْفِرَاد والخلطة فعلى وَجه تلْزمهُ شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه ثَلَاثَة أَربَاع شَاة تَغْلِيبًا للخلطة فَكَأَنَّهُ خالط بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه خَمْسَة أَسْدَاس وَنصف سدس جمعا بَين الاعتبارين فَيقدر فِي الْأَرْبَعين كَأَنَّهُ مُنْفَرد بِجَمِيعِ السِّتين فيخص الْأَرْبَعين ثلثا شَاة ونقدر فِي الْعشْرين كَأَنَّهُ مخالط بِالْجَمِيعِ فيخص الْعشْرين ربع شَاة وَالْمَجْمُوع مَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وَفِيه وَجه رَابِع أَن هَذَا التَّقْدِير فِي الْأَرْبَعين صَحِيح وَلَكِن فِي الْعشْرين يَأْخُذ حكمه من حكم خليطه فَيلْزمهُ نصف شَاة مضموما إِلَى ثلثى شَاة فِي الْأَرْبَعين فالمجموع شَاة وَسدس وَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره انْفَرد كل وَاحِد بالأربعين فَالْأَوْجه الْأَرْبَعَة جَارِيَة فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا لتساويهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 الْفَصْل الْخَامِس فِي تعدد الخليط إِذا ملك أَرْبَعِينَ فخلط عشْرين بِعشْرين لرجل وَعشْرين بِعشْرين لآخر وهما لَا يملكَانِ غَيره فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى صَاحب الْأَرْبَعين نصف شَاة ضما إِلَى مَال الخليطين فَإِن الْكل ثَمَانُون وَأما صَاحب الْعشْرين فَيلْزمهُ ثلث شَاة ضما لمَاله إِلَى مَال خليطه فَقَط أَو ربع شَاة ضما إِلَى خليط خليطه حَتَّى يكون الْمَجْمُوع ثَمَانِينَ فِيهِ وَجْهَان وَإِن فرع نا على خلْطَة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَفِي صَاحب الْأَرْبَعين الْوُجُوه الْأَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا بتغليب الِانْفِرَاد فقد انْفَرد عَن كل خليط بِبَعْض مَاله فَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْكُلِّ فَعَلَيهِ شَاة وَهُوَ هَاهُنَا بعيد وَإِن قُلْنَا بتغلب الْخلطَة فَعَلَيهِ نصف شَاة فَكَأَنَّهُ خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ وَإِن قُلْنَا يجمع بَين الاعتبارين فَإِن أَخذنَا حكمه من حكم خليطه فَعَلَيهِ فِي كل عشْرين نصف شَاة وَإِن عَرفْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 بِالنِّسْبَةِ فَنَقُول لَو كَانَ جَمِيع مَاله مَعَ هَذَا لَكَانَ الْكل سِتِّينَ وواجبه ثلثا شَاة وَحِصَّة عشْرين مِنْهُ ثلث وَكَذَا فِي حق الآخر فيجتمع ثلثان وَلَو ملك خمْسا وَعشْرين من الْإِبِل فخلط كل خَمْسَة بِخَمْسَة لرجل آخر فمجموع المَال خَمْسُونَ فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى مَالك الْخمس وَالْعِشْرين نصف حقة لِأَن فِي الْخمسين حقة وَفِي حق كل وَاحِد مِنْهُم إِن صممنا مَاله إِلَى خليط خليطه فواجبه عشر حقة لِأَن الْمَجْمُوع خَمْسُونَ وَإِن لم نضم إِلَّا إِلَى خليطه فواجبه سدس بنت مَخَاض لِأَن الْمَجْمُوع ثَلَاثُونَ وَإِن فرعنا على قَول خلْطَة الْعين فتعود الْأَوْجه الْأَرْبَعَة فعلى تَغْلِيب الِانْفِرَاد يجب بنت مَخَاض وعَلى تَغْلِيب الْخلطَة نصف حقة وعَلى أَخذ حكمه من حكم خليطه خمس شَاة وعَلى النِّسْبَة فِي الاعتبارين خَمْسَة أَسْدَاس بنت مَخَاض إِذْ ينْسب جَمِيع مَاله إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 كل خليط فَيكون ثلثين وواجبه بنت مَخَاض وَحِصَّة الْخمس سدس بنت مَخَاض فيجتمع خَمْسَة أَسْدَاس لأجل كل خليط فرع إِذا ملك خمْسا وَسِتِّينَ من الْغنم فخلط خَمْسَة عشر مِنْهَا بِخَمْسَة عشر لرجل لَا يملك غَيرهَا فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فَلَا أثر لهَذِهِ الْخلطَة لِأَن الْمُخْتَلط لَيْسَ نِصَابا وَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا عِبْرَة بِهِ لأَنا نتبع الْمُنْفَرد الْمَخْلُوط إِذا كَانَ نِصَابا وَالثَّانِي أَنا نعتبره وَكَأن الْكل مخلوط فعلى صَاحب الْخمس وَسِتِّينَ سِتَّة أَثمَان وَنصف ثمن شَاة وَبَاقِي الشَّاة على خليطه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الشَّرْط الثَّالِث أَن يبْقى النّصاب حولا فَلَا زَكَاة فِي الْغنم حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول إِلَّا السخال الْحَاصِلَة من مَال الزَّكَاة فِي وسط الْحول فَإِنَّهُ تجب الزَّكَاة فِيهَا إِذا أسيمت بحول الْأُمَّهَات فَإِن حصل من غير مَال الزَّكَاة وَكَانَ نِصَابا أفرد بحوله وَلم يضم إِلَى المَال فِي الْحول خلافًا لأبي حنيفَة لَكِن يضم إِلَيْهِ فِي الْعدَد كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْخلطَة فروع ثَلَاثَة الأول إِذا ملك تسعا وَثَلَاثِينَ شَاة فَتجب شَاة سخلة استفتح الْحول من الْوَقْت لِأَن الأَصْل لم يكن نِصَابا وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ حول حَتَّى يجْرِي السخال فِي حوله وَلَو ملك مائَة وَعشْرين فنتجت سخلة وَجَبت شَاتَان آخر الْحول لِأَن مَا سبق جَار فِي الْحول الثَّانِي إِذا حصلت السخال بعد الْحول وَقبل الْإِمْكَان جرت مَعَ الْأُمَّهَات فِي الْحول الثَّانِي وَلم يجب فِيهَا زَكَاة فِي الْحول الأول وَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط وُجُوبه لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 الْحول الثَّانِي ناجز وَهُوَ أولى من المنقضي الثَّالِث لَو مَاتَت الْأُمَّهَات كلهَا والسخال نِصَاب لم تَنْقَطِع التّبعِيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَنْقَطِع التّبعِيَّة إِلَّا إِذا بَقِي من الْكِبَار وَاحِد وَلَو من الفحول وَشرط أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي بَقَاء نِصَاب من الْأُمَّهَات الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يَزُول ملكه فِي أثْنَاء الْحول فَكل مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه كالنعم والنقدين فَإِذا أبدله بِمثلِهِ انْقَطع الْحول فَإِذا عَاد إِلَى ملكه وَلَو بِفَسْخ أَو رد بِعَيْب استؤنف الْحول وَلم يبن على مَا مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَكَذَلِكَ إِذا انْقَطع ملكه بِالرّدَّةِ ثمَّ أسلم وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ لَا يبْنى حول وَارثه على حوله وَفِي الْقَدِيم قَولَانِ أَحدهمَا يبْنى وطرد ذَلِك فِي الِانْقِطَاع بِالرّدَّةِ إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَمن قصد بيع مَاله فِي آخر الْحول دفعا لِلزَّكَاةِ أَثم وَسَقَطت الزَّكَاة وَقَالَ مَالك لَا يَصح بَيْعه الشَّرْط الْخَامِس السّوم وَلَا زَكَاة فِي معلوفة لمَفْهُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة ثمَّ الْعلف بِمَا لَا يقوم لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 يُؤثر وَلَو علف مُعظم السّنة أثر وَفِي الضَّبْط بَينهمَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَن الزَّكَاة تسْقط بِهِ وَلَو فِي لَحْظَة لِأَنَّهَا لَا تسمى سَائِمَة فِي جَمِيع السّنة وَالثَّانِي أَن السَّائِمَة فِي مُعظم السّنة تسمى سَائِمَة وَالثَّالِث أَن الْمسْقط علف فِي مُدَّة تهْلك الدَّابَّة فِيهَا لَو لم تعلف حَتَّى لَو أسامها نَهَارا وعلفها لَيْلًا وَجَبت الزَّكَاة والأفقه أَن الْمسْقط قدر يعد مؤونة بِالْإِضَافَة إِلَى رفق السَّائِمَة فرعان أَحدهمَا أَن الْقَصْد هَل يعْتَبر فِي السّوم والعلف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي نعم لِأَن المُرَاد بالسائمة مَا أعد للسوم قصدا فعلى هَذَا لَو استامت المعلوفة بِنَفسِهَا أَو اعتلفت سَائِمَة لم يُؤثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ معنى الْقَصْد أَنه لَو تراكمت الثلوج وغطت المراعي فعلفها الْمَالِك ترقبا لزوَال الثَّلج لم تسْقط الزَّكَاة لِأَنَّهَا تعد سَائِمَة الثَّانِي إِذا سَام الْغَاصِب معلوفة الْغَيْر سنة فوجوب الزَّكَاة يبتنى على مُرَاعَاة الْقَصْد وَلَو علف سَائِمَة الْغَيْر سنة فالسقوط أَيْضا كَذَلِك وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يُؤثر فعل الْغَاصِب لِأَنَّهُ لَا مُؤنَة على الْمَالِك بعلفه وَهُوَ مَطْلُوب السّوم فَإِن قُلْنَا تجب الزَّكَاة فِي معلوفة أسامها الْغَاصِب فَفِي رُجُوعه بِالزَّكَاةِ على الْغَاصِب وَجْهَان أَحدهمَا ينظر فِيهِ إِلَى نسبته بالإسامة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن السَّبَب هُوَ المَال الشَّرْط السَّادِس كَمَال الْملك ومثار الضعْف ثَلَاثَة أُمُور الأول امْتنَاع التَّصَرُّف وَله مَرَاتِب الأولى الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تمّ عَلَيْهِ الْحول قطع صَاحب التَّقْرِيب بِوُجُوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ قَادر على التَّصَرُّف بِالْقَبْضِ وَتَسْلِيم الثّمن وَقَالَ الْقفال لَا تجب لضعف ملكه وَامْتِنَاع تصرفه مَعَ إِذن البَائِع الثَّانِيَة الْمَرْهُون إِذا تمّ الْحول عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا وَجْهَان لِامْتِنَاع التَّصَرُّف الثَّالِثَة الْمَغْصُوب والضال والمجحود الَّذِي لَا بَيِّنَة عَلَيْهِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يعود إِلَيْهِ بفوائده فَتجب الزَّكَاة أَولا يعود فَلَا تجب وَلَا خلاف فِي أَن التَّعْجِيل قبل رُجُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 المَال لَيْسَ وَاجِبا وَلَكِن إِذا عَاد إِلَيْهِ فَهَل يزكيها لما مضى من أَحْوَاله فِيهِ الْخلاف أما من حبس من مَاله وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِ لنفوذ تصرفه الرَّابِعَة من لَهُ دين على غَيره إِن كَانَ مليئا وَجَبت الزَّكَاة وَحكى الزَّعْفَرَانِي قولا أَنه لَا زَكَاة فِي الدُّيُون وَإِن كَانَ مُعسرا فَهُوَ كالمغصوب وَإِن كَانَ مُؤَجّلا بسنين فَمنهمْ من ألحقهُ بالمغصوب وَمِنْهُم من ألحقهُ بالغائب الذى لَا يسهل إِحْضَاره فَإِن أَوْحَينَا فَفِي التَّعْجِيل وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن الْخَمْسَة نَقْدا تَسَاوِي سِتَّة نَسِيئَة فَفِيهِ إجحاف المثار الثَّانِي تسلط الْغَيْر على ملكه وَله مَرَاتِب الأولى الْملك فِي زمَان الْخِيَار هَل هُوَ ملك زَكَاة فِيهِ خلاف لضَعْفه بتسلط الْغَيْر فَإِن كَانَ الْمَالِك مُنْفَردا بِالْخِيَارِ لم يتَّجه الْخلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 الثَّانِيَة اللّقطَة فِي السّنة الثَّانِيَة إِذا لم يتملكها الْمُلْتَقط فِي وجوب زَكَاتهَا خلاف مُرَتّب على السّنة الأولى وَأولى بِأَن لَا تجب لتسلط الْغَيْر على التَّمَلُّك الثَّالِثَة إِذا اسْتقْرض الْمُفلس مِائَتي دِرْهَم وَبَقِي مَعَه حولا فَفِي زَكَاته قَولَانِ أَحدهمَا تجب لوُجُود الْملك وَالثَّانِي لَا لعلتين إِحْدَاهمَا ضعف الْملك لتسلط مُسْتَحقّ الدّين على إِلْزَامه تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ وَالثَّانيَِة لأدائه إِلَى تَثْنِيَة الزَّكَاة إِذْ تجب على الْمُسْتَحق بِاعْتِبَار يسَاره بِهَذَا المَال وعَلى هَذِه الْعلَّة لَا يمْتَنع الْوُجُوب إِن كَانَ الْمُسْتَحق مكَاتبا أَو ذِمِّيا أَو كَانَ المَال سَائِمَة أَو كَانَ قدر الدّين أقل من النّصاب لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّثْنِيَة وَلَو كَانَ الْمُسْتَقْرض غَنِيا بالعقار لم تمْتَنع الزَّكَاة بِالدّينِ قولا وَاحِدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن عِلّة تَثْنِيَة الزَّكَاة تَقْتَضِي الْإِسْقَاط وَهُوَ بعيد وَزَاد بعض الْأَصْحَاب قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الدّين يمْنَع الزَّكَاة فِي الْأَمْوَال الْبَاطِنَة دون الظَّاهِرَة وَهُوَ بعيد الرَّابِعَة إِذا ملك نِصَابا زكاتيا فَقَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِهَذَا المَال فانقضى الْحول قبل التَّصَدُّق فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على الدّين وَأولى بالسقوط لتَعلق الْحق بِعَين المَال وَلَو قَالَ جعلت هَذَا المَال صَدَقَة أَو جعلت هَذِه الأغنام ضحايا فَلَا يبْقى لإِيجَاب الزَّكَاة وَجه مُتَّجه وَلَو قَالَ لله عَليّ التَّصَدُّق بِأَرْبَعِينَ من الْغنم فَهَذَا دين لله تَعَالَى فَهُوَ مُرَتّب على دين الْآدَمِيّين وَأولى بِأَن لَا تسْقط الزَّكَاة وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين الْحَج كَانَ كَدين النّذر فرع إِذا اجْتمعت الدُّيُون وَالزَّكَاة فِي مَاله وَمَات فَفِي الْقَدِيم ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا تقدم الزَّكَاة لِأَن لَهَا تعلقا بِعَين المَال وَكَذَلِكَ تسْقط بِفَوَات المَال وَالثَّانِي يقدم الدّين لِأَن حق الله تَعَالَى على الْمُسَامحَة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يستويان وَمِنْهُم من قطع بِتَقْدِيم الزَّكَاة لتعلقها بِالدّينِ ورد الْأَقْوَال إِلَى الْكَفَّارَات مَعَ الدُّيُون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 المثار الثَّالِث عدم اسْتِقْرَار الْملك وَله مرتبتان الأولى إِذا انْقَضى على الْمَغَانِم حول قبل الْقِسْمَة فَفِي الزَّكَاة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب للُزُوم الْملك وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ إِذْ يسْقط بإسقاطه وَالثَّالِث أَن مَحْض حبس مَال الزَّكَاة وَجب وَإِن كَانَ فِي الْمَغَانِم مَا لَيْسَ زكاتيا فَلَا إِذْ الإِمَام رُبمَا يرد الزكاتي بِالْقِسْمَةِ إِلَى سهم الْخمس وَلَا زَكَاة فِيهِ الثَّانِيَة إِذا أكرى دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار نَقْدا فَفِيمَا يجب فِي السّنة الأولى قَولَانِ أَحدهمَا تجب زَكَاة الْمِائَة كَمَا فِي الصَدَاق قبل الْمَسِيس إِذْ لَا فرق بَين توقع رُجُوع الْأُجْرَة بانهدام الدَّار وَبَين توقع رُجُوع الصَدَاق بِالطَّلَاق وَالثَّانِي يجب فِي السّنة الأولى زَكَاة ربع الْمِائَة وَفِي الثَّانِيَة تجب زَكَاة الْخمسين لِسنتَيْنِ ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الثَّالِثَة زَكَاة خمس وَسبعين لثلاث سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الرَّابِعَة زَكَاة الْمِائَة لأَرْبَع سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى لِأَنَّهُ الْأُجْرَة هَكَذَا تَسْتَقِر بِهِ بِخِلَاف الصَدَاق فَإِن تشطره بِطَلَاق مُبْتَدأ لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَالرُّجُوع هَاهُنَا مُقْتَضى الْمُعَاوضَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 الرُّكْن الثَّانِي من أَرْكَان طرف الْوُجُوب النّظر فِيمَن يجب عَلَيْهِ وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَيجب فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيمَا ينْسب إِلَى الْحمل الْمُحَقق تردد وَتجب الزَّكَاة على الْمُرْتَد إِن قُلْنَا يبْقى ملكه مُؤَاخذَة لَهُ بِحكم الْإِسْلَام وَلَا زَكَاة على مكَاتب ورقيق فَإِن قُلْنَا ملك بالتمليك لِأَنَّهُ ملك ضَعِيف وَلَا يجب على السَّيِّد أَيْضا فِي مَال الْمكَاتب وَالرَّقِيق لعدم الْملك وَمن نصفه عبد وَنصفه حر يجب الزَّكَاة عَلَيْهِ فِي مَا سلم لَهُ بِنصفِهِ الْحر وَيجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الموسرين الطّرف الثَّانِي لِلزَّكَاةِ طرف الْأَدَاء وَأَدَاء الزَّكَاة مُمكن فِي وقته وَقبل وقته تعجيلا وَبعده تَأْخِيرا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول الْأَدَاء فِي الْوَقْت وَهُوَ وَاجِب على الْفَوْر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَالنَّظَر فِيمَا يجب على الدَّافِع والقابض وعَلى الدَّافِع وظيفتان إِحْدَاهمَا النِّيَّة وَالنَّظَر فِي أَصْلهَا وكيفيتها ووقتها أما أصل النِّيَّة فَلَا بُد مِنْهُ كَمَا فِي سَائِر الْعِبَادَات وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قَالَ بِلِسَانِهِ هَذَا زَكَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 مَالِي أَجزَأَهُ فَمنهمْ من أجراه على الظَّاهِر وَلم يشْتَرط النِّيَّة بِالْقَلْبِ وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فينوى عَنْهُمَا وليهما وَأما الْمُمْتَنع فَيَأْخُذ السُّلْطَان مِنْهُ قهرا وَهل تَبرأ ذمَّته بَاطِنا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا تَبرأ فَفِي وجوب النِّيَّة على الإِمَام وَجْهَان أَحدهمَا لَا تَغْلِيبًا لسد الْخلَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن أثر الِامْتِنَاع فِي أَن صَار موليا عَلَيْهِ أما الْكَيْفِيَّة فَلَو نوى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة كَفاهُ وَلَو لم يتَعَرَّض للفرضية فَوَجْهَانِ كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَا يلْزمه تعْيين المَال وَلَكِن لَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب ثمَّ كَانَ تَالِفا لم ينْصَرف إِلَى الْحَاضِر لتعيينه وخطئه وَلَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن كَانَ تَالِفا فَعَن الْحَاضِر أَو هُوَ صَدَقَة جَازَ لِأَن مُقْتَضى الْإِطْلَاق هَذَا وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَقع عَن الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا فَإِن كَانَ تَالِفا لم يَقع عَن الْحَاضِر لِأَنَّهُ بناه على فَوَات الْغَائِب وَالْأَصْل عدم الْفَوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 أما وَقت النِّيَّة فَهُوَ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْمِسْكِين أَو إِلَى نَائِب الْمَسَاكِين وَلَو قدم فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجوز لِأَن الْفِعْل غير مَقْصُود وَلذَلِك جَازَت الْوكَالَة فِيهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن تنقيص الْملك مَقْصُود فليقترن بِهِ وَالثَّالِث أَنه إِن قدم على التنقيص وَلَكِن اقْترن بِفِعْلِهِ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْوَكِيل جَازَ وَلَو سلم إِلَى الْوَكِيل ووكله بِالنِّيَّةِ عِنْد التَّفْرِيق فَهُوَ جَائِز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 الْوَظِيفَة الثَّانِيَة طلب الْقَابِض فَإِن كَانَت الْأَمْوَال باطنة جَازَ التَّسْلِيم إِلَى الإِمَام أَو إِلَى الْمِسْكِين وَأيهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت ظَاهِرَة فَفِي وجوب تَسْلِيمهَا إِلَى الإِمَام قَولَانِ وَلَا شكّ أَن التَّسْلِيم أولى لِلْخُرُوجِ عَن الْخلاف أما الْقَابِض إِن كَانَ هُوَ السَّاعِي فَعَلَيهِ وظيفتان إِحْدَاهمَا أَن يعلم فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ زَكَاة الْجَمِيع تسهيلا عَلَيْهِم ثمَّ لَا يرد الْمَوَاشِي إِلَى الْبَلَد بل يردهَا إِلَى منهل قريب ويردها إِلَى مضيق ليَكُون أسهل للعد الثَّانِيَة الدُّعَاء للْمَالِك قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة آل أبي أوفى فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 والأحب لغيره أَن يَقُول أجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت وَجعله طهُورا وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت لِأَن الصَّلَاة على غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْرُوه إِذْ فِيهِ مُوَافقَة الروافض وَلِأَن الْعَصْر الأول خصصوا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهِ كَمَا خصصوا عز وَجل بِاللَّه وكما لَا يحسن أَن يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَإِن كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يحسن أَن يُقَال أَبُو بكر صلوَات الله عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الصَّلَاة هُوَ الدُّعَاء نعم لرَسُول الله أَن يُصَلِّي على غَيره فَإِنَّهُ منصبه الْمَخْصُوص بِهِ وَلنَا أَن نصلي على آله بالتبعية فَيَقُول صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْقسم الثَّانِي فِي التَّعْجِيل وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي وقته وَيجوز تَعْجِيل الزَّكَاة قبل تَمام الْحول خلافًا لمَالِك لما رُوِيَ أَن الْعَبَّاس استسلف مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَاميْنِ وَلَا يجوز تَعْجِيله قبل كَمَال النّصاب وَلَا قبل السّوم لِأَن الْحول فِي حكم أجل ومهلة فَلذَلِك عجل عَلَيْهِ وَلَو ملكه مائَة وَعشْرين شَاة واجبه شَاة وَهُوَ يرتقب حُدُوث سخلة فِي آخر السّنة فَعجل شَاتين فَفِي تَعْجِيل شَاتين وَجْهَان مرتبان على الْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيل صَدَقَة عَاميْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَالصَّحِيح بِحكم الْخَبَر جَوَازه وَوجه الْمَنْع أَن النّصاب كَالْمَعْدُومِ فِي حق الْحول الثَّانِي وَمَسْأَلَة السخلة بِالْجَوَازِ أولى لِأَن الْحول مُنْعَقد فِي حق الشَّاة الثَّانِيَة وَأما زَكَاة الْفطْرَة فوقت وُجُوبهَا استهلال شَوَّال وَيجوز التَّعْجِيل إِلَى أول رَمَضَان وَأما الرطب وَالْعِنَب فَالصَّحِيح أَنه لَا تعجل زكاتهما قبل الْجَفَاف فَإِن الْوَاجِب هُوَ الزَّبِيب وَالتَّمْر وَالرّطب لَا يصلح للإخراج وَقيل إِنَّه بعد الزهو وبدو الصّلاح يجوز وَقيل يجوز بعد بَدو الطّلع وَأما الزَّرْع فوجوب زَكَاته بالفرك والتنقية وَالصَّحِيح جَوَاز أَدَائِهِ عِنْد الْإِدْرَاك وَإِن لم يفرك وَقيل يجوز عِنْد ظُهُور الْحبّ وَإِن لم يشْتَد وَإِذ قُلْنَا بَدو الصّلاح سَبَب الْوُجُوب أردنَا بِهِ الْحجر على الْمَالِك فِي تصرف يدْفع حق الْمَسَاكِين وَلم نرد وجوب الْإِخْرَاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 وَالنَّظَر الثَّانِي فِي الطوارئ الْمَانِعَة من إِخْرَاج الْمُعَجل وَهُوَ ثَلَاثَة الأول مَا يطْرَأ على الْقَابِض وَشَرطه أَن يبْقى على صفة الِاسْتِحْقَاق إِلَى آخر الْحول فَلَو ارْتَدَّ أَو مَاتَ أَو اسْتغنى بِمَال آخر بَان أَن الزَّكَاة لم تقع موقعها وَلَو طرأت بعض هَذِه الْحَالَات وزالت قبل الْحول فَوَجْهَانِ لَا يخفى توجيههما الثَّانِي أَحْوَال الْمَالِك وَشَرطه أَن يبْقى عينا بِبَقَاء النّصاب مُسلما حَيا فَلَو تلف نصابه أَو ارْتَدَّ وَقُلْنَا الرِّدَّة تقطع الْملك أَو بَاعَ النّصاب أَو مَاتَ تبين أَن لَا زَكَاة وَالصَّحِيح أَنه لَا يُجزئ عَن وَارثه فِيمَا سيجب عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبل وَالثَّالِث مَا يطْرَأ على الزَّكَاة المعجلة فَإِن تلفت فِي يَد الْمِسْكِين فقد بلغت الصَّدَقَة محلهَا وَإِن تلفت فِي يَد الإِمَام وَقد أَخذهَا بسؤال الْمَسَاكِين الْبَالِغين أَو حَاجَة الْأَطْفَال فَلَا ضَمَان على أحد وَإِن أَخذ لحَاجَة الْبَالِغين لَا لسؤالهم فَفِي تَنْزِيل الْحَاجة منزلَة السُّؤَال وَجْهَان أَحدهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 لَا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَسَاكِين أهل رشد لَا يُولى عَلَيْهِم الثَّانِي نعم لِأَنَّهُ نائبهم شرعا وَلَو أَخذ الإِمَام بسؤال الْمَالِك فَتلف فِي يَده يجب على الْمَالِك الضَّمَان كَمَا لَو تلف فِي يَد وَكيله وَلَو اجْتمع سُؤال الْمَسَاكِين وَالْمَالِك فَأَي الْحَالَتَيْنِ يرجح فِيهِ وَجْهَان النّظر الثَّالِث فِي الرُّجُوع عِنْد طريان مَا يسْقط الزَّكَاة فَإِن قَالَ هَذِه زكاتي المعجلة فَلهُ الرُّجُوع لِأَن التَّعْجِيل مشْعر بِهِ وَقيل شَرطه أَن يُصَرح بِالرُّجُوعِ وعَلى هَذَا لَو نازعه الْمِسْكِين فِي الرُّجُوع أَو التَّعْجِيل فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي وَالثَّانِي قَول الْمِسْكِين لِأَن الأَصْل زَوَال الْملك أما إِذا لم يتَعَرَّض للتعجيل وَلَا علمه الْمِسْكِين فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يرجع وَيصدق فِي قَوْله {نَوَيْت ذَلِك} وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَالثَّالِث أَن الْمَالِك لَا يصدق لِأَن فعله مُتَرَدّد بَين الصَّدَقَة وَالزَّكَاة وَفعل الإِمَام كالمتعين للْفَرض فروع أَرْبَعَة الأول لَو أتلف النّصاب بِنَفسِهِ فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أصَحهمَا الرُّجُوع لانْتِفَاء الْوُجُوب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يُرِيد نقض الْأَدَاء بِقَصْدِهِ الثَّانِي إِذا أثبتنا الرُّجُوع لانْتِفَاء الرُّجُوع فَإِن كَانَ عين مَاله تَالِفا فعلى الْقَابِض الضَّمَان وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن الْعبْرَة فِي قيمَة يَوْم الْقَبْض أَو يَوْم التّلف وَلَو تعيب فِي يَده فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان أقيسهما الْوُجُوب قِيَاسا للجزء على الْكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَالثَّانِي لَا كَمَا لورد الْعِوَض فِي البيع وَوجد بالمعوض عَيْبا فنع بِهِ وَإِن كَانَ يسْتَحق بدله عِنْد الْفَوات وَفِي هَذَا الاستشهاد أَيْضا نظر الثَّالِث الزِّيَادَات الْمُنْفَصِلَة هَل ترد مَعَه فِيهِ وَجْهَان ومأخذهما إِن أَدَّاهُ مُتَرَدّد بَين وجود التَّمْلِيك وَعَدَمه أَو هُوَ تمْلِيك لَا محَالة وَلكنه مُتَرَدّد بَين الزَّكَاة وَالْقَرْض وهما احْتِمَالَانِ ظاهران فَإِن قُلْنَا إِنَّه مُتَرَدّد بَين التَّمْلِيك وَعَدَمه فقد بَان أَنه لَا تمْلِيك فَيرد بزوائده وَإِن رددناه بَين الْقَرْض وَالزَّكَاة الْتفت على أَن الْقَرْض يملك بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ وعَلى هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ يَنْبَنِي نقض تصرفه إِن كَانَ قد بَاعَ وَجَوَاز إِبْدَاله عِنْد الرُّجُوع إِن كَانَ عينه قَائِما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 الرَّابِع إِذا لم يملك إِلَّا أَرْبَعِينَ فَعجل واحده فاستغنى الْقَابِض أَو مَاتَ فَإِن قُلْنَا خرج الشَّاة عَن ملكه بطرِيق الْقَرْض لم يلْزمه تَجْدِيد الزَّكَاة لِأَن الْحول انْقَضى على تسع وَثَلَاثِينَ بِخِلَاف مَا إِذا وَقع الْمخْرج عَن جِهَة الزَّكَاة لِأَن الْمخْرج لِلزَّكَاةِ كالباقي فِي ملكه وَإِن قُلْنَا يتَبَيَّن أَن الْملك لم يزل الْتفت على الْمَغْصُوب والمجحود بعض الِالْتِفَات لِأَن الْحَيْلُولَة قد حصلت وَإِن لم يزل الْملك الْقسم الثَّالِث فِي طرف الْأَدَاء فِي تَأْخِير الزَّكَاة وَهُوَ سَبَب الضَّمَان والعصيان عِنْد التَّمَكُّن حَتَّى لَو تلف مَاله بعد التَّمَكُّن لم تسْقط الزَّكَاة وَإِن تلف كُله قبل التَّمَكُّن سَقَطت وَلَو ملك خمْسا من الْإِبِل فَتلفت بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن وَاحِدَة فَفِي مِقْدَار السَّاقِط قَولَانِ أَحدهمَا يسْقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول لِأَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب كَمَا فِي الْحَج وَالثَّانِي يسْقط خمس شَاة لِأَن الْإِمْكَان شَرط الضَّمَان وَهُوَ الْأَصَح وَلذَلِك لَا يتراخى ابْتِدَاء الْحول الثَّانِي إِلَى الْإِمْكَان وَلَو ملك تسعا من الْإِبِل فَتلف قبل الْإِمْكَان أَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَجب شَاة كَمَا لَو تلف قبل الْحول وَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط الضَّمَان فينبني على أَن الْوُجُوب هَل ينبسط على الوقص وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد أَنه لَا ينبسط فعلى هَذَا لَا يسْقط شئ بِتَلف الوقص وَإِن قُلْنَا ينبسط سقط أَرْبَعَة أتساع شَاة وَقيل إِنَّه لَا يسْقط لِأَن الوقص وَإِن كَانَ مُتَعَلقا بِالْوُجُوب فَهُوَ وقاية النّصاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 وَإِن ملك تسعا فَتلف خمس قبل الْإِمْكَان فعلى قَول سقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول وعَلى قَول سقط خمس أتساع شَاة وَهُوَ قَول الْبسط وعَلى قَول يسْقط خمس شَاة فَإِن قيل وبماذا يفوت الْإِمْكَان قُلْنَا بأمرين أَحدهمَا غيبَة المَال فَإنَّا وَإِن جَوَّزنَا نقل الصَّدَقَة فَلَا نوجب إِخْرَاج الزَّكَاة من مَال آخر مَا لم يتَبَيَّن بَقَاء المَال فَإِن أخرج مَعَ التَّرَدُّد كَانَ كمعجل الزَّكَاة فِي الرُّجُوع عِنْد فَوَات المَال الثَّانِي غيبَة الْمُسْتَحق وَهُوَ الْمِسْكِين فِي المَال الْبَاطِن وَالسُّلْطَان فِي المَال الظَّاهِر على أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 الْقَوْلَيْنِ وَإِن حضر مُسْتَحقّ وَلَكِن غَابَ الْقَرِيب وَالْجَار فقد تمّ التَّمَكُّن وَلَكِن فِي جَوَاز التَّأْخِير بِهَذَا الْعذر وَجْهَان لِأَنَّهُ عَارض هَذِه الْفَضِيلَة فَضِيلَة البدار فَإِن جَوَّزنَا فَتلف مَاله فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَنه جوز التَّأْخِير لَحْظَة فِي نيل الْفَضِيلَة فتقيد بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن قيل فَإِذا سَقَطت الزَّكَاة بِتَلف المَال دلّ على تعلقهَا بِالْعينِ فَمَا وَجه تعلقهَا بِالْعينِ قُلْنَا فِيهِ أَقْوَال مضطربة نعبر عَنْهَا بِأَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالذِّمةِ أَو بِالْعينِ أما تعلقهَا بِالذِّمةِ فَلَا يُنكر لِأَن الْمَالِك مطَالب وَله الْأَدَاء من مَوضِع آخر بِخِلَاف أرش جَنَابَة العَبْد فَإِن السَّيِّد لَا يُطَالب بِهِ وتعلقها بِالْعينِ لَا يُنكر إِذْ يسْقط بِتَلف الْعين وَلَو بَاعَ النّصاب قبل إِخْرَاج الزَّكَاة فللساعي أَن يتَعَلَّق بالمشتري وَيَأْخُذ الزَّكَاة من النّصاب وَلَكِن فِي تَحْقِيق هَذَا التَّعَلُّق ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه شركَة وَكَأن الْمِسْكِين شريك بِقدر حَقه وَهَذَا يضعف بِجَوَاز الْأَدَاء من مَوضِع آخر الثَّانِي أَن تلعقه يضاهي استيثاق الْمُرْتَهن وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يضاهي تعلق أرش الْجِنَايَة حَتَّى يخرج منع بيع النّصاب على قَوْلَيْنِ أصَحهمَا الْجَوَاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وَيتَفَرَّع على هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة النّظر فِي أَرْبَعَة تصرفان الأول بيع مَال الزَّكَاة فَإِن قُلْنَا لَا تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ فَصَحِيح لَكِن السَّاعِي يَأْخُذ شَاة من المُشْتَرِي إِن لم يرد الْمَالِك من مَوضِع آخر فينتقض البيع فِيهِ وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهل للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا عرف ذَلِك قبل أَخذ السَّاعِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمَالِك رُبمَا يُؤَدِّي الزَّكَاة وَالثَّانِي نعم لِأَن ملكه مزلزل فِي الْحَال فَإِن أثبتنا الْخِيَار فَأدى الْمَالِك سقط الْخِيَار كَمَا لَو أدّى أَولا ثمَّ بَاعَ وَقيل لَا يسْقط لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 الْخِيَار مستيقن والمؤدي رُبمَا يخرج مُسْتَحقّا فَيُعَكر السَّاعِي على المَال وَأما على قَول الشّركَة فَالْبيع بَاطِل فِي قدر الزَّكَاة وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو بَاعَ بعض النّصاب صَحَّ على هَذَا القَوْل لاتساع الْبَاقِي لحق الْمِسْكِين وَقيل يبطل فِي حَقه لِأَن حَقه غير منحصر فِي الْبَعْض الْبَاقِي وَإِن فرعنا على استيثاق الرَّهْن بَطل فِي قدر الزَّكَاة وَقيل بَطل فِي الْكل وَكَانَ الْكل مَرْهُونا بِهِ وَهُوَ بعيد وَإِن فرعنا على استيثاق أرش الْجِنَايَة وَقُلْنَا يجوز بيع العَبْد الْجَانِي فَهُوَ كالتفريع على قَول الذِّمَّة وَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَهُوَ كتفريع قَول الرَّهْن الثَّانِي إِذا اشْترى نِصَابا زكاتيا ثمَّ اطلع على عيب بعد تَمام الْحول فَإِن أدّى الزَّكَاة من مَوضِع أخر فَلهُ الرَّد إِلَّا على خيال من يَقُول لَعَلَّ الْمخْرج يظْهر اسْتِحْقَاقه فَيَعُود السَّاعِي إِلَيْهِ أَو على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا الزائل الْعَائِد كالذى لم يعد الثَّالِث إِذا ملك أَرْبَعِينَ وتكرر الْحول وَلم يخرج الزَّكَاة فَلَا زَكَاة فِي الْحول الثَّانِي فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فِي عينه لنُقْصَان النّصاب لِأَن الْمِسْكِين لَا يتَعَيَّن حَتَّى تَجْعَلهُ خليطا وَإِن قُلْنَا يتَعَلَّق بِالذِّمةِ ابتنى على أَن الدّين هَل يمْنَع الْوُجُوب الرَّابِع إِذا أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم ثمَّ طَلقهَا بعد الْحول قبل الْمَسِيس فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 الأولى إِذا كَانَت قد أدَّت الزَّكَاة من غير المَال فَفِيمَا يرجع الزَّوْج بِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يرجع فِي عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر الزَّكَاة فِي نصِيبهَا وَالثَّانِي أَنه يرجع فِي نصف الْبَاقِي وَقِيمَة نصف الْمخْرج وَالثَّالِث أَنه يتَمَيَّز بَين مُوجب الْقَوْلَيْنِ الثَّانِيَة إِذا أدَّت من مَال آخر رَجَعَ الزَّوْج بِالنِّصْفِ على الْأَقْوَال إِلَّا على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا إِن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يعد الثَّالِثَة إِذا طلقت قبل الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فَهُوَ كالمخرج وَإِن قُلْنَا إِن تعلق الزَّكَاة تعلق استيثاق فَالظَّاهِر أَنه يلْزمهَا فك حق الزَّوْج بأَدَاء الزَّكَاة من مَوضِع آخر كَمَا لَو كَانَت قد رهنت وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ بِغَيْر اخْتِيَاره فيضاهي أرش الْجِنَايَة الْخَامِس رهن مَال الزَّكَاة بعد الْوُجُوب كَبَيْعِهِ وتفريق الصَّفْقَة أولى بِالِاحْتِمَالِ فِيهِ وَإِن رهن قبل حولان الْحول وَقُلْنَا الدّين وَالرَّهْن يمنعان الزَّكَاة فَهَل يخرج من الْمَرْهُون الصَّحِيح أَنه يخرج لِأَن تعلقه لَا يتقاصر عَن أرش الْجَنَابَة وَقيل لَا يخرج إِذا فرعنا على تشبيهه بِالرَّهْنِ لِأَن الْمَرْهُون لَا يرْهن وَهُوَ بعيد لِأَن هَذَا التَّعَلُّق لَا اخْتِيَار فِيهِ فَإِن قُلْنَا يخرج فَلَو أيسر بعد الْإِخْرَاج فَهَل يلْزمه جبره للْمُرْتَهن بِوَضْع قِيمَته فِي مَوْضِعه رهنا فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 النَّوْع الثَّانِي من الزكوات زَكَاة العشرات وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب وَوقت الْوُجُوب الطّرف الأول فِي الْمُوجب وَالنَّظَر فِي جنسه وَقدره أما جنسه فَكل مقتات فِي حَالَة الِاخْتِيَار أنبتته الأَرْض مَمْلُوكَة أَو مستأجرة خَرَاجِيَّة أَو غير خَرَاجِيَّة فَيجب فِيهِ الْعشْر على الْحر الْمُسلم واحترزنا بِحَالَة الِاخْتِيَار عَن الثفاء والترمس فَإِن الْعَرَب تقتاته فِي حَالَة الِاضْطِرَار وَألْحق مَالك بالقوت مَا تشتد إِلَيْهِ الْحَاجة كالقطن وطرد أَبُو حنيفَة فِي كل مَا يقْصد من ثمار الأَرْض كالفواكه والبقول وَغَيرهَا وَلم يُوجب الْعشْر على الْمُسْتَأْجر وَأوجب على الْمكْرِي وَأوجب على الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ وَفِي الضَّيْعَة الْمَوْقُوفَة على الْمَسَاجِد والرباطات وَلم يجمع بَين الْخراج وَالْعشر وَعِنْدنَا الْخراج أُجْرَة لَا يضْرب على مَالك الأَرْض وَإِنَّمَا يضْرب على الْكفَّار فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 أراض مَمْلُوكَة للْمُسلمين أَو لبيت المَال فَإِن أَسْلمُوا لم يسْقط لِأَنَّهُ أجره وَمَا يضْرب عَلَيْهِم فِي أراضيهم الْمَمْلُوكَة يسْقط بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَة وَأوجب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم الزَّكَاة فِي الزَّيْتُون وَذكر فِي الورس وَالْعَسَل قَوْلَيْنِ وَفِي الزَّعْفَرَان قَوْلَيْنِ مرتبين وَأولى بِأَن لَا يجب وَاقْتصر فِي الْجَدِيد على الأقوات وَمِنْه الْأرز واللوبيا والباقلى والحمص والذرة والماش وَالْعِنَب وَالرّطب دون السمسم والكتان والجوز والفواكه أما قدر الْمُوجب فِيهِ فَهُوَ خَمْسَة أوسق كل وسق سِتُّونَ صَاعا كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمَجْمُوع ثَمَانمِائَة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَحْدِيد لِأَنَّهُ رُوِيَ أَن الوسق سِتُّونَ صَاعا وَقيل إِنَّه تقريب وعَلى هَذَا إِنَّمَا يضر نُقْصَان قدر لَو وزع على الأوسق الْخَمْسَة لعد الوسق نَاقِصا عَن الِاعْتِدَال والوسق حمل بعير وَأَبُو حنيفَة لم يعْتَبر النّصاب وَفِي النّصاب مسَائِل الأولى أَنه يعْتَبر هَذَا الْمبلغ زبيبا وَتَمْرًا لَا رطبا وَعِنَبًا وَفِي الْحُبُوب يعْتَبر منقى عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 القشور كَمَا فِي الْأرز إِلَّا مَا يطحن مَعَ قشره كالذرة فيوسق مَعَ قشرها فرع الرطب الذى لَا يتمر يوسق رطبا على الصَّحِيح لِأَنَّهُ مُنْتَهى كَمَاله ثمَّ تَسْلِيم عشر الرطب بِالْقِسْمَةِ سهل إِلَّا إِذا قُلْنَا الْمِسْكِين شريك فِيهِ وَالْقِسْمَة بيع وَهَذَا الرطب لَا يُبَاع بضعه بِبَعْض وَفِي كل ذَلِك خلاف الثَّانِيَة لَا يكمل نِصَاب حبس الْحُبُوب بِحَبْس آخر وَأما العلس فَإِنَّهُ مضموم إِلَى الْحِنْطَة فَإِنَّهُ حِنْطَة يُوجد بِالشَّام جنتان مِنْهُ فِي كمام وَاحِد وَأما السلت فَهُوَ حب يُسَاوِي الشّعير بصورته وَالْحِنْطَة بطعمه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه ينظر فِي وَاحِد إِلَى صورته فَيلْحق بِالشَّعِيرِ وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 الآخر إِلَى مَعْنَاهُ فيضم إِلَى الْحِنْطَة وَفِي الثَّالِث يَجْعَل أصلا بِنَفسِهِ وَعَلِيهِ يَنْبَنِي جَوَاز بَيْعه بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير مُتَفَاضلا وَذهب مَالك إِلَى أَن الحمص والباقلي والعدس وَهِي الَّتِي تسمى القطنية يضم بَعْضهَا إِلَى بعض الثَّالِثَة لَا يكمل ملك رجل بِملك غَيره إِلَّا إِذا كَانَ شَرِيكا أَو جارا وَقُلْنَا إِن الْخلطَة تُؤثر فَلَو خلف الْمَيِّت نخيلا متمرة على جمَاعَة ومبلغها خَمْسَة أوسق وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِم فَإِن اقتسموها قبل بَدو الصّلاح زَالَت الشّركَة وَبَقِي الْجوَار وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْقِسْمَة إِذا جعلناها بيعا بِأَن يَبِيع كل وَاحِد نصِيبه من خَشَبَة نخل معِين بِحِصَّة صَاحبه من ثَمَرَة نخيل آخر وَإِلَّا فتؤدي قسْمَة الرطب إِلَى بيع الرطب بالرطب الرَّابِعَة إِذا ملك تهامية ونجدية وتفاوت فِي إِدْرَاكهَا فالبعض مضموم إِلَى الْبَعْض إِلَّا إِذا تَأَخّر اطلَاع النجدية عَن جذاذ التهامية وَوقت الْجذاذ هَل هُوَ كَنَفس الْجذاذ فِيهِ خلاف وَلَو تَأَخّر اطلاعها من زهو التهامية فَفِي الضَّم وَجْهَان أَحدهمَا لَا نظرا إِلَى سَبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 الْوُجُوب وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك يعد إدراكا وَاحِدًا والنخلة الَّتِى تحمل فِي السّنة حملين لَا تضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فَهُوَ كحمل سنتَيْن فرع لَو كَانَت لَهُ تهامية تثمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ فاطلعت نجدية قبل جذاذ التهامية وضممناها إِلَيْهِ فَلَو جذت التهامية ثمَّ اطَّلَعت مرّة أُخْرَى قبل جذاذ النجدية فَلَا نضمها إِلَى النجدية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الضَّم إِلَى الثَّمَرَة الأولى بِوَاسِطَة النجدية وَذَلِكَ مُمْتَنع وَلَو لم تكن الأولى لَهُ لَكنا نضم الثَّانِيَة إِلَى النجدية لزوَال هَذِه الْمَحْذُور الْخَامِسَة الذّرة تحصد وتزرع فِي السّنة مرَارًا فالمزروع بعد الحصد هَل يضم إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 المحصود فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال أَحدهَا لَا كحملي شَجَرَة وَاحِدَة وَالثَّانِي نعم مهما وَقع الزرعان والحصادان فِي سنة وَاحِدَة لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فيعد ارْتِفَاع سنة وَاحِدَة الثَّالِث أَنه يَكْفِي وُقُوع الزرعين فِي سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ الدَّاخِل تَحت الِاخْتِيَار الرَّابِع أَنه ينظر إِلَى اجْتِمَاع الحصادين فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود الْخَامِس إِن وَقع الزرعان والحصادان أَو زرع الثَّانِي وحصد الأول فِي سنة وَاحِدَة وَقع الِاكْتِفَاء وَوَجَب الضَّم هَذَا إِذا زرع بعد الْحَصاد فَإِن كَانَ قبله وَلَكِن بعد اشتداد الْحبّ فخلاف مُرَتّب وَأولى بِالضَّمِّ وَإِن زرع قبل اشتداد الْحبّ وَلَكِن أدْرك الأول وَالثَّانِي بعد بقل مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف لِأَن البقل لَا يشْتَمل على جنس مَال الزَّكَاة فرع إِذا انزرعت الذّرة الثَّانِيَة بتناثر حبات الأول بنقر العصافير وهبوب الرّيح مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ لم يفرد بِالْقَصْدِ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف وَلَو علا بعض طاقات الذّرة فَبَقيت الصغار مخضرة تحتهَا ثمَّ أدْركْت الصغار بعد حصد الأول فَالْكل زرع وَاحِد وَهُوَ المُرَاد يَقُول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الذّرة تزرع مرّة فَتخرج فتحصد ثمَّ يسْتَخْلف فتحصد مرّة أُخْرَى فَهُوَ زرع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وَاحِد وَإِن تَأَخّر حصد الْأَخير وَمِنْهُم من نزل النَّص على تناثر الحبات لهبوب الرّيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 الطّرف الثَّانِي فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي قدره وجنسه أما قدره فَهُوَ الْعشْر فِيمَا سقت السَّمَاء وَنصف الْعشْر فِيمَا سقِِي بنضح أَو دالية للْحَدِيث وَمَاء القنوات والأنهار كَمَاء السَّمَاء وَإِن كثرت مؤنها والناعور الذى يديرها المَاء بِنَفسِهِ فِي معنى الدواليب فرع لَو اجْتمع السَّقْي بالنهر والنضح فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنا نعتبرهما جَمِيعًا وَيعرف الْمِقْدَار بِعَدَد السقيات على وَجه وبمقدار النَّفْع والنمو على وَجه إِذْ رب سقية فِي شهر أَنْفَع من سقيات فِي شهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وَالْقَوْل الثَّانِي أَنا نعتبر الْأَغْلَب فعلى هَذَا لَو اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الرُّجُوع إِلَى قَول التقسيط وَالثَّانِي إِيجَاب الْعشْر تَرْجِيحا لجَانب الْمَسَاكِين وَإِذا أشكل الْأَمر فَهُوَ كالاستواء لتقابل الْأَمريْنِ هَذَا فِي الْمُعْتَاد فَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَى النَّضْح نَادرا فَهَل يعْتَبر هَذَا النَّادِر فِيهِ وَجْهَان أما جنس الْوَاجِب ونوعه فَهُوَ أَن يخرج من جنس مَا ملك فَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن كل نوع بِقسْطِهِ لِأَن التشقيص غير مَحْذُور فِيهِ كالمواشي فَإِن خرجت الْأَنْوَاع عَن الضَّبْط فَلَا يُطَالب بالأجود وَلَا يرضى بالأردئ وَيطْلب الْوسط من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 الطّرف الثَّالِث فِي وَقت الْوُجُوب وَهُوَ فِي الثِّمَار وبدو الصّلاح وَفِي الْحُبُوب باشتدادها فَيجب بهَا إِخْرَاج التَّمْر وَالْحب إِلَى الْمَسَاكِين عِنْد الْجَفَاف والتنقية فَلَو أخرج فِي الْحَال الرطب كَانَ بَدَلا وَلم يَقع الْموقع وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن سَبَب الْوُجُوب الْجَفَاف إِذْ يَسْتَحِيل وجوب التَّمْر مَعَ عَدمه وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَهُوَ بعيد إِذْ تسليط الْملاك على اسْتِهْلَاك الرطب كُله إجحاف بالمساكين فَالْأولى الْإِيجَاب وَتَأْخِير الْأَدَاء إِلَى الْجَفَاف وَلَكِن يسْتَحبّ أَن يخرص الثِّمَار على الْمَالِك خلافًا لأبي حنيفَة وَذَلِكَ بِأَن يجْبر الخارص على قدر مَا يحصل مِنْهُ تَمرا وَهل يَكْتَفِي بخارص وَاحِد تَشْبِيها بالحاكم أَو لَا بُد من اثْنَيْنِ تَشْبِيها بِالشَّهَادَةِ فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي القسام وعَلى الْقَوْلَيْنِ لَا بُد من الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة ثمَّ يدْخل فِي الْخرص جَمِيع النخيل وَقَالَ فِي الْقَدِيم يتْرك لرب النخيل نَخْلَة أَو نخلات يَأْكُل ثمارها هُوَ وَأَهله ويبتني على الْخرص مسَائِل الأولى إِذا تلف المَال بجائحة سَمَاوِيَّة سَقَطت الزَّكَاة بِكُل حَال للفوات قبل الْإِمْكَان وَإِن فَاتَ بِإِتْلَاف الْمَالِك وَأكله فَعَلَيهِ حِصَّة الْمَسَاكِين وَلَكِن الْوَاجِب عشرَة رطبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 أَو تَمرا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الرطب كَالْأَجْنَبِيِّ إِذا أتلف فَإِنَّهُ يغرم الرطب ويعبر عَن هَذَا القَوْل بِأَن الْخرص عِبْرَة مُجَرّدَة لَا يُؤثر فِي تَغْيِير الحكم وَالثَّانِي أَنه يضمنهَا تَمرا وَكَانَ الْخرص تضمين بتحويل الزَّكَاة إِلَى ذمَّته وَالثَّالِث إِن صرح الخارص بالتضمين ضمنه تَمرا وَإِلَّا ضمن الرطب ثمَّ وَقت الْخرص هَل يقوم مقَام نفس الْخرص فِي التَّضْمِين فِيهِ خلاف فرعان أَحدهمَا لَو ادّعى جَائِحَة صدق إِلَّا إِذا كَذبته الْمُشَاهدَة وَلَو كَانَ يُمكن صَدَقَة وَلَكِن الْغَالِب أَنه لَو وَقع لظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بُد من بَيِّنَة على أصل الْوَاقِعَة وَإِن لم يتَعَرَّض للتفصيل قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد المؤتمن إِذا ادّعى مُمكنا صدق بِيَمِينِهِ كَمَا فِي دَعْوَى رد الْوَدِيعَة الثَّانِي لَو ادّعى حيف الخارص قصدا لم يقبل وَلَو ادّعى غلطه بِقدر مُمكن صدق مَعَ يَمِينه وَإِن ادّعى الْغَلَط بِالنِّصْفِ أَو الثُّلُث فَهَذَا غير مُمكن وَلَكنَّا نصدقه فِي الْمِقْدَار الْمُمكن من هَذِه الْجُمْلَة وَحَيْثُ يصدق فاليمين فِيهَا مُسْتَحبَّة أَو مُسْتَحقَّة فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَصَرُّفَات الْمَالِك فِي جَمِيع الثِّمَار يبتني على التَّضْمِين فَإِن قُلْنَا قد تحول إِلَى ذمَّته الْعشْر تَمرا بعد تصرفه فِي الْكل وَإِلَّا فَينفذ تصرفه فِي التِّسْعَة الأعشار ونفوذه فِي الْعشْر يبتني على قَول الذِّمَّة وَالْعين كَمَا سبق وَقد ذكرنَا ثمَّ إِن الْمَنْع يشيع فِي جَمِيع المَال على أحد الْأَقْوَال وَهَاهُنَا لَا خلاف فِي نُفُوذ تصرفه فِي غير قدر الزَّكَاة قبل الْجَفَاف لمسيس الْحَاجة وَشدَّة أثر الْحجر فَأَما بعد الْجَفَاف فيتنزل منزلَة الْمَوَاشِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أصَاب النخيل عَطش يستضر بالثمار فللمالك قطعهَا وَإِن تضرر بهَا الْمَسَاكِين لأَنهم يَنْتَفِعُونَ بِبَقَاء النخيل فِي السّنة الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ السَّاعِي عشر الرطب أَو ثمن عشرهَا وَلَا يلْزمه التَّمْر فَإِنَّهُ فِي الْقطع مَعْذُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وَاخْتلفُوا فِي قَوْله أَو ثمن عشرهَا فَقيل مَعْنَاهُ ترديد قَول أَي إِذا فرعنا على أَن الْمِسْكِين شريك وَأَن الْقِسْمَة بيع امْتنع تَسْلِيم الرطب بِالْقِسْمَةِ فَيرجع إِلَى الثّمن للضَّرُورَة وَإِن فرعنا على أَنه إِقْرَار حق أَخذ نفس الرطب وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا تَخْيِير لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا يُؤْخَذ للْحَاجة فَيجوز أَيْضا أَن يقسم للْحَاجة وَإِن جعلنَا الْقِسْمَة بيعا وَهَذَا الْقَائِل قد يجوز قسْمَة الْأَوْقَاف للْحَاجة فَلَمَّا لم يكن بُد من احْتِمَال مَحْذُور للْحَاجة إِمَّا الْبَدَل وَإِمَّا بيع الرطب تخير وَمِنْهُم من قطع بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمْتَنع إِذْ لَا ضَرُورَة بل الطَّرِيق أَن يسلم النخيل إِلَى السَّاعِي فَيتَعَيَّن حق الْمِسْكِين بِالْقَبْضِ فِيهِ وَتثبت الشّركَة ثمَّ يَبِيع السَّاعِي قدر حق الْمَسَاكِين إِذْ لَهُ أَن يَبِيع مَال الزَّكَاة مهما عظمت الْمُؤْنَة عَلَيْهِ فِي إِِمْسَاكهَا أَو نقلهَا وَقد احْتَاجَ هَاهُنَا إِلَى البيع لتعذر الْقِسْمَة وَلَيْسَ للساعي بيع مَال الزَّكَاة لغَرَض التِّجَارَة فَإِنَّهُ مستغن عَنْهَا الرَّابِعَة نَص فِي الْكَبِير على أَنه لَو بَاعَ ثمره قبل بَدو الصّلاح لَا يشْتَرط الْقطع فَالْبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 بَاطِل فَإِذا أتلف المُشْتَرِي الثِّمَار ثمَّ أفلس البَائِع وَحجر عَلَيْهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الزَّكَاة والديون فتؤخذ الْقيمَة من المُشْتَرِي وَيقدم الْمَسَاكِين بِعشر الْقيمَة ويضاربون بِقدر التَّفَاوُت بَين قيمَة الرطب وَالتَّمْر إِذا كَانَ قيمَة التَّمْر أَكثر وَهَذَا تَفْرِيع على خَمْسَة أصُول فَأخذ الْقيمَة تَفْرِيع على أَن الرطب من ذَوَات الْقيم وَتَقْدِيم الْمَسَاكِين بالعشر تَفْرِيع على تعلق حَقهم بِالْعينِ كَمَا فِي الرَّهْن وَإِثْبَات حق الْمَسَاكِين فِي التَّمْر تَفْرِيع على أَن الْخرص تضمين وَأَن وَقت الْخرص كالخرص وَإِثْبَات الْمُضَاربَة بالتفاوت تَفْرِيع على أَن حق الله تَعَالَى يُسَاوِي حق الْآدَمِيّ عِنْد الازدحام على مَال وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 النَّوْع الثَّالِث فِي زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالنَّظَر فِي قدر الْمُوجب وجنسه أما الْقدر فنصاب الْوَرق مِائَتَا دِرْهَم فِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم ونصاب الذَّهَب عشرُون دِينَارا وَفِيه نصف دِينَار وَمَا زَاد فبحسابه يجب فِيهِ ربع الْعشْر وَلَا وقص فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه مسَائِل الأولى لَو نقص حَبَّة من هَذَا الْقدر فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَ يروج رواج التَّام وَقَالَ مَالك إِن كَانَ نقد الْبَلَد قراضة وَمَعَهُ مائَة وَخَمْسُونَ يروج بمائتين مكسرة وَجَبت الزَّكَاة الثَّانِيَة يعْتَبر النّصاب فِي جَمِيع الْحول وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتَبر فِي أَثْنَائِهِ الثَّالِثَة لَا يكمل نِصَاب أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَكِن يكمل نِصَاب جيد النقرة برديئها ثمَّ يخرج من كل بِقَدرِهِ وَلَا يكمل بِالنُّحَاسِ فَلَا زَكَاة فِي الدَّرَاهِم المغشوشة إِلَّا إِذا كَانَت النقرة فِيهَا بِقدر النّصاب وَتَصِح على الدَّرَاهِم المغشوشة وَإِن لم يكن قدر النقرة مَعْلُوما على أحد الْوَجْهَيْنِ كالغالية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 والمعجونات الرَّابِعَة إِذا كَانَ لَهُ آنِية من الذَّهَب وَالْفِضَّة مختلطا وَزنه ألف وَوزن أَحدهمَا سِتّمائَة وَلم يدر أَن الستمائة ذهب أَو فضَّة يلْزمه التَّمْيِيز ليعرف الْقدر فَإِن عسر التَّمْيِيز فَالْمَذْهَب أَنه يخرج زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب وسِتمِائَة من النقرة ليخرج مِمَّا عَلَيْهِ بِيَقِين لِأَنَّهُ إِذا أخرج زَكَاة أَرْبَعمِائَة ذهب وَأَرْبَعمِائَة فضَّة فَيعلم اشْتِغَال ذمَّته بعد ذَلِك يَقِينا وَلَا يبرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 يَقِينا إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ الْأَخْذ بغالب الظَّن إِذا كَانَ يُؤَدِّيه بِنَفسِهِ فَإِن أدّى إِلَى السُّلْطَان فَلَا بُد من الْيَقِين وَقيل يَأْخُذ بِمَا شَاءَ فَيُؤَدِّي زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب أَو من الْفضة لِأَن اشْتِغَال ذمَّته لَيْسَ بمستيقن بِمَا سوى ذَلِك الْخَامِسَة لَو ملك مائَة نَقْدا وَمِائَة مُؤَجّلا على مَلِيء وَقُلْنَا لَا يجب تَعْجِيل الزَّكَاة فِي الْمُؤَجل فمقدار النَّقْد يجب أَدَاؤُهُ على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَقيل لَا يجب لِأَن النّصاب فِي حكم شئ وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض واجبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 النّظر الثَّانِي فِي جنسه وَلَا زَكَاة فِي شئ من اللآلئ واليواقيت وَسَائِر نفائس الْأَمْوَال وَإِنَّمَا يجب فِي النَّقْدَيْنِ تبرا كَانَ أَو مَضْرُوبا وَفِي مناطه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه عينهما كَمَا فِي الرِّبَا فَيجب فِي الْحلِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمذهب عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَالثَّانِي أَنه مَنُوط بمعناهما وَهُوَ الِاسْتِغْنَاء عَنْهُمَا فِي عينهما إِذْ لَا يرتبط بذاتهما غَرَض فبقاؤهما سنة يدل على الْغناء بِخِلَاف اللآلئ واليواقيت وَالثيَاب والأواني فعلى هَذَا إِذا قصد بصياغته حليا اسْتِعْمَالا مُبَاحا لم تجب الزَّكَاة كَمَا أَن أَمْوَال الْقنية الَّتِى يرتبط بِأَعْيَانِهَا غَرَض إِذا عزم على ترك اسْتِعْمَالهَا بإرصادها للتِّجَارَة وَجَبت الزَّكَاة وَهَذَا مَذْهَب عَائِشَة وَابْن عمر والجديد من قولي الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وعَلى هَذَا فِي الْقَصْد مَرَاتِب الأولى أَن يصوغ مَا هُوَ مَحْظُور فِي نَفسه كالملاهي والأواني فَلَا تسْقط الزَّكَاة الثَّانِيَة أَن يصوغ الرجل حلي النِّسَاء ليلبسه بِنَفسِهِ لم تسْقط الزَّكَاة لِأَن الصَّارِف عَن الأَصْل قصد صَحِيح وَلم يُوجد الثَّالِثَة أَن يقْصد أَن يكنزها حليا وَلَا يسْتَعْمل فَالْمَذْهَب وجوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ لم يصر مُحْتَاجا إِلَيْهِ لِأَن المكنوز مُسْتَغْنى عَنهُ كالدراهم وَالدَّنَانِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 الرَّابِعَة أَن لَا يقْصد سَببا أصلا فَفِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صَنْعَة الْحلِيّ وهيآته وَفِي الثَّانِي إِلَى عدم قصد الصّرْف إِلَى حَاجَة الِاسْتِعْمَال الْخَامِسَة أَن يقْصد إِجَارَتهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الِانْتِفَاع نوع حَاجَة فِي عينه سَوَاء حصل بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فرعان الأول حَيْثُ شرطنا الْقَصْد فطارئها بعد الصياغة كمقارنتها فِي الْإِسْقَاط والإيجاب وَهُوَ كنية الْقنية إِذا طرأت فِي مَال التِّجَارَة فَإِنَّهُ يقطع الْحول وَمُجَرَّد نِيَّة التِّجَارَة لَا يَكْفِي لانعقاد الْحول إِلَّا إِذا اقْترن بِالشِّرَاءِ لِأَن النِّيَّة دون الْمَنوِي لَا تُؤثر وَنِيَّة الْقنية مَعْنَاهَا الْإِمْسَاك والإمساك مقرون بهَا الثَّانِي لَو انْكَسَرَ الْحلِيّ بِحَيْثُ يتَعَذَّر اسْتِعْمَاله إِلَّا بإصلاح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 أَنه ينْعَقد الْحول بتعذر الِاسْتِعْمَال فَأشبه التبر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مرصد للإصلاح والصنعة بَاقِيَة وَالثَّالِث إِن قصد الْمَالِك إِصْلَاحه فَلَا زَكَاة وَإِن قصد أَن لَا يصلحه جرى فِي الْحول وَإِن لم يشْعر بِهِ إِلَّا بعد سنة فقصد الْإِصْلَاح فَفِي السّنة الْمَاضِيَة وَجْهَان وعَلى هَذَا الْوَجْه الْأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقَصْد تبين أَنه كَانَ مرْصدًا لَهُ فَإِن قيل مَا الْمَحْظُور فِي عينه مِمَّا يتَّخذ من الذَّهَب وَالْفِضَّة قُلْنَا هُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا يخْتَص الرِّجَال بِهِ وَالذَّهَب حرَام عَلَيْهِم مُطلقًا إِلَّا فِي اتِّخَاذ أنف لمن جدع أَنفه فَإِنَّهُ لَا يصدأ وَقد أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَأْس بتمويه الْخَاتم بِذَهَب لَا يتَحَصَّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 مِنْهُ وَأما أَسْنَان الْخَاتم من الذَّهَب حرَام وَقَالَ إمامي لَا يبعد أَن يشبه بضبة الْإِنَاء وتجنب ديباج على ثوب وَهَكَذَا حكم الطّراز الْمَذْهَب إِذا حصل مِنْهُ شئ أما الْفضة فَيحل للرجل التَّخَتُّم بِهِ وتحلية آلَات الْحَرْب من السَّيْف والسنان والمنطقة وَفِي تَزْيِين السرج واللجم وَجْهَان لِأَنَّهُ يشبه أَن يكون من آلَات الْحَرْب الْقسم الثَّانِي فِيمَا يخْتَص بِالنسَاء وَهُوَ حَلَال لَهُنَّ أَعنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا مَا فِيهِ تشبه بِالرِّجَالِ كتحلية آلَات الْحَرْب والسرج واللجم الْقسم الثَّالِث مَا لَا يخْتَص بِالرِّجَالِ وَلَا بِالنسَاء وَفِيه مسَائِل الأولى اتِّخَاذ الْأَوَانِي من الذَّهَب وَالْفِضَّة حرَام مُطلقًا وَفِي المكحلة الصَّغِيرَة تردد الثَّانِيَة سكاكين المهنة إِذا حليت بِالْفِضَّةِ فاستعمال الرِّجَال لَهَا فِيهِ تردد وَوجه جَوَازهَا تشبيهها بآلات الْحَرْب وَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يجوز للنِّسَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 الثَّالِثَة تحلية الْمُصحف بِالْفِضَّةِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز حمله على الْإِكْرَام وَفِي الذَّهَب ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يفرق بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَأَما غير الْمُصحف من الْكتب لم يجوز تحليتها بِفِضَّة وَلَا ذهب كَمَا لَا يجوز تحلية الدواة والسرير والمقلمة وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر تَجْوِيز تحلية الدواة وَهَذَا يُوجب الْجَوَاز فِي المقلمة وَسَائِر الْكتب وَهُوَ منقدح فِي الْمَعْنى إِذْ لَا يبعد أَن يُقَال لم يثبت فِي الْفضة تَحْرِيم إِلَّا فِي الْأَوَانِي فأصله على الْإِبَاحَة الرَّابِعَة تحلية الْكَعْبَة والمساجد والمشاهد بقناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَمْنُوع هَكَذَا نَقله الْعِرَاقِيُّونَ عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَلَا يبعد مُخَالفَته حملا على الْإِكْرَام كَمَا فِي الْمُصحف وَلِأَن الأَصْل فِي الْفضة الْإِبَاحَة إِلَّا فِي الْأَوَانِي وَفِي الذَّهَب الْإِبَاحَة إِلَّا على ذُكُور الْأمة وَلَيْسَ هَذَا من تحلي الذُّكُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 النَّوْع الرَّابِع زَكَاة التِّجَارَة وأركانها أَرْبَعَة الأول المَال وَهُوَ كل مَا قصد فِيهِ الاتجار عِنْد اكْتِسَاب الْملك فِيهِ بمعاوضة مَحْضَة وَفِيه ثَلَاثَة قيود الأول أَن مُجَرّد النِّيَّة فِي دوَام الْملك لَا يَكْفِي لِأَن الْمَنوِي لم يقْتَرن بِهِ بِخِلَاف نِيَّة الْقنية فَإِنَّهَا تقطع التِّجَارَة لِأَن معنى الْقنية الْإِمْسَاك وَهُوَ مقرون بِهِ وَقَالَ الْكَرَابِيسِي يَكْفِي مُجَرّد نِيَّة التِّجَارَة الثَّانِي قصد التِّجَارَة عِنْد حُصُول الْملك بِإِرْث أَو اتهاب أَو رُجُوع برد بِعَيْب لَا يُؤثر وَعند حُصُوله عوضا عَن الْبضْع فِي الْخلْع وَالنِّكَاح وَجْهَان لِأَنَّهُ مُعَاوضَة لَيست بمتمحضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 الثَّالِث إِذا اشْترى عبدا على نِيَّة التِّجَارَة بِثَوْب قنية فَرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ انْقَطع حوله لِأَن الثَّوْب الْعَائِد إِلَيْهِ لم يجز فِيهِ النِّيَّة وَلم يعد بِتِجَارَة بِخِلَاف مَا إِذا تبَايع التاجران ثمَّ ترادا لِأَن الْعَائِد كَانَ مَال التِّجَارَة قبل العقد وَلَو بَاعَ ثوب تِجَارَة بِعَبْد الْقنية انْقَطع حول الثَّوْب فَلَو رد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ لم يعد الْحول مَا لم يسْتَأْنف سَببا آخر وَهُوَ بَيْعه على نِيَّة التِّجَارَة فرع إِذا اشْترى جَارِيَة للتِّجَارَة فَولدت فَهَل يدْخل الْوَلَد فِي حول التِّجَارَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل بِالتِّجَارَة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو نقص قيمَة الْأُم بِالْولادَةِ تجبر بِهِ فَإِن ذَلِك لَا يعد خسرانا فَدلَّ على أَنه من فَوَائِد التِّجَارَة قبل العقد الرُّكْن الثَّانِي النّصاب وَهُوَ مُعْتَبر وَفِي وَقت اعْتِبَاره أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يعْتَبر فِي جَمِيع الْحول كَسَائِر الزكوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وَالثَّانِي لَا يعْتَبر إِلَّا فِي آخر الْحول لِأَن اخْتِلَاف الْقيمَة بانخفاض الأسعار فِي لحظات قريبَة لَا يَنْضَبِط وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر فِي أول الْحول وَآخره لِأَنَّهُمَا مضبوطان بِخِلَاف الْوسط وَالرَّابِع أَن النُّقْصَان بانخفاض الأسعار فِي أثْنَاء الْحول لَا يعْتَبر وَلَكِن إِن صَار محسوسا بِالرَّدِّ إِلَى الناض فَيعْتَبر لِأَن هَذَا منضبط فَإِن قُلْنَا يعْتَبر آخر الْحول فَلَو لم يكن نِصَابا ثمَّ صَار نِصَابا بعد شهر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يجب مَا لم يتم الْحول الثَّانِي لِأَن الأول قد بَطل وَالأَصَح أَنه يجب لِأَنَّهُ ملكه سنة وشهرا فَيقدر كَأَن الزَّائِد لم يكن فرع إِذا لم يعْتَبر وسط الْحول فَاشْترى عرضا بِمِائَتي دِرْهَم وَبَاعه بِعشْرين دِينَارا لَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالدَّنَانِير عرض إِذا التَّقْوِيم بِرَأْس المَال فَلَو انْقَضى عَلَيْهِ سنُون وَلم يبلغ نِصَابا بِاعْتِبَار الدَّرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا تجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 الزَّكَاة لِأَنَّهُ عرض فِي التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنا يعدل إِلَى زَكَاة الْعين لعسر زَكَاة التِّجَارَة وعَلى هَذَا فِي وَقت افْتِتَاح حوله وَجْهَان أَحدهمَا أَنه آخر حول الأول إِذْ عِنْد تعذر زَكَاة التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنه من وَقت ملكه إِذْ بَان آخر الْحول أَنه كَانَ لَا يصلح لزكاة التِّجَارَة الرُّكْن الثَّالِث الْحول وَهُوَ مُعْتَبر بالِاتِّفَاقِ وَالنَّظَر فِي أَمريْن أَحدهمَا فِي ابْتِدَائه وَلما يشترى بِهِ سلْعَة التِّجَارَة ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن يكون من النَّقْدَيْنِ نِصَابا كَامِلا ابْتِدَاء الْحول من يَوْم ملك النّصاب من النَّقْد ليبتني حول التِّجَارَة على حول النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا متشابهان فِي قدر الْوَاجِب والموجب فِيهِ ومتعلق الْوُجُوب وَكَذَا إِن كَانَ النّصاب نَاقِصا مهما نَظرنَا إِلَى آخر الْحول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وَإِن نَظرنَا إِلَى أَوله فَيبْدَأ الْحول حَيْثُ بلغت قيمَة السّلْعَة نِصَابا الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا لَا من جنس مَال الزَّكَاة فالحول من وَقت نِيَّة التِّجَارَة لَا من وَقت ملك الْعرض الثَّالِثَة أَن يكون عرضا من جنس من مَال الزَّكَاة كَمَا لَو اشْترى بنصاب من الْغنم السَّائِمَة سلْعَة للتِّجَارَة فَالْمَذْهَب أَن الْحول من وَقت الشِّرَاء وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هُوَ من وَقت ملك الْمَاشِيَة وَعَلِيهِ دلّ نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين الزكاتين حَتَّى يَنْبَنِي أَحدهمَا على الآخر الْأَمر الثَّانِي الْمُسْتَفَاد فِي أثْنَاء الْحول هَل يضم إِلَى الأَصْل لَهُ أَرْبَعَة أَحْوَال الأولى أَن يكون بارتفاع قيمَة مَال التِّجَارَة فَتجب الزَّكَاة فِيهِ بحول الأَصْل كَمَا فِي النِّتَاج مَعَ الْأُمَّهَات الثَّانِيَة أَن يَشْتَرِي شَيْئا بنية التِّجَارَة لَا بِمَال التِّجَارَة فيفرد بحوله وَلَا يضم إِلَى الأَصْل كالمستفاد من الْمَاشِيَة الثَّالِثَة إِذا ارْتَفَعت قيمَة مَال التِّجَارَة فَيردهُ إِلَى الناض كَمَا إِذا كَانَت سلْعَته تَسَاوِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 عشْرين دِينَارا فارتفعت قيمتهَا وباعها بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر بِأَرْبَعِينَ دِينَارا فَفِي الْعشْرين الزَّائِد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل كنتاج الْمَوَاشِي وكما إِذا ارْتَفَعت الْقيمَة من غير تنضيض وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه تفرد بحوله لِأَنَّهُ مُسْتَفَاد من كيس المُشْتَرِي لَا من عين السّلْعَة بِخِلَاف النِّتَاج الرَّابِعَة أَن يكون مَال التِّجَارَة حَيَوَانا أَو شَجرا فنتج وأثمر وَقُلْنَا إِن حكم الزَّكَاة يتَعَدَّى إِلَى الْوَلَد فَالْأَظْهر أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل وَمَا يحْتَمل أَن يلْتَحق بهما بِالرِّبْحِ الناض الرُّكْن الرَّابِع فِي مَا يجب إِخْرَاجه وَهُوَ ربع عشر قيمَة مَال التِّجَارَة وبماذا يقوم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَيْن يكون مشترى بِأحد النَّقْدَيْنِ وَكَانَ نِصَابا كَامِلا فَيقوم بِهِ وَإِن اشْترِي بنقدين فَيقوم بهما على نِسْبَة التقسيط يَوْم الشِّرَاء فَإِن قَومنَا وَلم يبلغ كل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَت بِحَيْثُ لَو قوم بِأحد النَّقْدَيْنِ لَكَانَ نِصَابا الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ نَقْدا غير نِصَاب وَالأَصَح أَنه مقوم بِهِ فِيهِ وَجه أَنه يقوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب الثَّالِثَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا قوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَإِن غلب نقدان قوم بِمَا يبلغ بِهِ نِصَابا فَإِن بلغ كل وَاحِد بهما نِصَابا فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَن الْمَالِك يتَخَيَّر وَالثَّانِي أَنه يتبع الأنفع للْمَسَاكِين وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر بأقرب الْبلدَانِ إِلَى حَيْثُ يغلب أحد النَّقْدَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وَالرَّابِع أَنه يقوم بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ أَحْرَى فِي المستحقرات فَيكون أرْفق للْمَسَاكِين وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديمان أَحدهمَا أَن الْوَاجِب ربع الْعشْر من جنس المَال وَالثَّانِي أَنه يتَخَيَّر بَينه وَبَين الْقيمَة فرع إِذا وَجَبت الزَّكَاة فَيجوز لَهُ أَن يتَخَيَّر قبل الزَّكَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ يزِيل الْمَالِيَّة الَّتِي هى مُتَعَلق الزَّكَاة فَأَما إِن أَرَادَ الْإِعْتَاق أَو الْهِبَة فَيخرج على أَن مُتَعَلق الزَّكَاة الْعين أَو الذِّمَّة كَمَا مضى فِي الْمَوَاشِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 واختتام الْبَاب بفصلين الأول فِي اجْتِمَاع زَكَاة التِّجَارَة مَعَ سَائِر الزكوات ويفرض ذَلِك فِي الْفطْرَة والمعشرات والمواشي أما الْفطْرَة فَلَا تَنْتفِي بِزَكَاة التِّجَارَة بل على التَّاجِر أَن يخرج الْفطْرَة عَن عبيد التِّجَارَة وَإِن تمّ حول التِّجَارَة مثلا عِنْد هِلَال شَوَّال لِأَنَّهُمَا زكاتان يتابعد مأخذهما فَلَا تتنافيان خلافًا لأبي حنيفَة أما إِذا اشْترى نِصَابا من السَّائِمَة على نِيَّة التِّجَارَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْمُعْتَبر زَكَاة التِّجَارَة لِأَنَّهُ أرْفق بالمساكين وَلِأَن المَال خرج عَن كَونه قنية بنية التِّجَارَة وَلم يخرج عَن كَونه مَال التِّجَارَة بالسوم وَالثَّانِي أَن الْمُغَلب زَكَاة الْعين فَإِنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ نِصَابا بِأَحَدِهِمَا دون الآخر فَيكون الْغَالِب مَا بلغ بِهِ نِصَابا وَإِن كَانَ بهما جَمِيعًا نِصَابا فعلى التَّرَدُّد السَّابِق هَذَا إِذا توَافق ابْتِدَاء الْحَوْلَيْنِ أما إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ معلوفة ثمَّ أنشأ إسامتها بعد سِتَّة أشهر فَإِن قُلْنَا إِن الْغَالِب زَكَاة التِّجَارَة فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا الْغَالِب زَكَاة الْعين فَفِي كَيْفيَّة تغليبها هَاهُنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَطِع حول التِّجَارَة بطريان السّوم وَالثَّانِي أَنه تجب زَكَاة التِّجَارَة فِي الْحول الأول كَيْلا يحبط بعضه ويعدل إِلَى زَكَاة الْعين فِي الْحول الثَّانِي وَأما المعشرات فَإِذا اشْترى ثمارا بنية التِّجَارَة فَبَدَأَ الصّلاح فِي يَده قبل البيع فَإِن غلبنا زَكَاة التِّجَارَة لم يجب الْعشْر وَإِن غلبنا زَكَاة الْعين يخرج الْعشْر ثمَّ يسْتَأْنف حول التِّجَارَة عِنْد الْجذاذ إِذْ بِهِ تَنْقَطِع علائق زَكَاة الْعين فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حديقة فإخراج الْعشْر يسْقط زَكَاة الثِّمَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 وَهل تسْقط زَكَاة الْأَشْجَار وَالْأَرْض فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا نعم لِأَن الْعشْر حق الْأَشْجَار ومغارسها فَهِيَ كالتابعة للثمرة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعشْر حق الثِّمَار إِذْ يجب على من لَا يملك الْأَشْجَار الثَّالِث أَن الْأَشْجَار تتبع دون الأَرْض لِأَن الشَّجَرَة لَا ترَاد إِلَّا للثمرة فَإِن قُلْنَا تتبع الأَرْض فَلَا نتبع إِلَّا مَا يدْخل فِي الْمُسَاقَاة من الأرضي المتخللة بَين الْأَشْجَار فرع لَو اشْترى أَرضًا للتِّجَارَة وبذرا للْقنية وَزرع فَوَاجِب الزَّرْع الْعشْر الْمَحْض وواجب الأَرْض زَكَاة التِّجَارَة إِذْ لَيْسَ الزَّرْع مَحل التِّجَارَة حَتَّى يستتبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 الْفَصْل الثَّانِي فِي زَكَاة مَال الْقَرَاض فَإِذا سلم إِلَى رجل ألفا على أَن يكون الرِّبْح نِصْفَيْنِ فَكَانَ آخر الْحول أَلفَيْنِ فَإِن قُلْنَا الْعَامِل لَا يملك إِلَّا بِالْقِسْمَةِ فزكاة الْأَلفَيْنِ على الْمَالِك وَيحْتَمل على نصيب الْعَامِل وجد أَنه لَا يلْزمه لِأَن ملكه فِيهِ ضَعِيف إِذْ يتَعَلَّق بِهِ حق لِلْعَامِلِ لَازم ثمَّ مَا نؤديه من الزَّكَاة كالمؤن حَتَّى يحْتَسب من الرِّبْح أَو كاسترداد طَائِفَة من المَال فِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَن تعلق الزَّكَاة بِالْعينِ أغلب أَو بِالذِّمةِ فَإِنَّهُ إِن تعلق بِالذِّمةِ فإخراجه من غير هَذَا المَال يشبه الِاسْتِرْدَاد وَإِن قُلْنَا الْعَامِل يملك بالظهور قَالَ الْقفال لَا زَكَاة عَلَيْهِ لِأَن ملكه يسْتَقرّ بِالْقِسْمَةِ وَقيل يخرج على قولي الْمَغْصُوب فَإِن قُلْنَا يجب فَالصَّحِيح أَن حوله من وَقت الظُّهُور وَقيل إِنَّه يجب بحول الأَصْل لِأَنَّهُ ربح وَفِي استبداد الْعَامِل بِإِخْرَاجِهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مُتَرَدّد بَين المؤونة أَو أَخذ طَائِفَة من المَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 النَّوْع الْخَامِس من الزَّكَاة زَكَاة الْمَعَادِن والركاز وَفِيه فصلان الأول فِي الْمَعَادِن وَالزَّكَاة وَاجِبَة على كل حر مُسلم نَالَ من الْمَعَادِن نِصَابا من النَّقْدَيْنِ وَمَا عدا النَّقْدَيْنِ فَلَا زَكَاة فِيهِ وَفِيه وَجه آخر أَنه يجب فِي كل مَعْدن وَأوجب أَبُو حنيفَة فِيمَا ينطبع تَحت المطارق وَالنَّظَر فِي أُمُور ثَلَاثَة الأول فِي قدر الْوَاجِب وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا ربع الْعشْر تَشْبِيها بِزَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالثَّانِي أَنه الْخمس تَشْبِيها بالركاز وَالثَّالِث أَن مَا يصادفه قَلِيلا مَعَ كَثْرَة الْعَمَل ربع الْعشْر وَمَا يصادفه مجموعا كثيرا بِالْإِضَافَة إِلَى الْعَمَل فَفِيهِ الْخمس وَمعنى كَثْرَة الْعَمَل أَن يكون النّيل بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ قَلِيلا فِي الْعَادة فَإِن عد زَائِدا على الْمُعْتَاد فالمقدار اللَّاحِق بالمعتاد فِيهِ ربع الْعشْر وَالزَّائِد عَلَيْهِ يخص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 بالخمس الْأَمر الثَّانِي النّصاب وَهُوَ مُعْتَبر إِن أَوجَبْنَا ربع الْعشْر وَإِن أَوجَبْنَا الْخمس فَقَوْلَانِ لتردده بَين مشابه الْغَنَائِم فِي قدر الْوَاجِب ومشابه الزكوات فِي الْجِنْس فَإِن لم نعتبر النّصاب فَلَا حول وَإِن اعْتبر النّصاب فَفِي الْحول قَولَانِ وَاعْتِبَار الْحول مَعَ النّصاب لَا يبقي لإضافة الزَّكَاة إِلَى الْمَعَادِن وَجها فَإِن اعْتبرنَا النّصاب مِمَّا يتواصل من النّيل بِضَم بعضه إِلَى الْبَعْض كتلا حق الثِّمَار فِي سنة وَاحِدَة وَالْجَامِع هَاهُنَا اتِّصَال الْعَمَل فَلَو أعرض على عزم أَن لَا يعود فقد انْقَطع وَإِن ترك لإِصْلَاح آلَة لم يَنْقَطِع وَإِن كَانَ لعذر سفر أَو مرض فَوَجْهَانِ فرع إِذا وجد تِسْعَة عشر دِينَارا فَأَعْرض ثمَّ عَاد بعد مُدَّة وَوجد دِينَارا وَكَانَت التِّسْعَة عشر بَاقِيَة فَعَلَيهِ أَن يخرج وَاجِب هَذَا الدِّينَار لِأَنَّهُ كمل عِنْد النّيل بِمَا فِي ملكه وَأما التِّسْعَة عشر فِيهِ شئ فَلَا لِأَنَّهُ لم يكن نِصَابا كَامِلا ذَلِك الْوَقْت والكمال بعده لَا ينفع وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي ملكه سلْعَة للتِّجَارَة فيكمل بِهِ نِصَاب الْمَعَادِن ويكمل سلْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 التِّجَارَة بِمَال الْمَعَادِن إِذا وجد مَعَ آخر حول التِّجَارَة وَقُلْنَا الْمُعْتَبر آخر الْحول لِأَن زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَة والمعدن متداخلة فِي الْمَعْنى فينبني بَعْضهَا على الْبَعْض وَإِن كَانَت قد تخْتَلف فِي شَرط النّصاب والحول وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن دِينَار الْمَعْدن لَا يكمل إِلَّا بِمَا يجب فِيهِ زَكَاة الْمَعْدن مَعَه الْأَمر الثَّالِث أَنه لَا يجب إِخْرَاج الْوَاجِب قبل التنقية كَمَا فِي الْحُبُوب ثمَّ لَا يُجزئهُ إِخْرَاج التُّرَاب الْمَخْلُوط فَإِن مَقْصُوده مَجْهُول فرع للْمُسلمِ أَن يزعج الذِّمِّيّ من معادن دَار الْإِسْلَام إِذا انْتهى إِلَيْهِ وَلَكِن مَا ناله بالمبادرة ملكه كالصيد والحشيش وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا قُلْنَا على وَجه بعيد أَن مصرف واجبه الْفَيْء على قَول إبجاب الْخمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 الْفَصْل الثَّانِي فِي الرِّكَاز وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرِّكَاز الْخمس وَهُوَ وَاجِب فِي الْحَال من غير اعْتِبَار حول بِخِلَاف الْمَعْدن فَإِن فِيهِ قولا بَعيدا وَلَكِن للركاز شُرُوط الأول أَن يكون من جوهري النَّقْدَيْنِ وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي كل جنس اعْتِبَارا بالمغانم الثَّانِي أَن يكون نِصَابا تَشْبِيها بالزكوات وَفِيه قَول قديم أَن الْقَلِيل يُخَمّس كالغنيمة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كنت أَنا الْوَاجِد لخمست الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو وجدت فخارة لخمستها وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الِاحْتِيَاط فرع إِذا وجد مائَة دِرْهَم لم يجب الْخمس على الْجَدِيد فَلَو وجد مائَة أُخْرَى بعد ذَلِك وَالْمِائَة الأولى بَاقِيَة فِي ملكه أَو ملك مائَة أُخْرَى من مَال تِجَارَة أَو نقد وَجب الْخمس فِي مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الرِّكَاز وكمل نصابه بِمَا لَيْسَ بركاز كَمَا ذكرنَا فِي الْمَعَادِن وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه إِن كَانَ فِي ملكه نِصَاب كَامِل فِي النَّقْدَيْنِ سوى الرِّكَاز وَقد تمّ عَلَيْهِ الْحول وَجب الْخمس فِي هَذِه الْمِائَة تكميلا لَهَا بِمَا هُوَ مَحل الْوُجُوب وَإِن وجد قبل حولان الْحول فَلَا يكمل بِهِ وَإِن وجد عِنْد حولان الْحول وَلَكِن كَانَ النّصاب نَاقِصا فالمنصوص فِي الْأُم أَنه يكمل بِهِ الرِّكَاز وحكوا وَجها آخر أَنه لَا يكمل لنُقْصَان النّصاب وَهَذِه الطَّرِيقَة جَارِيَة فِي الْمَعَادِن وَإِن لم نحكها ثمَّ الثَّالِث أَن يكون عَلَيْهِ ضرب الْجَاهِلِيَّة فَلَو كَانَ على ضرب الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة وَقيل إِن الإِمَام يحفظها كحفظ الْأَمْوَال الضائعة لِأَن اللّقطَة مَا هُوَ بصدد الضّيَاع وطرد هَذَا فِي الثَّوْب الذى تلقيه الرّيح فِي دَار إِنْسَان فَإِنَّهُ لَيْسَ معرضًا للضياع وَلَو انْكَشَفَ الرِّكَاز بسيل جارف ألحق باللقطة على مساق هَذَا الْمَعْنى فَأَما إِذا احْتمل أَن يكون من ضرب الْإِسْلَام وَالْكفْر جَمِيعًا كالأواني والحلى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لقطَة وَالثَّانِي أَنه ركاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 الشَّرْط الرَّابِع أَن يُوجد فِي مَوضِع مُشْتَرك كموات وشارع فَإِن وجد فِي عمرَان دَار الْحَرْب فَهُوَ غنيمَة أَو فَيْء وعَلى اخْتِلَاف الْحَال فِي إيجَاف خيل وركاب أَو عَدمه وَإِن وجده فِي ملك نَفسه نظر فَإِن كَانَ يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلهُ الْأَخْذ وَلَكِن يملك بِالْإِحْيَاءِ أم بِالْأَخْذِ فِيهِ وَجْهَان فعلى وَجه لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَجزَاء الأَرْض بِخِلَاف الْمَعَادِن وَإِن كَانَ الْملك قد انْتقل إِلَيْهِ من غَيره فَإِن قُلْنَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَعَلَيهِ طلب المحيي وَإِلَّا فَهُوَ لقطَة أَو مَال ضائع وَإِن قُلْنَا لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلَا شكّ فِي أَن المحيي أولى بِهِ وَلَا يبطل اخْتِصَاصه بِالْبيعِ فَلَا يملكهُ الْوَاجِد وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَإِنَّهُ يشبه بِمَا لَو عشش طير فِي دَاره فَأَخذه غير صَاحب الدَّار وَفِي ملكه خلاف فرع لَو تنَازع البَائِع وَالْمُشْتَرِي والمعير وَالْمُسْتَعِير وَقَالَ كل وَاحِد أَنا دفنت الرِّكَاز فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد فِي الْحَال فَإِن قَالَ الْمكْرِي بعد رُجُوع الدَّار إِلَى يَده أَنا كنت دَفَنته قبل الْإِجَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 لم يصدق على أحد الْوَجْهَيْنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ اعْترف بِثُبُوت يَد الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِدَعْوَى التَّقَدُّم الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون الْوَاجِد أَهلا لِلزَّكَاةِ فَلَا خمس على الذِّمِّيّ إِذا وجده إِلَّا على قَول بعيد أَن مصرف الْخمس الْفَيْء فَإذْ ذَاك يُؤْخَذ خمسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 النَّوْع السَّادِس زَكَاة الْفطر وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِي وَقت الْوُجُوب وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنه يجب بِأول جُزْء من لَيْلَة الْعِيد وَهُوَ وَقت الْغُرُوب آخر يَوْم من شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ مَنْسُوب إِلَى الْفطر وَهَذَا وقته وعَلى هَذَا لَو مَاتَ عَبده أَو وَلَده قبيل الْغُرُوب أَو ورث عبدا أَو ولد لَهُ بعد الْغُرُوب فَلَا فطْرَة عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ الثَّانِي أَنه يجب بِأول جُزْء من طُلُوع الْفجْر يَوْم الْعِيد لِأَن أثر الْفطر يظْهر فِي الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من اعْتِبَار الْوَقْتَيْنِ فعلى هَذَا لَو زَالَ ملكه بعد الْغُرُوب وَعَاد قبل الطُّلُوع قبل الزَّوَال فَوَجْهَانِ الطّرف الثَّانِي فِي الْمُؤَدى عَنهُ والتحمل جَار فِي الْفطر لقَوْله أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون فتبعت الْفطْرَة النَّفَقَة وجهات تحمل النَّفَقَة ثَلَاثَة الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وكل قريب تجب نَفَقَته تجب فطرته إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 إِحْدَاهمَا ابْن بَالغ لم يملك إِلَّا قوت يَوْمه فَقَط عَلَيْهِ لإعساره وَلَا على الْأَب لسُقُوط نَفَقَته فِي هَذَا الْيَوْم وَإِن كَانَ الابْن صَغِيرا قَالَ الصيدلاني تجب فطرته فَإِن حق الصَّغِير آكِد وَلذَلِك تتسلط الْأُم على الاستقراض لنفقة الصَّغِير دون الْكَبِير قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق فِي الْفطْرَة وَلَا فِي الاستقراض بل لَا تستقرض الْأُم دون إِذن السُّلْطَان بِحَال الثَّانِيَة فطْرَة زَوْجَة الْأَب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب كَالنَّفَقَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَن وجوب الإعفاف خَارج عَن الْقيَاس فيقصر على النَّفَقَة الَّتِى هى قدر الضَّرُورَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن الابْن يُؤَدِّي فطْرَة عبد أَبِيه إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 كَانَ مُسْتَغْرقا بِخِدْمَة أَبِيه فزوجة الْأَب أولى الْجِهَة الثَّانِيَة الزَّوْجِيَّة فَيجب على الزَّوْج الْحر الْمُوسر صَدَقَة الْفطر عَن زَوجته الْمسلمَة موسرة كَانَت أَو معسرة فَإِن كَانَ مُعسرا وَهِي موسرة قَالَ الشَّافِعِي الأولى لَهَا أَن تخرج عَن نَفسهَا وَلَا يتَبَيَّن لي إِيجَابهَا عَلَيْهَا وَنَصّ فِي الْأمة تَحت الزَّوْج الْمُعسر على أَن النَّفَقَة تجب على السَّيِّد فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج منشؤها التَّرَدُّد فِي أَن الزَّوْج أصل فِي الْوُجُوب أَو متحمل وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ مَالك الْيَمين أقوى فِي الْأمة من مالكته الْحرَّة وَلِهَذَا يلْزم الْحرَّة التَّمْكِين مُطلقًا وَلَا يجب على السَّيِّد تَسْلِيم الْأمة إِلَى زَوجهَا إِلَّا لَيْلًا وَإِن كَانَت موسرة تَحت مكَاتب فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجب عَلَيْهَا لِأَن الْمكَاتب لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة التَّحَمُّل فرعان الأول إِذا أخرج الزَّوْج زَكَاتهَا دون إِذْنهَا جَازَ فَإِنَّهُ مُخَاطب أصيلا كَانَ أَو متحملا وَإِن أخرجت هى فطْرَة نَفسهَا بِغَيْر إِذْنه لم يجز إِلَّا على قَوْلنَا إِن الزَّوْج متحمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَلَيْسَ بأصيل الْفَرْع الثَّانِي البائنة الْحَامِل تسْتَحقّ الْفطْرَة كَالنَّفَقَةِ وَقيل إِذا قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَلَا فطْرَة الْجِهَة الثَّالِثَة ملك الْيَمين فَيجب إِخْرَاج الْفطْرَة عَن كل مَمْلُوك مُسلم بَاقٍ تَحت التَّصَرُّف أما الْكَافِر فَلَا فطْرَة لَهُ عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَأما العَبْد الْمُشْتَرك يجب فطرته على الشَّرِيكَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة وَمن نصفه حر وَنصفه عبد فَالْأَمْر بَينه وَبَين السَّيِّد على الشّركَة وَلَو جرت مُهَايَأَة واستهل هِلَال شَوَّال فِي نوبَة أَحدهمَا فَفِي اخْتِصَاص الْفطْرَة بِهِ وَجْهَان بِنَاء على أَن الْأُمُور النادرة هَل تدخل فِي الْمُهَايَأَة وَفِيه خلاف وَلَو اعْتبرنَا مَجْمُوع الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ وَقت الْغُرُوب فِي نوبَة أَحدهمَا وَوقت الطُّلُوع فِي نوبَة الآخر فَلَا سَبِيل إِلَّا الشّركَة وَأما نُفُوذ التَّصَرُّف احترزنا بِهِ عَن الْمكَاتب فَلَا يجب فطرته عَلَيْهِ لنُقْصَان حَاله وَلَا على السَّيِّد لسُقُوط النَّفَقَة وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب على السَّيِّد وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يجب على الْمكَاتب لِأَن إِسْقَاط فطرته مَعَ قدرته وقدرة السَّيِّد بعيد وَهُوَ أولى بِنَفسِهِ من السَّيِّد كَمَا فِي النَّفَقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 أما من لَا ينفذ التَّصَرُّف فِيهِ بإباقة أَو كَونه مَغْصُوبًا أَو ضَالًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا كَسَائِر الزكوات فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالْملكِ الضَّعِيف فِي الْمُسْتَوْلدَة وأطلقوا القَوْل بِوُجُوبِهِ فِي العَبْد الْمَرْهُون وَإِن احْتمل إِجْرَاء الْخلاف فِيهِ فروع ثَلَاثَة الأول العَبْد الْمُوصى بِهِ إِذا فرعنا على أَنه بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول ملك الْمَيِّت فَجرى الإهلال فَلَا زَكَاة وَذكر الفوراني وَجها أَنه يجب فِي مَال الْمَيِّت وَهَذَا يلْتَفت على تردد ذَكرْنَاهُ فِي مَال الْجَنِين لِأَن الْجَنِين مورده الْحَيَاة وَالْمَيِّت مصدره الْحَيَاة والاستصحاب كالاستعجال الثَّانِي إِذا غَابَ العَبْد وَانْقطع خَبره نَص على وجوب فطرته وَلَو أعْتقهُ عَن كَفَّارَة ظِهَار نَص على أَن الوقاع لَا يحل لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج لتقابل الْأَصْلَيْنِ وَقيل إِن الشَّافِعِي مَال إِلَى الِاحْتِيَاط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَهَذَا فِيهِ نظر إِذا كَانَ انْقِطَاع الْخَبَر مَعَ تواصل الرفاق فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق عائق فَالْأَصْل بَقَاء العَبْد الثَّالِث نَفَقَة زَوْجَة العَبْد فِي كَسبه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فطرتها لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا لالتزام زَكَاة نَفسه فَلَا تحمل عَن غَيره وَالْمكَاتب إِن ألزمناه فطْرَة نَفسه ألزمناه فطْرَة زَوجته الطّرف الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَدِّي وَالصِّفَات الْمَشْرُوطَة ثَلَاث الأولى الْإِسْلَام فَلَا زَكَاة على كَافِر إِلَّا فِي عَبده الْمُسلم وَزَوجته الْمسلمَة حَيْثُ يتَصَوَّر مسلمة تَحت كَافِر فِي دوَام النِّكَاح عِنْد اخْتِلَاف الدّين وَفِيهِمَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا تجب لِأَن الْمُؤَدِّي أصل وَهُوَ كَافِر وَالثَّانِي تجب لِأَنَّهُ متحمل وعَلى هَذَا تجزي دون النِّيَّة لتعذرها من الْكَافِر الصّفة الثَّانِيَة الْحُرِّيَّة فَلَا زَكَاة على رَقِيق إِلَّا على الْمكَاتب فِي رَأْي بعيد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمن نصفه حر وَجب عَلَيْهِ نصف صَاع وعَلى سَيّده الْبَاقِي وَيجب على الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي مَالهمَا الصّفة الثَّالِثَة الْيَسَار وَهُوَ مُعْتَبر فِي وَقت الْوُجُوب فَلَو كَانَ مُعسرا ثمَّ أيسر ضحوة الْعِيد مثلا فَلَا زَكَاة بِخِلَاف الْكَفَّارَة فَإِن الْأَظْهر أَن الْعَاجِز عَن جَمِيع الْخِصَال إِذا جرى عَلَيْهِ سَبَب الْكَفَّارَة اسْتَقر فِي ذمَّته إِلَى الْيَسَار لِأَن الْيَسَار ثمَّ اعْتبر للْأَدَاء وَسبب الْوُجُوب الْجِنَايَة وَهَاهُنَا الْيَسَار أولى بِأَن يَجْعَل سَببا للْوُجُوب من الْوَقْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب الْكَفَّارَة كالفطرة وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْأَعرَابِي والمعني باليسار أَن يفضل عَن قوته وقوت من يقوته فِي يَوْمه ذَلِك صَاع وَاحِد وَذَلِكَ بِعَدَد سِتّ ثوب يَلِيق بِهِ ومسكن يسكن فِيهِ وَعبد يَخْدمه إِن كَانَ مثله مِمَّن يخْدم وَالْعَبْد والمسكن يباعان فِي الدُّيُون للآدميين وَلَكِن الْحَاجة إِلَيْهِ تمنع ابْتِدَاء الْوُجُوب لِأَن الِابْتِدَاء أَضْعَف وَلذَلِك يدْفع ابْتِدَاء الْفطْرَة بِالدّينِ كَمَا يدْفع بِالْحَاجةِ إِلَى نَفَقَة الْأَقَارِب فِي ذَلِك الْيَوْم وَإِن كَانَ لَا يدْفع سَائِر الزكوات فِي ابتدائها بِالدّينِ على قَول فروع أَرْبَعَة الأول لَو كَانَ الْفَاضِل صَاعا وَاحِدًا وَله عبد مستغن عَن خدمته صرف الصَّاع إِلَى نَفسه وَهل يلْزمه أَن يَبِيع جُزْءا من العَبْد فِي فطْرَة العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اتِّحَاد الْمخْرج والمخرج عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يجب وَلَا بَأْس بالاتحاد وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل وَإِن لم يكن محكيا على هَذَا الْوَجْه أَنه إِن استغرق الصَّاع قِيمَته فَلَا يخرج وَإِن كَانَ عشرَة مثلا يَشْتَرِي بِتِسْعَة أعشار صَاع فليخرجه عَن الْبَاقِي بعد بيع الْعشْر لِأَن من لَا يملك إِلَّا تِسْعَة أعشار عبد يلْزمه تِسْعَة أعشار صَاع فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الِاتِّحَاد الْمَحْذُور الثَّانِي لَو فضل عَن قوته نصف صَاع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِخْرَاجه لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور كَمَا إِذا وجد بعض السَّاتِر للعورة الثَّانِي أَنه لَا يجب كبعض الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة وَالأَصَح الْفرق لِأَن الرَّقَبَة لَهَا بدل وَأما بعض الصَّاع فَيُشبه مَا لَو وجد بعض مَا يستر الْعَوْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 الثَّالِث إِذا فضل صَاع وَاحِد وَمَعَهُ زَوجته وأقاربه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه يخرج عَن نَفسه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حكم دين وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين نَفسه وَبَين غَيره وعَلى هَذَا لَو وزع وَقُلْنَا إِخْرَاج بعض الصَّاع لَا يجب لم يجز التَّوْزِيع وَإِن قُلْنَا يجب ذَلِك وَيَقَع زَكَاة فهاهنا وَجْهَان وَالْفرق أَن هَاهُنَا لَا ضَرُورَة إِلَى التجزئة بِخِلَاف مَا إِذا لم يجد إِلَّا نصف صَاع الرَّابِع لَو أخرج فطْرَة نَفسه وَفضل صَاع وازدحم جمع مِمَّن يقوتهم يقدم من يقدم بِالنَّفَقَةِ فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا التَّخْيِير وَالْآخر التقسيط الطّرف الرَّابِع فِي الْوَاجِب وَهُوَ صَاع مِمَّا يقتات والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالبغدادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 والقوت كل مَا يجب فِيهِ الْعشْر وَلَو كَانَ الأقط قوت طَائِفَة فَفِي إِخْرَاج صَاع مِنْهُ قَولَانِ مأخذهما التَّرَدُّد فِي صِحَة الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ فَإِن صَحَّ فاللبن والجبن فِي مَعْنَاهُ دون المخيض وَالسمن لِأَن الاقتيات باجتماعهما وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي اللَّحْم من حَيْثُ إِن اللَّبن عصارته وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا يقوت ثمَّ لَا يجْرِي المسوس والمعيب من هَذِه الْأَجْنَاس وَلَا الدَّقِيق فَإِنَّهُ بدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 وَذكر بعض الْأَصْحَاب فِي كَونه أصلا قَوْلَيْنِ وَهل يتَعَيَّن أحد الْأَجْنَاس فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا لوُرُود الْخَبَر بِلَفْظ التَّخْيِير وَهُوَ ضَعِيف لِأَن المُرَاد بِهِ التنويع وَالثَّانِي أَن الْمُعْتَبر قوته كَمَا يعْتَبر فِي الزَّكَاة مَاشِيَته وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يعْتَبر الْغَالِب من قوت الْبَلَد فِي وَقت وجوب الْفطْرَة لَا فِي جَمِيع السّنة ثمَّ إِذا تعين جنس تفرع عَنهُ ثَلَاثَة فروع الأول أَنه لَو أخرج جِنْسا أشرف مِمَّا عَلَيْهِ كالبر بدل الشّعير يُجزئهُ وَلَو أخرج الأردأ لَا يُجزئهُ وَالْبر أشرف من التَّمْر فِي غَرَض الاقتيات فَلَا ينظر إِلَى الْقيمَة وَالتَّمْر أشرف من الزَّبِيب وَفِي الزَّبِيب مَعَ الشّعير تردد وَلَو وَجب الشّعير فَأخْرج نصف صَاع من الشّعير وَنصف صَاع من الْبر لم يجز على أحد الْوَجْهَيْنِ لما فِيهِ من التنويع الثَّانِي لَو كَانَ يَلِيق الْبر بِحَالهِ فَكَانَ يتَنَاوَل الشّعير بخلا لزمَه الْبر وَلَو كَانَ يَلِيق بِهِ الشّعير وَكَانَ يتَنَاوَل الْبر توسعا فَفِي أَخذ الشّعير وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُؤْخَذ نظرا إِلَى اللَّائِق بِهِ الثَّالِث إِذا اخْتلف قوت السيدين فِي العَبْد الْمُشْتَرك قَالَ ابْن سُرَيج يُكَلف من قوته أردأ أَن يُوَافق الآخر ليتحد النَّوْع فَإِن العَبْد مُتحد وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يُبَالِي بالتنويع لأجل الضَّرُورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 وَلَا خلاف فِي أَن الْكَفَّارَات لَا يركب آحادها من الصّيام وَالْإِطْعَام إِلَّا كَفَّارَة الصَّيْد فَإِن الْجَمَاعَة إِذا اشْتَركُوا لَزِمَهُم جَزَاء وَاحِد وَلَا يلْزمهُم التوافق فِي الطَّعَام أَو الصّيام نعم لَو اتَّحد الْقَاتِل والمقتول فَفِي جَوَاز التنويع وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن هَذِه الْكَفَّارَة متبعضة بِالْجِنَايَةِ على أَطْرَاف الصَّيْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 = كتاب الصّيام = وَلَا خَفَاء بِكَوْنِهِ من أَرْكَان الشَّرْع وَالنَّظَر فِيهِ يحصره قِسْمَانِ الأول فِي نفس الصَّوْم وَالثَّانِي فِي مُوجبَات الْإِفْطَار ومبيحاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 الْقسم الأول فِي نفس الصَّوْم وَالنَّظَر فِي سَببه وركنه وَشَرطه وسننه القَوْل فِي السَّبَب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته وَإِن غم عَلَيْكُم فاستكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ يَوْمًا فرؤية الْهلَال سَبَب الْوُجُوب وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي طَريقَة مَعْرفَته وأقصاه بعد العيان شَهَادَة عَدْلَيْنِ سَوَاء كَانَت السَّمَاء مضحية أَو لم تكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وَهل يقبل قَول وَاحِد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا فِي هِلَال شَوَّال وَالثَّانِي يقبل إِن كَانَ على صِفَات الشُّهُود لما رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ ترَاءى النَّاس الْهلَال فرأيته وحدي فَشَهِدت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ وَلِأَن فِيهِ احْتِيَاطًا لأمر الْعِبَادَة بِخِلَاف شَوَّال وعَلى هَذَا لَو شهد وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 واستكملنا ثَلَاثِينَ فَلم ير هِلَال شَوَّال فَفِي الْإِفْطَار وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن أول الشَّهْر إِذا ثَبت بقوله فالآخر ثَبت ضمنا لَا قصدا فَكَانَ كالنسب الذى يثبت ضمنا للولادة بقول مُجَرّد النِّسَاء وَلَو شهد عَدْلَانِ وَكَانَت السَّمَاء مضحية لَيْلَة الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَلم ير لم نجز الْإِفْطَار على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ قَول العدلين اجْتِهَاد وَهَذَا يَقِين فَلَا يعْمل مَعَه وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي صفة الروَاة فَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة وَكَانَ هَذَا من قبيل الْإِخْبَار فرع هَل يثبت الْهلَال بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة إِن قُلْنَا إِنَّه من قبيل الْإِخْبَار يثبت وَإِن قُلْنَا شَهَادَة تبنى على أَن حق الله هُوَ يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَفِيه خلاف الْأَمر الثَّانِي عُمُوم حكم الْهلَال فَإِذا رأى فِي مَوضِع فَهَل يتَعَدَّى حكمه إِلَى سَائِر الْبِلَاد فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 أَحدهمَا نعم لِأَن منَاط التَّعَبُّد أَن يصير مرئيا ببعده عَن الشَّمْس وَلَو فِي مَوضِع وَاحِد وَالثَّانِي لَا بل مناطه أَن يصير مرئيا فِي قطر الْمُكَلّفين وَذَلِكَ يخْتَلف بالبلاد وعَلى هَذَا لَا ضبط إِلَّا مَسَافَة الْقصر فَإِن تحكم المنجم قَبِيح شرعا فرع لَو رأى الْهلَال ببلدة وسافر إِلَى بَلْدَة أُخْرَى واستكمل الثَّلَاثِينَ وَلم ير النَّاس الْهلَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 فَإِن قُلْنَا الحكم يعم فَلهُ الْإِفْطَار وعَلى النَّاس مُوَافَقَته إِن ثَبت عِنْدهم عَدَالَته وَإِن قُلْنَا لكل بقْعَة حكمهَا فَعَلَيهِ مُوَافقَة الْقَوْم وَلَو أصبح معيدا مُفطرا فجرت بِهِ السَّفِينَة إِلَى قطر لم ير بِهِ الْهلَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يلْزمه الِامْتِثَال تشبها إِن لم نعمم الحكم وَفِيه بعد لما فِيهِ من تبعيض الْيَوْم الْوَاحِد الْأَمر الثَّالِث وَقت تَأْثِير الْهلَال اللَّيْل فَلَو رأى هِلَال شَوَّال نَهَارا لم يفْطر إِلَى الْغُرُوب سَوَاء رأى قبل الزَّوَال أَو بعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن رأى قبل الزَّوَال أفطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 القَوْل فِي ركن الصَّوْم وَهُوَ النِّيَّة والإمساك الرُّكْن الأول النِّيَّة فَيجب على الصَّائِم فِي رَمَضَان أَن يَنْوِي لكل يَوْم نِيَّة مُعينَة مبيتة جازمة وَفِي الرابطة قيود فَلْيتَأَمَّل أما قَوْلنَا يَنْوِي خَالَفنَا فِيهِ زفر وَقَوْلنَا لكل يَوْم خَالَفنَا فِيهِ مَالك إِذا اكْتفى فِي رَمَضَان بنية وَاحِدَة وَأما قَوْلنَا مُعينَة خَالَفنَا فِيهِ أَبُو حنيفَة إِذْ قَالَ لَو نرى قَضَاء أَو نذرا أَو تَطَوّعا انْعَقَد عَن رَمَضَان وَعِنْدنَا يلْزمه أَن يَقُول بِقَلْبِه أؤدي اإذا فرض صَوْم رَمَضَان فالتعرض للْأَدَاء لَا بُد مِنْهُ وَفِي الْفَرْضِيَّة خلاف وَمِنْهُم من زَاد أَن يَقُول رَمَضَان هَذِه السّنة وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 فَاسد فَإِن فِي الْأَدَاء غنية عَنهُ وَالْمرَاد من النِّيَّة قصد الْقلب إِلَى الصَّوْم الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات بعد كَونه حَاضرا فِي الذِّهْن وَأما اللَّفْظ فَلَا أثر لَهُ وَأما قَوْلنَا مبيتة خَالَفنَا فِيهِ أَيْضا أَبُو حنيفَة وَيَعْنِي بِهِ أَنه يَنْوِي لَيْلًا وَلَا يتَعَيَّن لَهُ النّصْف الْأَخير على الْمَذْهَب وَلَا يبطل بِالْأَكْلِ بعده وَلَا يجب تَجْدِيد النِّيَّة إِن تنبه من النّوم على الْمَذْهَب وَلَو بِصُورَة الْقُدْرَة على أَن تقترن النِّيَّة بِأول جُزْء من الْيَوْم وَفِي صِحَّته وَجْهَان لوُرُود لفظ التبييت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 أما التَّطَوُّع فَيصح بنية قبل الزَّوَال للْخَبَر وَفِيمَا بعد الزَّوَال قَولَانِ أَحدهمَا نعم ترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ورد الْخَبَر فِيمَا قبل الزَّوَال والمعظم بَاقٍ فَلَا يكون مَا بعده فِي مَعْنَاهُ وَلَا مرد للتنصيف إِلَّا الزَّوَال وَإِن كَانَ مَا قبل الزَّوَال أَكثر ثمَّ قيل إِن الْعِبَادَة تحصل من وَقت النِّيَّة وَلَكِن الْإِمْسَاك فِيمَا قبله شَرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 وَلَو تقدم الْكفْر وَالْحيض ثمَّ زَالا ففى صِحَة الصَّوْم خلاف لِأَن ذَلِك لَا يبطل مَقْصُود الصَّوْم من الخواء لِأَن مَقْصُوده الخوى والطوى فرع لَا يبطل الصَّوْم بِمُجَرَّد نِيَّة الْخُرُوج على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ لَيْسَ لَهُ عقد وَحل يرتبط بِالْقَصْدِ فَلَو كَانَ صَائِما قَضَاء فَنوى أَن يقبله نذرا وَقُلْنَا إِن نِيَّة الْخُرُوج تُؤثر بَطل الْقَضَاء وَلم يحصل النّذر وَهل يبْقى تَطَوّعا فِيهِ وَجْهَان أما قَوْلنَا جازمة أردنَا أَن النِّيَّة المرددة بَاطِلَة إِلَّا إِذا كَانَ لَهَا مُسْتَند والمردد أَن يَقُول لَيْلَة الشَّك أَصوم غَدا إِن كَانَ من رَمَضَان وَكَانَ من رَمَضَان لم يعْتد بصومه وَلَو كَانَ لَهُ مُسْتَند وَهُوَ مَعَ ذَلِك شَاك جَازَ والمستندات ثَلَاثَة الأول عَلامَة صَحِيحَة شرعا كَقَوْل شَاهِدين عَدْلَيْنِ أَو شَاهد وَاحِد إِن حكمنَا بِهِ أَو معرفَة تسيير الْأَهِلّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 وَأما قَول الصبية وَالْعَبْد وَإِن أبان ظنا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ شرعا وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا وَاقْتضى الْحساب الرُّؤْيَة فَفِي وُجُوبه على من عرف الْحساب وَجْهَان الثَّانِي الِاسْتِصْحَاب وَهُوَ أَن يَنْوِي كَذَلِك لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان صَحَّ لِأَن الأَصْل بَقَاء الشَّهْر واستصحاب الْأُصُول من الْقَوَاعِد الثَّالِث الِاجْتِهَاد فِي حق الْمَجُوس فِي مطمورة بإجراء الْفِكر فِي التواريخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 الْمَعْلُومَة فَإِذا غلب على ظَنّه نوى وَلم يضرّهُ التَّرَدُّد ثمَّ إِن وَقع شَوَّال وَمَا بعده لم يلْزمه الْقَضَاء بل أَجزَأَهُ مَا جَاءَ بِهِ وَلَكِن كَانَ أَدَاء لَهُ وَكَأن الشَّهْر بدل فِي حَقه للضَّرُورَة أَو هُوَ قَضَاء فِيهِ قَولَانِ وَفَائِدَة كَونه أَدَاء أَن ذَلِك الشَّهْر لَو خرج تسعا وَعشْرين وَكَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ فيكفيه ذَلِك وَإِن وَقع فِي شعْبَان فَمَا قبله فَإِن قُلْنَا إِن الْمُؤخر أَدَاء فَهَذَا يُجزئهُ وَإِن قُلْنَا قَضَاء فَلَا يعقل الْقَضَاء قبل الْوَقْت وَهَذَا إِذا لم يدْرك رَمَضَان فَإِن أدْرك وانكشف الْحَال لزمَه مَا أدْرك من رَمَضَان بِكُل حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 الرُّكْن الثَّانِي الْإِمْسَاك عَن المفطرات والمفطرات ثَلَاثَة دُخُول دَاخل وَخُرُوج خَارج وجماع أما الْجِمَاع فحده مَعْلُوم وَأما الْخَارِج فالاستمناء قصدا والاستقاء قصدا وَقيل إِن الاستقاء من قبيل دُخُول دَاخل لِأَنَّهُ لَا يخلوا من رُجُوع شئ إِلَى الْبَاطِن وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قاء أفطر أَي استقاء وَمن ذرعه الْقَيْء لم يفْطر أما دُخُول الدَّاخِل فالضبط فِيهِ أَن كل عين وصل من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن فِي منفذ مَفْتُوح عَن قصد مَعَ ذكر الصَّوْم فَهُوَ مفطر وَفِي الرابطة قيود أما قَوْلنَا كل عين جَمعنَا بِهِ مَا يعْتَاد أكله ومالا يعْتَاد أكله كالحصاة وَالْبرد وَخَالف فِي ذَلِك بعض الْعلمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 وَقُلْنَا وصل جَمعنَا بِهِ مَا ينْفَصل عَن الظَّاهِر وَمَا يبْقى طرفه باديا كَمَا لَو وجأ بالسكين الْبَطن وإرسال خيط فِي الْحلق مَعَ الاستمساك بطرفه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحصل الْإِفْطَار بِهِ وَأما الْبَاطِن عنينا بِهِ كل مَوضِع مجوف فِيهِ قُوَّة محيلة للدواء والغذاء كداخل القحف والخريطة وداخل الْبَطن والأمعاء والمثانة والسعوط والحقنة مفطران والاكتحال لَا يفْطر وَفِيمَا يصل إِلَى الإحليل وَجْهَان وَالصَّحِيح أَن تقطير الدّهن فِي الْأذن لَا يضر والاحتجام والفصد والوجاء بالسكين فِي الفخد لَا يفْطر إِذْ لم يصل إِلَى الْجوف وَأما قَوْلنَا فِي منفذ مَفْتُوح احترزنا بِهِ عَمَّا يصل إِلَى الدِّمَاغ أَو الْبَطن إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 طلي بالدهن فَإِن ذَلِك يشرب بالمسام فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يكون جِرَاحَة شاقة فَإِذا نزل عين الدَّوَاء إِلَى الْجوف أفطر أما قَوْلنَا عَن قصد المعني بِهِ أَن من طارت ذُبَابَة إِلَى جَوْفه أَو وجئ بالسكين دون رِضَاهُ أَو ضبطت الْمَرْأَة وجومعت أَو وصل غُبَار الطَّرِيق وغربلة الدَّقِيق إِلَى بَاطِنه أَو أوجر وَهُوَ مكره أَو نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يقْصد معالجة الْمغمى عَلَيْهِ فِي إيجاره فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه روعي مصلحَة فَنزل منزلَة تعاطيه وَيخرج عَن رِعَايَة الْقَصْد النّظر فِي الرِّيق وَمَاء الْمَضْمَضَة والنخامة وَبَقِيَّة الطَّعَام فِي خلال الْأَسْنَان وَسبق الْمَنِيّ والقيء أما الرِّيق فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا أخرج من الْفَم وَأعَاد إِلَيْهِ وَلَو جمع قصدا ثمَّ ابتلعه فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 قَالَ الشَّافِعِي وأكره العلك فَإِنَّهُ يحلب الْفَم فَأَشَارَ إِلَى جمع الرِّيق والخياط إِذا بَلل الْخَيط ثمَّ رده إِلَى فِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب أفطر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا أثر لذَلِك فَإِنَّهُ ينقص عَمَّا يبْقى فِي الْفَم بعد الْمَضْمَضَة وَلَو أخرج لسنه من فِيهِ وعَلى طرفه ريق ثمَّ أعَاد فَلَا بَأْس قطعا وَلَو خرج من اللثة دم فابتلع أَو ابتلع سنا يسْقط أفطر أما النخامة فَإِنَّهَا تبرز من ثقبة نَافِذَة من الدِّمَاغ إِلَى أقْصَى الْفَم فَإِن جرى إِلَى الْبَاطِن بِغَيْر اخْتِيَاره لم يفْطر وَإِن رده إِلَى فضاء الْفَم ثمَّ ازْدَردهُ قصدا أفطر وَإِن قدر على قِطْعَة من مجْرَاه وَدفعه عَن الجريان وَتَركه حَتَّى جرى بِنَفسِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يكلفه ذَلِك وَمِنْهُم من كلفه لقدرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَأما سبق المَاء فِي الْمَضْمَضَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يفْطر كسبق الذُّبَاب عِنْد فتح الْفَم وَالثَّانِي يفْطر لِأَن التحفظ فِيهِ مُمكن وَلَو بَالغ فَقَوْلَانِ مرتبان وَالظَّاهِر الْإِفْطَار لِأَن وُصُول المَاء فِيهِ لَيْسَ بنادر أما بَقِيَّة الطَّعَام فِي خلل الْأَسْنَان فَإِن قصر فِي تَخْلِيل الْأَسْنَان فَهُوَ كصورة الْمُبَالغَة وَإِن لم يقصر فَهُوَ كغبار الطَّرِيق أما الْمَنِيّ فَإِن خرج بالاستمناء فَهُوَ مفطر وَإِن خرج بِمُجَرَّد الْفِكر وَالنَّظَر فَلَا لِأَن الْحجر فِيهِ عسر فَإِن خرج بالقبلة والمعانقة مَعَ حَائِل فَهُوَ كالمضمضة وَإِن كَانَ غير حَائِل وَخرج بالمضاجعة فَهُوَ كالمبالغة ثمَّ قَالَ الْعلمَاء لَا تكره الْقبْلَة فِي الصَّوْم لمن يملك إربه كالشيخ الْهم وَيكرهُ للشاب كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل نِسَاءَهُ وَهُوَ صَائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 وَأما الْقَيْء وَسَبقه فَهُوَ كالمني إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه إِنَّمَا يفْطر لرجوع شَيْء مِنْهُ إِلَى الْبَاطِن فَعِنْدَ ذَلِك لَو يحفظ لم يفْطر وَلَو اقتلع نحامة من بَاطِنه فَهَل يلْحق بالاستقاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مشبه بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الاستقاء إِخْرَاج طَعَام عَن مقرة ثمَّ أقرب ضبط فِي الْفرق بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَن يُقَال المقتلع من مخرج الْخُلُو ظَاهر والمقتلع من مخرج الْحَاء بَاطِن هَذَا بَيَان فقد الْقَصْد حسا فَإِن فقد شرعا كَمَا فِي الْمُكْره على الْأكل فَقَوْلَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 أَحدهمَا لَا يفْطر لسُقُوط قَصده شرعا وَالثَّانِي يفْطر لِأَن أثر الْإِكْرَاه فِي دَرْء المأثم وَأما قَوْلنَا مَعَ ذكر الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي للصَّوْم فَإِنَّهُ إِذا أكل مرّة أَو مرَارًا كثيرا أَو قَلِيلا لم يفْطر لوُرُود الحَدِيث وَفِي جماع النَّاسِي خلاف سَيَأْتِي وَأما الغالط فَيلْزمهُ الْقَضَاء كمن ظن أَن الشَّمْس غاربة وَأَن الصُّبْح غير طالع فَأكل ثمَّ بَان خِلَافه لِأَنَّهُ ذَاكر الصَّوْم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا غلط فِي أول النَّهَار لم يقْض لِأَنَّهُ مَعْذُور فِي اسْتِصْحَاب حكم اللَّيْل فَإِن قيل فَمَتَى يحل الْأكل قُلْنَا أما فِي آخر النَّهَار فَعِنْدَ الْيَقِين للغروب أَو عِنْد اعْتِقَاد قَطْعِيّ فِي حق الصَّائِم فَإِن ظن الْغُرُوب بأمارة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يجوز خِلَافه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا يحل لَهُ الْأكل وَلَو أكل وَاسْتمرّ الْإِشْكَال لزمَه الْقَضَاء لِأَن دَرك الْيَقِين مُمكن فَلَا يتَغَيَّر الِاسْتِصْحَاب بِالِاجْتِهَادِ وَمن أَصْحَابنَا من جوز الْأكل بِالِاجْتِهَادِ أما فِي ابْتِدَاء النَّهَار فَيجوز بِالظَّنِّ وَلَا يجوز هجوما وَلَكِن لَو اسْتمرّ الْإِشْكَال فَلَا قَضَاء لِأَن الأَصْل بَقَاء اللَّيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 فرع إِذا طلع الصُّبْح وَهُوَ مجامع فَنزع انْعَقَد صَوْمه خلافًا للمزني وَزفر لِأَنَّهُ بالنزع تَارِك للجماع وَلَو اسْتمرّ فسد الصَّوْم وَلَو أحرم مجامعا ثمَّ نزع فَفِي انْعِقَاد إِحْرَامه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْإِحْرَام دَاخل تَحت اخْتِيَاره فَإِن قيل وَكَيف يتَصَوَّر اتِّصَال النزع بالصبح وَلَا يحسن بالصبح إِلَّا بعد زمَان من طلوعه قُلْنَا مَا قبل إِمْكَان الإحساس لَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم كالزوال عِنْد زِيَادَة الظل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 القَوْل فِي شَرَائِط الصَّوْم وَهِي أَرْبَعَة ثَلَاثَة فِي الصَّائِم وَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل والنقاء عَن الْحيض فَلَا يَصح صَوْم كَافِر وَلَا مَجْنُون وَلَا حَائِض فِي بعض النَّهَار أَو كُله ثمَّ الْعقل زَوَاله بالجنون بانغماره بالإغماء واستتاره بِالنَّوْمِ أما النّوم فَلَا يضر وَإِن استغرق جَمِيع النَّهَار لِأَنَّهُ فِي حكم عقله يَزُول بالتنبه وَفِي إِلْحَاق مُسْتَغْرق النّوم بمستغرق الْإِغْمَاء وَجه بعيد وَأما الْجُنُون فَيفْسد طارئه ومقارنه وَفِي إِلْحَاق طارئه بطارئ الْإِغْمَاء وَجه بعيد وَأما الْإِغْمَاء فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا إِجْرَاء خَمْسَة أَقْوَال ثَلَاثَة منصوصة وَاثْنَانِ مخرجان أَحدهَا وَعَلِيهِ نَص هَاهُنَا أَن الْمُسْتَغْرق يفْسد فَإِن أَفَاق فِي جُزْء من النَّهَار لم يفْسد وَالثَّانِي وَعَلِيهِ نَص فِي الظِّهَار أَنه إِن كَانَ فِي أول النَّهَار مفيقا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء كالحيض وَالرَّابِع مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ أَن الْإِغْمَاء كالنوم فَلَا يضر وَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 استغرق وَالْخَامِس شَرط الْإِفَاقَة فِي طرفِي النَّهَار مُرَاعَاة لأوّل الْعِبَادَة وَآخِرهَا الطَّرِيقَة الثَّانِيَة الْقطع بِمَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْم وَهُوَ اشْتِرَاط الْإِفَاقَة فِي لَحْظَة كَانَت وَتَأْويل بَقِيَّة النُّصُوص الشَّرْط الرَّابِع الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم وَهُوَ جَمِيع الدَّهْر إِلَّا يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق وَفِي الْقَدِيم قَول أَن الْمُتَمَتّع يَصُوم الْأَيَّام الثَّلَاثَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقيل إِنَّه لَا يقبل غَيره وَقيل إِنَّه كَيَوْم الشَّك أما يَوْم الشَّك فصومه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 صَحِيح إِن وَافق وردا أَو قَضَاء وَإِن لم يكن لَهُ سَبَب فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ وَفِي صِحَّته وَجْهَان كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَيَعْنِي بِيَوْم الشَّك أَن يتحدث النَّاس بِرُؤْيَة الْهلَال وَلَا يثبت عِنْد القَاضِي وَإِن كَانَ على مَحل الْهلَال قزع سَحَاب وَلم يتحدث بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ بشك فِي الْبِلَاد الْكَبِيرَة وَأما فِي حق الرّفْقَة فِي السّفر والقرى الصَّغِيرَة فَلَا يبعد أَن يَجْعَل يَوْم الشَّك وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا فَلَيْسَ بِيَوْم الشَّك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 القَوْل فِي السّنَن وَهِي ثَمَانِيَة الأول تَعْجِيل الْفطر بعد تَيَقّن الْغُرُوب بِتَمْر أَو مَاء مُسْتَحبّ وَيَقُول عِنْد ذَلِك اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت الثَّانِي تَأْخِير السّحُور مَعَ الِاسْتِظْهَار بِالْيَقِينِ وَقد كَانَ بَين تسحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَلَاة الصُّبْح قدر خمسين آيَة الثَّالِث إكثار الصَّدقَات وَتَقْدِيم الطَّعَام لإفطار الصائمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 الرَّابِع الِاعْتِكَاف لَا سِيمَا فِي الْعشْر الْأَخير لطلب لَيْلَة الْقدر الْخَامِس كَثْرَة تِلَاوَة الْقُرْآن فِي هَذَا الشَّهْر مَعَ كف اللِّسَان عَن أَنْوَاع الهذيان وَكَذَا كف النَّفس عَن جَمِيع الشَّهَوَات فَهُوَ معنى الصَّوْم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّوْم جنَّة وحصن حُصَيْن فَإِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم فَلَا يرْفث وَلَا يفسق فَإِذا شاتمه رجل فَلْيقل إِنِّي صَائِم السَّادِس ترك السِّوَاك بعد الزَّوَال فَإِنَّهُ يزِيل خلوف فَم الصَّائِم وَهُوَ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك السَّابِع تَقْدِيم غسل الْجَنَابَة على الصُّبْح وَلَو أصبح جنبا فَلَا بَأْس كَانَ رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من جماع أَهله الثَّامِن ترك الْوِصَال وَلَا تَزُول الْكَرَاهِيَة إِلَّا بِأَن يَأْكُل شَيْئا بِاللَّيْلِ وَإِن قل فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ وَاصل فِي الْعشْر الْأَخير فواصل عمر وَغَيره فنهاهم وَقَالَ وددت لَو مد لي الشَّهْر مدا ليَدع المتعمقون تعمقهم أيقوى أحدكُم على مَا أقوى عَلَيْهِ إِنِّي أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 الْقسم الثَّانِي فِي مبيحات الْإِفْطَار وموجباته أما الْمُبِيح فالمرض وَالسّفر الطَّوِيل وَقد ذكرنَا حدهما فِي التَّيَمُّم وَالصَّلَاة ثمَّ الْمَرَض إِن طَرَأَ أَبَاحَ الْفطر وَإِن زَالَ قبل الْإِفْطَار لم يجز الْإِفْطَار بعده وَقيل إِنَّه يجوز أما السّفر إِذا طَرَأَ فِي أثْنَاء النَّهَار لم يفْطر خلافًا لمزني وَأحمد وَإِن قدم الرجل غير مفطر لم يجز لَهُ الْإِفْطَار وَإِن أصبح الْمُسَافِر على نِيَّة الصَّوْم فَلهُ الْإِفْطَار بِخِلَاف مَا إِذا شرع فِي الْإِتْمَام حَيْثُ لَا يجوز الْقصر وَالصَّوْم أولى من الْفطر فِي السّفر بِخِلَاف الْإِتْمَام فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 الْقصر خُرُوجًا عَن الْخلاف مَعَ بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْفطر يبقي الذِّمَّة مَشْغُولَة بِالْقضَاءِ وَأما خلاف دَاوُد فِي إِيجَاب الْفطر فَلَا يعْتد بِهِ وَمَا ورد من الْأَخْبَار فِي النَّهْي عَن الصّيام فِي السّفر أُرِيد بِهِ من يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن أنس أَنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمنا الصَّائِم وَمنا الْمُفطر وَمنا الْقَاصِر وَمنا المتمم وَلم يعب بَعْضًا بَعْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 أما مُوجبَات الْإِفْطَار فَأَرْبَعَة الْقَضَاء والإمساك تشبها وَالْكَفَّارَة والفدية أما الْقَضَاء فَوَاجِب على كل مفطر وتارك بردة أَو سفر أَو مرض أَو إِغْمَاء أَو حيض وَلَا يجب على من ترك بجنون أَو صبي أَو كفر أُصَلِّي وَلَا فرق فِي الْجُنُون بَين مَا طبق الشَّهْر وَبَين مَا قصر عَنهُ فَمَا فَاتَ فِي أَيَّام الْجُنُون لَا يقْضى وَلَو أَفَاق فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَجْهَان وَمن لزمَه قَضَاء الشَّهْر فِي يلْزمه التَّتَابُع خلاف لمَالِك أما الْإِمْسَاك تشبها بالصائمين فَوَاجِب على كل مُتَعَدٍّ بالإفطار فِي شهر رَمَضَان وَلَا يجب فِي غير رَمَضَان وَلَا على من أُبِيح لَهُ الْفطر إِبَاحَة حَقِيقِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 كالمسافر وَالْمَرِيض وَإِن زَالَ عُذْرهمَا فِي بَقِيَّة النَّهَار خلافًا لأبي حنيفَة لِأَن الْإِمْسَاك نوع مُؤَاخذَة وَإِن أصبحا من غير نِيَّة فَزَالَ الْعذر قبل اتِّفَاق الْأكل فَفِي وجوب الْإِمْسَاك وَجْهَان فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِذْ لَا فرق بَين الْأكل وَترك النِّيَّة كَمَا فِي الْحَائِض فَأَما من أصبح يَوْم الشَّك مُفطرا ثمَّ بَان أَنه من رَمَضَان فَالْمَذْهَب وجوب الْإِمْسَاك لِأَنَّهُ مُخطئ وَالْكَفَّارَة تتَعَلَّق بِالْقَتْلِ الْخَطَأ وَحكى الْبُوَيْطِيّ قولا أَنه لَا إمْسَاك وَكَأن الْإِمْسَاك نتيجة المأثم أما الصَّبِي وَالْجُنُون وَالْكفْر إِذا زَالَ فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي وجوب الْإِمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْزمهُم لأَنهم أدركوا وَقت التَّشَبُّه إِن لم يدركوا وَقت الصَّوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 لَا كالمسافر فَإِنَّهُ مترخص مَعَ كَمَال حَاله على بَصِيرَة وَالثَّانِي لَا يلْزم لِأَن وجوب الْإِمْسَاك يَنْفِي لُزُوم الصَّوْم وهولاء لم يلتزموا إِذْ لم يدركوا وَقت الْأَدَاء وَالثَّالِث أَن الْكَافِر يلْزمه دون الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَإِنَّهُ مُعْتَد بترك الصَّوْم مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ بتقدم الْإِسْلَام وَالرَّابِع أَن الصَّبِي مَعَ الْكَافِر يلْزمهُمَا لِأَن الصَّبِي مَأْمُور بِالصَّوْمِ وَهُوَ ابْن سبع ومضروب عَلَيْهِ وَهُوَ ابْن عشر ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب قَضَاء هَذَا الْيَوْم فِي حَقهم يبتنى على الْإِمْسَاك فَمن ألزم الْإِمْسَاك ألزم الْقَضَاء وَمن لَا فَلَا قَالَ الصيدلاني من أوجب الْإِمْسَاك اكْتفى بِهِ وَمن لَا يُوجب أوجب الْقَضَاء فرع من نوى التَّطَوُّع فِي رَمَضَان لم ينْعَقد تطوعه وَإِن كَانَ مُسَافِرًا أَو كَانَ قد أصبح لَيْلَة الشَّك غير ناو لِأَن الْوَقْت مُتَعَيّن للإمساك الْمَفْرُوض فِي حق من لَيْسَ مترخصا وَفِيه وَجه أَنه ينْعَقد أما الْكَفَّارَة فواجبة على كل من أفسد صَوْم يَوْم من رَمَضَان بجماع تَامّ أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم وَفِي الْحَد قيود أما قَوْلنَا أفسد احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي إِذا جَامع فَإِنَّهُ لَا يفْطر على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَلَا يكفر وَمِنْهُم من خرج الْفطر على الْقَوْلَيْنِ فِي فَسَاد الْإِحْرَام بجماع النَّاسِي وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 بعيد إِذْ إِلْحَاق الْجِمَاع بِالْأَكْلِ أولى من إِلْحَاقه باستهلاكات الْحَج ثمَّ إِن قُلْنَا الْفطر حَاصِل فَالظَّاهِر أَن الْكَفَّارَة لَا تجب لانْتِفَاء الْإِثْم وَفِيه وَجه لانتسابه إِلَى التَّقْصِير أما تقييدنا بِصَوْم رَمَضَان احترزنا عَن التَّطَوُّع وَالْقَضَاء وَالنّذر فَلَا كَفَّارَة فِيهَا أَثم الْمُفطر أَو لم يَأْثَم أما إضافتنا الْإِفْطَار إِلَى الْجِمَاع احترزنا بِهِ عَن الْمَرْأَة إِذا جومعت فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهَا أفطرت قبل الْجِمَاع بوصول أول جُزْء من الْحَشَفَة إِلَى بَاطِنهَا ولقصة الْأَعرَابِي وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء على وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهَا ثمَّ اخْتلفُوا على قَول سُقُوط الْكَفَّارَة وَقيل إِن الْوُجُوب لَا يلاقيها أصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 وَقيل يلاقيها وَلَكِن تندرج تَحت كَفَّارَة الزَّوْج فعلى هَذَا لَا ينْدَرج تَحت كَفَّارَة الزَّانِي لِأَن رابطة التَّحَمُّل الزَّوْجِيَّة فَيجب الْكَفَّارَة على الزَّانِيَة وَلَو كَانَ الزَّوْج مَجْنُونا لزمتها الْكَفَّارَة إِذْ لَا كَفَّارَة على الزَّوْج وَقيل يجب على الْمَجْنُون لِأَن مَاله يصلح للتحمل وَلَو كَانَت معسرة وواجبها الصَّوْم فَلَا سَبِيل للتحمل فيلزمها إِذْ الصَّوْم عبَادَة مَحْضَة وَلَو لَزِمَهَا الْإِطْعَام وَلزِمَ الزَّوْج الْإِعْتَاق فَفِي تَقْدِير الإدراج وَجْهَان لما بَينهمَا من اخْتِلَاف النَّوْع مَعَ اتِّحَاد جنس الْمَالِيَّة وَالْأمة إِذا وَطئهَا السَّيِّد فواجبها الصَّوْم فَهِيَ كالمعسرة وَالزَّوْج إِذا كَانَ مُسَافِرًا وَالْمَرْأَة حَاضِرَة فَلَا إدراج إِذْ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ مهما قصد التَّرَخُّص بالإفطار فَإِن لم يقْصد فَفِي وجوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 الْكَفَّارَة وَجْهَان الْأَصَح أَنَّهَا لَا تلْزم أما تقييدنا بِالْجِمَاعِ احترزنا بِهِ عَن الْأكل وَالشرب والاستمناء والإنزال بالتقبيل ومقدمات الْجِمَاع فَلَا كَفَّارَة فِيهَا وَقَالَ مَالك تجب بِكُل مفطر وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِكُل مَقْصُود فِي جنسه وَقد أدرجنا تَحْتَهُ الزِّنَا وجماع الْأمة أما وَطْء الْبَهِيمَة والإتيان فِي غير المأتى فَالظَّاهِر تعلق الْكَفَّارَة بِهِ لِأَنَّهُ فِي معنى الْجِمَاع أما قَوْلنَا أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن الزَّانِي نَاسِيا إِذا قُلْنَا يفْطر وَمن أصبح مجامعا أَهله على ظن أَن الصُّبْح غير طالع إِذْ لَا كَفَّارَة إِلَّا على وَجه إِيجَابه على النَّاسِي وَكَذَا لَو أكل نَاسِيا فَظن فَسَاد صَوْمه فجامع لزمَه الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة للظن وَقد جَمعنَا بِهَذَا الْحَد مَا إِذا جَامع الْمُنْفَرد الْهلَال بعد رد شَهَادَته وَمَا إِذا جَامع فِي أَيَّام مرَارًا وَمَا إِذا جَامع ثمَّ أنشأ السّفر فالكفارة تجب فِي هَذِه الصُّور خلافًا لأبي حنيفَة فَأَما إِذا طَرَأَ بعد الْجِمَاع مرض أَو جُنُون أَو حيض فَفِي الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 أَحدهَا أَنه يسْقط إِذْ بَان بِالآخِرَة أَن الصَّوْم لم يكن وَاجِبا وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهَا طرأت بعد فَسَاد الصَّوْم بِالْجِمَاعِ وَالثَّالِث أَنه يسْقط بطريان الْجُنُون وَالْحيض لِأَنَّهُمَا ينافيان الصِّحَّة وَفِي مَعْنَاهُمَا الْمَوْت بِخِلَاف الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الصِّحَّة وَقد حُكيَ طرد هَذِه الْأَقْوَال فِي طريان السّفر وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ غير مُبِيح أما كَيْفيَّة هَذِه الْكَفَّارَة فَهِيَ مرتبَة ككفارة الظِّهَار على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَفِي وجوب قَضَاء الصَّوْم مَعَ الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب وَهُوَ الْقيَاس وَالثَّانِي لَا لقصة الْأَعرَابِي فَلَيْسَ فِيهَا أَمر بِالْقضَاءِ وَالثَّالِث إِن كفر بِالصَّوْمِ اندرج وَإِلَّا لزمَه الْقَضَاء وعمدة الْكَفَّارَة حَدِيث الْأَعرَابِي إِذْ جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينتف شعره وَيضْرب نَحره وَيَقُول هَلَكت وأهلكت واقعت أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أعتق رَقَبَة فَوضع يَده على سالفتيه وَقَالَ لَا أملك رَقَبَة غير هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ وَهل أتيت هَذَا إِلَّا من الصَّوْم فَقَالَ أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ وَالله مَا بَين لابتيها أفقر مني فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق من التَّمْر يسع خَمْسَة عشر صَاعا وَقَالَ تصدق بِهِ على الْفُقَرَاء قَالَ على أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي فَأخذ الْأَعرَابِي التَّمْر وَولى وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبتسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 وَفِي الحَدِيث إشكالات أَحدهَا أَنه مهد عذره فِي ترك الصّيام بالغلمة المفرطة وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ وَالثَّانِي أَنه أَخذ لينفق على أهل بَيته فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز التَّفْرِقَة فِي الْكَفَّارَة على أهل الْبَيْت عِنْد الْفقر الثَّالِث أَنه لم يبين لَهُ اسْتِقْرَار الْكَفَّارَة فِي ذمَّته وَكَانَ عَاجِزا عَن جَمِيع الْخِصَال لَدَى الْجِمَاع وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ وَقَالُوا مَا يجب لله تَعَالَى يَنْقَسِم إِلَى مَا يجب لَا بطرِيق الْعقُوبَة والغرامة كَزَكَاة الْفطر فَإِذا اقْترن الْإِعْسَار بالاستهلال لم يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة وَمَا فِيهِ معنى الغرامة لَا ينْدَفع بِالْعَجزِ بل يثبت فِي الذِّمَّة كجزاء الصَّيْد وَأما الْكَفَّارَة فَفِيهَا وَجْهَان لترددها بَين الْقسمَيْنِ ثمَّ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يجوز للمظاهر أَن يُجَامع وَإِن كَانَ عَاجِزا فِي حَال الظِّهَار عَن جَمِيع الْخِصَال مَا لم يكفر فاستثنى كَفَّارَة الظِّهَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا فرق بَينهمَا فَإِن قيل وَمَا عذر من يُخَالف الحَدِيث قُلْنَا يرى أَن تَنْزِيل ذَلِك على تَخْصِيص الْأَعرَابِي أقرب من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس أما الْفِدْيَة فَهِيَ مد من الطَّعَام مصرفها مصرف الصَّدقَات ولوجوبها ثَلَاثَة طرق فقد يجب بَدَلا عَن نفس الصَّوْم وَقد يجب لفَوَات فَضِيلَة الْأَدَاء وَقد يجب لتأخير الْقَضَاء فَأَما الْوَاجِب عَن نفس الصَّوْم فَمن تعدى بترك الصَّوْم وَمَات قبل الْقَضَاء أخرج عَن تركته مد لكل يَوْم وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يَصُوم عَنهُ وليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 فَأَما من فَاتَهُ بِالْمرضِ وَلم يتَمَكَّن من الْقَضَاء حَتَّى مَاتَ فَلَا شئ عَلَيْهِ أما الشَّيْخ الْهَرم فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه الْفِدْيَة كَالْمَرِيضِ الدَّائِم الْمَرَض إِلَى الْمَوْت وَالثَّانِي يلْزمه لِأَنَّهُ لَيْسَ يتَوَقَّع زَوَال عذره بِخِلَاف الْمَرِيض فَإِنَّهُ عازم على الْقَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 أما مَا يجب لفضيلة الْوَقْت فَهُوَ فِي حق الْحَامِل والمرضع إِذا أفطرتا خوفًا على ولديهما قضتا وأفدتا عَن كل يَوْم مدا كَذَلِك ورد الْخَبَر وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يلْزمهُمَا كَالْمَرِيضِ وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يجب على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا لَا تخَاف على نَفسهَا بِخِلَاف الْحَامِل فرعان أَحدهمَا العَاصِي بالإفطار هَل يلْزمه الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَيْسَ خَائفًا على نَفسه كالمرضعة بل حَاله أَسْوَأ مِنْهَا الثَّانِي لَا لِأَن الْفِدْيَة لَا تكفر عدوانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 الثَّانِي من رأى غَيره مشرفا على الْغَرق وَكَانَ لَا يتَوَصَّل إِلَى إنقاذه إِلَّا بِالْفطرِ فَلهُ الْفطر وَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه أفطر خوفًا على غَيره كالمرضعة وَوجه الْفرق أَن هَذَا نَادِر وَأما مَا يجب لتأخير الْقَضَاء فَمن فَاتَهُ صَوْم فَلَا يجوز لَهُ تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى السّنة الثَّانِيَة إِلَّا بِمَرَض دَائِم وَعذر مُسْتَمر فَلَو أخر مَعَ الْإِمْكَان عصى وَقضى وَأخرج لكل يَوْم مدا للْخَبَر وَلَو أخر سِنِين فَفِي تكَرر الْمَدّ بِعَدَد كل سنة وَجْهَان وَالشَّيْخ الْهم إِذا أخر الْمَدّ عَن السّنة الأولى فَفِي لُزُوم مد آخر للتأخير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وَجْهَان هَذَا حكم صَوْم الْفَرْض فَأَما صَوْم التَّطَوُّع فالإفطار فِيهِ جَائِز بِغَيْر عذر خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يكره دون عذر فِيهِ وَجْهَان أما صَوْم الْقَضَاء فَمَا يجب على الْفَوْر يلْزمه إِتْمَامه عِنْد الشُّرُوع وَمَا هُوَ على التَّرَاخِي فَيجوز الْإِفْطَار فِيهِ وَصَوْم التَّطَوُّع فِي السّنة صَوْم عَرَفَة وعاشوراء وتاسوعاء وَسِتَّة أَيَّام بعد عيد رَمَضَان وَفِي الشَّهْر الْأَيَّام الْبيض وَفِي الْأُسْبُوع الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَفِي الْجُمْلَة صَوْم الدَّهْر مسنون بِشَرْط الْإِفْطَار يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 = كتاب الِاعْتِكَاف = وَفِيه تمهيد وَثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 الِاعْتِكَاف قربَة مسنونة وَلَا يلْزم إِلَّا بِالنذرِ وَأَحْرَى الْمَوَاقِيت بِهِ الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وابتداؤه عِنْد غرُوب الشَّمْس يَوْم الْعشْرين وَآخر هِلَال شَوَّال وَلَو اعْتكف لَيْلَة الْعِيد وأحياها تعرض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب وَالْغَرَض من الْعشْر الْأَخير طلب لَيْلَة الْقدر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشْر أطلبوها فِي الْأَخير واطلبوها فِي كل وتر وميل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين لحَدِيث ورد فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 وَقَالَ أَبُو حنيفَة هى فِي جَمِيع الشَّهْر وَقيل إِنَّهَا فِي جَمِيع السّنة وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 فِي نصف رَمَضَان امْرَأَتي طَالِق لَيْلَة الْقدر لم تطلق مَا لم تنقض سنة لِأَن كَونهَا فِي جَمِيع الشَّهْر مُحْتَمل وَالطَّلَاق لَا يَقع بِالشَّكِّ وَلَيْسَ على انحصاره فِي الْعشْر الْأَخير دَلِيل ظَاهر هَذَا تمهيد الْكتاب ومقصوده ينْحَصر فِي ثَلَاثَة فُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الِاعْتِكَاف وَالنِّيَّة والمعتكف والمعتكف الرُّكْن الأول نفس الِاعْتِكَاف وَهُوَ عبارَة عَن اللّّبْث فِي الْمَسْجِد مَعَ الْكَفّ عَن قَضَاء شَهْوَة الْفرج أما اللّّبْث فأقله مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم العكوف وَهُوَ زَائِد على طمأنينة السُّجُود وَلَو نذر اعتكافا مُطلقًا يَكْفِيهِ اعْتِكَاف سَاعَة كَمَا تكفيه فِي نذر الصَّدَقَة التَّصَدُّق بِحَبَّة وَقيل إِنَّه يَكْفِي الْمُرُور بِالْمَسْجِدِ كالمرور بِعَرَفَة وَقيل لَا بُد من يَوْم أَو مَا يدنو مِنْهُ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأما الْكَفّ عَن قَضَاء الشَّهْوَة فنعني بِهِ ترك الْجِمَاع فالاعتكاف يفْسد بِهِ وَلَا يفْسد بملامسة من غير شَهْوَة إِذْ كَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ترجل رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 وَفِي مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمعانقة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَيفْسد كَمَا فِي الْحَد وَالثَّانِي لَا كَمَا فِي الصَّوْم وَالصَّحِيح أَنه إِن أفْضى إِلَى الْإِنْزَال فسد وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 وَلَا يشْتَرط الْكَفّ عَن ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا التَّطَيُّب والتزين بالثياب وَالثَّانِي البيع وَالشِّرَاء والأحب أَن لَا يكثر مِنْهُ فَإِن أَكثر لم يفْسد اعْتِكَافه وَقَالَ مَالك تَركه يشرط أَعنِي تَركه الحرفة وَقد عزى ذَلِك إِلَى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَوَجهه أَنه يُنَاقض الْإِخْلَاص فِي الِاعْتِكَاف الثَّالِث الْكَفّ عَن الْأكل وَالشرب لَيْسَ بِشَرْط وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّوْم شَرط فِي صِحَّته حَتَّى لَا يَصح اعْتِكَاف لَيْلَة مُفْردَة مَا لم يتَّصل بِالنَّهَارِ وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ نعم لَو نذر أَن يعْتَكف يَوْمًا صَائِما لزمَه الِاعْتِكَاف وَالصَّوْم جَمِيعًا وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَو قَالَ أعتكف مُصَليا وَالثَّانِي نعم لتقارب العبادتين كَمَا فِي الْحَج وَالْعمْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم معتكفا فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه الْجمع لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يصلح أَن يكون وَصفا للصَّوْم وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي صَلَاة أَقرَأ فِيهَا السُّورَة الْفُلَانِيَّة فَيلْزمهُ الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ الرُّكْن الثَّانِي النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا فِي الِابْتِدَاء ثمَّ إِذا نوى الِاعْتِكَاف مُطلقًا وَهِي سنة تكفيه تِلْكَ النِّيَّة فَإِن خرج من الْمَسْجِد وَلَو لقَضَاء حَاجَة فَإِذا عَاد لزمَه اسْتِئْنَاف النِّيَّة فَأَما إِذا نوى اعْتِكَاف يَوْم أَو شهر ثمَّ خرج وَعَاد فَفِي تَجْدِيد النِّيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا يلْزم لِأَن النِّيَّة شملت جَمِيع الْمدَّة الَّتِى عينهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وَالثَّانِي أَنه إِن قرب الزَّمَان لم يلْزم وَإِن بعد وَجب التَّجْدِيد وَالثَّالِث إِن خرج لقَضَاء الْحَاجة لم يلْزم وَإِن خرج لأمر آخر لزم التَّجْدِيد وَمهما نوى الْخُرُوج عَن الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَفِي بُطْلَانه مَا فِي بطلَان الصَّوْم الرُّكْن الثَّالِث الْمُعْتَكف وَهُوَ كل مُسلم عَاقل لَيْسَ بِجنب وَلَا حَائِض وَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة فَيصح اعْتِكَاف الرَّقِيق وَلَكِن للسَّيِّد أَن يُخرجهُ مهما شَاءَ وَيصِح اعْتِكَاف الْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق لَهُ أَن يسْتَقلّ بالاعتكاف فِي نوبَته أما الرِّدَّة وَالشُّكْر إِذا قاربا الِابْتِدَاء منعا الصِّحَّة لتعذر النِّيَّة وَإِن طرآ فقد نَص على أَنه لَا يفْسد بِالرّدَّةِ وَيفْسد بالسكر وَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة أوجه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَحدهَا أَنه لَا يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي السكر مَا إِذا خرج لإِقَامَة الْحَد وَالثَّانِي أَنه يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي الرِّدَّة أَنَّهَا لَا تحبط مَا مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يفْسد بِالرّدَّةِ لفَوَات شَرط الْعِبَادَة وَلَا يفْسد بالسكر كَمَا لَا يفْسد بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاء وَأما الْحيض مهما طَرَأَ قطع الِاعْتِكَاف والجنابة إِن طرأت باحتلام فَعَلَيهِ أَن يُبَادر إِلَى الْغسْل وَيكون خُرُوجه كخروجه للْوُضُوء وَقَضَاء الْحَاجة والجنابة فِي مُدَّة العبور لَا تفْسد الِاعْتِكَاف ثمَّ لَو قدر على الْغسْل فِي الْمَسْجِد جَازَ لَهُ الْخُرُوج للْغسْل وَلم يَنْقَطِع تتابعه صِيَانة لِلْمَسْجِدِ عَن أَن يتَّخذ محطا للجنابة الرُّكْن الرَّابِع الْمُعْتَكف وَهُوَ الْمَسْجِد وَيَسْتَوِي فِيهِ عندنَا سَائِر الْمَسَاجِد وَالْجَامِع أولى لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن اعْتِكَاف الْمَرْأَة فِي مَسْجِد بَيتهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 يَصح وَذكر فِي الرجل خلاف مُرَتّب وَهُوَ بعيد وَلَو عين مَسْجِدا بنذره فَالظَّاهِر أَن الْمَسْجِد الْحَرَام يتَعَيَّن وَسَائِر الْمَسَاجِد لَا تتَعَيَّن وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْمَدِينَة قَولَانِ وَقيل إِن الْكل لَا يتَعَيَّن وَقيل الْكل يتَعَيَّن فَإِذا قُلْنَا إِن الْكل لَا يتَعَيَّن فَلَو انْتقل فِي خرجاته لقَضَاء حَاجَة إِلَى مَسَاجِد مُتَقَارِبَة وَكَانَ اعْتِكَافه مُتَتَابِعًا جَازَ وَأما الزَّمَان فَالْمَذْهَب أَنه يتَعَيَّن كَمَا فِي الصَّوْم فَإِذا نذر اعْتِكَاف رَجَب مثلا لزمَه فَلَو فَاتَ فَالظَّاهِر وجوب الْقَضَاء وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ تعذر الْمُلْتَزم وَهُوَ بَاطِل بِالصَّوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي التَّتَابُع فَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لم يجز التَّفَرُّق وَإِن قَالَ مُتَفَرقًا جَازَ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَلَو أطلق فَالْمَذْهَب أَن التَّتَابُع لَا يلْزم كَمَا فِي الصَّوْم وَقَالَ ابْن سُرَيج يلْزم لِأَن اللَّيَالِي فِي الصَّوْم تقطع التَّتَابُع بِخِلَاف الِاعْتِكَاف وَهُوَ بعيد فَأَما إِذا نذر يَوْمًا فَفِي جَوَاز الْتِقَاط سَاعَات أَيَّام وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع بِخِلَاف الشَّهْر فَإِن الْيَوْم عبارَة عَن سَاعَات محصورة بَين الطُّلُوع والغروب على اتِّصَال فعلى هَذَا لَو ابْتَدَأَ من وَقت الزَّوَال وصبر إِلَى الزَّوَال فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِن خرج لَيْلًا لم يجزه للتقطع وَإِن اعْتكف لَيْلًا قيل أَنه يُجزئ لحُصُول الِاتِّصَال وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يُجزئ لِأَن اللَّيْل لَيْسَ محسوبا من النَّهَار هَذَا إِذا أطلق الشَّهْر فَلَو عين شهرا أَو الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان كَانَ التَّتَابُع لَازِما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 ضَرُورَة لَا قصدا حَتَّى لَو فسد آخِره لم يلْزم قَضَاء مَا مضى وَلَو ترك الْكل لم يجب التَّتَابُع فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف الْعشْر الْأَخير مُتَتَابِعًا فَفِي لُزُوم التَّتَابُع وَجْهَان وَوجه قَوْلنَا إِنَّه لَا يلْزم أَن تتَابع هَذَا يَقع ضَرُورَة فالتصريح بِهِ كالسكوت عَنهُ النّظر الثَّانِي فِي استتباع اللَّيَالِي فَإِذا نذر اعْتِكَاف شهر دخل اللَّيَالِي فِيهِ ويكفيه شهر بِالْأَهِلَّةِ وَلَو نذر اعْتِكَاف يَوْم لم يدْخل اللَّيْلَة فِيهِ وَلَو نذر ثَلَاثَة أَيَّام أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفِي دُخُول اللَّيَالِي المتخللة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب كَمَا فِي الشَّهْر وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الْأَصَح اتبَاعا للفظ وَالثَّالِث أَنه إِن نذر التَّتَابُع لزمَه اللَّيَالِي وَإِلَّا فَلَا وَلَو نذر ثَلَاث لَيَال فَفِي دُخُول الْيَوْمَيْنِ المتخللين هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَإِذا نذر الْعشْر الْأَخير فنقص الْهلَال كَفاهُ التسع وَلَو نذر عشرَة أَيَّام من آخر الشَّهْر فنقص لزمَه قَضَاء يَوْم النّظر الثَّالِث فِي اسْتثِْنَاء الْأَغْرَاض فَإِذا قَالَ أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لَا أخرج إِلَّا لعيادة زيد جَازَ الْخُرُوج لَهُ وَلم يجز لعبادة عَمْرو وَلَا لشغل أهم مِنْهُ وَلَو قَالَ لَا أخرج إِلَّا لشغل يعن لي جَازَ الْخُرُوج لكل شغل ديني أَو دُنْيَوِيّ يُبَاح السّفر بِمثلِهِ وَلَا يجوز لأجل النظارة والتنزه وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا قَدِيما أَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُنَاقض للتتابع فَيلْغُو وَيجب التَّتَابُع ثمَّ قَالَ إِذا فرع نا على الصَّحِيح فَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِعشْرَة دَرَاهِم إِلَّا أَن أحتاج إِلَيْهِ قبل التَّصَدُّق صَحَّ ذَلِك وَلَو قَالَ إِلَّا أَن تبدو لي فَهَذَا مُحْتَمل وَأبي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْأَخير لِأَنَّهُ خيرة مُطلقَة يضاد اللُّزُوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو نذر صوما وَشرط التَّحَلُّل لغَرَض لَا يُبِيح الْفطر صَحَّ الشَّرْط وَلَو جرى ذَلِك فِي الْحَج فَوَجْهَانِ وَعكس الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا التَّرْتِيب وَقَالَ الْحَج أولى بِاحْتِمَال ذَلِك إِذْ ورد فِيهِ شَرط التَّحَلُّل فرع إِذا اسْتثْنى غَرضا فالزمان المصروف إِلَيْهِ يجب قَضَاؤُهُ إِذا نذر اعْتِكَاف شهر مُطلقًا وَإِن نذر اعْتِكَاف شهر معِين لم يلْزم قَضَاؤُهُ إِذْ يُمكن حمله فِي الْمُطلق على نفي انْقِطَاع التَّتَابُع فَقَط فَينزل على الْأَقَل وَفِي الافتقار إِلَى تَجْدِيد النِّيَّة خلاق وَعند وجوب التَّتَابُع الْأَظْهر الِاسْتِغْنَاء عَن التَّجْدِيد لِأَن التَّتَابُع كالرابطة للْجَمِيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع وَهُوَ الْخُرُوج بِكُل الْبدن عَن كل الْمَسْجِد بِغَيْر عذر احترزنا بِكُل الْبدن عَمَّا إِذا أخرج رَأسه أَو رجله من الْمَسْجِد فَإِنَّهُ لَا يبطل اعْتِكَافه واحترزنا عَن كل مَسْجِد عَمَّا إِذا صعد المنارة للأذان فَإِن كَانَت المنارة مُنْقَطِعَة عَن الْمَسْجِد انْقَطع التَّتَابُع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة وَكَأَنَّهَا فِي الْمَسْجِد لم تَنْقَطِع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة بحائط الْمَسْجِد فِي حريمه وَكَانَ بَابهَا خَارِجا عَن الْمَسْجِد فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَنْقَطِع لِخُرُوجِهِ عَن الْمَسْجِد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ من حَرِيم الْمَسْجِد وَالْأَذَان من حُقُوق الْمَسْجِد خأخرأخر فَكَأَنَّهُ لم يعرض عَن الْمَسْجِد وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ مُؤذنًا راتبا لم يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عذر فِي حَقه وَإِلَّا فَيَنْقَطِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 وَأما قَوْلنَا من غير عذر فالعذر على مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى وَهِي الْعليا الْخُرُوج لقَضَاء الْحَاجة وَهُوَ مُسْتَثْنى لتكرره بِحكم الجلبة فَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِهِ وَلَا يجب قَضَاء تِلْكَ الْأَوْقَات وَلَا يجب عِنْد الْعود تَجْدِيد النِّيَّة بِخِلَاف الِاعْتِكَاف الْمُطلق الذى لَا تتَابع فِيهِ فَإِنَّهُ يجب التَّجْدِيد هَذَا إِذا كَانَ دَاره قَرِيبا وَلم يكن بِهِ عِلّة يكثر خُرُوجه بِسَبَبِهَا فَإِن بَعدت دَاره أَو كَانَ بِهِ عِلّة فَوَجْهَانِ مِنْهُم من عمم حسما للباب وَلَو كَانَ لَهُ داران كِلَاهُمَا على حد الْقرب فَفِي جَوَاز خُرُوجه إِلَى الْأَبْعَد وَجْهَان وحد الْقرب فِي الزَّمَان وَالْمَكَان لَا يَنْضَبِط إِلَّا بِالْعَادَةِ فرع لَا بَأْس بِأَكْل لقم فِي الطَّرِيق وَلَا بعيادة الْمَرِيض فِي الْمُرُور من غير ازورار وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 بَأْس بوقفة يسيرَة بِقدر صَلَاة الْجِنَازَة فَذَلِك جَائِز فِي الطَّرِيق وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِالسَّلَامِ وَالسُّؤَال فَإِنَّهُ لَا يزِيد على قدر صَلَاة الْجِنَازَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارا فِي اعْتِكَافه لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَو جَامع فِي وَقت قَضَاء الْحَاجة من غير صرف زمَان إِلَيْهِ فسد اعْتِكَافه على الْأَصَح لِأَن وقعه عَظِيم فالاشتغال بِهِ أوقع من الْجُلُوس سَاعَة من غير حَاجَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يفْسد لِأَنَّهُ لَيْسَ معتكفا فِي هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 الْحَالة وَإِن كَانَ الزَّمَان محسوبا فِي مُدَّة الِاعْتِكَاف الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْخُرُوج بِعُذْر الْحيض غير قَاطع التَّتَابُع إِن كَانَ مُدَّة الِاعْتِكَاف بِحَيْثُ لَا يَتَّسِع لَهَا أَيَّام الطُّهْر غَالِبا فَإِن قصرت الْمدَّة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْقطع للإمكان وَالثَّانِي الْمُسَامحَة نظرا إِلَى جنس الْحيض فَإِنَّهُ متكرر بالجبلة لقَضَاء الْحَاجة الرُّتْبَة الثَّالِثَة الْمَرَض الذى يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كالحيض وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر طبعا وَهَكَذَا الْخلاف فِي انْقِطَاع تتَابع الصَّوْم بِهِ وَهَذَا إِذا لم يضْطَر إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 الْخُرُوج خيفة التلويث فَإِن خيف فَهُوَ كالحيض وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَيْضا الرُّتْبَة الرَّابِعَة أَن يخرج مَحْمُولا أَو يخرج نَاسِيا وَفِيه قَولَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بِأَن لَا يَنْقَطِع لِأَن الصَّوْم لَا يَنْقَطِع بِمثلِهِ وَإِن أكره فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يَنْقَطِع لِأَن لَهُ قصدا فِي الْخُرُوج الرُّتْبَة الْخَامِسَة أَن يلْزمه الْخُرُوج شرعا لأَدَاء شَهَادَة متعينة أَو إِقَامَة حد أَو قَضَاء عدَّة طَلَاق فَقَوْلَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بالانقطاع لِأَن مبادئ هَذِه الْأُمُور مندرجة تَحت اخْتِيَاره ثمَّ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقَطِع فَيجب قَضَاء الْأَوْقَات الْفَائِتَة بِهَذِهِ الْأَعْذَار وَفِي اسْتِئْنَاف النِّيَّة عِنْد الْعود خلاف كَمَا فِي تَفْرِيق الْوضُوء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 = كتاب الْحَج = وَهُوَ ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام وَلَا يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة وَاحِد وَالنَّظَر فِي الْمُقدمَات والمقاصد واللواحق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات وَهُوَ الشَّرَائِط والمواقيت القَوْل فِي الشَّرَائِط وشرائط وُجُوبه خَمْسَة الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ والاستطاعة وشرائط وُقُوعه عَن فرض الْإِسْلَام أَرْبَعَة وَهِي مَا ذَكرنَاهَا إِلَّا الِاسْتِطَاعَة وشرائط صِحَّته دون الْوُقُوع عَن حج الْإِسْلَام عل سَبِيل الْمُبَاشرَة الْإِسْلَام والتمييز إِذْ يَصح من الصَّبِي الْمُمَيز أَن يحجّ بِإِذن الْوَلِيّ وَشرط صِحَّته لَا بطرِيق الِاسْتِقْلَال الْإِسْلَام الْمُجَرّد إِذْ يجوز للْوَلِيّ أَن يحرم عَن الصَّبِي الذى لَا يُمَيّز كَمَا سَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 الْمَقْصُود بَيَان الِاسْتِطَاعَة وَهِي نَوْعَانِ النَّوْع الأول استطاعة الْمُبَاشرَة قَالَ الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي تَفْسِير الِاسْتِطَاعَة إِنَّهَا زَاد وراحلة والاستطاعة تتَعَلَّق بأَرْبعَة أُمُور الرَّاحِلَة والزاد وَالطَّرِيق وَالْبدن أما الرَّاحِلَة فالقدرة عَلَيْهَا شَرط فَلَا حج على الْقَادِر على الْمَشْي لما فِيهِ من الْمَشَقَّة خلافًا لمَالِك نعم لَو كَانَ على مَسَافَة دوم مَسَافَة الْقصر وَجب الْمَشْي على الْقوي وَلَا يجب على من يتَضَرَّر بِهِ وَالْمَشْي فِي هَذَا الْقدر كالركوب فِي السّفر الطَّوِيل وَمن لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فَلَا يلْزمه مَا لم يقدر على محمل فَإِن قدر على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 شقّ محمل وَوجد شَرِيكا يلْزمه وَإِن لم يجد وَكَانَ يَتَّسِع مَاله لمحمل تَامّ لكنه يَكْتَفِي بشق فَلَا يلْزمه لِأَن الزِّيَادَة خسران لَا مُقَابل لَهُ أما الزَّاد فَهُوَ أَن يملك فَاضلا عَن قدر حَاجته مَا يبلغهُ إِلَى الْحَج وَالْمرَاد بالمبلغ نَفَقَة الذّهاب والإياب فِي حق من لَهُ أهل ومسكن أَو قريب وَإِن بعد وَهل يعْتَبر نَفَقَة الإياب فِي حق الْقَرِيب فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِاعْتِبَار حنين النَّفس إِلَى الأوطان وَالْمرَاد بالفاضل عَن قدر الْحَاجة أَن يكون وَرَاء الْمسكن وَالْعَبْد الذى يَخْدمه ودست ثوب يلْبسهُ وديونه الَّتِي يفْتَقر إِلَى قَضَائهَا وَمَا يخلفه على أَهله من النَّفَقَة وَمَا يحْتَاج إِلَى صرفه إِلَى نِكَاح إِن لم يكن متأهلا وَخَافَ على نَفسه الْعَنَت وَهل يجب أَن يكون وَرَاء رَأس مَاله الذى لَا يقدر على التِّجَارَة إِلَّا بِهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَن رَأس مَاله كمسكنه وَعَبده وَالثَّانِي أَن رَأس المَال يصرف فِي أهبة الْحَج بِخِلَاف الْمسكن وَالْعَبْد فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِمَا فِي الْوَقْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 فرع ان أَحدهمَا أَن من لَا يملك نَفَقَة الذّهاب وَهُوَ كسوب لم يلْزمه الْحَج لِأَن ضَرَر الْكسْب مَعَ السّفر يزِيد عل ضَرَر الْمَشْي إِلَّا أَن تكون الْمسَافَة دون سفر الْقصر الثَّانِي إِذا كَانَت الأسعار غَالِيَة وَلَكِن وجد بِثمن الْمثل وَجب الْحَج كَمَا يجب شِرَاء المَال بِثمن الْمثل وَإِن غلا بِحكم الْحَال وَلَو كَانَ لَا يُبَاع الزَّاد إِلَّا بِغَبن لم يجب أما الطَّرِيق فشرطه أَن يكون خَالِيا عَمَّا يُوجب خوفًا فِي النَّفس والبضع وَالْمَال أما النَّفس فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق سبع لم يجز الْخُرُوج وَلَو كَانَ فِي الطَّرِيق بَحر اخْتلف فِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وللأصحاب أَرْبَعَة طرق أَحدهَا إِجْرَاء الْقَوْلَيْنِ لما فِيهِ من الْخطر الظَّاهِر مَعَ غَلَبَة السَّلامَة وَالثَّانِي لَا يجب على المستشعر لِأَن الجبان قد يخلع قلبه فِي الْبَحْر وَيجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 على غير المستشعر فَينزل النصين على حَالين وَالثَّالِث أَنه لَا يجب على المستشعر وَفِي غَيره قَولَانِ وَالرَّابِع أَنه يجب على غير المستشعر وَفِي المستشعر قَولَانِ وَهَذَا إِذا كَانَت السَّلامَة غالبة فَإِن كَانَ الْهَلَاك غَالِبا حرم الرّكُوب فرع لَو توَسط الْبَحْر واستوت الْجِهَات فِي التَّوَجُّه إِلَى مَكَّة والانصراف عَنْهَا فَفِي الْوُجُوب الْآن وَجْهَان على قَوْلنَا لَا يجب ركون الْبَحْر أَحدهمَا يجب لِأَن الرّكُوب لَا بُد مِنْهُ فِي كل جِهَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع لَيْسَ يكلفه ذَلِك فِي طَرِيق الْحَج وَله أَن يتَكَلَّف ذَلِك فِي غَرَضه وَهُوَ قريب منن الْمحصر إِذا أحَاط بِهِ الْعَدو وَفِيه خلاف أما الْبضْع فالمرأة كَالرّجلِ فِي الِاسْتِطَاعَة لَكِنَّهَا عَورَة مَقْصُودَة تحْتَاج إِلَى محرم يبذرقها فَإِن لم تَجِد لم يلْزمهَا الْخُرُوج إِلَّا إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا وَوجدت نسْوَة ثِقَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 وَقَالَ الْقفال لَا يلْزم مَا لم يكن مَعَ كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ محرم فقد ينوبهن أَمر يفْتَرق إِلَى الِاسْتِعَانَة بِذَات الْمحرم وَأما المَال فَلَو كَانَ على المراصد من يطْلب مَالا لم يلْزمه الْحَج لِأَنَّهُ خسران لَا مُقَابل لَهُ وَلَو وجد بذرقة بأجره فَفِي لُزُوم الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ خسران لدفع الظُّلم فَصَارَ كالتسليم إِلَى الظَّالِم وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ من جملَة أهبة الطَّرِيق فأجرة البذرقة ككراء الدَّابَّة وَإِذا لم يخرج محرم الْمَرْأَة إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فَفِي وُجُوبهَا عَلَيْهَا وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يجب لِأَنَّهَا لَا تنفك عَن هَذِه الْحَاجة فَكَانَت من أهب سفرها أما الْمُتَعَلّق الرَّابِع للاستطاعة فَهُوَ الْبدن وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قُوَّة يسْتَمْسك بهَا على الرَّاحِلَة وَالْأَعْمَى يجب عَلَيْهِ الْحَج وَلَكِن يحْتَاج إِلَى قَائِد احْتِيَاج الْمَرْأَة إِلَى محرم وَالْمَجْنُون لَا حج عَلَيْهِ وَلَو حج بِهِ الْوَلِيّ فَطَافَ بِهِ صَحَّ حجه وَلَكِن مُؤَن السّفر من مَال الْوَلِيّ وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير فَيلْزمهُ الْحَج وللولي أَن ينْفق عَلَيْهِ وَينصب عَلَيْهِ قواما إِلَى الْحَج هَذِه أَرْكَان الِاسْتِطَاعَة أما أَحْكَامهَا فَثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 الأول أَن وجوب الْحَج يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة إِذا دَامَت الِاسْتِطَاعَة مُدَّة تتسع لِلْحَجِّ لَو اشْتغل بِهِ وَلَو افْتقر أَو جن قبل مُضِيّ مُدَّة الْإِمْكَان تبين أَنه لم يكن وَاجِبا وَلَو تخلف بعد الِاسْتِطَاعَة فَمَاتَ بعد حج النَّاس وَقبل رجوعهم فالحج مُسْتَقر فِي ذمَّته يخرج من تركته لِأَنَّهُ لَو خرج لَكَانَ مَوته بعد الْحَج وَكَذَلِكَ لَو طَرَأَ الْغَضَب فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو هلك مَاله بعد حج النَّاس حَيْثُ تعْتَبر نَفَقَة الإباب قَالَ الصيدلاني تبين أَنه لم يكن لَازِما لأَنا لَو علمنَا هَذَا فِي الِابْتِدَاء لم يلْزمه الْخُرُوج بِخِلَاف مَا لَو علمنَا مثلا أَنه يَمُوت بعد يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ كَانَ يلْزمه الْخُرُوج الثَّانِي أَن وجوب الْحَج على التَّرَاخِي عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ من السّنة الأولى وَلكنه لَو مَاتَ يخرج من تركته وَالظَّاهِر أَنه يلقى الله عَاصِيا إِذا جَازَ لَهُ التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَانَ على غرر فِي التَّأْخِير وَمِنْهُم من قَالَ لَا يعْصى إِذْ أخر عَازِمًا على الِامْتِثَال وَمَات فَجْأَة نعم إِن استشعر من نَفسه العضب عصى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 بِالتَّأْخِيرِ فرع إِذا أخر مَعَ الْقُدْرَة وطرأ العضب عصى لتعذر الْمُبَاشرَة وَيلْزمهُ الِاسْتِنَابَة على التَّضْيِيق بِخِلَاف مَا لَو بلغ معضوبا فَإِن الِاسْتِنَابَة فِي حَقه على التَّرَاخِي كالمباشرة فِي حق الْقَادِر وَذكر الفوراني وَجها أَنه لَا تتضيق الِاسْتِنَابَة فِي العضب الطَّارِئ ثمَّ قَالَ إِن ضيقنا فَهَل للْقَاضِي أَن يسْتَأْجر عَلَيْهِ عِنْد امْتِنَاعه إجبارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز تشبيهه بِالزَّكَاةِ لتطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ الثَّالِث أَن من لم يؤد حج الْإِسْلَام لَا يجوز لَهُ أَن يحجّ أَجِيرا عَن غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 أَو يتَطَوَّع قبل الْفَرْض أَو يُؤَدِّي قَضَاء أَو نذرا قبله لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من شبْرمَة فَقَالَ صديق لي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة والسام أحججت عَن نَفسك فَقَالَ لَا فَقَالَ هَذِه عَنْك ثمَّ حج عَن شبْرمَة فَبِهَذَا عرف أَن غير حجَّة الْإِسْلَام لَا تقدم عَلَيْهَا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْعَاجِز والمستطيع لِأَن الْعَاجِز إِذا حضر وَقع حجه عَن حجَّة الْإِسْلَام وكما لَا يقدم التَّطَوُّع عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا يقدم على الْقَضَاء وَالنّذر وَفِي التَّرْتِيب بَين الْقَضَاء وَالنّذر تردد وَالْأولَى تَقْدِيم الْقَضَاء أما الْأَجِير إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات فَنوى التَّطَوُّع عَن نَفسه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينْصَرف إِلَى الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهَا حجَّة وَاجِبَة فَتقدم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ وجوب تَقْتَضِيه الْإِجَارَة دون وضع الْحَج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 النَّوْع الثَّانِي استطاعة الِاسْتِنَابَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي حَالَة جَوَاز الِاسْتِنَابَة وَله شَرْطَانِ الأول الْعَجز عَن الْمُبَاشرَة بِالْمَوْتِ أَو بزمانة لَا يُرْجَى زَوَالهَا وَقَالَ مَالك تخْتَص الِاسْتِنَابَة بِحَالَة الْمَوْت لوُرُود الحَدِيث فِيهِ لَكنا نقُول الْحَيّ الْعَاجِز المئيوس عَنهُ أولى بالاستنابة لقدرته على النِّيَّة ثمَّ لَو ظهر الْيَأْس وَفرغ الْأَجِير من الْحَج فَزَالَ العضب فَفِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ بَان زَوَال الْعَجز وَالثَّانِي أَن حج الْأَجِير وَقع موقعه فَلَا ينْقض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 فَإِن قُلْنَا لم يَقع فَيَقَع عَن الْأَجِير أَو عَن تطوع الْمُسْتَأْجر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا عَن الْأَجِير لِأَنَّهُ لَو وَقع عَن الْمُسْتَأْجر لسبق النَّفْل الْفَرْض وَالأَصَح أَنه يَقع عَن الْمُسْتَأْجر لَان هَذَا عذر فِي التَّقْدِيم كعذر الصَّبِي وَالرّق فَإِن أوقعنا عَن الْأَجِير فَفِي أجرته ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يسْتَحق لوُقُوعه عَنهُ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ عمل مَا عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه يسْتَحق أجر الْمثل دون الْمُسَمّى لتبين فَسَاد الْإِجَارَة وَلَو كَانَ العضب يُرْجَى زَوَاله فاستناب واتصل العضب بِالْمَوْتِ فَفِي وُقُوع حج النَّائِب عَنهُ قَولَانِ كَمَا سبق الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون المستناب فِيهِ حجا مَفْرُوضًا أما التَّطَوُّع فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ خَارج عَن الْقيَاس وَقد ورد الحَدِيث فِي حجَّة الْإِسْلَام وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ إِذا تطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ كَانَ التَّطَوُّع فِي معنى الْفَرْض أما إِذا لم يكن على الْمَيِّت حجَّة الْإِسْلَام لعدم الِاسْتِطَاعَة فَفِي اسْتِئْجَار الْوَارِث عَنهُ طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد قَول التَّطَوُّع لِأَنَّهُ تبرع وَالثَّانِي الْقطع بِالْجَوَازِ لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 حج غير المستطيع يَقع عَن حجَّة الْإِسْلَام وَلِأَن الحَدِيث ورد فِيهِ رُوِيَ أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فَرِيضَة الْحَج أدْركْت أبي شَيخا زَمنا لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ أفأحج عَنهُ فَقَالَ نعم فرع لَا يجوز الْحَج عَن المعضوب بِغَيْر إِذْنه وَيجوز عَن الْمَيِّت من غير وَصيته يَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِث وَالْأَجْنَبِيّ كَمَا فِي قَضَاء دينه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يوص لم يحجّ عَنهُ وَإِن أوصى نفذت وَصيته بِالْحَجِّ من ثلث مَاله الطّرف الثَّانِي فِي حَالَة وجوب الِاسْتِنَابَة وَهُوَ أَن يسْتَقرّ فِي ذمَّته ثمَّ يطْرَأ العضب أَو يبلغ معضوبا قَادِرًا على الِاسْتِنَابَة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا بِمَال يملكهُ أَو بِمَال يبْذل لَهُ أَو بِطَاعَة تبذل لَهُ فَأَما مَا يملكهُ فَهُوَ قدر أُجْرَة الْأَجِير فضلا عَن حَاجته يَوْم الِاسْتِئْجَار وَلَا يعْتَبر أَن يفضل عَن نَفَقَة أَهله لما بعد فرَاغ الْأَجِير من الْحَج فِي مُدَّة إيابه وَهل يعْتَبر لما بَين يَوْم الْإِجَارَة إِلَى الْفَرَاغ من الْحَج فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 هَذِه مُدَّة فِيهَا يتم الْأَدَاء وَفِي زَكَاة الْفطر لم يعْتَبر إِلَّا قوت الْيَوْم لِأَن الْفَرْض يتَأَدَّى فِي الْحَال وَلَو ملك أُجْرَة ماش فَفِي لُزُومه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْمَاشِي على خطر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّغْرِير بِمَالِه أما الْقُدْرَة ببذل الْغَيْر فَإِن كَانَ المبذول مَالا والباذل أَجْنَبِي لم يجب لما فِيهِ من الْمِنَّة وَإِن كَانَ المبذول طَاعَة والباذل هُوَ الابْن وَجب الْقبُول إِذْ لَا منَّة وَإِن بذل الْأَجْنَبِيّ الطَّاعَة أَو الابْن المَال فَوَجْهَانِ للتردد فِي الْمِنَّة وَالْأَب كالابن فِي بذل المَال وكالأجنبي فِي بذل الطَّاعَة هَذَا إِذا بذل الابْن الطَّاعَة رَاكِبًا فَإِن كَانَ مَاشِيا فَوَجْهَانِ إِذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 يعز على الْأَب التَّغْرِير بولده فَإِن كَانَ مَعَ الْمَشْي يعول فِي زَاده على الْكسْب أَو السُّؤَال فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يجب وَإِن لم يكن كسب وَلَا سُؤال فَلَا يحل لَهُ الْخُرُوج وَمهما تحقق وجوب الْحَج فالعمرة تجب أَيْضا لقَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ تردد فِي الْقَدِيم فِي وجوب الْعمرَة الطّرف الثَّالِث فِي الِاسْتِئْجَار على 1 الْحَج وَالنَّظَر فِي شَرَائِطه وَأَحْكَامه أما الشَّرَائِط فَتذكر فِي الْإِجَارَة وَنَذْكُر هَاهُنَا أَربع شَرَائِط الأول أَن يكون الْأَجِير قَادِرًا على الْحَج فَإِن كَانَ مَرِيضا أَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا أَو ضاف الْوَقْت وطالت الْمسَافَة لم تَنْعَقِد الْإِجَارَة وَلَو جرى فِي وَقت هجوم الأنداء والثلوج وَلَكِن كَانَ زَوَاله مَعْلُوما فَالْأَظْهر الصِّحَّة وَقيل لَا يجوز لتعذر النهوض فِي الْحَال وَمهما صحت الْإِجَارَة وَجب على الْأَجِير الْخُرُوج مَعَ أول رفْقَة وَلَا يجوز التَّأْخِير إِلَّا بعد انْتِظَار الرّفْقَة فَلَا عذر بعد وجودهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 الثَّانِي أَن لَا يضيف الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الْعين إِلَى حجَّة فِي السّنة الْقَابِلَة إِلَّا إِذا كَانَت الْمسَافَة بِحَيْثُ لَا تقطع فِي سنة فَيجوز لَهُ ذَلِك لِإِمْكَان التشاغل بِالسَّفرِ فِي الْحَال وَإِن وَردت الْإِجَارَة على الذِّمَّة فَلهُ أَن يعين أَيَّة سنة شَاءَ فَإِن أطلق نزل على السّنة الأولى الثَّالِث كَون الْحَج مَعْلُوما بِأَعْمَالِهِ للْأَجِير وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف فِي العقد فَإِنَّهُ مشهر فِي الْعرف فَإِنَّهُ فرض جهل على الندور من أَحدهمَا لم يَصح العقد وَأما تعْيين مِيقَات الْإِحْرَام فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا يشْتَرط لِأَن غَرَض الْأَجِير يتَفَاوَت بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن غَرَض الْمُسْتَأْجر لَا يتَفَاوَت وَقيل بل هُوَ على حَالين فَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر لَهُ مَيتا فَلَا غَرَض إِلَّا تبرئة ذمَّته فَأَما الْحَيّ فَلهُ غَرَض فِي تعْيين الْمَوَاقِيت فَيلْزمهُ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 وَقيل إِن كَانَ على طَرِيقه مِيقَات تعين بِالْعرْفِ وَإِن كَانَ طَرِيقه يقْضِي إِلَى مسلكين يقْضِي كل وَاحِد إِلَى مِيقَات آخر فَلَا بُد من التَّعْيِين الرَّابِع أَن لَا يعْقد بِصِيغَة الْجعَالَة فَلَو قَالَ المعضوب من حج عني فَلهُ مائَة فحج عَنهُ إِنْسَان نقل الْمُزنِيّ أَنه وَقع عَنهُ وَاسْتحق الْمِائَة وخر ج الْأَصْحَاب مِنْهُ تَصْحِيح صِيغَة الْجعَالَة فِي كل مَا يقبل الْإِجَارَة وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى تزييفه فَإِن ذَلِك يحْتَمل من ضَرُورَة الْجعَالَة فعلى هَذَا بطلت التَّسْمِيَة وَصَحَّ الْإِذْن وَاسْتحق الْمَأْذُون أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن وَمهما فَسدتْ الْإِجَارَة بِفساد الْعِوَض بَقِي الْإِذْن صَحِيحا وَوَجَب أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن وَقيل إِن الْإِذْن يفْسد بِهَذَا الْعُمُوم فَإِن من قَالَ وكلت كل من أَرَادَ بيع دَاري لم تصح الْوكَالَة لعدم تعين الْوَكِيل فَكَذَلِك هَاهُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْإِجَارَة عِنْد اخْتِلَاف أَحْوَال الْأَجِير وأحواله سَبْعَة الأولى إِذا فَاتَهُ الْحَج فِي السّنة الأولى بامتناعه عَن الْخُرُوج انْفَسَخت الْإِجَارَة إِن كَانَت وَارِدَة على الْعين فَإِن كَانَت وَارِدَة على الذِّمَّة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لم يَنْفَسِخ وللمستأجر الْخِيَار كَمَا لَو أفلس المُشْتَرِي بِالثّمن وَقَالَ المراوزة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي انْقِطَاع جنس الْمُسلم فِيهِ على قَول يَنْفَسِخ وعَلى قَول يثبت الْخِيَار فَإِن أثبتنا الْخِيَار وَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر مَيتا فَلَا خِيَار للْوَرَثَة لِأَنَّهُ يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 عَلَيْهِم صرف الْأُجْرَة إِلَى أجِير آخر لتبرئة ذمَّته والأجير الذى عينه الْمَيِّت أولى وَفِيه احْتِمَال إِذْ قد يكون للْمَيت فِيهِ مصلحَة فِي إِبْدَال الْأَجِير بِمن هُوَ أَرغب مِنْهُ الثَّانِيَة إِذا خَالف فِي الْمِيقَات فَأحْرم بِعُمْرَة عَن نَفسه ثمَّ أحرم بِحَجّ الْمُسْتَأْجر فِي جَوف مَكَّة فيحط شَيْء من أجرته وَفِي الْقدر المحطوط قَولَانِ أَحدهمَا أَن يُقَال حجَّة من الْمِيقَات كم أجرتهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة كم أجرتهَا وَيعرف نِسْبَة التَّفَاوُت فَإِن كَانَ عشرا فيحط الْعشْر على الْمُسَمّى وَحَقِيقَة هَذَا القَوْل ترجع إِلَى أَن الْأُجْرَة تقَابل الْحَج الْمَقْصُود أبدا دون السّفر الذى هُوَ ذَرِيعَة فَلذَلِك لم يدْخلهُ فِي الِاعْتِبَار وَالثَّانِي أَنه يعرف التَّفَاوُت بَين حجَّة من الْبَلَد الذى اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة فيكثر التَّفَاوُت فيحط عَن أجرته وَحَاصِل هَذَا أَن السّفر إِن كَانَ تقابله الْأُجْرَة فَلَا يحْسب لَهُ فِي هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ صرفه إِلَى عمْرَة نَفسه الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو عَاد إِلَى الْمِيقَات وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ عَنهُ فَإِن لم نقابل السّفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 بِأُجْرَة أصلا اسْتحق تَمام الْأُجْرَة وَإِن قابلنا أحبطنا مَا قَابل الْمسَافَة الَّتِى صرفهَا إِلَى عمرته فَإِن حَسبنَا لَهُ السّفر اسْتحق تَمام الْأُجْرَة فَإِن أحبطنا الْمسَافَة هَاهُنَا لصرفها إِلَى عمرته فيضبط التَّفَاوُت بَين أُجْرَة حجَّة من بَلْدَة نهضتها وَمن الْمِيقَات إحرامها وَبَين حجَّة أنشئت من الْمِيقَات من غير سبق سفر ويحط من الْمُسَمّى بنسبته الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لم يعْتَمر أصلا لَكِن أحرم من جَوف مَكَّة فَمَا صرف السّفر إِلَى نَفسه لَكِن لزمَه دم الْإِسَاءَة فَهَل ينجبر بِالدَّمِ مَا يحط من الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا ينجبر فَلَا يحط شئ وَالثَّانِي يحط لِأَن الدَّم وَجب حَقًا لله تَعَالَى ومقصود الْمُسْتَأْجر لَا ينجبر فعلى هَذَا يعود الْخلاف فِي أَن السّفر هَل يحْسب لَهُ فِي توزيع الْأُجْرَة وَهَاهُنَا أولى بِأَن يحْسب وَإِن قُلْنَا إِنَّه ينجبر بِالدَّمِ فَلَو كَانَ قيمَة الدَّم تنقص عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَط فَقدر التَّفَاوُت هَل يحط فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عين لَهُ الْكُوفَة ليحرم بهَا فجاوزها فَفِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن تَعْيِينه هَل يلْتَحق بِتَعْيِين الشَّرْع فَإِن قُلْنَا يجب الدَّم عَاد الْخلاف فِي أَنه هَل يجْبر النُّقْصَان وَإِن قُلْنَا لَا يجب عَاد الْخلاف فِي أَن الْمُسَافِر هَل يحْسب لَهُ وَلَا خلاف أَنه لَو ارْتكب مَحْظُورًا غير مُفسد لزمَه الدَّم وَلَا حط لِأَنَّهُ أَتَى بِتمَام الْعَمَل الثَّالِثَة إِذا خَالف فِي الْجِهَة بِأَن اسْتَأْجرهُ على الْقرَان فأفرد فقد زَاد خيرا وَلَو قرن بِإِذْنِهِ فأصح الْوَجْهَيْنِ أَن دم الْقرَان على الْمُسْتَأْجر وَكَأَنَّهُ قرن بِنَفسِهِ وَالثَّانِي على الْأَجِير لِأَنَّهُ الْتزم تَحْصِيل الْحَج وَالْعمْرَة بطرِيق الْقرَان وتتمة الْقرَان بِالدَّمِ فليف بِهِ وَلَو اسْتَأْجرهُ على الْإِفْرَاد فقرن فالدم على الْأَجِير قطعا وَالْحج وَالْعمْرَة واقعان عَن الْمُسْتَأْجر لِأَن الشَّرْع جعل الْقرَان كالإفراد وَهل يحط شئ من الْأُجْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 مَعَ جبره بِالدَّمِ فِيهِ الْخلاف السَّابِق وَإِن أمره بالقران فتمتع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه كالقرآن لِأَنَّهُ إِن نقص فِي إِحْرَام الْحَج من الْمِيقَات فقد زَاد فِي الْعَمَل وَالثَّانِي أَن زِيَادَته غير محسوبة فَإِنَّهُ غير مَأْمُور بِهِ وعَلى هَذَا فالدم عَلَيْهِ لأَنا جَعَلْنَاهُ مُخَالفا وَإِن جَعَلْنَاهُ مُوَافقا فالوجهان فِي الدَّم عائدان الرَّابِعَة إِذا جَامع الْأَجِير فسد حجه وانفسخت الْإِجَارَة إِن كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَردت على عينه لفَوَات الْوَقْت وَلَزِمَه الْقَضَاء لنَفسِهِ ورد الْأُجْرَة وَإِن وَردت على ذمَّته لم تَنْفَسِخ وَعَلِيهِ الْقَضَاء فِي السّنة الثَّانِيَة فَإِذا قضى فَهَل يَقع عَن الْمُسْتَأْجر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا لِأَن الْقَضَاء يَقع عَمَّن انْصَرف الْفَاسِد إِلَيْهِ فعلى هَذَا عَلَيْهِ أَن يحجّ عَن الْمُسْتَأْجر حجَّة أُخْرَى سوى الْقَضَاء وَالثَّانِي أَنه يَقع عَنهُ فَإِنَّهُ لَو تمم الأول لوقع عَنهُ وَهَذَا قَضَاء الأول الْخَامِسَة لَو أحرم عَن مستأجره ثمَّ صرف إِلَى نَفسه على ظن أَنه ينْصَرف إِلَيْهِ وَأتم الْحَج فالحج عَن الْمُسْتَأْجر وَفِي اسْتِحْقَاقه الْأُجْرَة قَولَانِ وَوجه السُّقُوط أَنه قصد أَن يعْمل لنَفسِهِ وهما جاريان فِي الصّباغ إِذا جحد الثَّوْب وصبغه لنَفسِهِ فِي أَنه هَل يسْتَحق الْأُجْرَة السَّادِسَة إِذا مَاتَ الْأَجِير فِي أثْنَاء الْحَج يقدم على هَذَا أَن من مَاتَ فِي أثْنَاء حجه فَهَل لوريثه أَن يسْتَأْجر من يَبْنِي على حجه وَيَأْتِي بالبقية فِيهِ قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 أَحدهمَا نعم لِأَن الِاسْتِنَابَة فِي بعضه كالاستنابه فِي كُله وَالثَّانِي لَا إِذْ يبعد أَدَاء عبَادَة وَاحِدَة من شَخْصَيْنِ فَإِن جَوَّزنَا فَمَاتَ قبل الْوُقُوف أحرم الْأَجِير من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ الْمُسْتَأْجر عَنهُ وَلَا ضَرَر فِي وُقُوعه وَرَاء الْمِيقَات وَإِن مَاتَ بعد الْوُقُوف وَبعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر قَالَ المراوزة يحرم الْأَجِير وَإِن لم يكن فِي أشهر الْحَج لِأَن هَذَا بِنَاء على مَا سبق فِي الْأَشْهر وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يحرم بِعُمْرَة وَيَأْتِي بِبَقِيَّة أَعمال الْحَج وَلَا يَأْتِي بمناسك مني وَهُوَ بعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 وَإِن مَاتَ بَين التحللين فَقِيَاس المراوزة أَن يَأْتِي بِإِحْرَام حكمه أَن لَا يمْنَع اللّبْس والقلم وَإِن مَاتَ بعد التحللين فَلَا يبْقى للْإِحْرَام وَجه فَيتَعَيَّن الرُّجُوع إِلَى إِبْدَال الْمَنَاسِك الْوَاقِعَة بعد التحللين رَجعْنَا إِلَى الْأَجِير فَإِن جَوَّزنَا الْبناء فالمستأجر مُتَمَكن مِنْهُ فَيسْتَحق وَرَثَة الْأَجِير قسطا من الْأُجْرَة لِأَن مَا سبق لم يحبط وَإِن قُلْنَا لَا يُمكن الْبناء فقد حَبط مَا سبق فَفِي اسْتِحْقَاق قسط من الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل لَهُ غَرَض وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ أَتَى بِالْبَعْضِ وَلم يقصر فِي الْبَعْض فَإِن قُلْنَا يسْتَحق قسطا فَفِي التَّوْزِيع وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تحسب الْمسَافَة بل يَبْتَدِئ التَّقْدِير من وَقت الْإِحْرَام فَمَا يُقَابله يسْتَحق وَالثَّانِي تحسب الْمسَافَة لِأَنَّهُ من عمله وعَلى هَذَا يسْتَحق الْأَكْثَر لَا محَالة وَإِن مَاتَ قبل الْإِحْرَام فَفِي احتساب السّفر خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحْسب لِأَن الذريعة إِذا لم تتصل بِالْمَقْصُودِ لَا يبْقى لَهَا حكم وَإِن كَانَت الْإِجَارَة وَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا تَنْفَسِخ بل يبْقى الْحَج دينا فِي تَركه الْأَجِير فيستأجر وَارثه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 تركته من يتم على قَول تَجْوِيز الْبناء أَو من يبتدىء حجا على قَول الْمَنْع السَّابِعَة لَو أحْصر الْأَجِير فتحلل فَهُوَ كالموت وَإِن فَاتَهُ الْحَج بعد الْإِحْرَام فَهُوَ كالإفساد لِأَنَّهُ يجب الْقَضَاء وَلَا يسْتَحق شَيْئا فِي مُقَابلَة عمله وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يسْتَحق قسطا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 الْمُقدمَة الثَّانِيَة لِلْحَجِّ النّظر فِي الْمَوَاقِيت وَيُرَاد بالميقات الزَّمَان وَالْمَكَان أما الْمِيقَات الزماني لِلْحَجِّ فشهر شَوَّال وَذُو الْقعدَة وتسع من ذِي الْحجَّة وَفِي لَيْلَة الْعِيد إِلَى طُلُوع الْفجْر وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة لبَقَاء وَقت الْوُقُوف وَالثَّانِي لَا يَصح وَلَكِن يَدُوم فِي حق الْوُقُوف وَقَالَ أَبُو حنيفَة جَمِيع السّنة وَقت إِحْرَام الْحَج أما الْعمرَة فَجَمِيع السّنة وَقتهَا وَلَا يكره فِي وَقت كَرَاهِيَة الصَّلَاة وَلَا فِي سَائِر الْأَوْقَات إِذا كَانَ متخليا عَن النّسك أما الْحَاج العاكف بمنى فالمعرج على الرَّمْي وَالْمَبِيت لَا تَنْعَقِد عمرته فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ يحرم عَلَيْهِ الِاشْتِغَال بِعَمَل الْعمرَة فِي هَذَا الْوَقْت لوُجُوب الرَّمْي وَالْمَبِيت فرع إِذا أحرم قبل أشهر الْحَج انْعَقَد إِحْرَامه وَلم يكن حجا ويتحلل بِعَمَل عمْرَة وَهل تقع عمرته صَحِيحَة حَتَّى يتَأَدَّى بهَا عمْرَة الْإِسْلَام فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إِذا بَطل الْحَج بَقِي إِحْرَام مطبق وينصرف إِلَى الْعمرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وَالثَّانِي أَنه لَا يَقع عمْرَة بل هُوَ كمن فَاتَهُ الْحَج يتَحَلَّل بِعَمَل عمرته عَن إِحْرَامه وَلَا تتأدى عمرته بِهِ وَقيل إِن صرفه إِلَى الْعمرَة انصراف إِلَيْهِ أما الْمِيقَات المكاني فالحاج أَرْبَعَة أَصْنَاف الأول الآفاقي المتوجه إِلَى مَكَّة على قصد النّسك عمْرَة كَانَ أَو حجا فَعَلَيهِ أَن يحرم من الْمِيقَات وميقات أهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وميقات أهل الشَّام الْجحْفَة وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَلأَهل نجد الْيمن ونجد الْحجاز قرن وَلأَهل الْمشرق ذَات عرق لتعيين عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك وَاسْتمرّ النَّاس عَلَيْهِ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن يحرم من الْعَتِيق قبل ذَات عرق لوُرُود خبر مُرْسل فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 ثمَّ هَذِه الْمَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلكُل من مر بهَا من سَائِر الْبِلَاد ويكفيه أَن يحرم من مَوضِع بِإِزَاءِ مِيقَاته فَإِن الْمَقْصُود مِقْدَار بعده عَن مَكَّة وَالْأولَى أَن يحرم من أول الْمِيقَات وَإِن أحرم من آخِره فَلَا بَأْس فروع أَرْبَعَة الأول رَاكب التعاسيف إِذا لم ينْتَه إِلَى مِيقَات أحرم من حَيْثُ يوازي أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 الْمِيقَات فَهُوَ مِيقَاته وَلَو حَاذَى ميقاتين نسبنا إِحْرَامه إِلَى أَي الميقاتين أردنَا فَإِن كَانَ أَحدهمَا أبعد من مَكَّة وَكَانَ أقرب من موقفه من الآخر نسبنا إِحْرَامه إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا على سَوَاء فَوَجْهَانِ أَحدهمَا النِّسْبَة إِلَى الْأَبْعَد وَالثَّانِي إِلَى الْأَقْرَب وتتبين فَائِدَته فِيمَن جَاوز غير محرم وَلَزِمَه الْعود وعسر الرُّجُوع إِلَى موقفه بالضلال فَإلَى أَي الميقاتين يرجع وَلَو رَجَعَ إِلَى موقفه كَفاهُ بل يَكْفِي كل مجاوز أَن يعود إِلَى مثل تِلْكَ الْمسَافَة وَإِن لم يعد إِلَى ذَلِك الْموقف بِعَيْنِه الثَّانِي الْغَرِيب إِذا أَتَى من جَانب وَلم يمر بميقات وَلَا حاذاه فَيحرم على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة نزولا على قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ فِي تأقيت ذَات عرق لأهل الْمشرق والتفاتا إِلَى حد الْمَذْهَب فِي حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام الثَّالِث مهما جَاوز الْموضع الذى هُوَ مِيقَات فِي حَقه فقد أَسَاءَ فَعَلَيهِ الدَّم فَإِن عَاد وَلَكِن بعد دُخُول مَكَّة لم يَنْفَعهُ الْعود وَإِن قبل دُخُول مَكَّة وَقبل مُجَاوزَة الْمِيقَات من مَسَافَة الْقصر سقط دم الْإِسَاءَة وَصَارَ متداركا بإحرامه من الْمِيقَات وَإِن جَاوز مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ إِذا بعد انْقَطع طَرِيق التَّدَارُك هَذَا إِذا عَاد وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام من الْمِيقَات فَإِن أنشأ الْإِحْرَام حَيْثُ انْتهى وَعَاد إِلَى الْمِيقَات محرما فَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 كَونه متداركا وَجْهَان فَإِن جَعَلْنَاهُ متداركا فَلَا يلْزمه أَن يعود ملبيا خلافًا لأبي حنيفَة الرَّابِع لَو أحرم قبل الْمِيقَات فَهُوَ أفضل قطع بِهِ فِي الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد يكره وَهُوَ متأول وَمَعْنَاهُ أَن يتوقى الْمخيط وَالطّيب من غير إِحْرَام وَإِذا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَمام الْحَج وَالْعمْرَة أَن يحرم بهما من دويرة أَهله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 الصِّنْف الثَّانِي من يتَوَجَّه إِلَى مَكَّة لتِجَارَة لَا للنسك فَهَل يلْزمه أَن يدْخل مَكَّة محرما من الْمِيقَات فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فليجاوزه وَلَا إساءة فَإِن سنح لَهُ بعد ذَلِك أَن يحرم فميقاته عِنْد ظُهُور قصد النّسك فَإِن جاوزه فَهُوَ كَمَا لَو جَاوز الْمِيقَات الصِّنْف الثَّالِث من مَسْكَنه بَين الْمِيقَات وَبَين مَكَّة فميقاته مَسْكَنه فَلَا يُجَاوِزهُ الصِّنْف الرَّابِع الْمُقِيم بِمَكَّة مكيا كَانَ أَو آفافيا فميقاته مَكَّة وَالْأَفْضَل أَن يحرم من بَاب دَاره أَو فِي الْمَسْجِد قَرِيبا من الْبَيْت فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَإِن خرج الْمَكِّيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ فَهُوَ مسيء يلْزمه الدَّم أَو الْعود إِن أحرم بعد مُفَارقَة الْعمرَان وَقبل الِانْتِهَاء إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ فَوَجْهَانِ منشؤهما أَن الْمِيقَات فِي حَقهم هُوَ الْحرم أَو خطة مَكَّة أما الْعمرَة فميقاتها كميقات الْحَج إِلَّا فِي حق الْمَكِّيّ والمستوطن بهَا فَإِن عَلَيْهِم الْخُرُوج إِلَى أَطْرَاف الْحل وَلَو بخطوة فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام أَو دَوَامه على رَأْي وَأفضل أَطْرَاف بقاع الْحل الْجِعِرَّانَة وَهِي الَّتِي أحرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَبعده التَّنْعِيم وَهُوَ أقرب إِلَى الْحرم وَقد اعْتَمَرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مِنْهُ وَبعده الْحُدَيْبِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 فرع وَلَو أحرم من مَكَّة فِي الْحرم وَلم يخرج إِلَى الْحل فَفِي الِاعْتِدَاد بعمرته قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إساءة فِي الْمِيقَات فَلَا تمنع الِاعْتِدَاد كَالْحَجِّ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْجمع بَين الْحل وَالْحرم ركن فِي الْحَج فَإِن عَرَفَة من الْحل فَكَذَلِك فِي الْعمرَة فعلى هَذَا إِن خرج إِلَى الْحل ثمَّ أعَاد الطّواف وَالسَّعْي كَفاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْمَقَاصِد وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي وُجُوه أَدَاء النُّسُكَيْنِ وَله ثَلَاثَة أوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ من مِيقَاته أَولا فَإِذا فرغ خرج إِلَى طرف الْحل وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَكَذَا لَو قدم الْعمرَة فِي غير أشهر الْحَج ثمَّ حج من الْمِيقَات فَهُوَ مُفْرد الْوَجْه الثَّانِي الْقرَان وَهُوَ أَن يحرم بهما جَمِيعًا فتندرج الْعمرَة تَحت الْحَج وَيكون حَاله حَال الْحَج الْمُفْرد وَكَذَا لَو أحرم بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ قبل الشُّرُوع فِي أَعمال الْعمرَة فَإِن خَاضَ فِي الطّواف فَأدْخل عَلَيْهِ الْحَج لَغَا إِدْخَاله لِأَن أَعمال الْعمرَة من أَسبَاب التَّحَلُّل فَلَا يُمكن الْقُرْآن مَعَ اخْتِلَاف الْإِحْرَام وَفِي إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز كَعَكْسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر حكم الْحَج بِدُخُول الْعمرَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعمرَة فَإِنَّهَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة دُخُول الْحَج فَإِن جَوَّزنَا فَفِي وقته أَرْبَعَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 أَحدهَا أَنه لَا يجوز مَا لم يستغل بِعَمَل وَلَو بِطواف الْقدوم وَالثَّانِي أَنه يجوز مَا لم يشْتَغل بِرُكْن وَلَو بالسعي بعد طواف الْقدوم وَالثَّالِث يجوز مَا لم يخرج وَقت الْوُقُوف وَإِن سعى من قبل لِأَن الْحَج عَرَفَة وَالرَّابِع يجوز وَإِن فَاتَ وَقت الْوُقُوف مَا لم يشْتَغل بِأَسْبَاب التَّحَلُّل وعَلى هَذَا لَو كَانَ قد سعى فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه إِعَادَة السَّعْي لِأَنَّهُ إِذا صَار قَارنا حصل الاندراج وَقيل لَا يَكْتَفِي بالسعي السَّابِق ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ قَارنا لم يُخرجهُ إِلَى نِيَّة الْقرَان بل يَكْفِيهِ إِحْرَامه بالنسك الثَّانِي وَيجب على الْقَارِن الآفاقي دم كَمَا على الْمُتَمَتّع الْوَجْه الثَّالِث التَّمَتُّع والمتمتع هُوَ كل آفاقي زاحم إِحْرَام الْحَج لنَفسِهِ بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج مَعَ نِيَّة التَّمَتُّع فَيلْزمهُ الدَّم لأمرين أَحدهمَا ربحه أحد الميقاتين إِذا أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة من غير عود إِلَى الْمِيقَات وَالثَّانِي زحمة الْحَج فِي أشهره بِالْعُمْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 وَقد اشْتَمَلت الرابطة على قيود الأول الآفاقي فَمن كَانَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ دم لِأَن مِيقَاته لِلْحَجِّ نفس مَكَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 وحاضروا الْمَسْجِد الْحَرَام كل من كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مَا دون مَسَافَة الْقصر سَوَاء كَانَ مستوطنا أَو مُسَافِرًا حَتَّى إِن الآفاقي إِذا جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد نسكا فَلَمَّا دخل مَكَّة عَن لَهُ أَن يعْتَمر ثمَّ يحجّ لم يلْزمه الدَّم وَإِن عَن لَهُ ذَلِك قبل دُخُول مَكَّة على أقل من مَسَافَة الْقصر فَأحْرم بِالْعُمْرَةِ من مَوْضِعه ثمَّ حج فِي تِلْكَ السّنة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَو كَانَ وَطنه ذَلِك الْموضع وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن اسْم الْحَاضِر لَا يتَنَاوَلهُ إِلَّا إِذا كَانَ فِي نفس مَكَّة أَو كَانَ متسوطنا حواليها فرع لَو كَانَ لَهُ مسكنان أَحدهمَا خَارج عَن مَسَافَة الْقصر فَحكمه حكم الْمسكن الَّذِي أنشأ الْإِحْرَام مِنْهُ إِلَّا إِذا كَانَ سكونه بِأَحَدِهِمَا أَكثر أَو كَانَ أَهله بِأَحَدِهِمَا فَالْعِبْرَة بِهِ الْقَيْد الثَّانِي أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج فَلَو تقدّمت ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 من جَوف مَكَّة كَانَ مُفردا لَا مُتَمَتِّعا وَهل يلْزمه دم الْإِسَاءَة بترك مِيقَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يُجَاوز الْمِيقَات غير محرم وَالثَّانِي نعم لِأَن مَكَّة لَيْسَ مِيقَات الْحَج فِي حق الآفاقي فعلى هَذَا عَلَيْهِ الْعود إِلَى الْمِيقَات فَإِن لم يفعل لزمَه الدَّم فَأَما إِذا وَقع بعض الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَإِن لم يسْبق إِلَّا الْإِحْرَام فَفِي كَونه مُتَمَتِّعا وَجْهَان وَإِن سبق بعض الْأَفْعَال فَوَجْهَانِ مرتبان منشؤهما أَن النّظر إِلَى أول الْإِحْرَام أَو آخِره وَقطع ابْن سُرَيج بِأَنَّهُ لَو دخل شَوَّال وَهُوَ محرم بِالْعُمْرَةِ لم يُفَارق الْمِيقَات بعد فَهُوَ متمتع الْقَيْد الثَّالِث أَن تقع الْعمرَة وَالْحج فِي سنة وَاحِدَة فَلَو فرغ من الْعمرَة فَأخر الْحَج إِلَى السّنة الثَّانِيَة وَأحرم بِهِ من مَكَّة فَلَا دم عَلَيْهِ إِذْ صَارَت مَكَّة ميقاتا لَهُ وَلَو عزم على الْإِقَامَة ثمَّ حج فِي السّنة الأولى لم يسْقط دم الْمُتَمَتّع فَإِنَّهُ بِالْعُمْرَةِ فِي الْمِيقَات الْتزم الْعود إِلَى الْمِيقَات أَو الدَّم الرَّابِع أَن لَا يعود إِلَى الْمِيقَات لِلْحَجِّ فَلَو عَاد إِلَيْهِ أَو إِلَى مثل مسافته كَانَ مُفردا وَلَو عَاد إِلَى مِيقَات قرب من ذَلِك الْمِيقَات فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 وَلَو أحرم من مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات الأول محرما فَفِي سُقُوط الدَّم قَولَانِ كَمَا فِي دم الْإِسَاءَة الْخَامِس وُقُوع النُّسُكَيْنِ عَن شخص وَاحِد فالأجير إِذا اعْتَمر من الْمِيقَات لنَفسِهِ وَحج من جَوف مَكَّة لمستأجره فَلَيْسَ بمتمتع لِأَنَّهُ لم يزحم حجا وَاجِبا بِالشَّرْعِ بل بِالْإِجَارَة وَهَذَا الشَّرْط زَاده الخضرى وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وعَلى مذْهبه يعود التَّرَدُّد فِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة كَمَا فِي الْمُتَمَتّع إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل شَوَّال وَدم الْإِسَاءَة يُخَالف دم الْمُتَمَتّع فِي صفه الْبَدَل وَفِي أَنه يَعْصِي ملتزمه وَيجب عَلَيْهِ تَدَارُكه عِنْد الْإِمْكَان السَّادِس نِيَّة التَّمَتُّع وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا تعْتَبر كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى لَو كَانَ عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ على عزم أَن لَا يحجّ فِي هَذِه السّنة أَو على عزم أَن يعود إِلَى الْمِيقَات لم يكن نَاوِيا وَالثَّانِي لَا تعْتَبر هَذِه النِّيَّة كَمَا فِي الْقرَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 فَإِن اعْتبرنَا النِّيَّة فَفِي وقته وَجْهَان أَحدهمَا فِي أول إِحْرَام الْعمرَة وَالثَّانِي أَنه يتمادى إِلَى آخر إِحْرَام الْعمرَة كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ هَذِه شَرَائِط التَّمَتُّع فَلَو جَاوز الْمُتَمَتّع مَكَّة فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ كَانَ مسيئا ومتمتعا فَيلْزمهُ دمان كَمَا يجب دم الْإِسَاءَة على الْمَكِّيّ إِذا فَارق مَكَّة وَلَا يَكْفِيهِ دم التَّمَتُّع بل ذَلِك لزحمة إِحْرَام الْحَج عَن الْمِيقَات وَدم الْإِسَاءَة لمفارقة مَكَّة فِي إِحْرَام الْحَج مَعَ أَنَّهَا مِيقَاته فَإِن قيل فَأَي الْجِهَات أفضل قُلْنَا الْإِفْرَاد فَإِنَّهُ يَتَعَدَّد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل وَالْقرَان فِي آخر الرتب إِذْ يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل والتمتع يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَلَكِن يَتَعَدَّد الْعَمَل فَهُوَ بَينهمَا وَفِيه قَول أَن التَّمَتُّع أفضل من الْإِفْرَاد لاشْتِمَاله على الدَّم وَحكي قَول آخر أَن الْقرَان أفضل من التَّمَتُّع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 ولنذكر الْآن مُوجب الْقرَان والتمتع وَهَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا على الْمُتَمَتّع والقارن فِي مَعْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والمتمتع إِن كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيهِ إِرَاقَة دم وَقت وُجُوبه الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَله إراقته قبل يَوْم النَّحْر لِأَنَّهُ دم جبران وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخْتَص بِهِ لِأَنَّهُ دم نسك وقربان وَفِي جَوَاز إراقته قبل الْحَج وَبعد الْعمرَة قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ كَفَّارَة مَالِيَّة فَيقدم على أحد سببيه ككفارة الْيَمين وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الْيَمين مُتَحَقق قبل الْحِنْث وَاسم التَّمَتُّع إِلَى الْحَج لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد الْحَج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 فَإِن جَوَّزنَا ذَلِك فَفِي جَوَازه قبل التَّحَلُّل عَن الْعمرَة وَجْهَان ومنشؤه أَن السَّبَب الأول يتم بِإِحْرَام الْعمرَة أَو بِتَمَامِهَا أما الْعَاجِز فَعَلَيهِ صِيَام عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج وَسَبْعَة فِي الرُّجُوع وَيدخل وَقت الثَّلَاث بِإِحْرَام الْحَج وَلَا يجوز قبله لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا وَالْأولَى أَن تقدم على يَوْم عَرَفَة إِذْ الصَّوْم مَكْرُوه فِيهِ وَإِن أخر عَن النَّحْر فأيام التَّشْرِيق لَا تقبله كَيَوْم النَّحْر وَفِي الْقَدِيم قَوْله أَنه يقبل فَإِن تَأَخّر عَن أَيَّام التَّشْرِيق صَار قَضَاء وَيلْزمهُ الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة وَحكى ابْن سُرَيج قولا يُوَافق مَذْهَب أبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 وَأما السَّبْعَة فَأول وَقتهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الوطن وَهل يجوز فِي الطَّرِيق بعد التَّوَجُّه إِلَى الوطن فِيهِ وَجْهَان وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ هُوَ الرُّجُوع إِلَى مَكَّة وَقَول آخر أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ من الْحَج وعَلى هَذَا لَا يجوز فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَإِن قُلْنَا تقبل الْأَيَّام الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ لم يفرغ بعد من الْحَج وَالْأَيَّام السَّبْعَة لَا آخر لَهَا فَلَا تصير قَضَاء وَإِن فَاتَت الْأَيَّام الثَّلَاثَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى الوطن فَعَلَيهِ عشرَة أَيَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 وَهل يجب التَّفْرِيق بَين الثَّلَاثَة والسبعة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا فِي الْأَدَاء وَالثَّانِي لَا كَمَا أَن قَضَاء رَمَضَان لَا يجب فِيهِ الْوَلَاء وَإِن كَانَ أَدَاؤُهُ متواليا فَإِن قُلْنَا يجب فَهَل يَكْفِي يَوْم وَاحِد أم يتَقَدَّر التَّفْرِيق بِالْقدرِ المتخلل فِي الْأَدَاء فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 فَإِن قَدرنَا بِهِ فيبتني الْمِقْدَار المتخلل على معرفَة معنى الرُّجُوع وَأَن أَيَّام التَّشْرِيق هَل تقبل الصَّوْم فَإِن قُلْنَا تقبل وَالْمرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ فَلَا يَتَخَلَّل بَينهمَا فطر فَهَل يجب التَّفْرِيق فِي الْقَضَاء بِيَوْم فَوَجْهَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الْحَال قد افترق فِي الْأَدَاء بِوَقع الثَّلَاثَة فِي الْحَج والسبعة بعْدهَا فَلَا بُد فِي الْقَضَاء أَيْضا من فرق بِالزَّمَانِ بَدَلا عَنهُ ثمَّ الصَّحِيح أَنه إِذا صَامَ أحد عشر يَوْمًا كَفاهُ وَالْيَوْم الرَّابِع لَا يَقع عَن هَذِه الْجِهَة وَوَقع تَطَوّعا وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا بُد من الْإِفْطَار فِي الْيَوْم الرَّابِع فرعان أَحدهمَا إِن وجد الْهَدْي بعد الشُّرُوع فِي الصَّوْم لم يلْزمه خلافًا للمزني وَإِن وجد قبله وَبعد إِحْرَام الْحَج ابتنى على أَقْوَال الْكَفَّارَة فِي أَن الِاعْتِبَار بِحَالَة الْأَدَاء أم بِحَالَة الْوُجُوب الثَّانِي إِذا مَاتَ الْمُتَمَتّع قبل الْفَرَاغ من الْحَج فَهَل نتبين أَنه لم يحصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 التَّمَتُّع قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْحَج لم يتم وَكَأَنَّهُ لم يحجّ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ يُحَقّق التَّمَتُّع وَلَو مَاتَ بعد الْفَرَاغ من الْحَج وَقبل الرُّجُوع إِلَى الوطن أخرج الدَّم من تركته فَإِن كَانَ عَاجِزا وَمَات بَرِئت الذِّمَّة لِأَنَّهُ لم يتَمَكَّن فِي السّفر فَهُوَ كَمَا إِذا دَامَ السّفر وَالْمَرَض فِي صَوْم رَمَضَان إِلَى الْمَوْت وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن فِي الوطن فَحكم هَذِه الْأَيَّام حكم أَيَّام رَمَضَان حَتَّى يَصُوم عَنهُ وليه أَو يفْدي كل يَوْم بِمد وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه لَا يُقَاس هَذَا على رَمَضَان فِي الْفِدْيَة وَصَوْم الْوَلِيّ لِأَنَّهُ غير مَعْقُول فِي نَفسه فَلم يرد إِلَّا فِي رَمَضَان وَالثَّانِي أَنه يرجح إِلَى الدَّم إِن أمكن لِأَن صَوْم رَمَضَان لَيْسَ لَهُ أصل يرجع إِلَيْهِ فعلى هَذَا لَو بَقِي يَوْم وَاحِد أَو يَوْمَانِ فَهُوَ كَمَا لَو حلق شَعْرَة وَاحِدَة أَو شعرتين وَسَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَعمال الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولنقدم عَلَيْهِ جملها فالآفاقي إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات يحرم ويتزيا بزِي المحرمين فَإِذا دخل مَكَّة لم يعزم على شئ حَتَّى يطوف طواف الْقدوم وَلَيْسَ هَذَا الطّواف بِرُكْن ثمَّ إِن شَاءَ يسْعَى بعده فَيَقَع السَّعْي ركنا إِذْ لَيْسَ تَأْخِيره عَن الْوُقُوف شرطا فِي كَونه ركنا بِخِلَاف الطّواف ثمَّ يصبر إِلَى الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب بهم الإِمَام ويوصيهم بالبكور يَوْم التَّرويَة إِلَى مني وبالنهوض إِلَى عَرَفَة فيمتدون يَوْم التَّرويَة إِلَى مني ويبيتون لَيْلَة عَرَفَة بهَا وَذَلِكَ مبيت منزل وَعَادَة لَا مبيت نسك ثمَّ يُصْبِحُونَ يَوْم عَرَفَة متوجهين إِلَيْهَا فيوافونها قبل الزَّوَال ويشتغلون بِالدُّعَاءِ ويقبضون مِنْهَا عِنْد الْغُرُوب إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ الْمغرب مَعَ الْعشَاء ويبيتون بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك ثمَّ يصلونَ الصُّبْح يَوْم النَّحْر مغلسين ويتوجهون إِلَى منى وعَلى طريقهم الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا إِلَى الْإِسْفَار ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر فيسرعون فِيهَا عدوا وركضا ثمَّ يوافون منى عِنْد طُلُوع الشَّمْس ويرمون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 ويحلقون ويذبحون ثمَّ يقبضون إِلَى مَكَّة ويطوفون طواف الرُّكْن وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة والزيارة ثمَّ ينطلقون إِلَى منى للمبيت وَالرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَإِذا فرغوا عَادوا إِلَى مَكَّة وطافوا طواف الْوَدَاع وَانْصَرفُوا وَفِي الْحَج أَربع خطب يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة وَيَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَيَوْم النَّفر الأول وكل ذَلِك بعد صَلَاة الظّهْر وإفراد إِلَّا يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ يخْطب خطبتين بعد الزَّوَال وَقبل الظّهْر هَذِه جملها أما التَّفْصِيل فَفِيهِ اثْنَا عشر فصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 الْفَصْل الأول فِي الْإِحْرَام وَهُوَ عندنَا مُجَرّد النِّيَّة من غير حَاجَة إِلَى تَلْبِيَة خلافًا لأبي حنيفَة وَحكي قَول قديم مثل مذْهبه ثمَّ النِّيَّة لَهَا ثَلَاثَة أوجه الأول التَّفْصِيل فَإِذا نوى حجا أَو عمْرَة أَو قرانا قَضَاء كَانَ أَو نذرا أَو تَطَوّعا كَانَ كَمَا نوى إِلَّا إِذا غير التَّرْتِيب بِتَأْخِير فرض الْإِسْلَام أَو تَأْخِير الْفَرْض عَن النَّفْل وَلَو أهل بحجتين أَو عمرتين مَعًا أَو متلاحقا لَغَا أَحدهمَا وَلم تلْزمهُ الزِّيَادَة على الْوَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينعقدان ثمَّ ينْتَقل أَحدهمَا عِنْد الِاشْتِغَال بِالْعَمَلِ إِلَى الذِّمَّة الْوَجْه الثَّانِي الْإِطْلَاق فَإِذا نوى إحراما مُطلقًا مهما شَاءَ جعله حجا أَو عمْرَة أَو قرانا وَلَا يتَعَيَّن بِمُجَرَّد الِاشْتِغَال بِالطّوافِ للْعُمْرَة وَلَا بِالْوُقُوفِ لِلْحَجِّ بل لَا بُد من نِيَّة الصّرْف خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو أحرم مُطلقًا قبل الْأَشْهر ثمَّ عين لِلْحَجِّ بعد الْأَشْهر لم يجز على الْمَذْهَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 وَلَو أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل الْأَشْهر ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهَا بعد الْأَشْهر للقران فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن الْإِحْرَام للقران كالمتحد فَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم على الْأَشْهر الْوَجْه الثَّالِث الْإِبْهَام فَإِذا قَالَ أَهلَلْت بإهلال كإهلال زيد صَحَّ إِذا أهل عَليّ بإهلال كإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن لم يكن زيد محرما انْعَقَد لَهُ إِحْرَام مُطلق وَإِن عرف أَنه لَيْسَ محرما بِأَن كَانَ مَيتا فَفِي انْعِقَاد أصل الْإِحْرَام وَجْهَان وَجه الِانْعِقَاد إِلْغَاء الْإِضَافَة وإبقاء الأَصْل وَقد نَص فِي الْأُم على أَنه لَو أحرم عَن مستأجرين تَعَارضا وتساقطا وانعقد عَن الْأَجِير وَلَو أحرم عَن نَفسه وَعَن الْمُسْتَأْجر فَكَذَلِك إِذْ بَطل التَّفْصِيل وَبَقِي أصل الْإِحْرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 أما إِذا كَانَ زيد محرما فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون إِحْرَامه مفصلا فَينزل إِحْرَام الْمُعَلق عَلَيْهِ قرانا كَانَ أَو إفرادا الثَّانِيَة أَن يكون إِحْرَام زيد مُطلقًا فإحرام الْمُعَلق أَيْضا مُطلق وَإِلَيْهِ الْخيرَة فِي التَّعْيِين وَلَا يلْزمه اتِّبَاع زيد فِيمَا يستأنفه من التَّعْيِين فَأَما مَا فَصله قبل تَعْيِينه فَفِي لُزُومه وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أول الْإِحْرَام وَكَانَ مُطلقًا وَفِي الثَّانِي إِلَى الْحَالة الْمَوْجُودَة عِنْد التَّعْلِيق وَكَانَ مفصلا وَكَذَا إِذا كَانَ أحرم أَولا بِعُمْرَة ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ الثَّالِثَة أَن يُصَادف زيدا مَيتا بعد الْإِحْرَام وَتعذر مُرَاجعَته فهم كَمَا لَو نسي الرجل مَا أحرم بِهِ وَكَانَ قد أحرم مفصلا وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَن يجْتَهد وَيَأْخُذ بغالب الظَّن كَمَا فِي الْقبْلَة إِن كَانَ لَهُ ظن غَالب والجديد الصَّحِيح أَنه يلْزمه الْبناء على الْيَقِين وَطَرِيقه أَن يَجْعَل نَفسه قَارنا فَإِذا فرغ من الْحَج بَرِئت ذمَّته من الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُعْتَمِرًا أَولا فقد أَدخل الْحَج عَلَيْهِ وتبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة أَيْضا بِيَقِين إِلَّا إِذا منعنَا إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج فَيحْتَمل أَن يكون إِحْرَامه أَولا بِالْحَجِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِنَّه يبرأ عَن الْعمرَة وَيكون هَذَا عذرا فِي جَوَاز إِدْخَال الْعمرَة فِي الْحَج كَمَا أَن التَّرَدُّد فِي النِّيَّة عِنْد نِسْيَان صَلَاة من الصَّلَوَات الْخمس عذر فِي إِجْزَاء الصَّلَاة فَإِن قُلْنَا تَبرأ عَن الْعمرَة لزمَه دم الْقرَان وَإِلَّا فَلَا يلْزمه لِأَن الْقرَان مَشْكُوك فِيهِ فَأَما إِذا طَاف أَولا ثمَّ شكّ فَيمْنَع إِدْخَال الْحَج لَو كَانَ مُعْتَمِرًا فِي علم الله فَلَا يَكْفِيهِ الْقرَان بل طَرِيقه أَن يسعي ويحلق ويبتدأ إحراما بِالْحَجِّ من جَوف مَكَّة ويتممه فتبرأ ذمَّته عَن الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ حَاجا فغايته حلق فِي غير أَوَانه وَفِيه دم وَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا فقد تحلل بِالْحلقِ وَالسَّعْي وَأَنْشَأَ بعده حجا فَصَارَ مُتَمَتِّعا وَفِيه دم وَلَا تَبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة لاحْتِمَال أَن الأول كَانَ حجا وَالدَّم لَا بُد مِنْهُ وَلكنه لَا يدْرِي أهوَ دم حلق أم دم تمتّع وَتَعْيِين جِهَة الْكَفَّارَات فِي النِّيَّة لَيْسَ شرطا فَلَا يضر التَّرَدُّد نعم لَو كَانَ مُعسرا فبدل الْفِدْيَة ثَلَاثَة أَيَّام وَبدل التَّمَتُّع عشرَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِالثلَاثِ فَهَل تَبرأ ذمَّته فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِد غير مستيقن فَلَا يُوجِبهُ وَالثَّانِي لَا لِأَن شغل الذِّمَّة بِالصَّوْمِ مستيقن والبراءة بِهَذَا الْقدر غير مستيقن وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحلق لَا نأمره بِهِ لاحْتِمَال أَنه حَاج وَالْحلق فِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 أَوَانه محرم إِلَّا بأذى من نفس الشّعْر والأذى هَاهُنَا من النسْيَان نعم لَو بَادر فحلق كَانَ حكمه مَا ذَكرْنَاهُ وَالْأَظْهَر أَنه يُؤمر بِهِ لِأَن هَذَا الضَّرَر أعظم من أَذَى الشّعْر إِذْ يُؤدى إِلَى فَوَات الْحَج لَو لم يفعل ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 الْفَصْل الثَّانِي فِي سنَن الْإِحْرَام وَهِي خمس الأولى الْغسْل للْإِحْرَام تنظيفا حَتَّى يسن للحائض وَالنُّفَسَاء فَإِن لم يجد المَاء يتَيَمَّم كَسَائِر أَنْوَاع الْغسْل قَالَ فِي الْأُم يغْتَسل الْحَاج لسبعة مَوَاطِن للْإِحْرَام وَدخُول مَكَّة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة ولرمي الْجمار الثَّلَاث لِأَن هَذِه الْمَوَاضِع يجْتَمع لَهَا النَّاس فَيُسْتَحَب لَهَا الِاغْتِسَال كَالْجُمُعَةِ وَلَا يغْتَسل لرمي جَمْرَة الْعقبَة لِأَن وقته من نصف اللَّيْل إِلَى آخر النَّهَار فَلَا يجْتَمع لَهَا النَّاس فِي وَقت وَاحِد وأضاف إِلَيْهَا فِي الْقَدِيم الْغسْل لطواف الزِّيَارَة وَطواف الْوَدَاع لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ لَهما وَلم يسْتَحبّ فِي الْجَدِيد لِأَن وقتهما يَتَّسِع فَلَا يتَّفق الِاجْتِمَاع الثَّانِيَة التَّطَيُّب للْإِحْرَام مُسْتَحبّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف وَرَأَيْت وبيص الْمسك فِي مفارقه بعد الْإِحْرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 وَذَلِكَ يدل على أَن التَّطَيُّب مِمَّا يبقي جرمه جَائِز خلافًا لأبي حنيفَة أما تطييب ثوب الْإِحْرَام قصدا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا الْجَوَاز قِيَاسا على الْبدن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا ينْزع الثَّوْب فِي وَقت الْغسْل ثمَّ يُعِيدهُ إِلَى الْبدن فَيكون تطييبا مستأنفا وَالثَّالِث أَنه يجوز تطييبه مِمَّا لَا يبْقى لَهُ جرم مشَاهد فَإِن قُلْنَا يجوز فَلَو نزع بعد الْإِحْرَام وَأعَاد فَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان وَلَو تنحى جرم الطّيب بالعرق من بدنه فَلَا فديَة على أظهر الْوَجْهَيْنِ لِأَن ذَلِك لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ يجب إِن لم يُبَادر إِلَى إِزَالَته وَيسْتَحب الاختضاب للْمَرْأَة تعميما لليد لَا تطريفا وتزينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 وَيسْتَحب لَهَا ذَلِك فِي كل حَال ليستر بَشرَتهَا عَن الْأَعْين الثَّالِثَة أَن يتجرد عَن الْمخيط فِي إِزَار ورداء أبيضين ونعلين لِأَن أحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض الرَّابِعَة أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْإِحْرَام ثمَّ يحرم فِي مُصَلَّاهُ بعد السَّلَام قَاعِدا وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يهل حَتَّى تنبعث بِهِ دَابَّته ليَكُون الْعَمَل مَقْرُونا بالْقَوْل الْخَامِسَة أَن لَا يقْتَصر على مُجَرّد النِّيَّة وَلكنه يُلَبِّي عِنْد النِّيَّة بِلِسَانِهِ فَيَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 لَك وَيُصلي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده وَإِذا رأى شَيْئا فأعجبه قَالَ لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة ويجدد التَّلْبِيَة فِي طريان التغايير وَفِي كل صعُود وهبوط وَفِي أدبار الصَّلَوَات وإقبال اللَّيْل وَالنَّهَار وَيسْتَحب فِي مَسْجِد مَكَّة منى وعرفات وَفِيمَا عَداهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه يُلَبِّي فِي كل مَسْجِد وَفِي حَال الطّواف قَولَانِ وَالْقَدِيم أَنه يُلَبِّي ويخفض صَوته وَقَالَ فِي الْأُم لَا يُلَبِّي لِأَن للطَّواف ذكرا يخْتَص بِهِ وَيسْتَحب رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ لكل أحد إِلَّا النِّسَاء وَفِي كل مَكَان إِلَّا فِي الْمَسَاجِد وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ الرّفْع أَيْضا وَإِنَّمَا يجْتَنب فِي الْمَسْجِد رفع الصَّوْت بِغَيْر الْأَذْكَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 الْفَصْل الثَّالِث فِي سنَن دُخُول مَكَّة وَهِي أَرْبَعَة الأولى أَن يغْتَسل بِذِي طوى وَلَا يقنع بِمَا سبق من غسل الْإِحْرَام الثَّانِيَة أَن يدْخل مَكَّة من ثنية كداء بِفَتْح الْكَاف وَهِي ثنية فِي أَعلَى مَكَّة وَيخرج مِنْهُ ثنية كدى بِضَم الْكَاف وَهِي فِي أَسْفَلهَا وَقيل إِنَّه لَا نسك فِيهِ لِأَنَّهُ وَقع على طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقْصد الْعُدُول إِلَيْهِ الثَّالِثَة إِذا وَقع بَصَره على الْكَعْبَة عِنْد رَأس الرَّدْم فليقف وَليقل اللَّهُمَّ زد هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه أَو عظمه مِمَّن حجه أَو اعتمره تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما وَبرا وَيَقُول بعد هَذِه اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ ثمَّ يَدْعُو بِمَا أحب الرَّابِعَة أَن يدْخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة فيؤم الرُّكْن الْأسود من الْبَيْت وَقد عدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَاب بني شيبَة وَلم يكن على طَرِيقه فَدلَّ على كَونه سنة فَإِن قيل من دخل مَكَّة غير محرم هَل يَعْصِي قُلْنَا إِن كَانَ مرِيدا نسكا فَلَا بُد من إِحْرَامه فِي الْمِيقَات وَإِن دخل لتِجَارَة اسْتحبَّ وَفِي الْوُجُوب قَولَانِ أَحدهمَا يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 لِاتِّفَاق الْخلق عَلَيْهِ عملا وَالثَّانِي لَا لِأَن سَبيله سَبِيل تَحِيَّة الْمَسْجِد وَهَذَا فِي الْغَرِيب أما الحطابون وَأَصْحَاب الروايا والمترددون إِلَى مَكَّة فِي مصالحهم لَا يلْزمهُم للْحَاجة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَقيل يلْزمهُم فِي السّنة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد فَإِن ألزمنا الْغَرِيب فَترك فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَن عوده يَقْتَضِي إحراما آخر أَدَاء وَالثَّانِي يجب وَيجب فِي الْعود إِحْرَام مَقْصُود لَهُ وَفِي الِابْتِدَاء كَانَ يلقِي إِحْرَام عَن نذر أَو قَضَاء أَو غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 هَذَا فِي الْأَحْرَار أما العبيد فَلَا إِحْرَام عَلَيْهِم سَوَاء دخلوها بِإِذن السَّادة أَو بِغَيْر إذْنهمْ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الدُّخُول بِالْإِحْرَامِ لم يلْزم على أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا أذن فِي حُضُور الْجُمُعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 الْفَصْل الرَّابِع فِي الطّواف فَإِذا دخل من بَاب بني شيبَة فليتوجه إِلَى الرُّكْن الْأسود وليستلمه وليجعل الْبَيْت على يسَاره وَيَطوف إِلَى أَن يعود إِلَى الْحجر سبع مَرَّات وَهَذَا طواف الْقدوم وَالنَّظَر فِي الطّواف فِي واجباته وسننه وأقسامه أما الْوَاجِبَات فثمانية الأول شَرَائِط الصَّلَاة من طَهَارَة الْحَدث والخبث وَستر الْعَوْرَة والقرب من الْبَيْت بدل عَن الِاسْتِقْبَال قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام وطهارة المطاف الذى يمشى عَلَيْهِ كطهارة مَكَان الصَّلَاة الثَّانِي التَّرْتِيب وَهُوَ أَن يبتدي بِالْحجرِ الْأسود وَيجْعَل الْبَيْت على يسَاره فَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 جعل الْبَيْت على يَمِينه لم يحْسب وَإِن استقبله تردد فِيهِ الْقفال وَلَو ابْتَدَأَ بِغَيْر الْحجر الْأسود لم يعْتد بطوافه إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْحجر فَمِنْهُ يسْتَأْنف الإحتساب وبنبغي أَن يبتدأ بِحَيْثُ يمر بِجَمِيعِ بدنه على جَمِيع الْحجر الْأسود فَإِن حاذاه بِبَعْض بدنه ثمَّ اجتاز فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا اسْتقْبل بِبَعْض بدنه طرف الْبَيْت وَصلى الثَّالِث أَن يكون بِجَمِيعِ بدنه خَارِجا عَن كل الْبَيْت فَلَا يطوف فِي الْبَيْت فَلَو مَشى على شاذروان الْبَيْت وَهُوَ عرض أساسه كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُزنِيّ التأزير بِمَعْنى التأسيس فَقيل التأزير مَأْخُوذ من الإزر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 وَلَو مشي على الأَرْض وَأدْخل يَده فِي موازاة الشاذوران بِحَيْثُ كَانَ يمس الْجِدَار فيده فِي الْبَيْت وَلَكِن مُعظم بدنه خَارج فَيصح على الْأَظْهر وَلَو دخل فَتْحة الْحجر من جَانب وَخرج من الْجَانِب الآخر لم يعْتد بِهَذَا الشوط إِلَى أَن يعود إِلَى الفتحة الأولى فيدور على محوط الْحجر لِأَن سِتَّة أَذْرع من محوط الْحجر كَانَ من الْبَيْت فَأخْرج مِنْهُ لما قصرت النَّفَقَة عِنْد الْعِمَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 الرَّابِع أَن يطوف دَاخل الْمَسْجِد فَلَو طَاف خَارج الْمَسْجِد لم يجز وَلَو وسع الْمَسْجِد يجوز الطّواف فِي أقصي الْمَسْجِد لِأَن الْقرب مُسْتَحبّ لَا وَاجِب وَيصِح الطّواف على سطوح الْمَسْجِد وَفِي أروقته الْخَامِس الْمُوَالَاة وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط بل هُوَ من السّنَن وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الطَّهَارَة وَلَو أحدث فِي خلله فجدد الْوضُوء وَبنى فحاصل الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال أَصَحهَا الْجَوَاز وَالثَّانِي لَا لاشْتِرَاط الْمُوَالَاة وَالثَّالِث أَنه إِن تعمد لم يجز وَإِن كَانَ سَهوا جَازَ السَّادِس رِعَايَة الْعدَد فَلَو اقْتصر على سِتَّة أَشْوَاط لم يجز وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم الْأَرْبَعَة مقَام الْكل السَّابِع رَكْعَتَانِ عِنْد الْمقَام عقيب الطّواف وَيقْرَأ فِي إِحْدَاهمَا قل يَا أَيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة الْإِخْلَاص فهما مشروعتان وليستا من الْأَذْكَار كالأشواط وَفِي وجوبهما قَولَانِ وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِشَرْط فِي الطّواف الْمسنون ومأخذ الْوُجُوب تطابق النَّاس على فعله وَتَركه لَا يجْبر بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت إِذْ يجوز أداؤهما بعد الرُّجُوع إِلَى الوطن نعم لَو مَاتَ فينقدح أَن يجْبر بِالدَّمِ كَسَائِر الْوَاجِبَات الثَّامِن النِّيَّة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تشْتَرط لِأَنَّهَا فِي حكم عبَادَة وَإِن كَانَ ركنا فِي الْحَج وَالثَّانِي لَا يشْتَرط لِأَن وُقُوعه ركنا بعد الْوُقُوف مُتَعَيّن حَتَّى لَو طَاف بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 دَابَّته وَهُوَ غافل أَو طَاف فِي طلب غَرِيم أَجزَأَهُ وَالثَّالِث أَنه يُجزئ إِلَّا إِذا صرفه إِلَى طلب غَرِيم أَو غَرَض آخر وَهَذَا فِي ركن الْحَج أما الطّواف ابْتِدَاء فعبادة مفتقرة إِلَى النِّيَّة أما السّنَن فَهِيَ خَمْسَة الأولى أَن يطوف مَاشِيا لَا رَاكِبًا وَإِنَّمَا ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليظْهر فيستفتى فَلَا بَأْس فِي الرّكُوب لمن هُوَ فِي مثل هَذَا الْحَال الثَّانِيَة الاستلام وَهُوَ أَن يقبل الْحجر فِي أول الطّواف وَفِي آخِره بل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 كل نوبَة فَإِن عجز فَفِي كل وتر فَإِن عجز بالزحمة مَسّه بِالْيَدِ ثمَّ قبل الْيَد أَو قبل الْيَد ثمَّ مَسّه فَإِن بعد بالزحمة أَشَارَ بِالْيَدِ فَإِذا انْتهى إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ خصصه بالمس وَقَبله لِأَنَّهُ الْبَاقِي على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من جملَة الْأَركان وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الْحجر الْأسود ليَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَله لِسَان ذلق يشْهد لمن قبله الثَّالِثَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد ابْتِدَاء الطّواف بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ الرَّابِعَة الاضطباع وَصورته أَن يَجْعَل وسط إزَاره فِي إبطه الْيُمْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 ويعري عَنهُ مَنْكِبه الْأَيْمن وَيجمع طرفِي الْإِزَار على عَاتِقه الْأَيْسَر كدأب أهل الشطارة وَذَلِكَ فِي طواف فِيهِ رمل ثمَّ قيل إِنَّه يديم هَذِه الْهَيْئَة إِلَى آخر الطّواف وَقيل إِلَى آخر السَّعْي الْخَامِسَة الرمل وَهُوَ السرعة فِي الْمَشْي مثل الخبب أَو دونه فِي ثَلَاثَة أَشْوَاط فِي أول الطّواف والسكينة مُسْتَحبَّة فِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة يسْتَحبّ الرمل على جَمِيع أَرْكَان الْبَيْت إِذْ نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرمل من الْحجر إِلَى الْحجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 وَقيل بترك الرمل بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هَكَذَا فعل إِذْ كَانَت الْكَعْبَة حائلة بَينه وَبَين الْكفَّار فَإِنَّهُ كَانَ يرمل ليظْهر الجلادة للْكفَّار وَيدْفَع طمعهم عَن استلانة جانبهم وَكَانَ يسكن حِين يغيب من أَبْصَارهم وَهَذَا وَإِن كَانَ على سَبَب فقد بَقِي مَعَ زَوَال السَّبَب تبركا بالتشبه بِهِ كَمَا قيل إِن سَبَب رمي الْجمار رمي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْحِجَارَة إِلَى ذبيح استعصى عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِك شرعا ومبنى الْعِبَادَات التأسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 فرع ان أَحدهمَا الْقرب من الْبَيْت مُسْتَحبّ فِي الطّواف مَعَ الرمل فَإِن عجز عَن الرمل من الْقرب للزحمة فالرمل فِي الْبعد أولى وَإِن وَقع فِيمَا بَين النِّسَاء فالسكينة أولى من الرمل احْتِرَازًا عَن مصادمتهن الثَّانِي لَو ترك الرمل فِي الأشواط الأول فَلَا قَضَاء فِي الْأَخير لِأَن السكينَة مَشْرُوعَة فِي الْأَخير فَهُوَ كَمَا لَو ترك الْجَهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فَلَا يقْضِي فِي الْأَخير وَلَو ترك سُورَة الْجُمُعَة فِي الرَّكْعَة الأولى قَضَاهَا فِي الثَّانِيَة مَعَ سُورَة الْمُنَافِقين لِأَن الْجمع مُمكن وَلَو لم يتَمَكَّن من الرمل للزحمة فَحسن أَن يُشِير بمحاولة الرمل متشبها وَيسْتَحب أَن يَقُول فِي الرمل اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ثمَّ لَا خلاف أَن الرمل لَا يسْتَحبّ فِي كل طواف بل فِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 فِي طواف الْقدوم وَفِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا فِي طواف بعد سعي فرع إِذا أحرم عَن الصَّبِي وليه وَحمله وَطَاف بِهِ أَجْزَأَ عَنهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلِيّ محرما وَلم يطف عَن نَفسه طواف الرُّكْن فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى الْحَامِل نعم لَو قصد بِهِ الْمَحْمُول فَهُوَ كَمَا لَو قصد بطوافه طلب الْغَرِيم وَلَو حمل صبيين وَطَاف بهما حصل لَهما الطّواف جَمِيعًا كَمَا إِذا ركب محرمان دَابَّة وَاحِدَة فالحركة الْوَاحِدَة تَكْفِي للمحمولين وَلَا تَكْفِي للحامل والمحمول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 الْفَصْل الْخَامِس فِي السَّعْي فَإذْ فرغ عَن رَكْعَتي الطّواف اسْتَلم الْحجر وَخرج من بَاب الصَّفَا ورقي الصَّفَا بِمِقْدَار قامة الرجل وَيسْتَقْبل الْكَعْبَة حَتَّى يَقع بَصَره عَلَيْهَا وَيَقُول الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيى وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شئ قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ فَإذْ فرغ من الدُّعَاء نزل من الصَّفَا وَمَشى حَتَّى يكون بَينه وَبَين الْميل الْأَخْضَر الْمُعَلق بِفنَاء الْمَسْجِد نَحْو سِتَّة أَذْرع فيسعى سعيا شَدِيدا حَتَّى يُحَاذِي الميلين الأخضرين اللَّذين هما بِفنَاء الْمَسْجِد وحذاء دَار الْعَبَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 ثمَّ مَشى حَتَّى يصعد الْمَرْوَة وصعدها ودعا كَمَا دَعَا على الصَّفَا فيفعل ذَلِك سبع مَرَّات وَيَقُول فِي أثْنَاء السَّعْي رب اغْفِر وَارْحَمْ وَتجَاوز عَمَّا تعلم إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم كل ذَلِك مأثور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وفعلا وَالْوَاجِب من هَذِه الْجُمْلَة السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة سبع مَرَّات وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي الذّهاب والمجيء مرّة وَاحِدَة فَيحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد أَربع عشرَة مرّة والبداية بالصفا وَاجِب وَوُقُوع السَّعْي بعد طواف مَا وَاجِب ثمَّ إِن سعى بعد طواف الْقدوم وَقع ركنا عَن الْحَج وَلَا يسْتَحبّ لَهُ الْإِعَادَة عقيب طواف الْإِفَاضَة لِأَن السَّعْي لَيْسَ عبَادَة بِنَفسِهِ فَلَا يُكَرر كالوقوف بِخِلَاف الطّواف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 وَلَو تخَلّل بَين طواف الْقدوم وَالسَّعْي زمَان فَلَا بَأْس وَيَقَع ركنا وَإِن تخَلّل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَفِيهِ تردد لِأَن الْوُقُوف كالحاجز وَلَا يشْتَرط فِي السَّعْي الطَّهَارَة وشروط الصَّلَاة بِخِلَاف الطّواف وَالرُّكُوب فِيهِ كالركوب فِي الطّواف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 الْفَصْل السَّادِس فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِذا فرغ من طواف الْقدوم صَبر إِلَى السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب الإِمَام بعد الظّهْر بِمَكَّة وَيَأْمُرهُمْ بِالْغُدُوِّ إِلَى منى ويخبرهم بمناسكهم ثمَّ يخرج إِلَى منى فِي الْيَوْم الثَّامِن ويبيت بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَا نسك فِي هَذَا الْمبيت فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار إِلَى الْموقف وخطب بعد الزَّوَال خطْبَة خَفِيفَة وَيجْلس ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة وَيبدأ الْمُؤَذّن بِالْأَذَانِ حَتَّى يكون فرَاغ الإِمَام بعد فرَاغ الْمُؤَذّن ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جمعا ثمَّ يروح إِلَى عَرَفَة وَيقف عِنْد الصخرات ويستقبلون الْقبْلَة ويكثرون فِي الدُّعَاء قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أفضل مَا دَعوته ودعا الْأَنْبِيَاء قبلي يَوْم عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 وَحده لَا شريك لَهُ وَيسْتَحب رفع الْيَد فِي الدُّعَاء وَقَالَ فِي الْقَدِيم وَالْوُقُوف رَاكِبًا أفضل تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليكون أقوى على الدُّعَاء كَمَا أَن الْإِفْطَار أفضل وَقَالَ فِي الْأُم النَّازِل والراكب سَوَاء ثمَّ إِذا غربت عَلَيْهِم الشَّمْس أفاضوا مِنْهَا إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ بهَا الْمغرب وَالْعشَاء وَالْوَاجِب من جَمِيع ذَلِك الْحُضُور فِي طرف من أَطْرَاف عَرَفَة وَلَو مَعَ الْغَفْلَة وَفِي النّوم إِذا سَارَتْ بِهِ دَابَّته وَلَا يَكْفِي حُضُور الْمغمى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 لِلْعِبَادَةِ وَوقت الْوُقُوف بعد زَوَال يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَمن فَاتَهُ ذَلِك فقد فَاتَهُ الْحَج فَإِن الْحَج عَرَفَة وَقيل إِن اللَّيْل لَيْسَ وقتا وَقيل إِنَّه وَقت إِلَّا أَنه لَو أخر الْإِحْرَام إِلَى اللَّيْل لم يحز وَلَو أحرم نَهَارا ووقف لَيْلًا جَازَ وَالصَّحِيح أَن وَقت الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بَاقٍ إِلَى طُلُوع الْفجْر فروع ثَلَاثَة الأول فِي وجوب الْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار قَولَانِ ومستند وُجُوبه الْعَادة فَإِن قُلْنَا بِهِ فَلَو فَارق عَرَفَة نَهَارا وَعَاد قبل غرُوب الشَّمْس فقد تدارك وَإِن عَاد لَيْلًا وَلم يكن عِنْد الْغُرُوب حَاضرا فَوَجْهَانِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْحُضُور عِنْد الْغُرُوب هَل هُوَ وَاجِب وَمهما رَأَيْنَاهُ وَاجِبا جبر تَركه بِالدَّمِ بِخِلَاف أصل الْوُقُوف الثَّانِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَة ومزدلفة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بعلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 النّسك فَيجوز للعرفي والمكي أَيْضا وَالثَّانِي أَنه بعلة السّفر الطَّوِيل فَلَا يجوز لَهما جَمِيعًا وَالثَّالِث أَنه بعلة أصل السَّعْي فَيجوز للمكي دون الْعرفِيّ الثَّالِث لَو وقفُوا يَوْم الْعَاشِر غَلطا فِي الْهلَال فَلَا قَضَاء إِذْ لَا يُؤمن وُقُوع مثله فِي الْقَابِل وَإِن وقفُوا يَوْم الثَّامِن فَوَجْهَانِ وَوجه الْفرق أَن ذَلِك نَادِر لَا يتَّفق إِلَّا بتوارد شهادتين كاذبتين فِي شَهْرَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 الْفَصْل السَّابِع فِي جمل أَسبَاب التَّحَلُّل فَإِذا جمعُوا بَين الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة باتوا بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ ثمَّ إِذا طلع الْفجْر ارتحلوا وَبينهمْ وَبَين منى الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا ودعوا وَهَذِه سنة غير مجبورة بِالدَّمِ ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر وَكَانَت الْعَرَب تقف ثمَّ وأمرنا بمخالفتهم فيؤثر تَحْرِيك الدَّابَّة والإسراع بِالْمَشْيِ فَإِذا وافى منى بعد طُلُوع الشَّمْس رمى جَمْرَة الْعقبَة وَهِي الْجَمْرَة الثَّالِثَة سبع حَصَيَات وَيسْتَحب أَن يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيرْفَع يَدَيْهِ حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَيتْرك التَّلْبِيَة لِأَن التَّلْبِيَة للْإِحْرَام وَالرَّمْي تحلل عَن الْإِحْرَام ثمَّ يحلق بعد الرَّمْي ثمَّ يعود إِلَى مَكَّة وَيَطوف طواف الزِّيَارَة وَهُوَ طواف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 الرُّكْن وَيسْعَى بعده وَإِن لم يكن سعى عقيب طواف الْقدوم ثمَّ يعود إِلَى منى فِي بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَيُقِيم بهَا أَيَّام التَّشْرِيق للرمي فَهَذِهِ أَسبَاب التَّحَلُّل وللحج تحللان فَيحصل أَحدهمَا بِطواف الزِّيَارَة وَالْآخر بِالرَّمْي وَأيهمَا قدم أَو أخر فَلَا بَأْس وَالطّواف وَإِن كَانَ ركنا فَهُوَ من أَسبَاب التَّحَلُّل أَيْضا وَلَا يحصل أحد التحللين إِلَّا بِاثْنَيْنِ من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاث أَي اثْنَيْنِ كَانَ وَيحل بَين التحللين اللّبْس والقلم إِن لم يَجعله نسكا وَلَا يدْخل الْوَطْء إِلَّا بعد التَّحَلُّل الثَّانِي وَفِي التَّطَيُّب وَعقد النِّكَاح والمباشرة دون الْجِمَاع قَولَانِ لِأَنَّهَا من مُقَدمَات الْجِمَاع ومحركات داعيته وَفِي قتل الصَّيْد أَيْضا خلاف ثمَّ وَقت الْفَضِيلَة للتحلل طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَيدخل وَقت الْجَوَاز بِمُضِيِّ نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْعِيد إِذْ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضعفة أَهله من مُزْدَلِفَة ليطوفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 بِاللَّيْلِ فِي خلْوَة ويرجعوا إِلَى منى وَقت الطُّلُوع وَمهما فَاتَ الرَّمْي بِفَوَات وقته وَوَجَب الدَّم فَفِي وقُوف التَّحَلُّل على إِرَاقَة الدَّم وَجْهَان وَمِنْهُم من قَالَ يقف لِأَنَّهُ بدل فضاهى الْمُبدل وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ دَمًا وقف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ صوما فَلَا لطول الزَّمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 الْفَصْل الثَّامِن فِي الْحلق وَوَقته فِي الْعمرَة بعد الْفَرَاغ من السَّعْي وَفِي الْحَج عِنْد طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَضِيلَة وَبعد منتصف لَيْلَة النَّحْر جَوَازًا وَفِي كَونه نسكا قَولَانِ أَحدهمَا لَا كالقلم واللبس وَالثَّانِي وَهُوَ نسك إِذْ لَا خلاف فِي أَنه مُسْتَحبّ يلْزم بِالنذرِ فِي الْحَج وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام رحم الله المحلقين فَقيل والمقصرين قَالَ رحم الله المحلقين فأعيد عَلَيْهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَالَ فِي الرَّابِع والمقصرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ أُمُور الأول أَن الْمُعْتَمِر إِذا جَامع بعد السَّعْي فَسدتْ عمرته وَإِن قُلْنَا الْحلق نسك إِذْ لم يتم تحلله بعد وَلَو أَرَادَ أَن يحلق فِي الْحَج قبل الطّواف وَالرَّمْي لم يجز إِن قُلْنَا إِنَّه مَحْظُور نسك وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَن أحد التحللين يحصل بِطُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَيجوز الْحلق عِنْده لكنه بعيد وعَلى كل حَال فَالْأولى أَن لَا يبْدَأ الْحلق خُرُوجًا من الْخلاف وَلكنه يَرْمِي ثمَّ ينْحَر الْهَدْي ثمَّ يحلق وَلَو نحر بعد الْحلق جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة الثَّانِي أَنه إِذا جعل نسكا فَهُوَ ركن كالسعي لَا يجْبر فائته بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت فَإِن لم يكن على رَأسه شعر فَيُسْتَحَب إمرار الموسى على الرَّأْس وَلَا يجب إِذْ فَاتَ الْوُجُوب بِفَوَات مَحَله الثَّالِث أَنه إِذا جعل نسكا وَالْتزم بِالنذرِ فَلَا يَنْقَضِي إِلَّا بحلق ثَلَاث شَعرَات من الرَّأْس وَلَا يُجزئ شعر غير الرَّأْس وَلَا حلق شعره وَاحِدَة إِذْ قُلْنَا لَا يكمل فِيهِ الْفِدْيَة وَيقوم مقَام الْحلق التَّقْصِير والنتف والإحراق وكل مَا هُوَ مَحْظُور الْإِحْرَام فِي شعر الرَّأْس إِلَّا إِذا نذر الْحلق فَلَا يُجزئ إِلَّا الْحلق وَالْمَرْأَة لَا يسْتَحبّ لَهَا الْخلق وَلَا يلْزمهَا بِالنذرِ وَيسْتَحب لَهَا التَّقْصِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 الْفَصْل التَّاسِع فِي الْمبيت والنسك فِي الْمبيت أَربع لَيَال لَيْلَة بِالْمُزْدَلِفَةِ وَثَلَاث بمنى ومبيت اللَّيْلَة الْأَخِيرَة غير وَاجِب على من نفر فِي النَّفر الأول وَإِن بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت لَيْلَة النَّفر الثَّانِي وَفِي مِقْدَار الْوَاجِب من الْمبيت قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط الْمبيت مُعظم اللَّيْل وَالثَّانِي أَن الْمَقْصُود مِنْهُ انْتِظَار الرَّمْي فِي الْيَوْم الْقَابِل فَيَكْفِي الْحُضُور قبل طُلُوع الْفجْر وَهَذَا لَا ينقدح فِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فَإِنَّهُم يرحلون غَالِبا قبل الطُّلُوع وَفِي وجوب الْمبيت فِي هَذِه اللَّيَالِي قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه وَاجِب فَهُوَ مجبور بِالدَّمِ ووظائف الْحَج ثَلَاثَة السّنَن وَلَا حَاجَة إِلَى جبرها والأركان كالوقوف وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق إِن جعل نسكا وَلَا يَكْفِي جبرها والواجبات كالرمي وَالْإِحْرَام فِي الْمِيقَات وهما مجبوران بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا وَفِي الْمبيت وَالْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار بِعَرَفَة وَطواف الْوَدَاع قَولَانِ فِي الْوُجُوب فَإِن جعل وَاجِبا فَلَا بُد من الْجَبْر فَإِن قُلْنَا يجْبر فَلَو ترك الْمبيت فِي اللَّيَالِي الْأَرْبَع فَفِي قدر الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا أَنه دم وَاحِد للْجَمِيع لِأَنَّهُ جنس وَاحِد وَهُوَ كحلق جَمِيع الشّعْر وَالثَّانِي يلْزمه دمان بِمُزْدَلِفَة وَدم لليالي منى فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 فَإِن قُلْنَا تفرد ليَالِي منى بِدَم فَمن نفر فِي النَّفر الأول فَفِي لَيْلَتي منى فِي حَقه وَجْهَان أَحدهمَا دم لِأَنَّهُ جنس بِرَأْسِهِ وَالثَّانِي يجب مدان أَو دِرْهَمَانِ أَو ثلثا دم كَمَا فِي شعرتين وَحكي قَول أَنه يجب لكل لَيْلَة دم كَمَا سيحكيه فِي رمي كل يَوْم وَلَا خلاف فِي أَن الْمَعْذُور لَا يلْزمه دم وَهُوَ الذى لم يدْرك عَرَفَة إِلَّا لَيْلَة النَّحْر فَلم يبت بِمُزْدَلِفَة وَكَذَا رعاه الْإِبِل فَإِنَّهُم يغيبون عَن منى لَيْلًا لتستريح الْإِبِل وَكَذَلِكَ أهل سِقَايَة الْعَبَّاس فَإِنَّهُم يقومُونَ بتعهد المَاء وَلَا يخْتَص ذَلِك ببني الْعَبَّاس عندنَا بل كل من يتعهد السِّقَايَة خلافًا لمَالِك وَهل تلتحق غير هَذِه الْأَعْذَار من تمريض أَو غَيره برعاية الْإِبِل وتعهد المَاء فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 الْفَصْل الْعَاشِر فِي الرَّمْي وَهُوَ من الأبعاض الْوَاجِبَة المجبورة بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا وَالْوَاجِب رمي سبعين حَصَاة سَبْعَة ترمى يَوْم النَّحْر إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَقَط وَإِحْدَى وَعشْرين حَصَاة ترمى كل يَوْم القر وَهُوَ أول يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق إِلَى الجمرات الثَّلَاثَة إِلَى كل جَمْرَة سَبْعَة فَيبْدَأ بالجمرة الأولى من جَانب الْمزْدَلِفَة وَيخْتم بجمرة الْعقبَة وَهِي تلِي مَكَّة وَكَذَلِكَ يفعل فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا إِذا نفر من النَّفر الأول قبل غرُوب الشَّمْس فَيسْقط عَنهُ الرَّمْي فِي الْيَوْم الْأَخير وَوقت رمي جَمْرَة الْعقبَة يدْخل بمنتصف اللَّيْل ويدوم إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر وَهل يتمادى إِلَى طُلُوع يَوْم القر فِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّمَادِي تشبيهه بِبَقَاء وَقت الْوُقُوف بعد غرُوب الشَّمْس وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق يدْخل وقته بالزوال إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 وَفِي تماديه لَيْلًا الْخلاف الْمَذْكُور ثمَّ النّظر فِي الرَّمْي يتَعَلَّق بأطراف الأول فِي الرَّمْي وَليكن حِجَارَة على قدر الباقلاء وَلَا يُجزئ غير الْحجر من الإثمد والزرنيخ والجواهر المنطبعة وَيُجزئ حجر النورة قبل الطَّبْخ وَكَذَا حجر الْحَدِيد فِي الظَّاهِر وَفِي الفيروزج والياقوت والعقيق تردد والحصاة الْوَاحِدَة إِذا رَمَاهَا سبع مَرَّات فَفِي إجزائها وَجْهَان وَمِنْهُم من رَاعى عدد الرَّمْي وَمِنْهُم من ضم إِلَيْهِ عدد المرمي وَلَو تعدد الزَّمَان أَو الشَّخْص أَو الْجَمْرَة أَجْزَأَ كَمَا إِذا رمى حَصَاة وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ أَو إِلَى جمرتين أَو رَمَاهَا شخصان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 الطّرف الثَّانِي فِي الْكَيْفِيَّة وَيتبع فِيهِ اسْم الرَّمْي وَلَا يَكْفِي الْوَضع على الْجَمْرَة وَإِن أصَاب فِي رميه محملًا فَارْتَد بصدمته أَجْزَأَ وَإِن نفضه صَاحب الْمحمل فَلَا وَإِن تدحرج من الْمحمل إِلَى الْجَمْرَة بِنَفسِهِ فَهُوَ مُتَرَدّد بَين النفض والصدمة وَلَو وقف فِي الْجَمْرَة وَرمى إِلَى الْجَمْرَة فَلَا بَأْس وَلَو رمى حجرين دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يجْزِيه إِلَّا وَاحِدَة وَإِن تلاحقا فِي الْوُقُوع وَلَو أتبع حجرَة حجرَة فيجزئه عَن رميتين وَإِن تساوقا فِي الْوُقُوع وَالْعَاجِز عَن الرَّمْي يَسْتَنِيب إِذا كَانَ عَجزه لَا يَزُول فِي وَقت الرَّمْي كَمَا فِي أصل الْحَج وَلَو أُغمي على المستنيب لم يَنْعَزِل النَّائِب بِخِلَاف الْوَكِيل فِي التَّصَرُّفَات لِأَن عِلّة هَذِه النِّيَابَة الْعَجز فَلَا تضادها زِيَادَة الْعَجز الطّرف الثَّالِث فِي تدارك الْفَائِت فَإِن انْقَضى أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا قَضَاء إِذْ انْقَطع وَقت الْمَنَاسِك فإذه فَاتَهُ يَوْم النَّفر فَأَرَادَ أَن يقْضِي فِي الْيَوْمَيْنِ بعده فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذِه عبَادَة غير معقولة فَلَا يتَعَدَّى بهَا عَن موردها وَالثَّانِي يقْضى بِدَلِيل أَن رُعَاة الْإِبِل يقضون فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 النَّفر الأول مَا فاتهم فِي يَوْم النَّفر ثمَّ هَذَا قَضَاء أَو أَدَاء فِيهِ قَولَانِ فَمن جعله أَدَاء زعم أَن جَمِيع الْأَيَّام وَقت وَإِنَّمَا التَّوْزِيع على الْأَيَّام مُسْتَحبّ وعَلى هَذَا لَا يجوز التَّدَارُك إِلَّا بعد الزَّوَال وَإِن جعل قَضَاء جَازَ قبل الزَّوَال لِأَن الْقَضَاء لَا يتأقت وَقيل إِنَّه لَا يبعد تأقيته ثمَّ يلْزمه رِعَايَة التَّرْتِيب فِي الْمَكَان فَلَو ابْتَدَأَ بالجمرة الْأَخِيرَة فِي الْقَضَاء لم يجزه وَهل يجب تَقْدِيم الْقَضَاء على الْأَدَاء بِالزَّمَانِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا فِي الْمَكَان وَالثَّانِي لَا يجب كَمَا فِي الصَّلَوَات فَإِن أَوجَبْنَا فَلَو رمى أَربع عشرَة حَصَاة إِلَى الْجَمْرَة الأولى عَن الْيَوْمَيْنِ لم يجزه إِلَّا سَبْعَة عَن الْقَضَاء وَهَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق أما رمي الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر فَفِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من منع وَجعل أَيَّام التَّشْرِيق فِيهَا كَغَيْر أَيَّام التَّشْرِيق فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق لِأَنَّهُ جنس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 مُنْقَطع عَمَّا بعده فِي الْوَقْت والمقدار ثمَّ مهما ترك الْجَمِيع لزمَه الدَّم وَفِي مِقْدَاره ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا دم وَاحِد للْكُلّ وَالثَّانِي دمان وَاحِد ليَوْم النَّحْر وَوَاحِد لأيام منى وَالثَّالِث أَرْبَعَة دِمَاء لأربعة أَيَّام فَإِن اكتفينا بِدَم وَاحِد كمل الدَّم بوظيفة يَوْم وَاحِد كَمَا لَا يكمل فِي حلق ثَلَاث شَعرَات وَهل يكمل فِيمَا دونه من ترك ثَلَاث حَصَيَات أَو ترك جَمْرَة وَاحِدَة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يكمل فِي الثَّلَاث وَالثَّانِي لَا يكمل إِلَّا بوظيفة جَمْرَة وَاحِدَة وَالثَّالِث أَنه لَا يكمل فِي أقل من وَظِيفَة يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي طواف الْوَدَاع إِذا فرغ الْحَاج من الرَّمْي أَيَّام منى وَلم يبْق عَلَيْهِم طواف وَلَا سعي وَتمّ تحللهم وعزموا على الِانْصِرَاف طافوا طواف الْوَدَاع وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب لتطابق الْحلق عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا كطواف الْقدوم وَلَا خلاف فِي أَن من خرج من مَكَّة لَا يلْزمه طواف الْوَدَاع إِلَّا إِذا كَانَ حَاجا وَطواف الْوَدَاع من تَوَابِع الْحَج ثمَّ شَرط إجزائه أَن لَا يعرج على شغل بعده فَلَو اشْتغل بشد الرّحال بعده فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من أَسبَاب الرحيل فَلَا يبعد أَن يكون بعد الْوَدَاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 فرع لَو ترك طواف الْوَدَاع وَتجَاوز مَسَافَة الْقصر يسْتَقرّ الدَّم وَلَا يُغْنِيه الْعود وَلَو عَاد قبل مَسَافَة الْقصر صَار متداركا وَالْمَرْأَة إِذا حَاضَت فَهِيَ مأذونة فِي النَّفر قبل الْوَدَاع وَلَا دم عَلَيْهَا فَلَو طهرت قبل مَسَافَة الْقصر لم يلْزمهَا الْعود نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لم تكن من أهل الْوُجُوب فِي الِابْتِدَاء بِخِلَاف من قصر فِي الْخُرُوج فَإِنَّهُ يلْزمه الْعود قبل مَسَافَة الْقصر وَمِنْهُم من نقل وَخرج وَجعل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مثارهما أَنه يفوت الْوَدَاع بمجاوزة خطة الْحرم أَو بمجاوزة مَسَافَة الْقصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي حكم الصَّبِي وَالنَّظَر فِي إِحْرَامه وأعماله ولوازمه أما الْإِحْرَام فَإِن لم يكن الصَّبِي مُمَيّزا أحرم عَنهُ وليه وَهل للمقيم ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَفِي ثُبُوته للْأُم طَرِيقَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لما رُوِيَ أَن امْرَأَة رفعت صَبيا من محفته وَقَالَت يَا رَسُول الله أَلِهَذَا حج فَقَالَ نعم وَلَك أجر وَإِن كَانَ مُمَيّزا وَأحرم بِإِذن الْوَلِيّ صَحَّ وَإِن اسْتَقل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ عقد خطير وَالثَّانِي ينْعَقد كَسَائِر الْعِبَادَات وَلَكِن الْوَلِيّ يحلله إِن رأى الْمصلحَة فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 فَإِن قُلْنَا لَا يسْتَقلّ فَفِي اسْتِقْلَال الْوَلِيّ دونه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز اسْتِصْحَاب ولَايَته الثَّابِتَة قبل التَّمْيِيز وَأما أَعماله فيتعاطى الصَّبِي بِنَفسِهِ إِن قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا طَاف بِهِ الْوَلِيّ وسعى بِهِ وأحضره عَرَفَة وَرمى عَنهُ وَأما اللوازم الْمَالِيَّة فَمَا يزِيد من نَفَقَة السّفر فَهُوَ على الْوَلِيّ فِي وَجه لِأَنَّهُ الذى ورطه فِيهِ وعَلى الصَّبِي فِي وَجه كَأُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن فَإِن فِيهِ نظرا لَهُ وَأما فديَة اللّبْس وَالْحلق وَسَائِر الْمَحْظُورَات فَفِي وُجُوبهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن عقد الصَّبِي لَا يصلح للالتزام وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْإِحْرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي مَال الصَّبِي أوفي مَال الْوَلِيّ فِيهِ وَجْهَان وَلَو جَامع الصَّبِي فَإِن قُلْنَا إِن جماع النَّاسِي لَا يفْسد وَعمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد لم يفْسد حجه وَإِلَّا فسد وَهُوَ الْأَصَح لِأَن عمده فِي الْعِبَادَات مُعْتَبر كَمَا إِذا أفطر عمدا وَلَكِن هَل يلْزمه الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْفِدْيَة وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن هَذِه عبَادَة بدنية فيبعد وُجُوبهَا على الصَّبِي فَإِن أَوجَبْنَا فَهَل يَصح فِي الصَّبِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الصَّبِي يُنَافِي وُقُوع الْحَج فرضا وَقد صَار هَذَا الْقَضَاء فرضا فَإِن قُلْنَا لَا يقْضِي فِي الصَّبِي فَإِذا بلغ لزمَه تَقْدِيم فرض الْإِسْلَام أَولا حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقَضَاء فرعان أَحدهمَا لَو طيبه الْوَلِيّ من غير مَنْفَعَة للصَّبِيّ فالفدية على الْوَلِيّ وَكَذَا كل أَجْنَبِي طيب محرما أَو حلق شعره بِغَيْر إِذْنه وَلَو طيبه للمداواة فَهَل ينزل منزلَة تطييب الْوَلِيّ الصَّبِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 الثَّانِي إِذا أحرم فِي الصَّبِي وَبلغ قبل مُفَارقَة عَرَفَة وَقع حجه عَن فرض الْإِسْلَام لِأَن الْحَج عَرَفَة وَإِن كَانَ قد سعى من قبل هَل يلْزمه إِعَادَة السَّعْي فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح وُجُوبه إِذْ لَا يُسمى بالوقوع فِي حَالَة الصبى إِلَّا فِي الْإِحْرَام فَإِن دَوَامه كَاف فِي حجَّة الْفَرْض وَالنُّقْصَان الذى وَقع فِي ابْتِدَائه هَل يجْبر بِالدَّمِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أحرم من الْمِيقَات وَلم يجر إساءة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ وَقع من نُقْصَان الصبى وَكَانَ هَذَا تردد فِي أَن الْإِحْرَام انْقَلب فرضا أَو تبين أَنه انْعَقَد فرضا فِي الِابْتِدَاء وَالْعَبْد أعتق إِذا قبل الْوُقُوف كَانَ كَالصَّبِيِّ إِذا بلغ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا أَعْرَابِي حج ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 قيل أَرَادَ بالأعرابي الْكَافِر وَقيل أَرَادَ بِهِ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِذْ كَانَ حجَّة الْأَعرَابِي قبل الْهِجْرَة نفلا لَا فرضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي قسم الْمَقَاصِد فِي بَيَان مَحْظُورَات الْحَج وَالْعمْرَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَحْظُورَات الْحَج وَالْإِحْرَام سَبْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول اللّبْس وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ وَالْبدن أما الرَّأْس فَيحرم ستره بِكُل مَا سمي ساترا مُعْتَادا كَانَ أَو لم يكن فَلَو وضع على رَأسه خرقَة أَو إزارا أَو عِمَامَة لزمَه الْفِدْيَة وَلَو توسد بوسادة أَو عِمَامَة أَو استظل بسقف أَو مظلة الْمحمل أَو انغمس فِي مَاء حَتَّى اسْتَوَى المَاء على رَأسه لم يلْزمه شئ لِأَن مَا لَيْسَ مَحْمُولا على الرَّأْس لَا يعد ساترا وَخَالف مَالك فِي الاستظلال بالمظلة والخيمة وَلَو وضع زنبيلا أَو حملا على رَأسه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يحرم لِأَنَّهُ لَا يعد ساترا وَالثَّانِي يحرم لِأَن الْكَشْف قد زَالَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُود أما إِذا طين رَأسه فَفِيهِ احْتِمَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 وَتجب الْفِدْيَة بستر مِقْدَار يتَصَوَّر أَن يقْصد ستره بِوُقُوع شجة أَو غَيره وَلَو شدّ خيطا على رَأسه لم يضر بِخِلَاف الْعِصَابَة الَّتِى لَهَا عرض هَذَا فِي حق الرجل أما الْمَرْأَة فَالْوَجْه فِي حَقّهَا كالرأس فِي حق الرجل فلهَا أَن تستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه فَلَو أرْسلت ثوبا بحذاء وَجههَا متجافيا فَلَا بَأْس وَأما سَائِر الْبدن فَلَا وَظِيفَة على الْمَرْأَة فِيهِ أما الرجل فَلهُ ستره وَلَكِن بِثَوْب لَيْسَ مخيطا إخاطة الْخياطَة كالقميص والقباء والجبة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كالدرع وجبة اللبد وَلَو لبس القباء لزمَه الْفِدْيَة أَدخل يَده فِي الكمين أَو لم يدْخل وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزم مَا لم يدْخل يَده وَلَو ارتدى بقميص أوجبه فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَا يُحِيط بِهِ وَكَذَلِكَ إِذا التحف بِهِ نَائِما وَلَا بَأْس بالهميان والمنطقة وَإِن أحاطت وَلَا بإزار عقد أَطْرَافه بِالْعقدِ وَلَو جعل لردائه شرجا وعرى منظومة فَفِيهِ تردد لقُرْبه من الْخياطَة وَلَو اتخذ إزارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 ذَا حجرَة وَجعل فِيهَا تكة فَلَا بَأْس لِأَن اسْم الْإِزَار بَاقٍ فَلَو شقّ الْإِزَار من وَرَائه وَجعل لَهُ ذيلين ولف كل ذيل على سَاق قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يمْتَنع ذَلِك هَذَا كُله فِي غير الْمَعْذُور فَإِن كَانَ مَعْذُورًا بِسَبَب حر أَو برد حل اللّبْس وَلَكِن لزم الْفِدْيَة فَإِن كَانَ بِسَبَب من جِهَة الشَّرْع فَلَا فديَة فِيهِ كَمَا إِذا لم يجد إِلَّا سَرَاوِيل وَلَو فتقه لم يَأْتِ مِنْهُ إزارا ولبسه فَلَا فديَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يجد إزارا فليلبس السَّرَاوِيل وَمن لم يجد النَّعْل فليقطع الْخُفَّيْنِ أَسف من الْكَعْبَيْنِ والتعويل على الْخَبَر لِأَنَّهُ لَو كَانَ لأجل ستر الْعَوْرَة لجَاز لبس السَّرَاوِيل مَعَ الْقُدْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 على الْإِزَار كَمَا فِي الْمَرْأَة وَلذَلِك لَا يكلفه أَن يرفع السَّرَاوِيل إِلَى الرّكْبَة وَأما الْخُف فساتر مَحْظُور والنعل جَائِز وإحاطة الشرَاك للاستمساك لَا يعد ساترا وَفِي الجمشتك خلاف مِنْهُم من حمل ذَلِك الْقدر على الاستمساك كالنعل وَيشْهد لَهُ بِسُقُوط الْفِدْيَة إِذا قطع الْخُف أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ أما القفازان فقد ورد النَّهْي عَن لبسهما فِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ محرم على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ أصَحهمَا الْجَوَاز فَإِن لَهَا ستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه وَوجه الْمَنْع عُمُوم النَّهْي وَلَو اتخذ للحية خريطة أَو لعضو مُفْرد غلافا محيطا فَفِي إِلْحَاقه بالقفازين تردد لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد النَّوْع الثَّانِي التَّطَيُّب وَيحرم اسْتِعْمَال الطّيب قصدا فلنذكر الِاسْتِعْمَال وَالطّيب وَالْقَصْد أما الطّيب فَكل مَا يقْصد رَائِحَته وَإِن كَانَ مِنْهُ يقْصد غَيره فالزعفران طيب وَفِي مَعْنَاهُ الورس وَهُوَ أشهر طيب الْيمن والفواكه الطّيبَة لَيْسَ بِطيب كالأترج والسفرجل وَكَذَا الْأَدْوِيَة كالقرنفل والدارصيني إِذْ لَا يظْهر مِنْهُ قصد الرَّائِحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وَأما النَّبَات فالقيصوم والأزهار الطّيبَة فِي الْوَادي لَيْسَ طيبا إِذْ لَو ظهر ذَلِك لَا ستنبت قصدا والورد والبنفسج والنرجس والضيمران وَهُوَ الريحان الْفَارِسِي طيب وَإِنَّمَا تردد نَص الشَّافِعِي فِي الريحان لِأَنَّهُ لَا يعد طيبا فِي بِلَاده وَفِي البنفسج وَجه أَنه لَيْسَ بِطيب وَهُوَ بعيد وَأما دهن الْورْد ودهن البنفسج فِيهِ وَجْهَان وَأما البان ودهنه فليسا طيبين وَقد قيل إِنَّه يعْتَبر عَادَة كل نَاحيَة فِي طيبه وَذَلِكَ غير بعيد فرع إِذا تنَاول الخبيص المزعفر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن انصبغ لِسَانه فَعَلَيهِ الْفِدْيَة فعول على اللَّوْن وَمِنْهُم من قَالَ اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء الرَّائِحَة وَمِنْهُم من قَالَ اكْتفى بِبَقَاء اللَّوْن لدلالته على بَقَاء جرم الطّيب وَإِن سَقَطت رَائِحَته ويبتنى على هَذَا تردد فِي جرم الطّيب إِذا بقى على الثَّوْب دون رَائِحَته بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَو أَصَابَهُ المَاء لفاحت الرَّائِحَة فالرائحة غير سَاقِطَة بل هى راكدة وَعَلِيهِ يخرج مَاء الْورْد إِذا مزج بِالْمَاءِ حَتَّى ذهبت رَائِحَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 أما الِاسْتِعْمَال فَهُوَ إلصاق الطّيب بِالْبدنِ أَو الثَّوْب فَلَو ألصق الطّيب بعقبه مثلا لَزِمته الْفِدْيَة وَلَزِمتهُ الْمُبَادرَة إِلَى الْإِزَالَة كالنجاسات وَإِن عبق بِهِ الرَّائِحَة دون الْعين بجلوسه على حَانُوت عطار أَو فِي بَيت يجمر ساكنوه فَلَا فديَة لِأَن التَّطَيُّب لَا يقْصد كَذَلِك وَلَو احتوى على مجمرة لَزِمته الْفِدْيَة لِأَنَّهُ قصد إِلَيْهِ وَلَو مس جرم الْعود والمسك وَلم يعبق رَائِحَة فَلَا فديَة وَإِن عبق بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد وَالثَّانِي يلْزم لحُصُول الرَّائِحَة مَعَ الْمَسِيس وَلَا خلاف أَنه لَو استروح إِلَى رَائِحَة طيب مَوْضُوع بَين يَدَيْهِ لم يلْزمه فديَة وَلَو طيب فرَاشه ونام عَلَيْهِ لزمَه وَكَذَلِكَ إِذا شدّ مسكا على طرف إزَاره وَلَو حمل مسكا فِي قَارُورَة مصممة الرَّأْس فَلَا فديَة وَإِن حمله فِي فَأْرَة غير مشقوقة فَفِيهِ وَجْهَان وَأما الْقَصْد فبيانه بصور إحدها أَن النَّاسِي للْإِحْرَام لَا فديَة عَلَيْهِ كالناسي للصَّوْم وَكَذَا إِذا لبس نَاسِيا وَأما الاستهلاكات كَقَتل الصَّيْد والقلم وَالْحلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 فَالظَّاهِر أَن النَّاسِي فِيهَا كالعامد كَمَا فِي إِتْلَاف الْأَمْوَال وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَدلّ عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمغمى عَلَيْهِ لَو انْقَلب على جَراد فَقتله فَلَا شئ عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذا جهل كَون الطّيب محرما فَهُوَ مَعْذُور كالناسي وَلَو علم بِحرْمَة وَلم يعلم وجوب الْفِدْيَة لَزِمته وَلَو لم يعلم كَونه طيبا فمسه فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو علم أَنه طيب وَلم يعلم أَنه رَقِيق مغبق بِهِ فَالْأَصَحّ وجوب الْفِدْيَة الثَّالِثَة إِذا أَلْقَت الرّيح عَلَيْهِ فلينفض ثَوْبه أَو ليغسله وَلَا شئ عَلَيْهِ وَلَو توانى لَزِمته الْفِدْيَة وَلَو لطخه غَيره فالفدية على الملطخ وَهَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب فرع لَو وجد مَاء لَا يَكْفِيهِ إِلَّا لإِزَالَة الطّيب أَو الْوضُوء قدم إِزَالَة الطّيب كَمَا يقدم إِزَالَة النَّجَاسَة لِأَن للْوُضُوء بَدَلا وَهُوَ التَّيَمُّم النَّوْع الثَّالِث ترجيل شعر الرَّأْس واللحية بالدهن محرم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَاج أَشْعَث أغبر تفل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 وَأما غسيل الشّعْر بالسدر والخطمي وَغَيره فَجَائِز لِأَن ذَلِك لإِزَالَة الأنتان والترجيل تنمية للشعر وتزيين لَهُ فِي عَادَة الْعَرَب وَلَو دهن الْأَقْرَع رَأسه فَلَا بَأْس إِذْ لَا تَزْيِين فِيهِ وَلَو كَانَ الشّعْر محلوقا فَوَجْهَانِ لِأَن فِيهِ إصْلَاح المنبت وَإِن لم يكن تزيينا والاكتحال فَلَا بَأْس بِهِ إِذا لم يكن فِيهِ طيب وَالْغسْل جَائِز وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِنَّه مَكْرُوه وَهُوَ بعيد إِذْ دخل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حمام الْجحْفَة محرما وَقَالَ إِن الله لَا يعبأ بأوساخكم شَيْئا أما الخصاب فِي الشّعْر تردد فِيهِ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِنَّه تردد فِي أَنه هَل يلْحق بالترجيل أم لَا لما فِيهِ من التزيين وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الْحِنَّاء طيب أم لَا وَهُوَ بعيد وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الخريطة المحيطة باللحية هَل يحرم اتخاذها أم لَا لِأَن الخضاب يحوج إِلَيْهِ النَّوْع الرَّابِع التنظف بِالْحلقِ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَلَم وَهُوَ حرَام وَيجب فِيهِ الْفِدْيَة ويكمل الدَّم فِي ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا مهما أبين بإحراق أَو نتف أَو حلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 وَفِي الشعرة الْوَاحِدَة أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مد وَفِي الشعرتين مدان لِأَن الْمَدّ مرجوع إِلَيْهِ فِي الشَّرِيعَة حَتَّى فِي صَوْم رَمَضَان وَالثَّانِي فِي الْوَاحِدَة دِرْهَم وَفِي الاثنتين دِرْهَمَانِ واستأنس فِيهِ مَذْهَب عَطاء وَالثَّالِث فِي الْوَاحِدَة ثلث دم وَفِي الاثنتين ثلثان وَالرَّابِع فِي الْوَاحِد يكمل الدَّم وَلَا تزيد بِزِيَادَتِهِ وَهَذَا فِي شعر الْمحرم فَأَما إِذا حلق الْمحرم شعر الْحَلَال فَلَا فديَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قطع يَد نَفسه وَعَلَيْهَا شعيرات فَلَا فديَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقْصد إبانتها وَلَو امتشط لحيته فَسَقَطت شعيرات فَإِن انتتفت بامتشاطه لَزِمته الْفِدْيَة وَإِن انسلت وَكَانَت قد انفصلت بِنَفسِهَا فَلَا فديَة وَإِن شكّ فِي ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا لَا شئ عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي يجب إِحَالَة على سَبَب ظَاهر كَمَا يحِيل موت الْجَنِين على ضرب بطن الْأُم هَذَا إِذا حلق بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ يُؤْذِيه هوَام رَأسه جَازَ لَهُ الْحلق وَلَزِمتهُ الْفِدْيَة وَإِن كَانَ الْأَذَى من نفس الشّعْر كَمَا إِذا نَبتَت شَعْرَة فِي دَاخل الجفن أَو انْكَسَرَ ظفر وَظهر مِنْهُ التأذي فَلهُ أَخذهَا وَلَا فديَة عَلَيْهِ كَمَا إِذا صال الصَّيْد بِنَفسِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 وَقيل فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على مَا إِذا عَم الْبِلَاد الْجَرَاد وتخطاها المحرمون فَهَل يضمنُون فِيهِ قَولَانِ ومسألتنا أولى بِسُقُوط الدَّم لِأَن أَذَى الشّعْر لَازم فرع إِذا حلق الْحَلَال شعر الْحَرَام بِإِذْنِهِ فالفدية على الْحَرَام وَإِن كَانَ مكْرها أَو نَائِما فالفدية لَازِمَة وقراره على الْحَلَال وَفِي ملاقاة الْوُجُوب للْمحرمِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يلاقيه فَتحمل الصَّوْم غير مُمكن وَهُوَ أحد خِصَال الْفِدْيَة فَإِن بَادر الْحَرَام وَصَامَ بَرِئت ذمَّة الْحَلَال وَإِن بَادر الْحَلَال وفدى بِالْمَالِ فَلَا شئ على الْحَرَام وعَلى كل قَول فللحرام مُطَالبَة الْحَلَال بِإِخْرَاج الْفِدْيَة وَكَأَنَّهُ ذُو حق فِي أصل الْأَدَاء وَإِن كَانَ الْحَرَام ساكتا فحلق بِغَيْر إِذْنه مِنْهُم من ألحق السُّكُوت بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالْإِكْرَاهِ النَّوْع الْخَامِس من الْمَحْظُورَات الْجِمَاع ونتيجته الْفساد وَالْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أما الْفساد فَإِن جرى قبل التحللين بعد الْوُقُوف أَو قبله فسد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يفْسد بعد الْوُقُوف وَإِن جرى فِي الْعمرَة بعد السَّعْي وَقُلْنَا الْحلق نسك فسد وَإِن قُلْنَا الْحلق لَيْسَ بنسك فقد حصل التَّحَلُّل بالسعي وَلَيْسَ للْعُمْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 إِلَّا تحلل وَاحِد وَإِن جَامع فِي الْحَج بَين التحللين لم يفْسد حجه لِأَن تَحْرِيم اللّبْس وَالطّيب قد ارْتَفع فَلم يُصَادف الْجِمَاع إحراما مُطلقًا وَفِيه وَجه أَنه يفْسد وَإِن قُلْنَا لَا يفْسد فَفِي واجبه وَجْهَان أَحدهمَا الْبَدنَة كَمَا قبل التَّحَلُّل وَالثَّانِي شَاة لِأَنَّهُ مَحْظُور لم يفْسد فَأشبه سَائِر الْمَحْظُورَات وَفِيه وَجه أَنه لَا يجب شئ وَهُوَ بعيد ثمَّ مهما فسد لزمَه الْمُضِيّ فِي فاسده وَهُوَ أَن يَأْتِي بِكُل عمل كَانَ يَأْتِي بِهِ لَوْلَا الْإِفْسَاد وَيكون فِي عقد لَازم يلْزمه الْفِدْيَة فِيهِ بارتكاب الْمَحْظُورَات على الْمَذْهَب فَلَو جَامع ثَانِيًا فَالْوَاجِب بدنه أَو شَاة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الْجِمَاع بَين التحللين وَفِيه قَول إِنَّه لَا يجب شئ بالتداخل وواجب الْجِمَاع فِي الْعمرَة واجبها فِي الْحَج من غير فرق أما الْكَفَّارَة فواجبة على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ كَمَا فِي الصَّوْم مَعَ الْخلاف الْمَذْكُور فِي ملاقاة الْوُجُوب لَهَا والتحمل عَنْهَا فَإِن قُلْنَا بالتحمل فَإِذا لَزِمَهَا الْقَضَاء فَهَل عَلَيْهِ مُؤنَة تَحْصِيل الْقَضَاء لَهَا ببذل المَال فِيهِ وَجْهَان أما الْقَضَاء فَفِيهِ أَربع مسَائِل الأولى قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا عَاد فِي الْقَضَاء إِلَى ذَلِك الْمَكَان فرق بَينهمَا وَاخْتلفُوا فِي أَنه مُسْتَحقّ أَو مُسْتَحبّ فَالظَّاهِر الِاسْتِحْبَاب حذارا من أَن يكون تذكر تِلْكَ الْوَاقِعَة مهيجا لشَهْوَة الْعود إِلَيْهَا الثَّانِيَة إِذا أحرم فِي الْأَدَاء من مَسَافَة شاسعة يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام من ذَلِك الْمَكَان لِأَن تَأْخِير الْمَكَان نُقْصَان فِي الْإِحْرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 بِخِلَاف مَا لَو أحرم فِي أول الشَّهْر من أشهر الْحَج فَإِنَّهُ لَا يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام فِي ذَلِك الْوَقْت الثَّالِثَة إِنَّمَا يجب الْقَضَاء على المتطوع بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ من فروض فَمَا يَأْتِي بِهِ قَضَاء يتَأَدَّى بِهِ ذَلِك الْفَرْض الْوَاجِب إِذْ يقوم الْقَضَاء مقَام الْأَدَاء الرَّابِعَة قَضَاء الْحَج على الْفَوْر أم على التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا على الْفَوْر كقضاء صَلَاة عصى بِتَرْكِهَا وَالثَّانِي لَا لِأَن قَضَاء الْحَج لَا يزِيد على الْأَدَاء وَأما الصَّلَاة فَيتَعَيَّن الْقَتْل بِتَرْكِهَا فَلَا بُد من التَّضْيِيق فَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي قَضَاء صَوْم تعدى بِتَرْكِهِ وَفِي كَفَّارَة لَزِمت بِسَبَب مَحْظُور فَأَما مَا لَا عدوان بِسَبَبِهِ فَلَا تضييق فِي واجبه فرع الْقَارِن إِذا جَامع هَل يلْزمه دم الْقرَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينْتَفع بالقران وَالثَّانِي بلَى لِأَن حكم الْفَاسِد فِي لوازمه كَحكم الصَّحِيح ثمَّ الْعمرَة تفْسد بِفساد الْقرَان قولا وَاحِدًا وَهل يفوت بِفَوَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن فِي الْفَوات يتَحَلَّل بأعمال الْعمرَة فَلَا معنى لتفويت عمرته هَذَا كُله فِي الْعَامِد وَأما النَّاسِي فَفِيهِ قَولَانِ يبتنيان على أَنه من قبيل الاستمتاعات فَيكون النسْيَان عذرا فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 فَإِن قيل وَهل يفْسد بشئ سوى الْجِمَاع قُلْنَا يبطل بِالرّدَّةِ طَالَتْ أم قصرت فَلَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام فَهَل يُخَاطب بالمضي فِي فاسده فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالجماع وَالثَّانِي لَا لِأَن الرِّدَّة تحبط مَا سبق وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يفْسد بتخلل الرِّدَّة وَلَكِن لَا يعْتد بِمَا جرى فِي حَال الرِّدَّة وَذكر هَذَا فِي الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَهُوَ هَاهُنَا أبعد النَّوْع السَّادِس مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمماسة وَذَلِكَ حرم مُوجب للفدية والضبط فِيهِ كل ملاسة تنقض الطَّهَارَة وجد الْإِنْزَال أَو لم يُوجد وَقَالَ مَالك لَا يجب الدَّم إِلَّا عِنْد الْإِنْزَال ثمَّ لَا تجب الْبَدنَة بمقدمات الْجِمَاع وَإِنَّمَا تجب الشَّاة وَفِي وجوب الْفِدْيَة بالاستمناء فِي الصَّوْم وَجْهَان وَمن مُقَدمَات الْجِمَاع النِّكَاح والإنكاح وهما محرمان على الْمحرم وَلكنه لَا فديَة لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد وَفِي رَجْعَة الْمحرم وشهادته كَلَام فَإِن قيل لَو بَاشر جَمِيع هَذِه الْمَحْظُورَات هَل يتداخل الْوَاجِب أم لَا قُلْنَا إِن اخْتلف الْجِنْس لم يتداخل كالاستهلاك مَعَ الِاسْتِمْتَاع وَإِن اخْتلف النَّوْع فِي الاستهلاكات لم يتداخل أَيْضا كالقلم وَالْحلق لِأَن الِاسْتِهْلَاك بعيد عَن التَّدَاخُل وَلَا خلاف فِي أَن جَزَاء الصيور لَا يتداخل وَأما الاستمتاعات إِن اتَّحد النَّوْع وَالزَّمَان وَالْمَكَان تداخلا كَمَا إِذا لبس الْعِمَامَة والقميص والسراويل والخف على التَّوَاتُر الْمُعْتَاد فيكفيه دم وَاحِد وَإِن استدام جَمِيع الْإِحْرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 وَلَو تخَلّل بَينهمَا زمَان فاصل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يتداخل للمنقطع وَالثَّانِي نعم لِاتِّحَاد النَّوْع واتحاد الْعِبَادَة مَعَ أَنه وَاجِب يفرق فِيهِ بَين الساهي والعامد فَيُشبه الْحُدُود بِخِلَاف الْجِمَاع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان لِأَنَّهُ يلاقي عبادتين فَأَما إِذا اخْتلف النَّوْع فِي الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس فَالظَّاهِر التَّعَدُّد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق اخْتِلَاف النَّوْع باخْتلَاف الزَّمَان فروع ثَلَاثَة الأول حَيْثُ حكمنَا بالتداخل فَلَو تخَلّل تَكْفِير منع التَّدَاخُل كَمَا إِذا تخَلّل حد بَين زنيتين إِلَّا إِذا قصد بالتكفير الْمَاضِي والمستقبل جَمِيعًا وَقُلْنَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على مَحْظُورَات الْإِحْرَام فَفِي امْتنَاع التَّدَاخُل بِهِ وَجْهَان الثَّانِي إِذا حكمنَا بِتَعَدُّد الْوَاجِب عِنْد اخْتِلَاف نوع وَاخْتِلَاف زمَان واتحد الْعذر الشَّامِل كَمَا إِذا تداوى لمَرض وَاحِد مرَارًا أَو شج رَأسه فَاحْتَاجَ إِلَى حلق وَستر ومداواة بالطيب فَهَل يتحد الْوَاجِب لِاتِّحَاد الْعذر فِيهِ وَجْهَان الثَّالِث لَو حلق ثَلَاث شَعرَات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات مُتَفَرِّقَة فَإِن قُلْنَا متفرق الْأَزْمِنَة كالمجموع فَالْوَاجِب دم وَإِن قُلْنَا لَا يجمع فَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة أَمْدَاد وَأما الْوَطْء إِذا تكَرر فِي زمانين فَهُوَ كالحلق فِي زمانين وَإِن قُلْنَا إِنَّه اسْتِهْلَاك والتطيب فِي زمانين إِن قُلْنَا إِنَّه استمتاع وَأما كَثْرَة الإيلاجات فِي وطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 وَاحِد لَا يُوجب تعدد الْكَفَّارَة بِحَال النَّوْع السَّابِع من الْمَحْظُورَات إِتْلَاف الصَّيْد وَالصَّيْد محرم بشيئين أَحدهمَا الْإِحْرَام وَالْآخر الْحرم وَالنَّظَر فِي الْإِحْرَام يتَعَلَّق بأطراف الأول فِي الصَّيْد وَهُوَ عبارَة عَن كل متوحش مَأْكُول لَيْسَ مائيا فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود أما الأول فقد دخل فِيهِ الصَّيْد الْمَمْلُوك وَغَيره والمستأنس لِأَنَّهُ من جنس المتوحش وَقَالَ مَالك لَا جَزَاء فِي المستأنس وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا جَزَاء فِي الْمَمْلُوك ويلتحق بِهَذَا الصَّيْد أجزاؤه وبيضه فِي التَّحْرِيم وَالْجَزَاء وَأما الْمَأْكُول احْتِرَازًا عَن السبَاع والحشرات وكل مَا لَا يُؤْكَل وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْحَيَّة والحدأة والغراب وَالْعَقْرَب وَالْكَلب الْعَقُور ويلتحق بِهِ كل مَا فِي مَعْنَاهُ وَعند أبي حنيفَة يجب الْجَزَاء فِي الْأسد والنمر وأشباههما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 والمتولد عَن الْمَأْكُول وَغير الْمَأْكُول لما تعَارض فِيهِ الْأَمر أوجب الشَّافِعِي فِيهِ الْجَزَاء احْتِيَاطًا واحترزنا بِغَيْر المائي عَن صيد الْبَحْر فَإِنَّهُ حَلَال للْمحرمِ وَالْجَرَاد من صيد الْبر وَإِن كَانَ نشوءه من رَوْث السّمك على مَا قيل والطرف الثَّانِي فِي الْأَفْعَال الْمُوجبَة للضَّمَان وَهِي ثَلَاثَة الْمُبَاشرَة والتسبب وَالْيَد وَلَا تخفى الْمُبَاشرَة وَكَذَا كل سَبَب يضمن بِهِ الْآدَمِيّ وَيزِيد فِي الصَّيْد أَسبَاب ثَلَاثَة الأول لَو حفر الْمحرم بِئْرا فِي ملكه فتردى فِيهِ صيد لم يضمن وَلَو كَانَ فِي مَحل الْعدوان ضمن وَسَاكن الْحرم إِذا حفر بِئْرا فِي ملكه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّضْمِين أَن الْملك من الْحرم أَيْضا وَلَو نصب شبكه فِي غير ملكه ضمن وَفِي ملكه وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن الشبكة لَا تنصب إِلَّا للصَّيْد وَهَذَا جَار فِي الْمحرم الثَّانِي لَو نفر صيدا فَتطلق وتعثر بتطلقه ضمن إِلَّا أَن يَقع ذَلِك بعد سكونه وَلَو مَاتَ بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي وَقت النفار فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه إِيجَاب الْجَزَاء تَنْزِيل النفار منزلَة إِثْبَات الْيَد وَلَو دلّ الْمحرم حَلَالا على الصَّيْد عصى وَلَا جَزَاء لِأَن مُبَاشرَة غَيره قطع أثر دلَالَته الثَّالِث لَو أرسل كَلْبا ضمن مَا يصطاده وَلَو حل الرِّبَاط وَلَا صيد ثمَّ ظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 صيد فَفِيهِ تردد وَلَو انحل الرِّبَاط فِي صُورَة نسب إِلَيْهَا إِلَى التَّفْرِيط فَهُوَ كحله وَأما الْيَد فَإِذا أثبت على صيد فَتلف ضمن إِلَّا إِذا أحرم وَفِي يَده صيد فَفِي لُزُوم رفع الْيَد قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَا يَنْقَطِع دوَام نِكَاحه وَإِن امْتنع ابتداؤه وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن النَّهْي مُطلق فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فَلَو قَتله ضمن لِأَنَّهُ ابْتِدَاء فعل وَإِن مَاتَ فَلَا وَإِن قُلْنَا يجب إرْسَاله فِي زَوَال ملكه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول بِمُجَرَّد الْإِحْرَام وَالثَّانِي أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَالثَّالِث أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَقصد التَّحْرِيم ثمَّ لَو أخر الْإِرْسَال حَتَّى تحلل فَالْأَمْر مُسْتَمر بِالْإِرْسَال وَفِيه وَجه أَنه يَنْقَطِع وَأما أَسبَاب الْملك فَمَا هُوَ قهري كَالْإِرْثِ لَا يمْنَع الْملك على الصَّحِيح لَكِن يجب الْإِرْسَال وَمَا هُوَ قصدي كالاصطياد فَلَا يُفِيد الْملك وَفِي الشِّرَاء قَولَانِ كَمَا فِي شِرَاء الْكَافِر عبدا مُسلما إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْإِحْرَام بِقطع دوَام الْملك فَلَا يَصح الشِّرَاء بِحَال فَإِن صححنا الشِّرَاء فَبَاعَهُ حرم البيع وَلَكِن انْعَقَد وَوَجَب على المُشْتَرِي الْإِرْسَال وَإِذا أرسل فَهَل يكون من ضَمَان البَائِع فِيهِ من الْخلاف مَا فِي العَبْد الْمُرْتَد هَذَا كُله من الْعَامِد والمخطئ وَالنَّاسِي كالعامد فِي الْجَزَاء إِلَّا فِي الْإِثْم لِأَن هَذَا من قبيل الغرامات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 نعم لَو صال عَلَيْهِ صيد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي دَفعه وَلَو أكله فِي مَخْمَصَة ضمن وَلَو عَم الْجَرَاد المسالك فوطئه الْمحرم فَفِيهِ وَجْهَان وَإِذا قصد الْمحرم لص على حمَار وَحش وَلم يتأت دَفعه إِلَّا بقتل الْحمار فَفِي الضَّمَان وَجْهَان فرعان الأول لَو وجد صيدا مجروحا فَأَخذه ليداويه فَمَاتَ فَالصَّحِيح أَنه لَا يضمن لِأَن يَده يَد أَمَانَة الثَّانِي لَو أمسك محرم صيدا فَقتله مَحل فَالضَّمَان على الْمحرم وَإِن قَتله محرم فقرار الْجَزَاء على الْقَاتِل وكل وَاحِد مطَالب شرعا الطّرف الثَّالِث فِي الْأكل وَيحل للْمحرمِ أكل صيد ذبحه مَحل إِذا لم يصد لَهُ بِإِذْنِهِ وَلَا بدلالته وَلَا بإعانته فَإِن جرى شئ من ذَلِك فَهُوَ حرَام لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام للمحرمين لحم الصَّيْد حَلَال لكم مَا لم تصطادوه أَو يصاد لكم وذبيحة الْمحرم من الصَّيْد حرَام عَلَيْهِ وَهل هُوَ ميتَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كذبيحة الْمَجُوس وَالثَّانِي أَنه مُبَاح وَلَا تَحْرِيم على غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 وَفِي صيد الْحرم طَرِيقَانِ فَهُوَ أولى بِأَن يَجْعَل ميتَة لِأَن الْمَانِع فِي نفس الذَّبِيح ثمَّ مهما أكل الْمحرم من صيد لزمَه جَزَاء وَلَو ذبحه لم يتَكَرَّر الْجَزَاء بِالْأَكْلِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو أكل من صيد دلّ عَلَيْهِ لزمَه الْجَزَاء على أحد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لم يضمن أَصله الطّرف الرَّابِع فِي بَيَان الْجَزَاء وَله ثَلَاث خِصَال الْمثل من النعم أَو بِقدر قيمَة النعم من الطَّعَام أَو بِقدر كل مد من الطَّعَام يَوْم من الصَّوْم فَإِن انْكَسَرَ مد كمل وَهُوَ يتَخَيَّر بَين هَذِه الثَّلَاثَة فَإِن لم يكن الصَّيْد مثلِيا فَالْوَاجِب طَعَام بِقدر قِيمَته أَو عدل ذَلِك صياما وَالْعبْرَة فِي قيمَة الصَّيْد مَحل الْإِتْلَاف وَفِي قيمَة النعم بِمَكَّة لِأَنَّهُ مَحل ذبحه فَإِن قيل وَكَيف يجب الْمثل من النعم قُلْنَا يرْعَى فِي الْمُمَاثلَة فِي الْخلقَة وَالْكبر والصغر وَمَا وجد للصحابة فِيهِ قَضِيَّة اتبعت فقد حكمُوا فِي النعامة ببدنة وَفِي حمَار الْوَحْش ببقرة وَفِي الضبع بكبش وَفِي الأرنب عنَاق وَفِي أم حبين وَهُوَ من صغَار الضَّب جدي صَغِير وَفِي الظبي عنز وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير فَإِن لم يجد نَص الصَّحَابَة حكم بِالِاجْتِهَادِ ذَوا عدل من الْمُسلمين فَإِن كَانَ الْقَاتِل أحد العدلين وَكَانَ مخطئا فِي الْقَتْل كَيْلا يفسق فِيهِ وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 أقيسهما الْمَنْع إِذْ لَا يكون الْوَاحِد حَاكما ومحكوما عَلَيْهِ لَكِن رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور أحد الصَّحَابَة فِي صيد قَتله فتوافقا على التَّعْدِيل بِشَاة فَأَما مَا لَيْسَ مثلِيا كالعصافير وَمَا دون الْحمام وكالجراد والبيص فَفِيهَا الطَّعَام بِقدر قيمتهَا أَو الصّيام وَفِي الْحمام شَاة لقَضَاء الصَّحَابَة وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا عب وهدر من الْقمرِي والدمسي والفواخت وَفِيمَا فَوق الْحمام من الطُّيُور قَولَانِ أَحدهمَا الشَّاة إِلْحَاقًا بالحمام لِأَنَّهُ أكبر مِنْهُ وَالثَّانِي لَا إِذْ لم يحكم الصَّحَابَة بالمشابهة شكلا بل لَعَلَّ ذَلِك لِلْخلقِ الْجَامِع وَهُوَ الِاسْتِئْنَاس فروع سِتَّة الأول الْمَعِيب يُقَابل بِالنعَم الْمَعِيب إِذا اتَّحد جنس الْمَعِيب فَإِن اخْتلف لم يجْبر عيب بفصيله وَكَذَا الْمَرِيض بالمريض وَفِي مُقَابلَة الذّكر بِالْأُنْثَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ لَا يقْدَح فِي الْمَقْصُود كالاختلاف فِي اللَّوْن وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ اخْتِلَاف فِي الخلفة وَالثَّالِث أَن الْأُنْثَى تُجزئ عَن الذّكر لِأَنَّهَا أفضل مِنْهُ فِي الزَّكَاة وَأما الذّكر فَلَا يُجزئ عَن الْأُنْثَى وَهَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا يحْتَمل إِذا لم يظْهر أَثَره فِي خبث اللَّحْم ونقصان الْقيمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 وَالثَّانِي لَو قتل ظَبْيَة حَامِلا لَا فَائِدَة فِي ذبح شَاة حَامِل إِذْ تبطل فَضِيلَة الْحمل بِالذبْحِ فَليرْجع إِلَى تَعْدِيل الطَّعَام بِقِيمَة الشَّاة الْحَامِل وَقيل يخرج شَاة حَامِلا تعدل قيمَة الْحَامِل وَإِن أَلْقَت الظبية جَنِينا مَيتا بِجِنَايَة فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ينقص من الْأُم وَقَالَ أَو ثَوْر يلْزم عشر قيمَة الْأُم وَلَو مَاتَت الْأُم مَاتَ الْجَنِين بعد انْفِصَاله فَعَلَيهِ جزاؤهما جَمِيعًا الثَّالِث إِن جرح ظَبْيًا فنقص من قِيمَته الْعشْر فَعَلَيهِ الْعشْر من ثمن شَاة نَص عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لم يجب عَلَيْهِ الْعشْر من الشَّاة حذارا من التجزئة وَقَالَ الْمُزنِيّ عَلَيْهِ عشر شَاة فَقيل هُوَ الصَّحِيح الرَّابِع إِذا جنى على صيد فأزمته فَالظَّاهِر فِيهِ كَمَال الْجَزَاء كَمَا فِي قطع يَدي العَبْد وَقيل قسط من الْقيمَة أَو الْمثل وَهُوَ بعيد فَلَو أتلف هَذَا المزمن محرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ معيبا وَلَو أبطل من النعامة قُوَّة الْمَشْي وَقُوَّة الطيران وَله امتناعات فَفِي تعدد الْجَزَاء وَجْهَان وَلَو أزمنه ثمَّ قَتله اتَّحد الْجَزَاء كَمَا فِي النَّفس الْخَامِس إِذا كسر بيض نعَامَة وَكَانَت مذرة فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِن كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 للقشرة قيمَة لِأَنَّهُ لم يبْق حُرْمَة الرّوح وَلَو نفر طيرا عَن بيض حَتَّى فسد ضمن السَّادِس المحرمون إِذا اشْتَركُوا فِي قتل صيد فَعَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ شبه بِالْكَفَّارَةِ والقارن إِذا قتل صيدا فَعَلَيهِ جَزَاء وَاحِد كالدية وَلَو قتل الْمحرم صيدا حرميا لم يَتَعَدَّد الْجَزَاء نظرا منا إِلَى اتِّحَاد الْمُتْلف وَهَذِه الْفُرُوع جَارِيَة فِي صيود الْحرم السَّبَب الثَّانِي للتَّحْرِيم الْحرم وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول السَّبَب كل صيد يضمن بِالْإِحْرَامِ يضمن بِالْحرم وَكَذَا السَّبَب كالسبب وَيخْتَص هَذَا بِأُمُور الأول لَو أَدخل الْحرم صيدا مَمْلُوكا لم يحرم عَلَيْهِ بل كَانَ كالنعم بِخِلَاف مَا سبق الثَّانِي لَو كَانَ الصَّيْد فِي الْحرم والواقف فِي الْحل أَو كَانَ فِي الْحل والواقف فِي الْحرم فَرمى وَجب الضَّمَان وَلَو قطع السهْم فِي مروره هَوَاء طرف الْحرم والرامي وَالصَّيْد كِلَاهُمَا فِي الْحل فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو أرسل فِي الْحل إِلَى الصَّيْد فِي الْحل كَلْبا فتخطى الْكَلْب طرف الْحرم فَلَا جَزَاء إِلَّا إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق سوى الْحرم وَلَو اصطاد حمامة فِي الْحل فَهَلَك لَهَا فرخ فِي الْحرم أَو بِالْعَكْسِ ضمن كَمَا فِي الرَّمْي وَلَو نفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 صيدا حرميا فَنَكس فِي طرف الْحل قبل سكُوت النفار ضمن الطّرف الثَّانِي فِي الْجَزَاء وَحكمه حكم الْإِحْرَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُفَارِقهُ فِي أَن الصَّوْم لَا يدْخل جَزَاؤُهُ وَعِنْدنَا وَلَا فرق فَأَما الشّجر والحشيش فَإِنَّهُمَا يحرمان فِي الْحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى حرم مَكَّة لَا يعضد شَجَرهَا وَلَا يخْتَلى خلاؤها وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا وسقوفنا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخر إِلَّا الْإِذْخر وَاخْتلفُوا فِي أَن غير الْإِذْخر لَو مست إِلَيْهِ حَاجَة دَوَاء أَو حَاجَة الْإِذْخر فَهَل يلْحق بِهِ ثمَّ لَا يحرم من نَبَات الْحرم إِلَّا مَا لَا يستنبت فِي جنسه كالعوسج والطرفا والأراك دون النخيل والصنوبر وَالْخلاف فَلَو استنبت مَا لَا يستنبت أَو نبت بِنَفسِهِ مَا يستنبت فالنظر إِلَى الْجِنْس لَا إِلَى الْحَال خلافًا لصَاحب التَّلْخِيص وعَلى هَذَا لَو نقل أراكا حرميا وعرسه فِي الْحل لم يَنْقَطِع حكم الْمحرم لكَونه مُتَعَدِّيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 وَلَا خلاف فِي أَن تَسْرِيح الْبَهَائِم فِي مراعيها جَائِز لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا نهى حفظا على الْبَهَائِم والصيود فَلَو اختلى لإعلاف الْبَهَائِم فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان ثمَّ ضَمَان الْحَشِيش وَالْأَشْجَار الصَّغِيرَة كضمان الْحَيَوَانَات الصَّغِيرَة الَّتِي لَا مثل لَهَا من النعم وَأما الشَّجَرَة الْكَبِيرَة فَفِيهَا بقرة وَفِي الصَّغِيرَة شَاة فَكَأَنَّهَا سبع الْكَبِيرَة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لِابْنِ الزبير وَفِي الْقَدِيم قَول أَن تَأْثِير الْحرم فِي النَّبَات مَقْصُور على التَّحْرِيم فَلَا ضَمَان فِيهِ الطّرف الثَّالِث فِي مَوَاضِع الْحرم وَالْأَصْل مَكَّة وَالْمَدينَة مُلْحقَة بهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمت مَا بَين لابتيها فَهِيَ فِي التَّحْرِيم كمكة وَفِي الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا يجب قِيَاسا عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا إِذْ ورد فِيهِ سلب ثِيَاب الصَّائِد فَكَأَنَّهُ أوجب هَذِه الْجِنَايَة وَفِي حكم سلبه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه فِي بَيت المَال وَالْآخر أَنه يفرق على محاويج الْمَدِينَة القاطنين بهَا والعابرين كَمَا فِي الْجَزَاء وَالثَّالِث أَنه للسالب لما رُوِيَ أَن سَعْدا رَحمَه الله تَعَالَى طُولِبَ هَذَا السَّلب فَقَالَ مَا كنت لأرد شَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 أمرنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْموضع الثَّالِث وَج الطَّائِف وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صيدها وشجرها وكلأها قَالَ صَاحب التَّلْخِيص من فعل ذَلِك أدبه الْحَاكِم وَلم ألزمهُ شَيْئا قلته تخريجا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا تردد فِي الْكَرَاهِيَة وَالتَّحْرِيم فَإِن ثَبت تَحْرِيمه لم يبعد الضَّمَان كالمدينة وَالظَّاهِر نفي الضَّمَان الرَّابِع النقيع وَقد حماه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصدقات وَلَا يمْنَع إِلَّا من كلأه فَإِن تعرض بِهِ فَفِي ضَمَانه بِالْقيمَةِ وَجْهَان وَلَا سلب وَفِي أشجاره تردد لترددها بَين الصَّيْد والحشيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 فرع من يسلب بِالْمَدِينَةِ فَلَا يسلب إِلَّا إِذا اصطاد أَو أرسل الْكَلْب وَيحْتَمل التَّأْخِير إِلَى الْإِتْلَاف وَلَا يفرق فِي السَّلب بَين الشّجر وَالصَّيْد وَالْمرَاد بالسلب ثِيَابه فَقَط لَا كسلب الْقَتِيل وَإِن كَانَ عَلَيْهِ حلي فَوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي التوابع واللواحق وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَانِع من إتْمَام الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول الْإِحْصَار من جِهَة الْعَدو وَهُوَ مُبِيح للتحلل فِي نَص الْقُرْآن وَذَلِكَ مَتى احْتَاجَ فِي دفع الصادين إِلَى بذل مَال وَلَو دِرْهَم أَو إِلَى قتال إِلَّا أَن يَكُونُوا كفَّارًا وَنقص عَددهمْ عَن الضعْف فَيتَعَيَّن الْقِتَال إِن كَانَ مَعَهم أهبة وَلَا يجوز التَّحَلُّل وَلَو أحَاط الْعَدو من الجوانب فَقَوْلَانِ وَوجه الْمَنْع أَن التَّحَلُّل لَيْسَ يرِيح مِنْهُ فَأشبه الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُبِيح التَّحَلُّل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو شَرط التَّحَلُّل عِنْد الْمَرَض فَقَوْلَانِ الْقيَاس منع التَّحَلُّل وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لضباعة الأسْلَمِيَّة لما تعللت بِالْمرضِ أَهلِي واشترطى أَن محلي حَيْثُ حبستنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 وعَلى هَذَا إِذا تحلل بِالْمرضِ فَفِي لُزُوم الدَّم وَجْهَان تَشْبِيها لَهُ بالإحصار وَلَو شَرط التَّحَلُّل بالإحصار فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط الْمَانِع الثَّانِي حبس السُّلْطَان فَلَو سد على جَمِيعهم جِهَة الْكَعْبَة فَهُوَ الْحصْر الْعَام وَلَو حبس شخصا أَو شرذمة فطريقان أَحدهمَا أَنه كالعام وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ وَجوز الْعِرَاقِيُّونَ التَّحَلُّل وردوا الْقَوْلَيْنِ إِلَى وجوب الْقَضَاء وَهُوَ أوجه الثَّالِث الرّقّ فللسيد أَن يمْنَع عَبده الْمحرم من الْخُرُوج إِذا أحرم بِغَيْر إِذْنه وَلَا يحلله إِن أحرم بِإِذْنِهِ خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ إِذا مَنعه السَّيِّد تحلل تحلل الْمحصر وَلكنه لَا دم لَهُ فَهَل يتَوَقَّف تحلله على الْيَسَار بِالْعِتْقِ فِيهِ خلاف مُرَتّب على الْمحصر الْمُعسر فَإِن قُلْنَا يتَحَلَّل من غير دم فَمَاتَ وأراق السَّيِّد عَنهُ دَمًا وَقع عَنهُ لِأَن الْمَالِك امْتنع فِي الْحَيَاة لكَونه مَمْلُوكا مسخرا وَلَا يسخر بعد الْمَوْت الرَّابِع الزَّوْجِيَّة فالمستطيعة لحج الْإِسْلَام هَل للزَّوْج منعهَا عَن الْخُرُوج لِأَن الْحَج على التَّرَاخِي وَحقّ الزَّوْج على الْفَوْر فِيهِ قَولَانِ فَإِن أَحرمت فَفِي الْمَنْع قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجوز وَإِن أَحرمت لحجة التَّطَوُّع فَفِي الْمَنْع قَولَانِ وَأولى بِالْجَوَازِ وَإِن كَانَ التَّطَوُّع أَيْضا يلْزم بِالشُّرُوعِ فَإِن قُلْنَا لَهُ الْمَنْع من الْخُرُوج فعلَيْهَا أَن تحلل تحلل الْمُعسر فَإِن لم تفعل فالزوج يُبَاشِرهَا وَالْإِثْم عَلَيْهَا لَا على الزَّوْج وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَطئهَا على قصد التَّحَلُّل حصل التَّحَلُّل بِفِعْلِهِ وَكَذَا لَو حلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 رَأس العَبْد أَو طببه الْخَامِس لمستحق الدّين أَن يمْنَع الْمحرم من الْخُرُوج إِن كَانَ قَادِرًا مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّل وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا فَلَا يمنعهُ وَإِن قرب الْأَجَل بل عَلَيْهِ أَن يصاحبه أَو يُوكل من يُطَالِبهُ عِنْد حُلُول الْأَجَل السَّادِس الْقَرَابَة وللأبوين منع الْوَلَد من التَّطَوُّع بِالْحَجِّ وَعَن فَرْضه طَرِيقَانِ قيل إِنَّه كالزوج وَقيل لَا يَنْتَهِي شَفَقَة الْقَرَابَة إِلَى الْمَنْع من الْفَرْض فَإِن قيل فَمَا حكم التَّحَلُّل والفوات قُلْنَا أما الْمحصر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دم دم يريقه فِي مَحل الْإِحْصَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه أَن يبْعَث إِلَى الْحرم ويتوقف عَلَيْهِ تحلله وَهُوَ إبِْطَال الرُّخْصَة ثمَّ هَل يجوز التَّحَلُّل قبل إراقته فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أقيم مقَام الطّواف الذى هُوَ سَبَب التَّحَلُّل وعَلى هَذَا الْمُعسر إِن قُلْنَا يعدل إِلَى الصَّوْم فَفِي توقفه على الصَّوْم قَولَانِ لِأَن الِانْتِظَار فِيهِ طَوِيل وَالثَّانِي أَن التَّحَلُّل لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ بل هُوَ مُوجب التَّحَلُّل لَا موقعه فيتحلل بِالْحلقِ ويكفيه نِيَّة التَّحَلُّل على الصَّحِيح وَأما الْقَضَاء فَلَا يجب على الْمحصر بل يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْإِحْرَام وَفِي معنى الْمحصر كل من تحلل بِمَنْع غَيره على مَا سبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 فَأَما إِذا فَاتَ الْحَج بنوم أَو تَقْصِير فَلَا يحل التَّحَلُّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت بِطواف وسعي فَإِنَّهُ سَبَب التَّحَلُّل فِي الْعمرَة وَقَالَ فِي مَوضِع يطوف فَقيل يَكْفِي الطّواف وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَا خلاف فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ الرَّمْي وَالْمَبِيت بل يَكْفِيهِ أَعمال الْعمرَة ثمَّ الْمَذْهَب أَنه لَا تحصل بِهِ عمْرَة وَأما الْعمرَة فَإِذا أحرم بهَا لم يتَصَوَّر فَوَاتهَا ثمَّ من فَاتَهُ الْحَج يلْزمه دم وَيلْزمهُ الْقَضَاء إِن كَانَ مُتَطَوعا وَإِن كَانَ فِي فرض فالرجوع إِلَى الْفَرْض يَكْفِيهِ قَضَاء وَأَدَاء بِخِلَاف الْإِحْصَار فَإِنَّهُ لَا تَقْصِير فِيهِ فَإِن تركب الْعذر من الْفَوات والإحصار فَفِي الْقَضَاء خلاف وَذَلِكَ إِذا وجد طَرِيقا أطول مِمَّا صد عَنهُ فَعدل إِلَيْهِ وَفَاته فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَلَو صابر الْإِحْرَام منتظرا لانجلاء الْإِحْصَار ففاته الْحَج فَقَوْلَانِ وَمِنْهُم من قطع بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ استجلب الْفَوات إِلَى نَفسه فرعان الأول لَو فَاتَهُ الْحَج أَو فسد الْإِحْرَام قصد فِي بَقِيَّة إِحْرَامه عَن لِقَاء الْبَيْت فيستفيد التَّحَلُّل بالإحصار وَلَكِن لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء الذى سبق لُزُومه وَعَلِيهِ دمان أَحدهمَا للإحصار وَالْآخر للفوات الثَّانِي إِذا صد بعد الْوُقُوف عَن لِقَاء الْبَيْت فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَوجه الْوُجُوب أَن الْإِحْرَام تَأَكد بِالْوُقُوفِ أما الْعِرَاقِيُّونَ قطعُوا بِسُقُوط الْقَضَاء عَن كل مَمْنُوع من لِقَاء الْبَيْت وَذكروا الْخلاف فِي المتمكن من لِقَاء الْبَيْت إِذا منع من عَرَفَة وَقَالُوا فِي الْقَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الدِّمَاء وأبدالها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي بَيَان التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب فِي الْأَبدَان والمبدلات والدماء ثَمَانِيَة أَنْوَاع الأول دم التَّمَتُّع قد اجْتمع فِيهِ التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير فِي نَص الْقُرْآن وَفِي مَعْنَاهُ دم الْقرَان وَدم الْفَوات الثَّانِي جَزَاء الصَّيْد وَهُوَ على التَّعْدِيل والتخيير فَلَا تَرْتِيب وَلَا تَقْدِير لقَوْله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} وَالثَّالِث فديَة الْحلق وَفِي بدله التَّقْدِير والتخيير أما التَّخْيِير فمنصوص فِي الْقُرْآن وَأما التَّقْدِير فمأخوذ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة إِذْ خَيره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الدَّم وَبَين ثَلَاثَة آصَع كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد يطعم سِتَّة مَسَاكِين وَبَين صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 فَهَذِهِ الْأُصُول الثَّلَاثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي حكم التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب الرَّابِع الْوَاجِبَات المجبورة بِالدَّمِ فِيهَا تَرْتِيب دم إِلْحَاقًا لَهَا بالتمتع وتعديل للبدل جَريا على الْقيَاس لِأَن التَّقْدِير لَا يعرف إِلَّا تَوْفِيقًا وَأما التَّرْتِيب فَلهُ وَجه مَعْقُول وَأدْخل الْعِرَاقِيُّونَ التَّقْدِير فِي الْقيَاس وَقَالُوا بدل هَذِه الدِّمَاء كبدل التَّمَتُّع الْخَامِس الاستمتاعات كالطيب واللبس وتغطية الرَّأْس والقبلة والاستمناء ومقدمات الْجِمَاع فِي كل وَاحِد مِنْهَا دم تَرْتِيب قِيَاسا على التَّمَتُّع وَهُوَ دم تَعْدِيل جَريا على الْقيَاس وَفِي قَول آخر أَنَّهَا دم تَخْيِير اعْتِبَارا بِالْحلقِ والعراقيون اعتبروه بِالْحلقِ أَيْضا بالتقدير وَهُوَ أبعد وَأما الْقَلَم فَهُوَ فِي معنى الْحلق فَيظْهر إِلْحَاقه بِهِ السَّادِس دم الْجِمَاع وَفِي الْجِمَاع الْمُفْسد بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن عجز قوم الْبَدنَة دَرَاهِم وَالدَّرَاهِم طَعَاما وَصَامَ عَن كل مد يَوْمًا فَهُوَ دم تَعْدِيل وترتيب وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على التَّعْدِيل فِيهِ دَلِيل على أَنه لَيْسَ يدْخل التَّقْدِير فِي الْقيَاس إِذْ لم يلْحقهُ بِالْحلقِ وَفِيه قَول آخر أَنه دم تَخْيِير وَقيل إِنَّا وَإِن قُلْنَا بالترتيب فَلَا تَرْتِيب بَين الْبَدنَة وَالْبَقَرَة والشياه السَّبْعَة السَّابِع الْجِمَاع الثَّانِي أَو الْجِمَاع بَين التحللين إِن قُلْنَا فِيهِ بَدَنَة فَهُوَ كالجماع الأول وَإِن قُلْنَا شَاة فَهُوَ كالقبلة واللمس الثَّامِن دم التَّحَلُّل بالإحصار وَهُوَ شَاة فِي نَص الْكتاب فَإِن أعْسر أَو تعذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 فَهَل لَهُ بدل فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينص على بدله وَنَصّ على بدل غَيره وَالثَّانِي أَنه يجب قِيَاسا للمسكوت عَنهُ على الْمَنْطُوق بِهِ فَإِن قُلْنَا يجب فَبِأَي أصل يلْحق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مثل دم التَّمَتُّع تَرْتِيب وَتَقْدِير وَالثَّانِي أَنه كَدم الْحلق تَقْدِير وتخيير لِأَنَّهُ تخلص من الْأَذَى وَالثَّالِث أَنه مثل دم الْوَاجِبَات المجبورة تَعْدِيل وترتيب لِأَنَّهُ ترك الْأَفْعَال الْوَاجِبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 الْفَصْل الثَّانِي فِي مَحل إِرَاقَة الدِّمَاء وزمانها أما الزَّمَان فَلَا يخْتَص شييء من دِمَاء المحضورات والجبرانات بعد جَرَيَان سَببهَا بِزَمَان وَإِنَّمَا يخْتَص بأيام النَّحْر الضَّحَايَا وَكَذَا دم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَأما دم الْفَوات فيراق فِي الْحجَّة الْفَائِتَة أَو فِي الْحجَّة المتقضية فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا فِي الْفَائِتَة لِأَن السَّبَب قد تحقق وَالثَّانِي لَا لمعنيين أَحدهمَا أَن هَذِه حجَّة نَاقِصَة وَكَأن الْفَوات أوجب الْقَضَاء وَالدَّم فيريق فِي الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ شَبيه بالتمتع لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَال عمْرَة وتمتع بالتحلل ليؤدي حجَّة فِي السّنة الثَّانِيَة وعَلى هَذَا الْمَعْنى لَا يمْتَنع تَقْدِيمه على الْقَضَاء إِذْ جَوَّزنَا تَقْدِيم دم التَّمَتُّع على الْحَج وَإِنَّمَا يمْتَنع ذَلِك فِي الصَّوْم وَأما الْمَكَان فَيخْتَص جَوَاز الإراقة بِالْحرم خلافًا لأبي حنيفَة وَالْأَفْضَل النَّحْر فِي الْحَج بمنى فِي الْعمرَة عِنْد الْمَرْوَة لِأَنَّهُمَا مَحل تحللها وَقد قيل لَو ذبح على طرف الْحرم وَفرق غضا طريا على مَسَاكِين الْحرم جَازَ وَقد قيل من ارْتكب مَحْظُورًا أراقه فِي مَحل الارتكاب وَقيل مَا لزم بِسَبَب مُبَاح بِعُذْر لَا يخْتَص بمَكَان وَمَا عصى بِسَبَبِهِ فاختص بِالْحرم وَهَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة بعيدَة وَأما الْأكل من هَذِه الدِّمَاء فَسَيَأْتِي حكمه فِي الضَّحَايَا واختتام الْكتاب بِبَيَان الْأَيَّام المعلومات وَهِي الْعشْر الأولى من ذِي الْحجَّة عندنَا وفيهَا الْمَنَاسِك وَأما المعدودات فَهِيَ أَيَّام التَّشْرِيق وفيهَا الْهَدَايَا والضحايا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 تمّ بِحَمْد الله ربع الْعِبَادَات من كتاب الْوَسِيط فِي الْمَذْهَب فِي الثَّامِن عشر من شهر رَمَضَان الْمُبَارك سنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة عشر لِلْهِجْرَةِ والموافق الْعَاشِر من فبراير سنة ألف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَتِسْعين وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس عصرا وَالْحَمْد لله الذى بنعمته تتمّ الصَّالِحَات ونسأل الله الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 0 - . = كتاب البيع = {وَأحل الله البيع} وَاجْتمعت الْأمة على كَونه سَببا لإِفَادَة الْملك وَالنَّظَر فِي أَحْكَامه يتَعَلَّق بِخَمْسَة أَقسَام الْقسم الأول فِي صِحَّته وفساده وَالثَّانِي فِي لُزُومه وجوازه وَالثَّالِث فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده وَالرَّابِع فِيمَا يَقْتَضِيهِ مُطلق أَلْفَاظه فِي الثِّمَار وَالْأَشْجَار واستتباع الْأُصُول الْفُرُوع وَالْخَامِس فِي مداينة العبيد وتصرفاتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 الْقسم الأول فِي بَيَان صِحَّته وفساده وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان البيع وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة العقد فَلَا بُد مِنْهَا لوُجُود صُورَة العقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَسبب اعْتِبَارهَا الِاسْتِدْلَال بهما على الرِّضَا فَإِن الأَصْل هُوَ التَّرَاضِي وَلَكِن الرِّضَا خَفِي فيناط الحكم بِسَبَب ظَاهر يدل عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل ثَلَاث مسَائِل نذكرهُ فِي معرض السُّؤَال فَإِن قيل فليكتف بالمعاطاة فَإِنَّهَا دلَالَة على الرِّضَا فِي المحقرات قُلْنَا الْأَفْعَال مترددة مَا صيغت للدلالة على الضمائر وَإِنَّمَا الْعبارَات هِيَ الْمَوْضُوعَة لهَذَا الْغَرَض فَكَانَ الحكم مَنُوطًا بهَا وَقد ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ فِي المحقرات وَهُوَ قَول خرجه ابْن سُرَيج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 فَإِن قيل فليكتف بقوله بِعني وَقَول الْمُخَاطب بِعْت قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أقيسهما الِاكْتِفَاء بِهِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالثَّانِي لَا يكْتَفى بِهِ لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني لاستبانة الرَّغْبَة فينوب عَن قَوْله هَل تبيع وَأما النِّكَاح فَلَا يقدم عَلَيْهِ فَجْأَة فِي غَالب الْأَمر فَتكون الرَّغْبَة قد ظَهرت من قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 فَإِن قيل فلينعقد بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّة فَإِنَّهَا تدل على الرِّضَا قُلْنَا قطع الْأَصْحَاب بذلك فِي الْخلْع وَالْكِتَابَة وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْإِبْرَاء وكل مَا يتَصَوَّر الِاسْتِقْلَال بمقصوده دون قبُول الْمُخَاطب فِي بعض الْأَحْوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ يعْتَمد فهم الْمُخَاطب وَقَطعُوا بِالْبُطْلَانِ فِي النِّكَاح وَبيع الْوَكِيل إِذا شَرط عَلَيْهِ الْإِشْهَاد لَان الشُّهُود لَا يطلعون على النِّيَّة وَاخْتلفُوا على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة وَوجه الْمَنْع أَن الْإِيجَاب وَالْقَبُول سَبَب لقطع النزاع إِذا كَانَ صَرِيحًا والنيات يطول فِيهَا النزاع فليشترط التَّصْرِيح للْمصْلحَة كَمَا فِي النِّكَاح فَإِن قيل فَلَو توافرت الْقَرَائِن حَتَّى أفادت الْعلم انْقَطع الِاحْتِمَال والنزاع قُلْنَا أما النِّكَاح فَفِيهِ تعبد للشَّرْع فِي اللَّفْظ وَأما البيع الْمُقَيد بِالْإِشْهَادِ وَغَيره فَالظَّاهِر عِنْدِي الِانْعِقَاد وان لم يتَعَرَّض لَهُ الْأَصْحَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وأهلية الْمُعَامَلَات تستفاد من التَّكْلِيف فتصرفات الصَّبِي وَالْمَجْنُون بِإِذن الْوَلِيّ وَدون إِذْنه وبالغبطة والغبينة بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة نعم فِي تَدْبيره ووصيته وَرِوَايَته وإسلامه خلاف يَأْتِي فِي مَوْضِعه وَفِي البيع الَّذِي يختبر بِهِ الصَّبِي لإيناس الرشد خلاف وَالْأولَى مَنعه وَلَا يعْتد بِقَبض الصَّبِي أَيْضا فَإِنَّهُ سَبَب ملك أَو ضَمَان فَلَو قَالَ أد حَقي إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 الصَّبِي فَأدى لم يبرأ لَان مَا فِي الذِّمَّة لَا يتَعَيَّن ملكا إِلَّا بِقَبض صَحِيح بِخِلَاف مَا لَو قَالَ رد الْوَدِيعَة إِلَيْهِ فَإِن الْوَدِيعَة متعينة وَلَو سلم الصَّبِي درهما إِلَى صراف لينقده لَهُ فَأَخذه دخل فِي ضَمَانه فليرده على وليه وَلَو رد عَلَيْهِ لم يبرأ وَفِي إِخْبَار الصَّبِي عَن التَّمْلِيك فِي إِيصَال الْهَدِيَّة وَعَن الْإِذْن عِنْد فتح الْبَاب طَرِيقَانِ مِنْهُم من خرجه على الْخلاف فِي رِوَايَته وَمِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ اقْتِدَاء بالأولين وَعَادَة السّلف وَلَا شكّ فِي الْقبُول إِذا ظَهرت الْقَرَائِن فان الْعلم إِذا حصل سقط اثر إخْبَاره أما إِسْلَام الْعَاقِد فَغير مَشْرُوط إِلَّا فِي شِرَاء العَبْد الْمُسلم وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يَصح من الْكَافِر لما فِيهِ من الذل وَلِأَنَّهُ يقطع ملكه لَا محَالة فَدفعهُ أولى وَالثَّانِي أَنه يَصح لَان الْملك مُتَصَوّر لَهُ على الْمُسلم فِي الْإِرْث فسبب الْملك صَحِيح فِي حَقه وَالأَصَح الْمَنْع خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي شِرَاء الْكَافِر الْمُصحف قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لَان العَبْد يدْفع الذل عَن نَفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وَفِي الْملك الَّذِي يستعقب الْعتْق كَشِرَاء الْكَافِر وَلَده الْمُسلم أَو كشرائه من شهد من قبل بحريَّته وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالصِّحَّةِ لاستعقابه الْحُرِّيَّة ضَرُورَة وَلَو قَالَ الْكَافِر اعْتِقْ عَبدك الْمُسلم عَليّ فَأعتق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان مرتبان وَهَذَا أولى بالنفوذ لَان الْملك حصل ضمنا فيبعد اعْتِبَار الشَّرَائِط فِيهِ التفريغ إِن أبطلنا الشِّرَاء فَعَلَيهِ فروع أَرْبَعَة أَحدهَا فِي الارتهان والاستئجار وَجْهَان أَحدهمَا يَصح إِذْ لَيْسَ فيهمَا ملك وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الِاسْتِيلَاء بِالِانْتِفَاعِ وَالْحَبْس إذلال فان صححنا الْإِجَارَة فَهَل يُكَلف الْكَافِر أَن يؤاجره من مُسلم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه كَمَا فِي الشِّرَاء وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمُسلم إِذا عمل باجرة لم يكن فِيهِ ذل وَكَأَنَّهُ يعْمل لنَفسِهِ وَالْأولَى جَوَاز الرَّهْن وَالْإِجَارَة كَمَا فِي الْإِيدَاع والإعارة وَأما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا خلاف فِي جَوَازهَا وَالثَّانِي الْمُسلم إِذا اشْترى العَبْد الْمُسلم لكَافِر لم يَصح وَإِن اشْتَرَاهُ الْكَافِر لمُسلم إِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُسلم صَحَّ وَإِن أضمر فَوَجْهَانِ يبتنيان على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 تعلق الْعهْدَة بالوكيل الثَّالِث إِذا اشْترى الْمُسلم عبدا مُسلما من كَافِر بِثَوْب فَوجدَ الْكَافِر عَيْبا بِالثَّوْبِ فَفِي رده ليعود العَبْد إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ توصل إِلَى جلب الْملك بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي يجوز لَان الِاخْتِيَار فِي الرَّد أما عود الْعِوَض إِلَيْهِ فَيَقَع ضَرُورَة قهرا وَكَذَلِكَ الْمُسلم إِذا وجد عَيْبا بِالْعَبدِ فَفِي رده إِلَيْهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مَمْنُوع عَن التَّمْلِيك كَمَا يمْنَع الْكَافِر عَن التَّمْلِيك ثمَّ إِذا منعنَا الرَّد تعين الارش وَكَانَ ذَلِك عذرا مَانِعا الرَّابِع لَو كَانَ العَبْد كَافِرًا فَأسلم قبل الْقَبْض فينفسخ العقد كَمَا يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ أَو يثبت الْخِيَار كَمَا يثبت بالإباق فِيهِ وَجْهَان وتشبيهه بالاباق أولى هَذَا إِذا اشْتَرَاهُ من مُسلم فان اشْتَرَاهُ من كَافِر فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان مرتبان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَأولى بألا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تردد انْقَلب إِلَى كَافِر فالاستصحاب أولى فَإِن قضينا بِبَقَاء العقد فيقبضه الْكَافِر ثمَّ يُبَاع عَلَيْهِ أم يَسْتَنِيب القَاضِي عَنهُ من يقبضهُ كَيْلا يذل العَبْد بِقَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَان وَإِن فرعنا على قَول الصِّحَّة فَيُبَاع عَلَيْهِ بعد قَبضه أَو قبض القَاضِي عَنهُ على وَجه وَكَذَلِكَ مَتى أسلم فِي دوَام الْملك فَلَو مَاتَ قبل البيع بيع على وَارثه وَيَنْقَطِع عَنهُ الْمُطَالبَة بِالْإِعْتَاقِ وكل مَا يزِيل الْملك وَلَا يَنْقَطِع بِالتَّزْوِيجِ وَالرَّهْن وَالْإِجَارَة وَهل يَنْقَطِع بِالْكِتَابَةِ وان كَانَت لَا تزيل الْملك فِي الْحَال لإفضائها إِلَى الزَّوَال وَلُزُوم الْحجر فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَأولى بالاكتفاء بهَا وَلَو رَضِي بالحيلولة بَينهمَا لم يكتف بِهِ إِلَّا فِي الْمُسْتَوْلدَة فان بيعهَا مُتَعَذر وإعتاقها تخسير فيستكسبها لأَجله فِي يَد غَيره وَقيل انه تعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 الرُّكْن الثَّالِث الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَبِيع وَله خَمْسَة شَرَائِط وَهُوَ أَن يكون طَاهِرا مُنْتَفعا بِهِ مَمْلُوكا للعاقد أَو لمن يَقع العقد لَهُ مَقْدُورًا على تَسْلِيمه مَعْلُوما للمتعاقدين الشَّرْط الأول الطَّهَارَة وَلَا يجوز بيع السرقين وَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة خلافًا لأبي حنيفَة ومعتمد الْمَذْهَب الْإِجْمَاع على بطلَان بيع الْخمر والجيفة والعذرة وَمَنْفَعَة الْعذرَة تسميد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 الأَرْض وَمَنْفَعَة الجيفة إطعامها لجوارح الطُّيُور وَمَنْفَعَة الْخمر مصيرها خلا كَمَا يصير الصَّغِير ابْن الْيَوْم مُنْتَفعا بِهِ فِي الْكبر فَلَا عِلّة لبُطْلَان بيعهَا إِلَّا النَّجَاسَة فرع الودك النَّجس بِوُقُوع نَجَاسَة فِيهِ أَن حكمنَا بِإِمْكَان غسله جَازَ بَيْعه وَإِلَّا ابتني على جَوَاز الاستصباح بِهِ وَفِيه قَولَانِ وَوجه الْمَنْع انتشار دخانه النَّجس مَعَ تعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ وبالنجاسة يُعلل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ امْتنَاع بيع الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَقد ورد الْخَبَر فِيهِ أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَصح بَيْعه وَالْخِنْزِير لَا يُبَاع وفَاقا وَمَا يتَوَلَّد من الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر فَلهُ حكمهمَا فِي بطلَان البيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ فبه تتَحَقَّق الْمَالِيَّة وَمَا لَا مَنْفَعَة لَهُ ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن تسْقط الْمَنْفَعَة للقلة كالحبة من الْحِنْطَة وَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَة محسوسة فِي ذَاته إِلَّا بِضَم غَيره إِلَيْهِ فبيعه بَاطِل وَمن أتْلفه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذْ لَا قيمَة لَهُ وَقَالَ الْقفال عَلَيْهِ مثله إِن كَانَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَخَالفهُ غَيره الثَّانِي أَن تسْقط منفعَته لخسته كحشرات الأَرْض من الخنافس والعقارب وَأما الْهِرَّة والفيل والنحل فَفِيهَا مَنْفَعَة فَيجوز بيعهَا وَلَا مَنْفَعَة للأسد والنمر وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 لَا يصطاد من السبَاع وَلَكِن فِيهَا وَفِي الْحمار الَّذِي تَكَسَّرَتْ قوائمه وَجه لَا بَأْس بِهِ أَنه يَصح بيعهَا لجلودها بِخِلَاف جلد الْميتَة فانه لَا يُبَاع لنجاسته لَا لعدم الْمَنْفَعَة وَفِي بيع العلق وَفِيه مَنْفَعَة المص للدم والسم الَّذِي لَا يصلح إِلَّا بِالْقَتْلِ تردد وَالْأولَى الصِّحَّة وَوجه الْمَنْع انه لَا يحتفل بِهَذِهِ الْمَنْفَعَة إِذْ قد ينْتَفع بِحَبَّة وَاحِدَة تجْعَل فِي فخ الطَّائِر وَلَا يعْتد بِمثل ذَلِك وَيجوز بيع لبن الْآدَمِيَّة خلافًا لأبي حنيفَة فانه طَاهِر منتفع بِهِ وَلَيْسَ بآدمي وَيجوز بيع المَاء على شاطئ الْبَحْر وَبيع الصَّخْرَة على الْجبَال لوُجُود الْمَنْفَعَة وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا لِكَثْرَة وَكَذَا بيع التُّرَاب وَقيل المَاء لَا يملك وَهُوَ بعيد الثَّالِث مَا سَقَطت منفعَته شرعا كالمعازف وَمَا هِيَ لغَرَض محرم لَا يصلح لغيره فتيك الْمَنْفَعَة الْمُحرمَة شرعا كالمعدومة حسا نعم أَن كَانَ رضاضة بِكَسْر بعد تَقْدِير الْكسر يتمول فَفِي صِحَة بَيْعه اعْتِمَادًا عَلَيْهِ ثَلَاثَة اوجه وَالْأَظْهَر انه إِن كَانَ من ذهب أَو فضَّة أَو عود أَو شَيْء نَفِيس صَحَّ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 مَقْصُود فغلب قصد الصَّنْعَة وان كَانَ من خشب فَلَا لَان الْقَصْد مُرْتَبِط بالصنعة فَلَا يعْتَمد البيع غَيره وَفِي بيع الْقنية والكبش الَّذِي يطْلب للنطاح كَلَام سَنذكرُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مَمْلُوكا للعاقد فَبيع الْفُضُولِيّ مَال الْغَيْر عندنَا بَاطِل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقف على إِجَازَته وَهُوَ قَول قديم لم يعرفهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ فِيمَن غصب أَمْوَالًا واتجر فِيهَا وَتصرف فِي أثمانها أَحدهمَا بطلَان الْبياعَات وتتبعها بِالنَّقْضِ وَهُوَ قِيَاس الْمَذْهَب وَالثَّانِي أَن الْمَالِك بِالْخِيَارِ فان شَاءَ أجَاز واخذ الْأَثْمَان وتعليله بِالْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجة لعسر تتبع التَّصَرُّفَات المتعاقبة فرع لَو قَالَ اشْتريت لزيد وَهُوَ لَيْسَ بوكيل لم يَقع عَن زيد وَهل يَقع عَنهُ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لَان الْفَاسِد إِضَافَته فتخصص بالإفساد وَيبقى قَوْله اشْتريت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الأولى لَان الْكَلَام يعْتَبر جملَة وَهُوَ لم يشتر شَيْئا لنَفسِهِ أصلا فان قيل لَو بَاعَ مَالا على ظن انه ملك الْغَيْر فَإِذا هُوَ ملكه هَل يَصح قُلْنَا نقل الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن انه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت فَالْقِيَاس صِحَّته وَالظَّن الْخَطَأ لَا أثر لَهُ وَوجه الْمَنْع أَن مُقْتَضى لَفظه من حَيْثُ قرينَة الْحَال تَعْلِيق البيع على الْمَوْت وان أَتَى بِصِيغَة التَّنْجِيز فَلَا يكون بعبارته معربا عَن تَنْجِيز الْملك فِي الْحَال وَهُوَ لَا يعْتَقد لنَفسِهِ ملكا الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون مَقْدُورًا على تَسْلِيمه حسا وَشرعا ومستنده النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَالْعجز الْحسي فِي الضال والآبق وَالْمَغْصُوب فروع ثَلَاثَة الأول بيع السّمك فِي الْحَوْض الْوَاسِع المسدودة المنافذ وَالطير المفلت فِي دَار فيحاء الَّذِي يقدر عَلَيْهِ وَلَكِن بعد عسر وتعب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لَان مثل هَذَا التَّعَب لَا يحْتَمل فِي غَرَض البيع فَلَا نظر إِلَى الْقُدْرَة بعد تحمله وَالثَّانِي وَهُوَ الأولى الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَقْدُور عَلَيْهِ ومستند هَذَا الشَّرْط النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَهَذَا موثوق بِهِ بَالا لَا غرر فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 الثَّانِي بيع حمام البرج نَهَارا وعادته أَن تأوي إِلَى البرج لَيْلًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْعَبْدِ الْغَائِب ثِقَة بعوده الطبيعي وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْغرَر ظَاهر فِي عوده بِخِلَاف العَبْد وَهُوَ الأولى إِذْ الِاشْتِغَال بِأَسْبَاب التَّسْلِيم من طلب العَبْد مُمكن وَهَا هُنَا لَا طَرِيق إِلَى الِانْتِظَار على غرر الثَّالِث الْمَغْصُوب الَّذِي يقدر المُشْتَرِي على اسْتِرْدَاده دون البَائِع فِيهِ خلاف لتعارض الْقُدْرَة وَالْعجز من الْجَانِبَيْنِ وَالْأولَى الصِّحَّة إِذا الْمَقْصُود التَّسْلِيم وَهُوَ مُمكن فِي نَفسه نعم لَو كَانَ المُشْتَرِي جَاهِلا فَلهُ الْخِيَار إِذا البيع لَا يكلفه تَعب الانتزاع وان كَانَ عَالما فَلهُ الْخِيَار أَن عجز وَإِلَّا فَلَا أما المعجوز عَن تَسْلِيمه شرعا فَهُوَ الْمَرْهُون فبيعه بَاطِل وَفِي بيع الدَّار المكراة خلاف سَيَأْتِي وَفِي بيع العَبْد الْجَانِي جِنَايَة تعلق الارش بِرَقَبَتِهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع كَالرَّهْنِ وَأولى فانه أقوى من وَثِيقَة الرَّهْن وَلذَلِك يقدم الْأَرْش إِذا جنى العَبْد الْمَرْهُون وَالثَّانِي الصِّحَّة وَهُوَ الأولى لِأَنَّهُ لم يحْجر على نَفسه وَجِنَايَة العَبْد لَا تحجر عَلَيْهِ فِي ملكه وتصرفه لَكِن يثبت مُتَعَلقا فِي رقبته إِن رغب السَّيِّد عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فدائه ليَكُون عصمَة لحقه بِقدر الضَّرُورَة أما إِذا اسْتوْجبَ العَبْد الْقطع بِالسَّرقَةِ أَو بِالْقَتْلِ بِالرّدَّةِ فَيصح بَيْعه إِذْ لَا ارش وَفِي الْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص خلاف مُرَتّب على أَن مُوجب الْعمد مَاذَا وعَلى كل حَال فَهَذَا أولى بِجَوَاز البيع لَان الدِّيَة غير متعينة للْوُجُوب التَّفْرِيع أَن حكمنَا بِفساد البيع فَفِي الْإِعْتَاق خلاف كَمَا فِي الرَّهْن وان حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَلَو كَانَ مُعسرا بِالْفِدَاءِ فَالظَّاهِر الْمَنْع وَفِيه وَجه منقاس انه يَصح وَلَكِن يثبت الْخِيَار للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وان كَانَ مُوسِرًا مهما امْتنع الْفِدَاء بِسَبَب من الْأَسْبَاب أما السَّيِّد فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات انه لم يُصَرح بِالْتِزَام الْفِدَاء فَلَا يلْزمه وَله دفع الطّلبَة عَن نَفسه بِالْفَسْخِ وَهَذَا بعيد عِنْد علمه بِجِنَايَة العَبْد فانه بِالْتِزَام التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي الْتزم الْفِدَاء فليؤاخذ بهما وَلَكِن لَو كَانَ جَاهِلا فَيظْهر إِثْبَات الْخِيَار لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فرع إِذا بَاعَ نصفا من نصل أَو سيف أَو آنِية ينقصها التَّبْعِيض فَهُوَ بَاطِل لَان البيع لَا يلْزم بنقيض غير الْمَبِيع وَالشَّرْع قد يمْنَع مِنْهُ إِذا كَانَ فِيهِ إِسْرَاف فيتقاعد البيع عَن إِيجَاب التَّسْلِيم وَلَو بَاعَ ذِرَاعا من كرباس لَا تنقص بِالْقطعِ قِيمَته فِيهِ وَجْهَان ذهب صَاحب التَّلْخِيص إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع وَالْبيع لَا يلْزمه وَلَعَلَّ التَّصْحِيح أولى الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون مَعْلُوما للمتعاقدين وَالْعلم يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَقدره وَوَصفه مرتبَة من مَرَاتِب الْعلم الْعلم بِالْعينِ وَهُوَ شَرط فَلَو بَاعَ عبدا من عبيده أَو ثوبا من ثِيَابه أَو شَاة من قطيعه لَا على التَّعْيِين بَطل لما فِيهِ من الْغرَر الَّذِي يسهل اجتنابه ولان العقد لم يجد موردا يتأثر بِهِ فِي الْحَال فَأشبه النِّكَاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو قَالَ بِعْت عبدا من العبيد الثَّلَاثَة وَلَك خِيَار التَّعْيِين صَحَّ وَلم يصحح فِي الثِّيَاب وَلَا فِيمَا فَوق الثَّلَاثَة وَلَا دون شَرط الْخِيَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَفَسَاد هَذِه التحكمات بَين فروع ثَلَاثَة أَحدهمَا لَو قَالَ بِعْت صَاعا من هَذِه الصُّبْرَة وَهِي مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ قطعا وان كَانَت مَجْهُولَة فَوَجْهَانِ يبتنيان على العلتين إِن عللنا بَان مورد العقد لم يتأثر بِهِ فِي الْحَال بَطل هَذَا العقد فان الْإِبْهَام مَوْجُود هَهُنَا وَفِي صُورَة الْعلم بِعَدَد الصيعان ينزل على الإشاعة حَتَّى لَو تلف نصف الصُّبْرَة انْفَسَخ العقد بتلفه فِي ذَلِك الْقدر وَالْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهَذَا اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وان عللنا بَان الْإِبْهَام منع لأجل الْغرَر فَلَا غرر هَا هُنَا لتساوي أَجزَاء الصُّبْرَة بِخِلَاف العبيد وَبِخِلَاف مَا إِذا بَاعَ ذِرَاعا من ارْض لَا على التَّعْيِين فان الْغَرَض يخْتَلف فِيهِ باخْتلَاف الجوانب وَيلْزم عَلَيْهِ التَّصْحِيح إِذا بَاعَ قدر صَاع من جملَة الصُّبْرَة وَقد فرقت صيعانها وَبِه اسْتشْهد الْقفال وَيبعد تَصْحِيحه وَاسْتشْهدَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة إِلَّا صَاعا وَهِي مَجْهُولَة الصيعان بَطل فَأَي فرق بَين اسْتثِْنَاء الْمَعْلُوم من الْمَجْهُول واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم والإبهام يعمهما وَفِي الْفرق غموض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 الثَّانِي إِذا اشْترى قِطْعَة من الأَرْض محفوفة بِملك البَائِع فان صرح بِإِثْبَات الْمَمَر ثَبت حق الاجتياز من كل جَانب إِلَّا إِذا كَانَ أحد جوانبها متاخما للشارع أَو ملك الْمُشْتَرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 فالعرف خصص الْمُرُور بِهِ وان خصص بِجَانِب من الجوانب لَا على التَّعْيِين فسد للإيهام وتفاوت الْأَغْرَاض وان صرح بِنَفْي الْمَمَر فَفِي صِحَة البيع وَلَا مَنْفَعَة للْمَبِيع دون الْمَمَر وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة إِذا التَّوَصُّل إِلَى الِانْتِفَاع بشرَاء الْمَمَر واستعارته واجارته مُمكن وان سكت عَن ذكر الْمَمَر فطريقان أَحدهمَا انه يَقْتَضِي الْمَمَر من كل جَانب اعْتِمَادًا على الْعرف وَالثَّانِي انه يخرج على الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا نفى الْمَمَر لِأَنَّهُ سَاكِت عَنهُ الثَّالِث لَو عين جانبا من الأَرْض وَبَاعَ عشرَة اذرع وَلَكِن لم يذرع حَتَّى يتَبَيَّن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 مقطع الْملكَيْنِ فِي العيان فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة للتعيين وَانْتِفَاء الْغرَر وَوُجُود العيان وَلَو بَاعَ الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان وَلم يعين المقطع فسد لَان الْعَادة تَتَفَاوَت فِي مقادير الجز بِخِلَاف الكراث فان الْعَادة فِي جزه تتقارب وَلَو قبض على كتلة وَعين المجز صَحَّ وَفِيه احْتِمَال لِأَنَّهُ يتَعَيَّن بِهِ عين الْمَبِيع خلاف الأَرْض وَالشَّجر فان الجز وَالْقطع لَا يغيرهما الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالْقدرِ أما إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَلَا بُد من التَّقْدِير سَوَاء كَانَ نَقْدا أَو عرضا فَلَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه أَو ثَوْبه أَو بزنة هَذِه الصنجة لَا يَصح لِأَنَّهُ غرر مجتنب يسهل دَفعه وَلَا بُد من تَعْرِيف جنسه وَإِذا تَعَارَضَت النُّقُود لَا بُد من التَّعْرِيف فَإِن غلب وَاحِد كفى الْإِطْلَاق وان غلب فِي الْعرُوض جنس وَاحِد فَفِي الِاكْتِفَاء بِالْإِطْلَاقِ اعْتِبَار بِالنَّقْدِ أَو اشْتِرَاط الْوَصْف نظرا إِلَى أَن الأَصْل فِي الْعرُوض التَّفَاوُت وَجْهَان فروع ثَلَاثَة الأول إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة دَرَاهِم وَهِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 مُعَاينَة غير مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ بصرة مُعَاينَة من الدَّرَاهِم لَان العيان هُوَ المنتهي عرفا فِي الْعُقُود وَلَو قَالَ بِعْتُك الصُّبْرَة كل صَاع بدرهم صَحَّ وان كَانَت مَجْهُولَة الصيعان وَلم يكن مبلغ جملَة الثّمن مَعْلُوما لِأَنَّهُ إِذا رأى جنس الْمَبِيع وَعرف قدر ثمن كل صَاع فقد انْتَفَى الْغرَر وسلك طَرِيق معرفَة الرِّبْح والخسران الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة على أَن أزيدك صَاعا فان أَرَادَ بِهِ التَّبَرُّع بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ شَرط هبة فِي بيع فَيفْسد وان أَرَادَ إِدْخَاله فِي الْمُقَابلَة بِالثّمن فان كَانَت مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وان كَانَت الصُّبْرَة عشرَة أصيع فَمَعْنَاه صَاع وَعشر بدرهم وان كَانَت مَجْهُولَة لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي اشْترى بدرهم صَاعا وَعشرا أَو صَاعا وتسعا أَو مَا يتَرَدَّد فِيهِ فَيكون الثّمن مَجْهُول الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 فان قيل فَإِذا تردد اللَّفْظ بَين الِاحْتِمَالَات فَكيف يَصح العقد بِمُجَرَّد إِرَادَة صُورَة الصِّحَّة قُلْنَا يلْتَفت هَذَا على الْأَصَح فِي انْعِقَاد البيع بِالْكِنَايَةِ الثَّالِث إِذا بَاعَ سمنا فِي بستوقة تَتَفَاوَت أجزاؤها فِي الغلظ والدقة اَوْ صبرَة على ارْض فِيهَا حفر مُتَفَاوِتَة فَهَذَا يبطل فَائِدَة العيان فِي تخمين الْمِقْدَار لَا فِي معرفَة الصَّفْقَة فَفِيهِ ثَلَاث طرق قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي مَجْمُوعه وَجْهَان فِي أَن البيع يَصح لَان معرفَة الْمِقْدَار بعد العيان لَو كَانَت شرطا لما صَحَّ البيع بصبرة من الدَّرَاهِم مرتبَة غير موزونة وَهَذَا غَرِيب لم يذكرهُ فِي شَرحه الثَّانِيَة أَن العقد بَاطِل قطع بِهِ بعض الْمُحَقِّقين لَان غرره كغرر الْجَهْل بِالصّفةِ وَقد تعذر تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب لَان الرُّؤْيَة حَاصِلَة فَمَتَى يثبت الْخِيَار أَو كَيفَ يلْزم دون الْخِيَار وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الثَّالِثَة وَهُوَ المنقاس تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب فانه لَا يتقاصر عَمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك الثَّوْب الَّذِي فِي كمي فان فِيهِ قَوْلَيْنِ فَكَذَلِك هَا هُنَا وَهَذَا وَجه التَّخْرِيج اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ قِيَاسه أَن يُقَال معرفَة الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو بِرُؤْيَة الدكة وَقت ثُبُوت الْخِيَار كَمَا أَن معرفَة الصّفة بِالرُّؤْيَةِ وقته فِي بيع الْغَائِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 التَّفْرِيع أَن أبطلنا العقد فَلَو نظر إِلَى صبرَة وَلم يدر أَن تحتهَا دكة فعقد اعْتِمَادًا على اعْتِقَاده فظهرت دكة فَهَل يتَبَيَّن بطلَان العقد أم يقْتَصر على الْخِيَار وَجْهَان اخْتَار الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْأَبْطَال لَان معرفَة الْقدر تَحْقِيقا أَو تخمينا شَرط وَقد تبين فقد الشَّرْط وَالثَّانِي انه يَصح اعْتِمَادًا على الِاعْتِقَاد الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالصِّفَاتِ بطرِيق الرُّؤْيَة وَفِي اشْتِرَاطه فِي الشِّرَاء قَولَانِ وَفِي الْهِبَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بَالا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَيْسَ من عُقُود المغايبات ليبعد عَن الْغرَر وَذهب الْمُزنِيّ إِلَى الْإِبْطَال لَان الْغرَر المجتنب الَّذِي يسهل إِزَالَته يبطل العقد لنَهْيه عَن بيع الْغرَر وَلَا خلاف أَن الشم والذوق فِي المشموم والمذوق غير مَشْرُوط لَان الرُّؤْيَة اعظم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 طَرِيق يعرف بِهِ جَمِيع الْأَشْيَاء فالصفات المرئية تدل على جَمِيع الْمَقَاصِد الْخفية غَالِبا واضطرب الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا البَائِع إِذا بَاعَ مَا لم يره مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لَان الْخِيَار بعيد عَن البَائِع قَالَه المراوزة وَقيل أولى بِالصِّحَّةِ لِأَن الْمُشْتَرى مُحَصل وَالْبَائِع معرض والمتملك بِالِاحْتِيَاطِ أَجْدَر قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ واصح الْمَذْهَب الْبطلَان فِي الشِّرَاء وَالْبيع جَمِيعًا ثمَّ أَن صححنا بيع الْغَائِب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ عِنْد الرُّؤْيَة وَجْهَان أصَحهمَا الثُّبُوت كالمشتري وَقيل لَا يثبت لَان جَانِبه بعيد عَن الْخِيَار وَلذَلِك إِذا ظن الْمَبِيع معيبا فَإِذا هُوَ سليم لَا خِيَار لَهُ وان استضر بِهِ وَهَذَا يبطل بِخِيَار الْمجْلس وَالشّرط فانهما يَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَهَذَا من جنسه الثَّانِيَة فِي شِرَاء الْأَعْمَى طَرِيقَانِ ينشآن على أَن التَّوْكِيل بِالرُّؤْيَةِ وَالْفَسْخ هَل يجوز وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ رَأْي مُجَرّد فَصَارَ كَمَا إِذا أسلم على عشر نسْوَة ووكل بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي الْجَوَاز كالتوكيل بِالرُّؤْيَةِ وَالشِّرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 فان جَوَّزنَا بِالتَّوْكِيلِ خرج شِرَاؤُهُ على الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا قَطعنَا بِالْبُطْلَانِ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْإِلْزَام وَلَا إِلَى خِيَار لَا مُنْتَهى لَهُ وَفِي قَبضه بِالْهبةِ وَالدّين خلاف مُرَتّب على شِرَائِهِ وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ فعل يبعد عَن الْغرَر وَلَو عمى بعد شِرَاء الْغَائِب فَقُلْنَا لَا تَوْكِيل فِي الرُّؤْيَة انْفَسَخ العقد لِاسْتِحَالَة التَّقْيِيد وَصحح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سلم الْأَعْمَى فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يرد بِهِ إِلَّا كمه لِأَنَّهُ لَا يعرف الصِّفَات وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه لِأَنَّهُ يتخيل فرقا بَين صِفَات الرداءة والجودة التَّفْرِيع أَن فرعنا على قَول اشْتِرَاط الرُّؤْيَة فَعَلَيهِ ثَلَاث مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى أَن استقصاء الْأَوْصَاف على وَجه يُفِيد الْإِحَاطَة بالمقاصد هَل يقوم مقَام الرُّؤْيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لحُصُول ثَمَرَتهَا وَهِي الْمعرفَة وَالثَّانِي لَا إِذْ الرُّؤْيَة تطلع على دقائق لَا تحيط الْعبارَة بهَا الثَّانِيَة رُؤْيَة بعض الْمَبِيع تقوم مقَام رُؤْيَة الْكل إِذا كَانَ المرئي يدل على الْبَاقِي كظاهر صبرَة الْحُبُوب والمائعات هَذَا إِذا كَانَ مُتَّصِلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 فان رأى مِنْهُ أنموذجا وَلم يدْخل فِي البيع فَهُوَ كاستقصاء وصف الْمَبِيع وَالأَصَح وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد انه لَا يقوم مقَام الْوَصْف فِي السّلم لَان اللَّفْظ وَالْوَصْف هُوَ الْمرجع عِنْد الأشكال فِي السّلم وان ادخل فِي البيع صَحَّ على اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح وَفِيه وَجه وان كَانَ المرئي لَا يماثل الْبَاقِي نظر فان كَانَ صَلَاح الشَّيْء فِي إبقائه مَسْتُورا كحب الرُّمَّان ولب الْجَوْز واللوز وَأَمْثَاله كفى رُؤْيَة الظَّاهِر للْحَاجة وَمَا لَيْسَ كَذَلِك يخرج على بيع الْغَائِب فروع أَرْبَعَة الأول القشرة الْعليا من الْجَوْز الرطب مِنْهُم من جعله مَانِعا للاستغناء عَنهُ وَمِنْهُم من ألحقهُ بالسفلى فَفِيهِ مصلحَة إبْقَاء الرُّطُوبَة وَالظَّاهِر أَن النشرة الْعليا من الْبَاقِي تَكْفِي رؤيتها لَان الرُّطُوبَة فِيهَا مَقْصُودَة وَالثَّانِي الْفَأْرَة من الْمسك كالمسح من النوري وَالْجَلد من اللَّحْم فَلَا يَكْفِي النّظر إِلَيْهِ إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهِ كثير صَلَاح والمسك نَفِيس فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِيهِ اعتيادا وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا لم تكن الْفَأْرَة مَفْتُوحَة يحْتَمل إلحاقها بقشرة الْجَوْز ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 إِذا أدخلت الْفَأْرَة فِي البيع خرج على نَجَاسَة الْفَأْرَة وَالصَّحِيح أَنَّهَا طَاهِرَة تَشْبِيها بالبيضة فان الطبية تلقي بطبعها فِي كل سنة وَاحِدَة والمسك كَانَ احب الطّيب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَلِيق بِالشَّرْعِ تنجيس طرفه وَقيل انه نجس لِأَنَّهُ جُزْء مبان من حَيّ الثَّالِث الديباج المنقش لَا يدل أحد وجهيه على الآخر وَالأَصَح أَن الكرباس يدل أحد وجهيه على الآخر وَفِيه وَجه اعْتِبَارا لأحد الْوَجْهَيْنِ بِأحد النصفين الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الرُّؤْيَة السَّابِقَة كالمقارنة إِذا كَانَ الشَّيْء مِمَّا لَا يتَغَيَّر غَالِبا خلافًا لأبي الْقَاسِم الانماطي لَان الْمَقْصُود الْمعرفَة فرعان أَحدهمَا إِذا اقدم على العقد على ظن انه لم يتَغَيَّر على الْغَالِب فَكَانَ قد تغير على الندور فيتبين بطلَان العقد لتبين انْتِفَاء الْمعرفَة أم يَكْتَفِي بِالْخِيَارِ لبِنَاء العقد على ظن فِيهِ خلاف الثَّانِي إِذا قَالَ المُشْتَرِي تغير ولي الْخِيَار وَأنْكرهُ البَائِع قَالَ صَاحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 التَّقْرِيب القَوْل قَول البَائِع إِذْ الأَصْل عدم التَّغْيِير وَقَالَ الخضري بل الأَصْل عدم لُزُوم الثّمن وَالْأول اصح التَّفْرِيع على صِحَة بيع الْغَائِب أَربع مسَائِل الأولى إِذا اشْترى منديلا نصفه فِي صندوق لم يره قطع الْمُزنِيّ بالإبطال فِيمَا نَقله نصا وَمن الْأَصْحَاب من تكلّف لَهُ وَجها وَهُوَ أَن إِثْبَات الْخِيَار فِي النّصْف تَخْصِيصًا محَال والتعميم إِثْبَات فِي المرئي فَيُؤَدِّي إِلَى تنَاقض الحكم وَمِنْهُم من جعل هَذَا بيع غَائِب وَهُوَ الاقيس فان مُوجب الْخِيَار فِي الْبَعْض تسليط على رد كل الْمَبِيع كالعيب بِأحد الْعَبْدَيْنِ فالتعميم غير مُمْتَنع الثَّانِيَة بيع اللَّبن فِي الضَّرع بَاطِل فانه انْضَمَّ إِلَى عدم الرُّؤْيَة الْعَجز عَن تَمْيِيز الْمَعْقُود عَلَيْهِ عَن غَيره إِذا اللَّبن فِي الْعُرُوق ينصب إِلَى الضَّرع وَقت الْحَلب فيختلط بِهِ وَكَذَلِكَ لَو رأى مِنْهُ أنموذجا وَغلط الفوراني إِذْ ذكر فِي الأنموذج وَجْهَيْن نعم لَو قبض على قدر من الضَّرع واحكم شده فَوَجْهَانِ مِنْهُم من حسم الْبَاب لَان الِاطِّلَاع على عدم الِاخْتِلَاط غير مُمكن والشد قد يكون سَبَب حَرَكَة الطبيعة وانصباب اللَّبن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ أَن بَاعَ دون الْجلد فَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بتغيير الْجلد وبشقه ثقبه غَالِبا وان بَاعَ مَعَ الْجلد قطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْبُطْلَانِ وَوَجهه اتِّصَال الْمَقْصُود بِمَا لَيْسَ بمقصود على وَجه لَا يُمكن تَحْصِيل الْمَقْصُود إِلَّا بتغيير وَتصرف فِي الْجلد بالسلخ وَالصَّحِيح تَخْرِيجه على الْقَوْلَيْنِ أما بيع الروس والاكارع المسموطة مَعَ النّظر إِلَى الظَّاهِر فَجَائِز على الْقَوْلَيْنِ فان الْجلد فِي حكم جُزْء يُؤْكَل مِنْهُ الثَّالِثَة إِذا صححنا بيع الْغَائِب فقد اتّفق الاكثرون على انه لَو قَالَ بِعْت مِنْك مَا فِي كمي وَلم يذكر الْجِنْس لَا يجوز وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب أبي حنيفَة وَفِيه وَجه منقاس انه يجوز بِحُصُول التَّعْيِين بِالْإِشَارَةِ ثمَّ للأصحاب طَرِيقَانِ قَالَت المراوزة لَا يشْتَرط شَيْء سوى ذكر الْجِنْس كَقَوْلِه بِعْت العَبْد الَّذِي فِي الْبَيْت فَلَو استقصى الْأَوْصَاف فَهَل يسْقط الْخِيَار لقِيَام الْوَصْف مقَام الرُّؤْيَة فعلى الْخلاف السَّابِق قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يشْتَرط ذكر النَّوْع مَعَ الْجِنْس قطعا وَهُوَ أَن يَقُول عَبدِي التركي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَهل يشْتَرط استقصاء الْأَوْصَاف حَتَّى ينْعَقد بيع الْغَائِب على خِيَار الرُّؤْيَة فعلى وَجْهَيْن والطريقتان متباعدتان الرَّابِعَة يثبت الْخِيَار فِي بيع الْغَائِب بِالرُّؤْيَةِ وَله الْفَسْخ قبل الرُّؤْيَة وَفِي الْإِجَازَة قبلهَا وَجْهَان أظهرهمَا أَنَّهَا لَا تصح لَان الرِّضَا قبل حَقِيقَة الْمعرفَة وَلَو تصور لحصل بقوله اشْتريت فَلَيْسَ فِي قَوْله أجزت زِيَادَة عَلَيْهِ فرع لَو رأى ثَوْبَيْنِ ثمَّ سرق أَحدهمَا من الْبَيْت وَهُوَ لَا يدْرِي أَن الْمَسْرُوق أَيهمَا فَاشْترى الثَّوْب الْبَاقِي فقد اشْترى معينا مرئيا وَقد وَقعت الْمَسْأَلَة فِي الْفَتَاوَى فَقلت أَن تساوى صفة الثَّوْبَيْنِ وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس وَاحِد صَحَّ العقد وان اخْتلف شَيْء من ذَلِك خرج على قولي بيع الْغَائِب لِأَنَّهُ لَيْسَ يدْرِي أَن الْمُشْتَرى خَمْسَة اذرع مثلا أم عشرَة ورؤيته السَّابِقَة لم تفد الْعلم بِقدر الْمَبِيع وَوَصفه فِي حَالَة البيع فَلَا اثر لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي فَسَاد البيع بِجِهَة الرِّبَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَبِيع إِذا كَانَ ربويا اشْترط فِي عقده وَرَاء مَا ذَكرْنَاهُ من الشَّرَائِط السَّابِقَة فِي الْبَاب الأول ثَلَاث شَرَائِط التَّمَاثُل بمعيار الشَّرْع والحلول ونعني بِهِ منع الْأَجَل وَالسّلم وَوُجُوب التَّقَابُض فِي مجْلِس العقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 هَذَا إِذا بيع الرِّبَوِيّ بِجِنْسِهِ فَإِن بيع بربوي آخر يُشَارِكهُ فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ قرينَة الجنسية يسْقط اشْتِرَاط التَّمَاثُل وَبَقِي اشْتِرَاط التَّقَابُض والحلول وَأنكر أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شَرط التَّقَابُض إِلَّا فِي عقد الصّرْف وان بيع بِمَا لَا يدْخل فِي الربويات سَقَطت هَذِه الشَّرَائِط كلهَا ومعتمد الْبَاب مَا روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ عَن مُسلم بن يسَار وَرجل آخر عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْوَرق بالورق وَالْبر بِالْبرِّ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء عينا بِعَين يدا بيد فَإِذا اخْتلف الجنسان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم يدا بيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 أوجب عِنْد التجانس ثَلَاثَة أُمُور وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس أوجب التَّقَابُض وَنفي السّلم بقوله يدا بيد والربا فِي النَّقْدَيْنِ عندنَا مُعَلل بكونهما جوهري الْأَثْمَان فيتعدى إِلَى الْحلِيّ وكل مَا يتَّخذ مِنْهُمَا وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 مُعَلل بِالْوَزْنِ والجنسية وَعلة الرِّبَا فِي الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة عندنَا الطّعْم وَالْجِنْس وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعلَّة مركبة من الْكَيْل والجنسية وَمذهب ابْن الْمسيب أَن الْعلَّة هِيَ الطّعْم فِي الْجِنْس وَالتَّقْدِير وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ والجنسية عندنَا مَحل الْعلَّة فَهِيَ بمجردها لَا تحرم النِّسَاء بل يجوز إِسْلَام الثَّوْب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 فِي جنسه خلافًا لأبي حنيفَة وَيجْرِي الرِّبَا عندنَا فِي دَار الْحَرْب خلافًا لَهُ وَإِذا اشْترى الشَّيْء بِأَقَلّ مِمَّا بَاعه نَقْدا صَحَّ العقدان عندنَا وَقَالَ مَالك بَطل العقدان لِأَنَّهُ ذَرِيعَة إِلَى الرِّبَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة بَطل العقد الثَّانِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وأدلة هَذِه الْمسَائِل مستقصاة فِي الْخلاف وَالنَّظَر الْآن إِنَّمَا يطول فِي الرِّبَا الْفضل فان التَّقَابُض وَتَحْرِيم النَّسِيئَة فرعان لَهُ يجريان فِي كل عينين جمعتهما قرينَة الجنسية من النقدية أَو الطّعْم وَالْكَلَام يتَعَلَّق بأطراف الطّرف الأول فِيمَا يجْرِي الرِّبَا فِيهِ بعلة الطّعْم وَهُوَ كل مَا ظهر مِنْهُ قصد الطّعْم وان ظهر مِنْهُ قصد آخر وَيدخل فِيهِ الْفَوَاكِه والأدوية وَمِنْه الطين الأرضي وَكَذَا الطين الَّذِي يُؤْكَل سفها على الصَّحِيح وَكَذَا الزَّعْفَرَان وان قصد مِنْهُ الصَّبْغ وَكَذَا المَاء فانه مطعوم وَفِي دهن البنفسج ودهن الْكَتَّان وودك السّمك خلاف وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَن الرِّبَا لَا يجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل فِي حَالهَا على عُمُوم وَلَا على الندور بل دهن الْكَتَّان للاستصباح وودك السّمك لطلي السفن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 أما دهن البنفسج قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ القَوْل الْمَنْصُوص فِيهِ انه يجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِأَن النَّاس لَا يتناولونه ضنة بِهِ وَفِيه قَول قديم مخرج وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الرِّبَا فِي الْكل نظرا إِلَى الأَصْل الَّذِي مِنْهُ الاستخراج وإعراضا عَن الْحَال الطّرف الثَّانِي فِي الْخَلَاص من رَبًّا الْفضل والمطعوم يَنْقَسِم فَالَّذِي يعْتَاد تَقْدِيره تحصل الْمُمَاثلَة فِيهِ بمعيار الشَّرْع وَالْعبْرَة فِيهِ بعصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُوزن مَكِيل فِي عصره وَلَا يُكَال مَوْزُون فَإِن فعل فَلَا أثر لَهُ فِي الصِّحَّة وان وجد شَيْء لَا يعرف لَهُ معيار فِي عصره فخمسة أوجه أَحدهمَا الْوَزْن لِأَنَّهُ احصر الثَّانِي الْكَيْل لِأَنَّهُ أَعم الثَّالِث التَّخْيِير للتعادل الرَّابِع يرجع إِلَى عَادَة أهل الْعَصْر وَهُوَ الأفقه الرَّابِع يرجع إِلَى معيار اصله أَن كَانَ مستخرجا من أصل وَيجوز الْكَيْل بقصعة لَا يعْتَاد الْكَيْل بهَا كَمَا يجوز التَّعْدِيل بِالْوَضْعِ فِي كفتي الْمِيزَان وللقفال فِي الْكَيْل بالقصعة تردد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 أما إِذا بَاعَ صبرَة بَصِيرَة جزَافا فَهُوَ بَاطِل وَإِن خرجتا متماثلتين خلافًا لزفَر أما غير الْمُقدر كالبطيخ والسفرجل والقثاء وَالْبيض والجوز مِمَّا لَهُ كَمَال فِي حَالَة جفافه فَلَا يُبَاع بعضه بِالْبَعْضِ فِي حَالَة الرُّطُوبَة أصلا وَإِن لم يكن لَهُ حَالَة جفاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا جَوَاز البيع بِالْوَزْنِ مُتَسَاوِيا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز إِذْ لَيْسَ للشَّرْع فِيهِ معيار وَلَا للْعَادَة ثمَّ إِن جفف نَادرا فَفِي بيع بعضه بِالْبَعْضِ وزنا وَجْهَان مرتبان على حَالَة الرُّطُوبَة وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْمَنْع أَن الْجَفَاف نَادِر فِيهِ غير مَقْصُود فَيلْحق بِحَالَة الرُّطُوبَة كَأَنَّهُ لم يُوجد الْجَفَاف وَالْجَوَاز أَقيس الطّرف الثَّالِث فِي الْحَالة الَّتِي تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِيهَا وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ أينقص الرطب إِذا جف فَقَالَ السَّائِل نعم فَقَالَ فَلَا إِذا منع وَعلل بتوقع النُّقْصَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الْجَفَاف فَدلَّ على أَن الْمَطْلُوب التَّمَاثُل بِالْإِضَافَة إِلَى تِلْكَ الْحَالة فَلَا يُبَاع الرطب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 بالرطب وَالْعِنَب بالعنب وان تماثلا لَان تفَاوت النُّقْصَان عِنْد الْجَفَاف لَا يَنْضَبِط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز بيع الرطب بالرطب وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ جَمِيعًا وَمَا تخْتَلف حَاله من المطعومات ثَلَاثَة الْفَوَاكِه والحبوب والمعروضات على النَّار أما الْفَوَاكِه فَكل مَا يجفف للادخار يحرم بَيْعه فِي حَالَة الرُّطُوبَة فروع أَرْبَعَة أَحدهَا الرطب الَّذِي لَا يتهمر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا منع البيع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف على الْجُمْلَة والرطوبة توجب تَفَاوتا وَالثَّانِي الْجَوَاز لأَنا فهمنا رِعَايَة الْمُمَاثلَة فِي أكمل الْأَحْوَال وَفِي أشرف الْأَشْيَاء والشرف فِي الطّعْم وَكَمَال الْحَال فِي الرُّطُوبَة فِيمَا يفْسد بالجفاف وعَلى هَذَا لَا يجوز بيع رطبه بِالتَّمْرِ هَذَا مَدْلُول كَلَام الْأَصْحَاب وينقدح جَوَازه كَمَا جَازَ بالرطب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 الثَّانِي المشمش والخوخ وَمَا يجفف على ندور فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الرُّطُوبَة أكمل أَحْوَاله وَالثَّالِث الْمَنْع رطبا ويابسا إِذا لم يَتَقَرَّر لَهُ حَالَة كَمَال وللعنب فِي الْكَمَال حالتان الزَّبِيب والخل الثَّالِث يُبَاع الزَّيْتُون بالزيتون وَاللَّبن بِاللَّبنِ وَهِي أَحْوَال كمالها فَإِن الزَّيْت وَالسمن وَمَا إِلَيْهِ مصيرهما لَيْسَ من جنسهما الرَّابِع يحرم بيع التَّمْر بعد نزع النَّوَى لِأَنَّهُ يفْسد كَمَاله وادخاره وللعراقيين فِيهِ وَجه وَاللَّحم يُبَاع الْبَعْض بِالْبَعْضِ فِي حَالَة التَّعَدُّد بعد نزع الْعظم وَمَعَ الْعظم لَا لِأَن الْإِصْلَاح فِي نَزعه وَقيل إِنَّه يجوز بيع اللَّحْم فِي حَالَة الرُّطُوبَة بِاللَّحْمِ لِأَن التَّقْدِير فِيهِ كالنادر وَقيل إِن نزع الْعظم غير وَاجِب وَهُوَ بعيد وَأما المشمش والخوخ مِنْهُم من ألحقهما بِالتَّمْرِ وَمِنْهُم من ألحقهما بِاللَّحْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 فِي وجوب نزع النَّوَى أَو مَنعه أما الْحُبُوب فَلَا خلاص عَن الرِّبَا فِيهَا بالمماثلة إِلَّا فِي حَالَة كمالها وَهُوَ أَن يكون حبا فكمال الْبر فِي حَالَة كَونه برا إِلَّا أَن تكون مقلية أَو مبلولة أَو كشكا مهرسا فان كل ذَلِك يفْسد الادخار والأرز لَا يبطل ادخاره بتنحية قشرته وَفِي الجاورش تردد فان خرج عَن كَونه حبا فَلَا خلاص فِيهَا بالمماثلة كالدقيق والسويق والكعك وَالْخبْز وَسَائِر أَجزَاء الْبر وَللشَّافِعِيّ نُصُوص قديمَة فِي أَجزَاء الْبر مضطربة وَلَكِن قَرَار الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ نعم السمسم وَمَاله دهن من الْحُبُوب يجوز بيع الدّهن بالدهن مِنْهُ متماثلا لِأَنَّهُ أَيْضا حَالَة كَمَال أما اللَّبن فكماله أَن يكون لَبَنًا وَيُبَاع الزّبد بالزبد أَيْضا كَمَا فِي دهن السمسم بدهن السمسم وَكَذَا المخيض بالمخيض إِلَّا أَن يكون فِيهِ مَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَيُبَاع اللَّبن بالرائب المنعقد وان كَانَ خاثرا إِلَّا أَن يكون معروضا على النَّار وأجزاء اللَّبن كالمصل والأقط والجبن لَا يُبَاع بَعْضهَا بِبَعْض وَلَا بالمخيض وَلَا بِاللَّبنِ لمفارقة حَالَة الْكَمَال وأجزاء اللَّبن كالدقيق وَالْخبْز مَعَ الْبر أما المعروضات على النَّار فَهِيَ مُفَارقَة لحالة الْكَمَال وَمِنْه اللَّحْم المشوي والمطبوخ والدبس أما السكر والفانيذ والقند واللبأ وَهُوَ لبن عرض على النَّار أدنى عرض وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالنَّار فِي كل ذَلِك خلاف لضعف أثر النَّار وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالشمس حَاله حَال كَمَال وفَاقا وَالصَّحِيح جَوَاز بيع الْعَسَل بالعسل وان عرض على النَّار لَان ذَلِك للتمييز فَهُوَ كَبيع السّمن بالسمن فانه جَائِز وان كَانَ لَا يجوز بيع السّمن بالزبد لَان اثر النَّار عِنْد ذَلِك يظْهر التَّفَاوُت الطّرف الرَّابِع فِي اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه وَالنَّظَر فِي اللحوم والألبان والأدقة والأدهان والخلول والحلاوات أما اللحوم فَفِيهَا قَولَانِ أصَحهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنَّهَا أَجنَاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 لاخْتِلَاف الْحَيَوَانَات وَكَيف يجانس لحم العصفور لحم الْإِبِل وَالثَّانِي أَنَّهَا جنس لِأَنَّهَا اندرجت تَحت اسْم وَاحِد لَا يتَمَيَّز بَعْضهَا إِلَّا بِالْإِضَافَة كأنواع التَّمْر وَالْعِنَب وعَلى هَذَا فِي الْبري مَعَ البحري وَجْهَان لأَنا قد لَا ندرج الْحُوت تَحت اسْم اللَّحْم فِي التَّمْيِيز وان قُلْنَا إِنَّهَا أَجنَاس فأنواع الْغنم من الضَّأْن والمعز جنس وَاحِد وَكَذَا أَنْوَاع الْحمام من الدبسي والفواخت والبحريات جنس وَاحِد إِن أطلقناه أَحللنَا الْكل بتسميتها حوتا وان لم ندرجها تَحت اسْم الْحُوت فَهِيَ أَجنَاس فان قيل الكرش والكبد وَالطحَال والرئة والأمعاء وَمَا يخْتَص باسم وَاحِد خَاص مَا حكمهَا إِن قُلْنَا إِن اللحوم أَجنَاس فَهَذِهِ مَعَ اخْتِلَاف الْأَسَامِي أولى وان قُلْنَا أَنَّهَا جنس فَهَذَا يَنْبَنِي على الْيَمين فَكل مَا يَحْنَث الْحَالِف على تنَاول اللَّحْم بتناوله فَهُوَ جنس اللَّحْم وكل مَا لَا يَحْنَث بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان لَان الْيَمين يبْنى على الِاسْم لَا على حَقِيقَة الجنسية وَالْمذهب أَن الْحَالِف على اللَّحْم لَا يَحْنَث بِشَيْء من ذَلِك وَيحنث بالروس والأكارع وَلَا يَحْنَث بالشحم والإلية وَيحنث بسمين اللَّحْم وَألْحق المراوزة الْقلب بِاللَّحْمِ وألحقه الْعِرَاقِيُّونَ بالكبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 فان قيل هَل يجوز بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ قُلْنَا لَا إِذْ ورد النَّهْي فِيهِ وَذَلِكَ فِي بيع لحم الْغنم بالغنم أما الْبَقر وَغير الْغنم يبْنى على اتِّحَاد الْجِنْس إِن قُلْنَا اللحوم جنس حرم وان قُلْنَا أَجنَاس فَقَوْلَانِ أقيسهما الصِّحَّة إِذْ فهمنا تَقْدِير اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ إِذا قوبل بِجِنْسِهِ إِذْ لَو استرسلنا على الْعُمُوم انجر إِلَى منع بيع اللَّحْم بالحمار وبالعبد وَنحن قد نخصص الْعُمُوم بِقَرِينَة معنوية تفهم من اللَّفْظ كتخصيصنا اللَّمْس بِغَيْر الْمَحَارِم وحرمان الْمِيرَاث بِمن لَيْسَ مُسْتَحقّا للْقَتْل حَتَّى لَا يحرم الْمُقْتَص والجلاد أما الأدقة فَهِيَ أَجنَاس مُخْتَلفَة وَالْمذهب أَن الألبان كاللحوم لِأَنَّهَا أجزاؤها انحصرت مِنْهَا والأدهان مُخْتَلفَة وَقيل يخرج على قولي اللحوم أما الدّهن وَالْكَسْب فجنسان كالسمن والمخيض والخلول كالأدهان وَفِي خل الْعِنَب وعصيره وَجْهَان أظهرهمَا اخْتِلَاف الْجِنْس وان كَانَ ذَلِك بِغَيْر الصّفة لَان تَغْيِير الصّفة قد يَجْعَل غير الرِّبَوِيّ ربويا وَالظَّاهِر أَن السكر والفانيذ جنسي لَان اصلهما الْقصب والتفاوت يسير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 الطّرف الْخَامِس فِي قَاعِدَة مد عَجْوَة وَضبط الْقَاعِدَة أَن الصَّفْقَة مهما اشْتَمَلت على مَال الرِّبَا من الْجَانِبَيْنِ وَاخْتلف الْجِنْس من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَالْبيع بَاطِل ولأجله يبطل بيع الْهَرَوِيّ بالهروي وبالنقرة وبالنيسابوري وَكَذَلِكَ بيع المعجونات والمخلوطات بَعْضهَا بِبَعْض وَكَذَلِكَ الشهد فانه عسل وشمع وَكَذَا الْجُبْن فَفِيهِ مَاء وملح وَكَذَا خل الزَّبِيب فَفِيهِ مَاء وَبيع مد وَدِرْهَم بمدين أَو دِرْهَمَيْنِ أَو مد وَدِرْهَم بَاطِل وَالْأَصْل فِيهِ مَا روى فضَالة بن عبيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بقلادة فِيهَا ذهب وخرز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 تبَاع بِالذَّهَب فَأمر بِنَزْع الذَّهَب وَقَالَ الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن ولان مَا فِي أحد الْجَانِبَيْنِ إِذا وزع على مَا فِي الْجَانِب الثَّانِي بِاعْتِبَار الْقيمَة أفْضى إِلَى المفاضلة أَو الْجَهْل بالمماثلة وَهَذَا الْمَعْنى يجْرِي فِي اخْتِلَاف النَّوْع فنص الشَّافِعِي على انه لَو راطل مائَة دِينَار عتق وَمِائَة دِينَار رَدِيء بِمِائَتي دِينَار وسط بَطل العقد وَهَذَا مُشكل مَعَ تحقق الْمُمَاثلَة فِي الْوَزْن بَين الْعِوَضَيْنِ وَلَكِن التَّوْزِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة يُفْضِي إِلَى المفاضلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يُخَالف الْمَذْهَب فِي مَسْأَلَة المراطلة وَيبْطل التَّعْلِيل بالتوزيع ويعلل بِالْجَهْلِ بالمماثلة وَذَلِكَ يجْرِي عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس فروع ثَلَاثَة الأول إِذا بَاعَ خَمْسَة دَرَاهِم مكسرة وَخَمْسَة صحاحا بِعشْرَة مكسرة أَو صَحِيحَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا الْأَصْحَاب أَحدهمَا الْبطلَان كَمَا فِي مَسْأَلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 المراطلة لِأَن الْقيمَة تخْتَلف بِالصِّحَّةِ والتكسر وَالثَّانِي الصِّحَّة إِذْ الْغَالِب جَرَيَان الْمُسَامحَة باشتمال الدَّرَاهِم على مكسرات فصفة الصِّحَّة فِي مَحل الْمُسَامحَة فَهُوَ خَارج عَن الْقَصْد بِخِلَاف الْعتْق والرداءة فِي الذَّهَب بل هَذَا كاشتمال الصَّاع على تميزات رَدِيئَة لَو ميزت لنَقص قيمتهَا بِالْإِضَافَة إِلَيّ غَيرهَا وَلَا خلاف أَن ذَلِك غير مَنْظُور إِلَيْهِ الثَّانِي إِذا بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحدهمَا حبات من جنس الآخر إِن كَانَ مِقْدَارًا يقْصد اخْتِلَاطه أَو تَحْصِيله فَهُوَ مَانع وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ إِن بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَفِيهِمَا تُرَاب إِن كَانَ يظْهر أَثَره فِي الْمِكْيَال فَبَاطِل لِأَنَّهُ يتَفَاوَت الْقدر وتجهل الْمُمَاثلَة ويرعى فِي الحبات من جنس الآخر ظُهُور قصد الْمَالِيَّة لَا النُّقْصَان فِي الْمِكْيَال الثَّالِث بيع الشَّاة اللَّبُون بِالشَّاة اللَّبُون بَاطِل لَان اللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة وَفِي بيع دَار فِيهَا جمة مَاء بِمِثْلِهَا وَجْهَان إِذا قُلْنَا المَاء رِبَوِيّ لَان المَاء لَا يقْصد عينه مَعَ الدَّار وَاللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة وَسوى أَبُو الطّيب بن سَلمَة بَين اللَّبُون وَبَين مَسْأَلَة الدَّار فِي الْمَنْع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 فان قيل مَا الْفرق بَين التَّمْر والشهد وَفِي التَّمْر نوى كَمَا أَن فِي الشهد شمعا قُلْنَا النَّوَى من صَلَاح التَّمْر وَلَيْسَ الشمع من صَلَاح الْعَسَل فَلم يعد جُزْءا مِنْهُ فان قيل إِذا جوزتم بيع اللَّبن بِاللَّبنِ وَلم تقدروه سمنا ومخيضا فَلم منعتم بيع السّمن بِاللَّبنِ وهلا قُلْتُمْ لَا يقدر السّمن فِي اللَّبن كَمَا لم يقدر إِذا قوبل اللَّبن بِاللَّبنِ قُلْنَا لَان الجنسية مَعْلُومَة بَين اللبنين فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير وَلَا تَمْيِيز بَين السّمن والمخيض فِيهِ حَتَّى نحكم باجتماع الجنسين وَإِذا قوبل السّمن بِاللَّبنِ لم يُمكن إِطْلَاق القَوْل بالجنسية وَلَا باخْتلَاف الْجِنْس لِأَن فِيهِ من جنسه فغلب جَانب التَّحْرِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي فَسَاد العقد من جِهَة نهي الشَّارِع عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعِنْدنَا أَن مُطلق النَّهْي عَن العقد يدل على فَسَاد العقد إِلَّا إِذا ظهر تعلق النَّهْي بِأَمْر غير العقد اتّفق مجاورته للْعقد كَقَوْلِه تبَارك وَتَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} فَحكم بِصِحَّة البيع فِي وَقت النداء إِذْ علم قطعا أَن النَّهْي عَن البيع لَا لأمر رَاجع إِلَى عينه فانه غير مَحْذُور والمحذور ترك الْجُمُعَة وَقد حصل البيع وَهُوَ غير مُتَعَلق بمقاصد البيع فَلم يتأثر بِهِ فَإِذن المناهي قِسْمَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 الْقسم الأول مَا لم يدل على الْفساد وَهِي خَمْسَة الأول نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النجش قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ ذَلِك من أَخْلَاق ذَوي الدّين والنجش هُوَ الرّفْع والناجش من يطْلب سلْعَة بَين يَدي الرَّاغِب فِيهَا بِأَكْثَرَ من قيمتهَا وَهُوَ لَا يريدها ليرغب فِيهَا المستام فَهَذِهِ خديعة مُحرمَة وَلَكِن العقد صَحِيح من الْعَاقِدين وَالْإِثْم يلْحق غَيرهمَا ثمَّ لَا خِيَار إِن لم تجر مواطأة من البَائِع وان جرى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يثبت بِالْغبنِ فِي كل بيع وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ غبن اسْتندَ إِلَى تلبيس فضاهى غبن الْمُصراة وَصُورَة تلقي الركْبَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الثَّانِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يبيعن أحدكُم على بيع أَخِيه وَلَا يسومن على سوم أَخِيه فَإِذا كَانَ المتعاقدان فِي مجْلِس العقد فَطلب طَالب السّلْعَة بِأَكْثَرَ من الثّمن ليرغب البَائِع فِي فسخ العقد فَهَذَا هُوَ البيع على بيع الْغَيْر وَهُوَ محرم لِأَنَّهُ إِضْرَار بِالْغَيْر وَلكنه مُنْعَقد لِأَن نفس البيع غير مَقْصُودَة بِالنَّهْي فَإِنَّهُ لَا خلل فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا رغب المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ لغَرَض سلْعَة أَجود مِنْهَا بِمثل ثمنهَا أَو مثلهَا بِدُونِ ذَلِك الثّمن والسوم على السّوم أَن يطْلب السّلْعَة بِزِيَادَة على مَا اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَين المتساومين قبل البيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَإِنَّمَا يحرم على من بلغه الْخَبَر فان تَحْرِيمه خَفِي قد لَا يعرفهُ كل وَاحِد بِخِلَاف النجش فان تَحْرِيم الخداع جلي فِي الشَّرْع ثمَّ قَالَت المراوزة الْخطْبَة على الْخطْبَة أَيْضا مُحرمَة كالسوم وَلَكِن سكُوت الْوَلِيّ ثمَّ كالإجابة على أحد الْقَوْلَيْنِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي النِّكَاح وَالسُّكُوت فِي البيع لَا يحرم السّوم وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فرق بل التعويل على فهم الرِّضَا بِالْقَرِينَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيحرم ذَلِك بعد فهم الرِّضَا بالإجابة فيهمَا وَهَذَا أفقه الثَّالِث نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يَبِيع حَاضر لباد وَهُوَ أَن يَأْتِي البدوي الْبَلدة وَمَعَهُ قوت يَبْغِي التسارع إِلَى بَيْعه رخيصا فَيَقُول لَهُ الْبَلَدِي اتركه عِنْدِي لأغالي فِي بيعَته فَهَذَا الصَّنِيع محرم لما فِيهِ من الْإِضْرَار بِالْغَيْر وَالْبيع إِذا جرى مَعَ المغالاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 مُنْعَقد وَهَذَا إِذا كَانَت السّلْعَة مِمَّا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا فان كَانَت سلْعَة مِمَّا لَا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا وَكَثُرت الأقوات واستغني عَنهُ فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم ظَاهر النَّهْي وحسم بَاب الضَّرَر وَفِي الثَّانِي على معنى الضَّرَر الرَّابِع قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تتلقوا الركْبَان بِالْبيعِ فَمن تلقي فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق وَصورته أَن يسْتَقْبل الركْبَان ويكذب فِي سعر الْبَلَد وَيَشْتَرِي بِأَقَلّ من ثمن الْمثل فَهُوَ تغرير محرم وَلَكِن الشِّرَاء مُنْعَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 ثمَّ إِن كذب وَظهر الْغبن ثَبت الْخِيَار وَإِن صدق فَوَجْهَانِ يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم النَّهْي وَفِي الآخر على معنى الضَّرَر فجامع هَذِه المناهي يرجع إِلَى عقد لَا خلل فِيهِ ويتضمن إِضْرَارًا ولأجله نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن الاحتكار وَهُوَ ادخار الأقوات للغلاء وَنهى عَن التسعير لَان تصرف الإِمَام فِي الأسعار يُحَرك الرغبات ويفضي إِلَى الْقَحْط وَقَالَ الْعلمَاء يكره بيع السِّلَاح من قطاع الطَّرِيق وَبيع الْعصير من الْخمار لِأَنَّهُ إِعَانَة على الْمعْصِيَة والإضرار الْخَامِس نهى عَن التَّفْرِيق بَين الوالدة وَوَلدهَا فِي البيع وَالظَّاهِر أَن الْوَالِد فِي معنى الوالدة وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا من الْأَقَارِب وَفِي الْجدّة احْتِمَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 ثمَّ يخْتَص بِمَا قبل التَّمْيِيز فَلَا يجْرِي فِيمَا بعد الْبلُوغ وَفِيمَا بَين السنين وَجْهَان وَفِي فَسَاد هَذَا البيع قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن النَّهْي رَاجع للأضرار فَيحرم وَلَا يفْسد البيع إِذْ لَا خلل فِي نَفسه وَالثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد لَان التَّسْلِيم تَفْرِيق وَهُوَ محرم والممنوع شرعا كالممتنع حسا فَيلْحق بِالْعَجزِ عَن التَّسْلِيم وَيقرب من هَذَا بيع السِّلَاح من أهل الْحَرْب قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لأَنهم لَا يعدون إِلَّا لقتالنا فالتسليم إِلَيْهِم إِعَانَة مُحرمَة وَفِيه وَجه آخر أَنه محرم وَينْعَقد كَالْبيع من قطاع الطَّرِيق وَهُوَ منقاس وَلكنه غير مَشْهُور الْقسم الثَّانِي من المناهي مَا حمل على الْفساد وَذَلِكَ إِمَّا لتطرق خلل إِلَى الْأَركان والشرائط الَّتِي سبقت فِي الْبَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 الأول أَو لِأَنَّهُ لم يبْق للنَّهْي مُتَعَلق سوى العقد مُنْفَصِلا عَنهُ فَحمل على الْفساد وَهِي ثَمَانِيَة الأول نَهْيه عَن بيع حَبل الحبلة وَله تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا أَن يَبِيع بِثمن إِلَى اجل وَهُوَ وضع نتاج النَّاقة فَإِنَّهُ اجل مَجْهُول يطْرق جهلا إِلَى الثّمن وَالثَّانِي بيع نتاج النِّتَاج قبل الْوُجُود على عَادَة الْعَرَب وَهُوَ بيع مَا لَيْسَ بمملوك وَلَا مَقْدُور وَلَا مَعْلُوم الثَّانِي نَهْيه عَن بيع الملاقيح والمضامين والملقاح هُوَ مَا فِي بطن الْأُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 والمضامين مَا هُوَ فِي أصلاب الفحول فَهِيَ غير مقدورة وَلَا مَعْلُومَة الثَّالِث نَهْيه عَن بيع الْمُلَامسَة وَله تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا أَن يَقُول مهما لمست ثوبي فَهُوَ مَبِيع مِنْك وَهُوَ بَاطِل لانه تَعْلِيق أَو عدُول عَن الصِّيغَة الشَّرْعِيَّة وَقيل مَعْنَاهُ أَن يَجْعَل اللَّمْس بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة قَاطعا للخيار وَيرجع ذَلِك إِلَى تَعْلِيق اللُّزُوم وَهُوَ غير نَافِذ وَنهى عَن بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ فِي معنى الْمُلَامسَة فالنبذ كاللمس وَقيل مَعْنَاهُ أَن تتنابذ السّلع وَتَكون معاطاة وَلَا ينْعَقد بهَا البيع عندنَا الرَّابِع نهى عَن بيع الْحَصَاة وَهُوَ أَن يَجْعَل رمي الْحَصَاة بيعا أَو يَقُول بِعْت مِنْك من السّلع مَا تقع عَلَيْهِ حصاتك إِذا رميت أَو بِعْت من الأَرْض إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي حصاتك فَالْكل فَاسد لما سبق من الْمعَانِي الْخَامِس نَهْيه عَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تأولين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 أَحدهمَا أَن تَقول بِعْتُك بِأَلفَيْنِ نَسِيئَة أَو بِأَلف نَقْدا أَيهمَا شِئْت أخذت بِهِ فاخذ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ فَاسد لانه إِبْهَام وَتَعْلِيق وَالْآخر أَن تَقول بِعْتُك عَبدِي على أَن تبيعني فرسك وَهُوَ فَاسد لانه شَرط لَا يلْزم ويتفاوت بِعَدَمِهِ مَقْصُود العقد وَقد نهى مُطلقًا عَن بيع وَشرط وَكَذَلِكَ نهى عَن بيع وَسلف وَمَعْنَاهُ أَن يشْتَرط فِيهِ قرضا السَّادِس نهى عَن ثمن الْكَلْب وَالْخمر وَهُوَ مُعَلل بِالنَّجَاسَةِ فيتعدى إِلَى كل نجس عندنَا وَصحح أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شِرَاء الْخمر للْمُسلمِ بوكالة الذِّمِّيّ إِذا بَاشرهُ الذِّمِّيّ وَهُوَ وَكيل السَّابِع نهى عَن بيع مَا لم يقبض وَعَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان وَعَن بيع الكالئ بالكالئ وَسَيَأْتِي تَفْصِيله وَنهى عَن بيع الْغرَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَعَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَقد ذَكرْنَاهُ وَقد نهى عَن ثمن عسب الْفَحْل وَذَلِكَ لانه غير مَقْدُور على التَّسْلِيم الثَّامِن نهى عَن بيع وَشرط فَاقْتضى مطلقه امْتنَاع كل شَرط فِي البيع وَالْمَفْهُوم من تَعْلِيله انه إِذا انْضَمَّ شَرط إِلَى البيع بقيت مَعَه علقَة بعد العقد يتَصَوَّر بِسَبَبِهَا مُنَازعَة ويفوت بفواتها مَقْصُود الْعَاقِد وينعكس على أصل العقد فيحسم الْبَاب وَلم يكن مَحْذُور هَذَا النَّهْي مُنْفَصِلا عَن العقد فَيدل على فَسَاده أَو فَسَاد الشَّرْط لَا محَالة وَيسْتَثْنى من هَذَا الأَصْل حَال الْإِطْلَاق سِتَّة شُرُوط الأول أَن يشْتَرط مَا يُوَافق العقد كَقَوْلِه بِعْت بِشَرْط أَن تنْتَفع بِهِ وتتصرف كَمَا تُرِيدُ لَا يبْقى علقَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَلا يَأْكُل إِلَّا الهريسة وَلَا تلبس إِلَّا الْخَزّ وَمَا لَا غَرَض فِيهِ لانه لَيْسَ فِيهِ علقَة يتَعَلَّق بهَا نزاع يتَغَيَّر بِهِ غَرَض فَهُوَ هذيان سَاقِط وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن صُورَة اللَّفْظ وَلكنه منطبق على الْمَعْنى الْمَفْهُوم الثَّانِي شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا دونه بِشَرْط أَن يكون مَعْلُوما وان لَا يكون زَائِدا وَسَببه الْحَاجة لِكَثْرَة الغبينة وَعرف ذَلِك بِنَصّ الْأَحَادِيث الثَّالِث شَرط المهلة فِي الثّمن إِلَى مِيقَات مَعْلُوم عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ الْعَامَّة الرَّابِع شَرط الْوَثِيقَة فِي الثّمن بِالرَّهْنِ أَو الْكَفِيل أَو الشَّهَادَة عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويعلل بِعُمُوم الْحَاجة لكَي يعرف الْكَفِيل بتعيينه والمرهون بتعيينه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 أَن الْغَرَض يتَفَاوَت بِهِ وَلَا يشْتَرط تعْيين الشُّهُود إِذْ لَا يتَفَاوَت الْغَرَض وَهل يشْتَرط تعْيين من يعدل الرَّهْن على يَده فِيهِ وَجْهَان وَلَو عين الشُّهُود فَهَل يتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَعَيَّن كالكفيل وَالثَّانِي لَا كتعيين الْمِيزَان إِذا لَا أرب فِيهِ فان قُلْنَا لَا يتَعَيَّن فَلَا يفْسد بِهِ العقد بل هُوَ لاغ لَا يتأثر العقد بِهِ وَلَو شَرط أَن يكون الْمَبِيع رهنا بِالثّمن قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ البيع مفسوخ قَالَ الْأَصْحَاب ذَلِك يبْنى على قَوْلنَا الْبِدَايَة فِي التَّسْلِيم بالبائع اَوْ فان قُلْنَا الْبِدَايَة بالبائع أَو يجب التَّسْلِيم عَلَيْهِمَا فيتخيران بالمشتري أَو يتساويان ليَكُون الشَّرْط مغيرا مُقْتَضى العقد وتعليله أَن التَّسْلِيم إِذا وَجب عَلَيْهِ بِمُقْتَضى العقد فَاشْترط أَن يكون البيع رهنا فِي يَده على الثّمن فقد غير مُقْتَضى العقد فِي إِيجَاب التَّسْلِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 فَيفْسد وان قُلْنَا الْبِدَايَة بالمشتري فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة إِذْ لَا مَانع وَالثَّانِي الْبطلَان لَان يَد البَائِع يَد ضَمَان وَلَيْسَ يَد الْمُرْتَهن يَد ضَمَان بل يَد أَمَانَة فهما ضدان فَلَا يجمع بَين حكميهما فِي حَال وَاحِدَة وَالْأول أظهر ثمَّ هَذِه الشُّرُوط إِذا صححت فَلَو امْتنع المُشْتَرِي عَن الْوَفَاء بالكفيل وَالرَّهْن وَالْإِشْهَاد ثَبت لَهُ الْخِيَار فِي البيع وَلَو أجَاب فَامْتنعَ البَائِع من قبُول الرَّهْن مثلا فَيجْبر أم يُخَيّر بَين الْقبُول وَبطلَان الْخِيَار فِيهِ تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب وَيثبت الْخِيَار مهما تلف الْمَرْهُون قبل التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ إِذا خرج الْعين الْمعِين للرَّهْن معيبا وَهُوَ لم يطلع عَلَيْهِ وَلَو تلف بعد الْقَبْض فِي الْمَرْهُون فَلَا خِيَار وَلَو اطلع بعد فَوَاته فِي يَده على عيب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار فِي اصل البيع وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 أَحدهمَا لَا لانه لم يتَمَكَّن من الرَّد وَالثَّانِي نعم إِذْ بَان أَن مَا سبق لم يكن وَفَاء بالملتزم فان قيل فَهَذِهِ الشُّرُوط لَو فَسدتْ بِجَهَالَة أَو غَيرهَا أَو ذكر شرطا لَيْسَ فِي هَذِه الْأَقْسَام المستثناة وَحكم بفسادها فَهَل يفْسد العقد وَتبقى علته وَذَلِكَ فِي الْأَجَل وَالْخيَار وَغَيره وَفِي شَرط الْوَثِيقَة قَولَانِ وَوجه الْفرق أَنَّهَا أُمُور مُسْتَقلَّة مُنْفَصِلَة ففسادها لَا يُوجب فَسَاد العقد بل يَلْغُو والاقيس الأول لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن بيع وَشرط وَالْمَقْصُود بِالنَّهْي البيع فليفسد العقد بِمُطلق النَّهْي ولان مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إِذا ضم إِلَى العقد تأثر بِهِ فاشبه الْخِيَار وَالْأَجَل وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ نصا غَرِيبا أَن البيع لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة بل يَلْغُو الشَّرْط كَمَا فِي النِّكَاح وَحَكَاهُ أَبُو ثَوْر أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَهُوَ بعيدَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 الْخَامِس مِمَّا اسْتثْنِي عَن النَّهْي شَرط الْعتْق فِي الْمَبِيع لما روى أَن بَرِيرَة قَالَت لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو باعك أولياؤك لصببت لَهُم ثمنك صبا فَقَالَ السَّادة لَا نَفْعل ذَلِك إِلَّا بِشَرْط أَن تعتقك وَيكون الْوَلَاء لنا فَذكرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اشْترِي واشترطي لَهُم الْوَلَاء ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا بَال أَقوام يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله عز وَجل فِي خطْبَة طَوِيلَة فَأذن فِي ذَلِك وَلَا يَأْذَن فِي بَاطِل وَأنكر هَذَا التَّكْلِيف عَلَيْهِم مَعَ الْإِذْن فِي الْإِجَابَة وَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا أَن شَرط الْعتْق كَسَائِر الشُّرُوط الْفَاسِدَة وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَلكنه لَا وَجه لَهُ بتأييد القَوْل الْغَرِيب بِهِ وَهُوَ أَن العقد صَحِيح وَالشّرط فَاسد وَتَأْويل الحَدِيث انه إِذن فِي العقد وَالشّرط أما العقد فَصَحِيح واما الشَّرْط فَغير لَازم وَلَكِن كَانَ يَثِق بعائشة أَنَّهَا تفي بِالشّرطِ تكرما وَهَذَا أولى كي لَا يكون مناقضا للْقِيَاس والتأويل بِالْقِيَاسِ غير مَمْنُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وَنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله على مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ مُوَافقَة الحَدِيث فِي تَصْحِيح الشَّرْط وَالْعقد أما الْمصير إِلَى فَسَاد العقد فَلَا يعقل لَهُ وَجه مَعَ الحَدِيث بِحَال وَلَو قَالَ بِهِ قَائِلُونَ والتفريع بِهِ على النَّص فِي صِحَة الشَّرْط فعلى هَذَا لَو شَرط الْوَلَاء للْبَائِع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يَصح وَله الْوَلَاء لقصة بَرِيرَة رَحمهَا الله وانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَأْمر بِفساد وَالثَّانِي الْمَنْع فانه فِي غَايَة الْبعد عَن الْقيَاس وَاحْتِمَال تَقْدِير مساهلة من الشَّارِع فِي هَذِه المشارطة أَهْون من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس وَهَذَا أَيْضا يشوش التَّعَلُّق بِالنَّصِّ فِي اصل الشَّرْط فليقبل النَّص جملَة وتفصيلا فان قيل الْعتْق الْمُسْتَحق بعد صِحَة الشَّرْط لمن هُوَ قُلْنَا اخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ هُوَ حق الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 كَأَنَّهُ الْتزم الْعتْق بِشَرْطِهِ فاشبه النّذر وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ حق البَائِع لانه ثَبت بِشَرْطِهِ ويبتنى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهمَا أَنه هَل تثبت لَهُ الْمُطَالبَة فان قُلْنَا حَقه فَنعم وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَوَجْهَانِ أصَحهمَا انه يملك الطّلب إِذْ ثَبت بِشَرْطِهِ وَتعلق بِهِ غَرَضه وان كَانَ لله تَعَالَى فِيهِ حق الثَّانِي انه هَل يسْقط اللُّزُوم بعفوه وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَلَا وان قُلْنَا حَقه فَوَجْهَانِ إِذْ رب الْحق لَا يقبل الْإِسْقَاط إفرادا كالأجل ويطرد هَذَا فِي عَفْو مُسْتَحقّ الْكَفِيل وَالرَّهْن وعَلى الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يجْرِي إِعْتَاق المُشْتَرِي إِيَّاه عَن الْكَفَّارَة لتَعلق اسْتِحْقَاق الْغَيْر بِهِ الثَّالِث إِذا امْتنع المُشْتَرِي من الْإِعْتَاق ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 أَحدهمَا ثُبُوت الْخِيَار للْبَائِع كَمَا فِي الِامْتِنَاع من الْكَفِيل وَالرَّهْن وَالثَّانِي انه يجْبر على الْعتْق كَمَا يجْبر الْمولى على الطَّلَاق وَهَذَا يلْتَفت على انه حق الله تَعَالَى فَلَا وَجه لإسقاطه بِفَسْخ البَائِع وَلَا بإجازته وَرضَاهُ بِعَدَمِ الْعتْق فرع لَو مَاتَ العَبْد قبل اتِّفَاق الْعتْق فقد تصدى تَفْوِيت حق البَائِع من الْعتْق إِلَى غير بدل أَو إِيجَاب بدل بعد زَوَال ملكه وسلامة الثّمن لَهُ فَاخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ يفْسخ العقد فيسترد الثّمن وَيضمن المُشْتَرِي الْقيمَة حذارا عَن ارْتِكَاب محَال وَمِنْهُم من قَالَ الِانْفِسَاخ بعد الْقَبْض من غير سَبَب أَيْضا محَال فَيغرم المُشْتَرِي قدر التَّفَاوُت بَين قِيمَته مَعَ الشَّرْط وَقِيمَته دون الشَّرْط وَالثَّالِث أَن الْغرم لَا بُد مِنْهُ وَلَكِن يغرم مثل نِسْبَة هَذَا التَّفَاوُت من الثّمن لَا من الْقيمَة بِعَينهَا وَهَذَا أعدل الْوُجُوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 السَّادِس إِذا شَرط فِي البيع وَصفا ناجزا لَيْسَ يتَوَقَّف على إنْشَاء أَمر بعده وَذَلِكَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يرجع إِلَى عين والى مَا هُوَ وصف مَحْض أما الْوَصْف الْمَحْض فَيصح شَرطه كَقَوْلِه بِعْت العَبْد على انه كَاتب أَو خباز ثمَّ أَن اخلف ثَبت لَهُ الْخِيَار أما مَا يرجع إِلَى الْعين كَقَوْلِه بِعْت الْجَارِيَة على أَنَّهَا حُبْلَى وَكَذَا الْبَهِيمَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لانه يرجع إِلَى شَرط إدراج الْحمل فِي البيع فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْت الْجَارِيَة وَحملهَا بِدِينَار فيلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه الأول أَن الْحمل كالوصف فِي الْحَيَوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 أما إِذا شَرط فِي الشَّاة أَن تكون لبونا مِنْهُم من قَالَ هُوَ كوصف الحرفة وَالْكِتَابَة فانه لَيْسَ بِشَرْط وجود اللَّبن فِي الْحَال فاللبن يتَحَصَّل بِصفة غريزية ناجزة وَاللَّبن من ثَمَرَتهَا وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحمل فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَلَو شَرط حَشْو فِي الْجُبَّة فَهُوَ من قبيل الْحمل وَأولى بِالصِّحَّةِ لَان الحشو يعلم وجوده وَالْحمل يتَرَدَّد فِيهِ ولسنا نشترط رُؤْيَة حَشْو الْجُبَّة على قَول منع بيع الْغَائِب لَان الْجُبَّة قد تقصد على هَذَا الْوَجْه وَكَذَلِكَ لَا نشترط أَن يرى من الدَّار كل ضبة وسلسلة على بَاب لانه صَار وَصفا وتبعا أما إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة على أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صَاعا فَالشَّرْط صَحِيح فان خرج كَذَلِك فَلَا كَلَام وان زَاد لم يَصح فِي الزَّائِد وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وان نقص فَفِي صِحَّته فِي ذَلِك الْقدر خلاف يلْتَفت على مَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه النعجة فَإِذا هِيَ رمكة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 فَفِي قَول يعول على الْإِشَارَة وَفِي آخر يعول على الْعبارَة وانما صححنا الشَّرْط وَلم نفسد العقد فِي الأَصْل لَان كَثْرَة الصيعان فِي حكم الْوَصْف للصبرة فروع ثَلَاثَة أَحدهَا إِذا قَالَ بِعْتُك وَلم يذكر الثّمن فسد وَالْمَبِيع مَضْمُون فِي يَد المُشْتَرِي أَن قَبضه وان لم يذكر الثّمن لَان البيع يَقْتَضِي بمطلقه طلب عوض وان قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن فَهَل ينْعَقد هبة ذكر القَاضِي قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم لانه أَفَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّمْلِيك مجَّانا وَالثَّانِي لَا لَان اللَّفْظ متهافت فان البيع يَقْتَضِي ثمنا فان قُلْنَا لم ينْعَقد فَفِي الضَّمَان على الْمُشْتَرى إِذا قبض وَجْهَان أَحدهمَا يجب ككل شِرَاء فَاسد وَالثَّانِي لَا لَان عِلّة الضَّمَان انه لم ينزل عَنهُ إِلَّا بِبَدَل فليرد إِلَيْهِ اَوْ بدله وَهَا هُنَا نزل عَنهُ مجَّانا الثَّانِي إِذا اسْتثْنى حمل الْحَيَوَان عَن البيع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة كَمَا لَو كَانَ الْوَلَد حرا فان بيع ألام صَحِيح على الظَّاهِر وَالثَّانِي لَا لَان الْمَبِيع معرض لغرر بِسَبَب غير الْمَبِيع الثَّالِث إِذا قَالَ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع بِدِينَار على أَن تحصده لي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 من أَصْحَابنَا من قَالَ يفْسد لانه شَرط فعلا فِي عقد فَكَأَنَّهُ يَبْغِي مِنْهُ فعلا مَعَ الْمَبِيع وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل مَعْنَاهُ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع واستأجرتك على حَصَاده بِدِينَار فالدينار ثمن واجرة فَهُوَ جمع بَين الْإِجَارَة وَالْبيع فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفات الْأَحْكَام فان جَوَّزنَا الْجمع بَين البيع وَالْإِجَارَة على الْجُمْلَة فَهَذَا يلْتَفت على اصل آخر وَهُوَ أَن أحد شقي عقد الْإِجَارَة على الْعَمَل فِي الزَّرْع جرى قبل ملك الزَّرْع والاستئجار على الْعَمَل فِي ملك الْغَيْر غير جَائِز فَيخرج على وَجْهَيْن فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك وبعتك ثوبي هَذَا بِأَلف فَقَالَ العَبْد قبلت واشتريت لانه جرى إِيجَاب البيع قبل أَن صَار العَبْد أَهلا للْبيع مِنْهُ وَلَكِن تَأَخّر الْقبُول عَنهُ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة هَذَا تَمام القَوْل فِي الشَّرَائِط الْفَاسِدَة وَمَا فسد مِنْهَا وافسد العقد قبل اللُّزُوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 فان الْملك وان لم ينْقل هَا هُنَا أَلا أَن الْمُقَابلَة بِالْعقدِ حَاصِلَة فَلَا يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف فِي مُدَّة الْخِيَار وَلَا فِي مجْلِس العقد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ الْجَهَالَة الْمفْسدَة إِذا رفعت فِي الْمجْلس لم ينْتَفع أما الشَّرْط الصَّحِيح إِذا الْحق بِالْعقدِ فِي الْمجْلس كالخيار وَالْأَجَل أَو زِيَادَة الثّمن والمثمن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كَمَا بعد اللُّزُوم وَالثَّانِي انه يَصح لَان الْمجْلس كَأَنَّهُ حَرِيم العقد وأوله وَهَذَا يُفْسِدهُ قَوْلنَا أَن حذف الْجَهَالَة فِي الْمجْلس لَا يُغني فيعلل هَذَا التَّفْرِيع على قَوْلنَا الْملك غير منتقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 فَقبل الْعِوَض وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهَذَا أَيْضا مُشكل على قِيَاس مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَنْع من إِلْحَاق الزَّوَائِد والشروط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي فَسَاد العقد لانضمام فَاسد إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْرُوف بتفريق الصَّفْقَة وَذَلِكَ لَهُ ثَلَاث مَرَاتِب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمرتبَة الأولى أَن يجْرِي فِي الِابْتِدَاء كَمَا لَو بَاعَ ملكه وَملك الْغَيْر فِي صَفْقَة وَاحِدَة فسد فِي ملك الْغَيْر وَفِي ملكه قَولَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لَان الصَّحِيح لم يتأثر بالفاسد فَلَا يفْسد بمساوقته وَالثَّانِي الْفساد لعلتين أصَحهمَا أَن الصَّحِيح تأثر بِهِ إِذْ صَار مَا يَخُصُّهُ من الثّمن مَجْهُولا وَجَمِيع الْمُسْتَحق ثمنا يَنْبَغِي أَن يعلم وَحِصَّة ملكه من الْجَمِيع لم يعرف مبلغه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك عَبدِي هَذَا بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع عَلَيْهِ وعَلى قيمَة عبد فلَان وَالثَّانيَِة أَن الصِّيغَة المتحدة إِذا فَسدتْ فِي بعض مسمياتها لم تقبل التَّبْعِيض وَهَذِه الْعلَّة توجب الْفساد بِحكم التَّفْرِيق فِي النِّكَاح أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وان عللنا بِجَهَالَة الْعِوَض لم يجز فِي الرَّهْن وَالْهِبَة إِذْ لَا عوض فيهمَا وَلَا فِي النِّكَاح فان الْجَهْل فِيهِ بِالْعِوَضِ لَا يفْسد وَلَا فِيمَا تتناسب أجزاؤه كَعبد مُشْتَرك انْفَرد أَحدهمَا بِبيعِهِ فانه يعلم أَن النّصْف مشترى بِالنِّصْفِ وَالثلث بِالثُّلثِ وَكَذَا فِي سَائِر الْأَجْزَاء المتناسبة وان فرعنا على الصِّحَّة ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَإِن فسخ فَذَاك وان أجَاز فبقسطه من الثّمن وَفِيه قَول آخر انه يخبر بِكُل الثّمن حذارا من أَن يكون مبلغ الثّمن الْمُسْتَحق غير مَعْلُوم وَكَأن هَذِه زِيَادَة فَاسِدَة لم تقبل الْعِوَض كالعيب وَهُوَ بعيد وَالصَّحِيح أَن البَائِع لَا خِيَار لَهُ وان أُجِيز بقسط من الثّمن لانه سلم لَهُ كل بدل ملكه هَذَا إِذا بَاعَ مَمْلُوكا ومعصوبا فان ضم إِلَى الْمَمْلُوك حرا فَالْخِلَاف مُرَتّب وَالْفساد أولى إِذْ تَقْدِير قيمَة الْحر أبعد فَإِن ضم إِلَيْهِ خمرًا أَو خنزيرا أَو كَلْبا فَمر بِهِ على الْحر وَالْفساد أولى إِذْ لَا بُد من تَقْدِير صفة خلقته لمعْرِفَة الْقيمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ثمَّ إِن صححنا فقد قيل يقدر الْخِنْزِير نعجة وَالْخمر خلا ليمكن تقويمه وَهُوَ بعيد بل الْأَصَح أَن تقدر قِيمَته على حَاله عِنْد من لَهُ قيمَة عِنْده أما إِذا ضم إِلَى الصَّحِيح غَائِب مَجْهُول لَا مطمع فِي معرفَة قِيمَته فَيتَعَيَّن إبِْطَال العقد إِلَّا على القَوْل الضَّعِيف فِي أَن الْإِجَازَة تجْرِي بِكُل الثّمن فَأَما إِن أجزنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 بِقسْطِهِ لم نَعْرِف مبلغه بِحَال فان قيل قطعْتُمْ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك عَبدِي بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع على قِيمَته وَقِيمَة عبد آخر عينه وترددتم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمَا الْفرق قُلْنَا إِن كَانَ المتعاقدان عَالمين بِحَقِيقَة الْحَال عِنْد العقد بَطل العقد إِذْ لَا فرق هَكَذَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وانما الْخلاف عِنْد الْجَهْل إِذْ قد ظنا أَن مبلغ الثّمن مَعْلُوم حَالَة العقد وللظن تَأْثِير فِي أَمْثَاله كَمَا سبق فِي نَظَائِره فِي فُصُول علم الْمَبِيع وَلَا وَجه إِلَّا مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله الْمرتبَة الثَّانِيَة التَّفْرِيق فِي الدَّوَام وَذَلِكَ بِأَن يتْلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض على وَجه يَنْفَسِخ فِيهِ فَفِي الِانْفِسَاخ فِي الْبَاقِي قَولَانِ مرتبان على العلتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وَالصَّحِيح انه لَا يَنْفَسِخ لَان الْجَهْل مَحْذُور فِي الِابْتِدَاء وَالْعقد الْآن قد اسْتَقر وعَلى هَذَا يَأْخُذ الْبَاقِي بِقسْطِهِ وَقَول التَّكْمِيل هَا هُنَا فِي نِهَايَة الضعْف لِأَن العقد قد سبق مقتضيا للتوزيع التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الدَّوَام فَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَوجد بِأَحَدِهِمَا أَو بهما عَيْبا وَأَرَادَ إِفْرَاد وَاحِد بِالرَّدِّ وَهُوَ الْمَعِيب فَلهُ ذَلِك وَلَو أَرَادَ ردهما جَازَ أَيْضا وان كَانَ الْمَعِيب وَاحِدًا لانه لم يسلم لَهُ كل الْمُشْتَرى وَفِيه وَجه انه لَا يردهما إِلَّا إِذا كَانَا معيبين وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَرَادَ رد نصف عبد لم يجز لَان التَّبْعِيض عيب فِي حق البَائِع وان فرع نا على القَوْل الآخر فَلَيْسَ لَهُ إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ أَن رَضِي البَائِع فَوَجْهَانِ أقيسهما الْمَنْع لَان اسْتِحَالَة تَفْرِيق الصَّفْقَة الْوَاحِدَة لَا تخْتَلف بِالتَّرَاضِي وَالثَّانِي الْجَوَاز وَكَأن هَذَا الْقَائِل يُعلل بتضرر البَائِع بِرُجُوع بعض الْمَبِيع إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وَلَو كَانَ الثَّانِي تَالِفا فَهَل يُمْهل عذره فِي إِفْرَاد الْقَائِم فِيهِ وَجْهَان فان منعناه فَلَو ضم قيمَة التَّالِف إِلَيْهِ فَهَل يتَمَكَّن مِنْهُ فِيهِ خلاف مُرَتّب على مَا إِذا أَرَادَ ضم ارش الْعَيْب الْحَادِث إِلَى الْمَبِيع ورده بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَهَا هُنَا أولى بِالْمَنْعِ لَان النُّقْصَان فِي حكم تَابع وَالْعَبْد مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا يَجْعَل تَابعا للقائم فرع لَو حكمنَا برد قيمَة التَّالِف ضما الى الْقَائِم فتنازعا فِي مِقْدَاره فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الْغَارِم والاصل بَرَاءَة ذمَّته وَلَو تلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض وَقُلْنَا يرد البَائِع مَا يَخُصُّهُ دون الْبَاقِي فتنازعا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول البَائِع لانه الْغَارِم برد بعض الثّمن وَالثَّانِي بل القَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الَّذِي يسلم بعض الثّمن للْبَاقِي والمنازع يرجع إِلَى مزِيد فِيهِ يَدعِيهِ البَائِع وينكره المُشْتَرِي الْمرتبَة الثَّالِثَة أَن يجمع بَين عقدين مختلفي الحكم فِي الْفَسْخ والانفساخ كَالْإِجَارَةِ وَالْبيع أَو النِّكَاح وَالْبيع أَو الصّرْف وَالسّلم الَّذِي يَنْفَسِخ بالتفرق قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 الْقَبْض مَعَ غَيره مِمَّا لَا يَنْفَسِخ بِهِ أَو السّلم فِي جنس وَاحِد إِلَى آجال أَو فِي أَجنَاس إِلَى اجل وَاحِد فِيهِ قَولَانِ مرتبان على الْمرتبَة الثَّانِيَة وَأولى بِالصِّحَّةِ إِذْ آحَاد هَذِه الْعُقُود صَحِيحَة فَلَا مَانع فِي الْجمع فِي الحكم وَوجه الْفساد أَن انْفِسَاخ العقد فِي الْبَعْض لَو جرى لانفسخ الْبَاقِي وَذَلِكَ مترقب فان الْعُقُود المتفرقة لَا تنتظم أحوالها فِي الْمَآل فَجعل المتوقع كالواقع وَهَذَا بعيد جدا فان قيل إِذا كَانَ سَبَب الْفساد تفَرقا وَاقعا فِي صَفْقَة متحدة فَبِمَ يعرف اتِّحَاد الصَّفْقَة وتعددها قُلْنَا إِن اتَّحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي والعوض اتّحدت الصَّفْقَة وتتعدد بِتَعَدُّد البَائِع قطعا وَكَذَا بِتَعَدُّد الْعِوَض فَإِذا قَالَ اشْتريت عَبدك بِدِينَار واستأجرت جاريتك بدرهم كَانَت الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة فَإِذا قَالَ اشْتريت العَبْد واستأجرت الْجَارِيَة بِدِينَار فَعِنْدَ ذَلِك تتحد وَفِي التَّعَدُّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي مَعَ اتِّحَاد البَائِع وَصِيغَة العقد والعوض قَولَانِ أَحدهمَا الْقيَاس على البَائِع وَالثَّانِي الْفرق فان المُشْتَرِي كالقائل الثَّانِي على الْإِيجَاب السَّابِق فالنظر إِلَى من مِنْهُ الْإِيجَاب أما إِذا اتَّحد الْوَكِيل وتعدد الْمُوكل أَو على الْعَكْس فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النّظر إِلَى الْوَكِيل فانه الْعَاقِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَالثَّانِي إِلَى الْمُوكل فانه من يَقع العقد لَهُ وَالثَّالِث أَن النّظر فِي الشِّرَاء إِلَى الْوَكِيل لانه الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ العقد ظَاهرا وَفِي البيع إِلَى الْمُوكل لانه سفير لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلَو قَالَ لِرجلَيْنِ بِعْت مِنْكُمَا فَقبل أَحدهمَا دون الآخر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة للتعدد وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْجَواب غير منطبق على الْخطاب وَقد الْتبس جوابهما جَمِيعًا وَهَذَا بعيد إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انه لَو خَالع زوجتيه فَقبلت إِحْدَاهمَا صَحَّ مَعَ أَن فِيهِ معنى التَّعْلِيق وَالْمُعَلّق بصفتين لَا يحصل بِإِحْدَاهُمَا وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لوَاحِد بِعْت مِنْك هذَيْن الصاعين بدرهم فَقَالَ اشْتريت أَحدهمَا بِنصْف دِرْهَم لَا يَصح وَإِن فرعنا فعلى جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة للخلل فِي الْقبُول وَعدم مطابقته للخطاب وَقطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِأَنَّهُ لَو قَالَ لعَبْدِهِ زوجت مِنْك أمتِي فَقبل إِحْدَاهمَا صَحَّ النِّكَاح وَفرق بَينه وَبَين البيع وَلَا ينقدح فِيهِ فرق من حَيْثُ انتظام الْجَواب وَالْخطاب وَلَكِن النِّكَاح أبعد عَن قبُول الْفساد بانضمام فَاسد إِلَيْهِ فان غَايَته أَن يكون ضم الْفَاسِد إِلَيْهِ كَشَرط فَاسد وَالنِّكَاح لَا يفْسد بِهِ وَلَعَلَّه رأى تعدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد الزَّوْجَة فان منصبها منصب الْعَاقِد لَا منصب الْمَبِيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 إِلَّا أَن هَذَا التَّعْلِيل تخدشه مَسْأَلَة وَهِي انه لَو اصدق امرأتيه عبدا ثمَّ بَان الْفساد فِي نِكَاح إِحْدَاهمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ للزَّوْج الْخِيَار على الَّتِي صَحَّ نِكَاحهَا فِي نصف العَبْد حَتَّى يَنْفَسِخ وَيسلم مهر الْمثل حَتَّى لَا يَتَبَعَّض عَلَيْهِ العَبْد قَالَ وَعرضت هَذَا على الْقفال فارتضاه وَلَا تنفك هَذِه الْمَسْأَلَة عَن احْتِمَال فَإِن الْمَرْأَتَيْنِ كالمشتريين للْعَبد فَلَا يبعد تعدد الصَّفْقَة بهما وَسَنذكر انْفِرَاد أحد المشتريين بِالرَّدِّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا خلاف أَن أحد المشتريين لَو وفى نصِيبه من الثّمن وَقُلْنَا الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة تسلم إِلَيْهِ حِصَّته من الْمَبِيع وان قُلْنَا الصَّفْقَة متحدة فهما كالمشتري الْوَاحِد وَفِيه إِذا سلم بعض الثّمن خلاف وَالظَّاهِر انه لَا يسلم إِلَيْهِ شَيْء من الْمَبِيع وان كَانَ يَنْقَسِم كالحنطة مثلا مَا لم يسلم تَمام الثّمن وَفِيه وَجه أَنه يسلم بِقَدرِهِ لِأَن الثّمن متوزع على الْمَبِيع لَا كَالدّين فِي حق الْمَرْهُون فَأَما إِذا كَانَ لَا يَنْقَسِم فَلَا خلاف فِي أَنا لَا نكلفه الْمُهَايَأَة فِي قدر مَا سلم ثمنه لِأَن حق الْجِنْس ضَعِيف لَا يحْتَمل التَّسْلِيم والاسترداد وَلذَلِك يبطل بالإعارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 الْقسم الثَّانِي فِي بَيَان لُزُوم العقد وجوازه وَهُوَ أهم مَا يذكر بعد بَيَان صِحَّته وفساده وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم وَالْجَوَاز بِأَسْبَاب خَاصَّة فنعقد فِيهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط فِي خِيَار النقيصة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي مجاريه وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار قيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شرطا فِيهِ الْخِيَار فَلَا يلْزم بالتفرق وَقيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس فَيلْزم بِنَفسِهِ عِنْد قومه وَلما ثَبت خِيَار الْمجْلس بِالْحَدِيثِ اخْتصَّ بِالْبيعِ فَكل مَا يُسمى بيعا من الصّرْف وَالسّلم والإشراك أَن شرك بَينه وَبَين غَيره بَان يَقُول أَشْرَكتك فِي هَذَا البيع وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي البيع وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَة وَالصُّلْح ثَبت فِيهِ الْخِيَار قطعا وَيسْتَثْنى أَربع مسَائِل الأولى بيع شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس وَفِيه وَفِي نفي خِيَار الرُّؤْيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَالْعَيْب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لُزُوم العقد وَصِحَّة الشَّرْط وَالثَّانِي فَسَاد العقد لفساد الشَّرْط وَالثَّالِث أَن الشَّرْط لاغ وَالْعقد بَاقٍ على مُقْتَضَاهُ الثَّانِيَة كل بيع يستعقب عتقا كَشِرَاء الْوَالِد وَشِرَاء العَبْد نَفسه من سَيّده لَا خِيَار فِيهِ لانه لَيْسَ عقد مغابنة وَقَالَ أَبُو بكر الاودني يثبت الْخِيَار فِي شِرَاء الْقَرِيب وَاسْتدلَّ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه فَيدل على تعلق الْعتْق بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ ضَعِيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 الثَّالِثَة إِذا بَاعَ مَال الطِّفْل من نَفسه فقد قيل لَا خِيَار لانه لَا يعقل فِي الْوَاحِد اجْتِمَاع وتفرق وَالصَّحِيح ثُبُوت الْخِيَار لانه فِي معنى شَخْصَيْنِ نعم الْخلاف يتَّجه فِي أَن خِيَاره يَنْقَطِع بمفارقة مجْلِس العقد أم لَا يَنْقَطِع أَلا بِصَرِيح الْإِلْزَام لانه ملازم نَفسه أبدا ثمَّ لاشك فِي انه يثبت لَهُ خياران وَاحِد لَهُ على طِفْله وَوَاحِد لطفله عَلَيْهِ الرَّابِعَة بيع الْغَائِب وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه كَسَائِر الْبيُوع وَالثَّانِي لَا لانه بصدد خِيَار الرُّؤْيَة وكل وَاحِد مِنْهُمَا خِيَار يشتهى فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي عقد وَاحِد وَالْأول أظهر فان قُلْنَا يثبت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا عِنْد العقد وَهُوَ الْقيَاس وَالثَّانِي عِنْد الرُّؤْيَة إِذْ قبلهَا لَا يتَصَوَّر حَقِيقَة الرِّضَا أما النِّكَاح وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة وكل عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَلَا خِيَار فِيهَا لِأَنَّهَا لَيست فِي معنى البيع وَكَذَلِكَ كل مَا لَا يُسمى بيعا إِلَّا فِي سَبْعَة أُمُور أَحدهَا الْإِجَارَة وَفِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس وَالشّرط فِيهَا ثَلَاثَة أوجه وَجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 الْإِثْبَات أَنَّهَا صنف من الْبيُوع وَوجه الْمَنْع أَنه يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل الْمَنَافِع فمدة الْخِيَار بِخِلَاف البيع وَفِي الثَّالِث يثبت فِيهِ خِيَار الْمجْلس إِذْ الْغَالِب انه يتصرم على قرب فَلَا وزن لتِلْك الْمَنْفَعَة بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط والمسابقة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا لَازِمَة من الْجَانِبَيْنِ فِي معنى الْإِجَارَة وَلكنهَا أبعد عَن البيع قَلِيلا أما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَيثبت فِيهَا الْخِيَار إِذْ لَا يحذر فِيهَا فَوَات مَنْفَعَة وَالْإِجَارَة بيع تَحْقِيقا الثَّانِي الْإِقَالَة وَيثبت فِيهَا الخياران على قَوْلنَا أَنَّهَا ابْتِدَاء بيع الثَّالِث الْحِوَالَة وفيهَا وَجْهَان على قَوْلنَا حكم الْمُعَاوضَة غَالب على الِاسْتِيفَاء وَوجه الْمَنْع أَن وجود معنى الِاسْتِيفَاء غير مُنكر وان كَانَ مَغْلُوبًا الرَّابِع الْهِبَة بِشَرْط الثَّوَاب إِن قُلْنَا تَنْعَقِد بيعا فَفِيهَا وَجْهَان كالخلاف فِي أَنَّهَا هَل تفِيد الْملك قبل الْقَبْض الْخَامِس الْقِسْمَة وَلَا يثبت فِيهَا خِيَار الشَّرْط على الْأَصَح لانه لَا مدْخل للفظ فِيهِ وَفِي خِيَار الْمجْلس على قَوْلنَا إِنَّه بيع خلاف وان كَانَ قهريا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وَجه لإِثْبَات الْخِيَار أصلا السَّادِس الشَّفِيع إِذا بذل عوض الْمَشْفُوع فَمَا دَامَ فِي مجْلِس بذل الْعِوَض هَل يتَخَيَّر فِي الرُّجُوع وَهِي مُعَاوضَة مُحَققَة وَلكنه قهري لَا يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ فِيهِ وَجْهَان وَلَا يثبت خِيَار الشَّرْط بِحَال السَّابِع الصَدَاق وَالْمَشْهُور انه لَا يثبت فِيهِ الخياران وَحكى الصيدلاني قَوْلَيْنِ لانه عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فَكل هَذِه الْمسَائِل منشأ التَّرَدُّد فِيهَا التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل هِيَ فِي معنى البيع لاشتمالها على الْمُعَاوضَة والمغابنة فرع الْعَاقِد فِي الصّرْف إِذا الزم فِي الْمجْلس ثمَّ فَارق قبل الْقَبْض انْفَسَخ العقد وَعصى أَن فَارق دون إِذن صَاحبه فانه ابطل عَلَيْهِ حَقًا لَازِما وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يعْصى لَان عِلّة الْقَبْض قَائِمَة فَلَا يلْزم وَلَا يثبت اللُّزُوم قبل الْقَبْض مَا دَامَ فِي الْمجْلس وان جرى صَرِيح الْإِلْزَام وَالظَّاهِر أَنه يلْزم وَإِن كَانَ يَنْفَسِخ بِفَوَات الْقَبْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الْفَصْل الثَّانِي فِي قواطع الْخِيَار وَهُوَ قَول أَو فعل أما القَوْل فَهُوَ كل مَا يُصَرح بِهِ كقولهما اخترنا والتزمنا ورفعنا الْخِيَار أَو مَا يتضمنه كَالْعِتْقِ وَالْبيع على مَا سَيَأْتِي وان انْفَرد أَحدهمَا وَقَالَ التزمت لم يسْقط خِيَار صَاحبه وَيسْقط خِيَاره على الْأَصَح وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه أثبت هَذَا الْخِيَار للمتبايعين جَمِيعًا فَلَا يسْتَقلّ بِهِ أَحدهمَا أما الْفِعْل فَهُوَ الِافْتِرَاق وَذَلِكَ بالشخص وَالروح وَالْعقل أما التَّفَرُّق بالشخص فَهُوَ أَن يُفَارق صَاحبه الى حد لَو اسْتَقر فِيهِ عدا خَارِجين عَن مجْلِس التخاطب ثمَّ يبطل خِيَار الْقَاعِد أَيْضا لانه قَادر على مساوقته وَلَو تساوقا فِي مشي أَو سفينة دَامَ الْخِيَار إِلَى الِافْتِرَاق وَفِيه لطيف أَنه لَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام فانه مُنْتَهى أمد الشَّرْع فِي جَوَاز البيع وَتَخْصِيص الْمجْلس هَا هُنَا جرى بِنَاء على الْغَالِب أما التَّفَرُّق بِالروحِ فَهُوَ بِالْمَوْتِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على بَقَاء الْخِيَار للْوَارِث وَنَصّ فِي الْمكَاتب إِذا مَاتَ فِي مجْلِس العقد أَنه وَجب العقد فَمن الْأَصْحَاب من تكلّف فرقا وَهُوَ أَن الْخِيَار للْوَارِث وَالْمكَاتب لَا وَارِث لَهُ وَالسَّيِّد لَيْسَ وَارِثا تَحْقِيقا فَانْقَطع خِيَار الْمجْلس بِمَوْتِهِ إِذْ لم يُمكن نَقله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ منشؤهما أَن الْمُفَارقَة بِالروحِ هَل تنزل منزلَة الْمُفَارقَة بالشخص وَمِنْهُم من قطع بِالْبَقَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ للْوَارِث وَللسَّيِّد لِأَنَّهُ حق مَقْصُود فَلَا يبطل بِالْمَوْتِ كَخِيَار الشَّرْط نعم ينقدح الْخلاف فِي أَن الْوَارِث إِذا بلغه الْخَبَر يَدُوم خِيَاره بدوام مجْلِس بُلُوغ الْخَبَر أم هُوَ على الْفَوْر من حَيْثُ إِن التَّفَرُّق بِالْمَوْتِ أبطل الْمجْلس وَبَقِي مُجَرّد الْحق فَثَبت اخْتِيَاره على الْفَوْر وَالْوَجْه الآخر أَن الْحق إِذا بَقِي بَقِي بوصفه وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا مَاتَ وَقد بَقِي من مُدَّة خِيَار الشَّرْط يَوْم وَبلغ الْوَارِث الْخَبَر بعد تصرم ذَلِك الْيَوْم أَن بَقِيَّة الْمدَّة هَل تبقى فِي حَقه من حَيْثُ إِ تعين إبْقَاء الْحق فوصف الْمدَّة والمجلس بعد جَرَيَان الِاخْتِصَاص فِيهِ قد بَطل أما الْعَاقِد الْحَيّ فَيَنْقَطِع خِيَاره أَيْضا إِن قَطعنَا خِيَار صَاحبه وَإِلَّا فَيبقى ويدوم إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الْوَارِث خِيَار نفس إِذا بلغه الْخَبَر فَإِذا بَطل خِيَار الْوَارِث بَطل خِيَاره إِذْ ذَاك وَإِلَّا فَلَا وَقيل إِن الْحَيّ لَا يتَصَرَّف بِالْخِيَارِ بالفسح وَالْإِجَارَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قبل بُلُوغ الْخَبَر إِلَى الْوَارِث كي لَا ينْفَرد أحد الْعَاقِدين وَهُوَ بعيد وَلَو أكره أَحدهمَا على الْخُرُوج أَو حمل قهرا فَفِيهِ وَجْهَان يقربان من الْمَوْت وَقيل إِنَّه يَنْقَطِع بِسُقُوط خِيَاره إِن كَانَ مَفْتُوح الْفَم فَإِنَّهُ قدر على الْفَسْخ وَلَا وَجه لَهُ فَإِن صدمة الْحَال قد تدهشه ثمَّ إِذا نَفينَا خِيَاره فمهما عَاد إِلَى اخْتِيَاره كَانَ كالوارث يبلغهُ الْخَبَر وَلَا فرق بَين أَن يحمل أَو يكره على الْخُرُوج وان فرقنا فِي الْيَمين على قَول لِأَن هَذَا حكم مَنُوط بِصُورَة الْمُفَارقَة وَذَلِكَ يتَعَلَّق بِالْحِنْثِ والمخالفة وللقصد فِيهِ مدْخل وَأما الْمُفَارقَة بِالْعقلِ بِأَن جن أَحدهمَا أَو أُغمي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن الْخِيَار يبْقى للقيم وَالْوَلِيّ وَلَا يبطل بمفارقته بعد الْجُنُون وَفِيه وَجه مخرج من الْمَوْت أَنه يَنْقَطِع إِذْ هَذَا الْخِيَار بعيد عَن قبُول النَّقْل وَقد تعذر إبقاؤه للعاقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 فرع إِذا تنَازع المتعاقدان فِي التَّفَرُّق وجاءا متساوقين وَقَالَ أَحدهمَا لم أفارقه بعد ولي الْخِيَار فَالْقَوْل قَوْله إِذا الأَصْل عدم التَّفَرُّق وَلَو تنَازعا فَقَالَ أَحدهمَا فسخت فِي الْمجْلس وَأنكر الآخر قَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول مدعي الْفَسْخ لِأَنَّهُ تصرف يستبد بِهِ وَقَالَ غَيره القَوْل قَول الآخر لِأَن العقد والتفرق معلومان وَهُوَ يَدعِي فسخا فَعَلَيهِ إثْبَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي حكمه فِي نَفسه ومدته وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى فِي آخر مدَّته وَلَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام عندنَا لِأَنَّهُ ثَبت على خلاف الْقيَاس لحَاجَة دفع الغبينة إِذْ كَانَ حبَان بن منقذ يخدع فِي البيعات فَشَكا أَهله إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ قل لَا خلابة وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو سيف لَا حصر فِيهِ أصلا وَقَالَ مَالك يتَعَذَّر بِهِ إِلَّا فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَة أَيَّام مِمَّا تغمض مَعْرفَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 الثَّانِيَة أول مدَّته وَفِيه وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يحْسب من وَقت العقد وَالثَّانِي أَنه يحْتَسب من وَقت التَّفَرُّق لِأَن الْجمع بَين خيارين متجانسين لَا يعقل وَلِأَن الشارط يَبْغِي الْإِثْبَات لنَفسِهِ فِي وَقت يَقْتَضِي العقد لُزُومه وعَلى هَذَا فَلَو صرح بِشَرْط ابْتِدَائه من وَقت العقد انبنى على الْمَعْنيين فَإِن عللنا بِمُطلق إِرَادَته ظَاهرا فقد تغير بالتصريح وَإِن عللنا بِأَن اجْتِمَاع المتماثلين لَا يعقل لم يثبت هَذَا الشَّرْط وعَلى الأول لَو صرح بِاشْتِرَاط ابْتِدَائه من وَقت التَّفَرُّق فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يصير مَجْهُول الأول ثمَّ إِذا اجْتمع الخياران فيرتفعان بقولهمَا ألزمنا وأسقطنا الْخِيَار الْجَوَاز وَلَو خصصا أحد الخيارين بالإسقاط لم يسْقط الآخر والوجهان وَهُوَ أَن يعْتَبر من وَقت العقد فِي أول مُدَّة الْأَجَل فِي الثّمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 جاريان لَان الْخِيَار أَيْضا يُفِيد قطع الْمُطَالبَة وَهُوَ أولى بِأَن يحْتَسب من أول العقد لما بَينهمَا من الِاخْتِلَاف وَأما مُدَّة الْإِجَازَة أَن حكمنَا بِثُبُوت خِيَار الشَّرْط فِيهَا فَفِي ابتدائها أَيْضا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه من وَقت العقد الثَّالِثَة معرفَة قدر الْمدَّة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فَلَو أجل الْخِيَار بِمَجْهُول فسد وَلم يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف بعده وَكَذَلِكَ لَو أبهم بِأَن أثبت الْخِيَار فِي أحد الْعَبْدَيْنِ لَا بِعَيْنِه وَلَو شَرط الْخِيَار فِي وَاحِد معِين من عَبْدَيْنِ فَيخرج على تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفي الحكم الرَّابِعَة من أَثَره إِفَادَة سلطة الْفَسْخ دون حُضُور الْخصم وَقَضَاء القَاضِي خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يُؤثر فِي دفع الْملك وبقائه للْبَائِع فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 أَحدهَا أَنه لَا يَزُول ملك البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة لِأَن الرِّضَا لم يتكامل مَعَ الشَّرْط الْخِيَار وَالثَّانِي يَزُول إِذْ ثَبت الْخِيَار على خلاف الْقيَاس دفع الغبينة فَيثبت بِقدر الضَّرُورَة وَلَا حَاجَة إِلَى إِخْرَاج البيع عَن كَونه مُفِيدا بِسَبَبِهِ وَالثَّالِث التَّوَقُّف فَمن اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَينا ملكه فِي الِابْتِدَاء الْخَامِسَة إِذا شَرط الْخِيَار لثالث ثَبت لَهُ وَهل يثبت لَهما وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا اتبَاعا للشّرط وَالثَّانِي بلَى لعلتين إِحْدَاهمَا أَن مُطلق الشَّرْط يبْنى على الثُّبُوت للثَّالِث بطرِيق النِّيَابَة فعلى هَذَا فَلَو صرح بِالنَّفْيِ انْتَفَى وَالثَّانيَِة أَن ثُبُوته للْغَيْر لَا يعقل اسْتِقْلَالا بل هُوَ بطرِيق النِّيَابَة ضَرُورَة فعلى هَذَا لَو صرحا بِالنَّفْيِ لم يعقل الثُّبُوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 للثَّالِث دون الثُّبُوت لَهما أما الْوَكِيل الْمَأْذُون فِي العقد بِشَرْط الْخِيَار إِذا أطلق شَرط الْخِيَار فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يثبت للْمُوكل لانه وَقع العقد لَهُ وَالثَّانِي للْوَكِيل لانه الْعَاقِد وَالثَّالِث لَهما جَمِيعًا وَأما خِيَار الْمجْلس فَيخْتَص بالوكيل قطعا لانه الْحَاضِر فَلَو كَانَ الْمُوكل فِي الْمجْلس حجر على الْوَكِيل فِي الْخِيَار فَإِن قُلْنَا عَلَيْهِ الِامْتِثَال رَجَعَ حَقِيقَة الْخِيَار إِلَى الْمُوكل وَإِن قُلْنَا لَا يمتثل فَإِنَّهُ من لَوَازِم السَّبَب السَّابِق وَهَذَا وَإِن كَانَ بَعيدا أَيْضا فَفِيهِ تَأمل للنَّاظِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار فِي الطوارئ فِي مدَّته وَالنَّظَر فِي الزِّيَادَات والتصرفات وَالْوَطْء والتلف فالمتصلة مِنْهَا تَابِعَة والمنفصلة كَالْوَلَدِ وَالْكَسْب يسلم لمن حكمنَا لَهُ بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول فِي آخر الْأَمر فَإِن اقْتضى تَفْرِيع أَقْوَال الْملك الحكم بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول دون آخر الْأَمر أَو على الْعَكْس فَوَجْهَانِ منشؤهما تعَارض النّظر إِلَى الْحَال والمآل أما التَّصَرُّفَات فالعتق إِن صدر من الْمُنْفَرد بِالْخِيَارِ نفذ وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما وَصدر من البَائِع نفذ لِأَن عتقه فسخ وَهُوَ مستبد بِهِ وَإِن صدر من المُشْتَرِي لَا بِإِذن البَائِع فَإِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ لم ينفذ وان قُلْنَا الْملك لَهُ فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي عتق الرَّاهِن إِذْ للْبَائِع حق مُتَعَلق بِالْعينِ لَازم فان قُلْنَا ينفذ فَالظَّاهِر أَنه لَا يبطل خِيَار البَائِع وَلَكِن فِي فَائِدَته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يفْسخ العقد وَيرجع إِلَى الْقيمَة إِذْ الْعتْق لَا مرد لَهُ وَالثَّانِي انه يرد الْعتْق وَكَأَنَّهُ نفذ بِشَرْط أَلا يرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَقيل إِن خِيَار البَائِع يبطل لانه لَا يُقَاوم قُوَّة الْعتْق كحق الْمُرْتَهن من الِاخْتِصَاص وَالْبيع كَالْعِتْقِ وَفِي صُورَة الْخلاف وَجه مُرَتّب عَلَيْهِ وَأولى بِأَن لَا ينفذ وَإِن نفذ فَلَا يتَّجه إبِْطَال خِيَار البَائِع بل يتَعَيَّن أَن يُسَلط على فسخ البيع الثَّانِي وَالْأول إِن شَاءَ إِذْ البيع يحْتَمل الرَّد وان قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق وَالْبيع فَهَل ينفذ بِإِجَازَة البَائِع أما البيع فَلَا فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوَقْت وَفِي الْعتْق خلاف وَإِن قُلْنَا ينفذ فيستند إِلَى وَقت الْعتْق أَو من وَقت الْإِجَازَة ينفذ فِيهِ وَجْهَان وَهل يَجْعَل التَّصَرُّف الْمَرْدُود إجَازَة من الْمُتَصَرف فِي جَانِبه فِيهِ وَجْهَان إِذا فهمنا انه إجَازَة لانه وَاقع من ضَرُورَته وَالرَّدّ جرى لحق الْغَيْر فرع لَو اشْترى عبدا بِجَارِيَة وَالْخيَار للْمُشْتَرِي فَلهُ أَن يستبد بِعِتْق أَيهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 شَاءَ على الْبَدَل لانه مستبد بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَة فَلَو أعتقهما جَمِيعًا قَالَ أَبُو حنيفَة يعتقان وَهُوَ متناقض لِأَنَّهُ جمع بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة فَالْوَجْه التَّرْجِيح وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنَّهُمَا يتدافعان كالجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي النِّكَاح وَاخْتَارَ ابْن الْحداد وَهُوَ الْأَصَح انه يرجح جَانب العَبْد لانه إجَازَة للْعقد فَهُوَ أولى من الْفَسْخ ولان الصَّحِيح أَن العَبْد ملكه وَمِنْهُم من قَالَ الْجَارِيَة أولى لَان الْفَسْخ أقوى من الْإِجَازَة وَلَو فرعنا على أَن الْملك فِي زمَان الْخِيَار للْبَائِع وَهُوَ بعيد فِي هَذِه الصُّورَة فَتكون الْجَارِيَة مُعتقة أولى لِاجْتِمَاع الْملك وسلطان الْفَسْخ أما الْوَطْء إِن صدر من البَائِع وَله خِيَار فَلَا حد وَلَا مهر وَلَا تَحْرِيم لانه فسخ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ وَخرج بعض أَصْحَاب الْخلاف وَجها من إِبْهَام الْعتْق بَين أمتين وانه لَا يكون فسخا كَمَا لَو وطئ إِحْدَى الأمتين وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تعرض بِالْوَطْءِ للتَّحْرِيم وان جَعَلْنَاهُ فسخا إِذْ كَانَ من حَقه أَن يفْسخ ثمَّ يطَأ وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِنَفْي التَّحْرِيم لجَرَيَان الْملك مَعَ الْوَطْء غير مُتَأَخّر عَنهُ وَقَالَ لَو رَأينَا الْوَطْء رَجْعَة لأحللناه فِي الرَّجْعِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 أما المُشْتَرِي فَهُوَ كالبائع فِي الْإِبَاحَة وَكَونه إجَازَة إِن لم يكن للْبَائِع خِيَار وان كَانَ لَهُ خِيَار حرم الْوَطْء وحصلت الْإِجَازَة من جَانِبه على الْأَصَح وَقيل انه يحمل من جَانِبه على الامتحان كالخدمة وَلَو وطئ بِإِذن البَائِع لزم من جَانب البَائِع أَيْضا وان كَانَ بمرأى مِنْهُ وَهُوَ سَاكِت فَوَجْهَانِ إِذْ السُّكُوت عَلَيْهِ مَعَ خطره حُضُور دَلِيل على الرِّضَا وَأما الْحَد فساقط للشُّبْهَة وَالْمهْر حكمه حكم الْكسْب فَإِن جرى الإحبال مَعَ الْوَطْء فحرية الْوَلَد وَنسبه ثَابت للشُّبْهَة وَقِيمَة الْوَلَد لَهَا حكم الْكسْب وَالْمهْر وَأُميَّة الْوَلَد لَهَا حكم الْعتْق وَأولى بالتنفيذ لِأَنَّهُ فعل وَقيل خِلَافه لِأَن الْعتْق حريَّة منجزة وَالتَّرْتِيب متقادم وَأما تلف الْمَبِيع فان كَانَ فِي يَد البَائِع انْفَسَخ العقد وان كَانَ فِي يَد المُشْتَرِي وَقُلْنَا الْملك للْبَائِع انْفَسَخ العقد لَان بَقَاء الْملك أقوى من بَقَاء علقَة الْيَد وان قُلْنَا أَن الْملك للْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ بَقَاء علقه الْخِيَار للْبَائِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْخِيَار وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يبْقى لفَوَات الْمَعْقُود عَلَيْهِ فيضاهي فَوَات الرَّد بِالْعَيْبِ عِنْد فَوَات الْمَبِيع وَالثَّانِي يبْقى لِأَن الرَّد يعْتَمد الْمَرْدُود وَهَا هُنَا الْخِيَار يقوم بِالْعقدِ وَالْعقد قَائِم وان قُلْنَا يَنْفَسِخ وَجَبت الْقيمَة على المُشْتَرِي وَيعْتَبر يَوْم الْقَبْض أَو التّلف حكمه حكم الْمُسْتَعَار إِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع وان قُلْنَا الْملك للْمُشْتَرِي يعْتَبر حَالَة التّلف وان كَانَ قبله ملكا لَهُ فَإِن قيل بِمَاذَا يَنْقَطِع الْخِيَار قُلْنَا بِمَا يدل على الرِّضَا من البيع وَالْعِتْق وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وكل تصرف مزيل للْملك وَكَذَلِكَ بِالْهبةِ وَالتَّسْلِيم مَعَ الْوَلَد وان كَانَ خِيَار الرُّجُوع ثَابتا لَان ذَلِك اسْتِدْرَاك بعد ثبات الْملك وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالْهبةِ قبل الْقَبْض وَلَا بِالْبيعِ بِشَرْط الْخِيَار إِن قُلْنَا انه لَا يزِيل الْملك وَلَا بِالْعرضِ على البيع وَالْإِذْن فِي البيع فانه هم دون الْإِتْمَام بخلا ف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا تَنْقَطِع بِالْعرضِ على البيع لغاية الضعْف وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالتَّسْلِيمِ والتسلم وَلَا بالاستخدام وركوب الدَّابَّة وَيَنْقَطِع بِالْوَطْءِ على الصَّحِيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَالْأَظْهَر أَنه يَنْقَطِع بِالْإِجَارَة وَالتَّزْوِيج وَقد تنخل مِنْهُ أَن الْوَصِيَّة أَضْعَف من البيع بِشَرْط الْخِيَار وَحقّ الشُّفْعَة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ أَضْعَف من الْوَصِيَّة لانقطاعها بِالتَّأْخِيرِ وَأما الرُّجُوع عَن الْهِبَة فَلَا يحصل إِلَّا بالتصريح وَفِي حُصُوله بِالْإِعْتَاقِ خلاف فَهَذِهِ مَرَاتِب الْحُقُوق وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي خِيَار النقيصة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا سبق كَانَ ثَابتا على طَرِيق التشهي وَهَذَا الْخِيَار لَا يثبت إِلَّا بِفَوَات أَمر مظنون ينشأ الظَّن فِيهِ من الْتِزَام شرطي أَو قَضَاء عرفي أَو تغرير فعلي وَالنَّظَر فِيهِ يَنْقَسِم إِلَى بَيَان الْأَسْبَاب المثبتة والموانع المبطلة السَّبَب الأول الِالْتِزَام الشرطي وَهُوَ الأَصْل وَمَا عداهُ مُلْحق بِهِ فمهما شَرط وَصفا يتَعَلَّق بِفَوَات نُقْصَان مَالِيَّة لكَونه خبازا أَو كَاتبا أَو متجعد الشّعْر وَغَيره فَإِذا فقد ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي وان شَرط مَا لَا غَرَض فِيهِ وَلَا مَالِيَّة فِيهِ كَكَوْنِهِ مُشَوه الْخلق ألغى الشَّرْط وَلزِمَ العقد كَأَن شَرط مَا فِيهِ غَرَض وَلَا مَالِيَّة كالثيابة فِي الْجَارِيَة وَالْكفْر فِي العَبْد وَهُوَ فِي بِلَادنَا فَفِيهِ تردد وَوجه ظَاهر السَّبَب الثَّانِي الْعَيْب وَهُوَ كل وصف مَذْمُوم اقْتضى الْعرف سَلامَة الْمَبِيع عَنهُ غَالِبا وَقد يكون ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 بِنُقْصَان وصف أَو زِيَادَته وَقد يكون نُقْصَان عين كالخصي أَو زِيَادَته كالإصبع الزَّائِدَة والخصي وَإِن زَادَت قِيمَته وَلَكِن مَا فَاتَ مِنْهُ مَقْصُود وَيتَعَلَّق بِهِ مَالِيَّة وَإِنَّهَا الزِّيَادَة الْجب بالْخبر لغَرَض آخر حصل بِهِ فَلم يَنْفَكّ عَن نُقْصَان وَالْبَوْل فِي الْفراش والبخر الَّذِي ينشأ من تَغْيِير الْمعدة والصنان الَّذِي يُخَالف الْعَادة وَلَا يقبل العلاج عيب فِي العبيد وَالْإِمَاء خَالف أَبُو حنيفَة فِي العبيد واعتياد الأباق وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا عيب فيهمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة الزِّنَا هُوَ عيب فِي الْإِمَاء دون العبيد واحتباس الْحيض عيب فِي الْجَوَارِي وَكَون الْجَارِيَة أُخْتا للْمُشْتَرِي أَو وَلَده لَيْسَ بِعَيْب وَإِن اقْتضى ذَلِك تَحْرِيم الْوَطْء أَو حُصُول عتق لِأَنَّهُ نقص فِي نفس الْجَارِيَة وَثقل الْخراج فِي الضَّيْعَة واعتياد الْجند النُّزُول فِي الدَّار عيب فيهمَا لقلَّة الرغبات بِسَبَبِهِ وشق الْأذن فِي الشَّاة لَيْسَ بِعَيْب إِن لم يمْنَع الْأَجْزَاء فِي الْأُضْحِية وَحَيْثُ يمْنَع ألحقهُ صَاحب التَّقْرِيب بالخصي لِأَن فِيهِ فَوَات غَرَض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 هَذَا كُله فِي عيب تقدم وجوده على العقد أَو على الْقَبْض فَأَما مَا حدث بعد الْقَبْض فَلَا يرد بِهِ إِلَّا إِذا اسْتندَ إِلَى سَبَب قديم كَمَا إِذا اشْترى عبدا مُرْتَدا فَقيل إِن كَانَ فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه وَإِن قتل فِي يَد المُشْتَرِي فَهَل هُوَ من ضَمَان البَائِع فِيهِ وَجْهَان وان كَانَ عَالما حَال العقد بردته فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بألا يكون من ضَمَان البَائِع وَوجه كَونه من ضَمَان البَائِع قيام علقَة الرِّدَّة السَّابِقَة فِي الْوُجُود على العقد أَو الْقَبْض فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ أرش التَّفَاوُت بَين الْمُرْتَد وَالْمُسلم إِن كَانَ جَاهِلا عِنْد العقد فان قيل هلا أبطلتم بيع الْمُرْتَد وَهُوَ هَالك حكما قُلْنَا حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه بَاطِل وَلكنه بعيد لِأَن الْمَالِيَّة فِي الْحَال مُحَققَة وَالْعود إِلَى الْإِسْلَام مُمكن نعم فِي العَبْد الْمُسْتَحق قَتله فِي قطع الطَّرِيق وَجه نظر أظهر مِنْهُ أَنه يمْتَنع بَيْعه إِذْ لَا محيص من الْقَتْل وَالظَّاهِر صِحَة بَيْعه أَيْضا نظرا إِلَى الْحَال أما إِذا مَاتَ العَبْد بِمَرَض تقدم على البيع فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بِالرّدَّةِ فِي كَونه من ضَمَان البَائِع وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ من ضَمَان المُشْتَرِي إِذْ الْمَرَض يتزايد وَالرِّدَّة فِي حكم الشَّيْء الْوَاحِد فَأَما إِذا اسْتحق قطع يَده فِي السّرقَة فَقطع بعد الْقَبْض إِن قُلْنَا إِن الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَهَذَا أَيْضا من ضَمَانه حَتَّى يُطَالب بِأَرْش التَّفَاوُت بَين الأقطع والسليم عِنْد تعذر الرَّد وَإِلَّا فَلهُ الرَّد وان قُلْنَا لَيْسَ الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إِلَّا التَّفَاوُت بَين عبد اسْتحق قطعه وَبَين المنفك عَن هَذَا الِاسْتِحْقَاق والاقتراع بعد الْقَبْض بتزويج سَابق على العقد حكمه حكم الْقطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 السَّبَب الثَّالِث التصرية وَفِيه فصلان الأول فِي حد السَّبَب قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تصروا الْإِبِل وَلَا الْغنم وَمن اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها ثَلَاثَة إِن رضيها أمْسكهَا وان سخطها ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من التَّمْر وَمعنى التصرية أَن يشد إخلاف النَّاقة ليجتمع فِيهَا اللَّبن فيظن المُشْتَرِي غزارة اللَّبن وَلَو تخلفت النَّاقة بِنَفسِهَا فَفِيهِ وَجْهَان مستندهما أَن سَبَب الْخِيَار فَوَات ظن اسْتندَ إِلَى قرينَة حَالية حَتَّى ينزله منزلَة ظن السَّلامَة إِذا اسْتندَ إِلَى الْعرف أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 مُسْتَنده تغرير الْعَاقِد بِفِعْلِهِ ونزوله منزلَة الْتِزَامه حَتَّى ينزل منزلَة شَرط الغزارة وكل قَائِل يتشوف إِلَى التَّقْرِيب من اصل مُتَّفق عَلَيْهِ من خِيَار الْعَيْب أَو خِيَار الْحلف والأخير أولى وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيمَا لَو لطخ ثوب العَبْد بالمداد مخيلا انه كَاتب أَو صرى ثدي الْجَارِيَة أَو حفل الأتان أَو علف الدَّابَّة حَتَّى رَبًّا بَطنهَا وخيل أَنَّهَا حَامِل وَوجه التَّرَدُّد أَن اعْتِقَاد صفة الْكِتَابَة بِمُجَرَّد المداد كاعتقاد الْحمل بكبر الْبَطن لقُصُور فِي الْعقل وَأما الأتان فلبنها نجس وان قصد لاجل الجحش وَالْجَارِيَة لَا يرى ثديها غَالِبا فَلَا يقْصد بهَا التَّغْرِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم السَّبَب وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة إِحْدَاهَا أَن الْخِيَار على الْفَوْر أَن عرف التصرية بعد ثَلَاثَة أَيَّام وان اطلع قبله فَوَجْهَانِ أفقههما أَنه على الْفَوْر وَالتَّقْدِير فِي الحَدِيث مَحْمُول على مهلة النّظر للمعرفة إِذْ لَا يتَحَقَّق عرفان جَرَيَان التصرية قبله غَالِبا الثَّانِيَة الْوَاجِب صَاع من التَّمْر بَدَلا عَن اللَّبن الَّذِي كَانَ فِي الضَّرع لَدَى العقد فان قيل هلا وَجب رد الْعين أَو الْمثل أَو الْقيمَة قُلْنَا لَا لَان عين اللَّبن لَا تبقى غَالِبا وان بقى فيمزج بأجزاء اجْتمعت فِي الضَّرع بعد جَرَيَان العقد إِلَى تَمام الْحَلب وَإِنَّمَا لم يُكَلف رد الْمثل لَان الْقدر إِذا لم يكن مَعْلُوما بمعيار الشَّرْع كَانَت الْمُقَابلَة من بَاب الرِّبَا وَإِنَّمَا قدر بِالتَّمْرِ لَا من جنس النَّقْد لفقد النَّقْد غَالِبا ولان التَّمْر يُشَارك اللَّبن فِي الْمَالِيَّة وَكَونه قوتا وَهُوَ قريب مِنْهُ إِذْ يُؤْكَل مَعَه فِي بِلَادهمْ نعم ولفهمهم هَذَا الْمَعْنى نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على انه لَو رد الشَّاة الْمُصراة بِعَيْب آخر سوى التصرية رد صَاعا من التَّمْر لأجل اللَّبن نعم قَالَ قَائِلُونَ يجب صَاع من التَّمْر أبدا وان زَادَت قِيمَته على قيمَة الشَّاة مثلا بَعيدا وَمِنْهُم من قَالَ أَن زَادَت على الشَّاة أَو على نصفهَا لم توجب كَمَال الصَّاع فَأَنا نعلم انه عَلَيْهِ السَّلَام قدر بِهِ لانه وَقع فِي ذَلِك الْوَقْت قَرِيبا من قيمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 اللَّبن الْمجمع فِي الضَّرع فعلى هَذَا يعدل بِالْقيمَةِ فَيقدر قيمَة شَاة وسط وَقِيمَة صَاع وسط فِي أَكثر الْأَحْوَال فَإِذا قيل هُوَ عشر الشَّاة مثلا أَوجَبْنَا من التَّمْر مَا قِيمَته عشر الشَّاة الثَّالِثَة لَو أخرج بدل التَّمْر زبيبا أَو قوتا آخر فَفِيهِ تردد مِنْهُم من اتبع التَّوْفِيق وَمِنْهُم من رَآهُ فِي مَعْنَاهُ سَوَاء كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر وَقد ورد فِي بعض أَلْفَاظ الْمُصراة لَفْظَة الْحِنْطَة وترددوا أَيْضا فِي أَن صَاعا من التَّمْر هَل يجب فِي رد الْجَارِيَة الْمُصراة إِذا رَأينَا ردهَا فَمن صائر إِلَيْهِ تعبدا وَمِمَّنْ قَائِل إِن لَبنهَا على حَاله غير مَقْصُود فَإِن قيل إِذا فَاتَ اللَّبن الْكَائِن فِي الضَّرع وَهُوَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَهَلا خرج رد الشَّاة دونه على تَفْرِيق الصَّفْقَة قُلْنَا لَا لانه لَا يُقَابله قسط من الثّمن على رَأْي فَهُوَ فِي حكم وصف لَا يُوجب زَوَاله عيب الْبَاقِي بِخِلَاف الْعَيْب الْحَادِث وان قُلْنَا يُقَابله قسط من الثّمن فَلَا وَجه لمُخَالفَة الحَدِيث فليؤيد بِهِ قَول جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِنَّهُ الْمُخْتَار سِيمَا فِي الدَّوَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 الْقسم الثَّانِي فِي مبطلات الْخِيَار ودوافعه وَهِي خَمْسَة الْمَانِع الأول شَرط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب وَقد قضى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة البَائِع عَن كل عيب لم يُعلمهُ دون مَا علمه وكتمه وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يدل فِي ابْتِدَاء الْبَاب على مُوَافَقَته وَقَالَ فِي آخر الْبَاب لَوْلَا أثر عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَكَانَ الْقيَاس أَن يبرأ عَن الْجَمِيع أَولا يبرأ عَن الْجَمِيع فَقَالَ الْأَصْحَاب كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مردد بَين ثَلَاث احتمالات فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 أَحدهَا أَنه يبرأ لِأَن مُسْتَند الْخِيَار أَنه مُلْتَزم للسلامة بِمُطلق العقد عرفا وَقدرا وَقد انْتَفَى مُوجب الْإِطْلَاق بالتصريح وَمِنْهُم من علل ذَلِك بِالْحَاجةِ لخفاء الْعُيُوب حَتَّى خصص فريق بِالْحَيَوَانِ لِكَثْرَة عيوبه وَقَطعُوا فِي غَيره بِبُطْلَان الشَّرْط وَمِنْهُم من سوى وَالثَّانِي أَنه لَا يبرأ لَان هَذَا خِيَار ثَبت شرعا فَلَا يَنْتَفِي شرطا وَلِأَنَّهُ إِبْرَاء عَن مَجْهُول لَا يدرى وعَلى العلتين انبنى خلاف فِيمَا إِذا عين عَيْبا وابرأ عَنهُ وَالثَّالِث انه يبرأ عَمَّا لم يُعلمهُ لَان الْحَاجة متحققة فِيهِ دون مَا كتمه وَاخْتلفُوا على هَذَا فِي أَن مَا تيَسّر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ هَل يلْحق بِمَا علمه لتَقْصِيره فِي عدم الْبَحْث وَاخْتلفُوا فِي أَن قَول صِحَة الشَّرْط هَل يجْرِي فِي عيب يحدث بعد العقد وَقبل الْقَبْض من حَيْثُ انه بعد لم يُوجد سَببه ثمَّ مهما فسد هَذَا الشَّرْط فَفِي فَسَاد العقد بِهِ قَولَانِ نبهنا عَلَيْهِمَا فِيمَا قبل الْمَانِع الثَّانِي من الرَّد التَّقْصِير وَذَلِكَ بِالتَّأْخِيرِ وَالِانْتِفَاع فان كَانَ الْعَاقِد حَاضرا فليرد عَلَيْهِ كَمَا اطلع على الْعَيْب فِي الْحَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وان كَانَ غَائِبا فليشهد على الرَّد اثْنَيْنِ فان عجز فليحضر مجْلِس القَاضِي مبادرا وليخبره بِالرَّدِّ فان رفع إِلَى القَاضِي والخصم حَاضر فمقصر وان كَانَ الشُّهُود حضورا فَرفع إِلَى القَاضِي فَوَجْهَانِ إِذْ فِي الرّفْع إِلَى القَاضِي مزِيد تَأْكِيد وَلَو كَانَ الْمَعِيب دَابَّة فركبها فِي طَرِيقه إِلَى القَاضِي أَو عبدا فاستخدمه بَطل حَقه وَكَذَلِكَ إِن حمل الدَّابَّة إكافا أَو سرجا فليحطمها كَمَا عثر على الْعَيْب وَلَا يجب حل العذار فَهُوَ فِي مَحل التسامح وَكَذَلِكَ لَو عسر سوق دَابَّة وقودها جَازَ الرّكُوب وعَلى الْجُمْلَة مدرك التَّقْصِير الْعرف وَذَلِكَ ظَاهر فرع إِذا بَطل حَقه بالتقصير فَلَا أرش لَهُ بِخِلَاف مَا لَو تعذر الرَّد بِسَبَب وَلَكِن لَو تَرَاضيا على الْأَرْش مَعَ إِمْكَان الرَّد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ذَلِك جَائِز إِذْ الْحق لَا يعدوهما وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا تقَابل سلطنته الْخِيَار بعوض وَمَا فَاتَ بِالْعَيْبِ قوبل بغرامة عِنْد عسر الرَّد لضَرُورَة الْعَجز عَن تدارك الْحق بطرِيق أقرب مِنْهُ وَالْمعْنَى بِالْأَرْشِ حَيْثُ نوجب أَن يعرف قدر النُّقْصَان بِسَبَب الْعَيْب وينسب إِلَى تَمام الْقيمَة فَإِن كَانَ عشر الْقيمَة رَجَعَ إِلَى عشر الثّمن وَالْقيمَة مُعْتَبرَة لمعْرِفَة النِّسْبَة لَا لإِيجَاب عينهَا الْمَانِع الثَّالِث هَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ حسيا بالتلف أَو حكما بِالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَاد فَإِذا اطلع بعد الْفَوات فَلَا رد إِذْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 لَا مَرْدُود وَتعين الْحق فِي الْأَرْش وَهُوَ جُزْء من الثّمن كَمَا سبق وَهل يبرأ عَن ذَلِك الْجُزْء من الثّمن بِمُجَرَّد الِاطِّلَاع أم يتَوَقَّف على طلبه فِيهِ تردد وميل القَاضِي إِلَى انه لَا يتَوَقَّف على الطّلب بِخِلَاف مَا لَو قدر على الرَّد فان الْفَسْخ لَا يحصل دون طلبه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ كَمَا بَقِي لَهُ طَرِيق الرِّضَا بالمعيب بِكُل الثّمن مَعَ الْبَقَاء يبْقى لَهُ ذَلِك بعد الْفَوات فَلَا بُد من الطّلب فان قيل لَو كَانَ قد استوفى الثّمن وَطلب المُشْتَرِي الْأَرْش فَهَل يتَعَيَّن حَقه فِي عين الثّمن أم يجوز للْبَائِع الْإِبْدَال قُلْنَا فِيهِ تردد للأصحاب إِذْ يحْتَمل أَن يُقَال الْمَعِيب فِي مُقَابلَة كل الثّمن إِن رَضِي بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابلَة بعضه فَيخرج ذَلِك الْبَعْض عَن الْمُقَابلَة وَتعين لاستحقاقه وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَكَأن الْمُقَابلَة تَغَيَّرت وَلَكِن جوز ذَلِك مهما اسْتندَ إِلَى سَبَب فِي اصل العقد وان كَانَ لَا يجوز ذَلِك بِالتَّرَاضِي عِنْد إِلْحَاق زِيَادَة بِالثّمن بعد اللُّزُوم وَيحْتَمل أَن يُقَال هَذِه غَرَامَة وَكَأن البَائِع جعل معيبا لملك المُشْتَرِي إِذْ العقد الْوَاحِد لَا يَقْتَضِي مقابلتين فِي حالتين وَيشْهد لَهُ أَن مُشْتَرِي الْجَارِيَة بِعَبْد معيب يعلم عَيبه يسْتَحل وَطأهَا وَلَو كَانَ جُزْء مِنْهُ لغَرَض الْعود إِلَى بَائِع الْجَارِيَة لَو اطلع على عيب العَبْد لَا ورث توقعه شُبْهَة وَهَذِه المباحثة من دَقِيق الْفِقْه فلتفهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 فرع لَو تلف أحد الْعِوَضَيْنِ فِي بيع العَبْد بالجارية فَمن وجد عَيْبا بالقائم رده وَرجع إِلَى قيمَة المعوض الْفَائِت اعْتِمَادًا فِي الرَّد على قيام الْمَرْدُود وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَقُلْنَا يمْتَنع إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ لتفريق الصَّفْقَة رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَالْقيمَة الْمعرفَة لنسبة الارش حَيْثُ يرجع إِلَى الارش قيمَة يَوْم العقد أَو قيمَة يَوْم الْقَبْض فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا يَوْم العقد فانه يَوْم الِاسْتِحْقَاق وَالثَّانِي يَوْم الْقَبْض لانه يَوْم الضَّمَان وَالثَّالِث اقل الْقِيمَتَيْنِ نظرا لجَانب المُشْتَرِي الْمَانِع الرَّابِع زَوَال الْملك عَن البيع يمنعهُ من الرَّد فِي الْحَال فَلَو عَاد إِلَيْهِ بَان بَاعَ فَرد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلهُ الرَّد على الأول لَان الْعَائِد هُوَ الْملك الأول وان عَاد إِلَيْهِ بِبيع مُسْتَأْنف فَإِن رد على الْأَخير حَتَّى إِذا رد عَلَيْهِ على الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 جَازَ وان ابْتَدَأَ بِالْأولِ ورد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ لَو عَاد إِلَيْهِ بِهِبَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ فِي البيع قدر على الرَّد على الثَّانِي حَتَّى يرد على الأول بعد الْعود إِلَيْهِ بِالرَّدِّ ومنشأ الْوَجْهَيْنِ أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَيجْرِي ذَلِك فِي رُجُوع شطر الصَدَاق بِالطَّلَاق وَفِي رُجُوع البَائِع إِلَى السّلْعَة بعد إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن فَمن قَائِل رد مَا اشْترى كَمَا اشْترى وَمن قَائِل لَيْسَ هَذَا الْملك الَّذِي ينقصهُ مَا اسْتَفَادَ مِنْهُ بل استفاده بِالْهبةِ وَإِنَّمَا ذَلِك الْملك قد زَالَ وَلم يعد فَصَارَ كَمَا إِذا فَاتَ ثمَّ إِذا منعناه من الرَّد ثَبت لَهُ الارش وان كَانَ ذَلِك فِي ملك الْغَيْر وَامْتنع الرَّد فِي الْحَال وَلَكِن قُلْنَا لَو عَاد لقدر على الرَّد فَفِي جَوَاز الْمُطَالبَة بالارش فِي الْحَال لوُقُوع الْحَيْلُولَة وَجْهَان يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي شُهُود الْأَمْوَال إِذا رجعُوا لَان الْحَيْلُولَة وَاقعَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وتوقع الْوُصُول إِلَى أصل الْحق مرجو فيهمَا وَالأَصَح جَوَاز طلب الْبَدَل فِي الْحَال فرعان أَحدهمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ فَالْأَصَحّ أَن للْأولِ الْمُطَالبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 بالارش فان تبرع غَيره عَلَيْهِ لَا يلْزمه التَّبَرُّع على غَيره الثَّانِي إِذا كَانَ عوض الْمَرْدُود خَارِجا عَن الْملك وعائدا فَالْأَصَحّ أَن ذَلِك لَا يضر وَجها وَاحِدًا لَان عود ذَلِك يجْرِي قهرا فَيرجع إِلَى عينه وَلِأَنَّهُ لَو تلف لرجع إِلَى قِيمَته جبرا لَهُ والآن هُوَ بِعَيْنِه قَائِم فَهُوَ أولى بِأَن يكون جَائِزا الْمَانِع الْخَامِس الْعَيْب الْحَادِث يمْنَع من الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم لَان جَانب البَائِع أَيْضا يصان عَن الضَّرَر الْحَادِث كَمَا صين جَانب المُشْتَرِي عَن الْقَدِيم فمسلك التَّدَارُك أَن يضم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث إِلَيْهِ وَيرد أَو يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم حَتَّى لَا يرد فَإِن اتفقَا على أحد المسلكين فَذَاك وان تنَازعا فِي التَّعْيِين فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن البَائِع متبوع لَان الأَصْل أَلا يلْحقهُ دَرك أصلا إِلَّا إِذا لم يتَضَرَّر وَالثَّانِي المُشْتَرِي متبوع لَان الأَصْل إِن تَمام الثّمن لَا يلْزمه إِلَّا بمبيع سليم وَالثَّالِث أَن من يَدْعُو إِلَى ارش الْعَيْب الْقَدِيم أولى لِأَن اسْتِرْدَاده يسْتَند إِلَى اصل العقد أما ملك الارش عَن الْعَيْب الْحَادِث فجديد لَا مدْخل لَهُ فِي العقد فان قيل لَو زَالَ الْعَيْب الْحَادِث بعد اخذ الارش عَن الْقَدِيم هَل يعود حَقه فِي الرَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ الارش مَأْخُوذَة للْحَيْلُولَة الناجزة وَالثَّانِي لَا لوُقُوع الرِّضَا بِالْعَيْبِ فان لم يقبض بعد وَلَكِن قضى القَاضِي بالارش فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يعود الْحق أما إِذا لم يطلع حَتَّى زَالَ الْعَيْب الْحَادِث فَالْمَذْهَب جَوَاز الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم هَذَا إِذا لم يكن للعيب الْحَادِث أمد ينْتَظر زَوَاله فَإِن كَانَ لَهُ أمد كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ إِذا طرأت على الْجَارِيَة فانه عيب فَلَو اطلع على الْعَيْب وَلم يرد فِي الْحَال منتظرا زَوَاله فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل حَقه إِذْ قدر على طلب الارش وَالثَّانِي لَا لكَونه مَعْذُورًا فِي الِانْتِظَار فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو أنعل الدَّابَّة ثمَّ اطلع على الْعَيْب فلينزع النَّعْل وليرده إِن كَانَ لَا يتعيب بالنزع وَلَيْسَ يلْزم البَائِع قبُول النَّعْل وان كَانَ يعِيبهُ فَلهُ الرَّد وعَلى البَائِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 قبُول النَّعْل فانه تَابعا وَلَو قَالَ المُشْتَرِي لَا اسمح بالنعل وأطلب الارش لم يكن لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ كالمحتقر فِي مُؤنَة الرَّد نعم تردد الْأَصْحَاب فِي أَن ذَلِك إِعْرَاض عَن النَّعْل أَو تمْلِيك حَتَّى لَو سقط فَهُوَ للْبَائِع أَو المُشْتَرِي وَهُوَ مُحْتَمل أما إِذا صبغ الثَّوْب وزادت قِيمَته فَلهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم إِن لم يطْلب قيمَة الصَّبْغ وَلَيْسَ للْبَائِع الِامْتِنَاع وان طلب قيمَة الصَّبْغ فَهَل يجب على البَائِع ذَلِك مَعَ رد الثّمن وَجْهَان وَالْفرق إِن النَّعْل تَابع والصبغ مَقْصُود وَلَا يسمح بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا نكلفه قِيمَته فَهُوَ كعيب حَادث فتعود الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي أَن تمْلِيك أرش عيب حَادث أولى أم غرم أرش الْعَيْب الْقَدِيم وَلم يذهب أحد إِلَى أَن المُشْتَرِي يبْقى شَرِيكا بالصبغ لِأَن المُشْتَرِي يتَضَرَّر بذلك بِخِلَاف الْغَاصِب إِذا صبغ فَإنَّا نبقيه شَرِيكا وَلَا نلتفت إِلَى تضرره لعدوانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 أما إِذْ اشْترى رجلَانِ عَبْدَيْنِ فَفِي انْفِرَاد أَحدهمَا برد نصِيبه قَولَانِ وَوجه الْمَنْع تَفْرِيق الصَّفْقَة إِن قُلْنَا إِنَّهَا تتحد مَعَ تعدد المُشْتَرِي أَو عيب التَّبْعِيض على البَائِع إِذا عَاد إِلَيْهِ النّصْف وَإِذا عللنا بِهَذَا جَوَّزنَا الرَّد فِيمَا لَا ينقصهُ التَّبْعِيض وَالْمَقْصُود أَنا لَو منعناه من الْأَفْرَاد فَاشْترى نصيب شَرِيكه واخذ برد الْكل دافعا عَنهُ ضَرَر التَّبْعِيض وَيُطَالب بِقِيمَة النّصْف فَهَل يجْبر البَائِع عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الصَّبْغ الثَّانِي اشْترى حليا وَزنه ألف دِرْهَم بِأَلف حدث بِهِ عيب انكسار واطلع على عيب قديم فَلَو ضم إِلَيْهِ أرش الْعَيْب الْحَادِث لاسترد ألفا ورد مَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ عين الرِّبَا وَلَو كلف البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم لصار الْألف بعد حط الارش فِي مُقَابلَة الْألف فَهُوَ رَبًّا فَقَالَ ابْن سُرَيج هَذَا عقد تعذر إمضاؤه فينفسخ وَيسْتَرد الثّمن وَلَا ترد الْحلِيّ بل يغرم قِيمَته غير معيب بِالْعَيْبِ الْحَادِث بِالذَّهَب إِن كَانَ الْحلِيّ من الْفضة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 أَو بِالْفِضَّةِ إِن كَانَ من الذَّهَب فِرَارًا من رَبًّا الْفضل وَهَذَا يستمد مِمَّا نفرد من أَن الارش يتَعَيَّن فِي الثّمن وَيتَعَيَّن الْمُقَابلَة بِأَخْذِهِ وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب بل يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم فَإِن ذَلِك الْأَرْش غرم فِي مُقَابلَة الْعَيْب وَكَأن البَائِع هُوَ الْمَعِيب وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يتَعَيَّن فِي الثّمن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بل يغرم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث وَيرد وَلَا مُقَابلَة إِلَّا بَين الثّمن والحلي وهما متوازيان وَهَذِه غَرَامَة عيب حدث فِي يَد المُشْتَرِي مَضْمُونا وَهَذَا أَيْضا بعيد لَان الارش كالبدل عَن ذَلِك الْجُزْء من الْمَعْقُود عَلَيْهِ الَّذِي فَاتَ بِالْعَيْبِ حَتَّى يرد الْفَسْخ عَلَيْهِ فتتناوله الْمُقَابلَة فتحصلنا على احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَة كل وَاحِد من الأرشين وَأَنه غرم مُبْتَدأ أم هُوَ من مُقَابلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَالْمَشْهُور مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن سُرَيج فيهمَا جَمِيعًا الثَّالِث إِذا قور الْبِطِّيخ وَكسر الْجَوْز وَالرُّمَّان وَالْبيض واطلع على عيب بَاطِن فَإِن زَاد فِي الْكسر على حَاجَة الْمعرفَة فعيب حَادث وَإِن اقْتصر فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه عيب حَادث وَهُوَ ظَاهر النَّص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَالثَّانِي أَنه يرد من غير أرش إِذْ يَسْتَحِيل أَن يبطل رده بطرِيق الِاطِّلَاع والاطلاع سَبَب الرَّد وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن استقلاله بِالرَّدِّ لَا يبطل وَلَكِن يضم أرش الْكسر حَتَّى لَا يتَضَرَّر البَائِع أَيْضا أما إِذا لم يبْق لَهُ بعد الْكسر قيمَة كالبيضة المذرة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يسْتَردّ كَمَال الثّمن فَقَالَ الْأَصْحَاب مَعْنَاهُ انه يسْتَردّ أرش النُّقْصَان وَلَكِن أرش النُّقْصَان كَمَال الثّمن إِذا لم يبْق لَهُ قيمَة وَفَائِدَته أَن القشرة تبقى مُخْتَصَّة بالمشتري فَتبقى الطَّرِيق عَنْهُمَا وَالْوَجْه أَن يُقَال تبين أَن العقد بَاطِل إِذْ ورد على غير مُتَمَوّل وَهُوَ تَأْوِيل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والقشرة مُخْتَصَّة بالبائع فَإِن فرض لَهُ قيمَة قبل الْكسر للنقش وَلعب الصّبيان فقد بطلت الْمَالِيَّة الْآن فَإِن قُلْنَا إِن طَرِيق الِاطِّلَاع من عُهْدَة البَائِع حَتَّى لَا يجب بِهِ أرش فها هُنَا أَيْضا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن وَيجْعَل كَأَنَّهُ لم يشتر إِلَّا مَا بَقِي بعد الإطلاع وَإِن جعل ذَلِك من ضَمَان المُشْتَرِي فَلَا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن هَذَا تَمام القَوْل فِي لُزُوم العقد وجوازه واختتام الْقسم بِثَلَاثَة فُصُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 الْفَصْل الأول فِي حَقِيقَة الرَّد وَالْفَسْخ وَهُوَ عندنَا رفع العقد من وقته وَلذَلِك لم يمْتَنع الرَّد بِالْعَيْبِ بالزوائد الْمُنْفَصِلَة وَلَا بِوَطْء الثّيّب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ رفع للْعقد من أَصله ولأجله خَالف فِي وَطْء الثّيّب والزوائد الْمُنْفَصِلَة أما الْفَسْخ قبل الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه رفع من أَصله لِأَن العقد بعد ضَعِيف لم يتكامل وعَلى هَذَا نقُول الزَّوَائِد الْحَاصِلَة قبل الْقَبْض تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع وَالثَّانِي انه رفع من وقته كَمَا بعد الْقَبْض وعَلى هَذَا فالزوائد تبقى للْمُشْتَرِي فَإِن قُلْنَا تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع فَلهُ حبس الزَّوَائِد للثّمن إِذا قُلْنَا لَهُ حبس الْمَبِيع لانه يتَوَقَّع التَّعَلُّق بِهِ وان قُلْنَا تسلم للْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حق الْحَبْس فان قيل وَمَا وَجه رُجُوع الزَّوَائِد إِلَى ملك البَائِع وَقد حدثت فِي ملك المُشْتَرِي كَمَا بعد الْقَبْض قُلْنَا لأَجله قَالَ فريق لَا يرجع إِلَيْهِ وَالْقَائِل الآخر يتَعَلَّق بِمَا رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن غلَّة الْمَبِيع تسلم للْمُشْتَرِي بعد الْفَسْخ وَبعد الْقَبْض فَقَالَ الْخراج بِالضَّمَانِ أَي هُوَ على خطر الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 بِالْقَبْضِ فالغنم بالغرم وَمَفْهُومه أَنه لَا يسلم قبل الْقَبْض لَهُ وَالْقَائِل الأول يتبع الْقيَاس وَيَقُول ذَلِك عِلّة لمنع الرُّجُوع ذكره لقطع استبعاد السَّائِل وَقبل الْقَبْض لَا يرجع لعِلَّة أُخْرَى وَهُوَ أَنه حدث من ملكه وَالْحكم قد يُعلل بعلتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الْفَصْل الثَّانِي فِي حَقِيقَة الْإِقَالَة وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد أَنه فسخ لَان اللَّفْظ يُنبئ عَنهُ وَلِأَنَّهُ جَائِز قبل الْقَبْض وَفِي الْمُسلم فِيهِ وَالْبيع لَا يجوز وَالْقَدِيم أَنه بيع جَدِيد وَلَيْسَ لَهُ وَجه وان تكلفنا لَهُ تقريرا فِي كتاب الْبَسِيط فِي الْمَذْهَب فرع لَو كَانَ الْمَبِيع تَالِفا فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة على الْجَدِيد وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كالرد بِالْعَيْبِ فانه يمْتَنع بعد الْفَوات وَالثَّانِي الْجَوَاز فَإِن العقد مُعْتَمد الْفَسْخ وَهُوَ قَائِم وَالرَّدّ يعْتَمد الْمَرْدُود وَهُوَ هَالك فَإِن كَانَ الْهَالِك أحد الْعَبْدَيْنِ فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ الْقَائِم يستتبع الْهَالِك وَإِن كَانَا قَائِمين فَأَرَادَ إِفْرَاد أَحدهَا بِالْفَسْخِ فليلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَالْمذهب جَوَازه لَا سِيمَا فِي الدَّوَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 الْفَصْل الثَّالِث فِي النزاع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِذا قَالَ المُشْتَرِي هَذَا الْعَيْب قديم وَقَالَ البَائِع بل هُوَ حَادث فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الأَصْل السَّلامَة وَلُزُوم العقد فَلَو حلف ثمَّ جرى الْفَسْخ بعده بتحالف فَأخذ يُطَالب المُشْتَرِي بأرشه وَزعم أَنِّي أثبت حُدُوثه بيميني لم نمكنه لَان يَمِينه صلحت للدَّفْع عَنهُ فَلَا يصلح لشغل ذمَّة المُشْتَرِي بل للْمُشْتَرِي أَن يحلف الْآن على أَنه لَيْسَ بحادث ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يحلف أَنِّي بِعته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْمُزنِيّ بل يزِيد وَيَقُول بِعته وأقبضته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْأَصْحَاب أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا لم يدع المُشْتَرِي إِلَّا عَيْبا قبل العَبْد فيكفيه يَمِين على مُطَابقَة ضد الدَّعْوَى قَالَ ابْن أبي ليلِي كَيفَ يحلف على الْبَتّ مَا بِهِ عيب فَلَعَلَّهُ كَانَ وَلم يعرفهُ فليحلف على نفي الْعلم قَالَ الْأَصْحَاب بل يحلف على الْبَتّ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كَمَا يشْهد على الْملك والإعسار وَنفي وَارِث سوى الْحَاضِر وكل ذَلِك على النَّفْي يعرف بطول الْخِبْرَة بل أَمر الْيَمين أسهل وَلذَلِك ثَبت الْحلف على اعْتِمَاد حَظّ أَبِيه فَلَا يشْهد بِهِ فَإِذا لم يعرف عَيْبا جَازَ لَهُ أَن يُطلق الْيَمين لأجل الْحَاجة فرع لَو توافقا على وجود بياضين بِالْعَبدِ أَحدهمَا قديم وَالْآخر حَادث وَقد زَالَ أَحدهمَا وتنازعا فِي أَن الزائل هُوَ الْقَدِيم أَو الْحَادِث فدعواهما على التَّعَارُض وَالْقَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل هُوَ اللُّزُوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 الْقسم الثَّالِث من كتاب البيع فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده وَالنَّظَر فِي الْقَبْض يتَعَلَّق بثمرته وَحكمه ثمَّ بصورته وكيفيته ثمَّ بِصفتِهِ فِي الْوُجُوب والإجبار عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 النّظر الأول فِي ثَمَرَته وَحكمه وَله حكمان الحكم الأول نقل الضَّمَان إِذْ الْمَبِيع عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي ضَمَان البَائِع قبل الْقَبْض على معنى أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه وَيسْتَرد الثّمن وَقَالَ أَبُو ثَوْر هُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي بِمُجَرَّد العقد واليه ذهب مَالك رَحمَه الله وَلَكِن فِيمَا يشترى جزَافا لَا تَقْديرا هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَإِن أتْلفه المُشْتَرِي فَهُوَ قبض من جِهَته مُقَرر للْعقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وَإِن أتْلفه أَجْنَبِي فطريقان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لِأَن الْمَالِيَّة بَاقِيَة بِبَقَاء الْقيمَة وَقَالَ المراوزة قَولَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ أَن مُتَعَلق العقد الْعين وَقد فَاتَت فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فالبائع هَل يحبس الْقيمَة لتسليم الثّمن كَمَا يحبس الْمُرْتَهن قيمَة الْمَرْهُون أم يُقَال هَذَا حق ضَعِيف وَلَا يسري إِلَى الْبَدَل فِيهِ وَجْهَان فَلَو أثبتا لَهُ حبس الْقيمَة فَفِي الِانْفِسَاخ بِتَلف الْقيمَة أَيْضا وَجْهَان أما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 إِتْلَاف البَائِع فَمنهمْ من نزله منزلَة إِتْلَاف الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهُ متعرض وَهَا هُنَا يبعد إِثْبَات الْحَبْس لَهُ من الْقيمَة وَهُوَ المعتدي بِالْإِتْلَافِ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالآفة السماوية إِذْ هُوَ عَاقد فَلَا يتَعَرَّض لضمان الْأَجَانِب وَلذَلِك لم نطالب الْمُرضعَة بِمهْر الْمثل مُطَالبَة الْأَجْنَبِيَّة إِذا فوتت النِّكَاح بِالرّضَاعِ فَإِن قيل فَلَو فَاتَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ قُلْنَا يَنْفَسِخ فِي ذَلِك الْقدر وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن قيل فَلَو نقصت صفة بِالْعَيْبِ قبل الْقَبْض قُلْنَا فَائِدَته إِثْبَات الْخِيَار فَإِن أجَاز يُخَيّر بِكُل الثّمن وَلَا يُطَالب بِأَرْش أصلا إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي فَيُطَالب الْأَجْنَبِيّ بالارش إِن أجَاز وَإِن فسخ فالبائع يُطَالِبهُ وَجِنَايَة البَائِع فِي إِيجَاب الارش مترددة بَين الآفة السماوية وَبَين جِنَايَة الْأَجْنَبِيّ كَمَا سبق فِي الْإِتْلَاف فَإِن قيل احتراق سقف الدَّار قبل الْقَبْض مَا حكمه قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه عيب كسقوط يَد العَبْد لِأَنَّهُ تَابع للدَّار وَلَيْسَ كموت أحد الْعَبْدَيْنِ وَالثَّانِي أَنه كَأحد الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بالمالية عِنْد تَقْدِير الِانْفِصَال بِخِلَاف الْيَد من العَبْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 فرع لَو اغتصب المُشْتَرِي الْمَبِيع حَيْثُ أثبتا للْبَائِع الْحَبْس فَللْبَائِع اسْتِرْدَاده فَلَو أتْلفه البَائِع قبل الِاسْتِرْدَاد ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه بِالْإِتْلَافِ قَابض ومتلف فَيكون كالإتلاف قبل الْقَبْض وَالثَّانِي أَنه كَالْأَجْنَبِيِّ لوُقُوعه بعد جَرَيَان صُورَة الْقَبْض وَقبل عود صُورَة الْيَد إِلَيْهِ الحكم الثَّانِي للقبض تسلط المُشْتَرِي على التَّصَرُّف فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي بيع مَا اشْتَرَاهُ قبل الْقَبْض لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع مَا لم يقبض فَنَشَأَ من الحَدِيث تصرف فِي ثَلَاث مَرَاتِب الأولى فِيمَا يلْحق بِالْبيعِ من التَّصَرُّفَات فَكل تمْلِيك بعوض فَهُوَ بيع وَالْعِتْق لَا يلْحق بِهِ لِأَن منع البيع إِمَّا أَن يُعلل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 بِضعْف الْملك أَو بتوالي الضامنين وَلَا تَأْثِير للعلتين فِي الْعتْق نعم لَو كَانَ قبل تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ كعتق الْمَرْهُون وَأولى بالنفوذ لضعف حق الْحَبْس أما الْإِجَارَة فَفِيهَا وَجْهَان إِن عللنا بِضعْف الْملك منعناها وَإِن عللنا بتوالي الضامنين فَالْإِجَارَة لَا توجب ضَمَان الْعين فَلَا يتواليان وَالتَّزْوِيج كَالْإِجَارَةِ إِلَّا أَنه ينقبض فقد يمْنَع مِنْهُ قبل تَوْفِيَة الثّمن وَأما الهيبة وَالرَّهْن فيجريان مجْرى الْعتْق قَالَ صَاحب التَّقْرِيب رهن مَا لَا يَصح بَيْعه بَاطِل وَهَذَا لَا يَصح بَيْعه فَيتَّجه بطرِيق الدّلَالَة مَنعه وَفِي الْهِبَة أَيْضا وَجه أَنه ينزل منزلَة هبة الْمَرْهُون الْمرتبَة الثَّانِيَة فِيمَا يلْحق بيد البَائِع من الْأَيْدِي فَكل يَد ثَابِتَة لمملك عَن جِهَة مُعَاوضَة مَحْضَة فَهِيَ يَد بَائِع كَمَا فِي الصّرْف وَالسّلم وَالتَّوْلِيَة والاشتراك وَمَا لَا يسْتَند إِلَى مُعَاوضَة كيد الْأَمَانَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْعَارِية وَالْغَصْب والسوم وَيَد المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع بعد الِانْفِسَاخ لَا يلْحق لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَن مُعَاوضَة وتمليك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وَيَد تمْلِيك الصَدَاق وَالْبدل فِي الْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد يخرج على أَنَّهَا مَضْمُونَة ضَمَان العقد أم ضَمَان الْيَد فَإِن فرعنا على ضَمَان العقد ألحقناه بيد البَائِع وَإِلَّا فَلَا الْمرتبَة الثَّالِثَة النّظر فِي أَنْوَاع الْمَبِيع وَهُوَ منقسم إِلَى عين وَدين أما الْعين فَلَا تبَاع قبل الْقَبْض مَنْقُولًا كَانَ أَو عقارا وَجوز أَبُو حنيفَة بيع الْعقار قبل الْقَبْض وَأما الدّين والمثمن مِنْهُ كَالْمُسلمِ فِيهِ وَالْحِنْطَة الْمَبِيعَة وَصفا فِي الذِّمَّة فَلَا يجوز بَيْعه قبل الْقَبْض وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ وَفِي جَوَاز الْحِوَالَة فِي الْمُسلم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع هُوَ الْأَصَح لِأَن فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة وَالثَّانِي الْجَوَاز تَغْلِيبًا لِمَعْنى الِاسْتِيفَاء وَالثَّالِث أَنه تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ فَإِن لَا يتبدل عين الْمُسْتَحق وَلَا تجوز الْحِوَالَة بِهِ فَإِنَّهُ تَبْدِيل وتحويل إِلَى ذمَّة أُخْرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 أما الثّمن فَإِن عين فَتعين عندنَا بِالتَّعْيِينِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وينفسخ العقد عندنَا بتلفه وَلَكِن إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَفِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الثّمن وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كُنَّا نبيع الْإِبِل فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدَّنَانِيرِ فنأخذ بهَا الدَّرَاهِم وبالدراهم فنأخذ بهَا الدَّنَانِير فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا بَأْس إِذا تفرقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا لبس وَالْقَائِل الأول يحمل الحَدِيث على جَرَيَانه فِي مجْلِس العقد فَيكون تغييرا للْعقد فِي حَالَة الْجَوَاز وَالثَّالِث أَنه يسْتَبْدل أحد النَّقْدَيْنِ عَن الآخر للْحَدِيث وَلَا يسْتَبْدل سَائِر الْأَجْنَاس عَنْهَا للْقِيَاس وَهَذَا أعدل ويتأيد باتحاد مَقْصُود النقدية مِنْهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 فَإِن قيل وَبِمَ يتَمَيَّز الثّمن عَن الْمُثمن قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا ثمن إِلَّا النقدان وَالثَّانِي أَن الثّمن مَا يتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَالثَّالِث أَن الصَّفْقَة إِن اشْتَمَلت على نقد فَهُوَ الثّمن وَإِلَّا فَمَا اتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَهُوَ الأعدل فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا ثمن إِلَّا لنقد فَلَو قَالَ بِعْت هَذِه الدَّرَاهِم بِالْعَبدِ فَفِي صِحَة العقد خلاف لتغيير نظم العقد وَالصَّحِيح الصِّحَّة وَكَذَلِكَ نقُول الْأَصَح جَوَاز السّلم فِي الدَّرَاهِم فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الثّمن كالمثمن فِي التَّعْيِين بِالتَّعْيِينِ فَإِن قُلْنَا حكم الثمينة غير مَقْصُود على النَّقْدَيْنِ فجواز الِاسْتِبْدَال هَل يتَعَدَّى إِلَى غير النَّقْدَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وَمن يُلَاحظ الحَدِيث وَمعنى النقدية لم يجوز الِاسْتِبْدَال فِي غير النَّقْدَيْنِ بِحَال وَلَعَلَّه الأولى أما الْفُلُوس إِن راجت رواج النُّقُود فَالصَّحِيح أَنَّهَا كالعروض فَإِن قيل الدّين الثَّابِت بالقرض أَو بِالْإِتْلَافِ أَو بِسَبَب غير الْمُعَاوضَة مَا حكمه قُلْنَا بَيْعه من غير من عَلَيْهِ الدّين فِيهِ قَولَانِ وَالْمَنْع غير مَأْخُوذ من قَاعِدَة الْقَبْض وَلكنه من ضعف الْملك لعدم التَّعْيِين وَلَعَلَّ الْأَصَح الْمَنْع فَإِنَّهُ لَيْسَ مَالا حَاضرا وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 كَانَ لَهُ حكم المَال من بعض الْوُجُوه وَإِن بَاعه مِمَّن عَلَيْهِ الدّين فَإِن استبدل عَنهُ عينا وَقبض فِي الْمجْلس جَازَ وَإِن استبدل دينا لم يجز لِأَنَّهُ منطبق على بيع الكالئ بالكالئ وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ والكالئ هُوَ الدّين وَإِن استبدل عينا وَلم يقبض فِي الْمجْلس فَإِن جَوَّزنَا بيع الدّين فَلَا مَأْخَذ لاشْتِرَاط الْقَبْض وَإِن لم نجوز فَلَا بُد من الْقَبْض إِذْ يجوز الِاسْتِبْدَال على تَقْدِير كَونه اسْتِيفَاء للمالية فَيخْتَص بِمَجْلِس الِاسْتِيفَاء إِذْ الأَصْل فِيهِ الْفِعْل دون القَوْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 النّظر الثَّانِي فِي صُورَة الْقَبْض وكيفيته والمقبوض إِن عقارا فمجرد التَّخْلِيَة كَاف إِلَّا إِذا كَانَ غَائِبا فَفِي نظر يذكر فِي الرَّهْن واما الْمَنْقُول هَل يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَة الْمُجَرَّدَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَا بُد من النَّقْل لَان الِاعْتِمَاد فِيمَا نيط باسم الْقَبْض على الْعرف وَالْعرْف يفرق بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار وَنقل حَرْمَلَة قولا للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه يكْتَفى بِالتَّخْلِيَةِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك لِأَن الْمَقْصُود اسْتِيلَاء المُشْتَرِي وَقد حصل وَالثَّالِث أَن التَّخْلِيَة تَكْفِي لنقل الضَّمَان لِأَنَّهُ حق البَائِع وَقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي التسليط على التَّصَرُّف فَإِنَّهُ حق المُشْتَرِي وَقد قصر إِذْ لم يقبض وَلم ينْقل وَهَذَا يعضده أَن ركُوب الدَّابَّة وَالْجُلُوس على الباسط قد يَجعله سَببا لضمان الْغَصْب دون النَّقْل التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا بُد من النَّقْل فَإِن وجد من المُشْتَرِي فَهُوَ الْكَامِل وَذَلِكَ بِأَن ينْتَقل إِلَى مَحل يخْتَص بِهِ وَلَا اخْتِصَاص للْبَائِع بِهِ فَلَو نقل إِلَى زَاوِيَة من دَار البَائِع فَلَا يَكْفِي لِأَن الدَّار وَمَا فِيهَا فِي يَد البَائِع إِلَّا أَن يَأْذَن البَائِع فِي الْقَبْض وَالنَّقْل إِلَيْهِ فَيكون إِعَادَة لتِلْك الزاوية فَيحصل الْقَبْض هَذَا إِذا قبض بِرِضا البَائِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 فَإِن أَخذه قهرا إِن كَانَ بعد تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ صَحِيح وَإِن قبله وأثبتا حق الْحَبْس فَهُوَ فَاسد يصلح لنقل الضَّمَان وَهل يُفِيد التَّصَرُّف فِيهِ وَجْهَان أما البَائِع إِذا نَقله إِلَى دَار المُشْتَرِي أَو وَضعه بَين يَدَيْهِ أَو فِي جُحْره أَو فِي مَحل قريب مِنْهُ وَالْمُشْتَرِي رَاض حصل الْقَبْض وان كَانَ كَارِهًا فَوَجْهَانِ هَذَا فِي مَنْقُول بيع جزَافا فَإِن بيع مكايلة كصبرة الْحِنْطَة إِذْ قَالَ بعتها كل صَاع بدرهم فتمام الْقَبْض بِالْكَيْلِ على المُشْتَرِي فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَلم يكل فَالضَّمَان انْتقل إِلَيْهِ وَهل يتسلط على البيع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتسلط وَهَذَا قبض فَاسد إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان صَاع البَائِع وَصَاع المُشْتَرِي إِذْ من عَادَة الْعَرَب فِي المواسم شِرَاء صبرَة من الْحِنْطَة مكايلة وَبَيْعهَا بِزِيَادَة ربح مكايلة فَلَا بُد من إِجْرَاء الصَّاع قبل البيع حَتَّى يكون الحَدِيث مُفِيدا وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالشَّيْخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 أَبُو مُحَمَّد إِذْ مثل هَذَا النَّهْي لَا يحمل إِلَّا على الْفساد وَلَو حمل على اصل الْقَبْض كَانَ إِلْغَاء لفائدة خُصُوص هَذَا الحَدِيث وَالأَصَح أَنه لَو اشْترى الطَّعَام مكايلة وأبقاه فِي المكاييل وباعاها مكايلة ثمَّ صبه على المُشْتَرِي للْمُشْتَرِي جَازَ فصورة أَجزَاء الصَّاع لَا يُرَاد لعَينه وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من التَّفْرِيع أَولا ليبني صِحَة البيع الثَّانِي عَلَيْهِ لظَاهِر الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف إِذْ دوَام الْكَيْل فِي معنى ابْتِدَائه وَلما كَانَ قَرَار العقد مَوْقُوفا على التَّقَابُض فِي الْمجْلس فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ اخْتلفُوا فِي أَنه لَو بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ مكايلة وتقاضيا جزَافا فَإِن العقد هَل يَنْفَسِخ وَهَذَا مُرَتّب على حكم البيع وَأولى بألا يَسْتَدْعِي قَرَار العقد جَرَيَان الْكَيْل فرع الْقَبْض يجْرِي فِيهِ النِّيَابَة وَلَكِن لَو قَالَ لمستحق الْحِنْطَة فِي ذمَّته اكتل على نَفسك من صبرتي هَذِه قدر حَقك فَفعل فَفِي تعين حَقه بِهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من وَجه اتَّحد الْقَابِض والمقبض لِأَنَّهُ مقبض بِالْإِذْنِ وقابض لنَفسِهِ وَإِنَّمَا يسلم ذَلِك للْأَب يقبض لنَفسِهِ من طِفْله ولطفله من نَفسه كَمَا يسلم لَهُ فِي تولي طرفِي البيع وَلَو قَالَ لمستحق الدّين اقبض حَقك مِمَّا لي على فلَان فَقبض لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 يَصح لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يقبض للْمُسْتَحقّ ثمَّ يقبض لنَفسِهِ فَلَو قَالَ اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ قَبضه لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ وَلَو ألْقى إِلَيْهِ كيسا وَقَالَ خُذ مِنْهُ قدر حَقك فَلَا يملك بِمُجَرَّد الْأَخْذ دون الْوَزْن قطعا وَإِنَّمَا الْخلاف بعد الْوَزْن فِي تعْيين حَقه لكَونه قَابِضا قبضا وَلَكِن هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ لَو تلف لِأَنَّهُ أَخذه ليتملكه فضاهى اخذ المستام والكيس لَيْسَ مَضْمُونا لِأَن يَده فِيهِ يَد الْوَكِيل وَلم يَأْخُذ الْكيس ليتملكه وَلَو دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَقَالَ اشْتَرِ بهَا قدر حَقك لم يَصح الشِّرَاء لَهُ وَالْقَبْض لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 النّظر الثَّالِث فِي وجوب الْبِدَايَة بِالْقَبْضِ وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب على البَائِع الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْمَبِيع لانه متسلط على التَّصَرُّف فِي الثّمن فليتسلط المُشْتَرِي على الْمَبِيع وَالثَّانِي أَن الْبِدَايَة بالمشتري لِأَن حَقه مُتَعَيّن فليغير حق البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يتساويان فَيجْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا من غير تَقْدِيم وَالرَّابِع أَنَّهُمَا لَا يجبران بل إِن تبرع أَحدهمَا بالبدار أجبر الثَّانِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 التَّفْرِيع المُشْتَرِي إِذا بَادر قبل الْقَبْض وَسلم الثّمن فَيجب تَسْلِيم الْمَبِيع فَلَو كَانَ آبقا فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد بل لَهُ الْفَسْخ إِن شَاءَ والاسترداد بعده وَإِن علم إباقة فَلَا يلْزمه تَسْلِيم الثّمن قولا وَاحِدًا وَأما البَائِع إِذا بَدَأَ فَيجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول وَلم يكن كَالدّين فَإِنَّهُ قد لَا يجْبر مُسْتَحقّه على الْقَبْض لِأَن حَقه غير مُتَعَيّن فِيهِ فَإِن أَبى وَلم يقبض فَتلف فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه لدوام صُورَة الْيَد وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا أَبى المُشْتَرِي فَللْبَائِع أَن يقبض لَهُ من نَفسه لتصير يَده يَد أَمَانَة أَو يرفع يَده الى القَاضِي حَتَّى يودعه عِنْده وَهُوَ بعيد وَقبض القَاضِي عَنهُ وإيداعه لَهُ أقرب قَلِيلا وَإِن قبل المُشْتَرِي وَقبض طُولِبَ بِالثّمن من سَاعَته فَإِن تحقق إفلاسه وَلم يكن لَهُ شَيْء سوى الْمَبِيع أَو كَانَ وزادت الدُّيُون عَلَيْهِ فَللْبَائِع الرُّجُوع إِلَى عين السّلْعَة وَإِن كَانَ غَنِيا وَلَكِن مَاله غَائِب قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يجْبر المُشْتَرِي على دفع الثّمن سَاعَته فَإِن كَانَ مَاله غَائِبا أشهد على وقف مَاله فَإِن وفى أطلق الْوَقْف عَنهُ وَهَذَا حجر غَرِيب يرَاهُ الشَّافِعِي من حَيْثُ إِن البَائِع على خطر من إِنْفَاقه جَمِيع أَمْوَاله واستهلاك الثّمن بالإفلاس فالحجر أقرب من حَبسه أَو فسخ البيع أَو إهمال الْحق وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحْجر عَلَيْهِ وَهَذَا لتخريجه وَجه وَلكنه مُخَالف للنَّص ثمَّ اتَّفقُوا على أَنه لَا حجر عِنْد إِمْكَان الْفَسْخ بالفلس فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى الْحجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ المَال غَائِبا فَوق مَسَافَة الْقصر فَهُوَ كالفلس لِأَنَّهُ عجز فِي الْحَال وَإِن كَانَ دون مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ وَإِن كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ بل يحْجر عَلَيْهِ وَالصَّحِيح مَا قَالَه ابْن سُرَيج من أَن الْغَيْبَة لَيْسَ كَالْعدمِ بل الإعدام يُوجب الْفَسْخ والغيبة توجب الْحجر فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ وَلَا حجر بل يُطَالب بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 الْقسم الرَّابِع = كتاب البيع = فِي مُوجب الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي البيع وَبَيَان مَا يُزَاد فِيهَا على مُوجب اللُّغَة أَو ينقص وَيسْتَثْنى بِحكم اقتران الْعرف وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن الْقسم الثَّالِث مَا يُطلق فِي البيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد وَهِي مَشْهُورَة وَالْغَرَض بَيَان لفظين الأولى التَّوْلِيَة فَإِذا اشْترى شَيْئا وَقَالَ لغيره وليتك هَذَا العقد فَقَالَ قبلت صَحَّ البيع بِهَذَا اللَّفْظ وَنزل على ثمن العقد الأول وَهُوَ ملك متجدد يَتَجَدَّد بِسَبَبِهِ حق الشُّفْعَة وتسلم الزَّوَائِد للْمُشْتَرِي الأول أَعنِي مَا حصل قبل التَّوْلِيَة وَلَو حط عَن الثّمن الأول شَيْء انحط عَن الثَّانِي لِأَن التَّوْلِيَة توجب نُزُوله فِي الثّمن منزلَة الأول حَتَّى لَا يُطَالب إِلَّا بِمَا يُطَالب الأول فَهُوَ فِي حق الثّمن كالبناء وَفِي حق نقل الْملك كالابتداء وَلما عسر الْفرق بَين هَذَا وَبَين سَلامَة الزَّوَائِد وَالشُّفْعَة ذكر القَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَيْن ورد التَّرَدُّد إِلَى أَن هَذَا ملك بِنَاء أَو ابْتِدَاء وَهُوَ ضَعِيف فَلَا وَجه للتردد فِي الشُّفْعَة والزوائد نعم ينقدح وَجه أَن الْحَط لَا يلْحق كَمَا لَا يلْحق الشَّفِيع إِلَّا أَن يكون الْحَط فِي مجْلِس العقد فَإِن ذَاك فِيهِ خلاف فِي حق الشَّفِيع أَيْضا فرع فِي التَّوْلِيَة قبل الْقَبْض وَجْهَان وَوجه التجويز الاستمداد من حكم الْبناء حَتَّى كَانَ المطرد هُوَ الْملك الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 ويتأيد ذَلِك بلحوق الْحَط وَفِي تَوْلِيَة البَائِع خلاف مُرَتّب على البيع من البَائِع الأول وَأولى بِالصِّحَّةِ اللَّفْظ الثَّانِي الْإِشْرَاك فَلَو قَالَ أَشْرَكتك فِي هَذَا العقد على المناصفة كَانَ حكمه التَّوْلِيَة فِي النّصْف من غير فرق وَلَو أطلق وَلم يذكر المناصفة فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ لم يبين الْمِقْدَار فَكَانَ مَجْهُولا وَالثَّانِي الْجَوَاز وَينزل الْمُطلق على التشطير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن وَهُوَ أَلْفَاظ الْمُرَابَحَة فَإِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت وَربح ده يازده نزل على مَا قَالَه إِن كَانَ مَا اشْتَرَاهُ مَعْلُوما للْمُشْتَرِي الثَّانِي وَكَذَلِكَ فِي صُورَة التَّوْلِيَة يشْتَرط أَن يكون ثمن الأول مَعْلُوما للْمُشْتَرِي فَإِن لم يُعلمهُ فَلْيقل بِعْت بِمَا اشْتريت وَهُوَ مائَة فَإِن لم يذكر بَطل كَمَا لَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه وَفِيه وَجه أَن هَذَا يَصح لارتباط العقد الأول بالعاقد وسهولة الِاطِّلَاع عَلَيْهِ ثمَّ تردد هَؤُلَاءِ فِي انه هَل يشْتَرط زَوَال الْجَهَالَة فِي الْمجْلس أما إِذا قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ دخل فِيهِ الثّمن وَأُجْرَة الدَّلال والكيال وَكَذَا الْبَيْت الَّذِي تحفظ فِيهِ الأقمشة وكل مَا يعد من خرج التِّجَارَة بِخِلَاف قَوْلنَا بِعْت بِمَا اشْتريت وَلَو تعاطى الْكَيْل بِنَفسِهِ أَو كَانَ الْبَيْت مَمْلُوكا لَهُ لم يقدر لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ علف الدَّابَّة لَا يضم إِلَيْهَا والمحكم الْعرف فَإِن ذَلِك لَا يعد من خرج التِّجَارَة عرفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 فرعان أَحدهمَا إِذا اشْترى شَيْئا بِعشْرَة وَبَاعه بِخَمْسَة عشر ثمَّ اشْتَرَاهُ بِعشْرَة ثمَّ قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ فَالظَّاهِر أَنه ينزل على الْعشْرَة وَقَالَ ابْن سُرَيج يحْسب الرِّبْح عَلَيْهِ فَتكون السّلْعَة قد قَامَت بِخَمْسَة فَينزل عَلَيْهَا وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ يدل ربح الْخَمْسَة خسران خَمْسَة لم ينزل هَذَا اللَّفْظ على خَمْسَة عشر وَهَذَا يضعف تَوْجِيه مذْهبه الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت بحط ده يازده وَكَانَ قد اشْترى بِمِائَة وَعشرَة مثلا فَالظَّاهِر هُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَابْن أبي ليلى أَنه ينزل على الْمِائَة وتحط الْعشْرَة فَيكون قد حط من كل أحد عشر درهما وَاحِدًا لتبقى نِسْبَة ده يازده بَين الأَصْل والمحطوط وَفِيه وَجه آخر غامض أَنه ينزل على مائَة دِرْهَم إِلَّا درهما فيحط عَن كل عشرَة دِرْهَم وَاحِد كَمَا كَانَ يُزَاد على عشرَة وَاحِد فِي ربح ده يازده فَإِن قيل لَو لم يصدق المُشْتَرِي فِي قدر الثّمن وَزَاد أَو كَانَ قد طَرَأَ بعد الشِّرَاء عيب فَلم يذكرهُ فَهَل يحط عَن الثَّانِي بِقدر الْعَيْب قُلْنَا ليعلم أَن هَذَا العقد عقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 أَمَانَة فَإِن المُشْتَرِي لَا يوطن نَفسه على ذَلِك الثّمن وَعلم أَن المُشْتَرِي لم يسمع بِالثّمن الَّذِي ذكره البَائِع وشترى بِهِ إِلَّا تعويلا على مماكسته واستقصائه فِي طلب الْغِبْطَة فيرضى لنَفسِهِ مَا ارْتَضَاهُ الأول لنَفسِهِ فَيجب عَلَيْهِ الْأَخْبَار بِكُل مَا طَرَأَ من عيب أَو جِنَايَة منقصة للعين كالإحصاء أَو للقيمة وَإِن اشْترى بِأَجل وَجب ذكره وَلَا يجب ذكر الزِّيَادَات الْحَادِثَة وَلَا ذكر مَا اشْترى مَعَه إِذا قوم هَذَا الْقدر بِحِصَّتِهِ وَلَا ذكر البَائِع إِذا اشْترى من وَلَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب ذكر ذَلِك كُله وَلَو اشْترى بِغَبن وَهُوَ عَالم بِهِ فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب ذكره وَفِيه وَجه أَنه يجب لِأَن الثَّانِي اعْتمد على أَنه لَا يحْتَمل الْغبن وَهَذَا الْقَائِل يُوجب أَن يذكر إِذا اشْترى من وَلَده الطِّفْل وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى بدين غير مُؤَجل وَلَكِن الرجل مطول لِأَن ذَلِك سَبَب احْتِمَال غبن على الْجُمْلَة ثمَّ إِن كذب المُشْتَرِي فَزَاد فِي الثّمن أَو لم يخبر عَمَّا طَرَأَ من الْعَيْب فَهَل يحط عَن الثَّانِي قدر التَّفَاوُت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحط لِأَنَّهُ جزم العقد بِمِائَة مثلا وَكذب فِي قَوْله اشْتريت بِهِ نعم لَهُ الْخِيَار إِن شَاءَ لتلبيسه فَإِن أجَاز فليجر لكل الثّمن وَالثَّانِي أَنه يحط لِأَنَّهُ لم يقْتَصر على ذكر الْمِائَة بل ربط وَقَالَ بِعْت بِمِائَة وَهُوَ الَّذِي اشْتريت بِهِ فَلَا تلْزمهُ الْمِائَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحط فَفِي ثُبُوت الْخِيَار للْمُشْتَرِي قَولَانِ وَوجه الْإِثْبَات أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِمِائَة لتحلة قسم أَو وَفَاء بموعود فَإِن قُلْنَا لَهُ الْخِيَار مَعَ ذَلِك فَأجَاز أَو قُلْنَا لَا خِيَار لَهُ فَفِي ثُبُوته للْبَائِع وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات أَنه طمع فِي سَلامَة الْمِائَة لَهُ وَلم تسلم وَإِن قُلْنَا لَا يحط عَن الْمِائَة فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لِأَنَّهُ مظلوم بالتلبيس إِلَّا أَن يكون التَّفَاوُت من جِهَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 الْعَيْب وَكَانَ قد علم طرآن الْعَيْب فَيكون رَاضِيا مَعَ ذَلِك لما اشْترى فَإِن هم بِالْفَسْخِ فَقَالَ البَائِع لَا تفسخ فَإِنِّي أحط لِأَجلِك فَهَل يبطل خِيَاره فِيهِ وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْخِيَار أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِالْمِائَةِ كَمَا سبق هَذَا إِذا تبين خَطؤُهُ بتذكر المُشْتَرِي أمرا مشاهدا أَو بقوله أَخْطَأت إِقْرَارا على نَفسه أَو بِقِيَام بَيِّنَة على مِقْدَار مَا اشْترى بِهِ فَأَما إِذا قَالَ تَعَمّدت الْكَذِب وَإِنَّمَا اشْتريت بِكَذَا وَكَذَا فَحكمه مَا سبق وَلَكِن حَيْثُ ترددنا ثمَّ فِي ثُبُوت الْخِيَار فها هُنَا الْإِثْبَات أولى إِذْ أظهر بقوله خيانته فَرُبمَا يكذب فِيمَا يخبر عَنهُ الْآن من الْبَقِيَّة أَيْضا وَإِن علم المُشْتَرِي كذبه حَالَة الشِّرَاء فَلَا خِيَار لَهُ إِلَّا أَن يَقُول كنت أَظن أَنه يحط مَعَ علمي بِالنُّقْصَانِ فَفِي ثُبُوت الْخِيَار بِهَذَا الظَّن وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 هَذَا إِذا كذب بِالزِّيَادَةِ فَلَو كذب بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ اشْترى بِمِائَة فَقَالَ اشْتريت بسبعين فميل الْأَصْحَاب هَا هُنَا إِلَى الْبطلَان لانه لَا بُد من الزِّيَادَة وَلَا سَبِيل إِلَيْهَا إِذْ الزِّيَادَة لَا تلْحق الثّمن أما الْحَط فيلحقه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذْ لَيست الْمِائَة عبارَة عَن تسعين كَمَا لَيست التِّسْعُونَ عبارَة عَن الْمِائَة فليبطل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَو ليَصِح فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَنْزِيلا على الصدْق لَا على مَا كذب بِهِ وَقد حكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَنه يبطل العقد فِي صُورَة الزِّيَادَة أَيْضا وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يُشِير الى أَن الْحَط لَيْسَ بطرِيق الْإِبْرَاء بل هُوَ بطرِيق تبين نزُول العقد عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَمَا ذكره الْأَصْحَاب يُشِير الى أَنه نزل العقد على اقدر الْمُسَمّى والحط يضاهي حط أرش الْعَيْب وَهَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من الْإِجَازَة وَالرِّضَا بِالْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ طرد بذلك فِي صُورَة ظُهُور النُّقْصَان بِعَيْب طَارِئ مَعَ أَنه صَادِق فِي إخْبَاره عَمَّا اشْترى بِهِ وَالْخلاف فِي كل وَاحِد فرع إِذْ ادّعى البَائِع أَنه اشْترى بِزِيَادَة وَكذبه المُشْتَرِي فَلَا تسمع الدَّعْوَى البَائِع وبينته لِأَنَّهُ على نقيض قَوْله السَّابِق وَهل أَن يحلفهُ على نفي الْعلم فِيهِ وَجْهَان يبنيان على أَن يَمِين الرَّد كالبينة أَو كإقرار الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن جعلنَا كإقراره فَلهُ ذَلِك على رَجَاء النّكُول ورد الْيَمين ليَكُون ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 كالتصديق وَإِن قُلْنَا كالبينة فَلَا وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَنه إِن قَالَ غَلطت وَذكر وَجها مُحْتملا بِأَن قَالَ عولت على قَول الْوَكِيل والآن طالعت الجريدة وتذكرت فَلهُ التَّحْلِيف قطعا وَهَذَا مُتَّجه حسن وَيجب طرد هَذَا فِي قبُول دَعْوَاهُ وبينته أَيْضا وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 الْقسم الثَّالِث من الْأَلْفَاظ مَا يُطلق فِي البيع وَهِي فِي غرضنا سِتَّة أَلْفَاظ اللَّفْظ الأول الأَرْض وَفِي مَعْنَاهُ لفظ الساحة والعرصة والبقعة فَإِن قَالَ بِعْتُك هَذِه الأَرْض فالنظر فِي اندراج الشّجر وَالْبناء وَالزَّرْع والدفائن فَأَما الشّجر وَالْبناء فنص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي البيع يدل على الاندراج وَفِي الرَّهْن يدل على أَنه لَا ينْدَرج فَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة طرق الْأَصَح أَنَّهَا لَا تندرج إِذْ اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعا وَلم يكن دَعْوَى عرف مطرد فِيهِ فَينزل منزلَة التَّصْرِيح وَهَذَا الْقَائِل نسب الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى إخلاف فِي النَّقْل وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا قَالَ بِعْت الأَرْض بحقوقها وَمن هَؤُلَاءِ من قَالَ وَلَو قَالَ بحقوقها أَيْضا لم ينْدَرج لِأَن الْحُقُوق عبارَة عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 الْمَمَر ومجرى المَاء وَأَمْثَاله الطَّرِيقَة الثَّانِيَة ذكر قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالثَّالِثَة الْفرق بِأَن الرَّهْن ضَعِيف لَا يستتبع بِخِلَاف البيع أما الزَّرْع فَلَا ينْدَرج قطعا تَحت اسْم الأَرْض لِأَنَّهُ لم يثبت للدوام بِخِلَاف الْبناء وَالشَّجر والبقل لَهُ حكم الشّجر أعنى أُصُوله لَا مَا ظهر مِنْهُ فَإِنَّهُ للدوام كالشجر وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَنَّهَا كالزرع ثمَّ إِذا بَقِي الزَّرْع لصَاحب الأَرْض فَفِي صِحَة بيع الأَرْض طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الأَرْض المكراة إِذْ تقع الْمَنْفَعَة مُسْتَثْنَاة فِي مُدَّة وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ الْمَانِع فِي الْإِجَارَة عسر التَّسْلِيم وَهَا هُنَا تَسْلِيم الأَرْض مُمكن فِي الْحَال وَلَعَلَّه الْأَصَح تَشْبِيها لَهُ بِالدَّار المشحونة بالأمتعة التَّفْرِيع إِن حكمنَا بِالصِّحَّةِ فتسليم الأَرْض مزروعة هَل يُوجب إِثْبَات يَد المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِامْتِنَاع أَنه لَا يقدر على الِانْتِفَاع وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي تَسْلِيم الدَّار المشحونة بالأمتعة وَمِنْهُم من فرق إِذْ التشاغل ب التفريع ثمَّ مُمكن فِي الْحَال بِخِلَاف الزَّرْع ثمَّ المُشْتَرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 إِن لم يعلم بالزرع فَلهُ الْخِيَار فَإِن أجَاز فَهَل لَهُ طلب أُجْرَة تيك الْمدَّة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يُطَالب بارش الْعَيْب عِنْد الْإِجَارَة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَنْفَعَة متميزة عَمَّا قابله الثّمن أما الدفائن فَلَا تندرج تَحت البيع حَتَّى الْحِجَارَة المدفونة إِلَّا أَن تكون مركبة فِي أساس الْبُنيان والجدار فيندرج حَيْثُ ينْدَرج الْجِدَار وان كَانَت الْحِجَارَة مخلوقة فِي الأَرْض اندرجت تَحت اسْم الأَرْض ثمَّ المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما باشتمال الأَرْض على الْحِجَارَة المدفونة فَلَا خِيَار لَهُ وَللْبَائِع النَّقْل وان أضرّ بالمشتري وَلَو أَبى فَلِلْمُشْتَرِي إِجْبَاره على تَفْرِيغ ملكه وان كَانَ لَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي ببقائها وَفِيه وَجه أَنه إِذا لم يتَضَرَّر لم يجْبرهُ على النَّقْل أما إِذا كَانَ جَاهِلا فان لم يكن فِي النَّقْل ضَرَر فَلَا خِيَار وَإِن كَانَ ضَرَر فِي حُصُول وهاد فِي الأَرْض أمكن تَسْوِيَة الأَرْض على قرب فَلَا خِيَار أَيْضا كَمَا إِذا عرض فِي السّقف عَارض قبل الْقَبْض يُمكن إِزَالَته على قرب وَيجب تَسْوِيَة الأَرْض على البَائِع وَلَا يلْزمه أرش النُّقْصَان بِالْحفرِ بِخِلَاف هدم الْجِدَار لَان الْجِدَار يتَفَاوَت بِنَاؤُه وإعادته قد لَا تماثل الأول فَأَما هَذَا فَمن قبيل ذَوَات الْأَمْثَال فِي المضمونات أما إِذا تضرر بِسَبَب تعطل الْمَنْفَعَة فِي مُدَّة أَو كَانَ الْحفر يحدث عَيْبا بِأَن كَانَ يمْنَع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 الْمُطَالبَة بِأُجْرَة الْمثل خلاف منشؤه تَمْيِيز الْأُجْرَة عَن ارش الْعَيْب وَفِي طلب ارش النُّقْصَان بتعيب الأَرْض خلاف منشؤه أَن جِنَايَة البَائِع هَل تكون كجناية الْأَجْنَبِيّ فرعان أَحدهمَا لَو كَانَت الأَرْض تتضرر بِالنَّقْلِ دون التّرْك واثبتا للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَقَالَ لَهُ البَائِع لَا انقل بَطل خِيَار المُشْتَرِي وَلزِمَ تَركه أبدا كالنعل على الداية ثمَّ ينظر فان قَالَ وهبت مِنْك الْحِجَارَة وَقبل وَكَانَ بِحَيْثُ يقبل الْهِبَة لوُجُود الشَّرَائِط من الرُّؤْيَة وَالتَّسْلِيم وَغَيره ملكه المُشْتَرِي على الظَّاهِر وَفِيه وَجْهَان أَنه لَا يملك وان وجدت الشَّرَائِط لانه لَيْسَ مُتَبَرعا وانما يَبْتَغِي بِهِ نفي الْخِيَار فحقيقته إِعْرَاض وَفِيه وَجه آخر أَنه يملك وان لم تُوجد شَرَائِط الْهِبَة لِأَنَّهُ كالمستفاد ضمنا وتبعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 وَلَيْسَ مَقْصُودا فَيحصل للضَّرُورَة وَأما إِذا قَالَ تركت الْحِجَارَة فَالظَّاهِر انه لَا يملك بِهَذَا اللَّفْظ بل هُوَ إِعْرَاض وَفِيه وَجه أَنه يَجْعَل تَمْلِيكًا لانه فَاتَ بِهِ حق الْخِيَار فليحصل فِي مُقَابلَته ملك وَهَذَا التَّفْصِيل يجْرِي فِي مَسْأَلَة النَّعْل وان لم نذكرهُ ثمَّ الثَّانِي إِذا كَانَ فِي الأَرْض حِجَارَة خلقية تمنع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَهَل يكون هَذَا عَيْبا مثبتا للخيار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الِانْتِفَاع بِالْبِنَاءِ مُمكن فان تعذر الْغِرَاس فَهَذَا فَوَات كَمَال الْمَقَاصِد فَلَا يعد عَيْبا مذموما منقصا وَعِنْدِي أَن هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاضِع وَالْمَقْصُود فِي الاعتياد اللَّفْظ الثَّانِي الباغ وَفِي مَعْنَاهُ الْبُسْتَان وَالْكَرم ويندرج تحتهَا الْأَشْجَار والقضبان وَفِي اندراج الْعَريش الَّذِي تُوضَع عَلَيْهِ القضبان تَحت لفظ الْكَرم تردد للشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَالأَصَح الاندراج للْعُرْف وَلَو كَانَ فِي طرف الْبُسْتَان بِنَاء فَفِي اندراجه تَحت مُطلق الِاسْم خلاف كَمَا فِي اسْم الأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وَأما اسْم الْقرْيَة والدسكرة فيستتبع الْأَبْنِيَة وَالْأَشْجَار جَمِيعًا لَان الْعبارَة مَوْضُوعَة لَهَا وكل ذَلِك لَا يستتبع الزَّرْع الظَّاهِر وَلَا الْبذر وان كَانَ كامنا إِلَّا أصُول البقل كَمَا سبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 اللَّفْظ الثَّالِث الدَّار وَلَا ينْدَرج تحتهَا المنقولات كالرفوف المنقولة والسلاليم والسرر وَالْحَاصِل من مَاء الْبِئْر مَنْقُول لَا ينْدَرج وَقيل إِنَّه ينْدَرج كالثمار الَّتِي لم تؤبر والنفط الْحَاصِل من الْمَعْدن لَا ينْدَرج وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص عَن المنقولات مِفْتَاح بَاب الدَّار فَأَنَّهُ ينْدَرج تبعا للمغلاق ونوزع فِيهِ وَمَا ذكره أولى واما الثوابت وَهُوَ مَا أثبت للدوام من تَتِمَّة الدَّار كالأبنية والأبواب والمغاليق وَمَا عَلَيْهَا من السلَاسِل والضبات فيندرج وَكَذَا المراقي الثَّابِتَة من الْآجر والرفوف المثبتة من نفس الْبناء وحمام الدَّار إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ دون الدَّار اندرج وَإِن اسْتَقل فَهُوَ من الدَّار كالبناء من الْبُسْتَان وترددوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الاشجار وفيهَا ثَلَاثَة اوجه احدها انها لَا تندرج تَحت اسْم الدَّار فانها لَيست من اجزاء الدَّار وَالثَّانِي انها تندرج لِأَن الدَّار قد تشْتَمل على الاشجار وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُمكن تَسْمِيَة الدَّار بستانا لم تندرج تَحت اسْم الدَّار وَإِلَّا ينْدَرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 الثَّانِي حجر الرحي وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتبع لانه مُثبت للبقاء وَالثَّانِي لَا لانه لَيْسَ من مرافق الدَّار وانما اثْبتْ لتيسر الِانْتِفَاع وَالثَّالِث أَن الاسفل ينْدَرج دون الاعلى وَلَا خلاف فِي اندراجها تَحت اسْم الطاحونة وَالثَّالِث الإجانات المثبتة للصبغ تنزل منزلَة الْحجر الاسفل من الرَّحَى الا اذا بَاعَ باسم المدبغة أَو المصبغة والسلاليم والرفوف المثبتة بالمسامير فِي معنى الاجانات اللَّفْظ الرَّابِع اسْم العَبْد فِي بيع العَبْد لَا يتَنَاوَل مَال العَبْد وان قُلْنَا انه يملك بالتمليك وَفِي ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لقُصُور اللَّفْظ مَعَ أَن الثَّوْب لَيْسَ جُزْءا مِنْهُ وَالثَّانِي نعم لقَضَاء الْعرف بِهِ وَالثَّالِث أَنه يدْخل مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة دون غَيره وَلَعَلَّ العذار من الْفرس كساتر الْعَوْرَة من العَبْد لِأَن للْعُرْف فِيهِ حكما ظَاهرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 اللَّفْظ الْخَامِس الشّجر وَهُوَ فِي جَانب الْعُلُوّ يتَنَاوَل الاغصان والاوراق وَكَذَا ورق الفرصاد الا على رَأْي بعض الاصحاب فِي تشبيهها بالثمار المؤبرة وَفِي جَانب السّفل يتَنَاوَل الْعُرُوق وَيُوجب اسْتِحْقَاق الابقاء فِي ارْض البَائِع فيصبر المغرس مُسْتَحقّا للابقاء وَهل نقُول أَنه صَار ملكا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لانه اسْتحق ابقاؤه فِيهَا على التأييد واللزوم فَلَا يُمكن أَن يَجْعَل إِعَارَة وَلَا إِجَارَة فَلَا بُد وَأَن يَجْعَل ملكا تَابعا وَالثَّانِي وَهُوَ الاصح انه يملك إِذْ اللَّفْظ قَاصِر عَنهُ والمغرس أصل فَكيف يكون تبعا نعم اسْتحق الابقاء على الْعَادة كَمَا يسْتَحق إبْقَاء الثِّمَار على الاشجار على الْعَادة من غير ملك الاشجار وَمن غير تَقْدِير إِعَارَة وَإِجَارَة هَذَا إِذا لم يكن على الاشجار ثمار فان اثمرت وَكَانَت الثِّمَار غير مؤبرة دخل فِي العقد كَمَا يدْخل الْحمل من الْجَارِيَة فِي البيع بِلَفْظ الْجَارِيَة لاجتنانه بِجُزْء مِنْهَا وان كَانَت مؤبرة بقيت على ملك البَائِع لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاعَ نَخْلَة بعد أَن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشترطها الْمُبْتَاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لما أنكر القَوْل بِالْمَفْهُومِ حكم بَان غير المؤبرة ايضا تبقى على ملك البَائِع فانه لَيْسَ جُزْءا من نفس الشَّجَرَة وَالْمرَاد بالتأبير ان يتشقق الكمام حَتَّى تبدو عناقيد الثَّمر من الطّلع ومناط انْقِطَاع التّبعِيَّة ظُهُور الثِّمَار فيلتحق بِهِ الظُّهُور فِي كل مَا يظْهر فِي ابْتِدَاء الْوُجُود كالتين وَكَذَلِكَ مَا يَبْدُو بالتشقق كالورد يتشقق كمامه وكالمشمش والخوخ إِذا تشققت أنوارها وتصلبت الحبات وَمَا دَامَت لَا تَنْعَقِد ثَمَرَة لصغرها تندرج تَحت البيع والاصح ان القشرة الْعليا على الْجَوْز لَيْسَ ساترا وان كَانَ أكمة الفحول قبل التشقق تندرج تَحت البيع كالإناث فان قيل كَيفَ يشْتَرط البدو فِي كل عنقود وَثَمَرَة للْحكم بِالْبَقَاءِ على ملك البَائِع قُلْنَا لما عسر ذَلِك اقام الْفُقَهَاء وَقت التَّأْبِير حَتَّى إِذا تأبرت وَاحِدَة صَارَت وَغير المؤبر فِي الْبَقَاء مُتحد النَّوْع وداخلا تَحت صَفْقَة وَاحِدَة وَلَو وجد اتِّحَاد النَّوْع وَلَكِن اقْتصر العقد على غير مؤبر أَو شملها العقد وَلَكِن اخْتلف النَّوْع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا اتِّبَاع لِأَن التَّفْصِيل لَا عشر فِيهِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وَالثَّانِي الِاتِّبَاع حسما للباب فان النَّوْع الْوَاحِد ايضا قد يتَفَاوَت ويهون تَفْصِيله فِي بعض الصُّور وَشرط أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة شرطا ثَالِثا وَهُوَ ان تكون الَّتِي لم تؤبر مطلعة حَتَّى تبقى تبعا للمؤبرة وَخَالفهُ كَافَّة الاصحاب وَهُوَ قريب من اخْتِلَاف النَّوْع وَبَين الفحول والاناث اخْتِلَاف النَّوْع فان قيل فاذا بقيت على ملكه فَهَل يجب الْقطع فِي الْحَال تَفْرِيعا للاشجار وان لم يجب فَكيف يفْرض الْقيام بسقي الثِّمَار والاشجار قُلْنَا الابقاء مُسْتَحقّ للْبَائِع الى اوان القطاف وَهَذَا مُوجب الْعرف لَا كتفريع الدَّار عَن الاقمشة فان ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعرف ايضا فَلم يجز الابقاء بل هَذَا كالزرع وَقد ذكرنَا ان الابقاء مُسْتَحقّ فِيهِ ثمَّ من يحْتَاج الى السَّقْي فَلهُ ان يسْتَقلّ بِهِ إِذا لم يضر بالاخر وَلم يكن للاخر مَنعه وَلَو كَانَ السَّقْي يضر بِوَاحِد وَتَركه يضر بالاخر وتنازعا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا ان المُشْتَرِي اولى بالاجابة اذ الْتزم لَهُ البَائِع سَلامَة الاشجار وَالثَّانِي البَائِع اولى فانه اسْتحق إبْقَاء الثِّمَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَالثَّالِث انهما يتساويان فان اصطلحا فَذَاك والا فقد تعذر إِمْضَاء العقد فينفسخ فروع ثَلَاثَة الاول اذا كَانَت الثِّمَار لَو سقيت لم ياضرر وَلَو تركت تضررت الاشجار بامتصاصها رطوبتها فعلى البَائِع السَّقْي اَوْ الْقطع فان لم يجد مَاء فَفِي تَكْلِيفه الْقطع وَجْهَان الثَّانِي لَو كَانَ السَّقْي يضر بجانبه وَتَركه يمْنَع حُصُول زِيَادَة فِي الْجَانِب الآخر ففوت الزِّيَادَة هَل يلْحق بِالضَّرَرِ حَتَّى يتقابل الجانبان فِيهِ وَجْهَان الثَّالِث لَو أَصَابَت الثِّمَار آفَة وَلم يكن فِي تبقيتها فَائِدَة فَهَل يجب الْآن تَفْرِيع الاشجار ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ وَهَذِه التوجيهات بَيِّنَة وتعارض الِاحْتِمَالَات ظَاهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 اللَّفْظ السَّادِس أسامي الثِّمَار وَمُطلق بيعهَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاق الابقاء الى اوان القطاف وان لم يُصَرح بِهِ لعُمُوم الْعرف اذ الْقَرِينَة الْعُرْفِيَّة كاللفظية وَلذَلِك نزل الْعرف فِي الْمنَازل والات الدَّابَّة فِي بَاب الاجارة منزلَة التَّصْرِيح وَلَو جرى عرف بِقطع الْعِنَب حصرما لانه لَا تتناهى نهايته اَوْ جرى الْعرف بِالِانْتِفَاعِ بالمرهون من الْمُرْتَهن فقد منع الْقفال الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ هُوَ كالتصريح وَخَالفهُ غَيره لَان المتبع هَا هُنَا هُوَ الْعرف الْعَام لَا عرف اقوام على الْخُصُوص وَهَذَا يلْتَفت على مَا لَو اصْطلحَ العاقدان فِي النِّكَاح على ان يعبروا بالالفين عَن ألف تخييلا لِكَثْرَة الْمهْر ان اللَّازِم الالف أم الالفان لَان مثاره ان الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يلْتَحق بالاصطلاح الْعَام فِي اللُّغَات وَكَذَا فِي الْعرف ثمَّ لَا بُد من التَّنْبِيه لثلاث شَرَائِط فِي بيع الثِّمَار الشَّرْط الاول انه لَا بُد من شَرط الْقطع إِن بيع قبل الصّلاح فان شَرط التبقية بَطل وان أطلق لَكَانَ كَشَرط التبقية خلافًا لأبي حنيفَة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمُعْتَمد مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهي وَرُوِيَ حَتَّى أَن تنجو من العاهة وَسَببه ان التَّسْلِيم لَا يتم الا بالقطاف والجوائح غالبة فِي الِابْتِدَاء فَلم تكن الْقُدْرَة على التَّسْلِيم موثوقا بهَا وَمِنْهُم من علل تضرر الاشجار بِكَثْرَة امتصاص الثِّمَار رطوبتها فِي الِابْتِدَاء وَهُوَ فَاسد على مَا تبين فَسَاده فِي التَّفْرِيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 وَإِذا شَرط الْقطع صَحَّ وَلم تندرج تَحت النَّهْي لفقد الْعلَّة وَتَخْصِيص النَّهْي بِمَا يعْتَاد اما الْقطع قبل بَدو الصّلاح فَغير مُعْتَاد وَكَذَلِكَ لَو اشْترى الْبِطِّيخ قبل بَدو الصّلاح لَا بُد من شَرط الْقطع وان اشْترى مَعَ اصوله اذ لَا ثبات لأصوله وَهُوَ مَعَ الْأُصُول متعرض للآفات وَلَو بَاعَ الثِّمَار مَعَ الْأَشْجَار لم يشْتَرط الْقطع لفقد الْعلَّة إِذْ تمّ التَّسْلِيم بِتَسْلِيم الاشجار وامن من العاهة فوازنه ان يَبِيع الْبِطِّيخ مَعَ الارض والاصح ان الثِّمَار لَو كَانَت لغير من لَهُ الاشجار فاشتراها صَاحب الاشجار لَا يشرط الْقطع لفقد الْعلَّة وَحُصُول تَمام التَّسْلِيم وَفِيه وَجه للنَّظَر الى عُمُوم النَّهْي وَهُوَ بعيد إِذا لَو شَرطه لم يجب عَلَيْهِ ان يقطع ثمار نَفسه عَن اشجار نَفسه وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الاشجار وَبقيت الثِّمَار على ملكه فَلَا يشْتَرط الْقطع وان انقسم الْملك لَان الْمَبِيع هُوَ الشّجر وَهُوَ آمن من العاهة وَالثَّمَر مَمْلُوك بِحكم الدَّوَام فَلَا يَنْقَطِع بالتعرض للعاهة نعم لَو كَانَت الثِّمَار بِحَيْثُ تندرج لَو أطلق العقد فاستثناها فالبقاء على هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 الْوَجْه مُلْحق بختلاف الْمُبْتَدَأ أَو بالاستدامة فِيهِ اخْتِلَاف للاصحاب ثمَّ اتّفق الاصحاب على ان بَدو الصّلاح كَاف فِي الْبَعْض لسُقُوط هَذَا الشَّرْط إِقَامَة لوقت الصَّلَاة مقَام نَفسه دفعا للمعسر كَمَا فِي التَّأْبِير هَذَا بِشَرْط اتِّحَاد الْبُسْتَان وشمول الصَّفْقَة واتحاد الْملك فان اخْتلف الْبُسْتَان اَوْ الْملك اَوْ تعدّدت الصَّفْقَة فَفِي كل ذَلِك وَجْهَان بعد الِاتِّفَاق على اشْتِرَاطه اتِّحَاد الْجِنْس واما النَّوْع فَهُوَ كَمَا سبق فِي التَّأْبِير فمسل الْعِرَاقِيّين الى مُرَاعَاة اتِّحَاد الْبُسْتَان وَلم يتَعَرَّض الاصحاب للبستان فِي التَّأْبِير نعم ثمَّ المُرَاد ببدو الصّلاح فِي الثِّمَار بَان يطيب أكلهَا وَذَلِكَ فِي الْبِطِّيخ لظُهُور مبادئ الْحَلَاوَة وَفِي الْعِنَب الابيض بالتموه وَفِي غَيره بالتلون وَفِي الزَّرْع بِزَوَال الخضرة واما البقل فان بيع مَعَ الاصول فَلَا يشْتَرط الْقطع فانه لَا يتَعَرَّض لعاهة وان بيع دون الاصول نزل على الْقطع فانه يحذر من التَّأْخِير النمو واختلاط مَا دخل تَحت العقد بِمَا لم يدْخل الشَّرْط الثَّانِي ان تكون الثِّمَار قد انكشفت من أكمتها على قَول بطلَان بيع الْغَائِب إِلَّا مَا فِي إبقائه فِيهِ صَلَاح كالرمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَاخْتلفُوا فِي الباقلاء والجوز ان ابقاءها فِي القشرة الْعليا هَل فِيهِ صَلَاح وَالظَّاهِر فِي الباقلاء انه صَلَاح وَقد صَحَّ ان الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَمر بِأَن يشترى لَهُ الباقلاء الرطب واما الْحِنْطَة فِي سنبلها والارز فِي القشرة فَفِيهِ ثَلَاث أوجه أَحدهَا أَن فِيهَا صلاحا وَالثَّانِي أَنه لَا صَلَاح وَالثَّالِث أَن صَلَاح الْأرز فِيهِ دون صَلَاح الْحِنْطَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 واما الشّعير فَهُوَ بادئ الْحبّ من السنابل فَيجوز بَيْعه وَقد ذكرنَا احكام بيع الْغَائِب وَالَّذِي نزيده قطع بعض الاصحاب بِبُطْلَان بيع الذَّهَب فِي تُرَاب الْمَعْدن وَلَا يَسْتَقِيم ذَلِك الا بالتفريع على ابطال بيع الْغَائِب اذ لَو بَاعه فِي الْكمّ لجَاز فَمَا الْفرق بَينه وَبَين التُّرَاب وَلَو بيع اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ مَعَ الْجلد فَهُوَ خَارج على بيع الْغَائِب وَقد نقلنا فِي بَابه عَن الشَّيْخ أبي على الْقطع بِالْبُطْلَانِ أَيْضا والاظهر مَا نَقَلْنَاهُ الان الشَّرْط الثَّالِث ان يحذر بيع الرِّبَا فَلَا تبَاع الثِّمَار بجنسها فان بَاعَ الْحِنْطَة فِي سنبلها بِالْحِنْطَةِ فَهِيَ المحاقلة وَقد نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْهَا وَهِي مُشْتَقَّة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 الحقل وَهِي ساحة يزرع فِيهَا سمي الزَّرْع بهَا للاتصال وَلَو بَاعَ الرطب بالتمرة فَهُوَ بَاطِل وَهِي الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنْهَا وَهُوَ مُشْتَقّ من الزَّبْن وَهُوَ الدّفع لَان هَذِه الْمُعَامَلَة فِي الْغَالِب تُفْضِي الى المدافع والمنازعة وَقد اسْتثْنِي عَنْهَا الْعَرَايَا وَهِي بيع الرطب خرصا بِمثل مَا يرجع اليه الرطب عِنْد التتمر من التَّمْر فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لما روى زيد بن ثَابت أَن محاويج الانصار جَاءُوا الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا إِن الرطب ليَأْتِينَا وَفِي أَيْدِينَا فضول من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 قوت فأرخص لَهُم فِي الْعَرَايَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق اَوْ فِي خَمْسَة أوسق وَالشَّكّ من الرَّاوِي وَوجه الْخُرُوج عَن قِيَاس الرِّبَا إِقَامَة الْخرص مقَام الْكَيْل وَقد وَردت الرُّخْصَة مُقَيّدَة بأَرْبعَة قيود يتَطَرَّق النّظر الى كلهَا الاول التَّقْدِير فَلَا زِيَادَة على خَمْسَة أوسق وَفِي خَمْسَة أوسق قَولَانِ لتردد الراوية مِنْهُم من يرجح جَانب الْمَنْع الا بِيَقِين وَمِنْهُم يرجح جَانب الْجَوَاز وَتَقْدِير الْخرص أصلا إِلَّا فِي مَحل تَيَقنا فِيهِ الْمَنْع وَقد يتخيل ان الْغَالِب تَقْدِير خَمْسَة أوسق للْجُوَاز فِيهِ لَا لربط الْجَوَاز بِقدر دونه وعَلى هَذَا لَو اشْترى فِي صفقات ألف وسق فَلَا حجر وانما الْحجر فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلَو اشْترى رجلَانِ من وَاحِد تِسْعَة أوسق من الرطب جَازَ قطعا إِذْ لم يدْخل فِي ملك أَحدهمَا إِلَّا مَا دون الْقدر وَإِن اشْترى رجل من رجلَيْنِ فَوَجْهَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَوجه الْفرق مشير الى الِالْتِفَات على جَانب من يدْخل الرطب فِي ملكه لَان الرطب خرج التَّقْدِير فِيهِ بالخرص عَن الْقيَاس وَلم يبن الاصحاب ذَلِك على تعدد حكم الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع وَالْمُشْتَرِي لما نبهنا عَلَيْهِ من قبل مَعَ أَن الرِّبَا يتَعَلَّق بِجَانِب التَّمْر وَالرّطب جَمِيعًا الثَّانِي ان الْعِنَب فِي معنى الرطب وَسَائِر الثِّمَار تبنى على جَرَيَان الْخرص فِيهَا وَفِيه قَولَانِ مذكوران فِي الزَّكَاة الثَّالِث أَنه ورد فِي بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَلَو بَاعَ الرطب بالرطب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع اتبَاعا للقيد والتفاتا الى الْغَرَض التفكه وَالْحَاجة اليه وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذْ قد يخْتَلف الْغَرَض باخْتلَاف الرطب وَالثَّالِث إِن كَانَ أَحدهمَا مَوْضُوعا على الارض جَازَ ليستبقي الْبَاقِي للتفكه والرطوبة وَإِن كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 على الشّجر فَلَا الرَّابِع أَنه ورد فِي المحاويج فَمن يرى الْخرص أصلا يلْحق الْأَغْنِيَاء بِهِ وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 لَا يرَاهُ أصلا تردد وَلِأَن الرُّخص لَا تقصر بعد مهدها على أَرْبَابهَا والآن فَبعد معرفَة شَرَائِط صِحَة البيع فَلَا بُد من معرفَة أَحْكَام الطوارئ على الثِّمَار قبل القطاف من الاجتياح والاختلاط أما الِاخْتِلَاط فبالتلاحق وَذَلِكَ إِن كَانَ مِمَّا يغلب فَالْبيع بَاطِل وان كَانَ بعد بَدو الصّلاح لَان ذَلِك يعسر بِهِ التَّسْلِيم أَيْضا كوقوع الجوائح وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه مَوْقُوف لَان هَذَا الْعسر يُمكن دَفعه بِهِبَة البَائِع ثماره فان لم يهب حكمنَا بِالْبُطْلَانِ أما إِذا كَانَ التلاحق نَادرا حكم فِي الْحَال بِالصِّحَّةِ فان اتّفق التلاحق قبل تَسْلِيم الْأَشْجَار فَفِي الِانْفِسَاخ قَولَانِ أَحدهمَا يَنْفَسِخ لوُقُوع الْيَأْس عَن التَّسْلِيم فَهُوَ كَمَا لَو وَقعت درة فِي لجة بَحر قبل التَّسْلِيم وَالثَّانِي لَا لَان دفع هَذَا الْعسر بِهِبَة الثِّمَار الجديدة مَقْدُور للْبَائِع وعَلى هَذَا فَلهُ الْخِيَار أَن لم يهب وان وهب بَطل خِيَاره كَمَا ذكرنَا فِي هبة الاحجار فِي الارض والنعل فِي الدَّابَّة وَحكم التَّمْلِيك والاعراض على مَا سبق وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا آخر أَنه لَا خِيَار لَهُ وَلَا انْفِسَاخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 ولكنهما ملكان اختلطا فَصَارَ كصبرة حِنْطَة الثَّالِث على حِنْطَة الْغَيْر وَهُوَ بعيد لانه أورث عسر التَّسْلِيم فِي مَبِيع هَا هُنَا فَلَو فرض ذَلِك فِي حِنْطَة مبيعة اطرد الْخلاف وَهَذَا اذا كَانَ قبل الْقَبْض فان تلاحق بعد الْقَبْض فَهُوَ مَبْنِيّ على ان الجوائح من ضَمَان من فان قُلْنَا من ضَمَان البَائِع كَانَ كَمَا قبل الْقَبْض والا فيتفاضلان بِالْخُصُومَةِ اَوْ الاصلاح وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الاشجار وَبقيت لَهُ الثِّمَار فتلاحقت فَلَا فسخ فان الثِّمَار الجديدة لَيست مَبِيع وَلَا مختلطا بِالْمَبِيعِ والمزني نقل تردد الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِه الصُّورَة وَاتفقَ الْمُحَقِّقُونَ على تخطئته وَمِنْهُم من صَوبه وَجعل الثِّمَار الْمَمْلُوكَة ملك الشّجر الْمَبِيع كَالْمَبِيعِ وَهُوَ ضَعِيف فان قيل وَكَيف نفصل الْخُصُومَة قُلْنَا يَدعِي أَحدهمَا مِقْدَارًا وينكره الاخر فَفِي قدر الانكار القَوْل قَول صَاحب الْيَد وَهَذَا فِي الْحِنْطَة واما فِي الثِّمَار على الشّجر فان قُلْنَا انه من ضَمَان البَائِع فَهُوَ فِي يَده وان قُلْنَا من ضَمَان المُشْتَرِي فَهُوَ فِي يَده وَقيل إِنَّه فِي يدهما لَان بَائِع الثِّمَار لَهُ مداخلة بِوُجُوب السَّقْي عَلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي صَاحب الْيَد حسا الْعَارِض الثَّانِي الاجتياح فان وَقع قبل تَسْلِيم الثِّمَار بِتَسْلِيم الاشجار فَهُوَ فِي ضَمَان البَائِع وان كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 بعد التَّسْلِيم فالمنصوص جَدِيدا أَنه من ضَمَان المُشْتَرِي لانه تسلط على التَّصَرُّف بِإِثْبَات الْيَد وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه من ضَمَان البَائِع إِذْ لَا خلاف أَن السَّقْي وَاجِب على البَائِع لتنمية الثِّمَار وتربيتها فَكَأَنَّهُ فِي عُهْدَة التَّسْلِيم الى القطاف وَقد نقل فِي بعض الرِّوَايَات والامر بِوَضْع الجوائح وَلَكِن قَالَ الرَّاوِي كَانَ قبله كَلَام فَنسيته فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجَدِيد لَعَلَّه كَانَ قبله مَا يدل على اسْتِحْبَاب الْوَضع وَاخْتلفُوا فِي أَن القَوْل الْقَدِيم هَل يجْرِي فِي الْفَوات بِآفَة السّرقَة وَمَا لَيْسَ من الجوائح السماوية وعَلى الصَّحِيح الْجَدِيد لَو فَسدتْ الثِّمَار بترك السَّقْي وتعيبت فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لَان السَّقْي وَاجِب بِحكم العقد واقتضاء الْعرف وَلَو فَاتَ الْكل بترك السَّقْي فَفِي الِانْفِسَاخ طَرِيقَانِ كَمَا فِي موت العَبْد الْمَرِيض بِمَرَض قبل الْقَبْض لِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 الثِّمَار لضعف البنية قبل الْقَبْض متعرضة للْفَسَاد بعده إِن لم تعالج بالسقي فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَيُطَالب بِالْمثلِ أَو بِالْقيمَةِ لَان الاتلاف من جِهَته وان كَانَ قد تعيب فَفِي الْمُطَالبَة بالارش وَجْهَان نبهنا على نظيرهما فِي الِاسْتِئْجَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الْقسم الْخَامِس من كتاب البيع وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمَأْذُون وَغير الْمَأْذُون أما الْمَأْذُون فالنظر فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول فِيمَا يجوز من التَّصَرُّفَات وَلَيْسَ للْعَبد الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة أَن يُؤَاجر نَفسه وَلَا ان يَأْذَن عبدا من عبيده فِي التِّجَارَة وان كَانَ يُوكل فِي احاد التَّصَرُّفَات وَلَا ان يتَّخذ دَعْوَة للمجهزين وَلَا ان يُعَامل سَيّده بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَلَا ان يتَصَرَّف فِيمَا يكتسبه بالاحتطاب والاحتشاش وَلَا ان يتَعَدَّى جِنْسا من التَّصَرُّف الَّذِي عين لَهُ وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق على سَيّده لِأَن العَبْد متصرف للسَّيِّد بتفويضه فَيقْتَصر على مُوجب الْإِذْن وَالْإِذْن بمطلقه لَا يدل على جَمِيع ذَلِك وَلما رأى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أَن العَبْد متصرف لنَفسِهِ وَاسْتدلَّ على ذَلِك بتعلق الْعهْدَة بِهِ خَالَفنَا فِي جَمِيع الْمسَائِل وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِجَارَة عبيده ودوابه من حَيْثُ إِن ذَلِك مِمَّا قد يعتاده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 التُّجَّار أَحْيَانًا بِخِلَاف إِجَارَة نَفسه وَكَذَلِكَ لَو أبق الْمَأْذُون لم يَنْعَزِل وَلَو رأى السَّيِّد عَبده يتَصَرَّف فَسكت لم يكن سُكُوته إِذْنا فِي التَّصَرُّفَات وَإِذا ركبته الدُّيُون لم يزل ملك السَّيِّد عَمَّا فِي يَده وَلَو أقرّ فِي الْمُعَامَلَة بدين لِأَبِيهِ وَابْنه قبل وَلَو أذن لعَبْدِهِ فِي أَن يَأْذَن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة فَفعل جَازَ وفَاقا وَلَو حجر على الأول اسْتمرّ على الثَّانِي وَلَو حجر على الثَّانِي جَازَ وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الْكل وَشرط فِي الْحجر على العَبْد الثَّانِي أَعنِي مَأْذُون الْمَأْذُون أَن يَأْخُذ مَا فِي يَده لينفذ عَزله فَإِن قيل وَبِمَ يعلم المعامل كَونه العَبْد مَأْذُونا قُلْنَا بِسَمَاع إِذن السَّيِّد أَو بِبَيِّنَة عادلة وَفِي جَوَاز اعْتِمَاد الشُّيُوع وَجْهَان وَلَا يكْتَفى بِمُجَرَّد قَول العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 فَإِنَّهُ رَآهُ عاقدا لنَفسِهِ فَاكْتفى بقوله وَمن عرف كَونه مَأْذُونا وَأقر بِهِ فَلهُ أَن يمْتَنع عَن تَسْلِيم عوض مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ إِلَيْهِ احْتِرَازًا من إِنْكَار السَّيِّد الى ان تقوم بَيِّنَة على كَونه مَأْذُونا وَكَذَلِكَ الْمقر بِالْوكَالَةِ فِي اسْتِيفَاء الْحق لَهُ الِامْتِنَاع عَن التَّسْلِيم الى اقامة الْبَيِّنَة وَلَو قَالَ العَبْد حجر عَليّ السَّيِّد وَقَالَ السَّيِّد لم أحجر فَالصَّحِيح أَنه لَا تجوز مُعَامَلَته فَإِنَّهُ يُبَاشر صُورَة العقد وَفِيه وَجه أَنه يجوز نظرا إِلَى جَانب السَّيِّد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 النّظر الثَّانِي فِي لُزُوم الْعهْدَة وَمَا لزم العَبْد من أَثمَان وَمَا اشْتَرَاهُ اقر بِهِ فَهُوَ مطَالب بِهِ قطعا وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ أَنه لَا يُطَالب أما السَّيِّد فَفِي مُطَالبَته وتعلقه بِذِمَّتِهِ ثَلَاثَة اوجه الْأَظْهر انه يُطَالب لانه وَقع العقد لَهُ وَالْعَبْد طُولِبَ لانه مبَاشر للْعقد وَالثَّانِي لَا لانه قصر أطماع المعاملين على مَا سلمه إِلَى العَبْد الْمَأْذُون وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي رب المَال مَعَ الْعَامِل فِي الْقَرَاض وَمِنْهُم من طرده فِي الْوَكِيل إِذا سلم إِلَيْهِ ألف معِين وَالثَّالِث انه لَا يُطَالب أَن كَانَ مَا فِي يَد العَبْد وَفِي بِهِ وَإِلَّا فَيُطَالب فَإِن قيل قطعْتُمْ بمطالبة العَبْد وَهَذَا يدل على أَن العقد وَاقع لَهُ قُلْنَا قد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْوَكِيل إِذا اشْترى لَا بِصِيغَة السفارة فِي انه هَل يُطَالب مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ وَكيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَوجه الْفرق أَن العَبْد وان كَانَ وَكيلا فَهُوَ مَأْمُور وَأمر السَّيِّد نَافِذ عَلَيْهِ وَله أَن يعرضه لمطالبات لَا يتَضَرَّر بهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يعرض الْوَكِيل للمطالبة وَلما وَجب عَلَيْهِ أَدَاء الدّين مِمَّا فِي يَده بِحكم الْأَمر كَانَت الْمُطَالبَة من ضَرُورَته ثمَّ اسْتَقل حَتَّى طُولِبَ بِهِ بعد الْعتْق وَفِي رُجُوعه بِمَا يغرم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه فِي حَالَة الرّقّ قد علقه السَّيِّد بإكسابه حَتَّى كَانَ يلْزمه الِاكْتِسَاب لقَضَاء الدّين فَبَقيَ ذَلِك كالمستثنى عَن الْعتْق وَهُوَ مثل الْخلاف فِي انه لَو أجره ثمَّ أعْتقهُ فَعمل بعد الْعتْق هَل يرجع بِالْأُجْرَةِ فرع إِذا سلم إِلَى العَبْد ألف ليتجر فِيهِ فَاشْترى بِعَيْنِه شَيْئا فَتلف قبل التَّسْلِيم انْفَسَخ العقد وان اشْترى فِي الذِّمَّة فَفِي الِانْفِسَاخ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَنْفَسِخ لَان الْإِذْن مَحْصُور فِيهِ وَقد فَاتَ وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخ وَيجب على السَّيِّد ألف آخر خُرُوجًا من عُهْدَة مَا جرى بِإِذْنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وَالثَّالِث أَن السَّيِّد يتَخَيَّر بَين الْفَسْخ وَبَين تَسْلِيم ألف آخر إِلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَهُوَ قريب وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا سلم إِلَى عَامل الْقَرَاض فَتلف التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَادى إِلَيْهِ السَّيِّد الْألف فَلَو ارْتَفع العقد بِسَبَب وَعَاد الْألف إِلَى العَبْد فَهَل يتَصَرَّف فِيهِ أم يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد فِيهِ وَجْهَان فَمنهمْ من قَالَ هُوَ جبر للْأولِ فَنزل منزلَة الْألف الأول فيتصرف فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ لم يجر فِيهِ صَرِيح إِذن وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْقَرَاض فِي أَن رَأس المَال مَجْمُوع الْأَلفَيْنِ أَو هُوَ ألف وَاحِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 النّظر الثَّالِث فِي المَال الَّذِي تقضى مِنْهُ دُيُون التِّجَارَة وَلَا يتَعَلَّق عندنَا بِرَقَبَتِهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَكِن إِذا ركبته الدُّيُون تتَعَلَّق ببضاعته دُيُون الأربح وَرَأس المَال وَلَا يتَعَلَّق بِسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَفِي تعلقه بإكساب العَبْد من الاحتطاب والاحتشاش أَو مَا يسلم إِلَيْهِ من مَال آخر بعد الْمُعَامَلَة للاتجار وَجْهَان أَحدهمَا انه يتَعَلَّق بِهِ بِخِلَاف لَوَازِم النِّكَاح لَان الْمَأْذُون فِي النِّكَاح مَأْذُون فِي الْأَدَاء وَلَا مَحل للْأَدَاء سوى إكسابه وَأما هَا هُنَا فَالْمَال هُوَ المرصد لَهُ فالإذن لَا يدل على التَّعَلُّق إِلَّا بِهِ وَلذَلِك لم يعلقه بِرَقَبَتِهِ وَالثَّانِي انه يتَعَلَّق بِهِ ويستكسب فِيهِ أَن لم يبْق شَيْء من المَال لَان السَّيِّد نزله منزلَة الْأَحْرَار المستقلين فيطمع فِيهِ كَمَا يطْمع فِي الْأَحْرَار فليتعلق بِكَسْبِهِ وعَلى هَذَا الْخلاف يَنْبَغِي أَن يبْنى رُجُوع العَبْد بِمَا يغرمه بعد الْعتْق على السَّيِّد لانه أَن لم يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فِي الْحَال فَلَا وَجه لقطع رُجُوعه فرع لَو بَاعَ قبل قَضَاء الدُّيُون وَقُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ من تعلقه بِذِمَّتِهِ وان قُلْنَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلهُ الْخِيَار لانه تبقى إكسابه مُسْتَحقَّة كَمَا فِي العَبْد الناكح إِذا بيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي غير الْمَأْذُون وكل مَا يجر ضَرَرا على الْمَالِك لَا يملكهُ قطعا كَالنِّكَاحِ والمأذون فِي التِّجَارَة ايضا لَا يملكهُ لانه لَيْسَ من التِّجَارَة وان كَانَ يُمكن أَن يُقَال ينْعَقد للسَّيِّد الِاعْتِرَاض وَلَكِن قطعُوا بِأَنَّهُ لَا ينْعَقد إِذْ يَسْتَحِيل أَن يخْتَلف الْحل عَن النِّكَاح وَفِي التَّحْلِيل تسليط وإضرار ناجز وَفِي هِبته وقبوله الْوَصِيَّة وَجْهَان وَالْقِيَاس هُوَ الْجَوَاز وَوجه الْمَنْع انه جلب ملك إِلَى السَّيِّد فِي جِهَة مَقْصُودَة قَابِلَة للرَّدّ بِغَيْر إِذْنه احْتِرَازًا عَن الاحتطاب والاصطياد فانه فعل لَا يقبل الرَّد وَعَن عوض خلعه زَوجته فانه غير مَقْصُود وَفِي ضَمَانه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع انه الْتِزَام مِمَّن لَا يتَصَوَّر مِنْهُ فِي الْحَال التشاغل بِهِ لمنع ناجز بِخِلَاف الْمُفلس وَفِي شِرَائِهِ طَرِيقَانِ نزله الْعِرَاقِيُّونَ منزلَة شِرَاء الْمُفلس فَإِنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ لحق السَّيِّد كَمَا أَن الْمُفلس مَحْجُور عَلَيْهِ لحق الْغُرَمَاء وَهَذَا تَفْرِيع على صِحَة هِبته وَقطع صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِالْبُطْلَانِ لَان السَّيِّد اخذ الْمَبِيع مِنْهُ فَيفوت الثّمن بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ عجز مُحَقّق بِخِلَاف الْمُفلس فان حق البَائِع يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَلَا يتَعَلَّق حق من سبق الْغُرَمَاء بِمَا تجدّد ثمَّ على الصَّحِيح اخْتلفُوا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 انه لَو أَخذه السَّيِّد مِنْهُ فَيجْعَل ذَلِك كزوال ملك الْمُفلس حَتَّى يمْنَع البَائِع من التَّعَلُّق بِهِ أم يُقَال كَانَ الْملك مستمرا فَيتَعَلَّق بِهِ حق البَائِع فان قيل الْملك وَاقع للْعَبد أم للسَّيِّد قُلْنَا هُوَ وَاقع للسَّيِّد ابْتِدَاء فان فِي ملك العَبْد بِتَمْلِيك السَّيِّد قَوْلَيْنِ وَلَا خلاف فِي انه لَا يملك بِتَمْلِيك غير السَّيِّد وَالْقَوْل الْقَدِيم انه يملك بِتَمْلِيك السَّيِّد لانه يتَصَوَّر لَهُ ملك النِّكَاح بِإِذن السَّيِّد فَكَذَا ملك الْيَمين والجديد الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى انه لَا يملك لتناقض فَوَائده إِذْ لَا خلاف انه لَا يملك من غير جِهَة السَّيِّد حَتَّى قَالُوا لَو احتطب أَو أتهب على هَذَا القَوْل أَيْضا فانه لَا يملكهُ وَلَا يملك البيع وَالْعِتْق وَإِزَالَة الْملك فِيمَا ملكه وفَاقا وَللسَّيِّد أَن يزِيل ملكه وَيرجع فِيهِ بل يكون بِبيع ملكه وإعتاقه وهبته رَاجعا وَهَذِه أُمُور مُتَّفق عَلَيْهَا لَو لم يقل بهَا كَانَ غضا من كَمَال مالكية السَّيِّد وَلَو قيل بِهِ لم يبْق لملك العَبْد حَقِيقَة بِخِلَاف ملك النِّكَاح فان مَقْصُوده الْخَاص مُتَصَوّر فِي حَقه من غير تنَاقض وَلَا معنى للتفريع على القَوْل الْقَدِيم وَلَا فَتْوَى عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي وُجُوه الِاخْتِلَاف وَالْأَصْل فِي الْبَاقِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا وترادا وَصورته أَن يَقُول البَائِع بِعْت بِأَلف فَيَقُول المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَقِيَاس الْخُصُومَات تَحْلِيف المُشْتَرِي لَان الْملك مُسلم لَهُ وَقد ادّعى عَلَيْهِ زِيَادَة وَهُوَ ينكرها وَلَكِن لما كثر الِاخْتِلَاف فِي الْعُقُود ومبنى الْمُعَاوَضَات على تَسَاوِي المتعارضين كَانَ تَخْصِيص أَحدهمَا بالتصديق إِضْرَارًا بِالْآخرِ فَلَمَّا عقلنا هَذَا الْمَعْنى حكمنَا بالتحالف وان كَانَت السّلْعَة هالكة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وحكمنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 بإجرائه مَعَ وَارِث الْعَاقِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجْرِي مَعَه قبل الْقَبْض وَلَا يجْرِي بعد قبل الْمَبِيع وَكَذَلِكَ حكمنَا بِهِ فِي الِاخْتِلَاف فِي جنس الْمَبِيع وَصفته وَفِي سَائِر الشَّرَائِط من الْأَجَل وَالْخيَار وَالْكَفِيل وَالرَّهْن وكل شَرط يقبله العقد وَالضَّابِط فِيهِ أَن يتَّفقَا على بيع ومبيع معينا وَيَقَع الِاخْتِلَاف فِيمَا وَرَاءه مِمَّا يَقع وَصفا للْبيع الْمُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الدَّار بِهَذَا الثَّوْب أَو بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَا بل بِهَذَا العَبْد أَو بِمِائَة دِينَار أَو مَا يجْرِي مجْرَاه وَلَو لم يتَّفقَا على العقد بَان قَالَ بِعْتُك بِأَلف فَقَالَ بل وهبتنيه لم يكن من صُورَة التَّحَالُف بل نفصل الْخُصُومَة بطريقها وَكَذَلِكَ لَو تنَازعا فِي شَرط مُفسد لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على عقد صَحِيح بل يَدعِي أَحدهمَا العقد وَالْآخر يُنكره فَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول من يَدعِي الشَّرْط الْفَاسِد لانه مُنكر للْعقد وَقَالَ غَيره بل القَوْل قَول الآخر لانه وَافق على جَرَيَان العقد بصورته وَيَدعِي مُفْسِدا لَهُ وَلَو اتفقَا على قدر فِي الثّمن وَاخْتلفَا فِي الْمَبِيع بَان قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِأَلف فَقَالَ الآخر بل بعتني العَبْد بِأَلف فَفِي التَّحَالُف وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 مِنْهُم من جعل الِاتِّفَاق على الْألف كالاتفاق على الْمَبِيع وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ الْألف معينا ليتحد موردا للْعقد بل هِيَ فِي الذِّمَّة فَكل وَاحِد يَدعِي عقدا آخر يتماثل فِيهِ الثّمن وَلَا يتحد وَهَذَا يلْتَفت على أَن من اقر لإِنْسَان بِأَلف من جِهَة قرض فَأنْكر الْمقر لَهُ الْجِهَة وَقَالَ بل هُوَ من جِهَة إِتْلَاف فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بِهِ وَلما عقل الْمَعْنى أَيْضا طردنا التَّحَالُف فِي كل مُعَاوضَة كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَالْكِتَابَة وَالصَّدَاق والقراض والجهالة وكل مَا فِيهِ معنى الْمُقَابلَة ثمَّ مَا لَا يقبل الْفَسْخ بِسَبَب الْعِوَض يقْتَصر اثر التَّحَالُف فِيهِ على الْعِوَض كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالنِّكَاح فَيسْقط مَا فِيهِ النزاع وَيرجع إِلَى قيمَة الْمثل فان قيل وَأي فَائِدَة للتحالف فِي الْقَرَاض والجهالة وكل وَاحِد قَادر على الْفَسْخ دون التَّحَالُف وَقد قطع القَاضِي حُسَيْن بِأَنَّهُ لَا تحالف فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَقُلْنَا الْوَجْه منع ذَلِك فِي الْجعَالَة والقراض أَيْضا قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل إِذْ لَا معنى للتحالف وكل وَاحِد مِنْهُمَا قَادر على الْخَلَاص والامتناع إِذْ لَا لُزُوم أما بعد الْخَوْض فِي الْعَمَل فالفسخ لَا يُغير مِقْدَار الْمُسْتَحق وَقد لزم الِاسْتِحْقَاق لما مضى فرع إِذا رد العَبْد الْمَبِيع بِالْعَيْبِ فَقَالَ البَائِع لَيْسَ هَذَا مَا اشْتَرَيْته مني فَالْقَوْل قَوْله لانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 يَبْغِي اسْتِيفَاء العقد وَلَو قَالَ الْمُسلم إِلَى لَيْسَ هَذَا مَا قَبضته مني فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا القَوْل قَوْله كالبائع وَالثَّانِي لَا لَان الْمُسلم إِلَيْهِ يَدعِي انه قبض الْمُسْتَحق مِنْهُ وَالْآخر يُنكره وَقَالَ ابْن سُرَيج أَن كَانَ زُيُوفًا فَهُوَ كَذَلِك وان كَانَ كعيبا فقد اعْترف خَصمه لَهُ بِقَبض لَو رَضِي بِهِ لجَاز كَمَا فِي البيع فَلَا فرق عِنْد ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّحَالُف وَالنَّظَر فِي الْبِدَايَة وَالْعدَد والصيغة أما الْبِدَايَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ انه يبْدَأ فِي البيع بالبائع وَفِي السّلم بِالْمُسلمِ إِلَيْهِ وَهُوَ بَائِع وَفِي الْكِتَابَة بالسيد وَهُوَ فِي رُتْبَة البَائِع وَنَصّ فِي النِّكَاح انه يبْدَأ بِالزَّوْجِ وَهُوَ فِي رُتْبَة المُشْتَرِي فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِي الْكل قَولَانِ وَالْقَوْل الْمخْرج أَنه يبْدَأ بالمشتري كَمَا يبْدَأ بِالزَّوْجِ وَمِنْهُم من اقر النُّصُوص وَقَالَ اثر التَّحَالُف يظْهر فِي النِّكَاح فِي الصَدَاق وَالزَّوْج فِيهِ فِي رُتْبَة البَائِع وَهُوَ وَاقع وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طريقتين إِحْدَاهمَا انه يقرع بَينهمَا وَالْأُخْرَى أَن القَاضِي يتَخَيَّر فَيبْدَأ بِمن شَاءَ بِخِلَاف المتساوقين فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 خصومتين إِذْ لَيْسَ يتفضل هَاهُنَا غَرَض أَحدهمَا دون الآخر وَمَا ذكره قِيَاس حسن وَهُوَ مُتَعَيّن فِي بيع العَبْد بالجارية إِذْ لَا يتَمَيَّز بَائِع عَن مُشْتَرِي وَلكنه فِي غير هَذِه الصُّورَة كالإعراض عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أما الْعدَد والصيغة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن البَائِع يحلف يَمِينا وَاحِدَة يبْدَأ فِيهَا بِالنَّفْيِ وَيَقُول وَالله إِنِّي مَا بِعته بِخَمْسِمِائَة وَإِنَّمَا بِعته بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَيْته بِأَلف وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَة فَيجمع بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَيسْتَحق تَقْدِيم لَان الْبِدَايَة بالإثبات فِي الْيَمين بعيد احْتمل تَابعا للنَّفْي وَقَالَ الاصطخري يتَعَيَّن الْبِدَايَة بالإثبات لانه الْمَقْصُود وَهَذَا بعيد فرع لَو حلف البَائِع على النَّفْي وَالْإِثْبَات فَحلف المُشْتَرِي على النَّفْي وَنكل عَن الْإِثْبَات قضي عَلَيْهِ بِيَمِين البَائِع وان لم يسلم عَن مُعَارضَة فِي طرق النَّفْي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وَلَكِن لما اتَّصل النَّفْي بالإثبات فِي هَذِه الْمَسْأَلَة جعل النّكُول عَن الْبَعْض كالنكول عَن الْكل وَالْقَوْل الثَّانِي انه لَا يجمع فِي يَمِين وَاحِدَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات لَان يَمِين الْإِثْبَات لَا يبتدأ بهَا إِلَّا فِي الْقسَامَة على خلاف الْقيَاس فَيحلف البَائِع على النَّفْي ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على النَّفْي ثمَّ يحلف البَائِع على الْإِثْبَات ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على الْإِثْبَات فيتعدد الْيَمين وَهُوَ بعيد إِذْ لَو اتَّبعنَا قِيَاس الْخُصُومَات لصدقنا المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَقضي لَهُ أَن حلف لما سبق وَلَكِن خرج هَذَا القَوْل من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَا لَو تنَازع رجلَانِ فِي دَار فِي يدهما ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن جَمِيعهَا لَهُ إِذْ قَالَ يحلف أَحدهمَا على النَّفْي أَولا فِي النّصْف الَّذِي فِي يَده ويعرض على صَاحبه فَإِن نكل حلف على الْإِثْبَات وَهَذِه الْمَسْأَلَة مُتَّفق عَلَيْهَا التَّفْرِيع أَن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْيَمين فللمسألة أَحْوَال إِحْدَاهَا انه لَو نكل الأول عَن النَّفْي عرض على الثَّانِي يَمِين وَاحِدَة جَامِعَة للنَّفْي وَالْإِثْبَات لانه الْآن قد تقدم نُكُول فَلَا بَأْس بالإثبات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الثَّانِيَة أَن يتحالفا على النَّفْي قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد تمّ التضاد والتعاند فَيفْسخ العقد وَمِنْهُم من قَالَ تعود إِلَى الأول ويعرض عَلَيْهِ يَمِين فان حلف عرضنَا على الثَّانِي فان حلف فقد تمّ الْآن التَّحَالُف فعلى هَذَا لَو حلف الأول يَمِين الْإِثْبَات فعدنا إِلَى الثَّانِي فنكل قضينا لأوّل لَا محَالة وان لم تسلم يَمِينه عَن الْمُعَارضَة بِالنَّفْيِ وَلَعَلَّ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أولى الثَّالِثَة أَن يتناكلا جَمِيعًا فِي الِابْتِدَاء فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تناكلاهما كتحالفهما لحُصُول التضاد وَهَذَا كَمَا أَن تداعي اثْنَيْنِ مولودا كتناكرهما وَكَذَلِكَ نَص الْأَصْحَاب انه لَو حلف الأول على النَّفْي وَنكل الثَّانِي فَرد على الأول فنكل عَن الْإِثْبَات كَانَ نُكُوله كحلف صَاحبه وَالثَّانِي انه يتَوَقَّف لَان مَأْخَذ التفاسخ الحَدِيث وَهُوَ مَنُوط بالتحالف وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ التناكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم التَّحَالُف وَحكمه جَوَاز إنْشَاء الْفَسْخ هَذَا هُوَ النَّص الِانْفِسَاخ وَذكر أَبُو بكر الْفَارِسِي قولا مخرجا انه يَنْفَسِخ فَكَأَنَّهُ صدق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي يَمِينه وَصَارَ كَأَن البَائِع قَالَ بِعْت بِأَلف فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَلم ينْعَقد أصلا حَتَّى فرع الشَّيْخ أَبُو عَليّ على هَذَا وَحكم برد الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة وتتبع التَّصَرُّفَات بِالنَّقْضِ وَهُوَ بعيد نعم اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَن إنْشَاء الْفَسْخ هَل يخْتَص بِالْقَاضِي من حَيْثُ إِنَّه مَنُوط بتعذر الْإِمْضَاء وَذَلِكَ عِنْد الْيَأْس عَن التصادق بعد التَّحَالُف وَهُوَ مُتَعَلق بنظره والاقيس أَن الْعَاقِد يسْتَقلّ بِهِ إِذا قطعُوا بَان البَائِع هُوَ الَّذِي يفْسخ بإفلاس المُشْتَرِي وَالْمَرْأَة تفسخ بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ وَقَالُوا القَاضِي هُوَ الَّذِي يفْسخ بِعُذْر الْعنَّة كَذَا نَقله إمامي رَحمَه الله وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ عسير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 فان قيل وَهل يَنْفَسِخ بَاطِنا قُلْنَا إِن فوضناه إِلَى القَاضِي فَالظَّاهِر انه يَنْفَسِخ بَاطِنا لينْتَفع بِهِ المحق الْمَعْذُور وان جَوَّزنَا للعاقدين فان تطابقا عَلَيْهِ انْفَسَخ بَاطِنا كَمَا لَو تقابلا وان اقدم عَلَيْهِ من هُوَ صَادِق فكمثل وان بَادر الْكَاذِب فَلَا يَنْفَسِخ بَينه وَبَين الله وطرق الصَّادِق أَن ينشئ الْفَسْخ إِن أَرَادَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 فرع فِي جَوَاز وَطْء الْجَارِيَة بعد التَّنَازُع وَقبل التَّحَالُف وَجْهَان وَبعد التَّحَالُف وَقبل التفاسخ وَجْهَان مرتبان لِأَنَّهُ جرى سَبَب الزَّوَال وأشرف عَلَيْهِ فَهُوَ كالزائل من وَجه وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ وَالْقِيَاس الْجَوَاز لاستمرار الْملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 الْفَصْل الرَّابِع فِي أَحْوَال الْمَبِيع عِنْد التفاسخ وَفِيه خمس مسَائِل الأولى أَن الْمَبِيع أَن كَانَ تَالِفا ثَبت التفاسخ عندنَا وَيغرم المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع بِأَيّ اعْتِبَار فِيهِ أَقْوَال الْأَصَح انه يعْتَبر يَوْم التّلف وَالثَّانِي انه يعْتَبر أقْصَى قيمَة من يَوْم الْقَبْض إِلَى يَوْم التّلف وَهَذَا ضَعِيف وَالثَّالِث انه يعْتَبر يَوْم الْقَبْض لانه وَقت دُخُوله فِي ضَمَانه فَمَا زَاد بعده فَهُوَ لَهُ وَمَا نقص فَهُوَ عَلَيْهِ وَالرَّابِع انه يعْتَبر اقل قيمَة من يَوْم العقد إِلَى الْقَبْض لانه إِن زَاد فقد زَاد فِي ملكه وان نقص وَقع فِي ضَمَان البَائِع لكَونه فِي يَده وَكَذَلِكَ يجْرِي هَذَا الْخلاف إِذا رد أحد الْعِوَضَيْنِ بِالْعَيْبِ وَقد تلف الآخر أَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَتلف أَحدهمَا وتحالفا وَقُلْنَا نضم قيمَة التَّالِف إِلَى الْقَائِم وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَوجد بِالْآخرِ عَيْبا وَقُلْنَا لَا يرد بل يُطَالب بالارش فَالْأَصَحّ انه يعْتَبر فِي تقويمه يَوْم العقد لَان الْقيمَة مَطْلُوبَة لتعرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 التَّوْزِيع عِنْد الْمُقَابلَة لَا ليعزم بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فانه يطْلب الْقيمَة ليغرمه الثَّانِيَة إِذا كَانَ الْمَبِيع معيبا ضم إِلَيْهِ ارش الْعَيْب لَان كل يَد أوجبت ضَمَان الْكل أوجبت ارش النُّقْصَان وَحَيْثُ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الزَّكَاة المعجلة إِذا استردت لتلف النّصاب وَقد تعيبت فِي يَد الْقَابِض غرم الإِمَام ارش النُّقْصَان وَلَو تلف غرم الْمِسْكِين القيمه حمل ذَلِك على الأستحباب لِأَن أرش النُّقْصَان قد يخف فيحمله بَيت المَال فان احْتمل اصل الْقيمَة فَيُسْتَحَب ذَلِك أَيْضا الثَّالِثَة أَن يكون آبقا فَيغرم قِيمَته وَلَكِن يرد الْفَسْخ على الْقيمَة كَمَا فِي التّلف أَو على الْآبِق وَالْقيمَة للْحَيْلُولَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ مملك فَلَا يرد على الْآبِق كالعقد وَفَائِدَته انه لَو عَاد يَوْمًا من الدَّهْر لم يلْزمه الرَّد فِي الْحَال وَلَو آخر الْمُطَالبَة إِلَى رُجُوع العَبْد لم يجز لَان حَقه فِي الْقيمَة لَا فِي العَبْد الرَّابِعَة أَن كَانَ كَاتبا أَو مَرْهُونا غرم الْقيمَة وَهل يرد الْفَسْخ على الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْآبِق وَهَاهُنَا أولى بَان نجْعَل الْقيمَة أصلا لَان الرَّهْن وَالْكِتَابَة تمنع ملك الْغَيْر فانه إبِْطَال لَهُ وَهُوَ لَازم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَكَذَلِكَ إِذا وجد البَائِع مَتَاعه مَرْهُونا لم يفْسخ بالإفلاس وان وجده آبقا فسخ الْخَامِسَة لَو كَانَ مكرى وَقُلْنَا يَصح بَيْعه ورد الْفَسْخ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مردد بَين الْآبِق والمرهون هَذَا تَمام النّظر فِي كتاب البيع وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 = كتاب الْحِوَالَة = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي خَمْسَة اللَّفْظ والمحيل والمحال عَلَيْهِ والمحتال وَالدّين الْمحَال بِهِ وأصل صِحَة الْمُعَامَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم فَإِذا أُحِيل أحدكُم على غَنِي فليحل وَفِي حَقِيقَته مشابه الِاعْتِيَاض كَأَنَّهُ اعتاض دينا على دين ومشابه الِاسْتِيفَاء فَكَأَنَّهُ استوفى مَا عَلَيْهِ بِاسْتِحْقَاق الدّين على غَيره أما لفظ الْحِوَالَة فَلَا بُد مِنْهُ وَلَا بُد من الْقبُول فَإِنَّهُ معاقدة بَين الْمُحِيل والمحتال وَأما الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله والاصطخري لِأَن ذمَّته مَحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 التَّصَرُّف فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ وَهل يشْتَرط أَن يكون عَلَيْهِ دين فِيهِ وَجْهَان يرجع حاصلهما إِلَى أَن الضَّمَان بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل هَل يَصح وَفِيه خلاف وَعَلِيهِ ترجع الْحِوَالَة على من لَا دين عَلَيْهِ وَلذَلِك يقطع بِاشْتِرَاط رِضَاهُ والتزامه إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين ثمَّ تردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي أَن هَذِه الْحِوَالَة هَل تلْزم قبل الْقَبْض وَالأَصَح لُزُومهَا فانه حَقِيقَة الْحِوَالَة أما الدّين فَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مجانسا لما على الْمحَال عَلَيْهِ قدرا وجنسا ووصفا فان كَانَ بَينهمَا من التَّفَاوُت مَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء إِلَّا بالمعاوضة امْتنعت الْحِوَالَة وان كَانَ لَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء بل يجب الْقبُول وَلَا يشْتَرط فِيهِ رضَا لمستحق كتسليم الصَّحِيح على المكسر والأجود عَن الأردأ وَالْحَال عَن الْمُؤَجل وَفِي بعض الْأَحْوَال جَازَت الْحِوَالَة فان كَانَ يفْتَقر إِلَى الرِّضَا الْمُجَرّد دون الْمُعَاوضَة فَفِيهِ وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي للدّين أَن يكون لَازِما أَو مصيره إِلَى اللُّزُوم فَتجوز الْحِوَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 بِالثّمن وعَلى الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار على الصَّحِيح ثمَّ أَن فسخ انْقَطَعت الْحِوَالَة وَفِي نُجُوم الكتبة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لانه لَيْسَ بِلَازِم عَلَيْهِ وَالثَّانِي نقل عَن ابْن سُرَيج جَوَاز الْحِوَالَة بِهِ وَعَلِيهِ جَمِيعًا لثُبُوته وتأكده وَالثَّالِث انه لَا تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ إِذْ لَو صَحَّ لعتق العَبْد ولصار الدّين لَازِما على العَبْد وَتَصِح حِوَالَة العَبْد بِهِ فَيبرأ العَبْد وَيعتق وَيلْزم الدّين فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا بعد فِيهِ فرعان أَحدهمَا إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَو جحد لم يثبت الرُّجُوع على الْمُحِيل بِالدّينِ خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 أما إِذا كَانَ الإفلاس مُقَارنًا وجهله الْمُحْتَال فَفِي ثُبُوت الْخِيَار ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع كَمَا إِذا كَانَ طارئا وَالْأَظْهَر الثُّبُوت فان اخذ اسْتِيفَاء أَو عوضا معيبا فَلهُ الرَّد وَالثَّالِث انه لَا يثبت الْخِيَار إِلَّا إِذا شَرط كَونه مَلِيًّا وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْخِيَار الشَّرْط هَل يتَطَرَّق إِلَى الْحِوَالَة بتغليب مشابه الْمُعَاوضَة فِيهِ الثَّانِي إِذا حَال المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن على إِنْسَان فَرد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِالْعَيْبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 فَالَّذِي ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله تحريا أَن الْحِوَالَة تَنْفَسِخ وَتَخْرِيج الْمُزنِيّ مَعْدُود من مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَنَصّ فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير على أَنَّهَا لَا تبطل فَقَالَ للأصحاب قَولَانِ مأخذهما تَغْلِيب مشابه الِاسْتِيفَاء أَو الِاعْتِيَاض وَمُوجب الِاعْتِيَاض انه لَا ينْقض وَالأَصَح انه يَنْفَسِخ كَمَا لَو اسْتحق مكسرا فاستوفى الصَّحِيح وَفسخ البيع رد الصِّحَاح وان كَانَ فِيهِ شبه الْمُعَاوضَة وَلَو جرى ذَلِك قبل قبض الْمَبِيع فَمنهمْ من قطع بِفَسْخ الْحِوَالَة لانه رد الْمَبِيع من أَصله على رَأْي وَلَو جرى بعد قبض الْمُحْتَال مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تَأَكد بِالْقَبْضِ وَلَو جرى فِي الصَدَاق ثمَّ عَاد النّصْف بِالطَّلَاق مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه فِي حكم رد مُبْتَدأ بِخِلَاف مَا لَو فسخ النِّكَاح بِسَبَب وَلذَلِك تمْتَنع بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَلَو أحَال البَائِع على المُشْتَرِي بِالدّينِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تعلق الْحق بالثالث فَلَا سَبِيل إِلَى إِبْطَاله وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْخلاف فِي كل هَذِه السُّورَة من غير فرق التَّفْرِيع أَن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رد عين مَا أَخذه من الْمحَال عَلَيْهِ وان لم يكن استوفى بعد فَهَل يغرم المُشْتَرِي فِي الْحَال وَجْهَان أَن قُلْنَا لَا يغرم فَالظَّاهِر انه يُطَالِبهُ المُشْتَرِي لتحصيله من جِهَة الْمحَال عَلَيْهِ حَتَّى يغرم لَهُ فانه لَا سَبِيل إِلَى قطع مُطَالبَته بِالتَّأْخِيرِ إِلَى غير نِهَايَة وان قُلْنَا يَنْفَسِخ فَلَو قبض لم يَقع عَن جِهَة الْمُحْتَال وَهل يَقع عَن جِهَة المُشْتَرِي الْمُحِيل فِيهِ وَجْهَان وَوجه وُقُوعه أَن الْفَسْخ قد ورد على خُصُوص جِهَة الْحِوَالَة لَا على مَا تضمنه من الْإِذْن فِي الْأَخْذ فيضاهي تردد الْعلمَاء فِي أَن الْوُجُوب إِذا نسخ هَل يبْقى الْجَوَاز وان من يحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال هَل ينْعَقد نفلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التَّنَازُع وَفِيه مسَائِل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الاولى إِذا بَاعَ عبدا واحال بِثمنِهِ على المُشْتَرِي فَقَالَ العَبْد انا حر الاصل وَصدقه الْمُتَبَايعَانِ والمحتال فقد بَطل البيع وَالْحوالَة فَلَو كذبه الْمُحْتَال بَطل البيع فِي حَقّهمَا وَلم تبطل الْحِوَالَة إِذْ ثَبت لَهُ حق لَازم وقولهما لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذا قَالَ مُسْتَحقّ الدّين أحلتني على فلَان وَقَالَ لَا بل وكلتكباستيفاء ديني مِنْهُ فَالْقَوْل قَول الامر فِي نفي لحوالة ثمَّ ان لم يكن قد قبض فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْض لانه أنكر الْوكَالَة فانعزل وَفِي مُطَالبَة مُنكر الْحِوَالَة بِأَصْل الدّين وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه اعْترف ببراءته بِمَا ادَّعَاهُ من الْحِوَالَة وَالثَّانِي بلَى لانه لم يسلم لَهُ ذَلِك فَليرْجع حَتَّى لَا يتعطل حَقه بِمُجَرَّد إِنْكَاره أما إِذا كَانَ قد قبض وَهُوَ قَائِم فللموكل اخذه الا اذا مَنعه حَقه فَلهُ ان يَتَمَلَّكهُ لانه من جنس حَقه وان كَانَ تَالِفا فَلَا مُطَالبَة باصل الدّين لانه بِزَعْمِهِ قد استوفى وَتلف فِي يَده من ضَمَانه وَبرئ الْمحَال عَلَيْهِ على كل تَقْدِير أما إِذا قَالَ الْمُسْتَحق وكلتني وَقَالَ من عَلَيْهِ لَا بل أحلتك وَمَا وَكلتك فان كَانَ قبل الْقَبْض فَلَا يَسْتَوْفِي لَان الْمَالِك أنكر الْوكَالَة وللمستحق مُطَالبَته إِذْ لَا يسْقط حَقه بِدَعْوَى من عَلَيْهِ الدّين الْحِوَالَة مَعَ إِنْكَار الْمُسْتَحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا انه يملكهُ الان لانه من جنس حَقه والمستحق يزْعم أَنه ملكه وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من مُطَالبَته بِالْحَقِّ ورد هَذَا عَلَيْهِ الى ان يجْرِي تمْلِيك صَحِيح وان جرى النزاع بعد التّلف فَفِي ضَمَانه وَجْهَان أَحدهمَا لَا ضَمَان لانه مُصدق فِي نفي الْحِوَالَة فقد تلف فِي يَده أَمَانَة بِحكم الْوكَالَة وَالثَّانِي أَنه يضمن لِأَن مُصدق فِي نفي الحواله لَا فِي اثبات الْوكَالَة فينفعه فِي بَقَاء دينه وَلَا يَنْفَعهُ فِي اسقاط الضَّمَان والاصل ان مَا تلف فِي يَده من ملك غَيره فَهُوَ مَضْمُون وَهَذَا كالبائع اذا انكر قدم الْعَيْب صدق فِيهِ وَلَا يثبت بِهِ حُدُوثه وَلذَلِك لَا يُطَالب بارشه اذا رد اليه بِسَبَب آخر فان قيل فَلَو اتّفق على جَرَيَان لفظ الْحِوَالَة فَقَالَ اللافظ أردْت بِهِ الْوكَالَة دون الْحِوَالَة أَو قَالَ الْقَابِل قبلت الْوكَالَة دون الْحِوَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 قُلْنَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن النّظر الى ظَاهر اللَّفْظ وَالثَّانِي أَن المتبع قَول اللافظ وَنِيَّته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 = كتاب الضَّمَان = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب وَالضَّمان مُعَاملَة صَحِيحَة دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر والاجماع وَمَعْنَاهُ تضمين الدّين فِي ذمَّة الضَّامِن حَتَّى يصير مطالبا بِهِ مَعَ الاصيل وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَهِي سِتَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول الْمَضْمُون عَنهُ وَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لَان لغيره ان يقْضِي دينه بِغَيْر اذنه فَكَذَا لَهُ ان يضمن وَلَا يشْتَرط حَيَاته ويساره بل يَصح الضَّمَان عَن الْمَيِّت الْمُفلس خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يشْتَرط كَونه مَعْلُوما عِنْد الضَّامِن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا تعلق لمعاملته بِهِ وَلذَلِك لم نشترط رِضَاهُ وَالثَّانِي نعم فان الضَّامِن قد يعول على كَونه الْمَضْمُون عَنهُ مَلِيًّا اَوْ متشمرا للاداء فَفِي الضَّمَان عَن الْمَجْهُول غرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الرُّكْن الثَّانِي الْمَضْمُون لَهُ وَفِي شَرط مَعْرفَته وَجْهَان مرتبان على الْمَضْمُون عَنهُ واولى بَالا يعْتَبر لَان الْمُطَالبَة تتجدد لَهُ فيختلف الْغَرَض باخْتلَاف المطالبين فِي المساهلة والمضايقة ان قُلْنَا يشْتَرط مَعْرفَته فَفِي اشْتِرَاط رِضَاهُ وَجْهَان أَحدهمَا بلَى اذ تجدّد لَهُ ملك مُطَالبَة لم تكن وَلَيْسَ لَهُ ان يملك غَيره بِغَيْر رِضَاهُ وَالثَّانِي لَا لَان الدّين لَيْسَ يزِيد انما هَذِه امكان مُطَالبَة مَعَ بَقَاء الدّين على مَا كَانَ عَلَيْهِ فان قُلْنَا يشْتَرط رِضَاهُ فَفِي اشْتِرَاط قبُوله وَجْهَان يقربان من الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاط قبُول الْوَكِيل لَان التَّوْكِيل اثبات سلطنة لم تكن للْوَكِيل كَمَا ان الضَّمَان اثبات سلطنة للمضمون لَهُ فان قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله اكنفي بِالرِّضَا وان تقدم على الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 الرُّكْن الثَّالِث الضَّامِن وَلَا يشْتَرط فِيهِ الا صِحَة الْعبارَة وَكَونه من اهل التَّبَرُّع فان الضَّمَان تبرع فضمان الْمكَاتب كتبرعه وَضَمان الرَّقِيق دون اذن السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان ذَكرْنَاهُ فِي شِرَائِهِ وَفَائِدَة صِحَّته ان يُطَالب بِهِ إِذا اعْتِقْ وان ضمن بالاذن صَحَّ وَفِي تعلقه بِكَسْبِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا انه يتَعَلَّق بِهِ كالمهر وَنَفَقَة النِّكَاح فان الاذن فِي الِالْتِزَام اذن فِي الاداء وَالْكَسْب مُتَعَيّن لادائه وَالثَّانِي لَا بل اذنه رضَا بِمَا للْعَبد الِاسْتِقْلَال بِهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّالِث انه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ ان كَانَ ماذونا فِي التِّجَارَة والا فَلَا هَذَا اذا لم يكن عَلَيْهِ دين فان كَانَ عَلَيْهِ دين وَحجر عَلَيْهِ فَلَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ وان اذن فِيهِ السَّيِّد إِذْ لَيْسَ للسَّيِّد التَّبَرُّع بِمَا فِي يَده وان لم يحْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لانه فِي حكم الْمَرْهُون بِالدّينِ وَالثَّانِي يتَعَلَّق لانه لم يجر حجر وَرهن وَالثَّالِث ان قدر الدّين يسْتَثْنى فان فضل شَيْء تعلق بِهِ الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 الرُّكْن الرَّابِع الْمَضْمُون بِهِ وَشَرطه ان يكون حَقًا ثَابتا لَازِما مَعْلُوما الْقَيْد الأول الثُّبُوت احترزنا بِهِ عَمَّا إِذا قَالَ ضمنت لَك من فلَان مَا تقرضه مِنْهُ أَو ثمن هَذَا الْمَبِيع إِذا بِعته فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد وصحيح على الْقَدِيم وَفِي ضَمَان نَفَقَة الْغَد للْمَرْأَة وَكَذَا كل مَا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه قَولَانِ مشهوران فِي الْجَدِيد أَحدهمَا لَا لانه لم يلْزم وَالثَّانِي نعم لَان السَّبَب مُتَقَدم وَكَأن هَذَا تَأْخِير يضاهي التَّأْجِيل وَضَمان الْعهْدَة صَحِيح فِي ظَاهر الْمَذْهَب على الْجَدِيد وَالْقَدِيم وان كَانَ يُخَالف قِيَاس الْجَدِيد من حَيْثُ انه لم يعلم لُزُومه فان البَائِع إِن بَاعَ ملك نَفسه فَمَا اخذه من الثّمن لَيْسَ بدين عَلَيْهِ حَتَّى يضمن وَلكنه احْتمل ذَلِك فجوز بعد جَرَيَان البيع وَقبض الثّمن الضَّمَان لمصْلحَة الْعُقُود فَإِنَّهُ لَا يرغب فِي مُعَاملَة الْغُرَمَاء الا بِهِ وَعَلِيهِ اشْتَمَلت الصكوك فِي الاعصار الخالية وَخرج ابْن سُرَيج قولا انه لَا يَصح أصلا وَفِيه قَول آخر انه يَصح قبل قبض الثّمن وَبعده وَمهما جرى البيع والاعدل انه لَا يَصح قبل قبض الثّمن حَتَّى يكون سَبَب اللُّزُوم على تَقْدِير ثُبُوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الْعهْدَة جَارِيا هَذَا فِيهِ إِذا خَافَ المُشْتَرِي كَون الْمَبِيع مُسْتَحقّا فَلَو كَانَ يخَاف فَسَاد العقد من جِهَة اخرى أَو كَون البيع معيبا فضمن لَهُ هَذِه الْعهْدَة صَرِيحًا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بلَى كَمَا إِذا خَافَ خُرُوجه مُسْتَحقّا وَالثَّانِي لَا لَان التَّعَلُّق بِالْمَبِيعِ مُمكن هَاهُنَا الى رد الثّمن والتحرز عَن المفسدات والعيوب مُمكن وَمَا بني على الْحَاجة والمصلحة يتبع فِيهِ مَرَاتِب الْحَاجة فان قُلْنَا إِنَّه يَصح ضَمَانه صَرِيحًا فَفِي اندراجه تَحت مُطلق ضَمَان الْعهْدَة وَجْهَان وَلَو كَانَ يشك فِي كَمَال الصنجة اَوْ فِي جودة جنس الثّمن قَالَ ابْن سُرَيج صَحَّ هَذَا الضَّمَان تخريجا على ضَمَان الْعهْدَة فَهَذَا يقرب من مَخَافَة الْعُيُوب فيعتضد بِهِ ذَلِك الْوَجْه ثمَّ مهما ادّعى نُقْصَان الصنجة فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الاصل عدم اسْتِيفَاء الْكَمَال فان حلف طَالب المُشْتَرِي وَهل يُطَالب الضَّامِن بِمُجَرَّد حلفه دون بَيِّنَة يقيمها على النُّقْصَان فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع ان الاصل فِي حَقه الْبَرَاءَة فَلَا ينتهض يَمِينه حجَّة عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 الْقَيْد الثَّانِي كَون الْحق لَازِما فَكل دين لَازم يَصح ضَمَانه وَلَا يَصح ضَمَان نُجُوم الْكِتَابَة لانه لَا مصير لَهَا الى اللُّزُوم والاصح صِحَة ضَمَان الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لَان مصيره الى اللُّزُوم وَالْجَوَاز عَارض وَفِي ضَمَان الْجعل فِي الْجعَالَة وَجْهَان الْقَيْد الثَّالِث كَونه مَعْلُوما فَلَا يَصح ضَمَان الْمَجْهُول على الْجَدِيد كَمَا لَا يَصح الابراء عَنهُ وَفِي الْقَدِيم يَصح ضَمَان الْمَجْهُول والابراء عَنهُ وَلَا خلاف فِي جَوَاز ضَمَان إبل الدِّيَة وان كَانَ فِيهِ ضرب جَهَالَة وَكَذَا الابراء وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه ان ضَمَانه لَا يَصح للْجَهْل بِهِ وَلَو قَالَ ضمنت من عشرَة الى مائَة فَفِي الْجَدِيد قَولَانِ الاشهر الصِّحَّة لَان الاقصى مَعْلُوم وَقد وَطن نَفسه عَلَيْهِ والاقيس الْفساد لَان الْغرَر حَاصِل بِجَهْل الْمِقْدَار بَين الْعشْرَة وَالْمِائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 الرُّكْن الْخَامِس ويتشعب عَن الْمَضْمُون بِهِ النّظر فِي الْكفَالَة بِالْبدنِ وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى صِحَّته وَعَلِيهِ جرى الصَّحَابَة وَالسَّلَف قَالَ الْمُزنِيّ ضعف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن فَمنهمْ من جعل ذَلِك ترديد قَول وعَلى هَذَا يَصح ضَمَان عين الْمَغْصُوب وَالْمَبِيع وكل مَا يجب تَسْلِيمه وَلَا يَصح ضَمَان عين الودائع والامانات اذ لَا يجب تَسْلِيمهَا فكأنا نكتفي بَان يكون الْمَضْمُون بِهِ حَقًا لَازِما وَلَا يشْتَرط كَونه دينا فَيصح الْكفَالَة ببدن كل من يجب عَلَيْهِ الْحُضُور مجْلِس الْقَضَاء باستدعاء الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ تصح الْكفَالَة بِالْبدنِ قبل قيام الْبَيِّنَة على الدّين لانا معتمده الْحُضُور وَهُوَ وَاجِب والاصح صِحَّته بعد حُضُور الْمُدعى عَلَيْهِ وإنكاره إِذا لم يقم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة لانه بَقِي لَهُ مُتَعَلق فِي إِحْضَاره وَيصِح الضَّمَان ببدن الزَّوْجَة وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح الضَّمَان ببدن العَبْد الْآبِق وَيجب السَّعْي فِي احضاره ورده وَتَصِح الْكفَالَة ببدن الْمَيِّت إِذْ قد يسْتَحق إِحْضَاره ليشاهد الشُّهُود صورته فَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ وَلَو تكفل ببدن شخص فَمَاتَ فَفِي انْقِطَاعه بِالْمَوْتِ وَجْهَان وَوجه الْقطع ان مُطلق التَّصَرُّفَات تحمل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 حَالَة الْحَيَاة وَفِي الْكفَالَة ببدن من عَلَيْهِ عُقُوبَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا بلَى لانها من الْحُقُوق وَالثَّانِي لَا لانها تعرض السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّالِث انها تصح فِيمَا للادميين بِخِلَاف مَا يثبت لله تَعَالَى وَلَو تكفل بإحضار شخص بِبَغْدَاد والمكفول بِبدنِهِ بنيسابور لما يجز لانه لَا يلْزمه الْحُضُور على هَذَا الْوَجْه فان قيل بِمَاذَا يخرج عَن عُهْدَة هَذِه الْكفَالَة قُلْنَا بإحضاره فِي الْمَكَان الَّذِي الْتَزمهُ وبتعين الْمَكَان الَّذِي عين فان سلم فَقَالَ لَا اريده الْآن فقد خرج عَن الْعهْدَة الا اذا كَانَ عَاجِزا عَن التَّعَلُّق بِهِ لاستناده الى ركن وثيق فان غَابَ حَيْثُ يعرف خَبره فعلى الْكَفِيل السَّعْي فِي إِحْضَاره ويمهل مُدَّة الذّهاب والمجيء فان لم يحضرهُ حبس فان حضر الاصيل وَسلم نَفسه برِئ الْكَفِيل كَمَا لَو أدّى الْمَضْمُون عَنهُ برِئ الضَّامِن من الدّين فان عجز عَن إحضارن بِمَوْتِهِ اَوْ هروبه فالاصح انه لَا يلْزمه شَيْء وَهُوَ معنى تَضْعِيف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن وَالثَّانِي انه يلْزمه بدل الْحُضُور الَّذِي عجز عَنهُ ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 يلْزمه الدّين بَالغا مَا بلغ فَهُوَ الاصل مهما قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي يلْزمه دِيَة الْمَكْفُول بِبدنِهِ فانه بدل بدنه الا اذا كَانَ الدّين اقل مِنْهُ وَاشْتِرَاط رضَا الْمَكْفُول بِبدنِهِ يبتنى على هَذَا فان قُلْنَا الِالْتِزَام مَقْصُور على الْحُضُور فَلَا يجوز دون رِضَاهُ لانه لَيْسَ يقدر على استبداد بِالنَّقْضِ عَنهُ وان قُلْنَا يلْزم المَال فَلهُ الِانْفِرَاد بِهَذِهِ الْكفَالَة كَمَا يلْزمه بِضَمَان المَال فَلَو أنكر الْمَكْفُول بِهِ الرِّضَا فَهَل لَهُ تَكْلِيفه الْحُضُور فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز أَن الْحُضُور مُسْتَحقّ وَالْكَفِيل لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل قَالَ صَاحب التَّقْرِيب فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح الْكفَالَة بِغَيْر إِذْنه وَيقدر على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 تَكْلِيفه الْحُضُور لانه لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل فروع أَرْبَعَة الأول اذا مَاتَ الْمَكْفُول لَهُ هَل ينْتَقل حَقه الى ورثته فِيهِ ثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج أَحدهَا لَا لانه حق ضَعِيف وَلم يلْزم الا لَهُ وَالثَّانِي بلَى كَسَائِر الْحُقُوق وَهُوَ الأقيس وَالثَّالِث إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين أَو وَصِيّ يثبت وَكَأَنَّهُ نَائِب عَن جِهَته الثَّانِي إِذا كفل ثَلَاثَة ببدن انسان فَأحْضرهُ وَاحِد برِئ هُوَ قَالَ الْمُزنِيّ وَبرئ صَاحِبَاه كَمَا فِي ضَمَان الدّين قَالَ ابْن سُرَيج لَا يبرأ صَاحِبَاه بِخِلَاف أَدَاء الدّين فان الْمَقْصُود قد حصل ثمَّ وَهَاهُنَا لَا يحصل بِمُجَرَّد الْحُضُور الثَّالِث لَو تكفل ببدن الْكَفِيل جَازَ وَلَو ضمن الضَّامِن بِالْمَالِ جَازَ وَإِذا تكفل ثَلَاثَة ببدن انسان وكل وَاحِد تكفل ببدن صَاحبه جَازَ فان احضر وَاحِد برِئ هُوَ عَن كفَالَته وَبرئ من تكفل ببدن الَّذِي أحضرهُ وَأمر البَاقِينَ فِي إِحْضَار الْخصم يخرج على مَذْهَب الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج الرَّابِع لَو ضمن تَسْلِيم عين الْمَبِيع فَتلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ البيع فان قُلْنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 الْكَفِيل عِنْد الْعَجز لَا يغرم شَيْئا فَكَذَلِك هَذَا وان قُلْنَا انه يغرم فهذبا على وَجه يغرم الثّمن وعَلى وَجه اقل الامرين من الثّمن اَوْ الْقيمَة يَوْم التّلف وَقيل يعْتَبر اقصى الْقيم كَمَا فِي الْغَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الرُّكْن السَّادِس فِي الصِّيغَة وَمَا يقْتَرن بهَا من شَرط وَمن تَقْيِيد وَفِيه مسَائِل الاولى ان الضَّمَان يَصح بِكُل لفظ يدل على الِالْتِزَام كَقَوْلِه تقلدت والتزمت وضمنت وتكفلت وتحملت وَلَا يَصح بقوله أؤدي وأحضره لانه وعد الثَّانِيَة تَعْلِيق الضَّمَان بَاطِل على الْجَدِيد وَهُوَ ان يَقُول ضمنت اذا جَاءَ رَأس الشَّهْر اَوْ اذا بِعْت من فلَان أما تَعْلِيق الْكفَالَة بِالْبدنِ على مَجِيء رَأس الشَّهْر ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن وَفِي التَّعْلِيق على الْحَصاد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ وعَلى قدوم زيد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ وَلَو نجز الْكفَالَة وَشرط تَأْخِير الطّلب الى مَجِيء الشَّهْر فَهِيَ أولى بِالْجَوَازِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وَهَذَا الْخلاف لَيْسَ يجْرِي فِي ضَمَان المَال وَلَا فِي الابراء لَان كَفَالَة الْبدن تنبني على الْمصلحَة فاتبعت فِيهِ الْحَاجَات اما اذا قَالَ الق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي الف لزمَه كَمَا اذا قَالَ طلق زَوجتك واعتق عَبدك وَعلي الف لانه الْتِزَام لغَرَض صَحِيح وَلَو قَالَ بِعْ عَبدك من فلَان بِمِائَة وَعلي ائة اخرى فَوَجْهَانِ الاصح انه لَا يلْزمه إِذْ لَا يظْهر لَهُ فِيهِ غَرَض الثَّالِثَة لَو شَرط فِي ضَمَان الدّين الْحَال لم يثبت الاجل لانه يضمن مَا عَلَيْهِ فَهُوَ تَابع فَلَا يُغير وَصفه وَفِي طَريقَة الْعرَاق جَوَاز ذَلِك لانه نوع رفق فَجَاز إثْبَاته وَيشْهد لَهُ قطع ابْن سُرَيج بانه لَو نجز كَفَالَة الْبدن وَشرط تَأْخِير التَّسْلِيم شهرا جَازَ وَلَكِن احْتمل فِي كَفَالَة الْبدن مَا لم يحْتَمل فِي الضَّمَان ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ لَو أحضرهُ قبل الشَّهْر برِئ عَن الْعهْدَة وَقَالَ ابْن سريح ينظر ان كَانَ الدّين مُؤَجّلا اَوْ كَانَت الْبَيِّنَة غَائِبَة فَلَا يبرأ وان لم يكن لَهُ غَرَض فَيخرج على ان الْحق الْمُؤَجل اذا عجل هَل يجْبر على قبُوله وَفِيه قَولَانِ ثمَّ اذا أفسدنا شَرط الاجل فِي ضَمَان الدّين الْحَال فَفِي فَسَاد الضَّمَان بِفساد الشَّرْط وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وَلَو ضمن الدّين الْمُؤَجل حَالا فَفِي فَسَاد الشَّرْط وَجْهَان وان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان الرَّابِعَة لَو شَرط الضَّامِن ان يُعْطي الْمَضْمُون عَنهُ ضَامِنا فَفِي صِحَة شَرطه وَجْهَان فان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان وان صَحَّ فَعَلَيهِ الْوَفَاء فان لم يَفِ فَلهُ الْفَسْخ الْخَامِسَة لَو تكفل بعضو من بدنه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَصح لَان فِي تَسْلِيمه تَسْلِيم الْبَاقِي وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّصَرُّفَات المبنية على السَّرَايَة وَالثَّالِث انه ان عين عضوا لَا يقبل التَّسْلِيم الا بِتَسْلِيم الْبدن كالقلب والبطن وَالظّهْر لزم وان كَانَ كَالْيَدِ وَالرجل لم يلْزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الضَّمَان الصَّحِيح وَله أَحْكَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول أَنه يَتَجَدَّد لمستحق الدّين مُطَالبَة الضَّامِن وَلَا يَنْقَطِع مُطَالبَته عَن الْمَضْمُون عَنهُ لَان مَعْنَاهُ ضم ذمَّة الى ذمَّة وَقَالَ مَالك لَا يُطَالب البضامن مَا لم يعجز عَن الممضمون عَنهُ وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يُطَالب الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يعجز عَن الضَّامِن فروع ثَلَاثَة الاول لَو ابرأ الضَّامِن لم يبرأ الاصيل وَلَو ابرأ الاصيل برِئ الْكَفِيل وَقَوله للضامن وهبت مِنْك اَوْ تَصَدَّقت عَلَيْك كالابراء لَا كالتوفية ثمَّ اسْتِئْنَاف الْهِبَة حَتَّى لَا يثبت الرُّجُوع خلافًا لابي حنيفَة رَحمَه الله فانه قَالَ كالتوفية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 فَلهُ الرُّجُوع الثَّانِي لَو كَانَ الدّين مُؤَجّلا وَمَات الْأَصِيل وَحل الدّين لم يُطَالب الْكَفِيل لانه حَيّ وَلم يلْتَزم ذَلِك أصلا الثَّالِث لَو قضى الضَّامِن ثمَّ وهب مِنْهُ بعد الْقَبْض فَفِي الرُّجُوع خلاف كَمَا فِي هبة الصَدَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 الحكم الثَّانِي يجوز للضامن إِجْبَار الْمَضْمُون لَهُ على قبُول الدّين مهما أَدَّاهُ لانه صَار مُلْتَزما بِخِلَاف مَا إِذا أدّى دين غَيره مُتَبَرعا فانه لَا يجْبر على الْقبُول بل لَهُ ذَلِك إِن أَرَادَ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الضَّمَان فِي صُورَة لَا يرجع إِذا ضمن لَا يلْزمه الْقبُول لَان فِي قبُوله إِدْخَال المَال فِي ملك الْمَضْمُون عَنهُ ضمنا ثمَّ وُقُوعه عَن جِهَته وَهُوَ ضَعِيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 الحكم الثَّالِث يَتَجَدَّد للضامن مُطَالبَة الْمَضْمُون عَنهُ بتخليصه بِقَضَاء الْحق اتّفق الْأَصْحَاب عَلَيْهِ سوى الْقفال فانه قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي وَجه حَكَاهُ وَلَو حبس فَهَل لَهُ أَن يَقُول احْبِسُوا الْمَضْمُون عَنهُ معي فِيهِ وَجْهَان أما الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم الدّين إِلَى الضَّامِن قبل أَن يغرم الضَّامِن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه رُجُوع قبل الْأَدَاء وَالثَّانِي نعم لانه مُلْتَزم لَهُ فَلهُ الِاسْتِيفَاء مِنْهُ وَيَنْبَنِي على هَذَا انه إِذا صَار مُسْتَحقّ دين عَلَيْهِ فَلهُ أَن يشْتَرط كَفِيلا عَلَيْهِ فِي اصل الضَّمَان وَله الْإِبْرَاء عَنهُ والمصالحة وَفِي طَريقَة الْعرَاق انه لَو سلم إِلَى الضَّامِن مَا يسْتَحبّ لَهُ بِقَضَاء الدّين هَل يملكهُ وَجْهَان وَوجه التَّمْلِيك انه يسْتَحق بسببين الضَّمَان وَالْقَضَاء وَقد جرى أَحدهمَا فَكَانَ كاليمين مَعَ الْحِنْث ومأخذ الْخلاف مِمَّا ذَكرْنَاهُ أولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 الحكم الرَّابِع الرُّجُوع بعد الْأَدَاء ونقدم عَلَيْهِ انه لَو أدّى دين غَيره من غير ضَمَان بِغَيْر إِذْنه لم يرجع بِإِذْنِهِ مَعَ شَرط الرُّجُوع رَجَعَ عَلَيْهِ وان أطلق الْإِذْن فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الْهِبَة الْمُطلقَة هَل تَقْتَضِي ثَوابًا بِالْعرْفِ وَلَو قَالَ أد دين فلَان لم يرجع على الْأَمر قطعا وَلَو قَالَ أد دين الضَّامِن عني فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أد ديني لَان لَهُ فِيهِ غَرضا فرع وَلَو صَالح الْمَأْذُون على غير جنسه فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع لَان مَا أَدَّاهُ غير مَأْذُون فِيهِ فَبَطل اثر الْإِذْن وَالثَّانِي يرجع لانه مَأْذُون لَهُ فِي أصل الْأَدَاء وَهَذِه مراضاة فِي التَّفْصِيل جرى بَينهمَا وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ أد ديني رَجَعَ وان قَالَ اقْضِ مَا عَليّ لم يرجع فان خَالفه رَجعْنَا إِلَى الضَّمَان فَإِذا ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِإِذْنِهِ رَجَعَ وان لم يشْتَرط الرُّجُوع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب لانه أذن فِي الِالْتِزَام وَالْأَدَاء بِخِلَاف مُجَرّد الْإِذْن فِي الْأَدَاء وان ضمن بِغَيْر إِذْنه وَغرم بِغَيْر إِذْنه فَلَا رُجُوع وَإِن ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِغَيْر إِذْنه فَثَلَاثَة أوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 أَحدهَا انه يرجع لَان مُوجب الرُّجُوع هُوَ الْأَدَاء وَهُوَ غير مَأْذُون وَالثَّانِي بلَى وَهُوَ الْمَنْصُوص لَان الْإِذْن فِي الِالْتِزَام أذن فِي الْأَدَاء وَالثَّالِث انه ان طُولِبَ فغرم رَجَعَ وان ابْتَدَأَ مبادرا إِلَيْهِ لم يرجع وان ضمن بِغَيْر أذن وَغرم بِالْإِذْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان على من لم يضمن إِذا أدّى بِالْإِذْنِ فَأولى بَان لَا يرجع لانه سبق الْتِزَامه فأداؤه خُرُوج عَن الْتِزَام نَفسه وَهُوَ الْأَصَح هَذَا كُله إِذا شهد على الْأَدَاء فَلَو لم يشْهد فَلَا رُجُوع لَهُ إِلَّا إِذا صدقه الْمَضْمُون لَهُ والمضمون عَنهُ جَمِيعًا فان صدقه الْمَضْمُون عَنهُ دون الْمَضْمُون لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا برجع مُؤَاخذَة لَهُ بتصديقه وَالثَّانِي لَا لانه لم يَنْفَعهُ بِأَدَائِهِ فَلَا يرجع بِهِ وَإِن صدقه الْمَضْمُون لَهُ وَكذبه الْمَضْمُون عَنهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بلَى لِأَن الْبَرَاءَة حصلت باعتراف الْمَضْمُون لَهُ وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَقَول غَيره لَيْسَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو كَانَ بمرأى من الْمَضْمُون عَنهُ رَجَعَ لِأَن التَّقْصِير مَنْسُوب إِلَيْهِ فِي ترك الْإِشْهَاد لَا إِلَى الضَّامِن وَلَو أشهد فماتوا أَو غَابُوا لم يمْتَنع الرُّجُوع وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَأنكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 المرجوع عَلَيْهِ اصل الْإِشْهَاد فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يرجع إِذْ الِاحْتِرَاز عَنهُ غير مُمكن وَالْأَصْل عدم التَّقْصِير وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل عدم الْإِشْهَاد وَلَو قَالَ أشهدت زيدا وعمرا فَقَالَا كذب فَهُوَ كَتَرْكِ الْإِشْهَاد وَلَو قَالَا لَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَسِينَا فَوَجْهَانِ وَلَو أشهد رجلا وَامْرَأَتَيْنِ رَجَعَ وَلَو أشهد مستورين فعدلا رَجَعَ وان لم يعدلا فَوَجْهَانِ يقربان من الْخلاف فِي انْعِقَاد النِّكَاح بشهادتها وَلَو أشهد وَاحِدًا ليحلف مَعَه فَوَجْهَانِ وَوجه التَّقْصِير أَن القَاضِي رُبمَا يكون حنفيا ثمَّ لَو كذبه الْمَضْمُون لَهُ وطالبه مرّة أُخْرَى فَأشْهد على الْأَدَاء الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنه يرجع الْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَقيل إِنَّه إِذا ثَلَاثَة رَجَعَ بِالْأولِ فَهُوَ مظلوم بِالثَّانِي بِزَعْمِهِ فَلَا يرجع أَيْضا بِهِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ نظر فان سومح بِمِقْدَار أَو بِصفة فِيهِ لم يرجع إِلَّا بِمَا بذل وَلَو صَالح على عوض يُسَاوِي تِسْعمائَة عَن دين مبلغه ألف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يرجع بِتمَام الْألف فان الْمُسَامحَة مَعَه فِي شِرَاء مَاله بِالْغبنِ مَخْصُوص بِهِ وَالثَّانِي لَا بل فانه لم يبْذل إِلَّا قدر تِسْعمائَة وَلَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ على خمر وَكَانَا ذميين والمضمون عَنهُ مُسلم فَفِي صِحَة الصُّلْح وَجْهَان فان صححنا وَقُلْنَا الرُّجُوع بِمَا بذله فهاهنا لَا يطْمع فِيهِ وان قُلْنَا الرُّجُوع بِالدّينِ رَجَعَ الثَّانِي إِذا ضمن العَبْد من سَيّده بِإِذْنِهِ فأداه بعد الْحُرِّيَّة من كَسبه فَفِي رُجُوعه وَجْهَان يقربان من الْخلاف فِي اسْتِمْرَار الْإِجَارَة بعد الْعتْق الثَّالِث لَو ضمن السَّيِّد عَن عَبده بِإِذْنِهِ وَأَدَّاهُ بعد عتقه رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِن أَدَّاهُ قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 الْعتْق رَأَيْت للأصحاب انه يرجع وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن فِيهِ إِثْبَات دين السَّيِّد على عَبده فِي دوَام الرّقّ وان ضمن السَّيِّد عَن العَبْد الْمَأْذُون دين التِّجَارَة فَهَل يرجع بعد الْعتْق فَإِن قُلْنَا إِن العَبْد لَو أَدَّاهُ رَجَعَ على السَّيِّد فالسيد لَا يرجع عَلَيْهِ وان قُلْنَا لَا يرجع فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن السَّيِّد إِنَّمَا يرجع لانه يَقُول ضمنت بإذنك فللعبد أَن يَقُول وَأَنا التزمت دين التِّجَارَة بإذنك فيقاوم الْأَمْرَانِ فَلَا رُجُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاخْتِلَاف وَفِيه مَسْأَلَتَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَاهمَا فِيمَا يسمع من تنَاقض قَول الْمُدَّعِي مِثَاله أَن من بَاعَ شَيْئا من رجلَيْنِ بِأَلف بِشَرْط أَن يكون كل وَاحِد ضَامِنا عَن صَاحبه بَطل البيع لانه شَرط على المُشْتَرِي الْتِزَام غير الثّمن وَلَكِن لَو جرى الضَّمَان من غير شَرط صَحَّ من كل جَانب وَكَانَ لَهُ أَن يُطَالب من شَاءَ مِنْهُمَا بِأَلف فَلَو أَخذ من أَحدهمَا خَمْسمِائَة وَقَالَ أديته عَن جِهَة الضَّمَان وحصتك بَاقِيَة فَالْقَوْل قَول الْمُؤَدِّي وان حلف انه أدّى عَن جِهَة نَفسه فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ عَن جِهَة الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه يُنَاقض قَوْله الأول إِذا اعْترف فِي دَعْوَاهُ ببراءته عَن جِهَة الضَّمَان وَالثَّانِي قطع بِهِ الْقفال وَهُوَ الصَّحِيح انه يجوز إِذْ بني ذَلِك على خيال وانكشف بِيَمِينِهِ فَلَا يبطل حَقه هُوَ كَمَا لَو ادّعى على المُشْتَرِي أَن الْمُشْتَرى غصب فَقَالَ مُنْكرا بل هُوَ ملكي وَملك من اشْتَرَيْته مِنْهُ فأقيمت الْبَيِّنَة فانه يرجع على البَائِع بِالثّمن وان كَانَ قد اعْترف لَهُ بِالصّدقِ وانه ملكه وَلَكِن قيل هُوَ بِنَاء على ظَاهر وَقد ظهر بِالْبَيِّنَةِ نقيضه وَمن الْأَصْحَاب من طرد وَجها انه لَا يرجع إِذْ كَانَ حَقه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي تَسْلِيمه إِلَيْك وَلَا يقر للْبَائِع بِالْملكِ وَهُوَ بعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَلَو ادّعى على شخص ضمانا عَن غَائِب فَأنْكر فأقيمت الْبَيِّنَة فغرم فَأَرَادَ الرُّجُوع على الْغَائِب نقل الْمُزنِيّ أَن لَهُ ذَلِك وَهَذَا بعيد لانه قطع بِنَفْي الضَّمَان وَهُوَ فعله الَّذِي يَنْفِيه فالرجوع مُنَاقض لَهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يرجع وَهُوَ الْأَصَح وَحمل كَلَام الْمُزنِيّ على مَا إِذا سكت أَو أنكر وَكيله وَلم يُنكر هُوَ بِنَفسِهِ وَلَو قَالَ الْكَفِيل أبرأت الْأَصِيل فبرئت فَحلف الْمُسْتَحق فَهَل للْكَفِيل مُطَالبَة الْأَصِيل وَهُوَ مُنَاقض لما تقدم مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان الْأسد الْجَوَاز لانه قد يَدعِي ذَلِك عَن سَماع وَظن فيتبين بِالْحلف نقيضه وَكَذَلِكَ لَو تكفل ثمَّ قَالَ كنت أبرأت قبل كفالتي وَلَو أعرف فَهَل يسمع دَعْوَاهُ للتحليف فِيهِ وَجْهَان يجْرِي فِي كل دَعْوَى مُحْتَمل مناقضة عقد سَابق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ادّعى ضمانا بِأَلف وَأقَام شَاهدا انه ضمن ألفا وَآخر أَنه ضمن خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت الْخَمْسمِائَةِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا لَو أطلق دَعْوَى الْألف من غير إِسْنَاد إِلَى الضَّمَان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَاحِد وَضَمان الْألف يُخَالف ضَمَان الْخَمْسمِائَةِ بِخِلَاف الدّين الْمُطلق وَلَو شهد الآخر أَيْضا على الْألف وَلَكِن قَالَ قد قضى مِنْهُ خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت تَمام الْألف وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِشَهَادَة قَضَاء الدّين فَيلْغُو وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وصل بِشَهَادَتِهِ ذَلِك فَكَأَنَّهُ لم يشْهد إِلَّا على خَمْسمِائَة ثمَّ لَا شكّ أَنه لَو حلف مَعَ شَاهد على قَضَاء الْخَمْسمِائَةِ يقْضى لَهُ بِهِ بِشَرْط أَن تُعَاد الشَّهَادَة فَإِنَّهَا جرت قبل الاستشهاد وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 = كتاب الشّركَة = الشّركَة مُعَاملَة صَحِيحَة وَلَيْسَ عقدا برأسها وَإِنَّمَا هُوَ وكَالَة على التَّحْقِيق وَإِذن كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ صَاحبه فِي التَّصَرُّف فِي المَال الْمُشْتَرك وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهِي ثَلَاثَة الأول المَال الَّذِي فِيهِ الشّركَة وَالشَّرِكَة أَنْوَاع وَالصَّحِيح وَاحِدَة من الشَّرِيكَيْنِ لصَاحبه وَهِي شركَة الْعَنَان اشْتقت من عنان الدَّابَّة لتساوي جانبيه فكأنهما يتساويان فِي الْعَمَل وَالْمَال كعنان الدَّابَّة وَله شُرُوط الأول أَن تجْرِي فِي نقد فَإِن جرت فِي عرُوض مُشْتَركَة فَالْأَصَحّ الْجَوَاز إِذْ لَا معنى للشَّرِكَة إِلَّا الْإِذْن فِي التَّصَرُّف وَالرِّبْح متوزع على قدر الْمَالَيْنِ وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن مقصودهما الاتجار فَأشبه الْقَرَاض الشَّرْط الثَّانِي الِاخْتِلَاط يمْتَنع مَعَه التَّمْيِيز حَتَّى يقوم مقَام الشّركَة فَإِن كَانَ المَال مُشْتَركا على الشُّيُوع فَهُوَ الْغَرَض وَإِلَّا فلابد من اخْتِلَاط فَلَو اخْتلفَا فِي النَّوْع أَو فِي الصنجة أَو فِي الصكة لم يَصح لِأَنَّهُ متميز بِملكه وَكَذَلِكَ لَو تعذر التَّمْيِيز كَمَا لَو خلط السمسم بالكتان وَلَو خلط الْحِنْطَة الْحَمْرَاء بالبيضاء فَفِيهِ وَجْهَان لِأَن اتِّحَاد الْجِنْس مَعَ مُعسر التَّمْيِيز قد يجعلهما بِحكم الْعرف كالشيء الْوَاحِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 فروع الأول شركَة الْمُفَاوضَة بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ أَن لَا يخلطا ماليهما وَلَكِن يتفاوضان فِي الِاشْتِرَاك فِي الْغنم وَالْغُرْم فِي كل مَا يُفِيد وَيُوجب غرما وَهُوَ فَاسد لِأَن كل وَاحِد متميز بِملكه وجنايته فَكَانَ متميزا بثمرته وغرمته الثَّانِي شركَة الْأَبدَان بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ اشْتِرَاك الدلالين والحمالين فِي أُجْرَة أَعْمَالهم لِأَن كل وَاحِد متميز بِاسْتِحْقَاق منفعَته فاختص بِاسْتِحْقَاق بدله الثَّالِث شركَة الْوُجُوه بَاطِلَة وَهُوَ أَن يَبِيع الْوَجِيه المقبول اللهجة فِي البيع مَال الخامل بِرِبْح على أَن يكون بعض الرِّبْح لَهُ فَالرِّبْح كُله لصَاحب المَال وَله أجره تَعبه إِن عمل وَإِن لم يصدر مِنْهُ إِلَّا كلمة لَا تَعب فِيهَا فَلَا قيمَة لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 الرَّابِع إِذا كَانَ لوَاحِد بغلة وَللْآخر راوية وشاركهما ثَالِث ليستقي المَاء بِنَفسِهِ وَيكون مُشْتَركا بَينهمَا فَإِن استقى نَاوِيا نَفسه اخْتصَّ بِالْملكِ وَلَهُمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل وَإِن قصد الشّركَة فِي المَاء فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الِاسْتِنَابَة هَل تُؤثر فِي إِحْرَاز الْمُبَاحَات حَتَّى يتَصَرَّف الْملك عَن المحرز بِالْقَصْدِ وسنذكره فِي الْوكَالَة فَإِن قُلْنَا تُؤثر فالتوزيع هَاهُنَا على عدد الرُّءُوس أَو على قدر أُجْرَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يتوزع على عدد الرُّءُوس فيتراجعون بِمَا يتَفَاوَت من أُجْرَة الْمثل لَا محَالة وَلَو اسْتَأْجَرت بغلة وراوية ورجلا للاستقاء وأفرد كل إِجَارَة بصفقة فَلَا شكّ فِي الصِّحَّة وَأَن الْملك فِي المَاء يَقع للْمُسْتَأْجر وَإِن فَسدتْ الْإِجَارَة بِسَبَب قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَقع المَاء أَيْضا للْمُسْتَأْجر إِن قصد الْأَجِير أَيْضا المَاء نَفسه لتأثير الْعِوَض وَفِيمَا إِذا قصد نَفسه الْإِجَارَة نظر لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاق وَلَا قصد من جِهَة المستقي إِلَّا لنَفسِهِ فَيَنْبَغِي ان يَقع لَهُ وَهَكَذَا إِذا كَانَ من وَاحِد بذر وَمن آخر آلَة الحراثة وَمن ثَالِث الْعَمَل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 الِاشْتِرَاك فِي الزَّرْع فالزرع لصَاحب الْبذر وَلَهُمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل وَلَا طَرِيق للاشتراك فِي الزَّرْع إِلَّا الِاشْتِرَاك فِي الْبذر الشَّرْط الثَّالِث اقتران الْخَلْط بِالشّركَةِ فَلَو عقد الشّركَة لفظا ثمَّ جرى الْخَلْط بعده قَالَ للأصحاب لَا يَصح وَفِيه نظر مُحْتَمل إِذْ لَا معنى للشَّرِكَة إِلَّا الْإِذْن وَلَا يَنْقَطِع الْإِذْن بالخلط الطَّارِئ وَلَا يمْتَنع فِي حَالَة الْإِفْرَاد الشَّرْط الرَّابِع اسْتِوَاء الْمَالَيْنِ شَرطه أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي وَهُوَ هفوة فَلَا مُسْتَند لاشترط ذَلِك أصلا الشَّرْط الْخَامِس معرفَة مِقْدَار النَّصِيب حَالَة الشّركَة وَفِيه وَجْهَان ومأخذه أَن الْإِذْن فِي التَّصَرُّف مَعَ الْجَهْل بِقدر الْمُتَصَرف فِيهِ على هَذَا الْوَجْه هَل يَصح وَلَعَلَّ الْأَظْهر الصِّحَّة فالمتفق عَلَيْهِ من جملَة الشَّرَائِط الْخَمْسَة وَاحِد وَهُوَ اخْتِلَاط الْمَالَيْنِ حَتَّى ينزل منزلَة الْمُشْتَرك وَمَا عداهُ مُخْتَلف فِيهِ الرُّكْن الثَّانِي صِيغَة العقد وَهُوَ أَن يَقُولَا اشتركنا على أَن يتَصَرَّف كل وَاحِد منا فِي مَال صَاحبه فَيرجع حَاصِل العقد إِلَى إِذن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي التَّصَرُّف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 فَلَو اقْتصر على لفظ الِاشْتِرَاك فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن بِمُجَرَّدِهِ يحكم الْعرف إشعارا بِالْمَقْصُودِ وَإِن لم يُصَرح بِهِ الرُّكْن الثَّالِث العاقدان وَيشْتَرط فيهمَا مَا يشْتَرط فِي الْوَكِيل وَالْمُوكل وَسَيَأْتِي فِي الْوكَالَة نعم يكره مُشَاركَة أهل الذِّمَّة والفساق لأَنهم لَا يحترزون عَن الرِّبَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الشّركَة الصَّحِيحَة وَلها ثَلَاثَة أَحْكَام الأول أَن يتسلط كل وَاحِد على التَّصَرُّف بِشَرْط الْغِبْطَة سَوَاء انْفَرد بِالْيَدِ أَو كَانَ المَال فِي يدهما وَلَا يشْتَرط أَيْضا كَون المَال فِي يدهما لصِحَّة العقد بل يَصح كَيفَ مَا كَانَ فَمَا يَشْتَرِيهِ أحد الشَّرِيكَيْنِ بِعَين مَال الشّركَة يَقع مُشْتَركا وَمَا يَشْتَرِيهِ فِي الذِّمَّة على قصد الشّركَة أَيْضا يَقع مُشْتَركا الثَّانِي أَن الرِّبْح والخسران موزع على نِسْبَة الْمَالَيْنِ فَلَو شَرط اخْتِصَاص أَحدهمَا بمزيد ربح بَطل الشَّرْط ويوزع على قدر الْملك خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 هَذَا إِذا شَرط لمن لَا يخْتَص بمزيد عمل فَإِن شَرط للمنفرد بِكُل الْعَمَل أَو بِبَعْض فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ انْضَمَّ الْقَرَاض إِلَى الشّركَة فعلى هَذَا يشْتَرط انْفِرَاد الْعَامِل بِالْيَدِ وَالثَّانِي لَا لِأَن المَال إِذا كَانَ مُشْتَركا كَانَ هُوَ الرُّكْن وَالْعلَّة وَعَلِيهِ حِوَالَة الرِّبْح وَالْعَمَل سَاقِط الْعبْرَة بِخِلَاف الْقَرَاض فَإِنَّهُ لَا سَبَب من جِهَة الْعَامِل إِلَّا عمله وَالثَّالِث أَنه إِن انْفَرد بِكُل عمل جَازَ أَن يشْتَرط لَهُ فَإِن انْفَرد بمزيد بعد التعاون فِي الأَصْل فَلَا فَإِنَّهُ لَا يدرى الرِّبْح حصل بِأَيّ عمل فتعينت الإحالة على المَال الحكم الثَّالِث أَن الشّركَة جَائِزَة يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُون وَالْفَسْخ فَلَو قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه عزلتك انْعَزل الْمُخَاطب دون العازل وَلَو قَالَ فسخت الشّركَة انْعَزل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَسَببه ظَاهر فَإِن قيل مَا معنى فَسَاد الشّركَة إِذا لم يكن عقدا برأسها قُلْنَا نعني بِالْفَسَادِ مرّة فَسَاد الْإِذْن وَمرَّة فَسَاد الشَّرْط وَذَلِكَ عِنْد شَرط التَّفَاوُت فِي الرِّبْح وَمرَّة فواد الْمَقْصُود وَذَلِكَ عِنْد تَمْيِيز الْملكَيْنِ إِذْ الْعرض لَا يَقع مُشْتَركا على حسب المُرَاد وَقد يظْهر فَائِدَته فِي طلب أُجْرَة الْمثل فِي الْعَمَل الَّذِي صَادف نصيب شَرِيكه إِذا كَانَ مُخْتَصًّا بمزيد عمل وَأما إِذا صحت الشّركَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يُطَالب بِأُجْرَة الْمثل وَإِن اخْتصَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 بمزيد عمل لِأَن التَّبَرُّع يتَفَاوَت وَالْعَمَل فِي الشّركَة الصَّحِيحَة مُعْتَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 الْفَصْل الثَّالِث فِي الِاخْتِلَاف وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو ادّعى عَلَيْهِ أحد الشَّرِيكَيْنِ الْجِنَايَة لم يسمع الدَّعْوَى مُطلقًا حَتَّى يفصل فَإِذا فصلها فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِذا أنكر وَلَو ادّعى أَن مَا فِي يَده مَال شركَة فَأنكرهُ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ صَاحب الْيَد وَلَو قَالَ كَانَ من مَال الشّركَة ثمَّ خلص لي بالإفراز وَالْقِسْمَة فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْقِسْمَة فَالْقَوْل قَوْله فِي إِنْكَار الْقِسْمَة وَإِن اشْترى شَيْئا ظهر فِيهِ ربح أَو خسران أَو تنَازعا فِي أَنه اشْتَرَاهُ لنَفسِهِ أَو للشَّرِكَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ أعرف بنيته وَيَد الشَّرِيك يَد أَمَانَة مَا لم تخن فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا هلك فَإِن ادّعى هَلَاكًا بِسَبَب خَفِي فَالْقَوْل قَوْله لِأَن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ عسير وَإِن كَانَ السَّبَب ظَاهرا من حريق أوة غَارة فَلَا بُد من إِثْبَات السَّبَب ثمَّ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِي الْهَلَاك بذلك السَّبَب هَكَذَا نقل فِي طَريقَة الْعرَاق الثَّانِيَة إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ عبد مُشْتَرك فَوكل أَحدهمَا صَاحبه بِبيعِهِ فَبَاعَ ثمَّ ادّعى الْمُوكل وَالْمُشْتَرِي أَن الْوَكِيل قبض تَمام الثّمن وَأنكر الْوَكِيل فَلَا خُصُومَة بَين الْمُوكل وَالْمُشْتَرِي إِذا اعْترف لَهُ بِتَسْلِيم نصِيبه إِلَى الْوَكِيل وَلَكِن الْخُصُومَة بَين الْمُوكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَالْوَكِيل وَبَين الْوَكِيل البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَإِن تخاصم البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَالْقَوْل قَول البَائِع أَنه لم يقبض فَإِن حلف أَخذ نصِيبه وَلم يَأْخُذ نصيب الْمُوكل لِأَنَّهُ مَعْزُول بقول الْمُوكل أَنه أَخذ من قبل وَلَا يساهمه الْمُوكل فِيمَا أَخذه لِأَنَّهُ ظَالِم فِيمَا أَخذه الْآن بِزَعْمِهِ وَلَو شهد الْمُوكل للْمُشْتَرِي على البَائِع بِالْقَبْضِ ليحلف مَعَه فشهادته فِي نصِيبه مَرْدُودَة وَفِي نصيب شَرِيكه قَولَانِ سَيَأْتِي نظائرهما فِي الشَّهَادَات أما إِذا تحاكم الْوَكِيل وَالْمُوكل فَالْقَوْل قَول الْوَكِيل أَنه لم يقبض وَلَيْسَ للمشترى أَن يشْهد الْمُوكل على البَائِع فَإِنَّهُ يشْهد بِهِ على نَفسه فَإِن نكل الْوَكِيل وَحلف الْمُوكل وأستحق نصِيبه فللوكيل مُطَالبَة المُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ وَلَا يسْقط ذَلِك بِنُكُولِهِ وبيمين الْمُوكل وَحكي وَجه أَنه إِذا قيل إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كالبينة سَقَطت مُطَالبَته وَهُوَ فَاسد الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا أَدعِي البَائِع وَالْمُشْتَرِي أَن الْوَكِيل قبض تَمام الثّمن وَأنكر فَالْمُشْتَرِي لَا يبرأ عَن حِصَّة الْوَكِيل البَائِع وَإِن صدق فِي التَّسْلِيم لِأَن الْمُوكل لم يكن وَكيله فَلَا يبرأ بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ ثمَّ إِذا أَخذ حِصَّته فَهَل للْمُوكل مساهمته قَالَ الْمُزنِيّ نعم لِأَنَّهُ وَكيله وَقد أَخذ خَمْسمِائَة مثلا من جملَة الْألف فَيتَخَيَّر بَين أَن يُطَالب البَائِع بمائتين وَخمسين وَالْمُشْتَرِي بمائتين وَخمسين وَبَين أَن يَأْخُذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 خَمْسمِائَة دفْعَة وَاحِدَة من المُشْتَرِي بعد أَن لم يقم بَيِّنَة على أَخذه كَمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يرجع لِأَن الْوَكِيل لما ادّعى أَن الْمُوكل أَخذ الْكل فقد عزل نَفسه فَلَا يَقع قَبضه محسوبا من جِهَته وَهُوَ كَمَا قَالَ وَيبقى لكَلَام الْمُزنِيّ وَجه فِي أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ وَإِن لم وَكيلا فِي الِاسْتِيفَاء إِذا استوفى جُزْءا من الثّمن لنَفسِهِ هَل يخْتَص بِهِ أَن يَقع مُشْتَركا أخذا من الْمكَاتب الْمُشْتَرك إِذا أدّى بعض النُّجُوم وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا بقول الْمُزنِيّ فَلَا تقبل شَهَادَة البَائِع للْمُشْتَرِي على قبض بالموكل نصِيبه لِأَنَّهُ يدْفع عَن نَفسه الرُّجُوع والمشاركة وعَلى قَول ابْن سُرَيج لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجر بِهِ نفعا وَلَا يدْفع بِهِ ضرا وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 = كتاب الْوكَالَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول مَا فِيهِ التَّوْكِيل وَله ثَلَاثَة شَرَائِط الأول أَن يكون قَابلا للنيابة وَهُوَ مَا لَا يتَعَيَّن بِحكمِهِ مُبَاشرَة فقد وكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشِّرَاء ووكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي نِكَاح أم حَبِيبَة ووكل الجباة فِي أَخذ الْجِزْيَة وَالصَّدقَات فَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 فِي معنى الشِّرَاء البيع وَالْإِجَارَة وَالسّلم وَالرَّهْن وَالصُّلْح وَالْحوالَة وَالضَّمان وَالْكَفَالَة وَالشَّرِكَة وَالْوكَالَة والوديعة والإعارة وَالْمُضَاربَة والجعالة وَالْمُسَاقَاة وَالْقَرْض وَالْهِبَة وَالْوَقْف وَالصَّدَََقَة لِأَنَّهَا أَسبَاب شرعت ذرائع إِلَى الْمَقَاصِد تكْثر الْحَاجة إِلَى التَّوْكِيل فِيهَا وَفِي معنى النِّكَاح الْخلْع وَالطَّلَاق والفسوخ فِي الْعُقُود وَالرَّجْعَة على الصَّحِيح وَفِي معنى اسْتِيفَاء الجزى وَالصَّدقَات قبض الْحُقُوق فِي الرَّهْن وَالْبيع وَقبض الدُّيُون الْمُسْتَحقَّة وَلَا تجوز النِّيَابَة فِيمَا يتَعَلَّق الْقَصْد بِعَيْنِه كالعبادات فَإِنَّهَا بِأَعْيَانِهَا مَقْصُودَة فِي المتعاطين امتحانا وتكليفا فَكيف تقبل التَّحْوِيل بِالتَّوْكِيلِ وَكَذَا الْمعاصِي كالسرقة وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَالْغَصْب فَهِيَ وَاقعَة من الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَقْصُود بالزجر عَن عينه فَيثبت حكمه فِي حَقه فَلَا يتَحَوَّل عَنهُ وَألْحق بفن الْعِبَادَات الْإِيمَان والشهادات فَإِن حكم الْيَمين يتَعَلَّق بِذكر اسْم الله تَعَالَى على سَبِيل التَّعْظِيم وَلَيْسَ فِي التَّوْكِيل ذَلِك وَكَذَلِكَ حكم الشَّهَادَات يتَعَلَّق بِلَفْظ الشَّهَادَة حَتَّى لَا يقوم غَيره مقَامه فَكيف يتَعَلَّق بالساكت عَن كلمة أَدَاء الشَّهَادَة ويلتحق بِالْيَمِينِ اللّعان وَالْإِيلَاء وَكَذَا الظِّهَار إِن قُلْنَا إِن الْمُغَلب عَلَيْهِ شوائب الْإِيمَان لَا شوائب الطَّلَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث مسَائِل الأولى الْإِقْرَار وَظَاهر النَّص جَوَاز التَّوْكِيل فِيهِ لِأَنَّهُ سَبَب مُلْزم لمَال فَأشبه الضَّمَان وَغَيره وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابْن سُرَيج واختياره أَنه لَا يَصح لِأَن الْإِقْرَار لَا يلْزم وَإِنَّمَا هُوَ حجَّة وإخبار كَالشَّهَادَةِ فَإِن لم يجوز التَّوْكِيل بِهِ فَهَل نجعله مقرا يالتوكيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم حملا لقَوْله على الصدْق وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ لم يقر الثَّانِيَة التَّوْكِيل فِي تملك الْمُبَاحَات بِإِثْبَات الْيَد كالإحتطاب والاصطياد واستقاء المَاء وَفِيه وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد بَين قبض الْحُقُوق فَإِنَّهَا قَابِلَة للتوكيل وَقبض الْمَحْظُورَات كالسرقة وَالْغَصْب فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوكَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 الثَّالِثَة أَن التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ لإِثْبَات الْأَمْوَال والعقوبات للآدميين كَحَد الْقَذْف فِي الْقصاص جَائِز بِرِضا الْخصم وَدون رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يجوز التَّوْكِيل بِإِثْبَات الْحُدُود لله تَعَالَى فَإِن الْحق لله تَعَالَى وَهُوَ على الدراء مبناه وَهل يجوز التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص وحد الْقَذْف لَا شكّ فِي جَوَازه فِي حُضُور الْمُوكل وَفِي غيبته نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْوكَالَة أَنه لَا يسْتَوْفى وَقَالَ فِي الْجِنَايَات وَلَو وكل فَتنحّى بِهِ فَعَفَا الْمُوكل فَقتله الْوَكِيل قبل الْعلم بِالْعَفو فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَمنهمْ من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا فِي حَضرته وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ إِذا حضر رُبمَا رَحمَه فَعَفَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ مأخذهما أَن الْإِبْدَال هَل يتَطَرَّق إِلَيْهَا كالإثبات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة لِأَن الْوَكِيل بدل وَهُوَ بَاطِل بِحَال الْحُضُور الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَا بِهِ التَّوْكِيل مَمْلُوكا لمُوكلِه فَلَو وَكله بِطَلَاق زَوْجَة سينكحها أَو بيع عبد سيملكه فالوكالة فِي الْحَال بَاطِلَة لِأَنَّهُ فوض إِلَيْهِ مَا لَا يملكهُ الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُوكل بِهِ مضبوط الْجِنْس مَعْلُوما وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا وكل على الْعُمُوم فَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير لم يجز لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر وَلَو قَالَ وَكلتك بِمَا إِلَيّ من تطليق زوجاتي وَعتق عَبِيدِي وَاسْتِيفَاء حقوقي وَقَضَاء ديوني فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ فصل وَقيد بِمَا إِلَيْهِ فَانْتفى الْغرَر وَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير مِمَّا إِلَيّ من التَّصَرُّفَات فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لتردده بَين المرتبين الثَّانِيَة إِذا وكل بِتَصَرُّف خَاص وَقَالَ اشْتَرِ لي عبدا تركيا بِمِائَة صَحَّ وَلم يشْتَرط وَرَاءه وَصفا قطعا لِأَن هَذَا الْقدر ينفى الْغرَر عرفا وَإِن اقْتصر على قَوْله اشْتَرِ عبدا فَالْمَذْهَب الْمَنْع لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر وَإِن قَالَ عبدا تركيا وَلم يذكر الثّمن فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَين المرتبتين وَاخْتَارَ ابْن سُرَيج صِحَّته لِأَنَّهُ يكون قد وَطن نَفسه على أَعلَى الْجِنْس الْمَذْكُور الثَّالِثَة إِذا جَوَّزنَا التَّوْكِيل بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَصح حَتَّى يتَبَيَّن قدر الْمقر بِهِ وجنسه لِأَن الْغرَر يعظم فِيهِ وَإِن وَكله بِالْإِبْرَاءِ فليذكر مِقْدَاره فَإِن قَالَ أبرئه من مَالِي عَمَّا لي عَلَيْهِ وعرفه الْمُوكل دون الْوَكِيل والمبرأ عَنهُ جَازَ فَلَا يشْتَرط إِلَّا معرفَة الْمُسْتَحق وَلَو قَالَ بِعْ عَبدِي بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه وَالْمُوكل عَالم بذلك الْقدر وَالْوَكِيل جَاهِل لم يجز فَيعْتَبر فِي العقد علم الْوَكِيل لِأَنَّهُ مُتَعَلق الْعهْدَة بِخِلَاف الْإِبْرَاء الرَّابِعَة لَو قَالَ وَكلتك بمخاصمة خصمي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْخُصُومَة جنس وَاحِد وَالثَّانِي لَا لما فِيهِ من الِاخْتِلَاف وَالْأولَى تَصْحِيحه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 الرُّكْن الثَّانِي الْمُوكل وَشَرطه أَن يكون قَادِرًا على التَّصَرُّف بِنَفسِهِ فَلَا يَصح تَوْكِيل المحنون وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة فِي عقد النِّكَاح وَالْفَاسِق فِي نِكَاح ابْنَته إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي وَالْعَبْد فِي نِكَاحه لنَفسِهِ وَللْأَب وَالْجد ذَلِك التَّوْكِيل وَهل للْأَخ وَالْعم وَمن يفْتَقر إِلَى الْإِذْن فِي ذَلِك فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم بالوكيل وَالْعَبْد الْمَأْذُون وهما لَا يملكَانِ التَّوْكِيل فِي التَّصَرُّف الْمعِين إِلَّا بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحق بالجد وَالْأَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 الرُّكْن الثَّالِث الْوَكِيل وَشَرطه أَن يكون صَحِيح الْعبارَة فالمرأة مسلوبة الْعبارَة فِي النِّكَاح إِيجَابا وقبولا وَكَذَا الْمحرم عندنَا وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون مسلوبا الْعبارَة مُطلقًا وَالأَصَح أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير صَحِيح الْعبارَة وَكَذَا الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فَيصح توكيلهم وَذكروا فِي تَوْكِيل العَبْد بِقبُول النِّكَاح وتوكيل الْمَرْأَة بتطليق غَيرهَا وتوكيل الْفَاسِق بِالْإِيجَابِ فِي النِّكَاح وَجْهَيْن إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ يتوكل فِي الْقبُول وَيَنْبَغِي أَن يطرد الْوَجْهَانِ أَيْضا فِي إِيجَاب العَبْد فِي النِّكَاح والأسد الْجَوَاز فِي الْكل إِذْ لَا خلل فِي نفس الْعبارَة وَإِنَّمَا امْتنع الِاسْتِقْلَال لِمَعْنى لَا يَقْتَضِي منع الْوكَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن الْإِيجَاب لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ قَوْله وَكلتك أَو أَذِنت لَك أَو مَا يقوم مقَامه وَفِي الْقبُول ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ تسليط وَإِبَاحَة فَأشبه إِبَاحَة الطَّعَام وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه لابد من الْقبُول ثمَّ يَكْفِي التَّرَاضِي وَالْقَبُول بِالْفِعْلِ وَهَذَا عين إِسْقَاط الْقبُول بتنزيله منزلَة الْإِبَاحَة وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَنَّهُ عقد كالعقود وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي إِن قَالَ بِعْ وطلق وأتى بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ كالإباحة وَإِن قَالَ وَكلتك أَو أنبتك فَهَذَا من حَيْثُ الصِّيغَة يَسْتَدْعِي قبولا لينتظم وَقد أطلق الْأَصْحَاب أَن الْوَكِيل لَو عزل نَفسه يَنْعَزِل وعَلى رَأْي القَاضِي يحْتَمل أَن يُقَال لَا تَأْثِير لرد الْوكَالَة كَمَا لَا تأثر لرد الْإِبَاحَة وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِبَاحَة تبطل بِالرَّدِّ فَيحْتَاج إِلَى استئنافها بعد ذَلِك إِن قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله فَفِي اشْتِرَاط علمه وَجْهَان مرتبان على انعزاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 بِالْعَزْلِ دون علمه وَأولى بِأَن يشْتَرط فَإِن قُلْنَا يشْتَرط علمه فَفِي اشْتِرَاط اتِّصَاله بِالْوكَالَةِ مقترنا وَجْهَان الثَّانِيَة تَعْلِيق الْوكَالَة بِالشُّرُوطِ فِيهِ خلاف مَشْهُور مِنْهُم من بناه على اشْتِرَاط الْقبُول فَإِن التَّعْلِيق مَعَه لَا يَنْتَظِم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن لم يشْتَرط الْقبُول جَازَ التَّعْلِيق لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَيْهِ وَإِن شرطنا الْقبُول فَوَجْهَانِ فَإنَّا نجوز تَعْلِيق الْخلْع وَقد شَرط فِيهِ الْقبُول فَإِن أفسدنا التَّعْلِيق فَوجدَ الشَّرْط قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَازَ التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن وَفَائِدَة فَسَاد الْوكَالَة سُقُوط الْمُسَمّى إِن سمى لَهُ أُجْرَة وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَن الْإِذْن لَيْسَ مُنْفَصِلا عَن الْوكَالَة فَمَعْنَى فَسَادهَا بطلَان الْإِذْن فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ وَكلتك الْآن وَلَكِن لَا تباشر التَّصَرُّف إِلَّا بعد شهر أَو بعد قدوم فلَان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ وَقَالُوا لَيْسَ هَذَا تَعْلِيقا إِنَّمَا هُوَ تَأْخِير فَيجب عَلَيْهِ الِامْتِثَال وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الثَّانِي إِذا قَالَ كلما عزلتك فَأَنت وَكيلِي وجوزنا التَّعْلِيق عَاد وَكيلا فطريقه فِي الْعَزْل أَن يَقُول كلما عدت وَكيلِي فَأَنت مَعْزُول حَتَّى يتقاوم الْعَزْل وَالْوكَالَة وَيكون الأَصْل منع التَّصَرُّف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْوكَالَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَرْبَعَة أَحْكَام الحكم الأول وجوب الْمُوَافقَة والامتثال وَيعرف ذَلِك من مُوَافقَة اللَّفْظ وَلَا يعرف بِمُجَرَّدِهِ بل قد يُوَافق اللَّفْظ وَلَا يَصح لمُخَالفَة الْمَقْصُود وَقد يُخَالف اللَّفْظ فَيصح لموافقة الْمَقْصُود فَأَما مَا يُوَافق اللَّفْظ فِي عُمُومه وَيمْتَنع بمخالفة الْمَقْصُود فَذَلِك فِي الْوَكِيل الْمُطلق وَفِيه صور الأولى أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يَبِيع بِالْعرضِ وَلَا النَّسِيئَة وَلَا بِمَا دون ثمن الْمثل وَلَا بِثمن الْمثل إِن قدر على مَا فَوْقه فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك لم يَصح تصرفه عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عته لِأَن قرينَة الْعرف عرفت هَذِه الْمَقَاصِد فَنزل منزلَة اللَّفْظ فَهُوَ كَمَا إِذا أمره بشرَاء الجمد فِي الصَّيف فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الشتَاء وَإِذا أمره بشرَاء الفحم فِي الشتَاء فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الصَّيف تركا لعُمُوم اللَّفْظ بِقَرِينَة الْحَال فَيجب أَن يَبِيع بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَثمن الْمثل فَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل فَطلب فِي مجْلِس الْخِيَار بِزِيَادَة فَفِي وجوب الْفَسْخ وَجْهَان فصلناهما فِي كتاب الرَّهْن الثَّانِيَة أَن يَبِيع مِمَّن شَاءَ من أَقَاربه وَلَا يَبِيع من نَفسه عِنْد الْإِطْلَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَبِيع مِمَّن ترد شَهَادَته لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وَذَلِكَ وَجه لِأَصْحَابِنَا مَشْهُور فِي طَريقَة الْعرَاق وَالصَّحِيح أَنه ينفذ مهما رَاعى الْغِبْطَة وَبيعه من نَفسه خَارج عَنهُ بِقَرِينَة الْعرف نعم لَو صرح بِالْإِذْنِ فِي بَيْعه من نَفسه فقد ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن الْقيَاس الظَّاهِر صِحَّته وَوجه الْمَنْع أَنه يتحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَالْبيع فعل شَرْعِي مُتَعَدٍّ إِلَى مبتاع ومبيع فَلَا يقوم إِلَّا بمفعولين وطرد ابْن سُرَيج هَذَا فِي ابْن الْعم أَنه هَل يتَوَلَّى طرفِي النِّكَاح لنَفسِهِ وَكَذَا الْوَكِيل فِي النِّكَاح وطرد هَذَا فِي قطع الْيَد بِإِذن الإِمَام سَرقَة وقصاصا وَإِقَامَة الْحَد إِذا تعاطاها من عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ وَكَذَلِكَ من عَلَيْهِ الدّين إِذا قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق اقبض لي من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 نَفسك وَقَالَ لَو وَكله من عَلَيْهِ الدّين بإبراء نَفسه جَازَ وطرد الْعِرَاقِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ وَلَعَلَّ منشأه أَنه إِذا قيل هَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول يلْتَحق بِسَائِر التَّصَرُّفَات وَإِلَّا فَمَا ذكره ابْن سُرَيج ظَاهر وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ من الْجَانِبَيْنِ أَنه هَل يَصح وَلَا خلاف أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَذَلِكَ من خاصية الْأُبُوَّة وَفِي تولي الْجد طرفِي النِّكَاح على حفدته الْوَجْهَانِ وَلَو كَانَ وَكيلا بِالْبيعِ وَالشِّرَاء من الطَّرفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْوَجْهَيْنِ فَإِن التَّنَاقُض فِيهِ لَا يزِيد على بَيْعه من نَفسه وَلَو وكل عبدا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من مَوْلَاهُ صَحَّ وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه لَا يَصح لِأَن تَوْكِيل العَبْد كتوكيل الْمولى فَإِن يَده بِيَدِهِ وَلَو وَكله ليَشْتَرِي لَهُ من نَفسه لَا يجوز على أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف نعم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو أضَاف العَبْد الشِّرَاء إِلَى مُوكله وَقع عَنهُ وَلَو أطلق وَقع عَن العَبْد وَعتق لِأَن قَوْله اشْتريت صَرِيح فِي اقْتِضَاء الْعتْق فَلَا يتَحَوَّل إِلَى الْملك بِمُجَرَّد النِّيَّة وَلَو وكل العَبْد أَجْنَبِيّا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من سَيّده فَإِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى العَبْد صَحَّ وَإِن أضمر وَقع عَنهُ لِأَن السَّيِّد لم يرض بِالْعِتْقِ وَالنَّقْل إِلَى العَبْد كالإعتاق الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْبيعِ إِلَى أجل إِن فصل لَهُ الْأَجَل لم يزدْ وَإِن أذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 مُطلقًا فِي الأَصْل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لِأَنَّهُ مَجْهُول وَالأَصَح الصِّحَّة ثمَّ يتَقَيَّد بِشَرْط الْغِبْطَة وَقيل لَا يزِيد على سنة فَإِنَّهُ أجل الشَّرْع فِي الْجِزْيَة وَالزَّكَاة وَهُوَ ضَعِيف الرَّابِعَة الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يملك تَسْلِيم الْمَبِيع قبل توفير الثّمن لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فِيهِ فَإِن وفر على الْمَالِك جَازَ التَّسْلِيم لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ فَعَلَيهِ الْأَدَاء أَن لَا يمْنَع من الْحق لِأَنَّهُ ملكه بِالتَّوْكِيلِ وَكَذَلِكَ التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ يملك تَسْلِيم الثّمن وَيملك قبض المُشْتَرِي لِأَن الْعرف يدل عَلَيْهِ وَهُوَ يملك قبض ثمن الْمَبِيع الْمعِين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن وَتَعْيِين ملكه بِالْقَبْضِ يَسْتَدْعِي أمرا مجددا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع البيع كقبض المُشْتَرِي الْمعِين فَكَذَلِك الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَات حق هَل يملك استيفاءه الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ هَل يملك الْخُصُومَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 الثَّالِث أَن الْوَكِيل بِإِثْبَات الْحق لَا يملك الِاسْتِيفَاء أما الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ فَيملك الْخُصُومَة لِأَنَّهُ من جملَة الِاسْتِيفَاء وَكَذَا الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا توجه الدَّرك بِالثّمن عِنْد خُرُوج الْمَبِيع مُسْتَحقّا هَل يُخَاصم فِي اسْتِرْدَاد الثّمن لِأَنَّهُ من التوابع وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يملك الْإِبْرَاء عَن الثّمن خلافًا لأبي حنيفَة وَيقرب من هَذَا الأَصْل الْخلاف فِي أَنه هَل يملك إِثْبَات الْخِيَار وَشَرطه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن لم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع العقد ومصالحه وَالثَّالِث أَنه يملك فِي الشِّرَاء للْحَاجة إِلَى التروي وَلَا يملك فِي البيع الْخَامِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِالشِّرَاءِ إِن اشْترى عبدا معيبا يُسَاوِي مَا اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِن جهل الْعَيْب وَقع عَن الْمُوكل وَإِن علمه فَثَلَاثَة أوجه لأحدها نعم لِأَن صِيغَة العَبْد عَام وَالثَّانِي لَا لِأَن لعرف يخصص بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّالِث أَن مَا لَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لَا يَقع عَن جِهَته فَقَوله اشْتَرِ رَقَبَة كَقَوْل الله تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 أما إِذا كَانَ لَا يُسَاوِي مَا اشْترى بِهِ فَإِن علم الْعَيْب لم يَقع عَن الْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف وَإِن جهل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَو كَانَ يغبن وَلم يعرف وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغبن لَا تدارك لَهُ وإيقاع هَذَا عَنهُ ووقوعه على رضَا الْمُوكل مُمكن التَّفْرِيع إِذا اشْترى الْمَبِيع الْمَعِيب بِثمن الْمثل وَقُلْنَا يَقع عَنهُ فللموكل الرَّد وَهل للْوَكِيل الرَّد بِالْعَيْبِ نظر إِن لم يكن العَبْد معيبا من جِهَة الْمُوكل فَالظَّاهِر أَن لَهُ ذَلِك ليخرج عَن الْعهْدَة فَيكون من تَوَابِع العقد ومصالحه وَفِيه وَجه حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يملك وَهُوَ مُتَّجه قِيَاسا بل يرجع إِلَى الْمُوكل أما إِذا كَانَ العَبْد معينا من جِهَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ مشهوران وَوجه الْفرق أَنه قطع بِالتَّعْيِينِ نظره فَلَعَلَّ لَهُ فِيهِ غَرضا يجْبر الْعَيْب إِذا علمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 فَإِذا أثبتنا الْخِيَار للْوَكِيل فَإِذا رَضِي الْمُوكل سقط خِيَار الْوَكِيل فَإِن رَضِي الْوَكِيل لم يسْقط خِيَار الْمُوكل فَلَو عَاد الْوَكِيل بعد الرِّضَا جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن رِضَاهُ كَانَ سَاقِطا وَفِيه وَجه أَنه لم يجز لَهُ الرَّد فَلَو أَرَادَ الْوَكِيل الرَّد فَادّعى البَائِع رضَا الْمُوكل فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَو يحلف الْوَكِيل أَنه لَا يعلم رضَا الْمُوكل وَيرد ليخرج عَن الْعهْدَة أما إِذا كَانَ الْوَكِيل عَالما بِالْعَيْبِ وَقُلْنَا يَقع عَن الْمُوكل فَلَا رد لَهُ وَهل للْمُوكل الرَّد فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن علم الْوَكِيل كعلم الْمُوكل كَمَا أَن رُؤْيَته تمنع الْمُوكل من خِيَار الرُّؤْيَة فَإِن قُلْنَا لَهُ الرَّد فَإِذا رد هَل يتَحَوَّل العقد الْآن إِلَى المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه وَقع فِي الِابْتِدَاء عَن الْمُوكل فَلَا يعقل انْتِقَاله السَّادِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِتَصَرُّف معِين لَا توكل فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وَلَو فوض إِلَيْهِ تَصَرُّفَات لَا يطيقها فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فَلْيفْعَل مَا يقدر عَلَيْهِ وليترك الْبَاقِي وَالثَّانِي نعم لِأَن قرينَة الْحَال يدل على أَنه أَرَادَ تَحْصِيله مِنْهُ بطريقة وَالثَّالِث أَنه لَا يُوكل فِي الْقدر الميسور ويوكل فِي الْبَاقِي آما إِذا أذن لَهُ فِي التَّوْكِيل بَان قَالَ بِعْ أَو وكل عني فَلهُ أَن يُوكل أَمينا فَلَو وكل خائنا لم يَصح لِأَنَّهُ خلاف الْغِبْطَة فان كَانَ أَمينا فخان فَهَل للْوَكِيل عَزله فِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِذا قَالَ وكل عني فَوكل أَمينا فالوكيل الثَّانِي وَكيل الْمُوكل لَا يَنْعَزِل بعزل الْوَكِيل فان قَالَ وكل عَن نَفسك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ان الْوَكِيل الثَّانِي وَكيل الْوَكِيل كَمَا صرح بِهِ وَالثَّانِي وَكيل الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل لَا يملك فَكيف يكون لَهُ وَكيل ان قُلْنَا انه وَكيل الْوَكِيل فَلهُ عَزله وسبيل الْمُوكل إِلَيّ عَزله بعزل الْوَكِيل الأول فان خصصه بِالْعَزْلِ فَوَجْهَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 وان قُلْنَا وَكيل الْمُوكل فَلَا يَنْعَزِل الْوَكِيل الأول وَهل يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ وَجْهَان وَوجه الانعزال أَنه فرع على الْجُمْلَة وَلَو قَالَ بِعْ أَو وكل وَلم يقل عَن نَفسك أَو عني فعلى أَيهمَا يحمل على وَجْهَيْن هَذَا كُله فِي الْوَكِيل الْمُطلق أما الْوَكِيل الْمُقَيد فَيجب عَلَيْهِ أَن يتبع قيود التَّوْكِيل وَلَا يُخَالف وَفِيه صور الأولى لَو قَالَ بِعْ من شخص مَخْصُوص أَو فِي مَكَان مَخْصُوص أَو بِنَقْد مَخْصُوص أَو وَقت مَخْصُوص أَو أجل مَخْصُوص لم يجز لَهُ ان يتَعَدَّى الى مَا نَهَاهُ وَلَا الى مَا سكت عَنهُ اذ 1 تصور ان يكون لَهُ فِي الْمَخْصُوص غَرَض وَفِي تَخْصِيص الْمَكَان الَّذِي لَا يظْهر فِيهِ تفَاوت ثمن وَجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 آخر أَنه لَا يجب اتِّبَاعه وَيحمل التَّخْصِيص على وفَاق فَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَلَا تبع بِمَا فَوْقه لَا يَبِيع بِمَا فَوْقه وَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَاقْتصر عَلَيْهِ لَا يَبِيع منا دونه وَيبِيع بِمَا فَوْقه ألانه امتثل مَا آمُر وَزَاد خيرا فَلم تكن مُخَالفَة كَذَلِك إِذا قَالَ اشْتَرِ بالفين فَاشْتَرَاهُ بآلف صَحَّ لِأَنَّهُ زَاده خيرا آلا إِذا نَهَاهُ عَمَّا دون الآلفين وَلَو قَالَ بِعْ بآلف دِرْهَم فَبَاعَ بآلف دِينَار لم يَصح قطعا لانه مُخَالفَة فِي الْجِنْس وَاللَّفْظ لم يدل عَلَيْهِ فيبق ميله طبعا إِلَيْهِ فَهُوَ كَمَا قبل التَّوْكِيل وَلَو قَالَ بِعْ بِالنَّسِيئَةِ بِمِائَة فَبَاعَ بمئه نَقْدا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه اخْتِلَاف جنس فَلَا يحْتَمل وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَنَّهُ زَاده مَكَان الْمُطَالبَة فِي الْحَال فَهَذَا زِيَادَة قدر الثَّانِيَة إِذا سلم إِلَيْهِ دِينَارا وَقَالَ اشْتَرِ بِهِ شَاة فَاشْترى بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 شَاتين وكل وَاحِدَة تَسَاوِي دِينَارا أَو دِينَارا وَنصفا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يَبْغِي شَاة تَسَاوِي دِينَارا فَلَو اشْترى شَاتين كل وَاحِدَة يُسَاوِي دِينَارا فَقَوْلَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دفع دِينَارا إِلَى عُرْوَة ليَشْتَرِي لبه شَاة فاشتري شَاتين وَبَاعَ إحديهما بِدِينَار وَجَاء بِدِينَار وَالشَّاة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك فان قيل فَمَا قَوْلكُم فِي بيع الشَّاة الثَّانِيَة قُلْنَا ذكر ابْن سُرَيج قَوْلَيْنِ وَوجه الْفساد يخرج الى تَأْوِيل الحَدِيث وَحمله الى أَنه كَانَ وَكيلا مُطلقًا فِي التَّصَرُّفَات وَوجه الصِّحَّة يعضد قَول وقف الْعُقُود وَيُمكن أَن يُقَال جرى هَاهُنَا لفظ يدل على أَن الَّذِي جرى يُوَافق الرِّضَا فَلم يكن كوقف الْعُقُود بل يَصح فِي الْحَال وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يَصح وَهَذَا لَا وَجه لَهُ مَعَ الْخَبَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَلَو قَالَ بِعْ هَذَا العَبْد بِمِائَة فَبَاعَ بِمِائَة وَعبد آخر يُسَاوِي مائَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لانه جمع بَين جِنْسَيْنِ فان قُلْنَا لَا يَقع عَنهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انه يفْسد وَالثَّانِي انه يَصح فِي نصف العَبْد فَكَانهُ قَالَ بِعْ العَبْد بآلف فَبَاعَ نصفه بإلف صَحَّ لانه زَاده خير الثَّالِثَة لَو كُله بشرَاء عبد بِأَلف فَاشْترى نصفه باربعمائة لم يَقع عَنهُ فَلَو اشْترى النّصْف الْبَاقِي باربعمائة أُخْرَى لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ الْكل بعد انْصِرَافه عِنْد ابْتِدَاء وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد بصفقة وَاحِدَة فليشتر من شخص وَاحِد فَلَو اشْترى من أشخاص فِي صَفْقَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 أَحدهمَا لالان الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع وَالثَّانِي نعم لَان الْمَقْصُود ان يكون الْكل مجموعا فِي ملكه أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد مُطلقًا فَلهُ ان يَشْتَرِي فِي صفقات وَفِي صَفْقَة كَيفَ شَاءَ الربعة إِذا وَكله بشرَاء فَاسد لم يَصح الْوكَالَة وَلَا يَسْتَفِيد بهَا الشِّرَاء الصَّحِيح وَلَو قَالَ خَالع زَوْجَتي على خمر فَفعل وَقع الْخلْع كَمَا لَو تعاطاه بِنَفسِهِ فَلَو خَالع على خِنْزِير فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يَصح لانه مُخَالف وَالثَّانِي نعم لَان قَوْله فِي التَّعْيِين فَاسد إِنَّمَا الصَّحِيح اصل الْخلْع حَتَّى لَو خَالع على عوض صَحِيح نفذ الْخلْع وَفَسَد الْعِوَض وَكَذَا فِي الصُّلْح عَن الدَّم الْخَامِسَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لَا يقر على مُوكله لَان اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعتا وَعرفا خلافًا لأبى حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تقبل شَهَادَته لمُوكلِه فانه مُتَّهم فان شهد بعد الْعَزْل وَكَانَ قد انتصب مخاصما فِي الْوكَالَة لم تقبل لانه صَار ذَا غَرَض طبعي فِي تَصْدِيق نَفسه وتمشية قَوْله وان لم ينْتَصب فعزل سَمِعت شَهَادَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَقَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ أَن يعدل شُهُود خصم الْمُوكل كَمَا لَا يملك الْإِقْرَار وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لم يستفد التَّعْدِيل من الْوكَالَة فَإِنَّهُ يعدل من غير وكَالَة نعم لَا يَجْعَل تعديله وَحده كإقرار الْمُوكل بعد التهم وَلَا وَجه لما أطلقهُ الْأَصْحَاب إِلَّا أَنه بتعديل الشُّهُود مقصر فِي الْوكَالَة وتارك حق النصح وَالْغِبْطَة لَهُ السَّادِسَة إِذا قَالَ خُذ مَالِي من فلَان فَمَاتَ لم يَأْخُذهُ من ورثته لِأَنَّهُ قد رَضِي بيد ورثته وَلَو قَالَ خُذ مَالِي من الْحق على فلَان جَازَ أَن يَأْخُذ من ورثته لِأَن قَصده اسْتِيفَاء الْحق وَكَذَلِكَ لَو وكل الْعدْل فِي بيع الْمَرْهُون وَهُوَ حِنْطَة فأتلفها أَجْنَبِي فَأخذ مثلهَا لم يكن لَهُ بيعهَا لِأَن الْإِذْن لَا يتَنَاوَل الْبَدَل السَّابِعَة لَو وكل رجلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ فَهَل لكل وَاحِد الاستبداد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالوصيين والوكيلين فِي التَّصَرُّف وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعرف فِي الْخُصُومَة يجوز ذَلِك الثَّامِنَة إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا وَقَالَ اشْتَرِ بِعَينهَا عبدا فَاشْترى فِي الذِّمَّة لم يَقع عَن الْمُوكل لمُخَالفَته وَلَو قَالَ اشْتَرِ فِي الذِّمَّة واصرف الْألف فِيهِ فَاشْترى بِعَينهَا فَوَجْهَانِ وَوجه التَّصْحِيح أَنه لم يتَفَاوَت إِلَّا أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه فَلَا يلْزمه الْألف عِنْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 التّلف وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة للزمه فِي التّلف والبقاء فقد زَاده خيرا وَلَو سلم للألف وَقَالَ اشْتَرِ عبدا مُطلقًا فعلى مَاذَا يحمل فِيهِ وَجْهَان فَإِن حملنَا على الشِّرَاء بِعَيْنِه لم يجز الشِّرَاء فِي الذِّمَّة التَّاسِعَة إِذا قَالَ بِعْ من زيد بِأَلف فَبَاعَ بِأَلفَيْنِ لم يجز لِأَن لَهُ فِي مسامحته غَرضا بعد التَّعْيِين إِلَّا إِذا علم خِلَافه بِالْقَرِينَةِ وَإِن وَكله فِي بيع عبد بِأَلف فَبَاعَ نصفه بِأَلف جَازَ وَلَو كَانَ بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يشترى بِمَا يكمل الْألف وَلَو قَالَ بِعْ ثَلَاثَة أعبد بِأَلف فَبَاعَ وَاحِدًا بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يَشْتَرِي بِمَا لايكمل الْألف وَلَو بَاعَ بِأَلف جَازَ وَهل يبْقى وَكيلا فِي بيع الْبَاقِي وَجْهَان أَحدهمَا لَا لحُصُول الْمَقْصُود وَالثَّانِي نعم كَمَا إِذا بَاعَ دفْعَة وَاحِدَة بِأَلفَيْنِ مَعَ الْقُدْرَة على بيع وَاحِد بِأَلف فَإِن قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة وَلَا تشتره بِخَمْسِينَ لم يشتر بالخمسين وَلَا بِمَا فَوق الْمِائَة وَيَشْتَرِي بِمَا بَين الْخمسين وَالْمِائَة وَهل يَشْتَرِي بِمَا دون الْخمسين وَجْهَان وَلَو قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة فَاشْترى بِمِائَة وَعشرَة لم يَقع عَن الْمُوكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَقَالَ ابْن سُرَيج يَقع ويلتزم الْوَكِيل من عِنْده عشرَة وَهُوَ بَاطِل بِمَا لَو بَاعَ العَبْد الْمَأْذُون فِي بَيْعه بِمِائَة بتسعين فَإِنَّهُ لَا يَصح البيع اعْتِمَادًا على ضَمَان الْعشْرَة وَقَالَ الإِمَام مَا ذكره ابْن سُرَيج لَهُ وَجه فَإِن من قَالَ لغيره بِعْ دَارك من فلَان وَلَك عَليّ عشرَة جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ فَكَذَلِك فعله ينزل على هَذَا إِذْ لَيْسَ يرد عَلَيْهِ إِذا قَالَ بِعْ بِمِائَة فَبَاعَ بتسعين لِأَن الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي الْتِزَامه المَال بِأَن يَبِيع بتسعين فَإِن قيل فَحَيْثُ خَالف الْوَكِيل مَا حكمه قُلْنَا إِن خَالف فِي البيع لبطل أصلا وَإِن خَالف فِي الشِّرَاء وَاشْترى بِعَين مَال الْمُوكل أَيْضا بَطل وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة وَقع عَن الْوَكِيل إِلَّا إِذا صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُوكل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلغي إِضَافَته وَالثَّانِي أَنه يبطل من أَصله لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل كَلَامه مَعَ التَّصْرِيح بإضافته إِلَيْهِ بِخِلَاف الْمُطلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 الحكم الثَّانِي للوكالة ثُبُوت حكم الْأَمَانَة للْوَكِيل حَتَّى أَن مَا يتْلف فِي يَده من الْمَبِيع وَالثمن وَالْمُشْتَرِي لَا يضمنهُ إِذا لم يَتَعَدَّ فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ فَامْتنعَ عصى وَصَارَ ضَامِنا وَلَو انْتفع بِالْمَبِيعِ أَيْضا صَار ضَامِنا فَلَو بَاعَ بعد التَّعَدِّي صَحَّ وَلم يضمن الثّمن وَإِن قَبضه لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فِي عَيبه وَلَو وكل بِبيع شَيْء يُسَاوِي عشرَة فَبَاعَ بِتِسْعَة يجوز لِأَن هَذَا الْقدر يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ والاحتراز عَنهُ عسير فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة لم يَصح العقد وَلَا يضمن إِذا لم يسلم لِأَنَّهُ هذيان صدر مِنْهُ وَلم يتَعَلَّق بِالْعينِ فَيصح بَيْعه بعد ذَلِك بِالْعشرَةِ فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة وَسلم فقد تعدى وَالْمُوكل يسْتَردّ الْمَبِيع إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن تلف فِي يَد المُشْتَرِي ضمن المُشْتَرِي عشرَة وَله أَن يُطَالب الْوَكِيل أَيْضا وَلَكِن بكم يُطَالِبهُ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا بِالْعشرَةِ وَهُوَ الْأَظْهر وَالثَّانِي بِتِسْعَة إِذْ لَو بَاعَ بِتِسْعَة وَسلم إِلَيْهِ لبرئ عَنهُ وَالثَّالِث أَنه يُطَالِبهُ بدرهم وَالْبَاقِي يتَعَيَّن المُشْتَرِي وبمطالبته إِذْ كَانَ تَنْقَطِع الْمُطَالبَة بِأَن يَبِيع بِتِسْعَة فَإِذا بَاعَ بِثمَانِيَة فقد نقص دِرْهَم وَالصَّحِيح هُوَ الأول ثمَّ كل مَا ضمنه الْوَكِيل يرجع بِهِ على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ تلف فِي يَد المُشْتَرِي فالقرار عَلَيْهِ وَالْوَكِيل فِي السّلم إِذا أَبْرَأ الْمُسلم إِلَيْهِ عَن الْمُسلم فِي وَلم يعْتَرف بِكَوْنِهِ وَكيلا نفذ الْإِبْرَاء ظَاهرا وَلَا ينفذ بَاطِنا وَضمن الْوَكِيل للْمُوكل إِن قُلْنَا إِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 الْحَيْلُولَة بالْقَوْل سَبَب الضَّمَان ثمَّ يضمن لَهُ قيمَة رَأس المَال فَإِن الِاعْتِيَاض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل الْقَبْض لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عينا وَأَبْرَأ عَن الثّمن فَإِنَّهُ يضمن مبلغ الثّمن لَا قيمَة الْمَبِيع وَمهما طُولِبَ الْوَكِيل أَو الْمُودع بِالرَّدِّ فَكَانَ فِي الْحمام أَو مَشْغُولًا بِالطَّعَامِ لم يعْص بِهَذَا الْقدر من التَّأْخِير وَهُوَ ظَاهر بِالْعرْفِ وَلَكِن قَالَ الْأَصْحَاب لَو تلف فِي هَذِه الْمدَّة ضمن وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِير لغَرَض نَفسه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَهَذَا منقدح إِذا كَانَ التّلف بِسَبَب التَّأْخِير وبعيد إِذا لم يكن التَّأْخِير سَببا فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 الحكم الثَّالِث الْعهْدَة والمطالبة وَلها ثَلَاث مَوَاضِع الأول فِي الشِّرَاء فالوكيل بِالشِّرَاءِ إِن سلم إِلَيْهِ الثّمن كَانَ مطالبا بِتَسْلِيم مَا سلم إِلَيْهِ وَإِن لم يسلم الْمُوكل إِلَيْهِ شَيْئا وَأنكر البَائِع كَونه وَكيلا فَلهُ مُطَالبَته وَإِن اعْترف بِكَوْنِهِ وَكيلا فَثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج أَحدهَا أَنه المطالب فَإِنَّهُ الْعَاقِد وَالثَّانِي أَنه لَا يُطَالب إِلَّا الْمُوكل فَإِنَّهُ المتملك وَالْوَكِيل سفير وَالثَّالِث أَنه يُطَالب أَيهمَا شَاءَ ثمَّ إِن طَالب الْوَكِيل فَالْأَصَحّ أَنه يرجع على الْمُوكل وَفِيه وَجه أَن قَوْله اشْتَرِ لي اقتراح هبة فَهُوَ كَقَوْلِه أد ديني وَفِي الرُّجُوع ثمَّ خلاف الْموضع الثَّانِي إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا وَقد تلف الثّمن فِي يَد الْوَكِيل فَالْمُشْتَرِي يُطَالب من فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة أَحدهَا الْوَكِيل فَقَط فَإِنَّهُ تلف فِي يَده وَالثَّانِي الْمُوكل فَإِنَّهُ سفير من جِهَته وَالثَّالِث يطالبهما جَمِيعًا ثمَّ قَرَار الضَّمَان على من فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه على الْوَكِيل إِذا تلف فِي يَده فالموكل يرجع عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وَالثَّانِي على الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل كَانَ مَأْمُورا من جِهَته وَالثَّالِث لَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه بل كل من طُولِبَ اسْتَقر عَلَيْهِ الْموضع الثَّالِث الْوَكِيل بشرَاء العَبْد إِذا قبض العَبْد الْمُشْتَرى وَتلف فِي يَده وَخرج مُسْتَحقّا فالمستحق يُطَالب البَائِع لَا محَالة وَفِي مُطَالبَته للْوَكِيل وَالْمُوكل الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَكَذَا الْخلاف فِي الْقَرار وَتَقْرِير الضَّمَان على الْمُوكل هَاهُنَا أبعد لِأَنَّهُ لم يسْبق مِنْهُ تغرير بِخِلَاف التَّوْكِيل فِي البيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 الحكم الرَّابِع للوكالة الْجَوَاز فَهُوَ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ وينعزل الْوَكِيل بِثَلَاثَة أَسبَاب الأول عزول الْمُوكل إِيَّاه بمشهد مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي غيبته فينعزل مهما بلغه الْخَبَر وَقيل بُلُوغ الْخَبَر قَولَانِ الْمَنْصُوص أَنه يَنْعَزِل لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر إِلَى رِضَاهُ فَلَا يفْتَقر إِلَى حُضُوره وَعلمه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يوثق بتصرفه لتصور عَزله دون مَعْرفَته فَصَارَ كَالْقَاضِي وَفِي القَاضِي وَجه أَنه يَنْعَزِل فِي الْغَيْبَة وَهُوَ بعيد فَإِن عزل القَاضِي بِغَيْر سَبَب لَا يجوز وعزل الْوَكِيل جَائِز وَلَا خلاف فِي أَن الْمُوكل لَو بَاعَ مَا وكل فِي بَيْعه أَو أعتق انْعَزل الْوَكِيل ضمنا فَإِن قُلْنَا ينفذ عَزله فِي الْغَيْبَة فليشهد الْمُوكل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يسمع مُجَرّد قَوْله بعد تصرف الْوَكِيل السَّبَب الثَّانِي عزل الْوَكِيل نَفسه وتعديه فِي مَال الْوكَالَة لَيْسَ ردا للوكالة بل يبْقى وَكيلا على الْأَصَح وَإِن صَار ضَامِنا بإنكاره الْوكَالَة هَل يَجْعَل إنْشَاء للرَّدّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَالأَصَح هُوَ الثَّالِث وَهُوَ أَنه إِن قَالَ ذَلِك عَن نِسْيَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 أَو لغَرَض فِي إخفاء الْوكَالَة فَلَا يكون عزلا وَإِن أنكر مَعَ الْعلم فَهُوَ رد للوكالة من جِهَته الثَّالِث أَن يخرج الْمُوكل بالجنون أَو الْمَوْت عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة الِامْتِثَال بالجنون وَالْمَوْت وَالأَصَح أَنه لَا يَنْعَزِل بالإغماء وينعزل بالجنون وَإِن قل وَقيل لَا يَنْعَزِل بهما وَقيل يَنْعَزِل بهما جَمِيعًا فَلَو وكل عَبده ثمَّ أعْتقهُ أَو بَاعه أَو كَاتبه فَفِي انعزاله ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لعُمُوم الْإِذْن وَبَقَاء الْأَهْلِيَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن أمره مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام وَقد بَطل محلية الِاسْتِخْدَام فِي حَقه وَالثَّالِث أَنه ينظر إِلَى لَفظه فَإِن قَالَ وَكلتك بَقِي بعد زَوَال سلطنته وَإِن قَالَ بِعْ واشتر بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تنَازع الْوَكِيل وَالْمُوكل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتنازعهما فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول التَّنَازُع فِي أصل الْوكَالَة أَو صفتهَا كَقَوْل الْوَكِيل وكلتني فَقَالَ مَا وَكلتك أَو قَالَ وكلتني بِبيع الْكل فَقَالَ بل بِالْبَعْضِ أَو قَالَ أَذِنت لي فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ فَقَالَ بل بِالنَّقْدِ أَو قَالَ أَذِنت فِي الشِّرَاء بِعشْرين فَقَالَ بل بِالْعشرَةِ فَالْقَوْل فِي جَمِيع ذَلِك قَول الْمُوكل لِأَن الأَصْل عَدمه فرعان أَحدهمَا إِذا بَاعَ الْوَكِيل بِالنَّسِيئَةِ وَأنكر البَائِع الْإِذْن فِي الْأَجَل فَإِن كَانَ الْمَبِيع قَائِما اسْتردَّ وَالْقَوْل قَوْله وَلَو أنكر المُشْتَرِي كَونه وَكيلا لم يقبل قَول الْمُوكل عَلَيْهِ بل يحلفهُ على أَنه لَا يعلم كَونه وَكيلا من جِهَته فَإِذا حلف فللموكل مُطَالبَة الْوَكِيل بِقِيمَة السّلْعَة ثمَّ إِذا انْقَضى الْأَجَل فللوكيل أَن يُطَالب المُشْتَرِي بِالثّمن وَيَأْخُذهُ بِمَا غرمه فَإِن زَاد على مَا غرمه فَالزِّيَادَة لَا يدعيها لنَفسِهِ وَلَا البَائِع وَلَا المُشْتَرِي فَمَاذَا يصنع بِهِ وَفِي مثله خلاف مَشْهُور فَإِن كذب الْوَكِيل نَفسه أَيْضا وَقَالَ صدق الْمُوكل لم يكن لَهُ أَن يُطَالب إِلَّا بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الثّمن أَو الْقيمَة ليجبر حق نَفسه مِمَّا غرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 الثَّانِي إِذا اشْترى جَارِيَة عشْرين فَقَالَ الْمُوكل مَا أَذِنت إِلَّا فِي عشرَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِن كَانَ اشْترى بِعَين مَاله فَهُوَ بَاطِل وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة واعترف البَائِع بِالْوكَالَةِ فكمثل فَإِن أنكر الْوكَالَة لم يقبل قَوْله على البَائِع وَيغرم الْوَكِيل للْمُوكل مَاله مهما حلف على أَنه لم يَأْذَن وَتبقى الْجَارِيَة فِي يَد الْوَكِيل فيتلطف الْحَاكِم بالموكل وَيَقُول لَهُ لَا يَضرك أَن تَقول للْوَكِيل بِعْتُك الْجَارِيَة بِعشْرين حَتَّى تسلم لَك الْعشْرُونَ فَإِن قَالَ ذَلِك حصل الْغَرَض فَإِن قَالَ إِن كنت قد أَذِنت لَك فَلَو بِعْتُك فَفِي هَذِه الصِّيغَة وَجْهَان أصَحهمَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن هَذَا من مُقْتَضى الشَّرْع وَإِن لم يُصَرح وَإِن أَبى الْمُوكل ذَلِك قَالَ الْمُزنِيّ يَبِيع الْوَكِيل الْجَارِيَة وَيَأْخُذ مَا غرم من ثمنهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي وَجْهَان أَحدهمَا مَا قَالَه الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَنه يملك ظَاهرا وَبَاطنا بِنَاء على مَا إِذا ادّعى على غَيره أَنَّك اشْتريت دَاري فَأنْكر وَحلف فَيُسْتَحَب للْمُشْتَرِي أَن يَقُول إِن كنت اشْتَرَيْته فقد فسخت فَإِن لم يقل فالبائع على قَول يَبِيع الدَّار وَيَأْخُذ ثمنهَا وعَلى قَول يملكهُ وَيكون إِنْكَاره كإفلاسه فَهُوَ أَحَق بِعَين مَاله قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يملك الْجَارِيَة قولا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيح بِخِلَاف مسالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 الدَّار فَإِن تعذر الثّمن ثَبت الرُّجُوع إِلَى الْمَبِيع وَهَاهُنَا لَا مُعَاملَة بَين الْوَكِيل وَالْمُوكل فعلى هَذَا الْوَجْه أَن يُقَال قد ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخذهُ بِحقِّهِ وَيقطع بِهَذَا القَوْل هَاهُنَا لِأَن من لَهُ الْحق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ بِخِلَاف مَا إِذا ظفر بِغَيْر جنس حَقه من مَال من يَدعِي المَال لنَفسِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 النزاع الثَّانِي فِي التَّصَرُّف الْمَأْذُون فِيهِ فَإِذا قَالَ الْوَكِيل بِعْت أَو أعتقت أَو اشْتريت وَأنكر الْمُوكل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَأْذُون أَمِين قَادر على الْإِنْشَاء وَهُوَ أعرف بِهِ وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الْمُوكل إِذا الأَصْل عَدمه وَقَوله بِعْت إِقْرَار على الْمُوكل فَلَا يلْزمه وَكَذَا الْخلاف إِذا وَكله بِقَضَاء الدّين فَقَالَ قضيت أما إِذا ادّعى الْوَكِيل تلف المَال فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين فإقامة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ غير مُمكن وَلَو ادّعى الرَّد على الْمُوكل فَكَذَلِك القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يَبْغِي دفع الْعهْدَة عَن نَفسه لَا إِلْزَام الْمُوكل شَيْئا وطرد المراوزة هَذَا فِي كل يَد هِيَ أَمَانَة فِي حق من صدر مِنْهُ إِثْبَات الْيَد كيد الرَّهْن وَالْإِجَارَة وَالْوَكِيل بالجعل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي كل ذَلِك وَجْهَيْن هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن الْوَكِيل لَو مَاتَ فَادّعى وارثة الرَّد لم يصدق لِأَنَّهُ لَيْسَ مؤتمنا من جِهَته وَكَذَا الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذا ادّعَيَا رد المَال إِلَى الطِّفْل بعد الْبلُوغ وَفِي الْوَلِيّ وَجه أَنه يصدق نعم أشهر بِالْخِلَافِ فِي أَن مَا صرفه إِلَى نَفَقَته فِي صغره هَل يُطَالب بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ أم يصدق بِمُجَرَّد يَمِينه لِأَن فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ نوع عسر والملتقط وَمن طير الرّيح ثوبا فِي دَاره هَؤُلَاءِ لَا يصدقون فِي دَعْوَى الرَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 بِمُجَرَّد الْيَمين أما إِذا ادّعى الْوَكِيل الرَّد على رَسُول الْمُوكل وَالْمُودع فَالظَّاهِر أَنه لَا يصدق وَفِيه وَجه أَن الرَّسُول كالمرسل فَيجب على الْمُوكل التَّصْدِيق لِأَنَّهُ أَمِين فرع من يصدق فِي دَعْوَى الرَّد فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ هَل لَهُ التَّأْخِير بِعُذْر الْإِشْهَاد وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مُصدق يَمِينه والودائع تخفى غَالِبا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يتورع عَن الْيَمين الصادقة وَأما من عَلَيْهِ الدّين فَلهُ أَن يُؤَخر الْإِشْهَاد إِن كَانَ دينه ثَابتا بِبَيِّنَة وَإِن لم يكن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَالْوَدِيعَةِ إِذْ يُمكنهُ أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي شَيْء فَيصدق بِيَمِينِهِ مِمَّا ادعِي عَلَيْهِ وَقَالَ المراوزة لَهُ تَكْلِيف الْإِشْهَاد وَلَو قَالَ لوَكِيله لتقض ديني فليشهد على الْقَضَاء ليَكُون مراعيا الْغِبْطَة فَإِن لم يشْهد وَكَانَ فِي غيبَة الْمُوكل ضمن مهما أنكر الْمُسْتَحق وَإِن كَانَ فِي حَضْرَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ وَإِذا قَالَ سلم وديعتي إِلَى وَكيلِي فَإِن سلم بِحَضْرَتِهِ وَلم يشْهد لم يضمن وَإِن كَانَ فِي غيبته فَوَجْهَانِ فَإِن قيل فَمن فِي يَده المَال أَو عَلَيْهِ الْحق إِذا اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَكيل الْمُسْتَحق بِالِاسْتِيفَاءِ فَهَل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم دون الْإِشْهَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 قُلْنَا يجوز التَّسْلِيم وَلَا يجب لِأَن الْمُوكل لَو أنكر وكَالَته لم تحصل بَرَاءَة من عَلَيْهِ الْحق وَقَالَ الْمُزنِيّ يلْزمه لِأَنَّهُ اعْترف بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا للاستيفاء بِالْوكَالَةِ فَصَارَ كَمَا لَو كَانَ فِي يَده مَال ميت اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَارثه لَا وراث لَهُ سواهُ لَا يُطَالِبهُ بِالْإِشْهَادِ بل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم وَالْفرق بَينهمَا أَنه اعْترف للْوَارِث بِالْملكِ وَلَا يتَوَقَّع من غير الْمَالِك دَعْوَى يعْتد بِهِ أما هَاهُنَا فالإنكار من جِهَة الْمُوكل الْمَالِك متوقع نعم لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من جِهَة حِوَالَة أحالها عَليّ رجل آخر فَفِيهِ وَجْهَان أَنه أَحدهمَا بِهِ يجب التَّسْلِيم دون إِقَامَة حجَّة على الْحِوَالَة لِأَنَّهُ اعْترف بِالِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَاف صُورَة الْوكَالَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يَجعله متأصلا فِي الِاسْتِحْقَاق بل زعم أَنه تحول إِلَيْهِ من جِهَة مُسْتَحقّ فَلَعَلَّ الْمُسْتَحق يُنكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 النزاع الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الثّمن وَقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي البيع وَالْعِتْق وَالتَّفْصِيل فِيهِ عِنْد المراوزة أَنه إِن ادّعى الْمُوكل الثّمن على المُشْتَرِي فَقَالَ الْوَكِيل قبضت وَتلف فِي يَدي فَلَا يجب تَصْدِيقه لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي على الْوَكِيل شَيْئا فَلَا يتَعَرَّض الْوَكِيل لغرم بِسَبَب دَعْوَاهُ إِلَّا إِذا نسبه إِلَى تَسْلِيم الْمَبِيع دون إِذْنه فَالْقَوْل قَوْله حَتَّى لَا يتَعَرَّض للغرم فَإِن حلف فَهَل يبرأ المُشْتَرِي بحلفه وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ صدق فِي اسْتِيفَاء الثّمن وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِينه حجَّة دافعة عَنهُ لَا يصلح لتبرئة ذمَّة المُشْتَرِي أما إِذا ادّعى الْمُوكل على الْوَكِيل أَنه قبض الثّمن فَأنْكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَوْله فَلَو أَقَامَ الْمُوكل بَينه على الْقَبْض فَادّعى الْوَكِيل تلفا أَو ردا قبل الْجُحُود لم يصدق لِأَنَّهُ صَار خائنا بالجحود فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يقبل لِأَن الْبَيِّنَة تبتنى على الدعْوَة ودعواه مناقضة لقَوْله الأول وجحوده فَلَا يسمع وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على تلف بعد الْجُحُود فَكَذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على رده بعد الْجُحُود قبل لِأَنَّهُ إِذا ثَبت كَونه غَاصبا فأقصى مَا عَلَيْهِ أَن يرد وَيشْهد فَكيف تكلفه أمرا يزِيد عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 = كتاب الْإِقْرَار وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الْمقر وَالْمقر لَهُ وَالْمقر بِهِ وَصِيغَة الْإِقْرَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 الرُّكْن الأول الْمقر وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مُطلق ومحجور عَلَيْهِ ونعني بالمطلق الْمُكَلف الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَيقبل إِقْرَاره على نَفسه بِكُل مَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْتِزَامه لَهُ لقَوْله تَعَالَى {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا الْحق وَلَو على أَنفسكُم وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ فأسباب الْحجر سِتَّة الصِّبَا وَالْجُنُون والتبذير وَالرّق والفلس وَالْمَرَض أما الصِّبَا وَالْجُنُون فيقتضيان حجرا مُطلقًا عَن سَائِر الأقارير نعم لَو أقرّ الصَّبِي بالتبذير وَالْوَصِيَّة قيل إِن جعلناهما من أَهلهَا وَلَو قَالَ بلغت بالاحتلام صدق لِأَنَّهُ لَا يقدر على إِقَامَة بَيِّنَة وَلم يحلف إِذْ لَا فَائِدَة فِي تَحْلِيفه فَإِنَّهُ إِن كذب فالصبي لَا يَأْثَم بِالْحلف وَإِن قَالَ بلغت بِالسِّنِّ لم يقبل لِأَن تَارِيخ المواليد يعرف إِلَّا الصَّبِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 الْمَجْهُول الخامل فَفِيهِ تردد وَاحْتِمَال وَلَعَلَّ الْأَظْهر الِاعْتِمَاد على الْإِثْبَات فِي حَقه كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي صبيان الْكفَّار لأجل الضَّرُورَة أما التبذير فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بموجبات الْعُقُوبَات لِأَنَّهُ قَادر على التزامها وَإِقْرَاره بالأموال غير مَقْبُول كَمَا مضى فِي كتاب الْحجر وَفِي إِقْرَاره بِالْإِتْلَافِ لِلْمَالِ خلاف وَلَا يقبل إِقْرَاره بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد بِهِ وَفِيه الْتِزَام مَال ويقر بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ يسْتَقلّ بِهِ وَكَذَا بِالْعَفو عَن الْقصاص وبالنسب والسفيهة إِذا أقرَّت بِالنِّكَاحِ فَفِيهِ تردد من حَيْثُ إِنَّهَا بالسفه رُبمَا ترق نَفسهَا فِي غير مَوضِع أما الْفلس فَلَا يُوجب حجرا إِلَّا فِي الْإِقْرَار بِمَا يفوت حق الْغُرَمَاء وَفِي إِقْرَاره بدين مُسْتَند إِلَى مَا قبل الْحجر أَو بِإِتْلَاف مَال فِي الْحَال إِذا قُلْنَا إِن الْمُتْلف عَلَيْهِ يضارب الْغُرَمَاء لَو ثَبت إِتْلَافه بِالْحجرِ فِيهِ قَولَانِ سبق ذكرهمَا فِي كتاب التَّفْلِيس ثمَّ مَا يرد من إِقْرَاره لحق الْغُرَمَاء فِي الْحَال فَالصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد فك الْحجر لَا محَالة أما الرّقّ فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بالعقوبات لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على التزامها وَلَا نظر إِلَى إِبْطَاله حق السَّيِّد لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر والمزني رَحِمهم الله لَا يقبل إِقْرَاره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 نعم اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أقرّ بِسَرِقَة فَقطعت يَده فَإِنَّهُ غير مُتَّهم فَهَل يتَعَلَّق الْمَسْرُوق بِرَقَبَتِهِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى المَال وَالثَّانِي بلَى وَأما إِقْرَاره بِإِتْلَاف مَال يُوجب التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يُوجب عُقُوبَة فَهُوَ مَرْدُود إِن لم يصدق السَّيِّد ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد الْعتْق أما إِقْرَاره بدين الْمُعَامَلَة فَلَا يقبل فِي حق سَيّده إِلَّا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِي التَّصَرُّف فَيتَعَلَّق مَا أقرّ بِهِ بِمَالِه وَإِن أقرّ الْمَأْذُون بِمَال مُطلق فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذا لم يسْندهُ إِلَى الْمُعَامَلَة وَمِنْهُم من نزل الْمُطلق على الْمُعَامَلَة ثمَّ لَو حجر السَّيِّد علية فَأقر بِأَنَّهُ كَانَ لزمَه دين قبل الْحجر فَالظَّاهِر انه لَا يقبل لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْإِنْشَاء فِي هَذِه الْحَالة وَحكي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يقبل فَأَنَّهُ لَا يُؤمن ان الْحجر السَّيِّد عَلَيْهِ لما عرف إحاطة الدُّيُون بِهِ وَهَذَا يُعَارضهُ أَنه لَا يُؤمن أَن يكذب العَبْد على سَيّده مهما حجر عَلَيْهِ أَبَد الدَّهْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 أما الْمَرَض فَلَا يُوجب الْحجر عَن الْإِقْرَار فِي حق الْأَجَانِب بِالْإِجْمَاع وَفِي حق الْوَارِث قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من أَجَارَ إِقْرَار الْوَارِث أجَازه وَمن أَبى رده فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هَذَا ترديد قَول من الشَّافِعِي رَضِي الله فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا مَأْخَذ للرَّدّ أَلا التُّهْمَة وَحَالَة الْمَرَض حَاله انْتِفَاء التهم كَيفَ وَلَو تبنى ولدا وَحرم بِهِ ابْن عَمه المكاشح لقبل وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَحْمُول على حِكَايَة مَذْهَب الْغَيْر ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه مَرْدُود فَلَو أقرّ لِأَخِيهِ وَله أبن ثمَّ مَاتَ وَلَا أبن لَهُ أَو أقرّ وَلَا ابْن لَهُ ثمَّ ولد لَهُ أبن فالاعتبار بِحَال الْإِقْرَار أَو بِحَال الْمَوْت فِيهِ خلاف مَشْهُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو أقرّ فِي الْمَرَض بِأَنَّهُ وهب من الْوَارِث قبل الْمَرَض وَسلم فَمنهمْ من قَالَ لَا يقبل قولا وَاحِد لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا لَا يقدر على إنشائه فِي الْحَال وَاخْتِيَار القَاضِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ لَو ثَبت صدقه لنفذ فَلْيَكُن لَهُ طَرِيق الى الْخَلَاص بِالصّدقِ على نَفسه الثَّانِي لَو أقرّ بِعَين مَا فِي يَده لغيره ثمَّ اقر بدين فالإقرار بِالْعينِ مقدم لِأَنَّهُ أقرّ بِالدّينِ وَلَا مَال لَهُ وَلَو قدم الْإِقْرَار بِالدّينِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا تَقْدِيم الْعين لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَا مَال لَهُ وَالْإِقْرَار بِالدّينِ لم يحْجر عَلَيْهِ فِي مَاله فِي حَال حَيَاته وَلذَلِك كَانَ ينفذ تَصَرُّفَاته فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يتزاحمان على التَّسَاوِي إِذْ لاحدهما قُوَّة التَّقَدُّم وَللْآخر قُوَّة الْإِضَافَة الى الْعين وَكَذَلِكَ لَو أقرّ فِي حَيَاته بدين مُسْتَغْرق وَأقر وَارثه عَلَيْهِ بعد مَوته بدين آخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يستبد الأول وَإِقْرَار الْوَارِث إِقْرَار بعد الْحجر وَهَذَا يقرب من الْقَوْلَيْنِ فِي إِقْرَار الْمُفلس وَكَذَا الْخلاف فِيمَا يَتَجَدَّد من دين بعد مَوته بتردي إِنْسَان فِي بِئْر حفره فِي حَيَاته أَنه هَل يَقْتَضِي مُضَارَبَة مَا ثَبت فِي الْحَيَاة من الدُّيُون فَكَذَا الْخلاف فِي الْوَارِث إِذا أقرّ بإقرارين متواليين أَن اللَّاحِق هَل يزاحم السَّابِق الثَّالِث إِذا ادّعى إِنْسَان أَنه أوصى لَهُ بِالثُّلثِ وَآخر أَنه أقرّ لَهُ بِأَلف وَالْمِيرَاث ألف فصدقهما الْوَارِث قَالَ الصيدلاني يصرف إِلَى الدّين لِأَن قَوْله كَقَوْل الْمُورث وَقَالَ أَكثر الْأَصْحَاب إِن أقرّ بِالْوَصِيَّةِ أَولا يسلم للْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَالْبَاقِي للدّين وَإِن جَاءَا مَعًا قسم الْألف بَينهمَا على نِسْبَة الأرباح كَمَا إِذا أقرّ لوَاحِد بِالْألف وَلآخر بِثلث الْألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 الرُّكْن الثَّانِي الْمقر لَهُ وَله شَرْطَانِ الأول أَن يكون محلا للاستحقاق فَلَو قَالَ لهَذَا الْحمار عَليّ ألف بَطل إِقْرَاره وَلَو قَالَ بِسَبَبِهِ عَليّ ألف جعل إِقْرَارا لمَالِكه كَأَنَّهُ اسْتَأْجر مِنْهُ وَلَو قَالَ لهَذَا العَبْد عَليّ ألف فَهُوَ إِقْرَار لسَيِّده وَلَو تقال للْحَمْل الَّذِي فِي بطن فُلَانَة عَليّ ألف عَن جِهَة وَصِيَّة لَهُ أَو عَن إِرْث لَهُ صَحَّ فَإِنَّهُ مَقْصُور وَإِن أطلق وَلم يذكر السَّبَب فَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يبعد الِاسْتِحْقَاق للْحَمْل فَيحمل على الْوَعْد وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الأقيس وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه يَصح وَينزل على مَا يُمكن وَلَو أَضَافَهُ إِلَى جِهَة مُعَاملَة وَقُلْنَا لَا يقبل الْمُطلق فَهَذَا أولى وَإِن قبلنَا الْمُطلق فَهَذَا كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف من ثمن الْخمر وَسَيَأْتِي وَقيل إِن هَذَا هزل مَحْض فَلَا يقبل قولا وَاحِدًا فرعان أَحدهمَا لَو خرج الْحمل مَيتا طُولِبَ بتفسير إِقْرَاره حَتَّى إِن كَانَ وَصِيَّة رد إِلَى وَرَثَة الْمُوصى وَإِن كَانَ إِرْثا صرف إِلَى بَقِيَّة وَرَثَة الْمُورث وَهَذِه مُطَالبَة لَيْسَ يتَعَيَّن مستحقها إِذْ لَا يدرى أَنَّهَا لمن هِيَ فَلَعَلَّ القَاضِي ذَلِك بطرِيق الْحِسْبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَإِن خرج حَيا وَزَاد على وَاحِد سوي فِي الْوَصِيَّة بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَفضل فِي الْمِيرَاث الذّكر على الْأُنْثَى الثَّانِي لَو انْفَصل لما دون سِتَّة أشهر من وَقت الْإِقْرَار فَهُوَ لَهُ وَلَو انْفَصل لما فَوق أَربع سِنِين فَلَا يصرف إِلَيْهِ وَلَو كَانَ لما بَينهمَا فَقَوْلَانِ أظهرهمَا الصّرْف اعْتِمَادًا على الظَّاهِر الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يكذب الْمقر لَهُ فَإِن كذب لم يكن تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ فيقرر فِي يَد الْمقر أَو يَأْخُذهُ القَاضِي على رَأْي فَإِن رَجَعَ الْمقر لَهُ يسلم إِلَيْهِ وَإِن رَجَعَ الْمقر لم يُؤثر لِأَنَّهُ ثَبت بِإِقْرَارِهِ اسْتِحْقَاق القَاضِي أَو الْمقر لَهُ وَقيل أَنا إِذا قُلْنَا يُقرر فِي يَده فرجوعه مَقْبُول بِشَرْط أَن لَا يرجع الْمقر لَهُ تعده فَإِن رَجَعَ تَبينا بطلَان رُجُوعه وَبطلَان تَصَرُّفَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 الرُّكْن الثَّالِث الْمقر بِهِ وَشَرطه أَن يكون مِمَّا يسْتَحق جنسه وَأَن يكون فِي يَد الْمقر وولايته وتختص بِهِ وَلَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما وَلَو أقرّ بِمَا فِي يَد غَيره فَهُوَ دَعْوَى أَو شَهَادَة وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَلَا يشْتَرط أَن يكون فِي ملكه لِأَن الْإِقْرَار لَيْسَ بمزيل بل شَرطه أَن لَا يكون فِي ملكه حَتَّى لَو شهد بِأَنَّهُ أقرّ وَكَانَ ملكه إِلَى أَن أقرّ بطلت الشَّهَادَة وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار ملكي وَهِي الْآن لفُلَان فَهُوَ إِقْرَار بَاطِل وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان وَكَانَت ملكي إِلَى الْإِقْرَار أخذناه بصدر كَلَامه وألغينا آخِره المناقض لَهُ وَلَو قَالَ دَاري لفُلَان أَو مَالِي لفُلَان فَهُوَ بَاطِل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يحمل على أَن قَوْله دَاري أَرَادَ بِهِ إِضَافَة السّكُون أَو الْمعرفَة وَإِن كَانَ لذَلِك اتجاه فرع لَو شهد بحريّة عبد فِي يَد غَيره فَلم تقبل شَهَادَته فَأقبل على شِرَائِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 صحت الْمُعَامَلَة وَفِي حَقِيقَتهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه شِرَاء وَالْآخر أَنه فدَاء وَالثَّالِث أَنه بيع من جَانب البَائِع فدَاء من جَانب المُشْتَرِي وَهُوَ الْأسد ويبتنى عَلَيْهِ ثُبُوت الْخِيَار لَهما جَمِيعًا وَالأَصَح أَن لَا يثبت للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت لَهُ ملك فِيهِ بِمُوجب قَوْله لَا كَشِرَاء الْقَرِيب فَإِن الأودني ذكر أَنه يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يملك أَولا ثمَّ يعْتق عَلَيْهِ أما العَبْد إِذا اشْترى نَفسه فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا لبَائِعه مِنْهُ قطعا لِأَنَّهُ عقد عباقة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت حر على مَالِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَنقل الرّبيع قولا أَن هَذِه الْمُعَامَلَة لَا تصح من السَّيِّد وَعَبده وَهُوَ بعيد وَإِن شهد أَنه غصبه من فلَان ثمَّ اشْتَرَاهُ لم يَصح الشِّرَاء إِن صححنا بطرِيق الْفِدَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَخْلِيص العَبْد ثمَّ الْوَلَاء فِي الْمَشْهُود بحريَّته مَوْقُوف لَا للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي فَلَو مَاتَ العَبْد قَالَ الْمُزنِيّ لَهُ أَن يَأْخُذ من مَاله مِقْدَار الثّمن الَّذِي بذله لِأَنَّهُ إِن كذب فِي الشَّهَادَة فَالْمَال إكساب عَبده فجميعها لَهُ وَإِن صدق فَهُوَ للْبَائِع بِحكم الْوَلَاء وَقد ظلمه بِأخذ الثّمن مِنْهُ وَقد ظفر بِمَالِه فَيَأْخذهُ وَمن الْأَصْحَاب من خالفهم لِأَنَّهُ يَأْخُذهُ على تَقْدِير أَنه مظلوم وَهُوَ غير مُصدق فِي الْجِهَة وَمَا ذكره الْمُزنِيّ أقوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الرُّكْن الرَّابِع صِيغَة الْإِقْرَار فَإِذا قَالَ عَليّ لفُلَان أَو عِنْدِي لفُلَان ألف فَكل ذَلِك الْتِزَام فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي لي عَلَيْك ألف فَقَالَ زن أَو زنه أَو خُذ أَو خُذْهُ لم يكن إِقْرَارا وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَوْله زنه إِقْرَار دون قَول زن وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ بلَى أَو أجل أَو نعم أَو صدقت فَكل ذَلِك إِقْرَار وَلَو قَالَ أَنا مقرّ بِهِ فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ أَنا مقرّ وَلم يقل بِهِ فَلَا لِأَنَّهُ رُبمَا يكون مقرا بِبُطْلَان قَوْله وَلَو قَالَ أَنا أقرّ بِهِ قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ إِقْرَار قَالَ القَاضِي صِيغَة للوعد بِالْإِقْرَارِ فَلَيْسَ بِإِقْرَار بِخِلَاف قَول الشَّاهِد أشهد فَإِنَّهُ صَنِيعَة تَعْتَد بهَا ودلت الْقَرِينَة على أَنه للْحَال لَا للوعد وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن سلم أَنه وعد فالوعد بِالْإِقْرَارِ إِقْرَار فرع لَو قَالَ أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ بلَى فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ نعم فَلَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 بِإِقْرَار مَعْنَاهُ نعم لَيْسَ لَك على ألف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق بَينهمَا فَإِن استعمالهما فِي وضع اللِّسَان على وَجه وَاحِد شَائِع وَلَو قَالَ أَعْطِنِي عَبدِي هَذَا أَو اشْتَرِ مني عَبدِي هَذَا فَقَالَ نعم فَهُوَ إِقْرَار بِالْعَبدِ وَلَو قَالَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ لَعَلَّ أَو عَسى أَو أَظن أَو أقدر لم يكن إِقْرَارا لِأَن كل ذَلِك للشَّكّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الأقارير المجملة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وألفاظها كَثِيرَة وَالَّذِي يقْصد بَيَانه عشرَة أَلْفَاظ اللَّفْظ الأول الشَّيْء فَإِذا قَالَ لفُلَان عَليّ شَيْء فَيقبل تَفْسِيره بِكُل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّيْء مِمَّا هُوَ مَال فَلَو فسر بِمَا لَا يتمول وَيتَصَوَّر الْمُطَالبَة بِهِ كَجلْد الْميتَة والسرجين وَالْكَلب الْمعلم فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ عَلَيْهِ إِذْ فِيهِ اخْتِصَاصه للْمَالِك وَيجب رده فَإِن فسره بِخَمْر وخنزير فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذْ لَا يلْزم بِهِ مُطَالبَته وَفِيه وَجه انه يقبل وَلَو فسر بحبه حِنْطَة أَو سمسم أَو فصة ثومة فَوَجْهَانِ وَظَاهر النَّص أَنه مَقْبُول لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ وَاجِب الرَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 ومهم من قَالَ لَا يقبل وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَا يسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا الْمُطَالبَة بردهَا وَهُوَ بعيد أما إِذا فسره برد جَوَاب سَلام وعيادة مَرِيض فَلَا يقبل بِحَال فَإِن قيل لم صَحَّ الْإِقْرَار الْمُجْمل دون الدَّعْوَى المجملة قُلْنَا لَا فرق بَينهمَا إِذْ يُطَالب الْمُدَّعِي بِبَيَان الدَّعْوَى وَيُطَالب الْمقر أَيْضا نعم لَو امْتنع الْمُدَّعِي من الْبَيَان فَهُوَ تَارِك حق نَفسه لَو امْتنع الْمقر من البييان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحبس إِلَى الْبَيَان كمن أسلم على عشر نسْوَة وَالثَّانِي أَنه يَجْعَل ناكلا عَن الْجَواب وَالْيَمِين حَتَّى يحلف الْمقر لَهُ ويستفيد بِإِقْرَارِهِ تحول الْيَمين إِلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ وَالثَّالِث أَنه يُقَال للْمُدَّعِي أتدعي مَا شِئْت وَتعرض الْيَمين عَلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ فَإِن نكل ردَّتْ عَلَيْك وَهَذَا إبِْطَال لفائدة التَّفْسِير ثمَّ لَو فسر الْمقر بدرهم مثلا فَقَالَ الْمُدَّعِي بل أردْت بالشَّيْء عشرَة فَالْأَصَحّ أَن دَعْوَى الْإِرَادَة لَا تقبل وَكَذَا لَو ادّعى أَن فلَانا أقرّ لي بِعشْرَة دَرَاهِم لم يسمع بل يُقَال يَنْبَغِي أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 تدعى عشرَة حَتَّى تحلف على عين الْحق لَا على إِقْرَار يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الشَّاهِد يشْهد على الْإِقْرَار فَيسمع لِأَنَّهُ قد لَا يطلع على حَقِيقَة الْملك اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ غصبت فلَانا على شَيْء ثمَّ قَالَ غصبت نَفسه لم يقبل وَلَو قَالَ غصبته الْخمر أَو الْخِنْزِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قبلت التَّفْسِير وأرقت الْخمر وَقتلت الْخِنْزِير وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي شَيْء قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ كَمَا لَو قَالَ غصبت وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قَوْله لَهُ إِثْبَات ملك فَلَا يقبل تَفْسِيره بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير اللَّفْظ الثَّالِث المَال فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال قبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول وَلم يقبل تَفْسِيره بالكلب والسرجين وَالْخِنْزِير وَمَا لَا يتمول وَلَو فسر بمستولدة فَالْأَظْهر أَنه يقبل لِأَنَّهُ مَال وَلَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كَبِير فَهُوَ كَالْمَالِ وَلَا تَأْثِير لهَذِهِ الزِّيَادَة فَكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 مَال عَظِيم وَكثير بِالْإِضَافَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل تَفْسِير الْعَظِيم إِلَّا بِمِائَتي دِرْهَم وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا بُد وَأَن يذكر لوصفه بالعظيم وَجها من عظم فِي الجثة أَو الجرم أَو يزِيد على أقل مَا يتمول بِشَيْء ليظْهر لَهُ فَائِدَة وَذَلِكَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اللَّفْظ الرَّابِع الْأَكْثَر فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ أَكثر من مَال فلَان قبل بتفسيره بِأَقَلّ مَا يتمول على معنى أَن الْحَلَال أَكثر من الْحَرَام أَو مَا فِي الذِّمَّة أبقى وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا شهد بِهِ الشُّهُود على فلَان فكمثل وَمَعْنَاهُ أَن ذَلِك زور وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا قضى بِهِ القَاضِي فكمثل وَمِنْهُم من أَبى هَذَا فِي الْقَضَاء وَقَالَ يجب تَنْزِيله على الصدْق وَلَو قَالَ أَكثر من الدَّرَاهِم الَّتِي فِي يَد فلَان وَفِي يَده ثَلَاثَة ففسر بِثَلَاثَة يقبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وَيكون الْأَكْثَر للمرتبة وَلَو فسر بِأَقَلّ مِنْهُ قَالَ الجماهير لَا يقبل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يقبل تَنْزِيلا على الْمرتبَة اللَّفْظ الْخَامِس كَذَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ شَيْء فيفسر بِمَا مضى وَلَو قَالَ كَذَا كَذَا فَهُوَ تكْرَار وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَقَوْلِه شَيْء وَشَيْء فقد جمع بَين مبهمين أما إِذا قَالَ كَذَا دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَكَذَا إِذا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم فَيكون تكريرا وَالْوَاجِب دِرْهَم وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن الْوَاجِب دِرْهَم فَكَأَنَّهُ عقب مبهمين بِبَيَان وَاحِد وَالثَّانِي دِرْهَمَانِ فَكَأَنَّهُ فسر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي وَجَمَاعَة الْمَسْأَلَة على حالتين فَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ نصب على التَّفْسِير فَيكون تَفْسِيرا لكل وَاحِد وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه بقول كَذَا درهما عشرُون درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا كَذَا درهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 لزمَه أحد عشر درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا درهما أحد وَعِشْرُونَ درهما مُرَاعَاة لمطابقة اللَّفْظ فَأَقل الدره ينْتَصب الدِّرْهَم بعده على هَذَا النّظم وَلَو قَالَ كَذَا دِرْهَم صَحِيح فقد سلم أَنه لَا يلْزمه مائَة وَإِن كَانَ الدِّرْهَم لَا ينكسر إِلَّا بعده وَبعد نصف دِرْهَم عَنهُ احترزنا بِالصَّحِيحِ اللَّفْظ السَّادِس ذكر الْمُبين عقيب مُبْهَم كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم فَالْأول عندنَا مُبْهَم يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله صَار مُفَسرًا إِذا كَانَ الْعَطف بَين المكيلات والموزونات وَسلم أَنه إِذا قَالَ ألف وثوب يبْقى الْألف مُجملا أما إِذا قَالَ ألف دِرْهَم وَخَمْسَة عشر درهما فالدرهم بَيَان لِأَنَّهُ لم يثبت بِنَفسِهِ وَخَمْسَة عشر اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فَلَا يخْتَص بِالْبَيَانِ بالعشر عَن الْخمس وَلَو قَالَ ألف وَمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما فالدرهم تَفْسِير للْكُلّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 لما ذَكرْنَاهُ وَقَالَ الاصطخري وَهُوَ تَفْسِير الْأَخير وَمَا سبق مُجمل فَإِنَّهُ مَقْطُوع عَنهُ بواو الْعَطف وَهُوَ مَتْرُوك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ على خلاف عَادَة الْحساب وَإِذا قَالَ لَهُ دِرْهَم وَنصف فَفِي النّصْف وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح أَيْضا أَنه مُفَسّر بالدرهم اللَّفْظ السَّابِع الدَّرَاهِم إِذا قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم فِيهِ سِتَّة دوانيق عشرَة مِنْهَا تَسَاوِي فِي الْوَزْن سَبْعَة مَثَاقِيل وَهِي دَرَاهِم الْإِسْلَام فِي الدِّيَة وَغَيرهَا فَلَو فسر بعدديات فِيهَا أَرْبَعَة دوانيق إِن كَانَ مُتَّصِلا قبل فَكَأَنَّهُ قَالَ دِرْهَم الا دانقين وَفِيه وَجه أَن هَذِه الصِّيغَة لَا تصلح للاستثناء فَلَا تقبل وَإِن كَانَ مُنْفَصِلا لم يقبل الا إِذا كَانَ فِي بلد يعْتَاد التَّعَامُل بهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا ينزل عَلَيْهِ كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي لَا لِأَن البيع إِيجَاب فِي الْحَال وَالْحَال حَال التَّعَامُل والاقرار إِخْبَار عَن سَابق لَيْسَ يدْرِي مَتى وَجب فيرعي أصل الشَّرْع فِيهِ وَالتَّفْسِير بِالدَّرَاهِمِ المغشوشة كالتفسير بِالنَّقْصِ وَلَو فسر الدَّرَاهِم بالفلوس لم يقبل أصلا وَلَا فرق بَين أَن يَقُول على دَرَاهِم أَو دريهمات أَو دَرَاهِم صغَار فِيمَا قدمْنَاهُ من الْوَزْن وَإِذا قَالَ دَرَاهِم فَمن حَيْثُ الْعدَد لَا ينزل على أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وَإِذا قَالَ مائَة دِرْهَم عددا لزمَه الْجمع بَين الْوَزْن وَالْعدَد فَلَو أُتِي بِخَمْسِينَ عددا يُسَاوِي مائَة دِرْهَم وزنا فقد ترددوا فِيهِ فرع لَو قَالَ لَهُ على من دِرْهَم إِلَيّ عشرَة فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْزمه ثَمَانِيَة فَلَا يدْخل الحدان فِيهِ وَالثَّانِي تِسْعَة فَيدْخل الحدان الأول وَالثَّالِث عشرَة فَيدْخل الْحَد اللَّفْظ الثَّامِن فِي معنى الْإِضَافَة إِلَيّ الظّرْف وَله أَربع صور الأولى أَن يَقُول لَهُ عِنْدِي زَيْت فِي جرة وَسمن فِي بستوقة وَسيف فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 غمد لَا يكون مقرا بالظرف خلافًا لأبي حنيفه رَحمَه الله وَكَذَا لَو قَالَ عِنْدِي بستوقة فِيهَا سمن وغمد فِيهِ سيف وجرة فِيهَا زَيْت لَا يكون مقرا الا بالظرف وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي عبد على رَأسه عِمَامَة ودابة على ظهرهَا سرج لَا يكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد كَمَا لَو قَالَ لَهُ عِنْدِي عِمَامَة على رَأس عبد وسرج على ظهر فرس لايكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص إِنَّه إِذا قَالَ عبد على رَأسه عِمَامَة يلْزمه الْعِمَامَة بِخِلَاف الْفرس عَلَيْهِ سرج لِأَن مَا فِي يَد العَبْد لسَيِّده وَهُوَ الَّذِي أورد فِي طَريقَة الْعرَاق وَأنكر المراوزة هَذَا الْفرق وزيفوه إِذْ ينقدح أَن يَقُول عبد على رَأسه عِمَامَة لي كَيفَ وَقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان فِي يَدي دَار مفروشة لم يلْزم الْفرش وَإِن جعله صفة وَمَا كَانَ فِي دَار الْإِنْسَان فَهُوَ فِي يَده وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي الثَّوْب الْمُطَرز وَجْهَيْن أَنه هَل يكون إِقْرَارا بالطراز إِذا كَانَ الطّراز يعْمل بعد النسج وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي خَاتم وَجَاء بِخَاتم وَعَلِيهِ فصه وَقَالَ مَا أردْت الفص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 فَوَجْهَانِ الْأَظْهر انه مقرّ بِهِ لِأَن الِاسْم شَامِل وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَة فجَاء بِجَارِيَة فِي بَطنهَا جَنِين وأدعي كَونه جَنِينا لَهُ فَوَجْهَانِ مرتبان وَهَا هُنَا أولى بإن لَا يُؤَاخذ بالجنين بل من يؤاخذه يَأْخُذهُ من التّبعِيَّة فِي البيع وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي فص فِي خَاتم أَو جَنِين فِي يطن جَارِيَة لَا يكون مقرا بالجارية والخاتم الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف دِرْهَم غي هَذَا الْكيس لَا يكون إِقْرَار بالكيس ثمَّ إِن لم يكن فِي الْكيس شئ يلْزمه ألف وَإِن كَانَ وَلكنه نَاقص عَن ألف قَالَ أَبُو زيد لَا مَا يلْزمه الا فِي الْكيس للحصر وَقَالَ الْقفال يلْزمه الْإِتْمَام كَمَا لَو لم يكن فِي الْكيس شئ أما إِذا عرف بِالْألف وَاللَّام وَقَالَ لَهُ عِنْدِي أُلَّاف الَّذِي فِي الْكيس فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 كَانَ نَاقِصا فَالْأَظْهر أَنه لَا يلْزمه الْإِتْمَام للحصر وَلَو لم يكن فِيهِ شئ حُكيَ الشَّيْخ أَبُو على قَوْلَيْنِ وقربهما من الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الأداوة وَلَا مَاء فِيهَا أَن الْيَمين هَل تَنْعَقِد فَإِن قُلْنَا الْيَمين ينْعَقد فها هُنَا يَصح الاقرار وَيلْزمهُ وَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد فالإقرار هَا هُنَا لَغْو الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقُول لفُلَان فِي هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم أَو لَهُ من هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم يُطَالب بتفسيره فَإِن قَالَ وزن فِيهِ ألف دِرْهَم فَيَقُول وَكم وزنت أَنْت فَإِن قَالَ ألفا فَالْعَبْد بَينهمَا وَإِن قَالَ أَلفَيْنِ فَالْعَبْد إثلاث وَإِن قَالَ وزن هُوَ ألفا فِي عشرَة واشتريت الْبَاقِي أَنا بِأَلف صدق فِي الْكل لِأَنَّهُ مُحْتَمل وَقَالَ مَالك يسلم للْمقر لَهُ مِقْدَار مَا يُسَاوِي ألفا من العَبْد وَمَا يبقي بيقى للْمقر وان قَالَ جُزْء العَبْد عَلَيْهِ بِأَلف فَيثبت مُوجبه وَلَو قَالَ هُوَ مَرْهُون عِنْده بِأَلف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَن الدّين فِي الذِّمَّة لَا فِي العَبْد وَالثَّانِي يقبل لِأَن الْإِضَافَة إِلَيْهِ معقولة كَمَا فِي جِنَايَة العَبْد الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ فِي هَذَا المَال ألف أَو فِي مِيرَاث أبي ألف لزمَه الْألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَلَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف أَو فِي ميراثي من أبي ألف لم يلْزمه الْألف لأضافته إِلَيّ نَفسه ويفيد الْوَعْد بِالْهبةِ هَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمَقْطُوع فِي طَريقَة الْعرَاق وَنقل صَاحب التَّقْرِيب وَالْقَاضِي من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله لَهُ من مَالِي ألف أَنه يلْزمه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ثمَّ قَالُوا أختلف الْأَصْحَاب على طَرِيقين مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريح وَمِنْهُم من فرق وَقَالَ القَاضِي الْفرق بِالْعَكْسِ أولى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي أحتمل أَن يكون الدّين على أَبِيه وَالْمِيرَاث لَهُ لِأَن الدّين عندنَا لَا يمْنَع من صِحَة الْإِرْث ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو على أَخطَأ بعض الْأَصْحَاب بطرد الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان من دَاري نصفهَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص أَنه لَو قَالَ دَاري لفُلَان كَانَ الاقرار بَاطِلا لأضافته إِلَيّ نَفسه فَلَا فرق بَين النّصْف وَبَين الْكل وأنما السديد الْمَعْقُول مَا نقل فِي طَرِيق الْعرَاق اللَّفْظ التَّاسِع فِي تَكْرِير الْمقر بِهِ إِذا قَالَ على دِرْهَم دِرْهَم دِرْهَم لَا يلْزمه الا دِرْهَم وَاحِد لِأَنَّهُ مُحْتَمل للتكرار وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَن الْوَاو منع التّكْرَار وَلَو قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 على دِرْهَم ودرهمان لزمَه ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَو قَالَ دِرْهَم فدرهم لزمَه دِرْهَم أَي فدرهم لَازم أَو خير مِنْهُ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فطالق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح فطالق خير مِنْهُ وَنقل أبن خيران الْجَواب من الْمَسْأَلَتَيْنِ وجعلهما على قَوْلَيْنِ وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم دِرْهَم وَقَالَ أردْت بالثالث تكْرَار الثَّانِي قبل وَلَو قَالَ أردْت تكْرَار الأول لم يقبل وَعند الاطلاق يلْزمه ثَلَاثَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَلم ينْو شَيْئا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يَقع طَلْقَتَانِ وَيجْعَل الثَّالِث تكْرَار الثَّانِي وَالثَّانِي أَنه يَقع ثَلَاث لِأَنَّهُ لم يقْصد التّكْرَار فَنقل أبن خيران قولا إِلَيّ الاقرار حَتَّى لَا يلْزم عِنْد الاطلاق الا دِرْهَمَانِ وَمن فرق عول على ان التَّأْكِيد يَلِيق بِالطَّلَاق الَّذِي هُوَ إنْشَاء دون الْأَخْبَار وَلَو قَالَ دِرْهَم ثمَّ دِرْهَم فَكَلمهُ ثمَّ كالواو فِي قطع التَّأْكِيد وَلَو قَالَ دِرْهَم فَوق دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم اَوْ فَوْقه دِرْهَم أَو مَعَ دِرْهَم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 أَو مَعَه دِرْهَم فَلَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد وَالْبَاقِي يكون على تَأْوِيل ملك الْمقر أَي دِرْهَم فَوق دِرْهَم لي وَفِي نَظِيره فِي الطَّلَاق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح هَذَا وَقيل بتخريج ذَلِك فِي الْإِقْرَار وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ دِرْهَم قبل دِرْهَم أَو قبله دِرْهَم أَو بعد دِرْهَم أَو بعده دِرْهَم يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَن ذَلِك لَا يحْتَمل إِلَّا فِي تَأْخِير الْوُجُوب وتقديمه وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَلَو قَالَ بل دِرْهَمَانِ يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ أعَاد الأول فِي الثَّانِي وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِينَارَانِ يلْزمه دِرْهَم وديناران لِأَن الثَّانِي رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ عشرَة لَا بل تِسْعَة يلْزمه الْعشْرَة لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَو قَالَ دِينَارَانِ بل قفيزان يلْزمه الْكل لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ بل ثَلَاثَة دَرَاهِم لَا يلْزمه إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم وَيكون مَا مضى معادا فِيهِ هَذَا كُله إِذا جرى على الِاتِّصَال فَلَو أقرّ بِأَلف يَوْم السبت وبألف يَوْم الْأَحَد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد وَيجمع بَينهمَا فالأخبار تتداخل إِلَّا أَن يظيف إِلَى سببين مُخْتَلفين فَلَو أضَاف أَحدهمَا دون الآخر نزل الْمُطلق على الْمُضَاف وَلَا يخْتَلف ذَلِك بتكرير الْإِشْهَاد فَلَو شهد شَاهِدَانِ أَنه أقرّ يَوْم السبت بِأَلف وآخران أَنه أقرّ يَوْم الْأَحَد بِأَلف لم يلْزمه إِلَّا ألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وَلِهَذَا قَالُوا لَو شهد أَحدهمَا على إِقْرَاره يَوْم السبت بِأَلف وَالْآخر على إِقْرَاره يَوْم الْأَحَد بِأَلف ثَبت ألف وَإِن لم يجتمعا على إِقْرَار وَاحِد وَلَكِن اجْتمعَا فِي حق الْمخبر عَنهُ وَكَذَلِكَ إِذا حكى أحد الشَّاهِدين العجمية من لفظ الْمقر فِي الْإِقْرَار وَحكى الآخر الْعَرَبيَّة يجمع بَينهمَا وَمثل ذَلِك فِي الْأَفْعَال كالغضب وَالْقَبْض والإنشاءات كَالْبيع وَالْقَذْف لَا يجمع هَكَذَا نقل صَاحب التَّقْرِيب النَّفْي ثمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أما تَخْرِيجه فِي الْجمع فِي جَانب الإنشاءات فبعيد وللتخريج فِي جَانب الأقارير وَجه لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا على شَيْء وَاحِد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ادّعى حَقًا وَشهد لَهُ الشُّهُود بل لَو ادّعى على الْإِقْرَار من عَلَيْهِ الْحق قبل وَلم يكن ذَلِك مُخَالفَة فِي نَفسه وَلم يلْزمه أَن يَدعِي الْإِقْرَار حَتَّى يُوَافقهُ لفظ الشُّهُود بل لَو ادّعى الْإِقْرَار لم يسمع وَقَالَ قَائِلُونَ لابد من دَعْوَى الْإِقْرَار لتتوافق الشَّهَادَة وَالدَّعْوَى وَلَا يجب على الشَّاهِد إِذا شهد على الْإِقْرَار أَن يذكر كَونه مُكَلّفا طَائِعا بل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 هُوَ الْمَفْهُوم عِنْد الْإِطْلَاق فَلَو أَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَيِّنَة على أَنه كَانَ مكْرها قدمت بَيِّنَة الْإِكْرَاه وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه كَانَ فِي الْحَبْس والقيد صَار الظَّاهِر مَعَه حَتَّى يكون القَوْل قَوْله فِي الْإِكْرَاه اللَّفْظ الْعَاشِر إِذا قَالَ هَذَا وَلَدي وَلدته هَذِه الْجَارِيَة وَقد علقت بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بالاستيلاد فِي الْأُم وَلَو قَالَ وَلدته وَلم يقل علقت بِهِ فِي ملكي وَلَا ولدت فِي ملكي فَوَجْهَانِ ظَاهر النَّص أَنه إِقْرَار بالاستيلاد بِنَاء على الْغَالِب وَلَو قَالَ ولدت فِي ملكي وَلم يقل علقت فِي ملكي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت فرع دخيل فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ إِذا تنَازع رجلَانِ فِي جَارِيَة فَقَالَ أَحدهمَا زوجتنيها وَقَالَ الآخر بعتكها وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول فِي فصل الْخُصُومَة قَالَ الْأَصْحَاب هما خصومتان إِذْ كل وَاحِد يَدعِي عقدا فَعَلَيهِ إثْبَاته وَيَدعِي عَلَيْهِ عقد فَالْقَوْل قَوْله فتعرض الْيَمين على كل وَاحِد فِي نفي مَا يَدعِي عَلَيْهِ وَفِي إِثْبَات مَا يَدعِيهِ مهما رد الْيَمين عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 استدرك صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ من يدعى أَنه بَاعَ فَهُوَ يطْلب الثّمن فَلهُ التَّحْلِيف على نفي الشِّرَاء أما من يَدعِي التَّزْوِيج على الآخر وَالْآخر قد قَالَ بِعْت فقد أنكر ملك نَفسه فِي الْجَارِيَة فَلَو أقرّ لَكَانَ لَا يقبل إِقْرَاره فَأَي فَائِدَة فِي تَحْلِيفه ثمَّ قَالَ الْآن يَبْنِي على أَن يَمِين الرَّد كالبينة ففائدته النّكُول واستدراكه على وَجهه النّظر الثَّانِي أَنه إِن حلف الزَّوْج نفي على الشِّرَاء لم يُطَالب بِالثّمن وَللْبَائِع الرُّجُوع فِي الْجَارِيَة مِنْهُم من قَالَ يصير كَأَنَّهُ عجز عَن أستيفاء الثّمن بالإفلاس فيفسح وَيثبت حَقه فِي الْجَارِيَة وَإِن زَاد قيمتهَا على الثّمن وَمِنْهُم من فال لَا بل طَرِيقه انه ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخُذ مِنْهَا مُقَدرا الثّمن مِنْهُ هَذَا كُله إِذا لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَإِن جرى الِاسْتِيلَاد أمتنع الرُّجُوع بِمُوجب قَول البَائِع وَكَانَ الْوَلَد أَيْضا حرا بِمُوجب قَوْله فَلَا مرجع لَهُ النّظر الثَّالِث أَن الزَّوْج هَل يحل لَهُ وَطْؤُهَا نظر فَإِن كَانَ صَادِقا حل لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنا وَفِي الظَّاهِر وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْعبْرَة بقولهمَا وَهِي حَلَال بِمُوجب قَول البَائِع وَالزَّوْج جَمِيعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وَالثَّانِي أَنَّهَا حرَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف فِي الْجِهَة فَأَنَّهُ لَو قَالَ لي عَلَيْك ألف من قرض فَقَالَ بل من ثمن مَبِيع فَهَل يقدر على الْمُطَالبَة فِيهِ خلاف فالاختلاف فِي الْجِهَة فِي الْبضْع أولى وَمِنْهُم من شبه هَذَا بِمَا إِذا اشْترى زَوجته بِشَرْط الْخِيَار فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَطَؤُهَا فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته أَو مملوكته مَعَ أَنه كَيفَ مَا كَانَ فَهُوَ حَلَال وسبيل حل إِشْكَال النَّص تخريجة على أَقْوَال الْملك وَإِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع فَلهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يدْرِي أَنه يطَأ زَوجته وَإِن قُلْنَا للمشترى فَلَا لِأَنَّهُ يطَأ مملوكته بِملك ضعييبف يمْنَع الْوَطْء لبَقَاء خِيَار البَائِع وَإِن قُلْنَا أَنه مَوْقُوف ملا يطَأ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته فَتحل أَو يطَأ مملوكته بِملك ضَعِيف فَلَا تحل لَهُ النّظر الرَّابِع نَفَقَة الْوَلَد بعد الِاسْتِيلَاد على المستولد لِأَنَّهُ حر بِمُوجب قَول البَائِع فنفقته على ابيه وَنَفَقَته الْمُسْتَوْلدَة على المستولد إِن قُلْنَا تحل لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا تحل لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا على البَائِع إِذْ يقبل قَوْله فِي زَوَال ملكه عَلَيْهِ لَا فِي مَا على غَيره وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة وَالثَّانِي أَنَّهَا تَأْكُل من كسبها فَأن لم يكن فَمن بَيت المَال لِأَنَّهَا فقيرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تعقب الْإِقْرَار بِمَا يرفعهُ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول أَن يعقبه بِمَا يرفعهُ كُله وَفِيه مسَائِل سبع الأولى إِذا قَالَ لفُلَان على ألف من ثمن خمر أَو خِنْزِير أَو من ضَمَان شَرط فِيهِ الْخِيَار لنَفسِهِ أَو سَبَب فَاسد أسْندهُ إِلَيْهِ ويعتاد التَّعَامُل بِمثلِهِ على الْفساد فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْألف وَالْإِضَافَة الْفَاسِدَة رفع بعد إِثْبَات فَهُوَ كَقَوْلِه على ألف أَلا ألفا وَالثَّانِي وَلَعَلَّه الأولى أَنه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يقر بملزوم شئ وَكَلَامه منظوم فِي نَفسه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَن شَاءَ الله فَإِنَّهُ لما أنتظم لم يكترث باندفاع الطَّلَاق وَقطع الاكثرون بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان على ألف أَن شَاءَ الله لَا يلْزمه شئ لِأَنَّهُ للشَّكّ فِي الْإِقْرَار وللتعليق فِي الْإِقْرَار وَحكي صَاحب التَّقْرِيب عَن بعض الْأَصْحَاب طرد الْقَوْلَيْنِ وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا قَالَ لَهُ على ألف إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر وَقصد بِهِ التَّعْلِيق أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 يخرج عَن الْقَوْلَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَلهُ على ألف فَإِنَّهُ لَا يلْزمه قولا وَاحِد لِأَنَّهُ قدم كلمة التَّعْلِيق إِلَّا أَن يُفَسر ذَلِك بِأَجل أَو وَصِيَّة فَيحْتَمل وَلَكِن لَا يلْزمه دون تَفْسِيره وَلَو قَالَ لَك على ألف ان شِئْت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يلْزمه لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ قَالَ الإِمَام ليخرج على الْقَوْلَيْنِ إِن قدم صِيغَة الِالْتِزَام وَإِن أخر فَيقطع بِأَنَّهُ لَا يلْزمه الثَّانِيَة إِذا قَالَ على ألف لَا يلْزَمنِي يلْزمه الْألف لِأَنَّهُ متناقض وَلَو قَالَ ألف قَضيته فطريقان مِنْهُم من قطع باللزوم لتناقضه وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ إِذْ ذَلِك مِمَّا يُطلق فِي الْعَادة الثَّالِثَة إِذا قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل طَرِيقَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 مِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ للصِّحَّة والاعتياد جَمِيعًا وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَو ذكر الْأَجَل مُنْفَصِلا لم يقبل وَجعل مَانِعا للُزُوم فَكَذَلِك إِذا ذكره مُتَّصِلا وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ ألف من ثمن عبد أَن سلم سلمت لِأَنَّهُ إِضَافَة صَحِيحَة مُعْتَادَة وَلَو قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل من جِهَة تحمل الْعقل فَيقطع بِصِحَّتِهِ لِأَن الأَصْل فِيهِ الْأَجَل والحلول فِيهِ دخيل وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف ثمَّ جَاءَ بِأَلف وَقَالَ هَذِه وَدِيعَة عِنْدِي فَقَالَ الْمقر لَهُ مَا أَقرَرت بِهِ ألف أخر هُوَ دين فَالَّذِي قطع بِهِ المراوزة قبُوله وَعَلِيهِ يدل نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو قَالَ عَليّ شئ ثمَّ فسر بالوديعة قبل لِأَن الْوَدِيعَة عَلَيْهِ ردهَا وَقد يتَعَدَّى فِيهَا فَيضمن نعم لَو قَالَ تلف فِي يَدي فَلَا يقبل قَوْله فِي سُقُوط الضَّمَان لِأَن قَوْله عَليّ مستشعر بِهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي اتِّحَاد الْألف قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وَإِن قَالَ لَهُ على ألف فِي ذِمَّتِي فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يُفَسر بالوديعة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دينا فِي ذِمَّتِي فأولي بِأَن يَتَعَدَّد وَهَا هُنَا يظْهر خيال التَّعَدُّد وَيبعد تَفْسِيره بالوديعة فَإِن قُلْنَا إِن التَّفْسِير بالوديعة مُنْفَصِلا مَقْبُول فمتصلا أولى وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فَيخرج الْمُتَّصِل على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَات الْفَاسِدَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم عَارِية فِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه لِأَن إِعَارَة الدَّرَاهِم يَصح فَتكون مَضْمُونَة وَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَهِيَ عَارِية فَاسِدَة مضمونه وَفِي طَريقَة المراوزة أَن عَارِية الدَّرَاهِم إِذا لم تصح فَهِيَ بَاطِلَة لِأَنَّهَا غير قَابِلَة للِانْتِفَاع أصلا فَلَا ضَمَان فعلى هَذَا يخرج على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَة الْفَاسِدَة الْخَامِسَة لَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك عَارِية أَو هبة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يخرج الْمقر لَهُ مِنْهَا مهما شَاءَ لِأَن قَوْله لَك وَإِن كَانَ ظَاهره للْملك فَإِذا تعقب بالعارية نزل عَلَيْهِ وَكَذَا لَو قَالَ لَك هبة ثمَّ قَالَ أردْت هبة لم أقبضها فموجب النَّص الْقبُول وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَنْبَغِي أَن يخرج الْكل على قولي ثمن الْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 رفع لما تقدم من لَام التَّمْلِيك وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّام ظَاهر فِي التَّمْلِيك ومحتمل لوجوه فِي الْإِضَافَة إِذا ذكر مُتَّصِلا بِهِ السَّادِسَة إِذا قَالَ رهنت فأقبضت أَو وهبت وأقبضت ثمَّ قَالَ كنت أقبضت فلَانا وظننت أَن الْقَبْض حَاصِل بِهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قبُول دَعْوَاهُ فِي تحلف الْخصم وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ كذبت من غير تَأْوِيل لم تقبل دَعْوَاهُ وَلَو قَالَ أَقرَرت أشهادا على الصَّك على الْعَارِية ثمَّ لم يتَّفق فَفِي قبُول الدَّعْوَى للتحليف وَجْهَان أولاهما الْقبُول لِأَنَّهُ مُحْتَمل فَلَا خلاف أَن الْعَرَبِيّ إِذا أقرّ بالعجمية ثمَّ قَالَ لقنت وَلم أفهم أَنه تقبل دَعْوَاهُ السَّابِعَة إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد بل لعَمْرو سلم إِلَيّ زيد فَهَل يغرم لعَمْرو فِيهِ قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 الْمَنْصُوص هَا هُنَا أَنه لَا يغرم لِأَن الدَّار قَائِمَة ومنازعة صَاحب الْيَد فِيهَا مُمكن وَلم يصدر مِنْهُ إِلَّا مُجَرّد قَول وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس أَنه يضمن بالحيلولة كَمَا لَو أبق الْمَغْصُوب من يَده وَهَذَا الْخلاف جَار فِي شُهُود المَال إِذا رجعُوا وَعين المَال بَاقِيَة أَو إِمْكَان الْمُطَالبَة بِقِيمَتِه قَائِم فَإِنَّهُم هَل يغرمون ثمَّ من الْأَصْحَاب من أطلق الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من خصص بِمَا إِذا لم يسلم إِلَى زيد بِنَفسِهِ بل أخرج القَاضِي من يَده فَإِن سلمه فَفعله غصب بِمُوجب قَوْله مُوجب للضَّمَان أما إِذا قَالَ غصبت الدَّار من زيد وملكها لعَمْرو وَسلم إِلَى زيد لم يلْزمه شَيْء لعَمْرو لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مرتهنا أَو مُسْتَأْجرًا وغصبت فبرىء بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَلَا يغرم للثَّانِي وَقيل بتخريج ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ مِنْهُ أما إِذا قدم الْإِقْرَار بِالْملكِ فَقَالَ هِيَ لفُلَان وَأَنا غصبتها من فلَان فالأكثرون سووا بَين الصُّورَتَيْنِ حَتَّى يسلم إِلَى من غضب مِنْهُ وَلَا يغرم للْمَالِك وَمِنْهُم من رأى تَخْرِيج هَذَا على الْقَوْلَيْنِ ظَاهرا وَزعم أَنه يسلم إِلَى الأول وَهل يغرم للثَّانِي قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 الْقسم الثَّانِي فِيمَا يرفع بعض الْإِقْرَار وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى جَوَاز الِاسْتِثْنَاء الْأَقَل وَالْأَكْثَر مهما بَقِي من الْمقر بِهِ شَيْء فَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة قبل فَمَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَلَو قَالَ عشرَة إِلَّا عشرَة بَطل الِاسْتِثْنَاء وَلَزِمَه الْعشْرَة وَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة هَكَذَا إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْوَاحِد يلْزمه خَمْسَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات فَإِذا جمع صِيغ الْإِثْبَات على الْيَد الْيُمْنَى والصيغ الَّتِي بعْدهَا على الْيُسْرَى اجْتمع على الْيُسْرَى خَمْسَة وَعِشْرُونَ وعَلى الْيمن ثَلَاثُونَ فَإِذا أسقطت الْمَنْفِيّ عَن الْمُثبت بَقِي خَمْسَة الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس صَحِيح عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح إِلَّا فِي اسْتثِْنَاء الْمكيل من الْمَوْزُون أَو الْمَوْزُون من الْمكيل وَصورته أَن يَقُول عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا فَمَعْنَاه إِلَّا قيمَة ثوب وَلَكِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 مَعْنَاهُ أَن يُفَسر قيمَة الثَّوْب بِمَا ينقص عَن الْألف فَلَو فسره بِمَا استغرق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بطلَان التَّفْسِير إِلَى أَن يُفَسر بِمَا ينقص عَن الْألف وَالثَّانِي بطلَان أصل الِاسْتِثْنَاء الثَّالِثَة الِاسْتِثْنَاء عَن الْعين كَقَوْلِه هَذِه الدَّار لفُلَان وَالْبَيْت الْفُلَانِيّ مِنْهَا لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا الْبَاب أَو هَذَا الْخَاتم إِلَّا الفص أَو هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فَالْمَذْهَب صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَفِيه وَجه أَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا ورد فِي اللِّسَان عَن الْأَعْدَاد فَلذَلِك يقبل وَإِلَّا فَالْأَصْل أَن رفع الْإِقْرَار السَّابِق بَاطِل فرع لَو قَالَ هَؤُلَاءِ العبيد لفُلَان إِلَّا وَاحِدًا وَقُلْنَا صَحَّ طُولِبَ بتعيينه وَقبل قَوْله فَلَو مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا هُوَ الْمُسْتَثْنى فَالصَّحِيح قبُوله كَمَا لَو عين أَولا ثمَّ مَاتَ الآخر وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يُوجب إعدام أثر الْإِقْرَار بِخِلَاف مَا لَو قَالَ غصبت هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يقبل تعين الْوَاحِد الْبَاقِي لِأَن أثر الْإِقْرَار يبْقى فِي مُطَالبَته بِقِيمَة الْمَوْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِقْرَار بِالنّسَبِ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحدهمَا أَن يقر على نَفسه ويستلحق شخصا فَقَوله مَقْبُول بِشَرْط أَن يسلم عَن تَكْذِيب الْحس بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق أكبر سنا مِنْهُ أَو مثله وَعَن تَكْذِيب الشَّرْع بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق مَشْهُور النّسَب لغيره وَعَن تَكْذِيب الْمقر لَهُ بِأَن يكون بَالغا فيكذبه فَلَا يثبت النّسَب فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا يثبت فِي مَجْهُول يُولد مثله لمثله وَهُوَ أَن يقر إِن كَانَ بَالغا أَو هُوَ صَغِير أَو مَجْنُون أَو ميت حَتَّى لَا يتَصَوَّر تَكْذِيبه فَإِن إِقْرَاره لَيْسَ بِشَرْط فَلَو استلحق صَغِيرا فَمَاتَ الصَّغِير وَرثهُ وَلَو مَاتَ الْمُسْتَلْحق وَرثهُ الصَّغِير بل لَو مَاتَ الصَّغِير أَولا وَله مِيرَاث ثمَّ اسْتَلْحقهُ قبل قَوْله عندنَا وَلم يتْرك بِسَبَب التُّهْمَة خلافًا لأبي حنيفَة نعم لَو مَاتَ بَالغا فاستلحقه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَمَال القَاضِي إِلَى أَنه لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 يقبل إِذا خَيره إِلَى مَوته مَعَ مصادفته حَالَة يتَصَوَّر تَصْدِيق الْمقر لَهُ فِيهِ يُوهم كذبه وَهَذَا لَا يَلِيق بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يرد الأقارير بالتهم نعم لَو استلحق صَغِيرا فَبلغ وَأنكر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا مبالاة بإنكاره إِذْ حكمنَا بِثُبُوت النّسَب والتوريث من الْجَانِبَيْنِ وَالثَّانِي يقبل وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك حكما بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة كتصحيح الأقارير والتصرفات فِي مرض الْمَوْت فرعان أَحدهمَا لَهُ أمتان وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ولد وَلَا زوج لَهما فَقَالَ أحد هذَيْن الِابْنَيْنِ وَلَدي فقد ثَبت نسب وَاحِد مُبْهما فَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِذا عين تعين وَعتق وَصَارَت الْأُم مُسْتَوْلدَة إِن كَانَ قد قَالَ هَذَا وَلَدي مِنْهَا قد علقت بِهِ فِي ملكي وَإِن أطلق وَقَالَ وَلَدي مِنْهَا فقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فتعيين الْوَرَثَة كتعيين الْمُورث وَإِن عجزنا عرضنَا على الْقَائِف وَتَعْيِين الْقَائِف كتعينه فِي النّسَب وَالِاسْتِيلَاد وَسَائِر الْأَحْكَام فَإِن عجزنا عَن الْقَائِف أقرعنا بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق وَلم يثبت نسبه وَلَا مِيرَاثه إِذْ لَا عمل للقرعة إِلَّا فِي الْعتْق وَبَينهمَا عتق مُبْهَم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 وَهل يقرع بَين الأمتين وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ أُميَّة الْوَلَد وَالْعِتْق بِهِ تبع بِسَبَب الْوَلَد وَلَا نسب وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهما نسبا وإحداهما عتيقة بِحكم ذَلِك فيقرع لأجل الْعتْق وَهل يقف نصيب ابْن من الْمِيرَاث وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ أَحدهمَا نسيب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نسب ميئوس عَن ظُهُوره والموالاة بِهِ فَلَا يُؤثر فِي التوريث الْفَرْع الثَّانِي أمة لَهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد فَقَالَ السَّيِّد أحد هَؤُلَاءِ وَلَدي استولدتها بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بأمية الْوَلَد وَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِن عين الْأَصْغَر عتق وَثَبت نسبه وَإِن عين الْأَوْسَط ثَبت نسبه وَعتق الْأَصْغَر أَيْضا وَثَبت نسبه لِأَنَّهُ ولد على فرَاشه إِلَّا إِذا ادّعى الِاسْتِبْرَاء وَقُلْنَا الْوَلَد يَنْتَفِي بِمُجَرَّد دَعْوَى الِاسْتِبْرَاء فِي الْمُسْتَوْلدَة وَعند ذَلِك يحكم بِعِتْق الْأَصْغَر لِأَنَّهُ ولد الْمُسْتَوْلدَة ولاكن وَلَكِن إِذا عتقت الستولدة بِمَوْت السَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه لَا يعْتق لاحْتِمَال اسْتَوْلدهَا بالأوسط وَهِي مَرْهُونَة وَلنَا لَا ينفذ الِاسْتِيلَاد فبيعت وَولدت الْأَصْغَر فِي يَد المُشْتَرِي ثمَّ اشتراهما المستولد وَقُلْنَا يَقُود الِاسْتِيلَاد وَلَكِن لَا يتَعَدَّى إِلَى ولد ولدت فِي ملك الْغَيْر وَالْقَائِل الأول إِن اعْترف بِهَذَا التَّفْرِيع فَيَأْتِي دفع مُطلق الْإِقْرَار بِهَذَا التَّقْدِير الْبعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 هَذَا إِذا عين قبل الْمَوْت فَإِن مَاتَ فوارثة أَو الْقَائِف يقومُونَ مقَامه فَإِن عجزنا عَنْهُم أَقرع بَين الْأَوْلَاد الثَّلَاثَة فَإِن خرج على الْأَصْغَر تعين لِلْعِتْقِ وَإِن خرج على الْأَوْسَط عتق مَعَ الْأَصْغَر إِلَّا على تَقْدِير الْخُرُوج على مَسْأَلَة الرَّد قَالَ الْمُزنِيّ مُعْتَرضًا على نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَيفَ يدْخل الصَّغِير الْقرعَة وَهُوَ حر بِكُل حَال وَمَا ذكره الْمُزنِيّ خطأ لِأَنَّهُ يدْخل فِي الْقرعَة ليخرج عَلَيْهِ فَيقْتَصر الْعتْق عَليّ أَو يخرج على غَيره فَيعتق هُوَ مَعَ غَيره ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تَأْثِير للقرعة فِي النّسَب وَالْمِيرَاث مَصْرُوف إِلَى الْوَارِث الْمُتَيَقن وراثته قَالَ الْمُزنِيّ وَيَنْبَغِي أَن يُوقف مِيرَاث ابْن وَهُوَ ظَاهر الْقيَاس وَلَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم ير الْموقف بعد الْيَأْس عَن ظُهُور هَذَا النّسَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 الْقسم الثَّانِي أَن يقر بِالنّسَبِ على مُوَرِثه وَمن لَهُ ولَايَة استغراق الْمِيرَاث فَلهُ إِلْحَاق النّسَب بمورثه سَوَاء انْفَرد أَو كَانُوا جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَو خلف ابْنا وَاحِدًا فَأقر بِأَخ آخر لم يثبت إِلَّا إِذا كَانَا ابْنَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف فَإِنَّهُ إِذا لم تعْتَبر صِفَات الشُّهُود بل قبل قبُول الأقارير فَلَا معنى للعدد ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب يعْتَبر إِقْرَار الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق إِذا كَانَ من جملَة الْوَرَثَة وَلَا مبالاة بِإِقْرَار التَّقْرِيب الْمَحْجُور بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَإِن كَانَ هُوَ أقرب إِلَى النّسَب لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من اسْتِحْقَاق الْإِرْث وَفِي الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق وَجه أَنه لَا يعْتَبر قَوْلهمَا وَالْبِنْت الْوَاحِدَة إِذا أقرَّت وَأقر مَعهَا إِمَام الْمُسلمين فَفِي ثُبُوت النّسَب بقول الإِمَام وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالمولى الْمُعْتق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحق وجهة الْإِسْلَام فَلَا يتَصَوَّر صدر الْإِقْرَار مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 أما إِذا خلف ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا وَأنكر الآخر فالنسب لَا يثبت قطعا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْمِيرَاث لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع النّسَب وَعَلِيهِ إشكالات قررناها فِي مسَائِل الْخلاف ولأجله خرج ابْن سُرَيج وَجها أَنه يَرث وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طَرِيقين أَحدهمَا أَن الْمِيرَاث يثبت بَاطِنا وَهل يثبت ظَاهرا وَجْهَان وَالثَّانِي أَنه لَا يثبت ظَاهرا وَهل يثبت بَاطِنا وَجْهَان التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يثبت الْمِيرَاث على الْمقر فَإِذا كَانَت التَّرِكَة سِتّمائَة فَيَأْخُذ الْمقر لَهُ من الْمقر كم وَجْهَان أَحدهمَا مائَة وَخمسين وَهُوَ نصف مَا فِي يَده لِأَنَّهُ أعترف لَهُ بالمساواة فِي كل شَيْء وَالثَّانِي مائَة وَهُوَ ثلث مَا فِي يَده فَإِنَّهُ مظلوم بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى من الْمُنكر وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب هَذَا إِذا كَانَ الْمقر مجبرا فِي الْقِسْمَة فَلَو كَانَ الْقِسْمَة بِالتَّرَاضِي فقد تعدى بِتَسْلِيم نصِيبه إِلَى المكذوب فَيغرم لَهُ وَالْقِيَاس مَا قَالَه فروع سَبْعَة الأول لَو أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بزوجية امْرَأَة لِأَبِيهِ وَأنكر الآخر فَالظَّاهِر أَنه لَا يثبت الْمِيرَاث كَمَا فِي النّسَب وَفِيه وَجه أَنه يثبت لِأَن الْمَقْصُود بِالْإِقْرَارِ هَا هُنَا الْإِرْث دون الزَّوْجِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 الثَّانِي أقرّ أحد الِابْنَيْنِ وَأنكر الآخر وَمَات الْمُنكر نظر فَإِن كَانَ خلف ابْنا وَهُوَ مقرّ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يثبت الْمِيرَاث لِأَن الِاسْتِغْرَاق لَهُم وَقد توافقوا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فرع فَلَيْسَ لَهُ تَكْذِيب أَصله وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْوَارِث هَل يلْتَحق بِمن نَفَاهُ الْمُورث بِاللّعانِ وَإِن لم يخلفا إِلَّا الْأَخ الْمقر فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت وَلَو أَنه مَاتَ قبل التَّكْذِيب فَلَا خلاف فِي أَن الْمِيرَاث يثبت بتوافق البَاقِينَ لِأَن التَّكْذِيب لم يصدر مِنْهُ بعد الثَّالِث خلف ابْنَيْنِ صَغِيرا وكبيرا فَأقر الْكَبِير بِأَخ ثَالِث وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يثبت لَا نسب وَلَا مِيرَاث إِذْ الْحق لَهما وَالثَّانِي نعم يثبت ويستدام بِشَرْط أَن لَا يُنكر الصَّبِي إِذا بلغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 الرَّابِع إِذا خلف ابْنا وَاحِدًا فَقَالَ لمجهول أَنْت ابْن أبي فَقَالَ وَأَنت لست ابْنا لَهُ وَأَنا ابْن لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهَا أَن الْمقر يحجب لِأَن الْمَجْهُول وَارِث بقوله وَهُوَ مُنكر قَوْله وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَلَا يبالى بتكذيبه وَفِيه وَجه ثَالِث أَن المكذب لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ أخرجه عَن أَهْلِيَّة الْإِقْرَار بتكذيبه الْخَامِس اقر لاثْنَيْنِ بالأخوة فتكاذبا بَينهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنهم يشتركون وَلَا يُؤثر تكاذبهما نظرا إِلَى قَول الأَصْل وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يرثان إِذْ لم يتوافق على إِرْث كل وَاحِد مِنْهُمَا الْجَمِيع السَّادِس إِذا أقرّ الْأَخ بِابْن لِأَخِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب يثبت النّسَب دون الْمِيرَاث إِذْ لَو ثَبت الْمِيرَاث لحرم الْأَخ عَن الْمِيرَاث وَخرج عَن أَهْلِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 الْإِقْرَار وَصَارَ دورا وَمِنْهُم من قَالَ يثبت النّسَب وَالْمِيرَاث جَمِيعًا وَمِنْهُم من قَالَ لَا يثبت النّسَب أَيْضا مَعَ الْمِيرَاث السَّابِع إِذا أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بِأَلف وَأنكر الآخر والتركة أَلفَانِ فَيُؤْخَذ من نصيب الْمقر خَمْسمِائَة أَو ألف فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا ألف مُؤَاخذَة لَهُ بِمُوجب قَوْله فِي أَنه لَا يَنْفَكّ جُزْء من التَّرِكَة بِمَا بَقِي من الدّين شَيْء وَالثَّانِي يكْتَفى بِحِصَّتِهِ والتوجيه مَذْكُور فِي الْخلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 = كتاب الْعَارِية = وَالنَّظَر فِي أَرْكَانهَا وأحكامها وَفصل الْخُصُومَة فِيهَا فإمَّا الْأَركان فَأَرْبَعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 الأول الْمُعير وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا كَونه مَالِكًا للمنفعة غير مَحْجُور عَلَيْهِ فِي التَّبَرُّع فَأن الْعَارِية تبرع بالمنافع فَيصح من الْمُسْتَأْجر وللمستعير أَن يَسْتَوْفِي الْمَنَافِع بوكيله بِنَفسِهِ وَهل لَهُ ان يعير فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع لِأَن الْإِذْن مَخْصُوص بِهِ فَهُوَ كالضيف الثَّانِي الْمُسْتَعِير وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا أَن يكون أَهلا للتبرع عَلَيْهِ الثَّالِث المعار وَيعْتَبر فِيهِ شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا معنى لإعاره الْأَطْعِمَة وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 إِعَارَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وإجارتهما لمَنْفَعَة التزيين ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن غَرَض التزيين من الْمَقَاصِد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ غَرَض بعيد وَالثَّالِث يَصح الْإِعَارَة لِأَنَّهُ مبرة وَلَا يَصح الْإِجَارَة لِأَنَّهُ مُعَاوضَة فيستدعي مَنْفَعَة مُتَقَومَة فَإِن أبطلناها فَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنَّهَا مَضْمُونَة لِأَنَّهَا إِعَارَة فَاسِدَة وَفِي طَرِيق المراوزة أَنَّهَا غير مضمونه لِأَنَّهَا غير قَابِلَة للإعارة فَهِيَ بَاطِلَة الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الِانْتِفَاع مستباحا فَلَا يجوز إِعَارَة الْجَوَارِي للاستمتاع وَلَا للاستخدام إِذا كَانَ الْمُسْتَعِير غير محرم وَكَانَت الْجَارِيَة فِي مَحل الشَّهْوَة فَإِن جرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 فَهُوَ صَحِيح وَلكنه مَحْظُور وَكَذَا تكره اسْتِعَارَة أحد الْأَبَوَيْنِ للْخدمَة وَكَذَا إِعَارَة العَبْد الْمُسلم من الْكَافِر وَتحرم إِعَارَة الصَّيْد من الْمحرم الرَّابِع صِيغَة الْإِعَارَة ولابد فِيهِ من الْإِيجَاب وَهُوَ قَوْله أعرت أَو خُذ أَو مَا يُفِيد مَعْنَاهُ وَيَكْفِي الْقبُول بِالْفِعْلِ وَلَا يشْتَرط اللَّفْظ كاستباحة الضيفان فَلَو قَالَ أعرتك حماري لتعيرني فرسك فَهُوَ أجاره فَاسِدَة غير مَضْمُونَة وَلَو قَالَ اغسل هَذَا الثَّوْب فَهُوَ اسْتِعَارَة لبدنه لأجل الْعَمَل فَإِن كَانَ الْغَاسِل مِمَّن يعْمل بِالْأُجْرَةِ فَالظَّاهِر أَنه يسْتَحق الْأُجْرَة كَمَا يسْتَحق الحمامي والحلاق والتعويل فِيهِ على الْقَرَائِن وَلِهَذَا ذكر القَاضِي فِي المعاطاة فِي البيع وَجْهَيْن لأجل الْقَرَائِن أما أَحْكَامهَا فَثَلَاثَة الأول الضَّمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَارِية مَضْمُونَة مُؤَدَّاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 رَحْمَة الله أَنَّهَا غير مَضْمُونَة وَلَا خلاف أَنَّهَا مَضْمُونَة الرَّد على الْمُسْتَعِير ثمَّ فِي كَيْفيَّة الضَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يضمن بأقصى قِيمَته من يَوْم الْقَبْض الى يَوْم التّلف كضمان الْمَغْصُوب وعَلى هَذَا يحدث وَكَذَا الْمُسْتَعَار فِي يَده مَضْمُونا وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر قِيمَته يَوْم الْقَبْض وَالثَّالِث هُوَ الْأَصَح أَنه يعْتَبر قِيمَته يَوْم التّلف إِذْ فِي اعْتِبَار يَوْم الْقَبْض مَا يُوجب ضَمَان الْأَجْزَاء الْمُسْتَحقَّة بِالِاسْتِعْمَالِ وضمانها غير وَاجِب لِأَنَّهَا تلفت بِالْإِذْنِ وَفِيه وَجه بعيد وَالْمُسْتَعِير من الْمُسْتَأْجر هَل يضمن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ابتناء يَده على يَد غير مَضْمُونَة وَالثَّانِي نعم نظرا إِلَيْهِ فِي نَفسه وَالْمُسْتَعِير من الْغَاصِب يسْتَقرّ عَلَيْهِ الضَّمَان إِذا تلف الْعين فِي يَده وَلَو طُولِبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 بِالْأُجْرَةِ وَلم يكن استوفي الْمَنْفَعَة بل تلفت تَحت يَده يرجع بِهِ على الْمُعير لِأَن يَده فِي الْمَنْفَعَة لَيْسَ يَد ضَمَان وَإِن كَانَ اسْتَوْفَاهُ فَفِي الرُّجُوع قَولَانِ أَحدهمَا نعم للغرور فَأَنَّهُ لم يرض بِضَمَان الْمَنَافِع وَالثَّانِي لَا تَغْلِيبًا للإتلاف على الْغرُور وحد الْمُسْتَعِير كل طَالب أَخذ المَال لغَرَض نَفسه من غير اسْتِحْقَاق فعلى هَذَا لَو جمحت دَابَّة فأركبها ر أَيْضا ليروضها لَهُ وارسل وَكيلا فِي شغل لَهُ واركبه دَابَّته وفتلفت لَا ضَمَان لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ آخِذا لغَرَض نَفسه وَلَو وجد من اعيا فِي الطَّرِيق فأركبه بطرِيق الْقرْبَة فَفِيهِ نظر من حَيْثُ أَن الرَّاكِب منتفع وَلَكِن الْأَظْهر أَن لَا ضَمَان لِأَن الْمَالِك هُوَ المطالب لركوبه ليقترب بِهِ الى الله تبَارك وَتَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 وَلَو أركب الْمَالِك مَعَ نَفسه رديفا فَتلفت الدَّابَّة تحتهما قَالَ الْأَصْحَاب على الرديف نصف الضَّمَان الأولى أَن لَا يجب لِأَن الدَّابَّة فِي الْملك مَا دَامَ هُوَ رَاكِبًا والرديف ضيف كالضيف الدَّاخِل فِي الدَّار وَلَو أودعهُ ثوبا وَقَالَ إِن شِئْت فالبسه عِنْد الْحَاجة فَهُوَ قبل اللّبْس وَدِيعَة وَبعده عَارِية مَضْمُونَة الحكم الثَّانِي التسلط على الِانْتِفَاع وَهُوَ بِقدر التسليط لِأَن منتفع بالأذن فَإِن تعين جِهَة الْمَنْفَعَة فَلَا كَلَام وَإِن تعدّدت كَمَا إِذا أعَار أَرضًا فَإِن عين زراعة الْحِنْطَة مثلا فَلهُ أَن يزرع مَا ضَرَره مثل ضَرَر الْحِنْطَة ودونه وَلَا يزرع مَا ضَرَره فَوْقه وَإِن أطلق فَالظَّاهِر فَسَاده إِذْ يتَرَدَّد بَين الْغِرَاس وَالْبناء والزراعة فَهُوَ غرر ظَاهر وَفِيه وَجه أَنه يَصح ويتسلط على الْكل وَلَو قَالَ أنتفع كَيفَ شِئْت فَوَجْهَانِ من حَيْثُ أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 فوض الى مَشِيئَته وَلَو عين الزِّرَاعَة فَالظَّاهِر الْجَوَاز وَإِن لم يعين المزروع لِأَن الْأَمر فِيهِ قريب وَلَو عين الْغِرَاس فَلهُ أَن يَبْنِي وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ لتساويهما وَقيل لَا لِأَن ضَرَر الْغِرَاس فِي بَاطِن الأَرْض وضرر الْبناء فِي ظَاهر الأَرْض فهما مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْس الحكم الثَّالِث الْجَوَاز وللمعير الرُّجُوع مهما شَاءَ إِلَّا إِذا أعَار لدفن ميت فَيمْتَنع نبش الْقَبْر سَوَاء كَانَ الْمَيِّت جَدِيدا أَو عتيقا إِلَى أَن يندرس أثر المدفون فَعِنْدَ ذَلِك يفعل مَا يُرِيد وَقبل الاندراس لَو كَانَ لَهُ فِيهِ أَشجَار فَلهُ السَّقْي بِشَرْط أَن لَا يظْهر الْمَيِّت وَكَذَلِكَ لَو أعَار جدارا ليضع الْجَار عَلَيْهِ جذعه فَلَا يَسْتَفِيد بِالرُّجُوعِ قبل الانهدام شَيْئا إِذْ لَا أُجْرَة لَهُ حَتَّى يُطَالب بِهِ وَفِي هَدمه بِأَرْش النَّقْض تصرف فِي خَاص ملك الْجَار فِي الْجَانِب الثَّانِي من الْجذع فَأَما إِذا أعَار أَرضًا للْبِنَاء وَالْغِرَاس مُطلقًا فَلهُ الرُّجُوع وَلَيْسَ لَهُ لنقض ملك الْمُسْتَعِير مجَّانا لِأَنَّهُ مُحْتَرم وَضعه من غير عدوان وَلَكِن يتَخَيَّر الْمَالِك بَين الثَّلَاث خِصَال بَين أَن يبْقى بِأُجْرَة أَو يتَمَلَّك الْبناء بِقِيمَتِه أَو ينْقض ويبذل أَرْشه والخيرة فِي التَّعْيِين للْمَالِك تَرْجِيحا لجانبه فَإِنَّهُ معير وَلَا حق للْمُسْتَعِير إِلَّا أَن لَا يضيع مَالِيَّته ثمَّ إِذا رَجَعَ وَالْبناء بعد لم يرفع جَازَ للْمَالِك الدُّخُول وَلَا يتَصَرَّف فِي الْبناء وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 يجوز للْمُسْتَعِير الدُّخُول وتنزها وَهل يجوز مرمة الجدران فِيهِ خلاف وَجه الْجَوَاز أَن حَقه مَضْمُون عَن التّلف وَفِي الْمَنْع من الْعِمَارَة تَضْييع وَيجوز للْمُعِير بيع الأَرْض وَعَلَيْهَا بِنَاء الْمُسْتَعِير قبل التَّمَلُّك وَهل يجوز للْمُسْتَعِير بيع الْبناء فِيهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه معرض للهدم أَن أَرَادَ الْمُعير هَذَا إِذا كَانَت الْإِعَارَة مُطلقَة أَو مُقَيّدَة بالتأبيد فَلَو قَالَ أعرت سنة فَإِذا مَضَت قلعت الْبناء مجَّانا فَلهُ ذَلِك اتبَاعا للشّرط وَلَو اقْتصر على قَوْله أعرت سنة لم يجز لَهُ النَّقْض بعده مجَّانا فَكَانَ يحْتَمل أَن يحمل على طلب الْأُجْرَة بعده كَمَا يحْتَمل الْهدم وَالْأَصْل حُرْمَة ملكه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَائِدَة التَّأْقِيت جَوَاز الْقلع مجَّانا أما إِذا أعَار للزِّرَاعَة وَرجع قبل الْإِدْرَاك فَالْمَذْهَب أَنه يجب ابقاؤه الى الْإِدْرَاك وَلَيْسَ لَهُ قلع الزَّرْع وَلَكِن لَهُ أَخذ الْأُجْرَة لِأَن هَذَا اقْربْ الطّرق بِخِلَاف الْغِرَاس فِي الْإِجَارَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 المؤقتة فَإِنَّهُ وَإِن صَبر بَقِيَّة الْمدَّة افْتقر إِلَى الْقلع بعْدهَا وَفِيه وَجه للعراقيين أَنه لَا يسْتَحق الْأُجْرَة إِلَى الْإِدْرَاك وَوجه لصَاحب التَّقْرِيب أَنه يقْلع الزَّرْع كالغراس أَو لَا يقْلع الْغِرَاس كالزرع وَهُوَ من تَخْرِيجه وتصرفه فرعان أَحدهمَا لَو بَادر الْمُسْتَعِير وَقلع الْغِرَاس هَل يلْزمه تَسْوِيَة الْحفر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم ليرد مَا أَخذ كَمَا أَخذ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَأْذُون فِي الْغَرْس مَأْذُون فِي الْقلع وَقد حصل من الْمَأْذُون فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَو تلفت الدَّابَّة المستعارة أَو تعبت بالركوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 الثَّانِي إِذا حمل السَّيْل ونواة لأنسان إِلَى ملك غَيره فأنبتت شَجَرَة فَهَل لمَالِك الأَرْض قلعهَا مجَّانا فِيهِ وَجْهَان لتعارض الْحُرْمَة فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْأولَى تَرْجِيح مَالك الأَرْض وتسليطه على الْقلع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وَأما فصل الْخُصُومَة فلهَا ثَلَاث صور الأولى إِذا قَالَ رَاكب الدَّابَّة لمَالِكهَا أغرتنيها فَقَالَ الْمَالِك بل أجرتكها قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ القَوْل قَول الرَّاكِب وَلَو قَالَ ذَلِك زارع الأَرْض لماكلها قَالَ القَوْل قَول الْمَالِك نَص عَلَيْهِ فِي الْمُزَارعَة فأختلف الْأَصْحَاب على طَرِيقين أَحدهمَا قَولَانِ لتقابل الاصلين إِذْ يُمكن أَن يُقَال الأَصْل وجوب الضَّمَان فِي الْمَنْفَعَة وَعدم مَا يُسْقِطهَا أَو الأَصْل عِنْد طريان الْأذن عدم الضَّمَان وَمِنْهُم من قرر التَّعْيِين وَفرق بِأَن الْعَارِية فِي الدَّوَابّ لَيْسَ بِبَعِيد وَفِي الأَرْض بعيد وَهَذَا التَّرْجِيح فِي مَظَنَّة تعَارض الاصلين لَا بَأْس بِهِ التَّفْرِيع الأول إِن قُلْنَا القَوْل قَول الماك فَيحلف على نفي الْإِعَارَة وَلَا يتَعَرَّض لإِثْبَات الْإِجَازَة والمسمى فَإِنَّهُ مُدع فيهمَا ثمَّ إِذا حلف أَخذ أقل الْأَمريْنِ من الْمُسَمّى أَو أُجْرَة الْمثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَقَالَ القَاضِي والعراقيون إِنَّه يتَعَرَّض للإجارة فَيحلف أَنه مَا أعَار وَلكنه أجر لينتظم الْكَلَام لَا ليثبت الْإِجَارَة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قولا آخر أَن فَائِدَته إِثْبَات الْمُسَمّى إِظْهَارًا لفائدته وَهُوَ بعيد أما إِذا نكل الْمَالِك قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يرد على الرَّاكِب لِأَنَّهُ لَا يَدعِي لنَفسِهِ حَقًا فيبني عَلَيْهِ الْقَضَاء بِالنّكُولِ قَالَ القَاضِي ترد وَفَائِدَته دفع الْغَرِيم وَهُوَ أقرب من الْقَضَاء بِالنّكُولِ فَإِن قيل فَلَو تنَازعا قبل مُضِيّ مده تتقدم الْمَنْفَعَة فِيهَا قُلْنَا القَوْل قَول الرَّاكِب فِي نفي مَا يدعى عَلَيْهِ من الْإِجَارَة للمستقبل الصُّورَة الثانيه أَن يَقُول الْمَالِك بل غصبتنيها قَالَ الْمُزنِيّ القَوْل قَول الركب إِذْ الأَصْل عدم الْغَضَب إحسانا للظن بِالنَّاسِ ثمَّ خالفا أَكثر الْأَصْحَاب وَقَالُوا الأَصْل عدم الْأذن وَبَقَاء حق الْمَالِك فِي الْمَنْفَعَة وَقيل المذهبان قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَالْأولَى القَوْل الْمُخَالف للمزني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 الثَّالِثَة أَن يَقُول الرَّاكِب أكريتنيها وغرضه إِسْقَاط الضَّمَان عِنْد التّلف وَاسْتِحْقَاق الْإِمْسَاك فَقَالَ الْمَالِك أعرتكبها فَالْقَوْل قَول الْمَالِك فَإِنَّهُ يَدعِي عَلَيْهِ إِجَارَة وَالْأَصْل عدمهَا ثمَّ يَسْتَفِيد بِالْحلف اسْتِحْقَاق الْقيمَة عِنْد التّلف وَجَوَاز الرُّجُوع عِنْد الْقيام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 = كتاب الْغَصْب = الْغَصْب عدوان مَحْض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غضي شبْرًا من أَرض طوقه الله من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ سَبَب للضَّمَان لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد وَالنَّظَر فِي الْكتاب يحصره بَابَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الضَّمَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَرْكَان الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب الرُّكْن الأول الْمُوجب للضَّمَان وَهُوَ ثَلَاثَة التفويت بالمباشر أَو التَّسَبُّب أَو إِثْبَات الْيَد لغَرَض نَفسه من غير اسْتِحْقَاق أما الأول فَهُوَ الْمُبَاشرَة وَحده إِيجَاد عِلّة التّلف كَالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق ونعني بِالْعِلَّةِ مَا يُقَال من حَيْثُ الْعَادة إِن الْهَلَاك حصل بهَا كَمَا يُقَال حصل بِالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق أما التَّسَبُّب فَهُوَ إِيجَاد مَا يحصل الْهَلَاك عَهده وَلَكِن بعلة أُخْرَى إِذا كَانَ السَّبَب مَا يقْصد لتوقع تِلْكَ الْعلَّة فَيجب الضَّمَان على الْمُكْره على إِتْلَاف المَال وَالْإِكْرَاه سَبَب وعَلى من حفر بِئْرا فِي مَحل عدوان إِذا تردى فِيهِ بَهِيمَة أَو عبد أَو إِنْسَان فَإِن ردى فِيهِ غَيره فِيهِ فَالضَّمَان على المردي تَقْدِيمًا للمباشرة على التَّسَبُّب كَمَا فِي الممسك مَعَ الْقَابِل فِي الْحر أما فِي العَبْد فَيُطَالب الممسك أَيْضا لِأَنَّهُ بالإمساك غَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 وَالْمكْره وَإِن كَانَ مباشرا فمباشرته ضَعِيفَة أنتجها الْإِكْرَاه فَلم يقدم عَلَيْهِ أما إِذا رفع حَافظ الشَّيْء حَتَّى ضَاعَ لعدم الْحَافِظ بِسَبَب آخر لَا يقْصد بِرَفْع الْحَافِظ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا إِذا فتح رَأس الزق فاتفق هبوب ريح بعده فَسقط وَضاع فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِفَتْح رَأس الزق هبوب الرّيح والضياع بِهِ كَمَا لَو بنى دَارا فطيرت الرّيح ثوبا وألقاه فِي دَاره فَضَاعَ لَا يضمن وَكَذَلِكَ لَو حبس الْمَالِك عَن الْمَاشِيَة فعاث الذِّئْب فِيهَا وَكَذَلِكَ لَو حمل صَبيا إِلَى مضيعة فاتفق ثمَّ سبع فافترسه فَلَا ضَمَان فِي الْكل إِذْ لَا مُبَاشرَة وَلَا يَد وَلَا تسبب إِذْ حد السَّبَب مَا ذَكرْنَاهُ نعم لَو حمل الصَّبِي إِلَى مسبعَة أَو فتح رَأس الزق فشرقت الشَّمْس وذاب فِيهِ وَجْهَان لَعَلَّ الْأَظْهر وجوب الضَّمَان فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ ذَلِك كَمَا أَنا نقُول إِذا غصبت الْأُمَّهَات فنتجت الْأَوْلَاد حدثت من ضَمَانه لِأَنَّهُ يتَوَقَّع من إِثْبَات الْيَد على الْأُمَّهَات ثُبُوت الْيَد على الْأَوْلَاد وَكَذَلِكَ لَو غصب رمكة فأتبعها الْمهْر فَفِي دُخُوله فِي ضَمَانه تردد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وَأما رفع الْقَيْد عَن الْحَيَوَان سَبَب يقْصد لإفلات الْحَيَوَان وَلَكِن ينظر فَإِن كَانَ الْمُقَيد حَيَوَانا عَاقِلا كَالْعَبْدِ فَإِذا أبق لَا ضَمَان لِأَنَّهُ مُخْتَار فَيَنْقَطِع التَّسَبُّب بِهِ وَهُوَ كَمَا لَو هدم الْحِرْز فَسرق المَال لَا يضمن المَال وَلَو دلّ السراق لم يضمن فَأَما الْحَيَوَان الَّذِي لَيْسَ بعاقل كالطير والبهيمة فَإِذا فتح بَاب القفص وَحل رِبَاط الْبَهِيمَة فَضَاعَت فَالْمَذْهَب الظَّاهِر أَنه إِن طَار على الِاتِّصَال ضمن وَإِن كَانَ على الِانْفِصَال لم يضمن إِذْ يظْهر حوالته عِنْد الِانْفِصَال على اخْتِيَار الْحَيَوَان وَعند الِاتِّصَال كَأَنَّهُ نفر بالتعرض للقيد وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يضمن فِي الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ منقدح من حَيْثُ الْمصلحَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يضمن أصلا وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ حِوَالَة على الِاخْتِيَار وَالْعَبْد الْمَجْنُون من قبيل الدَّابَّة وَالطير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 وَفِي العَبْد الْعَاقِل الْمُقَيد الْإِبَاق أَيْضا وَجه بعيد أَنه يضمن إِذا حل الْقَيْد عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ فِي معنى الممسك مَعَ الْمُبَاشر أما إِذا فتح رَأس الزق فتقاطرت قطرات من الْمَائِع إِلَى أَسْفَل الزق وابتل وَسقط وَجب الضَّمَان لِأَن السُّقُوط بالابتلال وَإِلَّا بتلال بالتقاطر والتقاطر بِالْفَتْح وَهُوَ طَرِيق مَقْصُود لَهُ ومسلوك إِلَيْهِ بِخِلَاف السُّقُوط بهبوب الرّيح وَلَو فتح الزق وَفِيه سمن جامد فَقرب غَيره مِنْهُ نَارا حَتَّى ذاب فقد قيل لَا ضَمَان على وَاحِد وَالأَصَح أَنه يجب الضَّمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ كالمردي مَعَ الْحَافِر هَذَا تَفْصِيل السَّبَب والمباشرة وَتَمام النّظر فِيهِ يذكر فِي كتاب الْجِنَايَات أما إِثْبَات الْيَد فَهُوَ سَبَب للضَّمَان ومباشرته بِالْغَصْبِ فِي تسببه فِي ولد الْمَغْصُوب فَإِن إِثْبَات الْيَد على الْأُم سَبَب للثبوت على الْوَلَد فَكَانَ الْوَلَد مَضْمُونا عندنَا لذَلِك خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ أثبت الْيَد وَلَكِن لم تزل يَد الْمَالِك وَالْغَصْب عبارَة عَن إِزَالَة يَد الْمَالِك وَلَيْسَ كَذَلِك عندنَا بِدَلِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 أَن الْمُودع إِذا جحد الْوَدِيعَة لم يزل يَد الْمَالِك بل كَانَ زائلا قبله وَكَذَلِكَ إِذا طُولِبَ بِولد الْمَغْصُوب فَجحد ضمن وَإِن لم يتَضَمَّن جحوده زَوَال يَد الْمَالِك إِذْ لم يكن قطّ فِي ملكه ثمَّ إِثْبَات الْيَد فِي الْمَنْقُول بِالنَّقْلِ إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَنه لَو أزعج الْمَالِك عَن دَابَّته فركبها أَو عَن فرَاشه وَجلسَ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ غَايَة الِاسْتِيلَاء وَقيل إِنَّه لَا يضمن مَا لم ينْقل أما الْعقار فَيضمن بِالْغَصْبِ عِنْد إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن قيل فَمَا حد الْغَصْب فِي الْعقار قُلْنَا لَهُ ركنان الأول إِثْبَات الْغَاصِب يَده وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْعقار وَالْآخر إِزَالَة يَد الْمَالِك وَذَلِكَ يحصل بإزعاجه فَإِن أزعج وَلم يدْخل لَا يضمن وَإِن دخل وَلم يزعج فَإِن قصد النظارة أَو الزِّيَارَة لم يضمن وَإِن قصد الِاسْتِيلَاء صَار الدَّار فِي يدهما فَهُوَ غَاصِب نصف الدَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 وَلَو كَانَ الدَّاخِل ضَعِيفا وَالْمَالِك قَوِيا لم يكن غَاصبا وَإِن قصد لِأَن مَالا يُمكن لَا يتَصَوَّر قَصده وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث نفس ووسوسة وَإِن كَانَ الْمَالِك غَائِبا وفصد ضمن وَإِن كَانَ يقدر على الانتزاع من يَده كَمَا إِذا سلب قلنسوة ملك فَإِنَّهُ غَاصِب وَإِنَّمَا ذَلِك قدره على إِزَالَة الْغَصْب وَفِي الْعقار فِي هَذِه الصُّورَة وَجه أَنه لَا يضمن فَإِن قيل فَلَو أَثْبَتَت يَد على يَد الْغَاصِب وَتلف فِيهَا قُلْنَا كَيفَ مَا كَانَ فالمالك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن من أَخذ من الْغَاصِب وَإِن كَانَ جَاهِلا لِأَن الْجَهْل لَا ينتهض عذرا فِي نفى فِي الضَّمَان وَقد وجد إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر من غير إِذن الْمَالِك وَلَكِن قَرَار الضَّمَان على الْغَاصِب إِن كَانَت تِلْكَ الْيَد فِي وَضعهَا يَد أَمَانَة كيد الْمُرْتَهن وَيَد الْمُسْتَأْجر وَالْوَكِيل وَالْمُودع وَإِن كَانَ يَد ضَمَان فالقرار عَلَيْهِ كيد الْعَارِية والسوم وَالشِّرَاء وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَد الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر هَا هُنَا كيد الْعَارِية لِأَنَّهُ لَهُم غَرضا فِي أَيْديهم بِخِلَاف الْمُودع وَالْوَكِيل بِغَيْر جعل وَالْأولَى الطَّرِيقَة الأولى نعم تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي يَد الْمُتَّهب لِأَنَّهُ وَإِن لم تكن يَد الضَّمَان فَهُوَ تسليط تَامّ وَهُوَ يَد الْملاك إِلَّا أَنا إِذا ضمناهم بأقصى الْقيم وَكَانَت الْقيمَة زَائِدَة فِي يَد الْغَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وَنقص قبل أَخذ الْأجر فَالزِّيَادَة لَا يُطَالب بهَا إِلَّا الْغَاصِب ثمَّ مهما رَجَعَ طُولِبَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ من عَلَيْهِ الْقَرار فَهُوَ الْغَرَض وَإِن طُولِبَ غَيره رَجَعَ على من عَلَيْهِ الْقَرار فَإِن قيل فَلَو أتلف الْآخِذ من الْغَاصِب قُلْنَا الْقَرار عَلَيْهِ أبدا إِلَّا إِذا غره الْغَاصِب وَقدم الطَّعَام إِلَيْهِ للضيافة فَأكل فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا النّظر إِلَى مُبَاشَرَته وَالثَّانِي بل الْقَرار على الْغَاصِب لِأَنَّهُ غَار وَلَو قدمه إِلَى الْمَالِك وغره فَأَكله فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يُحَال على الْمَالِك حَتَّى ذكر الْأَصْحَاب ترددا فِيمَا إِذا أودع الْمَالِك فَتلف تَحت يَده وَأَنه هَل يسْقط الضَّمَان وَلَو قَالَ للْمَالِك اقْتُل هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ لي فَقتل سقط الضَّمَان عَن الْغَاصِب لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 لَا غرور مَعَ تَحْرِيم الْقَتْل بِخِلَاف الضِّيَافَة وَلَو قَالَ أعتق فَأعتق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه لَا ينفذ الْعتْق لِأَنَّهُ قصد بِهِ جِهَة الْوكَالَة فَهُوَ مَعْذُور بِخِلَاف مَا إِذا رأى عبدا فِي ظلمَة فَظَنهُ أَنه للْغَيْر فَقَالَ أَنْت حر فَإِنَّهُ ينفذ لِأَنَّهُ غير مَعْذُور وَالثَّانِي ينفذ الْعتْق وَلَا يُطَالب الْغَاصِب بالغرم لِأَنَّهُ نفذ عتقه فِي ملكه فَلَا معنى للغرم وَالثَّالِث أَنه ينفذ الْعتْق وَيُطَالب بالغرم لكَونه غير مَعْذُور أما إِذا زوج الْجَارِيَة من الْمَالِك غرُورًا فاستولدها نفذ الِاسْتِيلَاد قطعا لِأَنَّهُ فعل وَقد صَادف ملكه وَمِنْهُم من شَبَّبَ أَيْضا فِيهِ بِخِلَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْأَمْوَال وينقسم إِلَى الْمَنْفَعَة وَالْعين أما الْعين فينقسم إِلَى الْحَيَوَان وَغَيره أما الْحَيَوَان فَالْعَبْد مَضْمُون عِنْد الْغَصْب والإتلاف بِكَمَال قِيمَته وَإِن زَاد على أَعلَى الدِّيات خلافًا لأبي حنيفَة وجراح العَبْد من قِيمَته عِنْد قطع أَطْرَافه كجراح الْحر من دِيَته فِي القَوْل الْمَنْصُوص وعَلى هَذَا إِذا قطع الْغَاصِب يَد عبد فنقص من قِيمَته ثُلُثَاهُ لَزِمته الزِّيَادَة لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَده فَيجب السُّدس بِحكم الْغَصْب وَالنّصف بِحكم الْجِنَايَة فَيلْزمهُ أَكثر الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قدر النُّقْصَان فَلَو سَقَطت يَد العَبْد بِآفَة فِي يَد الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا أرش النُّقْصَان على هَذَا الْمَذْهَب لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وَلذَلِك نقُول المُشْتَرِي إِذا قطع يَدي العَبْد الْمَبِيع لَا نجعله قَابِضا كَمَا العَبْد لِأَن خاصية الْجِنَايَة لَا يتَعَدَّى إِلَى البيع أما سَائِر الْحَيَوَانَات فالمتبع فِيهَا النُّقْصَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي عين الْفرس وَالْبَقر ربع قِيمَته وَهُوَ تحكم أما الجمادات فَكل مُتَمَوّل مَعْصُوم مَضْمُون أما الْخمر فَلَا يضمن عندنَا لَا للذِّمِّيّ وَلَا للْمُسلمِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يضمن للذِّمِّيّ وَكَذَا الْخِنْزِير والملاهي أَيْضا غير مضمونه فَإِن تكسيرها وَاجِب نعم لَا يتبع بيُوت أهل الذِّمَّة وَلَكِن إِذا أظهروها كسرناها وَاخْتلفُوا فِي حد الْكسر الْمَشْرُوع فَقيل إِنَّه لَا تحرق أصلا إِذْ فِيهِ إِتْلَاف الْخشب وَلَكِن يرخص وَهُوَ غَايَة الْمُبَالغَة وَقيل إِنَّه يَكْفِي أَن يفصل بِحَيْثُ لَا يُمكن اسْتِعْمَاله فِي الْمحرم وَلَا يَكْفِي قطع الْوتر بِالْإِجْمَاع وَقيل إِنَّه يرد إِلَى حد يفْتَقر إِلَى من يردهُ إِلَى الْهَيْئَة الْمُحرمَة إِلَى اسْتِئْنَاف الصَّنْعَة الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا الْمُبْتَدِئ للصنعة وَهَذَا هُوَ الأقصد كَذَا القَوْل فِي كسر الصَّلِيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 أما الْمَنْفَعَة فَيضمن بالتفويت والفوات تَحت الْيَد العادية وَلَكِن من العَبْد وَسَائِر الْأَمْوَال وَالْمكَاتب والمستولدة مُلْحق فِي ضَمَان الْعين وَالْمَنْفَعَة بالقن وَأما مَنْفَعَة الْبضْع فَلَا يضمن بِالْيَدِ إِ نما يضمن بِالْإِتْلَافِ وَأما مَنْفَعَة بدن الْحر إِن استخدمه إِنْسَان ضمنه وَإِن حَبسه وعطله فَوَجْهَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 أَحدهمَا بلي للتفويت وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَد الْحر الْمَحْبُوس وعَلى هَذَا يَنْبَنِي مَا إِذا أورد الْإِجَارَة على عينه ثمَّ سلم نَفسه وَلم يَسْتَعْمِلهُ إِن قُلْنَا بِالْحَبْسِ يضمن لافتستقر الْأُجْرَة وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر حرا فَهَل إِجَارَته إِن قُلْنَا لَا يدْخل تَحت يَده فَلَا وَإِن قُلْنَا يضمن بِالْحَبْسِ لدُخُوله تَحت يَده فَيصح الْإِجَارَة وَلَو وَلبس ثوبا وَغرم أرش نقص البلي فَهَل ينْدَرج تَحْتَهُ أجره الْمثل وَجْهَان وَكَذَا لَو غصب عبدا فاصطاد فَهُوَ لمَوْلَاهُ فَهَل يسْقط بِهِ أُجْرَة منفعَته لحصوله لَهُ وَجْهَان وَفِي ضَمَان مَنْفَعَة الْكَلْب الْمَغْصُوب وَجْهَان وَلَو اصطاد بكلب مَغْصُوب فالصيد للْمَالِك على أحد الْوَجْهَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 الرُّكْن الثَّالِث فِي الْوَاجِب وينقسم إِلَى الْمثل وَالْقيمَة أما الْمثل فَوَاجِب فِي كل مَا هُوَ من ذَوَات الْمثل وَقيل فِي حَده إِنَّه كل مَوْزُون أَو مَكِيل وَهُوَ بَاطِل بالمعجونات والمعروضات على النَّار وَقيل إِنَّه كل مُقَدّر بِالْوَزْنِ والكيل يجوز السّلم فِيهِ وَيجوز بيع بعضه بِبَعْض وَهَذَا يخرج مِنْهُ الْعِنَب وَالرّطب وإخراجه عَن الْمِثْلِيَّات بعيد وَيدخل فِيهِ صنجات الْمِيزَان والملاعق المتساوية فِي الصَّنْعَة الموزونة وَلَيْسَت مثلية وَالصَّحِيح أَنه الَّذِي تتماثل أجزاؤه فِي الْقيمَة وَالْمَنْفَعَة من حَيْثُ الذَّات لَا من حَيْثُ الصَّنْعَة وَفِي الْمِثْلِيَّات سِتّ مسَائِل الأولى إِذا أعوز الْمثل رَجعْنَا إِلَى الْقيمَة فَإِن كَانَت الْقيمَة قد اخْتلفت فِي مُدَّة بَقَاء الْعين الْمَغْصُوبَة وَبعدهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْوَاجِب أقْصَى قيمَة الْمَغْصُوب من يَوْم الْغَصْب إِلَى يَوْم التّلف لأَنا عجزنا عَن الْمثل فَصَارَ كَأَن لَا مثل لَهُ وَيرجع إِلَى قيمَة الْمَغْصُوب وَالثَّانِي أَنا نوجب قيمَة الْمثل لِأَنَّهُ الْوَاجِب فيراعى أقْصَى الْقيم من وَقت تلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 الْمَغْصُوب إِلَى وَقت إعواز الْمثل وَالثَّالِث أَنه يرْعَى أقْصَى الْقيمَة من وَقت الْغَصْب إِلَى الإعواز وَقيل إِلَى وَقت الطّلب الثَّانِيَة إِذا غرم الْقيمَة ثمَّ قدر على الْمثل فَفِي رد الْقيمَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ الْقَضَاء بِالْبَدَلِ فَصَارَ كَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَة وَالثَّانِي يرد كَالْعَبْدِ الْآبِق إِذا رَجَعَ بعد الْغرم الثَّالِثَة إِذا أتلف مثلِيا فظفر بِهِ الْمَالِك فِي غير ذَلِك الْمَكَان لم يُطَالِبهُ بِالْمثلِ لِأَن مثله هُوَ مَا يُؤَدِّي فِي ذَلِك الْمَكَان وَلَكِن إِذا تعذر ذَلِك فَيغرم فِي الْحَال الْقيمَة بالحيلولة إِلَى إِن يَتَيَسَّر الرُّجُوع إِلَى ذَلِك الْمَكَان بِخِلَاف مَا إِذا مضى زمَان فَإِن إِعَادَة الزَّمَان الْمَاضِي غير مُمكن فاكتفينا بِمَا لَيْسَ مثلا وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يُطَالب بِالْمثلِ عِنْد اخْتِلَاف الْمَكَان إِلَّا إِذا لم تكن لَهُ قيمَة كَالْمَاءِ على شط دجلة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه إِن كَانَ الْقيمَة مثله أَو أقل فَلهُ الْمُطَالبَة وَإِن كَانَ أَكثر فَلَا وَالْمَشْهُور الأول وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير مثلية فَيخرج على الْوَجْه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 وَلَو غصب فِي بَلْدَة وأتلف فِي بلدتي فظفر بِهِ فِي ثَالِث فَقُلْنَا لَا يُطَالب بِالْمثلِ فَلهُ أَن يُطَالب بِقِيمَة أَي بَلْدَة شَاءَ من بلدته الْغَصْب والإتلاف وَكَذَا يُطَالب فِي البلدتين إِذا ظفر بِهِ فيهمَا أما الْمُسلم إِلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يُطَالب بِالْقيمَةِ أَيْضا لِأَنَّهُ اعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَيمكن أَن يُقَال يَأْخُذ للْحَيْلُولَة وَلَا تكون مُعَاوضَة فَإِن لم يقل ذَلِك فليثبت للْمُسْتَحقّ فسخ لتعذر الِاسْتِيفَاء الرَّابِعَة إِذا كسر آنِية قيمتهَا عشرُون ووزنها عشر فالنقرة من ذَوَات الْأَمْثَال فَفِيهِ وَجْهَان أعدلهما أَن الْوَزْن يُقَابل بِمثلِهِ والصنعة بِقِيمَتِهَا من غير جنس الْآنِية حذرا عَن الرِّبَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يُبَالِي بالمقابلة بِجِنْسِهِ فَيكون الْبَعْض فِي مُقَابلَة الصَّنْعَة كَمَا لَو أفرد الصَّنْعَة بِالْإِتْلَافِ الْخَامِسَة لَو لم يُوجد الْمثل إِلَّا بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل فَفِي تَكْلِيفه ذَلِك وَجْهَان السَّادِسَة لَو اتخذ من الْحِنْطَة دَقِيقًا وَقُلْنَا لَا مثل للدقيق أَو من الرطب تَمرا وَقُلْنَا لَا مثل لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 فَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه الْحِنْطَة وَالتَّمْر لِأَن الْمثل أقرب وَالْأولَى أَن يُخَيّر بَين الْمثل وَالْقيمَة لِأَنَّهُ قوت كِلَاهُمَا فَأشبه مَا لَو اتخذ من الْمثْلِيّ مثلِيا كالشيرج من السمسم فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَين المثلين الْقسم الثَّانِي المتقومات وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا أبق العَبْد الْمَغْصُوب طُولِبَ الْغَاصِب بِقِيمَتِه للْحَيْلُولَة وَلَا يملك العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عَاد العَبْد يجب رده واسترداد الْقيمَة وَمَا دَامَ العَبْد قَائِما يَصح الْإِبْرَاء عَن هَذِه الْقيمَة وَلَا يجْبر الْمَالِك على أَخذ الْقيمَة لِأَنَّهَا لَيست عين حَقه وَهل يغرم قيمَة الْمَنْفَعَة والزوائد الْحَاصِلَة بعد الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 إِن كَانَ الْغَاصِب هُوَ الَّذِي عَيبه فِي شغله غرم وَإِن هرب العَبْد فَوَجْهَانِ وَهُوَ تردد فِي أَن علائق الْغَصْب هَل تَنْقَطِع فِي الْحَال بِالضَّمَانِ وَلَو عَاد العَبْد فَهَل للْغَاصِب حبس العَبْد إِلَيّ أَن يرد إِلَيْهِ الْقيمَة قَالَ القَاضِي لَهُ ذَلِك وَأسْندَ إِلَيّ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي غير الْمُخْتَصر وَكَذَلِكَ قَالَ المُشْتَرِي إِذا اشْترى شِرَاء فَاسِدا يحبس الْمَبِيع إِلَيّ أَن يرد عَلَيْهِ الثّمن وَفِيمَا ذكره احْتِمَال ظَاهر الثَّانِيَة إِذا تنَازعا فِي تلف الْمَغْصُوب قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَوْل فول الْمَالِك إِذْ الأَصْل عدم التّلف وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بل القَوْل قَول الْغَاصِب فَإِنَّهُ رُبمَا صدق فتخليد الْحَبْس عَلَيْهِ أبدا غير مُمكن فَإِن حلف الْغَاصِب على التّلف فقد قيل لَا يُطَالب الْمَالِك الْغَاصِب بِالْقيمَةِ لِأَن الْعين قَائِمَة بِزَعْمِهِ فَلَا يسْتَحق الْقيمَة وَالأَصَح أَن لَهُ ذَلِك إِذا تعذر بِسَبَب الْحلف الرُّجُوع أما إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الْقيمَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب قطعا لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 فَإِن أَقَامَ الْمَالِك شُهُودًا على الصِّفَات دون الْقيمَة لم يجز للمقومين الِاعْتِمَاد على الْوَصْف فِي التَّقْوِيم لِأَن الْمُشَاهدَة هِيَ الْمعرفَة للقيمة نعم لَو أبعد الْغَاصِب فِي التقليل فَيُطَالب بِأَن يترقى إِلَى أقل دَرَجَة مُحْتَملَة هَذِه الصِّفَات وَإِن قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا نَدْرِي الْقيمَة فَلَا تسمع دَعْوَى الْمَالِك مَا لم يعين وَلَا يَمِين على الْغَاصِب مَا لم يكين وَإِن قَالَ الْغَاصِب هُوَ مائَة فَأَقَامَ الْمَالِك شَاهدا أَنه فَوق الْمِائَة وَلم يعينوا قبلت الشَّهَادَة فِي وجوب الزِّيَادَة على الْمِائَة وَقيل أَنه لَا تقبل الثَّالِثَة إِذا تنَازعا فِي عيب فِي أصل الْخلقَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب إِذْ الأَصْل عدم السَّلامَة وَقيل لَا بل الظَّاهِر هُوَ السَّلامَة وَلَو اخْتلفَا فِي صَنْعَة العَبْد فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب وَقيل بل القَوْل قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ أعرف بالصنعة وَهُوَ ضَعِيف الرَّابِعَة إِذا تنَازعا فِي الثَّوْب الَّذِي على العَبْد الْمَغْصُوب فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب لِأَن العَبْد وَمَا عَلَيْهِ فِي يَده فَإِذا قَالَ هُوَ لي لم تزل يَده إِلَّا بِبَيِّنَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الطوارئ على الْمَغْصُوب فِي نُقْصَان أَو زِيَادَة أَو تصرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاث فُصُول الأول فِي النُّقْصَان وَفِيه مسَائِل أَربع الأولى إِذا غصب شَيْئا يُسَاوِي عشرَة فَعَادَت قِيمَته إِلَى دِرْهَم فَرد الْعين لم يلْزمه النُّقْصَان خلافًا لأبي ثَوْر لِأَن الْغَائِب هُوَ رغبات الْفَارِس وَلم يفت من الْعين شَيْء وَإِن تلف بعد أَن عَاد إِلَى دِرْهَم لزمَه قِيمَته عشرَة إِن كَانَ من ذَوَات الْقيمَة وَإِلَّا فيشتري مثله بدرهم وَلَو غصب ثوبا وَقِيمَته عشرَة فَعَاد إِلَى خَمْسَة ثمَّ لبسه حَتَّى عَاد إِلَى أَرْبَعَة فقد نقص باللبس دِرْهَم وَهُوَ خمس الثَّوْب فالقدر الْفَائِت يغرمه بأقصى الْقيم وَهُوَ دِرْهَمَانِ خمس الْعشْرَة فَيَرُدهُمَا مَعَ الثَّوْب فَمَا بَقِي اكْتفى بِهِ وَمَا فَاتَ غرم بِحِسَاب أقْصَى الْقيم وَهَذَا حكم الْفَوات والتفويت وَلَو جنى على ثوب فمزقه خرقا لم يملك الْخرق عندنَا وَلَكِن يرد مَا بَقِي مَعَ أرش النَّقْص لَيْسَ للْمَالِك سَوَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْغَاصِب يملك الْخرق وَيضمن الْكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 هَذَا إِذا كَانَت الْجِنَايَة وَاقعَة فَلَو بل الْحِنْطَة حَتَّى استمكن العفن الساري مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يتَخَيَّر الْمَالِك بَين أَن يُطَالِبهُ بِالْمثلِ أَو يَأْخُذ الْحِنْطَة المبلولة ويغرمه الْأَرْش وَهُوَ خلاف قِيَاس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ المبلولة لَهَا قيمَة على كل حَال وَهُوَ عين ملك الْمَالِك فليتعين لَهُ فَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا كَذَلِك وَهُوَ أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأَرْش وَمن قرر النَّص وَجه بِأَنَّهُ نُقْصَان لَا موقف لآخره حَتَّى يضْبط وطرد هَذَا فِيمَا لَو اتخذ الحلوة من الدَّقِيق وَالسمن والفانيذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 وَتردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي السل وَالِاسْتِسْقَاء فِي العَبْد من حَيْثُ إِنَّه لَا وقُوف لَهُ غَالِبا إِلَى الْهَلَاك فَهُوَ من وَجه كالإهلاك أما إِذا طحن الْحِنْطَة فَلَا وَجه إِلَّا الرَّد للدقيق فَإِن لَيْسَ بإهلاك وَإِن كَانَ يقصر مُدَّة الادخار هَذَا فِي غير العَبْد أما العَبْد فَيضمن الْغَاصِب جملَته بأقصى قِيمَته تلف أَو أتلف وَإِن قطع إِحْدَى يَدَيْهِ غرم أَكثر الْأَمريْنِ من أرش النَّقْص أَو مِقْدَار الْيَد إِن قُلْنَا إِن أَطْرَاف العَبْد مقدرَة وَالزِّيَادَة على الْمُقدر للفوات تَحت يَده وَلَو سَقَطت يَده بِآفَة سَمَاوِيَّة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يضمن الْمُقدر لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة وَإِن قطع يَد العَبْد فِي يَد الْغَاصِب غير الْغَاصِب فالمالك يتَخَيَّر فَيُطَالب الْقَاطِع بالمقدر أَو الْغَاصِب بِأَرْش النَّقْص فَإِن زَاد الْمِقْدَار فَهَل يُطَالب الْغَاصِب بِتِلْكَ الزِّيَادَة فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه وَجب بِجِنَايَة وَلَكِن من غَيره فِي يَده وَلَو قطعت يَد العَبْد قصاصا أَو فِي حد فَهُوَ من حَيْثُ إِنَّه مهدر يضاهي السُّقُوط بِآفَة وَمن حَيْثُ إِنَّه قطع يضاهي الْجِنَايَة فَفِي لُزُوم الْمُقدر على الْغَاصِب تردد فرع لَو قتل العَبْد قتل قصاص فاستوفى السَّيِّد الْقصاص لم يبْق لَهُ على الْغَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 مُطَالبَة بِقِيمَتِه وَإِن كَانَ قيمَة العَبْد الْقَاتِل أقل لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيفَاءِ كَأَنَّهُ اسْتردَّ فَهُوَ فِي حق الْغَاصِب كالاسترداد وَلَو كَانَ تعلق بِرَقَبَة العَبْد مَال فَهُوَ فِي حق مُسْتَحقّ المَال كالموت حَتَّى لَا يجب على السَّيِّد الْفِدَاء بِأَن قتل قَاتله لِأَن غَرَض الْقصاص يعم أَعْرَاض الْمَالِيَّة وَهل لَهُ أَن يعْفُو على غير مَال يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْعمد الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا نقص العَبْد بِأَن جنى جِنَايَة اسْتحق عَلَيْهَا الْقصاص فَقتل كَانَ للسَّيِّد مُطَالبَة الْغَاصِب بأقصى قِيمَته لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَة تَحت يَده وَلَو تعلق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ فَيغرم الْغَاصِب للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أرش الْجِنَايَة كَمَا يغرمه الْمَالِك إِذا منع البيع وَكَأن الْغَاصِب مَانع فَإِن مَاتَ العَبْد فِي يَده بعد الْجِنَايَة يغرم للْمَالِك قِيمَته وللمجني عَلَيْهِ الْأَرْش فَإِن سلم الْقيمَة أَولا كَانَ للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَخذ الْقيمَة من الْمَالِك لِأَنَّهُ بدل عبد تعلق بِرَقَبَتِهِ حَقه ثمَّ إِذا أَخذه الْمَجْنِي عَلَيْهِ رَجَعَ الْمَالِك بِمَا أَخذه على الْغَاصِب لِأَنَّهُ لم يسلم لَهُ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا نقل التُّرَاب من أَرض الْمَالِك وَتلف التُّرَاب فَهُوَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَإِن كَانَ بَاقِيا فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِالرَّدِّ وتسوية الْحفر فَإِن أَبى الْمَالِك لم يكن للْغَاصِب أَن ينْقل التُّرَاب إِلَى ملكه بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ تصرف فِي ملكه إِلَّا إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 كَانَ يتَضَرَّر بِالتُّرَابِ بِكَوْنِهِ فِي ملكه أَو فِي شَارِع يخَاف أَن يتعثر بِهِ غَيره وَيضمن فَلهُ أَن يرد إِلَى ملكه إِن لم يجد مَكَانا آخر وَقد نقل الْعِرَاقِيُّونَ من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب أرش نُقْصَان الْحفر على الْغَاصِب وَفِي البَائِع إِذا أحدث الْحفر بقلع أَحْجَار كَانَت لَهُ فِيهِ أَنه يلْزمه التَّسْوِيَة ثمَّ ذكرُوا طريقتين أَحدهمَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا لَا من حَيْثُ إِنَّه مُقَابلَة فعل بِمثلِهِ فَهُوَ بعيد كتكليف بِنَاء الْجِدَار بعد هَدمه وَالثَّانِي بلَى لِأَن التَّسْوِيَة كَمَا كَانَ مُمكن وَالْبناء يخْتَلف والطريقة الثَّانِيَة الْفرق تَغْلِيظًا على الْغَاصِب فِي مُطَالبَته بِالْأَرْشِ بعدوانه أما إِذا حفر بِئْرا فِي دَاره فللغاصب طمها لِأَنَّهُ فِي عُهْدَة الضَّمَان لَو تردى فِيهَا إِنْسَان فَلَو قَالَ الْمَالِك أَبْرَأتك عَن الضَّمَان فَهَل ينزل ذَلِك منزلَة الرِّضَا بِالْحفرِ ابْتِدَاء فِيهِ فِي سُقُوط الضَّمَان وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 فَإِن قُلْنَا نعم فَلَيْسَ لَهُ طمها وَإِلَّا فَلهُ ذَلِك نفيا للعهدة الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا أخصى الْغَاصِب العَبْد يلْزمه كَمَال قِيمَته فَإِن سقط ذَلِك الْعُضْو بِآفَة سَمَاوِيَّة فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن الْقيمَة تزيد بِهِ وَلَا ينقص وَكَذَا إِذا كَانَ سمينا سمنا مفرطا فنقص بعضه وزادت بِهِ قِيمَته لم يلْزمه شَيْء وَإِن أَخذ زيتا وأغلاه حَتَّى رده إِلَى نصفه وَلم تنقص قِيمَته يلْزمه مثل مَا نقص لِأَن لَهُ مثلا بِخِلَاف السّمن وَلَو أغْلى الْعصير حَتَّى نقص وَزنه وزادت قِيمَته فَيجب مثل مَا فَاتَ وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يجب لِأَن الْفَائِت هُوَ المائية الَّتِي لَا قيمَة لَهَا بِخِلَاف الزَّيْت فَإِن جَمِيع أَجْزَائِهِ مُتَقَومَة وَلَو هزلت الْجَارِيَة ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة أَو نسيت الصَّنْعَة ثمَّ عَادَتْ وَتعلم أَو تذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 فَفِي وجوب ضَمَان مَا فَاتَ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب وَإِنَّمَا الْعَائِد رزق جَدِيد وَالثَّانِي أَنه ينجبر بِهِ لِأَنَّهُ رد كَمَا أَخذ وَفِي التَّذَكُّر أولى بِأَن ينجبر لِأَنَّهُ عَاد مَا كَانَ بالتذكر بِخِلَاف السّمن وَكَذَا لَو كسر الْحلِيّ ثمَّ أعَاد مثل تيك الصَّنْعَة فعلى الْخلاف وَلَو أعَاد صَنْعَة أُخْرَى لَا ينجبر وَإِن كَانَ أرفع مِمَّا كَانَ حَتَّى لَو غضب نقرة قيمتهَا دِرْهَم وأتخذ مِنْهُ حليا قِيمَته عشرَة وَجب رد الْحلِيّ وَلَا يقوم لَهُ صَنْعَة لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بهَا وللمالك أَن يجْبرهُ على الْكسر وَالرَّدّ إِلَيّ مَا كَانَ فَإِن نقص بكسرة هـ قيمَة النقرة غرم النُّقْصَان فَلَا يغرم نُقْصَان الْكسر فَإِنَّهُ مجير عَلَيْهِ وَلَو كسر بِنَفسِهِ دون إِجْبَار غرم وَإِن كَانَ من صَنعته لِأَنَّهُ صَار ملكا للْمَالِك تبعا للنقرة وَلَو غضب عصيرا فَصَارَ خمرًا غرم الْعصير بِمثلِهِ لفَوَات مَالِيَّته فَلَو أنقلب خلا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يُطَالِبهُ بِمثل الْعصير والخل أَيْضا لَهُ وَهُوَ رزق جَدِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وَالثَّانِي أَنه يسْتَردّ الْخلّ وَأرش النُّقْصَان إِن نقص قيمَة الْخلّ من الْعصير وَهَذَا أعدل وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْبَيْضَة إِذا تفرخت وَالْبذْر إِذا تعفن وَصَارَ زرعا وَالْأَصْل الِاكْتِفَاء بالزرع والفرخ لِأَنَّهُ اسْتِحَالَة فِي عين ملكه وَلَو غصب خمرًا فتخلل فِي يَده أَو جلد ميتَة فدبغه فَفِي الْجلد والخل ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لمغصوب مِنْهُ وَالثَّانِي أَنه للْغَاصِب إِذا حدثت الْمَالِيَّة بِفِعْلِهِ وَالثَّالِث أَن الْجلد للْمَغْصُوب مِنْهُ فَإِن اخْتِصَاصه بِهِ كَانَ محترقا بِخِلَاف الْخمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 الْفَصْل الثَّانِي فِي الزِّيَادَة وَفِيه خمس مسَائِل الأولى زِيَادَة الْأَثر كَمَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو نقرة فصاغها أَو ثوبا فَقَصره أَو خاطه أَو طنا فَضَربهُ لَبَنًا فَلَا يملك الْغَاصِب شَيْء من ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا أبطل أَكثر مَنَافِعه ملكه ثمَّ لَا يصير الْغَاصِب شَرِيكا بِسَبَب الصَّنْعَة لِأَنَّهُ عدوان لَا قيمَة لَهُ فَهُوَ للْمَالِك وللمالك أَن يجْبرهُ على إِعَادَته إِلَى مَا كَانَ إِن أمكن ذَلِك أَو تغريمه أرش النُّقْصَان إِن نقص الثَّانِيَة زِيَادَة الْعين بِأَن غصب ثوبا قِيمَته عشرَة وصبغه بصبغ من عِنْده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 قِيمَته عشرَة فَإِن كَانَ الثَّوْب يُسَاوِي عشْرين فَهُوَ بَينهمَا فَيُبَاع بِعشْرين وَيَأْخُذ كل وَاحِد عشرَة وَإِن وجد زبون اشْترى بِثَلَاثِينَ صرف إِلَى كل وَاحِد خَمْسَة عشر وَلم يكن الصَّبْغ كالخياطة فَإِن الْخياطَة عين الْعدوان والصبغ عين مَمْلُوكَة وَإِن كَانَ يشترى بِخَمْسَة عشر فَلصَاحِب الثَّوْب عشرَة وللغاصب خَمْسَة وَالنُّقْصَان مَحْسُوب على الصَّبْغ فَإِنَّهُ تَابع وَلَو لم يشتر إِلَّا بِعشْرَة فَالْكل لصَاحب الثَّوْب وَلَو لم يشتر إِلَّا بِثمَانِيَة غرم الْغَاصِب دِرْهَمَيْنِ وَهَكَذَا التَّفْصِيل فِيمَا لَو طير الرّيح ثوبا وألقاه فِي إجانة صباغ وَكَذَلِكَ إِذا غصب الصَّبْغ من إِنْسَان وَالثَّوْب من إِنْسَان فَإِن أثر الْعدوان لَا يظْهر فِي إبِْطَال الْملك من عين الصَّبْغ وَهُوَ عين مَاله هَذَا كُله إِذا كَانَ الْفَصْل غير مُمكن فَإِن قبل الصَّبْغ الْفَصْل فللغاصب أَن يفصله كَمَا لَهُ أَن يقْلع غراسه وزرعه وَإِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى نُقْصَان الثَّوْب وَلَكِن يفصل وَيغرم أرش النُّقْصَان فَإِن امْتنع الْغَاصِب فللمالك أَن يجْبرهُ على الْفَصْل ويغرمه أرش نُقْصَان الثَّوْب كَمَا فِي الْغَرْس وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يجْبر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيت الصَّبْغ فَهُوَ تعنت مَحْض بِخِلَاف الزَّرْع وَالْغِرَاس لِأَن الصَّبْغ يضيع بِالْفَصْلِ فَإِن كَانَ لَا يضيع يجْبر إِلَّا إِذا ظهر فِي الثَّوْب نُقْصَان لَا يَفِي الصَّبْغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 المفصول بِهِ فَهُوَ أَيْضا ضيَاع فروع أَرْبَعَة أَحدهَا أَن بيع الثَّوْب دون الصَّبْغ والصبغ دون الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي قِطْعَة أَرض لَا ممر لَهَا إِلَّا بِأَن يشترى لَهَا ممر لِأَنَّهُ لَا يُمكن أنتفاع بِأَحَدِهِمَا دون الآخر الثَّانِي إِذا أَرَادَ الْمَالِك بيع الثَّوْب أجبر الْغَاصِب على بيع الصَّبْغ إِذْ لَا يرغب فِي الثَّوْب دونه فَلَا يعطل قيمَة الثَّوْب عَلَيْهِ وَلَو أَرَادَ الْغَاصِب بيع الصَّبْغ فَهَل يجْبر الْمَالِك على بيع الثَّوْب وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا شريكان فَلَا يفترقان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بصبغه فَلَا يملك الْإِجْبَار الثَّالِث لَو قَالَ الْغَاصِب وهبت الصَّبْغ من الْمَالِك فَهَل يجْبر على الْقبُول فِيهِ وَجْهَان مطلقان فِي طَريقَة الْعرَاق وَوجه الْإِجْبَار التّبعِيَّة كَمَا فِي نعل الدَّابَّة الْمَرْدُودَة بِعَيْب قديم إِذا كَانَ النَّعْل للْمُشْتَرِي وَالْوَجْه أَن يفصل فَإِن كَانَ الصَّبْغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 معقودا لَا يُمكن فَصله فَيجْبر أَو قبل الْفَصْل من غير نُقْصَان ظَاهر فِي الصَّبْغ وَالثَّوْب فَلَا يجْبر على الْقبُول إِذْ لَا ضَرُورَة للْغَاصِب فِي التَّمْلِيك وَإِن كَانَ يقبل الْفَصْل وَينْقص قِيمَته وَقُلْنَا إِنَّه يجْبر على الْفَصْل فَعِنْدَ هَذَا لَهُ ضَرُورَة فِي التَّمْلِيك فينقدح وَجْهَان وَوجه الْفرق بَينه وَبَين النَّعْل مَعَ الِاشْتِرَاك فِي نوع ضَرُورَة أَنه مُتَعَدٍّ الرَّابِع لَو قَالَ الْمَغْصُوب مِنْهُ أبدل قيمَة الصَّبْغ وأتملكه عَلَيْك كَمَا يفعل معير الأَرْض بغراس الْمُسْتَعِير لم يُمكن مِنْهُ لِأَنَّهُ قَادر هَا هُنَا على إِجْبَاره على الْفَصْل مجَّانا أَو على البيع وَبيع الثَّوْب سهل بِخِلَاف الْعقار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا غصب أَرضًا وَبنى فِيهَا أَو زرع أَو غرس فَحكمه حكم الصَّبْغ الْقَابِل للفصل وَقد ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الْخَلْط إِذا خلط الزَّيْت الْمَغْصُوب بِزَيْت هُوَ ملكه نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير على أَنه هلك فِي حق الْمَغْصُوب فِيهِ إِذْ قَالَ للْغَاصِب أَن يسلم إِلَيْهِ مثل حَقه من أَي مَوْضُوع شَاءَ وَقِيَاس مذْهبه أَن يتَعَيَّن فِيمَا خلطه بِهِ وَأَن يصيرا شَرِيكَيْنِ إِذْ لَيْسَ الْمَالِك بِأَن يقدر هَلَاك زيته بِأولى من الْغَاصِب وَلَا أثر لفعل الْغَاصِب عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 فَمن الْأَصْحَاب من قرر النَّص وَقَالَ الزَّيْت إِذا اخْتَلَط بالزيت انْقَلب وَهَذَا تَعْلِيل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والإشكال قَائِم إِذا الْخَلْط من الْجَانِبَيْنِ فَلم كَانَ الْهَالِك ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ وَمِنْهُم من خرج قولا على الْقيَاس وطرد قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَو خلط بِمثلِهِ فهما شريكان وَلَو خلط بالأجود أَو الأردأ فَقَوْلَانِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا هلك حَقه فَيغرم الْمثل من أَيْن شَاءَ فَإِن سلم مَا هُوَ الأردأ فَلهُ الرَّد وَإِن سلم مَا هُوَ أَجود فَعَلَيهِ الْقبُول وَإِن قُلْنَا يبْقى ملكه فَلَو خلطه بِالْمثلِ قسم بَينهمَا وَإِن خلط مكيلة قيمتهَا دِرْهَم بمكيلة قيمتهَا دِرْهَمَانِ فتباع المكيلتان وَيقسم بَينهمَا على نِسْبَة الْملك فَلَو قَالَ الْمَالِك آخذ ثُلثي مكيلة عَن حَقي فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَنْع لِأَنَّهُ رَبًّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 وَنقل الْبُوَيْطِيّ الْجَوَاز وَكَأَنَّهُ أسقط بعض حَقه وسمح عَلَيْهِ بِصفة الْجُود فِي الْبَاقِي وَهُوَ بعيد فروع أَحدهَا خلط الدَّقِيق كخلط الزَّيْت الثَّانِي خليط الزَّيْت بِجِنْس آخر كالشيرج فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ كالهالك وَمِنْهُم من طرد الْخلاف الثَّالِث خلط مَاء الْورْد بِالْمَاءِ فَإِن بطلت رَائِحَته فإهلاك وَإِلَّا فَهُوَ خلط بِغَيْر الْجِنْس الرَّابِع خلط الْحِنْطَة الْبَيْضَاء بالحمراء أَو السمسم بالكتان فَعَلَيهِ التَّمْيِيز وَإِن تَعب فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي التَّرْكِيب فَإِذا غصب ساجة وأدرجها فِي بناية نزع وَهدم عَلَيْهِ بِنَاؤُه خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وَلَو غصب لوحا وأدرجها فِي سفينة فكمثل إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ حَيَوَان مُحْتَرم أَو مَال لغير الْغَاصِب وَأدّى نَزعه إِلَى فَوَاته فَيغرم الْغَاصِب الْقيمَة فِي الْحَال للْحَيْلُولَة وَيُؤَخر نَزعه إِلَى أَن ينتهى إِلَى السَّاحِل وَإِن لم يكن فِيهِ إِلَّا مَال الْغَاصِب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يبالى بِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ وَلذَلِك نخسره فِي مُؤنَة الرَّد مَالا وَهَذَا كمؤنة الرَّد وَالثَّانِي أَنه يُؤَخر لِأَن مَاله مُحْتَرم فِي غير مَحل الْعدوان بِخِلَاف الْبناء على الساجة فَإِنَّهُ عدوان بِخِلَاف مُؤنَة الرَّد فَإِنَّهُ سعي فِي الْخُرُوج عَن الْوَاجِب أما إِذا غصب خيطا وخاط بِهِ جرح حَيَوَان مُحْتَرم وَخيف من النزع الْهَلَاك فَلَا يجب إِلَّا الْقيمَة وكل حَيَوَان مُتَمَوّل لَا يُؤْكَل لَحْمه فَهُوَ مُحْتَرم وَفِيمَا يُؤْكَل لَحْمه خلاف لِأَن ذبحه مُمكن وَلكنه لغير مأكلة وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وَأما الْخِنْزِير وَالْكَلب الْعَقُور فينزع مِنْهُ وَفِي العَبْد الْمُرْتَد وَالْمَيِّت خلاف لِأَن الْمثلَة أَيْضا فيهمَا مَحْذُور فَلَا يبعد أَن يُقَاوم غَرَض الِاخْتِصَاص بمالية الْعين وَلَو كَانَ يخَاف من نزع الْخَيط من الْآدَمِيّ طول الضنى وَبَقَاء الشين فِيهِ خلاف كمثله فِي الْعُدُول إِلَيّ التَّيَمُّم عَن الْوضُوء وَحَيْثُ منعنَا النزع فَيجوز الْأَخْذ ابْتِدَاء من مَال الْغَيْر إِذا لم يجد غَيره وَإِن تعدى فِي الِابْتِدَاء وَصَارَ إِلَى حَال يخَاف النزع فَلَا ينْزع الْآن للضَّرُورَة فرعان أَحدهمَا فصيل أدخلهُ فِي بَيته فَكبر فِيهِ ينْقض بناءه وَيخرج لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَإِن دخل بِنَفسِهِ فَيخرج لحق الْحَيَوَان وَهل يغرم صَاحب الفصيل أرش النَّقْض لتخليص ملكه فِيهِ خلاف وَكَذَا إِذا سقط دِينَار فِي محبرة بِقصد صَاحب المحبرة أَو بِغَيْر قَصده فَهُوَ كالفصيل الثَّانِي زوج خف يُسَاوِي عشرَة غَاصِب فَرد خف وَقِيمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 الْبَاقِي ثَلَاثَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يغرم سَبْعَة لِأَن مَا أَخذه يُسَاوِي ثَلَاثَة وَالْبَاقِي فَاتَ بِأَخْذِهِ وَالثَّانِي يغرم ثَلَاثَة لِأَنَّهُ قيمَة مَا أَخذه فليشتر بِهِ الْمَالِك فَرد خف ليعود كَمَال قِيمَته وَالثَّالِث يغرم خَمْسَة توزيعا لنُقْصَان الِانْفِرَاد فَإِنَّهُ لَو أتلف غيرَة الْفَرد الثَّانِي لوَجَبَ التَّسْوِيَة بَينهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 الْفَصْل الثَّالِث فِي تَصَرُّفَات الْغَاصِب وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي الْوَطْء فَإِذا بَاعَ جاريه مَغْصُوبَة فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما بِالْغَصْبِ لزمَه الْحَد وَيلْزمهُ الْمهْر أَن كَانَت الْجَارِيَة مستكرهة وَإِن كَانَت راضية فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يجب لِأَن الْمهْر للسَّيِّد فَلَا أثر لرضاها بِخِلَاف الْحرَّة وَالثَّانِي لَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا مهر لبغيه وَهَذَا عَام ثمَّ أَن وطئ على ظن الْجَوَاز فَلَا يلْزمه إِلَّا مهر وَاحِد وَإِن وطئ مرَارًا مَا دَامَت الشُّبْهَة متحدة اعْتِبَارا لسَبَب الْحُرْمَة بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الأَصْل وَإِذا أَوجَبْنَا الْمهْر فِي صُورَة الاستكراه ووطئ مرَارًا تردد فِيهِ الشَّيْخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 أَبُو مُحَمَّد وميل الإِمَام إِلَيّ التَّعَدُّد لِأَن مُسْتَنده الاتلاف لَا الشُّبْهَة وَقد تعدد الاتلاف وَهل للْمَالِك مُطَالبَة الْغَاصِب بِالْمهْرِ فَإِنَّهُ وَجب بِالْوَطْءِ فِي يَده فِيهِ تردد من حَيْثُ أَن الْيَد لَا تثبت على مَنَافِع الْبضْع وَهَذَا بدله أما الْوَلَد فَهُوَ رَقِيق إِن كَانَ عَالما وَلَا نسب لَهُ فَإِنَّهُ ولد الزِّنَا وَإِن انْفَصل حَيا أنفصل من ضَمَانه فَإِن مَاتَ ضمنه وَأَن أنفصل مَيتا فَالْأَظْهر أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ لم يستيقن حَيَاته بِخِلَاف مَا إِذا أنفصل مَيتا بِجِنَايَة فَإِنَّهُ يُحَال الْمَوْت على السَّبَب الظَّاهِر وَفِيه وَجه أَنه يضمن لِأَنَّهُ مَاتَ تَحت يَده بِخِلَاف الْوَلَد لَو كَانَ حرا عِنْد الْجَهْل وأنفصل مَيتا فَإِن الْيَد لَا تثبت على الْحر وعَلى هَذَا لَا يُمكن أَن يغرم عشر قيمَة الام لِأَنَّهُ فَوَات بإفة سَمَاوِيَّة وَالتَّقْدِير نتيجة الْجِنَايَة فَيلْزم أَن يغرم كل قِيمَته بِتَقْدِير حَيَاته وَكَذَلِكَ فِي الْبَهِيمَة وَهُوَ بعيد الطّرف الثَّانِي فِيمَا يرجع بِهِ المُشْتَرِي على الْغَاصِب إِن كَانَ عَالما لم يرجع بِشَيْء لِأَنَّهُ غَاصِب مثله وَتلف تَحت يَده وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا يرجع بِقِيمَة الْعين أَن تلف تَحت يَده لِأَنَّهُ دخل فِيهِ على شَرط الضَّمَان وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا فِي الْقدر الزَّائِد على الثّمن أَنه يرجع بِهِ أما زِيَادَة الْقيمَة قبل قبض المُشْتَرِي لَا يُطَالب بِهِ المُشْتَرِي بِحَال وَإِنَّمَا يُطَالب بِهِ الْغَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 وَأما أُجْرَة الْمَنْفَعَة الَّتِي فَاتَت تَحت يَده يرجع بهَا وَمَا فَاتَ باستيفائه فَيخرج على قولي الْغرُور مَعَ مُبَاشرَة الاتلاف فَكَذَا مهر الْمثل إِذا غرمه بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ متْلف وَالْغَاصِب غَار والمتزوج من الْغَاصِب لَا يرجع بِالْمهْرِ لِأَنَّهُ دخل على قصد ضَمَان الْبضْع وَيرجع المُشْتَرِي بقيمه الْوَلَد لِأَن الشِّرَاء لَا يُوجب ضَمَانه وَكَذَا الزَّوْج وَلَو بنى فَقلع بناءه فَالْأَظْهر أَنه يرجع بِأَرْش نقض الْهدم على الْغَاصِب لِأَنَّهُ فَاتَ بغروره وَإِلَيْهِ ميل القَاضِي وَفِيه وَجه أَنه متْلف بِالْبِنَاءِ فَلَا يرجع وَلَا خلاف أَنه لَا يرجع بِمَا أنْفق لِأَن ذَلِك يتَفَاوَت فِيهِ النَّاس وَلَو تعيب الْمَغْصُوب فِي يَد المُشْتَرِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع قَالَ الْمُزنِيّ هُوَ خلاف قِيَاسه لِأَن الْكل من ضَمَانه حَتَّى لم يرجع فِيهِ فَكيف يرجع بالأجزاء فَمن الْأَصْحَاب من وَافق وَذهب ابْن سُرَيج إِلَى تَقْرِير النَّص وَهُوَ أَن ضَمَان المُشْتَرِي ضَمَان عقد والبعقد لَا يُوجب ضَمَان الْأَجْزَاء وَكَذَلِكَ إِذا تعيب قبل الْقَبْض وَجب الْإِجَازَة بِكُل الثّمن وَلَو بَاعَ عبدا بجاريه ثمَّ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ وَالْعَبْد معيب بِعَيْب حَادث لم يجز لَهُ طلب الارش مَعَه بل عَلَيْهِ أَخذه أَو اخذ قِيمَته فَلَا يضمن إجراؤه مَعَ رد عينه فرع نُقْصَان الْولادَة عندنَا لَا ينجبر بِالْوَلَدِ خلافًا لأبى حنيفه رَحمَه الله عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 = كتاب السّلم وَالْقَرْض= الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 = كتاب السّلم وَالْقَرْض = وَفِيه قِسْمَانِ الْقسم الأول السّلم وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَمن أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم الى أجل مَعْلُوم وَالدّين يثبت فِي الذِّمَّة اخْتِيَارا بالمعاوضة وَالْقَرْض أما الْمُعَاوضَة فَالْبيع وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر الْمُعَاوَضَات فِي حق إِثْبَات المَال فِي الذِّمَّة وَأما السّلم فَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِطه وَهِي سَبْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول أَن يكون الْمُسلم فِيهِ دينا لِأَن لفظ السّلم السّلف للدّين فَإِن قيل فَلَو عقد البيع بِلَفْظ السّلم بَان قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا العَبْد قُلْنَا لم ينقعد سلما وَفِي انْعِقَاد البيع بِهِ قَولَانِ ذكرهمَا القَاضِي أَحدهمَا لَا لِأَن لفظ السّلم ينبو عَن الْعين وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود بِحكم الْحَال صَار مَعْلُوما مِنْهُ وَهُوَ قريب مِمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن أَنه أهل ينْعَقد ذَلِك هبة فَإِن قيل فَلَو أسلم بِلَفْظ الشِّرَاء فَقَالَ اشْتريت مِنْك مائَة كرّ من حِنْطَة صفتهَا كَيْت وَكَيْت قُلْنَا ينْعَقد ذَلِك وَفِي ثُبُوت شَرَائِط السّلم من تَسْلِيم رَأس المَال وَمنع الِاعْتِيَاض وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يثبت لِأَن هَذِه الشَّرَائِط منوطة ببذل المَال فِي مُقَابلَة دين لَا باسم السّلم وَالثَّانِي أَنه مَنُوط باسم السّلم إِذْ لَيْسَ يعقل فِيهِ الْمَعْنى نعم هَل يجوز الِاعْتِيَاض على هَذَا عَن الْحِنْطَة فِيهِ طَرِيقَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الثّمن وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي جنسه بِخِلَاف الثّمن فَإِن قيل وَهل يشْتَرط فِي الْمُسلم فِيهِ بعد كَونه دينا تَأْجِيله قُلْنَا لَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فَهُوَ حَالا أجوز وَعَن الْغرَر أبعد ثمَّ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال أحداها أَن يُصَرح بالحلول فَهُوَ حَال والأخر أَن يُطلق فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْبطلَان لِأَن مطلقه يشْعر بالأجل وَهُوَ مَجْهُول وَالأَصَح الصِّحَّة لِأَن السّلم بيع إِلَّا انه فِي دين الثَّالِثَة أَن يُصَرح بالأجل فَلَا بُد وَأَن يكون مَعْلُوما وَفِيه مسَائِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 الأولى أَن التَّأْجِيل بالحصاد وَالعطَاء والقطاف والدياس وَمَا يتَقَدَّم ويتأخر فَاسد فَأَنَّهُ مَجْهُول وَالْمذهب جَوَاز تأقيته بالنيروز والمهرجان فَإِنَّهُ مَعْلُوم وَكَذَا بفصح النصاري وَفطر الْيَهُود إِن كَانَ يعلم ذَلِك دون مراجعتهم فانه لَا يعْتَمد على أَقْوَالهم وَلَو اقت بِنَفر الحجيج فَوَجْهَانِ لِأَن للحجيج نفرين وَمن صحّح نزل على الأول وَهُوَ جَار فِي تَأْجِيله الى ربيع وجمادى فانه مُتَعَدد وَتَعْيِين الأول للْأَدَاء مُحْتَمل الثَّانِيَة لَو قَالَ الى شهر رَمَضَان أَو الى أول يَوْم الْجُمُعَة يَصح وَيحل الْأَجَل بِأول جُزْء من رَمَضَان وَالْجُمُعَة وَلَو قَالَ تُؤَدِّيه فِي رَمَضَان أَو فِي الْجُمُعَة لم يجز جعله ظرفا وَلم يبين وقبته وَلَو قَالَ الى ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ وَقت مستهل الْهلَال حسب الْأَشْهر الثَّلَاث بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر كمل ذَلِك الشَّهْر ثَلَاثِينَ وأحتسب شَهْرَان بِالْأَهِلَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 أتباعا لفهم أهل الْعَادة فِي اتِّبَاع الْأَهِلّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله إِذا أنكسر شهر وَاحِد كمل كل شهر ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ أما إِذا قَالَ الى أول الشَّهْر أَو الى آخِره قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لِأَن أول الشَّهْر يعبر بِهِ عَن النّصْف الأول وَالْعشر الأول وَكَذَا الآخر فَهُوَ مَجْهُول قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِذا لم يكن للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي نَص فِي وَالْمَسْأَلَة لفظية فَلَيْسَ يبعد مُخَالفَة الْأَصْحَاب إِذْ يظْهر أَن يُقَال الْمَفْهُوم مِنْهُ أول جُزْء من الشَّهْر وَآخر جُزْء مِنْهُ فَلَا فرق بَين أَن يَقُول الى رَمَضَان أَو يَقُول الى أول رَمَضَان وَلَا بَين أَن يَقُول الى الْعِيد أَو الى آخر رَمَضَان الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو لم يذكر أَََجَلًا فَذَكَرَاهُ قبل التَّفَرُّق جَازَ وَهَذَا يكَاد يكون إِلْحَاق زِيَادَة بِالْعقدِ فِي مجْلِس القعد وطرده الْأَصْحَاب فِي إلحاقات الزِّيَادَات فِي الْمجْلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول السّلم الْمُطلق لَا يُصَرح بالحلول بل هُوَ مَوْقُوف فِي حق الْأَجَل على أَن يَتَفَرَّقَا فالمجلس وَقت البينان للأجل وَلَو ذكر أَََجَلًا مَجْهُولا وَحذف فِي الْمجْلس لم يَنْقَلِب العقد بعد فَسَاده صَحِيحا لِأَن الْمجْلس حَرِيم لعقد مُنْعَقد فَإِذا فسد فَلَا حَرِيم لَهُ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب وَجه أَنه ينحذف وَهُوَ بعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 الشَّرْط الثَّانِي الْقُدْرَة على التَّسْلِيم وَالْعجز مَانع وَهُوَ يَنْقَسِم الى الْمُقَارن والطارئ أما الْمُقَارن فَلَو أسلم فِي مَفْقُود حَالَة العقد مَوْجُود لَدَى الْمحل صَحَّ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقُدْرَة عِنْده تعْتَبر وَقت الْوُجُوب بِحكم الشَّرْط وَلَو كَانَ مَفْقُود الْجِنْس لَدَى الْمحل بَطل وفَاقا وان وجد فِي مَوضِع أخر فَإِن قرب من الْبَلَد بِحَيْثُ ينْقل إِلَيْهِ ذَلِك الشئ لغَرَض الْمُعَامَلَة جَازَ وَإِن كَانَ لَا ينْقل إِلَّا فِي مصادرة أَو بخفة مَعَ عسر فَلَا يَصح وَلَو أسلم فِي وَقت الباكورة فِي قدر كثير يتعسر تَحْصِيله وَلَكِن بعد عشر فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ قريب من بيع الطَّائِر المفات فِي دَار فيحاء بعسر أَخذه وَلم يذكر هَذَا الْوَجْه فِيمَا يعسر نَقله الى مَكَان التَّسْلِيم لِأَن التشاغل بنقله قبل وُجُوبه لَا يجب وَبعد وُجُوبه يفْتَقر الى مُدَّة فيتراخى عَن وَقت الِاسْتِحْقَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 ذكر وَجه فِيهِ أما الْعَجز الطَّارِئ فَهُوَ طريان آفَة قَاطِعَة للْجِنْس فَفِي أنفساخ العقد قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَو أقترن بِالِابْتِدَاءِ لمنع فاشبة تلف الْمَبِيع قبل الْقَبْض وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَفَاء بِهِ فِي السّنة الثَّانِيَة مُمكن وَالْعقد وَارِد على الذِّمَّة فَأشبه إباق الْمَبِيع فَإِنَّهُ يثبت الْخِيَار ثمَّ لَيْسَ هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر وَهُوَ كَخِيَار الاباق وَخيَار الْمَرْأَة فِي الايلاء لِأَنَّهُ نتيجة حق الْمُطَالبَة بالمستحق وَهُوَ قَائِم متجدد فِي كل حَال وَالأَصَح أَنه لَا يسْقط وَإِن صرح بالإسقاط كَمَا لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَفِيه وَجه أَنه يسْقط فرع لَو أنقطع قبل الْمحل وَعلم دوَام الِانْقِطَاع الى الْمحل فَفِي تنجز الِانْفِسَاخ وَالْفَسْخ قَولَانِ يضاهيان مَا إِذا قَالَ لآكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَتلف قبل الْغَد بآفه هَل يَحْنَث فِي الْحَال وَهُوَ مُحْتَمل جدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَعْلُوم الْوَصْف وَلَا يُمكن استقصاء كل وصف مَقْصُود وَلَكِن كل وصف مَقْصُود تخْتَلف بِهِ الْقيمَة اخْتِلَافا ظَاهرا فقد صاغ أهل اللُّغَة عَنهُ عبارَة فَلَا بُد من ذكره ثمَّ ينزل كل وصف على أقل الدَّرَجَات فَإِذا ذكر عبدا كَاتبا لم يشْتَرط التبحر فِيهِ بل مَا يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم فرعان أَحدهمَا أَن الْوَصْف الْمُعَرّف يَنْبَغِي أَن يكون مَعْلُوما لغير الْمُتَعَاقدين حَتَّى يرجع إِلَيْهِم عِنْد التَّنَازُع ولسنا نعني بِهِ الأشهاد على السّلم بل نُرِيد بِهِ الِاحْتِرَاز عَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة الَّتِي لَا يفهمها أهل الاستفاضة فَإِن فهمها عَدْلَانِ سوى الْمُتَعَاقدين دون أهل الاستفاضة فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وَكَذَا الْمِكْيَال ليكن مَعْرُوفا لغَيْرِهِمَا فَلَو لم يعرفهُ الا عَدْلَانِ فَوَجْهَانِ الثَّانِي لَو أسلم فِي الْجيد جَازَ وَنزل على أقل الدَّرَجَات وَفِي الاجود لَا يجوز إِذْ لَا جيد إِلَّا وفوقه جيد فَلهُ أَن يطْلب غير مَا يسلم إِلَيْهِ وَلَو أسلم فِي الردئ لم يجر إِلَّا فِي رداءة النَّوْع كالجعرورة لِأَن رداءة الْعَيْب لَا ضبط لَهَا وَلَو أسلم فِي الأردأ فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لِأَن طلب الأردأ مِمَّا يسلم أليه من ردئ تعنت وعناد الشَّرْط الرَّابِع تَعْرِيف الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو الْكَيْل فِي الْمُسلم فِيهِ وَيجوز الْوَزْن فِي الْمكيل والكيل فِي الْمَوْزُون بِخِلَاف الربويات فَإِن ذَلِك مبْنى على التَّعَبُّد نعم لَا يَصح السّلم فِي مكيال من الْمسك والعنبر فَإِن ذَلِك لَا يعد ضبطا فالمتبع الْمعرفَة الْمُعْتَادَة أما المعدودات فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعد لتفاوتها بل لَا بُد من الْوَزْن فَيسلم فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 الْبِطِّيخ وَالرُّمَّان وَالْبيض والباذنجان بِالْوَزْنِ وَفِي الْجَوْز وللوز قد لَا يضْبط الْوَزْن لتَفَاوت القشور وَلَكِن إِن وجد نوع يتساوى غَالِبا عرف بِالْوَزْنِ وَيجمع فِي اللبنات بَين الْوَزْن وَالْعد لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فَإِنَّهُ مَضْرُوب بِالِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْأجر أَن لم نلحقه بالدنس على رأى لاثر النَّار فِيهِ فرع إِذا عين مكيالا لَا يعْتَاد الْكَيْل بِهِ كالقصعة والكوز بَطل العقد بِهِ لعلتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 أحداهما الْجَهْل بِقدر الْمُسلم فِيهِ فانه لَا يدرى أَن الصَّفْقَة رابحه أم خاسرة وَالْأُخْرَى أَنه رُبمَا يتْلف فيتعذر الْوَفَاء بِالْعقدِ وَالسّلم يصان عَن غرر لَا غَرَض فِيهِ وَلَو قَالَ بِعْتُك من هَذِه الصُّبْرَة بملاء هَذَا الْكوز فَالْأَصَحّ الصِّحَّة لِأَن الْأَقْوَى التَّعْلِيل بالغرر وتوقع التّلف فِي السّلم وَمن علل بِالْجَهْلِ أبطل البيع وَالسّلم الْحَال مُتَرَدّد بَين البيع وَالسّلم الْمُؤَجل فَفِيهِ وَجْهَان أما إِذا عين مكيالا مُعْتَادا لَو شَرط الْكَيْل بِهِ فَلَا يتَعَيَّن إِذا لَا غَرَض فِيهِ وَهل يفْسد بِهِ العقد فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح صِحَة العقد لانه هذيان لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض فان قيل فَلَو عين شَجَرَة أَو بستانا وَقَالَ أسلمت اليك من ثَمَرَة هَذَا الْبُسْتَان قُلْنَا يبطل لعلتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 إِحْدَاهمَا ظُهُور الْغرَر بتوقع الْجَائِحَة فِي الْبُسْتَان الْمعِين وَالْأُخْرَى مناقضة الدِّينِيَّة لِأَن مَا يظْهر من ثَمَرَة الشَّجَرَة مُتَعَيّن لملكة وَحقّ الدّين أَن يسترسل فِي الذِّمَّة أما إِذا أضَاف الى نَاحيَة يبعد فِيهَا وُقُوع الآفة فَإِن أَفَادَ تنويعا صَحَّ كَقَوْلِه معقلي الْبَصْرَة لِأَن الْإِضَافَة كالوصف هَاهُنَا وَأَن لم يفد تنويعا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كتعين الْمِكْيَال إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يبطل لِأَنَّهُ تعْيين لَا يضيق مجالا أصلا الشَّرْط الْخَامِس تعيي مَكَان التَّسْلِيم فِي الْمُسلم فِيهِ وَفِيه قَولَانِ وَفِي مَحلهمَا ثَلَاثَة طرق أَحدهَا أَنه إِن كَانَ فِي النَّقْل مئونة فَلَا بُد من التعين وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالثَّانِي عكس ذَلِك وَالثَّالِث إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وَلَكِن ينزل الْمُطلق على مَكَان العقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 الشَّرْط السَّادِس تَسْلِيم رَأس المَال فِي الْمجْلس لِأَن رَأس المَال إِذا كَانَ دينا كَانَ بيع الكالئ بالكالئ وَإِن كَانَ عينا فَيجب تَعْجِيله لِأَنَّهُ أحتمل الْغرَر فِي الْمُسلم فِيهِ لحَاجَة فَيجْبر ذَلِك بتأكد الْعِوَض الثَّانِي بالتعجيل ثمَّ لَا خلاف أَنه لَو كَانَ رَأس المَال نَقْدا وَلم يُعينهُ ثمَّ عينه فِي الْمجْلس كَفاهُ لِأَن الْمجْلس كالحريم فَلهُ حكم الِابْتِدَاء وَكَذَلِكَ القَوْل فِي بيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ فِي الصّرْف واما فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَجْهَان من حَيْثُ إِذا لم يعين طَالَتْ أَو صافه وَظهر قَضِيَّة الدِّينِيَّة وَقرب من بيع الدّين بِالدّينِ بِخِلَاف النُّقُود فرع إِذا فسخ السّلم بِسَبَب اسْتردَّ عين رَأس المَال إِن كَانَ عمينا عِنْد العقد وان عين عِنْد الْقَبْض فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الرُّجُوع الى عينه فالقبض فِي الْمجْلس كإيراد العقد عَلَيْهِ وَهُوَ ملتفت أَيْضا على أَن الْمُسلم فِيهِ إِذا رد بِعَيْب كَانَ ذَلِك نقضا للْملك فِي الْحَال فَهُوَ تبين لعدم جَرَيَان الْملك فِيهِ إِذا خَالف الْوَصْف الْمُسْتَحق الشَّرْط السَّابِع تَقْدِير رَأس المَال وَفِيه قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يجوز أَن يكون جزَافا اعْتِمَادًا على العيان كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي لَا بُد من التَّقْدِير لِأَنَّهُ قد يفْسخ السّلم فَيحْتَاج الى الرُّجُوع إِلَيْهِ أَو الى قِيمَته فيتعذر وَالسّلم يبعد عَن الْغرَر مَا أمكن وَاخْتلفُوا فِي أَن هَذَا الْخلاف هَل يجرى فِي الْجَهْل بِقِيمَة رَأس المَال وَفِي السّلم الْحَال فَإِن قيل وَهل يشْتَرط كَون الْمُسلم فِيهِ مثمنا حَتَّى لَا يجوز السّلم فِي النُّقُود قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح جَوَاز السّلم مِنْهَا إِذْ لَا مَانع مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان مَا يجب وَصفه فِي الْمُسلم فِيهِ على التَّفْصِيل وَمَا يمْتَنع السّلم فِيهِ لعزة وجوده أَو لعدم إحاطة الْوَصْف بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَجنَاس من الْأَمْوَال الْجِنْس الأول الْحَيَوَان وَالسّلم فِيهِ جَائِز عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَالْمُعْتَمد فِيهِ الْأَحَادِيث والْآثَار وَإِلَّا فَالْقِيَاس مَنعه إِذْ أقرب الْحَيَوَانَات إِلَيّ قبُول الْوَصْف الطُّيُور والحمامات وَيخْتَلف الْغَرَض بكبرها وصغرها وَنحن لَا نجوز السّلم فِي المعدودات إِلَّا بِالْوَزْنِ وَالْوَزْن لَا يضْبط الْحَيَوَان مَعَ اشتماله على أخلاط مُتَفَاوِتَة وَلَكِن إِذا ثَبت بالأحاديث فالرتبة الْعليا مِنْهُ السّلم فِي الرَّقِيق وَيشْتَرط فِيهِ النَّوْع واللون والذكورة وَالْأُنُوثَة وَالسّن فَيَقُول عبد تركي أسمر ابْن سبع أَو أبن عشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وَالأَصَح أَنه لَا بُد من ذكر الْقَامَة فَيَقُول طَوِيل أَو قصير أَو ربع ثمَّ ينزل من كل رتبه على الْأَقَل وَلَا يُقيد ذَلِك بالأشبار فيعز وجوده وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط الْقَامَة أما التَّعَرُّض لآحاد الْأَعْضَاء وَكَيْفِيَّة أشكالها فَلَا يعْتَبر لِأَن ذَلِك بَين أَن يطول أَو يَنْتَهِي إِلَيّ عزة الْوُجُود وَأما الْكحل والدعج وتكلثم الْوَجْه وَكَون الْجَارِيَة خميصة مثقلة الأرداف ريانة السَّاقَيْن وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد وَلَا يطول وَلَا يَنْتَهِي الى عزة الْوُجُود قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط وميل المراوزة الى أشتراطه وَفِي الملاحة تردد للقفال منشؤه أَنَّهَا جنس يعرف أَو يخْتَلف بميل الطباع الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْبَهَائِم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي الْبَعِير أسلمت اليك فِي ثني من نعم بني فلَان غير مودن نقي من الْعَيْب سبط الْخلق مجفر الجنبين أما الثني فَهُوَ الَّذِي اسْتكْمل خمس سِنِين وَبَيَان السن لَا بُد مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 والمودن النَّاقِص الْقصير ومجفر الجنبين عظيمهما وَهُوَ يضاهي التَّعَرُّض للقد فِي العبيد وَقَوله نقي من الْعُيُوب احْتِيَاطًا وَلَا بُد أَيْضا من ذكر اللَّوْن فرع إِن أختلف نعم بني فلَان قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ صَحَّ وَنزل على مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَهَذَا تساهل بل الْوَجْه الْقطع بِاشْتِرَاط تَمْيِيز الْأَنْوَاع إِذا سهل ذَلِك وَكَذَلِكَ الْخَيل يتَعَرَّض فِيهَا للون وَالسّن وَالنَّوْع كالعربي والتركي أما الشياة كاللطيم والأغر والمحجل فَذكرهَا احْتِيَاط وَلَيْسَ بِشَرْط الرُّتْبَة الثَّالِثَة الطُّيُور ويتعرض فِيهَا للون وَالنَّوْع وَالْكبر والصغر وسنها لَا يعرف أصلا فرع إِذا شَرط مَعَ الجاريه الخادمة وَلَدهَا لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فِي الحاضنات وَإِن كَانَ يطْلب الْجَارِيَة للتسري فقد يَنْتَهِي شَرط ذَلِك الى عزة الْوُجُود فَلَا يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 الْجِنْس الثَّانِي فِي أَجزَاء الْحَيَوَان وزوائده وَفِيه مسَائِل الأولى يَصح السّلم فِي اللَّحْم فَيَقُول لحم بقر أَو غنم أَو ضَأْن أَو معز ذكر أَو أُنْثَى خصى أَو غير خصي رَضِيع أَو فطيم معلوفة أَو راعية من الفخد أَو من الْجنب وَلَا يشْتَرط فَإِنَّهُ كالنوى من التَّمْر الثانيه إِذا شَرط فِي اللَّحْم الهزال لم يجز لِأَنَّهُ عيب لَا يَنْضَبِط بِالْعَادَةِ وَلَوْلَا أسلم فِي المشوي والمطبوخ قَالُوا لَا يجوز لاخْتِلَاف أثر النَّار وَقَالَ الصيدلاني إِذا أمكن ضَبطه بِالْعَادَةِ جَازَ فَإِن الْأَصَح جَوَازه فِي الْخبز والدقيق والدبس وَالسكر والفانيد وَفِي الْخبز والدبس وَجه أخر بعيد الثَّالِثَة السّلم فِي رُءُوس الْحَيَوَانَات قيل التنقية من الشُّعُور بَاطِل وَبعد التنقية قَولَانِ وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا تَشْمَل على مركبات تخْتَلف الْمَقَاصِد بهَا وَالْوَزْن لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 يحصره وَالْكبر مِنْهُ مَقْصُود فيلتحق بالمعدودات لَا بالحيوانات والاكارع أولى بجوار السّلم فِيهَا لِأَنَّهَا اقْربْ الى قبُول الضَّبْط الرَّابِعَة السّمك المملح يجوز السّلم فِيهِ إِن لم يكن للملح وزن وَإِلَّا فَلَا إِذْ لَا يعلم الْمَقْصُود مِنْهُ بِالْوَزْنِ الْخَامِسَة الْجُلُود المدبوغه أَن كَانَت غير مَقْطُوعَة على التناسب لم يجز السّلم فِيهَا لتَفَاوت أطرافها وَإِن قطعت كالنعال السبتية فَالظَّاهِر جَوَاز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ وَفِيه وَجه للْمَنْع للتفاوت فِي الغلظ والدقة السَّادِسَة يجوز السّلم فِي زَوَائِد الْحَيَوَان من اللَّبن وَالسمن والزبد والمخيض فيذكر الْوَزْن وَالصّفة وَمَا يخْتَلف بِهِ الْقيمَة وَيذكر الحموضه فِي المخيض وَينزل على أقل الدَّرَجَات وَيذكر فِي الصُّوف والوبر اللين والخشونة والطول وَالْقصر الْجِنْس الثَّالِث الثِّيَاب وأصولها فيذكر فِي الثَّوْب الطول وَالْعرض واللون وَالْأَصْل أَنه من قطن أَو كتَّان أَو من إبريسم والبلد الَّذِي ينسج فِيهِ إِن اخْتلفت بِهِ الْقيمَة وَيسلم فِي الْقطن فيذكر اللين والخشونة واللون وَالْوَزْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وَإِن كَانَ مستترا بالجوز لم يجز السّلم فِيهِ وَيجوز السّلم فِي المحلوج وَغير المحلوج وَإِن كَانَ فِيهَا الحبات وَكَذَلِكَ يذكر فِي الإبريسم الدقة والغلظ والناحية الَّتِي مِنْهَا يجلب وَيصِح السّلم فِي الْمَصْبُوغ من الثِّيَاب فيذكر قدر الصَّبْغ ودرجاته وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي الْمَصْبُوغ بعد النسج وَزَعَمُوا أَن ذَلِك ضم صبغ لَا يعرف قدره إِلَى الثَّوْب وَهُوَ بَاطِل بالمصبوغ قبل النسج الْجِنْس الرَّابِع الْفَوَاكِه يجوز السّلم فِي رطبها ويابسها وآلات الصيادلة إِلَّا مَا هُوَ مخلوط مِنْهُ فيذكر من جَمِيعهَا مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة وَيذكر فِي الْعَسَل أَنه جبلي أَو بلدي والجبلي خير وَأَنه ربيعي أَو خريفي والخريفي خير وَيذكر اللَّوْن ويتعرض للمعتوق والحدوث فِي الرطب وَبَعض الْفَوَاكِه وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ فِي الْبر والحبوب إِذْ لَا يخْتَلف بِهِ غَرَض إِلَّا إِذا قرب من السوس فَإِن ذَلِك عيب وَأما الشهد قَالَ الفوراني هُوَ مختلط فَلَا يسلم فِيهِ وَالأَصَح جَوَازه لِأَنَّهُ متناسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 الْجِنْس الْخَامِس الْخشب فَمَا يُرَاد للحطب تقل صِفَاته فيذكر الْجِنْس واللون وَالْوَزْن وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر اليبوسة فَإِن الرُّطُوبَة عيب فِي الْحَطب والغلظ والدقة لابد من ذكره وَمَا يُرَاد للنجر كالجذوع والعمد فيذكر الطول وَالْعرض والاستدارة وَالنَّوْع وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تحْتَاج إِلَى شَرط الْوَزْن أَيْضا لِأَنَّهُ قد يصير حطبا فيطلب وَزنه والمنحوت من الْخشب لَا يجوز السّلم فِيهِ لتَفَاوت أَجْزَائِهِ إِلَّا إِذا تناسب على وَجه يُمكن ضَبطه وَلَا يخْتَلف وَيجوز السّلم فِي خشب النبال قبل النحت الْجِنْس السَّادِس فِي الْجَوَاهِر فيذكر فِي الْحَدِيد الْوَزْن والذكورة وَالْأُنُوثَة ويتعرض فِي النّحاس وَغَيره لما تخْتَلف بِهِ الْقيمَة ويتعرض فِي حجر الرَّحَى للطول وَالْعرض والاستدارة وَالْوَزْن واللآلى واليواقيت لَا يسلم فِيهَا لعزة وجودهَا إِذا أطنب فِي وصف مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة واللالىء الصغار الَّتِي لَا يعز وجودهَا يجوز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَكَذَلِكَ فِيمَا يتحلى بِهِ غَالِبا وَهُوَ مَالا يزِيد وَزنه على سدس فَإِن ذَلِك أَيْضا يكثر وجوده وتعرق صِفَاته الْجِنْس السَّابِع المختلطات وَهِي ثَلَاثَة أضْرب الأول الْمُخْتَلط الْمُخْتَلط خلقَة كاللبن والشهد يجوز السّلم فِيهَا الثَّانِي مَالا يقْصد خليطه كالجبن وَفِيه الانفحة وَالْخبْز وَفِيه المَاء وَالْملح يجوز السّلم فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حكم الْجِنْس الْفَرد الثَّالِث مَا يقْصد جَمِيع أَرْكَانه كالمعجونات والمرق ومعظم الحلاوى والخفاف والصنادل والقسي والنبال لَا يجوز السّلم فِي شئ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِط آحَاد أَرْكَانه وَكَذَلِكَ قسى الْعَرَب وَإِن لم يكن فِيهِ الا خشب وَلَكِن يتَفَاوَت تخريطه وهيأته وَيجوز السّلم فِي دهن البان والبنفسج لِأَنَّهُ لَا يقْصد تخليطه بل لَا يخالطه البنفسج فَإِن السمسم يروح بالبنفسج ثمَّ يعتصر وَظن الْمُزنِيّ أَنه يخْتَلط بِعَيْنِه فَمنع السّلم فِيهِ وَهُوَ غلط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 فرعان أَحدهمَا خل الزَّبِيب وَالتَّمْر قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِجَوَاز السّلم فِيهِ وَقطع المراوزة بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ يمْنَع معرفَة الْمَقْصُود إِذْ قدر المَاء يخْتَلف فِيهِ الثَّانِي العتاببي مركب من الْقطن والابرسيم فِيهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ فِي حكم جنس وَاحِد من وَجه وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على السّلم فِي الْخَزّ وَهُوَ مَحْمُول عِنْد هَذَا الْقَائِل على مَا إِذا لم يكن فِيهِ ابريسم بل أتحذ جنسه وعَلى الْجُمْلَة الْمُحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعرف وَالْعَادَة وَلَا يُمكن الْوَفَاء بِجَمِيعِ الصُّور وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ تَنْبِيه على مَا تَرَكْنَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَدَاء الْمُسلم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي صفته وزمانه ومكانه أما الصّفة فَلَو آتى بِغَيْر جنسه لم يجز قبُوله لِأَنَّهُ أعتياض وَإِن أُتِي بَارِدًا مِنْهُ جَازَ قبُوله وَلم يجب وَإِن أَتَى بأجود وَجب قبُوله وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ فِيهِ منَّة وَهُوَ بعيد وَلَو أُتِي بِنَوْع أخر كَمَا لَو أسلم فِي الزَّبِيب الْأَبْيَض فَأتى بالأسود فَفِي جَوَاز الْقبُول وَجْهَان منشؤه أَن أختلاف النَّوْع كاختلاف الْوَصْف أَو كاختلاف الْجِنْس وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين السقية من الْحِنْطَة وَمَا يسقى من السَّمَاء تفَاوت صفة أَو تفَاوت نوع وَكَذَلِكَ فِي الرطب مَعَ التَّمْر وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين الْهِنْدِيّ والتركي من العبيد اخْتِلَاف جنس أَو اخْتِلَاف نوع فرع لَو أسلم فِي لحم السّمك لم يلْزمه قبُول الرَّأْس والذنب وَكَذَا لحم الطير وَلَو أسلم فِي السّمك وَالطير لزمَه الْقبُول أما الزَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 فَلَا يُطَالب الا بعد الْمحل وَلكنه لَو جَاءَ بِهِ قبل الْمحل فَإِن كَانَ لَهُ فِي التَّعْجِيل غَرَض فَإِن كَانَ لَهُ بِالدّينِ رهن أَو ضَمَان أَو الْمكَاتب عجل النُّجُوم يجْبر على الْقبُول وَإِن لم يكن غَرَض سوى البراءه نظر فَإِن كَانَ للممتنع غَرَض بِأَن كَانَ فِي وَقت نهب وعارة أَو كَانَت دَابَّة يحذر من عَلفهَا فَلَا يجْبر وَإِن لم يكن غَرَض فِي الِامْتِنَاع فَقَوْلَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 أَحدهمَا يجْبر لِأَن الْأَجَل حق من عَلَيْهِ الدّين وَقد أسْقطه وَالثَّانِي لَا لِأَن فِيهِ منَّة فَإِن قيل لَو صرح من عَلَيْهِ الدّين بِإِسْقَاط الْأَجَل هَل يسْقط حَتَّى تتَوَجَّه عَلَيْهِ الْمُطَالبَة قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَجَل وصف تَابع كالصحة فِي الدَّرَاهِم لَا يسْقط بمجردها مَعَ بَقَاء الأَصْل وَالثَّانِي نعم لِأَن الدّين عَلَيْهِ وَالْأَجَل هُوَ لَهُ فرعان أَحدهمَا لَو خَافَ الْمُسلم إلية الِانْقِطَاع لَدَى الْمحل فَهَل يكون هَذَا عذرا فِي التَّعْجِيل فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي لَو سلم فِي غير مَكَان العقد وَكَانَ فِيهِ مئونة فَهَذَا عذر من جَانب الْمُسْتَحق فَلَا يجْبر أما إِذا أَتَى بِالْحَقِّ بعد حُلُوله فَلَا شكّ فِي الْإِجْبَار إِن كَانَ للمؤدي غَرَض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 وَإِن لم يكن غَرَض فطريقان وَلَا أثر هَا هُنَا لعذر الْمُسْتَحق مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا قبل الْمحل لِأَنَّهُ حَقه فَلهُ التَّأْخِير إِلَى حَيْثُ يَشَاء وَمِنْهُم من قطع بالإجبار لغَرَض الْبَرَاءَة فليأخذ أم ليبرىء أما مَكَان التَّسْلِيم يتَعَيَّن فِيهِ مَكَان العقد إِمَّا بِالتَّعْيِينِ أَو بِالْإِطْلَاقِ فَلَو ظفر بِهِ فِي غَيره وَكَانَ فِي نَقله مُؤنَة لم يُطَالب بِهِ وَإِن لم يكن مُؤنَة فَلهُ الْمُطَالبَة وَكَذَا فِي سَائِر الدُّيُون إِلَّا فِي الْغَاصِب فَإِن فِي مُطَالبَته مَعَ لُزُوم الْمُؤْنَة وَجْهَان تَغْلِيظًا عَلَيْهِ من حَيْثُ منعناه من الْمُطَالبَة بِالْمثلِ لما فِيهِ من المؤونة فَلَا بُد من الْقيمَة لوُقُوع الْحَيْلُولَة بعد ثُبُوت الِاسْتِحْقَاق وَتوجه الْمُطَالبَة هَذَا تَمام القَوْل فِي السّلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي الْقَرْض وَالنَّظَر فِي حَقِيقَته وركنه وَشَرطه وَحكمه أما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ مكرمَة جوزتها الشَّرِيعَة لحَاجَة الْفُقَرَاء لَيْسَ على حقائق الْمُعَاوَضَات وَلذَلِك لَا يجوز شَرط الْأَجَل فِيهِ لِأَن الْمقْرض مُتَبَرّع والمتبرع بِالْخِيَارِ فِي تبرعه بِالرُّجُوعِ وَالْأَجَل يمْنَع الرُّجُوع وَلَو لزم الْأَجَل لَكَانَ مُعَاوضَة وَلَو جب التَّقَابُض فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ مُقَابلَة دَرَاهِم بِمِثْلِهَا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يثبت الْأَجَل وَلذَلِك لَو رَجَعَ عَن الْإِقْرَاض فِي الْحَال قبل تصرف الْمُسْتَقْرض وطالب بِهِ جَازَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وطرد ذَلِك فِي العواري وَكَأن الْقَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذن فِي الْإِتْلَاف بِشَرْط الضَّمَان فَهُوَ قريب مِنْهُ إِن لم يكن عينه أما رُكْنه فالمقرض والمقرض والصيغة أما الصِّيغَة فَقَوله أقرضتك أَو أَخذه بِمثلِهِ وَهل يشْتَرط الْقبُول وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَن فِي الْإِتْلَاف بعوض وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ أَو التَّصَرُّف فَلَيْسَ إتلافا مَحْضا وَأما الْمقْرض فَلَيْسَ يشْتَرط فِيهِ الا أَهْلِيَّة التَّمْلِيك والتبرع فَإِنَّهُ تبرع وَلذَلِك لَا يجوز فِي مَال الطِّفْل الا لضَرُورَة وَكَذَا الْمكَاتب على مَا سَيَأْتِي فِي الرَّهْن أما الْمقْرض فَكل مَا يجوز السّلم فِيهِ ويتسلط قرضه الا الْجَوَارِي فَفِيهِ قَولَانِ منصوصان الْقيَاس الْجَوَاز كَمَا فِي العبيد وَوجه الْمَنْع أَن الْمُسْتَقْرض يتسلط على الْوَطْء ويتسلط على الِاسْتِرْدَاد فَيبقى الطء فِي صُورَة إِبَاحَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَت الجاريه محرما للمستقرض جَازَ إقراضها وَقد نقل عَن الصَّحَابَة النَّهْي عَن إقراض الْجَوَارِي فَاسْتحْسن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 وَقَالَ الْأَصْحَاب بِنَاء الْقَوْلَيْنِ على أَن الْمُسْتَقْرض يملك بِالْقَبْضِ أم بِالتَّصَرُّفِ فَإِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلَا يجوز الْإِقْرَاض لِأَنَّهُ يُؤَدِّي الى اسْتِبَاحَة الْوَطْء وَإِن قُلْنَا بِالتَّصَرُّفِ فَعم وَمِنْهُم من عكس التَّرْتِيب وَقَالَ إِن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقع فِي يَده من غير ملك فَفِيهِ خطر الْوَطْء وَلَا خطر إِذا ملكناه فليطأها فَإِن قيل وَمَا لَا يجوز السّلم فِيهِ وَلَا يجوز بيع بعضه بِبَعْض هَل يجوز إقراضه قُلْنَا أطلق الْأَصْحَاب مَنعه وَذكر الشَّيْخ أَبُو على وَجها فِي جواره وَهل هُوَ مَبْنِيّ على أَن الْمقْرض يرد الْمثل فِي ذَوَات الْقيم فَإِن قُلْنَا يرد الْقيمَة أَو الْقيمَة جَازَ إقراض كل مَال مُتَقَدم أما شَرطه فَهُوَ أَن لَا يجر مَنْفَعَة لنهي رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قرض جر مَنْفَعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 فَإِن شَرط زِيَادَة أَو مَنْفَعَة فسد حَتَّى لَا يُفِيد الْملك وَصِحَّة التَّصَرُّف فِيهِ وللشرط صور أَحدهَا إِن شَرط الْكَفِيل وَالرَّهْن وَالشَّهَادَة فِي الْقَرْض يجوز لِأَنَّهُ أَحْكَام لَهُ لَا زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَو شَرط رهنا فِي دين آخر فَهُوَ مَنْفَعَة وَكَذَا إِذا شَرط فِي المكسرة رد الصَّحِيح أَو أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا الثَّانِيَة أَن يشْتَرط فِي الصَّحِيح رد المكسور فَهَذَا غير مُفسد لِأَنَّهُ وعد بمسامحة ثمَّ لَا يلْزم وَكَذَلِكَ إِذا شَرط الْأَجَل لَا يلْزم وَلَا يفْسد الا إِذا كَانَ فِي زمَان نهب وغارة فَهُوَ مُفسد لِأَن فِيهِ غَرضا الثَّالِثَة أَن يَقُول أقرضتك هَذَا بِشَرْط أَن أقرضك غَيره صَحَّ وَلم يلْزم الشَّرْط لِأَنَّهُ وعد وَكَذَا إِذا قَالَ وهبت بِشَرْط أَن أهب بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ بِعْتُك بِشَرْط أَن أهبك شَيْئا فَيفْسد البيع لِأَن الْعِوَض يكون مبذولا فِي مُقَابلَة الْمَبِيع والمتوقع هِبته فيتطرق إِلَيْهِ خلل وَجَهل هَذَا فِي الربويات أما فِي غير الربويات فَفِي شَرط الزِّيَادَة وَجْهَان أَحدهمَا التَّسْوِيَة لعُمُوم النَّهْي وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الزِّيَادَة تلْزم بِالْعقدِ والمقابلة وَقد وجدت وَلَكِن يمْتَنع ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 فِي الربويات وَهَذَا فَاسد لِأَن صِيغَة الْمُعَارضَة لم تشْتَرط فَإِن شَرط فَهُوَ بيع فَاسد وَلَيْسَ بقرض وَالْقَرْض بمطلقه لَيْسَ لَهُ حكم البيع وَلذَلِك عِنْد ترك الزِّيَادَة فِي الربويات لم يشْتَرط التَّقَابُض فَإِن قيل نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أستسلف بَعِيرًا ببعيرين قُلْنَا كَانَ ذَلِك فِي عقد السّلم أما حكمه فَهُوَ التَّمْلِيك وَلَكِن بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قَولَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقيسهما أَنه بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا يتقاعد عَن الْهِبَة مَعَ أَنه للعوض فِيهِ مدْخل وَلِأَنَّهُ يملك التَّصَرُّف بعد الْقَبْض فَيدل على تقدم الْملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وَالثَّانِي أَنه يملك بِالتَّصَرُّفِ فيتبين تقدم الْملك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيت بالأذن بِشَرْط الضَّمَان وَلَيْسَ بِتَمْلِيك وَعقد والتفويت يحصل بِإِزَالَة الْعين أَو الْملك التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلهُ أَن يردهُ بِعَيْنِه إذله أَن يرد بدله فَهُوَ أولى وَلَو رَجَعَ الْمقْرض فِي عينه جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ أقرب من بدله وَله أَخذ بدله وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَن النّظر فِيهِ الى جَانب الْمُسْتَقْرض وإرادته فَإِن لم يرد عينه فَلهُ ذَلِك وَأَن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا خلاف فِي أَنه يملك بِكُل تصرف مزيل للْملك كَالْبيع وَالْإِعْتَاق وَمَا يستباح بِالْإِبَاحَةِ كالاعاره والاستخدام فَلَا يملك بِهِ واما الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار فَفِيهِ طرق قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كل مَا يقطع رُجُوع الْوَاهِب وَالْبَائِع فِي عين مَتَاع الْمُفلس يملك نه هَاهُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَا ينْعَقد بِدُونِ الْملك فَيخرج الرَّهْن عَنهُ فَإِنَّهُ يجوز فِي الْمُسْتَعَار بِخِلَاف الْإِجَارَة وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَازم يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ فَيدْخل فِيهِ الرَّهْن وَيخرج مِنْهُ الْإِجَارَة وَالْبيع الْجَائِز وَقَالَ آخَرُونَ لَا يملك الا بِتَصَرُّف مزيل للْملك أصلا فَإِن قيل الْمُسْتَقْرض مَاذَا يُؤَدِّي قُلْنَا الْمثل فِي الْمِثْلِيَّات وَفِي ذَوَات الْقيم وَجْهَان أشبههما بِالْحَدِيثِ رد الْمثل لما رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام أستقرض بكرا ورد بازلا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء وَلِأَنَّهُ لَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 وَجب الْقيمَة لافتقر الى الْإِعْلَام وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وجوب الْقيمَة وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 = كتاب الرَّهْن وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب= الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان عقد الرَّهْن ومصححاته وأركانه أَرْبَعَة الرَّاهِن والمرهون والمرهون بِهِ وَصِيغَة العقد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول فِي الْمَرْهُون وَفِيه ثَلَاثَة شَرَائِط الشَّرْط الأول أَن يكون عينا فَلَو رهن دينا لم يَصح لِأَنَّهُ يلْزم بِالْقَبْضِ وَالْقَبْض لَا يُصَادف غير مَا يتَنَاوَلهُ العقد وَلَا مُسْتَحقّا بِالْعقدِ وَلذَلِك لَا يَصح هبة الدّين فَإِنَّهُ لَا يلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَاف بيع الدّين فَإِنَّهُ يَصح على رَأْي وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ درهما بدرهم ثمَّ عين فِي الْمجْلس صَحَّ لِأَن البيع سَبَب اسْتِحْقَاق قبل الْقَبْض فَيتَعَيَّن بِالْقَبْضِ بِخِلَاف الْهِبَة وَالرَّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 فرع الْإِفْرَاز لَيْسَ بِشَرْط بل يَصح رهن الْمشَاع خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ تجْرِي الْمُهَايَأَة بَين الرَّاهِن وَالْمَالِك نعم لَو رهن نصِيبه من بَيت معِين من جملَة دَار مُشْتَركَة فَفِيهِ وَجْهَان ومنشأ الْمَنْع أَنه رُبمَا يقتسم الشَّرِيك فَيَقَع الْجَمِيع فِي حِصَّته فَلَا يبْقى للرَّهْن مقرّ فَلَو صححنا فَوَقع ذَلِك احْتمل أَن يُقَال هُوَ تلف وَاحْتمل أَن يُقَال الرَّاهِن ضَامِن والتفويت مَنْسُوب إِلَيْهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الْمَرْهُون قَابلا للْبيع عِنْد حُلُول الْحق فَلَا يجوز رهن الْمَوْقُوف وَأم الْوَلَد وكل مَا لَا يجوز بَيْعه وَبَيَان هَذَا الشَّرْط برسم ثَمَان مسَائِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 الْمَسْأَلَة الأولى رهن سَواد الْعرَاق من عبادان إِلَى الْموصل طولا وَمن الْقَادِسِيَّة إِلَى حلوان عرضا فَإِن اعْتِقَاد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذهَا من الْغَانِمين وحبسها على الْمُسلمين وَالْخَرَاج عَلَيْهِم أُجْرَة فِيهَا وَقَالَ ابْن سُرَيج بل بَاعهَا من أهل الْعرَاق فَهُوَ ملك وَأما أشجارها وأبنيتها فَيجوز رَهنهَا وفَاقا فَإِنَّهَا مستحدثة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة رهن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار جَائِز إِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَحده وَلزِمَ البيع هَكَذَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد بل لَا بُد من تَقْدِيم الْإِلْزَام وَوجه أخر أَنه يلْزم البيع وَلَا ينْعَقد الرَّهْن وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب البيع الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رهن الْأُم دون وَلَدهَا جَائِز إِذا لاتفرق فِيهِ اخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تبَاع عِنْد الْحَاجة مَعَ الْوَلَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل أَرَادَ بِهِ أَنه لَا تفرقه فِي نفس الرَّهْن وَإِلَّا فتباع دون الْوَلَد فَإِن الرَّهْن لم يرد على الْوَلَد وَلَكِن يَقع ذَلِك قهريا لَا اختياريا فَلَا يمْتَنع التَّفْرِيق التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تبَاع مُفردا فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا تبَاع مَعَ الْوَلَد فَيتَعَلَّق حق الْمُرْتَهن بِمَا يخص من الثّمن وَفِي تَقْدِيره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تقوم الْأُم مُفردا فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة فتقدر مَعَ الْوَلَد فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة وَعِشْرُونَ فَالْوَلَد سدس الْجُمْلَة فَيخْتَص الْمَالِك بسدس جملَة الثّمن وَلَا يتَعَلَّق الرَّهْن بِهِ وَالثَّانِي أَن الْوَلَد أَيْضا يقدر مُفردا كَمَا قدرت الْأُم مُفْردَة فَيُقَال الْوَلَد دون الْأُم كم يُسَاوِي وَفِي هَذَا تقل قِيمَته لِأَنَّهُ يكون ضائعا فَإِذا قَالُوا خمسين مثلا وَقِيمَة الْأُم مائَة فَالْوَلَد ثلث وَهَذَا الْخلاف جَار فِي أَرض بَيْضَاء رهنت ثمَّ أنبتت غراسا لِأَن الْغِرَاس غير مَرْهُون وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَن الْأُم أَيْضا تقوم مَعَ الْوَلَد فَيُقَال أم لَهَا ولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 كم قيمتهَا فينقص إِذْ يكون قَلبهَا إِلَى وَلَدهَا لِأَنَّهَا رهنت مَعَ وجود الْوَلَد نعم لَو حدث الْوَلَد بعد الرَّهْن كَانَ نظيرا لمسألة الْغِرَاس الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد بِالدّينِ الْحَال أَو بدين مُؤَجل يحل قبل توقع الْفساد جَائِز فَيُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد فِي الدّين وَإِن كَانَ يفْسد قبل الْحُلُول وَشرط بَيْعه عِنْد الإشراف وَجعل ثمنه رهنا صَحَّ أَيْضا وَإِن شَرط أَن لَا يُبَاع بَطل وَإِن أطلق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَصح مُطلقَة مشْعر بِالْإِذْنِ فِي البيع وتحول الوثيق إِلَى الثّمن وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهُ لَيْسَ مفهوما بِمُطلق الرَّهْن فَإِن قيل لَو طَرَأَ دواما مَا يعرضه للْفَسَاد قُلْنَا لم يفْسد الرَّهْن وَلَكِن يُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد وَيجْعَل بدله رهنا فَإِن قيل لَو تطابق المتعاقدان على نقل الْوَثِيقَة من عين الْمَرْهُون إِلَى غَيره فَيَنْبَغِي أَن يجوز كَمَا لَو شَرط ذَلِك فِيمَا يشرف على الْهَلَاك فِي ابْتِدَاء العقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن مَا يحْتَمل فِي الدَّوَام إِذا طَرَأَ بِالضَّرُورَةِ لَا يحْتَمل ابْتِدَاء وَلذَلِك لَا يجوز رهن الدّين وَإِن تعلق فِي الدَّوَام بِالْقيمَةِ فِي ذمَّة الْمُتْلف الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة رهن العَبْد الْمُرْتَد صَحِيح بِنَاء على الصَّحِيح فِي جَوَاز بَيْعه ثمَّ إِن قتل فِي يَد الْمُرْتَهن وَكَانَ الرَّهْن مَشْرُوطًا فِي بيع فثبوت الْفَسْخ للْمُرْتَهن فِي البيع يبتنى على أَن من اشْترى عبدا مُرْتَدا وَقتل فِي يَده هَل يكون من ضَمَان البَائِع الْمَسْأَلَة السَّادِسَة رهن العَبْد الْجَانِي يبتنى على صِحَة بَيْعه فَإِن منعناه فَهُوَ مَمْنُوع وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه يمْنَع الْوَثِيقَة وَلذَلِك يمْتَنع رهن الْمَرْهُون وَإِن قدر الرَّاهِن على بَيْعه إِذا قضى الدّين وَهَاهُنَا يقدر على بيع شَرط الْفِدَاء بعده وَقد يتعوق فَيفْسخ بَيْعه فَلَا تحصل مَعَه الْوَثِيقَة وَلذَلِك يقدم أرش الْجِنَايَة فِي دوَام الرَّهْن على الرَّهْن فرع لَو حفر العَبْد بِئْرا فرهن فتردى فِيهَا إِنْسَان فَتعلق الضَّمَان بِرَقَبَتِهِ فَفِي تَبْيِين فَسَاد الرَّهْن وَجْهَان مستندهما إِسْنَاد التَّعَلُّق إِلَى أول السَّبَب فَيكون كالمقارن وَلَو قتل قتلا مُوجبا للْقصَاص وَقُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فرهن ثمَّ عفى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 على مَال فَفِي إِسْنَاد انْتِقَال التَّعَلُّق وَجْهَان وَهَاهُنَا الِاسْتِنَاد أولى لِأَن الْقَتْل سَبَب تَامّ دون حفر الْبِئْر الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا علق عتق العَبْد بِصفة ثمَّ رَهنه فَإِن قُلْنَا لَو وجدت الصّفة فِي حَالَة الرَّهْن نفذ إِمَّا لقُوَّة الْعتْق أَو لِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق خرج ذَلِك على رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ فَهُوَ بِالرَّهْنِ مدافع حكم التَّعْلِيق فَالْأَصَحّ جَوَازه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 كَمَا لَو دَفعه بِالْبيعِ وَفِيه وَجه آخر أَنه يفْسد لضعف الرَّهْن بِخِلَاف البيع أما الْمُدبر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو دبره ثمَّ رَهنه كَانَ الرَّهْن مفسوخا وَهَذَا مُشكل لِأَن بيع الْمُدبر جَائِز عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ ينْدَفع التدبر أَيْضا بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ يقْضى دُيُونه وَيعتق الْمُدبر وَإِن لم يكن فِي مَاله وَفَاء فالمدبر لَا يعْتق وَإِن لم يرْهن فَذهب أَكثر الْأَصْحَاب لذَلِك إِلَى صِحَة الرَّهْن وَوجه النَّص أَن يُقَال لَعَلَّه يَمُوت وَله مَال فَلَا يُمكن تَنْجِيز الْعتْق قبل أَدَاء دينه وتأخيره إِلَى الْأَدَاء دفع لِلْعِتْقِ فالرهن لَا يقوى عَلَيْهِ ويتأيد بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور فِي إبِْطَال رهن العَبْد الْمُعَلق عتقه بِصفة الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة إِذا رهن الثِّمَار على الْأَشْجَار نظر إِن كَانَ بعد بَدو الصّلاح وَالدّين حَال جَازَ ذَلِك ثمَّ يقطف فِي أَوَانه وَيُبَاع بعضه وَيجْعَل مُؤنَة على القطاف ويجفف إِن أمكن وَإِلَّا الْتحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَإِن كَانَ قبل بَدو الصّلاح فللفساد ثَلَاث مثارات أَحدهَا تسارع الْفساد بعد التجفيف وَقد سبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَالثَّانِي امْتنَاع بَيْعه إِلَّا بِشَرْط الْقطع فَإِن أذن فِي البيع بِشَرْط الْقطع جَازَ وَإِن صرح بِمَنْع البيع بِشَرْط الْقطع فسد وَإِن أطلق فَالظَّاهِر أَنه يَصح وبشرط الْقطع فِي بَيْعه وَيُبَاع وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْإِطْلَاق وَوَجهه أَنه لم يرض بِنُقْصَان الْمَالِيَّة فعلى هَذَا يفْسد الرَّهْن وَله الْتِفَات على إِطْلَاق الرَّهْن فَمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد أَنه هَل يكون كالمصرح بتجويز بَيْعه المثار الثَّالِث للْفَسَاد توقع الآفة والجوائح وَيظْهر ذَلِك إِذا قدر الدّين مُؤَجّلا وَفِي الْمَنْع بِهَذَا السَّبَب قَولَانِ أَحدهمَا يمْنَع كَمَا يمْنَع البيع وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَحْذُور ثمَّ ضيَاع الثّمن عِنْد الاجتياح وَهَاهُنَا لَا يفوت أصل الْحق فرع إِذا تلاحقت الثِّمَار بعد الرَّهْن فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن قَولَانِ كَمَا فِي التلاحق فِي الثِّمَار الْمَبِيعَة قبل الْقَبْض وَالأَصَح أَنه لَو كَانَ قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ وَفِيه وَجه مستخرج من الْخلاف فِي الْعصير إِذا صَار خمرًا قبل الْقَبْض وَهُوَ بعيد لِأَن ذَلِك يتَوَقَّع مصيره خلا بِخِلَاف التلاحق فَإِنَّهُ لَا يَزُول وَلَو رهن زرعا يتزايد وَشرط قطعه فِي الْحَال جَازَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَإِن شَرط التبقية فَحكمه حكم الثِّمَار الَّتِي تتلاحق غَالِبا وَالرَّهْن بَاطِل فيهمَا كَمَا فِي البيع الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا يمْتَنع إِثْبَات يَد الْمُرْتَهن عَلَيْهِ وَقَبضه لَهُ فَإِن الْقَبْض ركن فِي الرَّهْن وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا رهن الْمُصحف وَالْعَبْد الْمُسلم من الْكَافِر فَهُوَ مُرَتّب على البيع وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَن إِثْبَات الْيَد أَهْون من إِثْبَات الْملك وَكَذَا رهن السِّلَاح من الْحَرْبِيّ مُرَتّب على بَيْعه مِنْهُ وَرَهنه من الذِّمِّيّ جَائِز وفَاقا كَبَيْعِهِ الثَّانِيَة رهن الْجَوَارِي صَحِيح على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ قولا أَن رهن الْجَارِيَة الْحَسْنَاء بَاطِل إِلَّا أَن تكون محرما للْمُرْتَهن فَالْوَجْه الْقطع بِالصِّحَّةِ ثمَّ إِن كَانَ محرما أَو عدل على يَد عدل أَو كَانَ الْمُرْتَهن يوثق بديانته أَو كَانَ مَعَه جمَاعَة من أَهله ترعه الحشمة عَنْهَا لم يكره التَّسْلِيم وَإِلَّا فَيكْرَه إِثْبَات يَده عَلَيْهَا وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ قريب من رهن الْمُصحف من الْكَافِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 فَإِن قيل فَهَل يشْتَرط أَن يكون الْمَرْهُون ملك الرَّاهِن قُلْنَا لَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَنه لَو رهن الْمُسْتَعَار بِإِذن الْمُعير صَحَّ الرَّهْن وغمض حَقِيقَة هَذَا العقد على الْأَصْحَاب وَاسْتَخْرَجُوا من تردد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْكَام قَوْلَيْنِ فِي أَن هَذَا عَارِية أم ضَمَان فَمن قَالَ إِنَّه عَارِية أشكل عَلَيْهِ لُزُومه وَمن قَالَ ضَمَان أشكل عَلَيْهِ تعلق الضَّمَان بِرَقَبَة المَال ثمَّ بنوا الْأَحْكَام على قَوْلَيْنِ وَهَذَا الْبناء غير مرتض عندنَا بل نعلل كل حكم بِمَا يَلِيق بِهِ من غير بِنَاء وَحَقِيقَة هَذَا العقد لَا يتمحض بل هُوَ فِيمَا يَدُور بَين الْمُرْتَهن والراهن رهن مَحْض وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُسْتَعِير عَارِية وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُرْتَهن حكم الضَّمَان يزدحم عَلَيْهِ مشابه الْعَارِية وَالضَّمان ويتبين ذَلِك بِالنّظرِ فِي ثَلَاثَة أَحْكَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 الأول اللُّزُوم فِي حق الْمُعير وَلَا يلْزم قبل قبض الْمُرْتَهن بِحَال وَإِذا قبض الْمُرْتَهن فَالصَّحِيح أَنه يلْزم فِي حق الْمُعير لِأَنَّهُ أثبت بعاريته شَيْئا من حَقه أَن لَا يعير وَتلْزم فَهُوَ كَمَا لَو أعَار الأَرْض لدفن الْأَمْوَات إِذْ لزم لِأَن فِيهِ هتك حُرْمَة الْمَيِّت كَذَلِك فِي رُجُوعه إبِْطَال وَثِيقَة الْمُرْتَهن بِعَين مَاله وَقد أذن فِي إثْبَاته وَقَالَ القَاضِي لَهُ الرُّجُوع إِذا فرعنا على قَوْلنَا إِنَّه عَارِية وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يبْقى للرَّهْن معنى وَقد حكى الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يَصح هَذَا العقد إِذْ لَا يبْقى لَهُ فَائِدَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن كَانَ الدّين حَالا رَجَعَ وَإِن كَانَ مُؤَجّلا فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا أعَار أَرضًا للْبِنَاء إِلَى مُدَّة وَفِيه كَلَام فَإِن قيل فَهَل يقدر على إِجْبَار الرَّاهِن على فك الرَّهْن وَإِن لم يقدر على فسخ الرَّهْن قُلْنَا إِن كَانَ الدّين حَالا فَلَا خلاف فِي أَنه يملك إِجْبَاره وَقبل حُلُول للأجل قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 أَحدهمَا أَنه يملك لِأَنَّهُ عَارِية فِي حق الْمُسْتَعِير وَالثَّانِي لَا يملك لِأَن فِيهِ أَدَاء الدّين قبل لُزُومه وَهُوَ مُتَعَلق بالمرتهن فَإِن قيل فَهَل يُبَاع هَذَا فِي حق الْمُرْتَهن فَقَط قُلْنَا إِن كَانَ للرَّاهِن مَالا فَلَا يُبَاع بِحَال لِأَن مُطلق الرَّهْن لَا يُسَلط عَلَيْهِ إِلَّا إِذا جدد بِهِ إِذْنا وَإِن صَار مُعسرا فَفِيهِ خلاف إِذْ أطلق الْأَصْحَاب أَن إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يُبَاع إِلَّا بِإِذن مُجَدد وَهَذَا أَيْضا يضعف القَوْل بِصِحَّة الرَّهْن فَإِنَّهُ أخص فَوَائده فليجعل الْإِذْن حَاصِل بِالرَّهْنِ ولازما بِحكم الْحَال وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فقه الْمَسْأَلَة وَلَا يتْرك الْفِقْه بقول الْقَائِل إِن هَذَا لَا نَظِير لَهُ فَإِن سَببه أَن يُقَال إِن مثل هَذِه الْوَاقِعَة غير مُتَصَوّر وَيَنْبَنِي على مَا تقدم خلاف لَا محَالة فِي أَن عتقه هَل ينفذ الحكم الثَّانِي أَن العَبْد لَو تلف فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ غير ضَامِن تمحيصا للرَّهْن فِي حَقه وَالْمُسْتَعِير هَل يضمن قَالُوا يَنْبَغِي على أَنه عَارِية أَو ضَمَان فَإِن قُلْنَا ضَمَان لَا يضمن وَهُوَ ضَعِيف بل هُوَ مستعير مَحْض فِي حق الْمُعير فَيَنْبَغِي أَن يضمن وَلَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ وَلَو أذن لَهُ فرهنه فجنى فَأشبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 الْأَمريْنِ أَنه لَا يضمن بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَفرع على أَن الْمُسْتَعِير يضمن مَا فَاتَ بِجِنَايَة العَبْد بِنَاء على أحد الرأيين فِي ان الْمُسْتَعِير يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَهَاهُنَا لم يضمنهُ فَعَن هَذَا اضْطر الْأَصْحَاب إِلَى ذكر قَول فِي أَنه لَيْسَ بعارية وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَان فرع لَو بيع العَبْد فِي الدّين بِإِذن مُجَدد أَو بِأَصْل الرَّهْن يرجع الْمُعير على الْمُسْتَعِير بِقِيمَتِه أَو بِالثّمن فِيهِ خلاف قَالَ القَاضِي إِذا قُلْنَا (إِنَّه) عَارِية يرجع بِالْقيمَةِ وَهُوَ بعيد فَإِن مَا زَاد على الْقيمَة مُسْتَفَاد فِي مُقَابلَة ملكه فَكيف يسلم للْمُسْتَعِير الحكم الثَّالِث أَنه هَل يشْتَرط فِي هَذِه الْإِعَارَة معرفَة قدر الدّين وجنسه وحلوله وتأجيله فِيهِ خلاف يحْتَمل أَن لَا يشْتَرط ذَلِك وَيجْعَل عَارِية فِي هَذَا الحكم وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لِأَن الْأَغْرَاض تَتَفَاوَت بِهِ وَيَنْتَهِي إِلَى اللُّزُوم وَبنى الْأَصْحَاب ذَلِك على أَنه عَارِية أَو ضَمَان فرع إِذا عين الْمُعير شَيْئا من ذَلِك إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يشْتَرط فَلَا يجوز مُخَالفَته إِذا عين إِلَّا فِي النُّقْصَان كَمَا إِذا أذن فِي الرَّهْن بِأَلف فرهن بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ زَاد خيرا وَلَو قَالَ أعرني لأرهن بِأَلف فأعاره هَل يتَقَيَّد بِمَا ذكره الْمُسْتَعِير تَنْزِيلا للإسعاف على تَفْصِيل الالتماس فِيهِ وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 الرُّكْن الثَّانِي الْمَرْهُون بِهِ وَله ثَلَاث شَرَائِط (وَهُوَ) أَن يكون دينا ثَابتا لَازِما الأول أَن يكون دينا فَلَا يجوز الرَّهْن بِعَين معصوبة وَلَا مستعارة وَإِن جَوَّزنَا كَفَالَة الْأَعْيَان على الرَّأْي فالرهن وَثِيقَة دين فِي عين وَالضَّمان تَوْثِيق دين بِضَم ذمَّة إِلَى ذمَّة فَلَا يُفَارق الرَّهْن الضَّمَان إِلَّا فِي ضَمَان الْعهْدَة فَإِنَّهُ جَائِز وَالصَّحِيح أَن الرَّهْن بِهِ غير جَائِز لِأَنَّهُ جوز للْمصْلحَة ترغيبا فِي مُعَاملَة من لَا يعرف حَاله وَلَا ضَرَر على الضَّامِن وَفِي الرَّهْن ضَرَر لَا ينظر لَهُ آخر وَفِيه وَجه أَنه يجوز كالضمان لِأَنَّهُ إِذا رَضِي بِهِ فقد أضرّ بِنَفسِهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الدّين ثَابتا فَلَو قَالَ رهنت مِنْك هَذَا بِأَلف تقرضنيه فَقَالَ ارتهنت ثمَّ أقْرض لم ينْعَقد الرَّهْن بل يجب إِعَادَته وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بِأَلف تبيع بِهِ هَذَا الثَّوْب مثلا فثبوت الدّين حَالَة الرَّهْن لَا بُد مِنْهُ وَقيل إِنَّه لَو جرى الْإِقْرَاض وَالْبيع فِي مجْلِس الرَّهْن صَحَّ وَهُوَ فَاسد فرع لَو مزجا شقي البيع بشقي الرَّهْن كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك العَبْد بِأَلف وارتهنت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِهِ فَقَالَ اشْتريت ورهنت قَالَ الْأَصْحَاب هَذَا صَحِيح بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك على ألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 وبعت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِدِينَار فَقَالَ قبلت الْكِتَابَة واشتريت فَإِنَّهُ فِيهِ وَجْهَيْن لتقدم شقّ البيع على تَمام الْكِتَابَة وَالْفرق أَن الرَّهْن من مصَالح البيع وَلذَلِك جَازَ شَرطه فِيهِ مَعَ امْتنَاع شَرط عقد فِي عقد فمزجه بِهِ أكد فَيحْتَمل للْمصْلحَة وَذكر القَاضِي وَجها مخرجا فِي الرَّهْن من الْكِتَابَة وَالْفرق وَاضح هَذَا إِذا وَقع الْخَتْم بِأحد شقي الرَّهْن والبداية بِأحد شقي البيع فَإِن وَقع الْخَتْم بِأحد شقي البيع فَلَا يَصح لتقدم تَمام الرَّهْن على صِحَة البيع وَثُبُوت الدّين الشَّرْط الثَّالِث لُزُوم الدّين والديون منقسمة فَمَا لَا مصير لَهُ إِلَى اللُّزُوم فَلَا رهن بِهِ كنجوم الْكِتَابَة فَإِن للْعَبد أَن يعجز نَفسه مهما شَاءَ وَمَا وَضعه على اللُّزُوم وَالْجَوَاز فِيهِ طَارِئ يجوز الرَّهْن بِهِ كَالثّمنِ فِي مُدَّة الْخِيَار وَهُوَ تَفْرِيع على قَول زَوَال الْملك وَاسْتِحْقَاق الثّمن وَمَا وضع على الْجَوَاز وَلَكِن قد يصير إِلَى اللُّزُوم كَالرَّهْنِ بالجعل فِي الْجعَالَة قبل الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَلَعَلَّ سَبَب الْمَنْع التَّخْرِيج على الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ أَن سَبَب ثُبُوت الدّين هُوَ الْعَمَل الْمَأْذُون فِيهِ دون مُجَرّد الْإِذْن فَكَأَن سَبَب الثُّبُوت لم يجز بِخِلَاف البيع فِي زمَان الْخِيَار فَإِنَّهُ سَبَب تَامّ على الْجُمْلَة فِي الِاسْتِحْقَاق فَإِن قيل وَهل يشْتَرط للدّين أَن لَا يكون بِهِ رهن قُلْنَا لَا بل يجوز أَن يُزَاد فِي الْمَرْهُون وَإِن اتَّحد الدّين لِأَن الدّين غير مَشْغُول بِالرَّهْنِ فَزِيَادَة الْوَثِيقَة فِيهِ معقولة وَهل تجوز الزِّيَادَة فِي الدّين مَعَ اتِّحَاد الْمَرْهُون فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الْمَنْع لِأَن رهن الْمَرْهُون بَاطِل وَإِلَيْهِ يرجع حَاصِلَة وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَلَا مُقَابلَة بَين الْمَرْهُون وَالدّين إِلَّا من جِهَة الْوَثِيقَة وَإِنَّمَا لَا يجوز رَهنه من غير الْمُرْتَهن لحقه وَإِن رَضِي فَمن ضَرُورَة أَن يَجْعَل فسخا لِأَن الْجمع بَين حقيهما غير مُمكن فرع لَو جنى العَبْد الْمَرْهُون جِنَايَة فَقَالَ الْمُرْتَهن أَنا أفديه ليَكُون مَرْهُونا عِنْدِي بِالْفِدَاءِ وأصل الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 فَإِن جَوَّزنَا الزِّيَادَة فِي الدّين فَلَا كَلَام وَإِن منعنَا فَقَوْلَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن المشرف على الزَّوَال كالزائل أم لَا فَإِن قُلْنَا كالزائل فَهُوَ جَائِز فَكَأَنَّهُ ابْتِدَاء رهن بالدينين جَمِيعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة وَشَرطهَا وموجبها ونريد بالصيغة الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَلَا بُد مِنْهُمَا وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى كل شَرط يُوَافق وضع الرَّهْن كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يُبَاع فِي حَقك أَو يقبض أَو (غَرَض) لَا يتَعَلَّق بِالْعقدِ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل إِلَّا الشّعير وَلَا يلبس إِلَّا الْحَرِير فَهُوَ لَغْو لَا يضر اقترانه بالصيغة وكل شَرط يُنَاقض مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا أَقبض وَلَا يتَقَدَّم بِهِ على الْغُرَمَاء فَهُوَ مُفسد للرَّهْن وكل شَرط لَا يُنَاقض وَلَكِن لَا يَقْتَضِيهِ لمُطلق العقد ويرتبط بِهِ غَرَض كَقَوْلِه بِشَرْط أَن تكون الْمَنَافِع أَو النِّتَاج أَو الثِّمَار الْحَاصِلَة من الْمَرْهُون لَك فَفِي فَسَاد الرَّهْن قَولَانِ وَوجه التَّصْحِيح أَن الشَّرْط لَيْسَ يتَعَرَّض لمقاصد الْمَرْهُون بالتغير بل يزِيد مَالا يَقْتَضِيهِ فيلغى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاعَ بِشَرْط أَن يرْهن بِالثّمن مَا يسلم للْبَائِع مَنَافِعه فَالْبيع فَاسد لِأَن الطمع يتَعَلَّق بالزوائد وَيصير كالجزء من الْعِوَض فَيرجع الْفساد إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 ركن العقد وَأما الرَّهْن فَلَيْسَ بمعاوضة الثَّانِيَة إِذا قَالَ رهنت الْأَشْجَار بِشَرْط أَن تكون الثِّمَار رهنا إِذا حدد فَفِي صِحَة الشَّرْط قَولَانِ وَوجه الصِّحَّة أَن الرَّهْن عندنَا لَا يسري لضَعْفه فَإِذا قوي بِالشّرطِ سرى الثَّالِثَة إِذا قَالَ أقرضتك هَذَا الْألف بِشَرْط أَن ترهن بِهِ وبالألف الْقَدِيم الَّذِي لي عَلَيْك شَيْئا فالقرض فَاسد لِأَنَّهُ جر مَنْفَعَة وَلَكِن إِذا أَخذ ووفى بِالشّرطِ وَرهن بالألفين لم يَصح بِالْألف الَّذِي فسد قرضه لِأَنَّهُ مَا ملكه بعد وَلم يتْلف إِلَّا إِذا أتْلفه فَيكون ذَلِك دينا وَإِذا لم يَصح بِهِ فَهَل يَصح بِالْألف الْقَدِيم فِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن صححنا فَلَا يوزع بل يَجْعَل الْكل مَرْهُونا بِهِ بِخِلَاف البيع فَإِن وضع الرَّهْن على أَن كال جُزْء مَرْهُون بِجَمِيعِ الدّين هَذَا إِذا علم أَن الرَّهْن غير وَاجِب عَلَيْهِ لفساد الشَّرْط فَإِن ظن وُجُوبه لأجل الشَّرْط قَالَ القَاضِي لَا يَصح كَمَا لَو أدّى ألفا على ظن أَنه عَلَيْهِ فَلم يكن فَإِنَّهُ يسْتَردّ لِأَن الرَّهْن تبرع وَهُوَ يظنّ الْآن وُجُوبه وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَغَيره بِالصِّحَّةِ لِأَن الْأَدَاء لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِوُجُوب سَابق وَلَا وجوب وَالرَّهْن يتَصَوَّر من غير وجوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 ومساق كَلَام القَاضِي يلْزمه أَن يَقُول لَو شَرط بيعا فِي بيع فَبَاعَ وفى بِالشّرطِ على ظن الْوُجُوب يفْسد بَيْعه وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يصحح البيع وَلَا ينظر إِلَى اعْتِقَاده الرَّابِعَة إِذا قَالَ رهنتك هَذِه الخريطة بِمَا فِيهَا وَمَا فِيهَا غير مرئي خرج على بيع الْغَائِب فَإِن أبطل خرج فِي الخريطة على تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن كَانَت الخريطة لَا يقْصد رَهنه فِي مثل هَذَا الدّين فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لظَاهِر اللَّفْظ وَالثَّانِي الْمَنْع لفهم الْمَقْصُود وَلَو قَالَ رهنت الخريطة وَلم يتَعَرَّض لما فِيهَا وَكَانَت الخريطة لَا تقصد فَهَل تجْعَل عبارَة عَمَّا فِي الخريطة مجَازًا بِقَرِينَة الْحَال يخرج على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْخَامِسَة هَل ينْدَرج الأس والمغرس تَحت اسْم الشَّجَرَة والجدار فِي الرَّهْن فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بِأَن لَا ينْدَرج لضعف الرَّهْن وَفِي الثِّمَار غير المؤبرة وَجْهَان بِخِلَاف ضعف الرَّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وَكَذَا فِي الْجَنِين خلاف وَأولى بِأَن يدرج من الثِّمَار لِأَن الثِّمَار قد تفرد بِالِاسْتِثْنَاءِ والتصرفات وَاللَّبن فِي الضَّرع مِنْهُم من ألحقهُ بالجنين وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا ينْدَرج لتحَقّق وجوده فَهُوَ كالثمار المؤبرة والأوراق من التوت كالثمار المؤبرة وَمن غَيره ينْدَرج وَفِي الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان ثَلَاثَة أوجه من حَيْثُ إِنَّه يضاهي الثِّمَار المؤبرة من وَجه والأغصان من وَجه وَفِي الثَّالِث يفرق بَين مَا استجز وَبَين الْقصير الَّذِي لَا يعْتَاد جزه وأغصان الْخلاف كالصوف المستجز وأغصان سَائِر الْأَشْجَار ينْدَرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 الرُّكْن الرَّابِع الْعَاقِد وَيعْتَبر فِيهِ مَا يعْتَبر فِي البيع وَزِيَادَة أَمر وَهُوَ أَن يكون من أهل التَّبَرُّع بالمرهون لِأَن الرَّهْن تبرع فَلَا يجوز لوَلِيّ الطِّفْل وللمكاتب والمأذون فِي التِّجَارَة على كل حَال بل لَا بُد من تَفْصِيل أما ولي الطِّفْل فالنظر فِي رَهنه وارتهانه أما ارتهانه فَيجوز عِنْد الْعَجز عَن اسْتِيفَاء الدّين وَلَا يجوز مَعَ الْقُدْرَة وَيجوز عِنْد تَأْجِيل الدّين ويتأجل دينه بِالْبيعِ بِالنَّسِيئَةِ وَله ذَلِك إِذا ظَهرت فِيهِ الْغِبْطَة وَلَكِن بِشَرْط الارتهان حَتَّى قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو بَاعَ مَا يُسَاوِي مائَة بِمِائَة نَقْدا وَعشْرين نَسِيئَة لم يجز الإ بِشَرْط الارتهان بالعشرين وَهُوَ سرف بل الْوَجْه جَوَازه دون الرَّهْن إِذا كَانَ يَثِق بِذِمَّة من عَلَيْهِ الدّين فَلَا يزِيد ذَلِك على إيضاعه مَال الْيَتِيم للتِّجَارَة وَهُوَ جَائِز لأجل الزِّيَادَة بِخِلَاف الْإِقْرَاض فَإِنَّهُ يحرم فِيهِ الزِّيَادَة فَلَا يجوز إِلَّا فِي زمَان نهب وغارة أما رهن مَاله فَلَا يجوز إِلَّا بغبطة ظَاهِرَة كَمَا إِذا بيع مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَلفَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 بِأَلف وَأخذ مِنْهُ رهن يُسَاوِي ألفا لِأَن أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَن يتْلف الْمَرْهُون أَمَانَة فَيكون قد حصل على أَلفَيْنِ فِي مُقَابلَة أَلفَيْنِ فَإِن زَاد قيمَة الْمَرْهُون وَجُمْلَة الثّمن على المُشْتَرِي لم يجز لانه حجر ناجز فِي أَلفَيْنِ من غير حُصُول على أَلفَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَو رهن عقارا وَكَانَ فِي الشِّرَاء غِبْطَة جَازَ إِذْ لَا يخَاف فَوت الْعقار وَالْمَنْفَعَة لَهُ وَبيع عقار الطِّفْل لَا يجوز إِلَّا لحَاجَة حَتَّى نفك الْحجر عَنهُ وَيجوز الرَّهْن أَيْضا لحَاجَة فاقة كَمَا إِذا افْتقر الصَّبِي إِلَى طَعَام وَله عقار يتَوَقَّع من ريعه مَا يَفِي بِثمن الطَّعَام فَلهُ أَن يَشْتَرِي ويرهن وَحكم الْمكَاتب حكم ولي الطِّفْل وَحكم الْمَأْذُون مُرَتّب على الْمكَاتب وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن الرَّهْن قد لَا يتَنَاوَلهُ اسْم التِّجَارَة وَلذَلِك لَا يقدر على إِجَارَة نَفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْقَبْض والطوارئ قبله وَفِيه قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقسم الأول فِي الْقَبْض وَهُوَ ركن فِي الرَّهْن لَا يلْزم إِلَّا بِهِ خلافًا لمَالِك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يلْزم بِنَفسِهِ وطرد ذَلِك فِي الْهِبَة والإعارة وكل تبرع ثمَّ يشْتَرط لصِحَّة الْقَبْض من التَّكْلِيف والأهلية مَا يشْتَرط للْعقد وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وَلَو أناب فِيهِ نَائِبا جَازَ وَلَا يجوز أَن ينيب الرَّاهِن وَلَا عَبده الْقِنّ وَلَا مستولدته لآن يدهم يَد الرَّاهِن وَيجوز أَن ينيب مكَاتبه وَفِي عَبده الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة ثلَاثه أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن تركبه الدُّيُون فتنقطع سلطته السَّيِّد عَمَّا فِي يَده ويضاهي الْمكَاتب وَبَين أَن لَا تركبه الدُّيُون وَالنَّظَر الْآن فِي صوره الْقَبْض وَهُوَ التخليه فِي الْعقار وَالنَّقْل فِي الْمَنْقُول وَفِي الِاكْتِفَاء فِي الْمَنْقُول فِي التخليه خلاف كَمَا فِي البيع وَقطع القَاضِي بِالْفرقِ لِأَن البيع يُوجب اسْتِحْقَاق الْقَبْض فَيَكْفِي التَّمْكِين فِيهِ وَهَاهُنَا لَا اسْتِحْقَاق بل الْقَبْض سَبَب الِاسْتِحْقَاق فَلَا وَقع لمُجَرّد التَّمْكِين أما إِذا رهن الْمُودع من الْمُودع الْوَدِيعَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يلْزم بِمُجَرَّد قَوْله رهنت بل لابد من إِذن جَدِيد فِي الْقَبْض وَنَصّ فِي الْهِبَة على خِلَافه فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمن قرر النصين فرق بالضعف وَالْقُوَّة وتوجيه الْقَوْلَيْنِ من قَالَ يَكْتَفِي بِهِ جعل قَوْله رهنت بِقَرِينَة الْحَال رضَا بِالْقَبْضِ وَمن لم يكتف بِهِ نظر إِلَى مُجَرّد الصِّيغَة وَهِي لَا تدل على الْقَبْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وَلذَلِك لَا يجوز للْمُرْتَهن أَخذ الْمَرْهُون إِذا لم يكن فِي يَده إِلَّا بِإِذن جَدِيد ثمَّ سَوَاء قُلْنَا لَا يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد أَو قُلْنَا يفْتَقر فَإِذا فَلَا بُد من مُضِيّ مُدَّة يتَصَوَّر تَحْقِيق صُورَة الْقَبْض فِيهَا حَتَّى يلْزم فَهَل يشْتَرط الرُّجُوع إِلَى بَيِّنَة ومشاهدة الْمَرْهُون فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا بُد مِنْهُ ليتَحَقَّق التَّمَكُّن يكون كَالْقَبْضِ لنَفسِهِ وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ قَالَ وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد والوديعة فِي بَيته لم يكن قبضا حَتَّى يصير إِلَى منزله وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط الرُّجُوع إِذْ لَا فَائِدَة للرُّجُوع وَالثَّالِث أَنه إِن استيقن وجوده أَو غلب على ظَنّه فَلَا فَائِدَة فِي الرُّجُوع وَإِلَّا فَيرجع ليتيقن وجوده فَإِن قُلْنَا يشْتَرط الرُّجُوع فَفِي اشْتِرَاط نَقله من مَكَان إِلَى مَكَان وَجْهَان وَاشْتِرَاط النَّقْل هُوَ الْغَايَة فَلَا ذَاهِب إِلَى أَنه يجب رده على الرَّاهِن واسترداده بعد ذَلِك وروى الْعِرَاقِيُّونَ عَن حَرْمَلَة أَنا إِذا لم يشْتَرط إِذْنا جَدِيدا فَلَا يشْتَرط أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 مُضِيّ الزَّمَان وَهُوَ مُحْتَمل لكنه بعيد من الْمَذْهَب ثمَّ إِن شرطنا شَيْئا سوى مُضِيّ الزَّمَان فَهَل تجوز الِاسْتِنَابَة فِيهِ فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَنه إِنَّمَا يصير قَابِضا بِالضَّمِّ إِلَى مَا سبق من النَّقْل فَلَا يقبل التَّعَدُّد وَالأَصَح أَن البيع من الْمُودع مسلط على التَّصَرُّف وناقل للضَّمَان دون إِذن جَدِيد بِخِلَاف الرَّهْن فَإِنَّهُ مُحَصل للْملك وَهُوَ فِي يَده وَفِيه وَجه أَنه كَالرَّهْنِ وَالأَصَح أَن الرَّهْن من الْغَاصِب كَالرَّهْنِ من الْمُودع وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من إِذن جَدِيد قطعا إِذْ لم يسْبق هَاهُنَا إِذن حَتَّى ينْصَرف الْآن إِلَى جِهَة الرَّهْن فَإِن قيل فَهَل يبرأ الْغَاصِب عَن ضَمَان الْغَصْب بِالرَّهْنِ قُلْنَا عندنَا لَا يبرأ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن يَد الْغَاصِب لم تَنْقَطِع فَلَا يَنْقَطِع حكمه بِخِلَاف مَا إِذا أودع عِنْد الْغَاصِب فَإِن الطَّاهِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عَاد إِلَى الْمَالِك حكما إِذْ يَده يَد الْمُودع وَيَد الْمُرْتَهن لنَفسِهِ وَلَو آجره فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ مردد بَين أَن نجْعَل للآجر لما فِيهِ من تَقْرِير أجرته أَو للْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع وَفِي الْوكَالَة بِالْبيعِ وَجْهَان مرتبان على الْإِجَارَة وَأولى بِأَن لَا يبرأ لِأَنَّهُ كالمستأجر فِيهِ إِلَّا أَن غَرَض الْمَالِك هَاهُنَا فِي الْيَد أظهر وَلَو رهن من الْمُسْتَعِير فَفِي بَرَاءَته عَن ضَمَان الْعَارِية وَجْهَان مبنيان على أَنه هَل يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَلَو أَبْرَأ الْغَاصِب صَرِيحًا عَن الضَّمَان مَعَ بَقَاء الْيَد فَفِي الْبَرَاءَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِبْرَاء عَمَّا لم يتم سَبَب وُجُوبه إِذْ تَمام الْوُجُوب بالتلف ثمَّ إِذا قُلْنَا لَا يبرأ الْغَاصِب فَلهُ أَن يرد على الرَّاهِن وَيسْتَرد وَيجْبر الرَّاهِن على الْأَخْذ وَالرَّدّ بعد لُزُوم الرَّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 الْقسم الثَّانِي من الْبَاب الْكَلَام فِي الطوارئ قبل الْقَبْض وَالنَّظَر فِي تَصَرُّفَات الرَّاهِن وأحوال الْعَاقِد وأحوال الْمَعْقُود عَلَيْهِ أما التَّصَرُّفَات فَكل مَا يزِيل الْملك فَهُوَ رُجُوع عَن الرَّهْن لِأَنَّهُ جَائِز وَهُوَ ضِدّه وَمَا لَا يزِيل الْملك كالتزويج لَيْسَ بِرُجُوع إِذْ لَا مضادة وَالْإِجَارَة رُجُوع عَن الرَّهْن إِن قُلْنَا يمْنَع البيع وَإِلَّا فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِرُجُوع كالتزويج وَالتَّدْبِير بِحكم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه رُجُوع إِذْ جعله مَانِعا من الرَّهْن كَمَا سبق وعَلى تَخْرِيج الرّبيع لَيْسَ بِرُجُوع وَهُوَ الْقيَاس أما أَحْوَال الْعَاقِدين فموت الرَّاهِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سَبَب للْفَسْخ وَنَصّ فِي موت الْمُرْتَهن على أَنه يسلم إِلَى الْوَرَثَة فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وَوجه التَّرَدُّد متشابهته للجعالة وَالْوكَالَة وَهِي تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وللبيع الْجَائِز فَإِن مصيره إِلَيّ اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ وَمن قرر النصين فرقة من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن فَإِن مصيره إِلَى اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ وَمن قرر فرق من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن وعماد الرَّهْن من جَانب الْمُرْتَهن الدّين واستحقاقه لَا يتأثر مَوته وَفِي جُنُون الْعَاقِدين خلاف مُرَتّب على الْمَوْت وَفِي السَّفه خلاف مُرَتّب على الْجُنُون وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ فَإِن عدم الْعقل دون عدم الرّوح أما الْأَحْوَال الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن بإنقلاب الْعصير خمرًا وَجْهَان وَفِي جِنَايَة العَبْد وإباقه وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ وَهُوَ قريب من الْخلاف فِي الْجُنُون وأنقلاب الْعصير خمرًا أولى بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَالِيَّة وَلذَلِك يَزُول الرَّهْن بعد الْقَبْض بِهِ وَلَكِن إِذا عَاد خلا عَاد وَثِيقَة الرَّهْن بِسَبَب اخْتِصَاص الْيَد كَمَا عَاد ملك الْمَالِك بِسَبَب الِاخْتِصَاص بِالْعينِ وَيُمكن أَن يُقَال كَانَ الرَّهْن مَوْقُوفا كَمَا نقُول فِي وقف النِّكَاح على انْقِضَاء الْعدة فِي ردة الْمَنْكُوحَة ومصير الْعصير خمرًا فِي البيع قبل الْقَبْض كَهُوَ فِي الرَّهْن بعد الْقَبْض التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ بِهِ قبل الْقَبْض بل إِذا عَاد خلا عَاد الرَّهْن كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 بعد الْقَبْض فَلَو أَقبض وَهُوَ خمرًا فالقبض فَاسد فَلَو صَار خلا أمْسكهُ لنَفسك لم يكف وَلَو قَالَ أقبضهُ لنَفسك فَيكون هُوَ الْقَابِض والمقبض وَفِي مثله خلاف فِي البيع هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب قَالَ صَاحب التَّقْرِيب أَبُو الْقَاسِم بن قَاسم الْقفال الشَّاشِي يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا كإذن الْمُودع بعد الرَّهْن مِنْهُ إِذْ لَا فرق بَينهمَا فَإِن قيل وَهل يجوز السَّعْي فِي التَّخْلِيل قُلْنَا التَّخْلِيل حرَام عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لحَدِيث أبي طَلْحَة ثمَّ الْخمر إِن لم يكن مُحْتَرما وَهُوَ مَا أعتصر لأجل الخمريه فَإِن خلل بالقاء ملح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 فَهُوَ تجس لعلتين إِحْدَاهمَا تَحْرِيم الْخَلِيل وَالْأُخْرَى ثُبُوت حكم النَّجَاسَة للمتحلل وَذَلِكَ لَا يَزُول إِلَّا بِالْمَاءِ تعبدا بِخِلَاف أجراء الدن فَإِن فِيهِ ضَرُورَة فَإِن خلل بِالنَّقْلِ من ظلّ إِلَى شمس فَوَجْهَانِ بِنَاء على العلتين وَإِن لم يجر إِلَّا مُجَرّد قصد الْإِمْسَاك ليتخلل فَالظَّاهِر أَنه طَاهِر وَفِيه وَجه فَإِن أعتصره للخمريه فَصَارَ خلا من غير قصد فَهُوَ طَاهِر إِذْ لَا قصد وَلَا فعل وَإِن كَانَت الْخمْرَة محترمه وَفِي الَّتِي أعتصرت للخل فَهُوَ طَاهِر فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا إِذا القي فِيهِ ملح فَإِن نقل من الظل إِلَى الشَّمْس فَالظَّاهِر طَهَارَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 فَإِن قيل فالعناقيد إِذا استحالت بواطنها وأشتدت مَا حكمهَا قُلْنَا بواطئها نَجِسَة وَفِي جَوَاز بيعهَا وَجْهَان يجريان فِي الْبَيْضَة المذرة وَوجه التَّصْحِيح الِاعْتِمَاد فِي الْحَال على طَهَارَة الظَّاهِر وَفَائِدَته المنتظرة عِنْد التخلل والتفرخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم الرهون بعد الْقَبْض فِي حق الْمُرْتَهن والراهن فَهَذَا يَبْنِي على فهم حَقِيقَة الرَّهْن وَحَقِيقَته إِثْبَات الْوَثِيقَة لدين الْمُرْتَهن فِي الْعين حَتَّى يثبت عَلَيْهِ الْيَد وَيخْتَص بِهِ فَيقدم على الغرباء عِنْد الزحمة وبأمن فَوَات الدّين بالإفلاس فيتضمن الرَّهْن تَجْدِيد سلطنة للْمُرْتَهن لم تكن وَقطع سلطنة للرَّاهِن كَانَت فالنظر يتَعَلَّق بِمَا انْقَطع من الرَّاهِن وَمَا تجدّد للْمُرْتَهن وَبَيَان مَحل الْوَثِيقَة وغايتها الَّتِى عِنْدهَا يَنْقَطِع فَهِيَ أَرْبَعَة أَطْرَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 الطّرف الأول فِيمَا حجر على الْمَالِك فِيهِ وَهُوَ كل مَا يفوت وَثِيقَة الْمُرْتَهن أَو بَعْضهَا أَو ينقصها وَتصرف الرَّاهِن من ثَلَاثَة أوجه الأول التَّصَرُّف القولي فَكل مَا ينْقل الْملك الى غَيره كَالْبيع وَالْهِبَة اَوْ ينقص الْملك كالتزويج والاجارة إِذْ يقلل الرَّغْبَة فِي الْحَال أَو يزحم الْمُرْتَهن كَالرَّهْنِ من غَيره هـ فَهُوَ مَمْنُوع وَلَا منع من إِجَارَة تَنْقَضِي مدَّتهَا قبل حُلُول الدّين أما مَا يسْقط الْملك كالإعتاق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا انه لَا ينفذ فانه يفوت الْوَثِيقَة من الْعين كَالْبيع وَالثَّانِي ينفذ وَيغرم فانه يسري الى ملك الشَّرِيك وَحقّ الْمُرْتَهن لايزيد عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه أَن كَانَ مُوسِرًا نفذ وَغرم وَإِلَّا فَلَا فانه إِذا لم يُمكن تغريمه يبْق الْعتْق فِي الْمُرْتَهن تفويتا مَحْضا أما إِذا رهن نصف العَبْد فَالصَّحِيح آن أعتاقه فِي النّصْف المستبقى إِذا نفذ سرى الى الْمَرْهُون مهما كَانَ مُوسِرًا ألانه فِي معنى صُورَة السَّرَايَة إِلَى ملك الْغَيْر لوُجُوده محلا فَارغًا فِي الِابْتِدَاء بل أولى مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 التَّفْرِيع إِن قُلْنَا ينفذ وَيغرم فَفِي وَقت نُفُوذ الْعتْق طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه ينفذ فِي الْحَال لِأَنَّهُ صَادف ملكه وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْأَقْوَال فِي ملك الشَّرِيك فعلى قَول متنجز وعَلى آخر يتَوَقَّف على بذل الْبَدَل وعَلى الثَّالِث على بذل الْبَدَل يتَبَيَّن حُصُوله من وَقت الانشاء وَإِن وَإِن قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق فَفِي نُفُوذه عِنْد فك الرَّهْن وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ صَادف ملكه وأندفع لمَانع وألان فقد أرتفع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بمعلق وَلم يتنجر فَلَا يعود بعد اندفاعه وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بيع فِي حق الْمُرْتَهن وَعَاد إِلَيْهِ يَوْمًا من الدَّهْر لَا ينفذ أما تَعْلِيق الْعتْق فِي الْمَرْهُون إِن أتصل بِالصّفةِ قبل فك الرَّهْن فَحكمه حكم الْعتْق وَإِن وجد الصّفة بعده فَالْأَصَحّ النّفُوذ وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد التَّعْلِيق فِي حَاله لَا يملك التنجير فِيهَا وَهُوَ ملتف تَعْلِيق الطَّلقَة الثَّالِثَة فِي حق العَبْد الْوَجْه الثَّانِي لتصرفه الْوَطْء وَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يعرض الْملك لنُقْصَان الْولادَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وَفِي الصَّغِيرَة والآيسة وَجه وَالأَصَح حسم الْبَاب فَإِن أقدم فَلَا حدو لَا مهر وَالْولد حر نسيب لَهُ وَفِي الِاسْتِيلَاد خلاف مُرَتّب على الْعتْق وَأولى بالحصول لِأَنَّهُ من جملَة الْأَفْعَال فَإِن حكمنَا بِهِ وَجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم الاحبال فيجعلها رهنا بدلهَا وَإِن قُلْنَا لَا يحصل فَإِن بِيعَتْ وَفِي بَطنهَا الْوَلَد الْحر صَحَّ وَفِيه وَجه أَنه يبطل وَيجْعَل ذَلِك كاستثناء الْحمل وَإِن أَنْفك الرَّهْن فَالْأَصَحّ هَاهُنَا عود الِاسْتِيلَاد وَإِن مَاتَت من طلق هَذَا الِاسْتِيلَاد فَعَلَيهِ الْقيمَة لِأَنَّهُ الْمُتْلف بِوَطْئِهِ وَكَذَلِكَ إِذا وطئ أمه بِالشُّبْهَةِ الْغَيْر فَمَاتَتْ فِي الطلق وَفِيه وَجه آخر ذكره الفوراني أَنه لَا يجب إِذْ يبعد إِحَالَة الْهَلَاك على الْوَطْء مَعَ تخَلّل أَسبَاب حبلية وَلَو مَاتَت زَوجته من الطلق فَلَا ضَمَان قطعا لِأَنَّهُ تولد من مُسْتَحقّ وَفِي الْحرَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 الْمَوْطُوءَة بِالشُّبْهَةِ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْحِوَالَة عَلَيْهَا مُمكن فَإِنَّهَا صَاحِبَة الْحق وَالْيَد لَهَا فِي نَفسهَا بِخِلَاف الْأمة وَكَذَلِكَ فِي الزِّنَا فَإِن كَانَ مَعَ استكراه فَلَا يُمكن الْحِوَالَة عَلَيْهَا لأَنا لَا نَعْرِف كَون الْوَلَد مِنْهُ وَالشَّرْع منع النّسَب فَإِن أقرّ بإنه من إحباله فَفِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يدل على أَنه لَا يجب أَيْضا فَإِن السَّبَب ضَعِيف وَكَأَنَّهُ فِي الْأمة حصل مثل إِثْبَات الْيَد عَلَيْهَا بِاسْتِعْمَال رَحمهَا فِي تربية الْوَلَد فَكَانَ كالهلاكه تَحت الْيَد التَّفْرِيع إِذا أَوجَبْنَا الْقيمَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بِاعْتِبَار أقْصَى الْقيم من يَوْم الاحبال الى يَوْم الْمَوْت وَكَأن الاحبال غصب وأستيلاد وَالثَّانِي بِاعْتِبَار يَوْم الْمَوْت وَالثَّالِث بِاعْتِبَار يَوْم الاحبال الْوَجْه الثَّالِث الِانْتِفَاع وَهُوَ جَائِز عندنَا للرَّاهِن فِي الدَّار المرهونه بِالسُّكُونِ وَفِي العَبْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 المحترف بالاستكساب وَفِي الْفَحْل بإنزائه على الْإِنَاث إِن لم ينقص من قِيمَته وَكَذَا الإنزاء على الْأُنْثَى إِن لم ينقص الإحبال من قيمتهَا أما الْغِرَاس فِي الأَرْض فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ يقلل الرَّغْبَة فِي الأَرْض إِذا بِيعَتْ دون الْغِرَاس وَذكر الرّبيع فِي الدّين الْمُؤَجل وَجها أَنه لَا يمْنَع من الْغِرَاس فَرُبمَا تفي الأَرْض بِجَمِيعِ الدّين أَو توفى الزِّيَادَة من مَوضِع آخر فَإِن لم يكن قلع عِنْد البيع أما فِي الْحَال فَلَا منع وَهُوَ منقاس التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يمْنَع فَلَو غرس قلع وَلَو حمل السَّيْل النَّوَى فأنبت لَا يقْلع فِي الْحَال وَلَكِن عِنْد البيع يقْلع إِن لم يتَعَلَّق حق الْغُرَمَاء بِهِ بِالْحجرِ عَلَيْهِ بالفلس فَإِن تعلق لم يقْلع وَكَذَلِكَ على مَذْهَب الرّبيع إِذا جوز الْغِرَاس بل يُبَاع الْكل ويوزع الثّمن وَفِي كَيْفيَّة التَّوْزِيع كَلَام سبق فِي التَّفْرِيق بَين الْوَلَد وَالأُم فِي الرَّهْن فرع لَيْسَ للرَّاهِن المسافرة بِالْعَبدِ الْمَرْهُون أصلا لِأَنَّهُ حيلولة عَظِيمَة وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن فَلَا تزَال إِلَّا لضَرُورَة والضرورة فِي الِانْتِفَاع لَا فِي السّفر وَكَذَلِكَ لَا يُسَافر زوج الْأمة بهَا ويسافر بهَا سَيِّدهَا تَقْدِيمًا لحقه وترغيبا لَهُ فِي تَزْوِيجهَا ويسافر الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ الْحرَّة لِأَن مَقْصُود النِّكَاح أغلب وَهُوَ صَاحبه وَهِي صَاحِبَة الْحق والحظ فِي النِّكَاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 وَكَذَلِكَ لَو أمكن استسكاب العَبْد فِي يَد الْمُرْتَهن لم ينتزع من يَده فَإِن لم يحسن إِلَّا الْخدمَة انتزع من يَده نَهَارا ورد لَيْلًا وللمرتهن أَن يكلفه الْإِشْهَاد عِنْد الانتزاع فِي كل يَوْم وَهل لَهُ أَن يُكَلف الرَّاهِن ذَلِك وَهُوَ مَشْهُور الْعَدَالَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن قيل مَا منعتموه من التَّصَرُّفَات لَو أذن فِيهِ الْمُرْتَهن قُلْنَا لايمتنع مِنْهُ بِإِذْنِهِ فَالْحق لَا يعدوهما ثمَّ مَا من ضَرُورَته فسخ الرَّهْن كالإعتاق وَالْهِبَة يرفع الرَّهْن وَلَا قيمَة عَلَيْهِ إِذا أعتق بِإِذْنِهِ وَله أَن يرجع عَن الْإِذْن قبل وُقُوع التَّصَرُّف فَإِذا أذن فِي الْهِبَة فَلهُ الرُّجُوع قبل الْقَبْض إِذْ بِهِ يتم الْمَأْذُون فِيهِ وَفِي الرُّجُوع عَن الْإِذْن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَجْهَان فَإِن قيل هَل يتَعَلَّق حَقه بِالثّمن إِذا أذن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار قُلْنَا إِن كَانَ بعد حُلُول الدّين وَأذن لأجل قَضَاء حَقه فَلَا شكّ وَإِن كَانَ قبله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 فَإِن أطلق لم يكن الثّمن عندنَا رهنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يَجْعَل الثّمن رهنا فَفِي ذَلِك قَولَانِ مأخذه جَوَاز نقل الْوَثِيقَة إِلَى عين أُخْرَى وَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يعجل حَقي من الثّمن فَالشَّرْط فَاسد وَكَذَا الْإِذْن لِأَنَّهُ مَا رَضِي بِالْبيعِ إِلَّا بعوض وَهُوَ التَّعْجِيل وَلم يسلم الْعِوَض بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ للْوَكِيل بِعْ وَلَك من الثّمن عشرَة أُجْرَة فَإِنَّهُ لم يفْسد الْإِذْن وَفَسَد الشَّرْط لِأَنَّهُ لم يُقَابل الْعِوَض بِالْإِذْنِ بل قابله بِالْعَمَلِ فَعِنْدَ الْفساد يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل فَإِن قيل فَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فتعلقت الدُّيُون بِتركَتِهِ فَمَا قَوْلكُم فِي تصرف الْوَرَثَة فِيهَا بِالْبيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 قُلْنَا فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من خرج على قولي العَبْد الْجَانِي لِأَنَّهُ ثَبت شرعا لَا اخْتِيَارا بِخِلَاف الرَّهْن وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ نظرا للْمَيت ومبادرة إِلَى تبرئة ذمَّته ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن قَول الْمَنْع هَل يطرد فِي الدّين إِذا لم يسْتَغْرق وَمن لم يطرد علل بِأَن أَكثر التركات لَا تَخْلُو عَن دين مَا فيبعد الْحجر بِسَبَب دِرْهَم فِي مَال كثير فَإِن قيل فَلَو ظهر دين برد عوض بِالْعَيْبِ وتوجهت الْمُطَالبَة بِالثّمن بعد أَن بَاعَ الْوَرَثَة التَّرِكَة قُلْنَا إِن فرعنا على الْمَنْع من البيع فَفِي تتبعه بِالنَّقْضِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن الدّين متراخ وَسَببه مُتَقَدم وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حفر بِئْرا فتردى فِيهِ بعد مَوته إِنْسَان وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يسند إِذْ الْحفر لَيْسَ سَببا للهلاك بِمُجَرَّدِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يتبع بِالنَّقْضِ فَإِن وفوا بِالدّينِ فَذَاك وَإِلَّا فَالْأَصَحّ أَنه الْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 يفْسخ إِذْ لَا دين عَلَيْهِم حَتَّى يطالبوا وَفِيه وَجه أَن مَا مضى وَتعلق بِهِ حق المُشْتَرِي لَا يفْسخ فكأنهم قد فوتوا التَّرِكَة فَعَلَيْهِم الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 الطّرف الثَّانِي فِي بَيَان جَانب الْمُرْتَهن وَقد تحدد لَهُ اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال وَاسْتِحْقَاق البيع فِي تأني الْحَال وَلأَجل اسْتِحْقَاق الْيَد وَجب على الرَّاهِن التعهد والمؤنة لبَقَائه فِي يَده وَلَا يجب على الْمُرْتَهن الضَّمَان بِحكم هَذِه الْيَد وَلَا يملك الِانْتِفَاع والاستمتاع فَهَذِهِ خَمْسَة أُمُور فِي جَانِبه لَا بُد من مَعْرفَتهَا الأول اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال وَهُوَ ثَابت بِمُطلق الرَّهْن عِنْد اللُّزُوم بِالْقَبْضِ وَلذَلِك يرد لَيْلًا إِلَيْهِ عِنْد الِانْتِفَاع نَهَارا وَلَا تزَال يَده إِلَّا خوفًا من فَوَات مَنْفَعَة مَقْصُودَة فَتقدم الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة على الْيَد التابعة للحق لِأَنَّهَا لَا تطلب إِلَّا لحفظ مَحل الْحق وَلَو شَرط التَّعْدِيل على يَد ثَالِث جَازَ وَيكون الْعدْل نَائِبا عَن الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْيَد وَلذَلِك لَا يجوز شَرط التَّعْدِيل على يَد الْمَالِك لِأَن يَده لَا تصلح للنيابة عَن غَيره وَهُوَ مُسْتَقل بِالْملكِ وللراهن أَيْضا حَظّ فِي يَد الْعدْل فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يَثِق بيد الْمُرْتَهن فَلهَذَا لَا يجوز للعدل أَن يسلم إِلَى أَحدهمَا دون إِذن صَاحبه وَلَا أَن يسلم إِلَى ثَالِث دون إذنهما فَإِن فعل ضمن ثمَّ إِن سلم إِلَى الْمُرْتَهن ضمن للرَّاهِن والقرار على الْمُرْتَهن مهما تلف فِي يَده وَإِن سلم إِلَى الرَّاهِن ضمن للْمُرْتَهن الْقيمَة لتَكون عِنْده رهنا فَإِذا قضي الدّين ردَّتْ إِلَيْهِ الْقيمَة وَله أَن يُكَلف الرَّاهِن الْقَضَاء لفك ملكه كَمَا فِي الْمُعير لأجل الرَّهْن فرع لَو تغير حَال الْعدْل بِفِسْقِهِ أَو جِنَايَته على العَبْد قصدا أَو بِزِيَادَة فسق على مَا عهد من قبل فَلِكُل وَاحِد طلب إِزَالَة يَده إِلَى عدل آخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 الْأَمر الثَّانِي اسْتِحْقَاق البيع وَهُوَ ثَابت عِنْد حُلُول الدّين إِن لم يوف الرَّاهِن الدّين من مَوضِع آخر وَلَكِن لَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُرْتَهن وَلَا الْعدْل الَّذِي فِي يَده دون إِذن الرَّاهِن أَو إِذن القَاضِي وَلَو بَاعَ الْعدْل بِإِذن أَحدهمَا لم يَصح بل لَا بُد من إذنهما وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول أَنه لَو رَجَعَ أَحدهمَا عَن الْإِذْن امْتنع الْعدْل عَن البيع فرجوع الرَّاهِن عزل فَإِنَّهُ الْمُوكل وَإِذن الْمُرْتَهن شَرط وَلَيْسَ بتوكيل وَلذَلِك لَو عَاد الْمُرْتَهن وَأذن بعد رُجُوعه جَازَ وَلم يجب تَجْدِيد التَّوْكِيل من الرَّاهِن ومساق هَذَا الْكَلَام من الْأَصْحَاب مشْعر بِأَنَّهُ لَو عزل الرَّاهِن ثمَّ عَاد ووكل افْتقر الْمُرْتَهن إِلَى تَجْدِيد الْإِذْن وَعَلِيهِ يلْزم لَو قيل بِهِ أَن لَا يعْتد بِإِذْنِهِ للعدل قبل تَوْكِيل الرَّاهِن فليؤخر عَنهُ وَيلْزم عَلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان رضَا الْمَرْأَة للْوَكِيل بِالنِّكَاحِ قبل تَوْكِيل الْوَلِيّ وكل ذَلِك مُحْتَمل وَوجه المساهلة إِقَامَة دوَام الْإِذْن مقَام الِابْتِدَاء تعلقا بِعُمُومِهِ وَأَنه إِن لم يكن يعْمل فِي الْحَال أولى بِالِاحْتِمَالِ فليقدر مُضَافا إِلَى وَقت التَّوْكِيل وَإِذا احتملت الْوكَالَة التَّأْقِيت وَالتَّعْلِيق كَانَ الْإِذْن أولى بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَو إِذن الرَّاهِن للعدل عِنْد الرَّهْن بِالْبيعِ عِنْد حُلُول الْأَجَل لم يفْتَقر إِلَى مُرَاجعَته ثَانِيًا عِنْد الْحُلُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُ إِذْ قد يسمح بِالْإِذْنِ فِي غير وَقت البيع ثمَّ يرى أَن يُوفي الدّين من مَوضِع آخر فِي وَقت الْحُلُول الثَّالِث أَنه لَو ضَاعَ الثّمن فِي يَد الْعدْل فَهُوَ أَمَانَة فَلَو سلمه إِلَى أَحدهمَا دون إِذن الثَّانِي فَهُوَ ضَامِن وَلَو أذن لَهُ الرَّاهِن فِي التَّسْلِيم إِلَى الْمُرْتَهن فَسلم وَأنكر الْمُرْتَهن فَهُوَ ضَامِن لعَجزه عَن الْإِثْبَات فَإِن صدقه الرَّاهِن وَنسبه إِلَى التَّقْصِير فِي ترك الْإِشْهَاد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان وَلَو كَانَ قد شَرط الْإِشْهَاد فَلَا شكّ أَنه يضمن وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَصدق لم يضمن وَإِن كذب فَوَجْهَانِ الرَّابِع إِذا بَاعَ الْعدْل بِالْغبنِ بَطل بَيْعه وَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل وَهُوَ فِي الْحَال يطْلب بِزِيَادَة لم يَصح وَإِن طلب فِي الْمجْلس أَيْضا انْفَسَخ العقد لِأَنَّهُ فِي حكم الِابْتِدَاء فَإِن أَبى الرَّاغِب من قبُول البيع بعد إِظْهَاره فَالْأَصَحّ أَنا نتبين أَن الِانْفِسَاخ لم يكن إِذْ بَان أَن الزِّيَادَة لم يكن لَهَا حَقِيقَة وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من تَجْدِيد العقد فَإِن الْفَسْخ قد وَقع ثمَّ فِي تَجْدِيد البيع من الأول وَالْبيع من الرَّاغِب الثَّانِي عِنْد إِطْلَاق الْإِذْن وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز إِلَّا بِإِذن مُجَدد إِذا الْوكَالَة الأولى انْفَسَخت بالامتثال بِالْبيعِ الأول وَالثَّانِي الْجَوَاز وتنزيل البيع على مَا يُفِيد ويتقرر وَإِخْرَاج الأول عَن كَونه امتثالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 الْأَمر الثَّالِث تعهد الْمَرْهُون ومؤنته على الرَّاهِن وَلَيْسَ يمْنَع مِنْهُ حَتَّى من الفصد والحجامة والختان وَيمْنَع عَن قطع سلْعَة يخَاف مِنْهَا سرَايَة وَيجب عَلَيْهِ كِرَاء الإصطبل للدابة مَعَ الْعلف وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا رَهنه ثَمَرَة الشَّجَرَة فعلى الرَّاهِن سقيها وإصلاحها وجذاذها وتشميسها كَمَا يكون عَلَيْهِ نَفَقَة العَبْد وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى من يحلبه ويركبه نَفَقَته لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه فَإِن امْتنع أجْبرهُ القَاضِي لحق الْمُرْتَهن هَذَا مَذْهَب الْعِرَاقِيّين وَقَالَت المراوزة لَا يلْزمه الْإِنْفَاق على الْحَيَوَان إِلَّا لحق الله تَعَالَى فَلم يرْهن مِنْهُ إِلَّا على ذَلِك فَإِن امْتنع بيع جُزْء من الْمَرْهُون وَجعل نَفَقَة لَهُ فَإِن خيف اسْتِيعَاب الْمَرْهُون بِالنَّفَقَةِ ألحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَبيع بِمَا لَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وَكَذَلِكَ يحذر من بيع الْبَعْض لِأَنَّهُ تشقيص فينفق عَلَيْهِ من منفعَته وَكَسبه وَإِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 فَيُبَاع وَلَعَلَّ الأول أصح 0 ويتأيد بالمكري فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ عمَارَة الدَّار من عِنْده وَفَاء بِتَقْدِير مَا الْتزم الْأَمر الرَّابِع الْمَرْهُون أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن لَا يسْقط بتلفه شَيْء من الدّين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَلَو تصرف فِيهِ بِمَا لَا يجوز ضمن ضَمَان الْمَغْصُوب فروع أَرْبَعَة أَحدهَا لَو رهن عِنْده أَرضًا وَأذن لَهُ فِي الْغِرَاس بعد شهر فَهُوَ قبل الْغِرَاس أَمَانَة وَبعده عَارِية مَضْمُونَة وَالرَّهْن مُسْتَمر فَإِن غرس قبل الشَّهْر قلع مجَّانا وَإِن غرس بعد الشَّهْر لم يقْلع إِلَّا بِبَدَل الثَّانِي إِذا كَانَ الدّين مُؤَجّلا بِشَهْر فَقَالَ رهنت مِنْك بِشَرْط أَن يكون مَبِيعًا مِنْك بِالدّينِ عِنْد حُلُول الْأَجَل فالرهن فَاسد وَالشّرط فَاسد وَلكنه فِي الشَّهْر الأول أَمَانَة لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم الرَّهْن وَفِي الثَّانِي مَضْمُون لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم شِرَاء فَاسد وللفاسد حكم الصَّحِيح فِي الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 وَمِنْهُم من اسْتثْنى مَا إِذا عرف فَسَاد البيع فأمسكه عَن جِهَة الرَّهْن التَّفْرِيع لَو غرس بعد مُضِيّ الشَّهْر على ظن صِحَة البيع لم يقْلع غرسه مجَّانا لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ فِي ضمن البيع وَلَو علم الْفساد قلع مجَّانا لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهِ ذَلِك فَلَا حُرْمَة لقلعة الثَّالِث إِذا ادّعى الْمُرْتَهن رد الرَّهْن أَو تلفه فَالْقَوْل قَوْله عِنْد المراوزة كَمَا فِي الْمُودع وطردوا ذَلِك فِي الْمُسْتَأْجر وأيدي الْأَمَانَات كلهَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ ذَلِك من خَصَائِص الائتمان لِأَنَّهُ مُصدق بقوله إِذا ائتمنه وألحقوا الْوَكِيل بِغَيْر أُجْرَة بالمودع وَذكروا فِي الْوَكِيل بِأُجْرَة وَجْهَيْن الرَّابِع قَالَ المراوزة الْمُرْتَهن من الْغَاصِب وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ على جهل حكمهمَا حكم الْمُودع على جهل حَتَّى إِنَّهُم يطالبون بِالضَّمَانِ والقرار على الْغَاصِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 والعراقيون سووا بَين الْكل وَذكروا فِي مطالبتهم وَجْهَيْن وَعند الْمُطَالبَة ذكرُوا فِي قَرَار الضَّمَان وَجْهَيْن الْأَمر الْخَامِس تَصَرُّفَات الْمُرْتَهن وَهُوَ مَمْنُوع من جَمِيعهَا قولا وفعلا وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاع أَيْضا وَلَو وطئ مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ فَحكمه الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ حكم الزِّنَا وَإِن جهل وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمِنْهُم من قطع بِسُقُوط الْحَد وَتردد فِي الْمهْر وَالنّسب وحرية الْوَلَد لضعف هَذِه الشُّبْهَة وَهُوَ بعيد ثمَّ قَالَ القَاضِي من لَا يعرف هَذَا الْقدر فَكَأَنَّهُ لَا معرفَة لَهُ فَإِذا اكتفينا بِهَذَا فِي إِثْبَات الْأَحْكَام فَيَنْبَغِي أَن نقُول الْمَجْنُون إِذا زنا فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَإِن إِذن الرَّاهِن وَعلم التَّحْرِيم فَهُوَ زَان وَقيل إِن مَذْهَب عَطاء إِبَاحَة الْوَطْء بِالْإِذْنِ فَيصير شُبْهَة ويلتحق بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَأَما إِذا ظن الْإِبَاحَة فَهَذِهِ الشُّبْهَة أقوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَفِي الْمهْر وَجْهَان أَحدهمَا السُّقُوط لإذنه وَالثَّانِي الْوُجُوب كَمَا للمفوضة إِذْ لَا يُؤثر الْإِذْن فِي إِسْقَاط عوض الأبضاع وَفِي قيمَة الْوَلَد طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمهر لِأَنَّهُ نتيجة الْوَطْء وَالثَّانِي الْقطع بِالْوُجُوب لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الِاسْتِيلَاد وَهَذَا ينْقضه أَن الْمُرْتَهن لَو إِذن للرَّاهِن نفد استيلاده قطعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 الطّرف الثَّالِث فِي مَحل الْوَثِيقَة وَهُوَ عين الْمَرْهُون أَو بدلهَا فَأَما بدل الْمَنْفَعَة كالكسب والعقر أَو الزِّيَادَة الْحَاصِلَة من الْعين كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر وَالصُّوف فَلَا يتَعَدَّى الرَّهْن إِلَيْهَا عندنَا وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الزِّيَادَات الْحَاصِلَة من الْعين وَفِي الْعقر أَيْضا هَذَا إِذا كَانَ الْوَلَد حَادِثا علوقه بعد الرَّهْن وانفصاله قبل الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن كَانَ مجتنا فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا فَيُبَاع الْحَامِل فِي حَقه وَلَا ينظر إِلَى مَا فِي بَطنهَا وَإِن كَانَ مجتنا عِنْد العقد مُنْفَصِلا حَال البيع فَفِيهِ قَولَانِ مأخذه التَّرَدُّد فِي الاستتباع وَأَن الْحمل هَل يعرف فَإِنَّهُ إِن لم يعرف لم ينْدَرج وَكَأَنَّهُ حدث الْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وَإِن علق بعد الرَّهْن وَكَانَ مجتنا عِنْد البيع فَكَذَلِك فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يعرف فَكَأَنَّهُ زِيَادَة مُتَّصِلَة فَلَا كَلَام فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِالْحملِ فَلَا يُمكن بيع الْأُم دون الْحمل وَلَا بيع الْكل مَعَ التَّوْزِيع فَإِن قيمَة الْحمل لَا تعرف وَقد تنقص الْقيمَة بِالْحملِ فتؤخر إِلَى وَقت انْفِصَال الْوَلَد أما بدل الْعين فيتعدى إِلَيْهِ الرَّهْن ونعني بِهِ أرش الْجِنَايَة فَإِنَّهُ يوضع رهنا وَمَا دَامَ فِي ذمَّة الْجَانِي هَل نُسَمِّيه مَرْهُونا أم نقُول زَالَ الرَّهْن ثمَّ عَاد عِنْد التَّعْيِين كَمَا نقُول فِي الْعصير إِذا انْقَلب خمرًا ثمَّ خلا فِيهِ خلاف ثمَّ الرَّاهِن بالمطالبة أولى فَهُوَ الْمَالِك فَإِن تكاسل فللمرتهن الْمُطَالبَة فَإِن أَبْرَأ الرَّاهِن لم ينفذ قطعا وَلم يلْحق بِالْإِعْتَاقِ وَإِن أَبْرَأ الْمُرْتَهن لم يَصح وَلَكِن هَل يكون ذَلِك فسخا للرَّهْن فِي حَقه فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ كَانَ تحصل ضمنا للإبراء فَإِذا لم يحصل المتضمن فَلَا عُمُوم لقَوْله فَلَا يحصل الضمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 الطّرف الرَّابِع فِي غَايَة الرَّهْن وَمَا بِهِ انفكاكه وَهُوَ بِفَسْخ الرَّهْن أَو فَوَات الْمَرْهُون بِغَيْر بدل أَو قَضَاء الدّين أما الْفَسْخ فَلَا يخفى وَكَذَا فَوَات عين الْمَرْهُون بأفة سَمَاوِيَّة ويلتحق بِهِ مَا إِذا فَاتَ الْملك فِيهِ بِغَيْر بدل وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِجِنَايَة العَبْد فَإِنَّهُ يتَعَلَّق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ الرَّهْن وَإِن بيع فِي الْجِنَايَة فقد فَاتَ الْملك وَفَاتَ وَثِيقَة الرَّهْن وَلَا ضَمَان على الرَّاهِن لِأَنَّهُ لم يكن من جِهَته وَإِنَّمَا لم يمْنَع الرَّهْن حق الْجِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يزِيد على حق الْمَالِك وَقدم حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ على حق الْمَالِك مصلحَة فِي حسم الْجِنَايَات فَأَما إِذا كَانَت الْجِنَايَة مُتَعَلقَة بالسيد فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يجني على طرفه أَو على عَبده بِمَا يُوجب الْقصاص فَلهُ قَتله لِأَن مرتبته لَا تتقاعد عَن رُتْبَة الْأَجْنَبِيّ وَإِن عَفا عَن الْقصاص على مَال فَلَا مطمع فِي فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة لِأَن السَّيِّد لَا يثبت لَهُ دين فِي ذمَّة عَبده حَتَّى يَنْبَنِي عَلَيْهِ التَّعَلُّق بِالرَّقَبَةِ ثمَّ البيع فِيهِ ثمَّ فك الرَّهْن بِهِ وَفِيه وَجه عَن ابْن سُرَيج أَن لَهُ فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة وَيظْهر أثر الْجِنَايَة فِي حق الْمُرْتَهن وَإِن لم يظْهر فِي حق العَبْد الثَّانِيَة إِذا جنى على ابْن الرَّاهِن فَمَاتَ الابْن وانتقل الْحق إِلَى الرَّاهِن فَلهُ الْقصاص وَإِن عَاد إِلَى مَال فَهَل يسْتَحق فك الرَّهْن بِهِ يَنْبَنِي على أَن الْملك الطَّارِئ هَل يقطع دوَام الدّين الَّذِي اسْتحق قبل الْملك وَفِيه خلاف وَهَذَا فِي حكم دوَام دين لِأَنَّهُ اسْتحق من قبل وَالْإِرْث دوَام فَإِن قتل ابْن الرَّاهِن وَقُلْنَا إِن الدِّيَة تثبت للقتيل أَولا ثمَّ للْوَارِث فَحكمه مَا سبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 وَإِن قُلْنَا إِنَّه للْوَارِث ابْتِدَاء فَهُوَ كَمَا لَو جنى على الرَّاهِن ابْتِدَاء وَلَو قتل الرَّاهِن فَلَيْسَ للِابْن فك الرَّهْن بِهِ قطعا لِأَنَّهُ لَيْسَ يُفِيد فِي حق الْمُورث وَالْوَارِث فَإِن الْمُورث هَا هُنَا هُوَ الْمَالِك الثَّالِثَة إِذا جنى على عبد آخر لَهُ مَرْهُون إِن كَانَ من شخص آخر فللراهن الْقصاص وَلَا مبالاة بِفَوَات حق الْمُرْتَهن فَإِن عَفا على مَال تعلق حق مُرْتَهن الْقَتِيل بِالْعَبدِ وَإِن عَفا مُطلقًا أَو من غير مَال فَهُوَ كعفو الْمُفلس الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِأَن الرَّاهِن مَحْجُور عَلَيْهِ كالمفلس وعفو السَّيِّد عَن المَال ينزل جِنَايَة الْعمد منزلَة الْخَطَأ وَإِن كَانَ مُوجبه المَال فَيُبَاع الْجَانِي فِي حق مُرْتَهن الْقَتِيل فَإِن كَانَ حَقه يتَأَدَّى بِبَعْض العَبْد الْقَاتِل لكَونه دون قِيمَته بيع ذَلِك الْقدر فِي حَقه وَبَقِي الْبَاقِي رهنا عِنْد مُرْتَهن الْقَاتِل وَإِن لم يرض مُرْتَهن الْقَاتِل بِعَيْب التشقيص يُبَاع الْكل وَيُوضَع الْفَاضِل عَن أرش الْجِنَايَة رهنا عِنْده وَلَو تَسَاوَت القيمتان وتراضى الْمَالِك ومرتهن الْقَتِيل بِأَن يَجْعَل العَبْد رهنا بدل الْقَتِيل جَازَ وَإِن أَبى الْمُرْتَهن أَعنِي مُرْتَهن الْقَتِيل فَهَل يجْبر عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 أما إِذا كَانَ الْقَتِيل مَرْهُونا عِنْده أَيْضا فَإِن كَانَ بذلك الدّين بِعَيْنِه فَهُوَ فَوَات مَحْض فِي حَقه وَإِن كَانَ بدين آخر يُخَالِفهُ فِي الْقدر أَو الْجِنْس أَو مِقْدَار الْأَجَل فَلهُ أَن يفك الاول ليباع وَيجْعَل رهنا بِالثَّانِي وَإِن اسْتَوَى الدينان من كل وَجه قدرا وجنسا وأجلا فَقَالَ بيعوه لينتقل حَقي إِلَى ثمنه فَإِنِّي لَا آمن جِنَايَته فَهَل يكون هَذَا من الْأَغْرَاض الْمُعْتَبرَة فِيهِ وَجْهَان السَّبَب الآخر فِي فك الرَّهْن قَضَاء الدّين وَهُوَ قِسْمَانِ الأول أَن يقْضى من غير الْمَرْهُون فَإِن قضي جَمِيع الدّين انْفَكَّ الرَّهْن وَإِن بَقِي من الدّين دِرْهَم بَقِي جَمِيع الْمَرْهُون رهنا فَلَا يَنْفَكّ بِبَعْض الدّين بعض الْمَرْهُون بل الدّين ينبسط على أَجزَاء الْمَرْهُون وَلذَلِك نقُول لَو مَاتَ أحد الْعَبْدَيْنِ بَقِي الثَّانِي رهنا بِالْجَمِيعِ وَكَذَلِكَ لَو رهن عَبْدَيْنِ بِأَلف وَسلم أَحدهمَا كَانَ رهنا عندنَا بِجَمِيعِ الْألف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فإمَّا إِذا تعدد العقد لم يكن أَحدهمَا مُتَعَلقا بِالْآخرِ وَذَلِكَ بتعدده فِي نَفسه كَمَا إِذا رهن نصفي عبد فِي صفقتين بِأَلفَيْنِ ثمَّ قضي أَحدهمَا انْفَكَّ أحد النصفين وَلذَلِك لَو تعدد مُسْتَحقّ الدّين كَمَا إِذا رهن من رجلَيْنِ وَقضى دين أَحدهمَا أَو تعدد الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فارتهن من رجلَيْنِ فَلَا يقف حكم أَحدهمَا على الآخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 وَلَا نظر إِلَى اتِّحَاد الْوَكِيل وتعدده فِي بَاب الرَّهْن لِأَنَّهُ لَيْسَ عقد عُهْدَة بِخِلَاف صَفْقَة البيع فَإِنَّهَا قد تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْوَكِيل وَهل تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْمَالِك فِيهِ وَجْهَان وَصورته أَن يستعير عبدا من رجلَيْنِ ويرهنه بِأَلفَيْنِ عَلَيْهِ ويرهن من شخص وَاحِد ثمَّ سلم ألفا وَقصد بِهِ فك نصيب أَحدهمَا فَمنهمْ من قَالَ لَا يَنْفَكّ نظرا إِلَى اتِّحَاد الدّين وَالْعقد وَمِنْهُم من نظر إِلَى تعدد الْمَالِك وَلَو اسْتعَار عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَفِي التَّعَدُّد وَجْهَان مرتبان وَأولى لانضمام تميز الْمَرْهُون إِلَى تميز الْمَالِك وَلَو مَاتَ الرَّاهِن وَخلف ابْنَيْنِ ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح أَن لَهُ حكم الِاتِّحَاد نظرا إِلَى حَال الرَّهْن نعم لَو مَاتَ الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَتعلق الدّين بِالتَّرِكَةِ بِإِقْرَار الِابْنَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 فَقضى أَحدهمَا نصِيبه فَفِي انفكاك نصِيبه قَولَانِ ظاهران من حَيْثُ إِن التَّعَدُّد مقترن بِالِابْتِدَاءِ وَهُوَ بِنَاء على أَن أَحدهمَا لَو أقرّ هَل يُطَالب بِتمَام الدّين فرع حَيْثُ يتَمَيَّز الحكم بِتَعَدُّد الْمَالِك فَإِذا قضى أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه واستقسم الْمُرْتَهن فَكَانَ الشَّيْء مَكِيلًا أَو مَوْزُونا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ ذَلِك وَهُوَ تَفْرِيع على أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز حق لَا بيع حَتَّى يتَصَوَّر فِي الْمَرْهُون ثمَّ يُرَاجع القَاضِي الرَّاهِن فِيهِ فَإِن أَبى أجْبرهُ عَلَيْهِ وَفِي مُرَاجعَة الْمُرْتَهن وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه لَا ملك لَهُ وَلَكِن لَهُ حق فَإِن كَانَت الْقِسْمَة قسْمَة تَعْدِيل كَمَا لَو رهن رجلَانِ عَبْدَيْنِ مشتركين ثمَّ قضى أَحدهمَا نصِيبه وهما مُتَسَاوِيا الْقيمَة فَفِي الْإِجْبَار عَلَيْهَا قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يجْبر فالرجوع إِلَى الْمُرْتَهن هَا هُنَا أولى لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقِيقَة البيع من قسْمَة الْجِزْيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 الْقسم الثَّانِي فِي قَضَاء الدّين من ثمن الْمَرْهُون وَذَلِكَ بِبيعِهِ عِنْد حُلُول الدّين فَلَا يسْتَقلّ الْمُرْتَهن بِهِ بل يرفعهُ إِلَى القَاضِي ثمَّ القَاضِي لَا يَبِيع بل يُكَلف الرَّاهِن قَضَاء الدّين أَو الْإِذْن فِي البيع فَإِن أذن وَقَالَ للْمُرْتَهن بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ الثّمن لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ بَيْعه واستيفاؤه لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ خلاف منشؤه اتِّحَاد الْقَابِض والمقبض فَإِن قَالَ بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ لنَفسك صَحَّ البيع وَبَطل اسْتِيفَاؤهُ لنَفسِهِ لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن بعد ملك الرَّاهِن إِذْ لم يسْتَوْف لَهُ أَولا وَلَكِن يدْخل فِي ضَمَانه لِأَنَّهُ اسْتِيفَاء فَاسد فَلهُ فِي الضَّمَان حكم الصَّحِيح وَلَو قَالَ بِعْهُ لنَفسك بَطل الْإِذْن إِذْ لَا يتَصَوَّر أَن يَبِيع مَال الْغَيْر لنَفسِهِ فَلْيقل بِعْهُ لي فَإِن قَالَ بِعْ مُطلقًا فَفِيهِ خلاف وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيل الْمَنْع مِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُسْتَحقّ للْبيع فَيَنْصَرِف مُطلق اللَّفْظ إِلَى جَانِبه فَهُوَ كَقَوْلِه بِعْ لنَفسك وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُتَّهم فِي ترك المماكسة لِأَنَّهُ فِي غَرَض نَفسه يَتَحَرَّك فعلى هَذِه الْعلَّة لَو قدر الثّمن أَو كَانَ قبل حُلُول الْأَجَل أَو كَانَ الرَّاهِن حَاضرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 قَالُوا بِصِحَّة بَيْعه فرع لَو حضر الرَّاهِن مجْلِس القَاضِي وكلف الْمُرْتَهن إِحْضَار الرَّهْن حَتَّى يقْضِي دينه لم يلْزمه مُعَاملَة بل عَلَيْهِ قَضَاء الدّين فَإِذا قضى فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضا إِحْضَاره فَإِنَّهُ أَمَانَة فِي يَده فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّمْكِين من الْأَخْذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع بَين الْمُتَعَاقدين وَهُوَ فِي أَرْبَعَة أُمُور العقد وَالْقَبْض وَالْجِنَايَة وَمَا يُوجب فك الرَّهْن بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النزاع الأول فِي العقد وَمهما اخْتلفَا فِيهِ فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن فروع ثَلَاثَة الأول إِذا تنَازعا فِي قدر الْمَرْهُون فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن فَلَو صادفنا فِي يَد الْمُرْتَهن أَرضًا وفيهَا نخيل وَادّعى كَون النخيل رهنا فَأنْكر الرَّاهِن وجوده لَدَى العقد كفائه ذَلِك إِن أمكن صدقه وَيحلف عَلَيْهِ وَإِن كذبه الْحس فَلهُ أَن يحلف على نفي الرَّهْن لَا على نفي الْوُجُود فَلَو أستمر على إِنْكَار الْوُجُود على خلاف الْحس جعل ناكلا عَن الْيَمين وَردت الْيَمين على الْمُرْتَهن فَإِن ترك ذَلِك وَرجع الى أنكار الرَّهْن لم يمْنَع مِنْهُ وَإِن كذب نَفسه فِيمَا سبق من أنكار الْوُجُود الثَّانِي إِذا أدعى رجل على رجلَيْنِ رهن عبد وَاحِد لَهما عِنْده فكذبه أَحدهمَا وَصدقه الآخر فللمصدق أَن يشْهد على المكذب لِأَن الشَّرِيك يشْهد على الشَّرِيك وَلَو ادّعى رجلَانِ على رجل رهن عبد وَاحِد مِنْهُمَا فكذب أَحدهمَا فَشهد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 الْمُصدق للمكذب فَفِي قبُوله وَجْهَان بنبليان على أَنه لَو لم يشْهد لَهُ هَل كَانَ المكذب يُشَارِكهُ فِي نصفه مُؤَاخذَة لَهُ بِتَصْدِيق وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ادّعَيَا هبة عبد فَصدق أَحدهمَا فَهَل يَأْخُذ المكذب مِمَّا سلم لَهُ النّصْف وَلَا خلاف فِي أَنَّهُمَا لَو أدعيا وراثة عبد فَصدق أَحدهمَا يُشَارِكهُ المكذب فِيهِ الثَّالِث لَو أدعى رجلَانِ على رجل وَاحِد أَنه رهن عَبده مِنْهُ على الْكَمَال فَصدق أَحدهمَا سلم إِلَيْهِ وَهل يحلف للثَّانِي يَنْبَنِي على أَنه لَو أقرّ للثَّانِي هَل كَانَ يغرم لَهُ وَفِيه قولا ضَمَان الْحَيْلُولَة فَإِن قَالَ رهنت من أَحَدكُمَا ونسيت فَيحلف على نفي الْعلم فَإِن نكل رد الْيَمين عَلَيْهِمَا فَإِن تحَالفا أَو تناكلا فسخ القَاضِي الرَّهْن لتعذر الْإِمْضَاء وَأَن حلف الرَّاهِن على نفي الْعلم فَالصَّحِيح أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَو نكل وَفِيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 وَجه أَنه انْتَهَت الْخُصُومَة أما إِذا كَانَ فِي يَد أَحدهمَا وَأقر الرَّاهِن للثَّانِي بعد وُقُوع الِاتِّفَاق على جَرَيَان رهن وَقبض مَعَ كل وَاحِد لَكِن وَقع النزاع فِي السَّبق فَقَوْلَانِ اخْتِيَار الْمُزنِيّ تَرْجِيح الْيَد على الْإِقْرَار وَهُوَ ضَعِيف وَالأَصَح النّظر إِلَى مُوجب الْإِقْرَار ثمَّ فرغ الْمُزنِيّ وَقَالَ لَو قَالَ صَاحب الْيَد كَانَ فِي يَد الْمقر لَهُ قبل هَذَا وَلَكِن غصبا فَيُقَال لَهُ اعْترفت بِالْيَدِ وادعيت الْغَصْب فَهُوَ فِي يَده إِذا لَا فِي يدك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 النزاع الثَّانِي فِي الْقَبْض وَالْقَوْل فِيهِ ايضا قَول الرَّاهِن ايضا إِذْ الأَصْل عَدمه إِذا كَانَ فِي يَد الرَّاهِن فَإِن كَانَ عِنْد النزاع فِي يَد الْمُرْتَهن فَكَذَلِك القَوْل قَوْله إِن قَالَ غصبتنية وَفِيه وَجه بعيد وَأَن قَالَ أعرتكه أَو أكريتكه أَو أودعتكه فَوَجْهَانِ وَوجه الْفرق أَنه أقرّ بِقَبض مَأْذُون فِيهِ ويجريان الرَّهْن وَهُوَ يَدعِي صرفه عَن جِهَة الرَّهْن فَالظَّاهِر خِلَافه وَكَذَا الْخلاف إِذا قَالَ المُشْتَرِي للْبَائِع أعرتك الْمَبِيع بعد قبض الْمَبِيع عَن جِهَة البيع وَقَالَ البَائِع بل هُوَ مَحْبُوس بِأَصْل الثّمن وَحقّ الْحَبْس لَا يبطل بالإعارة وَلَو اتفقَا على أَن الرَّاهِن أذن فِي الْقَبْض وَقَالَ الرَّاهِن لم نقبض بعد فَإِن كَانَ فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ الْمُصدق بِهِ فرع لَو قَامَت بَيِّنَة على الرَّاهِن بالإقباض بعد إِنْكَاره فَقَالَ كذب الشُّهُود لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 يلْتَفت اليه فَلَو شهدُوا على إِقْرَاره فَقَالَ صدقُوا لكني كذبت فِي الْإِقْرَار فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا لَو أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء ثمَّ رَجَعَ وَالثَّانِي يقبل لِأَنَّهُ مُمكن فليتمكن من تَحْلِيف الْخصم على نفي الْعلم بذلك وَالثَّالِث وَهُوَ الاعدل أَنه قَالَ غَلطت لوصول كتاب وَكيل لي أَو أشهدت على الرَّسْم فِي القبالة قبل التَّحْقِيق فَيسمع حَتَّى يحلف الْخصم وَإِن قَالَ كذبت عمدا فَلَا يسمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 النزاع الثَّالِث فِي الْجِنَايَة أَن جنى على الْمَرْهُون واعترف الْجَانِي وَصدقه الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن غرمه للرَّاهِن وَلم يتَعَلَّق بالارش حق الْمُرْتَهن وَإِن صدقه الْمُرْتَهن دون الرَّاهِن غرم للْمُرْتَهن فَإِن قضى الرَّاهِن دينه من مَوضِع آخر أَنْفك الرَّهْن وَبَقِي هَذَا مَالا لَا يَدعِيهِ أحد لنَفسِهِ فَهُوَ لبيت المَال أَو يرد على الْجَانِي فِيهِ خلاف أما إِذا جنى الْمَرْهُون واعترف بِهِ الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن وَإِذا بيع العَبْد فِي دين الْمُرْتَهن لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِخْرَاج الثّمن من يَد الْمُرْتَهن مُؤَاخذَة لَهُ بقوله لِأَن حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَا يتَعَلَّق بِالثّمن إِن صَحَّ البيع وَإِن بَطل فكمثل لآن الثّمن للْمُشْتَرِي لَا للْمُرْتَهن والراهن أما إِذا أعترف بِهِ الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن أَو قَالَ الرَّاهِن ابْتِدَاء رهنته بعد الْجِنَايَة المستغرقة أَو كَانَ مَغْصُوبًا أَو معتقا فَفِي قبُول إِقْرَاره ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي الْعتْق إِذا تعَارض قيام الْملك وَانْتِفَاء التُّهْمَة مَعَ تعلق حق الْمُرْتَهن ويجرى هَذَا الْخلاف فِي العَبْد الْمُسْتَأْجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِي الْمَبِيع إِذا قَالَ كنت أَعتَقته قبل البيع إِذْ لَا ملك فِي الْحَال وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِذا لم تكن الْجِنَايَة مستغرقة لِأَن التُّهْمَة قَائِمَة التَّفْرِيع ان قُلْنَا لَا يقبل اقراره فَيحلف الْمُرْتَهن على نفي الْعلم فَإِن حلف فَهَل يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ يَنْبَنِي على قولي الْغرم بالحيلوله وَإِن نكل فَترد الْيَمين على الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو الرَّاهِن فِيهِ قَولَانِ إِن قُلْنَا على الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن حلف اسْتحق عَلَيْهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمُرْتَهن لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ وَإِن نكل فَاتَ الْمُرْتَهن بِهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ شَيْئا لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ وَإِن قُلْنَا ترد على الرَّاهِن فَإِن حلف سلم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَإِن نكل فَهَل للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يحلف لَهُ وَيَقُول لَيْسَ لَك أَن تبطل حَقي بنكولك فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 قَولَانِ وَوجه الْمَنْع أَن يَمِين الرَّد قد انْتَهَت نهايتها بنكول الْمَرْدُود عَلَيْهِ أَعنِي الرَّهْن وَإِن قُلْنَا يقبل إِقْرَاره فَهَل للْمُرْتَهن تَحْلِيفه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع انه أقرّ على ملك نَفسه فَإِن قُلْنَا لَا يحلف فقد تَبينا بطلَان الرَّهْن تَصْدِيقًا لَهُ فَلَيْسَ للْمُرْتَهن إِلَّا الْخِيَار فِي البيع الَّذِي شَرط فِيهِ الرَّهْن إِن كَانَ قد شَرط وَكَذَلِكَ إِن قُلْنَا إِنَّه يحلف فَحلف وَإِن نكل الْمقر حلف الْمُرْتَهن وَفِي نتيجة حلفه قَولَانِ أَحدهمَا تَقْرِير العَبْد فِي يَده وَالثَّانِي أَن يغرم لَهُ الرَّاهِن فَإِن قُلْنَا بالغرم فَهَل يثبت لَهُ خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ وَلم يسلم عين العَبْد الْمَشْرُوط وَإِنَّمَا يسلم قِيمَته فِيهِ وَجْهَان وَوجه منع الْخِيَار أَنه يَجْعَل بِإِقْرَارِهِ متلفا بعد الْإِقْبَاض وغارما وَذَلِكَ لَا يُوجب الْخِيَار فَإِن قيل فَلَو أقرّ الرَّاهِن بالاستيلاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 قُلْنَا يثبت حريَّة الْوَلَد وَالنّسب وَفِي أُمِّيّه الْوَلَد مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعتْق وَزيد هَاهُنَا أَمر وَهُوَ أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الرَّهْن كَانَ كدعوى الْعتْق قبل الرَّهْن وَإِن كَانَ لأكْثر فَلَا لِأَنَّهُ يحْتَمل تراخيه عَن الرَّهْن فَلَا يقبل فَهُوَ كَمَا لَو أعترف باستيلاد متراخ فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ أستيلاده إِذا صدق فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي اقراره وَجْهَان مأخذه إِقْرَار المبذر بِإِتْلَاف أَو طَلَاق لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا ينفذ لَو أنشأه وَلكنه مَمْنُوع من إنشائه شرعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 النزاع الرَّابِع فِيمَا يفك الرَّهْن وَفِيه أَرْبَعَة فروع الأول إِذا كَانَ الْمُرْتَهن أذن فِي بيع الرَّهْن وَبَاعَ الرَّاهِن وَرجع الْمُرْتَهن وَادّعى أَنه رَجَعَ قبل بَيْعه وَقَالَ الرَّاهِن بل رجعت بعد البيع فَالْأَظْهر أَن القَوْل قَوْله فَإِن الأَصْل عدم الرُّجُوع ويعارضه أَن الأَصْل عدم البيلبع فَيبقى أَن الأَصْل اسْتِمْرَار الرَّهْن وَقيل إِن القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الْمُرْتَهن أعترف بِالْإِذْنِ وَالْبيع ويدع رُجُوعا سَابِقًا وَالْأَصْل عَدمه الثَّانِي لَو سلم إِلَى الْمُرْتَهن ألفا بِهِ رهن وَله على الرَّاهِن ألف آخر لَا رهن بِهِ فتنازعا وَقَالَ الرَّاهِن سلمته عَن جِهَة الرَّهْن فانفك فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يخْتَلف بنيته وَهُوَ أعرف بِهِ وَالْعبْرَة بنيته حَتَّى لَو ظن الْمُرْتَهن أَنه أودعهُ وَهُوَ قصد قَضَاء الدّين حصل الْملك دون قصد التَّمْلِيك وَلَو قَالَ الْمُؤَدِّي مَا قصدت شَيْئا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا التَّوْزِيع على الدينَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يُقَال لَهُ الْآن يَنْبَغِي أَن تنوي مَا تُرِيدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل عَن جِهَة مستحقين إِذا قبض ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجِهَة الثَّالِث إِذا بَاعَ الْعدْل الْمَرْهُون بِالْإِذْنِ وَادّعى تَسْلِيم الثّمن الة الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمِينه إِلَّا فِي حفظ الْمَرْهُون فَلَا يلْزمه تَصْدِيقه فِي الثّمن الَّذِي هُوَ بذل الْمَرْهُون وَلَا يجوز صرفه إِلَيّ الْمُرْتَهن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن ثمَّ للْمُرْتَهن مُطَالبَة من شَاءَ من الْعدْل والراهن فَإِن ضمن الْعدْل لم يرجع على الرَّاهِن لِأَنَّهُ مظلوم بِزَعْمِهِ وَلَا يرجع إِلَّا على من ظلمه الرَّابِع إِذا تنَازعا فِي عيب الْمَرْهُون أَنه قديم يثبت خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ أم حَادث القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الأَصْل عدم الْعَيْب وَلذَلِك كَانَ القَوْل قَول البَائِع فِي مثل هَذِه الصُّورَة وَلَو قَالَ الْمُرْتَهن أقبضتني الْعصير الْمَرْهُون بعد انقلابه خمرًا وَقَالَ الرَّاهِن بل قبله وَلَا فسخ لَك فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن الأَصْل بَقَاء الْحَلَاوَة وَالثَّانِي أَن الأَصْل عدم الْقَبْض الصَّحِيح والراهن يَدعِيهِ وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَحْكِي وسكوته وَهُوَ الْمُرْتَهن هَاهُنَا أَو من يَدعِي خلاف الظَّاهِر وَهُوَ الرَّاهِن هَاهُنَا وَفِيه قَولَانِ وَهَذَا تنَازع بِالْحَقِيقَةِ يرجع إِلَيّ العقد وَالْقَبْض فليلحق بالقسم الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 = كتاب التَّفْلِيس= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 والتفليس أَن يَجْعَل من عَلَيْهِ الدّين مُفلسًا بِبيع مَاله وَمهما التمس الْغُرَمَاء الْحجر عَلَيْهِ بديونهم الْحَالة الزَّائِدَة على قدر مَاله فللقاضي الْحجر عَلَيْهِ وَبيع مَاله فِي حَقهم فَإِن قيل فَلَو كَانَت الدُّيُون مُؤَجّلَة قُلْنَا لَا لِأَنَّهُ لَا مُطَالبَة فِي الْحَال وَالصَّحِيح أَن الدُّيُون المؤجلة لَا تحل بِالْحجرِ على الْمُفلس وَلَا بالجنون وَإِن كَانَت تحل بِالْمَوْتِ فَإِن قيل فَإِن لم تكن الدُّيُون زَائِدَة على المَال قُلْنَا فِي المساوية لِلْمَالِ وَجْهَان وَفِي المقاربة للمساواة وَهِي نَاقِصَة وَجْهَان مرتبان وَإِن لم تقَارب فَلَا حجر عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمَيِّت فَإِن الْوَرَثَة يمْنَعُونَ من التَّرِكَة وَإِن لم يسْتَغْرق الدّين نظرا للْمَيت فَإِن قيل فَلَو التمس بعض الْغُرَمَاء قُلْنَا إِن زَاد دينه على قدر المَال أُجِيب وَإِن سَاوَى أَو قَارب فعلى الْخلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 وَلَو التمس الْمُفلس بِنَفسِهِ دون الْغُرَمَاء فَفِي إجَابَته وَجْهَان أشبههما بِالْحَدِيثِ أَنه يُجَاب إِذْ حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على معَاذ بالتماسه وَأَبُو حنيفَة لم ير هَذَا الْحجر ومعتمدنا حجره عَلَيْهِ السَّلَام على معَاذ وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته أَلا إِن أسيفع أسيفع جهنية رَضِي من دينه وأمانته بِأَن يُقَال سبق الْحَاج فادان معرضًا فَأصْبح وقدرين بِهِ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليأتنا غَدا فَإنَّا بايعو مَاله غَدا وقاضو دينه فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 فليحضر ثمَّ دين الْغُرَمَاء يَنْقَسِم إِلَى مَا يكون عَن ثمن مَبِيع وَالْمَبِيع قَائِم وَإِلَى مَا يكون عَن غَيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 الْقسم الأول من الْكتاب فِيمَا إِذا لم يكن من ثمن مَبِيع أَو كَانَ وَلَكِن الْمَبِيع هَالك فالنظر فِي ثَلَاثَة أَحْكَام فِيمَا امْتنع من التَّصَرُّفَات بِالْحجرِ وَفِي بيع مَاله وَفِي حَبسه الحكم الأول التَّصَرُّف الْمَحْجُور فِيهِ وَهُوَ كل تصرف مُبْتَدأ يُصَادف المَال الْمَوْجُود عِنْد ضرب الْحجر فَفِيهِ ثَلَاثَة قيود الأول مَا يُصَادف المَال احْتَرز بِهِ عَن التَّصَرُّف فِي الْبضْع جلبا بِالنِّكَاحِ وَإِزَالَة بِالْخلْعِ وَفِي الدَّم استيقاء بِالْقصاصِ وإسقاطا بِالْعَفو وَفِي النّسَب إِثْبَاتًا بالاستلحاق وإسقاطا بِاللّعانِ وَفِي المَال الْجَدِيد باجتلاب باحتطاب أَو احتشاش أَو اتهاب أَو قبُول وَصِيَّة أَو شِرَاء على الْمَذْهَب الْأَصَح فَكل ذَلِك لَا حجر فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ بِمَا يُوجب عَلَيْهِ قصاصا أَو رشا قبل مِنْهُ ويؤاخد مِنْهُ بِالْأَرْشِ بعد فك الْحجر لَا من هَذَا المَال وَلَو أقرّ فِي عين مَال بِأَنَّهُ مَغْصُوب أَو وَدِيعَة عِنْده ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 عَنهُ فِي الْقَدِيم قَوْلَيْنِ وَوجه الْقبُول نفي التُّهْمَة وَكَونه أَهلا للإقرار فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يجب طرد هَذَا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ حَتَّى يقْضى من المَال مَعَ سَائِر الْغُرَمَاء أَيْضا لنفي التُّهْمَة وَإِلَّا فَلَا فرق أما مَا يُصَادف عين المَال كَالْعِتْقِ وَالْبيع وَالْهِبَة وَالرَّهْن وَالْكِتَابَة كل ذَلِك فَاسد وَلَا يخرج ذَلِك على عتق الرَّاهِن لِأَن هَذَا الْحجر لم ينشأ إِلَّا للْمَنْع من مثله مَقْصُودا فَإِن فِي تنفيذه تَضْييع الْحُقُوق ثمَّ لَو فضل العَبْد الْمُعْتق أَو الْمَبِيع أَو أَبْرَأ عَن الدّين فَفِي تَنْفِيذ الْعتْق قَولَانِ وَفِي البيع قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقبل الْوَقْف وَوجه التَّنْفِيذ أَن البيع صدر من أَهله وصادف مَحَله وَكُنَّا نظنه دافعا لحق لَا سَبِيل إِلَى دَفعه والآن تبين أَنه لم يحصل بِهِ دفع مَحْذُور وَفَائِدَة هَذَا القَوْل أَنا مَا دمنا نجد سَبِيلا إِلَى قَضَاء الدّين من مَوضِع آخر نَفْعل فَإِن لم نجد صرفنَا إِلَيْهِ الْمَبِيع ثمَّ الْمكَاتب ثمَّ الْمُعْتق فنجعله آخرهَا وَهَذَا التَّرْتِيب مُسْتَحقّ على هَذَا القَوْل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 الْقَيْد الثَّانِي قَوْلنَا المَال الْمَوْجُود عِنْد الْحجر احترزنا بِهِ عَمَّا تجدّد بِإِرْث أَو باحتطاب أَو وَصِيَّة أَو اتهاب أَو شِرَاء إِذا صححنا الشِّرَاء فَفِي تعدِي الْحجر إِلَيْهِ وَجْهَان فَمن قَائِل الْمَقْصُود الْحجر عَلَيْهِ فِي نَفسه وَمن قَائِل يَقُول الْمَقْصُود الْحجر فِي المَال وَهَذَا لم يكن مَوْجُودا ثمَّ إِذا صححنا الشِّرَاء فَهَل للْبَائِع التَّعَلُّق بِعَين الْمَبِيع وَقد أنشأ البيع فِي حَال الْحجر والإفلاس فِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يعلم إفلاسه أَو لَا يعلم وَالظَّاهِر أَنه إِذا كَانَ جَاهِلا ثَبت الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لَا يثبت الْخِيَار لِأَن هَذَا الْحجر لم يضْرب لأَجله بل ضرب قبله فَفِي الثّمن وَجْهَان أَحدهمَا يصبر وَلَا يضارب بِهِ فَإِنَّهُ دين جَدِيد وَالْمَال لَا يصرف إِلَى دين جَدِيد وَالثَّانِي أَنه يضارب لِأَنَّهُ أَدخل فِي ملكه شَيْئا جَدِيدا بِدِينِهِ الْجَدِيد وَسَائِر الدُّيُون الجديدة من مهر نِكَاحه وضمانه وَغَيره لَا تقضى من مَاله إِلَّا مَا هُوَ من مصلحَة الْحجر كَأُجْرَة الكيال والحمال فَإِنَّهَا تقدم على سَائِر حُقُوق الْغُرَمَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 الْقَيْد الثَّالِث قَوْلنَا مُبْتَدأ احترزنا بِهِ عَن مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو اشْترى بِهِ شَيْئا وَوجد بِهِ عَيْبا وَكَانَت الْغِبْطَة فِي رده فَلهُ ذَلِك وَلَيْسَ للْغُرَمَاء مَنعه لِأَن سَبَب اسْتِحْقَاقه قد سبق وَلَو تعذر الرَّد بِعَيْب حَادث اسْتحق الْأَرْش وَلَا ينفذ إبراؤه كَمَا لَا ينفذ فِي سَائِر الدُّيُون لِأَنَّهُ إبِْطَال حق الْغُرَمَاء وَلَو أمكن رده وَلكنه مَعَ الْعَيْب يُسَاوِي أَضْعَاف الثّمن فَلَيْسَ لَهُ الرَّد لِأَنَّهُ تَفْوِيت من غير غَرَض فَلذَلِك لَيْسَ لوَلِيّ الطِّفْل فِي مثل هَذِه الصُّورَة الرَّد ثمَّ لَا يُطَالب بِالْأَرْشِ فَإِن الرَّد مُمكن فِي حَقه وَإِنَّمَا وَقع الِامْتِنَاع مَعَ الْإِمْكَان للْمصْلحَة الثَّانِيَة إِذا اشْترى بِشَرْط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فحجر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْفَسْخ وَالْإِجَازَة دون الْغُرَمَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بمستحدث فَمن الْأَصْحَاب من وَافق هَذَا الْإِطْلَاق وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ رِعَايَة الْغِبْطَة وَمِنْهُم من قَالَ يفرع على أَقْوَال الْملك فَحَيْثُ كَانَ بِالْفَسْخِ أَو الْإِجَازَة مزيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 الْملك فَلَا يجوز إِلَّا بِشَرْط الْغِبْطَة كَمَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ وَحَيْثُ يكون جالب ملك لَا مزيلا فَلَا حجر عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَاب والتحصيل وَمن أطلق علل بِأَن الْملك لم يثبت بعد فَهُوَ فِي الِابْتِدَاء بِخِلَاف الرَّد بِالْعَيْبِ فرعان الأول أَنه لَو كَانَ لَهُ على غَيره دين فَأنْكر فَرد الْيَمين عَلَيْهِ فنكل أَو كَانَ لَهُ شَاهد وَلم يحلف فَلَيْسَ للْغَرِيم أَن يحلف إِذْ لَا حق لَهُ على غير من عَلَيْهِ الدّين وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْقَوْلَيْنِ فِي نُكُول الْوَارِث أَن الْغَرِيم هَل يحلف فَمنهمْ من خرج هَاهُنَا قولا وَوَجهه أَنه لَا يبطل حق الْغَرِيم بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالنّكُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْوَارِث لَيْسَ يَدعِي الدّين لنَفسِهِ فَهُوَ والغريم سَوَاء فِي أَنَّهُمَا يدعيان للْمَيت وَالْمَيِّت عَاجز وَأما هَاهُنَا الْمُسْتَحق حَيّ فاليمين من غير الْمُسْتَحق مَعَ نُكُوله بعيد وَكَذَلِكَ الْأَصَح أَن الْغَرِيم هَاهُنَا لَا يَبْتَدِئ بِالدَّعْوَى على الْإِنْسَان بِأَن للْمُفلس عَلَيْهِ حَقًا بِخِلَاف الْمَيِّت وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِذا قُلْنَا يحلف لَا يبعد أَن يَدعِي ابْتِدَاء بِهِ وَالثَّانِي لَو أَرَادَ من عَلَيْهِ الدّين سفرا مَنعه من لَهُ دين حَال وَمن لَهُ دين مُؤَجل فَلَا بل يلازمه إِن أَرَادَ مُطَالبَته عِنْد حُلُول الْأَجَل وَفِي سفر للغزو خلاف لِأَن الْمصير إِلَى الْهَلَاك الذى هُوَ سَبَب الْحُلُول وَهُوَ بعيد وَلَو طلب صَاحب الدّين كَفِيلا أَو إشهادا لم يلْزمه وَفِي لُزُوم الْإِشْهَاد وَجه بعيد وَفِي سَماع الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل خلاف وَكَذَا بِالدّينِ الْحَال مَعَ الِاعْتِرَاف بالإفلاس وَكَذَا بِالدّينِ على العَبْد وَكَذَا دَعْوَى الْمُسْتَوْلدَة الِاسْتِيلَاد على الْمَبِيع قبل أَن تعرض على البيع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 الحكم الثَّانِي بيع مَال الْمُفلس وقسمته وللقاضي ذَلِك بِشَرْط رِعَايَة الْغِبْطَة والمصلحة فيبيع بِثمن الْمثل وَلَا يسلم الْمَبِيع قبل قبض الثّمن ويبادر إِلَى بيع الْحَيَوَان وَلَا يطول مُدَّة الْحجر وَيبِيع بِحُضُور الْمُفلس فَهُوَ أبعد عَن التُّهْمَة وَرُبمَا يطلع الْمُفلس على زبون يَشْتَرِي بِزِيَادَة وَيجمع أَثمَان السّلع ليقسم على نِسْبَة الدُّيُون دفْعَة وَاحِدَة فَإِن لم يصبروا قسم كل مَا يحصل وَلَا يُكَلف الْغُرَمَاء حجَّة على أَن لَا غَرِيم سواهُم اكْتِفَاء بِأَنَّهُ لَو كَانَ لظهر مَعَ استفاضة الْحجر فَلَو ظهر غَرِيم بدين قديم لم ينْقض الْقِسْمَة بل رَجَعَ على كل غَرِيم بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع وَلَو خرج مَبِيع مُسْتَحقّا رَجَعَ المُشْتَرِي بِالثّمن على الْغُرَمَاء وَتقدم بمقداره لَا بطرِيق الْمُضَاربَة فَإِن بيع مَاله من مصلحَة الْحجر وَلَا يرغب النَّاس فِيهِ مَا لم يثقوا بِضَمَان الدَّرك على الْكَمَال ثمَّ لَا يَبِيع جَمِيع مَاله بل ينْفق عَلَيْهِ مُدَّة الْحجر وعَلى زَوجته وأقاربه وَيتْرك لَهُ عِنْد البيع نَفَقَة يَوْمه وَكَذَا لزوجته وأقاربه وَلم يلْحق بالمعسر فِي إِسْقَاط نَفَقَة الْقَرِيب عَنهُ فِي هَذَا الْيَوْم وَيتْرك لَهُ دست ثوب يَلِيق بمنصبه حَتَّى الطيلسان والخف إِن كَانَ حطه عَنهُ يخرق مروءته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ قدم تكفينه وتجهيزة فَإِنَّهُ حَاجَة وقته ثمَّ يقْتَصر على ثوب وَاحِد أم لَا بدل لَهُ من ثَلَاثَة أَثوَاب فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الْجَنَائِز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَالْمذهب أَنه يُبَاع مَسْكَنه وخادمه وَنَصّ فِي الْكَفَّارَات على أَنه يعدل إِلَى الصَّوْم وَإِن وجد خَادِمًا ومسكنا فَقيل يطرد الْقَوْلَيْنِ نقلا وتخريجا وَقيل بِالْفرقِ من حَيْثُ إِن حق الله مَبْنِيّ على المساهلة وَأَن الْكَفَّارَة لَهَا بدل وَقيل أَيْضا يُبَاع الْخَادِم دون الْمسكن ثمَّ يقْتَصر على مَا يَلِيق بِهِ فِي الْمسكن وَمَا يتْرك لَهُ إِذا كَانَ مَوْجُودا فِي يَده يشترى لَهُ إِذا لم يكن ثمَّ لَا يستكسب فِي أَدَاء الدُّيُون بإجارته خلافًا لِأَحْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ مثله يُؤَاجر نَفسه كلف ذَلِك وَفِي إِجَارَة مستولدته وَجْهَان وَكَذَا إِجَارَة مَا وقف عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا يفعل ذَلِك فالحجر يَدُوم إِلَى الْوَفَاء بِتمَام الدُّيُون لِأَن ذَلِك لَا مرد لَهُ ثمَّ إِذا اعْترف الْغُرَمَاء بِأَن لَا مَال لَهُ سوى مَا قسم فَهَل يَنْفَكّ الْحجر أم يحْتَاج إِلَى فك القَاضِي خيفة غَرِيم آخر يظْهر فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْخلاف لَو تطابقوا على رفع الْحجر عَنهُ وَمِنْه يتشعب خلاف فِي أَنه لَو لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 يكن لَهُ إِلَّا غَرِيم وَاحِد فَبَاعَ مَاله مِنْهُ بِالدّينِ الذى عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يَصح إِذا لحق لَا يعدوهما وَفِيه رفع الْحجر بِسُقُوط الدّين وَقَالَ أَبُو زيد لَا يَصح فَرُبمَا يكون لَهُ غَرِيم آخر قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَو بَاعَ بِإِذن الْغَرِيم من أَجْنَبِي أَو بَاعه من الْغَرِيم لَا بِالدّينِ لم يَصح وفَاقا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رفع الْحجر قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يحْتَمل أَن يُقَال يَصح إِذْ الْحق لَا يعدوهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 الحكم الثَّالِث حَبسه إِلَى ثُبُوت إِعْسَاره فَإِذا قسم مَا وجد من مَاله وَبَقِي بعض الدّين أَو ادّعى على من لَا مَال لَهُ ظَاهرا واعترف فَيحْبس فَإِن ظهر للْقَاضِي عناده فِي إخفاء المَال يترقى إِلَى تعزيره بِمَا لَا يزِيد فِي كل نوبَة على الْحَد فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على الْإِعْسَار خلي فِي الْحَال وَأنْظر إِلَى ميسرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تسمع بَيِّنَة الْإِعْسَار إِلَّا بعد مُضِيّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شَهْرَيْن فِي رِوَايَة ثمَّ ليشهد من يخبر بواطن أَحْوَاله فَإِنَّهُ يشْهد على النَّفْي فَإِذا قَالَ الشَّاهِد خبرت بواطن أَحْوَاله كفى ذَلِك فَإِنَّهُ عدل فَيصدق فِيهِ كَمَا فِي أصل الشَّهَادَة وَكَذَا الشَّهَادَة على أَن لَا وَارِث سوى الْحَاضِر ثمَّ للْغَرِيم أَن يحلفهُ مَعَ الشَّاهِد فَلَعَلَّ لَهُ مَالا لَا يطلع الشَّاهِد عَلَيْهِ فَإِن قَالَ لست أطلب يَمِينه لم يحلف وَإِن سكت فَالْقَاضِي هَل يحلفهُ ثمَّ يخليه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 الْحَبْس أَو يخليه دون التَّحْلِيف فِيهِ وَجْهَان فَمن قَالَ يحلفهُ جعل ذَلِك من أدب الْقَضَاء وَأما إِذا عجز عَن إِقَامَة بَيِّنَة الْإِعْسَار فَإِن عهد لَهُ من قبل يسَار فَلَا يُغْنِيه إِلَّا الْبَيِّنَة وَإِن لم يعْهَد قطّ مُوسِرًا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا القَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل الْفقر واليسار طَارِئ وَالثَّانِي لَا إِذْ الْغَالِب على الْحر الْقُدْرَة وَالثَّالِث أَن الدّين إِن لزمَه بِاخْتِيَارِهِ فَالظَّاهِر أَنه لم يلْتَزم إِلَّا مَعَ الْقُدْرَة وَإِلَّا فَالْقَوْل قَوْله التَّفْرِيع إِن قُلْنَا القَوْل قَوْله فَيقبل يَمِينه على البدار وَكَانَ يحْتَمل هَاهُنَا توقف كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الشُّهُود وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فَلَو كَانَ غَرِيبا فتخليد الْحَبْس عَلَيْهِ إِضْرَار فللقاضي أَن يُوكل بِهِ شَاهِدين يستخبران عَن منشئه ومولده ومنقلبه وَيحصل لَهما غَلَبَة ظن فِي إِعْسَاره بِقَرِينَة حَاله فيشهدان على الْإِعْسَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 فرع فِي حبس الْوَالِدين فِي دين الْوَلَد وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ تَعْذِيب وعقوبة وَالْولد لَا يسْتَحق عُقُوبَة على وَالِديهِ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الإرهاق إِلَى قَضَاء الْحق وَمنعه يُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتَرف الْوَالِد بِالدّينِ وَيمْتَنع عَن الْأَدَاء مَعَ الْيَسَار ويعجز عَن اسْتِيفَائه فَإِن قيل يلازم إِلَى أَن يُؤَدِّي قُلْنَا إِن لم يمْنَع عَن تردده فِي حاجاته مَعَ الْمُلَازمَة فَهُوَ تَعْذِيب للملازم وَلَا يجدي شَيْئا وَإِن منع من التَّرَدُّد إِلَى أَن يقْضِي الدّين فَلَا معنى للحبس إِلَّا هَذَا والسجان هُوَ الملازم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِيمَا إِذا كَانَت الدُّيُون لَازِمَة من أَثمَان السّلع وَهِي قَائِمَة فَللْبَائِع الرُّجُوع فِي عين مَتَاعه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت الرُّجُوع وَضبط الْمَذْهَب أَن يقدر اسْتِيفَاء كَمَال الْعِوَض الْحَال الْمُسْتَحق فِي مُعَاوضَة مَحْضَة سَابِقَة على الْحجر بِسَبَب إفلاس الْمُسْتَحق عَلَيْهِ يثبت الرُّجُوع على الْفَوْر إِلَى عين المعوض إِذا كَانَ قَائِما بِحَالهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 والضبط مُقَيّد بقيود لَا بُد من بَيَانهَا الْقَيْد الأول التَّعَذُّر وَهُوَ مُؤثر فَإِنَّهُ لَو قدر على اسْتِيفَاء كَمَال الثّمن بعد الإفلاس لتجدد مَال أَو لكَون المَال مُسَاوِيا للديون فَلَا رُجُوع لَهُ وَلَو قَالَ الْغُرَمَاء خُذ تَمام الثّمن بعد الإفلاس فَنحْن نقدمك بِهِ ثَبت الرُّجُوع لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يتقلد مِنْهُم ويحذر ظُهُور غَرِيم آخر لَا يرضى بِهِ فالتعذر حَاصِل أما الْحَال فقد احترزنا بِهِ عَن الْمُؤَجل فَلَا رُجُوع بِهِ إِذْ الرُّجُوع يَنْبَنِي على تعذر الثّمن والتعذر يَنْبَنِي على توجه الطّلب وَلم يتَوَجَّه الطّلب وَمِنْهُم من قَالَ يثبت الْفَسْخ وَلَكِن يُقرر الْمَبِيع وَتوقف إِلَى أَن يحل الْأَجَل فَيسلم إِلَيْهِ وَلَا يفْتَقر إِلَى اسْتِئْنَاف حجر بِسَبَبِهِ وَفِيه وَجه آخر أَن الدّين يحل بالفلس كَمَا يحل بِالْمَوْتِ وَالْجُنُون فَهُوَ كالديون الْحَالة وَهُوَ بعيد ثمَّ إِذا قُلْنَا لَا فسخ فَلَو صرف الْمَبِيع إِلَى حُقُوق الْغُرَمَاء فَلَا كَلَام وَإِن حل الْأَجَل قبل أَن يتَّفق الصّرْف إِلَيْهِم فَفِي ثُبُوت خِيَار الْفَسْخ الْآن وَجْهَان وَالأَصَح ثُبُوته كَمَا لَو حل قبل الْحجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وَفِي الْفَسْخ بعد الْحجر إِذا حل الدّين قبل الْحجر وَجه ضَعِيف أَنه لَا يثبت من حَيْثُ إِن البيع لم يقتض حبس الْمَبِيع إِذا كَانَ الثّمن مُؤَجّلا فِي العقد أما قَوْلنَا الْمُسْتَحق فِي مُعَاوضَة مَحْضَة احترزنا بِهِ عَن النِّكَاح وَالْخلْع وَالصُّلْح عَن الدَّم فَإِن تعذر الْعِوَض فِيهِ لَا يُوجب الْفَسْخ وجوبنا بِهِ الْإِجَارَة وَالسّلم فَإِذا تعذر الْمُسلم فِيهِ بإفلاس الْمُسلم إِلَيْهِ رَجَعَ الْمُسلم إِلَى رَأس المَال إِن كَانَ بَاقِيا بِعَيْنِه وَإِلَّا ضَارب بِقِيمَة الْمُسلم فِيهِ فَمَا يسلم لَهُ بِالْقِسْمَةِ يَشْتَرِي بِهِ جنس حَقه وَيسلم إِلَيْهِ إِذْ الِاعْتِيَاض غير مُمكن عَنهُ فَلَو سلم إِلَيْهِ مائَة دِرْهَم فَصَارَ يُوجد الْمُسلم فِيهِ بِكَمَالِهِ بِعشْرَة لانخفاض الأسعار فعلى وَجه يشترى لَهُ بِالْعشرَةِ كَمَال حَقه وَالْبَاقِي يسْتَردّ وعَلى وَجه لَا يسلم لَهُ كَمَال حَقه كَمَا لم يسلم للباقين فَيقدر كَأَن الْقيمَة كَانَت كَذَلِك فِي حَال الْقِسْمَة فَمَا يفضل مِنْهُ يرد إِلَى البَاقِينَ وَهُوَ الْقيَاس وَفِي الْإِجَارَة إِذا أفلس الْمُكْتَرِي بِالْأُجْرَةِ فمصادفة الْمكْرِي عين الدَّار أَو الدَّابَّة المكراة كمصادفته عين ملكه فَيفْسخ العقد فِيهِ لِأَن مَحل الْمَنْفَعَة قَائِم مقَام الْمَنْفَعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وَفِيه وَجه أَن الْمَنْفَعَة لَيْسَ عينا حَتَّى يُقَال وجد عين مَتَاعه وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ إِن كَانَ مكتري الدَّابَّة فِي أثْنَاء الطَّرِيق حَيْثُ أفلس فَلَا يضيعه بل يَنْقُلهُ إِلَى مأمن بِأُجْرَة الْمثل وَيقدم بهَا على الْغُرَمَاء وَلَا يلْزمه النَّقْل إِلَى مقْصده وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَرضًا فزرعها فَلَيْسَ لَهُ قلع زرعه بل يبْقى الزَّرْع بِأُجْرَة الْمثل وَيقدم بهَا على الْغُرَمَاء لِأَن فِيهِ مصلحَة مَال الْغُرَمَاء وَهُوَ الزَّرْع وَلَيْسَ هُوَ كَمَا لَو بَاعَ الأَرْض وَرجع فِيهَا بعد زراعة المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يلْزمه تبقية الزَّرْع بِغَيْر أُجْرَة لِأَن الْمَنْفَعَة غير مَقْصُودَة فِي البيع بِخِلَاف الْإِجَارَة وَفِيه أَيْضا وَجه مَنْقُول عَن ابْن سُرَيج أَنه يُطَالب بِالْأُجْرَةِ كَمَا لَو بَقِي الْغِرَاس وَالْبناء أما إِذا أفلس الْمكْرِي وَالْإِجَارَة وَارِدَة على عين الدَّابَّة أَو الدَّار فالمكري يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَة فَإِن حَقه تعلق بِالْعينِ فيتقدم بِهِ وَلَا يتراخى عَن الْمُرْتَهن ثمَّ يُبَاع فِي حق الْغُرَمَاء فِي الْحَال إِذا قُلْنَا الْإِجَارَة لَا تمنع البيع وَإِن قُلْنَا تمنع فيؤخر بَيْعه كَمَا يُؤَخر بيع الْمَرْهُون وَأما إِذا أورد الْإِجَارَة فِي الدَّوَابّ على الذِّمَّة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الرُّجُوع إِلَى الْأُجْرَة إِن قَامَ بِعَينهَا أَو الْمُضَاربَة بِقِيمَة الْمَنْفَعَة فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة لَا تتجزأ كالقصارة فِي ثوب وَاحِد وكالحمل إِلَى بلد يُؤَدِّي تقطيعه إِلَى أَن يبْقى فِي الطَّرِيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 ضائعا فَلهُ الْفَسْخ بِهَذَا الْعذر ليضارب بِالْأُجْرَةِ أما قَوْلنَا سَابِقَة على الْحجر احترزنا بِهِ عَمَّا يجْرِي سَبَب لُزُومه بعد الْحجر كَمَا إِذا بَاعَ من الْمُفلس الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي أَنه هَل يتَعَلَّق بِعَين مَتَاعه وَقد ذكرنَا ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو أفلس الْمكْرِي وَالدَّار فِي يَد الْمُكْتَرِي فانهدمت ثَبت لَهُ الرُّجُوع إِلَى الْأُجْرَة وَهل يزاحم بِهِ الْغُرَمَاء فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ لَا فَإِنَّهُ دين جَدِيد وَمِنْهُم من قَالَ بلَى لِأَنَّهُ سَببه سَابق وَهُوَ الْإِجَارَة وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ جَارِيَة بِعَبْد فَتلفت الْجَارِيَة فِي يَد الْمُفلس الْمَحْجُور فَرد بَائِعهَا العَبْد بِعَيْب فَلهُ طلب قيمَة الْجَارِيَة قطعا لِأَنَّهُ أَدخل فِي مقابلتها عبدا فِي يَد الْغُرَمَاء وَلَكِن هَل يتَقَدَّم بِالْقيمَةِ أم يضارب بهَا ذكر القَاضِي وَجْهَيْن وَالأَصَح الْمُضَاربَة أما قَوْلنَا بِسَبَب إفلاس الْمُسْتَحق عَلَيْهِ احترزنا بِهِ عَن الِامْتِنَاع مَعَ الْقُدْرَة فَذَاك لَا يثبت الرُّجُوع لِأَن السُّلْطَان قَادر على اسْتِيفَائه فَلَيْسَ التَّعَذُّر محققا وَفِيه وَجه آخر أَنه يثبت وَلَو كَانَ بِانْقِطَاع جنس الثّمن فَإِن جَوَّزنَا الِاعْتِيَاض عَنهُ فَلَا تعذر وَإِن منعنَا فَيثبت الرُّجُوع لِأَنَّهُ تعذر مُحَقّق فَكَانَ فِي معنى الإفلاس وَهُوَ كانقطاع الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ يثبت الرُّجُوع إِلَى رَأس المَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 أما قَوْلنَا إِنَّه يثبت الرُّجُوع على الْفَوْر احترزنا فِيهِ عَن التَّأْخِير وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل بِهِ كالرد بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لدفع ضرار وَالثَّانِي أَنه على التَّرَاخِي لِأَنَّهُ نتيجة توجه الطّلب بِالثّمن فَمَا دَامَ الطّلب قَائِما كَانَ الرُّجُوع ثَابتا كمطالبة الْمَرْأَة فِي الْإِيلَاء بِالطَّلَاق أما قَوْلنَا إِذا كَانَ قَائِما احترزنا بِهِ عَن الْهَالِك وَالْخَارِج عَن ملكه فَإِن تعذر الرُّجُوع فِيهِ فَلَا يبْقى إِلَّا الْمُضَاربَة بِالثّمن لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الْفَسْخ إِذْ لَو أمكن تَقْدِيمه بِالْقيمَةِ لقدم بِالثّمن وَإِذا لم يكن بُد من الْمُضَاربَة فالثمن أولى مَا يضارب بِهِ وَفِيه وَجه آخر أَنه إِذا كَانَت الْقيمَة زَائِدَة على الثّمن فَلهُ الْفَسْخ ليضارب بهَا أما إِذا زَالَ الْملك ثمَّ عَاد فَهُوَ مَبْنِيّ على الْقَوْلَيْنِ فِي أَنه كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَإِذا تعلق بِالْمَبِيعِ حق لَازم كَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَة فَهُوَ كفوات الْعين وَلَكِن لَو كَانَ فَزَالَ فَلَا أثر لما مضى فَهُوَ فِي الْحَال وَاجِد عين مَاله أما قَوْلنَا بِحَالهِ احترزنا بِهِ عَن تغير الْمَبِيع وَهُوَ منقسم إِلَى التَّغَيُّر بِالنُّقْصَانِ وَإِلَى التَّغَيُّر بِالزِّيَادَةِ أما النُّقْصَان فينقسم إِلَى نُقْصَان صفة ونقصان عين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 أما نُقْصَان الصّفة إِن حصل بِآفَة سَمَاوِيَّة فالبائع إِمَّا أَن يقنع بِعَيْبِهِ أَو يضارب مَعَ الْغُرَمَاء بِالثّمن كَمَا لَو تعيب الْمَبِيع فِي يَد البَائِع قبل الْقَبْض وَإِن تعيب بِجِنَايَة أَجْنَبِي فَيرجع إِلَى الْبَاقِي فيضارب بِقسْطِهِ من الثّمن وَلَا يُطَالب بِالْأَرْشِ إِذْ رُبمَا يكون الأَرْض مثل الْقيمَة بِأَن يكون الْجَانِي قد قطع يَدَيْهِ فغرم كَمَال قِيمَته وَذَلِكَ يعْتَبر فِي حق المُشْتَرِي دون البَائِع وَإِن كَانَ بِجِنَايَة المُشْتَرِي فطريقان مِنْهُم من قَالَ جِنَايَته كجناية الْأَجْنَبِيّ وَمِنْهُم من قَالَ بل كالآفة السماوية أما النُّقْصَان بِفَوَات الْبَعْض كَمَا لَو تلف أحد الْعَبْدَيْنِ وقيمتهما على التَّسَاوِي فالنص أَنه يرجع إِلَى الْبَاقِي ويضارب بِثمن التَّالِف وَقيل إِنَّه إِن أَرَادَ الرُّجُوع فليأخذ الْبَاقِي بِكُل الثّمن احْتِرَازًا عَن تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِمِائَة وَقبض خمسين وَتلف أحد الْعَبْدَيْنِ وقيمتهما على التَّسَاوِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 فالنص أَنه يرجع إِلَى الْبَاقِي ويحصر الْمَقْبُوض فِي التَّالِف وَفِيه قَول مخرج أَنا نشيع فَنَقُول يرجع إِلَى نصف العَبْد الْبَاقِي ويضارب بِنصْف ثمن التَّالِف وَمَا قبض موزع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فرع اشْترى بِعشْرَة دَرَاهِم عشرَة أَرْطَال زيتا وأغلاه حَتَّى عَاد إِلَى ثَمَانِيَة أَرْطَال وَرجعت الْقيمَة إِلَى سَبْعَة دَرَاهِم فَهُوَ نُقْصَان صفة لزوَال الثّقل أَو نُقْصَان عين لفَوَات بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أما التَّغَيُّر بِالزِّيَادَةِ فَالزِّيَادَة تَنْقَسِم إِلَى مَا حصلت من عينه وَإِلَى مَا اتَّصل بِهِ من خَارج أما الْحَاصِل من عينه فَمَا هُوَ مُتَّصِل من كل وَجه كالسمن وَكبر الشَّجَرَة فَلَا حكم لَهَا وَيسلم ذَلِك مجَّانا للْبَائِع وَلَا أثر للزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة إِلَّا فِي الصَدَاق والمنفصلة من كل وَجه كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِل وَالثَّمَرَة الْمُنْفَصِلَة لَا أثر لَهَا أَيْضا بل تسلم للْمُشْتَرِي وَيرجع البَائِع إِلَى الأَصْل وَفِي الْبذر إِذا زرعه المُشْتَرِي حَتَّى نبت وَالْبيض إِذا تفرخ فِي يَده والعصير إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 انْقَلب خمرًا ثمَّ انْقَلب خلا خلاف أَنه يَجْعَل كزيادة عَيْنِيَّة كَمَا فِي الْغَصْب أم يَجْعَل مَوْجُودا متجددا وَيُقَال الْمَبِيع قد عدم وَهَذَا غَيره أما الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة من وَجه دون وَجه فَهُوَ الْحمل فَإِن كَانَ مجتنا عِنْد البيع وَالرُّجُوع الْتحق بالسمن وَإِن كَانَ مجتنا حَالَة الْبيعَة مُنْفَصِلا حَالَة الرُّجُوع فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يسلم للْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا زِيَادَة حدثت بالانفصال وَلَا حكم لوُجُوده قبله وَالثَّانِي أَن الْحمل كَانَ مَوْجُودا وَإِنَّمَا الِانْفِصَال نمو وَتغَير حَال وَإِن كَانَ حَائِلا عِنْد البيع وحاملا عِنْد الرُّجُوع فَالظَّاهِر أَن الْحمل يتبع فِي الرُّجُوع كَمَا فِي البيع وَفِيه وَجه أَنه يبْقى على ملك المُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَة حَادِثَة على ملكه وَالثَّمَرَة مَا دَامَت غير مؤبرة فَهِيَ كالحمل المجتن وَلَكِن الثَّمَرَة أولى بِأَن يعْطى لَهَا حكم الِاسْتِقْلَال فروع أَرْبَعَة الأول إِذا كَانَ الْوَلَد مُنْفَصِلا فَفِي رُجُوعه فِي الْأُم دون الْوَلَد تَفْرِيق بَينهمَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُخَيّر بَين الْمُضَاربَة بِالثّمن أَو أَن يبْذل قيمَة الْوَلَد ليرْجع فِي عين الْأُم فَإِن لم يبْذل فَهُوَ كالفاقد عين مَاله إِذْ تعلق بِهِ حق لَازم للْوَلَد لَيْسَ يُمكنهُ قطعه عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وَالثَّانِي أَنه لَا يَجْعَل بِهِ فاقدا بل تبَاع الْأُم وَالْولد ويخصص بِقِيمَة الْأُم الثَّانِي إِذا قَالَ البَائِع رجعت فِي الْأَشْجَار الْمَبِيعَة قبل التَّأْبِير فَرجع الثِّمَار إِلَيّ وَكذبه الْمُفلس فَالْقَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل اسْتِمْرَار ملك الْمُفلس فَإِن صدقه الْغُرَمَاء لم يقبل قَوْلهم على الْمُفلس وللمفلس أَن يَأْخُذ الثِّمَار ويجبرهم على الْقبُول من جِهَة دينه فَإِن أَبَوا وَزَعَمُوا أَنه حرَام لم يمكنوا مِنْهُ بل عَلَيْهِم الْقبُول أَو الْإِبْرَاء ثمَّ إِن قبلوا فَللْبَائِع الِاسْتِرْدَاد مِنْهُم مُؤَاخذَة لَهُم بقَوْلهمْ وَكَذَا السَّيِّد إِذا حمل إِلَيْهِ العَبْد النُّجُوم فِي الْكِتَابَة فَقَالَ هُوَ مَغْصُوب لِأَن قَوْله لَا يقبل على الْمكَاتب فَلَو قَالُوا أَخذنَا حقوقنا فَلهُ الْإِجْبَار ليعجل فك الْحجر عَن نَفسه فَلهُ فِيهِ غَرَض فَإِن قَالُوا فككنا الْحجر وَقُلْنَا إِنَّه يَنْفَكّ بفكهم فينبني على أَن مُسْتَحقّ الدّين هَل يجْبر على الْقبُول وَلَو صدقه الْبَعْض وَكذبه الْبَعْض فتصرف الثَّمَرَة إِلَى من صدق الْمُفلس كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر فَإِن هَذَا مُمكن فَلَو كَانَ للمصدق ألف وَقد أَخذ الثَّمَرَة بِخَمْسِمِائَة وللمكذب أَيْضا ألف وَقد بَقِي من المَال خَمْسمِائَة فَالصَّحِيح أَنه يقسم بَينهمَا أَثلَاثًا وَفِيه وَجه أَن الْمُصدق يَقُول مَا أَخَذته فَهُوَ حرَام بزعمك عَليّ فألفي بَاقٍ كَمَاله بزعمك فأساويك وَهُوَ ضَعِيف الثَّالِث إِذا بَقِي الثِّمَار للْمُشْتَرِي فَلَيْسَ للْبَائِع مَنعه من الْإِبْقَاء إِلَى أَوَان الْجذاذ فَكَذَا لَا يقْلع زرعه فَلَو قَالَ الْمُفلس أقلعه لأقضي ديني بِمَا يَشْتَرِي بِهِ وأفك الْحجر عَن نَفسِي فَلهُ ذَلِك لِأَنَّهُ غَرَض صَحِيح وَإِن كَانَ الْحجر لَا يَنْفَكّ فَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال من غير فَائِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 الرَّابِع أَنه إِذا كَانَ الرُّجُوع يَقْتَضِي عود الثِّمَار إِلَيْهِ وَلَكِن كَانَت الثِّمَار قد تلفت فَيرجع بِحِصَّة الثِّمَار من الثّمن مُضَارَبَة وَيرجع فِي عين الشَّجَرَة وتعرف حِصَّته بالتوزيع على الْقيمَة وَيعْتَبر فِي الثَّمَرَة أقل الْقيمَة فِي يَوْم العقد إِلَى الْقَبْض تقليلا للْوَاجِب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ يَوْم العقد أقل فَلم يدْخل مَا تنَاوله العقد فِي ضَمَانه وَإِن كَانَ أَكثر فَهُوَ زِيَادَة على ملكه وَفِي الشَّجَرَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أَكثر الْقِيمَتَيْنِ من العقد إِلَى الْقَبْض لِأَن فِيهِ أَيْضا تقليل الْوَاجِب على المُشْتَرِي وَعَلِيهِ مَا سبق وَالثَّانِي ذكره القَاضِي أَنه يعْتَبر الْأَقَل لِأَنَّهُ إِن كَانَ قيمَة يَوْم العقد أقل فَمَا زَاد بعده عَاد إِلَيْهِ بِعُود الشَّجَرَة فَهِيَ زِيَادَة مُتَّصِلَة تسلم لَهُ مجَّانا فَلَا يحْتَسب عَلَيْهِ وللزيادة الْمُتَّصِلَة مَرَاتِب إِن تلفت لَا يطْلب البَائِع قيمتهَا وَإِن بقيت فَازَ بهَا البَائِع مجَّانا وَلَا يُطَالب بِقِيمَتِه وَإِن كَانَ بِتَقْدِير قِيمَته تخْتَلف قيمَة غَيره فَهَل يحْتَسب عَلَيْهِ فِيهِ هَذَا الْخلاف أما الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بِالْمَبِيعِ من خَارج فَثَلَاثَة أَقسَام عين مَحْض وَأثر مَحْض وَمَا هُوَ عين من وَجه وَوصف من وَجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 أما الْعين الْمَحْض هُوَ أَن يَبْنِي فِي الأَرْض أَو يغْرس فِيهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْمُتَغَيّر بِهِ كالمفقود إِذْ يُؤَدِّي رُجُوعه إِلَى الْإِضْرَار بالمشتري وَالثَّانِي أَنه وَاجِد عين مَاله وَلَكِن لَا يرجع فِيهِ بل يُبَاع ويفوز بِقِيمَة الأَرْض دون الْبناء وَالْغِرَاس وَالأَصَح هُوَ الثَّالِث أَنه يرجع فِي عين الأَرْض وَيتَخَيَّر فِي الْغِرَاس بَين أَن يتَمَلَّك بِبَدَل أَو ينْقض وَيغرم الْأَرْش أَو يبقي بِأُجْرَة ورأيه فِي التَّعْيِين مُتبع هَذَا إِذا كَانَت الزِّيَادَة قَابِلَة للتمييز فَإِن لم تقبل كَمَا لَو خلط مكيلة زَيْت بمكيلة من عِنْده فَإِن كَانَ مَا عِنْده أردأ أَو من جنسه فالبائع يرجع إِلَى مكيله وَيقسم بَينهمَا فَإِن نقص وَصفه فَهُوَ عيب حصل بِفعل المُشْتَرِي وَإِن كَانَ مَا عِنْده أَجود فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الرُّجُوع كالصورة الأولى وَالثَّانِي هُوَ فَاقِد لِأَن فِي رُجُوعه إِضْرَارًا بالمشتري أَو تناقضا فِي كَيْفيَّة الرُّجُوع وَمن الْأَصْحَاب من طرد قولا فِي منع الرُّجُوع فِي الْخَلْط بِالْجِنْسِ وَهُوَ خلاف النَّص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 فَإِن قُلْنَا يرجع فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يُبَاع الْجَمِيع ويوزع عَلَيْهِمَا على نِسْبَة قيمَة ملكيهما وَالثَّانِي أَنه يقسم الزَّيْت بِنَفسِهِ على نِسْبَة الْقيمَة حَتَّى أَنه لَو كَانَ مكيلة البَائِع تَسَاوِي درهما ومكيلة المُشْتَرِي تَسَاوِي دِرْهَمَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي مكيلة وَثلث وَللْبَائِع ثلثا مكيلة وَهَذَا فِيهِ مَحْظُور من بَاب الرِّبَا وَفِي البيع اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن الرُّجُوع عَن الْعين وطرد ابْن سُرَيج الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْصِيل الرُّجُوع فِي الْخَلْط بالأردأ وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَن يمِيل إِلَى صِيَانة جَانب المُشْتَرِي وَلَا يُبَالِي بِنُقْصَان فِي جَانب البَائِع وَابْن سُرَيج يُسَوِّي بَينهمَا وَإِن خلط الزَّيْت بالشيرج فَالصَّحِيح أَنه فَاقِد عين ملكه لِأَنَّهُ انْقَلب الْجِنْس بِهِ الْقسم الثَّانِي مَا هُوَ وصف من وَجه وَعين من وَجه كَمَا لَو صبغ الثَّوْب بصبغ من عِنْده فَإِن لم يزدْ فِي قيمَة الثَّوْب فَإِن البَائِع يرجع بِالثَّوْبِ وَإِن زَادَت الْقيمَة فَهُوَ شريك بِالْقدرِ الذى زَاد فَإِن كَانَ قيمَة الصَّبْغ درهما وَقِيمَة الثَّوْب عشرَة فَصَارَ بالصبغ يُسَاوِي خَمْسَة عشر فَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ قدر دِرْهَم وَللْبَائِع مِنْهُ قدر عشرَة وَالْأَرْبَعَة حصلت بالصنعة على الثَّوْب لَا على الصَّبْغ لِأَن الصَّبْغ تبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 فينبني على أَن الصَّنْعَة يسْلك بهَا مَسْلَك الْأَثر أم الْعين كَمَا سَيَأْتِي الْقسم الثَّالِث الْأَثر الْمَحْض كَمَا لَو طحن الْحِنْطَة وراض الدَّابَّة وَقصر الثَّوْب وَعلم العَبْد حِرْفَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهُ حكم الْعين كَمَا فِي الصَّبْغ وَقد سبق حكمه وَالثَّانِي أَنه أثر لَا قيمَة لَهُ كَمَا إِذا صدر من الْغَاصِب فِي الْمَغْصُوب بِخِلَاف الصَّبْغ فَإِنَّهُ عين وَالْفرق ظَاهر من حَيْثُ إِن عمل المُشْتَرِي مُحْتَرم وَقد حصل وَصفا يسْتَأْجر عَلَيْهِ ببذل المَال فَكَانَ مُتَقَوّما وَفعل الْغَاصِب عدوان لَا يتقوم بِخِلَاف صبغه فعلى هَذَا نجْعَل القصارة كالصبغ ويوزع الثّمن عِنْد بيع الثَّوْب عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار قيمتهمَا وَإِن تضاعفت الْقيمَة فيضاعف حق كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن ارْتَفع قيمَة الثَّوْب دون القصارة كَانَ الزَّائِد حق البَائِع دون المُشْتَرِي فرع لَو اسْتَأْجر أَجِيرا للقصارة وأفلس قبل أَدَاء الْأُجْرَة وَالثَّوْب بَاقٍ فَإِن قُلْنَا إِن القصارة أثر فَلَيْسَ للْأَجِير إِلَّا الْمُضَاربَة وَإِن قُلْنَا إِنَّه عين فَلهُ حق حبس الثَّوْب فَإِن كَانَ قيمَة الثَّوْب عشرَة وَقِيمَة القصارة خَمْسَة وَالْأُجْرَة دِرْهَم فَيخْتَص البَائِع بِعشْرَة والأجير بدرهم وَيصرف أَرْبَعَة إِلَى سَائِر الْغُرَمَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وَلَو كَانَت الْأُجْرَة خَمْسَة وَقِيمَة القصارة درهما فَإِن البَائِع يخْتَص بِعشْرَة وَصرف الدِّرْهَم الزَّائِد إِلَى الْأَجِير وَله الْمُضَاربَة بالأربعة الْبَاقِيَة هَكَذَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يحكم بِأَن الْأَجِير وجد عين مَتَاعه وَهُوَ القصارة فَيفْسخ ويقنع بهَا زَادَت الْقيمَة أَو نقصت وَمن الْأَصْحَاب من قضى بذلك طردا لقياس تَنْزِيله منزلَة الْعين من كل وَجه وَهُوَ خلاف النَّص فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِلْحَاقه بِالْعينِ من كل وَجه وَلَكِن لم ير الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَعْطِيل حق المُشْتَرِي ولمحصله أَيْضا حق حبس ووثيقة فِيهِ وَهُوَ الْأَجِير فَأَما أَن نجْعَل عين سلْعَة حَتَّى يفْسخ العقد فِيهَا فَهُوَ بعيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 = كتاب الْحجر= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 أَسبَاب الْحجر خَمْسَة الصبى وَالْجُنُون وَالرّق والفلس وَقد ذَكرنَاهَا والتبذير وَهُوَ عبارَة عَن الْفسق مَعَ صرف المَال إِلَى وَجه لَيْسَ فِيهِ غَرَض صَحِيح ديني أَو دُنْيَوِيّ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله خَالَفنَا فِي هَذَا الْحجر وَفِي حجر الْمُفلس وَفِيه فصلان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 الْفَصْل الأول فِي السَّبَب وَهُوَ يتَّصل تَارَة بِالصَّبِيِّ وَتارَة يطْرَأ بعد الْبلُوغ فَإِن اتَّصل بِالصَّبِيِّ بِأَن بلغ الصَّبِي غير رشيد اطرد حجر الصَّبِي وَيَكْفِي لدوام الْحجر أحد الْمَعْنيين وَهُوَ الْفسق أَو الْإِسْرَاف فِي المَال لِأَن كل وَاحِد يُنَافِي اسْم الرشد وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} وَإِن طَرَأَ بعد أَن بلغ رشيدا فَلَا بُد من مَجْمُوع الْأَمريْنِ فَإِن طَرَأَ التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ اقْتضى الْحجر ثمَّ فِي عود الْحجر أَو الْحَاجة إِلَى إِعَادَة القَاضِي وَجْهَان أظهرهمَا الْحَاجة إِلَى الْإِعَادَة فَإِنَّهُ يدْرك بِضَرْب من الِاجْتِهَاد وَلَو طَرَأَ مُجَرّد الْفسق أَو مُجَرّد التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملاذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ فَفِي اقتضائه الْحجر وَجْهَان وَالْمذهب أَنه لَا يَقْتَضِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 بِخِلَاف مَا لَو اتَّصل بِالصَّبِيِّ لِأَن الْحجر ثمَّ مستيقن فَلَا يرفع إِلَّا بِيَقِين وَلَا يتَيَقَّن الرشد مَعَ الْفسق وَالْإِطْلَاق هَاهُنَا مستيقن فَلَا يُعَاد الْحجر إِلَّا بِيَقِين وَلَيْسَ من الْإِسْرَاف أَولا صرف المَال إِلَى وُجُوه الْخيرَات فَلَا سرف فِي الْخَيْر ثمَّ ولي المبذر وَالْمَجْنُون أَبوهُ أَو جده إِن اتَّصل الْجُنُون والتبذير بِالصَّبِيِّ وَإِن عَاد بعد زَوَال ولَايَة الْوَلِيّ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه من كَانَ فِي حَالَة الصغر وَالثَّانِي أَنه القَاضِي لِأَنَّهُ صَار مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فَلم يكن تبعا لأصله وَمهما عرف رشده قبل الْبلُوغ فَبلغ انْفَكَّ الْحجر بِمُجَرَّد الْبلُوغ وَأَسْبَاب الْبلُوغ أَرْبَعَة الأول السن وَهُوَ خمس عشرَة سنة فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَمَان عشرَة سنة وَفِي رِوَايَة اقْتصر فِي الْجَارِيَة على سبع عشرَة سنة ومعتمدنا مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتكْمل الْمَوْلُود خمس عشرَة سنة كتب مَاله وَمَا عَلَيْهِ وأقيمت عَلَيْهِ الْحُدُود الثَّانِي الِاحْتِلَام وَيصدق فِيهِ الصَّبِي إِذْ لَا يُمكن فِيهِ الْمعرفَة إِلَّا بقوله وَفِي احْتِلَام الصبية وَجْهَان لخفاء خُرُوج المَاء مِنْهَا فِي الْغَالِب فَقيل أقيم الْحيض مقَام ذَلِك فِي حَقّهَا ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا احْتَلَمت وَإِن لم يحكم ببلوغها أمرناها بالاغتسال كَمَا نأمرها بِالْوضُوءِ من الْحَدث وكما إِذا احْتَلَمت بعد الْبلُوغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 الثَّالِث الْحيض فِي حق النِّسَاء الرَّابِع نَبَات الْعَانَة فِي حق صبيان الْكفَّار إِذْ أَمر عَلَيْهِ السَّلَام بالكشف عَن مؤتزرهم وَكَانَ يقتل من أنبت مِنْهُم وَفِي تعرف ذَلِك فِي صبيان الْمُسلمين خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا يتبع إِذْ هى أَمارَة تعلقنا بهَا للعجز عَن معرفَة سنهم واحتلامهم إِلَّا بقَوْلهمْ ثمَّ لاشك أَن بقول الْوَجْه وإنبات الْإِبِط أبلغ فِي الدّلَالَة وَأما انفراق الأرنبة ونهود الثدي وبحوحة الصَّوْت فَلَا تعويل عَلَيْهِ فرع الْخُنْثَى إِذا احْتَلَمَ بفرج الرِّجَال أَو حاض بفرج النِّسَاء لم يحكم بِبُلُوغِهِ للاحتمال فَإِن اجْتمع الْأَمْرَانِ فَوَجْهَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 أَحدهمَا لَا لتعارض الْأَمر فِي الْعَلامَة إِذْ كل وَاحِد أسقط حكم الآخر وَالثَّانِي أَنه الْأَصَح أَنه يقْضى بِبُلُوغِهِ وَيبقى الْإِشْكَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وينقدح ظَاهرا أَن يحكم بِالْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نحكم بالذكورة وَالْأُنُوثَة بِأَحَدِهِمَا بِنَاء على ظن غَالب ثمَّ ننقض ذَلِك الظَّن إِن ظهر نقيضه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا ينفذ من التَّصَرُّفَات وَمَا لَا ينفذ والضبط فِيهِ أَن كل مَا كَانَ لَا يدْخل تَحت حجر الْوَلِيّ فِي حق الصَّبِي كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْخلْع واستلحاق النّسَب وَالْإِقْرَار بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْحَد مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ مَقْصُودا فَهُوَ مُسْتَقل بِهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف والمتضي للحجر صِيَانة مَاله وَذَلِكَ لَا يتضى الْحجر فِي هَذِه التَّصَرُّفَات وَمَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ ينظر فِيهِ فَمَا هُوَ فِي مَظَنَّة الضَّرَر هُوَ مسلوب الِاسْتِقْلَال فِيهِ كالتبرعات وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِقْرَار بِالدّينِ وَلَو عين لَهُ الْوَلِيّ تَصرفا أَو وَكله أَجْنَبِي فَفِي سلب عِبَارَته خلاف وَالظَّاهِر صِحَة عِبَارَته كَمَا فِي الطَّلَاق وَغَيره وَقيل إِنَّه مسلوب الْعبارَة لِأَن الْحجر قد اطرد فِي المَال فَلم يُؤثر الْبلُوغ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعبارَة الْمُتَعَلّقَة بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ تصح عِبَارَته فِي النِّكَاح دون الْأَمْوَال وعَلى الْعبارَة يخرج قبُوله الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ فَأَما تَدْبيره ووصيته فَفِيهِ قَولَانِ مرتبان على الصَّبِي وَأولى بالنفوذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 فروع ثَلَاثَة الأول لَو أقرّ بِإِتْلَاف مَال الْغَيْر فِيهِ وَجْهَان الْقيَاس الْمَنْع كَالصَّبِيِّ وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على الْإِتْلَاف فليقدر على الْإِقْرَار الثَّانِي بيع الاختبار الذى يبتلى بِهِ الصَّحِيح فَسَاده إِن جرى قبل الْبلُوغ وَإِنَّمَا المُرَاد الامتحان بمقدمات البيع ثمَّ مهما امتحن فَبلغ انْفَكَّ أَيْضا الْحجر لمُجَرّد الْبلُوغ من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك وَلَو بلغ غير رشيد ثمَّ صَار رشيدا فَالْأَظْهر أَنه يَنْفَكّ أَيْضا من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك الثَّالِث لَو أحرم بِالْحَجِّ انْعَقَد إِحْرَامه ثمَّ إِن كَانَ عَن فرض إِسْلَامه هيأ الْوَلِيّ أَسبَابه والأمتعة من الزَّاد وَالرَّاحِلَة ثمَّ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 أَحدهمَا أَنه كالمحصر فيتحلل وَالْآخر أَنه كالمفلس لَا يتَحَلَّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 = كتاب الصُّلْح = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الصَّحِيح وَالْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالصُّلْح عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عقدا مُخَالفا للْبيع أَو للهبة وَلكنه إِن كَانَ بمعاوضة فَهُوَ بيع يَصح بِلَفْظ البيع وَيصِح البيع بِلَفْظِهِ وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص الصُّلْح عَن أرش الْجِنَايَات فَقَالَ لَا يَصح بِلَفْظ البيع وَاسْتثنى بعض الْأَصْحَاب البيع ابْتِدَاء من غير تقدم خُصُومَة فَقَالُوا لَا يَصح بِلَفْظ الصُّلْح فَلَا يُطلق لفظ الصُّلْح إِلَّا بعد تقدم خصومه فَلَا يحسن أَن يُقَال لصَاحب الْمَتَاع صالحني عَن متاعك على كَذَا أما اسْتثِْنَاء صَاحب التَّلْخِيص فقد استدرك الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ بيع دين وَيجوز أَن يسْتَعْمل فِيهِ لفظ البيع إِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر وَالصّفة وَلَا يجوز لفظ الصُّلْح أَيْضا إِن كَانَ مَجْهُول الْقدر وَالصّفة وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر مَجْهُول الصّفة كإبل الدِّيَة فَفِي جَوَاز بَيْعه بطرِيق الِاعْتِيَاض عَنهُ وَجْهَان بِلَفْظ الصُّلْح وَالْبيع جَمِيعًا نعم لَو قُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فالمصالحة عَنهُ على مَال جَائِز وَلَا يَصح إِطْلَاق لفظ البيع فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 وَأما اسْتثِْنَاء الْأَصْحَاب وَهُوَ إِطْلَاق لفظ الصُّلْح ابْتِدَاء أَيْضا خَالف فِيهِ بعض الْأَصْحَاب أَيْضا وَقَالُوا إِنَّه جَائِز فتحصلنا فِيهِ على وَجْهَيْن الِاسْتِثْنَاء الثَّالِث أَن يُصَالح على بعض الْمُدعى فَالظَّاهِر صِحَّته وَيكون هبة للْبَعْض فَيُؤَدِّي معنى الْهِبَة وَلَفظ البيع لَا يحصل بِهِ هَذَا الْغَرَض فصلح الحطيطة بِلَفْظ البيع بَاطِل وَمن الْأَصْحَاب من حكى عَنهُ أَن الشَّيْخ أَبُو عَليّ منع هَذَا لِأَنَّهُ يُنبئ عَن الْمُعَاوضَة أَعنِي لفظ الصُّلْح وَلَا مُعَاوضَة هَاهُنَا هَذَا إِذا صَالح عَن عين فَإِن صَالح عَن دين نظر فَإِن صَالح عَن دين آخر فَلَا بُد من التَّسْلِيم فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ بيع كالئ بكالئ وَإِن صَالح على عين وَسلم فِي الْمجْلس صَحَّ وَإِن لم يسلم فَالْأَظْهر الصِّحَّة لِأَنَّهُ عين وَفِيه وَجه يجْرِي ذَلِك فِي لفظ البيع وَصلح الحطيطة فِي الدّين بِمَعْنى الْإِبْرَاء عَن الْبَعْض صَحِيح وَلَكِن فِي افتقاره إِلَى الْقبُول خلاف كَمَا فِي الْإِبْرَاء بِلَفْظ الْهِبَة فرع لَو صَالح من ألف حَال على مُؤَجل فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وعد مَحْض لَا يلْزم وَمن الْمُؤَجل على الْحَال وعد من الْجَانِب الآخر وَكَذَا من الصَّحِيح على المكسر وَمن المكسر على الصَّحِيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وَلَو صَالح من ألف صَحِيح على خَمْسمِائَة مكسر كَانَ إِبْرَاء عَن خَمْسمِائَة ووعدا من الْبَاقِي وَكَذَا عَن ألف حَال على خَمْسمِائَة مُؤَجّلَة فإمَّا عَن ألف مُؤَجل على خَمْسمِائَة حَالَة أَو عَن ألف مكسر على خَمْسمِائَة صَحِيحَة ففاسد لِأَنَّهُ نزل عَن قدر للحصول على وصف زَائِد فَهُوَ فَاسد وَلَا يَصح نُزُوله إِذْ لم يسلم لَهُ مَا طمع فِيهِ وَلَو اعتاض عَن ألفي دِرْهَم لَهُ عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم وَخمسين دِينَارا فَالْأَصَحّ صِحَّته وَيجْعَل مُسْتَوْفيا للألف معتاضا عَن الْبَاقِي خمسين دِينَارا وَفِيه وَجه آخر أَنه مَسْأَلَة مد عَجْوَة لِأَن لفظ الصُّلْح للمعاوضة هَذَا كُله فِي الصُّلْح على الْإِقْرَار فَأَما الصُّلْح على الْإِنْكَار فَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن جرى مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ على عين أُخْرَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَفِي صلح الحطيطة على الْإِنْكَار وَجْهَان وَوجه الصِّحَّة أَنه بِمَعْنى الْهِبَة وَالْإِبْرَاء وَذَلِكَ لَيْسَ يَسْتَدْعِي عوضا فَإِذا سلم لَهُ الْبَعْض واتفقا على أَنه ملكه إِذْ يملكهُ بزعم الْمُدعى عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ هبة وبزعم الْمُدعى بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا لم يبْق إِلَّا الْخلاف فِي الْجِهَة وَهَذَا كُله إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ صالحني عَن دعواك أَو صالحني مُطلقًا فَلَو قَالَ بِعني الدَّار فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ صالحني عَن الدَّار فَهَل يَجْعَل إِقْرَارا ليَصِح الصُّلْح على الْإِقْرَار فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَيْسَ بمقر أما الصُّلْح على الْإِنْكَار مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ هُوَ مقرّ وَأَنا وَكيله صَحَّ لتقار الْمُتَعَاقدين وَإِن قَالَ هُوَ مُنكر وَلَكِنِّي أعرف أَنَّك محق وَإِنَّمَا أصالح لَهُ فَوَجْهَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى إِقْرَار متعاطي العقد وَفِي الثَّانِي إِلَى من يَقع العقد لَهُ فَإِن كَانَ الْمُدعى دينا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بِقَضَاء دين غَيره دون قَوْله فَلَا يُؤثر إِنْكَاره فِيهِ فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ أَنْت محق وَأَنا أشتريه لنَفْسي فَإِنِّي قَادر على الانتزاع من يَده فَفِي صِحَة شِرَائِهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الشَّرْع يمنعهُ من الانتزاع فَإِن ظَاهر الْيَد يدل على أَن ذَلِك لَهُ وَالْعجز الشَّرْعِيّ كالعجز الْحسي الثَّانِي إِذا أسلم على عشرَة نسْوَة وَمَات قبل الْبَيَان فالميراث مَوْقُوف بَينهُنَّ وَيصِح الِاصْطِلَاح على عين التَّرِكَة وَيكون التَّفَاوُت فِيهِ مَحْمُولا على الْمُسَامحَة وَالْهِبَة وَذَلِكَ مُحْتَمل وَإِن كَانَ مَجْهُولا للضَّرُورَة وَلَو جرى على غير التَّرِكَة لم يجز لِأَن من أَخذ عوضا فَلَا بُد وَأَن يثبت لَهُ ملك فِي معوض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التزاحم على الْأَمْلَاك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرق والجدار الْحَائِل بَين الْملكَيْنِ والسقف الْحَائِل بَين السّفل والعلو أما الطّرق والشوارع لَا يتَعَلَّق بهَا الِاسْتِحْقَاق الطّرق وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِى ألفيت شوارع فِي الْبِلَاد والصحاري ومبداها فِي الْبِلَاد أَن يَجْعَل الْإِنْسَان ملك نَفسه شوارع أَو يتَّفق الْملاك فِي الْأَحْيَاء على فتح أَبْوَاب الدّور إِلَى صوب وَاحِد فَلَو انْفَرد بِالتَّصَرُّفِ فِي الشوارع بِفَتْح بَاب إِلَيْهِ لم يكن جَازَ وَكَذَا لَو أخرج جنَاحا لَا يضر بالمارة لِأَن الْهَوَاء بَقِي على أصل الْإِبَاحَة والاختصاص بِالْأَرْضِ للشروع فليوضع الْجنَاح إِلَى حَيْثُ لَا يمْنَع الْمحمل مَعَ الْكَنِيسَة وَأبْعد مبعدون فَقَالُوا إِلَى أَن لَا يمْنَع الرمْح الْمَنْصُوب فِي يَد فَارس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن فعل ذَلِك فلآحاد الْمُسلمين الْمَنْع وَإِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 لم يمْنَع فَلهُ الِاعْتِمَاد على السُّكُوت أما التَّصَرُّف فِي أَرض الشوارع بِنصب دكة أَو غرس شَجَرَة حَيْثُ لَا يضيق على الْمَارَّة فِيهِ وَجْهَان قَالَ القَاضِي الشوارع كالموات فِيمَا عدا الطروق فَلَا يمْنَع إِلَّا مِمَّا يبطل الطروق وَقَالَ آخَرُونَ بل تعين الأَرْض للطروق فَلَا تصرف إِلَى غَيره فالزقاق قد يتضايق فَيُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر أما السِّكَّة المنسدة الْأَسْفَل فَهِيَ كالشوارع عِنْد الْعِرَاقِيّين وَهُوَ بعيد إِذْ يلْزم عَلَيْهِ أَن يجوز أَن يفتح إِلَيْهَا بَاب وَإِن لم يكن وَفِيه ضَرَر حَاضر وتجويزه بعيد والمراوزة قَالُوا هُوَ ملك مُشْتَرك بَين السكان وَمن هُوَ فِي أَعلَى السِّكَّة هَل هُوَ شريك فِيمَا دون بَاب دَاره إِلَى أَسْفَل السِّكَّة فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه قد يَدُور فِي جَمِيع السِّكَّة لأغراضه فعلى هَذَا يمْتَنع إِحْدَاث زِيَادَة انْتِفَاع لم تكن إِلَّا برضاء الشُّرَكَاء فَإِن رَضوا فَهُوَ إِعَارَة وَلَهُم الرُّجُوع فَمن فتح بَابا جَدِيدا أَو أشرع جنَاحا فَلِمَنْ تَحْتَهُ الِاعْتِرَاض دبادة وفيمن فَوْقه وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 وَلَو سد الْبَاب الْقَدِيم وَفتح بَابا جَدِيدا أقرب إِلَى بَاب الدَّرْب فَلَا منع مِنْهُ وَإِن ترك ذَلِك الْبَاب فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِنَّه قد يجْتَمع الدَّوَابّ وَالنَّاس على الْبَاب الآخر فَكَأَنَّهُ زِيَادَة انْتِفَاع وَكَذَا الْخلاف إِذا فتح إِلَى دَاره بَاب دَار أُخْرَى ملاصقة لَهُ كَانَ بَابهَا إِلَى الشَّارِع فَإِنَّهُ يكَاد يكون زِيَادَة فِي الِانْتِفَاع فَأَما فتح الكوة للاستضاءة فَلَا منع مِنْهُ وَأما الْجِدَار الْحَائِل إِن كَانَ ملك وَاحِد فَلَيْسَ للْآخر التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن اسْتَأْذن فِي وضع جذع عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِن تضرر وَإِن لم يتَضَرَّر فالجديد أَنه لَا يجب وَهُوَ الْقيَاس وَالْقَدِيم وُجُوبه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 فَلَا يمنعن جَاره من أَن يضع خَشَبَة على جِدَاره وَلَعَلَّه تَأْكِيد للاستحباب التَّفْرِيع إِذا لم يُوجب فَلَو رَضِي فَهُوَ إِعَارَة فَلَو انْهَدم الْجِدَار فَالظَّاهِر انْفِسَاخ الْإِعَارَة فيفتقر إِلَى إِعَادَتهَا وَإِن رَجَعَ قبل الانهدام فَلهُ ذَلِك وَفَائِدَته التسلط على النَّقْض بِشَرْط أَن يغرم الْأَرْش إِذا بنى بِإِذْنِهِ وَقَالَ القَاضِي فَائِدَته الْمُطَالبَة بِالْأُجْرَةِ فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن الطّرف الآخر فِي الْملك الْخَالِص للْمُسْتَعِير فَلَا يُمكنهُ أَن ينقص ذَلِك أما الْجِدَار الْمُشْتَرك فالنظر فِي الِانْتِفَاع وَالْقِسْمَة والعمارة أما الِانْتِفَاع فَلَا يجوز إِلَّا بعد التَّرَاضِي كَسَائِر الْأَمْلَاك الْمُشْتَركَة وَأما الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ فَفِي الْمَنْع مِنْهُ تردد لِأَنَّهُ عناد مَحْض أما الْقِسْمَة فجائزة بِالتَّرَاضِي فِي الطول وَالْعرض جَمِيعًا ثمَّ لَا يتَصَرَّف كل وَاحِد بِمَا يضر بِصَاحِبِهِ لِأَن الْأَمْلَاك متلاصقة وَلَا يجْبر على قسْمَة الْجِدَار فِي كل الطول وَنصف الْعرض لِأَنَّهُ لَا يُسَلط على الِانْتِفَاع بِوَضْع الْجُذُوع وَلِأَن الْقرعَة قد تخرج على نقيض المُرَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا قرعَة بل يتَعَيَّن لكل وَاحِد جَانِبه أما فِي جَمِيع الْعرض وَبَعض الطول فالإجبار عَلَيْهِ يبْنى على الْمَعْنيين فَإِن الِانْتِفَاع يتَعَذَّر للاتصال وَلَكِن الْقرعَة لَا تتعذر أما الأساس فَلَا مَانع من الْإِجْبَار على قسمته إِلَّا أَمر الْقرعَة وَفِي مَذْهَب صَاحب التَّقْرِيب مَا يدْفع عسره أما الْعِمَارَة فَإِذا استرم الْجِدَار فَهَل لأحد الشَّرِيكَيْنِ أَن يجْبر الآخر على الْعِمَارَة فِي قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْقَدِيم بلَى للْمصْلحَة حذارا من تَعْطِيل الْأَمْلَاك والجديد لَا لِأَنَّهُ رُبمَا يتَضَرَّر هُوَ بِصَرْف مَاله إِلَى الْعِمَارَة إِذا كَانَ لَا يتفرغ لَهُ فالضرر متقابل فعلى هَذَا لَيْسَ لَهُ منع الشَّرِيك إِلَّا من الاستبداد بالعمارة لِأَنَّهُ عناد مَحْض وَكَذَا الْخلاف فِي أَن صَاحب الْعُلُوّ هَل لَهُ أَن يجْبر صَاحب السّفل على إِعَادَته ليبني عَلَيْهِ علوه وَلَا خلاف فِي أَن لصَاحب الْعُلُوّ الاستبداد بِبِنَاء السّفل وَإِن كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 متصرفا فِي ملك غَيره دفعا للضَّرَر فروع ثَلَاثَة أَحدهَا الْجِدَار الْمُشْتَرك إِن أَعَادَهُ أَحدهمَا فالنقض الْمُشْتَرك عَاد مُشْتَركا وَلَو أعَاد السّفل بِالنَّقْضِ الذى كَانَ عَاد ملكا لصَاحب السّفل فَلَو هَدمه بعد أَن بناه غرم لَهُ لِأَنَّهُ دخل فِي ملكه مَبْنِيا وَلِصَاحِب السّفل أَن ينْتَفع بِهِ وَكَذَا لَو أعَاد صَاحب الْعُلُوّ ينْقض نَفسه فَلَا يمْنَع صَاحب السّفل من السّكُون فِي ملكه وَإِن أحَاط بِهِ جدران غَيره وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَهُ أَن يمنعهُ مِنْهُ إِلَى أَن يغرم لَهُ الْقيمَة وَهَذَا يَلِيق بالْقَوْل الْقَدِيم ثمَّ على القَوْل الْقَدِيم لَا يجْبرهُ إِلَّا على الْقدر الذى يُخرجهُ عَن كَونه خرابا ضائعا وللقاضي أَن يستقرض عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا فالشريك لَو استبد بالِاتِّفَاقِ دون إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعه ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن لَا يكون فِي الْبَلَد قَاض فَيكون مَعْذُورًا أَو يكون الثَّانِي لَو أعَاد أحد الشَّرِيكَيْنِ لاجدار بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرك بِشَرْط أَن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 ثلثا الْملك لَهُ فِي النَّقْض جَازَ فَكَأَنَّهُ جعل سدس النَّقْض أُجْرَة لَهُ على عمله وَلَو تعاونا وشرطا التَّفَاوُت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يجوز لِأَن النَّقْص متساو وَالْعَمَل متساو وَفِيه وَجه إِذْ لأَحَدهمَا أَن يتَبَرَّع بِالْعَمَلِ على الآخر ويبذل للْآخر على عمله الذى صَادف ملكه عوضا من النَّقْض وكل ذَلِك يجوز بِشَرْط أَن يملك النَّقْض دون الْجِدَار فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق الْملك فِي الْعِوَض الثَّالِث من لَهُ حق إِجْرَاء المَاء فِي أَرض الْغَيْر فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعِمَارَة إِذا استرمت الأَرْض وَكَذَا إِن كَانَ من جِهَة المَاء على الظَّاهِر من الْمَذْهَب أما السّقف الْحَائِل بَين الْعُلُوّ والسفل فَلصَاحِب الْعُلُوّ الْجُلُوس عَلَيْهِ وَلِصَاحِب السّفل الاستظلال بِهِ وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك بِأَن يَبِيع صَاحب السّفل حق الْبناء على سطحه من غَيره فيبني الْغَيْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وَقَالَ الْمُزنِيّ هَذَا البيع بَاطِل إِذْ لَا مَبِيع وَإِنَّمَا هُوَ إِجَارَة فلبؤقت وَشبه هَذَا بالاعتياض عَن الْجنَاح المشرع فِي دَار الْغَيْر فَإِنَّهُ مَمْنُوع وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ جوز أَن يُبَاع حق الْملك إِذا كَانَ مَقْصُورا كعين الْملك فِي حق الْمَمَر ومجرى المَاء ومسيله وَكَذَلِكَ حق وضع الْجُذُوع فروع الأول اخْتلفُوا فِي أَن هَذَا هَل ينْعَقد بِلَفْظ الْإِجَارَة مَعَ مَا فِيهِ من التأييد الثَّانِي يجب عَلَيْهِ أَن يعلم مَوضِع الْبناء وَقدره وَأَن اللبنات فِي الْجِدَار منضدة أَو متجافية الأجواف وَلَا حَاجَة على الْأَظْهر إِلَى ذكر الْوَزْن فَلَو بَاعَ حق الْبناء على الأَرْض فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى ذكر تنضيد اللبنات أَيْضا لِأَن الأَرْض لَا تتأثر بِهِ الثَّالِث صَاحب السّفل إِذا هدم السّفل غرم لصَاحب الْعُلُوّ حق الْبناء وَلم يَنْفَسِخ لِأَن حكم البيع غَالب على هَذَا العقد فَإِذا أعَاد السّفل اسْتردَّ مَا غرمه إِذْ كَانَ ذَلِك للْحَيْلُولَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 وَكَذَا الْأَجِير يغرم فِي الْحَال مَا يَشْتَرِي بِهِ حق الْبناء ثمَّ يسْتَردّ عِنْد إِعَادَة السّفل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي التَّنَازُع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث زعما أَنَّهُمَا شريكان فِيهِ فَصدق أَحدهمَا يساهمه المكذب فِي الْقدر الذى يسلم لَهُ إِن ادّعَيَا عَن جِهَة إِرْث وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شرائين أَو هبتين أَو جِهَتَيْنِ مختلفتين فَلَا يساهم وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شِرَاء وَاحِد أَو هبة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي وَالثَّانِي بلَى لِأَن العقد اقْتضى الْملك فِي كل جُزْء على الشُّيُوع فعلى هَذَا يلْتَفت مَا إِذا باعا عبدا مُشْتَركا فَأخذ أَحدهمَا نصِيبه من الثّمن هَل يستبد بِهِ أم يُقَال كل جُزْء من الثّمن فَهُوَ مُشْتَرك إِلَى الْقِسْمَة وَلَا خلاف أَن كل جُزْء من النُّجُوم فِي العَبْد الْمُشْتَرك إِذا كُوتِبَ مُشْتَرك لِأَن تَنْجِيز الْعتْق فِي نصيب أَحدهمَا مُضر الآخر الثَّانِيَة ادّعى رجل على رجلَيْنِ دَارا فِي يدهما فَأقر أَحدهمَا ثَبت نصِيبه فَلَو صَالحه على مَال وَأَرَادَ الْمُنكر أَخذه بِالشُّفْعَة فَلهُ ذَلِك إِن تعدد جِهَة ملكيهما وَإِن كَانَ عَن جِهَة إِرْث فَلَا لِأَنَّهُ بإنكاره كذبه فِي أصل الدَّعْوَى فَبَطل الصُّلْح بِزَعْمِهِ وَبَقِي الْملك لشَرِيكه فَهُوَ مؤاخذ بقوله وَفِيه وَجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 الثَّالِثَة إِذا تنَازعا جدارا حَائِلا بَين ملكهمَا فَالظَّاهِر أَنه فِي يدهما فَيحكم بِالشّركَةِ فَلَو اتَّصل طرف الْجِدَار بجدار خَالص لأَحَدهمَا اتِّصَال ترصيف صَار هُوَ صَاحب الْيَد وَكَذَلِكَ لَو كَانَ على خَشَبَة وأصل تِلْكَ الْخَشَبَة دَاخل فِي خَالص ملك أَحدهمَا وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع لم تكن الْيَد لَهُ خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ اخْتِصَاص بِزِيَادَة انْتِفَاع فضاهى مَا لَو تنَازعا دَارا وهما فِيهَا ولأحدهما فِيهَا أقمشة وَلَيْسَ كَمَا لَو تنَازعا دَابَّة أَحدهمَا آخذ بِلِجَامِهَا وَالْآخر رَاكب فَإِنَّهَا فِي يَد الرَّاكِب إِذْ لَيْسَ ثمَّ عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك وَهَاهُنَا كَون الْجِدَار حَائِلا عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك فَلَا يُغير إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَكَذَلِكَ لَو كَانَ معاقد القمط أَو الطاقات الْمرتبَة أَو الْأَطْرَاف الصَّحِيحَة من اللبنات فِي أحد الْجَانِبَيْنِ فَلَا مبالاة بشئ من ذَلِك فرع لَو شهِدت بَيِّنَة لأَحَدهمَا بِملك الْجِدَار وتنازعا فِي الأس فالمشهود لَهُ صَار صَاحب الْيَد فِي الأس إِذْ لَيْسَ الأس حَائِلا بَين الْملكَيْنِ حَتَّى يُقَال الِاشْتِرَاك فِيهِ ظَاهر بِخِلَاف الْجِدَار إِذا كَانَ عَلَيْهِ جذع الرَّابِعَة تنَازع صَاحب الْعُلُوّ والسفل فِي السّقف فَهُوَ بَينهمَا لِأَنَّهُ حَائِل بَين ملكيهما وَهُوَ لأَحَدهمَا أَرض وَللْآخر سَمَاء وَذَلِكَ إِذا كَانَ يُمكن إحداثه بعد بِنَاء الْعُلُوّ بِوَضْع أَطْرَاف الْجُذُوع عَلَيْهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 ثقبة الْجِدَار فَإِن لم يُمكن إِلَّا قبل بِنَاء الْعُلُوّ فَهُوَ مُتَّصِل بالسفل اتِّصَال ترصيف فاليد لصَاحب السّفل ثمَّ إِذا قضينا بالاشتراك فَفِي جَوَاز التَّعْلِيق لصَاحب السّفل مِنْهُ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز مُكَافَأَة لصَاحب الْعُلُوّ فَإِنَّهُ يستبد بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن ذَلِك الْقدر ضَرُورَة فِي حَقه وَالثَّالِث أَنه إِذا افْتقر إِلَى شقّ السّقف بوتد لم يجز وَإِلَّا جَازَ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ حَقِيقَة الْمُكَافَأَة على التَّسَاوِي الْخَامِسَة إِذا كَانَ علو الخان لوَاحِد وسفله لآخر وتنازعا فِي الْعَرَصَة فَإِن كَانَ المرقي فِي أَسْفَل الخان فالعرصة فِي يدهما وَإِن كَانَ فِي وَسطه فالعرصة إِلَى المرقى فِي يدهما وَمَا تَحْتَهُ فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو كَانَ فِي الدهليز أما إِذا كَانَ خَارِجا فالعرصة فِي يَد صَاحب السّفل وَلَو تنَازعا فِي نفس المرقى فَهُوَ فِي يَد صَاحب الْعُلُوّ إِلَّا إِذا كَانَ تَحْتَهُ بَيت لصَاحب السّفل ينْتَفع بِهِ فَهُوَ سقف لَهُ كَمَا أَنه مرقى لصَاحب الْعُلُوّ فَهُوَ فِي يدهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 = كتاب الشُّفْعَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الِاسْتِحْقَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الْمَأْخُوذ والآخذ والمأخوذ مِنْهُ الرُّكْن الأول الْمَأْخُوذ وَهُوَ كل عقار يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة أما قَوْلنَا عقارا احترزنا بِهِ عَن المنقولات فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَا يتأبد الضرار فِيهَا فَلم تكن فِي معنى الْعقار نعم يستتبع الْعقار الجدران وَالْأَشْجَار لاتصالها بهَا على التَّأْبِيد وَلَا يتَعَلَّق حق الشَّفِيع بالثمار المؤبرة وَسَوَاء تأبرت بعد العقد أَو حَال العقد مهما كَانَت مؤبرة عِنْد الْآخِذ وَإِن لم تكن مؤبرة فَقَوْلَانِ سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة حَالَة العقد أَو وجدت بعده إِذا بقيت عِنْد الْآخِذ غير مؤبرة أَحدهمَا يَأْخُذهُ الشَّفِيع لِأَن مَا يتبع فِي العقد يتبع فِي الشُّفْعَة كأغصان الشّجر وَالثَّانِي لَا لِأَن الأغصان تبقى فِي معنى الثوابت بِخِلَاف الثِّمَار وَأما قَوْلنَا يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة احترزنا بِهِ عَن الْحمام والطاحونة والبئر الَّتِى يسقى بهَا النَّوَاضِح إِذا كَانَت صَغِيرَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَيْسَ فِيهَا ضرار مُؤنَة الْقِسْمَة وتضييق الْمرَافِق وَهُوَ منَاط الشُّفْعَة ولأجله لم تثبت للْجَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وَقَالَ ابْن سُرَيج تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِضِرَار المداخلة على التَّأْبِيد ونعني بالمنقسم مَا تبقى منفعَته بعد الْقِسْمَة وَلَو على تضايق فَيبقى حَماما فِيهِ وطاحونة وَقيل الْمَعْنى أَن يبْقى فِيهِ مَنْفَعَة مَا وَلَو للسكون وَقيل أَن تبقى تِلْكَ الْمَنْفَعَة من غير تضايق كَالدَّارِ الفيحاء وعرصة الأَرْض والوجهان بعيدان فروع ثَلَاثَة أَحدهَا من لَهُ فِي الدَّار الصَّغِيرَة عشرهَا لَيْسَ لَهُ إِجْبَار صَاحبه على الْقِسْمَة لِأَنَّهُ تعنت من غير فَائِدَة فَلَا يجْبر صَاحب الْعشْر على الْقِسْمَة وَلِصَاحِب الْكثير غَرَض فِيهِ وَجْهَان فَإِن منع فَلَا شُفْعَة من الْجَانِبَيْنِ الثَّانِي الْأَشْجَار إِذا بِيعَتْ مَعَ قَرَارهَا دون الْبيَاض المتحلل بَينهمَا فِي ثُبُوت الشُّفْعَة للشَّرِيك فِيهَا وَكَذَا الْجِدَار العريض إِذا بيع مَعَ الأس وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بيع مَعَ الأَرْض فَصَارَ كالبائع وَالدَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وَالثَّانِي لَا لِأَن الأَرْض فِيهِ تبع والمتبوع مَنْقُول وَالْعبْرَة للمتبوع لَا للتابع الثَّالِث دَار سفلها لوَاحِد وعلوها مُشْتَرك إِن كَانَ السّقف لصَاحب السّفل فَلَا شُفْعَة فِي الْعُلُوّ لِأَنَّهُ لَا أَرض لَهُ فَلَا ثبات وَإِن كَانَ السّقف لشركاء الْعُلُوّ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه لَا أَرض لَهُ والسقف لَا ثبات لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 الرُّكْن الثَّانِي الْآخِذ وَتثبت الشُّفْعَة لكل شريك فِي الدَّار وَإِن كَانَ كَافِرًا إِلَّا إِذا كَانَت شركته بِالْوَقْفِ فَإِن قُلْنَا لَا يملكهُ الْمَوْقُوف فَلَا شُفْعَة وَإِن قُلْنَا يملك فَوَجْهَانِ مبنيان على أَنه هَل يقسم الْوَقْف وَالْملك وَلَا تثبت للْجَار وَإِن كَانَ ملاصقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يثبت للْجَار ووإن لم يكن شَرِيكا وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول مثله وَحكي عَن ابْن سُرَيج وَهُوَ غير صَحِيح نعم لَو قضى حَنَفِيّ لشفعوي بِهِ فَهَل يحل لَهُ بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان فرع الشَّرِيك فِي الْمَمَر إِذا لم يكن شَرِيكا فِي الدَّار لَا شُفْعَة لَهُ فِي الدَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وَإِذا بيع الْمَمَر وَهُوَ مَمْلُوك منسد الْأَسْفَل فَإِن لم يقبل الْقِسْمَة أَي لَا يصلح للممر بعد الْقِسْمَة فَلَا شُفْعَة على الْمَذْهَب وَإِن كَانَ يَنْقَسِم نظر فَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي فِي غير الْمَأْخُوذ طَرِيق آخر إِلَى دَاره سوى الْمَمَر ثبتَتْ الشُّفْعَة وَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن فِيهِ ضَرَرا بالمشتري فِي غير الْمَأْخُوذ بِالشُّفْعَة وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن حق الْمَمَر تَابع وَالثَّالِث أَنه إِن أَرَادَ الْأَخْذ وَجب لَهُ تَجْوِيز الِاخْتِيَار للْمُشْتَرِي جمعا بَين الْحَقَّيْنِ وَإِن أَبى ذَلِك فَلَا شُفْعَة لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 الرُّكْن الثَّالِث الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَهُوَ كل من اسْتَفَادَ الْملك اللَّازِم بمعاوضة فِي الشّقص الْمشَاع أما الْمُعَاوضَة فقد احترزنا بهَا عَن الْهِبَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا كَمَا فِي الْإِرْث لِأَنَّهُ لَا عوض حَتَّى يُؤْخَذ بِهِ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُؤْخَذ بِقِيمَتِه وحوينا فِيهِ الشّقص إِذا جعل أُجْرَة فِي إِجَارَة أَو صَدَاقا فِي نِكَاح أَو عوضا فِي خلع أَو كِتَابَة أَو صلح عَن دم أَو مُتْعَة فَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة بِقِيمَة مُقَابِله فَإِن الشَّرْع قد قوم جَمِيع ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُؤْخَذ إِلَّا الْمَبِيع وَقَوْلنَا بمعاوضة احترزنا بِهِ عَن الْملك الْعَائِد بالإقالة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة كَمَا إِذْ أسقط الشَّفِيع حَتَّى بَاعَ المُشْتَرِي وَعَاد إِلَيْهِ بإقالة فَلَا يَتَجَدَّد الْحق لِأَن الْعَائِد هُوَ ملك المُشْتَرِي بذلك الشِّرَاء فَلَيْسَ حَاصِلا بِخُرُوج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 الثّمن عَن ملكه على طَرِيق الرَّد وَقَوْلنَا لَازم احترزنا بِهِ عَن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لم يُؤْخَذ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى البَائِع للشَّفِيع وَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي وَحده فطريقان أَحدهمَا أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَن العقد لم يسْتَقرّ بعد وَرُبمَا قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي أَنه لَو وجد بِهِ عَيْبا فَهُوَ أولى بِالرَّدِّ على البَائِع أَو الشَّفِيع بِالْأَخْذِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الشَّفِيع أولى لِأَن حَقه ثَابت بِالْعقدِ وَلَا ضَرَر عله إِذا سلم لَهُ كَمَال الثّمن وَالثَّانِي المُشْتَرِي أولى إِذْ لَا يحِق للشَّفِيع إِلَّا بعد العقد وَرُبمَا يكون للْمُشْتَرِي غَرَض فِي عين ثمنه فَإِن قُلْنَا الشَّفِيع أولى فَلَو حضر بعد الرَّد فَفِي رده الرَّد وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يرد فَهُوَ بطرِيق تبين الْبطلَان أَو بطرِيق الْإِنْشَاء فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَيقرب من هَذَا أَن الشّقص الْمَشْفُوع إِذا كَانَ صَادِقا وهم الشَّفِيع بِأَخْذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 فَطلق الزَّوْج قبل الْمَسِيس قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي الزَّوْج أولى لِأَن سَببه سَابق وَقَالَ ابْن الْحداد لَو أفلس مُشْتَرِي الْمَشْفُوع بِالثّمن فالشفيع أولى بِالْأَخْذِ من البَائِع بِالرُّجُوعِ فَقَالَ الْأَصْحَاب هما جوابان متناقضان فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا فِي مَسْأَلَة الإفلاس الشَّفِيع أولى فالبائع هَل يخْتَص بِالثّمن فِيهِ وَجْهَان وَاخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه يضارب لِأَن حَقه قد بَطل فروع عشرَة الأول إِذا اشْترى ذمِّي شِقْصا مشفوعا من ذمِّي بِخَمْر وَفِيه لمُسلم أَو ذمِّي شركَة فَلَا يحكم بِالشُّفْعَة لِأَن الشِّرَاء الْفَاسِد لَا يُفِيد الْملك فملكه قَائِم وَلَو أَخذ الذِّمِّيّ ثمن خمر وَسلمهُ عَن الْجِزْيَة لم نقبله إِذا رَأينَا ذَلِك وَإِن لم نره واعترف بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه لَا اعْتِمَاد على قَوْلهم الثَّانِي سلم العَبْد عَن نُجُوم الْكِتَابَة شِقْصا ثمَّ رد إِلَى الرّقّ فَفِي بطلَان حق الشُّفْعَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كَانَ عوضا أَولا ثمَّ خرج عَن كَونه عوضا الثَّالِث أوصى لمستولدته بشقص إِن خدمت أَوْلَاده شهرا فَفِي الشُّفْعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 وَجْهَان لِأَنَّهُ مردد بَين الْوَصِيَّة والمعاوضة الرَّابِع العَبْد الْمَأْذُون لَهُ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ شَرِيكا لِأَنَّهُ من التِّجَارَة وَإِن عَفا لم يسْقط حق سَيّده وَإِن عَفا سَيّده لم يكن لَهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ بعد إحاطة الدُّيُون بِهِ الْخَامِس الْوَصِيّ إِن اشْترى للطفل شِقْصا وَهُوَ شريك فَلهُ أَخذه وَإِن بَاعَ فَأخذ من المُشْتَرِي لم يجز لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ فَكَأَنَّهُ يَبِيعهُ من نَفسه وَللْأَب ذَلِك لِأَنَّهُ يَبِيع من نَفسه فَهَذَا لَا يزِيد عَلَيْهِ وَقيل إِنَّه يحْتَمل التجويز فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن الْغِبْطَة لَا تخفى وَالْوَكِيل بِالْبيعِ هَل يَأْخُذ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع التُّهْمَة وَالأَصَح الْجَوَاز السَّادِس يجب على الْأَب أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لطفله إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة فَإِن لم يَفْعَله فعله القَاضِي فَإِن أسقط الْأَب الشُّفْعَة كَانَ للصَّبِيّ الطّلب بعد الْبلُوغ وَإِن بيع بشئ فِيهِ غِبْطَة للصَّبِيّ فَفِي وجوب الشِّرَاء وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 وَالْفرق أَن الشُّفْعَة تثبت وَفِي الإهمال تَفْوِيت والتفويت مُمْتَنع وَإِن لم يكن الِاكْتِسَاب وَاجِبا السَّابِع إِذا كَانَ المُشْتَرِي أحد الشُّرَكَاء فِي الدَّار فَلَا يُؤْخَذ الْجَمِيع مِنْهُ بل يتْرك عَلَيْهِ مَا كَانَ يَخُصُّهُ لَو لم يكن مُشْتَريا وَقَالَ ابْن سُرَيج يُؤْخَذ الْكل لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة من نَفسه وَهُوَ محَال وَالشِّرَاء لَا يُوجب ملكا لَازِما فِي الْمَشْفُوع فليؤخذ وَالْمذهب الأول الثَّامِن حكى الْقفال عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ أَن عَامل الْقَرَاض إِذا اشْترى بِمَال الْقَرَاض شِقْصا للْمَالِك فِيهِ شركَة فَلهُ الْأَخْذ ثمَّ أنكر الْقفال وَقَالَ كَيفَ يَأْخُذ ملك نَفسه وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِن الْعَامِل يسْتَحق بَيْعه لينض المَال وَفِي ذَلِك إِضْرَار بِهِ فَلهُ دفع هَذَا الضَّرَر كَمَا لَهُ دفع ضَرَر أصل الْملك التَّاسِع إِذا بَاعَ الْمَرِيض شِقْصا يُسَاوِي أَلفَيْنِ بِأَلف من أَجْنَبِي وَثلث مَاله واف بِهِ وَلَكِن الشَّفِيع وَارِث فَلَو أَخذه لوصلت الْمُحَابَاة إِلَيْهِ ولصار ذَلِك ذَرِيعَة فَفِيهِ خَمْسَة أوجه أَحدهمَا يَصح وَلَا يثبت الشُّفْعَة حذارا من وُصُول الْمُحَابَاة وَالشُّفْعَة على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 الْجُمْلَة تسْقط بأعذار فَهَذَا من جُمْلَتهَا وَالثَّانِي يَصح وَتثبت الشُّفْعَة وَتَكون الْمُحَابَاة من الْمَرِيض مَعَ الْأَجْنَبِيّ لَا مَعَ الْوَارِث وحسم الْحِيَل غير مُمكن وَالثَّالِث لَا يَصح البيع إِذا لَو صَحَّ لاستحال نفي الشُّفْعَة واستحال إِثْبَاتهَا أَيْضا وَمَا أدّى إِلَى محَال فَهُوَ محَال وَالرَّابِع أَن هَذِه الإحالة فِي النّصْف فَيصح البيع على النّصْف بِأَلف وَتبطل فِي الْبَاقِي وَالْخَامِس أَن الإحالة فِي حق الشَّفِيع فَيَأْخُذ النّصْف بِأَلف وَيتْرك الْبَاقِي على المُشْتَرِي الْعَاشِر تساوق رجلَانِ إِلَى مجْلِس الحكم وهما شريكان فِي دَار يزْعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق فِي الشِّرَاء وَأَنه يسْتَحق نصيب الآخر بِالشُّفْعَة فَيعرض الْيَمين عَلَيْهِم فَإِن تحَالفا أَو تناكلا تساقط قَوْلهمَا وَإِن حلف أَحدهمَا أَخذ نصيب الآخر وَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة نظر إِلَى التَّارِيخ فَإِن أرخا بِيَوْم وَاحِد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يتساقطان فَكَأَن لَا بَيِّنَة على الآخر لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة الثَّانِي أَنه يحكم بهما وَيقدر جَرَيَان الْعقْدَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَة لأَحَدهمَا على الآخر إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا قَدِيما بِالْإِضَافَة إِلَى الآخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْأَخْذ وَحكم الْمَأْخُوذ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يحصل بِهِ الْملك وَلَا بُد من رضَا الشَّفِيع فَإِنَّهُ غير مجبر وَلَا يشْتَرط رضَا المُشْتَرِي فَإِنَّهُ مقهور وَلَا يَكْفِي قَول الشَّفِيع أخذت وتملكت وَأَنا طَالب بل يحصل الْملك بأمرين أَحدهمَا بذل الثّمن وَالْآخر تَسْلِيم المُشْتَرِي الشّقص إِلَيْهِ رَاضِيا بِذِمَّتِهِ فَإِن وجد الرِّضَا دون تَسْلِيم الشّقص وَالثمن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يحصل لِأَنَّهُ مُعَاوضَة فَبعد التَّرَاضِي لَا يشْتَرط الْقَبْض وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا عِبْرَة بِرِضا المُشْتَرِي وَهُوَ مقهور فَلَا بُد من أَمر زَائِد وَهُوَ تَسْلِيم الشّقص أَو أَخذ الثّمن وَلَو رفع الشَّفِيع الْأَمر إِلَى القَاضِي وَطلب وَقضى لَهُ القَاضِي فَفِي حُصُول الْملك وَجْهَان وَلَو أشهد على الطّلب وَلم يقْض القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ إِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 قصر فِي تَسْلِيم الثّمن بَطل ملكه بطرِيق التبين لَهُ أم بطرِيق الِانْقِطَاع فِيهِ وَجْهَان هَذَا إِن رَضِي المُشْتَرِي فَإِن أَبى إِلَّا أَخذ الثّمن فَهَل يبْقى خِيَار الشَّفِيع إِلَى أَن يسلم الثّمن فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَن الْملك لَا يحصل بِالْقضَاءِ وَالْإِشْهَاد وَإِن حصل فَلَا يبْقى الْخِيَار وَيمْتَنع التَّصَرُّف على المُشْتَرِي وَفَاء بتحصيل الْملك وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فَلِلْمُشْتَرِي حبس الشّقص إِلَى تَسْلِيم الثّمن بِخِلَاف البَائِع فَإِن فِيهِ أقوالا لِأَنَّهُ رَضِي بِزَوَال الْملك فرع هَل تلتحق مُعَاوضَة الشَّفِيع بِالْبيعِ فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس من جَانب الشَّفِيع بعد التَّمَلُّك فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي أول البيع وَوجه الْفرق أَن إِثْبَات خِيَار الْمجْلس من أحد الْجَانِبَيْنِ بعيد وَلَا خلاف فِي أَن خِيَار الشَّرْط لَا يثبت وَكَذَا الْخلاف فِي أَن تصرف الشَّفِيع قبل الْقَبْض وَبعد التَّمَلُّك هَل ينفذ وَوجه الْفرق أَن ملك الشُّفْعَة كَأَنَّهُ ملك بِنَاء قهري يضاهي الْإِرْث بِخِلَاف البيع وَكَذَا ثُبُوت الْملك بِالشُّفْعَة فِيمَا لم ير فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بالثبوت فَإِن أثبتنا الْملك فَلهُ الْخِيَار عِنْد الرُّؤْيَة وَللْمُشْتَرِي الِامْتِنَاع عَن قبُول الثّمن إِلَى أَن يرَاهُ الشَّفِيع فَإِنَّهُ لَا يَثِق بِالتَّصَرُّفِ فِي الثّمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يبْذل من الثّمن وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الشَّفِيع يَأْخُذ الشّقص بِمَا بذله المُشْتَرِي إِن كَانَ مثلِيا فبمثله وَإِن كَانَ مُتَقَوّما فبقيمته يَوْم العقد ليجبر مَا فَاتَ عَلَيْهِ إِذا أَخذ مَا حصل لَهُ وَإِذا كَانَ الثّمن مائَة منا من الْحِنْطَة قَالَ الْقفال وَالْأَئِمَّة يُكَال وَيسلم مثله كَيْلا فَإِن الْمُمَاثلَة فِي الربويات بمعيار الشَّرْع وطردوا هَذَا فِي إقراض الْحِنْطَة بِالْوَزْنِ ومنعوه وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي الْوَزْن فِي مَسْأَلَتنَا إِذْ المبذور فِي مُقَابلَة الشّقص وَقدر الثّمن معياره لَا عوضه وَكَذَا فِي الْقَرْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ مُعَاوضَة لشرط التَّقَابُض فِي الْمجْلس الثَّانِيَة اشْترى شِقْصا بِأَلف إِلَى سنة فَثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد وَهُوَ الْأَصَح أَن الشَّفِيع يتَخَيَّر بَين أَن يعجل الْألف وَيَأْخُذ أَو يُؤَخر إِلَى حُلُول الْأَجَل فَيَأْخُذ وَيسلم بعد الْحُلُول إِذْ إِثْبَات الْأَجَل عَلَيْهِ يضر بالمشتري فَإِنَّهُ قد لَا يرضى بِذِمَّتِهِ وعَلى هَذَا إِن أخر وَأشْهد على الطّلب لم تبطل شفعته وَإِن لم يشْهد فَوَجْهَانِ وَوجه بَقَاء الشُّفْعَة أَنه مَعْذُور وَلَو مَاتَ المُشْتَرِي وَحل عَلَيْهِ الدّين لم يحل على الشَّفِيع لِأَنَّهُ حَيّ فَهُوَ كضامن لدين مُؤَجل مَاتَ الْمَضْمُون عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَالْقَوْل الثَّانِي حَكَاهُ حَرْمَلَة أَنه يملك الشَّفِيع بِثمن فِي ذمَّته مُؤَجل كَمَا لَو ملكه المُشْتَرِي ثمَّ إِن كَانَ مَلِيًّا أَو كَانَ لَهُ كَفِيل سلم إِلَيْهِ الشّقص وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَمن الْأَصْحَاب من لم يشْتَرط الْكَفِيل واليسار وَقَالَ هُوَ كالمشتري الثَّالِث حَكَاهُ ابْن سُرَيج أَن الشَّفِيع يَأْخُذ فِي الْحَال بعوض يُسَاوِي ألفا إِلَى أجل إِذْ التَّأْخِير إِضْرَار وتكليفه النَّقْد إِضْرَار وتنقيص النَّقْد عَن الْمبلغ وُقُوع فِي الرِّبَا فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب الثَّالِثَة إِذا اشْترى شِقْصا وسيفا بِأَلف وَقِيمَة السَّيْف مائَة وَقِيمَة الشّقص مِائَتَان أَخذ الشّقص بِثُلثي الْألف وَترك السَّيْف بِالْبَاقِي ثمَّ لم يكن للْمُشْتَرِي خِيَار التَّبْعِيض لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة من الْأَمر وَلَو انْهَدم الدَّار قبل الْأَخْذ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ بِكُل الثّمن وَنقل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 الرّبيع أَنه يَأْخُذ بِحِصَّتِهِ فَاخْتلف طرق الْأَصْحَاب فِي تَنْزِيل النصين وَالْأَقْرَب من جملَة ذَلِك أَنه إِن ارتجت الدَّار وَلم ينْفَصل مِنْهَا شئ فَهُوَ عيب مَحْض فَيَأْخُذ بِكُل الثّمن كَمَا يَأْخُذ المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تعيب وَإِن انْهَدم نظر فَإِن فَاتَ بعض الْعَرَصَة بسيل يَغْشَاهُ مَعَ بعض الْبناء أَخذ الْبَاقِي يحصته فَإِن كَانَ جَمِيع الْعَرَصَة بَاقِيَة نظر فَإِن تلف بعض النَّقْض فيبني على أَن السقوف من الدَّار كَالْيَدِ من العَبْد أَو كَأحد الْعَبْدَيْنِ فِي مُقَابلَته بِقسْطِهِ من الثّمن فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا كَالْيَدِ فَهَذَا تعيب فَيَأْخُذ بِالْكُلِّ كَمَا قَالَه الْمُزنِيّ وَإِن قُلْنَا كَأحد الْعَبْدَيْنِ فَيَأْخُذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ وَإِن كَانَ النَّقْض قَائِما فقد صَار مَنْقُولًا فِي الدَّوَام وَلَا شُفْعَة فِي الْمَنْقُول فَفِي بَقَائِهِ فِي الِاسْتِصْحَاب قَولَانِ ذكرناهما وَيدل عَلَيْهِمَا هَذِه النُّصُوص فَإِن قُلْنَا يُؤْخَذ النَّقْض فَيُؤْخَذ الْجَمِيع بِكُل الثّمن إِذْ يبْقى الانهدام عَيْبا مَحْضا وَإِن قُلْنَا لَا يُؤْخَذ النَّقْض وجعلناه كَأحد الْعَبْدَيْنِ أَخذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه كَالْيَدِ احْتمل الْقَوْلَيْنِ إِذْ يبعد أَن يفوز المُشْتَرِي بشئ مجَّانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وَكَذَا الْخلاف لَو تلف النَّقْض بجنابة أَجْنَبِي وَحصل الْغرم للْمُشْتَرِي الرَّابِعَة إِذا اشْترى الشّقص بِأَلف ثمَّ انحطت مائَة فللحط أَرْبَعَة أَسبَاب الأول أَن يكون ببإبراء البَائِع فَإِن كَانَ بعد اللُّزُوم فَهُوَ مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي لَا يلْحق الشَّفِيع خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِن كَانَ فِي زمَان الْخِيَار فَالْأَظْهر أَنه يلْحقهُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَنْبَنِي على أَقْوَال الْملك فَإِن قُلْنَا الْخِيَار لَا يمْنَع الْملك فَيصح الْإِبْرَاء وَفِي اللحوق بِالْعقدِ وَالشَّفِيع وَجْهَان وَإِن قُلْنَا يمْنَع الْملك فَلم يسْتَحق البَائِع الثّمن فَفِي نُفُوذ الْإِبْرَاء خلاف فَإِن صَحَّ فَيلْحق الشَّفِيع وَالأَصَح صِحَة الْإِبْرَاء واللحوق لِأَنَّهُ يُمكنهُ فِي الِابْتِدَاء أَن تصير الزِّيَادَة وَسِيلَة إِلَى دفع الشُّفْعَة فَيُبَاع بأضعاف الثّمن وَيبرأ فِي الْمجْلس السَّبَب الثَّانِي أَن يجد البَائِع بِالثّمن عَيْبا فَإِن كَانَ الثّمن عبدا فَإِن رده قبل أَخذ الشَّفِيع فَهُوَ أولى أم الشَّفِيع فِيهِ قَولَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 مرتبان على المُشْتَرِي إِذا أَرَادَ رد الشّقص بِالْعَيْبِ وَالْأولَى هَاهُنَا تَقْدِيم البَائِع فَإِنَّهُ لَا حق للشَّفِيع عَلَيْهِ وَلم يسلم لَهُ العَبْد وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَخذ الشَّفِيع فَالصَّحِيح أَن الشُّفْعَة لَا تنقض وَلَكِن يرد العَبْد وَيرجع إِلَى قيمَة الشّقص فَإِن كَانَ تِسْعمائَة أَو كَانَ ألفا وَمِائَة فَهَل يجْرِي التراجع من الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الشُّفْعَة بِنَاء على العقد وَهَذَا أَمر حَادث وَالثَّانِي نعم يرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي إِن نقص وَالْمُشْتَرِي على الشَّفِيع إِن زَاد إِذْ صَار هَذَا مقَام الشّقص بِهِ على الْمُشْتَرى السَّبَب الثَّالِث الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَقد طَرَأَ على العَبْد عيب حَادث منع الرَّد فطالب البَائِع المُشْتَرِي بِالْأَرْشِ فقد اسْتمرّ بِمِقْدَار الثّمن فَإِن رَضِي بِالْعَيْبِ فَهَل يقْتَصر من الشَّفِيع بِقِيمَة الْمَعِيب فِيهِ وَجْهَان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 حَيْثُ إِنَّه قد يظنّ أَن هَذِه مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي على الْخُصُوص السَّبَب الرَّابِع أَن يجد المُشْتَرِي عَيْبا بالشقص فَإِن كَانَ بعد أَخذ الشَّفِيع فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش لِأَنَّهُ روج على غَيره كَمَا روج عَلَيْهِ إِلَّا أَن يرد الشَّفِيع عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَعِنْدَ ذَلِك لَهُ الرَّد على البَائِع فَإِن وجد الْعَيْب قبل أَخذ الشَّفِيع وَقد حدث بِهِ عيب مَانع فاسترد الْأَرْش فَهَذَا يلْحق الشَّفِيع قطعا لِأَنَّهُ مُوجب العقد فِي عين الشّقص وَلَو تصالحا على عوض وَصحح الصُّلْح فَفِي لُحُوق ذَلِك بالشفيع وَجْهَان إِذْ قد يظنّ أَنه عوض عَن حق الْخِيَار الْخَامِسَة إِذا اشْترى بكف من الدَّرَاهِم مَجْهُولَة الْمِقْدَار نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على سُقُوط الشُّفْعَة إِذْ الْأَخْذ بِالْمَجْهُولِ غير مُمكن نعم لَو ادّعى على المُشْتَرِي الْعلم بِهِ فَيحلف على نفي الْعلم وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا تسْقط الشُّفْعَة بل يعين الشَّفِيع قدرا وَيحلف الْمُشْتَرى عَلَيْهِ فَإِن أصر على قَوْله لَا أعرف جعل ناكلا وَحلف الشَّفِيع فَإِن حلف على مِقْدَار يظنّ أَنه صدق فِيهِ فقد اسْتحق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 وَإِن حلف المُشْتَرِي على أَن مَا عينه الشَّفِيع هُوَ دون مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَلكنه لَا يدْرِي قدر الزِّيَادَة فَيُقَال للشَّفِيع زد وادع إِلَى أَن يحلف المُشْتَرِي أَو ينكل وَهُوَ كَمَا لَو ادّعى ألفا على إِنْسَان دينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا أَدْرِي مِقْدَاره فَإِنَّهُ لَا يسمع بل يَجْعَل ناكلا إِن اسْتمرّ عَلَيْهِ وَالْمذهب الأول السَّادِسَة الشَّفِيع يسلم الثّمن إِلَى المُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إِلَى البَائِع وَلَا مُعَاملَة بَين الشَّفِيع وَالْبَائِع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَفِيه وَجه أَنه يسلم إِلَى البَائِع وَكَأن المُشْتَرِي عقد لَهُ وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع وتعلل المُشْتَرِي بِهِ لم يكن ذَلِك عذرا فَإِنَّهُ إِذا سلم الثّمن أجبر البَائِع على أَخذ الثّمن وَرفع الْيَد وَلَو خرج الثّمن مُسْتَحقّا نظر إِن خرج ثمن العقد مُسْتَحقّا فقد بَان بطلَان العقد وَانْتِفَاء الشُّفْعَة وَإِن خرج ثمن الشَّفِيع مُسْتَحقّا بعد أَن أَخذ فَإِن لم يعرف الشَّفِيع فَهُوَ مَعْذُور وَالْقَوْل قَوْله أَنه لم يعرف وَلَكِن هَل يتَبَيَّن أَنه لم يحصل ملكه بذلك الثّمن وَإِنَّمَا يحصل بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 وَإِن عرف كَونه مُسْتَحقّا فَفِي بطلَان شفعته بتقصيره وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْحق أَنه لم يقصر فِي الطّلب وَالْأَخْذ ثمَّ فِي تَبْيِين بطلَان الْملك بِالثّمن الْمُسْتَحق وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يتَبَيَّن وَيُقَال حصل الْملك بِالثّمن الثَّانِي وَتظهر فَائِدَة ذَلِك فِي ارْتِفَاع الْملك وزيادته وَلَو خرج الثّمن زُيُوفًا لَا يبطل الْملك الْحَاصِل وَلَا حق الشُّفْعَة لِأَن ذَلِك مِمَّا يُمكن الرضاء بِهِ فرع لَو خرج الشّقص مُسْتَحقّا بعد أَن بنى فِيهِ الشَّفِيع نقض الْمُسْتَحق بناءه مجَّانا قَالَ القَاضِي وَيرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي بِأَرْش النَّقْض إِذا قُلْنَا يرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب أخذا من قَاعِدَة الْغرُور وَفِيه إِشْكَال لِأَن المُشْتَرِي مقهور هَاهُنَا فَكيف يُحَال الْغرُور إِلَيْهِ ثمَّ قد يكون جَاهِلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 فَإِن كَانَ مقهورا لم ينقدح الرُّجُوع وَإِن رَضِي بِالثّمن أَو طلبه انقدح ثمَّ إِن كَانَ جَاهِلا انقدح أَن يرجع هُوَ بِهِ على البَائِع فَإِنَّهُ منشأ الْغرُور السَّابِعَة أَن يزِيد الثّمن على الشَّفِيع بِأَن يَبْنِي المُشْتَرِي ويغرس فَلَيْسَ لَهُ قلعة مجَّانا بل عَلَيْهِ أَن يبْذل قِيمَته ويتملك عَلَيْهِ أَو ينْقضه بِأَرْش أَو يبقيه باجره كَمَا يفعل الْمُعير بالمستعير خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ ينْقضه مجَّانا فَأَما زرعه فيبقيه بِغَيْر أُجْرَة لِأَن أمده مَعْلُوم وَكَأن الْمَنْفَعَة كالمستوفاة بالزراعة فَهُوَ كَمَا لَو اشْترى أَرضًا مزروعة إِذْ الشَّفِيع من المُشْتَرِي كالمشتري من البَائِع وَفِي الْعَارِية تبقى بِأُجْرَة وَقد خرج فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضا مِنْهُ وَجه وَلكنه غَرِيب وَقد اعْترض الْمُزنِيّ على الْمَسْأَلَة وَقَالَ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 شُفْعَة الْجوَار وَلَا يتَصَوَّر الْبناء على الْمُشْتَرك إِلَّا بِالرِّضَا فَإِن لم يكن رضَا فَهُوَ عدوان منقوض فَقَالَ الْأَصْحَاب يتَصَوَّر بِأَن يقاسم الشَّرِيك المُشْتَرِي على ظن أَنه وَكيل البَائِع أَو يكون غَائِبا فَيقسم القَاضِي عَنهُ أَو يكون قد وكل وَكيلا فِي الْقِسْمَة وَهُوَ غَائِب فَلَا يسْقط حَقه بشئ من ذَلِك فَإِن قيل فَالشُّفْعَة لرفع ضَرَر مُؤنَة الاستقسام وكيفما كَانَ فقد انْقَطع وَهُوَ الْآن جَار لَا يحذر الاستقسام قُلْنَا ذَلِك يعْتَبر حَالَة الِاسْتِحْقَاق ودوامه حَالَة الْأَخْذ لَا تعْتَبر فَإِن قيل فَلَو بَاعَ نصِيبه مَعَ الْجَهْل بِالشُّفْعَة فَفِي بطلَان الشُّفْعَة خلاف لانْقِطَاع السَّبَب عَن الْأَخْذ فالانقطاع بِالْقِسْمَةِ هلا كَانَ كالانقطاع بِالْبيعِ حَتَّى يخرج على الْخلاف قُلْنَا قطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إِن زَالَت الشّركَة بَقِي الْجَوَاز وَهُوَ نوع اتِّصَال كَانَ شركَة فِي الِابْتِدَاء فَلَا يَنْقَطِع حكمهَا مَا لم يزل تَمام الِاتِّصَال فَكَأَن الْجَوَاز يصلح للاستصحاب إِن لم يصلح للابتداء أما تَصَرُّفَات المُشْتَرِي بِالْوَقْفِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَكلهَا منقوضة وَإِن بَاعَ فالشفيع بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ بِالثَّانِي أَو ينْقض الثَّانِي وَيَأْخُذ بِالْأولِ وَعَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه لَا ينْقض بَيْعه لِأَن الْأَخْذ بِهِ مُمكن كَمَا لَا ينْقض بِنَاؤُه مجَّانا الثَّامِنَة إِذا تنَازع المُشْتَرِي وَالشَّفِيع فَإِن تنَازعا فِي قدر الثّمن فَالْقَوْل قَول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 المُشْتَرِي لِأَنَّهُ أعرف بِهِ وَالْملك ملكه فَلَا يزَال إِلَّا بِحجَّة وَإِن أنكر المُشْتَرِي كَونه شَرِيكا فَعَلَيهِ إِثْبَات كَونه شَرِيكا وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي يحلف على أَنه لَا يعلم لَهُ فِي الدَّار شُرَكَاء وَلَا يلْزمه الْبَتّ بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ملكا فِي يَده فَإِنَّهُ يجْزم الْيَمين على نفي ملك الْغَيْر لِأَن هَذَا ينزل منزلَة نفي فعل الْغَيْر وَإِن أنكر المُشْتَرِي الشِّرَاء فَإِن كَانَ للشَّفِيع بَيِّنَة أَقَامَهَا وَأخذ الشّقص وَالثمن يسلم إِلَى المُشْتَرِي إِن أقرّ وَإِن أصر على الْإِنْكَار فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبْقى فِي يَد الشَّفِيع وَالثَّانِي يحفظ كَمَا يحفظ المَال الضائع وَالثَّالِث أَنه يجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول حَتَّى تَبرأ الشَّفِيع وَيحصل لَهُ الْملك أما إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَكَانَ البَائِع مقرا فاختيار الْمُزنِيّ أَنه تثبت الشُّفْعَة لِأَن البَائِع وَالشَّفِيع متقاران على أَن قَرَار الْملك للشَّفِيع فَلم يمْتَنع بقول من لَا قَرَار لملكه وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع المُشْتَرِي وَلَا يثبت الشِّرَاء إِلَّا بقول المُشْتَرِي أَو بِحجَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَهُ الشُّفْعَة فَمَاذَا يصنع بِالثّمن نظر إِن قَالَ البَائِع مَا قبضت الثّمن فَيسلم إِلَيْهِ وَفِي كيفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسلم إِلَيْهِ ابْتِدَاء لِأَنَّهُ الْأَقْرَب وَالثَّانِي أَنه ينصب القَاضِي عَن المُشْتَرِي نَائِبا ليقْبض لَهُ ثمَّ يسلم عَن جِهَته إِلَى البَائِع وَفِيه إِشْكَال إِذْ نصب النَّائِب عَمَّن يُنكر الْحق لنَفسِهِ بعيد وَإِن قَالَ البَائِع قبضت الثّمن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يتْرك فِي يَد الشَّفِيع فَلَعَلَّ المُشْتَرِي يقر وَالثَّانِي يحفظه القَاضِي فَإِنَّهُ ضائع وَقيل إِنَّه تسْقط الشُّفْعَة إِذا أقرّ البَائِع بِالْقَبْضِ لعسر الْأَمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَخْذ عِنْد تزاحم الشُّرَكَاء وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى إِذا توافقوا فِي الطّلب وزع القَاضِي عَلَيْهِم بِالسَّوِيَّةِ فَأن تفاوتت حصصهم فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يوزع على عدد الرؤوس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني وَالثَّانِي أَنه يوزع على الحصص وَهُوَ الْجَدِيد وتوجيهه مَذْكُور فِي الْخلاف فروع ثَلَاثَة الأول إِذا مَاتَ الشَّفِيع وَخلف ابْنا وبنتا وَقُلْنَا الشُّفْعَة على قدر الرؤوس فهاهنا فِي التَّفَاوُت وَجْهَان ومأخذه أَن الْوَارِث يَأْخُذ بشركته الناجزة أَو يَرث حق الشُّفْعَة وَالأَصَح أَنه يَرث ويتفاوتان للتفاوت فِي الْإِرْث وَالثَّانِي مَاتَ رجل وَخلف ابْنَيْنِ ودارا بَينهمَا فَمَاتَ أحد الِابْنَيْنِ وَخلف وَلدين فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 فالجديد وَهُوَ الْقيَاس الْحق أَن الشُّفْعَة يشْتَرك فِيهَا أَخُوهُ وَعَمه وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن الْأَخ مقدم لقرب الإداء بالأخوة وَهُوَ بعيد الثَّالِث إِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه من شَخْصَيْنِ فِي صفقتين متعاقبتين فَإِن المُشْتَرِي الأول شَرِيكه عِنْد الشِّرَاء الثَّانِي فَهَل يساهم الشَّرِيك الْقَدِيم فِي الشُّفْعَة مَعَ أَن حِصَّته الَّتِى بهَا اسْتِحْقَاقه معرضة لنقض الشَّرِيك الْقَدِيم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ ملك مزلزل معرض للنقض فَكيف ينْقض بِهِ غَيره وَهُوَ غير مصون عَن النَّقْض فِي نَفسه وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شريك حَالَة الشِّرَاء فتوقع زَوَال ملكه لَا يمنعهُ من الْحق وَالثَّالِث أَن الشَّرِيك الْقَدِيم إِن عَفا عَن الشُّفْعَة فِي نصِيبه فقد اسْتَقر ملكه فَلهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فَلَا يحسن الْأَخْذ بالمأخوذ فِي نَفسه الْحَالة الثَّانِيَة أَن يعْفُو بعض الشُّرَكَاء نقدم عَلَيْهِ أَن الْمُنْفَرد لَو عَفا عَن بعض حَقه سقط كل حَقه لِأَن التجزئة إِضْرَار بالمشتري وَمَا امْتنع تجزئته فإسقاط بعضه إِسْقَاط كُله كَالْقصاصِ وَفِيه وَجْهَان غَرِيبَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يسْقط شئ أصلا لِأَن مبْنى الْقصاص على السُّقُوط بِخِلَاف الشُّفْعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وَالثَّانِي أَنه يسْقط مَا أسْقطه وَيبقى الْبَاقِي إِن رَضِي بِهِ المُشْتَرِي أما إِذا عَفا أحد الشُّرَكَاء فَالْمَذْهَب أَن الشَّرِيك الآخر يَأْخُذ الْكل وَيسْقط حق الْمسْقط وَقيل إِنَّه يَأْخُذ الثَّانِي نصِيبه وَقيل لَا يسْقط نصيب الآخرين كَمَا فِي الْقصاص وَقيل لَا يسْقط حق السقط وَالْكل بعيد الْحَالة الثَّالِثَة إِن تغيب بعض الشُّرَكَاء فالحاضر يَأْخُذ حذارا من التشطير على المُشْتَرِي فَإِذا حضر الآخر شاطر الأول فَإِن حضر ثَالِث قاسمهما فَإِن أخر الأول تَسْلِيم كل الثّمن وَقَالَ أؤخر إِلَى حُضُور الآخرين فَفِي بطلَان حَقه وَجْهَان ثمَّ إِذا أَخذ الثَّانِي من الأول لم يُطَالِبهُ بالغلة للمدة الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ متملك عَلَيْهِ كَمَا أَن الشَّفِيع متملك على المُشْتَرِي فرع لَا يجوز التَّبْعِيض على المُشْتَرِي مهما اتّحدت صفقته فَإِن تعدّدت الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع أَو بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلهُ أَخذ مَضْمُون أَحدهمَا وَفِيمَا إِذا اتَّحد المُشْتَرِي وتعدد البَائِع وَجه أَنه لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكل أما إِذا اشْترى شقصين من دارين وَالشَّرِيك فيهمَا وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَأْخُذ الْكل حذارا من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهِي متحدة وَالثَّانِي لَهُ الِاقْتِصَار على وَاحِد كَمَا لَو لم يكن شَرِيكا إِلَّا فِي أَحدهمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يسْقط بِهِ حق الشُّفْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد اخْتلف فِي مدَّته قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَالصَّحِيح وَهُوَ الْجَدِيد أَنه على الْفَوْر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الشُّفْعَة كحل العقال وَلِأَنَّهُ قريب الشّبَه من الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ نقض ملك لدفع ضَرَره وَالثَّانِي وَهُوَ الذى رَوَاهُ حَرْمَلَة أَنه يتمادى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التَّأْبِيد إِضْرَار بالمشتري وَإِيجَاب الْفَوْر إِضْرَار بالشفيع فَإِنَّهُ قد يحْتَاج إِلَى روية وَمُدَّة النّظر فِي الشَّرْع ثَلَاثَة أَيَّام بِدَلِيل مُدَّة الْخِيَار ويطرد هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي قتل الْمُرْتَد وتارك الصَّلَاة وَطَلَاق المؤلي وَنفي الْوَلَد بِاللّعانِ وَفسخ الزَّوْجَة بإعسار الزَّوْج وَخيَار الْأمة إِذا عتقت وَالثَّالِث أَنه على التأييد كحق الْقصاص وَهَذَا القَوْل لَا يطرد إِلَّا فِي خِيَار الْأمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنه يسْقط بِصَرِيح الْإِبْطَال وَهل يسْقط بِدلَالَة الْإِبْطَال كَقَوْلِه بِعْهُ مِمَّن شِئْت فِيهِ وَجْهَان وَالثَّانِي أَن المُشْتَرِي هَل يرفع الشَّفِيع إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ أَو يسْقط حَتَّى يكون على ثِقَة فِي التَّصَرُّف فِيهِ قَولَانِ والتفريع بعد هَذَا على الصَّحِيح وَهُوَ أَنه على الْفَوْر فَيسْقط بِكُل مَا يعد فِي الْعرف تقصيرا فِي الطّلب وَمَا لَا يعد تقصيرا فَلَا وَبَيَانه بِسبع صور الأولى أَنه إِذا بلغه الْخَبَر فَيَنْبَغِي أَن يشْهد على الطّلب وينهض إِلَى طلب المُشْتَرِي أَو يبْعَث وَكيلا فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن طلبه بِمَرَض أَو حبس فِي بَاطِل فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي دين حق فَهُوَ غير قَادر على الْأَدَاء أَو كَانَ المُشْتَرِي غَائِبا وَلم يجد فِي الْحَال رفْقَة يخرج مَعهَا وَكيله فَلَا يسْقط حَقه فَإِنَّهُ مَعْذُور فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حَاضرا فَخرج بِنَفسِهِ وَلم يشْهد فَالْمَذْهَب أَنه لَيْسَ بتقصير وَإِن لم يخرج بِنَفسِهِ لعذر وَقدر على التَّوْكِيل فَلم يُوكل فَثَلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 أوجه الثَّالِث أَنه كَانَ يلْزمه فِيهِ منَّة أَو مُؤنَة فَهُوَ مَعْذُور وَإِلَّا فَلَا فَإِن عجز عَن التَّوْكِيل فليشهد فَإِن لم يفعل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن الْإِشْهَاد مُسْتَحبّ قطعا للنزاع وَإِلَّا فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه فِي الْحَال لَا أقل من الْإِشْهَاد إِذا لم ينْهض للطلب الثَّانِيَة أَنه لَو كَانَ فِي حمام أَو على طَعَام أَو فِي نَافِلَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه الْقطع وَمُخَالفَة الْعَادة بل يجْرِي على الْمُعْتَاد وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه ذَلِك تَحْقِيقا للبدار الثَّالِثَة أَنه لَو أخر ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أخرت لِأَنِّي لم أصدق الْمخبر نظر فَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا يعْذر وَإِن أخبرهُ فَاسق أَو صبي أَو كَافِر وَمن لَا تقبل رِوَايَته فمعذور وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد أَو عبيد وَمن تقبل رِوَايَته لاشهادته فَوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يعْذر وَلَو كذب الْمخبر وَقَالَ بيع بِأَلفَيْنِ فَإِذا هُوَ بِأَلف أَو بِالصَّحِيحِ فَإِذا هُوَ مكسر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 أَو بالمؤجل فَإِذا هُوَ حَال أَو بِالْعَكْسِ أَو بيع من زيد فَإِذا هُوَ من عَمْرو أَو قيل اشْترى النّصْف بِخَمْسِينَ فَإِذا هُوَ اشْترى الْكل بِمِائَة أَو بيع بِالدَّرَاهِمِ فَإِذا هُوَ بِالدَّنَانِيرِ أَو بِالْعَكْسِ فَعَفَا ثمَّ تبين كذب الْمخبر فحقه بَاقٍ وَله الطّلب وَلَو أخبر أَنه بيع بِأَلف فَإِذا هُوَ بِأَلفَيْنِ فَعَفَا ثمَّ طلب فَلَا لِأَن من رغب عَن ألف فَهُوَ عَن أَلفَيْنِ أَرغب وَلَو قَالَ جهلت بطلَان الْحق بِالتَّأْخِيرِ وَكَانَ مِمَّن يشْتَبه على مثله فَهُوَ أَيْضا مَعْذُور الرَّابِعَة إِذا ألفى المُشْتَرِي فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك جِئْت طَالبا لم يبطل حَقه لِأَنَّهُ إِقَامَة سنة وَلَو قَالَ اشْتريت رخيصا وَأَنا طَالب بَطل حَقه لِأَنَّهُ اشْتغل بِفُضُول لَا فَائِدَة لَهُ فِيهِ فَإِن قَالَ بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك وَأَنا طَالب قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يبطل لِأَنَّهُ تهنئة وَقِيَاس المراوزة الْإِبْطَال لِأَنَّهُ فضول فِي هَذَا الْموضع وَلَو قَالَ بكم اشْتريت قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يبطل وَقَالَ المراوزة لَا لِأَن لَهُ غَرضا فَلَعَلَّهُ يستنطقه بِالْإِقْرَارِ وَيبين الْمِقْدَار إِذْ عَلَيْهِ تبتنى رغبته فِي الطّلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 الْخَامِسَة إِذا زرع المُشْتَرِي الأَرْض ثمَّ علم الشَّفِيع فَأخر تَسْلِيم الثّمن لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْحَال لَا يبطل حَقه لِأَنَّهُ لَا يتَحَصَّل على فَائِدَة فِي الْحَال وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يعجل الطّلب وَيُؤَخر الثّمن السَّادِسَة لَو بَاعَ ملكه قبل الْأَخْذ مَعَ الْعلم بِالشُّفْعَة فَهُوَ إِسْقَاط للشفعة وَإِن كَانَ جَاهِلا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يسْقط إِذْ لم يبْق شَرِيكا فَلَا يبْقى ضَرَر عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يبطل لِأَن الْحق ثَبت وَلم يجر إِسْقَاطه فَيبقى وَمثله جَار فى الْأمة إِذا لم تشعر حَتَّى عتق العَبْد وَالْمُشْتَرِي إِذا لم يشْعر بِالْعَيْبِ حَتَّى زَالَ السَّابِعَة لَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَن حق الشُّفْعَة وَلَا عَن حق حد الْقَذْف وَلَا عَن مقاعد الْأَسْوَاق وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي أَنا أُخَالِف الْأَصْحَاب فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث وَالْمَقْصُود أَنه لَو صَالح الشَّفِيع بطلت شفعته وَلم يثبت الْعِوَض إِن كَانَ عَالما بِالْبُطْلَانِ فَإِن ظن الصِّحَّة فَوَجْهَانِ وَالْأولَى أَن لَا يبطل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 فرع إِذا تنَازعا فِي الْعَفو فَالْقَوْل قَول الشَّفِيع أَنه عَفا فَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه أَخذ بِالشُّفْعَة وَالشَّيْء فِي يَده وَأقَام المُشْتَرِي بَيِّنَة على الْعَفو فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بَيِّنَة الشَّفِيع أولى لِأَنَّهُ صَاحب الْيَد وَالثَّانِي بَيِّنَة المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يشْتَمل على مزِيد وَلَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب الآخر فَلَو شهد البَائِع على الْعَفو قبل قبض الثّمن لم يجز إِذْ بَقِي لَهُ علقَة الرُّجُوع بالإفلاس وَبعد الْقَبْض فَوَجْهَانِ من حَيْثُ توقع التراد بالأسباب وَلَو شهد بعض الشُّرَكَاء على الْبَعْض بِالْعَفو فَإِن كَانَ قد عَفا الشَّاهِد قبلت شَهَادَته وَإِلَّا فَلَا فَإِنَّهُ يجر إِلَى نَفسه نفعا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 = كتاب الْقَرَاض = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الصِّحَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة العاقدان والعوضان وَرَأس المَال وَصِيغَة العقد ومستند صِحَة الْقَرَاض الْإِجْمَاع وَقد عرف ذَلِك بِمَا رُوِيَ أَن عبد الله بن عمر وَعبيد الله بن عمر لما انصرفا من غَزْوَة نهاوند أتحفهما وَالِي الْعرَاق بإقراض مَال من بَيت المَال ليشتريا بِهِ أَمْتعَة فيربحان عَلَيْهِ ويسلمان قدر رَأس المَال إِلَى عمر فكلفهما عمر رَضِي الله عَنهُ رد الرِّبْح وَقَالَ مَا فعل ذَلِك إِلَّا لمكانتكما مني فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَو جعلته قراضا على النّصْف فَأجَاب إِلَيْهِ فَدلَّ ذَلِك على أَن الْقَرَاض كَانَ بَينهم مَعْرُوفا مفروغا مِنْهُ وَلَعَلَّ مستندهم فِيهِ صِحَة الْمُسَاقَاة إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاملَة يحْتَاج إِلَيْهِ رب المَال لتنميته وَهُوَ عَاجز عَنهُ بِنَفسِهِ لقصوره وَعَن اسْتِئْجَار غَيره لجَهَالَة الْعَمَل فنبدأ بالركن الأول وَهُوَ رَأس المَال وَله أَرْبَعَة شَرَائِط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 الأول كَونه نَقْدا فَلَا يُورد الْقَرَاض إِلَّا على النَّقْدَيْنِ وَهِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير المسكوكة أما النقرة وَسَائِر الْعرُوض فَلَا وَكَذَا على الْمَغْشُوش على الصَّحِيح لِأَن النّحاس فِيهِ سلْعَة وَلَا يُورد على الْفُلُوس قطعا وَعلة هَذَا الشَّرْط أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن مَقْصُود العقد الاتجار وَإِنَّمَا جوز رخصَة وَفِي الْإِيرَاد على الْعرُوض تضييق فقد لَا تروج فِي الْحَال وَالثَّانِي أَنه لَا بُد عِنْد الْقِسْمَة من الرَّد إِلَى رَأس المَال ليتبين الرِّبْح فَلَو أورد على وقر حِنْطَة وَقِيمَته فِي الْحَال دِينَار فقد يربح تِسْعَة ثمَّ تغلو الْحِنْطَة فَلَا يُوجد الوقر إِلَّا بِعشْرَة دَنَانِير فَصَاعِدا فيحبط الرِّبْح لَا بخسران فِي التِّجَارَة الثَّانِي أَن يكون مَعْلُوم الْمِقْدَار فَلَو قارض على صبرَة من الدَّرَاهِم بَطل لِأَن جَهله يُؤَدِّي إِلَى جهل الرِّبْح وَهُوَ عوض فِي العقد الثَّالِث التَّعْيِين فَلَو أورد على ألف لم يعين فسد إِلَّا إِذا عين فِي الْمجْلس فَيصح كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ وَلَو سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فِي كيسين وَقَالَ أودعتك أَحدهمَا وقارضتك على الآخر وَلم يعين فيوجهان فِي الصِّحَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 أَحدهمَا الْجَوَاز للتساوي وَالثَّانِي لَا لعدم التَّعْيِين وَلَو قارضه على ألف وَهُوَ عِنْده وَدِيعَة جَازَ وَكَذَا لَو كَانَ عِنْده غصبا وَلَكِن هَل يَنْقَطِع الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالرَّهْنِ وَالثَّانِي نعم لِأَن الْأَمَانَة مَقْصُودَة فِي هَذَا العقد فَهُوَ إِلَى الْوَدِيعَة أقرب وَفِي طَريقَة الْعرَاق ذكر الْوَجْهَانِ فِي صِحَة الْقَرَاض وَلَعَلَّه غلط إِذْ لَا مُسْتَند لاشْتِرَاط عدم الْغَصْب فَإِذا صحت الْوَدِيعَة وَالرَّهْن وَالْوكَالَة فبأن يَصح الْقَرَاض أولى الرَّابِع أَن يكون رَأس المَال مُسلما إِلَى الْعَامِل يدا لَا يداخله الْمَالِك بِالتَّصَرُّفِ وَالْيَد فَلَو شَرط لنَفسِهِ يدا أَو تَصرفا مَعَه فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تضييق وَكَذَا إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 شَرط مُرَاجعَته فِي التَّصَرُّف أَو مُرَاجعَة مشرفه وَلَو شَرط أَن يعْمل مَعَه غُلَامه فالنص الْجَوَاز فِي الْمُسَاقَاة والقراض جَمِيعًا وَفِيه وَجه لِأَن يَد الْغُلَام يَد الْمَالِك الرُّكْن الثَّانِي عمل الْعَامِل فَإِنَّهُ أحد الْعِوَضَيْنِ وَفِيه ثَلَاث شَرَائِط الأول أَن يكون تِجَارَة أَو من لواحقها أما الْحَرْف والصناعات فَلَا فَلَو سلم إِلَيْهِ دَرَاهِم ليَشْتَرِي حِنْطَة فيطحن ويخبز وَيكون الرِّبْح بَينهمَا فَهُوَ فَاسد وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أُجْرَة الْمثل بل إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ فَاشْترى الْحِنْطَة وطحن وخبز انْفَسَخ الْقَرَاض لِأَن الرِّبْح حصل بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَة جَمِيعًا وَمَا لَيْسَ تِجَارَة لَا يُقَابل بِالرِّبْحِ الْمَجْهُول والتمييز غير مُمكن أما النَّقْل وَالْوَزْن ولواحق التِّجَارَة فَهِيَ تَابِعَة أما إِذا سلم إِلَيْهِ مَالا لينقل إِلَى بلد وَيَشْتَرِي بِهِ سلْعَة وَيبِيع وَالرِّبْح بَينهمَا فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن النَّقْل عمل مَقْصُود انْضَمَّ إِلَى التِّجَارَة وَلَكِن لما كَانَ يعْتَاد السّفر فِي التِّجَارَة ترددوا فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 فرع لَو قَالَ قارضتك على الْألف الذى عَلَيْك فاقبضه لي من نَفسك واتجر فِيهِ فَهُوَ فَاسد إِذْ لَا يَصح قَبضه لَهُ من نَفسه فَلَا يملك فَلَو اشْترى لَهُ بِدَرَاهِم نَفسه شَيْئا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ اشْتَرِ لي هَذَا الْفرس بثوبك فَفعل فَفِي وُقُوعه عَن الْآمِر وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن عوضه ملك غَيره وَالثَّانِي بلَى وَلَكِن يقدر انْتِقَال الْملك فِي الْعِوَض ضمنا إِمَّا هبة وَإِمَّا قرضا وَفِيه أَيْضا وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يعين الْعَمَل تعيينا مضيقا فَلَو قَالَ لَا تتجر إِلَّا فِي الْخَزّ الأدكن وَالْخَيْل الايلق فسد وَكَذَلِكَ إِذا عين للمعاملة شخصا لِأَنَّهُ قد لَا يربح عَلَيْهِ وَلَو عين جنس الْبَز أَو الْخَزّ جَازَ ثمَّ يتبع فِيهِ مُوجب الِاسْم فَكل مَا يُسمى بزا يتَصَرَّف فِيهِ وَذَلِكَ مُعْتَاد لَا تضييق فِيهِ الثَّالِث إِطْلَاق الْقَرَاض قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز الْقَرَاض إِلَى مُدَّة فاتفق الْأَصْحَاب أَنه لَو أقت إِلَى سنة وَصرح بِمَنْع البيع بعده فَهُوَ بَاطِل إِذْ قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 لَا يجد رَاغِبًا قبله وَإِن قَالَ لَا تشتر بعده وبع أَي وَقت شِئْت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تضييق وَالثَّانِي يجوز إِذْ لَهُ مَنعه من الشِّرَاء مهما أَرَادَ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع من البيع فَلهُ أَن يؤقت فِي الِابْتِدَاء مَاله أَن يفعل فِي الدَّوَام وَلَو أطلق وَقَالَ قارضتك سنة فطريقان أَحدهمَا الْبطلَان تَنْزِيلا على الصُّورَة الأولى وَالثَّانِي الْوَجْهَانِ تَنْزِيلا على الْأَخِيرَة وترجيحا لجَانب الصِّحَّة وَلَو قَالَ لَا تتصرف إِلَّا فِي الرطب فَالْمَذْهَب جَوَازه وَإِن كَانَ ذَلِك يتَضَمَّن تأقيتا بِحكم الْحَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 الرُّكْن الثَّالِث الرِّبْح وَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للْعَمَل وجهالته وَالْغرر فِي وجوده للْحَاجة وَله أَرْبَعَة شَرَائِط الأول الاستهام فَلَو شَرط للْمَالِك فَهُوَ فَاسد وَهل يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عل تصرفه فَإِنَّهُ يَصح التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ خَاضَ فِي الْعَمَل غير طامع فِي الرِّبْح وَقَالَ ابْن سُرَيج يسْتَحق لِأَن العقد يَقْتَضِي الْعِوَض بِوَضْعِهِ فَشرط النَّفْي لَا يَنْفِيه كالمهر فِي النِّكَاح وَلَو شَرط الْكل لَهُ فَهُوَ فَاسد وَالرِّبْح كُله للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل فَإِنَّهُ طمع فِي عوض وَلَو قَالَ خُذ المَال وَتصرف فِيهِ وكل الرِّبْح لَك فَهُوَ منزل على الْقَرْض فَيكون الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَإِذا ذكر لفظ الْقَرَاض لم ينزل على الْقَرْض على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لي وَسكت عَن جَانب الْعَامِل لم يَصح على الْمَذْهَب لِأَن الْإِضَافَة إِلَى الْعَامِل هى النتيجة الْخَاصَّة للقراض وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح أخذا من الفحوى وَالْعرْف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لَك فَالْمَذْهَب صِحَّته وَفِيه وَجه بعيد الثَّانِي أَن لَا يُضَاف جُزْء إِلَى ثَالِث فَإِنَّهُ إِثْبَات اسْتِحْقَاق بِغَيْر مَال وَلَا عمل إِلَّا أَن يُضَاف إِلَى غُلَام أَحدهمَا فَهُوَ كالإضافة إِلَى مَالِكه الثَّالِث أَن لَا يقدر الرِّبْح فَلَو قَالَ لَك من الرِّبْح دِرْهَم أَو ألف لم يَصح فَرُبمَا لَا يزِيد الرِّبْح على مَا ذكره فَيخْتَص الْكل بِمن شَرط لَهُ وَكَذَلِكَ إِذْ قَالَ لي دِرْهَم أولك دِرْهَم من الْجُمْلَة وَالْبَاقِي بَيْننَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ على أَن لي ربح العبيد من مَال الْقَرَاض وَلَو قَالَ على أَن لي ربح أحد الْأَلفَيْنِ وَهُوَ مختلط قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَصح للتخصيص وَقَالَ القَاضِي يَصح إِذْ لَا فرق بَين أَن يَقُول لي ربح النّصْف أَو نصف الرِّبْح أَو ربح الْألف وَالْمَال أَلفَانِ الرَّابِع أَن يكون الْجُزْء الْمَشْرُوط مَعْلُوما فَلَو قَالَ على أَن لَك من الرِّبْح مَا شَرطه فلَان لفُلَان وَهُوَ مَجْهُول لَهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 أَو لأَحَدهمَا فَهُوَ فَاسد كَنَظِيرِهِ فِي البيع وَلَو قَالَ على أَن لَك سدس تسع عشر الرِّبْح وَهُوَ لَيْسَ حيسوبا يفهم مَعْنَاهُ فِي الْحَال فَوَجْهَانِ وَوجه الصِّحَّة أَن اللَّفْظ مَعْرُوف والقصور فيهمَا وَلَو قَالَ على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يَصح وَينزل على الشّطْر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن للتشطير فَهُوَ مَجْهُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول قارضتك أَو ضاربتك أَو عاملتك على أَن لَك من الرِّبْح كَذَا فَيَقُول قبلت فَلَو قَالَ خُذ المَال واتجر فِيهِ وَلَك من الرِّبْح نصفه فقد قَالَ القَاضِي يَكْفِي الْقبُول بِالْفِعْلِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوكَالَة وَهُوَ هَاهُنَا أبعد إِذْ فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الرُّكْن الْخَامِس وَالسَّادِس وهما العاقدان وَلَا يشْتَرط فيهمَا إِلَّا مَا يشْتَرط فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل بِالْأُجْرَةِ وَهل يشْتَرط كَون الْمُقَارض مَالِكًا حَتَّى لَا يَصح قِرَاض الْعَامِل مَعَ عَامل آخر بِإِذن الْمَالِك فعلى وَجْهَيْن فرعان أَحدهمَا لَو كَانَ الْمَالِك مَرِيضا وَشرط لَهُ أَكثر من أُجْرَة الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَن تَفْوِيت الْحَاصِل هُوَ الْمُقَيد بِالثُّلثِ وَالرِّبْح لَيْسَ بحاصل وَلذَلِك تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَيجوز وَفِي نَظِيره من الْمُسَاقَاة وَجْهَان لِأَن النخيل حَاصِل وَالثَّمَر على الْجُمْلَة قد يحصل دون الْعَمَل بِخِلَاف الرِّبْح الثَّانِي إِذا تعدد الْمَالِك وقارض رجلا وَاحِدًا صَحَّ فَيشْتَرط لَهُ شئ وَالْبَاقِي بَين المالكين على نِسْبَة الْملك لَا يجوز فِيهِ شَرط تفَاوت وَإِن كَانَ الْعَامِل مُتَعَددًا فَهُوَ أَيْضا جَائِز فَإِن التعاون على مَقْصُود وَاحِد لَا يفوت مَقْصُود العقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْقَرَاض الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْعَامِل وَكيل فِي التَّصَرُّف فيتقيد تصرفه بالغبطة فَلَا يَبِيع بِالْغبنِ وَلَا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَلَا يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا إِذا أذن فِيهِ لِأَن النَّاس يتفاوتون فِي الرِّضَا بِهِ وَفِيه غرر وَلَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ لِأَنَّهُ رُبمَا يفوت رَأس المَال فَيتَعَلَّق الْعهْدَة بالمالك بِخِلَاف ولي الطِّفْل فَإِنَّهُ قد يفعل ذَلِك عِنْد الْمصلحَة وَلَا شكّ فِي أَنه يَشْتَرِي وَيبِيع بِالْعرضِ فَإِنَّهُ عين التِّجَارَة فَإِذا أذن لَهُ فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ يلْزمه الْإِشْهَاد فَإِن فَاتَ الثّمن بإنكار وَقد قصر فِي الْإِشْهَاد ضمن وَله أَن يَشْتَرِي الْمَعِيب إذاكان فِيهِ غِبْطَة وَإِن اشْترى على أَنه سليم فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الرَّد فَإِن اخْتلفَا قدم مَا يَقْتَضِيهِ الْمصلحَة وَالْغِبْطَة وَلَا يُعَامل رب المَال بِمَال الْقَرَاض فَإِنَّهُ ملكه كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون لَا يُعَامل سَيّده وَلَا يَشْتَرِي بِجِهَة الْقَرَاض بِأَكْثَرَ من رَأس المَال فَإِن سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى بِعَينهَا عبدا تعين الْألف للتسليم فَلَو اشْترى عبدا آخر بِعَيْنِه بَطل وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة وَقع عَنهُ لَا عَن الْقَرَاض وَلَو صرف إِلَيْهِ مَال التراض ضمن كصرفه إِلَى عبد نَفسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 وعَلى الْجُمْلَة هُوَ فِي هَذِه القضايا يُقَارب الْوَكِيل وَقد استقصينا حكمه فِي الْوكَالَة الثَّانِيَة لَو اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِغَيْر إِذْنه لم يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ على نقيض التِّجَارَة وَلَو اشْترى زَوجته فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الرِّبْح فِيهِ مُمكن وَلَكِن ضَرَر انْفِسَاخ النِّكَاح لَاحق فبالحري أَن يُخرجهُ عَن عُمُوم اللَّفْظ وَالْوَكِيل إِذا قيل لَهُ اشْتَرِ عبدا فَاشْترى من يعْتق على الْمُوكل فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى عُمُوم اللَّفْظ وَفِي الثَّانِي إِلَى الضَّرَر كَمَا فِي شِرَاء زَوْجَة الْمُقَارض أما العَبْد الْمَأْذُون إِن قيل لَهُ اتّجر فَهُوَ كالعامل وَإِن قيل اشْتَرِ عبدا فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَإِن اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِإِذْنِهِ صَحَّ وَعتق وسرى إِلَى نصيب الْعَامِل إِن كَانَ فِيهِ ربح وَغرم لَهُ الْمَالِك وَإِن قُلْنَا لَا يملك بالظهور لِأَنَّهُ يملك عِنْد الِاسْتِرْدَاد وَهَذَا فِي حكم اسْتِرْدَاد المَال وَسَيَأْتِي حكمه ووَإِن اشْترى الْعَامِل قريب نَفسه وَلَا ربح فِي المَال صَحَّ فَإِن ارْتَفع السُّوق عتق نصِيبه وَلم يسر لِأَن ارْتِفَاع السُّوق لَيْسَ إِلَى اخْتِيَاره فَهُوَ كَالْإِرْثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَإِن كَانَ فِيهِ ربح وَقُلْنَا إِنَّه لَا يملك بالظهور فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح وَإِن قُلْنَا يملك فَفِي صِحَة التَّصَرُّف قَولَانِ حَكَاهُمَا صَاحب التَّقْرِيب وَوجه الْمَنْع بعده عَن مَقْصُود التِّجَارَة فَإِن صححنا فَفِي نُفُوذ الْعتْق وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نصِيبه وقاية لرأس المَال فَنزل تعلق حق الْمَالِك بِهِ منزلَة تعلق الرَّهْن بِهِ فَإِن قُلْنَا ينفذ فيسرى لِأَن الشِّرَاء بِاخْتِيَارِهِ فرع لَيْسَ لأَحَدهمَا الِانْفِرَاد بِكِتَابَة عبد لِأَنَّهُ بعيد عَن التِّجَارَة فَإِن توافقا عَلَيْهِ وَلَا ربح فِي المَال فَفِي انْفِسَاخ الْقَرَاض وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه يسْتَمر على بذله وَإِن كَانَ فِيهِ ربح لم يَنْفَسِخ وَعتق العَبْد وَكَانَ الْوَلَاء لَهَا على نِسْبَة ملكيهما الثَّالِثَة إِن عَامل عَامل الْقَرَاض عَاملا آخر بِإِذن الْمَالِك لينسلخ هُوَ من الْقَرَاض وَيكون الْعَامِل هُوَ الثَّانِي صَحَّ وَيكون هُوَ وَكيلا فِي العقد وَإِن أَرَادَ أَن ينزل الْعَامِل مِنْهُ مَنْزِلَته من الْمَالِك ليَكُون لَهُ شئ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 حِصَّته فَوَجْهَانِ ذكرناهما وَوجه الْمَنْع أَن وضع الْقَرَاض أَن يجْرِي بَين مَالك وعامل وَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذن الْمَالِك فَهُوَ فَاسد وَإِن اتّجر الْعَامِل الثَّانِي فَيخرج على اتجار الغاضب فِي المعضوب وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا النّفُوذ مهما كثرت التَّصَرُّفَات وَظهر الرِّبْح نظرا للْمَالِك حَتَّى لَا يفوتهُ الرِّبْح فَلهُ الْإِجَارَة فَإِن قُلْنَا الرِّبْح للْمَالِك تَفْرِيعا على القَوْل الْقَدِيم قَالَ الْمُزنِيّ هَاهُنَا لرب المَال نصف الرِّبْح وَالنّصف الآخر بَين العاملين نِصْفَيْنِ كَمَا شَرط فَإِن قيل فقد طمع الْعَامِل فِي نصف الْكل قُلْنَا هُوَ منزل على نصف مَا رزق الله تَعَالَى لَهما وَنصف الْكل هُوَ رزقهما وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يرجع بِأُجْرَة الْعَمَل فِي النّصْف الذى فَاتَهُ وَخَالف الْمُزنِيّ فَإِن قيل وَلم اسْتحق الْعَامِل الثَّانِي وَالْأول شَيْئا وتفريع الْقَدِيم فِي الْغَصْب يُوجب أَن يكون الْكل للْمَالِك قُلْنَا لِأَنَّهُ جرى هَاهُنَا مشارطة ومراضاة ويبنى هَذَا القَوْل على الْمصلحَة وَفِي الْغَضَب لم تجر مشارطة ومراضاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَإِن فرعنا على الْجَدِيد قَالَ الْمُزنِيّ الرِّبْح كُله لِلْعَامِلِ الأول وللعامل الثَّانِي أُجْرَة مثله على الأول قَالَ بعض الْأَصْحَاب هَذَا غلط إِذْ الرِّبْح على الْجَدِيد للْغَاصِب وَالْعَامِل الثَّانِي هُوَ الْغَاصِب وَمِنْهُم من وَافقه لِأَن الْعَامِل الثَّانِي مَا اشْترى لنَفسِهِ بل اشْترى لِلْعَامِلِ الأول فَكَأَن الأول هُوَ المُشْتَرِي كَمَا أَن الْغَاصِب هُوَ المُشْتَرِي لنَفسِهِ الرَّابِعَة لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يُسَافر بِمَال الْقَرَاض دون الْإِذْن فَإِنَّهُ اقتحام خطر فَإِن فعل صَحَّ تَصَرُّفَاته وَلكنه يضمن الْأَعْيَان والأثمان جَمِيعًا لِأَن الْعدوان بِالنَّقْلِ يتَعَدَّى إِلَى الثّمن وَإِن سَافر بِالْإِذْنِ جَازَ وَنَفَقَة النَّقْل وَحفظ المَال على مَال الْقَرَاض كَمَا أَن نَفَقَة الْوَزْن والكيل وَالْحمل الثقيل الذى لَا يعتاده التَّاجِر أَيْضا فِي الْبَلَد على رَأس المَال فَإِن تعاطى شَيْئا من ذَلِك بِنَفسِهِ فَلَا أُجْرَة لَهُ وَأما نشر الثَّوْب وطيه وَحمل الشئ الْخَفِيف فَهُوَ عَلَيْهِ للْعَادَة فَإِن اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَكَذَا عَلَيْهِ نَفَقَته وسكناه فِي الْبَلَد وَأُجْرَة الْحَانُوت لَيْسَ عَلَيْهِ أما نَفَقَته فِي السّفر فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَهُ نَفَقَته بِالْمَعْرُوفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا نَفَقَة لَهُ فَمنهمْ من قطع بِنَفْي النَّفَقَة عَن مَال الْقَرَاض قِيَاسا على الْحَضَر وَحمل النَّص على أُجْرَة النَّقْل وَالْحمل وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَنه فِي السّفر متجرد لهَذَا الشّغل دون غَيره فضاهى الْحرَّة المحتبسة بِسَبَب النِّكَاح بِخِلَاف الْحَاضِر فَإِنَّهُ لَيْسَ محتبسا على هَذَا المَال وعَلى هَذَا فَلَو استصحب مَعَه مَال نَفسه توزع النَّفَقَة على الْمَالَيْنِ وَإِن لم يستصحب فَفِي مِقْدَار الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا مَا يزِيد بِالسَّفرِ وَالثَّانِي جَمِيع النَّفَقَة وَلَو فاصله الْمَالِك أَو لقِيه فِي بلد فَفِي لُزُوم نَفَقَة إيابه إِلَى الْبَلَد وَجْهَان وَالْمذهب أَنه إِذا عَاد إِلَى الْبَلَد رد السفرة والمطهرة وبقايا آلَات السّفر إِلَى الْمَالِك الْخَامِسَة اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْعَامِل يملك الرِّبْح بالظهور أَو بالمقاسمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 أَحدهمَا أَنه بالظهور فَإِن مُوجب الشَّرْط أَن مَا يحصل من ربح فَهُوَ لَهما وَقد حصل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل مَجْهُول وَلم يتم فَأشبه الْجعَالَة وَلِأَنَّهُ لَو ملك لصار شَرِيكا وَلم يكن نصِيبه وقاية الخسران وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا يملك فَلَو أتلف الْمَالِك المَال غرم حِصَّته لِأَن الْإِتْلَاف كالقسمة والاستيفاء وَكَذَا إِذا أتلف الْعَامِل شَيْئا غرم نصِيبه وَلَو أَرَادَ الْعَامِل التنضيض لتَحْصِيل نصِيبه لم يمْنَع وَلَو مَاتَ قَامَ ذُريَّته مقَامه لِأَن الْحق متأكد حَتَّى لَو كَانَ فِي مَال الْقَرَاض جَارِيَة لم يجر للْمَالِك وَطْؤُهَا لتأكد حَقه وَكَذَا إِذا لم يكن لَهُ ربح لِأَن الرِّبْح بارتفاع السُّوق لَا يُوقف عَلَيْهِ وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ وَإِن قُلْنَا يملك بالظهور فَلَا يسْتَقرّ بل هُوَ وقاية رَأس المَال مَا دَامَ العقد بَاقِيا فَإِن فسخ وَقسم اسْتَقر وَإِن فسخ وَالْمَال ناض وَلم يقسم بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 فَالصَّحِيح الِاسْتِقْرَار فَإِن فسخ وَالْمَال عرُوض فَإِن قُلْنَا الْعَامِل يجْبر على البيع فَلَا اسْتِقْرَار وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر كَمَا سَيَأْتِي فَوَجْهَانِ السَّادِسَة فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان العينية أما الزِّيَادَة فَهِيَ من مَال الْقَرَاض كَمَا إِذا نتجت شَاة أَو أثمرت حديقة أَو ولدت جَارِيَة فَهُوَ من مَال الْقَرَاض ويعد ذَلِك من الرِّبْح وَكَذَا أُجْرَة الْمَنَافِع إِذا آجر دَوَاب المَال أَو تعدى غَيره باستعمالها وَكَذَا مهر الْجَارِيَة إِذا وطِئت حَتَّى لَو وَطئهَا السَّيِّد جعل مستردا مِقْدَار الْعقر وَلَو اسْتَوْلدهَا كَانَ مستردا قدر الْجَارِيَة وَهل يُضَاف إِلَيْهِ العقد أَيْضا فِيهِ تردد وَأما النُّقْصَان فَمَا يَقع بانخفاض الأسعار فَهُوَ خسران عَلَيْهِ جبره وَكَذَلِكَ مَا يَقع يتعيب المَال وَمرض الدَّوَابّ فَأَما مَا يَقع بِتَلف المَال أَو سَرقَة فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَن عَلَيْهِ جبره لِأَن التَّاجِر بصدد ذَلِك وَقد حَسبنَا لَهُ الزِّيَادَة العينية فيحسب عَلَيْهِ النُّقْصَان الْعَيْنِيّ أَيْضا وكما حَسبنَا عَلَيْهِ التعييب فِي الصِّفَات هَذَا إِذا كَانَ بعد التَّصَرُّف الثَّانِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 فَإِن كَانَ قبل التَّصَرُّف بِأَن سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فَتلف ألف وَبَقِي ألف فرأس المَال ألف أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه قَوْلنَا ألف أَن ذَلِك فَاتَ قبل الْخَوْض فِي التِّجَارَة فَلَا تكون التِّجَارَة متناولة لَهُ فَلَا يجْبر وَإِن اشْترى بِأَلفَيْنِ عَبْدَيْنِ فَقبل بيعهمَا تلف أَحدهمَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجْبر لِأَنَّهُ خَاضَ فِي التَّصَرُّف وَوجه الآخر أَن التِّجَارَة هُوَ البيع وَتَحْصِيل الرِّبْح بِبيعِهِ أما الشِّرَاء فَإِنَّهُ تهيئة مَحل التِّجَارَة فرع إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى عبدا فَتلف الْألف نظر إِن اشْترى بِعَيْنِه انْفَسَخ وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة لَا يَنْفَسِخ وَفِي انصراف العقد إِلَى الْعَامِل وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا ينْصَرف فعلى الْمَالِك تَسْلِيم ألف آخر ثمَّ إِذا سلم فرأس المَال ألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يكون رَأس المَال ألفا لِأَنَّهُ لم يبْق مِمَّا يتَنَاوَلهُ العقد الأول شئ هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة أما إِذا تلف رَأس المَال أَو بعضه بِإِتْلَاف أَجْنَبِي فالقراض مُسْتَمر وَالْبدل ثَابت فِي ذمَّته وَإِن أتْلفه الْمَالِك فَهُوَ مسترد وَعَلِيهِ حِصَّة الْعَامِل وَإِن كَانَ بِإِتْلَاف الْعَامِل انْفَسَخ إِذْ لَا يدْخل الْبَدَل فِي ملك الْمَالِك إِلَّا بِقَبْضِهِ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم التفاسخ والتنازع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَربع مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى إِذا انْفَسَخ الْقَرَاض بِفَسْخ أحد الْمُتَعَاقدين فَإِنَّهُ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ فللمال ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَن يكون ناضا من جنس رَأس المَال فَازَ بِهِ الْمَالِك إِن لم يكن ربح وَلم يكن لِلْعَامِلِ مَنعه ليستربح وَإِن كَانَ ربح عمل بِمُوجب الشَّرْط الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون عرُوضا فَإِن لم يكن ربح فَهَل للْمَالِك إِجْبَار الْعَامِل على الرَّد إِلَى النضوض وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن العقد قد انْفَسَخ وَهُوَ لم يلْتَزم أمرا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُلْتَزم أَن يرد جنس مَا أَخذ مِنْهُ ليخرج عَن الْعهْدَة فَإِن رَضِي الْمَالِك بِأَن لَا يُبَاع فَأبى الْعَامِل إِلَّا البيع فَهُوَ مَمْنُوع مِنْهُ إِلَّا إِذا صَادف زبونا يَشْتَرِي بِزِيَادَة يَسْتَفِيد بِهِ ربحا على رَأس المَال فَعِنْدَ ذَلِك يُمكن فَلَو لم يبع ورد الْعرُوض فارتفعت الْأَسْوَاق وَظهر ربح بعد الرَّد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ طلب نصِيبه فَإِنَّهُ رد على ظن أَنه لَا ربح فِيهِ وَقد ظهر الْآن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ظُهُور بعد الْفَسْخ وَإِن كَانَ فِي المَال ربح وَجب على الْعَامِل أَن ينض رَأس المَال فَيبقى الْبَاقِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 مُشْتَركا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعه فَإِنَّهُ لم يلتزمه وَإِن امْتنع الْعَامِل من البيع أجبر فَإِن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِظُهُور قدر رَأس المَال بالتنضيض فَإِن قَالَ دَعونِي فقد تركت ربحي فَإِن قُلْنَا ملك بالظهور فَلَا يسْقط بالإسقاط وَإِن قُلْنَا لَا يملك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يسْقط كالغنيمة قبل الْقِسْمَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْغَنِيمَة غير مَقْصُودَة فِي الْجِهَاد الذى هُوَ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالرِّبْح مَقْصُود وَقد تَأَكد سَببه فَإِن قُلْنَا لَا يسْقط فَعَلَيهِ البيع وَإِن قُلْنَا يسْقط فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح فَفِيهِ وَجْهَان فرع لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يطْلب قسْمَة الرِّبْح لِأَنَّهُ يعرض جبر الخسران فيتضرر الْعَامِل برده إِن طلب الْمَالِك وَالْمَالِك بِخُرُوجِهِ عَن جبر الخسران إِن طلب الْعَامِل الْحَالة الثَّالِثَة أَن يرد المَال إِلَى نقد لَا من جنس رَأس المَال فَيلْزمهُ الرَّد إِلَى ذَلِك الْجِنْس وَإِن كَانَ هُوَ النَّقْد الْغَالِب لِأَن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِهِ فَإِن كَانَ مكسرا وَرَأس المَال صِحَاح فيشتري بهَا مثله إِن وجد وَإِلَّا فيحذر من الرِّبَا وَيَشْتَرِي بِهِ الذَّهَب إِذا كَانَ رَأس المَال فضَّة غير مكسرة وبالذهب الصِّحَاح فَلَو اشْترى بِهِ عرضا ليَبِيعهُ بِالذَّهَب فَهَل يُمكن فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَوجه الْمَنْع أَن الْعرض قد يصير معوقا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا تفاسخا وَكَانَ الْمَالِك قد اسْتردَّ من قبل طَائِفَة من المَال فَإِن لم يكن وَقت الِاسْتِرْدَاد لَا ربح وَلَا خسران فَلَا إِشْكَال إِذْ رَأس المَال هُوَ الْبَاقِي وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَمَا استرده وَقع شَائِعا فالقدر الذى يخص الرِّبْح يسْتَقرّ لِلْعَامِلِ نصِيبه مِنْهُ فَلَا يضيع بعد ذَلِك بخسران وَإِن كَانَ فِي المَال خسران فَمَا استرده بِحِصَّة جُزْء من الخسران فَلَا يجب على الْعَامِل جبر الْقدر الذى يخص المسترد من الرِّبْح الذى بعده بَيَانه صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا المَال مائَة وَربح عشْرين فاسترد الْمَالِك عشْرين ثمَّ خسر عشْرين فَعَاد إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَأْخُذ الْكل وَيَزْعُم أَن رَأس المَال كَانَ مائَة لِأَنَّهُ إِذا اسْتردَّ عشْرين وَهُوَ سدس جملَة المَال فسدس الْعشْرين ربح وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث فقد اسْتَقر لِلْعَامِلِ نصفه وَهُوَ دِرْهَم وَثُلُثَانِ فَلَا يلْزمه جبر ذَلِك بل يَأْخُذ هَذَا الْقدر من الثَّمَانِينَ وَيرد الْبَاقِي الثَّانِيَة المَال مائَة وخسر عشْرين واسترد الْمَالِك عشْرين فَصَارَ سِتِّينَ ثمَّ ربح عشْرين فترقى إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَقُول ربح عشْرين بخسران عشْرين وَالْكل لي لِأَنَّهُ خسر أَولا عشْرين فتوزع على الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُون فيخص كل وَاحِد من عشْرين خَمْسَة فَلَا يلْزمه جبر تيك الْخَمْسَة فَكَأَنَّهُ بَقِي المَال خَمْسَة وَسبعين وَإِذا صَار الْآن ثَمَانِينَ تكون الْخَمْسَة فضلا فَيقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 حَتَّى يفوز الْمَالِك بسبعة وَسبعين وَنصف من جملَة الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَة الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الْقَرَاض يَنْفَسِخ بالجنون وَالْمَوْت فَلَو مَاتَ الْمَالِك فلوارثه مُطَالبَة الْعَامِل بالتنضيض حَيْثُ كَانَ يجوز للْمَالِك لَو فَسخه بِنَفسِهِ وَهُوَ حَيّ ثمَّ يقدر ربح الْعَامِل وَلَا يصرف إِلَى دُيُون الْمَالِك لِأَن حَقه وَإِن لم يملك بالظهور لَا يتقاعد عَن حق الْمُرْتَهن فَيقدم على الدُّيُون فَلَو أَرَادَ وَارِث الْمَالِك تَقْرِيره فَقَالَ قررتك على مَا مضى فَقَالَ قبلت فَفِيهِ وَجْهَان يجْرِي مثلهمَا فِي الْوَارِث إِذا قَالَ أجزت الْوَصِيَّة وَقُلْنَا إِنَّهَا ابْتِدَاء عَطِيَّة وَوجه الْمَنْع ظَاهر لِأَن مَا مضى قد بَطل فَلَا معنى للتقرير وَوجه الْجَوَاز أَن التَّقْرِير يبْنى على إِعَادَة مثل مَا سبق حَتَّى طردوا هَذَا فِيمَا إِذا قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي بعد فسخ البيع قررتك على مَا مضى وَلم يسمح بِهَذَا فِي النِّكَاح بِحَال لما فِيهِ من التَّعَبُّد هَذَا إِذا كَانَ المَال ناضا فَإِن كَانَ عرضا فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز أَنه عرض هُوَ اشْتَرَاهُ فَلَا يضيق عَلَيْهِ وَقد تعين جنس رَأس المَال من قبل فَأمكن الرُّجُوع إِلَيْهِ بِخِلَاف العقد على الْعرُوض ابْتِدَاء أما إِذا مَاتَ الْعَامِل فقد انْفَسَخ العقد فَإِن قرر الْمَالِك وَارثه فَالْخِلَاف الْوَاقِع فِي لفظ التَّقْرِير كَمَا مضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 أما إِذا كَانَ المَال عرُوضا لم يجز لِأَن وَارِث الْعَامِل لم يشتر المَال بِنَفسِهِ فَيكون الْعرُوض كلا عَلَيْهِ وَإِن لم يكن على الْعَامِل المُشْتَرِي وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فلوارثه طلب نصيب الْعَامِل من الرِّبْح وَقطع الْأَصْحَاب يتجويز اسْتِئْنَاف الْقَرَاض مَعَه وَإِن كَانَ فِي المَال ربح إِذا كَانَ المَال ناضا وَهَذَا يدل على أَن الْقَرَاض مَعَ الشَّرِيك جَائِز إِذا كَانَ الْعَامِل مستبدا بِالْيَدِ فَيقسم الرِّبْح على نِسْبَة الْملك ثمَّ يقسم الْبَاقِي بِالشّرطِ فَأَما إِذا كَانَ الشريكان متعاونين على الْعَمَل وَالْمَال فِي يدهما لَا يجوز تَغْيِير نِسْبَة الْملك بِالشّرطِ وَلَو اخْتصَّ أَحدهمَا بمزيد عمل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي التَّنَازُع وَله صور الأولى إِذا تنَازعا فِي تلف المَال فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أَمِين مَا لم يَتَعَدَّ كَالْمُودعِ وَإِن تنَازعا فِي الرَّد فَكَذَلِك وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الرَّد وَجْهَان وَزَعَمُوا أَنه لَا يلْحق فِي هَذَا بالمودع على أحد الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَة لَو اخْتلفَا فِي قدر الرِّبْح الْمَشْرُوط فيتحالفان لِأَنَّهُ نزاع فِي قدر الْعِوَض فَإِذا تحَالفا سلم كل الرِّبْح للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي قدر رَأس المَال وَلَا ربح فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ نزاع فِي الْقَبْض وَالْأَصْل عَدمه وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح وَقيل إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 قدر الرّيح يتَفَاوَت بِهِ الرَّابِعَة فِي المَال عبد فَقَالَ الْمَالِك اشْتَرَيْته للقراض وَقَالَ الْعَامِل بل لنَفْسي أَو بِالْعَكْسِ فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أعرف بنيته الْخَامِسَة لَو قَالَ كنت نهيتك عَن شِرَاء العَبْد فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل عدم النَّهْي السَّادِسَة تنَازعا فِي الرِّبْح ووجوده فَالْقَوْل قَول الْعَامِل فَإِن أقرّ بِالرِّبْحِ ثمَّ قَالَ غَلطت أَو كذبت خيفة أَن ينتزع المَال من يَدي لم يسمع رُجُوعه وَإِن قَالَ صدقت وَلَكِن خسرت بعده فَالْقَوْل قَوْله السَّابِعَة سلم رجلَانِ كل وَاحِد ألفا إِلَى رجل فَاشْترى لكل وَاحِد عبدا والتبس واعترفوا بالإشكال فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يُبَاع العبدان وَيقسم الثّمن عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ينقلبان إِلَى الْوَكِيل وَيغرم هُوَ لَهما قيمتهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِن زَاد فَذَاك وَإِن نقص غرم قدر النُّقْصَان وَكَأَنَّهُ مقصر بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا فِيهِ مزِيد نظر ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 = كتاب الْمُسَاقَاة = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول فِي الأَصْل الذى يعْقد عَلَيْهِ العقد وَله شَرَائِط الأول أَن يكون شَجرا والنخيل هُوَ الأَصْل إِذْ ساقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر على النّصْف مِمَّا يخرج من تمر وَزرع وَهَذِه الْمُعَامَلَة قريبَة من الْقَرَاض وَلَكِن تخالفها فِي اللُّزُوم والتأقيت فَإِنَّهُمَا لَا يليقان بالقراض وَفِي أَن الثِّمَار تملك بِمُجَرَّد الظُّهُور فَإِنَّهُ لَيْسَ وقاية للنخيل بِخِلَاف الْقَرَاض وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه كالربح حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ لَا خلاف فِي أَن الْكَرم بِمَعْنى النخيل لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يتقارب وَالزَّكَاة تجب فيهمَا وَفِي سَائِر الْأَشْجَار المثرة قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا فِي مَعْنَاهُمَا للْحَاجة إِلَيْهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يقل فَيمكن الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 ونعني بِالشَّجَرِ كل مَا يثبت أَصله فِي الأَرْض ويفصل ثمره أما الْمزَارِع وقصب السكر والبطيخ والقثاء والباذنجان فَلَا يعْقد عَلَيْهَا هَذِه الْمُعَامَلَة لِأَن جَمِيعهَا فِي معنى المخابرة والمزارعة وَالْمُخَابَرَة هِيَ صُورَة هَذِه الْمُعَامَلَة على الأَرْض وَالْبذْر من الْعَامِل والمزارعة هى بِعَينهَا وَالْبذْر من الْمَالِك وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا وساقى فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يرد إِحْدَى السنتين بِالْأُخْرَى خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ أبطل الْمُسَاقَاة قِيَاسا على الْمُزَارعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 ثمَّ البقل من قبيل الزَّرْع وَإِن ثبتَتْ أُصُوله فَإِن قيل فقد ساقى عَلَيْهِ السَّلَام على الزَّرْع وَالتَّمْر جَمِيعًا قُلْنَا لَا جرم بقول تصح الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة فِي الأَرْض المتحللة بَين النخيل بِخَمْسَة شَرَائِط اثْنَان مُتَّفق عَلَيْهِمَا وَهُوَ أَن يكون الْعَامِل على النخيل وَالزَّرْع وَاحِدًا وَالثَّانِي أَن تكون الْأَرَاضِي بِحَيْثُ لَا يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ إِذْ بسقيها وتقليبها ينْتَفع النخيل وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث شَرَائِط أَحدهَا اتِّحَاد الصَّفْقَة فَلَو عقدهَا فِي صفقتين فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَصح ثمَّ إِن أخرت الْمُزَارعَة تبِعت الْمُسَاقَاة السَّابِقَة وَإِن قدمت كَانَت مَوْقُوفَة الصِّحَّة على الْمُسَاقَاة بعْدهَا وَالثَّانِي لَا يَصح مُطلقًا لِانْعِدَامِ التّبعِيَّة بالتمييز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وَالثَّالِث إِن قدمت الْمُزَارعَة فَسدتْ إِذْ لَا متبوع وَإِن أخرت صحت ثمَّ لَو جَمعهمَا فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلَكِن جعل لِلْعَامِلِ من الثِّمَار النّصْف وَمن الزَّرْع جُزْءا آخر أقل أَو أَكثر فَفِيهِ أَيْضا تردد لِأَن التَّغَيُّر يكَاد يقطع حكم التّبعِيَّة وَالثَّانِي أَن لَا تكْثر الْأَرَاضِي فَإِن كثرت إِمَّا بِكَثْرَة الِارْتفَاع بِالْإِضَافَة إِلَى النخيل أَو باتساع الساحة بِالْإِضَافَة إِلَى مغارس النخيل فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الصِّحَّة مهما لم يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ مَعَ الْكَثْرَة الثَّالِث أَن يكون الْبذر من رب النخيل فَإِن كَانَ من الْعَامِل فقد حصل نوع مُغَايرَة بَين الجنسين فَفِي انْقِطَاع التّبعِيَّة وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون شَجرا غير بارزة الثِّمَار عِنْد الْمُسَاقَاة فَإِن برزت الثِّمَار نَص فِي الْقَدِيم أَنَّهَا فَاسِدَة إِذْ لم تخرج الثِّمَار بِعَمَلِهِ وَهُوَ مَوْضُوع العقد وَنَصّ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 الْجَدِيد على أَنه إِذا جَازَ قبل البروز فبعده أجوز وَعَن الْغرَر أبعد لِأَنَّهُ بَقِي الْعَمَل وَالثَّمَر صَار موثوقا بِهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الحديقة مرئية فَإِن ساقاه على مَا لم ير فطريقان أَحدهمَا فِيهِ قَولَانِ كَبيع الْغَائِب وَالثَّانِي الْبطلَان لِأَنَّهُ عقد غرر فَلَا يحْتَمل فِيهِ هَذَا الْجَهْل الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمَشْرُوط لِلْعَامِلِ وَهُوَ الثِّمَار فَلْيَكُن مَشْرُوطًا على الاستهام ومخصوصا بهما ومعلوما بالجزئية لَا بالتقدير كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الرِّبْح فِي الْقَرَاض وننبه هَاهُنَا على أُمُور ثَلَاثَة الأول أَنه لَو ساقى على ودي نظر فَإِن لم يكن مغروسا فَقَالَ خُذْهُ واغرسه فَإِن علق فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَسْلِيم بذر فَهُوَ فِي معنى الْمُزَارعَة فَإِن قَالَ اغرسه ونمه وَمَا حصل من الثِّمَار فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ أَيْضا فَاسد إِذْ الْغَرْس لَيْسَ من أَعمال الْمُسَاقَاة وَقد ضم إِلَيْهَا فَكَانَ كَمَا إِذا ضم غير التِّجَارَة إِلَيْهَا فِي الْقَرَاض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَفِي الصُّورَتَيْنِ وَجه أَنه لَا يَصح حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب أما إِذا كَانَ مغروسا نظر فَإِن ساقاه عَلَيْهِ مُدَّة لَا يُثمر فِيهَا إِلَّا بثمرة تحصل بعد الْمدَّة فَهُوَ بَاطِل إِذْ مَا يحصل بعد مُضِيّ الْمدَّة لَا يتَعَلَّق بِهِ العقد وَإِن كَانَ يعلم حُصُوله فِي الْمدَّة وَلَو فِي آخر السنين وساقاه على عشر سِنِين مثلا فَهُوَ صَحِيح وخلو أول الْمدَّة عَن الثِّمَار كخلو أول السّنة الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ يتَوَهَّم الثَّمَرَة وَلَا يعلم قَالَ القَاضِي إِن غلب الْوُجُود صَحَّ وَإِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن تساوى الِاحْتِمَال فَوَجْهَانِ وَقيل إِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن غلب الْوُجُود فَوَجْهَانِ وَقيل عَكسه أَيْضا أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ يُثمر كل سنة فساقاه عشر سِنِين على جُزْء من ثَمَرَة السّنة الْأَخِيرَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجوز وليقدر مَا سبق مَعْدُوما وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تعرية الْعَمَل عَن الْعِوَض فِي مُدَّة وجود مَا حَقه أَن يكون عوضا فِي هَذَا العقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وَفِي أصل زِيَادَة مُدَّة الْمُسَاقَاة على سنة كَلَام يجْرِي مثله فِي كل إِجَارَة وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْإِجَارَة الْأَمر الثَّانِي لَو كَانَ فِي الْبُسْتَان عَجْوَة وصيحاني فَقَالَ ساقيتك على أَن لَك من الصيحاني نصفه وَمن الْعَجْوَة ربعه لَا يَصح مَا لم يعرف قدر الْعَجْوَة والصيحاني أَعنِي الْأَشْجَار نظرا أَو تخمينا وَإِن شَرط النّصْف مِنْهُمَا فَلَا يشْتَرط هَذِه الْمعرفَة وَكَذَلِكَ إِذا ساقي رجلَانِ وَاحِدًا على أَن لَهُ النّصْف من نصيبهما وَلَا يشْتَرط مَعْرفَته بِقدر النَّصِيبَيْنِ وَإِن تفَاوت الشَّرْط وَجَبت الْمعرفَة وَلَو قَالَ ساقيتك على النّصْف إِن سقيت بالنضح أَو الرّبع إِن سقيت بالسماء فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ مردد بَين جِهَتَيْنِ الْأَمر الثَّالِث أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي النخيل لَو ساقى شَرِيكه على أَن يتعاونا على الْعَمَل فَهُوَ فَاسد إِذْ رب النخيل لَا يَنْبَغِي أَن يَخُوض فِي الْعَمَل وَلَو كَانَ الشَّرِيك الْعَامِل يستبد بِجَمِيعِ الْعَمَل صحت الْمُسَاقَاة بِشَرْط أَن يشْتَرط لَهُ مزيدا على مَا تَقْتَضِيه نِسْبَة الْملك فَلَو كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَشرط لَهُ النّصْف فَلم يشرط لَهُ شئ فتفسد الْمُسَاقَاة وَلَا يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عِنْد الْمُزنِيّ وَيسْتَحق عِنْد ابْن سُرَيج وَلَو شَرط لَهُ الْكل فَيفْسد وَفِي أُجْرَة الْمثل وَجْهَان مأخذهما أَنه لم ينْو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 بِعَمَلِهِ مستأجره فضاهى الْأَجِير فِي الْحَج إِذا نوى بعد التَّلْبِيَة صرف الْحَج إِلَى نَفسه فَلَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَهل تسْقط أجرته فِيهِ وَجْهَان الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل الموظف على الْعَامِل وَله شَرَائِط يُنَبه عَنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض الأول أَن يكون لَا يشْتَرط عَلَيْهِ عمل لَيْسَ من الْمُسَاقَاة الثَّانِي أَن يستبد بِالْيَدِ فِي الحديقة ليتَمَكَّن من الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَو شَرط الْمَالِك الْيَد لنَفسِهِ فسد وَلَو سلم الْمِفْتَاح إِلَيْهِ وَلَكِن بِشَرْط أَن يدْخل هُوَ أَيْضا فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح الْجَوَاز الثَّالِث أَن يعرف بتأقيت مُدَّة العقد لَا بِتَعْيِين الْعَمَل ثمَّ يجوز التَّعْرِيف بِالسنةِ الْعَرَبيَّة وَهل يجوز التَّعْرِيف بِإِدْرَاك الثِّمَار فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يتَفَاوَت بالبرد وَالْحر وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَهُوَ مُتَقَارب وَإِن عرف بِالْأَشْهرِ فَجَائِز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 فرع لَو ساقى سنتَيْن فَهُوَ شريك فِي كل سنة فَلَو برز شئ فِي آخر السّنة الْأَخِيرَة من الثِّمَار وَانْقَضَت الْمدَّة قبل الْإِدْرَاك فالعامل شريك فِيمَا برز فِي مُدَّة عمله الشَّرْط الرَّابِع أَن ينْفَرد الْعَامِل بِعَمَلِهِ وَأَن لَا يشْتَرط مُشَاركَة الْمَالِك فِي الْعَمَل فَإِن شَرط فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَغْيِير الْموضع كَمَا فِي الْقَرَاض وَإِن شَرط أَن يعْمل غُلَام الْمَالِك مَعَه فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْجَوَاز وَذكر الْأَصْحَاب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع هَاهُنَا وَفِي الْقَرَاض لِأَن يَد العَبْد يَد الْمَالِك فَيبْطل الاستبداد بِالْيَدِ وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن العَبْد يكون مستعارا على التَّحْقِيق فالإعانة بِهِ كالإعانة بالثيران وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا شرطا وَالثَّالِث أَنه يَصح فِي الْمُسَاقَاة إِذْ من الْأَعْمَال مَا يجب على الْمَالِك كبناء الجدران وَحفظ الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَاف الْقَرَاض فَلَا عمل فِيهِ على الْمَالِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 التقريع إِذا حكمنَا بِالْجَوَازِ فنفقه الْغُلَام على من إِن شَرط على الْمَالِك أَو أطلق فَهُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَرط إِعَانَة وَإِن شَرط على الْعَامِل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ قطع لنفقة الْملك عَن الْمَالِك وَالثَّانِي نعم لِأَن الأَصْل أَن الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَا يبعد أَن ينْفق على من يُعينهُ وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يتبع فِيهِ الشَّرْط قطعا وَإِن أطلق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه على الْمَالِك وَالثَّانِي أَنه على الْعَامِل وَالثَّالِث أَنه من الثَّمَرَة وَهُوَ بعيد إِذْ رد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على مَالك رَحمَه الله حَيْثُ أوجب نَفَقَة العبيد على الْعَامِل عِنْد الْإِطْلَاق فَقَالَ أوجب أُجْرَة مثل أُجْرَة العبيد إِن كنت توجب النَّفَقَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 فرع لَو شَرط أَن يسْتَأْجر الْعَامِل أَجِيرا وَالْأُجْرَة على الْمَالِك لم يجز إِن لم يبْق لِلْعَامِلِ عمل وَإِن بَقِي لَهُ الدهقنة والتحذق فِي الِاسْتِعْمَال فَوَجْهَانِ الرُّكْن الرَّابِع فِي الصِّيغَة وَهِي أَن يَقُول ساقيتك على أَن لَك نصف الثِّمَار أَو عاملتك فَيَقُول قبلت أَو أَن يَقُول اعْمَلْ على هَذِه النخيل من الثِّمَار فَقبل فَلَا بُد من الْقبُول فَإِن هَذَا العقد لَازم بِخِلَاف الْقَرَاض وَالْوكَالَة ففيهما وَجه تقدم وَلَو قَالَ استأجرتك على الْعَمَل بِالنِّصْفِ فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يستدعى شُرُوطًا وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ مُسَاقَاة وَلَكِن بِلَفْظ الْإِجَارَة نعم لَو كَانَت الثِّمَار بارزة وَعين الْعَمَل واستأجره بِجُزْء من الثَّمر جَازَ بعد بَدو الصّلاح وَقَبله غير جَائِز لِأَنَّهُ شَرط الْقطع ايضا فَقطع الشَّائِع غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع فَيكون كَبيع بعض النصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْمُسَاقَاة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَحْكَام سِتَّة الحكم الأول أَن الْعَامِل يلْزمه كل مَا يتَعَلَّق بِهِ صَلَاح الثِّمَار مِمَّا يتَكَرَّر فِي كل سنة كالسقي وتقليب الأَرْض وَقطع القضبان وتنحية الْحَشِيش وكنس الْبِئْر وَالنّهر وتصريف الجريد وَنقل الثِّمَار إِلَيْهِ وَمَا لَا يتَكَرَّر فِي كل سنة بل تبقى فَائِدَته سِنِين كبناء الْحِيطَان وَشِرَاء الثيران ونضب الدولاب وحفر الْأَنْهَار والقنى الجديدة فَهُوَ على الْمَالِك وترددوا فِي حفظ الثِّمَار بالناظور وَفِي جذاذها وَفِي ردم ثلم يتَّفق فِي أَطْرَاف الجدران فَمنهمْ من رأى ذَلِك على الْعَامِل فِي الْعرف وَمن هَذَا ذكر خلاف فِي صِحَة الْمُسَاقَاة الْمُطلقَة دون تَفْصِيل الْأَعْمَال لاضطراب الْعرف فِي هَذِه الْأُمُور وَالصَّحِيح الصِّحَّة عِنْد الْإِطْلَاق ثمَّ يحكم كل فريق بِمَا يرَاهُ لائقا بالعامل الحكم الثَّانِي إِذا هرب الْعَامِل قبل تَمام الْعَمَل فَالْقَاضِي يسْتَأْجر من يعْمل ويقترض عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 فَإِن عمل الْمَالِك بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ أَو اسْتقْرض فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا رُجُوع لَهُ وكل الثِّمَار لِلْعَامِلِ هَذَا إِن قدر على الرُّجُوع إِلَى القَاضِي فَإِن لم يقدر وَعمل بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون حَاكما لنَفسِهِ على غَيره وَالثَّانِي نعم للضَّرُورَة وَالثَّالِث إِن أشهد يرجع وَإِلَّا فَلَا ثمَّ لَهُ أَن يفْسخ عِنْد هرب الْعَامِل فَإِن عجز عَن اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَلَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ لَا تفسخ حَتَّى أنوب عَنهُ جَازَ لَهُ الْفَسْخ فَرُبمَا لَا يرضى بِدُخُولِهِ بستانه فَلَو عمل الْأَجْنَبِيّ قبل أَن يشْعر بِهِ الْمَالِك فالثمرة لِلْعَامِلِ وَالْأَجْنَبِيّ مُتَبَرّع عَلَيْهِ لَا على الْمَالِك ثمَّ إِذا فسخ فَإِن كَانَ قد مضى شئ من الْعَمَل فللعامل أُجْرَة مثل ذَلِك الْمِقْدَار وَلَا نقُول توزع الثِّمَار على نِسْبَة أُجْرَة الْمثل إِذْ الثِّمَار لَيْسَ مَعْلُوم الْمِقْدَار فِي أول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 العقد حَتَّى يَقْتَضِي العقد فِيهِ توزيعا الحكم الثَّالِث إِذا ادّعى الْمَالِك عَلَيْهِ خِيَانَة أَو سَرقَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِنَّهُ أَمِين فَإِن أَقَامَ حجَّة نصب عَلَيْهِ مشرف إِن أمكن أَن يحفظ بِهِ وَألا تزَال يَده ويستأجر عَلَيْهِ ثمَّ أُجْرَة المشرف على الْعَامِل إِن ثَبت خيانته بِإِقْرَارِهِ أَو بِبَيِّنَة وَإِلَّا فعلى الْمَالِك الحكم الرَّابِع إِذا مَاتَ الْمَالِك لم يَنْفَسِخ العقد وَبَقِي مَعَ الْوَرَثَة وَإِن مَاتَ الْعَامِل لم يَنْفَسِخ أَيْضا قطع بِهِ الْمُزنِيّ وَهُوَ الْمَذْهَب وَفِيه وَجه ثمَّ على الْوَارِث إتْمَام الْعَمَل من تركته وَله حِصَّة من الثِّمَار إِذا تمم وَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة فَلهُ أَن يتمم لأجل الثِّمَار فَإِن أَبى لم يجْبر عَلَيْهِ إِذْ لَا تَرِكَة وَلَا يلْزمه عمل غَيره هَذَا إِذا أوردت الْمُسَاقَاة على الذِّمَّة وَهُوَ شَرطهَا فَإِن أوردت على الْعين فَفِي صِحَّتهَا نظر لِأَن فِيهِ نوع تضييق فَإِن صحّح فينفسخ بِمَوْت الْعَامِل الحكم الْخَامِس إِذا خرجت الْأَشْجَار مُسْتَحقَّة بعد تَمام الْعَمَل يرجع الْعَامِل بِأُجْرَة مثله على الْغَاصِب وَقيل إِنَّه يخرج على قولي الْغرُور وَأما الثِّمَار إِن بقيت فَكلهَا للْمَالِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَإِن تلفت بعد أَن قسم فَمَا قَبضه الْعَامِل لنَفسِهِ مَضْمُون عَلَيْهِ ويستقر عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَنَّهُ أَخذه عوضا كالمشتري وَأما حِصَّة الْغَاصِب إِن تلف قبل الْقِسْمَة أَو على الْأَشْجَار أَو تلف شئ من الْأَشْجَار فَفِي مُطَالبَة الْعَامِل بِهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن أقل درجاته أَن يكون كَالْمُودعِ فِيهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن يَده تثبت على الْأَشْجَار وَنصِيب الْمَالِك تَحْقِيقا وَإِنَّمَا هُوَ عَامل عَلَيْهَا وَيَد الْمَالِك مستدامة حكما وَهُوَ ضَعِيف الحكم السَّادِس إِذا تنَازع العاقدان فِي الْقدر الْمَشْرُوط من الثِّمَار تحَالفا وتفاسخا وَحكم تنازعهما مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 = كتاب الْإِجَارَة= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 = كتاب الْإِجَارَة = وَالْإِجَارَة صنف من الْبيُوع موردها الْمَنْفَعَة وصحتها مجمع عَلَيْهَا وَلَا مبالاة بِخِلَاف ابْن كيسَان والقاساني وَيدل على صِحَّتهَا قصَّة شُعَيْب واستئجاره مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقَوله تبَارك تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطوا الْأَجِير أجره قبل أَن يجِف عرقه وَقَوله حِكَايَة عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى ثَلَاثَة أَنا خصمهم وَمن كنت خَصمه فقد خصمته رجل بَاعَ حرا فَأكل ثمنه وَرجل اسْتَأْجر أَجِيرا فاستوفى منفعَته وَلم يؤد أجره وَرجل أَعْطَانِي صَفْقَة يَمِينه ثمَّ غدر ومقصود الْكتاب تحصره ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الْإِجَارَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الصِّيغَة وَالْأُجْرَة وَالْمَنْفَعَة أما العاقدان فَلَا يخفى أَمرهمَا الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي ثَلَاثَة إِحْدَاهَا الْإِجَارَة وَالْإِكْرَاه فَإِذا قَالَ أجرتك الدَّار أَو أكريتكها فَقَالَ قبلت صَحَّ وَشَرطهَا الْإِضَافَة إِلَى عين الدَّار لَا إِلَى الْمَنْفَعَة الثَّانِيَة لفظ التَّمْلِيك فَإِذا قَالَ مَلكتك مَنَافِع الدَّار شهرا صَحَّ وَشَرطهَا الْإِضَافَة إِلَى الْمَنْفَعَة لَا إِلَى الدَّار الثَّالِثَة لفظ البيع فَإِن قَالَ بِعْتُك الدَّار شهرا فَهُوَ بيع مُؤَقّت فَاسد وَإِن قَالَ بِعْتُك مَنْفَعَة الدَّار فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز كَلَفْظِ التَّمْلِيك وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج الثَّانِي الْمَنْع وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن البيع مَخْصُوص بالأعيان عرفا الرُّكْن الثَّانِي الْأُجْرَة وَحكمهَا إِن كَانَت فِي الذِّمَّة حكم الثّمن وَإِن كَانَت مُعينَة حكم البيع وَقد سبق شرائطهما وننبه الْآن على ثَلَاثَة أُمُور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 الأول أَن الْإِعْلَام شَرط فَلَو أجر الدَّار بعمارتها لم يجز فَإِن الْعِمَارَة مَجْهُولَة وَلَو أجر بِدَرَاهِم مَعْلُومَة ليصرفها إِلَى الْعِمَارَة لم يَصح لِأَن الْعَمَل فِي الصّرْف إِلَى الْعِمَارَة مَجْهُول فَتَصِير الْأُجْرَة مَجْهُولَة وَلَو أَشَارَ إِلَى جبره من الدَّرَاهِم أَو من الْحِنْطَة جزَافا وَجعلهَا أُجْرَة مِنْهُم من ألحق بِالْمَبِيعِ فجوز وَمِنْهُم من ألحق بِرَأْس المَال فِي السّلم لِأَنَّهُ عقد غرر فَخرج على الْقَوْلَيْنِ الثَّانِي إِذا اسْتَأْجر السلاخ بِالْجلدِ بعد السلخ وحمال الجيفة بجلد الجيفة والطحان بالنخالة فَهُوَ فَاسد لنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن قفيز الطَّحَّان وَلِأَنَّهُ بَاعَ جُزْءا مُتَّصِلا بِعَين الْمَبِيع قبل الْفَصْل فَهُوَ كَبيع نصف من الْفَصْل وَلَو اسْتَأْجر الْمُرضعَة بِجُزْء من المرتضع الرَّقِيق بعد الْفِطَام ومجتني الثِّمَار بِجُزْء من الثِّمَار بعد القطاف فَهُوَ أَيْضا فَاسد لما سبق أما إِذا جعل الْأُجْرَة جُزْءا من الرَّقِيق فِي الْحَال وجزءا من الثِّمَار قبل القطاف فقد أطلق الْأَصْحَاب إفساده تخريجا على مَا سبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 وَزَادُوا فَقَالُوا المرتضع الْمُشْتَرك بَين امْرَأَة مُرْضِعَة وَرجل لَا يجوز للرجل استئجارها على الرَّضَاع لِأَن عَملهَا لَا يُصَادف خَاص ملك الْمُسْتَأْجر وَهَذَا فِيهِ نظر وَاحْتِمَال إِذْ قطعُوا فِي كتاب الْمُسَاقَاة بِأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ لَو ساقى صَاحبه وَشرط لَهُ جزاءا من الثِّمَار جَازَ وَهُوَ عمل على مُشْتَرك وَلَكِن قبل مَا يخص الْمُسْتَأْجر يسْتَحق بِهِ الْأُجْرَة فَهُوَ مُحْتَمل هَاهُنَا أَيْضا الثَّالِث الْأُجْرَة إِن أجلت تأجلت وَإِن أطلقت تعجلت عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ إِذا أجلت وَتغَير النَّقْد عِنْد الْأَجَل فَالْعِبْرَة بِحَالَة العقد وَلَو تغير النَّقْد فِي الْجعَالَة عِنْد الْعَمَل فَوَجْهَانِ الْأَظْهر أَنَّهَا كلا إِجَارَة الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمَنْفَعَة وَلها شَرَائِط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 الأول أَن تكون مُتَقَومَة فَلَو اسْتَأْجر تقاحة للشم أَو طَعَاما لتزيين الْحَانُوت لم يَصح إِذْ الْقيمَة لهَذِهِ الْمَنْفَعَة وَكَذَا إِذا اسْتَأْجر بياعا على كلمة لَا تَعب فِيهَا لترويج سلْعَته فَإِن ذَلِك أَخذ مَال على الحشمة لَا على الْعَمَل وَاخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا اسْتِئْجَار الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للتزيين وَكَذَا اسْتِئْجَار الْأَشْجَار لتجفيف الثِّيَاب عَلَيْهَا أَو للسكون فِي ظلها وَكَذَا استعارتها وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن هَذَا قد يقْصد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِعقد وَالثَّالِث أَنه يَصح الْإِعَارَة دون الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِمَال ويقصد بالمسامحة الثَّانِيَة اسْتِئْجَار الْكَلْب وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن إِبَاحَته لضَرُورَة فَهُوَ كالميتة الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يتَضَمَّن اسْتِيفَاء عين قصدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى لَا يَصح اسْتِئْجَار الْأَشْجَار لثمارها وَلَا الْمَوَاشِي للبن وَالصُّوف والنتاج لِأَنَّهَا أَعْيَان بِيعَتْ قبل الْوُجُود الثَّانِيَة اسْتِئْجَار امْرَأَة للحضانة والإرضاع جَائِز وَاللَّبن تَابع وَهُوَ كَالْمَاءِ فِي إِجَارَة الأَرْض وَلَو اسْتَأْجر على مُجَرّد الْإِرْضَاع دون الْحَضَانَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كاستئجار الشَّاة بلبنها لإرضاع السخلة وَالثَّانِي يجوز لِأَن لبن الْآدَمِيَّة لَا يقْصد مُنْفَصِلا فَهُوَ فِي معنى الْمَنْفَعَة وَالْحَاجة تمس إِلَيْهِ الثَّالِثَة اسْتِئْجَار الْفَحْل للضراب فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح الْمَنْع لِأَنَّهُ نهي عَن ثمن عسب الْفَحْل وَلِأَنَّهُ غرر لَا يقدر عَلَيْهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الْمَنْفَعَة مَقْدُورًا على تَسْلِيمهَا حسا وَشرعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا اسْتَأْجر أخرس على التَّعْلِيم أَو أعمى على الْحِفْظ فسد وَكَذَا لَو اسْتَأْجر من لَا يحسن الْقُرْآن على التَّعْلِيم إِلَّا إِذا وسع عَلَيْهِ وقتا يقدر فِيهِ على التَّعَلُّم أَولا ثمَّ على التَّعْلِيم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْعَجز مُحَقّق والتعلم قد لَا يتَّفق وَالثَّانِي نعم وَكَأَنَّهُ يضاهي سلم الْمُفلس الثَّانِيَة اسْتَأْجر قِطْعَة أَرض لَا مَاء لَهَا فِي الْحَال نظر فَإِن لم يتَوَقَّع لَهَا مَاء أصلا فَإِن اسْتَأْجر للزِّرَاعَة فسد وَإِن اسْتَأْجر للسكون جَازَ وَإِن أطلق فَكَانَ على قلَّة جبل لَا يطْمع فِي الزِّرَاعَة ينزل على السّكُون وَإِن كَانَ يطْمع فِي الزِّرَاعَة فمطلقة للزِّرَاعَة فَيفْسد إِلَّا إِذا صرح بِنَفْي المَاء وَهل يقوم علم الْمُسْتَأْجر بِعَدَمِ المَاء مقَام صَرِيح النَّفْي حَتَّى يَصح عِنْد الْإِطْلَاق فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن مَفْهُوم اللَّفْظ مُطلقًا فِي مثل هَذِه الأَرْض للزِّرَاعَة مَا لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 يُصَرح بِنَفْي المَاء أما إِذا كَانَ يتَوَقَّع إِن كَانَ نَادرا فَالْعقد فِي الْحَال للزِّرَاعَة فَاسد وَهُوَ كَبيع الْآبِق لتوقع عوده وَإِن كَانَ يغلب وَفَاء الْمَطَر والسيل بِمَا يحصل الْمَقْصُود ويتوهم خلَافَة فَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال فَسَاده لِأَن الْعَدَم فِي الْحَال مَعْلُوم والوجود موهوم من بعد بِخِلَاف مَا لَو كَانَ للْأَرْض مَاء غَد وَشرب مَعْلُوم فَإِن الِانْقِطَاع موهوم وَلَكِن الْوُجُود مستصحب وَقَالَ القَاضِي يجوز لِأَن المَاء الْمَوْجُود فِي النَّهر لَا يبْقى بِعَيْنِه إِلَى وَقت الزِّرَاعَة وَلَكِن يغلب تجدّد مثله فَكَذَلِك هَاهُنَا يغلب وَفَاء الْمَطَر والسيل فَلَا فرق أما إِذا اسْتَأْجر قِطْعَة أَرض على شط دجلة وَالْمَاء زَائِد وَقد استولى عَلَيْهَا وانحساره عَنْهَا موهوم فَالْعقد بَاطِل وَإِن كَانَ نَاقِصا وَالزِّيَادَة موهومة فَالْعقد فِي الْحَال صَحِيح وَإِن كَانَت الزِّيَادَة متيقنة فَلَا وَإِن كَانَ المَاء مستويا عَلَيْهَا وَلَكِن الانحسار مَعْلُوم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ العقد صَحِيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 فَإِن قيل فالأرض غير مرئية قُلْنَا لَعَلَّه فرع على قَول صِحَة شِرَاء الْغَائِب أَو فرض فِيمَا إِذا تقدّمت الرُّؤْيَة أَو كَانَ المَاء صافيا لَا يمْنَع الرُّؤْيَة فَإِن فرض خلاف ذَلِك كُله لم يَصح فَإِن قيل وَإِن تقدّمت الرُّؤْيَة فَفِي الْحَال لَا يُمكن الِانْتِفَاع بهَا قُلْنَا هُوَ كاستئجار دَار مشحونة بالأقمشة واستئجار أَرض فِي الشتَاء فَإِنَّهُ فِي الْحَال لَا يزرع وَلَكِن يتسلط عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجر بِالْإِجَارَة وَالتَّصَرُّف الْمُمكن وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها فِي إِجَارَة الدَّار المشغولة بالأمتعة بِخِلَاف بيعهَا لِأَن الْمَنْفَعَة تتراخى فَيصير كإجارة السّنة الْقَابِلَة الثَّالِثَة إِجَارَة الدَّار للسّنة الْقَابِلَة فَاسِدَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 الله لَان التشاغل بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْحَال غير مُمكن فيتراخى التسليط على العقد الْوَارِد على مَنْفَعَة عين فرعان أَحدهمَا لَو أجره شهرا ثمَّ أجر الشَّهْر الثَّانِي مِنْهُ لَا من غَيره فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن العقد الأول قد يَنْفَسِخ بِسَبَب فَشرط العقد الثَّانِي لَا يتَحَقَّق بِالْأولِ وَالثَّانِي الْجَوَاز لتواصل الِاتِّصَال فَهُوَ كَمَا لَو أجر شَهْرَيْن فِي صَفْقَة وَاحِدَة الثَّانِي إِذا قَالَ اسْتَأْجَرت هَذِه الدَّابَّة لأركبها نصف الطَّرِيق وأترك إِلَيْك النّصْف قَالَ الْمُزنِيّ هُوَ فَاسد إِذْ لَا يتَعَيَّن لَهُ النّصْف الأول فَيَنْقَطِع بِحكم المناوبة وَيصير كَالْإِجَارَةِ للزمان الْقَابِل وَمن الْأَصْحَاب من صحّح وَنزل على اسْتِئْجَار نصف الدَّابَّة وأحال التقطع على مُوجب الْمُهَايَأَة وَالْقِسْمَة لَا على العقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 وَلَو صرح باستئجار نصف الدَّابَّة فَالظَّاهِر صِحَّته فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر نصف دَار وَفِيه وَجه آخر أَنه يفْسد لِأَن الْجمع غير مُمكن فَيُؤَدِّي إِلَى التقطع بِخِلَاف الدَّار الْوَاحِدَة ومحمل الدَّابَّة إِذْ يحْتَمل عَلَيْهِ الشريكان فَلَا يَنْقَطِع الرَّابِعَة الْعَجز الشَّرْعِيّ كالعجز الْحسي فِي الْإِبْطَال فَلَو اسْتَأْجر على قلع سنّ سليمَة أَو قطع يَد سليمَة أَو الْحَائِض على كنس الْمَسْجِد أَو الْمُسلم على تَعْلِيم الْقُرْآن لذِمِّيّ لَا يُرْجَى رغبته فِي الْإِسْلَام أَو على تعلم السحر أَو الْفُحْش والخنا أَو تعلم التَّوْرَاة والكتب المنسوخة فَكل ذَلِك حرَام وَالْعقد عَلَيْهِ فَاسد لِأَنَّهُ معجوز شرعا عَن تَسْلِيمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 أما إِذا كَانَت السن وجعة أَو الْيَد متآكلة فَالْأَصَحّ جَوَاز الْقلع وَالْقطع وَصِحَّة الِاسْتِئْجَار فرع إِذا اسْتَأْجر مَنْكُوحَة الْغَيْر على عمل دون رضَا الزَّوْج فسد فَإِنَّهَا مُسْتَحقَّة التعطيل لحق الزَّوْج وبإذنه يَصح وَلَو اسْتَأْجرهَا الزَّوْج لإرضاع وَلَده جَازَ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه مَمْنُوع لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ لَهُ وَهُوَ ضَعِيف أما إِذا التزمت عملا فِي الذِّمَّة صحت الْإِجَارَة دون إِذن الزَّوْج ثمَّ إِن وجدت فرْصَة وعملت بِنَفسِهَا اسْتحقَّت الْأُجْرَة وَفِي إِجَارَة الْحَائِض لكنس الْمَسْجِد احْتِمَال مأخذه صِحَة الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة وَلَكِن الْمَنْقُول مَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الرَّابِع حُصُول الْمَنْفَعَة للْمُسْتَأْجر وَفِيه مسَائِل الأولى لَا يَصح اسْتِئْجَار دَابَّة ليرْكبَهَا المكرى فَإِن الْعِوَضَيْنِ يَجْتَمِعَانِ لَهُ وَكَذَا لَا يجوز استئجاره على الْعِبَادَات الَّتِى لَا تجْرِي النِّيَابَة فِيهَا فَإِنَّهَا تحصل لَهُ بِخِلَاف الْحَج وَغسل الْمَيِّت وحفر الْقُبُور وَدفن الْمَوْتَى وَحمل الْجَنَائِز فَإِن الِاسْتِئْجَار على جَمِيع ذَلِك يجوز لدُخُول النِّيَابَة أما الْجِهَاد فَلَا يجوز اسْتِئْجَار الْمُسلم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاخل تَحت الْخطاب فَيَقَع عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وَيجوز للْإِمَام اسْتِئْجَار أهل الذِّمَّة على الْجِهَاد لأَنهم لم يدخلُوا تَحت خطاب الْجِهَاد وَكَذَلِكَ لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الْإِمَامَة فِي فَرَائض الصَّلَوَات أما الِاسْتِئْجَار على الْأَذَان فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا كالجهاد فَإِنَّهُ من الشعائر وَالثَّانِي نعم لِأَن فَائِدَته تحصل للنَّاس فِي طلب وَقت الصَّلَاة وَالثَّالِث يجوز للْقَاضِي وَالْإِمَام وَلَا يجوز لآحاد النَّاس وَفِي الِاسْتِئْجَار على إِمَامَة التَّرَاوِيح خلاف وَالأَصَح الْمَنْع إِذْ لَا يتَمَيَّز الْمُسْتَأْجر بفائدة مَقْصُودَة عَن الْأَجِير أما الِاسْتِئْجَار على التدريس فِي جنسه وَكَذَا اسْتِئْجَار الْمُقْرِئ على هَذَا الْوَجْه مُتَرَدّد بَين الْجِهَاد لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَبَين الْأَذَان لِأَن فَائِدَته تخْتَص بالآحاد أما الِاسْتِئْجَار على تَعْلِيم مَسْأَلَة مُعينَة من شخص معِين فَلَا خلاف فِي جَوَازه فَلَا يتَعَيَّن كامرأة أسلمت ولزمها تعلم الْفَاتِحَة فنكحها رجل على التَّعْلِيم وَلم يحضر سوى ذَلِك الرجل فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح الصِّحَّة إِذْ لَيْسَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ التَّعَب مجَّانا بل يجب ببذل كَمَا فِي بذل المَال فِي صُورَة المخمصة وعَلى الْجُمْلَة فَكل عمل مَعْلُوم مُبَاح يلْحق الْعَامِل فِيهِ كلفة ويتطوع بِهِ الْغَيْر عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الْغَيْر فَيجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ وَيجوز جعله صَدَاقا الشَّرْط الْخَامِس كَون الْمَنْفَعَة مَعْلُومَة وتفصيلها بِبَيَان أَقسَام الْإِجَارَة وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الأول استصناع الْآدَمِيّ وَذَلِكَ يعرف إِمَّا بِالزَّمَانِ أَو بِمحل الْعَمَل كَمَا إِذا اسْتَأْجر على الْخياطَة فيعين الثَّوْب أَو يَقُول استأجرتك يَوْمًا للخياطة وَلَو جمع بَينهمَا وَقَالَ استأجرتك لتخيط هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا الْيَوْم فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن تَفْرِيع الْجَوَاز يُفْضِي إِلَى خبط إِن تمّ الْعَمَل قبل مُضِيّ الْيَوْم أَو على الْعَكْس وَلَو اسْتَأْجر على تَعْلِيم الْقُرْآن إِمَّا أَن يعرف بِالزَّمَانِ أَو بِمِقْدَار السُّور وتعينها وَلَا يشْتَرط أَن يجْبر فهم المتعلم وَلَا فَائِدَة أَيْضا فِي شَرط رُؤْيَته وَلَو اسْتَأْجر على قدر عشر آيَات وَلم يعين السُّورَة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع تضادتها أَيْضا فِي عسر الْحِفْظ ويسره وَوجه الْجَوَاز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَلم يعين السُّورَة وَقيل إِنَّه كَانَ عشر آيَات من أول الْبَقَرَة والاستئجار على الرَّضَاع يعرف فِيهِ الْمدَّة وَالصَّبِيّ لِأَن الْغَرَض يخْتَلف بِهِ اخْتِلَافا ظَاهرا والموضع الذى فِيهِ الرَّضَاع وَلَا يبالى بِمَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ من جَهَالَة بِسَبَب تعرض الصَّبِي للأمراض وَزِيَادَة حَاجته ونقصانها وَهَذَا يدل على نوع من التساهل فِي الْإِجَارَة للْحَاجة الْقسم الثَّانِي فِي اسْتِئْجَار الْأَرَاضِي وَفِيه صور الأولى أَن يسْتَأْجر للسكون فَيشْتَرط أَن يعرف من الدَّار والحانوت وَالْحمام كل مَا تخْتَلف بِهِ الْمَنْفَعَة فَيرى فِي الْحمام الْبيُوت وبئر المَاء وَالْقدر ومطرح الرماد ومبسط القماش وَمَوْضِع الْوقُود والأتون وَمجمع فضلات المَاء كَمَا يرَاهُ المُشْتَرِي وَيعرف قدر الْمَنْفَعَة بالمدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 فَإِن اسْتَأْجر سنة فَذَاك وَإِن زَاد فَثَلَاثَة أَقْوَال وَالأَصَح أَنه لَا يتَقَدَّر بِمدَّة بل يتبع التَّرَاضِي إِذْ لَا تَوْقِيف فِي التَّقْدِير وَالثَّانِي أَنه لَا يزِيد على سنة فَإِنَّهُ أثبت للْحَاجة وَالثَّالِث أَنه يَنْتَهِي إِلَى ثَلَاثِينَ سنة وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يصير فِي معنى البيع التَّفْرِيع إِذا جَوَّزنَا الزِّيَادَة وَهُوَ الصَّحِيح فَلَو أجر سِنِين فَهَل يشْتَرط بَيَان حِصَّة كل سنة فِي الْأُجْرَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كبيان الْأَشْهر فِي سنة وَاحِدَة وَالثَّانِي نعم إِذا يغلب تفَاوت أُجْرَة الْمثل وَرُبمَا تمس الْحَاجة إِلَى مَعْرفَته فِي التفاسخ إِن اتّفق فرع لَو قَالَ أجرتك سنة فَالْأَظْهر أَنه يَصح وَينزل على السّنة الأولى بِالْعرْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَقيل إِنَّه فَاسد لِأَنَّهُ لم يُصَرح بِالتَّعْيِينِ وَلَو قَالَ أجرتك كل شهر بِدِينَار وَلم يقدر عدد الْأَشْهر فَهُوَ فَاسد إِذْ لَا مرد لَهُ وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح فِي الشَّهْر الأول لِأَنَّهُ مَعْلُوم وَالْبَاقِي يبطل فِيهِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن نَظِيره من الصُّبْرَة قَوْله بِعْتُك كل صَاع بدرهم وَلم يقل بِعْتُك الصُّبْرَة الثَّانِيَة إِذا اسْتَأْجر الأَرْض للزِّرَاعَة فَلَو قَالَ أكريتك لتنتفع كَيفَ شِئْت صَحَّ وَجَاز الْبناء وَالْغِرَاس والزراعة وكل مَا أمكن من الْمَنْفَعَة وَلَو اقْتصر على قَوْله أكريتك فسد لِأَنَّهُ لم يعين مَنْفَعَة وَلَا فوض إِلَى مَشِيئَته وَلَو قَالَ أكريتك للزِّرَاعَة وَلم يعين جنس الزَّرْع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الذّرة أضرّ من الْقَمْح وَالثَّانِي نعم وَيحمل الْإِطْلَاق بعد التَّعَرُّض لجنس الزَّرْع على مَا يَشَاء الثَّالِثَة إِذا قَالَ أكريتك إِن شِئْت فازرعها وَإِن شِئْت فاغرسها فَالظَّاهِر الصِّحَّة كَمَا إِذا قَالَ انْتفع كَيفَ شِئْت وَقيل إِنَّه فَاسد كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك بِأَلف إِن شِئْت مكسرة وَإِن شِئْت صَحِيحَة أما إِذا قَالَ أكريتك فازرعها واغرسها وَلم يبين قدر مَا يزرع فِيهِ اخْتِيَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج بُطْلَانه لجَهَالَة الْقدر وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة يَصح وَينزل على النّصْف الرَّابِعَة إِذا أكرى الأَرْض للْبِنَاء وَجب بَيَان عرض الْبناء وَفِي التَّعَرُّض للارتفاع وَالْقدر خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا يشْتَرط الْقسم الثَّالِث اسْتِئْجَار الدَّوَابّ وَهِي تستأجر لأَرْبَع جِهَات الأولى الرّكُوب فَيشْتَرط أَن يعرف الْمُسْتَأْجر الدَّابَّة بِأَن يَرَاهَا وَإِلَّا فَهُوَ إِجَارَة غَائِب وَالْآخر يعرف قدر الرَّاكِب بِرُؤْيَتِهِ أَو بِسَمَاع وَصفه فِي الطول والضخامة حَتَّى يعرف وَزنه تخمينا وَلَا يشْتَرط التَّحْقِيق بِالْوَزْنِ وَيعرف الْمحمل بِالصّفةِ فِي السعَة والضيق وبالوزن فَإِن ذكر الْوَزْن دون الصّفة أَو الصّفة دون الْوَزْن فَوَجْهَانِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن كَانَت محامل بَغْدَاد فالإطلاق يكفى لِأَنَّهَا مُتَقَارِبَة وتنزل منزلَة السرج والإكاف فَإِنَّهَا لَا تُوصَف لتساويها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 وَيذكر تَفْصِيل المعاليق فَإِن ذكرت من غير تَفْصِيل قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَنه فَاسد للتفاوت قَالَ وَمن النَّاس من ينزله على وسط مقتصد فَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا أَيْضا قولا لَهُ وَأما تَقْدِير الطَّعَام فِي السفرة فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِوُجُوب التَّعْرِيف بل الصَّحِيح وُجُوبه لِأَنَّهُ يتَفَاوَت تَفَاوتا لَا يَنْضَبِط وَيجب ذكر تَفْصِيل السّير أَو السرى وَمِقْدَار الْمنَازل إِن لم يكن مضبوطا بِالْعَادَةِ وَإِن انضبط بِالْعَادَةِ نزل عَلَيْهِمَا هَذَا إِذا كَانَت الْإِجَارَة على عين الدَّابَّة فَإِن أورد على الذِّمَّة فَيشْتَرط وصف الدَّابَّة أَفرس أم بغل أم جمل وَهل يشْتَرط التَّعَرُّض لكيفية السّير مثل كَونه مهملجا أَو بحرا أَو قطوفا فِيهِ وَجْهَان وَيدخل التَّأْجِيل فِيهِ فَيَقُول فِي الْمحرم ألزمتك أَن تركبني غرَّة الْمحرم لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّة فَأشبه السّلم وَلَفظ الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة أَن تَقول ألزمت ذِمَّتك إركابي كَذَا فرسخا أَو ألزمت ذِمَّتك تَسْلِيم مركوب إِلَيّ أركبه كَذَا فرسخا فَيَقُول التزمت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 الْجِهَة الثَّانِيَة اسْتِئْجَار الدَّابَّة للْحَمْل وَحكمه حكم الرّكُوب إِلَّا فِي أَمريْن أَحدهمَا أَن معرفَة وزن الْمَحْمُول تَحْقِيقا شَرط إِن كَانَ غَائِبا بِخِلَاف تَحْقِيق وزن الرَّاكِب وَإِن كَانَ الْحمل حَاضرا فشاله بِالْيَدِ وَعرف قدره تخمينا كفى وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ فِي الذِّمَّة لَا يشْتَرط ذكر جنس الدَّابَّة أبغل أم فرس إِلَّا إِذا اسْتَأْجر لحمل زجاج فقد يخْتَلف الْغَرَض بِهِ الْجِهَة الثَّالِثَة الاستقاء وَهُوَ كالحمل فَيعرف قدر المَاء وَيُرِيد أَنه يتَكَرَّر فَيعرف قدر كل كرة وَيعرف عمق الْبِئْر أَو الدولاب وَقد تحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّعْيِين إِذا كَانَ لَا يَنْضَبِط بِالْوَصْفِ الْجِهَة الرَّابِعَة الحراثة فَإِن قدر بِالزَّمَانِ لم يجب تَعْرِيف الدَّابَّة ورؤيتها وَإِن ضبط بِقدر الأَرْض وَجب معرفَة الدَّابَّة على الْمُكْتَرِي وَمَعْرِفَة الأَرْض على الْمكْرِي أَهِي سهلية أم جبلية فَإِن كَانَت مستورة بِالتُّرَابِ فَلَا يَكْفِي النّظر إِلَى وجهتها مَا لم يعرف جِنْسهَا هَذَا تَفْصِيل الْعلم وَالْعرض إِنَّمَا يتَفَاوَت الْمَقْصُود بِهِ تَفَاوتا لَا يتَسَامَح بِمثلِهِ فِي الْمُعَامَلَة وَجب بيتنه هَذَا جملَته وتفصيله فليعتبر بِمَا ذكرنَا مَا لم نذْكر قِيَاسا عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مُوجب الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة لُغَة وَعرفا ويرتبط النّظر فِيهِ بأقسام الْإِجَارَة وَهِي ثَلَاثَة الْقسم الأول فِي الاستصناع وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا الاستتباع واستئجار الأَرْض للزِّرَاعَة يستتبع اسْتِحْقَاق الشّرْب قطعا وَإِن لم يذكر للْعُرْف واستئجار الْخياط لَا يُوجب عَلَيْهِ الْخَيط إِذْ الْعرف لَا يَقْتَضِيهِ واستئجار الحاضنة للحضانة هَل يستتبع الْإِرْضَاع وَكَذَا الِاسْتِئْجَار للإرضاع هَل يستتبع الْحَضَانَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا إِذْ كل وَاحِد يُمكن إِفْرَاده بِنَفسِهِ على ظَاهر الْمَذْهَب كَمَا سبق فإفراد أَحدهمَا بِالذكر يدل على تَخْصِيصه وعَلى هَذَا لَيْسَ على الْمُرضعَة إِلَّا وضع الثدي فِي فَم الصَّبِي وَبَاقِي الْأَعْمَال فِي تعهد الصَّبِي على الحاضنة وَالثَّانِي أَن كل وَاحِد يتبع صَاحبه لِأَن الْعرف قَاض بِأَن ذَلِك لَا يَتَوَلَّاهُ شخصان بل يتلازمان وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه إِن استؤجرت للإرضاع استتبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 الْحَضَانَة كي لَا تبقى الْإِجَارَة فِي مُقَابلَة مُجَرّد الْعين فَإِن الأَصْل فِي الْإِجَارَة الْمَنْفَعَة وَإِن استؤجرت للحضانة لم يستتبع الْإِرْضَاع وَأما الحبر فِي حق الْوراق والصبغ فِي حق الصّباغ فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ هُوَ كاللبن فِي حق الحاضنة فَيخرج عل الْخلاف فِي اتِّبَاعه وَإِن لم نحكم بالتبعية فَإِن شَرط فِيهِ وَهُوَ مَجْهُول جَازَ كَمَا فِي اللَّبن وَمِنْهُم من قطع بِأَن الحبر والصبغ مُسْتَقل وَهُوَ مستتبع لَا تبيع فَإِن شَرط فَلَا بُد وَأَن يذكر وَيعرف ثمَّ يكون جمعا بَين بيع وَإِجَارَة بِخِلَاف اللَّبن فَإِنَّهُ لَا يفرد اعتيادا فرع لَو انْقَطع لبن الْمُرضعَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَنْفَسِخ لِأَن اللَّبن كل الْمَقْصُود وَالْبَاقِي تَابع وَالثَّانِي يثبت الْخِيَار لِأَن الأَصْل عمل الْحَضَانَة وَهَذَا عيب وَالثَّالِث أَن كل وَاحِد مَقْصُود فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا نسي المتعلم مَا حفظ قيل إِن كَانَ مَا دون سُورَة يجب على الْمعلم إِعَادَته وَقيل مَا كَانَ دون آيَة وَهُوَ تحكم وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنا مَا نسي فِي مجْلِس التَّعَلُّم يجب إِعَادَته وَكَأَنَّهُ لم يثبت فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 نَفسه بعد وَمَا نسي بعد مجْلِس التَّعَلُّم فَهُوَ من تَقْصِير الصَّبِي الْقسم الثَّانِي فِي اسْتِئْجَار الْأَرَاضِي والدور أما الدّور فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِقَامَة جِدَار مائل وَإِصْلَاح جذع منكسر وَمَا يجْرِي مجْرَاه من مرمة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى تَجْدِيد عين يجب على الْمكْرِي إدامته لتوفير الْمَنْفَعَة فَإِن افْتقر إِلَى إِعَادَة جِدَار مائل أَو جذع فَإِن فعل استمرت الْإِجَارَة وَلَا خِيَار وَإِن أَبى فللمكتري الْخِيَار وَهل لَهُ إِجْبَاره على إِعَادَته قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ إِلْزَام عين جَدِيدَة لم يَتَنَاوَلهَا العقد وَقَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يجْبر عَلَيْهِ وَفَاء بتوفير الْمَنْفَعَة وَكَذَا الْخلاف إِذا غصبت الدَّار وَقدر الْمكْرِي على انتزاعها هَل يلْزمه وَكَذَا الْخلاف إِذا ضَاعَ الْمِفْتَاح هَل يجب عَلَيْهِ إِبْدَاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وَلَا خلاف فِي أَن تَسْلِيم الْمِفْتَاح وَاجِب وَلَو ضَاعَ فِي يَد الْمُكْتَرِي فَهُوَ أَمَانَة وَلَيْسَ على الْمكْرِي إِبْدَاله والدعامة الَّتِى تمنع من الانهدام إِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا فِي معنى جذع جَدِيد أَو فِي معنى إِقَامَة مائل فِيهِ تردد فرع لَو أجر دَارا لَيْسَ لَهَا بَاب ومرزاب لم يلْزمه إحداثه قطعا إِذْ لم يلتزمه أصلا نعم إِن جَهله المكترى فَلهُ الْخِيَار الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَطْهِير الدَّار عَن الكناسة والأتون عَن الرماد وعرصة الْموضع عَن الثَّلج الْخَفِيف على الْمُكْتَرِي وتطهير السطوح على الثَّلج لَيْسَ على الْمُكْتَرِي بل إِن فعله الْمُكْتَرِي فَذَاك وَإِن تَركه فَهُوَ المستضر بِهِ فَإِن انْهَدَمت بِهِ الدَّار فللمكتري الْخِيَار وَأما تنقية البالوعة والحش فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه على الْمُكْتَرِي ككنس الْعَرَصَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 وَالثَّانِي على الْمكْرِي إِذْ بِهِ يتهيأ للِانْتِفَاع وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لَا يُطَالب الْمُكْتَرِي بالتنقية عِنْد الْخُرُوج من الدَّار وَيُطَالب بتنقية الْعَرَصَة من الكناسات وَقَوْلنَا فِي دوَام الْمدَّة عَلَيْهِ أردنَا بِهِ إِن أَرَادَ الِانْتِفَاع لنَفسِهِ فرع لَو طرح فِي الْبَيْت مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد هَل يمْنَع مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه لَا يمْنَع فَإِنَّهُ مُعْتَاد فِي الدّور أما الْأَرَاضِي فَفِيهَا ثَلَاث مسَائِل الأولى إِذا اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة وَلها شرب اتبع مُوجب الشَّرْط فِي الشّرْب وَإِن لم يكن شَرط فالعرف فَإِن لم يكن عرف فاستؤجرت للزِّرَاعَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الِاتِّبَاع لِأَن لفظ الزِّرَاعَة كالشرط للشُّرْب إِذْ لَا يسْتَغْنى عَنهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه لَا اتِّبَاع إِذْ مُوجب اللَّفْظ يُزَاد عَلَيْهِ بعرف غير مُضْطَرب فَإِذا اضْطربَ اقْتصر على مُوجب اللَّفْظ وَمِنْهُم من قَالَ تفْسد هَذِه الْإِجَارَة لِأَن الْمَقْصُود صَار مَجْهُولا بتعارض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا مَضَت مُدَّة الْإِجَارَة وَالزَّرْع بَاقٍ نظر فَإِن كَانَ السَّبَب تَقْصِير الْمُكْتَرِي وتأخيره فللمكري قلعه مجَّانا وَله إبقاؤه بِأُجْرَة وَإِن كَانَ السَّبَب برد الْهَوَاء وإفراطه فَلَمَّا يقلعه مجَّانا بل يتْركهُ بِأُجْرَة لِأَنَّهُ غير مقصر وَفِيه وَجه أَنه يقْلع مجَّانا كالتقصير وَإِن كَانَ السَّبَب كَثْرَة الأمطار الْمَانِعَة من الْمُبَادرَة إِلَى الزِّرَاعَة فَهَذَا مُتَرَدّد بَين التَّأْخِير وَبَين برد الْهَوَاء وَإِن كَانَ السَّبَب قصر الْمدَّة الْمَشْرُوطَة كَمَا إِذا اسْتَأْجر الأَرْض لزراعة الْقَمْح شَهْرَيْن فَإِن شَرط الْقلع مجَّانا فَلهُ ذَلِك فَلَعَلَّهُ لَيْسَ يَبْغِي إِلَّا القصيل وَإِن شَرط الْإِبْقَاء فَالْإِجَارَة فَاسِدَة لتناقض التَّأْقِيت وَشرط الْإِبْقَاء وَإِن سكت قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينزل على شَرط الْإِبْقَاء فَيفْسد لِأَن الزَّرْع يقْصد ليبقى فِي الْعَادة فَهُوَ كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة يَوْمًا ليسافر بهَا إِلَى مَكَّة من بَغْدَاد وَإِلَيْهِ يُشِير نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه يَصح لِأَن الْمدَّة مَعْلُومَة وَقد يقْصد القصيل ثمَّ فِي جَوَاز الْقلع وَجْهَان أَحدهمَا لَا يقْلع مجَّانا كالإعارة المؤقتة وَالثَّانِي يقْلع لِأَن فَائِدَة تأقيت الْإِعَارَة طلب الْأُجْرَة بعد الْمدَّة وَهَاهُنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 الْأُجْرَة فِي الْمدَّة لَازِمَة فَلَا تظهر فَائِدَة سوى الْقلع وعَلى الْجُمْلَة نقل وَجه من هَاهُنَا إِلَى تأقيت الْإِعَارَة مُتَّجه وَكَذَلِكَ فِي إِجَارَة الأَرْض للْبِنَاء وَالْغِرَاس فِي جَوَاز الْقلع بعد الْمدَّة هَذِه الْخلاف مَعَ الْقطع فِي الْعَارِية المؤقتة بِأَنَّهُ لَا يجوز الْقلع بعد الْمدَّة والتسوية متجهة ثمَّ إِذا فرعنا على أَن الْإِجَارَة المؤقتة كالعارية المؤقتة وَأَن الْقلع مجَّانا بعده لَا يجوز فَيتَخَيَّر بَين الْقلع بِأَرْش أَو الْإِبْقَاء بِأُجْرَة أَو التَّمَلُّك بعوض كَمَا فِي الْعَارِية فَإِن اخْتَار الْقلع فمباشرة الْقلع أَو بدل مُؤْنَته على من فِي كَلَام الْأَصْحَاب فِيهِ تردد يحْتَمل أَن يُقَال على الْمُكْتَرِي فَإِنَّهُ تَفْرِيغ الْملك وَهُوَ الذى شغله وَإِنَّمَا على الْمَالِك أرش النُّقْصَان وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن أَرَادَ الْمَالِك الْقلع فليباشره وعَلى هَذَا لَو أَبى الْمُكْتَرِي الْقلع أَو التَّمْكِين مِنْهُ ذكرنَا فِي الْعَارِية أَنه يقْلع مجَّانا وَذكر هَاهُنَا وَجه يطرد أَيْضا فِي الْعَارِية أَنه يقْلع وَيغرم لَهُ كالمالك إِذا منع الْمُضْطَر الطَّعَام لَا يبطل حَقه لَكِن يُؤْخَذ قهرا بعوض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو استلجرها للقمح فَلَيْسَ لَهُ زراعة الذّرة وَلَو اسْتَأْجر للذرة فَلهُ زراعة الْقَمْح لِأَن ضَرَره دونه وَلَو شَرط الْمَالِك الْمَنْع عَن الْقَمْح فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتبع الشَّرْط فَهُوَ الْمَالِك وَالثَّانِي يفْسد الشَّرْط فَهُوَ كَقَوْلِه أجرت بِشَرْط أَن لَا تلبس إِلَّا الْحَرِير وَالثَّالِث أَن العقد يفْسد كَمَا لَو شَرط أَن لَا يُؤَاجر الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة وَلَو نفى الذّرة فزرعها فللمكري الْمُبَادرَة إِلَى الْقلع فِي الْحَال وَلَو زرع مَا ضَرَره دون ضَرَر الْمَشْرُوط وَلَكِن يطول بَقَاؤُهُ فَهَل لَهُ فِي الْحَال قلعه وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا ضَرَر فِي الْحَال وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُضر فِي جنسه بطول الْبَقَاء فرع لَو شَرط الْقَمْح فزرع الذّرة فَلم يقْلع حَتَّى مَضَت الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتَخَيَّر بَين أَن يُطَالب بِأُجْرَة الْمثل أَو يُطَالب بِالْمُسَمّى وَأرش نُقْصَان الأَرْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 قَالَ الْمُزنِيّ الأولى بقوله الْمُسَمّى وَأرش النَّقْص فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هَذَا يدل على اضْطِرَاب قَول وَحَاصِل مَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَعَيَّن الْمُسَمّى وَأرش النَّقْص إِذْ صحت الْإِجَارَة وَلم يعدل عَن جنس الزِّرَاعَة فَهُوَ كَمَا لَو اسْتَأْجر دَابَّة لحمل خمسين فَحمل مائَة يثبت الْمُسَمّى وَزِيَادَة وَالثَّانِي تتَعَيَّن أُجْرَة الْمثل إِذْ ترك الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَو اسْتَأْجر للزِّرَاعَة فَبنى وَالثَّالِث أَنه ليتخير كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الذّرة يضاهي الْقَمْح من وَجه وَيُخَالِفهُ من وَجه فَالْخِيَار للْمَالِك وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْأَقْوَال فِي الْعُدُول عَن الزَّرْع إِلَى الْبناء وَالْغِرَاس الْقسم الثَّالِث فِي اسْتِئْجَار الدَّوَابّ وَفِيه سبع مسَائِل الأولى يجب على مكري الدَّابَّة تَسْلِيم الحزام والثغر والإكاف وَفِي الْإِبِل الْبرة والخطام والبرذعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَفِي السرج خلاف فِي إكراء الْفرس والمتبع فِي كل ذَلِك الْعرف أما الْمحمل والمظلة والغطاء وَالْحَبل الذى يشد بِهِ أحد المحملين إِلَى الآخر على الْمُكْتَرِي أما آلَات النَّقْل كالوعاء فعلى الْمُكْتَرِي إِن وَردت الْإِجَارَة على عين الدَّابَّة وَإِن الْتزم فِي الذِّمَّة نقل مَتَاعه فعلى الْمكْرِي والدلو والرشأ فِي الاستقاء كالوعاء والمتبع فِي كل ذَلِك الْعرف الثَّانِيَة إِذا اسْتَأْجر للرُّكُوب وَلم يتَعَرَّض للمعاليق فِي اقتضائه تَعْلِيق المعاليق وَجْهَان أَحدهمَا يَقْتَضِيهِ للْعَادَة وَالثَّانِي لَا إِذْ رب رَاكب لَا معلاق لَهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَقْتَضِيهِ فَهُوَ كَمَا لَو ذكر المعلاق وَلم يفصله وَقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه مَجْهُول أم يحكم فِيهِ الْعرف فرع الصَّحِيح أَن الطَّعَام يجب تَقْدِيره فَلَو قدر عشْرين منا فَإِذا فني هَل يجوز إِبْدَاله فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم كَسَائِر المحمولات وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَادة فِي الطَّعَام أَن تنزفه الدَّابَّة إِذْ لم يبْق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 وَالثَّالِث أَنه يُبدل إِن فني الْكل وَإِن فني شئ مِنْهُ فَلَا يُبدل كل سَاعَة الثَّالِثَة كَيْفيَّة السّير والسرى ينزل فِيهِ على الْعَادة أَو الشَّرْط وَكَذَا النُّزُول على العقبات يَقْتَضِيهِ مُطلق الْإِجَارَة فَلَو تنَازعا فِي الْمنزل فَإِن كَانَ فِي صيف فالصحراء وَإِن كَانَ فِي شتاء فَفِي الْقرى وَقد يخْتَلف بالأمن وَالْخَوْف فَينزل فِي وَقت الْخَوْف فِي الْقرى وَفِي الْأَمْن فِي الصَّحرَاء فَإِن لم يكن عرف فَسدتْ الْإِجَارَة إِن لم يشْتَرط وَالنُّزُول عَن الدَّابَّة وَالْمَشْي رواحا مُعْتَاد فَإِن أَبى فَهَل يجْبر عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْعَادة التَّبَرُّع بِهِ لمن أَرَادَ لَا كالنزول على الْعقبَة الرَّابِعَة يجب على الْمكْرِي إِعَانَة الرَّاكِب فِي النُّزُول وَالرُّكُوب إِن كَانَ الرَّاكِب مَرِيضا أَو شَيخا أَو امْرَأَة هَذَا إِذا الْتزم بتبليغ الرَّاكِب الْمنزل فِي الذِّمَّة فَإِن أورد على عين الدَّابَّة وَسلم فَفِيهِ خلاف وَلَعَلَّه يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الْمُكْتَرِي فِي الْعَادة أما الْإِعَانَة على الْحمل فَالصَّحِيح أَنه يجب إِذْ الْعرف فِيهِ غير مُخْتَلف والاستقلال بِالْحملِ غير مُمكن بِخِلَاف الرّكُوب وَرفع الْمحمل وحطه أَيْضا على الْمكْرِي كالإعانة على الْحمل وَشد أحد المحملين إِلَى الآخر فِي الِابْتِدَاء على من فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه مردد بَين تنضيد الأقمشة وَهُوَ على الْمكْرِي وَبَين الْخط وَالرَّفْع ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن تنَازعا فِي كَيْفيَّة الرّكُوب فِي الْمحمل جلس لَا مكبوتا وَلَا مُسْتَلْقِيا أَي مستويا غير مخفوض أحد الْجَانِبَيْنِ من أَسْفَل أَو من قُدَّام الْخَامِسَة إِذا اسْتَأْجر للْحَمْل مُطلقًا فَلهُ أَن يحمل مَا شَاءَ وَالْأَظْهَر أَن اخْتِلَاف الْحَدِيد والقطن وَالشعِير كاختلاف الْقَمْح والذرة حَتَّى يشْتَرط التَّعَرُّض لَهُ فِي وَجه ثمَّ إِن شَرط الشّعير حمل الْحِنْطَة إِذْ لَا فرق وَلَا يحمل الْحَدِيد وَلَو شَرط الْحَدِيد حمل الرصاص والنحاس للتقارب وَلَا يحمل الْقطن وَكَذَا إِذا شَرط الْقطن لَا يحمل الْحَدِيد لاخْتِلَاف جنس الضَّرَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 وَأما الْوِعَاء هَل يحْتَسب إِن قَالَ التزمت حمل مائَة منا من الْحِنْطَة فالوعاء وَرَاءه فَإِن تماثلت الغراير فِي الْعرف حمل عَلَيْهِ وَإِلَّا شَرط ذكر وزند الظّرْف فَإِن قَالَ احْمِلْ مائَة من فَالظَّاهِر أَنه مَعَ الظّرْف وَفِيه وَجه أَنه كالصورة الأولى وَلَو قَالَ أحمل عشرَة آصَع بدرهم وَمَا زَاد فبحسابه فَهُوَ فِي عشرَة آصَع صَحِيح وَفِي الْبَاقِي فَاسد لِأَنَّهُ لَا مرد لَهُ السَّادِسَة إِذا تلفت الدَّابَّة الْمعينَة انْفَسَخت الْإِجَارَة وَإِن وَردت على الذِّمَّة وسلمت الدَّابَّة فَتلفت جَازَ للمكري إبدالها وَلم تَنْفَسِخ وَكَذَا إِذا وجد بهَا عَيْبا لم يكن لَهُ الْفَسْخ كَمَا إِذا وجد بِالْمُسلمِ فِيهِ عَيْبا نعم يُفِيد الْقَبْض فِي الدَّابَّة وَإِن لم يعين فِي العقد تسلط الْمُسْتَأْجر على إِجَارَتهَا والاختصاص بهَا إِن أفلس الْمكْرِي حَتَّى يقدم على الْغُرَمَاء بمنافعها وَلَو أَرَادَ الْمَالِك إبدالها فِي الطَّرِيق دون رِضَاهُ فِيهِ تردد وَالأَصَح أَنه إِن قَالَ أجرتك دَابَّة من صفتهَا كَذَا وَكَذَا ثمَّ عين لم بجز لَهُ الْإِبْدَال وَإِن قَالَ التزمت إركابك إِلَى الْبَلَد الْفُلَانِيّ جَازَ الْإِبْدَال السَّابِعَة فِي إِبْدَال متعلقات الْإِجَارَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 أما المستوفي وَهُوَ الرَّاكِب فَيجوز إِبْدَاله بِمثلِهِ وَأما الْمُسْتَوْفى مِنْهُ وَهُوَ الْأَجِير وَالدَّابَّة وَالدَّار فَلَا يجوز الْإِبْدَال بعد وُرُود الْإِجَارَة على الْعين وَأما الْمُسْتَوْفى فِيهِ وَهُوَ الثَّوْب فِي الْخياطَة وَالصَّبِيّ فِي التَّعْلِيم والمسافة فِي الْبِلَاد والطرق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن الْإِجَارَة لَا تتَعَلَّق بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كالمستوفي وَالثَّانِي لَا كالمستوفى مِنْهُ وَالثَّالِث أَنه لَا إِجْبَار فِيهِ وَلَكِن بِالتَّرَاضِي يجوز من غير تَصْرِيح بمعاوضة وَشَرطهَا فرع إِذا اسْتَأْجر ثوبا للبس فَلَا يبيت فِيهِ لَيْلًا وَكَذَا فِي وَقت القيلولة وَفِي وَقت القيلولة وَجه وَلَيْسَ لَهُ الاتزار بِهِ لِأَن ضَرَره فَوق اللّبْس وَفِي الارتداء بِهِ وَجْهَان لِأَن ضَرَر جنس آخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 الْفَصْل الثَّانِي فِي الضَّمَان وَالنَّظَر فِي الْمُسْتَأْجر والأجير أما الْمُسْتَأْجر فيده يَد أَمَانَة فِي مُدَّة الِانْتِفَاع وَلَو انْهَدَمت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة أَو تلف الثَّوْب الْمُسْتَأْجر للبس أَو الدَّابَّة المتسأجرة للرُّكُوب بِغَيْر عدوان فَلَا ضَمَان لِأَن توفيه الْمَنْفَعَة وَاجِبَة على الْآجر وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات يَد الْمُسْتَأْجر فَكَأَنَّهُ يمسِكهُ لغَرَض الْآجر أما إِذا تعدى بِضَرْب الدَّابَّة من غير حَاجَة أَو سَبَب آخر فَتلف ضمن ضَمَان الْعدوان أما إِذا انْقَضتْ الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو حَبسه بعد الْمدَّة فَتلف ضمن وَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قطع بِأَن يَده يَد أَمَانَة بعد الْمدَّة كَمَا فِي الْمدَّة وَأَنه لَا يلْزمه مُؤنَة الرَّد وَإِذا تلف فَلَا ضَمَان وَأَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا حبس بعد الْمُطَالبَة وَمِنْهُم من قَالَ يَده بعد الْمدَّة كيد الْمُسْتَعِير فَعَلَيهِ مؤونة الرَّد وَالضَّمان فَأَما قبل الِانْتِفَاع إِذا سلم إِلَيْهِ الدَّابَّة فربطها فِي الإصطبل فَمَاتَتْ فَلَا ضَمَان قبل مُضِيّ مُدَّة الِانْتِفَاع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 فَإِن انْهَدم عَلَيْهَا والإصطبل قَالَ الْأَصْحَاب يجب الضَّمَان إِذْ لَو ركب فِي الطَّرِيق لَكَانَ آمنا من هَذِه الآفة أما الْأَجِير على الدَّابَّة للرياضة وعَلى الثَّوْب للخياطة وعَلى الْخبز للخبز فضامن إِن تلف المَال بتقصيره فِي الْعَمَل وَإِن لم يقصر وَتلف بِآفَة نظر إِن كَانَ فِي دَار الْمَالِك وَفِي حُضُوره والشئ فِي يَد الْمَالِك فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ فِي يَد الْأَجِير ودكانه فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْأَصَح أَنه لَا ضَمَان قَالَ الرّبيع اعْتقد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا ضَمَان على الْأَجِير وَأَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَكِن كَانَ لَا يبوح بِهِ خيفة الْقُضَاة السوء والآجر السوء ويتأيد ذَلِك بِأَن الرَّاعِي إِذا نلفت الأغنام تَحت يَده بِالْمَوْتِ بِآفَة سَمَاوِيَّة لَا يضمن إِجْمَاعًا وعامل الْقَرَاض لَا يضمن إِجْمَاعًا وَالْمُسْتَأْجر لَا يضمن إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَنه يضمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ويتأيد ذَلِك بآثار من الصَّحَابَة وَفِيه مصلحَة للنَّاس صِيَانة لِلْمَالِ من الأجراء السوء وَلِأَن الْعَمَل وَجب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مستعير للثوب لغَرَض نَفسه حَتَّى يُوفي عمله بواسطته بِخِلَاف المتسأجر وَالثَّالِث أَن الْأَجِير الْمُشْتَرك الذى يقدر على أَن يحصله بِنَفسِهِ وَغَيره يضمن وَالْمُنْفَرد الْمعِين شخصه للْعَمَل لَا يضمن وَالْفرق ضَعِيف فروع أَرْبَعَة الأول إِذا غسل ثوب غَيره أَو حلق رَأسه أَو دلكه من غير جَرَيَان لفظ فِي الْإِجَارَة فَظَاهر نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يسْتَحق شَيْئا وَهُوَ قِيَاس مذْهبه لِأَن الْأُجْرَة تجب بِعقد وَمُجَرَّد الْقَرِينَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تقوم مقَام العقد ولأجله لم تكن المعاطاة بيعا أَو تجب بِالْإِتْلَافِ والغسال والدلال والحلاق هم الَّذين أتلفوا مَنَافِع أنفسهم وَلم يجر مِنْهُ إِلَّا سكُوت أَو إِذن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وَلَو أتلف ملك غَيره بِإِذْنِهِ لم يضمن فَكيف إِذا أتلف الْمَالِك مَنْفَعَة نَفسه وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَنه يضمن لَهُ إِذا كَانَ مثله يعْمل بِأُجْرَة وَيكون بِالْإِذْنِ مُسْتَوْفيا للمنفعة وَفعله لَا يدل على الْمُسَامحَة فَيبقى مَضْمُونا كَمَا أَن من دخل الْحمام جعل مُسْتَوْفيا للمنفعة ضَامِنا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الالتماس من صَاحب الثَّوْب ضمن وَإِن كَانَ من الغسال لم يسْتَحق فَإِن قيل وَمَا يسْتَحقّهُ الحمامي عوض مَاذَا قُلْنَا من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ ثمن المَاء وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرّع بالسطل والإزار إِعَارَة لَهُ ومتبرع بِحِفْظ الثِّيَاب وَهُوَ ضَعِيف لِأَن المَاء تَابع فِي مَقْصُود الاستحمام وَلَو كَانَ مَقْصُودا لَكَانَ يضمن بِالْمثلِ إِن كَانَ مُتَقَوّما بل مَا يسْتَحقّهُ أجره مَنْفَعَة السطل والإزار وَالْحمام وَحفظ الثِّيَاب فَهُوَ فِي حق الثَّوْب كأجير مُشْتَرك حَتَّى يخرج ضَمَانه على الْقَوْلَيْنِ والداخل لَا يضمن السطل والإزار ضَمَان الْمُسْتَعِير بل هُوَ كالمستأجر الْفَرْع الثَّانِي إِذا قصر الثَّوْب فَتلف بعد القصارة إِن كَانَ يغسل فِي يَد الْمَالِك وداره فَيسْتَحق الْأُجْرَة وَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ فِي يَد الغسال فَفِي الضَّمَان الْقَوْلَانِ وَفِي الْأُجْرَة قَولَانِ مأخذهما أَن القصارة عين أَو أثر وَفَائِدَته أَن الْقصار هَل لَهُ حق الْحَبْس كَمَا للصباغ فَإِن قُلْنَا لَهُ حق الْحَبْس فقد تلف قبل التَّسْلِيم فَلَا أُجْرَة لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 وَإِن قُلْنَا أثر وَلَا حبس فقد صَار بِمُجَرَّد الْفَرَاغ مُسلما فَلهُ الْأُجْرَة وَالصَّحِيح أَنه لَا أُجْرَة لَهُ وَلَا ضَمَان وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنا إِن ضمناه فَلهُ الْأُجْرَة وَإِن جَعَلْنَاهُ أَمينا فَلَا أُجْرَة لَهُ وقدمناه من الْبناء أظهر الْفَرْع الثَّالِث إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليحملها عشرَة آصَع فَأخذ الدَّابَّة وَحملهَا أحد عشر صَاعا وَتلف تَحت يَده ضمن كلهَا لِأَنَّهُ غَاصِب وَلَو أسلم أحد عشر صَاعا إِلَى الْمكْرِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ فَظن أَنه عشرَة فحملها فَتلفت الدَّابَّة بِآفَة أُخْرَى فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل للزِّيَادَة وَإِن تلفت بثقل الْحمل فَالْأَظْهر أَن الْغَار يُطَالب بِالضَّمَانِ وَإِن كَانَ مُبَاشرَة الْحمل من مَالك الدَّابَّة وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا النّصْف لِأَنَّهُ تلف بمضمون وَغير مَضْمُون فَهُوَ كالجراحات وَالثَّانِي يوزع على قدر الْحمل فَيلْزمهُ جُزْء من أحد عشر جُزْءا من الضَّمَان بِخِلَاف الْجِرَاحَات فَإِن آثارها لَا يَنْضَبِط وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الجلاد إِذْ زَاد على الْحَد وَاحِدَة أَنه يوزع على الْعدَد أَو ينصف وَلَو اسْتَأْجر رجلَانِ ظهرا فارتدفهما ثَالِث بِغَيْر إذنهما وَهَلَكت الدَّابَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 فَفِيمَا على الرديف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النّصْف إِذْ هلك بمضمون وَغير مَضْمُون وَالثَّانِي أَنهم يوزنون ويقسط الضَّمَان على وَزنه بِحِصَّتِهِ وَالثَّالِث أَن عَلَيْهِ الثُّلُث فَإِن وزن الرِّجَال بعيد الْفَرْع الرَّابِع سلم ثوبا إِلَى خياط فخاطه قبَاء فَقَالَ الْمَالِك مَا أَذِنت لَك إِلَّا فِي خياطته قَمِيصًا وتنازعا قَالَ ابْن أبي ليلى القَوْل قَول الْخياط لِأَن الْإِذْن فِي أَصله مُتَّفق عَلَيْهِ وَهُوَ أَمِين فَالْقَوْل قَوْله فِي التَّفْصِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله القَوْل قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ الْآذِن فَيرجع إِلَه ف تَفْصِيل إِذْنه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَول أبي حنيفَة رَحمَه الله أولى ثمَّ ذكر قولا ثَالِثا وَهُوَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إِذْ الْمَالِك يَدعِي عَلَيْهِ خِيَانَة وَهُوَ ينكرها والخياط يَدعِي على الْمَالِك إِذْنا فِي خياطَة القباء وَهُوَ يُنكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثَة أَقْوَال إِذْ لَا يرجح فَاسد على فَاسد فَدلَّ على أَنه رأى مَذْهَبهمَا رَأيا وَمِنْهُم من قَالَ مذْهبه التَّحَالُف وَذَاكَ حِكَايَة عَن مَذْهَب الْغَيْر وَهُوَ الْأَصَح التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحلف الْأَجِير فَحلف سقط عَنهُ الْأَرْش وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي لَا لِأَن يَمِينه نَافِيَة فَلَا تصلح للإثبات وَالثَّانِي أَنه يسْتَحق لأَنا نحلفه على أَنه أذن لَهُ فِي خياطته قبَاء لَا قَمِيصًا فليستفد بِيَمِينِهِ اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة فَإِن قُلْنَا يسْتَحق فأجرة الْمثل أَو الْمُسَمّى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمُسَمّى تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا قَالَ فَإِن كَانَ من إِشْكَال فَهُوَ من ضعف هَذَا القَوْل ولزومه عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 وَالثَّانِي أُجْرَة الْمثل إِذْ رُبمَا يكثر الْمُسَمّى وَيبعد إثْبَاته بِيَمِين النَّفْي فَإِن قُلْنَا لَا يسْتَحق فيدعي على الْمَالِك الْأُجْرَة فَإِن حلف سقط وَإِن نكل فَهَل تجدّد الْيَمين عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله لَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التكرير فَكَأَن يَمِينه السَّابِقَة كَانَت مَوْقُوفَة على النّكُول لتصير حجَّة وَالثَّانِي أَنه يُكَرر الْيَمين إِذْ لَا عهد بِتَقْدِيم الْيَمين على النّكُول فِي الْإِثْبَات وَإِن فرعنا على أَن القَوْل قَول الْمَالِك فَيحلف لَهُ أَنه أذن لَهُ فِي الْقَمِيص لَا فِي القباء وَتسقط عَنهُ الْأُجْرَة وَيسْتَحق الضَّمَان لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى الْإِذْن فَالْأَصْل الضَّمَان وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا التَّفَاوُت بَين الْمَقْطُوع وَغير الْمَقْطُوع وَالثَّانِي التَّفَاوُت بَين الْمَقْطُوع قَمِيصًا وقباء لِأَن هَذَا الْقدر مَأْذُون فِيهِ وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْوَكِيل إِذا ضمن فِي البيع هَل يحط عَنهُ مَا يتَغَابَن النَّاس بِهِ فَإِنَّهُ كالمأذون فِيهِ لَو تمّ البيع ثمَّ مهما لم يَأْخُذ الْأَجِير الْأُجْرَة فَلهُ نزع الْخَيط إِذا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 ملكا لَهُ وَإِن فرعنا على التخالف فَإِذا تحَالفا سَقَطت الْأُجْرَة وَهل يسْقط الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ فَائِدَة التَّحَالُف رفع العقد وَالرُّجُوع إِلَى مَا قبله وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يسْقط لِأَنَّهُ حلف على نفي الْعدوان أَعنِي الْخياطَة وَلَو نكل لَكَانَ لَا يلْزمه إِلَّا الضَّمَان فَلْيَكُن ليمينه فَائِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الطوارئ الْمُوجبَة للْفَسْخ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا ينقص الْمَنْفَعَة من الْعُيُوب فَهِيَ سَبَب للخيار قبل الْقَبْض وَبعد الْقَبْض لِأَنَّهُ وَإِن قبض الدَّار وَالدَّابَّة فالمنافع غير مَقْبُوضَة بعد نعم أقيم قبض مَحل الْمَنَافِع مقَام قبض الْمَبِيع فِي التسليط على الْإِجَارَة وَفِي لُزُوم تَسْلِيم الْبضْع إِن كَانَت الْمَنْفَعَة صَدَاقا وَحُصُول الْعتْق إِن كَانَت الْمَنْفَعَة نُجُوم كِتَابَة وَذَلِكَ لأجل الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي نفي خِيَار الْعَيْب وَالْعَيْب كل مَا يُؤثر فِي الْمَنْفَعَة تَأْثِيرا يظْهر بِهِ تفَاوت الْأُجْرَة مَا لَا يظْهر بِهِ تفَاوت قيمَة الرَّقَبَة فَإِن مورد العقد الْمَنْفَعَة فروع أَرْبَعَة أَحدهَا أَن عذر الْمُسْتَأْجر فِي نَفسه لَا يُسَلط على الْفَسْخ كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة لسفر فَمَرض أَو حَماما فَتعذر عَلَيْهِ الْوقُود أَو حانوتا فاحترف بحرفة أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا خلل فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يثبت الْفَسْخ بِهَذِهِ المعاذير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 الثَّانِي لَو استرم الْجِدَار فَهُوَ عيب فَلَو بَادر الْمكْرِي إِلَى الْإِصْلَاح لم يثبت الْفَسْخ وَإِنَّمَا الْخِيَار إِذا امْتنع عَن الْعِمَارَة أَو افْتقر إِلَى تَعْطِيل مُدَّة فَإِن رَضِي الْمُكْتَرِي دون الْإِصْلَاح فَالصَّحِيح أَنه يلْزمه تَمام الْأُجْرَة الثَّالِث إِذا أكرى أَرضًا للزِّرَاعَة ففسد الزَّرْع يحائحة من برد أَو صَاعِقَة لم يثبت بِالْفَسْخِ وَلَا ينقص شئ من الْأُجْرَة لِأَن الأَرْض لم تتعيب وَإِنَّمَا النَّازِلَة نزلت بِملكه وَإِن أفسدت الْجَائِحَة الأَرْض وأبطلت فِيهَا قُوَّة الإنبات ثمَّ فسد الزَّرْع بعده فَيفْسخ العقد فِيمَا بَقِي من الزَّمَان وَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ أُجْرَة مَا سبق إِذْ كَانَ مَوْقُوفا على الْآجر فَإِن أول الزِّرَاعَة غير مَقْصُود وَلم يسلم لَهُ الْآجر وَإِن أفسد الأَرْض بعد إِفْسَاد الزَّرْع فَالظَّاهِر أَنه لَا يسْتَردّ شَيْئا لِأَنَّهُ لَو بقيت صَلَاحِية الأَرْض وقوتها لم يكن للْمُسْتَأْجر فِيهَا فَائِدَة بعد فَوَات زرعه الرَّابِع مهما أثبتنا لَهُ الْخِيَار فَإِن رَضِي فَالصَّحِيح أَنه مَأْخُوذ بِتمَام الْأُجْرَة وَإِن فسخ فَالصَّحِيح أَنه لَا يَنْفَسِخ فِيمَا مضى وتوزع الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 على قدر أُجْرَة الْمثل فِي المدتين لَا على الْمدَّة الْقسم الثَّانِي فَوَات الْمَنْفَعَة الْكُلية فموت الدَّابَّة الْمعينَة وَالْعَبْد الْمعِين للْعَمَل يُوجب انْفِسَاخ الْإِجَارَة إِن وَقع عقب العقد وَإِن مَضَت مُدَّة انْفَسَخ بِالْإِضَافَة إِلَى الْبَاقِي وبالإضافة إِلَى الْمَاضِي يخرج على نَظِيره فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة فروع الأول إِذا انْهَدَمت الدَّار نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ وَإِذا انْقَطع شرب الأَرْض الْمُسْتَأْجرَة للزِّرَاعَة نَص أَن يثبت الْخِيَار فَقَالَ الْأَصْحَاب فِيهِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا الِانْفِسَاخ إِذْ فَاتَت الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة وَالثَّانِي ثُبُوت الْخِيَار إِذْ الأَرْض على الْجُمْلَة تبقى مُنْتَفعا بهَا بِوَجْه مَا وَمِنْهُم من قرر النصين وَفرق بِأَن الدَّار لم تبْق دَارا بعد الانهدام وَالْأَرْض بقيت أَرضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 فَإِن قُلْنَا لَهُ الْخِيَار فَأجَاز فَهَل يُجِيز بِكُل الْأُجْرَة أم يحط قسط لأجل الشّرْب فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا أَيْضا يضاهي التَّرَدُّد فِي أَن اللَّبن مَقْصُود مَعَ الْحَضَانَة أَو هُوَ تَابع وَلَو كَانَ عود المَاء متوقعا فَلم يفْسخ ثمَّ بعد ذَلِك أَرَادَ الْفَسْخ إِذا لم يعد فَلهُ ذَلِك وَهُوَ كَالْمَرْأَةِ إِذا أخرت الْفَسْخ بعد ثُبُوت إعسار الزَّوْج ومضي مُدَّة الْإِيلَاء الثَّانِي إِذا مَاتَ الصَّبِي الذى اُسْتُؤْجِرَ على إرضاعه أَو العَبْد الذى اُسْتُؤْجِرَ على تَعْلِيمه أَو تلف الثَّوْب الذى اُسْتُؤْجِرَ على خياطته فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان ذكرناهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 أَحدهمَا أَنه لَا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ كالمستوفي فَأشبه موت الْعَاقِدين فَإِنَّهُ لَا يُوجب الْفَسْخ عندنَا وَالثَّانِي نعم بل هُوَ كموت الْأَجِير لِأَن الْغَرَض يخْتَلف بِهِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو أصدقهَا خياطَة ثوب فَتلف الثَّوْب رجعت إِلَى مهر الْمثل وَهُوَ حكم بالانفساخ وَفِيه وَجه ثَالِث وَهُوَ الأعدل وَهُوَ أَنَّهُمَا إِن لم يتشاحا فِي الْإِبْدَال اسْتمرّ العقد وَإِلَّا ثَبت الْفَسْخ الثَّالِث إِذا غصبت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة حَتَّى مَضَت مُدَّة الْإِجَارَة قَالَ المراوزة يَنْفَسِخ العقد وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يَنْفَسِخ وَالثَّانِي للْمُسْتَأْجر الْخِيَار فَإِن أجَاز طَالب الْغَاصِب بِالْأُجْرَةِ كَالْبيع إِذا أتْلفه أَجْنَبِي قبل الْقَبْض وَهَذَا بِخِلَاف الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِشُبْهَة فَإِن الْبَدَل لَا يصرف إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 الزَّوْج لِأَن النِّكَاح لَا يُوجب حَقًا فِي المَال بِخِلَاف مَنْفَعَة الْإِجَارَة هَذَا إِذا مَضَت الْمدَّة وَأما فِي ابْتِدَاء الْغَصْب فَكَمَا جرى يثبت الْخِيَار للمكتري لِأَنَّهُ تَأَخّر حَقه بعد التَّعْيِين وَلَو ادّعى الْغَاصِب ملك الرَّقَبَة لنَفسِهِ فاللمكري حق الْمُخَاصمَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ للمكتري حق الْمُخَاصمَة لِأَنَّهُ لَو أقرّ مَا كنت أقبل إِقْرَاره وَذكر المراوزة وَجها منقاسا أَنه يُخَاصم لطلب الْمَنْفَعَة وَإِن كَانَ لَا يقبل إِقْرَاره فِي الرَّقَبَة فَلَو أقرّ الْمكْرِي بِالدَّار للْغَاصِب فَإِن قُلْنَا يَصح بَيْعه نفذ إِقْرَاره وَإِن قُلْنَا لَا يَصح بَيْعه فَفِي إِقْرَاره من الْخلاف مَا فِي إِقْرَار الرَّاهِن فَإِن قبلنَا إِقْرَاره فَفِي سُقُوط اسْتِحْقَاق الْمُسْتَأْجر من الْمَنْفَعَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يسْقط تَابعا للرقبة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ الْتزم حَقه فِي الْمَنْفَعَة فَلَا يقدر على إِبْطَاله وَالثَّالِث إِن كَانَت الدَّار فِي يَد الْمُكْتَرِي لَا تزايل يَده إِلَى مُضِيّ الْمدَّة وَإِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 كَانَت فِي يَد الْمقر لَهُ فَلَا تنْزع من يَده أَيْضا الرَّابِع إِذا هرب الْجمال بجماله فقد تَعَذَّرَتْ الْمَنْفَعَة فَإِن ورد العقد على الْعين فَلهُ الْفَسْخ وَإِذا مَضَت الْمدَّة انْفَسَخ وَإِن ورد على الذِّمَّة فللقاضي أَن يسْتَأْجر عَلَيْهِ استقراضا إِلَى أَن يرجع وَإِن كَانَ لَهُ مَال بَاعَ فِيهِ وَإِن ترك جماله استوفيت مَنْفَعَتهَا وَالْقَاضِي ينْفق عَلَيْهَا فَإِن انفق الْمُكْتَرِي بِنَفسِهِ فَفِي رُجُوعه عِنْد الْعَجز عَن القَاضِي خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الْمُسَاقَاة وَحَيْثُ قضينا بالانفساخ فِي موت الدَّابَّة وَالْعَبْد وَالْغَصْب أردنَا بِهِ مَا إِذا وَردت الْإِجَارَة على الْعين فَإِن وَردت على الذِّمَّة فَلَا تَنْفَسِخ وَلَكِن يُطَالب بالتوفية من عين أُخْرَى الْخَامِس إِذا حبس الْمُكْتَرِي الدَّابَّة الَّتِى اسْتَأْجرهَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَإِن لم يستعملها مهما مَضَت الْمدَّة فِي حَبسه سَوَاء كَانَت الْإِجَارَة وَردت على عين الدَّابَّة أَو على الذِّمَّة وسلمت الدَّابَّة فَأَما الْمكْرِي إِذا حبس وَلم يسلم انْفَسَخت الْإِجَارَة إِن كَانَ قد عين مُدَّة وَإِن لم تكن الْمدَّة مُعينَة فَوَجْهَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 أَحدهمَا نعم يَنْفَسِخ كَمَا تَسْتَقِر بِهِ الْأُجْرَة فِي حبس الْمُكْتَرِي وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخ بل يُقَال تَأَخّر حَقه فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ لِأَن الْوَقْت غير مُتَعَيّن السَّادِس التّلف الْمُوجب للانفساخ أَو للخيار مُوجب حكمه وَإِن صدر من الْمُكْتَرِي وَلكنه ضَامِن وَهُوَ كَمَا لَو جبت الْمَرْأَة زَوجهَا ضمنت وَثَبت لَهَا فسخ النِّكَاح الْقسم الثَّالِث مَا يمْنَع من اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة شرعا فَهُوَ أَيْضا مُوجب للانفساخ كَمَا لَو اسْتَأْجر على قلع سنّ فسكن الْأَلَم أَو قطع يَد فَسلمت الْيَد أَو ليقطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص فَعَفَا انْفَسَخت الْإِجَارَة فِي الْكل لِأَن الْفَوات شرعا كالفوات حسا إِلَّا عِنْد من يرى الْإِبْدَال فِي مثل هَذِه الْأُمُور وتيسر الْإِبْدَال فروع أَرْبَعَة الأول إِذا أجر الْوَقْف الْمُرَتّب على الْبُطُون وَمَات فَفِي انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ عَاقد وَالْإِجَارَة لَا تَنْفَسِخ بِمَوْت الْعَاقِد فعلى هَذَا الْبَطن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الثَّانِي يرجع فِي تركته بِأُجْرَة الْمدَّة الْبَاقِيَة وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يَنْفَسِخ إِذْ بَان أَن بإجارته تنَاول مَا لَا حق فِيهِ وَفِي إِلْزَام إِجَارَته على من بعده من الْبُطُون ضَرَر ظَاهر بِخِلَاف الْوَارِث فَإِنَّهُ يلْزمه تَسْلِيم الدَّار المكراة لِأَنَّهُ يَأْخُذ الْملك من الْمُورث وَلم يملك إِلَّا دَارا لَا مَنْفَعَة لَهَا الثَّانِي إِذا آجر الصَّبِي أَو مَاله على وفْق الْغِبْطَة مُدَّة تزيد على مُدَّة الصبى فَهُوَ بَاطِل فِي الْقدر الْفَاضِل وَفِي الْقدر الْبَاقِي يَنْبَنِي على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن كَانَ متقاصرا عَن سنّ بُلُوغه صحت الْإِجَارَة فَإِن بلغ قبل السن بالاحتلام فَفِي انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَجْهَان الْأَظْهر أَنه لَا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ وليه وَقد نظر لَهُ وَالْأُجْرَة قد سلمت لَهُ وَالثَّانِي أَنه يَنْفَسِخ إِذْ بَان أَنه تنَاول يعقدة مَا خرج عَن مَحل ولَايَته الثَّالِث إِذا آجر عبدا ثمَّ أعْتقهُ قبل مُضِيّ الْمدَّة صَحَّ الْعتْق كَمَا لَو زوج جَارِيَة ثمَّ أعْتقهَا إِذْ لَا يُنَاقض الْإِجَارَة الْعتْق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وَالْمذهب الْمَقْطُوع بِهِ أَنه لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة وَفِيه وَجه ذكره صَاحب التَّقْرِيب أَنه يَنْفَسِخ كموت الْبَطن الأول نعم اخْتلفُوا فِيمَا للْعَبد فَمنهمْ من قَالَ لَهُ الْخِيَار وَهُوَ أَيْضا بعيد فِي الْمَذْهَب بل الصَّحِيح اسْتِمْرَار الْإِجَارَة على اللُّزُوم وَفِي رُجُوع العَبْد بِأُجْرَة مثله على السَّيِّد وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ فَوته بعد الْحُرِّيَّة وَالْمَنْفَعَة حدثت على ملك العَبْد وَالثَّانِي لَا وَكَأَنَّهُ كالمستوفى فِي حَالَة الرّقّ فَإِن قُلْنَا لَا يرجع بِالْأُجْرَةِ فَفِي نَفَقَته وَجْهَان أَحدهمَا على السَّيِّد وَكَأَنَّهُ استبقى حَبسه مَعَ الْعتْق وَالثَّانِي على بَيت المَال فَإِن الْملك قد زَالَ وَهُوَ فَقير فِي نَفسه الرَّابِع إِذا بَاعَ الدَّار الْمُسْتَأْجرَة من أَجْنَبِي قبل مُضِيّ مُدَّة الْإِجَارَة فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا الصِّحَّة وَكَأن الْمَنَافِع مُسْتَثْنَاة وَلَو اسْتثْنى الْمَنَافِع لنَفسِهِ مُدَّة فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَيشْهد لجَوَاز الِاسْتِثْنَاء حَدِيث ورد فِيهِ وَإِن كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي الْبطلَان وَلَو انْفَسَخت الْإِجَارَة بِعُذْر فِي بَقِيَّة الْمدَّة فالمنفعة الْبَاقِيَة للْمُشْتَرِي أَو للْبَائِع فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 أَحدهمَا للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يحدث على ملكه بعد انْفِسَاخ الْإِجَارَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ للْمُسْتَأْجر فَيَعُود بفسخه إِلَى الْعَاقِد للإجارة لَا غير أما إِذا بَاعهَا من الْمُسْتَأْجر فَالظَّاهِر الصِّحَّة وتستوفى الْمَنْفَعَة فِي بَقِيَّة الْمدَّة بِحكم الْإِجَارَة وَفِيه وَجه آخر أَنه تَنْفَسِخ الْإِجَارَة كَمَا لَو اشْترى زَوجته فَإِن ملك الْعين أقوى فِي إِفَادَة الْمَنْفَعَة من الْإِجَارَة فَيدْفَع الأضعف أما إِذا أجر الْمُسْتَأْجر الدَّار الْمُسْتَأْجرَة من الْمَالِك صَحَّ على الظَّاهِر وعَلى قَوْلنَا ملك الْعين وَالْإِجَارَة لَا يَجْتَمِعَانِ لَا يَصح أصلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 = كتاب الْجعَالَة= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 وَهِي مُعَاملَة صَحِيحَة لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} وَلما رُوِيَ أَن قوما من أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلُوا بحي من أَحيَاء الْعَرَب فلدغ سيدهم فالتمسوا مِنْهُم رقية فَأَبَوا إِلَّا بِجعْل فَجعلُوا لَهُم قطيعا من الشَّاة وَمضى إِلَيْهِم وَاحِد وَقَرَأَ أم الْقُرْآن وتفل فِيهِ بلعابه فبرئ فَسلم القطيع فَقَالُوا لَا نَأْخُذ حَتَّى نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحكي ذَلِك لَهُ فَضَحِك وَقَالَ مَا أَدْرَاك أَنَّهَا رقية خذوها واضربوا لي فِيهَا بِسَهْم ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ إِذْ قد تمس الْحَاجة إِلَى ذَلِك فِي رد عبد آبق أَو ضَالَّة وَمَا لَا يدرى من الذى تعذر عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وَالنَّظَر فِي أَحْكَامهَا وأركانها أما الْأَركان فَأَرْبَعَة الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي قَول الْمُسْتَعْمل من رد عَبدِي الْآبِق أَو ضالتي أَو عمل الْعَمَل الذى يُريدهُ مِمَّا يجوز فعله ويستباح فَلهُ دِينَار أَو مَا يُرِيد صَحَّ العقد وَلم يشْتَرط الْقبُول لفظا بل اكل من سَمعه اشْترك فِي حكمه فَمن قَامَ بِالْعَمَلِ اسْتحق وَلَو لم يصدر مِنْهُ لفظ فَرد إِنْسَان عَبده الْآبِق أَو عمل لَهُ عملا لم يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ مُتَبَرّع وَلَو قَالَ رد عَبدِي وَلم يقطع لَهُ أُجْرَة فَرد فَفِي اسْتِحْقَاقه مَا ذَكرْنَاهُ فِي اسْتِعْمَال الْقصار والدلاك والمزين وَكَذَا إِذا نَادَى وَلَكِن رد العَبْد من لم يسمع نداءه فَلَا يسْتَحق شَيْئا لِأَن النداء يتَنَاوَل من سمع وَهُوَ قصد التَّبَرُّع بِهِ وَكَذَا الْفُضُولِيّ إِذا كذب وَقَالَ قَالَ فلَان من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَرده إِنْسَان لَا يسْتَحق لَا على الْمَالِك وَلَا على الْفُضُولِيّ وَلَو قَالَ من رد عبد فلَان فَلهُ دِينَار وَجب على الْفُضُولِيّ لِأَنَّهُ ضمنه بقوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وَلَا يشْتَرط فِي الْجَاعِل إِلَّا أَهْلِيَّة الِاسْتِئْجَار وَلَا فِي المجعول لَهُ إِلَّا أَهْلِيَّة الْعَمَل وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين إِذْ يُخَالف اشْتِرَاط تعْيين الشَّخْص مصلحَة العقد الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل وَهُوَ كل مَا يجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ وَلَكِن لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فَإِن رد الْآبِق لَا يَنْضَبِط الْعَمَل فِيهِ وَكَانَ ينقدح أَن يشْتَرط كَون الْعَمَل مَجْهُولا وَلَا يتَقَدَّر كالمضاربة وَلَكِن قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ من بني حائطي أَو خاط ثوبي فَلهُ كَذَا أَن ذَلِك لَا يجوز وَكَذَا إِذا قَالَ أول من يحجّ عني فَلهُ دِينَار اسْتحق الدِّينَار هَذَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي المنثور ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ يَنْبَغِي أَن يسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ إِجَارَة فَلَا يَصح بِغَيْر تعْيين وَهَذَا يدل على أَن الْمُزنِيّ اعْتقد اخْتِصَاص الْجعَالَة بِالْمَجْهُولِ الذى لَا يسْتَأْجر عَلَيْهِ وَقد نسب الْعِرَاقِيُّونَ الْمُزنِيّ إِلَى الْغَلَط فِيهِ وَقَالُوا هَذِه جعَالَة الرُّكْن الرَّابِع الْجعل وَشَرطه أَن يكون مَالا مَعْلُوما فَلَو شَرط مَجْهُولا فسد وَاسْتحق الْعَامِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو قَالَ من رد عَبدِي من الْبَصْرَة فَلهُ دِينَار وَهُوَ بِبَغْدَاد فَرده من نصف الطَّرِيق اسْتحق نصف الدِّينَار وَمن الثُّلُث الثُّلُث لِأَنَّهُ قدر الْمسَافَة وَإِن رد من مَكَان أبعد لم يسْتَحق للزِّيَادَة شَيْئا لِأَنَّهُ لم يشْتَرط عَلَيْهِ شَيْئا الثَّانِي إِذا قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فاشترك فِي رده اثْنَان اشْتَركَا فِي الْجعل وَإِن عين شخصا وَقَالَ إِن رددت فلك دِينَار فشاركه غَيره وَقَالَ قصدت معاونه الْعَامِل اسْتحق الْعَامِل الدِّينَار وَإِن قَالَ قصدت المساهمة فللعامل نصف الدِّينَار وَلَا شئ للمعين فَإِنَّهُ لم يشرط لَهُ شئ الثَّالِث إِذا قَالَ لأَحَدهمَا إِن رددت عَبدِي فَللَّه دِينَار وَقَالَ لآخر إِن رددت فلك دِينَار فاشتركا فَلِكُل وَاحِد نصف مَا شَرط لَهُ وَإِن شَرط لأَحَدهمَا دِينَارا وَللْآخر ثوبا مَجْهُولا فاشتركا اسْتحق من شَرط لَهُ الدِّينَار نصفه وَللْآخر نصف أُجْرَة الْمثل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 أما أَحْكَامهَا فَأَرْبَعَة الأول أَنه جَائِز من الْجَانِبَيْنِ كالمضاربة إِذْ لَا يَلِيق بهَا اللُّزُوم ثمَّ إِن فَسخه الْمَالِك قبل الْعَمَل انْفَسَخ وَإِن كَانَ بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل وَقبل الْفَرَاغ انْفَسَخ وَلَزِمَه أُجْرَة الْمثل وَإِن كَانَ بعد الْفَرَاغ من الْعَمَل فَلَا معنى للْفَسْخ الثَّانِي جَوَاز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَلَو قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة ثمَّ قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَمن رده اسْتحق الدِّينَار وَكَذَا على الْعَكْس وَالِاعْتِبَار بالأخير فَإِن لم يسمع الْعَامِل النداء النَّاقِص الْأَخير فينقدح أَن يُقَال يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل الثَّالِث أَن الْعَامِل لَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بالفراغ من الْعَمَل فَلَو رد العَبْد إِلَى بَاب دَاره فهرب أَو مَاتَ قبل التَّسْلِيم لم يسْتَحق شَيْئا لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ وَهُوَ الرَّد الرَّابِع لَو تنَازعا فِي أصل شَرط الْجعل فَأنكرهُ الْمَالِك أَو فِي عين عبد فَأنْكر الْمَالِك الشَّرْط فِيهِ وَقَالَ إِنَّه شَرط فِي عبد غَيره أَو أنكر الْمَالِك سَعْيه فِي الرَّد وَقَالَ رَجَعَ العَبْد بِنَفسِهِ فَالْقَوْل فِي ذَلِك كُله قَول الْمَالِك فَإِن الْعَامِل مُدع فليثبت وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْمَشْرُوط تحَالفا وَرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْإِجَارَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 = كتاب إحْيَاء الْموَات = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي تملك الْأَرَاضِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِيمَا يملك من الْأَرَاضِي بِالْإِحْيَاءِ وَهِي الْموَات قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ والموات هى الأَرْض المنفكة عَن الاختصاصات والاختصاصات سِتَّة أَنْوَاع النَّوْع الأول الْعِمَارَة فَكل أَرض معمورة فَهِيَ محياة فَلَا تتملك بِالْإِحْيَاءِ سَوَاء كَانَ ذَلِك من دَار الْإِسْلَام أَو دَار الْحَرْب وَإِن اندرست الْعِمَارَة وَبَقِي أَثَرهَا فَإِن كَانَ من عمَارَة الْإِسْلَام فَلَا تملك لِأَنَّهُ موروث عَمَّن ملكه فينتظر صَاحبه أَو يحفظ لبيت المَال ويتصرف الإِمَام فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 كَمَا يتَصَرَّف فِي مَال ضائع لَا يتَعَيَّن مَالِكه وَإِن كَانَ من عمارات الْجَاهِلِيَّة وَعلم وَجه دُخُولهَا فِي يَد الْمُسلمين إِمَّا بطرِيق الاغتنام أَو الفئ استصحب ذَلِك الحكم وَلم تتملك بِالْإِحْيَاءِ وَإِن وَقع الْيَأْس عَن مَعْرفَته فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يتَمَلَّك إِذْ لَا حُرْمَة لعمارة الْكفَّار فَصَارَ كركازهم وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ دخل فِي يَد أهل الْإِسْلَام فَالْأَصْل سبق ملك عَلَيْهِ وَأما الرِّكَاز فَحكمه حكم لقطَة معرضة للضياع هَذَا حكم دَار الْإِسْلَام أما دَار الْحَرْب فمعمورها كَسَائِر أَمْوَالهم يملك بالاغتنام وَأما مواتها فَمَا لَا يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنْهَا فَهُوَ كموات دَار الْإِسْلَام يتَمَلَّك بِالْإِحْيَاءِ ويفارقها فِي أَمر وَهُوَ أَن الْكَافِر لَو أَحْيَاهَا ملكهَا وَلَو أَحْيَا موَات دَار الْإِسْلَام لم يملكهَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن لأهل الْإِسْلَام اختصاصا بِحكم الْإِضَافَة إِلَى الدَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 أما مَا يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنهُ فَلَو أَحْيَاهَا مُسلم وَقدر على الْإِقَامَة ملكه وَإِن استولى عَلَيْهَا بعض الْغَانِمين وقصدوا الِاخْتِصَاص بهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا انه يفيدهم الِاخْتِصَاص بِالِاسْتِيلَاءِ مَا يُفِيد التحجر كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي أَنه يفيدهم الْملك فِي الْحَال لِأَن مَال الْكفَّار يملك بِالِاسْتِيلَاءِ وَالثَّالِث أَنه لَا يُفِيد الْملك لِأَنَّهُ لَيْسَ ملك الْكفَّار وَإِنَّمَا هُوَ موَات وَلَا اخْتِصَاص لِأَنَّهُ لَا يحْجر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد يَد فَهُوَ كمجرد الِاسْتِيلَاء على موَات دَار الْإِسْلَام النَّوْع الثَّانِي من الِاخْتِصَاص أَن يكون حَرِيم عمَارَة فَيخْتَص بِهِ صَاحب الْعِمَارَة وَلَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَإِن قيل وَمَا حد الْحَرِيم قُلْنَا أما الْبَلدة الَّتِى قَررنَا الْكفَّار عَلَيْهَا بالمصالحة فَلَمَّا حواليها من الْموَات الَّتِى يدْفَعُونَ الْمُسلمين عَنْهَا لَا تحيا وَفَاء بِالصُّلْحِ فَإِنَّهَا حَرِيم الْبَلدة وَأما الْقرْيَة المعمورة فِي الْإِسْلَام فَمَا يتَّصل بهَا من مرتكض الْخَيل وملعب الصّبيان ومناخ الْإِبِل ومجتمع النادي فَهُوَ حريمها فَلَيْسَ لغَيرهم إحياؤها وَمَا ينتشر إِلَيْهِ الْبَهَائِم للرعي فِي وَقت الْخَوْف وَهُوَ على قرب الْقرْيَة فِيهِ تردد أما الدَّار فحريمها إِذا كَانَت محفوفة بالموات مطرح التُّرَاب والثلج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 ومصب مَاء الْمِيزَاب وفناء الدَّار وَحقّ الاجتياز فِي جِهَة فتح الْبَاب وَإِن كَانَت محفوفة بالأملاك فَلَا حَرِيم لَهَا لِأَن الْأَمْلَاك متعارضة فَلَيْسَ بعضهما بِأَن يَجْعَل حريما لَهَا أولى من الآخر وَلكُل وَاحِد أَن ينْتَفع فِي ملكه بِمَا جرت بِهِ الْعَادة وَإِن تضرر بِهِ صَاحبه فَلَا يمْنَع إِلَّا إِذا كَانَت الْعَادة السّكُون وَلَو اتخذ أَحدهمَا دَاره مدبغة أَو حَماما أَو حَانُوت قصار أَو حداد قَالَ المراوزة يمْنَع نظرا إِلَى الْعَادة الْقَدِيمَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا أحكم الجدران واحتاط على الْعَادة لَا يمْنَع وَتردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِيمَا إِذا كَانَ يُؤْذِي بِدُخَان الْخبز وَجعله مخبزا على خلاف الْعَادة لِأَن هَذَا إِيذَاء الْمَالِك لَا إِيذَاء الْملك وَحَاصِله وَلَا يمْنَع لَا تمنع وَمَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 أما الْبِئْر فَإِن حفرهَا فِي الْموَات للنزح فموقف النازح حواليها حريمها وَإِن كَانَ النزح بالدواب فموضع تردد الدَّوَابّ وعَلى الْجُمْلَة مَا يتم الِانْتِفَاع وَلَو حفر آخر بِئْرا بجنبه بِحَيْثُ ينقص مَاؤُهَا لم يجز بل حريمها الْقدر الذى يصون ماءها وَكَأَنَّهُ اسْتحق بِالْحفرِ وَفِي طَريقَة الْعرَاق الْقطع بِأَنَّهُ يجوز وَالْأول أظهر فَإِنَّهُ لَو أَحْيَا دَارا فِي موَات فَلَيْسَ لآخر أَن يحْفر بِجنب جِدَاره بِئْرا يتَوَهَّم الْإِضْرَار بجداره وَإِن كَانَ ذَلِك يجوز للْجَار الْمَالِك وَلَكِن وضع الْبناء فِي الْموَات أوجب حريما لصيانة الْملك فَكَذَلِك لصيانة مَاء الْبِئْر النَّوْع الثَّالِث اخْتِصَاص الْمُسلمين بِعَرَفَة لأجل الْوُقُوف وَفِي امْتنَاع إحْيَاء عَرَفَة بِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يمْتَنع إِذْ لَا تضييق بِهِ وَالثَّانِي يمْتَنع إِذْ فتح بَابه يُؤَدِّي إِلَى التَّضْيِيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 وَالثَّالِث يجوز وَإِن ضيق ثمَّ يبْقى فِي الدّور حق الْوُقُوف النَّوْع الرَّابِع اخْتِصَاص المتحجر وَمن تقدم إِلَى مَوضِع وَنصب حِجَارَة وعلامات للعمارة اخْتصَّ بِهِ بِحَق السَّبق بِشَرْط أَن يشْتَغل بالعمارة فَلَو تحجر ليعمر فِي السّنة الثَّانِيَة لم يجز وَمهما جَازَ التحجر وَمنع غَيره من الْإِحْيَاء فَإِن أَحْيَا فَهَل يملك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ سَبَب قوي والتحجر ضَعِيف فَكَانَ كَالْبيع سوما على سوم غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ اخْتِصَاص مُؤَكد وَالثَّالِث أَن التحجر إِن كَانَ مَعَ الإقطاع منع وَإِلَّا فَلَا وَهل يجوز للمتحجر بيع حَقه من الِاخْتِصَاص والاعتياض عَنهُ فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا يجوز كالملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وَالثَّانِي لَا كحق الشُّفْعَة وَحقّ الرَّهْن النَّوْع الْخَامِس من الِاخْتِصَاص الإقطاع وَيجوز للْإِمَام أَن يقطع مواتا على قدر مَا يقدر المقطع على عِمَارَته وَينزل الإقطاع منزلَة التحجر فِي الِاخْتِصَاص النَّوْع السَّادِس الْحمى وَهُوَ كَانَ جَائِزا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَن يحمي الْكلأ ببقعة لإبل الصَّدَقَة وَكَانَ يجوز لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحمي لنَفسِهِ وللمسلمين وَهل يجوز للْإِمَام بعده فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح الْجَوَاز إِذْ حمى عمر رَضِي الله عَنهُ لإبل الْمُسلمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 وَلَكِن لَا يجوز أَن يحمى الإِمَام لنَفسِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك خاصية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا صَحَّ الْحمى فإحياؤه كالإحياء بعد التحجر فرع مَا حماه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحَاجَة أَو حماه غَيره فَزَالَتْ الْحَاجة فَهَل لأحد بعد ذَلِك نقضه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهَا بقْعَة أرصدت لخير فَأشبه الْمَسْجِد وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ بني على مصلحَة حَالية ظنية وَالثَّالِث أَن حمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُغير وَهُوَ حماه بِالبَقِيعِ وَهُوَ بلد لَيْسَ بالواسع لِأَن حماه كالنص وَحمى غَيره كالاجتهاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِحْيَاء وَالرُّجُوع فِي حَده إِلَى الْعرف وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْغَرَض فَإِن أَحْيَا بقْعَة للزريبة فيكفيه التحويط وتغليق الْبَاب وَلَا يملك قبله إِذْ بِهِ تصير زريبة وَإِن أَرَادَ السّكُون فبالبناء وتسقيف الْبَعْض إِذْ بِهِ يتهيأ للسكون وَإِن أَرَادَ بستانا فبسوق المَاء إِلَيْهِ وتسوية الْأَنْهَار والتحويط وتغليق الْبَاب وَإِن كَانَ من البطائح فَيحْبس المَاء عَنهُ فَإِنَّهُ الْعَادة وَإِن أَرَادَ مزرعة فيقلب الأَرْض ويسويها وَيجمع حواليها التُّرَاب ويسوق إِلَيْهَا المَاء وَهل يفْتَقر إِلَى الزِّرَاعَة ليملك فِيهِ وَجْهَان ظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ أَنه يشْتَرط كالتسقيف فِي الْبناء وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا انْتِفَاع ووزانه من الدَّار السّكُون وَلَا يحْتَاج إِلَى بِنَاء الْجِدَار للمزرعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 قَالَ إمامي رَضِي الله عَنهُ يحْتَمل أَن يُقَال مَا تملك بِهِ الأَرْض إِذا قصد الزِّرَاعَة فَيملك أَيْضا وَإِن قصد الْبُسْتَان وَمَا تملك بِهِ الزريبة يملك بِهِ الْمسكن وَإِن الْقَصْد لَا يُغير أمره وَمن أَحْيَا أَرضًا ميتَة بِغَيْر إِذن الإِمَام ملكهَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْمَنَافِع الْمُشْتَركَة فِي الْبِقَاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي كالشوارع والمساجد والرباطات والمدارس فَإِن هَذِه الأرضي لَا تملك أصلا إِذا ثَبت فِي كل وَاحِد مِنْهَا نوع اخْتِصَاص فالشوارع للاستطراق وَهُوَ مُسْتَحقّ لكافة الْخلق فِي الصَّحَارِي والبلاد نعم يجوز الْجُلُوس فِيهَا بِشَرْط أَن لَا يضيق الطَّرِيق على المجتازين وَمن سبق إِلَى مَوضِع فَجَلَسَ فِيهِ إِن لم يجلس لغَرَض فَكَمَا قَامَ انْقَطع حَقه وَإِن جلس لبيع كالمقاعد فِي الْأَسْوَاق اخْتصَّ السَّابِق بِهِ وَلَو انْصَرف إِلَى بَيته لَيْلًا وتخلف بِعُذْر يَوْمًا ويومين وَلم يَنْقَطِع اخْتِصَاصه إِذْ ألافه فِي الْمُعَامَلَة لَا ينقطعون بِهَذَا الْقدر وَلَو طَال سَفَره أَو مَرضه أَو جلس فِي مَوضِع آخر أَو غير ذَلِك مِمَّا يقطع ألافه عَن مَكَانَهُ فَيَنْقَطِع بِهِ اخْتِصَاصه وَلَو جلس فِي غيبته فِي الْمدَّة القصيرة من عزم على التَّسْلِيم لَهُ إِذا عَاد فقد قيل إِنَّه يمْنَع إِذْ يتخيل بِهِ ألافه تَركه الحرفة وَقيل إِنَّه لَا يمْنَع لِأَن الْموضع فارغ فِي الْحَال فَلَا يعطل منفعَته وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الإِمَام فِي هَذَا الِاخْتِصَاص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 وَهل للإقطاع فِيهِ مدْخل كَمَا فِي الْموَات فعلى وَجْهَيْن وَالْفرق أَنه إِذا كَانَ لَا يَبْغِي بِهِ ملكا فَلَا وزن لَهُ كالسبق فِي الْمَسَاجِد وَأما الْمَسَاجِد فَمن سبق إِلَى مَوضِع للصَّلَاة لَا يثبت لَهُ حق الِاخْتِصَاص فِي صَلَاة أُخْرَى إِذْ لَا غَرَض فِيهِ وَلَو غَابَ فِي صَلَاة وَاحِدَة بِعُذْر رُعَاف أَو ريح أَو تَجْدِيد وضوء فِي متسع الْوَقْت وَعَاد فَفِي بَقَاء اخْتِصَاصه وَجْهَان وَوجه الْبَقَاء قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه فِي الْمَسْجِد فَهُوَ أَحَق بِهِ إِذا عَاد إِلَيْهِ وَإِن جلس ليقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن أَو يتَعَلَّم مِنْهُ الْعلم وألفه أَصْحَابه ثمَّ فَارقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 فَهَذَا يظْهر إِلْحَاقه بمقاعد الْأَسْوَاق وَأما الرباطات والمدارس فَالسَّابِق إِلَى بَيت أولى بِهِ وَإِن غَابَ بِعُذْر فَإِذا عَاد فَهُوَ أولى بِهِ لوُقُوع الإلف بِوَجْه الارتفاق بالبقعة بِخِلَاف الْمَسَاجِد وَلَو طَال مقَام وَاحِد إِن كَانَ لَهُ غَرَض كَمَا فِي الْمدَارِس فَلَا يزعج إِلَى تَمام الْغَرَض وَإِن لم يكن للغرض مرد كرباط الصُّوفِيَّة فَفِي إزعاجه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه يُؤَدِّي إِلَى أَن يتَمَلَّك الرِّبَاط وَيبْطل الِاشْتِرَاك مِنْهُ فيتقدم إِلَيْهِمَا جمَاعَة ويقيمون فِيهَا على الدَّوَام وَإِن جَوَّزنَا ذَلِك فَالرَّأْي فِي تَفْصِيل مُدَّة الْإِقَامَة إِلَى الْمُتَوَلِي وَهُوَ جَار فِي العكوف على الْمَعَادِن ومقاعد الْأَسْوَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَعْيَان المستفادة من الأَرْض كالمعادن والمياه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْمَعَادِن فظاهرة وباطنة أما الظَّاهِرَة كالملح المائي والجبلي والنفظ والمومياء والمياه الْعدة فِي الأودية والعيون وأحجار الأرجبة والقدور وكل مَا الْعَمَل فِي تَحْصِيله لَا فِي إِظْهَاره فَهَذَا لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ اخْتِصَاص لَا يتحجر وَلَا يملك بإحياء وَلَا إقطاع لما رُوِيَ أَن أَبيض ابْن حمال المأربي استقطع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملح مأرب فهم بإقطاعه فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَالْمَاءِ الْعد فَقَالَ فَلَا إِذا فَلَو سبق وَاحِد وحوط مثل هَذَا الْمَعْدن وَبنى وَزعم أَنه أَرَادَ مسكنا فَالظَّاهِر أَنه لَا يملكهُ فَإِنَّهُ احتيال إِذْ لَا يقْصد من هَذِه الْبقْعَة الْمسكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 نعم لكل سَابق أَن يَأْخُذ قدر حَاجته لَا يزعج قبل قَضَاء وطره إِلَّا إِذا طَال عكوفه فَفِيهِ الْخلاف السَّابِق فَلَو تسابق رجلَانِ فتزاحما قيل إِنَّه يقرع بَينهمَا وَقيل للْقَاضِي أَن يقدم مِنْهُمَا من يرَاهُ أحْوج وَهُوَ جَار فِي مقاعد الْأَسْوَاق فرع لَو حفر بِجنب المملحة حفيرة يملك تِلْكَ الحفيرة فَلَو اجْتمع فِيهَا مَاء وانعقد ملحا فَهُوَ مَخْصُوص بِهِ وَكَأَنَّهُ أَخذه بِيَدِهِ وَوَضعه فِي ظرف مَمْلُوك لَهُ أما الْمَعَادِن الباطانه فَهِيَ الَّتِى تظهر بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا كالذهب وَالْفِضَّة والفيروزج وَمَا هُوَ مثبوت فِي طَبَقَات الأَرْض فَفِي تملك ذَلِك بإحيائه بالإظهار بِالْعَمَلِ أَو بعمارة أُخْرَى قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن إحياءه إِظْهَار فَهُوَ كعمارة الْموَات وَالثَّانِي لَا إِذْ تبقى حَيَاة الْعِمَارَة بِالْبِنَاءِ وَهَذَا يحْتَاج إِلَى عمل فِي كل سَاعَة لينْتَفع بِهِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يملك فَهُوَ كالموات على مَا سبق وَفِيه فروع الأول لَو حفر حفيرة وَظهر النّيل فِي طرفها لَا يقصر ملكه على مَحل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 النّيل بل مَا حواليه على مَا يَلِيق بحريمه فَلَو بَاعَ الأَرْض فَالظَّاهِر الْمَنْع إِذْ الرَّغْبَة فِيهِ بالنيل وَهُوَ غرر وَالثَّانِي الْجَوَاز تعويلا على الرَّقَبَة والنيل كدر الشَّاة وَثَمَرَة الشَّجَرَة وَلَو جمع تُرَاب الْمَعْدن وَفِيه الذَّهَب لم يجز البيع لِأَن التُّرَاب لَا يقْصد بِخِلَاف الرَّقَبَة الثَّانِي لَو قَالَ لغيره اعْمَلْ وكل النّيل لَك فَإِن اسْتعْمل صِيغَة الْإِجَارَة فَالظَّاهِر أَنه يسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ إِجَارَة فَاسِدَة إِذْ النّيل يكون للْمَالِك وَلَا يصلح أَن يَجْعَل أُجْرَة وَإِن قَالَ أَذِنت لَك أَن تعْمل لنَفسك كَانَ النّيل للْمَالِك وَلم يسْتَحق الْأُجْرَة على الظَّاهِر وَفِيه عَن ابْن سُرَيج وَجه أَنه يسْتَحق كَمَا لَو شَرط فِي الْمُضَاربَة كل الرِّبْح لِلْعَامِلِ وَإِن قَالَ اعْمَلْ وَلَك النّيل فَوَجْهَانِ مشهوران لتردده بَين صِيغَة الْإِذْن وَالْإِجَارَة أما إِذا قَالَ اعْمَلْ على أَن لَك نصف النّيل فَيسْتَحق أُجْرَة الْمثل هَاهُنَا إِذْ وجد قصد الْعَمَل لغيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وَلَكِن قيل إِنَّه يسْتَحق أُجْرَة نصف الْعَمَل لِأَنَّهُ قصد غَيره بِالنِّصْفِ وَقيل إِنَّه يسْتَحق أُجْرَة نصف الْعَمَل للْكُلّ أما إِذا فرع نا على أَنه لَا يملك الْمَعَادِن بالإظهار فَلَو أَحْيَا مواتا بِالْبِنَاءِ ثمَّ ظهر بعد ذَلِك مَعْدن فَلَا خلاف فِي أَنه ملكه فَإِنَّهُ من أَجزَاء الأَرْض الْمَمْلُوكَة إِلَى تخوم الْأَرْضين وعَلى قولي الْملك يَنْبَنِي جَوَاز الإقطاع فَإِن قُلْنَا يملك بالإظهار تطرق إِلَيْهِ الإقطاع كالموات وَإِلَّا فَلَا كالمعادن الظَّاهِرَة أما الْمِيَاه فَهِيَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول الْمِيَاه الْعَامَّة المنفكة عَن كل اخْتِصَاص وَهِي الَّتِى لم تظهر بِالْعَمَلِ وَلَا حفر نهرها كدجلة والفرات وَسَائِر أَوديَة الْعَالم فَحكمه أَن من سبق إِلَيْهِ واقتطع مِنْهُ ساقية إِلَى أرضه وانتفع بِهِ جَازَ فَإِن تنَازعا وَجب على الْأَسْفَل الصَّبْر إِلَى أَن يسرح إِلَيْهِ الْأَعْلَى فضل مَائه فقد ورد فِيهِ الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 فَإِن استوعب جمَاعَة المَاء بأراضيهم المحياة فَمن سفل مِنْهُم لَاحق لَهُ إِلَّا بتبرعهم بالتسريح إِلَيْهِ فَإِذا سقى كل وَاحِد أرضه إِلَى الكعب كَانَت الزِّيَادَة مَمْنُوعَة لِأَنَّهُ فَوق الْحَاجة كَذَلِك ورد الحَدِيث فَإِن أَرَادَ وَاحِد أَن يَعْلُو عَلَيْهِم وَيحبس عَنْهُم المَاء إِلَى أَرض يستجد إحياؤها منع لأَنهم بِالْإِحْيَاءِ على شاطئ النَّهر استحقوا مرافق الأَرْض وَالْمَاء من مرافقها وَلَو فتح هَذَا الْبَاب لأبطل سَعْيهمْ فِي الْإِحْيَاء وفاتت أملاكهم فَهِيَ كالحريم الْمُسْتَحق بالعمارة الْقسم الثَّانِي الْمِيَاه الْمُخْتَص بِالْملكِ بالإحراز فِي الْأَوَانِي والروايا فَهُوَ كَسَائِر الْأَمْلَاك لَا يجب بذله لأحد وَلَا لمضطر إِلَّا بِقِيمَة وَالْمَاء مَمْلُوك على الْأَظْهر وَبيعه صَحِيح الْقسم الثَّالِث متوسط بَين الرتبتين وَهُوَ مَا ظهر اخْتِصَاص بِمَنْعه كالمياه فِي الْآبَار والقنوات وَلها صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يحْفر المنتجع حُفْرَة ليسقى بهَا مَا شيته وَلم يقْصد ملك الحفرة فَهُوَ أَحَق بذلك المَاء فَإِن فضل عَن حَاجته ومست إِلَيْهِ حَاجَة مَاشِيَة غَيره حرم عَلَيْهِ الْمَنْع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 من منع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ مَنعه الله فضل رَحمته وَالْمعْنَى أَنه يمْتَنع عَن مَاشِيَة غَيره بِسَبَب منع المَاء وَهَذَا مَخْصُوص بالماشية وَلَا يجْرِي فِي الزَّرْع وَإِنَّمَا هُوَ لحُرْمَة الرّوح وَلَا يجْرِي فِي الْكلأ فِي الْحَال لَا يسْتَخْلف فقد يتَضَرَّر بِهِ وَالْمَاء يسْتَخْلف وَلَا يجْرِي فِي الدَّلْو والرشاء فَلَا يجب إعارته إِلَّا بعوض لِأَن الْملك فِيهِ ثَابت بِخِلَاف المَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا حق سبق بِهِ الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يقْصد ملك الْبِئْر فالماء الْحَاصِل مِنْهُ مَمْلُوك وَكَذَلِكَ مَاء القنوات وَفِي تَحْرِيم منع الشّرْب فِيمَا يفضل من حَاجته بِغَيْر عوض خلاف مِنْهُم من نظر إِلَى عُمُوم الْخَبَر وَمِنْهُم من خصص بِمَا لم يملك وَألْحق هَذَا بالمحرز فِي الْأَوَانِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 فرع إِذا اشْترك جمَاعَة فِي حُفْرَة قناة اشْتَركُوا فِي الْملك بِحَسب الْعَمَل أَو بِحَسب الْتِزَام الْمُؤْنَة وقسموا المَاء بِنصب خَشَبَة مستوية فِيهَا ثقب مُتَسَاوِيَة كَمَا جرت الْعَادة فَإِن قسموا بالمهاياة فَالظَّاهِر جَوَازهَا فَإِنَّهَا لَا تلْزم وَفِيه وَجه أَنَّهَا تلْزم وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تصح لِأَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الأوقوات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 = كتاب الْوَقْف = وَالْوَقْف قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصبت أَمْوَالًا لم أصب مثلهَا وفيهَا حدائق ونخيل فراجعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا فِي ثَلَاث ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَعلم ينْتَفع بِهِ وَصدقَة جَارِيَة وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الْوَقْف وَفِي تَفْصِيله بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَصِيغَة الْوَقْف وَشَرطه الرُّكْن الأول فِي الْمَوْقُوف وَشَرطه أَن يكون مَمْلُوكا معينا تحصل مِنْهُ فَائِدَة أَو مَنْفَعَة مَقْصُودَة دائمة مَعَ بَقَاء الأَصْل أما قَوْلنَا مَمْلُوكا عممنا بِهِ الْعقار وَالْمَنْقُول وَالْحَيَوَان والشائع والمفرز فَكل ذَلِك مَا يجوز وَقفه وعه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وقف الْحَيَوَان وَمنع بعض الْعلمَاء وقف الْمَنْقُول إِلَّا تحبيس فرس فِي سَبِيل الله وَعِنْدنَا كل وقف فِي معنى مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ واحترزنا بِهِ عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 العَبْد الْمُوصى بخدمته وَالْعين الْمُسْتَأْجرَة فَإِن الْمُوصى لَهُ لَو وقف لَا يَصح لِأَنَّهُ تصرف فِي الرَّقَبَة على الْجُمْلَة إِمَّا بِالْحَبْسِ أَو إِزَالَة الْملك وَلَا ملك لَهُ وَلِهَذَا لَا يقف الْحر نَفسه وَإِن صحت إِجَارَته نَفسه وَأما الْكَلْب فَفِي وَقفه خلاف كَمَا فِي إِجَارَته وكما فِي هِبته لِأَنَّهُ مَمْلُوك منتفع بِهِ وَمن منع علل بِأَن الْملك فِي غير مُتَقَوّم فَإِنَّهُ لَا يقبل الِاعْتِيَاض فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ ووقف الْمُسْتَوْلدَة مُرَتّب على الْكَلْب وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَن الْملك فِيهَا مَضْمُون وَإِنَّمَا البيع مُمْتَنع فِيهَا لعَارض الِاسْتِيلَاد أما قَوْلنَا تحصل مِنْهُ فَائِدَة أَشَرنَا بِهِ إِلَى ثمار الْأَشْجَار ووقف الْحَيَوَانَات الَّتِي لَهَا صوف ووبر وَلبن تقوم مقَام الْمَنَافِع وَلَو وقف ثورا على النزوان على بهائم قريبَة يَنْبَغِي أَن يَصح كَمَا لَو وقف جَارِيَة على الْإِرْضَاع نعم لَا يسْتَأْجر الْفَحْل للنزوان لِأَنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيمه كَمَا لَا يسْتَأْجر الشَّجَرَة لثمارها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 أما قَوْلنَا مَنْفَعَة دائمة احترزنا بِهِ عَن الْوَقْف الرياضيين الَّتِى لَا تبقى وَقَوْلنَا مَقْصُودَة احترزنا بِهِ عَن وقف الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير للتزين وَفِيه خلاف كَمَا فِي إِجَارَته لِأَن ذَلِك لَا قصد مِنْهَا نعم وقف الْحلِيّ للبس أَو النقرة ليتَّخذ مِنْهَا الْحلِيّ جَائِز وَقَوْلنَا مَعَ بَقَاء أَصْلهَا احترزنا بِهِ عَن الطَّعَام فَإِن منفعَته فِي استهلاكه فَلَا يجوز وَقفه وَقَوْلنَا معِين احترزنا بِهِ عَمَّا إِذا وقف إِحْدَى داريه وَفِيه وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع كَمَا فِي الْهِبَة وَمِنْهُم من جوز كَمَا فِي الْعتْق الرُّكْن الثَّانِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ وقف قربَة على جِهَة عَامَّة فَيشْتَرط أَن يكون فِيهِ ثَوَاب وَإِن كَانَ مَعْصِيّة كالوقف على بِنَاء البيع وَالْكَنَائِس وكتبة التَّوْرَاة وإعانة قطاع الطَّرِيق فَهُوَ فَاسد وَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَهُوَ صَحِيح وَإِن كَانَ على الْأَغْنِيَاء فَلَيْسَ فِيهِ ثَوَاب وَلَا عِقَاب فَفِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من شَرط الْقرْبَة وَمِنْهُم من اكْتفى بانتقاء الْمعْصِيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 وَكَذَلِكَ لَو وقف على الْيَهُود وَالنَّصَارَى والفسقة فَيخرج على الْوَجْهَيْنِ أما إِذا كَانَ الْوَقْف على شخص معِين فَيشْتَرط أَن يكون أَهلا للْملك فَمن صحت الْهِبَة مِنْهُ الْوَقْف عَلَيْهِ فَيصح على الْيَهُودِيّ وَالْفَاسِق المعينين لِأَنَّهُ تمْلِيك وَهل يَصح على الْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه يُرَاد للبقاء وَهُوَ مُسْتَحقّ الْقَتْل لَا بَقَاء لَهُ وَلَا يجوز على الْجَنِين لِأَنَّهُ تمْلِيك فِي الْحَال أَو إِثْبَات حق فِي الْحَال فضاهى الْهِبَة بِخِلَاف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا تقبل الْإِضَافَة وَلَا يَصح على العَبْد بل الْوَقْف عَلَيْهِ وفْق على سَيّده وَلَا على الْبَهِيمَة وَهل يكون الْوَقْف وَقفا على صَاحبهَا كَمَا فِي العَبْد فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 فرعان أَحدهمَا لَو وقف على أحد رجلَيْنِ على الْإِبْهَام فَهُوَ فَاسد كَمَا يفْسد مثله فِي الْهِبَة وَفِيه وَجه على قَوْلنَا إِن الْوَقْف لَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول مخرج من وقف أحد الْعَبْدَيْنِ الثَّانِي لَو وقف على نَفسه فَالظَّاهِر مَنعه لِأَنَّهُ لم يجدد إِلَّا منع التَّصَرُّف وَلم يوضع العقد لمنع التَّصَرُّف فَقَط وَذهب أَبُو عبد الله الزبيرِي إِلَى جَوَازه لما رُوِيَ أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وقف بِئْرا وَقَالَ دلوي فِيهِ كدلاء الْمُسلمين وَهَذَا ضَعِيف لِأَن إِلْقَاء الدَّلْو فِيهَا لَا يفْتَقر إِلَى شَرط بِحكم الْعُمُوم فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد نعم لَو وقف على الْفُقَرَاء وافتقر فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَن الظَّاهِر أَن مُطلق الْوَقْف ينْصَرف إِلَى غير الْوَاقِف وَلَو شَرط لنَفسِهِ التَّوْلِيَة وَأُجْرَة وَقُلْنَا يمْتَنع الْوَقْف على نَفسه فيبنى على جَوَاز صرف سهم العاملين إِلَى بني هَاشم وَفِيه خلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وَلَو شَرط أَن تقضى من ريعه دُيُونه وزكاته فقد بعضه على نَفسه فَيخرج على مَا ذَكرْنَاهُ الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة فَلَا بُد مِنْهَا فَلَو صلى فِي مَوضِع أَو أذن فِي الصَّلَاة وَلم يصر مَسْجِدا إِلَّا بِصِيغَة دَالَّة عَلَيْهِ وَهِي ثَلَاثَة مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى وَهِي الْمرتبَة الْعليا قَوْله وقفت الْبقْعَة أوحبستها أَو سبلتها على الْمَسَاكِين فَالْكل صَرِيح فَلَو قَالَ وقفت الْبقْعَة على صَلَاة الْمُصَلِّين فَهَل يصير مَسْجِدا فِيهِ خلاف وَذكر الْإِصْطَخْرِي أَن لفظ التحبيس والتسبيل كِنَايَة عَن الْوَقْف وَهُوَ بعيد إِذْ ثَبت بعرف لِسَان الشَّرْع إِذْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام حبس الأَصْل وسبل الثَّمَرَة الرُّتْبَة الثَّانِيَة قَوْله حرمت هَذِه الْبقْعَة وأبدتها على الْمَسَاكِين فَإِن نوى الْوَقْف حصل وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه صَرِيح لعرف الِاسْتِعْمَال فِي الْوَقْف وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُمَا لَا يستعملان إِلَّا تَابعا مؤكدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 الرُّتْبَة الثَّالِثَة قَوْله تَصَدَّقت وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيح للْوَقْف فَإِن أضَاف إِلَيْهِ قرينَة قَاطِعَة كَقَوْلِه تَصَدَّقت صَدَقَة مُحرمَة مُؤَبّدَة لاتباع وَلَا توهب تعين لَهُ وَإِن لم يتَعَرَّض لمنع البيع وَالْهِبَة فَفِيهِ خلاف وَإِن لم يذكر قرينَة وَلَكِن نوى الْوَقْف فَإِن جرى مَعَ شخص معِين لم يكن وَقفا لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِيمَا هُوَ صَرِيح فِيهِ وَهُوَ التَّمْلِيك وَإِن أضَاف إِلَى قوم فَفِيهِ خلاف لتعارض الِاحْتِمَال مَعَ ظُهُور جِهَة التَّمْلِيك من اللَّفْظ هَذَا فِي الْإِيجَاب وَأما الْقبُول فَلَا يُمكن شَرطه فِي الْوَقْف الْمُضَاف إِلَى الْجِهَات الْعَامَّة وَإِن وقف على شخص معِين فَوَجْهَانِ وَوجه الِاشْتِرَاط أَنه يبعد إِدْخَال شئ فِي ملك غَيره قهرا من غير قبُوله مَعَ تعينه فَإِن قُلْنَا يشْتَرط الْقبُول فَلَا شكّ أَنه رد امْتنع برده كَمَا نقُول فِي الْوكَالَة أما الْبَطن الثَّانِي فَلَا يشْتَرط قبولهم لأَنهم كالفروع وَلَا يتَقَبَّل استحقاقهم بِالْإِيجَابِ وَهل يرْتَد عَنْهُم بردهمْ فِيهِ خلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 الرُّكْن الرَّابِع فِي الشَّرَائِط وَهِي أَرْبَعَة التَّأْبِيد والتنجيز والإلزام وإعلام الْمصرف الأول التَّأْبِيد ونعني بِهِ أَن لَا يقف على جِهَة يَنْقَطِع آخرهَا كَمَا إِذا وقف على أَوْلَاده وَلم يذكر الْمصرف بعدهمْ فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ وقف مُنْقَطع الآخر وَفِي صِحَّته قَولَانِ الْأَصَح الذى بِهِ الْفَتْوَى بُطْلَانه لِأَنَّهُ مائل عَن مَوْضُوعه فِي التَّأْبِيد وَيبقى أمره مُشكلا بعد انقراضهم فليضف بعده إِلَى جِهَة لَا تَنْقَطِع كالمساكين وَالْعُلَمَاء وَمن يجْرِي مجراهم وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن ذَلِك يمْتَنع فِي الْعقار دون الْحَيَوَان فَإِن الْحَيَوَان أَيْضا يعرض للانقطاع فَإِن فرعنا على الْجَوَاز فَفِي انْقِطَاع الْوَقْف بانقراضهم قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يعود ملكا فَيصْرف إِلَى وَرَثَة الْوَاقِف وَالثَّانِي أَنه يبْقى وَقفا وَيصرف إِلَى أهم الْخيرَات وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يصرف إِلَى أقرب الْأَقَارِب لوُرُود أَخْبَار فِيهِ وعَلى هَذَا هَل يشْتَرك فِيهِ الْأَغْنِيَاء والفقراء وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَهل يقدم من قدم فِي الْإِرْث أَو يُرَاعى قرب الدرجَة وَجْهَان وَالثَّانِي أَنه يصرف إِلَى الْمَسَاكِين لِأَنَّهُ أَعم جِهَات الْخَيْر وَالثَّالِث أَنه يصرف إِلَى مصَالح الْإِسْلَام فَإِنَّهُ الْأَعَمّ أما إِذا قَالَ وقفت على الْفُقَرَاء سنة أَو سنتَيْن وَقطع آخِره بالتأقيت فَالْمَذْهَب فَسَاد هَذَا الشَّرْط وَفِيه وَجه مخرج من الْمَسْأَلَة السَّابِقَة ثمَّ إِذا فسد الشَّرْط فَهَل يفْسد الْوَقْف إِذْ كَانَ من قبيل التَّحْرِير كجعل الْبقْعَة مَسْجِدا فَلَا يفْسد بل يتأبد كَالْعِتْقِ لِأَنَّهُ فك عَن اخْتِصَاص الْآدَمِيّين كالتحرير وَإِن كَانَ وَقفا على شخص معِين وَقُلْنَا يفْتَقر إِلَى قبُوله فَيفْسد كَسَائِر الْمُعَامَلَات وَإِن كَانَ وَقفا على جِهَة الْفقر والمسكنة فَوَجْهَانِ لتردده بَين التَّحْرِير وَالتَّمْلِيك الشَّرْط الثَّانِي التَّنْجِيز فِي الْحَال فَلَو قَالَ وقفت على من سيولد من أَوْلَادِي فَهُوَ وقف مُنْقَطع الأول فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ الْأَقْوَال كَمَا فِي الْمُنْقَطع الآخر فَيَعُود مَا فضلناه وَالثَّانِي الْبطلَان لِأَنَّهُ لم يجد فِي الْحَال مقرا ينزل فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 فَلَو قَالَ وقفت على عَبدِي أَو كَانَ مَرِيضا فَقَالَ وقفت على وارثي ثمَّ بعده على الْمَسَاكِين فَهُوَ وقف مُنْقَطع الأول فَإِن صححنا فَلَا يصرف إِلَى الْمَسَاكِين مَا لم يمت العَبْد وَالْوَارِث لِأَنَّهُ لم يدْخل أول الْوَقْف إِلَّا أَن يَقُول وقفت على رجل ثمَّ بعده على الْمَسَاكِين فَإِنَّهُ لَا يُمكن ترقب انْقِرَاض من لَا يتَعَيَّن فَيصْرف فِي الْحَال إِلَى الْمَسَاكِين وَكَذَلِكَ إِذا وقف على معِين فَرده أَو لم يقبل إِذا شرطنا قبُوله فقد صَار مُنْقَطع الأول أما إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد وقفت على الْمَسَاكِين قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَا يُوَافق مصلحَة الْوَقْف بِخِلَاف الْوَقْف على من يُوجد من الْأَوْلَاد وَذكر المراوزة خلافًا وَهُوَ مُتَّجه فِيمَا لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول فقد ذكر ابْن سُرَيج وَجها فِي تَعْلِيق الضَّمَان فينقدح أَيْضا طرده فِي الْإِبْرَاء وكل مَا يسْتَقلّ الْإِنْسَان بِهِ تَشْبِيها لَهُ بالعنق الشَّرْط الثَّالِث الْإِلْزَام فَلَو قَالَ وقفت بِشَرْط أَن أرجع مَتى شِئْت أَو أحرم الْمُسْتَحق وأحوله إِلَى غَيره مَتى شِئْت فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ يُنَاقض مَوْضُوعه فِي اللُّزُوم فَأَما إِذا قَالَ وقفت على أَنِّي بِالْخِيَارِ لأغير مقادير الِاسْتِحْقَاق بِحكم الْمصلحَة فَلهُ ذَلِك وَلَو قَالَ على أَنِّي أُبْقِي أصل الْوَقْف وَلَكِن أغير تَفْصِيله فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَنْع للُزُوم الأَصْل وَالْوَصْف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن شَرطه مُتبع فَإِذا شَرط التَّغْيِير بِتَغَيُّر رَأْيه فَيكون ذَلِك أَيْضا من الشَّرَائِط فرعان أَحدهمَا لَو شَرط أَن لَا يُؤَاجر الْوَقْف أصلا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه يتبع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حجر على من ثَبت ملك الْمَنْفَعَة وَالثَّالِث أَنه يجوز فِي قدر سنة فَيتبع لِأَنَّهُ يَلِيق بمصلحة الْوَقْف وَلَو شَرط الْمَنْع من أصل الْإِجَارَة وَلم يتبع الثَّانِي لَو جعل الْبقْعَة مَسْجِدا وخصصه بأصحاب الحَدِيث أَو الرَّأْي لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 يخْتَص بهم لِأَنَّهُ من قبيل التَّحْرِير فَلَا يثبت الشَّرْط فِيهِ كَالْعِتْقِ وَفِيه وَجه أَنه يتبع للْمصْلحَة وَقطع الْمُنَازعَة فِي إِقَامَة الشعائر أما إِذا جعل الْبقْعَة مَقْبرَة فَفِي تَخْصِيصه بِقوم خلاف ظَاهر لتردده بَين الْمَسْجِد وَبَين مسَاكِن الْأَحْيَاء الشَّرْط الرَّابِع بَيَان الْمصرف فَلَو قَالَ وقفت هَذِه الْبقْعَة وَلم يذكر التَّفْصِيل فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا الْفساد للإجمال وَالثَّانِي أَنه يَصح ثمَّ فِي مصرفه من الْكَلَام مَا فِي مُنْقَطع الآخر إِذا صححناه فرعان أَحدهمَا لَو وقف على شَخْصَيْنِ وبعدهما على الْمَسَاكِين فَمَاتَ أَحدهمَا فَنصِيبه لصَاحبه أَو للْمَسَاكِين فِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 الثَّانِي لَو رد الْبَطن الثَّانِي وَقُلْنَا يرْتَد عَنْهُم بردهمْ فقد صَار الْوَقْف مُنْقَطع الْوسط فَيَعُود فِي مصرفه إِلَى أَن يَنْقَضِي الْبَطن الثَّانِي مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَقْوَال وقولان آخرَانِ أَحدهمَا الصّرْف إِلَى الْبَطن الثَّالِث ويلتحقون بالمعدومين عِنْد الرَّد وَالثَّانِي الصّرْف إِلَى الْجِهَة الْعَامَّة الْمَذْكُورَة فِي شَرط الْوَقْف عِنْد انْقِرَاض الْجَمِيع لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الْوَاقِف من غَيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْوَقْف الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي أُمُور لفظية وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فَمَعْنَاه التَّشْرِيك دون التَّرْتِيب إِذْ التَّقْدِيم يفْتَقر إِلَى زِيَادَة دلَالَة وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ عَلَيْهِ دَلِيل إِلَّا أَن يَقُول بَطنا بعد بطن وَمَا يجْرِي مجْرَاه الثَّانِيَة إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي وبعدهم على الْمَسَاكِين فَالظَّاهِر أَن أَوْلَاد الْأَوْلَاد لَا يسْتَحقُّونَ لأَنهم يسمون أحفادا فَلَو قَالَ وعَلى أَوْلَاد أَوْلَادِي دخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ على ذريتي أَو عَقبي أَو نسلي فأولاد الْبَنَات يدْخلُونَ فِيهِ وَلَو قَالَ على من ينتسب إِلَيّ من أَوْلَاد أَوْلَادِي لم يدْخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنَات قَالَ الشَّاعِر ... بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد ... الثَّالِثَة إِذا قَالَ على الْبَنِينَ أَو الْبَنَات لم يدْخل الخناثى لِأَنَّهُ مُشكل وَلَو قَالَ على الْبَنِينَ وَالْبَنَات فَفِيهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ لَا يعدهما فَلَا يعد مِنْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَلَو قَالَ على الْأَوْلَاد دخل فيهم وَالظَّاهِر أَن الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ لَا يسْتَحق إِذْ اللّعان لَا يظْهر أَثَره إِلَّا فِي حق الزَّوْج الْملَاعن للضَّرُورَة والجنين لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَيْسَ بِولد فَإِذا ولد لم يسْتَحق الرّيع الْحَاصِل فِي مُدَّة اجتنانه وَإِنَّمَا يسْتَحق من وَقت الْولادَة الرَّابِعَة لَو قَالَ على عِتْرَتِي قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وثعلب هم ذُريَّته وَقَالَ القتيبي هم عشيرته الْخَامِسَة لَو وقف على بني تَمِيم فَفِي دُخُول الْبَنَات وَجْهَان أَحدهمَا لَا لخُصُوص اللَّفْظ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ إِذا ذكر فِي الْقَبِيلَة أُرِيد كل من ينتسب إِلَيْهَا ثمَّ يغلب التَّذْكِير فِي اللَّفْظ السَّادِسَة إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي فَإِذا انقرض أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فعلى الْمَسَاكِين فَمنهمْ من قَالَ هَذَا مُنْقَطع الْوسط إِذْ لَا دُخُول لأَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف وَمِنْهُم من قَالَ جعل اشْتِرَاط انقراضهم قرينَة دَالَّة أَيْضا على دُخُولهمْ فِي الِاسْتِحْقَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 السَّابِعَة لَو وقف على الموَالِي وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا على الْأَعْلَى أَو الْأَسْفَل تعين لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ كِلَاهُمَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْبطلَان للإجمال وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي التَّوْزِيع على الْأَعْلَى والأسفل لاشتراك اللَّفْظ وَالثَّالِث تَقْدِيم الْأَعْلَى لاختصاصه بالعصوبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْأَحْكَام المعنوية وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْوَقْف حكمه اللُّزُوم فِي الْحَال خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِن قَالَ لَا يلْزم إِلَّا إِذا أضيف إِلَى مَا بعد الْمَوْت ثمَّ لُزُومه فِي منع الْمَالِك من التَّصَرُّفَات وَهل يُوجب زَوَال ملكه نظر فَإِن جعل الْبقْعَة مَسْجِدا زَالَ ملكه وَكَأَنَّهُ تَحْرِير وَفك عَن الاختصاصات وَلذَلِك لَا يتبع فِيهِ شُرُوطه وَإِن وقف على معِين أَو على جِهَة القربات فَالظَّاهِر أَنه يَزُول ملكه وَلَكِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَو إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَإِنَّهُ قربَة وَتصرف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ غير نَافِذ وَالثَّانِي إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقُول وقفت عَلَيْك وَلَا يبعد ملك لَا ينفذ فِيهِ التَّصَرُّف وعَلى الْجُمْلَة إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ معينا فيبعد قَول نقل الْملك إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَإِنَّهُ لَيْسَ من القربات وَإِن كَانَ على الْمَسَاكِين وجهات القربات فيبعد نقل الْملك إِلَى الْمَسَاكِين كَيفَ وَقد يقف على الرباطات والقناطر وحمامات مَكَّة وَمن لَا ينْسب إِلَيْهِ ملك وَمن أَصْحَابنَا من خرج قولا ثَالِثا أَنه لَا يَزُول ملك الْوَاقِف لِأَن الشَّرْط لَا يتبع فِي الْملك الزائل إِلَّا أَنه تضمن الْحجر فِي التَّصَرُّفَات وَإِثْبَات الِاسْتِحْقَاق فِي الثمرات الثَّانِيَة لَا خلاف فِي أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يملك الْغلَّة وثمار الشَّجَرَة وَاللَّبن والوبر وَالصُّوف من الصُّوف من الْحَيَوَان وَلَا يقطع أَغْصَان الشَّجَرَة إِلَّا إِذا كَانَ هُوَ الْمَقْصُود كَمَا فِي شَجَرَة الْخلاف وَهل يملك ولد الْمَوْقُوفَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كاللبن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 وَالثَّانِي لَا بل وَلَده وقف كَمَا أَن ولد الضحية ضحية وَولد الْمُسْتَوْلدَة مستولد وَلَا يملك وَطْء الْجَارِيَة الْمَوْقُوفَة لِأَنَّهُ وَإِن قدر ملكه فِيهَا فَهُوَ ضَعِيف نعم يصرف إِلَيْهِ مهرهَا إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ فِي حكم بدل الْمَنْفَعَة فَيُشبه أُجْرَة الْمَنْفَعَة وَهل يملك تَزْوِيج الْجَارِيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ ينقص الْوَقْف فيخالف غَرَض الْوَاقِف وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ نوع انْتِفَاع فَإِن قُلْنَا تزوج فيزوجها الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِن الْملك لَهُ ويزوجها السُّلْطَان إِن قُلْنَا إِن الْملك لله تبَارك وَتَعَالَى وَهل يستشير الْوَاقِف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ لتَعَلُّقه بغرضهما فِيهِ خلاف وَإِن قُلْنَا للْوَاقِف فَلَا يستشير السُّلْطَان وَهل يستشير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه نقص عَن انتفاعه فيكاد يكون إبطالا لما أثبت لَهُ فَإِن قُلْنَا يجوز تَزْوِيجهَا فَلَو تزوج بهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَقُلْنَا إِنَّه لَا ملك لَهُ صَحَّ وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 الثَّالِثَة تَوْلِيَة أَمر الْوَقْف وَالنَّظَر فِي مصالحة إِلَى من شَرطه الْوَاقِف فَإِن سكت عَنهُ فطريقان أَحدهمَا للْوَاقِف لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ وَلم يشرط صرفه إِلَى غَيره وَالثَّانِي أَنه نَبْنِي على أَقْوَال الْملك فَيكون لمن لَهُ الْملك فَإِن قُلْنَا لله فَهُوَ للسُّلْطَان ثمَّ يشْتَرط فِي الْمُتَوَلِي خصلتان الْأَمَانَة والكفاية فَإِن أخلت إِحْدَاهمَا نزع السُّلْطَان من يَده ذَلِك وَفِيه وَجه أَن الْعَدَالَة لَا تشْتَرط إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ معينا وَلم يكن فِيهِ طِفْل وَلكنه يَسْتَعْدِي عَلَيْهِ الْمُسْتَحق إِن خَان وَهُوَ بعيد ثمَّ إِلَى الْمُتَوَلِي الْعِمَارَة وَتَحْصِيل الرّيع بالزرع وَالْإِجَارَة ومصرفه إِلَى الْمُسْتَحق وَله إِثْبَات الْيَد على الْوَقْف إِذا شَرط التَّصَرُّف وَشرط الْيَد لغيره وَله من الْأُجْرَة مَا شَرط لَهُ فَإِن لم يشْتَرط فَهُوَ مَبْنِيّ على أَن مُطلق الِاسْتِعْمَال هَل يَقْتَضِي أُجْرَة وَفِيه خلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 الرَّابِعَة نَفَقَة الْمَوْقُوف من الْموضع الْمَشْرُوط فَإِن سكت فَهُوَ من الِارْتفَاع فَإِن كَانَ للْعَبد كسب فَهُوَ من كَسبه فَإِن بَطل كَسبه فَهُوَ على من يحكم بِأَن الْملك فِيهِ لَهُ على مُوجب الْأَقْوَال هَذَا فِي الْحَيَوَان الذى لَا يجوز تعطيله لحُرْمَة الرّوح فَأَما الْعقار فَلَا تجب عِمَارَته إِلَّا على من يُرِيد الِانْتِفَاع فيعمره بِاخْتِيَارِهِ الْخَامِسَة إِذا تعطل مَال الْوَقْف فَلهُ أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتلفه متْلف فَيجب الضَّمَان عَلَيْهِ وماذا يفعل بِهِ فِي طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يصرف ملكا خَالِصا إِلَى من يُقَال إِن الْملك لَهُ فَإِن قُلْنَا لله تبَارك وَتَعَالَى فيشترى بِهِ مثله وَيجْعَل وَقفا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يشترى بِهِ مثله إِن كَانَ عبدا فعبد أَو شقص عبد إِن لم يُوجد عبد لِأَن علقَة الْوَقْف آكِد من الرَّهْن الذى لَا يتَعَدَّى إِلَى الْوَلَد قطعا فبأن يسري إِلَى الْبَدَل وَلَا يفوت بِفَوَات الْعين أولى وَإِن كَانَت الْجِنَايَة على الطّرف فيشتري بِهِ أَيْضا شقص عبد وَهَاهُنَا يحْتَمل أَن يسْلك بِهِ مَسْلَك الْفَوَائِد فَيصْرف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ملكا وَهَذَا ذكره صَاحب التَّقْرِيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 الْحَالة الثَّانِيَة أَن لَا يكون مَضْمُونا فَإِن لم يبْق مِنْهُ بَقِيَّة كَالْعَبْدِ إِذا مَاتَ فقد فَاتَ الْوَقْف وَإِن بقى متمولة كالشجرة إِذا جَفتْ وَبَقِي الْحَطب فَفِي انْقِطَاع الْوَقْف وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَطِع كَالْعَبْدِ إِذا مَاتَ والحطب وَإِن كَانَ يتمول فالوقت مُعَلّق باسم الشَّجَرَة فعلى هَذَا يَنْقَلِب الْحَطب ملكا إِلَى الْوَاقِف وَالثَّانِي أَنه يبْقى أثر الْوَقْف فَإِن إبقاءه مُمكن ثمَّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَشْتَرِي بِثمنِهِ شَجَرَة أَو شقص شَجَرَة وَيجْعَل وَقفا وَالثَّانِي أَنه يَسْتَوْفِي منفعَته بإجارته جذعا وَالثَّالِث أَنه يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ عينه فَيصير ملكا لَهُ الْحَالة الثَّالِثَة حَصِير الْمَسْجِد إِذا بلي وجذعه إِذا انْكَسَرَ أَو انفصلت نحاتة مِنْهُ فِي النخر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ الْأَصَح أَنه يُبَاع وَيصرف إِلَى مصَالح الْمَسْجِد كَيْلا يضيق الْمَكَان أَولا يتعطل وَالثَّانِي أَنه يبْقى كَذَلِك فَإِنَّهُ وقف لَا يُمكن بَيْعه وَلَيْسَ يُمكن اسْتِيفَاء عينه فَيتْرك أبدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 أما إِذا أشرف جذعه على الانكسار وداره على الانهدام وَعلم أَنه لَو أفرج لخرج عَن أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ وَبَطلَت مَالِيَّته أَيْضا فَفِي جَوَاز بَيْعه وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا يمِيل إِلَى الِاحْتِيَاط وَالْآخر إِلَى الْمصلحَة فَإِن قُلْنَا إِنَّه يُبَاع فَالْأَصَحّ أَنه يصرف الثّمن إِلَى جِهَة الْوَقْف وَيحصل مثل مَا بيع الْحَالة الرَّابِعَة أَن يتفرق النَّاس عَن الْبَلدة وتخرب الْبَلدة ويتعطل الْمَسْجِد أَو يخرب الْمَسْجِد فهاهنا لَا يعود الْمَسْجِد ملكا وَلَا يُبَاع وَلَا يتَصَرَّف فِي عِمَارَته لِأَن عود النَّاس متوقع بِخِلَاف الْمَوْت والجفاف وَكَذَلِكَ إِذا وقف شَيْئا على بعض الثغور كطرسوس فَبَطل واتسعت خطة الْإِسْلَام حواليها قَالَ الْأَصْحَاب يحفظ ارْتِفَاع الْوَقْف فَإِنَّهُ يتَوَقَّع أَن يعود ثغرا كَمَا كَانَ فَلم يحصل على الْيَأْس الْمَسْأَلَة السَّادِسَة الْجَارِيَة الْمَوْقُوفَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ إِن كَانَ الْوَاطِئ أَجْنَبِيّا وأحبل لزمَه الْمهْر للْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَتلْزَمهُ قيمَة الْوَلَد لِأَن الْوَلَد حر ويشترى بِقِيمَة الْوَلَد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 مثله وَإِن قُلْنَا يسرى الْوَقْف إِلَى الْوَلَد وَإِلَّا فَيصْرف إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ملكا كالمهر وَإِن كَانَ الْوَاقِف هُوَ الْوَاطِئ فَهَذَا حكمه وَيزِيد أَمر الِاسْتِيلَاد وَلَا ينفذ إِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَإِن قُلْنَا الْملك لَهُ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع تَأَكد حق الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِيهِ وَإِن كَانَ الْوَاطِئ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا مهر إِذْ هُوَ مصرفه وَالْولد حر وَلَا قيمَة إِن قُلْنَا إِن مصرفه هُوَ وَإِن قُلْنَا يَشْتَرِي بِهِ مثله فَيلْزمهُ وَالِاسْتِيلَاد لَا ينفذ إِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك فَينفذ على الْأَصَح إِذْ اجْتمع لَهُ ملك الرَّقَبَة وَالْمَنْفَعَة بِخِلَاف الْوَاقِف السَّابِعَة إِذا أجر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْوَقْف فَطلب بِزِيَادَة فَلَا فسخ لَهُ وَإِن أجر الْمُتَوَلِي مَا هُوَ لِلْخَيْرَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا أثر لَهُ إِذْ صَحَّ العقد الْمُوَافق للغبطة أَولا فَلَا نظر إِلَى مَا يطْرَأ وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي أَنه يفْسخ لِأَنَّهُ يُخَالف الْغِبْطَة فِي الْمُسْتَقْبل الثَّالِث أَنه إِن زَاد على السّنة فِي العقد فَلهُ أَن يمْنَع مَا زَاد على السّنة الثَّامِنَة أَنه إِن تعذر العثور على شَرط الْوَاقِف يقسم على الأرباب بِالسَّوِيَّةِ فَإِن لم يعرف الأرباب جَعَلْنَاهُ كوقف مُطلق لم يذكر مصرفه فَيصْرف إِلَى تِلْكَ المصارف الَّتِى ذَكرنَاهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 = كتاب الْهِبَة = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة الأول صِيغَة العقد فَلَا بُد من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَعَن ابْن سُرَيج أَنه يجوز تراخي الْقبُول وَهُوَ بعيد وَالصَّحِيح أَنه فِي الْإِبْرَاء لَا يفْتَقر إِلَى قبُول من عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بِلَفْظ الْهِبَة فَفِيهِ تردد وَالْفِعْل لَا يقوم مقَام اللَّفْظ كالمعاطاة فِي البيع وَذكر الفوراني أَنه يكْتَفى فِي الْهَدَايَا بِالْفِعْلِ فَلَا يعْتَبر اللَّفْظ فَإِن الْعَادة كَانَت مستمرة فِي عصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا ذكره مُحْتَمل فِي الْأَطْعِمَة أما مَا عداهُ فَلَا يُمكن دَعْوَى اطراد الْعَادة فِيهِ ويتصل بالصيغة حكم الرقبى والعمرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 أما الْعُمْرَى فلهَا ثَلَاث صور الأولى أَن يَقُول أعمرتك هَذِه الدَّار حياتك أَي جَعلتهَا لَك فِي عمرك فَإِذا مت فَهِيَ لورثتك فَهَذَا صَحِيح لِأَنَّهُ عبر بِهِ عَن مُقْتَضى الْهِبَة وَإِن طول فِيهِ الثَّانِيَة أَن يَقُول أعمرتك حياتك أَي جَعلتهَا لَك فِي عمرك وَلم يتَعَرَّض لما بعد مَوته فَقَوْلَانِ الْقَدِيم بُطْلَانه وَهُوَ الأقيس لِأَنَّهُ هبة مُؤَقَّتَة فيضاهي البيع الْمُؤَقت والجديد أَنه يَصح وَيبقى لوَرثَته لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تعمروا وَلَا ترقبوا وَمن أعمر شَيْئا أَو أرقب فسبيله الْمِيرَاث وَفِيه قَول ثَالِث ضَعِيف أَنه يَصح كَمَا شَرط الثَّالِثَة أَن يَقُول فَإِذا مت عَاد إِلَيّ فَفِيهِ قَولَانِ مرتبان أَحدهمَا الْبطلَان وَهُوَ الْقيَاس لتصريحه بِمَا يناقص الْمَوْضُوع فَهُوَ أولى بِالْبُطْلَانِ من الْمُطلق وَوجه الصِّحَّة إِلْغَاء شَرطه وَتَقْرِير الْهِبَة على موضوعها وَمن هَذَا استنبط بعض الْأَصْحَاب قولا أَن الْهِبَة لَا تفْسد بالشرئط الْفَاسِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 بِخِلَاف البيع لِأَن الشَّرْط فِي البيع يطْرق جهلا إِلَى الْعِوَض إِذْ يصير الْمَشْرُوط مَقْصُودا مَعَ الْعِوَض أما إِذا أضَاف إِلَى عمر غير الْمُتَّهب أَو إِلَى وَقت مَعْلُوم فَالظَّاهِر فَسَاده وَإِن فرعنا على الْجَدِيد وَفِيه وَجه مخرج أَنه تلغى الْإِضَافَة وَتَصِح الْهِبَة مُطلقًا أما الرقبى هُوَ أَن يَقُول أرقبتك دَاري أَو دَاري لَك رقبى أَي هى لَك فَإِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقر ملكك فَحكمه حكم الصُّورَة الثَّالِثَة من الْعُمْرَى لِأَنَّهُ مَا زَاد إِلَّا قَوْله إِن مت قبلك اسْتَقر ملكك وَهَذَا يُوَافق مَوْضُوع العقد الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمَوْهُوب وكل مَا جَازَ بَيْعه جَازَ هِبته وَإِن كَانَ شَائِعا قبل الْقِسْمَة أَو لم يقبل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح هبة شَائِع قَابل للْقِسْمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وَمَا لَا يجوز بَيْعه من الْمَجْهُول وَمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالآبق لَا تصح هِبته وَفِي هبه الْكَلْب خلاف من حَيْثُ إِنَّه تصح الْوَصِيَّة بِهِ وَهُوَ نقل اخْتِصَاص وَإِنَّمَا الْخَبيث ثمنه بِحكم الحَدِيث وَاخْتلفُوا فِي أَن هبة الْمَرْهُون هَل تفِيد الْملك عِنْد فك الرَّهْن أم يفْتَقر إِلَى إِعَادَته مَعَ أَن الْقطع بِأَن تَعْلِيق الْهِبَة لَا يجوز وَأَن بيع الْمَرْهُون بَاطِل لِأَن الْهِبَة لَا توجب الْملك بِنَفسِهَا بِخِلَاف البيع وَاخْتلفُوا فِي هبة الدّين إِن قُلْنَا يَصح بَيْعه من غير من عَلَيْهِ الدّين وَالأَصَح الْمَنْع لِأَن الْقَبْض فِي الدّين غير مُمكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 وَمن صَحَّ اكْتفى بِقَبض الدّين بتعيينه وَقيل يطرد هَذَا الْوَجْه فِي رهن الدّين وَهُوَ فِيهِ أبعد إِذْ الْوَثِيقَة مُتَعَلقَة بِالْقَبْضِ فِيهِ فَأمر الْقَبْض فِيهِ آكِد الرُّكْن الثَّالِث الْقَبْض وَالْهِبَة لَا تَفْسِير الْملك عندنَا إِلَّا بعد الْقَبْض خلافًا لمَالِك رَحْمَة الله وَذَلِكَ لِأَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ نحل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا جدَاد عشْرين وسْقا من التَّمْر ثمَّ مرض وَقَالَ وددت لَو كنت حُزْته والآن هُوَ مَال الْوَارِث وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا قبض تَبينا حُصُول الْملك عِنْد العقد وتسلم للمتهب الزَّوَائِد الْحَاصِلَة قبل الْقَبْض وَأخذ ذَلِك من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 عَنهُ على أَن من وهب عبدا قبل هِلَال شَوَّال وَقبض بعد الاستهلال فالفطرة على الْمُتَّهب وَقد قيل إِن هَذَا من الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَفْرِيع على مَذْهَب مَالك فرعان أَحدهمَا لَو قبض الْمُتَّهب دون إِذن الْوَاهِب لم يجز يحصل الْملك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحصل الثَّانِي إِذا مَاتَ الْوَاهِب قبل الْقَبْض فَالْأَظْهر أَن الْوَارِث يتَخَيَّر فِي الْإِقْبَاض كَالْبيع فِي زمَان الْخِيَار وَمِنْهُم من قَالَ يَنْفَسِخ العقد لِأَن هَذَا عقد جَائِز فينفسخ بِالْمَوْتِ كَالْوكَالَةِ والجعالة وَكَأن هَذَا الْقَائِل يَجْعَل الْقَبْض كجزء من السَّبَب مثل الْقبُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْهِبَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِي الرُّجُوع وَالْأَصْل أَن الْهِبَة مَنْدُوب إِلَيْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تهادوا تحَابوا وَهُوَ مَعَ الْأَقَارِب أحب لِأَن فِيهِ صلَة الرَّحِم وَإِذا وهب من أَوْلَاده فليسو بَينهم لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لنعمان ابْن بشير وَقد وهب بعض أَوْلَاده شَيْئا أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر سَوَاء فَقَالَ نعم فَقَالَ فَارْجِع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 وسو بَينهم وَإِن خصص فالهبة تَنْعَقِد وَلكنه يكون تَارِكًا للأحب وَهل يسْتَحبّ التَّسْوِيَة بَين الابْن وَالْبِنْت فِيهِ تردد وَحكم الْهِبَة إِذا صحت إِزَالَة الْملك ولزومه إِلَّا فِيمَا يهب لوَلَده قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحل لواهب أَن يرجع فِيمَا وهب إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يهب لوَلَده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَقَالَ أَبُو حنيفَة يرجع كل واهب إِلَّا الْوَالِد ثمَّ النّظر فِيمَن يرجع وَمَا بِهِ الرُّجُوع وَمَا يرجع فِيهِ أما الرَّاجِع فَهُوَ الْأَب وَفِي مَعْنَاهُ الْجد فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَقيل إِنَّه يخْتَص بِالْأَبِ وَقيل يتَعَدَّى إِلَى الْجد من قبل الْأَب وَولي لِأَن هَذَا احتكام وَالظَّاهِر أَن الوالدة فِي معنى الْوَالِد وَفِيه وَجه بِخِلَافِهِ فروع أَحدهَا إِن تصدق على وَلَده عِنْد حَاجته فَالظَّاهِر أَنه يرجع لِأَنَّهُ هبة وَفِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَجه أَنه لَا يرجع لِأَنَّهُ فقد طلب الثَّوَاب لَا لإِصْلَاح حَال الْوَلَد وَقد حصل الثَّوَاب الثَّانِي صبي تداعاه رجلَانِ ووهبه كل وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا رُجُوع لأَحَدهمَا إِذْ لم يثبت أبوته فَإِن قَامَت لَهُ البنية فَفِي رُجُوعه خلاف لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ حَال العقد أبوة ظَاهِرَة الثَّالِث لَو وهب من وَلَده فوهب هُوَ من وَلَده أَو مَاتَ وانتقل إِلَى وَلَده وَقُلْنَا للْجدّ الرُّجُوع فَفِي الرُّجُوع هَاهُنَا وَجْهَان وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَن الرُّجُوع للْوَاهِب وَهُوَ الْآن لَيْسَ واهبا أما مَا بِهِ الرُّجُوع فَهُوَ كل لفظ صَرِيح وَفِي إقدامه على البيع وَالْعِتْق ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَيْسَ بِرُجُوع وَلَا ينفذ فَإِنَّهُ صَادف ملك غَيره وَهُوَ لَازم وَالثَّانِي أَنه ينفذ وَيكون رُجُوعا لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهِ ونهو من ضَرُورَته وَالثَّالِث أَنه رُجُوع لدلالته عَلَيْهِ وَلَا ينفذ لِأَنَّهُ لم يلاق الْملك أما الْوَطْء فَالظَّاهِر أَنه لَا يكون رُجُوعا بل يجب عَلَيْهِ الْمهْر وَكَذَا الْقيمَة إِن أحبلها أما مَا فِيهِ الرُّجُوع فَهُوَ عين الْمَوْهُوب مَا دَامَ بَاقِيا فِي سلطنة الْملك فَإِن تلف فَلَا رُجُوع بقيمه وَإِن نقص فَيرجع إِلَى النَّاقِص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وَإِن زَاد زِيَادَة مُتَّصِلَة رَجَعَ إِلَيْهَا زَائِدَة وَإِن كَانَت مُنْفَصِلَة سلمت الزِّيَادَة للمتهب وَإِن خرج عَن ملكه بِمَوْت أَو تصرف انْقَطع الرُّجُوع إِن عَاد إِلَى ملكه فَفِي عود الرُّجُوع قَولَانِ بِنَاء على أَن الزائل الْعَائِد كالذى لم يزل أَو كالذى لم يعد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ عصيرا خمرًا ثمَّ عَاد خلا عَاد الرُّجُوع لِأَن الْعَائِد هُوَ الْملك الأول وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَرْهُونا أَو مكَاتبا فَيمْتَنع الرُّجُوع فَإِن انْفَكَّ عَاد الرُّجُوع وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع بِإِجَارَة الْمَوْهُوب وَفِي امْتِنَاعه بإباقه تردد وَإِن تلعق حق غُرَمَاء الْمُتَّهب بِمَالِه لإفلاسه فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالمرهون وَالثَّانِي نعم وَلذَلِك منع الرَّهْن رُجُوع البَائِع بِخِلَاف الإفلاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْهِبَة بِشَرْط الثَّوَاب وَالْهِبَة ثَلَاثَة أَقسَام مُقَيّد بِشَرْط نفي الثَّوَاب فَلَا يَقْتَضِي ثَوابًا ووطلق فَإِن كَانَ من كَبِير مَعَ صَغِير فَلَا تقضى ثَوابًا وَإِن كَانَ من صَغِير مَعَ كَبِير فَقَوْلَانِ الْجَدِيد أَنه لَا يلْزم الثَّوَاب مَوْضُوع اللَّفْظ التَّبَرُّع وَفِي الْقَدِيم يلْزمه لقَرِينَة الْعَادة وَإِن وهب من مثله فطريقان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِنَفْي الثَّوَاب وطرد المراوزة الْقَوْلَيْنِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يَقْتَضِي الثَّوَاب فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا إِن قدر الثَّوَاب قدر قيمَة وَالثَّانِي مَا يتمول وَالثَّالِث مَا يعد ثَوابًا فِي الْعَادة وَالرَّابِع مَا يرضى بِهِ الْمَوَاهِب أما الْهِبَة الْمقيدَة بِشَرْط الثَّوَاب إِن فرعنا على الْجَدِيد وَكَانَ الثَّوَاب مَجْهُولا فَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 بَاطِل وَإِن كَانَ مَعْلُوما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه ينْعَقد بيعا وَلكنه بِلَفْظ الْهِبَة وَالثَّانِي أَنه يفْسد لِأَنَّهُ متناقض وَهُوَ قريب من الْخلاف فِي أَنه لَو قَالَ بِعْت بِلَا ثمن هَل ينْعَقد هبة وَإِن فرعنا على الْقَدِيم فالثواب الْمَجْهُول كالمطلق وَإِذا قُلْنَا ينْعَقد بيعا فَيثبت الشُّفْعَة وَسَائِر أَحْكَام البيع على الظَّاهِر من الْمَذْهَب التَّفْرِيع إِذا فرعنا على الْقَدِيم فِي الْهِبَة الْمُطلقَة فَمَا رَأَيْنَاهُ ثَوابًا إِذا لم يسلم جَازَ الرُّجُوع عِنْد بَقَاء الْعين وَإِن تلفت رَجَعَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ مَضْمُون بِالْعِوَضِ وَكَذَا إِذا غَابَ طلب الْأَرْش وَفِيه وَجه أَنه لَا يرجع بِالْقيمَةِ لِأَن الرُّجُوع يتَعَلَّق بِالْعينِ فِي الْهِبَة وَهَذِه لَيست هبة فروع أَحدهَا لَو وجد بالثواب عَيْبا ورد وَرجع إِلَى الْعين وَإِن كَانَ تَالِفا وَالثَّوَاب فِي الذِّمَّة فَيُطَالب بِهِ وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ بيع يرجع إِلَى قِيمَته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 الثَّانِي لَو وهب حليا فأثابه فِي الْمجْلس نَقْدا من جنسه زَائِدا أَو نَاقِصا فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ رَبًّا وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ لَا مُقَابلَة وَلكنه إنْشَاء تبرع فِي مُقَابلَة تبرع الثَّالِث إِذا قَدرنَا الثَّوَاب بِالْقيمَةِ فَيعْتَبر يَوْم الْقَبْض وَفِيه وَجه آخر أَنه يعْتَبر يَوْم بذل الْقيمَة الرَّابِع إِذا تنَازعا فَقَالَ الْمَالِك بِعْتُك وَقَالَ الْآخِذ بل وهبتني فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْآخِذ لِأَنَّهُ وَافقه صَاحبه على الْملك وَيَدعِي عَلَيْهِ عوضا الأَصْل عَدمه وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لتساويهما إِذْ هَذَا يُعَارضهُ أَن الرُّجُوع فِي وَجه الزَّوَال إِلَى المزيل وَحكي فِي طَريقَة الْعرَاق بدل هَذَا الْوَجْه أَن القَوْل قَول الْوَاهِب فَإِنَّهُ المزيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 = كتاب اللّقطَة = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة الأول الِالْتِقَاط وَهُوَ عبارَة عَن أَخذ مَال ضائع ليعرفها الْآخِذ سنة ثمَّ يتملكها بعد مُضِيّ السّنة ويضمنها لمَالِكهَا إِن ظهر وَفِيه أَخْبَار وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا فِي وجوب الِالْتِقَاط نقل الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا أحب تَركه وَقَالَ فِي الْأُم لَا يجوز تَركه فَمنهمْ من أطلق قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من نزل على حالتين فَأوجب إِن كَانَ يضيع لَو لم يَأْخُذهُ وَلم يُوجب إِذا كَانَ لَا يضيع وَالأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ لَا يجب لِأَنَّهُ بَين أَن يكون كسبا أَو أَمَانَة فَلَا معنى لوُجُوبه وَأَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَأْكِيد النّدب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 نعم يسْتَحبّ إِن كَانَ يَثِق بأمانة نَفسه وَإِن خَافَ على نَفسه فَفِي جَوَاز الْأَخْذ وَجْهَان يجْرِي مثله فِيمَن يتَوَلَّى الْقَضَاء وَهُوَ يخَاف الْخِيَانَة وَوجه الْجَوَاز أَنه لم يعرف الْخِيَانَة فنأمره بالاحتراز الثَّانِيَة فِي وجوب الْإِشْهَاد على اللّقطَة وَجْهَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْتقط لقطَة فليشهد عَلَيْهَا فَاحْتمل أَن يكون إِيجَابا أَو اسْتِحْبَابا وإرشادا لقَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فَإِذا أشهد فليعرف الشَّاهِد بعض الْأَوْصَاف ليَكُون فِيهِ فَائِدَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يستوعب فَإِنَّهُ رُبمَا يشيع فيعتمده الْمُدَّعِي الْكَاذِب ويتوسل بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُلْتَقط وأهلية الِالْتِقَاط لمن لَهُ أَهْلِيَّة الْأَمَانَة وَالْكَسْب وَالْولَايَة فَإِن هَذِه المشابه ظَاهِرَة فِي اللّقطَة فَإِنَّهَا أَمَانَة فِي الْحَال وَولَايَة بِإِثْبَات الْيَد وَكسب بِالْإِضَافَة إِلَى ثَانِي الْحَال فَيثبت جَوَاز الِالْتِقَاط لكل مُسلم حر مُكَلّف عدل وَالنَّظَر فِي الْكَافِر وَالرَّقِيق وَالصَّبِيّ وَالْفَاسِق أما الْكَافِر فَهُوَ من أهل الِالْتِقَاط قطع بِهِ المراوزة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَكَأَنَّهُم رَأَوْا بذلك تسلطا فِي دَار الْإِسْلَام كالإحياء إِذْ لم يروه من أهل الْأَمَانَة أما الْفَاسِق فَلَا يجوز لَهُ أَخذه فَإِن أَخذه فَهَل يَصح الْتِقَاطه لإِفَادَة الإحكام فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَمَانَة فِي الْحَال وَفِيه شُبْهَة الْولَايَة وَالْفَاسِق لَا يَلِيهِ الشَّرْع الْأَمَانَات وَالثَّانِي نعم لِأَن مَاله التَّمَلُّك وَهُوَ مَقْصُوده وَالْفَاسِق من أهل الِاكْتِسَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ أَهلا فَلَو التقطه فَهُوَ غَاصِب وَلَو عرف لم يمتلك وَلَو تلف فِي يَده ضمن وَفِي انتزاع القَاضِي من يَده وَجْهَان كَمَا فِي انْتِزَاعه من يَد الْغَاصِب وَوجه الْمَنْع أَنه مَضْمُون فِي يَده وَيكون فِي يَد القَاضِي أَمَانَة ثمَّ فِي بَرَاءَته عَن الضَّمَان عِنْد الانتزاع وَجْهَان وَفِي جَوَاز الانتزاع لآحاد النَّاس احتسابا وَفِي بَرَاءَة الْغَاصِب بِهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن النّظر للْغَائِب يَلِيق للقضاة وَإِن فرعنا على أَنه أَهله فَهُوَ كالعدل حَتَّى يملك بعد الْمدَّة ويتلف أَمَانَة فِي يَده وَلَكِن القَاضِي ينْزع من يَده أَو ينصب عَلَيْهِ رقيبا فِيهِ وَجْهَان لِأَن النّظر للْمَالِك فِي أَن لَا يهمل إِلَّا بانتزاع أَو مراقبة أما الرَّقِيق فَفِيهِ أَيْضا قَولَانِ لِأَنَّهُ أهل الْكسْب لَا من أهل الْأَمَانَة وَالْولَايَة فَإِن قُلْنَا لَيْسَ من أَهله فَهِيَ فِي يَده مَضْمُونَة إِن تلف تعلّقت الْقيمَة بِرَقَبَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَإِن فضلت قِيمَته فَلَا يُطَالب السَّيِّد بِهِ إِن لم يعلم وَإِن علم وَلم ينْزع من يَده نقل الْمُزنِيّ أَنه يُطَالب وَكَأن يَده يَد السَّيِّد بعد علمه وَنقل الرّبيع أَنه لَا يُطَالب وَهُوَ الْأَصَح كَمَا أَو أذن لَهُ فِي الْإِتْلَاف وكما لَو لم يعلم وَأما الانتزاع من يَده فللسيد أَن يُطَالب القَاضِي بِإِزَالَة يَده ليخرج عَن ضَمَان عَبده فجواز الانتزاع والبراءة من الضَّمَان هَاهُنَا مُرَتّب على الْفَاسِق وَأولى بِالْجَوَازِ لغَرَض السَّيِّد أما السَّيِّد لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذهُ على قصد الِالْتِقَاط أَو الْأَجْنَبِيّ أَرَادَ ذَلِك قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ جَائِز وَكَأَنَّهُ يعد فِي مضيعة إِذْ هُوَ لَيْسَ أَهلا فَكَأَنَّهُ لم يلتقط بعد وَفِيه نظر لِأَنَّهُ وَقع فِي مَحل مَضْمُون والالتقاط هُوَ الْأَخْذ من مَحل مضيع وَلكنه ينقدح خلاف فِي أَنه هَل تحصل الْبَرَاءَة بانتزاعه كَمَا فِي الْأَجْنَبِيّ وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يتمحض حَسبه إِذْ لَهُ فِيهِ غَرَض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 فرع لَو عق العَبْد بعد الِالْتِقَاط فقد تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن طرآن الْحُرِّيَّة على دوَام اللّقطَة هَل يَصح اللّقطَة حَتَّى يُفِيد حكمهَا وَهُوَ مُحْتَمل أما إِذا قُلْنَا هُوَ أهل الِالْتِقَاط فَإِن عرف وتملك بِإِذن السَّيِّد صَحَّ وَحصل الْملك للسَّيِّد وَإِن اسْتَقل بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي شِرَائِهِ لِأَنَّهُ تملك بعوض وَأولى بِالْفَسَادِ لِأَن البَائِع رَاض بِذِمَّتِهِ فَلَا يُطَالب السَّيِّد وَهَاهُنَا الْمُلْتَقط يتبع من لَهُ الْملك فيعرضه للمطالبة فَأَما الضَّمَان فَإِن تلف قبل مُضِيّ الْمدَّة فأمانة وَإِن تلف بعد مُضِيّ الْمدَّة والتملك فمضمون على السَّيِّد إِن أذن فِي التَّمَلُّك وَكَذَلِكَ إِذا أذن فِي قصد التَّمَلُّك وَبعد لم يجز التَّمَلُّك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ على جِهَة التَّمَلُّك ويتلعق بِذِمَّة العَبْد أَيْضا لكَونه فِي يَده وَفِيه وَجه أَنه لَا يتَعَلَّق بالسيد كَمَا لَو أذن فِي الْغَصْب وَهُوَ ضَعِيف بل تشبيهه بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاء أولى وَإِن لم يكن أذن السَّيِّد فِيهِ فَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد وَلَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَة مِنْهُ وَهُوَ أَمَانَة وَقد تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 وَفِيه وَجه أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ وَجب بِغَيْر رضَا مُسْتَحقّه أما إِذا أتْلفه العَبْد بعد الْمدَّة فَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ كَمَا لَو أتلف الْمَبِيع كَأَن ذَلِك تسليط من الْمَالِك وَهَذَا تسليط على الْمَالِك من الشَّرْع فرعان أَحدهمَا الْمكَاتب نَص أَنه كَالْحرِّ فَمنهمْ من قطع بِهِ لِأَنَّهُ أهل الِاسْتِقْلَال وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله فَإِن عرف ملك بِنَفسِهِ وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فالسلطان ينتزعه من يَده وَلَيْسَ للسَّيِّد ولَايَة الانتزاع إِلَّا كَمَا للآحاد لِأَنَّهُ لَا يَد لَهُ على كَسبه الثَّانِي من نصفه حر وَنصفه رَقِيق نَص أَنه كَالْحرِّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أهل كَالْحرِّ وَلم يكن مُهَايَأَة فَهُوَ مُشْتَرك بَينهمَا كَسَائِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 أكسابه وكما لَو اشْترك رجلَانِ فِي اللّقطَة وَإِن كَانَ بَينهمَا مُهَايَأَة وَقُلْنَا إِن الْكسْب النَّادِر لَا يدْخل فِي الْمُهَايَأَة فمشترك وَإِن قُلْنَا يدْخل فَهُوَ لمن وَقع فِي نوبَته ويرعى قيمَة فِيهِ يَوْم الِالْتِقَاط أَو مُضِيّ مُدَّة التَّعْرِيف فِيهِ احْتِمَال أما الصَّبِي فَفِي الْتِقَاطه قَولَانِ كَمَا فِي العَبْد وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ أهل الِالْتِقَاط وطردوا ذَلِك فِي الْمَجْنُون وكل مَحْجُور عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أهل الِاكْتِسَاب فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله انتزعه الْوَلِيّ من يَده ثمَّ يتَمَلَّك لَهُ بعد مُضِيّ الْمدَّة وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فَهُوَ فِي يَده فِي غير حق فلينتزع من يَده فَإِن أتْلفه الصَّبِي ضمنه وَإِن تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَيلْزمهُ الضَّمَان أَيْضا وَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله وَتلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي يَده فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للأمانة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَلَو أودع عِنْد الصَّبِي شَيْئا فَتلف لم يضمن وَإِن أتلف فَوَجْهَانِ بِالْعَكْسِ من اللّقطَة لِأَنَّهُ تسليط من الْمَالِك ثمَّ لَو علم الْوَلِيّ بذلك وَلم ينتزع من يَده حَتَّى تلف ضمن الْوَلِيّ بتقصيره فَإِنَّهُ مُلْتَزم حفظه عَن مثل ذَلِك الرُّكْن الثَّالِث فِيمَا يلتقط وَهُوَ كل مَال معرض للضياع وجد فِي عَامر من الأَرْض أَو غامرها فَإِن كَانَ حَيَوَانا نظر فَمَا يمْتَنع عَن صغَار السبَاع كَالْإِبِلِ وَفِي مَعْنَاهُ الْبَقر وَالْحمار لَا يجوز الْتِقَاطه وَمَا لَا يمْتَنع كالشاة والفصيل والجحش جَازَ الْتِقَاطه لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن اللّقطَة فَقَالَ أعرف غفاصها ووكائها وَعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَك فَسئلَ عَن ضَالَّة الشَّاة فَقَالَ هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب فَسئلَ عَن الْإِبِل فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وَقَالَ مَالك وَلها مَعهَا سقاؤها وحذاؤها ترد المَاء وتأكل الشّجر ذرها حَتَّى يلقاها رَبهَا هَذَا إِن وجد فِي الصَّحرَاء فَإِن وجد الْحَيَوَان فِي الْعمرَان فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كالصحاري لعُمُوم الْخَبَر فَيُفَرق بَين الصَّغِير وَالْكَبِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَالثَّانِي أَنه يلتقط الْكل إِذا تتناولها أَيدي النَّاس بِخِلَاف مَا فِي الصَّحرَاء وَالثَّالِث أَنه لَا يلتقط لَا الصَّغِير وَلَا الْكَبِير فَإِنَّهُ لَا يخَاف الصَّغِير هَاهُنَا من السبَاع بِخِلَاف الصَّحرَاء فَإِذا قُلْنَا لَا يلتقط الْبَعِير فَإِذا أَخذه ثمَّ تَركه على مَكَانَهُ لم يخرج من ضَمَانه فرع ان أَحدهمَا اسْتثْنى صَاحب التَّلْخِيص الْبَعِير الذى وجد فِي أَيَّام منى وَقد قلد الْهدى وَقَالَ جَازَ أَخذه وذبحه اعْتِمَادًا على الْعَلامَة وَمن أَصْحَابنَا من خرج ذَلِك على أَن الْبَعِير إِذا وجد مذبوحا وَقد غمس منسمه فِي دَمه هَل يجوز أَن يُؤْكَل اعْتِمَادًا على هَذِه الْعَلامَة وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ إِذْ لَا يبعد شرود الْبَعِير من صَاحبه فَلَا يرضى صَاحبه بنحر غَيره الثَّانِي إِذا وجد كَلْبا التقطه واختص بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بعد التَّعْرِيف فَإِن الِانْتِفَاع بِهِ كالملك فِي غَيره وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِنَّه اخْتِصَاص بِغَيْر ضَمَان فيكاد يُخَالف مَوْضُوع اللّقطَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام اللّقطَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الأول الضَّمَان وَذَلِكَ يخْتَلف بِقَصْدِهِ فَإِن الْتقط على قصد أَن يحفظه لمَالِكه أبدا فَهُوَ أَمَانَة فِي يَده أبدا وَإِن قصد أَن يختزل فِي الْحَال فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ أبدا وَإِن قصد أَن يتملكها بعد السّنة فَهُوَ فِي السّنة أَمَانَة لَو تلف لَا ضَمَان فَإِذا مَضَت السّنة فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ وَإِن لم يتَمَلَّك لِأَنَّهُ صَار ممسكا لنَفسِهِ بِالْقَصْدِ السَّابِق فَهُوَ كالمأخوذ على جِهَة السّوم وَإِن لم يقْصد شَيْئا من ذَلِك وَأطلق الْأَخْذ فَإِن غلب مشابع الْأَمَانَة فَلَا ضَمَان وَإِن غلبنا مشابه الْكسْب ضمناه فرع إِذا قصد الْأَمَانَة أَولا ثمَّ تعدى بِالْفِعْلِ فِيهِ ضمن وَهل يضمن بِمُجَرَّد قصد الْخِيَانَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالْمُودعِ لَا يضمن بِمُجَرَّد الْقَصْد وَالثَّانِي يضمن لِأَن الْمُودع مسلط عَلَيْهِ من جِهَة الْمَالِك وَالْأَصْل أَن إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه مضمن إِلَّا عِنْد قصد الْأَمَانَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 وَلِهَذَا قَطعنَا بِأَن الْمُلْتَقط على قصد الْخِيَانَة فِي الِابْتِدَاء يضمن وَفِي الْمُودع إِذا قصد الْخِيَانَة عِنْد الْأَخْذ وَجْهَان ثمَّ مهما صَار ضَامِنا فَلَو أنْفق التَّعْرِيف لم يكن لَهُ التَّمَلُّك فَإِنَّهُ جوز ذَلِك عِنْد وجود الْأَمَانَة وَفِيه وَجه آخر أَن يتَمَلَّك إِذْ الْعدوان لم يكن فِي عين السَّبَب وَإِنَّمَا كَانَ فِي قَصده وَلم يتَّصل بِهِ تَحْقِيق الحكم الثَّانِي التَّعْرِيف وَفِيه طرفان الأول فِيمَا يعرف وَيجب ذَلِك سنة فِي كل ملتقط إِلَّا مَا قل أَو تسارع الْفساد إِلَيْهِ أما الْقَلِيل فَمَا لَا يتمول كالزبيبة الْوَاحِدَة لَا تعرف أصلا وَمَا يتمول يعرف وَلَكِن لَا يجب تَعْرِيفه سنة وَالأَصَح أَنه لَا حد لَهُ بِتَقْدِير بل مَا يعرف أَنه يفتر صَاحبه عَن طلبه على الْقرب وَمِنْهُم من قدر بنصاب السّرقَة لِأَن مَا دونه تافه شرعا وَمِنْهُم من قَالَ الدِّينَار فَمَا دونه قَلِيل لما رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ وجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 دِينَارا فَذكره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره باستنفاقه ثمَّ مَا رَأَيْنَاهُ قَلِيلا فَفِي قدر التَّعْرِيف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا مرّة وَاحِدَة إِذْ لَا ضبط للزِّيَادَة وَيدل عَلَيْهِ أثر عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِن إِظْهَاره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كَافِيا وَالثَّانِي أَنه الْقدر الذى يوازي طلب الْمَالِك ومداومته عَلَيْهِ الثَّالِث أَنه يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام حذارا من الْجَهَالَة أما مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد كالطعام وَأَمْثَاله فَإِن وجده فِي الصَّحرَاء جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ أَو يَأْكُلهُ قبل التَّعْرِيف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من الْتقط طَعَاما فليأكله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وتلحق الشَّاة بِالطَّعَامِ فَإِنَّهَا مطعومة وَلَا تبقى بِغَيْر نَفَقَته لَهُ وَلَا نَفَقَة لَهَا وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب وَلم يَأْمر بالتعريف وَفِي إِلْحَاق الجحش وصغار الْحَيَوَانَات الَّتِى لَا تُؤْكَل بِالشَّاة وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا تبقى دون الْعلف وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم المطعوم أسهل وَقد ورد الْخَبَر فِي الطَّعَام وَالشَّاة ثمَّ إِذا أكل أَو تملك فَفِي وجوب التَّعْرِيف بعده وَجْهَان أَحدهمَا يجب حذارا من الكتمان وَالثَّانِي لَا لعُمُوم الْخَبَر ولبعد وجود الْمَالِك فِيمَا الْتقط من الصَّحرَاء أما إِذا وجد الطَّعَام فِي عمرَان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه كالصحراء لعُمُوم الْخَبَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يَبِيعهُ فَإِن ثمنه قَابل للبقاء فَيكون بَدَلا عَنهُ وَفِي الصَّحرَاء يعجز عَنهُ فَإِن قُلْنَا يَبِيع فيتولاه بِنَفسِهِ إِن لم يجد قَاضِيا وَإِن وجد فَفِي جَوَاز استقلاله بِالْبيعِ وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَنه لَو نوع ولَايَة بِسَبَب الِالْتِقَاط ثمَّ مهما حصل الثّمن سلك بِهِ مَسْلَك عين اللّقطَة فِي الضَّمَان والتملك وَغَيره وَإِن قُلْنَا يَأْكُل ثمَّ يعرف بعده فَهَل يلْزمه تَمْيِيز قِيمَته ليعتمد التَّعْرِيف مَوْجُودا فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يُمَيّز فَلَا يتَعَيَّن لَهُ إِلَّا بِقَبض القَاضِي ثمَّ لَا يصير ملكا لرب اللّقطَة وَلَكِن فَائِدَته إِن يقدم الْمَالِك بِهِ على الْغُرَمَاء عِنْد إفلاسه وَيمْتَنع فِيهِ تصرف الْمُلْتَقط ويتلف فِي يَده أَمَانَة وَإِذا لم يظْهر حَتَّى مَضَت الْمدَّة فالأشهر أَنه لَا يرْتَفع الْحجر بل يحفظه أبدا لمَالِكه لِأَنَّهُ لَا عينهَا وَيحْتَمل أَن يرْتَفع الْحجر كَمَا لم يُمَيّز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّعْرِيف وَفِيه مسَائِل الأولى وَقت التَّعْرِيف عقب الِالْتِقَاط وَإِن عزم على التَّمَلُّك بعد سنة وَإِن لم يعزم على التَّمَلُّك أصلا أَو عزم بعد سنتَيْن فَهَل يلْزمه التَّعْرِيف فِي الْحَال فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن التَّعْرِيف تَعب فِي مُقَابلَة ثَمَرَة الْملك وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَقْصُود وُصُول الْحق إِلَى مُسْتَحقّه وَفِي تَأْخِيره إِضْرَارًا بِالْكِتْمَانِ فَإِن قُلْنَا يجب البدار فالبالتأجير يصير ضَامِنا ثمَّ يَنْبَغِي أَن يعرف فِي الِابْتِدَاء فِي كل يَوْم ثمَّ فِي كل جُمُعَة ثمَّ فِي كل شهر وَالْمَقْصُود أَن يعرف أَن الْأَخير تكْرَار الأول الثَّانِيَة مَكَان التَّعْرِيف مَكَان الِالْتِقَاط إِن كَانَ فِي عمَارَة فَإِن سَافر فليوكل غَيره بالتعريف وَإِن الْتقط فِي صحراء فَلَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بلد وَلَكِن ليعرفه فِي الْبَلَد الذى يَنْتَهِي إِلَيْهِ ويقصده فَإِن الْإِمْكَان فِي سَائِر الْبِلَاد على وتيرة وَاحِدَة الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن يذكر بعض أَوْصَاف اللّقطَة فِي التَّعْرِيف كالغطاص والوكاء ليَكُون تَنْبِيها للْمَالِك وَهُوَ اسْتِحْبَاب أَو وجوب فِيهِ خلاف الرَّابِعَة مُؤنَة التَّعْرِيف لَا تلْزمهُ أَعنِي أُجْرَة الْمُعَرّف إِن قصد حفظه أَمَانَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 أبدا وَإِن قصد التَّمَلُّك وَلم يظْهر الْمَالِك فالمؤنة عَلَيْهِ وَإِن ظهر الْمَالِك فقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ أَنه على الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ يسْعَى لنَفسِهِ وَفِيه احْتِمَال لِأَن التَّعْرِيف طلب الْمَالِك فَهُوَ سعي فِي الْحَال لَهُ لَا سِيمَا إِذا ظهر وَإِذا قُلْنَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يسلم من بَيت المَال أَو من عين اللّقطَة فرع إِذا كَانَت اللّقطَة جحشا وَقُلْنَا يجب تَعْرِيفه بِخِلَاف الشَّاة فَلَيْسَ ذَلِك على الْمُلْتَقط قطعا وَإِنَّمَا هُوَ كَنَفَقَة الْجمال عِنْد هرب الْجمال فَإِن مست الْحَاجة إِلَى بيع جُزْء مِنْهُ فعلى ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن كَانَ كَذَلِك فسيأكل نَفسه فَيلْحق بقبيل مَا يتسارع الْفساد إِلَيْهِ الحكم الثَّالِث التَّمَلُّك بعد مُضِيّ الْمدَّة وَهُوَ جَائِز إِذْ لم يقْصد الْخِيَانَة وَفِيه أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يحصل بِمُجَرَّد مُضِيّ السّنة فَإِنَّهُ قصد بالالتقاط الْملك عِنْده الثَّانِي أَنه لَا بُد من لفظ فمجرد الْقَصْد فَقَط لَا يُؤثر وَمَا مُضِيّ عزم لَا قصد وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي تَجْدِيد قصد عِنْد مُضِيّ السّنة وَالرَّابِع أَنه لَا بُد من تصرف يزِيل الْملك فَإِن فعله وَقَوله لَا يزِيد على الاستقراض وَثمّ لَا يملك إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ على قَول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 فرع إِذا وجد لقطَة فِي مَكَّة فَفِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتَمَلَّك كَسَائِر الْبِلَاد وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم مَكَّة لَا ينفر صيدها وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد وَالْمرَاد بِهِ منشد على الدَّوَام وَإِلَّا فَأَي فَائِدَة لتخصيص مَكَّة الحكم الرَّابِع وجوب الرَّد إِذا ظهر مَالِكه وَيعرف ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ فَإِن أطنب فِي الْوَصْف وَغلب على الظَّن صدقه جَازَ التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَفِي وجوب ردهَا دون إِقَامَة الْبَيِّنَة خلاف مِنْهُم من أوجب إِذْ تَكْلِيف الْبَيِّنَة عسر وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يكون قد عرف الْوَصْف بِوَصْف الْمَالِك الفاقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 وَلَعَلَّ الأولى الِاكْتِفَاء بقول عدل وَاحِد لحُصُول الثِّقَة فرعان أَحدهمَا إِذا سلمه إِلَى الواصف فَظهر الْمَالِك فَيُطَالب الواصف أَو الْمُلْتَقط من شَاءَ مِنْهُم وَيرجع الْمُلْتَقط على الواصف إِلَّا إِذا كَانَ اعْترف لَهُ بِالْملكِ فَلَا يقدر على الرُّجُوع الثَّانِي إِذا ظهر الْمَالِك بعد أَن تملكه فَإِن تلف رد قِيمَته يَوْم التَّمَلُّك وَإِن كَانَت قَائِمَة فَفِي لُزُوم رد الْعين وَجْهَان كمثله فِي رُجُوع الْمُسْتَقْرض وَإِن كَانَت مَعِيبَة فَأَرَادَ أَن يردهَا وَيضم الْأَرْش إِلَيْهَا وَامْتنع الْمَالِك وَقَالَ أُرِيد الْقيمَة فَأَيّهمَا يُجَاب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَالِك لِأَن الْعين بعد التَّمَلُّك تزاد للتقريب فِي حُصُول الْجَبْر وَقد فَاتَ بِالْعَيْبِ وَجه الْجَبْر وَالثَّانِي الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ لَا يزِيد على الْغَاصِب وللغاصب رد الْعين من الْأَرْش ثمَّ إِذا رد فَلَو طَالب من الْمَالِك أجرت الرَّد لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ قد نَادَى الْمَالِك بِأَن من رد لقطتي فَلهُ كَذَا فَيسْتَحق مَا سمي على مَا فصلناه فِي كتاب الْجعَالَة عقيب الْإِجَارَة وَالله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 = كتاب اللَّقِيط = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الِالْتِقَاط وَأَحْكَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَما الْأَركان فَثَلَاثَة الأول نفس الِالْتِقَاط وَهُوَ عبارَة عَن أَخذ صبي ضائع لَا كافل لَهُ وَهُوَ فِي نَفسه فرض على الْكِفَايَة لِأَنَّهُ تعاون على الْبر وإنقاذ عَن الْهَلَاك وَفِي وجوب الْإِشْهَاد عَلَيْهِ خلاف مُرَتّب على الْإِشْهَاد على اللّقطَة وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الاسترقاق مخوف فِيهِ وَمن الْأَصْحَاب من أوجب ذَلِك على المستور على الْعدْل ثمَّ إِذا شرطناه فمهما تَركه لم يثبت لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَجَائِز الانتزاع من يَده وَكَأَنَّهَا ولَايَة لَا تثبت إِلَّا بعد الشَّهَادَة الرُّكْن الثَّانِي اللَّقِيط وَلَا يشْتَرط فِيهِ إِلَّا الْحَاجة إِلَى كافل فَإِن كَانَ لَهُ ملتقط سبق إِلَيْهِ أَو أَب أَو أم أَو قريب فَلَا معنى لالتقاطه وَكَذَا إِن كَانَ بَالغا وَإِن كَانَ دون سنّ التَّمْيِيز فَيجب الْتِقَاطه وَفِيمَا بعد التَّمْيِيز إِلَى الْبلُوغ تردد فَإِنَّهُ قريب الشُّبْهَة من الْإِبِل من جملَة اللّقطَة إِذْ لَهُ نوع اسْتِقْلَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 الرُّكْن الثَّالِث الْمُلْتَقط وأهلية الِالْتِقَاط ثَابِتَة لكل حر مُكَلّف مُسلم عدل رشيد أما العَبْد وَالْمكَاتب فَلَا يت فرع ان للالتقاط فَإِن التقطا انتزع من أَيْدِيهِمَا وَلَا ولَايَة لَهما على الْحَضَانَة إِلَّا أَن يَأْذَن السَّيِّد فَيكون هُوَ الْمُلْتَقط وَالْعَبْد نَائِب فِي الْأَخْذ وَأما الْكَافِر فَهُوَ أهل الِالْتِقَاط للْكَافِرِ لَا الْمُسلم فَإِنَّهُ نوع ولَايَة نعم للْمُسلمِ الْتِقَاط الْكَافِر وَأما الْفَاسِق فَلَا يأتمنه الشَّرْع والمستور لَهُ الِالْتِقَاط ثمَّ لَو قصد المسافرة بِهِ مَنعه القَاضِي إِلَّا أَن تعرف عَدَالَته وَأما المبذر وَإِن لم يكن فَاسِقًا فَلَيْسَ أَهلا لأمانات الشَّرْع وَأما الْفَقِير وَهُوَ على الله رزقهم وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها آخر أَنه ينتزع من يَده نظرا للصَّبِيّ فَإِن قيل فَلَو ازْدحم ملتقطان قُلْنَا أما غير الْأَهْل فَلَا يزاحم الْأَهْل كَمَا سبق وَإِن كَانَ لَو وَاحِد أَهلا فَيقدم الْغَنِيّ على الْفَقِير نظرا للصَّبِيّ والبلدي على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 الْقَرَوِي وَيقدم الْقَرَوِي على البدوي لما فِيهِ من النّظر للصَّبِيّ فِي اتساع معيشة الْبِلَاد وَحسن الْأَخْلَاق فِيهَا وَلَا تقدم الْمَرْأَة على الرجل وَإِن قدمت الْأُم على الْأَب فِي الْحَضَانَة لِأَن الْأُم أرْفق من أَجْنَبِيَّة يستأجرها الْأَب وَهَا هُنَا الْأَجْنَبِيَّة تشْتَمل الْجَانِبَيْنِ وَفِي تَقْدِيم الظَّاهِر الْعَدَالَة على المستور خلاف مِنْهُم من قَالَ لَا يقدم الظَّاهِر الثروة على الْمُتَوَسّط لِأَن المستور يزْعم أَن التَّقْصِير مِمَّن لم يطلع على عَدَالَته وَمِنْهُم من قَالَ يقدم لِأَن أصل الْعَدَالَة شَرط للأهلية فظهورها يُوجب التَّرْجِيح فَإِن تَسَاويا فِي الصِّفَات قدم السَّابِق على الْآخِذ وَهل يقدم السَّابِق إِلَى الْوُقُوف على رَأسه قبل الْآخِذ فِيهِ تردد فَإِن تَسَاويا أَقرع بَينهمَا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْقِسْمَة وَلَا إِلَى الْمُهَايَأَة إِذْ يستضر الصَّبِي بتبديل الْيَد بعد الْألف وَقَالَ ابْن أبن أبي هُرَيْرَة يقره القَاضِي فِي يَد من يرَاهُ مِنْهُمَا وَلَو اخْتَار الصَّبِي أَحدهمَا فَلَا نظر إِلَيْهِ إِذْ لَا مُسْتَند لميله بِخِلَاف اخْتِيَار الصَّبِي أحد الْأَبَوَيْنِ فَإِن ذَلِك يسْتَند إِلَى تجربة وامتحان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 فرع إِذا مست الْحَاجة إِلَى الْقرعَة فَأَعْرض أَحدهمَا يسلم إِلَى الآخر وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجوز ذَلِك بل يخرج القَاضِي الْقرعَة باسمه فَإِن خرج عَلَيْهِ ألزم فَإِنَّهُ وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِالْحِفْظِ بعد الْأَخْذ وَهُوَ بعيد هَا هُنَا نعم فِي الدَّوَام لَو أَرَادَ الْمُنْفَرد باللقيط أَن يردهُ إِلَى مَوْضِعه لم يجز وَإِن سلمه إِلَى القَاضِي لعَجزه جَازَ وَإِن تبرم بِهِ مَعَ الْقُدْرَة فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه فرض كِفَايَة وَقد شرع فِيهِ وَقدر عَلَيْهِ فَصَارَ مُتَعَيّنا أما حكم الِالْتِقَاط فَهُوَ الْحَضَانَة والإنفاق أما الْحَضَانَة فواجبه وكيفيتها لَا تخفى وَمهما الْتقط فِي بلد لم يجز أَن يحول إِلَى بادية وَلَا إِلَى قَرْيَة لِأَن فِيهِ تضييق الْمَعيشَة وَلَو الْتقط فِي بادية أَو قَبيلَة فَنقل إِلَى الْبَلَد جَازَ لِأَنَّهُ أرْفق بِهِ وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز لِأَن ظُهُور نسبه فِي مَحل الْتِقَاطه متوقع وَلَو نقل من بلد مثله فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لتساوي المعاش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 وَالثَّانِي الْمَنْع لتوقع ظُهُور النّسَب فِي مَحل الِالْتِقَاط مَعَ اتساع الْمَعيشَة فِي مَحل الِالْتِقَاط لَو وجده فِي صحراء خَال فَلهُ أَن يَنْقُلهُ إِلَى أَي مَوضِع شَاءَ إِذْ سَائِر الْمَوَاضِع إِمَّا مثله أَو أصلح مِنْهُ أما الْإِنْفَاق فَإِن كَانَ لَهُ مَال فَهُوَ من مَاله وَمَاله بِالْوَصِيَّةِ للقيط وَالْوُقُوف عَلَيْهِ وَالْهِبَة مِنْهُ ويقبلها القَاضِي ويقبضها أَو بِأَن يُوجد مَعَه مَال مشدود على ثَوْبه أَو فرس مربوط عَلَيْهِ أَو يُوجد فِي دَار فَتكون الدَّار لَهُ لِأَن أصل اللَّقِيط على الْحُرِّيَّة وَمعنى الْيَد الِاخْتِصَاص وَإِن كَانَ بِالْقربِ مِنْهُ مَال مَوْضُوع أَو بَهِيمَة مشدودة بشجرة فَفِيهَا وَجْهَان وَهُوَ تردد فِي هَذَا الْقدر هَل يعد اختصاصا وَإِن كَانَ المَال مَدْفُونا تَحْتَهُ فَلَا اخْتِصَاص لَهُ بِهِ فَإِن وجد مَعَه رقْعَة فِيهَا أَن المَال المدفون تَحْتَهُ لَهُ فَالْأَظْهر أَنه لَهُ وَفِيه وَجه أَنه لَا تعويل على الرقعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 ثمَّ الْمُلْتَقط لَيْسَ لَهُ أَن ينْفق مَاله عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن القَاضِي فَإِن فعل ضمن إِذْ لَا ولَايَة لَهُ إِلَّا على نَفسه بِالْحِفْظِ وَهل لَهُ حفظ مَاله دون إِذن القَاضِي وَفِيه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَنه تَابع للْمَالِك وَله حفظ الْمَالِك وَإِن أنْفق بِغَيْر إِذن القَاضِي لِأَنَّهُ لم يجد قَاضِيا وَأشْهد فَالظَّاهِر أَنه لَا يضمن وَإِن لم يشْهد فَقَوْلَانِ ذكرنَا نظيرهما فِي هرب الْجمال أما إِذا لم يكن لَهُ مَال فَلَا يجب على الْمُلْتَقط من مَاله بِحَال وَلَكِن ينْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال فَإِن لم يكن فَيجمع من أهل الْيَسَار من الْمُسلمين لِأَنَّهُ عِيَال عَلَيْهِم ثمَّ لَا رُجُوع عَلَيْهِ بعده وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ إِن القَاضِي يستقرض إِمَّا من بَيت المَال أَو من مُوسر ينْفق عَلَيْهِ فَإِن ظهر أَن اللَّقِيط عبد رَجَعَ على مَوْلَاهُ وَإِن ظهر حرا مُوسِرًا أَو مكتسبا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي كَسبه ويساره وَإِن كَانَ عَاجِزا قَضَاهُ من سهم الْمَسَاكِين والفقراء من الصَّدقَات إِذْ لَا معنى لإلزامه من غير هَذِه الْجِهَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي معرفَة حَال اللَّقِيط فِي الْإِسْلَام وَالنّسب وَالْحريَّة وَغَيرهَا وَفِيه أَرْبَعَة أَحْكَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول الْإِسْلَام وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يعرف بِمُبَاشَرَة وَإِلَى مَا يعرف بتبعية أما الْمُبَاشرَة فَيصح من الْبَالِغ الْعَاقِل وَلَا يَصح من الصَّبِي فِي الظَّاهِر الْمَذْهَب نعم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن صبي الْكَافِر إِذا وصف الْإِسْلَام حيل بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ فَمنهمْ من قَالَ هَذَا محتوم وَهُوَ حكم بِصِحَّة الْإِسْلَام فَخَرجُوا مِنْهُ قولا مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ اسْتِحْبَاب بعد استعطاف الْوَالِدين فَإِن أَبَيَا لم نجبرهما عَلَيْهِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِذا أضمر الصَّبِي الْإِسْلَام كَمَا أظهره حكمنَا لَهُ بالفوز فِي الْآخِرَة وَإِن كُنَّا لَا نحكم بِهِ لصبيان الْكفَّار بِسَبَب تعَارض الْأَخْبَار وَعبر عَن هَذَا بِأَن إِسْلَامه صَحِيح بَاطِنا لَا ظَاهرا وَمِنْهُم من قَالَ إِن إِسْلَامه مَوْقُوف فَإِن أعرب بعد الْبلُوغ عَن الْإِسْلَام تَبينا صِحَّته من أَصله أما التّبعِيَّة فلهَا ثَلَاث وجهات الْجِهَة الأولى تَبَعِيَّة الْوَالِدين فَإِن حصل الْعلُوق من مُسلم أَو الْولادَة من مسلمة فَالْوَلَد مُسلم قطعا فَإِن أظهر الْكفْر بعد الْبلُوغ فَهُوَ مُرْتَد أما إِذا انْفَصل على الْكفْر فَأسلم أحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 أَبَوَيْهِ حكم بِإِسْلَامِهِ فِي الْحَال وَكَذَا إِسْلَام الأجداد والجدات عِنْد عدم من هُوَ أقرب مِنْهُ وَمَعَ وجود الْأَقْرَب فِيهِ خلاف وَأَحْكَام الْإِسْلَام جَارِيَة على هَذَا الصَّبِي فِي الْحَال فَإِن بلغ وأعرب عَن الْإِسْلَام اسْتَقر أمره وَإِن أظهر الْكفْر فَقَوْلَانِ مرتبان أَحدهمَا أَنه مُرْتَد لَا يقر عَلَيْهِ فَلَا ينْقض مَا سبق من الْأَحْكَام المبينة على الْإِسْلَام كالمنفصل من الْمُسلمين وَالثَّانِي أَنه كَافِر أُصَلِّي يُقرر بالجزية وَلَا يجْبر على الْإِسْلَام لِأَن التّبعِيَّة فِي الْإِسْلَام بعد الِانْفِصَال ضَعِيف وَإِنَّمَا حكم بِهِ فِي الْحَال بِشَرْط أَن يسْتَمر فَإِذا اسْتَقل فالنظر إِلَى استقلاله أولى فعلى هَذَا مَا سبق من أَحْكَام الْإِسْلَام بعد الْبلُوغ وَقبل الْإِعْرَاب من إِجْزَاء عتقه عَن كَفَّارَة أَو توريثه من مُسلم أَو نِكَاحه مسلمة كل ذَلِك منقوض وَمَا سبق فِي حَالَة الصَّبِي هَل يتَبَيَّن إنتقاضه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي لَا إِذْ لَو حكمنَا بِهِ لأوجب ذَلِك الْوَقْف فِي الْأَحْكَام للتوقف فِي الْإِسْلَام بل الحكم بِالْإِسْلَامِ مجزوم مَا دَامَ سَبَب التّبعِيَّة قَائِما وَهُوَ الصَّبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بِالْبُلُوغِ فَبعد الْبلُوغ يتَوَقَّف إِلَى إعرابه فروع على هَذَا القَوْل أَحدهَا إِذا بلغ وَجرى تصرف يَسْتَدْعِي الْإِسْلَام كعتق عَن كَفَّارَة أَو موت قريب مُسلم فَمَاتَ اللَّقِيط قبل أَن يعرب بالْكفْر أَو الْإِسْلَام فَفِي نقض التَّصَرُّف وَجْهَان أَحدهمَا ينْقض إِذْ الأَصْل بعد الْبلُوغ الِاسْتِقْلَال وَلم يسْتَقلّ بِالْإِسْلَامِ فَكيف يقدر إِسْلَامه وَالثَّانِي أَنه لم يعرب أَيْضا بالْكفْر وَالْإِسْلَام غَالب وَقد سبق الحكم بِهِ فيستصحب إِلَى أَن يظْهر الْإِعْرَاب عَن الْكفْر وَالثَّانِي لَو قَتله مُسلم قبل الْبلُوغ فالقصاص لَا يمْتَنع بِسَبَب توهم الْكفْر بعد الْبلُوغ وَلَو قتل بعد الْبلُوغ وَقبل الْإِعْرَاب فَإِن قُلْنَا لَو أعرب بالْكفْر لنقض الْأَحْكَام فَلَا قصاص وَإِن قُلْنَا لَا ينْقض فَفِيهِ تردد وميل النَّص إِلَى سُقُوطه للشُّبْهَة وَنَصّ مَعَ هَذَا على أَن الْوَاجِب دِيَة مُسلم وَهَذَا يدل على أَن الْإِسْلَام مستصحب فِي سَائِر الْأَحْكَام وَإِنَّمَا سقط الْقصاص للشُّبْهَة الثَّالِث قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن مَاتَ هُوَ قبل الْإِعْرَاب يَرِثهُ حميمه الْمُسلم وَإِن مَاتَ حميمه الْمُسلم فإرثه مَوْقُوف وَمَعْنَاهُ أَن يُقَال لَهُ أعرب فَإِن مَاتَ قبل الْإِعْرَاب فَيَنْبَغِي أَن نقضي بِتَقْدِير الأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 عَلَيْهِ بِنَاء على اسْتِصْحَاب حكم الْإِسْلَام الرَّابِع الْمَجْنُون إِذا بلغ مَجْنُونا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ فِي جملَة هَذِه الْأَحْكَام وَإِن بلغ عَاقِلا كَافِرًا ثمَّ جن ثمَّ أسلم أحد أَبَوَيْهِ فَفِي التّبعِيَّة خلاف كَمَا فِي عود ولَايَة المَال الْجِهَة الثَّانِيَة تَبَعِيَّة السابي فالمسلم إِذا اسْترق صَبيا حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لَهُ فَإِن الاسترقاق كَأَنَّهُ إِيجَاد مُسْتَأْنف وَإِن كَانَ مَعَه أَبَوَاهُ لم يحكم بِهِ لِأَن تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ أقوى من تَبَعِيَّة السابي فَلَو مَاتَ بعد ذَلِك أَبَوَاهُ اطرد كفره لِأَن النّظر إِلَى الِابْتِدَاء فِي تَبَعِيَّة السابي وَلَو استرقه ذمِّي فَالظَّاهِر أَنه لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ ثمَّ لَو بَاعه بعد ذَلِك من مُسلم لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ لفَوَات الِابْتِدَاء وَفِيه وَجه أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ لأَنا نجْعَل وُقُوع الصَّبِي فِي يَد المسترقى كوقوعه فِي دَار الْإِسْلَام وَالذِّمِّيّ كَالْمُسلمِ فِي كَونه من دَار الْإِسْلَام ثمَّ مهما حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا للسابي فَبلغ وَأعْرض بالْكفْر فَحكمه مَا سبق فِي تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ الْجِهَة الثَّالِثَة تَبَعِيَّة الدَّار وكل لَقِيط يُوجد فِي دَار الْإِسْلَام فَهُوَ مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ لغَلَبَة الْإِسْلَام إِلَّا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 بَلْدَة كثر الْكفَّار فِيهَا وانجلي الْمُسلمُونَ عَنهُ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم وَاحِد وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يحكم الْإِسْلَام إِذْ لَا يَخْلُو عَن مُسلم مستسر بِالْإِسْلَامِ أما مَا يُوجد فِي دَار الْكفْر فَهُوَ كَافِر وَإِن كَانُوا مُسلمُونَ يجتازون بهَا مسافرين وَإِن كَانَ فِيهَا سكان من الْأُسَارَى والتجار فَفِيهِ وَجْهَان لتعارض غَلَبَة نِسْبَة الدَّار مَعَ تَغْلِيب الْإِسْلَام ثمَّ هَذَا الصَّبِي إِذا بلغ وَأظْهر الْكفْر مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ كَمَا فِي تَبَعِيَّة المسترق والوالدين وَمِنْهُم من قطع هَاهُنَا بِأَنَّهُ كَافِر أُصَلِّي لِأَن تَبَعِيَّة الدَّار فِي غَايَة الضعْف ثمَّ هَؤُلَاءِ ترددوا فِي تَنْفِيذ أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ فِي الصَّبِي وَمَال صَاحب التَّقْرِيب إِلَى التَّوَقُّف وَهَذَا يُعَكر على إِطْلَاق القَوْل بِالْإِسْلَامِ وأيد صَاحب التَّقْرِيب هَذَا باخْتلَاف القَوْل فِي وجوب الْقصاص على قَاتله الْمُسلم وَقَالَ لَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا هَذَا التَّوَقُّف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فرع الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ تَابعا للدَّار لَو أَقَامَ ذمِّي بَيِّنَة على نسبه ألحق بِهِ وَتَبعهُ فِي الْكفْر وَتغَير مَا ظنناه من الْإِسْلَام وَإِن استلحق من غير بَيِّنَة ثَبت النّسَب وَفِي الحكم بِكُفْرِهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن تَبَعِيَّة الْأَب أقوى من تَبَعِيَّة الدَّار وَالدّين يتبع النّسَب هَاهُنَا وَالثَّانِي أَن ذَلِك أقوى إِذا لم يسْبق الحكم وَأما تسليط الذِّمِّيّ على الِاسْتِقْلَال بِإِبْطَال حكمنَا فبعيد الحكم الثَّانِي فِي اللَّقِيط جِنَايَته فِي الصَّبِي وَأرش خطئه على بَيت المَال وَإِن جنى عَلَيْهِ خطأ فالأرش لَهُ وَإِن كَانَ مُوجبا للقود نظر فَإِن كَانَ فِي النَّفس فقد اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقصاص أما وُجُوبه فَظَاهر لِأَنَّهُ مَعْصُوم مُسلم وَأما إِسْقَاطه فَاخْتلف فِي تقليه فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ سَببه أَن لَا وَارِث لَهُ وَأَنه يثبت للمجانين وَالصبيان وَسَائِر الْمُسلمين فَكيف يسْتَوْفى وعَلى هاذ لَو قتل من لَا وَارِث لَهُ فَلَا قصاص وَكَذَا كل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 قصاص خَلفه من لَا وَارِث لَهُ فَلَا قصاص عَلَيْهِ وزيف صَاحب التَّقْرِيب هَذَا لِأَن الِاسْتِحْقَاق لَا ينْسب إِلَى آحَاد المجانين وَالصبيان بل إِلَى جِهَة الْإِسْلَام وَعلل بِأَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يدل على توقفه فِي الْإِسْلَام بتبعية الدَّار لانتظار تغيره بعد الْبلُوغ وَأما إِذا قطع طرفه فعلى طرْقَة الْأَصْحَاب يجب الْقصاص لتعين الْمُسْتَحق وعَلى طَريقَة صَاحب التَّقْرِيب يتَوَقَّف فَإِن أعرب عَن نَفسه بِالْإِسْلَامِ إِذا بلغ تبين الْوُجُوب وَإِلَّا فَلَا هَذَا إِذا كَانَ الْقَاطِع مُسلما فَإِن كَانَ ذِمِّيا فَلَا توقف من جِهَة الْإِسْلَام فَإِن قيل وَالْإِمَام هَل يَسْتَوْفِي الْقصاص قُلْنَا إِن كَانَ فِي النَّفس فيستوفيه إِن رَآهُ أَو يَأْخُذ الدِّيَة لبيت المَال إِذْ لَا معنى للتوقف وَلَو منع من أَخذ الْبَدَل لصار الْقصاص حدا وَإِن كَانَ فِي طرف فالمستحق هُوَ اللَّقِيط فَلَا يَسْتَوْفِيه لِأَن الْوَلِيّ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَسْتَوْفِي الْقصاص وَحكي عَن الْقفال وَجه أَن السُّلْطَان يَسْتَوْفِي الْقصاص فِي طرف الْمَجْنُون لِأَنَّهُ لَا ينْتَظر لإفاقته وَقت مَخْصُوص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وَهل للْإِمَام أَن يَأْخُذ الْأَرْش فِي الْحَال نظر فَإِن وَجب لصبي غَنِي فَلَا وَإِن وَجب لمَجْنُون فَقير فَيَأْخُذ للْحَاجة وَعدم الِانْتِظَار فَإِن وَجب لصبي فَقير أَو لمَجْنُون غَنِي فَوَجْهَانِ لوُجُود أحد الْمَعْنيين فَإِن قُلْنَا لَا يَأْخُذ فَيحْبس من عَلَيْهِ الْقصاص إِلَى الْإِفَاقَة وَالْبُلُوغ وَلَا يُبَالِي بطول الْحَبْس فَإِن تَفْوِيت الْحق غير مُمكن وَإِن قُلْنَا يَأْخُذ فَبلغ الصَّبِي وانتهض لطلب الْقصاص فَفِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَن الْأَخْذ للْحَيْلُولَة أم هُوَ إِسْقَاط للْقصَاص بِحكم ظُهُور الْمصَالح ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب ولَايَة أَخذ المَال إِن جَعَلْنَاهُ إِسْقَاطًا فَلَا يثبت للْوَصِيّ وَإِن جعل للْحَيْلُولَة فيثب لَهُ الحكم الثَّالِث نسب اللَّقِيط وَفِيه مسَائِل الأولى إِن ظهر إِنْسَان وَزعم أَنه وَالِده الْحق بِمُجَرَّد الدَّعْوَى إِذْ لَا مُنَازع وَإِقَامَة الْبَيِّنَة على النّسَب عسير نعم إِن بلغ الصَّبِي وَأنكر فَهَل يَنْقَطِع وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ الحكم بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وَالثَّانِي نعم كَمَا إِذا استلحق بَالغا فَأنكرهُ فَإِنَّهُ لَا يثبت وَإِن كَانَ الْمُسْتَلْحق هُوَ الْمُلْتَقط نَفسه يثبت النّسَب وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يثبت لِأَنَّهُ لَا ينْبذ ولد نَفسه ثمَّ يلتقطه إِلَّا إِذا كَانَ لَا يعين أَوْلَاده فقد يفعل ذَلِك تفاؤلا الثَّانِيَة لَو جَاءَ عبد واستلحقه نَص هَاهُنَا على أَنه يلْحقهُ وَنَصّ فِي الدَّعَاوَى على أَنه لَيْسَ أَهلا فَقَالَ الْأَصْحَاب قَوْلَيْنِ الصَّحِيح أَنه أهل إِذْ إِمْكَان النّسَب للرقيق حَاصِل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يقطع وَلَاء السَّيِّد بِهِ عَن نَفسه ثمَّ الصَّحِيح على هَذَا أَن الْحر لَو استلحق صَبيا رَقِيقا لحقه وَمِنْهُم من منع لهَذِهِ الْعلَّة وَهُوَ قطع الْحر بِدَعْوَاهُ وَلَاء السَّيِّد الثَّالِثَة الْمَرْأَة إِذا استلحقت فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْحق بهَا كَالرّجلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَو ألحق بهَا للحق زَوجهَا وَقبُول قَوْلهَا على زَوجهَا محَال والإلحاق بهَا دونه محَال وَالثَّالِث أَنه يلْحق الخلية دون ذَوَات الزَّوْج لما ذَكرْنَاهُ الرَّابِعَة إِذا تداعى رجلَانِ نسب مَوْلُود فَلَا يقدم حر على عبد وَلَا مُسلم على كَافِر بل يتساويان نعم صَاحب الْيَد يقدم بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن لَا تكون يَده يَد الْتِقَاط فَإِن يَد الِالْتِقَاط لَا تدل على النّسَب نعم تدل على الْحَضَانَة وَالثَّانِي أَن يكون صَاحب الْيَد قد استلحق من قبل فَإِن لم يسمع استلحاقه إِلَّا عِنْد دَعْوَى الثَّانِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقدم إِذا لَا دلَالَة لليد إِذْ لم يقارنه استلحاق وَالثَّانِي نعم لِأَن الْيَد على الْجُمْلَة دَالَّة وَلَعَلَّ الِاسْتِلْحَاق كَانَ وَلم يبلغنَا فرعان أَحدهمَا إِذا أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة على أَنه وَلَده تَعَارَضَتَا وتهاترتا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى قَول الْقِسْمَة وَلَا إِلَى قَول الْوَقْف فَإِنَّهُ لَا يزِيد فَائِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَلَا يجْرِي قَول الإقراع أَيْضا إِذْ النّسَب لَا يثبت بِالْقُرْعَةِ وَلَو تنَازعا فِي الْحَضَانَة وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة على الِالْتِقَاط فَإِن شهِدت لأَحَدهمَا بِالسَّبقِ فِي الِالْتِقَاط فَهُوَ مقدم فِي الْحَضَانَة وَإِن كُنَّا نتردد فِي مثله فِي الإملاك لِأَن حق الْحَضَانَة لَا ينْتَقل وَالْملك قد ينْتَقل وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَحدهمَا صَاحب يَد قدمت بَينته لِأَنَّهَا دلَالَة الِالْتِقَاط كبينة الدَّاخِل وَإِن تَعَارضا من كل وَجه فإمَّا قَول التهاتر وَإِمَّا قَول الْقرعَة وَلَا سَبِيل إِلَى التَّوَقُّف وَالْقِسْمَة الثَّانِي إِذا بلغ الْغُلَام وَقد تَعَارَضَت الدَّعَاوَى أَو الْبَينَات خيرناه بَينهمَا وأمرناه بالتعويل على حَرَكَة الْبَاطِن من جِهَة الجبلة لَا على مَحْض التشهي فَإِن الْتحق بِأَحَدِهِمَا ثمَّ رَجَعَ لم يُمكن بِخِلَاف الصَّبِي الْمُخَير بَين الْأَبَوَيْنِ لِأَن ذَلِك يعْتَمد الشَّهْوَة فَلَو ظهر قائف فَيقدم قَول الْفَاسِق على التحاقه لِأَنَّهُ أقوى وَإِن الْقَائِف بَيِّنَة على خلَافَة قدمت الْبَيِّنَة لِأَنَّهَا أقوى من قَول الْقَائِف وَفِي حكم اخْتِيَار اللَّقِيط بعد التَّمْيِيز وَقبل الْبلُوغ خلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 الحكم الرَّابِع رقّه وحريته وللقيط أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى إِذا لم يدع أحد رقّه فَالْأَصْل فِيهِ الْحُرِّيَّة فِي كل مَا يَخُصُّهُ وَلَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ فينبني فِيهِ الْأَمر على الأَصْل إِذْ يحكم لَهُ بِالْملكِ وَيصرف مَاله إِلَى بَيت المَال إِذا مَاتَ وَلَو جنى فالأرش على بَيت المَال لِأَنَّهُ لم يتَوَقَّف فِي تَوْرِيث بَيت المَال مِنْهُ فَكَذَا فِي تغريمه لِأَنَّهُ بإزائه أما مَا يتَعَلَّق بِالْغَيْر فَإِن أتلف متْلف مَاله وغرمه لَهُ إِذا الْغرم لَا بُد مِنْهُ وَلَا أرب للغارم فِي مصرفه وَإِن قَتله عبد قتل بِهِ وَإِن قَتله حر فحاصل الْخلاف ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب الْقصاص أَو الدِّيَة فَإِن الأَصْل الْحُرِّيَّة إِلَى أَن يظْهر نقيضه وَلم يظْهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَالثَّانِي أَنه تجب الدِّيَة دون الْقصاص لِأَن الْقصاص يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَهَذِه شُبْهَة ظَاهِرَة وَالثَّالِث أَنه يجب أقل الْأَمريْنِ من الدِّيَة أَو الْقيمَة إِذْ لَا تشغل الذِّمَّة البرئية إِلَّا بِيَقِين وَقد ذكرنَا قولا فِي سُقُوط قصاص من لَا وَارِث لَهُ على التَّعْيِين فَذَلِك القَوْل عَائِد هَاهُنَا وَإِنَّمَا الْأَوْجه الثَّلَاثَة تَفْرِيع على القَوْل الآخر الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَدعِي مُدع نرقة بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن لم يكن فِي يَده فَلَا تقبل دَعْوَاهُ وَكَذَا إِن كَانَ فِي يَده وَالْيَد يَد الِالْتِقَاط لأَنا عرفنَا مُسْتَنده وَفِيه وَجه أَنه يحكم لَهُ بِالرّقِّ بيد الِالْتِقَاط كمن وجد ثوبا فِي طَرِيق فَادّعى ملكه وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا حق للثوب فِي الانفكاك عَن الْملك وللصبي حق فِيهِ وَإِن لم تكن يَد الِالْتِقَاط بل وَجَدْنَاهُ فِي يَده وَهُوَ يزْعم أَنه رَقِيقه فَهُوَ مُصدق فَإِن بلغ الصَّبِي فَأنْكر فَفِي احْتِيَاج السَّيِّد إِلَى الْبَيِّنَة وَجْهَان سبق نظيرهما فِي النّسَب الْحَالة الثَّالِثَة أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الرّقّ مُطلقًا فحاصل الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تسمع كالبينة على الْملك وَالثَّانِي لَا بُد من ذكر السَّبَب لِأَن أَمر الرّقّ خطير وَرُبمَا عولت الْبَيِّنَة على ظَاهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الْيَد وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَن يَد الْمُدَّعِي إِن كَانَت عَن جِهَة الِالْتِقَاط فَلَا بُد من ذكر السَّبَب لِأَن الْبَيِّنَة رُبمَا استندت إِلَى هَذِه الْيَد الَّتِى لَا دلَالَة لَهَا وَإِن لم يكن للْمُدَّعِي يَد أَو لم يكن لَهُ يَد الْتِقَاط سَمِعت الْبَيِّنَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا بُد من التقيد فالقيد أَن يَقُول هَذَا رقيقي وَلدته جاريتي الْمَمْلُوكَة فِي ملكي وعَلى ملكي فَلَو اقْتصر على أَنَّهَا وَلدته جَارِيَته الْمَمْلُوكَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ قد تَلد الْجَارِيَة الْمَمْلُوكَة ولدا حرا عَن وَطْء بِشُبْهَة وَالثَّانِي نعم إِذْ غَرَض التقيد أَن يَأْمَن استناد الْبَيِّنَة إِلَى ظَاهر الْيَد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 ثمَّ لَو قيدت الْبَيِّنَة الرّقّ بِالسَّبْيِ أَو الشِّرَاء أَو الْإِرْث كَانَ كَمَا لَو قيدته بِالْولادَةِ إِذْ الْمَقْصُود دفع حِيَال الْإِطْلَاق الْحَالة الرَّابِعَة أَن يبلغ اللَّقِيط ويقر على نَفسه بِالرّقِّ للْمُدَّعِي نظر فَإِن لم يسْبق مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذَا الْإِقْرَار قبل قَوْله على الصَّحِيح إِذْ لم تكن الْحُرِّيَّة مجزومة بل كَانَ بِنَاء على الظَّاهِر وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا أَنه لَا تقبل تَفْرِيعا على أَنه لَو أعرب بالْكفْر لم يَجْعَل كَافِرًا أَصْلِيًّا مُرَاعَاة لاستصحاب حكم الْإِسْلَام وَكَذَا اسْتِصْحَاب أصل الْحُرِّيَّة وَهُوَ بعيد أما إِذا سبق مِنْهُ مَا يناقضه نظر فَإِن سبق إِقْرَار بِالْحُرِّيَّةِ قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي حُسَيْن بِأَنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره إِذْ لله عز وَجل حق فِي حريَّة الْعباد وَقد ثَبت بِإِقْرَارِهِ فَلَيْسَ لَهُ إِبْطَاله وَقطع الصيدلاني بِالْقبُولِ كَمَا لَو أنكر حق الْغَيْر ثمَّ أقرّ وكالمرأة إِذا أنْكرت الرّجْعَة ثمَّ أقرَّت وَلَو كَانَ يرعي حق الشَّرْع لما قبل إِقْرَار اللَّقِيط ابتداءا وَقد حكم بحريَّته بِنَاء على الظَّاهِر أما إِذا سبق إِقْرَار بِالرّقِّ لإِنْسَان فَأنْكر الْمقر لَهُ فَأقر بِالرّقِّ لغيره حكى الْعِرَاقِيُّونَ من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يقبل إِقْرَاره الثَّانِي لِأَنَّهُ إِذا رد إِقْرَاره الأول عَاد إِلَى يَد نَفسه فَكَأَنَّهُ قد تمّ الحكم بحريَّته وَالثَّانِي نقض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يقبل إِذْ الإقراران متوافقان على الرّقّ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي الْإِضَافَة إِلَى السَّيِّد أما إِذا لم يسْبق إِقْرَار وَلَكِن سبق تَصَرُّفَات تستدعي الْحُرِّيَّة من نِكَاح وَبيع وَغَيره فَهَذَا لَا يمنعهُ من أَن يقر على نَفسه فَيقبل إِقْرَاره بِالرّقِّ وَيظْهر أَثَره فِي كل مَا قدر عَلَيْهِ كَمَا إِذا لم يسْبق التَّصَرُّف وَهل يقبل فِيمَا يقر بِغَيْرِهِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقبل لِأَن الْأَمر فِيهِ لَا يتَجَزَّأ فَيصير إِقْرَاره كقيام الْبَيِّنَة وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة على رقة لقبل مُطلقًا فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وسلك بتصرفاته السَّابِقَة مَسْلَك الصَّادِر من الرَّقِيق بِغَيْر إِذْنه فَذَلِك لَا يخفى حكمه والتفريع عَلَيْهِ فَكَذَلِك هَذَا وَالثَّانِي انه لَا يقبل فِيمَا يضر بِغَيْرِهِ إِذْ سبق مِنْهُ تصرف هُوَ الْتِزَام لحقوق الْأَعْيَان فَلَا تقبل مناقضته وَالثَّالِث أَنه لَا يقبل فِيمَا مُضِيّ لِأَن الِالْتِزَام مَقْصُور عَلَيْهِ وَفِي الْمُسْتَقْبل هُوَ رَقِيق مُطلق فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ الآخرين فروع الأول لقيطة نكحت ثمَّ أقرَّت بِالرّقِّ فالناكح دَائِم لِأَن فِي قطعه إِضْرَارًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 بِالزَّوْجِ وَالْوَطْء وَإِن كَانَ مُسْتَقْبلا فَهُوَ فِي حكم الْمَاضِي وَوَلدهَا الذى انْفَصل مِنْهَا قبل الْإِقْرَار حر وَلَا قيمَة على الزَّوْج إِذْ فِيهِ إِضْرَار وَفِي الْمُسْتَقْبل ترق الْأَوْلَاد إِن فرقنا بَين الْمَاضِي والمستقبل وَلَا يَجْعَل الْوَلَد كالمستوفى بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ موهوم بِخِلَاف اسْتِحْقَاق الْوَطْء وَأما الْمهْر فللسيد الْمُطَالبَة بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الْمُسَمّى أَو من الْمثل فَإِن كَانَ الْمُسَمّى أقل فَفِي الزِّيَادَة إِضْرَار بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ مهر الْمثل أقل فالسيد لَا يَدعِي أَكثر مِنْهُ أما الْعدة فَإِذا طَلقهَا الزَّوْج طَلَاقا رَجْعِيًا اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء لِأَنَّهُ اسْتحق الرّجْعَة فِي الثَّالِثَة وَفِيه إِضْرَار بِهِ وَكَذَا إِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا لِأَن نفس الْعدة حق للزَّوْج وَإِلَّا إِذا قبلنَا إِقْرَارهَا فِيمَا يضر بِالْغَيْر فِي الْمُسْتَقْبل وَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا كالمستحق بِالْعقدِ السَّابِق كَمَا فِي الْوَطْء فَإِن مَاتَ الزَّوْج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام إِذْ حق الزَّوْج إِنَّمَا يحسن مراعاته فِي حَيَاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن سقط حَقه فَلَا عدَّة لِأَنَّهَا تَدعِي بطلَان النِّكَاح من الأَصْل بل عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء إِن وطِئت وَإِلَّا فَلَا شئ عَلَيْهَا وَالنَّص مَا ذَكرْنَاهُ وَكَأن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ينظر فِي أصل الْعدة إِلَى حق الشَّرْع وَفِي تَفْصِيله إِلَى حق الزَّوْج أما تسلميها إِلَى الزَّوْج نَهَارا فَيجب لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ بِالْعقدِ السَّابِق فَفِي الْمَنْع إِضْرَار الْفَرْع الثَّانِي لَقِيط نكح ثمَّ أقرّ بِالرّقِّ فَإِن قبلنَا الْإِقْرَار مُطلقًا فقد بَان بطلَان النِّكَاح من أَصله وَلَا يخفى حكم وَطْء الرَّقِيق فِي مهر الْمثل إِن جرى وَإِن لم نقبل فِيمَا مُضِيّ فقد بَطل حَقه من بضعهَا فِي الْمُسْتَقْبل فِي الْحَال فَكَأَنَّهُ طَلَاق فَيجب نصف الْمهْر مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ وَكَسبه إِن لم يكن وطئ وَإِن كَانَ وطئ فتمام الْمُسَمّى لِأَن الْوَطْء جرى فِي نِكَاح لم يتبعهُ بالإبطال فِيمَا مضى فَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل الْفَرْع الثَّالِث لَقِيط بَاعَ وَاشْترى ثمَّ أقرّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 فَهَذَا أَمر قد مضى فَإِن لم يقبل قَوْله فِي الْمَاضِي لم يتبع مَا مضى وَإِن قبل قَوْله عُمُوما قَدرنَا أَن تيك التَّصَرُّفَات صدرت من عبد غير مَأْذُون فيسترد أَعْيَان الْأَمْوَال وَيرد الْأَثْمَان وَمَا تلف فِي يدهم مَضْمُونَة للسَّيِّد وَمَا تلف فِي يَد العَبْد فَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد لَا بِرَقَبَتِهِ وَكَسبه كديون مُعَاملَة العَبْد وَلَا ينفع الْعَامِل ظَنّه حُرِّيَّته عِنْد التَّصَرُّف الْفَرْع الرَّابِع جنى اللَّقِيط ثمَّ أقرّ بِالرّقِّ اقْتصّ مِنْهُ أَو تعلق الْأَرْش برقته وَإِن جني عَلَيْهِ اقْتصّ إِن كَانَ الْجَانِي رَقِيقا وَإِن كَانَ حرا عدل إِلَى الْأَرْش فَإِن قطع إِحْدَى يَدَيْهِ وتساوت الْقيمَة وَنصف الدِّيَة فَذَاك وَإِن كَانَ نصف الْقيمَة أقل فَلَيْسَ للسَّيِّد إِلَّا ذَاك فَإِنَّهُ لَا يطْلب مزيدا وَإِن كَانَ نصف الْقيمَة أَكثر فرع على الْأَقْوَال فَإِن قُلْنَا الْإِقْرَار مُطلقًا لزم وَإِن بَعْضنَا اقْتصر على نصف الدِّيَة فَإِنَّهُ إِضْرَار بالجاني وَفِيه وَجه أَن التَّغْلِيظ على الْجَانِي أولى فرع بِهِ الاختتام إِذا قذف لقيطا بَالغا وَادّعى رقّه فَادّعى اللَّقِيط حريَّة نَفسه فَقَوْلَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 أَحدهمَا القَوْل قَول الْقَاذِف لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَالثَّانِي القَوْل قَول اللَّقِيط لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وَهُوَ من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَإِن قطع حر طرفه وَجرى هَذَا النزاع فطريقان أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِالْقصاصِ إِذْ لَو لم نوجب لعدلنا إِلَى الْقيمَة وَهِي أَيْضا مَشْكُوك فِيهَا أما الْحَد إِذا ترك فالتعزيز مستيقن بِكُل حَال وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 = كتاب الْفَرَائِض= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى لم يكل قسم مواريثكم إِلَى ملك مقرب وَلَا إِلَى نَبِي مُرْسل وَلَكِن تولى بَيَانهَا فَقَسمهَا أبين قسم وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم وَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وسينزع الْعلم من أمتِي حَتَّى يخْتَلف رجلَانِ فِي فَرِيضَة فَلَا يجدان من يعرف حكم الله فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 وَقد اخْتلف الصَّحَابَة فِي تَفْصِيل الْوَرَثَة وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَذْهَب زيد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيَاس وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أفرضكم زيد فنقتصر على ذكر مذْهبه فالوراثة تَارَة تكون بِسَبَب عَام كجهة الْإِسْلَام وَأُخْرَى بِسَبَب خَاص كَالنِّكَاحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 وَالْوَلَاء وَتارَة النّسَب والوارثون من الرِّجَال عندنَا عشرَة من جَانب الْعُلُوّ الْأَب وَأب الْأَب وَإِن علا وَمن جَانب السّفل الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل وَمن الطّرف الْأَخ وَابْنه إِلَّا أَن يكون ابْن أَخ لأم وَالْعم وَابْنه إِلَّا أَن يكون عَمَّا لأم فَإِنَّهُ لَا يَرث وَلَا وَلَده فَيبقى اثْنَان وهما الْمُعْتق وَالزَّوْج والوارثات من النِّسَاء سبع الْأُم وَالْجدّة وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة ومولدة الْمُعتقَة وَمن عدا هَؤُلَاءِ كأب الْأُم وَأَوْلَاد الْبَنَات وَأَوْلَاد الْإِخْوَة من الْأُم وَأَوْلَاد الْأَخَوَات والعمات والخالات والأخوال وَأَوْلَادهمْ فهم من ذَوي الْأَرْحَام لَا مِيرَاث لَهُم عندنَا بل الْفَاضِل من الْمُسْتَحقّين الْمَذْكُورين لبيت المَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وتفصيل النّظر فِي الْوَارِث الْمَذْكُورين تحصره أَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مقادير أنصباء ذَوي الْفُرُوض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْوَرَثَة قِسْمَانِ ذُو فرض وعصبة وَذُو الْفَرْض من لَهُ سهم مُقَدّر شرعا لَا يزِيد وهم أَصْنَاف الصِّنْف الأول الزَّوْج الزَّوْجَة وَللزَّوْج النّصْف وللزوجة الرّبع إِذْ لم يكن للْمَيت ولد وَارِث وَلَا ولد ابْن وَارِث فَإِن كَانَ فَللزَّوْج الرّبع وللزوجة الثّمن وَإِن اجْتمعت نسْوَة فَلَهُنَّ الثّمن أَو الرّبع يُشْرِكْنَ فِيهِ وَلَا يزِيد بِزِيَادَة الْعدَد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 الصِّنْف الثَّانِي الْأُم وَالْجدّة وَللْأُمّ الثُّلُث إِلَّا فِي أَربع مسَائِل إِحْدَاهَا زوج وأبوان وَالثَّانيَِة زَوْجَة وأبوان فلهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثلث مَا يبْقى بعد نصيب الزَّوْج وَالزَّوْجَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ للْمَيت ولد وَارِث أَو ولد ابْن وَارِث فَإِنَّهُ يرد الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 الرَّابِعَة إِذا كَانَ للْمَيت اثْنَان من الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات فَصَاعِدا فلهَا السُّدس وَأما الْجدّة فلهَا السُّدس أبدا وَإِن اشتركت جمَاعَة فِي دَرَجَة اشتركن فِي السُّدس وَإِن كَانَت وَاحِدَة جدة من جِهَتَيْنِ لم يزدْ نصِيبهَا وَالْجدّة الوارثة هى الَّتِى تدلي بوارث وَهل كل جدة تدلي بمحض الذُّكُور كَأُمّ أَب الْأَب أَو بمحض الْإِنَاث كَأُمّ أم الْأُم أَو بمحض الْإِنَاث إِلَى مَحْض الذُّكُور كَأُمّ أم أَب الْأَب فَأَما إِذا أدلت بِذكر بَين أنثيين فَلَا تَرث لِأَن الذى تدلي بِهِ هُوَ أَب أم أَو أَب جدة وَهُوَ من ذَوي الْأَرْحَام وَقَالَ مَالك رَحمَه الله كل جدة تدلي بِذكر فَهِيَ لَا تَرث إِلَّا أم الْأَب وأمهاتها من قبل الْأُم فَأَما من تدلي بِذكر آخر سوى الْأَب فَلَا تَرث وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَالصَّحِيح هُوَ الأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 الصِّنْف الثَّالِث الْأَب وَالْجد أما الْأَب فيرث بالفرضية الْمَحْضَة السُّدس إِن كَانَ الْمَيِّت ابْن أَو ابْن ابْن وَتَكون الْعُصُوبَة للِابْن وَيَرِث بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْض إِذا لم يكن للْمَيت إِلَّا زوج أَو زَوْجَة أَو لم يكن وَارِث أصلا وَيجمع بَين الْفَرْض والتعصيب إِن كَانَ للْمَيت بنت أَو بنت ابْن فَلهُ السُّدس وللبنت أَو بنت الابْن نصِيبهَا وَمَا فضل يصرف إِلَى الْأَب بالعصوبة وَالْجد عِنْد عدم الْأَب يقوم مقَام الْأَب إِلَّا فِي أَربع مسَائِل الأولى زوج وأبوان وَالثَّانيَِة زَوْجَة وأبوان للْأُم فِي الصُّورَتَيْنِ ثلث مَا يبْقى فَإِن كَانَ بدله جد فللأم الثُّلُث كَامِلا الثَّالِثَة الْأَب يحجب الْإِخْوَة وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْأَخ للْأُم ويقاسم البَاقِينَ الرَّابِعَة الْأَب يحجب أم نَفسه وَالْجد أَيْضا يحجب أم نَفسه وَلَكِن لَا يحجب أم الْأَب لِأَنَّهَا زَوجته وَهَذَا أوضح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 الصِّنْف الرَّابِع الْأَوْلَاد فَإِن تمحض أَوْلَاد الصلب فالذكر الْوَاحِد يسْتَغْرق المَال بالعصوبة وَإِن كَانَ فيهم ذُكُور وإناث فَالْمَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن كَانَ بنت وَاحِدَة فلهَا النّصْف وَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا فلهَا الثُّلُثَانِ لَا يزِيد بِزِيَادَة عددهن وَأما أَوْلَاد الابْن فَإِن تمحضوا فحكمهم حكم أَوْلَاد الصلب إِذا تمحضوا فَأَما إِذا اجْتمع البطنان نظر فَإِن كَانَ فِي أَوْلَاد الصلب ذكر فقد حجب من تَحْتَهُ واستغرق وَإِن لم يكن نظر فَإِن لم يكن إِلَّا بنت وَاحِدَة فلهَا النّصْف ثمَّ ينظر فِي أَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ فيهم ذكر فالباقي لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن لم يكن ذكر فللواحدة مِنْهُم وللعدد السُّدس تَكْمِلَة للثلثين فَإِن الثُّلثَيْنِ فرض الْبَنَات وَقد بَقِي مِنْهُ السُّدس أما إِذا كَانَ فِي أَوْلَاد الصلب بنتان فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ ثمَّ ينظر فِي أَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ فيهم ذكر فباقي المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 وَإِن لم يكن ذكر فِيهِنَّ وَلَا أَسْفَل مِنْهُنَّ فَلَا شئ لَهُنَّ إِذْ لم يبْق من نصيب الْبَنَات شئ فقد استغرق بَنَات الصلب جَمِيع الثُّلثَيْنِ فَإِن كَانَ أَسْفَل مِنْهُمَا ابْن ابْن ابْن وَإِن بعد يعصبها وَيكون المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مِثَاله بنت وَبنت ابْن وَبنت ابْن ابْن لبِنْت الصلب النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَلَا شئ لبِنْت ابْن الابْن إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو أَسْفَل مِنْهَا ذكر يعصبها بنتان من الصلب وَبنت ابْن لبنتين الثُّلُثَانِ وَلَا شئ لبِنْت الابْن بنت وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن للْبِنْت من الصلب النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْبَاقِي لِابْنِ ابْن الابْن وَلَا يعصبها هَاهُنَا لِأَنَّهَا أخذت تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 الصِّنْف الْخَامِس الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات أما الْإِخْوَة من الْأُم فللواحد مِنْهُم السُّدس وللاثنين فَصَاعِدا الثُّلُث لَا يزِيد حَقهم بِزِيَادَة الْعدَد ويتساوى ذكرهم وأنثاهم فِي قدر الِاسْتِحْقَاق أما الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم فحكمهم عِنْد الِانْفِرَاد كَحكم أَوْلَاد الصلب من غير فرق وَأما الْأُخوة من الْأَب فحكمهم أَيْضا عِنْد الِانْفِرَاد كَحكم الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم من غير فرق إِلَّا فِي مسالة المشركة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 فَإِن اجْتمع إخْوَة الْأَب وَالأُم وإخوة الْأَب فحكمهم حكم أَوْلَاد الصلب وَأَوْلَاد الابْن إِذا اجْتَمعُوا فالأخ من الْأَب وَالأُم يسْقط أَوْلَاد الْأَب وَللْأُخْت الْوَاحِدَة من الْأَب وَالأُم وَالنّصف وَللْأُخْت من الْأَب مَعهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَكَذَلِكَ إِن كن جمعا فَلَهُنَّ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أختَان من الْأَب وَالأُم فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَقد استغرقتا فَلَا شئ لأخوات الْأَب إِلَّا إِذا كَانَ فِي درجتها ذكر يعصبها فَيكون الْبَاقِي بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا كأولاد الابْن وَفِي هَذَا تخَالف أَوْلَاد الابْن فَإِن بنت الابْن يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا فرع ثَلَاث أَخَوَات متفرقات للْأُخْت من الْأَب وَالأُم النّصْف وَللْأُخْت للْأَب السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَللْأُخْت للْأُم السُّدس فرضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَلَو كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أختَان للْأَب وَالأُم بدل أُخْت وَاحِدَة فلهَا الثُّلُثَانِ وَلَا شئ للْأُخْت للْأَب إِذْ لم يبْق تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَللْأُخْت للْأُم السُّدس فَإِن ذَلِك فرض مُسْتَقل فِي حَقّهَا فَإِن قيل وَمَا مَسْأَلَة المشركة الَّتِى فِيهَا يُفَارق إخْوَة الْأَب إخْوَة الْأَب وَالأُم قُلْنَا صورتهَا زوج وَأم وَأَخَوَانِ لأم وَأَخَوَانِ لأم وَأب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس ولإخوة الْأُم الثُّلُث فَلَا يبْقى مَال فالإخوة من جِهَة الْأَب وَالأُم يشاركون أَوْلَاد الْأُم فِي نصِيبهم وَلَو كَانَ بدلهم إخْوَة للْأَب لسقطوا وَوَقعت الْمَسْأَلَة فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه فأسقط إخْوَة الْأَب وَالأُم فَقَالَ أَخ الْأَب وَالأُم هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَلسنا من أم وَاحِدَة فشرك عمر رَضِي الله عَنهُ بَينهم وَإِلَيْهِ ذهب زيد وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسقطون لأَنهم عصبَة كأولاد الْأَب ثمَّ للتشريك شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يَكُونُوا أَوْلَاد الْأَب وَالأُم ليَقَع التَّشْرِيك بِقرَابَة الْأُم فَإِن كَانُوا أَوْلَاد الْأَب فَلَا تشريك وَالثَّانِي أَن يكون ولد الْأُم زَائِدا على وَاحِد فَإِنَّهُ إِن كَانَ وَاحِدًا فَلهُ السُّدس ويبقي سدس الْعصبَة فَلَا حَاجَة إِلَى التَّشْرِيك هَذَا حكم الْإِخْوَة أما أَوْلَادهم فالإناث مِنْهُم لَا يَرِثُونَ والذكور مِنْهُم بمنزلتهم إِلَّا فِي خمس مسَائِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 الأولى أَن ولد إخْوَة الْأُم لَا يَرِثُونَ فليسوا بمنزلتهم وَالثَّانيَِة أَن اثْنَيْنِ من الْإِخْوَة يحجبان الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَلَو كَانَ بدلهم أَوْلَادهم لَا يحجبون الثَّالِثَة فِي مَسْأَلَة الشّركَة لَو كَانَ بدل إخْوَة الْأَب وَالأُم أَوْلَادهم فَلَا تشريك فِي حَقهم الرَّابِعَة الْجد لَا يحجب الْإِخْوَة ويحجب بني الْإِخْوَة الْخَامِسَة الْأَخ يعصب أُخْته وَابْن الْأَخ لَا يعصب أُخْته إِذْ لَا مِيرَاث لأخته أحولا فرع الْأَخَوَات من جِهَة الْأَب وَالأُم أَو من جِهَة الْأَب مَعَ الْبَنَات عصبَة أما الْأُخْت من الْأُم فَتسقط بالبنت فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة بنت وأخوات فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لَهُنَّ وَلَو كَانَ بنت وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب فللبنت النّصْف وَالْبَاقِي لأخت الْأَب وَالأُم وَهِي عصبَة فَتسقط أُخْت الْأَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْعَصَبَات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والعصبة الذى يسْتَغْرق المَال إِذا انْفَرد وَيَأْخُذ مَا بَقِي من ذَوي الْفَرَائِض إِذا كَانَ مَعَه ذُو فرض قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا أبقت الْفَرَائِض فَلأولى عصبَة ذكر والعصبة كل ذكر يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ أَو بِذكر وَالْمُعتق أَيْضا والمعتقة من المعصبيات وَالْأَخَوَات أَيْضا مَعَ بَنَات الصلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 أَو بَنَات الابْن عصبات كَمَا سبق هَذَا تفصيلهم أما ترتبيهم فأولادهم البنون ثمَّ بنوهم ثمَّ الْآبَاء ثمَّ آباؤهم وهم الأجداد من قبل الْأَب وَالإِخْوَة فِي دَرَجَة الْجد يقاسمونه إِلَّا إخْوَة الْأُم فَإِنَّهُم يسقطون بِهِ وَيسْقط بَنو الْإِخْوَة بالجد وفَاقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْقط الْإِخْوَة أَيْضا بالجد ثمَّ ليعم أَن التَّقَدُّم للْأَخ من الْأَب وَالأُم ثمَّ للْأَخ من الْأَب ثمَّ ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم ثمَّ ابْن الْأَخ من الْأَب ثمَّ الْعم للْأَب وَالأُم ثمَّ الْعم للْأَب ثمَّ بنوهم على ترتيبهم ثمَّ عَم الْأَب للْأَب وَالأُم ثمَّ عَم الْأَب للْأَب ثمَّ بنوهم على ترتيبهم ثمَّ عَم الْجد على هَذَا التَّرْتِيب إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 فَإِن لم يكن وَاحِد من هَؤُلَاءِ فَالْمَال لمعتق الْمَيِّت فَإِن لم يكن فلعصبات الْمُعْتق فَإِن لم يكن فلمعتق الْمُعْتق ثمَّ لعصباته ثمَّ لمعتقه على هَذَا التَّرْتِيب هَذَا ترتيبهم وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول ابْن الْأَخ وَإِن سفل مقدم على الْعم لِأَن الْجِهَة هَاهُنَا مُقَدّمَة ومختلفة فَلَا نظر إِلَى الْقرب وَأما بَان الْأَخ للْأَب يقدم على ابْن ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم إِذا سفل للقرب مَعَ أَن جِهَة الْأُخوة جنس وَاحِد فَإِنَّمَا يقوم هَاهُنَا بِالْقُوَّةِ عِنْد تَسَاوِي الدرجَة فليتنبه لهَذِهِ الدقيقة الثَّانِي ابْنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم فَلهُ بأخوة الْأُم السُّدس وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا ترجح قرَابَته فتقدمه بِخِلَاف الْأَخ للْأَب وَالأُم حَيْثُ قدم على الْأَخ للْأَب لِأَن الْقَرَابَة ثمَّ متجانسة فامتزجت فأوجبت تَرْجِيحا وَالثَّالِث بنت وابنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم النّصْف للْبِنْت وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وأخوة الْأُم سَقَطت بالبنت وَقَالَ ابْن الْحداد المَال كُله للَّذي هُوَ أَخ لأم لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِعْمَال قرَابَته فِي التوريث فيستعمل مرجحا وَهُوَ ضَعِيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 الرَّابِع فِي عصبات الْمُعْتق وَلَا يسْتَحق صَاحب فرض بِالْوَلَاءِ فَلَا مدْخل لأنثى فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَت مُعتقة وَإِنَّمَا يسْتَحق بِالْوَلَاءِ الذُّكُور كَمَا سبق فِي الْعَصَبَات فَإِن اجْتمع ابْن الْمُعْتق وَأَبوهُ فَالْمَال للِابْن لِأَن الْعُصُوبَة لَهُ هَاهُنَا وَالْأَخ للْأَب وَالأُم يقدم على الْأَخ للْأَب وَإِن لم تُؤثر الأمومة هَاهُنَا وَلَكِن تصلح للترجيح وَمن الْأَصْحَاب من طرد قَوْلَيْنِ كَمَا فِي التَّقْدِيم فِي ولَايَة النِّكَاح وَلَو اجْتمع الْجد وَالْأَخ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْأَخ أولى لِأَن إدلاءه بِالنُّبُوَّةِ وَهِي أقوى من الْعُصُوبَة وَالْوَلَاء يَدُور على مَحْض الْعُصُوبَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يستويان لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقرب والعصوبة فعلى هَذَا يقدم الْجد على ابْن الْأَخ وعَلى الأول يقدم ابْن الْأَخ على الْجد لقُوَّة النُّبُوَّة بإن قيل وَمَا طَرِيق مقاسمة الْجد وَالإِخْوَة فِي الوراثة بِالنّسَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 قُلْنَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه إِذا لم يكن مَعَهُمَا ذُو فرض جعل الْجد كَأحد الْإِخْوَة وَيقسم المَال عَلَيْهِ وعَلى الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مَا دَامَ الثُّلُث لَا ينقص بِالْقِسْمَةِ كَمَا إِذا كَانَ مَعَه أَخ أَو أَخَوان أَو أَخ وَأُخْت أَو أَخ وأختان أَو أَربع أَخَوَات فَأَما إِذا نقص الثُّلُث بِأَن كَانُوا أَكثر من هَذَا وَيسلم إِلَيْهِ الثُّلُث كَامِلا وَقسم الْبَاقِي على الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم وَإِن كَانَ مَعَه ذُو فرض أعطي صَاحب الْفَرْض سَهْمه فَإِن لم يبْق شئ فرض للْجدّ السُّدس واعتلت الْمَسْأَلَة وَإِن بَقِي سدس سلم وَإِن بَقِي أقل من السُّدس اعتلت الْمَسْأَلَة وَسلم بِهِ السُّدس وَإِن كَانَ الْبَاقِي أَكثر من السُّدس قسم المَال وَسلم إِلَى الْجد إِمَّا ثلث مَا يبْقى بعد سهم ذَوي الْفُرُوض أَو سدس جَمِيع المَال أَو مَا يَخُصُّهُ بِالْقِسْمَةِ أَيهَا كَانَ خيرا لَهُ من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة خص بِهِ مسَائِله مَعَ الْجد زوج وَأَخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 للزَّوْج النّصْف وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ خير من السُّدس وَثلث مَا يبْقى فَلَو كَانَا أَخَوَيْنِ اسْتَوَى الْقِسْمَة وَسدس الْجُمْلَة وَثلث مَا يبْقى فَلَو كَانُوا ثَلَاثَة اسْتَوَى السُّدس وَثلث مَا يبْقى وهما خير من الْقِسْمَة فَلهُ السُّدس وَهُوَ ثلث مَا يبْقى زوج وَأم وَأَخ مَعَ الْجد فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث لَا يبْقى إِلَّا سدس فَهُوَ للْجدّ وَسقط الْأَخ وَلَو كَانَ بدل الْأَخ أُخْت فَظَاهر الْقيَاس أَنَّهَا تسْقط أَيْضا لِأَنَّهَا عصبَة مَعَ الْجد كالأخ وَالصَّحِيح من مَذْهَب زيد أَنه يفْرض لَهَا النّصْف لِأَن الْجد صَاحب فرض الْآن فَهِيَ أَيْضا تنْقَلب إِلَى فَرضهَا ثمَّ يقسم مَجْمُوع حصتهما للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأما الْأَخ فَلَيْسَ لَهُ حَال فَرضِيَّة وَإِسْقَاط الْأُخْت أَيْضا نقل عَن زيد فِي رِوَايَة زوج وَبنت وَأم وإخوة مَعَ الْجد للْبِنْت النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وَللزَّوْج الرّبع وَيبقى نصف سدس فتعال الْمَسْأَلَة حَتَّى يتم السُّدس للْجدّ وَتسقط الْإِخْوَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 هَذَا كُله حكمه مَعَ إخْوَة الْأَب وَالأُم وجدهم فَإِن كَانَ مَعَه أخوة الْأُم فهم مسقطون وَإِن كَانَ مَعَه إخْوَة الْأَب وحدهم فهم عِنْد عدمهم بمنزلتهم أَعنِي بِمَنْزِلَة إخْوَة الْأَب وَالأُم فَأَما إِذا اجْتمع مَعَه إخْوَة الْأَب وَالأُم وإخوة الْأَب فَيجْعَل الْجد كواحد مِنْهُم ويعد إخْوَة للْأُم عَلَيْهِ وَالْحكم مَا سبق يُعينهُ وَلَا يتَغَيَّر حكم الْجد مَعَهم هَاهُنَا وَإِنَّمَا الذى يَتَجَدَّد أَن إخْوَة الْأَب يدْخلُونَ أَيْضا عَلَيْهِ فِي الْحساب وَمَا يخصهم لَا يبْقى عَلَيْهِم بل يسْتَردّ مِنْهُم أَوْلَاد الْأَب وَالأُم إِمَّا على الْكَمَال إِن كَانَ فيهم ذكر أَو مَا يكمل بِهِ النَّصِيب إِن تمحض الْإِنَاث فِيهِنَّ أَعنِي إخْوَة الْأَب وَالأُم وعلته أَن سقوطهم بإخوة الْأَب وَالأُم فَلَا يظْهر فَائِدَته إِلَّا فِي حَقهم أما فِي حق الْجد فَلَا يظْهر مِثَاله إِذا لم يكن ذُو فرض أَخ لأَب وَأم وَأَخ لأَب مَعَ الْجد فَالثُّلُث وَالْقِسْمَة سيان فَلهُ الثُّلُث وَالْبَاقِي لأخ الْأَب وَالأُم وَيسْقط أَخ الْأَب بِهِ وَإِن دخل فِي حِسَاب الْقِسْمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَإِن كَانَ بدل الْأَخ للْأَب أُخْت لأَب فالقسمة خير إِذْ يَصح الْمَسْأَلَة من خَمْسَة ويخص الْجد مِنْهَا سَهْمَان فَيبقى ثَلَاثَة أسْهم فتستقر على الْأَخ من الْأَب وَالأُم أُخْت لأَب وَأم وَأَخ لأَب مَعَ الْجد فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة وَالْقِسْمَة خير للْجدّ فَإِن لَهُ سَهْمَيْنِ يبقي ثَلَاثَة وَاحِدَة لَهَا وَاثْنَانِ للْأَخ من الْأَب فيسترد مِنْهُ مَا يكمل لَهَا النّصْف وَيبقى الْبَاقِي لأخ من الْأَب أختَان لأَب وَأم وَأُخْت لأَب مَعَ الْجد فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة ويخص الْأُخْتَيْنِ سَهْمَان وَهُوَ نَاقص عَن الثُّلثَيْنِ فيسترد مَا فِي يَد الْأُخْت للْأَب فَلَا يكمل الثُّلثَيْنِ فَيقْتَصر على اسْتِرْدَاد ذَلِك أما إِذا كَانَ فِي صُورَة الْمُعَادَة صَاحب فرض فَيقدم صَاحب الْفَرْض كَمَا سبق فِي غير صُورَة الْمُعَادَة على ذَلِك التَّفْصِيل وَيعْتَبر بِالْبَاقِي الْقِسْمَة أَو ثلث مَا يبْقى أَو السُّدس فَأَي ذَلِك كَانَ خيرا خص الْجد بِهِ فَإِن كَانَ الْخَيْر فِي الْقِسْمَة روعي فِي الْمُعَادَة مَا ذَكرْنَاهُ من حرمَان أَوْلَاد الْأَب إِن كَانَ فِي أَوْلَاد الْأَب وَالأُم ذكر واسترداد مَا يكمل بِهِ نصيب الْإِنَاث إِن لم يكن فِيهِنَّ ذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْحجب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنعود إِلَى عد الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين فِي الْبَاب الأول ونقول أما الزَّوْج وَالزَّوْجَة فَلَا يحجبان بوارث لِأَنَّهُمَا يدليان بأنفسهما وَأما الْأُم فَلَا تحجب أَيْضا وَالْجدّة تحجبها الْأُم فَلَا تَرث مَعَ الْأُم جدة وَأم الْأَب يحجبها الْأَب وَذَلِكَ الْقُرْبَى من كل جِهَة من الْجدَّات تحجب البعدى من تِلْكَ الْجِهَة والقربى من جِهَة الْأُم تحجب البعدي من جِهَة الْأَب والقربى من جِهَة الْأَب هَل تحجب البعدى من جِهَة الْأُم فِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنَّهَا لَا تحجب بل تشارك لقُوَّة جدودة الْأُم وَأما الْأَب فَلَا يَحْجُبهُ أحد وَالْجد لَا يَحْجُبهُ إِلَّا الْأَب هَذَا حكم من يُدْلِي من جِهَة الْعُلُوّ أما من يُدْلِي من جِهَة السّفل فالابن وَالْبِنْت لَا يحجبان فَأَما ابْن الابْن فَلَا يَحْجُبهُ إِلَّا الابْن وَبنت الابْن يحجبها الابْن وابنتان فَصَاعِدا من بَنَات الصلب وَكَذَا التَّرْتِيب فِيمَن سفل مِنْهُم على اخْتِلَاف درجاتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَأما المدلون على الْأَطْرَاف فالأخ للْأَب وَالأُم يَحْجُبهُ ثَلَاث الْأَب وَالِابْن وَابْن الابْن وَكَذَا الْأُخْت للْأَب وَالأُم وَأما الْأَخ للْأَب يَحْجُبهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَالْأَخ للْأَب وَالأُم وَأما الْأُخْت للْأَب يحجبها هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع وَاثْنَتَانِ فَصَاعِدا من الْأَخَوَات للْأَب وَالأُم وَأما الْأَخ للْأُم فيحجبه سِتَّة الْأَب وَالْجد وَالِابْن وَالْبِنْت وَابْن الابْن وَبنت الابْن وَأما الْعم فيحجبه من يحجب الْأَخ للْأَب وَالأُم وَالْأَخ للْأَب كَذَا بَنو الْأُخوة وَقد نبهنا على تَرْتِيب الْعَصَبَات من قبل فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِعَادَة فروع الأول أَن من لَا يَرث كالقاتل وَالْكَافِر وَالرَّقِيق لَا يحجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَيسْتَثْنى عَن هَذَا مَسْأَلَة وَهِي أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ فَإِن الْأَخَوَيْنِ يسقطان بِالْأَبِ ويحجبان الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس لِأَن سقوطهما بِالْأَبِ لَا بِالْأُمِّ فَيرجع فائدتهما إِلَى الْأَب لَا إِلَى الْأُم وَمثله جدتان إِحْدَاهمَا أم الْأَب وَالْأُخْرَى أم الْأُم وَمَعَهَا الْأَب فلأم الْأُم السُّدس وَلَا يُقَال ان أم الْأَب تشارك لَوْلَا الْأَب وَإِنَّمَا سُقُوطهَا بِالْأَبِ فترجع الْفَائِدَة إِلَيْهِ لِأَن اسْتِحْقَاقهَا بالفرضية فَلَا يُنَاسب اسْتِحْقَاق الْأَب وَهُوَ بالعصوبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَأما الْأَخ وَالْأَب فِي تِلْكَ الصُّورَة كِلَاهُمَا يرثان بالعصوبة فَأمكن رد الْفَائِدَة إِلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقيَاس وَقَالَ لَيْسَ لأم الْأُم إِلَّا نصف السُّدس الثَّانِي مهما اجْتمعت قرابتان من قرَابَة الْمَجُوس على وَجه لَا يجوز الْجمع بَينهمَا فِي الْإِسْلَام سَوَاء حصل بِنِكَاح الْمَجُوس أَو بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُورث بهما عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل يُورث بأقواهما وَيصرف الْأَقْوَى بأمرين أَحدهمَا أَن تكون إِحْدَاهمَا مسقطة لِلْأُخْرَى كَبِنْت هى أُخْت لأم تَرث بالبنوة وَتسقط أخوة الْأُم الثَّانِي أَن يقل حجاب إحديهما كأخت لأَب هى أم الْأُم فترث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 بالجدودة لِأَنَّهَا أثبت إِذْ لَا تسْقط إِلَّا بِالْأُمِّ فَقَط وَالْأُخْت تسْقط بِثَلَاث بِالْأَبِ وَالِابْن وَابْن الابْن فَإِذا تزوج الْمَجُوسِيّ بابنته فأولد بِنْتا فَمَاتَ الْمَجُوسِيّ فقد خلف بنتين إِحْدَاهمَا زَوجته فَلَا شَيْء لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا فَاسِدَة وَالْأُخْرَى بنت بنت وَلَا تَوْرِيث بهما فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بالبنوة فَلَو مَاتَت الْعليا بعد موت الْوَاطِئ فقد خلفت بِنْتا هى أُخْت لأَب فلهَا بالبنوة النّصْف فَلَو مَاتَت السُّفْلى أَولا فقد خلفت أما هى أُخْت لأَب فلهَا الثُّلُث بالأمومة وَلَا شَيْء لَهَا بالأخوة الْمَسْأَلَة بحالتها لَو وطئ الْبِنْت السفلي فأولدها بِنْتا أُخْرَى وَمَات الْوَاطِئ فقد خلف ثَلَاث بَنَات فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا نظر إِلَى الزَّوْجَة وَلَا إِلَى بنوة الْبِنْت فَلَو مَاتَت الْعليا بعده فقد خلفت بِنْتا وَبنت بنت هما أختَان لأَب فللبنت الْعليا النّصْف وَالْبَاقِي للسفلى بأخوة الْأَب فَإِن الْأُخْت مَعَ الْبِنْت عصبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 فَلَو مَاتَت الْوُسْطَى أَولا فقد خلفت أما وبنتا هما أُخْتا أَب فللأم السُّدس وللبنت النّصْف وَسقط أخوة الْأَب من الطَّرفَيْنِ بالبنوة والأمومة فَلَو مَاتَت السُّفْلى أَولا فقد خلفت أما وَجدّة هما أُخْتا أَب فللأم الثُّلُث وللجدة الْبَاقِي بأخوة الْأَب لِأَن الجدودة سَقَطت بالأمومة فَأَما إِذا وطئ الْمَجُوسِيّ أمه فَولدت لَهُ بِنْتا فَمَاتَ فقد خلف أما وبنتا هى أُخْت لأم فللأم السُّدس وللبنت النّصْف وَسقط أخوة الْأُم وَلَو مَاتَت الْبِنْت فقد خلفت أما هى أم لأَب فلهَا الثُّلُث بالأمومة وَتسقط أمومة الْأَب وعَلى هَذَا التَّرْتِيب جَمِيع الْمسَائِل وَالله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي مَوَانِع الْمِيرَاث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول اخْتِلَاف الدّين فَلَا يَرث كَافِر من مُسلم وَلَا مُسلم من كَافِر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يتوارث أهل ملتين شَتَّى وَيَرِث الْيَهُود من النَّصَارَى الْمَجُوس لِأَن جَمِيع الْملَل فِي الْبطلَان كالملة الْوَاحِدَة وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ الله تَعَالَى {لكم دينكُمْ ولي دين} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 فرعان أَحدهمَا الذِّمِّيّ هَل يَرث من الْحَرْبِيّ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِاتِّحَاد الدّين وَالثَّانِي لَا لِأَن حكمنَا لَا يجْرِي على أهل الْحَرْب والتوريث حكم شَرْعِي وَأما الْمعَاهد فَهُوَ فِي حكم الذِّمِّيّ لأمانه وَقَالَ ابْن سُرَيج قِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه فِي حكم الْحَرْبِيّ لِأَنَّهُ لم يستوطئ دَارنَا وَالصَّحِيح الأول الثَّانِي الْمُرْتَد لَا يَرث وَلَا يَرِثهُ لَا قريبَة الْكَافِر وَلَا قريبَة الْمُسلم وَلَا قربَة الْمُرْتَد بل مَاله فَيْء وَلَا فرق بَين مَا اكْتسب بعد الرِّدَّة وَبَين مَا اكْتَسبهُ قبله والزنديق حكمه حكم الْمُرْتَد هَذَا إِذا قتل أَو مَاتَ فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام اسْتَقر ملكه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 الْمَانِع الثَّانِي الرَّقِيق وَهُوَ لَا يَرث وَلَا يُورث سَوَاء كَانَ قِنَا أَو أم ولد أَو مكَاتبا لِأَنَّهُ لَا يملك وَمن يرَاهُ أَهلا للْملك على قَول فَهُوَ ملك بِإِذن السَّيِّد لَا قَرَار لَهُ وَلَا مدْخل للْإِذْن فِي الْمِيرَاث فرع من نصفه حر وَنصفه رَقِيق لَا يَرث وَإِذا مَاتَ فَهَل تَرثه أَقَاربه قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يَرث كَمَا لَا يُورث وَقَالَ فِي الْجَدِيد يُورث لِأَنَّهُ تحقق الْملك والقريب أولى النَّاس بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يُورث فَمَاله للسَّيِّد أَو لبيت المَال أَو أَيهمَا أولى بِهِ فِيهِ خلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 الْمَانِع الثَّالِث الْقَتْل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ للْقَاتِل من الْمِيرَاث شئ وَالْقَتْل قِسْمَانِ مَضْمُون وَغير مَضْمُون أما الْمَضْمُون فَيُوجب الحرمان سَوَاء ضمن بِالدِّيَةِ أَو الْكَفَّارَة أَو الْقصاص وَسَوَاء كَانَ عمدا أَو خطأ بِسَبَب كحفر الْبِئْر أَو بِمُبَاشَرَة من مُكَلّف أَو مَجْنُون أَو صبي وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يحرم الصَّبِي وَلَا من قتل بِحَفر الْبِئْر فَأَما الذى لَيْسَ بمضمون كَالْقَتْلِ الْمُسْتَحق حدا لله تَعَالَى فالإمام إِذا قتل حدا فَفِي حرمانه ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 حَدهَا الْمَنْع لعُمُوم الحَدِيث وَالثَّانِي أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَفْهُوم السَّابِق من اللَّفْظ قتل بِغَيْر حق وَلِأَن الإِمَام كالنائب وَالْقَاتِل هُوَ الله عز وَجل وَالثَّالِث أَنه إِن ثَبت بِإِقْرَارِهِ فَلَا حرمَان إِذْ لَا تُهْمَة وَإِن ثَبت بِبَيِّنَة فَرُبمَا يتَطَرَّق تهمته إِلَى القَاضِي فِيهِ أما الْمُسْتَحق الذى يجوز تَركه كَالْقَتْلِ قصاصا وَدفع الصَّائِل وَقتل الْعَادِل الْبَاغِي فِيهِ خلاف مُرَتّب وَأولى بالحرمان لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ وَقد قتل لنَفسِهِ وَالْمكْره محروم لِأَنَّهُ آثم وَإِن قُلْنَا إِن الضَّمَان على الْمُكْره وَفِيه وَجه على هَذَا القَوْل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 الْمَانِع الرَّابِع استبهام تَارِيخ الْمَوْت فَإِذا مَاتَ جمَاعَة من الْأَقَارِب تَحت هدم أَو غرق أَو فِي سفر واستبهم الْمُتَقَدّم والمتأخر فَيقدر فِي حق كل وَاحِد مِنْهُم كَأَنَّهُ لم يخلف الآخرين فَلَا يتوارثون ويوزع مَال كل وَاحِد مِنْهُم على من هُوَ حَيّ من جملَة الْأَقَارِب إِذْ لَيْسَ التَّقَدُّم بِأولى من التَّأَخُّر وَكَذَلِكَ إِذا علمنَا أَنهم تَلَاحَقُوا فِي الْمَوْت وَلَكِن لم نطلع على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ لَو اطَّلَعْنَا وَلَكِن نسيناه وَفِي هَذِه الصُّورَة الْأَخِيرَة احْتِمَال وَقد ذكرنَا فِي مثل هَذِه الصُّورَة فِي النكاحين والجمعتين خلافًا لِأَن إِعَادَة الْجُمُعَة وَفسخ النِّكَاح لَهُ وَجه وَهَاهُنَا لَا حِيلَة فِيهِ وَلَا معنى للتوقف أبدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 الْمَانِع الْخَامِس اللّعان فَإِنَّهُ يقطع مِيرَاث الْوَلَد وَكَانَ فِي هَذَا لَيْسَ مَانِعا بل هُوَ دَافع للنسب إِلَّا أَنه يقْتَصر أَثَره على الْأَب وَمن يُدْلِي بِهِ أما الْأُم فَالْوَلَد يَرِثهَا وَهِي تَرث الْوَلَد وَلها من مَاله الثُّلُث وَقَالَ ابْن مَسْعُود أمه عصبَة فلهَا الْجَمِيع وَلَو نفى توأمين فَهَل يَرث أَحدهمَا الآخر بالعصوبة الْمَذْهَب أَنه لَا يَرث لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي إِلَّا بِقرَابَة الأمومة أما الْأُبُوَّة فقد انْتَفَت فَهُوَ أَخ لأم فَقَط وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ عصبَة والأبوة انْتَفَت فِي حق الْأَب بِحجَّة ضَرُورِيَّة وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا بعيد وَإِذا ولدت الْمَرْأَة من الزِّنَا فَهِيَ تَرثه وَالْولد يَرِثهَا والتوأمان يتوارثان بأخوة الْأُم وَمن ينْسب إِلَى الزِّنَا فَلَا أبوة لَهُ وَلَا مِيرَاث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 الْمَانِع السَّادِس الشَّك فِي الِاسْتِحْقَاق وَسَببه أَرْبَعَة أُمُور الأول التَّرَدُّد فِي الْوُجُود وَذَلِكَ فِي الْمَفْقُود والأسير الذى انْقَطع خَبره فَلَا يَرث عَنهُ أحد مَا لم تقم بَيِّنَة على مَوته أَو لم تمض مُدَّة يقْضِي الْحَاكِم فِي مثلهَا بِأَن ذَلِك الشَّخْص لَا يحيا أَكثر من ذَلِك وَتعْتَبر الْمدَّة من وَقت ولادَة الْمَفْقُود لَا من وَقت غيبته فَإِذا قضى بِمَوْتِهِ وَرثهُ أَقَاربه الموجودون وَقت الحكم لَا وَقت الْغَيْبَة فَأَما مِيرَاثه من الْحَاضِرين فَيجب التَّوَقُّف فِي نصِيبه إِذا مَاتَ لَهُ قريب فَإِن حكم القَاضِي بِمَوْتِهِ بعد ذَلِك فَيقدر كَأَنَّهُ لم يكن مَوْجُودا عِنْد موت قَرِيبه وَيصرف الْمَوْقُوف إِلَى الْوَرَثَة الْمَوْجُودين من حَال موت قريب الْمَفْقُود وَأما الْحَاضِرُونَ فَإِن كَانَ الْمَفْقُود مِمَّن يتَصَوَّر حجب الْحَاضِر بِهِ فَلَا يصرف إِلَيْهِم شئ وَإِن تصور أَن يحجب عَن الْبَعْض فَيتَوَقَّف فِي قدر الِاحْتِمَال وَلَا يصرف إِلَيْهِم إِلَّا المستقين ونأخذ بِأَسْوَأ الْأَحْوَال فِي حق كل وَاحِد فَإِن كَانَ النُّقْصَان فِي تَقْدِير الْحَيَاة قدرناها وَإِن كَانَ فِي تَقْدِير الْمَوْت قَدرنَا الْمَوْت حَتَّى إِذا خلفت الْمَرْأَة زوجا وأختين لأَب حاضرتين وأخا لأَب مفقودا فَإِن كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 الْأَخ مَيتا فَللزَّوْج النّصْف وللأختين الثُّلُثَانِ وَالْمَسْأَلَة تعول إِلَى سَبْعَة من سِتَّة وَإِن كَانَ حَيا فَللزَّوْج نصف غير عائل وَالرّبع للأختين فَلَا يصرف إِلَى الزَّوْج إِلَّا ثَلَاثَة أَسْبَاع المَال وَهُوَ النّصْف العائل وَيقدر موت الْمَفْقُود فِي حَقه لِأَنَّهُ أَسْوَأ الْأَحْوَال وللأختين الرّبع على تَقْدِير الْحَيَاة فَإِنَّهُ الأسوأ وَالْبَاقِي مَوْقُوف إِلَى الْبَيَان وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تقدر الْحَيَاة فِي حق كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْحَال فَإِن ظهر نقيضه غَيرنَا الحكم وَمِنْهُم من قَالَ نَأْخُذ بِالْمَوْتِ لِأَن اسْتِحْقَاق هَؤُلَاءِ مستيقن فَإِن ظهر نقيضه غَيرنَا الحكم وَهَذَانِ وَجْهَان متقابلان إِذْ يُقَابل الْأَخير قَول الأول إِن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة فَالصَّحِيح التَّوَقُّف عِنْد الْإِشْكَال السَّبَب الثَّانِي الشَّك فِي النّسَب حَيْثُ يحْتَاج إِلَى الْقَائِف فَحكمه فِي مُدَّة الْإِشْكَال حكم الْمَفْقُود فنأخذ بِأَسْوَأ الْأَحْوَال فِي حق الْجَمِيع السَّبَب الثَّالِث الشَّك بِسَبَب الْحمل فَإِن الْحمل يَرث بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن ينْفَصل حَيا فَلَو انْفَصل مَيتا وَلَو بِجِنَايَة جَان كَانَ كَمَا لَو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 انْعَدم من أَصله وَالثَّانِي أَن يكون مَوْجُودا عِنْد الْمَوْت وَهُوَ أَن يُؤْتى بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْمَوْت فَإِن كَانَ لأكْثر من أَربع سِنِين فَلَا يَرث وَإِن كَانَ بَين المدتين ورث لِأَن النّسَب يثبت وَالْإِرْث يتبع النّسَب وَلَو انْفَصل الْجَنِين وصرخ ثمَّ مَاتَ ورث وَكَذَا إِذا فتح الطّرف وامتص الثدي وأمارات الْحَيَاة ظَاهِرَة وَلَو تحرّك فَإِن كَانَ من قبيل اخْتِلَاج وتقلص عصب وعضلة فَلَا أثر لَهُ وَإِن كَانَ اختياريا كقبض الْأَصَابِع وبسطها فَهُوَ دَلِيل الْحَيَاة وَإِن تردد بَين الْجِهَتَيْنِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يَرث لعدم الْيَقِين وَالثَّانِي يَرث اعْتِمَادًا على غَالب الظَّن بالعلامة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَلَو برز نصف الْجَنِين وصرخ ثمَّ مَاتَ وانفصل فَفِيهِ وَجْهَان محتملان هَذَا إِذا انْفَصل فَأَما قبل الِانْفِصَال فَهُوَ وَقت الْإِشْكَال فَيقدر أضرّ الْأَحْوَال على بَقِيَّة الْوَرَثَة وأقصى الْمُمكن تَقْديرا أَرْبَعَة من الْأَوْلَاد فِي الْبَطن وَالْأُنُوثَة والذكورة مُحْتَملَة فنقدر مَا هُوَ الأضر بِكُل حَال مِثَاله مَاتَ رجل وَخلف امْرَأَة حَامِلا وأخا لَا شئ للْأَخ فِي الْحَال لاحْتِمَال أَن الْحمل ذكر فيحجب وَلَو خلف أبوين وَامْرَأَة حَامِلا أعطي كل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ السُّدس عائلا من سَبْعَة وَعشْرين لاحْتِمَال أَن يكون الْحمل بنتين فَتَقول الْمَسْأَلَة من أَربع وَعشْرين إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يكون للْأُم أَرْبَعَة وَللْأَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 أَرْبَعَة وللمرأة ثَلَاثَة وَلكُل وَاحِد من البنتين ثَمَانِيَة فَهَذَا أضرّ التقديرات فنقدره فِي الْحَال فَإِن قيل وَهل يتسلط الْحَاضِرُونَ على مَا سلم إِلَيْهِم قُلْنَا قَالَ الْقفال لَا إِذْ لَا تصح الْقِسْمَة عَن الْحمل إِلَّا بِالْقَاضِي وَلَيْسَ للْقَاضِي التَّصَرُّف فِي مَال الأجنة بِخِلَاف الغائبين وَالصَّحِيح أَنهم يتسلطون وَأَنه يجب على القَاضِي أَن يَنُوب فِي الْقِسْمَة كَيْلا تتعطل الْحُقُوق فَإِن قيل فَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة الْحمل فَرُبمَا تكون معاندة فَكيف ينْتَظر بقولِهَا أَربع سِنِين قُلْنَا إِن ظهر مخايل الْحمل أَو كَانَت قريبَة الْعَهْد بِوَطْء يحْتَمل الْعلُوق فَلَا بُد من التَّوَقُّف وَإِن لم يظْهر مثل هَذِه العلامات فَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة وَالْأولَى الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فَإِنَّهَا أعلم بالعلامات الْخفية وَهِي مؤتمنة فِي رَحمهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 السَّبَب الرَّابِع الخنوثة وَالْخُنْثَى مُشكل الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَقَالَ بعض أهل الْعلم لَا يَرث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذكر وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ فِي الْكتاب إِلَّا مِيرَاث الذُّكُور وَالْإِنَاث وَقيل أَيْضا يَأْخُذ نصف نصيب الذّكر وَنصف نصيب الْأُنْثَى وَإِنَّمَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه إِمَّا ذكر وَإِمَّا أُنْثَى وَهُوَ مُشكل فَيَأْخُذ فِي الْحَال بأضر التقديرات إِلَى الْبَيَان كَمَا فِي الْحمل والمفقود مسَائِله إِذا مَاتَ وَخلف أَخا لأَب وَولدا خُنْثَى فَلَا شئ للْأَخ لاحْتِمَال أَنه ابْن للخنثى النّصْف فِي الْحَال لِأَنَّهُ أضرّ أَحْوَاله وَلَو كَانَا وَلدين خنثيين فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ فِي الْحَال لِأَنَّهُ الأضر وَالْبَاقِي مَوْقُوف بَينهمَا وَبَين الْأَخ إِلَى الْبَيَان والاصطلاح مِنْهُم على شئ وَلَو كَانُوا ثَلَاثَة خناثى يدْفع إِلَى كل وَاحِد خمس المَال فِي الْحَال لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى وصاحباه ذكران وَيُوقف بَين الخناثى مَا بَين ثَلَاثَة أَخْمَاس إِلَى تَمام الثُّلثَيْنِ لَاحق فِيهِ للْأَخ وَيُوقف الثُّلُث الْبَاقِي بَينهم وَبَين الْأَخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي حِسَاب الْفَرَائِض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي مقدرات الْفَرَائِض ومستحقيها ومخارجها وعولها أما المقدرات فستة النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع وَنصف نصفه وَهُوَ الثّمن وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف نصفهما وَهُوَ السُّدس أما مستحقوها فالنصف فرض خَمْسَة الزَّوْج فِي حَالَة وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم وَالْأُخْت للْأَب على مَا سبق وَالرّبع فرض الزَّوْج فِي حَالَة وَالزَّوْجَة فِي حَالَة وَالثمن فرض الزَّوْجَة فَقَط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 وَالثُّلُثَانِ فرض أَرْبَعَة بِنْتي الصلب وبنتي الابْن والأختين للْأَب وَالأُم والأختين للْأَب وَالثلث فرض اثْنَتَيْنِ فرض الْأُم فِي حَالَة وَأَوْلَاد الْأُم إِذا زادوا على وَاحِد وَالسُّدُس فرض سَبْعَة الْأُم وَالْأَب وَالْجد وَالْجدّة وَبنت الابْن تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْت للْأَب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالْوَاحد من أَوْلَاد الْأُم أما مخارج هَذِه المقدرات سَبْعَة فَإِن كَانُوا عصبات فَالْمَسْأَلَة من عدد رُءُوسهم وَإِن كَانَ فيهم إناث فَيقدر كل ذكر مَكَان أنثيين وَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة أَصْحَاب السِّهَام فالمخارج سَبْعَة اثْنَان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَسِتَّة وَثَمَانِية وَاثنا عشر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وكل فَرِيضَة احتجت فِيهَا إِلَى نِصْفَيْنِ أَو إِلَى نصف وَمَا بَقِي فَهُوَ من اثْنَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَإِن احتجت إِلَى ثلث وَمَا بَقِي أَو إِلَى ثلثين وَمَا بَقِي أَو إِلَى ثلث وثلثين فأصلها من ثَلَاثَة وَإِن احتجت إِلَى ربع وَمَا بَقِي أَو إِلَى ربع وَنصف وَمَا بَقِي فَمن أَرْبَعَة وَإِن احتجت إِلَى سدس وَمَا بَقِي أَو إِلَى سدس وَثلث أَو سدس وَنصف أَو سدس وثلثين فَمن سِتَّة وَإِن احتجت إِلَى ثمن وَمَا بَقِي أَو ثمن وَنصف وَمَا بَقِي فَمن ثَمَانِيَة وَإِن احتجت إِلَى سدس وَربع فَمن اثْنَي عشر وَإِن احتجت إِلَى ثمن وَسدس أَو ثمن وثلثين فَمن أَربع وَعشْرين وَزَاد زائدون على الْأُصُول السَّبْعَة ثَمَانِيَة عشر وستا وَثَلَاثِينَ وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 فِي مسَائِل الْجد إِذا افْتقر إِلَى مُقَدّر وَثلث مَا يبْقى بعد الْمُقدر فَأَما عول هَذِه الْأُصُول فَلَا يدْخل الْعَوْل إِلَّا على ثَلَاثَة من الْأُصُول السَّبْعَة وَهِي السِّتَّة والاثنا عشر والأربع وَالْعشْرُونَ وَلَا يُوجد الْعَوْل فِي الْبَاقِي فالستة تعول بسدسها إِلَى سَبْعَة وبثلثها إِلَى ثَمَانِيَة وبنصفها إِلَى تِسْعَة وبثلثيها إِلَى عشرَة وَلَا يزِيد عَلَيْهِ والاثنا عشر تعول بِنصْف سدسها إِلَى ثَلَاثَة عشر وبريعها إِلَى خَمْسَة عشر وبربعها وسدسها إِلَى سَبْعَة عشر وَلَا تعول إِلَى الشفع وَهُوَ أَرْبَعَة عشر وَسِتَّة عشر وَلَا تزيد عَلَيْهِ وَأما الْأَرْبَع وَعِشْرُونَ فيعول بِثمنِهَا إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فَإِذا خلف الْمَيِّت زوجا وأختين فتعول من السِّتَّة إِلَى سَبْعَة للزَّوْج ثَلَاثَة وللأختين أَرْبَعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 أما الْأَرْبَع وَالْعشْرُونَ فَلَا تعول إِلَّا إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فَقَط والعول عبارَة عَن الرّفْع وَمَعْنَاهُ رفع الْحساب حَتَّى يدْخل النُّقْصَان على الْكل على نِسْبَة الْوَاحِد لما ضَاقَ المَال عَن الْوَفَاء بالمقدرات وَقد اتّفقت الصَّحَابَة فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ على الْعَوْل وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا توفّي عمر خَالف وَقَالَ من شَاءَ باهلته أَن الذى أحصى رمل عالج عددا لم يَجْعَل فِي المَال نصف وثلثين فَقيل هلا قلت ذَلِك فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فاقل كَانَ رجلا مهيبا فهبته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 الْفَصْل الثَّانِي فِي طَرِيق تَصْحِيح الْحساب وَتقدم عَلَيْهِ مُقَدّمَة وَهُوَ أَن كل عددين فينسب أَحدهمَا إِلَى الآخر إِمَّا بالتداخل أَو بالتوافق أَو بالتباين وَمعنى التباين انْتِفَاء الْمُوَافقَة والمداخلة والمتداخلان كل عددين مُخْتَلفين أقلهما هُوَ جُزْء من الْأَكْثَر وَلَا يزِيد على نصفه كالثلاثة من التِّسْعَة فَإِنَّهَا ثلثهَا والخمسة من الْعشْرَة فَإِنَّهُ نصفهَا والاثنين من الثَّمَانِية فَإِنَّهَا ربعهَا والمتوافقان كل عددين مُخْتَلفين لَا يدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر وَلَكِن يفنيهما جَمِيعًا عدد آخر أكبر من الْوَاحِد كالستة وَالْعشرَة يغنيهما جَمِيعًا الِاثْنَان فهما موافقان بِالنِّصْفِ والتسعة مَعَ خَمْسَة عشر تغنيهما جَمِيعًا الثَّلَاثَة فهما متوافقان بِالثُّلثِ والمتباينان مَا لَيْسَ بَينهمَا مُوَافقَة وَلَا مداخلة فَإِذا أردْت أَن تعرف المداخلة والموافقة فأسقط الْأَقَل من الْأَكْثَر مرَّتَيْنِ أَو أَكثر على حسب الْإِمْكَان فَإِن فني بِهِ فهما متداخلان فَإِذا سَقَطت مرّة فَبَقيَ شئ أَو مرَارًا فَبَقيَ شَيْء فَلَا مداخلة فاطلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 الْآن الْمُوَافقَة وَطَرِيقه أَن تسْقط الْبَاقِي من الْعدَد الْأَقَل مرَارًا على حسب الْإِمْكَان فَإِن بَقِي شئ فأسقط تِلْكَ الْبَقِيَّة من الباق من الأول مرَارًا فَلَا تزَال تفعل ذَلِك إِلَى أَن يفنى فَإِن فنيا بِالْوَاحِدِ فهما متباينان وَإِن فنيا بِعَدَد فهما متوافقان بالجزء الْمُشْتَقّ من ذَلِك الْعدَد فَإِن فنيا بِاثْنَيْنِ فبالنصف أَو بِثَلَاثَة فبالثلث أَو بِتِسْعَة فبالتسع أَو بِأحد عشر فيجزء من أحد عشر جُزْءا وعَلى هَذَا الْقيَاس مِثَاله إِذا أردْت أَن تعرف نِسْبَة سَبْعَة من ثَمَانِيَة وَعشْرين فأسقط السَّبْعَة مِنْهُ مرَارًا فتضني بِأَرْبَع مَرَّات فهما متداخلان فَإِن أدرت أَن تعرف اثنى عشر من اثْنَيْنِ وَعشْرين فَتسقط مرّة فَلَا يبْقى إِلَّا عشرَة فَلَا مداخلة فأسقط الْآن الْعشْرَة من اثْنَي عشر فَيبقى اثْنَان فأسقط الِاثْنَيْنِ من الْعشْرَة فيفنى بِهِ فهما متوافقان بِالنِّصْفِ أَعنِي اثْنَي عشرَة واثنين وَعشْرين وَإِن أردْت أَن تعرف ثَلَاثَة عشر من ثَلَاثِينَ فَتسقط مِنْهُ مرَّتَيْنِ فَيبقى أَرْبَعَة فَتسقط من ثَلَاثَة عشر ثَلَاث مَرَّات فَبَقيَ وَاحِد فَتسقط من الْأَرْبَعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 أَربع مَرَّات فتفنى بِهِ فهما متباينان وَإِذ فنيا بِالْوَاحِدِ رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود فَإِذا عرفت أصل الْمَسْأَلَة بعولها فَانْظُر فَإِن انقسم على الْوَرَثَة وَلم ينكسر فقد صحت الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا وَإِن انْكَسَرَ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن ينكسر على فريق وَاحِد أَو على فريقين أَو على ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة لَا يزِيد على الْأَرْبَعَة الْقسم الأول أَن ينكسر على فريق وَاحِد فطريقة أَن ينْسب النَّصِيب إِلَى عدد الْفَرِيق الذى انْكَسَرَ عَلَيْهِم فَإِن لم يُوَافقهُ بِجُزْء فَيضْرب عدد رُءُوسهم فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن وَافق بِجُزْء فَاضْرب جُزْء الوفق من عدد الرُّءُوس فِي أصل الْمَسْأَلَة فَلَمَّا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة مِثَاله زوج وَبنت وَابْن ابْن للزَّوْج الرّبع وللبنت النّصْف وَالْبَاقِي لِابْنِ الابْن وَقد صحت الْمَسْأَلَة من أَرْبَعَة وانقسم وَلَو خلف بِنْتا وَابْني ابْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ للْبِنْت النّصْف وَيبقى وَاحِد لَا يَنْقَسِم على اثْنَيْنِ فَتضْرب عدد الِاثْنَيْنِ فِي أصل الْمَسْأَلَة فَتَصِير أَرْبَعَة فَمِنْهَا تصح كَانَ للْبِنْت وَاحِد مَضْرُوب فِي اثْنَيْنِ فلهَا اثْنَان وَكَانَ للابنتين وَاحِد مَضْرُوب فِي اثْنَيْنِ فَلَهُمَا اثْنَان لكل وَاحِد وَاحِد وَلَو خلف أما وَأَرْبَعَة أعمام الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان لَا يَنْقَسِم على أَرْبَعَة وَلَكِن يُوَافق بِالنِّصْفِ فَيضْرب جُزْء الوفق من عدد الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ اثْنَان فِي أصل الْمَسْأَلَة هُوَ ثَلَاثَة فَتَصِير سِتَّة كَانَ للْأُم وَاحِد ضرب فِي اثْنَيْنِ فلهَا من السِّتَّة اثْنَان وَهُوَ الثُّلُث وَكَانَ للأعمام من الأَصْل اثْنَان مضروبان فِي اثْنَيْنِ فَهُوَ أَرْبَعَة فينقسم عَلَيْهِم الْقسم الثَّانِي أَن ينكسر على فريقين وَلها أَحْوَال ثَلَاث إِحْدَاهَا أَن توَافق سِهَام كل فريق عدد رُءُوس الْفَرِيقَيْنِ بِجُزْء فَإِن كَانَ كَذَلِك فَرد عدد كل فريق إِلَى جُزْء الوفق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 الثَّانِيَة أَن لَا يُوَافق أصلا فاترك عدد كل فريق بِحَالهِ الثَّالِثَة أَن يُوَافق وَاحِد دون الآخر فَمَا وَافق يرد عدد ذَلِك الْفَرِيق إِلَى الوفق وَمَا لم يُوَافق فَاتْرُكْهُ بِحَالهِ ثمَّ إِذا فرغت من ذَلِك فَانْظُر إِلَى مَا حصل مِمَّن عدد الْفَرِيقَيْنِ فَإِن كَانَا متماثلين فاطرح أَحدهمَا واكتف بِالْآخرِ وَاضْرِبْهُ فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن لم يَكُونَا متماثلين فَانْظُر فَإِن كَانَا متداخلين وَهُوَ أَن يكون الْأَقَل جُزْءا من الْأَكْثَر لَا يزِيد على نصفه فاطرح الْأَقَل وَاضْرِبْ الْأَكْثَر فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها إِن عالت فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَ متباينين فَاضْرب أَحدهمَا فِي الآخر فَمَا بلغ فَاضْرِبْهُ فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَا متباينين فَاضْرب جُزْء الوفق من أَحدهمَا فِي جملَة الآخر ثمَّ اضْرِب الْمَجْمُوع فِي أصل الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة مِثَاله أَخَوان لأم وَثَلَاثَة إخْوَة لأَب أصل الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة لأخوي الْأُم وَاحِد ينكسر عَلَيْهِمَا وَلَا مُوَافقَة ولإخوة الْأَب اثْنَان ينكسر عَلَيْهِم وَلَا مُوَافقَة فَاضْرب عدد ولد الْأُم وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 اثْنَان فِي عدد ولد الْأَب وَهُوَ ثَلَاثَة فَبلغ سِتَّة فاضربها فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة فَيبلغ ثَمَانِيَة عشر فَمِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة كَانَ لولد الْأُم من الأَصْل سهم فِي سِتَّة يكون لَهما سِتَّة لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة وَكَانَ لولد الْأَب سَهْمَان فِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر لكل وَاحِد أَرْبَعَة ثَلَاث بَنَات وَبنت ابْن وَابْن ابْن أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات الثُّلُثَانِ سَهْمَان على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق ولأولاد الابْن وَاحِد على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق فقد وَقع الْكسر على جِنْسَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا متماثلان فَإِن كل وَاحِد من عدد الرُّءُوس ثَلَاثَة فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضرب فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهِي أَيْضا ثَلَاثَة فَيصير تِسْعَة فَمِنْهَا تصح كَانَ للبنات سَهْمَان فِي ثَلَاثَة يكون لَهُنَّ سِتَّة لكل وَاحِدَة سَهْمَان وَكَانَ لأَوْلَاد الابْن من الأَصْل سهم وَقد ضرب فِي ثَلَاثَة فَيكون ثَلَاثَة للِابْن اثْنَان وللبنت وَاحِد ثَلَاث بَنَات وَسِتَّة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات الثُّلُثَانِ سَهْمَان على ثَلَاثَة لَا يَصح وَلَا يُوَافق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 الْبَاقِي للإخوة وهم سِتَّة مِنْهُم على سِتَّة لَا يَصح وَلَا يُوَافق وَأحد الجنسين يدْخل فِي الآخر أَعنِي الثَّلَاثَة فِي السِّتَّة فيكتفي بالستة وَيضْرب فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهِي سِتَّة فَيبلغ ثَمَانِيَة عشر فَمِنْهَا تصح وَطَرِيق الْقِسْمَة مَا مضى زوج وَثَمَانِية إخْوَة لأم وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول إِلَى تِسْعَة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وللإخوة للْأُم سَهْمَان على ثَمَانِيَة لَا يَصح وَلَكِن يُوَافق بِالنِّصْفِ فَيرد عدد رُءُوسهم إِلَى الوفق فتعود إِلَى أَرْبَعَة وللأخوات الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة على تِسْعَة لَا تصح وَلَا توَافق فقد انْكَسَرَ على جِنْسَيْنِ أَحدهمَا أَرْبَعَة وَالْآخر تِسْعَة لَا مداخلة فَيضْرب أَحدهمَا فِي الآخر فَيبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ فنضربهما فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهِي تِسْعَة فَيبلغ ثلثمِائة وَأَرْبَعَة وَعشْرين كَانَ للزَّوْج من الأَصْل ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ فَلهُ مائَة وَثَمَانِية وَكَانَ للإخوة من الْأُم سَهْمَان فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ يكون لَهُم اثْنَان وَسَبْعُونَ بَينهم على ثَمَانِيَة لكل وَاحِد تِسْعَة وَكَانَ للأخوات أَرْبَعَة فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ يكون لَهُم مائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ لكل وَاحِد سِتَّة عشر الْقسم الثَّالِث أَن ينكسر على ثَلَاث فرق وَطَرِيق مَا سبق فِي الْفَرِيقَيْنِ فَإِن وَافق جَمِيع السِّهَام عدد الرُّءُوس يرد عدد الرُّءُوس إِلَى جُزْء الوفق وَإِن وَافق الْبَعْض ترد ذَلِك إِلَى الوفق دون الْبَاقِي وَإِن لم يُوَافق بشئ فَيتْرك بِحَالهِ ثمَّ ينظر بَين الْأَعْدَاد الثَّلَاثَة فَمَا تماثل مِنْهَا يكْتَفى بِالْوَاحِدِ وَمَا تدَاخل يسْقط الْأَقَل ويكتفى بِالْأَكْثَرِ وَمَا توَافق فَيضْرب جُزْء الوفق من أَحدهمَا فِي مَجْمُوع الآخر وَمَا تبَاين فَنَضْرِب أحد الْأَعْدَاد فِي الثَّانِي فَمَا بلغ فَيضْرب فِي الثَّالِث فَمَا بلغ فَهُوَ الْمبلغ الذى يضْرب فِيهِ أصل الْمَسْأَلَة وَهَكَذَا الْقيَاس فِي الانكسار على أَربع فرق وَهُوَ الْقسم الرَّابِع ومعرفته من الْقيَاس الذى ذَكرْنَاهُ وَاضح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 الْفَصْل الثَّالِث فِي حِسَاب الخناثى وَطَرِيقه أَن تصحح الْفَرِيضَة بِتَقْدِير الْأُنُوثَة ثمَّ بِتَقْدِير الذُّكُورَة ثمَّ تطلب الْمُمَاثلَة والمداخلة والموافقة فَإِن تماثلا فيكتفي بِأَحَدِهِمَا وَإِن تداخلا فيكتفي بِالْأَكْثَرِ فَإِن توَافق فَتَردهُ مِثَاله ولدان خنثيان وَعم فالاحتمالات أَرْبَعَة أَن يَكُونَا ذكرين فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ أَو يَكُونَا أنثيين فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو يكون الْأَكْبَر ذكرا والأصغر أُنْثَى فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو بِالْعَكْسِ فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة فقد تحصلنا على اثْنَيْنِ وعَلى ثَلَاث مَرَّات فيكتفي بِوَاحِدَة وَيضْرب الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَة فَيصير سِتَّة فَيصح الْمَسْأَلَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 فَيصْرف أَرْبَعَة إِلَيْهِمَا لكل وَاحِد سَهْمَان ويتوقف فِي سَهْمَيْنِ بَينهمَا وَبَين الْعم فَإِن ظهر ذكورة وَاحِد سلمنَا وَاحِدًا من السهمين إِلَيْهِ فَإِن بَان أنوثة الثَّانِي يسلم الْبَاقِي إِلَى الْأَخ وَإِن بَان ذكورته سلم إِلَيْهِ أما إِذا كَانُوا ثَلَاثَة فيتضاعف الِاحْتِمَال بِكُل وَاحِد يزِيد فَإِن كَانَ الِاحْتِمَال فِي اثْنَيْنِ أَرْبعا فَفِي الثَّلَاثَة ثَمَانِيَة وَلَكِن لَا يخْتَلف الحكم بأَرْبعَة مِنْهَا ينشأ من الْأَصْغَر والأكبر فالاحتمالات الْمُعْتَبرَة أَرْبَعَة أَو يَكُونُوا ذُكُورا فَالْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَو يَكُونُوا إِنَاثًا فَالْمَسْأَلَة أَيْضا من ثَلَاثَة وَتَصِح من تِسْعَة أَن يكون ذكر وأنثيان فَتَصِح من أَرْبَعَة أَو أُنْثَى وذكران فَيصح من خَمْسَة فقد تحصلنا على أَرْبَعَة أعداد ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَتِسْعَة إِلَّا أَن الثَّلَاثَة دَاخِلَة فِي التِّسْعَة فنسقطها فَيبقى ثَلَاثَة أعداد فَنَضْرِب خَمْسَة فِي أَرْبَعَة فَيصير عشْرين فَنَضْرِب الْعشْرين فِي التِّسْعَة الَّتِي هى الْعدَد الثَّالِث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 فَيصير مائَة وَثَمَانِينَ فَمِنْهَا تصح الْمَسْأَلَة بِكُل تَقْدِير يفْرض وَلَو كَانَ خُنْثَى وَولد ابْن خُنْثَى وعصبة فالأحوال أَرْبَعَة أَن يَكُونَا ذكرين فَالْمَسْأَلَة من وَاحِد أَو أنثيين فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة أَو الْأَعْلَى ذكرا والأسفل أُنْثَى فَالْمَسْأَلَة من وَاحِد إِذا المَال للأعلى أَو بِالْعَكْسِ فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ فقد تحصلنا على اثْنَيْنِ وَسِتَّة وعَلى وَاحِد مرَّتَيْنِ فيكتفي بِأَحَدِهِمَا والاثنان دَاخل فِي السِّتَّة وَكَذَا الْوَاحِد فَتَصِح الْفَرِيضَة من سِتَّة يصرف إِلَى ولد الصلب النّصْف وَهُوَ ثَلَاثَة فَإِنَّهُ أضرّ أَحْوَاله فَإِن بَان ذكورته صرف إِلَيْهِ الْبَاقِي وَإِن بَان ذكورة الْأَسْفَل دون الْأَعْلَى لم نصرف إِلَيْهِ شَيْئا لاحْتِمَال أَن الْأَعْلَى ذكر وَإِن بَان أنوثة الْأَعْلَى دون الْأَسْفَل صرف إِلَى الْأَسْفَل فِي الْحَال سهم لِأَن أضرّ أَحْوَاله أَن يكون أُنْثَى فَيسْتَحق الْوَاحِد وَلَا يصرف إِلَى الْعصبَة شئ مادام يُمكن أَن يكون أَحدهمَا ذكرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الْفَصْل الرَّابِع فِي حِسَاب المناسخات وَصُورَة هَذَا الْبَاب أَن يَمُوت إِنْسَان فَلَا يقسم مِيرَاثه حَتَّى يَمُوت بعض ورثته وَرُبمَا لَا يقسم حَتَّى يَمُوت ثَالِث ورابع وخامس ومطلوب الْبَاب تَصْحِيح مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول من عدد يَنْقَسِم نصيب كل ميت مِنْهُ بعده على مَسْأَلته وَلَو أفرد مُفْرد كل مَسْأَلَة بحسابها لم يكن وافيا بمقصود الْمسَائِل فَإِن فَرْضه قسْمَة الْمسَائِل على حِسَاب وَاحِد من جِهَة أَن التَّرِكَة وَاحِدَة فِي غَرَض السُّؤَال فَالْأَصْل فِي حِسَاب الْبَاب أَن تنظر فَإِن كَانَ وَرَثَة الْمَيِّت الثَّانِي وَالثَّالِث وَمن بعدهمْ وَرَثَة الْمَيِّت الأول وَكَانَ ميراثهم من كل وَاحِد على سَبِيل فِي ميراثهم الْمَيِّت الأول وَذَلِكَ بِأَن يَكُونُوا عصبَة لكل وَاحِد مِنْهُم فاقسم مَال الْمَيِّت الأول بَين البَاقِينَ من الْمَوْتَى كَأَنَّهُ مَا خلف غَيرهم وَإِن كَانُوا ذُكُورا فبالسوية وَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثا فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ مِثَاله خلف الْمَيِّت أَربع إخْوَة وأختين ثمَّ مَاتَ أَخ ثمَّ مَاتَ أَخ آخر ثمَّ مَاتَت أُخْت وكل ذَلِك قبل قسْمَة التَّرِكَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 فينقسم المَال للْأولِ وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع على أَخَوَيْنِ وَأُخْت بَينهم على خَمْسَة أسْهم كَأَن كل وَاحِد مِنْهُم مَا خلف إِلَّا أَخَوَيْنِ وأختا فَإِن كَانَ وَرَثَة الْمَيِّت الثَّانِي يَرِثُونَ مِنْهُ خلاف ميراثهم من الأول أَو ورثوا من الثَّانِي وَلم يرثوا من الأول فصحح مَسْأَلَة كل وَاحِد من الميتين واستخرج نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول وَالنَّظَر فَإِن كَانَ نصِيبه يَصح على مَسْأَلته فقد صحت المسألتان مِمَّا صحت مِنْهُ مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول مِثَاله امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وأخوين من أم ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف ابْنا وبنتا فَإِن الْمَسْأَلَة الْمَيِّت الأول تصح من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة ولأخويها الثُّلُث سَهْمَان ثمَّ مَاتَ الزَّوْج عَن ابْن وَبنت ومسألته من ثَلَاثَة ونصيبه من الْمَرْأَة ثَلَاثَة وَهِي صَحِيحَة على مَسْأَلته فاقسم مَال الْمَيِّت الأول على سِتَّة سَهْمَان لأخويها وسهمان لِابْنِ زَوجهَا وَسَهْم لبِنْت زَوجهَا وَمَا يبْقى مِنْهُم للْعصبَةِ وَإِن كَانَ نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من مَسْأَلَة الْمَيِّت الأول لَا يَصح على مَسْأَلته فَانْظُر فَإِن لم يُوَافِقهَا بِجُزْء فَاضْرب مَسْأَلَة الْمَيِّت الثَّانِي فِي مَسْأَلَة الْمَيِّت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 الأول فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح المسألتان فَمن كَانَ لَهُ من الْمَسْأَلَة الأولى شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَمن كَانَ لَهُ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي نصيب مُوَرِثه عَن الْمَيِّت الأول ومثاله زوج وَأَخَوَانِ لأم وَوَاحِد من الْعَصَبَات ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف خمس بَنِينَ فمسألة الْمَيِّت الأول من سِتَّة وَمَسْأَلَة الْمَيِّت الثَّانِي من خَمْسَة ونصيبه من الأول ثَلَاثَة فَلَا تصح على خَمْسَة وَلَا توَافق فَتضْرب الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِي خَمْسَة فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي سِتَّة فَيبلغ ثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تصح المسألتان كَانَ لأخوين من الأول سَهْمَان فِي خَمْسَة فَيكون لَهما عشرَة وَكَانَ لبني الزَّوْج من الثَّانِيَة خَمْسَة مَضْرُوبَة فِيمَا مَاتَ عَنهُ الزَّوْج وَهُوَ ثَلَاثَة يكون لَهُم خَمْسَة عشر لكل وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثَة وَكَانَ للْعصبَةِ من الأولى سهم فِي خَمْسَة فَفِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة يكون لَهما خَمْسَة وَقد تمت الْقِسْمَة وَإِن كَانَ نصيب الْمَيِّت الثَّانِي من الْمَسْأَلَة الأولى لَا يَصح على مَسْأَلته وَلَكِن يُوَافق بِجُزْء فَاضْرب وفْق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا وفْق النَّصِيب فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَمَا بلغ فَمِنْهُ تصح المسألتان وَمن لَهُ من الْمَسْأَلَة الأولى شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَمن لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة شئ أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق نصيب مُوَرِثه من الْمَيِّت الأول مِثَاله زوج وجد وَأم وَثَلَاث إخْوَة لأَب ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف سِتَّة بَنِينَ فمسألة الْمَيِّت الأول تصح من ثَمَانِيَة عشر وَنصِيب الزَّوْج مِنْهَا تِسْعَة ومسألته من سِتَّة والتسعة لَا تصح على سِتَّة وَلَكِن يُوَافِقهَا بِالثُّلثِ فَاضْرب ثلث السِّتَّة لَا ثلث التِّسْعَة وَهُوَ اثْنَان فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي ثَمَانِيَة عشر فتبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ فَمِنْهَا تصح المسألتان للْأُم من الْمَسْأَلَة الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ وَهُوَ وفْق السِّتَّة فَيكون لَهَا سِتَّة وَكَانَ للْجدّ من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَلهُ سِتَّة وللإخوة من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَيكون لَهُم سِتَّة لكل وَاحِد مِنْهُم اثْنَان وَكَانَ لبني الزَّوْج تِسْعَة مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ فَلهم ثَمَانِيَة شعر وَلكُل وَاحِد من الْبَنِينَ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَاحِد مَضْرُوب فِي جُزْء وفْق نصيب مُوَرِثه من الْمَيِّت الأول وَهِي ثَلَاثَة فَيكون الْمبلغ ثَمَانِيَة عشر لكل وَاحِد ثَلَاثَة وعَلى هَذَا فقس إِن مَاتَ ثَالِث ورابع وخامس قبل قسْمَة مَال الْمَيِّت الأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 فصحح مَسْأَلَة كل وَاحِد مِنْهُم فَإِن كَانَ نصيب كل وَاحِد مِنْهُم يَصح على مَسْأَلته فقد صحت الْمسَائِل كلهَا مِمَّا صحت مِنْهُ الْمَسْأَلَة الأولى وَإِن لم يَصح وَلم يُوَافق فَاضْرب الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِيمَا صحت مِنْهُ المسألتان الأوليان وَإِن كَانَ فِي الثَّالِثَة وفْق فَاضْرب وفْق الْمَسْأَلَة فِيمَا صَحَّ مِنْهُ الأوليان وَهَكَذَا فافعل بالرابع وَالْخَامِس وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَمَا بلغ مِنْهُ تصح الْمسَائِل كلهَا فَإِذا أردْت الْقِسْمَة فتعرف مَا يتَحَصَّل لكل وَاحِد بعد كَثْرَة الضَّرْب وتكرره فطريقه أَن تضرب سِهَام وَرَثَة الْمَيِّت الأول فِي مسَائِل المتوفين بعده مَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة إِن لم تكن سِهَامهمْ انقسمت عَلَيْهِم وَلَا وافقها وَإِن انقسمت سِهَام بَعضهم على مَسْأَلته فَلَا تضربه فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَاضْرِبْهُ فِي بقايا الْمسَائِل وَإِن وَافَقت سِهَام بَعضهم مَسْأَلته فَاضْرِبْهُ فِي وفْق تِلْكَ الْمَسْأَلَة فَمَا بلغ فَهُوَ نصِيبه وَمن لَهُ من الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة شئ فَاضْرِبْهُ فِيمَا مَاتَ عَنهُ مُوَرِثه أَو فِي وَفقه أَعنِي وفْق النَّصِيب ثمَّ مَا بلغ فَاضْرِبْهُ فِي مسَائِل المتوفين بعده مَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة أَو فِي وفقها أَعنِي وفْق الْمَسْأَلَة إِن كَانَ من جُمْلَتهَا مَا وَافق السِّهَام فِيهِ الْمَسْأَلَة على الشَّرْط الْمَذْكُور فِي الْمَيِّت الأول فَمَا بلغ فَهُوَ نصِيبه من الْمَيِّت الأول مِثَاله امْرَأَة وَأم وَثَلَاث أَخَوَات متفرقات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 الْمَسْأَلَة من خَمْسَة عشر عائلا مَاتَت الْأُم وخلفت زوجا وَعَما وبنتين وهما الْأخْتَان من الْأَخَوَات المتفرقة فِي الْمَسْأَلَة الأولى ومسألتها من اثْنَي عشر وَفِي يَدهَا سَهْمَان وَافق مسألتها بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْهُ نصف مسألتها وَهِي سِتَّة فِي الْمَسْأَلَة الأولى تكون تسعين ثمَّ مَاتَت الْأُخْت من الْأَب وخلفت زوجا وَأما وبنتا وأختا لأَب هى وَاحِدَة الْأَخَوَات فِي أصل الْمَسْأَلَة ومسألتها من اثْنَي عشر وَلها من الْمَسْأَلَة سَهْمَان مضروبان فِي وفْق الثَّانِيَة وَهِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر وَذَلِكَ منقسم على مسألتها فَصحت الْمسَائِل الثَّلَاثَة من تسعين للْمَرْأَة من الأولى ثَلَاثَة مَضْرُوبَة فِي سِتَّة يكون ثَمَانِيَة عشر وَللْأُخْت للْأُم من الأولى سَهْمَان فِي سِتَّة يكون اثْنَي عشر وَلها أَيْضا من الثَّانِيَة أَرْبَعَة فِي وَاحِد فَجَمِيع مَا لَهَا سِتَّة عشر وَللْأُخْت من الْأَب وَالأُم من الأولى سِتَّة فِي سِتَّة وَمن الثَّانِيَة أَرْبَعَة فِي وَاحِد وَوَاحِد وَهُوَ مَا يخرج من قسمته من سِهَام الثَّالِث على مسألتها فَجَمِيع مَالهَا وَاحِد وَأَرْبَعُونَ ولزوج الثَّانِيَة ثَلَاثَة فِي وَاحِد ولعمها سهم فِي وَاحِد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 ولزوج الثَّالِثَة ثَلَاثَة فِي وَاحِد ولبنتها سِتَّة فِي وَاحِد ولأمها سَهْمَان فِي وَاحِد مِثَال آخر امْرَأَة وَابْن وَبنت وَأَخ من أَب فَمَاتَ الابْن وَخلف من خلف أَبوهُ وهم أمه وَأُخْته وَعَمه ثمَّ مَاتَت الْبِنْت وخلفت زوجا وبنتا وَمن خلفت ثمَّ مَاتَت الْمَرْأَة وخلفت زوجا وأخا فالمسائل الْأَرْبَعَة كلهَا تصح من مائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين على مَا ذكرنَا فِي مراسم الْحساب فَلَا نطول بتفصيله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 الْفَصْل الْخَامِس فِي قسْمَة التركات ومضمون هَذَا الْبَاب قسْمَة التركات إِذا كَانَت التَّرِكَة مقدرَة بكيل أَو وزن فَإِن لم تكن التَّرِكَة كَذَلِك فَمَا نحاوله فِي الْبَاب يجْرِي فِي تَقْدِيره قيمَة التَّرِكَة وَهَذَا الْبَاب كثير الْفَائِدَة وَكَأَنَّهُ ثَمَرَة الْحساب فِي الْفَرَائِض فَإِن الْمُفْتِي قد يصحح الْمَسْأَلَة من الْألف والتركة مِقْدَار نزر فَكيف يُفِيد كَلَامه بَيَانا وَنحن نذْكر مثالين أَحدهمَا أَن لَا يكون فِي التَّرِكَة المخلفة كسر وَالثَّانِي أَن يكون فِيهَا كسر فَإِن لم يكن فِيهَا كسر فَالْوَجْه أَن تبين سِهَام الْفَرِيضَة أَولا وتعرف الْعدَد الذى مِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة كَمَا تمهد ذَلِك فِيمَا سبق ثمَّ تنظر إِلَى التَّرِكَة وَتَأْخُذ سِهَام كل وَاحِد من الْوَرَثَة من جملَة الْعدَد الذى صحت الْمَسْأَلَة مِنْهُ وتضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ قسم على الْعدَد الذى تصح مِنْهُ الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فَهُوَ نصيب ذَلِك الْوَارِث وَلَا فرق بَين أَن يكون فِي الْمَسْأَلَة عول وَبَين أَن لَا يكون فِيمَا عول مِثَال ذَلِك أَربع زَوْجَات وَثَلَاث جدات وست أَخَوان لأَب والتركة خَمْسَة وَسِتُّونَ دِينَارا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 أصل الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر وَتَصِح من مائَة وَسِتَّة وَخمسين فَنَقُول حِصَّة كل زَوْجَة من الْعدَد الذى صحت فِيهِ الْمَسْأَلَة مِنْهُ تِسْعَة فَاضْرب تِسْعَة فِي التَّرِكَة وَهِي خَمْسَة وَسِتُّونَ فَبلغ خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَثَمَانِينَ فنقسمهما على الأَصْل الذى مِنْهُ تصح الْمَسْأَلَة وَهُوَ مائَة وَسِتَّة وَخَمْسُونَ فَيخرج ثَلَاثَة دَنَانِير وَثَلَاثَة أَربَاع دِينَار فَهُوَ نصيب كل وَاحِدَة من الزَّوْجَات من جملَة التَّرِكَة وَنصِيب كل جدة من الأَصْل ثَمَانِيَة فاضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ فاقسمها على الأَصْل فَيخرج لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاثَة دَنَانِير وَثلث فَهُوَ نصيب كل جدة فَكَانَ لكل أُخْت من الأَصْل سِتَّة عشر فاضربها فِي التَّرِكَة فَمَا بلغ فاقسمها على الأَصْل فَيخرج لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِتَّة دَنَانِير وَثُلُثَانِ وَهَذِه الطَّرِيقَة كَافِيَة فِي الْبَاب هَذَا إِذا لم يكن فِي التَّرِكَة كسر فَأَما إِذا كَانَ فِيهَا كسر فنبسط التَّرِكَة حَتَّى تصير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 من جنس كسرهَا وَذَلِكَ بِأَن تضرب الصَّحِيح فِي مخرج كَسره وتزيد عَلَيْهِ كَسره فَمَا بلغ فَكَأَنَّهُ هُوَ التَّرِكَة صحاحا فَيقسم كَمَا بَيناهُ فِيمَا تقدم فَمَا خرج لكل وَاحِد مِنْهُم من الْقِسْمَة وَالضَّرْب نقسمهُ على مخرج ذَلِك الْكسر الذى جَعَلْنَاهُ الْكل من جنسه فَمَا خرج فَهُوَ نصِيبه مِثَاله فِي الصُّورَة الَّتِى ذَكرنَاهَا كَانَت التَّرِكَة خَمْسَة وَسِتِّينَ دِينَارا وَثلثا فابسطها أَثلَاثًا تكون مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين دِينَارا فَكَأَن التَّرِكَة مائَة وَسِتَّة وَتسْعُونَ دِينَارا فاقسمها بَين أَربع زَوْجَات وَثَلَاث جدات وست أَخَوَات فَمَا خرج لكل وَاحِد من الْوَرَثَة من الْعدَد الْمَبْسُوط فاقسمه على ثَلَاثَة فَمَا خرج نَصِيبا للْوَاحِد فَهُوَ نصيب الْوَاحِد من الْجِنْس الذى تُرِيدُ وَقد أَكثر الْأَصْحَاب فِي ذكر الطّرق فِيهِ وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 = كتاب الْوَصَايَا= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 الْوَصِيَّة عبارَة عَن التَّبَرُّع بِجُزْء من المَال مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت وَقد كَانَت وَاجِبَة فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ بِآيَة الْمَوَارِيث وَهِي الْآن جَائِزَة فِي الثُّلُث لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد سَعْدا وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ أوصِي بِجَمِيعِ مَالِي فَقَالَ لَا فَقَالَ بالشطر فَقَالَ لَا فَقَالَ بِالثُّلثِ فَقَالَ النَّاس وَالثلث كثير لِأَن تدع وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ وُجُوه النَّاس فَأفَاد الحَدِيث الْمَنْع مَعَ الزِّيَادَة واستحباب النُّقْصَان من الثُّلُث إِن كَانَت الْوَرَثَة فُقَرَاء ثمَّ الأحب فِي الصَّدقَات التَّعْجِيل فِي الْحَيَاة ثمَّ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن أفضل الصَّدَقَة فَقَالَ أَن تَتَصَدَّق وَأَنت صَحِيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 شحيح تَأمل الْغنى وتخشى الْفقر وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا فَإِن اخْتَار الْوَصِيَّة فَالْأولى الْمُبَادرَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حق امْرِئ مُسلم عِنْده شئ يُوصي فِيهِ أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده هَذَا تمهيد الْكتاب ومقاصده تحصرها أَبْوَاب أَرْبَعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول الْمُوصي وَالْوَصِيَّة تصح من كل مُكَلّف حر لِأَنَّهُ تبرع فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا مَا يعْتَبر فِي التَّبَرُّعَات فَلَا تصح من الْمَجْنُون وَالصَّغِير الذى لَا يُمَيّز وَتَصِح من السَّفِيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِسَبَب التبذير لِأَن عِبَارَته نَافِذَة فِي الطَّلَاق والأقارير وَفِي وَصِيَّة الصَّبِي وتدبيره قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ صِحَّته لِأَنَّهُ تصرف لَا يضر بِهِ فِي الْحَال والمآل وَلها شبه بالقربات وَالثَّانِي لَا يَصح لفساد عِبَارَته وَلذَلِك بَطل بَيْعه وَإِن وَافق الْعَطِيَّة وَالْوَصِيَّة تمْلِيك فشبهه بالتصرفات أَكثر وَفِي طَريقَة الْعرَاق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي المبذر أَيْضا أما الرَّقِيق فَكيف يوصى وَلَا مَال لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 وَلَكِن لَو أوصى ثمَّ عتق وتمول فَالْأَظْهر أَنه لَا ينفذ إِذْ لم يكن أَهلا لَهُ حَالَة العقد وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ إِذْ كَانَت عِبَارَته صَحِيحَة وَقد تيَسّر الْوَفَاء بهَا عِنْد الْحَاجة أما الْكَافِر فَيصح وَصيته كَالْمُسلمِ وَلَكِن لَو أوصى بِمَا هُوَ مَعْصِيّة عندنَا كبناء الْكَنَائِس البيع أَو الْخمر وَالْخِنْزِير لإِنْسَان وَرفع الْبناء رددناها عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو أوصى بعمارة قُبُور أَنْبِيَائهمْ نفذناه لِأَن كل قبر يزار فعمارته إحْيَاء زيارته وَيجوز ذَلِك فِي قُبُور مَشَايِخ الْإِسْلَام أَيْضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصى لَهُ وَالنَّظَر فِي العَبْد وَالدَّابَّة وَالْحَرْبِيّ وَالْقَاتِل وَالْحمل وَالْوَارِث أما العَبْد فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيحَة فَإِن كَانَ حرا حَال الْقبُول ملك وَإِن كَانَ رَقِيقا انْصَرف إِلَى سَيّده وَفِي افتقار قبُوله إِلَى إِذن السَّيِّد خلاف كَمَا فِي اتهابه فَإِن قُلْنَا يعْتَبر رِضَاهُ فَلَو قبله السَّيِّد بِنَفسِهِ فَفِيهِ خلاف وَوجه الْمَنْع أَن اللَّفْظ تعلق بِالْعَبدِ فَلَا يَنْتَظِم قبُول غَيره فرعان أَحدهمَا أوصى لعبد وَارثه فَإِن عتق قبل مَوته صَحَّ قبُوله وَإِن كَانَ رَقِيقا لم يَصح لِأَنَّهُ يصير ذَرِيعَة إِلَى الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث وَإِن عتق بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَقُلْنَا إِنَّه يملك الْوَصِيَّة بِالْقبُولِ صَحَّ وَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ فَلَا وَكَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث قد بَاعه من أَجْنَبِي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول يخرج عَلَيْهِ هَذَا مَا يظْهر لي فِي الْقيَاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 وَأطلق الْأَصْحَاب القَوْل بِأَن الْوَصِيَّة لعبد الْوَارِث بَاطِلَة من غير هَذَا التَّفْصِيل لِأَن وَصِيَّة لوَارث الثَّانِي إِذا أوصى لأم وَلَده جَازَ لِأَنَّهَا حرَّة بعد مَوته وَكَذَا إِن أوصى لمدبره إِن عتق من الثُّلُث وَإِلَّا فَهُوَ وَصِيَّة لعبد الْوَارِث فَلَا يَصح وَإِن أوصى لمكاتبة صَحَّ إِذْ يتَصَوَّر مِنْهُ الِاسْتِقْلَال بِالْملكِ وَكَذَا الْوَصِيَّة لمكاتب الْوَارِث إِلَّا إِذا رق الْمكَاتب فترجع الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث فَيبْطل أما الدَّابَّة فَإِذا أوصى لَهَا ثمَّ فسر بِإِرَادَة التَّمْلِيك فَهِيَ بَاطِلَة وَكَذَا إِن أطلق لِأَن الْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّمْلِيك وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك للدابة بِخِلَاف العَبْد فَإِنَّهُ أهل لأسباب الْملك وَإِن لم يسْتَقرّ عَلَيْهِ الْملك وَإِن قَالَ أردْت صرفه فِي عَلفهَا فَصَحِيح وَهل يفْتَقر إِلَى قبُول الْمَالِك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يفْتَقر وَهُوَ اخْتِيَار أبي زيد الْمروزِي وَكَأَنَّهَا وَصِيَّة للدابة وَلكُل كبد حرى أجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا بُد من الْقبُول إِذْ يبعد أَن يُوقف على عبيد الْإِنْسَان ودوابه دون رِضَاهُ فَإِن قُلْنَا لَا بُد من الْقبُول فَإِذا قبل فَهَل يسلم إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن على الْمَالِك صرفه إِلَى الدَّابَّة وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَكَأَنَّهُ جعل الدَّابَّة كَالْعَبْدِ وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن على الْوَصِيّ صرفه إِلَى دَابَّته فَإِن لم يكن وَصِيّ فَالْقَاضِي يصرف أَو يُكَلف الْمَالِك بعد قبُوله ذَلِك فرعان أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ خُذ هَذَا الثَّوْب وكفن فِيهِ مورثك قَالَ الْقفال للْوَارِث إِبْدَاله تَفْرِيعا على أَن الْكَفَن للْمَالِك وَالْإِضَافَة إِلَى الْمُورث تمْلِيك لَهُ وَهَذَا أبعد مِمَّا ذكره فِي الدَّابَّة وَذَلِكَ أَيْضا بعيد بل الصَّحِيح هَاهُنَا أَن هَذِه عَارِية فِي حق الْمَيِّت الثَّانِي لَو قَالَ وقفت على الْمَسْجِد أَو أوصيت لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ أردْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 تمْلِيك الْمَسْجِد فَبَاطِل وَإِن قَالَ أردْت صرفه إِلَى مصْلحَته فَصَحِيح وَإِن أطلق قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هُوَ بَاطِل لِأَن الْمَسْجِد لَا يملك كالبهيمة وَهَذَا فِي الْمَسْجِد بعيد لِأَن الْعرف ينزل الْمُطلق على صرف الْمَنَافِع إِلَى مصْلحَته أما الْحَرْبِيّ فَتَصِح الْوَصِيَّة لَهُ كَمَا يَصح البيع مِنْهُ وَالْهِبَة وَكَذَا الْمُرْتَد وَالذِّمِّيّ وَنقل صَاحب التَّلْخِيص عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بطلَان الْوَصِيَّة للحربي وَعلل بِانْقِطَاع الْمُوَالَاة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا معنى لشرط الْمُوَالَاة فِي الْوَصِيَّة وَإِن روعيت فِي الْإِرْث وَلَو أوصى الْمُسلم أَو الذِّمِّيّ لسلاح أهل الْحَرْب أَو الْبيعَة أَو للكنيسة فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهَا مَعْصِيّة بِخِلَاف الْوَصِيَّة لحربي معِين فَإِن الْهِبَة مِنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَة أما الْقَاتِل فَفِي الْوَصِيَّة لَهُ ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الْإِرْث فَإِنَّهُ لما عصى بالتوصل إِلَى السَّبَب عُوقِبَ بنقيض قَصده وَقطع عَنهُ ثَمَرَته وَالْوَصِيَّة أَيْضا ثَمَرَة الْمَوْت وَالثَّانِي الصِّحَّة لَان السَّبَب هُوَ التَّمْلِيك دون الْمَوْت وَهُوَ اخْتِيَار من جِهَته فَأشبه الْمُسْتَوْلدَة إِذا قتلت سَيِّدهَا ومستحق الدّين إِذا قتل من عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهَا تعْتق إِذْ عتقهَا بِاخْتِيَار الِاسْتِيلَاد وَالثَّالِث أَنه إِن أوصى أَولا ثمَّ قتل انْقَطَعت الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ استعجال وَإِن خرج ثمَّ أوصى لَهُ جَازَ أما الْمُدبر إِذا قتل سَيّده فَإِن قُلْنَا التَّدْبِير وَصِيَّة فَيخرج على الْأَقْوَال وَإِن قُلْنَا إِنَّه تَعْلِيق عتق نصفه فتشبيهه بالمستولدة أولى فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل بَاطِل فَهَل تنفذ بِإِجَازَة الْوَرَثَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي إجَازَة الْوَصِيَّة للْوَرَثَة وَلَو أوصى لعبد الْقَاتِل كَانَ كَمَا لَو أوصى لعبد الْوَارِث وَلَو أوصى لعبد وَهُوَ قَاتل صَحَّ لِأَن مصب الْملك غَيره أما الْحمل فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيح بِشَرْطَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 أَحدهمَا أَن ينْفَصل حَيا فَلَو انْفَصل مَيتا وَلَو بِجِنَايَة جَان فَلَا يسْتَحق إِذْ كُنَّا نُعْطِيه حكم الْأَحْيَاء لتوقع مصيره إِلَى الْحَيَاة الثَّانِي أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة وَذَلِكَ بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْوَصِيَّة فَإِن انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين فَلم يسْتَحق وَإِن كَانَ لما بَينهمَا نظر إِن كَانَ للْمَرْأَة زوج يَغْشَاهَا لم يسْتَحق لِأَن الطريان ظَاهر وَإِن لم يكن زوج فَوَجْهَانِ وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَن تَقْدِير الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ بعيد وَالزِّنَا فَلَا نقدره تحسنا للظن بِالْمُسلمِ أما إِذا صرح بِالْوَصِيَّةِ بِحمْل سَيكون فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلق للاستحقاق فِي الْحَال وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِحمْل سَيكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجوز كَالْوَصِيَّةِ بِالْحملِ المنتظر ويتأيد بِجَوَاز الْوَقْف على ولد الْوَلَد أما الْوَارِث فَالْوَصِيَّة لَهُ بَاطِلَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث ونعني بِهِ إِذا رده بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِن أَجَازُوا وَقُلْنَا إجَازَة الْوَرَثَة تَنْفِيذ لَا ابْتِدَاء عَطِيَّة فَفِي صِحَة هَذِه الْوَصِيَّة بِالْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل قَولَانِ أَحدهمَا لَا للنَّهْي الْمُطلق وَالثَّانِي ينفذ وَالنَّهْي منزل على خلاف مُرَاد الْوَرَثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وروى ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تجوز لوَارث وَصِيَّة إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة فروع سِتَّة الأول إِذا أوصى لكل وَاحِد بِمِقْدَار حِصَّته فَهُوَ لَغْو لَا فَائِدَة لَا فَأَما إِذا خصصه بِعَين على مِقْدَار حِصَّته فَفِي الْحَاجة إِلَى الْإِجَازَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا وَصِيَّة بِزِيَادَة مَال وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يحْتَاج لِأَن فِي أَعْيَان الْأَمْوَال أغراضا وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِأَن تبَاع دَاره من إِنْسَان تنفذ عندنَا وَصيته خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّانِي إِذا وقف على كل وَاحِد قدر حِصَّته فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْوَارِث أصلا بَاطِل وَلَا يتأثر بِالْإِجَازَةِ فَأصل الْوَقْف بَاطِل وَإِن قُلْنَا ينفذ بِالْإِجَازَةِ فَلهُ أَن يرد بِقدر الزَّائِد على الثُّلُث وَلَيْسَ لَهُ إبِْطَال الثُّلُث فَإِنَّهُ لم يخصص بعض الْوَرَثَة بِهِ وَمن وقف عَلَيْهِ لَا يُمكنهُ أَن يرد نصيب نَفسه فَيَقُول خصصني فَإِن التَّخْصِيص يَسْتَدْعِي تعددا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 وَيظْهر فهم هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فليقس عَلَيْهِ الْعدَد أَيْضا الثَّالِث إِذا أوصى بِالثُّلثِ لأَجْنَبِيّ ووارث فَرد مَا للْوَارِث فللأجنبي سدس المَال لِأَنَّهُ أوصى لَهما على صِيغَة التَّشْرِيك بِخِلَاف مَا إِذا أوصى للْوَارِث بِالثُّلثِ ثمَّ أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ إِن رد مَا للْوَارِث سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ فِي الصُّورَتَيْنِ الرَّابِع أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ وَلكُل وَاحِد من ابنيه بِالثُّلثِ فَرد مَا لِابْنِهِ سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا مدْخل لإجازة الْوَرَثَة فِي قدر الثُّلُث وَعَن الْقفال وَجه أَنه يسلم للْأَجْنَبِيّ ثلث الثُّلُث لِأَن ثلثه شَائِع فِي الأثلاث وَهُوَ مزيف الْخَامِس لَو أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ ولبعض الْوَرَثَة بِالْكُلِّ وأجبزت الْوَصَايَا فللأجنبي الثُّلُث كَامِلا لَا يزاحمه الْوَارِث وَالثُّلُثَانِ للْوَارِث الْمُوصى بِهِ هَكَذَا حُكيَ عَن ابْن سُرَيج وَلَا يبعد أَن يُقَال إِن الْوَارِث يزاحم فِي الثُّلُث بِكَوْنِهِ موصى لَهُ لَا بِكَوْنِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 وَارِثا كَمَا لَو أوصى لأَجْنَبِيّ بِالْكُلِّ ولأجنبي آخر بِالثُّلثِ إِذْ لَا يسلم الثُّلُث لصَاحب الثُّلُث بل يزاحمه فِيهِ السَّادِس أوصى لأَجْنَبِيّ بِالنِّصْفِ ولأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز الْكل سُئِلَ الْقفال عَنهُ ببخارى فَأجَاب بِأَن الْأَجْنَبِيّ يفوز بِالنِّصْفِ وَالِابْن بِالنِّصْفِ فَنقل لَهُ عَن ابْن سُرَيج أَن للْأَجْنَبِيّ النّصْف وللابن الْمُوصى لَهُ ربعا وسدسا يبْقى نصف سدس للِابْن الذى لَيْسَ بموصى لَهُ قَالَ الْقفال فتأملت حَتَّى خرجت وَجهه بِالْبِنَاءِ على الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَة وَهِي أَنه لَو أوصى لأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز شاطر فِي النّصْف الثَّانِي لِأَنَّهُ التَّرِكَة وَلَو أوصى لَهُ بالثلثين فَهَل يشاطر فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالصورة الأولى لِأَن مَا أَخذ بِالْوَصِيَّةِ كَأَنَّهُ لم يكن والتركة هُوَ الْبَاقِي فَكَانَ كَمَا لَو أوصى بالثلثين لأَجْنَبِيّ وأجيز وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَفْهُوم من الْوَصِيَّة لَهُ بالثلثين التَّخْصِيص لَهُ بالسدس الزَّائِد على النّصْف الذى هُوَ قدر حَقه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تنازعوه فِي ثُلثي الدَّار ليَكُون لَهُ النّصْف بِالْإِرْثِ وَالْبَاقِي بِالْوَصِيَّةِ فعلى هَذَا يَسْتَقِيم مَذْهَب ابْن سُرَيج فَإِن الْأَجْنَبِيّ الْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ سلم لَهُ الثُّلُث من رَأس المَال من غير حَاجَة إِلَى إجَازَة بَقِي الثُّلُثَانِ التوريث يَقْتَضِي للِابْن الْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَقد أوصى لَهُ بِالنِّصْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 فخصص بمزيد فَانْقَطع حَقه عَن السُّدس الْبَاقِي وَبَقِي السُّدس خَالِصا للِابْن الذى لم يوص لَهُ إِلَّا أَن الْأَجْنَبِيّ بعد يطْلب سدسا وَقد أجازاه فَيكون نصيب الابْن الذى لم يوص لَهُ فِي ذَلِك إجَازَة نصف السُّدس فَيَأْخُذ مِنْهُ نصف سدسه من هَذَا السُّدس وَيبقى لَهُ نصف سدس وَيَأْخُذ النّصْف الآخر من نصيب الابْن الْمُوصى لَهُ فيكمل لَهُ النّصْف وَينْقص نصيب الْمُوصى لَهُ بِنصْف سدس وَإِن فرعنا على أَنه يشاطر الْمُوصى لَهُ فِي الْبَاقِي فالباقي سدس مُشْتَرك بَين الِابْنَيْنِ وَقد أجازاه للْأَجْنَبِيّ فَيصح مِنْهُ جَوَاب الْقفال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُوصى بِهِ وَلَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون مَالا فَيصح الْوَصِيَّة بالزبل وَالْكَلب وَالْخمر الْمُحرمَة وَلَا كَونه مَعْلُوما فَيصح الْوَصِيَّة بِالْمَجْهُولِ وَلَا كَونه مَقْدُورًا على تَسْلِيمه فَيصح الْوَصِيَّة بالآبق وَالْمَغْصُوب وَالْحمل وَهُوَ مَجْهُول وَغير مَقْدُور عَلَيْهِ وَلَا كَونه معينا فَتَصِح الْوَصِيَّة بِأحد الْعَبْدَيْنِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يَصح الْوَصِيَّة لأحد الشخصين فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِي الْمُوصى لَهُ وَإِن احْتمل فِي الْمُوصى بِهِ وَقد ذَكرْنَاهُ نَظِيره فِي الْوَقْف نعم يشْتَرط أَرْبَعَة أُمُور الأول أَن يكون مَوْجُودا فَإِن كَانَ مفقودا كالمنافع جَازَت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا كالموجود شرعا فِي الْمُعَاوضَة وَفِي الْوَصِيَّة بِالْحملِ الذى سيوجد وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا مُتَعَلق للْوَصِيَّة فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ للْحَمْل الذى سَيكون فَإِنَّهُ مَمْنُوع على الْأَظْهر وَالثَّانِي الْجَوَاز كَمَا فِي الْمَنَافِع وَفِي الثِّمَار الذى ستحدث طَرِيقَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 مِنْهُم من ألحق بالمنافع لتكرر وجودهَا فِي الْعَادة وَمِنْهُم من ألحقها بِالْحملِ الثَّانِي أَن يكون مَخْصُوصًا بالموصي فَلَو أوصى بِمَال الْغَيْر فسد وَإِن ملكه بعد ذَلِك لبُطْلَان الْإِضَافَة فِي الْحَال الثَّالِث أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ فَلَا تجوز الْوَصِيَّة بالكلب الذى لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا بِالْخمرِ الْمُسْتَحقَّة الإراقة الَّتِى اتَّخذت للخمرية وَتَصِح الْوَصِيَّة بالجرو إِذْ مصيره إِلَى الِانْتِفَاع وَفِي هبة الْكَلْب وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْوَصِيَّةِ وَكَأن الْمحرم أَخذ ثمنه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَلْب خَبِيث وخبيث ثمنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الْوَصِيَّة فِي حكم خِلَافه يضاهى الْإِرْث بِخِلَاف الْهِبَة نعم يجرى الْإِرْث فِي حد الْقَذْف وَالْقصاص دون الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع الْمُوصى لَهُ بِهِ فروع الأول من لَا كلب لَهُ إِذا أوصى بكلب لَا يَصح لأَنا نحتاج إِلَى شِرَائِهِ وَهُوَ غير مُمكن وَإِن كَانَ لَهُ كلاب فَفِي كَيْفيَّة خُرُوجه من الثُّلُث خلاف قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن ملك شَيْئا آخر وَلَو دانقا يَصح الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ خير من كل الْكلاب إِذْ لَا قيمَة للكلب وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا ينفذ إِلَّا فِي ثلث الْكلاب وَكَأَنَّهُ كل مَاله إِذْ لَا يُمكن نسبته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 إِلَى سَائِر الْأَمْوَال ثمَّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا كلاب وَأوصى بالكلب فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ينظر إِلَى الْعدَد فَإِن ملك ثَلَاثَة كلاب نفذت وَصيته بِوَاحِدَة وَمِنْهُم من قدر قيمَة الْكَلْب وَمِنْه من قدر الثُّلُث بِتَقْدِير الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ منتفع بِهِ وَإِذا كَانَ لَهُ خمر وكلب وطبل لَهو فأوصى بِوَاحِد فَلَا يُمكن إِلَّا تَقْدِير الْقيمَة إِذْ لَا مُنَاسبَة فِي الْعدَد وَالْمَنْفَعَة الثَّانِي إِذا أوصى بطبل لَهو وَكَانَ يصلح للحرب بِأَدْنَى تَغْيِير مَعَ بَقَاء اسْم الطبل صحت الْوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 وَلَو كَانَ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا برضاضه لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يقْصد مِنْهُ الرضاض إِلَّا إِذا كَانَ من ذهب أَو عود أَو شئ نَفِيس فَيصح لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَلَو قَالَ أوصيت برضاض هَذَا الطبل صَحَّ وَتَقْدِيره أَنه لَهُ بعد الْكسر وَالْوَصِيَّة تقبل التَّعْلِيق بِخِلَاف البيع الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يكون الْمُوصى بِهِ زَائِدا على الثُّلُث لقصة سعد فَإِن زَاد على الثُّلُث وَلم يكن لَهُ وَارِث فَالْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الزِّيَادَة للْمُسلمين وَلَا مجيز لَهُ نعم لَو رأى القَاضِي مصلحَة فِي تِلْكَ الْجِهَة جَازَ لَهُ تقريرها فِيهَا وَإِن كَانَ لَهُ وَارِث فَفِي بطلَان الْوَصِيَّة من أَصْلهَا قَولَانِ كَمَا فِي أصل الْوَصِيَّة للْوَارِث فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بَاطِلَة فالإجازة إِن فرضت فَهِيَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر إِلَى الْقَبْض وَالْقَبُول وَهل ينفذ بِلَفْظ الْإِجَازَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يَنْبَنِي على تَقْرِير مَا سبق وَلَا ثبات لما سبق وَالثَّانِي أَنه يَصح وَمَعْنَاهُ تَقْرِير مَقْصُود مَا سبق بِإِثْبَات مثله وعَلى هَذَا إِذا كَانَ الْوَصِيَّة عتقا كَانَ الْوَلَاء للْوَارِث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا صَحِيحَة فالإجازة يتَقَيَّد وَالْوَلَاء للمورث وكل تبرع منجز فِي مرض الْمَوْت فَهُوَ أَيْضا مَحْسُوب من الثُّلُث وَكَذَا إِذا وهب فِي الصِّحَّة وَلَكِن أَقبض فِي الْمَرَض وَهَذَا يَسْتَدْعِي بَيَان ثَلَاثَة أُمُور الأول مرض الْمَوْت وَهُوَ كل مرض مخوف يستعد الْإِنْسَان بِسَبَبِهِ لما بعد الْمَوْت كالطاعون والقولنج وَذَات الْجنب والرعاف الدَّائِم والإسهال الْمُتَوَاتر وَقيام الدَّم والسل فِي انتهائه والفالج الْحَادِث فِي ابْتِدَائه والحمى المطبقة لِأَن هَذِه الْأَمْرَاض يظْهر مَعهَا خوف الْمَوْت أما السل فِي ابْتِدَائه والفالج فِي انتهائه والجرب ووجع الضرس والصداع الْيَسِير وَحمى يَوْم ويومين فَكل ذَلِك لَيْسَ بمخوف فَإِذا هجم الْمَرَض الْمخوف حجرنا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف فِيمَا يزِيد على الثُّلُث وتوقفنا فِي تبرعاته فَإِن زَالَ نفذناه وتبينا صِحَّته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وَإِن كَانَ غير مخوف كوجع الضرس وَآخر الفالج فالتصرف نَافِذ وَإِن مَاتَ عِنْد ذَلِك فَجْأَة أَو بسب آخر لَا بذلك السَّبَب فَلَا يمْتَنع بِهِ التَّبَرُّعَات المنجزة فَأَما حمى يَوْم ويومين وإسهال يَوْم ويومين فَهُوَ إِذا دَامَ صَار مخوفا وابتداؤه مُشكل فَلَا يحْجر عَلَيْهِ فَإِن دَامَ وَمَات تَبينا فَسَاد التَّصَرُّف إِذْ بَان أَن الأول كَانَ مخوفا وَمَا أشكل من ذَلِك يتعرف من طبيبين مُسلمين لَا من أهل الذِّمَّة فَأَما إِذا كَانَ فِي الصَّفّ وَقد التحم الْفَرِيقَانِ أَو كَانَ فِي الْبَحْر وَقد تموج أَو فِي أسر كفار عَادَتهم قتل الْأُسَارَى أَو قدم للْقَتْل فِي قطع الطَّرِيق أَو الرَّجْم للزِّنَا أَو ظهر الطَّاعُون فِي بلد وَلَكِن بعد لم يظْهر فِي بدنه شئ فَفِي تبرعه فِي هَذِه الْأَحْوَال قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كَالْمَرِيضِ الْمخوف لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر فِي الاستعداد لما بعد الْمَوْت وَالثَّانِي أَنه كَالصَّحِيحِ إِذْ لَا يمس بدنه شئ وَلَا ضبط لما قبل تغير الْبدن للأسباب أما إِذا قدم للْقصَاص فالمنصوص أَنه لَا تعْتَبر عطيته من الثُّلُث مَا لم يخرج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي هُوَ كالأسير وَقع فِي يَد قوم عَادَتهم الْقَتْل وَفهم من فرق بِأَن الْمُسلم الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَالْعَفو فِي الْقصاص وَأما الْحَامِل فَلَيْسَ بمخوف قبل أَن يضْربهَا الطلق فَإِن ضربهَا الطلق فَهُوَ مخوف وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن السَّلامَة مِنْهُ أَكثر الْأَمر الثَّانِي حد التَّبَرُّع وَهُوَ إِزَالَة الْملك عَن مَال مجَّانا من غير وجوب فالعتق وَالصَّدقَات تبرع وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَة الْوَاجِبَة وَالْحج الْوَاجِب لَيْسَ بتبرع فَمَا أوصى بِهِ لَهَا فَهُوَ من رَأس المَال وَكَذَا قَضَاء الدُّيُون لِأَن ذَلِك يسْتَند إِلَى وجوب فرعان أَحدهمَا إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل نفذ وَإِن كَانَ من الْوَارِث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 وَكَذَلِكَ إِذا قضى دين بعض الْغُرَمَاء لم يكن للْبَاقِي الْمَنْع وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِيهِ وَفِي البيع من الْوَارِث أما إِذا كَانَ فِي البيع مُحَابَاة فَقدر الْمُحَابَاة حكمه حكم التَّبَرُّعَات وَكَذَلِكَ إِذا نكح امْرَأَة بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَالزِّيَادَة تبرع مَحْسُوب من الثُّلُث الثَّانِي إِذا نكحت الْمَرْأَة بِأَقَلّ من مهر الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَنَّهَا لم تنزل إِلَّا عَن الْبضْع والبضع لَيْسَ بِمَال لَو أجر عبيده ودوابه مَعَ الْمُحَابَاة فَهُوَ تبرع لِأَنَّهُ مَال وَلَو أجر نَفسه وحابى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تبرع كمنافع العبيد فَإِن منفعَته مَال وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يعد مَالا يطْمع فِيهِ الْوَارِث فَيُشبه بضع الْمَرْأَة من هَذَا الْوَجْه وَكَانَ ذَلِك يعد امتناعا عَن الِاكْتِسَاب لَا تفويتا الْأَمر الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الاحتساب من الثُّلُث وَوَجهه أَنه إِن كَانَت التَّبَرُّعَات كلهَا منجزة فِي الْمَرَض فَيقدم الأول فَالْأول فَإِن كَانَ الأول هبة وَالثَّانِي عتقا قدمت الْهِبَة لِأَنَّهُ استوفى الثُّلُث بهَا فَسقط الْعتْق بعده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إنَّهُمَا يتساويان إِذْ لهَذَا قُوَّة الْعتْق ولذاك قُوَّة التَّقَدُّم أما إِذا كَانَت مُتَسَاوِيَة فَإِن كَانَ الْكل هبة ومحاباة فتوزع عَلَيْهِم الثُّلُث على نِسْبَة أقدارها وَإِن كَانَ الْكل عتقا أَقرع بَين العبيد وَلم يوزع حذارا من التشقيص بِخِلَاف الْهِبَة وَلما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقرع بَين سِتَّة أعبد أعنقهم مَرِيض وجزاهم ثَلَاثَة أَجزَاء فأرق أَرْبعا وَأعْتق اثْنَيْنِ وَإِن اجْتمع الْهِبَة وَالْعِتْق فِي حَالَة وَاحِدَة بقول وَكيل أَو بِإِضَافَة الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَفِي تَقْدِيم الْعتْق قَولَانِ أَحدهمَا لَا للتساوي فِي وَقت الِاسْتِحْقَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعتْق يزحم ملك الْغَيْر بِالسّرَايَةِ وَفِي إِلْحَاق الْكِتَابَة بِالْعِتْقِ فِي اسْتِحْقَاق تَقْدِيمهَا على الْمُحَابَاة خلاف أما إِذا أضيف الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَلَا ينظر إِلَى مَا تقدم فِي بعض الْوَصَايَا لِأَن وَقت اللُّزُوم وَاحِد فِي الْكل وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِي تَقْدِيم الْعتْق على غَيره وَلَو أوصى بِعِتْق عبد وعلق عتق آخر على الْمَوْت فَلَا تَقْدِيم لأَحَدهمَا بِحَال فروع الأول إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ لغانم إِن أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَالثلث لَا يَفِي إِلَّا بِأَحَدِهِمَا يعْتق غَانِم وَلَا يقرع بَينهمَا إِذْ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتق دون عتق عانم وَيكون ذَلِك تحصيلا للمسبب دون السَّبَب وَهُوَ محَال أما إِذا كَانَ لَهُ سوى غَانِم عَبْدَانِ فعلق عتقهما بِعِتْق غَانِم ووفى الثُّلُث بغانم وبأحدهما عتق غَانِم وأقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق الثَّانِي إِذا ملك جَارِيَة حَامِلا ومجموع مَاله ثلثمِائة وَالْولد من الْجُمْلَة مائَة وَالأُم خَمْسُونَ فَقَالَ إِن أعتقت نصف الْحمل فالأم حرَّة ثمَّ أعتق نصف الْحمل عتق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 خَمْسُونَ وَبَقِي لنا خَمْسُونَ إِلَى تَمام الثُّلُث مردد بَين النّصْف الآخر من الْوَلَد بِالسّرَايَةِ أَو الْأُم بِالتَّعْلِيقِ فيقرع بَينهمَا فَإِن خرجت على الْوَلَد عتق كُله ورق الْأُم وَإِن خرج على الْأُم لَا يُمكن إِعْتَاق كلهَا إِذا يبْقى بعض الْوَلَد رَقِيقا مَعَ عتق كل الْأُم وَالْولد فِي حكم عُضْو من أعضائها لَا يقبل عتقه الِانْفِصَال عَن عتقهَا فَيعتق بِقدر خمسين مِنْهَا على نِسْبَة وَاحِدَة وَيحكم بِعِتْق نصف الْأُم وَهُوَ خمس وَعِشْرُونَ ليقتضي ذَلِك عتق نصف الْوَلَد وَهُوَ خَمْسُونَ وَلَكِن يخص النّصْف الْحر مِنْهُ النّصْف فَيبقى لِلنِّصْفِ الرَّقِيق النّصْف وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين فَيعتق إِذا من الْأُم نصفهَا وَمن الْوَلَد ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِالْمُبَاشرَةِ وَربع بسراية عتق الْأُم الثَّالِث إِذا أوصى بِعَبْد لإِنْسَان وَهُوَ ثلث مَاله وَثلثا مَاله غَائِب فَلَا نسلم العَبْد إِذْ المَال رُبمَا يتْلف فَيكون العَبْد كل المَال وَهل يسلم ثلث العَبْد ليتسلط عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ أقل أَحْوَاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَالثَّانِي لَا فَإِن حق الشَّرْع أَن لَا يتسلط الْمُوصى لَهُ على شئ إِلَّا ويتسلط الْوَارِث على مثلَيْهِ وَهَاهُنَا لَيْسَ يُمكن تسليط الْوَارِث على الثُّلثَيْنِ من العَبْد فَإِنَّهُ رُبمَا يسلم للْمُوصى لَهُ فَإِن استبهم خبر المَال الْغَائِب وتواطئا على إِشَاعَة الْوَصِيَّة فِي جَمِيع المَال حَتَّى يصير العَبْد مثلثا بَينهم لم يكن لَهما ذَلِك لِأَنَّهُ نقل الْوَصِيَّة من عين إِلَى غَيره وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك للْمصْلحَة وَلَو أعتق عبدا وَهُوَ ثلث مَاله أَو دبره وَثلثا مَاله غَائِب فَفِي تَنْفِيذ الْعتْق فِي ثلث العَبْد الْخلاف الذى ذَكرْنَاهُ بِعَيْنِه فِي الْوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول أما الْإِيجَاب فَقَوله أوصيت لَهُ أَو أَعْطوهُ أَو جعلت هَذَا لَهُ أَو ملكته بعد الْمَوْت وَلَو قَالَ عينت هَذَا لَهُ فكناية وَالْوَصِيَّة تَنْعَقِد بهَا عِنْد النِّيَّة فَإِنَّهُ إِذا قبل التَّعْلِيق بالإغرار فبأن يقبل الْكِنَايَة أولى وَلَو قَالَ وهبت هَذَا مِنْهُ وَنوى الْوَصِيَّة فَفِي كَونه كِنَايَة وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه صَرِيح فِي اقْتِضَاء ملك ناجز وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان ثمَّ قَالَ أردْت الْوَصِيَّة لم يقبل لِأَنَّهُ صِيغَة إِقْرَار إِلَّا أَن يَقُول هَذَا من مَالِي لفُلَان أما الْقبُول فَلَا بُد مِنْهُ وَلَكِن بعد الْمَوْت فَلَا أثر لقبوله ورده قبل موت الْمُوصى وَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول قَامَ وَارثه مقَامه لِأَنَّهُ حق التَّمَلُّك فَهُوَ بِالْإِرْثِ أولى من الشُّفْعَة وَإِن قبل الْمُوصى لَهُ ثمَّ رده قبل الْقَبْض فَفِي نُفُوذ رده وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ ملكه بِالْقبُولِ بعد الْمَوْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ ملك بِغَيْر عوض فيتطرق الرَّد إِلَيْهِ هَذَا إِذا أوصى لمعينين أما إِذا أوصى للْفُقَرَاء أَو لجِهَة عَامَّة لزم بِالْمَوْتِ إِذْ لَا يتَصَوَّر شَرط الْقبُول فِيهِ ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي وَقت حُصُول الْملك على ثَلَاثَة أَقْوَال الأول أَنه يحصل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الْمَوْت وَالثَّانِي بِالْقبُولِ إِذْ يبعد أَن يدْخل الشئ فِي ملكه قهرا وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه مَوْقُوف فَإِن قبل تبين حُصُوله بِالْمَوْتِ وَإِن رد تبين أَنه لم يحصل من أَصله فَإِن فرعنا على أَنه يحصل بِالْقبُولِ فَهُوَ قبل الْقبُول ملك الْوَارِث أَو ملك الْمَيِّت فِيهِ وَجْهَان ومنشأ التَّرَدُّد أَن فِي إِضَافَته إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا نوع اسْتِحَالَة إِذْ لَا ملك لمَيت وَلَا مِيرَاث إِلَّا بعد الْوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وَيتَفَرَّع على الْأَقْوَال مسَائِل خَمْسَة الأولى إِذا حدثت زِيَادَة قبل الْقبُول فَهِيَ للْمُوصى لَهُ على كل قَول إِن قبل الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا فرع نا على أَن الْملك يحصل بِالْقبُولِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَهُ نظرا إِلَى الْقَرار وَالثَّانِي لَا إِذْ حدث قبل قبُوله وَملكه وعَلى هَذَا إِن قُلْنَا إِن الْملك للْمَيت فتقضى مِنْهُ الدُّيُون وَإِن قُلْنَا للْوَارِث فَلَا إِذْ الصَّحِيح أَن وَثِيقَة الدّين لَا يتَعَدَّى إِلَى الزِّيَادَة كوثيقة الرَّهْن أما إِذا رد فَالزِّيَادَة من التَّرِكَة بِكُل حَال إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك يحصل بِالْمَوْتِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتبع الأَصْل فِي الرَّد وَالثَّانِي أَنه يبْقى على ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ حصل على ملكه فَهُوَ كزيادة الْمَبِيع الثَّانِيَة النَّفَقَة والمؤن وَزَكَاة الْفطر بَين الْمَوْت وَالْقَبُول على الْمُوصى لَهُ إِن قبل عل كل قَول وعَلى الْوَارِث إِن رد على كل قَول وَلَا يعود الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الزِّيَادَات وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال الْغرم فِي مُقَابلَة الْغنم وَلَكِن إِدْخَال شئ فِي الْملك قهرا أَهْون من إِلْزَام مُؤنَة قهرا فرع مهما توقف فِي الْقبُول وَالرَّدّ مَعَ الْحَاجة إِلَى النَّفَقَة كلف النَّفَقَة قهرا فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليرد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وَإِن لم يكن إِلَى النَّفَقَة حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ الْوَارِث أَن يسْتَقرّ الْأَمر مَعَه فَيُطَالب بِالْقبُولِ أَو الرَّد فَإِن توقف حكم عَلَيْهِ بِالرَّدِّ لأجل الْمصلحَة فَيُقَال إِمَّا أَن تقبل أَو نحكم عَلَيْك بِالرَّدِّ إِن توقفت الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْمُوصى بِهِ زَوْجَة الْمُوصى لَهُ فَإِن قبل انْفَسَخ النِّكَاح وَإِن رَأينَا الْوَقْف كَانَ بطرِيق التبين من وَقت الْمَوْت وَإِن رد لم يَنْفَسِخ إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْمَوْتِ فَيفْسخ وَإِن كَانَ الْملك ضَعِيفا لِأَن ملك الْيَمين يضاد ملك النِّكَاح وَإِن كَانَت زَوْجَة الْوَارِث فَإِن قبل الْمُوصى لَهُ لم يَنْفَسِخ نِكَاحه إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْقبُولِ وَأَنه قبل الْقبُول للْوَارِث فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه بَقَاء النِّكَاح ضعف الْملك مَعَ أَن الِاخْتِيَار إِلَى غَيره بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ فَإِن الِاخْتِيَار إِلَيْهِ وَإِن رد فينفسخ النِّكَاح وَهل يسْتَند إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ خلاف منشؤه ضعف ذَلِك الْملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وَلَو كَانَ الْمُوصى بِهِ قَرِيبا للْمُوصى لَهُ أَو الْوَارِث قرَابَة يعْتق بِالْملكِ فتخريجه على الْأَقْوَال كتخريج انْفِسَاخ نِكَاح الزَّوْجَة الرَّابِعَة إِذا أوصى بِأمة لزَوجهَا الْحر وَولدت قبل الْقبُول بعد الْمَوْت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عتق الْأَوْلَاد وَلم تكن أمّهم أم ولد لَهُ هَذَا نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ خطأ إِذْ لَا وَجه للْفرق بَين الْأُم وَالْولد على كل قَول أثبتنا الْملك أَو نَفينَا أَو توقفنا نعم قَالَ بعد ذَلِك وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ فَقبل الْوَارِث عتق الْأَوْلَاد وَهُوَ صَحِيح يخرج على قَوْلنَا يحصل الْملك بِالْمَوْتِ للْمُوصى لَهُ وعَلى قَول الْوَقْف أَيْضا الْخَامِسَة أوصى لَهُ بولده فَمَاتَ فَقبل وَارثه فعتقه يبْنى على أَن الْملك بِمَاذَا يحصل فَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ أَو قُلْنَا بِالْوَقْفِ تبين الْعتْق على الْمُوصى لَهُ قبل مَوته وَإِن قُلْنَا بِالْقبُولِ فَفِي قبُول الْوَارِث وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَتَرَتَّب على قبُوله كقبول الْمُورث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وَالثَّانِي أَنا نسنده إِلَى ألطف حِين قبل موت الْمُوصى لَهُ فعلى هَذَا هُوَ تَرِكَة يقْضى مِنْهُ الدُّيُون ونتبين عتقه وَإِن قُلْنَا يَتَرَتَّب على الْقبُول فَلَا يعْتق لِأَن الْمَيِّت لَا يعْتق الْقَرِيب عَلَيْهِ بِحَال إِذْ ملكه وَإِن قدر لَا قَرَار لَهُ نعم هَل تقضى الدُّيُون مِمَّا قبله الْوَارِث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يقْضى إِذْ لم يملكهُ الْمَيِّت وَإِنَّمَا ورث هَذَا حق التَّمْلِيك ابْتِدَاء وَذكر هَذَا الْوَجْه فِي الصَّيْد الْمُتَعَلّق بشبكة نصبها قبل مَوته وَلكنه أبعد فِيهِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يقْضى مِنْهُ الدُّيُون وكأنا نقدر حُصُول الْملك للْمَيت مختطفا ثمَّ نقدر انْتِقَاله إِلَى الْوَارِث تلقيا مِنْهُ التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا يعْتق الْوَلَد بِقبُول الْوَارِث فَلَا يَرث لِأَن الْقَابِل إِن كَانَ أَخا يصير محجوبا بِهِ فَيسْقط حَقه عَن الْقبُول فَيمْتَنع الْعتْق فَيُؤَدِّي توريثه إِلَى منع توريثه فَهُوَ دور فقهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 وَإِن كَانَ لَهُ ابْن آخر فشركته تمنع كَمَال حَقه فِي الْقبُول لَا يبْقى لَهُ إِلَّا قبُول النّصْف وَمن نصفه حر لَا يَرث وَلَا يُمكن أَن يقبل نصيب نَفسه لِأَن صِحَة قبُوله مَوْقُوف على توريثه وتوريثه مَوْقُوف على صِحَة قبُوله فيتمانعان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَصِيَّة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَقسَام الْقسم الأول فِي الْأَحْكَام اللفظية وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى بِهِ وَالْكَلَام فِي أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْحمل وَالْوَصِيَّة بِالْحملِ صَحِيحَة بِشَرْط أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة وَيعرف تَارِيخ ذَلِك فِي الْحَيَوَانَات من أهل الْخِبْرَة فَإِنَّهَا مُخْتَلفَة فَإِن انْفَصل حمل الْجَارِيَة مَيتا بِجِنَايَة جَان صرف الْأَرْش إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلم يتَبَيَّن فَسَاد الْوَصِيَّة بِخِلَاف مَا إِذا أوصى لحمل فانفصل مَيتا بجنابة جَان لَا يصرف إِلَى ورثته لِأَن كَونه مَالِكًا يَسْتَدْعِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَكَونه مَمْلُوكا لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا التقوم وَقد يقوم بِالْأَرْشِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 وَلَو أوصى بِجَارِيَة دون حملهَا جَازَ وَلَو أطلق الْوَصِيَّة فَفِي اندراج الْحمل تَحت مُطلق اللَّفْظ تردد فَإِن قُلْنَا ينْدَرج لم تبطل الْوَصِيَّة فِيهِ بانفصاله قبل موت الْمُوصي لِأَنَّهُ زِيَادَة فِي الْمُوصى بِهِ الطّرف الثَّانِي إِذا أوصى بطبل من طبوله وَله طبل لَهو وَحرب نزل على طبل الْحَرْب تَصْحِيحا لَهُ وَإِذا أوصى بِعُود من عيدانه وَعِنْده عود اللَّهْو وعود الْقوس وعود الْبناء فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه فَاسد لِأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا عود اللَّهْو وَالثَّانِي أَنه يعْطى عود الْبناء أَو الْقوس لِأَنَّهُ يُسمى عودا فيتكلف تَصْحِيحه كَمَا فِي الطبل أما إِذا لم يكن عِنْده إِلَّا عود الْقوس أَو الْبناء أعطي ذَلِك لِأَنَّهُ مُتَعَيّن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 الثَّالِث إِذا أوصى بقوس حمل على الْقوس الَّذِي يَرْمِي مِنْهُ النبل والنشاب دون قَوس الندف والجلاهق وَهُوَ قَوس البندق وَيدخل تَحْتَهُ الحسبان فَإِنَّهُ يرْمى مِنْهُ الناوك وَهُوَ نشاب وَهل يعْطى الْوتر مَعَ الْقوس فِيهِ وَجْهَان فَإِن قَالَ أَعْطوهُ قوسا من قسي وَلم يكن عِنْده إِلَّا قَوس ندف أعْطى لِأَنَّهُ تعين وَإِن كَانَ عِنْده قَوس ندف وحلاهق أعْطى الجلاهق لِأَنَّهُ أسبق إِلَى الْفَهم الطّرف الرَّابِع إِذا قَالَ أَعْطوهُ شَاة جَازَ أَن يدْفع إِلَيْهِ الْكَبِير وَالصَّغِير والظأن والمعز لِأَن الِاسْم شَامِل وَقَالَ الصيدلاني لَا يعْطى السخلة وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 بالصغير الْجَذعَة وَالْمَنْصُوص أَنه لَا يعْطى الْكَبْش وَمِنْهُم من قَالَ يعْطى لِأَن الشَّاة اسْم جنس كالإنسان وَالتَّاء فِيهِ لَيْسَ للتأنيث وَأَصله الشاهة وتصغيره شويهة وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بقرة لم يُعْط ثورا وَلَو قَالَ أَعْطوهُ جملا لم يُعْط نَاقَة وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بَعِيرًا فالمنصوص أَنه لَا يعْطى نَاقَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْطى لِأَن الْبَعِير كالإنسان للرِّجَال وَالنِّسَاء وَلَو قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من الْإِبِل أَو الْغنم أَو الْبَقر جَازَ الذّكر وَالْأُنْثَى فَإِن قَالَ أَعْطوهُ كَلْبا أَو حمارا لم يُعْط الكلبة والحمارة فَإِن الْأُنْثَى مُمَيزَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 فيهمَا بِالتَّاءِ وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة فالمنصوص أَنه يعْطى من الْخَيل أَو البغال أَو الْحمير وَلَا يعْطى من الْإِبِل قطعا قَالَ بعض الْأَصْحَاب أطلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك على لُغَة مغر وَفِي غَيره لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا الْفرس وَمِنْهُم من قَالَ الْوَضع الْأَصْلِيّ أولى بالمراعاة من الْعرف الْخَاص الْمُخَصّص وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة لِيُقَاتل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا الْفرس فَإِن قَالَ ليحمل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا بغلا أَو حمارا وَلَو قَالَ لينْتَفع بنسله لم يُعْط إِلَّا فرسا أَو حمارا الْخَامِس فِي العَبْد فَإِن قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من رقيقي جَازَ أَن يعْطى السَّلِيم والمعيب وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 وَإِن لم يكن عِنْد مَوته إِلَّا رَقِيق وَاحِد تعين ذَلِك الْوَاحِد فَإِن مَاتَ أرقاؤه اَوْ قَتَلُوهُ قبل مَوته انْفَسَخت الْوَصِيَّة وَإِن قتلوا بعد مَوته يُخَيّر الْوَارِث فِي صرف قيمَة وَاحِد إِلَيْهِ لِأَن حَقه المتأكد أَو ملكه مُتَعَلق بِهِ بعد مَوته فَينْتَقل إِلَى الْقيمَة فَلَو قتل كلهم إِلَّا وَاحِدًا لم يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد بل يُخَيّر الْوَارِث بَين تَسْلِيمه وَتَسْلِيم قيمَة وَاحِد وَفِيه وَجه أَنه يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد حذرا من الْعُدُول إِلَى الْقيمَة مَعَ الْإِمْكَان وَإِن قَالَ أعتقوه عني عبدا جَازَ الْمَعِيب والسليم وَفِيه وَجه أَنه ينزل على مَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لِأَن الشَّرْع عَادَة فِي الْعتْق لَا فِي الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَينزل على عرف الشَّرْع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 فَإِن أوصى أَن يعْتق عَنهُ رِقَاب فأقله ثَلَاثَة إِن وفى الثُّلُث بِهِ فَإِن لم يَفِ إِلَّا بِاثْنَيْنِ اقْتصر عَلَيْهِ فَإِن وفى بِاثْنَيْنِ وَبَعض الثَّالِث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الِاقْتِصَار على اثْنَيْنِ لِأَن الْبَعْض لَيْسَ رَقَبَة وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي الْفضل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الْمُوصي وعَلى هَذَا لَو وجدنَا نفيسين أَو خسيسين وشقصا فَأَيّهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا النفيس أولى لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لما سُئِلَ عَن أفضل الرّقاب فَقَالَ أَكْثَرهَا ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 وَالثَّانِي الزِّيَادَة فِي عدد الرَّقَبَة أولى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار وَلَو قَالَ أعتقوا عبدا من عَبِيدِي وَله خُنْثَى حكم بِكَوْنِهِ رجلا فَفِي إِعْتَاقه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن اسْم الْبعد مُطلقًا لَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَلَو قَالَ أعتقوا أحد رقيقي وَفِيهِمْ خُنْثَى مُشكل روى الرّبيع فِيمَن أوصى بِكِتَابَة أحد رَقِيقه أَنه لَا يجوز الْخُنْثَى المكشل وروى الْمُزنِيّ أَنه يجوز وَاخْتلف الْأَصْحَاب وَالْأولَى مَا قَالَه الْمُزنِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى لَهُ وَله أَطْرَاف الطّرف الأول إِذا قَالَ أعْطوا حمل فُلَانَة كَذَا فَأَتَت بولدين صرف إِلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى وَلَو خرج أَحدهمَا حَيا وَالْآخر مَيتا فَالْكل للحي وَفِيه وَجه آخر أَن لَهُ النّصْف وَنصف الْمَيِّت يعود إِلَى الْوَرَثَة وَهُوَ ضَعِيف وَلَو قَالَ إِن كَانَ حملهَا غُلَاما فَأَعْطوهُ كَذَا فَولدت غلامين لم يستحقا شَيْئا فَإِن الصِّيغَة للتوحيد فِي النكرَة وَكَذَا إِن جَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة وَلَو قَالَ إِن كَانَ فِي بَطنهَا غُلَام فَأَعْطوهُ كَذَا فَجَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة أعطي الْغُلَام وَإِن جَاءَت بغلامين فَأَيّهمَا يعْطى فِيهِ ثَلَاث أَقْوَال أَحدهَا أَنه يصرف الْوَارِث إِلَى أَيهمَا شَاءَ وَله خِيَار التَّعْيِين فَإِن رَأْيه يصلح للترجيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 وَالثَّانِي يوزع عَلَيْهِمَا لتساويهما وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف بَينهمَا إِلَى أَن يبلغَا ويصطلحا وَلَو قَالَ أوصيت لأحد هذَيْن الشخصين فَفِي صِحَّتهَا خلاف ذكرنَا نَظِيره فِي الْوَقْف فَإِن صَحَّ وَمَات قبل التَّعْيِين خرج على الْأَوْجه الثَّلَاثَة الطّرف الثَّانِي إِذا أوصى لجيرانه صرف إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا من كل جَانب لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حق الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ يَمِينا وَشمَالًا وقداما وخلفا وَلَو أوصى لقراء الْقُرْآن صرف إِلَى من يحفظ جَمِيع الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 وَهل يصرف إِلَى من يقْرَأ وَلَا يحفظ عَن ظهر الْقلب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم للْعُمُوم وَالثَّانِي لَا إِذْ الْعرف يخصص بالحفاظ وَلَو أوصى للْعُلَمَاء صرف إِلَى الْعلمَاء بعلوم الشَّرْع دون الْأَطِبَّاء والمنجمين والمعبرين والأدباء لِأَن الْعرف يخصص وَلَا يصرف إِلَى من يسمع الْأَحَادِيث فَقَط وَلَا علم لَهُ بطرق الحَدِيث وَلَو أوصى للأيتام لم يدْخل فِيهِ من لَهُ أَب وَلَا بَالغ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتم بعد الْبلُوغ وَفِي الْغَنِيّ وَجْهَان وَإِن أوصى للأرامل دخل فِيهِ من لَا زوج لَهَا من النِّسَاء وَهل يدْخل فِيهِ من لَا زَوْجَة لَهُ من الرِّجَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا للْعُرْف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وَالثَّانِي نعم للوضع إِذْ قد يُسمى الرجل أرمل قَالَ الشَّاعِر ... كل الأرامل قد قَضَت حَاجته ... فَمن لحَاجَة هَذَا الأرمل الذّكر ... وَهل يدْخل الْغَنِيّ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْيَتِيم وَلَو أوصى للشيوخ أعطي من جَاوز الْأَرْبَعين وَإِن أوصى للفتيان والشبان أعطي من جَاوز الْبلُوغ إِلَى الثَّلَاثِينَ وَإِن أوصى للصبيان والغلمان صرف إِلَى من لم يبلغ اتبَاعا للْعُرْف فِي هَذِه الْأَلْفَاظ الطّرف الثَّالِث فِيمَا إِذا أوصى للْفُقَرَاء جَازَ أَن يصرف إِلَى الْمَسَاكِين وللمساكين جَازَ أَن يصرف إِلَى الْفُقَرَاء لِأَن كلا الاسمين يُطلق على الْفَرِيقَيْنِ وَإِن قَالَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين جمع بَينهمَا وَإِن أوصى لسبيل الله فَهُوَ للغزاة أَو للرقاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 وَإِن أوصى للرقاب فَهُوَ للمكاتبين ثمَّ لَا أقل من اسْتِيعَاب ثَلَاثَة من كل نفر وَلَا يجب التَّسْوِيَة بَين الثَّلَاثَة وَلَو أوصى لثَلَاثَة معنين يجب التسويه بَينهم وَلَو أوصى لزيد وللفقراء قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَنه كأحدهم فَمنهمْ من قَالَ مَعْنَاهُ أَنه لَو أعْطى خَمْسَة من الْمَسَاكِين فيعطيه السُّدس أَو أعْطى سِتَّة فيعطيه السَّبع ليَكُون كأحدهم وَمِنْهُم من قَالَ يَكْفِيهِ أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول إِذْ مَا من أحد إِلَّا وَله أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول وَمِنْهُم من قَالَ يُعْطِيهِ الرّبع لِأَن أقل عدد الْمَسَاكِين الثَّلَاثَة فالقصر عَلَيْهِ وعَلى ثَلَاثَة يَقْتَضِي لَهُ الرّبع وَمِنْهُم من قَالَ يصرف إِلَيْهِ النّصْف وَإِلَى الْفُقَرَاء النّصْف لِأَنَّهُ قابله بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وَلَو قَالَ لزيد دِينَار وللفقراء ثَلَاثَة لم يُعْط زيدا شَيْئا آخر وَإِن كَانَ فَقِيرا لِأَنَّهُ قطع الْخيرَة بتنصيصه أما إِذا أوصى للعلويين والهاشميين أَو بنى طَيء وَبِالْجُمْلَةِ قَبيلَة عَظِيمَة فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ أَحدهمَا نعم ثمَّ أقل الْأَمر أَن يُعْطي ثَلَاثَة كَمَا للْفُقَرَاء وَالثَّانِي لَا إِذْ هم محصورون وَلَا يُمكن استيعابهم وَلَا عرف للشَّرْع فِي تخصيصهم بِثَلَاثَة بِخِلَاف الْفُقَرَاء الطّرف الرَّابِع لَو أوصى لزيد ولجبريل كَانَ لزيد النّصْف وَيبْطل الْبَاقِي وَلَو قَالَ لزيد وللريح أَو للرياح فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَهُ النّصْف كَمَا سبق فِي جِبْرِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 وَالثَّانِي لَهُ الْكل إِذْ الْإِضَافَة إِلَى الرِّيَاح لَغْو وَإِن أوصى لزيد وَللَّه تَعَالَى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ الْكل وَكَانَ ذكر الله تَعَالَى تَأْكِيدًا لقربته كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} وَالثَّانِي أَن النّصْف لَهُ وَالْبَاقِي للْفُقَرَاء لِأَن عَامَّة مَا يجب لله تَعَالَى يصرف إِلَى الْفُقَرَاء وَلَو قَالَ لزيد وللملائكة أَو لزيد وللعلوية وَقُلْنَا لَا يَصح المعلوية فَفِي قدر مَا يصرف إِلَى زيد الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي قَوْله لزيد وللفقراء وَيبْطل فِي الْبَاقِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 الطّرف الْخَامِس لَو أوصى لأقارب زيد دخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث والغني وَالْفَقِير وَالْمحرم وَغير الْمحرم وقرابة الْأَب وقرابة الْأُم بألا إِذا كَانَ الرجل غَرِيبا فَلَا تدخل قرَابَة الْأُم لأَنهم لَا يعدون ذَلِك قرَابَة وَلَو قَالَ لأرحام فلَان دخل فِيهِ قرَابَة الْأُم مَعَ قرَابَة الْأَب إِذْ لَا تَخْصِيص لهَذَا الِاسْم وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لفظ الْقَرَابَة كَلَفْظِ الرَّحِم فِي حق الْعَرَبِيّ كَمَا فِي حق العجمي وَلم يثبت من الْعَرَب هَذَا التَّخْصِيص وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا فِي دُخُول الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يدْخلُونَ إِذْ الْوَصِيَّة للأقارب وَالْأَب وَالِابْن لَا يُسمى قرَابَة وَالثَّانِي نعم لأَنهم من الْأَقَارِب وَإِن كَانَ لَهُم اسْم أخص وَالثَّالِث أَنه لَا يدْخل الْأَب وَالِابْن وَيدخل الأحفاد والأجداد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 الْأَمر الثَّانِي أَن الْوَارِث لَا يدْخل إِذا أوصى لأقارب نَفسه إِذْ لَا وَصِيَّة لوَارث وَكَأَنَّهُم خارجون بِحكم الْقَرِينَة وَمِنْهُم من قَالَ يدْخلُونَ ثمَّ تبطل الْوَصِيَّة فِي نصِيبهم وَتبقى فِي الْبَاقِي الْأَمر الثَّالِث أَن قبائل الْعَرَب تتسع فتكثر فِيهَا الْقرَابَات إِن ارتقينا إِلَى أَوْلَاد الأجداد الْعَالِيَة فَقَالَ أَبُو يُوسُف يرتقي إِلَى أجداد الْإِسْلَام وَلَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يرتقي إِلَى الْأَقْرَب جد ينْسب هُوَ إِلَيْهِ وَيعرف بِهِ وَذكر الْأَصْحَاب فِي مِثَاله أَنه لَو أوصى هُوَ لقرابة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ صرفنَا إِلَى بني شَافِع لَا إِلَى بني عبد منَاف وَبني عبد الْمطلب وَإِن كَانُوا أقَارِب وَهَذَا فِي زَمَانه أما فِي زَمَاننَا لَا يصرف إِلَّا إِلَى أَوْلَاد الشَّافِعِي وَلَا يرتقي إِلَى بني شَافِع لِأَنَّهُ أقرب من عرف بِهِ الطّرف السَّادِس إِذا أوصى لأقربهم قرَابَة لفُلَان صرف إِلَى الْأَقْرَب وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 إِحْدَاهمَا أَن الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت يدْخلُونَ لِأَنَّهُ لَا يبعد تسميتهم أقرب الْأَقَارِب ثمَّ لَا تَفْضِيل بذكورة وأنوثة بل يَسْتَوِي فِيهِ الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت وَلَا يتبع الوراثة بل أَوْلَاد الْبَنَات يقدمُونَ على أحفاد الْبَنِينَ لمزيد الْقرب إِلَّا إِذا اخْتلف الْجِهَة كالأحفاد وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْإِخْوَة وَبَنُو الْإِخْوَة وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْأَعْمَام لِأَن الْعرف يقْضِي بِأَنَّهُم أقرب وَابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على ابْن ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم لِأَن جِهَة الْأُخوة وَاحِدَة وَلَا شكّ فِي أَن الْأَخ المدلي بجهتين مقدم على المدلي بِجِهَة وَاحِدَة وَلَا فرق بَين الْأَخ للْأُم وَالْأَخ للْأَب وَلَا بَين الْأَخ وَالْأُخْت الثَّانِيَة الْجد أَب أَب مَعَ الْأَخ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يستويان للاستواء فِي الْقرب وَالثَّانِي الْأَخ أولى لِأَن قرَابَة الْبُنُوَّة أقوى وَكَذَا الْخلاف فِي أَب الْأُم مَعَ الْأَخ للْأُم وَأب الْأَب من مَعَ ابْن الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْجد أولى لقُرْبه وَالثَّانِي ابْن الْأَخ أولى لقُوَّة الْبُنُوَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي الْأَحْكَام المعنوية وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْوَصِيَّة بمنافع الدَّار وَالْعَبْد وغلة الْبُسْتَان وثمرته وَهِي صَحِيحَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ وَسوى بَين الثِّمَار وَالْمَنَافِع وَحَقِيقَة هَذِه الْوَصِيَّة عندنَا تمْلِيك الْمَنَافِع بعد الْمَوْت حَتَّى يُورث عَن الْمُوصى لَهُ إِذا مَاتَ وَيملك الْإِجَارَة وَلَا يضمن إِذا تلف فِي يَده العَبْد كَمَا لَا يضمن الْمُسْتَأْجر وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله هى عَارِية لَازِمَة لَا ملك فِيهَا وَفِيه مسَائِل الأولى فِيمَا يملكهُ الْوَارِث وَلَا شكّ فِي أَنه ينفذ عتقه وَلَا لَا يُجزئهُ عَن الْكَفَّارَة إِن لم تكن الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة وَفِيه وَجه آخر أَنه يُجزئ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 ثمَّ إِذا نفذ الْعتْق بَقِي حق المصوى لَهُ فِي الِانْتِفَاع وَلَا يجد العَبْد مرجعا على الْوَارِث بِخِلَاف عتق العَبْد الْمُسْتَأْجر لِأَن الْبَدَل ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُعْتق وَهَاهُنَا لم يُوجد بدل هَذِه الْمَنْفَعَة وَأما الْكِتَابَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا كسب لَهُ وَالثَّانِي نعم تعويلا على الصَّدقَات وَأما البيع فَإِن كَانَ الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة خرج على بيع العَبْد الْمُسْتَأْجر وَإِن كَانَت مُؤَبّدَة فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ معجوز عَن التَّسْلِيم أبدا إِلَّا أَن يَبِيع من الْمُوصى لَهُ وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ البيع لنقل مَا يملكهُ ويتسلط المُشْتَرِي على إِعْتَاقه وجلب الْوَلَاء فِيهِ أما إِذا أوصى بنتاج الشَّاة صَحَّ بيع الشَّاة لبَقَاء مَنْفَعَة الصُّوف والوبر للْمَالِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا لم يبْق مَنْفَعَة أصلا فيضاهي مَالا مَنْفَعَة لَهُ حسا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَنَافِعهَا وَهِي للْمُوصى لَهُ أبدا وَيدخل فِيهِ أكساب العَبْد باحتطاب واصطياد وَلَا تدخل مَنْفَعَة الْبضْع بل يصرف بدله إِلَى الْمَالِك لِأَن مُطلق اسْم الْمَنْفَعَة لَا ينْصَرف إِلَيْهِ مَعَ أَنه لَو أوصى بهَا صَرِيحًا لم يدْخل وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْبَدَل لَهُ فَإِنَّهُ من الْمَنَافِع وَلَا خلاف فِي امْتنَاع الْوَطْء على الْمُوصى بِهِ لعدم ملك الرَّقَبَة وعَلى الْوَارِث إِلَى هَلَاك حق الْمُوصى لَهُ بالطلق كَمَا فِي الرَّاهِن فَإِن كَاتب وَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو آيسة فقد قيل يجوز فِي الرَّهْن فَهُوَ جَار هَاهُنَا أَيْضا وَأما تَزْوِيجهَا فَهُوَ جَائِز لكسب الْمهْر وَفِي مصرف الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وَفِي من يتَوَلَّى العقد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْوَارِث لملكه الرَّقَبَة ثمَّ لَا بُد من رضَا الْمُوصى لَهُ فَإِن فِيهِ نُقْصَان حَقه وضرره وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي أَن الْمُوصى لَهُ يسْتَقلّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَب من يَقُول الْمهْر لَهُ وَالثَّالِث يسْتَقلّ بِهِ الْمَالِك وَأما التَّزْوِيج من العَبْد فَيظْهر اسْتِقْلَال الْمُوصى لَهُ لِأَن حق منع العَبْد لَا لقُصُور فِي أَهْلِيَّته وَلَكِن لضَرَر تعلق الْحُقُوق بالأكساب وَالْمُوصى لَهُ هُوَ المتضرر وَأما ولد الْجَارِيَة فَالصَّحِيح أَنه لَاحق للْمُوصى لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ يتبع الْملك وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أَيْضا من الْمَنَافِع وَهُوَ بعيد وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ أُسْوَة الْأُم ملك الرَّقَبَة للْوَارِث وَملك الْمَنْفَعَة للْمُوصى لَهُ وَهُوَ أَيْضا بعيد لِأَن اسْتِحْقَاق الْمَنْفَعَة لَا يسري إِلَى الْوَلَد كَمَا فِي الْإِجَارَة وَأما مَا يكتسبه بالاتهاب فَفِي مصرفه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه للْمُوصى لَهُ كَمَا فِي الاحتطاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 وَالثَّانِي للْمَالِك فَإِنَّهُ لم ينْصَرف إِلَيْهِ عمل مُتَقَوّم وَالسَّبَب انْعَقَد للْعَبد وَالْمَالِك يتلَقَّى الْملك لملك الرَّقَبَة الثَّالِثَة فِي نَفَقَته ثَلَاثَة أوجه الْقيَاس أَنه على الْوَارِث نظرا إِلَى الْملك فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليعتق وَالثَّانِي أَنه على الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ يسْتَحق الْمَنَافِع على الدَّوَام فَكَانَ كَزَوج الْأمة وَالثَّالِث أَنه فِي كَسبه فَإِن لم يَفِ فعلى بَيت المَال وَإِلَيْهِ ذهب الإصطخرى وَقد اخْتلفُوا فِي أَن الْمُوصى لَهُ هَل ينْفَرد بالمسافرة بِهِ وَالظَّاهِر أَنه يملك إِذْ بِهِ كَمَال الِانْتِفَاع وَلذَلِك يمْتَنع على الْوَارِث المسافرة قطعا بِخِلَاف سيد الْأمة الْمُزَوجَة وَالثَّانِي أَنه لَا يملك كَمَا لَا يملك بِملك زوج الْجَارِيَة مُرَاعَاة لحق الْمَالِك فَلَا يجوز إِلَّا بِالتَّرَاضِي كالتزويج على ظَاهر الْمَذْهَب الرَّابِعَة إِذا قتل فللوارث اسْتِيفَاء الْقصاص ويحبط حق الْمُوصى لَهُ وَإِن وَقع الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 أَحدهمَا أَنه للْوَارِث فَإِنَّهُ بدل ملكه وَقد انْقَضى عمره فَانْقَطع حق الْمُوصى لَهُ وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ عبد وَيجْعَل بمثابتة بَينهمَا فِي الْملك وَالْمَنْفَعَة وَفِيه وَجه آخر أَنه يخْتَص بِهِ الْمُوصى لَهُ وَكَأن مَالِيَّته مستغرقة بِحقِّهِ إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فِي حق الْمَالِك وَهُوَ بعيد وَفِيه وَجه رَابِع أَنه يوزع على قيمَة الْمَنْفَعَة وَقِيمَة الرَّقَبَة مسلوبة الْمَنْفَعَة وَيقسم بَينهمَا أما إِذا وَقطع طرفه فَالَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَذكره الْأَكْثَرُونَ أَنه للْوَارِث وَجها وَاحِدًا أما إِذا جنى هُوَ على غَيره فَيُبَاع من أرش الْجِنَايَة فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ حق الْمُوصى لَهُ وَإِن فدَاه الْمُوصى لَهُ فَهَل يجب على الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبُوله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَجْنَبِي عَن الرَّقَبَة ومتعلق الْحق الرَّقَبَة وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهُ غَرضا فِي بَقَاء الرَّقَبَة كَمَا للسَّيِّد الْخَامِسَة فِي كَيْفيَّة احتسابه من الثُّلُث وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 أَحدهمَا أَنه يعْتَبر جملَة قيمَة العَبْد إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فَكَأَنَّهُ أوصى بِالْعَبدِ وَالصَّحِيح أَنه يعْتَبر مَا نقص من قِيمَته إِذْ لَا بُد وَأَن يبْقى لَهُ قيمَة طَمَعا فِي إِعْتَاقه وولائه أما إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة الْمُوصى بهَا مُؤَقَّتَة فطريقان أَحدهمَا طرد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر أُجْرَة الْمثل وَهُوَ بعيد لِأَن الْمَنْفَعَة الَّتِي تحدث بعد الْمَوْت فَلَيْسَ مفوتا لَهَا من ملكه بل لَا يتَّجه إِلَّا اعْتِبَار مَا ينقص من قِيمَته بِسَبَب الْوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 التَّفْرِيع إِذا اقْتضى الْحَال أَن يرد بعض الْوَصِيَّة كسدسها مثلا لزيادتها على الثُّلُث فينقص من الْمدَّة الْمقدرَة بسدسها من أجرهَا أَو يخرج سدس العَبْد فِي جملَة الْمدَّة عَن الْوَصِيَّة فِيهِ وَجْهَان الْأسد أَنه يخرج سدس العَبْد لِأَن الْأُجْرَة تخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاقِيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْوَصِيَّة بِالْحَجِّ وَالْحج ثَلَاثَة أَنْوَاع الأول التَّطَوُّع وَفِي صِحَة الْوَصِيَّة بِهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن النِّيَابَة هَل تتطرق إِلَيْهَا وَالصَّحِيح أَنَّهَا تتطرق إِلَيْهِ اقْتِدَاء بالأولين فِي فعلهم فتحسب الْوَصِيَّة بِهِ من الثُّلُث وَفِيه فرعان أَحدهمَا أَن مطلقه يَقْتَضِي حجَّة من الْمِيقَات أم من دويرة أَهله اخْتلفُوا فِيهِ لتردد اللَّفْظ بَين أقل الدَّرَجَات وَبَين الْعَادة الثَّانِي أَنه هَل تقدم الْوَصِيَّة بِحَجّ التَّطَوُّع على سَائِر الْوَصَايَا حُكيَ فِيهِ قَولَانِ وَلَا وَجه للتقديم إِلَّا أَن حق الله تَعَالَى على رَأْي يقدم على حق الْآدَمِيّ حَتَّى إِن أوصى بِالصَّدَقَةِ مَعَ حج التَّطَوُّع لم يحْتَمل التَّقْدِيم نعم لَو أوصى بِحجَّة منذورة احْتمل التَّقْدِيم على الْوَصَايَا لتأكدها باللزوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 الثَّانِي حجَّة الْإِسْلَام وَلَا حَاجَة فِيهَا إِلَى الْوَصِيَّة إِذْ كَانَت قد لَزِمت فِي الْحَيَاة بل يخرج عندنَا من رَأس مَاله وَإِن لم يوص خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ عندنَا كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِالْمَوْتِ فروع ثَلَاثَة الأول إِذا أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِذا قَالَ حجُّوا عني من الثُّلُث فَائِدَته مزاحمة الْوَصَايَا من الثُّلُث بِهِ ثمَّ إِن لم يخص الْحَج بعد الْمُضَاربَة مَا بفي بِهِ كمل من راس المَال وَمِنْهُم من قَالَ إِذا لم يفضل من حجَّة الْإِسْلَام شَيْء من الثُّلُث فَلَا شَيْء للوصايا بل فَائِدَته الْإِضَافَة إِلَى الثُّلُث الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ أوصيت بِأَن تَحُجُّوا عني وَلم يضف إِلَى الثُّلُث فَفِي مزاحمة الْوَصَايَا بِهِ فِي الثُّلُث وَجْهَان وَوَجهه أَن لفظ الْوَصِيَّة مشْعر بِهِ وَلَو زَاد وَقَالَ وأعتقوا عني وتصدقوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالمزاحمة لِأَنَّهُ قربَة بِمَا ينْحَصر فِي الثُّلُث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 الثَّالِث إِذا قَالَ أحجوا عني فلَانا بِأَلف وَهُوَ زَائِد على أجر الْمثل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يحجّ بِأَجْر الْمثل لِأَن مَقْصُوده الْحَج وَالزَّائِد لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لمن يحجّ ليحسن الْحَج فَيصْرف إِلَيْهِ إِن وفى بِهِ الثُّلُث أما إِذا قَالَ اشْتَروا بِمِائَة دِرْهَم عشرَة أَقْفِزَة حِنْطَة وتصدقوا بهَا فَوَجَدنَا أَجود الْحِنْطَة بِثَمَانِينَ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لبائع الْحِنْطَة وَهُوَ بعيد فَإِن ذَلِك لَا يقْصد بِخِلَاف الْإِحْسَان إِلَى من يحجّ وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ حِنْطَة زَائِدَة لِأَن مَقْصُوده التَّصَدُّق بِمِائَة وَصَرفه إِلَى الْحِنْطَة وَالثَّالِث أَنه يرد على الْوَرَثَة لِأَن مَقْصُوده عشرَة أَقْفِزَة من الْحِنْطَة وَقد تصدق بهَا الثَّالِث الْحجَّة الْمَنْذُورَة وَالصَّدَََقَة الْمَنْذُورَة وَالْكَفَّارَات وفيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يخرج من رَأس المَال لِأَنَّهَا لَزِمته كحجة الْإِسْلَام فَلَا حَاجَة إِلَى الْوَصِيَّة وَالثَّانِي أَنَّهَا كالتطوعات فَإِن أوصى بهَا أخرج من الثُّلُث لِأَنَّهُ لَو فتح هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 الْبَاب لاستغرق بالنذور جَمِيع أَمْوَاله ثمَّ يُؤَخِّرهُ إِلَى مَا بعد الْمَوْت وَالثَّالِث أَنَّهَا تُؤدِّي من الثُّلُث وَإِن لم يوص وَكَأن نَذره تبرع بِهِ وَقد أخر أداءه إِلَى الْمَوْت فَصَارَ النّذر نَفسه كَالْوَصِيَّةِ فَإِن قيل مَا الذى يَقع عَن الْمَيِّت بعد مَوته دون إِذْنه قُلْنَا الدُّعَاء وَالصَّدَََقَة وَقَضَاء دينه أما الدُّعَاء فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا فِي ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة وَعلم ينْتَفع بِهِ وَولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَأما الصَّدَقَة فقد قَالَ سعد بن أبي وَقاص يَا رَسُول الله إِن أُمِّي أصمتت وَلَو نطقت لتصدقت أفينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام نعم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِنَّه يُرْجَى أَن يَنَالهُ بركته وَلَكِن لَا يلْتَحق بصدقاته الَّتِى أَدَّاهَا أما إِذا أعتق عَنهُ لَا يَقع عَنهُ وَيكون الْوَلَاء للْمُعْتق سَوَاء كَانَ الْمُعْتق وَارِثا أَو لم يكن لِأَن إِلْحَاق الْوَلَاء قهرا لَا وَجه لَهُ أما الدُّيُون اللَّازِمَة إِذا قضيت وَقعت عَنهُ وَإِن قَضَاهَا الْأَجْنَبِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ لما قضى دين ميت الْآن بردت جلدته على النَّار أما الْكَفَّارَات فَإِن أخرجهَا الْوَارِث عَنهُ وَلم يكن أوصى بِهِ وَقعت موقعها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 وَإِن أخرجهَا أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ لَا خلَافَة لَهُ وَهَذِه عبَادَة فَلَا بُد من نِيَّته أَو نِيَّة من هُوَ خَلِيفَته شرعا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ دين لَازم غلب فِيهِ معنى الدُّيُون وَلذَلِك يسْتَقلّ بِهِ أحد الْوَرَثَة وَإِن لم يسْتَقلّ بجملة الْخلَافَة أما الْعتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين حَيْثُ لَا يتَعَيَّن فَفِي إِخْرَاج الْوَارِث وَجْهَان وَفِي إِخْرَاج الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ يضاهي التَّبَرُّع من وَجه وَقد ذكرنَا منع التَّبَرُّع عَن الْمَيِّت بِالْإِعْتَاقِ وَلَو أوصى بِالْعِتْقِ وَالْكَفَّارَة مخيرة وَلم يَفِ الثُّلُث بِالزِّيَادَةِ لَا ينفذ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ فَكَانَ مُتَبَرعا أما الصَّوْم فَلَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ عبَادَة بدنية كَالصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة الأول الْمَرِيض إِذا ملك قريبَة فِي مرض الْمَوْت نظر فَإِن ملك بِالْإِرْثِ عتق عَلَيْهِ من رَأس المَال وَإِن ملك بِالشِّرَاءِ عتق عَلَيْهِ من الثُّلُث فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم يعْتق أصلا وَإِن ملك بِوَصِيَّة أَو اتهاب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا من رَأس المَال لِأَنَّهُ حصل مجَّانا كَالْإِرْثِ فَكَأَنَّهُ لم يحصل وَالثَّانِي من الثُّلُث لِأَنَّهُ حصل بِالِاخْتِيَارِ التَّفْرِيع لَو اشْترى ابْنه الذى يُسَاوِي ألفا بِخَمْسِمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 فالقدر الذى يُقَابل الْمُحَابَاة كالموهوب لِأَنَّهُ حصل مجَّانا وَمهما عتق من الثُّلُث لم يَرث إِذْ لَو ورث لانقلب الْعتْق لَهُ وَصِيَّة لوَارث وَبَطل وَإِذا أعتق من رَأس المَال فِي صُورَة الْإِرْث ورث لِأَنَّهُ وَقع مُسْتَحقّا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يَرث كَمَا لَو نكحت بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَإِنَّهُ يُقَال إِن الْمُحَابَاة وَصِيَّة للزَّوْج الْوَارِث إِلَّا إِذا كَانَ الزَّوْج رَقِيقا أَو مُسلما وَهَذَا الاستشهاد غير صَحِيح بل تنفذ الْمُحَابَاة بالبضع سَوَاء كَانَ الزَّوْج وَارِثا أَو لم يكن لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال الثَّانِي لَو قَالَ أعتقوا عَبدِي بعد موتِي لم يفْتَقر إِلَى قبُول العَبْد لِأَن حق الله تَعَالَى غَالب فِي الْعتْق وَلَو قَالَ أوصيت لعبدي بِرَقَبَتِهِ فَفِي الافتقار إِلَى قبُوله وَجْهَان وَلَو أعتق ثلث عَبده بعد مَوته وَفِي المَال متسع لم يسر الْعتْق لِأَنَّهُ بعد الْمَوْت مُعسر وَالْمَال لغيره وَهَذَا لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال وَلَكِن النَّقْل مَا ذكرته أما إِذا أعتق جَارِيَته بعد مَوته وَهِي حَامِل سرى إِلَى الْجَنِين لِأَنَّهُ فِي حكم عُضْو لَا يتفصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 وَلَو اسْتثْنى وَقَالَ أَنْت حرَّة إِلَّا جنينك فَفِي صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَجْهَان وَخرج وَجه من صِحَة الِاسْتِثْنَاء أَنه إِذا أطلق لَا يسري لِأَنَّهُ تصور الِانْفِصَال وَعتق الْمَيِّت لَا يسري الثَّالِث أوصى بِعَبْد لِرجلَيْنِ يعْتق على أَحدهمَا بِالْقَرَابَةِ فَإِن قبلاه مَعًا عتق على الْقَرِيب وَغرم للثَّانِي نصِيبه إِن كَانَ مُوسِرًا وسرى وَإِن قبل الْقَرِيب أَولا سرى ثمَّ يغرم للْوَارِث إِن رد الْأَجْنَبِيّ وَيغرم للْأَجْنَبِيّ أَن قبل الْأَجْنَبِيّ وَإِن قبله الْأَجْنَبِيّ أَولا وَأعْتقهُ فَإِن لم يقبل الْقَرِيب اسْتمرّ عتقه وَإِن قبل فَإِن قُلْنَا ملك الْمُوصى لَهُ يحصل بِمَوْت الْمُوصي فقد بَان أَنه كَانَ قد عتق وسرى وَعتق الْأَجْنَبِيّ صَادِق حرا فَيغرم الْقَرِيب للْأَجْنَبِيّ وَإِن قُلْنَا يحصل بِالْقبُولِ فقد عتق الْكل على الْأَجْنَبِيّ فَيغرم الْأَجْنَبِيّ للقريب الرَّابِع أوصى لَهُ بِثلث دَار فَاسْتحقَّ ثلثهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يسلم لَهُ كل ثلثه ميلًا إِلَى تَصْحِيح الْوَصِيَّة وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه يَصح فِي ثلث ذَلِك الثُّلُث لِأَن أصل الْوَصِيَّة شاع فِي الأثلاث الثَّلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 الْخَامِس إِذا منعنَا نقل الصَّدقَات فَفِي نقل مَا أوصى للْمَسَاكِين إِلَى بَلْدَة أُخْرَى وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الزكوات دارة متكررة تمتد إِلَيْهَا أطماع الْحَاضِرين بِخِلَاف الْوَصَايَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 الْقسم الثَّالِث من الْبَاب فِي الْأَحْكَام الحسابية وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أوصى بِمثل نصيب ابْنه وَله ابْن وَاحِد صرف إِلَى الْمُوصى لَهُ النّصْف حَتَّى يَكُونَا متماثلين وَإِن كَانَ لَهُ ابْنَانِ فأوصى بِمثل نصيب أَحدهمَا صرف إِلَيْهِ الثُّلُث وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فالربع وَبِالْجُمْلَةِ تراعى الْمُمَاثلَة عندنَا بعد الْقِسْمَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ وَصِيَّة بِحِصَّة الابْن قبل الْقِسْمَة فَإِن كَانُوا اثْنَيْنِ فَهُوَ وَصِيَّة بِالنِّصْفِ وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَهُوَ وَصِيَّة بِالثُّلثِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن مَا ذَكرْنَاهُ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَيُؤْخَذ بِهِ وَلَو أوصى بِنَصِيب وَلَده كَانَ كَمَا لَو أوصى بِمثل نصيب وَلَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وَصِيَّة بالمستحق وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه صَحَّ وَكَانَ مَعْنَاهُ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقَالَ أوصيت لَك بِمثل نصيب ابْن ثَالِث لَو كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 لَا يعْطى إِلَّا الرّبع وَكَأن ذَلِك الابْن الْمُقدر كَائِن وَفِيه وَجه أَنه يعْطى الثُّلُث وَكَأَنَّهُ قدره مَكَانَهُ الثَّانِيَة إِذا أوصى بِضعْف نصيب أحد ولديه أعطي مثله مرَّتَيْنِ فَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ قسم المَال من أَرْبَعَة لكل ابْن وَاحِد وَله سَهْمَان وَلَو أوصى بضعفيه أعطي مثله ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أعطي مثله أَربع مَرَّات وَالْحَاصِل أَنا نضعف الزِّيَادَة دون الْمَزِيد عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ الضعْف أَن يُزَاد على سَهْمه مثله كَانَ الضعفان أَن يُزَاد عَلَيْهِ مثلاه وَهُوَ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَينزل عَلَيْهِ الثَّالِثَة إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد ورثته أعطي مثل أقلهم نَصِيبا بعد الْعَوْل إِن كَانَت الْمَسْأَلَة عائلة الرَّابِعَة إِذا أوصى بِخَط أَو سهم أَو قَلِيل أَو كثير جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول وَالرُّجُوع بِهِ إِلَى الْمُوصي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 فَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل السهْم على السُّدس وَهُوَ تحكم وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِالثُّلثِ للأشياء جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور ينزل على النّصْف وَزِيَادَة إِذْ الِاسْتِثْنَاء يَنْبَغِي أَن ينقص عَن النّصْف وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِقْرَار إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِلَّا شَيْئا الْخَامِسَة إِذا أوصى بِثلث مَاله وَمَات عَن ابْنَيْنِ وبنتين فلتصحيح الْمَسْأَلَة بِالْحِسَابِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَينظر إِلَى مَا بَقِي بعد إِخْرَاج سهم الْوَصِيَّة فَإِن انقسم على الْوَرَثَة فقد صحت المسألتان وَإِن لم يَنْقَسِم وَلم يُوَافق فَضربت مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح وَإِن وَافق ضربت جُزْء الوفق من مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح بَيَانه فِي مَسْأَلَتنَا أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة أسْهم سهم للْمُوصى لَهُ بَقِي سَهْمَان وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 يَنْقَسِم على سِتَّة إِذْ مَسْأَلَة الْفَرِيضَة من سِتَّة وَلَكِن توَافق بِالنِّصْفِ فَيضْرب نصف السِّتَّة فِي الثَّلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَقد صحت المسألتان الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وينسب جُزْء الْوَصِيَّة مِنْهَا إِلَى مَا يبْقى مِنْهَا بعد إِخْرَاج الْجُزْء وتزيد مثل نسبته على مَسْأَلَة الْوَرَثَة بَيَانه أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة فِيمَا فرضناه والجزء الْمُوصى بِهِ الثُّلُث وَهُوَ سهم ونسبته إِلَى الْبَاقِي أَنه مثل نصفه فيزيد على مَسْأَلَة الْوَرَثَة مثل نصفهَا وَهِي من سِتَّة وَنِصْفهَا ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَتَصِح المسألتان السَّادِسَة إِذا أوصى بِمَا يزِيد على الثُّلُث وَردت الْوَصَايَا قسم الثُّلُث بَين أَصْحَاب الْوَصِيَّة على نِسْبَة تفاوتهم حَالَة الْإِجَارَة فَلَو أوصى لإِنْسَان بِالنِّصْفِ وَلآخر بِالثُّلثِ فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة لصَاحب النّصْف ثَلَاثَة وَلِصَاحِب الثُّلُث سَهْمَان ومجموع مَالهمَا خَمْسَة والتفاوت بَينهمَا بالأخماس فَإِذا أردْت قسْمَة الثُّلُث على نِسْبَة الْأَخْمَاس فاطلب مَالا لثلثه خمس وَذَلِكَ بِأَن تضرب ثَلَاثَة فِي خَمْسَة فَتَصِير خَمْسَة عشر فَالثُّلُث خَمْسَة يعْطى صَاحب النّصْف مِنْهَا ثَلَاثَة وَصَاحب الثُّلُث سَهْمَان ليحصل التَّفَاوُت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يخْتَص بِالرَّدِّ السُّدس الزَّائِد على الثُّلُث من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 نصيب صَاحب النّصْف وَيبقى التَّسَاوِي بَينهمَا فِي الثُّلُث أما إِذا أُجِيز بعض الْوَصَايَا ورد الْبَعْض فطريق تَصْحِيحه مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط مَعَ الْحساب فِي الْوَصِيَّة بِجُزْء من المَال بعد إِخْرَاج نصيب أحد الْأَوْلَاد والحساب فِي الِاسْتِثْنَاء على أكمل وَجه فليراجعه من رغب فِيهِ فَإِن هَذَا الْكتاب لَا يحْتَمل استقصاءه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ عقد تبرع وَلَا قبض فِيهِ فَإِذا لم تلْزمهُ الْهِبَة قبل الْقَبْض فَهَذَا قبل الْمَوْت وَالْقَبْض أولى وَالرُّجُوع بأَرْبعَة أَسبَاب السَّبَب الأول صَرِيح الرُّجُوع كَقَوْلِه نقضت وفسخت وَمَا يضاهيه وَمن الصَّرِيح قَوْله هَذَا لورثتي أَو هُوَ مِيرَاث عني أَو حرَام على الْمُوصى لَهُ وَلَو قَالَ هُوَ تركتي فَالْأَصَحّ أَنه لَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْوَصِيَّة من التَّرِكَة أَيْضا السَّبَب الثَّانِي التَّصَرُّفَات المتضمنة للرُّجُوع كَالْبيع وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالْعِتْق وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير فَإِن من ضَرُورَة تنفيذها الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة فرعان أَحدهمَا إِذا أوصى لزيد ثمَّ أوصى لعَمْرو بِعَين ذَلِك الشئ لم يكن ذَلِك رُجُوعا بل احْتمل التَّشْرِيك فَينزل عَلَيْهِ أخذا بِالْأَقَلِّ واستصحابا لما سبق فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أوصيت لَهما على الْجمع وَلَو قَالَ مَا أوصيت بِهِ لزيد فقد أوصيت بِهِ لعَمْرو فَهَذَا رُجُوع فِي ظَاهر الْمَذْهَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 وَلَو أوصى بِأَن يُكَاتب أَو يعْتق أَو يُبَاع بعد مَوته فَهُوَ رُجُوع لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الأول حَتَّى يحمل على التَّشْرِيك وَلذَلِك لَا يَنْتَظِم الْجمع بَينهمَا فِي صِيغَة التَّشْرِيك بِأَن يَقُول أوصيت بِهِ وأعتقته الثَّانِي إِذا أوصى بِثلث مَاله ثمَّ بَاعَ جَمِيع مَاله لم يكن رُجُوعا لِأَن الثُّلُث الْمُطلق لَا ينْحَصر فِي الْأَعْيَان وَالْبيع يتَنَاوَل الْعين وَلذَلِك لَو هلك جَمِيع مَا ملك حَال الْوَصِيَّة وتجدد من بعده شئ اسْتَحَقَّه الْمُوصى لَهُ السَّبَب الثَّالِث مُقَدمَات الْأُمُور المنذرة بِالرُّجُوعِ كالعرض على البيع وَالرَّهْن قبل الْقَبْض وَالْقَبُول وَالْهِبَة قبل الْقَبْض وَالْقَبُول الظَّاهِر أَنه رُجُوع لدلالته على قصد الرُّجُوع وَفِيه وَجه أَنه مَا لم يتم لَا يتم الرُّجُوع أما إِذا زوج العَبْد الْمُوصى بِهِ أَو الْأمة الْمُوصى بهَا أَو أَحدهمَا أَو علمهما صَنْعَة أَو ختنهما لم يكن ذَلِك رُجُوعا فرعان أَحدهمَا أَنه إِذا وطئ وعزل لم يكن رُجُوعا وَإِن أنزل قَالَ ابْن الْحداد هُوَ رُجُوع لِأَن التَّسَرِّي يُنَاقض قصد الْوَصِيَّة وَلَو حلف أَن لَا يتسرى لَا يَحْنَث إِلَّا بالإنزال فَلَو وطئ وعزل لم يَحْنَث وَمِنْهُم من قَالَ مَا لم يحصل الْعلُوق لَا يتم الرُّجُوع فَهُوَ كالعرض على البيع ونظائره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 الثَّانِي أوصى لَهُ بِمَنْفَعَة دَاره سنة ثمَّ أجرهَا سنة وَانْقَضَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل مَوته صرف إِلَيْهِ سنة فَإِن مَاتَ وَصَارَت السّنة الأولى مستغرقة بِالْإِجَارَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا حق للْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أوصى لَهُ بِالسنةِ الأولى وَقد استوفاها الْمُسْتَأْجر وَالثَّانِي أَنه يسلم إِلَيْهِ لِأَن السّنة الأولى لم تشْتَرط للْمُوصى لَهُ وَإِنَّمَا تعين بِحكم البدار إِلَى التوفية فَإِذا منع مَانع من البدار تسلم إِلَيْهِ بعده السَّبَب الرَّابِع التَّصَرُّفَات المبطلة اسْم الْمُوصى بِهِ كَمَا لَو أوصى بِقطن فَعَزله أَو بغزل فنسجه أَو بحنطة فطحنها أَو دَقِيق فعجنه أَو عجين فخبزه فَالْكل رُجُوع لدلَالَة قَصده وَزَوَال الِاسْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 فروع الأول إِذا أوصى بِخبْز فَجعله فتيتا أَو بِلَحْم فقدره أَو برطب فجففه أَو بِثَوْب فَقطع مِنْهُ قَمِيصًا أَو بخشب فَاتخذ مِنْهُ بَابا فَفِي الْكل وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْوَصِيَّة أَن الِاسْم الأول يجوز إِطْلَاقه بِوَجْه مَا الثَّانِي إِذا أوصى بدار فَهَدمهَا إِن لم يبْق اسْم الدَّار فَهُوَ رُجُوع وَإِن انْهَدَمت وَلم يبْق اسْم الدَّار فَوَجْهَانِ وَوجه الْبَقَاء أَنه لم يُوجد من جِهَته قصد الرُّجُوع وَمَا يدل عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 وَقِيَاس هَذَا أَنه لَو طحنت الْحِنْطَة وغزل الْقطن بِغَيْر إِذْنه لَا تَنْفَسِخ الْوَصِيَّة وَحَيْثُ لَا تَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْحق فِي النَّقْص خلاف ذَكرْنَاهُ الثَّالِث لَو بنى أَو غرس فِي الْعَرَصَة الْمُوصى بهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه رُجُوع لِأَن الْبناء غير دَاخل فِي الْوَصِيَّة وَهُوَ للتخليد وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ انْتِفَاع مُجَرّد وَالثَّالِث أَنه رُجُوع عَن المغرس وأس الْجِدَار حَتَّى لَو تجنى لم يرجع أَيْضا إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلَيْسَ رُجُوعا عَمَّا عداهُ وَالرَّابِع إِذا أوصى بِصَاع حِنْطَة وخلطه بِغَيْرِهِ فَرجع إِذا تعذر بِهِ التَّسْلِيم وَإِن أوصى بِصَاع من صبرَة وخلطة بِمثلِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْغَرَض لَا يخْتَلف وَإِن خلط بالأجود فرجوع لِأَنَّهُ حدث زِيَادَة لم يَتَنَاوَلهَا الِاسْتِحْقَاق وَإِن خلط بالأردأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه رُجُوع كالأجود وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ تعييب فَينزل منزلَة تعيب الْمُوصى بِهِ الْخَامِس لَو نقل الْمُوصى بِهِ إِلَى مَوضِع بعيد عَن الْمُوصى لَهُ فَفِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 وَجْهَان السَّادِس لَو أوصى بِقطن ثمَّ حشى بِهِ فرشه فَفِي كَونه رُجُوعا وَجْهَان وَوجه التَّرَدُّد فِي هَذِه الْمسَائِل لَا يخفى مأخذها وَالله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الأوصياء وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْوِصَايَة وأحكامها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النّظر الأول فِي الْأَركان وَهِي أَرْبَعَة الرُّكْن الأول الْوَصِيّ وَله سِتَّة شَرَائِط الأول التَّكْلِيف فَلَا يَصح الْوِصَايَة إِلَى مَجْنُون وَصبي فَإِنَّهُمَا محتاجان إِلَى الْوَصِيّ يُفَوض إِلَيْهِمَا الثَّانِي الْحُرِّيَّة فَلَا يُفَوض إِلَى عبد لِأَنَّهَا ولَايَة وَالرّق ينافيها وَلِأَنَّهَا تستدعي فراغا لاهتمام بهَا وَالْعَبْد مَشْغُول وَالْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق فِي حكم الْقِنّ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُفَوض إِلَى العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا خلف أَوْلَادًا كلهم صغَار ففوض إِلَى عبد نَفسه جَازَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 فرع إِذا أوصى إِلَى مستولدته أَو مدبره فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه منشؤها أَن النّظر إِلَى مُرَاعَاة الشَّرْط حَال العقد أَو حَال الْمَوْت وَفِي الْوَجْه الثَّالِث يُرَاعى الْأَحْوَال من العقد إِلَى الْمَوْت حَتَّى لَو تخَلّل خلل بَين العقد وَالْمَوْت فسد أَيْضا والأقيس وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج الصِّحَّة نظرا إِلَى حَال الْمَوْت الشَّرْط الثَّالِث الْعَدَالَة فَلَا يُفَوض إِلَى فَاسق لِأَنَّهُ تصرف على الطِّفْل فيتقيد بِشَرْط الْغِبْطَة وَلَا غِبْطَة فِي الْفُسَّاق فرع لَو طَرَأَ الْفسق انْعَزل فَإِن عَاد أَمينا لم يعد وَصِيّا وَكَذَا القَاضِي يَنْعَزِل على الْأَظْهر ثمَّ لَا يعود قَاضِيا بِالتَّوْبَةِ وَالْأَب يَنْعَزِل وَلَكِن يعود وليا بِالتَّوْبَةِ فَإِن الْأُبُوَّة قَائِمَة وَفِي رُجُوع ولَايَة القَاضِي وَالْوَصِيّ بالإفاقة بعد الْجُنُون وَجْهَان وَالْإِمَام لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ على الْأَصَح للْمصْلحَة وَلَكِن إِن أمكن الِاسْتِبْدَال بِهِ من غير فتْنَة فعله أهل الْحل وَالْعقد الرَّابِع الْإِسْلَام فَلَا يُفَوض إِلَى كَافِر إِذْ لَا ولَايَة لكفار على مُسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 وَلَو أوصى كَافِر إِلَى كَافِر فِي وَلَده الْكَافِر صَحَّ إِن كَانَ عدلا فِي دينه بِنَاء على الْأَظْهر فِي أَن ولي الْكَافِرَة فِي النِّكَاح كَافِر الْخَامِس الْكِفَايَة وَالْهِدَايَة للتَّصَرُّف فَلَا غِبْطَة فِي التَّفْوِيض إِلَى الْعَاجِز عَن التَّصَرُّف فرع لَو ضعف نظره وَعجز عَن حفظ الْحساب بعد أَن كَانَ قَادِرًا بِنصب القَاضِي مَعَه من يحفظ الْحساب وَلَا يَنْعَزِل بِهِ بِخِلَاف الْفسق فَإِنَّهُ يفوت أصل الْغَرَض وَبِخِلَاف مَا لَو نصب الْحَاكِم قيمًا فضعف نظره فِي الْحساب فَإِن القَاضِي يعزله لِأَنَّهُ مولى من جِهَته والإبدال أصلح وَالْوَصِيّ مَنْصُوب الْأَب فيحفظ مَا أمكن السَّادِس الْبَصَر وفى تفويضها إِلَى الْأَعْمَى وَجْهَان ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أَنه هَل يُخَالف الْغِبْطَة أم لَا فرع يجوز التَّفْوِيض إِلَى النِّسَاء وَالأُم أولى من ينصب قيمًا وَإِن لم يوص إِلَيْهَا الْأَب فَلَا ولَايَة لَهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هى ولية فِي المَال مُقَدّمَة على وَصِيّ الْأَب لِأَنَّهَا أحد الْأَصْلَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصي وَهُوَ كل من لَهُ ولَايَة على الْأَطْفَال لَو بَقِي حَيا كَالْأَبِ وَالْجد فَلَا يجوز للْوَصِيّ الْإِيصَاء لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا يجوز نصب الْوَصِيّ على الْأَوْلَاد الْبَالِغين إِذْ لَا ولَايَة عَلَيْهِم نعم لَو نصب وَصِيّ لقَضَاء دُيُونه وتنفيذ وَصَايَاهُ وَلَا يجوز للْأَب نصب الْوَصِيّ فِي حَيَاة الْجد فَإِن الْجد بدل الْأَب شرعا فَهُوَ أولى من نَائِبه لفظا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَصِيّ الْأَب أولى من الْجد وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا فروع الأول إِذا أوصى بِثَلَاثَة وَخلف جدا لأطفاله فَلَيْسَ للْجدّ التَّصَرُّف فِي الثُّلُث لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصِيّا وَلَا قيمًا وَإِنَّمَا التَّصَرُّف فِيهِ إِلَى القَاضِي يصرفهُ إِلَى مصارفه إِذا أذن للْمُوصي فِي الْإِيصَاء عِنْد مَوته إِلَى غَيره فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن ولَايَته زائلة بعد مَوته فَلَا يُؤثر إِذْنه وَلَيْسَ للْمُوصي رُتْبَة الْإِيصَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 الثَّانِي هُوَ الأقيس الْجَوَاز لِأَن الشَّرْع فوض للأطفال بعد الْمَوْت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت وَصِيّ إِلَى أَن يبلغ هَذَا الصَّبِي فَإِذا بلغ فَهُوَ الْوَصِيّ صَحَّ وَهُوَ تَفْوِيض بعد الْمَوْت وَكَذَلِكَ إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَقَالَ إِن مَاتَ أَحدهمَا انْفَرد الآخر جَازَ أما إِذا قَالَ إِن أوصيت إِلَى شخص فَذَلِك الشَّخْص وَصِيّ لي وَعين شخصا فَقَالَ أَذِنت لَك فِي الْإِيصَاء إِلَيْهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا إِذا علق ببلوغ الصَّبِي وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 الرُّكْن الثَّالِث الْمُوصى فِيهِ وَهُوَ التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة الَّتِى يتولاها القَاضِي لَوْلَا الْوَصِيّ فَأَما بِنَاء الْبيعَة وكتبة التَّوْرَاة وَمَا هُوَ مَعْصِيّة فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِيهِ وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِيهِ وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج الْأَوْلَاد إِذْ لَا غِبْطَة فِي أَن يعْقد عَلَيْهِم من لَا يتَغَيَّر بضررهم وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يجوز الْإِيصَاء فِي ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول أوصيت إِلَيْك وفوضت إِلَيْك أُمُور أَوْلَادِي وَمَا يجْرِي مجْرَاه وَلَا بُد من الْقبُول وَالْأَظْهَر أَنه بعد الْمَوْت أَعنِي الْقبُول فروع الأول هَل يَكْفِي قَوْله أوصيت إِلَيْك فِي أَمر أطفالي أم يشْتَرط أَن يَقُول مَعَه فوضت إِلَيْك التَّصَرُّف فِي المَال فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ مُطلق الْإِيصَاء لَا يَقْتَضِي إِلَّا حفظ المَال فَلَا بُد من التَّصْرِيح بِالتَّصَرُّفِ وَمِنْهُم من قَالَ الْعرف يُغني عَن التَّعَرُّض لَهُ الثَّانِي إِذا اعتقل لِسَانه وَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكتاب فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ جَازَ لِأَنَّهُ عَاجز كالأخرس وَالثَّالِث لَو أوصى إِلَيْهِ فِي جنس من التَّصَرُّف معِين لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 الرَّابِع إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ إِن صرح بتسليط كل وَاحِد على الِاسْتِقْلَال أَو بِالْمَنْعِ من الِاسْتِقْلَال فَهُوَ كَمَا لَو صرح وَإِن أطلق نزل على نفي الِاسْتِقْلَال وَأَن لَا يتَصَرَّف وَاحِد دون إِذن صَاحبه تَنْزِيلا على الْأَقَل نعم مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُوصي كالتمكين من أَخذ الْمَغْصُوب والوديعة وأعيان الْحُقُوق لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج أصلا إِلَى الْوَصِيّ بل للْمُسْتَحقّ الْأَخْذ إِذا ظفر بِهِ وَيتَفَرَّع على نصب الْوَصِيّين صور الأولى إِذا مَاتَ أَحدهمَا فَإِن كَانَ قد أثبت لكل وَاحِد مِنْهُمَا اسْتِقْلَالا فيكتفى بِالثَّانِي وَإِن لم يثبت إِلَّا الشّركَة فللقاضي أَن ينصب قيمًا مَعَه بَدَلا عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ مَا رَضِي الْأَب إِلَّا بِرَأْي شَخْصَيْنِ فَلَو جعل الثَّانِي وَصِيّا ونائبا عَن الْمُوصى وَحده فَفِي جَوَازه وَجْهَان الثَّانِيَة لَو أوصى إِلَى زيد ثمَّ أوصى إِلَى عَمْرو فَإِن لم يقبل عَمْرو انْفَرد زيد بِالتَّصَرُّفِ وَإِن قبل كَانَ هَذَا تشريكا وَلم يكن فسخا للْأولِ بل ينزل منزلَة الوحيدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 وَإِن أوصى إِلَى زيد ثمَّ قَالَ لَهُ ضممت إِلَيْك عمرا فَإِن قبل فهما شريكان وَإِن قبل زيد دون عَمْرو فزيد مُسْتَقل بِهِ وَإِن قبل عَمْرو دون زيد فَلَا يسْتَقلّ لِأَن لفظ الضَّم لَا يبْنى إِلَّا عَن الشّركَة ورد زيد كموته فيفتقر إِلَى بدل عَنهُ الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي تعْيين من يصرف إِلَيْهِ الْوَصِيَّة من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وشلا فالحاكم يتَوَلَّى التَّعْيِين وَلَو اخْتلفَا فِي حفظ المَال فيطلب موضعا مُشْتَركا يكون مَحْفُوظًا فِيهِ عَن جهتهما أَو يتفقان على ثَالِث أَو يقسم مَا يقبل الْقِسْمَة فينفرد كل وَاحِد بِحِفْظ الْبَعْض وَمَا لَا يقبل الْقِسْمَة يتَوَلَّى القَاضِي حفظه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر الْقِسْمَة وَأَرَادَ بِهِ مَا إِذا أثبت لكل وَاحِد الِاسْتِقْلَال فِي الْوِصَايَة وَإِلَّا فَكيف يتفرد بِحِفْظ الْبَعْض وَمُوجب الْوِصَايَة الِاشْتِرَاك فِي الْكل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوِصَايَة وَهِي سِتَّة الأول أَن يقْضِي الدُّيُون اللَّازِمَة فِي مَال الصَّبِي من أرش الْجَنَابَة والأعواض وَالْكَفَّارَة عِنْد الْقَتْل وَينْفق عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَو تنَازعا بعد الْبلُوغ فِي مِقْدَار الْحَاجة فِي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَول الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَمِين وَالْإِشْهَاد على النَّفَقَة مُتَعَذر فِي كل يَوْم وَكَذَا إِذا تنَازعا فِي كَون البيع مُوَافقا للغبطة فَالْقَوْل قَول الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذْ الأَصْل عدم الْخِيَانَة وَإِن تنَازعا فِي دفع المَال بعد الْبلُوغ إِلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول الصَّبِي إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَالْإِشْهَاد مَأْمُور بِهِ عَلَيْهِ فِي كتاب الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ إِذا تنَازعا فِي تَارِيخ موت الْوَالِد إِذْ تكْثر النَّفَقَة بطول الْمدَّة فَالْبَيِّنَة على الوصى إِذا الأَصْل عدم الْمَوْت وَإِقَامَة الْبَيِّنَة على الْمَوْت مُمكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 الحكم الثَّانِي لَا يُزَوّج الْوَصِيّ الْأَطْفَال وَقد ذَكرْنَاهُ الثَّالِث لَا يتَوَلَّى الْوَصِيّ طرفِي العقد وَلَا يَبِيع مَاله من نَفسه بِخِلَاف الْأَب فَإِنَّهُ جوز لَهُ ذَلِك لقُوَّة الْأُبُوَّة نعم لَو أَن يُوكل فِي التَّصَرُّفَات الْجُزْئِيَّة كَمَا للْأَب وَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاء بِخِلَاف الْأَب الرَّابِع الْوِصَايَة عقد جَائِز وللوصي عزل نَفسه مهما شَاءَ قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ عزل نَفسه بعد موت الْمُوصي الْخَامِس إِذا لم يملك إِلَّا عبدا وَأوصى بِثلث مَاله فَلَيْسَ للْوَصِيّ إِلَّا بيع ثلث العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهُ بيع الْكل فَإِن التشقيص بِنَقص من الثُّلُث السَّادِس للْوَصِيّ أَن يشْهد على الْأَطْفَال وَله أَن يشْهد لَهُم بِمَا لَا يَسْتَفِيد بِشَهَادَتِهِ سلطنة واتساع تصرف حَتَّى لَو كَانَ وَصِيّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الثُّلُث وَشهد لَهُم بِمَال لَا يجوز إِذْ يَتَّسِع بِهِ الثُّلُث فيتسع تصرفه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 = كتاب الْوَدِيعَة= الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 وَهِي مُشْتَقَّة من قَوْلهم ودع الشئ إِذا سكن وَاسْتقر أَي أَنَّهَا مُسْتَقِرَّة عِنْد الْمُودع وَقيل إِنَّهَا مُشْتَقَّة من قَوْلهم فلَان فِي دعة أَي فِي خفض من الْعَيْش أَي أَن الْوَدِيعَة فِي دعة غير متبلاة بِالِانْتِفَاعِ وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْوَدِيعَة وأحكامها أما الْأَركان فالمودع وَالْمُودع والوديعة والصيغة أما الْوَدِيعَة فَهُوَ كل مَال تثبت عَلَيْهِ الْيَد الحافظة أما الْمُودع وَالْمُودع فَلَا يعْتَبر فيهمَا إِلَّا مَا يعْتَبر فِي الْوَكِيل وَالْمُوكل لِأَن الْإِيدَاع استنابة فِي الْحِفْظ فَلَا يَسْتَدْعِي إِلَّا التَّكْلِيف من الْجَانِبَيْنِ فرعان أَحدهمَا لَو أَخذ الْوَدِيعَة من صبي ضمن إِلَّا أَن يخَاف من الصَّبِي الإهلاك فَأَخذه على قصد الْحِسْبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 فَفِي ضَمَانه وَجْهَان كَمَا لَو خلص طيرا من فَم جارحة ليحفظه على صَاحبه الثَّانِي لَو أودع صَبيا فأتلفه الصَّبِي فَفِي الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ مسلط عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَو اسْتقْرض أَو ابْتَاعَ فأتلف وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ متسلط على الْحِفْظ لَا على الْإِتْلَاف وَأما البَائِع والمقرض فقد سلطا على الْإِتْلَاف وشرطا عَلَيْهِ عوضا فقد الشَّرْط وَبَقِي التسليط وَهَذَا الْخلاف جَار فِي تعلق الضَّمَان بِرَقَبَة العَبْد إِذا تلف بعد أَن أودع وَلَا خلاف فِي تعلق الضَّمَان بِذِمَّتِهِ فَأَما الصِّيغَة فَهِيَ أَن يَقُول احفظ هَذَا المَال أَو استودعتك أَو مَا يُفِيد مَعْنَاهُ وَفِي اشْتِرَاط الْقبُول لفظا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْوكَالَة وَهَاهُنَا أولى بِأَن يشْتَرط لِأَنَّهَا أبعد عَن مشابهة الْعُقُود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 فَإِذا لم يشْتَرط الْقبُول لفظا فَإِذا أَخذ الْوَدِيعَة أَو وضع بَين يَدَيْهِ فرفعه كَانَ ذَلِك قبولا وَلَو قَامَ من الْمجْلس وَلم يَأْخُذ كَانَ ذَلِك ردا للوديعة وَلَو قَامَ الْمَالِك أَولا وخلى بَينه وَبَين الْمُودع لم تَنْعَقِد الْوَدِيعَة فَإِن التَّخْلِيَة قد تقوم مقَام الْقَبْض وَلَكِن إِذا اسْتحق الْقَبْض فَإِن قيل الْوَدِيعَة عقد أَو إِذن مُجَرّد قُلْنَا قد ذكر القَاضِي حُسَيْن فِيهِ خلافًا وَبنى عَلَيْهِ التَّرَدُّد فِي أَن الْمُودع إِذا عزل نَفسه هَل يَنْفَسِخ العقد وَذكر فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عقد جَائِز وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تسليط مُجَرّد فيضاهي إِبَاحَة الْأكل للضيف فَلَا معنى للْفَسْخ فِيهِ فَإِن قُلْنَا انْفَسَخ بقيت الْوَدِيعَة أَمَانَة شَرْعِيَّة كَمَا لَو طير الرّيح ثوبا وألقاه فِي دَاره حَتَّى لَو تمكن من الرَّد على الْمَالِك وَلم يرد ضمن على أحد الْوَجْهَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 أما حكم الْوَدِيعَة فَهُوَ أَنه عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ يَنْفَسِخ بالجنون وَالْإِغْمَاء وَالْمَوْت وَمُوجب العقد التسلط على الْحِفْظ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنه إِن تلف بِغَيْر تَقْصِيره فَلَا ضَمَان وَأَنه مهما طلب الْمَالِك وَجب التَّمْكِين من الْأَخْذ فالنظر إِذا فِي الضَّمَان ورد الْعين أما الضَّمَان فسببه التقصر وللتقصير ثَمَانِيَة أَسبَاب السَّبَب الأول أَن يودع عِنْد غَيره من غير عذر فَيضمن لِأَنَّهُ لم يرض الْمَالِك بيد غَيره وَلَا فرق بَين أَو يودع زَوجته أَو عَبده أَو أَجْنَبِيّا إِلَّا أَن يسلم إِلَى عَبده وَزَوجته ليوصله إِلَى حرزه أَعنِي حرز الْمُودع وَإِن أودع القَاضِي وَقَبله القَاضِي فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ رُبمَا يتبرم الْحِفْظ فَلَا يلْزمه المداومة عَلَيْهِ وَلَا شُبْهَة فِي أَمَانَة القَاضِي وَإِن أبي القَاضِي أَن يَأْخُذ هَل يجوز لَهُ ذَلِك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز لِأَنَّهُ نَائِب عَن كل غَائِب فلقبض عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 وَالثَّانِي لَا يلْزمه لِأَنَّهُ الْتزم الْحِفْظ فيكف بِهِ وَفِي وجوب قبُول الْمَغْصُوب من الْغَاصِب وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يلْزم لِأَنَّهُ فِي يَد الْغَاصِب مَضْمُون وَفِي وجوب قبُول الدّين مِمَّن عَلَيْهِ وَجْهَان مرتبان على الْمَغْصُوب وَأولى بِأَن لَا يلْزم لِأَن الدّين غير معرض للتلف فِي ذمَّته وَلَا يثقل عَلَيْهِ حفظه هَذَا إِذا أودع غَيره بِغَيْر عذر فَإِن حَضَره سفر فليرده على الْمَالِك فَإِن عجز فَإلَى القَاضِي فَإِن عجز فَإلَى أَمِين فَإِذا فعل شَيْئا من ذَلِك لم يضمن وَإِن عجز عَن الْكل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يُسَافر وَلَا ضَمَان للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَنه يضمن فَإِنَّهُ الْتزم الْحِفْظ فاليتعرض لخطر الضَّمَان أَو ليترك السّفر السَّبَب الثَّانِي السّفر بالوديعة وَهُوَ سَبَب للضَّمَان إِذا لم يكن عذر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 لِأَن الْمُسَافِر وَمَاله لعلى قلت إِلَّا مَا وقى الله تَعَالَى إِلَّا إِذا أَخذه فِي السّفر فَلهُ اسْتِدَامَة السّفر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُسَافر بِهِ إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا أما إِذا كَانَ بِعُذْر مثل حريق أَو نهب أَو غَارة فِي الْبَلَد فَلَا ضَمَان فِي السّفر بِهِ وَإِن كَانَ الْعذر حَاجته إِلَى السّفر فقد ذكرنَا حكمه فرع لَو حَضَره الْوَفَاة فَحكمه حكم من حَضَره سفر فليودع الْحَاكِم أَو أَمينا إِن عجز عَن الْحَاكِم أَو ليوص إِلَى وَارثه وليشهد عَلَيْهِ صِيَانة عَن الْإِنْكَار فَإِن سكت وَلم يخبر بِهِ أحدا ضمن إِلَّا إِذا مَاتَ فَجْأَة وَلَو أوصى إِلَى فَاسق ضمن وَإِن أوصى إِلَى عدل فَلم تُوجد الْوَدِيعَة فِي تركته فَلَا ضَمَان وَيحمل على أَنَّهَا ضَاعَت قبل مَوته وَإِن قَالَ عِنْدِي ثوب وَله أَثوَاب ضمن لِأَنَّهُ صِيغَة بالخلط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 وَلَو لم يوص فَوجدَ فِي تركته كيس مختوم مَكْتُوب عَلَيْهِ أَنه وَدِيعَة فلَان فَلَا يجب تَسْلِيمه بِمُجَرَّد ذَلِك فَلَعَلَّهُ كتبه تلبيسا أَو بِملك بعد الكتيبة وَلم يُغير الْمَكْتُوب السَّبَب الثَّالِث نقل الْوَدِيعَة من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة فَإِن نقلهَا من قَرْيَة آهلة إِلَى قَرْيَة غير آهلة ضمن لِأَن قَرْيَة آهلة أحرز فِي حَقه وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ وَبَينهمَا مَسَافَة تسمى سفرا ضمن لِأَنَّهُ سَافر بِهِ وَإِن لم تكن فَإِن كَانَت قَرْيَة غير آهلة مثل الأولى أَو أحرز فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَإِن كَانَ دونه ضمن لِأَنَّهُ نقص الأحزار فَكَانَ كَمَا لَو سَافر بِهِ وَإِن نقلهَا من بَيت فِي دَاره إِلَى بَيت آخر وَهُوَ مثل الآخر أَو فَوْقه لم يضمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 وَإِن كَانَ دونه ضمن مهما كَانَ الْبَيْت الأول معينا من الْمَالِك وَإِن قَالَ مَالك احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تنقل فَنقل إِلَى مَا هُوَ فَوْقه أَو مثله ضمن لمُخَالفَته صَرِيح الشَّرْط إِلَّا إِذا نقل بِعُذْر حريق أَو نهب أَو غَارة فروع أَرْبَعَة الأول حَيْثُ جَوَّزنَا النَّقْل إِلَى مثله فانهدم الْبَيْت الْمَنْقُول إِلَيْهِ فَتلفت الْوَدِيعَة ضمن لِأَن ذَلِك جوز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَإِنَّمَا لَا يضمن إِذا جَاءَ التّلف من نَاحيَة أُخْرَى وَكَذَا إِذا قَالَ احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تدخل عَلَيْهَا أحدا فَأدْخل إنْسَانا وَتلف لَا من نَاحيَة الدَّاخِل لم يضمن وَإِن تلف من جِهَة الدَّاخِل ضمن وَكَذَلِكَ مكتري الدَّابَّة للرُّكُوب إِذا ركبهَا فِي الإصطبل فَمَاتَتْ لم يضمن وَإِن انْهَدم عَلَيْهَا الإصطبل ضمن الثَّانِي إِذا قَالَ احفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا تنقل وَإِن وَقعت ضَرُورَة فَإِن نقل بِغَيْر ضَرُورَة ضمن من أَي جِهَة كَانَ التّلف لِأَنَّهُ تصرف فِي مَاله مَعَ نَهْيه عَنهُ وَإِن وَقعت ضَرُورَة فَتَركهَا لم يضمن لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي التضييع وَلَكِن الأولى أَن ينْقل لِأَن التضييع مَكْرُوه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 ثمَّ إِذا نقل فَفِي الضَّمَان وَجْهَان كَمَا فِي الْمُحْتَسب مَعَ الْغَاصِب بِإِخْرَاج الْمَغْصُوب من يَده وَوجه الضَّمَان أَنه أثبت الْيَد على مَاله بِغَيْر إِذْنه فَكَانَ الاحتساب جَائِزا بِشَرْط إيصاله إِلَيْهِ أَو ركُوب غرر الضَّمَان الثَّالِث لَو نقل من ظرف إِلَى ظرف كصندوق أَو كيس فَإِن كَانَ الظروف للْمَالِك فتصرفه فِيهَا بِالنَّقْلِ الْمُجَرّد لَيْسَ بمضمن إِلَّا إِذا فض الْخَتْم أَو حمل القفل هَذَا مَا دلّ عَلَيْهِ مُطلق كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن كَانَ الظّرْف للْمُودع فَحكمه حكم الْبَيْت فِي النَّقْل إِلَى الأحرز أَو الْمثل أَو الأضعف الرَّابِع لَو قَالَ لَهُ لَا تنقل فَادّعى أَنه نقل لضَرُورَة فَإِن كَانَ سَبَب الضَّرُورَة مَشْهُورا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا فَالْقَوْل قَول الْمَالِك فَإِن الأَصْل عدم السَّبَب وَكَونه مُخَالفا للفظ بِظَاهِرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 السَّبَب الرَّابِع التَّقْصِير فِي دفع المهلكات وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا أودعهُ دَابَّة فَترك الْعلف والسقي ضمن إِلَّا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِي تَركه فيعصي وَلَا يضمن ثمَّ الْعلف لَا يلْزمه من مَاله بل يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي حَتَّى يستقرض على الْمَالِك فَإِن عجز وَأنْفق من مَاله وَأشْهد فَفِي الرُّجُوع خلاف فَإِن قُلْنَا إِنَّه يرجع فقد نزلناه منزلَة الْحَاكِم فَلهُ أَن يَبِيع جُزْءا من الدَّابَّة إِن لم يجد طَرِيقا إِلَى النَّفَقَة سواهُ فرع لَو أَمر غُلَامه بالعلف والسقي وَكَانَ عَادَته ذَلِك جَازَ وَإِن كَانَ عَادَته الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ فاستناب فِي الْوَدِيعَة غَيره حَتَّى ثَبت يَده عَلَيْهَا فِي السَّقْي ضمن وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يضمن لِأَن يَد خادمه وَصَاحبه كَيده فِي الْعَادة وَالْأَظْهَر أَنه إِن أخرجه بِنَفسِهِ للسقي وَالطَّرِيق آمن لم يضمن قَالَ الْإِصْطَخْرِي يضمن لِأَنَّهُ أخرج الْوَدِيعَة من الْحِرْز من غير حَاجَة إِلَّا إِذا عجز عَن السَّقْي فِي الْمنزل الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الثَّوْب الَّذِي يُفْسِدهُ الدُّود من الْخَزّ وَالصُّوف وَلَو ترك صيانته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 بالنشر والتعريض للرياح ضمن وَإِن كَانَ لَا يَنْتَفِي الدُّود إِلَّا بِأَن يلْبسهُ ويعبق بِهِ ريح الْآدَمِيّ فَلهُ لبسه السَّبَب الْخَامِس الِانْتِفَاع فَإِذا لبس الثَّوْب أَو ركب الدَّابَّة ضمن إِلَّا أَن يلبس الثَّوْب لدفع الدُّود أَو ركب الدَّابَّة ليدفع الجموح عِنْد السَّقْي وَكَذَلِكَ إِذا أَخذ الدَّرَاهِم ليصرفها إِلَى حَاجته ضمن بِالْأَخْذِ وَإِن لم يصرفهُ إِلَى حَاجته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن بِمُجَرَّد الْأَخْذ وَنحن نزيد على هَذَا فَنَقُول لَو حل ختم الْكيس ضمن مَا فِي الْكيس لِأَنَّهُ يعد خِيَانَة على الْكيس وَهل يضمن الْكيس فِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان أما إِذا حل عقدا على الْكيس من نفس الْكيس أَو من خيط وَأَعَادَهُ لم يضمن لِأَن ذَلِك لَا يعد خِيَانَة وَلَو أخرج الدَّابَّة ليرْكبَهَا فَلم يركبهَا ضمن وَلَو نوى إِخْرَاج الدَّابَّة وَأخذ الدَّرَاهِم فَلم يَأْخُذ وَلم يخرج لَا يضمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 بِخِلَاف الْمُلْتَقط فَإِنَّهُ يضمن بِالنِّيَّةِ لِأَن سَبَب أَمَانَته نِيَّته فتغيرت الْأَمَانَة بِتَغَيُّر النِّيَّة وَهَاهُنَا سَبَب الْأَمَانَة إِثْبَات الْمَالِك يَده فَلَا تَتَغَيَّر إِلَّا بعد وَأَن فِي عين المَال وَقَالَ ابْن سُرَيج يضمن كالملتقط وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَو نوى أَن لَا يرد على الْمَالِك ضمن بِمُجَرَّد النِّيَّة لِأَنَّهُ صَار بِهِ ممسكا على نَفسه فرعان أَحدهمَا لَو ضمن الدِّرْهَم بِالْأَخْذِ فَرده إِلَى الْكيس فَإِن لم يخْتَلط فَالضَّمَان مَقْصُود عَلَيْهِ وَإِن اخْتَلَط فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يضمن لِأَنَّهُ خلط بالمضمون فَهُوَ كَمَا لَو خلط درهما لنَفسِهِ بِهِ فَإِنَّهُ يضمن الْكل وَالثَّانِي لَا يضمن لِأَنَّهُ خلط ملكه بِملكه بِخِلَاف مَا إِذا خلط بِهِ ملك نَفسه فَإِنَّهُ تعذر بِهِ تَسْلِيم ملك الْمَالِك الثَّانِي إِذا أتلف بعض الْوَدِيعَة لم يضمن الْبَاقِي إِذا كَانَ الْمُتْلف مُنْفَصِلا كَمَا لَو أتلف أحد الثَّوْبَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وَإِن كَانَ مُتَّصِلا كَمَا لَو قطع ذِرَاعا من الثَّوْب أَو طرفا من الدَّابَّة فَإِن كَانَ عَامِدًا ضمن لِأَنَّهُ خِيَانَة على الْكل وَإِن كَانَ خطأ ضمن المفوت وَفِي الْبَاقِي وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ لَا يعد خائنا فِي السَّهْو السَّبَب السَّادِس التَّقْصِير بكيفية الْحِفْظ وَفِيه ثَلَاث صور الأولى إِذا سلم إِلَيْهِ صندوقا وَقَالَ لَا ترقد عَلَيْهِ فرقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فقد زَاده خيرا فَلَا يضمن وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يضمن لِأَنَّهُ أغرى اللص بِهِ وَمَا ذكره مُتَّجه إِذا أَخذ السَّارِق من جنب الصندوق فِي الصَّحرَاء فَإِن هَذَا من قبيل الْمُخَالفَة الْجَائِزَة بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة الثَّانِيَة سلم إِلَيْهِ دَرَاهِم وَقَالَ اربطه فِي كمك فَأَمْسكهَا فِي يَده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 فَإِن أَخذه غَاصِب فَلَا ضَمَان لِأَن الْيَد أحرز فِي هَذِه الْحَالة وَإِن استرخى بنوم أَو نِسْيَان ضمن لِأَن الرَّبْط أحرز هَاهُنَا وَلَو ربط فِي كمه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن جعل الْخَيط الرابط خَارج الْكمّ ضمن لِأَنَّهُ أغرى للطرار بِهِ وَإِن جعله دَاخل الْكمّ لم يضمن فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا ضَاعَ من جِهَة الطرار فَإِن ضَاعَ بالاسترسال فَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم بِالْعَكْسِ من هَذَا الثَّالِثَة أودعهُ خَاتمًا قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن جعله فِي خِنْصره ضمن لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل وَفِي إِصْبَع آخر لَا يضمن لِأَنَّهُ إِحْرَاز وَمَا ذكره غير بعيد عَن الْقيَاس إِلَّا إِذا كَانَ تضيق الْحلقَة عَن غير الْخِنْصر فالحفظ فِيهِ مَحْمُول على قصد الْإِحْرَاز السَّبَب السَّابِع التضييع وَله صور الأولى أَن يلقيه فِي مضيعة فَيضمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 ويلتحق بِهِ مَا لَو دلّ سَارِقا عَلَيْهِ أَو دلّ من يصادر الْمَالِك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ خَالف الْحِفْظ الْمُلْتَزم بِخِلَاف من لَا يَد لَهُ على المَال فَإِنَّهُ إِذا دلّ لم يضمن لِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْحِفْظ وَلم يتَصَرَّف فِي المَال الثَّانِيَة إِذا ضيع بِالنِّسْيَانِ فقد سُئِلَ الخضري عَن زَوْجَة سلمت خلخالا إِلَى زَوجهَا ليسلمه إِلَى صائغ فتسلم وَنسي الصَّائِغ فَقَالَ إِن لم يشْهد يضمن بالتقصير فِي الْإِشْهَاد وَإِن أشهد فَلَا يضمن وَإِن مَاتَ الشُّهُود أَو نسوه وَهَذَا مصير إِلَى أَن النسْيَان لَيْسَ بتقصير وَهُوَ غير بعيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يضمن بِالنِّسْيَانِ فَإِن حق الْمُودع التحفظ وَالنِّسْيَان لَا يُؤثر فِي دفع الضَّمَان الثَّالِثَة إِذا أكرهه ظَالِم على التَّسْلِيم فقرار الضَّمَان على الظَّالِم وَفِي توجه الْمُطَالبَة على الْمُكْره وَجْهَان جاريان فِي الْمُكْره على إِتْلَاف مَال الْغَيْر هَذَا إِذا لم يقدر على دفع الظَّالِم فَإِن قدر على دَفعه بإخفاء الْوَدِيعَة فَلم يفعل ضمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 فَإِن حلفه الظَّالِم فليحلف وليكفر وَلَا بَأْس بِأَن يحلف كَاذِبًا إِذا كَانَ مَقْصُوده حفظ حق الْغَيْر وَقد جوز الشَّرْع كلمة الرِّدَّة لحفظ النَّفس وَلَو حلف بِالطَّلَاق فَإِن حلف طلقت زَوجته لِأَنَّهُ قدر على الْخَلَاص بِتَسْلِيم الْوَدِيعَة وَإِن سلم الْوَدِيعَة ضمن لِأَنَّهُ قدر على أَن لَا يسلم بِالْحلف وَهُوَ كَمَا لَو خير بَين أَن يُطلق إِحْدَى زوجتيه لَا على التَّعْيِين إِكْرَاها فعين إِحْدَاهمَا للطَّلَاق وَقع الطَّلَاق السَّبَب الثَّامِن للضَّمَان الْجُحُود وجحود الْوَدِيعَة مَعَ غير الْمَالِك لَيْسَ بمضمن إِذْ عَادَة الْوَدِيعَة الْإخْفَاء وَأما مَعَ الْمَالِك فَبعد الْمُطَالبَة بِالرَّدِّ مضمن وَإِن لم يُطَالب وَلَكِن قَالَ لي عنْدك شئ فَسكت لم يضمن وَإِن أنكر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْجُحُود بعد الطّلب وَالثَّانِي أَنه يضمن لِأَنَّهُ جحود إِذا وَقع بعد السُّؤَال فرع إِذا جحد فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 فَإِن أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على الْإِيدَاع فَادّعى الرَّد أَو التّلف قبل الْجُحُود نظر إِلَى صبغة جحوده فَإِن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي شئ فَقَوله مَقْبُول فِي الرَّد والتلف لِأَنَّهُ لَا مناقضة بَين كلاميه وَإِن أنكر أصل الْوَدِيعَة فَقَوله فِي الرَّد والتلف لَا يقبل فَلَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُمكن لِأَن الْبَيِّنَة تنبني على الدَّعْوَى ودعواه بَاطِلَة بِمَا سبق من قَوْله المناقض لَهَا وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ كَاذِب فِي أحد قوليه لَا محَالة وَالْبَيِّنَة تبين أَن الْكَذِب فِي الأول لَا فِي الثَّانِي هَذَا مَا أردنَا أَن نذكرهُ من أَسبَاب الضَّمَان وَمهما جرى سَبَب الضَّمَان فَعَاد أَمينا وَترك الْخِيَانَة لم يبرأ عَن الضَّمَان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَلَو اسْتَأْنف الْمَالِك إيداعه فَالظَّاهِر أَنه يَزُول الضَّمَان وَفِيه وَجه أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِإِزَالَة يَده كضمان يَد البَائِع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 النّظر الثَّانِي فِي رد الْعين إِذا كَانَت بَاقِيَة وَهُوَ وَاجِب مهما طلب الْمَالِك فَإِن أخر بِغَيْر عذر ضمن وَإِن كَانَ فِي جنح اللَّيْل وَتعذر عَلَيْهِ الْوُصُول إِلَيْهِ لم يضمن وَإِن كَانَ فِي جماع أَو على طَعَام لم يعْص بِالتَّأْخِيرِ فِي هَذَا الْقدر وَلكنه جَائِز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن تلف بِهَذَا التَّأْخِير ضمن وَإِن عين وَكيلا ليرد عَلَيْهِ لزمَه الرَّد مهما طَالبه فَإِن تمكن وَلم يُطَالِبهُ الْوَكِيل فَفِي الضَّمَان كَنَظِيرِهِ فِي الثَّوْب إِذا طيره الرّيح فِي دَاره وَحَقِيقَة الْوَجْهَيْنِ أَن الْأَمَانَة الشَّرْعِيَّة تتمادى إِلَى التَّمَكُّن من الرَّد أَو إِلَى الْمُطَالبَة بِالرَّدِّ وَبعد أَن أمره بِالرَّدِّ على الْوَكِيل فقد عَزله وَصَارَت أَمَانَة شَرْعِيَّة فرعان أَحدهمَا لَو طَالبه بِالرَّدِّ فَادّعى التّلف فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يدعى التّلف بحريق أَو نهب أَو غَارة فَإِنَّهُ لَا يصدق مَا لم يستفض أَو لم تقم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة لِأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 إِقَامَة البنية عَلَيْهِ سهل وَلَو أطلق دَعْوَى التّلف وطالبه الْمَالِك بتفصيل السَّبَب فَلَا يلْزمه الْبَيَان وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا يَمِين على التّلف فَأَما إِذا ادّعى الرَّد نظر فَإِن ادّعى الرَّد على من ائتمنه فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فَإِنَّهُ اعْترف بأمانته فَلَزِمَهُ قبُول يَمِينه وَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه كَمَا إِذا ادّعى الرَّد على وَارِث الْمَالِك بعد أَن مَاتَ الْمَالِك أَو ادّعى وَارِث الْمُودع الرَّد على الْمَالِك أَو ادّعى المتلقط أَو من طير الرّيح ثوبا فِي دَاره ردا على الْمَالِك فَهَؤُلَاءِ لَا يصدقون إِلَّا بِبَيِّنَة وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الرَّد على وَكيل الْمَالِك وَأنكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَول الْوَكِيل وَلَا يجب على الْمَالِك تَصْدِيق الموجع لِأَن الْخُصُومَة أَولا مَعَ الْوَكِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يلْزمه تَصْدِيقه لِأَن وَكيله بِمَنْزِلَتِهِ وَإِن اعْترف بِالتَّسْلِيمِ وَلَكِن نسب الْمُودع إِلَى التَّقْصِير بترك الْإِشْهَاد أَو أنكر وَكيله فَهَل يتَضَمَّن بِهَذَا التَّقْصِير فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا إِذا وَكله بِقَضَاء دين فَلم يشْهد وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَدِيعَة عَادَتهَا الْإخْفَاء وَلَا ينفع الْإِشْهَاد مَعَ الْوَكِيل فَإِنَّهُ إِن كَانَ يستجيز الْخِيَانَة فيدعي التّلف أَو الرَّد وَيكون مُصدقا بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مُسْتَحقّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 الدّين فَإِنَّهُ لَا حِيلَة لَهُ مَعَ الْإِشْهَاد وَالْخلاف فِي وجوب الْإِشْهَاد جَار فِي الْوَصِيّ إِذا رد المَال على الْيَتِيم بعد بُلُوغه فَإِن قُلْنَا يجب الْإِشْهَاد فتنازعا فِي جَرَيَانه فَالْأَصْل عَدمه وَالْقَوْل قَول الْمَالِك فِي عَدمه فَإِن قيل فَلَو أودع الْمُودع عِنْد إِنْسَان آخر لإذن الْمَالِك عِنْد سَفَره فَهَل يصدق الْمُودع الثَّانِي فِي دَعْوَى الرَّد قُلْنَا ينظر فَإِن عينه الْمَالِك صدق فِي دَعْوَى الرَّد على الْمَالِك لِأَنَّهُ مُودع من جِهَته وَإِن لم يُعينهُ وَلَكِن قَالَ أودع أَمينا فعينه الْمُودع الأول فَلَا يصدق إِلَّا فِي دَعْوَى الرَّد على الْمُودع الأول فَأَما على الْمَالِك فَلَا الثَّانِي إِذا ادّعى رجلَانِ وَدِيعَة عِنْد إِنْسَان فَقَالَ هُوَ لأحدكما وَقد نسيت عينه فَإِن اعترفا لَهُ بِعَدَمِ الْعلم فَلَا خُصُومَة لَهما مَعَه وَفِي الْوَدِيعَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تنقل إِلَى يَد أَمِين وَتوقف إِلَى أَن تفصل الْخُصُومَة بطريقها لِأَن هَذَا الْأمين انْعَزل بمطالبتها بِالرَّدِّ وَالثَّانِي أَنه يتْرك فِي يَده فَإِنَّهُ أَمِين حَاضر فَلَا معنى لاستئناف أَمِين آخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 ثمَّ هَذَا المَال يَجْعَل كَأَنَّهُ فِي يدهما وَقد تنازعاه أَو يَجْعَل كَمَال فِي يَد ثَالِث تداعاه أجنبيان فِيهِ وَجْهَان قَالَ القَاضِي حُسَيْن يَجْعَل الشئ فِي يدهما لِأَن الْحق لَا يعدوهما بِاتِّفَاق الْجَمِيع وَقَالَ الْمحَامِلِي لَا يَجْعَل فِي يدهما فَإِنَّهُ لم يثبت لأَحَدهمَا يَد أما إِذا ادّعَيَا الْعلم على الْمُودع فيكفيه أَن يحلف لَهما يَمِينا وَاحِدَة على النَّفْي وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا يَمِينا فَإِذا حلفناه فَإِن حلف عَاد الْأَمر كَمَا كَانَ فِي الصُّورَة الأولى فَإِن نكل حلفا يَمِين الرَّد فَإِذا حلفا ضمن الْمُودع الْقيمَة وَجعلت الْقيمَة أَيْضا فِي يدهما فَيحصل كل وَاحِد مِنْهُمَا على نصف الْوَدِيعَة وَنصف الْقيمَة فَإِن سلم الْعين لأَحَدهمَا دون الآخر بِبَيِّنَة أَو يَمِين مَرْدُودَة رد من سلم الْعين لَهُ نصف الْقيمَة الَّتِى فِي يَده إِلَى الْمُودع إِذْ وصل إِلَيْهِ الْمُبدل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 وَأما الآخر فَلَا يرد النّصْف الذى فِي يَده لِأَنَّهُ اسْتحقَّهَا بِيَمِين مَرْدُودَة من جِهَة الْمُودع وَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ مبدله هَذَا كُله تَفْرِيع من الْأَصْحَاب على أَن الْمُودع لَا يضمن بِالنِّسْيَانِ وَقد ذكرنَا وَجها فِي تَضْمِينه فعلى هَذَا يضمن بِمُجَرَّد النسْيَان وَلَا يحْتَاج إِلَى النّكُول وَالْيَمِين وَالله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 = كتاب قسم الْفَيْء والغنائم = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْفَيْء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كل مَال لكَافِر فَاء إِلَى الْمُسلمين من غير إيجَاف خيل وَلَا ركاب كَمَا إِذا انجلوا عَنهُ خوفًا من الْمُسلمين من غير قتال أَو بذلوه للكف عَن قِتَالهمْ وَهُوَ مخمس كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله وَكَذَلِكَ مَا أَخذ بِغَيْر تخويف كالجزية وَالْخَرَاج عَن أراضيهم وَالْعشر من تِجَارَتهمْ وَمَال الْمُرْتَد وَمَال من مَاتَ مِنْهُم وَلَا وَارِث لَهُ فَالصَّحِيح أَن هَذَا أَيْضا يُخَمّس لعُمُوم قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 الطّرف الأول فِي الْخمس وَهُوَ مقسوم بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أسْهم إِذْ كَانَ الْفَيْء كُله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السهْم الأول لله وَلِرَسُولِهِ فَهُوَ مَصْرُوف إِلَى مصَالح الْمُسلمين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنَاول من الأَرْض وبرة من بعير فَقَالَ والذى نَفسِي بِيَدِهِ مَا لي مِمَّا أَفَاء الله إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم وَأَرَادَ بِهِ مَا بعد الْوَفَاة وَالرَّدّ على الْجُمْلَة بِالصرْفِ إِلَى الْمصَالح الْعَامَّة كسد الثغور وَعمارَة القناطر وأرزاق الْقُضَاة وَغَيرهَا وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يصرف سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الإِمَام فَإِنَّهُ خَلِيفَته السهْم الثَّانِي لِذَوي الْقُرْبَى وهم المدلون بِقرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبني هَاشم وَبني الْمطلب دون غرهم من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 بني عبد شمس وَبني نَوْفَل لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم على هَؤُلَاءِ وَمنع أُولَئِكَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْخمس يقسم بِثَلَاثَة أسْهم فَأَما سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسم ذَوي الْقُرْبَى فقد سقطا بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بعض الْعلمَاء يقسم بِسِتَّة أسْهم وَسَهْم الله تَعَالَى يتَمَيَّز عَن سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصْرف إِلَى زِينَة الْكَعْبَة ومصالحها وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم وَلَو صَحَّ ذَلِك لَكَانَ نصِيبه سدسا وَإِذا ثَبت أَنه لِذَوي الْقُرْبَى فيشترك فِي اسْتِحْقَاقه أغنياؤهم وفقراؤهم لِأَن الْعَبَّاس كَانَ يَأْخُذ مِنْهُ وَكَانَ من أغنيائهم ويشترك فِيهِ الصَّغِير وَالْكَبِير وَالنِّسَاء وَالرِّجَال والحاضر فِي ذَلِك الإقليم وَالْغَائِب تعلقا بِعُمُوم الْقَرَابَة ويفضل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 الذّكر على الْأُنْثَى لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ بِالْقَرَابَةِ فَيُشبه الْمِيرَاث هَذَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الْمُزنِيّ يسوى كَالْوَصِيَّةِ للأقارب وَهُوَ الْقيَاس فرع قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْلَاد الْبَنَات لَا يسْتَحقُّونَ فَإِنَّهُ لَا نسب من جِهَة الْأُمَّهَات وَهَذَا مُسْتَحقّ بِالنّسَبِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن من يُدْلِي بجهتين يفضل على من يُدْلِي بِجِهَة وَاحِدَة كَمَا يقدم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ للْأَب وَهَذَا يدل على أَن الإدلاء بِالْأُمِّ لَهُ أثر فِي الِاسْتِحْقَاق عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يبعد عَن الْقيَاس أَن يُؤثر عِنْد الِانْفِرَاد مَعَ شُمُول اسْم الْقَرَابَة السهْم الثَّالِث لِلْيَتَامَى وَهُوَ كل طِفْل لم يبلغ الْحلم وَلَا كافل لَهُ من أَوْلَاد المرتزقة وَغَيرهم وَقَالَ الْقفال يخْتَص بأولاد المرتزقة وَهُوَ بعيد نعم هَل يشْتَرط كَونه فَقِيرا فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يشْتَرط فِي ذَوي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ زِيَادَة شَرط على الْوَصْف الْمَذْكُور وَالثَّانِي نعم لِأَن لفظ الْيَتِيم يُنبئ عَن الْحَاجة إِلَى التعهد والغني الذى يتعهد غَيره من مَاله بِالزَّكَاةِ وَالنَّفقَة يبعد فهمه عَن الْآيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 السهْم الرَّابِع سهم الْمَسَاكِين وَيجوز صرفه إِلَى الْفَقِير فَإِنَّهُ أَشد حَاجَة مِنْهُ السهْم الْخَامِس لأبناء السَّبِيل وَسَيَأْتِي بَيَان الصِّنْفَيْنِ فِي تَفْرِيق الصَّدقَات فَإِن قيل فَهَل يجب التَّسْوِيَة بَينهم قُلْنَا أما الأسهم الْخمس فَلَا بُد وَأَن تتساوى فِي الأَصْل وَأما سهم ذَوي الْقُرْبَى فَيقسم على السوية إِلَّا بِسَبَب الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَأما الْمُسْتَحق باليتم والمسكنة وَالسّفر فيتفاوت بتفاوت الْحَاجة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 الطّرف الثَّانِي فِي الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة وَقد كَانَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْخمس وَبعده فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مَرْدُود إِلَى الْمصَالح كالخمس من الْخمس الْمُضَاف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانِي أَنه يقسم على الْجِهَات كَمَا يقسم الْخمس فعلى هَذَا يقسم جملَة الْفَيْء بِخَمْسَة أَقسَام وَعَلِيهِ يدل ظَاهر قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَنه للمرتزقة المقاتلين كأربعة أَخْمَاس الْغَنِيمَة فَإِنَّهَا للحاضرين فِي الْقِتَال إِذْ كَانَ يَأْخُذهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْكفَّار كَانُوا يحذرون مِنْهُ والآن يحذرون من جند الْإِسْلَام وَذهب بعض الشِّيعَة إِلَى أَنه موروث مِنْهُ لأقاربه وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 وَإِذا ثَبت أَنه للمقاتلين فليراع الإِمَام فِي الْقِسْمَة سَبْعَة أُمُور الأول أَن يضع ديوانا يحصي فِيهِ المرتزقة بِأَسْمَائِهِمْ وَينصب لكل عشرَة مِنْهُم عريفا يجمعهُمْ فِي وَقت الْعَطاء ليَكُون أسهل عَلَيْهِ الثَّانِي أَن يُسَوِّي وَلَا يفضل أحدا بسبق فِي الْإِسْلَام وَلَا سنّ نسب بل يُعْطي كل وَاحِد على قدر حَاجته فيزيد بِزِيَادَة الْحَاجة وَلَا يُعْطِيهِ مَا يقصر عَن كِفَايَته وكفاية زَوجته وَأَوْلَاده لأَنهم كفوا الْمُسلمين أَمر الْجِهَاد فليكفوا أَمر النَّفَقَة فَلَو كَانَ لوَاحِد أَربع زَوْجَات أنْفق على الْكل ويبفق على عَبده وفرسه فَإِن لم يكن لَهُ عبد وَفرس وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ اشْتَرَاهُ لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ عبيد للْخدمَة لَا ينْفق على أَكثر من وَاحِد لِأَنَّهُ لَا حصر لَهُم بِخِلَاف الزَّوْجَات وَيُعْطِي الْوَلَد الصَّغِير كَمَا يُعْطي الْكَبِير وَكلما كبر فزادت حَاجته زَاد فِي جرايته وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يفضل الْبَعْض على الْبَعْض وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يُسَوِّي بَينهم فَرَأى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الِاقْتِدَاء بِالصديقِ رضوَان الله عَلَيْهِ تَشْبِيها بِالْغَنِيمَةِ فيسوي فِيهَا بَين الشجاع والضعيف الثَّالِث أَن يقدم فِي الْإِعْطَاء الأولى بالتقديم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 فَيقدم قُريْشًا وَيقدم من جُمْلَتهمْ بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب فيسوي بَينهم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَبكَ بَين أَصَابِعه فِي تمثيلهم تَنْبِيها على التَّسْوِيَة نعم إِن كَانَ فيهم مسن قدم الأسن ثمَّ يُعْطي بعدهمْ بني عبد شمس وَبني نَوْفَل وَبني عبد منَاف وَيقدم بني عبد شمس لِأَن عبد شمس أَخُوهَا هَاشم من أَبِيه وَأمه وَنَوْفَل أَخُوهُ من أَبِيه لَا من أمه ثمَّ يعْطى بَنو عبد الْعُزَّى وَبَنُو عبد الدَّار وَيقدم بَنو عبد الْعُزَّى على بني عبد الدَّار لِأَن فيهم أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ يعْطى الْأَقْرَب حَتَّى تَنْقَضِي قُرَيْش ثمَّ يقدم الْأَنْصَار على سَائِر الْعَرَب وَيُعْطى بعد ذَلِك الْعَجم وَإِذا تَسَاوَت الرتب قدم بِالسِّنِّ أَو بِالسَّبقِ إِلَى الْإِسْلَام وَلم يقدم بِسَبَب سوى مَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 الرَّابِع لَا يثبت ابْتِدَاء فِي الدِّيوَان اسْم صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا ضَعِيف إِذْ لَا كِفَايَة فيهم بل يثبت اسْم الأقوياء الْبَالِغين المستعدين للغزو إِذا أمروا فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون فَإِن كَانَ يُرْجَى زَوَاله فَلَا يسْقط الِاسْم وَإِن كَانَ لَا يُرْجَى فَيسْقط اسْمه وَإِذا مَاتَ فَمَا كَانَ يُعْطي زَوجته وَأَوْلَاده فِي حَيَاته هَل يبْقى عَلَيْهِ بعد مَوته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط إِذا كَانَ ذَلِك بطرِيق التّبعِيَّة والآن فقد مَاتَ الْمَتْبُوع وَلَيْسَ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد وَالثَّانِي أَنه يستصحب إِذْ الْمُجَاهِد إِذا علم أَن ذُريَّته مضيعون بعد وَفَاته اشْتغل بِالْكَسْبِ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد فعلى هَذَا يُعْطي للزَّوْجَة إِلَى أَن تتَزَوَّج فَإِذا استغنت بزوجها سقط حَقّهَا وَيبقى حق الصّبيان إِلَى الْبلُوغ فَإِن بلغُوا عاجزين بجنون أَو ضعف أَو أنوثة اسْتمرّ مَا كَانَ وَكَأَنَّهُم لم يبلغُوا وَإِن صلحوا لِلْقِتَالِ خيروا فَإِن اخْتَارُوا الْجِهَاد استقلو باثبات الِاسْم وَإِن أَعرضُوا التحقوا بالمكتسبين انْقَطع حَقهم الْخَامِس يَنْبَغِي أَن تفرق أَرْزَاقهم فِي أول كل سنة وَلَا يُكَرر الْقِسْمَة فِي كل أُسْبُوع وَشهر فَإِن الْحَاجة فِي المَال تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر السّنة إِلَّا أَن تَقْتَضِي الْمصلحَة ذَلِك فَلهُ اتباعها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 فَلَو مَاتَ وَاحِد بعد أَن جمع المَال وَمَضَت السّنة كَانَ نصِيبه لوَرثَته والحول فَلَا حق لورته وَإِن كَانَ بعد الْجمع وَإِن مَاتَ قبل الْجمع وَقبل انْقِضَاء السّنة فَقَوْلَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول المَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن النُّصْرَة لم تكمل بِالسنةِ وَهِي لَا تجزأ السَّادِس إِن كَانَ من جملَة الْفَيْء أراض فخمسها لأهل الْخمس وَأَرْبَعَة أخماسها يكون وَقفا هَكَذَا قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هُوَ تَفْرِيع مِنْهُ على أَنه للْمصَالح والمصلحة فِي الْوَقْف لتبقى الْغلَّة على الْمُسلمين فِي الدَّوَام وعَلى القَوْل الآخر يقسم على المرتزقة كالمنقول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا للمرتزقة فنجعلها وَقفا لتَكون رزقا مُؤَبَّدًا عَلَيْهِم بِخِلَاف الْغَنِيمَة إِذْ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا فَلذَلِك لَا يفضل أحد على غَيره لحَاجَة ومصلحة فَإِن قُلْنَا بِالْوَقْفِ فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْوَقْف الشَّرْعِيّ الَّذِي يحرم بِهِ البيع وَالْقِسْمَة وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ التَّوَقُّف عَن قسْمَة الرَّقَبَة وَقِسْمَة الْغلَّة دون الْوَقْف الشَّرْعِيّ السَّابِع إِذا فضل شَيْء من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة عَن قدر حَاجتهم فَيرد عَلَيْهِم ويوزع وَإِن زَاد على كفايتهم إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه للْمصَالح وَأَنه يصرف إِلَيْهِم لِأَنَّهُ أهم الْمصَالح فَحِينَئِذٍ إِن ظَهرت مصلحَة أهم مِنْهُ لم ترد الزِّيَادَة عَلَيْهِم وَالله أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قسم الْغَنَائِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْغنيمَة كل مَال تَأْخُذهُ الفئة الْمُقَاتلَة على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة من الْكفَّار فخمسها يقسم بِخَمْسَة أَقسَام كخمس الْفَيْء وَأَرْبَعَة أخماسها للغانمين فيتطرق إِلَيْهَا النَّفْل والرضخ وَالسَّلب ثمَّ الْقِسْمَة بعده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 النّظر الأول فِي النَّفْل وَهُوَ زِيَادَة مَال يَشْتَرِطه أَمِير الْجَيْش لمن يتعاطى فعلا مخاطرا يُفْضِي إِلَى الظفر بالعدو كتقدمه طَلِيعَة أَو تهجمه على قلعة أَو دلَالَته على طَرِيق بلد وَالنَّظَر فِي قدره وَمحله أما مَحَله فَيجوز أَن يكون من بَيت مَال الْمُسلمين لِأَنَّهُ من الْمصَالح فَإِن شَرط مِنْهُ فَلْيَكُن قدر المَال مَعْلُوما لِأَنَّهُ جعَالَة وَيجوز أَن يكون مِمَّا يتَوَقَّع أَخذه من مَال الْمُشْركين من خمس الْخمس وَعند ذَلِك لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فقد شَرط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثُّلُث فِي الرّجْعَة وَالرّبع فِي البدأة وَحكى القَاضِي عَن الْقَدِيم قولا أَنه لَا يخْتَص بِخمْس الْخمس والمصالح بل يُعْطون الثُّلُث وَالرّبع مِمَّا أخذُوا من أصل المَال لَا من خمس الْخمس وَالْبَاقِي يكون غنيمَة مُشْتَركَة وعَلى هَذَا فَهَل يُخَمّس مَا اختصوا بِهِ فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرضخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 فرع لَو قَالَ الْأَمِير من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَأَرَادَ أَن يَجْعَل كل مَا أَخذه نفلا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ قَائِل بذلك كَانَ ذَلِك مذهبا وَقد قَالَ بِهِ أَبُو حينفة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الْأَصْحَاب هُوَ ترديد قَول فعلى قَول يجوز لما روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَوْم بدر من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَالأَصَح أَنه لَا يجوز والْحَدِيث غير صَحِيح وَقد قيل إِن غَنَائِم بدر كَانَت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَاصَّة يفعل فِيهَا مَا يَشَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 أما قدره فباجتهاد الإِمَام وَليكن على قدر خطره فِي الْعَمَل وَلذَلِك زَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرّجْعَة لِأَن خطر التَّخَلُّف عَن الْعَسْكَر فِي آخر الْقِتَال أعظم من خطر التَّقَدُّم قبل الْقِتَال وَالْأَظْهَر أَن ذَلِك كَانَ ثلث خمس الْخمس وَربع خمس الْخمس وَقيل مَعْنَاهُ إِن يُزَاد لكل وَاحِد مثل ثلث حِصَّته أَو مثل ربعه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 النّظر الثَّانِي فِي الرضخ وَهُوَ قدر من المَال تَقْدِيره إِلَى رَأْي الإِمَام بِشَرْط أَن لَا يزِيد على سهم رجل من الْغَانِمين بل ينقص كَمَا ينقص التَّعْزِير من الْحَد ومصرفه العبيد وَالصبيان المراهقون وَالنِّسَاء وَالْكفَّار الَّذين حَضَرُوا الْوَاقِعَة فَلَيْسَ لَهُم رُتْبَة الْكَمَال حَتَّى يدخلُوا فِي الْقِسْمَة وَفِي الْمحل الَّذِي يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه من أصل الْغَنِيمَة تَقْدِيمًا على الْكل كَأُجْرَة النَّقْل وَالْحمل وَالثَّانِي أَنه من خمس الْخمس كالنقل على الرَّأْي الْأَصَح وَالثَّالِث وَهُوَ الأقيس أَنه من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ سهم من الْغَنِيمَة اسْتِحْقَاقه بِشُهُود الْوَقْعَة لكنه دون سَائِر السِّهَام فرع الْكَافِر إِذا حضر بِغَيْر إِذن الإِمَام أَو حضر بِأُجْرَة قدرهَا الإِمَام فَلَا شَيْء لَهُ من الرضخ وللأمام أَن يسْتَأْجر أهل الذِّمَّة بِشَيْء من المَال فَأَما العَبْد إِذا حضر اسْتحق الرضخ مَأْذُونا كَانَ من جِهَة السَّيِّد أَو الإِمَام أَو لم يكن قَاتل أَو لم يُقَاتل وَكَذَا النِّسَاء وَالصبيان وَاعْتِبَار الْإِذْن فِي حق الْكَافِر لِأَنَّهُ مُتَّهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 النّظر الثَّالِث فِي السَّلب وَهُوَ الْقَاتِل نَادَى الإِمَام أَو لم يناد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه ثمَّ النّظر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان الرُّكْن الأول فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَهُوَ ركُوب الْغرَر فِي قهر كَافِر مقبل على الْقِتَال بِمَا يَكْفِي بِالْكُلِّيَّةِ شَره فالحد مُقَيّد بِثَلَاث شَرَائِط الأول ركُوب الْغرَر فَلَو رمى من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ وَقتل لم يسْتَحق لِأَن السَّلب حث على الهجوم على الْخطر وَالثَّانِي أَنه إِن قهر الْكَافِر بالإثخان وَإِن لم يقْتله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 اسْتحق وَإِن قَتله غَيره لم يسْتَحق قتل ابْن مَسْعُود أَبَا جهل فَلم يُعْط سلبه إِذْ كَانَ أثخنه غَيره وَلَو اشْترك رجلَانِ فِي الْقَتْل اشْتَركَا فِي السَّلب وَقطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ جَمِيعًا إثخان وَقطع الْيَدَيْنِ دون الرجلَيْن أَو الرجلَيْن دون الْيَدَيْنِ فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ يعدو بِرجلِهِ عِنْد فقد الْيَد فَيجمع الْعَسْكَر وَيُقَاتل بِيَدِهِ رَاكِبًا عِنْد فقد الرجل أما إِذا أسر كَافِرًا وَسلمهُ إِلَى الإِمَام فَقَوْلَانِ الْأَصَح أَنه يسْتَحق سلبه لِأَنَّهُ قهر تَامّ بِمَا يَكْفِي شَره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقتل وَلَا مهد سَبِيل الْقَتْل بالجراحة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 وعَلى الصَّحِيح لَو فاداه الإِمَام أَو استرقه فَفِي رقبته وَمَال الْفِدَاء قَولَانِ فِي أَنه هَل يكون من جملَة السَّلب الشَّرْط الثَّالِث كَون الْقَتِيل مُقبلا على الْقِتَال فَلَو قتل مُنْهَزِمًا أَو نَائِما أَو مَشْغُولًا بِالْأَكْلِ لم يسْتَحق الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُسْتَحق وَهُوَ كل من يسْتَحق السهْم الْكَامِل من الْغَانِمين ومستحق الرضخ هَل يسْتَحق السَّلب إِذا قتل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَالثَّانِي لَا لأَنهم كَمَا استثنوا عَن عُمُوم آيَة الْغَنِيمَة يستثنون عَن عُمُوم الحَدِيث أما الذِّمِّيّ إِذا قتل فَلَا يسْتَحق السَّلب قطع بِهِ القَاضِي وَذكر وَجْهَيْن فِيمَن قتل امْرَأَة كَافِرَة أَو مراهقا كَافِرًا فِي أَنه هَل يسْتَحق سلبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 ومنشأ التَّرَدُّد تعلق التَّحْرِيم بِالْقَتْلِ الرُّكْن الثَّالِث فِي حد السَّلب وَهُوَ كل مَا تثبت يَد الْقَتِيل عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ عدَّة الْقِتَال وزينة الْمقَاتل كثيابه وسلاحه وفرسه وَمَا خَلفه فِي خيمته من كرَاع وَسلَاح لَا يسْتَحقّهُ الْقَاتِل وَالصَّحِيح أَنه يسْتَحق مَا مَعَه من الْخَاتم والسوار والمنطقة وَمَا مَعَه من الدَّنَانِير الَّتِي استصحبها للنَّفَقَة فَقَوْلَانِ مشهوران أقيسهما أَنه يسْتَحق لِأَن جملَة مَا مَعَه مطمع الْمقَاتل وَالثَّانِي لَا يسْتَحق كالحقيبة المشدودة على فرسه وفيهَا أقمشة ودنانير فَإِنَّهُ لَا يملك اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 وَقَالَ القَاضِي لَا بُد من أجراء الْخلاف فِيهِ وَالْقِيَاس مَا قَالَه وَأما الدَّابَّة الَّتِي مَعَه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقَاتِلًا عَلَيْهَا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ قد يعجز الْوَاحِد فَيُقَاتل على الثَّانِي فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ يُقَاتل رَاجِلا وَهُوَ قَابض للجام فرسه فَإِنَّهُ يسْتَحق سهم الْفرس الرُّكْن الرَّابِع فِي حكم السَّلب وَحكمه أَنه يفرز من رَأس المَال الْغَنِيمَة لصَاحبه ثمَّ تقسم الْغَنِيمَة بعده وَلَا ينْحَصر فِي خمس الْخمس بِخِلَاف الرضخ وَالنَّفْل على رَأْي وَهل يخرج الْخمس من السَّلب ذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَالْقِيَاس أَنه يخرج وَلَكِن نقل عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل وَلم يُخَمّس فاتباع الحَدِيث أولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 النّظر الرَّابِع فِي قسْمَة الْغَنِيمَة وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا ميز الإِمَام الْخمس وَالسَّلب والرضخ وَالنَّفْل على التَّفْضِيل الَّذِي تقدم قسم الْبَاقِي على الْغَانِمين بِالسَّوِيَّةِ وَقسم الْعقار كَمَا يقسم الْمَنْقُول وَيُعْطِي الْفَارِس ثَلَاثَة أسْهم والراجل سَهْما وَاحِدًا وَلَا يُؤَخر الْقِسْمَة إِلَى دَار السَّلَام هَكَذَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز الْقِسْمَة فِي دَار الْحَرْب وَلَا يعْطى الْفَارِس إِلَّا سَهْمَيْنِ وَيتَخَيَّر الإِمَام فِي الْعقار بَين الرَّد على الْكفَّار أَو الْوُقُوف على الْمُسلمين أَو الْقِسْمَة على الْغَانِمين وَالْكل مَرْدُود عَلَيْهِ بالأحاديث الثَّانِيَة مُسْتَحقّ الْغَنِيمَة من شهد الْوَقْعَة مَعَ تَجْرِيد الْقَصْد لنصرة الْمُسلمين فَلَو لم يحضر فِي الِابْتِدَاء وَلحق بعد حِيَازَة الْغَنِيمَة وانقضاء الْحَرْب لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق إِذا لحق فِي دَار الْحَرْب وَإِن لحق قبل انْقِضَاء الْحَرْب شَارك فِي الِاسْتِحْقَاق لشهود الْوَقْعَة وَحُصُول الْغناء وَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَقبل حِيَازَة الْغَنِيمَة فَقَوْلَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى سَبَب الْحِيَازَة وَهُوَ الْقِتَال وَفِي الثَّانِي إِلَى نفس الْحِيَازَة أما الثَّانِي إِذا حضر فِي الِابْتِدَاء ثمَّ مَاتَ فَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال انْتقل سَهْمه إِلَى ورثته لِأَنَّهُ ملك بِتمَام الْقِتَال وَإِن كَانَ قبل الشُّرُوع فِي الْقِتَال فَلَا حق لوَرثَته وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الْقِتَال نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَا حق لوَرثَته وَلَكِن نَص فِي موت الْفرس فِي أثْنَاء الْقِتَال أَنه يسْتَحق سَهْمه فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ لَا فرق بَين الْفرس والفارس فَفِي قَول يسْتَحق بشهوده بعض الْوَقْعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 وَفِي قَول لَا يسْتَحق نظرا إِلَى آخر الْأَمر فَإِنَّهُ مَحل الْخطر وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ إِذا مَاتَ الْفرس فالمتبوع قَائِم بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ الْفَارِس وَمهما مرض مَرضا لَا يرجي زَوَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كالموت وَذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَوجه القَوْل الآخر الْمصلحَة فِي حَاجَة الْمَرِيض إِلَى المعالجة وَنَفَقَة الإياب بِخِلَاف الْمَيِّت وَإِن كَانَ الْمَرَض مِمَّا يُرْجَى زَوَاله فَلَا يمْتَنع الِاسْتِحْقَاق لَا فِي ابْتِدَاء الْقِتَال وَلَا فِي دَوَامه أما إِذا هرب عَن الْقِتَال سقط سَهْمه إِلَى إِذا هرب متحيزا إِلَى فِئَة أُخْرَى أَو متحرفا لقِتَال وَمهما ادّعى ذَلِك فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَأما المخذل للجيش والمضعف لقُلُوبِهِمْ يَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّفّ فَإِن حضر لم يسْتَحق لَا السَّلب وَلَا الْغَنِيمَة وَلَا الرضخ فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا من المنهزم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا وَجه الإِمَام سَرِيَّة من جملَة الْجَيْش فَغنِمت شَيْئا شَارك فِي اسْتِحْقَاقهَا جَيش الإِمَام إِذا كَانُوا بِالْقربِ مُتَرَصِّدِينَ لنصرتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 وحد الْقرب مَا يتَصَوَّر فِيهِ الْإِمْدَاد عِنْد الْحَاجة وَقَالَ الْقفال الْقرب بالاجتماع فِي دَار الْحَرْب وَإِن تباعدوا وَهُوَ بعيد وَلَو بعث سريتين فَمَا أَخذ كل وَاحِد مِنْهَا مقسوم على جَمِيع الْجَيْش وعَلى السريتين عِنْد التقارب وَذكر القَاضِي وَجها أَن إِحْدَى السريتين لَا تشارك الْأُخْرَى وَلَكِن الْجَيْش يشاركهما جَمِيعًا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الَّذين حَضَرُوا لَا لقصد الْجِهَاد كالأجير والتاجر والأسير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 فَفِي الْأَجِير على سياسة الدَّوَابّ وَغَيره ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ لم يخرج الْقَصْد للنصرة وَالثَّانِي يسْتَحق لِأَنَّهُ قَاتل فَجمع بَين القصدين فَإِن لم يُقَاتل فَلَا يسْتَحق قطعا وَالثَّالِث أَن قَصده مَرْدُود فَيُخَير بَين إِسْقَاط الْأُجْرَة وَبَين طلبَهَا فَإِن أعرض عَن الْأُجْرَة اسْتحق السهْم وَإِلَّا فَلَا وَمن أَي وَقت تسْقط أجرته إِذا أعرض فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا من وَقت دُخُول دَار الْحَرْب وَالثَّانِي من وَقت ابْتِدَاء الْقِتَال إِذْ هُوَ السَّبَب الْخَاص فِي الْملك هَذَا فِي أجِير اُسْتُؤْجِرَ لَا لأجل الْجِهَاد فَإِن اُسْتُؤْجِرَ للْجِهَاد وَهُوَ مُسلم فَالْإِجَارَة فَاسِدَة إِذْ يجب عَلَيْهِ الصَّبْر عِنْد الْوُقُوف فِي الصَّفّ وَإِذا سَقَطت أجرته فَهَل يسْتَحق السهْم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه أعرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 عَنهُ طَمَعا فِي الْأُجْرَة وَإِن كَانَ كَافِرًا واستأجره الإِمَام صحت الْإِجَارَة وَإِن اسْتَأْجرهُ أحاد الرعايا فَلَا وَأما التَّاجِر إِذا قَاتل فَقَوْلَانِ كَمَا فِي الْأَجِير إِذْ القَوْل الثَّالِث بِإِسْقَاط مَال الْإِجَارَة غير مُمكن أما الْأَسير إِذا كَانَ من هَذَا الْجَيْش وَعَاد اسْتحق قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ فِي مقاساة أَمر الْكفَّار وَإِن كَانَ من جَيش آخر وَأسر من قبل فَإِن الْتحق بالصف وَقَاتل اسْتحق وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَإِن كَانَ كَافِرًا وَأسلم والتحق بجند الْإِسْلَام اسْتحق السهْم قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ قصد إعزاز الْإِسْلَام والأسير دونه فَإِن قَصده الْخَلَاص والأجير دون الْأَسير لِأَن قَصده الإفلات وقهر الْكفَّار بِخِلَاف قصد الْأَجِير الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَا يُعْطي سهم الْفرس إِلَّا لراكب الْخَيل دون رَاكب الْفِيل والناقة وَالْبَغْلَة لِأَن الْكر والفر من خاصية الْخَيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 ثمَّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَتِيق وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عربيان والبرذون وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ أعجميان والمقرف وَهُوَ الَّذِي أمه عَرَبِيَّة وَأَبوهُ غير عَرَبِيّ والهجين وَهُوَ عكس ذَلِك ثمَّ لَا يدْخل الإِمَام فِي الصَّفّ من الْخَيل إِلَّا شَدِيدا أما الْفرس الضَّعِيف والأعجف قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم قد قيل يُسهم لَهُ وَقيل لَا يُسهم لَهُ فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْجَيْش ويعرض عَن الْأَحْوَال وَينظر فِي الثَّانِي إِلَى تعذر الْقِتَال عَلَيْهِ وَلَا شكّ أَنه إِذا أمكن الْقِتَال عَلَيْهِ اسْتحق سَهْمه فروع الأول لَو أحضر فرسين لم يسْتَحق إِلَّا لفرس وَاحِد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو أعْطى للثَّانِي أعْطى للثَّالِث أَي لَا ضبط بعده الثَّانِي أَن الْقِتَال إِذا كَانَ على خَنْدَق أَو على حصن وَاسْتغْنى عَن الْفرس فللفارس سَهْمه لِأَنَّهُ رُبمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 الثَّالِث لَو كَانَ الْفرس مستعارا أَو مُسْتَأْجرًا فسهمه لراكبه وَإِن كَانَ مَغْصُوبًا فَقَوْلَانِ على أَن سَهْمه للْمَالِك أَو للْغَاصِب يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن مَا ربحه التَّاجِر على المَال الْمَغْصُوب بِالتِّجَارَة للْغَاصِب أم لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 = كتاب قسم الصَّدقَات = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمُسْتَحقّين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي بَيَان الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى الصِّنْف الأول الْفَقِير وَهُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا وَلَا يقدر على الْكسْب وَالظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط الزمانة وَلَا التعفف عَن السُّؤَال وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديم فِي اشتراطهما فروع أَحدهَا أَن الْفَقِير الْقَادِر على الْكسْب إِذا لم يقدر إِلَّا بِآلَة جَازَ أَن يعْطى الْآلَة من سهم الْفُقَرَاء حَتَّى لَو لم يعرف إِلَّا التِّجَارَة وافتقر إِلَى ألف دِرْهَم يَجعله رَأس المَال يجوز أَن يُعْطي فَكَذَلِك من يقدر أَن يكْتَسب كسبا لَا يَلِيق بمروءته يجوز أَن يعْطى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 وَكَذَا المتفقه إِذا كَانَ يتشوش عَلَيْهِ التفقه إِن اشْتغل بِالْكَسْبِ يعْطى سهم الْفُقَرَاء والمتصرف الَّذِي يمنعهُ الْكسْب عَن استغراق الْوَقْت بالعبادات لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لِأَن الْكسْب أولى مِنْهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْكسْب فَرِيضَة بعد الْفَرِيضَة وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كسب فِي شُبْهَة خير من مَسْأَلَة النَّاس الثَّانِي المكفي بِنَفَقَة أَبِيه فِيهِ وَجْهَان أَحدهَا لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لاستغنائه بِهِ وَالثَّانِي يعْطى لِأَنَّهُ اسْتحق النَّفَقَة لفقره فتزال بِالصَّدَقَةِ حَاجته إِلَى الْأَب لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه وعَلى هَذَا لَا يجوز للْأَب أَن يصرف إِلَيْهِ زَكَاته لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه وَله أَن يصرف إِلَيْهِ سهم الغارمين لِأَن قَضَاء دينه غير وَاجِب عَلَيْهِ الثَّالِث الفقيرة الَّتِى لَهَا زوج غَنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 وَفِي صرف سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَيْهَا وَجْهَان قريبان على المكفي بِالْأَبِ وَأول بِالْمَنْعِ لِأَن استحقاها النَّفَقَة لَيْسَ بِالْحَاجةِ بل عوضا عَن الْحَبْس فَكَانَ كَمَا لَو استغنت بِاسْتِحْقَاق الْمهْر فَإِن جوزهما فَلَا فرق بَين الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا تنْدَفع النَّفَقَة عَن الزَّوْج بِزَوَال فقرها الصِّنْف الثَّانِي الْمَسَاكِين وَهُوَ كل من ملك مَا يَقع من كِفَايَته موفقا وَلَكِن لَا يَفِي بكفايته وَيدخل فِيهِ كل من لَهُ كسب وَلَكِن لَا يَفِي دخله بخرجه والقادر على كسب يَفِي بخرجه لم يُعْط وَقَالَ مَالك من ملك نِصَابا لم يُعْط بِحَال وَإِن لم يملك أعطي وَإِن كَانَ كسوبا وَالْفَقِير عندنَا أَشد حَالا من الْمِسْكِين خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ قَالَ الْمِسْكِين من لَا شَيْء لَهُ وَقد قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من الْفقر وَيَقُول اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 وأمتني مِسْكينا فتدل الْآيَة على أَن الْمِسْكِين لَهُ شَيْء وَالْخَبَر دلّ على أَن الْفَقِير أَشد حَالا الصِّنْف الثَّالِث الْعَامِلُونَ على الزَّكَاة وهم السعاة والحساب وَالْكتاب والقسامون والحاشر والعريف وَأما القَاضِي وَالْإِمَام فَلَا ورزقهم فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح الْعَامَّة لِأَن عَمَلهم عَام وَرُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أرصد لنَفسِهِ نَاقَة من الْفَيْء يفْطر على لَبنهَا فأبطأت لَيْلَة فِي المرعى فَحلبَ لَهُ من نعم الصَّدَقَة فأعجبه ذَلِك فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ إِنَّه من نعم الصَّدَقَة فَأدْخل أُصْبُعه فِي حلقه واستقاءه وَغرم قِيمَته من الْمصَالح فرعان أَحدهمَا فِي أُجْرَة الكيال وَجْهَان أَحدهمَا أَنه من سهم العاملين إِذْ بِهِ يتم الْعَمَل وإيجابه على الْمَالِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 إِيجَاب زِيَادَة على الْعشْر وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق وَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة على الْمَالِك لِأَنَّهُ للإيفاء وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ الثَّانِي إِن فضل الثّمن عَن أُجْرَة مثل الْعَامِل صرف إِلَى بَقِيَّة الْأَصْنَاف وَلَا يُزَاد على أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ عوض الْعَمَل وَإِن نقص عَن أُجْرَة عَمَلهم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتمم من بَيت المَال وَلَو قيل يتمم من بَقِيَّة الْأَصْنَاف فَلَا بَأْس فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ يتَخَيَّر الإِمَام وَينظر إِلَى سَعَة الصَّدقَات وسعة بَيت المَال وَيتبع فِيهِ الْمصلحَة الصِّنْف الرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَمن ينْطَلق عَلَيْهِم هَذَا الِاسْم ثَلَاثَة أَقسَام الأول كَافِر يتألف قلبه لارتقاب إِسْلَامه وَإِمَّا لاتقاء شَره وَإِمَّا لِأَنَّهُ رجل مُطَاع يسلم بِإِسْلَامِهِ جمَاعَة مِنْهُم فَهَذَا لَا يعْطى أصلا أما من الصَّدقَات فَلِأَنَّهُ لَا صَدَقَة لكَافِر وَأما من الْمصَالح فلَانا لَا تُعْطِي على الْإِسْلَام شَيْئا فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر هَكَذَا قَالَ عمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 رَضِي الله عَنهُ وَقد أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفْوَان بن أُميَّة لهَذَا التَّأْلِيف وَلَكِن أعْطى من خمس الْخمس فَكَانَ خَاص ملكه الْقسم الثَّانِي مُسلم لَهُ شرف وَله نظراء فِي الْكفْر يتَوَقَّع بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام أعْطى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ عدي بن حَاتِم الطَّائِي ثَلَاثِينَ بَعِيرًا ويلتحق بِهِ من غير صَادِق فِي الْإِسْلَام فيخشى عَلَيْهِ التَّغَيُّر فَيعْطى تقريرا على الْإِسْلَام أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيَيْنَة بن حصن والأقرع بن حَابِس كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة من الْإِبِل وَفِي الْإِعْطَاء بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ لهَذَا الْقسم قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْإِسْلَام غَنِي عَن التَّأْلِيف بعد أَن أعزه الله تَعَالَى بالظهور وَالثَّانِي نعم تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى هَذَا قَولَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 أَحدهمَا يعْطى من الْمصَالح لِأَن هَذِه مصلحَة الْإِسْلَام وَالثَّانِي من الزكوات إِذا ثَبت سهم الْمُؤَلّفَة وَهَؤُلَاء أقرب قوم إِلَى مُوجب اللَّفْظ إِذْ تَنْزِيله على الْكفَّار غير مُمكن الْقسم الثَّالِث قوم لَا يَأْخُذُونَ شَيْئا من الْفَيْء وهم بِالْقربِ من الْكفَّار ونيتهم غير صَادِقَة فِي الْجِهَاد وتألف قلبهم بِإِعْطَاء شَيْء للْجِهَاد أَهْون من بعث سَرِيَّة إِلَى تِلْكَ الْجِهَة ويلتحق بهؤلاء قوم لَا تصدق نيتهم فِي أَخذ الزَّكَاة مِمَّن يقربون مِنْهُم وتألفهم لطلب الزكوات من الْأَغْنِيَاء بِأَنْفسِهِم حَتَّى يَسْتَعِين سعاة الإِمَام عَن التَّوَجُّه إِلَيْهِم أيسر من بعث سَرِيَّة السَّعَادَة فَهَؤُلَاءِ يُعْطون بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ قولا وَاحِدًا وَلَكِن فِي مَحل الْعَطاء أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه من الْمصَالح إِذْ الْمصلحَة عَامَّة وَالثَّانِي من الصَّدقَات وَهُوَ سهم الْمُؤَلّفَة وَالثَّالِث من سهم سَبِيل الله فَإِنَّهُ تألف على الْجِهَاد والغزو وَالرَّابِع إِن رأى الإِمَام أَن يجمع بَين سهم الْمُؤَلّفَة وَسَهْم سَبِيل الله تَعَالَى فعل لِاجْتِمَاع الْمَعْنيين الصِّنْف الْخَامِس الرّقاب وَيصرف من الصَّدقَات إِلَى المكاتبين الَّذين عجزوا عَن أَدَاء النُّجُوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَشْتَرِي بِهِ عبيدا ويعتقون فروع أَرْبَعَة الأول لَيْسَ للسَّيِّد صرف زَكَاته إِلَى مكَاتب نَفسه لِأَنَّهُ عَبده مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم الثَّانِي يعْطى الْمكَاتب قدر دينه بعد حُلُول النَّجْم وَهل يعْطى قبله فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْوُجُوب وَفِي الآخر إِلَى عدم الْمُطَالبَة الثَّالِث إِذا سلم إِلَيْهِ فَأعْتقهُ السَّيِّد مُتَبَرعا أَو أَبرَأَهُ عَن النُّجُوم أَو تبرع غَيره بإعطائه وَبِالْجُمْلَةِ اسْتغنى عَمَّا أَخذه فَإِن كَانَ ذَلِك قد تلف فِي يَده قبل الْعتْق وَلَو بإتلافه فَلَا غرم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بَاقِيا فِي يَده فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ مِنْهُ لانْتِفَاء الْحَاجة وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ قد سلم إِلَى السَّيِّد ثمَّ عَجزه السَّيِّد بِبَقِيَّة النُّجُوم وَالْعين قَائِمَة فِي يَد السَّيِّد فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ الرَّابِع الأولى أَن يدْفع إِلَى السَّيِّد لإذن الْمكَاتب فَلَو سلم بِغَيْر إِذْنه لم يجز وَلَو سلم إِلَى الْمكَاتب بغي إِذن السَّيِّد جَازَ لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الِاسْتِحْقَاق الصِّنْف السَّادِس الغارمون والديون ثَلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 الأول دين لزمَه بِسَبَب نَفسه فَيقْضى من الصَّدقَات بِثَلَاث شَرَائِط أَن يكون الدّين حَالا وَالسَّبَب الَّذِي فِيهِ الاستقراض مُبَاحا وَأَن يكون هُوَ مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَلَا يعْطى وَإِن كَانَ مُؤَجّلا وَله صَنِيعَة وقف يدْخل مِنْهَا قدر الدّين فَلَا يعْطى وَإِن لم يكن فَوَجْهَانِ كَالْمكَاتبِ إِن كَانَ السَّبَب مَعْصِيّة كَثمن الْخمر أَو السَّرف فِي الْإِنْفَاق فَإِن كَانَ مصرا لَا يعْطى وَإِن كَانَ تَائِبًا فَوَجْهَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أول الدّين الثَّانِي مَا لزمَه بِسَبَب حمالَة تبرع بهَا تطفية لثائرة فتْنَة بَين شَخْصَيْنِ فِي قَتِيل أَو فِي أَمر تعظم الْفِتْنَة فِيهِ فَإِن كَانَ مُعسرا يقْضى دينه وَكَذَا إِن كَانَ يسَاره بالضباع وَالْعرُوض وَإِن كَانَ غَنِيا بِالنَّقْدِ فَوَجْهَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 أَحدهمَا يقْضى كالغني بالعقار لِأَن سَبَب قَضَائِهِ كَونه مصروفا إِلَى مصلحَة وَالثَّانِي لَا لِأَن فِي تَكْلِيف بيع الْعقار هتكا لمروءته الدّين الثَّالِث دين لزمَه بطرِيق الضَّمَان عَن شخص فَإِن كَانَا معسرين أُغني الضَّامِن والمضمون عَنهُ قضي من سهم الغارمين وَإِن كَانَا موسرين أَو كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا فَلَا يقْضى لِأَنَّهُ فَائِدَته ترجع إِلَى الْمُوسر وَإِن كَانَ الضَّامِن مُوسِرًا والمضمون عَنهُ مُعسرا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقْضى كَمَا فِي الْحمالَة لِأَن الضَّمَان أَيْضا من المروءات وَالثَّانِي لَا إِذْ صرفه إِلَى الْمَضْمُون عَنهُ الْمُعسر مُمكن وَفِيه إِسْقَاط للضَّمَان أما إِذا كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا وَلَكِن امْتنع الرُّجُوع بِسَبَب فمطالبته الْمُوسر بِقَضَاء الدّين حَتَّى يبرأ الضَّامِن مُمكن بِخِلَاف مَسْأَلَة الحملة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يقْضى دين غَنِي قطّ وَهُوَ مُخَالف لقَوْل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة غاز فِي سَبِيل الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 أَو عَامل أَو غَارِم أَو رجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه أَو رجل لَهُ جَار مِسْكين فَتصدق عَلَيْهِ فأهداها إِلَيْهِ الصِّنْف السَّابِع المجاهدون فِي سَبِيل الله وهم المطوعة من الْغُزَاة الَّذين لَا يَأْخُذُونَ من الْفَيْء وَلَا اسْم لَهُم فِي الدِّيوَان يُعْطون هَذَا السهْم للصرف إِلَى السِّلَاح وَالْفرس وَالنَّفقَة إِعَانَة على الْغَزْو وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء فَأَما من لَهُ اسْم فِي الدِّيوَان فَلَا يعْطى من الصَّدَقَة لِأَن حَقهم فِي الْفَيْء إِلَّا إِذا قَاتلُوا مانعي الزَّكَاة وَكَانَ قِتَالهمْ كالعمل على تَحْصِيل الزَّكَاة فَلَا يبعد أَن يُعْطوا سهم العاملين الصِّنْف الثَّامِن ابْن السَّبِيل وَهُوَ الَّذِي شخص من بَلَده أَو اجتاز بِهِ يصرف إِلَيْهِ سهم وَإِن كَانَ مُعسرا وَإِن كَانَ لَهُ بِبَلَد آخر مَال أعطي قدر بلغته إِلَيْهِ وَهَذَا بِشَرْط أَن يكون السّفر طَاعَة فَإِن كَانَ مَعْصِيّة فَلَا وَإِن كَانَ مُبَاحا فَيعْطى وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه يشْتَرط كَونه طَاعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 فرع إِذا منعنَا نقل الصَّدَقَة فالشاخص من بلد من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد قولا وَاحِدًا وَكَذَا المجتاز بِهِ على الْأَظْهر وَفِي المجتاز وَجه أَنه لَيْسَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة المجتاز هُوَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد دون الشاخص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 الْفَصْل الثَّانِي فِي مَوَانِع الصّرْف مَعَ الاتصاف بِهَذِهِ الصِّفَات وَهِي سِتَّة الأول الْكفْر فَلَا تصرف زَكَاة إِلَى كَافِر وَإِن وجد الْفقر والمسكنة الثَّانِي أَن يكون مُسْتَحقّا للنَّفَقَة على من يخرج الزَّكَاة كالابن مَعَ الْأَب الثَّالِث أَن يكون المَال غَائِبا عَن بلد الْآخِذ فَيمْتَنع على رَأْي من جِهَة نقل الصَّدَقَة الرَّابِع أَن يكون الْآخِذ من المرتزقة ثَابت الِاسْم فِي الدِّيوَان فَلَا تصرف إِلَيْهِم الصَّدقَات كَمَا لَا يصرف خمس الْخمس إِلَى أهل الصَّدقَات لِأَن لكل حزب مَالا مَخْصُوصًا بهم بِنَصّ الْكتاب فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء للمرتزقة واتسع مَال الصَّدقَات ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يصرف إِلَيْهِم لتحَقّق صفة الِاسْتِحْقَاق مَعَ عجزهم عَن مَالهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَالثَّانِي لَا لِأَن مَالهم هُوَ الْفَيْء بِنَصّ الْكتاب فعلى هَذَا إِن خفت الضَّرُورَة وَلم يسْتَغْن الإِمَام عَن المرتزقة وَجب على أَغْنِيَاء الْمُسلمين إعانتهم من رُءُوس أَمْوَالهم فَإِن قُلْنَا يُعْطون من الصَّدقَات فَإِنَّمَا يُعْطون من سهم سَبِيل الله تَعَالَى الْخَامِس أَن يكون من بني هَاشم وَبني الْمطلب فقد حرم عَلَيْهِم أوساخ أَمْوَال النَّاس بِمَا أعْطوا من خمس الْخمس فَأَما سهم العاملين هَل يجوز أَن يصرف إِلَيْهِم إِذا عمِلُوا وَجْهَان وَكَذَا فِي المرتزقة إِذا عمِلُوا بِنَاء على أَنه أُجْرَة أَو صَدَقَة وَهُوَ مركب من الشَّيْئَيْنِ إِذْ لَا تصرف إِلَى كَافِر قطعا وَلَا يسْتَعْمل الْكَافِر وَلَا يُزَاد على أجر الْمثل فِي حق الْمُسلم فَهَذَا يدل على اجْتِمَاع الْمَعْنيين وَهل يصرف إِلَى مولى ذَوي القربي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم إِذْ لَا نسب لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنه سُئِلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة وَإِنَّمَا مولى الْقَوْم مِنْهُم السَّادِس أَن يكون قد أَخذ سهم الصَّدقَات بِجِهَة واتصف بِجِهَة أُخْرَى كالفقير الْغَارِم إِذا أَخذ سهم الْفُقَرَاء وطالب سهم الغارمين فَفِيهِ طرق ثَلَاثَة أَحدهَا أَنه لَا يجمع بل يُقَال لَهُ اختر أَيهمَا شِئْت لِأَن عدد الْأَصْنَاف مَقْصُود وعَلى هَذَا سهم العاملين يجوز أَن يجمع إِلَى غَيره إِذا غلبنا مشابه الْأُجْرَة الثَّانِي أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الشَّخْص وَفِي الآخر إِلَى تعدد الصّفة الثَّالِث أَنه إِن تجانس السببان مثل أَن يسْتَحق الْكل لِحَاجَتِهِ كالفقر وَغرم لزمَه لغَرَض نَفسه فَلَا يجمع وَكَذَا الْغَازِي الْغَارِم لإِصْلَاح ذَات الْبَين فَإِن كل وَاحِد لحَاجَة الْمُسلمين لَا لِحَاجَتِهِ وَإِن اخْتلف السَّبَب بِأَن اسْتحق أَحدهمَا لِحَاجَتِهِ وَالْآخر لحَاجَة غَيره فَيجمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يعرف بِهِ وجود الصِّفَات وَهِي منقسمة إِلَى خُفْيَة وجلية أما الْخفية كالفقر والمسكنة فَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لتعذرها إِلَّا إِذا ادّعى الْمِسْكِين عيالا فَيُطَالب لإظهاره لإمكانه وَهل يحلف الْفَقِير إِذا اتهمَ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يحلف فاستحباب أم إِيجَاب فَوَجْهَانِ أما مَا يظْهر فَإِن كَانَ يَأْخُذ لغَرَض مُرَتّب كالغازي وَابْن السَّبِيل فَيعْطى بِغَيْر يَمِين ثمَّ إِن لم يغز وَلم يُسَافر اسْتردَّ وَمن يَأْخُذ لغَرَض ناجز كَالْمكَاتبِ والغارم فَيُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها وَإِقْرَاره مَعَ حُضُور مُسْتَحقّ الدّين كالبينة وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لتهمة المواطأة وَإِن استفاض كَونه مديونا أَو مكَاتبا وَحصل غَلَبَة الظَّن فَلَا بَأْس بترك الِاسْتِقْصَاء فِي الْبَيِّنَة أما الْمُؤلف قلبه إِن قَالَ أَنا شرِيف مُطَاع طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها وَإِن قَالَ نيتي فِي الْإِسْلَام ضَعِيفَة صدق لِأَن كَلَامه برهَان كَلَامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الصّرْف إِلَى الْمُسْتَحقّين وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْقدر المصروف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم وَفِيه مسَائِل الأولى اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَاجِب إِن كَانُوا موجودين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز صرفه إِلَى صنف وَاحِد أما آحَاد كل صنف فَلَا يجب استيعابهم إِذْ لَا حصر لَهُم ثمَّ يقْتَصر على أقل الدراجات وَهُوَ ثَلَاثَة لِأَنَّهُ أقل الْجَمِيع فَإِن أمكن الِاسْتِيعَاب لانحصارهم فَهُوَ أولى وَيحْتَمل أَن يُقَال يجب الِاسْتِيعَاب عِنْد الْإِمْكَان الثَّانِيَة يجب التَّسْوِيَة بَين سِهَام الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فَلِكُل صنف ثمن الصَّدَقَة فَإِن عدم صنف وزع الْكل على الْبَاقِي فَلِكُل سبع وعَلى هَذَا الْحساب وَإِنَّمَا هُوَ على الْمَالِك فَأَما السَّاعِي فَيجوز لَهُ أَن يصرف صَدَقَة وَاحِد إِلَى شخص وَاحِد لِأَنَّهُ إِذا وصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ وصل إِلَى الْمُسْتَحقّين فالنظر إِلَى الإِمَام فِي التَّعْيِين فَجَمِيع الزكوات فِي يَده كَزَكَاة رجل وَاحِد فِي يَد نَفسه أما آحَاد الصِّنْف فَلَا يجب التَّسْوِيَة بَينهم بل المتبع مقادير الْحَاجة فَإِن تَسَاوَت أَحْوَالهم فالتسوية أولى وَقيل بِالْوُجُوب فَإِن صرف إِلَى اثْنَيْنِ غرم للثَّالِث أقل مَا يتمول على أَقيس الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِك الْقدر لَو سلمه إِلَيْهِ ابْتِدَاء وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يغرم الثُّلُث الثَّالِثَة يعْطى الْغَارِم وَالْمكَاتب قدر دينهما وَلَا يُزَاد وَيُعْطى الْفَقِير والمسكين مَا بلغ بِهِ أدنى الْغنى وَلَا يزِيد وَهُوَ كِفَايَة سنة وَيُعْطى الْمُسَافِر مَا يبلغهُ إِلَى الْمَقْصد أَو إِلَى مَوضِع مَاله وَيُعْطى الْغَازِي الْفرس وَالسِّلَاح وَإِن شَاءَ أَعَارَهُ أَو اسْتَأْجر لَهُ أَو اشْترى بِهَذَا السهْم أفراسا وأرصدها لسبيل الله وفقا عَلَيْهِم ويعطيهم من النَّفَقَة مَا زَاد بِسَبَب السّفر وَهل يُعْطي أصل النَّفَقَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة بَيِّنَة وَإِن لم يُسَافر فَلَا يعْطى مَا يزِيدهُ بِسَفَرِهِ وَالثَّانِي أَنه يُعْطي الْكل فَإِنَّهُ متجرد للغزو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 الْفَصْل الثَّانِي فِي نقل الصَّدقَات إِلَى بَلْدَة أُخْرَى وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا الْجَوَاز لعُمُوم الْآيَة وَالثَّانِي الْمَنْع لمَذْهَب معَاذ وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنبئهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد فِي فقرائهم فَيدل على الْحصْر فِي الْبَلَد وَلِأَن أعين الْمَسَاكِين ممدودة إِلَى المَال وَفِي النَّقْل إِضْرَار وَالثَّالِث أَنه لَا يجوز النَّقْل وَلَكِن تَبرأ ذمَّته كَمَا لَا يجوز التَّأْخِير فِي الزَّكَاة وَلَكِن تَبرأ ذمَّته وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا الْخلاف فِي مَال الْوَصِيَّة وَالْكَفَّارَات وَالنُّذُور وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا تمتد إِلَيْهِ الْأَعْين فَإِنَّهَا غير متكررة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 فَأَما صَدَقَة الْفطر فَحكمهَا حكم الزَّكَاة فِي منع النَّقْل وَوُجُوب الِاسْتِيعَاب وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يجوز صرفهَا إِلَى صنف وَاحِد لقلته فَإِن منعنَا النَّقْل فَفِيهِ مسَائِل الأولى تعْتَبر بَلْدَة المَال وَيفرق بهَا لَا بَلْدَة الْمَالِك وَفِي صَدَقَة الْفطر وَجْهَان وَالْأَظْهَر رِعَايَة بَلْدَة الْمَالِك لِأَن ذَلِك صَدَقَة الرُّءُوس وَهَذِه صَدَقَة الْأَمْوَال ثمَّ لَو كَانَ المَال فِي الْحول فِي بلدتين فالنظر إِلَى وَقت الْوُجُوب والبلدي هُوَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد وَقت أَخذ الصَّدَقَة وَإِن كَانَ غَرِيبا الثَّانِيَة لَو امْتَدَّ طول الْبَلدة فرسخا محكمها وَاحِد نعم الصّرْف إِلَى الْجِيرَان أولى كَمَا أَنه إِلَى الْأَقَارِب أولى والقريب الذى لَيْسَ بجار أولى من الْجَار الْأَجْنَبِيّ أما الْقرْيَة فَلَا تنقل مِنْهَا الصَّدَقَة إِلَى قَرْيَة أُخْرَى بِخِلَاف المحلتين فَأَما أهل الْخيام فَإِن كَانُوا مجتازين لَا مقَام لَهُم فصدقتهم لمن يَدُور مَعَهم من الْأَصْنَاف فَإِن لم يكن مَعَهم فلأقرب بَلْدَة إِلَيْهِم وَقت تَمام الْحول وَإِن كَانُوا ساكنين مُجْتَمعين على التقارب فَيحل النَّقْل إِلَى مادون مَسَافَة الْقصر وفوقها إِذْ لَا فاصل سواهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 وَإِن كَانَ كل حلَّة بعيدَة عَن الأخري فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالقرى الثَّانِي أَنَّهَا كالخيام المتواصلة فيضبط بمسافة الْقصر الثَّالِثَة إِن عدم بعض الْأَصْنَاف فِي بلد فَإِن عدم الْعَامِل فقد سقط سَهْمه للاستغناء عَنهُ وَإِن عدم غَيره وَوجد فِي مَكَان آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا ينْقل لِأَن اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف أهم من ترك النَّقْل وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يرد البَاقِينَ لِأَن من عدا أهل الْبَلَد كَالْمَعْدُومِ فِي حَقه فعلى هَذَا إِن رددنا عَلَيْهِم ففضل عَن حَاجتهم فالفاضل لَا بُد من نَقله لِأَنَّهُ فقد مُسْتَحقّه فَهُوَ كَمَا إِذا عدم كل الْأَصْنَاف إِذْ يتَعَيَّن النَّقْل الرَّابِعَة للْمَالِك إِيصَال الصَّدَقَة بِنَفسِهِ سَوَاء كَانَ المَال ظَاهرا كالنعم والزروع أَو بَاطِنا كالنقد وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة يجب صرفهَا إِلَى الْأَمَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 فَفِي الْأَفْضَل خلاف إِن كَانَ الإِمَام عادلا فَإِن كَانَ جَائِزا فَالْأَصَحّ أَن مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ أولى وَلَا خلاف فِي أَن يَد الإِمَام لَو طلب وَجَبت الطَّاعَة لِأَنَّهُ فِي مَحل الِاجْتِهَاد وَهل لَهُ الْمُطَالبَة بِمَال النذور وَالْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان الْخَامِسَة إِن نصب الإِمَام ساعيا فَلْيَكُن مُسلما مُكَلّفا حرا عدلا فَقِيها بِأَبْوَاب الزَّكَاة غير هاشمي وَلَا من المرتزقة إِلَّا على أحد الْوَجْهَيْنِ وليعلم السَّاعِي فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ صَدَقَة الْأَمْوَال فيسم الصَّدقَات فَيكْتب على نعم الصَّدَقَة لله وعَلى نعم الْفَيْء صغَار وَفَائِدَته تَمْيِيز أحد الْمَالَيْنِ عَن الآخر ثمَّ مَوضِع وسم الْغنم آذانها لِكَثْرَة الشّعْر على غَيره وللبقر وَالْإِبِل أفخاذها وَليكن ميسم الْغنم ألطف من ميسم الْبَقر وَالْإِبِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 الْفَصْل الثَّالِث فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَفِيه مسَائِل الأولى لَا تحرم صَدَقَة التَّطَوُّع على الْهَاشِمِي والمطلبي وَهل كَانَ يحرم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ خلاف مأخذه أَن امْتِنَاعه عَن الْقبُول كَانَ ترفعا أَو تورعا الثَّانِيَة صَدَقَة السِّرّ أفضل قَالَ الله تَعَالَى {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلَة الرَّحِم تزيد من الْعُمر وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب وصنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء الثَّالِثَة صرفهَا إِلَى الْأَقَارِب أولى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِزَيْنَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت عَلَيْهِ الرَّابِعَة الْإِكْثَار مِنْهَا فِي شهر رَمَضَان مُسْتَحبّ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس بِالْخَيرِ وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي شهر رَمَضَان الْخَامِسَة من احْتَاجَ إِلَى المَال لِعِيَالِهِ فَلَا يسْتَحبّ لَهُ الصَّدَقَة لِأَن نَفَقَة الْعِيَال كَالدّين قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوته فَإِن فضل عَنْهُم فَإِن كَانَ يَثِق بِالصبرِ على الإضاقة فَيُسْتَحَب لَهُ التَّصَدُّق بِالْجَمِيعِ بعد فَرَاغه من قوت يَوْمه لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنصْف مَالِي فَقَالَ لي مَاذَا أبقيت لأهْلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 قلت مثله فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِجَمِيعِ مَاله فَقَالَ لَهُ مَاذَا أبقيت لأهْلك فَقَالَ الله وَرَسُوله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَيْنكُمَا مَا بَين كلمتيكما فَقلت لَا أسابقك إِلَى شئ أبدا فَأَما من لَا يصبر على الْإِضَافَة كره لَهُ التَّصَدُّق بِجَمِيعِ المَال قَالَ جَابر بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ رجل بِمثل الْبَيْضَة من الذَّهَب أَصَابَهَا من بعض الْمَعْدن فَقَالَ يَا رَسُول الله خُذْهَا صَدَقَة فوَاللَّه مَا أَصبَحت أملك مَالا غَيرهَا فَأَعْرض عَنهُ حَتَّى جَاءَ من جوانبه وَأعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَاتِهَا مغضبا وَرمى رميته لَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو عقرته ثمَّ قَالَ يَأْتِي أحدكُم بِمَالِه كُله وَيتَصَدَّق بِهِ ثمَّ يجلس بعد ذَلِك يَتَكَفَّف وُجُوه النَّاس إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غنى وَالله أَعم بِالصَّوَابِ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 = كتاب النِّكَاح= الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 اعْلَم أَن النّظر فِي أَحْكَام النِّكَاح تحصره خَمْسَة أَقسَام الأول فِي الْمُقدمَات وَالثَّانِي فِي مصححات العقد من الْأَركان والشرائط وَالثَّالِث فِي مَوَانِع العقد من النّسَب والمصاهرة وَالْكفْر وَالرّق وَغَيره وَالرَّابِع فِي مُوجبَات الْخِيَار فِيهِ وَالْخَامِس فِي لواحق النِّكَاح وتوابعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات وَهِي خَمْسَة الأولى فِي بَيَان خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله اخْتِصَاص بواجبات ومحرمات ومباحات ومخففات لم تشاركه أمته فِيهَا أما الْوَاجِبَات فكالضحى والأضحى وَالْوتر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب عَليّ ثَلَاث لم تكْتب عَلَيْكُم الضُّحَى والأضحى وَالْوتر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 وكالتهجد قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} أَي زِيَادَة لَك على درجاتك وَقَالَ تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} فَظَاهره للْإِيجَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 وَقيل إِنَّه اسْتِحْبَاب لاستمالة الْقُلُوب وترددوا فِي وجوب السِّوَاك عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتصَّ فِي أَمر النِّكَاح بِوُجُوب التَّخْيِير لنسائه بَين التسريح والإمساك وَلَعَلَّ سره فِيهِ أَن الْجمع بَين عدد مِنْهُنَّ يوغر صدورهن بالغيرة الَّتِي هِيَ أعظم الآلام وَهُوَ إِيذَاء يكَاد ينفر الْقلب ويوهن الِاعْتِقَاد وَكَذَلِكَ إلزامهن الصَّبْر على الضّر والفقر يؤذيهن وَمهما ألقِي زِمَام الْأَمر إلَيْهِنَّ خرج عَن أَن يكون بصدد التأذي والإيذاء فنزه عَن ذَلِك منصبه الْعلي وَقيل لَهُ {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك} وَنزل ذَلِك عَلَيْهِ حِين ضَاقَ صَدره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كَثْرَة خصامهن واقتراحهن زِينَة الدُّنْيَا حَتَّى آلى عَنْهُن وَمكث فِي غرفته شهرا فابتدأ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَخْيِير عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَ إِنِّي ملق إِلَيْك أمرا فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك وتلا الْآيَة فَقَالَت أفيك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 أؤامر أَبَوي اخْتَرْت الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ قَالَت لَا تخبر زوجاتك باختياري إياك وأرادت أَن يخْتَار سَائِر أَزوَاجه الْفِرَاق فَطَافَ على نِسَائِهِ وَكَانَ يخبرهن بِاخْتِيَار عَائِشَة إِيَّاه فاخترن الله وَرَسُوله بأجمعهن وَالصَّحِيح أَن وَاحِدَة لَو اخْتَارَتْ الْفِرَاق لما بَانَتْ بِنَفس الِاخْتِيَار لقَوْله تَعَالَى {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} وَأَن الْجَواب لم يجب عَلَيْهِنَّ على الْفَوْر بِدَلِيل قَوْله حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَهل كَانَ يحرم طَلَاق من اختارته مِنْهُنَّ فِيهِ خلاف وَدَلِيل التَّحْرِيم قَوْله تَعَالَى {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} وَمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه حرم عَلَيْهِ الزِّيَادَة عَلَيْهِنَّ ثمَّ نسخ ذَلِك وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله دَامَ التَّحْرِيم وَلم ينْسَخ وَأما الْمُحرمَات فقد حرم عَلَيْهِ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة صِيَانة لَهُ ولمنصبه عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 أوساخ الْأَمْوَال الَّتِي تُعْطى على سَبِيل الترحم وتنبئ عَن ذل الْآخِذ وأبدل بالفيء الْمَأْخُوذ على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة المنبيء عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ عَنهُ وشاركه فِي هَذَا الْفَيْء ذَوُو الْقُرْبَى وَقيل إِنَّهُم لم يشاركوه فِي تَحْرِيم الصَّدَقَة بل فِي الزَّكَاة فَقَط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُل الثوم وَقَالَ لَا آكل مُتكئا فَقيل إِنَّه حرم عَلَيْهِ ذَلِك وَقيل كَانَ ذَلِك مِنْهُ تنزها وترفعا ونكح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فعلمتها نساؤه أَن تَقول عِنْد لِقَائِه أعوذ بِاللَّه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 مِنْك وقلن هَذِه كلمة تعجبه فَقَالَت ذَلِك لما دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهَا فَقَالَ لقد استعذت بمعاذ فالحقي بأهلك ففهم مِنْهُ أَنه حرم عَلَيْهِ نِكَاح امْرَأَة تكره صحبته وجدير أَن يكون ذَلِك محرما عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نوع من الْإِيذَاء وَيشْهد لذَلِك إِيجَاب التَّخْيِير وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ نِكَاح الْكِتَابِيَّة الْحرَّة وَنِكَاح الْأمة وَأَنه لَو جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة هَل كَانَ ينْعَقد وَلَده على الرّقّ وَنحن لَا نرى الْخَوْض فِي تَصْحِيح أَدِلَّة ذَلِك وتزييفها لِأَنَّهَا أُمُور تخمينية إِذْ لَا قَاطع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 فِيهَا وتخمين الظَّن فِيمَا لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الْعَمَل فِي الْحَال تَضْييع زمَان واقتحام خطر وَأما الْمُبَاحَات والتخفيفات فقد أُبِيح لَهُ الْوِصَال فِي الصَّوْم وَصفِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 الْمغنم والاستبداد بِخمْس الْخمس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وَدخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام وَحرم مِيرَاثه فَقَالَ إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَفِي النِّكَاح أُبِيح لَهُ الزِّيَادَة على أَربع وَفِي الزِّيَادَة على التسع خلاف وَكَذَلِكَ فِي انحصار الطَّلَاق فِي الثَّلَاث خلاف وَكَانَ ينْعَقد نِكَاحه بِلَفْظ الهيه وَقَالُوا إِذا وَقع بَصَره على امْرَأَة فَوَقَعت مِنْهُ موقعا وَجب على الزَّوْج تطليقها لقصة زيد وَلَعَلَّ السِّرّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 فِيهِ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله وَمن جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتلاؤه ببلية البشرية وَمنعه من خَائِنَة الْأَعْين وَمن إِضْمَار مَا يُخَالف الْإِظْهَار وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} وَلَا شَيْء أدعى إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه عَن لمحاته الاتفاقية من هَذَا التَّكْلِيف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 وَهَذَا مِمَّا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن ذَلِك فِي حَقه غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو كَانَ رَسُول الله يخفي آيَة لأخفى هَذِه الْآيَة وَاخْتلفُوا فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِغَيْر ولي وشهود وَفِي حَالَة الْإِحْرَام وَهل كَانَ يجب عَلَيْهِ الْقسم أَو كَانَ يقسم تَبَرعا وتكرما فِيهِ خلاف وَلَا خلاف فِي تَحْرِيم نِسَائِهِ بعد وَفَاته على غَيره فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَلَا نقُول بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَلَا إخوانهن أخوال الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر على مَا ورد من الأمومة ويقتصر التَّحْرِيم عَلَيْهِنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 وَفِي تَحْرِيم مطلقاته على غَيره ثَلَاثَة أوجه أعدلها أَنَّهَا إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا حرم لما رُوِيَ أَن ألأشعث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ فهم عمر رَضِي الله عَنهُ برجم الْأَشْعَث فَذكر لَهُ أَنَّهَا لم تكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنهُ وَلَا شكّ فِي أَن المخيرات لَو اخْتَارَتْ وَاحِدَة مِنْهُنَّ الْفِرَاق لحل لَهَا النِّكَاح إِذْ بذلك يتم التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا وَقد مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تسعه عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم حَبِيبَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَصفِيَّة والجويرة وَسَوْدَة وَزَيْنَب وَهِي امْرَأَة زيد رَضِي الله عَنْهُن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 وَأعْتق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِيه خاصية لَهُ بالِاتِّفَاقِ مِنْهُم من قَالَ خاصيته أَن قيمتهَا كَانَت مَجْهُولَة وَالصَّدَاق الْمَجْهُول لَا يجوز لغيره وَقيل إِنَّه وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ بعد الْإِعْتَاق وَلَا يجب على غَيرهَا إِذا أعتقت بِشَرْط النِّكَاح الْإِجَابَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي التَّرْغِيب فِي النِّكَاح وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} وَقَالَ تناكحوا تكثروا فَأَنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ وَقَالَ معاشر الشبَّان عَلَيْكُم بِالْبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ فَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء وَقَالَ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 السَّلَام من تزوج فقد أحرز ثُلثي دينه أَلا فليتق الله فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لرجل أتزوجت فَقَالَ لَا فَقَالَ لن يمْنَع من النِّكَاح إِلَّا عجز أَو فجور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 وَلما حضرت معَاذًا الْوَفَاة قَالَ زوجوني كي لَا ألْقى الله عزبا وَهَذِه الْأَحَادِيث رُبمَا توهم أَن النِّكَاح أفضل من التخلي لعبادة الله تَعَالَى كَمَا ظَنّه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَكِن الصَّحِيح أَن من لَا تتوق نَفسه إِلَى الوقاع فالتخلي لِلْعِبَادَةِ أولى بِهِ وَلذَلِك تَفْصِيل وغور استقصيناه فِي كتاب آدَاب النِّكَاح من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 ربع الْعَادَات من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فليطلب مِنْهُ وَقد ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النِّكَاح إِلَى أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا طلب الحسيبة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ فَلَا تضعوها فِي غير الْأَكفاء وَقَالَ إيَّاكُمْ وخضراء الدمن وَهِي الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء كَذَلِك فسره عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 الثَّانِي النّدب إِلَى الْبكر فَإِنَّهَا أَحْرَى بالمؤالفة وَقَالَ لجَابِر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وَكَانَ تزوج ثَيِّبًا الثَّالِث النّدب إِلَى الْوَلُود قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انكحوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم وَقَالَ لحصير فِي نَاحيَة الْبَيْت خير من امْرَأَة لَا تَلد الرَّابِع النّدب إِلَى الاجنبية قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة فَإِن الْوَلَد يخلق ضاويا أَي نحيفا وَلَعَلَّ ذَلِك لنُقْصَان الشَّهْوَة بِسَبَب الْقَرَابَة الْخَامِس النّدب إِلَى الصَّالِحَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 الْمُقدمَة الثَّالِثَة فِي النّظر إِلَيْهَا بعد الرَّغْبَة فِي نِكَاحهَا وَذَلِكَ مُسْتَحبّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ نِكَاح امْرَأَة فَلْينْظر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَينهمَا وَيَنْبَغِي أَن يقْتَصر على النّظر إِلَى الْوَجْه وَذَلِكَ بعد الْعَزْم على النِّكَاح إِن ارتضاها وَلَا يشْتَرط استئذانها فِي هَذَا النّظر بل يَكْفِي فِيهِ إِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلافًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 لمَالِك وَقد رخص فِي هَذَا النّظر للْحَاجة وَإِلَّا فَالْأَصْل تَحْرِيم النّظر إِلَى الأجنبيات وَقد جرت الْعَادة هَا هُنَا بِذكر مَا يحل النّظر إِلَيْهِ وَالْكَلَام فِيهِ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول نظر الرجل إِلَى الرجل وَهُوَ مُبَاح إِلَّا إِلَى الْعَوْرَة وَذَلِكَ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحرم اللَّمْس كَمَا يحرم النّظر وَلَا يحرم نظر الْإِنْسَان إِلَى فرج نَفسه وَلَكِن يكره من غير حَاجَة فرعان أَحدهمَا أَنه يحرم النّظر إِلَى المرد بالشهوة وَيحل بِغَيْر شهوه عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 وَعند خوف الْفِتْنَة وَجْهَان أَحدهمَا التَّحْرِيم لأَنهم فِي معنى الْمَرْأَة وَالثَّانِي الْحل لما رُوِيَ أَن قوما وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ غُلَام حسن فأجلسه وَرَاءه وَقَالَ أَلا أَخَاف على نَفسِي مَا أصَاب أخي دَاوُد وَلم يَأْمُرهُ بالاحتجاب عَن النَّاس بِخِلَاف النِّسَاء وَلم يزل الصّبيان بَين النَّاس مكشوفين فَالْوَجْه الْإِبَاحَة إِلَّا فِي حق من أحس فِي نَفسه بالفتنة فَعِنْدَ ذَلِك يحرم عَلَيْهِ بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِعَادَة النّظر الثَّانِي أَن يكره للرجلين الِاضْطِجَاع فِي ثوب وَاحِد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي ثوب وَاحِد الْموضع الثَّانِي نظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة وَهُوَ مُبَاح إِلَّا فِيمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَقيل إِنَّه كالنظر إِلَى الْمَحَارِم وَسَيَأْتِي وَالصَّحِيح أَن الذِّمِّيَّة كالمسلمة وَقيل إِنَّه لَا يحل للمسلمة التكشف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 للذمية الْموضع الثَّالِث نظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة أَو مَمْلُوكَة حل النّظر إِلَى جَمِيع بدنهَا وَفِي النّظر إِلَى فرجهَا فِيهِ تردد وَحمل الْأَصْحَاب النَّهْي على أَنه أَرَادَ بِهِ كَرَاهِيَة والكراهية فِي بَاطِن الْفرج أَشد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 وَإِن كَانَت محرما نظر إِلَى مَا يَبْدُو فِي حَالَة المهنة كالوجه والأطراف وَلَا ينظر إِلَى الْعَوْرَة وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان وَقيل إِن الثدي قد يلْتَحق بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ قد يَبْدُو كثيرا فَأمره أخف وَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة حرم النّظر إِلَيْهَا مُطلقًا وَمِنْهُم من جوز النّظر إِلَى الْوَجْه حَيْثُ تؤمن الْفِتْنَة وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة بَين النِّسَاء والمرد وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّهْوَة وَخَوف الْفِتْنَة أَمر بَاطِن فالضبط بالأنوثة الَّتِي هِيَ من الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة أقرب إِلَى الْمصلحَة وَكَذَلِكَ لَا يجوز للمخنث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 والعنين وَالشَّيْخ الْهم النّظر حسما للباب ونظرا إِلَى الفحولة الظَّاهِرَة دون الشَّهْوَة الْبَاطِنَة نعم يجوز للممسوح عِنْد الْأَكْثَرين لِأَن الْجب سَبَب ظَاهر فِي قطع غائلة الفحولة وَعَلِيهِ يحمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 قَوْله تَعَالَى {غير أولي الإربة من الرِّجَال} وَكَذَلِكَ الطفولة سَبَب ظَاهر فَلَا يجب الاحتجاب عَنْهُم نعم تستر الْعَوْرَة عَن الَّذِي ظهر فِيهِ دَاعِيَة الْحِكَايَة فَإِذا قَارب الْبلُوغ وَظهر مبادئ الشَّهْوَة وَجب الاحتجاب وَقَالَ الْقفال ثَبت الْحل فَلَا يرْتَفع إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَهُوَ الْبلُوغ وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذِه الْقَاعِدَة إِلَّا نظر الْغُلَام إِلَى سيدته فَإِنَّهُ مُبَاح لقَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أيمانهن} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ الْحَاجة وَقد قيل بِتَحْرِيم ذَلِك لما فِيهِ من الْخطر وَلَكِن ذَلِك يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل الْآيَة وَمن المستثنيات النّظر إِلَى الْإِمَاء حَتَّى رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لجارية مُتَقَنعَة أتتشبهين بالحرائر يَا لكعاء وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الرقيقة تحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فِي الْمُهِمَّات وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا كَالْحرَّةِ لَا ينظر إِلَيْهَا إِلَّا لحَاجَة الشِّرَاء وَهُوَ الْقيَاس فرعان أَحدهمَا مَا أبين من الْمَرْأَة يجوز النّظر إِلَيْهِ إِن لم يتَمَيَّز بصورته عَمَّا للرِّجَال كالقلامة وَمَا ينتف من الشّعْر والجلدة المتكشطة وَإِن تميز كالعضو المبان والعقيصة فَلَا يحل النّظر إِلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 الثَّانِي الصبية لَا يحل النّظر إِلَى فرجهَا وَفِي النّظر إِلَى وَجههَا وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهَا خرجت عَن مَظَنَّة الشَّهْوَة بِسَبَب ظَاهر وَالثَّانِي التَّحْرِيم نظرا إِلَى جنس الْأُنُوثَة وعَلى الْجُمْلَة أمرهَا أَهْون من أَمر الْعَجُوز فَإِنَّهَا مَحل للْوَطْء والشهوات لَا تنضبط الْموضع الرَّابِع نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل أما نظرها إِلَى زَوجهَا فكنظره إِلَيْهَا ونظرها إِلَى الْأَجَانِب فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كنظر الرجل إِلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 وَالثَّانِي أَنه كنظره إِلَى الْمَحَارِم وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تنظر إِلَى مَا وَرَاء الْعَوْرَة وتحترز عِنْد خوف الْفِتْنَة كَمَا يحْتَرز الرجل من النّظر إِلَى الْأَمْرَد إِذْ لَو اسْتَوَى النظران لأمر الرِّجَال أَيْضا بالتنقب كَمَا أَمر النِّسَاء هَذَا كُله فِي النّظر بِغَيْر حَاجَة فَإِن مست الْحَاجة لتحمل شَهَادَة أَو رَغْبَة نِكَاح جَازَ النّظر إِلَى الْوَجْه وَلَا يحل النّظر إِلَى الْعَوْرَة إِلَّا لحَاجَة مُؤَكدَة كمعالجة مرض شَدِيد يخَاف عَلَيْهِ فَوت الْعُضْو أَو طول الضنى ولتكن الْحَاجة فِي السوأتين آكِد وَهُوَ أَن تكون بِحَيْثُ لَا يعد التكشف لأَجله هتكا للمروءة وَتعذر فِيهِ فِي الْعَادة فَإِن ستر الْعَوْرَة من المروءات الْوَاجِبَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَلم يجوز الْإِصْطَخْرِي النّظر إِلَى الْفرج لتحمل شَهَادَة الزِّنَا وَخَالف فِيهِ الْأَصْحَاب وَمَا ذكره غير بعيد لِأَن ستر الْعَوْرَة وَستر الْفَوَاحِش كِلَاهُمَا مقصودان فَيخْتَص تحمل الشَّهَادَة بِمَا إِذا وَقع الْبَصَر عَلَيْهِ وفَاقا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 الْمُقدمَة الرَّابِعَة فِي الْخطْبَة وآدابها وَيَنْبَغِي أَن يقدم النّظر عَلَيْهَا إِذْ فِي الرَّد بعد الْخطْبَة إيحاش وَالتَّصْرِيح بِخطْبَة الْمُعْتَدَّة حرَام والتعريض جَائِز فِي عدَّة الْوَفَاة وَحرَام فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة وَجْهَان وَسبب التَّحْرِيم أَنَّهَا مستوحشة بِالطَّلَاق فَرُبمَا كذبت فِي انْقِضَاء الْعدة مسارعة إِلَى مُكَافَأَة الزَّوْج والتعريض هُوَ أَن يَقُول رب رَاغِب فِيك وَإِذا حللت فآذنيني كَمَا قَالَ رَسُول الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تجوز الْخطْبَة على خطْبَة الْغَيْر بعد الْإِجَابَة وَتجوز قبل الْإِجَابَة وَهل يكون السُّكُوت كالإجابة فِيهِ قَولَانِ وَقد رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت قيس إِذا حللت فآذنيني فَلَمَّا حلت قَالَ انكحي أُسَامَة فَقَالَت خطبني أَبُو جهم وَمُعَاوِيَة قَالَ أما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ وَأما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عاتقة أَي يداوم الضَّرْب وَقيل يدوام السّفر وَذَلِكَ يدل على جَوَاز ذكر الْغَائِب بِمَا يكرههُ إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة لغيره وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 اذْكروا الْفَاسِق بِمَا فِيهِ كي يحذرهُ النَّاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 الْمُقدمَة الْخَامِسَة فِي الْخطْبَة وَيسْتَحب ذَلِك عِنْد الْخطْبَة وَعند إنْشَاء العقد وَسَوَاء يخْطب العاقدان أَو غَيرهمَا فَهُوَ حسن وَإِن قَالَ الْوَلِيّ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله زَوجتك فُلَانُهُ فَقَالَ الزَّوْج الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله قبلت صَحَّ النِّكَاح وَكَانَ أحسن وتخلل هَذِه الْكَلِمَة الْيَسِيرَة وَهِي مُتَعَلقَة بغرض العقد لَا يقطع الْجَواب عَن الْخطاب وَفِيه وَجه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 بعيد أَنه يقطع هَذَا هُوَ الْكَلَام فِي قسم الْمُقدمَات جرينا فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود إِذْ الْبِدَايَة بالرغبة ثمَّ بِالنّظرِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ فنشرع فِي شرح العقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْأَركان والشرائط وَهِي أَرْبَعَة الصِّيغَة وَالْمحل وَالشَّاهِد وَالْوَلِيّ الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول الدالان على جزم الرِّضَا دلَالَة صَرِيحَة قَاطِعَة وَفِيه مسَائِل سِتَّة الأولى أَن الصَّرِيح هُوَ كلمة الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج فَلَا يقوم لفظ آخر مقامهما لِأَن النِّكَاح يشْتَمل على أَحْكَام غَرِيبَة لَا يُحِيط بجميعها لفظ من حَيْثُ اللُّغَة فَيتَعَيَّن اللَّفْظ الْمُحِيط بهَا شرعا وَلذَلِك لَا نزيد أَيْضا فِي صرائح الطَّلَاق على مَا ورد فِي الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَالْبيع وَالتَّمْلِيك وكل مَا يُفِيد معنى التَّمْلِيك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 فرع الصَّحِيح أَن ترجمتها بِالْفَارِسِيَّةِ وَسَائِر اللُّغَات يقوم مقَامهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا وَقيل يقوم مقَامهَا عِنْد الْعَجز فَقَط وَقيل لَا يجوز ذَلِك أَيْضا وعَلى الْعَاجِز أَن يَسْتَنِيب الْقَادِر الثَّانِيَة لَا ينْعَقد النِّكَاح بالكنايات مَعَ النِّيَّة لِأَنَّهَا تتَعَلَّق بتفهيم الشَّاهِد وَلَا مطلع لَهُ على النِّيَّة وَيصِح بهَا الْإِبْرَاء وَالْفَسْخ وَالطَّلَاق وَمَا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان وَأما البيع وَمَا ليفتقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الْقَائِل هَل يكون كالشاهد حَتَّى لَا يَكْفِي تفهيمه بِقَرِينَة الْحَال فرع إِذا قَالَ زوجتكها فَيَنْبَغِي أَن يَقُول الزَّوْج قبلت نِكَاحهَا أَو قبلت هَذَا النِّكَاح فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن قَوْله قبلت لَيْسَ صَرِيحًا لنَفسِهِ مَا لم يَنْضَم فِيهِ الْإِيجَاب السَّابِق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 الثَّالِثَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن النِّكَاح ينْعَقد بالاستيجاب والإيجاب وَهُوَ قَوْله زوجنيها وَقَول الْوَلِيّ وزجتكها وَنَصّ فِي البيع على قَوْلَيْنِ وَقطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك يَكْفِي فِي الْخلْع وَالْعِتْق على المَال وَالصُّلْح عَن دم الْعمد لِأَن الْعِوَض غير مَقْصُود فِيهَا وَإِنَّمَا لَا ينْعَقد البيع على قَول لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني على سَبِيل استبانة الرَّغْبَة من غير بت الرِّضَا فِي الْحَال لِأَنَّهُ قد يَقع بِعته بِخِلَاف النِّكَاح وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي النِّكَاح وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْخلْع وَالصُّلْح وَغير هَذَا وَهُوَ غَرِيب لكنه منقاس جدا الرَّابِعَة النِّكَاح لَا يقبل حَقِيقَة التَّعْلِيق مثل أَن يَقُول إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد زَوجتك وَلَا يحْتَمل أَيْضا لَفظه مثل أَن يَقُول إِن كَانَ قد ولد لي بنت فقد زوجتكها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 ثمَّ بَان أَنه كَانَ قد ولدت فَلَا يَصح النِّكَاح بِصِيغَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن انْقَضتْ عدتهَا فقد زَوجتك وَكَانَ قد انْقَضتْ وَفِيه وَجه أَنه يَصح مَأْخُوذ من الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ أبي مَاتَ فقد بِعْت مِنْك مَاله الْخَامِسَة نِكَاح الشّغَار بَاطِل للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ وَصورته الْكَامِلَة أَن يَقُول زَوجتك ابتني على أَن نزوجني ابْنَتك أَو أختك على أَن يكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى وَمهما انْعَقَد لَك نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد لي نِكَاح ابْنَتك وَهَذَا يشْتَمل على ثَلَاثَة أُمُور تَعْلِيق وَشرط عقد واشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقد قَالَ الْقفال إِنَّمَا يبطل العقد بِالتَّعْلِيقِ وَهُوَ المُرَاد بالشغار مأخوذا من قَوْلهم شغر الْكَلْب بِرجلِهِ أَي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 لَا ترفع رجل ابْنَتي مَا لم أرفع رجل ابْنَتك وَكَانَ ذَلِك من عَادَة الْعَرَب لأنفتها من التَّزْوِيج فَقَالَ لَو اقْتصر على شَرط التَّزْوِيج فِي العقد وعَلى إصداق الْبضْع صَحَّ العقد لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة وجماهير الْأَصْحَاب عللوا بالاشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقَالُوا يشبه ذَلِك مَا لَو نكحت الْحرَّة عبدا على أَن تكون رقبته صَدَاقا لَهَا فَإِن ذَلِك يُبطلهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَو قَالَ زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك وَاقْتصر عَلَيْهِ بَطل أَيْضا لما فِيهِ من الْخُلُو عَن الْمهْر وَأخذ الشّغَار من قَوْلهم شغر الْبَلَد إِذا خلا من الْوَالِي وَمَا ذكره الْقفال أَقيس وَمَا ذكره الجماهير إِلَى الْخَبَر أقرب وَأما الْإِبْطَال بِمُجَرَّد اشْتِرَاط العقد والخلو عَن الْمهْر فبعيد السَّادِسَة تأقيت النِّكَاح بَاطِل وَهُوَ أَن يَقُول زَوجتك شهرا وَذَلِكَ هُوَ نِكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 الْمُتْعَة سمي بهَا لِأَن مَقْصُوده مُجَرّد التَّمَتُّع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 الرُّكْن الثَّانِي الْمحل وَهِي الْمَنْكُوحَة وَشَرطهَا أَن تكون خلية من الْمَوَانِع وَهِي قريب من عشْرين أَلا تكون مَنْكُوحَة الْغَيْر أَو فِي عدَّة الْغَيْر أَو مرتدة أَو مَجُوسِيَّة أَو زنديقة لَا تنْسب إِلَى مِلَّة أَو كِتَابِيَّة دَانَتْ بدينهم بعد التبديل أَو بعد المبعث وَلَيْسَت مَعَ ذَلِك من بني إِسْرَائِيل أَو تكون رقيقَة والناكح حر وَاجِد طول حرَّة أَو غير خَائِف من الْعَنَت أَو مَمْلُوكَة للناكح بَعْضهَا أَو كلهَا أَو كَانَت من الْمَحَارِم إِمَّا من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة أَو تكون خَامِسَة بِأَن يكون تَحْتَهُ أَربع أَو يكون تَحت الزَّوْج أُخْتهَا أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا فَيكون بِالنِّكَاحِ جَامعا بَينهمَا أَو يكون الناكح قد طَلقهَا ثَلَاثًا وَلم يَطَأهَا بعده زوج أخر أَو يكون الناكح قد لَاعن عَنْهَا أَو تكون مُحرمَة بِحَجّ أَو عمْرَة أَو تكون ثَيِّبًا صَغِيرَة أَو يتيمة أَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 كَانَت من أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي هَذَا الزَّمَان فَهَذِهِ مجامع الْمَوَانِع وَسَيَأْتِي شرحها فِي الْقسم الثَّالِث من الْكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 الرُّكْن الثَّالِث الشُّهُود وَهُوَ شَرط وَلَكِن تساهلنا بتسميته ركنا وَلَا ينْعَقد النِّكَاح إِلَّا بِحُضُور عَدْلَيْنِ وَلَا ينْعَقد بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ دَاوُد لَا حَاجَة إِلَى الشَّهَادَة وَقَالَ مَالك يَكْفِي الإعلان وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 بولِي وشاهدي عدل فَنَقُول لَا بُد من حُضُور من هُوَ أهل للشَّهَادَة فَلَا يَكْفِي حُضُور الصَّبِي وَالذِّمِّيّ وَالرَّقِيق والأصم وَالْفَاسِق وَفِي حُضُور الْأَعْمَى خلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 لِأَنَّهُ أهل لبَعض الشَّهَادَات وَلَو حضر ابْن الزَّوْجَيْنِ أَو أَبُو الزَّوْجَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا الِانْعِقَاد لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا فِي هَذَا النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه إِن حضر ابْن الزَّوْج وَابْن الزَّوْجَة لم يكتف لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْإِثْبَات وَإِن حضر ابْنَانِ لأَحَدهمَا جَازَ لِأَنَّهُ يُمكن الْإِثْبَات على والدها وَالرَّابِع أَنَّهُمَا إِن كَانَا ابنيها صَحَّ وَإِن كَانَا ابْني الزَّوْج لم يَصح لِأَن الْحَاجة إِلَى الْإِثْبَات عَلَيْهَا عِنْد الْجُحُود لَا على الزَّوْج فَيقبل عَلَيْهَا قَول ابنيها وتجري هَذِه الزوجه فِي عدوي الزَّوْجَيْنِ وَلَو حضر من حَاله فِي الْفسق مَسْتُور على الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ العقد على الْأَصَح وَذكر الْمحَامِلِي فِيهِ خلافًا ويعضده أَن مَسْتُور الْحُرِّيَّة لَا يَكْفِي حُضُوره على الْأَظْهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 لَكِن الْحُرِّيَّة مكشوفة فِي الْغَالِب وَالْفِسْق خَفِي وَفِي الْمَنْع من المستور حرج وتضييق فَإِن صححنا فَبَان بَينه عادلة فسقهما حَالَة العقد فَفِي تبين بطلَان العقد قَولَانِ كالقولين فِي نقض الْقَضَاء الْمَبْنِيّ على قَوْلهمَا وَلَا الْتِفَات إِلَى قَوْلهمَا كُنَّا فاسقين وَلَو قَالَ الزَّوْج كنت أعرف فسقه حَالَة العقد وَأنْكرت الْمَرْأَة قَالَ الصيدلاني ينزل منزلَة الطَّلَاق حَتَّى يتشطر الْمهْر قبل الدُّخُول وَبعده يجب جَمِيع الْمهْر وتعود إِلَيْهِ بطلقتين إِن نَكَحَهَا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْحر إِذا نكح أمة ثمَّ قَالَ كنت واجدا طول الْحرَّة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلْقَة أما تشطير الْمهْر فمعقول لِأَنَّهُ فِرَاق حصل بجهته لَا بزعم الْمَرْأَة وَأما جعله طَلَاقا وَلم يجر عقد فَلَيْسَ يتَبَيَّن لي وَجهه إِلَّا أَن يَجْعَل طَلَاقا فِي حق الْمَرْأَة الْمُنكرَة خَاصَّة أَو يَجْعَل فِي حق الزَّوْج طَلَاقا فِي الظَّاهِر لجَرَيَان الشَّهَادَة على ظَاهر النِّكَاح لَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 فرع تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن الْمُعْلن بِالْفِسْقِ إِذا تَابَ فِي مجْلِس العقد هَل يلْتَحق بالمستور وَكَانَ عَادَته اسْتِتَابَة الْحَاضِرين وَوَجهه أَنه يُمكن أَن يكون صَادِقا فِي تَوْبَته وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يشْتَرط الْإِشْهَاد على رِضَاء الْمَرْأَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 الرُّكْن الرَّابِع العاقدان وَهُوَ الزَّوْج وَالْوَلِيّ لِأَن الْمَرْأَة مسلوبة الْعبارَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي عقد النِّكَاح فَلَا تصح عبارتها بالنيابة وَلَا بِالْوكَالَةِ وَلَا بالاستقلال لَا فِي التَّزْوِيج وَلَا فِي الْقبُول وَيصِح إِقْرَارهَا بِالنِّكَاحِ على الْجَدِيد لِأَن شَرط الْوَلِيّ إِنَّمَا ورد فِي الْإِنْشَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي إِلَّا أَنَّهَا لَو أقرَّت وكذبها الْوَلِيّ قَالَ الْقفال لَا تقبل لِأَنَّهَا أقرَّت على الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ وَمِنْهُم من قَالَ تقبل لِأَنَّهَا مقرة على نَفسهَا بِالرّقِّ ثمَّ إِن اعْتبرنَا تَصْدِيق الْوَلِيّ فَكَانَ غَائِبا سلمناها فِي الْحَال إِلَى الزَّوْج بإقرارها للضَّرُورَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 إِذْ يعسر مُلَازمَة الْوَلِيّ حضرا وسفرا لَكِن لَو رَجَعَ وَكذب فَالظَّاهِر أَنه يُحَال بَينهمَا لزوَال الضَّرُورَة وَصِيغَة الْإِقْرَار أَن تَقول زَوجنِي الْوَلِيّ مِنْهُ فَلَو أقرَّت بالزوجيه وَلم تضف إِلَى الْوَلِيّ فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن دَعْوَى النِّكَاح مُطلقًا من غير التَّقْيِيد بِالشّرطِ هَل تسمع فَأَما إِقْرَار الْوَلِيّ الْمُجبر فنافذ إِن أقرّ فِي حَالَة الْقُدْرَة على الْإِجْبَار وَأما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فقد قضى بِأَنَّهَا تزوج نَفسهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 لَكِن الْوَلِيّ يفْسخ العقد إِن وضعت نَفسهَا تَحت غير كفؤ وَقَالَ مَالك تزوج الدنية نَفسهَا دون الشَّرِيفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 وَعِنْدنَا أَن الْوَطْء فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي يُوجب الْمهْر للشُّبْهَة وَلَا يُوجب الْحَد وَقَالَ الصَّيْرَفِي يجب الْحَد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب ينْقض قَضَاء الْحَنَفِيّ بِصِحَّة نِكَاح بِلَا ولي لمُخَالفَته الحَدِيث الظَّاهِر وتفاصيل أَحْكَام الْولَايَة يَسْتَوْفِيه بَابَانِ بَاب فِي الْوَلِيّ بَاب فِي الْمولي عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْأَوْلِيَاء وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي أَسبَاب الْولَايَة وَهِي أَرْبَعَة الْأُبُوَّة والجدودة فِي مَعْنَاهَا والعصوبة بِالنّسَبِ وَالْوَلَاء والسلطنة أما الْأَب وَالْجد أَب الْأَب فَلَهُمَا منصب الْإِجْبَار فِي حَالَة الْبكارَة وَلَو بعد الْبلُوغ وَفِي الْبَنِينَ فِي الصغر دون الْكبر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الْبكر الْبَالِغَة لَا تجبر على النِّكَاح وَالثَّيِّب الصَّغِيرَة يجوز أجبارها عِنْده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَنظر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى الثيابة والبكارة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا وإذنها صماتها وَمعنى إجبارها أَن الْأَب لَو زَوجهَا من كفؤ وَهِي ساخطة نفذ وَلَو التمست التَّزْوِيج من الْوَلِيّ وَجَبت الْإِجَابَة وَإِن كَانَت مجبرة كَالصَّبِيِّ الَّذِي يلْتَمس الطَّعَام وَلَو عينت كُفؤًا وَعين الْوَلِيّ كُفؤًا فَمنهمْ من قَالَ يجب رِعَايَة حَقّهَا فِي الْأَعْيَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 وَإِنَّمَا حَظّ الْوَلِيّ فِي الْكَفَاءَة فَقَط وَمِنْهُم من قَالَ تعْيين الْوَلِيّ أولى وَمهما ثَابت وَلَو بِالزِّنَا لم تجبر وَلَو انفتق جلد الْعذرَة بوثبة أَو طفرة فَالْأَظْهر أَنَّهَا بكر لِأَن واطئها مبتكر وَلم ير أَبُو حنيفَة للزِّنَا أثرا فِي إِزَالَة حكم الْبكارَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 فَأَما الْعَصَبَات من جِهَة النّسَب كالإخوة والأعمام وَأَوْلَادهمْ فَلَيْسَ لَهُم الْإِجْبَار بِحَال وَإِنَّمَا لَهُم تَزْوِيج الْبكر وَالثَّيِّب بعد الْبلُوغ برضاهها وَهل لَهُم الِاكْتِفَاء بصمت الْبكر وَجْهَان أَحدهمَا نعم لظَاهِر الحَدِيث وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّكُوت مردد وَمعنى الحَدِيث حث الْمُجبر على مراجعتها من غير تَكْلِيف نطق وَأما الْوَلِيّ الْمُعْتق فولايته كولاية الْعَصَبَات وَأما السُّلْطَان فولي فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع عِنْد عدم الْوَلِيّ وغيبته وعضله وَإِذا أَرَادَ الْوَلِيّ أَن يُزَوّج من نَفسه وَلَيْسَ للسُّلْطَان ولَايَة الْإِجْبَار خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَيْسَ للْوَصِيّ ولَايَة التَّزْوِيج وَإِن فوض إِلَيْهِ الْمُوصي إِذْ لَيْسَ لَهُ قرَابَة تَدعُوهُ إِلَى الشَّفَقَة وَالنَّظَر وَلَا حَظّ لَهُ فِي الْكَفَاءَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 الْفَصْل الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء من الْقَرَابَة وَالْوَلَاء والسلطنه وجهة الْقَرَابَة مُقَدّمَة على الْوَلَاء وَالْوَلَاء مقدم على السلطنة والازدحام يفْرض فِي النّسَب وَالْوَلَاء أما النّسَب فالأب ثمَّ الْجد وَلَهُمَا ولَايَة الْإِجْبَار ثمَّ تَرْتِيب بَاقِي الْعَصَبَات كترتيبهم فِي الْمِيرَاث إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن الابْن عصبَة فِي الْمِيرَاث وَلَا يُزَوّج بِحكم النُّبُوَّة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم إِن كَانَ قَاضِيا أَو عصبَة أَو ابْن عَم أَو معتقا زوج بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فالبنوة لَا تمنع وَلَا تفِيد الثَّانِيَة الْجد فِي الْمِيرَاث يقاسم الْإِخْوَة وَهَاهُنَا يقدم الْجد لِأَنَّهُ على عَمُود النّسَب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 وشفقته أكمل الثَّالِثَة أَن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على الْأَخ من الْأَب فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَفِي الْولَايَة قَولَانِ لِأَن جِهَة الأمومة لَا مدْخل لَهَا فِي الْولَايَة فَيجوز أَن لَا توجب تَرْجِيحا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ التَّقْدِيم فِي التَّزْوِيج أَيْضا وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْعم من الْأَب وَالأُم وَالْعم من الْأَب وابنيهما وَلَا يجْرِي فِي ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم لِأَن أخوة الْأُم هَاهُنَا لَا تفِيد عصوبة فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهَا ابْنا ابْن عَم أَحدهمَا ابْنهَا أَو ابْنا مُعتق أَحدهمَا مِنْهَا فَلَا تَرْجِيح وَنَصّ ابْن الْحداد على أَن ابْنهَا من الْمُعْتق مقدم على سَائِر الْبَنِينَ وَهُوَ بعيد أما تَرْتِيب الْوَلَاء فالمتعق أولى فَإِن لم يكن فعصباته فَإِن لم يَكُونُوا فمعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته وترتيب عصبات الْمُعْتق كترتيب عصبات النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا اجْتمع جد الْمُعْتق وَأَخُوهُ من الْأَب فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْأَخ أولى لِأَنَّهُ يُدْلِي ببنوة الْأَب وَهِي أقوى من الْأُبُوَّة فِي الْعُصُوبَة وَالثَّانِي يتساويان لِأَن أَحدهمَا أَب الْأَب وَالْآخر ابْن الْأَب وَلَيْسَ الْجد هَاهُنَا أصل الزَّوْجَة حَتَّى يقدم الثَّانِيَة ابْن الْمُعْتق مقدم على أَبِيه لِأَنَّهُ الْعصبَة دون الْأَب هُنَا لقُوَّة الْبُنُوَّة الثَّالِثَة الْجد وَابْن الْأَخ إِن قُلْنَا إِن الْجد مَعَ الْإِخْوَة يتساويان فهاهنا الْجد يقدم وَإِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 قُلْنَا يقدم الْأَخ على الْجد فهاهنا يتساويان وَقيل الْجد مقدم لقُرْبه وَقيل ابْن الْأَخ لقُوَّة الْبُنُوَّة الرَّابِعَة أَخ الْمُعْتق من الْأَب وَالأُم وَأَخُوهُ من الْأَب قيل لَا تَرْجِيح إِذْ الْوَلَاء يجْرِي بمحض الْعُصُوبَة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فرعان أَحدهمَا الْمَرْأَة إِذا أعتقت فلهَا الْوَلَاء وَلَكِن يُزَوّج العتيقة من يُزَوّج السيدة بِرِضا العتيقة وَلَا يحْتَاج إِلَى رضَا الْمُعتقَة لِأَنَّهَا لَا تلِي العقد على نَفسهَا وَلَا غَيرهَا وَلَيْسَ لَهَا الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من رِضَاهَا فَإِن عضلت يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضا السُّلْطَان وَيكون السُّلْطَان نَائِبا عَنْهَا فِي الرِّضَا الْوَاجِب عَلَيْهَا وَإِن كَانَ للمعتقة أَب وَابْن فيزوجها فِي حَيَاتهَا الْأَب فَإِن مَاتَت يُزَوّج الابْن لِأَنَّهُ الْعصبَة الْآن وَقيل باستصحاب ولَايَة الْأَب وَهُوَ بعيد وَقيل يُزَوّجهَا ابْنهَا فِي حَال حَيَاتهَا كَمَا يُزَوّجهَا بعد مماتها وَهُوَ بعيد الثَّانِي جَارِيَة أعتق نصفهَا يُزَوّجهَا الْمَالِك وعصبتها إِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الْجَارِيَة تورث وَإِن قُلْنَا لَا تورث فيزوجها الْمَالِك والقضاي وَقد قيل يُزَوّجهَا الْمُعْتق وَالْمَالِك وَقيل لَا تزوج لعسر الْأَمر وَهُوَ بعيد والأحوط التَّزْوِيج بِاتِّفَاق الْجَمِيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 الْفَصْل الثَّالِث فِي سوالب الْولَايَة وَهِي سَبْعَة الأول الرّقّ فَلَا ولَايَة للرقيق على نَفسه فَكيف على غَيره نعم تصح عِبَارَته فِي شقي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ سَيّده إِذْ لَا ضَرَر على سَيّده فِيهِ وَمِنْهُم من منع عِبَارَته فِي شقّ التَّزْوِيج وَزعم أَن نَائِب الْوَلِيّ يَنْبَغِي أَن يكون بِصفة الْوُلَاة بِخِلَاف نَائِب الزَّوْج الثَّانِي كل مَا يقْدَح فِي النّظر كَالصَّبِيِّ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء والعتة والسفه الْمُوجب للحجر وَالْمَرَض المؤلم الملهي عَن النّظر لِشِدَّتِهِ فَجَمِيع ذَلِك يسلب الْولَايَة وينقلها إِلَى الْأَبْعَد إِلَّا فِي الْإِغْمَاء وَالْجُنُون المتقطع ففيهما ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان لِأَن زَوَالهَا منتظر كالغيبة وَالثَّانِي أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى الْأَبْعَد لِأَن الْغَيْبَة لَا تخل بِالنّظرِ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء يخلان بِالنّظرِ وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء ينْتَقل إِلَى القَاضِي وَالْجُنُون إِلَى الْأَبْعَد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 ثمَّ الْمغمى عَلَيْهِ ينْتَظر مِقْدَار مُدَّة سفر الْعَدْوى أَو سفر الْقصر كَمَا فِي مُدَّة الْغَائِب وَعِنْدِي أَن تَقْدِير الِانْتِظَار هَاهُنَا بِثَلَاثَة أَيَّام أولى الثَّالِث الْعَمى وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَلِي الْأَعْمَى لاختلال نظره وَالثَّانِي يَلِي لِأَن مَقَاصِد النِّكَاح لَا ترتبط بالبصر الرَّابِع الْفسق وَظَاهر نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وجديدا أَنه يَلِي وَقَالَ لَا يَلِي السَّفِيه قَالَ الْقفال أَرَادَ بِهِ الَّذِي لَا ينظر لنَفسِهِ وَيدل على ولَايَة الْفَاسِق النَّاظر لدنياه ترك الْأَوَّلين النكير على سلاطين الظلمَة والفساق فِي التَّزْوِيج وَلِأَنَّهُ نَاظر لنَفسِهِ فَكَذَلِك لوَلَده فَإِنَّهُ من أهم أُمُوره الْخَاصَّة بِهِ وَلِأَن عود الْفسق بعد الْبلُوغ لَا يُعِيد الْحجر وفَاقا وَإِن كَانَ عود السَّفه يُعِيدهُ على وَجه مَعَ أَن اتِّصَال الْفسق بِالْبُلُوغِ يمْنَع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 ارْتِفَاع الْحجر لِأَنَّهُ ثَبت بِيَقِين فَلَا يرْتَفع بِالشَّكِّ فِي الرشد واتصال الْفسق يُوجب الشَّك فَإِذا ارْتَفع بِيَقِين لم يعد أَيْضا بِالشَّكِّ بِسَبَب الْفسق وَالْمَشْهُور تَخْرِيج ولَايَة الْفَاسِق على قَوْلَيْنِ وَقيل شَارِب الْخمر لَا يَلِي خَاصَّة وَقيل ولَايَة الْإِجْبَار تسْقط بِالْفِسْقِ دون غَيره وَقيل عَكسه فَهَذِهِ خَمْسَة طرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 وَلَا خلاف فِي أَن المستور يَلِي لترك الْأَوَّلين النكير وتوكيل الْفَاسِق فِي العقد كتوكيل العَبْد وَفِيه خلاف على قَوْلنَا لَا يَلِي الْفَاسِق فَأَما السَّكْرَان المختل الْعقل فَلَا يَصح تَزْوِيجه قولا وَاحِدًا وَلَا وَجه لبِنَاء ذَلِك على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أم لَا فَإِن هَذَا يتَعَلَّق بِالنّظرِ للْغَيْر الْخَامِس اخْتِلَاف الدّين يسلب النّظر فيسلب الْولَايَة الْخَاصَّة حَتَّى لَا يُزَوّج الْمُسلم ابْنَته الْكَافِرَة وَأما الْكَافِر فيزوج ابْنَته الْكَافِرَة من مُسلم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَولي الْكَافِرَة كَافِر لِأَنَّهُ ينظر لوَلَده بِخِلَاف الْفَاسِق الْمُسلم على رَأْي وَقَالَ الْحَلِيمِيّ لَا يُزَوّج الْكَافِر إِذا قُلْنَا لَا يُزَوّج الْفَاسِق وَهَذَا خلاف النَّص وَلَا يقبل الْمُسلم نِكَاح الْكَافِرَة من قَاضِي الْكفَّار لِأَنَّهُ لَا وَقع لقضائهم وَفِي كَلَام صَاحب التَّقْرِيب إِشَارَة إِلَى خِلَافه السَّادِس غيبَة الْوَلِيّ وَهِي لَا تسلب الْولَايَة عندنَا لِأَن النّظر قَائِم وَلَكِن يَنُوب السُّلْطَان عَنهُ لتعذر الْأَمر لغيبته وَلذَلِك لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بطرآن الْغَيْبَة على الْمُوكل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 وينعزل بطرآن الْجُنُون ثمَّ السُّلْطَان يُزَوّج إِن كَانَ السّفر فَوق مَسَافَة الْقصر وَلَا يُزَوّج إِن كَانَ دون مَسَافَة الْعَدْوى وَهُوَ الَّذِي يرجع عَنهُ المبكر إِلَيْهِ قبل اللَّيْل وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان يجريان فِي قبُول شَهَادَة الْفَرْع عِنْد غيبَة الأَصْل وَفِي الاستعداء عِنْد القَاضِي ثمَّ إِذا طلبت من السُّلْطَان التَّزْوِيج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يُزَوّجهَا مَا لم يشْهد عَدْلَانِ أَنه لَيْسَ لَهُ ولي حَاضر وَلَيْسَت فِي زوجية وَلَا عدَّة فَمنهمْ من قَالَ ذَلِك وَاجِب احْتِيَاطًا للنِّكَاح خَاصَّة وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ اسْتِحْبَاب لِأَن اعْتِمَاد الْعُقُود على قَول أَرْبَابهَا وَكَذَلِكَ يحلفها القَاضِي على أَن وَليهَا لم يُزَوّجهَا فِي الْغَيْبَة إِن رأى ذَلِك وَمثل هَذِه الْيَمين الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِدَعْوَى اسْتِحْبَاب أَو إِيجَاب فِيهِ خلاف السَّابِع الْإِحْرَام وَالْمحرم مسلوب الْعبارَة فِي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ والنيابة والاستقلال فِي شقي الْقبُول والإيجاب وَهل يمْنَع الرّجْعَة فِيهِ وَجْهَان وَهل ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة الْمحرم فِيهِ خلاف للتردد فِي الرِّوَايَة إِذْ ورد فِي بَعْضهَا لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يشْهد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 وَهل تَنْقَطِع هَذِه التحريمات بالتحلل الأول فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا تَنْقَطِع لبَقَاء اسْم الْإِحْرَام ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْولَايَة تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان أَو إِلَى الْأَبْعَد ومأخذه أَنه كالغيبة أَو منَاف للولاية فَإِن قُلْنَا إِنَّه منَاف فَلَو أحرم الْمُوكل انْعَزل وَكيله وَإِن قُلْنَا لَا فَلَا يَنْعَزِل وَلَكِن قَالَ الصيدلاني يصبر الْوَكِيل إِلَى تحلل الْمُوكل إِذْ يبعد أَن يتعاطى عَنهُ فعلا فِي وَقت يعجز عَنهُ هُوَ فِي نَفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 الْفَصْل الرَّابِع فِي تولي طرفِي العقد أعلم أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَكَذَا الْجد لقُوَّة الْولَايَة ولكثرة الْحَاجة فِي البيع وعسر مُرَاجعَة السُّلْطَان وَهل يتَوَلَّى الْجد طرفِي النِّكَاح فِي حفدته فِيهِ وَجْهَان مبنيان على أَن الْعلَّة فِي البيع قُوَّة الْولَايَة وَحدهَا أم مَعَ كَثْرَة الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن النِّكَاح نَادِر فَإِن قُلْنَا يتَوَلَّى فَهَل يَكْفِيهِ النُّطْق بِأحد الشقين فِيهِ وَفِي البيع ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَكْفِي لِأَن رِضَاهُ بِأحد الطَّرفَيْنِ رضَا بِالْآخرِ فَلَا معنى لجوابه نَفسه وَالثَّانِي لَا لِأَن معنى التَّحْصِيل غير معنى الْإِزَالَة فَلَا بُد من لفظين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 وَالثَّالِث أَنه لَا يَكْفِي فِي النِّكَاح للتعبد فِي صيغته بِخِلَاف البيع وَإِن قُلْنَا لَا يتَوَلَّى فيفوض إِلَى السُّلْطَان أحد الطَّرفَيْنِ وَقيل إِنَّه يُوكل لِأَن الْجِهَة قَوِيَّة وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْغَيْر لنظم التخاطب وللتعبد فَأَما الْجِهَة الَّتِي لَا تفِيد الْإِجْبَار فَلَا تفِيد تولي الطَّرفَيْنِ للْعقد فَلَا يُزَوّج ابْن الْعم من نَفسه بل يُزَوجهُ من فِي دَرَجَته أَو السُّلْطَان وَلَا يَكْفِيهِ التَّوْكِيل فَإِن وَكيله بمثابته وَكَذَا الْمُعْتق وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم الْمَنْصُوب عَن جِهَة القَاضِي يُزَوّج مِنْهُ لِأَن حكمه نَافِذ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ من جِهَة السُّلْطَان لَا كَالْوَكِيلِ وَمِنْهُم من اسْتثْنى الإِمَام الْأَعْظَم وَقَالَ لَهُ تولي الطَّرفَيْنِ لقُوَّة الْإِمَامَة وَالصَّحِيح أَن الْوَكِيل من الْجَانِبَيْنِ فِي النِّكَاح لَا يتَوَلَّى طرفِي العقد وَكَذَا فِي البيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز للْوَلِيّ وَالْوَكِيل تولي طرفِي النِّكَاح دون البيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 الْفَصْل الْخَامِس فِي تَوْكِيل الْوَلِيّ وإذنه أما الْوَلِيّ الْمُجبر فَلهُ التَّوْكِيل قطعا وَهل عَلَيْهِ تعْيين الزَّوْج قَولَانِ احدهما لَا لَكِن على الْوَكِيل طلب الكفؤ فَإِن الْإِذْن يتَقَيَّد بالغبطة وَالثَّانِي يَلِي لِأَن النّظر فِي أَعْيَان الْأَكفاء دَقِيق وَالنِّكَاح مخطر فَيَنْبَغِي أَن يَتَوَلَّاهُ الْوَلِيّ أما الْمَرْأَة إِن أَذِنت للْوَلِيّ الَّذِي لَا يجْبر وَلم تعين فَفِيهِ قَولَانِ مرتبات وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْوَلِيّ ذُو خطّ فَينْظر بِخِلَاف الويكل وَإِن صرحت بِإِسْقَاط الْكَفَاءَة تخير الْوَلِيّ وَهل يجب التعين مَعَ ذَلِك فِيهِ طَرِيقَانِ وَإِن قَالَت زَوجنِي مِمَّن شِئْت فَالصَّحِيح أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا من كفؤ وَمَعْنَاهُ مِمَّن شِئْت من الْأَكفاء وَلَيْسَ لغير الْمُجبر التَّوْكِيل إِن منعت من ذَلِك وَإِن رضيت جَازَ وَإِن أطلقت الْإِذْن فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ على الْجُمْلَة ذُو ولَايَة وحظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 فرع لَو عينت زوجا ورضيت بِالتَّوْكِيلِ فعين الْوَلِيّ فِي التَّوْكِيل ذَلِك جَازَ وَإِن اطلق فاتفق أَن زوج الْوَكِيل من الْمعِين فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان وَوجه الْفساد صِيغَة التَّوْكِيل كَمَا لَو قَالَ الْوَلِيّ بِعْ مَال الطِّفْل بِالْغبنِ فَبَاعَ بالفبطة فَإِنَّهُ لَا يَصح ويتصل هَذَا النّظر فِي كَيْفيَّة تعَاطِي الْوَكِيل وَليقل الْوَلِيّ للْوَكِيل فِي الْقبُول زوجت فُلَانَة من فلَان وَلَا يقل مِنْك وَيَقُول الْوَكِيل قبلت لفُلَان فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَينه وَبَين الْمُوكل وَلَو قَالَ قبلت لنَفْسي لم يَصح لَهُ وَلَا للْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف للخطاب وَلَو قَالَ زوجت مِنْك فَقَالَ قبلت وَنوى مُوكله لم يَقع للْمُوكل وَفِي البيع يَقع مثله للْمُوكل لِأَن مَعْقُود البيع قَابل للنَّقْل بِخِلَاف مَعْقُود النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 الْفَصْل السَّادِس فِيمَا يجب على الْوَلِيّ فَنَقُول أما غير الْمُجبر فَتجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِذا طلبت إِن لم يكن فِي دَرَجَته غَيره فَإِن كَانَ فَهُوَ كشاهد لَا يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن تعين وعضل وأحوجها إِلَى السُّلْطَان عصى لما فِيهِ من الْإِضْرَار وخرق الْمُرُوءَة وَالنَّهْي عَن العضل وَأما الْمُجبر فَيجب عَلَيْهِ تَزْوِيج الْمَجْنُونَة إِذا تاقت وَلَا يجب التَّزْوِيج من الابْن الصَّغِير لِأَنَّهُ لَا يلْزمه الْمهْر والنفقه وَلَا يجب تَزْوِيج الْبِنْت إِلَّا إِذا ظَهرت الْغِبْطَة فَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا طلب مَال الطِّفْل بِزِيَادَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ البيع وَيحْتَمل تَجْوِيز التَّأْخِير إِلَى بُلُوغهَا وَأما مَال الطِّفْل فَلَا يجب على الْوَلِيّ أَن يكد نَفسه بِالتِّجَارَة والاستنماء وَلَكِن يجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 صونه عَن الضّيَاع وَقدر من الاستمناء الْمُعْتَاد الَّذِي يصونه عَن أَن تَأْكُله النَّفَقَة وَلَو طلب مَاله بِزِيَادَة وَجب البيع وَلَو بيع شَيْء بِأَقَلّ فَلهُ أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ فَإِن لم يرد فليشتر لطفله وَإِن قبل نِكَاح ابْنه لم يلْزمه الصَدَاق فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لم يضمن وَفِي الْقَدِيم يصير بِالْعقدِ ضَامِنا وَهل يرجع بِهِ بعد الْبلُوغ فِيهِ احْتِمَال على الْقَدِيم وَإِن تبرم بِحِفْظ مَال الطِّفْل فَلهُ أَن يسْتَأْجر من مَال الطِّفْل من يعْمل لَهُ أَو يُطَالب السُّلْطَان بِأُجْرَة يقدرها لَهُ من مَال الطِّفْل إِن لم يجد متبراعا وَإِن وجد مُتَبَرعا فَالظَّاهِر أَنه لَا يُعْطي الْأُجْرَة بِخِلَاف الْأُم فَإِن إرضاعها بِالْأُجْرَةِ أولى من إِرْضَاع متبرعة أَجْنَبِيَّة لما فِيهِ من التَّفَاوُت الظَّاهِر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 الْفَصْل السَّابِع فِي الْكَفَاءَة وخصالها وَاعْلَم أَن الْكَفَاءَة حق الْمَرْأَة والأولياء فَلَو رَضوا بِغَيْر كفؤ جَازَ خلافًا للشيعة فَإِنَّهُم حرمُوا العلويات على غَيرهم وَكَيف يحرمن وَلم تحرم بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان وَعلي وَأبي الْعَاصِ وَأَيْنَ كفؤ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَالم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 كَيفَ كَانَ عَليّ كفؤ فَاطِمَة وَأَبوهُ كَافِر وأبوها سيد الْبشر وَلَو كَانَ يَكْفِي النّسَب فِي الْكَفَاءَة فَالنَّاس كلهم إولاد آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَلم تفاوتوا وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت قيس وَهِي قرشيه أَن تنْكح أُسَامَة وَهُوَ مولى وَالصَّحِيح أَن الَّتِي لَا ولي لَهَا يُزَوّجهَا السُّلْطَان من غير كفؤ بِرِضَاهَا إِذْ لَا حَظّ للْمُسلمين فِي الْكَفَاءَة وَذكر الصيدلاني خِلَافه ثمَّ الْكَفَاءَة ترجع إِلَى مَنَاقِب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 وَالْمُعْتَبر مِنْهَا خمس التنقي من الْعُيُوب المثتبة للخيار وَالْحريَّة وَالنّسب وَالصَّلَاح فِي الدّين والتنقي من الْحَرْف الدنية وَالْجمال لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ يرجع إِلَى ميل النَّفس واليسار يعْتَبر فِي أَضْعَف الْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِك قدر الْبَلَاغ دون التَّسَاوِي فِي الْمَقَادِير وَلَا مبالاة بالانتساب إِلَى الظلمَة بل إِلَى أرومة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى الْعلمَاء لأَنهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِلَى الصلحاء الْمَشْهُورين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 الَّذين لَا ينسى أَمرهم بعد الْمَوْت فَإِنَّهُ الْمُوجب للتفاوت وَأما صَلَاح الزَّوْج فَيَكْفِي فِيهِ التنقي من الْفسق وَلَا تعْتَبر الْمُسَاوَاة فِي دَرَجَة الصّلاح والاشتهار والحرف الدنية هِيَ الَّتِي تدل على سُقُوط النَّفس وأكثرها يرجع إِلَى مُلَابسَة القاذورات وَالرُّجُوع فِي تَفْصِيل جَمِيع ذَلِك إِلَى الْعَادَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وَتَمام هَذَا النّظر بِثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن هَذِه الْخِصَال تعْتَبر فِي تَزْوِيج الْبِنْت لَا فِي الابْن إِذْ لَا عَار على الرِّجَال فِي غشيان خسيسة نعم لَا تزوج مِنْهُ مَعِيبَة بالعيوب المثبتة للخيار وَلَا يتَصَوَّر تَزْوِيج الرقيقة مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة بجانبه أَيْضا وَجه بعيد الثَّانِيَة هَذِه الْخِصَال هَل تجبر بالفضائل ينظر فَإِن كَانَ الْفَائِت نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يوازيها الانتساب إِلَى غَيره من الْعلمَاء والصلحاء وَهل يوازيه الصّلاح الظَّاهِر الْمَشْهُور فِي الْخطاب الْأَصَح أَنه لَا يوازيه وَقيل تجبر بِهِ وَاعْتمد فِيهِ هم عمر رَضِي الله عَنهُ بتزويج ابْنَته سلمَان الْفَارِسِي وبأمثال ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 وَأما الْعُيُوب فَلَا يجبرها غَيرهَا وَأما الْيَسَار فَيجْبر بِغَيْرِهِ والحرفة لَا تعَارض النّسَب وَرُبمَا يُعَارضهُ الصّلاح والمحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعَادَات وَنفي الْعَار الثَّالِثَة إِذا زَوجهَا من غير كفؤ بَطل العقد على الصَّحِيح وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي تَزْوِيج السليمة من الْمَعِيب قَوْلَيْنِ وَهُوَ أجْرى فِي سَائِر الْخِصَال ثمَّ قَالُوا إِن قُلْنَا ينْعَقد العقد فَهَل يثبت للْوَلِيّ الْفَسْخ قَولَانِ وأجروا ذَلِك وَإِن كَانَ عَالما بِهِ لِأَن الْحق للطفل فَلَا يسْقط بِعِلْمِهِ وَإِن بلغت فَهَل يثبت لَهَا الْخِيَار فَفِيهِ تردد وكل ذَلِك بعيد وَوَجهه أَن فِي النِّكَاح مصَالح خُفْيَة وَالْأَب مؤتمن غير مُتَّهم فَرُبمَا يتعاطى تَحْصِيل مصلحَة خُفْيَة قد تتقاضى ترك الْكَفَاءَة إِلَّا أَنه إِذا روعي ذَلِك فَلَا يتَّجه إِثْبَات الْخِيَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 الْفَصْل الثَّامِن فِي اجْتِمَاع الْأَوْلِيَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة وَإِذا اجْتَمعُوا فَكل وَاحِد يسْتَقلّ لَكِن الأحب تَقْدِيم الأسن وَالْأَفْضَل فَإِن تزاحموا فَالْعقد إِلَى من تعين الْمَرْأَة فَإِن أَذِنت للْكُلّ أَقرع بَينهم فَإِن عقد من لم تخرج لَهُ الْقرعَة مبادرا انْعَقَد وَإِن زوج أحدهم من غير كفؤ بِرِضَاهَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ النِّكَاح مفسوخ فَقيل إِن مَعْنَاهُ أَن للآخرين فسخ العقد اعتراضا وَقيل مَعْنَاهُ أَنه لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى لُحُوق الْعَار بالولي قبل أَن يتدارك وَقيل الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ فرع إِذا أَذِنت لوليين وَلم تعين الزَّوْج وجوزنا ذَلِك فعقد كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعَ شخص فَإِن اتَّحد الْوَقْت تدافعا وَإِن لم يعلم السَّبق وَأمكن التوافق تدافعا أَيْضا إِذْ لَيْسَ نستيقن صِحَة نِكَاح أَحدهمَا فَإِن سبق أَحدهمَا وَتعين وَلَكِن نسيناه وَتعذر بَيَانه فَالنِّكَاح بَينهمَا مَوْقُوف وَلَا نبالي بتضررها طول الْعُمر كَمَا لَو غَابَ زَوجهَا وَلم تعرف حَيَاته وكما لَو انْقَطع دم الشَّابَّة بِمَرَض فَإِن عَلَيْهَا انْتِظَار سنّ اليائس من الضرار فِيهِ وَإِن علم السَّبق وَلَكِن لم يتَعَيَّن السَّابِق مِنْهُمَا أصلا وَحصل الْيَأْس من الْبَيَان فَقَوْلَانِ مبنيان على الْقَوْلَيْنِ فِي جمعتين عقدتا فِي بَلْدَة وَاحِدَة على هَذَا الْوَجْه وَهَاهُنَا أولى بِالْفَسْخِ لِأَن الصَّلَاة لَا تحْتَمل الْفَسْخ فَفِي قَول يتَوَقَّف كَمَا لَو تعين ثمَّ نسي وَفِي قَول يفْسخ لدوام الضرار وإطباق الْإِشْكَال من أول الْأَمر إِلَى آخِره وَيشكل على هَذَا إِذا تعين ثمَّ نسي وَقد قيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ لكنه غَرِيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 التَّفْرِيع حَيْثُ رَأينَا الْفَسْخ فقد حكى الصيدلاني عَن الْقفال أَنه يَنْفَسِخ وَلَا حَاجَة إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ وَالأَصَح أَنه يحْتَاج إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ ثمَّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتَعَيَّن بِتَعْيِين القَاضِي لِأَنَّهُ مَحل التباس وَالثَّانِي لَهَا الْإِنْشَاء لتضررها كَمَا فِي الْجب والعنة فَإِن الزَّوْج يقدر على الطَّلَاق وَالثَّالِث أَن للزوجين أَيْضا الْفَسْخ وَإِن تَأَخّر الْفَسْخ فنفقتها تقسم على الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهَا محبوسة بسببهما وَلَا مهر عَلَيْهِمَا إِذْ النَّفَقَة قد تجب بعلة الْحَبْس دون الْمهْر وَفِي النَّفَقَة وَجه منقدح أَنه تجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الْحَبْس بتقصير مِنْهُمَا وَلَا النِّكَاح مستيقن فِي حق وَاحِد مِنْهُمَا هَذَا كُله عِنْد الِاعْتِرَاف بالإشكال فَإِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق قَالَ الصيدلاني لَيْسَ لأحد الزَّوْجَيْنِ أَن يَدعِي على الآخر إِذْ لَيْسَ فِي يَده شَيْء وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأَن يكون مُدعيًا أولى من أَن يكون مدعى عَلَيْهِ وَإِن ادّعى على الْوَلِيّ وَهُوَ غير مجبر لم يجز وَإِن كَانَ مجبرا فَوَجْهَانِ لااختصاص لَهما بِمحل التَّنَازُع أَحدهمَا أَنه لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ أصلا إِذْ لَا حَظّ لَهُ فِي الْملك وَإِنَّمَا هُوَ عَاقد كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي يتَوَجَّه لِأَن إِقْرَاره يقبل بِخِلَاف الْوَكِيل وَالَّذِي لَا يجْبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 قَالَ الإِمَام إِذا لم يُمكن دَعْوَى الْعلم على الْمَرْأَة فَلَا يبعد أَن يَدعِي أَحدهمَا على صَاحبه وَتجْعَل الْمَرْأَة كَمَال فِي يَد ثَالِث تداعاه رجلَانِ ثمَّ ذكر القَاضِي فِي الْبِدَايَة بالتحليف أَنه يقرع بَينهمَا أما إِن ادّعى عَلَيْهِمَا الْعلم بِالسَّبقِ فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن تقر لوَاحِد وفرعنا على الصَّحِيح فِي صِحَة إِقْرَارهَا ثبتَتْ زوجيته فِي الْحَال لَكِن هَل للثَّانِي أَن يحلفها فِيهِ قَولَانِ مبنيان على أَن من أقرّ بِشَيْء لزيد ثمَّ أقرّ بِهِ لعَمْرو هَل يغرم للثَّانِي بالحيلولة فَإِن قُلْنَا يغرم فهاهنا أَيْضا يتَوَقَّع إِقْرَارهَا فيحلفها حَتَّى تقر فتغرم أَو تنكل فيستفيد الثَّانِي بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة تغريمها وَإِن قُلْنَا لَا تغرم فَلَا يحلفها إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ فِي نكولها وَلَا فِي إِقْرَارهَا وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يحلفها حَتَّى يَسْتَفِيد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة إِن نكلت ثُبُوت الزَّوْجِيَّة لَهُ وَكَأن إِقْرَارهَا الأول لم يثبت زوجية الأول إِلَّا بِشَرْط الْحلف للثَّانِي فَأَما مَعَ النّكُول فَلَا وَهَذَا بعيد إِذْ نكولها كَيفَ يرد إِقْرَارهَا ويزاحمه الْحَالة الثَّانِيَة أَن تنكر الْعلم بِالسَّبقِ وتحلف على نفي الْعلم فَيبقى التداعي بَين الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ جَائِز وَإِن منعناه فِي الِابْتِدَاء قبل تَوْجِيه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فَإِن الدَّعْوَى الْآن وجد مُتَعَلقا ثمَّ لم يفد قطع الْخُصُومَة وَقيل إِنَّه لَا يسمع تداعيهما كَمَا فِي الِابْتِدَاء ويكفيها يَمِين وَاحِدَة على نفي الْعلم إِن حضر الزَّوْجَانِ مَعًا وَإِن بَادر أَحدهمَا فَهَل للثَّانِي تحليفها مرّة أُخْرَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي كل شَرِيكَيْنِ يدعيان شَيْئا وَاحِدًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 الْحَالة الثَّالِثَة أَن تنكر وتنكل حلف الْمُدَّعِي على السَّبق وَلَا يتَعَرَّض لعلمهما فَإِن ذَلِك شَرط فِي الدَّعْوَى لترتبط بهَا الدَّعْوَى هَذَا كُله إِذا ادعِي عَلَيْهَا الْعلم فَإِن أطلق دَعْوَى الزوجيه فَفِي سَماع الدَّعْوَى الْمُطلقَة خلاف وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي الْمولي عَلَيْهِ بالجنون وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة الأولى الْبكر الْمَجْنُونَة لَا شكّ فِي أَن الْأَب يُزَوّجهَا لَكِن الثّيّب إِن كَانَت كَبِيرَة يُزَوّجهَا بِمُجَرَّد الْمصلحَة من غير حَاجَة على الْأَصَح وَقيل لَا يُزَوّجهَا لِأَن الْأَب فِي حق الثّيّب كالأخ وَهُوَ لَا يُزَوّجهَا وَأما الثّيّب الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُزَوّجهَا كالعاقلة وَبِخِلَاف الْبَالِغَة فَإِنَّهَا فِي مَظَنَّة الشَّهْوَة على الْجُمْلَة وَإِن لم يشْتَرط ظُهُور حَاجَة الشَّهْوَة فِي حق الْأَب وَالصَّحِيح أَنَّهَا إِذا بلغت عَاقِلَة ثمَّ عَاد الْجُنُون عَاد ولَايَة الْبضْع وَإِن كَانَ فِي عود ولَايَة المَال خلاف لِأَن تَفْوِيض الْبضْع إِلَى السُّلْطَان مَعَ حَيَاة الْأَب قَبِيح الثَّانِيَة للْأَب التَّزْوِيج من الابْن الْكَبِير الْمَجْنُون وَفِي الصَّغِير وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه تكْثر عَلَيْهِ الْمُؤَن وَخرج بالجنون عَن مَظَنَّة الاستصلاح وَبِالْجُمْلَةِ تَزْوِيج الْبِنْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 الصَّغِيرَة أولى من التَّزْوِيج من الابْن ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي التَّزْوِيج من الْمَجْنُون على وَاحِدَة وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يُزَوّج من الصَّغِير الْعَاقِل أَربع لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الاستصلاح وَفِيه وَجه أَنه لَا يزِيد على وَاحِدَة أَيْضا الثَّالِثَة إِذا لم يكن للمجنونة أَب وَلَا جد يُزَوّجهَا السُّلْطَان أَو الْعَصَبَات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْعَصَبَات لأَنهم على الْجُمْلَة ذُو حَظّ وشفقتهم أكمل نعم السُّلْطَان يَنُوب عَنْهَا فِي الرِّضَا وَالثَّانِي أَن السُّلْطَان يُزَوّجهَا كَمَا أَنه يَلِي مَالهَا نعم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُرَاجع أهل الرَّأْي من أقاربها ويشاورهم وَاخْتلفُوا فِي أَن ذَلِك إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب فَإِن جَعَلْنَاهُ إِيجَابا رَجَعَ الْأَمر إِلَى أَنه لَا بُد من رضَا الْوَلِيّ وَالسُّلْطَان وَيرجع الْخلاف إِلَى تعْيين من يتعاطى العقد ثمَّ هَل يشْتَرط فِي تزويجهم حكم الْأَطِبَّاء بِظُهُور حَاجَتهَا إِلَى الْوَطْء وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشْتَرط بل يجوز بالاستصلاح كَمَا يجوز للْأَب وَالثَّانِي نعم إِذْ لَيْسَ لهَؤُلَاء رُتْبَة الْإِجْبَار فَلَا يقدمُونَ عَلَيْهِ إِلَّا عَن ضَرُورَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ بالسفه فَإِذا بلغ الصَّبِي سَفِيها لم يجْبرهُ الْوَلِيّ على النِّكَاح لِأَنَّهُ بَالغ وَلَا يسْتَقلّ هُوَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ سَفِيه لَكِن ينْكح بِإِذن الْوَلِيّ وَعبارَته صَحِيحَة ويستقل بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا ينْدَرج تَحت الْحجر وَمهما التمس النِّكَاح بعلة الْحَاجة وَجب الْإِسْعَاف لِأَنَّهُ أعرف بحاجته فَإِن التمس بعلة الْمصلحَة فَفِي وجوب إسعافه تردد وَلِأَنَّهُ بَين الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَهُوَ أولى بالاستصلاح من الْمَجْنُون وَإِذا وَجب الْإِجَابَة فَامْتنعَ الْوَلِيّ فَليُرَاجع السُّلْطَان فَإِن لم يجد السُّلْطَان فَفِي صِحَة استقلاله تردد بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَقل بشرَاء الطَّعَام فِي مثل هَذِه الصُّورَة لِأَن الطَّعَام فِي مَحل الضَّرُورَة دون الوقاع وَلذَلِك يجب على الْأَب الْإِنْفَاق على الابْن دون الإعفاف وَمهما اسْتَقل دون مُرَاجعَة الْوَلِيّ لم ينْعَقد النِّكَاح فَإِن وطئ فَفِي الْمهْر ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يجب كَمَا إِذا اشْترى وأتلف فَإِن البَائِع هُوَ الَّذِي قصر وسلط وَالثَّانِي يجب إِذْ تعرية الْوَطْء عَن الْمهْر غير مُمكن تعبدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 وَالثَّالِث يَكْتَفِي بِأَقَلّ مَا يتمول لحق التَّعَبُّد وَحقّ السَّفِيه وَأما السَّفه فِي جَانبهَا فَلَا يظْهر لَهُ أثر فرع يَنْبَغِي للْوَلِيّ أَن يعين الْمهْر وَالْمَرْأَة جَمِيعًا إِذا أذن فَإِن عين الْمَرْأَة دون الْمهْر جَازَ وَتعين مهر الْمثل إِنَّه زَاد سَقَطت الزِّيَادَة وَصَحَّ العقد وَإِن عين الْمهْر وَزَاد ثمَّ يثبت وَصَحَّ العقد بِخِلَاف الْوَكِيل إِذا زَاد لِأَنَّهُ عَاقد لنَفسِهِ ومقصود الْإِذْن رفع الْحجر ثمَّ الْغِبْطَة تعين مِقْدَار الْمهْر أما إِذا عين امْرَأَة فنكح غَيرهَا لم يَصح لِأَنَّهُ حاد عَن الأَصْل والمصلحة تَتَفَاوَت بِهِ كَمَا أَن الزِّيَادَة أَيْضا لَا تصح وَإِن صَحَّ العقد دونهَا أما إِذا أذن مُطلقًا وَلم يعين الْمَرْأَة فَفِي صِحَة هَذَا الْإِذْن وَجْهَان لمُخَالفَته للْمصْلحَة غَالِبا فَإِن قُلْنَا يَصح فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ بِمهْر الْمثل بِشَرْط أَن لَا ينْكح شريفة يسْتَغْرق مهرهَا جَمِيع مَاله فَإِن ذَلِك يُخَالف الْغِبْطَة وَالْإِذْن الْمُطلق ينزل على الْغِبْطَة أما الْمَرْأَة فالشفة فِي حَقّهَا لَا يُؤثر فِي تَغْيِير أَمر الْولَايَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْمولي عَلَيْهِ بِالرّقِّ وَللسَّيِّد إِجْبَار الْأمة على النِّكَاح وَهل لَهُ إِجْبَار العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم كالأمة وَالثَّانِي لَا لِأَن مستمتعه غير مَمْلُوك لَهُ وَلَا هُوَ أهل للنَّظَر لَهُ وَالثَّالِث أَنه يجْبر نظرا إِلَيْهِ دون الْكَبِير وَهل للْعَبد إِجْبَار السَّيِّد على التَّزْوِيج مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن مَنعه يورطه فِي الْفُجُور وَالرّق لَا آخر لَهُ وَلَا بُد من التحصن وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يشوش مَقَاصِد الرّقّ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يجْبر الاخر بل لَا بُد من تراضيهما وَهَذَا خلاف جَار فِي أَنه هَل يجب تَزْوِيج الْأمة إِذا طلبت وَهُوَ أبعد لِأَن لَهَا مطمعا فِي الِاسْتِمْتَاع بالسيد ثمَّ تَزْوِيج الْمَالِك رقيقَة حَيْثُ قُلْنَا بِهِ طَريقَة الْولَايَة أَو الْملك فِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 أَحدهمَا أَنه الْملك إِذْ لَا قرَابَة لَهُ حَتَّى ينظر لَهُ وَإِن نظر فَينْظر لمصَالح ملكه وَقد لَا تكون مصلحَة ملكه مصلحَة للرقيق فِي نَفسه وَالثَّانِي أَنه بطرِيق الْولَايَة لِأَن مستمتع العَبْد لَا يملكهُ ومستمتع الْأمة وَإِن ملكه فَلَيْسَ الْمَنْقُول إِلَى الزَّوْج ملكه وَلذَلِك يملك الزَّوْج مَا لَا يملكهُ من طَلَاق وظهار وَلَا يقدر الزَّوْج على نقل الْبضْع من نَفسه وَلَا هُوَ واطئ بِملك الْيَمين وَلذَلِك لَا يجوز لَهُ تَزْوِيجهَا من معيب بالعيوب الْخَمْسَة فَإِن فعل فلهَا الْخِيَار وَلَا خِيَار للسَّيِّد إِذا جهل ذَلِك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من دفع ضرار الِاسْتِمْتَاع وَلَو بَاعهَا من معيب فَلَيْسَ لَهَا الْخِيَار فَإِن قُلْنَا إِنَّه بِالْولَايَةِ فَلَا يُزَوّج الْفَاسِق أمته وَعَبده إِن قُلْنَا لَا يَلِي الْفَاسِق وَلَا يُزَوّج الْمُسلم رَقِيقه الْكَافِر أمة كَانَت أَو عبدا وَلَا الْكَافِر يجْبر رَقِيقه الْمُسلم لَكِن يرضى فَيسْقط حَقه وينكح العَبْد انفسه فروع ثَلَاثَة الأول الْوَلِيّ هَل يُزَوّج رَقِيق طِفْله فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ من مصَالح المَال وَالثَّانِي لَا لِأَن مصلحَة المَال لَا تَقْتَضِي النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه يُزَوّج الْأمة لحظ الْمُؤْنَة دون العَبْد الثَّانِي أمة الْمَرْأَة يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضَاهَا وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يُزَوّجهَا السُّلْطَان بِرِضَاهَا إِذْ وَليهَا لَيْسَ مَالِكهَا وَلَا وَلَاء لَهَا وَهَذَا لَهُ وَجه على قَوْلنَا إِن تَزْوِيج الرَّقِيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ ثمَّ لَا يجْبر الْوَلِيّ أمة الْبكر الْبَالِغَة وَإِن أجبرها فَلَا يَكْتَفِي بسكوتها فِي أمتها وَإِن اكْتفي بذلك فِي نَفسهَا الثَّالِث قَالَ ابْن الْحداد الْمُعتقَة فِي الْمَرَض لَا يُزَوّجهَا قريبها لِأَنَّهُ رُبمَا ينقص المَال وَيَمُوت الْمَرِيض وتعود رقيقَة فَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وَقَالَ يَنْبَنِي التَّصَرُّف على الْحَال كَمَا لَو وهب الْمَرِيض جَازَ للمتهب وَطْؤُهَا مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَكِن قِيَاس ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْمَنْع فِي هَذَا أَيْضا وَيحسن هَذَا الِاحْتِيَاط للبضع إِذا كَانَ الْمَرَض مخطرا أَولا مَال لَهُ سواهُ إِذْ يظْهر هَذَا الِاحْتِمَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الْمَوَانِع للنِّكَاح فِي الناكح والمنكوحة وَهِي أَرْبَعَة أَجنَاس الأول مَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة وَالثَّانِي مَا يتَعَلَّق بِعَدَد وَلَا يُوجب حُرْمَة مُؤَبّدَة وَالثَّالِث الرّقّ وَالْملك وَالرَّابِع الْكفْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 الْجِنْس الأول الْمَحْرَمِيَّة وَذَلِكَ يحصل بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة الْمَانِع الأول النّسَب وَيحرم جَمِيع الْأَقَارِب إِلَّا أَوْلَاد الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات وأصناف الْمُحرمَات سَبْعَة ذكرهن الله تَعَالَى فِي قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} الْآيَة أما الْأُم فَهِيَ كل أُنْثَى انْتَهَيْت إِلَيْهَا بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة أَو غير وَاسِطَة كَانَت الْوَاسِطَة ذكرا أَو أُنْثَى واندرجت تَحْتَهُ الْجدَّات وَأما الْبِنْت فَهِيَ كل أُنْثَى تَنْتَهِي إِلَيْك بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة وَغير وَاسِطَة كَمَا سبق واندرج فِيهِ الأحفاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وَأما الْأُخْت فَهِيَ كل أُنْثَى وَلَدهَا أَبوك وأمك أَو أَحدهمَا وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت كبناتك مِنْك والعمة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأَب وَلَا يحرم أَوْلَادهَا وَالْخَالَة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأُم والفظ الْجَامِع أَنه يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل بعده أصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 فرع إِذا ولدت من الزِّنَا لم يحل لَهَا نِكَاح وَلَدهَا والمخلوقة من مَاء الزِّنَا لَا يحرم نِكَاحهَا على الزَّانِي لِأَنَّهَا تنفصل عَن الْأُم وَهِي إِنْسَان وَبَعض مِنْهَا وتنفصل عَن الْفَحْل وَهُوَ نُطْفَة فعلة تَحْرِيمه النّسَب الشَّرْعِيّ وَقد انْتَفَى وَلَو كَانَ بَعْضًا حَقِيقِيًّا مِنْهُ لما انْعَقَد ولد الْحر رَقِيقا فِي مَنْكُوحَة رقيقَة كَمَا لَا تَلد الْحرَّة رَقِيقا من زوج رَقِيق أما المنفية بِاللّعانِ فَهَل تحرم على النَّافِي فِيهِ وَجْهَان وَجه التَّحْرِيم أَنَّهَا عرضة اللحوق بِسَبَب الْفراش إِن كذب نَفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 الْمَانِع الثَّانِي الرَّضَاع قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب فَتحرم مِنْهُ الْأُم وَالْبِنْت وَالْأَخ وَالْأُخْت وبناتهما والعمة وَالْخَالَة وأمك كل امْرَأَة أَرْضَعتك أَو أرضعت من أَرْضَعتك أَو أرضعت من يرجع نسبك إِلَيْهِ من جِهَة أَبِيك أَو أمك وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة يرجع نسب الْمُرضعَة إِلَيْهَا وكل امْرَأَة يرجع نَسَبهَا إِلَى هَذِه الْمُرضعَة من قبل أَبِيهَا أَو أمهَا فَهِيَ أختك وَكَذَلِكَ كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 امْرَأَة أرضعتها أمك بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَالأُم وَإِن أرضعتها أمك بلبان غير أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأُم وَإِن أرضعتها أجنيبة بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَكَذَلِكَ قِيَاس العمات وَسَيَأْتِي فِي كتاب الرَّضَاع شَرحه فرع لَو اخْتلطت أُخْته من الرَّضَاع بِأَهْل بلد أَو قَرْيَة لَا ينحصرون فِي الْعَادة فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ كَمَا لَو غصب شَاة فِي بَلْدَة فَلَا يحرم عَلَيْهِ اللَّحْم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وَلَو اخْتلطت بِعشر أَو عشْرين أَو عدد مَحْصُور على الْجُمْلَة فَيلْزمهُ اجْتِنَاب الْكل لِأَن يَقِين التَّحْرِيم عَارض يقيت الْحل فِي عدد وَقيل يجوز الهجوم وَهُوَ بعيد الْمَانِع الثَّالِث الْمُصَاهَرَة والمحرمات بالمصاهرة أَربع أم الزَّوْجَة وجداتها من الرَّضَاع وَالنّسب وبنتها وحفدتها من الرَّضَاع وَالنّسب وَزَوْجَة الابْن والحفدة وَزَوْجَة الْأَب وَالْجد وَيحرم الْجَمِيع بِمُجَرَّد النِّكَاح إِلَّا بنت الزَّوْجَة فَلَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ قَالَ الله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن} وَالْوَطْء الْحَلَال بِملك الْيَمين وَالْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يحرم الْأَرْبَع كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 بِخِلَاف الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يحرم خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ الشُّبْهَة كالحقيقة فِي جلب الْمُحرمَات كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب وَسُقُوط الْحَد لَكِن يرجع فِي وجوب الْمهْر إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهَا فَقَط وَينظر فِي ثُبُوت النّسَب وَالْعدة إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهِ وَقيل فِي الْمُصَاهَرَة إِنَّه تَكْفِي الشُّبْهَة من أحد الْجَانِبَيْنِ وَقيل لَا بُد من الِاشْتِبَاه على الرجل لِأَنَّهُ قرينَة النّسَب فِي كتاب الله تَعَالَى وَقيل لَا بُد فِيهِ من الِاشْتِبَاه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 وَالصَّحِيح أَن مُجَرّد الْمُلَامسَة لَا يقوم مقَام الْوَطْء فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة كَانَت بِالشُّبْهَةِ أَو فِي النِّكَاح وَفِيه قَول آخر أَنه يلْتَحق بِهِ وَقيل يطرد ذَلِك القَوْل فِي النّظر بِالشُّبْهَةِ أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 الْجِنْس الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بتعبد عددي وَلَا تتأبد بِهِ الْحُرْمَة وَهِي ثَلَاث الْمَانِع الأول نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} فَقيل أَرَادَ مَا سلف قبل التَّحْرِيم فَلَا يرد وَقيل مَا سلف فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ ألحق بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْمَحَارِم فَقَالَ لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا وَالضَّابِط أَن كل شَخْصَيْنِ بَينهمَا قرَابَة أَو رضَاع لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حرم النِّكَاح بَينهمَا فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 واحترزنا بِالْقَرَابَةِ وَالرّضَاع عَن الْجمع بَين الْمَرْأَة وَأم زَوجهَا أَو ابْنة زَوجهَا فَإِن ذَلِك جَائِز وَإِن كَانَ النِّكَاح يحرم بَينهمَا لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا ثمَّ ألحق الْفُقَهَاء ملك الْيَمين بِالنِّكَاحِ حَتَّى قَالُوا لَو اشْترى أمة وَوَطئهَا حرمت عَلَيْهِ أُخْتهَا وخالتها وعمتها فَإِن ملك الْجَمِيع فَمَا لم يحرم الْمَوْطُوءَة على نَفسه بِبيع أَو عتق أَو تَزْوِيج أَو كِتَابَة فَلَا يحل لَهُ وَطْء الْبَاقِيَات وَلَا تقوم الْعَوَارِض الْمُحرمَة مقَام البيع كالحيض وَالْعدة بِالشُّبْهَةِ وَالرِّدَّة وَالْإِحْرَام وَفِي الرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار خلاف وَتحل الْأُخْت بِالطَّلَاق الْبَائِن وَلَا تحل بِالطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تحل أَيْضا بالبائن وَكَذَا الْخلاف فِي نِكَاح الْخَامِسَة فرع لَو وطئ أمة ثمَّ نكح أُخْتهَا الْحرَّة صَحَّ النِّكَاح وَحرمت الْأمة وَلَيْسَ كَمَا لَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 نَكَحَهَا ثمَّ نكح عَلَيْهَا أُخْتهَا فَإِن الطَّارِئ لَا يَصح لِأَن ملك الْيَمين ضَعِيف فِي مَقْصُود الْوَطْء فَلَا يدْفع النِّكَاح الْمَقْصُود بل يدْفع بِهِ حلّه وَلَو اشْترى الرجل منكوحته صَحَّ الشِّرَاء وانفسخ النِّكَاح لِأَن ملك الْيَمين أقوى فِي نَفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 الْمَانِع الثَّانِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَع مُمْتَنع على الْحر وَالثَّالِثَة فِي حق العَبْد كالخامسة فِي حق الْحر فَلَا يزِيد العَبْد على اثْنَتَيْنِ وَقَالَ مَالك ينْكح العَبْد أَرْبَعَة فرع لَو نكح خمْسا فِي عقد فَالْعقد بَاطِل فِيهِنَّ وَلَو كَانَ فِيهِنَّ أختَان بَطل فيهمَا وَفِي الْبَاقِيَات قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَكَذَا لَو جمع بَين مُعْتَدَّة وخلية من الْعدة فَفِي الخلية الْقَوْلَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 الْمَانِع الثَّالِث اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق فَلَا تحل الْمُطلقَة ثَلَاثًا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطأ فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ يطلقهَا وتنقضي عدتهَا وَلَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي ملك الْيَمين وَالْمذهب أَنه لَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي نِكَاح فَاسد وَيحصل بِوَطْء الصَّبِي ونزولها على الزَّوْج وَهُوَ نَائِم وبالاستدخال خَال من غير انتشار وَفِيه وَجه بعيد وَيحصل بِمُجَرَّد تغييب الْحَشَفَة أَو مِقْدَار الْحَشَفَة من مَقْطُوع الْحَشَفَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من تغييب الْجَمِيع إِذا زَالَت الْحَشَفَة وَمن لطائف الْحِيَل للفرار من الغيظ أَن يَشْتَرِي عبدا صَغِيرا ويزوجها مِنْهُ ثمَّ يستدخل زبيبة الصَّغِير وَلَو مَعَ حَائِل من ثوب ثمَّ يَبِيع العَبْد مِنْهَا حَتَّى يَنْفَسِخ النِّكَاح فَيحصل التَّحْلِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا يجوز إِجْبَار الصَّغِير فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 قُلْنَا قيل أَرَادَ بِهِ طَالب الْحل من نِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ الْمُؤَقت رسما وَسمي محللا وَإِن لم يحلل لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدهُ وَيطْلب الْحل مِنْهُ وَأما طَالب الْحل من طَرِيقه فَلَا يسْتَوْجب اللَّعْن وَقيل إِنَّمَا لعن مَعَ حُصُول التَّحْلِيل لِأَن التمَاس ذَلِك هتك للمروءة والملتمس هُوَ الْمُحَلّل لَهُ وإعارة النَّفس فِي الْوَطْء لعرض الْغَيْر أَيْضا رذيلة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا ليعرضها لوطء الْغَيْر وَهُوَ قلَّة حمية وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك هُوَ التيس الْمُسْتَعَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مستعارا إِذا سبق مِنْهُ التمَاس من الْمُطلق وَمن عرض الْوَطْء الْغَيْر من هِيَ منكوحته أَو من كَانَت منكوحته أَو سَتَكُون منكوحته فَهُوَ مزموم جدا فَلَا يبعد أَن يلعن وَلَا يَقْتَضِي هَذَا اللَّعْن بطلَان العقد لِأَنَّهُ سَمَّاهُ مَعَ ذَلِك محللا إِلَّا أَنه إِذا شَرط الطَّلَاق فِي نفس العقد فَإِنَّهُ يفْسد على وَجه كالتأقيت وَلَا يفْسد على وَجه لِأَنَّهُ شَرط فَاسد كَمَا لَو شَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا يُسَافر بهَا وكسائر الشَّرَائِط الْمفْسدَة للمهر وَأما التَّأْقِيت فَإِنَّهُ وضع للْعقد قاصرا على مُدَّة وَلَا يُمكن الِاقْتِصَار وَلَا التسرية أما إِذا قَالَ بِشَرْط أَن لَا تحل لَك فَيَنْبَغِي أَن يفْسد لِأَنَّهُ يَجْعَل اللَّفْظ متناقضا وَلَو قَالَ بِشَرْط أَن لَا تطأها فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 وَهَذِه الشُّرُوط إِذا لم تقارن العقد لَا تضر وَفِيه وَجه بعيد أَن الْمُقدم كالمقارن أخذا من مهر السِّرّ وَالْعَلَانِيَة كَمَا سَيَأْتِي وعَلى هَذَا لَا يَصح التَّحْلِيل بالالتماس إِلَّا إِذا زوج مُطلقًا ثمَّ التمس الطَّلَاق بعد العقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 الْجِنْس الثَّالِث من الْمَوَانِع الرّقّ وَالْملك أما الرّقّ فمانع على الْجُمْلَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَلَا يجوز للْحرّ الْمُسلم أَن ينْكح الْأمة إِلَّا بِخَمْسَة شَرَائِط ثَلَاثَة فِيهِ وَهُوَ فقد الْحرَّة تَحْتَهُ وفقد طول الْحرَّة وَخَوف الْعَنَت وَاثْنَانِ فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة ومملوكة لمُسلم الشَّرْط الأول أَلا يكون تَحْتَهُ حرَّة فَإِن كَانَت تَحْتَهُ رتقاء أَو هرمة أَو غَائِبَة أَو كِتَابِيَّة لم يجز أَيْضا نِكَاح الْأمة بل يجب عَلَيْهِ طَلاقهَا بِخِلَاف مَا إِذا وجد مَالا وَلكنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 غَائِب فَإِنَّهُ كالفاقد للطول الشَّرْط الثَّانِي فقد طول الْحرَّة فَمن لَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَلكنه قَادر عَلَيْهَا لم يجز لَهُ نِكَاح الْأمة لقَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات} الْآيَة وَيجوز للْمُفلس نِكَاح الْأمة وَإِن وجد حرَّة ترْضى بِمهْر مُؤَجل جَازَ لِأَن الْأَجَل سيحل وَهُوَ مُعسر وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب وَهُوَ يخَاف الْعَنَت فِي الْحَال قبل الْقُدْرَة على المَال وَكَذَلِكَ إِذا رضيت الْحرَّة بِدُونِ مهر الْمثل وَملك ذَلِك الْقدر لِأَنَّهُ لَا يلْزمه تحمل الْمِنَّة وَفِيه وَجه آخر اخْتَارَهُ الصيدلاني أَنه لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة لِأَن الْمِنَّة بِالْمهْرِ مستحقر فِي النِّكَاح بِخِلَاف الْمِنَّة فِي بيع المَاء وَالثَّوْب السَّاتِر للعورة فِي الصَّلَاة وَلَو وجد مَالا وَلم يجد حرَّة ينْكِحهَا جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة تغاليه فِي الْمهْر مغالاة يعد احْتِمَال ذَلِك سَرفًا بِالْإِضَافَة إِلَى مَقَاصِد النِّكَاح فَلهُ نِكَاح الْأمة وَإِن كَانَ ذَلِك قدرا قَرِيبا لم يرخص بِسَبَبِهِ وَكَذَلِكَ الْوَلِيّ إِذا نقص من مهر الْمثل قدرا يحْتَمل ذَلِك لأغراض النِّكَاح فَلَا يَنْبَغِي أَن يثبت الْإِعْرَاض للْمَرْأَة بل إِذا أفرط فِي النُّقْصَان فَإِن مَقَاصِد النِّكَاح تغطي على هَذِه المحقرات وَكَذَلِكَ لَو لم يجد إِلَّا حرَّة غَائِبَة غيبَة قريبَة يحْتَمل مثلهَا فِي مَقَاصِد النِّكَاح لم ينْكح الْأمة وَإِن كَانَت بَعيدا نكح الْأمة وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة كِتَابِيَّة جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة على أحسن الْوَجْهَيْنِ لِأَن الحذر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 من مُخَالطَة المشركات مُهِمّ وَيشْهد لَهُ ظَاهر قَوْله {الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} الشَّرْط الثَّالِث خوف الْعَنَت وَإِنَّمَا يتم ذَلِك بِغَلَبَة الشَّهْوَة وَضعف عِصَام التَّقْوَى وَلَا يشْتَرط فِي الْخَوْف غَلَبَة وُقُوع الزِّنَا بل توقع وُقُوعه كَمَا أَن الطَّرِيق الْمخوف هُوَ الَّذِي يتَوَقَّع فِيهِ الْهَلَاك وَإِن لم يغلب والأمن هُوَ أَن لَا يتَوَقَّع وَإِن كَانَ ذَلِك مُمكنا على الندور وَمن ضعفت شَهْوَته وَقَوي تقواه فَهُوَ آمن وَمن غلب عَلَيْهِ شَهْوَته وَلكنه راسخ التَّقْوَى فَإِن كَانَ يُفْضِي بِهِ الصَّبْر إِلَى مرض فَلْيَنْكِح الْأمة وَإِلَّا فالصبر أحسن من إرقاق الْوَلَد وَلَا يبعد أَن يترخص وَلَا يُكَلف الْمَشَقَّة فِي مصابرة الشَّهْوَة وَمن قدر على التَّسَرِّي فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْكح الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِيه وَجه أَنه ينْكح لِأَن ملك الْيَمين لَا يقْصد بِهِ التحصن الشَّرْط الرَّابِع فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة فَلَا يحل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ للْمُسلمِ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة بِحَال لقَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَكَأن الأَصْل فِي المشركات وَالْإِمَاء التَّحْرِيم وَهَذَا مُسْتَثْنى مَعَ التَّقْيِيد الشَّرْط الْخَامِس أَن تكون مَمْلُوكَة لمُسلم حَتَّى لَا يرق ولد الْمُسلم لكَافِر وَفِي هَذَا الشَّرْط خلاف وَلَعَلَّ الظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ إِن رق لكَافِر فَيُبَاع عَلَيْهِ فِي الْحَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 واختتام الشَّرَائِط بأمرين أَحدهمَا أَن العَبْد لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط كلهَا إِلَّا الشَّرْط الرَّابِع وَالْخَامِس بل الْأمة فِي حَقه كَالْحرَّةِ حَتَّى يجوز لَهُ الْجمع بَين الأمتين وَلَا يجوز للْحرّ الْجمع بَين أمتين بِحَال وَهَذَا لِأَن الْمَحْذُور من نِكَاح الْإِمَاء إرقاق الْوَلَد وَالْعَبْد رَقِيق لَيْسَ عَلَيْهِ النّظر لوَلَده الْمَوْجُود فَلَا يُؤمر بِالنّظرِ لوَلَده الْمَفْقُود وَالْمكَاتب وَمن نصفه رَقِيق فِي هَذَا كَالْعَبْدِ كَمَا أَن من نصفهَا رَقِيق كالأمة حَتَّى تفْتَقر إِلَى الشَّرَائِط فِي نِكَاح الْحر إِيَّاهَا نعم يحْتَمل تردد فِي أَن من قدر على مثلثها هَل يجوز لَهُ نِكَاح أمة كَامِلَة الرّقّ لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق جَمِيعه وَأما الْحر الْكِتَابِيّ فَهُوَ كَالْمُسلمِ فِي شَرَائِط النِّكَاح إِلَّا فِي نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْكَافِر يُزَوّج أمته وَذَلِكَ يدل على أَن تَزْوِيجهَا مُمكن وَيتَّجه ذَلِك من حَيْثُ إِن الْكفْر لَيْسَ نقصا فِي حق الْكَافِر وَلَكِن هَذَا ينْقضه نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن العَبْد الْمُسلم لَا ينْكح الْأمة الْكِتَابِيَّة وَالرّق لَيْسَ نقصا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ لما اعتورها نُقْصَان فِي حَقه فَمن الْأَصْحَاب من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْأمة الْكِتَابِيَّة هَل هِيَ مُحرمَة فِي عينهَا كالوثنيات أَو هِيَ مُحرمَة لِاجْتِمَاع النقصين الْأَمر الثَّانِي أَن شَرط فقد الْحرَّة وطولها وَخَوف الْعَنَت يعْتَبر فِي ابْتِدَاء النِّكَاح دون دَوَامه فَلَو نكح حره على أمة يجوز وَقَالَ الْمُزنِيّ يَنْقَطِع نِكَاحهَا بوجدان طول الْحرَّة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا فضلا عَن وجودهَا وَلم يطرد ذَلِك فِي زَوَال خوف الْعَنَت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 وَأما إِسْلَام الْمَالِك إِن شرطناه فَلَا شكّ فِي أَنه لَا يعْتَبر فِي الدَّوَام فرع لَو جمع بَين حرَّة وَأمة فِي عقد وَاحِد بَطل نِكَاح الْأمة وَفِي نِكَاح الْحرَّة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة الْأَصَح وَهُوَ نَص الْقَدِيم صِحَة نِكَاح الْحرَّة لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الْمهْر فَكيف يفْسد بِفساد الْقَرِينَة المباينة لَهُ وَلَو جمع بَينهمَا من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مَعَ الْقُدْرَة على الْحرَّة وَهِي أَن تكون هَذِه الْحرَّة رضيت بِدُونِ مهر الْمثل وَقُلْنَا لَا يلْزمه تقلد الْمِنَّة فَلَا يَصح هَاهُنَا نِكَاح الْأمة لِأَن الْأمة لَا تضام الْحرَّة فَلَا يَصح إِلَّا إِذا سبق نِكَاحهَا وَهَا هُنَا لم يسْبق وَأما نِكَاح الْحرَّة فطريقان أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ والاخر الْقطع بِالْفَسَادِ كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ الْآن قَادر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا بعيد لِأَن إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَيست أولى بِالدفع وَهَاهُنَا الْأمة أولى بِالدفع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 الْمَانِع الثَّانِي الْملك وَهُوَ وَرَاء الرّقّ فَإِن من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة لَا يحل لَهُ أَن ينْكح أمة نَفسه وَإِن قُلْنَا إِن الْقُدْرَة على التَّسَرِّي لَا تمنع نِكَاح الْأمة بل لَو اشْترى زَوجته أَو ورثهَا انْفَسَخ النِّكَاح وَكَذَلِكَ لَا تنْكح الْحرَّة عبد نَفسهَا وَلَو اشترت زَوجهَا العَبْد أَو ورثته انْفَسَخ النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 الْجِنْس الرَّابِع من الْمَوَانِع الْكفْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي أَصْنَاف الْكفَّار وَهِي ثَلَاثَة الصِّنْف الأول أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وكفرهم أخف فَتحل مناكحتهم وذبائحهم وحكمهم فِي حُقُوق النِّكَاح كالمسلمات إِلَّا فِي الْمِيرَاث إِذْ لَا إِرْث مَعَ اخْتِلَاف الدّين وَلَا كَرَاهِيَة فِي نِكَاحهنَّ فَإِن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك وَقَالَ مَالك يكره نِكَاحهنَّ نعم الحربية الْكِتَابِيَّة يكره نِكَاحهَا فَإِن صُحْبَة الْكفَّار فِي دِيَارهمْ توجب الافتتان وَرُبمَا تسبى الحربية وَهِي حَامِل بِولد مُسلم والكراهية تثبت بِأَقَلّ من هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 الصِّنْف الثَّانِي عَبدة الْأَوْثَان والمعطلة والدهرية وَمن لَا يقر بالجزية فَلَا يحل نكاحهم وذبائحهم وَتدْخل فيهم الْمُرْتَدَّة الصِّنْف الثَّالِث الْمَجُوس ويسلك بهم مَسْلَك أهل الْكتاب فِي التَّقْرِير بالجزية دون المناكحة والذبيحة وَحكي فِي مناكحتهم قَول بعيد للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا وَجه لَهُ وَقيل كَانَ لَهُم كتاب فَأُسْرِيَ بِهِ ثمَّ حق الْكِتَابِيَّة فِي الْقسم وَالنَّفقَة وَسَائِر الْحُقُوق كالمسلمة وللمسلم منعهَا من الْخُرُوج إِلَى الْكَنَائِس كَمَا لَهُ منع الْمسلمَة من الْمَسَاجِد وَله أَن أَن يلْزمهَا الْغسْل من الْحيض حَتَّى تحل لَهُ وَهل يلْزمهَا الْغسْل من الْجَنَابَة لأجل العيافة فِيهِ قَولَانِ وَكَذَلِكَ فِي إِلْزَام الاستحداد الَّذِي يكسر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 الشَّهْوَة تَركه وَكَذَلِكَ فِي الْمَنْع من تنَاول الْخِنْزِير والمستقذرات وَأكل الثوم وكل ذَلِك فِي الْمسلمَة أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَقسَام أهل الْكتاب فَنَقُول من آمن أول آبَائِهِ قبل التحريف أَو بعده وَلَكِن علم المحرف وَلم يُؤمن بِهِ وَكَانَت من نسب بني إِسْرَائِيل فقد اجْتمع لَهما الشرفان فَيصح نِكَاحهَا قطعا وَإِن لم تكن من بني إِسْرَائِيل فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا قَولَانِ وَإِن كَانَ أول آبائها آمن بعد التحريف فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا أَيْضا قَولَانِ وَإِن شككنا فِي ذَلِك فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ وَلَا خلاف فِي أَن من آمن أول آبَائِهِ بعد المبعث أَو شككنا فِي ذَلِك لم تحل مناكحته وَإِذا آمن أول آبَاء الْيَهُودِيَّة بعد نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَل يكون كَمَا بعد المبعث فِيهِ وَجْهَان والأقيس أَلا يعْتَبر نسب بني إِسْرَائِيل وَلَا يقدم إِيمَان الْآبَاء على التحريف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 وَأما الصابئون والسامرة وهم من طوائف الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبينهمْ خلاف فِي الِاعْتِقَاد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَوضِع على جَوَاز مناكحتهم وَنَصّ فِي مَوضِع على خِلَافه وَاتفقَ جَمَاهِير الْأَصْحَاب على أَن الْمَسْأَلَة لَيست على قَوْلَيْنِ وَلَكِن ظن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مرّة أَنهم يخالفون الْقَوْم فِيمَا يُوجب التَّكْفِير فتلتحق بالزنادقة وَظن مرّة أَنهم يخالفون فِيمَا يُوجب الْبِدْعَة وَنِكَاح المبتدعة صَحِيح وَأطلق الشَّيْخ أَبُو عَليّ طرد الْقَوْلَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 الْفَصْل الثَّالِث فِي تَبْدِيل الدّين وَله صور إِحْدَاهَا أَن يتنصر يَهُودِيّ أَو يتهود نَصْرَانِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يُقرر عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا دينان متساويان الْآن وَالثَّانِي أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَلَو عَاد إِلَى تنصره لم يكفه لِأَنَّهُ أبطل تِلْكَ الْعِصْمَة فَلَا يستحدثه بعد المبعث عصمَة وَالثَّالِث أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر فَإِن أصر وَقُلْنَا لَا يقر عَلَيْهِ فيلتحق بمأمنه أَو يقتل قتل الْمُرْتَد فِيهِ قَولَانِ الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يتنصر وَثني فَلَا يقر عَلَيْهِ أصلا لِأَنَّهُ لم يكن مَعْصُوما وَيُرِيد استحداث عصمَة بدين بَاطِل وَإِن توثن النَّصْرَانِي فَلَا يقر أصلا وَلَكِن فِي قَول لَا يقنع إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَفِي قَول يقنع بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر وَفِي قَول يقنع وَإِن عَاد إِلَى التهود الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يرْتَد مُسلم وَالْعِيَاذ بِاللَّه فالأديان فِي حَقه سَوَاء وَلَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالسَّيْفِ أَو الْإِسْلَام وَيمْتَنع نِكَاح الْمُرْتَد والمرتدة وَإِن طَرَأَ على دوَام النِّكَاح تنجزت الفرقه قبل الْمَسِيس وَإِن جرى بعد الْمَسِيس توقف على انْقِضَاء الْعدة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِن عَاد إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 الْإِسْلَام اسْتمرّ العقد وَإِلَّا تبين بطلَان النِّكَاح بِنَفس الرِّدَّة وَكَذَلِكَ لَو ارتدا مَعًا فَهُوَ كَمَا لَو ارْتَدَّ أَحدهمَا وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ المجوسيين أَو الوثنيين أَو أسلمت الْكِتَابِيَّة تَحت كَافِر تنجزت الْفرْقَة قبل الْمَسِيس وَتوقف على الْعدة بعد الْمَسِيس وَلَو أسلما مَعًا اسْتمرّ النِّكَاح فرع متولد من يَهُودِيّ ومجوسي فَفِي حل مناكحته قَولَانِ أَحدهمَا التَّحْرِيم تَغْلِيبًا لجَانب الْحُرْمَة وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب اعْتِبَارا للنسب ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا فِي الصَّغِير فَإِن بلغ وتمجس فَلهُ ذَلِك وَهُوَ مَجُوسِيّ وَيحْتَمل أَن يُقَال إِذا كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا لم يُمكن من التمجس بعد الْبلُوغ وَجعل كاليهودي يمجس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا بَاب نِكَاح المشركات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا أَوَان ذكره لانشعاب مسَائِله عَن الْمَوَانِع السَّابِقَة وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي حكم أنكحة الْكفَّار فِي الصِّحَّة وَالْفساد وَكَانَ مُقْتَضى قِيَاس الشَّرْع وَعُمُوم خطابه أَن لَا يُخَالف نِكَاح الْكَافِر نِكَاح الْمُسلم ويرعى فِيهِ جَمِيع الشَّرَائِط حَتَّى لَا يحْتَاج إِلَى إِفْرَاد نِكَاحهنَّ بِنَظَر لَكِن رُوِيَ أَن فَيْرُوز الديلمي أسلم على أُخْتَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اختر إِحْدَاهمَا وَفَارق الْأُخْرَى وَأسلم غيلَان على عشر نسْوَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن فَحمل أَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 حنيفَة قَوْله اختر على الِاسْتِئْنَاف ووفى برعاية تَمام الشُّرُوط وَقضى بِأَن من أسلم على أُخْتَيْنِ تعيّنت السَّابِقَة واندفعت الثَّانِيَة وَإِن نَكَحَهَا فِي عقدَة اندفعتا جَمِيعًا كَمَا لَو أرضعت امْرَأَة صغيرتين نكحهما وَاحِد فَإِنَّهُمَا يندفعان إِلَّا أَن التَّأْوِيل الَّذِي ذكره بَاطِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك وَلِأَنَّهُ لم يعلمهُمْ شَرَائِط النِّكَاح وَلم ينْقل إنْشَاء العقد وَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استفصال نِكَاح الْأُخْتَيْنِ مَعَ أَن الْغَالِب أَن تسبق إِحْدَاهمَا ففهم مِنْهُم أَنهم إِذا أَسْلمُوا لم يؤاخذوا بشرائط الْإِسْلَام وَلَكِن وَلَكِن إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا دفعناه وَلذَلِك أمرناه بِاخْتِيَار إِحْدَاهمَا إِذْ الْجمع مُفسد مُقَارن فَتحصل من هَذَا أَنه لَو نكح بِغَيْر ولي وشهود أَو فِي عدَّة وَأسلم بعد انْقِضَاء الْعدة قَرَّرْنَاهُ على النِّكَاح وَأما إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا لحَال الْإِسْلَام لم يُقرر كَمَا لَو أسلم على محرم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 نَكَحَهَا من أم أَو بنت أَو غَيرهمَا أَو نَكَحَهَا مُعْتَدَّة وأسلما أَو أَحدهمَا قبل انْقِضَاء الْعدة وَكَذَلِكَ لَو نكح مؤقتا واعتقدوا صِحَّته مؤقتا وأسلما قبل انْقِضَاء الْوَقْت لَا يُقرر عَلَيْهِ لِأَن التَّأْبِيد على خلاف اعْتِقَادهم وَتَقْرِيره مؤقتا فَاسد فِي الْإِسْلَام وَإِن اعتقدوه مأبدا قرروا عَلَيْهِ وَلَو اغتصب كَافِر امْرَأَة واعتقدوه نِكَاحا قَالَ الْقفال لَا نقررهم عَلَيْهِ إِذْ لَا أقل من عقد وَقَالَ الصيدلاني يقرورن إِذْ اقامة الْفِعْل مقَام العقد لَيْسَ فِيهِ الا إخلال بِشُرُوط وَهُوَ مُتَّجه وَلَو نكحوا نِكَاحا واعتقدوه فَاسِدا وَهُوَ صَحِيح عندنَا قررناهم على الصَّحِيح وَإِن كَانَ فَاسِدا عندنَا لم نقررهم لِأَن الرُّخْصَة بالتقرير إِنَّمَا ورد فِيمَا اعتقدوه نِكَاحا أما الْمُفْسد الطَّارِئ بعد العقد كالعدة بِالشُّبْهَةِ فَلَا يدْفع النِّكَاح وَإِن اقْترن بِالْإِسْلَامِ لِأَن طارئها لَا يقْدَح فِي نِكَاح الْمُسلم فَكيف يقْدَح فِي نِكَاح الْكَافِر وَلَو نكح أمة ثمَّ حرَّة وَأسلم عَلَيْهِمَا انْدفع نِكَاح الْأمة لِأَن إِذا لم نَنْظُر إِلَى التَّقَدُّم والتأخر فِي العقد على أُخْتَيْنِ فَكَذَا لَا نَنْظُر فِي العقد على حرَّة وَأمة وَيجْعَل ذَلِك كمفسد لنكاح الْأمة قَارن العقد وَالْإِسْلَام واليسار الطَّارِئ بعد نِكَاح الامة إِذا دَامَ إِلَى إسلامهما يدْفع نِكَاح الْأمة وَهَذَا يُخَالف مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعدة الطارئة وَالْفرق غامض وَوَجهه أَن فقد قدرَة الطول أحد شرطي نِكَاح الْأمة فَكَانَ بطرآن الْحرَّة أشبه وَلِأَن إرقاق الْوَلَد مُفسد نِكَاح الْقَادِر وَهُوَ مُقَارن لِلْإِسْلَامِ دَائِما فَيُشبه الْمَحْرَمِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 الْمُقَارنَة وَأما الْعدة الطارئة فينتظر زَوَالهَا على قرب وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ وَأحرم فَأسلم الثَّانِي لم ينْدَفع النِّكَاح كَمَا فِي الْعدة الطارئة وَبِخِلَاف وجود الْحرَّة وَحكي عَن الْقفال أَنه ألحق الْعدة وَالْإِحْرَام بِالْحرَّةِ وَقضى باندفاع النِّكَاح وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بِنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أسلم أَحدهمَا بعد الْمَسِيس وارتد ثمَّ أسلم الثَّانِي انْدفع نِكَاحهَا وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الرِّدَّة تضَاد النِّكَاح وَلذَلِك نتبين بعد انْقِضَاء الْعدة من وَقت الرِّدَّة إِذا أصر وَالْعدة وَالْإِحْرَام لَا يضادهما وَلذَلِك لَا تصح رَجْعَة الْمُرْتَدَّة وَتَصِح رَجْعَة الْمُحرمَة والمعتدة عَن الشبة على الصَّحِيح ثمَّ قطع الصيدلاني والجماهير بِأَن الْمُفْسد إِن قَارن إِسْلَام أَحدهمَا كفى إِلَّا فِي الْيَسَار فَإِنَّهُ لم يلْتَفت إِلَى وجوده إِلَّا حَالَة اجْتِمَاعهمَا فِي الْإِسْلَام وَلَو نكح مُعْتَدَّة فَأسلم أَحدهمَا قبل تَمام الْعدة وَالْآخر بعد تَمام الْعدة لم يُقرر وَكَذَلِكَ لَو أسلم على حرَّة وَأمة فاسلمت الْحرَّة وَمَاتَتْ ثمَّ أسلمت الْأمة اندفعت الْأمة بِوُجُود الْحرَّة عِنْد إِسْلَام الزَّوْج وَلَو أسلم مُوسِرًا على أمة ثمَّ أعْسر فَأسْلمت قرر عَلَيْهَا وَغَايَة الْفرق أَن تَأْثِير الْيَسَار فِي دفع الْأمة أَضْعَف لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من ظَاهر الْخطاب الْوَارِد مَعَ الْمُؤمنِينَ فَلَا يظْهر أَثَره فِي حق الْكَافِر إِلَّا عِنْد الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام بِخِلَاف الْعدة والحرة ولضعف هَذَا الْفرق طرد أَبُو يحيى الْبَلْخِي الْقيَاس وَقضى بِأَنَّهُ إِذا أسلم مُوسِرًا وتخلف ثمَّ أسلمت بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 إِعْسَاره لم يُقرر عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو أسلم مُعسرا ثمَّ أيسر فَأسْلمت قرر لِأَنَّهُ إِذا اعْتبر تِلْكَ الْحَالة فَمَا بعد ذَلِك طَارِئ لَا يُؤثر وَقد ثار الْخلاف بَين الْأَصْحَاب فِي أصلين أَحدهمَا أَن التَّقْرِير عِنْد الْإِسْلَام فِي حكم ابْتِدَاء نِكَاح أَو فِي حكم الإدامة فَقَالُوا فِيهِ قَولَانِ مستنبطان من كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ غير سديد إِذْ كَيفَ يَجْعَل فِي حكم الِابْتِدَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا تَمنعهُ عدَّة الشُّبْهَة وَالْإِحْرَام وَكَيف يَجْعَل إدامة واليسار الْمُقَارن وَإِن كَانَ طارئا بعد النِّكَاح يَدْفَعهُ بل الصَّحِيح أَنه مردد بَينهمَا لَا يتمحض فِيهِ أحد الْحكمَيْنِ وَكَأَنَّهُ بالرجعة أشبه فَإِنَّهُ أَيْضا كالمردد الثَّانِي أَن أنكحه الْكفَّار يحكم بِصِحَّتِهَا أَو فَسَادهَا أَو يتَوَقَّف إِلَى الْإِسْلَام ذكرُوا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا فَاسِدَة لِأَنَّهَا تخَالف الشَّرْع وَلَكنَّا نصححها بعد الْإِسْلَام رخصَة وَالثَّانِي أَنَّهَا صَحِيحَة بِدَلِيل التَّقْرِير فَإِن القَوْل بِالْفَسَادِ مَعَ التَّقْرِير محَال وَلِأَنَّهُ يحصل التَّحْلِيل بِوَطْء الذِّمِّيّ ويرجم الذِّمِّيّ لكَونه مُحصنا وَإِذا ترافعوا إِلَيْنَا قضينا بِالْمهْرِ والنفقه من غير بحث عَن شروطهم وَالثَّالِث أَنا نتوقف فَإِن أَسْلمُوا بَان الصِّحَّة فِيمَا يُقرر عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام حَتَّى لَو نكح أُخْتَيْنِ فَاخْتَارَ فِي الْإِسْلَام إِحْدَاهمَا بَان صِحَة نِكَاحهَا وَفَسَاد نِكَاح الْأُخْرَى وميل ابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 الْحداد إِلَى التَّوَقُّف وَهَذَا أقرب أما الْإِفْسَاد مَعَ إِيقَاع طلاقهم وَمَعَ التَّحْلِيل والإحصان والتقرير بعد الْإِسْلَام فَلَا وَجه لَهُ التَّفْرِيع إِن قضينا بِالْفَسَادِ من الأَصْل أَو التَّوَقُّف فَلَا مهر للَّتِي انْدفع نِكَاحهَا بِالْإِسْلَامِ إِذْ بَان الْفساد من الأَصْل وَلذَلِك إِذا طلق الْكَافِر زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ أسلم لم يفْتَقر إِلَى الْمُحَلّل إِن قضينا بِفساد نِكَاحه وَإِن صححنا افْتقر إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْحداد لَو نكح أُخْتَيْنِ وطلق كل وَاحِدَة ثَلَاثًا ثمَّ أَسْلمُوا خيرناه فَإِن اخْتَار وَاحِدَة تعيّنت للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر فِيهَا إِلَى مُحَلل وللأخرى نصف الْمهْر إِذا جرى الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن حكمنَا بِصِحَّة أنكحتهم فَلَا حَاجَة إِلَى الِاخْتِيَار بل نفذ الطَّلَاق فيهمَا جَمِيعًا ويفتقر إِلَى مُحَلل فيهمَا وَإِن حكمنَا بِالْفَسَادِ لم ينفذ الطَّلَاق ويختار وَاحِدَة وَلَا مهر للثَّانِيَة وَإِن توقفنا فَهُوَ كَمَا قَالَه ابْن الْحداد إِلَّا فِي الْمهْر لِأَن على قَول التَّوَقُّف نتبين فَسَاد نِكَاح المندفعة بِالْإِسْلَامِ فَلَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا اندفعت بِاخْتِيَار الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة لما تعيّنت للنِّكَاح نفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر إِلَى الْمُحَلّل فَإِن قيل فَمَا حكم صداقهن الْفَاسِد بعد الْإِسْلَام قُلْنَا إِذا أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا وقبضت ثمَّ أسلما فَلَا مهر لَهَا وَإِن كَانَ الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس وَإِن أسلما قبل الْقَبْض وَبعد الْمَسِيس فلهَا مهر الْمثل وَلَا سَبِيل إِلَى قبض الْخمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَكَذَلِكَ فِي تقابضهم ثمن الْخمر وَقيمتهَا عِنْد الْإِتْلَاف لم نتعرض لما سبق اسْتِيفَاؤهُ وَلَا ننشئ فِي الْإِسْلَام حكما لأجل اعْتِقَادهم فَلَو قبض الْبَعْض دون الْبَعْض رَجَعَ إِلَى بعض مهر الْمثل فَلَو أصدقهَا ثَلَاثَة من الْكلاب وخنزيرين ورزق خمر فقبضت الْكلاب فَالصَّحِيح أَنه يقوم الْجَمِيع فَإِن كَانَ مَا قَبضته قدر الثُّلُث رَجَعَ إِلَى ثُلثي الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ لَا قيمَة لهَذِهِ الْأَشْيَاء فيوزع على الْعدَد وَترجع إِلَى نصف الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ يوزع على الْأَجْنَاس وَصورته أَن الْكلاب كلهَا تجْعَل كَلْبا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الزقاق وَكَذَلِكَ الْخَنَازِير وَلَو نحكت بِغَيْر مهر واعتقدوا أَن لَا مهر للمفوضة فَلَا مهر لَهَا بعد الْإِسْلَام وَإِن أسلم قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لأَنا لَا نتعرض لما سبق وَقد سبق اسْتِحْقَاق وَطْء بِلَا مهر هَذَا كُله إِذا أَسْلمُوا فَإِن ترافعوا إِلَيْنَا فِي أنكحتهم أَو فِي غَيرهَا قبل الْإِسْلَام فَيجوز لحاكمنا أَن يحكم بَينهم بِالْحَقِّ ويستتبعهم وَهل يجب عَلَيْهِ الحكم إِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ مُسلما وَجب وَإِن لم يكن فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يجب لقَوْله تَعَالَى {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يجب إِذا التزمنا الذب عَنْهُم وَدفع الظُّلم من جملَة الذب وَالْآيَة لم تنزل فِي أهل الذِّمَّة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَا مختلفي الْملَّة وَجب الحكم قطعا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَأما المعاهدون فَلَا يلْزمنَا الحكم بَينهم وَإِن كَانُوا مختلفي الْملَّة لأَنا شرطنا الْكَفّ عَنْهُم وَلم نلتزم لَهُم شَيْئا إِذْ لم يلتزموا لنا شَيْئا ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا الْإِجَابَة فمهما استعدى أحد الْخَصْمَيْنِ فَحَضَرَ الآخر وَلم يرض بحكمنا لم نحكم لأَنا إِنَّمَا نحكم عَلَيْهِم إِذا رَضوا بحكمنا فَإِن أَبَوا فَلَا نكلفهم مُوجبَات شرعنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 ثمَّ مهما طلبُوا تَقْدِير النَّفَقَة وَاسْتِيفَاء الْمهْر فِي انكحتهم حكمنَا بهَا وَإِن عقدوها بِغَيْر ولي وَلَا شُهُود وَهَذَا يُقَوي قَول التَّصْحِيح لَكِن لَو كَانَ الْمُفْسد قَائِما لم نحكم كَمَا لَو طلبت نَفَقَة فِي نِكَاح الْمَحَارِم وَلَو طلبت الْمَجُوسِيَّة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالمحرم فَإِنَّهَا مُحرمَة فِي عينهَا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَا بُد للمجوس من الْأَنْكِحَة وَهَذَا يُشِير إِلَى أَنَّهَا مُحرمَة على الْمُسلم خَاصَّة وَلَو طلبت نَفَقَة أُخْتَيْنِ فِي نِكَاح وَاجِد فَيَنْبَغِي أَن لَا نحكم لِأَن الْمَانِع قَائِم مُقَارن وَهُوَ مُخَالفَة ظَاهِرَة للشَّرْع بل الْقدر المسامح بِهِ أَن لَا يبْحَث عَمَّا سبق من شُرُوط أنكحتهم وَإِذا لم نحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهَل يفرق بَينهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تركا للتعرض وَالثَّانِي نعم لأَنهم أظهرُوا ذَلِك عندنَا فَصَارَ كَمَا لَو أظهرُوا خمورهم أرقناها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن يسلم الْكَافِر على عدد من النسْوَة لَا يُمكن الْجمع بَينهُنَّ كَمَا لَو أسلم على أُخْتَيْنِ أَو على خمس نسْوَة أَو على امْرَأَة وابنتها أَو على حرَّة وَأمة أَو على إِمَاء كَثِيرَة فَهَذِهِ خمس صور الأولى أَن يسلم على أُخْتَيْنِ فيختار إِحْدَاهمَا وتندفع الْأُخْرَى سَوَاء نَكَحَهَا فِي عقد وَاحِد أَو فِي عقدين فَإِن أسلمت مَعَه وَاحِدَة وَتَخَلَّفت الْأُخْرَى انْدفع نِكَاح المتخلفة إِلَّا إِذا كَانَ بعد الْمَسِيس فَإِنَّهُ ينْتَظر إسْلَامهَا قبل مُضِيّ الْعدة فَإِن أسلمت اخْتَار إِحْدَاهمَا وَإِن أصرت اندفعت المصرة وَهَذَا فِيهِ إِذا كَانَت المتخلفة وثنية أَو مَجُوسِيَّة فَإِن كَانَت كِتَابِيَّة فَلَا ينْدَفع نِكَاحهَا بالإصرار بل يجْرِي الِاخْتِيَار وَإِن أصررن على الْكفْر الثَّانِيَة إِذا أسلم على خمس نسْوَة فَصَاعِدا اخْتَار أَرْبعا واندفعت الْأُخْرَى سَوَاء نكحهن فِي عقد وَاحِد أَو فِي عُقُود وَحكم انْتِظَار إِسْلَام المتخلفة مِنْهُنَّ كانتظار الْأُخْت الثَّالِثَة أَن يسلم على امْرَأَة وابنتها فَإِن كَانَ قد دخل بهما فهما محرمان ومحرمتان فَلَا تَقْرِير عَلَيْهِمَا إِذْ وَطْء كل وَاحِدَة بِالشُّبْهَةِ يحرم الثَّانِيَة بالمصاهرة فَإِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 لم يدْخل بهما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا كالأختين وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَن الْأُم تنْدَفع وَيبقى نِكَاح الْبِنْت لِأَن مُجَرّد نِكَاح الْبِنْت يدْفع نِكَاح الْأُم وَمُجَرَّد نِكَاح الْأُم لَا يَدْفَعهَا وَأما الْأخْتَان فَلَا تَرْجِيح لإحداهما على الْأُخْرَى وَيَنْبَنِي هَذَا الْخلاف على قَوْلَيْنِ فِي صِحَة أنكحتهم وفسادها وَقَول التَّخْيِير يستمد من قَول الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ إِذا انْتَفَت الصِّحَّة لم يعْهَد نِكَاح الْبِنْت صَحِيحا قبل الْإِسْلَام حَتَّى يدْفع نِكَاح الْأُم لَكِن الْخلاف مُحْتَمل دون هَذَا الْبناء بل هُوَ مُحْتَمل فِيمَا لَو نكح الْمُسلم امْرَأَة وَأمّهَا فِي عقد وَاحِد إِذْ يحْتَمل أَن ينْعَقد على الْبِنْت بِهَذَا التَّرْجِيح كَمَا لَو جمع بَين حرَّة مُسَامَحَة بِالْمهْرِ وَأمة وَقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه هَل ينْعَقد نِكَاح الْحرَّة لترجيح جَانبهَا بِأَن نِكَاحهَا يدْفع نِكَاح الْأمة وَنِكَاح الْأمة لَا يَدْفَعهَا ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد وَإِن قُلْنَا بالتخيير فللمفارقة نصف الْمهْر لِأَنَّهَا بَانَتْ بِاخْتِيَارِهِ قَالَ الْقفال هَذَا بِالْعَكْسِ أولى فَإِن التَّخْيِير بِنَاء على القَوْل بِفساد أنكحتهم قبل الْإِسْلَام فَتبين بإختيارها أَن نِكَاح الْأُخْرَى لم ينْعَقد فَلَا مهر لَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 وَإِن عينا الْبِنْت فالأم قد اندفعت بِالْإِسْلَامِ فلهَا الْمهْر وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا اندفعت بالمحرمية وَلَا مهر للْمحرمِ إِنَّمَا الْمهْر على قَول صِحَة أنكحتهم للزائدات على الْعدَد الشَّرْعِيّ وَمن لَا يَتَّصِف بِصفة تنَافِي النِّكَاح كالأخت وَالْخَامِسَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 أما إِذا وطئ إِحْدَاهمَا نظر فَإِن وطئ الْبِنْت حرمت الْأُم فَصَارَت مُحرمَة وتعينت الْبِنْت عِنْد الْإِسْلَام وَإِن وطئ الْأُم صَارَت الْبِنْت محرحه واندفعت وَهل يبْقى نِكَاح الْأُم إِذا أسلمتا إِن قُلْنَا يَصح نِكَاح الْكفَّار فَهِيَ أَيْضا صَارَت محرما بِنِكَاح الْبِنْت فَلَا يبْقى وَإِلَّا دَامَ نِكَاحهَا الرَّابِعَة أَن يسلم الْحر على إِمَاء فَإِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الالتقاء فِي الْإِسْلَام اخْتَار وَاحِدَة وَلَو أسلم على ثَلَاث إِمَاء فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة وَهُوَ مُعسر ثمَّ أسلمت الثَّانِيَة وَهُوَ مُوسر ثمَّ أسلمت الثَّالِثَة وَهُوَ مُعسر وكل ذَلِك قبل انْقِضَاء عدتهن اخْتَار وَاحِدَة من الأولى وَالثَّالِثَة واندفعت الثَّانِيَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي أَن اقتران الْيَسَار بِإِسْلَام إِحْدَاهمَا لَا يدْفع بِخِلَاف الْعدة الْمُقَارنَة للنِّكَاح وَهَذَا على مُخَالفَة الْبَلْخِي الْخَامِسَة أَن يسلم على حرَّة وإماء فَإِن أسلمن مَعَه انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وتعينت الْحرَّة وَإِن أسلمن مَعَه وَتَخَلَّفت الْحرَّة وأصرت أَو مَاتَت قبل الْعدة اخْتَار وَاحِدَة من الْإِمَاء إِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الْإِسْلَام وَلَا يعْتَبر عَجزه عِنْد الاختيارلأنه كالبيان لما قَرَّرَهُ الْإِسْلَام فالنظر إِلَى حَالَة الْإِسْلَام وَإِن أسلمت قبل انْقِضَاء عدتهَا انْدفع نِكَاح الْإِمَاء لِأَنَّهُ أسلم وَتَحْته حرَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 اسْتَقر نِكَاحهَا وَلَا تَجْتَمِع الْأمة مَعَ حرَّة فِي النِّكَاح وَإِن كَانَت كَافِرَة وَلَو أسلم مَعَ الْحر وَبقيت أَو مَاتَت وَتَخَلَّفت الْإِمَاء انْدفع نِكَاحهنَّ وَلَا ينتظرن لِأَنَّهُ اسْتَقر نِكَاح الْحرَّة بإسلامها فَلَا معنى للانتظار وكل من ينْتَظر إِسْلَامه فَمَاتَ وَلم يسلم قبل الْقَضَاء الْعدة فَهُوَ كَمَا لَو أصر وَكَذَلِكَ لَو أسلم على وَاحِدَة وَمَات قبل إِسْلَام الْبَاقِيَات فالميراث للمسلمة وَلَا شيئ للباقيات لِأَن التَّخَلُّف إِلَى مَوته كالتخلف إِلَى انْقِضَاء الْعدة إِذْ لَا انْتِظَار بعد الْمَوْت وانتهاء النِّكَاح فرع مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْحرَّة إِذا تقدّمت مَعَ الزَّوْج فِي الْإِسْلَام انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وَلَا ينتظرن وَذَلِكَ فِيهِ إِذا بَقينَ على الرّقّ فَإِن عتقن ثمَّ أسلمن قبل الْعدة التحقن بالحرائر الأصليات حَتَّى لَو لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فَأسلم على إِمَاء وتخلفن ثمَّ عتقن وأسلمن اخْتَار أَرْبعا مِنْهُنَّ وَلَو أسلم على إِمَاء وَتَخَلَّفت وَاحِدَة وعتقت وَأسْلمت قبل انْقِضَاء الْعدة تعيّنت للنِّكَاح وَالْمَقْصُود أَن طرآن الْحُرِّيَّة قبل الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام يلْحقهَا بالحرائر الأصليات وَلَو أسلم على أمتين وَتَخَلَّفت أمتان فعتقت وَاحِدَة من الْمُتَقَدِّمين ثمَّ أسلمت المتخلفتان رقيقتين انْدفع نِكَاحهمَا إِذْ تَحت زَوجهمَا عتيقة أما الْمُتَقَدّمَة الرقيقة فَلَا تنْدَفع لِأَن عتق الْأُخْرَى كَانَ بعد اجْتِمَاعهم فى الْإِسْلَام فَلَا يُؤثر فِي دَفعهَا بل يخْتَار إِحْدَى الْمُتَقَدِّمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم العبيد وَالْإِمَاء وطرآن الْعتْق عَلَيْهِم وَله طرفان الأول فِي العبيد وَمهما أسلم العَبْد على إِمَاء أَو حرائر أَو إِمَاء وحرائر اخْتَار اثْنَتَيْنِ لِأَن الْحرَّة فِي حَقه كالأمة نعم إِذا أسلم مَعَ حرَّة فَهَل لَهَا الْخِيَار لرقه الْقيَاس أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا رضيت برقه أَولا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ ثُبُوت الْخِيَار كَمَا إِذا عتقت تَحت عبد وَكَأن حكم حريتها إِنَّمَا يثبت بِالْإِسْلَامِ فَيكون كالحرية الطارئة وَالْمَقْصُود بَيَان طرآن الْعتْق عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يؤثران إِن كَانَ بعد الْإِسْلَام وَإِن كَانَ بَين الْإِسْلَام مين يُؤثر حَتَّى لَو أسلمن وتخلف وَعتق ثمَّ أسلم فيختار من الْحَرَائِر أَرْبعا وَيرجع فِي الْإِمَاء إِلَى وَاحِدَة وَإِن أسلم وَأسْلمت مَعَه حرتان ثمَّ عتق فَأسْلمت الْبَاقِيَات من الْحَرَائِر فَلَا يزِيد على اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهُ صَادف كَمَال عدد العَبْد قبل الْحُرِّيَّة وَلَو أسلم مَعَ وَاحِدَة وَعتق وَأسْلمت الْبَاقِيَات اخْتَار أَرْبعا لطرآن الْعتْق قبل كَمَال عدد العبيد وشبهوا هَذَا بمسألتيتن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 إِحْدَاهمَا العَبْد لَو استوفى طَلْقَتَيْنِ من زَوجته ثمَّ عتق لم ينْكِحهَا وَلَو استوفى طَلْقَة ثمَّ عتق نَكَحَهَا وَملك عَلَيْهِ طَلْقَتَيْنِ الثَّانِيَة الْأمة لَو عتقت فِي يَوْم قسمهَا استوفت مُدَّة الْحَرَائِر وَلَو عتقت مُتَّصِلا بآخر مدَّتهَا اقتصرت فرع لَو أسلم على أَربع إِمَاء فَأسْلمت مَعَه ثِنْتَانِ فَعتق ثمَّ أسلمت الأخريان جَازَ لَهُ اخْتِيَار ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ تمّ لَهُ عدد العبيد قبل الْعتْق فَلَا يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى وَاحِدَة وَلكنه هَل تتَعَيَّن الأوليان أم لَا قَالَ الإِمَام لَا تتَعَيَّن بل هُوَ كَمَا أسلم حر على أَربع إِمَاء فأسلمن على التوالي وطرآن الْحُرِّيَّة لَا يزِيد على الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقَالَ الفوراني لَا يجوز لَهُ اخْتِيَار الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ اجْتمع بِهن فِي الْإِسْلَام وَهُوَ حر فَكيف يجمع بَينهمَا ويختار الْأَوليين وَهل يخْتَار وَاحِدَة من الْأَوليين وَوَاحِدَة من الْأُخْرَيَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وتوجيه الْجَوَاز أَن الْحُرِّيَّة تَمنعهُ من الْجمع بَين الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا تَمنعهُ من أصل الْعدَد فيختار وَاحِدَة مِنْهُمَا وَوَاحِدَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 من الْأَوليين وَقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن لَو أسلم على اثْنَتَيْنِ فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة ثمَّ عتق فَأسْلمت الثَّانِيَة لَا يخْتَار إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ عتق قبل كَمَال الْعدَد وَلَكِن قَالَ تتَعَيَّن الأولى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ أصلا الطّرف الثَّانِي فِي عتقهن وتأثيره فِي إلحاقها بالحرائر مهما تقدم على الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام ويطهر أَثَره فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا إِذا كَانَت تَحت عبد وَيكون خِيَار الْعتْق على الْفَوْر لَكِنَّهَا لَو أسلمت وعتقت فلهَا أَلا تبادر الْفَسْخ فَإِن الزَّوْج رُبمَا يصر فتستغني عَن هَذَا الْفَسْخ وَكَذَلِكَ الرَّجْعِيَّة إِذا عتقت لَهَا التَّأْخِير إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة فَإِن هَذَا عذر فِي التَّأْخِير وَلَو فسخت قبل إِسْلَام الزَّوْج نفذ وَلَا فَائِدَة لَهُ إِن أصر الزَّوْج وَفَائِدَته إِن أسلم الزَّوْج تظهر فِي قُصُور مُدَّة الْعدة إِذْ لَو أخرت وَأسلم الزَّوْج وفسخت طَال عَلَيْهَا الِانْتِظَار وَلَا نقُول فَسخهَا مَوْقُوف على إِصْرَار الزَّوْج فَلَا ينفذ فَإِن الْفَسْخ جنس وَاحِد فَلَا يمْتَنع بِإِمْكَان فسخ آخر بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ تَحْتَهُ حرَّة وإماء فأسلمن وَتَخَلَّفت الْحرَّة وَاخْتَارَ وَاحِدَة من الْإِمَاء ثمَّ مَاتَت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 المتخلفة أَو أصرت فَإِن صِحَة الِاخْتِيَار تنبني على وقف الْعُقُود لِأَنَّهَا لَو أسملت لبطل اخْتِيَاره لاندفاع نِكَاح الْإِمَاء وَهُوَ أولى بِالصِّحَّةِ من الْعُقُود لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاء عقد نعم لَو أسلمت امْرَأَة وتخلف الزَّوْج ونكح أُخْتهَا ثمَّ أسلم وَأسْلمت يُخَيّر بَينهمَا لِأَنَّهُ جرى فِي حَالَة الشّرك وَلَو أسلم أَولا ونكح أُخْت المتخلفة وَأسْلمت المتخلفة بَطل النِّكَاح الَّذِي جرى فِي الْإِسْلَام لِأَنَّهَا طارئة بعد الْإِسْلَام فَلَو أصرت المتخلفة انبنى صِحَة نِكَاح الْأُخْرَى على الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه وَلم يدر أَنه ميت فَإِذا هُوَ ميت فَأَما إِذا أسلمت وعتقت وأجازت قبل إِسْلَام الزَّوْج بطلت الْإِجَازَة وَبَقِي حَقّهَا فِي الْفَسْخ إِذْ لَيْسَ لَهَا الْمقَام تَحت كَافِر فَلَا حكم لإجازتها فِي الْحَال وَلَو عتقت الرَّجْعِيَّة وفسخت نفذ وَإِن أجازت فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن إجازتها تفِيد الزَّوْج سُلْطَان الرّجْعَة وَهُوَ من مَقَاصِد النِّكَاح وَلَا يُمكن أَن يُقَال إجازتها تَحت الْكَافِر تفيده سُلْطَان الْإِسْلَام فَإِن ذَلِك لَا يُسْتَفَاد من الْغَيْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 الْفَصْل الرَّابِع فِي الِاخْتِيَار وَحكمه وَالْكَلَام فِي طرفين أَحدهمَا فِي وجوب الِاخْتِيَار فَإِذا أسلم على ثَمَانِيَة مثلا فَعَلَيهِ تعْيين أَرْبَعَة فَإِن امْتنع فَعَلَيهِ الْإِنْفَاق على الْجَمِيع فِي مُدَّة الْحَبْس وللقاضي أَن يحْبسهُ ليعين فَإِن أصر عزره وَكَذَا كل قَادر على أَدَاء حق إِذا أصر وَلم ينجع فِيهِ الْحَبْس فَيَنْبَغِي أَن يُعَزّر ويمهل الزَّوْج ثَلَاثَة أَيَّام للنَّظَر والتأمل وَلَا يخْتَار القَاضِي عَنهُ إِذا أصر وَإِن قُلْنَا فِي قَول إِن القَاضِي يُطلق زَوْجَة المؤلي لِأَن هَذَا أَمر مَنُوط بِالرُّؤْيَةِ وَلَا يقبل النِّيَابَة وَلَو مَاتَ قبل التعين فعلى كل وَاحِدَة الِاعْتِدَاد بأقصى الْأَجَليْنِ للِاحْتِيَاط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 وَيُوقف لَهُنَّ من الْمِيرَاث الرّبع أَو الثّمن كَامِلا إِلَى أَن يصطلحن وَإِن كَانَ فِيهِنَّ طفلة لم يرض وَليهَا إِلَّا بِربع الْمَوْقُوف وَلَو جَاءَت أَربع مِنْهُنَّ لم نسلم إلَيْهِنَّ شَيْئا فلعلهن المفارقات وَإِن جَاءَت خَمْسَة سلمنَا إلَيْهِنَّ ربع الْمَوْقُوف لِأَنَّهُ المستيقن وَلَا نزيد فِي التَّسْلِيم على المستيقن وَحكي عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ يوزع على جَمِيعهنَّ بِالسَّوِيَّةِ إِذْ التَّوَقُّف عِنْد انْتِظَار الْبَيَان أَو عِنْد اخْتِصَاص الْبَعْض بفرقة اشتبهت علينا كَمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمره طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق فَإِن الْمُطلقَة فِي علم الله وَاحِدَة واشتبهت علينا وَهَاهُنَا هن متماثلات قطعا وَهَذَا مُتَّجه جدا فرع لَو أسلم على ثَمَان كتابيات وَأسْلمت أَربع فيختار من شَاءَ من الكتابيات أَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 المسلمات فَلَو مَاتَ قبل الْبَيَان لَا نقف لَهُنَّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِذْ كَانَ يحْتَمل أَن يخْتَار الكتابيات فَلَا يرثن وَلَا يَرث الْجَمِيع فَلم يحصل حق الزَّوْجِيَّة بِتَعْيِين وَلَو نكح مسلمة وكتابية وَقَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق وَمَات قبل الْبَيَان لَا نقف أَيْضا شَيْئا للشَّكّ فِي أصل الْحق الطّرف الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الِاخْتِيَار وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ اخْتَرْت هَذِه الْأَرْبَعَة للزوجية تعيّنت الْبَاقِيَات للْفَسْخ وَلَو قَالَ اخْتَرْت هَذِه للْفَسْخ أَو هَذِه للْفَسْخ دون لفظ الِاخْتِيَار نفذ وَلَو كن ثَمَانِيَة فَطلق أَرْبعا مِنْهُنَّ فَهُوَ تعْيين للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق واندفعت الأخريات بِالْفَسْخِ وَلَيْسَ لفظ الْإِيلَاء وَالظِّهَار كَلَفْظِ الطَّلَاق فَإِن ذَلِك مِمَّا يُخَاطب بِهِ الأجنبيات والأزواج جَمِيعًا وَلَو قَالَ فسخت نِكَاح هَذِه الْأَرْبَعَة وَفسّر التَّعْيِين بالفراق نفذ وَلَو فسر بِالطَّلَاق قبل ومطلقه يحمل على التَّعْيِين للفراق الثَّانِيَة لَو قَالَ من دخل الدَّار فقد اخترتها للنِّكَاح لم يَصح لِأَن الِاخْتِيَار لَا يقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ هِيَ طَالِق نفذ الطَّلَاق وَحصل الِاخْتِيَار ضمنا وَلَو قَالَ فَهِيَ مفسوخة النِّكَاح وَأَرَادَ الْفِرَاق لم ينفذ وَإِن فسر بِالطَّلَاق نفذ الطَّلَاق وَحصل التَّعْيِين ضمنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 الثَّالِثَة لَو وطئ وَاحِدَة هَل يكون تعيينا للنِّكَاح فِيهِ خلاف كَمَا لَو قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ وطئ إِحْدَاهمَا الرَّابِعَة إِذا أسلمت أَربع وَتَخَلَّفت أَربع فَاخْتَارَ المسلمات نفذ واندفعت المتخلفات وَإِن فسخ نِكَاح المسلمات والمتخلفات وثنيات لم ينفذ لِأَن من ضَرُورَته تَقْرِير نِكَاح الوثنيات وَرُبمَا أصررن فيتعذر ذَلِك وَفَائِدَته أَنَّهُنَّ إِذا أسلمن اسْتَأْنف اخْتِيَار من شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِيه وَجه أَنه يبْنى على الْوَقْف فَإِن أصررن تبين بطلَان فَسخه وَإِن أسلمن نفذ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَإِنَّهُ لَا يصير مَوْقُوفا على أَن يصير خلا لِأَن الْخمر لَا يقبل العقد وَمهما أسلمت الوثنيات كَانَ العقد مُسْتَندا إِلَى مَا سبق وَإِن اخْتَار المتخلفات للْفَسْخ نفذ قطعا لِأَن التَّقْرِير يلائم المسلمات وَإِن اخْتَار المتخلفات للنِّكَاح لم ينفذ إِلَّا على وَجه الْوَقْف وَهُوَ بعيد نعم لَو طلقهن ثمَّ أسلمن فَهَل نتبين نُفُوذ الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر لِأَن الطَّلَاق يقبل التَّعْلِيق فَلَا يبعد فِيهِ الْوَقْف أَيْضا الْخَامِسَة لَو قَالَ حصرت المختارات فِي سِتّ صَحَّ وَتعين الْبَاقِيَات للْفَسْخ إِلَى أَن يتمم الِاخْتِيَار السَّادِسَة لَو أسلمت الثَّمَانِية على ترادف وَكَانَ يُخَاطب كل مسلمة بِالْفَسْخِ تعين للفراق الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة فَإِن المسلمات السابقات يُمكن فِيهِنَّ التَّقْرِير وعَلى الْوَجْه الْبعيد يتَعَيَّن للفراق الْأَرْبَعَة الأولى بطرِيق الْوَقْف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 الْفَصْل الْخَامِس فِي النَّفَقَة وَالْمهْر فَنَقُول إِن أسلم الزَّوْج أَولا وَتَخَلَّفت وأصرت فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي مُدَّة الْعدة لِأَنَّهَا بَائِنَة وَقد أساءت بالتخلف وَلَو أسلمت قبل انْقِضَاء الْعدة فالجديد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لمُدَّة التَّخَلُّف لِأَنَّهَا نَاشِزَة بالتخلف وَفِي الْقَدِيم تسْتَحقّ لِأَنَّهَا مَا أحدثت شَيْئا إِنَّمَا الزَّوْج أحدث تَبْدِيل الدّين وَهَذَا ضَعِيف إِذْ لَو ابْتَدَأَ الرجل سفرا فتخلفت تسْقط نَفَقَتهَا إِذْ يجب عَلَيْهَا الْمُوَافقَة فَكَذَلِك فِي الْإِسْلَام لَكِن هَذِه مُؤَاخذَة بِحكم الْإِسْلَام فَيجوز أَن لَا تؤاخذ بِهِ هَاهُنَا فإمَّا إِذا سبقت الْمَرْأَة ثمَّ أسلم قبل انْقِضَاء الْعدة فَالْمَذْهَب أَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لِأَنَّهَا أَحْسَنت بِالْإِسْلَامِ وَفِيه وَجه بعيد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا أحدثت شَيْئا مَانِعا من الِاسْتِمْتَاع وَلَو أصر الزَّوْج فَوَجْهَانِ وَالْقِيَاس أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا بَائِنَة قَالَ القَاضِي مَأْخَذ التَّرَدُّد أَنَّهَا هَل هِيَ كالرجعية إِذْ الزَّوْج قَادر على تَقْرِير النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 عَلَيْهَا وَهَذَا بعيد لأَنا نتبين بينونتها وَكَذَلِكَ لَو طَلقهَا وأصر لم ينفذ بِخِلَاف الرَّجْعِيَّة ثمَّ إِن صَحَّ هَذَا الْقيَاس فَلَو سبق الرجل وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة فَلم يبْق للزَّوْج عَلَيْهَا قدرَة فَيَنْبَغِي أَن تلْحق بالبائنة قطعا فرعان فِي الِاخْتِلَاف أَحدهمَا إِذا قضينا بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة فِي مُدَّة التَّخَلُّف فَلَو تنَازعا فَقَالَ تخلفت عني عشْرين يَوْمًا وَقَالَت بل عشرَة فَالْقَوْل قَوْله إِذْ ثَبت النُّشُوز فعلَيْهَا إِثْبَات الزَّوَال وَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَقَالَ سبقت وَسقط حَقك مُدَّة التَّخَلُّف وَقَالَت بل سبقت أَنا فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن النَّفَقَة ثَابِتَة فَعَلَيهِ إِثْبَات الْمسْقط إِلَّا إِذا اتفقَا على أَن إِسْلَامه كَانَ أول الِاثْنَيْنِ فَقَالَ الرجل أسلمت بعدِي وَقَالَت بل قبلك فَالْقَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل استمرارها على الْكفْر الثَّانِي لَو قَالَت أسلمت أَنْت أَولا قبل الْمَسِيس ولي نصف الْمهْر وَقَالَ بل أسلمت أَنْت أَولا وَلَا مهر لَك فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل ثُبُوت الْمهْر وَلَو تنَازعا فِي بَقَاء النِّكَاح فَقَالَ أسلمنَا مَعًا وَالنِّكَاح بَاقٍ وَقَالَت بل على التَّعَاقُب فَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَلَكِن التوافق فِي الْإِسْلَام نَادِر فيبنى على أَن الْمُدعى من الظَّاهِر مَعَه وَهِي الْمَرْأَة هَاهُنَا أَو من لَا يخلى وسكوته وَهُوَ الرجل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 وَفِيه قَولَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي مُوجبَات الْخِيَار وَأَسْبَاب الْخِيَار أَرْبَعَة الْعَيْب والغرور وَالْعِتْق والعنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 السَّبَب الأول الْعُيُوب وَالنَّظَر فِي الْمُوجب والموجب النّظر الأول فِي الْمُوجب والعيوب الْمُتَّفق على ثُبُوت الْخِيَار بهَا خَمْسَة اثْنَان يخْتَص بهما الزَّوْج وَهُوَ الْجب والعنة وَاثْنَانِ تخْتَص بهما الْمَرْأَة وَهُوَ الرتق والقرن وَثَلَاثَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَهُوَ البرص المستحكم الَّذِي لَا يقبل الْإِصْلَاح دون أَوَائِل الوضح والجذام المستحكم الَّذِي سود الْعُضْو وَأخذ فِي التقطيع وَالْجُنُون وَلَا يعْتَبر فِي الْجُنُون أَنه لَا يقبل العلاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 والجب الْمُثبت للخيار هُوَ الاستئصال بِحَيْثُ يكون الْبَاقِي أقل من الْحَشَفَة فَلَا يثبت الْخِيَار بِقطع الْبَعْض وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن البخر والصنان والعذيوط الَّذِي لَا يقبل العلاج هَل يرد بِالْعَيْبِ الْمَشْهُور أَنه لَا يدر وَلَا يُزَاد على الْخمس وَعَن زَاهِر السَّرخسِيّ أَنه أثبت بِهَذِهِ الثَّلَاث وَزَاد القَاضِي حُسَيْن على هَذَا وَقَالَ لَا تَوْقِيف وَلَا حصر والمتبع كل عيب يكسر شَهْوَة التواق فيتعذر الِاسْتِمْتَاع بِهِ إِذْ لَو اعْتبر امْتنَاع الِاسْتِمْتَاع لاقتصر على الرتق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 والقرن وَقَالَ قد تَجْتَمِع عُيُوب آحادها لَا يثبت وَلَكِن مجموعها ينفر فَيثبت الْخِيَار بِهِ وَلَعَلَّ ذَلِك يجْرِي فِي كل مَا يُؤثر فِي التنفير تَأْثِير الجذام والبرص الثَّانِي لَو كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى فَفِي ثُبُوت الْخِيَار أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عيب ضفر فَاحش وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة ثقبة فِي الرجل وَزِيَادَة سلْعَة فِي الْمَرْأَة وَالثَّالِث أَنه إِن انْكَشَفَ الْحَال بعلامة محسوسة تورث الْيَقِين فَلَا يرد وَإِن كَانَ بعلامة منظنونة يرد لما فِيهِ من الْخطر وَالرَّابِع أَنه لَا يرد مَا يثبت بعلامة أَيْضا بل مَا لم يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ الثَّالِث أَن الْعَيْب الْمُثبت للخيار إِنَّمَا يثبت من الْجَانِبَيْنِ لَو كَانَ مُقَارنًا للْعقد فَلَو طَرَأَ قبل الْمَسِيس ثَبت الْخِيَار لَهَا فَإِن كَانَ بعده فَوَجْهَانِ إِلَّا فِي الْعنَّة فَإِنَّهَا إِن طرأت بعد الْوَطْء لم يثبت الْخِيَار لِأَن الْيَأْس لَا يحصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 وَهل يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا طَرَأَ الْعَيْب عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يثبت إِذْ لَا يفارقها إِلَّا فِي التَّمَكُّن من الطَّلَاق وَهُوَ جَار فِي الْمُقَارن أَيْضا ثمَّ اسْتَويَا وَالثَّانِي لَا يثبت لِأَن العقد سلم أَولا وَهُوَ قَادر على الطَّلَاق وَالْمَرْأَة مضطرة لأجل التحصن وَأما أَوْلِيَاء الْمَرْأَة فَلَا يثبت لَهُم الْخِيَار بالعيوب الطارئة وَهل يثبت بالمقارن ينظر إِن كَانَ فِيهِ عَار ثَبت كالجنون فَإِن الْعَار فِيهِ لَا يتقاصر عَن عَار الحرفة الدنية وَالْفِسْق وَإِن لم يكن عَار فَلَا يثبت كالجب والعنة وَهل يثبت بالبرص والجذام فِيهِ وَجْهَان وَمِنْهُم من أثبت فِي الْجَمِيع وَقَالَ فِي الْجَمِيع عَار عَلَيْهِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 النّظر الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار وَهُوَ على الْفَوْر ثمَّ إِن فسخت قبل الْمَسِيس سقط الْمهْر وَكَذَلِكَ إِن فسخ الزَّوْج بعيبها بِخِلَاف مَا إِذا ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يتشطر الْمهْر لِأَن الْفَسْخ وَإِن كَانَ من جِهَته فسببه عيب من جِهَتهَا فيحال عَلَيْهَا وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس فعلَيْهَا الْعدة وَالنَّظَر فِي الْمهْر وَالرُّجُوع بِهِ وَالنَّفقَة فِي الْعدة أما الْمهْر فساقط وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَن مُقْتَضى الْفَسْخ ترَاد الْعِوَضَيْنِ لَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرِّدَّة بعد الْمَسِيس أَن الْمُسَمّى يَتَقَرَّر لِأَن الْفَسْخ بِهِ لَا يسْتَند إِلَى أصل العقد فَلَا يدْفع الْمهْر الْمُسَمّى عِنْد العقد وَنَصّ فِيمَا إِذا كَانَ الْعَيْب مُقَارنًا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ مُقْتَضى والتخريج أَحدهمَا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فيهمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْفَسْخ وَالثَّانِي يَتَقَرَّر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن بُد من مهر الْمثل فالمسمى أولى فَإِن فرعنا على النَّص وأسقطنا الْمُسَمّى وَكَانَ الْعَيْب طارئا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا السُّقُوط كالمقارن وَالثَّانِي التَّقْرِير لِأَن الْخلَل لم يسْتَند إِلَى أول العقد وَالثَّالِث أَنه يسْقط إِلَّا إِذْ طَرَأَ بعد الْمَسِيس لِأَن الْوَطْء إِذا جرى على السَّلامَة فَيَنْبَغِي أَن يُقرر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 الْمهْر أما الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْوَلِيّ فَغير ثَابت قطعا إِن كَانَ الْعَيْب طارئا وَإِن كَانَ مُقَارنًا فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه لَا رُجُوع إِذْ هُوَ كوكيل عَاقد سكت عَن ذكر الْعَيْب إِذْ لَيْسَ يَقع العقد لَهُ وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع لِأَنَّهُ كالغار ثمَّ اخْتلفُوا هَل يشْتَرط أَن يكون الْوَلِيّ محرما حَتَّى يكون خَبِيرا بالتواطؤ فَلَا يعْذر فِي الْإخْفَاء وَهل يشْتَرط علمه حَالَة العقد لثُبُوت تَقْصِيره فَمنهمْ من شَرط ذَلِك وَمِنْهُم من رَآهُ مقصرا بِكُل حَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 فَإِذا جَعَلْنَاهُ مغرورا وَكَانَت هِيَ الْغَارة ففائدته سُقُوط الْمهْر إِذْ كَيفَ يغرم لَهَا ثمَّ يرجع عَلَيْهَا وَلَكِن قيل لَا بُد وَأَن يسلم إِلَيْهَا أقل مَا يتمول تعبدا وَقيل إِن ذَلِك الْقدر هِيَ الْغَارة بِهِ فَيسْقط إِذْ لَا معنى للتسليم إِلَيْهَا ثمَّ الِاسْتِرْدَاد مِنْهَا أما النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فَلَا تثبت لَهَا إِن كَانَت حَائِلا وَسُقُوط السُّكْنَى كسقوط الْمهْر وَإِن كَانَت حَامِلا فلهَا النَّفَقَة على قَوْلنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَإِن لَوَازِم النِّكَاح سَاقِطَة عِنْد الْفَسْخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 السَّبَب الثَّانِي للخيار الفرور وَفِيه نظران الأول فِي حكم الْغرُور وَصورته فَنَقُول إِذا قَالَ الْعَاقِد زَوجتك هَذِه الْمسلمَة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة أَو هَذِه القرشية فَإِذا هِيَ نبطية أَو هَذِه الْحرَّة فَإِذا هِيَ أمة أَو مَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد فِي النِّكَاح ففى انْعِقَاد العقد قَولَانِ كقولين فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الرمك فَإِذا هِيَ نعجة الْأَصَح هَا هُنَا الصِّحَّة لِأَن هَذَا تفَاوت فِي الصّفة بعد تعْيين الْمَقْصُود وَذَلِكَ تفَاوت فِي الْجِنْس فَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يثبت خِيَار الْخلف كَمَا فِي البيع فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْقيَاس على البيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 وَالثَّانِي الْفرق لافتراقهما فِي خِيَار الرُّؤْيَة وَالشّرط وَغَيره وَكَذَلِكَ إِذا غرت الْمَرْأَة بنسبه أَو حُرِّيَّته جرى الْخلاف فِي انْعِقَاد العقد ثمَّ فِي ثُبُوت خِيَار الْخلف لَكِن إِن قُلْنَا لَا يثبت خِيَار الْخلف فلهَا الْخِيَار بِسَبَب فَوَات النّسَب إِذا لم يكن الزَّوْج كفؤها وَكَذَلِكَ للأولياء الْخِيَار إِن رضيت بِمن هُوَ دونهَا وَكَأن للشّرط مدخلًا أَيْضا فِي التَّأْثِير لِأَنَّهُ لَو زَوجهَا الْوَلِيّ بِرِضَاهَا من مَجْهُول فَإِذا هُوَ غير كفؤ فَلَا خِيَار لِأَن هَذَا لَيْسَ بِعَيْب وَإِنَّمَا هُوَ فَوَات منقبة وَلم يجر شَرط وَالْوَلِيّ هُوَ المقصر إِذْ لم يقدم الْبَحْث فَكَأَنَّهُ إِذا جرى شَرط أثر فِي نفي التَّقْصِير من جِهَة الْوَلِيّ والتحق عدم الْكَفَاءَة بِالْعَيْبِ فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا وللولي وَلَو نكح مَجْهُولَة ظَنّهَا مسلمة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْخِيَار وَلَو ظَنّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ رقيقَة قَالَ لَا خِيَار لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 مأخذهما أَن الْكفْر وَالرّق هَل يلْتَحق بالعيوب الْخمس وَمِنْهُم من فرق وَقَالَ الْكفْر منفر فَهُوَ عيب وَإِن لم يجر شَرط وَالرّق غير منفر فَهَذَا تَقْرِير النصين وَمِنْهُم من قرر النَّص وَلَكِن قَالَ مأخذه أَن الْكِتَابِيَّة تتَمَيَّز عَن الْمسلمَة إِذْ وَليهَا كَافِر فَلَا تشتبه إِلَّا بتلبيس فمأخذه الْغرُور وَكَأَنَّهُ حصل الْغرُور بِمُجَرَّد الْفِعْل من غير قَول وَأَنا أَقُول إِن أمكن أَن يَجْعَل هَذَا تغريرا مثبتا للخيار فَلَو نَكَحَهَا وَظن بَكَارَتهَا فَإِذا هِيَ ثيب ثمَّ يبعد إِثْبَات الْخِيَار لِأَن النفرة هَا هُنَا أعظم وَكَثِيرًا مَا يَقع هَذَا فِي الفتاوي أما إِذا شَرط بَكَارَتهَا فِي العقد فَيجْرِي قولا الإنعقاد وقولا خِيَار الْخلف وكل تغرير سَابق على العقد فَلَا يُؤثر فِي صِحَة العقد ويؤثر فِي إِثْبَات الرُّجُوع بِالْمهْرِ لِأَن قَول الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْغَار قوي هَا هُنَا بِخِلَاف مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الرُّجُوع بِسَبَب عدم ذكر الْعُيُوب النّظر الثَّانِي فِي حكم الْوَلَد إِذا جرى التَّغْرِير بِالرّقِّ وَله أَحْكَام الأول أَنه إِذا غر بحريّة أمة فأحبلها انْعَقَد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة لظَنّه الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا لِأَن العَبْد يُسَاوِي الْحر فِي الظَّن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد ولد العَبْد رَقِيقا دون الْحر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 الثَّانِي يجب أَنه قيمَة الْوَلَد على الزَّوْج لسَيِّد الْأمة لِأَن الرّقّ فِي الْأُم يُوجب رق الْوَلَد واندفاعه بظنه فَهُوَ المتسبب فِي عتقه وَإِنَّمَا تجب قِيمَته إِذا انْفَصل حَيا بِاعْتِبَار يَوْم الإنفصال وَلَو انْفَصل مَيتا لَا بِجِنَايَة جَان فَلَا شيأ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن اعْتِبَار قِيمَته قبل الإنفصال وَهُوَ فِي الْحَال لَا قيمَة لَهُ الثَّالِث أَنه إِذا غرم رَجَعَ بِهِ على الْغَار قولا وَاحِدًا قضى بِالرُّجُوعِ بِقِيمَة الْوَلَد عمر رَضِي الله عَنهُ وَوَافَقَهُ الْعلمَاء وَأما الْمهْر فَفِي الرُّجُوع بِهِ قَولَانِ لِأَن الْبضْع فَاتَ بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا يبعد أَن يقدم على سَبَب الْغرُور وَأما رق الْوَلَد ففات بظنه وَهُوَ سَبَب منشأه قَول الْغَار فَكَانَ السَّبَب الأول أولى بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِع أَنه لَا يرجع مَا لم يغرم كالضامن لَا يرجع على الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يغرم وَكَذَلِكَ الدِّيَة المضروبة على الْعَاقِلَة بِشَهَادَة الشُّهُود إِذا رجعُوا يغرمونها ثمَّ يرجعُونَ على الشُّهُود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 الْخَامِس فِي مَحل الْغرم ومتعلقه وَهُوَ الذِّمَّة إِن كَانَ الزَّوْج حرا وَإِن كَانَ عبدا فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُ من لَوَازِم النِّكَاح كَالنَّفَقَةِ وَالْمهْر وَالثَّانِي بِرَقَبَتِهِ لِأَن النِّكَاح لَا يَقْتَضِي قيمَة الْوَلَد وَهُوَ نتيجة اتلافه وَالثَّالِث يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جانيا وَلَا وُجُوبه مقتضي النِّكَاح بل هُوَ مُقْتَضى ظَنّه فَسَار كَمَا لَو لزم بضمانه وعَلى هَذَا يرجع على الْغَار بعد الْعتْق لِأَنَّهُ يغرم بعد الْعتْق وعَلى الْقَوْلَيْنِ الآخرين يرجع السَّيِّد مهما غرم من كَسبه أَو رقبته وَأما الْمهْر فَيتَعَلَّق بِكَسْبِهِ مهما جرى الْفَسْخ بِخِيَار الْغرُور إِن أَوجَبْنَا الْمُسَمّى وَإِن رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِيمَا إِذا أذن لَهُ فِي النِّكَاح فنكح نِكَاحا فَاسِدا ووطأ فَتعلق مهر الْمثل هَا هُنَا بِكَسْبِهِ أظهر لِأَنَّهُ وَجب بِحكم نِكَاح صَحِيح السَّادِس فِي المرجوع عَلَيْهِ وَهُوَ وَكيل السَّيِّد إِذا زوجه لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْغرُور من السَّيِّد لِأَنَّهُ لَو قَالَ زَوجتك هَذِه الْحرَّة عتقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 أما إِذا كَانَت الْغَارة هِيَ الْأمة نَفسهَا تعلق الْعهْدَة بذمتها لَا بِكَسْرِهَا ورقبتها لِأَنَّهَا لَيست مأذونه وَلَا جانية بل تلطفت بِلَفْظ فيلزمها الْعهْدَة فَإِن كَانَت مُكَاتبَة فَارَقت الْأمة فِي شييئى أَحدهمَا أَنه لَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا مُسْتَحقَّة الْمهْر فَكيف يغرم لَهَا وَيرجع عَلَيْهَا نعم تُعْطى قدر مَا يتمول على وَجه كَمَا سبق وَالثَّانِي أَنا إِذا قُلْنَا وَلَده الْمُكَاتبَة قن فَتجب قِيمَته كَمَا فِي الْأمة وَإِن قُلْنَا مكَاتب فَهِيَ مُسْتَحقَّة الْقيمَة فَلَا يغرم لَهَا إِذْ عَلَيْهَا الرُّجُوع فَإِنَّهَا الْغَارة وَإِن كَانَ الْغرُور من الْأمة وَمن وَكيل السَّيِّد جَمِيعًا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يرجع على أَيهمَا شَاءَ إِذْ كل وَاحِد بَاشر سَببا كَامِلا من الْغرُور لَو انْفَرد بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 وَالثَّانِي أَنه يرجع على كل وَاحِد بِالنِّصْفِ لاشْتِرَاكهمَا فِي السَّبَب فرع إِذا انْفَصل الْوَلَد مَيتا بِجِنَايَة جَان فعلى الجانى غرَّة عبد أَو أمة تصرف إِلَى أَب الْجَنِين وجدته بطرِيق الْإِرْث وَلَا يُمكن للجنين وَارِث مَعَ الْأَب سوى الْجدّة أم الْأُم وَمَا الَّذِي يغرم للسَّيِّد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يغرم للسَّيِّد عشر قيمَة الْأُم فَإِن هَذَا الْقدر هُوَ الَّذِي فَاتَ عَلَيْهِ بظنه وَالثَّانِي أَنه يغرم أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْغرَّة الَّتِي سلمت لَهُ أَو عشر قيمَة الْأُم فَإِنَّهُ إِن كَانَ قيمَة الْغرَّة أقل فَكيف يضمن زِيَادَة وَالْولد الْمَيِّت لَا ضَمَان لَهُ وَإِنَّمَا لزم الضَّمَان لسَبَب حُصُول هَذَا الْقدر بِسَبَب الْجِنَايَة وَلَو زَادَت الْغرَّة فَالزِّيَادَة للمغرور فَإِنَّهُ زَاد بِسَبَب حريَّة الْوَلَد التَّفْرِيع إِن أَوجَبْنَا الْعشْر فَهُوَ وَاجِب من غير تَفْصِيل وَإِن أَوجَبْنَا الْأَقَل فَينْظر إِلَى قدر مَا سلم لَهُ فَإِن كَانَ مَعَه جدة لم يحْسب عَلَيْهِ إِلَّا خَمْسَة أَسْدَاس الْغرَّة وَلَا يغرم أَيْضا مَا لم يسلم إِلَيْهِ وَهَذَا إِن كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيّا ووراءه أَحْوَال وَهُوَ أَن يكون الْجَانِي هُوَ السَّيِّد أَو الْمَغْرُور أَو عبد الْمَغْرُور فَإِن كَانَ هُوَ السَّيِّد غرم عَاقِلَته لوَرَثَة الْجَنِين الْغرَّة وَغرم الْمَغْرُور لَهُ الْعشْر أَو أقل الْأَمريْنِ على مَا سبق وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يغرم الْمَغْرُور شَيْئا إِذْ كَانَ سَبَب غرمه أَنه فَاتَ بظنه والآن قد فَاتَ بِجِنَايَة السَّيِّد وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال لما غرم الْعَاقِلَة انمحى أثر جِنَايَته وَقد انْفَصل مَضْمُونا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 فَلَا يهدر فِي حَقه وَإِن كَانَ الْجَانِي هُوَ الْمَغْرُور وَجب الدِّيَة على عَاقِلَته لبَقيَّة الْوَرَثَة دونه فَإِنَّهُ حجب نَفسه عَن الْإِرْث بِجِنَايَتِهِ وَوَجَب عَلَيْهِ الْغرم للسَّيِّد إِن أَوجَبْنَا الْعشْر وَإِن لاحظنا الْغرَّة فَكيف نلزمه شَيْئا وَلَا نسلم لَهُ الْغرَّة قَالَ الْأَصْحَاب الْوَجْه أَن يُقَال قدر الْعشْر من الْغرَّة للسَّيِّد وَالْبَاقِي للْوَرَثَة فَإِن تفريمه من غير تَسْلِيم شيئ إِلَيْهِ على الْمَذْهَب الَّذِي يُلَاحظ الْغرَّة بعيد وَعِنْدِي أَن ذَلِك غير بعيد لِأَن مَا صرف عَن نَفسه بجانيته كَأَنَّهُ استوفاها وَهُوَ كَمَا لَو أَخذ الْغرَّة وأتلفها وَإِن كَانَ الْجَانِي عبد الْمَغْرُور تعلق حِصَّة بَقِيَّة الْوَرَثَة بِرَقَبَتِهِ وَأما حِصَّته فَلَا يُمكن أَن تتَعَلَّق بِرَقَبَة عَبده فَكَأَنَّهُ استوفاها وَلَا يَجْعَل ذَلِك كالساقط بحرمانه عَن الْمِيرَاث لِأَن حَقه كَالثَّابِتِ هَا هُنَا تَقْديرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 السَّبَب الثَّالِث للخيار الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى أَنَّهَا إِن عتقت تَحت حر فَلَا خِيَار لَهَا وَإِن عتقت تَحت عبد فلهَا الْخِيَار لما رُوِيَ أَن بَرِيرَة عتقت تَحت عبد فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا يثبت لَهَا الْخِيَار إِذا عتق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 جَمِيعهَا فَلَو عتق بَعْضهَا لم تتخير وَلَو عتقت بكمالها تَحت من نصفه حر وَنصفه رَقِيق تخيرت لحُصُول الضرار وَلَا خِيَار بِسَبَب طرآن الِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة قبل حُصُول الْعتْق الثَّانِيَة لَو عتقت ثمَّ عتق الزَّوْج قبل علمهَا فَفِي ثُبُوت الْخِيَار وَجْهَان كالوجهين فِيمَا إِذا علم بِالْعَيْبِ بعد زَوَاله الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا الزَّوْج قبل الْفَسْخ طَلَاقا رَجْعِيًا فلهَا الْفَسْخ فَإِن فسخت فَهَل تسْتَأْنف عدَّة أُخْرَى فِيهِ خلاف وَإِن أجازت لم تصح إجازتها لِأَنَّهَا لَا تفِيد حلا وَهِي صائرة إِلَى الْبَيْنُونَة وَلَا يخرج على وقف الْعُقُود بل هُوَ كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَصَارَ خلا وَفِيه وَجه بعيد أَنه يخرج على الْوَقْف وَإِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا فَلَا معنى لإجارتها وَلَا لفسخها وَنقل الْمُزنِيّ أَنه ينفذ فَسخهَا ونتبين بطلَان الطَّلَاق وَكَأن حَقّهَا كَانَ قَوِيا فِي الْفَسْخ فَلَيْسَ للزَّوْج إِبْطَاله بِالطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا عتق الزَّوْج وَتَحْته أمة فَلَا خِيَار لَهُ لِأَن الْخَبَر ورد فِيهَا وَلَيْسَت الْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يثبت الْخِيَار لَهُ قِيَاسا لأَنا ألحقنا رق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 الزَّوْج بالعيوب حَتَّى يثبت لَهَا الْخِيَار وَقد ثَبت اسْتِوَاء الزَّوْجَيْنِ فِي الْعُيُوب الْخَامِسَة أَن هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر أم لَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه على الْفَوْر كَخِيَار الْعَيْب فِي البيع وَالثَّانِي على التَّرَاخِي حَتَّى لَا يسْقط إِلَّا بِإِسْقَاط أَو تَمْكِين من الْوَطْء مَعَ جَرَيَان الْوَطْء لِأَن البيع لَا يقْصد مِنْهُ إِلَّا الْمَالِيَّة وَيدْرك على الْفَوْر فَوَاته بِالْعَيْبِ ومقاصد النِّكَاح كَثِيرَة تفْتَقر إِلَى التروي ثمَّ لَا يُمكن إدامته مَعَ جَرَيَان الْوَطْء وعَلى التَّأْبِيد فَيسْقط بالإسقاط أَو الْوَطْء وَالثَّالِث أَنه يتمادى ثَلَاثَة أَيَّام وَيَكْفِي ذَلِك مهلة للتروي وَالظَّاهِر أَن خِيَار الْعَيْب فِي النِّكَاح على الْفَوْر وَقد حكى وَجه فِي طرد الْأَقْوَال فِيهِ وَهُوَ غَرِيب ومنقاس إِذْ الْفرق عسير وغايته أَن الْأمة لم تطلع من حَال أَمر الزَّوْج على أَمر جَدِيد حَتَّى تدْرك على الْفَوْر مصْلحَته فيفتقر إِلَى التروي بِخِلَاف مَا إِذا اطلع على عيب لم يعرفهُ التَّفْرِيع لَو وَطئهَا العَبْد فادعت الْجَهْل نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فَمنهمْ من قَالَ يقبل وَمِنْهُم من قَالَ لَا يقبل فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ مَا إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار فَيقبل وَمِنْهُم من قَالَ إراد إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار شرعا لِأَنَّهَا لَا تعذر على قَول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 كَمَا لَو ادّعى المُشْتَرِي الْجَهْل بِخِيَار الْعَيْب وَتعذر على قَول لِأَن ذَلِك شَائِع وَهَذَا قد يخفى أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا فَيقبل لِأَنَّهُ لَا تَقْصِير مِنْهَا أصلا وَأما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِأَن الْخِيَار على الْفَوْر فَلَا تعذر وَلَو ادَّعَت الْجَهْل بِخِيَار البرص والعيوب فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الالتباس السَّادِسَة إِذا عتقت قبل الْمَسِيس وفسخت سقط كَمَال الْمهْر لِأَن الْفَسْخ حصل بِسَبَبِهَا وَلنْ يسْتَند إِلَى عيب فِي الزَّوْج وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس قطعُوا بِأَن المسمي لَا يسْقط وَلم يطردوا القَوْل الْمخْرج هَا هُنَا وَوَجهه أَن الْمهْر هَا هُنَا للسَّيِّد وَقد اسْتَقر بِالْوَطْءِ فَلَا يظْهر أثر فَسخهَا فِي اسْتِرْدَاد الْمهْر مِنْهُ وَقد أحسن إِلَيْهَا إِذْ أعْتقهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 السَّبَب الرَّابِع الْعنَّة وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول السَّبَب وَهُوَ امْتنَاع الوقاع وَحُصُول الْيَأْس مِنْهُ يجب أَو عنة وَمعنى الْعنَّة سُقُوط الْقُوَّة الناشرة للآلة وَلَو حصل ذَلِك بِمَرَض مزمن يَدُوم ثَبت الْخِيَار أَيْضا إِذْ الْعنَّة مرض فِي عُضْو مَخْصُوص وَهَذَا فِي جَمِيع الْبدن والخصي هَل يلْتَحق بالمجبوب فِيهِ قَولَانِ وَلَعَلَّ مأخذه أَنه يفوت بِهِ الْوَلَد دون الْمُبَاشرَة والعنة الطارئة بعد الْوَطْء لَا تُؤثر قولا وَاحِدًا وَلَو عَن عَن امْرَأَة دون أُخْرَى ثَبت الْخِيَار وَلَو عَن المأتى وَقدر على غير المأتى ثَبت الْخِيَار وَلَو امْتنع مَعَ الْقُدْرَة فَلَا يثبت الْخِيَار وَلَكِن هَل يثبت للْمَرْأَة الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لِأَن داعيته كَافِيَة فِي الاستحثاث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وَالثَّانِي تثبت الْمُطَالبَة لعلتين إِحْدَاهمَا حُصُول أصل التحصن وَالثَّانيَِة تَقْرِير الْمهْر وَإِنَّمَا لَا تثبت الْمُطَالبَة بِكُل حَال لِأَنَّهُ قد يفتر عَن الْوَفَاء بمطالبتها لَو سلطت عَلَيْهِ وَالْمَرْأَة لَا تعجز عَن التَّمْكِين فَإِن عللنا بتقرير الْمهْر لم تثبت الْمُطَالبَة بعد الْإِبْرَاء وَثَبت لسَيِّد الْأمة الْمُطَالبَة دون الْأمة لِأَن الْمهْر لَهُ وَمهما غيب مِقْدَار الْحَشَفَة سَقَطت الْمُطَالبَة فَإِنَّهُ وَطْء كَامِل فِي التَّحْلِيل والإحصان وَالْعدة وَالْغسْل وَالْحَد وَغَيرهَا النّظر الثَّانِي فِي الْمدَّة عنته إِمَّا بِإِقْرَارِهِ أَو يَمِينهَا بعد نُكُوله ضربت الْمدَّة سنة حَتَّى تَتَكَرَّر عَلَيْهِ الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَرُبمَا يتَغَيَّر الطَّبْع فَلَو قَالَ مارست نَفسِي وَأَنا عنين فَلَا تضربوا لي الْمدَّة فَلَا نبالي بقوله بل لَا بُد من الْمدَّة وَلَا يتَصَوَّر أَن تثبت الْعنَّة بِشَهَادَة لِأَنَّهُ لَا مطلع عَلَيْهَا نعم القَوْل قَوْله إِذا أنكر الْعنَّة فَإِن نكل حَلَفت لِأَنَّهَا بقرائن الْأَحْوَال بعد طول الممارسة تعلم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تحلف لِأَنَّهَا لَا تعلم كَمَا لَا يشْهد الشَّاهِد وَهُوَ بعيد بل إِذا تنَازعا فِي نِيَّة الطَّلَاق فنكل قضى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ برد الْيَمين عَلَيْهَا مَعَ أَن النِّيَّة غيب فَهَذَا أولى وَإِذا حلف الرجل على أَنه لَيْسَ بعنين تَرَكْنَاهُ وَلم نطالبه بِإِقَامَة الْبُرْهَان بالإقدام على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 الْوَطْء إِلَّا إِذا قُلْنَا لَهَا الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فَذَلِك يثبت أَيْضا فِي حق غير الْعنين والعنة بعد الْوَطْء لَا توجب الْخِيَار لِأَنَّهُ إِذا قدر مرّة فَرُبمَا تعود الْقُدْرَة ثمَّ إِذا أقرّ أَو حَلَفت لم تضرب الْمدَّة إِلَّا بالتماسها فَإِن سكتت لم تضرب وتستوي مُدَّة الْحر وَالْعَبْد لِأَن هَذَا أَمر يتَعَلَّق بالطبع فَإِن مَضَت الْمدَّة وَلم يجر وَطْء بالِاتِّفَاقِ رفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِن لَهُ نظرا فِي دَعْوَاهُ الْإِصَابَة فَإِذا قضى عَلَيْهِ بالعنة فسخت كَمَا فِي الْجب وَسَائِر الْعُيُوب وَفِيه وَجه أَن القَاضِي هُوَ الَّذِي يتعاطى الْفَسْخ لِأَن ظُهُور ذَلِك فِي مَحل الِاجْتِهَاد وَلَا خلاف فِي أَن القَاضِي لَا يُطلق عَلَيْهِ كَمَا يفعل فِي المؤلي على قَول لِأَن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعل مُوجبا للطَّلَاق وَأما هَذَا ففسخ كَخِيَار الْعُيُوب فرع إِنَّمَا تحسب الْمدَّة إِذا لم تَعْتَزِل عَنهُ فَإِن اعتزلت لم تحسب وَلَو انْعَزل الزَّوْج قصدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 حسب لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن المدافعة بذلك وَلَو سَافر فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه يحْسب النّظر الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الْخِيَار وَهَذَا الْفَسْخ فِي الْأَحْكَام كالفسخ بِالْعَيْبِ فِي أَنه على الْفَوْر وَأَنه إِن رضيت فَلَا اعْتِرَاض للْوَلِيّ وَلَو رضيت فَلَا عود إِلَى الطّلب بِخِلَاف رِضَاهَا بِالزَّوْجِ المؤلي فَإِن الْقُدْرَة حَاصِلَة والتوقع ثمَّ دَائِم وَأما هَا هُنَا فَحصل الْيَأْس وَإِن فسخت فِي أثْنَاء الْمدَّة لم ينفذ وَإِن رضيت فَهَل ينفذ حَتَّى يسْقط حَقّهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يثبت الْفَسْخ وَالرِّضَا فِي مُقَابلَته فَلَا يثبت قبله وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَدعِي الْمعرفَة بالعنة وَلَو رضيت بعد الْمدَّة فَطلقهَا زَوجهَا ثمَّ رَاجعهَا وَكَانَت الْعدة وَجَبت باستدخال مائَة لم يثبت لَهَا الْمُطَالبَة ثَانِيًا وَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يعود لِأَنَّهَا رضيت مرّة الثَّانِي نعم لِأَنَّهَا رُبمَا توقعت عود قوته وَلذَلِك لَو وَطئهَا فِي النِّكَاح الأول وَعَن عَنْهَا فِي النِّكَاح الثَّانِي ثَبت لَهَا الْمُطَالبَة وَلَو عَن عَنْهَا فِي ذَلِك النِّكَاح بعد الْوَطْء لم تطالب النّظر الرَّابِع فِي النزاع فِي الْإِصَابَة وَمهما تنَازعا فَالْقَوْل قَول من يُنكر الْإِصَابَة إِلَّا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 ثَلَاثَة مَوَاضِع أَحدهَا إِذا تنَازعا فِي مُدَّة الْعنَّة وَالْإِيلَاء فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ الأَصْل عدم الْإِصَابَة لِأَنَّهُ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَت البية على بَكَارَتهَا رَجعْنَا إِلَى تصديقها وحلفناها لاحْتِمَال رُجُوع الْبكارَة الثَّانِي إِذا قَالَت طلقتني بعد الْمَسِيس ولي كَمَال الْمهْر فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون الْعلُوق فِي النِّكَاح فَإنَّا نثبت النّسَب بِالِاحْتِمَالِ ونقوي بِهِ جَانب الْمَرْأَة فَنَجْعَل القَوْل قَوْلهَا فَإِن لَاعن عَن الْوَلَد اسْتَقر الظَّاهِر فِي جَانِبه فنرجع إِلَى الْقيَاس وتصديقه بِيَمِينِهِ الثَّالِث إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء مَعَ التوافق على جَرَيَان الْخلْوَة قَالَ بعض الْأَصْحَاب الْخلْوَة تصدق من يَدعِي الْوَطْء وَالأَصَح أَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي تَغْيِير قانون التَّصْدِيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 الْقسم الْخَامِس من الْكتاب فِي فُصُول مُتَفَرِّقَة شذت عَن هَذِه الضوابط وَهِي سِتَّة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يستباح من الِاسْتِمْتَاع بِالنِّكَاحِ فَنَقُول يحل للرجل جَمِيع فنون الِاسْتِمْتَاع وَلَا يسْتَثْنى عَنهُ إِلَّا كَرَاهَة فِي النّظر إِلَى الْفرج وَتَحْرِيم مُؤَكد فِي الْإِتْيَان فِي الدبر وَنهي عَن الْعَزْل على وَجه وَالصَّحِيح أَن الْعَزْل جَائِز مُطلقًا وَمِنْهُم من منع مُطلقًا وَقَالَ هُوَ الوأد الْأَصْغَر وَمِنْهُم من أَبَاحَ فِي الْمَنْكُوحَة الرقيقة دون الْحرَّة خوفًا من إرقاق الْوَلَد وَمِنْهُم من جوز برضى الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحذر من تضررها وكل ذَلِك ضَعِيف بل الْقيَاس أَن الإمتناع عَن إرْسَال المَاء فِي الرَّحِم كالإمتناع عَن أصل الْإِنْزَال وَتَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة ذَكرنَاهَا على الإستقصاء فِي كتاب النِّكَاح من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فِي ربع الْعَادَات فليطلب مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْعَزْل من السّريَّة والمملوكة حفظا للْملك وَاخْتلفُوا فِي أَن الْمُسْتَوْلدَة كالسرية أَو كالمنكوحة وَأما الْإِتْيَان فِي الدبر فمحرم فِي الْمَمْلُوك والمملوكة والمنكوحة وَمَا يحْكى عَن بعض الْأَئِمَّة من تجويزه فِي الْمَنْكُوحَة فَهُوَ اختراع بل النَّص عَن فِي النَّهْي عَن اتيان النِّسَاء فِي الْمَحِيض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 وتعليله بِأَنَّهُ أذا مُنَبّه على تَحْرِيمه بطرِيق الأولى فَإِن الْأَذَى فِي ذَلِك الْموضع دَائِم ثمَّ اتّفق الْأَصْحَاب على أَنه فِي معنى الْوَطْء فِي إِفْسَاد الْعِبَادَات وَوُجُوب الْغسْل من الْجَانِبَيْنِ وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد وبالشبهة وَوُجُوب الْعدة وَحُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ التَّحْلِيل والإحصان إحتياطا للتحليل ولسقوط الْحَد وترددوا فِي أَرْبَعَة أُمُور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 أَحدهَا النّسَب وَالظَّاهِر أَنه يثبت أَن المَاء قد يسْبق وَيتَّجه هَذَا عِنْد من يثبت النّسَب فِي السّريَّة بِمُجَرَّد الْوَطْء مَعَ الْعَزْل الثَّانِي تَقْرِير الْمُسَمّى فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِهِ وَإِنَّمَا ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ ترددا مَعَ قطعهم بِوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَالثَّالِث الرَّجْم وَالْجَلد ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا بِهِ الْحَد لم نوجبه فِي الْمَمْلُوكَة والمنكوحة بل ذَلِك كإتيانهما فِي الْحيض ونوجب فِي الْمَمْلُوك لِأَن الْملك هَاهُنَا لَا ينتهض شُبْهَة بِخِلَاف وَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة فَإِن الصَّحِيح ثمَّ سُقُوط الْحَد لقِيَام الْمُبِيح الرَّابِع فِي الاستنطاق فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تستنطق وَفِيه وَجه أَنَّهَا كالثيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 الْفَصْل الثَّانِي فِي وَطْء الْأَب جَارِيَة الابْن وَهُوَ حرَام وَلَكِن لَهُ فِي مَال ابْنه شُبْهَة الإعفاف وبمثل هَذِه الشُّبْهَة يسْقط عَنهُ حد السّرقَة فتؤثر هَذِه الشُّبْهَة أَيْضا فِي دَرْء الْحَد عَنهُ وَوُجُوب الْمهْر عَلَيْهِ وَفِي تَحْرِيم الْجَارِيَة على الابْن أبدا بِحكم الْمُصَاهَرَة وَفِي ثُبُوت النّسَب وانعقاد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَهل تصير مُسْتَوْلدَة لَهُ إِذا أحبلها فِيهِ قَولَانِ الْمَنْصُوص وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنَّهَا تصير مُسْتَوْلدَة إِذْ لَا وَجه للْحكم بحريّة الْوَلَد إِلَّا نقل الْملك إِلَيْهِ رِعَايَة لحُرْمَة الْأُبُوَّة وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ لَا سَبَب لنقل الْملك إِلَيْهِ وَلَيْسَ من ضَرُورَة حريَّة الْوَلَد نقل الْملك إِلَيْهِ فَإِن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب حريَّة الْوَلَد وَلَا يُوجب أُميَّة الْوَلَد وَكَذَلِكَ الْمَغْرُور بحريّة الْجَارِيَة يخلق الْوَلَد حرا وَلَا تحصل أُميَّة الْوَلَد لِلْجَارِيَةِ وَلَا ينْقل الْملك إِلَيْهِ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب قَول ثَالِث فِي الْفرق بَين الْمُعسر والموسر كَمَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 سرَايَة الْعتْق فَإِن قُلْنَا لَا تحصل فَلَا يجوز بيع الْجَارِيَة وَهِي حَامِل بِولد حر وَهل تجب قيمَة الْجَارِيَة على الْأَب لهَذِهِ الْحَيْلُولَة إِلَى وَقت الْولادَة فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِأَن يَده مستمرة وانتفاعه دَائِم وَإِنَّمَا هَذَا تَأْخِير بيع أما قيمَة الْوَلَد فَتجب على هَذَا القَوْل بِاعْتِبَار يَوْم والانفصال إِن انْفَصل حَيا وَإِن قُلْنَا يثبت الِاسْتِيلَاد فَفِي وجوب قيمَة الْوَلَد وَجْهَان ينبنيان على أَن الْملك يقدر انْتِقَاله بعد الْعلُوق أَو مَعَ الْعلُوق مِنْهُم من قَالَ بعد الْعلُوق فَتجب الْقيمَة لِأَن الْمَعْلُول يَتَرَتَّب على الْعلَّة وَالصَّحِيح ان لَا قيمَة وَالْملك ينْتَقل مَعَ الْعلُوق والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب فَهُوَ عَقْلِي لَا زماني وَإِذا قارنه فقد صَادف الْعلُوق ملك الْأَب فَلَا تجب الْقيمَة وَقد قيل يَقع قبل الْعلُوق وَهُوَ ضَعِيف يضاهي قَول أبي حنيفَة إِنَّه يَقع قبل الْوَطْء حَتَّى يسْقط الْمهْر أَيْضا وَتَقْدِيم الْمَعْلُول على الْعلَّة من غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 ضَرُورَة مُمْتَنع فِي الْأَحْكَام ومستحيل على الْإِطْلَاق فِي العقليات هَذَا كُله إِذا لم تكن الْجَارِيَة مَوْطُوءَة الابْن فَإِن كَانَت مَوْطُوءَة الابْن فقد حرمت على الْأَب على التَّأْبِيد وَإِن أثبتنا الِاسْتِيلَاد لم يبح للْأَب غشيانها لِأَن التَّحْرِيم المؤبد لَا يرْتَفع بالطورئ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 الْفَصْل الثَّالِث فِي إعفاف الْأَب وَفِي وُجُوبه قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور أَنه يجب لِأَن تعريضه للزِّنَا مَعَ الْقُدْرَة على تحصينه عَن الْحَد فِي الدِّينَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة لَا يَلِيق بِحرْمَة الْأُبُوَّة وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني وَهُوَ الْقيَاس أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب إعفاف الابْن وكما لَا يجب إعفاف المحتاجين من بَيت المَال فَإِن قُلْنَا يجب فَإِنَّمَا يجب إعفاف الْأَب الْمُحْتَاج إِلَى النِّكَاح الفاقد للمهر فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول الْأَب وَيدخل تَحْتَهُ الْجد وَإِن علا من جِهَة الْأَب وَمن جِهَة الْأُم وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة وَلَو اجْتمع اثْنَان مِنْهُم فِي دَرَجَة وَاقْتضى الْحَال توزيع النَّفَقَة إِذا لم يقدر الابْن إِلَّا على نَفَقَة أَحدهمَا كَمَا سَنذكرُهُ فِي كتاب النَّفَقَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى فهاهنا لَا يُمكن التَّوْزِيع فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 أَحدهمَا أَنه يقرع بَينهمَا وَالثَّانِي أَن القَاضِي يجْتَهد وَيقدم من يرى فِي مخايله أَنه أحْوج إِلَى النِّكَاح وَأما قَوْلنَا مُحْتَاج إِلَى النِّكَاح فأردنا بِهِ صدق الشَّهْوَة فَإِذا ادعِي الشَّهْوَة وَجب قبُوله من غير تَحْلِيف فَإِن ذَلِك لَا يَلِيق بالاحترام نعم هُوَ بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا يحل لَهُ اقتراح ذَلِك إِلَّا إِذا صدقت بشهوته بِحَيْثُ يعسر عَلَيْهِ مصابرتها وَيحْتَمل أَن يعْتَبر مَعَ ذَلِك خوف الْعَنَت كَمَا فِي نِكَاح الْأمة وَأما قَوْلنَا الفاقد للمهر فأردنا بِهِ أَنه لَو وجد مَالا هُوَ بلغَة نَفَقَته أَيَّامًا لكنه لَا يَفِي بِالْمهْرِ فَيجب إعفافه لِأَنَّهُ مستغن عَن النَّفَقَة دون الإعفاف وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق النَّفَقَة وَهُوَ ضَعِيف وَأما قَوْلنَا يجب الإعفاف فنعني بِهِ مَا تحصل بِهِ عفته عَن الزِّنَا وَيحصل ذَلِك بِأَن يُزَوّج مِنْهُ امْرَأَة مسلمة أَو كِتَابِيَّة أَو يملكهُ جَارِيَة أَو يسلم إِلَى صدَاق امْرَأَة أَو ثمن جَارِيَة ثمَّ يلْزم مُؤنَة الزَّوْجَة فِي دوَام النِّكَاح وَلَيْسَ للْأَب أَن يعين امْرَأَة رفيعة الْمهْر وَمهما تعين مِقْدَار الْمهْر فتعيين الزَّوْجَة إِلَى الْأَب لَا إِلَى الابْن وَلَا يَكْفِيهِ أَن يُزَوجهُ عجوزا شوهاء أَو مَعِيبَة بِبَعْض الْعُيُوب فَإِن ذَلِك لَا يعف وَيكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 ذَلِك كطعام فَاسد لَا ينساغ فَإِنَّهُ لَا يقبل فِي النَّفَقَة وَلَا يلْزمه تَسْلِيم الصَدَاق إِلَى الْأَب بل لَهُ أَن لَا يَسُوق الصَدَاق إِلَّا بعد العقد فرعان أَحدهمَا أَنه تكفيه زَوْجَة وَاحِدَة فَلَو مَاتَت لزمَه الْأُخْرَى وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يلْزمه لِأَن النِّكَاح وَظِيفَة الْعُمر فَيَكْفِي مرّة وَاحِدَة وَمهما فسخ نِكَاحهَا بِبَعْض الْعُيُوب أَو انْفَسَخ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَيجب التَّجْدِيد كَمَا فِي الْمَوْت أما إِذا طَلقهَا فَفِي التَّجْدِيد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب لِأَن تَكْلِيفه إمْسَاك زَوْجَة وَاحِدَة فِيهِ عسر وَالثَّانِي لَا يجب إِذْ هُوَ الَّذِي قطع النِّكَاح بِنَفسِهِ وَالثَّالِث أَنه إِن طلق بِعُذْر ظَاهر من رِيبَة أَو غَيرهَا كَانَ كالرد بِالْعَيْبِ فَيجب التَّجْدِيد وَإِلَّا فَلَا أما إِذا كَانَ مطلاقا بِحَيْثُ ينْسب فِي الْعرف إِلَيْهِ فَلَا يجب التَّجْدِيد الثَّانِي لَو ملك الابْن جَارِيَة فَإِذا أَرَادَ أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ فَهَذَا يبتنى على أصلين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 أَحدهمَا أَن الْأَب هَل يعد مُوسِرًا بِمَال وَلَده حَتَّى يمْتَنع عَلَيْهِ نِكَاح الْأمة وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يعد مُوسِرًا فيبتني على أَن وَطْء جَارِيَة الابْن هَل يُوجب الِاسْتِيلَاد فَإِن قُلْنَا يُوجب لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخ النِّكَاح بِحُصُول الْوَلَد الَّذِي هُوَ مَقْصُود العقد أما إِذا كَانَ الْأَب عبدا ونكح جَارِيَة ابْنه جَازَ لِأَن الِاسْتِيلَاد فِي حَقه غير مُمكن لَا يتَصَوَّر لَهُ الْملك فَكيف ينْتَقل الْملك إِلَيْهِ وَلَو نكح الْحر أمة أَجْنَبِي فملكها ابْنه لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن هَذِه الشُّرُوط والتوهمات إِنَّمَا تعْتَبر فِي ابْتِدَاء العقد لَا فِي دَوَامه نعم إِذا حصل ولد فِي ملك الابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 انْفَسَخ النِّكَاح إِذْ ذَلِك وانعقد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا ينْعَقد على الْحُرِّيَّة فَإِن وَطْء فِي ملك النِّكَاح لَا يَقْتَضِي حريَّة الْوَلَد فَلَا يحصل الِاسْتِيلَاد وَهُوَ بعيد وَلَو أمكن هَذَا لحكمنا بِصِحَّة النِّكَاح ابْتِدَاء كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة وَلَا خلاف بَين الْأَصْحَاب أَنه لَو نكح جَارِيَة مكَاتبه لم يَصح لتوقع الِاسْتِيلَاد وانقلاب الْملك إِلَيْهِ كَمَا فِي جَارِيَة الابْن لَكِن لَو طَرَأَ ملك الْمكَاتب على زَوْجَة سَيّده فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كطرآن ملك الابْن وَالثَّانِي يَنْفَسِخ لِأَن الْمكَاتب وَمَاله كالملك للسَّيِّد فَلَا يفرق فِي ذَلِك بَين الطَّارِئ والمقارن كَمَا فِي ملك الزَّوْج زَوجته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 الْفَصْل الرَّابِع فِي تَزْوِيج الْإِمَاء وَحكمه فِي الِاسْتِخْدَام وَالنَّفقَة وَالْمهْر أما الِاسْتِخْدَام فَلَا يبطل بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّمَا يحرم الِاسْتِمْتَاع لِأَن تَعْطِيل مَنْفَعَتهَا على السَّيِّد ينفره من الرَّغْبَة فِي التَّزْوِيج بِخِلَاف الْحرَّة فَإِنَّهُ صَاحِبَة الْحَظ فيرغب مَعَ تَعْطِيل الْمَنَافِع ثمَّ السَّيِّد يستخدمها نَهَارا ويسلمها إِلَى الزَّوْج لَيْلًا فَلَو عكس لم يجز لِأَن اللَّيْل هُوَ وَقت الِاسْتِمْتَاع وَلذَلِك يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْقسم نعم هَل للسَّيِّد أَن يَقُول أبوئها بَيْتا فِي دَاري ليلقاها زَوجهَا وَلَا أسلمها إِلَيْهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يُنَاقض تَمام التَّمْكِين وَالثَّانِي لَهُ ذَلِك لِأَن الْيَد حَقه وَلَا ضَرُورَة إِلَى إِبْطَاله كَيفَ وَلَا خلاف أَن لَهُ أَن يُسَافر بهَا وعَلى الزَّوْج إِن أَرَادَ صحبتهَا أَن يصحبها ولينفرد بهَا لَيْلًا فَإِذا جَازَ ذَلِك فَهَذَا أولى فَإِن قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَن يبوئها بَيْتا فَلَو كَانَت محترفة فَقَالَ سلموها نَهَارا إِلَيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 لتحترف فِي بَيْتِي وأستأنس بمشاهدتها قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجب إسعافه جمعا بَين الْجَانِبَيْنِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يجب تَسْلِيمهَا فِي مُدَّة الْعَمَل فَإِن ذَلِك نقص فِي حق السَّيِّد أما النَّفَقَة فَتجب على الزَّوْج بكمالها إِن تسلم إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِن لم تسلم إِلَيْهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن لَهَا النَّفَقَة على السَّيِّد لِأَن النَّفَقَة إِنَّمَا تجب بِكَمَال التَّمْكِين على الزَّوْج وَلم يجر وَالثَّانِي أَنه يجب كَمَال النَّفَقَة على الزَّوْج لِأَنَّهُ يسلم لَهُ كَمَال التَّمْكِين الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ وَالثَّالِث أَنه يتشطر لتشطر الزَّمَان أما إِذا نشزت الْحرَّة نَهَارا وسلمت لَيْلًا فعلى وَجه تسْقط جَمِيع النَّفَقَة وعَلى وَجه يسْقط الشّطْر لِأَنَّهُ لم تسلم كَمَال الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ وَلَا خلاف فِي أَنه لَو سَافر السَّيِّد بهَا سَقَطت النَّفَقَة وَلم يلْزم الزَّوْج مصاحبتها والإنفاق عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 وَأما الْمهْر فَإِنَّمَا يجب للسَّيِّد وَلَا يسْقط بإسقاطها وَالنَّظَر فِي السُّقُوط بِالْقَتْلِ وَالْبيع أما الْقَتْل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن السَّيِّد لَو قَتلهَا قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لَهُ مَعَ أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحرَّة لَو مَاتَت أَو قَتلهَا أَجْنَبِي قبل الْمَسِيس اسْتَقر الْمهْر لِأَن ذَلِك نِهَايَة النِّكَاح وَلذَلِك يتَعَلَّق بِهِ الْإِرْث فَمنهمْ من خرج قولا فِي الْأمة من الْحرَّة وَمِنْهُم من قرر النَّص وَعلل بعلتين إِحْدَاهمَا أَن السَّيِّد زوج بِحكم ملك الْيَمين فَيسْقط حَقه بإتلافه قبل الْقَبْض كَمَا فِي البيع وَالثَّانيَِة أَن الْعَاقِد هُوَ الَّذِي فَوت الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَيمْتَنع مِنْهُ الْمُطَالبَة وَيَنْبَنِي على العلتين قتل الْحرَّة نَفسهَا لِأَنَّهَا عاقدة وَلَيْسَت مَمْلُوكَة وَفِيه وَجْهَان وَكَذَلِكَ قتل الْأَجْنَبِيّ الْأمة يخرج على العلتين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 فَأَما موت الْأمة فَلَا يخرج على العلتين وَلَا خلاف أَنه يُقرر المَاء أما إِذا بَاعَ الْأمة لم يَنْفَسِخ النِّكَاح خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَيسلم الْمهْر للْبَائِع لِأَنَّهُ وَجب بِالْعقدِ إِلَّا فِي صُورَة التَّفْوِيض على قَوْلنَا يجب الْمهْر بالمسيس غير مُسْتَند إِلَى العقد فَعِنْدَ ذَلِك إِذا جرى الْمَسِيس فِي ملك المُشْتَرِي كَانَ لَهُ الْمهْر نعم لَو بَاعَ قبل تَسْلِيم الْمُسَمّى لم يكن لَهُ منع الْأمة وحبسها لسوق الصَدَاق إِلَيْهِ إِذْ لم يبْق لَهُ تصرف فِي الْأمة وَلم يكن أَيْضا للْمُشْتَرِي الْحَبْس لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْمهْر فيستفيد الزَّوْج بِالْبيعِ سُقُوط حق الْمَنْع وَمهما أعتق الْجَارِيَة كَانَ حكم الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ لَكِن الْمُعتقَة تقوم مقَام المُشْتَرِي فرعان أَحدهمَا لَو زوج أمته من عَبده فَلَا يسْتَحق السَّيِّد الْمهْر إِذْ لَا يسْتَحق السَّيِّد على عَبده دينا وَالرّق الْمُقَارن للْعقد دفع الْمهْر بعد جَرَيَان مُوجبه وَلَو يكن هَذَا تعرية للْعقد عَن الْمهْر بل جرى الْمُوجب واقترن بِهِ الدَّافِع فَانْدفع والاندفاع فِي معنى الِانْقِطَاع لَا فِي معنى الِامْتِنَاع الثَّانِي إِذا قَالَ لأمته أَعتَقتك على أَن تنكحيني فَلَا ينفذ الْعتْق إِلَّا بقبولها لِأَنَّهُ علق بعوض مَقْصُود ثمَّ إِذا قبلت عتقت وَفَسَد الْعِوَض وَلَو يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ وَالرُّجُوع عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا للسَّيِّد كَمَا لَو أعْتقهَا على خمر ثمَّ لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك بِالْقيمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَهِي مَجْهُولَة فَفِي صِحَة الصَدَاق وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يَصح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 وَالثَّانِي أَنه يَصح إِذْ الِاسْتِيفَاء غير مَقْصُود بِخِلَاف مَا لَو أتلفت الْحرَّة على إِنْسَان شَيْئا ولزمتها قيمَة مَجْهُولَة فنكحها بِتِلْكَ الْقيمَة فَالصَّحِيح فَسَاد الصَدَاق هَاهُنَا وَيتَّجه طرد الْقَوْلَيْنِ لعسر الْفرق وَلَو قَالَت السيدة لِعَبْدِهَا أَعتَقتك على أَن تنكحني فَالصَّحِيح أَنه ينفذ من غير قبُول وَكَأَنَّهَا قَالَت أَعتَقتك على أَن أُعْطِيك بعده شَيْئا وَمِنْهُم من قَالَ يفْتَقر إِلَى الْقبُول لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي الْعَادة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا خلاف أَنه لَو قَالَ طَلقتك على أَن لَا تَحْتَجِبِي مني وَقع الطَّلَاق من غير قبُول ثمَّ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب من أعتق أمة لينكحها وَلم يَأْمَن مخالفتها فسبيله أَن يَقُول إِن يسر الله بَيْننَا نِكَاحا صَحِيحا فَأَنت حرَّة قبله ثمَّ ينْكِحهَا فيبين وُقُوع الْعتْق قبله وَيصِح النِّكَاح وَمِنْهُم من خَالف فِي هَذَا وَبنى على مَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَهَذَا الْبناء ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَن موت الْأَب مَعَ تَقْرِير العقد وَهَاهُنَا نتيقن مصادفة صِحَة النِّكَاح لِلْعِتْقِ وَيُمكن أَن يُقَال جعل الْعتْق مَعْلُول الصِّحَّة إِذْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 علق بهَا وَالصِّحَّة مَعْلُول الْعتْق فَتكون الصِّحَّة عِلّة نَفسهَا بِوَاسِطَة الْعتْق فَإِنَّهَا عِلّة الْعتْق الَّذِي هُوَ علتها وَلَا يكون الشيئ عِلّة نَفسه وَلَا مَعْلُول معلوله وَلَيْسَ هَذَا كدور الطَّلَاق فَإِن الْمُعَلق يكون مَعْلُول الْمُنجز والمنجز ر يكون مَعْلُول الْمُعَلق أصلا لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 الْمُنجز لَا يَسْتَدْعِي وُقُوع طَلَاق قبله وَصِحَّة النِّكَاح تستدعي وُقُوع عتق قبله وَفِي الْمَسْأَلَة زِيَادَة غور لَا يحْتَمل هَذَا الْموضع كشفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 الْفَصْل الْخَامِس فِي تَزْوِيج العبيد وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمهْر وَالنَّفقَة وهما لازمان متعلقان بأكساب العَبْد مهما نكح بِالْإِذْنِ وَإِن كَانَ فِي يَده مَال التِّجَارَة تعلق بالأرباح وَهل يتَعَلَّق بِرَأْس المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَسبه فَصَارَ كرقبته وَسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَالثَّانِي أَنه يتَعَلَّق لِأَن الأطماع تمتد إِلَى مَا فِي يَده وَالْقَوْل الْجَدِيد أَن السَّيِّد لَا يصير ضَامِنا للمهر بِمُجَرَّد الْإِذْن فِي العقد إِذْ الْإِذْن لَا يَقْتَضِي إِلَّا تَمْكِينه من أَدَاء لَوَازِم النِّكَاح فَيجب عَلَيْهِ ترك الِاسْتِخْدَام وَتمكن العَبْد حَتَّى يكْسب مِقْدَار الْمهْر أَولا ثمَّ يكْسب للنَّفَقَة وَالْقَوْل الْقَدِيم فِي العَبْد الَّذِي لَيْسَ بكسوب أوجه وَهُوَ مستمد من قَوْلنَا إِن عُهْدَة عُقُود الْمَأْذُون ترجع إِلَى السَّيِّد وَإِن لم يُصَرح بِالضَّمَانِ نعم اخْتلفُوا على الْجَدِيد فِي أَنه هَل يمْتَنع على السَّيِّد المسافرة بِهِ واستخدامه فَقَالَ المراوزة لَهُ ذَلِك ثمَّ عَلَيْهِ لَوَازِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 النِّكَاح وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بل تعلّقت اللوازم بِكَسْبِهِ فَلَيْسَ لَهُ استيفاءه ثمَّ مهما استخدم يَوْمًا وَاحِدًا مثلا محقا أَو مُبْطلًا فَفِيمَا يلْزمه قلولان أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من أُجْرَة الْمثل أَو لَوَازِم النِّكَاح وَالثَّانِي أَنه يلْزمه جَمِيع لَوَازِم النِّكَاح لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ يكْتَسب بالِاتِّفَاقِ فِي هَذَا الْيَوْم مَا يَفِي بِالْجَمِيعِ ثمَّ على هَذَا القَوْل ترددوا فِي أَنه هَل يجب كَمَال النَّفَقَة إِلَى آخر الْعُمر أم يقْتَصر على الْمهْر وَنَفَقَة مُدَّة الِاسْتِخْدَام لِأَن الْعُمر مَجْهُول الآخر وَلَا خلاف فِي أَنه لَو استخدمه أَجْنَبِي لم يلْزمه إِلَّا أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ لَيْسَ عاقدا حَتَّى يُخَاطب بلوازم العقد وَالسَّيِّد كالعاقد فرع إِذا نكح العَبْد حرَّة فاشترته انْفَسَخ النِّكَاح وَكَذَلِكَ إِذا اتهبت وَلَكِن يُضَاف الْفَسْخ إِلَى قبُولهَا أَو إِلَى ايجاب السَّيِّد حَتَّى يظْهر أَثَره فِي التشطير قبل الْمَسِيس إِن أضيف إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 السَّيِّد وَإِسْقَاط الْجَمِيع إِن أضيف إِلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ مأخذهما طلب التَّرْجِيح بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي السَّبَبِيَّة مَعَ أَن السَّبَب وَاحِد وَهُوَ مركب فيهمَا جَمِيعًا وَيُمكن أَن يُقَال أصل الْفَسْخ إِسْقَاط جَمِيع الْمهْر إِلَّا إِذا كَانَ السَّبَب من جَانب من يسْتَحق عَلَيْهِ الْمهْر خَاصَّة وَهَذَا لَيْسَ من جَانِبه خَاصَّة فَسقط الْجَمِيع وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه فعلى هَذَا لَو اشترته بِالصَّدَاقِ الَّذِي ملكته عَن السَّيِّد بِصَرِيح ضَمَانه فَإِن كَانَ قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح الشِّرَاء إِذْ لَو صَحَّ لسقط الْمهْر ولعري الشِّرَاء عَن الْعِوَض فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه فَيبْطل من أَصله إِذْ يعود الْمهْر إِلَى السَّيِّد بِحكم الْفَسْخ لَا بِحكم البيع وَهَذَا من قبيل الدّور الْحكمِي وَإِن فرعنا على قَول التشطير بَطل الدّور فِي النّصْف وَيخرج فِي الْبَاقِي على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن رَأينَا تَفْرِيق الصَّفْقَة أَو اشترته بعد الْمَسِيس حَيْثُ يَتَقَرَّر الْمُسَمّى كُله فيبتنى على أَن من اسْتحق دينا على عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ هَل يسْقط دينه بِالْملكِ الطَّارِئ كَمَا يسْقط بالمقارن وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا إِنَّه يسْقط فَيُؤَدِّي بَرَاءَته إِلَى بَرَاءَة الْكَفِيل وَهُوَ السَّيِّد فَيُؤَدِّي إِلَى خلو الشِّرَاء عَن الْعِوَض وَيعود إِلَى الدّور الْحكمِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 وَإِن قُلْنَا لَا يسْقط بَقِي السَّيِّد ضَامِنا فَيصح الشِّرَاء وينفسخ النِّكَاح ولنذكر هَا هُنَا مسَائِل خمْسا فِي الدّور الْحكمِي إِحْدَاهَا أَنه لَو أعتق أمته فِي مَرضه وَتَزَوجهَا وَكَانَت ثلث مَاله وَمَات وَلَو يزدْ مَاله لم يكن لَهَا طلب الْمهْر لِأَن ذَلِك يلْحق دينا بِالتَّرِكَةِ وَيُوجب در الْعتْق وَالنِّكَاح وَالْمهْر من أَصله فَطلب الْمهْر يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال أصل الْمهْر الثَّانِيَة الْمَرِيض إِذا زوج أمته عبدا ثمَّ قبض صَدَاقهَا وأتلفه ثمَّ أعْتقهَا فَلَا خِيَار لَهَا إِذْ لَو فسخت لارتد الْمهْر وَلما خرجت من الثُّلُث فَيبْطل الْعتْق وَيبْطل الْخِيَار الثَّالِثَة لَو مَاتَ وَخلف أَخا وعبدين فأعتقهما الْأَخ ثمَّ شَهدا على أَن للْمَيت ابْنا من زَوجته فُلَانَة ثبتَتْ الزَّوْجِيَّة وَالنّسب وَلَا يثبت الْمِيرَاث للْوَلَد بقولهمَا إِذْ لَو ثَبت لحجب الْأَخ وَبَطل إِعْتَاقه وشهادتهما وَإِن شَهدا بِأَن لَهُ بِنْتا لم يثبت الْإِرْث لَهَا لِأَن فِي توريثها رد عتق الْأَخ فِي الْبَعْض وإرقاق بعض الْعَبْدَيْنِ وَذَلِكَ يبطل الشَّهَادَة هَذَا إِذا كَانَ مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا يثبت الْإِرْث إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة الْإِرْث إرقاق العَبْد بل ينفذ فِي نصيب الْأَخ ويسري إِلَى الْبَاقِي الرَّابِعَة لَو أوصى لَهُ بِابْنِهِ فَمَاتَ وَخلف أَخا فَلهُ الْقبُول فَإِذا قبل عتق الابْن وَلم يَرث لِأَنَّهُ ورث لحجب الْأَخ وأبطل قبُوله فَإِنَّهُ قبل لكَونه وَارِثا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 الْخَامِسَة لَو اشْترى الْمَرِيض ابْنه أَو أَبَاهُ عتق من ثلثه ثمَّ لَا يَرث أَنه لَو ورث لصار التَّسَبُّب إِلَى عتقه بِالشِّرَاءِ وَصِيَّة لَهُ فَيبْطل الْعتْق وَلَا يَرث وَهَا هُنَا دقيقة فِي طَرِيق قطع الدّور فَإِنَّهُ تَارَة يقطع من أَوله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي إبِْطَال شِرَاء الزَّوْجَة زَوجهَا وَتارَة من وَسطه كَمَا ذكرنَا فِي إِثْبَات النّسَب وَنفي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا ذكرنَا ذَلِك لأجل تَأَكد بعض الْأَسْبَاب وَبعدهَا عَن قبُول الدّفع كالنسب وَضعف بَعْضهَا وقبولها للدَّفْع كَالْبيع وسر ذَلِك قد حققناه فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 الْفَصْل السَّادِس فِي التَّنَازُع فِي النِّكَاح وَالدَّعْوَى إِمَّا أَن تكون مِنْهُ أَو مِنْهَا فَأَما دَعْوَاهُ فصحيحه لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْحق وَعَلَيْهَا تتَوَجَّه الدَّعْوَى بِنَاء على الصَّحِيح فِي قبُول إِقْرَارهَا أما الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت فَإِن ادَّعَت الْمهْر صحت الدَّعْوَى وَإِن ادَّعَت الزَّوْجِيَّة وَلم تتعرض للوازم الدَّعْوَى فَالظَّاهِر قبُول دَعْوَاهَا فَإِن الزَّوْجِيَّة وَإِن كَانَ حَقًا عَلَيْهَا وَلكنهَا منَاط حُقُوق لَهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لفساد صِيغَة الدَّعْوَى إِذْ تَدعِي أَنَّهَا رقيقَة لغَيْرهَا وَهُوَ ضَعِيف بِدَلِيل أَنه تفِيد دَعْوَاهَا إِذا سكت الزَّوْج إِذْ لَو أقرّ بعد ذَلِك أَو ادّعى الزَّوْجِيَّة قبل لِأَنَّهُ مَا ثَبت التَّحْرِيم فَلَو أنكر وَجَعَلنَا إِنْكَاره طَلَاقا على أحد المذهبين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 سقط دَعْوَاهَا وَإِن لم نجعله طَلَاقا كَانَ إِنْكَاره كسكوته فروع خَمْسَة الأول إِذا ادّعى زيد زوجية امْرَأَة وَادعت الْمَرْأَة أَنَّهَا زَوْجَة عَمْرو وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ ابْن الْحداد بَيِّنَة زيد أولى لِأَنَّهَا استندت إِلَى صِيغَة صَحِيحَة فِي الدَّعْوَى بِخِلَاف دَعْوَى الْمَرْأَة فَاسْتحْسن مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب وَخَالفهُ بَعضهم وَقَالَ كَيفَ تسلم لزيد وَقد كَذبته الْبَيِّنَة الْأُخْرَى الْمُقَابلَة لَهَا وَالْمَسْأَلَة الْمَفْرُوضَة فِيمَا إِذا كَانَ عَمْرو ساكتا فَإِنَّهُ لَو أنكر رُبمَا جعل إِنْكَاره طَلَاقا الثَّانِي إِذا زوج إِحْدَى ابْنَتَيْهِ وَمَات وَوَقع النزاع فِي عين الزَّوْجَة فللمسألة حالتان إِحْدَاهمَا أَن يعين الزَّوْج إِحْدَاهمَا وكل وَاحِدَة تَدعِي أَن الْمُزَوجَة صاحبتها فالتي عينهَا الزَّوْج توجه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فتجري على منهاج الْخُصُومَات وَالثَّانيَِة لَا خُصُومَة مَعهَا الثَّانِيَة أَن تزْعم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَنَّهَا الْمُزَوجَة فالتي عينهَا الزَّوْج مَنْكُوحَة بِاتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ وَبقيت الْأُخْرَى تَدعِي الزَّوْجِيَّة وَقد سبق حكم دَعْوَاهَا وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَيْسَ من شَرط الْمَسْأَلَة تَقْدِير موت الْأَب كَمَا فَرْضه ابْن الْحداد فَإِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 الْأَب وَإِن كَانَ حَيا فإقرار الْمَرْأَة يقبل على الصَّحِيح وَهَذَا مُتَّجه إِذا كَانَتَا ثيبين إِذْ لَا يقبل إِقْرَار الْأَب فَهُوَ كالميت وَأما إِذا كَانَتَا بكرين فإقرار الْأَب مَقْبُول عَلَيْهَا ويجر قبُول إِقْرَارهَا مَعَ قبُول إِقْرَاره عسرا لِأَنَّهُ رُبمَا يخْتَلف فَكيف يحكم بهَا فَيمكن أَن يُقَال يرْعَى السَّابِق من الإقرارين أَو يسْقط إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا يكذبها الْوَلِيّ وَهُوَ الْأَوْجه الثَّالِث إِذا ادَّعَت زوجية ومهرا وَشهد الشُّهُود وَقضى بِالْمهْرِ فَرجع الشُّهُود فَفِي تغريمهم قَولَانِ مبنيان على شُهُود المَال إِذا رجعُوا أَنهم هَل يغرمون بالحيلولة وَهَا هُنَا أولى بِأَن لَا يغرم لِأَن الشُّهُود أثبتوا الْبضْع لَهُ فِي مُقَابلَة الْمهْر وَهُوَ الَّذِي فَوت بإنكاره التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر فِي مُقَابلَته حَقًا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون مَا هُوَ قدر مهر الْمثل فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر الْمثل غرموا الزَّائِد لأَنهم لم يثبتوا فِي مُقَابلَته حَقًا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَلَو شهد الشُّهُود على النِّكَاح وَآخَرُونَ على الْإِصَابَة وَآخَرُونَ على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 الطَّلَاق قَالَ ابْن الْحداد الْغرم على شُهُود الطَّلَاق لأَنهم المفوتون وَأما شُهُود النِّكَاح فَإِنَّهُم أثبتوا حَقًا وَالْآخرُونَ أثبتوا استمتاعا وَاتفقَ الْأَصْحَاب على تغليطه لِأَن شُهُود الطَّلَاق وافقوه إِذْ نفوا زوجية هُوَ مُنكر لَهَا بل الْغرم موزع على شُهُود النِّكَاح وشهود الْإِصَابَة إِن شهد شُهُود الْإِصَابَة على الْإِصَابَة فِي نِكَاح وَإِن شهدُوا على أصابة مُطلقَة فَذَلِك لَا يُؤثر لِأَنَّهُ يظْهر كَونه فِي نِكَاح حَتَّى يتَعَلَّق بهَا الحكم الرَّابِع إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة محرمية أَو رضَاعًا بعد العقد وَكَانَت مجبرة تسمع دَعْوَاهَا وَقَالَ ابْن الْحداد القَوْل قَوْلهَا لِأَن هَذَا من الْأُمُور الْخفية فَرُبمَا انْفَرَدت بِهِ وَقَالَ ابْن سُرَيج القَوْل قَوْله وَهُوَ الْأَصَح لِأَن النِّكَاح مَعْلُوم وَالْأَصْل عدم الْمَحْرَمِيَّة وَفتح هَذَا الْبَاب للنِّسَاء طَرِيق عَظِيم فِي الْخَلَاص للفاسقات من ربقة النِّكَاح أما إِذا كَانَت تزوجت بِرِضَاهَا فَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يقبل دَعْوَاهَا لِأَنَّهُ يُنَاقض رِضَاهَا إِلَّا إِذا أظهرت عذرا من نِسْيَان أَو غلط فَيحْتَمل أَن يقبل دَعْوَاهَا وَيحلف الزَّوْج كَمَا إِذا ادّعى الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَزعم أَنه اعْتمد على كتاب وَكيله أَنه لم يَبِيع ثمَّ بَان أَنه مزور فَإِنَّهُ تقبل دَعْوَاهُ فِي وَجه الْخَامِس إِذا زوج أمته ثمَّ قَالَ زوجتها وَكنت مَجْنُونا أَو مَحْجُورا عَليّ وَأنكر الزَّوْج فَإِن لم يعْهَد لَهُ جُنُون بِيَقِين فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَإِن ادّعى الصبى أَو أمرا معهودا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل بَقَاء تِلْكَ الْحَالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الزَّوْج فَإِنَّهُ اعْترف بِالْعقدِ فَيحمل على الصِّحَّة فَعَلَيهِ بَيِّنَة الْإِبْطَال وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أحرم الْوَلِيّ بعد التَّوْكِيل بِالنِّكَاحِ ثمَّ ادّعى أَن الْوَكِيل زوج بعد الانعزال بِالْإِحْرَامِ أَن القَوْل قَول الزَّوْج لِأَن العقد معترف بِهِ فَيحمل على الصِّحَّة وَلَكِن هَذَا يُفَارق مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ أقرّ بسبق التَّوْكِيل على الْإِحْرَام وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 = كتاب الصَدَاق = وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حكم الصَدَاق الصَّحِيح فِي الضَّمَان وَالتَّسْلِيم والتقرير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول فِي الضَّمَان فَنَقُول كل عين مَمْلُوكَة يَصح بيعهَا أَو مَنْفَعَة مُتَقَومَة تصح الْإِجَارَة عَلَيْهَا فَيصح تَسْمِيَتهَا فِي الصَدَاق حَتَّى تَعْلِيم الْقُرْآن فَلَا يتَعَيَّن للصداق مِقْدَار وَلَا جنس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أقل الصَدَاق نِصَاب السّرقَة وَقَالَ لَا يصدقها مَنْفَعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 حر لَكِن يصدقها مَنْفَعَة العَبْد وَيسْتَحب ترك المغالاة فِي الصَدَاق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير النِّسَاء أرخصهن مهورا وأحسنهن وُجُوهًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 ثمَّ مهما صَحَّ الإصداق فالصداق فِي يَد الزَّوْج مَضْمُون ضَمَان العقد أَو ضَمَان الْيَد فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 أَحدهمَا أَنه مَضْمُون ضَمَان العقد لِأَنَّهُ عوض فِي مُعَاوضَة كاليبع فعلى هَذَا لَو تلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ الصَدَاق وقدرنا انْتِقَال الْملك إِلَى الزَّوْج قبل التّلف حَتَّى لَو كَانَ الصَدَاق عبدا وَمَات كَانَ مئونة التَّجْهِيز على الزَّوْج وَترجع الْمَرْأَة إِلَى مهر الْمثل وَهُوَ عوض الْبضْع إِذْ كَانَ قِيَاس الْفَسْخ رُجُوع الْبضْع إِلَيْهَا لَكِن الصَدَاق لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح فَتعذر رد الْبضْع وَفسخ النِّكَاح بِهِ يضاهي مَا لَو تلف الْعِوَض فِي البيع والمعوض جَارِيَة تعذر ردهَا باستيلاد متملكها فَإِنَّهُ يرجع إِلَى قيمَة الْجَارِيَة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه مَضْمُون ضَمَان الْيَد كَمَا فِي المستام والمستعار حَتَّى يخرج على وَجْهَيْن فِي أَنه يضمن بأقصى الْقيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى التّلف أَو يضمن بِقِيمَة يَوْم الإصداق ومنشأ الْقَوْلَيْنِ التَّرَدُّد فِي أَن الْغَالِب على الصَدَاق مشابه الْعِوَض أَو مشابه النحلة وَيدل على كَونه نحلة قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} وَأَنه لَا يفْسد النِّكَاح بفساده وَلَا يَنْفَسِخ برده اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ تحفة عجلت إِلَيْهَا لتهيئ بهَا أَسبَابهَا وَيدل على كَونه عوضا أَنه تقَابل بِهِ الْمَرْأَة فِي العقد كَمَا فِي البيع وَأَنه يَتَقَرَّر بِتَسْلِيم المعوض وَيرجع عِنْد فَسَاده إِلَى بدله وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَكَأَنَّهُ عوض إِذا ثَبت وَلَكِن إثْبَاته ودوامه لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ النّظر فِي التَّصَرُّف فِي الصَدَاق قبل الْقَبْض وَحكم الزَّوَائِد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَحكم التعييب والتلف وَبَيَانه بِخمْس مسَائِل الأولى بيع الصَدَاق قبل الْقَبْض مُمْتَنع عَن قَول ضَمَان العقد جَائِز على ضَمَان الْيَد وَكَذَلِكَ الإستبدال عَنهُ إِذا كَانَ دينا يجْرِي مجْرى الإستبدال عَن الثّمن على قَول ضَمَان العقد لَا مجْرى الْمُسلم فِيهِ الثَّانِيَة مَنَافِع الصَدَاق إِذا فَاتَ لم يضمنهُ الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه مَضْمُون ضَمَان الْمَغْصُوب نعم لَو استخدم الزَّوْج فاستوفى الْمَنْفَعَة ضمن على قَول ضَمَان الْيَد وعَلى قَول ضَمَان العقد ينزل منزلَة البَائِع إِذا انْتفع وَفِي ضَمَانه وَجْهَان ينبنيان على أَن جِنَايَة البَائِع كجناية الْأَجْنَبِيّ أَو كآفة سَمَاوِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 وَأما الزَّوَائِد كَالْوَلَدِ وَالثِّمَار لَا تدخل فِي ضَمَان الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا الحقناه بِضَمَان الْمَغْصُوب الثَّالِثَة إِذا تعيب الصَدَاق قبل الْقَبْض فلهَا خِيَار فسخ الصَدَاق على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا على وَجه حُكيَ عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل أَنه لَا خِيَار لَهَا على ضَمَان قَول الْغَصْب واتفاق الْجُمْهُور على إِثْبَات الْفَسْخ يُؤَيّد قَول ضَمَان العقد لَكِن الْقَائِل الآخر يَقُول هُوَ وَإِن كَانَ مَضْمُونا ضَمَان الْيَد فقد الْتزم تَسْلِيمه فِي عقد ثمَّ إِن فسخت فعلى ضَمَان قَول العقد رجعت إِلَى مهر الْمثل وَإِن أجازت لم تطالب بِالْأَرْشِ وعَلى الثَّانِي ترجع إِلَى قيمَة الصَدَاق وَإِن أجازت طالبت بِالْأَرْشِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 أما إِذا اطعلت على عيب قديم فلهَا الْخِيَار وَلَكِن على قَول ضَمَان الْيَد هَل تطالب بِالْأَرْشِ إِن أجازت فِيهِ تردد الْأَصْحَاب وتبعد الْمُطَالبَة بِأَرْش مَا لم يدْخل تَحت يَده بِحكم ضَمَان الْيَد وَلَكِن لَهُ وَجه من حَيْثُ إِن الْأَصْحَاب اتَّفقُوا على طرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا أصدقهَا عبدا فَخرج مَغْصُوبًا أَو حرا وَقَالُوا على قَول ضَمَان الْيَد ترجع إِلَى قيمَة العَبْد وتقدر قيمَة الْحر وَزَادُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَو أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا قَدرنَا الْخمر عصيرا وَالْخِنْزِير شَاة ورجعنا إِلَى قيمتهمَا على هَذَا القَوْل ثمَّ قَالَ الصيدلاني هَذَا إِذا قَالَ أصدقتك هَذَا العَبْد فَإِذا هُوَ حر أَو هَذَا الْعصير فَإِذا هُوَ خمر أَو قَالَ أصدقتك هَذَا وَلم يسم فَإِن قَالَ أصدقتك هَذَا الْحر أَو هَذَا الْخمر وَالْخِنْزِير فَسدتْ التَّسْمِيَة قطعا وَكَانَ الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا وَهَذَا يُنَبه على مَأْخَذ آخر سوى ضَمَان الْيَد وَهُوَ أَن تعْيين الصَدَاق لَهُ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا التَّعْيِين وَالْأُخْرَى التَّقْدِير بِقدر مَالِيَّته وَكَأن التَّسْمِيَة إِن فَسدتْ فِي حق التَّعْيِين فَلَا تفْسد فِي حق تَقْدِير تعْيين الْمَالِيَّة فكأنهما رَضِيا بِهَذِهِ الْعين وَبِهَذَا الْقدر وَالشَّرْع قد منع من عين الْحر وَالْغَصْب وَالْخمر فَبَقيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 الْمعِين معيارا للقدر فترجع إِلَيْهِ فَكَذَلِك فِي الْعَيْب الْقَدِيم يُمكن أَن يُقَال معيار الْمِقْدَار مظن حَالَة العقد وَهُوَ سليم فَيجب إكماله الرَّابِعَة إِذا تعيب الصَدَاق بجنايتها فَذَلِك كقبضها وَإِن تعيب بِجِنَايَة أَجْنَبِي فلهَا الْخِيَار وَلكنهَا على قَول ضَمَان العقد إِن فسخت طالبة الزَّوْج بِمهْر الْمثل وَلم تطالب الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ وَإِن أجازت طالبت الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ إِذْ جنى على ملكهَا وعَلى قَول ضَمَان الْيَد إِن فسخت طالبت الزَّوْج بِقِيمَة الصَدَاق سالما وَإِن أجازت تخيرت بَين مُطَالبَة الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ والقرار على الْأَجْنَبِيّ الْخَامِسَة إِذا تلف بعض الصَدَاق ارْتبط النّظر على قَول ضَمَان العقد بتفريق الصَّفْقَة وَإِن تلف كُله لم يخف تَفْرِيع ضَمَان العقد لَكِن على قَول ضَمَان الْيَد لَا فسخ لَهَا بِخِلَاف مَا إِذا تعين فَإِنَّهَا تستفيد بِالْفَسْخِ الْخَلَاص بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوع بِالْقيمَةِ وَأما هَا هُنَا إِن أجازت أَو فسخت فرجوعها إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فَأَي معنى لفسخ لَا فَائِدَة لَهُ وَقد تضرر بِهِ إِذْ تسْقط مُطَالبَته عَن الْأَجْنَبِيّ وَإِذ قُلْنَا إِنَّه يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَكَانَ قِيمَته يَوْم التّلف أَكثر فَإِن أجازت أخذت قِيمَته يَوْم التّلف وَإِن فسخت رجعت إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فينقص حَقّهَا وتتضرر بِالْفَسْخِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُسَاوِي أَضْعَاف الثّمن فَإِن لَهُ الرَّد لِأَن لَهُ فَائِدَة فِي الْخُرُوج من الْعهْدَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 الحكم الثَّانِي فِي التَّسْلِيم وَمهما تنَازعا فِي الْبِدَايَة بِالتَّسْلِيمِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي البيع أحداها أَنَّهُمَا يجبران مَعًا من غير تَقْدِيم أَحدهمَا وَطَرِيقه أَن يُكَلف الزَّوْج تَسْلِيم الصَدَاق على عدل وتكلف الْمَرْأَة التَّمْكِين فَإِذا وَطئهَا أخذت الصَدَاق وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يجبران بل من أَرَادَ اسْتِيفَاء مَاله بَادر إِلَى تَسْلِيم مَا عَلَيْهِ حَتَّى يجْبر صَاحبه على التَّسْلِيم وَالثَّالِث أَن الْبِدَايَة بِالزَّوْجِ لِأَن اسْتِرْدَاد الصَدَاق مُمكن دون الْبضْع وَهَذَا بِشَرْط أَن تكون مهيأة للاستمتاع فَإِن كَانَت صَغِيرَة فَفِي الْمهْر قَولَانِ كَمَا فِي النَّفَقَة وَإِن كَانَت محبوسة أَو مَمْنُوعَة بِعُذْر آخر لم يجب تَسْلِيم الصَدَاق إِلَيْهَا وَالْقَوْل الرَّابِع وَهُوَ أَن الْبِدَايَة بِالْمَرْأَةِ وَإِن كَانَت فِي رُتْبَة البَائِع فَإِن ذَلِك لَا يجْرِي هَا هُنَا أصلا لِأَن الْبضْع يفوت بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَاف الْمَبِيع ثمَّ إِن الْبِدَايَة لَا تخلوا إِمَّا أَن تكون مِنْهَا أَو مِنْهُ فَإِن كَانَ مِنْهَا التَّمْكِين ثَبت لَهَا طلب الصَدَاق على الْأَقْوَال كلهَا وطِئت أَو لم تُوطأ إِذْ بذلت مَا فِي وسعهَا فَإِن رجعت إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 الِامْتِنَاع لم يكن لَهَا طلب الصَدَاق لِأَن شَرط اسْتِمْرَار الطّلب على قَوْلنَا الِابْتِدَاء بِالزَّوْجِ اسْتِمْرَار التَّمْكِين وَإِن وَطئهَا اسْتَقر الطّلب فَإِن لم يسلم لَهَا الصَدَاق لم يكن لَهَا الْعود إِلَى الْمَنْع إِذْ سقط حق حَبسهَا بِالْوَطْءِ وَلَا يسْقط حق حَبسهَا بتمكين عَار عَن الْوَطْء وَهل يسْقط بِوَطْء أكرهت عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه سُقُوطه أَن الْعِوَض قد تقرر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهَا الِامْتِنَاع بعد الْوَطْء مهما منع الصَدَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 أما إِذا بَادر الزَّوْج إِلَى تَسْلِيم الصَدَاق فامتنعت فَهَل لَهُ الِاسْتِرْدَاد إِن قُلْنَا إِنَّه يجْبر الزَّوْج على الْبِدَايَة فيسترد لِأَن ذَلِك بِشَرْط تَسْلِيم المعوض وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر فقد تبرع وأبطل حق الْحَبْس فَلَا يسْتَردّ وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَت معذورة عِنْد التَّسْلِيم ثمَّ زَالَ الْعذر وامتنعت فَلهُ الِاسْتِرْدَاد لِأَنَّهُ سلم على رَجَاء التَّمْكِين عِنْد زَوَال الْعذر وَالْأَظْهَر أَنه لَا يسْتَردّ كَيْفَمَا كَانَ ثمَّ مهما سلم الصَدَاق فَلَيْسَ لَهُ أَن يرهقها بل يُمْهِلهَا ريثما تستعد بالتنظف والاستحداد وَقيل إِنَّه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا خلاف فِي أَن الْإِمْهَال لأجل تهيئة الجهاز لَا يجب نعم لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تطِيق الوقاع لم يجب تَسْلِيمهَا وَكَذَا إِن كَانَت مَرِيضَة فَلَو كَانَت حَائِضًا وَجب التسلم إِذْ يسْتَمْتع بهَا فَوق الْإِزَار وَيَكْفِي الدّين وازعا عَن الْوَطْء فَإِن قَالَ أَنا أمتنع عَن وَطْء الصبية والمريضة لم يوثق بقوله فِيهِ وَذَلِكَ إِضْرَار بهما وَلَا ضَرَر على الْحَائِض نعم لَو علمت من عَادَته أَنه يتغشاها فِي الْحيض فلهَا الِامْتِنَاع من المضاجعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 الحكم الثَّالِث التَّقْرِير وَلَا يَتَقَرَّر كَمَال الْمهْر إِلَّا بِالْوَطْءِ أَو موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَأَما الْخلْوَة فَلَا تقرر على الْجَدِيد من الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْخلْوَة لَا تقرر وَجها وَاحِدًا وَحمل نَص الْقَدِيم على أَن الْخلْوَة تُؤثر فِي جعل القَوْل قَوْلهَا إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء لأجل التَّقْرِير ثمَّ قَالَ المفرعون على الْقَدِيم يتَعَلَّق بالخلوة أَيْضا الْعدة وَالرَّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تثبت الرّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخلْوَة بالنفساء وَالْحَائِض والصائمة صَوْم الْفَرْض لَا تقرر الْمهْر وَوَافَقَهُ الْمُحَقِّقُونَ على الْقَدِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَ الْخلْوَة بالرتقاء والقرناء تقرر الْمهْر وَخَالفهُ الْمُحَقِّقُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الصَدَاق الْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَاعِدَة الْبَاب أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الصَدَاق لِأَن الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النِّكَاح الْخَالِي عَن ذكر الصَدَاق ينْعَقد مُوجبا للصداق تعبدا فَلَا يُؤثر ذكر الصَدَاق إِلَّا فِي التَّعْيِين وَالتَّقْدِير فَيفْسد التَّعْيِين وَالتَّقْدِير وَيبقى وجوب مهر الْمثل أَو يبْقى التَّقْدِير وَيسْقط التَّعْيِين حَتَّى يرجع إِلَى قيمَة الصَدَاق إِذا كَانَ حرا أَو مَغْصُوبًا وَقَالَ مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ يفْسد النِّكَاح بِفساد الصَدَاق وَقيل هُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا تَفْرِيع عَلَيْهِ ثمَّ لفساد الصَدَاق أَسبَاب ومدارك الأول أَن لَا يكون قَابلا للتَّمْلِيك كَالْخمرِ وَالْمَغْصُوب وَالْحر وَحكمه بِالرُّجُوعِ إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 الْقيمَة على قَول وَإِلَى مهر الْمثل على قَول الثَّانِي الشُّرُوط وَالْأَصْل أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِكُل شَرط يُوَافق مَقْصُوده كَقَوْلِه بِشَرْط أَن أنْفق عَلَيْك أَو أجامعك وَيفْسد بِكُل شَرط يخل بمقصود الْبضْع كَقَوْلِه نكحت بِشَرْط أَن أطلق أَو لَا أجامع وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يفْسد بِهِ وَأما الَّذِي لَا يخل بِالْمَقْصُودِ وَلَكِن يتَعَلَّق بِهِ غَرَض مَقْصُود ويؤثر فِيهِ كَشَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَأَن يُمكنهَا من الْخُرُوج مَتى شَاءَت أَو لَا يجمع بَينهَا وَبَين ضراتها فِي مسكن أَو لَا يقسم لَهَا فَهَذِهِ أغراض مَقْصُودَة وكل غَرَض مَقْصُود فَهُوَ عوض مُضَاف إِلَى الصَدَاق أَو مُقَابل لَهُ فيؤثر فِي إِفْسَاد الصَدَاق لَا فِي إِفْسَاد النِّكَاح وَكَذَلِكَ الشُّرُوط الْفَاسِدَة الْخَاصَّة بِالصَّدَاقِ تفْسد الصَدَاق دون النِّكَاح وَلَو شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي الصَدَاق فحاصل الْمَنْقُول فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَصح الشَّرْط وَيثبت الْخِيَار لِأَن الصَدَاق فِي حكم عقد مُسْتَقل وَلذَلِك لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فيفرد بِالْخِيَارِ كَالْبيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 وَالثَّانِي أَنه يفْسد وَيفْسد النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي أحد الْعِوَضَيْنِ يتداعى إِلَى الثَّانِي وَهُوَ ضَعِيف يلْزم فِي سَائِر شُرُوطه وَالثَّالِث أَنه يفْسد بِهِ الصَدَاق دون النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي الصَدَاق بعيد وَإِذا لم يَصح أفسد الصَدَاق فرع نقل الْمُزنِيّ لفظين متقاربين وحكمين مُخْتَلفين فَقَالَ لَو عقد النِّكَاح بِأَلف على أَن لأَبِيهَا ألفا فالمهر فَاسد لِأَن الْألف الثَّانِي لَيْسَ بِمهْر وَقد اشْتَرَطَهُ وَلَو نكح امْرَأَة بِأَلف على أَن تُعْطِي أَبَاهَا ألفا كَانَ جَائِزا وَلها مَنعه وَأَخذهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا هبة لم تقبض أَو وكَالَة وَكَأن الْمُزنِيّ جعل هَذَا كَأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 عقد بِأَلفَيْنِ على أَن توصل إِلَى أَبِيهَا من مَالهَا ألفا فالتزم عملا لَا يلْزمه فيلغوه لَكِن اللَّفْظ يكَاد ينبو عَنهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الْمهْر فَاسد هَاهُنَا أَيْضا لِأَنَّهُ عقد بِأَلف بِلَا فرق بَين الْإِضَافَة وَبَين الْإِعْطَاء وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ الْإِضَافَة إِلَى أَبِيهَا أَيْضا مشْعر بِأَنَّهُ يسلم لَهُ من جِهَتهَا الْفَا فَهُوَ كالإعطاء وَالصَّحِيح الْفرق وَتَقْرِير النصين الْمدْرك الثَّالِث الْفساد بتفريق الصَّفْقَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يصدقها عبدا على أَن ترد ألفا فقد جعل العَبْد مَبِيعًا وصداقها فَجمع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 بَين صفقتين مختلفتين فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن أفسدنا كَانَ تَأْثِيره فِي إِفْسَاد الصَدَاق وَذكر الفوراني الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَة النِّكَاح وَرُبمَا يعتضد ذَلِك بطرد الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو جمع بَين أَجْنَبِيَّة ومحرم فِي صَفْقَة وَاحِدَة إِذْ أفسدوا نِكَاح الْأَجْنَبِيَّة على قَول لكنه ضَعِيف لِأَن الْفساد تطرق هَاهُنَا إِلَى بعض صِيغَة التَّزْوِيج والصيغة لَا تتبعض وَهُنَاكَ تطرق الْفساد إِلَى لفظ الصَدَاق وَإِن فرعنا على صِحَة الصَدَاق فَلَو تلف العَبْد قبل الْقَبْض استردت الْألف وَرجعت إِلَى مهر الْمثل على قَول وعَلى قَول ترجع إِلَى قيمَة الْبَاقِي بِاعْتِبَار توزيع العَبْد على الْألف وَمهر الْمثل وَلَو قبضت العَبْد فَوجدت بِهِ عَيْبا وأرادت أَن تفرد الْقدر الْمَبِيع أَو الصَدَاق بِالرَّدِّ فَفِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه جَوَازه أَن جِهَة الصَدَاق تبَاين جِهَة البيع فَلم يكن كَمَا لَو اشْترى عبدا ورد بعضه بِالْعَيْبِ فَإِن ذَلِك مُمْتَنع لما فِيهِ من الْإِضْرَار بالتوزيع الثَّانِيَة لَو جمع بَين نسْوَة فِي عقد وَاحِد على صدَاق وَاحِد فَالنِّكَاح صَحِيح وَفِي صِحَة الصَدَاق قَولَانِ نَص عَلَيْهِمَا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَذَلِكَ فِي الْخلْع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 وَنَصّ على أَنه لَو اشْترى عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ لكل وَاحِد عبد بِثمن وَاحِد فَالْبيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن وَنَصّ على أَنه لَو كَاتب عبيده على عوض وَاحِد فالكتابة صَحِيحَة فَمن الْأَصْحَاب من قرر النُّصُوص وَقَالَ البيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن فِي حق كل وَاحِد وَالْكِتَابَة صَحِيحَة تشوفا إِلَى الْعتْق إِذْ احْتمل فِيهِ مُقَابلَة الْملك بِالْملكِ فَهَذَا أولى وَالصَّدَاق وَالْخلْع دائر بَين الرتبتين فَفِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيع وَهُوَ الْقيَاس وَوجه قَول الْفساد الْجَهْل بِحَق كل وَاحِد وَوجه الصِّحَّة معرفَة الْجُمْلَة وتيسير الْوُصُول إِلَى التَّفْصِيل بالتوزيع لكنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع من الْألف إِذا قسم على قِيمَته وعَلى قيمَة ذَلِك العَبْد الآخر لم يجز ذَلِك فَأَي فرق بَين أَن يدْخل العَبْد الآخر فِي العقد أَو لَا يدْخل والصفقة تعدّدت بِتَعَدُّد البَائِع فالتصحيح بعيد فِي الْجَمِيع التَّفْرِيع إِن قضينا بِالصِّحَّةِ وزع الصَدَاق على مُهُور أمثالهن وَفِيه وَجه بعيد أَنه يوزع على عدد الرُّءُوس وَإِن فرعنا على الْفساد يرجع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مهر الْمثل على قَول وَإِلَى قيمَة الصَدَاق كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع على قَول لِأَن هَذَا مَجْهُول أمكن مَعْرفَته بِخِلَاف مَا لَو أصدقهَا مَجْهُولا لَا يُمكن مَعْرفَته فَإِنَّهُ يرجع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا الْمدْرك الرَّابِع أَن يكون الصَدَاق بِحَيْثُ لَو قدر ثُبُوته لارتفع النِّكَاح كَمَا إِذا قبل نِكَاح عَبده وَجعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 رقبته صَدَاقا فَلَو ملكت رقبته لانفسخ النِّكَاح فَيفْسد الصَدَاق وَيفْسد النِّكَاح أَيْضا لِأَنَّهُ قرن النِّكَاح بِمَا يضاده لَو ثَبت بِخِلَاف مَا لَو أصدق خمرًا فضاهى هَذَا شَرط الطَّلَاق وَالْفَسْخ وَكَانَ يحْتَمل تَصْحِيح النِّكَاح وَلَكِن لَا صائر إِلَيْهِ الْمدْرك الْخَامِس أَن يتَضَمَّن إِثْبَات الصَدَاق رفع الصَدَاق كَمَا لَو زوج من إبنه امْرَأَة وَأصْدقهَا أم ابْنه فَإِنَّهُ لَا بُد من تَقْدِير دُخُول الْأُم فِي ملك الابْن حَتَّى ينْتَقل إِلَى الزَّوْجَة صَدَاقا وَلَو دخل فِي ملكه لعتق عَلَيْهِ وَلما صَار صَدَاقا فَفِي إثْبَاته نَفْيه ففسد بطرِيق الدّور وَلَكِن يَصح النِّكَاح الْمدْرك السَّادِس أَن يضمن إِضْرَارًا بالطفل كَمَا لَو قبل لِابْنِهِ الصَّغِير نِكَاحا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل أَو زوج ابْنَته بَاقِل من مهر الْمثل فَيفْسد الصَدَاق وَفِي صِحَة النِّكَاح قَولَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة كَسَائِر أَسبَاب الْفساد وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهَا إِذا لم ترض إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَكيف ترد إِلَى مهر الْمثل وَكَيف يَصح العقد دون رِضَاهَا وَكَذَلِكَ إِذا لم يرض زوج ابْنَته إِلَّا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَكيف يلْزمه مهر الْمثل هَذَا إِذا زوج من ابْنه بِمَال الابْن فَإِن زوج وأصدق من مَاله بِزِيَادَة على مهر الْمثل صَحَّ وَلَا نقُول هَذَا يدْخل فِي ملك الطِّفْل وَيصير تَبَرعا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 مَاله لِأَنَّهُ لَا مصلحَة للطفل فِي إِفْسَاد هَذَا الصَدَاق إِذْ يفوت عَلَيْهِ الْكل فَإِذا كَانَ يحصل ذَلِك ضمنا فَلَا نبالي بِالزِّيَادَةِ واختتام الْبَاب بمسالة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِذا تواطأ أَوْلِيَاء الزَّوْجَيْنِ على ذكر أَلفَيْنِ فِي العقد ظَاهرا وعَلى الِاكْتِفَاء بِأَلف بَاطِنا فقد نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَاجِب مهر السِّرّ أَو مهر الْعَلَانِيَة وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَن الْوَاجِب مهر الْعَلَانِيَة لِأَن مَا جرى قبله وعد مَحْض وَمَا ذكره صَحِيح إِذْ لم يجز إِلَّا الْوَعْد فَأَما إِذا تواطئوا على إِرَادَة الْألف بِعِبَارَة الْأَلفَيْنِ فَيحْتَمل قَوْلَيْنِ مأخذهما أَن الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يُؤثر فِي الِاصْطِلَاح الْعَام وَبِغَيْرِهِ أم لَا وَفِيه نظر الْمدْرك السَّابِع مُخَالفَة الْآمِر وَذَلِكَ أَن يَقُول للْوَكِيل زَوجنِي بِأَلف فزوج بِخَمْسِمِائَة لَا يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يملك الْوَكِيل إِلَّا مَا أذن لَهُ فِيهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي هَذَا العقد بِخَمْسِمِائَة فَأَما إِذا قَالَت للْوَكِيل زَوجنِي مُطلقًا بِزَوْج بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَالصَّحِيح فَسَاد النِّكَاح أَيْضا لِأَن الْمُطلق فِي الْعرف يَقْتَضِي مهر الْمثل وَلَو زَوجهَا من غير الْمهْر فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ أَحدهمَا لَا يَصح لِأَن الْمُطلق ينزل على النِّكَاح بِالْمهْرِ وَالثَّانِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 أما إِذا زوج الْوَكِيل أَيْضا مُطلقًا وَلم يتَعَرَّض للمهر فَيحْتَمل التَّصْحِيح وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا وَيحْتَمل الْإِفْسَاد إِذا كَانَ مَفْهُوم قَوْلهَا فِي الْعرف ذكر الْمهْر وَأما إِذا ذكر خمرًا أَو خنزيرا ظَهرت الْمُخَالفَة فَيظْهر الْإِفْسَاد وَأما إِذا أَذِنت للْوَلِيّ فَالصَّحِيح أَن الْوَلِيّ فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُ غير مجبر وَقيل إِن الْإِذْن يلْحقهُ بالمجبر ثمَّ فِي تَزْوِيج الْمُجبر بِأَقَلّ من مهر الْمثل قَولَانِ وَإِنَّمَا ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل حَيْثُ فوضت إِلَيْهِ مُطلقًا أما إِذا قدرت الْمهْر وَخَالف فَقطعُوا بِفساد النِّكَاح وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل إِذا فوض إِلَيْهِ مُطلقًا فرع لَو قَالَت زَوجنِي بِمَا شَاءَ الْخَاطِب فَقَالَ زَوجتك بِمَا شِئْت فالمهر مَجْهُول وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِلَّا إِذا عرف المزوج مَا شَاءَ الْخَاطِب وَقَالَ القَاضِي وَإِن عرف فالصداق فَاسد فَإِنَّهُ لم يتَلَفَّظ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي إخلاء النِّكَاح عَن الْمهْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِيمَا تستحقه المفوضة ونعني بالتفويض تخلية النِّكَاح عَن الْمهْر بِأَمْر من إِلَيْهِ الْأَمر كَمَا إِذا قَالَت الْبَالِغَة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر فَزَوجهَا وَنفى الْمهْر أَو سكت عَن ذكره وكما لَو زوج السَّيِّد أمته وَنفي الْمهْر أَو سكت عَنهُ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي صبية وَلَا مَجْنُونَة وَلَا سَفِيهَة إِذْ لَيْسَ لأحد إِسْقَاط مهورهن نعم إِذا قَالَت السفيهة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر تسلط الْوَلِيّ على التَّزْوِيج بِإِذْنِهَا لَكِن عَلَيْهِ تَزْوِيجهَا بِمهْر الْمثل وَلَا يعْتَبر قَوْلهَا فِي إِسْقَاط الْمهْر ثمَّ فِيمَا تستحقه المفوضة طَرِيقَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ شَيْئا وتستحق بِالْوَطْءِ مهر الْمثل وَهل تسْتَحقّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 بِالْمَوْتِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَوْت مُقَرر كَالْوَطْءِ وَلِأَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن المفوضة وَقد مَاتَ زَوجهَا فاجتهد شهرا ثمَّ قَالَ إِن أصبت فَمن الله وَإِن أَخْطَأت فمني وَمن الشَّيْطَان أرى لَهَا مهر نسائها وَالْمِيرَاث فَقَامَ معقل بن سِنَان وَقَالَ أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي تَزْوِيج بروع بنت واشق الأشجعية بِمثل قضائك هَذَا فسر بِهِ سُرُورًا عَظِيما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن تَشْبِيه الْمَوْت بِالطَّلَاق أولى وَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الشّطْر عِنْد الطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَأما حَدِيث معقل بن سِنَان فَلم يقبله عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَقَالَ كَيفَ نقبل فِي ديننَا قَول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ هَذِه طَريقَة الْعِرَاقِيّين أما المراوزة ذكرُوا قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَنَّهَا إِذا اسْتحقَّت عِنْد الْمَوْت وَالْمَوْت لَا يُوجب بل يُقرر فقد دلّ على أَنه وَجب بِالْعقدِ فَكَذَلِك الْوَطْء وَإِن كَانَ مُوجبا فَإِنَّمَا يُوجب إِذا لم يكن مُسْتَحقّا أَعنِي الْوَطْء وَالْوَطْء هَاهُنَا مُسْتَحقّ بِالْعقدِ فَلَا يُوجب شَيْئا وَهَذَا بِخِلَاف الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَلذَلِك لَا يجب على السَّيِّد بِوَطْء أمته شَيْء فوجوبه بِالْوَطْءِ يدل على وُجُوبه بِالْعقدِ وَاتفقَ الْأَصْحَاب على أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس لِأَن الْقيَاس سُقُوط الْكل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 بِالطَّلَاق وَلَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} فخصص بالمفروض وَلَو أصدقهَا خمرًا ورجعنا إِلَى مهر الْمثل تشطر ذَلِك فِي الطَّلَاق لِأَنَّهُ مَفْرُوض صَحِيح فِي إثيات الأَصْل دون التَّعْيِين وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن مهر الْمثل فِي صُورَة التَّفْوِيض أَيْضا يتشطر كذكر الْخمر وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا تسْتَحقّ بِالْوَطْءِ أَيْضا إِلَّا القَاضِي حُسَيْن فَأَنَّهُ ذكر وَجها انها لَا تسْتَحقّ مخرجا من قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُرْتَهن إِذا وَطْء الْجَارِيَة الْمَرْهُونَة بِإِذن الرَّاهِن على ظن أَنه مُبَاح إِن الْمهْر لَا يجب مَعَ ثُبُوت النّسَب وَالْعدة وَسُقُوط الْمهْر لَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا إِسْقَاط من لَهُ الْحق فرع إِذا قُلْنَا تسْتَحقّ الْمهْر بِالْوَطْءِ فَيجب بِاعْتِبَار حَالهَا يَوْم الْوَطْء أَو يَوْم العقد فِيهِ وَجْهَان وَوجه اعْتِبَار يَوْم يُومِئ إِلَى أَن الْأَمر كَانَ مَوْقُوفا فكأنا نقُول العقد الْخَالِي عَن الْوَطْء لَا يُوجب الْمهْر والمفضي إِلَى الْوَطْء يُوجب وَلَكِن لَا يتَبَيَّن إِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 بِالآخِرَة فَتحصل بِالْعقدِ ثَلَاثَة أَقْوَال يجب لَا يجب هُوَ مَوْقُوف إِلَى أَن يَخْلُو عَن الْمَسِيس أَو يُفْضِي إِلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْفَرْض وَمَعْنَاهُ وَحكمه اعْلَم أَن المفوضة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ الْمهْر إِمَّا بِالْعقدِ أَو بالمسيس فَمَعْنَاه أَنَّهَا تسْتَحقّ إِمَّا مهر الْمثل أَو مَا تراضى بِهِ الزَّوْجَانِ وَمَا يتراضيان بِهِ فَهُوَ أولى فَإِن عجزنا عَن ذَلِك رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل لِأَن إِيجَاب الْمهْر مَعَ التَّصْرِيح بنفيه تعبد والتعبد فِي أصل الْمهْر لَا فِي مبلغه لَكِن طلب مَا لَا يتَعَيَّن مبلغه غير مُمكن فَلذَلِك يجب على الرجل تعْيين الْمبلغ بِالْفَرْضِ ويحوز للْمَرْأَة أَن تمنع نَفسهَا فِي طلب الْفَرْض على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فَأَما إِن قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ فلهَا غَرَض فِي الْفَرْض وَهُوَ تَقْرِير الشّطْر عِنْد الطَّلَاق وَإِن قُلْنَا لَا يجب فتستحق عِنْد الْمَسِيس فلهَا أَن لَا تسلم نَفسهَا إِلَّا على ثَبت نعم لَيْسَ لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض فِي صُورَة التَّفْوِيض لِأَنَّهَا أبطلت حَقّهَا إِذْ رضيت بِغَيْر مهر وَإِنَّمَا لَهَا الْفَرْض لنفي الْجَهَالَة عَمَّا أثْبته الشَّرْع أَو تثبته وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَن لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض كَمَا لَهَا طلب الْفَرْض وَهُوَ مُتَّجه ثمَّ لَا خلاف فِي أَن لَهما فرض غير جنس الصَدَاق وَمَا يزِيد على مهر الْمثل وَمَا ينقص إِذا لم يكن من جنس مهر الْمثل وَالصَّحِيح أَنه يجوز فرض الزِّيَادَة على مهر الْمثل وَإِن كَانَ من جنسه وَيجوز فرض الْمُؤَجل وَلَا يشْتَرط علمهما بِمهْر الْمثل عِنْد الْفَرْض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 وَمن أَصْحَابنَا من ذكر فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث وَجْهَيْن فَكَأَنَّهُ يَجْعَل مهر الْمثل أصلا وَالْفَرْض بَيَانا لَهُ وتقديرا فَيَقُول لَا يُمكن إِثْبَات الْأَجَل ابْتِدَاء وَلَا الْتِزَام زِيَادَة على مهر الْمثل فَإِنَّهُ لَا أصل لَهُ كَمَا أَنه لَا تجوز الْمُصَالحَة فِي دم الْعمد على مَا تبين من الْإِبِل إِذا قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَكَأن مثل ذَلِك التَّرَدُّد جَار هَاهُنَا وَهُوَ أَن الْوَاجِب مهر الْمثل أَو الْمَفْرُوض أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه أَو مهر الْمثل هُوَ الأَصْل وَالْفَرْض بِنَاء عَلَيْهِ وتابع لَهُ وَالأَصَح أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَلذَلِك جَازَ تعْيين مَا تزيد قِيمَته من غير جنس الْمهْر لَا على منهاج الِاسْتِبْدَال إِذْ لَا يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَقبُول فروع أَرْبَعَة الأول لَو أبرأت قبل الْفَرْض عَن الْمهْر صَحَّ على قَوْلنَا يجب بِالْعقدِ إِن كَانَ مهر الْمثل مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا لم يَصح فِي الزِّيَادَة على المستيقن وَفِي الْقدر المستيقن قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا بِالْوَطْءِ فَهُوَ كالإبراء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ وَلَا يكون إبراؤه مضادا للتعبد فَإِنَّهُ فِي حكم الِاسْتِيفَاء أما إِذا قَالَت أسقطت حَقي عَن طلب الْفَرْض فَهَذَا يَلْغُو لِأَن أصل الْحق بَاقٍ وَالْفَرْض تَابع لَهُ فَصَارَ ذَلِك كرضى الَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط حَقّهَا الثَّانِي لَو فرض لَهَا خمرًا أَو خنزيرا لَغَا وَلم يتشطر بِسَبَبِهِ مهر الْمثل لِأَن الْمُؤثر فرض صَحِيح أَو مقرون بِحَال العقد فَمَا لَا يُفِيد تعيينا بعد العقد لم يُؤثر فِي تغير العقد الثَّالِث لَو امْتنع من الْفَرْض مَعَ طلبَهَا فللقاضي أَن يفْرض وَلَكِن عَلَيْهِ أَن لَا يزِيد على مهر الْمثل كَيْلا يتَضَرَّر الزَّوْج وَكَأَنَّهُ نَائِب عَنهُ نِيَابَة قهرية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 الرَّابِع لَو فرض الْأَجْنَبِيّ مُتَبَرعا فَفِي صِحَّته وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَعَلِيهِ الْمَفْرُوض كَمَا لَهُ التَّبَرُّع بأَدَاء الصَدَاق عَنهُ دون إِذْنه وَالثَّانِي لَا يجوز لِأَن هَذَا إِظْهَار لمراد الطّلب الَّذِي يَقْتَضِيهِ العقد فَلَا يَلِيق إِلَّا بالعاقدين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 الْفَصْل الثَّالِث فِي تعرف مهر الْمثل وَالْحَاجة تمس إِلَى معرفَة ذَلِك فِي المفوضة إِذْ لم يتَّفق فرض وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي أَخذ المهور بِالشُّفْعَة وَفِي توزيع عِنْد جمع نسْوَة فِي عقد وَاحِد وَفِي مَوَاضِع وَالْأَصْل الْعَظِيم فِي مهر الْمثل النّسَب وَينظر إِلَى مهر الْأَخَوَات للْأَب والعمات للْأَب وَلَا ينظر إِلَى الْبَنَات والأمهات إِذْ يخْتَلف ذَلِك بِنسَب الْآبَاء وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك الْكَمَال والعفة وسلامة الْخلق وَسَائِر الْخِصَال إِذا كَانَت الرَّغْبَة تزيد بذلك وتنقص فَإِن لم تكون نسيبة فمجرد النّظر إِلَى هَذِه الْخِصَال فَإِن هَذَا يجْرِي مجْرى معرفَة الْقيم فَينْظر إِلَى الرغبات فروع الأول لَو سمحت وَاحِدَة من الْعَشِيرَة لم يلْزم الْبَاقِيَات ذَلِك إِلَّا إِذا شاع التسامح فِيهِنَّ فَيدل ذَلِك على قلَّة الرغبات الثَّانِي لَو كن ينكحن بِأَلف مُؤَجل فَلَا يُمكن التَّأْجِيل فِي قيم الْمُتْلفَات فَالْوَجْه أَن ينقص من الْألف مَا يَقْتَضِيهِ الْعُدُول إِلَى النَّقْض الثَّالِث لَو كن يسامحن من يواصلهن من الْعَشِيرَة فَيلْزم ذَلِك فِي الْعَشِيرَة لَا فِي غَيرهم وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يلْزم ذَلِك لِأَن الْقيم لَا تخْتَلف بالأشخاص الرَّابِع الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب الْمهْر بِاعْتِبَار يَوْم الْوَطْء وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 العقد بَاطِل فَلَا معنى لاعتباره نعم إِن وَطئهَا فِي العقد الْوَاحِد مرَارًا لَا يلْزم إِلَّا مهر وَاحِد لِأَن الشُّبْهَة شَامِلَة وَكَذَلِكَ لَو ظَنّهَا مَنْكُوحَة وَوَطئهَا مرَارًا وَمهما تعدّدت الشُّبْهَة تعدد الْمهْر وَلَو أكره الْغَاصِب الْجَارِيَة على الْوَطْء وَوَطئهَا مرَارًا لزمَه بِكُل وَطْء مهر إِذْ لَا شُبْهَة حَتَّى يعْتَبر شمولها وَالْأَب إِذا وطئ جَارِيَة الابْن مرَارًا وَلم تحبل فَهَل يُقَال شُبْهَة الاعفاف شَامِلَة فيكتفى بِمهْر وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِذا اكتفينا بِمهْر وَاحِد فَلَو كَانَت هزيلة فِي حَال وسمينة فِي حَال اعْتبرنَا حَال زِيَادَة الْمهْر واكتفينا بِهِ وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي حكم تشطر الصَدَاق بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَفِيه خَمْسَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي مَحَله وَحكمه فَنَقُول ارْتِفَاع النِّكَاح قبل الْمَسِيس لَا بِسَبَب من جِهَتهَا يُوجب تشطر الصَدَاق الثَّابِت بِتَسْمِيَة مقرونة بِالْعقدِ صَحِيح أَو فَاسد أَو يفْرض بعد العقد فِي صُورَة التَّفْوِيض وَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّلَاق وَالْفَسْخ والانفساخ إِلَّا إِذا كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا أَو بِعَيْب فِيهَا أَو بِسَبَب من جِهَتهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يتشطر إِلَّا مُسَمّى صَحِيح فِي نفس العقد فَأَما الْمَفْرُوض بعد العقد الْوَاجِب فِي العقد بِتَسْمِيَة فَاسِدَة فَلَا يتشطر ثمَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن معنى التشطير رُجُوع النّصْف إِلَى الزَّوْج بِمُجَرَّد الطَّلَاق من غير اخْتِيَار وَفِيه وَجه مَشْهُور أَن مَعْنَاهُ ثُبُوت خِيَار الرُّجُوع فِي الشّطْر بِالطَّلَاق مضاهيا لخيار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يفْتَقر إِلَى قَضَاء القَاضِي وَهُوَ ضَعِيف جدا وَيتَفَرَّع على وَجه الْخِيَار أَن الزِّيَادَة حَادِثَة بعد الطَّلَاق وَقبل الاختبار تسلم للزَّوْجَة وَأَنه لَو طَلقهَا على أَن لَهَا كَمَال الْمهْر يكون ذَلِك كإسقاط الْخِيَار وَيسلم لَهَا كَمَال الْمهْر وعَلى الْوَجْه الآخر وَلَا يُؤثر الشَّرْط فِي إِسْقَاط الشّطْر وَيحْتَمل ترددا فِي تصرف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 الْمَرْأَة بَين الطَّلَاق وَالِاخْتِيَار وَفِي أَنه لَو أسقط الزَّوْج خِيَاره هَل يسْقط لتردد هَذَا الْخِيَار بَين خِيَار الْوَاهِب وَبَين خِيَار البيع وتشبيبه بِخِيَار الْوَاهِب أولى فرع لَو تلف الصَدَاق قبل الطَّلَاق يرجع الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة وَلَو تلف بعد الإقلاب إِلَى الزَّوْج بِآفَة سَمَاوِيَّة قَالَ المراوزة لَا ضَمَان عَلَيْهَا وَهُوَ كَمَا لَو تلف الْمَوْهُوب فِي يَد الْمُتَّهب بعد رُجُوع الْوَاهِب وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ مَضْمُون عَلَيْهَا لِأَنَّهُ عوض عَن الْبضْع الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهَا بِالطَّلَاق فَصَارَ كَالْمَبِيعِ إِذا تلف بعد الْفَسْخ والمراوزة يَقُولُونَ إِن الطَّلَاق كالإعتاق وَهُوَ تصرف مَعْنَاهُ تَقْرِير النِّكَاح وَقطع مُوجبه فَلَيْسَ يعود الشّطْر لعود الْبضْع بِخِلَاف البيع ومساق الطَّرِيقَيْنِ يَقْتَضِي أَن يكون الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا لَو تلف بعد الْفَسْخ بِالْعَيْبِ وكل فسخ يسْتَند إِلَى أصل العقد والانفساخ بردته بِالطَّلَاق أشبه إِذْ لَو كَانَ رُجُوع الْمهْر بطرِيق ترَاد الْعِوَضَيْنِ لرجع جَمِيع الصَدَاق إِلَيْهِ لَا شطره وَلَو انْفَسَخ بردتها أَو بِسَبَب آخر لَا يسْتَند إِلَى العقد وَلَا يتشطر وَهُوَ فِي مَحل الِاحْتِمَال والتردد وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 الْفَصْل الثَّانِي فِي تغييرات الصَدَاق الَّتِي توجب رد الْحق إِلَى الْقيمَة أَو الْخِيَار والتغير إِمَّا أَن يكون بِنُقْصَان مَحْض أَو بِزِيَادَة مَحْضَة أَو نُقْصَان من وَجه وَزِيَادَة من وَجه أما النُّقْصَان الْمَحْض فكالتعيب الْحَاصِل فِي يَدهَا قبل الطَّلَاق فَلذَلِك يُوجب الْخِيَار بعد الطَّلَاق فَللزَّوْج أَن يُطَالب بِنصْف قيمَة السَّلِيم فَإِن رَجَعَ إِلَى عين الصَدَاق فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب بِخِلَاف مَا لَو اشْترى عبدا بِثَوْب فَرد الثَّوْب بِالْعَيْبِ وَالثَّوْب معيب فَإِنَّهُ يُطَالب بِالْأَرْشِ وَيَأْخُذ الثَّوْب وَهَذَا الْفرق يُمكن على طَرِيق المراوزة حَيْثُ لم يجْعَلُوا الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا وَلَكِن مَعَ ذَلِك يشكل فَإِنَّهُ لَو تلف قبل الطَّلَاق ضمنة الْقيمَة فَمن هَذَا خرج بعض الْأَصْحَاب وَجها أَنه يُطَالب بِأَرْش الْعَيْب وَيَأْخُذ الْعين إِن شَاءَ هَذَا إِذا تعيب فِي يَدهَا فَإِن تعيب فِي يَد الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب لِأَنَّهُ تلف من ضَمَانه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي وَأخذت الْأَرْش فَإِن لَهُ أَن يسْتَردّ نصف الْأَرْش لِأَنَّهُ خلف عَن الْفَائِت وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا يرجع بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ كزيادة مُنْفَصِلَة فِي حق الْمَرْأَة والفوات كَانَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يعْتَبر فِي حَقه لإِقَامَة الْأَرْش مقَامه أما الزِّيَادَة الْمَحْضَة فالمنفصلة مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر فتسلم لَهَا وَلَا حق للزَّوْج فِيهَا والمتصلة تبطل حق الرُّجُوع بِالْعينِ إِلَّا بِرِضَاهَا فَإِن منعت غرمت قيمَة النّصْف قبل ظُهُور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 الزِّيَادَة وَإِن سمحت أجبر الزَّوْج على الْقبُول وَلم يكن لَهُ الِامْتِنَاع حظرا من الْمِنَّة لِأَنَّهُ فِي حكم البَائِع والمشكل أَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة لَا تمنع الرُّجُوع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون فِي فسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الْفَسْخ يرفع العقد من أَصله بِالْإِضَافَة إِلَى حِينه فَلَا يبْقى حق فِي الزِّيَادَة وَأما هَاهُنَا فَالزِّيَادَة حصلت على ملكهَا وَالطَّلَاق سَبَب مُسْتَأْنف لَا استناد لَهُ إِلَى العقد فإبطال حَقّهَا من الزِّيَادَة غير مُمكن وَعند هَذَا يَنْبَغِي أَن تلْحق ردته بِالطَّلَاق وَفِي الِانْفِسَاخ بردتها تردد الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ غير مُسْتَند إِلَى سَبَب فِي العقد أما إِذا زَاد من وَجه وَنقص من وَجه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار فَإِن أَبى الزَّوْج قبُول الْعين فَلهُ نصف الْقيمَة وَإِن أَبَت الْمَرْأَة التَّسْلِيم كَانَ على الزَّوْج قبُول نصف الْقيمَة ومثاله أَن يكون الصَدَاق عبدا صَغِيرا فَكبر وترعرع فَالزِّيَادَة لقُوته وَكبره وَالنُّقْصَان لزوَال طراوته وَكَذَا النّخل إِذا أرقلت وبسقت لَكِن قل ثَمَرهَا فَهِيَ زِيَادَة فِي الجرم ونقصان فِي الْفَائِدَة ولسنا نشترط فِي هَذِه الزِّيَادَة مَا يزِيد فِي الْقيمَة بل مَا يرتبط بِهِ غَرَض صَحِيح فَإِن العَبْد الْكَبِير وَإِن لم تزد قِيمَته فَإِنَّهُ يصلح لأغراض لَا يصلح لَهُ الصَّغِير ولتعلم أَن الثِّمَار فِي الْأَشْجَار زِيَادَة مَحْضَة وَالْحمل فِي الْجَارِيَة زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه وَفِي الْبَهَائِم زِيَادَة من وَجه وَهل فِيهَا نُقْصَان ترددوا فِيهِ وَالظَّاهِر أَنه إِن كَانَ مَأْكُولا كَانَ نُقْصَانا لِأَنَّهُ يظْهر أَثَره فِي اللَّحْم لَا سِيمَا إِذا تكَرر وَالزَّرْع فِي الأَرْض نُقْصَان مَحْض إِذْ يبْقى الزَّرْع لَهَا وَتَكون الأَرْض نَاقِصَة الْقُوَّة والحراثة فِي الْمزَارِع زِيَادَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 مَحْضَة وَفِي مَوَاضِع الْبناء نُقْصَان مَحْض وَالْغَرْس فِي معنى الزَّرْع هَذِه قَاعِدَة الْفَصْل ويتهذب مَقْصُوده برسم مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى لَو أصدقهَا نخيلا فأثمرت فِي يَدهَا وَطَلقهَا قبل الْجذاذ فيعسر فِي هَذِه الصُّورَة التشطير إِذْ تبقى الثِّمَار خَالِصَة لَهَا وَتصير الْأَشْجَار مُشْتَركَة وَإِن ترك السَّقْي تضرر الثَّمر وَالشَّجر لامتصاص الثَّمَرَة رُطُوبَة الشَّجَرَة وَإِن سقى انْتفع الثَّمر وَالشَّجر وَلَيْسَ الْكل مُشْتَركا حَتَّى يشتركا فِي السَّقْي فَلَا يُمكن فصل هَذِه الْوَاقِعَة إِلَّا بمسامحة أحد الْجَانِبَيْنِ أَو مُوَافقَة فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ نصف الْأَشْجَار ويكلفها قطع الثِّمَار فِي الْحَال لم يلْزمهَا لِأَنَّهَا تسْتَحقّ إبْقَاء الثَّمَرَة إِلَى الْجذاذ وَكَذَلِكَ لَو كلفها هبة شطر الثِّمَار مِنْهُ ليَكُون الْكل مُشْتَركا وَكَذَلِكَ لَا يُمكنهُ أَن يكلفها السَّقْي إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَن تَنْفَع نصِيبه من الشّجر وَلَا ترك السَّقْي إِذْ يضر ثَمَرَتهَا وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَن تكلفه تَأْخِير الْملك إِلَى أَوَان الْجذاذ وَلَا أَن يسْقِي وَلَا أَن يتْرك السَّقْي لما ذَكرْنَاهُ أما الْمُسَامحَة فلهَا صور إِحْدَاهَا أَن يَقُول الزَّوْج أرجع إِلَى نصف الشّجر وَلَا أَسْقِي وَإِلَيْك الْخيرَة إِن شِئْت فاسقي وَإِن شِئْت فاتركي السَّقْي فَلَا تلزمها الْإِجَابَة لِأَنَّهَا تتضرر بترك السَّقْي وَتَنْفَع شَجَره بالسقي وَكَذَلِكَ مسامحتها على هَذَا الْوَجْه لَا تَقْتَضِي لُزُوم الْإِجَابَة الثَّانِيَة أَن يَقُول الزَّوْج آخذ نصف الشّجر وأسقي بنفسي أَو قَالَت الْمَرْأَة ارْجع إِلَى النّصْف وَأَنا الْتزم السَّقْي فَفِي وجوب الْإِسْعَاف وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ انْدفع الْعسر بالمسامحة والالتزام وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وعد لَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ وَلِأَن الْمَرْأَة رُبمَا خَافت على ثمارها بِدُخُولِهِ الْبُسْتَان أَو خَافَ على الشّجر بِدُخُولِهَا فَإِن قُلْنَا يُجَاب فَلَو رَجَعَ وَترك السَّقْي نتبين أَن الْملك لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ فِي النّصْف لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفا على الْوَفَاء بالوعد وَإِن قُلْنَا لَا يُجَاب فتسلم الْقيمَة ثمَّ إِن وفى بالوعد فَفِي رد الْقيمَة وَالرُّجُوع إِلَى الْعين تردد وَالظَّاهِر أَنه لَا يرد إِذْ يبعد منع الحكم بعد إثْبَاته الثَّالِثَة أَن تبادر إِلَى قطع ثمارها وَذَلِكَ يقطع الْعسر فَإِن وهبت نصف الثِّمَار مِنْهُ حَتَّى يصير الْكل مُشْتَركا فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان وَجه الْمَنْع مَا فِيهِ الْمِنَّة وَوجه الْإِيجَاب الضَّرُورَة وَهَذِه الضَّرُورَة لَا تجْرِي فِي الأَرْض المزروعة إِذْ الأَرْض لَا تنْتَفع بالسقي فَإِذا رَجَعَ فِي نصف الأَرْض كَانَ عَلَيْهَا السَّقْي لخاص زَرعهَا وَيجْرِي هَذَا الْعسر فِيمَا لَو أصدقهَا جَارِيَة فَولدت فَطلقهَا وَالْولد رَضِيع لِأَنَّهُ لَو رَجَعَ إِلَى نصف الْجَارِيَة تضرر الْوَلَد بِقطع الرَّضَاع فَإِن قَالَ رضيت بِأَن تبقى مُرْضِعَة إِلَى الْفِطَام فَهَذَا وَجه الْمُسَامحَة فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان وَأما الْمُوَافقَة فلهَا صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يلْتَزم أَحدهمَا السَّقْي بِرِضا صَاحبه فَهَذَا تواعد مِنْهُمَا فَإِن وفيا فَذَاك وَإِلَّا تبين أَن الْملك لم يحصل فِي الشّطْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 الثَّانِيَة أَن يتراضيا على أَن يَأْخُذ الزَّوْج نصف النّخل وَلَا يلْتَزم وَاحِد مِنْهُمَا سقيا بل يتْرك السَّقْي أَو يسْقِي من شَاءَ مُتَبَرعا فَلَو نَدم أَحدهمَا وَقَالَ أُرِيد السَّقْي لم يُمكن مِنْهُ بِخِلَاف مَا إِذا الْتزم السَّقْي ثمَّ نَدم لِأَن هَذَا إِسْقَاط حق والتزام ضرار فَيلْزم وَأما الْتِزَام السَّقْي فوعد لَا يلْزم قبل التَّسْلِيم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا أصدقهَا جَارِيَة حَامِلا فَولدت ثمَّ طَلقهَا فَيرجع إِلَى نصف الْوَلَد إِن قُلْنَا إِنَّه يُقَابل بقسط من الثّمن وَقيل لَا يرجح لِأَن أَكثر الْقيمَة حصل بالانفصال فِي ملكهَا وَهَذِه الزِّيَادَة حصلت فِي يَدهَا وَهِي لَهَا وَلَا يُمكن تَمْيِيز قيمَة الْجَنِين عَن الْمُنْفَصِل إِذْ لَا قيمَة للجنين وَإِن قُلْنَا لَا يُقَابله قسط من الثّمن فنسلم الْوَلَد لَهَا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو أصدقهَا حليا وكسرته وأعادته صَنْعَة أُخْرَى فَهُوَ زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه فلهَا الْخِيَار فَإِن أعادت تِلْكَ الصَّنْعَة بِعَينهَا فَهَل لَهَا الِامْتِنَاع من تَسْلِيم النّصْف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا كَانَت سَمِينَة فهزلت ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة وَالثَّانِي لَهَا الْمَنْع وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد لِأَنَّهَا زِيَادَة حدثت باختيارها التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع بِنصْف الْقيمَة فَالصَّحِيح أَنه يرجع بِنصْف الْقيمَة مَعَ الصَّنْعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وَقيل إِنَّه يرجع إِلَى مثل نصف تبر من الْحلِيّ وزنا بِوَزْن ثمَّ تغرم الْمَرْأَة نصف أُجْرَة الصَّنْعَة من نقد الْبَلَد الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لَو أصدق الذِّمِّيّ زَوجته خمرًا فقبضت ثمَّ أسلما فَانْقَلَبَ خلا فَطلقهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول ابْن حداد أَنه يرجع بِنصْف الْخلّ وَالثَّانِي أَنه لَا يرجع لِأَن هَذَا مَالِيَّة جَدِيدَة ومالية الْخمر قبلهَا لَا تعْتَبر فِي الْإِسْلَام فَكيف يرجع فِيهَا وَهُوَ لَا يرجع فِي زِيَادَة مُنْفَصِلَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع فَلَو أتلفت الْخلّ ثمَّ طَلقهَا قَالَ الخضري يرجع بِمثل بِنصْف الْخلّ لِأَنَّهُ من ذَوَات الْأَمْثَال وَقَالَ ابْن الْحداد لايرجع بشيئ لِأَنَّهُ فِي التّلف ينظر إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق أَو الْقَبْض وَلم يكن خلا ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يجب مثله وَلَا هُوَ مَوْجُود فِي الْحَال حَتَّى يرد عينه وَلَو أصدقهَا جلد ميتَة فدبغته فَمنع الرُّجُوع هَاهُنَا أولى إِذْ حصلت الْمَالِيَّة باختيارها فَإِن قُلْنَا يرجع فَقَوْل ابْن الْحداد فِي أَنه لَا يرجع عِنْد التّلف هَاهُنَا أظهر لِأَنَّهُ لَا مثل لَهُ فتتعين قِيمَته يَوْم الْقَبْض وَلَا قيمَة لَهُ إِذْ ذَاك الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو أصدقهَا دينا ثمَّ سلم فَطلق فَلَيْسَ لَهَا مَنعه من عين مَا سلم وَإِن لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 يكن مُتَعَيّنا فِي العقد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقه لَا محَالة وَقيل إِن لَهَا الْإِبْدَال فَإِن العقد لم يرد عَلَيْهِ بِعَيْنِه الْمَسْأَلَة السَّادِسَة لَو أصدقهَا تَعْلِيم الْقُرْآن فَلم يتَّفق حَتَّى طَلقهَا فقد عسر التَّعْلِيم وَبَقِي فِي ذمَّته الشّطْر وتعسر تعْيين شطر الْقُرْآن إِذْ سوره تخْتَلف فِي الْعسر واليسر وَكَذَلِكَ خياطَة نصف الثَّوْب تعسر إِذا أصدقهَا الْخياطَة فلهَا نصف مهر الْمثل على قَول ضَمَان العقد وعَلى القَوْل الثَّانِي نصف أُجْرَة الْخياطَة أَو التَّعْلِيم قاعدتان يَنْعَطِف حكمهمَا على الْمسَائِل الأولى أَنا حَيْثُ أثبتنا الْخِيَار من الْجَانِبَيْنِ فَلَا نحكم بِالْملكِ قبل الاختبار وَإِن فرعنا على الْأَصَح فِي أَن الصَدَاق يتشطر بِنَفس الطَّلَاق وَلَكِن نَنْتَظِر مَا يجْرِي من اخْتِيَار أَو توَافق وَلَا يكون هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر بل هُوَ كَخِيَار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَإِذا ثَبت لَهَا الْخِيَار لم يسْقط بِالتَّأْخِيرِ بل للزَّوْج الْمُطَالبَة بِحقِّهِ إِمَّا الْقيمَة وَإِمَّا الْعين فَإِن أَبَت حبس القَاضِي عين الصَدَاق عَنْهُمَا وَامْتنع تصرفها كَمَا فِي الرَّهْن وَإِذا ثَبت الْخِيَار لَهَا فِي صُورَة الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة وأصرت على الْمَنْع بَاعَ القَاضِي من نصف الصَدَاق مَا بَقِي بِنصْف الْقيمَة دون تَقْدِير الزِّيَادَة فَإِن كَانَ لَا يَشْتَرِي النّصْف بِأَكْثَرَ من نصف الْقيمَة فَلَا فَائِدَة فِي البيع فَالصَّحِيح أَنه يسلم إِلَيْهِ وَلَكِن لَا يملكهُ مَا لم يقْض لَهُ القَاضِي بِهِ لِأَنَّهُ يدْرك بِالِاجْتِهَادِ وَفِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على هَذَا غلط من غلط حَيْثُ اعْتبر الْقَضَاء فِي أصل التشطير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَالثَّانيَِة إِذا مست الْحَاجة إِلَى الْقيمَة فَأَي قيمَة تعْتَبر ينظر إِن تلف فِي يَدهَا بعد الطَّلَاق وَقُلْنَا إِنَّه مَضْمُون عَلَيْهَا فَيعْتَبر يَوْم التّلف أما إِذا تلف من قبل أَو امْتنع الرَّد إِلَيْهِ لعيب أَو زِيَادَة فَالْوَاجِب عَلَيْهَا أقل قيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى الْإِقْبَاض لِأَنَّهُ إِن نقص قبل الْإِقْبَاض فَهُوَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يحْسب عَلَيْهَا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال إِن كَانَ الْمَانِع هُوَ الزِّيَادَة وَالْعين قَائِمَة تعْتَبر حَالَة التَّقْوِيم لَكِن قدرت الزِّيَادَة كالمفوت للرُّجُوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّصَرُّفَات الْمَانِعَة من الرُّجُوع وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا زَالَ ملكهَا بِجِهَة لَازِمَة من بيع أَو هبة أَو عتق امْتنع الرُّجُوع وتقرر الْقيمَة وَإِن تعلق بِهِ حق لَازم من غير زَوَال ملك كرهن أَو إِجَارَة فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ وَله طلب الْقيمَة فِي الْحَال فَإِن قَالَ أنْتَظر الفكاك للرُّجُوع فلهَا إِجْبَاره على قبُول الْقيمَة خيفة من غرر الضَّمَان إِن قُلْنَا إِن الصَدَاق بعد الطَّلَاق مَضْمُون فِي يَدهَا وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان أَو أبرأها من الضَّمَان حَيْثُ نصحح الْإِبْرَاء عَن ضَمَان مَا لم يجب فَهَل تلزمها الْإِجَابَة فِيهِ وَجْهَان ومنشؤهما أَن هَذَا وعد وَرُبمَا يَبْدُو لَهُ الْمُطَالبَة بِالْقيمَةِ وتخلو يَدهَا فِي ذَلِك الْوَقْت عَن النَّقْد وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمهَا الْإِجَابَة فَلَو لم تتفق الْمُطَالبَة حَتَّى انْفَكَّ فَهَل لَهُ الْآن التَّعَلُّق بِالْعينِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا مَانع وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمَانِع نقل حَقه إِلَى الْقيمَة فَلَا ينْقض بعده الثَّانِيَة لَو أصدقهَا عبدا فدبرته ثمَّ طَلقهَا نقل الْمُزنِيّ أَنه تتَعَيَّن الْقيمَة فَاخْتلف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 الْأَصْحَاب على ثَلَاث طرق مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ غلط لِأَن التَّدْبِير لَا يمْنَع إِزَالَة الْملك اخْتِيَارا فَكيف يمْنَع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قرر النَّص وَقَالَ التَّدْبِير قربَة مَقْصُودَة فَلَا يتقاعد عَن زِيَادَة مُتَّصِلَة مَقْصُودَة لَا تُؤثر فِي زِيَادَة الْقيمَة فَإِنَّهَا تمنع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قَالَ الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ ينبنيان على أَن التَّدْبِير وَصِيَّة أَو تَعْلِيق فَإِن قُلْنَا تَعْلِيق فَيمْتَنع الرُّجُوع لِأَن إبِْطَال التَّعْلِيق بالتصريح بِهِ مُمْتَنع وَهَذَا الْبناء ضَعِيف فَإِن التَّعْلِيق لَا يمْنَع البيع فَكيف يمْنَع التشطير ثمَّ اخْتلف المقررون للنَّص فِي أَن صَرِيح تَعْلِيق الْعتْق هَل يكون كالتدبير وَأَن الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ للْعَبد هَل تكون كالتدبير وَأَن التَّدْبِير هَل يمْنَع الرُّجُوع فِي الهبه وَرُجُوع البَائِع فِي الْعِوَض المتسرد عَن رد المعوض بِالْعَيْبِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع الثَّالِثَة إِذا أصدقهَا صيدا وَالزَّوْج محرم عِنْد الطَّلَاق فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْتَاج إِلَى الِاخْتِيَار فَهُوَ كَشِرَاء الْمحرم للصَّيْد وَفِيه خلاف وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب إِلَيْهِ فهاهنا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَلِب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ملك قهري فَهُوَ كَالْإِرْثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 وَالثَّانِي أَنه كالشراء لِأَن الطَّلَاق إِلَى اخْتِيَاره فَإِن قُلْنَا لَا يَنْقَلِب فَيرجع إِلَى نصف الْقيمَة وَإِن كَانَ الْمَانِع من جِهَته وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب فَكيف يجب إرْسَال نصف الصَّيْد أَو كَيفَ يمسك وَنصفه لمحرم وَفِيه خلاف يبْنى على أَن الْمُقدم عِنْد التزاحم حق الله تَعَالَى أَو حق الْآدَمِيّ أم يتساويان فَإِن قدمنَا حق الله وَجب على الزَّوْج الْإِرْسَال وَغرم قيمَة نصِيبهَا وَإِن قُلْنَا حق الْآدَمِيّ بَقِي ملكا للْمحرمِ للضَّرُورَة وَإِن قُلْنَا يتساويان فإليهما الْخيرَة فَإِن أرْسلهُ الرجل بِرِضَاهَا غرم لَهَا وَإِلَّا بَقِي مُشْتَركا الرَّابِعَة إِذا زَالَ ملكهَا بِغَيْب أَو هبة لَازِمَة ثمَّ عَاد فَهَل يمْتَنع الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَإِن كَانَ الطَّارِئ هُوَ الرَّهْن وَالْإِجَارَة فَإِذا زَالَ لم يمْتَنع الرُّجُوع وترددوا فِي الْكِتَابَة وَالتَّدْبِير وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا بعد الِانْقِطَاع لَا يمنعان الرُّجُوع عِنْد الطَّلَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا لَو وهبت الصَدَاق من زَوجهَا ثمَّ طَلقهَا ونقدم عَلَيْهِ مقدمتين إِحْدَاهمَا أَن الله تَعَالَى قَالَ {فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} أما عفوهن فمعلوم أَنه يُوجب سُقُوط حقهن عَن النّصْف الْبَاقِي إِذا كَانَ الصَدَاق فِي الذِّمَّة أما الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح فقد اخْتلفُوا فِيهِ فمذهب ابْن عَبَّاس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم أَن المُرَاد بِهِ الْوَلِيّ دون الزَّوْج لِأَنَّهُ ذكر الْأزْوَاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 بِصِيغَة المخاطبة فَقَالَ {فَنصف مَا فرضتم} وَهَذَا بِصِيغَة المغايبة وَلِأَنَّهُ عطف على عفوها فليحمل على من يُوجب عَفوه سَلامَة الصَدَاق لَهُ وَمذهب عَليّ وَابْن جريج وَابْن الْمسيب رَضِي الله عَنْهُم أَن المُرَاد بِهِ الزَّوْج وَهُوَ الْجَدِيد لِأَنَّهُ ذكر عفوها الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهُ ثمَّ ذكر عَفوه الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهَا وَهَذَا يُؤَيّد قَول الْحَاجة إِلَى الِاخْتِيَار وَلِأَنَّهُ قَالَ {أقرب للتقوى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وعفو الْوَلِيّ لَا يُوصف بذلك التَّفْرِيع إِن منعنَا عَفْو الْوَلِيّ وَهُوَ الْقيَاس فَلَا كَلَام وَإِن أثبتنا عَفوه فَهُوَ مُقَيّد بِخمْس شَرَائِط أَن يكون الْوَلِيّ مجبرا كَالْأَبِ وَالْجد وَأَن لَا تكون مالكة أَمر نَفسهَا وَأَن يكون قبل الْمَسِيس فَأَما مَا بعده تَعْطِيل لحقها وَأَن يكون بعد الطَّلَاق لَا قبله فَإِن كَانَ مَعَه بِأَن اختلعها بِالْمهْرِ فَفِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه كالمتأخر وَأَن يكون الصَدَاق دينا إِذْ لفظ الْعَفو إِنَّمَا يسْتَعْمل فِيهِ لَا فِي الْعين وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْعين فِي معنى الدّين فِي حكم الْقيَاس والمصلحة لِأَنَّهُ جوز رخصَة لتخليصها إِذا مست الْحَاجة إِلَيْهِ ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه هَل يعْفُو مهر الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَقيل نعم للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَن الْغَرَض تَخْلِيصهَا لتنكح غَيره وَهَذِه لَا يرغب فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 الثَّانِيَة الْبكر الْبَالِغ قيل يعْفُو عَن مهرهَا للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَنَّهَا مالكة أَمر نَفسهَا وعَلى هَذَا يَنْبَنِي أَن الْوَلِيّ هَل يسْتَقلّ بِقَبض صَدَاقهَا وَكَأن من جوز ذَلِك سحب ولَايَته على عوض الْبضْع لتَعَلُّقه بالبضع الثَّالِثَة الْبكر الصَّغِيرَة إِذا زوجت وثابت فِي صلب النِّكَاح بِوَطْء شُبْهَة فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو لِأَن عقدَة النِّكَاح لَيست بِيَدِهِ الْآن الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي أَلْفَاظ الْعَفو إِذا كَانَ الصَدَاق دينا يسْقط بِلَفْظ الْعَفو وَالْإِبْرَاء وَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول على الصَّحِيح وَلَو قَالَت وهبت فَهَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ عينا لم يسْقط بِلَفْظ الْإِبْرَاء وَإِن قبل وَفِي لفظ الْعَفو تردد وَالْأَشْهر أَنه كَلَفْظِ الْإِبْرَاء وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي ذَلِك فِي الصَدَاق خَاصَّة لعُمُوم الْآيَة رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول فِي رُجُوع الصَدَاق إِلَى الزَّوْج قبل الطَّلَاق خمس صور إِحْدَاهَا أَن يكون بمعاوضة فَإِذا طلق رَجَعَ إِلَى الْقيمَة سَوَاء كَانَ مُحَابَاة أَو بِثمن الْمثل الثَّانِيَة أَن يرجع بِهِبَة وَهل يمْنَع الرُّجُوع بِالْقيمَةِ عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ الثَّالِثَة أَن يكون دينا وَرجع بِالْإِبْرَاءِ فطريقان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يرجع بِالْقيمَةِ وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ الرَّابِعَة أَن يكون بِهِبَة الدّين وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالرُّجُوعِ الْخَامِسَة أَن يكون بِهِبَة الدّين الْمَقْبُوض وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يرجع تَوْجِيه أصل الْقَوْلَيْنِ من قَالَ لَا يرجع جعل هبة الصَدَاق كتعجيل رده إِلَيْهِ قبل الطَّلَاق وَمن قَالَ يرجع أنكر أَن تكون الْهِبَة تعجيلا إِذْ لَو صرح بالتعجيل لم يَصح بل الْهِبَة سَبَب مُسْتَأْنف لَا يُغير حكم الطَّلَاق وترتيب الْإِبْرَاء على الْهِبَة سَببه أَن الْإِبْرَاء يضاهي الْإِسْقَاط من وَجه وَلَكِن لَا يشْتَرط فِيهِ الْقبُول فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الفسوخ وكل جِهَة تَقْتَضِي الرُّجُوع إِلَى عوض حَتَّى لَو بَاعَ عبدا بِجَارِيَة فوهب مِنْهُ العَبْد ثمَّ أَرَادَ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ لم يجز لَهُ طلب قيمَة العَبْد على هَذَا القَوْل وَيمْتَنع بِسَبَبِهِ رد الْجَارِيَة عِنْد بَعضهم لعروه عَن الْفَائِدَة فرعان أَحدهمَا لَو وهبت من الزَّوْج نصف الصَدَاق ثمَّ طَلقهَا فَإِن قُلْنَا الْهِبَة لَا تمنع الرُّجُوع فَلهُ الرُّجُوع بِالنِّصْفِ وَفِي كيفيته ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 أَحدهَا أَنه يرجع إِلَى النّصْف الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل وانحصر هبتها فِي نصِيبهَا وَهُوَ المستيقن وَهَذَا يعرف بقول الْحصْر وَالثَّانِي أَنه يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة إِذْ لَا بُد من الإشاعة فَإِن الْحصْر تحكم وَالثَّالِث أَن الإشاعة حق وَلَكِن تُؤدِّي إِلَى تبعيض حق الزَّوْج فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ طلب قيمَة النّصْف وَإِن شَاءَ رَجَعَ إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة وتجري الْأَقْوَال فِيمَا لَو أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم فأخرجت وَاحِدَة لِلزَّكَاةِ ثمَّ طَلقهَا فَفِي قَول يرجع إِلَى عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر زَكَاتهَا فِي نصِيبهَا وَفِي قَول يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَبَقِيَّة الْقيمَة وَفِي قَول يتَخَيَّر بَين ذَلِك وَبَين قيمَة الْعشْرين وَكَذَلِكَ تجْرِي فِيمَا لَو وهبت النّصْف من الْأَجْنَبِيّ أما إِذا فرعنا على أَن الْهِبَة تمنع الرُّجُوع فَإِن قُلْنَا بالحصر فَمنهمْ من حصر الْهِبَة فِي جَانبهَا وَأثبت للزَّوْج الرُّجُوع بِالنِّصْفِ الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل وَمِنْهُم من حصر الْهِبَة فِي جَانِبه وَجعل الْمَوْهُوب كَأَنَّهُ الْمُعَجل فَلَا يبْقى لَهُ حق فِي التشطير فَكَأَنَّهُ عجل مَا يسْتَحق من النّصْف بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَإِذ قُلْنَا بالإشاعة رَجَعَ إِلَى النّصْف الْبَاقِي وَهُوَ ربع الْجُمْلَة وَلَا يجْرِي قَول الْخِيَار لأَنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 على هَذَا القَوْل نعني على قَول منع الرُّجُوع جعلناها مُعجلَة للربع فيضاف الرّبع الْبَاقِي إِلَيْهِ الْفَرْع الثَّانِي إِذا اخْتلعت الْمَرْأَة قبل الْمَسِيس بِعَين الصَدَاق فَيَنْبَغِي أَن تَقول اخْتلعت بِالنِّصْفِ الَّذِي يبْقى لي فَإِن قَالَت اخْتلعت بِالنِّصْفِ مُطلقًا فعلى قَول الْحصْر ينْحَصر فِي نصفهَا وَيصير كَمَا لَو صرحت بِمَا يبْقى لَهَا وعَلى قَول الشُّيُوع يفْسد نصف الْعِوَض وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة سلم للزَّوْج من الصَدَاق ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِحكم التشطير وَربع بِحكم الْخلْع وَيرجع إِلَى قيمَة الرّبع الْبَاقِي أَو إِلَى نصف مهر الْمثل لِأَن ربع الصَدَاق هُوَ نصف عوض الْخلْع وَفِيه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي فَسَاد الصَدَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُتْعَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فَهِيَ وَاجِبَة عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ مَالك إِنَّهَا مُسْتَحبَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 وَالنَّظَر فِي مَحل وُجُوبهَا وقدرها أما الْمحل فالنظر فِي المطلقات وأنواع الْفِرَاق أما المطلقات فثلاثه ثَلَاثَة أَقسَام إِحْدَاهَا الْمُطلقَة المفوضة وَهِي تسْتَحقّ الْمُتْعَة مهما طلقت قبل الْفَرْض والمسيس إِذْ لَيْسَ لَهَا نصف مهر وفيهَا ورد الْقُرْآن الثَّانِيَة مُطلقَة اسْتحقَّت شطر الْمهْر قبل الْمَسِيس فَلَا تسْتَحقّ الْمُتْعَة لِأَنَّهُمَا كالمتعاقبين فِي نَص الْقُرْآن الثَّالِثَة وَهِي الَّتِي اسْتَقر مهرهَا بالمسيس فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا تسْتَحقّ إِذْ سلم لَهَا جَمِيع الْمهْر وَالثَّانِي تسْتَحقّ لِأَن جَمِيع الْمهْر فِي مُقَابلَة الْبضْع فَكَأَنَّهَا لم تسْتَحقّ للإبتذال شَيْئا وَأما أَنْوَاع الْفِرَاق فَفِي معنى الطَّلَاق فِرَاق العان لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمُجَرَّد لِعَانه وَكَذَا ردته وكل فِرَاق مشطر للمهر فَيُوجب الْمُتْعَة إِذا لم يشطر وَأما مَا يسْتَند إِلَيْهَا كفسخها بِعَيْبِهِ أَو فَسخه بعيبها فَلَا يُوجب الْمُتْعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 وَنقل الْمُزنِيّ فِي فَسخهَا بجبه أَنه يثبت الْمُتْعَة وَاتَّفَقُوا على تغليطه وَأما الْخلْع فقد ترددوا فِيهِ من حَيْثُ إِنَّه مشطر وَلكنه يتَعَلَّق بِرِضَاهَا وجانبها وَأما مَا لَا يتَعَلَّق بالجانبين كالانفساخ برضاع محرم فَيُوجب الْمُتْعَة لِأَنَّهَا تأذت بالفراق وَإِن لم يؤذها الزَّوْج وَكَأن الْمُتْعَة جبر لأَذى الْفِرَاق إِذا لم يجْبر بِالْمهْرِ وَأما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَا مُتْعَة لَهَا لِأَنَّهَا متفجعة لَا مستوحشة النّظر الثَّانِي فِي قدرهَا وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَن أقل مَا يتمول بِهِ يَعْنِي فَلَا تَقْدِير فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد فِيهِ القَاضِي فَمَا يرَاهُ لائقا بِالْحَال يقدره وَقيل ينظر القَاضِي الى حَاله فِي الْيَسَار والإعسار وَقيل بل إِلَى حَالهَا ومنصبها وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يفْرض القَاضِي لَهَا مقنعتا أَو خَاتمًا أَو ثوبا وَالْأَصْل أَنه لَا ضَابِط فِيهِ إِلَّا الِاجْتِهَاد كَمَا فِي التعزيزان فَإِنَّهَا على قدر الْجِنَايَات وعَلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 قدر أَخْلَاق الجناة فِي الغرامة والسلامة ثمَّ لَا يُزَاد فِي الْمُتْعَة على نصف الْمهْر كَمَا لَا يُزَاد التَّعْزِير على الْحَد ثمَّ إِن لم يكن فِي النِّكَاح مهر فمرد الْمُتْعَة إِلَى نصف مهر الْمثل فلتنقص عَنهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي النزاع فِي الصَدَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل خمس الأولى إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الصَدَاق أَو جنسه أوصفته كَمَا وصفانه فِي البيع تحَالفا وَإِن كَانَ بعد الْمَوْت جرى التَّحَالُف مَعَ الْوَارِث لَكِن الْوَارِث النَّافِي يحلف على نفي الْعلم والمثبت يحلف على الْبَتّ وَكَذَلِكَ يجْرِي التَّحَالُف بعد ارْتِفَاع النِّكَاح لِأَن الصَدَاق مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَفَائِدَة التَّحَالُف فِيهِ انْفِسَاخ الصَدَاق وَالرُّجُوع على مهر الْمثل إِلَى الْأَقْوَال كلهَا لِأَن منشأ التَّحَالُف الْجَهْل بِمِقْدَار الصَدَاق فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة وَقَالَ ابْن خيران إِذا كَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة أقل من مهر الْمثل فَلَا ترجع إِلَى مهر الْمثل بل يكفيها مَا تدعيه وَهُوَ بعيد لِأَن رُجُوعهَا إِلَى الْمهْر بِجِهَة الْفَسْخ يُخَالف جِهَة الدعْوَة وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة التَّسْمِيَة وَأنكر الزَّوْج أصل التَّسْمِيَة تحَالفا وَإِنَّمَا يُفِيد ذَلِك إِذا ادَّعَت زِيَادَة على مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم التَّسْمِيَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حَاصِل النزاع يرجع إِلَى أَن الثَّابِت مهر الْمثل أَو أَكثر الثَّانِيَة لَو اعْترف الزَّوْج بِالنِّكَاحِ وَأنكر أصل الْمهْر أَو سكت عَنهُ قَالَ القَاضِي لَهَا مهر الْمثل وَلَكِن نحلفها لِأَن الظَّاهِر مَعهَا وَزَاد فَقَالَ لَو قَالَ هَذَا الصَّبِي ابْني من فُلَانَة فلهَا مهر الْمثل إِن حَلَفت لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَلَد يكون من وَطْء مُحْتَرم فَإِن استدخال المَاء بعيد وَمَا ذكره فِيهِ نظر لِأَن هَذَا يدل على أصل الْمهْر فَأَما مِقْدَاره فَلَا يدل عَلَيْهِ فَإِن إِنْكَاره أصل الْمهْر أبلغ من إِنْكَاره بعض الْمهْر وَذَلِكَ يُوجب التَّحَالُف نعم مَا ذكره يستمد من مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ لَو تنَازعا وَكَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة مِقْدَار مهر الْمثل فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَا تحالف وَنحن لَا نَنْظُر إِلَى ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 الثَّالِثَة لَو تنَازع الزَّوْج وَولي الصبية فِي مِقْدَار الْمهْر هَل يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه تَحْلِيف الْوَلِيّ أَنه مَقْبُول الْإِقْرَار فِيهِ فَلَا يبعد أَن يحلف وَحَيْثُ لَا يقبل إِقْرَاره فَلَا يحلف وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي الْوَصِيّ والقيم وَالْوَكِيل فِيمَا يتَعَلَّق بإنشائهم أما إِذا ادّعى الْوَلِيّ على إِنْسَان أَنه أتلف مَال طِفْل فنكل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَنه لَا ترد الْيَمين على الْوَلِيّ لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بإنشائه وَلَكِن لَا يقْضى بِنُكُولِهِ عَلَيْهِ ويتوقف إِلَى بُلُوغ الصَّبِي حَتَّى يحلف وَعَن هَذَا قَالَ بَعضهم لَا تعرض الْيَمين عَلَيْهِ بل يتَوَقَّف فِي أصل الْخُصُومَة لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن النّكُول وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ترد الْيَمين على الْوَلِيّ هَاهُنَا أَيْضا فَلَو نكل هَل يقْضى على الطِّفْل بِنُكُولِهِ أم لَهُ أَن يحلف بعد الْبلُوغ فِيهِ وَجْهَان الرَّابِعَة لَو ادَّعَت أَلفَيْنِ فِي عقدين أَحدهمَا يَوْم الْخَمِيس وَالْآخر يَوْم الْجُمُعَة وأقامت الْبَيِّنَة استقحت وَحمل على تخَلّل الطَّلَاق فَإِن ادّعى الرجل أَن الطَّلَاق قبل الْمَسِيس ليسقط النّصْف وَمَا أَقَامَت بَيِّنَة على الْمَسِيس قُلْنَا لَهُ النِّكَاح مُثبت للْكُلّ وَعَلَيْك بَيَان الْمسْقط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 الْخَامِسَة لَو كَانَ فِي ملك الرجل أَبوهَا وَأمّهَا فَأَصْدقهَا أَحدهمَا على التَّعْيِين لَكِن تنَازعا فَقَالَت الْمَرْأَة أصدقتني الْأُم وَقَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب تحَالفا وَفِيه وَجه أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن الصَدَاق عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَلم يتَّفقَا على صدَاق وَاحِد فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ بعتني الْجَارِيَة بِدِينَار فَقَالَ بل بِعْتُك العَبْد بدرهم فَإِنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الصَدَاق لَهُ حكم الأعواض ثمَّ لَو تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل ورقت الْأُم وَعتق الْأَب على الزَّوْج بِإِقْرَارِهِ وَلَا يرجع إِلَيْهَا بِقِيمَتِه لِأَنَّهَا مُنكرَة وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا مدعي لَهُ وَلَو حلف الزَّوْج ونكلت الْمَرْأَة رقت الْأُم وَحكم بِأَن الصَدَاق هُوَ الْأَب وَعتق وَلَا وَلَاء لَهَا لإنكارها أما إِذا قَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب وَنصف الْأُم وَقَالَت بل أصدقتهما جَمِيعًا فَإِذا تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل وَعتق الْأَب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا قِيمَته وَعتق نصف الْأُم وَالْبَاقِي يعْتق بِالسّرَايَةِ إِن كَانَت موسرة وَقد تمّ كتاب الصَدَاق ونردفه بِبَاب فِي الْوَلِيمَة والنثر على تَرْتِيب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 الْوَلِيمَة والنثر الْفَصْل الأول فِي وُجُوبهَا وَوُجُوب الْإِجَابَة فَنَقُول الْوَلِيمَة عبارَة فِي اللُّغَة عَن مأدبة سَببهَا سرُور من ختان أَو قدوم أَو إملاك لَكنا نُرِيد بِهِ مأدبة الْعرس فَإِن الْأَمر فِيهِ مُؤَكد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتْرك الْوَلِيمَة فِي حضر وَلَا سفر وَأَوْلَمَ على صَفِيَّة بسويق وتمر فِي السّفر وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 ابْن عَوْف أولم وَلَو بِشَاة وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي سَائِر الدَّعْوَات من تَركهَا لم يبن لي أَنه عَاص كَمَا تبين لي فِي وَلِيمَة الْعرس فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تجب وَحمل الْأَمر على الِاسْتِحْبَاب وَحمل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على ترك الْإِجَابَة إِلَى الْوَلِيمَة وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْإِجَابَة أَيْضا لَا تجب وَحمل قَوْله عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 الصَّلَاة وَالسَّلَام من لم يجب الدَّاعِي فقد عصى أَبَا الْقَاسِم على أَنه عصى فِي سيرته والاقتداء بمحاسن أخلاقه إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أهدي إِلَيّ ذِرَاع لقبلت وَلَو دعيت إِلَى قراع لَأَجَبْت ثمَّ إِن قُلْنَا تجب الْإِجَابَة فَيسْقط الْوُجُوب بأعذار الأول أَن يكون فِي الدعْوَة شيئ من الْمُنْكَرَات فَإِن كَانَ يهاب ويرتفع ذَلِك بِحُضُورِهِ فليحضر وَإِلَّا فليمتنع فَإِن حضر وَرَأى ذَلِك وَلم يقدر على التَّغْيِير فَليخْرجْ إِذْ الْإِقَامَة فِي مُشَاهدَة الْمُنْكَرَات حرَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 الثَّانِي أَن يكون فِي الْبَيْت الْمَدْعُو إِلَيْهِ صُورَة مصورة للحيوانان أَو على الستور والسقوف فَإِن ذَلِك حرَام وَلَا بَأْس بصور الْأَشْجَار وَأما صُورَة الْحَيَوَانَات فَلَا يُعْفَى عَنْهَا إِلَّا على الْفرش وَمَا تَحت الْأَقْدَام لَا المنصوبة على صور الْأَصْنَام والوسادة الْكَبِيرَة فِي الصَّدْر فِي حكم الْمَنْصُوب وَقد رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي دَاره ستْرَة عَلَيْهَا صور فَكَانَ يدنو مِنْهَا وينصرف فعل ذَلِك مرَارًا ثمَّ قَالَ حطيها واتخذي مِنْهَا نمارق وَلَا يجوز لبس الثِّيَاب وَعَلَيْهَا صور الْحَيَوَان لَا للرِّجَال وَلَا للنِّسَاء وَأما نسج تِلْكَ الثِّيَاب فجوزه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي الْفرش إِلَّا أَن الظَّاهِر تَحْرِيم ذَلِك لعُمُوم الحَدِيث حَيْثُ قَالَ يحْشر المصورون يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال لَهُم انفخوا الرّوح فِيمَا خلقْتُمْ وَمَا هم بنافخين وَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب نعم لَا يبعد أَن يُقَال مَا اتخذوه يجوز أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 يوطء بالأقدام وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَالظَّاهِر أَن الدُّخُول مَكْرُوه وَمِنْهُم من حرم ذَلِك الثَّالِث لَو أحضر أكواما من الأراذل والسفلة وَكَانَت مجالستهم تزري بمنصبه ومروءته فَالظَّاهِر أَنه لَا تجب الْإِجَابَة الرَّابِع أَن الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْر بل يحضر فَإِن صَامَ عَن فرض أمسك وَإِن كَانَ عَن نفل أفطر إِلَّا إِذا علم أَنه لَا يعز على الدَّاعِي إِمْسَاكه فَعِنْدَ ذَلِك يمسك أَيْضا وَحَيْثُ تجب الْإِجَابَة فَإِنَّمَا تجب إِذا قَصده الدَّاعِي فَإِن قَالَ لغلامه ادْع من شِئْت فَلَا تجب على من دَعَاهُ الْغُلَام الْإِجَابَة وَلَو دَعَا جمَاعَة وَلم يقْصد الْآحَاد سقط الْوُجُوب بِحُضُور جمَاعَة كرد السَّلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 الْفَصْل الثَّانِي فِي الضِّيَافَة وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه لَا يعين طَعَاما فِي الضِّيَافَة بل الْخيرَة إِلَى المضيف لَكِن فِي الْوَلِيمَة يَنْبَغِي أَن ب 180 يتَّخذ يتأخذ مَا يَلِيق بمنصبه وحاله الثَّانِيَة أَنه لَا يفْتَقر إِلَى تَصْرِيح بِالْإِبَاحَةِ بعد إِحْضَار الطَّعَام وَقيل لَا بُد من لفظ كَقَوْلِه كلوا أَو الصَّلَاة الثَّالِثَة الضَّيْف يَأْكُل ملك الْغَيْر بطرِيق الْإِبَاحَة وَله الرُّجُوع وَقيل إِنَّه يملك لَكِن اخْتلفُوا فِي وقته مِنْهُم من قَالَ عِنْد رفع اللُّقْمَة وَقيل عِنْد الْوَضع فِي الْفَم وَقيل عِنْد المضغ وَقيل عِنْد الازدراد نتبين أَنه يملك مَعَ الازدراد وَقيل لَا يملك أصلا وَإِنَّمَا هَذِه الترددات فِي وَقت امْتنَاع الرُّجُوع عَن الْإِبَاحَة وَالْقِيَاس أَنه لَا يملك وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع إِلَّا بالفوات الرَّابِعَة زلت الصُّوفِيَّة حرَام إِلَّا إِذا علم يَقِينا بِقَرِينَة الْحَال رضَا الْمَالِك فَإِن تردد فِيهِ فَالظَّاهِر التَّحْرِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 الْفَصْل الثَّالِث فِي نثر السكر والجوز وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَن النثر والالتقاط كِلَاهُمَا مباحان لما روى جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم حضر إملاكا فَقَالَ أَيْن أطباقكم فَأتي بأطباق عَلَيْهَا جوز ولوز وتمر فَنثرَتْ قَالَ جَابر فقبضنا أَيْدِينَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لكم لَا تأخذون فَقَالُوا لِأَنَّك نَهَيْتنَا عَن النهبى فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نَهْبي العساكر خُذُوا على اسْم الله تَعَالَى فجاذبنا وجاذبناه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 ترك ذَلِك أحب إِلَيّ وَإِنَّمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرخصة وبيانها فَلَا نقُول إِنَّه مَكْرُوه وَلَكِن رُبمَا يُؤثر الناثر بعض النَّاس دون بعض فَتَركه أولى الثَّانِيَة مَا وَقع فِي الأَرْض فالحاضرون فِيهِ سَوَاء ويملكه من يبتدره وَمن تثبت يَده على شَيْء مِنْهُ فَلَا يسلب بل هُوَ كالصيد الثَّالِثَة لَو وَقع فِي حجر إِنْسَان وَقد بَسطه لذَلِك ملكه فَإِن سقط مِنْهُ فَهَل لغيره أَخذه فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ ذَلِك وقرار أمره مَوْقُوف على استقراره فِي يَده أما إِذا لم يبسطه لذَلِك فلغيره أَخذه كَمَا إِذا عشش الطَّائِر فِي دَاره ثمَّ طَار أما إِذا وَقع الصَّيْد فِي الشبكة ثمَّ أفلت فَالظَّاهِر أَن ملكه لَا يَزُول وَفِي وَجه أَنه فِي الْعرف لَا يعد مُسْتَقرًّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 = كتاب الْقسم والنشوز = وَفِيه مُقَدّمَة وَسِتَّة فُصُول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 أما الْمُقدمَة فَهِيَ أَن الْحق فِي النِّكَاح مُشْتَرك بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِن كَانَ بَينهمَا تفَاوت قَالَ الله تَعَالَى {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إِذْ لَهُنَّ النَّفَقَة والكسوه وَالْمهْر وَالْقسم كَمَا لَهُم عَلَيْهِنَّ الاستعداد للاستمتاع والتمكين وَالطَّاعَة وَلُزُوم قَعْر الْبَيْت حَتَّى يمْنَعهَا عَن زِيَارَة الْوَالِدين وتشييع جنائزهما وعيادتهما وَإِن كَانَ الأولى أَن يرخص فِي ذَلِك كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الوحشة وَقَطِيعَة الرَّحِم وَلَكِن لَيْسَ للمنفردة فِي النِّكَاح مُطَالبَة الزَّوْج بالمبيت عِنْدهَا وَلَا بالوقاع اكْتِفَاء بدواعي الطَّبْع وَالْأولَى بِالزَّوْجِ أَن لَا يخليهن عَن الإيناس والوقاع تحصينا لَهُنَّ عَن الْفُجُور وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد وَأَن يبيت عِنْدهَا فِي كل أَربع لَيَال لَيْلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 وَاحِدَة لِأَنَّهُ أقْصَى مَا يُمكن فِي حَقه أَربع نسَاء وَذَلِكَ غير سديد بل لَو كَانَ لَهُ أَربع نسْوَة فَأَعْرض عَن جَمِيعهنَّ لم يكن لَهُنَّ مُطَالبَته نعم إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة لزمَه مثله فِي حق الْبَاقِيَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وَلَا قسم بَين المستولدات وَالْإِمَاء وَلَا بَينهُنَّ وَبَين المنكوحات بل لَهُ أَن يفعل فِيهِنَّ مَا شَاءَ وَإِن كَانَ الأولى الْإِنْصَاف بَينهُنَّ وَترك الْإِيذَاء لَكِن وجوب الْقسم من خاصية النِّكَاح هَذِه هِيَ الْمُقدمَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 أما الْفَصْل الأول فِيمَن يسْتَحق الْقسم وَيسْتَحق عَلَيْهِ فَنَقُول الْمَرِيضَة والرتقاء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة وَالَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا أَو ظَاهرا وَجَمِيع أَصْنَاف النِّسَاء مِمَّن بِهن عذر شَرْعِي أَو طبعي يثبت لَهُنَّ اسْتِحْقَاق الْقسم لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تمنع الْوَطْء ومقصود الْقسم السكن والأنس والحذر من التَّخْصِيص المؤذي أما النَّاشِزَة فَلَا تسْتَحقّ حَتَّى لَو كَانَ يدعوهن إِلَى منزله فامتنعت وَاحِدَة فِي نوبتها سقط حَقّهَا إِذْ يجب عَلَيْهِنَّ الْإِجَابَة إِلَّا إِذا كَانَ يساكن وَاحِدَة ويدعوا الْأُخْرَى فامتنعت فَيحْتَمل أَلا تجْعَل نَاشِزَة حَتَّى يجب عَلَيْهِ أَن يأتيهن أَو يدعوا جَمِيعهنَّ إِذْ مساكنة وَاحِدَة تَخْصِيص موحش وَيحْتَمل أَن يترخص فِي هَذَا الْقدر من التَّخْصِيص أما المسافرة بِغَيْر إِذْنه فناشزة وَإِن سَافَرت فِي غَرَضه بِإِذْنِهِ فحقها قَائِم وتستحق الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي غرضها فَقَوْلَانِ والجديد الصَّحِيح أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الْقَضَاء لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بغرض نَفسهَا أما من يسْتَحق عَلَيْهِ فَهُوَ كل زوج حَتَّى الْمَجْنُون قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْوَلِيّ أَن يطوف بِهِ على وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك إِذْ الْعَاقِل لَو امْتنع عَن الْكل جَازَ ذَلِك وَكَذَا الْمَجْنُون وَلَكِن الْعَاقِل يَكْتَفِي بدعايته الباعثة وَالْمَجْنُون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 بِخِلَافِهِ فَلَا يبعد أَن يجب على الْوَلِيّ ذَلِك فَإِن قُلْنَا يجب فَعَلَيهِ مُرَاعَاة البيتوتة وَإِن قُلْنَا لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك فَلَو حمله إِلَى وَاحِدَة لَيْلَة يلْزمه مثل ذَلِك لغيره وَيحْتَمل أَن يُقَال التَّخْصِيص إِنَّمَا يثقل من الزَّوْج وَهَذَا من الْوَلِيّ فَلَا يعظم ضَرَره وَأما السَّفِيه فَلَا شكّ فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف فرع لَو كَانَ يجن ويفيق وَأمكن الضَّبْط فَلَا يجوز تَخْصِيص وَاحِدَة بالإفاقة وَإِن لم يُمكن فأفاق فِي نوبَة وَاحِدَة فَفِي كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا يدل على أَنه يقْضِي لِلْأُخْرَى يَوْم الْجُنُون لنُقْصَان حَقّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 الْفَصْل الثَّانِي فِي مَكَان الْقسم وزمانه وعدده أما الْمَكَان فَلَا يَنْبَغِي أَن يجمع بَين الضرتين فِي مسكن وَاحِد إِلَّا أَن تنفصل الْمرَافِق فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْإِضْرَار وَلَو كن فِي بُيُوتهنَّ وَكَانَ يَسْتَدْعِي كل وَاحِدَة إِلَى منزله جَازَ وعليهن الْإِجَابَة وَأما الزَّمَان فعماده اللَّيْل لِأَن الله تَعَالَى جعل اللَّيْل سكنا إِلَّا فِي حق الأتوني والحارس فَالْأَصْل فِي حَقّهمَا النَّهَار وَأما فِي حق الْعَامَّة فالنهار تَابع وَتظهر التّبعِيَّة فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يدْخل فِي نوبَة وَاحِدَة على ضَرَّتهَا إِلَّا لضَرُورَة كَمَرَض مخوف أَو مرض يُمكن أَن يكون مخوف فيستبين حَقِيقَة الْحَال ليعود فارغ الْقلب وَقيل إِذا لم يتَحَقَّق أَنه مخوف لم يجز الْخُرُوج فَإِن خرج إِلَيْهَا بِغَيْر عذر عصى وَيَقْضِي لَهَا من نوبَة ضَرَّتهَا إِن بلغ مكثه ثلث اللَّيْل هَكَذَا قدره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَهُوَ قريب من التحكم بل وَجه أَن لَا يقدر بل يجب عَلَيْهِ قَضَاء مثله كَيْفَمَا كَانَ لَكِن ظَاهر الْمَنْقُول أَنه إِذا لم يكن مكث فَيقْتَصر على التعصية وَلَا يجب الْقَضَاء وَأما بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مُلَازمَة النِّسَاء إِذْ يشْتَغل بِالْكَسْبِ بل إِذا أَرَادَ أَن يعود إِلَى لوضوء أَو طَعَام فَيرجع إِلَى بَيت صَاحِبَة النّوبَة فَإِن دخل على ضَرَّتهَا بِالنَّهَارِ فَفِيهِ ثَلَاث طرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 أَحدهَا أَنه كالليل وَالثَّانِي أَنه أَن ذَلِك لَا حجر فِيهِ لِأَن النَّهَار تبع وَهُوَ وَقت الانتشار وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِحْقَاق مُلَازمَة حَتَّى يفوت بِسَبَب الدُّخُول على الضرة وَالثَّالِث أَن ذَلِك يجوز لغَرَض مُهِمّ وَإِن لم يكن بِمَرَض مخوف وَلَا يجوز بِاللَّيْلِ إِلَّا بِمَرَض مخوف فَإِن تعود الانتشار فِي نوبَة وَاحِدَة وملازمة الْأُخْرَى فَيظْهر الْمَنْع فِي ذَلِك الْأَمر الثَّانِي لَو جَامعهَا فِي نوبَة ضَرَّتهَا عصى بالاضرار وَلَكِن إِن جرى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يقْضِي مثل تِلْكَ الْمدَّة إِن طَالَتْ وَلَا يُكَلف الوطاء الثَّانِي أَنه أفسد تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَو عَاد إِلَيْهَا لَا يعْتد بِهِ لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ فَيَقْضِي تَمام اللَّيْل وَإِن عَاد إِلَيْهَا وَالثَّالِث أَنه يلْزمه قَضَاء الوقاع فِي نوبَة الْمَوْطُوءَة فَقَط وَإِن جرى بِالنَّهَارِ احْتمل الِاقْتِصَار على التعصية وَيحْتَمل أَن يَجْعَل ذَلِك كالليل فَأَما الْمِقْدَار فأقله لَيْلَة وَإِن أَرَادَ أَن ينصف لم يجز لِأَنَّهُ يتنغص الْعَيْش إِذا بتر اللَّيْل وَأما الْأَكْثَر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأكرمه مُجَاوزَة الثَّلَاث أَي يجوز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 أَن يبيت ثَلَاث لَيَال عِنْد وَاحِدَة وَثَلَاث عِنْد أُخْرَى وَمِنْهُم من قَالَ لَا يُجَاوز الثَّلَاث إِذْ لَا مرد بعده وَمِنْهُم من قَالَ يجوز إِلَى السَّبع فَإِنَّهُ مُدَّة مُلَازمَة الْبكر أَولا وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَقْدِير وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّسْوِيَة فَقَط فرع إِذا قرر الْقسم على مِقْدَار فالبداية يَنْبَغِي أَن تكون بِالْقُرْعَةِ وَقيل هُوَ إِلَى خيرة الزَّوْج لِأَنَّهُ مَا لم يبت عِنْد وَاحِدَة لَا يلْزمه لِلْأُخْرَى حق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفَاضُل وَله سببان الأول الْحُرِّيَّة وللحرة ليلتان وللأمة لَيْلَة لما روى الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للْحرَّة ثلثا الْقسم وللأمة الثُّلُث وَقَالَ مَالك يُسَوِّي بَينهمَا وَهُوَ ضَعِيف للْخَبَر وَلِأَن حق الْأمة فِيهِ نُقْصَان وَقد يتَضَرَّر برق وَلَدهَا فَلهُ الحذر من ذَلِك فرع لَو طَرَأَ الْعتْق عَلَيْهَا نظر فَإِن كَانَ قد بَدَأَ بِالْحرَّةِ فلهَا ليلتان وللأمة لَيْلَة فَإِذا عتقت فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة إِمَّا فِي نوبَة الْحرَّة أَو فِي نوبتها التحقت بِالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة حَتَّى تسْتَحقّ استكمال يَوْمَيْنِ فَإِن عتقت بعد تَمام يَوْمهَا اقتصرت على يَوْمهَا وَوَجَب التَّسْوِيَة بعد ذَلِك وَإِن بَدَأَ بهَا فعتقت قبل انْقِضَاء يَوْمهَا صَارَت كَالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة وَإِن عتقت بعد انْقِضَاء يَوْمهَا فقد تمّ اسْتِحْقَاق الْحرَّة ليومين فَوَجَبَ تَوْفِيَة الْيَوْمَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك يسوى بَينهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 السَّبَب الثَّانِي فِي تجدّد النِّكَاح فَإِن نكح ثَيِّبًا فَلهُ أَن يبيت عِنْدهَا ثَلَاثًا وَلَا يقْضِي للباقيات بل يُسَوِّي بعد ذَلِك ويبيت عِنْد الْبكر سبعا ثمَّ يُسَوِّي بعد ذَلِك فَإِن طلبت الثّيّب زِيَادَة على الثَّلَاث فأجابها بَطل حَقّهَا من الثَّلَاث وَوَجَب قَضَاء الْجَمِيع للباقيات لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَبَات عِنْدهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا انْقَضتْ تعلّقت بِهِ فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بك على أهلك هوان وَإِن شِئْت سبعت عنْدك وسبعت عِنْدهن وَإِن شِئْت ثلثث عنْدك وَدرت عَلَيْهِنَّ وَشبه الْأَصْحَاب هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا لَو اسْتحق الْقصاص من الْمرْفق فَقطع من الْكُوع سقط حَقه من أرش الساعد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَقَامَ بِاخْتِيَارِهِ دون التماسها لم يبطل حَقّهَا وَبَالغ الْأَصْحَاب فِي الِاقْتِصَار على الْخَبَر وَقَالُوا لَا يبطل حَقّهَا إِلَّا فِي صُورَة وُرُود الْخَبَر حَتَّى لَا يبطل حق الْبكر من السَّبع أصلا وَإِن استزادت وَلَا حق الثّيّب إِن قَامَ عِنْدهَا خمْسا بالتماسها حَتَّى يُقيم السَّبع وَلَيْسَ يبعد عِنْدِي أَن يكون ذَلِك مُعَللا بحسم بَاب التحكم والاقتراح عَلَيْهَا فيطرد ذَلِك فِي جَمِيع الصُّور لَكِن هَذَا مَا وجدته مَنْقُولًا فِي الْمَذْهَب فرع لَو كَانَت الجديدة أمة فلهَا مثل حق الْحرَّة فِي الثَّلَاث أَو السَّبع لِأَن هَذَا يُرَاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 لحُصُول الألفة والأنس وَذَلِكَ يتَعَلَّق بالطبع كمدة الْعنَّة ليستوي بَينهمَا وَفِيه وَجه أَنه ينصف ثمَّ سَبِيل التنصيف هَاهُنَا تنصيف اللَّيْلَة وَلَا نبالي بذلك بِخِلَاف الْأَقْرَاء فِي الْعدة فَإِنَّهُ لَا يقبل التنصيف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 الْفَصْل الرَّابِع فِي الظُّلم وَوُجُوب الْقَضَاء وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى لَو كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاث نسْوَة فَبَاتَ عِنْد اثْنَتَيْنِ عشْرين لَيْلَة بِالسَّوِيَّةِ فقد اسْتحقَّت الثَّالِثَة عشر لَيَال فيقضيها على الْوَلَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفرق فيبيت عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَعند كل وَاحِدَة لَيْلَة لِأَن هَذَا حق مُجْتَمع فِي ذمَّته فليقضه من غير تَأْخِير وَمن ضَرُورَته الْوَلَاء فَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فنكح جَدِيدَة فلهَا الثَّلَاث أَو السَّبع ويشتغل بِالْقضَاءِ بعد ذَلِك وَلَكِن لَو أَقَامَ عِنْد المظلومة عشر لَيَال لَصَارَتْ الجديدة مظلومة فسبيله أَن يبيت عِنْد المظلمومة ثَلَاث لَيَال وَعند الجديدة لَيْلَة وَهَكَذَا حَتَّى تَنْقَضِي ثَلَاث نوب وَقد وفاها تسع لَيَال وَاعْترض إِشْكَال وَهُوَ أَنه لَو بَات الْعَاشِرَة للْقَضَاء ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم لم تعد النّوبَة إِلَى الجديدة إِلَّا فِي خمس لَيَال وَذَلِكَ ظلم عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْقدر من الظُّلم يَنْبَغِي أَن يحْتَمل للضَّرُورَة وَقَالَ غَيره سَبِيل الْعدْل إِذا بَات عِنْدهَا الْعَاشِرَة أَن يبيت عِنْد الجديدة بعده ثلث ليله ثمَّ يخرج إِلَى صديق أَو مَسْجِد بَقِيَّة اللَّيْل حَتَّى ينْدَفع الظُّلم إِذْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 يثبت بِهَذِهِ اللَّيْلَة للجديدة مثل مَا يثبت للأوليين وَحِصَّة كل وَاحِدَة من الْأَوليين من هَذِه اللَّيْلَة الثُّلُث وَلها أَيْضا ثلث اللَّيْل فيوفيها فِي لَيْلَة أُخْرَى ويستقيم الْحساب من لَيْلَة وَثلث الثَّانِيَة إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة نصف لَيْلَة فَأخْرجهُ السُّلْطَان أَو خرج قصدا يلْزمه أَن يبيت عِنْد ضَرَّتهَا نصف لَيْلَة ثمَّ يخرج فِي مثل ذَلِك الْوَقْت إِلَى صديق وَيحْتَمل التنصيف فِي الْقَضَاء ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَأْنف الْحساب الثَّالِثَة إِذا وهبت وَاحِدَة نوبتها صحت الْهِبَة وَلها الرُّجُوع مَتى شَاءَت فِي الْمُسْتَقْبل فَلَو بَات لَيْلَة بعد الرُّجُوع وَقبل بُلُوغ الْخَبَر لم يلْزمه الْقَضَاء كَمَا لَو أَبَاحَ تنَاول ثمار بُسْتَان ثمَّ رَجَعَ فَمَا تنَاول قبل بُلُوغ الْخَبَر فَلَا ضَمَان فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ مَسْأَلَة الْقسم تخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي عزل الْوَكِيل ثمَّ لهبتها ثَلَاث صِيغ الأولى أَن تهب نوبتها من وَاحِدَة فَلَيْسَ للزَّوْج أَن يَقُول أسقطت حَقك فَأَنا أصرف اللَّيْل إِلَى من شِئْت بل هُوَ هبة بِشَرْط فَيجب الِاتِّبَاع وَكَذَلِكَ فعلت سَوْدَة ووهبت نوبتها من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 فَلَو أَبَت الْمَوْهُوب مِنْهَا فَللزَّوْج أَن يقهرها على ذَلِك إِذْ لَيْسَ هَذِه هبة مِنْهَا حَتَّى تفْتَقر إِلَى الْقبُول بل هِيَ هبة من الزَّوْج وَلذَلِك يجوز للزَّوْج أَن يمْتَنع ويبيت عِنْد الواهبة قهرا ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَت نوبَة الْمَوْهُوب مِنْهَا مُتَّصِلَة بنوبة الواهبة بَات عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَإِن لم يكن فَهَل لَهُ أَن يوصلها عِنْدهَا بَين لَيْلَتَيْنِ عِنْدهَا فِيهِ وَجْهَان الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن تَقول وهبت مِنْك مُطلقًا فقد صَارَت كالمعدومة فيسوي بَين الْبَاقِيَات الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن تَقول وهبت مِنْك فخصص من شِئْت مِنْهُنَّ فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُ التَّخْصِيص فَإِن هَذَا يُورث الغيظ بِخِلَاف مَا إِذا وهبت من وَاحِدَة فرع إِذا ظلمها بِعشر لَيَال مثلا وَجب الْقَضَاء فَإِن طَلقهَا تعذر الْقَضَاء وَبقيت الْمظْلمَة إِلَى الْقيمَة فَإِن رَاجعهَا وَجب الْقَضَاء فَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح وَوَجَب الْقَضَاء أَيْضا وَقيل يثنى على عود الْحِنْث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْمظْلمَة بَاقِيَة فَلَا بُد من التقضي وَإِنَّمَا يُمكن الْقَضَاء إِذا عَادَتْ وَعِنْده تِلْكَ النسْوَة الَّتِي ظلمها بِهن فَإِن نكح جديدات فَلَا يُمكن الْقَضَاء إِلَّا بظُلْم الجديدات فقد تعذر الْقَضَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 الْفَصْل الْخَامِس فِي المسافرة بِهن فَنَقُول من أنشأ سفرا فِي حَاجَة على قصد الِانْصِرَاف عِنْد نجاز حَاجته فَعَلَيهِ أَن يقرع بَينهُنَّ فَإِذا استصحب وَاحِدَة بِالْقُرْعَةِ لم يلْزمه قَضَاء أَيَّام السّفر للمخلفات لما رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ واستصحب وَاحِدَة ثمَّ ظهر أَنه كَانَ إِذا عَاد يَدُور على النّوبَة فَصَارَ سُقُوط الْقَضَاء من جملَة رخص السّفر على خلاف الْقيَاس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب الْقَضَاء وَهَذِه الرُّخْصَة وَردت مقرونه بأَرْبعَة أَوْصَاف مُؤثرَة فَلَا يجوز حذفهَا الأول أَن عَلَيْهِ السَّلَام أَقرع فَمن استصحب وَاحِدَة بِغَيْر قرعَة لزمَه الْقَضَاء وَعصى بالتخصيص وَهَذَا كَمَا أَنه لَو أَقَامَ عِنْد وَاحِدَة لتمريضها قضى للباقيات إِن سلمت وَإِن مَاتَت فقد فَاتَ الْقَضَاء لِأَنَّهُ لم يبْقى لَهَا نوبَة حَتَّى يقْضِي مِنْهَا نعم لَا يعْصى إِن كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 الْمَرَض مخوفا وَلَا ممرض سواهُ فَإِن كَانَ مخوفا وَلها ممرض سواهُ أَو لَا ممرض وَلَكِن لَيْسَ بمخوف فَفِي جَوَاز الْإِقَامَة عِنْدهَا بِهَذَا الْعذر وَجْهَان الثَّانِي أَن لَا يعزم على النقلَة فَيحرم أَن يعزم على النقلَة ويخلف نِسَاءَهُ لِأَنَّهُ لَا يُطَالب بالتحصين اكْتِفَاء بداعية الطَّبْع وَإِذا انْتقل انْقَطع ذَلِك فَإِن استصحب وَاحِدَة وَلَو بِالْقُرْعَةِ عصى وَلزِمَ الْقَضَاء للباقات وَعَلِيهِ الرُّجُوع وَهل يلْزمه الْقَضَاء لأيام الرُّجُوع وهومشتغل بامتثال الْأَمر فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر وُجُوبه الثَّالِث أَن يكون السّفر طَويلا ليَكُون تعبها ومشقة السّفر فِي مُقَابلَة مَا فازت بِهِ من الصُّحْبَة فَأَما السّفر الْقصير فَهُوَ بالتفرج أشبه فَلَا يسْقط الْقَضَاء فَلَا يكون فِي معنى مورد الْخَبَر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحْتَمل أَن يلْحق هَذَا بالرخص الَّذِي يفِيدهُ السّفر الْقصير الرَّابِع أَن لَا ينْتَظر فِي مقْصده لإنجاز حَاجته فَإِن عزم الْإِقَامَة بهَا مُدَّة لزمَه قَضَاء تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن تَعب السّفر قد انْقَطع فِيهِ متودعة فَكيف تفوز بالصحبة وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة لَكِن أَقَامَ يَوْمًا وَاحِدًا مثلا فَهَذَا الْقدر تَابع للسَّفر فَلَا قَضَاء فِيهِ وَإِن كُنَّا نرى أَنه لَا يترخص بِالْفطرِ وَغَيره وَإِن طَالَتْ إِقَامَته من غير عزم وَلَكِن فِي انْتِظَار نجاز الْحَاجة فَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 ترخصه خلاف فَإِن قُلْنَا يترخص فَلَا قَضَاء وَإِن قُلْنَا لَا يترخص فَيلْزمهُ الْقَضَاء فروع ثَلَاثَة الأول لَو لزمَه قَضَاء أَيَّام الْإِقَامَة بالعزم فَإِذا توجه للرُّجُوع فَفِي لُزُوم قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن عزم الْإِقَامَة يُؤثر فِي أَيَّام الْإِقَامَة وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ إِنَّمَا سقط قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع رخصَة بِشَرْط أَن لَا يكون لَهُ عزم إِقَامَة فَإِذا عزم فقد أفسد الرُّخْصَة فنرجع إِلَى الْقيَاس وَقد قيل إِنَّه كَمَا نقض الْعَزْم سقط عَنهُ الْقَضَاء وَإِن لم ينْهض للرُّجُوع وَهُوَ وَجه ثَالِث ضَعِيف أما إِذا كَانَ عزم على الْإِقَامَة ثمَّ أنشأ سفرا آخر مستدبرا وَطنه فَإِن لم يكن عزم عَلَيْهِ فِي أول السّفر لزمَه الْقَضَاء لِأَنَّهُ سفر بِغَيْر قرعَة وَإِن كَانَ عزم عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على أَيَّام الرُّجُوع وَهَاهُنَا أولى بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ فِيهِ غير مُتَوَجّه إِلَى الِامْتِثَال بِالرُّجُوعِ الثَّانِي لَو استصحب اثْنَتَيْنِ بِالْقُرْعَةِ فَعَلَيهِ التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي السّفر فَلَو ظلم إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى قضى لَهَا من نوبتها إِمَّا فِي السّفر وَإِمَّا فِي الْحَضَر وَلَو أَرَادَ أَن يخلف إِحْدَاهمَا فِي بعض الْمنَازل بِالْقُرْعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِك وَلَو نكح فِي الطَّرِيق جَدِيدَة خصصها بِثَلَاث أَو سبع ثمَّ عدل بَينهَا وَبَين المستصحبات وَلَو خرج وَحده ثمَّ نكح فِي الطَّرِيق لم يلْزمه الْقَضَاء للباقيات لِأَنَّهُ تجدّد حَقّهَا حَيْثُ لم يكن عَلَيْهِ التَّسْوِيَة وَلَا يظْهر الْميل بإيثارها الثَّالِث لَو كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فنكح جديدتين فَخرجت الْقرعَة على إحدهما فسافر بهَا اندرج حق الجديدة المسافرة فِي صُحْبَة السّفر إِذا انْقَضتْ أَيَّامهَا فِي السّفر فَإِذا عَاد إِلَى الوطن فَهَل يبْقى حق الجديدة المخلفة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن أَيَّامهَا قد انْقَضتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك لإِزَالَة التوحش والتوحش قَائِم وَالَّتِي فِي السّفر قد أنست بِصُحْبَة السّفر وَهَذَا فِيهِ إِذا زفت إِلَيْهِ الجديدتان ثمَّ سَافر أما إِذا لم تزف إِلَيْهِ فَحق المخلة قَائِم قطعا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 الْفَصْل السَّادِس فِي الشقاق بَين الزَّوْجَيْنِ وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الأول أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهَا بالنشوز وَمعنى نشورها أَن لَا تمكن الزَّوْج وتعصي عَلَيْهِ فِي الِامْتِنَاع عصيانا خَارِجا عَن حد الدَّلال بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمكن الزَّوْج حملهَا على الطَّاعَة إِلَّا بتعب فَإِن كَانَت تؤذيه بالشتم وبذاءة اللِّسَان وَغير ذَلِك فَلَيْسَتْ نَاشِزَة لَكِنَّهَا تسْتَحقّ التَّأْدِيب وَهل لَهُ أَن يؤدبها أم يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فِيهِ تردد ثمَّ حكم النُّشُوز سُقُوط النَّفَقَة وتسلط الزَّوْج على ضربهَا لَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فعظوهن واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن} فَمنهمْ من حمل على الْجمع وَمِنْهُم من حمل على التَّرْتِيب وَالصَّحِيح أَنه إِن غلب على ظَنّه أَنَّهَا تنجر بالوعظ ومهاجرة المضطجه لم يجز الضَّرْب وَإِن علم أَن ذَلِك لَا يزجرها جَازَ الضَّرْب وَالْأولَى ترك الضَّرْب بِخِلَاف الْوَلِيّ فَإِن الأولى بِهِ أَن لَا يتْرك الضَّرْب فَإِن مَقْصُوده إصْلَاح الصَّبِي لأجل الصَّبِي وَهَذَا يصلح زَوجته لنَفسِهِ وَلذَلِك كَانَ ضرب الزَّوْج مُقَيّدا بِشَرْط سَلامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 الْعَاقِبَة فَلَو أفْضى إِلَى فَسَاد عُضْو أَو روح فَعَلَيهِ الضَّمَان وَله أَن يضْربهَا وَإِن أمكنت من الْجِمَاع إِذا منعته غير ذَلِك من الاستمتاعات وَهل تسْقط نَفَقَتهَا مَعَ الوقاع فِيهِ تردد وَأقرب مِثَال فِيهِ تَسْلِيم السَّيِّد الْأمة لَيْلًا واستخدامها نَهَارا وَذكرنَا فِيهِ خلافًا الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهُ بِالضَّرْبِ وَسُوء الْخلق فَلَا سَبِيل إِلَّا الْحَيْلُولَة حَتَّى يعود إِلَى حسن المعاشرة وَإِنَّمَا يعول فِيهِ على قَوْلهَا أَو على قَرَائِن أَحْوَال وشهادات تدل عَلَيْهِ كَمَا يستبرأ حَال الْفَاسِق إِذا أظهر التَّوْبَة فَأَما مُجَرّد قَوْله فَلَا يعول عَلَيْهِ الْحَالة الثَّالِثَة أَن يشكل الْأَمر فَلَا يدْرِي من الْمُتَعَدِّي فَقَالَ قَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 ومقصود الْحكمَيْنِ أَن يصلحا بَينهمَا إِن أنمكن أَو يفرقا وَهل هما وكيلان من جِهَة الزَّوْجَيْنِ فَيُوقف تصرفهما على إذنهما أم هما متوليان من جِهَة القَاضِي حَتَّى ينفذ تفريقهما بِالطَّلَاق على الزَّوْج وبإلزام المَال على الْمَرْأَة عِنْد استصوابها الْخلْع فِيهِ قَولَانِ الأول وَهُوَ الْقيَاس أَنَّهُمَا وكيلان إِذْ يَتَعَدَّ دُخُول الطَّلَاق تَحت الْولَايَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا متوليان لما رُوِيَ أَن عليا كرم الله وَجهه بعث حكمين بَين زَوْجَيْنِ فَقَالَ أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا عَلَيْكُمَا إِن رَأَيْتُمَا أَن تفَرقا وَإِن رَأَيْتُمَا أَن تجمعَا أَن تجمعَا فَقَالَ الزَّوْج أما الطَّلَاق فَلَا فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كذبت وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تسميتهما حكمين فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مسخرا لَا ينفذ حكمه فَكيف يُسمى حكما فعلى هَذ القَوْل إِن توافقا لم يجز لَهما التَّفْرِيق وَإِن غَابَ أَحدهمَا أَو سكت فَفِي جَوَاز التَّفْرِيق وَجْهَان مِنْهُم من شَرط لنفوذ حكمهمَا قيام الْخُصُومَة فِي الْحَال ثمَّ لَا بُد على هَذَا القَوْل فِي الْحكمَيْنِ من الْعَدَالَة وَالْهِدَايَة إِلَى الْمصَالح وَلَا يشْتَرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 منصب الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ فِي كل أَمر معِين جرى يفوضه الْقُضَاة إِلَى الْآحَاد وَلَا يشْتَرط أَن يَكُونَا من أهلهما بل ذَلِك أولى إِذا وجدا فَإِنَّهُمَا أعرف ببواطن أحوالهما وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 = كتاب الْخلْع = وَفِيه أَبْوَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حَقِيقَة الْخلْع وَمَعْنَاهُ وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي أَثَره فِي النِّكَاح وَأَلْفَاظه أما أَثَره فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه طَلَاق محوج إِلَى التَّحْلِيل إِذا تكَرر ثَلَاثًا وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَمذهب أبي حنيفَة والمزني رحمهمَا الله وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم والمنصور فِي الْخلاف أَنه فسخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 وَحَقِيقَة الْخلاف رَاجع إِلَى أَن النِّكَاح هَل يقبل الْفَسْخ تَرَاضيا فعلى قَول يقبل قِيَاسا على البيع ثمَّ أَلْفَاظه ثَلَاثَة الْخلْع وَالْفَسْخ والمفاداة أما لفظ الْخلف فصريح فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل وَلَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لِأَن شاع فِي لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة لإِرَادَة الْفَسْخ وتكرر فَصَارَ كَلَفْظِ الْفِرَاق والسراح الَّذِي تكَرر فِي الْقُرْآن وَأما الَّذِي شاع فِي لِسَان الْعَامَّة كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِي الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر وَأما لفظ الْفَسْخ فَالظَّاهِر أَنه صَرِيح فِي مَقْصُود الْفَسْخ لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة وَفِيه وَجه بعيد أَنه يحْتَاج إِلَى النِّيَّة بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن ذَلِك تداولته أَلْسِنَة حَملَة الشَّرِيعَة وَلَفظ الْفَسْخ فِي النِّكَاح غير مُسْتَعْمل إِلَّا إِذا جرى عيب أَو سَبَب أما لفظ المفاداة فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَنه ورد بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَلَكِن لم يتَكَرَّر وَكَذَا الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك فِي الرّجْعَة وَلَفظ الفك فِي الْعتْق فَإِذا الصَّرِيح قطعا لفظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 متكرر فِي الْقُرْآن أَو متكرر على لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة أما مَا تكَرر على لِسَان الْعَامَّة أَو ورد بِهِ الْقُرْآن وَلم يتَكَرَّر فَفِيهِ خلاف ثمَّ إِذا جعلنَا الْخلْع صَرِيحًا فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل فَلَو نوى بِهِ الطَّلَاق لم يَنْقَلِب طَلَاقا على الْأَظْهر لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِي مَوْضِعه صَرِيحًا فَلَا تُؤثر فِيهِ النِّيَّة كَمَا لَو نوى الطَّلَاق بِلَفْظ الظِّهَار فَإِنَّهُ لَا يصير طَلَاقا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِنَّهَا عَليّ حرَام وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَإِنَّهُ يَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِن كَانَ مُطلق هَذَا القَوْل صَرِيحًا فِي الْتِزَام الْكَفَّارَة لكنه لَا اخْتِصَاص لَهُ بِالنِّكَاحِ إِذْ يجْرِي فِي الْأمة الْمَمْلُوكَة وَلَفظ الْخلْع يخْتَص بِالنِّكَاحِ أما إِذا قدر الزَّوْج على فسخ النِّكَاح بعيبها مثلا فَقَالَ فسخت وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَيحْتَمل أَن لَا ينْصَرف إِلَى الطَّلَاق لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِيمَا هُوَ صَرِيح فِيهِ وَقَالَ القَاضِي يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاص للفظ الْفَسْخ بِالنِّكَاحِ فَيحْتَمل أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 يصرف إِلَى الطَّلَاق أما إِذا فرعنا على الصَّحِيح وَهُوَ أَن النِّكَاح لَا يقبل الْفَسْخ فَلفظ الْفَسْخ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَفِي لفظ المفاداة وَجْهَان كَمَا سبق على قَول الْفَسْخ وَفِي لفظ الْخلْع قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كِنَايَة أَيْضا لِأَن صرائح الطَّلَاق ثَلَاثَة وَهِي الَّتِي تَكَرَّرت فِي الْقُرْآن الْفِرَاق والسراح وَالطَّلَاق وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ تكَرر فِي لِسَان حَملَة الشَّرْع لإِرَادَة الْفِرَاق فالتحق بالمتكرر فِي الْقُرْآن وَمِنْهُم من قَالَ مأخذه أَن ذكر المَال هَل ينتهض قرينَة فِي إِلْحَاق الْكِنَايَة بِالصَّرِيحِ حَتَّى لَو خلا عَن ذكر المَال كَانَ كِنَايَة قطعا وَهَذَا المأخذ ضَعِيف إِذْ قرينَة الْغَضَب وَالسُّؤَال وَغَيره لَا تغير الْكِنَايَات عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَكَذَلِك قرينَة المَال أما إِذا جرى الْخلْع من غير ذكر المَال فمطلقه هَل ينزل على اقْتِضَاء المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وَالثَّانِي لَا لِأَن لم يتَلَفَّظ بِهِ وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو قارض رجلا على أَن يتجر وَلم يشْتَرط الرِّبْح أَنه هَل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 يسْتَحق أجر الْمثل وَاخْتَارَ القَاضِي أَنه يَقْتَضِي المَال تَشْبِيها لِلْخلعِ بِالنِّكَاحِ وتعليله بِالْعرْفِ أولى من التَّشْبِيه بِالنِّكَاحِ الْمَخْصُوص بالتعبد فَإِن قُلْنَا يثبت المَال وَهُوَ الصَّحِيح فالثابت هُوَ مهر الْمثل إِن جَعَلْنَاهُ فسخا أَو صَرِيحًا فِي الطَّلَاق وَإِن جلناه كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَنوى فَهُوَ كَالصَّرِيحِ وَإِن لم ينْو لَغَا وَلم يُؤثر أما إِذا قُلْنَا لَا يثبت المَال فَإِن جَعَلْنَاهُ فسخا لَغَا إِذْ لَا فسخ إِلَّا على عوض وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا صَرِيحًا أَو جرت النِّيَّة فَهُوَ طَلَاق رَجْعِيّ إِذْ لَا مَال وَلَكِن يتَصَدَّى أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الرَّجْعِيّ لَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا فَهَذَا هَل يفْتَقر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا أَنه لَا مَال وَالثَّانِي نعم لِأَن اللَّفْظ يَسْتَدْعِي الْقبُول وَلَا يبعد ذَلِك فَإِنَّهُ لَو خَالع السفيهة لَا ينفذ إِلَّا بقبولها ثمَّ يكون الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا يَصح التزامها المَال وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي قَوْله خالعت فَلَو قَالَ خلعت فيبعد انْتِظَار الْقبُول وَكَذَا لَو قَالَ خالعت وَلم يضمر التمَاس جَوَابه فَيكون كَقَوْلِه قاطعت وَفَارَقت الْأَمر الثَّانِي أَنه إِن أضمر الرجل المَال فيبعد إِيقَاع طَلَاق من غير مَال فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا أثر لنِيَّة المَال فَهُوَ كَمَا إِذا لم ينْو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وَالثَّانِي أَنه يُؤثر حَتَّى لَا يَقع من غير ثُبُوت المَال وَإِنَّمَا يثبت المَال إِذا نويا جَمِيعًا المَال فَإِن لم تنو الْمَرْأَة فَلَا يَقع الطَّلَاق أصلا وَهَذَا بَيَان هَذِه الاختلافات وَالْأولَى فِي الْفَتَاوَى أَن نجْعَل الْخلْع طَلَاقا ونجعله صَرِيحًا فِيهِ ونجعل الْخَالِي عَن الْعِوَض مقتضيا للعوض بِحكم الْعرف ونجعله صَرِيحًا أَيْضا ونطرح بَقِيَّة الِاحْتِمَالَات وَإِن كَانَ لَهَا بعض الاتجاه أما جعل الْخلْع فسخا فبعيد فِي الْمَذْهَب وَالْقِيَاس إِذْ لَا خلاف أَن الزوح لَا يسْتَقلّ بِالْفَسْخِ وَلَو قبل النِّكَاح الْفَسْخ لَكَانَ لَا يمْنَع بِسَبَبِهَا كَمَا لَا يمْنَع الطَّلَاق وَفِيه إبِْطَال حَقّهَا وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْخلْع قبل الْمَسِيس مشطر وَأَنه يجوز إِيرَاده على عوض جَدِيد وكل ذَلِك يُنَاقض معنى الْفَسْخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 الْفَصْل الثَّانِي فِي معنى نِسْبَة الْخلْع إِلَى الْمُعَامَلَات فَنَقُول إِن جَعَلْنَاهُ فسخا فَهُوَ مُعَاوضَة مَحْضَة شَبيهَة بِالنِّكَاحِ وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا أَو جرى الطَّلَاق على مَال فَهُوَ من جَانب الزَّوْج تَعْلِيق فِيهِ مشابه الْمُعَاوَضَات وَمن جَانبهَا مُعَاوضَة مَحْضَة فِيهَا فِيهَا مشابه الْجعَالَة وَلَا نعني بذلك أَن الحكم الْوَاحِد يتركب من أصلين فَإِن ذَلِك متناقض بل تجْرِي بعض الْأَحْكَام على قَاعِدَة التَّعْلِيق وَبَعضه على قانون الْمُعَاوضَة وَشرح ذَلِك من جَانِبه يَسْتَدْعِي تَفْصِيل الصَّبْغ وَله صِيغ الأولى صِيغَة الْمُعَاوضَة وَهُوَ أَن يَقُول طَلقتك على ألف أَو أَنْت طَالِق على ألف فتتمحض فِي هَذِه الصِّيغَة قَضِيَّة الْمُعَاوَضَات وَيظْهر ذَلِك فِي أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا أَنه لَو رَجَعَ قبل قبُولهَا لم يَقع الطَّلَاق كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من قبُولهَا بِاللَّفْظِ وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من الْقبُول فِي الْمجْلس على الِاتِّصَال وَالرَّابِع أَنه لَو قَالَ طَلقتك ثَلَاثًا على ألف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف فَقَالَ قبلت ثلثه بِثلث الْألف فَإِنَّهُ لَا يَصح وَلَو قبلت وَاحِدَة على كَمَال الْألف فَالْأَصَحّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 أَنه يَقع لِأَنَّهَا وَافَقت فِي الْعِوَض وَلَيْسَ إِلَيْهَا عدد الطَّلَاق بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلف فَقبل أَحدهمَا بِالْألف فَإِن الْأَصَح فِيهِ أَنه لَا يَصح لِأَن الْملك مَقْصُود للْمُشْتَرِي وَالطَّلَاق لَا يدْخل فِي ملكهَا ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهَا لم تقبل إِلَّا وَاحِدَة وَقَالَ الْقفال يَقع الثَّلَاث لِأَن قبُولهَا يعْتَبر للعوض فَقَط ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحق الْمُسَمّى وَعَن ابْن سُرَيج أَنه يسْتَحق مهر الْمثل الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ فَيَقُول مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَهَذَا تَعْلِيق مَحْض من جَانِبه فَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول لفظا وَلَا إِلَى الْإِعْطَاء فِي الْمجْلس وَلَا لَهُ الرُّجُوع قبل الْإِعْطَاء الثَّالِثَة أَن يَقُول إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَلَا يَصح رُجُوعه وَلَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا لفظا وَلَكِن يخْتَص الْإِعْطَاء بِالْمَجْلِسِ لِأَن قَوْله مَتى مَا صَرِيح فِي تَجْوِيز التَّأْخِير وَهَذَا مُتَرَدّد وقرينه الْعِوَض تشعر باستعجاله فِي الْمجْلس فَيخْتَص بِهِ وَلَا تطلق بالإعطاء بعد ذَلِك أما جَانب الْمَرْأَة فاختلاعها مُعَاوضَة نازعة إِلَى الْجعَالَة لِأَن الطَّلَاق لَيْسَ إِلَيْهَا حَتَّى يتَطَرَّق إِلَى جَانبهَا مشابة التَّعْلِيق وَإِنَّمَا إِلَيْهَا بذل المَال فِي مُقَابلَة مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ إِن شَاءَ وَفَائِدَة هَذَا أَن لَهَا الرُّجُوع فِي جَمِيع الصُّور قبل الْجَواب حَتَّى لَو أَتَت أَيْضا بِصِيغَة التَّعْلِيق وَقَالَت إِن طلقتني فلك ألف ثمَّ رجعت قبل الْقبُول جَازَ وَيخْتَص الْجَواب أَيْضا بِالْمَجْلِسِ فَلَو طَلقهَا بعد ذَلِك لم يلْزمهَا الْعِوَض حَتَّى لَو قَالَت مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَطلقهَا بعد مُدَّة حمل ذَلِك على الِاسْتِقْلَال لَا على الْجَواب لِأَنَّهُ قَادر على الِابْتِدَاء وَإِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْجَواب بِقَرِينَة التخاطب الْمُعْتَاد فِي الْمجْلس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَإِنَّمَا نزوعها إِلَى الْجعَالَة يظْهر من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه احْتمل صِيغَة التَّعْلِيق مِنْهَا بِأَن تَقول إِن طلقتني فلك ألف كَمَا تَقول إِن رددت عَبدِي الْآبِق لِأَنَّهَا التمست مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ وَيحْتَمل التَّعْلِيق بالأغرار الثَّانِي أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَقَالَ طَلقتك وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث كَمَا إِذا قَالَ إِن رددت عَبِيدِي الثَّلَاث فلك ألف فَرد وَاحِدًا اسْتحق الثُّلُث وَكَذَلِكَ لَو قَالَتَا طلقنا على ألف فَطلق وَاحِدَة اسْتحق نصفهَا عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الرجل طَلقتك ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع الطَّلَاق لِأَن مَا أَتَى بِهِ صِيغَة الْمُعَاوضَة فالتحقت بالمعاوضة وَمَا أَتَت بِهِ صِيغَة ضاهت الْجعَالَة فالتحق بهَا وَلَو قَالَ الزَّوْج ابْتِدَاء خالعتكما على ألف وَقبلت وَاحِدَة مِنْهُمَا لم يَصح بِلَا خلاف لِأَن الْجَواب لم يُوَافق الْخطاب بِخِلَاف مَا إِذا قَالَتَا طلقتنا فَأجَاب إِحْدَاهمَا نفذ لِأَن ذَلِك مَأْخُوذ من الْجعَالَة وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ عبدا من رجلَيْنِ فَأجَاب أَحدهمَا وَقبل النّصْف لم يَصح على الْمَذْهَب وَإِن شغب أَصْحَاب الْخلاف بِمَنْع فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَلَو قَالَ خالعتك وضرتك فَقبلت صَحَّ لِأَنَّهَا العاقدة وَحدهَا وَإِنَّمَا المتعدد الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَقَط وَلَو تخَلّل بَين إِيجَاب الْخلْع وقبوله كَلَام يسير لم يضر وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَتَا طلقنا وارتدتا فأجابها ثمَّ عادتا إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ الْخلْع وَإِن تخَلّل كلمة الرِّدَّة إِلَّا أَن هَذَا كَلَام من الْمُخَاطب بعد تَمام خطابه وَإِنَّمَا النّظر فِي كَلَام الْقَابِل بعد الْإِيجَاب وَقبل الْقبُول وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي خَمْسَة الصِّيغَة والعاقدان والعوضان وَإِذا تطرق الْخلَل إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا فسد الْخلْع وَمعنى فَسَاده أَن يمْتَنع وُقُوع الطَّلَاق وَلَفظ الْبطلَان بِهَذَا أَحَق أَو يَنْقَلِب الطَّلَاق رَجْعِيًا أَو تنفذ البونه وَيفْسد الْعِوَض وَلَفظ الْفساد بِهَذَا أَحَق وتفصله بشرح الْأَركان الرُّكْن الأول الْمُوجب وَشَرطه أَن يكون مُسْتقِلّا بِالطَّلَاق فَخلع الصَّبِي بَاطِل وخلع العَبْد صَحِيح والعوض يدْخل فِي ملك سَيّده قهرا فَهَذَا كالاكتساب وخلع الْمَحْجُور بالفلس والسفة صَحِيح لِأَن طَلَاقه ينفذ من غير مَال فَهُوَ مَعَ المَال أولى وَلَا حجر عَلَيْهِم فِي مِقْدَار الْعِوَض وَإِن نقص عَن مهر الْمثل إِذْ ينفذ طلاقهم مجَّانا إِلَّا أَن المختلعة من السَّفِيه لَا تَبرأ عَن الْعِوَض إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْوَلِيّ فَإِن سلمت إِلَى السَّفِيه لم تَبرأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وَشَرطه أَن يكون أَهلا لالتزام المَال غير مَحْجُور عَلَيْهِ وَأَسْبَاب الْحجر خَمْسَة الأول الرّقّ فَإِذا اخْتلعت الْأمة بِإِذن سَيِّدهَا بِعَين مَاله صَحَّ وَاسْتحق الزَّوْج عين المَال وَإِن اخْتلعت بدين هَل يكون السَّيِّد ضَامِنا بِالْإِذْنِ فِيهِ خلاف كَمَا فِي نِكَاح العَبْد وَإِن اسْتَقَلت بالاختلاع فسد الْخلْع ونفذت الْبَيْنُونَة وَتعلق مهر الْمثل بذمتها تطالب بِهِ إِذا أعتقت وَفِيه وَجه أَنه تطالب بِالْمُسَمّى إِذا عتقت وَيصِح الْمُسَمّى وَهُوَ ملتفت إِلَى الْوَجْه الْمَذْكُور فِي صِحَة شِرَاء العَبْد وضمانه وتعلقه بِذِمَّتِهِ السَّبَب الثَّانِي حجر الْمُكَاتبَة والتزامها المَال فِي الْخلْع تبرع فَإِن اسْتَقَلت فَهِيَ كالأمة وَإِن اخْتلعت بِإِذن السَّيِّد يبْنى على أَن تبرعها هَل ينفذ بِإِذن السَّيِّد وَإِنَّمَا جعل تَبَرعا لِأَنَّهُ لم يحصل فِي مُقَابلَته مَال السَّبَب الثَّالِث الْحجر بالسفة وَإِذا اخْتلعت السفيهة وَلَو بِإِذن الْوَلِيّ لم يثبت المَال للحجر وَامْتنع الْخلْع وَنفذ طَلَاقا رَجْعِيًا إِذا قبلت لِأَن لَفظهَا صَحِيح فِي الْقبُول وَلَا بُد من الْقبُول لاقْتِضَاء الصِّيغَة ذَلِك السَّبَب الرَّابِع الْحجر بِالصَّبِيِّ فَلَا يَصح اختلاع الصبية لفساد لَفظهَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 الْقبُول بِخِلَاف السفيهة وَمِنْهُم من قَالَ يَقع الطَّلَاق هَا هُنَا أَيْضا رَجْعِيًا وَيكون كَمَا لَو قَالَ للصبية أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت لِأَن قبُول قَول السفيهة أَيْضا سَاقِط فِي الِالْتِزَام السَّبَب الْخَامِس الْحجر بِالْمرضِ وَيجوز اختلاع الْمَرِيضَة بِمهْر الْمثل وَلَا يحْتَسب من الثُّلُث إِذْ غايتها أَنَّهَا صرفت المَال إِلَى أغراضها فِي حَيَاتهَا وَلها ذَلِك بِخِلَاف السفيهة وَالْمُكَاتبَة وَهُوَ كَمَا لَو نكح الْمَرِيض أَبْكَارًا بمهور أمثالهن وَهُوَ مستغن عَنْهُن جَازَ ذَلِك وَأما الزِّيَادَة على مهر الْمثل فيحسب من الثُّلُث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ أصل الْمهْر يحْسب من الثُّلُث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 الرُّكْن الثَّالِث المعوض وَهُوَ الْبضْع وَشَرطه أَن يكون مَمْلُوكا للزَّوْج فَلَا يجوز للزَّوْج مخالعة المختلعة وَإِن كَانَت بعد فِي الْعدة إِذْ لَا ملك وَوَافَقَ على هَذَا أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن خَالَفنَا فِي لُحُوق الطَّلَاق إِيَّاهَا وَأما الْمُرْتَدَّة بعد الْمَسِيس إِذا خَالعهَا صَحَّ إِن عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام قبل انْقِضَاء الْعدة وَإِن أصرت تبين الْفساد وَله الْتِفَات إِلَى وقف الْعُقُود وَأما الرَّجْعِيَّة فَفِي مخالعتها قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لأجل والطلقة الثَّانِيَة لَا تفِيد فِي حَقّهَا أمرا جَدِيدا فَينفذ طَلَاقا رَجْعِيًا كَمَا فِي السفيهة وَفِيه وَجه آخر أَنه يَصح مخالعتها بالثالثة دون الثَّانِيَة إِذْ الثَّانِيَة لَا تفيدها شَيْئا جَدِيدا وَهُوَ بعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 الرُّكْن الرَّابِع الْعِوَض وَشَرطه أَن يكون متمولا مَعْلُوما وَبِالْجُمْلَةِ يشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الْمَبِيع وَالثمن فَإِن خَالع على مَجْهُول فسد الْعِوَض ونفذت الْبَيْنُونَة وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَإِن خَالع على خمر أَو خِنْزِير أَو مَغْصُوب أَو حر أَو شَيْء مِمَّا يقْصد وَهُوَ غير مَعْلُوم فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى الْقيمَة أَو مهر الْمثل فِيهِ قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَدَاق وَلَو خَالع على دم وَقع طَلَاق رَجْعِيًا لِأَن ذَلِك لَا يقْصد بِحَال وَالْميتَة كَالْخمرِ لَا كَالدَّمِ فَإِنَّهَا قد تقصد لطعمة الْجَوَارِح وَالتَّفْصِيل فِي هَذَا كالتفصيل فِي الصَدَاق فرع إِذا قَالَ خالعتك على مَا فِي كفك صَحَّ الْخلْع إِن صححنا بيع الْغَائِب وَنزل على مَا فِي كفها وَإِن لم نصحح فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَلَا يرجع إِلَى قِيمَته أصلا لِأَن مَأْخَذ الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة الرِّضَا بالمالية وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يتَصَوَّر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن لم يكن فِي كفها شيئ نزل على ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَعَلَّه يَقُول مَعْنَاهُ مَا فِي كفها الْمَقْبُوض من عُقُود الْحساب وَلَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 فِيهِ إِلَّا ثَلَاثَة إِذْ لَا معنى لقبض الْإِبْهَام والسبابة فِي الْحساب ثمَّ يرى تَنْزِيله من الْأَعْدَاد على النَّقْد أولى وَمن النُّقُود على الْأَدْنَى وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالْوَجْه تنفيذه رَجْعِيًا فَإِن مَا ذكره وَإِن تكلفنا لَهُ خيالا فَهُوَ تعسف ظَاهر وَمِمَّا يتَعَلَّق بِالْعِوَضِ مُوَافقَة الْوَكِيل ومخالفته وَالنَّظَر فِي وَكيله ووكيلها أما وَكيله فَإِن قَالَ لَهُ خَالع بِمِائَة فخالع بهَا أَو بِمَا فَوْقهَا صَحَّ وَإِن نقص لم ينفذ الطَّلَاق لمُخَالفَته وَإِن قَالَ خَالع مُطلقًا نفذ خلعه بِمهْر الْمثل فَمَا فَوْقه فَإِن نقص فالنص فِي الْإِمْلَاء أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ أذن مُطلقًا فَيتَنَاوَل ذَلِك بِعُمُومِهِ وَإِنَّمَا ينزل فِي البيع على ثمن الْمثل للْعُرْف الْجَارِي فِي مَقْصُود الْأَمْوَال إِذْ لَا مَقْصُود فِيهَا سوى الْمَالِيَّة وَفِيه قَول مخرج أَنه يبطل كَمَا لَو عين الْمِقْدَار وَله اتجاه وَفِي مَسْأَلَة تعْيين الْمِقْدَار قَول مخرج من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يبطل وَإِن نقص وَهُوَ ضَعِيف فَإِن فرعنا على النَّص وَهُوَ أَنه لَا يبطل فَمَا الَّذِي يحصل فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا ذكه الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَن للزَّوْج الْخِيَار وَلَكِن فِي تخيره قَولَانِ أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ أَنه إِن رَضِي بذلك نفذ وَقد قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا امْتنع الطَّلَاق وَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا من وقف الْعُقُود بل مأخذه أَن لَفظه عَام وَله أَن يَقُول اردت بِهِ مهر الْمثل وعلامة ذَلِك أَن لَا يرضى بِالْمُسَمّى فَإِن رَضِي بِالْمُسَمّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 فَكَأَنَّهُ أَرَادَ ذَلِك بِالْعُمُومِ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه إِن شَاءَ قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا صَار الطَّلَاق رَجْعِيًا وَامْتنع الْعِوَض أصلا إِذْ رد الطَّلَاق لخيرته بعيد وتكليفها مهر الْمثل وَمَا رضيت إِلَّا بِالْمُسَمّى بعيد الطَّرِيقَة الثَّانِيَة نقل الْقَوْلَيْنِ على وَجه آخر أَحدهمَا أَنه لَا خِيَار لَهُ إِلَّا بَين الْمُسَمّى وَمهر الْمثل فَأَما الطَّلَاق فَلَا خِيَار فِيهِ وَالثَّانِي أَنه لَا خِيَار لَهُ أصلا بل فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَهَذِه الطَّرِيقَة أَقيس وَيحصل من هَذِه الاختلافات خَمْسَة أَقْوَال إِذا جمعت أما وكيلها بالاختلاع بِمِائَة إِن وَافق أَو نقص صَحَّ وَإِن زَاد فالنص وُقُوع الْبَيْنُونَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا ينفذ وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ خَالف وَلم يَجْعَل اخْتِيَاره تخريجا مَعَ اتجاهه ثمَّ فِيمَا يلْزمهَا على النَّص قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يفْسد الْمُسَمّى وَاللَّازِم مهر الْمثل وَالثَّانِي أَنه يلْزمهَا مَا سمت وَزِيَادَة الْوَكِيل أَيْضا تلزمها إِلَّا مَا جَاوز من زِيَادَة مهر الْمثل فَإِنَّهَا لَا تلْزم هَذَا إِذا أضَاف الْوَكِيل الاختلاع إِلَى مَالهَا فَإِن أضَاف إِلَى نَفسه نفذ وَلزِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 الْوَكِيل تَمام مَا سمى وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء لِأَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ بِنَفسِهِ صَحِيح وَإِن أطلق الْوَكِيل وَلم يضف إِلَيْهَا وَلَا إِلَى نَفسه فالبينونة حَاصِلَة على النَّص وَفِيمَا يلْزمه قَولَانِ أَحدهمَا أَن عَلَيْهَا مَا سمت وَالزِّيَادَة على الْوَكِيل كَأَنَّهُ قد افتداها بِمَا سمت وَزِيَادَة من عِنْد نَفسه وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا أَيْضا مَا لم يُجَاوز مهر الْمثل فَمَا جَاوز مهر الْمثل فَهُوَ على الْوَكِيل وَقِيَاس مَذْهَب الْمُزنِيّ صِحَة الْخلْع من الْأَجْنَبِيّ وانصرافه عَنْهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمِائَة إِذا زَاد فَإِنَّهُ يَقع عَنهُ إِذا لم يُصَرح بالأضافة إِلَى الْمُوكل فَأَما إِذا أضَاف الْوَكِيل المَال إِلَيْهَا وَضمن قَالَ الصيدلاني هُوَ كَمَا لَو أطلق الْوَكِيل وَهَذَا ضَعِيف بل الْإِضَافَة إِذا فَسدتْ فَالضَّمَان الْمُرَتّب عَلَيْهِ لَا يَصح وَلَا يُؤثر فِيهِ هَذَا كُله إِذا عينت مائَة فَإِن أَذِنت مُطلقًا قطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك كالمقدر بِمهْر الْمثل والمصرح بِهِ هَذَا كُله فِي الْمُخَالفَة بالمقدار فَلَو خَالف فِي الْجِنْس بِأَن قَالَت اختلعني بِالدَّرَاهِمِ فاختلع بِالدَّنَانِيرِ قَالَ القَاضِي انْصَرف الْخلْع عَنْهَا لِأَنَّهُ مُخَالف بِخِلَاف مَا إِذا زَاد فَإِنَّهُ أَتَى بِمَا أمرت وَزِيَادَة وَهَذَا يُؤَكد اخْتِيَار الْمُزنِيّ لِأَن الْفساد هَاهُنَا أَيْضا فِي الْعِوَض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 الرُّكْن الْخَامِس الصِّيغَة وَفِيه مسَائِل إحدها أَنه لَو قَالَ طَلقتك بِدِينَار على أَن لي الرّجْعَة فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي نَقله الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يسْقط وَينفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا جمع بَين الْعِوَض وَالرَّجْعَة والعوض هُوَ الْمُحْتَاج إِلَى إثْبَاته دون الرّجْعَة فيندفع بِذكر الرّجْعَة وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَقد نَقله الرّبيع وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يفْسد لاقتران الشَّرْط بِهِ وتنفذ بينونة على مهر الْمثل لِأَن دفع الرّجْعَة أَهْون من دفع الْبَيْنُونَة الثَّانِيَة الْمَرْأَة تتوكل فِي الاختلاع وَهل تتوكل فِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا لَا تقدر على الِاسْتِقْلَال بِالْخلْعِ وَيجْرِي الْخلاف فِي توكلها بالتطليق مَعَ أَنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا زَوجهَا طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت ينفذ وَلَكِن هُوَ تمْلِيك أَو تَوْكِيل فِيهِ خلاف الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْخلْعِ هَل يتَوَلَّى طرفِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَمن جوز ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 على خلاف البيع وَالنِّكَاح علل ذَلِك بِأَن الْخلْع يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظ من أحد الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهُ لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت حصلت الْبَيْنُونَة الرَّابِعَة لَو خَالعهَا على أَن ترْضع وَلَده حَوْلَيْنِ صَحَّ الِاسْتِئْجَار وَالْخلْع وَلَو أضَاف إِلَيْهِ الْحَضَانَة جَازَ وَلَو أضَاف إِلَيْهِ نَفَقَة عشر سِنِين مثلا وقدرها ووصفها بِحَيْثُ يجوز فِيهِ السّلم انبنى على تَجْوِيز الْجمع بَين صفقتين مختلفتين فَإِن أفسدنا فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أَو إِلَى بدل هَذِه الْأَشْيَاء فعلى قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع هَاهُنَا بِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِذْ لَو جَوَّزنَا الرُّجُوع إِلَى أبدال مُخْتَلفَة لصححنا العقد على أبدال مُخْتَلفَة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن لم نصحح الْجمع بَين صفقتين مختلفتين جَوَّزنَا هَاهُنَا لِأَن النَّفَقَة هَاهُنَا تَابع للحضانة غير مَقْصُود التَّفْرِيع إِن صححنا وعاش الْوَلَد واستوفاه فَإِن كَانَ زهيدا فَالزِّيَادَة للزَّوْج وَإِن كَانَ رغيبا فَالزِّيَادَة على الزَّوْج وَلَو مَاتَ فِي وسط الْمدَّة فَلَا يخفى حكم تَفْرِيق الصَّفْقَة بِسَبَب الِانْفِسَاخ فِي الْبَعْض وَوجه التَّفْرِيع عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُوجب لفظ الزَّوْج فِي إِلْزَام الْعِوَض وتسليمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي الْأَلْفَاظ الملزمة وَحكمهَا وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى أَن الملزم الصَّرِيح قَوْله أَنْت طَالِق على ألف أَو طَلقتك على ألف فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ولي عَلَيْك ألف وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ صِيغَة إِخْبَار لَا صِيغَة إِلْزَام وَقَوله أَنْت طَالِق مُسْتَقل فَينفذ وَيَلْغُو قَوْله ولي عَلَيْك ألف كَمَا لَو قَالَ وَعَلَيْك حجَّة وَلَو قَالَ أردْت مَا يُريدهُ أَنه قصد ذَلِك فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ ينزل عَلَيْهِ وَتلْزم الْألف وَمِنْهُم من قَالَ لَا أثر للتوافق إِذْ اللَّفْظ غير صَالح لَهُ أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق على أَن لي عَلَيْك ألفا فَظَاهر هَذَا أَنه شَرط وَالطَّلَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 لَا يقبل الشَّرْط فَيلْغُو وَلكنه لَو قَالَ أردْت الْإِلْزَام فَهَذَا أدل على الْإِلْزَام من الصِّيغَة الأولى وَلَكِن قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يقبل وَفِي كَلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 غَيره مَا يدل على الْقبُول وَإِن قَالَ عنيت أَنْت طَالِق إِن ضمنت لي ألفا قبل وَذَلِكَ لَو صرح بِهِ لاقتضى ضمانا فِي الْمجْلس كالتعليق بالإعطاء إِلَّا أَن يَقُول أَنْت طَالِق مَتى ضمنت لي ألفا فَإِن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْمَجْلِسِ وَلَو قَالَ أَمرك بِيَدِك فطلقي نَفسك إِن ضمنت لي ألفا فَإِن جعلنَا التَّفْوِيض تَمْلِيكًا اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا لم يخْتَص ثمَّ سَبِيلهَا أَن تَقول ضمنت الْألف وَطلقت أَو طلقت وضمنت الْألف فَيَقَع الطَّلَاق وَالضَّمان مَعًا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ذكرنَا أَن الْجَواب يخْتَص بِالْمَجْلِسِ فِيمَا يَسْتَدْعِي الْجَواب وَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي أَو أدّيت إِلَيّ ألفا أَو أقبضتنى لم يستدع الْجَواب بِاللَّفْظِ واختص بِالْمَجْلِسِ لقَرِينَة الْعِوَض وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يخْتَص كالتعليقات كلهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ يشبه استدعاء جَوَاب وَقبُول وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَقبلت اخْتصَّ بِالْمَجْلِسِ وَصَحَّ وَيَكْفِي قَوْلهَا شِئْت أَو قبلت إِ ذ أَحدهمَا يُؤَدِّي الْمَعْنيين جَمِيعًا وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيلْزم عَلَيْهِ تَجْوِيز الرُّجُوع قبل الْقبُول لِأَنَّهُ يغلب فِيهِ مشابه الْمُعَاوضَة وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي على ألف فَقَالَ أَنْت طَالِق على ألف شِئْت لم يكن جَوَابا بل كَانَ كلَاما مستأنفا يَسْتَدْعِي مِنْهَا جَوَابا مستأنفا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْإِعْطَاء فَنَقُول إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فالإعطاء هُوَ أَن تضع بَين يَدَيْهِ وَلَيْسَ يشْتَرط قَبضه بِالْيَدِ إِلَّا إِذا قَالَ إِن أقبضتني فَلَا بُد من قَبضه عِنْد ذَلِك ثمَّ إِذا وضعت بَين يَدَيْهِ وَقع الطَّلَاق وَدخل فِي ملك الزَّوْج وَلم يجز لَهَا الرُّجُوع وَفِي دُخُوله فِي ملك الرجل من غير لفظ مِنْهَا إِشْكَال يُؤَيّد تَجْوِيز المعاطاة لِأَنَّهَا لم تملك وَلَا سبق مِنْهَا الْتِزَام لقبُول إِذْ لَا يشْتَرط الْقبُول لَكِن الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ وَسَببه أَن التَّعْلِيق يَقْتَضِي وُقُوع الطَّلَاق عِنْد الْإِعْطَاء ثمَّ لَا يُمكن إِيقَاعه مجَّانا مَعَ قصد الْعِوَض فَيدْخل فِي ملكه لضَرُورَة وُقُوع الطَّلَاق وَعَن هَذَا الْإِشْكَال حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن الطَّلَاق يَقع وَيرد الْمُعْطِي عَلَيْهَا ويلزمها مهر الْمثل وَهَذَا منقاس وَلكنه غَرِيب وَهَذَا الْوَجْه يجْرِي فِي قَوْله إِن ضمنت لي الْفَا فَأَنت طَالِق لِأَنَّهُ إِذا قَالَت ضمنت وَقع الطَّلَاق بِحكم التَّعْلِيق وَلذَلِك يتَصَوَّر تَأَخره عَن الْمجْلس ولزومه بِمُجَرَّد قَوْلهَا ضمنت مُشكل لدُخُوله فِي ملكه بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء أما إِذا قَالَ إِن أقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق طلقت بالإقباض طَلَاقا رَجْعِيًا وَلم يملكهُ الزَّوْج لِأَن بالإعطاء ينبنيء عَن الْملك دون الْإِقْبَاض وَمِنْهُم من ألحق الْإِقْبَاض فِي اقْتِضَاء الْملك وَمن حكم التَّعْلِيق أَيْضا أَنه لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت أَلفَيْنِ طلقت وَملك الزَّوْج ألفا لِأَن الْأَلفَيْنِ مُشْتَمل على الْألف فقد وجدت الصّفة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ خالعتك بِأَلف فَقَالَت قبلت بِأَلفَيْنِ لم يَصح لِأَنَّهُ جَوَاب لم يُوَافق الْخطاب وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالنَّقْدِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِن قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألف دِرْهَم فَأَنت طَالِق وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة كلهَا نقرة خَالِصَة لَكِن الْغَالِب فِي الْمُعَامَلَة وَاحِد فَأَتَت بالغالب طلقت وَملك الزَّوْج وَلَو أَتَت بِغَيْر الْغَالِب طلقت وَلم يملك الزَّوْج بل يجب إِبْدَاله بالغالب وَإِنَّمَا طلقت لعُمُوم لفظ التَّعْلِيق وَالْعرْف إِنَّمَا يُؤثر فِي الْمُعَامَلَات أما التَّعْلِيق فَلَا يَقع غَالِبا حتما يُؤثر الْعرف فِي تعْيين الْعُمُوم وَكَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي الْإِقْرَار حَتَّى لَو قَالَ عَليّ ألف فَلهُ أَن يسلم كل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم لِأَن الْمُوجب السَّبَب هُوَ الْمخبر عَنهُ وَذَلِكَ مَجْهُول فَكيف يحكم الْعرف فِيهِ نعم لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف نزل على الْغَالِب لِأَن هَذِه مُعَاملَة فتفارق التَّعْلِيق وَالْإِقْرَار وَبَقِي الْإِشْكَال فِي أَنه وَجب إِبْدَاله فِي الْغَالِب وَسَببه أَن ملك من حكم الْمُعَامَلَة فَينزل على الْغَالِب وَعند هَذَا صَار وَجه الشَّيْخ أبي عَليّ فِي الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أوجه لِأَنَّهُ إِن لم يكن الْمُعْطى هُوَ المُرَاد فَلم طلقت وَإِن كَانَ هُوَ المُرَاد فَلم يجب الْإِبْدَال فَإِن جَازَ الْإِبْدَال فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أولى وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَ الْألف الْغَالِب معيبا فَإِذا جَاءَت بِهِ طلقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وَرجع الزَّوْج عَلَيْهَا بالسليم وَهَذَا يزِيد فِي الْإِشْكَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا كَانَ فِي الْبَلَد دَرَاهِم نَاقِصَة فِي الْوَزْن عَلَيْهَا التَّعَامُل بِالْعدَدِ وَهِي نقرة خَالِصَة فلفط الْإِقْرَار وَالتَّعْلِيق لَا ينزل عَلَيْهَا بل على الوازنة الْكَامِلَة لِأَن الْعرف لَا يُؤثر فِيهَا نعم مُطلق البيع هَل ينزل عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لعرف الْمُعَامَلَة وَالثَّانِي لَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الموازنة التَّامَّة وَالْفرق لَا يُغير الصَّرِيح إِنَّمَا يخصص الْعُمُوم عِنْد شُمُول اللَّفْظ نعم لَو فسر الْإِقْرَار بالناقصة هَل يقبل فِيهَا وَجْهَان وَكَذَا فِي تَفْسِير الْمُعَلق بالمعتاد فِيهِ وَجْهَان وَإِنَّمَا يجْرِي الْخلاف فِي التَّعْلِيق فِي العددية الزَّائِدَة أما النَّاقِصَة فَيقبل التَّفْسِير فِي الْمُعَلق بهَا لِأَنَّهُ توسيع لباب الطَّلَاق الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْغَالِب دَرَاهِم مغشوشة فَلَا ينزل عَلَيْهَا إِقْرَار وَتَعْلِيق لَكِن تصح الْمُعَامَلَة عَلَيْهَا إِن كَانَ قدر النقرة مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة على أعيانها وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه يقبل تَفْسِير الْمقر بهَا إِذا غلبت فِي الْمُعَامَلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِإِعْطَاء ثوب أَو عبد وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا من صفته كَيْت وَكَيْت وَوَصفه إِلَى حد يجوز السّلم فِيهِ فَإِذا أَتَت بِمثلِهِ طلقت وَدخل فِي ملكه أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا وَاقْتصر فمهما أَتَت بِعَبْد سليم أَو معيب كَيْفَمَا كَانَ طلقت وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ مَجْهُول فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى قِيمَته وَإِن أَتَت بِعَبْد مَغْصُوب فَفِي وُقُوع الطَّلَاق وَجْهَان أَحدهمَا يَقع لحُصُول الِاسْم وَلِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَلَا معنى لاشْتِرَاط الْملك وَالثَّانِي لَا يَقع لِأَن لفظ الْإِعْطَاء يُنبئ عَمَّا تقدر الْمَرْأَة على إِعْطَائِهِ التَّفْرِيع إِن شرطنا الْملك فَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا فَهَل تكون الْخمر الْمَغْصُوبَة المحترمة كَالَّتِي لم تغصب فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن الْملك غير مُتَصَوّر فِيهَا لَكِن الِاخْتِصَاص الْمُمكن فِيهِ لَا يبعد أَن يعْتَبر الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا عين عبدا فَقَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا العَبْد وَقع الطَّلَاق بإعطائه وَملكه فَإِن كَانَ معيبا طلقت بِحكم التَّعْلِيق وَلَكِن يرد عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 وَرجع إِلَى قيمَة السَّلِيم أَو إِلَى مهر الْمثل على اخْتِلَاف قَوْلَيْنِ وَإِن خرج مُسْتَحقّا قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة نتبين أَن الطَّلَاق غير وَاقع لِأَنَّهُ غير قَابل للإعطاء وَقَالَ القَاضِي طلقت وَالرُّجُوع إِلَى الْبَدَل لِأَنَّهَا أَعْطَتْ مَا عينه الزَّوْج فَلَو صرح وَقَالَ إِن أعطتني هَذَا العَبْد الْمَغْصُوب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِوُقُوع الطَّلَاق لتصريحه ثمَّ إِذا صححنا رَجَعَ إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ قنع بِغَيْر شَيْء وَقيل يطرد هَذَا فِيمَا لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا وَهُوَ بعيد فِي الْمَذْهَب أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا الْحر فَالظَّاهِر أَن الطَّلَاق يَقع بأعطائه رَجْعِيًا لِأَن الصِّيغَة فَاسِدَة لَا تصلح لطلب الْعِوَض وَقيل إِن ذَلِك كالمغصوب وَالْخمر الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب وَهُوَ مَرْوِيّ فَسلمت فَإِذا هُوَ هروي لم تطلق لعدم الشَّرْط أما إِذا قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب الْمَرْوِيّ فَإِذا هُوَ هروي فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 مُتَرَدّد بَين صِيغَة الشَّرْط والإخبار على وَجه خطأ فَإِن لم نجعله شرطا وَقع الطَّلَاق بِتَسْلِيمِهِ وَلَو قَالَ خالعتك على هَذَا الثَّوْب على أَنه هروي فَإِذا هُوَ مَرْوِيّ وَقعت الْبَيْنُونَة سَوَاء وجد الْوَصْف أَو لم يُوجد وَلَكِن إِن أخلف الْوَصْف ثَبت خِيَار الْخلف فِي الْعِوَض وَفَائِدَته الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أَو بدله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي سُؤال الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِي ألفاظها فِي الالتماس وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَت مَتى طلقتني فلك ألف اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ بِخِلَاف قَول الزَّوْج مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق وَإِن أَعْطَتْ فِي غير الْمجْلس لِأَن الْغَالِب على جَانِبه التعلقق وعَلى جَانبهَا الْمُعَاوضَة فَلذَلِك افْتَرقَا الثَّانِيَة لَو قَالَت إِن طلقتني فَأَنت بَرِيء من الصَدَاق فَقَالَ طلقت نفذ رَجْعِيًا وَلم يبرأ عَن الصَدَاق لِأَن تَعْلِيق الْإِبْرَاء لَا يَصح وَطَلَاق الزَّوْج طَمَعا فِي الْبَرَاءَة من غير لفظ صَحِيح مِنْهَا فِي الِالْتِزَام لَا يُوجب شَيْئا عَلَيْهَا الثَّالِثَة إِذا قَالَت طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف فَطلقهَا لَزِمَهَا الْألف وَهَذِه الصِّيغَة مِنْهَا تصلح للالتزام بِخِلَاف مَا لَو قَالَ طَلقتك ولي عَلَيْك ألف فَإِن ذَلِك لَا يصلح لإلزامها فَيحمل على الْإِخْبَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يلْزمهَا يالحال بذلك وَسوى فِيهِ بَين الزَّوْجَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 لِأَصْحَابِنَا وَجه مُوَافق مذْهبه وَلَا يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجعَالَة بل هَذِه الصِّيغَة ملزمة فِي الْجعَالَة وَلَو قَالَ بِعني وَلَك عَليّ ألف فقد قيل إِن ذَلِك كالخلع والجعالة وَقيل إِن ذَلِك لَا يحْتَمل فِي البيع الرَّابِعَة لَو قَالَت طَلقنِي على ألف فَقَالَ طَلقتك وَلم يذكر المَال فَإِن قَالَ لم أقصد الْجَواب قبل وَفَائِدَته ثُبُوت الرّجْعَة بِخِلَاف مَا إِذا قيل لَهُ أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم ثمَّ قَالَ لم أقصد الْجَواب لم يقبل لِأَن قَوْله نعم لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فَيتَعَيَّن للجواب وَكَذَلِكَ مُجَرّد قَوْله اشْتريت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 دون ذكر المَال يتَعَيَّن للجواب مهما قيل لَهُ بِعْت مِنْك الْخَامِسَة إِذا صدر مِنْهَا كِنَايَة كقولها أبني وَقَوله أبنتك فَإِن نويا نفذ وَإِن لم ينويا لَغَا وَإِن نَوَت دونه لم ينفذ لِأَن اعْتِمَاد الْبَيْنُونَة على جَانِبه وَإِن نوى دونهَا نظر فَإِن جرى ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ لم ينفذ لِأَنَّهُ لَا يَصح التزامها من غير نِيَّة الْفِرَاق وَإِن لم يجر من الْجَانِبَيْنِ نفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن جرى ذكر الْعِوَض فِي جَوَابه لافي التماسها لم يَقع الطَّلَاق وَإِن جرى فِي التماسها لَا فِي جَوَابه بِأَن قَالَت أبني بِأَلف فَقَالَ فَلم يَصح أبنتك لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيا بِالْبَيِّنَةِ نته بعوض وَلم يُوجد مِنْهَا نِيَّة الفواق التزامها فَصَارَ كَمَا إِذا ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ وَفِيه وَجه بعيد أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا وَيجْعَل قَوْله أبنتك كالمستقبل دون الالتماس فَأَما إِذا جرى من أَحدهمَا صَرِيح وَمن الآخر كِنَايَة فالكناية مَعَ النِّيَّة كصريح وَدون النِّيَّة كَالْمَعْدُومِ وَلَا خلاففي أَنه لَو قَالَت أبني فَقَالَ أبنتك ونويا الطَّلَاق وَلم يذكر الْعِوَض أَن هَذَا لَا يَقْتَضِي الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن لفظ الْخلْع يُنبئ عَن الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْبَيْنُونَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 الْفَصْل الثَّانِي فِي التماسها طَلَاقا مُقَيّدا بِعَدَد وَفِيه أَربع مسَائِل إِحْدَاهَا أَن تَقول طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة اسْتحق ثلث الْألف كَمَا ذَكرْنَاهُ على قِيَاس الْجعَالَة بِخِلَاف جَانِبه فَإِن لم يبْق لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا طَلْقَة فَقَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق طَلْقَة وَاحِدَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْتحق جَمِيع الْألف لِأَن مرادها الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَقد حصلت بكمالها وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يسْتَحق ثلث الْألف اتبَاعا لِلْحسابِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن علمت أَنه لم يبْق إِلَّا وَاحِدَة اسْتحق الْجَمِيع وَإِن لم تعلم اسْتحق الثُّلُث وَلَا تَفْرِيع بعد هَذَا على مذْهبه أما إِذا بقيت لَهُ طَلْقَتَانِ فَطلق وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 الله عَنهُ والمزني جَمِيعًا لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَيْضا يتبع الْحساب إِلَّا إِذا حصلت الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَإِن طَلقهَا اثْنَتَيْنِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والثلثين عِنْد الْمُزنِيّ فَلَو قَالَت طَلقنِي عشرا بِأَلف اسْتحق بالواحدة الْعشْر وبالثنتين الْخمس بالِاتِّفَاقِ وَأما بِالثلَاثِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقِيَاس الْمُزنِيّ إِنَّه يسْتَحق ثَلَاثَة أعشار المَال وَقيل تخريجا على قِيَاسه إِنَّه إِنَّمَا يوزع على الْعدَد الشَّرْعِيّ ويوافق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي اسْتِحْقَاق الجيمع بِالثلَاثِ فِي هَذِه الصُّورَة الثَّانِيَة إِذْ قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة بِأَلف وثنتين مجَّانا قَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمَذْهَب تقع الْوَاحِدَة بِثلث الأف وَالزِّيَادَة لَا تلزمها والثنتان بعْدهَا لَا تقعان لِأَنَّهَا صَارَت بَائِنَة بِالْأولَى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ بل يَنْبَغِي أَن لَا تقع الأولى لِأَنَّهُ مَا رَضِي بوقوعها إِلَّا بِأَلف وَهِي مَا التزمت على وَاحِدَة إِلَّا لثلاث نعم تقع الطلقتان مجَّانا وهما رجعيتان أما إِذا عكس فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة مجَّانا واثنتين بِثُلثي الاف وَقعت وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَتخرج الثنتان على مخالعه الرَّجْعِيَّة إِن جَوَّزنَا نفذنا أَيْضا بِثُلثي الأف وَإِن منعنَا وَقعت طَلْقَتَانِ أَيْضا إِذا قبلت لِأَن الرَّجْعِيَّة يلْحقهَا الطَّلَاق وَبِالْجُمْلَةِ إِذا خَالع الرَّجْعِيَّة على قَوْلنَا لَا تصح مخالعتها كَانَ كمخالعة السفيهة حَتَّى يَقع طَلَاق بِلَا عوض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 الثَّالِثَة إِذْ قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طلقت ثَلَاثًا وَاسْتحق الْألف لِأَنَّهُ أجابها وَزَاد وَإِلَيْهِ سَار أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهَا لم تلتمس الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَسلم أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق وَاحِدَة إِنَّه اسْتحق ثلث الأف وَإِن خَالف أما إِذا عَاد الزَّوْج ذكر المَال فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بِأَلف فَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا فرق بَين أَن يُعِيد أَو لَا يُعِيد وَحكى الفوراني وَجها عَن الْقفال إِنَّه إِذا أعَاد فقد قَابل كل طَلْقَة بِثلث الْألف فَلَا يلْزمهَا إِلَّا ثلث الْألف وَوَقع الثَّلَاث أما إِذا لم يعد ذكر المَال أمكن أَن يُقَال التمست وَاحِدَة فأجابها إِلَى بينونة أغْلظ مِنْهُ فَيرجع إِلَى زِيَادَة صفة أما هَاهُنَا فَيظْهر التَّوْزِيع وَلَكِن يلْزم على قِيَاس الْقفال أَن لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَابل طَلْقَتَيْنِ بِثُلثي الْألف وَهِي مَا قبلت وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَيلْزم أَلا تقع الأولى أَيْضا لِأَنَّهَا التمست بِأَلف فَأجَاب بِثلث الْألف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 فَهُوَ كَقَوْلِه بِعني بِأَلف فَقَالَ بِعْت بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ لَا يكون جَوَابا وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَقد قيل فِي البيع أَيْضا إِنَّه يَصح وَيَقُول أَيْضا إِذا قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ طلقت وَاحِدَة بِخَمْسِمِائَة إِنَّه يسْتَحق تَمام الْألف لِأَن تَقْدِير الْعِوَض إِلَيْهَا لَا إِلَيْهِ وعَلى الْجُمْلَة مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي صُورَة إِعَادَة المَال أوجه الرَّابِعَة إِذْ قَالَت طَلقنِي نصف طَلْقَة بِأَلف أَو طلق نصفي أَو يَدي بِأَلف فأجابها نفذ الطَّلَاق وَفَسَد الْعِوَض لفساد صِيغَة الْمُقَابلَة فَيرجع إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه منقاس أَنه يثبت الْمُسَمّى لِأَنَّهُ خصص الْعِوَض بِمَا لَا يخْتَص بِهِ وَلَكِن كمله الشَّرْع فَلَا يبعد أَن ينزل منزلَة الْمُقَابلَة بالكامل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 الْفَصْل الثَّالِث فِي استدعائها طَلَاقا مُعَلّقا بِزَمَان وَفِيه صور الأولى أَن تَقول طَلقنِي غَدا وَلَك ألف فَإِن طلق بعد غَد نفذ رَجْعِيًا وَلَا مَال لَهُ لِأَنَّهُ خَالف وَإِن طلق فِي الْغَد وَقعت الْبَيْنُونَة وَفَسَد الْعِوَض لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل التَّعْلِيق فَيرجع إِلَى مهر الْمثل وَلَو طلق فِي الْحَال أَو قبل الْغَد فقد أجَاب وَزَاد إِذْ عجل فَيثبت مهر الْمثل وَفِي كل حَال لَا يسْتَحق المَال قبل الطَّلَاق الثَّانِيَة أَن تَقول خُذ مني ألف وَأَنت مُخَيّر فِي تطليقي من الْيَوْم إِلَى شهر فلك الْألف مَتى لم تُؤخر عَن الشَّهْر فمهما طَلقهَا فِي الشَّهْر على قصد الْإِجَابَة اسْتحق مهر الْمثل كالصورة الأولى وَهَذَا بِخِلَاف قَوْلهَا مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَإِن مَتى مَا وَإِن كَانَ ظَاهرا فِي التَّأْخِير فَلَا يسْتَحق الْعِوَض إِلَّا بِطَلَاق فِي الْمجْلس لِأَن قرينَة الْعِوَض قَابل عُمُوم اللَّفْظ فخصصه بِالْمَجْلِسِ أما هَاهُنَا فَرفعت الِاحْتِمَال بالتصريح والتخيير فِي الشَّهْر وَمن الْأَصْحَاب من نقل الْجَواب من كل مَسْأَلَة إِلَى أُخْتهَا وَسوى بَينهمَا الثَّالِثَة إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق غَدا على ألف فَقَالَت قبلت فَإِذا جَاءَ الْغَد وَقع الطَّلَاق بَائِنا وَفِيمَا يلْزمهَا وَجْهَان إحدهما مهر الْمثل لِأَن الْمُعَاوضَة لَا تقبل التَّعْلِيق وَهَذَا تَعْلِيق مُعَاوضَة وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيجب الْمُسَمّى لِأَن مُقَابلَة الْمُعَلق بِالْمَالِ كمقابلة الْمُنجز والمعاوضة إِنَّمَا صحت بِوُجُود شقي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْحَال من غير تَعْلِيق فَإِذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 صَحَّ قَوْله إِذا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق من غير قبُول مِنْهَا فبأن يَصح هَذَا التَّعْلِيق مَعَ قبُولهَا فِي الْحَال أولى وَفِيه وَجه ضَعِيف أَن الطَّلَاق لَا يَقع أصلا لِأَنَّهُ علق بِالْعِوَضِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات الْعِوَض بِالتَّعْلِيقِ وَلَا إِلَى إِيقَاع الطَّلَاق وَقد علقه بِالْعِوَضِ ثمَّ إِذا أوقعنا الطَّلَاق عِنْد مَجِيء الْغَد وَجب الْعِوَض بعد نُفُوذ الطَّلَاق وَلَا يجب بِمُجَرَّد قبُولهَا فِي الْحَال وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوع بعد الْقبُول لِأَنَّهُ قد تمّ شقا العقد بِالْقبُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 الْفَصْل الرَّابِع فِي سُؤال الْأَجْنَبِيّ واختلاعه وَاعْلَم أَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ كاختلاع الْمَرْأَة فِي جَمِيع صِيغ الِالْتِزَام وَأَحْكَامه لِأَن الطَّلَاق مِمَّا يسْتَقلّ بِهِ الزَّوْج وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى قبُولهَا لالتزام المَال وللأجنبي أَن يلْتَزم المَال على سَبِيل الافتداء وَلَكِن الْأَجْنَبِيّ إِن كَانَ وَكيلا من جِهَتهَا فَلهُ أَن يعْقد لَهَا ولنفسه وَينظر إِلَى لَفظه وَنِيَّته ومطلقه يَقع من جِهَة الْوكَالَة وَلَكِن إِن لم يُصَرح بالفسادة تعلّقت بِهِ الْعهْدَة وطولب بِالْعِوَضِ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاء وَإِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ اخْتلعت بوكالتها ثمَّ بِأَن أَنه لم يكن وَكيلا تبين أَن الطَّلَاق لم يَقع لِأَن الْخطاب كَأَنَّهُ مَعهَا وَلم يجر قبُولهَا وَلَا قبُول نائبها فرع أَبوهَا إِذا كَانَ هُوَ المختلع فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن كَانَت طفلة فاختلعها بِمَال نَفسه فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن اختلعها بمالها فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الْولَايَة بمالها أَو بِهَذَا العَبْد من مَالهَا لم يَقع الطَّلَاق بل هُوَ كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب الثَّانِيَة أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الِاسْتِقْلَال لَكِن بِهَذَا العَبْد من مَالهَا فَهُوَ كالاختلاع بِالْمَالِ الْمَغْصُوب وَقد سبق الثَّالِثَة أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد الَّذِي هُوَ من مَالهَا وَلم يتَعَرَّض لما يزِيد على هَذَا من نِيَابَة أَو اسْتِقْلَال وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا كاختلاع السفيهة وَكَأَنَّهُ أهل للقبول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 ومحجور عَلَيْهِ فِي مَالهَا كالسفيهة مَحْجُور عَلَيْهَا فِي مَال نَفسهَا وَهَذَا فِي غموض المختلع بالمغصوب لَو أضَاف المَال إِلَى الْمَالِك وَقع الطَّلَاق بَائِنا وَقيل الْفساد فِي الْعِوَض فَخرج القَاضِي وَجها هَاهُنَا إِنَّه كالمغصوب وَخرج فِي الْمَغْصُوب هَاهُنَا وَجها إِن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا الرَّابِع أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد وَلم يذكر إِنَّه من مَالهَا فَإِن الزَّوْج جَاهِلا بِهِ فَهُوَ كَمَا لَو خرج الْعِوَض مُسْتَحقّا وَإِن كَانَ عَالما فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن يصير الْمَعْلُوم كالمذكور لفظا فَيَقَع الطَّلَاق على الْمَشْهُور رَجْعِيًا وَالثَّانِي أَن يكون كَمَا لَو كَانَ جَاهِلا نظرا إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ الْخَامِسَة أَن يختلعها بِالْبَرَاءَةِ عَن الصَدَاق فَإِن جَوَّزنَا لَهُ الْعَفو عَن صدقهَا فِي الاختلاع صَحَّ الْخلْع كَمَا لَو اخْتلعت بِنَفسِهَا وَإِن منعنَا بذلك وَهُوَ الصَّحِيح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر النَّص أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا كالسفيهة وَالثَّانِي أَنه كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق لِأَن إِضَافَته إِلَى الصَدَاق وَهُوَ أَب يشْعر بِأَنَّهُ كالنائب أما إِضَافَته إِلَى العَبْد فَهُوَ الْمَغْصُوب أشبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وَالثَّالِث أَن يَقع الطَّلَاق بَائِنا وَيجب مهر الْمثل كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوب السَّادِسَة أَن يَقُول خلعها وَإِن ضَامِن براءتك فَالْقِيَاس أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن ضَمَان عين الْبَرَاءَة محَال فيلفوا الْحَال وَيصِح الْقبُول وَإِن قَالَ طَلقهَا وَإِن طولبت بِالصَّدَاقِ فَأَنا ضَامِن براءتك فَتحصل الْبَيْنُونَة وَيجب مهر الْمثل لفساد صِيغَة الِالْتِزَام وَضَابِط النّظر فِي هَذِه الْمسَائِل أَن الْخلْع إِنَّمَا يخْتل إِمَّا بِسَبَب فِي نفس الْقبُول فَيُوجب نفي أقبل الطَّلَاق أَو لخلل فِي نفس الِالْتِزَام فَيُوجب نفي الْبَيْنُونَة لَا نفي الطَّلَاق أَو لخلل فِي الْمُلْتَزم إِلَّا فِي الِالْتِزَام كَالْخمرِ الْمَقْصُود فَيُوجب نفي الْمُسَمّى لَا نفي الْبَيْنُونَة وَيكون التَّرَدُّد فِي أصل الطَّلَاق للتردد فِي صِحَة الْقبُول والتردد فِي الْبَيْنُونَة للتردد فِي صِحَة أصل الِالْتِزَام والتردد فِي الْمُسَمّى للتردد فِي صِحَة الْمُلْتَزم وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النزاع فِي الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ أَنْوَاع الأول أَن يَقع فِي أصل عوض أَو جنسه أَو قدره فَإِن وَقع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْلهَا إِن أنْكرت الْعِوَض وَإِن خلفت وَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة للرجل بقوله إِنِّي خالعت على عوض وَإِن تنَازعا فِي الْجِنْس فَقَالَ خالعتك بِدَرَاهِم وَقَالَت بل بفلوس تحَالفا وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل كَمَا فِي الصَدَاق وَكَذَلِكَ فِي الْمِقْدَار وَإِن توافقا على جَرَيَان الْخلْع بِأَلف دِرْهَم وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردنَا بِهِ الدَّرَاهِم وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس فَهَذَا يَسْتَدْعِي مُقَدّمَة وَهِي أَنه لَو كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة وَلَا غَالب فِيهَا فَقَالَ بِعْت بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ اشْتريت بِأَلف دِرْهَم وَلم يتعرضا للْجِنْس وَلَكِن توافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يَصح البيع وَلم يحْتَمل هَذِه الْجَهَالَة فِيهِ وَالْمَشْهُور الظَّاهِر فِي الْخلْع أَنه يحْتَمل ذَلِك ويكفل فِيهِ النِّيَّة أَو الْعلم بِالْعِوَضِ وَإِن كَانَ شرطا لثُبُوت الْمُسَمّى وَلَكِن يحْتَمل فِيهِ مَا لم يحْتَمل فِي البيع وَلذَلِك حصل الْملك بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء من غير لفظ وَهَذَا لَيْسَ يَخْلُو عَن أشكال ثمَّ لَا خلاف إِنَّه لَو قَالَ خالعتك على ألف وَقبلت وتوافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يحْتَمل هَذَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الِاحْتِمَال والترديد بَين الْأَنْوَاع وَإِنَّمَا الْمَذْكُور مُجَرّد الْعدَد وَهُوَ عرضي لَا يُنبئ عَن مَاهِيَّة جنسية وَلَا نوعية بِخِلَاف مَا إِذا ذكر الدَّرَاهِم فَإِنَّهُ لم يبْق إِلَّا التَّفْصِيل بِالصِّفَاتِ فَلَا يبعد تَخْصِيص عُمُومه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 بِالنِّيَّةِ وَفِي كَلَام القَاضِي دلَالَة على أَن عُمُوم الْألف كعموم الدَّرَاهِم مَعَ أَنه قطع بِأَنَّهُ لَو قَالَ ألف شَيْء لم تُؤثر النِّيَّة لِأَن لفظ الشَّيْء آكِد فِي حَقِيقَة الِاحْتِمَال وَالنِّيَّة لَا تغيره وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد النِّيَّة فِي الدَّرَاهِم أَيْضا إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا قبل العقد على مَا يقْصد أَن بِهِ فَإِن لم يسْبق التواطؤ فَلَا يُؤثر توَافق النِّيَّة وَكَأَنَّهُ يلْتَفت على معنى مَسْأَلَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَلَا يخفى أَن يعْتَبر هَذَا بِالنِّيَّةِ أقرب من إِرَادَة الْألف بالألفين فَإِن ذَلِك تَغْيِير صَرِيح فنعود إِلَى النزاع وَله صور الأولى أَن يَقُول الزَّوْج أردنَا الدَّرَاهِم جَمِيعًا وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس جَمِيعًا فَهَذَا نزاع فِي الْجِنْس فيتحالفان وَفِيه وَجه بعيد أَن التَّحَالُف لَا يجْرِي لِأَنَّهُ نزاع فِي النِّيَّة وَإِنَّمَا اخْتِلَاف فِي الْجِنْس يتَوَلَّد منع تبعا وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِي أَن يتوافقا على جَانب جَانب الزَّوْج وإرادته الدَّرَاهِم قَالَت الْمَرْأَة أردْت الْفُلُوس فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِذا حَلَفت انْتَفَى عَنْهَا الْعِوَض وَوَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة لَهُ بقوله الثَّالِثَة أَن يتوافقا على جَانبهَا وإرادتها الْفُلُوس وإرادته وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردْت الدَّرَاهِم فَلَا فرق لاخْتِلَاف الْجَواب فَحكم هَذَا إِن الْبَيْنُونَة وَاقعَة لأننا نَنْتَظِر إِلَى الملفوظ وَقد قَالَ خالعتك على ألف فَقَالَت قبلت فَلَا مطلع على النِّيَّة وَيلْزم من هَذَا أَنَّهُمَا لَو توافقا أَيْضا على اخْتِلَاف الْقَصْد وَقعت الْبَيْنُونَة لظَاهِر اللَّفْظ وَلَو تصور إطلاع كل وَاحِد مِنْهُمَا على بَاطِن صَاحبه حَتَّى تتَحَقَّق الْمُخَالفَة فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 النِّيَّة فَيَنْبَغِي أَن لَا يَقع الطَّلَاق بَاطِنا ثمَّ قَالَ القَاضِي للزَّوْج مهر الْمثل لِأَن الْبَيْنُونَة وَقعت ظَاهرا ولغا أثر النِّيَّة فَبَقيَ اللَّفْظ مَجْهُولا وَكَأن النِّيَّة عِنْده إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا فِي واتفقا عَلَيْهِ فَإذْ لم يتَّفقَا لغت النِّيَّة وَنظر إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ وَهُوَ بعيد لِأَن مُوجب قَول الزَّوْج لِأَن لَا بينونة وَلَا عوض فَالْحكم عَلَيْهِ بالبنيونة لَهُ وَجه أما الحكم لَهُ بِالْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَدعِيهِ فبعيد الرَّابِعَة توفقا على أَنه أَرَادَ الدَّرَاهِم فَقَالَت أردْت الدَّرَاهِم أَيْضا وحصلت الْفرْقَة وَقَالَ بل أردْت الْفُلُوس وَقَالَ وَلَا فرقة فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي نِيَّتهَا فَإِذا حَلَفت حصلت الْفرْقَة وَعند القَاضِي لَهُ مهر الْمثل وَإِن كَانَ هُوَ مُنْكرا للفرقة وَهُوَ بعيد الْخَامِسَة أَن يَقُول أردْت الدَّرَاهِم وَمَا ادّعى عَلَيْهَا شَيْء وَقَالَت أردْت الْفُلُوس وَمَا ادَّعَت عَلَيْهِ شَيْء فالفرقة أَيْضا حَاصِلَة وَقَالَ القَاضِي يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي عَلَيْهَا مَالا معينا فَكيف يحلف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 النَّوْع الثَّانِي الِاخْتِلَاف فِي الْعِوَض فَإِذا قَالَت سَأَلتك ثَلَاث طلقات بِأَلف فأجبتني فَقَالَ بل طَلْقَة بِأَلف فأجبتك فقد اتفقَا على الْألف وتنازعا فِي مُقَدرا المعوض فيتحالفان وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَأَما عدد الطَّلَاق فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قَوْله فَلَا نزيد على وَاحِدَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَ القَوْل قَوْله فِي عدد الطَّلَاق وَالْألف مُتَّفق عَلَيْهِ فَأَي معنى للتحالف وَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِبْدَال الْألف الْمُتَّفق عَلَيْهِ بِمهْر الْمثل قُلْنَا مُقْتَضى التَّحَالُف إبِْطَال الْعِوَضَيْنِ لَكِن الطَّلَاق لَا يقبل الْإِبْطَال فجرينا على قِيَاس التَّحَالُف فِي تطرق الْفَسْخ إِلَى مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ خَاصَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 النَّوْع الثَّالِث النزاع فِي الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فَإِذا ادّعى عَلَيْهَا الاختلاع فَقَالَت إِنَّمَا اختلعني أَجْنَبِي فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي انكار الاختلاع وَلَا رُجُوع لَهُ على الْأَجْنَبِيّ لاعْتِرَافه بِأَنَّهُ لم يختلع أما إِذا قَالَت أضفت الاختلاع إِلَى أَجْنَبِي وَكنت سفيرة لَهُ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لاتِّفَاقهمَا على أصل الِالْتِزَام واختلافهما فِي صفة الْإِضَافَة وَالثَّانِي أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أنْكرت أصل الِالْتِزَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 = كتاب الطَّلَاق = وَالنَّظَر فِي شطرين أَحدهمَا فِي عُمُوم أَحْكَامه وَالثَّانِي فِي التعليقات خَاصَّة أما الشّطْر الأول فَفِيهِ سِتَّة أَبْوَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي معنى السّنة والبدعة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مواقع السّنة والبدعة وَقد اتّفق الْعلمَاء على انقسام الطَّلَاق إِلَى سني وبدعي فالبدعي هُوَ الطَّلَاق الْمحرم إِيقَاعه وَإِن كَانَ نَافِذا والسني مَا لَا تَحْرِيم فِيهِ والبدعي هُوَ الطَّلَاق الْوَاقِع بعد الْمَسِيس فِي الْحيض دون سؤالها وَالْوَاقِع فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَلم يتَبَيَّن حملهَا فهذان أصلان أما الأول وَهُوَ الْحيض فَيحرم فِي الطَّلَاق بعد الْمَسِيس وَلَا بِدعَة فِي طَلَاق غير الممسوسة أصلا وَأما الممسوسة فَيحرم طَلاقهَا فِي الْحيض بِغَيْر سؤالها لما رُوِيَ أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا طلق امْرَأَة فِي الْحيض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر رَضِي الله عَنهُ مره فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إِن شَاءَ طَلقهَا وَإِن شَاءَ أمْسكهَا فَتلك الْعدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن تطلق لَهَا النِّسَاء وَأَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَي لقبل عدتهن حَتَّى يشرعن عقيب الطَّلَاق فِي الْعدة المحسوبة فَإِن بقيت الْحيض لَا تحسب فتطول الْعدة ثمَّ أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَة ثَابت بالافتداء وَلم يستفصل أَهِي حَائِض أم لَا فَدلَّ على أَن الْخلْع مُسْتَثْنى وَلَا تَحْرِيم فِيهِ فَمنهمْ من فهم ذَلِك لكَونهَا راضية فَكَأَنَّهُ جوز تَطْوِيل الْعدة بِرِضَاهَا وَقَالَ لَا حُرْمَة فِي الطَّلَاق بسؤالها وَإِن لم يكن بِمَال وَيحرم اختلاع الْأَجْنَبِيّ لعدم رِضَاهَا وَمِنْهُم من جعل ذَلِك من خاصبة الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا يبْذل إِلَّا لضَرُورَة فجوز اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَحرم الطَّلَاق وَإِن كَانَ بسؤالها وَيشْهد بذلك جَوَاز الطَّلَاق للمؤلي إِذا طُولِبَ بِهِ لِأَن ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وَاجِب بِنَوْع ضَرُورَة فاتفقوا على جَوَاز الْخلْع وَطَلَاق المؤلي وترددوا فِي اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَالطَّلَاق بِرِضَاهَا وَأما قَوْله إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَلَا بِدعَة فِيهِ وَإِن جرى فِي الْحيض لَكِن ينظر إِن اتّفق الدُّخُول فِي الْحيض نفذ الطَّلَاق بدعيا وَفَائِدَته أَنه يُؤمر بالرجعة على سَبِيل الِاسْتِحْبَاب وَإِذا رَجَعَ فَهَل يجوز أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الأول بعده فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم إِذْ لَا معنى للْمَنْع فِي الطُّهْر وَقد ورد فِي بعض الرِّوَايَات مرّة فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر وَالثَّانِي أَنه يصبر على الطُّهْر الثَّانِي لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن تكون الرّجْعَة لأجل الطَّلَاق وَذَلِكَ لَا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع وَيشْهد لذالك حَدِيث ابْن عمر وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَنه هَل يسْتَحبّ أَن يُجَامِعهَا حَتَّى يظْهر مَقْصُود الرّجْعَة أما إِذا طَلقهَا طَلَاقا غير بدعي ثمَّ رَاجعهَا فَلهُ أَن يطلقهَا فِي الْحَال إِذْ لَا بِدعَة حَتَّى تستدرك وَأما الْجمع بَين الثَّلَاث فَلَا بِدعَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم الأولى أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 يفرق كَيْلا يلْحقهُ نَدم فرع إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الْحيض فَهَذَا طَلَاق يُصَادف الْحيض وَلَكِن يستعقب الْعدة فَمنهمْ من نظر إِلَى الْمَعْنى وَقَالَ هُوَ سني وَمِنْهُم من نظر إِلَى المظنة وَهُوَ الْحيض فَقَالَ هُوَ بدعي وَكَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الطُّهْر وَلَعَلَّ النّظر إِلَى المظنة أولى الأَصْل الثَّانِي فِي بِدعَة الطَّلَاق فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَهُوَ بِدعَة إِلَّا إِن يكون عَالما بِكَوْنِهَا حَامِلا فَيحل الطَّلَاق لِأَن الْمَحْذُور لُحُوق النَّدَم بِسَبَب الْجَهْل بِالْوَلَدِ واستدخالها مَاء الزَّوْج فِي معنى الْوَطْء لِأَنَّهُ يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد والإتيان فِي غير المأتى فِيهِ تردد فَإِنَّهُ وَإِن لم يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد فالعدة تجب بِهِ وترددوا فِيمَا لَو وَطئهَا فِي الْحيض ثمَّ طهرت أَنه هَل يحرم طَلاقهَا لِأَن بَقِيَّة الْحيض قد تدل على عدم الْوَلَد دلَالَة دون دلَالَة ابْتِدَاء الْحيض وَالظَّاهِر أَنه لَا بِدعَة فِي خلاعها أَيْضا كَمَا فِي حَالَة الْحيض وَمِنْهُم من قَالَ السَّبَب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 هَاهُنَا حذار الْوَلَد ورضاها لَا يُؤثر والمحذور ثمَّ طول الْعدة فَلَا يبعد أَن يُؤثر رِضَاهَا فِي حَقّهَا وَقد خرج من هَذَا أَن خمْسا من النسْوَة لَا بِدعَة فِي طلاقهن وَلَا سنة غير الممسوسة وَالْحَامِل بِيَقِين والآيسة وَالصَّغِيرَة إِذْ لاحيض لَهما وَلَا ولد والمختلعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى السّنة والبدعة تنجيزا وتعليقا وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ للحائض أَنْت طَالِق للبدعة وَقع فِي الْحَال وَإِذا قَالَ للسّنة من يَقع حَتَّى تطهر وَكَذَا إِن قَالَ للَّتِي طهرت قبل الْجِمَاع أَنْت طَالِق للسّنة وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَإِن قَالَ للبدعة لم تطلق حَتَّى تجامع أَو تحيض وَالْمَقْصُود أَن اللَّام للتأقيت فِيمَا يشبه الْأَوْقَات كالسنة والبدعة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرمضان فَإِن تأقيت برمضان وَأما لَا يشبه الْأَوْقَات فَاللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضي فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال رَضِي فلَان أَو سخط وَقَوله أَنْت طَالِق لدُخُول الدَّار فَهُوَ تَعْلِيق يَقع فِي الْحَال بِخِلَاف قَوْله لقدوم زيد فَإِنَّهُ تأقيت بالقدوم لِأَن الْقدوم مِمَّا ينْتَظر كالحيض وَالطُّهْر وَإِنَّمَا صَرِيح لفظ التَّعْلِيق إِن وَإِذا وَأما اللَّام فَهُوَ للتَّعْلِيل ظَاهرا إِلَّا فِيمَا يشبه الْأَوْقَات وَحَيْثُ حملنَا على التَّعْلِيل فَلَو قَالَ أردْت التَّأْقِيت فيدين فِي الْبَاطِن وَهل يقبل ظَاهرا فِي وَجْهَان وَهَذَا فِيمَا إِذا خَاطب متعرضة للسّنة والبدعة فَإِن خَاطب صَغِيرَة أَو آيسة أَو غير مَدْخُول بهَا فَهُوَ للتَّعْلِيل حَتَّى يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال سَوَاء قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة أَو للبدعة وَفِيه وَجه إِنَّه لَو قَالَ للسّنة وَقع فِي الْحَال فَإِن مَعْنَاهُ طَلَاق لَا تَحْرِيم فِيهِ وَلَو قَالَ للبدعة لم يَقع حَتَّى تحيض الصَّغِيرَة وَحَتَّى يدْخل بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 أما إِذا قَالَ لمتعرضة للحالتين إِذا قدم زيد فَأَنت طَالِق للسّنة فَإِن قدم وَهِي حَائِض لم يَقع حَتَّى تطهر وَإِن قَالَ للبدعة وَقدم وَهِي فِي طهر لم يُجَامع فِيهِ لم تطلق حَتَّى تحيض أَو يُجَامع وَإِن علق بِمُجَرَّد الْقدوم فَقدم وَهِي حَائِض نفذ طَلَاقا بدعيا وَإِن لم تكن فِي حَالَة التَّعْلِيق من أهل السّنة والبدعة نظر إِلَى حَالَة الْوُقُوع لَا إِلَى التَّعْلِيق فرع لَو قَالَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ أَنْت طَالِق للبدعة فَإِذا جَامع وَقع الطَّلَاق كَمَا غَابَتْ الْحَشَفَة وَهل يلْزمه بدوام الْوَطْء إِن لم ينْزع فِي الْحَال مهر آخر من حَيْثُ يجب الْمهْر بابتداء وَطْء الرَّجْعِيَّة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن دوَام الْوَطْء هَل هُوَ كابتدائه وَالْأَظْهَر أَنه لَا يجب لِأَن مهر النِّكَاح تنَاول أول هَذَا الْوَطْء فَلَا يبعض حكمه وَإِن تغير الْحل فِي أَثْنَائِهِ الثَّانِيَة إِن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بَعضهنَّ للسّنة وبعضهن للبدعة فَإِن قَالَ أردْت إِيقَاع طَلْقَة وَنصف فِي الْحَال قبل وكملت طَلْقَتَانِ وَإِن قَالَ أردْت وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْحَال قبل وَلَو قَالَ أردْت إِيقَاع ثَلَاثَة أَنْصَاف فِي الْحَال وَقع الثَّلَاث فِي الْحَال وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة حمل على التشطير وَوَقع فِي الْحَال طَلْقَة وَنصف وَلَكِن تكمل طَلْقَتَانِ وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَعْضهَا لزيد وَبَعضهَا لعَمْرو حمل مطلقه على التشطير لِأَن الْأَكْثَر لَا يُسمى بَعْضًا فِي الظَّاهِر فَلَو قَالَ أردْت وَاحِدَة فِي الْحَال وثنتين فِي الْمُسْتَقْبل فَالظَّاهِر أَنه يقبل وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَن تَسْمِيَة الثِّنْتَيْنِ من الثَّلَاث بَعْضًا بعيد وَقَالَ الْمُزنِيّ قِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يَقع فِي الْحَال لَا طَلْقَة إِذا لم ينْو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 شَيْئا لِأَن الْبَعْض مُجمل فَيَنْبَغِي أَن ينزل على الْأَقَل إِذْ يحْتَمل الْوَاحِد وَيحْتَمل وَاحِدًا وَنصفا وليجعل هَذَا تخريجا مِنْهُ على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أحسن الطَّلَاق أَو أفضله أَو أجمله أَو غير ذَلِك من صِفَات الْمَدْح فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة فَلَو كَانَت فِي حَال الْبِدْعَة لم يَقع فِي الْحَال وَإِن كَانَت فِي حَال سنة وَقع فِي الْحَال وَلَو كَانَت فِي حَال بِدعَة فَقَالَ أردْت بِأَحْسَن الطَّلَاق أعجله وَقع فِي الْحَال لِأَنَّهُ إِظْهَار احْتِمَال فِي جَانب الْوُقُوع وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أقبح الطَّلَاق وأسمجه فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق للبدعة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة حَسَنَة قبيحة أَو بدعية سنية وَقع فِيهِ الْحَال سَوَاء كَانَت متعرضة للحالتين أَو لم تكن لِأَنَّهُ وصف متناقض فَيلْغُو وَيبقى قَوْله أَنْت طَالِق وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع إِنَّه يَقع فِي الْحَال وَلَا نبالي بهذيانه الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة فلهَا أَحْوَال خمس إِحْدَاهَا أَن لَا تكون مَدْخُولا بهَا فَإِن كَانَت فِي الْحيض لم يَقع شَيْء لِأَن الْقُرْء عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طهر محتوش بحيضتين فَإِذا طهرت أَو كَانَت فِي الطُّهْر وَقعت وَاحِدَة وَبَانَتْ وَلَا تلحقها الْأُخْرَى فَإِن طهرت طهرين ثمَّ جدد نِكَاحهَا فقد انحل الْيَمين فَلَا يعود وُقُوع الطَّلَاق وَإِن رَأينَا عود الْحِنْث لِأَنَّهُ مُعَلّق على الإقراء وَقد انْقَضتْ وَإِن جدد نِكَاحهَا قبل الِانْقِضَاء ابتنى على عود العنث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 الثَّانِيَة أَن تكون صَغِيرَة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الِانْتِقَال من الطُّهْر إِلَى الْحيض هَل هُوَ قرء أَو الْقُرْء طهر محتوش بحيضتين الثَّالِثَة أَن تكون آيسة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ أَيْضا وَجْهَان كَمَا فِي الصَّغِيرَة الرَّابِعَة أَن تكون مَدْخُولا بهَا من ذَوَات الإقراء وَهِي حَائِل فَيَقَع فِي طهرهَا طَلْقَة وتشرع فِي الْعدة وتلحقها الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فِي الطهرين الآخرين وَهل يسْتَأْنف الْعدة أَو تبني على عدتهَا فِيهِ خلاف الْخَامِسَة أَن تكون حَامِلا فَإِن كَانَت لَا ترى الدَّم أَو قُلْنَا دم الْحَامِل دم فَاسد وَقع فِي الْحَال وَاحِدَة وَتبين بِالْولادَةِ وَإِن كَانَت ترى الدَّم وقضينا بِأَنَّهُ حيض وَقعت وَاحِدَة وَهل يتَكَرَّر الطُّهْر فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ طهر بَين حيضتين وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقُرْء مَا يدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا دلَالَة لَهُ أصلا الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة ثمَّ قَالَ أردْت التَّفْرِيق على الإقراء لم يقبل ظَاهرا لِأَنَّهُ لَا سنة فِي تَفْرِيق الطَّلَاق عندنَا وَاللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلم يقل للسّنة ثمَّ فسرنا بِالتَّفْرِيقِ فَهَل يدين بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ إِن دخلت الدَّار ومأخذه أَن مُجَرّد النِّيَّة لَا تُؤثر فَإِن لَو طلق بِالنِّيَّةِ لم يَقع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَإِن ذكر لفظا وَنوى مَعَه أمرا وَلَو صرح بِهِ لَا نتظم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 مَعَ الْمَذْكُور فَهَل يُؤثر فِي الْبَاطِن فِيهِ وَجْهَان كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ نَوَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو نَوَيْت إِن دخلت الدَّار والأقيس إِنَّه لَا يُؤثر لِأَنَّهُ لَيْسَ يحْتَملهُ اللَّفْظ وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ فَهُوَ مُجَرّد نِيَّة وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى طَلَاقا عَن وفَاق فَإِنَّهُ يدين فَإِن اللَّفْظ كالمجمل من حَيْثُ اللُّغَة لَوْلَا تَخْصِيص الشَّرْع وَلَا كَقَوْلِه نسَائِي طَوَالِق وعزل بَعضهنَّ بِالنِّيَّةِ فَإِن يدين لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ خلاف وَمَا يقاضي إِلَى أَنه يقبل وَلَو عاتبت زَوجهَا بِنِكَاح جَدِيدَة فَقَالَ فِي جوابها كل امْرَأَة لي فَهِيَ طَالِق فَإِن لم يعزلها بنيته طلقت وَإِن عزلها بنيته فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع لِأَن الْقَرِينَة دلّت على نِيَّته وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يقبل ظَاهرا وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يقبل لِأَنَّهُ قَوْله كل امْرَأَة صَرِيح فِي الِاسْتِغْرَاق وميل القَاضِي إِلَى قبُول ذَلِك ظَاهرا وَكَذَلِكَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 قَوْله نسَائِي طَوَالِق وَإِن لم تكن قرينَة لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ وَهُوَ يحل عَنْهَا وثاقا أَنْت طَالِق فَقَالَ أردْت عَن الوثاق فِيهِ خلاف وميل القَاضِي إِلَى أَنه يقبل ظَاهرا وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ شهرا وكلمته بعده لم يَقع الطَّلَاق بَاطِنا لِأَن اللَّفْظ كالعام فِي الْأَزْمَان كلهَا وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت عَن الْوِفَاق لم يقبل ظَاهرا وَلَكِن يدين وَكَأن الْمُوجب للقبول ظَاهرا أما قُصُور فِي دلَالَة اللَّفْظ مثل أَن تكون دلَالَته بِالْعُمُومِ أَو قرينَة ظَاهِرَة كَمَا لَو كَانَ يحل الوثاق كَانَ يحل عَنْهَا الوثاق أَو كَانَت تنازعه فِي نِكَاح جَدِيدَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَأما الْمُوجب للقبول بَاطِنا فَكل احْتِمَال قرب أَو بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان أَرْكَان الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا بُد للطَّلَاق من أهل وَمحل وَلَفظ وَقصد إِلَى اللَّفْظ وَولَايَة على الْمحل فَهَذِهِ خَمْسَة أَرْكَان الرُّكْن الأول الْأَهْل وَهُوَ الْمُطلق وَشَرطه أَن يكون مُكَلّفا فَلَا يَقع طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون الرُّكْن الثَّانِي اللَّفْظ وَمَا يسد مسده وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي بَيَان الصَّرِيح وَالْكِنَايَة وصرائح الْأَلْفَاظ ثَلَاثَة الطَّلَاق والفراق والسراح أما الطَّلَاق فلشيوعه وتكرره فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَأما الْفِرَاق والسراح فلتكررهما فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا صَرِيح إِلَّا الطَّلَاق وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا بَأْس بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 فَإِن قَوْله تَعَالَى {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} لم يرد مورد بَيَان اللَّفْظ وَفِي هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل الأولى إِن كل مَا يشتق من لفظ الطَّلَاق كَقَوْلِه أَنْت مُطلقَة وطلقتك فَكل ذَلِك صَرِيح وَفِي قَوْله أَنْت الطَّلَاق وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بمستعمل على هَذَا الْوَجْه وَأما قَوْله أطلقتك فَهُوَ كِنَايَة لِأَنَّهُ ظَاهر فِي رفع الْحَبْس وَحل الوثاق الثَّانِيَة الْفِعْل من السراح والفراق كَقَوْل سرحتك وفارقتك صَرِيح أما الِاسْم كَقَوْلِه أَنْت مُفَارقَة ومسرحة فَفِيهِ خلاف ومأخذه أَن الْوَارِد فِي الْقُرْآن الْعَظِيم مِنْهُ صِيغَة الْفِعْل فَقَط الثَّالِثَة معنى هَذِه الْأَلْفَاظ سَائِر اللُّغَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا لَيست صَرِيحًا وَإِلَيْهِ ذهب الْإِصْطَخْرِي تَغْلِيبًا لِمَعْنى التَّعَبُّد وَالثَّانِي هُوَ الْأَصَح أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ثمَّ معنى قَوْله أَنْت طَالِق توهشته أَي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 وَمعنى قَوْله طَلقتك دشت بازداشتم ترا وَمعنى قَوْله فارقتك ازتو جدا كردم وَمعنى قَوْله سرحتك تراكسيل كردم وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي كل ذَلِك غير صَرِيح إِلَّا قَوْله توهشته أَي لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي الْعَادة إِلَّا فِي الطَّلَاق وَأما سَائِر الْأَلْفَاظ فشائع الِاسْتِعْمَال فِي غير الطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا شاع لفظ فِي الْعرف للطَّلَاق كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَقْصُود تعين جِهَة التفاهم وَقد حصل وَالثَّانِي لَا بل مأخذه الْقُرْآن الْعَظِيم فَقَط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 وَقَالَ الْقفال إِن صدر ذَلِك من فَقِيه يعرف الْكِنَايَة وَلم ينْو لم يَقع طَلَاقه وَإِن صدر من عَامي يُقَال لَهُ مَا الَّذِي يسْبق إِلَى فهمه إِذا سَمِعت هَذِه الْكَلِمَة من غَيْرك فَإِن كَانَ يفهم الطَّلَاق جعل مِنْهُ طَلَاقا وَهَذَا إِن عَنى بِهِ الْقفال الِاسْتِدْلَال على نِيَّته وَأَنه إِذْ كَانَ يفهم ذَلِك فَلَا يَخْلُو ضَمِيره عَن مَعْنَاهُ وَإِن لم يشْعر بِهِ فَلهُ وَجه وَإِن عَنى وُقُوع الطَّلَاق مَعَ خلو قلبه عَن النِّيَّة بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَلَا وَجه لَهُ إِذْ لم يَجْعَل صَرِيحًا هَذَا حكم الصرائح أما الْكِنَايَات فَهِيَ كل لَفْظَة مُحْتَملَة إِمَّا جلية كَقَوْلِه أَنْت خلية وبرية وبتة وبتلة وَإِمَّا خُفْيَة وَهِي الَّتِي لَا تنتظم إِلَّا بِتَقْدِير اسْتِعَارَة وأضمار كَقَوْلِه اعْتدي واستبرئي رَحمَه فَإِن مَعْنَاهُ طَلقتك فاعتدي وَكَذَا قَوْله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وَلَا أنده سربك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 واعزبي واغربي واذهبي وأخفى مِنْهَا كَقَوْلِه تجرعي أَي كأس الْفِرَاق وذوقي وتزودي وترددوا فِي قَوْله اشربي أَي كأس الْفِرَاق وَألْحق بِهِ بَعضهم كلي وَهُوَ أبعد وترددوا فِي قَوْله أَغْنَاك الله أخذا من قَوْله تَعَالَى {وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن الله كلا من سعته} وحد الْكِنَايَة مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَلَو على بعد لَا الَّذِي لَا يحْتَمل كَقَوْلِه اقعدي واغزلي وَغَيره وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لزوجته أَنْت حرَّة وَنوى الطَّلَاق وَقع وكنايات الطَّلَاق وَالْعتاق متداخلة متناسبة فِي الْأَكْثَر نعم لَو قَالَ لعَبْدِهِ اعْتد واستبرئ رَحِمك وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن ذَلِك غير مُتَصَوّر فِي حَقه وَلَو قَالَ ذَلِك لأمته فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو قَالَ ذَلِك لزوجته قبل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان أَيْضا لِأَنَّهَا لَيست بصدد الْعدة كالأمة الثَّانِيَة لفظ الظِّهَار لَيْسَ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَلَا الطَّلَاق فِي الظِّهَار مَعَ الِاحْتِمَال لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وجد نفاذا فِي مَوْضُوعه الصَّرِيح فَلَا يعدل إِلَى غير مَوْضُوعه بِالنِّيَّةِ وَلَا يُمكن تنفيذهما جَمِيعًا لِأَن اللَّفْظ لم يوضع لَهما وضع الْعُمُوم فصرف إِلَى مَا هُوَ صَرِيح فِيهِ الثَّالِثَة إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ حرَام فَإِن نوى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا وَإِن نوى التَّحْرِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 كَانَ يَمِينا وَتلْزَمهُ كَفَّارَة وَإِن نوى الطَّلَاق نفذ وَإِن أطلق فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه صَرِيح فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة وَالثَّانِي أَنه يَلْغُو لِأَنَّهُ مُحْتَمل لوجوه وَالثَّالِث أَنه فِي الْأمة صَرِيح فِي الْكَفَّارَة لِأَن الْآيَة إِنَّمَا وَردت فِيهِ وَفِي الْمَنْكُوحَة كِنَايَة قاعدتان إِحْدَاهمَا إِن الْقَرِينَة عندنَا لَا تجْعَل الْكِنَايَة صَرِيحًا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله جعل الْكِنَايَة فِي الْغَضَب وَعند التخاصم وسؤال الْفِرَاق صَرِيحًا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن اللَّفْظ مُحْتَمل وعدول الرجل عَن لفظ الطَّلَاق مشْعر بإضمار غير الطَّلَاق فَكيف يَنْقَلِب صَرِيحًا الثَّانِيَة إِن النِّيَّة يَنْبَغِي أَن تقرن بِلَفْظ الْكِنَايَة فَلَو تقدّمت أَو تَأَخَّرت لم تُؤثر وَإِن نوى مَعَ ابْتِدَاء اللَّفْظ وَلَكِن انْقَطَعت قبل تَمام اللَّفْظ فَالظَّاهِر أَنه يَقع وَإِن خلا عَن النِّيَّة أول اللَّفْظ وَنوى فِي أَثْنَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْأَفْعَال اعْلَم أَن اللَّفْظ إِنَّمَا يُرَاد للتفهيم وَقد يحصل التفهيم بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَة فلنذكرهما أما الْإِشَارَة فَهِيَ مُعْتَبرَة من الْأَخْرَس وتنقسم إِلَى صَرِيح وكناية فالصريح مَا يتَّفق الكفة على فهمهه وَالْكِنَايَة مَا يفْطن لَهُ بعض النَّاس وَإِذا أَتَى بِالصَّرِيحِ لم يقبل بعد ذَلِك تأوليه كَمَا فِي النُّطْق وَالصَّحِيح أَنه إِن أَشَارَ بِالطَّلَاق فِي الصَّلَاة نفذ الطَّلَاق وَلم تبطل صلَاته وَأما كِتَابَة الْأَخْرَس فَهُوَ طَلَاق لِأَنَّهَا أظهر من الْإِشَارَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا نكلف الْأَخْرَس الْقَادِر على الْكِتَابَة بِأَن يكْتب الطَّلَاق بل نقنع بِالْإِشَارَةِ وَأما الْقَادِر فإشارته وَإِن بَالغ فِيهَا لَا نَجْعَلهَا صَرِيحًا لِأَن عدوله إِلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَة موهم نعم هَل تجْعَل كِنَايَة قَالَ الْقفال هُوَ فعل مترتب على الْكِتَابَة وَالْإِشَارَة أولى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْإِشَارَة من النَّاطِق غير مُعْتَادَة أما الْكِتَابَة فَلَيْسَ بِصَرِيح وَإِن كتب اللَّفْظ الصَّرِيح فَهَل هُوَ كِنَايَة اضْطَرَبَتْ فِيهِ النُّصُوص وحاصلة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كِنَايَة لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْمَقْصُود التفهيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 وَالثَّانِي أَنه لَغْو لِأَن الصِّيَغ اللفظية هِيَ الْمَوْضُوعَة للعقود فِي حق الْقَادِر وَالثَّالِث أَنَّهَا تعْتَبر من الْغَائِب دون الْحَاضِر لأجل الْعَادة وَفِي شرح التَّلْخِيص وَجه أَن كتبه صَرِيح الطَّلَاق صَرِيح من غير نِيَّة وَهُوَ بعيد أما إِذا كتب قَوْله كل زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق وَقَرَأَ وَنوى عِنْد الْقِرَاءَة وَقع وَإِن قَرَأَ وَلم ينْو وَقَالَ قصدت الْقِرَاءَة فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ تردد كَمَا لَو حل الوثاق عَن زَوجته وَقَالَ عِنْد ذَلِك أَنْت طَالِق فَإِن فرعنا على اعْتِبَار الْكِتَابَة فيتصدى النّظر فِي أُمُور ثَلَاثَة الأول فِي التَّصَرُّفَات فَتعْتَبر فِي كل مَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُتَصَرف كَالْعِتْقِ وَالْعَفو وَالْإِبْرَاء أما مَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي النِّكَاح قَولَانِ مرتبان وَأولى بألا ينْعَقد لما فِيهِ من التَّعَبُّد وَلِأَنَّهُ كِنَايَة وَالشَّاهِد لَا يطلع على النِّيَّة وَلَكِن من جوز ذَلِك رُبمَا احتمله لأجل الْحَاجة ثمَّ إِن كتب زوجت بِنْتي من فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ وشهدا هما بأعيانهما على قبُول الزَّوْج صَحَّ وَإِن شهد آخرَانِ فَوَجْهَانِ ثمَّ إِذا كتب بِعْت دَاري مِنْك فَبَلغهُ الْكتاب فَيَنْبَغِي أَن يَقُول على الْفَوْر اشْتريت أَو يكْتب على الْفَوْر لِأَن الِاتِّصَال بَين الْجَواب وَالْخطاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 شَرط وَهُوَ الِاتِّصَال اللَّائِق بِالْكِتَابَةِ وَإِن تخَلّل بَينهمَا شهور الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الْكَاتِب وَهُوَ ثَلَاث إِحْدَاهمَا أَن يكْتب أما بعد فَأَنت طَالِق وَنوى فَيحكم بِوُقُوعِهِ فِي الْحَال الثَّانِيَة أَن يكْتب إِذا بلغك كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع إِلَّا بِالْبُلُوغِ الثَّالِثَة أَن يَقُول إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع مَا لم تقْرَأ فَإِن كَانَت أُميَّة فَإِذا قرئَ عَلَيْهَا طلقت وَقيل لَا تطلق لِأَنَّهَا مَا قَرَأت وَكَأَنَّهُ علق على قرَاءَتهَا وَهُوَ محَال فَلَا يَقع وَهَذَا بعيد نعم لَو كَانَت قارئة فَقَرَأَ عَلَيْهَا غَيرهَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق وَقيل إِنَّهَا تطلق كَمَا إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق بِرُؤْيَة غَيرهَا وَهُوَ بعيد لِأَن الرُّؤْيَة قد يُرَاد بهَا الْعلم دون الْقِرَاءَة الثَّالِث فِي الْمَكْتُوب عَلَيْهِ وكل مَا يثبت عَلَيْهِ الْخط من ثوب وَحجر وَعظم فَهُوَ كالبياض أما لَو كتب على المَاء أَو على الْهَوَاء لم يكن ذَلِك كِتَابَة بل هِيَ إِشَارَة من قَادر وَقد ذَكرْنَاهُ وَلَو كتب على الْبيَاض وَلَكِن علق الطَّلَاق على الْبلُوغ فَبلغ وَقد امحت الْكِتَابَة لم يَقع لِأَنَّهُ بلغ الكاغد دون الْكتاب وَإِن لم ينمح إِلَّا السطر الَّذِي فِيهِ الطَّلَاق أَو سقط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 ذَلِك الْقدر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يَقع لِأَن الْكتاب عبارَة عَن جَمِيع الْأَجْزَاء وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَن الْكتاب قد بلغ وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن بلغك كتابي هَذَا لم يَقع لِأَنَّهُ يتَنَاوَل جَمِيع الْأَجْزَاء وَإِن قَالَ إِن بلغك الْكتاب وَقع أما إِذا امحى الْجَمِيع إِلَّا سطر الطَّلَاق فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى بالوقوع وَإِن لم ينجح إِلَّا التَّسْمِيَة والصدر وَبقيت الْمَقَاصِد كلهَا فمرتب وَأولى بالوقوع وَإِن لم يسْقط إِلَّا الْحَوَاشِي فَأولى بالوقوع وَمِنْهُم من قطع فِي هَذِه الصُّورَة بالوقوع لِأَن الْحَاشِيَة غير مَقْصُودَة وَمن منع علل بِأَن الْحَاشِيَة من الْكتاب وَلذَلِك لَا يجوز للمحدث مَسّه فِي الْمُصحف فرع إِذا قَالَ إِن بلغك نصف كتابي فَبلغ الْجَمِيع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَقع لِأَن فِي الْكل نصفا وَالثَّانِي لَا لِأَن مَفْهُومه التَّخْصِيص بِالنِّصْفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفْوِيض إِلَى الزَّوْجَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول أَلْفَاظه فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت نفذ وَلَو قَالَ أبيني نَفسك فَقَالَت أبنت ونويا وَقع وَإِن لم ينْو أَحدهمَا لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تعْتَبر نيتهما بل تَكْفِي نِيَّة الرجل وَقَوْلها يبْنى على قَوْله وَلَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أبنت ونوت فَالظَّاهِر الْوُقُوع وَفِيه وَجه أَنه لَا يَقع لمُخَالفَة اللَّفْظ وَقيل إِن ذَلِك يجْرِي أَيْضا فِي تَوْكِيل الْأَجْنَبِيّ وَلَو قَالَ اخْتَارِي فَقَالَت اخْتَرْت نَفسِي وَقعت طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَو قَالَت اخْتَرْت زَوجي لم يَقع شَيْء وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ عَليّ وَزيد رَضِي الله عَنْهُمَا إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فطلقة بَائِنَة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فرجعية وَاشْتَدَّ إِنْكَار عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت خيرني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخترته أَتَرَى أَن ذَلِك طَلَاق رَجْعِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 فرع إِذا كَانَ التَّفْوِيض بِالْكِنَايَةِ وَأنكر الزَّوْج النِّيَّة فَالْقَوْل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا إِذا أنْكرت نِيَّتهَا فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَو قَالَت نَوَيْت أَنا وَأنكر الزَّوْج فَالْقَوْل قَوْلهَا وَفِيه وَجه بعيد أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَهُوَ ضَعِيف الطّرف الثَّانِي فِي حَقِيقَة التَّفْوِيض وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تمْلِيك وَكَأَنَّهُ ملكهَا نَفسهَا وَالثَّانِي أَنه تَوْكِيل كتوكيل الْأَجْنَبِيّ ويبتنى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو طلقت نَفسهَا فِي مجْلِس آخر لَا على الِاتِّصَال لم يجز إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا لِأَن اتِّصَال الْقبُول لَا بُد مِنْهُ وقبولها هُوَ قَوْلهَا طلقت وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا جَازَ وَقَالَ القَاضِي وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا يحْتَمل أَن يشْتَرط ذَلِك فِي الْمجْلس لِأَن هَذِه الصِّيغَة تتاقضى جَوَابا ناجزا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَإِنَّهُ يخْتَص بمشيئتها فِي الْمجْلس وأجرى ذَلِك فِي قَوْله وَكلتك وفوض إِلَيْك طَلَاقك بِالْوكَالَةِ وَعبر الْمُحَقِّقُونَ عَن هَذَا بِأَنا إِن جعلنَا مُطلق التَّفْوِيض تَمْلِيكًا فَهَل للزَّوْج سَبِيل إِلَى توكيلها أَن ينزل توكيلها أَيْضا على التَّمْلِيك فِيهِ تردد فرع لَو رَجَعَ عَن التَّفْوِيض قبل قبُولهَا جَازَ على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ ابْن خيران لَا يجوز على قَول التَّمْلِيك وَكَأَنَّهُ يضمن التَّعْلِيق وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ بأبلغ من قَوْله أَنْت طَالِق على ألف وَله الرُّجُوع قبل قبُولهَا الطّرف الثَّالِث فِي حكم الْعدَد فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك وَنوى الثَّلَاث فَإِن طلقت ونوت الثَّلَاث نفذ وَإِن لم تنو لم يَقع الثَّلَاث بل وَقعت وَاحِدَة وَفِيه وَجه أَنه يَقع لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 الْبناء فِي الْعدَد أقرب من الْبناء فِي أصل النِّيَّة وَهَذَا يُقَوي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَقَالَت طلقت وَلم تذكر الْعدَد وَلم تنو فَيظْهر الْبناء هَاهُنَا لِأَنَّهُ صرح بِهِ لَا سِيمَا إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا فَإِن مُجَرّد قَول الْقَائِل قبلت يَكْفِي وَإِن يعد تَمام الْكَلَام لِأَنَّهُ كالبناء على الْإِيجَاب وَأما كَلَام الْوَكِيل فَلَا يبْنى على كَلَام الْمُوكل نعم إِن اشترطنا الْقبُول فِي الْمجْلس على قَول التَّوْكِيل فَلَا يبعد أَيْضا أَن يحْتَمل الْبناء فرع لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَطلقت وَاحِدَة طلقت بالِاتِّفَاقِ وَاحِدَة وَلَو قَالَ طَلِّقِي وَاحِدَة فَطلقت ثَلَاثًا وَقعت عندنَا وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع هَاهُنَا شَيْء أصلا وَالْفرق مُشكل عَلَيْهِ بَين الصُّورَتَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 الرُّكْن الثَّالِث الْقَصْد إِلَى لفظ الطَّلَاق وَمَعْنَاهُ ويتوهم اختلال الْقَصْد بِخَمْسَة أَسبَاب سبق اللِّسَان والهزل وَالْجهل وَالْإِكْرَاه واختلال الْعقل السَّبَب الأول سبق اللِّسَان فَإِذا بدرت مِنْهُ كلمة الطَّلَاق فِي محاورته أَو فِي النّوم لم يَقع طَلَاقه وَلَكِن يعسر قبُول دَعْوَاهُ إِذا لم يكن قرينَة نعم يدين بَاطِنا وَإِن شهِدت قرينه قبل ظَاهرا مثل إِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَارق فَقَالَ يَا طَالِق وَزعم أَنه التف بِلِسَانِهِ الْكَلَام من غير قصد قبل قطعا لَا كَشَهَادَة حل الوثاق فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن كلمة الطَّلَاق مستنكر فِي غير النِّكَاح وَإِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَالِق وَاسم عَبده حر فَقَالَ يَا طَالِق وَيَا حر وَقصد النداء لم يَقع وَإِن قصد الْإِيقَاع وَقع وَإِن أطلق من غير قصد فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان وَقد ظهر أَن قصد حُرُوف الطَّلَاق لايكفي بل لابد من قصد لفظ الطَّلَاق لِمَعْنى الطَّلَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 السَّبَب الثَّانِي الْهزْل فَإِذا قَالَت الْمَرْأَة فِي ملاعبتها طَلقنِي ثَلَاثًا فَقَالَ نعم أَنْت طَالِق ثَلَاثًا كاللاعب المستهزىء وَقع الطَّلَاق لوُجُود فصد لفظ الطَّلَاق وَلم يعْدم إِلَّا الْقَصْد إِلَى الحكم وَلَا يشْتَرط بِدَلِيل أَنه لَو طلق بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ نفذ وَإِن كَانَ ذَلِك يعْدم الرِّضَا بالحكم وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد الطَّلَاق وَالنِّكَاح وَالْعتاق وَلم يحكم الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بانعقاد نِكَاح الهازل وَهُوَ خلاف ظَاهر الْخَبَر أما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 البيع وَسَائِر التَّصَرُّفَات فتردد بعض الْأَصْحَاب فِي انْعِقَادهَا من الهازل السَّبَب الثَّالِث الْجَهْل وَهُوَ أَن يُخَاطب امْرَأَة بِالطَّلَاق وَهُوَ يظنّ أَنَّهَا زَوْجَة غَيره فَإِذا هِيَ زَوجته وَقد رَآهَا فِي ظلمَة أَو فِي جِلْبَاب أَو كَانَ أَبوهُ زَوجهَا مِنْهُ فِي صغره وَهُوَ لَا يدْرِي فَالْمَشْهُور أَنه يَقع طَلاقهَا وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا لم يعرف الزَّوْجِيَّة لم يقْصد إِلَى قطعهَا وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْغَصْب وَجها فِي نَظِيره من الْعتْق أَنه لَا يَقع وَهُوَ منقدح وَبَيَانه أَنه الأعجمي إِذا لقن كلمة الطَّلَاق وَهُوَ لَا يفهم لم يَقع طَلَاقه بالِاتِّفَاقِ وَأما بيع الْجَاهِل فَظَاهر صِحَّته وَهُوَ إِذا مَا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ وعَلى هَذَا قَالُوا نُفُوذ الطَّلَاق أولى والأقيس فِي البيع أَنه أَيْضا لَا ينعكس وَلِأَن الْقَصْد إِلَى الْمَعْنى الْمَجْهُول محَال السَّبَب الرَّابِع الْإِكْرَاه وَطَلَاق الْمُكْره لَا يَقع عندنَا لِأَن قَصده مختل إِذْ الْإِكْرَاه بعث فِيهِ الْقَصْد وَكَأَنَّهُ فعل الْمُكْره وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع ثمَّ نَحن أَيْضا نوقعه مهما زعم الْمُكْره أَنه كَانَ رَاضِيا أَو ظَهرت مِنْهُ مخايل الِاخْتِيَار وَذَلِكَ كمخالفته للمكره بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو تَغْيِير لفظ مِثَال الزِّيَادَة أَن يكرههُ على طَلَاق وَاحِد فَطلق ثَلَاث أَو على طَلَاق زَوْجَة وَاحِدَة فَطلق زَوْجَتَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 وَالنُّقْصَان أَن يكلفه طَلَاق زَوْجَتَيْنِ فَطلق وَاحِدَة أَو على الثَّلَاث فَطلق طَلْقَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو قَالَ قل طَلقتهَا فَقَالَ فارقتها أَو قَالَ طلق إِحْدَى زوجتيك فعين وَاحِدَة وَطَلقهَا فَإِن التَّعْلِيل دَلِيل تبرمه بالمطلقة أما إِذا ترك التورية وَهُوَ فَقِيه قَادر ومعترف بِأَن الْإِكْرَاه لم يدهشه عَن ذكر التورية فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه يَقع وَيجْعَل ذَلِك دَلِيل الِاخْتِيَار وَالنَّظَر بعد هَذَا فِي طرفين أَحدهمَا التَّصَرُّفَات المتأثرة بِالْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاه يسْقط أثر التَّصَرُّفَات عندنَا قطعا إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع الأول الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يجوز إِكْرَاه الْحَرْبِيّ عَلَيْهِ فَيصح إِسْلَامه وَإِلَّا فَتبْطل فَائِدَة الْإِكْرَاه وَفِي إِسْلَام الذِّمِّيّ الْمُكْره خلاف وَالأَصَح أَنه لَا يَصح الثَّانِي الْإِرْضَاع وَلَا يُخرجهُ الْإِكْرَاه عَن كَونه محرما لِأَنَّهُ مَنُوط بوصول اللَّبن إِلَى الْجوف لَا بِالْقَصْدِ الثَّالِث الْقَتْل على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ يُوجب الْقصاص على قَول لِأَن الْإِكْرَاه لم يرفع الْإِثْم الرَّابِع الْمُكْره على الزِّنَا على أحد الْقَوْلَيْنِ يحد لِأَن حُصُول الانتشار دلَالَة الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ لَا يحصل بِالْإِكْرَاهِ ومأخذ الْقَوْلَيْنِ تردد فِي تصور الْإِكْرَاه الْخَامِس إِذا علق الطَّلَاق على الدُّخُول فأكره على الدُّخُول فَفِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الصّفة لَا يشْتَرط فِيهَا الْقَصْد بل يَكْفِي الِاسْم أما البيع فَيبْطل بالإكره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد وَلَا يلْزم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 وَاعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء بالتحقيق يرجع إِلَّا الْإِسْلَام فَقَط وَإِلَى الْقَتْل على قَول أما مَا عداهُ فسببه عدم تصور الْإِكْرَاه أَو عدم اشْتِرَاط الْقَصْد الطّرف الثَّانِي فِي حد الْإِكْرَاه وَفِيه مسلكان للأصحاب متباعدان أَحدهمَا أَن يصير بِحَيْثُ لَا تبقى لَهُ طَاقَة فِي الْمُخَالفَة بل يكون مُضْطَرّا إِلَى اخْتِيَار الْمُوَافقَة شَاءَ أم أَبى كَالَّذي يفر من أَسد ضار فيتخطى النَّار والشوك وَلَا يُبَالِي وَمثل هَذَا لَا يحصل إِلَّا بِسيف مسلول أَو تخويف بالإلقاء فِي النَّار مثلا وَالشّرط أَن يصير كالمدهوش الَّذِي لَا تبقى لَهُ روية واستصواب ثمَّ الجبان قد يدهش وَيسْقط اخْتِيَاره بِمَا لَا يسْقط بِهِ اخْتِيَار الشجاع فَالْمُعْتَبر سُقُوط خيرته فِي هَذِه الطَّرِيقَة أما من يخوف بِالْحَبْسِ المخلد أَو الْجُوع وَمَا لَا يَأْخُذهُ فِي الْحَال مِنْهُ أَمر لَا يطيقه فالطلاق بِهِ وَاقع بِنَاء لِلْأَمْرِ على الحزم والاستصواب وَذَلِكَ عين الِاخْتِيَار وَهَذِه الطَّرِيقَة أضم للنشر المسلك الثَّانِي أَن ذَلِك لَا يعْتَبر بل إِذا خير بَين الطَّلَاق وَبَين أَمر لَا يحْتَملهُ الْعَاقِل لأجل الطَّلَاق فَطلق لم يَقع الطَّلَاق بِهِ كالحبس المخلد والتهديد بِالضَّرْبِ والجوع مِمَّن يعلم أَنه يُحَقّق ذَلِك وَكَذَلِكَ صفع ذَوي الْمُرُوءَة على مَلأ من النَّاس وَكَذَلِكَ التخويف بِإِتْلَاف المَال وَقتل الْوَلَد وَعند هَذَا ينشأ النّظر فِي الْمُكْره بِهِ وَالْمكْره عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 فَإِذا أكره على الْقَتْل بِإِتْلَاف المَال أَو الْحَبْس فليحتمله وَإِن أكره على الطَّلَاق بذلك فَرُبمَا لَا يحْتَملهُ وَرُبمَا يُقَال يحْتَمل إِتْلَاف المَال فِي الطَّلَاق فَإِن أكره بِإِتْلَاف مَال على إِتْلَاف مَال فيتصدى النّظر فِي القله وَالْكَثْرَة وَضبط ذَلِك عسير وَلَا تَخْلُو طَرِيقه عَن غموض وَيحصل مِنْهُ أَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ الْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ أَو الْجرْح الَّذِي يخَاف الْمَوْت مِنْهُ كالقطع وَمَا عدا ذَلِك فَيخرج على الْخلاف السَّبَب الْخَامِس زَوَال الْعقل وَذَلِكَ إِن كَانَ بإغماء أَو جُنُون أَو شرب دَوَاء فَيمْنَع نُفُوذ الطَّلَاق والتصرفات وَإِن كَانَ بمسكر تعدى بشربه وَلم يصب قهرا فِي حلقه فنصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وحديثا وُقُوع الطَّلَاق وَنَصّ فِي الظِّهَار قَدِيما على قَوْلَيْنِ فَقَالَ بعض الْأَصْحَاب فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ ومعظم الْعلمَاء على وُقُوع طَلَاق السَّكْرَان وَمذهب عُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَأبي يُوسُف وَزفر والمزني وَابْن سُرَيج رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق وَفِي سَائِر تَصَرُّفَاته طرق مِنْهُم من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 طرد الْقَوْلَيْنِ حَتَّى فِي أَفعاله وَمِنْهُم من قَالَ أَفعاله كأفعال الصاحي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَقْوَاله وَمِنْهُم من قَالَ مَا عَلَيْهِ ينفذ وَالْقَوْل فِيمَا لَهُ وَأشهر الطّرق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْكل وَمن شرب البنج مُتَعَدِّيا فَزَالَ عقله مِنْهُم من ألحقهُ بالسكران لعدوانه وَمِنْهُم من ألحقهُ بالمجنون لِأَن ذَلِك لَا يشتهى فَإِن قيل مَا حد السكر قُلْنَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا اخْتَلَط كَلَامه المنظوم وانكشف سره المكتوم وَالْمَقْصُود أَن يصير مثل الْمَجْنُون الَّذِي لَا تنتظم أُمُوره أما مَا دَامَ فِي ابْتِدَاء نشاطه فَهُوَ كالعاقل وَإِن سقط كالمغشي عَلَيْهِ فَهُوَ كالنائم والمغمى عَلَيْهِ وَيبعد طرد الْخلاف بِهِ وَقد قيل بِهِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذَلِك يعْدم من أصل الْقَصْد وَطَلَاق الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ كَطَلَاق الهازل وَالْجَاهِل وَإِنَّمَا لَا يَقع نظرا لَهما والسكران لَا يسْتَوْجب النّظر وَلذَلِك لَا يسْقط عَنهُ انْقِضَاء الْعِبَادَات بِخِلَاف الْمَجْنُون والأقيس مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ إِلْحَاق السَّكْرَان بالمجنون فِي التَّصَرُّفَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 الرُّكْن الرَّابِع لنفوذ الطَّلَاق الْمحل وَهِي الْمَرْأَة وَفِيه فصلان أَحدهمَا أَنه لَو أضَاف إِلَى بَعْضهَا نفذ وكمل وَلَو أضَاف إِلَى عُضْو معِين نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات إِحْدَاهَا أَن يضيف إِلَى جُزْء مُتَّصِل كَالْيَدِ وَالرَّأْس والكبد وَالظّهْر وَسَائِر الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وَلَا خلاف فِي وُقُوعه نعم الْأذن الْمُنْفَصِلَة إِذا عَادَتْ ملتحمة أَو الشعرة الساقطة إِذا انغرست فِي مَوضِع آخر فَفِي الْإِضَافَة إِلَيْهِ فِيهِ خلاف الثَّانِيَة أَن يضيف إِلَى فضلات بدنهَا كالبول وَاللَّبن والعرق والدمع والمني فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع وَفِيه وَجه بعيد أَنه يَقع وَلم يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجَنِين لِأَنَّهُ كالمستقل نعم ترددوا فِي الدَّم والشحم أَنه يلْحق بالفضلات أَو بالأجزاء من حَيْثُ إِن الدَّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 كالقوام للروح والشحم يشبه السّمن وَلَو قَالَ سمنك طَالِق نفذ الثَّالِثَة الْإِضَافَة إِلَى الصّفة كَقَوْلِه حسنك أَو لونك أَو بياضك طَالِق وَذَلِكَ لاغ لِأَن الصّفة تَابع لَا تقبل الْإِضَافَة دون الْمَوْصُوف نعم لَو قَالَ روحك أَو حياتك طَالِق قَالُوا إِنَّه يَقع لِأَن الرّوح جَوْهَر وأصل والحياة كَذَلِك وَلَا يحْتَمل نظر الْفُقَهَاء الْخَوْض فِي الْفرق بَين الرّوح والحياة فرع لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فيمينك طَالِق فَقطع يَمِينهَا ثمَّ دخلت فَفِي الطَّلَاق وَجْهَان مبينات على أَن تَنْفِيذ الطَّلَاق الْمُضَاف إِلَى الْجُزْء بطرِيق التسرية مِنْهُ أَو بطرِيق جعل ذكر الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَفِيه خلاف فَإِن قيل بالتسرية فَلم يُصَادف الْيَمين حَتَّى تنفذ فِيهِ فَلَا يَقع وَإِن جعل عبارَة عَن الْكل نفذ أما إِذا قَالَ لمقطوعة الْيَمين يَمِينك طَالِق فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع على الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِن جعل عبارَة الْجَمِيع فَحَيْثُ تُوجد وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا ذكرك أَو لحيتك طَالِق لم يَقع لِأَن الْمَذْكُور مَفْقُود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى الزَّوْج فَإِذا قَالَ أَنا مِنْك طَالِق وَنوى الطَّلَاق نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي رَحمَه الله عَنهُ لَا من حَيْثُ إِن الرجل مَحل الطَّلَاق لَكِن من حَيْثُ إِنَّه قيد عَلَيْهَا والحل تَارَة يُضَاف إِلَى الْقَيْد وَتارَة إِلَى الْمُقَيد لِأَنَّهُ فِي حجر بِسَبَبِهَا عَن نِكَاح أُخْتهَا وَأَرْبع سواهَا وَفِي قيد من لَوَازِم النِّكَاح فيصلح ذَلِك للكناية وَمن الْأَصْحَاب من زعم أَن الرجل مَحل الطَّلَاق وَأَنه مقعود عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لما افْتقر إِلَى النِّيَّة ولحرم عَلَيْهِ أَن ينْكح غَيرهَا نعم إِذا نوى الطَّلَاق فَهَل يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن ينوى الْإِضَافَة إِلَيْهَا اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ القَاضِي لَا يشْتَرط ذَلِك لِأَن الطَّلَاق يرد على العقد فَإِذا نَوَاه لم يفْتَقر إِلَى الْإِضَافَة إِلَيْهَا فرع إِذا قَالَ اعْتد مِنْك واستبرأ رحمي مِنْك فَهَذَا لَيْسَ بكناية لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْتَظِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 إِضَافَته إِلَى الرجل بِخِلَاف سَائِر الْكِنَايَات كَقَوْلِه أبنت نَفسِي مِنْك وَأَنا خلي وبري عَنْك وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَظِم أَن يَقُول السَّيِّد أَنا مِنْك حر إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حجر قيد بِسَبَب الرّقّ وَفِيه وَجه أَن ذَلِك أَيْضا كِنَايَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 الرُّكْن الْخَامِس الْولَايَة على الْمحل فَإِذا قَالَ لأجنبية أَنْت طَالِق لم ينقص عدد طَلَاقه لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك وَلَو قَالَ ذَلِك للرجعية نقص الْعدَد لِأَن ولَايَة النِّكَاح بَاقِيه عَلَيْهَا وَلَو قَالَ للمختلعة لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع وينتقص الْعدَد وَاكْتفى بِبَقَاء الْعدة عَلَيْهِ وَولَايَة على الْمحل وَلَو وَقَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فنكحها فَدخلت الدَّار لم يَقع اتِّفَاقًا لعدم الْولَايَة حَالَة التَّلَفُّظ وَلَو قَالَ إِن نكحتك فَأَنت طَالِق فنكحها لم تطلق لعدم الْولَايَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تطلق لِأَن الْولَايَة ترَاد عِنْد النّفُوذ وَقد وجدت نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أصلين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ العَبْد لزوجته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَعتق وَدخلت الدَّار هَل تقع الثَّلَاث وَلم يكن يملك الثَّالِث عِنْد التَّعْلِيق فَمنهمْ من قَالَ لَا يَقع لعدم الْملك وَمِنْهُم من قَالَ يَقع لوُجُود النِّكَاح المنتج للطَّلَاق الثَّلَاث عِنْد الْعتْق وَكَأن ملك الأَصْل يقوم مقَام ملك الْفَرْع وَكَذَلِكَ الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ لجاريته إِذا ولدت فولدك حر لِأَنَّهُ ملك الأَصْل المنتج لملك الْوَلَد فَأشبه التَّصَرُّف فِيهِ التَّصَرُّف فِي مَنَافِع الدَّار عِنْد ملك الدَّار الأَصْل الثَّانِي أَن دوَام الْولَايَة بَين التَّعْلِيق وَالصّفة هَل يشْتَرط بَيَانه أَنه لَو قَالَ لَهَا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِعُود الْحِنْث أَحدهمَا أَنه يَقع لوُجُود الْولَايَة عِنْد التَّعْلِيق وَالصّفة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاقِع فِي هَذَا النِّكَاح طَلَاق يفِيدهُ هَذَا النِّكَاح وَذَلِكَ لم يملكهُ عِنْد التَّعْلِيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وَلَو علق الثَّلَاث على الدُّخُول ثمَّ نجز الثَّلَاث ثمَّ جدد النِّكَاح فالمنصوص أَنه لَا يعود وَفِي الْقَدِيم قَول ضَعِيف أَنه يعود وَهُوَ مُجَرّد نظر إِلَى وجود الْولَايَة فِي الطَّرفَيْنِ أما إِذا علق طَلْقَة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَمنهمْ من ألحق هَذَا بتنجيز الثَّلَاث وَمِنْهُم من قَالَ الطَّلَاق لَا يتَعَيَّن بتعينه فيلتحق هَذَا بِمحل الْقَوْلَيْنِ هَذَا كُله إِذا لم تُوجد الصّفة حَالَة الْبَيْنُونَة فَلَو وجدت انْحَلَّت الْيَمين فَلَا يعود قولا وَاحِدًا هَذَا تَمام النّظر فِي أَرْكَان الطَّلَاق واختتام الْبَاب بِذكر أصلين فِي ملك الطَّلَاق أَحدهمَا أَن من طلق ثَلَاثًا حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَلَو طلق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فنكحت زوجا آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لم تعد إِلَّا بِبَقِيَّة الطَّلَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَطْء الزَّوْج الثَّانِي يهدم الطلقات الْمَاضِيَة فتعود إِلَيْهِ بِثَلَاث ثمَّ التَّحْلِيل إِنَّمَا يحصل بِوَطْء تَامّ فِي نِكَاح صَحِيح غير مختل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 أما الْوَطْء فَيدْخل فِيهِ تغييب الْحَشَفَة من الْخصي وتغييب قدر الْحَشَفَة من الْمَجْبُوب بعضه ونزول الْمَرْأَة على الزَّوْج واستدخالها بالأصبع من غير انتشار إِلَّا فِي استدخال ذكر الْعنين فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه مُحَلل وَالصَّحِيح أَن وَطْء الصَّبِي مُحَلل والإيتيان فى غير المأتى غير مُحَلل وَكَذَا تغييب بعض الْحَشَفَة وَأما النِّكَاح فَيخرج مِنْهُ الْوَطْء فِي ملك الْيَمين فَإِنَّهُ لَا يحلل وَكَذَا الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد على القَوْل الصَّحِيح وَفِيه قَول وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ ذَلِك إِذا ظن أَنَّهَا منكوحته فَإِن ظن أَنَّهَا مملوكته فَلَا يزِيد ظن الْملك على حَقِيقَته وَأما غير المختل فاحترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بعد طَلَاق رَجْعِيّ ثبتَتْ الرّجْعَة فِيهِ باستدخال المَاء لَا بِالْوَطْءِ فالنص أَنه لَا يحلل لِأَنَّهُ محرم وَيحْتَمل التَّحْلِيل إِذا لم نوجب الْمهْر بِهِ وَإِن فرعنا على أَنه يحلل فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَهُوَ أولى وَلَو وَطئهَا بعد الارتداد فالنص أَنه لَا يحلل وَلَيْسَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فَإِنَّهُ عَالم بِالتَّحْرِيمِ أما فِي حَال الْحيض وَالصَّوْم فَمحل لِأَنَّهُ لم يخْتل النِّكَاح وَكَذَا فِي حَال إحرامها خلافًا لمَالِك رَحمَه الله ثمَّ مهما ادَّعَت أَن الْمُحَلّل وَطئهَا كَانَ للزَّوْج تصديقها بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن بِنَاء الْعُقُود على قَول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 الْعَاقِد وَلَكِن إِن كَانَ غلب على ظَنّه كذبهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا فرع لَو طلق زَوجته الرقيقة ثَلَاثًا ثمَّ اشْتَرَاهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَى أَن يجْرِي التَّحْلِيل وَفِيه وَجه أَن التَّحْرِيم يخْتَص بِالنِّكَاحِ وَلَا يحرم الْوَطْء بِملك الْيَمين بالطلقات الثَّلَاث الأَصْل الثَّانِي أَن الرّقّ يُؤثر فِي نُقْصَان عدد الطَّلَاق فَيملك الْحر ثَلَاثًا وَيملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفه رَحمَه الله ينظر إِلَى جَانب النِّسَاء فَيملك الْحر وَالْعَبْد ثَلَاثًا وَلَكِن على الْحرَّة ويملكان ثِنْتَيْنِ وَلَكِن على الْأمة وَهَذَا يُخَالف قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء يَعْنِي الْعبْرَة فِي الطَّلَاق بِالرِّجَالِ ثمَّ يتَوَلَّد من الْأَصْلَيْنِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو طلق الذِّمِّيّ زَوجته الذِّمِّيَّة طَلْقَتَيْنِ ثمَّ الْتحق بدار الْحَرْب فاسترق قَالَ ابْن الْحداد لَهُ أَن ينحكها لِأَنَّهَا لم تحرم بالطلقتين فطرآن الرّقّ بعده لَا يُؤثر وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْكِحهَا لِأَنَّهُ فِي الْحَال رَقِيق فَكيف يطلقهَا طَلْقَة ثَالِثَة لَو نَكَحَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وَلَا خلاف أَنه لَو طلق طَلْقَة ثمَّ طَرَأَ الرّقّ فنكحها فَلَا يملك إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة ويحسب مَا مضى عَلَيْهِ الثَّانِي لَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَة ثمَّ عتق فَيملك طَلْقَتَيْنِ فِي الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف عدد الرّقّ وَلَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَتَيْنِ ثمَّ عتق لم يكن لَهُ نِكَاحهَا لِأَنَّهَا حرمت عَلَيْهِ فِي الرّقّ وَفِيه وَجه غَرِيب أَنه ينْكِحهَا الثَّالِث إِذا طلق العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَعتق وَلم يذر السَّابِق هُوَ الطَّلَاق أَو الْعتْق قَالَ ابْن الْحداد يحرم نِكَاحهَا لِأَن الرّقّ مستيقن وَكَذَا الطَّلَاق وَالشَّكّ فِي تَقْدِيم الْعتْق على الطَّلَاق وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ بعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث حكم طَلَاق الْمَرِيض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْلَم أَن طَلَاق الْمَرِيض كَطَلَاق الصَّحِيح فِي النّفُوذ وَإِنَّمَا النّظر فِي انْقِطَاع الْمِيرَاث بِهِ لما فِيهِ من الْفِرَار عَن التوريث قصدا وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد وَهُوَ الْقيَاس وَالْمَشْهُور أَنه يَنْقَطِع الْمِيرَاث بِالطَّلَاق الْبَائِن كَمَا فِي حَالَة الصِّحَّة وعَلى هَذَا يَنْقَطِع التَّفْرِيع وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم أَنه يَجْعَل فَارًّا فيعارض بقيض قَصده ونورث زَوجته وَيدل عَلَيْهِ قصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فَنَقُول الفار على هَذَا القَوْل من أنشأ تَنْجِيز طَلَاق زَوجته الوارثة بِغَيْر رِضَاهَا فقد أوردنا فِي الضَّابِط خَمْسَة قيود الأول الْإِنْشَاء واحترزنا بِهِ عَن اقرار الْمَرِيض بِطَلَاق أسْندهُ إِلَى حَال الصِّحَّة فَهُوَ غير فار لِأَن الْإِقْرَار حجَّة وَكَذَلِكَ إِذا أسْند إِقْرَار الْعتْق إِلَى الصِّحَّة لم يحْسب من الثُّلُث وَكَذَلِكَ يجوز الْإِقْرَار للْوَارِث وَإِن لم يجز الْإِنْشَاء وَقَالَ القَاضِي لَا يبعد أَن يَجْعَل فَارًّا لِأَنَّهُ مَحْجُور على إنْشَاء الْقطع وَلَيْسَ مَحْجُورا فِي حق الْوَارِث عَن إنْشَاء استقراض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 والتزام فَكَانَ لَهُ الْإِقْرَار الْقَيْد الثَّانِي التَّنْجِيز فَلَو علق طَلَاق زَوجته على قدوم زيد فَقدم وَهُوَ مَرِيض فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق أَو بِحَالَة وجود الصّفة وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ فَارًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ يظْهر مِنْهُ قصد الْفِرَار أما إِذا علقه بِمَا لَا بُد من وجوده فِي الْمَرَض كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِذا ترددت الرّوح فِي شِرَاء سَيفي أَو قبل موتى بلحظة فَالصَّحِيح أَن هَذَا فار وَمِنْهُم من طرد الْخلاف نظرا إِلَى حَالَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو علق بِفعل من أَفعَال نَفسه ثمَّ أَتَى بِهِ فِي الْمَرَض فَالظَّاهِر أَنه فار وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق قبل موتِي بِيَوْم ثمَّ مَاتَ فَجْأَة فقد نفذ الطَّلَاق فِي الصِّحَّة وَيظْهر فِي ذَلِك قصد الْفِرَار فَقِيَاس التُّهْمَة أَن يَجْعَل فَارًّا وَلَكِن يحْتَمل أَن ينظر إِلَى الصِّحَّة ونقطع الْمِيرَاث الْقَيْد الثَّالِث الطَّلَاق فَلَو فسخ نِكَاحهَا بِعَيْب فِي الْمَرَض فَلَا يكون فَارًّا وَلَو قَذفهَا فِي الصِّحَّة ولاعن فِي الْمَرَض فَلَيْسَ بفار لِأَن اللّعان ضَرُورَة لدفع الْحَد وَالنّسب وَإِن أنشأ الْقَذْف وَاللّعان فِي الْمَرَض فَفِيهِ تردد للأصحاب وَالظَّاهِر أَنه غير فار وَلَو ارْتَدَّ الزَّوْج ثمَّ عَاد فَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بفار لِأَنَّهُ لَيْسَ يقْصد بِالرّدَّةِ ذَلِك وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وطردوا ذَلِك فِي الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت فِي الْمَرَض وجعلوها فارة عَن مِيرَاثه وَهَذَا بعيد الْقَيْد الرَّابِع الزَّوْجَة الوارثة فَلَو طلق زَوجته الذِّمِّيَّة فَأسْلمت أَو الرقيقة فعتقت فَلَا يكون فَارًّا لِأَنَّهَا لم تكن وارثة عِنْد الطَّلَاق وَلَا يبعد تخيل خلاف من تبرع الرجل على أَخِيه فِي مَرضه وَهُوَ مَحْجُوب بولده ثمَّ مَاتَ وَلَده لِأَن فِيهِ قَوْلَيْنِ الْقَيْد الْخَامِس قَوْلنَا بِغَيْر رِضَاهَا فَلَو خَالعهَا أَو طَلقهَا بسؤالها أَو علق الطَّلَاق بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا ضَرُورَة لَهَا فِيهِ وَلَا حَاجَة فَفعلت فَلَيْسَ فَارًّا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَلم يَجْعَل لرضاها أثرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 أما إِذا علق الطَّلَاق بأكلها أَو مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وتتضرر بِتَرْكِهِ فَهُوَ فار قطعا فَإِن قيل فَلَو تَمَادى الْمَرَض بعد الطَّلَاق فَإلَى مَتى يتمادى توريثها قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتمادى أبدا وَالثَّانِي أَنه إِلَى انْقِضَاء الْعدة وَالثَّالِث إِلَى أَن تنْكح زوجا آخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي تعديد الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي نِيَّة الْعدَد فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَو طَلقتك وَنوى عددا وَقع مَا نوى عندنَا لِأَن الْمصدر مُضْمر فِيهِ وَهُوَ مُحْتَمل للْجِنْس الشَّامِل للعدد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَسلم أَنه لَو قَالَ أَنْت بَائِن وَنوى ثَلَاثًا نفذ وَإِن نوى اثْنَيْنِ لَا ينفذ فروع الأول إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَنوى الثَّلَاث فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا ينفذ لِأَن الْوَاحِدَة تنافى الْعدَد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وَالثَّانِي أَنه يَقع وَكَأَنَّهُ يصيرها وَاحِدَة بِالطَّلَاق الثَّلَاث وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَنه إِن بسط النِّيَّة على جَمِيع اللَّفْظ لم يَقع وَإِن نوى الثَّلَاث بقوله أَنْت طَالِق وَذكر الْوَاحِدَة بعده وَقع الثَّلَاث وَلم يُؤثر ذكر الْوَاحِدَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح الذى ادّعى الْفَارِسِي الْإِجْمَاع فِيهِ وَهُوَ أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَلم يكن فِي عزمه أَن يَقُول إِن شَاءَ الله ثمَّ قَالَ مُتَّصِلا بِهِ أَنه لَا يُؤثر وَمن الْأَصْحَاب من خَالف وَقَالَ إِذا اتَّصل الِاسْتِثْنَاء وقصده لم يَقع الطَّلَاق فعلى هَذَا لَا يتَّجه قَول الْقفال الثَّانِي إِذا قَالَ أَنْت وَاحِدَة وَنوى بِهِ توحدها بِالطَّلَاق الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَإِن لم يخْطر بِبَالِهِ معنى التوحد وَلَكِن نوى الثَّلَاث فَفِيهِ احْتِمَال وَتردد الثَّالِث إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلَكِن وَقع قَوْله ثَلَاثًا فِي حَال مَوتهَا بِأَن مَاتَت مقترنا بِهِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَن الثَّلَاث كالتفسير والمفسر وجد فِي الْحَيَاة وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة بقوله أَنْت طَالِق وَيَلْغُو الْعدَد وَالثَّالِث أَنه لَا يَقع شيئ لِأَنَّهَا مَاتَت قبل تَمام الْكَلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 الْفَصْل الثَّانِي فِي تَكْرِير الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لمدخول أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق فَإِن قصد التّكْرَار نفذ الثَّلَاث وَإِن قصد التَّأْكِيد لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن نوى بِالثَّانِيَةِ الْإِيقَاع وبالثالثة التَّأْكِيد للثَّانِيَة وَقع ثِنْتَانِ وَإِن نوى بالثالثة تَأْكِيد الأولى لم يقبل وَوَقع الثَّلَاث لِأَن تخَلّل الْفَصْل يمْنَع قصد التَّأْكِيد وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يحمل على التَّأْكِيد لِأَنَّهُ مُعْتَاد فِي لِسَان الْعَرَب فَلَا تقع إِلَّا وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَنَّهُ تلفظ ثَلَاث مَرَّات وَإِنَّمَا يصرف الطَّلَاق بِقصد صَحِيح عَن جِهَته وَلم يقْصد صرفه إِلَى التَّأْكِيد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق فَلهُ أَن يقْصد التَّأْكِيد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق لم يُمكن قصد التَّأْكِيد لتخلل الْوَاو الفاصلة إِذْ الْمُؤَكّد يَنْبَغِي أَن يُسَاوِي الْمُؤَكّد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَقصد بالثالثة تَأْكِيد الثَّانِيَة جَازَ وَلَو قصد تَأْكِيد الأولى لم يجز لتخلل الْفَصْل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق بل طَالِق وَقع الثَّلَاث وَامْتنع قصد التَّأْكِيد لتغاير الْأَلْفَاظ وَكَذَلِكَ قَوْله أَنْت طَالِق وَطَالِق فطالق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق أَنْت طَالِق فَيجوز أَن تجْعَل الثَّالِثَة تَأْكِيد للثَّانِيَة وَإِن تخَلّل قَوْله أَنْت لِأَن إِعَادَة أدوات الضَّمِير تحْتَمل فِي التَّأْكِيد الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة وطلقة نَص على وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْمَدْخُول بهَا وَجَمِيع هَذِه الْمسَائِل فِي الْمَدْخُول بهَا إِذْ لَا يتَصَوَّر تعاقب الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم فدرهم نَص على أَنه يلْزمه دِرْهَم وَاحِد فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل الْفرق أَن التّكْرَار يتَطَرَّق إِلَى الْأَخْبَار وَلذَلِك لَو كرر فِي الْمجْلس لم يتَكَرَّر بِخِلَاف الْإِنْشَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَمَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة بل طَلْقَتَيْنِ وَقع الثَّلَاث لِأَن الِاسْتِدْرَاك لايتطرك إِلَى ماسبق إنشاؤه ويتطرق إِلَى الْأَخْبَار الثَّالَّةِ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعَ طَلْقَة أَو مَعهَا طَلْقَة أَو تَحت طَلْقَة أَو تحتهَا طَلْقَة أَو فَوق طَلْقَة أَو فَوْقهَا طَلْقَة فَمُقْتَضى الْجَمِيع الْجمع بَين طَلْقَتَيْنِ فَيَقَع فِي الْمَدْخُول بهَا طَلْقَتَانِ وَفِي غير الْمَدْخُول بهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع ثِنْتَانِ لِأَن الْجمع مُمكن كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَالثَّانِي أَنه تقع وَاحِدَة لِأَن قَوْله طَلْقَة كَلَام تَامّ وَالْبَاقِي لَيْسَ تَفْسِيرا لَهُ بِخِلَاف قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَإِن الثَّلَاث تَفْسِير لطلاق وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فطالق بَانَتْ بِالْأولَى ولغا قَوْله فطالق أَعنِي قبل الدُّخُول وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق فَهَل تقع ثِنْتَانِ عِنْد الدُّخُول فِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 وَوجه أَن الدُّخُول يَجْعَل كالجامع للطلقتين المذكورتين الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة قبل طَلْقَة أَو قبلهَا طَلْقَة أَو بعد طَلْقَة أَو بعْدهَا طَلْقَة ينفذ طَلْقَتَانِ فِي الدُّخُول بهَا وَلَكِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة أَو مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اللَّفْظ وَاللَّفْظ الأول قَوْله طَلْقَة وَفِي الثَّانِي ينظر إِلَى الْمَعْنى وَقَوله قبلهَا طَلْقَة وَإِن ذكره آخرا فقد قدمه بِالْمَعْنَى وَالْأَصْل اتِّبَاع الْمَعْنى فَيَقَع أَولا مضون قَوْله قبلهَا طَلْقَة وَكِلَاهُمَا يقعان بعد فَرَاغه من تَمام لَفظه فعلى هَذَا إِذا خَاطب بذالك غير الْمَدْخُول بهَا فَإِن قُلْنَا إِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة وَقعت وَاحِدَة وَلم تعقبها الثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة لم يتَصَوَّر أَن تقع تِلْكَ وَحدهَا وَلَا أَن يَقع بعْدهَا طَلْقَة فَيُؤَدِّي إِلَى الدّور فَقِيَاس مَذْهَب ابْن الْحداد أَنه لَا يَقع شيئ وَقِيَاس مَذْهَب أبي زيد أَنه يَلْغُو قَوْله قبلهَا طَلْقَة للبعد وَيبقى مَضْمُون قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَة فتنفذ وَاحِدَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 الْفَصْل الثَّالِث فِي الطَّلَاق بِالْحِسَابِ وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول حِسَاب الضَّرْب فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِد فِي اثْنَتَيْنِ أَو اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَأَرَادَ الْحساب بطرِيق الضَّرْب حمل عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ الْجمع حمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد يُرَاد بهَا مَعَ وَالِاحْتِمَال الْبعيد مَقْبُول فِي الْإِيقَاع وَإِن لم يقبل فِي نفي الطَّلَاق وَإِن أَرَادَ الظّرْف قبل وَلم يَقع مَا جعله ظرفا وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يحمل على الْحساب لظُهُور ذَلِك فِي اللِّسَان وَالثَّانِي يحمل على الظّرْف لِأَنَّهُ يحتملها والتنزيل على الْأَقَل المستيقن أولى وَحكي قَول ثَالِث أَنه يَقع الثَّلَاث لتلفظه بِهِ وَهُوَ بعيد وَمهما كَانَ جَاهِلا لَا يفهم معنى الْحساب قطع الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ لَا يحمل سِيَاقه على الْحساب فرع الْجَاهِل بِالْحِسَابِ إِذا قَالَ أردْت بذلك مَا يُرِيد الْحساب فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحْتَمل لإرادته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 وَالثَّانِي لَا لِأَن إِرَادَة مَا لَا يفهم محَال وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ طلقت زَوْجَتي مِثْلَمَا طلق فلَان زَوجته وَهُوَ لَا يدْرِي ذَلِك وَمهما احْتمل فِي الْإِحْرَام أَن يَقُول أَهلَلْت بأهلال كإهلال فلَان وَهُوَ لَا يدْرِي فَلَا يبعد أَن يحْتَمل فِي الطَّلَاق الْقسم الثَّانِي تجزئة الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة أَو ربع طَلْقَة نقذ وكمل لَا بطرِيق السَّرَايَة بل بِأَن يَجْعَل الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثَة أَنْصَاف طَلْقَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه تقع طَلْقَتَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلْقَة وَنصف وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله خَمْسَة أَربَاع أَو أَرْبَعَة أَثلَاث وَمَا يزِيد أجزاؤه على الواحده الثَّانِيَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق نصفي طَلْقَة فَالصَّحِيح أَنه تقع وَاحِدَة وَلَو قَالَ نصف طَلْقَتَيْنِ فَالصَّحِيح أَنه أَيْضا تقع وَاحِدَة لَا كَمَا لَو كَانَ فِي يَدهَا عَبْدَانِ فَقَالَ لفُلَان نصف الْعَبْدَيْنِ ثمَّ فسر بِأَحَدِهِمَا لم يقبل إِذْ نصف الِاثْنَيْنِ المتناسبين المطلقين وَاحِد أما الْمعِين فَإِنَّهُ لَا يتَّجه فِيهِ ذَلِك وَقد قيل تقع طَلْقَتَانِ وَإِن فسر بِوَاحِدَة يدين وَهل يقبل ظَاهرا قَالُوا فِيهِ وَجْهَان الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق سدس وَربع وَثلث طَلْقَة فَهِيَ طَلْقَة وَاحِدَة وَلَو كرر الطَّلقَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 فَقَالَ سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَمنهمْ من أوقع ثَلَاث وَمِنْهُم من رد جَمِيع ذَلِك إِلَى طَلْقَة وَاحِدَة وَجعل تكراره للتَّأْكِيد الْقسم الثَّالِث فِي اشْتِرَاك نسْوَة فِي الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل الأول لَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أوقعت عليكن طَلْقَة وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة طَلْقَة إِذْ يخص كل وَاحِدَة ربع طَلْقَة وَلَو قَالَ طَلْقَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَلَا تزيد كل وَاحِدَة على طَلْقَة مَا لم يزاوج الْأَرْبَع فَإِن قَالَ أوقعت عليكن خمس طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثِنْتَيْنِ وَلَا تزيد إِلَى ثَمَانِيَة فَإِذا قَالَ تسع طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا أما إِذا قَالَ أوقعت بينكن طَلْقَة فَهُوَ كَقَوْلِه أوقعت عليكن إِن أطلق وَإِن أظهر تَفْسِيرا يُخَالف ذَلِك فَهَل يقبل فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَنه يقبل كل مَا يبديه من تَخْصِيص وإضمار للاحتمال وَالثَّانِي أَنه لَا يقبل أصلا مَا يُخَالف الِاشْتِرَاك لِأَنَّهُ يصير الْكَلَام كالمستكره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 الثَّالِث يقبل بِشَرْط أَن لَا تخرج وَاحِدَة مِنْهُنَّ عَن الطَّلَاق حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن ثَلَاث طلقات ثمَّ أَرَادَ تَخْصِيص زَيْنَب بطلقتين ويوزع وَاحِدَة على الْبَاقِيَات صَحَّ وَلَو أَرَادَ إِخْرَاج وَاحِدَة لم يجز الرَّابِع أَنه يقبل التَّخْصِيص والإخراج بِشَرْط أَن لَا يعطل طَلَاقا حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن أَربع طلقات ثمَّ خصص زَيْنَب حَتَّى تتعطل الرَّابِعَة لم يجز نعم يقبل فِي اخْتِصَاص ثَلَاث بهَا وَتبقى الرَّابِعَة فتتوزع على البواتي وَتطلق كل وَاحِدَة طَلْقَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ أوقعت عليكن سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَإِن قُلْنَا أَن هَذَا فِي الْوَاحِدَة مَحْمُول على ثَلَاث طلقات قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا إِذْ يوزع كل جُزْء على الْجَمِيع وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن ذَلِك كثلاث طلقات وَلَو أوقع بَينهُنَّ ثَلَاثًا لم تطلق كل وَاحِدَة إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة الثَّالِثَة إِذا قَالَ لثلاث نسْوَة أوقعت بينكن طَلْقَة ثمَّ قَالَ للرابعة أَشْرَكتك مَعَهُنَّ فَإِن لم ينْو لم يَقع شَيْء لِأَنَّهُ كِنَايَة وَإِن نوى الطَّلَاق وَلَكِن لم يخْطر بِبَالِهِ كَيْفيَّة الِاشْتِرَاك قَالَ الْقفال تقع عَلَيْهَا طَلْقَتَانِ لِأَن الشّركَة أَن يكون لَهَا نصف مَا لَهُنَّ ولهن ثَلَاث فنصفه وَاحِدَة وَنصف فتكمل طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ تقع وَاحِدَة لِأَن مُطلق الِاشْتِرَاك لَا ينبأ عَن مُسَاوَاة الشَّرِيكَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الِاسْتِثْنَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله شُرُوط ثَلَاثَة أَحدهَا أَنه لَا يسْتَغْرق الْمُسْتَثْنى عَنهُ وَالثَّانِي بِأَن يتَّصل بالمستثنى عَنهُ فَلَو انْفَصل وَلَو بِزَمَان يسير فَلم يَصح وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَصح الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل وَهُوَ بعيد وَالثَّالِث أَن يكون قصد الِاسْتِثْنَاء مَقْرُونا بِأول الْكَلَام فَإِن قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ بدا لَهُ مُتَّصِلا بالفراغ أَن يَقُول إِن شَاءَ الله قَالَ أَبُو بكر الْفَارِسِي هُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَعزا ذَلِك إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَقَالَ شَرطه اتِّصَال اللَّفْظ أما اقتران النِّيَّة فَلَيْسَ بِشَرْط وَكَلَام الْفَارِسِي أصح وَشرح هَذِه الْمسَائِل فِي فصلين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 الْفَصْل الأول فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث وَبَطل الِاسْتِثْنَاء ولاستغراقه وتناقضه وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجمع اسْتِثْنَاؤُهُ وَيجْعَل مُسْتَغْرقا فَيبْطل وَوَقع الثَّلَاث وَالثَّانِي أَن الِاسْتِغْرَاق وَقع بقوله وَاحِدَة فيلغى هَذَا الْقدر وَيعْتَبر الْبَاقِي وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة فَإِن جمع الْمُسْتَثْنى عَنهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَإِن فرق بَطل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة ووواحدة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة وَقع الثَّلَاث على الْوَجْهَيْنِ لِأَن من جمع جمع من الْجَانِبَيْنِ وَمن فرق فَكَذَلِك وَهُوَ مُسْتَغْرق بِكُل حَال الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء صَحِيح وَمَعْنَاهُ نقيض الْمُسْتَثْنى عَنهُ فَهُوَ من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَة مَعْنَاهُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة من الاثنتين تقع فَتَقَع اثْنَتَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالقا ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تقع الثَّلَاث لِأَن الأول مُسْتَغْرق فلغا والأخير اسْتثِْنَاء من لاغ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه يَقع وَاحِدَة لِأَن الْكَلَام بِآخِرهِ وَقد أخرجه عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 الِاسْتِغْرَاق بالاستدراك وَالثَّالِث أَن الِاسْتِثْنَاء الأول يَلْغُو وَيصير الْأَخير اسْتثِْنَاء عَن الأول وَهَذَا تحكم فَاسد الثَّالِثَة قَالَ ابْن الْحداد إِذا قَالَ أَنْت طَالِق خمْسا إِلَّا ثَلَاثًا وَقعت ثِنْتَانِ وَكَأَنَّهُ زَاد لَهُ وسع الِاسْتِثْنَاء وَمِنْهُم من قَالَ الْخمس كالثلاث وَالِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْرق فَيبْطل وَلَا نظر إِلَى الزِّيَادَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَربع إِلَّا اثْنَتَيْنِ فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد تقع اثْنَتَانِ وعَلى الْوَجْه الآخر تقع وَاحِدَة وَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف طَلْقَة وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ أبقى النّصْف فيكمل وَفِيه وَجه أَن اسْتثِْنَاء النّصْف كاستثناء الْكل كَمَا أَن إِيقَاع النّصْف كإيقاع الْكل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق على بِالْمَشِيئَةِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله أَو أَنْت حرَّة إِن شَاءَ الله لم يَقع الطَّلَاق وَالْعِتْق لِأَن مَشِيئَة الله غيب لَا يدرى فَصَارَ الْوَصْف الْمُعَلق بِهِ مَجْهُولا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يَقع الطَّلَاق وَيَقَع الْعتْق وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي إِن شَاءَ الله أَنه يكون مُظَاهرا فَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي الطَّلَاق وَسَائِر الْعُقُود وَمِنْهُم من فرق بِأَن الظِّهَار إِخْبَار وَتَعْلِيق الْإِخْبَار بِالْمَشِيئَةِ لَا يَصح وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِن شَاءَ الله تلْزمهُ الْعشْرَة والإنشاء يحْتَمل التَّعْلِيق وَمِنْهُم من سوى بَين الْعُقُود وَالْإِقْرَار وَجوز الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ فِي الْجَمِيع وَعَلِيهِ التَّفْرِيع الثَّانِيَة إِن قَالَ يَا طَالِق إِن شَاءَ الله الظَّاهِر أَنه يَقع لِأَن الِاسْتِثْنَاء عَن الِاسْم لَا يَنْتَظِم إِنَّمَا يَنْتَظِم الْإِنْشَاء وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الِاسْم مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء فَلذَلِك قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يَقع شَيْء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 أما إِذا قَالَ يَا طَالِق أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن شَاءَ الله انْصَرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وَوَقعت وَاحِدَة بقوله يَا طَالِق الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا طَالِق إِن شَاءَ الله قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن قَوْله يَا طَالِق لَا يعْمل الِاسْتِثْنَاء فِيهِ تَفْرِيعا على ظَهره وَيرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وتخلل قَوْله يَا طَالِق لَا يدْفع الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ من جنس الْكَلَام وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا حَفْصَة إِن شَاءَ الله الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم يَشَأْ الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله فموجب اللَّفْظَيْنِ وَاحِد وَمَعْنَاهُ التَّعْلِيق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة وكما لَا تعرف الْمَشِيئَة لَا يعرف عدمهَا فَقِيَاس ذَلِك أَن يَقع الطَّلَاق وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بل هَاهُنَا أولى لِأَنَّهُ علق على محَال إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَقع الطَّلَاق بِخِلَاف مَشِيئَة الله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن صعدت السَّمَاء وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحْتَمل أَن يُقَال يَقع بِخِلَاف التَّعْلِيق بالصعود لِأَن الصعُود مُمكن فِي نَفسه وَالطَّلَاق بِخِلَاف الْمَشِيئَة محَال فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع وَحكى عَن القَاضِي أَنه اخْتَار وُقُوع الطَّلَاق هَاهُنَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ إِن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا إِن اجْتمع السوَاد وَالْبَيَاض لم يَقع لِأَنَّهُ تَعْلِيق بمحال فَكَذَلِك قَوْله إِن خَالف طَلَاقك مَشِيئَة الله فَإِنَّهُ أَيْضا محَال وَنعم يحْتَمل لَهُ مَأْخَذ آخر وَهُوَ أَنه لَو قَالَ إنت طَالِق إِن لم يدْخل زيد الدَّار فَدخل لم يَقع فَإِن مَاتَ زيد قبل الدُّخُول تبين وُقُوعه وَقت الطَّلَاق فَإِن مَاتَ وأشكل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَقع لِأَن الأَصْل عدم الْوُقُوع وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَنَّهُ نجز الطَّلَاق واستثناه وَلم يثبت الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الْوَجْه أظهر فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 قَوْله أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يدْخل زيد الدَّار فَإِن هَذِه صِيغَة الِاسْتِثْنَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الصيغتين فعلى هَذَا لَا يبعد أَن يُقَال مَشِيئَة الله مستثنية فَيَقَع الطَّلَاق لذَلِك فَهَذَا وَجهه الْمُتَكَلف وَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع إِذْ لَو وَقع لَكَانَ الله قد شَاءَ وُقُوعه وَهُوَ إِنَّمَا علق الطَّلَاق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة إِلَّا أَنه إِذا لم يَقع تبين أَن الله لم يَشَأْ فقد تحقق الْوَصْف الَّذِي علق عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يَقع ثمَّ بالوقوع يَنْتَفِي الْوَصْف فَالشَّرْط وَالْجَزَاء هَاهُنَا متضادان لَا يَجْتَمِعَانِ ومنشأ بَدو النّظر أَن التَّعْلِيق على هَذَا الْوَجْه هَل يَصح وَلَيْسَ كَمَا إِذا علق باجتماع السوَاد وَالْبَيَاض لَان التضاد بَين السوَاد وَالْبَيَاض لابين الِاجْتِمَاع وة الطَّلَاق فَلَا تضَاد بَين الْجَزَاء وَالشّرط ويستمد هَذَا من مَسْأَلَة الدّور فَإِن قَوْله لغير الْمَدْخُول بهَا إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله فِيهِ تضَاد بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فألغاه أَبُو زيد لذَلِك واعتبره ابْن الْحداد وَهَذِه الْمَسْأَلَة تلْتَفت إِلَيْهِ فَإِن قيل إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله مَا معنى التَّرَدُّد فِي مَشِيئَة ومشيئته قديمَة لَا يتَرَدَّد فِيهَا فَإِن أُرِيد تعلقهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُرَاد تعلقهَا بِلَفْظ الطَّلَاق أَو بحكمة فَإِن أُرِيد بِاللَّفْظِ فقد شَاءَ اللَّفْظ لِأَنَّهُ قد جرى وَإِن أُرِيد الحكم فَالْحكم قديم والإرادة لَا تتَعَلَّق بالقديم لِأَن الحكم كَلَام الله تَعَالَى فَنَقُول مَعْنَاهُ مَشِيئَة حكم الطَّلَاق والمشيئة قديمَة وَلَكِن المُرَاد أَن يحدث لَهَا عِنْد الْحُدُوث تعلق بالإرادة الْقَدِيمَة وَإِن كَانَ لَهَا قبل الْحُدُوث نوع تعلق على وَجه آخر وَذَلِكَ التَّعَلُّق المتجدد مَشْكُوك فِيهِ وَأما قَوْله الحكم قديم فَلَا يُرَاد فَهُوَ كَذَلِك وَلَكِن مصير الْمَرْأَة مُحرمَة وصف حَادث يَسْتَدْعِي تعلقا جَدِيدا للْكَلَام الْقَدِيم بِهِ فللخطاب الْقَدِيم تعلقات متجددة كَمَا للإرادة وَالْأَحْكَام تبنى على التعليقات المتجددة لَا على الأَصْل الْقَدِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الشَّك وَفِي الطَّلَاق وَفِي مَحَله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الشَّك فِي الطَّلَاق فصورته أَن يتَرَدَّد فِي أَنه هَل طلق أم لَا فَالْأَصْل أَن لَا طَلَاق فنأخذ بالاستصحاب كَمَا إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث لِأَنَّهُ لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِي الطَّلَاق وَالْحَدَث والاستصحاب يَكْفِي وَلَيْسَ ذَلِك كَطَلَاق يخْتَلف فِيهِ الْفُقَهَاء فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل مشكوكا بل يجب الِاعْتِمَاد على مَا يَقْتَضِيهِ الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ إِذا طَار طَائِر فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فامرأتي طَالِق وَشك لم يَقع الطَّلَاق إِلَّا إِذا تبين أَنه غراب فَلَو قَالَ آخر وَإِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق لم يَقع طَلَاقه أَيْضا لِأَنَّهُ لَو تفرد بِهِ لم يَقع فَتقدم غَيره لَا يُفَسر حكمه أما إِذا كَانَ لَهُ زوجتان فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمرة طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق حرمت وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَن يجتنبها لِأَنَّهُ اتَّحد الشَّخْص فَيحصل الْيَقِين فِي حَقه فرع لَو جرى ذَلِك فِي عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَلِكُل وَاحِد أَن يتَصَرَّف فِي عَبده فَلَو اشْترى أحدهم العَبْد الآخر حَتَّى اجْتمعَا فِي ملكه حجر عَلَيْهِ فِيمَا إِلَى أَن يتَبَيَّن وَفِيه وَجه أَنه يخْتَص الْحجر بالمشتري لِأَن الأول كَانَ يتَصَرَّف فِيهِ فَلَا يَنْقَلِب حكمه بشرَاء الآخر وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَو بَاعَ الأول ثمَّ اشْترى الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ التَّصَرُّف فِي الثَّانِي لِأَن تيك وَاقعَة قد انْقَضتْ فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاة إِلَى جِهَة ثمَّ تغير اجْتِهَاده إِلَى جِهَة أُخْرَى صلى لجِهَة أُخْرَى وَلم يقْض الأولى وَيحْتَمل خِلَافه لِأَن الِاسْتِصْحَاب ضَعِيف بالاضافة إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 الِاجْتِهَاد وَأما إِذا شكّ فِي مَحل الطَّلَاق كَمَا إِذا طلق وَاحِدَة مِنْهُمَا ثمَّ نسي فَعَلَيهِ التَّوَقُّف إِلَى التَّذَكُّر وَلَو قَالَ لزوجته وأجنبية إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت الْأَجْنَبِيَّة فَهَل يقبل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست محلا لطلاقه وَالثَّانِي نعم وَهُوَ الأضهر لِأَن اللَّفْظ مُبْهَم فعلى هَذَا يُرَاجع حَتَّى يعين وَلَو قَالَ لزوجتين إِحْدَاكُمَا طَالِق طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ فَإِن كَانَ قد نوى وَاحِدَة مُعينَة طُولِبَ بالكشف وَالصَّحِيح أَن عدتهَا من وَقت الْإِبْهَام وَإِن لم ينْو طُولِبَ بِتَعْيِين وَاحِدَة للوقوع فَإِذا عين فَيَقَع الطَّلَاق بِالتَّعْيِينِ أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين كالبيان لَهُ والتنصيص على مَحَله فتحسب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت على الصَّحِيح كَمَا إِذا نوى الثَّانِي أَنه يَقع بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَو وَقع قبله لوقع على غير مَحل فَإِنَّهُ بَين الْمحل الْآن وَلَكِن لما أوقع من غير بَيَان مَحل ألزمناه بِبَيَان الْمحل ثمَّ فِي التَّعْيِين نظر فِي حَالَة الْحَيَاة وَبعد الْمَوْت النّظر الأول فِي الْحَيَاة وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه يلْزمه التَّعْيِين وَيُطَالب بِهِ وَيجب على الْفَوْر كَمَا لَو أسلم على عشر نسْوَة ويعصى بِالتَّأْخِيرِ وَلَو أبهم طَلْقَة رَجْعِيَّة فَفِي وجوب التَّعْيِين فِي الْحَال وَجْهَان لِأَن التَّحْرِيم قد حصل وَلَكِن النجاح لم يَنْقَطِع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 الثَّانِيَة أَنه يلْزمه نقتهما قبل التَّعْيِين وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَكَذَلِكَ إِن نوى وَاحِدَة وَلَكِن لم يبين وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِلَى أَن يتَبَيَّن لِأَن حجر النِّكَاح مطرد فَلَا بُد من النَّفَقَة الثَّالِثَة إِذا وطئ إِحْدَاهمَا فَإِن قُلْنَا إِن الطَّلَاق يَقع بِالتَّعْيِينِ لم يكن ذَلِك تعينا وَإِن قُلْنَا إِنَّه كالبيان فَلَا يبعد أَن يَجْعَل ذَلِك بَيَانا للمنكوحة وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا وطئ إِحْدَى أمتيه وَقد أبهم الْعتْق بَينهمَا وَحَيْثُ جعلنَا الْوَطْء تعيينا فَلَا مهر لَهَا وَإِن لم نجعله تعيينا فعين الْأُخْرَى للنِّكَاح فَفِي وجوب الْمهْر وَجْهَان يبتنيان على وَقت وُقُوع الطَّلَاق الرَّابِعَة إِذا ماتتا أَو إِحْدَاهمَا لم تسْقط الْمُطَالبَة بِالتَّعْيِينِ لأجل الْمِيرَاث وَهَذَا يُؤَيّد قَوْلنَا إِن الطَّلَاق يَقع بالإبهام وعَلى الْوَجْه الآخر اخْتلفُوا وَمِنْهُم من قَالَ هَاهُنَا للضَّرُورَة يحمل التَّعْيِين على الْبَيَان لَا على الْإِيقَاع وَمِنْهُم من قَالَ نتبين وُقُوع الطَّلَاق على الْمعينَة قبيل مَوتهَا وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْمَبِيع إِذا تلف فإننا نتبين الِانْفِسَاخ قبيل التّلف للضَّرُورَة الْخَامِسَة فِي صِيغ التَّعْيِين وَفِيه صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَقُول نويتهما جَمِيعًا فَلَا يَقع عَلَيْهِمَا لِأَن اللَّفْظ لَا يحْتَملهُ وَلكنه إِقْرَار لَهما بِالطَّلَاق فَلِكُل وَاحِدَة مؤاخذته بذلك وَلَو قَالَ أردْت هَذِه ثمَّ هَذِه قَالَ القَاضِي تطلق الأولى دون الثَّانِيَة لِأَن لَفظه لَا يحْتَمل الْجمع وَقَالَ الإِمَام الْوَجْه أَن يكون إِقْرَارا للثَّانِيَة أَيْضا ويلغى قَوْله ثمَّ كَمَا إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد ثمَّ لعَمْرو فَإِن لعَمْرو مؤاخذته وَلَو قَالَ أردْت هَذِه بعد هَذِه فَعِنْدَ القَاضِي يَقع على الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مُقَدّمَة فِي الْمَعْنى وَإِن تَأَخَّرت فِي الذّكر وعَلى مَذْهَب الإِمَام يُؤَاخذ بهما الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يبهم طَلَاقا بَين ثَلَاث نسْوَة ثمَّ يجلس اثْنَتَيْنِ فِي جَانب وَالثَّالِثَة فِي جَانب ثمَّ قَالَ أردْت هَذِه ووقف قَلِيلا ثمَّ قَالَ أَو هَذِه فَنَقُول لم يرفع الْإِبْهَام فَلَو عين الثَّالِثَة تعيّنت الأخيرتان للنِّكَاح وَلَو عين إِحْدَاهمَا شاركتها صاحبتها لِأَنَّهُ جمعهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 إِلَيْهِ فِي الْإِقْرَار بقوله هَذِه أَو هَذِه وَإِنَّمَا تعين للشَّرِكَة صاحبتها لوقفته بالصيغة فَلَو قَالَ على السرد هَذِه أَو هَذِه وَهَذِه احْتمل أَن تكون الثَّالِثَة شريكة الأولى وشريكة الثَّانِيَة وَيرجع إِلَيْهِ وَيقبل فِي ذَلِك قَوْله هَذَا كُله إِذا كَانَ قد نوى أما إِذا أبهم الطَّلَاق من غير نِيَّة فطالبناه فَقَالَ عينت هَذِه أَو هَذِه فبلغو قَوْله فَلَو قَالَ عينت هَذِه وَهَذِه تعيّنت الأولى ولغا قَوْله فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لَيْسَ إِقْرَارا حَتَّى يُؤَاخذ بِهِ هَل هُوَ إنْشَاء وَلَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إنْشَاء إِذا لم يسْبق لفظ صَالح للْجَمِيع الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي النزاع وَلها ثَلَاث صور إِحْدَاهَا لَو كَانَ قد نوى فادعت وَاحِدَة أَنه أرادها وَأنكر فَالْقَوْل قَوْله فَإِن نكل حَلَفت وتعينت للطَّلَاق بِيَمِينِهَا وتعينت الْأُخْرَى بِإِقْرَار الزَّوْج لَهَا حَيْثُ أنكر الثَّانِيَة وَالصُّورَة الثَّانِيَة أَن يكون قد طلق وَاحِدَة مُعينَة مِنْهُمَا لكنه نسي فَقَالَت وَاحِدَة طلقتنى فَلَا يقبل قَول الزَّوْج نسيت بل عَلَيْهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه مَا طَلقهَا فَإِن نكل حَلَفت على الْبَتّ وَحكم لَهَا وَلَو قبلنَا يَمِين الرجل عَليّ نفي الْعلم وَالنِّسْيَان للَزِمَ فِي الاستقراض وَسَائِر الدَّعَاوَى الصُّورَة الثَّالِثَة فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِذا قَالَت وَاحِدَة أَنه إِذا كَانَ غرابا فَأَنا طَالِق فَأنْكر الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه لم يكن غرابا أَو ينكل حَتَّى تحلف على الْبَتّ أَنه كَانَ غرابا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 وَلَو علق دُخُولهَا أَو دُخُول غَيرهَا فتنازعا اكْتفى مِنْهُ بِيَمِين على نفي الْعلم بِالدُّخُولِ هَكَذَا قَالَه إمامي وَلَيْسَ يتَبَيَّن لي فرق بَينهمَا أصلا بل يَنْبَغِي أَن يُقَال عَليّ يَمِين جازمة أم نُكُول فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 النّظر الثَّانِي فِيمَا بعد الْمَوْت وَفِيه ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا مَاتَا جَمِيعًا فَعَلَيهِ التَّعْيِين فَإِن كَانَ قد نوى بقبله فَبين للْوَارِث تَحْلِيفه لأجل الْمِيرَاث وَإِن لم يكن قد نوى فعين لم يكن لَهُم التَّحْلِيف لِأَنَّهُ إنْشَاء مَنُوط بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينحسم التَّعْيِين بِالْمَوْتِ وَللزَّوْج نصف حَقه من مِيرَاث كل وَاحِدَة الثَّانِيَة أَن يَمُوت الزَّوْج أَيْضا فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين نظر فَإِن كَانَتَا فِي الْحَيَاة فَيُوقف مِيرَاث كل وَاحِدَة بَينهمَا حَتَّى يصطلحا وَلَيْسَ لوَارث الزَّوْج التَّعْيِين وَإِن مَاتَت إِحْدَاهمَا ثمَّ مَاتَ الزَّوْج ثمَّ مَاتَت الْأُخْرَى فَإِن عين الْوَارِث الأولى للطَّلَاق فَهُوَ مقرّ على نَفسه إِذْ حرم مُوَرِثه عَن الْمِيرَاث فَيقبل وَإِن عين الْأَخِيرَة ليحرمها عَن مِيرَاث مُوَرِثه وليجوز مِيرَاث الأولى فَهَذَا مَحل غَرَضه فَفِي تَعْيِينه ثَلَاثَة أَقْوَال أحدث أَنه يقبل لِأَنَّهُ خَليفَة الْمُورث فِي خِيَار الشُّفْعَة وَغَيره فَكَذَلِك فِي هَذِه وَالثَّانِي أَنه لَا أثر لَهُ لِأَن حُقُوق النِّكَاح لَا تورث وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن الزَّوْج قد نوى هَذِه فَلهُ ذَلِك فَلَعَلَّهُ سَمعه أَو فهمه بِقَرِينَة وَإِن قَالَ لم ينْو وَلكنه أَرَادَ إنْشَاء التَّعْيِين لم يجز لِأَن هَذَا إِلَى الزَّوْج وَكَذَا الْخلاف فِي تعْيين الْوَارِث إِذا أبهم الْعتْق بَين عَبْدَيْنِ وَمَات لِأَن للْوَارِث غَرضا فِيهِ والعراقيون أرْسلُوا ذكر قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَارِث هَل يعين حَيْثُ يعين الزَّوْج لَو كَانَ حَيا وَلم يفرقُوا بَين أَن يكون لَهُ غَرَض أَو لَا غَرَض لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيل ذكره الْقفال وَهُوَ أحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فزوجتي طَالِق وَإِن لم يكن غرابا فَعَبْدي حر فيحجر عَلَيْهِ فيهمَا جَمِيعًا لِأَن الْمَالِك مُتحد وَإِن كَانَ الْجِنْس مُخْتَلفا فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِأَن لَا يعين لِأَن لللقرعة مدخلًا لِلْعِتْقِ فَهُوَ أولى من التَّعْيِين وَإِن لم يكن لَهَا مدْخل فِي الطَّلَاق وَإِذا وَقع الْإِبْهَام فِي مَحْض الإرقاق فَلَا خلاف فِي أَن الْمُحكم للقرعة فعلى هَذَا لَو أقرعنا فَخرج على الرَّقِيق عتق وتعينت الْمَرْأَة للنِّكَاح وورثت وَإِن خرج على الْمَرْأَة لم تطلق لِأَن الْقرعَة لَا تُؤثر فِي الطَّلَاق وَلَكِن هَل يتَعَيَّن الرَّقِيق للرق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْقرعَة إِن قصرت عَن حكم الطَّلَاق فتستعمل فِي الرّقّ وَالْعِتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن تَعْيِينه للرق فرع تعْيين الْمَرْأَة للطَّلَاق بِالْقُرْعَةِ فَإِذا لم تعْمل الْقرعَة فِي محلهَا كَيفَ تعْمل فِيمَا يثبت ضمنا لَهُ فعل هَذَا يبْقى الْإِبْهَام إِذْ كُنَّا نتوقع بِالْقُرْعَةِ بَيَانا فَلم يحصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 الشّطْر االثاني من الْكتاب فِي التعليقات وَالنَّظَر فِيهِ فِي فُصُول مُطَوَّلَة وَفِي فروع مُتعَدِّدَة موجزة فلنقدم الْفُصُول وَهِي سِتَّة الْفَصْل الأول فِي التَّعْلِيق بالأوقات وَهِي أَرْبَعَة النَّوْع الأول فِي التَّعْلِيق بمجيء وَقت منتظر وَصِيغَة التَّعْلِيق إِن وَفِي مَعْنَاهُ إِذا فَلَا فرق بَين أَن يَقُول إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا طلعت الشَّمْس أَو إِن دخلت الدَّار أَو إِذا دخلت الدَّار فَالْكل تَعْلِيق وَقَالَ مَالك رَحمَه الله إِذا علق بِمَا يستيقن وُقُوعه كطلوع الشَّمْس وَقع فِي الْحَال وَهُوَ ضَعِيف فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول شهر رَمَضَان طلقت كَمَا أهل الْهلَال مَقْرُونا بِأول جُزْء مِنْهُ وَلَا نقُول إِن فِي للظرف فَيَقْضِي وقتا محتوشا بوقتين من شهر رَمَضَان بل لَا يشْعر بالانطباق عَلَيْهِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي شهر رَمَضَان فكمثل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي يَوْم السبت طلقت مَعَ طُلُوع الْفجْر وَلَو قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع فِي آخر النَّهَار وَآخر الشَّهْر التفاتا إِلَى أَن الْوُجُوب الْمُعَلق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 بِوَقْت موسع يسْتَقرّ فِي آخِره وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر شهر رَمَضَان طلقت فِي آخر جُزْء مِنْهُ وَفِيه وَجه آخر أَنَّهَا تطلق فِي أول جُزْء من لَيْلَة السَّادِس عشر لِأَن النّصْف الْأَخير كُله آخر الشَّهْر وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول آخر الشَّهْر طلقت فِي أول يَوْم الْأَخير على وَجه وَفِي أول نصف الْأَخير على وَجه وَلَو قَالَ فِي آخر أول هَذَا الشَّهْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه آخر النّصْف الأول وَالثَّانِي أَنه آخر اللَّيْلَة الأولى وَالثَّالِث أَنه آخر يَوْم الأول وَلَو قَالَ فِي سلخ الشَّهْر فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه آخر جُزْء من الشَّهْر إِذْ بِهِ الانسلاخ وَالثَّانِي أَنه أول الْيَوْم الْأَخير وَالثَّالِث أَنه أول جُزْء من الشَّهْر لِأَنَّهُ مِنْهُ يَأْخُذ فِي الانسلاخ وَهَذَا رَكِيك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 وَلَو قَالَ عِنْد انسلاخ الشَّهْر لم يتَّجه إِلَّا فِي آخر جُزْء من الشَّهْر النَّوْع الثَّانِي التَّعْلِيق بِمُضِيِّ الْأَوْقَات فَلَو قَالَ إِذا مضى يَوْم فَأَنت طَالِق وَهُوَ با اللَّيْل فَيَقَع مَعَ الْغُرُوب من الْغَد وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ فَإلَى أَن يعود النَّهَار إِلَى مثل وقته وَلَو قَالَ إِذا مَضَت السّنة فَتطلق مَعَ استهلال الْمحرم وَإِن لم يكن قد بَقِي إِلَّا يَوْم وَلَو قَالَ إِذا مَضَت سنة فَلَا بُد من اثْنَي عشر شهرا من وَقت الْيَمين وَيَكْفِي الْأَشْهر الْعَرَبيَّة لَكِن الشَّهْر الَّذِي هُوَ فِيهِ إِذا كَانَ فِي وَسطه يكمل ثَلَاثِينَ من آخر السّنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا انْكَسَرَ شهر انْكَسَرَ جَمِيع الشُّهُور لِأَنَّهُ لَا بُد من التوالي النَّوْع الثَّالِث التَّعْلِيق بِالزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق بالْأَمْس قصدت الْآن إِيقَاع الطَّلَاق بالْأَمْس قُلْنَا هَذَا محَال لِأَن حكم اللَّفْظ لَا يتَقَدَّم على اللَّفْظ وَهل يَقع فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن حكم لَفظه لَو تحقق شَمل الْوَقْت الْحَاضِر فَينفذ فِي الْقدر الْمُمكن وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَن هَذَا لَغْو من الْكَلَام فَلَا يَقع بِهِ شيئ وَلَو قَالَ أوقعت الْآن طَلْقَة ينتشر حكمهَا إِلَى الأمس لِأَنَّهُ محَال وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار الرّبيع أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ أوقع مَا يَتَّصِف بِهَذِهِ الصّفة وَمَا وَصفه بِهِ فَهُوَ محَال فَلَا يَقع شيئ وَترجع حَقِيقَة الْخلاف إِلَى أَنه إِذا وصف الطَّلَاق بِوَصْف جعل محالا يلغى أصل الطَّلَاق أَو الْوَصْف وَاسْتدلَّ الرّبيع بقوله أَنْت طَالِق إِن أَحييت مَيتا أَو صعدت السَّمَاء فَإِنَّهُ لَا يَقع فَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ على ثَلَاثَة أوجه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 مِنْهُم من وَافقه وَمِنْهُم من قَالَ يَقع فِي مَسْأَلَة الصعُود والإحياء وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك وَمِنْهُم من فرق بَين الْإِحْيَاء والصعود وَقَالَ الْإِحْيَاء محَال من الْمَخْلُوق فَهُوَ كَقَوْلِه طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك وَأما الصعُود فممكن فِي نَفسه وَالصَّحِيح أَن هَذِه التعليقات صَحِيحَة وَالْمَقْصُود الإبعاد كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَأما قَوْله طَلَاقا لَا يَقع فَهُوَ متناقض فِي ذَاته وَقَوله طَلَاقا ينعكس حكمه على مَا مضى لَيْسَ بمتناقض لكنه مُخَالف حكم الشَّرْع فينقدح فِيهِ التَّرَدُّد وَلَا بَأْس بِمَا ذكره الرّبيع فِيهِ وَلَو قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله بِشَهْر صَحَّ فَإِن مَاتَ قبل مُضِيّ الشَّهْر لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّقْدِيم على اللَّفْظ وَلَو مَاتَ بعد شهر تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبله بِشَهْر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قبل قدوم زيد وَقبل دُخُول الدَّار بِشَهْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْتَند الطَّلَاق فِي الْمَوْت دون الْقدوم وَالدُّخُول وَهُوَ تحكم وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أمس غَدا أَو غَدا أمس وَقع فِي الْحَال لِأَن الْيَوْم هُوَ أمس غَدا وَغدا أمس وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي السّنة الْمَاضِيَة وَلم يبين فَالظَّاهِر الحكم بِالطَّلَاق لِأَن ظَاهره الْإِقْرَار بِوُقُوع الطَّلَاق وَلَو قَالَ أردْت أَو زوجا آخر طَلَّقَك أَو طَلقتك أَنا فِي نِكَاح آخر ثمَّ جددت فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة قبل وَإِلَّا حكم بِالطَّلَاق فِي الْوَقْت وَلَو قَالَ أردْت طَلْقَة رَجْعِيَّة فَيقبل لِأَنَّهُ تَقْرِير للطَّلَاق فِي هَذَا النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 النَّوْع الرَّابِع التَّعْلِيق بتكرير الْأَوْقَات وَفِيه مَسْأَلَتَانِ أَحدهمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل سنة طَلْقَة طلقت طَلْقَة وَاحِدَة فِي الْحَال وَوَاحِدَة فِي أول محرم السّنة الثَّانِيَة إِن أَرَادَ السنين الْعَرَبيَّة وَالثَّالِثَة فِي أول محرم السّنة الثَّالِثَة إِن بقيت الْعدة وَإِن لم يرد السّنة الْعَرَبيَّة فَلَا تقع الثَّانِيَة مَا لم تنقض سنة كَامِلَة من الأولى وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ على حسب الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَو أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح فِي وسط الثَّانِيَة وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث طلقت كَمَا نَكَحَهَا وَإِن كَانَ أول السّنة قد مَا فَاتَ لِأَن جَمِيع السّنة وَقت وَإِنَّمَا عجلنا فِي أول السّنة عِنْد دوَام النِّكَاح لمصادفة الْوَقْت الثَّانِيَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل يَوْم طَلْقَة طلقت طَلْقَة فِي الْحَال وَوَقعت الثَّانِيَة صَبِيحَة الْيَوْم الثَّانِي فَلَو قَالَ لَو أردْت أَن يَتَخَلَّل بَين كل طلاقين يَوْم كَامِل فيدين بَاطِنا وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا يُخَالف السّنة لِأَن الْيَوْم مُقَدّر مَحْصُور لَا يُوجب الْحساب تداخله كَمَا يُوجب تدَاخل السنين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق بالتطليق ونفيه وَفِيه ثَلَاثَة صِيغ الأولى أَن يَقُول إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق فَإِذا قَالَ ذَلِك بعد الدُّخُول فمهما طَلقهَا وَاحِدَة طلقت طَلْقَة أُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ وَلَا يخْتَص ذَلِك بِالْمَجْلِسِ كَقَوْلِه مَتى مَا وَمهما وَإِذا فَكل ذَلِك لَا يَقْتَضِي فَوْرًا إِلَّا إِذا علق على مشيئتها أَو بإعطائها مَالا فَيخْتَص بِالْمَجْلِسِ لاقْتِضَاء الْقَرِينَة لَا للفظ وَأما قبل الدُّخُول فَلَا تقع الطَّلقَة الْمُعَلقَة لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأولَى وَلذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو خَالعهَا لم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْخلْعِ فَلَا يلْحقهَا طَلَاق وَقد ظن أَكثر الْأَصْحَاب أَن هَذَا يدل على أَن الْجَزَاء يَتَرَتَّب على الشَّرْط وَيَقَع بعده لِأَنَّهُ لوقع مَعَه لوقع قبل الدُّخُول وَيكون كَمَا لوقال أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَيشْهد لهَذَا أَيْضا أَنه لَو قَالَ لغانم مهما أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما فِي الْمَرَض وَالثلث لَا يَفِي بهما لم يعْتق من سَالم شَيْء بِخِلَاف مَا لَو أعتقهما جَمِيعًا فَإِنَّهُ يقرع بَينهمَا وَالصَّحِيح أَن الْجَزَاء مَعَ الشَّرْط لِأَن الشَّرْط جعل عِلّة بِالْوَضْعِ فَهُوَ كالعلة الْحَقِيقِيَّة والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب عَقْلِي فِي السَّبَبِيَّة بل هُوَ كحركة الْخَاتم فَإِنَّهُ مَعَ حَرَكَة الْيَد وَإِن كَانَ معلولا لَهُ وَإِنَّمَا لم يَقع قبل الدُّخُول لِأَن مُقْتَضَاهُ وُقُوع الطَّلَاق مَعَ أول حَال الْبَيْنُونَة وَأول حَال الْبَيْنُونَة يضاد الطَّلَاق كَمَا فِي حَال الْبَيْنُونَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعهَا طَلْقَة لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة على أدق الْوَجْهَيْنِ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ لِأَن الْبَيْنُونَة مَعْلُول مَجْمُوع الطلقتين وَقَوله طَلْقَتَيْنِ كالتفسير لقَوْله طَالِق وَكَذَا لَا يعْتق سَالم لِأَن عتقه مَعْلُول عتق غَانِم وَرُبمَا خرجت الْقرعَة على سَالم فَيعتق دون عتق غَانِم فَيكون الْمَعْلُول قد ثَبت دون الْعلَّة وَذَلِكَ محَال وَهَذَا كَلَام دَقِيق عَقْلِي رُبمَا يقصر نظر الْفَقِيه عَنهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 النّظر الثَّانِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن التَّعْلِيق هَل يكون تطليقا فَإِذا قَالَ إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت وَقعت طَلْقَة بِيَمِين الدُّخُول وَأُخْرَى بِيَمِين التَّعْلِيق لِأَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة تطليق نعم مُجَرّد التَّعْلِيق لَيْسَ بتطليق وَكَذَلِكَ لَو تقدم التَّعْلِيق وَلم يُوجد بعد يَمِينه إِلَّا مُجَرّد الصّفة لم يكن تطليقا إِلَّا إِذا قَالَ إِذا وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق وَكَأن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ مقدم على هَذَا التَّعْلِيق فَإِنَّهُ إِذا وَقع بِمُجَرَّد الصّفة وَقعت طَلْقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ وُقُوع وَلَيْسَ بإيقاع وَعَن الْعِرَاقِيّين وَجه أَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة لَيْسَ أَيْضا بتطليق وَهُوَ بعيد لِأَن سِيمَا فِيمَا إِذا علق بِفعل نَفسه وأتى بِالْفِعْلِ فرعان الأول إِذا قَالَ إِن طَلقتك عمره فحفصة طَالِق ثمَّ قَالَ إِن طَلقتك حَفْصَة فعمرة طَالِق ثمَّ بَدَأَ بحفصة فَطلقهَا طلقت حَفْصَة بالتنجيز طَلْقَة وطلقة عمْرَة بِالتَّعْلِيقِ طَلْقَة وعادت طَلْقَة إِلَى حَفْصَة من طَلَاق عمْرَة لِأَنَّهُ تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة ترَاخى عَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة فَكَانَ تطليقا لَهَا وَقد علق طَلَاق حَفْصَة على تَعْلِيقهَا وَلَا بَدَأَ بِعُمْرَة فَطلقهَا فَيرجع الطَّلَاق على حَفْصَة وَلم يرجع طَلَاق إِلَى عمْرَة لِأَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة سبق تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة فَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة وقوعا مَحْضا لَا إيقاعا نعم لَو أبدل لفظ الْإِيقَاع بالوقوع وَقع على الْمُطلقَة طَلْقَة تنجيزا وطلقة أُخْرَى تَعْلِيقا وَلم يَقع على الْأُخْرَى إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ إِن حل الْيَمين لِأَن حرف إِن وَمهما لَا يَقْتَضِي التقرار بِخِلَاف كلما فينحل بِوُجُود الصّفة مرّة وَاحِدَة الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ وَله نسْوَة وَعبيد إِذا طلقت وَاحِدَة فعبد من عَبِيدِي حر وَإِذا طلقت اثْنَتَيْنِ فعبدان حران وَإِذا طلقت ثَلَاثًا فَثَلَاثَة وَإِذا طلقت أَرْبعا فَأَرْبَعَة ثمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 طلق أَرْبَعَة نسْوَة عتق عشرَة أعبد لِأَنَّهُ حنث فِي الْإِيمَان الْأَرْبَعَة لِأَن فِي الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَثَلَاثَة واثنتين وَوَاحِدَة وَذَلِكَ عشرَة وَلَو أبدل إِذا بكلما عتق خَمْسَة عشر فَيعتق بِيَمِين الْوَاحِد أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا أَرْبَعَة آحَاد وبيمين الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا اثْنَيْنِ مرَّتَيْنِ وبيمين الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وبيمين الْأَرْبَع أَرْبَعَة وَذَلِكَ خَمْسَة عشر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق سِتَّة عشر لِأَنَّهُ حسب الثَّلَاثَة مرّة فَبَقيَ الْوَاحِد فحسبه فِي يَمِين الْوَاحِد مرّة أُخْرَى وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ قد حسب مرّة فِي يَمِين الْآحَاد وَمن الْأَصْحَاب من ذَلِك يعْتق سَبْعَة عشر وَإِنَّمَا زَاد اثْنَيْنِ بِيَمِين الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ زعم أَنه فِي الْأَرْبَعَة اثْنَيْنِ ثَلَاث مَرَّات لِأَنَّهُ حسب الثَّانِي وَالثَّالِث مرّة وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَو جَازَ هَذَا لجَاز أَن يصير ثَلَاثَة أَيْضا مرَّتَيْنِ فَإِن الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع ثَلَاثَة أخر سوى الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَلَا قَائِل بِهَذَا الصِّيغَة الثَّانِيَة التَّعْلِيق بِنَفْي التَّطْلِيق فَإِذا قَالَ إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق لم تطلق فِي الْحَال وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِن لم أضربك فَإِنَّهُ يتَوَقَّع ذَلِك فِي الِاسْتِقْبَال وَلَا يَقْتَضِي الْفَوْر وَلَو قَالَ إِذا لم أطلقك وَمضى زمَان يسير يسع التَّطْلِيق وَلم يُطلق وَقع الطَّلَاق لِأَن إِذا ظرف زمَان وَمَعْنَاهُ أَي وَقت أطلقك فِيهِ فَأَنت طَالِق وَقَوله مَتى وَمَتى مَا كَقَوْلِه إِذا فِي اقْتِضَاء الْفَوْر وَفِي الْأَصْحَاب من لم يَتَّضِح لَهُ الْفرق فَجعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَهَذَا ضَعِيف إِذْ الْفرق ظَاهر نعم لَو قَالَ أردْت بإذا مَا يُريدهُ المريد بقوله إِن يدين وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَقع فِي صِيغَة إِن على الْفَوْر فَإِنَّمَا يَقع عِنْد حُصُول الْيَأْس بخلو الْعُمر عَن الضَّرْب والتطليق ولليأس ثَلَاث صور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 إِحْدَاهَا موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَإِذا مَاتَ قبل الطَّلَاق وَالضَّرْب تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَكَانَ يحْتَمل أَن نتبين وُقُوعه عِنْد اللَّفْظ وَلَكِن اللَّفْظ مُطلق يحْتَمل الْأَمريْنِ وتنزيله على إخلاء الْعُمر مُحْتَمل وَالْأَصْل نفي الطَّلَاق من غير يَقِين مَا يوقعه وَإِنَّمَا يتَحَقَّق عدم الضَّرْب لانقضاء الْعُمر فَفِيهِ يَقع الصُّورَة الثَّانِيَة طرآن الْجُنُون على الزَّوْج وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا يفِيق فَإِن اتَّصل بِالْمَوْتِ تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْجُنُون وَإِن كَانَ يُمكن أَن يُوقع قبل الْمَوْت إِذْ بِهِ يتَحَقَّق الْيَأْس وَلَكِن قبل الْجُنُون يثبت الْيَأْس إِلَّا بانتظار الْإِفَاقَة فَإِذا لم تقع الْإِفَاقَة فالجنون كالموت فِي الْيَأْس وَهَذَا فِي الطَّلَاق أما فِي الضَّرْب فَلَا يأس لِأَن ضرب الْمَجْنُون فِي تَحْقِيق الصّفة ونفيها كضرب الْعَاقِل على الصَّحِيح الصُّورَة الثَّالِثَة انْفِسَاخ النِّكَاح وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا ينْكِحهَا فيطلقها وَلَا يشْتَرط النِّكَاح الأول لتحقيق الصّفة فَإِن نَكَحَهَا وَطَلقهَا فقد تحققت الصّفة وَإِن لم يطلقهَا وَكَانَت فِي نِكَاحه عِنْد الْمَوْت وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث وَقع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث أَو لم تكن فِي نِكَاحه تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْفَسْخ ولتفرض فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ حَتَّى لَا نقع فِي الدّور ونتصور الْجمع بَينه وَبَين الْفَسْخ الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن يَقُول أَن طَلقتك فَأَنت طَالِق وَأَن لم أطلقك فَأَنت طَالِق وَقع فِي الْحَال لِأَن أَن للتَّعْلِيل مَعْنَاهُ أَنْت اطلقك لِأَن لم أطلق وَيجوز فِي اللُّغَة الفصيحة حذف اللَّام وَاسْتِعْمَال أَن فَهُوَ إِذا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضا فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال وَلَو سخط وَهَذَا فِي حق من يعرف اللُّغَة وَمن لَا يعرف اللُّغَة فَلَا فرق فِي حَقه بَين إِن وَأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالْحملِ والولادة وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع فِي الْحَال لِأَن الْحمل لَا يعلم بِيَقِين فَلَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر تَبينا الْوُقُوع عِنْد الْيَمين وَإِن كَانَ لأكْثر من أَربع سِنِين تَبينا أَنه لم يَقع وَإِن كَانَ بَين المدتين فَإِن كَانَ يَطَؤُهَا فَلَا يَقع وَإِن امْتنع عَنْهَا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يَقع لِأَن النّسَب قد ثَبت فَيدل على وجود الْحمل وَالثَّانِي لَا لِأَن لُحُوق النّسَب يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَال وَلَا يَقع الطَّلَاق بِالِاحْتِمَالِ وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يحرم الْوَطْء قبل تحقق الْحَال فَقيل أَنه لَا يحرم بِالشَّكِّ كَمَسْأَلَة الْغُرَاب وَقيل إِنَّه يحرم لِأَن استكشافه مُمكن على قرب وعَلى هَذَا يجب الِاسْتِبْرَاء بِالْحيضِ وَيتَفَرَّع عَنهُ ثَلَاثَة فروع أَحدهَا أَنه هَل يَكْتَفِي فِي الْحرَّة بقرء وَاحِد فِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 أَحدهمَا لَا كالعدة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغَرَض مُجَرّد اسْتِدْلَال وَقد حصل الثَّانِي إِذا استبرئها ثمَّ وَقَالَ مرّة أُخْرَى قبل الْوَطْء إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِعَادَة الِاسْتِبْرَاء وَقيل إِنَّه يجب لِأَن الْعدة الْمَاضِيَة لَا تُؤثر فَكَذَلِك هَذَا الثَّالِث إِذا خَاطب بذلك صَغِيرَة وَهِي فِي سنّ الْحيض فيستبرئها بِشَهْر أَو أشهر وَإِن خَاطب آيسة فَهَل يَكْفِي سنّ الْيَأْس دلَالَة أَو لَا بُد من الِاسْتِبْرَاء فِيهِ وَجْهَان الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ إِن كنت حَائِلا فَأَنت طَالِق فَهَذِهِ كتلك الْمَسْأَلَة وَلَكِن حَيْثُ يحكم ثمَّ بالوقوع فهاهنا يحكم بِخِلَافِهِ لِأَن الشَّرْط هُوَ عدم الْحمل وَيزِيد هَاهُنَا أَن تَحْرِيم الْوَطْء هَاهُنَا أقرب لِأَن الأَصْل الحيال وَأَيْضًا أثر الِاسْتِبْرَاء ثمَّ فِي نفي الطَّلَاق وَهَاهُنَا فِي الْوُقُوع وَقد قطعُوا بِأَنَّهُ إِذا انْقَضى ثَلَاثَة أَقراء يَقع الطَّلَاق وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يُفِيد يَقِين الْبَرَاءَة وَالشّرط لَا بُد من استيفائة فَإِنَّهُ لَو علق على الاستيقان لم يَقع بالاستبراء وَالْمُطلق يَقْتَضِي الْحمل على الْيَقِين وَقد مَال إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا أوقعنا بعد الإقراء فَأَتَت بِولد لدوّنَ سِتَّة أشهر تَبينا أَنه لم يكن الطَّلَاق وَاقعا ونقضنا ذَلِك الحكم قطعا وَإِن كَانَ وَطئهَا وطئا يُمكن الإحالة عَلَيْهِ فَفِيهِ نقض ذَلِك الحكم وَجْهَان الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي صِيغ التَّعْلِيق بِالْحملِ فَإِذا قَالَ فَقَالَ إِن كنت حَامِلا بِذكر فَأَنت طَالِق طَلْقَة وَإِن كُنَّا حَامِلا بأنثى فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَأَتَت بذكرين وَقعت طَلْقَة وَاحِدَة وَلم نزد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 وَإِن أَتَت بِذكر وَأُنْثَى وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ حنث بِالْيَمِينِ وَإِن قَالَ إِن كَانَ حملك ذكرا فطلقه وَإِن كَانَ أُنْثَى فطلقتين لم يَقع شَيْء أصلا فَإِن لَفظه يَقْتَضِي حصر الْجِنْس وَلَو أَتَت بذكرين قَالَ القَاضِي تقع طَلْقَة لِأَن التنكير فِي لَفظه لتنكير الْجِنْس وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لتنكير الْوَاحِد فَلَا يُسمى ذَلِك ذكرا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَأَتَت بولدين طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالثَّانِي فَإِن قَالَ كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَهَل يَقع الطَّلَاق بِالْوَلَدِ الثَّانِي وَبِه تَنْقَضِي الْعدة الْجَدِيد أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ يصادق أول وَقت الْبَيْنُونَة وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص فِي الْإِمْلَاء أَنه يلْحق الثَّانِيَة وَلَيْسَ لَهُ وَجه وتكلف الْقفال تَوْجِيهه فَقَالَ لَو قَالَ للرجعية أَنْت طَالِق مَعَ انْقِضَاء الْعدة فَيتَّجه قَولَانِ وَزعم أَنه يحْتَمل أَن يَقع مَعَ الِانْقِضَاء لَا فِي الْعدة وَلَا فِي الْبَيْنُونَة وَشبه ذَلِك بِمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فَلَا يَقع فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار بل يَقع فِي الْآن الْفَاصِل بَينهمَا وَالطَّلَاق من جملَة مَا يَقع دَفعه فِي الْآن وَلَا يَقع فِي زمَان وَهَذَا لَهُ وَجه فِي التَّحْقِيق إِذْ فرق بَين الْآن وَبَين الزَّمَان الَّذِي يَنْقَسِم وَلَكِن فِي مَسْأَلَة الْولادَة غير منقدح لِأَن مقتدى اللَّفْظ أَن يَقع مَعَ الْولادَة والولادة تقارنها الْبَيْنُونَة والبينونة تضَاد الطَّلَاق فَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الْجَدِيد وَلَو قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق وَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت غُلَاما طلقت ثَلَاثًا لوُجُود الصفتين وَلَو قَالَ إِن ولدت أُنْثَى فَوَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت خُنْثَى لم يَقع فِي الْحَال إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ المستيقن فرع إِذا قَالَ وَله أَرْبَعَة نسْوَة حوامل كلما ولدت وَاحِدَة فصويحباتها طَوَالِق فولدن على التَّعَاقُب والتقارب طلقن جَمِيعًا أما الرَّابِعَة فَثَلَاث إِذْ ولدت قبلهَا ثَلَاث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 نسْوَة وَأما الثَّالِثَة فثنتان إِذْ ولد قبلهَا اثْنَتَانِ وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها قبل ولادَة الرَّابِعَة أما الثَّانِيَة فَوَاحِدَة إِذْ طلقت بِوِلَادَة الأولى وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها نَفسهَا فَلم يلْحقهَا طَلَاق بعده وَأما الأولى فَثَلَاث طلقات لِأَنَّهَا بقيت فِي الْعدة حَتَّى ولدن جَمِيع صواحباتها بعْدهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِالْحيضِ وَفِيه صور إِحْدَاهَا فَلَو قَالَ إِن حِضْت حَيْضَة فَأَنت طَالِق فَلَا تطلق حَتَّى يَنْقَضِي حيض تَامّ وَلَو قَالَ إِن حِضْت فَأَنت طَالِق فَإِذا انْقَضى يَوْم وَلَيْلَة وَقع الطَّلَاق تَبينا فِي أول الْحيض إِذْ بِهِ نتحقق أَنه لَيْسَ بِدَم فَاسد وَفِيه وَجه مَشْهُور ظَاهر إِنَّه يَقع فِي أول الْحيض وَلذَلِك يحرم الْوَطْء فِي أول الْحيض بِنَاء على الظَّاهِر وَلَكِن الْقَائِل الأول قد يتَوَقَّف فِي التَّحْرِيم وَهُوَ بعيد وَالْفرق أظهر إِذْ الطَّلَاق لَا يَقع إِلَّا بِيَقِين وَالتَّحْرِيم يثبت بِالظَّاهِرِ وَلَو قَالَ للحائض إِن حِضْت فَأَنت طَالِق لم تطلق إِلَّا بِحَيْضَة مستأنفة فَإِنَّهُ للإبتداء إِذْ لَا ابْتِدَاء فِي دوَام الْحيض وَمهما قَالَت حِضْت فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا بِخِلَاف مَا إِذا علق على الدُّخُول فَقَالَ دخلت فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْبَيِّنَة لِأَن الْحيض يعصر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ من غَيرهَا إِذْ غايت غَيرهَا أَن تشاهد الدَّم وَذَلِكَ لَا يعرف إِذا لم تعرف عَادَتهَا وأدوارها فعله دم فَسَاد وَهُوَ كَقَوْلِه إِن أضمرت بغضي فَأَنت طَالِق فَقَالَت أضمرت فَالْقَوْل قَوْلهَا لعسر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَنه تصدق فِي الزِّنَا وَفِيه وَجه وَفِي الْولادَة وَجْهَان أما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 الْمُودع فَإِذا ادّعى هَلَاكًا فَيصدق كَانَ السَّبَب خفِيا أَو جليا وَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ ائتمنه فَلَزِمَهُ تَصْدِيقه بِخِلَاف الزَّوْج وَلَو قَالَ إِن حِضْت فضرتك طَالِق فَلَا تصدق فِي حق الضرة إِذْ لَا تصدق إِلَّا بِيَمِين وَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهَا يَمِين لضرتها وَلَو قَالَ إِن حضتما فأنتما طالقتان فَقَالَتَا حضنا فَصدق إِحْدَاهمَا وَكذب الْأُخْرَى طلقت المكذبة دون المصدقة لِأَن المكذبة ثَبت حَيْضهَا بقولِهَا فِي حَقّهَا وَثَبت حيض صاحبتها بِتَصْدِيق الزَّوْج والمصدقة لم يثبت حيض صاحبتها فِي حَقّهَا فَإِن صاحبتها مكذبة وَطَلَاق كل وَاحِدَة مُعَلّق على حيضهما جَمِيعًا فَلَا يَكْفِي حيض وَاحِدَة وَلَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة إِن حضتن فَأَنْتن طَوَالِق ثمَّ صدقهنَّ طلقن وَإِن كذبهن فَلَا وَإِن صدق ثَلَاثًا طلقت المكذبة دون المصدقات وَإِن كذب اثْنَتَيْنِ لم تطلق وَاحِدَة لِأَن حيض الْوَاحِدَة من المكذبتين لم يثبت فِي حق صاحبتها وَلَو قَالَ أيتكن حَاضَت فصواحباتها طَوَالِق ثمَّ قُلْنَ حضنا وصدقهن طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا لِأَن لكل وَاحِدَة ثَلَاث صَوَاحِب وَإِن صدق وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة من صواحباتها طَلْقَة وَاحِدَة وَإِن صدق اثْنَتَيْنِ طلقت كل وَاحِدَة من المصدقتين طَلْقَة طَلْقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهما إِلَّا صَاحِبَة وَاحِدَة مصدقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 الْفَصْل الْخَامِس فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت فِي الْحَال وَقع وَإِن تَأَخّر عَن الْمجْلس لم يَقع لِأَن الْخطاب يَقْتَضِي جَوَابا فِي الْحَال وَلِأَنَّهُ كالتملك للْمَرْأَة وَيَنْبَنِي على العلتين تردد فِي انه لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ زَوْجَتي طَالِق إِن شِئْت أَنه هَل يَقْتَضِي الْفَوْر أَو قَالَ إِن شَاءَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق إِذْ لَا خطاب وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَشاء أَبوك اخْتصَّ مشيئتها بِالْمَجْلِسِ وَهل تخْتَص مَشِيئَة أَبِيهَا للاقتران بمشيئتها فِيهِ خلاف وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت لم يَقع لِأَنَّهَا علقت بِالْمَشِيئَةِ والمشيئة لَا تقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فشاء أَبوهَا وَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يَقع شَيْء وَكَأَنَّهُ اسْتثِْنَاء عَن أصل الطَّلَاق وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فَلَا تطلق ثَلَاثًا بل وَاحِدَة وَهَذَا فِي الْمُطلق أما إِذا أَرَادَ الِاحْتِمَال الَّذِي فِيهِ الْإِيقَاع يَقع وَإِن قَالَ أردْت الِاحْتِمَال الآخر يدين وَهل يقبل ظَاهرا على هَذَا الْوَجْه فِيهِ وَجْهَان وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَهِي كارهة بَاطِنا نفذ الطَّلَاق ظَاهرا وَهل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 يَقع بَاطِنا قَالَ الْقفال يَقع لِأَن هَذَا تَعْلِيق بِلَفْظ الْمَشِيئَة وَلَو كَانَ بَاطِنا لَكَانَ إِذا علق بِمَشِيئَة زيد لم يصدق زيد فِي حَقّهَا وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي لَا يَقع كَمَا لَو علقت بِالْحيضِ وكذبت فِي الْإِخْبَار وَإِلَيْهِ مَال القَاضِي وَهَذَا الْخلاف يُشِير إِلَى تردد فِيمَا لَو أَرَادَت بَاطِنا وَلم تنطق ظَاهرا وَلَو قَالَ للصبية إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يُوجد مِنْهَا اللَّفْظ وَلَكِن لَا اعْتِمَاد على إرادتها الْبَاطِنَة وَلَو قَالَ ذَلِك لمجنونة لم يَقع طَلاقهَا بقولِهَا شِئْت قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ وَإِن علق بِاللَّفْظِ فَلَا بُد من إِعْرَاب عَن ضمير صَحِيح والسكران يخرج على أَنه كالصاحي أَو الْمَجْنُون وَلَو رَجَعَ الزَّوْج قبل مشيئتها لم يجز لِأَن ظَاهره تَعْلِيق وَإِن توهمنا فِي ضمنه تَمْلِيكًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 الْفَصْل السَّادِس فِي التَّعْلِيق فِي مسَائِل الدّور فَإِذا قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا لم يَقع عِنْد ابْن الْحداد لِأَنَّهُ لَو وَقع لوقع الثَّلَاث قبله وَلَو وَقع الثَّلَاث قبله لما وَقع هَذَا وَلَو لم يَقع هَذَا لما وَقع الثَّلَاث قبله لِأَنَّهُ مُعَلّق بِهِ فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه وَقَالَ أَبُو زيد يَقع الْمُنجز وَلَا يَقع الْمُعَلق أصلا لِأَنَّهُ علق تَعْلِيقا محالا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يَقع فِي الْمَدْخُول بهَا الثَّلَاث مهما نجز وَاحِدَة بالتنجيز وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَن التَّعْلِيق إِنَّمَا صَار محالا بقوله قبله فيلغى قَوْله قبله وَيبقى الْبَاقِي فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا وَالْمَسْأَلَة ذَات غور وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهَا وَمن صور الدّور أَن يَقُول إِن طَلقتك طَلْقَة أملك بهَا الرّجْعَة فَأَنت طَالِق قبلهَا طَلْقَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن وَطئتك وطئا مُبَاحا فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَإِذا وطئ لم يَقع وَأَبُو زيد لَا يقدر على الْمُخَالفَة فِي هَذَا إِذْ الْيَمين الدائرة هِيَ الْبَاطِل عِنْده وَهَاهُنَا لم تُوجد الْيَمين الدائرة وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن أبنتك أَو فسخت نكاحك أَو ظَاهَرت مِنْك أَو رَاجَعتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فعلى تَصْحِيح الدّور تنحسم هَذِه التَّصَرُّفَات بِالْكُلِّيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 الْقسم الثَّانِي من التعليقات فِي فروع مُتَفَرِّقَة نذكرها أَرْسَالًا وَهِي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ الأول إِذا قَالَ إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال لِأَن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ حلف فِي الْحَال وَلَو قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس لم يكن هَذَا حلفا لِأَن الْحلف مَا يتَصَوَّر فِيهِ منع واستحثاث أما إِذا قَالَ إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا دخلت الدَّار فَهَل يكون هَذَا حلفا فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صِيغَة التَّأْقِيت وَفِي الْأُخْرَى إِلَى الْمَعْنى وَاتِّبَاع الْمَعْنى أولى الثَّانِي إِذا قَالَ إِن بدأتك بالْكلَام فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَت إِن بدأتك بالْكلَام فَعَبْدي حر ثمَّ كلمها وكلمته لم تطلق وَلم يعْتق العَبْد لِأَن الزَّوْج خرج عَن كَونه مبتدئا بقولِهَا إِن بدأتك فَعَبْدي حر وَهِي خرجت عَن الْبِدَايَة بِكَلَامِهِ الثَّالِث إِذا قَالَ إِن أكلت رمانة وَإِن أكلت نصف رمانة فَأَنت طَالِق فَأكلت رمانة تَامَّة طلقت طَلْقَتَيْنِ لِأَن النّصْف أَيْضا مَوْجُود فِي الْوَاحِدَة وَلَو قَالَ كلما أكلت نصفا فَأَنت طَالِق طلقت ثَلَاثًا لِأَن فِيهَا نِصْفَيْنِ الرَّابِع إِذا قَالَ إِن بشرتني بقدوم زيد فَأَنت طَالِق فَأخْبرهُ أَجْنَبِي ثمَّ أخْبرته لم تطلق لِأَن الْبشَارَة هِيَ الأولى وَإِن قَالَ ان بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على التَّرْتِيب طلقت الأولى وَإِن بشرتاه مَعًا طلقتا وَإِن بشرت كَاذِبَة لم تطلق وَإِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بِأَن زيدا قدم فَأخْبرت كَاذِبَة طلقت لِأَن الْكَذِب خبر وَلَو قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بقدومه فَهَل تطلق بِالْكَذِبِ فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر التَّسْوِيَة الْخَامِس إِذا قَالَ يَا عمْرَة فَقَالَت حَفْصَة لبيْك فَقَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ حسبت بِأَن المجيبة عمْرَة قَالَ ابْن الْحداد لَا تطلق عمْرَة لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي حَقّهَا إِلَّا النداء أما حَفْصَة المخاطبة بِالطَّلَاق فَهَل تطلق ذكرُوا وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقْصد خطاب حَفْصَة قَالَ الإِمَام لَو قَالَ حَفْصَة تطلق ظَاهرا وَهل تطلق عمْرَة على وَجْهَيْن لَكَانَ أقرب السَّادِس إِذا قَالَ العَبْد لزوجته إِن مَاتَ سَيِّدي فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَقَالَ السَّيِّد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 للْعَبد إِن مت فإنت حر فَمَاتَ قَالَ ابْن الْحداد تقع طَلْقَتَانِ وَله الرّجْعَة لِأَنَّهُ عتق قبل حُصُول التَّحْرِيم بالطلقتين بل مَعَ الطلقتين وَمِنْهُم من خَالف لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم الْعتْق على الطلقتين بل جرى مَعَه السَّابِع إِذا قَالَ من نكح جَارِيَة أَبِيه إِذا مَاتَ أبي فَأَنت طَالِق فَمَاتَ لم تطلق لِأَن الْملك ينْتَقل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ وينفسخ النِّكَاح فيقارن الطَّلَاق أول وَقت الِانْفِسَاخ فيندفع وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يَقع لِأَن الْملك يَتَرَتَّب على الْمَوْت والانفساخ على الْملك فيقارن الطَّلَاق وَقت الْملك لِأَنَّهُ أَيْضا مُرَتّب على الْمَوْت وَالْأول أغوص لِأَن وَقت الطَّلَاق وَالْملك وَالْفَسْخ وَاحِد إِذْ الْمُخْتَار أَن من اشْترى قَرِيبه انْدفع ملكه بِالْعِتْقِ لَا أَنه حصل ثمَّ انْقَطع وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي الثَّامِن إِذا قَالَ أَنْت طَالِق يَوْم يقدم فلَان فَقدم ضحوة طلقت فِي الْحَال على وَجه وَقيل إِنَّه يتَبَيَّن وُقُوع الطَّلَاق أول الْيَوْم وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم الْمِيرَاث لَو قدم وَقت الظّهْر وَمَات الزَّوْج ضحوة وَلَو قدم لَيْلًا لم تطلق وَقيل تطلق وَالْيَوْم كِنَايَة عَن الْوَقْت التَّاسِع لَو قَالَ أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث وَلَو قَالَ أعظم الطَّلَاق لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا ينبىء عَن الْعدَد وَلَو قَالَ ملْء الْعَالم وملء الأَرْض لم تقع إِلَّا وَاحِدَة وَلَو قَالَ مثل الْبيُوت الثَّلَاثَة أَو ملْء السَّمَوَات وَقع الثَّلَاث الْعَاشِر لَو قَالَ أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَصلح إِشَارَة لتعريف الْعدَد فَإِنَّهُ كتفسير وَلَو أَشَارَ بالأصبع وَلم يقل هَكَذَا لم تقع إِلَّا وَاحِدَة الْحَادِي عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار إِن كلمت زيدا وَلم يدْخل فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 وَاو الْعَطف فَهَذَا هُوَ تَعْلِيق وَمَعْنَاهُ إِن كلمت زيدا صَار طَلَاقك مُعَلّقا بِالدُّخُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 الثَّانِي عشر إِذا قَالَ أربعكن طَوَالِق إِلَّا فُلَانَة قَالَ القَاضِي لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ صرح بالأربع وأوقع عَلَيْهِنَّ وَلَو قَالَ أربعكن إِلَّا فُلَانَة طَوَالِق قَالَ يَصح الِاسْتِثْنَاء والمسالة مُحْتَملَة إِذْ لَيْسَ يلوح الْفرق بَين عدد المطلقات وَبَين عدد الطلقات وَلَا بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَيلْزمهُ أَن يَقُول لَو قَالَ لفُلَان أَرْبَعَة أعبد إِلَّا وَاحِدًا يلْزمه الثَّلَاثَة وَلَا شكّ فِي أَنه لَو قَالَ لفُلَان هَؤُلَاءِ الْأَعْبد الْأَرْبَع إِلَّا هَذَا لم يَصح الِاسْتِثْنَاء لِأَن الاستناء فِي الْمعِين لَا يعْتَاد ويتأيد بذلك كَلَام القَاضِي الثَّالِث عشر إِذا قَالَ من يلْتَمس من غَيره أَن يُطلق زَوجته أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم فَإِن نوى وَقع الطَّلَاق وَإِن لم ينْو فَقَوْلَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 أَحدهمَا لَا لِأَن قَوْله نعم لَيْسَ فِيهِ لفظ الطَّلَاق فَكيف يصير صَرِيحًا وَالثَّانِي أَن الْخطاب كالمعاد فِي الْجَواب إِمَّا إِذا كَانَ فِي معرض الاستخبار فَقَوله نعم فِي صَرِيح الْإِقْرَار وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلَاق ده مرا فَقَالَ دادم قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن هَذِه اللَّفْظَة لَا تصلح للإيقاع وَقَالَ القَاضِي يَقع لِأَن الْمُبْتَدَأ يصير معادا فِي الْجَواب وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَلَو قَالَ الدَّلال لمَالِك الْمَتَاع أبعت فَقَالَ نعم لم يصلح هَذَا أَن يكون إِيجَابا وَقَالَ بِعْت لم يصلح أَيْضا أَن يكون خطابا للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ خطاب مَعَ الدَّلال وَلَو قيل لَهُ أَلَك زَوْجَة فَقَالَ لَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا كِنَايَة فِي الْإِقْرَار وَقَالَ القَاضِي هُوَ صَرِيح فِي الْإِقْرَار ثمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا لم تطلق زَوجته فِي الْبَاطِن الرَّابِع عشر لَو قَالَ إِن لم تذكري عدد الجوزات الَّتِي فِي الْبَيْت فَأَنت طَالِق فطريقها أَن تذكر كل عدد يحْتَمل أَن يكون فَلَا يزَال يجرى على لسانها الْوَاحِد بعد الآخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وَلَو قَالَ إِن لم تعرفيني عدد الجوزات لَا يكفيها ذَلِك فَإِن التَّعْرِيف لَا يحصل بذلك وَقيل إِنَّه يكفيها وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ إِن لم تميزي نوى مَا أكلت عَن نوى مَا أكلت وَقد اخْتلطت النَّوَى فَأَنت طَالِق فسبيلها أَن تبدد النَّوَى بِحَيْثُ لَا يتماس اثْنَتَانِ فَيكون قد حصل التَّمْيِيز هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يظْهر إِطْلَاق التَّمْيِيز المفرق وَلَكِن إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة اتبعُوا مُجَرّد وضع اللُّغَة وَلَو كَانَ فِي فِيهَا تَمْرَة فَقَالَ أَنْت طَالِق إِن بلعتيها أَو قذفتيها أَو أمسكتيها فطريقها أَن تَأْكُل النّصْف وتقذف النّصْف وَهَذَا بَين وَلَو قَالَ وَهِي على سلم أَنْت طَالِق إِن مكثت أَو صعدت أَو نزلت فطريقها أَن تطفر طفرة أَو تحمل أَو يوضع بجنبها سلم فتنتقل إِلَيْهِ وَلَو قَالَ إِن أكلت هَذِه الرمانة فَأَنت طَالِق فلتأكلها إِلَّا حَبَّة وَلَو حلف على رغيف فلتأكل إِلَّا الفتات وَالضَّابِط فِي هَذَا الْجِنْس أَن نَنْظُر إِلَى الْعرف واللغة جَمِيعًا فَإِن تطابقا فَذَاك وَإِن اخْتلفَا فميل الْأَصْحَاب إِلَى اللَّفْظ وميل الإِمَام رَحمَه الله إِلَى أَن اتِّبَاع الْعرف أولى الْخَامِس عشر إِذا شافهته بِمَا يكره من شتيمة وَسَب فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَإِن قصد الْمُكَافَأَة أَي إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال كَانَت تِلْكَ الصّفة مَوْجُودَة أَو لم تكن فَإِن قصد التَّعْلِيق فَطلب وجود تِلْكَ الصّفة وَعدمهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعرف فَإِن أطلق وَقد ظهر فِي الْعرف ذكر ذَلِك للمكافأة احْتمل وَجْهَيْن لِأَن اللَّفْظ بِالْوَضْعِ للتعليق وبالعرف للمكافأة وَلَعَلَّ اتِّبَاع اللَّفْظ أولى فَإِنَّهُ الأَصْل الْمَوْضُوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 وَالْعرْف يخْتَلف ويضطرب وَقد وَقع فِي الْفَتَاوَى أَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا يَا جهود روى فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَطلب الْمفْتُون تَحْقِيق هَذِه الصِّيغَة فَقيل إِنَّه يحمل على صفار الْوَجْه وَقيل هُوَ ذلة وخساسة وَقَالَ الإِمَام هَذِه الصّفة لَا تتَصَوَّر فِي الْمُسلم فَلَا يَقع الطَّلَاق وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الخيال قد يتَصَوَّر وَصفا لَا محَالة حَتَّى يصف بِهِ الْمُسلم فَتَارَة يصدق وَتارَة يكذب وَوَقع أَيْضا أَن قَالَ رجل لزوج ابْنَته فِي مخاصمته كم تحرّك لحيتك فقد رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فَقَالَ إِن رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فابنتك طَالِق وَقد قصد التَّعْلِيق فَقلت لَا شكّ أَن اللِّحْيَة لَيست من ذَوَات الْأَمْثَال إِن نظر إِلَى شكلها ولونها وَعدد شعورها وَذَلِكَ هُوَ الْمثل الْمُحَقق وَلَكِن ذكر اللِّحْيَة فِي مثل هَذَا الْموضع كِنَايَة عَن الرجولية والجاه وَذَلِكَ مِمَّا يكثر أَمْثَاله فالبحري أَن نَمِيل هَاهُنَا إِلَى الْعرف ونوقع الطَّلَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا الْميل إِلَى مُوجب اللَّفْظ وَنفي الطَّلَاق السَّادِس عشر إِذا قَالَ إِن لم أطلقك الْيَوْم فَأَنت طَالِق الْيَوْم وَلم يطلقهَا حَتَّى انْقَضى الْيَوْم قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَقع لِأَنَّهُ عِنْد تحقق الصّفة فَاتَ وَقت الطَّلَاق وَهَذَا يرد على قَوْله إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق فَإنَّا نتبين عِنْد مَوته وُقُوع الطَّلَاق فِي آخر الْعُمر والعمر فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْيَوْمِ إِذْ فِيهِ يتَحَقَّق الطَّلَاق وَالصّفة جَمِيعًا وَلَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِع عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق بِمَكَّة وَأَرَادَ التَّعْلِيق بِدُخُولِهَا جَازَ وَإِن أطلق حمل على التَّعْلِيق على وَجه وَحكم بالتنجيز على وَجه إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَدَاة التَّعْلِيق الثَّامِن عشر لَو قَالَ إِن خَالَفت أَمْرِي فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ لَا تكلمي زيدا فكلمت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 قَالُوا لَا يَقع لِأَنَّهَا خَالَفت النهى دون الْأَمر لَو قَالَ إِن خَالَفت نهيي ثمَّ قَالَ قومِي فَقَعَدت قَالُوا وَقع لِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن أضداده فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تقعدي فَقَعَدت وَهَذَا فَاسد إِذْ لَيْسَ الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضدده فِيمَا نختاره وَإِن كَانَ فاليمين لَا يبْنى عَلَيْهِ بل على اللُّغَة أَو الْعرف نعم فِي الْمَسْأَلَة الأولى نظر من حَيْثُ الْعرف التَّاسِع عشر إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ دخلت الدَّار فَفِي الْوُقُوع وَجْهَان حَاصله يرجع إِلَى أَن الْمُعَلقَة هَل يُمكن تَعْجِيلهَا بِعَينهَا الْعشْرُونَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِلَى حِين أَو زمَان فَإِذا مضى لَحْظَة طلقت فَإِن اللحظة حِين وزمان وَلَو قَالَ إِذا مضى حقب فَأَنت طَالِق أَو عصر قَالَ الْأَصْحَاب يَقع بِمُضِيِّ لَحْظَة وَهَذَا بعيد وَتوقف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَحل التَّوَقُّف وَلَكِن إِيقَاعه بلحظة لَا وَجه لَهُ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق الْيَوْم إِذا جَاءَ الْغَد قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يَقع غَدا لتصرم الْيَوْم وَلَا الْيَوْم لعدم مَجِيء الْغَد قَالَ الإِمَام يحْتَمل أَن يُقَال إِذا جَاءَ الْغَد تبين وُقُوع الطَّلَاق كَمَا إِذا قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ إِن قدم فلَان فَأَنت طَالِق فَقدم بِهِ مَيتا لم تطلق وَهَذَا يلْتَفت على أَن الصّفة إِذا حصلت بِالْإِكْرَاهِ أَو مَعَ النسْيَان فَهَل يحصل الْحِنْث فِيهِ قَولَانِ وَاخْتَارَ الْقفال أَن الْيَمين بِاللَّه يُؤثر فِيهِ النسْيَان وَالْإِكْرَاه دون الطَّلَاق لِأَن ذَلِك تَعْلِيق بهتك حُرْمَة وَهَذَا يتَعَلَّق بِوُجُود الصُّورَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قصد منعهَا عَن الْمُخَالفَة وعلق على فعلهَا فنسيت لَا تطلق وَإِن أكرهت فَيحْتَمل الْخلاف لِأَنَّهَا مختارة وَأما مَسْأَلَة الْقدوم على كل حَال فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 عَنهُ لِأَن الْمَوْت يُنَافِي الْقدوم وَلَو قَالَ إِن رَأَيْت فلَانا فَأَنت طَالِق فرأته مَيتا وَقع الطَّلَاق وَلَو رَأَتْهُ فِي مَاء يَحْكِي لَونه وَقع وَإِن رَأَتْهُ فِي الْمرْآة فَفِيهِ احْتِمَال وَلَو قَالَ ذَلِك لامْرَأَته العمياء فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق بمجالسته وَلَو قَالَ إِن مَسسْته طلقت بمسه حَيا وَمَيتًا وَلَا تطلق بالمس على حَائِل وَلَا بِمَسّ الشّعْر وَالظفر وَإِذا علق بِالضَّرْبِ لم يَحْنَث بضربه مَيتا وَلَا يَحْنَث بِضَرْب الْحَيّ بأنملته حَيْثُ لَا إيلام فِيهِ أصلا وَلَو قَالَ إِن قذفت فلَانا حنث بقذفه مَيتا وَلَو قَالَ إِن قذفت فِي الْمَسْجِد مَعْنَاهُ كَون الْقَاذِف فِي الْمَسْجِد وَلَو قَالَ إِن قتلت فِي الْمَسْجِد فَمَعْنَاه كَون الْمَقْتُول فِي الْمَسْجِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق فكلمته وَلَكِن لم يسمع لعَارض لغط وَذُهُول قَالَ الْأَصْحَاب طلقت وَلَو كَانَ المكلم أَصمّ فَلم يسمع فَفِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف انه لَو كَلمته بهمس بِحَيْثُ لَا يسمع لَا يكون كلَاما نعم لَو كَانَ وَجههَا إِلَى الْمُتَكَلّم وَعلم أَنَّهَا تكَلمه وَكَانَ بِحَيْثُ لَو فرضت الإصاحة لسمعها فَيَنْبَغِي أَن يَقع الطَّلَاق وَلَو كَلمته على مَسَافَة بعيدَة لَا يحصل الِاسْتِمَاع بِمثلِهِ لم يَحْنَث فَلَو حمل الرّيح الصَّوْت فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث وَلَو كَلمته فِي جنونها فَذَلِك كالنسيان وَالْإِكْرَاه الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق طلقت بِرُؤْيَة غَيرهَا وَلَو فسر بالعيان فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان قَالَ الْقفال هَذَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة إِذْ الرُّؤْيَة يُرَاد بِهِ الْعلم أما فِي الفارسية فَلَا وَفِيه نظر إِذْ يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ رَأينَا الْهلَال ببلدة كَذَا وَلَا يُرَاد بِهِ العيان ولنقتصر على هَذِه الْفُرُوع فَإِن هَذَا الْجِنْس لَا يتناهى إِنَّمَا ذكرنَا هَذَا الْقدر ليحصل التَّنْبِيه بِحسن التَّصَرُّف فِي تَحْقِيق الصِّفَات وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 كتاب الرّجْعَة وَفِيه بَابَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 = كتاب الرّجْعَة = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرّجْعَة وأحكامها وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الْأَركان وَهِي ثَلَاثَة المرتجع وَالْمَرْأَة والصيغة الأول المرتجع وَلَا يشْتَرط فِيهِ إِلَّا أَهْلِيَّة الاستحلال وَالْعقد كَمَا فِي أَهْلِيَّة النِّكَاح وَقد سبق الرُّكْن الثَّانِي الصِّيغَة فَنَقُول كل منطلق زَوجته طَلَاقا مستعقبا للعدة وَلم يكن بعوض وَلم يسْتَوْف عدد الطَّلَاق ثبتَتْ لَهُ الرّجْعَة بِنَصّ قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} وبنص قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مره فَلْيُرَاجِعهَا فِي حَدِيث ابْن عمر وبإجماع الْأمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 وصريح صِيغَة الرّجْعَة بالِاتِّفَاقِ ثَلَاثَة قَوْله رجعت وراجعت وارتجعت وترددوا فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ أَحدهَا قَوْله رددت أخذا من قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} فَمنهمْ من قَالَ هُوَ صَرِيح لوُرُود الْقُرْآن بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فَالظَّاهِر أَنه لَا بُد من صلَة وَهُوَ أَن يَقُول رَددتهَا إِلَيّ أَو إِلَى النِّكَاح لِأَنَّهُ من غير صلَة يشْعر بِالرَّدِّ المضاد للقبول وَأما قَوْله راجعت وارتجعت فَلَا يحْتَاج إِلَى الصِّلَة وَكَذَلِكَ قَوْله رجعت لِأَنَّهُ يسْتَعْمل لَازِما ومتعديا الثَّانِي لفظ الْإِمْسَاك وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه صَرِيح لقَوْله تَعَالَى {فأمسكوهن} وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ يشْعر بالاستصحاب لَا بالاستدراك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 الثَّالِث لفظ التَّزْوِيج والإنكاح وَفِيه ثَلَاثَة أوجه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يرد الْقُرْآن بِهِ فِي الرّجْعَة وَهُوَ مَأْخَذ الصَّرِيح فَهُوَ كِنَايَة وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يشْعر بِهِ فَإِن قيل وَهل تَنْحَصِر صرائح الرّجْعَة بالتعبد كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاح أم لَا تَنْحَصِر حَتَّى تحصل بِمَا يدل على الْمَقْصُود كَقَوْلِه رفعت التَّحْرِيم الْعَارِض بِالطَّلَاق وأعدت الْحل الْكَامِل وَمَا يجْرِي مجْرَاه قُلْنَا حكم الْعِرَاقِيُّونَ بالانحصار وَزَعَمُوا أَن الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك وَالرَّدّ كالخلاف فِي لفظ المفاداة فِي الطَّلَاق وَالْخلاف فِي لفظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 التَّزْوِيج من حَيْثُ الأولى وَإِلَّا فَإِذا كَانَ الطَّلَاق لَا يَقع بقوله قطعت النِّكَاح ورفعته واستأصلته من غير نِيَّة الطَّلَاق فَلَا تحصل الرّجْعَة أَيْضا بقوله رفعت التَّحْرِيم بل أولى لِأَن الرّجْعَة اجتلاب حل فَهُوَ بالتعبد أَحْرَى وميل الشَّيْخ أبي عَليّ إِلَى أَنه لَا تَنْحَصِر صرائحه بِخِلَاف الطَّلَاق وَوجه أَن الرّجْعَة حكم ينبىء عَنهُ لفظ من حَيْثُ اللِّسَان فَيقوم مقَامه مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَأما النِّكَاح وَالطَّلَاق فأحكامهما غَرِيبَة لَيْسَ فِي اللُّغَة مَا يدل عَلَيْهِمَا لِأَن للشَّرْع فِيهِ مَوْضُوعَات غَرِيبَة فَلَا تُؤْخَذ صرائحهما إِلَّا من الشَّرْع فَإِن قيل هَل تتطرق الْكِنَايَة إِلَى الرّجْعَة قُلْنَا الصَّحِيح الْجَدِيد أَن الْإِشْهَاد لَا يشْتَرط فِي الرّجْعَة وَأَن الزَّوْج يسْتَقلّ بِهِ فتتطرق إِلَيْهِ الْكِنَايَة بِخِلَاف النِّكَاح وَإِن قُلْنَا يشْتَرط الْإِشْهَاد فالشاهد لَا يطلع على النِّيَّة فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا بُد من الصَّرِيح وَيحْتَمل خِلَافه أَيْضا لِأَن الْقَرِينَة قد تفهم فرع فَإِن قَالَ مهما طَلقتك فقد رَاجَعتك فَطلقهَا لم تحصل الرّجْعَة وَلَو قَالَ مهما رَاجَعتك فقد طَلقتك فَرَاجعهَا حصل الطَّلَاق لِأَن الرّجْعَة فِي حكم الْخِيَار فَلَا تقبل التَّعْلِيق وَإِن كَانَ يسْتَقلّ بِهِ وَاعْلَم أَن الْفِعْل لَا يقوم مقَام اللَّفْظ فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تحصل الرّجْعَة بِالْوَطْءِ وباللمس وبالنظر إِلَى الْفرج بالشهوة وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 مَالك رَحمَه الله إِن قصد بِالْوَطْءِ الرّجْعَة حصل وَإِلَّا فَلَا الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهِي الْمَرْأَة وَشَرطهَا أَمْرَانِ أَن تكون مُعْتَدَّة وَأَن تكون محلا للاستحلال الشَّرْط الأول أَن لَا تحرم بردتها فَإِذا ارْتَدَّت فَرَاجعهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من اسْتِئْنَاف الرّجْعَة لِأَن الْمَقْصُود الْحل وَالْمحل غير قَابل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله نتبين بعودها صِحَة الرّجْعَة إِذْ نتبين بِهِ بَقَاء النِّكَاح وَيشْهد لمذهبه أَن الظَّاهِر أَن إحرامها وإحرامه لَا يمْنَع الرّجْعَة بِخِلَاف ابْتِدَاء النِّكَاح إِلَّا أَن نقُول الْإِحْرَام عَارض منتظر الزَّوَال كَالصَّوْمِ وَالْحيض بِخِلَاف الرِّدَّة الشَّرْط الثَّانِي بَقَاء الْعدة وَمهما انْقَضتْ الْعدة قبل الرّجْعَة انْقَطَعت وَإِذا رَأينَا الْخلْوَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 مُوجبَة للعدة على الْمَذْهَب الضَّعِيف ثبتَتْ الرّجْعَة فِي عدتهَا وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه لَا تثبت نعم إِذا أثبتنا الْعدة بالإتيان فِي غير المأتى فَفِي الرّجْعَة وَجْهَان لِأَن إِيجَاب الْعدة بِهِ نوع تَغْلِيظ ثمَّ انْقِضَاء الْعدة يخْتَلف باخْتلَاف أَنْوَاع الْعدة وَهِي ثَلَاثَة الأول الْحمل وتنقضي الْعدة بِوَضْع الْوَلَد حَيا وَمَيتًا وناقصا وكاملا إِن كَانَت الصُّورَة والتخطيط قد ظهر عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ قَولَانِ وَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت الْوَضع على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يلْزمهَا الْبَيِّنَة لِأَن القوابل يشهدن الْولادَة وَرُبمَا صدقهَا فِي إجهاض السقط النَّاقِص إِذْ القوابل لَا يشهدن ثمَّ نَحن إِذا صدقناها فَإِنَّمَا نصدق فِي مَظَنَّة الْإِمْكَان وَإِن كَانَ الْوَلَد الْكَامِل بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء وَإِمْكَان الصُّورَة بعد مائتة وَعشْرين يَوْمًا وَإِمْكَان قِطْعَة لحم بعد ثَمَانِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بَدَأَ خلق أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعُونَ يَوْمًا نُطْفَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا علقَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا مُضْغَة ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ ملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيكْتب أَجله ورزقه وَيكْتب أشقي هُوَ أم سعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 النَّوْع الثَّانِي الْعدة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ نزاع فَإِن فرض النزاع فَيرجع إِلَى وَقت الطَّلَاق وَيكون القَوْل فِيهِ قَول الرجل النَّوْع الثَّالِث الْحيض فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر فَأَقل مُدَّة تصدق فِيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وساعتان لأَنا نقدر كَأَن لم يبْق من الطُّهْر إِلَّا سَاعَة فَيحصل قرء بِتِلْكَ السَّاعَة وَإِن قُلْنَا مُجَرّد الإنتقال قرء فَلَا تعْتَبر هَذِه السَّاعَة ونقدر اقتران الطَّلَاق بآخر جُزْء من الطُّهْر وَأما ثَلَاثُونَ يَوْمًا فلطهرين آخَرين لِأَن أقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا ويومان وَلَيْلَتَانِ بحيضتين والساعة الثَّانِيَة للشروع فِي الْحيض حَتَّى نتبين تَمام الْقُرْء لَا من نفس الْعدة وَإِن طَلقهَا فِي الْحيض لم تحسب بَقِيَّة الْحيض فلنقدر أَنه وَقع فِي آخر جُزْء فَأَقل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ ثَلَاثَة أطهار وَهِي خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وحيضتان وَهِي فِي يَوْمَيْنِ وليلتين وَلَا بُد من ساعتين كَمَا سبق وَجُمْلَته سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتان وَإِن طَلقهَا وَهِي صبية لم تَحض بعد وَادعت الْحيض فَأَقل مدَّتهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ولحظتان إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْقُرْء هُوَ طهر محتوحش بدمين فَتكون أقل مدَّتهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتين إِذْ لَا بُد من ثَلَاث حيض وَثَلَاثَة أطهار هَذَا كُله فِي المضطربة الْعَادة أَو المستقيمة على الْأَقَل فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة مُسْتَقِيمَة على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 غير الْأَقَل فَهَل تصدق فِيمَا ينقص من عَادَتهَا فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يقبل لِأَن تغير الْعَادة مُمكن وَهِي مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا فرع إِذا وَطئهَا قبل الرّجْعَة لَزِمَهَا اسْتِئْنَاف عدَّة وتندرج بَقِيَّة الْعدة تَحْتَهُ فَإِن كَانَ قد بَقِي قرء وَاحِد فَلهُ الرّجْعَة إِلَى تَمام ذَلِك الْقُرْء وَإِن أحبلها بِالْوَطْءِ فَفِي اندراج بَقِيَّة الْعدة تَحت عدَّة الْحمل خلاف فَإِذا ادرجنا امتدت الرّجْعَة إِلَى وضع الْحمل وَإِن لم تندرج شرعت فِي عدَّة الْحمل إِذْ لم يقبل ذَلِك تَأْخِيرا فَإِذا وضعت الْحمل شرعت فِي عدَّة الرّجْعَة بِبَقِيَّة الْأَقْرَاء وَتثبت فِيهِ الرّجْعَة وَهل تثبت فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْكَام الرَّجْعِيَّة وَهِي مترددة بَين الْمَنْكُوحَة والبائنة لِأَن الطَّلَاق أوجب خللا فِي الْملك وَلم يُوجب زَوَاله فلاختلاله قُلْنَا إِنَّه يحرم وَطْؤُهَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يلزما الْمهْر بِالْوَطْءِ رَاجعهَا أَو لم يُرَاجِعهَا وَنَصّ فِي الْمُرْتَدَّة إِذا وَطئهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام أَنه لَا مهر فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالْفرق مُشكل وغايته أَن الرّجْعَة فِي حكم ابْتِدَاء أَو اسْتِدْرَاك وعودها إِلَى الْإِسْلَام يُعِيد الْحل السَّابِق وَلَيْسَ فِي حكم الِابْتِدَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا يجب الْحَد وَإِن وَجب الْمهْر لِأَن الْملك بِالْكُلِّيَّةِ لم يزل وشبب بعض الْأَصْحَاب بِخِلَاف فِي وعَلى الْجُمْلَة يحرم الْوَطْء وَقطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِوُجُوب الْمهْر يدل على اختلال أصل الْملك إِن لم يدل على زَوَاله وَيدل على بَقَاء أصل الْملك صِحَة الطَّلَاق وَصِحَّة الْخلْع وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَاللّعان وجريان الْمِيرَاث وَلُزُوم النَّفَقَة وَفِي الْخلْع قَول قديم أَنه لَا يَصح وَلَو قَالَ زوجاتي طَوَالِق اندرجت الرَّجْعِيَّة تَحْتَهُ وَطلقت على الْأَصَح لِأَنَّهَا زوجه فِي خمس آي من كتاب الله تَعَالَى هَذَا لفظ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَأَرَادَ بِهِ آياة الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَغَيرهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 وَلَا خلاف فِي لَو أَنه اشْترى زَوجته الرَّجْعِيَّة لزمَه الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا كَانَت مُحرمَة وَإِن استبرئها فِي صلب النِّكَاح فَلَا اسْتِبْرَاء على الْأَظْهر وَقيل إِنَّه يجب لتبدل جِهَة الْحل وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب تردد قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْخلْع يدل على اخْتِلَاف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْملك زائل أم لَا وَقَول بعض الْأَصْحَاب إِنَّه إِن رَاجع بعد الْوَطْء فَلَا مهر وَإِن لم يُرَاجع يجب الْمهْر يدل على أَن الْملك مَوْقُوف فَتحصل فِي زَوَال الْملك ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله صور خمس الأولى أَن يتَّفقَا على انْقِضَاء الْعدة يَوْم الْجُمُعَة لَكِن الزَّوْج قَالَ راجعت يَوْم الْخَمِيس وَقَالَت بل يَوْم السبت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الَّذِي ذكره المراوزة من عِنْد آخِرهم وَهُوَ الْقيَاس أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على الطَّلَاق وانقضاء الْعدة فَالْأَصْل انْقِطَاع النِّكَاح وَالزَّوْج يُرِيد دَفعه بِدَعْوَى الرّجْعَة فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَالْوَجْه الثَّانِي ذكره الْعِرَاقِيُّونَ أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَالرَّجْعَة إِلَى الزَّوْج وَلَيْسَ لَهَا قَول إِلَّا فِي انْقِضَاء صُورَة الْأَقْرَاء وَالزَّوْج يُنكر بَقَاء الْعدة بعد يَوْم الْخَمِيس إِذْ الرّجْعَة تقطع الْعدة ويحققه أَن الزَّوْج لَو ادّعى الْوَطْء فِي مُدَّة الْعنَّة يصدق مَعَ أَن الأَصْل عَدمه لتقرير النِّكَاح فَهَذَا أولى وَالثَّالِث ذكره صَاحب التَّقْرِيب أَن الْمُصدق هُوَ السَّابِق إِلَى الدَّعْوَى فَإِذا سبقت بِدَعْوَى الإنقضاء الِانْقِضَاء فقد حكم الشَّرْع بقولِهَا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يرْتَفع بِدَعْوَاهُ من غير بَيِّنَة وَكَذَلِكَ إِذا سبق الزَّوْج فعلى هَذَا إِن تساوقا رَجَعَ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمُرَجح لَهُ الصُّورَة الثَّانِيَة أَلا يَقع التَّعَرُّض لوقت الْعدة وَالرَّجْعَة وَلَكِن اتفقَا على جَرَيَان الْأَمريْنِ وَاخْتلفَا فِي التَّقَدُّم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه الْمُصدق لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 وَالثَّانِي أَنَّهَا المصدقة لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا عاجزة عَن الْإِشْهَاد وَالزَّوْج على قَادر على الْإِشْهَاد على الرّجْعَة الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقع الْوِفَاق على أَن الرّجْعَة جرت يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِن قَالَت كَانَت الْعدة قد انْقَضتْ يَوْم الْخَمِيس وَقَالَ الزَّوْج بل يَوْم السبت فَهَذَا كصورة الأولى فترجع الْوُجُوه الثَّلَاثَة الصُّورَة الرَّابِعَة أَن يَقع الْوِفَاق من وَقت انْقِضَاء الْعدة ويدعى الزَّوْج رَجْعَة قبلهَا وَأنْكرت أصل الرّجْعَة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب هِيَ المصدقة بِلَا خلاف وَالْأَظْهَر جَرَيَان الْأَوْجه إِذْ لم تفارق هَذِه الصُّورَة مَا قبلهَا إِلَّا أَنَّهَا أنْكرت لفظ الرّجْعَة وَهُنَاكَ إِنَّمَا أقرَّت بِلَفْظ الرّجْعَة لَا بِحَقِيقَة الرّجْعَة الصُّورَة الْخَامِسَة النزاع مَعَ قيام الْعدة فَإِذا قَالَ رَاجَعتك أمس فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ قَادر على الْإِنْشَاء فَيقبل قَوْله كَقَوْل الْوَكِيل قبل الْعَزْل وَقيل الأَصْل عدم الرّجْعَة فَالْقَوْل قَوْلهَا فَإِن أَرَادَ الْإِنْشَاء فلينشأ وَالصَّحِيح أَن إخْبَاره لَا يَجْعَل إنْشَاء وَحكي عَن الْقفال إِنَّه إنْشَاء وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن من أقرّ بِالطَّلَاق كَاذِبًا لم يكن إِن شَاءَ فرع إِذا أنْكرت الرّجْعَة ثمَّ أقرَّت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم تمنع عَنهُ فَهُوَ كمن أقرّ بِحَق بعد الْجُحُود وَهَذَا فِيهِ إِشْكَال لِأَنَّهَا أقرَّت بِالتَّحْرِيمِ على نَفسهَا ثمَّ رجعت وَلَو أقرَّت بِتَحْرِيم رضَاع أَو نسب لم تمكن من الرُّجُوع وَلَكِن الْفرق أَن الرّجْعَة تصح دونهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 فلعلها أنْكرت إِذْ لم تعرف وَلَا تقر بِالرّضَاعِ وَالنّسب وَهُوَ إِثْبَات إِلَّا على بَصِيرَة نعم من قَالَ مَا أتلف فلَان مَالِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى لم يُمكن لِأَنَّهُ أقرّ على نَفسه وَهَاهُنَا جحدت حق الزَّوْج فَإِذا توافقا لم يبطل حق الزَّوْج وَلَو قَالَت مَا رضيت فِي النِّكَاح ثمَّ رجعت فَهَذَا مُحْتَمل لِأَنَّهَا تحقق رضَا نَفسهَا وَلذَلِك تحلف على الْبَتّ وَلكنهَا جحدت حق الزَّوْج فَالْأَظْهر أَنه يغلب جَانب الزَّوْج وَتمكن الْمَرْأَة من الرُّجُوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 = كتاب الْإِيلَاء = وَفِيه بَابَانِ أَحدهمَا فِي أَرْكَانه وَالثَّانِي فِي أَحْكَامه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصورته أَن يَقُول لزوجته وَالله لَا أجامعك وَلَقَد كَانَ هَذَا طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ غير الشَّرْع حكمه وَقضى بِأَن الزَّوْج بعد مُضِيّ أَرْبَعَة أشهر يجْبر على الْوَطْء أَو الطَّلَاق وَالْإِيلَاء فِي اللُّغَة مُشْتَقّ من الألية وَهِي الْحلف وَلَكِن عرف الشَّرْع خصصه بِالْيَمِينِ الْمَعْقُود على الإمتناع من وَطْء الْمَنْكُوحَة وأركانه أَرْبَعَة الْحَالِف والمحلوف بِهِ والمحلوف عَلَيْهِ والمدة الْمَحْلُوف فِيهَا الرُّكْن الأول الْحَالِف وَهُوَ كل زوج يتَصَوَّر مِنْهُ الْجِمَاع فقولنا زوج يَشْمَل أَصْنَاف الْأزْوَاج من الْمُسلم وَالْكَافِر وَالْحر وَالْعَبْد وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن خَالف فِي ظِهَار الذِّمِّيّ فقد وَافق فِي صِحَة إِيلَاء الذِّمِّيّ ثمَّ إِذا رفع الذِّمِّيّ إِلَيْنَا حكمنَا عَلَيْهِ بِحكم الْإِسْلَام حَتَّى فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة وَيخرج عَن الضَّابِط قَول الرجل لأجنبية وَالله لَا أجامعك أبدا فَإِنَّهُ إِذا نَكَحَهَا لم يكن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 مؤليا وَإِن كَانَ الضرار حَاصِلا وَلَكِن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاقا وتصرفا فِي النِّكَاح فَغير حكمه دون أَصله فَلَا يَصح من الْأَجْنَبِيّ وَلَيْسَ كل ضَرَر يدْفع وَإِنَّمَا الْمَدْفُوع إِضْرَار من الزَّوْج فِي حَالَة الزَّوْجِيَّة وَقد ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها غَرِيبا أَن هَذَا إِيلَاء وَلَا يتَّجه إِلَّا على قَول غَرِيب حَكَاهُ أَيْضا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْملكِ على مُوَافقَة أبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ غير صَحِيح وَأما الْإِيلَاء عَن الرَّجْعِيَّة فَصَحِيح وَإِنَّمَا يُفِيد إِذا رَاجعهَا لِأَن الْعَائِد هُوَ حل النِّكَاح الأول فَهِيَ فِي حكم الزَّوْجَات وَأما قَوْلنَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْجِمَاع فَيدْخل فِيهِ الْمَرِيض المدنف والخصي والمجبوب بعض ذكره فَيصح إِيلَاء جَمِيعهم لِإِمْكَان الْوَطْء مِنْهُم على حَال فَأَما الَّذِي جب تَمام ذكره فقد اخْتلف فِيهِ النُّصُوص وللأصحاب فِيهِ طرق وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَوجه صِحَّته أَنه إِضْرَار بِاللِّسَانِ فيمكنه الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ والإعتذار بِالْعَجزِ كَمَا فِي الْمَرِيض وَمِنْهُم من قطع بِالْبُطْلَانِ وَقَالَ الْقَوْلَانِ فِيهِ إِذا حلف ثمَّ جب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 وَمِنْهُم من قطع القَوْل بِأَنَّهُ وَإِن جب بعد الْحلف أَنه يبطل الْإِيلَاء لِأَنَّهُ أَيْضا حصل الْيَأْس من الْحِنْث فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن وَطئتك فَعَبْدي حر فَمَاتَ العَبْد فَإِنَّهُ يبطل الْإِيلَاء لحُصُول الْيَأْس ثمَّ إِيلَاء الرتقاء والقرناء كإيلاء الْمَجْبُوب فَيخرج على الْخلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 الرُّكْن الثَّانِي الْمَحْلُوف بِهِ وَالنَّظَر فِيهِ فِي سِتَّة أَقسَام الْقسم الأول الْحلف بِاللَّه أَو بِصفة من صِفَاته وَهِي الأَصْل وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو وطىء هَل يلْزمه كَفَّارَة الْيَمين الْجَدِيد وَهُوَ الْقيَاس أَنه يلْزمه لانه حنث فِي يَمِين بِاللَّه تَعَالَى وَفِي الْقَدِيم قَولَانِ وَوَجهه أَن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاق الْجَاهِلِيَّة فَغَيره الشَّرْع وَجعله مُوجبا للطَّلَاق بعد مُدَّة فَكَانَ حكمه بِضَرْب الْمدَّة وَإِيجَاب الطَّلَاق بدل عَن الْكَفَّارَة وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى {أشهر فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} فَإِن هَذَا لَا يشْعر بِلُزُوم الْكَفَّارَة بل يشْعر بِأَنَّهُ يُوجب الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة نعم لَو حلف على أَن لَا يَطَأهَا ثَلَاثَة أشهر تلْزمهُ كَفَّارَة الْيَمين إِذا حنث لِأَن هَذَا لَيْسَ بإيلاء وَقيل بطرد القَوْل الْقَدِيم فِيهِ أَيْضا وَهُوَ بعيد الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن صِحَة الْإِيلَاء هَل تخْتَص بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى أم يَصح بِالْتِزَام الْعِبَادَات وَتَعْلِيق الطَّلَاق وَغَيره الْجَدِيد أَنه لَا يخْتَص لِأَنَّهُ مَنُوط بالإضرار والإضرار لانْقِطَاع رَجَاء الْمَرْأَة ورجاؤها يَنْقَطِع إِذا ظهر مَانع للزَّوْج وكما أَن خوف الْكَفَّارَة يمْنَع فَكَذَلِك خوف هَذِه اللوازم وتوجيه الْقَدِيم أَن الْإِيلَاء مَأْخُوذ من عَادَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 الْعَرَب وَهِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى عِنْدهم فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَصَرَّف فِيهِ بِالْمَعْنَى وَلَا تَفْرِيع بعد هَذَا على هَذَا القَوْل أصلا فرع لَو كرر الْإِيلَاء بعد تخَلّل فصل وَقَالَ أردْت التَّأْكِيد قبل على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إِخْبَار فَأشبه الْإِقْرَار دون الْإِنْشَاء وَكَذَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يقبل لِأَنَّهُ بالإنشاء أشبه الْقسم الثَّانِي فِي الْحلف بِالْتِزَام الْعِبَادَات فَإِذا قَالَ إِذا جامعتك فَللَّه عَليّ صَوْم أَو صَلَاة أَو عتق رَقَبَة أَو تصدق بِمَال فَهُوَ مؤل فَإِذا حنث فَفِيمَا يلْزمه الْأَقْوَال الْمَعْرُوفَة فِي يَمِين الْغَضَب واللحجاج نعم لَو قَالَ إِن وَطئتك فَللَّه عَليّ صَوْم هَذَا الشَّهْر لم يَصح الْإِيلَاء لِأَن الْمُطَالبَة تتَوَجَّه بعد انْقِضَاء الشَّهْر وانحلال الْيَمين الْقسم الثَّالِث الْحلف بِالْعِتْقِ وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر فَمَاتَ العَبْد أَو بَاعه أَو أعْتقهُ انحل الْإِيلَاء بعد انْعِقَاده لِأَنَّهُ خرج عَن التَّعَرُّض لالتزام شَيْء بِالْوَطْءِ وَلَو قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر قبله بِشَهْر صَار مؤليا وَلَكِن تحسب مُدَّة الْإِيلَاء بعد مُضِيّ شهر فَتكون الْمُطَالبَة فِي الشَّهْر السَّادِس إِذْ لَو وطىء فِي الشَّهْر الأول لم يلْزمه شَيْء فَإِن الْعتْق لَا يُمكن تَقْدِيمه على اللَّفْظ فَبعد تَمام الشَّهْر يتَعَرَّض للالتزام فَلَو بَاعَ العَبْد فِي منتصف الْخَامِس طُولِبَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 السَّادِس لِأَنَّهُ لَو وطىء لتبين بطلَان البيع وَتقدم الْعتْق عَلَيْهِ وَلَو تركت الْمُطَالبَة حَتَّى انْقَضى من وَقت البيع شهر كَامِل سَقَطت الْمُطَالبَة إِذْ سقط التَّعَرُّض الْتِزَام الثَّانِيَة إِذا قَالَ إِن وَطئتك فعبد حر عَن ظهاري وَكَانَ قد ظَاهر صَار مؤليا وَعند الْوَطْء يعْتق العَبْد عَن الظِّهَار وَيكون الإلتزام الْجَدِيد فِي الْإِيلَاء تعْيين العَبْد وتعجيل الْعتْق فَإِن ذَلِك لم يُوجِبهُ الظِّهَار وَفِيه وَجه أَنه يعْتق وَلَا ينْصَرف إِلَى الظِّهَار لِأَنَّهُ يتَأَدَّى بِهِ حق الْحِنْث فَلَا يتَأَدَّى بِهِ حق الظِّهَار وطردوا هَذَا فِيمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر عَن ظهاري وَهُوَ بعيد فَإِن التَّعْلِيق لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِضَافَة الْعتْق إِلَى الزَّمَان فَهُوَ كالتنجييز أما إِذا لم يكن قد ظَاهر فَلَا يكون مؤليا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَو وطىء لم يعْتق عَبده لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت حر عَن ظهاري وَلَا ظِهَار وَلَكِن فِي الظَّاهِر يَجْعَل مقرا بالظهار وَيعتق عَبده عِنْد الْوَطْء وَيجْعَل مؤليا لذَلِك الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن جامعتك فَعَبْدي حر عَن ظهاري إِن تظهرت فَهَذَا تَعْلِيق لعتق العَبْد بصفتين بِالْوَطْءِ وَالظِّهَار وَحكمه أَنه لَو وطىء أَولا لم يعْتق وَلَكِن يتَعَرَّض للُزُوم لَو ظَاهر فَيعتق العَبْد لَا على جِهَة الظِّهَار لِأَنَّهُ قدم تَعْلِيقه على الظِّهَار فَلَا ينْصَرف إِلَيْهِ ثمَّ قَالُوا لَا يصير مؤليا فِي الْحَال وَلَكِن لَو ظَاهر أَولا صَار مؤليا لِأَنَّهُ صَار الْعتْق مُتَعَلقا بِالْوَطْءِ ثمَّ قَالُوا إِنَّه يعْتق لَا من جِهَة الظِّهَار وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِذا لم ينْصَرف إِلَى الظِّهَار فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْتق كَمَا إِذا قَالَ أَنْت حر عَن ظهاري وَلم يكن قد ظَاهر فَإِنَّهُ لَا يعْتق بَاطِنا كَمَا ذَكرْنَاهُ ثمَّ إِذا لم يعْتق لَا يصير مؤليا لِأَنَّهُ لَا الْتِزَام إِلَّا أَن يُقَال يلغى قَوْله عَن ظهاري لِأَنَّهُ جعل الْعتْق محالا وَبَقِي قَوْله أَنْت حر فَهَذَا لَهُ احْتِمَال وَلَكِن فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَعنِي فِي التَّعْلِيق وَفِي قَوْله أَنْت حر عَن ظهاري إِذا لم يكن قد ظَاهر الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن جامعتك فَللَّه عَليّ أَن أعتق هَذَا العَبْد عَن ظهاري فكونه مؤليا يَبْنِي على أَن العَبْد هَل يتَعَيَّن بِالنذرِ وَيعتق بِعِتْق سبق لُزُومه فِيهِ خلاف سَيَأْتِي فِي النذور الْقسم الرَّابِع فِي الْحلف بِالطَّلَاق وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه لَو قَالَ إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَهُوَ مؤل على الْجَدِيد ثمَّ يُطَالب بالفيئة أَو تَنْجِيز الطَّلَاق وَيُقَال لَهُ فِي الْفَيْئَة عَلَيْك تغييب الْحَشَفَة والنزع فِي الْحَال مُتَّصِلا بالتغييب من غير مكث فَإِنَّهُ يَقع بِهِ الثَّلَاث وَتحرم وَيَقَع النزع فِي حَال التَّحْرِيم وَلكنه كالخروج من الْمعْصِيَة فَلَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن خيران يحرم الْوَطْء إِذْ وصل النزع غير مُمكن وَيتَّجه مذْهبه أَيْضا فَإِن النزع أَيْضا نوع مماسة وَالْخُرُوج عَن الْملك الْمَغْصُوب جَائِز للضَّرُورَة وَلَكِن تَعْرِيض النَّفس لمثل ذَلِك بِالِاخْتِيَارِ غير جَائِز فرع لَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق فَهُوَ مؤل فَإِن وَطئهَا وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن كَانَ الطَّلَاق مُقَارنًا للْوَطْء غير مُتَأَخّر عَنهُ لِأَن الْوَطْء مُقَرر وَالطَّلَاق مُبين فقد اجْتمعَا فغلب جَانب تَقْرِير النِّكَاح الثاينة إِذا قَالَ إِن وَطئتك فضرتك طَالِق فَهُوَ مؤل فَإِن أبان الضرة انْقَطع الْإِيلَاء لزوَال الإلتزام فَإِن جدد نِكَاحهَا وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث عَاد الْإِيلَاء فتبنى الْمدَّة على مَا مضى من الْمدَّة قبل الطَّلَاق وَمَا تخَلّل فِي مُدَّة الْإِبَانَة لَا يحْسب وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف الرِّدَّة وَالرَّجْعَة إِذا طرءا كَمَا سَيَأْتِي الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن وطِئت إِحْدَاكُمَا فالأخرى طَالِق فَهُوَ مؤل قَالَ ابْن الْحداد إِذا مَضَت الْمدَّة وجاءتا إِلَى القَاضِي طالبتين طلق القَاضِي إِحْدَاهمَا على الْإِبْهَام ثمَّ إِن كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 الزَّوْج قد نوى إِحْدَاهمَا نزل على المنوية وعَلى الزَّوْج الْبَيَان وَإِن كَانَ قد أبهم بَقِي مُبْهما وَوَجَب على الزَّوْج التَّعْيِين فَلَو قَالَ قبل التَّعْيِين راجعت الَّتِي صادفها الطَّلَاق فَفِي صِحَة الرّجْعَة مَعَ الْإِبْهَام وَجْهَان وَالأَصَح أَنَّهَا إِذا لم تقبل التَّعْلِيق فَلَا تقبل الْإِبْهَام قَالَ الْقفال غلط ابْن الْحداد لِأَن الدَّعْوَى لَا تصح مُبْهما وهما معترفتان بالإشكال وهما كرجلين قَالَا عِنْد القَاضِي لِأَحَدِنَا على فلَان ألف فَإِنَّهُ لَا يسمع لَكِن يتَّجه لِابْنِ الْحداد أَن الضرار قد تحقق بهما وَلَا بُد من الرّفْع عَنْهُمَا الْقسم الْخَامِس فِي الْيَمين الَّتِي تقرب الْوَطْء من الإلتزام وَفِيه صِيغ الأولى إِذا آلى عَن نسْوَة فَقَالَ وَالله لَا أجامعكن فَإِنَّمَا تلْزمهُ الْكَفَّارَة إِذا جَامع جَمِيعهنَّ فَلَا تتَعَلَّق كَفَّارَة بِوَطْء وَاحِدَة وَلَكِن يتَعَلَّق بِهِ الْقرب من الْحِنْث بِوَطْء الْبَاقِيَات فالجديد أَنه لَا يصير مؤليا حَتَّى يطَأ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ فَيصير مؤليا فِي حق الرَّابِعَة إِذْ تتَوَقَّف الْكَفَّارَة على وَطئهَا وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه مؤل لِأَن الْقرب من اللُّزُوم مَحْذُور كأصل اللُّزُوم فعلى هَذَا لَو وطىء وَاحِدَة سقط إيلاؤها دون الْبَوَاقِي وَكَذَلِكَ لَو طلق وَاحِدَة أما إِذا مَاتَت وَاحِدَة سقط إِيلَاء الْكل إِذْ حصل الْيَأْس عَن جماع جَمِيعهنَّ وَبِه يَقع الْحِنْث الصِّيغَة الثاينة أَن يَقُول وَالله لَا أجامع كل وَاحِدَة مِنْكُن فَهَذَا إِيلَاء إِذْ يتَعَلَّق الْحِنْث بِكُل وَاحِدَة وَلَو قَالَ لَا أجامع وَاحِدَة مِنْكُن فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يُرِيد بِهِ لُزُوم الْكَفَّارَة بِوَاحِدَة أَي وَاحِدَة كَانَت على الْعُمُوم فَهُوَ مؤل إِذْ مَا من وَاحِدَة يَطَؤُهَا إِلَّا وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَلَكِن إِذا وطىء وَاحِدَة انْقَطع إِيلَاء الْبَاقِيَات إِذْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 الْيَمين لَا يتَنَاوَل إِلَّا وَاحِدَة الثَّانِيَة أَن يَقُول أردْت وَاحِدَة مُعينَة مُبْهمَة وَعلي تَعْيِينهَا اَوْ قَالَ نَوَيْت وَاحِدَة بِعَينهَا وَعلي بَيَانهَا انْعَقَد الْإِيلَاء كَذَلِك وَيُطَالب بِالْبَيَانِ أَو التَّعْيِين وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا إِيلَاء لِأَن كل وَاحِدَة ترجو أَن لَا تكون هِيَ المرادة أَو الْمعينَة بالإيلاء فَكيف يُسَاوِي هَذَا الْيَأْس الْمُحَقق فِي مُعينَة وَهَذَا مُتَّجه إِن اعْترفت بالإشكال فَإِن ادَّعَت أَنه عناها وَجب عَلَيْهِ الْجَواب لَا محَالة ثمَّ إِذا لم يكن قد عين فعين فتحسب الْمدَّة من وَقت التَّعْيِين أَو من وَقت الْيَمين فِيهِ خلاف يَنْبَنِي على أَن الطَّلَاق الْمُبْهم مَتى وَقع كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق الْحَالة الثَّالِثَة أَن يُطلق هَذِه الصِّيغَة فعلى أَي الْمَعْنيين يحمل فِيهِ وَجْهَان لتعارض الإحتمالين الصِّيغَة الثَّالِثَة إِذا قَالَ وَالله لَا أجامعك فِي السّنة إِلَّا مرّة وَاحِدَة فالوطء يقربهُ من الْحِنْث فَيكون مؤليا على الْقَدِيم دون الْجَدِيد وعَلى الْجَدِيد إِذا وَطئهَا صَار مؤليا فَينْظر إِلَى بَقِيَّة الْمدَّة من السّنة فَإِن كَانَت دون أَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ بمؤل وَإِن زَاد صَار مؤليا من وَقت الْوَطْء وَلَو قَالَ وَالله لَا أجامعك فِي السّنة إِلَّا مائَة مرّة أَو ألف مرّة فَحكمه حكم الْمرة الْوَاحِدَة لَا تخْتَلف بِالْكَثْرَةِ والقلة الصِّيغَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن جامعتك مرّة فوَاللَّه لَا أجامعك بعْدهَا فَهَذَا تَعْلِيق يَمِين بِالْوَطْءِ فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ لَيْسَ مؤليا لِأَنَّهُ لَيْسَ بحالف 7 فِي الْحَال حَتَّى يَطَأهَا مرّة وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَن الْوَطْء يعرضه لِأَن يصير حَالفا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 وَلَو قَالَ إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق إِن دخلت الدَّار قَالَ القَاضِي هُوَ مؤل قطعا لِأَن الْوَطْء يصير مَانِعا لَهَا عَن الدُّخُول وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ إِذْ لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فرع إِذا قَالَ إِن وَطئتك فوَاللَّه لَا أطؤك فغيب الْحَشَفَة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِيلَاج ثَانِيًا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة خلاف والاوجه أَن الْوَطْء يتَنَاوَل جَمِيع الإيلاجات فَلَا يَحْنَث بالوطأة الأولى ويلتفت إِلَى خلاف فِي وجوب الْمهْر إِذا كَانَ الْمُعَلق بِهِ ثَلَاث طلقات الْقسم السَّادِس فِي شُرُوط لفظ الْإِيلَاء وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْكِنَايَة لَا تتطرق إِلَى لفظ الْيَمين من الْإِيلَاء فَلَو آلى عَن امْرَأَة ثمَّ قَالَ لأخرى أَشْرَكتك مَعهَا لم يصر مؤليا لِأَن عماد الْإِيلَاء ذكر اسْم الله تَعَالَى وَفِي مثله من الظِّهَار خلاف مَبْنِيّ على أَن الْمُغَلب فِيهِ الْيَمين أَو الطَّلَاق وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْإِشْرَاك فِي نفس الطَّلَاق وَأما إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فانت طَالِق ثمَّ قَالَ لغَيْرهَا أَشْرَكتك مَعهَا وَأَرَادَ تَعْلِيق طَلَاق الثَّانِيَة بِدُخُولِهَا فِي نَفسهَا لَا بِدُخُول الأولى فَفِي ذَلِك خلاف وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وَنوى الْإِيلَاء فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْعَقد كَلَفْظِ الْإِشْرَاك وَالثَّانيَِة أَنه ينْعَقد لِأَن هَذَا اللَّفْظ ورد فِي الْقُرْآن لإِيجَاب الْكَفَّارَة الثَّانِيَة فِي تَعْلِيق الْإِيلَاء وَهُوَ صَحِيح كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا أطؤك وَلَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 قَالَ وَالله لَا أجامعك إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت صَار مؤليا وَهل تخْتَص الْمَشِيئَة بِالْمَجْلِسِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا فِي الطَّلَاق وَالثَّانِي لَا كَمَا فِي التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله إِذا علق بمشيئتها لم يكن مؤليا لِأَنَّهَا الَّتِي أضرت بِنَفسِهَا إِلَّا أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ يعْتَبر ذَلِك فَإِنَّهَا لَو تركت الْمُطَالبَة بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الْمُطَالبَة لِأَنَّهَا تتْرك عَليّ توقع فَلذَلِك تشَاء على توقع أَن الزَّوْج يُخَالف مشيئتها ويطؤها الثَّالِثَة أَنه لَا يتشرط اقتران الْغَضَب بالإيلاء عندنَا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يكون مؤليا إِلَّا فِي حَالَة الْغَضَب وَهُوَ بعيد إِذْ الضرار حَاصِل بِكُل حَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمدَّة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا وَالْمُطلق مِنْهُ قَوْله لَا اجامعك والمقيد قَوْله لَا أجامعك سنة فَإِن حلف على أَرْبَعَة أشهر فَمَا دونه لَا يكون مؤليا لِأَنَّهُ قَاصِر عَن الْمدَّة الشَّرْعِيَّة وَلَو حلف على خَمْسَة أشهر فَهُوَ مؤل وَيُطَالب فِي الشَّهْر الْخَامِس وَلَو حلف على أَرْبَعَة أشهر ولحظة فَهُوَ مؤل على معنى أَنه يَأْثَم وَلَكِن لَا تظهر فَائِدَته فِي الْمُطَالبَة وَلَو حلف على أَرْبَعَة أشهر فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّهْر الرَّابِع حلف على أَرْبَعَة أُخْرَى وَلم يزل كَذَلِك يفعل أبدا فَلَيْسَ مؤليا وَإِن كَانَ الضرار حَاصِلا وَلَو قَالَ دفْعَة لَا أجامعك أَرْبَعَة أشهر فَإِذا انْقَضتْ فوَاللَّه لَا أجامعك أَرْبَعَة أشهر وَهَكَذَا حَتَّى استوفى مُدَّة طَوِيلَة فَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بمؤل لِأَنَّهُ إِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر فَكيف يُطَالب بِحكم الْيَمين الأولى وَقد انْحَلَّت أَو بِحكم الْيَمين الثَّانِيَة وَلم يَنْقَضِي مِنْهَا إِلَّا لَحْظَة وَفِيه وَجه أَنه إِذا فعل ذَلِك مرّة وَاحِدَة فَهُوَ مؤل لِأَنَّهُ يصير ذَرِيعَة إِلَى الْإِضْرَار وَيلْزم عَلَيْهِ مَا لَو فعل ذَلِك آخر كل أَرْبَعَة أشهر وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ إِذا مَضَت خَمْسَة أشهر فوَاللَّه لَا أطؤك لَا يصير مؤليا حَتَّى تَنْقَضِي خَمْسَة أشهر فبعده تستفتح الْمدَّة وَلَو قَالَ وَالله لَا اطؤك خَمْسَة أشهر وَإِذا انْقَضتْ فوَاللَّه لَا أطؤك سنة فَإِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر طُولِبَ بالفيئة فِي الشَّهْر الْخَامِس فَإِن فَاء انْقَطَعت الطّلبَة فِي الشَّهْر الْخَامِس فَإِذا انْقَضى الشَّهْر الْخَامِس استفتحنا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر للْيَمِين الثَّانِيَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 وَلَو قَالَ لَا أطؤك حَتَّى تصعدي السَّمَاء أَو ينزل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَو يخرج الدَّجَّال أَو يقدم فلَان وَهُوَ على مَسَافَة يعلم أَنه لَا يقدم فِي أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ مؤل قطعا وَلَو أقت بِدُخُول دَار أَو قدوم زيد لم يكن مؤليا فِي الْحَال فَإِذا انْقَضى أَرْبَعَة أشهر فَهَل نطالبه بالفيئة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْوَطْء فِي هَذِه الْحَال مُوجب لِلْكَفَّارَةِ وَالثَّانِي أَنه لَا يُطَالب لِأَن الْقدوم وَالدُّخُول منتظر فِي كل حَال وَلَو أقت بِمَوْت زيد فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كقدوم زيد وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ مطَالب لِأَنَّهُ كالمستبعد فِي الإعتقادات وَلَو أقت بِمَوْت الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ إِيلَاء لَا محَالة لِأَنَّهُ حصل الْيَأْس فِي الْعُمر وصيغته أَن يَقُول لَا أطؤك مَا عِشْت أَو عِشْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 الرُّكْن الرَّابِع فِي أَلْفَاظ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا هُوَ صَرِيح لَا يقبل التَّأْوِيل وَلَا يدين كَلَفْظِ النيك وإيلاج الذّكر فِي الْفرج وتغييب الْحَشَفَة فِي الْفرج وَكَذَلِكَ قَوْله للبكر لَا افتضتك فَلَو فسر بِالضَّمِّ والأعناق لم يدين على الْأَصَح الْقسم الثَّانِي مَا هُوَ صَرِيح فِي الظَّاهِر ويتطرق إِلَيْهِ التديين وَهُوَ الْوَطْء وَكَذَلِكَ الْجِمَاع لِكَثْرَة الإستعمال وَأما الْإِصَابَة فألحقه الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ بعيد أما الْمُبَاشرَة وَالْمُلَامَسَة والمباضعة وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا صَرِيحَة كالجماع لِأَن الْعَادة فِي الْجِمَاع التحاشي عَن الصَّرِيح وَالثَّانِي أَنَّهَا كنايات لِأَنَّهَا بِالْوَضْعِ غير صَرِيح وَعَادَة الإستعمال لَيْسَ يَتَّضِح فِيهِ كَمَا فِي الْجِمَاع الْقسم الثَّالِث الْكِنَايَات قولا وَاحِدًا وَهُوَ كَقَوْلِه لأبعدن عَنْك وَلَا يجمع رَأْسِي ورأسك وسَادَة وَلَا شئونك وَفِي لفظ القربان والغشيان وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهُمَا كنايتان وَالثَّانِي أَنَّهُمَا فِي معنى الْمُبَاشرَة والمباضعة فَأَما إِذا قَالَ وَوَاللَّه لَا أجامعك فِي دبرك أَو فِي الْحيض وَالنّفاس فَهُوَ محسن وَلَيْسَ بمؤل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْإِيلَاء الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومجموع مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام أَولهَا ضرب الْمدَّة وَالثَّانِي الْمُطَالبَة بالفيئة وَالثَّالِث دفع الْمُطَالبَة بفيأة أَو طَلَاق وَالرَّابِع مَا تقع بِهِ الْفَيْئَة فنشرحها فِي فُصُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 الْفَصْل الأول فِي الْمدَّة وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الْمدَّة تحسب من وَقت الْإِيلَاء من غير حَاجَة إِلَى القَاضِي بِخِلَاف مُدَّة الْعنَّة فَإِنَّهَا تحسب من وَقت ضرب القَاضِي الْمدَّة لِأَنَّهَا مُتَعَلقَة بالإجتهاد وَهَذَا مَنْصُوص فِي الْكتاب وَسَببه أَن النسْوَة فِي غَالب الْأَمر لَا يصبرن عَن الرِّجَال مَعَ الْيَأْس عَن الوقاع فِي أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وَإِنَّمَا يشْتَرط زِيَادَة على الْأَرْبَعَة لوُقُوع الْمُطَالبَة بعد الْمدَّة وَأَن الْمدَّة مهلة للخيرة وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله رأى الطَّلَاق وَاقعا بِمُضِيِّ الْمدَّة فَلم يشْتَرط زِيَادَة على أَرْبَعَة أشهر الثَّانِيَة لَا تخْتَلف هَذِه الْمدَّة عندنَا بِالرّقِّ وَالْحريَّة فَإِنَّهُ أَمر يتَعَلَّق بالشهوة والطبع فَهُوَ كمدة الْعنَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْحرَّة تَتَرَبَّص أَرْبَعَة أشهر والامة شَهْرَيْن وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 مَالك رَحمَه الله تخْتَلف برق الزَّوْج وحريته الثَّالِثَة فِي قواطع الْمدَّة فَإِن طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا قبل مُضِيّ الْمدَّة انْقَطَعت فَإِن رَاجعهَا استأنفنا الْمدَّة لِأَنَّهَا قد حرمت بِالطَّلَاق وَلَا بُد من إِصْرَار على التوالي فِي الْمدَّة وَالرِّدَّة بعد الدُّخُول كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيّ وَالطَّلَاق الرَّجْعِيّ بعد الْمدَّة يقطع الْمدَّة فَإِن جرت رَجْعَة فاستئناف الْمدَّة أولى فَإِن الطَّلَاق إِجَابَة إِلَى الْمُطَالبَة فقد اجاب مرّة فَلَا يُطَالب حَتَّى يمْتَنع أَرْبَعَة أشهر أخر وألحقوا الرِّدَّة أَيْضا بِالطَّلَاق وَهُوَ أبعد لِأَنَّهُ لَيْسَ إِجَابَة لمطالبته أما الَّذِي لَا يقطع الْمدَّة كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَام من جِهَته فَلَا يُؤثر لَا طارئة وَلَا مُقَارنَة وَكَذَلِكَ الْأَعْذَار الطبيعية كمرضه وَكَونه مَحْبُوسًا وكما لَو طَرَأَ الْجُنُون عَلَيْهِ فَلَا تمنع تيك الْأَعْذَار انْعِقَاد الْمدَّة وَلَا دوامها أما الْمَوَانِع فِيمَا يمْنَع احتساب الْمدَّة فكإحرامها وصغرها ونشوزها أَو كَونهَا محبوسة أَو مَجْنُونَة أَو مَرِيضَة لَا تحْتَمل الْجِمَاع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 ثمَّ هَذِه الْأَحْوَال إِذا طرأت قطعت الْمدَّة فَإِن زَالَت تسْتَأْنف الْمدَّة أَو تبنى على مَا مضى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الإستئناف كَالطَّلَاقِ وَالرِّدَّة من الزَّوْج وَالثَّانِي أَنه تبنى لِأَن هَذَا لم يقطع النِّكَاح حَتَّى تَنْقَطِع الْمدَّة المبنية عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هَذِه أعذار تمنع الْمُطَالبَة فَإِذا زَالَت عَادَتْ الْمُطَالبَة وَالْمذهب الْقطع بِأَنَّهَا إِذا طرأت بعد الْمدَّة لم توجب الإستئناف وَقيل بطرد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف وَأما صَومهَا فَلَا يمْنَع الإحتساب لِأَن التَّمْكِين حَاصِل بِاللَّيْلِ وَفِي التَّطَوُّع بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ ذَلِك عذرا مَانِعا الرَّابِعَة إِذا تنَازعا فِي انْقِضَاء الْمدَّة فَيرجع حَاصله إِلَى النزاع فِي وَقت الْإِيلَاء وَالْقَوْل فِيهِ قَوْله مَعَ يَمِينه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمُطَالبَة وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَن لَهَا رفع الامر إِلَى القَاضِي فَإِن تركت الْمُطَالبَة أَو رضيت فلهَا الْعود مهما تشَاء بِخِلَاف مَا إِذا رضيت بِعَيْب الزَّوْج أَو رضيت بعد مُدَّة الْعنَّة لِأَن ذَلِك عجز وعيب فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة فرضاؤها بِهِ يسْقط حَقّهَا وَأما هَذَا فَيحمل الرِّضَا فِيهِ على توقع الْحِنْث كَمَا يحمل رِضَاهَا عِنْد الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ على توقع الْيَسَار الثَّانِيَة لَا مُطَالبَة لغير الزَّوْجَة فَإِذا رضيت لم يكن للْوَلِيّ وَلَا لسَيِّد الْأمة الْمُطَالبَة وَلَا لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة لِأَن هَذَا لَا يقبل النِّيَابَة الثَّالِثَة لَا مُطَالبَة لَهَا إِذا كَانَ فِيهَا مَانع طبعا كالمرض الْعَظِيم والرتق والقرن أَو شرعا كالحيض وَالْعجب أَن الْحيض يمْنَع الْمُطَالبَة وَلَا يقطع الْمدَّة لِأَن ذَلِك يتَكَرَّر فِي الْأَشْهر مرَارًا نعم إِذا فرعنا على قَول بعيد فِي صِحَة الْإِيلَاء عَن الرتقاء كَانَ لَهَا الْمُطَالبَة بالفيئة بِاللِّسَانِ الرَّابِعَة إِذا كَانَ الْمَانِع فِيهِ إِن كَانَ طبعا فلهَا مُطَالبَته ليفيء بِاللِّسَانِ وَيعْتَذر ويعد الْوَطْء وَذَلِكَ يدْفع الضرار فَإِن كَانَ شرعا كالظهار وَالصَّوْم وَالْإِحْرَام قطع المراوزة بِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ وللمرأة الْمُطَالبَة وَعَلِيهِ أَن يُطلق فَإِن وطيء اندفعت الْمُطَالبَة مَعَ كَونه حَرَامًا ونقول انت مُخَيّر بَين أَن تَعْصِي بِالْوَطْءِ أَو تطلق وَأَنت قد ورطت نَفسك فِيهِ وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 مَالك رَحمَه الله الْوَطْء فِي الْإِحْرَام لَا يسْقط الْمُطَالبَة أما الْعِرَاقِيُّونَ فبنوا على جَوَاز التَّمْكِين وَقَالُوا إِذا كَانَت مُحرمَة أَو حَائِضًا فطالبها بالتمكين لم يحل لَهَا وَإِن كَانَ الزَّوْج محرما أَو صَائِما عَن فرض فطالبها فَهَل يحل التَّمْكِين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا الْوَطْء مَعْصِيّة فَكيف يُمكن مِنْهُ وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمعْصِيَة تخْتَص بِالزَّوْجِ وَالْوَطْء حَقه فعلَيْهَا التوفية وَإِن كَانَ المستوفي عَاصِيا وَلَا خلاف فِي أَن للرجعية الإمتناع لِأَن الطَّلَاق مُتَعَلق بهَا وَاخْتلفُوا فِي أَن الظِّهَار كالإحرام أَو كَالطَّلَاقِ ثمَّ قَالُوا إِن قُلْنَا عَلَيْهَا التَّمْكِين فلهَا الْمُطَالبَة فَإِن قصد الزَّوْج الْوَطْء وامتنعت سقط طلبَهَا وَإِن حرمنا التَّمْكِين فعلَيْهَا الإمتناع وَهل لَهَا الإرهاق إِلَى الطَّلَاق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَهَا ذَلِك وَالزَّوْج هُوَ الَّذِي ورط نَفسه فِيهِ وَالثَّانِي لَا بل يَكْتَفِي بوعد كالمانع الطبعي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 الْفَصْل الثَّالِث فِي دفع الْمُطَالبَة وَلَا ينْدَفع إِلَّا بِالطَّلَاق أَو الْوَطْء من الْقَادِر والفيئة بِاللِّسَانِ من الْعَاجِز كَمَا سبق فَإِن رفع إِلَى القَاضِي فَامْتنعَ من الْأَمريْنِ طلق القَاضِي عَلَيْهِ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَفِي القَوْل الثَّانِي يلجئه بِالْحَبْسِ وَالتَّعْزِير إِلَى الطَّلَاق وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ إِكْرَاه على الطَّلَاق وَأنكر الْمُزنِيّ هَذَا وَقَالَ لم يصر إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء نعم لَو استمهل الزَّوْج من القَاضِي ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْفَيْئَة بِاللِّسَانِ لم يُمْهل وَفِي الْوَطْء وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن مُدَّة المهلة أَرْبَعَة أشهر وَقد تمّ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يجد قُوَّة ونشطة فِي الْحَال فعلى هَذَا لَو بَادر القَاضِي قبل مُضِيّ الْمدَّة لم تطلق لَا كَقَتل الْمُرْتَد قبل تَمام المهلة فَإِنَّهُ مهدر لِأَن الطَّلَاق يقبل الرَّد وَفِيه وَجه بعيد أَنه يفنذ والمهلة ثَلَاثَة أَيَّام تجْرِي فِي سَبْعَة مَوَاضِع الْمُرْتَد وتارك الصَّلَاة وَالْفَسْخ بالإعسار وبالعنة وَخيَار الْعتْق وَالشُّفْعَة وَالْإِيلَاء أما الرَّد بِالْعَيْبِ فَهُوَ على الْفَوْر ثمَّ إِذا استمهل فأمهلناه فَادّعى الْعنَّة فيستأنف مُدَّة الْعنَّة وَلَا يُطلق لِأَن الطَّلَاق كَانَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لظننا بِهِ الْقُدْرَة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يُطلق فرع إِذا غَابَ الزَّوْج إِلَى مَسَافَة أَرْبَعَة أشهر فلوكيلها فِي الْخُصُومَة أَن يُطَالِبهُ بِالطَّلَاق أَو الإنصراف إِلَى وَطئهَا وَخُرُوجه إِلَى السّفر فِي الرُّجُوع ابْتِدَاء الْفَيْئَة فَلَو صَبر حَتَّى انْقَضتْ مُدَّة الْإِمْكَان ثمَّ قَالَ الْآن أبتدىء السّفر فلحاكم تِلْكَ الْبَلدة أَن يُطلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا بِهِ الْفَيْئَة وَهُوَ الْوَطْء وَيَكْفِي تغييب الْحَشَفَة وَلَو نزلت على زَوجهَا لم تحصل الْفَيْئَة إِذْ لَا تنْحَل بِهِ الْيَمين وَلَيْسَ هَذَا فيئة مِنْهُ أما إِذا أكره وَقُلْنَا يتَصَوَّر على الْوَطْء إِكْرَاه يدْرَأ الْحَد فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة بِهِ خلاف فَإِن قُلْنَا يلْزم فقد انحل الْإِيلَاء وَإِن قُلْنَا لَا فَهَل تنْحَل الْيَمين فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا تنْحَل فَلَا طلبة وَإِن قُلْنَا لَا ينْحل فَالصَّحِيح أَن الطّلبَة تبقى لبَقَاء الْإِيلَاء وَفِيه وَجه أَنه لَا طلبة لاندفاع الضرار بِحُصُول الْوَطْء أما إِذا آلى ثمَّ جن فوطىء فالمنصوص فِيهِ أَنه تنْحَل الْيَمين بِفِعْلِهِ وَلَا كَفَّارَة وَخرج من النَّاسِي قَول فِي وجوب الْكَفَّارَة فيلتحق تَفْصِيله بالمكره فرع لَو تنَازعا فِي الْوَطْء فِي الْمدَّة فَالْأَصْل عدم الْوَطْء وَلَكِن القَوْل قَوْله على خلاف قِيَاس الْخُصُومَات وَقد ذكرنَا نَظِير ذَلِك فِي الْعنَّة ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَو طَلقهَا وَأَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا وَقَالَ صدقتموني فِي الْوَطْء فلي الرّجْعَة قُلْنَا لَا بل نرْجِع إِلَى الْقيَاس وَالْأَصْل عدم الْوَطْء وَالْعدة وَالْقَوْل قَوْلهَا فِي ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لنَوْع ضَرُورَة وَالله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 = كتاب الظِّهَار = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَمُوجب أَلْفَاظه وَفِيه فصلان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهُوَ الْمظَاهر والمظاهر عَنْهَا وَاللَّفْظ والمشبه بِهِ الرُّكْن الأول الْمظَاهر وكل من يَصح طَلَاقه يَصح ظِهَاره وَقد ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ لِأَن الظِّهَار كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعله الشَّرْع محرما للزَّوْجَة وموجبا لِلْكَفَّارَةِ عِنْد الْعود إِلَيْهَا فَيصح ظِهَار الْمَجْبُوب والخصي وَالذِّمِّيّ ثمَّ على الذِّمِّيّ الْكَفَّارَة وَيصِح مِنْهُ الْإِعْتَاق مهما أسلم فِي ملكه عبد كَافِر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم عَن كفارتي جَازَ على وَجه فَإِن عجز فالصوم غير مُمكن فِي حَقه فيعدل إِلَى الْإِطْعَام وَقَالَ القَاضِي لَا يعدل فَإِنَّهُ قَادر فليسلم وليصم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ مُقَرر على دينه فَلَا يُكَلف تَركه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح ظِهَار الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 الرُّكْن الثَّانِي الْمظَاهر عَنْهَا وَهِي كل من يلْحقهَا الطَّلَاق فَإِن ظَاهر عَن الرَّجْعِيَّة وَتركهَا لم يكن عَائِدًا فَإِن رَاجعهَا تعرض للُزُوم الْكَفَّارَة كَمَا سَيَأْتِي وَإِن ارْتَدَّت وَظَاهر عَنْهَا فَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام انْعَقَد الظِّهَار فالإيلاء وَالظِّهَار وَالطَّلَاق مُتَسَاوِيَة إِلَّا فِي الْمَجْبُوب والرتقاء فَإِن الصَّحِيح أَن الْإِيلَاء فيهمَا لَا يَصح الرُّكْن الثَّالِث اللَّفْظ وصريحه أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو مثل ظهر أُمِّي وَلَا مناقشة فِي الصلات فَلَو قَالَ أَنْت مني أَو معي أَو عِنْدِي مثل ظهر أُمِّي فَكل ذَلِك صَرِيح وَكَذَا لَو ترك الصِّلَة وَقَالَ أَنْت كَظهر أُمِّي فَلَو قَالَ أردْت الْإِضَافَة إِلَى غَيْرِي لم يقبل كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَقَالَ أردْت من غَيْرِي لِأَن الشُّيُوع يمْنَع هَذَا التَّأْوِيل ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي أَجزَاء الْأُم وأجزاء الْأُم قِسْمَانِ أَحدهمَا مَا لَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه كبطن أُمِّي وشعرها ورجلها ويدها وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَنه لَيْسَ بظهار اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة وَالثَّانِي أَنه ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَنَّهُ كلمة زور تشعر بِالتَّحْرِيمِ كالظهر وَكَذَا لَو أضَاف إِلَى بعض الزَّوْجَة فَقَالَ يدك أَو رجلك عَليّ كَظهر أُمِّي يخرج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 على الْقَوْلَيْنِ ومأخذه الإتباع أَو النّظر إِلَى الْمَعْنى فقد ظهر أَن التَّصَرُّفَات الْقَابِلَة للتعليق كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْعتاق تصح إضافتها إِلَى الْبَعْض أما النِّكَاح وَالرَّجْعَة فَلَا وَأما الْإِيلَاء فَإِذا قَالَ لَا أجامع فرجك أَو نصفك الْأَسْفَل فَهُوَ صَرِيح وَلَو اضاف إِلَى النّصْف الشَّائِع فِيهِ احْتِمَال لِأَن ترك الْجِمَاع فِي النّصْف من ضَرُورَته تَركه فِي الْكل الْقسم الثَّانِي مَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه أَنْت مثل أُمِّي أَو كأمي أَو كروح أُمِّي فَإِن أَرَادَ الْكَرَامَة فَلَيْسَ بظهار وَإِن قصد الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ لتعارض الإحتمالين وَلَو قَالَ كعين أُمِّي الْتفت إِلَى الْجَدِيد وَالْقَدِيم لِأَنَّهُ إِضَافَة إِلَى الْبَعْض وَاخْتلفُوا أَن الرَّأْس كالبطن وَالْعين وَالروح لِأَنَّهُ قد يذكر للكرامة الرُّكْن الرَّابِع فِي الْمُشبه بِهِ فَلَو شبهها بمحللة أَو مُحرمَة تَحْرِيمًا مؤقتا كالأجنبية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 أَو تَحْرِيمًا لَا محرمية فِيهَا كالكملاعن عَنْهَا لم يكن ظِهَارًا أما الْمُحرمَة على التأييد بِقرَابَة أَو مصاهرة أَو رضَاع فَفِيهِ أَقْوَال أَحدهَا الإقتصار على الْأُم اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ مَأْخَذ الْقَدِيم وَالثَّانِي أَن كل ذَلِك ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَن التَّحْرِيم شَامِل وَالثَّالِث الإقتصار على الْأُم وإلحاق الْجدّة بهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا غير دونهَا وَالرَّابِع إِلْحَاق كل مُحرمَة بِالنّسَبِ بِالْأُمِّ وَكَذَا كل مُحرمَة بِالرّضَاعِ لم نعهد تحليلها من أول وجودهَا دون من طَرَأَ التَّحْرِيم عَلَيْهَا وَدون الْمُحرمَة بالمصاهرة فَإِنَّهَا كَانَت محللة وَلِأَن الرَّضَاع يشبه النّسَب دون الْمُصَاهَرَة أما إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أبي لم يكن ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحل الإستحلال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْأَلْفَاظ وَفِيه مسَائِل الأولى أَنه لَو قَالَ مهما ظَاهَرت عَن ضرتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي كَانَ كَمَا قَالَ لِأَن الظِّهَار يقبل التَّعْلِيق وَلَو أَشَارَ إِلَى أَجْنَبِيَّة وَقَالَ مهما ظَاهَرت عَنْهَا فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي صَحَّ وَتَنَاول ظِهَارًا عَنْهَا بعد نِكَاحهَا تَنْزِيلا لموجب اللَّفْظ على الصَّحِيح شرعا فَلَو أجْرى مَعَ الْأَجْنَبِيَّة لفظ ظِهَار لم يَحْنَث وَلَو صرح وَقَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة فَهَذَا لَغْو عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَتَعْلِيق بمحال وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله ينزل ذَلِك على اللَّفْظ وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ إِن بِعْت الْخمر فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ بَاعَ لم يَحْنَث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع وَعند الْمُزنِيّ يحمل على الْمُسَمّى بيعا بِالْعَادَةِ أما إِذا قَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة الْأَجْنَبِيَّة فَيحْتَمل التَّعْرِيف وَيحْتَمل اشْتِرَاط كَونهَا أَجْنَبِيَّة فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 الثَّانِيَة أَن يظاهر عَن امْرَأَة ويقل لِلْأُخْرَى أَشْرَكتك مَعهَا وَنوى فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الظِّهَار يغلب فِيهِ مشابه الْأَيْمَان أَو الطَّلَاق الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَقع الطَّلَاق بقوله أَنْت طَالِق ثمَّ نراجعه فَإِن أَرَادَ بالبقية التَّأْكِيد قبل وَإِن أَرَادَ الظِّهَار لَغَا إِن كَانَ بَائِنا وَنفذ إِن كَانَ رَجْعِيًا الرَّابِعَة أَن يَقُول أَنْت عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي فَلهُ أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَنْوِي الطَّلَاق دون الظِّهَار وَقصد التَّأْكِيد فَهُوَ كَمَا نوى وَكَقَوْلِه أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار هُوَ الْحَاصِل لِأَنَّهُ أَتَى بصريحه دون صَرِيح الطَّلَاق فَهُوَ أولى من الْكِنَايَة وَلَا يخفى أَنه لَو عَنى الظِّهَار دون غَيره فَلَا يحصل إِلَّا الظِّهَار الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَقُول نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَقْرُونا بِقَوْلِي أَنْت عَليّ حرَام فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْجمع غير مُمكن فِي لفظ وَاحِد وَالطَّلَاق أقوى فَهُوَ الْوَاقِع وَالثَّانِي أَن الظِّهَار أولى إِذْ أَتَى بصريحه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَن الرجل يُخَيّر حَتَّى يخْتَار أَحدهمَا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَقُول أردْت بِقَوْلِي عَليّ حرَام طَلَاقا وبقولى ظهر أُمِّي ظِهَارًا وَقع الطَّلَاق وَنفذ الظِّهَار إِن كَانَ رَجْعِيًا وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار لَا يَصح لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي غير مُسْتَقل وَقد انْصَرف أول الْكَلَام إِلَى الطَّلَاق أما لَو عكس وَقَالَ أردْت الظِّهَار بِالْأولِ وَالطَّلَاق بِالْآخرِ نفذ الظِّهَار دون الطَّلَاق لِأَنَّهُ نَوَاه بِلَفْظ الظِّهَار وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينفذ الطَّلَاق لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي لَيْسَ مُسْتقِلّا وَلم يحصل بِهِ ظِهَار فَيحصل بِهِ طَلَاق الْحَالة الرَّابِعَة أَن يَقُول لم أقصد بالمجموع إِلَّا تَحْرِيم عينهَا فَتحرم عَلَيْهِ ولتزمه الْكَفَّارَة الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وَقَالَ نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَعَ اللَّفْظَة قَالَ ابْن الْحداد إِن نوى الظِّهَار أَولا يَصح وَيَقَع الطَّلَاق وَلم يكن عَائِدًا وَإِن نوى الطَّلَاق أَولا وَكَانَ رَجْعِيًا صَحَّ الظِّهَار قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا غلط لِأَن اللَّفْظ وَاحِد فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَمَا لَو نواهما مَعًا فَيخرج على الْخلاف فِي أَن الأولى أَيهمَا وَهَذَا يلْتَفت على أَن نِيَّة الْكِنَايَة إِذا اقترنت بِبَعْض اللَّفْظ مَا حكمه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الظِّهَار الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله حكمان أَحدهمَا تَحْرِيم الْجِمَاع على الإقتران بِهِ إِلَى أَن يكفر إِمَّا بِالْعِتْقِ أَو الصّيام أَو الْإِطْعَام وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْوَطْء للمكفر بِالْإِطْعَامِ لِأَن الْآيَة مُطلقَة فِي حَقه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 لَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ينزل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي مثل ذَلِك ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن التَّحْرِيم هَل يقْتَصر على الْجِمَاع فَقَالَ فِي الْمُخْتَصر أَحْبَبْت أَن يمْنَع الْقبْلَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر رَأَيْت أَن تمنع الْقبْلَة فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا التريم لقَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} وَالْقَائِل الثَّانِي يحملهُ على الوقاع لقَوْله {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} نعم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 مسالك الْأَشْبَاه متعارضة فَنَقُول كل مَا يحرم الْوَطْء لخلل فِي الْملك كَالطَّلَاقِ وَالرِّدَّة والإستبراء عَن الْغَيْر كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو لإباحة الْغَيْر كتزويج السَّيِّد أمته فَكل ذَلِك يحرم اللَّمْس وَأما الصَّوْم وَالْحيض فَلَا وَقِيَاس الْإِحْرَام أَن يكون كَالصَّوْمِ وَلكنه يحرم اللَّمْس تعبدا وَأما الإستبراء فِي المسبية فَيحرم الْوَطْء وَفِيمَا دونه خلاف وَإِن كَانَ من جِهَة شِرَاء أَو تملك فَيحرم الإستمتاع مُطلقًا لِأَنَّهُ لَو ظهر الْحمل لحرم على الْإِطْلَاق بِخِلَاف جِهَة السَّبي وَالظِّهَار مردد بَين هَذِه الْأُصُول فَإِن لم نحرم إِلَّا الْوَطْء فَفِي الإستمتاع بِمَا دون السُّرَّة وَالركبَة خلاف مَبْنِيّ على أَنا إِن حرمنا ذَلِك فِي الْحَائِض عللنا بانتشار الْأَذَى أَو تخوف الْوُقُوع فِي الوقاع وَيظْهر تَشْبِيه الظِّهَار بِالْحيضِ لِأَنَّهُ يحرم مَعَ دوَام النِّكَاح لَكِن من حَيْثُ إِنَّه كَانَ طَلَاقا فأقت تَحْرِيمه بِالْكَفَّارَةِ فَيحْتَمل أَن يشبه بِتَحْرِيم الرَّجْعِيَّة الحكم الثَّانِي وجوب الْكَفَّارَة وَهُوَ مَنُوط بِالْعودِ قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على خَمْسَة مَذَاهِب قَالَ الثَّوْريّ هُوَ بِنَفس الظِّهَار عَائِد وَهُوَ فَاسد لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ يعودون} وَقَالَ دَاوُد أَرَادَ تكْرَار لفظ الظِّهَار وَالْعود إِلَيْهِ وَقَالَ الزُّهْرِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِنَّه الوقاع إِذْ بِهِ يعود لنقض كَلَامه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله فِي رِوَايَة إِنَّه الْعَزْم على الْإِمْسَاك وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هُوَ نفس الْإِمْسَاك وَمهما لم يُطلق عقيب الظِّهَار على الإتصال فَهُوَ مُمْسك وَلَا يَكْفِيهِ الْعَزْم على الطَّلَاق دون تَحْقِيقه لِأَن إِمْسَاكه عود لنقض كَلَامه فسبيله أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت طَالِق مُتَّصِلا حَتَّى لَا يلْزمه كَفَّارَة وَيتَفَرَّع على هَذَا الأَصْل مسَائِل الأولى إِذا مَاتَ عقيب الظِّهَار فَلَا كَفَّارَة إِذْ لم يتَحَقَّق الْإِمْسَاك فَإِنَّهُ يفْتَقر إِلَى زمَان الْقُدْرَة على الطَّلَاق وَلَو طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فَلَا عود فَإِن رَاجع فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نفس الرّجْعَة عود وَنَصّ أَنه لَو ارْتَدَّ وَعَاد لم يكن نفس الْإِسْلَام عودا وَكَذَا لَو أَبَانهَا وجدد النِّكَاح وَقُلْنَا بِعُود الظِّهَار والحنث لم يكن بِمُجَرَّدِهِ عَائِدًا لِأَن الْإِسْلَام يقْصد بِهِ تَبْدِيل الدّين وَالنِّكَاح يقْصد بِهِ تَجْدِيد الْملك وَالرَّجْعَة لَا معنى لَهَا إِلَّا إمْسَاك الزَّوْجَة وَمن أَصْحَابنَا من خرج وَجها إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 الرّجْعَة من النِّكَاح وَإِلَى النِّكَاح وَالرِّدَّة من الرّجْعَة وطرد الْقَوْلَيْنِ لَكِن الْفرق وَتَقْرِير النَّص أظهر فَإِن قيل إِذا آلى ثمَّ أبان وجدد النِّكَاح لَزِمته الْكَفَّارَة بِالْوَطْءِ وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث فَلم لَا تعود كفترة الظِّهَار قُلْنَا لِأَن الْيَمين يسْتَقلّ بِنَفسِهِ دون النِّكَاح وَالظِّهَار لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي النِّكَاح وَالْكَفَّارَة هَاهُنَا كالمطالبة بالفيئة عَن الْإِيلَاء فَإِنَّهَا من الْخَواص فَلَا تعود فِي نِكَاح ثَان نعم لَو ظَاهر وَعَاد حَتَّى حرمت عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة فَلَو طلق وجدد اسْتمرّ التَّحْرِيم إِلَى الْكَفَّارَة وَأما لَو كَانَت رقيقَة فاشتراها فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن تَحْرِيم الطَّلَاق وَاللّعان هَل يتَعَدَّى إِلَى ملك الْيَمين كَمَا ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ظَاهر عَن زَوجته الرقيقة ثمَّ اشْتَرَاهَا على الْفَوْر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الشِّرَاء يَنْفِي الْعود كَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قَاطع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نَقله من حل إِلَى حل فَهُوَ عَائِد وَهَذَا يتَّجه إِذا قُلْنَا إِنَّه يتَعَدَّى تَحْرِيم الظِّهَار إِلَى ملك الْيَمين ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا بُد وَأَن يتَّصل قَوْله اشْتريت بالظهار فَلَو تشاغل بأسبابه حصل الْعود وَقَالَ الْأَصْحَاب إِن كَانَت أَسبَابه متعذرة فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن كَانَت متيسرة على الْقرب لم يكن عَائِدًا أما إِذا علق طَلاقهَا بعد الظِّهَار على الدُّخُول فَهُوَ عَائِد وَإِن كَانَ الدُّخُول متيسرا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيق وَهُوَ قَادر على التَّنْجِيز وَلَو كَانَ قد علق من قبل فَدخل على الإتصال فَلَا عود إِن كَانَ الدُّخُول متيسرا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 وَلَو لَاعن عقيب الظِّهَار فَظَاهر النَّص أَنه يمْنَع الْعود ثمَّ اخْتلف فِي تَصْوِيره فَمنهمْ من قَالَ لَو قذف بعد الظِّهَار وَلم يقصر فِي البدار إِلَى الرّفْع إِلَى القَاضِي على الْعَادة فَلَا عود وَمِنْهُم من قَالَ يَنْبَغِي أَن تتصل كَلِمَات اللّعان بالظهار وَيكون الْقَذْف وَالرَّفْع سَابِقًا وَقَالَ ابْن الْحداد يَنْبَغِي أَن تتصل الْكَلِمَة الْأَخِيرَة بالظهار فَإِنَّهُ الْقَاطِع وألزم عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ عقيب الظِّهَار يَا زَيْنَب أَنْت طَالِق وَقيل قَوْله يَا زَيْنَب لَا يُوجب الْعود لِأَنَّهُ من جملَة الْكَلَام فَكَذَا كَلِمَات اللّعان الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو علق الظِّهَار بِفعل غَيره فَوجدَ وَلم يعرف فَلَيْسَ بعائد فَكَمَا يعرف فَيَنْبَغِي أَن يُبَادر الطَّلَاق وَلَو علق بِفعل نَفسه فَفعل وَنسي الظِّهَار فَهُوَ عَائِد لِأَنَّهُ فِي نِسْيَان فعل نَفسه غير مَعْذُور الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة أشهر لم يَصح على الْقَدِيم لِخُرُوجِهِ عَن الْمُعْتَاد وعَلى الْجَدِيد يَصح إِن غلبنا مشابه الْأَيْمَان وَإِن غلبنا مشابه الطَّلَاق فَلَا لِأَن الطَّلَاق الْمُؤَقت أَبَد لغَلَبَة الطَّلَاق وَلم يظْهر ذَلِك للظهار وَقد قيل يَصح مُؤَبَّدًا تَشْبِيها بِالطَّلَاق التَّفْرِيع إِن شبهناه بالأيمان صَحَّ مؤقتا وَيكون الْعود بِالْجِمَاعِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ينْتَظر تحليلا بعد الْأَشْهر وَإِنَّمَا يمسك لذَلِك فَلَا يكون مُجَرّد إِمْسَاكه مناقضا وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله على هَذَا وَقَالَ لَا فرق بَينه وَبَين الْمُطلق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْعود هُوَ الْجِمَاع فيطرد فِي الْمُطلق والمقيد وَهُوَ فَسَاد لِأَنَّهُ نَص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد وَالْفرق مَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 فعلى النَّص إِذا جَامع حرم الْجِمَاع فَعَلَيهِ النزع مُتَّصِلا بتغييب الْحَشَفَة وعَلى مَذْهَب ابْن خيران يحرم الْجِمَاع الأول أَيْضا كَذَلِك قَالَ الصيدلاني إِذا جَامع نتبين أَنه كَانَ عَائِدًا عقيب اللَّفْظ وَعَلِيهِ يحمل إِمْسَاكه وَفِيه فقه يُوَافق النَّص وَيدْفَع اعْتِرَاض الْمُزنِيّ رَحمَه الله فعلى هَذَا لَا نُبيح الْوَطْء الأول إِذْ هُوَ مُبين للتَّحْرِيم قبله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ يحرم الْوَطْء الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أنتن عَليّ كَظهر أُمِّي صَار مُظَاهرا عَن جَمِيعهنَّ وَلَكِن فِي تعدد الْكَفَّارَة واتحادها خلاف لِاتِّحَاد اللَّفْظ وَهُوَ كالخلاف فِيمَا لَو قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أَن الْحَد هَل هُوَ مُتَعَدد ومشابه الْأَيْمَان تَقْتَضِي الإتحاد لِأَن الْكَلِمَة وَاحِدَة ومشابه الطَّلَاق التَّعَدُّد لتَعَدد الْمحل فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَا يخفى وَإِن قُلْنَا يتحد فَلَو أمسكهن فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَلَو طلق ثَلَاثًا وَأمْسك وَاحِدَة لزمَه كَفَّارَة لِأَن مناقضة الظِّهَار بِالْعودِ تتَحَقَّق بإمساك وَاحِدَة وَلَيْسَ كَمَا لَو قَالَ وَالله لَا أجامعكن فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَة بجماع وَاحِدَة لِأَن مُخَالفَته تتَحَقَّق بجماع الْجَمِيع وتحقيقه أَن الظِّهَار هَاهُنَا يتَعَلَّق بِطَلَاق الْجَمِيع فَأَما إِذا ظَاهر عَنْهُن بِأَرْبَع كَلِمَات على التوالي فَتجب أَربع كَفَّارَات وَيكون بالظهار الثَّانِي عَائِدًا إِلَى الأول وبالثالث عَائِدًا إِلَى الثَّانِي وبالرابع عَائِدًا إِلَى الثَّالِث فَإِن قَالَ عقيب الرَّابِع أَنْت طَالِق فَعَلَيهِ ثَلَاث كَفَّارَات فَإِن لم يقل فأربع كَفَّارَات الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كرر لفظ الظِّهَار على الإتصال وَقَالَ قصدت بِالثَّانِي تَأْكِيد الأول قبل وَلَكِن هَل يكون عَائِدًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن اشْتِغَاله بالتأكيد ترك للطَّلَاق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يكون بِهِ ممسكا لِأَن التَّأْكِيد فِي حكم تَمام الْكَلَام وَإِن قصد ظِهَارًا آخر فَفِي تعدد الظِّهَار مَعَ اتِّحَاد الْمَرْأَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تعدد الْكَفَّارَة وَالثَّانِي الْقطع بالتعدد وتغليبا لجَانب اللَّفْظ وَلَا خلاف أَنه لَو قذف شخصا وَاحِدًا مرَّتَيْنِ فالحد وَاحِد ثمَّ إِن طلق عقيب الثَّانِي لم يكن عَائِدًا فِي الثَّانِي وَهل يكون عَائِدًا فِي الأول لاشتغاله بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان مرتبان على صُورَة إِرَادَة التَّأْكِيد وَهَا هُنَا أولى بِأَن يكون عَائِدًا لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ أما إِذا تخَلّل زمَان فَهُوَ عَائِد فِي الأول وَالظِّهَار الثَّانِي مُنْعَقد إِن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة فِيهِ أما إِذا قُلْنَا تَتَعَدَّد فَقَالَ أردْت التَّأْكِيد مَعَ تخَلّل الْفَصْل هَل يقبل هَا هُنَا تردد فِيهِ جَوَاب الْقفال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِيلَاء لِأَن فِيهِ مشابه الْإِخْبَار الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا جن عقيب الظِّهَار فَلَيْسَ بعائد فَلَو أَفَاق لم تكن مُجَرّد الْإِفَاقَة عودا وَلَكِن إِن لم يُطلق عقيب الْإِفَاقَة صَار عَائِدًا وَلَو قَالَ إِن لم أَتزوّج عَلَيْك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَلَا ظِهَار فِي الْحَال فَإِن مَاتَ قبل التَّزْوِيج حصل الْيَأْس وَصَارَ مُظَاهرا عَائِدًا قبيل الْمَوْت هَكَذَا قَالَه ابْن الْحداد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب الظِّهَار حَاصِل وَلَا عود لانه مَاتَ عقيب انْعِقَاد الظِّهَار وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيم مَا قَالَه لَو اسْتندَ انْعِقَاد الظِّهَار إِلَى الأول وَمَا ذكره ابْن الْحداد أغوص فَلْيتَأَمَّل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 فَإِن قيل الْوَطْء يحرم بِنَفس الظِّهَار أَو بِالْعودِ قُلْنَا بِالْعودِ إِذا لَو كَانَ بِمُجَرَّد الظِّهَار لَكَانَ تَسْتَقِر الْكَفَّارَة وَإِن طلق عَقِيبه حَتَّى لَو أَرَادَ وَطأهَا بِنِكَاح جَدِيد أَو ملك يَمِين لم يجز إِلَّا بكفارة وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِذا عَاد حرم وَوَجَبَت الْكَفَّارَة واستقرت لَا لاجل استحلال الْوَطْء فَإِنَّهُ لَو أَبَانهَا بعد الْعود لم تسْقط الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ بِالْعودِ المناقض للظهار كَمَا يسْتَقرّ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمين فالكفارة تجب بالظهار وَالْعود جَمِيعًا وَالظِّهَار أحد سببيها كاليمين وَلذَلِك قَالَ ابْن الْحداد لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ أعتق عَن الظِّهَار ثمَّ دخلت وَقع الْعتْق لتأخره عَن أحد السببين وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَقَالُوا وزانه مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا أُكَلِّمك ثمَّ أعتق قبل الدُّخُول لَا يجزىء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير حَالفا عِنْد الدُّخُول وَلَكِن يحْتَمل أَن يُقَال السَّبَب صَيْرُورَته حَالفا ومظاهرا وَقد وجد فَيَكْفِي ذَلِك وَالله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 = كتاب الْكَفَّارَات= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وخصالها ثَلَاثَة الْعتْق وَالصَّوْم وَالْإِطْعَام وَالْعِتْق لَا يدْخل فِي فديَة الْحَج وَالْإِطْعَام لَا يدْخل فِي كَفَّارَة الْقَتْل على أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَفَّارَة الْجِمَاع وَالظِّهَار متساويتان فِي التَّرْتِيب الْعتْق ثمَّ الصّيام ثمَّ الْإِطْعَام وَكَذَا كَفَّارَة الْقَتْل إِن قُلْنَا يدخلهَا الْإِطْعَام وَكَفَّارَة الْأَيْمَان على الْخيرَة بَين الْعتْق وَالْكِسْوَة وَالْإِطْعَام فَإِن عجز فالصيام ثَلَاثَة أَيَّام وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعه وَالْمَقْصُود كَفَّارَة الظِّهَار ثمَّ ينْدَرج فِيهِ جمل من أَحْكَام الْكَفَّارَات الْخصْلَة الأولى الْعتْق وَلَا يجزىء فِي الْكَفَّارَات إِلَّا رَقَبَة مسلمة سليمَة كَامِلَة الرّقّ تعْتق بنية جازمة عتقا خَالِيا عَن شوب الْعِوَض فَهَذِهِ خَمْسَة شُرُوط فلنفصلها الشَّرْط الأول الْإِسْلَام وَالْمُسلم كل من وَلَده مُسلم أَو مسلمة أَو أسلم أحد أَبَوَيْهِ فِي صغره أَو الْتقط فِي دَار الْإِسْلَام أَو سباه مُسلم فِي صغره وَلَيْسَ مَعَه أَبَوَاهُ أَو نطق بكلمتي الشَّهَادَة بعد الْبلُوغ فَلَو نطق وَهُوَ صبي مُمَيّز فَفِيهِ قَولَانِ وَلَو نطق مرها فَهُوَ مُسلم إِلَّا أَن يكون ذِمِّيا فَلَا يحكم بِإِسْلَامِهِ على أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 إِحْدَاهمَا أَنه لَو نطق بكلمتي الشَّهَادَة فَالصَّحِيح أَنه إِسْلَام وَإِن لم يُصَرح بِالْبَرَاءَةِ عَن سَائِر الْملَل وَمِنْهُم من شَرط ذَلِك نعم لَو اقْتصر على قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ ذَلِك على وفْق مِلَّته لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ وَإِن كَانَ على خِلَافه كالثنوي وَالنَّصْرَانِيّ الْقَائِل بالتثليث فَمنهمْ من حكم بِإِسْلَامِهِ ثمَّ قَالَ يُطَالب بِالشَّهَادَةِ الثَّانِيَة فَإِن أَبى جعل مُرْتَدا وَمِنْهُم من لم يحكم بِإِسْلَامِهِ مَا لم يَأْتِ بكلمتي الشَّهَادَة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو أقرّ بِصَلَاة أَو ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام يُخَالف مِلَّته هَل يَجْعَل بِهِ مُسلما فِيهِ وَجْهَان وضابطه عِنْد من يَجعله مُسلما أَن كل مَا يكفر الْمُسلم بإنكاره فَيصير الْكَافِر بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسلما لِأَن التَّصْدِيق والتكذيب لَا يتَجَزَّأ ولعلنا قد استقصينا هَذِه الْأَحْكَام فِي كتاب اللَّقِيط فَلَا نعيده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يشْتَرط الْإِيمَان فِي رَقَبَة كَفَّارَة الظِّهَار فَإِن الْوَارِد فِي الْقُرْآن رَقَبَة مُطلقَة وَلَكِن عندنَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 الشَّرْط الثَّانِي السَّلامَة من الْعُيُوب وَعَلِيهِ تنزل الرَّقَبَة الْمُطلقَة فِي الْقُرْآن ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الأقطع يجزىء والأصم والأبكم لَا يجزىء وَجعل الضَّابِط فِيهِ زَوَال جنس من الْمَنْفَعَة لِأَن الْعَيْب الْمُعْتَبر فِي الْبياعَات لَا يعْتَبر فَاعْتبر كَمَال أَجنَاس الْأَعْضَاء وَالْمَنَافِع وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ اعْتبر مَا يُؤثر فِي الْعَمَل أثرا بَينا إِذْ غَرَض الْإِعْتَاق أَن يسْتَقلّ وَيسْعَى لنَفسِهِ والزمن لَا يجزىء فِي الْعتْق ويجزىء الْأَصَم والأعور إِذْ يقدر على الْعَمَل وَالْكَسْب وَكَذَلِكَ الْأَقْرَع والأعرج والعنين والخصي والأقطع لَا يجزىء وَقطع الْإِبْهَام أَو المسبحة أَو الْوُسْطَى مَانع وَقطع الْخِنْصر أَو البنصر لَا يمْنَع وقطعهما جَمِيعًا مَانع إِن كَانَ من يَد وَاحِدَة وَمن يدين لَا يُؤثر وَقطع أُنْمُلَة لَا يُؤثر إِلَّا من الْإِبْهَام وفقد أَصَابِع الرجل لَا يُؤثر وَالْمَجْنُون لَا يجزىء إِذا كَانَ جُنُونه مطبقا وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَاله لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 يجزىء فَإِن زَالَ على الندور فَهَل يتَبَيَّن إجزاؤه فِيهِ خلاف وَالَّذِي يُرْجَى زَوَاله يجزىء فَإِن مَاتَ فَهَل نتيقن أَنه لم يَقع موقعه فِيهِ خلاف وَإِن كَانَ يجن ويفيق فيجزىء إِن كَانَ أَيَّام الْإِفَاقَة أَكثر وَإِلَّا فَفِيهِ تردد والهرم الْعَاجِز لَا يجزىء وَالصَّغِير وَهُوَ ابْن يَوْم يجزىء لِأَن مصيره إِلَى الْكبر وَالظَّاهِر أَن الْجَنِين لَا يجزىء وَفِيه وَجه وَأما الْأَخْرَس فَالْقِيَاس أَنه يجزىء وَقد اخْتلف فِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وأجراهما فِي الْأَصَم الأصلخ وَمِنْهُم من قطع بِالْجَوَازِ وَحمل النَّص على الَّذِي لَا يفهم الْإِشَارَة الشَّرْط الثَّالِث كَمَال الرّقّ فَلَا يجزىء عتق الْمُسْتَوْلدَة لِأَنَّهُ يمْتَنع بيعهَا وَلَا عتق الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة لنُقْصَان الرّقّ ولوقوع الْعتْق عَن جِهَة الْكِتَابَة بِدَلِيل استتباع الإكساب وَالْأَوْلَاد وَالْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة يبتنى على العلتين إِن عللنا بِنُقْصَان الرّقّ نفذ وَإِن عللنا بالاستتباع وَقُلْنَا إِنَّه يستتبع لم ينفذ وَلَو اشْترى عبدا بِشَرْط الْعتْق وَأعْتقهُ عَن الْكَفَّارَة فَفِيهِ تَفْصِيل ذَكرْنَاهُ فِي البيع أما عتق العَبْد الْمَرْهُون والجاني إِن نفذناه فَهُوَ يجزىء عَن الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ يفك الرَّهْن بِخِلَاف الْكِتَابَة فروع الأول العَبْد الْغَائِب الَّذِي تتواصل أخباره يجزىء إِعْتَاقه والمنقطع الْخَبَر نَص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 على أَنه لَا يجزىء وَنَصّ أَنه يخرج عَنهُ زَكَاة الْفطر فَقيل هُوَ ميل إِلَى الإحتياط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقيل فيهمَا قَولَانِ لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ وَالْأَصْل اشْتِغَال الذِّمَّة الثَّانِي العَبْد الْمَغْصُوب فِي يَد متغلب يجزىء إِعْتَاقه وَفِيه وَجه أَنه لَا يجزىء لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد اسْتِقْلَالا كَامِلا كالأطقع وَهُوَ أميل الثَّالِث إِذا اشْترى قَرِيبه بنية الْكَفَّارَة لم يُجزئهُ لِأَن عتقه يسْتَحق من جِهَة الْقَرَابَة وَقَالَ الأودني إِذا اشْتَرَاهُ الْخِيَار وَأعْتقهُ عَن كَفَّارَته جَازَ الرَّابِع إِذا أعتق نِصْفَيْنِ من عبد فِي دفعتين أَجزَأَهُ وَلَو أعتق نصفي عَبْدَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجزىء لِأَن الأشقاص تجمع أشخاصا فِي الزَّكَاة كَذَلِك هَذَا وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَقْصُود إِفَادَة الإستقلال فَلَا تحصل بالتجزئة نعم لَو ملك عَبْدَيْنِ وَعَلِيهِ كفارتان فَقَالَ أعتقهما عَن كفارتي نصف كل وَاحِد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 مِنْهُمَا عَن كَفَّارَة فقد حُكيَ عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجزىء فَمنهمْ من قَالَ عتق العبدان عَن الكفارتين وَلَا معنى لتجزئته وإضافته الْخَامِس إِذا ملك الْمُعسر نصف عبد فَأعتق نصفه عَن كَفَّارَته ثمَّ اشْترى النّصْف الثَّانِي وَأعْتق جَازَ لِأَنَّهُ كمل الْخَلَاص وَإِن كَانَ مُوسِرًا فَفِي كَيْفيَّة نُفُوذ الْعتْق ثَلَاثَة أَقْوَال فَإِن فرعنا على تنجز الْعتْق نظر فَإِن وَجه الْعتْق على جملَة العَبْد وَقَالَ أعتقك عَن الْكَفَّارَة نفذ وأجزأ وَقَالَ الْقفال لَا ينْصَرف النّصْف الثَّانِي إِلَيْهَا لِأَنَّهُ عتق بتسرية الشَّرْع لَا بإعتاقه إِلَّا أَنا نقُول حصل بتسببه فَصَارَ كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر عَن كفارتي فَدخل العَبْد عتق وأجزأه إِن وَجه على النّصْف لم ينْصَرف النّصْف الْبَاقِي إِلَى الْكَفَّارَة وَهل يجزىء ذَلِك النّصْف يبتنى على عتق الأشقاص وَإِن فرعنا على أَن الْعتْق يتَوَقَّف على أَدَاء الْقيمَة فَنوى عِنْد اللَّفْظ صرف النّصْف وَعند الْأَدَاء صرف النّصْف الثَّانِي جَازَ وَإِن نوى الْكل عِنْد اللَّفْظ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ السَّبَب الْمُعْتق عِنْد الْأَدَاء وَالثَّانِي أَنه لَا بُد عِنْد الْعتْق من النِّيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يجب أَن يَنْوِي الْكل عِنْد اللَّفْظ وَلَا يعْتد بِالنِّيَّةِ عِنْد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 الْأَدَاء الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون خَالِيا عَن الْعِوَض فَلَو أعتق على أَن يرد العَبْد إِلَيْهِ دِينَارا لم يَقع عَن الْكَفَّارَة وَلَو قَالَ لغيره أعتق عَبدك عَن كفارتك وَلَك ألف عَليّ فَأعتق نفذ لَا عَن الْكَفَّارَة وَهل يسْتَحق الْألف فِيهِ وَجْهَان جاريان فِي الإلتماس من غير ذكر الْكَفَّارَة أَحدهمَا لَا لِأَن الْعتْق وَقع مِنْهُ فَكيف يسْتَحق الْعِوَض وَالثَّانِي يسْتَحق كَمَا لَو قَالَ أعتق مستولدتك وَلَك عَليّ ألف وَكَأن الْخلاف يرجع إِلَى أَن الْفِدَاء هَل يجوز مَعَ إِمْكَان هَذَا الشِّرَاء وَعند هَذَا جرت الْعَادة بِذكر النّظر فِي التمَاس الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ أعتق مستولدتك وَلَك عَليّ ألف نفذ وَلزِمَ الْألف وَهُوَ افتداء ومقابلة لِلْمَالِ بِإِسْقَاط الْملك كَمَا فِي اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَلَو قَالَ أعتق مستولدتك عني على ألف فَقَالَ أعتقت عَنْك عتقت ولغا قَوْله عَنْك وَالظَّاهِر أَنه لَا يسْتَحق الْعِوَض لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ بِشَرْط الْوُقُوع عَنهُ وَلم يَقع وَفِيه وَجه أَنه يسْتَحق ويلغي قَوْله عني كَمَا لَو قَالَ طلق زَوجتك عني فَإِنَّهُ يحمل على أَنه أَرَادَ طَلقهَا لأجلي فَيسْتَحق الزَّوْج الْعِوَض وَاعْلَم أَن حكم الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بنفوذ الْعتْق فِي الْمُسْتَوْلدَة مَعَ قَوْله أعتقت عَنْك يدل على أَنه إِذا وصف الْعتْق أَو الطَّلَاق بِوَصْف محَال يلغي الْوَصْف دون الأَصْل الثَّانِيَة إِذا قَالَ أعتق عَبدك عني فَقَالَ أعتقت وَقع عَن المستدعي ثمَّ إِن ذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 عوضا اسْتَحَقَّه وَإِن لم يذكر فَهَل يسْتَحق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسْتَحق بل يحمل على الْهِبَة وَالثَّانِي أَنه يسْتَحق كَمَا لَو قَالَ اقْضِ ديني فَإِنَّهُ يرجع على رَأْي وَلَكِن هَذَا التَّوْجِيه إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا قَالَ أعتق عَن كفارتي فَإِنَّهُ أَدَاء حق مُسْتَحقّ وَلَو صرح وَقَالَ أعْتقهُ عني مجَّانا فَقَالَ أعتقت نفذ وَلَا عوض وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا ينفذ لِأَن الْملك لَا يحصل فِي الْهِبَة دون الْقَبْض وَلَكِن قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِعْتَاقه تسليط تَامّ أقوى من الْإِقْبَاض وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَو وهب ثمَّ قَالَ للمتهب أعْتقهُ عَن نَفسك فَأعتق نفذ عتقه من غير قبض أما إِذا أطلق وَقَالَ أعتق عَبدك وَلم يقل عني أَو عَنْك فَأعتق فعلى مَاذَا ينزل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه عَن المستدعي بِقَرِينَة الإستدعاء وَالثَّانِي أَنه كَقَوْلِه أعتق عَن نَفسك حَتَّى يخرج النّظر فِي الْعِوَض على مَا ذَكرْنَاهُ الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِذا جَاءَ الْغَد فَعَبْدي حر عَنْك بِأَلف فَقَالَ قبلت فَهَذَا كتعليق الْخلْع وَقد ذَكرْنَاهُ وَلَو قَالَ أعتق عَبدك عني غَدا بِأَلف فَصَبر حَتَّى جَاءَ الْغَد وَقَالَ أعتقت قَالَ صَاحب التَّقْرِيب هَا هُنَا يسْتَحق الْمُسَمّى لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقا وَفِيه نظر أَيْضا ذَكرْنَاهُ فِي الْخلْع وَلَو قَالَ أعْتقهُ عني على خمر أَو مَغْصُوب فَهُوَ كالخلع على الْمَغْصُوب وَيحْتَمل هَا هُنَا الْفساد فِي الْعِوَض وَإِن كَانَ الْملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 يحصل للمستدعي لِأَنَّهُ ملك ضمني فَلَا تعْتَبر شُرُوطه وَينظر إِلَى صُورَة الْإِعْتَاق وَلذَلِك لم يشْتَرط الْقَبْض فِي الْإِعْتَاق مجَّانا فَإِن قيل الْعتْق يحصل مُتَّصِلا بآخر قَوْله أعتقت فالملك كَيفَ يحصل قبله فَيكون قد حصل قبل اللَّفْظ أَو كَيفَ يحصل بعده فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن الْعتْق أَو مَعَه فَيكون مَعَ الْعتْق وَالْكل محَال قُلْنَا ذكر فِيهِ خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَنا نتبين حُصُوله بعد الإلتماس وَقبل الْإِجَابَة وَالثَّانِي أَنه يتَبَيَّن حُصُوله عِنْد الشُّرُوع فِي اللَّفْظ وهما بعيدان لِأَنَّهُ تَقْدِيم الْمُسَبّب على السَّبَب وَالثَّالِث أَنه يحصل الْملك مَعَ آخر أَجزَاء اللَّفْظ وَالْعِتْق مُرَتبا عَلَيْهِ وَالرَّابِع أَنه يحصل مُرَتبا على اللَّفْظ وَالْعِتْق يتَأَخَّر لَحْظَة وَالْخَامِس وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق رَحمَه الله أَن الْملك وَالْعِتْق يَتَرَتَّب على اللَّفْظ مَعًا واستبعد ذَلِك مِنْهُ وَنسب إِلَى الْجمع بَين المتضادين وَلَعَلَّه يَعْنِي أَنه جرى سَبَب الْملك وَالْعِتْق فِي حَالَة وَاحِدَة فيندفع الْملك فِي وَقت جَرَيَان سَببه وَيكون ذَلِك فِي معنى الإنقطاع وَلِهَذَا غور ذَكرْنَاهُ من قبل وَبِالْجُمْلَةِ فقد اخْتلفُوا فِي أَن كل حكم يَتَرَتَّب على لفظ فَيكون مَعَ آخر جُزْء من اللَّفْظ أَو مُتَأَخِّرًا مترتبا عَلَيْهِ ترَتّب الضِّدّ على زَوَال الضِّدّ وَالأَصَح أَنه مَعَ آخر جُزْء من اللَّفْظ لِأَن الْمَعْلُول يَنْبَغِي أَن يكون مَعَ الْعلَّة كَمَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الْخَامِس النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا لِأَن الْكَفَّارَة فِيهَا مشابه الْعِبَادَات نعم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 تصح من الذِّمِّيّ وَالْمُرْتَدّ إِذا قُلْنَا لَا يَزُول ملكه أَو يسْتَثْنى قدر الْكَفَّارَة عَن ملكه الزائل كَمَا نستثني قدر الدّين وَلَا تصح النِّيَّة مِنْهُمَا وَلَكِن يسْتَقلّ بمشابه الغرامات فَإِن فِيهَا شبه الغرامات أما صَوْم الْكَفَّارَة فَلَا يَصح مِنْهُمَا لِأَنَّهُ عبَادَة مَحْضَة كَالزَّكَاةِ فَلذَلِك لَا يتَصَوَّر من كَافِر فرع لَا يشْتَرط تعْيين النِّيَّة فِي الْكَفَّارَات عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَلَو كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَات فيكفيه أَن يَنْوِي الْإِعْتَاق عَن الْكَفَّارَة لِأَن تعْيين النِّيَّة عندنَا يجب قصدا إِلَى التَّقَرُّب بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَة فِي الْعِبَادَات الْمُخْتَلفَة الْمَرَاتِب ومرتبة الظّهْر تغاير مرتبَة الصُّبْح وَكَذَلِكَ صَوْم رَمَضَان يغاير صَوْم النّذر وَلَا تفَاوت فِي الْكَفَّارَات كَمَا لَا تفَاوت فِي زَكَاة أَعْيَان الْأَمْوَال فالأموال أَسبَاب الزَّكَاة والجنايات أَسبَاب الْكَفَّارَات وَهِي مُتَفَاوِتَة وَقد طردوا هَذَا فِي الْعتْق الْمُلْتَزم بِالنذرِ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ النّذر قربَة وَالْكَفَّارَة سَببهَا جريمة وَلَكِن لم يلْتَفت إِلَى هَذَا نعم إِذا أعتق فِي الْكَفَّارَة وَأَخْطَأ لم يُجزئهُ فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة قتل فَنوى الظِّهَار لم يَقع عَن الْقَتْل وَقد صرفه عَنهُ وَعَلِيهِ الْإِعَادَة وَهُوَ كتعيين الْإِمَامَة فِي الْقدْوَة وَلَا تشْتَرط وَلَكِن لَو أَخطَأ فَسدتْ الْقدْوَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 الْخصْلَة الثَّانِيَة الصّيام وَفِيه نظران الأول فِيمَا يجوز الْعُدُول إِلَيْهِ وَلَا يعْتَبر عندنَا عجز مُحَقّق عَن الْإِعْتَاق بل يَكْفِي أَن يعسر ذَلِك عَلَيْهِ لغَرَض مُعْتَبر مُعْتَد بِهِ وَالَّذِي لَا يملك شَيْئا لَا يخفى أمره أما إِن ملك عبدا أَو مسكنا أَو مَالا فَفِيهِ نظر فَنَقُول إِن كَانَ زَمنا وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى العَبْد لخدمته أَو كَانَ منصبه يَقْتَضِي أَن يخْدم وَلَا يُبَاشر الْأَعْمَال بِنَفسِهِ فَيجوز لَهُ الصَّوْم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِن كَانَ عَبده نفيسا يُمكن إِبْدَاله بعبدين يلْزمه ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ قد ألف العَبْد وارتضاه من زمَان فَإِنَّهُ يعسر عَلَيْهِ الْإِبْدَال فَلَا يلْزمه وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه ذَلِك وَلَا يعْتَبر الإلف أما الْمسكن فَلَا يُبَاع إِلَّا إِذا كَانَ فضلا عَن مِقْدَار حَاجته لاتساع خطته وَأمكنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 بيع بعضه فَإِن كَانَ بَيْتا نفيسا وَأمكن إِبْدَاله بمثليه فَهُوَ كَالْعَبْدِ النفيس المألوف لِأَن الْجلاء عَن الْمسكن أَيْضا شَدِيد فَفِيهِ وَجْهَان أما المَال إِذا ملكه زَائِدا عَن الْمسكن واللباس والأثاث الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فَيصْرف إِلَى الْعتْق إِلَّا إِذا كَانَ رَأس مَاله أَو ضَيْعَة لَو بَاعهَا لصار مِسْكينا يحل لَهُ سهم الْمَسَاكِين فالإنتقال إِلَى حَال المسكنة أَشد من الإنتقال من دَار أَو عبد فَقِيَاس قَول الْأَصْحَاب أَنه لَا يُكَلف ذَلِك ويكاد يُخَالف هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَمن لم يجد فَصِيَام} وَلَكِن توسع الْأَصْحَاب فِي هَذَا لِأَن صَوْم شَهْرَيْن يكَاد يكون أشق من إِعْتَاق عبد وَلَيْسَ بَينهمَا كَبِير تفَاوت وَلَيْسَ كَذَلِك زَكَاة الْفطر فَإِنَّهُ يصرف إِلَيْهِ كل مَا فضل عَن قوت الْيَوْم لِأَنَّهُ أصل وَتَركه إبِْطَال لَا إِبْدَال أما إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب فَلَا يجوز لَهُ الصَّوْم لِأَن الْكَفَّارَة على التَّرَاخِي وَيُمكن أَدَاؤُهَا عَنهُ بعد مَوته بِخِلَاف قَضَاء الصَّلَاة فَإِنَّهُ تجوز بِالتَّيَمُّمِ مَعَ توقع المَاء فِي ثَانِي الْحَال لِأَن الْمَوْت متوقع فِي كل حَال فَإِن قيل فَيعْتَبر إِعْسَاره عِنْد الْوُجُوب أَو الْأَدَاء قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يعْتَبر حَالَة الْوُجُوب تَغْلِيبًا لمشابه الْعُقُوبَات فعلى هَذَا لَو كَانَ مُعسرا ثمَّ أيسر وَأعْتق جَازَ بطرِيق الأولى وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه لَا يجوز لِأَن هَذَا التَّرْتِيب بعيد وَإِلَّا فالصوم أشق وَهُوَ بعيد إِذْ الْمُعسر لَو تكلّف الْإِعْتَاق فَلَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع نعم ذكر وَجْهَان فِي العَبْد إِذا أعتق قبل الصَّوْم وأيسر أَنه هَل يعْتق لِأَنَّهُ لم يكن أَهلا لوُجُوب الْعتْق فِي الإبتداء وَهَذَا منقدح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 القَوْل الثَّانِي أَنه يعْتَبر حَالَة الْأَدَاء تَشْبِيها بالعبادات إِذْ يعْتَبر فِي الْقعُود فِي الصَّلَاة وَفِي التَّيَمُّم حَالَة الْأَدَاء وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وعَلى هَذَا لَو شرع فِي الصَّوْم ثمَّ أيسر لَا يقطع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا شرع فِي الْبَدَل فقد اسْتَقر الْأَمر كالمتيمم إِذا وجد المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله والمزني لَا مبالاة بِالشُّرُوعِ بل يسْتَقرّ الْأَمر بالفراغ لِأَن وزان الشُّرُوع فِي الصَّوْم الشُّرُوع فِي التَّيَمُّم دون الصَّلَاة وَعِنْدَهُمَا تنْتَقض الصَّلَاة بِرُؤْيَة المَاء وَمن اصحابنا من وَافق الْمُزنِيّ هَا هُنَا فعلى هَذَا القَوْل نقُول الْوَاجِب الصَّوْم بِشَرْط أَن يسْتَمر الْإِعْسَار إِلَى الْفَرَاغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 القَوْل الثَّالِث أَنه يعْتَبر أغْلظ الْحَالَتَيْنِ فَإِذا أيسر عِنْد الْأَدَاء أَو عِنْد الْوُجُوب لزم الْعتْق احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا لَو كَانَ مُعسرا فِي الطَّرفَيْنِ وتخلل الْيَسَار لم يُؤثر فَكَأَن مَا اقْتَضَاهُ حَالَة الْوُجُوب لَا يُغَيِّرهُ إِلَّا حَالَة الْأَدَاء وَأما العَبْد فمعسر وكفارته بِالصَّوْمِ وَأما الْإِطْعَام وَالْعِتْق فيبنى على أَنه هَل يملك بالتمليك وَالْعِتْق أولى بِأَن يمْتَنع عَلَيْهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا يملك بالتمليك ثمَّ إِن العَبْد لَا يَصُوم إِلَّا بِإِذن السَّيِّد إِلَّا إِذا حلف وَحنث بِإِذْنِهِ فَإِن حلف بِإِذْنِهِ وَحنث بِغَيْر إِذْنه لم يصم وَإِن حلف بِغَيْر إِذْنه وَحنث بِإِذْنِهِ فَوَجْهَانِ وَإِنَّمَا يعْتَبر إِذْنه لِأَن حق السَّيِّد على الْفَوْر وَالصَّوْم على التَّرَاخِي بِخِلَاف شهر رَمَضَان وَأما من نصفه حر وَنصفه عبد فَهُوَ كالأحرار فِي الْكَفَّارَة وكالعبيد فِي الْجُمُعَة وَالشَّهَادَة وَالْولَايَة وَصدقَة فطره تتوزع على الرّقّ وَالْحريَّة النّظر الثَّانِي فِي حكم الصَّوْم وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه يجب عَلَيْهِ تبييت النِّيَّة وَلَا يجب تعْيين جِهَة الْكَفَّارَة نعم يَنْوِي صَوْم الْكَفَّارَة وَهل يَنْوِي التَّتَابُع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يَنْوِي يَكْفِيهِ ذَلِك فِي اللَّيْلَة الأولى أَو يجددها كل لَيْلَة فِيهِ وَجْهَان وَإِذا مَاتَ لم يصم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 عَنهُ وليه على الصَّحِيح الثَّانِيَة يَصُوم شَهْرَيْن بِالْأَهِلَّةِ فَإِن ابْتَدَأَ فِي أثْنَاء شهر صَامَ الشَّهْر الثَّانِي بالهلال وكمل الشَّهْر الأول ثَلَاثِينَ من الشَّهْر الثَّالِث خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِثَة لَا بُد من التَّتَابُع فِي كَفَّارَة الظِّهَار والوقاع وَالْقَتْل فَلَو أفسد الْيَوْم الْأَخير أَو نسي النِّيَّة فِيهِ وَجب اسْتِئْنَاف الْكل وَهل يفْسد مَا مضى أَو يَنْقَلِب نفلا فِيهِ وَفِي نَظَائِره قَولَانِ أما إِذا وطىء الْمظَاهر لَيْلًا لم يفْسد تتابعه وَلكنه يَعْصِي إِذْ التَّتَابُع قَائِم والتقديم على الْوَطْء قد فَاتَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْتَأْنف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 الرَّابِعَة الْحيض لَا يقطع التَّتَابُع وَالْمَرَض الَّذِي يُبِيح مثله الْإِفْطَار فِيهِ قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا أَنه لَا يقطع التَّتَابُع لِأَنَّهُ لَا يزِيد وصف التَّتَابُع على وصف شهر رَمَضَان وَالثَّانِي أَنه يقطع لِأَن تدارك التَّتَابُع هَا هُنَا مُمكن بِخِلَاف وصف رَمَضَان وَفِي السّفر قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يقطع لِأَنَّهُ مَنُوط بالإختيار وَلَو قيل إِنَّه لَا يقطع على بعد فَلَا يبعد أَن يجزىء فِيمَا إِذا نسي النِّيَّة وَلَا قَائِل بِهِ لِأَنَّهُ مقصر بِالنِّسْيَانِ وَلذَلِك يلْزمه الْإِمْسَاك دون الْحَائِض وَالْمُسَافر إِذا زَالَ عُذْرهمَا فرع لَو أَرَادَت الْحَائِض أَن تفطر ثمَّ بعد الطُّهْر تسْتَأْنف شَهْرَيْن فَفِيهِ إحباط لوصف الْفَرْضِيَّة من الصَّوْم السَّابِق فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال وَالْأَظْهَر جَوَازه لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي وَمَا مضى لَا يفْسد وَكَانَت الْفَرْضِيَّة مَوْقُوفَة على الْفَرَاغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 الْخصْلَة الثَّالِثَة الْإِطْعَام ويعدل إِلَيْهِ الْعَاجِز عَن الصَّوْم بالهرم وَالْمَرَض الَّذِي يَدُوم شَهْرَيْن وَلَيْسَ توقع الصِّحَّة بعده كتوقع رُجُوع المَال الْغَائِب بعد شَهْرَيْن لِأَن من لَهُ مَال غَائِب يُسمى واجدا وَهَذَا يُسمى عَاجِزا فِي الْحَال وَفِي انْتِقَال الْمُسَافِر إِلَى الْإِطْعَام تردد وَأما الشبق المفرط فَالظَّاهِر أَنه لَا يرخص فِي الْعُدُول إِلَى الْإِطْعَام وَهُوَ الْقيَاس وَفِيه وَجه يسْتَند إِلَى حَدِيث الْأَعرَابِي وَقد ذكرنَا إشكاله فِي الصَّوْم وَالنَّظَر بعد هَذَا فِي قدر الْمخْرج وجنسه والمخرج إِلَيْهِ والإخراج أما جنس الْمخْرج فَهُوَ كَزَكَاة الْفطر وَأما قدره فستون مدا وَأما الْمخْرج إِلَيْهِ فالمسكين الَّذِي يجوز صرف الزَّكَاة إِلَيْهِ وَلَا يجوز عندنَا أَن يصرف إِلَى مِسْكين وَاحِد سِتِّينَ مدا فِي سِتِّينَ يَوْمًا خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 رَحمَه الله فَلَا بُد من رِعَايَة عدد الْمَسَاكِين لظَاهِر الْآيَة وَأما الْإِخْرَاج فَهُوَ التَّمْلِيك والتسليط التَّام فَلَا يَكْفِي التغدية والتعشية بِتَقْدِيم التَّمْر إِلَى الْمَسَاكِين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 = كتاب اللّعان= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 وَاللّعان عبارَة عَن أَيْمَان يذكر اللَّعْن فِيهَا من نسب زَوجته إِلَى الزِّنَا فيدرأ الْحَد وَالنّسب عَن نَفسه بِمُجَرَّد يَمِينه وَذَلِكَ رخصَة لمسيس الْحَاجة إِلَى صِيَانة الْأَنْسَاب وعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على زنا الْمَرْأَة وَردت أَولا فِي عُوَيْمِر بن مَالك الْعجْلَاني قذف زَوجته بِشريك بن السحماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتأتين بأَرْبعَة شُهَدَاء أَو لأجلدن ظهرك فَاغْتَمَّ وَقَالَ أَرْجُو أَن ينزل الله قُرْآنًا يبرىء ظَهْري فَنزل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَة وَنظر الْكتاب فِي قسمَيْنِ الْقَذْف وَاللّعان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 الْقسم الأول فِي الْقَذْف وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يكون قذفا من كَافَّة الْخلق وَفِي مُوجبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي أَلْفَاظ الْقَذْف وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام صَرِيح وكناية وتعريض أما الصَّرِيح فَهُوَ كَقَوْلِه يَا زاني أَو زَنَيْت أَو زنى فرجك وَكَذَلِكَ ذكر النيك وإيلاج الْفرج مَعَ الْوَصْف بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا لَا يقبل فِيهَا تَأْوِيل أما الْكِنَايَة فكقوله للنبطي يَا عَرَبِيّ أَو للعربي با نبطي فَإِن أَرَادَ الزِّنَا فَهُوَ قذف وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِذا أنكر إراد الزِّنَا تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يتم الْقَذْف باعترافه بِالنِّيَّةِ إِذْ بِهِ يحصل الْإِيذَاء التَّام وَيجب الْحَد بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا نوى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 وَإِن أنكر النِّيَّة كَاذِبًا فَهَل يلْزمه إِظْهَار النِّيَّة فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن فِيهِ إِيذَاء فيبعد إِيجَابه وَستر ذَلِك لكف الْأَذَى أولى إِلَّا أَن يرهق إِلَيْهِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُبَاح لَهُ الْيَمين الْغمُوس فَيلْزمهُ الإعتراف وَقد قَالَ الْأَصْحَاب يجب عَلَيْهِ الْإِظْهَار بِكُل حَال كَمَا لَو قَالَ فِي خُفْيَة فَيلْزمهُ الْإِظْهَار وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا قذف بِالْكِنَايَةِ لِأَن الْإِيذَاء لَا يتم بِهِ وَأما التَّعْرِيض فكقوله يَا ابْن الْحَلَال وَكَقَوْلِه أما أَنا فلست بزان فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْف وَإِن نوى لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ يشْعر بِهِ وَلَقَد جَاءَ رجل من فَزَارَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود معرضًا بزناها فَلم يَجعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاذِفا وَلَكِن قَالَ هَل لَك إبل فَقَالَ نعم قَالَ مَا ألوانها قَالَ حمر قَالَ فَهَل فِيهَا أسود قَالَ نعم قَالَ فَلم ذَلِك قَالَ لَعَلَّ عرقا نزع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّ عرقا نزع وَقَالَ مَالك رَحمَه الله التَّعْرِيض قذف والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وَيتم النّظر فِي الْأَلْفَاظ برسم مسَائِل إِحْدَاهَا إِذا قَالَ لامْرَأَة زَنَيْت بك فَهَذَا إِقْرَار بِالزِّنَا وَقذف للْمَرْأَة فَعَلَيهِ حدان وَكَانَ يحْتَمل أَن لَا يَجْعَل قَاذِفا لاحْتِمَال أَن يُفَسر بِأَنَّهَا كَانَت مستكرهة وَلم تكن مختارة وَلَكِن جعل قَاذِفا اعْتِمَادًا على مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت زَانِيَة فَقَالَت زَنَيْت بك فراجعناها فَإِن أَرَادَت الزِّنَا قبل النِّكَاح سقط حد الْقَذْف عَن الزَّوْج وَوَجَب عَلَيْهَا حدان حد الزِّنَا وحد الْقَذْف للزَّوْج فَإِن رجعت سقط عَنْهَا حد الزِّنَا وَلَا يسْقط حد الْقَذْف إِذْ الرُّجُوع لَا يسْقط حق الْآدَمِيّ إِنَّمَا يسْقط حُدُود الله تَعَالَى وَلَو قَالَت أردْت نفي الزِّنَا كَمَا يَقُول الْقَائِل سرقت فَيَقُول الْمُخَاطب سرقت سرقت مَعَك فَيقبل قَوْلهَا مَعَ الْيَمين وَيكون لَهَا طلب حد الْقَذْف من الزَّوْج لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فِي الْجَواب وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا لَو قَالَ لي عَلَيْك دِينَار فَقَالَ زنه أَنه هَل يكون إِقْرَارا الثَّانِيَة لَو قَالَ يَا زَانِيَة فَقَالَت أَنْت أزنى مني فَهُوَ قَاذف وَلَيْسَت هِيَ مقرة وَلَا قاذفة للزَّوْج لِأَنَّهَا لم تنْسب لنَفسهَا زنا حَتَّى يكون هُوَ زَانيا بِكَوْنِهِ أزنى مِنْهَا وَلَا نقُول إِن التَّرْجِيح يُوجب الْمُشَاركَة فِي الأَصْل فَإِن عَادَة المشاتمة لَا تنزل على وضع اللِّسَان نعم لَو قَالَ فلَان زَان وَأَنت أزنى مِنْهُ فَهُوَ قذف للشخصين جَمِيعًا وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان فَلَيْسَ بِقَذْف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت أزنى من النَّاس أَو أزنى النَّاس وَلَو قَالَ فِي النَّاس زناة وَأَنت أزنى مِنْهُم كَانَ قذفا وَلَا نقُول إِنَّه يعلم أَن فِي النَّاس زناة وَإِن لم يذكر بل ينظر إِلَى لَفظه وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان وَكَانَ قد ثَبت زنا فلَان بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَ الْقَائِل جَاهِلا لم يكن قذفا وَإِن كَانَ عَالما كَانَ قذفا وَلَو قَالَت أردْت أَنَّك زَان وَلست أَنا زَانِيَة فَهِيَ قاذفة فَلِكُل وَاحِد على صَاحبه حد وَلَا يتقاصان لِأَن الْمُقَاصَّة فِي الْعُقُوبَات مَعَ تفَاوت موقعها فِي النُّفُوس لَا وَجه لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يتقاصان الثَّالِثَة إِذا قَالَ للرجل يَا زَانِيَة أَو للْمَرْأَة يَا زاني فَهُوَ قَاذف عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الصُّورَة الأولى وَالسَّبَب فِيهِ أَن الْإِشَارَة تقدم على النَّحْو والتذكير والتأنيث وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ للرجل زَنَيْت وللمرأة زَنَيْت أَنه قَاذف وَلَو قَالَ زنأت فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فِيهِ فَلَيْسَ بقاذف وَلَو قَالَ زَنَيْت فِي الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فَهَل يقبل وَجْهَان وَوجه الْقبُول أَن حذف الْهمزَة قد يغلب على اللِّسَان وقرينة ذكر الْجَبَل تشهد لَهُ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ يَا زَانِيَة فِي الْجَبَل أَنه قذف وَقيل يفرق بَين الْبَصِير فِي الْعَرَبيَّة وَالْجَاهِل فَلَا يقبل حذف الْهمزَة من الْبَصِير الرَّابِعَة إِذا قَالَ زنى فرجك فَهُوَ قذف وَلَو قَالَ زنى عَيْنك أَو يدك أَو رجلك فَفِيهِ وَجْهَان وَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه قذف وَهُوَ فَاسد إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان تزنيان وَالْيَد تزنيان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وَمن جعله قاذقا قَالَ ذكر صَرِيح الزِّنَا وأضافه إِلَى الْبَعْض وَمن ضَرُورَة الْإِضَافَة إِلَى الْبَعْض الْإِضَافَة إِلَى الْكل وَلَو خرج ذَلِك عَن كَونه صَرِيحًا لَكَانَ قَوْله يَا زاني غير صَرِيح إِذْ لَهُ أَن يُفَسر فَيَقُول أردْت بالزاني الْعين الْخَامِسَة إِذا قَالَ لوَلَده لست مني أَو لست وَلَدي ثمَّ قَالَ أردْت أَنَّك لست تشبهني خلقا وخلقا لم يكن قَاذِفا نَص عَلَيْهِ وَنَصّ أَن الْأَجْنَبِيّ إِذا قَالَ لست ولد فلَان أَن ذَلِك لَا يقبل مِنْهُ وَيكون قَاذِفا فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَإِلَيْهِ ميل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَحدهمَا أَنه يقبل مِنْهُ لعرو اللَّفْظ عَن ذكر الزِّنَا وَاحْتِمَال مَا قَالَه وَالثَّانِي أَن ذَلِك لَا يفهم مِنْهُ فِي الْعَادة وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْأَب يحْتَمل مِنْهُ ذَلِك فِي معرض التَّأْدِيب دون الْأَجْنَبِيّ والأقيس أَنه كِنَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا إِذْ رُبمَا ينْسبهُ إِلَى الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو يُنكر وِلَادَته على فرَاشه ثمَّ إِذا فسر بِشَيْء من ذَلِك فَلَا يخفى كَيْفيَّة فصل الْخُصُومَة فِي نفي الْوَلَد ولحوقه السَّادِسَة إِذا قَالَ للْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ لست من الْملَاعن فَإِن أَرَادَ بِهِ النَّفْي الشَّرْعِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 فَلَيْسَ بقاذف وَإِن كَانَ أَرَادَ تَصْدِيق الْملَاعن فِي نِسْبَة الْوَلَد إِلَى الزِّنَا فَهُوَ قَاذف وَلَو قَالَ لقرشي لست من قُرَيْش فَإِن قَالَ أردْت أَن وَاحِدَة من أمهاته فِي الْجَاهِلِيَّة زنت فَلَيْسَ بقاذف لِأَنَّهَا غير مُعينَة وَمن قَالَ وَاحِد من أهل الْبَلَد زنى أَو النَّاس زناة فَلَا يكون قَاذِفا مَا لم يعين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْقَذْف وَالْقَذْف يُوجب التَّعْزِير إِلَّا إِذا صَادف مُحصنا فَيُوجب الْحَد ثَمَانِينَ جلدَة وخصال الْإِحْصَان التَّكْلِيف وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة والعفة عَن الزِّنَا الْمُوجب للحد فَإِن من ثَبت مِنْهُ الزِّنَا فَكيف يصان عرضه مَعَ أَن الْقَاذِف صَادِق نعم يُعَزّر وَأما الْوَطْء الْحَرَام الَّذِي لَا يُوجب الْحَد لقِيَام ملك أَو شُبْهَة ملك فَهَل يبطل الْإِحْصَان فِيهِ خلاف وَله دَرَجَات فَإِذا وطىء مملكوته الْمُحرمَة برضاع أَو نسب فَفِيهِ وَجْهَان وَفِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة أَو جَارِيَة الإبن وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل الْإِحْصَان وَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا وطىء فِي النِّكَاح بِلَا ولي وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَظن الزَّوْجِيَّة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَوجه إِبْطَاله أَن ذَلِك يدل على قلَّة التحفظ وَلَو كَانَ قد جرى صُورَة الْفَاحِشَة فِي الصَّبِي فَوَجْهَانِ مرتبان على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَأولى بِأَن لَا يبطل أما الْوَطْء فِي الْحيض وَالصَّوْم وَالْإِحْرَام فَلَا يبطل وَفِيه وَجه بعيد أَنه يبطل أما مُقَدمَات الوقاع من اللَّمْس والقبلة فَلَا تسْقط الْإِحْصَان فروع الأول لَو زنى الْمَقْذُوف بعد الْقَذْف وَقبل الْحَد نَص أَن الْحَد يسْقط وَنَصّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 الرِّدَّة أَنه لَا يسْقط وَعلل ذَلِك بِأَن الزِّنَا لَا يَقع هجوما بل يتقدمه فِي الْغَالِب مراودات تقدح فِي الْمُرُوءَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن المراودات السَّابِقَة لَا تبطل الْإِحْصَان وَلَا يُمكن أَن يُقَال الزِّنَا لَا يَقع هجوما فَإِنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون لَهُ أول وَالرِّدَّة أَيْضا لَا تَخْلُو عَن تقدم ترددات بل السَّبَب أَن من ثَبت زِنَاهُ فِي الْحَال يبعد أَن يجلد ظهر غَيره لصيانة عرضه وَهُوَ قد هتك عرضه بِخِلَاف الْمُرْتَد إِذا عَاد فَإِن الْعرض قَائِم وَقد كَانَ الْإِسْلَام مَوْجُودا عِنْد الْقَذْف وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يسْقط بطرآن الزِّنَا كَمَا لَا يسْقط بطرآن الرِّدَّة وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ الثَّانِي من زنى مرّة فِي عمره ثمَّ عَاد وَحسنت حَاله قَالَ القَاضِي لَا حد على قَاذفه لبُطْلَان إحْصَانه فَإِن اسْم الزَّانِي لَا يسْقط عَنهُ وَهَذَا بعيد فِيمَا إِذا صرح بقذفه بزنا جَدِيد وَلَكِن كَأَن الْعرض إِذا انخرم بِالزِّنَا فَلَا يزايله الْخلَل بالعفة بعده الثَّالِث لَو أَقَامَ الْقَاذِف بَيِّنَة على زنا الْمَقْذُوف سقط عَنهُ الْحَد ويكفيه لذَلِك شَاهِدَانِ وَلَو عجز فَطلب يَمِين الْمَقْذُوف على أَنه مَا زنى فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَن ظَاهره الْإِحْصَان وَلَا عهد بِالْيَمِينِ على نفي الْكَبَائِر وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِهِ لسقط عَنهُ الْحَد فليحلف أَو لينكل حَتَّى يحلف الْقَاذِف الرَّابِع لَو مَاتَ الْمَقْذُوف قبل اسْتِيفَاء حد الْقَذْف ثَبت الْحَد وَالتَّعْزِير لوَارِثه لِأَن الْغَالِب عندنَا فِي حد الْقَذْف حق الْآدَمِيّين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُورث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 واعترف بِأَنَّهُ لَو قذف مَيتا فلوارثه طلب الْحَد ابْتِدَاء وَلَو قذف مُوَرِثه فَمَاتَ الْمُورث سقط الْحَد لِأَنَّهُ صَار شَرِيكا فِي اسْتِحْقَاق الْحَد على نَفسه ثمَّ فِيمَن يَرث ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يوزع على فَرَائض الله تَعَالَى وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِالنّسَبِ إِذْ لَا مدْخل للزَّوْج فِي حماية الْعرض وَدفع الْعَار وَالثَّالِث أَنه يخْتَص بالعصبات من النّسَب الَّذين لَهُم ولَايَة التَّزْوِيج لدفع الْعَار وعَلى هَذَا لَا يسْتَحق الإبن وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحق لِأَنَّهُ أقوى الْعَصَبَات فِي الْمِيرَاث وَلَو عَفا أحد الْوَرَثَة سقط الْكل على وَجه لِأَنَّهُ لَا يتَجَزَّأ وَلم يسْقط على وَجه لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يبطل حق البَاقِينَ من غير بدل بِخِلَاف الْقصاص الَّذِي لَهُ بدل وَالثَّالِث أَنه يوزع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 فَيسْقط نصِيبه الْخَامِس إِذا قذف الْمَجْنُون بزنا قبل الْجُنُون فالحد يجب وَنَصْبِر إِلَى إِفَاقَته وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستيفاء لِأَنَّهُ مُتَعَلق بتشفي الغيظ فَلَو مَاتَ ثَبت لوَارِثه وَلَو قذف مَمْلُوك فَحق طلب التَّعْزِير لَهُ لَا لسَيِّده لِأَنَّهُ من خَواص حُقُوقه بل لَو قذفه سَيّده اسْتحق العَبْد تعزيره على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَمِنْهُم من قَالَ يُقَال لَهُ لَا تعد فَإِن عَاد يُعَزّر كَمَا يُعَزّر لَو زَاد فِي استخدامه على الْحَد الْوَاجِب وَلَو مَاتَ العَبْد بعد اسْتِحْقَاق التَّعْزِير على أَجْنَبِي فَهُوَ يَسْتَوْفِيه السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان وَوَجهه أَنه أولى النَّاس بِهِ إِلَّا أَنه لَا قرَابَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قذف الْأزْوَاج خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا يُبِيح الْقَذْف وَاللّعان أَو يُوجِبهُ وَاعْلَم أَن قذف الزَّوْج فِي إِيجَاب الْحَد وَالتَّعْزِير كقذف الْأَجَانِب وَلَكِن يُفَارق الْأَجَانِب فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا فِي أَنه قد يُبَاح لَهُ الْقَذْف وَيجب عَلَيْهِ لضَرُورَة نفي النّسَب وَالثَّانِي أَن الْعقُوبَة الَّتِي تتَوَجَّه عَلَيْهِ من حد وتعزير تنْدَفع بِاللّعانِ وَالثَّالِث أَن الْمَرْأَة تتعرض لحد الزِّنَا بلعانه إِلَّا إِذا دفعت عَن نَفسهَا بِاللّعانِ لقَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد} الْآيَة وَإِنَّمَا يُبَاح لَهُ الْقَذْف إِذا استيقن أَنَّهَا زنت أَو غلبت على ظَنّه ذَلِك وَلَكِن إِذا لم يكن ولد فَالْأولى أَن يطلقهَا وَلَا يقذف وَلَا يُلَاعن وَلَكِن لَو فعل لم يَأْثَم وَهَذَا فِيهِ غموض وَلَكِن كَأَن الْقَذْف وَاللّعان كالإنتقام مِنْهَا حَيْثُ لطخت فرَاشه ثمَّ تحصل الْغَلَبَة على الظَّن بقول عدل حكى مشاهدته الزِّنَا وَتحصل مهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 استفاض بَين النَّاس أَن فلَانا يَزْنِي بهَا إِذا رأى مَعَ ذَلِك مخيلة بِأَن رَآهَا مَعَه فِي خلْوَة فَإِن تجرد أحد الْمَعْنيين لم يحل لَهُ ذَلِك لِأَن الْخلْوَة مرّة لَا تدل على الزِّنَا نعم لَو رَآهَا مَعَه تَحت شعار على نعت مَكْرُوه حل لَهُ الْقَذْف وَإِن كَانَ لَا تحل الشَّهَادَة بِهَذَا الْقدر وَإِن رَآهَا فِي الْخلْوَة مرَارًا متكررة فَهَذَا قريب من الْمرة الْوَاحِدَة إِذا انضمت إِلَيْهِ الشُّيُوع فَإِن مُسْتَند أهل الإستفاضة هُوَ مُشَاهدَة ذَلِك مرَارًا أما نفي الْوَلَد بِاللّعانِ فَإِنَّمَا يجوز بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا تَيَقّن أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ بِأَن لم يكن وَطئهَا أَو كَانَ يعْزل قطعا أَو أَتَت بِولد قبل سِتَّة أشهر من وَقت الْوَطْء وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا مبالاة بِالْعَزْلِ وَلَيْسَ لَهُ اللّعان إِذا اعْترف بِالْوَطْءِ وَأمكن إِحَالَة الْوَلَد عَلَيْهِ أما إِذا استبرأها بِحَيْضَة بعد الْوَطْء ثمَّ أَتَت بِولد فَهَذَا هَل يُبِيح النَّفْي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن ذَلِك أَمارَة شَرْعِيَّة على النَّفْي وَلذَلِك ينْدَفع النّسَب عَن التَّابِع وَالثَّانِي أَنه إِن ظهر مَعَ ذَلِك أَمارَة الزِّنَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَن الْحيض لَيْسَ بقاطع وَالْحَامِل قد تحيض وَالثَّالِث أَنه يجوز وَلَكِن حَيْثُ يجوز النَّفْي يجب لِأَن السُّكُوت عَن إِلْحَاق الْبَاطِل حرَام إِذْ النّسَب يتَعَلَّق بِأَحْكَام كَثِيرَة وَلَكِن هَاهُنَا وَإِن جَازَ فَلَا يجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 وَقَالَ الإِمَام لَا يبعد أَن لَا يُوجب اللّعان لِأَنَّهُ إفضاح وقدح فِي الْمُرُوءَة فَنَقُول إِنَّمَا يحرم الإستلحاق كَاذِبًا أما إِذا ألحق الْفراش بِهِ وَهُوَ سَاكِت فَلَا يبعد أَن لَا يحرم السُّكُوت وَهَذَا غير منقدح فِي صُورَة الْيَقِين لِأَن أَمر النّسَب عَظِيم فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بالرسوم والمروءات وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يحل النَّفْي بِمُجَرَّد مشابهة الْوَلَد لغيره فِي الْخلق والخلق ولمخالفته للْوَلَد فِي الْحسن والقبح نعم لَو كَانَ الْأَب فِي غَايَة الْبيَاض وَالْولد فِي غَايَة السوَاد أَو الْعَكْس ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَهَذَا ينقدح إِن كَانَ مَعَ ذَلِك تظهر مخيلة الزِّنَا فَأَما مُجَرّد ذَلِك فَلَا فَلَعَلَّ عرقا قد نزع وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ يلْحق ولد المشرقي بالمغربي فَلَا شكّ فِي أَنه يُبِيح الْقَذْف ويحرمه عِنْد إِمْكَان الْعلُوق بِالْوَطْءِ وَنحن لَا نلحق النّسَب إِلَّا بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء فرع إِذا أَتَت بِولد لمُدَّة الْإِمْكَان وَلَكِن الزَّوْج رَآهَا تَزني وَاحْتمل أَن يكون من الزِّنَا فَلَو قذف ولاعن انْتَفَى فِي الظَّاهِر بِدَلِيل قصَّة الْعجْلَاني وَلَكِن لَا يُبَاح لَهُ ذَلِك مَعَ تعَارض الإحتمال ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ الْقَذْف وَاللّعان إِن ترك نفي النّسَب وَقد صَرَّحُوا بِجَوَاز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 الْقَذْف إِذا لم يكن ولد لمُجَرّد الإنتقام من الزِّنَا فَهَذَا مُحْتَمل وَغَايَة تَعْلِيله أَنه إِذا كَانَ ثمَّ ولد لم يجز نَفْيه فنسبتها إِلَى الزِّنَا بِغَيْر الْوَلَد وَتطلق الْأَلْسِنَة فِي نسبه فَلَا يُقَاوم هَذَا الْغَرَض غَرَض التشفي فليقتصر على طَلاقهَا إِن أَرَادَ نظرا لوَلَده وَالَّذِي لحقه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَرْكَان اللّعان ومجاريه وللعان سَبَب وَهُوَ الْقَذْف وَثَمَرَة وَأهل أَعنِي الْملَاعن فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَرْكَان سوى أَلْفَاظه الرُّكْن الأول الثَّمَرَة وثمرته أَرْبَعَة نفي النّسَب أَو قطع النِّكَاح أَو دفع عُقُوبَة الْقَذْف أَو دفع عَار الْكَذِب فِي الْقَذْف أما نفي النّسَب فِي النِّكَاح إِن تجرد جَازَ اللّعان لأَجله وَإِن لم تكن عُقُوبَة بعفوها مثلا وَكَذَلِكَ إِن لم يكن قطع نِكَاح بِأَن كَانَ قد أَبَانهَا وَلَو تجرد غَرَض الدّفع للعقوبة وَلم يكن ولد وَلَا قطع نِكَاح جَازَ اللّعان كَمَا لَو قَذفهَا وأبانها وَلم يكن ولد وَلَا فرق بَين أَن تكون الْعقُوبَة حدا أَو تعزيرا بِأَن تكون الزَّوْجَة أمة أَو ذِمِّيَّة أَو غير مُحصنَة على الْجُمْلَة وَفِيه وَجه بعيد أَن اللّعان لدفع التَّعْزِير غير جَائِز وَهُوَ ضَعِيف فَإِن عُقُوبَة مَحْذُورَة وَقد تَنْتَهِي إِلَى قريب من الْحَد وَهَذَا إِذا كَانَ التَّعْزِير لتكذيبه فَيكون لَهُ غَرَض فِي تَصْدِيق نَفسه وَفِي دفع الْعقُوبَة فيجتمع الغرضان فَإِن كَانَ تَعْزِير تَأْدِيب لَا تَعْزِير تَكْذِيب مثل أَن ينسبها إِلَى زنا قد قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من قبل أَو اعْترفت بِهِ فيؤدب لإيذائه بتجديد ذكر الْفَاحِشَة عَلَيْهَا وَقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله هَا هُنَا أَنَّهَا إِن طلبت ذَلِك غزر وَلم يلتعن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 وَنقل الرّبيع رَحمَه الله عزّر إِن لم يلتعن فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ يُلَاعن وَغلط الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يُلَاعن وَغلط الرّبيع وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يلتعن لِأَن اللّعان حجَّة تَصْدِيق فَكيف يُقَام على مَا ثَبت صدقه وَإِنَّمَا اندفاع الْعقُوبَة تَابع لظُهُور صدقه بِاللّعانِ وَهَذَا معترف بِهِ فَلَا يزِيدهُ اللّعان وضوحا فرعان أَحدهمَا أَن طلب الْعقُوبَة إِلَيْهَا لَا إِلَى السُّلْطَان فَإِن عفت فَهَل يُلَاعن إِذا لم يكن غَرَض آخر من نسب يدْفع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن دفع عَار الْكَذِب مَقْصُود أَيْضا وإفضاحها أَيْضا للإنتقام مِنْهَا مَقْصُود بِاللّعانِ المؤبد للْحُرْمَة فَلهُ إِقَامَة الْحجَّة وَإِنَّمَا ينْدَفع هَذَا باعترافها لَا بعفوها وَالثَّانِي أَنه لَا يُلَاعن لِأَن هَذَا غَرَض ضَعِيف وَاللّعان حجَّة ضَرُورَة فَلَا بُد من غَرَض مُهِمّ كدفع النّسَب أَو الْعقُوبَة أما قطع النِّكَاح فممكن بِالطَّلَاق أما إِذا سكتت عَن الطّلب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِجَوَاز اللّعان لِأَن غَرَضه الطّلب وَهَذَا الْخلاف يرجع إِلَى أَن طلب الْعقُوبَة هَل هُوَ شَرط اللّعان إِذا لم يكن ثمَّة غَرَض من دفع نسب وَقطع نِكَاح وَإِن كَانَت مَجْنُونَة فَوَجْهَانِ مرتبان على الْعَفو وَأولى بِالْجَوَازِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 الثَّانِي لَو قَالَ زنى بك مَمْسُوح أَو قَالَ للرتقاء زَيْنَب فَهُوَ كَلَام محَال وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّعْزِير للإيداء وَلَا سَبِيل إِلَى اللّعان إِذْ كَيفَ يُمكن من أَن يحلف على مَا يعلم أَنه كَاذِب فِيهِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْن كَمَا فِي تَعْزِير التَّأْدِيب وَهُوَ بعيد الرُّكْن الثَّانِي الْملَاعن وَشَرطه أَهْلِيَّة الْيَمين مَعَ الزَّوْجِيَّة أما أَهْلِيَّة الْيَمين فنعني بِهِ أَنه لَا يشْتَرط أَهْلِيَّة الشَّهَادَة فَيصح لعان العَبْد وَالذِّمِّيّ والمحدود فِي الْقَذْف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ الذِّمِّيّ لَا يجْبر على اللّعان إِلَّا إِذا رَضِي بحكمنا فَإِن طلبت الْمَرْأَة اللّعان وَامْتنع الزَّوْج فَهَل يجْبر فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خُصُومَة تجْرِي بَين أهل الذِّمَّة إِن رَضِي بحكمنا أحد الْخَصْمَيْنِ أما إِذا لَاعن وامتنعت وَلم ترض بحكمنا لم نجبرها على اللّعان وَلَا على الْحَد فَإِن الْحَد حق الله تَعَالَى لَا حق الزَّوْج فَلَا غَرَض للزَّوْج فِي لعانها وَهَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 لَو قذف الْمُسلم زَوجته الذِّمِّيَّة فامتنعت فَلَا نجبرها وَإِنَّمَا عَلَيْهَا حد الزِّنَا وَهُوَ حق الله تَعَالَى لَا حق الزروج نعم الْمسلمَة إِذا امْتنعت من اللّعان وَلم يطْلب الزَّوْج لعانها عرضناها لحد الزِّنَا حَتَّى تلاعن إِن شَاءَت الدّفع وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الْقَوْلَيْنِ فِي إِجْبَار الْمَرْأَة الذِّمِّيَّة وَهُوَ بعيد الشَّرْط الثَّانِي الزَّوْجِيَّة فَلَو قذف الْأَجْنَبِيّ فَلَا يُلَاعن وَالنَّظَر فِي نِكَاح ضَعِيف بِالطَّلَاق أَو الرِّدَّة وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد أما الرَّجْعِيَّة فيلاعن عَنْهَا وَلَا يتَوَقَّف على الرّجْعَة بِخِلَاف الْإِيلَاء وَالظِّهَار لِأَن مَقْصُود اللّعان نفي النّسَب وَالتَّحْرِيم المؤبد وَدفع الْحَد وكل ذَلِك لَا يُنَافِيهِ حَال الرّجْعَة أما إِذا ارْتَدَّ بعد الْمَسِيس فقذف أَو كَانَ قذفه بزنا قبل الرِّدَّة فَإِن لَاعن فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ لِعَانه كَمَا صَحَّ لعان الذِّمِّيّ فَإِن أصر تبين فَسَاد لِعَانه وَعند ذَلِك هَل يقْضِي بِوُجُوب الْحَد مَعَ جَرَيَان لعان فَاسد فِيهِ وَجْهَان سنذكر مأخذهما أما إِذا نكح نِكَاحا فَاسِدا أَو وطىء بِالشُّبْهَةِ ثمَّ قذف فَإِن كَانَ ثمَّ نسب تعرض للحوق وَأَرَادَ نَفْيه فيلاعن ويندفع الْحَد لِأَن اللّعان عندنَا يسْتَقلّ بمقصود نفي النّسَب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 وَإِن لم يكن ثمَّ نسب فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يُلَاعن وَعَلِيهِ الْحَد فَإِن ظن صِحَة النِّكَاح فلاعن عِنْد القَاضِي ثمَّ بَان فَسَاده فَهَل تنْدَفع الْعقُوبَة فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْمُرْتَد الْمصر أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان فَاسد وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحَد ينْدَفع بِالشُّبْهَةِ وَهَذِه حجَّة قَامَت على ظن الصِّحَّة فِي مجْلِس القَاضِي ثمَّ مهما جرى اللّعان فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَفِي تعلق الْحُرْمَة المؤبدة بِهِ خلاف مأخذه أَنه لم يفد تَحْرِيمًا فَكَأَن التَّأْبِيد تَابع للْحُرْمَة وَقد كَانَت هِيَ مُحرمَة وَكَذَلِكَ فِي لعانها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 خلاف يرجع حَاصله إِلَى أَنَّهَا هَل تتعرض للحد بِسَبَب لِعَانه فَمنهمْ من قَالَ نعم لقِيَام حجَّة صَحِيحَة على زنَاهَا وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن إِيجَاب الْحَد عَلَيْهَا بعيد عَن الْقيَاس فَيخْتَص بمقصود الإنتقام من تلطيخ الْفراش فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي نِكَاح صَحِيح أما إِذا قذف فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ أَبَانهَا فَلهُ أَن يُلَاعن لدرء النّسَب إِن كَانَ أَو لدفع الْعقُوبَة لِأَنَّهُ جرى الْقَذْف حَيْثُ كَانَ مَعْذُورًا فَكَانَ يجوز لَهُ اللّعان فَلَا يتَغَيَّر بِمَا يطْرَأ بعد ذَلِك أما إِذا قَذفهَا فِي النِّكَاح بزنا قبل النِّكَاح فَإِن لم يكن نسب يَنْفِيه بِاللّعانِ لم يُلَاعن وَإِن كَانَ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه قصر إِذْ ذكر التَّارِيخ فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على الْقَذْف وَاللّعان أما إِذا قذف بعد الْبَيْنُونَة فَإِن كَانَ ثمَّ ولد فَلهُ اللّعان وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قذف أَجْنَبِيَّة وَفِيه وَجه أَنه إِن أضَاف الزِّنَا إِلَى حَالَة النِّكَاح لَاعن وَهَذَا لَا وَجه لَهُ فروع الأول إِذا قَذفهَا فلاعن ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ قَذفهَا فَلَا لعان لِأَنَّهُ قذف بعد الْبَيْنُونَة وَأما الْحَد فَينْظر فَإِن قَذفهَا بذلك الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فَلَا حد وَلَكِن يلْزمه التَّعْزِير للإيذاء وَلَو قَذفهَا بزنية أُخْرَى فَقَوْلَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 أَحدهمَا وجوب الْحَد كَمَا إِذا لم يتَقَدَّم لعان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سَقَطت حصانتها فِي حَقه بِحجَّة اللّعان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالْوُجُوب وَقَالَ اللّعان حجَّة ضَرُورَة وَهُوَ حجَّة قَاصِرَة كَيفَ وَقد عَارضه لعانها فتساقطا فَلَا وَجه لإِسْقَاط الحصانة نعم إِذا حدت وَلم تلاعن فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران أما إِذا قَذفهَا بزنا مَنْسُوب إِلَى مَا قبل اللّعان سوى الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فقد صَادف حَالَة الحصانة فَالظَّاهِر أَنه يحد وَفِيه وَجه أَن انخرام الحصانة يَنْعَطِف حكمه على مَا سبق فَلَا يحد فِي الْحَال وَهِي غير مُحصنَة فِي حَقه أما إِذا كَانَ الْقَذْف من أَجْنَبِي فَهُوَ أولى بِالْتِزَام الْحَد لِأَن تسرية حكم اللّعان إِلَى غير الزَّوْجَيْنِ أبعد الثَّانِي إِذا قذف أَجْنَبِيَّة ثمَّ نَكَحَهَا ثمَّ قَذفهَا فَفِي تعدد الْحَد مَعَ اتِّحَاد الْمَقْذُوف قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَإِن لم يُلَاعن استوفى الحدان وَإِن لَاعن استوفى أَحدهمَا وَإِن قُلْنَا الْحَد مُتحد فيستوفى حد وَاحِد وَإِن لَاعن فَإِن الْحَد الأول لَا يُؤثر فِيهِ اللّعان وَإِنَّمَا ينْدَرج تَحت الْحَد الثَّانِي إِذا استوفى الثَّالِث الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النّسَب فِي ملك الْيَمين لَا ينفى بِاللّعانِ لِأَن اللّعان ورد فِي النِّكَاح فَلَو اشْترى زَوجته الرقيقة فَأَتَت بِولد لزمان لَا يحْتَمل أَن يكون من ملك الْيَمين فَلهُ النَّفْي بِاللّعانِ كَمَا بعد الْبَيْنُونَة بِالطَّلَاق وَإِن احْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين جَمِيعًا لم يُلَاعن لِأَن الْفراش الْأَخير يقطع الْفراش الأول وينسخه وَلذَلِك إِذا نكحت زوجا آخر وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل الْعلُوق من الأول وَالثَّانِي ألحق بِالثَّانِي قطعا حَتَّى فرع ابْن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 الْحداد على هَذَا وَقَالَ لَو ادّعى المُشْتَرِي الإستبراء بعد الْوَطْء لم يلْحقهُ الْوَلَد بِملك الْيَمين للإستبراء وَلَا بِملك النِّكَاح لانْقِطَاع ذَلِك الْفراش بفراش ملك يَمِين وطابقه عَلَيْهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب وَفِيه وَجه أَنه يلْحقهُ وَأَن ملك الْيَمين لَا يقطع حكم فرَاش النِّكَاح من كل وَجه الرُّكْن الثَّالِث الْقَذْف الْمُسَلط على اللّعان نسبتها إِلَى الْوَطْء الْحَرَام كَالزِّنَا وَلَو نَسَبهَا إِلَى زنا هِيَ مستكرهة فِيهِ والواطىء زَان فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجْرِي اللّعان لنفي النّسَب وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَذْف مَخْصُوص فِي كتاب الله تَعَالَى بِالرَّمْي الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشَّهَادَة وَهُوَ الزِّنَا لِأَن اللّعان انتقام مِنْهَا وإفضاح والمستكرهة لَا تسْتَحقّ ذَلِك وَلَو نَسَبهَا إِلَى وَطْء شُبْهَة تشْتَمل الشهبة الْجَانِبَيْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بَان لَا يجْرِي وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يجْرِي لِأَن الْوَلَد يُمكن أَن يلْتَحق بالواطىء بِالشُّبْهَةِ فيدور بَينهمَا ويعرض على الْقَائِف فَلَعَلَّهُ يلْحقهُ بِهِ وَإِنَّمَا اللّعان لنفي ولد لَا يكون لَهُ نسب وَهَذَا إِنَّمَا يتَّجه إِذا اعْترف الواطىء بِالشُّبْهَةِ بِالْوَطْءِ فَإِن لم يعْتَرف فَلَا بُد من تَجْوِيز اللّعان لأجل النّسَب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 أما إِذا قَالَ لَيْسَ الْوَلَد مني وَلم يضف إِلَى جِهَة فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ دائر بَين المستكرهة وَبَين الشُّبْهَة وَبَين الزِّنَا وَلَا يشْتَرط فِي الْقَذْف أَن يَقُول رَأَيْتهَا تَزني وَلَا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء خلافًا لمَالِك رَحْمَة الله عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة وَهِي خَمْسَة الأول إِذا قَذفهَا بأجنبي تعرض لحد الْأَجْنَبِيّ فَإِن لَاعن سقط عَنهُ الْحَد عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ أَقَامَ حجَّة على عين تِلْكَ الزنية فَصدق من وَجه وَالْحَد يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أثر اللّعان مَقْصُور على الزَّوْجَيْنِ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى الْأَجْنَبِيّ وَهَذَا إِذا ذكره فِي اللّعان فَإِن لم يذكرهُ فِي اللّعان فَقَوْلَانِ أَحدهمَا السُّقُوط للشُّبْهَة ولقصة الْعجْلَاني فَإِنَّهُ لم يذكر شريك بن السحماء فِي اللّعان وَذكره فِي الْقَذْف وَالثَّانِي يجب وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ لم يقم عَلَيْهِ حجَّة وَأما ابْن السحماء فَلَعَلَّهُ لم يطْلب وَنَشَأ من هَذَا نظر وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يُنَبه ابْن السحماء على ثُبُوت حد الْقَذْف لَهُ فَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن من قذف عِنْد القَاضِي فَهَل على القَاضِي أَن يُنَبه الْمَقْذُوف أَحدهمَا لَا لقصة شريك بن السحماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وَالثَّانِي نعم لقصة العسيف إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها إِذْ لم يكن الْغَرَض إِقْرَارهَا للرجم بل إنكارها ليثبت حد الْقَذْف الثَّانِي إِذا قذف نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَفِي تعدد الْحَد قَولَانِ فَإِن قذف امْرَأَته وأجنبية بِكَلِمَة وَاحِدَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بالتعدد لانقسام حكمهمَا فِي اللّعان وَلَو قَالَ لزوجته يَا زَانِيَة بنت الزَّانِيَة فقد قَذفهَا وَأمّهَا بكلمتين فَعَلَيهِ حدان وَهل يقدم حد الْمَقْذُوف أَولا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا لَو قتل شَخْصَيْنِ وَالثَّانِي لَا كَمَا لَو أتلف مَال شَخْصَيْنِ فَإِن قُلْنَا يقدم فَفِي مَسْأَلَتنَا الْمُقدم الْبِنْت فَيقدم الْحَد أَو اللّعان وَقيل إِن الْأُم هَا هُنَا تقدم لِأَن حق الْبِنْت يعرض للسقوط بِاللّعانِ دون الْأُم ثمَّ مهما حددناه بِوَاحِد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 أمهلناه حَتَّى يبرأ جلده وَلَا نوالي بَين الْحُدُود وَلَو قذف أَربع نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة وَقُلْنَا يتحد الْحَد فَفِي تعدد اللّعان وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الصِّيغَة والملاعن وَفِي الثَّانِي إِلَى تعدد النسْوَة مَعَ أَن هَذِه حجَّة تبعد عَن التَّدَاخُل فَإِن قُلْنَا يتحد اللّعان فَذَلِك ينفع إِذا توافقن فِي الطّلب أَو قُلْنَا لَا يشْتَرط طلبهن اللّعان فَإِن طلبت وَاحِدَة وَقُلْنَا يشْتَرط طلبَهَا فَلَا بُد من اللّعان عَنهُ ثمَّ يسْتَأْنف لعانا للباقيات وَحَيْثُ قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَو رضين بِلعان وَاحِد فَلَا أثر لرضاهن وَكَذَلِكَ لَو رَضِي جمَاعَة من المدعين بِيَمِين وَاحِدَة لم يُؤثر ذَلِك فِي تَغْيِير وصف الْحجَج أما إِذا قذف امْرَأَة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ بزنيتين فَفِي تعدد الْحَد وَاللّعان أَيْضا خلاف لِاتِّحَاد الْمَقْذُوف وتعدد الصِّيغَة الثَّالِث إِذا ادَّعَت عَلَيْهِ الْقَذْف فَأنْكر فأقامت الْبَيِّنَة فَأَرَادَ اللّعان فَإِن كَانَ قد أنكر بِالسُّكُوتِ أَو قَالَ أردْت بالإنكار أَنه لم يكن قذفا بل كَانَ حَقًا فَلهُ اللّعان وَإِن لم يؤول إِنْكَاره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أنكر الْقَذْف وَلَا لعان إِلَّا بِقَذْف لينشيء قذفا إِن أَرَادَ ويستفيد بِهِ دَرْء حد الْقَذْف الَّذِي ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَيْضا وَالثَّانِي أَنه يُلَاعن وإنكاره يحمل على الْمُعْتَاد فِي الْخُصُومَات كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ ملك فَقَالَ اشْتَرَيْته من زيد وَكَانَ يملكهُ فَانْتزع من يَده بِالْبَيِّنَةِ فَرجع على زيد بِالثّمن وَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْملكِ أما إِذا قَالَ مَا قذفتك وَمَا زَنَيْت فَلَا يُلَاعن إِلَّا إِذا أنشأ قذفا بِالزِّنَا يحْتَمل أَن يكون قد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 طَرَأَ بعد شَهَادَته لَهَا بِالْبَرَاءَةِ فَإِن لم يحْتَمل فَلَا يُلَاعن وَأطلق القَاضِي القَوْل بِجَوَاز اللّعان الرَّابِع إِذا امْتنع الزَّوْج عَن اللّعان اَوْ الزَّوْجَة فعرضناهما للحد فَرَجَعَا إِلَى اللّعان مكناهما من ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا كاليمين لَا يجوز الرُّجُوع إِلَيْهَا بعد النّكُول بل يلْحق اللّعان بِالْبَيِّنَةِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ بعد أَن حد ألاعن قَالَ الْأَصْحَاب لم يُمكن لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة قَالَ الْقفال إِن كَانَ ثمَّ ولد يُمكن مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا الْخَامِس إِذا قَالَ زَنَيْت وَأَنت مَجْنُونَة اَوْ أمة أَو مُشركَة وعهد لَهَا تِلْكَ الْحَال فَلَا يجب إِلَّا التَّعْزِير وَكَانَ كَمَا لَو أضَاف إِلَى الصغر وَإِن لم يعْهَد وَلم يقم الزَّوْج عَلَيْهِ بَيِّنَة سَقَطت الْإِضَافَة وَعَلِيهِ الْحَد وَفِيه وَجه أَنه لَا حد لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى تِلْكَ الْحَال انْتَفَى الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلَو قَالَ زَنَيْت مستكرهة فَفِي وجوب التَّعْزِير خلاف لِأَن ذَلِك يعيرها وَإِن لم يسنبها إِلَى مَعْصِيّة ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُلَاعن لدفع التَّعْزِير كَمَا يُلَاعن لدفع الْحَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 الرُّكْن الرَّابِع فِي صِيغَة اللّعان وَالنَّظَر فِي أَصله وتغليظاته وسننه النّظر الأول فِي أصل كَلِمَاته وَهُوَ أَن يَقُول الزَّوْج أَربع مَرَّات أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَإِن الْوَلَد من الزِّنَا وَلَيْسَ مني إِن كَانَ ثمَّ ولد وَيَقُول فِي الْخَامِسَة لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ وتقابله الْمَرْأَة فَتشهد أَربع مَرَّات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَتقول فِي الْخَامِسَة غضب الله عَليّ إِن كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماني بِهِ وَيجب على الزَّوْج إِعَادَة نفي الْوَلَد فِي كل شَهَادَة فَإِن تَركهَا مرّة لم تحسب وَلَا يجب على الْمَرْأَة إِعَادَة أَمر الْوَلَد إِذْ لَا يتَعَلَّق إثْبَاته بلعانها وَلَا تقوم عندنَا مُعظم الْكَلِمَات مقَام الْكل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالصَّحِيح أَنه يتَعَيَّن لفظ الشَّهَادَة فَلَا يجوز إبدالها بِالْحلف وَأَنه يتَعَيَّن لفظ اللَّعْن وَالْغَضَب من الْجَانِبَيْنِ وَيجب رِعَايَة التَّرْتِيب بِتَأْخِير اللَّعْن وَالْغَضَب وَتجب الْمُوَالَاة بَين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 الْكَلِمَات وكل ذَلِك ميل إِلَى التَّعَبُّد لخُرُوج الْأَمر عَن الْقيَاس وَفِيه وَجه أَنه يجوز إِبْدَال الشَّهَادَة بالقسم وإبدال اللَّعْن بِالْغَضَبِ وَكَذَا عَكسه وَأَن التَّرْتِيب والموالاة لَا تشْتَرط وكل ذَلِك تشوف إِلَى اتِّبَاع الْمَعْنى فروع ثَلَاثَة الأول يَصح عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لعان الْأَخْرَس وقذفه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله مَعَ أَن الْأَصَح أَنه لَا تقبل شَهَادَته وَلَكِن يغلب مشابه الْيَمين فِي اللّعان وَلَكِن لَا يُمكن فهم اللَّعْن وَالْغَضَب مِنْهُ وَهُوَ تعبد لَفْظِي فالطريق أَن يُكَلف الكتبة مَعَ الْإِشَارَة إِن قدر أَو يَقُول لَهُ نَاطِق لعنة الله عَلَيْك إِن كَانَ كَذَا فَيَقُول نعم أما إِذا اعتقل لِسَانه بعد الْقَذْف وَقَالَ أهل الصِّنَاعَة إِنَّه سينطلق لِسَانه على قرب أمهلناه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا مزِيد فِي مهلته على ثَلَاثَة أَيَّام إِذْ تَأْخِير حد الْقَذْف إِضْرَار بالمقذوف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 وَمهما لَاعن بِالْإِشَارَةِ ثمَّ انْطلق لِسَانه فَقَالَ لم أرد قذفا وَلَا لعانا لم يقبل الثَّانِي الأعجمي الْعَاجِز عَن الْعَرَبيَّة يلقن معنى اللَّعْن وَالْغَضَب بِلِسَانِهِ كَمَا فِي كلمة التَّكْبِير وَالنِّكَاح ثمَّ القَاضِي ينصب ترجمانا وَلَا بُد من الْعدَد لِأَنَّهُ فِي حكم شَهَادَة وَهل يَكْتَفِي بِاثْنَيْنِ أم لَا بُد من أَربع لما فِيهِ من إِثْبَات زنَاهَا فِيهِ خلاف الثَّالِث لَو مَاتَ الزَّوْج فِي أثْنَاء كَلِمَات اللّعان لم يَنْقَطِع النِّكَاح وَلحق النّسَب وَلم تقم الْوَرَثَة مقَامه فِي اللّعان أصلا وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة فِي خلال لِعَانه اسْتكْمل الزَّوْج إِن كَانَ ثمَّ ولد فَإِن لم يكن فَلَا حَاجَة إِلَى لِعَانه إِن قُلْنَا إِن الزَّوْج يَرث حد الْقَذْف ويتضمن سُقُوط بعضه سُقُوط الْكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 النّظر الثَّانِي فِي التغليطات وَهِي بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالْجمع أما الزَّمَان فبأن يُؤَخر إِلَى بعد الْعَصْر فَإِنَّهُ وَقت شرِيف وَإِن لم يكن طلب حثيث فَإلَى الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة أما الْمَكَان فبأن يُلَاعن فِي أشرف الْمَوَاضِع فَإِن لَاعن وَهُوَ بِمَكَّة فَبين الرُّكْن وَالْمقَام وبالمدينة فَبين الْمِنْبَر والقبر وبالقدس عِنْد الصَّخْرَة وَفِي سَائِر الْبِلَاد فِي مَقْصُورَة الْجَامِع ويلاعن الذِّمِّيّ فِي أفضل مَوضِع عِنْدهم من بيعَة وكنيسة سوى بيُوت الْأَصْنَام فَلَا يَأْتِيهَا أصلا وَفِي بيُوت النيرَان للمجوس خلاف وَالظَّاهِر أَن الزنديق يغلظ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجِهَات ليناله شؤمه وَإِن لم يَعْتَقِدهُ وَالْحَائِض تلاعن على بَاب الْمَسْجِد وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَقَالَ جوز للمشركة اللّعان فِي الْمَسْجِد وَرُبمَا تكون حَائِضًا وَاخْتلفُوا فِي الْمُشرك الْجنب فَمنهمْ من قَالَ لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا فِي الْأَحْكَام وَإِن كَانُوا يؤاخذون عِنْد الله تَعَالَى أما الْجمع فَلَا بُد من حُضُور جمَاعَة لقَوْله تَعَالَى {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} وَلَا يَنْبَغِي أَن ينقصوا عَن عدد شَهَادَة الزِّنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 والتغليظ بِالْمَكَانِ مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ فِيهِ قَولَانِ وَفِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْجمع طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بالإستحباب وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ أما جَرَيَان ذَلِك فِي مجْلِس الحكم فَشرط قطعا فَلَو تلاعنا فِي الْبَيْت لم يَصح إِلَّا عِنْد الْمُحكم على قَول جَوَاز التَّحْكِيم فِي الْعُقُوبَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 النّظر الثَّالِث فِي السّنَن وَهِي ثَلَاثَة الأول أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بَين الْعجْلَاني وَزَوجته على الْمِنْبَر فَقيل كَانَ الْعجْلَاني على الْمِنْبَر وَلَعَلَّه الْأَلْيَق للشهرة وَقيل كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فعلى هَذَا يسن للْقَاضِي صعُود الْمِنْبَر الثَّانِي أَن يهدد كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ ويخوفهما بِاللَّه فلعلهما يتصادقان فَيَقُول للرجل مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله عَنهُ وفضحه على رُءُوس الْأَوَّلين والآخرين ويروي للْمَرْأَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلنْ يدخلهَا الله جنته وَحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 الْمِعْرَاج أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بنسوة معلقات بثديهن فَقَالَ لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام من هَؤُلَاءِ فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هن اللَّاتِي ألحقن بأزواجهن من لَيْسَ مِنْهُم يَأْكُل حرائبهم وَينظر إِلَى عَوْرَاتهمْ الثَّالِث أَن يَأْتِي الرجل عِنْد الْخَامِسَة رجل من وَرَائه فَيَضَع يَده على فِيهِ وَيَقُول صَاحب الْمجْلس للملاعن اتَّقِ الله فَإِنَّهَا مُوجبَة وَالْمَرْأَة تأتيها امْرَأَة من وَرَائِهَا وَيُقَال لَهَا كَذَلِك وَالله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي جَوَامِع أَحْكَام اللّعان وَحكم الْوَلَد خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما أَحْكَام اللّعان فخمسة وُقُوع التَّفْرِقَة وتأبد الْحُرْمَة وَسُقُوط حد الْقَذْف وَانْتِفَاء النّسَب وَوُجُوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا وَجُمْلَة ذَلِك تتَعَلَّق بِلعان الزَّوْج وَلَا يتَعَلَّق بلعانها إِلَّا سُقُوط الْحَد عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْفرْقَة تتَعَلَّق بلعانهما وَقَضَاء القَاضِي وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تتَعَلَّق بلعانهما وَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا بلعانه عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تتأبد الْحُرْمَة عِنْده بل يحل لَهُ نِكَاحهَا مهما كذب نَفسه أَو خرج عَن أَهْلِيَّة الشَّهَادَة بِأَن يخرس أَو يحد فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 الْقَذْف نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن هَذِه الْحُرْمَة هَل تشْتَمل ملك الْيَمين وَهل تتَعَلَّق بِاللّعانِ فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَبعد الْبَيْنُونَة أما حكم الْوَلَد وانتفائه ولحوقه فَفِيهِ ثَلَاثَة فُصُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 الْفَصْل الأول فِيمَن يلْحقهُ النّسَب وَهُوَ كل من يُمكن أَن يُولد لَهُ وَالنَّظَر فِي الصَّبِي والمجبوب والخصي أما الصَّبِي فإمكان الْعلُوق مِنْهُ بعد كَمَال السّنة الْعَاشِرَة فيلحقه ولد أَتَت بِهِ زَوجته لسِتَّة أشهر بعد السّنة الْعَاشِرَة وَقيل يُمكن الْعلُوق فِي أثْنَاء الْعَاشِرَة ويلحقه الْوَلَد بعد الْعَاشِرَة وَمهما أَتَت بِهِ قبل الْإِمْكَان لم يفْتَقر إِلَى اللّعان إِذْ لَا يلْحقهُ وَمهما لحقه فَقَالَ ألاعن وَأَنا بَالغ يُمكن مِنْهُ فَلَو قَالَ أَنا صبي وألاعن لم يُمكن وَلَو قَالَ كذبت وَأَنا بَالغ فألاعن قبل مِنْهُ لِأَن الصَّبِي لَا يعرف بُلُوغه إِلَّا بقوله أما الْمَجْبُوب الذّكر الْبَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ فَالْوَلَد يلْحقهُ لبَقَاء أوعية الْمَنِيّ فَيحمل انزلاق الْمَنِيّ وَيحْتَمل استدخال مَائه أما المنزوع الْأُنْثَيَيْنِ الْبَاقِي ذكره فَقطع الْمُحَقِّقُونَ بلحوق الْوَلَد لبَقَاء اللآلة وَقَالَ الفوراني يرجع فِيهِ إِلَى الْأَطِبَّاء وَأما الْمَمْسُوح ذكره وأنثياه فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذْ التجربة تدل على اسْتِحَالَة الإعلاق مِنْهُ وَحَيْثُ قضينا بِأَنَّهُ لَا إِمْكَان فَلَا حَاجَة إِلَى اللّعان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْوَلَد وَله ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يكون حملا وَهل يجوز نَفْيه بِاللّعانِ قبل الإنفصال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الْحمل لَا يتَيَقَّن فَلَعَلَّهُ ريح ينفش وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يظنّ ظنا غَالِبا وَفِي التَّأْخِير خطر موت الزَّوْج ولحوق النّسَب وَهَذَا بعد الْبَيْنُونَة أما فِي صلب النِّكَاح فَالصَّحِيح أَنه يُلَاعن لِأَن الْعجْلَاني لَاعن عَن الْحمل وَلِأَن اللّعان دون الْوَلَد لمُجَرّد قطع النِّكَاح جَائِز وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَا وَجه لَهُ وَقد بنى الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ على أَن الْحمل هَل يعرف بَقينَا وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَنه لَا يعرف يَقِينا وَلَكِن الْأَحْكَام مِنْهَا مَا يثبت بِالنّظرِ وَمِنْهَا مَا لَا يثبت وَمِنْهَا مَا يتَرَدَّد فِيهِ فلأجل ذَلِك اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْمسَائِل لَا لتردده فِي أَن الْحمل لَا يتَيَقَّن الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَكُونَا توأمين من بطن وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض نفيهما فَإِن اقْتصر على نفي أَحدهمَا لم ينتف مَعَ لُحُوق الثَّانِي وَلَو نفاهما واستلحق أَحدهمَا لحقه الثَّانِي وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بتوأمين انتفيا وَلَو أَتَت بِوَاحِد فِي النِّكَاح فلاعن فَأَتَت بثان لأكْثر من سِتَّة أشهر لحقه الثَّانِي دون الأول لِأَنَّهُ من بطن أُخْرَى وَيحْتَمل الْعلُوق بعد انْفِصَال الأول وَقبل اللّعان وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بآخر لأكْثر من سِتَّة أشهر انْتَفَى من غير لعان لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الْعلُوق بِهِ فِي صلب النِّكَاح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 فرعان أَحدهمَا أَنه مهما أَرَادَ أَن يَنْفِي أَوْلَادًا عدَّة يَكْفِيهِ لعان وَاحِد وَلَا يحْتَاج كل وَاحِد إِلَى لعان الثَّانِي أَن التوأمين المنفيين بِاللّعانِ أَخَوان من الْأُم وَهل يتوارثان بأخوة الْأَب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان أبطل الْأُبُوَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن اللّعان أَثَره قَاصِر عَن الْملَاعن الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَمُوت الْوَلَد فَلهُ أَن يُلَاعن لِأَن الْمَوْت لَا يقطع النّسَب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ للْوَلَد ولد حَيّ ثمَّ عندنَا مهما اسْتَلْحقهُ بعد اللّعان لحقه فَلَو نَفَاهُ فَلَمَّا مَاتَ اسْتَلْحقهُ ليحوز مِيرَاثه لحقه وَورث مَعَ التُّهْمَة لِأَن الأَصْل هُوَ النّسَب وَيلْحق بِمُجَرَّد قَوْله وَالْمِيرَاث تَابع وَكَذَلِكَ لَو نَفَاهُ بعد الْمَوْت فَلَمَّا قسم مِيرَاثه عَاد واستلحقه فَالظَّاهِر أَنه يلْحقهُ وَيسْتَرد نصِيبه من الْمِيرَاث نظرا إِلَى ثُبُوت النّسَب وَفِيه وَجه أَنه إِذا سقط الْمِيرَاث لم يرجع إِلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يسْقط حق النَّفْي وَالصَّحِيح أَنه على الْفَوْر لِأَنَّهُ فِي حكم ضرار يدْفع بعد مَعْرفَته فَلَا وَجه للتأخير وَفِيه قَول آخر لَا بَأْس بِهِ أَنه يُمْهل ريثما يتروى فَإِن الْأَمر فِيهِ خطر وَلَعَلَّه يتَقَدَّر بِثَلَاثَة أَيَّام وَحكي قَول ثَالِث أَنه لَا يسْقط إِلَّا بالاستلحاق وَهَذَا بعيد والتفريع على أَنه على الْفَوْر فعلى هَذَا لَا يعْذر إِلَّا إِذا لم تحصل لَهُ حَقِيقَة الْمعرفَة فَلَو صَبر حَتَّى ينْفَصل الْحمل جَازَ لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن فَرُبمَا يكون ريحًا فينفش فَلَو قَالَ عرفت الْحمل وَلَكِن قلت رُبمَا تجهض فَهَل يبطل حَقه فِيهِ وَجْهَان وَلَو أخبرهُ فَاجر بِالْولادَةِ فَقَالَ لم أصدقه جَازَ وَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد فَوَجْهَانِ لقبُول رِوَايَته ورد شَهَادَته وَلَو قَالَ كنت لَا أَدْرِي أَن لي حق النَّفْي فيعذر إِن لم يكن من جملَة الْفُقَهَاء فرع لَو هَناه مهن بِالْوَلَدِ وَقَالَ متعك الله بِهِ فَقَالَ آمين فَهُوَ إِقْرَار بِالنّسَبِ فَلَا لعان بعده وَلَو قَالَ جَزَاك الله خيرا أَو أسمعك الله مَا يَسُرك لم يكن إِقْرَارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 = كتاب الْعدَد = وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام عدَّة الطَّلَاق وعدة الْوَفَاة وعدة الإستبراء فِي ملك الْيَمين أما عدَّة الطَّلَاق فَفِيهَا بَابَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي عدَّة الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وأصناف المعتدات وأنواع عدتهن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع الْأَقْرَاء وَالْأَشْهر وَالْحمل فالحرة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء إِذا طلقت بعد الْمَسِيس ومقصود هَذِه الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَلَكِن يَكْتَفِي بِسَبَب الشّغل وَلَا يشْتَرط عينه لِأَن ذَلِك خَفِي لَا يطلع عَلَيْهِ وَلذَلِك تجب الْعدة بِوَطْء الصَّبِي وبمجرد تغييبه الْحَشَفَة وَحَيْثُ علق طَلاقهَا بِيَقِين بَرَاءَة الرَّحِم وَمن دأب الشَّرْع فِي مظان التباس الْمعَانِي الْمَقْصُودَة ربط الْأَحْكَام بالأسباب الظَّاهِرَة كَمَا علق الْبلُوغ بالاحتلام وَالسّن لخفاء الْعقل وعلق الْإِسْلَام بكلمتي الشَّهَادَة مَعَ الْإِكْرَاه لخفاء العقيدة وَاعْلَم أَن الْحرَّة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَالْأمة تَعْتَد بقرأين لِأَن الْقُرْء الْوَاحِد لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 ينتصف فيكمل وَلَو عتقت قبيل الطَّلَاق فَهِيَ كَالْحرَّةِ وَإِن عتقت فِي الْقُرْأَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تستكمل إِذْ عتقت قبل الْفَرَاغ وَالثَّانِي لَا بل ينظر إِلَى حَالَة الْوُجُوب فيكفيها قرءان وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت رَجْعِيَّة عدلت إِلَى عدَّة الْحَرَائِر وَإِن كَانَت بَائِنَة قنعت بقرأين فرع إِذا وطىء أمة على ظن أَنَّهَا حليلته الْحرَّة اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء على وَجه لِأَن للظن أثرا فِي الْعدة وعَلى وَجه يكفيها قرءان نظرا إِلَى حَقِيقَة الْحَال وَلَو وطىء حرَّة على ظن أَنَّهَا امة فَلَا خلاف أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء لِأَن الظَّن يُؤثر فِي الإحتياط وَاعْلَم أَن النسْوَة أَصْنَاف الْمُعْتَادَة والمستحاضة وَالَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا فِي أَوَان الْحيض وَالصَّغِيرَة والآيسة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 الصِّنْف الأول الْمُعْتَادَة وعدتها ثَلَاثَة أَقراء على الْعَادة والأقراء هِيَ الْأَطْهَار عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هِيَ الْحيض وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ وَاسْتشْهدَ كل فريق بِدلَالَة وَالَّذِي صَحَّ عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الشواهد متعارضة وَأَن الْقُرْء فِي اللُّغَة مُشْتَرك بَين الطُّهْر وَالْحيض كالجون مُشْتَرك بَين الضَّوْء والظلمة وَقد قَالَ الشَّاعِر ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَإِنَّمَا يضيع الطُّهْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك وَهِي أَيَّام الْحيض لَو كن تعلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} فَقَالَ الْأَمر يتَنَاوَل الطَّلَاق السّني وَهُوَ الَّذِي فِي الطُّهْر فَيَنْبَغِي أَن يستعقب الإحتساب بالعدة وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذا طلقت فِي الطُّهْر لم تحتسب بَقِيَّة الطُّهْر كَمَا أَنَّهَا لَو طلقت فِي الْحيض لم تحتسب عندنَا مُدَّة الْحيض وَيشْهد لَهُ أَن مَقْصُود الْعدة الْعُزْلَة عَن الزَّوْج وَلَقَد كَانَت فِي مُدَّة الْحيض معتزلة فِي صلب النِّكَاح فجدير أَن يكون الطُّهْر هُوَ ركن الْعدة فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبيل آخر جُزْء من الطُّهْر فالجزء الْأَخير يحْسب قرءا وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول آخر أَن الْقُرْء هُوَ الإنتقال من الطُّهْر إِلَى الْحيض فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع لكَون الإسم مُطلقًا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ولانه يُقَال قَرَأَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 النَّجْم إِذا طلع وَقَرَأَ إِذا عزب وَهُوَ مشْعر بالإنتقال والجديد هُوَ الأول وَتظهر فَائِدَة الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر جُزْء من الطُّهْر حصل بالإنتقال قرء على هَذَا القَوْل وَلم يحصل على الْجَدِيد بل لَا بُد من ثَلَاثَة أطهار بعد الطَّلَاق وَهَذَا فِي طهر محتوش بدمين أما طهر الصَّغِيرَة هَل هُوَ قرء فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه طهر وَلَكِن لم يتقدمه حيض فعلى هَذَا لَو طلق الصَّغِيرَة فَحَاضَت قبل الْأَشْهر فعلَيْهَا ثَلَاثَة أطهار بعد الْحيض وَلَو قَالَ للصغيرة أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة وَقعت فِي الْحَال وَاحِدَة إِن قُلْنَا إِنَّه قرء وَإِلَّا فَلَا يَقع حَتَّى تطهر بعد الْحيض وَكَذَلِكَ يظْهر أثر الْخلاف فِي دَعْوَاهَا انْقِضَاء الْعدة وَمُدَّة الْإِمْكَان فِيهِ وَمِمَّا لَا بُد من التنبه لَهُ أَن الطُّهْر الْأَخير إِنَّمَا يتَبَيَّن كَمَاله بِالشُّرُوعِ فِي الْحيض الَّذِي بعده وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بلحظة وَاحِدَة وَنقل الْبُوَيْطِيّ رَحمَه الله عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنه لَيْسَ بِدَم فَسَاد وَمن الْأَصْحَاب من حمل ذَلِك على الإحتياط وَقطع النّظر باللحظة وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن رَأَتْ على الْعَادة فاللحظة تَكْفِي وَإِن رَأَتْ قبل ذَلِك فَلَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ لَا خلاف أَنه لَيْسَ من الْعدة وَإِنَّمَا هُوَ للتبيين الصِّنْف الثَّانِي المستحاضات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن كَون مُمَيزَة أَو حافظة للْعَادَة وَالْوَقْت فَترد إِلَى التَّمْيِيز أَو الْعَادة وَلَا يخفى أمرهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة أَو ناسية للْعَادَة وَالْوَقْت فيكتفي مِنْهَا بِثَلَاثَة أشهر إِذْ الشَّهْر الْوَاحِد يَدُور فِيهِ الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا ثمَّ إِن طلقت فِي آخر الشَّهْر يكفيها ثَلَاثَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي وسط الشَّهْر فَكَانَ الْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا يكفيها بَقِيَّة الشَّهْر وشهران بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ أقل فَفِيهِ خلاف لأجل اضْطِرَاب النَّص وَمن لَا يحْتَسب بِهِ يَقُول يحْتَمل أَن يكون جَمِيع بَقِيَّة الشَّهْر حيضا وَمن يحْتَسب يَقُول أَن الطُّهْر يَقع آخر الشَّهْر وَالْحيض مَعَ أول الشَّهْر حَتَّى قَالُوا يحْسب بَقِيَّة الشَّهْر قرءا وَإِن لم يبْق إِلَّا يَوْم وَلَيْلَة وَهَذَا تحكم يُخَالف الْوُجُود فَإِن قيل على قَول الإحتياط فِي الْمُسْتَحَاضَة لم يكتف بِثَلَاثَة أشهر وَيحْتَمل أَن يزِيد الطُّهْر على ثَلَاثَة أشهر فَلم لَا يحْتَاط فِي الْعدة قُلْنَا ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنَّهَا تُؤمر بالإحتياط والتربص إِلَى سنّ الْيَأْس أَو أَربع سِنِين أَو تِسْعَة أشهر كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحيض وَهُوَ مُتَّجه إِذْ الِاحْتِيَاط للنِّكَاح أهم وَلَكِن رُبمَا يفرق بِأَن حكم الْعِبَادَات مَقْصُور عَلَيْهَا وَالْعدة تَقْتَضِي السُّكْنَى وَالرَّجْعَة فيبعد أَن تتمادى وَيُمكن أَن يُقَال لَا رَجْعَة وَلَا سُكْنى إِلَّا فِي ثَلَاثَة أشهر وَيبقى تَحْرِيم النِّكَاح تعبدا عَلَيْهَا وَلَكِن الضرار يعظم فِيهِ فَلذَلِك يبعد قَول الإحتياط هَا هُنَا من وَجه الصِّنْف الثَّالِث الصَّغِيرَة وعدتها بِالْأَشْهرِ إِلَى أَن تحيض وَلَا مبالاة برؤيتها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 الدَّم قبل تَمام تسع سِنِين فَإِن ذَلِك لَيْسَ بحيض وَلَو طلقت فرأت الدَّم بعد مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإستئناف وَإِن كَانَ قبل تَمام الشَّهْر استأنفت الْعدة بِالْأَقْرَاءِ فَإِنَّهَا الأَصْل وَمَا مضى من الطُّهْر هَل يحْسب قرءا فعلى الْخلاف الْمَذْكُور فَأَما الآيسة إِذا حَاضَت فيحسب لَهَا بَقِيَّة الطُّهْر قرءا لِأَن طهرهَا محتوش بدمين وَإِن طَال بهَا الْعَهْد وَمهما انْكَسَرَ الشَّهْر الأول يتمم بِثَلَاثِينَ من الشَّهْر الْأَخير وَيَكْفِي شَهْرَان آخرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَفِيه وَجه مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه إِذا انْكَسَرَ شهر فقد انْكَسَرَ الْجَمِيع فَلَا بُد من تسعين يَوْمًا وَالْعدة بِالْأَشْهرِ لَا تكون إِلَّا فِي الصَّغِيرَة والأيسة وَهُوَ أحد نَوْعي الْعدة وَهَذَا كُله فِي الْحرَّة فَأَما الْأمة الْمَنْكُوحَة فَإِنَّهَا تَعْتَد بقرأين عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الْقُرْء لَا ينتصف كَمَا يملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَالْعدة بِالنسَاء فَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه تَعْتَد بِشَهْر وَنصف لِأَنَّهُ يقبل التجزئة وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَن الْقُرْأَيْنِ فَإِنَّهُمَا قد تأصلا فَلَا ينظر إِلَى السَّبَب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 وَقد نَص فِي أم وَالْولد إِذا أعتقت على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يكفيها شهر وَاحِد بَدَلا عَن قرء وَاحِد فِي الإستبراء وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع من عَلامَة الْبَرَاءَة لَا يخْتَلف بِالرّقِّ فَيخرج من هَذَا قَول ثَالِث فِي الْمَنْكُوحَة أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر الصِّنْف الرَّابِع الَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا نظر فَإِن تَأَخَّرت حَيْضَتهَا من الصغر فَلم تَحض أصلا فعدتها بِالْأَشْهرِ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {واللائي لم يحضن} وَإِن حَاضَت ثمَّ تَأَخّر إِن كَانَ بِمَرَض ظَاهر أَو رضَاع فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تربص الْحيض أَو سنّ الْيَأْس فَعِنْدَ سنّ الْيَأْس تَعْتَد بِالْأَشْهرِ أما إِذا لم يكن الإنقطاع لعِلَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنَّهَا تصبر إِلَى سنّ الْيَأْس كَمَا إِذا كَانَ لعِلَّة لِأَن الْأَشْهر ورد فِي الْقُرْآن فِي اللائي لم يحضن واللائن يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْقسمَيْنِ وَلِأَن الْحيض لَا يَنْقَطِع إِلَّا لعِلَّة وَإِن خفيت وَفِي الْعلَّة تربص قطعا فَإِن فِيهِ مَذْهَب عُثْمَان وَزيد وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فِي زَوْجَة حبَان بن منقذ فِي مثل هَذِه الْحَالة وَفِيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 أَيْضا مَذْهَب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تستضر بِالصبرِ إِلَى سنّ الْيَأْس فتتربص تِسْعَة أشهر لتتبين عدم الْحمل ثمَّ تَعْتَد بعده بِثَلَاثَة أشهر للتعبد وَهُوَ قَول قديم قلد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مَذْهَب عمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا تَتَرَبَّص لنفي الْحمل أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَالْقَوْلَان الأخيران قديمان ويلتقيان على الْمصلحَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر ثمَّ ثَلَاثَة فَلَو فعلت ونكحت ثمَّ حَاضَت فَالنِّكَاح مُسْتَمر لاتصاله بِالْمَقْصُودِ وَلَو حَاضَت قبل تَمام التِّسْعَة بَطل التَّرَبُّص وانتقلت إِلَى الْأَقْرَاء وَإِن لم يعاودها وَجب عَلَيْهَا اسئتناف التِّسْعَة لِأَن مَا سبق كَانَ للإنتظار وَقد بَطل فَلَا يقنع حُصُول الْبَرَاءَة فَإِن التَّعَبُّد أغلب على الْعدة أما إِذا حَاضَت بعد الشُّرُوع فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَرَاء التِّسْعَة ثمَّ لم يعاودها الدَّم فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف التَّرَبُّص بالتسعة وَلَكِن مَا سبق من مُدَّة الْعدة فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة هَل تحسب حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 تبني عَلَيْهِ الْبَاقِي أَو تسْتَأْنف كَمَا تسْتَأْنف التِّسْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْبناء أَن الإنتظار هُوَ الَّذِي يبطل بطرآن الْحيض أما مَا وَقع الِاعْتِدَاد بِهِ من صلب الْعدة فَلَا التَّفْرِيع إِن أمرنَا باستئناف الْكل فَلَا كَلَام وَإِن قضينا بِالْبِنَاءِ فَفِي كيفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتم بِثَلَاثَة أشهر بِالْحِسَابِ وَالثَّانِي أَن مَا مضى يحْسب قرءا لِأَنَّهُ طَرَأَ الْحيض عَلَيْهِ ويكفيه شَهْرَان وَإِن لم يمض من الْأَشْهر قبل الْحيض إِلَّا يَوْم وَاحِد وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ جمع بَين الْبَدَل والمبدل فِي عدَّة وَاحِدَة وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الأبدال أما إِذا رَأَتْ الدَّم بعد مُضِيّ الْمَرَّتَيْنِ وَقبل النِّكَاح فالمنصوص أَنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن الْبَدَل لم يتَّصل بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَتَرَبَّص فِي انْتِظَار الدَّم وَقد وجد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحيض بعد الْفَرَاغ كالحيض بعد النِّكَاح فَلَا أثر لَهُ وكل هَذِه التفريعات جَارِيَة أَيْضا على قَوْلنَا إِنَّه تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَإِنَّمَا يخْتَلف الْمِقْدَار أما إِذا فرعنا على الْجَدِيد وَهُوَ التَّرَبُّص إِلَى سنّ الْيَأْس فَفِي سنّ الْيَأْس قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 أَحدهمَا أَنه أقْصَى مُدَّة يأس امْرَأَة فِي دهرها مِمَّا يعرف فِي الصرود والجروم الَّذِي يبلغ حَده فَإِن سَائِر الْعَالم لَا يُمكن طوفه وَالثَّانِي تعْتَبر نسَاء عشرتها من جَانب الْأُم وَالْأَب وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجْهَيْن ضعيفين أَحدهمَا النّظر إِلَى نسَاء الْعَصَبَات دون جَانب الْأُم كَمَا فِي مهر الْمثل وَالثَّانِي النّظر إِلَى نسَاء الْبَلدة لِأَن للهواء تَأْثِيرا فِيهِ فرع على هَذَا القَوْل لَو رَأَتْ الدَّم بعد الْوُصُول إِلَى سنّ الْيَأْس لَا يَخْلُو إِمَّا أَن ترى قبل مُضِيّ الْأَشْهر أَو بعْدهَا فَإِن كَانَ قبله انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن ذَلِك حيض بالإتفاق فَإِن لم يعاودها فترجع إِلَى الْأَشْهر وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تَعْتَد بِتِسْعَة أشهر ثمَّ بِثَلَاثَة أشهر لِأَن الْيَأْس قد بَطل بطرآن الْحيض وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يكفيها ثَلَاثَة أشهر فَإِنَّهَا الْآن آيسة إِذْ لم يعاودها الدَّم لَكِن نقطع على هَذَا القَوْل بِوُجُوب اسْتِئْنَاف تَمام الْأَشْهر الثَّلَاث دون الْبناء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 لأَنا فِي هَذَا القَوْل نتشوف إِلَى الْيَقِين وَلَا يبْقى ذَلِك مَعَ طرآن الْحيض بِخِلَاف التَّفْرِيع على القَوْل الْقَدِيم أما إِذا رَأَتْ بعد الْأَشْهر فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْعدة بطلت سَوَاء رَأَتْ بعد النِّكَاح أَو قبله لِأَن مُطلق بِنَاء الْيَقِين على هَذَا القَوْل وَقد فَاتَ بِالْحيضِ وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قبل النِّكَاح استأنفت الْأَشْهر وَإِن كَانَ بعد النِّكَاح فَلَا ينقص الحكم وَالثَّالِث أَنه لَا يجب الإستئناف فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَن الْأَشْهر قد تمت وَحصل الْحل فَلَا ينظر إِلَى مَا بعده ويلتفت هَذَا على الْخلاف فِي المعضوب إِذا حج عَنهُ ثمَّ زَالَ العضب نَادرا أَنه هَل يجب الإستئناف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 النَّوْع الثَّانِي الْمُعْتَدَّة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ فِي الصبية والآيسة وَقد ذَكرْنَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 النَّوْع الثَّالِث عدَّة الْحَامِل وَفِيه فصلان الأول فِي شُرُوطه وَلَا تَنْقَضِي الْعدة إِلَّا بِوَضْع حمل تَامّ من الزَّوْج فهما شَرْطَانِ الأول أَن يكون من الزَّوْج أَو مِمَّن مِنْهُ الْعدة فَلَو مَاتَ الصَّبِي أَو فسخ نِكَاحه فَولدت زَوجته من الزِّنَا لم تنقض بِهِ الْعدة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ زَوْجَة الْمَمْسُوح وكل ولد منفي عَن الزَّوْج قطعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 أما الْحمل الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ فتنقضي الْعدة بِوَضْعِهِ لِأَن القَوْل فِي الْعدة قَوْلهَا وَهِي تَقول إِنَّه من الزَّوْج فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ إِذا ولدت فَأَنت طَالِق فَولدت وشرعت فِي الْعدة فَأَتَت بِولد آخر بعد سِتَّة أشهر من الْولادَة الأولى فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا تَنْقَضِي لِأَنَّهُ منفي عَن الزَّوْج وَالثَّانِي تَنْقَضِي لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من وَطْء شُبْهَة من الزَّوْج بعد الْولادَة الأولى فَهُوَ كالمنتفي بِاللّعانِ وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن ادَّعَت وطئا مُحْتَرما على الزَّوْج بعد الْولادَة انْقَضتْ الْعدة وَإِن كَانَ القَوْل قَوْله فِي نفي الْوَلَد وَلَكِن الإحتمال لَا يَنْقَطِع بِهِ وَإِن لم تدع لم تنقض الثَّانِي إِذا نكح حَامِلا من الزِّنَا ثمَّ طَلقهَا وَهِي ترى الأدوار وَقُلْنَا إِن دم الْحَامِل دم فَسَاد فَلَا أثر لَهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَهَل تَنْقَضِي الْعدة بِهِ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 أَحدهمَا نعم لِأَن حمل الزِّنَا لَا يُؤثر فِي الْعدة فَينْظر إِلَى الْأَقْرَاء وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَقْرَاء تُؤثر حَيْثُ تدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا يدل عَلَيْهِ فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد وضع الْحمل الشَّرْط الثَّانِي وضع الْحمل التَّام وَيخرج عَلَيْهِ ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت حَامِلا بتوأمين لَا تَنْقَضِي الْعدة بِوَضْع الأول حَتَّى تضع الثَّانِي وأقصى مُدَّة بَين التوأمين سِتَّة أشهر فَمَا جَاوز ذَلِك فَهُوَ حمل آخر الثَّانِيَة لَو انْفَصل بعض الْوَلَد لم تنقض الْعدة حَتَّى ينْفَصل بِكَمَالِهِ وَحكم الْمُنْفَصِل بعضه حكم الْجَنِين فِي الْغرَّة وَنفي الْإِرْث وتسرية الْعتْق إِلَيْهِ من الْأُم وَبَقَاء الرّجْعَة وَالْعدة والتبعية فِي الْهِبَة وَالْبيع وَغَيرهمَا وعزي إِلَى الْقفال أَنه إِذا صرخَ واستهل فقد تَيَقنا وجوده فَلهُ حكم الْمُنْفَصِل إِلَّا فِي الْعدة فَإِن بَرَاءَة الرَّحِم تحصل بانفصاله الثَّالِثَة لَو أجهضت جَنِينا ظهر عَلَيْهِ التخطيط وَالصُّورَة فَهُوَ تَامّ وتنقضي بِهِ الْعدة وَإِن كَانَت الصُّورَة بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهَا إِلَّا القوابل فَإِن كَانَت علقَة فَلَا حكم لَهَا إِذْ لَا نتيقن أَنه أصل الْوَلَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 وَإِن كَانَ لَحْمًا وَلم يظْهر عَلَيْهِ تخطيط للقوابل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انْقِضَاء الْعدة وَنَصّ على أَن الإستيلاد لَا يحصل بِهِ وَلَا غرَّة فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا بِأَن الْعدة فِي الْكتاب تتَعَلَّق بِوَضْع الْحمل وَهَذَا حمل والإستيلاد يتَعَلَّق بِالْوَلَدِ وَهَذَا لَيْسَ بِولد والغرة بدل مَوْلُود وَهَذَا لَيْسَ بمولود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 الْفَصْل الثَّانِي فِي ظُهُور أثر الْحمل وَحَقِيقَته بعد الإعتداد بِالْأَقْرَاءِ وَفِيه مسَائِل الأولى الْمُعْتَدَّة بِالْأَقْرَاءِ إِذا ارتابت وتوهمت حملا بعد تَمام الْأَقْرَاء فَإِن كَانَت بِحَيْثُ يحكم فِي الظَّاهِر بِأَنَّهَا حَامِل فَيحرم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلَو استشعرت ثقلا وتوهمت فَهِيَ المرتابة فَلَو نكحت قبل زَوَال الرِّيبَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُخْتَصر أَن النِّكَاح مَوْقُوف وَنَصّ فِي مَوضِع آخر أَنه بَاطِل فَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ بَان الحيال لِأَنَّهُ بني على سَبَب ظَاهر وهوالعدة فَلَا أثر للتَّحْرِيم بريبة وَلَا أصل لَهَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَاخْتلفُوا فِي أَصله فَقيل إِن أَصله قولا وقف الْعُقُود كَمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَقيل هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ غير مَبْنِيّ على أصل بل مأخذه الْقَوْلَانِ فِي أَن من شكّ فِي عدد الرَّكْعَات بعد الْفَرَاغ هَل يلْزمه التَّدَارُك وَهَذَا الْقَائِل يفرق بَين إِن شكّ قبل تَمام الْأَقْرَاء أَو بعده وَالْقَائِل الأول لَا يفرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 الثَّانِيَة إِذا اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ وَلم تنْكح فَأَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الزَّوْج ألحق بِهِ وأقصى مُدَّة الْحمل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَربع سِنِين وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله سنتَانِ والأربع تحسب من وَقت الطَّلَاق إِن كَانَ بَائِنا وَإِن كَانَ رَجْعِيًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا من وَقت الطَّلَاق وَالثَّانِي من وَقت انْقِضَاء الْعدة لِأَن الرَّجْعِيَّة فِي حكم زَوْجَة فعلى هَذَا لَو أَتَت بِولد لعشر سِنِين مثلا من وَقت الطَّلَاق لحق بِهِ لِأَن الْعدة يتَصَوَّر أَن تطول بتباعد الْمدَّة وَنحن نكتفي بالإحتمال وَمِنْهُم من استعظم هَذَا فَقَالَ لَا نزيد فِي الْعدة على ثَلَاثَة أشهر نضيفها إِلَى أَربع سِنِين فَإِنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن مَا قَالَه لَا يَنْفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 الإحتمال فَلَا وَجه لَهُ الثَّالِثَة إِذا نكحت ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الأول وَمن الثَّانِي جَمِيعًا ألحق بِالثَّانِي لِأَن فرَاش الثَّانِي نَاسخ للْأولِ فَلَا سَبِيل إِلَى إبِْطَال نِكَاح جرى على الصِّحَّة أما إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا بِأَن جرى فِي أثْنَاء الْعدة بِأَن ظن انقضاءها فَيعرض الْوَلَد على الْقَائِف فَإِن ذَلِك كَوَطْء شُبْهَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال نِكَاح صَحِيح ثمَّ الْفراش الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ احْتِمَال الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هُوَ الْوَطْء أَو مُجَرّد العقد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه بِالْوَطْءِ وَلَا يلْحقهُ بِمُجَرَّد العقد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي انْقِطَاع هَذَا الْفراش بِالتَّفْرِيقِ أَو بآخر وَطْأَة ويلتفت هَذَا على أَن الْعدة هَل تَنْقَضِي مَعَ مجالسة الزَّوْج زَوجته وَعَلِيهِ يخرج أَن لُحُوق الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هَل يقف على الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَإِن أحوجناه إِلَى الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَالظَّاهِر أَنه لَا يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء بل بِاللّعانِ وَفِيه وَجه أَنه كملك الْيمن الرَّابِعَة فِي النزاع فَلَو قَالَ طلقت بعد الْولادَة فلي الرّجْعَة فَإنَّك مُعْتَدَّة فَقَالَت بل طلقت قبل الْولادَة فَالْقَوْل قَوْله فِي وَقت الطَّلَاق سَوَاء كَانَ وَقت الْولادَة معينا بالإتفاق أَو مُبْهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 وَلَو اتفقَا على وَقت الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي وَقت الْولادَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا لَو اتفقَا على الْإِشْكَال فَالْأَصْل بَقَاء سُلْطَان الرّجْعَة واستمرار النِّكَاح وَإِن جزمت الدَّعْوَى فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلَيهِ أَن يحلف جزما أَو تنكل حَتَّى ترد الْيَمين عَلَيْهَا وَلَو جزم الدَّعْوَى وَقَالَت لَا أَدْرِي فالزوج على الإرتجاع وَهِي مدعية فَلَا تسمع الدَّعْوَى مَعَ الشَّك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تدَاخل العدتين عِنْد تعدد سَببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالسَّبَب إِمَّا الْوَطْء وَإِمَّا الطَّلَاق أما الْوَطْء فتعدده إِمَّا من شَخْصَيْنِ وَإِمَّا من شخص وَاحِد أما من شخص وَاحِد فَهُوَ أَن يطلقهَا ثمَّ يَطَؤُهَا بِالشُّبْهَةِ فتتداخل العدتان إِذا اتفقتا بِأَن لم يكن إحبال وَكَانَت من ذَوَات الْأَشْهر أَو الْأَقْرَاء فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر أَو ثَلَاثَة أَقراء فتنقضي العدتان وَلَو كَانَ قد انْقَضى قرءان فَوَطِئَهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء واندرج الْقُرْء الثَّالِث فِي الْقُرْء الأول حَتَّى تتمادى الرّجْعَة إِلَى انْقِضَاء هَذَا الْقُرْء ثمَّ لَا رَجْعَة فِي الْقُرْأَيْنِ الباقيين لانهما من الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمعنى التَّدَاخُل أَن الْقُرْء الأول الْمُشْتَرك تأدت بِهِ عدتان أما إِذا اخْتلفت العدتان بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَفِي تداخلهما وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا أَن التَّدَاخُل كالمتفقتين وَالثَّانِي لَا لِأَن الإندراج والتداخل يَلِيق بالمتجانسات فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَسَوَاء طَرَأَ الْحمل على الْوَطْء أَو طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل فتتمادى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 الرّجْعَة وَالْعدة إِلَى وضع الْحمل وتنقضي الْعدة بِهِ وَإِن قُلْنَا لَا تتداخل نظر فَإِن طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل انْقَضتْ عدَّة الطَّلَاق بِالْوَضْعِ وانقطعت الرّجْعَة واستأنفت الْأَقْرَاء بعده للْوَطْء وعَلى هَذَا لَو كَانَت ترى الدَّم أَيَّام الْحمل قَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد تَنْقَضِي بهَا عدَّة الْوَطْء إِذا قُلْنَا إِنَّه حيض وَيُؤَدِّي إِلَى انْقِضَاء عدتين مختلفتين فِي زمَان وَاحِد لجَرَيَان الصُّورَتَيْنِ وعللوا بِأَن سَبَب لُزُوم الْأَقْرَاء مُجَرّد التَّعَبُّد وَلَا تشْتَرط الْبَرَاءَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كَونهَا فِي مَظَنَّة الدّلَالَة على الْبَرَاءَة لَا بُد مِنْهُ إِذْ بِهِ يحصل التَّعَبُّد فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد الْوَضع أما إِذا كَانَت حَائِلا فِي عدَّة الطَّلَاق فأحبلها بِالْوَطْءِ انْقَطع عدَّة الطَّلَاق لِأَن الْحَبل أقوى فَإِذا وضعت رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَثبتت الرّجْعَة وَسَائِر أَحْكَامهَا من الْمِيرَاث وَغَيره فِي تِلْكَ الْبَقِيَّة وَهل تثبت قبل الْوَضع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست فِي عدَّة الطَّلَاق وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تعرض للرجعة وملتزمة لَهَا فِي الْمُسْتَقْبل فيبعد الْإِبَانَة فِي الْحَال ثمَّ الْعود إِلَى الرّجْعَة فعلى هَذَا لم يتَغَيَّر بِمَا طَرَأَ إِلَّا طول الْمدَّة وَإِلَّا فَهِيَ رَجْعِيَّة على الدَّوَام إِلَى انْقِضَاء العدتين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 ثمَّ مهما رَاجعهَا أَو جدد النِّكَاح عَلَيْهَا انْقَطَعت العدتان جَمِيعًا أما إِذا كَانَ من شَخْصَيْنِ بِأَن طَلقهَا فَوَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ غَيره لم تتداخل العدتان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن التَّعَبُّد فِي حق الزَّوْج بالعدة يَتَعَدَّد عِنْد تعددهما ثمَّ ينظر فَإِن كَانَتَا متفقتين ينظر فَإِن سبق الطَّلَاق الْوَطْء استمرت عدَّة الزَّوْج وَالرَّجْعَة إِلَى تَمام ثَلَاثَة أَقراء ثمَّ بَانَتْ واستفتحت عدَّة الْوَطْء وَلم يكن لَهُ تَجْدِيد النِّكَاح بعد شروعها فِي عدَّة الشُّبْهَة وَهل لَهُ قبل ذَلِك إِن كَانَت بَائِنَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا فِي عدته وَالثَّانِي لَا لِأَن لُزُوم الْعدة عَن الشُّبْهَة كوجودها لِأَنَّهُ لَو نَكَحَهَا لم يحل لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وَطْؤُهَا وَالرَّجْعَة تحْتَمل ذَلِك وَلَا يحْتَملهُ النِّكَاح كَمَا فِي الْمُحرمَة وَأما إِذا وطِئت فشرعت فِي الْعدة وَطَلقهَا فَفِي الإنتقال إِلَى عدَّة الطَّلَاق وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تنْتَقل لِأَن عدَّة الطَّلَاق أقوى وَالثَّانِي تستمر لِأَن السَّابِق أولى فَإِن قُلْنَا بالإنتقال رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الشُّبْهَة عِنْد تَمام عدَّة النِّكَاح وَإِن قُلْنَا تستمر استأنفت عدَّة النِّكَاح بعد عدَّة الشُّبْهَة وَثبتت الرّجْعَة فِيهَا وَفِي ثُبُوتهَا قبل ذَلِك الْخلاف السَّابِق أما إِذا كَانَتَا مختلفتين بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَعِنْدَ هَذَا يبطل النّظر إِلَى السَّبق وَتقدم عدَّة الْحمل ثمَّ النّظر فِي كَيْفيَّة الرّجْعَة وَانْقِطَاع الْعدة والإنتقال مِنْهُمَا ذَكرْنَاهُ فِي العدتين المختلفتين من شخص وَاحِد حَيْثُ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يتداخلان نعم هَذَا يُفَارِقهُ فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنه لَو رَاجعهَا وَكَانَت حَامِلا من الْأَجْنَبِيّ لم يحل الْوَطْء فَإِن كَانَت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 حَامِلا مِنْهُ وَقد بقيت عَلَيْهَا عدَّة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ فَفِي جَوَاز الْوَطْء وَجْهَان جاريان فِي وَطْء الْحَامِل من النِّكَاح بعد أَن وطِئت بِالشُّبْهَةِ أَحدهمَا الْجَوَاز إِذْ لَيست فِي عدَّة الشُّبْهَة مَا لم تضع حمل الزَّوْج وَالثَّانِي لَا لوُجُوب الْعدة الْأَمر الثَّانِي أَنَّهَا لَو كَانَت ترى صُورَة الْأَقْرَاء مَعَ الْحمل فالمصير إِلَى انْقِضَاء الْعدة بهَا مَعَ تعدد الشَّخْص بعيد وَقيل يطرد ذَلِك هَا هُنَا كَمَا فِي شخص وَاحِد الْأَمر الثَّالِث أَنه لَو أَرَادَ أَحدهمَا نِكَاحهَا وَهِي مُلَابسَة عدَّة غَيره لم يجز وَإِن كَانَت حَامِلا من الزَّوْج فنكحها وَهِي متعرضة لعدة الشُّبْهَة لَكِن بعد الْوَضع فصحة النِّكَاح تبنى على حل الْوَطْء فِي مثل هَذِه الْحَالة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا بِالْحلِّ فَذَلِك فِي دوَام النِّكَاح أما ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا يحل مَعَ لُزُوم عدَّة الشُّبْهَة هَذَا كُله فِي عدَّة الْمُسلمين أما الحربيون فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْحَرْبِيّ إِذا طلق زَوجته فَوَطِئَهَا حَرْبِيّ فِي نِكَاح وَطَلقهَا فَلَا يجمع عَلَيْهَا بَين العدتين فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَن التَّعَبُّد فِي حق الْحَرْبِيّ لَا يتَأَكَّد فَكَأَن أهل الْحَرْب كلهم شخص وَاحِد فتتداخل وَمِنْهُم من قطع بِالْفرقِ وَفرق بِأَن حق الْحَرْبِيّ يتَعَرَّض للإنقطاع بالالستيلاد فاستيلاد الثَّانِي يقطع حق الْحَرْبِيّ الأول فَإِن قيل مَا ذكرتموه فِي عدَّة الْحمل إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا علم أَن الْحمل من أَحدهمَا فَإِن احْتمل أَن يكون مِنْهُمَا فَكيف السَّبِيل قُلْنَا إِذا وضع عرض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 على الْقَائِف فَإِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا حكم بِانْقِطَاع عدته دون الثَّانِي وَإِن لم يكن قائف أَو شكل عَلَيْهِ يقْضِي بِأَن إِحْدَى العدتين انْقَضتْ على الْإِبْهَام ويتصدى النّظر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن الرّجْعَة إِن جوزناها فِي حَال مُلَابسَة عدَّة الْغَيْر فَلهُ الرّجْعَة وَإِن لم نجوزها فَعَلَيهِ أَن يُرَاجع مرَّتَيْنِ مرّة قبل وضع الْحمل وَمرَّة بعده فَلَو اقْتصر على إِحْدَاهمَا لم يستفد بِهِ شَيْئا لتعارض الإحتمالين إِلَّا أَن يقْتَصر على رَجْعَة فيوافقها إِلْحَاق الْقَائِف فنتبين صِحَّته وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَن الرّجْعَة لَا تحْتَمل هَذَا الْوَقْف كَالنِّكَاحِ الثَّانِي تَجْدِيد النِّكَاح وَلَا فَائِدَة فِي نِكَاح وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يُفِيد حلا مَعَ الإحتمال وَلَكِن لَو عقد قبل الْوَضع وَبعده فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن النِّكَاح لَا يحْتَمل مثل هَذَا الْوَقْف وَإِن احتملته الرّجْعَة الثَّالِث النَّفَقَة إِذا كَانَت بَائِنَة فَإِنَّهَا تسْتَحقّ على الزَّوْج إِمَّا للْحَمْل وَإِمَّا للحامل فَإِن كَانَ من الواطىء بِالشُّبْهَةِ فتستحق عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِنَّهَا للْحَمْل وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا وَلَكِن لَا يطْلب وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْحَال للإشكال فَإِن وضعت وَألْحق الْقَائِف بِالزَّوْجِ فلهَا طلب النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَإِن ألحق بالواطىء لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 يُطَالب لِأَن نَفَقَة الْقَرِيب تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَة الْحمل فروع سِتَّة الأول قَالَ الْأَصْحَاب لَا تَنْقَضِي عدَّة الزَّوْج إِذا كَانَ يعاشرها معاشرة الازواج وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا خَارج عَن الْقيَاس فَإِن الْعدة لَا تستدعي إِلَّا انْقِضَاء الْمدَّة مَعَ عدم الْوَطْء وَلذَلِك تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن لم تعرف الطَّلَاق وَالْمَوْت وَلم تأت بالحداد وملازمة الْمسكن وَقَالَ القَاضِي لَا نَص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ على هَذَا وَأَنا أَقُول مُخَالطَة الْبَائِن لَا تمنع فَإِنَّهُ فِي حكم الزَّانِي ومخالطة الرَّجْعِيَّة تمنع لِأَن اعتدادها فِي صلب النِّكَاح فَلَا أقل من أَن تعتضد بالإعتزال وَترك المخالطة فعلا وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ فقه فَلَا يَخْلُو عَن إِشْكَال ثمَّ على هَذَا لَا يشْتَرط الْوَطْء وَلَا دوَام المجالسة وَلَكِن الْمُعْتَاد بَين الْأزْوَاج فَإِن طَالَتْ الْمُفَارقَة ثمَّ جرت مجالسات فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة فَيحْتَمل أَن تحسب أَوْقَات الْمُفَارقَة دون أَوْقَات المخالطة وَيحْتَمل أَن يُقَال يَنْقَطِع مَا مضى وَهُوَ خبط وحيرة وَلَا تَفْرِيع على مُشكل الثَّانِي عدَّة نِكَاح الشُّبْهَة تحسب من وَقت التَّفْرِيق أَو الْوَطْء فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا من الْوَطْء فَلَو اتّفق أَنه لم يَطَأهَا بعد ذَلِك مُدَّة الْعدة تبين انْقِضَاء الْعدة وَإِذا وَطئهَا انْقَطَعت وَإِن قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا مبالاة بمخالطته بعد ذَلِك لِأَنَّهُ فِي حكم الزَّانِي وَلَا أثر لمخالطة الزناة فِي الْعدة وَهَذَا يدل على أَن مُخَالطَة الزَّوْج البائنة مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 الْعلم لَا يُؤثر وَمَعَ الْجَهْل يُؤثر عِنْد الْأَصْحَاب ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال المُرَاد بِالتَّفْرِيقِ انجلاء الشُّبْهَة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه الْمُفَارقَة بالجسد وَالظَّاهِر أَنه انجلاء الشُّبْهَة فالمخالطة بعده فِي حكم الزِّنَا الثَّالِث إِذا نكح مُعْتَدَّة على ظن الصِّحَّة وَوَطئهَا انْقَطع عدَّة النِّكَاح بِمَا طَرَأَ وَفِي وَقت انْقِطَاعه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه من وَقت العقد وَالْآخر من وَقت الْوَطْء لِأَن العقد فَاسد فَإِن قُلْنَا تَنْقَطِع بِالْعقدِ فَلَو لم تزف إِلَى الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنا نتبين أَن الْعدة لم تَنْقَطِع لِأَنَّهُ مُجَرّد لفظ وَإِنَّمَا ينقدح ذَلِك على قَول إِذا أفْضى إِلَى الزفاف أما إِذا أفْضى إِلَى مُخَالطَة وزفاف وَلَكِن انجلت الشُّبْهَة قبل الْوَطْء فَهَذَا مُحْتَمل الرَّابِع من نكح مُعْتَدَّة بِالشُّبْهَةِ لم تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد وَفِيه قَول قديم تقليدا لمَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تحرم للزجر عَن استعجال الْحل وخلط النّسَب ثمَّ لَا يجْرِي هَذَا القَوْل فِي الزَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَبْغِي الْحل الْخَامِس إِذا طلق الرَّجْعِيَّة طَلْقَة أُخْرَى بعد الْمُرَاجَعَة فتستأنف الْعدة أَو تبنى فِيهِ قَولَانِ مشهوران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 أَحدهمَا الْبناء كَمَا إِذا طَلقهَا طَلْقَة بَائِنَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا بعد قرء ثمَّ طَلقهَا قبل الْمَسِيس فَإِنَّهُ يكفيها قرءان وَلَا تسْتَحقّ إِلَّا نصف الْمهْر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي الإستئناف فَإِنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى نِكَاح جرى فِيهِ وَطْء بِخِلَاف تَجْدِيد النِّكَاح أما إِذا طَلقهَا قبل الرّجْعَة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من قَالَ تسْتَأْنف فِي تِلْكَ الصُّورَة يلْزمه أَن تسْتَأْنف هَا هُنَا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَفْرِيع فَيخرج هَذَا أَيْضا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تسْتَأْنف لِأَن الطَّلَاق الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ فَلَا يقطع الْعدة فَإِن قُلْنَا بالإستئناف فَإِن كَانَت حَامِلا فيكفيها وضع الْحمل لِأَن هَذِه بَقِيَّة تصلح لِأَن تكون عدَّة مُسْتَقْبلَة وَلَو رَاجعهَا فَوضعت ثمَّ طَلقهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء على قَول الإستئناف وعَلى قَول الْبناء وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا إِذْ لَا وَجه بعد الطَّلَاق للإستئناف وَلَا للْبِنَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 وَالثَّانِي أَنا نرْجِع إِلَى قَول الإستئناف إِذْ لَا سَبِيل إِلَى إِسْقَاط حَقهم عِنْد تعذر الْبناء أما إِذا رَاجع الْحَائِل فِي الطُّهْر الثَّالِث ثمَّ طَلقهَا قَالَ الْقفال هَذَا كالمراجعة بعد تَمام الْعدة لِأَن بعض الطُّهْر الثَّالِث قرء كَامِل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقُرْء هُوَ الْبَعْض الْأَخير الْمُتَّصِل بِالْحيضِ وَهَذَا جرى فِي النِّكَاح وَالنّصف الأول لَا يعْتد بِهِ السَّادِس لَو خَالع زَوجته بعد الْمَسِيس ثمَّ جدد نِكَاحهَا وطلق بعد الْمَسِيس لم يكن عَلَيْهَا إِلَّا عدَّة وَاحِدَة وتندرج بَقِيَّة الأولى تَحت هَذِه وَلَو مَاتَ فَهَل تندرج تِلْكَ الْبَقِيَّة تَحت عدَّة الْوَفَاة مَعَ اخْتِلَاف نوع الْعدة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي عدَّة الْوَفَاة وَحكم السُّكْنَى وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مُوجب الْعدة وقدرها وكيفيتها وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الْمُوجب وَالْقدر فَنَقُول الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة ممسوسة كَانَت أَو لم تكن وَإِن كَانَت حَامِلا فمهما وضعت حلت وَلَو فِي السَّاعَة وَيحل لَهَا غسل الزَّوْج عندنَا بعد الْعدة وَبعد نِكَاح زوج آخر وَإِن كَانَت حَائِلا فَتعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَالْأمة تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام وتنقضي الْعدة وَإِن لم تَحض فِي هَذِه الْمدَّة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله لِأَن الله تَعَالَى لم يتَعَرَّض للْحيض مَعَ تعرض النِّسَاء لَهُ وَمَالك رَحمَه الله يَقُول لَا أقل من حَيْضَة وَاحِدَة أَو وُقُوع الْحيض الْمُعْتَاد مرّة أَو مَرَّات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 فرع لَو طلق إِحْدَى امرأتيه على الْإِبْهَام وَمَات قبل الْبَيَان فعلى كل وَاحِدَة أَرْبَعَة أشهر وَعشر للإحتياط إِن كَانَتَا حائلتين غير مَدْخُول بهما وَإِن كَانَتَا حاملتين فعلَيْهِمَا التَّرَبُّص إِلَى حِين الْوَضع وَإِن كَانَتَا حائلتين من ذَوَات الْأَشْهر فعلَيْهِمَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر إِذْ تَنْقَضِي الْأَشْهر الثَّلَاث أَيْضا وَإِن كَانَتَا من ذَوَات الْأَقْرَاء فعلى كل وَاحِدَة التَّرَبُّص بأقصى الْأَجَليْنِ وَيَكْفِي غير الْمَدْخُول بهَا تربص أَرْبَعَة أشهر وَعشر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَفْقُود زَوجهَا فَإِن وصل خبر مَوته بِبَيِّنَة فعدتها من وَقت الْمَوْت عندنَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من وَقت بُلُوغ الْخَبَر وَإِن اندرس خَبره وأثره وَغلب على الظنون مَوته فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا زَوجته إِلَى أَن تقوم الْبَيِّنَة بِمَوْتِهِ وَهُوَ الْقيَاس لِأَن النِّكَاح ثَابت بِيَقِين فَكيف يقطع بِالشَّكِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِك عدَّة الْوَفَاة وَقد قلد الشَّافِعِي فِيهِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْقَدِيم وَرجع عَنهُ فِي الْجَدِيد وَقَالَ لَو قضى بِهِ قَاض نقضت قَضَاءَهُ إِذْ بَان لَهُ أَن تَقْلِيد الصَّحَابَة لَا يجوز للمجتهد وَقد طول الْأَصْحَاب فِي التَّفْرِيع عَلَيْهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط فَلَا معنى لَهُ مَعَ صِحَة الرُّجُوع عَنهُ ثمَّ على الْجَدِيد فلهَا طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا فَإِن تعذر كَانَ لَهَا طلب الْفَسْخ بِعُذْر النَّفَقَة على أصح الْقَوْلَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِحْدَاد وَذَلِكَ وَاجِب فِي عدَّة الْوَفَاة وَغير وَاجِب فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة قَولَانِ وَفِي المفسوخ نِكَاحهَا طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تجب كالمعتدة من شُبْهَة وكأم الْوَلَد إِذا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدهَا وَوجه حداد الْمُطلقَة البائنة الْقيَاس على عدَّة الْوَفَاة وَوجه الْفرق أَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق وَإِنَّمَا يَلِيق الْإِحْدَاد بالمتفجعة بِالْمَوْتِ وَالْأَصْل فِي وَجه الْإِحْدَاد قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَأفَاد هَذَا جَوَاز الْحداد ثَلَاثَة أَيَّام على الْجُمْلَة وتحريمه بعد الثَّلَاث وَبعد الْعدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وَمَعْنَاهُ ترك الزِّينَة وَالطّيب على قصد الْحداد وَإِلَّا فَلَا منع عَن ترك الزِّينَة فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة الْحداد قُلْنَا مَعْنَاهُ ترك التزين والتطيب والحداد من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع والتزين إِنَّمَا يكون بالتنظيف وَالثيَاب والحلي أما التنظف بالقلم والإستحداد وَالْغسْل وَإِزَالَة الْوَسخ فَلَا يحرم وَأما الثِّيَاب فالنظر فِي جِنْسهَا ولونها أما الْجِنْس فَتحل كلهَا سوى الإبريسم فَيحل الْخَزّ الدبيقي والكتان وَغَيره مِمَّا يحل للرِّجَال وَإِنَّمَا الإبريسم فَإِنَّمَا أحل لَهَا لأجل التزين للرِّجَال وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الإبريسم فِي حَقّهَا كالقطن فِي حق الرِّجَال وَإِنَّمَا عَلَيْهَا ترك المصبوغات من الثِّيَاب وَالْأول أصح وَأما الْحلِيّ فَيحرم مَا هُوَ من الذَّهَب لِأَنَّهَا خاصية النِّسَاء وَالظَّاهِر أَنه أَيْضا يحرم التحلي باللآلىء الْمُجَرَّدَة لِأَنَّهَا للزِّينَة وَأما التَّخَتُّم بِخَاتم يحل مثله للرِّجَال فَلَا يحرم وَأما الْمَصْبُوغ للتزين كالأحمر والأصفر والاخضر فَهُوَ حرَام من الْقطن والكتان وَغَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وَإِنَّمَا الْأسود والأكهب الكدر وَمَا لَا يتزين بِهِ فَهُوَ جَائِز وَلَا فرق بَين أَن يصْبغ بعد النسج أَو قبله وخصص أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله التَّحْرِيم بالمصبوغ بعد النسج أما الثَّوْب الخشن إِذا صبغ على خلاف الْعَادة صبغ الزِّينَة حكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ قَوْلَيْنِ وَوجه الْمَنْع أَنه من الْبعد تظهر بِهِ الزِّينَة وَأما الزِّينَة فِي أثاث الْبَيْت والفرش فَلَا تحرم وَإِنَّمَا الْحداد فِي بدنهَا وَأما الطّيب فَيحرم عَلَيْهَا مَا يحرم على الْمحرم وَيحرم عَلَيْهَا أَن تدهن رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَت لَهَا لحية كالمحرم وَلَا يحرم عَلَيْهَا أَن تدهن بدنهَا إِن لم يكن فِيهِ طيب وَإِنَّمَا يمْنَع فِي الشّعْر وَأما تصفيف الشّعْر وتجعيده بِغَيْر دهن فَفِيهِ تردد وَأما الإكتحال فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بالإثمد فاتفقوا على أَنه أَرَادَ بِهِ العربيات فَإِنَّهُنَّ إِلَى السوَاد أميل فَلَا يزينهن الإثمد أما الْبَيْضَاء فَلَا يجوز ذَلِك لَهَا إِلَّا لعِلَّة الرمد وَعَلَيْهَا أَن تكتحل لَيْلًا وتمسح نَهَارا هَكَذَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا أَن تحْتَاج إِلَى ذَلِك نَهَارا أَيْضا فَيجوز وَعَلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن إِلَّا لحَاجَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 وَلَو تركت جَمِيع ذَلِك عَصَتْ رَبهَا وَانْقَضَت عدتهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي السُّكْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن تسْتَحقّ السُّكْنَى وتستحق الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة بَائِنَة كَانَت أَو رَجْعِيَّة لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا تسْتَحقّ الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الشُّبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَلَا الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت لِأَن الْآيَة وَردت فِي النِّكَاح نعم هَل تجب فِي عدَّة الْوَفَاة قَولَانِ وَفِي عدَّة بعد انْفِسَاخ النِّكَاح طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ إِن كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا بِعَيْبِهِ اَوْ عتقهَا اَوْ كَانَ مِنْهُ وَلَكِن بعيبها أَو مَا يكون بِسَبَب مِنْهَا أما مَا ينْفَرد بِهِ الزَّوْج كردته وإسلامه فَفِيهِ قَولَانِ ومأخذ التَّرَدُّد أَن الْآيَة وَردت فِي فِرَاق الطَّلَاق وَهَذَا تردد فِي أَن فِرَاق الْمَوْت وَالْفَسْخ هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَن إِيجَاب السُّكْنَى بعد الْبَيْنُونَة كالخارج عَن الْقيَاس وَأما الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحْتَمل الْجِمَاع فَفِي سكناهَا من الْخلاف مَا فِي نَفَقَتهَا فِي صلب النِّكَاح وَكَذَلِكَ الْأمة إِذا طلقت فَإِن قُلْنَا الزَّوْج يسْتَحق تعْيين الْمسكن فِي صلب النِّكَاح فعلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن بعد النِّكَاح وَإِن قُلْنَا إِن السَّيِّد يبوئها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 بَيْتا وَطلقت فِي ذَلِك الْبَيْت فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا يلْزمهَا مُلَازمَة الْمسكن لِأَن الْعدة تلْتَفت على النِّكَاح وَقيل إِنَّه يجب ذَلِك ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا مُلَازمَة الْمسكن فَفِي وجوب لُزُوم السُّكْنَى على الزَّوْج خلاف يلْتَفت على النَّفَقَة فِي صلب النِّكَاح فَحَيْثُ كَانَ يجب النَّفَقَة تجب السُّكْنَى بعد الطَّلَاق أما النَّاشِزَة إِذا طلقت فِي دوَام النُّشُوز قَالَ القَاضِي لَا سُكْنى لَهَا إِذْ لم يكن لَهَا نَفَقَة وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهَا إِن طَلقهَا فِي مسكن النِّكَاح فَيجب عَلَيْهَا شرعا لُزُوم الْمسكن فَإِن أطاعت فِي ذَلِك فبالحري أَن تسْتَحقّ السُّكْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْمُعْتَدَّة وَهل يُبَاح لَهَا مُفَارقَة الْمسكن فَنَقُول يجب عَلَيْهَا لُزُوم الْمسكن حَقًا لله تَعَالَى فَلَا يسْقط بِرِضا الزَّوْج وَإِنَّمَا يُبَاح الْخُرُوج بِعُذْر ظَاهر والأعذار على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا يرجع إِلَى طلب الزِّيَادَة كزيارة وَعمارَة واستنماء مَال وتعجيل حج الْإِسْلَام وَلَا يجوز الْخُرُوج لمثل ذَلِك الثَّانِيَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الضَّرُورَة كوجوب الْهِجْرَة والتمكين من إِقَامَة الْحَد أَو خَافت على زَوجهَا أَو مَالهَا لِأَن الْموضع غير حُصَيْن أَو كَانَت تتأذى بأحمائها أَو تؤذيهن وكل ذَلِك تسليط على الإنتقال لِأَن هَذِه الْمُهِمَّات أقوى فِي الشَّرْع من لُزُوم الْمسكن فِي الْعدة الثَّالِثَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الْحَاجة كالخروج للطعام وَالشرَاب أَو تدارك مَال أخْبرت بِأَنَّهُ أشرف على الضّيَاع فَذَلِك أَيْضا رخصَة فِي الْخُرُوج فِي حق من لَا كافل لَهَا وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ هَذَا الْعذر نَادرا وَكَذَلِكَ حكم مُلَازمَة الْمنزل فِي السّفر إِذا كَانُوا ينتجعون ويسافرون اعتيادا فلهَا المسافرة مَعَهم وَمهما خرجت لحَاجَة فَيَنْبَغِي أَن تخرج بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْآفَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يجب على الزَّوْج وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَت الدَّار مَمْلُوكَة للزَّوْج لم يجز لَهُ إزعاجها وَلَا يجوز لَهُ مداخلتها لتَحْرِيم الْخلْوَة إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تكون هِيَ فِي حجرَة مُفْردَة بالمرافق وَعَلَيْهَا بَاب فَإِن لم يكن عَلَيْهَا بَاب أَو كَانَ مرافقها وَاحِدًا كالمطبخ والمستراح فِي الدَّار لم تجز المداخلة لِأَن التوارد على الْمرَافِق يُفْضِي إِلَى الْخلْوَة وَكَذَلِكَ تحرم المداخلة وَإِن كَانَت الدَّار فيحاء مهما لم تنفصل الْمرَافِق وَلم يحجب الْبَاب الثَّانِي أَن يكون مَعهَا فِي الدَّار محرم لَهَا فَلَا خلْوَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَ الرجل زَوْجَة أُخْرَى أَو جَارِيَة أَو محرم لَهُ وَلَو كَانَ مَعهَا أَجْنَبِيَّة أَو مُعْتَدَّة أُخْرَى فَهَل يمْنَع ذَلِك الْخلْوَة فِيهِ تردد مأخذه أَن النسْوَة المنفردات هَل لَهُنَّ السّفر عِنْد الامن بِغَيْر محرم وَلَو استخلى رجلَانِ بِامْرَأَة فَهُوَ محرم وَلَيْسَ ذَلِك كاستخلاء رجل بامرأتين وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ مِمَّن يحتشم أَو يخَاف من جَانِبه حِكَايَة مَا يجْرِي من فجور إِن كَانَ فَهُوَ مَانع للخلوة وَإِلَّا فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 فرع لَو أَرَادَ الزَّوْج بيع الدَّار وعدتها بِالْحملِ أَو الْأَقْرَاء لم ينْعَقد لِأَن الْمَنْفَعَة مُسْتَحقَّة لَهَا وَآخر الْمدَّة غير مَعْلُوم وَلَو كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَهُوَ كَبيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة إِلَّا إِذا كَانَ يتَوَقَّع طرآن الْحيض فِي الْأَشْهر فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من لم يلْتَفت إِلَى ذَلِك بِنَاء على الْحَال وَمِنْهُم من منع البيع لتوقع ذَلِك فَإِن صححنا وطرأ الْحيض كَانَ كَمَا لَو اخْتلطت الثِّمَار بِالْمَبِيعِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذْ كَانَت الدَّار مستعارة فعلَيْهَا الْمُلَازمَة إِلَى أَن يرجع الْمُعير فَإِن رَجَعَ فعلى الزَّوْج أَن يسلم إِلَيْهَا دَارا يَلِيق بهَا ويبذل الْأُجْرَة إِن لم يجد بعارية وَكَذَلِكَ إِذا انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة فَإِن مست الْحَاجة إِلَى الْأُجْرَة وأفلس الزَّوْج ضاربت الْغُرَمَاء بِأُجْرَة ثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر وَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وعادتها مُخْتَلفَة ضاربت بِالْأَقَلِّ وَإِن كَانَت مُسْتَقِيمَة فمقدار الْعَادة على الْأَصَح وَفِيه وَجه أَنَّهَا بِالْأَقَلِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حصَّتهَا لَا تسلم إِلَيْهَا وَمَا يخص الْغُرَمَاء يسلم إِلَيْهِم فالإحتياط لجانبها أولى وَكَذَلِكَ الْحَامِل تضارب لتَمام تِسْعَة أشهر فَإِن الزِّيَادَة على ذَلِك نَادِر لَا يعْتَبر هَذَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا فَإِن كَانَ غَائِبا اسْتقْرض القَاضِي عَلَيْهِ فَإِن اسْتَأْجَرت من مَالهَا بِغَيْر إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعهَا على الزَّوْج خلاف وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو كَانَت فِي دَار مَمْلُوكَة فَلَا تبَاع لحق الْغُرَمَاء لِأَنَّهَا كالمرهونة فَلَا تخرج مِنْهَا بِحَال الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أسكنها فِي النِّكَاح ضيقا لَا يَلِيق بهَا ورضيت وَطَلقهَا فلهَا أَن لَا ترْضى فِي الْعدة وتطلب مسكنا لائقا بهَا وَكَذَلِكَ لَو أسكنها دَارا فيحاء فَلهُ أَن ينقلها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 بعد الطَّلَاق إِلَى مَوضِع لَائِق بهَا لَكِن قَالَ القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب لَهَا أقرب مسكن يُمكن إِلَى مسكن النِّكَاح حَتَّى لَا يطول ترددها فِي الْخُرُوج وَمَا ذكره لَا يبعد أَن يسْتَحبّ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يُخرجهَا عَن الْبَلدة الْمَسْأَلَة الرَّابِع إِن ألزمنا السُّكْنَى فِي عدَّة الْوَفَاة فَهِيَ من التَّرِكَة فَإِن لم يكن وتبرع بِهِ الْوَارِث وَأَرَادَ إسكانها كَانَ لَهَا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا تسْتَحقّ فَلَو رَضِي الْوَارِث بملازمة مسكن النِّكَاح فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهَا ذَلِك مُطلقًا وَقيل إِن كَانَت مَشْغُولَة الرَّحِم أَو متوهمة الشّغل فَلهُ ذَلِك مُطلقًا لأجل صِيَانة المَاء وَإِن لم تكن ممسوسة فَلَا يلْزمهَا ذَلِك بل يجب عَلَيْهَا مُلَازمَة أَي مسكن شَاءَت ثمَّ هَذَا التَّعْيِين للْوَارِث وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان مسكن النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى دَار أُخْرَى ثمَّ طَلقهَا قبل الإنتقال لازمت الْمسكن الأول وَإِن طلق بعد الإنتقال لازمت الْمسكن الثَّانِي وَالْعبْرَة فِي الإنتقال بدنهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْعبْرَة بِنَقْل الْأَمْتِعَة وَإِن صادفها الطَّلَاق فِي الطَّرِيق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا تَرْجِيح الأول استصحابا وَالثَّانِي تَرْجِيح الثَّانِي لِأَنَّهَا انْتَقَلت عَن الأول وَالثَّالِث أَنَّهَا تتخير بَينهمَا للتعارض وَكَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى بَلْدَة أُخْرَى فَفِي جَوَاز الإنصراف خلاف الثَّانِيَة لَو خرجت إِلَى سفر بِإِذْنِهِ فَطلقهَا بعد مُفَارقَة عمَارَة الْبَلَد فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإنصراف لِأَن إبِْطَال أهبة سفرها إِضْرَار فَإِن فَارَقت الْمنزل دون الْبَلَد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يجب الإنصراف لِأَنَّهَا بعد لم تَنْقَطِع عَن الوطن وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك إِضْرَار بِإِبْطَال الأهبة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 وَلَا خلاف فِي أَن لَهَا الإنصراف ثمَّ إِذا مَضَت لوجهها فلهَا التَّوَقُّف إِلَى إنجاز حَاجَتهَا وَعَلَيْهَا الرُّجُوع لملازمة الْمسكن بَقِيَّة مُدَّة تَنْقَضِي فِي الطَّرِيق فَفِي وجوب الإنصراف خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يكلفها التَّقَدُّم على الرّفْقَة لأجل ذَلِك وَإِن انْقَضتْ حَاجَتهَا قبل ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ لَهَا استكمال الثَّلَاث لِأَنَّهَا مُدَّة مكث الْمُسَافِر شرعا الثَّالِثَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي سفر تِجَارَة أَو مُهِمّ فَإِن كَانَ سفر نزهة أَو مَا لَا مُهِمّ فِيهِ وَقد أذن لَهَا عشرَة أَيَّام مثلا فَطلقهَا فِي أثْنَاء الْمدَّة فَفِي جَوَاز اسْتِيفَاء الْمدَّة قَولَانِ وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي وجوب الإنصراف إِن طَلقهَا فِي الطَّرِيق وَهَكَذَا فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على حَاجَة التِّجَارَة فِي سفر التِّجَارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُهِمّ وَلَكِن انْضَمَّ الْإِذْن فِي أهبة السّفر فَاحْتمل أَن يُقَال فِي الْمَنْع إِضْرَار وَلَو أذن لَهَا فِي الإعتكاف عشرَة أَيَّام فَطلقهَا قبل الْمدَّة فَإِن قُلْنَا لَو خرجت بِمثل هُنَا الْعذر جَازَ الْبناء على الإعتكاف الْمَنْذُور فعلَيْهَا الْخُرُوج وَإِن كَانَ الإعتكاف منذورا لِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد إِذن فَهُوَ كَمَا لَو أذن لَهَا فِي الْمقَام فِي دَار أُخْرَى عشرَة أَيَّام فطلاقها يبطل ذَلِك الْإِذْن وَإِن قُلْنَا إِن الإعتكاف يبطل فَيكون فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 ضرار كَمَا فِي أهبة السّفر وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو خرجت مَعَ الزَّوْج فَطلقهَا فِي الطَّرِيق لَزِمَهَا الإنصراف لِأَنَّهَا خرجت بأهبة الزَّوْج فَلَا تبطل عَلَيْهَا أهبتها وَالْخُرُوج لغَرَض التِّجَارَة غير جَائِز لِأَنَّهُ طلب زِيَادَة وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي الدَّوَام للضرار فِي فَوَات الأهبة الرَّابِعَة إِذا أذن لَهَا فِي الْإِحْرَام وَطَلقهَا قبل الْإِحْرَام لم تحرم وَإِن كَانَ بعد الْإِحْرَام وَكَانَ بِعُمْرَة يُمكن تَأْخِيرهَا فَفِي وجوب التَّأْخِير وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح جَوَاز الْخُرُوج لِأَن فِي مصابرة الْإِحْرَام ضِرَارًا الْخَامِسَة منزل البدوية كمسكن البلدية لَكِن إِن رحلوا بجملتهم فلهَا الرحيل وَإِن رَحل غير أَهلهَا فعلَيْهَا الْمقَام فَإِن رَحل أَهلهَا وَهِي آمِنَة فِي الْمقَام فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ رَاجع إِلَى أَن ضَرَر مُفَارقَة الْأَهْل هَل يعْتَبر وَلَو كَانُوا يرجعُونَ على قرب فعلَيْهَا الْمقَام إِذْ لَا ضَرَر وَلَو ارتحلت مَعَهم فَأَرَادَتْ الْمقَام بقرية فِي الطَّرِيق جَازَ فَإِن ذَلِك أحسن من السّفر بِخِلَاف المأذونة فِي السّفر فَإِن رُجُوعهَا إِلَى الوطن أولى من الْإِقَامَة فِي قَرْيَة السَّادِسَة إِذا صادفها الطَّلَاق فِي دَار أُخْرَى أَو بَلْدَة أُخْرَى فَقَالَ ارجعي فَقَالَت طلقت بعد الْإِذْن فِي النقلَة فَأنْكر الزَّوْج الْإِذْن نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن القَوْل قَوْله وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن نقل أَنه إِن كَانَ النزاع مَعَ الْوَرَثَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَى الْفرق ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَابْن سُرَيج وَكَأن كَونهَا فِي غير مسكن النِّكَاح يشْهد لَهَا على الْوَرَثَة لَا على الزَّوْج وَمن أَصْحَابنَا من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَول وَمِنْهُم من جعلهَا على حَالين فَنَقُول إِنَّمَا جعل القَوْل قَوْله إِذا كَانَ النزاع فِي اصل اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي معنى اللَّفْظ بِأَن قَالَت أردْت بِالْإِذْنِ النقلَة وَقَالَ بل النزهة فَالظَّاهِر تصديقها فَيقبل قَوْلهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الإستبراء بِسَبَب ملك الْيَمين وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي قدر الإستبراء وَشَرطه وَحكمه أما قدره فَهُوَ قرء وَاحِد لِأَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبي أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض وللمستبرأة ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن تكون من ذَوَات الْأَقْرَاء واستبراؤها بقرء وَاحِد وَهُوَ الْحيض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى تحيض وَلِأَنَّهُ إِذا لم يعْتَبر إِلَّا قرء وَاحِد فليعتبر الْحيض فَإِنَّهُ دَلِيل على الْبَرَاءَة هَذَا هُوَ الْجَدِيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 وَفِيه وَجه آخر أَنه الطُّهْر قِيَاسا على الْعدة لِأَن التَّعَبُّد غَالب عَلَيْهِ وَلذَلِك يجب مَعَ يَقِين الْبَرَاءَة إِذا استبرأها من امْرَأَة أَو صبي التَّفْرِيع إِذا قضينا بِأَنَّهُ حيض فَلَا بُد من حيض كَامِل فَلَا يَكْفِي بقبة حيض وَإِن قُلْنَا إِنَّه طهر فَهَل يَكْفِي بَقِيَّة الطُّهْر فِيهِ خلاف لِأَن الْعدة تشْتَمل على عدد فَجَاز أَن يعبر عَن شَيْئَيْنِ وَبَعض الثَّالِث بِثَلَاثَة وَلِأَنَّهُ يجْرِي فِيهِ الْحيض مَرَّات وَلَو صَادف الْملك آخر الْحيض فانقضى طهر كَامِل بعده كفى على هَذَا القَوْل وَقيل إِنَّه لَا بُد من حيض كَامِل بعده لتحصل دلَالَة على الْبَرَاءَة فِي ملكه وَهَذَا رُجُوع إِلَى القَوْل الأول وَشَهَادَة تَضْعِيف هَذَا القَوْل الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون من ذَوَات الْأَشْهر وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَكْفِي شهر وَاحِد وَالثَّانِي أَنه لَا أقل من ثَلَاثَة أشهر لِأَنَّهُ أقل مُدَّة ضربت شرعا للدلالة على الْبَرَاءَة والأمور الطبيعية لَا تخْتَلف بِالرّقِّ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُوجب على الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت ثَلَاثَة أَقراء أَو ثَلَاثَة أشهر نظرا إِلَى حريتها فِي الْحَال وَنحن نكتفي بقرء وَاحِد نظرا إِلَى جِهَة الْملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَ من الزِّنَا لإِطْلَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله حَتَّى تضع وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَنْقَضِي بِالزِّنَا كَمَا فِي الْعدة وَقيل هَذَا يلْتَفت على أَن الْمُعْتَبر حيض أم طهر فَإِن اعْتبرنَا الْحيض من حَيْثُ إِنَّه دَلِيل الْبَرَاءَة فَكَذَلِك حمل الزِّنَا دَلِيل الْبَرَاءَة وَإِلَّا فَلَا أما حكمه فَهُوَ تَحْرِيم لوجوه الإستمتاع قبل تَمَامه إِلَّا فِي المسبية وَلِأَنَّهُ لَا يحرم فِيهَا إِلَّا الْوَطْء لِأَن الْمَانِع فِي الشِّرَاء توقع ولد من البَائِع يمْنَع صِحَة الشِّرَاء وَولد الْحَرْبِيّ لَا يمْنَع جَرَيَان الرّقّ وَإِنَّمَا استبراؤها لصيانة مَاء الْمَالِك عَن الإمتزاج بِالْحملِ فَيقْتَصر التَّحْرِيم على الْوَطْء وَمِنْهُم من سوى وَحرم استمتاع المسبية أَيْضا تبعا أما شَرطه فَإِنَّهُ يَقع بعد الْقَبْض وَلُزُوم الْملك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَلَو جرت حَيْضَة قبل قبض الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة فَفِيهِ خلاف لضعف الْملك وَالظَّاهِر أَنه يجزىء للُزُوم الْملك نعم لم يعْتد بهَا فِي الْمَوْهُوبَة قبل الْقَبْض وَفِي الْمُوصى بهَا قبل الْقبُول فَلَا أثر للقبض فِي الْوَصِيَّة وَفِي مُدَّة الْخِيَار لَا يجزىء إِذا قُلْنَا الْملك للْبَائِع وَإِن قُلْنَا للْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا قبل الْقَبْض لضَعْفه وَلَو كَانَت مَجُوسِيَّة أَو مرتدة فَأسْلمت بعد انْقِضَاء الْحيض فقد انْقَضى فِي الْملك وَلَكِن لَا فِي مَظَنَّة الإستحلال فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 وَمن خاصية الإستبراء أَنه لَيْسَ من شَرطه الإمتناع عَن الْوَطْء بل لَو وَطئهَا انْقَضى الإستبراء وَعصى بِالْوَطْءِ فَإِن أحبلها وَهِي حَائِض حلت فِي الْحَال إِذْ مَا مضى كَانَ حيضا كَامِلا وَانْقطع بِالْحيضِ فَإِن كَانَت طَاهِرا لم ينْقض الإستبراء إِلَى وضع الْحمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 الْفَصْل الثَّانِي فِي سَبَب الإستبراء وَهُوَ جلب ملك أَو زَوَاله الأول الجلب فَمن تجدّد لَهُ ملك على الْجَارِيَة هِيَ مَحل استحلاله توقف حلهَا على الإستبراء بعد لُزُوم ملكه بقرء سَوَاء كَانَ الْملك عَن هبة أَو بيع وَصِيَّة أَو إِرْث أَو فسخ أَو إِقَالَة وَسَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو حَامِلا أَو حَائِلا وَسَوَاء كَانَ الْمَالِك مِمَّن يتَصَوَّر مِنْهُ شغل أَو لَا يتَصَوَّر كامرأة أَو مجبوب أَو صبي وَسَوَاء كَانَت قد استبرأت قبل البيع أَو لم تكن وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تُوطأ لَا تستبرأ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِذا عَادَتْ بِخِيَار رُؤْيَة أَو رد بِعَيْب أَو رُجُوع فِي هبة أَو إِقَالَة قبل الْقَبْض وَأوجب فِي الْإِقَالَة بعد الْقَبْض وَألْحق أَصْحَابنَا بِزَوَال الْملك الْمُكَاتبَة إِذا عجزت وعادت إِلَى الْحل لِأَنَّهَا صائرة إِلَى حَالَة تسْتَحقّ الْمهْر على السَّيِّد وَلذَلِك تحل أُخْت الْمُكَاتبَة وَلَا خلاف فِي أَن التَّحْرِيم بِالصَّوْمِ وَالرَّهْن لَا يُؤثر أما زَوَال إحرامها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وإسلامها بعد الرِّدَّة وَطَلَاق زَوجهَا إِيَّاهَا فَفِيهِ خلاف لتأكيد هَذِه الْأَسْبَاب وَإِيجَاب ذَلِك فِي المزدوجة اولى لِأَن الزَّوْج قد اسْتحق مَنَافِعهَا ثمَّ يرجع الإستحقاق إِلَيْهِ أما إِذا اشْترى منكوحته الرقيقة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن الْحل دَائِم من شخص وَاحِد وَالثَّانِي يجب لتبدل جِهَة الْحل وَلَو بَاعَ جَارِيَته بِشَرْط الْخِيَار ثمَّ رجعت إِلَيْهِ فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لم يزل ملكه فَلَا اسْتِبْرَاء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَحرم الْوَطْء لزم الإستبراء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَلَكِن الْوَطْء جَائِز لِأَنَّهُ فسخ فها هُنَا يحْتَمل أَن يُقَال الْحل مطرد والجهة متحدة بِخِلَاف شِرَاء الزَّوْجَة فَلَا اسْتِبْرَاء وَيحْتَمل أَن ينظر إِلَى تجدّد الْملك وَبِه يُعلل اسْتِبْرَاء الْمَنْكُوحَة الْمُشْتَرَاة فرع لَو اشْترى مُحرمَة أَو مُعْتَدَّة أَو مُزَوّجَة فَفِي وجوب استبرائها بعد انْقِضَاء الْعدة أَو بعد طَلَاق الزَّوْج من غير دُخُول نُصُوص مضطربة للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقيل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب وَهُوَ الْقيَاس وَلَا يبعد أَن يتَأَخَّر الإستبراء عَن الْملك إِلَى وَقت الطَّلَاق ونزوال الْعدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن الْمُوجب جلب الْملك وَلم تكن إِذْ ذَاك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَهُوَ كَشِرَاء الْأُخْت من الرَّضَاع لَا يُوجب الإستبراء وَلما حصل الْحل لم يَتَجَدَّد ملك حَتَّى يجب بِهِ السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْملك فَنَقُول الْجَارِيَة الْمَوْطُوءَة مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لم تكن فَهِيَ فِي حكم مستفرشة فَإِذا اعتقت بعد موت السَّيِّد أَو بِالْإِعْتَاقِ فعلَيْهَا التَّرَبُّص بقرء وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أما الْمُسْتَوْلدَة فتتربص عِنْد الْعتْق وَلَكِن بِثَلَاثَة أَقراء نظرا إِلَى كمالها فِي الْحَال وَأما الْأمة فَلَا تربص عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو وَطئهَا السَّيِّد وَأَرَادَ فِي الْحَال تَزْوِيجهَا جَازَ من غير اسْتِبْرَاء وَهَذَا هجوم عَظِيم على خلط الْمِيَاه وَعِنْدنَا أَن كل جَارِيَة مَوْطُوءَة لَا يحل تَزْوِيجهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء وَكَأن هَذَا الإستبراء من نتيجة حُصُول ملك الزَّوْج فَإِن ملك السَّيِّد لم يزل إِلَّا أَنه يجب تَقْدِيمه على الْملك لِأَن النِّكَاح يقْصد لحل الْوَطْء فَلَا يُمكن عقده إِلَّا بِحَيْثُ يستعقب الْحل وَأما المُشْتَرِي فيستبرىء بعد الْملك لِأَن الشِّرَاء بِقصد الْأَغْرَاض الْمَالِيَّة فَلَا يقبل الْحجر بِسَبَب الْوَطْء نعم إِن عزم على الشِّرَاء قدم الإستبراء عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 فروع الأول لَو اشْترى المستفرشة المستبرأة تسلط على التَّزْوِيج وَأعْتق قبل التَّزْوِيج أَو بَاعَ وَأَرَادَ المُشْتَرِي التَّزْوِيج أَو أعتق المُشْتَرِي قبل الْوَطْء فَأَرَادَ التَّزْوِيج فَفِي جَوَاز ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الظَّاهِر أَنه يجوز إِذْ كَانَ يجوز قبل زَوَال الْملك فطرآن الْعتْق أَو الشِّرَاء لم يحرم تزويجا كَانَ ذَلِك جَائِزا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن زَوَال ملك الْفراش سَبَب يُوجب عدَّة الإستبراء وَقد طَرَأَ فَامْتنعَ بِهَذَا الطارىء حَتَّى يَزُول وَالثَّالِث أَن ذَلِك يمْنَع فِي الْمُسْتَوْلدَة دون الرقيقة لِأَنَّهَا بالمستفرشة أشبه وَالثَّانِي الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا واعتدت فَأعْتقهَا السَّيِّد وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْوَطْء فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ كَانَ يجوز قبل الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن عتقهَا هُوَ زَوَال ملك الْفراش وَقد صَارَت مستفرشة لَهُ بِانْقِضَاء عدتهَا وَإِن لم يَطَأهَا إِذْ عَادَتْ إِلَى فرَاشه أما إِذا قَالَ أَنْت حرَّة مَعَ آخر الْعدة فها هُنَا لم ترجع إِلَى فرَاشه فَمنهمْ من قطع بِجَوَاز التَّزْوِيج وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَجعل مُجَرّد زَوَال الْملك عَن الْمُسْتَوْلدَة سَببا للعدة الثَّالِث إِذا أعتق الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة وَهِي فِي صلب النِّكَاح أَو عدته فَالظَّاهِر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 أَن الإستبراء لَا يجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الزائل فراشا لَهُ بل هِيَ فرَاش للزَّوْج وَفِيه قَول آخر أَنه يجب لزوَال ملك السَّيِّد وَقد كَانَت مستفرشة من قبل فَإِن أَوجَبْنَا فِي الْعدة فَلَا يخفى أَنَّهُمَا لَا يتداخلان وَيبقى النّظر فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا سبق الرَّابِع إِذا أعتق مستولدته وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا فِي مُدَّة الإستبراء فَفِي جَوَازه خلاف وَالْأَظْهَر جَوَازه كَمَا لَو وَطئهَا بِالشُّبْهَةِ وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن زَوَال الْملك أوجب تعبدا بالإستبراء وَلذَلِك منع من التَّزْوِيج من الْغَيْر على وَجه مَعَ أَنه كَانَ جَائِزا قبل الْعتْق الْخَامِس الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا مَاتَ زَوجهَا وسيدها جَمِيعًا فَإِن مَاتَ السَّيِّد أَولا فعلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشر فَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا فعلَيْهَا نصف ذَلِك وَإِن استبهم فعلَيْهَا الْأَخْذ بالأحوط وَذَلِكَ ظَاهر إِذا فرعنا على الصَّحِيح فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاء للسَّيِّد وَإِن أَوجَبْنَا فَبعد مُضِيّ عدَّة الْوَفَاة لَا بُد من شهر آخر إِلَّا إِذا كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء فتكفيها حَيْضَة وَإِن جرت فِي مُدَّة الْعدة لِأَن الْمَقْصُود وجود صُورَة الْحيض بعد موت السَّيِّد وَقد حصل وَإِن لم تجر فَلَا بُد مِنْهَا بعد الْعدة وَإِن مَاتَا مَعًا فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا مَا عَادَتْ إِلَى فرَاشه وَالظَّاهِر أَن عدتهَا شَهْرَان وَشَيْء بِخِلَاف مَا لَو تقدم موت السَّيِّد بلحظة على موت الزَّوْج وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَو عتقت فِي أثْنَاء الْعدة استكملت عدَّة الْحَرَائِر فَإِذا أعتقت مَعَ مَوته فَهُوَ أولى بذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 قَاعِدَة يجوز اعْتِمَاد قَوْلهَا إِنِّي حِضْت فَلَا سَبِيل إِلَى تحليفها إِذْ لَا يرتبط بنكولها حكم فَإِن السَّيِّد لَا يُقرر على الْحلف وَلَا اطلَاع لَهُ على حَيْضهَا وَلَو امْتنعت عَن غشيانه وَرفعت إِلَى القَاضِي فَقَالَ قد أَخْبَرتنِي بِالْحيضِ فَالْأَوْجه تَصْدِيق السَّيِّد وتسليطه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لَوَجَبَتْ الْحَيْلُولَة بَينهمَا كَمَا فِي وَطْء الشُّبْهَة فالإستبراء بَاب من التَّقْوَى فيفوض إِلَى السَّيِّد وَذكر القَاضِي أَنه لَا يبعد أَن يكون لَهَا الْمُخَاصمَة وَالدَّعْوَى حَتَّى إِن الْجَارِيَة الموروثة لَو ادَّعَت أَن الْمُورث وَطئهَا وطئا محرما على الْوَارِث فللوارث أَن لَا يصدقها وَهل لَهَا تَحْلِيفه فِيهِ خلاف فَكَذَلِك هَذَا ويتأيد بِوَجْه ذكر أَن لَهَا الإمتناع عَن وقاع السَّيِّد الأبرص فيشعر بِأَنَّهَا صَاحِبَة حق على الْجُمْلَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا تصير بِهِ الْأمة فراشا فَنَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَد للْفراش فَإِذا اسْتَبْرَأَ جَارِيَة فَأَتَت بِولد قبل أَن يَطَأهَا فَلَا يلْحق بِهِ إِذْ لَا فرَاش وَتصير فراشا بِالْوَطْءِ وَإِنَّمَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذا اسْتَلْحقهُ أَو أَتَت بِهِ لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُ بعد الْوَطْء وَيثبت الْفراش بِأَن يقر بِوَطْء عري عَن دَعْوَى الإستبراء والعزل وَالصَّحِيح أَن دَعْوَى الْعَزْل لَا تَنْفِي الْوَلَد لِأَن المَاء سباق لَا يدْخل تَحت الإختيار وَالصَّحِيح أَن اعترافه بِالْوَطْءِ فِي غير المأتى لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ أما إِذا قَالَ وطِئت واستبرأتها بعده بحيض فَالْمَذْهَب أَنه يَنْتَفِي عَنهُ الْوَلَد بِغَيْر لعان لِأَن فرَاش الْأمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 ضَعِيف وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللّعانِ فَإِن فرع نا على الْمَذْهَب فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله فكأنا نقُول لم يقر إِقْرَارا مُلْحقًا وَإِن كَانَت هِيَ المؤتمنة فِي رَحمهَا وَلَو ادَّعَت أُميَّة الْوَلَد فلهَا تَحْلِيفه ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحلف أَنَّهَا حَاضَت بعد الْوَطْء وَمَا وَطئهَا بعد الْحيض وَالثَّانِي أَنه يضيف إِلَى ذَلِك أَن الْوَلَد لَيْسَ مني حَتَّى يَنْتَفِي وَلَو أَتَت بعد الْوَطْء لأكْثر من أَربع سِنِين فَمُقْتَضى قَوْلنَا إِنَّهَا صَارَت فراشا أَنه يلْحقهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء فَهَذَا أظهر وَإِن قُلْنَا لَا يَنْتَفِي فَهَذَا فِيهِ تردد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا بِالنَّفْيِ أولى من الإستبراء وَيقرب من هَذَا أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بِولد آخر لأكْثر من سِتَّة أشهر من الْوَلَد الأول فَإِنَّهُ ولد بعد الإستبراء بِالْوَلَدِ الأول فَمنهمْ من قَالَ يلْحق إِذْ صَارَت فراشا وَمِنْهُم من قَالَ لَا إِذْ لَيْسَ يثبت لَهَا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حكم المستفرشة وعَلى هَذَا يلْتَفت أَن المستفرشة إِذا طَلقهَا زَوجهَا هَل تعود فراشا بِمُجَرَّد الطَّلَاق حَتَّى يجب الإستبراء بِعتْقِهَا قبل الْوَطْء فَإِن قُلْنَا تعود فراشا لحقه الْوَلَد من غير إِقْرَار جَدِيد بِالْوَطْءِ لَكِن الْأَصَح أَنَّهَا لَا تعود فراشا فرع إِذا اشْترى زَوجته وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون فِي النِّكَاح وَفِي ملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 الْيَمين فيلحقه الْوَلَد إِذْ الْأمة لَا تنحط عَن البائنة وَلَكِن لَا تصير أم ولد لَهُ إِذا لم يعْتَرف بِوَطْء فِي الْملك وَفِيه وَجه أَنَّهَا تصير أم ولد لَهُ لِأَنَّهَا ولدت مِنْهُ فِي ملكه وَهُوَ بعيد نعم لَو أقرّ بِالْوَطْءِ وَاحْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين فَيحْتَمل ترددا فِي أُميَّة الْوَلَد وَوجه إثْبَاته أَن يُقَال ملك الْيَمين مَعَ الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ يثبت فراشا نَاسِخا لفراش النِّكَاح فيحال الْوَلَد على النَّاسِخ وَيُمكن أَن يُقَال ملك الْيَمين لَا يقوى على نسخ فرَاش النِّكَاح ويبتني عَلَيْهِ تردد فِي أَن زوج الْأمة إِذا طَلقهَا قبل الْمَسِيس وَأقر السَّيِّد بِوَطْئِهَا وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُمَا فَيحْتَمل أَن يلْحق بالسيد لِأَن فرَاشه نَاسخ وَيحْتَمل أَن يعرض على الْقَائِف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 = كتاب الرَّضَاع = وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَفِي الْكتاب أَرْبَعَة أَبْوَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرَّضَاع وشرائطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْأَركان فَثَلَاثَة الْمُرْضع وَاللَّبن والمرتضع أما الْمُرْضع فَهُوَ كل امْرَأَة حَيَّة تحْتَمل الْولادَة فاحترزنا بِالْمَرْأَةِ عَن الْبَهِيمَة وَالرجل فَلَو ارتضع صغيران من بَهِيمَة فَلَا أخوة بَينهمَا لِأَن الْأُخوة تتبع الأمومة وَقَالَ عَطاء تثبت الْأُخوة وَلَو در لبن من ثدي الرجل فَلَا أثر لَهُ وَفِيه وَجه أَنه كلبن الْمَرْأَة والصبية بنت ثَمَان إِن در لَبنهَا فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كلبن الرجل وَفِي لبن الْبكر وَجْهَان أَحدهمَا يحرم لِأَنَّهَا فِي مَحل الْولادَة وَإِن لم تَلد قطعا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالرّجلِ إِذْ اللَّبن فرع للْوَلَد وَلَا ولد أما لَو أجهضت جَنِينا فلبنها مُؤثر وَإِذا در لبن لصبية بنت سِنِين وَقُلْنَا يعْتَبر لبن الْبكر اعْتبر ذَلِك لاحْتِمَال الْبلُوغ ثمَّ لَا يحكم ببلوغها بِمُجَرَّد اللَّبن وَلَكِن كَمَا يلْحق الْوَلَد بِابْن تسع سِنِين وَلَا يحكم بِبُلُوغِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 وَأما الْمَرْأَة الْميتَة إِذا بَقِي فِي ضرْعهَا لبن فَلَا يُؤثر لَبنهَا لِأَنَّهَا جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة نعم لَو حلب فِي حَيَاتهَا وارتضع بعد الْمَوْت كَانَ محرما على الْمذَاهب وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَيِّت لَا يحْتَمل ابْتِدَاء الأمومة الرُّكْن الثَّانِي اللَّبن وَالْمُعْتَبر عندنَا وُصُول عينه إِلَى الْجوف وَإِن لم يبْق اسْمه حَتَّى لَو اتخذ مِنْهُ جبن أَو أقط أَو مخض مِنْهُ زبد فَأَكله الصَّبِي حرم فَلم يتبع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْم اللَّبن وَإِن اتبع اسْم الْإِرْضَاع وعول على الْخَبَر فِيهِ وَلَو اخْتَلَط بمائع وَهُوَ غَالب حرم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا بِحَيْثُ لَا يظْهر لَهُ لون وَطعم فَإِن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 اخْتَلَط بِمَا دون الْقلَّتَيْنِ وَشرب الصَّبِي جَمِيعه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحرم لِأَنَّهُ قد انمحق وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعين بَاقٍ فِيهِ وَقد وصل إِلَى الْجوف فعلى هَذَا لَو شرب بعضه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يحرم لانه مُثبت فِي الْجَمِيع وَالثَّانِي لَا فَلَعَلَّهُ فِي الْبَاقِي وَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ يعْتَبر يَقِين الْإِثْبَات فَإِن شكّ فَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم أما إِذا اخْتَلَط بقلتين فالترتيب على الْعَكْس وَهُوَ أَنه إِن شرب بعضه لم يحرم وَإِن شرب كُله فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا دون الْقلَّتَيْنِ وَأولى بِأَن لَا يُؤثر ثمَّ لم نعتبر الْقلَّتَيْنِ فِي سَائِر الْمَائِعَات بل فِي المَاء خَاصَّة واعتباره بعيد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد المغلوب يَعْنِي بِهِ الَّذِي لَا يُؤثر فِي التغذية لَا الَّذِي لَا يُؤثر فِي اللَّوْن الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهُوَ جَوف الصَّبِي الْحَيّ فَلَا يُؤثر الإيصال إِلَى جَوف الْمَيِّت وَلَا إِلَى جَوف الْكَبِير ونعني بالجوف الْمعدة وَمحل التغذية لِأَن الرَّضَاع مَا انبت اللَّحْم وأنشر الْعظم فَلَو وصل إِلَى جَوف لَا يغذي كالمثانة والإحليل فَحَيْثُ لَا يفْطر لَا يُؤثر وَحَيْثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 يحصل الْإِفْطَار فَفِي تَحْرِيم الرَّضَاع قَولَانِ وَفِي السعوط طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بالحصول لِأَن الدِّمَاغ لَهُ مجْرى إِلَى الْمعدة فينتهي إِلَيْهَا بِخِلَاف الحقنة أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان الأول الْوَقْت فَلَا أثر للرضاع بعد الْحَوْلَيْنِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع إِلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ وَلقَوْله تَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} وَلَا حكم لما بعد التَّمام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثَلَاثُونَ شهرا وَقَالَ ابْن أبي ليلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 ثَلَاث سِنِين وَقَالا دَاوُد أبدا وَبِه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا واستدلت بِأَن سهلة بنت سُهَيْل قَالَت كُنَّا نرى سالما ولدا وَكَانَ يدْخل علينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضعيه خمس رَضعَات فَفعلت وَكَانَ كَبِيرا وأبى سَائِر الصَّحَابَة ذَلِك وَقَالُوا كَانَ ذَلِك رخصَة لسالم فرع لَو شككنا فِي وُقُوع الرَّضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ فَيقرب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَقَاء الْحَوْلَيْنِ وَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحرم فَإِنَّهُ الأَصْل كالماسح إِذا شكّ فِي انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح قُلْنَا الأَصْل وجوب الْغسْل لَا بَقَاء الْمدَّة الشَّرْط الثَّانِي الْعدَد فَلَا يحرم إِلَّا خمس رَضعَات لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنزلت عشر رَضعَات مُحرمَات فنسخن بِخمْس رَضعَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحرم برضعة وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن أبي ليلى يحصل بِثَلَاث رَضعَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 ثمَّ النّظر فِي أَمريْن أَحدهمَا فِي التَّعَدُّد وَإِنَّمَا يَتَعَدَّد بتخلل فصل بَين الرضعتين وَيتبع فِيهِ الْعرف كموجب الْيَمين وَلَا يَنْقَطِع التواصل بِأَن يلفظ الصَّبِي الثدي ويلهو لَحْظَة وَلَا بِأَن يتَحَوَّل من ثدي إِلَى ثدي لِأَن ذَلِك إتْمَام رضعة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بالإضراب سَاعَة وَالْعرْف هُوَ الْمُحكم وَعند الشَّك الأَصْل نفي التَّحْرِيم أما إِذا حلبت اللَّبن دفْعَة وَاحِدَة وشربه الصَّبِي فِي خمس رَضعَات فَقَوْلَانِ الْأَصَح حُصُول الْعدَد نظرا إِلَى تقطع الْوُصُول وَالثَّانِي أَنه ينظر إِلَى اتِّحَاد الْحُصُول والإنفصال وَإِن حلب خمس دفعات وتناوله الصَّبِي من إِنَاء وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة فَهُوَ رضعة فَإِن تنَاوله بدفعات فطريقان مِنْهُم من قطع بِالْعدَدِ لتَعَدد الطَّرفَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ اللَّبن فِي حكم المتحد لما اخْتَلَط الْأَمر الثَّانِي أَن يَتَعَدَّد الْمُرْضع ويتحد الْفَحْل كَالرّجلِ لَهُ خَمْسَة مستولدات أَو أَربع نسْوَة ومستولدة أرضعن بلبانه صَغِيرَة كل وَاحِدَة مرّة لَا تحصل الأمومة وَهل تحصل الْأُبُوَّة للفحل فِيهِ وَجْهَان مشهوران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 أَحدهمَا أَنه لَا تحصل لِأَن الأمومة أصل والأبوة تبع وَالثَّانِي تحصل لِأَن الْأُبُوَّة أَيْضا أصل وَقد حصل الْعدَد فِي حَقه وَلَو كَانَ بدلهن خمس بَنَات فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تحصل لِأَن اللَّبن لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى نقُول كَأَنَّهُ الْمُرْضع وَهن كالظروف للبنه لِأَن الْبَنَات كَبِنْت وَاحِدَة من وَجه وَالْأَخَوَات كالبنات وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة مَعَ ابْنَتَيْهِ انجرت إِلَيْهِ وَلَو كن مختلفات كَأُمّ وَأُخْت وَبنت وَجدّة وَزَوْجَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يحرم لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَا يحصل مِنْهُ قرَابَة وَاحِدَة يعبر عَنْهَا بِعِبَارَة وَقيل يحرم إِذْ لَو استتمت كل وَاحِدَة خمْسا لحرمت فرع يعْتَبر تخَلّل فصل بَين رَضعَات الزَّوْجَات فَلَو أرضعن دفْعَة وَاحِدَة على التواصل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْمُرْضع وَالثَّانِي أَنه يتحد كتعدد الثدي من وَاحِدَة لِأَن الصَّبِي ارتضع دفْعَة وَاحِدَة فعلى هَذَا لَو عَادَتْ وَاحِدَة وأرضعت أَرْبعا حرم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كملت الْخمس وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الرضعة الأولى لم تحسب رضعة تَامَّة وَلَو حسبت لحصل التَّحْرِيم بالمجموع وَهَذَا ضَعِيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَن يحرم بِالرّضَاعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيحرم بِالرّضَاعِ أصُول وفروع وَالْأُصُول ثَلَاثَة الْمُرضعَة وَهِي الْأُم وَزوجهَا وَهُوَ الْأَب والمرتضع وَهُوَ الْوَلَد وَمِنْهُم تَنْتَشِر الْحُرْمَة إِلَى الْأَطْرَاف حَتَّى يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب بَيَانه أَنه إِذا حرم على المرتضع الْمُرضعَة حرم عَلَيْهَا أمهاتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ جدات وَحرم عَلَيْهِ أخواتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ خالات وَلم تحرم عَلَيْهِ بَنَات أخواتها وإخوتها فَإِنَّهُنَّ بَنَات الخالات والأخوال وَحرمت بناتها عَلَيْهِ نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ أَخَوَات المرتضع وَحرمت أَوْلَاد بَنَات الْمُرضعَة قربن أَو بعدن من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُ خالهن وكما حرمت الْمُرضعَة على المرتضع حرمت على أَوْلَاده من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُم حوافدها وَلم تحرم على أَب المرتضع فَلَو تزوج بهَا أَبوهُ فَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الابْن وَلَا منع مِنْهُ وَلَو تزوج أَخُوهُ بهَا فَلَا منع وَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الْأَخ وَهُوَ جَائِز وَإِنَّمَا لَا يجوز فِي النّسَب لِأَنَّهَا زَوْجَة الْأَب وَذَلِكَ حرَام بِحكم الْمُصَاهَرَة وَهَذَا الْقيَاس بِعَيْنِه جَار بَين المرتضع والفحل فَإِذا كَانَ هُوَ للمرتضع أَبَا فأبوه جد وَأَخُوهُ عَم وَابْنه أَخ وعَلى هَذَا الْقيَاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 وَالْأَصْل فِي الْفَحْل أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا احْتَجَبت من أَفْلح فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلج عَلَيْك فَإِنَّهُ عمك وَكَانَت قد ارتضعت من زَوْجَة أَخِيه وَلَا يُخَالف الرَّضَاع النّسَب إِلَّا فِي أم الْأَخ من الرَّضَاع وَأم الإبن من الرَّضَاع فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان من الرَّضَاع وَإِنَّمَا يحرمان من النّسَب للمصاهرة والزوجية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 فصل فِي مسَائِل تتَعَلَّق بالفحل خَاصَّة فَنَقُول إِنَّمَا تثبت الْحُرْمَة من الْفَحْل إِذا أرضعت بلبانه وَنسب اللَّبن ينْسب الْوَلَد إِلَيْهِ وكل ولد منفي عَنهُ فاللبن الْحَاصِل بِسَبَبِهِ منفي عَنهُ كَوَلَد الزِّنَا وَالْولد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَأما لبن الْمَوْلُود من وَطْء الشُّبْهَة فَالصَّحِيح أَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ كَالْوَلَدِ وَقد نقل فِيهِ قَول وَوَجهه أَن النّسَب يثبت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الرَّضَاع وَكَذَا طردوا هَذَا القَوْل فِي الصهر فرعان أَحدهمَا أَنه لَو وطِئت الْمَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ وَأَتَتْ بِولد بِحَيْثُ يعرض على الْقَائِف وفرعنا على الصَّحِيح فِي ثُبُوت الرَّضَاع بِوَطْء الشُّبْهَة فالرضاع تبع للنسب فَإِذا أرضعت صَغِيرا فَهُوَ ولد من ألحق الْقَائِف بِهِ الْمَوْلُود فَإِن لم يكن قائف وَبلغ الْمَوْلُود وانتسب إِلَى أَحدهمَا تبعه المرتضع فِي الرَّضَاع فَإِن مَاتَ قبل الإنتساب فَفِي الرَّضِيع ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه ينتسب بِنَفسِهِ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ تَابع والآن مَاتَ الْمَتْبُوع فَقَامَ مقَامه وَلَكِن هُوَ ينتسب عِنْد عدم الْوَلَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 وَالثَّانِي أَنه لَا ينتسب لِأَن الْوَلَد يَبْنِي على ميل فِي الطَّبْع تَقْتَضِيه الْخلقَة وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق فِي الرَّضَاع فعلى هَذَا نسبه فِي الرَّضَاع مُبْهَم بَينهمَا فَيحرم عَلَيْهِ مواصلتهما جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَالثَّالِث أَن الْأَمر مَوْقُوف وَالْحُرْمَة قَائِمَة وَعَلِيهِ أَن لَا يواصلهما جَمِيعًا وَلَكِن لَهُ مُوَاصلَة أَحدهمَا وَإِذا فعل تعين وَلم يجز لَهُ بعد ذَلِك مُوَاصلَة الثَّانِي وَإِن طلثق الأول وَفِيه وَجه أَن لَهُ مُوَاصلَة الثَّانِي مهما طلق الأول وَإِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ الْجمع لِأَن يتَيَقَّن التَّحْرِيم عِنْد الْجمع لَا عِنْد الْإِفْرَاد وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر أَنه يثبت نسبه فِي الرَّضَاع مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يحمل أَبَوَانِ من الرَّضَاع وَلَا يحمل من النّسَب وَهَذَا ضَعِيف إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ شُمُول التَّحْرِيم وَذَلِكَ صَحِيح الْفَرْع الثَّانِي إِذا طلق زَوجته ولبنها دَار فَهُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ أبدا وَكَذَلِكَ لَو انْقَطع وَعَاد مَا لم تضع حملا من واطىء آخر وَقيل إِنَّه يتَقَدَّر بِأَرْبَع سِنِين وَهُوَ أقْصَى مُدَّة الْحمل وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّبن لَا تتقدر مدَّته وَمهما وضعت حملا من واطىء لخر شُبْهَة أَو نِكَاح انْقَطع نِسْبَة اللَّبن عَنهُ اما فِي مُدَّة الْحمل فِي النِّكَاح الثَّانِي فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الأول إِن قَالَ أهل الْبَصَر لم يدْخل وَقت درور اللَّبن من الثَّانِي فَإِن قَالُوا دخل فَفِيهِ نظر فَإِن كَانَ اللَّبن لَا يَنْقَطِع فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ استصجابا وَالثَّانِي أَنه لَهما وَالثَّالِث أَنه إِن زَاد اللَّبن فَلَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ للْأولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 وَأما إِذا كَانَ قد انْقَطع وَعَاد بِالْحملِ فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ إِذْ لم يطْرَأ قَاطع مَعْلُوم فَلَا نبالي بقول أهل الْبَصَر إِن ذَلِك جَائِز وَلَا بِانْقِطَاع اللَّبن وَالثَّانِي أَنه للثَّانِي لِأَن الْحمل نَاسخ وَالثَّالِث أَنه لَهما جَمِيعًا وَالله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان الرَّضَاع الْقَاطِع للنِّكَاح وَحكم الْغرم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويشتمل هَذَا الْبَاب على غوامض الْكتاب وَلَا بُد من تَقْدِيم أصلين أَحدهمَا فِي الْغرم وَالثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ الأول فِي الْغرم فَإِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة فأرضعتها أمه أَو امْرَأَته بلبانه حرمت زَوجته الصَّغِيرَة وَانْقطع النِّكَاح وعَلى الزَّوْج نصف الْمُسَمّى قبل الْمَسِيس وجميعه حَيْثُ يَنْقَطِع النِّكَاح بِمثلِهِ بعد الْمَسِيس وَأما الْمُرضعَة فقد فوتت ملك النِّكَاح عَلَيْهِ فَلَا بُد وَأَن تغرم وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهَا قبل الْمَسِيس نصف مهر الْمثل وَنَصّ فِي شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا أَنهم يغرمون جَمِيع مهر الْمثل فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أَن المستقر هُوَ النّصْف توفّي الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَن الْملك بِكَمَالِهِ مُسْتَقر وَإِنَّمَا يسْقط الشّطْر بِالطَّلَاق فَيجب جَمِيع الْمهْر وَمِنْهُم من فرق بِأَن الشُّهُود لم يقطعوا بَاطِنا ملكه وَإِنَّمَا أوقعوا حيلولة والإرضاع قطع النِّكَاح وَالْقطع قبل الْمَسِيس لَا يُوجب إِلَّا النّصْف وَمِنْهُم من أقرّ النَّص فِي الشُّهُود وَخرج مِنْهُ قولا إِلَى الرَّضَاع أَنه يجب التَّمام وَهُوَ مُتَّجه فِي الْقيَاس وَذكر بعض أَصْحَابنَا قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه يغرم نصف الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ على الزَّوْج مُتَقَوّما أما الْبضْع فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 يتقوم وَهُوَ مَذْهَب أببي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي كَمَال الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي بذل الزَّوْج إِذْ التشطير خاصية الزَّوْج وَفِي الشُّهُود قَول خَامِس أَن الزَّوْج إِن كَانَ بذل كَمَال الْمُسَمّى وَجب كَمَال الْمُسَمّى لِأَن الزَّوْج مُنكر للطَّلَاق فَلَا يُمكنهُ اسْتِرْدَاد شطر الْمُسَمّى أما إِذا جرى بعد الْمَسِيس بِأَن كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وصغيرة فأرضعت أم الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حَتَّى صارتا أُخْتَيْنِ فَحرم جميعهما اندفعا على الصَّحِيح وَفِيمَا تغرم لأجل الْكَبِيرَة الممسوسة قَولَانِ الصَّحِيح الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّهَا تغرم كَمَال مهر الْمثل وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم شَيْئا لِأَن الزَّوْج بِالْوَطْءِ استوفى مَا يُقَابل الْمهْر وَكَذَلِكَ إِذا ارْتَدَّت بعد الْمَسِيس لم تغرم شَيْئا وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الرَّضَاع مِنْهَا قصدا فَلَو كَانَت الْمُرضعَة نَائِمَة فدبت الصَّغِيرَة إِلَيْهَا وامتصت فالفسخ محَال على الصَّغِيرَة حَتَّى يسْقط كَمَال الْمُسَمّى وَلَا تغرم الْمُرضعَة لعدم الْقَصْد وَلَا خلاف فِي أَن فعلهَا فِي الإرتضاع لَا يعْتَبر مهما كَانَت الْمُرضعَة قاصدة بل يُحَال على جَانب الْمُرضعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي النائمة وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنه يُحَال على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا صَاحِبَة اللَّبن فتنسب إِلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم لِأَنَّهَا لم تقصد وتستحق الصَّغِيرَة نصف الْمُسَمّى إِذْ لَا عِبْرَة بِفِعْلِهَا أما إِذا قطرت قَطْرَة من اللَّبن فطيرها الرّيح إِلَى فَم الصَّغِيرَة فَلَا غرم على صَاحِبَة اللَّبن وَالصَّغِيرَة تسْتَحقّ شطر الْمهْر إِذْ لَا فعل لَهَا وَيرجع وَجه فِي النّظر إِلَى صَاحِبَة اللَّبن الأَصْل الثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ فَنَقُول إِذا أرضعت امْرَأَة صبية فنكح الصبية رجل حرم عَلَيْهِ الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أم زَوجته والأمومة سَابِقَة على الزَّوْجِيَّة فَلَو نكح صبية وأبانها فأرضعتها كَبِيرَة حرمت الْكَبِيرَة على الْمُطلق لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة كَانَت زَوجته إِذْ لَا ينظر إِلَى التَّارِيخ والتقديم وَالتَّأْخِير وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ والمطلقة أَو الْمُسْتَوْلدَة إِذا نكحت صَغِيرا ثمَّ أَرْضَعَتْه بلبان الزَّوْج أَو السَّيِّد حرما على الْمُطلق وَالسَّيِّد لِأَن الرَّضِيع صَار ابْنا وَهِي كَانَت زَوجته قبل أَن صَار ابْنا فصارتا أم الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ لَو نكح زيد كَبِيرَة وَعَمْرو صَغِيرَة ثمَّ طَلَّقَاهُمَا ونكح كل وَاحِد زَوْجَة صَاحبه فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حرمت الْكَبِيرَة عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة هِيَ زوجتهما وَأما الصَّغِيرَة فَإِن لم يكن زيد قد دخل بالكبيرة لما كَانَت تَحْتَهُ فنكاح الصَّغِيرَة بَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَت ربيبة امْرَأَة لم يدْخل بهَا فَإِن كَانَ قد دخل بالكبيرة حرمت الصَّغِيرَة وانفسخ النِّكَاح لِأَنَّهَا ربيبة مَدْخُول بهَا فَإِن تمهد هَذَانِ الأصلان انشعب مِنْهُمَا صور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 الصُّورَة الأولى إِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة وكبيرة فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة بلبان الزَّوْج حرمتا عَلَيْهِ على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة صَارَت ولد الزَّوْج فَإِن أرضعتها بلبان غَيره وَكَانَ بعد الدُّخُول بالكبيرة حرمتا على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة ربيبة مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبّدَة لما سبق وانفسخ نِكَاح الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا اجْتمعت مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلَا يحرم تَجْدِيد نِكَاحهَا لِأَنَّهَا ربيبة غير مَدْخُول بهَا أما الْغرم فَإِن ظهر فعلهَا يسْقط مهرهَا قبل الدُّخُول وَغرم مهر الصَّغِيرَة كَمَا سبق الصُّورَة الثَّانِيَة لَو كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغَار فأرضعتهن دفْعَة بِأَن حلبت اللَّبن فأوجرتهن دفْعَة حرمت هِيَ على التأييد لِأَنَّهَا أم زَوْجَاته وانفسخ نِكَاح الصغار لمعنيين أَحدهمَا ثُبُوت الاخوة بَينهُنَّ وَالثَّانِي اجتماعهن مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلم يحرمن مُؤَبَّدًا لِأَن تحريمهن بِسَبَب الإجتماع وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يكون الإرتضاع بلبان الزَّوْج وَأَن يكون قبل دُخُوله بالكبيرة حَتَّى لَا يصرن ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن أرضعت الْأَوليين ثمَّ الثَّالِثَة انْفَسَخ نِكَاحهَا مَعَ الْأَوليين وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّالِثَة إِذْ لم يبْق فِي نِكَاحه امْرَأَة حَتَّى يمْتَنع الإجتماع فَلَو أرضعت وَاحِدَة فَوَاحِدَة على التَّرْتِيب انْفَسَخ نِكَاح الْكُبْرَى مَعَ الأولى وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة فِي الْحَال وَهل يَنْفَسِخ مَعَ نِكَاح الثَّالِثَة وَقد أرضعتها وَتَحْته الصَّغِيرَة الثَّانِيَة فِيهِ قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 أَحدهمَا نعم وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُمَا أختَان فَلَيْسَتْ إِحْدَاهمَا بالإندفاع أولى من الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه تخْتَص الثَّالِثَة باندفاع نِكَاحهَا لِأَن سَبَب الْجمع وجد بإرضاعها وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أَجْنَبِيَّة صغيرتين تَحت زوج وَاحِد على التوالي انْدفع نِكَاح الثَّانِيَة وَفِي الأولى قَولَانِ وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أم إِحْدَى الصغيرتين الْأُخْرَى انْفَسَخ نِكَاح المرتضعة وَفِي الْأُخْرَى الْقَوْلَانِ وَالأَصَح فِي الْكل التدافع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَلَو كَانَ تَحْتَهُ أَربع صغَار فجَاء ثَلَاث خالات للزَّوْج من جِهَة الْأَب وَالأُم وأرضعت كل وَاحِدَة وَاحِدَة لم يَنْفَسِخ نِكَاحهنَّ لِأَنَّهُنَّ صرن بَنَات الخالات فَلَو جَاءَت بعد ذَلِك أم أم الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب لأم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة حرمت هِيَ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة للزَّوْج وَصَارَت خَالَة للصغائر الثَّلَاث إِذْ صَارَت اختا للخالة الَّتِي أرضعتهن وَأُخْت الْخَالَة خَالَة فينفسخ نِكَاحهَا وَفِي انْفِسَاخ نِكَاح الثَّلَاث وَهِي بَنَات أُخْتهَا وَقد اجْتَمعْنَ فِي النِّكَاح مَعهَا قَولَانِ لِأَن سَبَب الْجمع مُحَقّق مِنْهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو كَانَت الخالات متفرقات إِحْدَاهُنَّ للْأَب وَالْأُخْرَى للْأُم وَالْأُخْرَى للأبي وَالأُم وَجَاءَت أم أم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة انْفَسَخ نِكَاحهَا وَأما الصَّغَائِر الثَّلَاث فالتي أرضعتها الْخَالَة للْأَب لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا لِأَن الخؤولة للرابعة حصلت من جِهَة أم أم الزَّوْج وَالْخَالَة للْأَب لَا تتصل بهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو جَاءَت امْرَأَة أَب أم الزَّوْج وأرضعت الرَّابِعَة بلبان أَب أم الزَّوْج يَنْفَسِخ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 نِكَاحهَا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة الزَّوْج للْأَب وَهل يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّلَاث أما الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأَب أَو للْأَب وَالأُم فَفِي انْفِسَاخ نِكَاحهَا قَولَانِ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأُم لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة مِنْهَا لِأَن الخؤولة ثبتَتْ لَهَا من جِهَة أَب أم الزَّوْج وَهِي خَالَة من جِهَة أم أم الزَّوْج وَيخرج على هَذِه الْقَاعِدَة ثَلَاث عمات مجتمعات أَو متفرقات وَفرض إِرْضَاع الرَّابِعَة من أم أَب الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب أَب الزَّوْج الصُّورَة الثَّالِثَة تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغائر وللكبيرة ثَلَاث بَنَات كبار فأرضعت كل بنت كَبِيرَة للكبيرة صَغِيرَة فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت جدة للصغائر وَحرمت الصَّغَائِر مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُنَّ ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول انْفَسَخ نِكَاحهنَّ وَلم يحرم على التَّأْبِيد إِلَّا الْكَبِيرَة فَإِنَّهَا أم الزَّوْجَات وَإِنَّمَا يَنْفَسِخ إِذا جرى الْإِرْضَاع دفْعَة من غير توال وَإِن جرى على التوالي انْفَسَخ نِكَاح الأولى مَعَ الْأُم وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَإِن حلبن اللَّبن فِي ظرف وَاحِد وأرضعن دفْعَة انْدفع نِكَاح الْكل والمرضعات يشتركن فِي غَرَامَة مُهُور الصَّغَائِر فِي هَذِه الصُّورَة لامتزاج اللَّبن وَإِن انْفَرَدت كل وَاحِدَة بالإرضاع مَعًا انْفَرَدت كل وَاحِدَة بغرامة مهرهَا واشتركن فِي غَرَامَة مهر الْكَبِيرَة إِذْ كل وَاحِدَة أَتَت بعلة كَامِلَة فِي دفع نِكَاحهَا الصُّورَة الرَّابِعَة نكح كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كَبِيرَة بلبانه الصغيرتين على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ فعلت الْكَبِيرَة الثَّانِيَة حرمت الكبيراتان والصغيرتان على الْأَبَد غير أَن الْكَبِيرَة لما أرضعت الصَّغِيرَة الأولى أفسدت نِكَاح نَفسهَا وَنِكَاح تِلْكَ الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا صَارَت أم الزَّوْجَة وَصَارَت الصَّغِيرَة بِنْتا وَلما أرضعت الثَّانِيَة فسد نِكَاح الثَّانِيَة لِأَنَّهَا أَيْضا صَارَت بِنْتا فَسقط مهر الْكَبِيرَة إِن كَانَ قبل الدُّخُول وتغرم مهر الصغيرتين كَمَا سبق وَأما الْكَبِيرَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 الثَّانِيَة فَلم تفْسد إِلَّا نِكَاح نَفسهَا فَلَا مهر لَهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهَا أما إِذا لم يكن بلبان الزَّوْج فَلَا تصير الصَّغِيرَة بِنْتا بل ربيبة فَلَا يخفى حكمهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَحكم الْآيَة قَائِم بِالْإِجْمَاع قبل الدُّخُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الدَّعْوَى وَالْحلف وَالشَّهَادَة أما الدَّعْوَى فَإِن توافقا على الرَّضَاع حكم باندفاع النِّكَاح وَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل إِن جرى مَسِيس وَإِن ادّعى أَحدهمَا قضي بِمُوجب قَوْله فِيمَا عَلَيْهِ وطولب بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا لَهُ فَإِن ادّعى الزَّوْج انْدفع النِّكَاح وَلم يسْقط مهرهَا بقوله وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة سقط مهرهَا إِن لم تكن قبضت وَإِن جرى الْقَبْض فَلَا يقدر الزَّوْج على الإسترداد لِأَنَّهُ مُنكر للرضاع أما التَّحْلِيف فالمنكر يحلف على نفي الْعلم بجريان الرَّضَاع لِأَن الرَّضَاع فعل الْغَيْر وَلَا نظر إِلَى فعلهَا فِي الْإِرْضَاع لِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة فَإِن نكلت حلف الزَّوْج على الْبَتّ بجريان الرَّضَاع وَقَالَ الْقفال يحلف على الْعلم بجريان الرَّضَاع لتطابق الْيَمين الْمَرْدُودَة يَمِينهَا على الضِّدّ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك ذكره على سَبِيل الإستحباب وَإِلَّا فَإِذا حلف على الرَّضَاع جزما كفى أما الشَّهَادَة فلهَا طرفان الأول عدد الشُّهُود وصفتهم فَلَا بُد من أَربع نسْوَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَكْفِي اثْنَتَانِ وَتقبل شَهَادَة النسْوَة وحدهن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 وَلَو شهِدت أم الْمَرْأَة وابنتها لم تقبل إِن كَانَت هِيَ المدعية وَإِن كَانَت مُنكرَة قبل عَلَيْهَا وَلَو ابْتَدَأَ الشَّهَادَة من غير دَعْوَى على سَبِيل الْحِسْبَة قبل إِذْ رُبمَا تكون عَلَيْهَا وَرُبمَا تكون لَهَا وَشَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي الرَّضَاع كَمَا فِي الطَّلَاق وَتقبل شَهَادَة الْمُرضعَة وَإِن شهِدت على فعلهَا إِذْ لَيْسَ تقصد إِثْبَات الْفِعْل بل وُصُول اللَّبن إِلَّا إِذا كَانَ غرضها الْأُجْرَة فَلَا تقبل وَقَالَ الفوراني لَو شهِدت على أَنَّهَا ارتضعت مني قبل وَلَو قَالَت أشهد أَنِّي أرضعتها فَلَا تقبل لفساد الصِّيغَة الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَيحصل ذَلِك بِأَن يُشَاهد الصَّغِير قد الْتَقم الثدي وَهُوَ يتجرع وتتحرك حنجرته مستجرا حَرَكَة يحصل لَهُ بهَا علم بوصول اللَّبن إِلَى جَوْفه من قرينَة الْحَال وَالظَّن الْغَالِب كَالْعلمِ كَمَا فِي الشَّهَادَة على الْملك وَلَكِن عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يَنْبَغِي أَن يجْزم القَوْل بِأَن بَينهمَا رضَاعًا محرما فَإِن شهد على الْإِرْضَاع فليذكر شَرَائِطه من الْوَقْت وَالْعدَد وَهل يجب ذكر وُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف فِيهِ خلاف وَلَا شكّ فِي أَن القَاضِي لَو استفضل فَعَلَيهِ ذَلِك وَلَكِن لَو مَاتَ الشَّاهِد قبل التَّفْصِيل فَهَل للْقَاضِي التَّوَقُّف فِيهِ وَجْهَان وَمن اكْتفى بِدُونِ ذَلِك علل بِأَن الْوُصُول إِلَى الْجوف لَا يرى بِخِلَاف ولوج الْآلَة فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يرى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حكى الْقَرَائِن الَّتِي شَاهدهَا فِي الرَّضَاع لم يقبل إِن كَانَ ذَلِك مُسْتَند علمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 = كتاب النَّفَقَات = والأسباب الْمُوجبَة للنفقات ثَلَاثَة الزَّوْجِيَّة والقرابة وَملك الْيَمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 السَّبَب الأول الزَّوْجِيَّة وَيجب على الزَّوْج النَّفَقَة بالِاتِّفَاقِ وَهِي خَمْسَة أَشْيَاء الطَّعَام والإدام وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى وَآلَة التَّنْظِيف كالمشط والدهن وَالْخَادِم إِن كَانَت مِمَّن تخْدم ثمَّ الْخَادِم تسْتَحقّ الطَّعَام والأدم وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَة وتستحق الْخُف لترددها فِي الْخُرُوج وَالْمَرْأَة لَا تسْتَحقّ الْخُف بل المكعب للتردد فِي الْمسكن وَلَا تسْتَحقّ الخادمة آلَة التَّنْظِيف وَلَا تسْتَحقّ الزَّوْجَة المعالجة بالداء والفضد والحجامة وَشرح هَذِه الْأُمُور مَعَ مسقطات النَّفَقَة فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي قدر النَّفَقَة وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَرحه فِي فصلين الْفَصْل الأول فِي الْمِقْدَار وَالْكَلَام فِي هَذِه الاشياء الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة أَشْيَاء الْوَاجِب الأول هُوَ الطَّعَام وَهُوَ مد على الْمُعسر ومدان على الْمُوسر وَمد وَنصف على الْمُتَوَسّط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِنَّه لَا يقدر بل الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة كَنَفَقَة الْقَرِيب وَنقل الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قولا غَرِيبا على مُوَافَقَته وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن الزِّيَادَة على الْمَدّ لَا مرد لَهُ فَهُوَ إِلَى فرض القَاضِي وَالْمذهب هُوَ الأول ومستنده أَن اعْتِبَار الْكِفَايَة لَا يَصح مَعَ أَنَّهَا تسْتَحقّ فِي يَوْم مَرضهَا وشبعها فَإِذا بطلت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 الْكِفَايَة فَأَقل طَعَام أوجبه الشَّرْع الْمَدّ فِي الْكَفَّارَات وَهُوَ الْقدر الَّذِي يجتزىء بِهِ الزهيد ويتبلغ بِهِ الرغيب وأقصاه مدان إِذْ أوجبهما الشَّرْع فِي الْفِدْيَة وَالْوسط مَا بَينهمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك يخْتَلف لقَوْله تَعَالَى {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فتقدير الله تَعَالَى أولى من تَقْدِير القَاضِي وَأحسن مُسْتَند لتقدير القَاضِي تَقْدِير الشَّرْع وَإِنَّمَا ينظر إِلَى حَال الزَّوْج عندنَا فِي الْعَجز وَالْقُدْرَة لَا إِلَى حَالهَا والمعسر هُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا فَعَلَيهِ مد وَلَا يزِيد فَإِن كَانَ قَادِرًا على كسب الزِّيَادَة فَإِن خرج عَن حد اسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين بِملك مَال نظر فَإِن كثر فَهُوَ مُوسر وَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو ألزمناه الْمَدِين أوشك أَن يرجع إِلَى حد الْمَسَاكِين فَهُوَ متوسط فَعَلَيهِ مد وَنصف وَلَيْسَ على الْمكَاتب وَالْعَبْد إِلَّا نَفَقَة المعسرين وَكَذَلِكَ من نصفه عبد وَنصفه حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله عَلَيْهِ نصف نَفَقَة المعسرين وَنصف نَفَقَة الموسرين هَذَا حكم الْمِقْدَار أما جنس الطَّعَام فغالب قوت الْبَلَد فَإِن اخْتلف فَمَا يَلِيق بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ حَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 الزَّوْج يُخَالف الْغَالِب فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد الْوَاجِب الثَّانِي الْأدم وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مكيلة زَيْت أَو سمن وَهَذَا تقريب إِذْ لَا تَقْدِير فِي الشَّرْع فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِب مَا يَكْفِي مَعَ الْمَدّ أَو الْمَدِين وَالرُّجُوع فِي الْجِنْس إِلَى الْغَالِب فِي الْبَلَد أَو إِلَى اللَّائِق بِحَال الزَّوْج وَأما اللَّحْم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَطْل من اللَّحْم فِي الْأُسْبُوع إِن كَانَ الْوَاجِب مدا ورطلان للْمَدِين قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بنى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذَا على عَادَة بَلْدَة ألفها فَإِن اقْتَضَت عَادَة بَلْدَة أُخْرَى زِيَادَة على ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله لَا زِيَادَة عَلَيْهِ لأَنا نقتصر على الْأَقَل كَمَا فِي الطَّعَام فرعان أَحدهمَا لَو كَانَت تزجى الْوَقْت بالخبز القفار فَلَا يسْقط حَقّهَا من الْأدم كَمَا إِذا لم تَأْكُل أصل الطَّعَام فَإِنَّهَا تسْتَحقّ الطَّعَام الثَّانِي لَو تبرمت بِجِنْس وَاحِد من الْأدم فَيجب على الزَّوْج إِبْدَاله على وَجه وَلَا يجب فِي وَجه بل عَلَيْهَا الْإِبْدَال إِن شَاءَت الْوَاجِب الثَّالِث الخادمة وَتجب نَفَقَة خادمتها إِذا كَانَ منصبها يَقْتَضِي أَن تخْدم وَإِن كَانَ لَا يَلِيق بمنصبها وَإِنَّمَا تخْدم لمَرض فَلَا يجب إِذْ لَا تجب أَسبَاب المعالجة وَإِن كَانَ بهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 زمانة وَمرض دَائِم فَهِيَ كَذَلِك تحْتَاج إِلَى الخادمة فَهَذَا يحْتَمل لِأَن هَذَا الْعذر الدَّائِم لَا ينقص عَن مُرَاعَاة الحشمة ثمَّ على الْمُعسر للخادمة مد وعَلى الْمُوسر مد وَثلث كَذَلِك قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ تقريب لَا تَقْدِير إِذْ لَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ نعم هُوَ رطلان وَهُوَ لَائِق بِالْعَادَةِ فِي حق الخادمة وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى كفايتها إِلَّا أَن هَذَا الْقدر قدر الْكِفَايَة فِي الْغَالِب وَفِي اسْتِحْقَاق الْأدم وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالمخدومة وَلَكِن يجوز أَن يكون أدمها فِي الْجِنْس أخسر وَفِي الْمِقْدَار مَا يَلِيق بِقدر طعامها وَالثَّانِي أَنه لَا تسْتَحقّ بل تكتفي بِمَا تفضله المخدومة فِي بعض الْأَحْوَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 فروع الأول إِذا لم تملك الخادمة فعلى الزَّوْج أَن يخدمها جَارِيَة أَو حرَّة بِأُجْرَة تقدر عَلَيْهِ وَعند ذَلِك لم يكن لَهَا دخل فِي مِقْدَار نَفَقَة الخادمة وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَت الخادمة لَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي لَهَا جَارِيَة بل لَو قَالَ أَنا اخدم بنفسي فِي الطَّبْخ والكنس فَلهُ ذَلِك لَكِنَّهَا تستحيي فِي الْحمام وَفِي بَيت المَاء وَفِي بعض الْمَوَاضِع فلهَا الإمتناع صِيَانة للمروءة فَيُفِيد ذَلِك جَوَاز نُقْصَان نَفَقَة الْخَادِم لنُقْصَان الْخدمَة وَعند ذَلِك يحْتَمل التشطير أَو النّظر إِلَى مقادير الْأَفْعَال أما إِذا قَالَت أَنا أخدم بنفسي فَأعْطِنِي نَفَقَة الخادمة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم لِأَنَّهَا أسقطت مرتبتها وَإِنَّمَا تجب النَّفَقَة لضَرُورَة بَقَاء الْمرتبَة الثَّانِي لَو كَانَت لَهَا خادمة وَأَرَادَ الزَّوْج إبدالها بِسَبَب رِيبَة فَلهُ ذَلِك وَلَا يجوز بِغَيْر عذر لِأَن قطع الإلف إِضْرَار وَلَو كَانَ مَعهَا خدام فَلهُ إِخْرَاج الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدَة وَلَا نبالي بِقطع الإلف لِأَن الدَّار ملكه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سكناهن بل لَهُ أَن يمْنَع أَبَاهَا وَأمّهَا عَن الدُّخُول عَلَيْهَا ويمنعها عَن الْخُرُوج لزيارتهما وَلَكِن الأولى أَن لَا يفعل ذَلِك الثَّالِث لَو نكح رقيقَة وَهِي تخْدم لجمالها ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه لَا تجب نَفَقَة الخادمة لِأَن الرّقّ يُنَافِي هَذَا المنصب وَالثَّانِي أَنه تجب لِأَن الْعَادة قد تَقْتَضِيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 الْوَاجِب الرَّابِع الْكسْوَة والأثاث وَلَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ فَإِن الْعَادة تخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا بَينا فَلَا بُد من الْكِفَايَة وَهُوَ خمار وقميص وَسَرَاويل ومكعب فِي الصَّيف وَمثل ذَلِك فِي الشتَاء مَعَ زِيَادَة جُبَّة أما جنسه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْمُوسر لين الْبَصْرَة وعَلى الْمُعسر غليظ الْبَصْرَة وعَلى الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا وَأَرَادَ الكرباس قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ من عَادَتهَا الْكَتَّان وَالْحَرِير لزم ذَلِك عَلَيْهِ وتتبع الْعَادة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هِيَ لبسة أهل الدّين وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ رعونة فَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من ملحفة وشعار ومضربة وثيرة ومخدة ولبد تَحت المضربة أَو حَصِير وَهل لَهَا طلب زلية تفرشها بِالنَّهَارِ فِيهِ وَجْهَان واقتصروا فِي الْفراش على هَذَا الْقدر وَلم يردوه إِلَى الْعَادة وَهَذَا يدل على أَن الْكسْوَة لَا تزاد على مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا بُد من ماعون الدَّار كجرة وكوز وَقدر ومغرفة ويكتفي فِي جَمِيع ذَلِك بالخزف والخشب وَالْحجر وَأما النحاسية فطلبتها ترفه وَقد يَلِيق بالشريفة فَهُوَ كالزيادة على لين الكرباس أما الخادمة فتستحق الْكسْوَة أَيْضا وَلَكِن تخَالف جنسية المخدومة وطعامها لَا يُخَالف فِي الْجِنْس وَفِي إدامها تردد الْوَاجِب الْخَامِس آلَة التَّنْظِيف وَهُوَ الْمشْط والدهن وَإِن طلبت مزيدا كالكحل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 وَالطّيب لم يجب وَيجب المرتك لقطع الصنان إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِع بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب وَإِن قَالَ الزَّوْج الدّهن للتجمل وَإِزَالَة الْوَسخ وَلَا أُرِيد التجمل وَإِزَالَة الْوَسخ بِغَيْرِهِ مُمكن فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال وَلَا شكّ فِي أَن للزَّوْج منعهَا من تعَاطِي أكل الثوم وَمَا يتَأَذَّى برائحته الكريهة وَله منعهَا من تنَاول السمُوم الْمهْلكَة وَهل لَهُ منعهَا من الْأَطْعِمَة الممرضة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَرَض يُفْضِي إِلَى الْمَوْت كالسم وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك غيب لَا يعلم وتتبع ذَلِك يطول وَأما الخادمة فَلَا تسْتَحقّ آلَة التَّنْظِيف وَلَكِن إِن تلبد شعرهَا بِحَيْثُ تتأذى بِهِ فَلَا بُد من السَّعْي فِي الْإِزَالَة وَأما الدَّوَاء فِي المعالجات فَلَا تستحقه الخادمة والمخدومة جَمِيعًا الْوَاجِب السَّادِس السُّكْنَى وَيجب عَلَيْهِ أَن يسكنهَا دَارا تلِيق بهَا عَارِية أَو إِجَارَة أَو شِرَاء وَلم يعْتَبر فِي الْقُوت وَالْكِسْوَة مَا يَلِيق بهَا بل مَا يَلِيق بِهِ بِخِلَاف الْمسكن وَكَأن مَا لَا بُد فِيهِ من التَّمْلِيك فَيعْتَبر جَانِبه وَمَا يُرَاد بِهِ الإنتفاع فَيعْتَبر مَا يَلِيق بهَا وَالله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق أما الطَّعَام فَلَا بُد فِيهِ من تمْلِيك الْحبّ مَعَ مئونة الطَّحْن وَالْخبْز وَإِصْلَاح اللَّحْم من الْحَطب وَالْملح وَأُجْرَة الطباخ وَلها الإمتناع من قبُول الْخَبَر وَلَيْسَ لَهُ أَن يكلفها الْأكل مَعَه فَإِنَّهَا لَا تتسلط على التَّصَرُّف ونفقتها عوض كالمهر فروع الأول لَو أخذت الْحبّ واستعملته بذرا فَالظَّاهِر وجوب مئونة الْإِصْلَاح وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِصْلَاح تَابع وَلَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود فَلَا يسْتَقلّ الثَّانِي لَو كَانَت تَأْكُل مَعَ الزَّوْج على الْعَادة فَفِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَجْهَان الْقيَاس أَنه لَا تسْقط لِأَنَّهُ لم يجر إِسْقَاط ولااعتياض صَحِيح لَكِن الْأَحْسَن الْإِسْقَاط إِذْ لَو جرى من امْرَأَة فِي عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم طلب النَّفَقَة للزمان الْمَاضِي لاستنكر الثَّالِث لَو اعتاضت عَن النَّفَقَة دَرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كالإعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ عوض وَالثَّانِي أَنه يجوز كقيم الْمُتْلفَات لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق عوضا وَلَو أخذت الْخبز بَدَلا عَن الْحبّ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ رَبًّا وَوجه التجويز أَنَّهَا كالقابضة لحقها لِأَنَّهَا تركت مئونة الْإِصْلَاح الرَّابِع لَهَا طلب النَّفَقَة صَبِيحَة كل يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهَا الصَّبْر إِلَى آخر الْيَوْم ثمَّ لَو مَاتَت فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 أثْنَاء النَّهَار لَا تسترد بل هِيَ تَرِكَة لورثتها وَلَو نشزت فِي أثْنَاء الْيَوْم استردت فَلَو قدم إِلَيْهَا نَفَقَة أَيَّام فَهَل تَملكهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كتعجيل الدّين الْمُؤَجل وَالثَّانِي لَا لِأَن السَّبَب غير مستيقن فَرُبمَا تَمُوت ثمَّ إِذا مَاتَت وَقُلْنَا إِنَّهَا ملكت فَفِي الإسترداد وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يسْتَردّ وَلَا خلاف أَنه يسْتَردّ بالنشوز أما الْكسْوَة فَهَل يجب التَّمْلِيك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان لترددها بَين النَّفَقَة والمسكن فروع الأول لَو سلم إِلَيْهَا كسْوَة الصَّيف فَتلفت فِي يَدهَا يجب الْإِبْدَال إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَا يجب الثَّانِي لَو أتلفت بِنَفسِهَا وَقُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَلَا تجب الْإِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع فَالظَّاهِر أَنه يجب وَلَكِن يجب عَلَيْهَا قيمَة الْمُتْلف الثَّالِث لَو مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فيسترد ثِيَابهَا إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فالصنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّوْب كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعَام فَهُوَ تَرِكَة وَلَا شكّ فِي أَنه يسْتَردّ بالنشوز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 أما الخادمة فَلَا يجب شراؤها وَالتَّمْلِيك فِي رقبَتهَا أما التَّمْلِيك فِي نَفَقَتهَا فكالتمليك فِي نَفَقَة المخدومة وَلَا يتَصَوَّر هَذَا فِي الرقيقة فَإِنَّهَا لَا تملك وَلَا فِي المتسأجرة بِأُجْرَة فَإِنَّهَا لَا تسْتَحقّ سوى الْأُجْرَة بل فِي الَّتِي وعدت الْخدمَة بِالنَّفَقَةِ فتستحق التَّمْلِيك وَإِن لم يكن عقد لَازم وَيحْتَمل هَذَا لأجل الْحَاجة فِي هَذَا الْموضع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي مسقطات النَّفَقَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومسقط النَّفَقَة مَا يمْنَع عَلَيْهِ الإستحقاق وَفِيمَا تجب بِهِ النَّفَقَة قَولَانِ مستنبطان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَحدهمَا أَنه تجب بِمُجَرَّد العقد بِشَرْط عدم النُّشُوز وَلَا تجب بالتمكين بِدَلِيل وُجُوبهَا للرتقاء والمريضة فَكَأَن العقد مُوجب والنشوز مسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بالتمكين على حسب الْإِمْكَان لِأَن العقد قد أوجب الْمهْر فَتكون النَّفَقَة عوضا عَن التَّمْكِين والإحتباس فِي حبالته وَفَائِدَة الْقَوْلَيْنِ تظهر فِي النزاع فَإِذا تنَازعا فِي النُّشُوز فَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل عدم النُّشُوز وَإِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات التَّمْكِين وَكَذَلِكَ إِذا لم يُطَالب بالزفاف وَالْمَرْأَة ساكتة إِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَتجب إِذْ لَا نشوز مِنْهَا وَلَا خلاف أَنه تسْقط النَّفَقَة بامتناع الإستمتاع بِسَبَب من جِهَتهَا لَا تكون معذورة فِيهِ بِخِلَاف الْمَرَض والرتق والموانع أَرْبَعَة الأول النُّشُوز فَإِذا نشزت يَوْمًا لم تسْتَحقّ نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم والنشوز فِي بعض الْيَوْم هَل يسْقط جملَة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 أَحدهمَا نعم لِأَن حكم الْيَوْم الْوَاحِد لَا يَتَبَعَّض وَالثَّانِي أَنه يوزع على مِقْدَار الزَّمَان إِلَّا إِذا كَانَت تنشز بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل أَو على الْعَكْس فَإِنَّهُ يتشطر وَلَا ينظر إِلَى مِقْدَار الْأَزْمِنَة فروع الأول لَو خرجت بِغَيْر إِذْنه فَهِيَ نَاشِزَة وَلَو خرجت فِي حَاجته بِإِذْنِهِ فَلَا وَلَو خرجت فِي حَاجَة نَفسهَا بِإِذْنِهِ فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ إِن قُلْنَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَتسقط بالنشوز فلهَا النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا بالتمكين فَلَا الثَّانِي مهما طلب الزفاف فامتنعت بِغَيْر عذر فَهِيَ نَاشِزَة وَإِن كَانَت مَرِيضَة يضر بهَا الْوَطْء فَهِيَ معذورة وَلها النَّفَقَة وَلَا تسْقط بِالْمرضِ لِأَنَّهُ دَائِم وَلَا تَقْصِير من جِهَتهَا فَإِن قَالَ الزَّوْج سلموها إِلَيّ وَلَا أطؤها فَلَا يُؤمن فِي ذَلِك وَإِن أنكر الزَّوْج كَون الْوَطْء مضرا فَشهد أَربع من النسْوَة ثَبت وَإِن شهِدت وَاحِدَة فَوَجْهَانِ مأخذه أَنه يَجْعَل إِخْبَارًا أم شَهَادَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة فلهَا أَن تحلف الزَّوْج على نفي الْعلم بذلك الثَّالِث إِذا نشزت فَغَاب الزَّوْج فَعَادَت إِلَى الْمسكن فَهَل تعود النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تعود بِمُجَرَّد رُجُوعهَا لزوَال الْمسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تعود إِلَى أَن ترفع إِلَى القَاضِي فَيحكم بطاعتها ويخبر الزَّوْج حَتَّى يرجع أَو تَنْقَضِي مُدَّة الرُّجُوع فَإِن لم يرجع بعد ذَلِك وَجَبت نَفَقَتهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 أما إِذا ارْتَدَّت فَلَا نَفَقَة لَهَا فَإِن عَادَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تعود النَّفَقَة لِأَن السَّبَب خَفِي لَا يجب فِيهِ الرّفْع وَقَالَ المراوزة هُوَ كالنشوز الْجَلِيّ والمجنونة إِذا نشزت شقطت نَفَقَتهَا وَإِن لم تأثم لتعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا الْمَانِع الثَّانِي الصفر وَفِيه ثَلَاث صور أَحدهَا أَن تزوج صَغِيرَة من بَالغ فَفِي وجوب النَّفَقَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تجب كالمريضة والرتقاء والمستحاضة وَهَذَا ينطبق على قَوْلنَا النَّفَقَة بِالْعقدِ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الصغر نوبَة مَعْلُومَة من الْعُمر تَنْقَضِي وَلَيْسَ هَذَا كالرتق الَّذِي لَا آخر لَهُ وَلَا كالمرض الَّذِي هُوَ تارات تضطرب الثَّانِيَة أَن تزوج بَالِغَة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الْمَنْع من جَانِبه وَفِيه قَول أَنَّهَا إِن كَانَت جاهلة بصغره اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا الثَّالِثَة إِذا زوج صيغرة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تجب ونعني بالصغير أَن لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاع دون الْمُرَاهق الَّذِي لَيْسَ ببالغ ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا للصغيرة لم تخْتَلف بالإجابة إِلَى الزفاف أَو السُّكُوت إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْوَعْد نعم إِذا انْتَهَت إِلَى التهيؤ للاستمتاع يخرج من النَّفَقَة عِنْد السُّكُوت على الْقَوْلَيْنِ الْمَانِع الثَّالِث التَّلَبُّس بالعبادات كالإحرام وَالصَّوْم أما الْإِحْرَام فَإِذا أَحرمت بِإِذْنِهِ فقد سَافَرت فِي غَرَض نَفسهَا بِإِذْنِهِ وَقد ذكرنَا فِيهِ خلافًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا لَا تسْتَحقّ فَفِي اسْتِحْقَاقهَا قبل الْخُرُوج وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الإستمتاع قد امْتنع وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَحت يَده وَقد أَحرمت بِإِذْنِهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين أَن يَنْهَاهَا الزَّوْج عَن الْخُرُوج أَو يرضى بِهِ وَحكي عَن الْقفال رَحمَه الله أَنه إِذا نهاها عَن الْخُرُوج فَخرجت سَقَطت النَّفَقَة قطعا أما إِذا احرمت بِغَيْر إِذْنه فَفِي جَوَاز تحليلها خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يحللها فَهِيَ نَاشِزَة من وَقت الْإِحْرَام وَفِيه وَجه أَنه لَا تسْقط نَفَقَتهَا قبل الْخُرُوج وَهُوَ بعيد وَإِن قُلْنَا يحللها فَمَا دَامَت مُقِيمَة فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الزَّوْج وَإِن قدر على قهر النَّاشِزَة فَلَا يلْزمه وَرُبمَا ترتاع نَفسه من قطع الْإِحْرَام أما الصّيام فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِصَوْم رَمَضَان لِأَن اللَّيَالِي عتيدة وَهَذِه الْعِبَادَات تشْتَمل الزَّوْجَيْنِ لَا كالإحرام بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ على التَّرَاخِي أما صَوْم النَّوَافِل فَللزَّوْج الْمَنْع والتحليل فَإِن لم يحلل فَفِي النَّفَقَة وَجْهَان مرتبان على الْإِحْرَام وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الإستمتاع مُبَاح سوى الْوَطْء وَله تَحْلِيل صَوْم نذرته بعد النِّكَاح وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة أما منعهَا من رواتب السّنَن والبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا تمنع ثمَّ صَوْم عَاشُورَاء وعرفة يجْرِي مجْرى الرَّوَاتِب أما صَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَلهُ منعهَا وَجها وَاحِدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 الْمَانِع الرَّابِع الْعدة والمعتدات خمس الأولى الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ فَلَو حبلت وَقُلْنَا تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء فَلَا تسْتَحقّ على الزَّوْج وَحَيْثُ لَا تسْتَحقّ على الواطىء فَفِي سُقُوط نَفَقَة الزَّوْجِيَّة خلاف من حَيْثُ إِن تعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا وَلكنهَا معذورة وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَت نَائِمَة أَو مُكْرَهَة فلهَا النَّفَقَة وَإِن مكنت على ظن أَنه زَوجهَا فَلَا نَفَقَة لِأَن الظَّن لَا يُؤثر فِي الغرامات الثَّانِيَة الْمُعْتَدَّة عَن طَلَاق رَجْعِيّ فتستحق النَّفَقَة حاملة كَانَت أَو حَائِلا لِأَن سلطنة الزَّوْج فِي الرَّجْعِيَّة دائمة فَلَو أحبلها الواطىء بِالشُّبْهَةِ وتأخرت عدَّة الزَّوْج فَإِن قُلْنَا لَهُ الرّجْعَة فِي الْحَال فَعَلَيهِ النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَوَجْهَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَإِن قُلْنَا ترتجع فَوَجْهَانِ وَهَذَا أفقه لِأَنَّهَا صَارَت محبوسة لغيره فرع لَو قَالَ طَلقتك قبل وضع الْحمل فَأَنت الْآن بَائِنَة فَلَا نَفَقَة لَك فَقَالَت بل بعد الْوَضع ولي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل بَقَاء النَّفَقَة وَهُوَ يَدعِي السُّقُوط فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَلَا رَجْعَة لِأَنَّهَا بَائِنَة بِزَعْمِهِ الثَّالِثَة الْمُطلقَة البائنة لَهَا السُّكْنَى فِي الْعدة وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَالنَّفقَة للْحَمْل أَو للحامل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا للْحَمْل لِأَنَّهُ المتجدد فَهِيَ كالحاضنة وَالثَّانِي للحامل بِدَلِيل أَنه تجب مُقَدرا وَلَا تسْقط على الصَّحِيح بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا تخْتَلف بزهادتها ورغبتها فرع الْحر إِذا طلق زَوجته الْحَامِل الْمَمْلُوكَة فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن النَّفَقَة للْحَمْل أَو للحامل لِأَن الْحمل الْمَمْلُوك لَو انْفَصل فنفقته على السَّيِّد لَا على الْأَب وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو طلق الرَّقِيق زَوجته الْحَامِل الرَّابِعَة الْمُعْتَدَّة عَن فِرَاق الْفَسْخ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا كردته مثلا فَهِيَ كالمطلقة أما إِذا كَانَ الْفَسْخ باختيارها أَو بِسَبَب عيبها فَهَذَا الْفَسْخ لَا يشطر الْمهْر بل يسْقطهُ جَمِيعه فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ بِنَاء على أَنَّهَا للْحَمْل أَو للحامل أما الْفِرَاق عَن جِهَة اللّعان فَهَل يُضَاف إِلَيْهَا فِيهِ تردد لِأَنَّهَا مُنكرَة بِسَبَب اللّعان وَلَكِن لَهَا مدْخل فِي الْبَين وَإِنَّمَا تسْتَحقّ النَّفَقَة إِذا لم ينف الْحمل وَكَذَلِكَ الْخلاف جَار فِي أَن الْمهْر هَل يتشطر بِهِ فرع لَو أنفقت على الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ ثمَّ أكذب نَفسه رجعت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بذلت على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 ظن الْوُجُوب وَلها ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج لقصة هِنْد وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا ترجع وَلَيْسَ لَهَا ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج وقصة هِنْد مَحْمُولَة على قَضَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه لَهَا الْخَامِسَة الْمُعْتَدَّة الْحَامِل عَن وَطْء الشُّبْهَة إِذا كَانَت خلية عَن النِّكَاح فَهَل تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء إِن قُلْنَا للْحَمْل فتستحق وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا تسْتَحقّ لأَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه للحامل جعلنَا بَقَاء علقَة الْحمل كبقاء علقَة الرّجْعَة فِي إِيجَاب نَفَقَة النِّكَاح واستمرارها وَكَذَلِكَ لَا توجب بِحمْل اللّعان قطعا لِأَن الزَّوْج يُنكر احتباسها بِحمْلِهِ التَّفْرِيع يتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت لَا تكتفي بِالْقدرِ فِي مُدَّة الْحمل أَعنِي الْمُطلقَة فَهَل تزاد مِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا للْحَمْل فتزاد لِأَنَّهُ على الْكِفَايَة كالحاضنة وَإِن قُلْنَا للحامل فَوَجْهَانِ وَوجه الزِّيَادَة الحذر من الْإِضْرَار وَأَن الْحمل لَا بُد وَأَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا للحامل فَلَا تزاد وَإِن قُلْنَا للْحَمْل فَوَجْهَانِ لأَنا لَا بُد وَأَن نلتفت فِي كل قَول على الْمَعْنى الآخر إِذْ الْحق أَنه كالمرتبط بهما جَمِيعًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 الثَّانِيَة أَنه إِن أنْفق عَلَيْهِمَا ثمَّ بَان أَنه لَا حمل فَهَذَا يَنْبَنِي على أَن التَّعْجِيل هَل كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَفِيه قَولَانِ مبنيان على أَن الْحمل هَل يعرف والمصير إِلَى أَنه لَا يجب التَّعْجِيل لَا أعرف لَهُ وَجها مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} بل الصَّحِيح أَن الْحمل يعرف بِالظَّنِّ الْغَالِب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ تَسْلِيم الحلفات لوُرُود الْخَبَر وَكَذَلِكَ تَسْلِيم النَّفَقَة لِلْآيَةِ فعلى هَذَا لَهُ الإسترداد فَإِنَّهُ ظن أَنه وَاجِب وَمن قَالَ لَا يجب التَّعْجِيل فَيَقُول إِن عجل بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْجِيل الزَّكَاة أما إِذا أنْفق ثمَّ بَان فَسَاد النِّكَاح فَلَا يسْتَردّ النَّفَقَة وَإِن كَانَت حَائِلا لِأَنَّهَا كَانَت محبوسة على ظن النِّكَاح وَالنَّفقَة فِي مُقَابلَة حبس عَن نِكَاح وَالظَّن فِي هَذَا كالحقيقة الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا وَهِي حَامِل ثمَّ مَاتَ لم تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَإِن كَانَ بَائِنا بل عدتهَا بِالْحملِ وَلَا يخرج نَفَقَة بعد ذَلِك من التَّرِكَة فَإِن قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فلاتجب النَّفَقَة للقريب بعد الْمَوْت وَإِن قُلْنَا للحامل فَهِيَ كالحاضنة فَلَا نَفَقَة لَهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِذا قُلْنَا للحامل تجب فَكَأَن الطَّلَاق أوجب ذَلِك دفْعَة وَلذَلِك تسْتَحقّ هَذِه الْمَرْأَة السُّكْنَى مَعَ أَن عدَّة الْوَفَاة لَا توجب السُّكْنَى على أحد الْقَوْلَيْنِ ويعتضد هَذَا بِأَن علقَة الْحمل جعلناها كعلقة النِّكَاح وَهِي بَاقِيَة بعد الْمَوْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي ثُبُوت حق الْفَسْخ بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا يثبت بِفَوَات الإستمتاع بالجب والعنة بل أولى لِأَن لَهَا طلب النَّفَقَة دون الوقاع وَلِأَن الْحَيَاة لَا تبقى بِغَيْر الْقُوت وَتبقى دون الوقاع وَالثَّانِي لَا لِأَن النَّفَقَة تَابِعَة ومقصود النِّكَاح الإستمتاع وَلَا يتَعَيَّن الزَّوْج للنَّفَقَة إِذْ يحل لَهَا مَالهَا وَلَا وَجه للإستمتاع إِلَّا من جِهَته فَإِن قضينا بِثُبُوت الْفَسْخ وَجب النّظر فِي أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْعَجز وَهُوَ أَن لَا يملك مَالا وَلَا يقدر على الْكسْب فَإِن ملك وَلَكِن منع وعجزت الْمَرْأَة وَالْقَاضِي عَن أَخذ مَاله فطريقان مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن الضرار حَاصِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن هَذَا ظلم وَلَيْسَ بِعَيْب فَكَأَن منشأ الْخلاف أَن هَذَا الْفَسْخ لنَقص الزَّوْج وعيبه أَو لتضررها بِالنَّفَقَةِ وَإِن لم يملك شَيْئا وَلَكِن قدر على الْكسْب وَقُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْكسْب لأجل الزَّوْجَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 على رَأْي فَهُوَ كالغني الْمُمْتَنع الطّرف الثَّانِي فِي المعجوز عَنهُ وَهُوَ الْقُوت بجملته فَأَما الْأدم فالعجز عَنهُ لَا يُسَلط على الْفَسْخ فِي الظَّاهِر وَفِي الْكسْوَة والمسكن وَجْهَان لِأَن النَّفس تبقى دونهمَا ولكنهما مقصودان لَا كالأدم فَإِنَّهُ تَابع وَكَذَلِكَ فِي الْإِعْسَار بِنَفَقَة الْخَادِم الْوَجْهَانِ والإعسار بِالْمهْرِ لَا يُوجب الْفَسْخ لَكِن لَهَا منع نَفسهَا إِن لم تمكن مرّة فَإِن مكنت سقط حق حَبسهَا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمهْر وَهُوَ بعيد أما الْإِعْسَار بِنَفَقَة مَا مضى فَلَا يُوجب الْفَسْخ بل هُوَ دين مُسْتَقر فِي ذمَّته فَرْضه القَاضِي أَو لم يفْرض أَعنِي بِهِ مَا يجب فِيهِ التَّمْلِيك فَإِن الإمتاع لَا يُمكن تدارك فائته وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله النَّفَقَة لَا تَسْتَقِر فِي الذِّمَّة إِلَّا بِفَرْض القَاضِي كَنَفَقَة الْأَقَارِب فرع لَو قدر كل يَوْم على مد فَلَا فسخ لِأَنَّهُ قوام وَلَو قدر على ثلث مد ثَبت الْفَسْخ وَلَو قدر على نصف مد فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 الْإِثْنَيْنِ وَكَأن الإجتزاء بِنصْف الْمَدّ مُمكن وبثلثه لَا الطّرف الثَّالِث فِي حَقِيقَة هَذَا الدّفع وَلَا شكّ فِي أَن الدّفع بالجب والعنة فسخ وَالدَّفْع فِي الْإِيلَاء طَلَاق وَهَذَا دائر بَينهمَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه طَلَاق فَلَا بُد من الرّفْع إِلَى القَاضِي حَتَّى يحْبسهُ ليطلق أَو ينْفق فَإِن لم يُطلق طلق القَاضِي طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَا بُد من الْعدة وَإِن لم تكن النَّفَقَة حَقًا لله تَعَالَى فَإِن رَاجعهَا طلق القَاضِي ثَانِيًا إِلَى أَن تتمّ الثَّلَاث فَإِن قُلْنَا إِنَّه فسخ فَلَا بُد من الرّفْع لإِثْبَات الْإِعْسَار فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالإجتهاد ثمَّ إِذا ثَبت فلهَا تعَاطِي الْفَسْخ فَإِن فسخت دون الرّفْع لعلمها بإعساره لم ينفذ ظَاهرا وَهل ينفذ بَاطِنا حَتَّى لَو اعْترف الزَّوْج اَوْ قَامَت الْبَيِّنَة تبين نُفُوذه واحتساب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت هَذَا فِيهِ تردد وَلَا خلاف أَنه ينفذ ظَاهرا إِذا لم يكن فِي النَّاحِيَة حَاكم أَو عجزت عَن الدّفع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 الطّرف الرَّابِع فِي وَقت الْفَسْخ والطلبة بِالنَّفَقَةِ تتَوَجَّه صَبِيحَة الْيَوْم وَلَكِن لَو استمهل الْمُعسر فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يتَحَقَّق عَجزه وَالثَّانِي أَنه لَا يُمْهل وعَلى هَذَا فَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تبادر الْفَسْخ صَبِيحَة الْيَوْم فَإِن أَكثر النَّاس يَكْسِبُونَ قوت الْيَوْم فِي الْيَوْم وَلَكِن إِلَى مَتى التَّأْخِير يحْتَمل أَن يُقَال إِلَى وسط النَّهَار فَإِن تَأْخِير الطَّعَام عَنهُ غير مُعْتَاد وَيحْتَمل أَن يُقَال إِلَى اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار فيتسع للكسب وَيحْتَمل أَن يُقَال حَتَّى يَنْقَضِي يَوْم وَلَيْلَة إِذْ بِهِ يسْتَقرّ الْحق فَإِن النَّفَقَة لليوم وَاللَّيْلَة فَيرجع هَذَا إِلَى أَنه يُمْهل يَوْمًا وَاحِدًا نعم لَو أقرّ صَبِيحَة الْيَوْم بِأَنِّي عَاجز وَلست أتوقع الْيَوْم شَيْئا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهَا الْمُبَادرَة بِالْفَسْخِ وَيحْتَمل أَن يُقَال يُمْهل إِلَى تحقق الْعَجز بِانْقِضَاء الْيَوْم فرع لَو كَانَ يعْتَاد الْإِتْيَان بِالطَّعَامِ لَيْلًا فلهَا الْفَسْخ لِأَن هَذَا صِيَام الدَّهْر نعم لَا يثبت بِوُقُوع ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلَيْسَ مَا يحْتَمل نَادرا يحْتَمل دَائِما وَيتَفَرَّع على قَول الْإِمْهَال مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه لَو جَاءَ النَّفَقَة صَبِيحَة الْيَوْم الرَّابِع لليوم الرَّابِع فَلَا فسخ وَمَا مضى دين فِي الذِّمَّة وَلَيْسَ لَهَا أَن تَقول أَقبض هَذَا عَن الْمَاضِي وأفسخ فِي الْحَال لِأَن التعويل على قصد الْمُؤَدِّي فَلَو عجز فِي الْيَوْم الْخَامِس فلهَا الْفَسْخ وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة على الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون قد اسْتغنى بِمَال يَدُوم فِي الْغَالِب وَلَكِن تلف بِعَارِض فَيجْعَل كَأَن الْإِعْسَار الْمَاضِي لم يكن وَلَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 قدر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَعجز فِي الرَّابِع فيكمل الثَّالِث بِالْيَوْمِ الرَّابِع وَلَا تسْتَأْنف وَقيل إِنَّه تسْتَأْنف لِأَن الْقُدْرَة الطارئة قطعت المهلة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الزَّوْج يتَّخذ ذَلِك عَادَة فينفق يَوْمًا وَيتْرك يَوْمَيْنِ الثَّانِيَة الْمُبَادرَة صَبِيحَة الرَّابِع جَائِز وَلَا يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار نعم الْيَوْم الْخَامِس يَجْعَل كَالْيَوْمِ الأول على قَول من ترك الْإِمْهَال حَتَّى يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار ثمَّ يفْسخ حَيْثُ يَقُول لَا تسْتَأْنف الْمدَّة الثَّالِثَة إِذا رضيت بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الطّلب قَالَ الصيدلاني تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف امْرَأَة المؤلي لِأَن مُدَّة الْإِيلَاء مَضْرُوب شرعا وَهَذِه تضرب بطلبها فَتسقط بِرِضَاهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الرُّجُوع بِخِلَاف زَوْجَة الْعنين فَإِن هَذَا صَبر على ضرار يتَوَقَّع زَوَاله والعنة عيب وَهِي فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة والإعسار فِي كل يَوْم متجدد وَلَو قَالَت رضيت بِهِ أبدا فلهَا الرُّجُوع إِلَى الطّلب كَمَا لَو نكحته وَهِي عَالِمَة بإعساره فلهَا ذَلِك لِأَن هَذَا وعد بِالصبرِ على ضرار والضرار متجدد فَالْحق متجدد الطّرف الْخَامِس فِيمَن لَهُ حق الْفَسْخ وَهِي الزَّوْجَة خَاصَّة فَلَا يثبت لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة الْفَسْخ بالإعسار وَإِن كَانَت صانعة لِأَن الْفَسْخ رفع للنِّكَاح وَهُوَ مُتَعَلق بالطبع كَالطَّلَاقِ فَلَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة أما الْأمة فَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة فَهَل لسَيِّد فسخ نِكَاحهَا بالإعسار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن السَّيِّد ذُو حق فِي النَّفَقَة فَإِنَّهُ الَّذِي دخل فِي ملكه وَله وإبداله بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَت مُسْتَقلَّة فَهِيَ صَاحِبَة الْحق وَلها الْفَسْخ دون رضَا السَّيِّد فَإِن ضمن السَّيِّد النَّفَقَة لم يسْقط حَقّهَا كَمَا لَو تبرع أَجْنَبِي بِالنَّفَقَةِ وَفِي ضَمَان السَّيِّد احْتِمَال أما إِذا رضيت بإعساره فَلَيْسَ للسَّيِّد الْفَسْخ لَكِن يَقُول لِلْجَارِيَةِ افسخي أَو اصْبِرِي على الْجُوع وَلَيْسَ عَلَيْهِ النَّفَقَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجْهَيْن مرتبين على الصَّغِيرَة وَأولى بِأَن لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 يفْسخ هَا هُنَا لاستقلالها ثمَّ اعْلَم أَن الْملك فِي النَّفَقَة للسَّيِّد وَلَكِن لَهَا حق التوثيق بهَا حَتَّى لَا يجوز للسَّيِّد النَّفَقَة إِلَّا بعد تَسْلِيم الْبَدَل وَلَا يجوز لَهُ الْإِبْرَاء عَن النَّفَقَة وَكَأَنَّهُ مَرْهُون بِحَقِّهَا ككسب عبد التِّجَارَة فَإِنَّهُ كالمرهون بِنَفَقَتِهِ لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وللأمة طلبَهَا من الزَّوْج فَإِذا أخذت دخل فِي ملك السَّيِّد لِأَنَّهَا كالمأذونة عرفا وَشرعا بِالتَّزْوِيجِ هَذَا كُله تَفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْإِعْسَار يثبت الْفَسْخ فَإِن قُلْنَا لَا يثبت فَهَل يرْتَفع عَنْهَا حبس الْمسكن فِيهِ خلاف للأصحاب وَالْقِيَاس أَن لَا يرْتَفع إِلَّا إِذا عجزت عَن نَفَقَة نَفسهَا إِلَّا بِالْخرُوجِ وَلَكِن الْخَبَر يدل على الْجَوَاز إِذْ نقل فِي الْخَبَر أَنه فرق بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا الْمُعسر فَإِن لم يحمل على التَّفْرِيق فِي العقد فَلَا بُد من حمله على التَّفْرِيق فِي الْمنزل وَلها الْمَنْع من الْوَطْء إِن لم تكن قد مكنته من قبل وعَلى قَول ثُبُوت الْفَسْخ يبطل حق الْفَسْخ فِي مُدَّة الْإِمْهَال وَفِيه وَجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 السَّبَب الثَّانِي النَّفَقَة لِلْقَرَابَةِ وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} الْآيَة وقصة هِنْد مَعْرُوفَة وَلَا تسْتَحقّ عندنَا إِلَّا بِقرَابَة البعضية فَتجب للفروع وَالْأُصُول مَعَ اخْتِلَاف الدّين واتفاقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب بالمحرمية وَأثبت للإخوة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 ثمَّ يشْتَرط فِي الإستحقاق إعسار الْمُنفق عَلَيْهِ ويسار الْمُنفق أما الْمُنفق عَلَيْهِ فَهَل يشْتَرط مَعَ الْإِعْسَار عَجزه عَن الْكسْب إِن كَانَ طفْلا لم يشْتَرط وَإِن كَانَ بَالغا وَكَانَ فرعا فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ أَبَا أَو جدا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِأَن تَكْلِيف الإبن أَبَاهُ الْكسْب مَعَ الثروة غض من منصب الْأُبُوَّة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط إِذْ يخرج بِالْقُدْرَةِ عَن المسكنة وَاسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين فَكَذَلِك النَّفَقَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط كَمَا فِي الطِّفْل والمراهق وَلِأَن هَذَا مَبْنِيّ على المجاملة بِخِلَاف الزَّكَاة ويقبح تَكْلِيف الْكسْب مَعَ اتساع مَال الْأَب أَو الإبن فَإِن قُلْنَا يشْتَرط فَهَل يشْتَرط أَن يكون زَمنا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْقَادِر لَا يعجز عَن أَن يصير أَجِيرا وَإِن لم يعرف حِرْفَة فيكتسب بِوَجْه وَالثَّانِي لَا يشْتَرط ذَلِك بل يَكْفِي أَن لَا يقدر على حِرْفَة تلِيق بمنصبه أما مَا لَا يَلِيق بِهِ فَلَا يعْتَبر وَهَذَا أعدل وعَلى هَذَا إِذا قدر على اكْتِسَاب بعض النَّفَقَة فَلَا يسْتَحق إِلَّا الْقدر المعجوز عَنهُ وَأما حل السُّؤَال للكسوب فَفِيهِ خلاف للأصحاب وَظَاهر الْأَخْبَار تدل على تَحْرِيمه فقد ورد فِيهِ تشديدات وَبِالْجُمْلَةِ أَخذ المَال من الْقَرِيب أَهْون من السُّؤَال فعلى الْجُمْلَة إِذا سَأَلَ فَلَا يذل نَفسه وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُول وَلَا يلح فِي السُّؤَال وَأما يسَار الْمُنفق فنعني بِهِ أَن يفضل عَن قوت يَوْمه شَيْء حَتَّى يُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب كل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 مَا يُبَاع فِي الدّين من عقار وَعبد وَإِن كَانَ بيع العَبْد يردهُ إِلَى أَن يتعاطى أعمالا لَا تلِيق بمنصبه وَلَكِن يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على أَبْعَاضه كَمَا ينْفق على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُبَاع عقاره فِيهِ أما الْمُفلس الكسوب فَهَل يجب عَلَيْهِ الْكسْب والإنفاق على قَرِيبه الْعَاجِز الزَّمن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب لأجل الدّين وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن الدّين من الْعَوَارِض وحاجات الْأَبْنَاء منوطة بِالْآبَاءِ فَكيف يجوز تضييعهم مَعَ الْقُدْرَة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول وَهَذَا خلاف جَار فِي الْكسْب لأجل الزَّوْجَة وَأَنه هَل يجب ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق وَلَا تَقْدِير فِي نَفَقَة الْقَرِيب بل هُوَ على الْكِفَايَة وَإِنَّمَا يجب مَا يدْرَأ ألم الْجُوع وَثقل الْبدن لَا مَا يزِيل تَمام الشَّهْوَة والنهمة وَكَذَلِكَ يجب فِي الْكسْوَة الْوسط مِمَّا يَلِيق بِهِ وَهُوَ إمتاع إِذْ تسْقط بمرور الزَّمَان إِذا لم يفرضه القَاضِي بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة الصَّغِير وَجه بعيد أَنه لَا تسْقط بمرور الزَّمَان تبعا للزَّوْجَة فَإِن عنايتها بِوَلَدِهَا كعنايتها بِنَفسِهَا فروع الأول يسْتَحق الْأَب مَعَ النَّفَقَة الإعفاف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كسوبا وَكَسبه لَا يَفِي إِلَّا بِنَفسِهِ فَيسْتَحق ذَلِك على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن لَا يجب إِلَّا نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان سلم إِلَيْهِ نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة ثمَّ يقسم هُوَ عَلَيْهِمَا الثَّانِي إِذا منع الْأَب النَّفَقَة فَهَل للْأُم أَخذ النَّفَقَة من مَاله دون إِذْنه فِيهِ وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن إِذن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِنْد كَانَ شرعا أَو قَضَاء وَلَو استقرضت عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو أنفقت من مَال نَفسهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ تكون مقرضة ومستقرضة وَلَو كَانَ للطفل مَال فَأَرَادَتْ الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من مَاله من غير مُرَاجعَة القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ الثَّالِث الْقَرِيب يرفع أمره إِلَى القَاضِي وَلَا يستبد بالاستقراض فَإِن عجز عَن القَاضِي فَاسْتقْرض فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 فَإِن كَانَ الْأَب الْمُوسر غَائِبا وَالْجد حَاضرا فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْجد بِالْإِنْفَاقِ بِشَرْط الرُّجُوع إِلَّا أَن يتَبَرَّع وَإِن اسْتَقل فَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع إِلَّا إِذا عجز عَن القَاضِي فَفِي رُجُوعه وَجْهَان الرَّابِع يجب على الام أَن ترْضع وَلَده اللبأ إِذْ يُقَال إِنَّه لَا يعِيش دونه ثمَّ الْأُجْرَة على الْأَب إِن كَانَ لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ فِي الْإِرْضَاع لِأَن النَّفَقَة على الْأَب وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاع إِن وجد غَيرهَا وَإِن لم تُوجد إِلَّا وَاحِدَة وَلَو أَجْنَبِيَّة وَجب عَلَيْهَا لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَمهما رغبت فَهِيَ أولى فَلَا يقدم عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيَّة رِعَايَة لجانبها وجانب الطِّفْل لزِيَادَة شفقتها فَإِن تبرعت الْأَجْنَبِيَّة وَطلبت الْأُم الْأُجْرَة فَقَوْلَانِ حاصلهما تردد فِي أَنه هَل يجب على الْأَب تَحْصِيل زِيَادَة هَذِه الشَّفَقَة للطفل وَدفع الضَّرَر عَنْهَا بِمَال هَذَا إِذا لم تكن فِي نِكَاحه فَإِن كَانَت فِي نِكَاحه فَللزَّوْج منعهَا من الْإِرْضَاع لأجل الإستمتاع وَفِيه وَجه أَن منعهَا من الْإِرْضَاع إِضْرَار بهَا وبالطفل فَيقدم حَقّهَا وَلَا يتَّجه هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلَد من الزَّوْج فَإِن كَانَ لغيره فَيقدم استمتاع الزَّوْج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَقَارِب عِنْد الإجتماع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف أَرْبَعَة الأول فِي اجْتِمَاع الْأَوْلَاد وَفِيه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن التَّقْدِيم للقرب حَتَّى يقدم الْقَرِيب المحروم من الْمِيرَاث كَبِنْت الْبِنْت على الْبعيد الْوَارِث كَبِنْت ابْن الإبن فَإِن تَسَاويا فِي الْقرب وَأَحَدهمَا وَارِث كَبِنْت بنت وَابْنَة ابْن فَفِي تَقْدِيم الْوَارِث وَجْهَان فَإِن اعْتبرنَا الْإِرْث وتفاوتا فِي الْقدر فَهَل توزع على الْمَقَادِير أَو يُسَوِّي فِيهِ وَجْهَان ومثاله الإبن وَالْبِنْت الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الْإِرْث مقدم فَلَو تَسَاويا فِي الْمِيرَاث وَقضي بالتساوي لتساويهما فِي أصل الْمِيرَاث لَا فِي قدره فِي كل مَوضِع ذكرنَا التَّسَاوِي فِيهِ كَبِنْت وَابْن ابْن فَعِنْدَ ذَلِك يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن تَسَاويا فيهمَا يوزع عَلَيْهِمَا وَفِيه وَجه أَنه يقدم بالذكورة فَيقدم الإبن على الْبِنْت لِأَنَّهُ مكتسب وَالنَّظَر إِلَى الْإِرْث ضَعِيف مَعَ وُجُوبهَا على من لَا يَرث وَعند اخْتِلَاف الدّين الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْأَب مقدم على الْأُم فِي الصغر وَبعد الْبلُوغ وَجْهَان أَحدهمَا الْأَب استصحابا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَالثَّانِي أَنَّهُمَا أصلان وَكَأن ذَلِك كَانَ من أثر الْولَايَة فِي الصغر وعَلى هَذَا هَل يتفاوتان كتفاوت الْإِرْث أم لَا فِيهِ وَجْهَان أما الأجداد والجدات فالقريب مقدم على الْبعيد المدلي بِهِ فَإِن اخْتلفت الْجِهَة فخمسة طرق طريقتان ذكرناهما فِي الْأَوْلَاد الثَّالِثَة أَن يقدم بِولَايَة المَال وَيدل عَلَيْهِ تَقْدِيم الْأَب على الْأُم فَإِن اسْتَويَا فَمن يُدْلِي بولِي فَهُوَ أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وَهُوَ اخْتِيَار المَسْعُودِيّ الرَّابِعَة تعْتَبر الذُّكُورَة فالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فالمدلي بِالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وعَلى هَذَا الْأَب الْيَهُودِيّ وَإِن لم يكن وليا فَهُوَ أولى إِذْ ترعى الْجِهَة المفيدة للولاية لَا نفس الْولَايَة الْخَامِسَة النّظر إِلَى الْإِرْث والإكتساب أَعنِي الذُّكُورَة فَإِن وجد فيهمَا أَو عدم أَو وجد فِي أَحدهمَا الذُّكُورَة وَفِي الآخر الوراثة اسْتَويَا وَبعد ذَلِك يقدم بِالْقربِ وخاصية هَذِه الطَّرِيقَة جبر الذُّكُورَة وَالْإِرْث كل وَاحِد لصَاحبه وَجَمِيع هَذِه الطّرق تجْرِي بَين الْأَوْلَاد إِلَّا اعْتِبَار الْولَايَة لِأَن المرجحات أَرْبَعَة الْولَايَة والقرب وَالْإِرْث والذكورة ولنذكر ثَلَاث صور لشرح هَذِه الطّرق صُورَة الأول أَب أَب وَأم من اعْتبر الْقرب قدم الْأُم وَمن اعْتبر الْإِرْث نصر عَلَيْهِمَا إِمَّا مُتَسَاوِيا أَو متفاوتا وَمن اعْتبر الْولَايَة أَو الذُّكُورَة قدم الْجد وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن أَب الْأَب أولى من الْأُم وَلم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة صُورَة الثَّانِيَة أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب سوى وَمن رَاعى الْإِرْث أَو الْولَايَة أَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 الذُّكُورَة والإدلاء بهَا قدم أَب أَب صُورَة الثَّالِثَة أم أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب أَو الذُّكُورَة قدم أَب الْأُم وَمن رَاعى الْإِرْث قدم أم أَب الْأَب الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا للْفَقِير أَب وَابْن موسران فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْأَب أولى لِأَنَّهُ ولي فَهُوَ أولى بالتربية إِذْ يستصحب حَال الصغر وَالثَّانِي الإبن أولى لِأَنَّهُ أولى بِالْخدمَةِ وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ ثمَّ هَل يتفاوتان لأجل الْإِرْث فِيهِ الْوَجْهَانِ الثَّانِيَة ابْن وجد قيل الْجد أولى لِأَنَّهُ كَالْأَبِ وَقيل الابْن أولى للْخدمَة والقرب الثَّالِثَة ابْن وَأم قيل هِيَ كَالْأَبِ لِأَنَّهَا أصل وَقيل الابْن أولى قطعا وعَلى الْجُمْلَة تعود الطّرق وَإِنَّمَا يزِيد هَا هُنَا أَن الْفَرْع بِالْخدمَةِ أولى وَالْأَصْل بالتربية أولى الطّرف الرَّابِع فِي ازدحام الآخذين للنَّفَقَة فَإِذا لم يفضل إِلَّا قوت وَاحِد اتَّفقُوا على أَن الزَّوْجَة مُقَدّمَة لِأَنَّهَا عِيَال كالأولاد وحقها آكِد إِذْ لَا يسْقط بمرور الزَّمَان وَلَا بغناها وَفِيه احْتِمَال إِذْ فِيهِ مشابه الدُّيُون وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مقدم عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَدَاء لَا فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَن الزَّوْجَة عِيَال فَأَما المدلون ببعضية فتعود الطّرق كلهَا فِي التَّرْجِيح بِالْقربِ أَو الوراثة وَيزِيد هَا هُنَا شَيْئَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 أَحدهمَا أَن هُنَاكَ الذُّكُورَة جِهَة فِي التَّقْدِيم وَهَا هُنَا الْأُنُوثَة هِيَ المرعية إِذْ تشعر بِضعْف وَالْآخر أَنا فِي الإلتزام نَنْظُر إِلَى مقادير الْإِرْث على رَأْي وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ فِي الْأَخْذ لَا ينظر إِلَيْهِ فَإِن اسْتَووا وزع عَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يسد التَّوْزِيع من كل وَاحِد مسدا أَقرع بَينهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْكَام الْحَضَانَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الأول فِي الصِّفَات الْمَشْرُوطَة والحضانة عبارَة عَن حفظ الْوَلَد وتربيته وَتجب مئونة الْحَضَانَة على من عَلَيْهِ النَّفَقَة وَعند الإزدحام يسْلك بهَا مَسْلَك الْولَايَة لِأَنَّهَا سلطنة على الْحِفْظ والتربية لَكِن تفارق الْولَايَة فِي أَن الْإِنَاث أولى بالحضانة لِأَن الْأُنُوثَة تناسب هَذِه الْولَايَة لزِيَادَة الرقة والشفقة وَلَو عضل الْأَقْرَب أَو غَابَ انْتقل إِلَى الْأَبْعَد لَا إِلَى السُّلْطَان لِأَن هَذَا يعْتَمد الشَّفَقَة الْمُجَرَّدَة بِخِلَاف ولَايَة النِّكَاح وَلَو امْتنعت الْأُم فأمها أولى من أَب الطِّفْل لِأَن شفقتها كشفقة الْأُم وَقيل ينْتَقل الْحق بعضلها إِلَى الْأَب وَكَأَنَّهُ فِي دَرَجَة السلطنة فِي الْولَايَة وَهُوَ بعيد وَمهما اجْتمع الْأَب وَالأُم فالأم أَحَق بالحضانة بِشَرْط اتصاف الْأُم بِخمْس صِفَات الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْأَمَانَة بالفراغ أما الْإِسْلَام فَإِنَّمَا يشْتَرط فِي ولد الْمُسلم لِأَن تَسْلِيمه إِلَى الْكَافِر يعرض دينه للفتنة وَأما الْعقل فَهُوَ الأَصْل فَلَا ثِقَة بِحِفْظ المعتوهة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وَأما الْحُرِّيَّة فَلَا بُد مِنْهَا لِأَن هَذِه ولَايَة وَلَا ولَايَة مَعَ الرّقّ وَلَا يُؤثر رضَا السَّيِّد وَكَذَلِكَ من نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق إِذْ لَا ولَايَة لمثلهَا وَلَكِن عَلَيْهَا نَفَقَة الْقَرِيب لِأَن ذَلِك من قبيل الغرامات وَأما الْأَمَانَة فَلَا بُد مِنْهَا إِذْ الفاسقة لايؤمن من جَانبهَا وَأما الْفَرَاغ فنعني بِهِ أَن لَا تكون فِي نِكَاح غَيره فَإِذا نكحت سقط حَقّهَا من الْحَضَانَة لِأَنَّهُ نوع رق وَلَا يُؤثر رضَا الناكح إِلَّا إِذا نكحت من لَهُ حق الْحَضَانَة كعم الْوَلَد فَالْمَشْهُور أَنه لَا يسْقط حَقّهَا من الْحَضَانَة وَفِيه وَجه أَن الْأَب أولى من الْأُم وَإِن نكحت الْعم وَمهما طلقت قبل الْمَسِيس عَاد حَقّهَا كَمَا إِذا أفاقت من جُنُون أَو عتقت من رق أَو تابت من فسق أَو أسلمت بعد كفر فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة فالمنصوص رُجُوع حَقّهَا لِأَنَّهَا الْآن فارغة معتزلة وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا حق لَهَا لاستمرار سلطنة الزَّوْج أما الْمُعْتَدَّة البائنة فَيَعُود حَقّهَا لَكِن إِن كَانَت فِي مسكن الزَّوْج فَللزَّوْج أَن لَا يرضى بِإِدْخَال الْوَلَد ملكه فَإِن رَضِي رَجَعَ حَقّهَا لَا كرضاه فِي صلب النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يُؤثر لِأَن هَذَا كرضا الْمُعير للدَّار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن يسْتَحق الْحَضَانَة وَهُوَ كل من لَا يسْتَقلّ إِمَّا لصِغَر أَو جُنُون لَكِن الْأُم أولى بِالصَّبِيِّ قبل التَّمْيِيز فَإِذا ميز خير بَينهَا وَبَين الْأَب وَسلم إِلَى من يختاره غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْأَب بالغلام أولى وَالأُم بالجارية أولى وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 وَلَا نَنْظُر إِلَى سبع سِنِين بل نتبع التَّمْيِيز فَإِن استمرت الغباوة إِلَى مَا بعد الْبلُوغ فالأم أولى وَكَذَلِكَ إِن اتَّصل بِهِ جُنُون وَكَأن حَقّهَا لَا يَنْقَطِع إِلَّا بِاخْتِيَار الصَّبِي عَن تَمْيِيز وَلَو اخْتَار أَحدهمَا ثمَّ رَجَعَ رد إِلَى الآخر لِأَن الْحَال قد يتَغَيَّر فِي الرِّفْق بِهِ إِلَّا إِذا كثر تردده حَتَّى دلّ على قلَّة التَّمْيِيز فَيرد إِلَى الْأُم وَكَذَلِكَ إِذا سكت عَن الإختيار هَذَا فِي حق الصَّبِي أما الْبَالِغ إِذا كَانَ غير رشيد فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ رشيدا وَهُوَ ذكر اسْتَقل وَإِن كَانَت جَارِيَة وَهِي بكر فَالظَّاهِر أَن للْأَب أَن يسكنهَا موضعا وَلَيْسَ لَهَا الإستقلال وَإِن كَانَت رَشِيدَة كَمَا يجبرها على حبس النِّكَاح وَهُوَ أعظم من حبس الْمسكن ثمَّ هَذَا يخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد وَمن لَهُ ولَايَة الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنَّهَا تستقل وَإِنَّمَا التَّزْوِيج بالجبر أما الْبِنْت فَإِنَّهَا تستقل إِذا تمّ رشدها بالممارسة لَكِنَّهَا إِن كَانَت تتهم بريبة فلعصباتها ولَايَة إسكانها وملاحظتها دفعا للعار عَن النّسَب وَلَا يثبت هَذَا إِلَّا لمن لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج وَلَو ادّعى الرِّيبَة فأنكرت فتبعد مُطَالبَته بالإثبات بِالْبَيِّنَةِ فَإِن ذَلِك افتضاح يجر الْعَار والإحتكام على عَاقِلَة أَيْضا بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بعيد وَلَكِن إِقَامَة الْبَيِّنَة أبعد مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 فرعان أَحدهمَا هَل يجْرِي التَّخْيِير بَين الْأُم وَمن يَقع على حَاشِيَة النّسَب كالعم وَالْأَخ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالْأَبِ وَالْجد وَالثَّانِي أَن الْأُم أولى وَإِنَّمَا التَّخْيِير مَعَ الْأَب وَالْجد لِأَن لَهُم دَرَجَة الْولَايَة والإجبار وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي التَّخْيِير بَين الْأَب وَالْأُخْت وَالْخَالَة إِذا قُلْنَا إِن الْأَب مقدم عَلَيْهِمَا فِي الْحَضَانَة الثَّانِي أَنه إِذا اخْتَار الْأَب لم يمْنَعهَا من الزِّيَارَة وَإِذا اخْتَار الام لم يسْقط عَن الْأَب مئونة الْحَضَانَة وَالْقِيَام بتأديبه وتسليمه إِلَى الحرفة أَو الْمكتب وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون الَّذِي لَا تستقل الْأُم بضبطه يجب على الْأَب رعايته وَمهما سَافر الْأَب سفر نقلة بَطل تَقْدِيم الْأُم وَكَانَ لَهُ اسْتِصْحَاب الْوَلَد كَيْلا يَنْقَطِع النّسَب سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده إِذْ فِيهِ ضرار نعم لَو رافقته الْأُم فَهِيَ أولى وَلَيْسَ لَهُ استصحابه فِي سفر النزهة وَلَا فِي سفر التِّجَارَة وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَفِيه وَجه لطول الْمدَّة وَلَو انْتقل إِلَى مَا دون مرحلَتَيْنِ فَفِي جَوَاز انتزاع الْوَلَد وَجْهَان لِأَن تتَابع الرفاق يمْنَع اندراس النّسَب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 الْفَصْل الثَّالِث فِي التزاحم والتدافع وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِي اجْتِمَاع النسْوَة فَإِن تدافعن فالحاضنة على من عَلَيْهَا النَّفَقَة وَإِن تزاحموا وَطلبت كل وَاحِدَة الْحَضَانَة فالنص فِي الْجَدِيد أَن الْأُم أولى ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث لَا بالذكور ثمَّ أم الْأَب وجداته المدليات بالإناث وَإِن علون ثمَّ أم الْجد وجداته على التَّرْتِيب الْمُقدم فِي الْأَب ثمَّ أم أَب الْجد وجداته كَذَلِك ثمَّ الْأَخَوَات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْإِخْوَة لِأَن الْخَالَة أم وشفقتها أَكثر من شَفَقَة العمات وَهن بعد الخالات لِأَن قرَابَة الْأُم أقوى فِي الْحَضَانَة وَالْقَدِيم يُوَافق الْجَدِيد فِي جَمِيع هَذَا التَّرْتِيب إِلَّا أَنه فِي الْقَدِيم قدم الْأَخَوَات والخالات على أُمَّهَات الْأَب لإدلائهن بِالْأُمِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن شَفَقَة الْأُصُول أعظم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وَيبقى النّظر فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن الْأُخْت من الْأَب مُقَدّمَة على الْأُخْت من الْأُم فِي الْجَدِيد وَذكر وَجه فِي التَّخْرِيج على الْقَدِيم أَن الْأُخْت للْأُم مُقَدّمَة لقرابة الْأُم وَعلة الْجَدِيد أَنَّهُمَا يستويان فِي الشَّفَقَة وَلَا تُؤثر جِهَة الْأُم فِي زِيَادَة الشَّفَقَة لَكِن هَذِه لَهَا قُوَّة فِي الْمِيرَاث وَيصْلح ذَلِك فِي التَّرْجِيح لَكِن هَذَا لَا يطرد فِي خَالَة لأَب وَأُخْرَى لأم وَكَذَلِكَ لعمات إِذْ لَا مِيرَاث فَمنهمْ من قدم الْخَالَة للْأَب لِأَن الْمِيرَاث بَين لنا قُوَّة هَذِه الْجِهَة فَلَا يرْعَى غير الْمِيرَاث وَمِنْهُم من قدم الْخَالَة للْأُم إِذْ لَا مِيرَاث وقرابة الْأُم آكِد الثَّانِيَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا مدْخل فِي الْحَضَانَة لكل جدة سَاقِطَة فِي الْمِيرَاث وَهِي كل جدة تدلي بِذكر بَين الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت ساطقه فِي الْمِيرَاث فالخالة والعمة أَيْضا كَذَلِك وَلَعَلَّ سَببه أَن الذّكر الَّذِي لَيْسَ بوارث لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَهِي تدلي بِهِ وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر أَصْحَابنَا وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنَّهُنَّ لَو انفردن فَلَهُنَّ الْحَضَانَة ولكنهن مؤخرات عَن الخالات وَجَمِيع الْمَذْكُورَات وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مؤخرات عَن الْجدَّات الوارثات مُقَدمَات على الاخوات والخالات الثَّالِثَة الْقَرِيبَة الْأُنْثَى الَّتِي لَا محرمية لَهَا كبنات الخالات وَبَنَات العمات فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 أَحدهمَا أَنه لَا حضَانَة لَهُنَّ إِذْ الْحَضَانَة تستدعي خبْرَة ببواطن الْأُمُور فتستدعي الْمَحْرَمِيَّة وَالثَّانِي أَنه تثبت وَذكر الفوراني ذَلِك وَقَالَ الخالات مُقَدمَات على بَنَات الْإِخْوَة وَبَنَات الْإِخْوَة مُقَدمَات على العمات كَمَا يقدم ابْن الْأَخ فِي الْإِرْث على الْعم وَقَالَ بَنَات الخالات مُقَدمَات على بَنَات العمات الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وهم أَرْبَعَة أَقسَام الأول محرم وَارِث فَلهُ حق الْحَضَانَة ويترتبون ترَتّب الْعَصَبَات فِي الْولَايَة إِلَّا الْأَخ من الْأُم فَإِنَّهُ لَيْسَ بولِي وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْأُصُول وعو الْإِخْوَة للْأَب مَعَ أَنه محرم وَارِث وَهل يُؤَخر عَن الْعم فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من أخر للولاية وَمِنْه من قدم للقرب والشفقة وَهُوَ الْأَظْهر الثَّانِي الْوَارِث الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كبني الْأَعْمَام لَهُم حق حضَانَة فِي الصَّبِي وَفِي الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهي دون الَّتِي تشْتَهى الثَّالِث الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بوارث كالخال وَأب الْأُم وَالْعم من الْأُم وَبني الْأَخَوَات فهم مؤخرون عَن الْوَرَثَة وَهل لَهُم حق عِنْد فقدهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تثبت للمحرمية كَمَا تثبت للخالة وَإِن لم تكن وارثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخَالَة أُنْثَى وانضمام الْأُنُوثَة إِلَى الْقَرَابَة مُؤثر ثمَّ لَا خلاف أَن الْمُسْتَحبّ للسُّلْطَان أَن يسلم إِلَيْهِم الرَّابِع قريب لَيْسَ بِمحرم وَلَا وَارِث كَابْن الْخَالَة وَالْخَال فَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُم وَإِن ظهر الْخلاف فِي بَنَات الخالات لأجل الْأُنُوثَة وَفِيه وَجه الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شكّ أَن الْأُم وأمهاتها مُقَدمَات إِذا كن من جِهَة الْإِنَاث ثمَّ بعدهن فِي الْأَب والجدات من قبل الْأَب قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 ظَاهر النَّص تَقْدِيم الْأَب فَلَا يقدم على الْأَب إِلَّا الْأُم وأمهاتها كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مُقَدمَات وَإِن أدلين بِهِ لشفقة الْأُنُوثَة فعلى هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَخَوَات على الْأَب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّقْدِيم للأنوثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَب أصل وَالثَّالِث أَنه يقدم على الْأُخْت للْأَب فَإِنَّهَا فَرعه دون الْأُخْت للْأُم وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم وَهَذَا الْوَجْه لَا يجْرِي فِي الْخَالَة لِأَنَّهَا لَيست فرعا وَلَكِن يجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْدِيم الْخَالَة على الْأَب بل تَقْدِيم الْخَالَة عَلَيْهِ أولى من تَقْدِيم الْأُخْت وكل جدة لَيست فَاسِدَة فَهِيَ مُقَدّمَة على كل عصبَة تقع على حَوَاشِي النّسَب وَأما الذُّكُور وَالْإِنَاث على الْحَوَاشِي إِذا اسْتَووا فِي الْقرب وَالْإِرْث فالأنثى أولى وَالْأُخْت أولى من الْأَخ وَلَو كَانَت الْأُنْثَى بعيدَة وَالذكر قَرِيبا فَوَجْهَانِ لتعارض الْأُنُوثَة والقرابة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 السَّبَب الثَّالِث للنَّفَقَة ملك الْيَمين وَفِيه مسَائِل الأولى أَن نَفَقَة الْمَمْلُوك إمتاع وَهُوَ على الْكِفَايَة وَلَا تسْقط إِلَّا بِزَوَال الْملك أَو الْكِتَابَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطعمهُ ويكسوه من جنس مَا يطعم ويكتسي وَلَكِن مَا يَلِيق بِهِ وَلَو اقْتصر من الْكسْوَة على مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة لم يجز ذَلِك فِي بِلَادنَا لِأَنَّهُ إِضْرَار وَإِن لم يكن يتَأَذَّى بَحر وَبرد وَهل يجب تَفْضِيل النفيس على الخسيس فِي الْكسْوَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب إِذْ الْعَادة تَقْتَضِي ذَلِك وَالثَّانِي لَا لِأَن الرَّقِيق يَلِيق بِهِ الخشن وَإِن كَانَ نفيسا وَالثَّالِث أَنه لَا يفرق فِي العبيد أما الْجَوَارِي فيفضل السّريَّة على الخادمة الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كفى أحدكُم طَعَامه خادمه حره ودخانه فليجلسه مَعَه فَإِن أَبى فليروغ لَهُ لقْمَة وليناولها إِيَّاه فترددوا وَفِي ثَلَاثَة أوجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 أَحدهَا أَن ذَلِك وَاجِب على التَّرْتِيب وَالثَّانِي أَنه يجب إِمَّا الإجلاس اَوْ ترويغ اللُّقْمَة وَلَا يجب التَّرْتِيب وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَن ذَلِك مُسْتَحبّ وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الثَّالِثَة الرقيقة أَو أم الْوَلَد إِذا أَتَت بِولد فعلَيْهَا الْإِرْضَاع بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا رقيقَة وَلَا يفرق بَينه وَبَينهَا وَلَا تكلّف أَن ترْضع غير وَلَدهَا مَعَ وَلَده فَإِنَّهُ إِضْرَار بهَا وَبِوَلَدِهَا نعم لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا وَيضم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا فِي وَقت الإستمتاع الرَّابِعَة لَيْسَ لَهَا فطام وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ وَلَا الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ إِلَّا بِرِضَاهُ والمتبع رضَا السَّيِّد فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ وَأما الْحرَّة فحقها مُؤَكد فِي إِرْضَاع وَلَدهَا فَيتَوَقَّف الْفِطَام على توافقهما فَإِن أَرَادَت الْفِطَام فَلهُ الْمَنْع وَإِن أَرَادَت الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وَأَرَادَ الْأَب الْفِطَام فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع الْخَامِسَة لَا أصل للمخارجة وَهُوَ ضرب خراج مُقَدّر على العَبْد كل يَوْم بل على العَبْد بذل المجهود وعَلى السَّيِّد أَن يحملهُ على مَا يطيقه فَلَو امْتنع السَّيِّد عَن الْإِنْفَاق يُبَاع عَلَيْهِ فَإِن لم يرغب أحد فِي شِرَائِهِ فَهُوَ من محاويج الْمُسلمين السَّادِسَة يجب عَلَيْهِ علف الدَّوَابّ لِأَن أرواحها مُحْتَرمَة وَلذَلِك لَا يجوز تعذيبها وَلَا ذَبحهَا إِلَّا لمأكله وَكَذَلِكَ لَا ينزف أَلْبَانهَا بِحَيْثُ يستضر بنتاجها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 وَيجوز غصب الْعلف والخبط لحاجتها إِذا أشرفت على الْهَلَاك على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَالْمُسَافر يقدم حَاجَة الدَّابَّة إِلَى المَاء على الْوضُوء فيتيمم وَإِذا أجدبت الأَرْض فَعَلَيهِ علف السَّائِمَة وَلَا يجب عَلَيْهِ عمَارَة دَاره وقناته وعقاره وَإِن أشرفت على الإنهدام لِأَن الْحُرْمَة لذِي الرّوح فَإِن امْتنع من الْعلف فللقاضي أَن يجْبرهُ على البيع أَو يَبِيع عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 = كتاب الْجِنَايَات= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 اعْلَم أَن أَدِلَّة الشَّرِيعَة من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع متظاهرة على أَن الْقَتْل كَبِيرَة متفاحشة مُوجبَة للعقوبة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وموجباته فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَة الْقصاص وَالدية وَالْكَفَّارَة أما الْقصاص فالنظر فِي حكمه عِنْد الْعَفو والإستيفاء وَفِي مُوجبه أما الْمُوجب فالنظر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرف وَالنَّفس أما النَّفس فالنظر فِيهَا يتَعَلَّق بأركان وَهُوَ الْقَاتِل والقتيل وَنَفس الْقَتْل الرُّكْن الأول الْقَتْل نَفسه والموجب للْقصَاص مِنْهُ كل فعل عمد محص عدوان مزهق للروح وَقَوْلنَا مزهق يتَنَاوَل الْمُبَاشرَة وَالسَّبَب فَلَزِمَ تَمْيِيز الْعمد الْمَحْض عَن غَيره وتمييز السَّبَب عَن غَيره وينكشف بِالنّظرِ فِي أَطْرَاف خَمْسَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 الطّرف الأول فِي تَمْيِيز الْعمد عَن شبه الْعمد وَالْقَصْد لَهُ ثَلَاث متعلقات أَحدهَا بِالْفِعْلِ فَمن تزلق رِجْلَاهُ فَسقط على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ مَحْض الثَّانِي التَّعَلُّق بالشخص فَمن رمى إِلَى صيد فَأصَاب إنْسَانا فَهُوَ خطأ مَحْض وَإِن كَانَ الْفِعْل بِاخْتِيَارِهِ الثَّالِث الْقَصْد الْمُتَعَلّق بزهوق الرّوح وَبِهَذَا يتَمَيَّز الْعمد عَن شبه الْعمد وَفِي ضَبطه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن مَا علم حُصُول الْمَوْت بِهِ بعد وجود قصد الْفِعْل والشخص فَهُوَ عمد مَحْض سَوَاء كَانَ قصد الْفَاعِل إزهاق الرّوح أَو لم يكن قصد وَسَوَاء كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا أَو نَادرا كَقطع الْأُنْمُلَة الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الضَّابِط مَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا فِي المثقل فَأَما فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 الْجِرَاحَات فَكل جرح سَار ذِي غور لِأَن قطع الْأُنْمُلَة لَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا ثمَّ هُوَ مُوجب للْقصَاص وَهَذَا ضَعِيف لِأَن معنى الْعمد لَا يخْتَلف بِالْجرْحِ والمثقل وللمثقل أَيْضا تَأْثِير فِي الْبَاطِن وغور فِي الترضيص والطريقة الأولى أَيْضا مدخولة لِأَنَّهُ لَو ضرب كوعه بعصا فتورم ودام الْأَلَم حَتَّى مَاتَ علم حُصُول الْمَوْت بِهِ وَلَا قصاص فِيهِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل وَأي فرق بَينه وَبَين مَا لَو غرز إبرة فأعقبت ألما وورما حَتَّى مَاتَ إِذْ يجب الْقصاص بِهِ وَلَو أعقبت ألما دون الورم فَوَجْهَانِ فَإِن أمكن أَن يُقَال الْمَضْرُوب بالعصا لَعَلَّه مَاتَ فَجْأَة بِسَبَب فِي بَاطِنه أمكن ذَلِك فِي غرز الإبرة كَيفَ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أبان بعض الْأَصَابِع فتأكل الْبَاقِي فَلَا قصاص فِي الْبَاقِي وَقد علم حُصُول السَّرَايَة بِهِ وَنَصّ على أَنه لَو ضرب رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ وَجب الْقصاص فِي الضَّوْء لِأَن اللطائف تقصد بِالسّرَايَةِ دون الْأَجْسَام وَقد علم حُصُول السَّرَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَن هَذَا تصرف بعض الْأَصْحَاب فِي النصين بِالنَّقْلِ والتخريج وَقَالُوا فيهمَا قَولَانِ فَتخرج الطريقتان على الْقَوْلَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وَلما عسر الضَّبْط على أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ رأى الْقَصْد خفِيا عول على الْجَارِح فَلَزِمَهُ إِسْقَاط الْقصاص فِي التَّفْرِيق والتخنيق وَالتَّحْرِيق فَالْأولى فِي تَعْلِيل مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نَتْرُك الضَّبْط ونقول حُصُول الْمَوْت بِالسَّبَبِ إِمَّا أَن يكون نَادرا أَو كثيرا أَو غَالِبا وَلَيْسَ كل كثير غَالِبا فَإِن الْمَرَض كثير وَلَيْسَ بنادر وَلَا غَالب بل الْغَالِب الصِّحَّة والجذام نَادِر لَا كثير وَلَا غَالب فَكل مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ نَادرا فَلَا قصاص فِيهِ كالعصا وَالسَّوْط وغرز إبرة لَا تعقب ورما وَلما كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 سُقُوط الْأَطْرَاف بِالسّرَايَةِ نَادرا نَص على سُقُوط الْقصاص فِيهِ بِخِلَاف زَوَال اللطائف كالعقل وَالْبَصَر ويقابل هَذِه الرُّتْبَة مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا كالجراحات الْكَبِيرَة والمثقلات فتلحق بِمَا يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ ضَرُورِيًّا كالتخنيق وحز الرَّقَبَة والمتوسط الَّذِي يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ كثيرا لَا غَالِبا كالجراحات الواسعة فَوق غرز الإبرة وكقطع الْأُنْمُلَة وكالعصا وَالسَّوْط فَفِي هَذَا ينظر إِلَى السَّبَب الظَّاهِر وَهُوَ الْجرْح مزهقا فَيجب الْقصاص بِهِ لِأَن الْجرْح طَرِيق سالك إِلَى الإزهاق غَالِبا وَإِن لم يكن قدر هَذَا الْجرْح مزهقا غَالِبا وَمَا لَا يجرح فَلَيْسَ طَرِيقا غَالِبا فَاعْتبر فِيهِ أَن يتَحَقَّق كَونه بِالْإِضَافَة إِلَى الشَّخْص وَالْحَال مهْلكا غَالِبا ثمَّ ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فليحكم فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَإِن قيل لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض غَالِبا لَكِن ظَنّه صَحِيحا قُلْنَا يجب الْقصاص لِأَن هَذَا الظَّن إِذا لم ينف الْعدوان فِي الْفِعْل وَهُوَ فِي نَفسه قَاتل فَلَا يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 مَعْذُورًا بجهله بِخِلَاف مَا لَو صدر هَذَا من مؤدب أَو أَب أَو من طَبِيب سقَاهُ شَيْئا يقتل ذَلِك الْمَرِيض إِلَّا أَنه لم يعرف مَرضه فَلَا يجب الْقصاص لِأَنَّهُ جهل أَبَاحَ الْفِعْل فَإِن قيل إِذا سقِِي غَيره دَوَاء يقتل كثيرا لَا غَالِبا فَهُوَ كالجراحات أَو المثقلات قُلْنَا ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه كغرز الإبرة فَإِن أعقب تغيرا أَو تألما وَجب الْقصاص لِأَن أغشية الْبَاطِن رقيقَة فَيَنْقَطِع بالدواء فَكَانَ إِلْحَاقه بِالْجرْحِ أولى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 الطّرف الثَّانِي فِي تَمْيِيز السَّبَب عَن الْمُبَاشرَة وَمَا يحصل الْمَوْت عقبه يَنْقَسِم إِلَى شُرُوط وَعلة وَسبب أما الشَّرْط فَهُوَ الَّذِي يحصل عِنْده لِأَنَّهُ كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَإِن الْمَوْت بالتردية لَكِن الْحفر شَرط وَكَذَا الْإِمْسَاك مَعَ الْقَتْل وَالشّرط لَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ وَأما الْعلَّة فَمَا تولد الْمَوْت إِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة كحز الرَّقَبَة وَإِمَّا بِوَاسِطَة كالرمي فَإِنَّهُ يُولد الْجرْح وَالْجرْح يُولد السَّرَايَة والسراية تولد الْمَوْت وَهَذَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ أما السَّبَب فَمَا لَهُ أثر فِي التولد وَلكنه يشبه الشَّرْط من وَجه فَهَذَا على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى الْإِكْرَاه على الْقَتْل وَهُوَ مُوجب للْقصَاص فَإِنَّهُ شَدِيد الشّبَه بِالْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يُولد فِي الْمُكْره دَاعِيَة الْقَتْل غَالِبا الثَّانِيَة شَهَادَة الزُّور فَإِنَّهَا تولد فِي القَاضِي دَاعِيَة الْقَتْل لكنه دون الْإِكْرَاه فَإِن هَذَا إلجاء شرعا والاول حسا لَكِن لما كَانَ كل وَاحِد يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي شخص معِين لم نفرق بَينهمَا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لم يلْحق الشَّهَادَة بِالْإِكْرَاهِ الثَّالِثَة مَا يُولد الْمُبَاشرَة توليدا عرفيا لَا حسيا وَلَا شَرْعِيًّا كتقديم الطَّعَام المسموم إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 الضَّيْف فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا قصاص على الْمُقدم لِأَن الْأكل لَيْسَ ملجئا لَا حسا وَلَا شرعا وَالثَّانِي يجب لِأَن هَذَا التَّغْرِير يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي معِين ثمَّ الصَّحِيح أَن الدِّيَة تجب وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَو وضع الطَّعَام المسموم فِي دَاره اعْتِمَادًا على أَن الدَّاخِل الْمَقْصُود سيأكله انبساطا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو دَعَا الضَّيْف وحفر فِي الدهليز بِئْرا فتردى فِيهِ فَفِي الْقصاص قَولَانِ فَإِن قيل لَو جرى سَبَب وَقدر الْمَقْصُود على دَفعه وَلم يدْفع قُلْنَا هَذَا على مَرَاتِب الأولى أَن لَا يكون السَّبَب مهْلكا كَمَا لَو فتح عرقه بِغَيْر إِذْنه وَلم يعصب حَتَّى نزف الدَّم أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل فَبَقيَ مُسْتَلْقِيا حَتَّى غرق أَو حَبسه فِي بَيت فَلم يطْلب طَعَاما مَعَ الْقُدْرَة حَتَّى مَاتَ فَهُوَ الَّذِي أهلك نَفسه فَلَا دِيَة لَهُ وَلَا قصاص الثَّانِيَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَالدَّفْع عسيرا كَتَرْكِ مداواة الْجرْح فالقصاص وَاجِب الثَّالِثَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَكَانَ الدّفع سهلا كَمَا لَو أَلْقَاهُ فِي مَاء مغرق فَترك السباحة وَهُوَ يحسنها فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَنه قد يدهش عَن السباحة وَالسَّبَب فِي نَفسه مهلك وَفِي الدِّيَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 وَلَو أَلْقَاهُ فِي نَار فَوقف فَوَجْهَانِ مرتبان وَالظَّاهِر وجوب الْقصاص لِأَن النَّار بِأول اللِّقَاء تشنج الْأَعْضَاء فتعسر الْحَرَكَة بِهِ فَإِن قيل لَو كَانَ بِهِ بعض الْجُوع فحبسه وَمنعه الطَّعَام حَتَّى مَاتَ قُلْنَا إِن علم وَجب الْقصاص كَمَا لَو قصد مَرِيضا بِضَرْب خَفِيف وَإِن كَانَ جَاهِلا بجوعه فَفِي الْقود قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا لَو ضرب مَرِيضا على ظن أَنه صَحِيح فالجوع السَّابِق وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ كالمرض وَالثَّانِي لَا يحب لِأَن هَذَا الْقدر من الْجُوع لَيْسَ مهْلكا وَزِيَادَة الْجُوع الأول هُوَ الَّذِي أهلك بِخِلَاف الضَّرْب فَإِنَّهُ لَيْسَ زِيَادَة فِي الْمَرَض لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنسه فَلم يُمكن إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَا نوجب الْقصاص فَلَا بُد من الدِّيَة وَفِي قدرهَا قَولَانِ أَحدهمَا الْكل إِذْ سُقُوط الْقصاص كَانَ بِالشُّبْهَةِ وَالثَّانِي النّصْف لِأَن الْهَلَاك حصل بالجوعين فَهُوَ كَمَا لَو وضع فِي السَّفِينَة المثقلة زِيَادَة مغرقة فَفِي قدر الضَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْكل وَالثَّانِي النّصْف وَالثَّالِث التَّوْزِيع لِأَن تَأْثِير المثقلات فِي الإغراق متناسب بِخِلَاف تَأْثِير الْجُوع وَالْجرْح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع السَّبَب والمباشرة أما الشَّرْط فَلَا يخفى سُقُوطه مَعَهُمَا كالممسك مَعَ الْقَاتِل والحافر مَعَ المردي إِذْ لَا قصاص عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَان خلافًا لمَالِك رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ جعل الممسك شَرِيكا وَأما الْمُبَاشرَة مَعَ السَّبَب فعلى مَرَاتِب الأولى أَن يغلب السَّبَب الْمُبَاشرَة وَذَلِكَ إِذا لم تكن الْمُبَاشرَة عُدْوانًا كَقَتل القَاضِي والجلاد مَعَ شَهَادَة الزُّور فالقصاص على الشُّهُود فَإِن كَانَ عُدْوانًا بِأَن اعْترف ولي الْقصاص بِكَوْنِهِ عَالما بالتزوير فَلَا قصاص على الشُّهُود وَلَا دِيَة لِأَنَّهُ لم يلجأ حسا وَلَا شرعا فَصَارَ قَوْلهم شرطا مَحْضا كالإمساك الثَّانِيَة أَن يصير السَّبَب مَغْلُوبًا بِالْمُبَاشرَةِ كَمَا إِذا أَلْقَاهُ من شَاهِق الْجَبَل فَتَلقاهُ إِنْسَان بِسَيْفِهِ فَقده بنصفين فَلَا قصاص على الملقي عرف أَو لم يعرف لِأَن إلقاءه صَار شرطا مَحْضا لما ورد عَلَيْهِ مُبَاشرَة مُسْتَقلَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 الثَّالِثَة أَن يعتدل السَّبَب والمباشرة كالإكراه على الْقَتْل فالأقوى لَا يحبط مُبَاشرَة الْمُكْره خلافًا لزفَر وَأبي يُوسُف وَهل تصير الْمُبَاشرَة مغلوبة بِهِ حَتَّى لَا يجب الْقصاص على الْمُكْره فِيهِ قَولَانِ فَإِن لم نوجب الْقصاص فَفِي الدِّيَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَنَّهَا تثبت مَعَ الشُّبْهَة وَوجه الْإِسْقَاط نقل الْفِعْل عَن الْمُكْره وَجعله كالآلة وَإِن أَوجَبْنَا الدِّيَة فَفِي طريقها وَجْهَان أَحدهمَا تجب عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ثمَّ يرجع على الْمُكْره وَالثَّانِي يجب النّصْف لِأَن إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا كالتشريك فَإِن قُلْنَا لَا دِيَة فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَجه إِثْبَاتهَا أَنه آثم بِالْقَتْلِ وفَاقا وَقد تجب الْكَفَّارَة حَيْثُ لَا دِيَة كَمَا فِي الرَّمْي إِلَى صف الْكفَّار وَإِن قُلْنَا لَا تجب فَفِي حرمَان الْمِيرَاث وَجْهَان وَالظَّاهِر الحرمان لِأَنَّهُ آثم بِالْقَتْلِ وَالْكَفَّارَة وَالدية غرم يُمكن نَقله إِلَى الْمُكْره بِخِلَاف الحرمان فَإِن قيل فَمَا قَوْلكُم فِي أَمر السُّلْطَان قُلْنَا فِي نُزُوله منزلَة الْإِكْرَاه وَجْهَان وَجه إِلْحَاقه بِهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه يعلم من عَادَة السُّلْطَان السطوة عِنْد الْمُخَالفَة وَإِن لم يُصَرح بِهِ وعَلى هَذِه الْعلَّة يلْتَحق بِهِ كل متغلب هَذِه عَادَته وَإِن لم يكن سُلْطَانا ثمَّ وَجه التَّرَدُّد أَن الْمَعْلُوم من عَادَته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 هَل يكون كالملفوظ بِهِ على الإقتران الْعلَّة الثَّانِيَة أَن طَاعَة السُّلْطَان وَاجِبَة على الْجُمْلَة كَيْلا تُؤدِّي مُخَالفَته إِلَى إثارة الْفِتْنَة وَلذَلِك نقُول لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَلَو كَانَ الإستبدال بِهِ يثير الْفِتْنَة فَلَا يسْتَبْدل فتزاحم على الْفِعْل مُوجب ومحرم فَإِن لم نبح انتهض شُبْهَة كالإكراه بِخِلَاف أَمر السَّيِّد عَبده فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ مُخَالفَة السَّيِّد إِذْ لَو عاقبه دفع السُّلْطَان ظلمه وَلَيْسَ وَرَاء السُّلْطَان يَد دافعة فمخالته تحرّك الْفِتْنَة نعم لَو كَانَ العَبْد من طباعه الضراوة فَإِذا أغراه بِإِنْسَان فالقصاص على السَّيِّد كَمَا لَو أغرى سبعا وَكَذَا لَو أغرى مَجْنُونا هَذِه حَاله هَل يتَعَلَّق الضَّمَان بِرَقَبَة هَذَا العَبْد وبمال هَذَا الْمَجْنُون أم ينزل منزلَة الْبَهِيمَة فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان صُورَة لكنه بَهِيمَة فِي الْمَعْنى فَإِن قيل وَمَا حد الْإِكْرَاه قُلْنَا قد ذكرنَا صورته فِي الطَّلَاق لَكنا نتعرض لصور إِحْدَاهَا أَنه لَو أكره إنْسَانا على أَن يكره ثَالِثا على قتل الرَّابِع فعلى الأول قصاص وفيمن بعده قَولَانِ الثَّانِيَة لَو قَالَ اقْتُل زيدا أَو عمرا وَإِلَّا قتلتك فَقتل زيدا فَهُوَ مُخْتَار لِأَن ميله إِلَى زيد لَيْسَ إِلَّا عَن شَهْوَة وَيظْهر ذَلِك إِذا قَالَ اقْتُل من أهل الدَّار وَاحِدًا وَإِلَّا قتلتك الثَّالِثَة أَن يَقُول اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا لَيْسَ بإكراه وَلَو قَالَ اقتلني وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا إِكْرَاه وَإِذن فَهَل يُؤثر الْإِذْن فِي سُقُوط الْقصاص وَالدية فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه يسْقط لِأَنَّهُ صَاحب الْحق كَمَا إِذا قَالَ اقْتُل عَبدِي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقصاص وَالدية تثبت للْوَرَثَة ابْتِدَاء لَا إِرْثا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 وَالثَّالِث لَا يجب الْقصاص للشُّبْهَة وَتجب الدِّيَة فَإِن قيل إِذا رَأَيْتُمْ إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا فَإِن لم يكن أَحدهمَا كُفؤًا للمقتول قُلْنَا يجب الْقصاص على الْكُفْء لِأَن شريك غير الْكُفْء يجب الْقصاص عَلَيْهِ كشريك الْأَب وَشريك العَبْد فِي قتل السَّيِّد وَإِن كَانَ أَحدهمَا صَبيا وَقُلْنَا إِن فعل الصَّبِي خطأ فالآخر شريك خاطىء لَكِن إِن كَانَ الْمَحْمُول صَبيا فَيحْتَمل أَن يجب الْقصاص على الْحَامِل لِأَن خطأه نتيجة الْإِكْرَاه فَهُوَ كَمَا لَو أكره إنْسَانا على أَن يَرْمِي إِلَى طلل عرفه الْمُكْره إنْسَانا وظنه الرَّامِي جرثومة فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان وَجه الْإِيجَاب جعل الْمُكْره مباشرا وَجعل الْمُكْره آلَة لَهُ لِأَنَّهُ تولد من إكراهه وَعَن هَذَا اختبط الْأَصْحَاب فِي الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب بِالضَّمَانِ فعلى وَجه لَا يُطَالب أصلا لِأَنَّهُ كالآلة وَلَو أكرهه على صعُود شَجَرَة فزلقت رجله فَمَاتَ وَجب الْقصاص على الْمُكْره وَلم يَجْعَل كشريك الخاطىء لِأَن هَذَا الْخَطَأ وَلَده إكراهه بِخِلَاف جهل الْمُكْره وصباه فَإِن فِيهِ وَجْهَيْن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 فَإِن قيل فَمَا الَّذِي يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ قُلْنَا لَا يُبَاح بِهِ الْقَتْل وَالزِّنَا وَيُبَاح بِهِ إِتْلَاف المَال بل يجب وتباح بِهِ الرِّدَّة وَفِي وجوب التَّلَفُّظ بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يُوجب للتصلب فِي الدّين وَيُبَاح شرب الْخمر بِالْإِكْرَاهِ وَفِي وُجُوبه خلاف مُرَتّب على الرِّدَّة وَأولى بِالْوُجُوب والإفطار فِي الصَّوْم يَنْبَغِي أَن يقْضى بِوُجُوبِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 الطّرف الرَّابِع أَن يكون السَّبَب من الْآدَمِيّ والمباشرة من بَهِيمَة كَمَا إِذا أَلْقَاهُ فِي تيار بَحر فالتقمه الْحُوت قبل الْغَرق فَيلْزمهُ الْقصاص وَينزل فعل الْحُوت منزلَة جرح السكين وَلَو أَلْقَاهُ فِي بِئْر عميق وَكَانَ فِي عمقه نصل مَنْصُوب فَمَاتَ بِهِ وَجب الْقصاص وَخرج الرّبيع قولا أَن الدِّيَة تجب دون الْقصاص اعْتِبَارا بِاخْتِيَار الْحَيَوَان وَكَونه شُبْهَة فِي الدّفع وَإِن أَلْقَاهُ فِي مَاء لَا يغرق فالتقمه الْحُوت من حَيْثُ لم يشْعر الملقي فَلَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا الدِّيَة وَإِن عرف حُضُور الْحُوت لزمَه الْقصاص وَلَو أمسك إنْسَانا وَعرضه للسبع حَتَّى افترسه وَجب الْقصاص وَالْمَجْنُون الضاري بطبعه كالسبع والحوت وَإِن لم يكن ضاريا اعْتبر اخْتِيَاره فِي قطع السَّبَب فروع أَرْبَعَة الأول لَو أنهشه حَيَّة أَو عقربا يقتل مثله غَالِبا لزمَه الْقصاص وَنزلت الْحَيَّة منزلَة السكين وَلَو كَانَ لَا يقتل غَالِبا كَانَ كغرز الإبرة الثَّانِي لَو ألْقى عَلَيْهِ عقربا أَو حَيَّة فنهشته فَلَا قَود لِأَن الْغَالِب أَنه يفر وَإِن كَانَ ضاريا فَهُوَ كالإنهاش الثَّالِث لَو جمع بَينه وَبَين سبع فِي بَيت فافترسه وَجب الْقصاص وَإِن كَانَ بدله حَيَّة فَلَا قصاص لِأَن الْحَيَّة تَفِر والسبع فِي الْمضيق يثب بطبعه فَإِن لم يكن الطَّبْع كَذَلِك لم يكن الحكم كَذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 الرَّابِع لَو أغرى بِهِ كَلْبا أَو سبعا فِي صحراء فَلَا قصاص بِخِلَاف الْبَيْت فَإِن السَّبع فِي الْمضيق يقْصد وَفِي الصَّحرَاء يتوحش فَإِن كَانَ ضاريا فِي الصَّحرَاء وَلم يكن الْهَرَب مُمكنا لزم الْقصاص فَإِن كَانَ الْهَرَب مُمكنا فتخاذل فَهُوَ كَتَرْكِ السباحة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 الطّرف الْخَامِس فِي طرآن الْمُبَاشرَة على الْمُبَاشرَة أَو السَّبَب على السَّبَب وَالْحكم فِيهِ تَقْدِيم الْأَقْوَى فَإِن اعتدلا جَمعنَا بَينهمَا فَلَو جرح الأول وحز الثَّانِي الرَّقَبَة فالقاتل هُوَ الثَّانِي لانْقِطَاع أثر الأول بِخِلَاف مَا إِذا قطع هَذَا من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فَمَاتَ فَإِن الْقصاص عَلَيْهِمَا لِأَن ألم الأول ينتشر إِلَى الْأَعْضَاء الرئيسية وَيبقى وَلَو قطع الأول حلقومه وَلم يبْق إِلَّا حَرَكَة المذبوحين فَقده الثَّانِي بنصفين فالقصاص على الأول وَلَا نظر إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِخِلَاف مَا لَو حز رَقَبَة الْمَرِيض المشرف على الْمَوْت لِأَن مَوته غير مَقْطُوع بِهِ وَبِخِلَاف مَا لَو نزع أحشاءه وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يعلم أَنه يَمُوت بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَلكنه فِي الْحَال يعقل بحياة مُسْتَقِرَّة فَإِن الْقصاص يجب على من حز الرَّقَبَة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور فِي الْخلَافَة فِي هَذِه الْحَالة فَكيف لَا تعْتَبر حَيَاته وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ كحركة المذبوحين فَأَما إِذا جرح كل وَاحِد جِرَاحَة فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ أَو حز أَحدهمَا الرَّقَبَة وَالْآخر قد بنصفين مَعًا فهما شريكان فقد تنخل من هَذَا أَن الْعمد الْمَحْض الْعدوان المزهق للروح سَبَب الْقصاص وَلَا يرد على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 الْحَد مَا لَو اسْتحق حز رَقَبَة إِنْسَان فَقده بنصفين لِأَنَّهُ لَا عدوان بِهِ من حَيْثُ كَونه إزهاقا بل من حَيْثُ الْإِسَاءَة فِي الطَّرِيق فَلذَلِك لم يجب الْقصاص فَإِن قيل ظن الْإِبَاحَة هَل يكون شُبْهَة قُلْنَا إِذا قتل من ظَنّه مُرْتَدا وَلم تعهد لَهُ الرِّدَّة فَيجب الْقصاص وَإِن كَانَ قد عهد مُرْتَدا وَلكنه أسلم وَلم يشْعر بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا السُّقُوط للظن المبتنى على الإستصحاب وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِي هَذَا الظَّن إِذْ لَا يحل للآحاد قتل الْمُرْتَد وَكَذَلِكَ لَو ظَنّه عبدا أَو ذِمِّيا لزمَه الْقصاص على الْمَذْهَب لِأَن هَذَا ظن لَا يُبِيح فَهُوَ كَمَا لَو زنى مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَالْجهل بِوُجُوب الْحَد بِخِلَاف مَا إِذا رأى مُسلما فِي دَار الْحَرْب على زِيّ الْمُشْركين وَلم يعهده مُسلما فَقتله فَإِذا هُوَ مُسلم فَلَا قَود وَتجب الْكَفَّارَة وَفِي الدِّيَة قَولَانِ لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن وَهُوَ مَعْذُور أَحدهمَا تجب لِأَنَّهَا ضَمَان الْمحل وَذَلِكَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف حَال الْمُتْلف وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تجب لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت عوضا فَلَيْسَتْ على مذاق الأعواض الْمَحْضَة فَإِنَّهَا بدل للنَّفس وَتجب الْكَفَّارَة قولا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تجب من غير تَقْصِير وَلَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه قَاتل أَبِيه فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الثَّانِي لَا يجب لِأَن هَذَا الظَّن مِمَّا يمهد عذره لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن لكنه غير مَعْذُور وَلِهَذَا نقطع بِالْوُجُوب إِذا قَالَ تبينت أَن أبي حَيّ وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِأَنَّهُ لَو صدقه ولي الدَّم فَلَا قصاص وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إِذا تنَازعا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ ظن من غير مُسْتَند شَرْعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الرُّكْن الثَّانِي الْقَتِيل وَشرط كَونه مَضْمُونا بِالْقصاصِ على الْجُمْلَة كَونه مَعْصُوما والعصمة تستفاد بِالْإِسْلَامِ والجزية والأمان يتنزلان مَنْزِلَته وَالْحَرْبِيّ مهدر وَالْمُرْتَدّ كَذَلِك فِي حق الْمُسلم وَلَكِن فِي حق الْكَافِر الذِّمِّيّ وَالْمُرْتَدّ إِذا قَتله فِيهِ خلاف وَمن عَلَيْهِ الْقصاص مَعْصُوم فِي حق غير الْمُسْتَحق وَالزَّانِي الْمُحصن مَعْصُوم بِالْقصاصِ عَن الذِّمِّيّ وَعَن الْمُسلم فِيهِ وَجْهَان مثارهما التَّرَدُّد فِي أَن الْحَد للْمُسلمين وَالْإِمَام نائبهم أَو إِضَافَة الْحَد إِلَى الله تَعَالَى كإضافة الْقصاص إِلَى إِنْسَان معِين حَتَّى لَا يظْهر أَثَره فِي حق غَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 الرُّكْن الثَّالِث الْقَاتِل وَشرط وجوب الْقصاص عَلَيْهِ أَن يكون مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا قصاص على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا على الْحَرْبِيّ وَيجب على الذِّمِّيّ وَفِي السَّكْرَان خلاف مَبْنِيّ على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أَو الْمَجْنُون هَذَا هُوَ النّظر فِي صِفَات الْقَتْل والقتيل وَالْقَاتِل ووراء هَذِه صِفَات هِيَ نِسْبَة بَين الْقَاتِل والقتيل لَا يُمكن تَخْصِيصه بأحدها وَهُوَ أَلا يفضل الْقَاتِل الْقَتِيل بِالدّينِ وَالْحريَّة والأبوة وَقد تعْتَبر فَضِيلَة الْعدَد والذكورة وتأبد الْعِصْمَة عِنْد بعض الْعلمَاء فمجموع هَذِه الْخِصَال سِتَّة الْخصْلَة الأولى من خِصَال الْكَفَاءَة التَّسَاوِي فِي الدّين الْحق فَهَذِهِ الْفَضِيلَة فِي الْقَاتِل تمنع وجوب الْقصاص ابْتِدَاء فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَيقتل الْيَهُودِيّ بالنصراني ومعتمد هَذِه الْخصْلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر فروع أَرْبَعَة الأول لَو قتل ذمِّي ذِمِّيا ثمَّ أسلم الْقَاتِل قبل اسْتِيفَاء الْقود اقْتصّ مِنْهُ لِأَن الْمُسَاوَاة شَرط لينعقد الْقَتْل سَببا للْوُجُوب فَمَا طَرَأَ بعد ذَلِك لَا يمْنَع الإستيفاء وَلَو أسلم الْجَارِح بَين الْمَوْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 وَالْجرْح فالنظر إِلَى حَالَة الْجرْح أَو إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي إِذا قتل عبد مُسلم عبدا مُسلما لكَافِر فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان أَحدهمَا يجب لِأَن الْكَفَاءَة بَين الْقَتِيل وَالْقَاتِل مَوْجُودَة وَالسَّيِّد كالوارث وَلَو مَاتَ ولي الْقَتِيل الذِّمِّيّ بعد أَن أسلم الْقَاتِل بعد الْقَتْل وَقبل اسْتِيفَاء الْقود فَالْمَذْهَب ثُبُوت الْقصاص لهَذَا الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ فِي حكم الْإِرْث والدوام الْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقصاص يجب ابْتِدَاء للسَّيِّد وَهُوَ كَافِر وَلَا يجب للْعَبد حَتَّى يُورث مِنْهُ وَلَا يُمكن تسليط كَافِر ابْتِدَاء على مُسلم الثَّالِث لَو قتل مُسلم مُرْتَدا فَلَا قصاص فَلَو قَتله مُرْتَد فَالظَّاهِر وجوب الْقصاص للتساوي وَقيل الْمُرْتَد مهدر كالحربي وَلَا يجب قصاص الْحَرْبِيّ على الْحَرْبِيّ أما إِذا قَتله ذمِّي فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب الْقصاص لعمده ودية لخطئه لِأَنَّهُ ساواه فِي الدّين وَالْمُرْتَدّ لَيْسَ بمهدر فِي حَقه وَالثَّانِي لَا يجب لِأَنَّهُ مهدر وَالذِّمِّيّ مَعْصُوم وَالثَّالِث قَالَه الْإِصْطَخْرِي يجب الْقصاص سياسة وَلَا تجب الدِّيَة لِأَنَّهُ غير مَعْصُوم الرَّابِع الْمُرْتَد إِذا قتل ذِمِّيا فَفِيهِ قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 أَحدهمَا اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يقتل كالذميين وَالثَّانِي لَا لِأَن حُرْمَة الْإِسْلَام بَاقِيَة وَلِهَذَا لَا يجوز للذِّمِّيّ نِكَاح الْمُرْتَدَّة وَلَا يحل استرقاقها الْخصْلَة الثَّانِيَة الْكَفَاءَة فِي الْحُرِّيَّة فَلَا يقتل الْحر وَلَا من فِيهِ شقص من الْحُرِّيَّة برقيق كَمَا لَا تقطع يَده بِيَدِهِ وفَاقا ثمَّ طرآن الْحُرِّيَّة أَو الرّقّ على الْقَاتِل بعد الْقَتْل لَا يمْنَع من اسْتِيفَاء الْقود كَمَا فِي طرآن الْإِسْلَام فروع ثَلَاثَة الأول النَّاقِص مقتول بالكامل والمستولدة وَالْمُكَاتبَة حكمهمَا حكم الْقِنّ فِي الْقصاص وَالْمكَاتب إِذا قتل عبد نَفسه لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ سَيّده وَإِن كَانَ هُوَ أَيْضا رَقِيقا وَلَو كَانَ عَبده أَبَاهُ وَقد تكاتب عَلَيْهِ فَفِي قَتله وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَن ملكه على الْأَب لَيْسَ مُسْتَقرًّا لِأَنَّهُ يسْتَحق الْعتْق بعتاقه فَلَا يكون شُبْهَة الثَّانِي من نصف حر وَنصفه عبد إِذا قتل من هُوَ فِي مثل حَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب الْقصاص للتساوي إِلَّا إِذا كَانَ جُزْء الْحُرِّيَّة من الْقَاتِل أَكثر وَقَالَت المراوزة لَا يجب مَا دَامَ فِي الْقَاتِل جُزْء من الْحُرِّيَّة وَلَو الْعشْر وَفِي الْقَتِيل جُزْء من الرّقّ وَلَو الْعشْر لِأَن كل جُزْء من الْقَتِيل يُقَابله جُزْء شَائِع من الْقَاتِل من الْحُرِّيَّة وَالرّق فَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِيفَاء جُزْء من الْحر بِجُزْء من الرَّقِيق وَهُوَ مقتضي التَّوْزِيع الْمَذْكُور فِي مَسْأَلَة مد عَجْوَة الثَّالِث العَبْد الْمُسلم وَالْحر الذِّمِّيّ لَا قصاص بَينهمَا من الْجَانِبَيْنِ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فضل صَاحبه بفضيلة والنقيصة لَا تجبر بفضيلة وَمهما آل أَمر العَبْد إِلَى المَال فَالْوَاجِب قِيمَته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 بَالِغَة مَا بلغت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُزَاد على دِيَة الْحر بل يحط عَنهُ قدر نِصَاب السّرقَة الْخصْلَة الثَّالِثَة فَضِيلَة الْأُبُوَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل وَالِد بولده ففهم مِنْهُ أَن الْوَلَد لَا يكون سَببا لإعدام من هُوَ سَبَب وجوده فيتعدى هَذَا إِلَى الْأُم والأجداد والجدات وَذكر صَاحب التَّلْخِيص فِي الأجداد والجدات قولا وَاقْتصر على النّسَب الْقَرِيب فِي الْوُجُود وَهَذَا ضَعِيف ولهذه الْعلَّة منعنَا أَن يقتل الإبن أَبَاهُ الْحَرْبِيّ أَو الزَّانِي الْمُحصن إِذا كَانَ الإبن جلادا وَكَأن الْخلَل فِي الإستيفاء وَالْقصاص فِي حكم الْوَاجِب السَّاقِط وَلِهَذَا لَو قتل زَوْجَة ابْنه فَلَا قصاص إِذْ صَار ابْنه شَرِيكا فِي الإستحقاق فَلَا يُمكنهُ الإستيفاء وَكَذَلِكَ لَو قتل مُعتق ابْنه وَله وَارِث سوى الإبن فَمَاتَ وَصَارَ الإبن وَارِثا سقط فرعان أَحدهمَا أَخَوان قتل الأول أَبَاهُ وَقتل الثَّانِي أمه فَإِن كَانَت الْأُم زَوْجَة الْأَب فَلَا قصاص على الاخ الْقَاتِل للْأَب لِأَن قصاصه ثَبت للْأَخ وَالأُم فَلَمَّا قتل الثَّانِي الْأُم ورث مِنْهَا قصاص نَفسه فَسقط إِذْ يَسْتَحِيل أَن يسْتَحق قتل نَفسه وَإِن لم تكن زَوْجَة الْأَب اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا قصاص صَاحبه وَلم يسْتَحق أحد قصاص نَفسه إِرْثا عَن قتيله لِأَن الْقَاتِل محروم عَن الْمِيرَاث وَلَو بَادر أَحدهمَا وَقتل آخر سقط الْقصاص عَن المبادر لِأَنَّهُ ورث قصاص نَفسه عَن أَخِيه الْقَتِيل إِن قُلْنَا إِن الْقَتْل بِالْحَقِّ لَا يحرم الْمِيرَاث وعَلى هَذَا إِذا كَانَ يَسْتَفِيد بالمبادرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 تَخْلِيص نَفسه فَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَالْوَجْه أَن يقدم من سبق اسْتِحْقَاقه ويقرع بَينهمَا إِذا تَسَاويا وَمهما تَسَاويا فِي قتل الْأَبَوَيْنِ فَلَا فرق بَين أَن تكون الْأُم زَوْجَة أَو لَا تكون إِذْ لَا سَبِيل إِلَى تَوْرِيث أحد الْقَتِيلين من الآخر الثَّانِي لَو تداعى رجلَانِ لقيطا أَو وطئا مَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ فَأَتَت بِولد فَقتله أَحدهمَا قبل إِلْحَاق الْقَائِف فَلَا قصاص فِي الْحَال لِأَن أَحدهمَا أَب وَقد اشْتبهَ الْأَمر فَهُوَ كَمَا لَو اشْتبهَ إِنَاء نجس بِإِنَاء طَاهِر فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله من غير اجْتِهَاد فَإِن ألحق الْقَائِف بِغَيْر الْقَاتِل اقْتصّ من الْقَاتِل وَإِن ألحقهُ بِهِ فَلَا الْخصْلَة الرَّابِع التَّفَاوُت فِي تأبد الْعِصْمَة وَالْمذهب أَنه لَا يعْتَبر بل يقتل الذِّمِّيّ بالمعاهد كَمَا يقتل الْمعَاهد بِهِ وَفِيه احْتِمَال الْخصْلَة الْخَامِسَة فَضِيلَة الذُّكُورَة وَلَا تعْتَبر بالِاتِّفَاقِ بل يقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يجب فِي تَرِكَة الْمَرْأَة المقتولة شطر دِيَة الرجل لتَكون مَعَ دِيَتهَا كُفؤًا للرجل فَإِذا قتلت الْمَرْأَة رجلا قَالَ لَا يقنع بدمها بل يطْلب مَعَه شطر دِيَة من تركتهَا مَعَ قَتلهَا أَيْضا فرعان أَحدهمَا فِي الْخُنْثَى إِذا قطع الرجل ذكر خُنْثَى مُشكل وشفريه فَلَا قصاص فِي الْحَال لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع امْرَأَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة لم يجب لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع رجل والشفران زَائِد فَإِذا تبين الْحَال لم يخف الحكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 فَلَو طلب الْخُنْثَى فِي الْحَال الدِّيَة وَعَفا عَن الْقصاص سلمنَا إِلَيْهِ دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر وقدرناه امْرَأَة أخذا بِأَحْسَن التَّقْدِيرَيْنِ واقتصارا على المستيقن إِذْ تَقْدِير الذُّكُورَة يزِيد على هَذَا لَا محَالة وَإِن لم يعف عَن الْقصاص وَقَالَ لَا بُد من تَسْلِيم شَيْء لِأَنِّي أستحق مَعَ الْقصاص شَيْئا لَا محَالة فَإِن كَانَ الْقَاطِع رجلا فالقصاص مُحْتَمل فِي الذّكر فَلَا تقدر دِيَته بل يصرف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ من حُكُومَة الشفرين بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الذُّكُورَة أَو دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيكون المصروف إِلَيْهِ بِكُل حَال أقل من مائَة من الْإِبِل وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة فَلَا تقدر دِيَة الشفرين لِإِمْكَان الْقصاص فِيهِ بل تقدر حُكُومَة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع خُنْثَى مُشكلا لم يصرف إِلَيْهِ شيئ إِذْ يحْتَمل أَن يَكُونَا رجلَيْنِ أوامرأتين فَيجْرِي الْقصاص فِي الإليتين الزَّائِد بِالزَّائِدِ والأصليه بالأصلية وَلَو قطعت الْمَرْأَة آلَة الرِّجَال وَالرجل آلَة النِّسَاء فَلَا يتَصَوَّر الْقصاص فعلى كل وَاحِد حُكُومَة على تَقْدِير كَونهَا زَائِدا بِشَرْط أَن لَا تزيد على تَقْدِير الدِّيَة فِيهَا فَإِنَّهُ لَو كَانَ رجلا فَرُبمَا تكون حُكُومَة فِي شفريه أَكثر من دِيَة امْرَأَة فَلَا يجب إِلَّا مَا دونه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ إِذْ لم يعف عَن الْقصاص وَكَانَ الْقَاطِع رجلا أَو امْرَأَة فَلَا يصرف إِلَيْهِ شَيْء فِي الْحَال لِأَن مَا يُطَالب بِهِ لَيْسَ يدْرِي أهوَ حُكُومَة أم دِيَة وَهُوَ ضَعِيف الْفَرْع الثَّانِي إِذا كَانَ الْجَانِي رجلا وَكَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ يَدعِي عَلَيْهِ بأنك أَقرَرت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 بِأَنِّي رجل فلي الْقصاص فِي الذّكر وَقَالَ الْجَانِي بل أَقرَرت بأنك امْرَأَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي القَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ لأَنا نحكم لَهُ بالذكورة بقوله إِن تقدم على الْجِنَايَة فَكَذَا إِذا تَأَخّر الْخصْلَة السَّادِسَة التَّفَاوُت فِي الْعدَد وَلَا يُؤثر ذَلِك بل تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ إِذا اشْتَركُوا فِي قَتله وَالْوَاحد إِذا قتل جمَاعَة قتل بِوَاحِد وللباقين الدِّيات وَإِنَّمَا يُوجب الْقصاص على كل شريك لِأَنَّهُ قَاتل بِفِعْلِهِ وَفعل شَرِيكه مَنْسُوب إِلَيْهِ برابطة الإستعانة وكمل بِهِ فعله حسما للذريعة لَكِن يشْتَرط أَن يكون فعل شَرِيكه عمدا مضمنا وَإِن كَانَ خطأ فَلَا قصاص على الشَّرِيك لخُرُوج الْفِعْل عَن كَونه مُوجبا خلافًا للمزني رَحمَه الله فَيجب الْقصاص على شريك الْأَب وعَلى الذِّمِّيّ إِذا شَارك الْمُسلم فِي قتل ذمِّي وعَلى العَبْد إِذا شَارك الْحر فِي قتل عبد وَكَذَا كل عَامِد ضَامِن خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو شَارك عَامِد غير ضَامِن كشريك الْحَرْبِيّ ومستحق الْقصاص وَالْإِمَام فِي قطع يَد السَّارِق وكما إِذا جرح جارح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فجرحه الآخر بعد الْإِسْلَام فَفِيهِ قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 أَحدهمَا أَنه يجب كَمَا فِي شريك الْأَب لوُجُود العمدية وَالثَّانِي لَا لِأَن الْفِعْل اتّصف بِكَوْنِهِ مُبَاحا فاكتسب صفة من هَذِه الْأَسْبَاب كَمَا اتّصف بِكَوْنِهِ خطأ فَرجع الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل والسبع مردد بَين الْحَرْبِيّ والخاطيء فَفِي وَجه يلْتَحق بالخاطىء وَهُوَ الْأَصَح وَفِي وَجه بالحربي وعَلى هَذَا لَو أَخطَأ السَّبع فشريكه شريك الخاطىء وَفِي شريك السَّيِّد طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحربي لسُقُوط الْقصاص وَالدية وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ضَامِن لِلْكَفَّارَةِ فَأشبه الْأَب وَشريك الْقَاتِل نَفسه إِن قُلْنَا تجب الْكَفَّارَة على قَاتل النَّفس فَهُوَ كشريك السَّيِّد فِي عَبده وَإِلَّا فَهُوَ كشريك الْحَرْبِيّ فروع أَرْبَعَة الأول إِذا اتَّحد الْجَارِح واقترن بِأحد الجرحين مَا يدْرَأ الْقصاص سقط الْقصاص سَوَاء رَجَعَ الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل كَمَا لَو كَانَ أَحدهمَا خطأ أَو لم يرجع كَمَا لَو جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا ثمَّ أسلم فجرحه ثَانِيًا أَو قطع بِالْقصاصِ أَو الْحَد قطعا حَقًا ثمَّ جرح لِأَن الْفَاعِل قد اتَّحد وَإِذا اتَّحد الْمُضَاف إِلَيْهِ اسْتَوَى مَا يرجع إِلَى الصّفة وَإِلَى الْإِضَافَة الثَّانِي لَو داوى الْمَجْرُوح نَفسه بِسم مذفف فَلَا قصاص على الْجَارِح وَإِن كَانَ يُؤثر على الْجُمْلَة وَلَا يذففه فالجارح شريك النَّفس وَقيل لَا يجب الْقصاص قطعا لِأَنَّهُ شريك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 الخاطىء إِذْ المداوي مخطىء وَكَذَلِكَ إِذْ خاط الْمَجْرُوح جرحه فِي لحم حَيّ صَار شَرِيكا وَيُمكن أَن يَجْعَل مخطئا وَلَا شكّ فِي أَنه لَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح أَو بِهِ مرض فَلَا يصير بِهِ شَرِيكا وَهل يَجْعَل بمبادىء الْجُوع شَرِيكا إِذا تمم غَيره جوعه إِلَى الْمَوْت فِيهِ تردد سبق لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ مُعْتَادا فَهُوَ دَاخل تَحت الإختيار الثَّالِث إِذا توالى جمع على وَاحِد فَضَربهُ كل وَاحِد سَوْطًا وَاحِدًا فَمَاتَ فَفِي وجوب الْقصاص ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب لِأَن كل وَاحِد خاطىء وَشريك الخاطىء خاطىء إِذا أُتِي بِمَا لَا بِقصد بِهِ الْقَتْل وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَجْمُوع قَاتل وَلَو فتح هَذَا الْبَاب لصار ذَلِك ذَرِيعَة وَالثَّالِث يجب إِن صدر ذَلِك عَن التواطؤ وَإِلَّا فَلَا الرَّابِع إِذا جرح أَحدهمَا فأنهشه الآخر حَيَّة أَو أغرى عَلَيْهِ سبعا وجرحه فَالدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِأَن كَثْرَة الْجِرَاحَات لَا تعْتَبر فَإِن أغوارها لَا تنضبط والحية والسبع كالآلة لَهُ وَلَو جرح ونهشه حَيَّة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَلَو نهشته حَيَّة وجرحه سبع فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة لِأَنَّهُ شريك حيوانيين مختارين وَفِيه وَجه أَن عَلَيْهِ نصف الدِّيَة نظرا إِلَى أصل الشّركَة وإعراضا عَن عدد الْحَيَوَانَات واختتام القَوْل بفصل فِي تغير الْحَال بَين الْجرْح وَالْمَوْت على الْجَارِح أَو الْمَجْرُوح وَله أَرْبَعَة أَحْوَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 الْحَالة الأولى أَن تطرأ الْعِصْمَة بِأَن جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو عبد نَفسه ثمَّ طَرَأَ الْإِسْلَام وَالْعِتْق قبل الْمَوْت لم يجب الْقصاص وَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب نظرا إِلَى ابْتِدَاء الْفِعْل والثانى يجب نظرا إِلَى حَالَة الزهوق وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي إِعْتَاق السَّيِّد العَبْد بعد الْجرْح أَن لَا ضَمَان وَنَصّ فِي جَارِيَة مُشْتَركَة حَامِل بِولد رَقِيق ضرب أَحدهمَا بَطنهَا ثمَّ أعتق نصِيبه فسرى فأجهضت جَنِينا مَيتا أَن على الْجَانِي غرَّة كَامِلَة وَهَذَا يُنَاقض نَصه الأول فَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِنَّه إِنَّمَا أوجب الْغرَّة لِأَن اتِّصَال الْجِنَايَة بِالْوَلَدِ إِنَّمَا يعرف عِنْد الْولادَة وَمَا قبل ذَلِك لَا يعْتَبر وَقد كَانَ الْوَلَد حرا عِنْد الْولادَة وَإِذا أَوجَبْنَا الدِّيَة فِي الْحَرْبِيّ فَقيل إِنَّه مَضْرُوب على الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ خطأ بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الْإِسْلَام الْحَالة الثَّانِيَة أَن يطْرَأ المهدر كَمَا لَو جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أرش الْجِنَايَة الَّتِي ثبتَتْ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَأما السَّرَايَة فمهدرة وَلَو قطع يَده فَارْتَد وَمَات قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لوَلِيِّه الْمُسلم الْقصاص وَهَذَا تَفْرِيع على أَن من لَا وَارِث لَهُ يجب الْقصاص على قَاتله لِأَن الْمُرْتَد لَا وَارِث لَهُ وَلَكِن إثْبَاته للْمُسلمِ مُشكل فَإِن الْمُسلم لَا يَرث حُقُوق الْمُرْتَد عندنَا بل حُقُوقه لبيت المَال وَلَكِن لما ظهر مَقْصُود التشفي كَانَ الْوَلِيّ الْمُسلم أولى بالإستيفاء من الإِمَام وَقيل أَرَادَ الشَّافِعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 رَضِي الله عَنهُ بالولي الْمُسلم الإِمَام فروع لَو قطع يَدي الْمُسلم وَرجلَيْهِ فَارْتَد وَمَات فَلَا تلْزمهُ إِلَّا دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَوته كَافِرًا لَا يزِيد على مَوته مُسلما وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي تجب ديتان لأَنا لَو أدرجنا لأهدرنا فعسر الإدراج بطرآن المهدر كعسره بِمَا لَو حز غَيره رقبته وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر وَجه فِي سُقُوط أصل الْأَرْش لِأَن الْجرْح صَار قتلا وَالْقَتْل صَار مهدرا فَلَا يبْقى للْقَتْل وَالْجرْح عِبْرَة الْحَالة الثَّالِثَة لَو ارْتَدَّ بعد الْجرْح ثمَّ أسلم وَمَات فالنص سُقُوط الْقصاص وَنَصّ فِي الذِّمِّيّ إِذا جرح ذِمِّيا والتحق الْمَجْرُوح بدار الْحَرْب ثمَّ عقد لَهُ أَمَان ثَانِيًا ثمَّ مَاتَ أَنه يجب الْقصاص فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حَالَة الْجرْح وَالْمَوْت وَفِي الثَّانِي إِلَى الْكل لِأَن الْجراحَة تسري فِي حَالَة الرِّدَّة أَيْضا فَهُوَ كَمَا لَو جرح فِي حَالَة الرِّدَّة ثمَّ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَقيل الْمَسْأَلَة على حَالين فَإِن طَال زمَان الرِّدَّة فَظهر أثر الرِّدَّة فَلَا قصاص وَإِن قرب فَلَا أثر لَهُ وَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة فالنص وجوب كَمَال الدِّيَة وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يجب ثلثا الدِّيَة ويهدر الثُّلُث بهدر السَّرَايَة فِي إِحْدَى الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَقيل يجب النّصْف جمعا لحالتي الْعِصْمَة فِي مُقَابل حَالَة الإهدار الْحَالة الرَّابِعَة أَن يطْرَأ مَا يُغير مِقْدَار الدِّيَة كَمَا لَو جرح ذِمِّيا فَأسلم أَو عبدا فَأعتق ثمَّ مَاتَ فالنظر فِي الْمِقْدَار إِلَى حَالَة الْمَوْت فَلَو فَقَأَ عَيْني عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل لِأَنَّهُ بدل حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يجب مِائَتَان من الْإِبِل لِأَنَّهُ يصرف إِلَى السَّيِّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 وَلَو قطع إِحْدَى يَدي عبد فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل وَفِي المصروف إِلَى السَّيِّد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن المصروف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو مثل نسبته من الْقيمَة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِن الْجراحَة فِي ملكه لم تنقص إِلَّا النّصْف فَلم يمت فِي الرّقّ حَتَّى تعْتَبر كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن الْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو أرش جِنَايَة الْملك دون السَّرَايَة فعلى هَذَا لَو قطع إِحْدَى يَدَيْهِ فَعتق فجَاء الآخر وَقطع يَده الْأُخْرَى وَجَاء الثَّالِث وَقطع إِحْدَى رجلَيْهِ وَمَات فَالْوَاجِب على جَمِيعهم دِيَة وَاحِدَة وَهِي دِيَة حر على كل وَاحِد ثلث وَلَا حق للسَّيِّد إِلَّا فِيمَا يُؤْخَذ من الْجَانِي فِي حَالَة الرّقّ فَلهُ أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو ثلث الْقيمَة وَهِي مثل نسبته وعَلى القَوْل الثَّانِي أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِنَّهُ أرش الْجِنَايَة الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عَاد الْجَانِي الأول فجرح فِي الْحُرِّيَّة جِرَاحَة ثَانِيَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا ثلث الدِّيَة إِذْ لَا يزِيد الْوَاجِب بِكَثْرَة الْجِرَاحَات لَكِن الثُّلُث وَجب عَلَيْهِ بجراحتين حِصَّة الْوَاقِع مِنْهُمَا فِي الْملك نصف وَهُوَ السُّدس فترعى النِّسْبَة بَين هَذَا السُّدس وَسدس الْقيمَة على قَول وَبَين السُّدس وَنصف الْقيمَة على القَوْل الآخر فَلَو أوضح رَأسه فِي الرّقّ فَعتق فجرحه غَيره فَمَاتَ فعلى الْجَانِي فِي الْملك نصف الدِّيَة وعَلى الْجَارِح النّصْف الآخر وَللسَّيِّد أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة وَهُوَ مثل نسبته على قَول وَله أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف عشر الْقيمَة فَإِنَّهُ يشبه أرش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 الْمُوَضّحَة من قيمَة العَبْد فَإِن قيل بدل الْملك الدَّرَاهِم وَبدل الْحر الْإِبِل فَبِمَ يُطَالب السَّيِّد قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْإِبِل لِأَن حَقه فِيمَا وَجب على الْجَانِي وَهُوَ الْوَاجِب وَالثَّانِي أَن الْخيرَة إِلَى الْجَانِي فَإِن سلم الدَّرَاهِم لم يكن للسَّيِّد الِامْتِنَاع لِأَنَّهُ حَقه وَإِن سلم الْإِبِل فكمثل لِأَنَّهُ أدّى واجبه وعَلى الْجُمْلَة إِيجَاب دِيَة الْحر ثمَّ صرفهَا إِلَى السَّيِّد بعيد وَلَكِن إِيجَاب مِائَتَيْنِ من الْإِبِل كَمَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله أبعد لِأَن الْقَتِيل حر فَكيف تزاد على دِيَة الْحر والإقتصار على أرش الْجِنَايَة وَلَو كَانَ درهما أبعد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ إهدار للدم فَفِي كل طَرِيق بعد لَكِن طَرِيق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقرب إِذْ نظر إِلَى قدر الْوَاجِب إِلَى الْمَوْت وَفِي مصرفه الْتفت إِلَى حَالَة الْجرْح فرعان الأول لَو رمى إِلَى حَرْبِيّ أَو مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مرتبان على مَا إِذا جرح حَرْبِيّا فَأسلم ثمَّ مَاتَ أَو مُرْتَدا فها هُنَا أولى بِوُجُوب الضَّمَان لِأَن الْجرْح سَبَب قديم فِي حَالَة الإهدار وَتَمام الرَّمْي بالإصابة والإصابة جرت فِي حَالَة الْعِصْمَة وَفِي الْمُرْتَد أولى بِالْوُجُوب لِأَن الرَّمْي إِلَيْهِ عدوان وَلَو رمى إِلَى عبد لَهُ فَأعْتقهُ قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان فِي الْمُرْتَد وَأولى بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ مَعْصُوم على الْجُمْلَة وَلَو رمى إِلَى من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان على العَبْد وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن العَبْد مَضْمُون عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ وَلَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ مُسلم كَانَ مُرْتَدا عِنْد الْحفر وَجب الضَّمَان قطعا لِأَن الْحفر لَيْسَ يتَّجه نَحْو المتردي فِي عينه بِخِلَاف الرَّمْي فَإِنَّهُ مُتَّجه نَحْو الْمَقْصُود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 الثَّانِي لَو تخللت ردة المرمي إِلَيْهِ بَين الرَّمْي والإصابة قيل لَا قصاص لاتصال الإهدار بِبَعْض أَجزَاء السَّبَب وَلَو تخللت ردة الرَّامِي المخطىء ضربت الدِّيَة على الرَّامِي لَا على عَاقِلَته الْمُسلمين لِأَن الأَصْل سُقُوط التَّحَمُّل كَمَا أَن الأَصْل سُقُوط الْقصاص وَقد تخللت حَالَة مَانِعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ رَحمَه الله فِي التَّحَمُّل قَوْلَيْنِ وينقدح ذَلِك فِي الْقصاص كَمَا ذكرنَا فِي تخَلّل الرِّدَّة بَين الْجرْح وَالْمَوْت وَهَذَا تَمام القَوْل فِي الْقصاص فِي النَّفس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 النَّوْع الثَّانِي فِي قصاص الطّرف وَهُوَ وَاجِب بِقطع الْأَطْرَاف وَالنَّظَر فِي الْقطع والقاطع والمقطوع أما الْقطع وَالْجرْح كل عمد مَحْض عدوان مُبين بطرِيق الْمُبَاشرَة لَا بِالسّرَايَةِ وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف النَّص فِي السَّرَايَة إِلَى الْأَجْسَام واللطائف أما الْقَاطِع فشرطه كَونه مُكَلّفا مُلْتَزما كَمَا فِي النَّفس وَلَا يُرَاد فِي الطّرف التَّسَاوِي فِي الْبَدَل بل تقطع عندنَا يَد الرجل بيد الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ وَيَد العَبْد بِالْعَبدِ وَالْحر نعم لَا تقطع السليمة بالشلاء لَيست نصفا من صَاحبهَا فالبدل يلْتَفت إِلَيْهِ عندنَا معيارا تنعرف بِهِ نِسْبَة الطّرف من النَّفس ثمَّ من قوبل كُله بشخص قوبل نصفه بِنصفِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله التَّفَاوُت فِي الْبَدَل يمْنَع الْقصاص ثمَّ التَّفَاوُت فِي الْعدَد عندنَا لَا يمْنَع كَمَا فِي النَّفس وَلَو قطع جمَاعَة يَمِين رجل على الإشتراك بِحَيْثُ لم ينْفَصل فعل بَعضهم من بعض قطعت أَيْمَانهم بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 فَأَما الْمَقْطُوع فَيعْتَبر فِيهِ الْعِصْمَة كَمَا فِي النَّفس وَأَن تكون الْجِنَايَة مَعْلُومَة الْقدر بِحَيْثُ يُمكن الإقتصار على مثله فِي الْقصاص فَإِن الرّوح مستبقاة فَلَا بُد من الإحتياط ثمَّ الْجِنَايَة على مَا دون النَّفس ثَلَاثَة جرح وإبانة طرف وَإِزَالَة مَنْفَعَة أما الضَّرْب واللطم فَلَا قصاص فِيهِ بل يُعَزّر صَاحبه أما الْجرْح فَإِن وَقع على الرَّأْس لم يجب الْقصاص فِيهِ إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم فَأَما مَا بعْدهَا من الهاشمة للعظم أَو المنقلة لَهُ أَو الآمة الْبَالِغَة إِلَى أَمر الرَّأْس أَو الدامغة الخارقة لخريطة الدِّمَاغ فَلَا قصاص فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تنضبط وَمَا قبل الْمُوَضّحَة كالحارصة الَّتِي تشق الْجلد والدامية الَّتِي تسيل الدَّم مِنْهَا فَلَا قصاص فيهمَا وَأما الباضعة الَّتِي تبضع اللَّحْم أَي تقطعه والمتلاحمة الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم غوصا بَالغا وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الْعظم فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا النَّفْي فَإِن الْعظم مرد فَإِذا لم ينْتَه إِلَيْهِ لم يُمكن الضَّبْط وَالثَّانِي يجب وَيُمكن ضبط مِقْدَاره بِالنِّسْبَةِ فَإِن قطع نصف اللَّحْم إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 الْعظم فَيقطع من رَأسه النّصْف وَإِذا كَانَ أَحدهمَا فِي سمك شعيرَة وَالْآخر فِي سمك شعيرتين فَلَا نبالي بِهِ وَإِنَّمَا ترعى النِّسْبَة والموضحة إِذا وَقعت على الْوَجْه فَانْتهى إِلَى عظم الْجَبْهَة أَو الخد أَو قَصَبَة الْأنف فَهُوَ كموضحة الرَّأْس وَلَو وَقع على سَائِر الْبدن كَمَا لَو انْتهى إِلَى عظم الصَّدْر مثلا فَلَا يلْحق بموضحة الرَّأْس وَالْوَجْه فِي تَقْدِير الْأَرْش بِنصْف عشر الدِّيَة وَلَكِن فِي الْقصاص وَجْهَان قَالَت المراوزة لَا يلْحق بِهِ كَمَا فِي الدِّيَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ مضبوط فِي نَفسه وَأما التَّقْدِير فَلَا يَكْفِي الضَّبْط فِيهِ مَعَ اخْتِلَاف الْموضع فرع لَو قطع بعض المارن أَو الْأذن وَلم يبن فَفِي الْقصاص فِيهِ قَولَانِ مرتبان على المتلاحمة وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الضَّبْط فِيهِ أيسر إِذْ الْهَوَاء بِهِ مُحِيط من الْجَانِبَيْنِ وَلَو قطع نصف كوعه فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْكُوع مجمع الأعصاب وَالْعُرُوق وَهِي تخْتَلف فِي ارتفاعها وانخفاضها وَأما الْأَطْرَاف فَيجب الْقصاص فِي قطع مفاصلها وَكَذَا فِي مفصل الْمنْكب والفخذ إِن أمكن قطعه بِغَيْر إجافة وَإِن استأصل الْجَانِي الْفَخْذ وأجافه وَأمكن تَحْصِيل مثله فَالظَّاهِر أَنه يمْنَع الإجافة وَقيل يجوز لِأَن هَذِه الْجَائِفَة تَابِعَة لَا مَقْصُودَة وكل جرم يبْقى دلَالَة الْقطع فَهُوَ كالمفصل كَمَا لَو قطع فلقَة من المارن أَو الْأذن والأنثيين وَالذكر والأجفان والشفتين والشفرين لِأَنَّهُ مُقَدّر مَحْدُود وَلَا يجب الْقصاص فِي فلقَة من الْفَخْذ لِأَن سمكه لَا يَنْضَبِط وَفِي الْعَجز وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 لتردده بَين الْفَخْذ وَالذكر لِأَنَّهُ بَين النتو والإنبساط وَأما كسر الْعِظَام فَلَا قصاص فِيهِ وَلَو كسر عضده قطع من الْمرْفق وَأخذ حُكُومَة الْعَضُد وَكَذَلِكَ لَو هشم رَأسه بعد إِيضَاح أوضح وَضمن أرش الْبَاقِي وَلَو قطع من الْكُوع لعَجزه من الْعَضُد مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَفِي تجويزه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمرْفق مَقْدُور عَلَيْهِ وَهُوَ أقرب إِلَى مَحل الْقطع فَهُوَ كَمَا لَو طلب رأش الساعد مَعَ قطع الْكُوع فَإِنَّهُ لَا يُجَاب وكما لَو قطع من الْمرْفق فَنزل إِلَى الْكُوع مَعَ الْقُدْرَة على الْمرْفق فَإِنَّهُ لَا يحاب وَالثَّانِي أَنه يُجَاب لِأَن مَحل الْجِنَايَة معجوز عَنهُ وَفِي النُّزُول إِلَى الْكُوع مُسَامَحَة وَلَا خلاف أَنه لَو نزل إِلَى لقط الْأَصَابِع لم يجز لِأَن فِيهِ تَعْذِيب مَحل الْجراحَة ثمَّ إِذا أسقطنا حُكُومَة الساعد فَفِي حُكُومَة بَقِيَّة الْعَضُد تردد لِأَن ذَلِك معجوز عَنهُ بِخِلَاف الساعد فَأَما الْمعَانِي وَالْمَنَافِع فَلَا يُمكن تنَاولهَا بِالْمُبَاشرَةِ وَلَكِن بِالسّرَايَةِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أوضح رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ أوضحنا رَأسه فَإِن لم يذهب ضوءه أزلنا الضَّوْء مَعَ إبْقَاء الحدقة بطرِيق مُمكن وَهَذَا إِيجَاب قصاص بِالسّرَايَةِ وَنَصّ فِي أجسام الْأَطْرَاف أَنَّهَا لَا تضمن بِالسّرَايَةِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخرج كَمَا سبق فَإِن قُلْنَا يضمن اللطائف بِالسّرَايَةِ فَفِي الْعقل والبطش تردد لبعدهما عَن التَّنَاوُل بِالسّرَايَةِ أما السّمع فَهُوَ فِي 2 معنى الْبَصَر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 فروع إِذا قُلْنَا لَا تضمن الْأَجْسَام بِالسّرَايَةِ فَلَو جَاءَ الْمَقْطُوع يَده وَقطع أصبعا من الْجَانِي فتآكل الْبَاقِي فَفِي تأدي الْقصاص بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن السَّرَايَة فِيهِ لَا توجب الْقصاص فَلَا يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَده فَقطع يَد الْجَانِي فسرتا إِلَى الروحين فَإِنَّهُ يَقع قصاصا لِأَن السَّرَايَة فِي الرّوح كالمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ضرب من عَلَيْهِ الْقصاص بِسَوْط أَو جرحه خطأ فَمَاتَ لِأَن الرّوح تضمن بِالْقصاصِ وَلَكِن لَا بِهَذَا الطَّرِيق والأقيس أَن يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص لِأَن الْحق مُتَعَيّن وَقد اسْتَوْفَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون إِذا قتل من يسْتَحق عَلَيْهِ الْقصاص وَلَو أوضح رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فأوضحنا رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فَفِي وُقُوع الشّعْر قصاصا خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يَقع لِأَن نفس الشّعْر لَا يضمن بِالْقصاصِ بِخِلَاف نفس الْأَطْرَاف وَوجه وُقُوعه قصاصا التّبعِيَّة والإلتفات إِلَى أَن فَسَاد المنبت من جملَة زَوَال اللطائف إِذْ مَعْنَاهُ زَوَال الْقُوَّة المنبتة وجرم الشّعْر فِيهِ تَابع وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاشر تمعيط شعره فقابله بِمثلِهِ لم يَقع قصاصا بل كل وَاحِد مِنْهُمَا جِنَايَة توجب الْحُكُومَة وَالتَّعْزِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمُمَاثلَة والتفاوت فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول تفَاوت فِي الْمحل وَالْقدر وَمِثَال الْمحل أَن الْيُمْنَى لَا تقطع باليسرى وَلَا السبابَة بالوسطى وَلَا أصْبع زَائِدَة بِمِثْلِهَا عِنْد اخْتِلَاف المنبت وَأما الْقدر فتفاوته لَا يُؤثر فِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذْ تقطع يَد الصَّغِير بالكبير وبيد الصَّغِير يَد الْكَبِير عِنْد الْمُسَاوَاة فِي الإسم إِبْهَام وإبهام وَفِي الْأصْبع الزَّائِدَة يمْنَع الْقصاص إِذا وَجب تفَاوت الْحُكُومَة لتَفَاوت النِّسْبَة وَعند تَسَاوِي الْحُكُومَة وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْم أُصَلِّي حَتَّى يَكْتَفِي بِالِاسْمِ وَأما الْمُوَضّحَة فالتفاوت فِيهِ فِي الْعرض مُعْتَبر إِذْ لَا يقنع فِيهَا بموضحة 2 ضيقَة فِي مُقَابلَة الواسعة وتفاوت الغوص فِي سمك اللَّحْم لَا يُؤثر لِأَن مرد الإسم هُوَ الْعظم فروع ثَلَاثَة الأول لَو أوضح ناصيته لم نوضح قذاله بل راعينا الْمحل وَلَو كَانَ رَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا عِنْد اسْتِيفَائه الرَّأْس الْكَبِير وَلم نكمل بالقفا والجبهة لتَفَاوت الإسم وَالْمحل بل نضم إِلَيْهِ أرشا بِخِلَاف الْيَد الصَّغِيرَة فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي مُقَابلَة الْكَبِيرَة لِأَن مَا وَقع من النُّقْصَان بَين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 الْيَدَيْنِ لم يثبت لَهُ اسْم الْيَد والتفاوت هَا هُنَا مِقْدَار يثبت لَهُ اسْم الْمُوَضّحَة وديتها لَو أفرد فَلم يُمكن أَن يَجْعَل تَابعا وَلَو استوعب ناصيته وَرَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا ناصيته وكملنا من بَاقِي الرَّأْس لِأَن اسْم الرَّأْس شَامِل وَقَالَ القَاضِي اخْتِلَاف أسامي جَوَانِب الرَّأْس كاختلاف مَا بَين الرَّأْس وَغَيره فَلَا يتَعَدَّى الناصية وَيضم إِلَيْهِ الْأَرْش فَإِن فرعنا على الظَّاهِر فالخيرة فِي تعْيين الْجَانِب الَّذِي بِهِ التَّكْمِيل إِلَى الْجَانِي على وَجه وَإِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ على وَجه وَفِي الثَّالِث يبتدىء من حَيْثُ ابْتَدَأَ الْجَانِي وَيذْهب فِي صَوبه إِلَى الإستكمال الثَّانِي لَو اسْتحق قدر أُنْمُلَة من الْمُوَضّحَة فَزَاد فِي الْقصاص غرم أرشا وَفِي مِقْدَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه قسط بِحِصَّة أرش وَاحِد إِذا وزع على الْجَمِيع لِأَن الْمُوَضّحَة وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش كَامِل لِأَن هَذَا الْقدر حناية وَالْبَاقِي حق مُنْفَرد بِحكمِهِ كَمَا لَو كَانَ الأول خطأ وَاسْتمرّ على الْبَقِيَّة عمدا فَيجب قصاص الْعمد ويفرد حكمه لاخْتِلَاف الْحَال وَيقرب مِنْهُ الْخلاف فِيمَا إِذا أَرَادَ الإقتصار على بعض حَقه مِنْهُم من جوز كَمَا فِي الأصبعين وَمِنْهُم من منع لِاتِّحَاد الِاسْم الثَّالِث لواشتركوا فِي الْإِيضَاح احْتمل أَن يُوضح من رَأس كل شريك بِقَدرِهِ وَيحْتَمل أَن يوزع لقبوله التَّوْزِيع ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي تعْيين الْمحل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 التَّفَاوُت الثَّانِي فِي الصِّفَات وَفِيه مسَائِل الأولى أَن التَّفَاوُت فِي الضعْف وَالْمَرَض لَا يمْنَع بل يقطع ذكر الْقوي بِذكر الْعنين وَالصَّبِيّ وأنف الصَّحِيح بأنف الأجذم إِلَّا إِذا بطلت حَيَاته وَأخذ فِي التفتت وتقطع أذن السَّمِيع بأذن الْأَصَم وَالْأنف الصَّحِيح بأنف الأخشم لِأَن الْمَرَض فِي مَحل السّمع والشم لَا فِي مَحل الْأذن وَالْأنف وَلَا تقطع يَد الصَّحِيح بالشلاء وَلَا الذّكر الصَّحِيح بالأشل وشلل الذّكر أَن لَا يتَغَيَّر فِي الْحر وَالْبرد بالتقلص والإسترسال وَذكر الْعنين لَا شلل فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلَل فِي مَوضِع آخر وَهُوَ فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب وشلل الْيَد فِي بطلَان الْبَطْش وَلَا يشْتَرط سُقُوط الْحس على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَإِن قنع صَاحب الصَّحِيحَة بِالْيَدِ الشلاء أُجِيب إِلَيْهِ وَلم يكن لَهُ أرش كَمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي بالمعيب فِي الشِّرَاء لِأَن الْبَطْش وصف لَا يقبل الإنفصال وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا تَسَاويا فِي الْحُكُومَة وَضَعِيف الْبَطْش كقويه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة فَإِن الْجِنَايَة تعْتَبر فِي الشّركَة وَلَا تعْتَبر فِي الْمَرَض وَأما الحدقة العمياء ولسان الأبكم فَهِيَ كَالْيَدِ الشلاء الثَّانِيَة تقطع الْأذن الصَّحِيحَة بالأذن المثقوبة إِذا لم يُورث الثقب شَيْئا كآذان النِّسَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 والمخرومة الَّتِي قطع بَعْضهَا لَا يسْتَوْفى بهَا كَامِلَة وَلَكِن تستوفى بِمِثْلِهَا إِن أجرينا الْقصاص فِي بعض الاطراف وَلَا نكتفي بالمخرومة فِي مُقَابلَة الْكَامِلَة إِلَّا بِضَم الْأَرْش إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الخرم من غير إبانة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ امْتنع الْقصاص لِأَن الْجمال هوالمقصود الْأَظْهر فِي الْأذن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت أظفار الْمَجْنِي عَلَيْهِ متفرعة اَوْ مخضرة إِذْ تقطع بِهِ الْيَد السليمة لظُهُور مَنْفَعَة الْبَطْش فِي الْيَد وَلَو كَانَت الْأَظْفَار مقلوعة قَالُوا لَا يسْتَوْفى بهَا الْكَامِلَة وَالْكل فِيهِ نظر إِذْ يلْزم أَن ينقص قدر من دِيَة الإصبع لفقد الظفر وَلَا قَائِل بِهِ وَلَو قطع أُذُنه فَرده إِلَى المقطع فِي حرارة الدَّم فالتصق فَلَا أثر لهَذَا الإلتصاق وَالْقصاص وَاجِب وَيجب قلعه إِن قُلْنَا إِن مَا يبان من الْآدَمِيّ نجس وَإِلَّا فيعفى عَنهُ وَيحْتَمل النّظر إِلَى الدَّم الَّذِي انكتم فِي الإلتصاق لِأَن السَّاتِر جماد فَلَا يُوجب الإستبطان فَإِذا قُلْنَا يجب إِزَالَته فَلَا قصاص على مقتلعه وَهَكَذَا إِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا إِذا سرى إِلَى الرّوح فَيجب قصاص النَّفس الثَّالِثَة لَا تقلع سنّ الْبَالِغ بسن صبي لم يثغر لِأَن الْقصاص فِي إِفْسَاد المنبت فَلَا يفْسد من الصَّبِي فَلَو فسد المنبت وَلم تعد سنّ الصَّبِي فَفِي الْقصاص قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يجب أَن سنه فضلَة زَائِدَة فَلَا يُمكن أَن يقْلع بِهِ سنّ أُصَلِّي فَإِن كَانَ فَسَاد المنبت مُشْتَركا والبالغ لَو عَاد سنه على ندور فَفِي سُقُوط الْقصاص عَن قالعه قَولَانِ وَوجه قَوْلنَا لَا يسْقط التَّشْبِيه بِمَا لَو التحمت الْمُوَضّحَة فَإِنَّهَا نعْمَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 جَدِيدَة لَا تسْقط الْقصاص وَلَو قطع جُزْءا من طول لِسَانه فَعَاد فَهُوَ كعود السن أَو التحام الْمُوَضّحَة وَجْهَان فَإِن حكمنَا بِسُقُوط الْقصاص ففائدته اسْتِرْدَاد الدِّيَة إِن كَانَ قد أَخذهَا أَو إِيجَاب دِيَة سنّ الْجَانِي وَإِن كَانَ قد قلع وَلَيْسَ من فَائِدَته تَأْخِير اسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الظَّاهِر عدم الْعود كَمَا أَن الظَّاهِر فِي الصَّبِي الْعود فَإِن بَادر الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَاسْتوْفى ثمَّ عَاد سنه لم يقْلع قصاصا باستيفائه إِذْ جَازَ لَهُ الإستيفاء لَكِن يغرم لَهُ الدِّيَة وَيبقى لَهُ حُكُومَة سنه وَلَو عَاد سنّ الْجَانِي وَقُلْنَا عوده مُؤثر فَفِي قلعه ثَانِيًا وثالثا إِلَى إِفْسَاد المنبت وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 التَّفَاوُت الثَّالِث فِي الْعدَد فَإِن كَانَت يَد الْجَانِي نَاقِصَة بأصبع قطع وطولب بِالْأَرْشِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقنع بِهِ كَمَا فِي النَّفس فَإِن كَانَ النُّقْصَان فِي يَد الْمَجْنِي عَلَيْهِ لم يكن لَهُ قطع الْكَفّ لَكِن لقط الْأَصَابِع الْأَرْبَع وَطلب حُكُومَة الْبَاقِي كَمَا فِي كسر الْعَضُد فروع أَرْبَعَة الأول لَو كَانَ على يَد الْجَانِي أصبعان شلاوان فَلَو قطع يَده فَلَا أرش للشلل وَإِن لقط الْأَصَابِع الثَّلَاث فَلهُ دِيَة أصبعين وَأما حُكُومَة الْكَفّ فالقدر الَّذِي يُقَابل الْأَصَابِع المقطوعة فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْحُكُومَة هَل تندرج تَحت قصاص الْأَصَابِع كَمَا تندرج تَحت دِيَتهَا وَهل يُقَابل الأصبعين فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن بعض الْأصْبع هَل تنزل منزلَة الْكل فِي استتباع الْحُكُومَة وَأما الْأصْبع الشلاء فَلَا تندرج حُكُومَة الْكَفّ تَحت حكومتها فِي الظَّاهِر الثَّانِي إِذا كَانَ على يَد الْجَانِي سِتَّة أَصَابِع مُتَسَاوِيَة لَيْسَ فِيهَا زِيَادَة فللمجني عَلَيْهِ أَن يلقط خَمْسَة من أَي جَانب شَاءَ وَله مَعَ ذَلِك سدس دِيَة الْيَد لِأَن الْيَد انقسمت سِتَّة أَقسَام وَقد استوفى فِي خَمْسَة أسداسها إِلَّا أَنه خَمْسَة أَسْدَاس فِي صُورَة خمس كوامل فنحط من أجل الصُّورَة من السُّدس شَيْئا بالإجتهاد أما إِذا كَانَت فِيهَا زِيَادَة وَزعم أهل الصَّنْعَة أَن الْقُوَّة لم تَنْقَسِم بالأجزاء المتساوية لِأَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 الزَّائِد ملتبس فَلَيْسَ لَهُ الْقصاص لِأَنَّهُ رُبمَا يَسْتَوْفِي الزَّائِدَة بأصلية فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فَلَو بَادر فَقطع خمْسا فَهُوَ تَمام حَقه وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله لَعَلَّ الزَّائِد فِي الْمُسْتَوْفى فقد نقص حَقي لِأَنَّهُ تعدى بالمخالفة الثَّالِث أصْبع تشْتَمل على أَربع أنامل تَنْقَسِم الْقُوَّة لَهَا على التَّسَاوِي من غير تعْيين زِيَادَة فَإِذا قطع هَذَا من المعتدل أُنْمُلَة قَطعنَا أنملته وألزمناه من الْأَرْش مَا بَين الرّبع وَالثلث وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا أنملتيه وألزمناه مَا بَين النّصْف والثلثين فَإِن قطع الْأصْبع قَطعنَا أُصْبُعه فَإِن أَرْبَعَة أَربَاع تَسَاوِي ثَلَاثَة أَثلَاث هَذَا إِذا لم يزدْ فِي الطول فَإِن زَاد فِي طوله فَالْحكم مَا مضى وَلَكِن يرْعَى تفَاوت الصُّورَة هَا هُنَا كَمَا فِي الْأَصَابِع السِّتَّة وَلَو قطع من هَذِه الأنامل وَاحِدَة فَلَا نقطع أُنْمُلَة معتدلة لِأَنَّهَا ثلث فَلَا تقَابل بِالربعِ وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا وَاحِدَة وطلبناه بالتفاوت بَين النّصْف وَالثلث وأنملتان متساويتان على رَأس أصْبع ويدان على ساعد وقدمان على كَعْب كالأصابع السِّتَّة الرَّابِع مَقْطُوع الْأُنْمُلَة الْعليا إِذا قطع صَحِيح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 الْأُنْمُلَة الْوُسْطَى مِنْهُ فَلَا يُمكن اسْتِيفَاء الْوُسْطَى وَلَكِن لَو سَقَطت الْعليا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان فقدرنا على الْوُسْطَى فنقطعها وَإِلَى أَن يتَّفق ذَلِك فَهَل يُطَالب بِالْأَرْشِ للْحَيْلُولَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْأَرْشِ إِذا ثَبت للمجنون قصاص وَيكون ذَلِك للْحَيْلُولَة وَنَصّ فِي الصَّبِي أَنه لَا يُطَالب لِأَن لَهُ أمدا منتظرا فَخرج إِلَى الْمَجْنُون وَجه من الصَّبِي وَإِلَى الصَّبِي وَجه من الْمَجْنُون وَأما الْحَامِل فَهِيَ أولى بِأَن لَا يُطَالب لِأَن أمد وضع الْحمل قريب فتوقع سُقُوط الْعليا فِي مَسْأَلَتنَا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان كتوقع الْإِفَاقَة من الْمَجْنُون وَلَو كَانَت علياه مُسْتَحقَّة بِالْقصاصِ فتوقع اسْتِيفَائه كتوقع وضع الْحمل وَمهما قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ لَهُ أرش الْحَيْلُولَة فَلَو أَخذ كَانَ إقدامه على أَخذ الْأَرْش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 عفوا عَن الْقصاص فروع تتَعَلَّق بالنزاع الأول إِذا جنى على ملفوف فِي ثوب وَادّعى كَونه مَيتا وَأنْكرهُ ولي الملفوف فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي القَوْل قَول الْوَلِيّ إِذْ الأَصْل اسْتِمْرَار الْحَيَاة وَلَو قطع يَده ثمَّ قَالَ لم يكن لَهُ أصْبع فَفِيهِ طرق وَحَاصِل الْمَذْهَب أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ الأَصْل السَّلامَة وَالثَّالِث إِن كَانَ الْعُضْو بَاطِنا فَقَوْل الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة وَالْبَاطِن مَا يجب ستره شرعا على رَأْي أَو مَا يستر مُرُوءَة على رَأْي وَالرَّابِع أَنه إِن ادّعى عدم الْأصْبع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْله وَإِن ادّعى سُقُوطه فَالْقَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ الثَّانِي إِذا قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَمَاتَ وَبعد مَوته ادّعى الْوَلِيّ أَنه مَاتَ بعد اندماله وَعَلَيْك ديتان فَأنْكر فَيصدق من يصدقهُ الظَّاهِر وَيعرف ذَلِك بِقرب الزَّمَان وَبعده وَإِن تَسَاويا فِي إِمْكَان الصدْق فَهُوَ قريب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ يُمكن أَن يُقَال الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْأَصْل التَّعَدُّد عِنْد تعدد الْجِنَايَة والسراية مَشْكُوك فِيهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 وَلَو ادّعى الْوَارِث أَنه مَاتَ بِسَبَب هاجم فمطالبته بِالْبَيِّنَةِ هَا هُنَا أولى لِأَن إِثْبَات ذَلِك أيسر وَالْأَصْل عدم طرآن السَّبَب وَلَو انعكس الْخلاف فَطلب الْقصاص فِي النَّفس فَالْقَوْل قَول الْجَانِي لِأَن قصاص النَّفس يتَوَقَّف على السَّرَايَة وَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ وَيسْقط بِالشُّبْهَةِ إِلَّا إِذا كَانَ الظَّاهِر خلاف مَا يَقُوله فَإنَّا لَا نصدقه فَلَو أَقَامَ من لم نصدقه فِي السَّرَايَة بَيِّنَة على أَنه لم يزل ضمنا نحيفا إِلَى الْمَوْت فَهَذَا لَا يُفِيد نفي سَبَب آخر لَكِن يَجْعَل الظَّاهِر لجَانب السَّرَايَة الثَّالِث إِذا شج رَأس إِنْسَان موضحتين فَرَأَيْنَا الحاجز مرتفعا وَقَالَ الْجَانِي أَنا رفعته وَعلي أرش وَاحِد لِاتِّحَاد الموضحات وَقَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَنْت رفعته وَلَكِن بعد الإندمال فَعَلَيْك ثَلَاثَة أروش فَينْظر فِي دَعْوَى الإندمال إِلَى مَا سبق فَإِن حلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ على الإندمال حَيْثُ يصدق ثَبت على الْجَانِي أرشان وَفِي الثَّالِث وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقرّ بالثالث والإندمال ثَبت بيمينة وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِين الإندمال تصلح لنفي التَّدَاخُل وَلَا تصلح لإِثْبَات الثَّالِث عَلَيْهِ وَهُوَ لم يقر بثالث مُوجب بل بِرَفْع حاجز لَا يُوجب وَقد تمّ النّظر فِي مُوجب الْقصاص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 الْفَنّ الثَّانِي فِي حكم الْقصاص الْوَاجِب فِي الإستيفاء وَالْعَفو وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الإستيفاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن لَهُ ولَايَة الإستيفاء وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَ الْقَتِيل وَاحِدًا وَالْوَرَثَة جمَاعَة فالقصاص موزع على فَرَائض الله تَعَالَى حَتَّى يثبت للزوجين وَالصَّغِير وَالْمَجْنُون ثمَّ إِن كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون لم يسْتَوْف الْقصاص إِلَى الْبلُوغ والإفاقة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لَا أمد لَهُ وَولي الصَّبِي لَا يُطَالب بِالْمَالِ وَقد ذكرنَا تصرف الْأَصْحَاب قبل هَذَا فِي كتاب اللَّقِيط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 أما إِذا كَانُوا مكلفين فَلَا يجوز الإستيفاء إِلَّا بالتوافق فَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم فَمن خرجت الْقرعَة لَهُ فَمَنعه غَيره من أصل الإستيفاء امْتنع وَيدخل فِي الْقرعَة الْمَرْأَة وَالْعَاجِز على أحد الْوَجْهَيْنِ ويستنيب إِن خرجت قرعته فرع لَو بَادر وَاحِد دون رضَا الآخرين فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب إِذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَحقه لَيْسَ بكامل فِي الْجَمِيع فَهُوَ كَمَا لَو شَارك غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن الْبَعْض مهدر فِي حَقه فَصَارَ كَمَا جرح جراحتين إِحْدَاهمَا فِي حَالَة الإهدار وَلِأَن عُلَمَاء الْمَدِينَة ذَهَبُوا إِلَى إِبَاحَة الإستبداد لكل وَارِث وَالْخلاف فِي إِبَاحَة السَّبَب شُبْهَة ولهذه الْعلَّة لَو جرى بعد عَفْو الآخرين سقط الْقصاص أَيْضا وَإِن لم يكن عَالما بِالْعَفو فسقوط الْقصاص أولى فَإِن قُلْنَا لَا يجب الْقصاص فَالَّذِي لم يرض يرجع بِحِصَّتِهِ على المبادر فِي قَول وَكَأَنَّهُ استوفى الْكل واحتبسه عِنْده وَيرجع على تَرِكَة الْقَتِيل فِي قَول كَمَا لَو قَتله أَجْنَبِي وَإِن قُلْنَا يجب الْقصاص فَلَو بَادر ولي الْقَتِيل الْقَاتِل فَقتل المبادر بَقِي دِيَة الْقَتِيل الْمَظْلُوم مُتَعَلقَة بتركة الْقَتِيل الْقَاتِل نصفهَا لوَرَثَة المبادر وَنِصْفهَا للَّذي لم يَأْذَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 فَإِن عَفا ولي الْقَتِيل الْقَاتِل على مَال فَذَلِك المَال تَرِكَة الْقَتِيل الْقَاتِل فَيُؤَدِّي مِنْهُ حق الَّذِي لم يَأْذَن وَيجْعَل حق المبادر قصاصا بِمثلِهِ إِن تماثلا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قتل الْوَاحِد جمَاعَة قتل بأولهم وللباقين الدِّيات وَإِن قَتلهمْ مَعًا قتل بِمن خرجت لَهُ الْقرعَة وَاكْتفى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِهِ عَن جَمِيعهم وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي العَبْد إِذا قتل جمَاعَة فَقيل يقتل بجميعهم لِأَن حق الآخرين ضائع وَفِي الْقَاتِل فِي قطع الطَّرِيق لجَماعَة فَإِنَّهُ لم يرع فِيهِ الْكَفَاءَة وسلك بِهِ مَسْلَك الْحَد على قَول اكْتفى بِهِ عَن الْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي أَوْلِيَاء الْقَتْلَى إِذا تمالئوا عَلَيْهِ على ثَلَاثَة أوجه الصَّحِيح أَنه يقسط عَلَيْهِم وَيرجع كل وَاحِد إِلَى حِصَّته من الدِّيَة وَالثَّانِي أَنه يقرع بَينهم وَيصرف إِلَى من خرجت الْقرعَة لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي عَن جَمِيعهم كمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله هَذَا إِذا حضر الْكل فَإِن كَانَ بَعضهم غَائِبا أَو مَجْنُونا فَفِي رِوَايَة الرّبيع يُؤَخر إِلَى إِمْكَان الْقرعَة وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة يَسْتَوْفِي الْحَاضِر والعاقل وَيكون الْحُضُور مرجحا كالقرعة فرع لَو اجْتمع مُسْتَحقّ النَّفس والطرف قدم مُسْتَحقّ الطّرف إِن اجْتمع مُسْتَحقّ الْيَمين ومستحق الْأصْبع من الْيَمين أَقرع بَينهمَا لِأَن قطع الْأصْبع ينقص الْيَمين بِخِلَاف قطع الطّرف فَإِنَّهُ لَا ينقص النَّفس الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي المستوفي وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستقلال دون الرّفْع إِلَى السُّلْطَان فَإِن استوفى وَقع الْموقع وعزره الإِمَام لِأَن أَمر الدِّمَاء خطير فَإِذا رفع إِلَى السُّلْطَان وَجب عَلَيْهِ أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْقَتْل وَلَا يَأْذَن فِي اسْتِيفَاء حد الْقَذْف لِأَن تفَاوت الضربات عَظِيم وَهُوَ حَرِيص على الْمُبَالغَة وَهل يُفَوض إِلَيْهِ الْقطع فعلى وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع مَعَ كَونه مُقَدرا مَا يفْرض من ترديد الحديدة الَّتِي يعظم غورها ثمَّ يَنْبَغِي أَن يسْتَوْفى الْقصاص بِأحد سيف وأسرع ضَرْبَة فَإِن ضرب الْوَلِيّ ضَرْبَة فَأصَاب غير الْموضع الْمَقْصُود فَإِن تعمد عزّر وَلم يعْزل وَإِن اخطأ وَدلّ على تخوفه وعجزه أمرناه بالإستنابة إِذْ لَا يُؤمن خَطؤُهُ ثَانِيًا وَمن أَصْحَابنَا من عكس هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 التَّرْتِيب وَهُوَ ضَعِيف فروع ثَلَاثَة الأول لَو قَتله الْوَلِيّ بِسيف مَسْمُوم يفتته قبل الدّفن لم يُمكن وَإِن كَانَ يفتت بعد الدّفن فَوَجْهَانِ الثَّانِي لَو قطع الْجَانِي طرف نَفسه بِإِذن الْمُسْتَحق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان لِاتِّحَاد الْقَاص والمقتص الثَّالِث نَص على أَن أُجْرَة الجلاد فِي الْقصاص على الْمُقْتَص مِنْهُ وَفِي الْحَد على بَيت المَال فَقيل قَولَانِ منشؤهما أَنه يخرج عَن الْعهْدَة بالتمكين أَو التَّمْيِيز وَالتَّسْلِيم وَهُوَ قريب من التَّرَدُّد فِي أَن مُؤنَة جذاذ الثِّمَار على البَائِع أَو المُشْتَرِي وَقيل بتقرير النصين لِأَن الْحَد يجوز ستر مُوجبه والهرب مِنْهُ فَيَكْفِي فِيهِ التَّمْكِين وَالْأولَى أَن يكون للجلاد رزق من بَيت المَال إِن اتَّسع وَيَنْبَغِي أَن يحضر الإِمَام مَحل الإقتصاص عَدْلَيْنِ خبيرين بمجاري الْأَحْوَال يبحثان عَن الحديدة أمسمومة أم لَا يراقبان حَقِيقَة الْحَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن حق الْقصاص على الْفَوْر فَلَا يُؤَخر باللياذ إِلَى الْحرم إِلَى وَقت الْخُرُوج بل يقتل فِي الْحرم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو لَاذَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يخرج وَيقتل وَقيل يقتل فِي الْمَسْجِد وتبسط الانطاع حذرا عَن التَّأْخِير وَلَو قطع طرفه فَمَاتَ فللوي قطع طرفه وحز رقبته عَقِيبه لانه اسْتحق الرّوح حلى الْفَوْر وَكَذَا لَو قطع فِي الشتَاء فللمستوفي الْقصاص فِي حرارة القيظ كَمَا لَهُ الْقصاص فِي حَالَة الْمَرَض وَإِن كَانَ مخطرا وَلَو قطع يَدَيْهِ فاندمل فَقطع رجلَيْهِ فللمقطوع أَن يجمع بَين قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَلَاء وَإِن كَانَ فِيهِ مزِيد خطر لِأَن الْحق على الْفَوْر وَفِيه وَجه أَنه يمْنَع وَفِي الْجُمْلَة لَا يُؤَخر حق الْقصاص إِلَّا بِعُذْر الْحمل إِلَى وضع الْوَلَد وارتضاعه اللبأ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 إِن كَانَ لَا يعِيش دونه فَإِن لم نجد مُرْضِعَة فَإلَى الْفِطَام وَإِن وجدناها وَلم ترغب قتلنَا هَذِه وألزمنا الْمُرضعَة الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وقدرناه صَبيا ضائعا وَأما الْحَد فيؤخر عَن الْفِطَام أَيْضا إِلَى أَن يكفل الْوَلَد غَيرهَا لقصة الغامدية فَإِن الْحَد على المساهلة وَلذَلِك تحبس الْحَامِل فِي الْقصاص وَلم يحبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغامدية وَلَا يتبع الهارب لاجل الْحَد وللوالي حبس الْقَاتِل إِن كَانَ ولي الْمَقْتُول غَائِبا وَلَا يحبس فِي دُيُون الغائبين لِأَن فِي الْقَتْل عُدْوانًا على حق الله تَعَالَى فروع ثَلَاثَة الأول لَو ادَّعَت الْحمل فَفِي وجوب التَّأْخِير بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا وَجْهَان أحد الْوَجْهَيْنِ يجب لِأَنَّهَا أعرف بِهِ وعَلى هَذَا لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص من الْمَنْكُوحَة يخالطها زَوجهَا وَالثَّانِي أَنا لَا ننكف إِلَّا بمخايل الْحمل وَلَا مبالاة بنطفة تعرض عقب الْوَطْء إِذا لم تنسلك الْحَيَاة فِيهَا الثَّانِي لَو بَادر الْوَلِيّ وَقتل الْحَامِل بِغَيْر إِذن الإِمَام فأجهضت جَنِينا مَيتا عزره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 وغرة الحنين على عَاقِلَته لِأَن موت الْجَنِين بِهَذَا السَّبَب لَا يتَيَقَّن بل يحْتَمل عدم الْحَيَاة عِنْد الْجِنَايَة وَإِن قتل بِإِذن السُّلْطَان وهما عالمان فَفِي الْغرَّة ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه على عَاقِلَة الْوَلِيّ لِأَنَّهُ مبَاشر وَالثَّانِي يُحَال على الإِمَام لتَقْصِيره بالتسليط وَالثَّالِث أَنه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بالتشطير وَإِن كَانَا جاهلين فخلاف مُرَتّب وَالْحوالَة على الْوَلِيّ أولى إِذا لم يبْق لجَانب الإِمَام وَجه إِلَّا تَقْصِيره فِي الْبَحْث فَإِن كَانَ الإِمَام جَاهِلا وَالْوَلِيّ عَالما فليقطع بالحوالة على الْوَلِيّ لِاجْتِمَاع الْعلم والمباشرة وَفِيه وَجه وَإِن كَانَ الإِمَام عَالما وَالْوَلِيّ جَاهِلا فجانب الإِمَام قد يقوى بِالْعلمِ فيتأكد النّظر إِلَيْهِ وَحَيْثُ أحلنا على الإِمَام فَهُوَ على عَاقِلَته أَو فِي بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ وَقع للْإِمَام وَإِن كَانَ عَالما فَلَا يجب على بَيت المَال هَذَا فِي الْوَلِيّ أما الجلاد فَلَا عُهْدَة عَلَيْهِ عِنْد جَهله اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالآلة فَكيف يتقلد الْعهْدَة وَإِن كَانَ عَالما وَقدر على الإمتناع فَهُوَ كالولي وَإِن خَافَ سطوة السُّلْطَان فقد ذكرنَا أَن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه أم لَا الثَّالِث لَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَعَفَا عَن الْقصاص وَطلب شَيْئا من الدِّيَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 أَحدهمَا أَنه تعجل لَهُ ديتان فَإِن تدَاخل بِالسّرَايَةِ استردت وَاحِدَة وَكَأن التَّدَاخُل عَارض مغير للسبب بعد تَمَامه وَالثَّانِي أَنه تسلم إِلَيْهِ دِيَة وَاحِدَة لِأَن المستيقن وَسبب الْبَاقِي يتم بالإندمال وَالثَّالِث أَنه لَا يسلم شَيْء إِذْ يتَصَوَّر أَنه يجرحه مائَة وَألف فترجع حِصَّته إِلَى جُزْء من الْألف فَلَا يستيقن مِقْدَار وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي السَّيِّد إِذا جنى على مكَاتبه أَنه يعجل فَقيل بطرد الْخلاف تخريجا وَقيل الْفرق التشوف إِلَى الْعتْق ثمَّ هَؤُلَاءِ اخْتلفُوا فِي اخْتِصَاص التَّعْجِيل بِالنَّجْمِ الْأَخير فَقيل لَا يخْتَص لِأَن الأول أَيْضا يقرب من الْعتْق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 الْفَصْل الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْمُمَاثلَة وَهِي مرعية عندنَا فِي قصاص النَّفس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَمَعْنَاهُ أَن من قطع وَقتل قطع وَقتل وَمن غرق أَو حرق أَو رجم بِالْحِجَارَةِ فعل بِهِ مثله إِلَّا إِذا قتل باللواط أَو إِيجَار الْخمر فَإِن مثله فَاحِشَة فيعدل إِلَى السَّيْف وَقيل يعدل إِلَى إِيجَار الْخلّ وَإِلَى اسْتِعْمَال خَشَبَة وَمهما عدل الْمُسْتَحق من غير سيف إِلَى السَّيْف يُمكن لِأَنَّهُ أوحى وأسهل فروع الأول لَو أحرقه بالنَّار فألقيناه فِي مثلهَا فَلم يمت فِي تِلْكَ الْمدَّة فَيتْرك فِيهَا أَو يعدل إِلَى السَّيْف فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 أَحدهمَا إِلَى السَّيْف لِأَنَّهُ أوحى وأسهل وَالثَّانِي النَّار كَيْلا نوالي بَين نَوْعي الْعَذَاب عَلَيْهِ ولتأخذ النَّار مَقْتَله كَمَا أَخذ من الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو كَانَ رَقَبَة الْقَاتِل غَلِيظَة لَا تنحز إِلَّا بضربات فَلَا نبالي بِهَذَا التَّفَاوُت للضَّرُورَة فَإِن قُلْنَا لَا يعدل إِلَى السَّيْف لِاتِّحَاد جنس الْعَذَاب فَيجْرِي هَذَا فِي التجويع فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة وَهل يجْرِي فِي توالي الضربات بِالْحِجَارَةِ والسياط فِيهِ تردد لِأَن كل ضَرْبَة كالمنقطعة عَمَّا قبلهَا وَلَا يبعد التَّسْوِيَة فَيُقَال ضربه إِلَى الْمَوْت فنضربه إِلَى الْمَوْت وَلَو قطع طرفه فقطعنا طرفه فَلم يمت فَلَا يجوز أَن نقطع بَقِيَّة الْأَطْرَاف فَإِن هَذَا اخْتِلَاف مَحل مُعْتَبر وَلَو قَتله بجائفة فَلم يمت بجائفة فَهَل نوالي بالجوائف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف فَإِن الجوائف تنحو نَحْو جَوف وَاحِد وَالْأَظْهَر أَنه كَقطع الْأَطْرَاف وَمهما قَطعنَا طرفه فَلم يمت فالخيرة فِي حز رقبته إِلَى الْمُسْتَحق إِن شَاءَ أخر وَإِن شَاءَ عجل الثَّانِي لَو قطع يَده من الْكُوع فجَاء آخر وَقطع يَده من الْمرْفق فَمَاتَ مِنْهُمَا قَطعنَا الْكُوع من قَاطع الْكُوع وَفِي قطع الْمرْفق من قَاطع الْمرْفق وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه قطع ساعدا بِلَا كف فَكيف نقطع الساعد مَعَ الْكَفّ وَوجه التجويز أَن النَّفس مستوفاة فَلَا نظر إِلَى تفَاوت الأطرف الثَّالِث إِذا مَاتَ بسراية الْقطع فقطعنا يَد الْجَانِي فَمَاتَ وَقع قصاصا وَلَو مَاتَ الْجَانِي أَولا فَفِي وُقُوعه قصاصا وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 أَحدهمَا لَا لِأَن شَرط الْقصاص أَن تكون روح الْمَجْنِي عَلَيْهِ زاهقة قبل موت الْجَانِي وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود الْمُقَابلَة وَقد حصل الرَّابِع إِذا اسْتحق الْقصاص فِي الْيَمين فَأخْرج الْجَانِي يسَاره فَقَطعه الْمُسْتَحق فللجاني ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يقْصد بِإِخْرَاج الْيَسَار إباحتها فَيسْقط قصاص الْيَسَار لِأَن الْإِخْرَاج مَعَ نِيَّة الْإِبَاحَة كَافِيَة فِي الإهدار وَلَو قصد قطع يَده فَسكت وَلم يُخرجهَا فَهَل يكون ذَلِك إهدارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه كَونه إهدارا أَنه سكُوت فِي مَحل يحرم السُّكُوت فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا سكت على إِتْلَاف المَال فَإِنَّهُ لَا يكون إهدارا فَأَما قصاص الْيَمين فَهَل يسْقط يرجع فِيهِ إِلَى نِيَّة الْقَاطِع وَله ثَلَاثَة تأويلات فِي قطع الْيَسَار الأول أَن يَقُول استبحته بإباحته فَيبقى حَقه فِي الْيَمين الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين وَجْهَان لِأَنَّهُ قصد الْإِسْقَاط بِنَاء على ظن خطأ وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا تضرع من عَلَيْهِ الْقصاص ليؤخذ مِنْهُ الْفِدَاء فَأَخذه الْمُسْتَحق من غير تلفظه بِالْعَفو فإقدامه على الْأَخْذ هَل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 يكون إِسْقَاطًا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا بِسُقُوط حَقه عَن الْيَمين بَقِي لَهُ دِيَة الْيَمين الثَّالِث أَن يَقُول عرفت أَن الْيَسَار لَا تقطع عَن الْيَمين وَلَكِنِّي قصدت أَن أجعله عوضا من تِلْقَاء نَفسِي فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَسُقُوط حَقه عَن الْيَمين هَا هُنَا أولى الْحَالة الثَّانِيَة للمخرج أَن يَقُول دهشت فَلم أدر مَاذَا فعلت فَهَذَا لَيْسَ بإهدار لليسار وَلَكنَّا نراجع الْقَاطِع وَله أَرْبَعَة تأويلات الأول أَن يَقُول دهشت أَنا أَيْضا فَلَا يقبل مِنْهُ وَيلْزمهُ قصاص الْيَسَار لِأَن الدهشة لَا تلِيق بِهِ مَعَ إقدامه على قطع مَنْظُور الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تقع عَن الْيَمين فَالْخِلَاف فِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين كَمَا سبق وَالْمَنْقُول أَن لَا قصاص فِي الْيَسَار لظَنّه وَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا قتل الممسك لِأَبِيهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَن الْقصاص يجب على الممسك فَإِن الظَّاهِر وجوب الْقصاص لبعد ظَنّه الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج هُوَ الْيَمين فَلَا يسْقط حَقه عَن الْقصاص وَفِي وجوب الْقصاص عَلَيْهِ فِي الْيَسَار قَولَانِ كَمَا لَو قتل شخصا ظَنّه قَاتل أَبِيه الرَّابِع أَن يَقُول قصدت قطع يسَاره عُدْوانًا فَعَلَيهِ قصاص الْيَسَار وَبَقِي حَقه فِي الْيَمين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 الْحَالة الثَّالِثَة للمخرج أَن يَقُول قصدت بِإِخْرَاج الْيَسَار إِيقَاعه عَن الْيَمين فللقاطع ثَلَاثَة تأويلات الأول أَن يَقُول ظَنَنْت الْإِبَاحَة فَلَا قصاص لِأَن قرينَة الْإِخْرَاج أكدت الظَّن وَحقه فِي الْيَمين بَاقٍ الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين الْخلاف السَّابِق وَلَا قصاص فِي الْيَسَار لتطابق الْفِعْلَيْنِ والظنين ونزولهما منزلَة مُعَاملَة فَاسِدَة وَقَالَ ابْن الْوَكِيل يجب الْقصاص فِي الْيَسَار وَهُوَ بعيد الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج يَمِين قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِنَفْي الْقصاص لانضمام التسليط إِلَيْهِ وَذكروا فِي الضَّمَان وَجْهَيْن وَالْأَظْهَر الْوُجُوب لانه لم يُسَلط مُطلقًا بل بِبَدَل لم يسلم لَهُ هَذَا كُله فِي الْقصاص فَإِن جرى فِي السّرقَة وَفرض دهشة أَو ظن وَقع الْحَد موقعه نَص عَلَيْهِ لِأَن الْحَد على المساهلة وَالْمَقْصُود النكال وَقد حصل فيبعد أَن تقطع يَمِينه بعد ذَلِك وَقيل بتخرج وجوب الْقصاص فرع إِذا قضينا بِبَقَاء الْقصاص فِي الْيَمين فَأَرَادَ أَن يقطعهُ عَقِيبه متواليا بَين الجراحتين فالنص مَنعه بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مُتَفَرِّقَة فَأَرَادَ الْقصاص متواليا لِأَن ألم الْوَلَاء متولد من الْحق وَهَا هُنَا متولد من جنايتين إِحْدَاهمَا حق وَالْأُخْرَى عدوان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْعَفو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي حكم الْعَفو وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن مُوجب الْعمد الْمَحْض الْقود الْمَحْض وَالدية أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه على سَبِيل التوازي أَو هُوَ الْقود الْمَحْض وَإِنَّمَا الدِّيَة تجب عِنْد سُقُوط الْقود فِيهِ قَولَانِ توجيههما مَذْكُور فِي الْخلاف فَإِذا قُلْنَا الدِّيَة موازية للْقصَاص لَا معاقبة لَهُ فَهَل الْقصاص أصل وَالدية تَابع أَو هما متوازيان من كل وَجه فِيهِ تردد وَيظْهر أَثَره فِي صِيغ الْعَفو وَهِي أَرْبَعَة تَفْرِيعا على أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 الأولى أَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقصاص وَالدية جَمِيعًا فيسقطان فَلَو قَالَ عَفَوْت عَن الْقصاص لم يبْق إِلَّا الدِّيَة فَإِن قَالَ عَفَوْت عَن الدِّيَة فَلهُ الْقصاص وَهل لَهُ مرجع إِلَى الدِّيَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لإسقاطه وَالثَّانِي نعم لِأَن الْقصاص لَا يعري عَن إِمْكَان رُجُوعه إِلَى الدِّيَة فعلى هَذَا لَا أثر للعفو عَن الدِّيَة فَإِن قُلْنَا لَا يرجع إِلَى المَال اسْتِقْلَالا فَهَل لَهما الْمُصَالحَة على المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَحَد الْقَذْف وَالثَّانِي نعم لِأَن الدَّم مقوم شرعا كالبضع وَلَو جرى مَعَ أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَوجه التجويز تشبيهه باختلاع الْأَجْنَبِيّ زَوْجَة الْغَيْر وَهَذَا الْخلاف جَار حَيْثُ يتعرى الْقصاص عَن الدِّيَة وَيُمكن ذَلِك بِأَن يقطع يَدَيْهِ فيسري إِلَى الرّوح فَإِذا قطع يَدَيْهِ قصاصا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا حز الرَّقَبَة فَلَو عَفا فَلَا مَال لِأَنَّهُ استوفى يدين يوازيان الدِّيَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ عَفَوْت على أَن لَا مَال فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يسْقط كِلَاهُمَا كَمَا لَو عَفا عَنْهُمَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شَرط نفي المَال فِي الْعَفو عَن الْقود وَالْعَفو الْمُطلق على هَذَا القَوْل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 مُوجب لِلْمَالِ فَلَا يَنْتَفِي بِشَرْط النَّفْي الثَّالِثَة أَن يَقُول عَفَوْت عَنْك وَلم يتَعَرَّض لدية وَلَا قَود فَإِن قُلْنَا الْوَاجِب الْقود الْمَحْض سقط الْقصاص وَيكون كالعفو الْمُطلق وَإِن قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط الْقود لِأَن لفظ الْعَفو يَلِيق بِهِ وَالثَّانِي أَنه مُجمل وَيُرَاجع فَإِن نوى شَيْئا اتبع وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة قيل لَهُ أنشيء الْآن نِيَّة وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه إِن لم يكن لَهُ نِيَّة انْصَرف إِلَى الْقصاص وَإِن نوى الدِّيَة انْصَرف إِلَيْهَا الرَّابِعَة إِذا قَالَ اخْتَرْت الدِّيَة سقط الْقود وَإِن قَالَ اخْتَرْت الْقود الْمَحْض فَهَل يَجْعَل كإسقاط الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان وَجه قَوْلنَا لَا يسْقط أَنه يحمل على التهديد والوعيد فَلهُ أَن يحسن بِالْعَفو التَّفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب الْقود الْمَحْض أَنه لَو عَفا على مَال ثَبت وَيكون بَدَلا عِنْد عدم الْقود وَكَذَلِكَ لَو تعذر الْقود بِمَوْت من عَلَيْهِ الْقصاص رَجعْنَا إِلَى الدِّيَة وَإِن عَفا مُطلقًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن لَا مَال لانه لَا وَاجِب إِلَّا الْقود وَقد أسْقطه وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن الدِّيَة خلف الْقود عِنْد سُقُوطه فرعان الأول الْمُفلس الْمُسْتَحق للقود لَهُ الإستيفاء فَإِن عَفا عَن الْقود مَعَ نفي المَال فَهَل ينزل منزلَة الْمُطلق فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه دفع لسَبَب الْوُجُوب كَمَا إِذا رد هبة أَو وَصِيَّة أَو دفع الْوُجُوب بعد جَرَيَان سَببه وَفِي المبذر طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بالمفلس وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وإسقاطه كَالْبَالِغِ وَلَكِن فِي دفع الدِّيَة كَالصَّبِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 الْفَرْع الثَّانِي لَو صَالح عَن الْقصاص على مِائَتَيْنِ من الْإِبِل بَطل على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب أَحدهمَا لِأَنَّهُ زِيَادَة على الْوَاجِب وعَلى القَوْل الآخر فِيهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الدِّيَة لَهَا تعلق بالقود بِكُل حَال فَلَا مزِيد عَلَيْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 الطّرف الثَّانِي فِي الْعَفو الصَّحِيح وَالْفَاسِد وأحوال الْعَفو سَبْعَة الأولى أَنه إِذا اذن لَهُ فِي الْقطع سقط الْقصاص وَإِن سرى إِلَى النَّفس سقط أرش الطّرف وَفِي دِيَة النَّفس إِذا سرى أَو قَالَ اقتلني قَولَانِ ينبنيان على أَن الدِّيَة تثبت للْوَارِث ابْتِدَاء أَو تلقيا من الْمَيِّت وَالأَصَح أَنه تلق فَسقط بعفوه كل الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ فَإِنَّهُ دفع الْوُجُوب فَلَا يحْسب من الثُّلُث وَفِي سُقُوط الْكَفَّارَة وَجْهَان أصَحهمَا اللُّزُوم للجناية على حق الله تَعَالَى وَخرج ابْن سُرَيج أَن حق الله تَعَالَى يتبع حق الْآدَمِيّ كَمَا فِي الْقَتْل قصاصا الثَّانِيَة الْعَفو بعد الْقطع وَقبل السّريَّة بِأَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقطع أرشا وقودا فَإِذا سرى إِلَى مَا وَرَاءه مَعَ بَقَاء النَّفس فالسراية مَضْمُونَة لِأَنَّهُ لم يعف عَن الْمُسْتَقْبل وَقد تولد عَن فعل كَانَ مَضْمُونا وَفِيه وَجه أَن الْعَفو الطارىء كالإذن الْمُقَارن وَلَو قَالَ عَفَوْت عَمَّا سيجب فَهُوَ إِبْرَاء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ الثَّالِثَة الْعَفو بَين الْقطع وَالْمَوْت بِأَن قَالَ عَفَوْت عَمَّا سبق أرشا وقودا فَلَا قصاص فِي النَّفس لتولده عَن مَعْفُو عَنهُ وَعَن ابْن سُرَيج وَجه أَنه يجب لِأَن الْفِعْل كَانَ عُدْوانًا وَلم يعف عَن النَّفس وَأما الدِّيَة فَتخرج على الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِن منعناها لم تسْقط وَإِن جوزناها سقط مَا يُقَابل الْقطع السَّابِق وَيبقى الآخر إِلَّا إِذْ صرح بِالْعَفو عَمَّا سيجب فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا كَانَ قد قطع كلتا الْيَدَيْنِ فَإِن الْعَفو عَنهُ عَفْو عَن كَمَال الدِّيَة فَلَا يبْقى وَاجِب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 وَلَو أوصى للجاني بِالْأَرْشِ بدل الْعَفو لم يخرج هَذَا على الْإِبْرَاء عَمَّا سيجب لِأَن هَذِه وَصِيَّة يُمكن الرُّجُوع عَنْهَا وَلَيْسَ بإبراء منجز وَالْوَصِيَّة بِمَا سيجب تجوز ونصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَا هُنَا تدل على منع الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِنَّهُ قَالَ لَو كَانَ الْقَاتِل عبدا صَحَّ الْعَفو لِأَن أَثَره يرجع إِلَى السَّيِّد الَّذِي لَيْسَ بِقَاتِل وَقَالَ لَو كَانَ الْجَانِي مخطئا صَحَّ الْعَفو لِأَن الْفَائِدَة لِلْعَاقِلَةِ لَا للْقَاتِل وَلَو كَانَ الْعَاقِلَة مُنْكرا أَو مُخَالفا فِي الدّين فَإِن الْعَفو بَاطِل لِأَنَّهُ عَفْو عَن الْقَاتِل فَهُوَ وَصِيَّة لَهُ وَقَالَ الْأَصْحَاب إِذا قَالَ للخاطىء عَفَوْت عَنْك وَقُلْنَا الْوُجُوب لَا يلاقيه فَهُوَ لَغْو وَإِن قُلْنَا يلاقيه لَغَا أَيْضا على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن ملاقاته لَهُ تَقْدِير مختطف لَا قَرَار لَهُ الرَّابِعَة إِذا عَفا بعد قطع الطّرف على مَال فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْقصاص إِن سرى فَلَو حز رقبته هَل يكون كسراية قطعه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم فَإِن الْجَانِي وَاحِد فيتحد الحكم كَمَا تتحد الدِّيَة وَالثَّانِي لَا لِأَن سُقُوط الْقصاص كالمتولد عَن مَعْفُو عَنهُ الْخَامِسَة عَفْو الْوَارِث بعد موت الْقَتِيل صَحِيح فَإِن اسْتحق الْقصاص فِي الطّرف وَالنَّفس فَعَفَا عَن أَحدهمَا لم يسْقط الآخر وَقيل إِن عَفا عَن النَّفس فقد الْتزم بَقَاء الْأَطْرَاف فَيسْقط قصاص الطّرف وَالنَّفس وَإِن كَانَت النَّفس مُسْتَحقَّة بِقطع الطّرف فَعَفَا عَن الطّرف فَفِي جَوَاز حز الرَّقَبَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ عَفا عَن الطّرف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 وَالثَّانِي نعم إِذْ كَانَ لَهُ أَن يقطع الطّرف ثمَّ يحز الرَّقَبَة وَلَا يبعد أَن ينْفَصل الطّرف عَن الْغَايَة إِذْ لَو قطع طرف عبد فَعتق وَمَات فللسيد قطع يَده وللولد حز رقبته وعفو أَحدهمَا لَا يسْقط حق الآخر السَّادِسَة الْعَفو بعد مُبَاشرَة سَبَب الإستيفاء كَمَا إِذا قطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا عَن النَّفس فَإِن اندمل الْقطع صَحَّ الْعَفو وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِذا سرى بَان أَن الْعَفو بَاطِل وَكَذَلِكَ إِذا رمى إِلَيْهِ ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَإِن أصَاب بَان بطلَان الْعَفو وَهُوَ الْأَصَح السَّابِعَة إِذا تنحى الْوَكِيل إِلَى عَرصَة الْموقف ليستقيد فَعَفَا الْمُوكل فحز الْوَكِيل رقبته غافلا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَفِي الدِّيَة وَالْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الثَّالِث تجب الْكَفَّارَة دون الدِّيَة وَوجه إِسْقَاط الدِّيَة أَنه مَعْذُور كَمَا فِي السهْم الغرب وَوجه إِيجَابه أَنه فِيهِ نوع تَقْصِير إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَن يجدد الإستئذان عِنْد الحز وَوجه دفع الْكَفَّارَة إِسْقَاط أثر الْعَفو فِي حَقه لانه لم يبلغهُ وَمَعَ هَذَا فَلَا خلاف فِي أَن الْقَتْل لم يَقع قصاصا فَيثبت للعافي الدِّيَة فِي تَرِكَة الْقَتِيل وَفِيه وَجه أَنا إِن أهدرنا دِيَة الْقَتِيل فَلَا نوجب للعافي شَيْئا فِي تركته وَإِن فرع نا على أَن دم الْقَتِيل لَا يهدر فَالدِّيَة على الْوَكِيل أَو على عَاقِلَته فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ لَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وَنَفس الْقَتِيل فَإِذا أوجبناه فَفِي الرُّجُوع على الْعَافِي طَرِيقَانِ مِنْهُم من نزله منزلَة الْمَعْذُور وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ محسن بِالْعَفو فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فرع لَو اشْترى الْمَجْنِي عَلَيْهِ العَبْد الْجَانِي بِالْأَرْشِ الْمُتَعَلّق بِرَقَبَتِهِ صَحَّ كَشِرَاء الْمُرْتَهن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 بِالدّينِ فَإِن هَذَا الدّين وَإِن لم يكن على السَّيِّد فَهُوَ مُتَعَلق بِمَالِه وَإِن كَانَ الْأَرْش إبِلا فَفِي الشِّرَاء وَجْهَان لما فِيهِ من الْجَهَالَة وَوجه الصِّحَّة أَن الْمَقْصُود الْإِسْقَاط دون الإستيفاء فيسامح فِي الْجَهَالَة فَلَو وجد بِالْعَبدِ عَيْبا فَلهُ الرَّد وَإِن كَانَ لَا يَسْتَفِيد برده أمرا زَائِدا إِذْ لَا يَتَجَدَّد لَهُ على السَّيِّد طلبه وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 = كتاب الدِّيات = وَالنَّظَر فِي الْوَاجِب والموجب وَمن عَلَيْهِ وَفِي دِيَة الْجَنِين الْقسم الأول فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي النَّفس والطرف وَفِيه بَابَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل فِي الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل مخمسة عشرُون مِنْهَا بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حَقه وَعِشْرُونَ جَذَعَة ثمَّ تَتَغَيَّر فِي أَربع مغلظات وَأَرْبع منقصات أما المغلظات الْأَرْبَع فَهُوَ الْحرم وَالْأَشْهر الْحرم وَالرحم والعمدية أما الْحرم فالقتل فِي مَكَّة وَسَائِر الْحرم يُوجب التَّغْلِيظ على الخاطىء وَكَذَا لَو رمى من الْحرم إِلَى الْحل أَو من الْحل إِلَى الْحرم كَمَا فِي الصَّيْد وَفِي حرم الْمَدِينَة خلاف وَالْإِحْرَام لَا يلْتَحق بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 وَأما الْأَشْهر الْحرم فَأَرْبَعَة ثَلَاثَة مِنْهُنَّ سرد ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب وَأما الرَّحِم فَمَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة دون مَا عَداهَا من القربات وَاعْتمد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي التَّغْلِيظ بِهَذِهِ الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة آثَار الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما العمدية وَكَونه شبه الْعمد فقد ذَكرْنَاهُ وَنَذْكُر الْآن ثَلَاث صور إِحْدَاهَا أَن من قتل شخصا فِي دَار الْكفْر عَليّ زِيّ الْكفَّار فَإِذا هُوَ مُسلم فَفِي الدِّيَة قَولَانِ فَإِن أوجبناها فَفِي الضَّرْب على الْعَاقِلَة قَولَانِ وَهُوَ تردد فِي أَنه يَجْعَل عمدا اَوْ شبه عمد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق بالْخَطَأ الْمَحْض فيخفف على الْعَاقِلَة الثَّانِيَة إِذا رمى إِلَى مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَهِي معنى الصُّورَة السَّابِقَة وَأولى بِأَن يلْحق بالْخَطَأ الثَّالِثَة إِذا رمى إِلَى جرثومة ظَنّهَا شَجَرَة فَإِذا هِيَ إِنْسَان فَالصَّحِيح أَنه خطأ مَحْض كَمَا لَو سقط من سطح أَو مرق السهْم من صيد إِلَى إِنْسَان أَو قصد شخصا فَأصَاب غَيره وَيحْتَمل من مَسْأَلَة الْحَرْبِيّ أَن يُقَال ظن كَونه شَجرا كظن كَونه حَرْبِيّا هدرا وَقد قَصده فِي عينه فَإِن قيل مَا معنى التَّخْفِيف والتغليظ قُلْنَا الْمِائَة من الْإِبِل تتخفف فِي الْخَطَأ الْمَحْض من ثَلَاثَة أوجه الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل بِثَلَاث سِنِين ووجوبها مخمسة وَفِي الْعمد الْمَحْض تتغلظ بتخصيصه بالجاني وبتعجيله عَلَيْهِ وتبديل التخميس بالتثليث وَهُوَ أَن 8 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 يجب ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَهَذِه النِّسْبَة مرعية حَتَّى تجب فِي أرش جِنَايَة الْمُوَضّحَة خلفتان وجذعة وَنصف وحقة وَنصف وَكَذَا فِي سَائِر الْجِرَاحَات وَأما شبه الْعمد فتتخفف من وَجْهَيْن الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل ثَلَاث سِنِين وتغلظ من وَجه وَهُوَ التَّثْلِيث لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَلا إِن قَتِيل الْعمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل أَرْبَعُونَ مِنْهَا خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَلَا يتضاعف التَّغْلِيظ بتضاعف الْأَسْبَاب فَيجب على الْعَامِد فِي الْحرم فِي الْأَشْهر الْحرم بقتل ذِي الرَّحِم مَا يجب على الْعَامِد دون هَذِه المغلظات فَإِن قيل فَمَا صفة الْإِبِل وصنفه وبدله عِنْد فَقده قُلْنَا أما الصّفة فَمَا ذَكرْنَاهُ مَعَ السَّلامَة عَن الْعُيُوب المثبتة للرَّدّ بِالْعَيْبِ أما الخلفة فَلَا تكون إِلَّا ثنية فَإِن حملت مَا دونهَا على الندور فَفِي إجزائها وَجْهَان لِأَنَّهُ قد يظنّ الإجهاض بهَا وَمهما تنَازعا فِي وجود الْحمل حكم فِي الْحَال بقول عَدْلَيْنِ من أهل البصيرة فَلَو اخْتلف قَوْلهمَا استدرك فَلَو رد ولي الدَّم وَقَالَ لَيْسَ حَامِلا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا ادّعى الْجَانِي الإجهاض فِي يَده وَكَانَ قد أَخذه بقول عَدْلَيْنِ لَا بقول الْجَانِي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْمُصِيب هُوَ الْجَانِي لموافقته قَول العدلين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 وَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيّ لِأَن الْعدْل لم يحكم إِلَّا بالتخمين فيصلح تخمينه لتأخير حَقه لَا لإسقاطه أما صنفه فَهُوَ غَالب إبل الْبَلَد فَإِن لم يكن فِي الْبَلَد إبل فأقرب الْبلدَانِ إِلَيْهِ فَإِن كَانَ إبل من عَلَيْهِ مُخَالفا لإبل الْبَلَد فَهَل تتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كقوت من عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شكر على النِّعْمَة فَيكون من جِنْسهَا وَهَذَا أرش الْجِنَايَة فَلَا يُنَاسب اعْتِبَار ملكه فَإِن اعتبرناها فَكَانَت مَرِيضَة أَو مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة وَإِن كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين متساويين فالخيرة إِلَى الْمُعْطِي وَأما بدله عِنْد الْعَجز فَقيمته فِي مَحل الْعبْرَة مُغَلّظَة كَانَت أَو مُخَفّفَة وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه يرجع إِلَى ألف دِينَار أَو إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم من النقرة الْخَالِصَة وَقيل إِن معنى الْقَدِيم التَّخْيِير بَين الْخِصَال الثَّلَاث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن أثر التَّغْلِيظ يسْقط بِهِ وَقيل يُزَاد الثُّلُث بِسَبَب التَّغْلِيظ فَيجْعَل سِتَّة عشر ألفا تقليدا لأثر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ بعيد هَذَا بَيَان المغلظات وَأما المنقصات فَهِيَ أَربع الأولى الْأُنُوثَة فَإِنَّهَا ترد كل وَاجِب إِلَى الشّطْر ثمَّ ترعى النِّسْبَة فِي التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فَيجب عشرُون خلفة وَخمْس عشرَة حقة وَخمْس عشرَة جَذَعَة وعَلى هَذَا الْحساب فِي الْأَطْرَاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 الثَّانِيَة الرّقّ وواجب الرَّقِيق قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ حط عَن دِيَته بِقدر نِصَاب السّرقَة الثَّالِثَة الاجتنان فِي الْبَطن إِذْ وَاجِب الْجَنِين الْغرَّة وَلَا يتغلظ فِيهِ وَسَيَأْتِي الرَّابِعَة الْكفْر ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم وَلَا يظْهر فِيهِ التَّغْلِيظ إِلَّا أَن يَجْعَل هَذَا معيارا للنسبة فينسب إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَيُقَال هُوَ خمس دِيَة الْمُسلم هَذَا فِي أهل الذِّمَّة وَأهل العقد والمستأمنين من هَؤُلَاءِ أما الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَوْثَان فَلَا دِيَة لَهُم ولاذمة لَهُم وَلَو دخل وَاحِد مِنْهُم دَارنَا رَسُولا مستأمنا فَإِن كَانَ وثنيا أثبت لَهُ أخس الدِّيات وَهِي دِيَة الْمَجُوسِيّ لِأَنَّهُ الْأَقَل تَحْقِيقا للعصمة لاجل الْحَاجة إِلَى الْأمان وَإِن كَانَ مُرْتَدا فَلَا دِيَة فِي قَتله وَلَكنَّا نمتنع عَن قَتله فِي الْحَال مصلحَة كالنساء والذراري والزنديق الَّذِي ولد كَذَلِك مُتَرَدّد بَين الوثني وَالْمُرْتَدّ هَذَا كُله فِيمَن بلغتهم الدعْوَة وَأما من لم تبلغهم دَعوتنَا قَالَ الْقفال يجب الْقصاص على الْمُسلم بِقَتْلِهِم لأَنهم على الْحق وَمِنْهُم من قَالَ لَا كفاءة بَين الدينَيْنِ وَإِن كَانَا حقين لِأَنَّهُ بَقِي خطأ بِاعْتِبَار جَهله وَهُوَ الْآن بَاطِل فِي نَفسه فَلَا قصاص وَلَكِن تجب دِيَة الْمُسلم وَمِنْهُم من قَالَ بل تجب دِيَة أهل دينه إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو مجوسيا لِأَن منصب دينهم لَا يَقْتَضِي إِلَّا هَذَا الْقدر وَإِن لم تبلغهم أصلا دَعْوَة نَبِي قَالَ الْقفال وَجب الْقصاص لأَنهم أهل الْجنَّة وَقَالَ غَيره لَا لعدم أصل الدّين وَلَكِن فِي الدِّيَة وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 أَحدهمَا دِيَة الْمُسلم وَالثَّانِي أخس الدِّيات وَإِن كَانُوا مُتَعَلقين بدين محرف كَدين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بعد التحريف فَلَا قصاص وَيحْتَمل إِسْقَاط الضَّمَان لعدم الذِّمَّة وَعدم الدّين الصَّحِيح وَيكون انكفافنا عَنْهُم كانكفافنا عَن النِّسَاء وَأما الصابئون من النَّصَارَى والسامرة من الْيَهُود إِن كَانُوا معطلة دينهم فَلَا حُرْمَة لَهُم وَإِن كَانُوا من أهل الْفرق فَلهم حكم دينهم وَأما من أسلم وَلم يُهَاجر فَهُوَ كَالَّذي هَاجر فِي الْقود وَالدية وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا عصمَة إِلَّا بِالْهِجْرَةِ إِلَى دَار الْإِسْلَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَا دون النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذِه الْجِنَايَة إِمَّا جرح يشق أَو قطع مُبين أَو ضرب يبطل مَنْفَعَة النَّوْع الأول فِي الْجرْح وَذَلِكَ إِمَّا على الْوَجْه وَالرَّأْس أَو على سَائِر الْبدن أما الرَّأْس فَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل وَهِي كل مَا توضح الْعظم فَإِن صَارَت هاشمة فعشر من الْإِبِل فَإِن صَارَت منقلة فَخمس عشرَة فَإِن صَارَت مأمومة فثلث الدِّيَة أما الدامغة المذففة فَفِيهَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الهاشمة من غير إِيضَاح خمس من الْإِبِل وَقيل حُكُومَة لِأَن الْعشْر فِي مُقَابلَة الْمُوَضّحَة الهاشمة وَلَو أوضح وَاحِد وهشم آخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 وَنقل ثَالِث وَأم رَابِع فعلى كل وَاحِد خمس من الْإِبِل إِلَّا على الآم فَعَلَيهِ التَّفَاوُت بَين المنقلة وَأرش المأمومة وَهِي ثَمَانِيَة عشر بَعِيرًا وَثلث بعير والتعويل فِي هَذِه التقديرات على النَّقْل وَقد نصر الشَّارِع على بَعْضهَا وَقيس بهَا الْبَعْض فَإِذا قُلْنَا فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل عنينا بِهِ نصف عشر الدِّيَة حَتَّى ترعى هَذِه النِّسْبَة فِي الْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَالْعَبْد وكل عظم على كرة الرَّأْس فَهُوَ فِي مَحل الْإِيضَاح وَإِن كَانَ من الْوَجْه كالجبهة والجبين والوجنة وقصبة الْأنف واللحيين وَمن جَانب الْقَفَا إِلَى الرَّقَبَة فَأَما العظمة الْوَاصِلَة بَين عَمُود الرَّقَبَة وكرة الرَّأْس فَفِيهِ تردد فَإِن تعدّدت الْمُوَضّحَة على الرَّأْس تعدد الْأَرْش فَإِن استوعب جَمِيع الرَّأْس بِوَاحِدَة فالأرش وَاحِد فاتحاد الموحضة بِأَن لَا يخْتَلف الْمحل وَالصُّورَة وَالْحكم وَالْفِعْل أما الصُّورَة فَأن تقع على الْمَوْضِعَيْنِ فَإِن رفع الحاجز اتَّحد الْأَرْش وَإِن كَانَ الرّفْع من غير الْجَانِي لم يتحد وَلَو كَانَ الحاجز بَين الموضحتين الْجلد دون اللَّحْم أَو اللَّحْم دون الْجلد فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يَتَعَدَّد إِذْ بَقِي حاجز مَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حصل نوع من الإتحاد وَالثَّالِث اللَّحْم حاجز دون الْجلد لِأَنَّهُ المنطبق على الْعظم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 الرَّابِع الْجلد حاجز دون اللَّحْم لانه السَّاتِر عَن الْعين وَأما تعدد الْمحل فبأن تخرج الْمُوَضّحَة الْوَاحِدَة من الرَّأْس إِلَى الْجَبْهَة أَو من الْجَبْهَة إِلَى الْوَجْه فَفِي تعدده وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاخْتِلَاف اسْم الْمحل وَلَا تتعد بشمولها القذال والهامة إِذْ الْكل فِي حكم الرَّأْس أما تعدد الْفَاعِل بِأَن يُوسع إِنْسَان مُوضحَة غَيره فعلى كل وَاحِد أرش وَإِن كَانَت الْمُوَضّحَة وَاحِدَة فَإِن جَاءَ هُوَ ووسع مُوضحَة نَفسه لم يزدْ الْأَرْش على الصَّحِيح أما تعدد الحكم فبأن يكون بعض الْمُوَضّحَة عمدا وَبَعضهَا خطأ أَو بَعْضهَا حَقًا قصاصا وَالْبَاقِي عُدْوانًا فيتعدد الحكم اعْتِبَارا لاخْتِلَاف الحكم باخْتلَاف الْمحل فَإِن قُلْنَا بالاتحاد فَيَكْفِي أرش وَاحِد فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَفِي الزِّيَادَة على الإقتصاص لَا بُد من شَيْء لهَذِهِ الزِّيَادَة وَهُوَ أَن يوزع الْأَرْش على جملَة الْجراحَة وَيسْقط مَا يُقَابل الْحق وَيجب الْبَاقِي فَإِن اندراج الدِّيَة تَحت الْقصاص غير مُمكن أما المتلاحمة فواجبها حُكُومَة وَفِيه وَجه أَنه يقدر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوَضّحَة وَذَلِكَ بِتَقْدِير سمك اللَّحْم الْموضع الثَّانِي الْجِرَاحَات فِي سَائِر الْبدن وَفِي جَمِيعهَا الْحُكُومَة إِلَّا الْجَائِفَة فَفِيهَا ثلث الدِّيَة وَهِي كل واصلة إِلَى جَوف فِيهَا قُوَّة مَحَله كالبطن وداخل الصَّدْر وَإِن لم تخرق الأمعاء والدماغ وَإِن لم تخرق الخريطة وَكَذَا المثانة وداخل الشرج من جِهَة العجان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 فَأَما مَا يَنْتَهِي إِلَى دَاخل الإحليل والفم وَالْأنف والأجفان إِلَى بَيْضَة الْعين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَقَدَّر لحُصُول اسْم الْجوف وَالثَّانِي لَا لِأَن تَقْدِير الْجَائِفَة لخطرها وَهِي جَوف أودع فِيهِ القوى المحيلة وداخل عظم الْفَخْذ لَيْسَ بجوف وفَاقا وَإِن قُلْنَا لَا يتَقَدَّر فَلَو كَانَ على الْوَجْه وَنفذ فِي اللَّحْم فأرش متلاحمة وَزِيَادَة شَيْء لصورة النّفُوذ وَإِن نفذ فِي عظم الْوَجْه فأرش منقلة وَزِيَادَة فروع الأول لَو ضرب بَطْنه بمشقص فجائفتان وَلَو ضربه بسنان فَخرج من بَطْنه إِلَى ظَهره فَوَجْهَانِ الصَّحِيح أَنَّهُمَا جائفتان كالمشقص وَالثَّانِي لَا لِاتِّحَاد الْخَارِج وَالْفِعْل الثَّانِي لَو التحمت الْجَائِفَة لم يسْقط الْأَرْش كالموضحة بِخِلَاف عود السن فَإِن التحام الْمُوَضّحَة لَا بُد مِنْهُ وَكَذَا فِي كل جارحة لَا تسري وَفِيه وَجه قِيَاسا على السن وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمُوَضّحَة وَيحْتَمل فِيمَا إِذا غرز إبرة فانضم اللَّحْم والتحم أَن نقضي بالسقوط الثَّالِث لَو خاط الْجَائِفَة فجَاء جَان وَقطع الْخَيط فَعَلَيهِ تَعْزِير فَإِن كَانَ بعد الإلتحام فأجاف فِي ذَلِك الْموضع فَعَلَيهِ أرش كَامِل وَلَو لم يلتحم إِلَّا الظَّاهِر فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حُكُومَة فَلَو أدّى فتقه إِلَى انفتاق لحم تَامّ حَتَّى يجيفه فَعَلَيهِ أرش كَامِل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 فَإِن أقيل فَمَا معنى الْحُكُومَة قُلْنَا أَن يقدر الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا فتعرف قِيمَته دون الْجِنَايَة فَإِذا قيل عشرَة فَيقوم مَعَ الْجِنَايَة فَإِذا قيل تِسْعَة فَيُقَال التَّفَاوُت الْعشْر فَيُوجب بِمثل نسبته من الدِّيَة وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا تزيد حُكُومَة جراح على مِقْدَار الطّرف الْمَجْرُوح فَلَا تزاد حُكُومَة جِرَاحَة الْأصْبع على دِيَة الْأصْبع وَلَا تزاد حُكُومَة الْكَفّ والساعد وَعظم الْعَضُد على دِيَة الْأَصَابِع الْخمس وَهل تزاد حُكُومَة كف على دِيَة أصْبع وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان فَأَما الْيَد الشلاء فَيجوز أَن نزيد حكومتها على اصبع وَلَا تزاد على يَد صَحِيحَة فروع ثَلَاثَة فِي الْحُكُومَة الأول إِنَّمَا تقدر الْحُكُومَة بعد اندمال الْجراحَة فَلَو لم يُوجد تفَاوت بَان التحم الْجرْح وَلم يبْق شين فَفِيهِ وَجْهَان الْقيَاس أَن لَا يجب شَيْء إِلَّا تَعْزِير كَمَا فِي الضَّرْب والصفع وَالثَّانِي أَن الْجرْح خطير فتقدر الْجراحَة دامية وتقدر الْحُكُومَة فِي تِلْكَ الْحَالة حَتَّى يظْهر التَّفَاوُت فَإِن لم يكن مخوفا وَلم يظْهر التَّفَاوُت اضطررنا إِلَى إِلْحَاقه بِالضَّرْبِ الثَّانِي إِن قطع أصبعا زَائِدَة أَو سنا شاغية أَو أفسد المنبت من لحية الْمَرْأَة وزادت الْقيمَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجب شَيْء وَمِنْهُم من قَالَ تقدر اللِّحْيَة فِي عبد فِي أَوَان التزين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 باللحية ونأخذ تَفَاوتا ونوجبه بعد نُقْصَان شَيْء مِنْهُ لِأَن إِلْحَاق الْمَرْأَة بِالْعَبدِ ظلم والإنصاف أَن هَذَا التَّقْدِير فِي أَصله ظلم فَلَا يَنْبَغِي أَن يجب بِهِ إِلَّا تَعْزِير وَلَو قطع ذكر العَبْد أَو أنثييه فزادت قِيمَته فَالْقِيَاس أَلا يجب شَيْء وَفِيه وَجه أَنه يجب كَمَال الْقيمَة لِأَن جراح العَبْد على القَوْل الْمَنْصُوص من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته الثَّالِث إِذا جرح فَبَقيَ حوال الْجرْح شين فَإِن كَانَت الْجراحَة مقدرَة كالموضحة استتبع حُكُومَة الشين كَمَا تستتبع المتلاحمة حواليها وَإِن لم يكن مُقَدرا فَالْقِيَاس أَن لَا تستتبع بل تجب حُكُومَة الْجرْح والشين جَمِيعًا وَظَاهر النَّصْر أَنه يستتبع لِأَن الشين تبع للجراحة قَائِم بِهِ فَإِن كَانَ حُكُومَة الشين أَكثر لم يُمكن الإتباع فنعتبره فِي نَفسه فَإِن كَانَ مثلا احْتمل وَجْهَيْن على النَّص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 النَّوْع الثَّانِي من الْجِنَايَات الْقطع الْمُبين للأعضاء وَالنَّظَر فِي سِتَّة عشر عضوا الأول الأذنان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي الْبَعْض الْبَعْض بِالنِّسْبَةِ وَفِيه وَجه أَن فِي الْأُذُنَيْنِ الْحُكُومَة إِذْ لَا تَوْقِيف وَلَيْسَت فِي معنى الْيَدَيْنِ إِذْ لَيْسَ يظْهر فيهمَا مَنْفَعَة وَمن قدر قَالَ فيهمَا منفعتان إِحْدَاهمَا جمع الْأَصْوَات وَالثَّانيَِة دفع الْهَوَام من الدبيب إِلَى الصماخ وَلذَلِك كثرت التعريجات حَتَّى ينتبه عِنْد الدبيب فعلى هَذَا لَو استحشفت الْأذن بِجِنَايَة جَان وقطعها آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن على الْقَاطِع الدِّيَة لبَقَاء مَنْفَعَة جمع الْأَصْوَات وعَلى من أبطل الْحس الْحُكُومَة وَالثَّانِي أَن على مُبْطل الْحس الدِّيَة لِأَنَّهُ أظهر الْمَنَافِع وعَلى الْقَاطِع بعده حُكُومَة كَقطع الْيَد الشلاء وَأما أذن الْأَصَم فتكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن الْخلَل فِي مَحل السّمع لَا فِي صدفة الْأذن الْعُضْو الثَّانِي العينان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا فقئتا وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي عين الْأَعْوَر النّصْف وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الْكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 وَيجب كَمَال الدِّيَة فِي الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش لِأَن ضعف الْبَصَر كضعف قُوَّة الْيَد الْعُضْو الثَّالِث الأجفان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الْوَاحِد ربع الدِّيَة يَسْتَوِي الْأَعْلَى والأسفل فَإِن قطع الْبَعْض وتقلص الْبَاقِي لم تجب إِلَّا بِقدر الْمَقْطُوع وَتَقْدِيره بِالنِّسْبَةِ مَا أمكن وَلَا عدُول إِلَى الْحُكُومَة إِلَّا بِالضَّرُورَةِ وَأما الْأَهْدَاب فَلَو فسد منابتها فَفِيهَا وَفِي جَمِيع الشُّعُور حُكُومَة وكمل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الدِّيَة فِي خمس من الشُّعُور فرع لَو استأصل الاجفان اندرج حُكُومَة الْأَهْدَاب تَحْتَهُ على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تندرج لِأَن فِي الْأَهْدَاب مَنْفَعَة فَإِنَّهَا تشتبك فتمنع الْغُبَار وَلَا تمنع نُفُوذ الْبَصَر فَلَا تندرج تَحت غَيره الرَّابِع الْأنف فَإِن أوعب مارنه جدعا فَفِيهِ كَمَال الدِّيَة والمارن مَا لَان من الْأنف فَإِن قطع شَيْئا من رَأس المارن وَجب جُزْء بِالنِّسْبَةِ وَالْأنف ثَلَاث طَبَقَات فَفِي كل طبقَة إِذا أفرد ثلث الدِّيَة وَقيل يجب النّصْف من كل وَاحِد من المنخرين وَأما الحاجز بَين المنخرين فَهُوَ تَابع لَا يفرد بِثلث من الدِّيَة وَفِيه وَجه أَنه تنْسب الطَّبَقَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 إِلَى الْجُمْلَة وَتجب بِحِسَاب النِّسْبَة وَذَلِكَ أَيْضا يقرب من الثُّلُث وَفِي انف الأخشم كَمَال الدِّيَة كَمَا فِي أذن الْأَصَم الْخَامِس الشفتان فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نصف الدِّيَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله فِي الْعليا الثُّلُثَانِ ثمَّ حد الشّفة فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين وَفِي طوله إِلَى مَحل الإرتتاق على وَجه وَإِلَى الْموضع الَّذِي يستر عَمُود الْأَسْنَان على وَجه وَهُوَ أقل من الأول وَمَا ينبو عِنْد الإنطباق على وَجه وَهُوَ أقل الدَّرَجَات وَبِه يحد الشفران وَقيل إِنَّه إِذا قطع من الْأَعْلَى مَا لَا ينطبق على الْأَسْفَل فقد استوقى الْكل فَهُوَ الْحَد فَلَو قطع جُزْءا من الشّفة وَجب بِقدر نسبته إِلَى الْكل وَتَقْدِير الْكل بِأَن يقدر قَوس طَرفَيْهِ عِنْد الشدقين ومجذبه عِنْد الارتتاق أَو مَا دونه على أحد الْوُجُوه فَمَا يحويه مقعر هَذَا الْقوس هُوَ كل الشّفة فلينسب إِلَيْهِ السَّادِس اللِّسَان وَفِي لِسَان النَّاطِق كَمَال الدِّيَة وَفِي الْأَخْرَس حُكُومَة وَفِي الصَّبِي الَّذِي لم ينْطق كَمَال الدِّيَة إِن ظَهرت امارة الْقُدْرَة بِالتَّحْرِيكِ والبكاء وَيجب بِقطعِهِ الْقصاص وَإِن قطع كَمَا ولد وَلم تظهر أَمارَة فَحُكُومَة إِذْ لم تتيقن الْقُدْرَة اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَلَو قيل الأَصْل السَّلامَة لم يبعد السَّابِع الْأَسْنَان وَفِي كل سنّ مِمَّا هُنَالك خمس من الْإِبِل إِذا كَانَت تَامَّة أَصْلِيَّة مثغورة غير متقلقلة بالهرم احترزنا بالأصلية عَن السن الشاغية وفيهَا حُكُومَة وَلَو قلع سنه ورد إِلَيْهِ سنا من ذهب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 فتشبث بِهِ اللَّحْم وتهيأ للمضغ فَلَيْسَ فِي قلعه أرش وَفِيه حُكُومَة على أحد الْقَوْلَيْنِ لصلاحه للمضغ واحترزنا بالتامة عَن قلع الْبَعْض إِذْ يجب بِهِ بعض الْأَرْش بِحَسب النِّسْبَة وَهل يدْخل السنخ فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان يطردان فِي أَن الدِّيَة تكمل فِي الْحَشَفَة وحلمتي الثدي والمارن وَلَا يزِيد باستئصال الذّكر والثديين وقصبة الْأنف بل نسبتها إِلَيْهِ كنسبة الْكَفّ إِلَى الْأَصَابِع وَلَكِن إِذا قطع بعض الْحَشَفَة وَبَعض المارن فَهَل يدْخل الْبَاقِي فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان وَفِي هَذِه الْمسَائِل وَجه آخر أَنه إِذا استأصل تزيد نسبتها حُكُومَة فَإِذا قلع سنا فَفِي قدر الْبَاقِي البادي دِيَة وَفِي السنخ حُكُومَة وَهَذَا فِي قَصَبَة المارن أظهر مِنْهُ فِي السن فَإِن فرعنا على الإندراج وَهُوَ الصَّحِيح فَهَل ينْدَرج السنخ تَحت نصف السن فِيمَا إِذا قطع إِنْسَان بعض السن وَجَاء آخر وَقطع الْبَاقِي من السنخ فَفِيمَا يجب على الثَّانِي وَجْهَان احدهما النّصْف إدراجا للسنخ وَالثَّانِي النّصْف والحكومة لِأَن السنخ ينْدَرج تَحت كل وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْكَفّ هَل ينْدَرج تَحت بعض الْأَصَابِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 واحترزنا بالمثغورة عَن سنّ الصَّبِي فَإِنَّهَا فضلَة فَلَيْسَ فِي قلعهَا إِلَّا حُكُومَة عِنْد إبْقَاء شين كَمَا فِي حلق شعره فَإِن فسد المنبت وَجب الْقصاص أَو الْأَرْش وَلَو مَاتَ قبل ظُهُور فَسَاد المنبت فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان لتقابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة من جَانِبه وَالْأَصْل عدم عود السن من الْجَانِب الآخر وَأما المثغور إِذا عَاد سنه نَادرا فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا نعْمَة جَدِيدَة عَادَتْ فَهِيَ كالموضحة إِذا التحمت بنبات لحم جَدِيد وَالثَّانِي نعم لِأَن مُتَعَلق الْأَرْش هَا هُنَا فَسَاد المنبت مَعَ الْقلع وَقد بَان أَنه لم يفْسد وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه لَا يسْتَردّ وَاسْتشْهدَ بِأَن التَّوَقُّف غير وَاجِب فِي الْأَرْش كَمَا لَو قلع بعض أَسْنَانه فنبت وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْخلاف فِي اللِّسَان وَمِنْهُم من فرق لِأَن ذَلِك لحم جَدِيد نبت من الْغذَاء وَهَا هُنَا السن نبت من مَادَّة اصلية لم يصر مُسْتَوْفيا بِالْقَلْعِ فَإِنَّهَا إِن استوفيت فالغذاء لَا يَسْتَحِيل إِلَى الْعظم ابْتِدَاء وَإِن كَانَ يغذي الْعظم وَأما التَّوَقُّف فَمنهمْ من اوجب وَمِنْهُم من اعتذر بِالْبِنَاءِ على الْغَالِب واحترزنا بالتقلقل عَن الشَّيْخ الْهم إِذا أشرف سنه على السُّقُوط فَإِن كَانَ الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط فَلَا يُؤثر كضعف الْأَعْضَاء وَإِن غلب على الظَّن أَنه إِلَى السُّقُوط مائلة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 فَقَوْلَانِ أَحدهَا أَنه يجب كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا قتل مَرِيضا مشرفا على الْهَلَاك وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع اسقط أرش السن الضَّعِيف بِدَلِيل الصَّبِي فرع الْأَسْنَان من الْخلقَة المعتدلة اثْنَان وَثَلَاثُونَ فَلَو اقتلعها بِجِنَايَة وَاحِدَة فَفِي الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا مائَة وَسِتُّونَ من الْإِبِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَالثَّانِي أَنه لَا يزِيد على مائَة من الْإِبِل إِذا جمع الْكل لِأَنَّهُ جنس وَاحِد فيضاهي سَائِر أَجنَاس الْأَعْضَاء ثمَّ شَرط هَذَا القَوْل اتِّحَاد الْجَانِي وَالْجِنَايَة فَلَو اقتلع عشْرين واقتلع غَيره الْبَاقِي وَجب فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَكَذَلِكَ إِذا اقتلع هُوَ وَاحِد بعد أُخْرَى إِذا تخَلّل الِانْدِمَال وَإِن كَانَ على التَّعَاقُب فطريقان مِنْهُم من قَالَ هُوَ اتِّحَاد كالضرب الْوَاحِد الْمسْقط للْكُلّ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ تعدد الثَّامِن اللحيان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي احدهما النّصْف وَلَو كَانَ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان لم تندرج دِيَة الْأَسْنَان تَحت دِيَة اللحيين على الْأَظْهر وَالثَّانِي أَنه تندرج لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 مركب الْأَسْنَان وَكِلَاهُمَا لغَرَض وَاحِد كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع التَّاسِع اليدان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا قطعتا من الكوعين وَكَذَا إِن لقط الْأَصَابِع فَحُكُومَة الْكَفّ مندرجة قولا وَاحِدًا والساعد والعضد لَا ينْدَرج بل لَهما حُكُومَة وَفِي كل أصْبع عشر من الْإِبِل من غير تفاضل وَفِي كل أُنْمُلَة ثلث الْعشْر إِلَّا فِي الْإِبْهَام فَإِنَّهَا أنملتان فَفِي إِحْدَاهمَا نصف الْأَرْش وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثلث الْأَرْش وَجعل الْأُنْمُلَة الغائصة محسوبة من الْأصْبع وَلَو كَانَ على معصم كفان باطشان فَفِي الْأَصْلِيَّة نصف الدِّيَة وَفِي الزَّائِدَة حُكُومَة فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا منحرفة عَن الساعد أَو نَاقِصَة بأصبع أَو ضَعِيفَة الْبَطْش فَهِيَ الزَّائِدَة وَإِن كَانَت المنحرفة أقوى بطشا فَهِيَ الْأَصْلِيَّة وَالنَّظَر إِلَى الْبَطْش أولى وَالَّتِي عَلَيْهَا أصْبع زَائِدَة فَهَل يحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا زَائِدَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِدَة على الْكَمَال نُقْصَان وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا يبعد وُقُوع ذَلِك على الْأَصْلِيَّة كَمَا خرجت الْيَد الزَّائِدَة من الساعد الْأَصْلِيّ وَإِن تَسَاويا من كل وَجه فَمن قطعهمَا فَعَلَيهِ قصاص وحكومة أَو دِيَة يَد وحكومة وَإِن قطع إِحْدَاهَا فَلَا قصاص لاحْتِمَال أَنَّهَا زَائِدَة وَتجب نصف دِيَة الْيَد وَزِيَادَة حُكُومَة لِأَنَّهُ نصف فِي صُورَة الْكل هَذَا مَا قيل وَجعله نصفا مَعَ الإحتمال لكَونهَا زَائِدَة مُشكل فرع لَو قطع الْيَد الباطشة وأوجبنا دِيَة الْيَد فاشتدت الْيَد الْأُخْرَى بِهَذَا الْقطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 وبطشت بَطش الأصليات فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش المبذول ورده إِلَى قدر الْحُكُومَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْتَردّ فَإِن هَذِه صَارَت أَصْلِيَّة وَلَا يتَصَوَّر أصليتان على معصم وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه نعْمَة جَدِيدَة وَله الْتِفَات على عود السن الْعَاشِر الترقوة والضلع وَفِي كسر كل ضلع جمل وَكَذَا الترقوة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لعمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فيهمَا حُكُومَة وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بالحكومة قِيَاسا وَحمل مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ على حُكُومَة بلغت عشر الْعشْر وَهُوَ جمل وَمِنْهُم من قَالَ تَقْدِير الْحُكُومَة تخمين من القَاضِي فتخمين عمر رَضِي الله عَنهُ أولى على الْإِطْلَاق بالتقليد الْحَادِي عشر الحلمتان من الْمَرْأَة مَضْمُونَة بِكَمَال دِيَتهَا وَهُوَ مَا يلتقمه الصَّبِي وَهُوَ لَا يزِيد باستئصال الثدي وَقيل تزيد حُكُومَة وَفِي حلمتي الرجل قَولَانِ الْمَنْصُوص أَن فيهمَا حُكُومَة إِذْ لَيْسَ لَهما مَنْفَعَة درور اللَّبن وَفِيه قَول مخرج أَن فيهمَا الدِّيَة كحلمتي الْعَجُوز الثَّانِي عشر الذّكر والأنثيان وَفِيهِمَا ديتان وتكمل الدِّيَة فِي ذكر الْخصي والعنين وَلَا تكمل فِي ذكر الأشل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي ذكر الْخصي حُكُومَة وَإِذا قطعهمَا فَإِن ابْتَدَأَ بِالذكر فَعَلَيهِ عِنْده ديتان فَإِن ابْتَدَأَ بالأنثيين فَعَلَيهِ عِنْده حُكُومَة ودية لِأَن إخصاءه أَولا بِقطع الْأُنْثَيَيْنِ ثمَّ تكمل الدِّيَة بِقطع الْحَشَفَة الثَّالِث عشر الأليتان وَفِي قطع مَا أشرف مِنْهُمَا على الْبدن كَمَال الدِّيَة وَإِن لم يقرع الْعظم وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَلَا يخفى منفعتهما فِي الرّكُوب وَالْقعُود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 الرَّابِع عشر الشفران من الْمَرْأَة فيهمَا كَمَال الدِّيَة وهما حرفا الْفرج المنطبقان على المنفذ على نتوء فالقدر الْبَاقِي هُوَ كَمَال الشفر الْخَامِس عشر الرّجلَانِ وهما كاليدين وَرجل الْأَعْرَج كَرجل الصَّحِيح إِذْ الْخلَل فِي الحقو لَا فِي الرجل وَرجل من امْتنع مَشْيه بِكَسْر الفقار قَالَ الْقفال كَالصَّحِيحِ وَفِيه وَجه أَن تعطل الْمَشْي كزواله وَفِي الْتِقَاط أَصَابِع الرجل كَمَال الدِّيَة مَعَ أَن أعظم الْمَنَافِع وَهُوَ أصل الْمَشْي بَاقٍ السَّادِس عشر الْجلد وَلَو سلخ جَمِيع جلده فَفِيهِ دِيَة لِأَن الْجلد أعد لغَرَض وَاحِد فَهُوَ جنس وسلخ جَمِيعه قَاتل وَلَكِن قد يبْقى بعده حَيَاة مُسْتَقِرَّة فتظهر فَائِدَته إِذا حزت بعده رقبته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 النَّوْع الثَّالِث من الْجِنَايَات مَا يفوت اللطائف وَالْمَنَافِع وَالنَّظَر فِي اثْنَتَيْ عشرَة مَنْفَعَة الأولى الْعقل فَإِذا ضرب رَأسه فأزال عقله فَعَلَيهِ كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع يَدَيْهِ فأزال عقله فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد إِذْ لَيْسَ الْعقل فِي الْيَد وَلَو قطع أُذُنَيْهِ فأزال سَمعه فديتان لِأَن مَحل السّمع غير مَحل الْقطع فَهِيَ أولى وَلَا يُمكن أَن يُقَال نزل الْعقل منزلَة الرّوح فأدرج تَحت دِيَة الْيَد لِأَنَّهُ إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَزَالَ عقله فَعَلَيهِ ديتان قولا وَاحِدًا وَلَعَلَّ وَجهه أَن الْعقل لَا يُضَاف إِلَى مَحل من الْبدن فنسبته إِلَى الْكل على وتيرة فيندرج تَحت كل عُضْو تكمل فِيهِ الدِّيَة فرع لَو أنكر الْجَانِي زَوَال عقله وَنسبه إِلَى التجانن راقبناه فِي خلواته فَإِن لم تنضبط أَحْوَاله أَوجَبْنَا الدِّيَة وَلَا نحلفه لأَنا إِذا طلبنا مِنْهُ الْيَمين أجابنا عَن مَوضِع آخر متجاننا كَانَ أَو مَجْنُونا الثَّانِيَة السّمع وَفِيه كَمَال الدِّيَة وَفِي إِبْطَاله فِي أَحدهمَا نصف الدِّيَة وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب حُكُومَة لِأَن مَحل السّمع وَاحِد وَإِنَّمَا المشتبه منفذه وَهُوَ ضَعِيف إِذْ كَيْفَمَا كَانَ فضبط النِّسْبَة بالمنفذ أولى من ضَبطه بِغَيْرِهِ فَلَو كذبه الْجَانِي غافصناه بِصَوْت مُنكر فَإِن اضْطربَ بَان كذبه وَإِن ثَبت حلفناه إِذْ رُبمَا يتماسك تكلفا فَلَو قَالَ الْجَانِي حلفوني فَإِن الأَصْل بَقَاء السّمع قُلْنَا لَو فتح هَذَا الْبَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 لم يعجز من يستجيز الْجِنَايَة عَن الْحلف وجريان الْجِنَايَة سَبَب مظهر لجَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ فتصديقه أولى فرعان الأول لَو قَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ نقص سَمْعِي وَلم يزل وَجب أرش النُّقْصَان وَقدر بالمسافة وَطَرِيقه أَن يجلس بجنبه من هُوَ فِي مثل سنه وَصِحَّته وَيبعد عَنْهُمَا وَاحِد وَيرْفَع الصَّوْت فَلَا يزَال يقرب إِلَى أَن يَقُول السَّلِيم سَمِعت ثمَّ يديم ذَلِك الْحَد فِي الصَّوْت وَيقرب إِلَى أَن يَقُول الْمَجْنِي عَلَيْهِ سَمِعت فَإِن سمع على النّصْف من تِلْكَ الْمسَافَة فقد نقص نصف السّمع فَإِن قَالَ الْجَانِي سمع من قبل حلفنا الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو قَالَ لست أسمع من إِحْدَى أُذُنِي فامتحانه أَن تصم الْأذن الثَّانِيَة ويصاح بِهِ صَيْحَة مُنكرَة الثَّانِي لَو قَالَ أهل الصَّنْعَة لَطِيفَة السّمع بَاقِيَة لَكِن وَقع فِي المنفذ الارتتاق فَفِي كَمَال الدِّيَة وَجْهَان أَحدهمَا أَن تعطل الْمَنْفَعَة هَل هُوَ كزوالها وَيجْرِي فِيمَا إِذا ذهب سمع الصَّبِي فتعطل نطقه أَو ضرب صلبه فتعطل رجله فَفِي تعدد الدِّيَة فِي نَظَائِر ذَلِك خلاف الثَّالِثَة الْبَصَر وَفِي إِبْطَالهَا مَعَ بَقَاء الحدقة كَمَال الدِّيَة يَسْتَوِي فِيهِ الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش وَمن على حدقته بَيَاض لَا يمْنَع أصل الْبَصَر ثمَّ يمْتَحن عِنْد دَعْوَى الْعَمى بتقريب حَدِيدَة من حدقته مغافصة وَإِن ادّعى النُّقْصَان امتحن كَمَا فِي السّمع الرَّابِعَة الشم وَفِي إِبْطَاله كَمَال الدِّيَة ويجرب بالروائح المنتنة الحادة فَإِن ادّعى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 النُّقْصَان فامتحان ذَلِك عسير فيكتفي بِالْيَمِينِ وَقيل إِن الشم لَا تكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن التأذي بِهِ مَعَ كَثْرَة الأنتان أَكثر من التَّلَذُّذ بِهِ مَعَ قلَّة الطّيب وَهَذَا هوس إِذْ هُوَ طَلِيعَة كَسَائِر الْحَواس الْخَامِسَة النُّطْق وَفِي إِبْطَاله عَن اللِّسَان كَمَال الدِّيَة وَإِن بَقِي حاسة الذَّوْق والإعانة على المضع والحروف الشفهية والحلقية لِأَن الَّذِي بَطل جُزْء مَقْصُود بِرَأْسِهِ فَإِن ذهب بعض الْكَلَام فأقرب معيار فِيهِ الْحُرُوف وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مُتَسَاوِيَة فِي الِاعْتِبَار وَقَالَ الاصطخري لَا تدخل الشفوية والحلقية فِي التَّوْزِيع فرعان الأول لَو كَانَ لَا يحسن بعض الْحُرُوف فَهَل يُؤثر فِي نُقْصَان الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه يرجع إِلَى ضعف النُّطْق فَهُوَ كضعف الْبَطْش وَالثَّانِي نعم لِأَن الْبَطْش لَا يتَقَدَّر والحروف صَارَت مقدرَة للنطق بِنَوْع من التَّقْرِيب فَإِن قُلْنَا يحط فَلَو كَانَ يقدر على الْإِعْرَاب عَن جَمِيع مقاصده بِتِلْكَ الْحُرُوف لغزارة فَضله فَفِي الْحَط خلاف وَالظَّاهِر أَنه يحط أما إِذا كَانَ نُقْصَان الْحُرُوف بِجِنَايَة جَان فالحط أولى وَالْقَوْل الضَّابِط فِي الْفرق بَين النُّقْصَان بِجِنَايَة أَو آفَة أَن المفوت جرم أَو مَنْفَعَة فَكل جرم مُقَدّر فنقصان بعضه مُؤثر سَوَاء كَانَ بِجِنَايَة أَو آفَة كسقوط بعض السن وَبَعض الْأُنْمُلَة وانشقاق لحم الرَّأْس إِلَى حد المتلاحمة وَمَا لَا يتَقَدَّر كفلقة من الْأُنْمُلَة فسقوطها لَا ينقص كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو جِنَايَة أبقى شَيْئا أَو لم تبْق مهما لم ينقص الْبَطْش لِأَن الزِّينَة لَيست من خاصية هَذَا الْعُضْو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 وَأما نُقْصَان الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تتقدر إِن كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة لم ينقص وَإِن كَانَت بِجِنَايَة وَجَمِيع جرم الْعُضْو بَاقٍ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يعْتَبر كالآفة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْآفَات لَا تنضبط وَالْجِنَايَة تنضبط كَمَا فِي القروح والجراحات وَالثَّالِث أَن الآخر إِن قطع الْعُضْو لم يعْتَبر النُّقْصَان فِي حَقه وَإِن أبطل بَقِيَّة الْبَطْش حط عَنهُ مَا وَجب على الأول لِأَنَّهُمَا جنايتان متناسبتان من وَجه وَاحِد وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِي نُقْصَان الْحُرُوف لِأَنَّهَا كالمقدرة للنطق الْفَرْع الثَّانِي لَو قطع بعض لِسَانه فَأبْطل كل كَلَامه فَعَلَيهِ الدِّيَة وَلَو أبطل بعض كَلَامه وتساوت نِسْبَة الجرم والحروف بِأَن قطع نصف الجرم وَزَالَ نصف الْكَلَام فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَإِن تفاوتت النِّسْبَة فنأخذ بِأَكْثَرَ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَن كل وَاحِد من الْحُرُوف والجرم مُبين مِقْدَار الزائل من الْقُوَّة النطقية الَّتِي لَا يتَقَدَّر تحقيقها بِنَوْع من التَّقْرِيب فنأخذ أَكثر الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَإِن قطع نصف اللِّسَان فَزَالَ ربع الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النّظر إِلَى الجرم وَلَكِن إِذا قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْكَلَام فَكَأَنَّهُ أشل ربعا من الْبَاقِي فتظهر فَائِدَة العبارتين فِيمَن اقتلع الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَو قطع ربع لِسَانه وَذهب نصف كَلَامه فاستأصل غَيره بَاقِي اللِّسَان فَعَلَيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر عِنْد الْأَصْحَاب وَعند أبي إِسْحَاق عَلَيْهِ نصف الدِّيَة وحكومة ربع أشل وَلَو قطع ربع اللِّسَان فَأذْهب ربع الْكَلَام فأوجبنا النّصْف فجَاء الثَّانِي واستأصل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 وَجب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر وَعند الشَّيْخ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله نصف الدِّيَة نظرا إِلَى الجرم وَأما إِذا قطع فلقَة من لِسَانه وَلم يذهب شَيْئا من الْكَلَام فَلَا شَيْء لِأَن الْقُوَّة إِذا نقصت رَجعْنَا إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ورجحنا وَإِذا لم ينقص فَلَيْسَ إِلَّا حُكُومَة كلسان الْأَخْرَس الْمَنْفَعَة السَّادِسَة الصَّوْت وَفِي إِبْطَاله كل الدِّيَة وَإِن بَطل مَعَه حَرَكَة اللِّسَان فديتان وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَقْصُود الصَّوْت النُّطْق وَإِن قُلْنَا ديتان فَلَو كَانَ حَرَكَة اللِّسَان نَاقِصَة فقد تعطل النُّطْق وَلم يزل فَفِيهِ الْخلاف السَّابِق السَّابِعَة الذَّوْق وَفِيه كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ أحد الْحَواس الْخَمْسَة ويجرب عِنْد النزاع بالأشياء الْمرة المقرة الثَّامِنَة مَنْفَعَة المضغ وفيهَا كَمَال الدِّيَة وفواتها بِأَن يتصلب مغرس اللحيين فَلَا يَتَحَرَّك بانخفاض وارتفاع وَلَا يحيا صَاحبه إِلَّا بالحسوة والإيجار فرع لَو جنى على سنه فاسود وَلم يُمكن المضغ بِهِ وَجب كَمَال الْأَرْش فَإِن لم يكن إِلَّا مُجَرّد السوَاد فَفِيهِ حُكُومَة لِأَنَّهُ إِزَالَة جمال مَحْض التَّاسِعَة قُوَّة الإمناء والإحبال بِهِ فَإِذا أبطل بِجِنَايَة على صلبه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو جنى على ثدي امْرَأَة وأبطل مَنْفَعَة الْإِرْضَاع قَالَ القَاضِي رَحمَه الله فِيهِ حُكُومَة لِأَن مَنْفَعَة الْإِرْضَاع تطرأ وتزول بِخِلَاف قُوَّة مَنْفَعَة الْمَنِيّ فَإِنَّهَا ثَابِتَة قَالَ الإِمَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 وَيحْتَمل خِلَافه لانه مَقْصُود فِي نَفسه وَإِن كَانَ يطْرَأ الْعَاشِرَة مَنْفَعَة الْمَشْي والبطش وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع رجله فَفِي كَمَال الدِّيَة فِيهِ خلاف لِأَنَّهَا صَحِيحَة فِي نَفسهَا وَأَنَّهَا تعطل بِجِنَايَة على غَيرهَا وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه ومنيه فَفِي الإندراج خلاف من حَيْثُ إِن الصلب مَحل الْمَنِيّ ومبدأ الْحَرَكَة للمشي فاقتضي اتحادا بَينهمَا من وَجه الْحَادِيَة عشرَة إِذا بَطل شَهْوَة الْجِمَاع من غير شلل فِي الذّكر وَلَا انْقِطَاع فِي الْمَنِيّ لم يبعد تَكْمِيل الدِّيَة لانْقِطَاع إحساسه باللذة وَكَذَا إِذا بَطل شَهْوَة الطَّعَام إِن أمكن وَكَذَا لَو ضرب عُنُقه فارتتق منفذ الطَّعَام وَجب كَمَال الدِّيَة إِذْ تبقى حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَإِذا حز غَيره رقبته كملت الدِّيَة على الأول الثَّانِيَة عشرَة إِذا أفْضى ثَيِّبًا كَانَ أَو بكرا عَلَيْهِ دِيَتهَا وَمعنى هَذَا أَن يتحد مَسْلَك الْجِمَاع وَالْغَائِط أَو مَسْلَك الْجِمَاع وَالْبَوْل وَلَا ينْدَرج الْمهْر تحتهَا لاخْتِلَاف مأخذهما وَيجب على الزَّانِي وَالزَّوْج لِأَن الزَّوْج لَا يسْتَحق إِلَّا وطأ لَا يُوجب الْإِفْضَاء فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل إِلَّا بالإفضاء لضيق المنفذ أَو كبر الْآلَة لم يسْتَحق الْوَطْء وَنزل الضّيق من جَانبهَا منزلَة الرتق إِن خَالف الْعَادة وَالْكبر من جَانِبه ينزل منزلَة الْجب فِي إِثْبَات الْفَسْخ وَلَو انتزع بكرا على كره لزمَه مهر الْمثل وَأرش الْبكارَة وَقيل إِذا أَوجَبْنَا مهر مثل بكر فقد قضينا حق الْبكارَة والإفضاء بالخشبة والأصبع مُوجب للدية وَلَو أَزَال الزَّوْج بكارة زَوجته بالأصبع لم يجب أرش الْبكارَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ وَقيل يجب لعدوله عَن طَرِيق الإستحقاق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 هَذَا حكم الْأَطْرَاف إِذا أفردت أَو جمعت من غير سرَايَة فيتصور أَن يجب فِي شخص وَاحِد قريب من عشْرين دِيَة وَلَو مَاتَ بِالسّرَايَةِ عَاد إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَلَو حز الْجَانِي رقبته فالنص أَنه يتداخل وَخرج ابْن سُرَيج أَنه لَا يتداخل كَمَا لَو تعدد الْجَانِي فَإِن اخْتلف حكم الْجِنَايَة بِأَن قطع خطأ وحز عمدا أَو على الْعَكْس فَقَوْلَانِ منصوصان لِأَن تغاير الْوَصْف يضاهي تغاير الْجَانِي فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَإِن قطع يدا خطأ وَقتل عمدا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِنَّه تجب دِيَة وَاحِدَة نصفهَا على الْجَانِي مُغَلّظَة وَنِصْفهَا على الْعَاقِلَة مُخَفّفَة وَكَأَنَّهُ جعل الحز كجناية أُخْرَى تممت سرَايَة الأولى وَمن الْأَصْحَاب من خَالف النَّص وَقَالَ تجب دِيَة مُغَلّظَة إِذْ حز الرَّقَبَة يبطل أثر مَا سبق هَذَا حكم أَطْرَاف الْحر الذّكر أما الرَّقِيق فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن جراح العَبْد من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته اسْتِحْسَانًا لقَوْل سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن الْوَاجِب قدر النُّقْصَان كَمَا أَن الْوَاجِب فِي الْجُمْلَة قدر الْقيمَة وكما نَص على قَول فِي أَنه لَا تضرب على الْعَاقِلَة بدله وَلَا تجْرِي الْقسَامَة فِيهِ إِلْحَاقًا لَهُ بالبهائم فَإِن قطع بإلحاقه بِالْحرِّ فِي الْقصاص وَالْكَفَّارَة فَلَو قطع ذكره وأنثييه فزادت قِيمَته فَيجب على النَّص قيمتان وعَلى التَّخْرِيج لَا يجب شَيْء كَمَا فِي الْبَهِيمَة وَأما الْمَرْأَة فترعى نِسْبَة أطرافها إِلَى دِيَتهَا وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته أَي تساويها فَإِن جَاوَزت الثُّلُث رد إِلَى قِيَاس دِيَتهَا فَفِي ثلث أصابعها ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وَفِي أَربع لَو أَوجَبْنَا أَرْبَعِينَ لجاوزنا ثلث الدِّيَة فنرجع إِلَى نِسْبَة دِيَتهَا فنوجب عشْرين وَهُوَ بعيد مرجوع عَنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي بَيَان الْمُوجب من الْأَسْبَاب والمباشرات وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِي تَمْيِيز السَّبَب عَمَّا لَيْسَ بِسَبَب وكل مَا يحصل الْهَلَاك مَعَه فإمَّا أَن يحصل بِهِ فَيكون عِلّة كالتردية فِي الْبِئْر أَو يحصل عِنْده بعلة أُخْرَى وَلَكِن لولاه لم تُؤثر الْعلَّة كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَهُوَ سَبَب وَإِمَّا أَن يحصل مَعَه وفَاقا وَلَا تقف الْعلَّة على وجوده فَلَا عِبْرَة بِهِ كَمَا إِذا كلم غَيره اَوْ صفعه صفعة خَفِيفَة فَمَاتَ فَهَذَا لَا يَجْعَل سَببا بل هُوَ مُوَافقَة قدر والإحتمال يظْهر فِي ثَلَاث صور الأولى إِذا صَاح على صَغِير وَهُوَ على طرف سطح فارتعد وَسقط وَمَات وَجب الضَّمَان لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر وَفِي الْقصاص قَولَانِ مرتبان على مَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره ودعا إِلَيْهِ غَيره وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن الْإِفْضَاء إِلَى الْهَلَاك هَا هُنَا أغلب وَلَو تغفل بَالغا بِصَوْت مُنكر فَسقط من السَّطْح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحمل على مُوَافقَة الْقدر لِأَن الرعدة لَهَا أَسبَاب وَالْكَبِير لَا يسْقط بالصياح غَالِبا وَالثَّانِي يجب الضَّمَان لِأَن هَذَا مُمكن وَالسَّبَب ظَاهر فيحال عَلَيْهِ وَالثَّالِث إِن جَاءَهُ من وَرَائه وَجب وَإِن واجهه فَلَا وَالصَّحِيح أَنه إِن ظهر أَنه سقط بِهِ وَجب وَإِن شكّ فِيهِ احْتمل أَن يُقَال الأَصْل برءاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 الذِّمَّة وَاحْتمل أَن يُقَال الأَصْل حمله على السَّبَب الْمُقَارن بِهِ الثَّانِيَة لَو صَاح على صبي مَوْضُوع على الأَرْض فَمَاتَ أَو على بَالغ فَزَالَ عقله فَفِيهِ وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد فِي الإحالة عَلَيْهِ الثَّالِثَة التهديد والتخويف إِذا أفْضى إِلَى سُقُوط الْجَنِين وَجب الضَّمَان إِذْ وُقُوع ذَلِك غَالب وَقع لعمر رَضِي الله عَنهُ فَشَاور الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ عبد الرحمن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ إِنَّك مؤدب فَلَا شَيْء عَلَيْك وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن لم يجْتَهد فقد غشك وَإِن اجْتهد فقد أَخطَأ أرى عَلَيْك الدِّيَة الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْعلَّة وَالشّرط كالحفر والتردي وَمهما كَانَت الْعلَّة عُدْوانًا انْقَطَعت الْحِوَالَة عَن الشَّرْط فَالضَّمَان على المردي لَا على الْحَافِر وَإِن لم يكن عُدْوانًا بِأَن تخطى الْإِنْسَان فتردى جَاهِلا نظر إِلَى الْحفر فَإِن لم يكن عُدْوانًا أهْدر الضَّمَان وَإِن كَانَ عُدْوانًا أُحِيل الْهَلَاك عَلَيْهِ وَإِن تزلق رجله بقشر بطيخ أَو بِمَاء مرشوش فَهَذِهِ الْأَسْبَاب كحفر الْبِئْر فروع الأول إِذا وضع صَبيا فِي مسبعَة فافترسه سبع فَإِن قدر على الإنتقال فَلَا ضَمَان كَمَا لَو فصد بِغَيْر إِذْنه فَتَركه حَتَّى نزف الدَّم وَإِن كَانَ عَاجِزا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْحِوَالَة على السَّبع لِأَنَّهُ مُخْتَار وَلم يسْبق مِنْهُ إِلَّا وضع يَد وَالصَّبِيّ الْحر لَا يضمن بِالْيَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 وَالأَصَح أَنه يُحَال عَلَيْهِ لِأَن هَذَا يعد فِي الْعرف إهلاكا الثَّانِي إِذا اتبع إنْسَانا بِسَيْفِهِ فولى هَارِبا فَألْقى نَفسه فِي نَار أَو مَاء أَو بِئْر أَو مسبعَة وافترسه سبع فَلَا ضَمَان على المتبع لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي هَذِه الْأَفْعَال وغايته أَن يكون مكْرها وَلَو قَالَ اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَقتل نَفسه لم يضمن الْمُكْره إِذْ لَا معنى للخلاص عَن الإهلاك أصلا أما إِذا تردى فِي بِئْر جَاهِلا لكَونه أعمى أَو لظلام اللَّيْل أَو لكَون الْبِئْر مغطاة فَالضَّمَان على المتبع لِأَن هَذَا الإلجاء أقوى من مُجَرّد الْحفر وَلَو ألْقى نَفسه على سطح فانخسف بِهِ فيحال الضَّمَان عَلَيْهِ لاختياره إِلَّا إِذا كَانَ انخسافه لضَعْفه وَهُوَ لَا يدْرِي فَهُوَ كالبئر المغطاة الثَّالِث إِذا سلم صَبيا إِلَى سابح فغرق وَجب الضَّمَان على أستاذه لِأَنَّهُ لَا يغرق إِلَّا بتقصير بِأَن يهمله فِي غير مَحَله فَلَو قَالَ لَهُ ادخل المَاء فَدخل مُخْتَارًا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يضمن الْحر بِالْيَدِ وَالصَّبِيّ مُخْتَار وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب لِأَنَّهُ مُلْتَزم للْحِفْظ وَأما الْبَالِغ فَلَا يضمن فِي هَذِه الصُّورَة وَإِن خَاضَ مَعَه اعْتِمَادًا على يَده فَأَهْمَلَهُ احْتمل إِيجَاب الضَّمَان وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب لِأَنَّهُ مقصر فِي الإغترار بقوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 فَإِن قيل إِذا كَانَ حفر الْبِئْر سَببا عِنْد الْعدوان فبماذا يكون الْعدوان عُدْوانًا قُلْنَا نذْكر مَحل الْعدوان من الْبِئْر وَإِيقَاد النَّار وإشراع الْجنَاح وإلقاء قشر الْبِطِّيخ وقمامة السُّوق ورش المَاء حَتَّى يعرف بِهِ مَا عداهُ أما الْبِئْر فَلَا عُهْدَة فِيهِ على من حفره فِي ملكه أَو فِي موَات فَإِن كَانَ فِي ملك الْغَيْر فَهُوَ عدوان وَإِن كَانَ فِي الشوارع نظر فَإِن أضرّ بالطارقين فَهُوَ عدوان وَإِن لم يضر فَإِن فعله لمصْلحَة الطَّرِيق وبإذن الْوَالِي وَأحكم رَأسه فَلَا ضَمَان على الْحَافِر وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن الْوَالِي فَقَوْلَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الإستقلال للآحاد إِنَّمَا يُبَاح بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن فعل لمصْلحَة نَفسه فَلهُ ذَلِك وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَذَلِكَ إشراع القوابيل والأجنحة جَائِز إِذا لم يضر بالمجتازين وَلكنه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَهُوَ فِي عهدته دواما وَابْتِدَاء وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره فنسقط جِدَار دَار جَاره فَلَا ضَمَان لِأَن تصرفه فِي نفس الْملك لَو قيد بِشَرْط السَّلامَة لأورث حرجا على النَّاس فقيد بِالْعَادَةِ وَأسْقط عهدته وَأما الإرتفاق بالاجنحة فمستغنى عَنْهَا وَمهما حفر بِئْرا فِي أَرض جوارة وَلم يحكم أطرافها بالخشب أَو وسع رَأسهَا بِحَيْثُ خرج عَن الْعَادة فَهُوَ مطَالب بعهدته وَكَذَلِكَ لَو أوقد نَارا على السَّطْح فِي يَوْم ريح كَانَ فِي عُهْدَة الشرار وَإِن كَانَ على الْعَادة فعصفت ريح بَغْتَة فَلَا ضَمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 فرعان أَحدهمَا لَو حفر بِئْرا فِي ملكه ودعا إِلَيْهِ إنْسَانا فِي ظلمَة فَسقط فِيهِ فَإِن لم يكن عَنهُ معدل فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَإِن اتَّسع الطّرق فَقَوْلَانِ مرتبان منشؤهما تعَارض الْغرُور والمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِي تَقْدِيم طَعَام مَسْمُوم أَو أَطْعِمَة فِيهَا طَعَام مَسْمُوم الثَّانِي إِذا سقط ميزاب لإِنْسَان على رَأس إِنْسَان فَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ الْقدر البارز فَهُوَ كالجناح وَإِن سقط الْكل فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَجه الْإِسْقَاط كَونه من مرافق الْملك لَا كالجناح فَإِن قُلْنَا يجب فيقسط الضَّمَان على الْقدر البارز وَالْقدر الدَّاخِل فِي الْملك تنصيفا على أحد الْوَجْهَيْنِ وتقسيطا فِي الْوَجْه الثَّانِي على الْوَزْن بِخِلَاف مَا لَو ضربا بعمودين متفاوتين فِي الثّقل فَإِنَّهُمَا يتساويان فِي الدِّيَة لِأَن ذَلِك يخْتَلف بِقُوَّة الضَّارِب وَلَا يَنْضَبِط والجدار المائل إِلَى الشَّارِع كالقابول فَإِن مَال إِلَى ملكه وَسقط فَلَا ضَمَان وَإِن مَال إِلَى الشَّارِع وَسقط من غير إِمْكَان تدارك فَلَا ضَمَان فَإِن مَال أَولا وَأمكنهُ التَّدَارُك وَلم يفعل فَوَجْهَانِ لتعارض النّظر إِلَى أصل الْبناء وَمَا طَرَأَ من بعد فَأَما قشور الْبِطِّيخ وقمامات الْبيُوت فَفِي الْمَنْع من إلقائها على الشوارع عسر لِأَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 من مرافق الْملك وتشبه الْمِيزَاب فَفِي ضَمَان المتعثر بهَا ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين إِلْقَاء إِلَى وسط الطَّرِيق وَبَين الرَّد إِلَى الطّرف وَأما رش المَاء فَإِن كَانَ لتسكين الْغُبَار فَهُوَ لمصْلحَة عَامَّة فيضاهي حفر الْبِئْر لمصلحتهم فَإِن لم تكن مصلحَة فَهُوَ سَبَب ضَمَان فِي حق الْمَاشِي إِذا لم ير مَوضِع الرش فَإِن تخطاه قصدا فَلَا ضَمَان الطّرف الثَّالِث فِي تَرْجِيح سَبَب على سَبَب فَإِذا اجْتمع سببان مُخْتَلِفَانِ قدم الأول على الثَّانِي فَلَو حفر بِئْرا وَنصب آخر حجرا على طرف الْبِئْر أَو وضع قشرة بطيخ على طرفه فتعثر بِهِ إِنْسَان وَسقط فِي الْبِئْر فَالضَّمَان على صَاحب الْحجر لِأَن التردي نتيجته فَهِيَ الْعلَّة الأولى وَكَذَا لَو جرف السَّيْل حجرا وَتَركه على طرف الْبِئْر سقط الضَّمَان عَن الْحَافِر كَمَا لَو وَضعه آخر وَكَذَلِكَ لَو نصب سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فتعثر بِالْحجرِ وَوَقع على السكين وَكَذَا لَو حفر بِئْرا وَنصب آخر فِي قَعْر الْبِئْر سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فَالضَّمَان على الْحَافِر وَلَو حفر بِئْرا قريب العمق فعمقها غَيره وَهلك المتردي فِيهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الإحالة على الأول وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ لتناسب الجنايتين فروع الأول لَو وضع حجرا فِي الطَّرِيق فتعثر بِهِ من لَا يرَاهُ ضمن وَلَو قعد على الطَّرِيق فتعثر بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 غَيره وهلكا فالنص أَن ضَمَان الْقَاعِد مهدر وَضَمان الْمَاشِي على عَاقِلَة الْقَاعِد وَلَو تعثر ماش بواقف وَمَاتَا فالهلاك مُضَاف إِلَى الْمَاشِي بِالنَّصِّ وَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَن الإحالة على الْمَاشِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لانه المتحرك وَالثَّانِي على السَّاكِن لِأَن الطَّرِيق للمشي لَا للسكون وَمن قرر النَّص فرق بِأَن الْمَاشِي قد يفْتَقر إِلَى الْوُقُوف لَحْظَة فَأَما الْقعُود فَلَيْسَ من مرافق الطَّرِيق الثَّانِي إِذا تردى فِي بِئْر فِي مَحل عدوان فتردى وَرَاءه آخر فَسقط عَلَيْهِ وَمَاتَا فَالْأول مَاتَ بسببين الحفرة وَثقل الثَّانِي وَلَكِن يسْتَقرّ أَيْضا ضَمَانه على الْحَافِر لِأَن وُقُوع الثَّانِي كَانَ من الْحفر أَيْضا إِلَّا أَن لوَرَثَة الأول مُطَالبَة عَاقِلَة الثَّانِي بِنصْف الدِّيَة ثمَّ يرجع على عَاقِلَة الْحَافِر وَيحْتَمل أَن يُقَال الثَّانِي كالمكره فَلَا يتَعَلَّق بعاقلته شَيْء وَهَذَا يضاهي المتردد فِي أَن الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب ثمَّ يرجع أم لَا يُطَالب أصلا الثَّالِث لَو انزلق على طرف الْبِئْر فَتعلق بآخر وجذبه وَتعلق ذَلِك الآخر بثالث وجذبه وَوَقع بَعضهم على بعض فَالْأول مَاتَ بِثَلَاثَة أَسبَاب بصدمة الْبِئْر وَثقل الثَّانِي وَثقل الثَّالِث وَهُوَ منتسب من جُمْلَتهَا إِلَى وَاحِد وَهُوَ ثقل الثَّانِي بجذبه إِيَّاه فَهدر ثلث الدِّيَة وثلثها على الْحَافِر وثلثها على الثَّانِي لجذبه الثَّالِث وَأما الثَّانِي فَهَلَك بجذبه الأول وَثقل الثَّالِث فَنصف دِيَته على الأول لِأَنَّهُ جذبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 وَنصفه مهدر لِأَن الثَّالِث سقط بجذبه وَأما الثَّالِث فَكل دِيَته على الثَّانِي فَلَو زَاد رَابِع فيجتمع لهلاك الأول أَرْبَعَة أَسبَاب فالمهدر ربع الدِّيَة وَلَا يخفى طَرِيقه هَذَا مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَاخْتِيَار الْجُمْهُور وَفِيه وُجُوه أخر مزيفة ذَكرنَاهَا فِي الْبَسِيط الطّرف الرَّابِع فِي الْأَسْبَاب المتشابهة الَّتِي تثبت بهَا شركَة من غير تَرْجِيح وَلها صور الأولى إِذا اصطدم حران فِي الْمَشْي وَمَاتَا فَكل وَاحِد شريك فِي قتل نَفسه وَقتل صَاحبه فَفِي تَركه كل وَاحِد مِنْهُمَا كفارتان لِأَن الشَّرِيك فِي قتل نفسين يلْتَزم كفارتين لِأَنَّهَا لَا تتجزأ وَفِي تَرِكَة كل وَاحِد نصف دِيَة صَاحبه إِن كَانَ التصادم عمدا وَإِلَّا فعلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 الْعَاقِلَة فَإِن كَانَا راكبين فَفِي تَركه كل وَاحِد نصف قيمَة دَابَّة صَاحبه فَأَما حكم نفسيهما فَكَمَا سبق وَإِن غلبت الدَّابَّة راكبها فاصطدما قهرا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن هَلَاك النَّفس وَالدَّابَّة مهدر لحصوله بِفعل الدَّابَّة وَالثَّانِي أَنه مَنْسُوب إِلَى اختيارهما فِي الرّكُوب وهما مخطئان فَإِن كَانَا صبيين ركبا بأنفسهما فكالبالغين إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا عمد للصَّبِيّ فيخالف الْبَالِغ فِيهِ فَإِن أركبهما أَجْنَبِي وَاحِد مُتَعَدِّيا فَعَلَيهِ كفارتان وَقِيمَة الدابتين وعَلى عَاقِلَته دِيَة النفسين وَإِن أركبهما أجنبيان فَنصف الْهَلَاك فِي الْكل مُضَاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أركبه الْوَلِيّ عِنْد مَسِيس الْحَاجة من غير تَفْرِيط فَهُوَ كَمَا لَو ركب الصَّبِي بِنَفسِهِ وَلَا عُهْدَة على الْوَلِيّ وَإِن لم تكن حَاجَة وَلَكِن أركبه لغَرَض التفرج والزينة حَيْثُ يغلب الْأَمْن فَفِي إِحَالَة الضَّمَان على الْوَلِيّ ووجهان الْحِوَالَة أَن مثل ذَلِك يجوز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَلَو تعدى الْمركب وتعدى الصَّبِي فقد قيل الإحالة على الْمركب وَيحْتَمل الإحالة على الصَّبِي فَإِذا قُلْنَا لَهُ عمد إِذْ الْمُبَاشرَة أولى من السَّبَب لَكِن لما لم تكن مُبَاشَرَته عُدْوانًا لصباه أمكن أَن يَجْعَل كالمتردي مَعَ الْحفر فَإِن كَانَا عَبْدَيْنِ فهما مهدران وَإِن كَانَ أَحدهمَا عبدا فَنصف قيمَة العَبْد فِي تَرِكَة الْحر أَو على عَاقِلَته على قَول وَنصف دِيَة الْحر تتَعَلَّق بِتِلْكَ الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لَو بَقِي فَيتَعَلَّق بِقِيمَتِه وَإِن كَانَتَا حاملين فَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة أَربع كَفَّارَات بِنَاء على أَن قَاتل نَفسه تلْزمهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 الْكَفَّارَة وَأَن الشَّرِيك تلْزمهُ كَفَّارَة كَامِلَة وَأَن الْجَنِين فِيهِ كَفَّارَة وَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة نصف غرَّة جَنِينهَا وَنصف دِيَة صاحبتها وَنصف غرَّة جَنِين صاحبتها فَتجب غرتان كاملتان فِي التركتين ودية وَاحِدَة ويهدر النّصْف مِنْهُمَا لَا من الْجَنِين وَإِن كَانَتَا مستولدتين حاملتين وتساوت قيمتهمَا فقد تقاصا وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مائَة فَصَاحب الْمِائَتَيْنِ يسْتَحق مائَة وَصَاحب الْمِائَة يسْتَحق خمسين فَبَقيَ لصَاحب النفيسة خَمْسُونَ على صَاحب الخسيسة لِأَن جِنَايَة الْمُسْتَوْلدَة تجب على السَّيِّد لانه بالإستيلاد السَّابِق صَار مَانِعا بِخِلَاف الْقِنّ وَكَانَ يحْتَمل هَا هُنَا أَن لَا تلْزمهُ لانه إِنَّمَا يكون مَانِعا إِذا بَقِي الْمحل حَيا قَابلا للتفويت وَقد كَانَ مَوته مَعَ الْجِنَايَة لَا بعْدهَا وَإِن كَانَتَا حاملتين وَالْقيمَة بِحَالِهَا وَقِيمَة كل غرَّة أَرْبَعُونَ فَصَاحب النفيسة يسْتَحق مائَة وَعشْرين من جملَة مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَلَكِن قيمَة الخسيسة مائَة وَهِي أقل من الْأَرْش فَلَا يجب على السَّيِّد إِلَّا أقل الْأَمريْنِ فَالْوَاجِب على صَاحب الخسيسة مائَة وَيسْتَحق صَاحب الخسيسة سبعين خَمْسُونَ لمستولدته وَعشر للغرة فَيبقى عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا اصطدمت سفينتان بأجراء ملاحين فالسفينة كالدابة والملاح كالراكب وَغَلَبَة الرِّيَاح كغلبة الدَّابَّة حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ونزيد هَا هُنَا إِن كَانَ فِي كل سفينة عشرَة أنفس مثلا فهما شريكان فِي قتل الْعشْرين وَكَذَلِكَ فِي إِتْلَاف المَال الَّذِي فِي السَّفِينَة فَإِن هلك المَال وَتَنَازَعُوا فَقَالَ الملاح حصل بِغَلَبَة الرّيح وَقَالَ الْمَالِك بل بفعلكما فَالْقَوْل قَول الملاح إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 وَلَو ثقب الملاح السَّفِينَة وغرق أَهلهَا فقد يكون عمدا مَحْضا وَقد يكون شبه الْعمد وَقد يكون خطأ وَلَا يخفى حكمه فرع إِذا أشرفت السَّفِينَة على الْغَرق وَكَانَ النجَاة فِي إِلْقَاء الْأَمْتِعَة فَقَالَ من احْتَاجَ إِلَى النجَاة ألق متاعك وَأَنا ضَامِن فَيلْزمهُ الضَّمَان لمسيس الْحَاجة إِلَى الْفِدَاء كَمَا إِذا قَالَ طلق زَوجتك وَأَنا ضَامِن للمهر وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْحَاجة لغيره فَلهُ الإلتزام بِسَبَبِهِ بل عَلَيْهِ إِلْقَاء مَتَاعه لنَفسِهِ وَإِن كَانَت الْحَاجة عَامَّة للملتمس وَصَاحب الْمَتَاع فِيهِ وَجْهَان النَّص أَنه يجب ضَمَانه لِأَن الملتمس مُحْتَاج فحاجة الْمَالِك لَا تَمنعهُ من الْبَذْل وَالثَّانِي أَنه يسْقط بِحِصَّة الْمَالِك فَإِن كَانُوا عشرَة سقط الْعشْر اَوْ خَمْسَة فالخمس وَلَو قَالَ ألق متاعك وَلم يتَعَرَّض للضَّمَان فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا إِذا قَالَ اقْضِ ديني وَلم يشْتَرط الرُّجُوع وَلَو قَالَ أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون كل وَاحِد وَاحِد على الْكَمَال فَيلْزمهُ وركبان السَّفِينَة لَا يلْزمهُم إِذا أنكروه وَلَو قَالَ أَنا وهم ضامنون كل بِحِصَّتِهِ فحصته تلْزمهُ وَالْبَاقِي يرجع إِلَيْهِم فَإِن قَالُوا رَضِينَا بِمَا قَالَ لَزِمَهُم وَإِن كُنَّا لَا نقُول بوقف الْعُقُود لِأَن هَذَا مَبْنِيّ على الْمُصَالحَة والتساهل وَلَو أطلق قَوْله أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ قَالَ أردْت التقسيط فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه حَتَّى لَا يلْزمه إِلَّا نصِيبه وَإِن قَالَ أَنا ضَامِن وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ فسر بالتقسيط فاختيار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يقبل مَعَ يَمِينه وَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِإِضَافَتِهِ الضَّمَان إِلَى نَفسه أَولا ثمَّ ذكره الركْبَان بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا رَجَعَ حجر المنجنيق على الرُّمَاة وَكَانُوا عشرَة فهلكوا فيهدر من دم كل وَاحِد عشره وَيتَعَلَّق تِسْعَة أعشار بعاقلة البَاقِينَ إِذْ مَا من وَاحِد إِلَّا وَهُوَ قتل نَفسه بمشاركة تِسْعَة وَإِن أصَاب غير الرامين فَالدِّيَة على عاقلتهم إِلَّا إِذا قصد شخصا بِعَيْنِه وقدروا على الْإِصَابَة غَالِبا فَإِن قصدُوا جمعا وَعَلمُوا أَنهم يصيبون وَاحِدًا وَلَكِن لَا بِعَيْنِه فَهُوَ خطأ فِي حق ذَلِك الْوَاحِد وَلِهَذَا قُلْنَا الْمُكْره إِذا قَالَ اقْتُل زيدا اَوْ عمرا فَقتل زيدا فَلَا قصاص على الْمُكْره لِأَنَّهُ مَا قصد زيدا بِعَيْنِه وَيجب على الْمُكْره لِأَنَّهُ ذُو خيرة فِي تَعْيِينه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اقتلهما وَإِلَّا قتلتك فَإِن خيرته فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا تُؤثر الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا جرح الدَّافِع ثَلَاث جراحات أَولهَا عِنْد قَصده وَالثَّانيَِة بعد إعراضه وَالثَّالِثَة بعد عوده إِلَى الْقَصْد فالمتوسطة مَضْمُونَة والأخريان مهدران فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة وَلَو ضربه فِي الدّفع ضربتين وَبعد الْإِعْرَاض وَاحِدَة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة جمعا لما جرى فِي حَالَة الإهدار بِخِلَاف مَا إِذا توسطت حَالَة بَين حالتين وَلَو جرح مُرْتَدا وَأسلم فَعَاد الْجَارِح مَعَ ثَلَاثَة من الجناة فجرحوه قَالَ ابْن الْحداد الجناة أَرْبَعَة فعلى كل وَاحِد ربع الدِّيَة إِلَّا أَن الْجَانِي فِي الْحَالَتَيْنِ لزمَه الرّبع بجراحتين إِحْدَاهمَا مهدرة فَيَعُود نصِيبه إِلَى الثّمن وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَا بل توزع على الْجِرَاحَات لَا على الجارحين وَيُقَال الْجِرَاحَات خَمْسَة وَالْوَاحد مِنْهَا مهدر فَسقط الْخمس وَيبقى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 على كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة خمس الدِّيَة وَيدخل نُقْصَان الإهدار على الْكل وَلَو جنى أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد مِنْهُم وَاحِد مَعَ ثَلَاثَة آخَرين وجنوا فِي الْإِسْلَام فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد رَحمَه الله الجناة سَبْعَة فعلى كل من لم يجن فِي الْإِسْلَام سبع كَامِل وَمن جنى فِي الْحَالَتَيْنِ رَجَعَ سبعه إِلَى النّصْف وعَلى الْوَجْه الآخر يُقَال الْجِنَايَات ثَمَانِيَة أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة مهدرة فَيبقى أَرْبَعَة أَثمَان الدِّيَة على الْأَرْبَعَة الَّذين جنوا فِي الْإِسْلَام ولنقس على هَذَا مَا إِذا جنى خطأ ثمَّ عَاد مَعَ غَيره وجنيا مَعًا عمدا وَلَكِن يكون التَّوْزِيع هَاهُنَا النَّقْل إِلَى الْعَاقِلَة فِي الْبَعْض كَمَا كَانَ ثمَّ للإهدار فرعان الأول جنى عبد على حر فجَاء إِنْسَان وَقطع يَد العَبْد ثمَّ قطع العَبْد بعده يَد حر وماتوا فتؤخذ قيمَة العَبْد من الْجَانِي عَلَيْهِ وَيخْتَص الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ بِقدر أرش الْيَد وَالْبَاقِي يكون مُشْتَركا بَينه وَبَين الْمَجْنِي عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ حَيْثُ قطع يَده لم يكن للثَّانِي حق ونعني بِالْأَرْشِ قيمَة النُّقْصَان على الْأَصَح إِذْ لَو أردنَا نصف الدِّيَة فَلَو فَرضنَا بدله قطع الْيَدَيْنِ لم يبْق للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ثَانِيًا شَيْء الثَّانِي إِذا تقَاتل رجلَانِ بسيفهما فأصبحا قَتِيلين فَادّعى ولي كل وَاحِد أَن صَاحبه كَانَ دافعا لَا قَاصِدا تحَالفا فَإِن نكل وَاحِد حصل الْغَرَض وَإِن حلفا تساقطا وَحكم كل شَخْصَيْنِ التقيا فِي بادية واستشعر كل وَاحِد من صَاحبه الْقَصْد أَنه إِن غلب على ظَنّه قَصده حل لَهُ الْبِدَايَة بِالدفع وَإِلَّا فَلَا فَإِن قَتله وَمَات الدَّافِع وَأقر وليه بِأَنَّهُ كَانَ مخطئا فِي ظَنّه أخذت الدِّيَة من التَّرِكَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 فَإِن قيل الْقَاتِل بِالسحرِ لم يذكروه قُلْنَا لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِإِقْرَار السَّاحر فَإِن قَالَ سحرِي يقتل غَالِبا فَهُوَ عمد يجب بِهِ الْقصاص وَإِن قَالَ قصدت الْإِصْلَاح فَهُوَ شبه عمد وَإِن قَالَ قصدت غَيره فَأَصَبْت اسْمه فَهُوَ خطأ مَحْض وَلَا يَنْبَغِي أَن يتعجب من هَذَا فَإِن السحر حق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 الْقسم الثَّالِث فِي بَيَان من تجب عَلَيْهِ الدِّيَة وَهُوَ الْجَانِي إِن كَانَ عمدا والعاقلة إِن كَانَ خطأ أَو شبه عمد لما رُوِيَ أَن جاريتين اختصمتا فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فسطاط فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة وَالنَّظَر فِي الْعَاقِلَة يتَعَلَّق بأركان الأول فِي تعيينهم وَالدية تضرب على ثَلَاث جِهَات الْعُصُوبَة وَالْوَلَاء وَبَيت المَال أما المحالفة والموالاة فَلَا توجب تحمل الْعقل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وَهُوَ كل عصبَة وَاقع على طرف النّسَب فَلَا تضرب على أَب الْجَانِي وَابْنه كَمَا لَا تضرب على نَفسه وَقد ورد فِي الحَدِيث وَكَانَ الْعصبَة أَحَق بِهِ وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن ابْنهَا لَو كَانَ ابْن ابْن عَمها أَو مُعْتقه فَهَل تضرب عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 أَحدهمَا لَا لِأَن الْبُنُوَّة مَانِعَة وَالثَّانِي تضرب لِأَنَّهَا لَيست مَانِعَة وَلَا مُوجبَة كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح فتجعل كَالْعدمِ الثَّانِي أَن الْأَخ للْأَب وَالأُم هَل يقدم على الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح الثَّالِث أَن التَّرْتِيب يرْعَى وَلَا يرقى إِلَى الْأَعْمَام مَا لم يفصل عَن الْإِخْوَة ويرعى من لم يثبت لَهُ الْمِيرَاث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسوى بَينهم الْجِهَة الثَّانِيَة الْوَلَاء فَإِذا لم نصادف عصبَة ضربنا على مُعتق الْجَانِي فَإِن لم يكن فعصباته ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق أَب أَب الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق جد الْمُعْتق ثمَّ عصباته على هَذَا التَّرْتِيب كَمَا فِي الْمِيرَاث وَهل يدْخل ابْن الْمُعْتق وَأَبوهُ وَمن على عَمُود نسبه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا فِي النّسَب وَلما رُوِيَ أَن مولى صَفِيَّة بنت عبد المطلب رَضِي الله عَنْهَا جنى فَقضى عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَرْش الْجِنَايَة على عَليّ رَضِي الله عَنهُ ابْن عَمها وَقضى بِالْمِيرَاثِ لابنها الزبير رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يضْرب لِأَن الْمُعْتق عَاقِلَة فَيضْرب على ابْنه كَمَا يضْرب على ابْن الْأَخ بِخِلَاف الْجَانِي نَفسه فروع الأول الْمَرْأَة إِذا أعتقت فَلَا تضرب عَلَيْهَا بل يحمل عَنْهَا جِنَايَة عتقهَا من يحمل جنايتها من عصباتها كَمَا يُزَوّج عتيقها من يُزَوّجهَا الثَّانِي لَو أعتق جمَاعَة عبدا فهم كشخص وَاحِد لَا يلْزم جَمِيعهم أَكثر من حِصَّة وَاحِدَة وَهُوَ نصف دِينَار فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فحصة كل وَاحِد السُّدس فَلَو مَاتَ وَاحِد وَله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 إخْوَة فَلَا يجب على كل وَاحِد من إخْوَته أَكثر من السُّدس إِذْ غَايَته أَن يكون وَحده نازلا منزله مُوَرِثه لَو كَانَ حَيا الثَّالِث إِذا فضل من الْمُعْتق نصيب فَلَا يترقى إِلَى عصباته فِي حَيَاته لِأَن تحملهم بِالْوَلَاءِ وَلَيْسَ لَهُم وَلَاء فِي حَيَاة الْمُعْتق بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ وَله إخْوَة وأعمام ففضل من إخْوَته شَيْء فَيُطَالب الْأَعْمَام كَمَا فِي النّسَب لِأَن الْوَلَاء يُورث بِهِ فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب وَلَكِن يكون كَذَلِك بعد موت الْمُعْتق وَلَا يَخْلُو الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ عَن احْتِمَال الرَّابِع الْعَتِيق هَل يتَحَمَّل الْعقل عَن مُعْتقه وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْمِنَّة عَلَيْهِ أعظم فَهُوَ بالنصرة أَجْدَر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يَرث بِخِلَاف الْمُعْتق فَإِن قُلْنَا يتَحَمَّل فَلَو اجْتمع الْمولى الْأَعْلَى والأسفل فَلَعَلَّ تَقْدِيم الْأَعْلَى أولى الْخَامِس المستولد من عَتيق وعتيقة يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب تَرْجِيحا لجَانب الْأُبُوَّة فَلَو تولد من عتيقة ورقيق فَالْولَاء لموَالِي الْأُم لانسداد جِهَة الْأَب إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهِ بعد فَلَو أعتق الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي الْأَب وَسقط وَلَاء موَالِي الْأُم فَلَو جنى هَذَا الْوَلَد قبل جر الْوَلَاء فالعقل على موَالِي الْأُم أَعنِي إِذا مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجَرّ فَإِن مَاتَ بعده فَقدر أرش الْجِنَايَة على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة إِلَى وَقت الْجَرّ وَمَا حصل بعد الْجَرّ فعلى الْجَانِي فَإِنَّهُ كَيفَ تضرب على موَالِي الْأَب وَهُوَ نتيجة جِنَايَة قبل الْجَرّ وَكَيف تضرب على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة وَإِنَّمَا حصل بعد الْجَرّ وَكَيف تضرب على بَيت المَال وَفِي الْحَالَتَيْنِ قد وجد من هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 أولى مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ الضَّرْب على الْعَاقِلَة بِخِلَاف الْقيَاس فَتسقط بِالشُّبْهَةِ كَالْقصاصِ وَلَو قيل تضرب على بَيت المَال لم يكن بَعيدا فَلَو قطع الْيَدَيْنِ قبل الْجَرّ أَو قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ ثمَّ مَاتَ بعد الْجَرّ فعلى موَالِي الْأُم دِيَة كَامِلَة وَلَا يُبَالِي بقَوْلهمْ إِن هَذِه دِيَة نفس ذهبت بعد الْجَرّ لِأَن الْمَقْصُود أَن لَا نزيد عَلَيْهِم لما بعد الْجَرّ شَيْئا وَمِقْدَار الدِّيَة كَانَ لَازِما قبل الْجَرّ وَلم يرد بعده شَيْء الْجِهَة الثَّالِثَة بَيت مَال الْمُسلمين فَإِنَّهُ مصب الْمَوَارِيث فَإِذا لم نجد من عصبات النّسَب وَالْوَلَاء محلا أَو فضل مِنْهُم ضربنا على بَيت المَال إِلَّا إِذا كَانَ الْجَانِي ذِمِّيا فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء رَجعْنَا إِلَى الْجَانِي وضربنا عَلَيْهِ هَذَا حكم الْجِهَات أما الصِّفَات يشْتَرط فِيمَن تضرب عَلَيْهِ التَّكْلِيف والذكورة والموافقة فِي الدّين واليسار وَلَا تضرب على مَجْنُون وَصبي وَامْرَأَة وَإِن كَانَت مُعتقة لأَنهم لَيْسُوا أهل النُّصْرَة بِالسَّيْفِ وَفِي الزَّمن الْمُوسر وَجْهَان لِأَنَّهُ بِحكم عجز الْحَال يضاهي النِّسَاء ونعني بموافقة الدّين أَنه لَا يتَحَمَّل مُسلم عَن كَافِر وَلَا كَافِر عَن مُسلم وَهل يتَحَمَّل الْيَهُودِيّ عَن النَّصْرَانِي فعلى قَوْلَيْنِ منشؤهما أَن التَّوَارُث مَوْجُود والتناسل مَعْدُوم وتضرب جِنَايَة الذِّمِّيّ على عَاقِلَته الذميين دون أهل الْحَرْب فَإِنَّهُم كالمعدومين وتضرب على المعاهدين فَإِن زَادَت عهودهم على أجل الدِّيَة فَإِن بَقِي سنة أَخذنَا حِصَّة تِلْكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 السّنة فَإِن لم نجد أَوجَبْنَا على الْجَانِي دون بَيت المَال لِأَن بَيت المَال لَا يَرِثهُ وَيَرِث الْمُسلم نعم الذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فَمَاله من الْخمس وَأما الْيَسَار فَشرط وَلَا تضرب على فَقير وَإِن كَانَ معتملا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُكَلف المعتمل الْكسْب ثمَّ على الْغَنِيّ نصف دِينَار وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَهُوَ أول دَرَجَة الْمُوَاسَاة فِي الزَّكَاة وعَلى الْمُتَوَسّط نصف ذَلِك وَهُوَ ربع دِينَار ونعني بالغني من ملك عشْرين دِينَارا عِنْد آخر السّنة الَّتِي هِيَ أصل الدِّيَة وَليكن ذَلِك فَاضلا عَن مَسْكَنه وثيابه وكل مَا لَا يحْسب فِي الْغنى فِي الْكَفَّارَات الْمرتبَة والمتوسط من جَاوز حد الْفَقِير وَهُوَ الَّذِي ملك شَيْئا فَاضلا عَن حَاجته نَاقِصا عَن عشْرين دِينَار وَليكن ذَلِك أَكثر من ربع دِينَار حَتَّى لَا يردهُ أَخذه مِنْهُ إِلَى حد الْفقر وَإِنَّمَا يعْتَبر الْيَسَار آخر السّنة فَلَو طَرَأَ الْيَسَار بعْدهَا أَو كَانَ قبلهَا فَلَا الْتِفَات إِلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الضَّرْب على الْعَاقِلَة وَالنَّظَر فِي الْقدر وَالتَّرْتِيب وَالْأَجَل أما الْقدر فَلَا يُزَاد على النّصْف وَالرّبع فِي حق الْغَنِيّ والمتوسط وَلكنه حِصَّة سنة وَاحِدَة أَو حِصَّة للسنين الثَّلَاث فِيهِ وَجْهَان وكل مَا قل وَكثر مَضْرُوب على الْعَاقِلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله مَا دون أرش الْمُوَضّحَة لَا يعقل وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه لَا يحمل مَا دون ثلث الدِّيَة وَقَول أَنه لَا يحمل إِلَّا بدل النَّفس وهما مهجوران فَإِن كَانَ أرش الْجِنَايَة نصف دِينَار والعاقلة مائَة مثلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن القَاضِي يعين وَاحِدًا بِرَأْيهِ إِذْ توزيعه يُؤَدِّي إِلَى مُطَالبَة كل وَاحِد بِمَا لَا يتمول وَالثَّانِي أَنه يوزع عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم تَحْصِيل نصف دِينَار مُشْتَركا بَينهم وَإِن كثر الْوَاجِب وَقلت الْعَاقِلَة بدأنا بالإخوة فَإِن فضل مِنْهُم شَيْء بعد أَدَاء كل وَاحِد مِنْهُم النّصْف أَو الرّبع ترقينا إِلَى بني الْإِخْوَة ثمَّ إِلَى الْأَعْمَام على التَّرْتِيب فَإِن فضل عَن الْعَصَبَات طالبنا الْمُعْتق فَإِن فضل عَنهُ شَيْء لم يضْرب على عصباته فِي جِنَايَة إِذْ لَا وَلَاء لَهُم وَفِي مَوته يسْلك بعصباته مَسْلَك عصبات الْجَانِي فَإِن لم نجد من جِهَة الْوَلَاء والقرابة أَخذنَا الْبَقِيَّة آخر السّنة من بَيت المَال ونفعل كَذَلِك بِحِصَّة السّنة الثَّانِيَة وَلَا يبعد أَن يتَحَمَّل فِي السّنة الثَّانِيَة من لم يتَحَمَّل فِي السّنة الأولى لعذر صغر أَو فقر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 ثمَّ إِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء فَفِي الرُّجُوع إِلَى الْجَانِي وَجْهَان ينبنيان على أَن الْوُجُوب يلاقيه أم لَا وَقيل إِنَّه يَنْبَنِي على أَنه إِن ظهر يسَار لبيت المَال بعد الْمدَّة فَهَل يُؤْخَذ مِنْهُ وَهَذَا الْبناء أولى فَإنَّا لَو قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِبَيْت المَال وَلَا يرجع إِلَى الْجَانِي كَانَ ذَلِك تعطيلا وَقطع القَاضِي بِأَنَّهُ لَا يضْرب على الْجَانِي وَذكر فِي فطْرَة الزَّوْجَة الموسرة عِنْد إعسار الزَّوْج وَجْهَيْن وَالْفرق عسير وَالْوَجْه التَّسْوِيَة فِي الْوُجُوب عِنْد الْعَجز عَن التَّحَمُّل كَيفَ وَقد قطع الْأَصْحَاب بِالرُّجُوعِ إِلَى الْجَانِي فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا الذِّمِّيّ إِذا لم يكن لَهُ عَاقِلَة وَالثَّانيَِة إِذا أقرّ الْجَانِي بالْخَطَأ وَأنكر الْعَاقِلَة ولَايَته طُولِبَ الْجَانِي وَالْفرق عسير وَغَايَة الْمُمكن توقع يسَار بَيت المَال فِي حق الْمُسلم الَّذِي تثبت عَلَيْهِ الْجِنَايَة بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف مَا إِذا أنكر الْعَاقِلَة فَإِن إقرارهم بعيد وَالذِّمِّيّ لَا يتَوَقَّع لَهُ متحمل إِذْ لَا تتَعَلَّق جِنَايَته بِبَيْت المَال فرع لَو اعْترف الْعَاقِلَة بعد أَدَاء الْجَانِي فَإِن قُلْنَا الْوُجُوب يلاقيه رَجَعَ على الْعَاقِلَة وَإِن قُلْنَا لَا يلاقيه اسْتردَّ مَا أَدَّاهُ وطالب الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعَاقِلَة أما الْأَجَل فمائة من الْإِبِل إِذا وَجَبت فِي النَّفس مَضْرُوبَة فِي ثَلَاث سِنِين وفَاقا يُؤْخَذ فِي آخر كل سنة ثلثهَا فَمنهمْ من قَالَ علته أَنه بدل النَّفس حَتَّى زَاد عَلَيْهِ فِي عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل وَقُلْنَا تحمل اَوْ نقص فِي عبد خسيس أَو غرَّة جَنِين فَتضْرب أَيْضا فِي ثَلَاث سِنِين وَمِنْهُم من قَالَ علته الْقدر فقيمة العَبْد إِذا كَانَ مِائَتَيْنِ من الْإِبِل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 تضرب فِي ثَلَاث سِنِين ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ فِي سنة وَاحِدَة ودية الْمَرْأَة فِي سنتَيْن ودية الْمَجُوسِيّ وغرة الْجَنِين فِي سنة وَاحِدَة لِأَن السّنة لَا تتجزأ فروع الأول لَو قتل وَاحِد ثَلَاثَة وَاجْتمعَ على عَاقِلَته ثَلَاثمِائَة من الْإِبِل فَمنهمْ من قَالَ إِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَتضْرب هُنَا فِي تسع سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَوَجْهَانِ إِذْ لَا يبعد أَن تزيد النُّفُوس المتعددة على نفس وَاحِدَة وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَفِي ثَلَاث سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَوَجْهَانِ وَوجه الإقتصار أَن كل دِيَة متميزة عَن غَيرهَا وآجال الدُّيُون الْمُخْتَلفَة تتساوى وَلَا تتعاقب فَإِن ضربنا فِي تسع سِنِين فَإِذا تمت السّنة الأولى أَخذ ثلث دِيَة وَاحِدَة ووزع على أَوْلِيَاء الْقَتْلَى وَكَذَا آخر كل سنة فَإِن اخْتلف ابْتِدَاء التواريخ فَإِذا تمّ حول الأول أَخذ ثلث الدِّيَة وَسلم إِلَى ولي الْقَتِيل الأول فَإِذا ثمَّ حول الثَّانِي ثمَّ حول الثَّالِث فَكَذَلِك يفعل فَيتم ثلث دِيَة وَاحِدَة فِي ثَلَاثَة أَوْقَات وَهَكَذَا نَفْعل فِي تسع سِنِين الثَّانِي ثَلَاثَة قتلوا وَاحِدًا فَالصَّحِيح أَن الدِّيَة تضرب على العواقل على كل عَاقِلَة ثلثهَا ويؤدى ذَلِك الثُّلُث فِي ثَلَاث سِنِين وَكَأَنَّهُم عَاقِلَة وَاحِدَة لِأَن الْمُسْتَحق وَاحِد وَقيل تضرب فِي سنة نظرا إِلَى الْمُسْتَحق عَلَيْهِ الثَّالِث دِيَة إِحْدَى يَدي الْمُسلم تضرب فِي سنتَيْن إِذْ لم يكمل الْقدر وَلَا هُوَ بدل النَّفس ودية الْيَدَيْنِ كدية النَّفس من كل إِنْسَان ودية يَدي الْمَرْأَة كنفسها وَلَو قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَوَجْهَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 أَحدهمَا أَنه تضرب فِي سِتّ سِنِين وَهُوَ نظر إِلَى الْقدر وَمن نظر إِلَى النَّفس شبه هَذَا بنفسين وَقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن وَفِي الْأَطْرَاف وَجه أَن بدلهَا كَيْفَمَا كَانَ تضرب فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد الرَّابِع من مَاتَ فِي أثْنَاء السّنة أَو أعْسر فِي آخر السّنة فَكَأَنَّهُ لم يكن وَلَا يلْزمه شَيْء من حِصَّة تِلْكَ السّنة تَشْبِيها لَهُ بِتَلف نِصَاب الزَّكَاة فِي أثْنَاء الْحول وَالذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول فَفِي حِصَّته من الْجِزْيَة وَجْهَان لِأَن فِيهِ مشابه الْأُجْرَة الْخَامِس غيبَة بعض الْعَصَبَات فِي آخر الْحول هَل يكون كعدمهم فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ يعسر تَحْصِيلهَا مِنْهُم فَتضْرب على البَاقِينَ وعَلى هَذَا تعْتَبر غيبَة لَا يُمكن تَحْصِيل المَال بالمكاتبة إِلَى القَاضِي فِي مُدَّة سنة وَالثَّانِي أَنه تضرب عَلَيْهِ وَتحصل على حسب الْإِمْكَان وَهُوَ الْقيَاس السَّادِس أول الْحول يحْسب من وَقت الرّفْع إِلَى القَاضِي سَوَاء شعر بِهِ الْعَاقِلَة أَو لم تشعر وَلم يحْسب من وَقت الْجِنَايَة لِأَن هَذِه مُدَّة تناط بالإجتهاد وَلَو رفعت جِنَايَة إِلَى القَاضِي ثمَّ تولد سرَايَة بعد الرّفْع فأرش السَّرَايَة وَلَا يحْسب من وَقت الْجِنَايَة بل من وَقت السَّرَايَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 السَّابِع إِذا جنى العَبْد فأرشه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بسيده وَلَا بعاقلته وَهل يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ حَتَّى يُطَالب بعد الْعتْق فِيهِ قَولَانِ والأقيس أَن يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ هَل يَصح ضَمَانه فِيهِ وَجْهَان منشؤهما ضعف هَذَا التَّعَلُّق وَالأَصَح صِحَّته كَمَا فِي الْمُعسر وَمعنى التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ أَن يُبَاع وَيصرف ثمنه إِلَى الْجِنَايَة فَلَو منع السَّيِّد وَاخْتَارَ الْفِدَاء فَلهُ ذَلِك وَفِي الْوَاجِب عَلَيْهِ قَولَانِ أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قيمَة العَبْد لِأَنَّهُ لم يمْنَع إِلَّا من العَبْد وَالثَّانِي يلْزمه كَمَال الْأَرْش لِأَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ رُبمَا يَقُول رُبمَا أجد زبونا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ فعلى هَذَا لَو قَتله السَّيِّد أَو أعْتقهُ اقْتصر مِنْهُ على الْقيمَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو قَتله الْأَجْنَبِيّ إِذْ فَاتَ الطمع فِي الزبون وَقيل يلْزمه كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا أمْسكهُ وَإِن جنت الْمُسْتَوْلدَة فالسيد يمانع بالاستيلاد السَّابِق فَعَلَيهِ أقل الْأَمريْنِ إِذْ لَا طمع فِي زبون يَشْتَرِي وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو جنت الْمُسْتَوْلدَة مرَارًا وَلم يَتَخَلَّل الْفِدَاء فَهِيَ كجناية وَاحِدَة فتجمع وَيلْزم السَّيِّد أقل الْأَمريْنِ وَإِن تخَلّل الْفِدَاء فَهَذَا فِي الْقِنّ يَقْتَضِي فدَاء جَدِيدا لِأَنَّهُ مَانع بِمَنْع جَدِيد وَفِي الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ لِأَن الْمَنْع مُتحد فَإِن قُلْنَا لَا يتَكَرَّر الْفِدَاء فيسترد مَا سلم إِلَى الأول ويوزع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 عَلَيْهِمَا وَلَا يستبعد هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ إِنْسَان فصرفت تركته إِلَى ضَمَانه فتردى فِيهِ إِنْسَان آخر فَإِنَّهُ يسْتَردّ ويوزع فرع لَو قَالَ السَّيِّد اخْتَرْت فدَاء العَبْد فَهَل يلْزمه أم يبْقى على حُرِّيَّته فِيهِ وَجْهَان وَلَو وطىء الْجَارِيَة الجانية هَل يكون اخْتِيَار للْفِدَاء كَالْوَطْءِ فِي زمَان الْخِيَار فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه يبْقى على خيرته مَا لم يرد الْفِدَاء وَأَن الوطأ لَا يكون اخْتِيَارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي دِيَة الْجَنِين وَقد قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرة عبد أَو أمة على الْعَاقِلَة فَقَالُوا كَيفَ نفدي من لَا شرب وَلَا أكل وَلَا صَاح وَلَا اسْتهلّ وَمثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أسجعا كسجع الْجَاهِلِيَّة وَقضى بالغرة وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب الطّرف الأول فِي مُوجب الْغرَّة وَهِي جِنَايَة توجب انْفِصَال الْجَنِين مَيتا فَإِن انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ من أثر الْجِنَايَة وَجب دِيَة كَامِلَة سَوَاء كَانَت الْحَيَاة مُسْتَقِرَّة أَو كَانَ حَرَكَة الْمَذْبُوح سَوَاء كَانَ قبل سِتَّة أشهر وَلَا تدوم تِلْكَ الْحَيَاة أَو بعده لِأَن الْحَيَاة صَارَت مستيقنة بل نزيد فَنَقُول من حز رَقَبَة مثل هَذَا الْجَنِين وَهُوَ فِي حَرَكَة المذبوحين أَو أجهض لدوّنَ سِتَّة أشهر فَعَلَيهِ الْقصاص إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك من أثر جِنَايَة سَابِقَة وَهُوَ كفرقنا بَين الْمَرِيض المشرف على الْهَلَاك وَبَين قتل من أشرف على الْهَلَاك بِجِنَايَة وَمهما صَار إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِجِنَايَة فحز غير الْجَانِي رقبته فَالدِّيَة على الْجَانِي وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا تتمّ الدِّيَة فِي جَنِين انْفَصل قبل سِتَّة أشهر وَلَا يجب فِيهِ الْقصاص لِأَنَّهُ منع للحياة لَا قطع لَهَا فَإِن هَذِه الْحَيَاة لَا يتَوَهَّم استقرارها وَلَو مَاتَت الْأُم وَلم ينْفَصل الْجَنِين فَلَا غرَّة إِذْ لَا تتيقن حَيَاة الْجَنِين وَلَا وجوده وَلَو انْفَصل مَيتا وَهِي حَيَّة أَو ميتَة وَجب الْغرَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُحَال مَوته على موت الْأُم وَعِنْدنَا يُحَال كِلَاهُمَا على الْجِنَايَة ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْمُعْتَبر انكشاف الْجَنِين أَو انْفِصَاله حَتَّى لَو خرج رَأسه وَمَاتَتْ الْأُم كَذَلِك فَفِي وجوب الْغرَّة وَجْهَان أَحدهمَا تجب إِذْ تحقق وجوده بالإنكشاف وَالثَّانِي لَا إِذْ لم ينْفَصل وَكَذَا لَو قدت الْمَرْأَة بنصفين وشاهدنا الْجَنِين فِي بَطنهَا فَهُوَ على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وعَلى هَذَا لَو خرج رَأسه وَصَاح فحزت رقبته فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان بِنَاء على أَن هَذَا الإنفصال هَل يعْتد بِهِ وَلَو أَلْقَت يدا وَاحِدَة وَمَاتَتْ وَلم تلق شَيْئا آخر وَجَبت الْغرَّة إِذْ تَيَقنا وجود الْجَنِين بانفصال الْعُضْو وَلَو أَلْقَت رَأْسَيْنِ أَو أَرْبَعَة أيد لم نزد على غرَّة وَاحِدَة لاحْتِمَال أَن يكون الْجَنِين وَاحِدًا وَلَو أَلْقَت بدنين فغرتان وَقد أخبر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِامْرَأَة لَهَا رأسان فنكحها بِمِائَة دِينَار وَنظر إِلَيْهَا وَطَلقهَا وَلَو أَلْقَت يدا ثمَّ أَلْقَت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 جَنِينا مَيتا سليم الْيَدَيْنِ لم نزد على غرَّة لاحْتِمَال انها كَانَت زَائِدَة فَسَقَطت وانمحى أَثَرهَا وَلَو انْفَصل جَنِين حَيا سَاقِط الْيَدَيْنِ وَجَبت دِيَة تَامَّة وَإِن كَانَ صَحِيح الْيَدَيْنِ وَأَلْقَتْ مَعَه يدا وَجَبت حُكُومَة لتِلْك الْيَد فَإِن قيل فَلَو تنَازع الْمَرْأَة والجاني قُلْنَا إِن تنَازعا فِي أصل الْجِنَايَة أَو الإجهاض فَالْقَوْل قَوْله وَلَا يثبت الإجهاض إِلَّا بِشَهَادَة القوابل وَإِن اعْترف بهَا وَلَكِن قَالَ لم يكن الإجهاض بِالْجِنَايَةِ فَإِن كَانَت متألمة ذَات فرش إِلَى الإجهاض فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَّا فَهُوَ نزاع فِي سرَايَة الْجراحَة وَلَو سلم جَمِيع ذَلِك وَلَكِن قَالَت الْمَرْأَة انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ فَعَلَيْك كَمَال الدِّيَة وَقَالَ الْجَانِي بل انْفَصل مَيتا فعلي غرَّة فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات الْحَيَاة وَتثبت بِشَهَادَة النسْوَة وَإِن لم تدم الْحَيَاة لِأَن شَهَادَة الرِّجَال لَا تمكن وَلَو سلم الإنفصال حَيا بِالْجِنَايَةِ وَلَكِن قَالَ مَاتَ بِسَبَب آخر أَو مَاتَ بالطلق فَإِن لم يكن على الْجَنِين أثر الْحَيَاة القو قَوْله إِذْ الطلق سَبَب ظَاهر وَإِن كَانَ عَلَيْهِ أثر الْحَيَاة فَالْقَوْل قَوْلهَا الطّرف الثَّانِي فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْجَنِين ونعني بِهِ مَا بَدَأَ فِيهِ التخطيط والتخليق وَلَو فِي طرف من الْأَطْرَاف على وَجه تُدْرِكهُ القوابل وَإِن لم يُدْرِكهُ غَيْرهنَّ فَإِن أسقط قبل التخطيط مُضْغَة أَو علقَة لم يلْزمه بِهِ شَيْء على الْأَصَح هَذَا فِي أصل الْجَنِين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 أما صفته فَإِن كَانَ حرا مُسلما فَفِيهِ غرَّة إِذْ فِيهِ ورد الْخَبَر وَإِن كَانَ كَافِرًا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب شَيْء إِذْ فِي إِيجَابه تَسْوِيَة بَينه وَبَين الْمُسلم والتجزئة غير مُمكن لِأَن قيمَة الْغرَّة غير مقدرَة وَالثَّانِي أَنه يجب ثلث الْغرَّة وَفِي الْجَنِين الْمَجُوسِيّ ثلث خمس الْغرَّة وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ ولتكن قيمَة الْغرَّة مَا تَسَاوِي خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار وَالثَّالِث أَنه تجب الْغرَّة وَلَا نبالي بالتسوية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 فرعان على قَوْلنَا بالتفاوت أَحدهمَا الْمُتَوَلد من نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنا نَأْخُذ بأخف الديتين وَالْآخر أَنا نَأْخُذ بالأغلظ وَالثَّالِث أَنا نعتبر جَانب الْأَب الْفَرْع الثَّانِي أَن المرعي حَالَة الإنفصال فِي الْمِقْدَار فَلَو جنى على ذِمِّيَّة فَأسْلمت وأجهضت فَالْوَاجِب غرَّة كَامِلَة وَكَذَلِكَ فِي طرآن الْعتْق وَلَو جنى على بطن حربية فَأسْلمت وأجهضت فَفِي أصل ضَمَان الْجَنِين وَجْهَان يضاهي الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا رمى إِلَى حَرْبِيّ فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَكَأن وُصُول الْجِنَايَة إِلَى الْجَنِين بالانفصال أما الْجَنِين الرَّقِيق فَلَا يكون إِلَّا فِي بطن الرقيقة وَفِيه إِذا سقط مَيتا بِالْجِنَايَةِ عشر قيمَة الْأُم فَإِن بدل الْغرَّة خمس من الْإِبِل وَهِي عشر الْخمسين الَّتِي هِيَ دِيَة الْأُم وجراح الرَّقِيق من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته وَهَذَا قد يُفْضِي إِلَى تَفْضِيل الْمَيِّت على الْحَيّ إِذْ لَو أسقط حَيا ثمَّ مَاتَ رُبمَا لم يلْزم إِلَّا دِينَار وَهُوَ قِيمَته وَإِذا سقط مَيتا فعشر قيمَة الْأُم وَرُبمَا كَانَ مائَة لَكِن سلك فِي هَذَا الِاعْتِبَار بِهِ مَسْلَك الْأَعْضَاء فَلَا يُقَاس بِحَال الإستقلال وَمَعَ هَذَا فَالْوَاجِب مثل عشر قيمَة الْأُم لَا عشر قيمَة الْأُم وَلذَلِك يصرف إِلَى وَرَثَة الْجَنِين وَلَا تخْتَص الْأُم باستحقاقها ثمَّ إِنَّمَا يرْعَى قيمَة الْأُم عِنْد الْجِنَايَة لِأَنَّهُ أغْلظ الْأَحْوَال كَمَا إِذا جنى على عبد فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ إِذْ يلْزم أقْصَى الْقيم من وَقت الْجِنَايَة إِلَى الْمَوْت وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يعْتَبر وَقت الإنفصال كَمَا فِي حُرِّيَّته وإسلامه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 فرع ان الأول إِذا انْفَصل جَنِين الرَّقِيق سليما وَالأُم مَقْطُوعَة الْأَطْرَاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انا نوجب عشر قيمَة الْأُم سليمَة الْأَطْرَاف ونكسوها صفة السَّلامَة تَقْديرا كَمَا نكسوها الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام إِذا كَانَ الْجَنِين حرا مُسلما وَالثَّانِي أَن السَّلامَة لَا تقدر لِأَنَّهُ أَمر خلقي وَلِأَن سَلامَة أَطْرَاف الْجَنِين لَا يوثق بهَا بِخِلَاف الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَلَو كَانَ الْجَنِين نَاقص الْأَطْرَاف فتقدير نُقْصَان الْأُم أبعد إِذْ رُبمَا نقص الْجَنِين بِالْجِنَايَةِ الثَّانِي خلف رجل زوجه حَامِلا وأخا لأَب وعبدا قِيمَته عشرُون دِينَارا فجنى العَبْد على بَطنهَا فأجهضت وَتعلق بِرَقَبَتِهِ غرَّة قيمتهَا سِتُّونَ دِينَار فالمرأة تسْتَحقّ من الْغرَّة ثلثا وَهُوَ عشرُون فقد ضَاعَ مِنْهُ الرّبع إِذْ ربع الْجَانِي ملكهَا وَلَا يسْتَحق الْمَالِك على ملك نَفسه شَيْئا وَثَلَاثَة أَربَاع حَقّهَا وَهُوَ خَمْسَة عشر تتَعَلَّق بِنَصِيب الْأَخ ونصيبه يساوى خَمْسَة عشر فَإِن لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد وَأما الْأَخ اسْتحق ثُلثي الْغرَّة وَهِي أَرْبَعُونَ وَضاع ثَلَاثَة أَرْبَاعه لِأَن ثَلَاثَة أَربَاع الْجَانِي ملكه فَيبقى سدس الْغرَّة مُتَعَلقَة بِنَصِيب الْمَرْأَة ونصيبها ربع العَبْد وَهُوَ خَمْسَة فَإِذا سلم العَبْد ضَاعَ الْخَمْسَة الفاضلة وعَلى هَذَا تقاس جِنَايَة العَبْد الْمُشْتَرك على المَال الْمُشْتَرك بَين سيديه إِذا كَانَ بَين الحصتين تفَاوت إِمَّا فِي العَبْد وَالْمَال أَو فِي أَحدهمَا الطّرف الثَّالِث فِي صفة الْغرَّة ويرعى فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 الأول السَّلامَة من كل عيب يثبت الرَّد فِي البيع وَلَا تراعي خِصَال الضَّحَايَا وَالْكَفَّارَة لِأَن هَذَا جبر مَال الثَّانِي السن وَلَا يقبل مَا دون سبع أَو ثَمَان لانه كل على آخذه وَفِي جِهَة الْكبر لَا يُؤْخَذ مَا جَاوز الْعشْرين فِي الْجَارِيَة وَجَاوَزَ الْخَمْسَة عشر فِي الْغُلَام لِأَنَّهُ لَا يعد من الْخِيَار الغر وَالْوَاجِب غرَّة عبد أَو أمة وَقيل الْمَانِع فِي جِهَة الْكبر هُوَ الْهَرم المضعف للمنة الثَّالِث نفاسة الْقيمَة وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْتَبر بل السَّلِيم من هَذَا السن يقبل وَإِن كَانَ قِيمَته دِينَارا وَالثَّانِي لَا يقبل إِلَّا مَا تعدل قِيمَته خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار فَإِن الْخمس من الْإِبِل يرجع إِلَيْهِ عِنْد عدم الْغرَّة وَلَا ينقص الْمُبدل عَن الْبَدَل وَلِأَنَّهُ لَو لم يتَقَدَّر لعسر الْفرق بَين الْمُسلم وَالْكَافِر كَمَا سبق فَإِن قيل فَلَو فقدت الْغرَّة قُلْنَا فِي بدلهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه خمس من الْإِبِل وَلَا يُمكن أَن يعرف هَذَا إِلَّا بالتوقيف وَلَعَلَّه ورد إِذْ هُوَ مَأْخَذ ومعتمد الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّسْبَة فِي الْجَنِين الرَّقِيق فَإِن فقدت الْإِبِل أَيْضا فَهُوَ كإبل الدِّيَة وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن بدل الْغرَّة قيمتهَا فَإِن قيل فالغرة لمن وعَلى من قُلْنَا لوَارث الْجَنِين وَهُوَ الْأُم والعصبة وعَلى عَاقِلَة الْجَانِي وَلَا يُمكن أَن تكون على الْجَانِي لِأَن الْعمد غير مُتَصَوّر فِيهِ إِذْ لَا يتَيَقَّن جِنَايَة بِحَال فَإِن كَانَ عدد الْعَاقِلَة لَا يَفِي إِلَّا بِالنِّصْفِ فَعَلَيْهِم نصف قيمَة الْغرَّة لَا قيمَة نصف الْغرَّة وَبَينهمَا فرق إِذْ الْغرَّة رُبمَا تسوى ألفا وَالنّصف يُؤْخَذ بأربعمائة فَالْوَاجِب خَمْسمِائَة كَامِلَة وَهُوَ نصف الْكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 فرع إِذا بَقِي على الْأُم شين وجراحة ضم إِلَى الْغرَّة حُكُومَة لَهَا فَإِن لم يكن إِلَّا الْأَلَم اندرج تَحت الْغرَّة هَذَا تَمام النّظر فِي الدِّيَة وَالْقصاص من مُوجبَات الْقَتْل فلنذكر الْمُوجب الثَّالِث وَهِي الْكَفَّارَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 = كتاب كَفَّارَة الْقَتْل= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 وَهِي تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة فَإِن لم يجد فصوم شَهْرَيْن وَلَا مدْخل للطعام فِيهِ وَلَا يُقَاس على كَفَّارَة الظِّهَار لِأَن الْآيَة فصلت الْأَمريْنِ جيمعا وَفرق بَينهمَا لَا كالرقبة فِي الظِّهَار فَإِنَّهَا اطلقت فَجَاز أَن يُقَاس على النَّص فِي الْقَتْل وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِي الْقَتْل أَن الْإِطْعَام يثبت فِيهِ قِيَاسا على الظِّهَار ثمَّ على الْمَذْهَب لَو مَاتَ قبل الصَّوْم فَيخرج عَن كل يَوْم مد لَا بطرِيق كَون الْإِطْعَام بَدَلا لَكِن كَمَا يخرج عَن صَوْم رَمَضَان هَذَا صفة الْوَاجِب فَأَما الْمُوجب فأركانه ثَلَاثَة الْقَتْل وَالْقَاتِل والقتيل أما الْقَتْل فَهُوَ كل قتل غير مُبَاح فَتجب بِالسَّبَبِ والمباشرة وحفر الْبِئْر وَالْخَطَأ والعمد وَلَا تجب فِي قتل الصَّائِل والباغي وَمن عَلَيْهِ الْقصاص وَالرَّجم لِأَنَّهُ مُبَاح وَالْخَطَأ لَيْسَ بمباح وَإِن لم يكن محرما أَيْضا وَأما الْقَاتِل فشرطه أَن يكون مُلْتَزما حَيا فَلَا تجب على الْحَرْبِيّ وَتجب على الذِّمِّيّ وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَلَو جَامع الصَّبِي فِي نَهَار رَمَضَان فَلَا كَفَّارَة إِذْ لَا عدوان والعدوان لَيْسَ بِشَرْط فِي الْقَتْل وَفِي كَفَّارَات الْإِحْرَام وَجْهَان لِأَنَّهَا نتيجة عبَادَة بدنية وَقد صحت مِنْهُ الْعِبَادَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 الْبَدَنِيَّة وَفِي صِحَة صَوْمه عَن الْكَفَّارَة قبل الْبلُوغ وَجْهَان لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية وَلَكِن لزم فِي الصَّبِي وَأما الْحَيّ فاحترزنا بِهِ عَمَّن حفر بِئْرا فتردى فِيهَا بعد مَوته إِنْسَان فَفِي وجوب الْكَفَّارَة فِي تركته وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط أَن الْكَفَّارَة عبَادَة بدنية فَلَا ينشأ وُجُوبهَا بعد الْمَوْت وَعَلِيهِ يَنْبَنِي الْخلاف فِي أَن من قتل نَفسه هَل تخرج كَفَّارَته من تركته ولغلبة شَائِبَة الْعِبَادَة قضينا بِأَن جمَاعَة إِذا اشْتَركُوا فِي قتل وَاحِد فعلى كل وَاحِد كَفَّارَة كَامِلَة وَفِيه وَجه أَنَّهَا تتجزأ كَمَا فِي جَزَاء الصَّيْد أما الْقَتِيل فشرطه أَن يكون آدَمِيًّا مَعْصُوما والجنين آدَمِيّ وَخرج مِنْهُ الْأَطْرَاف والبهائم وَدخل تَحت الْمَعْصُوم الذِّمِّيّ والمعاهد وَالْعَبْد إِذا قَتله السَّيِّد لَزِمته الْكَفَّارَة وَخرج مِنْهُ الْحَرْبِيّ وَالنِّسَاء والذراري من الْكفَّار إِذْ لَا عَاصِم والامتناع من قَتلهمْ لمصْلحَة المَال وَدخل تَحْتَهُ الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب كَيْفَمَا قتل نعم الدِّيَة قد تسْقط قطعا مهما رمى إِلَى الْكفَّار وَلم يعلم أَن فيهم مُسلما فَأصَاب مُسلما وَلَو علم أَن فيهم مُسلما وَقصد الْكَافِر فَأصَاب الْمُسلم وَجَبت الدِّيَة قطعا وَلَو قصد شخصا معينا ظَنّه كَافِرًا وَكَانَ قد أسلم قبله وَبَقِي على زِيّ الْكفَّار فَفِي الدِّيَة قَولَانِ وطرد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا علم أَن فيهم مُسلما وَلَكِن مَال السهْم إِلَى غير من قصد هَذَا تَمام النّظر فِي مُوجبَات الْقَتْل فلنخص فِي الْحجَج المثبتة لَهُ كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 = كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول الدَّعْوَى وَلها خَمْسَة شُرُوط الأول أَن تكون مُتَعَلقَة بشخص معِين فَلَو قَالَ قتل أبي لم تسمع وَلَو قَالَ قتل هَؤُلَاءِ جَمِيعًا وتصور اجْتِمَاعهم على الْقَتْل قبل وَلَو قَالَ أحد هَؤُلَاءِ الْعشْرَة وَلَا أعرف عينه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا تسمع للإبهام وَالثَّانِي تسمع للْحَاجة وَلَا ضَرَر على الْمُدعى عَلَيْهِ بل كل وَاحِد يقدر على يَمِين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 صَادِقَة لكِنهمْ لَو نكلوا باجمعهم أشكل الْيَمين الْمَرْدُودَة على الدَّعْوَى المبهمة والوجهان يجريان فِي دَعْوَى الْغَصْب والإتلاف وَالسَّرِقَة وَلَا يجْرِي فِي الْإِقْرَار وَالْبيع إِذا قَالَ نسيت لِأَنَّهُ مقصر وَقيل يجْرِي فِي الْمُعَامَلَات وَقيل لَا يجْرِي إِلَّا فِي الدَّم الثَّانِي أَن تكون الدعولا مفصلة فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ انفرادا أَو شركَة فَإِن أجمل دَعْوَاهُ استفصل القَاضِي وَقيل يعرض عَنهُ لِأَن الاستفصال تلقين وَهُوَ ضَعِيف فرع لَو قَالَ قتل هَذَا أبي مَعَ جمَاعَة وَلم يذكر عَددهمْ فَإِن كَانَ مَطْلُوبه المَال لم تصح الدَّعْوَى لِأَن حِصَّة الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تبين بِحِصَّة الشُّرَكَاء وَإِن كَانَ مَطْلُوبه الدَّم وَقُلْنَا يُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فَالظَّاهِر صِحَّته وَإِن قُلْنَا أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه فَوَجْهَانِ الثَّالِث أَن يكون الْمُدَّعِي مُكَلّفا مُلْتَزما حَاله الدَّعْوَى وَكَونه صَبيا أَو مَجْنُونا أَو جَنِينا حَالَة الْقَتْل لَا يضرّهُ إِذْ يعرف ذَلِك بِالتَّسَامُعِ الرَّابِع أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مُكَلّفا فَلَا دَعْوَى على صبي وَلَا مَجْنُون وَتَصِح الدَّعْوَى على السَّفِيه فِيمَا ينفذ بِهِ إِقْرَاره كَالْقصاصِ وبإقراره بِإِتْلَاف المَال قَولَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 فَإِن رددناه سمعنَا الدَّعْوَى لينكر فيقيم الْبَيِّنَة وَهل تعرض الْيَمين إِذا أنكر إِن قُلْنَا إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كالبينة تعرض عَلَيْهِ رَجَاء النّكُول وَإِن قُلْنَا كَالْإِقْرَارِ فَلَا فَائِدَة فِي نُكُوله وَلَكِن هَل تعرض الْيَمين فعساه يحلف فتنقطع الْخُصُومَة فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان الْأَصَح أَنه تعرض الْخَامِس أَن تنفك الدَّعْوَى عَمَّا يكذبها فَلَو ادّعى على شخص أَنه مُنْفَرد بقتل أبي ثمَّ ادّعى على غَيره بِأَنَّهُ شريك لم تسمع الثَّانِيَة لِأَن الأولى تكذبه فَإِن أقرّ الثَّانِي وَقَالَ الْمُدَّعِي كذبت فِي الأولى أَو أَخْطَأت فَالصَّحِيح أَن لَهُ مؤاخذته لِأَن الْغَلَط مُمكن وَالْحق لَا يعدوهما وَلَو ادّعى الْعمد واستفسر فَذكر مَا لَيْسَ بعمد فَفِي بطلَان دَعْوَاهُ لأصل الْقَتْل وَجْهَان الْأَظْهر أَنه لَا تبطل لِأَن الْكَذِب فِي التَّفْصِيل لَيْسَ من ضروره الْكَذِب فِي الأَصْل وَلَو قَالَ ظلمته فِيمَا أخذت فنستفصله فَإِن قَالَ كنت كَاذِبًا فِي دعواي اسْتردَّ المَال وَإِن قَالَ اخذت بالقسامة وَأَنا حَنَفِيّ لَا يسْتَردّ إِذْ لَا يعْتَبر فِي الْأَحْكَام رَأْي الْخَصْمَيْنِ بل رَأْي الْحَاكِم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 النّظر الثَّانِي فِي الْقسَامَة وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان الأول بَيَان مظنته وَهُوَ قتل الْحر فِي مَحل اللوث فَلَا قسَامَة فِي الْأَمْوَال والأطراف لِأَن الْبِدَايَة بالمدعي وتعديد الْيَمين خمسين خَارج عَن الْقيَاس ثَبت لحُرْمَة الدَّم فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ الطّرف وَالْمَال وَفِي قتل العَبْد قَولَانِ لتردده بَين الدَّم وَالْمَال وَإِذا جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات وَقُلْنَا الْوَاجِب بعض الدِّيَة جرت الْقسَامَة فِيهِ لِأَنَّهُ بعض بدل الدَّم وَأما اللوث فنعني بِهِ عَلامَة تغلب على الظَّن صدق الْمُدَّعِي وَهُوَ نَوْعَانِ قرينَة حَال وإخبار أما الْحَال فَهُوَ أَن يُصَادف قَتِيلا فِي محلّة بَينه وَبينهمْ عَدَاوَة أَو دخل عَلَيْهِم ضيفا فَوجدَ قَتِيلا أَو تفرق جمَاعَة محصورون عَن قَتِيل أَو تفرق صفان متقاتلان عَن قَتِيل فِي صف الْخصم أَو وجد قَتِيل فِي الصَّحرَاء وعَلى رَأسه رجل وَمَعَهُ سكين متضمخ بِالدَّمِ فَهَذَا وَأَمْثَاله هُوَ اللوث وَقَول الْمَجْرُوح قتلني فلَان لَيْسَ بلوث لِأَنَّهُ مُدع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَأما الْإِخْبَار فشهادة عدل وَاحِد تقبل شَهَادَته لوث وَكَذَا من تقبل رِوَايَته على الأقيس وَقيل لَا بُد فِي النسوان وَالْعَبِيد من عدد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 وَأما الْعدَد من الصبية والفسقة ففيهم خلاف لِأَنَّهُ يحصل بقَوْلهمْ ظن لَكِن الشَّرْع لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فيضاهي من أوجه قرينَة عَدَالَة الْمُدَّعِي فِي صدق لهجته وَأما مسقطات اللوث فخمسة الأول أَن يتَعَذَّر إِظْهَاره عِنْد القَاضِي فَلَا فَائِدَة فِيمَا ينْفَرد الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ نعم لَو ظهر عِنْد القَاضِي لوث على جمع فللمدعي أَن يعين شخصا مِنْهُم إِذْ يعسر إِثْبَات اللوث فِي الْمعِين وَلَو كَانَ اللوث فِي قَتِيل خَيْبَر مُتَعَلقا بِجَمِيعِ الْيَهُود نعم لَو قَالَ الْقَاتِل وَاحِد مِنْهُم وَلست أعرفهُ لم تمكنه الْقسَامَة فَإِن حلفوا إِلَّا وَاحِدًا كَانَ نُكُوله لوثا فَيجوز لَهُ أَن يحلف على تَعْيِينه فَلَو نكل جَمِيعهم وَأَرَادَ أَن يعين وَاحِدًا وَزعم أَنه ظهر لَهُ الْآن لوث معِين فَفِي تَمْكِينه مِنْهُ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه سبق الِاعْتِرَاف مِنْهُ فِي الْجَهْل الثَّانِي إِذا ثَبت اللوث فِي أصل الْقَتْل دون كَونه خطأ أَو عمدا فَفِي الْقسَامَة على أصل الْقَتْل وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْقَتْل الْمُطلق لَا مُوجب لَهُ فَإِن الْعَاقِلَة لَا يلْزمهَا شَيْء مَا لم يكن خطأ والجاني لَا يلْزمه مَا لم يكن عمدا الثَّالِث أَن يَدعِي الْمُدعى عَلَيْهِ كَونه غَائِبا عَن الْبَلَد عِنْد الْقَتْل فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَتسقط يَمِينه أثر اللوث فَإِن تَعَارَضَت بينتان فِي حُضُوره وغيبته تساقطتا إِلَّا إِذا تعرض بَيِّنَة الْغَيْبَة لعدم الْحُضُور فَقَط فَيكون ذَلِك شَهَادَة النَّفْي بِخِلَاف مَا إِذا ذكر مَكَانَهُ الَّذِي غَابَ إِلَيْهِ وَلَو كَانَ وَقت الْقَتْل مَحْبُوسًا أَو مَرِيضا مدنفا وَلم يُمكن كَونه قَاتلا إِلَّا على بعد فَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 سُقُوط اللوث بِهِ وَجْهَان وَمهما حكم بالقسامة فَأَقَامَ بَيِّنَة على الْغَيْبَة نقض الحكم لِأَن الْقسَامَة ضَعِيفَة الرَّابِع لَو شهد شَاهد بِأَن فلَانا قتل أحد هذَيْن الْقَتِيلين لم يكن لوثا وَلَو قَالَ قتل هَذَا الْقَتِيل أحد هذَيْن الرجلَيْن فَهُوَ لوث هَكَذَا قَالَه القَاضِي مفرقا بَين إِبْهَام الْقَاتِل وإبهام الْقَتِيل وَقيل بِإِسْقَاط اللوث فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْفرق أوضح لِأَن تعْيين الْقَاتِل غير عسير دون تعْيين الْقَتِيل الْخَامِس تكاذب الْوَرَثَة فَلَو ادّعى أحد الْإِثْنَيْنِ فِي مَحل اللوث فكذبه الآخر فِيهِ قَولَانِ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَن اللوث لَا يبطل لِأَن للْوَرَثَة أغراضا فِي التَّكْذِيب والتصديق وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَن اللوث ضَعِيف وَهَذَا يضعف الظَّن فَإِن قُلْنَا يبطل فَلَو قَالَ أَحدهمَا قتل أَبَانَا زيد وَرجل آخر لَا نعرفه وَقَالَ الآخر قَتله عَمْرو وَرجل آخر لَا نعرفه فَلَا تكاذب فَلَعَلَّ من لَا يعرفهُ هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخُوهُ إِلَّا أَن يُصَرح بِنَفْي مَا ادَّعَاهُ ثمَّ مدعي زيد اعْترف بَان الْوَاجِب على زيد نصف الدِّيَة وحصته مِنْهَا الرّبع فَلَا يُطَالب إِلَّا بِالربعِ وَكَذَا مدعي عَمْرو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 وَلَيْسَ من مبطلات اللوث عندنَا أَن لَا يكون على الْقَتِيل أثر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقَتْل بالتخنيق مُمكن بِحَيْثُ لَا يظْهر أَثَره الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقسَامَة وَهُوَ أَن يحلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا مُتَوَالِيَة بعد التحذير والتغليظ وتفصيل الدَّعْوَى فِي الْيَمين كَمَا فِي سَائِر الْأَيْمَان وَهل يشْتَرط أَن تكون فِي مجْلِس وَاحِد فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَن للموالاة وَقعا فِي النَّفس فَيحْتَمل أَن تكون وَاجِبا فَإِن قُلْنَا وَاجِب فَإِذا جن ثمَّ أَفَاق بنى لِأَنَّهُ مَعْذُور وَلَو عزل القَاضِي اسْتَأْنف عِنْد قَاض آخر وَلَو مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فالوارث لَا يَبْنِي بل يسْتَأْنف وَقَالَ الخضري يَبْنِي الْوَارِث وَفِي جَوَاز الْقسَامَة فِي غيبَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن اللوث إِنَّمَا يظْهر إِذا سلم عَن قدح الْخصم فيضعف فِي غيبته هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فَإِن كَانُوا جمعا فنوزع عَلَيْهِم الْخمسين أَو يحلف كل وَاحِد خمسين فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يوزع لِأَن جُمْلَتهمْ فِي حكم شخص وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن قدر حق كل وَاحِد لَا يثبت بِيَمِين الْمُدَّعِي إِلَّا بِخَمْسِينَ إِذْ لَا خلاف أَنه لَو نكل وَاحِد وَجب على الآخر أَن يحلف تَمام الْخمسين فَكيف يسْتَحق بِيَمِين غَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 وَإِن قُلْنَا بالتوزيع فلننبه على ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنهم لَو كَانُوا ثَلَاثَة وَالْوَاحد حَاضر والآخران صغيران أَو غائبان فَغَيَّبَتْهُمْ كنكولهم فَيحلف الْحَاضِر خمسين وَيَأْخُذ ثلث الدِّيَة فَإِذا حضر الآخر حلف نصف الْأَيْمَان وَأخذ ثلث نَفسه وَالثَّالِث يحلف ثلث الْأَيْمَان وَيَأْخُذ حِصَّة نَفسه الثَّانِي أَن التَّوْزِيع بِالْمِيرَاثِ فَمن يسْتَحق الثّمن أَو السُّدس حلف بِقَدرِهِ فَإِن انْكَسَرَ كمل المنكسر فَإِن كَانُوا سِتِّينَ حلفوا سِتِّينَ كل وَاحِد يَمِينا وَلَا يَمِين على إخْوَة الْأَب فِي مسَائِل الْمُعَادَة الثَّالِث لَو كَانَ فِي الْوَرَثَة خُنْثَى حلف كل وَاحِد أَكثر مَا يتَوَهَّم أَن يكون نصِيبه وَيُعْطى أقل مَا يتَوَهَّم أخذا بالأحوط فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَو خلف ولدا خُنْثَى وأخا لأَب حلف الْخُنْثَى خمسين لاحْتِمَال أَنه مُسْتَغْرق وَأخذ نصف الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى فَإِذا أَرَادَ الْأَخ أَن يحلف فَيحلف خمْسا وَعشْرين وَفَائِدَته أَن ينتزع النّصْف من يَدي الْجَانِي وَيُوقف بَينه وَبَين الْخُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته سلم إِلَى الْأَخ بِيَمِينِهِ السَّابِق وَإِن بَانَتْ الذُّكُورَة سلم إِلَى الْخُنْثَى بِالْيَمِينِ السَّابِقَة وَلَو خلف ولدا خُنْثَى وبنتا حلف الْخُنْثَى ثُلثي الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَنه ذكر وَأخذ ثلث الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى وَحلفت الْبِنْت نصف الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَن الْخُنْثَى أُنْثَى وَلم يعْتد من أيمانها إِلَّا بِالنِّصْفِ ثمَّ تَأْخُذ ثلث الدِّيَة وَالثلث الْبَاقِي مَتْرُوك فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ مَوْقُوف بَينهمَا وَبَين بَيت المَال وَلَيْسَ لبيت المَال نَائِب حَتَّى يحلف عَنهُ فنعود إِلَى الْقيَاس فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ هَذَا كُله فِي يَمِين الْمُدَّعِي فَأَما سَائِر الْأَيْمَان فِي الدَّم فكيمين الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْيَمِين مَعَ الشَّاهِد فَفِي تعدده خمسين قَولَانِ منشؤهما أَن عِلّة الْعدَد الْميل عَن الْقيَاس بِتَصْدِيق الْمُدَّعِي أَو حُرْمَة الدَّم وَالْقَوْلَان جاريان فِي الْأَطْرَاف مَعَ الْقطع بِأَن الْقسَامَة غير جَارِيَة فِيهَا فَإِن قُلْنَا لَا تَتَعَدَّد فَلَو بلغ الْأَرْش مبلغ الدِّيَة فَقَوْلَانِ وَإِن قُلْنَا تتعد فَلَو نقص فَفِي التَّوْزِيع قَولَانِ فرعان أَحدهمَا لَو شهد وَاحِد على اللوث وَقُلْنَا يتحد الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فَإِن استعملنا الشَّهَادَة فِي الْقَتْل وَجَاء بِصِيغَة الشَّهَادَة حلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة وَإِن جَاءَ بِصِيغَة الْإِخْبَار أَو شهد على اللوث حلف مَعَه خمسين يَمِينا الثَّانِي إِذا ادّعى على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا قتلا فَفِي توزيع الْخمسين على قَول التَّعَدُّد من الْقَوْلَيْنِ مَا فِي التَّوْزِيع على الْوَارِثين الرُّكْن الثَّالِث فِي حكم الْقسَامَة وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَنه يناط بِهِ الْقصاص كَمَا يناط بِهِ حد الْمَرْأَة بِلعان الزَّوْج والجديد أَنه لَا يناط بِهِ إِلَّا الدِّيَة لِأَن سفك الدَّم بقول الْمُدَّعِي بعيد وَأما الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تقدر على دفع لِعَانه بلعانها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 ثمَّ إِن حلف على الْقَتْل خطأ طَالب الْعَاقِلَة وَإِن حلف على الْعمد طَالب الْجَانِي وَإِن نكل عَن الْقسَامَة وَمَات لم يكن لوَارِثه أَن يحلف وَلَا يسْقط حَقه عَن تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ لنكوله عَن الْقسَامَة فَإِن نكل الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يحلف الْيَمين الْمَرْدُودَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ نكل مرّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نُكُول عَن الْقسَامَة وَهَذِه يَمِين أُخْرَى وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يحلف مَعَ الشَّاهِد بعد النّكُول عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة أَو الْقسَامَة ومنشؤه أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد أَن صرح بِالنّكُولِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع إِلَى الْيَمين لانه تعلق بِهِ حق الْمُدَّعِي أما نُكُول الْمُدَّعِي عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة فِي الْحَال لَا تَمنعهُ من الرُّجُوع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ حَقه فَلَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَيَمِين الْقسَامَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بهَا حق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي انقلاب التَّصْدِيق إِلَيْهِ يشبه يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ الرُّكْن الرَّابِع فِيمَن يحلف أَيْمَان الْقسَامَة وَهُوَ كل من يسْتَحق بدل الدَّم وَفِيه أَرْبَعَة فروع الأول إِذا قتل عبد الْمكَاتب وأجرينا الْقسَامَة فِي العَبْد حلف الْمكَاتب لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق فَإِن عجز عَن النُّجُوم قبل النّكُول حلف السَّيِّد إِذْ صَار مُسْتَحقّا فَإِن عجز بعد النّكُول لم يحلف السَّيِّد كَمَا لَا يحلف الْوَارِث بعد نُكُول الْمَوْرُوث الثَّانِي لَو قتل عَبده فأوصى بِقِيمَتِه لمستولدته وَمَات فللورثة أَن يقسموا وَإِن كَانَت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 الْقيمَة للمستولدة لِأَن لَهُم حظا فِي تَنْفِيذ وَصِيَّة مُورثهم وَلَو أوصى بِعَين لغيره فَادَّعَاهُ مُسْتَحقّ فَفِي حلف الْوَارِث لتنفيذ الْوَصِيَّة تردد وَوجه الْفرق أَن الْمُسْتَوْلدَة مدعية وتصديقها بالقسامة على خلاف الْقيَاس وَلم تكن صَاحِبَة حق عِنْد الْقَتْل فَكَانَ الْوَارِث أولى بِهِ وَمهما حلف الْوَرَثَة سلمت الْقيمَة لأم الْوَلَد فَإِن نكلوا فَفِي قسَامَة الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ وَكَذَا فِي الْغُرَمَاء إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَيْمَان الْقسَامَة عِنْد نُكُول الْوَارِث لِتَقضي من الدِّيَة دُيُونهم وَوجه الْمَنْع أَن الْقسَامَة لإِثْبَات الْقَتْل مِمَّن يُدْلِي بِسَبَب الْحق عِنْد الْقَتْل وَهَؤُلَاء تجدّد حَقهم بعد الْقَتْل وَإِن قُلْنَا لَا يحلفُونَ أَو نكلوا فللوارث وَلَهُم طلب يَمِين الْمُدَّعِي أما الْوَارِث فلغرض التَّنْفِيذ وَأما هم فلغرض الإستحقاق الثَّالِث إِذا قطع يَد العَبْد فَعتق وَمَات فعلى الْجَانِي كل الدِّيَة فَإِن كَانَت الدِّيَة مثل نصف الْقيمَة انْفَرد السَّيِّد بالقسامة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْجَمِيع وَإِن فرعنا على أَنه لَا قسَامَة فِي بدل الرَّقِيق فها هُنَا وَجْهَان لِأَنَّهُ دِيَة حر بالإعتبار الآخر وَلَكِن صرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ جِنَايَة على الرَّقِيق ثمَّ إِن كَانَ الْوَاجِب فَاضلا عَن أرش الْيَد فَيصْرف الْفَاضِل إِلَى الْوَرَثَة ويتصدى النّظر فِي توزيع الْيَمين أَو تكميلها الرَّابِع إِذا ارْتَدَّ الْوَلِيّ ثمَّ أقسم فَإِن قُلْنَا لَا ملك للمرتد بَطل يَمِينه وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك صَحَّ وَثَبت الدِّيَة وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف فالنص أَنه يَصح وَيصرف إِلَى بَيت المَال فَيْئا إِن قتل الْمُرْتَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 وَفِيه إِشْكَال إِذْ بَان أَنه لم يكن مُسْتَحقّا فَكيف يثبت بحلفه فَمنهمْ من قَالَ فرع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَول بَقَاء الْملك وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ على الْجُمْلَة سَبَب اسْتِحْقَاق الدِّيَة لانه كَانَ مُسلما حَال الْقَتْل فَلَا يكون يَمِينه كيمين الْأَجْنَبِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 النّظر الثَّالِث من الْكتاب فِي إِثْبَات الدَّم بِالشَّهَادَةِ وَلها شُرُوط الأول الذُّكُورَة فَلَا يثبت الْقصاص بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَيثبت الْقَتْل الْمُوجب لِلْمَالِ بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَإِن كَانَ مُوجبا للقود عِنْد الشَّهَادَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى المَال لم يسْتَوْف المَال بِتِلْكَ الشَّهَادَة لِأَنَّهَا كَانَت بَاطِلَة فِي الْحَال وَلَو أنشئت الشَّهَادَة بعد الْعَفو على مَال فَوَجْهَانِ وَجه الْمَنْع أَن أصل الْقَتْل كَانَ مُوجبا للْقصَاص فرع نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على هاشمة مسبوقة بإيضاح فَكَمَا لَا يثبت الْإِيضَاح الْمُوجب للْقصَاص لَا يثبت الهشم فِي حق الْأَرْش وَنَصّ على أَنه لَو شهدُوا على أَنه رمى عمدا إِلَى زيد فمرق السهْم وَأصَاب غَيره خطأ أَن الْخَطَأ يثبت فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ومنشؤهما أَن الشَّهَادَة وَاحِدَة وَقد سقط بَعْضهَا فَهَل يسْقط الْبَاقِي وَمِنْهُم من فرق لِأَن قتل عَمْرو مُنْفَصِل عَن قتل زيد والهشم لَا ينْفَصل عَن الْإِيضَاح وَلَا خلاف على أَنه لَو ادّعى قتل عَمْرو خطأ فَشَهِدُوا وَذكروا هَذِه الْكَيْفِيَّة وَهُوَ مروق السهْم من زيد لم يقْدَح فِي الشَّهَادَة لِأَن زيدا لَيْسَ مَقْصُودا بِالشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا نشْهد أَنه أوضح ثمَّ عَاد بعد ذَلِك وهشم التَّفْرِيع إِذا أثبتنا أرش الهاشمة فقد ذكر فِي إِثْبَات قصاص الْمُوَضّحَة وأرشها على سَبِيل التّبعِيَّة خلاف وَهُوَ بعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 الشَّرْط الثَّانِي أَن تكون صِيغَة الشَّهَادَة صَرِيحَة فَلَو قَالَ أشهد أَنه جرح وأنهر الدَّم وَمَات الْمَجْرُوح لم يقبل مَا لم يقل قَتله إِذْ رُبمَا يَمُوت بِسَبَب آخر وَالْمَوْت عقيب الْجراحَة يعرف أَنه بالجراحة بقرائن خُفْيَة فَلَا يُغني إِلَّا ذكر الْقَتْل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يَكْفِي كَمَا تقوم الشَّهَادَة على الْيَد وَالتَّصَرُّف مقَام الْملك لِأَنَّهُ مُسْتَند الْعلم وَلَو قَالَ أشهد أَنه أوضح رَأسه لم يكف مَا لم يُصَرح بالجراحة وإيضاح الْعظم فَإِن صرح وَعجز عَن تعْيين مَحل الْمُوَضّحَة لالتباسها بموضحات على رَأسه سقط الْقصاص وَفِي الْأَرْش وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على مُوضحَة عمدا فَإِنَّهُ إِذا لم يثبت الْمَقْصُود لم يثبت غَيره وَالصَّحِيح أَنه يثبت لِأَنَّهُ لَا قُصُور فِي نفس الشَّهَادَة وَإِنَّمَا التَّعَذُّر فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو شهد على أَنه قَتله بِالسحرِ لم يقتل لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا يُشَاهد وَجه تَأْثِيره فالقتل بِالسحرِ لَا يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ السَّاحر أمرضه سحرِي وَلَكِن مَاتَ بِسَبَب آخر فلولي الدَّم الْقسَامَة واعترافه بِالْمرضِ لوث وَهَذَا يدل على أَن الْمقر بِالْجرْحِ إِذا ادّعى أَن الْمَوْت بِسَبَب آخر يَجْعَل إِقْرَاره لوثا وَقد قيل إِن القَوْل قَول الْجَانِي وَهُوَ جَار فِي السحر فَإِن قيل تعلم السحر حرَام أم لَا قُلْنَا إِن كَانَ فِيهِ مُبَاشرَة مَحْظُور من ذكر سخف أَو ترك صَلَاة فَذَلِك هُوَ الْحَرَام فَأَما تعرف حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحرَام وَإِنَّمَا الْحَرَام الْإِضْرَار بِفعل السحر لَا بتعلمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا تَتَضَمَّن جرا وَلَا دفعا فَلَو شهد على الْجراحَة من يَرث الْمَجْرُوح ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ سَبَب اسْتِحْقَاقه وَلَو شهد الْوَارِث للْمَرِيض بدين أَو عين فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن جرح الْمَشْهُود عَلَيْهِ سَبَب الإستحقاق دون الدّين وَلَو شهدُوا على الْجرْح وهما محجوبان حَال الشَّهَادَة ثمَّ مَاتَ الْحَاجِب أَو بِالْعَكْسِ فَالصَّحِيح أَن النّظر إِلَى حَالَة الشَّهَادَة للتُّهمَةِ وَقيل قَولَانِ كخما فِي الْإِقْرَار للْوَارِث فَإِن رددنا فَلَو أعَاد بعد الْحجب لَا تقبل كالفاسق إِذا أعَاد فَأَما الشَّهَادَة الدافعة فصورتها أَن تشهد الْعَاقِلَة على فسق بَيِّنَة الْقَتْل الْخَطَأ وَلَو شهد اثْنَان من فُقَرَاء الْعَاقِلَة نَص أَنه لَا تقبل وَلَو شهد اثْنَان من الأباعد مَعَ أَن الْوَاجِب مُسْتَوفى بالأقارب نَص أَنه تقبل فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِن الْفَقِير أمله فِي الْغَنِيّ قريب وَتَقْدِير موت الْأَقَارِب بعيد فَلَا يُورث تُهْمَة الشَّرْط الرَّابِع أَن تسلم الشَّهَادَة عَن التكاذب وَفِيه صور الأولى إِذا شَهدا على رجلَيْنِ بِالْقَتْلِ وَشهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قتلا هَذَا الْقَتِيل نقدم على هَذَا مُقَدّمَة وَهُوَ أَن شَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَفِي الْقصاص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم صِيَانة للحقوق عَن الضّيَاع وَالثَّانِي لَا لِأَن للدم طَالبا كَمَا لِلْمَالِ وَالثَّالِث أَنه إِن لم يعرف الْمُسْتَحق قبلت الشَّهَادَة فَإِن قُلْنَا تقبل فتساوق أَرْبَعَة إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشهد اثْنَان على الآخرين بِالْقَتْلِ فَشهد الْآخرَانِ على الْأَوَّلين بذلك الْقَتْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الرَّد وَإِن قبلنَا شَهَادَة الْحِسْبَة إِذْ هِيَ متكاذبة فَلَا ترجح وَالثَّانِي أَنا نراجع صَاحب الْحق ونحكم بِشَهَادَة من صدقهما وَالثَّالِث أَن الأولى صَحِيحَة وَشَهَادَة الآخرين غير مَقْبُولَة لِأَنَّهُمَا دافعان وَلِأَنَّهُمَا صَارا عدوين للأولين وَلَكِن إِثْبَات العدواة بِمُجَرَّد الشَّهَادَة ضَعِيف وَإِن فرعنا على رد شَهَادَة الْحِسْبَة فَلَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك لم تَنْفَع تِلْكَ الشَّهَادَة وَهل تقبل إِعَادَتهَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا كَمَا لَو رد بعلة الْفسق وَالثَّانِي نعم لانه لم ترد بتهمة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا إِن تابا عَن الْمُبَادرَة قبلت الْإِعَادَة رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَتنَا فَإِذا شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على الشَّاهِدين وَاسْتمرّ الْمُدَّعِي على تكذيبهما فَلَا أثر لشهادتهما لانهما دافعان وعدوان ومبادران وَإِن صدقهما بَطل حَقه بتناقض الدعويين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 فَإِن كَانَ ذَلِك من وَكيل فَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَار لم يُؤثر فِي إبِْطَال الدَّعْوَى الأولى فَإِن صدق الْمُوكل الآخرين انبنى على أَنَّهُمَا مبادران أَو دافعان الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على أَجْنَبِي سوى الشَّاهِدين فهما مبادران ودافعان وليسا عدوين وَإِن شهد أجنبيان على الشَّاهِدين فهما مبادران وليسا دافعين وَلَا عدوين الصُّورَة الثَّانِيَة لَو شهدُوا على الْقَتْل فَشهد أحد الْوَرَثَة بِعَفْو بَعضهم سقط الْقصاص بقوله من حَيْثُ إِنَّه إِقْرَار لَا من حَيْثُ إِنَّه شَهَادَة حَتَّى تسْقط وَلَو كَانَ فَاسِقًا الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا شهد أَحدهمَا أَنه قَتله غدْوَة وَقَالَ الآخر عَشِيَّة فَهُوَ تكاذب وَكَذَا إِذا نسبا إِلَى مكانين أَو آلتين وَكَذَا لَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار وَالْآخر على الْقَتْل لم يثبت لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَلَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْمُطلق وَالْآخر على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْعمد ثَبت أصل الْقَتْل فَالْقَوْل قَول الْمُدعى عَلَيْهِ فِي نفي العمدية إِلَّا أَن يكون ثمَّ لوث يشْهد للعمدية فَتثبت الْقسَامَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 وَإِن قَالَ أَحدهمَا قَتله عمدا وَقَالَ الآخر خطأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه تكاذب وَالْآخر أَنه يثبت الْقَتْل وَمن يشْهد بالْخَطَأ فَكَأَنَّهُ يشْهد بِعَدَمِ الْعمد فَيبقى النزاع فِي العمدية وَحَيْثُ يثبت التكاذب فِي الْآلَة وَالْمَكَان وَالزَّمَان قَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يُفِيد قَوْلهمَا لوثا فاتفقت المراوزة على تغليطه لِأَنَّهُمَا تساقطا بالتكاذب وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 = كتاب الْجِنَايَات الْمُوجبَة للعقوبات = وَهِي سَبْعَة الْبَغي وَالرِّدَّة وَالزِّنَا وَالْقَذْف وَالشرب وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 الْجِنَايَة الأولى الْبَغي وَالنَّظَر فِي صفة الْبُغَاة وأحكامهم وقتالهم الطّرف الأول فِي صفاتهم وَيعْتَبر فيهم ثَلَاثَة شُرُوط الشَّوْكَة والتأويل وَنصب إِمَام فِيمَا بَينهم الشَّرْط الأول الشَّوْكَة وَهُوَ أَن يجْتَمع قوم ذُو نجدة على مُخَالفَة الإِمَام وَلَا يعْتَبر مُسَاوَاة عَددهمْ لجند الإِمَام كم من فِئَة قَليلَة غالبة لَكِن يَكْفِي أَن يكون الظفر مرجوا ثمَّ إِن كَانُوا فِي مَوضِع محفوف بِولَايَة الإِمَام فَلَا بُد من زِيَادَة نجدة كَمَا إِذا كَانُوا على طرف من أَطْرَاف الْولَايَة ثمَّ لَا يخفى أَن الشَّوْكَة لَا تتمّ مَا لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 يكن فيهم وَاحِد مُطَاع الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون بغيهم عَن تَأْوِيل فَلَو اجْتمع جمَاعَة مِمَّن توجه عَلَيْهِم حُدُود أَو حُقُوق من زَكَاة أَو غَيرهَا وخالفوا الإِمَام قَاتلهم الإِمَام كَمَا قَاتل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مانعي الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُم حكم الْبُغَاة والمرتدون إِذا اجْتَمعُوا لشُبْهَة فِي دينهم فَلَا يعد ذَلِك تَأْوِيلا مُعْتَبرا وَلَو كَانَ لَهُم تَأْوِيل بَاطِل قطعا لكِنهمْ غلطوا فِيهِ فَفِي اعْتِبَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يعْتَبر كتأويل أهل الرِّدَّة وَمُعَاوِيَة رَحمَه الله عِنْد هَذَا الْقَائِل لم يكن مُبْطلًا قطعا بل بِالظَّنِّ وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن الْغَلَط فِي القطعيات كثير وَمُعَاوِيَة كَانَ مُبْطلًا على الْقطع عِنْد هَذَا الْقَائِل لكنه لم يعرف ذَلِك وَأما الْخَوَارِج ففيهم على رَأْي الإمتناع من تكفيرهم وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 بِأَهْل الرِّدَّة وَلم يكترث بتأويلهم لظُهُور فَسَاده الشَّرْط الثَّالِث نصب الإِمَام فِيمَا بَينهم وَفِي اشْتِرَاطه خلاف وَمن شَرطه علل بِأَن هَذِه الشُّرُوط تعْتَبر لتنفيذ قَضَاء قاضيهم وَلَا ينْتَصب القَاضِي إِلَّا بالتبعية فَلَا بُد لَهُم من إِمَام يولي الْقُضَاة وَمن لَا يشْتَرط ذَلِك يَقُول رُبمَا لَا يصادفون مَوْصُوفا بِصِفَات الْأَئِمَّة وَلَا يُمكن تَعْطِيل أحكامهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 الطّرف الثَّانِي فِي أَحْكَام الْبُغَاة فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْغُرْم أما شهاداتهم فمقبولة لجهلهم بالتأويل وَأما قَضَاء قاضيهم فنافذ على وفْق الشَّرْع وَمَا يَسْتَوْفِيه من زَكَاة وجزية وحد ويصرفه إِلَى مصرفه فواقع موقعه وَلَو صرفُوا السهْم المرصد لمرتزقة الْإِسْلَام إِلَى جندهم فَفِيهِ اخْتِلَاف مَشْهُور لِأَنَّهُ وَإِن كَانُوا جند الْإِسْلَام لكِنهمْ فِي الْحَال على الْبَاطِل وَتَصْحِيح ذَلِك إِعَانَة لَهُم وَإِذا كتبُوا الْكتاب إِلَى قاضينا بعد إبرام الحكم أمضي وَإِن سمع الْبَيِّنَة وَالْتمس الحكم فَقَوْلَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 أقيسهما الحكم كي لَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حُقُوق الرعايا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مساعدة لَهُم على بغيهم وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا أبرموه واستعانوا بقاضينا فِي الإستيفاء وَالْقِيَاس الْإِمْضَاء هَذَا فِيمَن لَهُ الشَّوْكَة والتأويل فَإِن عدمت الشَّوْكَة فَلَا ينفذ حكمهم إِذْ يرجع ذَلِك إِلَى محاورات فِي خلوات وَإِن عدم التَّأْوِيل دون الشَّوْكَة لم ينفذ قضاؤهم على الظَّاهِر وَيحْتَمل أَن يخرج ذَلِك على مَا إِذا شعز الزَّمَان عَن الإِمَام فَإِن أَحْكَام الرعايا لَا يُمكن تعطيلها فَلذَلِك ينفذ الْقَضَاء بِحكم الْحَاجة أما الْغرم فَهُوَ وَاجِب بِالْإِتْلَافِ فِي غير الْقِتَال على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أما فِي الْقِتَال فَلَا غرم على الْعَادِل وَمَا يتلفه الْبَاغِي فِي الْقِتَال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أتلف مَالا مَعْصُوما بِغَيْر حق وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يجب كَمَا فِي أهل الْحَرْب لِأَن الْمُؤَاخَذَة بتبعات الْقِتَال تمنع من الْفَيْئَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 وَالطَّاعَة وَلذَلِك أتلفت أَمْوَال وأريقت دِمَاء فِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعرف الْقَاتِل وَمَا اقْتصّ من أحد وَلَا غرم وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط الإهدار كَمَا فِي أهل الْحَرْب فَإِن قُلْنَا يجب الضَّمَان فَفِي الْقصاص وَجْهَان لأجل الشُّبْهَة فَإِن لم نوجب الْقصاص فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة أَو على الْجَانِي فِيهِ خلاف كَمَا لَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه كَافِر هَذَا إِذا وجد الشَّوْكَة والتأويل فَإِن وجد تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة وَجب الضَّمَان قتل ابْن ملجم أَخْزَاهُ الله عليا كرم الله وَجهه فأقيد بِهِ وَكَانَ من تَأْوِيله أَن امْرَأَة زعمت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قتل أقاربها فَوَكَّلَتْهُ بِاسْتِيفَاء الْقصاص وَأما الشَّوْكَة دون التَّأْوِيل فطريقان مِنْهُم من قطع بِوُجُوب الضَّمَان كَمثل وَاقعَة مانعي الزَّكَاة وَمِنْهُم من أجْرى الْقَوْلَيْنِ لِأَن إِسْقَاط الْقصاص وَإِسْقَاط التّبعِيَّة للترغيب فِي الطَّاعَة وأجرى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ترديد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُرْتَدين إِذا أتلفوا فِي الْقِتَال وَقيل هُوَ أولى بالسقوط لمشابهة أهل الْحَرْب فَأَما وجود الإِمَام فَلَيْسَ بِشَرْط لسُقُوط الضَّمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْقِتَال ويرعى فِيهِ أُمُور الأول أَنا لَا نغتالهم بل نقدم النذير أَولا فَإِن لم يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة قاتلناهم وَفِي أَوَاخِر الْقِتَال لَا نتبع مدبرهم وَلَا نذفف على جريحهم لِأَن قِتَالهمْ مثل الدّفع عَن منع الطَّاعَة وَالْمُدبر من سَقَطت شوكته وَأمن غائلته لَا من يتحرف من جَانب إِلَى جَانب فَلَو تبددوا سَقَطت شوكتهم وَلَكِن يتَوَهَّم اجْتِمَاعهم فَهَل يجوز اتباعهم بِالْقَتْلِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى غائلة الْمَآل وَكَذَا من انهزم على أَن يتَّصل بفئة أُخْرَى الثَّانِي أَن أسيرهم لَا يقتل وَلَا يُطلق مَا داموا على شوكتهم فَإِذا بطلت الشَّوْكَة وَكَانَ اجْتِمَاعهم فِي الْمَآل متوقعا فَفِي إِطْلَاقه وَجْهَان فَأَما نِسَاؤُهُم وذراريهم فيخلى سبيلهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله نحبسهم فَفِي ذَلِك كسر قُلُوبهم وَأما أسلحتهم وخيولهم فَلَا يحل اسْتِعْمَالهَا فِي الْقِتَال خلافًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن إِنَّمَا ترد إِلَيْهِم إِذا جَازَ إِطْلَاق أسيرهم وَالصَّبِيّ الْمُرَاهق وَالْعَبْد كالخيل وَالصَّغِير كالنسوان الثَّالِث لَا ننصب عَلَيْهِم المجانيق وَلَا نوقد عَلَيْهِم النيرَان وَلَا نرسل السُّيُول الجارفة وَكَذَا كل سَبَب يعم إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ نصطلم لَو لم نَفْعل لِأَن هَذِه الْأَسْبَاب لَا يُمكن حسمها وَرُبمَا يرجعُونَ فِي أَثْنَائِهَا وَإِن تحَصَّنُوا بقلعة وَلم يتَوَصَّل إِلَّا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فَإِن كَانَ فيهم رعايا لم يجز وَإِن لم يكن إِلَّا الْمُقَاتلَة فَفِيهِ نظر وَالْأولَى مَنعه والإقتصار على المحاصرة والتضييق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 الرَّابِع لَا يَنْبَغِي أَن يقتل الْعَادِل وَاحِدًا من أرحامه وَلَا يَنْبَغِي أَن يَسْتَعِين الإِمَام بِأَهْل الشّرك عَلَيْهِم وَلَا بِمن يرى قتل مدبرهم الْخَامِس إِن اسْتَعَانَ الْبُغَاة علينا بِأَهْل الْحَرْب لم ينفذ أمانهم علينا وَاتَّبَعنَا مُدبر أهل الْحَرْب وَهل ينفذ الْأمان فِي حق أهل الْبَغي فِيهِ وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا ينفذ لِأَنَّهُ بني على الْفساد لَكِن لَا يجوز لَهُم الاغتيال بِكُل أَمَان فَاسد وَيجوز لنا اغتيالهم وَقيل إِنَّه لَا يجوز إِذا انْعَقَد لَهُم أَمَان فَاسد وَهُوَ ضَعِيف نعم لَو قَالَ أهل الْحَرْب ظننا أَنهم المحقون فَفِي إلحاقهم بمأمنهم خلاف وَمِنْهُم من قَالَ لَا نبالي بظنونهم وَلَو استعانوا بطَائفَة من أهل الذِّمَّة انْتقض عَهدهم فنقتل مدبرهم ونغنم مَالهم وَفِيه وَجه أَنهم إِذا انْهَزمُوا ألحقاهم بمأمنهم فَإِن كَانُوا مكرهين لم ينْتَقض عَهدهم فَلَا نتبع مدبرهم فَإِن قَالُوا ظننا انهم الفئة المحقة فَفِي انْتِقَاض الْعَهْد قَولَانِ التَّفْرِيع حَيْثُ ألحقناهم بِأَهْل الْحَرْب غنمنا مَالهم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيمَا يتلفون فَإِن قُلْنَا لَا بُد من تبليغهم مأمنهم فَمَا أتلفوه مَضْمُون عَلَيْهِم إِذْ بَقِي فِي حَقنا عُهْدَة الْأمان فَيبقى عَلَيْهِم عُهْدَة الضَّمَان فَإِن فرعنا على أَن الْعَهْد لَا ينْتَقض فِي بعض الصُّور قطع الْأَصْحَاب بِوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِم لِأَن الْإِسْقَاط عَن الْبُغَاة لترغيبهم فِي الطَّاعَة وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الذِّمِّيّ السَّادِس من يُوجد مِنْهُم قَتِيلا يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَهِيد وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إهانة لَهُم والعادل إِذا قتل فِي المعترك فَقَوْلَانِ فِي كَونه شَهِيدا وَلَا يَنْقَطِع التَّوَارُث بَينهم بَين أهل الْعدْل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 الْجِنَايَة الثَّانِيَة الرِّدَّة وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الرِّدَّة وأحكامها الطّرف الأول فِي الرِّدَّة وَهُوَ عبارَة عَن قطع الْإِسْلَام من مُكَلّف احترزنا بِالْقطعِ عَن الْكفْر الْأَصْلِيّ وبالمكلف عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَفِي السَّكْرَان قَولَانِ لتردده بَين الصاحي وَالْمَجْنُون وعَلى طَرِيق يَصح تنفيذا لما عيه دون مَا لَهُ وعَلى هَذَا لَو أسلم فِي السكر لَا يَصح فليعد الْإِسْلَام إِذا أَفَاق فَلَو قتل قبل الْإِفَاقَة فمهدر وَإِن قُلْنَا تصح ردته لِأَنَّهُ كالصاحي فَيصح إِسْلَامه لَكِن إِذا أَفَاق جددنا عَلَيْهِ التَّوْبَة فَلَو قتل قبل التَّجْدِيد فَالصَّحِيح وجوب الضَّمَان وَقيل لَا يجب أخذا من اللَّقِيط إِذا قتل بعد الْبلُوغ وَقبل أَن ينْطق بِالْإِسْلَامِ وَوجه الشُّبْهَة أَنه إِسْلَام حكمي لَا عَن قصد صَحِيح وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرِّدَّة أَيْضا كَانَ كَذَلِك فَيَكْفِي لتِلْك الرِّدَّة هَذَا الْإِسْلَام إِلَّا أَن يخصص ذَلِك الْوَجْه بِأَن يرْتَد صَاحِيًا ثمَّ أسلم فِي السكر وَأما نفس الرِّدَّة فَهُوَ نطق بِكَلِمَة الْكفْر استهزاء أَو اعتقادا أَو عنادا وَمن الْأَفْعَال عبَادَة الصَّنَم وَالسُّجُود للشمس وَكَذَلِكَ إِلْقَاء الْمُصحف فِي القاذورات وكل فعل هُوَ صَرِيح فِي الإستهزاء بِالدّينِ وَكَذَلِكَ السَّاحر يقتل إِن كَانَ مَا سحر بِهِ كفرا بِأَن كَانَ فِيهِ عبَادَة شمس أَو مَا يضاهيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 فروع الأول إِذا شهد اثْنَان على أَنه ارْتَدَّ فَقَالَ كذبا لم يَنْفَعهُ التَّكْذِيب لكنه يَنْفَعهُ تَجْدِيد الْإِسْلَام فِي رد الْقَتْل وَلَا ينفع فِي بينونة زَوجته وَلَو قَالَ صدقا ولكنني كنت مكْرها فَإِن ظهر مخايل الْإِكْرَاه بِأَن كَانَ أَسِيرًا بَين الْكفَّار فَالْقَوْل قَوْله وَإِن لم تكن مخايل الْإِكْرَاه حكم بالبينونة وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يخصص بِمَا إِذا حكى الشَّاهِد كلمة الرِّدَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تقبل الشَّهَادَة مُطلقًا لِأَن للنَّاس فِي التَّكْفِير مَذَاهِب مُخْتَلفَة فَإِذا نقل الشَّاهِد كلمة هِيَ ردة وَلم يقل ارْتَدَّ وَلكنه قَالَ قَالَ كَذَا فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ صدق وَلَكِن كنت مكْرها قَالَ الشيح أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يصدق إِذْ لَيْسَ فِي تَصْدِيقه تَكْذِيب الشُّهُود بِخِلَاف مَا إِذا شهدُوا على الرِّدَّة فَإِن كَونه مكْرها يدْفع الرِّدَّة وَلَكِن الْجَزْم أَن يجدد الْإِسْلَام فَلَو قَتله مبادر قبل التَّجْدِيد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مأخوذان من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ عدم الْإِكْرَاه وَبَرَاءَة الذِّمَّة الثَّانِي إِذا خلف الْمُسلم ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا مَاتَ أبي كَافِرًا وَأنكر الآخر فَفِي حِصَّة الْمقر قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للفيء مؤاخذاة لَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِ لِأَن للنَّاس أغراضا فِي التَّكْفِير ومذاهب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 وَهُوَ لم يُصَرح بِهِ 3 وَالصَّحِيح أَن يستفصل فَإِن فسر بِمَا هُوَ كفر صرف إِلَى الْفَيْء وَإِلَّا صرف إِلَيْهِ فَإِن لم يُفَسر توقف الثَّالِث الْأَسير إِذا ارْتَدَّ مكْرها فَإِذا أفلت أمرناه بالتجديد وَإِن أَبى تبين أَنه كَانَ مُرْتَدا بِالِاخْتِيَارِ هَكَذَا قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيه نظر لِأَن الْمُسلم لَا يكفر بِمُجَرَّد الِامْتِنَاع عَن تَجْدِيد الْإِسْلَام وَحكم الْإِسْلَام كَانَ دَائِما لَهُ ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا ارْتَدَّ الْأَسير مُخْتَارًا ثمَّ رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي صَلَاة الْمُسلمين حكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَفِي الْفرق إِشْكَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 الطّرف الثَّانِي فِي حكم الرِّدَّة وَذَلِكَ يظْهر فِي نفس الْمُرْتَد وَولده وَمَاله وَفِي أُمُور أخر ذَكرنَاهَا فِي موَاضعهَا أما نَفسه فتهدر فِي الْحَال وَيجب قَتله إِن لم يتب فَإِن تَابَ تقبل إِلَّا إِذا كَانَ زنديقا فَفِي قبُول تَوْبَته أَرْبَعَة أوجه الظَّاهِر أَنه تقبل إِذْ بَاب الْهِدَايَة غير محسوم فَلَعَلَّهُ اهْتَدَى وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هلا شققت عَن قلبه تَنْبِيها على أَن النّظر إِلَى الظَّاهِر دون السرائر وَالثَّانِي لَا تقبل لِأَن التقية عِنْد الْخَوْف عين الزندقة وَالثَّالِث أَنه إِن أسلم ابْتِدَاء من غير مُطَالبَة قبل وَإِن كَانَ تَحت السَّيْف فَلَا وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ دَاعيا إِلَى الضلال لم تقبل وَإِلَّا فَتقبل وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله إِنَّمَا تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد مرّة وَاحِدَة وَإِن أعَاد ثَانِيًا لم تقبل وَهُوَ بعيد إِذْ من يتَصَوَّر أَن يخطىء مرّة يتَصَوَّر أَن يخطىء مرَّتَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 وَفِي الْمُبَادرَة إِلَى قتل الْمُرْتَد قَولَانِ أَحدهمَا يُبَادر إِلَى ذَلِك لِأَن جِنَايَته قد تمت وَالثَّانِي يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مُرْتَد بَادر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَتله اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا فعله أَبُو مُوسَى هلا حبستموه ثَلَاثًا تلقونَ إِلَيْهِ كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا الْإِمْهَال لَا يجب فَيُسْتَحَب أَو يمْنَع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يمْنَع فَإِن قَالَ أمهلوني ريثما تجلو شبهتي بالمناظرة فَهَل يناظر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْحجَّة مُقَدّمَة على السَّيْف وَالثَّانِي لَا لِأَن الخيالات الْفَاسِدَة لَا حصر لَهَا فليقبل الْإِسْلَام ظَاهرا ثمَّ يبْحَث وَأما ولد الْمُرْتَد فَإِن تراخت الرِّدَّة عَن الْولادَة فَالْوَلَد مُسلم فَإِن علقت مرتدة من مُرْتَد فَفِي الْوَلَد ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 أَحدهَا أَنه كَافِر أُصَلِّي وَالثَّانِي أَنه مُرْتَد يردد بعد الْبلُوغ بَين الْإِسْلَام وَالسيف وَيكون أُسْوَة أَبَوَيْهِ وَالثَّالِث أَنه مُسلم لِأَن علقَة الْإِسْلَام بَاقِيَة فِي الْمُرْتَد وَالْإِسْلَام يَعْلُو وَلَو خلف المعاهدون أَوْلَادًا فِيمَا بَيْننَا فإمَّا أَن نقبل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو نلحقهم بمأمنهم وَأما أهل الرِّدَّة فَإِن التحقوا بدار الْحَرْب فَلَا يثبت لَهُم حكم أهل الْحَرْب فِي الإسترقاق خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما مَال الْمُرْتَد فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول ملكه فِي الْحَال كملك النِّكَاح وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا إهانة فِيهِ على الْمُسلم بِخِلَاف النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة تبين زَوَال ملكه إِلَى أهل الْفَيْء وَإِن عَاد تبين اسْتِمْرَار ملكه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بِزَوَال ملكه فَكل دين كَانَ لزمَه قبل الرِّدَّة يقْضِي من مَاله كَمَا يقْضِي من تَرِكَة الْمَيِّت وَلَا خلاف أَنه ينْفق عَلَيْهِ من مَاله وَهل ينْفق على أَقَاربه الْمُسلمين وَهل تقضى دُيُونه الَّتِي التزمها فِي الرِّدَّة بإتلافه فِيهِ وَجْهَان فَلَو احتطب حصل الْملك للفيء كَمَا يحصل باحتطاب العَبْد للسَّيِّد وَكَذَا فِي اتهابه وشرائه من الْخلاف مَا فِي العَبْد وَلَا خلاف أَنه إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام عَاد ملكه وَرَهنه كَمَا يعود إِن صَار الْخمر خلا وَإِن فرعنا على بَقَائِهِ فللسلطان ضرب الْحجر عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف نظرا للفيء ثمَّ هَل يتحجر بِالرّدَّةِ أم يحْتَاج إِلَى حجر السُّلْطَان فِيهِ خلاف ثمَّ ذَلِك الْحجر كحجر السَّفِيه أَو الْمُفلس فِيهِ خلاف وحكمهما مَذْكُور فِي مَوْضِعه فَإِن قُلْنَا يحْتَاج إِلَى ضرب الْحجر نفذ تصرفه قبله وَقيل هُوَ كتصرف الْمَرِيض وَتَكون حُقُوق أهل الْفَيْء كحقوق الْغُرَمَاء حَتَّى لَا ينفذ مَعَه التَّبَرُّعَات وَلَا فِي الثُّلُث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 وَإِن فرعنا على الْوَقْف لم ينفذ مِنْهُ إِلَّا كل تصرف قَابل للْوَقْف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 = كتاب حد الزِّنَا= الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 الْجِنَايَة الثَّالِثَة هِيَ الزِّنَا وَهِي جريمة مُوجبَة للعقوبة إِمَّا الرَّجْم وَإِمَّا الْجلد وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي الْمُوجب والموجب والضبط فِيهِ أَن إيلاج الْفرج فِي الْفرج الْمحرم قطعا المشتهي طبعا إِذا انْتَفَت الشُّبْهَة عَنهُ سَبَب لوُجُوب الرَّجْم على الْمُحصن ولوجوب الْجلد والتغريب على غير الْمُحصن وَفِي الرابطة قيود لَا بُد من كشفها أما الْإِحْصَان فَهُوَ عبارَة عَن ثَلَاثَة خِصَال التَّكْلِيف وَالْحريَّة والإصابة فِي نِكَاح صَحِيح فَإِذا انْتَفَى التَّكْلِيف سقط أصل الْحَد فَلَا حد على الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَإِذا انْتَفَت الْإِصَابَة فقد سقط الرَّجْم وَوَجَب جلد مائَة وتغريب عَام وَلَا تقوم الْإِصَابَة فِي ملك الْيَمين مقَامه وَأما فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَوَطْء الشُّبْهَة فَقَوْلَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يحصن كَمَا فِي التَّحْلِيل وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وُقُوع الْإِصَابَة بعد الْحُرِّيَّة والتكليف وَفِيه وَجه أَنه لَا أثر للإصابة فِي الصِّبَا وَالْجُنُون وَالرّق إِذْ لَيْسَ يحصل التحصن بالمباح بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وَلَا خلاف أَنه لَا يعْتَبر وجود هَذِه الْخِصَال فِي الواطئين فالرقيق إِذا زنا بحرة رجمت وَكَذَا بِالْعَكْسِ فَإِذا وطىء الْبَالِغَة صَغِير فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَا بِالْعَكْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 وَإِنَّمَا ينقدح هَذَا فِي الَّذِي لَا يتشهي أما الْمُرَاهق فَلَا ينقدح فِيهِ خلاف إِذْ الْعَاقِلَة إِذا مكنت مَجْنُونا رجمت والمراهق المشتهي كَالْمَجْنُونِ وَالثَّيِّب إِذا زنى ببكر رجم وجلدت وَكَذَا بِالْعَكْسِ أما الْحُرِّيَّة إِذا انعدمت اقْتضى تشطير الْحَد فيجلد الرَّقِيق خمسين جلدَة وَفِي تغريبه قَولَانِ أَحدهَا أَنه لَا يغرب نظرا للسَّيِّد وَالثَّانِي أَنه يغرب وَفِي قدره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يغرب نصف سنة تشطيرا وَالثَّانِي أَنه يكمل لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطباع لَا يُؤثر فِيهِ الرّقّ كمدة الْعنَّة ثمَّ فِي أصل التَّغْرِيب مسَائِل الأولى أَن الْمَرْأَة لَا نغربها إِلَّا مَعَ مرحم فَإِن كَانَت الطّرق آمِنَة فَفِي تغريبها من غير محرم وَجْهَان وَوَجهه أَن هَذَا سفر وَاجِب كالهجرة فَإِن أَوجَبْنَا الْمحرم وَلم يُوَافق إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فأجرته عَلَيْهَا على وَجه وعَلى بَيت المَال على وَجه كَأُجْرَة الجلاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 وَهل للسُّلْطَان إِجْبَار الْمحرم بِالْأُجْرَةِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تغريب من لَا ذَنْب لَهُ وَالثَّانِي نعم وَإِنَّمَا هُوَ استعانة فِي إِقَامَة حد فَتجب الْإِجَابَة الثَّانِيَة مَسَافَة الغربة يقدرها السُّلْطَان وَلَكِن لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ لِأَن الوحشة تلتقي بتواصل الْخَبَر ثمَّ إِذا غربناه إِلَى بَلْدَة لم نمنعه من الإنتقال إِلَى أُخْرَى وَقيل يمْنَع وَهُوَ زِيَادَة حبس ضم إِلَى تغريب بِغَيْر دَلِيل نعم لَو عين الإِمَام جِهَة الْمشرق وَالْتمس جِهَة الْمغرب فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر اتِّبَاع رَأْي الزَّانِي لِأَن الْغَرَض الإزعاج نعم الْغَرِيب إِذا زنى أزعجناه لينقطع عَن مَحل الْفَاحِشَة فَلَو كَانَ إِلَى وَطنه مرحلتان فَلَا نغربه إِلَى وَطنه وَإِن غربناه إِلَى بَلْدَة فانتقل إِلَى وَطنه فَفِي مَنعه نظر وَالظَّاهِر أَنه لَا يمْنَع الثَّالِثَة لَو عَاد الْمغرب إِلَى مَكَانَهُ غربناه ثَانِيًا وَلم تحسب الْمدَّة الْمَاضِيَة على الْأَظْهر لِأَن لتوالي الغربة تَأْثِيرا لَا يُنكر كتوالي الجلدات هَذَا بَيَان الْإِحْصَان أما الْإِسْلَام فَلَيْسَ من الْإِحْصَان عندنَا بل يرْجم الذِّمِّيّ إِذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 رَضِي بحكمنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهوديين بإقرارهما كَانَا قد أحصنا وَذَلِكَ إِذا رَضوا بحكمنا وَلَو رَضوا فِي شرب الْخمر لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 نحدهم لأَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه وَقد التزمنا متاركتهم وَالْأَظْهَر أَن الْحَنَفِيّ يحد على شرب النَّبِيذ لِأَنَّهُ فِي قَبْضَة الإِمَام وَالْحَاجة مآسة إِلَى زَجره فَأَما قَوْلنَا إيلاج فرج فِي فرج فَيتَنَاوَل اللواط وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ بِالسَّيْفِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَأَيْتُمُوهُ يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَالثَّانِي أَنه يرْجم بِكُل حَال تَغْلِيظًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن الْوَاجِب التَّعْزِير وَالرَّابِع أَنه كَالزِّنَا فَيُوجب الرَّجْم على الْمُحصن وَالْجَلد على غَيره ثمَّ الْإِصَابَة فِي نِكَاح صَحِيح هَل ينقدح اعْتِبَارهَا فِي الْمَفْعُول بِهِ فِيهِ نظر وَتردد وَفِيمَا إِذا أَتَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قيل هُوَ كاللواط وَقيل هُوَ كَالزِّنَا قطعا والغلام الْمَمْلُوك كَغَيْر الْمَمْلُوك وَقيل إِنَّه كَوَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة وَلَو أَتَى زَوجته أَو جَارِيَته فِي دبرهَا فَالْمَذْهَب سُقُوط الْحَد لِأَنَّهَا مَحل الإستمتاع بِخِلَاف الْغُلَام وَفِيه وَجه بعيد فَأَما قَوْلنَا مشتهى طبعا احْتِرَازًا بِهِ عَن الْإِيلَاج فِي الْمَيِّت فَلَا حد فِيهِ بل التَّعْزِير وَفِي الْبَهِيمَة قَولَانِ الْمَنْصُوص أَنه التَّعْزِير لَا غير لِأَنَّهُ غير مشتهى فِي حَالَة الإختيار وَفِيه قَول مخرج أَنه كاللواط وعَلى هَذَا فِي قتل الْبَهِيمَة وَجْهَان وَوجه الْقَتْل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فَقيل للراوي مَا ذَنْب الْبَهِيمَة فَقَالَ إِنَّمَا تقتل حَتَّى لَا تذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 وَفِيه وَجه أَنَّهَا إِن كَانَت مأكولة ذبحت وَإِلَّا فَلَا لِأَن حُرْمَة الرّوح مرعية وَلَا تَكْلِيف فَإِن قُلْنَا تقتل وَكَانَت مُحرمَة اللَّحْم فَفِي وجوب قيمتهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لِأَنَّهُ مُسْتَحقَّة الْقَتْل شرعا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ السَّبَب ثمَّ تجب على الْفَاعِل أَو على بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت مأكولة اللَّحْم فَفِي حل أكلهَا وَجْهَان إِذا ذبحت وَالأَصَح الْحل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حَيَوَان وَجب قَتله فَإِن أَوجَبْنَا الْحَد فَلَا بُد من أَرْبَعَة عدُول وَإِن أَوجَبْنَا التَّعْزِير فَفِيهِ وَجْهَان وَالنَّص يدل على اشْتِرَاط الْعدَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 وَقَوْلنَا محرم احترزنا بِهِ عَن وَطْء الْمَنْكُوحَة الصائمة والمحرمة وَالْحَائِض والرجعية فَلَا حد فِيهِ إِذْ لَيْسَ التَّحْرِيم لعَينه وَقَوْلنَا قطعا احترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد وَفِي الْمُتْعَة فَإِن فِيهِ كلَاما وَقَوْلنَا لَا شُبْهَة فِيهِ مَأْخُوذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ والشبهة ثَلَاثَة وَهِي إِمَّا فِي الْمحل أَو الْفَاعِل أَو طَرِيق الْإِبَاحَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 أما الشُّبْهَة فِي الْمحل فكالملك فَلَا حد على من يطَأ مملوكته وَإِن كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِ برضاع أَو نسب أَو شركَة فِي ملك أَو تَزْوِيج أَو عدَّة من الْغَيْر لِأَن الْمُبِيح قَائِم كَمَا فِي وَطْء الصَّائِم وَالْحَائِض وَإِذا وطىء جَارِيَة ابْنه وأحبلها فَلَا حد إِذْ انْتقل الْملك إِلَيْهِ وَإِن لم تحبل فَالظَّاهِر أَن لَا حد لِأَن لَهُ فِي مَاله شُبْهَة اسْتِحْقَاق الإعفاف وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْحَد يجب حَيْثُ يحرم الْوَطْء بِالنّسَبِ وَالرّضَاع وَيجْرِي فِي كل تَحْرِيم مؤبد وَلَا يجْرِي فِي الْحيض وَالصَّوْم وَهل يجْرِي فِي الْمَمْلُوكَة الْمُعْتَدَّة والمزوجة فِيهِ تردد وَأما الشُّبْهَة فِي الْفَاعِل فَهُوَ أَن يظنّ التَّحْلِيل كَمَا لَو زفت إِلَيْهِ غيرت زَوجته فظنها زَوجته أَو صَادف امْرَأَة على فرَاشه ظَنّهَا زَوجته الْقَدِيمَة أَو عقد عقدا ظَنّه صَحِيحا وَلَيْسَ بِصَحِيح فَلَا حد إِذْ لَا إِثْم مَعَ الظَّن وَأما الشُّبْهَة فِي الطّرق فَهُوَ كل مَا اخْتلف الْعلمَاء فِي إِبَاحَته فَلَا حد على الواطىء فِي نِكَاح الْمُتْعَة لمَذْهَب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَفِي نِكَاح بِلَا ولي لمَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَبلا شُهُود لمَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي نِكَاح الْمُتْعَة لِأَنَّهُ ثَبت نسخه قطعا وَذهب الصَّيْرَفِي إِلَى إِيجَابه فِي نِكَاح بِلَا ولي حَتَّى على الْحَنَفِيّ لظُهُور الْأَخْبَار فِيهِ وَجعله كالحنفي إِذا شرب النَّبِيذ وَهُوَ بعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 وَمَا جَاوز هَذِه الشُّبُهَات فَلَا عِبْرَة بهَا عندنَا فَيجب الْحَد على من نكح أمه أَو مَحَارمه أَو زنى بهَا وَكَذَا إِذا استؤجرت للزِّنَا أَو أَبَاحَتْ الْمَرْأَة نَفسهَا أَو جاريتها أَو زنا نَاطِق بخرساء أَو أخرس بناطقة أَو عَاقِلَة مكنت مَجْنُونا أَو اعْترف أحد الواطئين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 دون الثَّانِي أَو زنا بِامْرَأَة يسْتَحق عَلَيْهَا الْقصاص أَو زنا فِي دَار الْحَرْب وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي جَمِيع ذَلِك نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِقَامَة الْحَد فِي دَار الْحَرْب لما فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاخْتلفُوا فِي الْمُكْره على الزِّنَا وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب أما الْمَرْأَة إِذا أكرهت على التَّمْكِين من الزِّنَا فَلَا خلاف أَنه لَا حد عَلَيْهَا هَذَا بَيَان مُوجب الْحَد وَيَنْبَغِي أَن يظْهر للْقَاضِي بِجَمِيعِ قيوده وحدوده حَتَّى يجوز لَهُ إِقَامَة الْحُدُود وَذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار وَيَكْفِي الْإِقْرَار مرّة وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من التّكْرَار حَتَّى قَالَ لَو ثَبت الْحَد بِالشَّهَادَةِ فَصدق الشُّهُود فَلَا حد وَإِن كذب أقيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 الْحَد وَلَا خلاف عندنَا أَنه إِذا رَجَعَ وَكذب نَفسه لم نقم الْحَد لِأَن حق الله تَعَالَى على المساهلة وَالْقصاص لَا يسْقط بِالرُّجُوعِ وَفِي حد السّرقَة خلاف وَالْأَظْهَر أَنه يسْقط وَهل ينزل منزلَة الرُّجُوع التماسه ترك الْحَد أَو هربه أَو امْتِنَاعه من التَّمْكِين فِيهِ وَجْهَان أقيسهما أَنه لَا يُؤثر وَوجه الْإِعْرَاض عَنهُ أَن شَارِب خمر هم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحده فهرب ولاذ بدار الْعَبَّاس فَلم يتَعَرَّض لَهُ ثمَّ هَذَا إِنَّمَا ينفع فِيمَا يثبت بِالْإِقْرَارِ فَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ لم يَنْفَعهُ شَيْء إِلَّا التَّوْبَة وَفِيه قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْقط إِذْ يصير ذَلِك ذَرِيعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَالثَّانِي أَنه يسْقط كَمَا يسْقط عَن قطاع الطَّرِيق إِذا تَابُوا قبل الظفر بهم كَمَا ورد بِهِ الْقُرْآن وَفِي تَوْبَته بعد الظفر بِهِ أَيْضا قَولَانِ والهرب لَا يبعد أَن يُؤثر على رَأْي وَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ وَفِي المسقطات فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ مسَائِل إِحْدَاهَا لَو شهد أَرْبَعَة على زنا امْرَأَة لَكِن شهد اثْنَان على أَنَّهَا مطاوعة وَاثْنَانِ أَنَّهَا مُكْرَهَة فَلَا حد عَلَيْهَا وَفِي وجوب حد الْقَذْف على شَاهِدي المطاوعة قَولَانِ إِذْ لم يكمل عدد شَهَادَتهم أما الرجل الْمَذْكُور بِالزِّنَا فقد كمل الْعدَد فِي حَقه فَإِن حددنا الشَّاهِدين حد الْقَذْف فقد صَارا فاسقين فَلَا يجب الْحَد على الرجل بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن قُلْنَا لَا حد عَلَيْهِمَا فَالْأَظْهر وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهِ وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِن اخْتِلَاف الشَّهَادَة فِي الصّفة أورث إشْكَالًا فِي الأَصْل الثَّانِيَة لَو شهد أَرْبَعَة على زنَاهَا فشهدن أَرْبَعَة على أَنَّهَا عذراء فَلَا حد عَلَيْهَا وَلَا يجب حد الْقَذْف على الشُّهُود لاحْتِمَال عود الْعذرَة فَيسْقط كل حد بِاحْتِمَال الثَّالِثَة لَو شهد أَرْبَعَة على الزِّنَا وَعين كل وَاحِد زَاوِيَة أُخْرَى من الْبَيْت فَلَا حد عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 الطّرف الثَّانِي فِي الِاسْتِيفَاء وَالنَّظَر فِي كيفيته ومتعاطيه أما الْكَيْفِيَّة فيرعى مِنْهَا أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا حُضُور الْوَالِي وَالشُّهُود وبداية الشُّهُود بِالرَّمْي وَذَلِكَ مُسْتَحبّ عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب حُضُور الْوَالِي إِن ثبتَتْ بِالْإِقْرَارِ وَحُضُور الشُّهُود إِن ثبتَتْ بِالشَّهَادَةِ وَيجب بدايتهم بِالرَّمْي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 الثَّانِي حِجَارَة الرَّجْم لَا بُد مِنْهَا فَلَو عدل إِلَى السَّيْف وَقع الْموقع وَلَكِن فِيهِ ترك التنكيل الْمَقْصُود ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة دفْعَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات خَفِيفَة الثَّالِث إِن كَانَ الزَّانِي مَرِيضا وَهُوَ مرجوم فيرجم لِأَنَّهُ مستهلك وَإِن كَانَ يجلد فيؤخر إِلَى الْبُرْء إِن كَانَ منتظرا وَلَا يحبس إِن ثبتَتْ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ مهما أَرَادَ قدر على الرُّجُوع وَإِن ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ حبس كَمَا تحبس الْحَامِل وَإِن كام مجروحا وَلَا ينظر زَوَال مَا بِهِ وَلَا يحْتَمل مائَة جلدَة فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثله خُذُوا عثْكَالًا عَلَيْهِ مائَة شِمْرَاخ فاجلدوه بِهِ وَالْأَظْهَر أَنه يضْرب بِهِ ضربا فِيهِ إيلام وَلَا يَكْتَفِي بِمَا يكْتَفى بِهِ فِي الْيَمين وَلَا يشْتَرط أَن تمسه جَمِيع الشماريخ بل يَكْفِي أَن تتثاقل عَلَيْهِ وتنكبس فَلَو كَانَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ ضَرَبْنَاهُ مرَّتَيْنِ فَلَو كَانَ يحْتَمل كل يَوْم سَوْطًا فَلَا نفرق بل يجلد فِي الْحَال وَلَو كَانَ يحْتَمل سياطا خفافا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 فَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يعدل إِلَى العثكال لإِطْلَاق الْخَبَر وَيحْتَمل أَن يُقَال ذَلِك أقرب إِلَى الْحَد فَإِذا ضَرَبْنَاهُ بالعثكال فَزَالَ مَرضه على الندور لم نعد الْحَد بِخِلَاف حج المعضوب الرَّابِع الزَّمَان فَلَا يُقَام الْجلد فِي فرط الْحر وَالْبرد بل يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء وَالرَّجم إِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ يُقَام بِكُل حَال وَإِن ثَبت بِالْإِقْرَارِ يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء لِأَنَّهُ رُبمَا يرجع إِذا مسته الْحِجَارَة فيسري الْقَلِيل مِنْهُ فِي الْحر وَإِذا بَادر الإِمَام فِي الْحر المفرط فجلد وَمَات فالنص أَنه لَا يضمن وَنَصّ أَنه لَو ختن الإِمَام مُمْتَنعا عَن الْخِتَان فِي الْحر فسرى ضمن فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَنه يضمن لإفراطه فِي البدار فِي غير وقته وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن الْحَد مُسْتَحقّ وَلم يزدْ على الْمُسْتَحق وَقيل بِالْفرقِ لِأَن الْخِيَار لَيْسَ إِلَى الْوُلَاة فِي الأَصْل فَجَاز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة بِخِلَاف الْحَد فَإِن قُلْنَا يضمن أَوجَبْنَا التَّأْخِير وَإِن قُلْنَا لَا جعلنَا التَّأْخِير مُسْتَحبا لَا وَاجِبا وَيجوز أَن يُقَال يُبَاح التَّعْجِيل وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال شَرطه أَن تغلب السَّلامَة مِنْهُ إِذْ لَيْسَ المُرَاد من الْحَد الْقَتْل حَتَّى لَو تعدى بِهِ مُتَعَدٍّ فَلَا قصاص وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يعْتَبر ذَلِك إِلَّا فِي التَّعْزِير أما الْحَد فَلَا يبعد أَن يكون قَاتلا فَلَا يجب الْقصاص بِهِ وَمن مَاتَ بِهِ فَالْحق قَتله وَيدل عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جَوَاز الْمُبَادرَة فِي الْحر فَأَما المستوفي للحد فَهُوَ الإِمَام فِي حق الْأَحْرَار وَالسَّيِّد فِي حق المماليك عندنَا لَا فِي الْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق فَأَما الْمُدبر وَأم الْوَلَد فقن وَللْإِمَام الِاسْتِيفَاء أَيْضا ثمَّ إِذا اجْتمع السَّيِّد وَالسُّلْطَان فَأَيّهمَا أولى فِيهِ احْتِمَال وَهل للسَّيِّد تَعْزِير عَبده الظَّاهِر أَن لَهُ ذَلِك وَقيل لَا إِذْ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا زنت أمة أحدكُم فليحدها فَلم يرد الْخَبَر إِلَّا فِي الْحَد ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن مأخذه الْولَايَة أَو استصلاح الْملك فَإِن قُلْنَا مأخذه الْولَايَة لم يكن ذَلِك للْمَرْأَة وَالْفَاسِق وللمكاتب فِي عبيدهم وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الْقطع وَالْقَتْل فَمن جعله ولَايَة سلط السَّيِّد عَلَيْهِ وَمن جعله استصلاحا فَهُوَ اسْتِهْلَاك فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْقطع استصلاحا فَهُوَ اسْتِهْلَاك فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْقطع استصلاح بِخِلَاف الْقَتْل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 ثمَّ هَذَا فِيهِ إِذا شهد السَّيِّد الْفَاحِشَة أَو أقرّ فَأَما إِذا شهد الشُّهُود فَإِن قُلْنَا استصلاح فَلَيْسَ لَهُ منصب الحكم وَإِن قُلْنَا ولَايَة فَوَجْهَانِ لِأَن الحكم يَسْتَدْعِي منصبا فَإِن منعناه فيستوفيه إِذا قضى بِهِ القَاضِي فَإِن جَوَّزنَا لَهُ سَماع الْبَيِّنَة لم نشترط كَونه مُجْتَهدا بل يَكْفِيهِ الْعلم بِمَا يُوجب الْحَد فرع من قتل حدا غسل وَصلي عَلَيْهِ وَدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين كالمقتول قصاصا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 الْجِنَايَة الرَّابِعَة هِيَ الْقَذْف كتاب حد الْقَذْف وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب أما الْمُوجب فالنظر فِي الْقَذْف والقاذف والمقذوف أما الْقَذْف فقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان وَالَّذِي نزيده الْآن أَنه لَا بُد أَن يكون فِي معرض التعيير فَلَو كَانَ فِي معرض الشَّهَادَة فَلَا حد إِلَّا إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة لعدم الْأَهْلِيَّة كَمَا لَو كَانَ الشَّاهِد عبدا أَو ذِمِّيا فَعَلَيْهِم حد الْقَذْف وَإِن ردَّتْ الشَّهَادَة بِنُقْصَان الْعدَد بِأَن شهد ثَلَاثَة فَفِيهِ قَولَانِ أقيسهما أَنه لَا يجب لِأَن الشَّهَادَة أَمَانَة يجب أَدَاؤُهَا وكل وَاحِد لَا يكون على ثِقَة من مساعدة غَيره وَالثَّانِي أَنه يجب لقصة عمر رَضِي الله عَنهُ مَعَ أبي بكرَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 وَأما إِذا شهد لَهُ أَرْبَعَة ثمَّ رَجَعَ وَاحِد فالراجع مَحْدُود والمصر غير مَحْدُود إِذْ تمت الشَّهَادَة أَولا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ بعيد ثمَّ ذَلِك لَا ينقدح فِي الرُّجُوع بعد الْقَضَاء أصلا أما إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة بِالْفِسْقِ فَإِن كَانَ بفسق يُجَاهر بِهِ فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ بفسق خَفِي انْكَشَفَ فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يحد وَوجه إِسْقَاط الْحَد أَن الْفَاسِق من أهل الشَّهَادَة عِنْد بعض الْعلمَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 أما رد شَهَادَتهم بأَدَاء اجْتِهَاده إِلَى فسقهم فَلَا حد عَلَيْهِم إِذْ الْحَد يسْقط بالإحتمال أما الْقَاذِف فَيعْتَبر فِيهِ التَّكْلِيف وَالْحريَّة وَإِن انْتَفَى التَّكْلِيف فَلَا حد وَإِن انْتَفَت الْحُرِّيَّة تشطر الْحَد وَهَذَا يدل على مشابهته حُقُوق الله تَعَالَى لَكِن الْغَالِب فِي حد الْقَذْف حق الْآدَمِيّ إِذْ يسْقط بِعَفْو الْمَقْذُوف وَلَكِن لَا يسْقط بِإِبَاحَة الْقَذْف على الصَّحِيح وَلَا يَقع الْموقع إِذا استوفى الْمَقْذُوف لِأَن للإجتهاد دخلا فِي تَقْدِير وَقع الجلدات فَهُوَ من شَأْن الْوُلَاة لَا كَالْقَتْلِ الَّذِي يَقع موقعه فِي حق الزَّانِي الْمُحصن إِذا بَادر إِلَيْهِ وَاحِد من الْمُسلمين وَإِن تعدى بِهِ ومستحق الْقطع وَالْقَتْل قصاصا عَلَيْهِ أَن يرفع إِلَى القَاضِي فَإِن اسْتَقل بِهِ وَقع موقعه وينقدح وَجه فِي حد الْقَذْف أَيْضا أَنه يَقع موقعه أما الْمَقْذُوف فَيعْتَبر إحْصَانه لإِيجَاب الْحَد وَقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان الطّرف الثَّانِي فِي قدر الْوَاجِب وَهُوَ ثَمَانُون جلدَة على الْحر وَأَرْبَعُونَ على الرَّقِيق فَإِن تعدد الْقَذْف بِأَن نسبه إِلَى زنيتين فَإِن لم يَتَخَلَّل اسْتِيفَاء الْحَد تدَاخل وَإِن تخَلّل فَقَوْلَانِ أصَحهمَا أَنه يحد حدا آخر لتجدد الْمُوجب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قد ظهر كذبه فِي حَقه مرّة وَاحِدَة وَلَو عين الزِّنَا بشخص أَولا ثمَّ أطلق الزِّنَا ثَانِيًا حمل على الأول مَا أمكن وَلم نستأنف الْحَد وَلَو قذف شَخْصَيْنِ بكلمتين فحدان وَلَو قَالَ زنيتما فَفِي تعدد الْحَد خلاف وَقد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان فِي جملَة من أَحْكَام الْقَذْف وَالْحَد فَلَا نعيده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 الْجِنَايَة الْخَامِسَة الْمُوجبَة للحد السّرقَة = كتاب حد السّرقَة = وَالْكَلَام فِيهِ فِي الْمُوجب وَفِي طَرِيق إِيجَابه بِالْحجَّةِ وَفِي الْوَاجِب الطّرف الأول فِي الْمُوجب وَهُوَ السّرقَة وَلها ثَلَاثَة أَرْكَان الْمَسْرُوق وَالسَّرِقَة وَالسَّارِق الرُّكْن الأول الْمَسْرُوق وَله سِتَّة شُرُوط أَن يكون نِصَابا مَمْلُوكا لغير السَّارِق ملكا مُحْتَرما تَاما محرزا لَا شُبْهَة للسارق فِيهِ فلنشرح هَذِه الْقُيُود الشَّرْط الأول النّصاب وَهُوَ عندنَا ربع دِينَار فَصَاعِدا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قطع إِلَّا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 ربع دِينَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة رداهم وَقَالَ دَاوُد رَحمَه الله لَا يشْتَرط النّصاب ثمَّ نُرِيد الرّبع الْمَضْرُوب دون الإبريز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 فروع الأول لَو سرق ربع مِثْقَال من الإبريز لَا يسوى ربعا مَضْرُوبا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا قطع لأَنا نقوم السّلع بالمضروب وَهُوَ كسلعة وَالثَّانِي يجب لِأَن الِاسْم ينْطَلق عَلَيْهِ فَيجب بِهِ وَإِن لم يقوم بِهِ وعَلى هَذَا لَو سرق خَاتمًا قِيمَته ربع ووزنه سدس وَجب الْقطع إِن اعْتبرنَا التَّقْوِيم وَإِن اعْتبرنَا بِالْوَزْنِ فَلَا قطع الثَّانِي لَو سرق دَنَانِير ظَنّهَا فُلُوسًا لَا تَسَاوِي ربعا وَجب الْقطع وَلَا يشْتَرط علمه بِكَوْنِهِ نِصَابا وَلَو سرق جُبَّة قيمتهَا دون النّصاب لَكِن فِي جيبها دِينَار وَهُوَ لم يشْعر بِهِ وَجب الْحَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب ولأصحابنا وَجه يُوَافقهُ من حَيْثُ إِنَّه لم يقْصد إِخْرَاج دِينَار الثَّالِث لَو نقص قيمَة النّصاب بِأَكْلِهِ أَو تمزيقه قبل الْإِخْرَاج من الْحِرْز فَلَا قطع وَإِن نقص بعد وَجب الْقطع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 الرَّابِع لَو أخرج نِصَابا وَلَكِن بكرات وكل كرة نَاقص عَن نِصَاب فَلَا قطع وَإِنَّمَا تَتَعَدَّد الكرات بِأَن يُعَاد إحكام الْحِرْز ويطلع الْمَالِك على الأول فَلَو لم يَتَخَلَّل ذَلِك وَلَكِن كَانَ يُخرجهُ شَيْئا شَيْئا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب لتَعَدد الصُّورَة وَالثَّانِي يجب إِذْ السَّارِق قد يحْتَاج إِلَى أَن يُخرجهُ مفرقا وَالثَّالِث أَنه إِن تخَلّل طول زمَان أَو رد الْمَسْرُوق إِلَى بَيت السَّارِق وَلَو فِي زمَان قصير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 فَلَا قطع وَإِن لم يَتَخَلَّل شَيْء من ذَلِك فمتحد الْخَامِس لَو فتح أَسْفَل كندوج وَكَانَ يخرج شَيْئا شَيْئا على التواصل فَإِن قُلْنَا يجب ثمَّ وَإِن لم يتواصل فها هُنَا أولى وَإِن لم نوجب ثمَّ فها هُنَا وَجْهَان لِأَن الْفِعْل مُتحد وَلَا خلاف أَنه لَو أَخذ طرف منديل فَكَانَ يجره وَيخرج من الْحِرْز شَيْئا شَيْئا وَجب الْقطع لِأَن ذَلِك فِي حكم المتحد وَلَو أخرج نصفه وَترك النّصْف الآخر فِي الْحِرْز فَلَا قطع وَإِن كَانَ الْقدر الْمخْرج لَو فصل لَكَانَ يُسَاوِي نِصَابا لِأَنَّهُ شَيْء وَاحِد وَلم يتم إِخْرَاجه السَّادِس لَو جمع من الْبذر المبثوث فِي الأَرْض مَا يبلغ نِصَابا وَهُوَ مُحرز فَالصَّحِيح وجوب الْقطع وَقيل لَا يجب لِأَن كل حُفْرَة حرز حَبَّة فَلم يخرج من كل حرز إِلَّا بعض النّصاب السَّابِع إِذا اشْترك رجلَانِ فِي حمل مَا دون نصف دِينَار فَلَا قطع عَلَيْهِمَا وَلَو حملا مِقْدَار نصف لزمهما إِذْ يخص كل وَاحِد نِصَاب فَإِن قيل كَيفَ يجب الْقطع بالتقويم وَهُوَ مُجْتَهد فِيهِ قُلْنَا يَنْبَغِي أَن يقطع الْمُقَوّم بِأَنَّهُ يُسَاوِي الرّبع فَلَو قَالَ أَظن أَنه يُسَاوِي لم يجب الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَمْلُوكا لغير السَّارِق فَلَا قطع على من سرق ملك نَفسه وَإِن كَانَ مَرْهُونا أَو مُسْتَأْجرًا وَكَذَا لَو طَرَأَ ملكه قبل إِخْرَاجه بِمَوْت الْمَوْرُوث فَلَا قطع وَلَو طَرَأَ بعد الْإِخْرَاج لم يُؤثر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 ثمَّ لَو ادّعى السَّارِق الْملك سقط الْحَد بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ إِذْ صَار خصما يجب الْيَمين بِدَعْوَاهُ على صَاحب الْيَد فيبعد أَن تقطع يَده بِيَمِين غَيره وَفِيه قَول مخرج أَنه يجب الْحَد لِأَن هَذَا يصير ذَرِيعَة ثمَّ إِذا فرعنا على النَّص فَلَو ادّعى الْملك لشَرِيكه فِي السّرقَة أَو لسَيِّده وَهُوَ عبد سقط أَيْضا نعم لَو كذب السَّيِّد أَو الشَّرِيك سقط عَن الْمُدَّعِي أَيْضا وَلَكِن هَل يسْقط عَن الشَّرِيك المكذب فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسْقط لِأَنَّهُ لم يدع لنَفسِهِ شُبْهَة وَقَالَ الْقفال يسْقط لِأَنَّهُ جرت الدَّعْوَى لَو صدق لسقط فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ الْمَسْرُوق مِنْهُ للسارق فكذب فَإِنَّهُ لَا قطع الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مُحْتَرما فَلَا قطع على سَارِق الْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ لَا مَالِيَّة وَلَا حُرْمَة وَلَا على سَارِق الطنبور والبربط والملاهي وَإِن كَانَ الرضاض بعد الْكسر يُسَاوِي نِصَابا مهما أخرجه على قصد الْكسر وَإِن قصد السّرقَة فَوَجْهَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ لم يُخرجهُ على الْوَجْه الْجَائِز وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن الْحِرْز لَا يتَحَقَّق مَعَه وَهُوَ مسلط على الدُّخُول والإخراج ويطرد هَذَا فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة حَيْثُ يجب كسرهَا الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون الْملك تَاما قَوِيا احترزنا بالتمام عَمَّا يكون للسارق فِيهِ شركَة أَو حق فَلَو سرق أحد الشَّرِيكَيْنِ مَالا مُشْتَركا من صَاحبه فَالظَّاهِر أَنه لَا قطع عَلَيْهِ حَتَّى لَو لم يكن لَهُ من ألف دِينَار سَرقَة إِلَّا دِينَار فَلَا قطع إِذْ لَا جُزْء مِنْهُ إِلَّا وَله فِيهِ حق شَائِع فَيصير شُبْهَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا أثر للشَّرِكَة بل لَو سرق نصف دِينَار من مَال مُشْتَرك بَينهمَا قطع إِذْ قدر النّصاب لَيْسَ ملكا لَهُ مِمَّا أخرجه وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَذَلِك إِن لم يكن المَال قَابلا للْقِسْمَة أما إِذا كَانَ بَينهمَا دِينَارَانِ فَسرق أَحدهمَا دِينَارا فَلَا قطع وَيحمل ذَلِك على قسْمَة فَاسِدَة وَلَو سرق دِينَارا وربعا لزمَه لَا محَالة أما مَا للسارق فِيهِ حق كَمَال بَيت المَال فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا قطع لِأَنَّهُ مرصد لمصلحته إِذا مست حَاجته إِلَيْهِ وَلَا ينظر إِلَى استغنائه فِي الْحَال كالابن لَا تقطع يَده بِسَرِقَة مَال أَبِيه وَإِن كَانَ غَنِيا وَالثَّانِي أَنه إِن سرق من مَال الصَّدقَات من هُوَ فَقير فَلَا قطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 وَإِلَّا فَيجب وَأما الإبن فَلَا قطع لأجل البعضية وَيدل عَلَيْهِ أَن الذِّمِّيّ لَو سرق قطع وَيتَصَوَّر أَن يقدر إِسْلَامه وَفِيه وَجه أَنه يقدر كَمَا يقدر الْفقر فِي الْغَنِيّ وَلَا خلاف فِي أَن مَا أفرز للمرتزقة أَو ميز من الْخمس لذِي الْقُرْبَى واليتامى وَقُلْنَا إِنَّه ملكهم فَإِذا سَرقه من لَيْسَ مِنْهُم يقطع فَأَما الْقُوَّة فاحترزنا بِهِ عَن الْملك الضَّعِيف كالمستولدة وَالْوَقْف وَفِيهِمَا وَجْهَان أصَحهمَا الْوُجُوب لتحَقّق أصل الْملك ولزومه وَأما الْمَسَاجِد فَفِي حصرها وقناديلها ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْقَنَادِيل والزينة وَبَين الْفرش الَّتِي ينْتَفع بِهِ كل أحد وَأما بَاب الْمَسْجِد وأجذاعه وَسَائِر أَجْزَائِهِ فَيجب فِيهِ الْقطع وَيتَّجه فِيهِ أَيْضا تَخْرِيج وَجه من الْقنْدِيل وَالظَّاهِر أَن من وطىء جَارِيَة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 بَيت المَال حد كالابن يطَأ جَارِيَة أَبِيه وَفِي جَارِيَة بَيت المَال وَجه أَنه لَا يجب الشَّرْط الْخَامِس كَون المَال نقيا عَن شُبْهَة اسْتِحْقَاق السَّارِق فمستحق الدّين إِذا سرق مَال من عَلَيْهِ دين وَمن عَلَيْهِ الدّين غير مماطل قطع وَإِن كَانَ مماطلا وسرق جنس حَقه فَلَا قطع إِذْ لَهُ أَن يمتلك ذَلِك وَإِن كَانَ غير جنس حَقه فَالْمَذْهَب أَنه لَا قطع أَيْضا وَقيل إِنَّه يجب إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يَتَمَلَّكهُ أما اسْتِحْقَاق النَّفَقَة فَهُوَ سَبَب لإِسْقَاط الْقطع فَلَا يقطع الابْن بِسَرِقَة مَال أَبِيه وجده وَسَائِر أَبْعَاضه لِأَن مَاله مرصد لِحَاجَتِهِ وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى أَن لَا تقطع يَده وَلَا ينظر إِلَى غنائه فِي الْحَال أما نَفَقَة الزَّوْجِيَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا تقطع يَد كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ بِمَال الآخر لما بَينهمَا من الإتحاد الْعرفِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي أَنه يقطع إِذْ هُوَ اتِّحَاد لَا يُوجِبهُ الشَّرْع وَالثَّالِث أَن الزَّوْجَة لَا تقطع لأجل حق النَّفَقَة وَالزَّوْج يقطع التَّفْرِيع إِن قُلْنَا لَا يقطع فَلَو سرق عبد أَحدهمَا من مَال الآخر فَفِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 وَجْهَان وَوجه إِيجَابه أَنه يلْزم عَلَيْهِ أَن لَا يقطع ولد أَحدهمَا بِسَرِقَة مَال الآخر وَكَيف يُمكن ذَلِك وَولد الْأَب يقطع وَهُوَ الْأَخ هَذِه وُجُوه للشُّبْهَة الْمُعْتَبرَة ويؤثر أَيْضا ظن السَّارِق أَنه ملكه أَو ملك أَبِيه وَأَن الْحِرْز ملكه فَأَما كَون الشَّيْء مُبَاح الأَصْل كالكلأ وَالصَّيْد والحطب أَو رطبا كالفواكه والمرق أَو مضموما إِلَى مَا لَا قطع فِيهِ أَو كَونه مسروقا مرّة أُخْرَى وَقد قطع فِيهِ أَو متعرضا لتسارع الْفساد كالمرق والجمد والشمع المشتعل فَكل ذَلِك يقطع فِيهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 وَأما المَاء فَإِن قُلْنَا إِنَّه مَمْلُوك وَبلغ نِصَابا وَجب الْقطع فِيهِ أَيْضا وَلَا خلاف أَنه لَا يشْتَرط كَون الْمَسْرُوق فِي يَد الْمَالِك بل لَو سرق فِي يَد الْوَكِيل وَالْمُودع وَالْمُرْتَهن وَغَيرهم وَجب الْقطع الشَّرْط السَّادِس كَونه محرزا ونعنى المحرز مَا يكون سارقه على خطر وغرر خوفًا من الإطلاع عَلَيْهِ فَلَا قطع على من يَأْخُذ مَالا من مضيعة وعمدة الْحِرْز اللحاظ فَلَا قطع على من سرق مَالا من قلعة حَصِينَة فِي بَريَّة لِأَنَّهُ لَا خطر فِي أَخذه بالنقب والحيل نعم إِن لم يكن للموضع حصانة فَلَا بُد من لحاظ دَائِم كالشارع والصحراء وَإِن كَانَ لَهُ حصانة كالدور والحانوت فَلَا بُد من أصل اللحاظ وَلَا يشْتَرط دَوَامه إِذْ حِيلَة التسلق وَالْفَتْح والنقب يُنَبه الملاحظين والمحكم فِيهِ الْعرف هَذِه هِيَ الْقَاعِدَة وَشَرحه بصور الأولى أَن الإصطبل حرز للدواب دون الثِّيَاب مهما كَانَ مُتَّصِلا بالدور لِأَن عسر نقل الدَّوَابّ مَعَ أصل الحصانة واللحاظ يُوجب خطرا فِي سرقتها وَأما الثِّيَاب فيتيسر نقلهَا واخفاؤها وَكَذَلِكَ عَرصَة الدَّار حرز للفرش وَثيَاب البذلة دون الدَّنَانِير لقَضَاء الْعرف فَإِن وَاضع الدَّنَانِير فِيهِ مضيع والمحكم فِيهِ الْعرف الثَّانِيَة مَا أحرز بِمُجَرَّد اللحاظ كالمتاع الْمَوْضُوع فِي الصَّحرَاء أَو الشَّارِع أَو الْمَسْجِد فَلَا بُد من دوَام اللحاظ بِحَيْثُ لَا يتَّفق إِلَّا فترات لَطِيفَة قد ينحذق السَّارِق فِي معافصتها وَقد يخطىء فِيهِ وَيسْقط ذَلِك بِالنَّوْمِ وَبِأَن يوليه ظَهره ويضعف أَيْضا بِأَن يكون فِي مَحل لَا يلْحقهُ الْغَوْث فَلَا يُبَالِي السَّارِق بِهِ لِأَنَّهُ ضائع مَعَ مَاله وَهل يسْقط الْحِرْز بزحمة النَّاس كَمَا فِي الْمَسْجِد المزحوم أَو الشَّارِع فِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 أَحدهمَا أَنه لَا يسْقط لِأَن اللحاظ يُحِيط بالمتاع وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحس يشْتَغل بتزاحم النَّاس فَيذْهب عَن الْمَتَاع وَهَذَا جَار فِي الخباز والتاجر إِذا ازْدحم النَّاس على حانوتهم للمعاملة أما الْمَسْجِد الْخَالِي فالفعل فِيهِ ملحوظ إِلَّا أَن يكون وَرَاء ظَهره فَيكون مضيعا الثَّالِثَة مَا يعْتَمد حصانة الْموضع مَعَ أدنى لحاظ كالموضوع فِي الدَّار فَهُوَ مُحرز وَإِن نَام صَاحب الدَّار لِأَن حَرَكَة السَّارِق تنبه الْمَالِك غَالِبا إِن كَانَ الْبَاب مغلقا وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضائع وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ وَاعْتمد فِيهِ لحاظ الْجِيرَان لِأَن بَابه مطروق فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُحرز كالمتاع على أَطْرَاف حوانيت البقالين والصباغين وَغَيرهم فَإِنَّهُ ملحوظ من جِهَة الْجِيرَان ومحرز بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَعْين تقع على الْأَمْتِعَة وَلَا تقع على قَعْر الدَّار ويتساهل الْجِيرَان إِذا علمُوا بِأَن الْمَالِك فِيهِ وَلذَلِك ذكرُوا وَجْهَيْن فِيمَا لَو كَانَ الْمَالِك مستيقظا فِي الدَّار وَلَكِن تغفله السَّارِق فَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا لم يكن لحاظ دَائِم يكون مثله فِي الصَّحرَاء محرزا لَكِن قد يتَرَدَّد الْمَالِك فِي جَوَانِب الدَّار فَلَا يديم اللحاظ فَلَو ادّعى السَّارِق أَنه كَانَ لَا يديم اللحظ بل نَام أَو أعرض فَيسْقط الْحَد بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 الرَّابِعَة أَن الْخيام لَيست حرْزا لِأَنَّهُ يُمكن سرقتها فِي نَفسهَا وَلَكِن إحكام الرَّبْط وتنضيد الْأَمْتِعَة قد يُغني عَن دوَام اللحاظ وَكَذَلِكَ الدَّوَابّ فِي الصَّحرَاء ملحوظة بأعين الرُّعَاة إِذا كَانُوا على نشز فَأَما من يَسُوق قطارا من الْإِبِل قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ مُحرز بالقائد وأقصى عدد القطار تِسْعَة وَهُوَ صَحِيح إِذا كَانَ يَسُوق فِي الْأَسْوَاق فَإِن الْأَعْين تلاحظه وَفِي سكَّة خَالِيَة وَهُوَ يلحظه وَرَاءه فَإِن انحرفت السِّكَّة فَمَا غَابَ عَن بَصَره فَغير مُحرز أما إِذا كَانَ الْمَكَان خَالِيا وَهُوَ لَا يلْتَفت فَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ أَنه مُحرز بالسائق والمحرز بالقائد هُوَ الأول وبالراكب مركوبه وَمَا أَمَامه وَوَاحِد من وَرَائه الْخَامِسَة لَا قطع على النباش إِن سرق الْكَفَن من قبر فِي مضيعة وَقيل إِنَّه يجب لِأَنَّهُ مُحرز بهيبة النُّفُوس عَن الْمَوْتَى وَهُوَ ضَعِيف وَيجب الْقطع إِذا سرق من قبر فِي بَيت محروس وَكَونه كفنا لَا يدْرَأ الْقطع عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله أما المدفون فِي مَقَابِر الْمُسلمين على أَطْرَاف الْبَلَد فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ مُحرز بلحاظ الطارقين مَعَ حصانة الْقَبْر وهيبة النُّفُوس عَن الْمَيِّت فمجموع هَذَا يُخرجهُ عَن كَونه ضائعا وَالثَّانِي أَنه لَا قطع لِأَنَّهُ بعيد عَن الْأَعْين وَلَا مبالاة بهيبة النُّفُوس فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي الثَّوْب الْمَوْضُوع مَعَ الْكَفَن أَو الملفوف على الْمَيِّت زَائِدا على الْعدَد الشَّرْعِيّ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْعرف لَا يَجْعَل هَذَا حرْزا لغير الْكَفَن كَمَا لَا يَجْعَل الإصطبل حرْزا لغير الدَّوَابّ ثمَّ الصَّحِيح أَن حق الْخُصُومَة للْوَارِث لِأَن الْملك فِي الْكَفَن للْوَارِث على الْأَصَح وَلَو كَفنه أَجْنَبِي فالخصومة للمكفن وَكَأَنَّهُ إِعَارَة لَا رُجُوع فِيهَا وَإِلَّا فَلَا يزَال ملكه إِلَى الْمَيِّت السَّادِسَة إِذا كَانَ الْحِرْز ملكا للسارق فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون مُسْتَأْجرًا مِنْهُ فَعَلَيهِ الْقطع إِذْ لَيْسَ لَهُ الدُّخُول والإحراز من مَنَافِع الدَّار وَقد زَالَ ملكه بِالْإِجَارَة الثَّانِيَة أَن يكون مستعارا مِنْهُ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا قطع إِذْ لَهُ الدُّخُول إِلَى ملك نَفسه وَالثَّانِي يجب الْقطع إِذْ الدُّخُول على هَذَا الْوَجْه غير جَائِز وَإِنَّمَا يجوز بعد الرُّجُوع وَلم يرجع وَالثَّالِث أَنه إِن قصد الرُّجُوع بِدُخُولِهِ فَلَا قطع وَإِلَّا قطع وَهُوَ كَالْمُسلمِ إِذا وطىء حربية فِي دَار الْحَرْب فَإِن قصد الْقَهْر والإستيلاد فولده نسب وَإِن لم يقْصد فَهُوَ زَان وَلَا نسب لوَلَده مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 الثَّالِثَة أَن يكون مَغْصُوبًا مِنْهُ فَلَا قطع عَلَيْهِ وَإِن أَخذ مَال الْغَاصِب لِأَنَّهُ لَا حرز فِي حَقه أما إِذا لم يكن الْحِرْز ملكه وَلَكِن فِيهِ مَال مَغْصُوب مِنْهُ فَدخل وَأخذ غير مَال نَفسه فَفِي الْقطع وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِذْ أَخذ مَال غَيره من ملك غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن لَهُ التهجم على الْموضع لأجل مَال نَفسه فَسقط الْحِرْز فِي حَقه أما إِذا دخل غير الْمَغْصُوب مِنْهُ فَإِن أَخذ مَال الْغَاصِب قطع وَإِن أَخذ المَال الْمَغْصُوب فَفِيهِ وَجْهَان مبنيان على أَن غير الْمَغْصُوب مِنْهُ هَل لَهُ انتزاع المَال من يَد الْغَاصِب بطرِيق الْحِسْبَة فرع الدَّار الْمَغْصُوبَة هَل هِيَ حرز عَن الْمَغْصُوب مِنْهُ قَالَ الْقفال رَحمَه الله لَيْسَ بحرز لِأَن مَنْفَعَة الدَّار غير مَمْلُوكَة والإحراز من الْمَنَافِع وَفِي كَلَام غَيره إِشَارَة إِلَى أَنه حرز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 الرُّكْن الثَّانِي نفس السّرقَة وَهِي عبارَة عَن إبِْطَال الْحِرْز وَنقل المَال وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِثَلَاثَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي إبِْطَال الْحِرْز وَذَلِكَ إِمَّا بالنقب أَو بِفَتْح الْبَاب وَفِيه صور الأولى أَنه لَو نقب وَعَاد لَيْلَة أُخْرَى للإخراج فَالظَّاهِر وجوب الْقطع كالمتصل إِلَّا أَن يكون الْمَالِك قد اطلع وأهمل فَإِنَّهُ لَا قطع إِذْ أَخذه من مضيعة وَإِن أخرج المَال غير الناقب إِمَّا على الإتصال أَو بعده فَلَا قطع إِذْ الأول لم يخرج وَالثَّانِي أَخذ من مضيعة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي قطع الْمخْرج إِذا جرى ذَلِك عَن تعاون كَيْلا يصير ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى الْإِسْقَاط الثَّانِيَة إِذا تعاون رجلَانِ فِي النقب والإخراج جَمِيعًا وَأَخْرَجَا مَا يخص كل وَاحِد نِصَابا قطعا وَلَا يشْتَرط امتزاج الْفِعْلَيْنِ فِي النقب كَمَا فِي قطع الْيَد لإِيجَاب الْقصاص أما الْإِخْرَاج فَلَا بُد وَأَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا قدر نِصَاب أَو يحملا قدر نصف دِينَار مَعًا فَلَو أَخذ أَحدهمَا سدسا وَالْآخر ثلثا قطع صَاحب الثُّلُث دون صَاحب السُّدس الثَّالِثَة لَو اشْتَركَا فِي النقب وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِإِخْرَاج نِصَاب فعلى الْمخْرج الْقطع لِأَن مشاركته فِي النقب كالإنفراد وَلَا يشْتَرط امتزاج الْفِعْلَيْنِ بالنقب بل لَو أخرج أَحدهمَا لبنة وَالْآخر لبنة هَكَذَا تمت الشّركَة وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من الإمتزاج والتحامل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 على آلَة وَاحِدَة حَتَّى يصير كالمنفرد كالشركة فِي قطع الْيَد وَفِي إِخْرَاج المَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 الرَّابِعَة لَو اشْتَركَا فِي النقب وَدخل أَحدهمَا وَأخرج المَال إِلَى بَاب الْحِرْز وَهُوَ بعد فِي الْحِرْز فَأدْخل الآخر يَده وَأخرج فالقطع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمخْرج من الْحِرْز وَلَو أخرج الدَّاخِل يَده إِلَى خَارج الْحِرْز وَأَخذه الْوَاقِف فالقطع على الدَّاخِل وَلَو وَضعه على وسط النقب فَأَخذه الْخَارِج فَقَوْلَانِ مشهوران أَحدهمَا لَا قطع على وَاحِد مِنْهُمَا إِذْ لم يتم الْإِخْرَاج من أَحدهمَا وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِمَا إِذْ تمّ الْإِخْرَاج بتعاونهما الطّرف الثَّانِي فِي وُجُوه نقل المَال وَفِيه صور إِحْدَاهَا أَنه لَو أرسل محجنا فَتعلق بِهِ فِي الْحِرْز ثوب أَو آنِية وَأخرجه قطع وَلَو رَمَاه إِلَى خَارج الْحِرْز قطع أَخذه أَو تَركه وَقيل إِذا لم يَأْخُذ فَلَا قطع لِأَنَّهُ تَفْوِيت وَلَيْسَ بِسَرِقَة وَلَو أكل الطَّعَام فِي الْحِرْز وَخرج فَلَا قطع وَلَو ابتلع درة وَخرج فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يقطع كالطعام فَإِن اسْتِهْلَاك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 وَالثَّانِي أَنه يقطع لِأَنَّهُ لَا تهْلك بالابتلاع وَالثَّالِث أَنه إِن أَخذهَا بعد الإنفصال يقطع وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَة لَو نقب أَسْفَل كندوج فانصب إِلَى خَارج الْحِرْز قطع كَمَا لَو وضع الْمَتَاع على المَاء حَتَّى جرى بِهِ إِلَى خَارج الْحِرْز وَقيل بَينهمَا فرق لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي الكندوج إِلَّا النقب والإنتقال لم يَقع بِهِ وَأما الْإِلْقَاء على المَاء فَهُوَ سَبَب فِي النَّقْل الثَّالِثَة لَو كَانَ فِي الْحِرْز مَتَاع ودابة فَوضع الْمَتَاع على ظهر الدَّابَّة فَخرجت فَالْأَظْهر أَنه لَا قطع لِأَن الدَّابَّة ذَات اخْتِيَار بِخِلَاف المَاء وَالْقطع لَا يجب بِالسَّبَبِ مَعَ مُبَاشرَة حَيَوَان وَمِنْهُم من قَالَ إِن ترَاخى سير الدَّابَّة عَن الْوَضع فَلَا قطع وَإِن اتَّصل فِيهِ وَجْهَان وَقيل إِن اتَّصل قطع وَإِن ترَاخى فَفِيهِ وَجْهَان وَكَأن هَذَا خلاف فِي أَن السَّبَب هَل يَكْتَفِي بِهِ لإِيجَاب الْقطع وَإِن كَانَ يَكْفِي لإِيجَاب الْغرم وَكَذَا لَو أَخذ شَاة لَيست بنصاب فاتبعها الشَّاء أَو الفصيل فَيخرج على الْخلاف لأجل اخْتِيَار الدَّابَّة وَقطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَاهُنَا بِالْوُجُوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 الرَّابِعَة العَبْد الصَّغِير إِذا اخذه وَحمله من دَار السَّيِّد أَو حَرِيم دَاره قطع فَإِن بعد عَن سكَّة السَّيِّد وحريم دَاره فَهُوَ ضائع فَإِن دَعَاهُ وخدعه وَهُوَ مُمَيّز فَلَا قطع لِأَنَّهُ المستقل وَإِن كَانَ لَا يعقل فَهُوَ كالبهيمة وسوقها واستتباع الشَّاة بهَا وَقد سبق وَإِن أكرهه وَهُوَ مُمَيّز فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ خرج بِاخْتِيَارِهِ وَالثَّانِي يجب كَمَا لَو ضرب الدَّابَّة حَتَّى خرج فَإِنَّهُ يقطع وَجها وَاحِدًا لَكِن الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ مكْرها فاعتبار فعله أولى فَلذَلِك ينقدح الْفرق على وَجه أما إِذا حمل عبدا قَوِيا يقدر على الإمتناع وَلم يمْتَنع فَلَا قطع لِأَن حرزه قوته وَهِي مَعَه وَلَو حمله وَهُوَ نَائِم أَو سَكرَان فَهُوَ ضَامِن لَو مَاتَ فِي يَده وَلَكِن فِي كَونه سَارِقا نظر لِأَنَّهُ مُحرز بقوته لَا بِالدَّار الْخَامِسَة لَو حمل حرا وَأخرجه من دَاره وَعَلِيهِ ثِيَابه فَإِن كَانَ قَوِيا لم يدْخل الثَّوْب تَحت يَد الْحَامِل وَإِن كَانَ صَغِيرا فَفِي ثُبُوت الْيَد عَلَيْهِ وَجْهَان فَإِن أثبتنا الْيَد للضَّمَان فَفِي جعله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 سَارِقا وَجْهَان اما إِذا نَام على بعير وَعَلِيهِ امتعته فجَاء السَّارِق وَأخذ زمامه وَأخرجه من الْقَافِلَة فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه سَارِق للبعير والأمتعة إِذْ أخرجه من الْحِرْز وَالثَّانِي لَا لِأَن الْكل تَحت يَد النَّائِم وَهُوَ مُحرز بقوته وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ الرَّاكِب قَوِيا فَلَيْسَ بسارق وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ سَارِق وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ حرا فَلَيْسَ بسارق وَإِن كَانَ عبدا فَهُوَ أَيْضا مَسْرُوق مَعَ الْأَمْتِعَة وَهَذَا يستمد من الْأُصُول السَّابِقَة الطّرف الثَّالِث فِي الْمحل الْمَنْقُول إِلَيْهِ فَنَقُول لَو نقل الْمَتَاع من زَاوِيَة الْبَيْت إِلَى زَاوِيَة أُخْرَى وهرب فَلَا قطع وَلَو أخرج وألقاه فِي مضيعة قطع وَإِن أخرجه إِلَى صحن الدَّار فِي الْبَيْت فَإِن لم يكن الْبَيْت مقفلا فَلَا قطع إِذْ جَمِيع الدَّار حرز وَاحِد وَإِن كَانَ مقفلا وَبَاب الدَّار مَفْتُوح قطع وَإِن كَانَ مغلقا أَو مَفْتُوحًا بِفَتْح السَّارِق قطع أَيْضا فَإِن إِبْطَاله الْحِرْز لَا يُؤثر فِي حَقه فالدار وَالْبَيْت جَمِيعًا حرزان أما إِذا كَانَ الدَّار أَيْضا مغلقا وَالْمَال مُحرز بِالْبَيْتِ وَالدَّار جَمِيعًا فَفِي نَقله إِلَى الْعَرَصَة ثَلَاثَة أوجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 أَحدهَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أخرج من بَيت مُسْتَقل بالإحراز وَالثَّانِي لَا لِأَن إغلاق بَاب الدَّار لإكمال الْحِرْز وَلم يُخرجهُ من كَمَال الْحِرْز الثَّالِث أَنه يجب فِيمَا لَا تجْعَل الْعَرَصَة حرْزا لَهُ كالدنانير والجواهر دون الْفرش والأواني أما الْخَانَات فالإخراج من حرزها إِلَى عَرصَة الخان كالإخراج إِلَى عَرصَة الدَّار أما السِّكَّة المنسدة الْأَسْفَل فَإِن كَانَت مَمْلُوكَة كعرصة الخان فالنقل إِلَيْهَا من الدّور سَرقَة إِذْ صحن الخان تلحظه الْأَعْين وتوضع فِيهِ الْأَمْتِعَة بِخِلَاف السِّكَّة أما سكان السِّكَّة فالحجرة المقفلة حرز فِي حَقهم والعرصة لَيست بحرز فِي حَقهم وَهِي حرز فِي حق غير السكان لِأَنَّهَا ملحوظة بالأعين نَهَارا وبابها مغلق لَيْلًا وَكَذَلِكَ الضَّيْف إِذا سرق شَيْئا أَو بعض الْجِيرَان إِذا سرق من حَانُوت جَاره حَيْثُ يحرز باللحاظ فَلَا قطع لِأَنَّهُ غير مُحرز فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 الرُّكْن الثَّالِث السَّارِق وَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّكْلِيف والإلتزام وَيَسْتَوِي فِي وجوب الْقطع الْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى وَلَا قطع على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَيجب على الذِّمِّيّ لإلزامه أحكامنا نعم هَذَا إِذا سرق مَال مُسلم فَإِن سرق مَال ذمِّي فَهُوَ مَوْقُوف على ترافعهم إِلَيْنَا فَإِن زنى بذمية فَلَا يحد مَا لم يرْضوا بحكمنا وَإِن زنى بِمسلمَة أَقَمْنَا الْحَد قهرا كَمَا سرق مَال مُسلم وَقيل لَا بُد من رضاهم لِأَن حد الزِّنَا حق الله وَلَا خصم فِيهِ بِخِلَاف السّرقَة وَهَذَا رَكِيك إِذْ يجر ذَلِك فضيحة عَظِيمَة فَإِنَّهُ لَا يرضى بحكمنا وغايتنا نقض عَهده وَيجب تجديده إِذا الْتزم وَتَابَ أما الْمعَاهد إِذا سرق فَفِي قطعه نُصُوص مضطربة وحاصلها ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كَالَّذي لأجل الْعَهْد وَالثَّانِي أَنه لَا حد أصلا لِأَنَّهُ حَرْبِيّ دخل لسفارة وَالثَّالِث أَنه يقطع إِذا شَرط ذَلِك عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاء الْأمان وَإِلَّا فَلَا وسرقة الْمُسلم مَاله يخرج على سَرقته مَال الْمُسلم إِذْ يبعد أَن يقطع الْمُسلم بِسَرِقَة مَاله وَلَا يقطع بِسَرِقَة مَال الْمُسلم وَلَو زنى بِمسلمَة فطريقان مِنْهُم من قَالَ كالسرقة وَمِنْهُم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 من قطع بانه لَا يُقَام الْحَد لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى لَا يتَعَلَّق بِطَلَب العَبْد وَلَا خلاف فِي أَنه يُطَالب بِضَمَان الْأَمْوَال وَإِنَّمَا النّظر فِي الْحُدُود النّظر الثَّانِي من الْكتاب فِي إِثْبَات السّرقَة ومعرفتها بِيَمِين مَرْدُودَة أَو إِقْرَار أَو بَيِّنَة أما الْيَمين فَإِذا أنكر السّرقَة وَحلف انْقَطَعت الْخُصُومَة وَإِن نكل وَحلف الْمُدَّعِي ثَبت الْغرم وَثَبت الْقطع أَيْضا كَمَا يثبت الْقصاص بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَلَو ادّعى استكراه جَارِيَته على الزِّنَا ثَبت الْمهْر بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَيبعد إِثْبَات الرَّجْم بِهِ لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة وَإِن جعلت بَيِّنَة فَلَا تتعدى حق الْحَالِف وَالرَّجم حق الله تَعَالَى وَمن هَذَا ينقدح احْتِمَال أَيْضا فِي قطع السّرقَة وَأما الْإِقْرَار فَإِن كَانَ بعد الدَّعْوَى ثَبت بِهِ الْقطع بِشَرْط الْإِصْرَار فَإِن رَجَعَ لم يسْقط الْغرم وَفِي سُقُوط الْحَد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يسْقط كَحَد الزِّنَا وَالثَّانِي لَا لارتباطه بِحَق الْآدَمِيّ وَبَقَاء الْغرم الَّذِي هُوَ ملازم لَهُ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ الْقطع سَاقِط وَفِي الْغرم قَولَانِ وَوجه إِسْقَاطه تَبَعِيَّة الْقطع وَهُوَ فَاسد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 أما إِذا أقرّ باستكراه جَارِيَة على الزِّنَا ثمَّ رَجَعَ فَالْأَصَحّ أَنه يسْقط الْحَد وَيجب الْمهْر وَقيل يحْتَمل أَن يَجْعَل كالسرقة وَلَكِن مُفَارقَة الْحَد للمهر أقرب من مُفَارقَة الْقطع للغرم فَلذَلِك يتَرَدَّد فِيهِ وَإِن رَجَعَ السَّارِق بعد الْقطع فَلَا تدارك فَإِن رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ كف الجلاد عَن الْبَقِيَّة إِن قُلْنَا يُؤثر رُجُوعه أما إِذا أقرّ قبل الدَّعْوَى فَهَل يقطع دون حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه فِيهِ وَجْهَان وَوجه اعْتِبَار طلبه أَنه رُبمَا يقر لَهُ بِالْملكِ أَو بِالْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يسْقط الْحَد وَإِن كذبه السَّارِق وَالصَّحِيح أَنه لَو أقرّ بِالزِّنَا بِجَارِيَة الْغَيْر فَإِنَّهُ يحد فِي الْحَال إِذْ لَا مدْخل للطلب فِيهِ ومساق هَذَا يشْعر بِأَن مَالك الْجَارِيَة لَو قَالَ كنت ملكته الْجَارِيَة قبل ذَلِك فَأنْكر أَن الْحَد يجب وَلَا يُؤثر قَول مَالك الْجَارِيَة فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بخصومته فَهُوَ كَمَا لَو قَالَت الْحرَّة كنت زَوجته وكذبها فَإِنَّهُ يحد فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يقطع فِي الْحَال فَفِي حَبسه إِلَى حُضُور الْمَالِك خلاف يلْتَفت على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 أَنه هَل يسْقط بِرُجُوعِهِ هَذَا كُله فِي الْحر أما فِي العَبْد إِذا أقرّ بِسَرِقَة لَا توجب الْقطع فَلَا يقبل فِي المَال وَلَا نعلقه بِرَقَبَتِهِ دون تَصْدِيق السَّيِّد فَإِن أقرّ بِمَا يُوجب الْقطع قطعت يَمِينه وَإِن كذبه السَّيِّد خلافًا للمزني وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَإِنَّمَا قبل لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ ثمَّ هَل يتَعَلَّق غرم المَال بِرَقَبَتِهِ تَابعا لثُبُوت الْقطع فِيهِ نُصُوص مضطربة وحاصلها أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ إِقْرَار على السَّيِّد لَا على العَبْد وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَن رقبته أَيْضا مَمْلُوكَة للسَّيِّد فَإِن قبل فِي قطع يَده لنفي التُّهْمَة فليقبل فِي الْغرم أَيْضا ورد المَال وَالثَّالِث أَنه إِن أقرّ بِعَين هِيَ فِي يَده قبل لِأَن ظَاهر الْيَد للْعَبد فَإِن أقرّ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يقبل لِأَن رقبته فِي يَد السَّيِّد وَهَذَا يُوجب التَّعَلُّق فَيكون كَمَا لَو قَالَ جَمِيع مَا فِي يَد السَّيِّد أَنا سَرقته وسلمته إِلَيْهِ فَإنَّا لَا نقبل قطعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 وَالرَّابِع عَكسه وَهُوَ أَنه يقبل إِقْرَاره بِالْإِتْلَافِ فَإِن السَّيِّد على الْأَصَح يفْدي بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قِيمَته أَو قيمَة العَبْد فقيمة العَبْد مرد الْإِضْرَار بالسيد أما الْأَعْيَان إِن فتح بَاب الْإِقْرَار بهَا تضرر بِهِ السَّيِّد إِذْ لَا مرد لَهُ فَإِن قيل هَل للْقَاضِي أَن يحث السَّارِق على ستر السّرقَة أَو الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار قُلْنَا أما السّتْر فَيجوز مَعَ رد المَال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسارق مَا إخالك سرقت وَهَذَا كالتلقين للإنكار وَقَوله أسرقت قل لَا لم تصححه الْأَئِمَّة وَأما الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 فَلَا يحث عَلَيْهِ القَاضِي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ارْتكب شَيْئا من هَذِه القاذورات فليستتر بستر الله فَإِن من أبدى لنا صفحته نُقِيم عَلَيْهِ حد الله فَدلَّ ذَلِك على الْفرق مَا بَين قبل الظُّهُور وَمَا بعده الْحجَّة الثَّالِثَة للسرقة الشَّهَادَة وَلَا يثبت الْقطع إِلَّا بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ ثَبت الْغرم دون الْقطع بِخِلَاف مَا لَو شهدُوا على الْقَتْل الْعمد فَإِنَّهُ لَا يثبت الْقصاص وَلَا الدِّيَة لِأَن الدِّيَة كالبدل عَن الْقصاص وَالْغُرْم لَيْسَ بَدَلا عَن الْقطع بل يجب مَعَه وَفِيه وَجه أَن الْغرم أَيْضا لَا يثبت كالدية وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ الْبَيِّنَة الْكَامِلَة لَا توجب الْقطع بِالشَّهَادَةِ على السّرقَة مُطلقًا بل لَا بُد من التَّفْصِيل فِيهِ فكم من سَرقَة لَا توجب قطعا وَلذَلِك يشْتَرط التَّفْصِيل فِي الْإِقْرَار أَيْضا وَيشْتَرط فِي بَيِّنَة الزِّنَا وَهل يشْتَرط فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا فِيهِ خلاف وَسَببه أَن حد الزِّنَا ظَاهر ووجوده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 عِنْد الزَّانِي مُحَقّق وَأما الشَّاهِد فَإِنَّمَا يعول فِيهِ على المخايل وحد السّرقَة غير ظَاهر للسارق وَلَا شكّ أَن النِّسْبَة إِلَى الزِّنَا الْمُطلق قذف لِأَن التعيير حَاصِل بِهِ فرعان أَحدهمَا لَو قَامَت شَهَادَة حسبَة على أَنه سرق مَال فلَان الْغَائِب فالنص أَنه لَا يقطع مَا لم يحضر وَلَو شهدُوا على أَنه زنى بِجَارِيَتِهِ قَالَ يحد فِي الْحَال فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وطردوا ذَلِك فِي الْإِقْرَار فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُم من فرق وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ الْملك فَإِقْرَاره بِالْملكِ يدْرَأ حد السّرقَة دون حد الزِّنَا وَله على الْجُمْلَة تعلق بِطَلَبِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يقطع فَهَل يحبس يَبْنِي على أَن شَهَادَة الْحِسْبَة مَقْبُولَة فِي حق الله تَعَالَى وَالظَّاهِر أَنه مَرْدُود فِي حُقُوق الْآدَمِيّين وَالسَّرِقَة كالمترددة بَينهمَا فينقدح فِيهِ خلاف فَإِن لم تقبل لم يحبس وَإِن قُلْنَا تقبل فَيحْبس ثمَّ يَكْفِي الْمَالِك إِذا رَجَعَ أَن يَدعِي ويستوفي المَال فَإِن قُلْنَا لَا تسمع فَيجب إِعَادَة الْبَيِّنَة لأجل المَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 وَالظَّاهِر أَنه لَا تُعَاد لأجل الْقطع الثَّانِي دَعْوَى السَّارِق الْملك تدفع عَنهُ الْقطع إِذا لم تكن بَينه فَإِن قَامَت الْبَيِّنَة نظر فَإِن لم يكن فِي دَعْوَاهُ تَكْذِيب الشَّهَادَة انْدفع أَيْضا كَمَا إِذا شهدُوا على أَنه سرق من حرزه مَتَاعا أَو شهدُوا على أَنه سرق ملكه وَلَكِن قَالَ السَّارِق كَانَ قد وهب مني فِي السِّرّ وَالشَّاهِد اعْتمد على الظَّاهِر فَأَما إِن قَالَ كَانَ ملكي أصلا وغصبته فَهَذَا تَكْذِيب للبينة فَفِي سُقُوط الْقطع هَا هُنَا تردد وَيحْتَمل أَن يبْنى على أَن الْمُدعى عَلَيْهِ بعد قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ لَو قَالَ الْمُدَّعِي يعلم سرا أَنه ملكي وَإِنَّمَا الشَّاهِد اعْتمد ظَاهر الْيَد فَهَل لَهُ تَحْلِيف الْمُدَّعِي فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا لَهُ ذَلِك فها هُنَا يرجع وجوب الْقطع إِلَى يَمِين الْمَالِك وَهُوَ بعيد فَلَا يبعد إِسْقَاطه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 النّظر الثَّالِث من الْكتاب فِي بَيَان الْوَاجِب وَهُوَ الْغرم وَالْقطع والحسم وَالتَّعْلِيق أما رد الْعين فَوَاجِب بالِاتِّفَاقِ مَعَ الْقطع فَإِن تلف وَجب الْغرم عندنَا مَعَ الْقطع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْقطع وَالْغُرْم لَا يَجْتَمِعَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 ثمَّ الْوَاجِب الْقطع من الْكُوع وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر من الْمنْكب ثمَّ الْوَاجِب أَولا قطع الْيَمين وَفِي الكرة الثَّانِيَة قطع الرجل الْيُسْرَى حذرا من اسْتِيعَاب جنس الْبَطْش أَو الْمَشْي أَو اسْتِيعَاب أحد الْجَانِبَيْنِ فيتعذر الْمَشْي وَفِي الثَّالِثَة تقطع الْيَد الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَة رجله الْيُمْنَى وَاقْتصر أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الثَّالِثَة على التَّعْزِير وَقد ورد الْخَبَر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَورد فِي بعض الرِّوَايَات فَإِن عَاد خَامِسَة فَاقْتُلُوهُ وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ لَكِن هَذِه الزِّيَادَة شَاذَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 وَأما الحسم فَهُوَ غمس مَحل الْقطع فِي الزَّيْت المغلي لتنسد أَفْوَاه الْعُرُوق وَالصَّحِيح أَن ذَلِك وَاجِب نظرا للسارق كَيْلا يسري وَهُوَ إِلَى اخْتِيَاره وَعَلِيهِ مئونته وَفِيه وَجه أَنه زِيَادَة عُقُوبَة حفا لله تَعَالَى إِذْ لم تزل الْأَئِمَّة يَفْعَلُونَ ذَلِك مَعَ كَرَاهِيَة السَّارِق وَأما التَّعْلِيق فَهُوَ أَن تعلق يَده فِي رقبته وتترك ثَلَاثَة أَيَّام للتنكيل وَقد ورد بِهِ خبر وَلم يصحح ثمَّ هُوَ اسْتِحْبَاب إِن صَحَّ التنكيل إِن رَآهُ الإِمَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 فروع أَرْبَعَة الأول من سَقَطت يَده الْيُمْنَى بِآفَة سَمَاوِيَّة فَإِذا سرق قَطعنَا رجله الْيُسْرَى وَلَو سرق أَولا ثمَّ سَقَطت يَده سقط الْقطع لِأَنَّهُ تعين الإستحقاق وَقيل إِنَّه يعدل إِلَى الرجل الْيُسْرَى وَهُوَ غلط الثَّانِي لَو بَادر الجلاد وَقطع الْيُسْرَى فَإِن قصد فَعَلَيهِ الْقصاص وَقطع الْيَمين بَاقٍ وَإِن دهش وَغلط فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم على سُقُوط الْقطع وَنقل أَيْضا أَن الدِّيَة تجب باليسرى ثمَّ يطقع يَمِينه فتحصلنا على قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي لَو سَقَطت يسراه بِآفَة سَمَاوِيَّة قبل قطع الْيَمين فَلَا يبعد أَن يَجْعَل كغلط الجلاد وَهُوَ بعيد الثَّالِث لَو كَانَت على يَده أصْبع زَائِدَة قَطعنَا الْيَد وَلَا نبالي وَلَو كَانَ نَاقِصا اكتفينا بالموجود وَلَو وجدنَا أصبعا وَاحِدَة فَإِن لم نجد إِلَّا الْكَفّ فَالظَّاهِر الِاكْتِفَاء بِهِ تنكيلا بِقطع المعصم وَفِيه وَجه أَنه يعدل إِلَى الرجل الْيُسْرَى إِذا لم يبْق من آلَة الْبَطْش شَيْء وَالْيَد عبارَة عَنْهَا وَأما الْيَد الشلاء فيكتفى بهَا إِلَّا إِذا خيف الْهَلَاك لنزف الدَّم فيعدل إِلَى الرجل الرَّابِع لَو كَانَ للمعصم كفان قَطعنَا الْأَصْلِيَّة وَتَركنَا الزَّائِدَة إِن أمكن وَإِلَّا قطعناهما وَإِن كَانَتَا متساويتين وَلَا تبين الْأَصْلِيَّة قَالَ الْأَصْحَاب نقطعهما جَمِيعًا لنتيقن اسْتِيفَاء الْأَصْلِيَّة وَلَا نبالي بِالزِّيَادَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 الْجِنَايَة السَّادِسَة قطع الطَّرِيق وَالنَّظَر فِي صفة قطاع الطَّرِيق وَفِي عقوبتهم وَفِي حكم الْعَفو النّظر الأول فِي صفتهمْ وَالْأَصْل فيهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة فَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِيره فَقَالَ أَن يقتلُوا إِذا قتلوا أَو يصلبوا إِذا قتلوا وَأخذُوا الْأَمْوَال أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم إِذا أخذُوا المَال أَو يلْحق الطّلب بهم إِذا هربوا لينفوا من الأَرْض وَقَالَ دَاوُد يجمع بَين هَذِه الْعُقُوبَات لظَاهِر الْآيَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الشَّاب يقطع وَالشَّيْخ ذُو الْهَرم يقتل وَمن لَيْسَ لَهُ نجدة الشَّبَاب وَلَا رَأْي الشُّيُوخ ينفى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 ثمَّ يعْتَبر عندنَا فهيم صفتان النجدة والبعد عَن مَحل الْغَوْث أما النجدة فَلِأَنَّهُ إِن لم يكن لَهُم شَوْكَة بل كَانَ اعتمادهم على الإختلاس والهرب فَلَا يجب بِهِ إِلَّا التَّعْزِير ثمَّ لَا يشْتَرط للنجدة الذُّكُورَة وَلَا السِّلَاح وَلَا الْعدَد بل لَو اجْتمع نسْوَة وَكَانَت لَهُنَّ شَوْكَة فهن قطاع الطَّرِيق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَو كَانَ فِي جَمِيع القطاع امْرَأَة سقط الْحَد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 وَالضَّرْب واللطم كإشهار السِّلَاح بالإتفاق وَالْوَاحد إِذا قاوم وَاحِدًا أَو جمعا بِفضل قُوَّة فَهُوَ قَاطع طَرِيق وَلَا نقُول إِن الْمُسَافِر الْوَاحِد مضيع لمَاله بل مَاله مَحْفُوظ بِهِ إِلَّا أَن يقْصد فَمن قَصده فَهُوَ قَاطع وَقَالَ الإِمَام يَنْبَغِي أَن يرد ذَلِك إِلَى الْعَادة فَحَيْثُ يعد الْوَاحِد مفرطا فَلَا يجب على سالب مَاله إِلَّا التَّعْزِير فرع لَو هجم على الرفاق قوم تستقل الرّفْقَة بدفعهم من غير ضَرَر بَين فاستسلموا فهم المضيعون وَلَيْسوا قطاعا لانهم لم يَأْخُذُوا بشوكتهم بل بِتَسْلِيم الْملاك إِلَيْهِم وَإِن علمُوا أَنهم لَا يقاومون فَهَرَبُوا مِنْهُم فهم قطاع وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْأَمر فِي قُوَّة الْجَانِبَيْنِ كالمتقاوم إِذا تقاتلوا وانكف الْفَرِيقَانِ من غير ظفر فَالظَّاهِر أَنهم قطاع إِن جرى قتل وسلب لِأَن الشَّوْكَة قد تحققت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 وَأما الصّفة الثَّانِيَة فَهُوَ بعدهمْ عَن مَحل الْغَوْث أما مَا يجْرِي من الْأَخْذ على أَطْرَاف الْعمرَان فيعتمد فِيهِ الْهَرَب والاختلاس دون الشَّوْكَة إِلَّا إِذا فترت قُوَّة السُّلْطَان وثار ذَوُو العرامة فِي الْبِلَاد فهم قطاع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن كَانُوا فِي الْبِلَاد أما إِذا دخلُوا فِي وَقت قُوَّة السُّلْطَان دَار بِاللَّيْلِ مَعَ المشاعل مكابرين وَمنعُوا أهل الدَّار من الاستغاثة وَانْصَرفُوا وهم مُتَلَثِّمُونَ ففيهم وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم قطاع وَنزل مَنعهم من الإستغاثة كبعدهم عَن مَحل الْغَوْث وَالثَّانِي أَنهم سراق فَإِن الطّلب يلحقهم على الْقرب وَإِنَّمَا اعتمادهم على التواري والاختفاء وَلم يذهب أحد إِلَى أَنهم مختلسون مَعَ انهم لم يأخذوه فِي خُفْيَة واختزال فَإِذن قد حصل أَن قطاع الطَّرِيق من يعْتَمد على الشَّوْكَة فِي الْحَال مَعَ بعد الْغَوْث لَا على الاختلاس والهرب فِي الْوَقْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 النّظر الثَّانِي فِي الْعقُوبَة الْوَاجِبَة ويمتزج بِهِ النّظر فِي جرائمهم وَلَهُم فِي الجرائم أَحْوَال الأولى أَن يقْتَصر على أَخذ ربع دِينَار فَصَاعِدا فتقطع يَده الْيُمْنَى وَرجله الْيُسْرَى سَوَاء كَانَ الرّبع ملكا لوَاحِد أَو لجَماعَة الرّفْقَة وَكَذَلِكَ فِي السّرقَة لَا يفرق بَين الْخَالِص والمشترك فِي النّصاب مهما كَانَ الْحِرْز وَاحِدًا وَقَالَ ابْن خيران لَا يشْتَرط النّصاب الثَّانِيَة أَن يقْتَصر على الْقَتْل الْمُجَرّد فَيقْتل وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة تَغْلِيظ إِلَّا كَون الْقَتْل محتوما كَمَا سَيَأْتِي الثَّالِثَة أَن يقْتَصر على الإرعاب وتكثير الشَّوْكَة وَكَانَ ردْءًا للْقَوْم فَعَلَيهِ تَعْزِير وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ شريك الرَّابِعَة أَن يجمع بَين الْأَخْذ وَالْقَتْل فَالْمَذْهَب الْمَشْهُور أَنه يصلب وَيقتل وَلَا يقطع وَيكون الصلب زِيَادَة تنكيل وتغليظ لأجل الْجمع وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة تقطع يَده وَرجله لأَخذه وَيقتل لقَتله ويصلب لجمعه بَينهمَا وَذكر صَاحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 التَّقْرِيب وَجها أَنه إِن أَخذ نِصَابا وَقتل قطع وَقتل وَلم يصلب وَإِن أَخذ أقل مِنْهُ قتل وصلب وَلم يقطع وَيكون الصلب لأجل الْأَخْذ وَالْمذهب هُوَ الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة الإِمَام بِالْخِيَارِ إِن أحب قتل وصلب وَلم يقطع وَإِن أحب قطع وَقتل وَلم يصلب ثمَّ إِذا جَمعنَا بَين الْقَتْل والصلب فَالْمَذْهَب أَنه يقتل على الأَرْض ثمَّ يصلب مقتولا وَفِيه وَجه أَنه يقتل مصلوبا إِمَّا بِأَن يتْرك حَتَّى يَمُوت جوعا على وَجه أَو يقْصد مَقْتَله بحديدة مذففه على وَجه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ كم يتْرك على الصَّلِيب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يتْرك ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى هَذَا إِن كَانَ يتَعَرَّض للتهري قبله فَهَل يتْرك فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يتْرك ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التنكيل قد حصل فيصان عَن التفتت والنت وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يتْرك حَتَّى يتهرى ويسيل ودكه لِأَن الصَّلِيب اسْم الودك وَمِنْه اشتق اسْم الصَّلِيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 وَالصَّحِيح أَنه يقتل أَولا وَيغسل وَيصلى عَلَيْهِ ثمَّ يصلب وَلَا سَبِيل إِلَى ترك الصَّلَاة بِكُل حَال خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ويتعذر على قَول من يقْتله بعد الصَّلِيب ثمَّ يتْرك حَتَّى يتهرى نعم وَإِن قُلْنَا يقتل بعد الصَّلِيب وَلَكِن ينزل بعد ثَلَاث فَيمكن أَن يسلم إِلَى أَهله للْغسْل وَالصَّلَاة بعد الاسترسال فَأَما عُقُوبَة النَّفْي فَالصَّحِيح أَنَّهَا غير مَقْصُودَة بل إِن وجدوا أقيم الْحَد وَالتَّعْزِير وَإِلَّا لحق بهم طلب أعوان السُّلْطَان حَتَّى يتشردوا فِي الْبِلَاد وينتفوا من تِلْكَ الأَرْض وَمِنْهُم من قَالَ هِيَ عُقُوبَة مَقْصُودَة فِي حق من اقْتصر على الإرعاب ثمَّ مِنْهُم من قَالَ ينفيهم الإِمَام إِلَى بلد معِين ويعزرهم بهَا إِمَّا ضربا أَو حبسا وَمِنْهُم من قَالَ لَهُ أَن يقْتَصر على النَّفْي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 النّظر الثَّالِث فِي حكم الْعقُوبَة وَله حكمان الأول أَن التَّوْبَة قبل الظفر مُؤثر فِيهَا لنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم فَيسْقط بهَا تحتم الْقَتْل دون أَصله على الظَّاهِر وَيسْقط بِهِ الصلب وَقطع الرجل أما قطع الْيَد هَل يسْقط إِذا كَانَ الْمَأْخُوذ نِصَابا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كأصل الْقَتْل وَإِنَّمَا الَّذِي يسْقط خاصية قطع الطَّرِيق وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يسْقط لِأَن هَذَا يُخَالف صُورَة السّرقَة وَالْيَد وَالرجل كعضو وَاحِد هَاهُنَا وَكَذَلِكَ إِن وجدنَا رجله الْيُسْرَى دون يَده الْيُمْنَى اكتفينا بِهِ وَلم نقطع يَده الْيُسْرَى وَمهما عَاد ثَانِيًا قَطعنَا الْيَد الْيُسْرَى وَالرجل الْيُمْنَى أما التَّوْبَة بعد الظفر فَفِيهِ قَولَانِ يجريان فِي جَمِيع حُدُود الله تَعَالَى أَحدهمَا أَنه لَا يُؤثر لِأَن الْقُرْآن خصص مَا قبل التَّوْبَة وَالثَّانِي أَنه يسْقط لِأَنَّهُ إِن خصص هَاهُنَا فقد أطلق فِي آيَة السّرقَة فَقَالَ تَعَالَى {فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 وَقَالَ القَاضِي قرنت التَّوْبَة هَاهُنَا بالإصلاح فَيدل على أَن التَّوْبَة بعد الظفر لَا تُؤثر إِلَّا بعد الإستبراء وَصَلَاح الْحَال إِذْ يُمكن أَن يكون للهيبة وعَلى الْجُمْلَة فَمن ظهر تقواه وَحسنت حَاله امْتنع مؤاخذته بِمَا جرى لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة أما إِذا أنشأ التَّوْبَة حَيْثُ أَخذ لإِقَامَة الْحَد فَهُوَ مُتَّهم والتوقف إِلَى استبرائه مُشكل إِن حبس وَإِن خلي فَكيف نتبع أَحْوَاله الحكم الثَّانِي أَن هَذَا الْقَتْل قد ازْدحم عَلَيْهِ حق الله تَعَالَى ولأجله تحتم وَإِن عَفا ولي الْقَتِيل عَن حق الْقَتِيل فَإِنَّهُ مَعْصُوم وَلَا شكّ فِي أَنه إِذا جرح خطأ أَو شبه الْعمد فَلَا يقتل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 وَإِن تمحض الْعمد فقد تعلق بِهِ حق الله تَعَالَى قطعا فَإِنَّهُ يقتل وَإِن عَفا ولي الْقَتِيل وَلَكِن هَل يثبت للقتيل حق مَعَ حق الله تَعَالَى للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِيهِ قَولَانِ وَتظهر فَائِدَته فِي خمس مسَائِل إِحْدَاهَا لَو قتل ذِمِّيا أَو عبدا أَو أمة وَمن لَا يُكَافِئهُ بِالْجُمْلَةِ فَإِن محضنا حق الله تَعَالَى قتل وَإِن قُلْنَا فِيهِ قصاص لم يقتل وَهَكَذَا لَو قتل عبد نَفسه قَالَ القَاضِي يخرج على الْقَوْلَيْنِ وَقطع الصيدلاني بِأَنَّهُ لَا يقتل وَإِن جَعَلْنَاهُ حدا لِأَنَّهُ مَمْلُوكه فَلَا يصلح لمقاتلته ومخاصمته فِي الْقِتَال الثَّانِيَة إِن مَاتَ الْقَاتِل وَقُلْنَا إِنَّه مَحْض حد فَلَا دِيَة للقتيل وَإِن قُلْنَا فِيهِ حق الْآدَمِيّ فَلهُ الدِّيَة الثَّالِثَة إِذا قتل جمَاعَة اكْتفي بِهِ إِن جَعَلْنَاهُ حدا وَإِلَّا قتل بِوَاحِد وللآخرين الدِّيَة الرَّابِعَة لَو عَفا الْوَلِيّ على مَال فَلَا أثر لَهُ إِن جَعَلْنَاهُ حدا وَإِلَّا فَلهُ الدِّيَة وَيقتل حدا وَهُوَ كمرتد اسْتوْجبَ الْقصاص وعفي عَنهُ الْخَامِسَة لَو تَابَ قبل الظفر سقط الْحَد وَبَقِي الْقصاص حَتَّى يسْقط بعفوه إِن جعلنَا لَهُ حَقًا وَإِلَّا فَيسْقط بِالْكُلِّيَّةِ وَلَعَلَّ الْأَصَح الْجمع بَين الْحَقَّيْنِ مَا أمكن فَإِن سقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ أَو الْقصاص بِالْعَفو فَيبقى الآخر خَالِيا عَن الزحمة فيستوفى فَأَما إِسْقَاط الْقصاص وَالْحَد أَو الدِّيَة فبعيد جدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 فروع الأول إِذا جرح الْمُحَارب جرحا ساريا فَهُوَ كَالْقَتْلِ فِي التحتم وَإِن كَانَ الْجرْح وَاقِفًا فَلَا قصاص فِيهِ كالجائفة فَلَا يجرح فَإِن قطع عضوا فِيهِ قصاص استوفى وَهِي يتحتم فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم كالنفس وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَتْل عهد حدا فَلذَلِك يتحتم بِخِلَاف الْقطع وَالثَّالِث أَن قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ يتحتم إِن عهد حدا فِي السّرقَة بِخِلَاف الْأذن وَالْعين وَسَائِر الْأَعْضَاء الثَّانِي يثبت قطع الطَّرِيق بِشَهَادَة أهل الرّفْقَة يشْهد كل وَاحِد لرفيقه لَا لنَفسِهِ وَلَا يُصَرح وَلَو قَالَ تعرضوا لنا ولرفقائنا فَسدتْ صِيغَة الشَّهَادَة وَكَذَا لَو قَالَ الشَّاهِد قذفني مَعَ أم فلَان فلاتقبل شَهَادَته الثَّالِث يوالي بَين قطع الْيَد وَالرجل بِخِلَاف مَا لَو اسْتحق يسراه فِي الْقصاص ويمناه فِي السّرقَة فَإِنَّهُ يقدم الْقصاص ويمهل ريثما يندمل لِأَن الْمُوَالَاة عَظِيم الضَّرَر لَكِن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 القطعين فِي الْمُحَاربَة عُقُوبَة وَاحِدَة وَلَو اسْتحق يَمِينه قصاصا قطعت الْيَمين فِي الْقصاص ويكتفي بِالرجلِ الْيُسْرَى وَهل يُمْهل ريثما يندمل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُمْهل لاخْتِلَاف الْعقُوبَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمُوَالَاة كَانَت مُسْتَحقَّة فَإِن فَاتَت الْيَد فَيبقى اسْتِحْقَاق الْمُوَالَاة وَإِنَّمَا يقدم الْقصاص على حد السّرقَة والحراب وَلَا يَبْنِي على الْخلاف فِي تَقْدِيم حق الْآدَمِيّ وَحقّ الله تَعَالَى إِذا اجْتمعَا لِأَن الْخلاف فِي الْأَمْوَال الَّتِي لَا يسْقط عَنْهَا حق الله تَعَالَى بِالشُّبْهَةِ وَأما حُدُود الله تَعَالَى فَتسقط بِالشُّبْهَةِ وَالرُّجُوع عَن الْإِقْرَار فَيقدم عَلَيْهَا حق الْآدَمِيّ الرَّابِع إِذا اجْتمعت عقوبات للآدميين كَحَد الْقَذْف وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل فَإِن ازدحموا على الطّلب يجلد ثمَّ يقطع ثمَّ يقتل وَلَا يُبَادر بِالْقطعِ عقيب الْجلد إِن كَانَ مُسْتَحقّ الْقَتْل غَائِبا إبْقَاء على روحه حَتَّى لَا يفوت الْقصاص وَلَو كَانَ حَاضرا وَقَالَ لَا تتركوا الْمُوَالَاة لأجلي فَإِنِّي أبادر بعد الْقطع وأقتل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُبَادر وَلَا يُمْهل لِأَن النَّفس مستوفاة فَلَا معنى للتأخير لأجل الْمَقْتُول وَلَا لأجل الْمُسْتَحق وَقد رَضِي وَالثَّانِي أَنه يُمْهل فَإِنَّهُ رُبمَا يعْفُو مُسْتَحقّ الْقَتْل فَتَصِير النَّفس هدرا بالموالاة أما إِذا أخر بَعضهم حَقه فَإِن كَانَ الْمُؤخر مُسْتَحقّ النَّفس قدم الْجلد ويمهل ثمَّ يقطع وَإِن كَانَ الْمُؤخر مُسْتَحقّ الطّرف فَلَا يُمكن البدار إِلَى الْقَتْل فَفِيهِ تَفْوِيت الطّرف فَيجب على مُسْتَحقّ النَّفس الصَّبْر وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يصير مُسْتَحقّ الطّرف إِلَى غير نِهَايَة ويندفع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 الْقَتْل وَلَا صائر إِلَى أَن مُسْتَحقّ النَّفس يُسَلط على الْقَتْل وَيُقَال لصَاحب الطّرف بَادر إِن شِئْت وَإِلَّا ضَاعَ حَقك وَلَو قيل بِهِ لَكَانَ منقدحا لكنه لَو بَادر وَقتل بِغَيْر إِذن وَقع الْموقع وَرجع صَاحب الطّرف إِلَى الدِّيَة أما إِذا كَانَ الْمُجْتَمع حُدُود الله تَعَالَى كَحَد الشّرْب وَجلد الزِّنَا وَقطع السّرقَة وَالْقَتْل فالبداية بالأخف وَهُوَ تَرْتِيب مُسْتَحقّ ثمَّ يُمْهل إِلَى الإندمال حَتَّى لَا يفوت الْقَتْل بِالْمَوْتِ بِالسّرَايَةِ فَإِن لم يبْق إِلَّا الْقَتْل فَلَا إمهال وَلَو كَانَ بدل جلد الزِّنَا جلد الْقَذْف فجلد الشّرْب أخف مِنْهُ وَلَكِن هَل حق الْآدَمِيّ مقدم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْبِدَايَة فِي الشّرْب لِأَنَّهُ اخف وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بِحَدّ الْقَذْف لِأَنَّهُ حق الْآدَمِيّ وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ بدل حد الْقَذْف قطع قصاص للآدمي وَلَو زنى وَهُوَ بكر ثمَّ زنى وَهُوَ ثيب فقد اجْتمع الْجلد وَالرَّجم فَالظَّاهِر الِاكْتِفَاء بِالرَّجمِ واندرج الْجلد تَحْتَهُ وَفِيه وَجه أَنه يجلد ثمَّ يرْجم لِأَنَّهُ لَا تدَاخل مَعَ الِاخْتِلَاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 الْجِنَايَة السَّابِعَة شرب الْخمر وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب أما الْمُوجب فَنَقُول يجب الْجلد على كل مُلْتَزم شرب مَا أسكر جنسه مُخْتَارًا من غير ضَرُورَة وَعذر أما قَوْلنَا مُلْتَزم احترزنا بِهِ عَن الْحَرْبِيّ وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَلَا حد عَلَيْهِم وَقَوْلنَا أسكر جنسه إِشَارَة إِلَى أَن مَا أسكر كَثِيره فقليله وَإِن لم يسكر يُوجب الْحَد ككثيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب الْحَد بِقَلِيل الْخمر وَإِن لم يسكر وَسَائِر الْأَشْرِبَة لَا يحد فِيهَا إِلَّا فِي الْقدر الْمُسكر وَقَوْلنَا مُخْتَارًا احترزنا بِهِ عَن الْمُكْره فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ الشّرْب لدفع ضَرَر الْإِكْرَاه فَلَا يحد بِخِلَاف الزِّنَا فَإِن فِيهِ خلافًا وَلَا خلاف أَن الزِّنَا لَا يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 وَقَوْلنَا من غير ضَرُورَة أردنَا بِهِ أَن من غص بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فَلهُ أَن يسيغها بهَا وَكَذَلِكَ إِذا خَافَ الْهَلَاك من الْعَطش وَأما التَّدَاوِي بِالْخمرِ فِي علاج الْأَمْرَاض فَلَا يجوز لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَقَوله إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم وَلِأَن الشِّفَاء بِهِ مظنون بِخِلَاف دفع الْعَطش وإساغة اللُّقْمَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 وَلَكِن يجوز التَّدَاوِي بالأعيان النَّجِسَة كلحم السرطان والحية والمعجون الَّذِي فِيهِ الْخمر لِأَن تَحْرِيم الْخمر الْمُسكر مغلظ وَتَركه مَقْصُود لَا يقاومه ظن الشِّفَاء وَأما الزّجر عَن تنَاول النَّجَاسَات مَعَ أَن مصير الْأَطْعِمَة إِلَى النَّجَاسَة فَهُوَ من قبيل المروءات المستحسنة فَيجوز أَن تَزُول بِعُذْر الْمَرَض وَقد قَالَ القَاضِي لَا يحد الشَّارِب إِن قصد التَّدَاوِي بهَا فَكَأَنَّهُ جعل ذَلِك شُبْهَة فِي الْإِسْقَاط وَلم يُصَرح أحد بِجَوَاز التَّدَاوِي بهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 وَقَوْلنَا من غير عذر احترزنا بِهِ عَن التَّدَاوِي إِذْ الظَّاهِر أَنه لَا حد وَإِن عصى وَعَن حدث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ إِذا لم يعلم التَّحْرِيم وَكَذَا الغالط إِذا ظَنّه شرابًا آخر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو سكر مثل هَذَا الرجل لم يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات لِأَنَّهُ كالمغمى عَلَيْهِ وَقَالَ لَو شرب الْحَنَفِيّ النَّبِيذ حددته وَنَصّ أَن الذِّمِّيّ لَا يحد وَإِن رَضِي بحكمنا وَسَببه أَن الْحَنَفِيّ فِي قَبْضَة الإِمَام وَالْحَاجة قد تمس إِلَى زَجره بِخِلَاف الذِّمِّيّ الَّذِي لم يلْتَزم حكمنَا وَمن أَصْحَابنَا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 قَالَ لَا يحد فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ يحد فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثمَّ الْمُوجب بقيوده يجب أَن يظْهر للْقَاضِي بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو إِقْرَار صَحِيح وَلَا يعول على النكهة والرائحة فَلَعَلَّهُ غلط أَو أكره وَلَو قَالَ مُطلقًا شربت الْمُسكر أَو قَالَ الشَّاهِد شرب مُسكرا أَو شرب شرابًا شربه غَيره فَسَكِرَ كفى ذَلِك وَلَو تقدر احْتِمَال الْإِكْرَاه مَعَ ظَاهر الْإِضَافَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 الطّرف الثَّانِي فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي قدره وكيفيته أما الْقدر فأربعون جلدَة وَأَصله مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بشارب فَقَالَ اضْرِبُوهُ بالنعال فضربوه بالنعال وأطراف الثِّيَاب وحثوا عَلَيْهِ التُّرَاب ثمَّ قَالَ بكتوه أَو عيروه وَنَحْوه ثمَّ قَالَ أَرْسلُوهُ فَلَمَّا كَانَ فِي زمَان أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أحضر الَّذين شاهدوا ذَلِك فعدلوه بِأَرْبَعِينَ جلدَة فَكَانَ يجلد أَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِي صدر خِلَافَته حَتَّى تتايع النَّاس بِشرب الْخمر واستحقروا ذَلِك فَشَاور الصَّحَابَة فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من شرب سكر وَمن سكر هذى وَمن هذى افترى فَأرى عَلَيْهِ حد المفترين فَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يجلد ثَمَانِينَ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يجلد ثَمَانِينَ ثمَّ عَاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر حَتَّى جلد الشَّارِب أَرْبَعِينَ وَرُوِيَ أَنه قَالَ إِن شرب فاجلده فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ وَلَا خلاف أَن الْقَتْل مَنْسُوخ فِي الشّرْب ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه هَل يَكْفِي الضَّرْب بالنعال وأطراف الثِّيَاب والْحَدِيث يدل على جَوَازه وَمن منع قَالَ ذَلِك لَا يَنْضَبِط فقد كفينا مئونة التَّعْدِيل فَيتبع الثَّانِي أَن الإِمَام لَو رأى أَن يجلد ثَمَانِينَ هَل لَهُ ذَلِك فَمنهمْ من منع لرجوع عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من جوز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 أما الْكَيْفِيَّة فالنظر فِي السَّوْط وَرفع الْيَد وَالضَّرْب وَالزَّمَان أما السَّوْط فَلْيَكُن وسطا وَيقوم مقَامه الْخَشَبَة الزَّائِدَة على الْقَضِيب النَّاقِصَة من الْعَصَا وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي غَايَة الرُّطُوبَة وَلَا فِي غَايَة اليبس وَأما رفع الْيَد فَلَا يرفعهُ فَوق الرَّأْس فيعظم الْأَلَم وَلَا يَكْتَفِي بِالرَّفْع الْيَسِير فَلَا يؤلم بل يُرَاعِي التَّوَسُّط وَأما الضَّرْب فيفرقه على جَمِيع بدنه وَيَتَّقِي الْمقَاتل كالقرط والأخدع وثغرة النَّحْر والفرج وَيَتَّقِي الْوَجْه فَفِيهِ نهي فِي الْبَهَائِم فَكيف فِي الْآدَمِيّ وَلَا يَتَّقِي الرَّأْس عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لقَوْل أبي بكر رَضِي الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 عَنهُ للجلاد اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس وَلَا تشد اليدان من المجلود بل يتْرك حَتَّى يَتَّقِي إِن شَاءَ بيدَيْهِ وَلَا يتل للجبين بل يضْرب وَهُوَ قَائِم وتضرب الْمَرْأَة وَهِي جالسة ويلف عَلَيْهَا ثِيَابهَا لكيلا تنكشف وَأما الزَّمَان فَلَا بُد من مُوالَاة الضَّرْب فَلَو فرق مائَة سَوط على مائَة يَوْم لم يجز وَلَو ضرب خمسين فِي يَوْم وَخمسين فِي يَوْم آخر قَالَ إِنَّه جَائِز والضبط فِيهِ عسير فَالْوَجْه أَن يُقَال إِذا انمحى أثر الْأَلَم الأول لم يجز وَإِن كَانَ بَاقِيا جَازَ هَذَا هُوَ القَوْل فِي الْجِنَايَة الْمُوجبَة للحدود وَلَا بُد من الاختتام بِبَاب فِي التَّعْزِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي التَّعْزِير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْمُوجب والمستوفي وَالْقدر وأصل الْوُجُوب أما الْمُوجب فَكل جِنَايَة سوى هَذِه السَّبْعَة مِمَّا يَعْصِي العَبْد بهَا ربه فيستوجب بهَا التَّعْزِير سَوَاء كَانَ على حق الله تَعَالَى أَو على حق الْآدَمِيّ إِذْ حق الْآدَمِيّ أَيْضا لَا يَخْلُو عَن حق الله تَعَالَى وَأما المستوفي فَهُوَ الإِمَام وَلَيْسَ ذَلِك للآحاد إِلَّا الْأَب وَالسَّيِّد وَالزَّوْج أما الْأَب فَلَا يُعَزّر الْبَالِغ وَالصَّغِير لَا يعْصى لَكِن للْأَب الضَّرْب تأديبا وحملا على التَّعَلُّم وردا عَن سوء الْأَدَب وللمعلم أَيْضا ذَلِك بِإِذن الْأَب وكل ذَلِك جَائِز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن أفْضى إِلَى الْهَلَاك وَجب الضَّمَان على الْعَاقِلَة ويكن شبه عمد ويتبين أَنهم جاوزوا حد الشَّرْع إِلَّا مَا يظْهر كَونه عمدا مَحْضا فَفِيهِ الْقصاص وَأما السَّيِّد فَالصَّحِيح أَن لَهُ تَعْزِير عَبده فِي حق الله تَعَالَى وَأما فِي حق نَفسه فَجَائِز بلاخلاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 وَأما الزَّوْج فَلَا يُعَزّر زَوجته إِلَّا على النُّشُوز على التَّرْتِيب الْوَارِد فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فَإِن كَانَت لَا تنزجر بِالضَّرْبِ الْيَسِير بل بِضَرْب مخوف فَلَا يُعَزّر أصلا لِأَن المبرح مهلك والخفيف غير مُفِيد أما أصل الْمُوجب فقد قَالَ الْعلمَاء مَا يتمحض لحق الله تَعَالَى فالاجتهاد فِيهِ إِلَى الإِمَام فَإِن رأى الصّلاح فِي سحب ذيل الْعَفو والتغافل عَنهُ فِي بعض الْمَوَاضِع فعل وَإِن رأى الِاقْتِصَار على الزّجر بِمُجَرَّد الْكَلَام فعل إِذْ الْمصلحَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال وَكم تجَاوز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَقوام أساءوا آدابهم أما الْمُتَعَلّق بِحَق الْآدَمِيّ فَلَا يجوز إهمال أَصله مَعَ طلب الْمُسْتَحق لَكِن هَل يجوز للْإِمَام ترك الضَّرْب والاقتصار على الزّجر بالْكلَام إِن رأى ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَلَو عَفا الْمُسْتَحق فَهَل للْإِمَام التَّعْزِير فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُسْتَحق وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك لَا يَخْلُو أَيْضا عَن الْجِنَايَة على حق الله تَعَالَى وَرُبمَا أَرَادَ الإِمَام زَجره عَن الْعود إِلَى مثله وَالثَّالِث أَنه إِن عَفا عَن الْحَد سقط وَإِن عَفا عَن التَّعْزِير فللإمام التَّعْزِير لِأَن أصل التَّعْزِير موكول إِلَى الْأَئِمَّة أما قدر الْمُوجب فَلَا مرد لأقله وَأَكْثَره محطوط عَن الْحَد وَمِنْهُم من قَالَ يحط كل تَعْزِير وَإِن عظم عَن أقل الْحُدُود وَهُوَ حد الشّرْب وَمِنْهُم من قَالَ تَعْزِير مُقَدمَات الشّرْب يحط عَن حَده وَلَا يحط تَعْزِير مُقَدمَات الزِّنَا إِلَّا عَن حد الزِّنَا وَكَذَلِكَ تَعْزِير مُقَدمَات الْقَذْف فَإِن إمْسَاك العَبْد سَيّده حَتَّى يقْتله غَيره كَبِيرَة أعظم من شرب قَطْرَة من خمر وروى صَاحب التَّقْرِيب حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يجلد فَوق الْعشْرَة إِلَّا فِي حد وَقَالَ الحَدِيث صَحِيح فَإِن صَحَّ فمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اتِّبَاع الحَدِيث وَإِن لم يَصح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 الحَدِيث فيحط عَن عشْرين فِي حق العَبْد لِأَنَّهُ حد الشّرْب فِي حَقه وَفِي حق الْحر هَل يحط عَن الْعشْرين الَّذِي هُوَ أقل مَا يجب حدا كَامِلا أَو عَن الْأَرْبَعين الَّذِي هُوَ حَده فِيهِ وَجْهَان وَأما مَالك رَحمَه الله فَإِنَّهُ جَاوز الْحَد وَجوز الْقَتْل فِي التَّعْزِير للاستصلاح وَهُوَ ضَعِيف إِذْ الاستصلاح التَّام يحصل بالحدود والتعزيرات وَالْحَبْس فَلَا حَاجَة إِلَى الْقَتْل وَالله أعلم وَإِذا فَرغْنَا من مُوجبَات الْحُدُود فجدير بِنَا أَن نشِير إِلَى مُوجبَات الضمانات سوى مَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْغَصْب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 = كتاب مُوجبَات الضمانات = وَالنَّظَر فِي ضَمَان الْوُلَاة وَضَمان الصَّائِل وَضَمان مَا أتْلفه الْبَهَائِم فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي ضَمَان الْوُلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي مُوجب الضَّمَان وَمحله أما الْمُوجب فالصادر عَن الإِمَام إِمَّا تَعْزِير وَإِمَّا حد أَو استصلاح أما التَّعْزِير فمهما سرى وَجب الضَّمَان وَتبين خُرُوجه عَن الْمَشْرُوع إِذْ الْمَشْرُوع مَا لَا يهْلك وَهُوَ مَنُوط بِالِاجْتِهَادِ ومشروط بسلامة الْعَاقِبَة فَيجب الضَّمَان على كل معزر إِذا لم تسلم الْعَاقِبَة وَأما الْحُدُود فَهِيَ مقدرَة فِيمَا عدا الشّرْب فَإِذا اقْتصر فَمَاتَ قُلْنَا الْحق قَتله أما إِذا مَال عَن الْمَشْرُوع فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون فِي وَقت أَو قدر أَو جنس فَإِن كَانَ فِي الْوَقْت بِأَن أَقَامَهُ فِي شدَّة الْحر فالنص أَنه لَا يضمن وَفِي مثله فِي الْخِتَان يضمن وَذكرنَا فِيهِ النَّقْل والتخريج فَكَأَنَّهُ يرجع حَاصِل الْخلاف إِلَى أَن التَّأْخِير مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ أما الْجِنْس فشارب الْخمر إِذا ضرب بالنعال وأطراف الثِّيَاب قَرِيبا من أَرْبَعِينَ فَمَاتَ فَلَا ضَمَان إِلَّا على الْوَجْه الْبعيد فِي أَن ذَلِك غير جَائِز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 وَإِن ضرب أَرْبَعِينَ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا ضَمَان كَسَائِر الْحُدُود وَالثَّانِي نعم لقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن ذَلِك شَيْء رَأَيْنَاهُ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا يَصح الْخَبَر فِي جلد الْأَرْبَعين فَإِن أَوجَبْنَا فَالصَّحِيح إِيجَاب كل الضَّمَان وَفِيه وَجه أَنه يوزع على التَّفَاوُت بَين ذَلِك وَبَين الضَّرْب بالنعال فِي الْأَلَم وَهَذَا شي لَا يَنْضَبِط وَلَا يدْرك أصلا أما الْقدر فَهُوَ أَن يضْرب فِي حد الْقَذْف أحدا وَثَمَانِينَ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ من الضَّمَان جُزْء من أحد وَثَمَانِينَ وَالثَّانِي أَنه يجب النّصْف نظرا إِلَى الْحق وَالْبَاطِل إِذْ رُبمَا أثر آلام السِّيَاط لَا تتساوى أما إِذا ضرب فِي الشّرْب ثَمَانِينَ ضمن الشّطْر لِأَنَّهُ زَاد عَن الْمَشْرُوع مثله فَلَو أَمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 الجلاد بِثَمَانِينَ فَزَاد وَاحِدًا اجْتمع من الْأُصُول ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يسْقط من الضَّمَان أَرْبَعُونَ من وَاحِد وَثَمَانِينَ وَيجب أَرْبَعُونَ على الإِمَام وَوَاحِد على الجلاد وَالثَّانِي أَنه يجب فِي مُقَابلَة الْبَاطِل نصف موزع على الإِمَام والجلاد بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّالِث أَنه يَجْعَل الضَّمَان أَثلَاثًا فَيسْقط ثلثه وَيجب على الإِمَام ثلثه وعَلى الجلاد ثلثه أما الإستصلاح فَهُوَ إِمَّا بِقطع سلْعَة أَو بالختان أما السّلْعَة فللعاقل أَن يقطها من نَفسه إِن لم يكن فِيهِ خوف فَإِن كَانَ مخوفا لم يجز لإِزَالَة الشين وَهل يجوز للخوف على الْبَقِيَّة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن الْخَوْف مَوْجُود فِي التّرْك وَالْقطع فَلَا فَائِدَة فِي الْقطع وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذْ الْخَوْف متساو فإليه الْخيرَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 وَالثَّالِث أَن الْقطع إِن كَانَ أسلم فِي الظَّن الْغَالِب جَازَ وَإِن اعتدل الْخَوْف فَلَا وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي الْيَد المتآكلة أما من بِهِ ألم لَا يطيقه فَلَيْسَ لَهُ أَن يهْلك نَفسه فَإِن كَانَ الْمَوْت مَعْلُوما مثل الْوَاقِع فِي نَار لَا ينجو مِنْهَا قطعا وَهُوَ قَادر على إغراق نَفسه وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ اخْتلف فِيهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَالأَصَح أَنه لَهُ أَن يغرق نَفسه رَجعْنَا إِلَى الْوَالِي وَالْوَلِيّ وَلَيْسَ لَهما ذَلِك فِي حق الْعَاقِل الْبَالِغ إجبارا بل الْخيرَة إِلَى الْعَاقِل فَإِن فعلوا وَجب الْقصاص أما الْمولي عَلَيْهِ بالصغر وَالْجُنُون فللأب أَن يتعاطى فيهم مَا يتعاطى الْعَاقِل فِي نَفسه لإِزَالَة الشين وَالْخَوْف أما السُّلْطَان فَلهُ ذَلِك حَيْثُ لَا خوف وَيكون قطعه كالفصد والحجامة وَهُوَ جَائِز لَهُ وَإِن كَانَ فِي الْقطع خطر فَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك كَمَا لَيْسَ لَهُ الْإِجْبَار على النِّكَاح لِأَن مثل هَذَا الْخطر يَسْتَدْعِي نظرا دَقِيقًا وشفقة طبيعية وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك فَإِن فعل حَيْثُ لم نجوز فَتجب الدِّيَة وَفِي الْقود قَولَانِ وَوجه الْإِسْقَاط الشُّبْهَة إِذْ هَذَا مِمَّا تَقْتَضِيه ولَايَة الْأَب وَإِن لم تكن تَقْتَضِيه ولَايَته ثمَّ الصَّحِيح أَن الدِّيَة فِي خَاص مَاله وَإِن سقط الْقود لِأَنَّهُ عمد مَحْض وَحَيْثُ جَوَّزنَا للْأَب وَالسُّلْطَان ذَلِك فسرى قَالَ القَاضِي وَجب الضَّمَان كالتعزير لِأَنَّهُ غير مضبوط وَإِنَّمَا جَوَّزنَا بِالِاجْتِهَادِ وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْأَصْحَاب وَهُوَ سُقُوط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 الضَّمَان لِأَن الْجرْح فِيهِ خطر وَقد جوز مَعَ الْخطر وَإِنَّمَا جوز من التَّعْزِير مَالا خطر فِيهِ وَكَيف يتَعَرَّض الْوَلِيّ لضمان سرَايَة الفصد والحجامة وَذَلِكَ يزجره عَن فعله ويضر بِالصَّبِيِّ نعم يتَّجه ذَلِك فِي الْخِتَان بعض الإتجاه فَإِنَّهُ لَيْسَ على الْفَوْر وَلَا فِيهِ خوف وَالصَّحِيح أَيْضا أَنه لَا ضَمَان أما الْخِتَان فمستحق عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء لِأَنَّهُ جَائِز مَعَ أَنه جرح مخطر فَيدل على وُجُوبه وَالْوَاجِب فِي الرِّجَال قطع مَا يغشى الْحَشَفَة وَفِي النِّسَاء مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم ثمَّ أول وُجُوبه بِالْبُلُوغِ وَلَيْسَ يجب على الصَّبِي بِخِلَاف الغدة إِذْ تَنْقَضِي من غير فعل والاولى أَن يُبَادر الْوَلِيّ فِي الصَّبِي لسُهُولَة ذَلِك عِنْد سخافة الْجلد فَإِن بلغ وَامْتنع استوفى السُّلْطَان قهرا فَلَا ضَمَان إِذْ وَجب اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا أَن يفعل فِي شدَّة الْحر فَإِن النَّص أَنه يضمن وَفِيه تَخْرِيج سبق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 النّظر الثَّانِي فِي مَحَله وَالْإِمَام كَسَائِر النَّاس فِيمَا يتعاطاه لَا فِي معرض الحكم أَو فِي معرض الحكم على خلاف الشَّرْع عمدا أما إِذا بذل الْمُمكن فِي الِاجْتِهَاد فَأَخْطَأَ فَفِي الضَّمَان قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كَسَائِر النَّاس يجب عَلَيْهِ أَو على عَاقِلَته وَالثَّانِي أَنه فِي بَيت المَال لِأَن الوقائع تكْثر وَهُوَ معرض للخطأ فَكيف يستهلك مَاله وعَلى هَذَا فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان لِأَنَّهَا من جنس الْعِبَادَات فتبعد عَن التَّحَمُّل وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَو ضرب فِي الشّرْب ثَمَانِينَ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِك وَلَا يجْرِي إِذا أَقَامَ الْحَد على حَامِل مَعَ الْعلم فَإِنَّهُ مقصر والغرة على عَاقِلَته قطعا وَكَذَلِكَ إِذا قضى بقول عَبْدَيْنِ أَو كَافِرين أَو صبيين وَقصر فِي الْبَحْث فَإِن بحث فَأَخْطَأَ جرى فِيهِ الْقَوْلَانِ إِلَّا أَنه يُمكن الرُّجُوع على الشُّهُود لأَنهم تصدوا لما لَيْسُوا أَهلا لَهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَا رُجُوع لأَنهم صدقُوا أَو أصروا وَلَيْسَ القَاضِي كالمغرور إِذْ الْمَغْرُور غير مَأْمُور بالبحث وَهُوَ مَأْمُور بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 فَإِن قُلْنَا يرجع فَفِي تعلقه بِرَقَبَة الْعَبْدَيْنِ أَو لُزُومه فِي ذمتهما خلاف وَفِي الرُّجُوع على الْمُرَاهق نظر لِأَن قَوْله بعيد أَن يعْتَبر الْإِلْزَام وَلَكِن يُمكن أَن يَجْعَل كجناية حسية وَلذَلِك تعلق بِرَقَبَة العَبْد على رَأْي فَإِن كَانَا فاسقين ورأينا نقض الحكم بِظُهُور الْفسق بعد الْقَضَاء فَفِي الرُّجُوع عَلَيْهِم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب كالعبدين وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا من أهل الشَّهَادَة على الْجُمْلَة وَالثَّالِث أَنه يرجع على المجاهر دون المكاتم فَإِن عَلَيْهِ ستر الْفسق بِخِلَاف الرّقّ فَإِنَّهُ لَا يستر أما الجلاد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كيد الإِمَام وسيفه وَلَو ضمن لم يرغب أحد فِيهِ وَكَذَا الْحجام إِذا قطع سلْعَة بِالْإِذْنِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ مهما كَانَ الْقطع مُبَاحا أما إِذا قطع يدا صَحِيحَة بِالْإِذْنِ فَفِي الضَّمَان خلاف لِأَن الْمُسْتَحق أسقط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 حَقه وَلكنه مرحم وَلَو قتل حر عبدا وَأمر الإِمَام بقتْله والجلاد شفعوي فَفِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اعْتِقَاد الجلاد وَفِي الثَّانِي إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو كَانَ الإِمَام شفعويا فَأَخْطَأَ بذلك والجلاد حَنَفِيّ فالنظر إِلَى جَانب الإِمَام يُوجب الْقصاص على الجلاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 وكل هَذَا إِذا كَانَ للجلاد محيص عَن الْفِعْل فَإِن لم يكن فَهُوَ كالمكره على رَأْي وَقد ذَكرْنَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي دفع الصَّائِل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْمَدْفُوع والمدفوع عَنهُ وَكَيْفِيَّة الدّفع أما الْمَدْفُوع فَلَا تَفْصِيل فِيهِ عندنَا بل كل مَا يخَاف الْهَلَاك مِنْهُ يُبَاح دَفعه وَلَا ضَمَان فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الدّفع يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والبهيمة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب ضَمَان الْبَالِغ وَيجب ضَمَان الْبَهِيمَة الصائلة وَله فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون تردد وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا جرة تدهورت من سطح أَو جِدَار مطل على رَأس إِنْسَان فَدَفعهَا فَكَسرهَا فَمن نَاظر إِلَى أَنه مُسْتَحقّ الدّفع وَمن نَاظر إِلَى أَنه لَا اخْتِيَار لَهَا حَتَّى يُحَال عَلَيْهَا فَصَارَ كالمضطر فِي المخمصة إِلَى طَعَام الْغَيْر فَإِنَّهُ يَأْكُل وَيضمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 الثَّانِيَة إِذا اضْطر إِلَى طَعَام فِي بَيته وعَلى بَابه بَهِيمَة صائلة لَا تنْدَفع إِلَّا بِالْقَتْلِ فَهُوَ مردد بَين ضَرُورَة المخمصة والصيال فَفِيهِ وَجْهَان وَهَذَا حكم جَوَاز الدّفع أما جَوَاز الإستسلام فَينْظر إِن كَانَ الصَّائِل بَهِيمَة أَو ذِمِّيا لم يجز وَوَجَب الدّفع إِذْ عهد الذِّمِّيّ ينْتَقض بصياله وَإِن كَانَ مُسلما محقونا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فِي وصف الْفِتَن كن عبد الله الْمَقْتُول وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الصَّائِل لَا حُرْمَة لَهُ لظلمه والمصول عَلَيْهِ مُحْتَرم وَإِنَّمَا يُؤمر بترك الْقَتْل فِي الْفِتْنَة خوفًا من إثارة الْفِتْنَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 نعم يجوز للمضطرين فِي المخمصة الإيثار لِأَن الْحُرْمَة شَامِلَة للْجَمِيع وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَمنهمْ من ألحقهما بالبهيمة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَوجه الْقطع بِالْمَنْعِ أَن قتل الصَّبِي يجب مَنعه على الْمُكَلف إِذا قدر كَيْلا يبوء بالإثم لِأَنَّهُ صُورَة ظلم أما الْمَدْفُوع عَنهُ فَلهُ ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا يَخُصُّهُ وَهُوَ كل حق مَعْصُوم من نفس وبضع وَمَال وَإِن قل حَتَّى يهدر الدَّم فِي الدّفع عَن دِرْهَم وَحكي عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَنه لَا يدْفع عَن المَال بِالْقَتْلِ وَهُوَ غَرِيب الثَّانِيَة مَا يخص الْغَيْر وَهُوَ يقدر على دَفعه مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الدّفع وَمِنْهُم من قطع بِالْوُجُوب إِذْ لَا مدْخل للإيثار هَاهُنَا وَهُوَ حق الْغَيْر وَمن الْأُصُولِيِّينَ من قطع بِالْمَنْعِ وَقَالَ لَيْسَ شهر السِّلَاح فِي مثل ذَلِك إِلَى الْآحَاد بل إِلَى السُّلْطَان لِأَنَّهُ يُحَرك الْفِتَن الثَّالِثَة مَا يتَعَلَّق بمحض حق الله تَعَالَى كشرب الْخمر فَظَاهر رَأْي الْفُقَهَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 وجوب الدّفع بِسَبَب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَو بِالسِّلَاحِ وَمِنْهُم من منع ذَلِك إِلَّا للسُّلْطَان خوفًا من الْفِتْنَة وَذكرنَا فِي ذَلِك تَفْصِيلًا طَويلا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين أما كَيْفيَّة الدّفع فَيجب فِيهِ التدريج فَإِن انْدفع بالْكلَام لم يضْرب أَو بِالضَّرْبِ لم يجرح أَو بِالْجرْحِ لم يقتل وَإِذا انْدفع لم يتبع وَلَو رأى من يَزْنِي بِامْرَأَة فَلهُ دَفعه إِن أَبى وَلَو بِالْقَتْلِ فَإِن هرب فَاتبعهُ وَقَتله وَجب الْقصاص عَلَيْهِ إِن لم يكن مُحصنا فَإِن كَانَ مُحصنا فَلَا قصاص لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْقَتْل وَإِن لم يكن للآحاد قَتله وَكَذَا من استبد بِقطع يَد السَّارِق فَلَا قصاص وَلَكِن لَا بُد من إِقَامَة بَيِّنَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يسمع مُجَرّد دَعْوَاهُ للزِّنَا وَالسَّرِقَة وتبنى على هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل الأولى لَو قدر المصول عَلَيْهِ على الْهَرَب فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُ الدّفع وَمِنْهُم من جوز وَكَأن الْموضع حَقه فَلَا يلْزمه الْهَرَب وَلَو كَانَ الصَّائِل ينْدَفع بِسَوْط لَكِن لَيْسَ فِي يَد المصول عَلَيْهِ إِلَّا مَا لَو ضرب بِهِ لجرح فَالظَّاهِر جَوَاز الضَّرْب لِأَن الْمُعْتَبر حَاجته وَهُوَ لَا يقدر على غَيره وَلذَلِك نقُول الحاذق الَّذِي يقدر على الدّفع بأطراف السَّيْف من غير جرح يضمن إِن جرح والأخرق الَّذِي يعجز عَنهُ لَا يضمن الثَّانِيَة لَو عض يَد إِنْسَان فَلهُ أَن يسل يَده فَإِن ندرت أَسْنَانه فَلَا ضَمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 وَإِن لم يقدر على السل فَلهُ أَن يضع السكين فِي بَطْنه ويعصر أنثييه وَقيل لَا يجوز إِلَّا أَن يقْصد الْعُضْو الْجَانِي ليندفع وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا نظر إِلَى حرم إِنْسَان من صير الْبَاب وكوة الدَّار عمدا فَلهُ أَن يقْصد عَيْنَيْهِ بحصاة أَو مَدَرَة من غير تَقْدِيم إنذار فَلَو أعماه الرَّمْي فَلَا ضَمَان وَهَذَا على خلاف تدريج الدّفع وَلَكِن نظر رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجرته من صير بَابه وَكَانَ بِيَدِهِ عَلَيْهِ السَّلَام مدرى يحك بِهِ رَأسه فَقَالَ لَو علمت أَنَّك تنظرني لطعنت بهَا عَيْنَيْك وَقَالَ القَاضِي لَا بُد من تَقْدِيم الْإِنْذَار على الْقيَاس والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه لَو أصر على النّظر فَلم ينْدَفع بالإنذار وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَعكس صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ يسْتَدلّ بِهَذَا على أَن الدّفع جَائِز ابْتِدَاء من غير إنذار ويتأيد ذَلِك بقولنَا إِنَّه يجوز قتل الْمُرْتَد بَغْتَة من غير إمهال وإنذار وَالْمذهب الْفرق لأجل الحَدِيث وَلِأَن النّظر إِلَى الْحرم جِنَايَة تَامَّة فَإِن مَا رَآهُ وانكشف لَهُ لَا يسْتَتر باندفاعه بعده فللنظر هَذِه الخاصية لَكِن لَا خلاف أَنه بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 الإندفاع لَا تقصد عينه بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَة فَكَأَن الْمُسَلط هَذِه الخاصية مَعَ وجود الْجِنَايَة وَالصَّحِيح أَنه لَو اسْترق السّمع من كوَّة لم تقصد أُذُنه من غير إنذار وَإِن كَانَ مَا سَمعه قد فَاتَ وَلَكِن أَمر الْكَلَام أَهْون من أَمر العورات وَفِيه وَجه أَنه يلْحق بِهِ وَإِن كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فَنظر لم يقْصد لِأَن التَّقْصِير من رب الدَّار وَلَا فرق بَين أَن ينظر فِي الصير من ملك نَفسه أَو من الشَّارِع أَو من السَّطْح فَإِنَّهُ يقْصد هَذَا إِذا كَانَ فِي الدَّار حرم غير متسترات فَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز للْعُمُوم وَلِأَن الْإِنْسَان قد يكون مَكْشُوف الْعَوْرَة وَالثَّانِي الْمَنْع إِذْ أَمن الِاطِّلَاع على المستترة وعَلى الرِّجَال أسهل وَالثَّالِث أَنه يجوز الْقَصْد إِن كَانَ فِي الدَّار حرم وَإِن كن مستترات وَإِن لم يكن إِلَّا الرِّجَال لم يجز وَلَا خلاف أَنه إِن كَانَ للنَّاظِر حرم فِي هَذِه الدَّار فَيصير ذَلِك شُبْهَة فَلَا يقْصد ثمَّ إِن لم تحصل الشَّرَائِط وَجب الْقصاص وَإِن حصل فرشقه بنشابة وَجب الْقصاص بل لَا يترخص إِلَّا فِي قصد الْعين بخشبة أَو مَدَرَة أَو بندقة فقد يخطىء وَقد يُصِيب وَلَا يعمي وَأما الرشق فَقتل صَرِيح فَلَا يجوز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا تتلفه الْبَهَائِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول أَن لَا يكون مَعهَا مَالِكهَا فَإِن انسرحت فِي الْمزَارِع نَهَارا فَلَا ضَمَان على مَالك الْبَهِيمَة وَإِن انسرحت لَيْلًا ضمن بذلك قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعَادة حفظ الدَّوَابّ لَيْلًا من ملاكها وَحفظ الْمزَارِع نَهَارا من أَصْحَابهَا فالمتبع فِيهِ التَّقْصِير وَلَو انعكست الْعَادة فِي مَوضِع انعكس الحكم فيهمَا للمعنى من فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 وَفِيه وَجه أَنه لَا ينعكس لِأَن ضبط الْعَادة يعسر فَيتبع الشَّرْع كَيْفَمَا تقلبت الْعَادَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 فرعان أَحدهمَا أَن الْبَهَائِم أَيْضا لَا تَخْلُو عَن الرَّاعِي نَهَارا وَلَكِن يعذرُونَ فِي الْغَفْلَة عَنْهَا إِذا سرحت بعيدَة من الْمزَارِع فَلَو سرحها فِي جوَار الْمزَارِع مَعَ اتساع المراعي فَهُوَ مقصر فَيضمن الثَّانِي لَو سرحها لَيْلًا فَدخلت الْبَسَاتِين وأبوابها مَفْتُوحَة لم يضمن لِأَن التَّقْصِير فِي الْبُسْتَان من صَاحبه إِذْ لم يغلق الْبَاب وَالتَّقْصِير من رب الْبَهِيمَة فِي حق الْمزَارِع الضاحية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 536 الْفَصْل الثَّانِي أَن يكون مَعهَا مَالِكهَا فَيضمن مَالك الدَّابَّة مَا أتلفته بِيَدَيْهَا إِذا خبطت وبرجليها إِذا رمحت وبفيها إِذا عضت وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ يُمكن حفظ الدَّابَّة عَنهُ من غير انسداد رفق الطّرق أما الضَّرَر الَّذِي ينشأ من رشاش الوحل وانتشار الْغُبَار إِلَى الْفَوَاكِه فَلَا ضَمَان إِذْ هُوَ ضَرُورَة الطّرق وَلَا يُمكن الْمَنْع مِنْهُ نعم لَو خَالف الْعَادة بالركض فِي شدَّة الوحل أَو ترك الْإِبِل فِي الْأَسْوَاق غير مقطرة أَو ركب الدَّابَّة النزقة الَّتِي لَا يركب مثلهَا إِلَّا فِي الصَّحَارِي ضمن لكَونه مقصرا فِي الْعَادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 فروع الأول لَو أفلتت الدَّابَّة لَيْلًا عَن الرِّبَاط فَهُوَ كَمَا لَو غلبت صَاحبهَا وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الاصطدام الثَّانِي لَو تخرق ثوب إِنْسَان بحطب على دَابَّة وَهُوَ مُقَابل ومبصر ووجده منحرفا فَلَا ضَمَان وَإِن كَانَ مستدبرا أَو ناداه الْمَالِك منبها فكمثله وَإِن لم ينبهه ضمن صَاحب الدَّابَّة الثَّالِث إِذا أَدخل الدَّابَّة مزرعة فأخرجها صَاحب المزرعة فانسرحت فِي مزرعة غَيره فَلَا ضَمَان على الْمخْرج فَإِن كَانَت مزرعة محفوفة بالزراع فَلَا يُمكن إِخْرَاجه إِلَّا بِهِ فَيضمن إِذْ عَلَيْهِ الصَّبْر ليرْجع على رب الْبَهِيمَة وَمهما كَانَ رب الدَّابَّة مقصرا وَلَكِن مَالك الزَّرْع حَاضر وقادر على التنفير فَلم يفعل فَلَا ضَمَان إِذْ هُوَ المقصر بترك التنفير فِي الْعَادة الرَّابِع الْهِرَّة الْمَمْلُوكَة إِذا قتلت طير إِنْسَان أَو قلبت قدره فَفِي وجوب الضَّمَان على مَالِكهَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا ضَمَان إِذْ مَا جرت الْعَادة بربط السنانير لَيْلًا ونهار وَالثَّانِي يجب إِذْ يُمكن شدّ الروازن وغلق الْأَبْوَاب حَتَّى لَا تخرج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 وَالثَّالِث أَنَّهَا كالدآبة يجب حفظهَا لَيْلًا لَا نَهَارا وَالرَّابِع بِالْعَكْسِ فَإِن الْأَطْعِمَة تصان بِاللَّيْلِ دون النَّهَار الْخَامِس الْهِرَّة الضاربة بالطيور والإفساد أَو تنجيس الثِّيَاب قَالَ القَاضِي يجوز قَتلهَا فِي حَال سكونها لِأَنَّهَا التحقت بالفواسق فَأشبه الذِّئْب الَّذِي لَا يحل اقتناؤه وَقَالَ الْقفال لَا يحل لِأَن هَذِه ضراوة عارضة على خلاف الْجِنْس فتدفع فِي حَال الضراوة فَقَط وَالْكَلب الضاري كالهرة والاولى تشبيهه بالذئب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 = كتاب السّير = ومقصود الْكتاب بَيَان الْجِهَاد وَالنَّظَر فِي وُجُوبه وكيفيته وَتَركه بالأمان فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي وُجُوبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد يجب على التَّعْيِين وَقد يجب على الْكِفَايَة وَهُوَ الْغَالِب وَالنَّظَر فِي طرفين فِي الْوَاجِبَات على الْكِفَايَة وَفِي المعاذير المسقطة الأول فِي الْوَاجِبَات فالجهاد وَاجِب على الْكِفَايَة وَقيل كَانَ على الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم فرض عين وَكَانَ من يتَخَلَّف يحرس فِي الْمَدِينَة وَكَانُوا يتناوبون ويغزون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنة بعد أَن نزل الْقِتَال وَقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ظُهُور شَوْكَة الْإِسْلَام مَأْمُورا بالدعوة وَالصَّبْر على الْأَذَى حَتَّى نزل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 الْحَث على الْجِهَاد والآن فَيجب على الإِمَام فِي كل سنة أَو مَا يقرب مِنْهَا غَزْوَة ينْهض إِلَيْهَا جنده إدامة للدعوة القهرية وإظهارا لِلْإِسْلَامِ ثمَّ يرْعَى النصفة فِي المناوبة بَين الْجند وَلَا يخصص بعض أقاليم الْكفَّار وَلَكِن يقدم الأهم فالأهم ويتشوف إِلَى بَث النكاية والرعب فِي الْجَمِيع وَإِنَّمَا يصير الْفَرْض على الْكِفَايَة لَا على التَّعْيِين إِذا كَانَ الشَّيْء مَقْصُود الْحُصُول فِي نَفسه للشَّرْع وَلم يكن الشَّخْص مَقْصُودا بالامتحان وَذَلِكَ يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام قسم يتَعَلَّق بمحض الدّين كإقامة المدعوة الحجاجية بِالْعلمِ والقهرية بِالسَّيْفِ فَلَا يَنْبَغِي أَن تَخْلُو خطة الْإِسْلَام عَنهُ وَهَذَا يتَعَلَّق بِأَصْل الدّين وَمِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِفُرُوع الدّين وشعاره كإحياء الْكَعْبَة بِالْحَجِّ كل سنة وإشاعة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ورد السَّلَام وَهُوَ من الشعائر وَإِن لم تتَعَلَّق بِهِ مصلحَة كُلية بل مصلحَة حسن الْمُعَامَلَة وَأما إِقَامَة الْجَمَاعَات وَالْأَذَان سوى أَيَّام الْجمع فَفِيهِ تردد الْقسم الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بالمعاش كدفع الضَّرَر عَن محاويج الْمُسلمين وَإِزَالَة فاقتهم فَإِن بقيت ضَرُورَة بعد تَفْرِقَة الزكوات كَانَ إِزَالَتهَا من فرض الْكِفَايَة وَإِن بقيت حَاجَة فَفِي وجوب إِزَالَتهَا تردد وَأما الْبياعَات والمناكحات والحراثة والزراعة وكل حِرْفَة لَا يَسْتَغْنِي النَّاس عَنْهَا لَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 تصور إهمالها لكَانَتْ من فروض الكفايات حَتَّى الفصد والحجامة وَلَكِن فِي بواعث الطباع مندوحة عَن الْإِيجَاب لِأَن قوام الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب وقوام الدّين مَوْقُوف على قوام أَمر الدُّنْيَا ونظامها لَا محَالة الْقسم الثَّالِث مَا هُوَ كالمركب من الْقسمَيْنِ كتحمل الشَّهَادَات وإعانة الْقُضَاة على تَوْفِيَة الْحُقُوق وتجهيز الْمَوْتَى ودفنهم وغسلهم وَهَذِه مصَالح وَلَكِن يتَعَلَّق بهَا أَيْضا إِظْهَار شَعَائِر الدّين وَهَذِه الْفُرُوض مَذْكُورَة فِي موَاضعهَا وَإِنَّمَا نذْكر الْآن الْجِهَاد والتعلم وَالسَّلَام ولتعلم أَنه إِذا تعطل فرض كِفَايَة فِي مَوضِع أَثم من علم ذَلِك وَقدر على إِقَامَته وَيَأْثَم من لم يعلم إِذا كَانَ قَرِيبا من الْموضع وَكَانَ يَلِيق بِهِ الْبَحْث فَلم يبْحَث أما من هُوَ مَعْذُور لبعده أَو لتعذر الْبَحْث عَلَيْهِ فَلَا يَأْثَم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 الطّرف الثَّانِي فِي مسقطات الْوُجُوب وَهُوَ الْعَجز إِمَّا حسيا أَو شَرْعِيًّا أما الْحسي فَهُوَ الصِّبَا وَالْجُنُون وَالْأُنُوثَة وَالْمَرَض والفقر وَالْعَرج والعمى فَلَا جِهَاد على هَؤُلَاءِ لعجزهم وضعفهم وَقيل الْأَعْرَج كَالصَّحِيحِ إِن كَانَ يُقَاتل رَاكِبًا وَهُوَ بعيد لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَلَا على الْأَعْرَج حرج} وَلِأَنَّهُ لَا تندر الْحَاجة إِلَى التَّرَجُّل فِي مضايق الْقِتَال وكل من لَا يملك نَفَقَة الذّهاب والإياب والمركوب فَهُوَ فَقير وتفصيله مَا ذكرت فِي الْحَج إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط وجود السِّلَاح هَاهُنَا بِخِلَاف الْحَج وَالْآخر أَنه لَا يسْقط الْجِهَاد بالخوف من المتلصصين على الطَّرِيق وَإِن كَانُوا من الْمُسلمين لِأَن أهم الْجِهَاد مَعَ المتلصصين ومصير هَؤُلَاءِ إِلَى الْخَوْف الْأَعْظَم أما الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة فَهُوَ الرّقّ وَالدّين وَمنع الْوَالِدين أما الرَّقِيق فَلَا جِهَاد عَلَيْهِ كَمَا لَا جُمُعَة وَلَا حج عَلَيْهِ وَلَا يلْزمه الْجِهَاد وَإِن أمره السَّيِّد إِذْ لَا حق لَهُ فِي روحه حَتَّى يغرر بِهِ ويعرضه للهلاك وَكَذَلِكَ لَا يجب على العَبْد أَن يدْفع عَن السَّيِّد إِذا قصد بِالْهَلَاكِ مهما خَافَ على روحه بل سَيّده كالأجانب فِي هَذَا الْمَعْنى نعم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 إِن خرج سَيّده للْجِهَاد فَلهُ استصحابه للْخدمَة على الْعَادة لَا لِيُقَاتل قهرا أما الدّين فالحال مِنْهُ يمْنَع من الْخُرُوج إِلَّا أَن يرضى الْمُسْتَحق والمؤجل لَا يمْنَع عَن سَائِر الْأَسْفَار وَإِن قربت الْمدَّة وَطَالَ السّفر لَكِن على الْمُسْتَحق الْخُرُوج مَعَه إِن شَاءَ ليطالب وَأما سفر الْجِهَاد فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يمْنَع مِنْهُ لِأَن الْمصير فِيهِ إِلَى الْمَوْت وَبِه يحل الْأَجَل بِخِلَاف سَائِر الْأَسْفَار وَهُوَ ضَعِيف وَالثَّانِي أَنه كَسَائِر الْأَسْفَار فَلَا يمْنَع وَالثَّالِث أَنه يمْنَع إِلَّا إِذا خلف وَفَاء بِالدّينِ وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ من المرتزقة لم يمْنَع إِذْ رُبمَا كَانَ وَجهه فِي قَضَاء الدّين من الْقِتَال وَإِلَّا فَيمْنَع وَأما رِضَاء الْوَالِدين فَشرط رُوِيَ أَن رجلا جَاءَ فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرِيد أَن أجاهد مَعَك فَقَالَ كَيفَ تركت والديك فَقَالَ تركتهما يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجع وأضحكهما كَمَا أبكيتهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 أما حج الْإِسْلَام بعد الإستطاعة فَيجوز بِغَيْر رضاهما لِأَنَّهُ فرض عين وَفِي التَّأْخِير خطر وَالْغَالِب السَّلامَة مَعَ أَمن الطَّرِيق أما سفر طلب الْعلم فَإِن كَانَ الْعلم الْمَطْلُوب معينا أَو كَانَ يطْلب رُتْبَة الإجتهاد حَيْثُ شغر الْبَلَد عَن الْمُجْتَهد فَلَا يشْتَرط الْإِذْن كَالْحَجِّ بل أولى لِأَنَّهُ على الْفَوْر وَإِن كَانَ يطْلب رُتْبَة الْفَتْوَى وَفِي الْبَلَد مفتون فَفِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر أَنه يجوز بِغَيْر إِذن لِأَنَّهُ حر مُسْتَقل وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دفع ضَرَر التحزن فِي سفر مهلك كالجهاد وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من الْإِذْن لِأَن دفع الضَّرَر عَنْهُمَا وَاجِب وَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِب أما الْأَسْفَار الْمُبَاحَة كالتجارة وَغَيرهَا مِمَّا فِيهِ خطر كركوب الْبَحْر والبوادي المخطرة فَلَا يجوز إِلَّا بِإِذن وَمَا عدا ذَلِك فَالظَّاهِر جَوَازه لَان فِي مَنعه إِضْرَارًا بِهِ أَيْضا وَحقه أولى وَفِيه وَجه إِذا كَانَ فَوق مَسَافَة الْقصر وَأما الْأَب الْكَافِر فَلَا يجب اسْتِئْذَانه فِي الْجِهَاد لِأَنَّهُ يكرههُ لَا محَالة وَأما سَائِر الْأَسْفَار فَيحْتَمل أَن يلْحق فِيهِ بِالْأَبِ الْمُسلم وَفِي إِلْحَاق الأجداد والجدات بالوالدين احْتِمَال ظَاهر فرع لَو رَجَعَ الْوَالِد وَصَاحب الدّين عَن الْإِذْن أَو تجدّد دين وبلغه الْكتاب وَهُوَ فِي الطَّرِيق لزمَه الِانْصِرَاف إِن قدر فَإِن كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهِ الْوُقُوف بقرية إِن أمكن إِذْ غرضهم ترك الْقِتَال وَإِن بلغه الْكتاب وَهُوَ فِي أثْنَاء الْقِتَال لم يجز الإنصراف إِن كَانَ يحصل بِهِ تخذيل ووهن للْمُسلمين وَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْوُجُوب كَمَا قبل الِاشْتِغَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن فتح هَذَا الْبَاب يشوش الْقِتَال وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر لتعارض الْأَمريْنِ وَقد ذكر بعض الْأَصْحَاب أَن فرض الْكِفَايَة يتَعَيَّن بِالشُّرُوعِ كالجهاد وبنوا عَلَيْهِ أَن من أنس فِي التَّعَلُّم رشدا فِي نَفسه لزمَه الْإِتْمَام فَإِن صَلَاة الْجِنَازَة تتَعَيَّن بِالشُّرُوعِ وَقَالَ الْقفال لَا تتَعَيَّن صَلَاة الْجِنَازَة وَذَلِكَ فِي الْعلم أولى لِأَن كل مَسْأَلَة عبَادَة مُنْفَصِلَة عَن الْأُخْرَى وَالصَّلَاة خصْلَة وَاحِدَة وَلَا يَلِيق بِأَصْل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَغْيِير الحكم بِالشُّرُوعِ هَذَا كُله فِي قتال هُوَ فرض كِفَايَة أما إِذا تعين بِأَن وطىء الْكفَّار بَلْدَة من بِلَاد الْمُسلمين فَيتَعَيَّن على كل من فِيهِ منَّة من أهل تِلْكَ الْبَلدة أَن يبْذل المجهود وَيحل الْقَيْد عَن العبيد فَلهم الْقِتَال بل يجب عَلَيْهِم ذَلِك وَكَذَلِكَ على النسْوَة إِن كَانَ فِيهِنَّ منَّة على حَال وَإِن كَانَ فِي الْأَحْرَار اسْتِقْلَال دون العبيد وَلَكِن تزداد بهم قُوَّة قلب فَفِي انحلال الْحَبْس عَن العبيد وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 وَكَذَلِكَ لَو حصل الْكِفَايَة بطَائفَة نهضوا وَخَرجُوا فَهَل يتَعَيَّن على البَاقِينَ المساعدة فِيهِ وَجْهَان وَوجه إِيجَابه تَعْظِيم هَذَا الْأَمر وتفخيم الرعب والزجر وَلَو تهجموا وَلم يبْق لَهُم مهلة الإستعداد فعلى كل وَاحِد من الْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْمَرِيض أَن يدْفع بغاية الْإِمْكَان فَإِن علم أَنه لَو كاوح يقتل قطعا وَلَو استسلم أسر وَرُبمَا يجد خلاصا فَلَيْسَ عَلَيْهِ المكاوحة وَالْمَرْأَة إِن علمت ذَلِك وَلَكِن تعلم أَنَّهَا تقصد بالفاحشة فَفِي وجوب المكاوحة وَجْهَان أَحدهمَا نعم حَتَّى تقتل فَإِن الْفَاحِشَة لَا تُبَاح بخوف الْقَتْل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَتْل مَعْلُوم والفاحشة موهومة هَذَا فِي أهل النَّاحِيَة وَمن هُوَ فِيهَا دون مَسَافَة الْقصر أما من وَرَاء ذَلِك فَيتَعَيَّن عَلَيْهِم المساعدة إِن لم يكن دونهم كِفَايَة وَإِن كَانَ فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على أهل النَّاحِيَة وَأولى أَن لَا يجب وَلَا يشْتَرط المركوب فِيمَن هُوَ دون مَسَافَة الْقصر وفيمن وَرَاءه هَل يعْذر لعدم المركوب فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 أَحدهمَا يعْذر كَمَا فِي الْحَج وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا أهم وَأعظم فرع استيلاؤهم على موَات دَار الْإِسْلَام هَل ينزل منزلَة دُخُولهمْ الْبِلَاد فِيهِ وَجْهَان وَلَا شكّ أَن الْأَمر أَهْون فِيهِ إِلَّا إِذا خيف السَّرَايَة وَلَو أَسرُّوا مُسلما أَو مُسلمين فَهَل يتَعَيَّن الْقِتَال كَمَا لَو استولوا على الديار فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه يتَعَيَّن إِذا أمكن إِلَّا حَيْثُ يعسر التوغل فِي دِيَارهمْ وَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أهبة فقد رخص فِيهِ فِي نوع من التَّأْخِير وَلَكِن لَا يجوز إهماله هَذَا كُله فِي الْجِهَاد أما الْعلم فَمِنْهُ فرض عين وَهُوَ الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا وَإِن كَانَ تَاجِرًا فَيلْزمهُ تعلم شُرُوط الْمُعَامَلَة على الْجُمْلَة دون الْفُرُوع النادرة كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب آدَاب الْكسْب من كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَقد فرقنا بَين مَا يجب على الْأَعْيَان وَمَا يجب على الْكِفَايَة من الْعلم فِي كتاب الْعلم من كتاب الْأَحْيَاء وَأما الْأُصُول فَلَا يتَعَيَّن على كل شخص إِلَّا اعْتِقَاد صَحِيح فِي التَّوْحِيد وصفات الله تَعَالَى فَإِن اعتراه شكّ تكلّف إِزَالَته وَلَيْسَ عَلَيْهِ تعلم الْكَلَام وَلَا بُد فِي كل قطر من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 مُتَكَلم مشتغل بإماطة الشّبَه وَإِبْطَال الْبدع وَقد ذكرنَا تَفْصِيل ذَلِك فِي كتاب الإقتصاد فِي الإعتقاد وفن الْفِقْه لَا يحْتَمل شَرحه وَأما السَّلَام فالإبتداء بِهِ سنه مُسْتَحبَّة على الْآحَاد وَسنة على الْكِفَايَة من الْجمع وصيغته أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِن كَانَ الْمُخَاطب وَاحِدًا تعميما للْمَلَائكَة وَالْجَوَاب فرض معِين على الْمُخَاطب وَحده وَإِن كَانَ الْمُخَاطب جمعا فَفرض على الْكِفَايَة عَلَيْهِم وَلَا يسْقط الْحَرج بِجَوَاب غَيرهم وصيغته أَن يَقُول وَعَلَيْكُم السَّلَام وَيسْتَحب أَن يزِيد وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَلَو قَالَ عَلَيْكُم لم يكن جَوَابا وَلَو قَالَ وَعَلَيْكُم فَفِيهِ وَجْهَان ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يسلم على الْمُصَلِّي وَالَّذِي يقْضِي حَاجته وَفِي الْحمام وعَلى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة وَيجوز فِي المساومة والمعاملة وَيجوز على الْأكل إِذا لم تكن اللُّقْمَة فِي فِيهِ فيعسر عَلَيْهِ الْجَواب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 أَو الصَّبْر إِلَى الإزدراد وَأما تشميت الْعَاطِس فمستحب وَجَوَابه غير وَاجِب ثمَّ هُوَ على الْكِفَايَة وَذكرنَا جملَة من آدَاب السَّلَام والتشميت فِي كتاب آدَاب الصُّحْبَة فليطلب مِنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْجِهَاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي تَفْصِيل مَا يجوز أَن يُعَامل الإِمَام بِهِ الْكفَّار إِمَّا فِي أنفسهم بِالْقَتْلِ والقتال أَو الإسترقاق وَإِمَّا فِي أَمْوَالهم بِالْإِتْلَافِ والإغتنام النّظر الأول فِي معاملاتهم بِالْقَتْلِ وَفِيه مسَائِل الأولى فِيمَن تجوز الإستعانة بِهِ فِي الْقِتَال وَالْأَصْل فِيهِ الْأَحْرَار الْمُسلمُونَ البالغون وَلَكِن يجوز للْإِمَام الإستعانة بالعبيد إِذا أذن السَّادة وبالمراهقين إِذا كَانَ فيهم منَّة وبالمشركين إِذا أَمن غائلتهم أَو علم أَنهم لَو تحيزوا إِلَى الْكفَّار لم يعجز الإِمَام عَن جمعهم وَقد اسْتَعَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باليهود فِي بعض الْغَزَوَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 وَأما المخذل الَّذِي يضعف الْقُلُوب وَيكثر الأراجيف فَيخرج عَن الصَّفّ إِذا حضر فَإِن شَره عَظِيم وَلَا يسْتَحق السهْم والرضخ وَإِن حضر وَهُوَ أقل مَا يُعَاقب بِهِ وَأما الذِّمِّيّ إِذا حضر من غير إِذن الإِمَام فَفِي اسْتِحْقَاقه الرضخ خلاف لِأَنَّهُ من أهل نصْرَة الدَّار إِذْ هُوَ يستوطن بهَا وَإِن حضر بعد النَّهْي لم يسْتَحق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِيمَن يسْتَأْجر وَالْمذهب أَن اسْتِئْجَار الْمُسلم بَاطِل لِأَن الْجِهَاد يَقع عَن فَرْضه فَكيف يَأْخُذ الْأُجْرَة وَهُوَ كالضرورة وَلَا يسْتَأْجر على الْحَج هَذَا فِي حق الْآحَاد أما السُّلْطَان إِن رأى أَن يسْتَأْجر قَالَ الصيدلاني يجوز وَقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 خُولِفَ فِيهِ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك جَائِز فِي معرض الْإِعَانَة فِي الأهبة والزاد للطريق وَقد قَالَ لَو أخرجهم إِلَى الْجِهَاد قهرا لم يستحقوا أُجْرَة الْمثل على الإِمَام وَزَاد فَقَالَ لَو عين الإِمَام شخصا لغسل ميت وَدَفنه لم يسْتَحق الْأُجْرَة وَمَا ذكره فِي الْجِهَاد صَحِيح وَإِنَّمَا يَصح فِي الدّفن إِذا لم تكن تَرِكَة وَلَا فِي بَيت المَال متسع فَعِنْدَ ذَلِك يصير من فروض الكفايات أما اسْتِئْجَار العَبْد فَجَائِز إِن قُلْنَا لَا يجب عَلَيْهِم الْقِتَال إِذا وطىء الْكفَّار بِلَاد الْإِسْلَام وَإِن قُلْنَا يجب فقد ثبتَتْ لَهُم أَهْلِيَّة الْقِتَال فَيَقَع عَنْهُم وَأما اسْتِئْجَار الذِّمِّيّ فَجَائِز وَلكنه جعَالَة أَو إِجَارَة فِيهِ خلاف لما فِي أَعمال الْقِتَال من الْجَهَالَة لَكِن الصَّحِيح أَنا نَحْتَمِلُ فِي معاملات الْكفَّار لمصَالح الْقِتَال مَا لَا نَحْتَمِلُ فِي غَيره كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَة القلعة وَلَو جَعَلْنَاهُ جعَالَة للَزِمَ تَجْوِيز الإنصراف من الطَّرِيق مهما شَاءَ وَهُوَ بعيد ثمَّ فِي جَوَاز استئجارهم لآحاد الْمُسلمين خلاف كَمَا فِي الْأَذَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 فرع إِذا خرج أهل الذِّمَّة إِلَى الْجِهَاد قهرا استحقوا أُجْرَة الْمثل من رَأس الْغَنِيمَة على رَأْي وَمن بَيت المَال على رَأْي فَإِن خَرجُوا وَلم يقفوا فِي الصَّفّ فَلهم أُجْرَة الذّهاب وَلَو خلى سبيلهم قبل الْوُقُوف لم يستحقوا أُجْرَة مُدَّة الرُّجُوع لتعطل الْمَنَافِع لأَنهم على خيرتهم فيترددون كَمَا شاؤوا وَلَو وقفُوا وَلم يقاتلوا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنهم يسْتَحقُّونَ أُجْرَة الْقِتَال كَمَا يسْتَحق الْمُسلم السهْم وَالثَّانِي أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ إِلَّا مَنْفَعَة مُدَّة الْوُقُوف والإحتباس إِن قُلْنَا إِن حبس الْحر يُوجب ضَمَان مَنَافِعه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِيمَن يمْتَنع قَتله كالقريب وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة والراهب والعسيف أما الْقَرِيب فَقتله مَنْهِيّ عَنهُ لقطيعة الرَّحِم وَإِذا انضمت الْمَحْرَمِيَّة إِلَى الرَّحِم كَانَ آكِد نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة وَأَبا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قتل أبويهما وَأما الصّبيان والنسوان فَلَا يقتلُون لمصْلحَة الإسترقاق وَلِأَنَّهُم أَيْضا لَيْسُوا أهل الْقِتَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن ترشق الْمَرْأَة بالنشاب إِذا عجز عَن استرقاقها وَمهما شكّ فِي الْبلُوغ كشف عَن المؤتزر وعول على نَبَات شعر الْعَانَة فَلَو قَالَ استعجلته بالدواء فَإِن قُلْنَا إِنَّه عين الْبلُوغ فَلَا يقتل وَإِن قُلْنَا إِنَّه عَلامَة صدق مَعَ الْيَمين وَلَا يعول على اخضرار الشَّارِب ويعول على مَا خشن من شعر الْإِبِط وَالْوَجْه وَأما الراهب والعسيف والحارف المشغول بحرفته والزمن وَالشَّيْخ الضَّعِيف الَّذِي لَا رَأْي لَهُ ففيهم قَولَانِ أَحدهمَا أَنهم يقتلُون لأَنهم من جنس أهل الْقِتَال وَالثَّانِي لَا لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى خَالِد رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ لَا تقتل عسيفا ولاامرأة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 وَأما الشَّيْخ ذور الرَّأْي فَيقْتل إِذا حضر وَإِن لم يحضر فَفِيهِ نظر وَالظَّاهِر قَتله وَالشَّيْخ الأخرق إِذا حضر فَالظَّاهِر أَنه يقتل وَيحْتَمل طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا لَا يقتلُون فَفِي إرقاقهم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنهم كالنسوة يرقون بِنَفس الْأسر وَالثَّانِي أَن للْإِمَام أَن يرقهم إِن شَاءَ وَلَا يرقون بِنَفس الْأسر وَالثَّالِث أَنه يمْتَنع استرقاقهم وَهَذَا فِي غَايَة الضعْف وعَلى هَذَا فِي استرقاق نِسَائِهِم وذراريهم ثَلَاثَة أوجه تسْتَرق فِي الثَّالِث نِسَاؤُهُم دون ذَرَارِيهمْ لأَنهم كأجرائهم وَأجْرِي فِي سبي أَمْوَالهم الْخلاف وَهُوَ تَفْرِيع على بعيد وَمِنْهُم من ألحق السوقة بالعسفاء فِي منع الْقَتْل أَيْضا الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة يجوز نصب المنجنين وإضرام النَّار وإرسال المَاء على قلاع الْكفَّار وَإِن علمنَا أَنه يتَنَاوَل النِّسَاء والذراري لِأَن ذَلِك لَيْسَ قصدا إِلَى عينهم وَلِأَنَّهُم مِنْهُم وَإِنَّمَا الْكَفّ لنَوْع مصلحَة أما إِذا تترس كَافِر بصبي أَو امْرَأَة فَإِن كَانَ يُقَاتل لم نبال بِقَصْدِهِ وَإِن أصَاب ترسه وَإِن كَانَ دافعا فَقَوْلَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 أَحدهمَا جَوَاز قصد الترس كَمَا فِي القلعة وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا قصد عينه وَمِنْهُم من قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهِيَة وَلَا تَحْرِيم وَلَو تترسوا بهم فِي القلعة مِنْهُم من قَالَ يقْصد الترس وَإِن أمكننا فتح القلعة بِغَيْر ذَلِك زجرا لَهُم عَن هَذِه الْحِيلَة وَمِنْهُم من قَالَ إِن عجزنا عَن القلعة إِلَّا بِقَتْلِهِم فَفِي جَوَازه أَيْضا قَولَانِ إِذْ نَحن فِي غنية من أصل القلعة أما إِذا كَانَ فِي القلعة مُسلم فَلَا تضرم النَّار وَلَا ينصب المنجنيق إِذا علمنَا أَنه يُصِيبهُ وَإِن كَانَ موهوما فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ زَوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من سفك دم مُسلم وَرُبمَا أصبناه وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَنَّهُ موهوم والقلاع قَلما تَخْلُو عَن الْأُسَارَى فَلَا يُمكن تحصينهم عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 الْقِتَال بِأَن يمسكوا فِي كل قلعة مُسلما فَأَما إِذا تترس كَافِر بِمُسلم فَلَا يجوز قصد الترس وَإِن خَافَ القاصد على نَفسه لِأَن غَايَته أَن يَجْعَل كالإكراه وَذَلِكَ لَا يُبِيح الْقَتْل فَإِن قتل الترس فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ كَمَا فِي الْمُكْره وَمِنْهُم من قطع بِالْوُجُوب وَجعله كالمضطر فِي المخمصة أما إِذا تترس الْكفَّار فِي صف الْقِتَال بطَائفَة من الْأُسَارَى وَلَو تركناهم لانهزم الْمُسلمُونَ وعلت رايتهم فَمنهمْ من جوز قصدهم لأَنهم سيقتلون من الْمُسلمين أَكثر مِنْهُم والجزئيات محتقرة بِالْإِضَافَة إِلَى الكليات وَمِنْهُم من منع وَقَالَ ذَلِك موهوم فَلَا يقدم بِسَبَبِهِ على سفك دم الْمُسلم الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي الْهَزِيمَة وَهِي مُحرمَة بعد التقاء الصفين إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا زِيَادَة عدد الْكفَّار على الضعْف وَالثَّانِي التحيز إِلَى فِئَة أُخْرَى وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز لمِائَة من الْأَبْطَال أَن يَفروا من مِائَتَيْنِ من الضُّعَفَاء وَوَاحِد وَإِنَّمَا يرْعَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 الْعدَد عِنْد تقَارب الصِّفَات وَمِنْهُم من قَالَ اتِّبَاع الصِّفَات يعسر فيرعى صُورَة الْعدَد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي فرار عشْرين من ضعفاء الْمُسلمين عَن تِسْعَة وَثَلَاثِينَ من أبطال الْكفَّار وَلَا شكّ فِي أَنهم لَو قطعُوا بِأَنَّهُم يقتلُون لَو وقفُوا من غير نكاية مِنْهُم فِي الْكفَّار وَجب الْهَرَب إِذْ الذل فِي الْوُقُوف أَكثر إِذا كَانَ لَا يُرْجَى فلاح بِحَال وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن مَعَ الْمُسلمين سلَاح جَازَ الْهَرَب وَإِن كَانَ يُمكن الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ فَفِي وجوب الْهَرَب خلاف وَإِن علمُوا أَنهم مغلوبون قطعا وَلَكِن بعد نكاية مَا فَفِي جَوَاز المصابرة وَجْهَان وَأما التحيز إِلَى فِئَة أُخْرَى فَهُوَ مُبَاح وَإِن كَانَ تَركه لِلْقِتَالِ وانهزامه فِي الْحَال ينجبر بعزمه على الإتصال بفئة أُخْرَى فَأكْثر الْمُحَقِّقين على أَن تِلْكَ الفئة وَإِن كَانَت على مَسَافَة شاسعة جَازَ لعُمُوم الْآيَة وَلِأَن هَذَا أَمر بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يُمكن مخادعة الله تَعَالَى فِي العزائم فَإِذا ظَهرت لَهُ تِلْكَ الْعَزِيمَة جَازَ التَّوَجُّه إِلَيْهِم وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من فِئَة يتَصَوَّر الإستنجاد بهم فِي هَذَا الْقِتَال وإتمامه وَلَا يُمكن ذَلِك إِلَّا بمسافة قريبَة وعَلى الْوَجْه الأول هَل يجب عَلَيْهِ تَحْقِيق عزمه بِالْقِتَالِ مَعَ الفئة الْأُخْرَى الظَّاهِر أَنه لَا يجب لِأَن الْعَزْم قد رخص فَإِن زَالَ الْعَزْم بعده فَلَا حجر إِذْ الْجِهَاد لَا يجب قَضَاؤُهُ بل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 الصَّحِيح أَنه لَا يلْزم بِالنذرِ فَكيف يلْزمه الْقَضَاء والمنهزم عَاص لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْإِثْم وَإِن اعْتبرنَا الفئة الْقَرِيبَة فَإِذا لم تكن وَجَبت المصابرة إِذْ تعذر التحيز وَحَيْثُ يجوز التحيز إِنَّمَا يجوز إِذا لم يدْخل بِسَبَبِهِ كسر على الْمُسلمين وَقُوَّة على الْكفَّار فَإِن أدّى إِلَى ذَلِك فَهُوَ مُمْتَنع والمتحيز إِلَى الفئة الْبَعِيدَة قبل حِيَازَة الْمغنم لَا يشْتَرك فِي الْمغنم وَفِي المتحيز إِلَى فِئَة قريبَة وَجْهَان الْمَسْأَلَة السَّادِسَة تجوز المبارزة بِإِذن الإِمَام وَفَائِدَته صِحَة أَمَانه لقرنه فَإِن اسْتَقل دون الْإِذْن فَفِي جَوَاز أَمَانه للقرن ونفوذه وَجْهَان وَفِي جَوَاز أصل الإستقلال بالمبارزة أَيْضا وَجْهَان إِذْ قد يكون للْإِمَام رَأْي فِي تعْيين الْأَبْطَال وَفِي جَوَاز حمل الْغُزَاة رُءُوس الْكفَّار إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام خلاف مِنْهُم من قَالَ هُوَ مَكْرُوه إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ إِلَّا أَن يكون نكاية فِي قلب الْكفَّار فَلَا يكره الْمَسْأَلَة السَّابِعَة يَنْتَهِي جَوَاز قتل الْكَافِر بِإِسْلَامِهِ وَتحصل بِهِ عصمته وعصمة مَاله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 وَأَوْلَاده الصغار دون الْكِبَار فَإِنَّهُم يستقلون بِالْإِسْلَامِ وَيَنْتَهِي أَيْضا ببذل الْجِزْيَة وَيمْتَنع بِسَبَبِهِ استرقاق زَوجته وبنته الْبَالِغَة لِأَن الْإِنَاث لَا يستقللن بالجزية ويستقللن بِالْإِسْلَامِ وَفِي استرقاق زَوْجَة الْمُسلم إِذا كَانَت حربية وَجْهَان وَلَا يمْنَع مِنْهُ كَونهَا حَامِلا بِولد مُسلم لَكِن الرّقّ لَا يسري وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تسْتَرق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 التَّصَرُّف الثَّانِي فِي رقابهم بالاسترقاق وَهُوَ جَائِز كالإغتنام وَلَكِن النّظر فِي العلائق الْمَانِعَة وَهِي النِّكَاح وَالْوَلَاء وَالدّين أما النِّكَاح فمنكوحة الْحَرْبِيّ تسْتَرق وَيَنْقَطِع نِكَاحه سَوَاء سبيت مَعَه أَو مُفْردَة بل لَو سبي الزَّوْج انْقَطع عندنَا نِكَاحه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ الحربية إِذا كَانَت مَنْكُوحَة ذمِّي فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة مُسلم فَفِي جَوَاز الإسترقاق وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن نِكَاح الْمُسلم كالأمان لَهَا فترعى حُرْمَة إِسْلَامه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وَالثَّانِي نعم لِأَن النِّكَاح مؤبد وَلَا عهد لنا بِأَمَان مؤبد وعَلى هَذَا يَنْقَطِع نِكَاح الْمُسلم حَتَّى لَا تبقى أمة كِتَابِيَّة فِي نِكَاح مُسلم فَإِن ذَلِك يمْتَنع ابْتِدَاء لَا كدار حَرْبِيّ اسْتَأْجرهَا مُسلم فَإِنَّهُ تملك بالإغتنام وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة إِذْ لَا عسر فِيهِ وَذكر فِيهِ وَجه غَرِيب أَن النِّكَاح لَا يَنْقَطِع وَأَن ذَلِك يحْتَمل فِي الدَّوَام وَهَذَا إِن أُرِيد بِهِ أَن يتَوَقَّف إِلَى إسْلَامهَا قبل انْقِضَاء الْعدة فَلهُ وَجه مَا وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ أما إِذا سبينَا زَوْجَيْنِ رقيقين مُسلمين أَو كَافِرين الْأَهْل الْحَرْب فَفِي انْقِطَاع نِكَاحهمَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا كالشراء فَإِنَّهُ تبدل ملك لَا ابْتِدَاء رق وَالثَّانِي أَنه يَنْقَطِع لَان ملك السَّبي مُبْتَدأ غير مَبْنِيّ على ملك الْكَافِر أما علقَة الْوَلَاء فَإِن ثبتَتْ لمُسلم بِأَن أعتق عبدا كَافِرًا فالتحق بدار الْحَرْب فَالْمَذْهَب أَنه لَا يسترق لعلقة وَلَاء الْمُسلم فَإِنَّهُ لَا يقبل الْفَسْخ بِخِلَاف نِكَاح الْمُسلم إِذْ فِيهِ وَجْهَان أما زَوْجَة الذِّمِّيّ فتسبى وَفِي مُعْتقه وَجْهَان وَفِي مُعتق الْمُسلم أَيْضا وَجه غَرِيب أَنه يسبى أما علقَة الدّين فالمسبي إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لمُسلم أَو لذِمِّيّ فيسترق وَيبقى الدّين فِي ذمَّته يتبع بِهِ إِذا عتق إِن لم يبْق لَهُ مَال فَإِن كَانَ لَهُ مَال لَكِن اغتنم قبل إرقاقه فَكَأَنَّهُ لَا مَال لَهُ وَإِن اغتنم بعد إرقاقه فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الدّين مِنْهُ وَينزل الرّقّ منزلَة الْحجر بالفلس وَيتَعَلَّق بِهِ حق الْغُرَمَاء وَلذَلِك ينقدح الْمصير إِلَى حُلُول الدّين برقه على أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْفلس بل الرّقّ بِالْمَوْتِ أشبه من الْفلس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 وَإِن سبي مَعَه مَاله فَلَا يقْضِي الدّين من المَال لِأَنَّهُ يتَمَلَّك مَاله بِمُجَرَّد السَّبي وَلَا يرق إِلَّا بِصَرْف الرّقّ بعده أما الْمَرْأَة إِذا كَانَ عَلَيْهَا دين فسبيت مَعَ مَالهَا قدم حق الْغَانِمين لِأَن سَبَب الْملك أقوى من سَبَب تعلق الدّين بِالْمَالِ وَيحْتَمل أَن يقدم الدّين وَيُشبه بِملك الْوَارِث إِذْ يقدم حق الدّين عَلَيْهِ وَإِن كَانَ حُلُول الدّين والوراثة يحصل مَعًا بِالْمَوْتِ هَذَا إِذا اسْترق من عَلَيْهِ الدّين أما إِذا اسْترق من لَهُ الدّين فَلَا تَبرأ ذمَّة من عَلَيْهِ الدّين بل هُوَ كودائع الْحَرْبِيّ المسبي وَسَيَأْتِي أما إِذا مَا اسْتقْرض حَرْبِيّ من حَرْبِيّ شَيْئا أَو الْتزم دينا بمعاملة ثمَّ أسلما أَو قبلا الْجِزْيَة أَو الْأمان فالإستحقاق مُسْتَمر وَكَذَلِكَ يبْقى مهر الزَّوْجَة إِذا أسلما إِن لم يكن الْمهْر خمرًا أَو خنزيرا وَلَو سبق الْمُسْتَقْرض إِلَى الْإِسْلَام أَو الذِّمَّة فالنص أَن اللُّزُوم قَائِم وَنَصّ على أَن الْحَرْبِيّ إِذا مَاتَت زَوجته فَدخل دَارنَا فجَاء ورثتها يطْلبُونَ مهرهَا فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَوجه السُّقُوط بعد طلب الْحَرْبِيّ المَال من مُسلم أَو ذمِّي فِي دَارنَا وَهَذَا ضَعِيف إِذْ قطعُوا بِأَن رق من عَلَيْهِ الدّين لَا يسْقط دين الْحَرْبِيّ وَهُوَ أَمَان وأنهما إِن أسلما على التَّعَاقُب اسْتمرّ الطّلب وَلَو بَرِئت الذِّمَّة بِإِسْلَام من عَلَيْهِ الدّين لما عَاد الطّلب فَلَعَلَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ مَا إِذا كَانَ الدّين خمرًا أَو خنزيرا أما إِذا كَانَ قد أتلف الْحَرْبِيّ على حَرْبِيّ مَالا أَو قهره وَأخذ مَاله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا أسلم أَو قبل الْجِزْيَة وَإِنَّمَا اللُّزُوم بِحكم التَّرَاضِي وَإِتْلَاف مَال الْحَرْبِيّ لَا يزِيد على إِتْلَاف مَال الْمُسلم وَلَا ضَمَان لَهُ بعد الْإِسْلَام وَفِيه وَجه أَنه يبْقى الضَّمَان لِأَن ذَلِك مُلْتَزم فِيمَا بَينهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 بشرعهم كَمَا فِي معاملتهم بِخِلَاف مَال الْمُسلم فرع إِذا سبى الوالدة وَوَلدهَا الصَّغِير فَلَا يفرق بَينهمَا فِي الْقِسْمَة وَالْبيع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تولة وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَالْجدّة عِنْد عدم الْأُم فِي مَعْنَاهَا وَلَو بيع مَعَ الْجدّة عِنْد وجود الْأُم فَهَل يسْقط التَّحْرِيم بِهِ فِيهِ قَولَانِ وَلَا خلاف أَنه يُبَاع مَعَ الْأُم دون الْجدّة وَالْأَب هَل يلْحق بِالْأُمِّ فِي تَحْرِيم التَّفْرِيق فِيهِ قَولَانِ فَإِن ألحقناه فَهَل يعدى إِلَى سَائِر الْمَحَارِم قَولَانِ وَأما حكم صِحَة البيع وتفاريعه فذكرناه فِي كتاب البيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 التَّصَرُّف الثَّالِث فِي أَمْوَالهم بالإهلاك وكل مَا يُمكن اغتنامه لَا يجوز إهلاكه وَيجوز إحراق أَشْجَارهم إِذا رأى الإِمَام ذَلِك نكاية فيهم فَإِن توقعنا على الْقرب أَن تصير للْمُسلمين لم يجز والمتبع فِيهِ الْمصلحَة وَالْمَقْصُود أَن لَا حُرْمَة للأشجار بِخِلَاف الْبَهَائِم فَإِنَّهُ لَا يجوز قَتلهَا غيظا لَهُم إِلَّا قتل فرس الْمقَاتل وَهُوَ عَلَيْهِ وتتلف كتبهمْ الْمُشْتَملَة على الْكفْر وَمَا لَا يجوز الإنتفاع بِهِ وَفِي جَوَاز استصحابه ليستعان بِهِ على معرفَة تفصايل مذاهبهم تردد وَأما كلب الصَّيْد فِي الْغَنِيمَة فَلَا يدْخل فِي الْقِسْمَة إِذْ لَا ملك فِيهِ لَكِن يخصص الإِمَام بِهِ من أَرَادَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 التَّصَرُّف الرَّابِع فِي أَمْوَالهم بالإغتنام وَالْغنيمَة كل مَا أَخذه الفئة المجاهدة من أَعدَاء الله تَعَالَى على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة وأموال دَار الْحَرْب خَمْسَة أَقسَام أَحدهَا مَا ذَكرْنَاهُ وَالثَّانِي مَا ينجلي عَنهُ الْكفَّار بِالرُّعْبِ من غير قتال وَهُوَ فَيْء وَفِي مَعْنَاهُ كل مَال وصل إِلَى الْمُسلمين مِنْهُم بِغَيْر قتال وَالثَّالِث مَا يستبد بِهِ آحَاد الْمُسلمين بِسَرِقَة واختلاس فَهُوَ لَهُم وَلَا يُخَمّس شَيْء مِنْهُ وَالرَّابِع صيد دَار الْحَرْب وحشيشه فَهُوَ كمباح فِي دَار الْإِسْلَام وَالْخَامِس اللّقطَة وَهِي لآخذها إِن لم يتَوَهَّم كَونهَا لمُسلم فَإِن توهم فَلَا بُد من التَّعْرِيف ثمَّ الْغَنِيمَة لَهَا أَحْكَام الأول جَوَاز التبسط فِي الْأَطْعِمَة مَا داموا فِي دَار الْحَرْب وَذَلِكَ رخصَة ثبتَتْ شرعا فِي الْأَطْعِمَة خَاصَّة قَالَ ابْن أبي أوفى كُنَّا نَأْخُذ من طَعَام الْمغنم مَا نشَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وَالنَّظَر فِي جنس الْمَأْخُوذ وَقدره وَمحله وَوجه التَّصَرُّف أما الْجِنْس فَهُوَ كل قوت أَو مَا يكمل بِهِ الْقُوت كَاللَّحْمِ وَمِنْه التِّبْن وَالشعِير للدواب أما السكر والفانيذ والعقاقير فَلَا لِأَن الْحَاجة إِلَيْهَا نادرة كالثياب وَأما الْفَوَاكِه الرّطبَة فَفِيهَا وَجْهَان وَكَذَلِكَ الشَّحْم إِذا اخذ لتوقيح الدَّوَابّ فَإِنَّهُ أَخذ لَا لتطعم لَكِن الْحَاجة إِلَى التوقيح تكْثر وَأما الْحَيَوَانَات فَلَا يتبسط فِيهَا إِلَّا الْغنم فتذبح إِن تعذر سوقه وَإِذا ذبح فَهُوَ طَعَام وَقد ألحقهُ الشَّرْع فِي اللّقطَة بِالطَّعَامِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يذبح الْغنم وَإِن تيَسّر السُّوق وَلَكِن هَل يغرم من ذَبحهَا وَأكل مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان أما جُلُود الأغنام فمردودة إِلَى الْمغنم إِلَّا مَا يُؤْكَل على الرُّءُوس أما الْقدر المأخذ فَهُوَ بِقدر الْحَاجة وَلَا يشْتَرط أَن يَأْخُذهُ من لَا طَعَام مَعَه إِذْ وَردت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 الرُّخْصَة من غير تَفْصِيل لَكِن لَهُ سد حَاجته بِطَعَام الْمغنم وَلَو قدمه إِلَى من لَا يشْتَرك فِي الْمغنم كَانَ كتقديم الطَّعَام الْمَغْصُوب إِلَى أَجْنَبِي وَلَو أَخذ مَا ظن أَنه قدر حَاجته فَدخل دَار الْإِسْلَام وَبَقِي مِنْهُ مَاله قيمَة رد على الْمغنم وَإِن كَانَ نزرا فَقَوْلَانِ وَقد أطلق الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ من غير تَفْصِيل بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو لحق مدد قبل دُخُول دَار الْإِسْلَام وَبعد الإغتنام فَفِي جَوَاز التبسط لَهُم وَجْهَان أما مَحل التبسط فَمَا داموا فِي دَار الْحَرْب إِذْ لَا يظفر فِيهَا بالأسواق غَالِبا فَإِن وجد سوق فِي دَار الْحَرْب أَو دخلُوا أَطْرَاف دَار الْإِسْلَام وَلم يَجدوا سوقا فَوَجْهَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَاجة وَفِي الثَّانِي إِلَى ضبط مَظَنَّة الْحَاجة بِالدَّار فَإِن ذَلِك لَا يَنْضَبِط وَدَار الْحَرْب عندنَا فِي الْأَحْكَام كدار الْإِسْلَام وَإِنَّمَا هَذَا لأجل الْحَاجة أما جنس التَّصَرُّف فَهُوَ كَالْأَكْلِ وعلف الدَّوَابّ فَقَط فِي حق الْغَانِمين وَإِن أضَاف أَجْنَبِيّا كَانَ كتقديم الْمَغْصُوب إِلَى الضَّيْف فِي وجوب الضَّمَان وقراره فَإِن أتلف الطَّعَام ضمن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ فليتلفه على وَجه الرُّخْصَة فرع لَو أَخذ طَعَاما ثمَّ أقْرضهُ وَاحِدًا من الْغَانِمين فَالصَّحِيح أَنه كمناولة الضيفان بَعضهم بَعْضًا وَكَأن الْمُسْتَقْرض هُوَ الْآخِذ فَلَا يُطَالب برده وَفِيه وَجه أَنه قد اخْتصَّ بِهِ أَولا فَيصح هَذَا الْقَرْض حَتَّى يُطَالِبهُ بِمثلِهِ من طَعَام الْمغنم مَا داموا فِي دَار الْحَرْب فَإِن لم يجد من طَعَام الْمغنم شَيْئا فَلَا طلبة إِذْ مُجَرّد الْيَد لَا تقَابل بِالْملكِ كنحو الْيَد فِي الْكَلْب وَلَو بَاعَ صَاعا بِصَاع من طَعَام الْمغنم فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كالإقراض حَتَّى لَو بَاعَ بصاعين لم يُطَالب إِلَّا بِصَاع وَاحِد إِن صححنا الْقَرْض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 الحكم الثَّانِي للغنيمة سُقُوط الْحق بِالْإِعْرَاضِ وَمن أعرض عَن الْغَنِيمَة يعد إعراضه لِأَن مَقْصُود الْجِهَاد إعلاء كلمة الله تَعَالَى فَيقدر المعرض كَأَنَّهُ لم يكن وَنَشَأ من هَذَا الْخلاف فِي الْغَنِيمَة مَتى تملك وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تملك بِالْقِسْمَةِ بِدَلِيل جَوَاز الْإِعْرَاض واثاني أَنَّهَا بالإستيلاء تصير ملكا للغانمين لَكِن على ضعف كالملك فِي مُدَّة الْخِيَار بِدَلِيل أَن من مَاتَ من الْغَانِمين قَامَ وَارثه مقَامه الثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِنَّهُ أعرض بَان أَنه جرد قَصده نَحْو إعلاء كلمة الله تَعَالَى فَلم يملك وَإِن قسم بَان أَنه ملك أَولا وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَن من قَالَ اخْتَرْت الْقِسْمَة ثمَّ أعرض بعده فَهَل ينفذ إعراضه فَمنهمْ من قَالَ الْإِعْرَاض جَائِز بعد ذَلِك مَا لم تقسم وَالصَّحِيح أَنه يَصح الْإِعْرَاض بعد إِفْرَاز الْخمس إِذا لم تقسم بَين الْغَانِمين وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يَصح وَالنَّظَر الْآن فِي المعرض والمعرض عَنهُ أما المعرض فَلَو أعرض جَمِيع الْغَانِمين فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 أَحدهمَا أَنه لَا ينفذ إِذْ لَا يبقي مصرف وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيرجع إِلَى مصرف الْخمس وَلَو أعرض جَمِيع ذَوي الْقُرْبَى عَن حَقهم فَفِي صِحَّته وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنهم لم يستحقوا بِالْجِهَادِ حَتَّى يُقَال لم يقْصد الْغَنِيمَة بل بِالْقَرَابَةِ والغانم الْمُفلس إِذا أحاطت بِهِ الدُّيُون نفذ إعراضه وَلَا ينفذ إعارض السَّفِيه وَلَا إِعْرَاض الصَّبِي عَن الرضخ إِلَّا أَن يبلغ قبل الْقِسْمَة وَلَا يَصح إِعْرَاض وليه عَن حَقه وَلَا يَصح إِعْرَاض العَبْد عَن رضخه وَلَكِن يَصح إِعْرَاض سَيّده وَأما المعرض عَنهُ فَهُوَ الْغَنِيمَة والرضخ وَحقّ ذَوي الْقُرْبَى وَالسَّلب وَقد ذكرنَا جَمِيع ذَلِك إِلَّا السَّلب وَفِيه وَجْهَان لِأَن السالب مُتَعَيّن فَأشبه الْوَارِث ومرتب على أَقْوَال الْملك مسَائِل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 الأولى أَنه لَو سرق وَاحِد شَيْئا من مَال الْمغنم فَهُوَ كالمشترك فَحَيْثُ وَجب الْقطع فِي الْمُشْتَرك فهاهنا وَجْهَان إِذْ كل وَاحِد يُمكن أَن يسْتَحق بإعراض الآخر الثَّانِيَة لَو وَقع فِي الْمغنم من يعْتق على بعض الْغَانِمين فالنص أَنه لَا تعْتق حِصَّته مَا لم يَقع فِي قسمته وَلَا يمْنَع ذَلِك عَن الْإِعْرَاض إِن أَرَادَ وَنَصّ على أَنه لَو استولد جَارِيَة ثَبت الإستيلاد لشركته لِأَن الإستيلاد اخْتِيَار مِنْهُ للتَّمْلِيك فَثَبت بِهِ ملكه فِي قدر حِصَّته من الْجَارِيَة وَأما الْقَرِيب فَلم يُوجد مِنْهُ اخْتِيَار نعم لَو اخْتَار الْعتْق حِينَئِذٍ نفذ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ومأخذ الْقَوْلَيْنِ أصل التَّرَدُّد فِي ثُبُوت الْملك وانتفائه الثَّالِثَة لَو وطىء جَارِيَة من الْمغنم وَلم تحبل فَلَا حد على الصَّحِيح وَالْمهْر يبتنى على أَقْوَال الْملك فَإِن قُلْنَا لم يملك لَكِن ملك إِن تملك فَعَلَيهِ كَمَال الْمهْر وَيُوضَع فِي الْمغنم وَإِن قُلْنَا ملك فيحط عَنهُ قدر حِصَّته وَيجب الْبَاقِي وَإِن قُلْنَا إِنَّه مَوْقُوف فَإِن وَقع فِي حِصَّته فَلَا شَيْء وَإِن وَقع فِي حِصَّة غَيره فَعَلَيهِ جَمِيع الْمهْر فَإِن كثر الْجند وَلم يُمكن ضبط حِصَّته أَخذنَا المستيقن وحططنا المستيقن ويتوقف فِي قدر الْإِشْكَال أما إِذا أحبل فَحكم الْمهْر وَالْحَد مَا سبق ويتجدد النّظر فِي الإستيلاد وحرية الْوَلَد وَقِيمَته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 أما الإستيلاد إِن قُلْنَا لَا يملك فَلَا ينفذ فِي الْحَال وَلَكِن لَو وَقعت فِي حِصَّته فَهَل ينفذ قَولَانِ يجريان فِي كل ملك طارىء فَإِن قُلْنَا يملك فَفِي نُفُوذ الإستيلاد فِي حِصَّته وَجْهَان كَمَا فِي زمَان الْخِيَار وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا ملك نفذ فِي حِصَّته وَإِن قُلْنَا لَا فَقَوْلَانِ كاستيلاد الْأَب جَارِيَة الابْن وَأولى بالنفوذ لِأَن لَهُ حَقًا فِي الْجَارِيَة بِخِلَاف الْأَب فَإِن نفذنا فِي نصِيبه سرى إِن كَانَ مُوسِرًا ونجعله مُوسِرًا بِمَا يَخُصُّهُ من الْغَنِيمَة وَلَكِن لَو أعرض نفذ إعراضه ونجعله مُعسرا وَلَا نمنعه من الْإِعْرَاض لتنفيذ عتقه أما الْوَلَد فَينْعَقد حرا نسيبا للشُّبْهَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ رَقِيق وَلَا نسب لَهُ وَفِي وجوب قيمَة الْوَلَد قَولَانِ كالقولين فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة مأخذهما أَن الْملك ينْتَقل قبيل الْعلُوق أَو بعده ثمَّ مِقْدَار حِصَّته من قيمَة الْوَلَد تتعرف كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمهْر وَيسْقط عَنهُ وَإِن بَعْضنَا الْعتْق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 فِي صُورَة الْمُعسر فَالْوَلَد هَل يعْتق جَمِيعه لأجل الشُّبْهَة فِيهِ وَجْهَان جاريان فِي استيلاد الشَّرِيك الْمُعسر وَكَذَلِكَ من وطىء امْرَأَة نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق وَالْأَظْهَر أَن يَتَبَعَّض الْوَلَد هَاهُنَا كالأم لَا كالشبهة الَّتِي لَا تخْتَص بِبَعْض الْمَرْأَة وَهل يجوز للْإِمَام أَن يرق بعض شخص ابْتِدَاء فِيهِ وَجْهَان وَالْقِيَاس جَوَازه أما إِذا فرعنا على الإستيلاد لَا يحصل لضعف الْملك وَعَدَمه فَالْوَلَد حر بِسَبَب الشُّبْهَة وَيعتق جَمِيع الْوَلَد لاسترسال الشُّبْهَة وَهَذَا يُشِير إِلَى أَن الشّركَة أولى بِأَن تورث شُهْبَة وَإِنَّمَا يتَّجه بعض رق الْوَلَد فِي امْرَأَة نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق ثمَّ إِذا لم ينفذ الإستيلاد وَعتق الْوَلَد فَهَذِهِ حَامِل بَحر فَالْأَصَحّ منع بيعهَا وَلَا يُمكن إدخالها فِي الْقِسْمَة إِن جعلنَا الْقِسْمَة بيعا فبالحري أَن يُطَالب الواطىء بِالْقيمَةِ للْحَيْلُولَة ثمَّ تقوم على الواطىء حَتَّى تتَعَيَّن لحصته من غير قسْمَة أما إِذا كَانَ الواطىء من غير الْغَانِمين فَهُوَ زَان يحد إِلَّا أَن يكون لَهُ ابْن فِي الْغَانِمين أَو وطىء قبل إِفْرَاز الْخمس وَقُلْنَا إِن الزَّانِي بِجَارِيَة بَيت المَال لَا حد عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 الحكم الثَّالِث للمغانم أَن الْأَرَاضِي والعقارات تتملك عَلَيْهِم إِذا أمكن حفظهَا مِنْهُم وتقسم بَين الْغَانِمين وَمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن أَرَاضِي الْعرَاق قسمهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بَين الْغَانِمين ثمَّ خَافَ أَن يتعلقوا بأذناب الْبَقر والحراثة ويتركوا الْجِهَاد فاستمال قُلُوبهم عَنْهَا بعوض وَغير عوض ووقفها على الْمُسلمين ثمَّ آجرها من سكان الْعرَاق بخراج يؤدونه كل سنة وإجارته مُؤَبّدَة وَاحْتمل ذَلِك لمصْلحَة الْعَامَّة فَلَا يجوز بيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَيجوز لأربابها إِجَارَتهَا لَكِن إِجَارَة مُؤَقَّتَة وَفِي إِجَارَتهَا مُؤَبّدَة قَولَانِ الصَّحِيح الْمَنْع لِأَنَّهَا احتملت فِي وَاقعَة كُلية ومصلحة عَامَّة وَلَيْسَ لأحد من الْمُسلمين أَن يَأْخُذ قِطْعَة مِنْهَا مِمَّن وَقع فِي يَده من آبَائِهِ وأجداده وَيَقُول أَنا أعطي عَلَيْهِ لِأَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ آجرها مِنْهُم على التأييد وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِمَوْت الْعَاقِدين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لم يتَمَلَّك عمر رَضِي الله عَنهُ على سكانها بل ضرب عَلَيْهِم خراجها مَعَ تَقْدِير ملكهم وَزعم أَن ذَلِك خراج لَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْن سُرَيج رَحمَه الله يَصح بيع أَرَاضِي الْعرَاق لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ بَاعهَا من سكان الْعرَاق ليؤدوا الثّمن على ممر الْأَيَّام إِلَّا أَن هَذَا ثمن غير مُقَدّر وَلَا آخر لَهُ وعَلى الْجُمْلَة لَا يَخْلُو الْمَذْهَب عَن الْإِشْكَال وَهُوَ أَن يتَقَدَّر الثّمن أَو تتأبد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 بِالْإِجَارَة أَو لَا يسْقط الْخراج بِالْإِسْلَامِ وَلَكِن الإعتماد على النَّقْل وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أعلم الْقَوْم بِالنَّقْلِ والتواريخ وَأما دور مَكَّة وأراضيها فمملوكة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَيجوز بيعهَا لأصحابها وَصَحَّ عِنْده أَن مَكَّة فتحت عنْوَة على معنى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستعدا لِلْقِتَالِ لَو قوتل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح بيع دور مَكَّة هَذِه أَحْكَام الْغَنِيمَة وَمَا شَذَّ عَنْهَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب قسم الْغَنَائِم فِي ربع البيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي ترك الْقَتْل والقتال بالأمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاعْلَم أَن الْأمان من مكايد الْقِتَال ومصالحه وَإِن كَانَ تركا للْقَتْل لَكِن قد تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وينقسم إِلَى عَام لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا السُّلْطَان وَإِلَى خَاص فيستقل بِهِ الْآحَاد وَهُوَ الْمَقْصُود بَيَانه وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وشرائطه وَأَحْكَامه فَأَما الْأَركان فَثَلَاثَة الأول الْعَاقِد وَهُوَ كل مُكَلّف مُؤمن لَهُ أَهْلِيَّة الْقَتْل والقتال بِحَال فَيصح أَمَان العَبْد وَالْمَرْأَة وَالشَّيْخ الْهَرم وَالسَّفِيه والمفلس وَلَا يَصح أَمَان الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَقيل أَمَان الصَّبِي كوصيته إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد وَأما الْأَسير إِن أَمن من أسره فَالْمَذْهَب أَنه لَا يَصح لانه يكون كالمكره فِيهِ وَإِن أَمن غَيره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مُؤمن مُكَلّف الثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَال فِي التخويف والأمان ترك التخويف وعَلى هَذَا هَل يلْزمه حكمه فِي نَفسه فعلى وَجْهَيْن الرُّكْن الثَّانِي الْمَعْقُود لَهُ وَهُوَ الْوَاحِد أَو الْعدَد المحصور من ذُكُور الْكفَّار أما أَمَان الْمَرْأَة عَن الإسترقاق فَهَل يصلح فِيهِ وَجْهَان ينبنيان على الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الصُّلْح مَعَ أهل قلعة فِيهَا نسْوَة لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 رجل بَينهُنَّ هَل يعصمهن عَن الإسترقاق ومأخذه أَن الْمَرْأَة تَابِعَة فِي الْأمان فَلَا تستقل أما الْعدَد الَّذِي لَا ينْحَصر كَأَهل نَاحيَة فَلَا يَصح أَمَان الْآحَاد فِيهِ بل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان الرُّكْن الثَّالِث نفس العقد وَهُوَ كل لفظ مفهم كِنَايَة أَو صَرِيحًا وَالْإِشَارَة تقوم مقَامه وَلَكِن لَا بُد من تفهيم وللكافر أَن يرد الْأمان فَإِن رد لم ينفذ وَإِن قبل نفذ وَإِن سكت فَفِيهِ تردد وَالظَّاهِر اشْتِرَاط الْقبُول بقول أَو فعل فَلَو أَشَارَ مُسلم إِلَى كَافِر فِي الصَّفّ فانحاز إِلَى الْمُسلمين وفهما الْأمان فَهُوَ آمن وَإِن قَالَ الْكَافِر مَا فهمت الْأمان فلنا أَن نغتاله وَإِن قَالَ فهمت الْأمان وَقَالَ الْمُسلم مَا أردته فَلَا يغتال ويبلغ المأمن وَإِنَّمَا تشْتَرط الصِّيغَة فِيمَن يدْخل بِلَادنَا لَا لسفارة وَلَا لقصد سَماع كَلَام الله وَإِن قصد ذَلِك فَهُوَ آمن من غير عقد وَأما قصد التِّجَارَة فَلَا يُؤمن فَلَو قَالَ كنت أَظن أَنه كقصد السفارة فَلَا نبالي بظنه ونغتاله نعم لَو قَالَ الْوَالِي كل من دخل تَاجِرًا فَهُوَ آمن فَلهُ ذَلِك وَلَو قَالَ ذَلِك وَاحِد من الرّعية لم يَصح إِذْ لَيْسَ للآحاد التَّعْمِيم فَلَو قَالَ الْكَافِر ظَنَنْت صِحَّته فَفِي جَوَاز اغتياله وَجْهَان أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان أَحدهمَا أَن لَا يكون على الْمُسلمين ضَرَر بِأَن يكون طَلِيعَة أَو جاسوسا فَإِن كَانَ قتل وَلَا نبالي بالأمان وَلَا يشْتَرط وجود مصلحَة مهما انْتَفَى الضَّرَر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 الثَّانِي أَن لَا يزِيد الْأمان على سنة وَيجوز إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَفِيمَا بَين ذَلِك قَولَانِ كالقولين فِي مهادنة الْكفَّار حَيْثُ لَا ضعف للْمُسلمين وَعند الضعْف تجوز المهادنة إِلَى عشر سِنِين وَأما الْأمان فَلَا يُزَاد على السّنة وَأما حكم الْأمان فَهُوَ أَنه جَائِز من جَانب الْكفَّار وَله أَن ينْبذ الْعَهْد مهما شَاءَ ولازم من جِهَة الْمُسلمين كالذمة إِلَّا أَن الْعَهْد ينْبذ بِمُجَرَّد توقع الشَّرّ والذمة لَا تنبذ إِلَّا بتحقيق الشَّرّ ثمَّ يتبع فِي الامان مُوجب الشَّرْط فَلَو قَالَ أمنت نَفسك خَاصَّة لم يسر إِلَى مَاله وَأَهله إِلَّا أَن يُصَرح وَلَو قَالَ أمنتك فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاخْتِصَاص اللَّفْظ وَالثَّانِي نعم لِأَن أَمَانه بترك مَا يتَأَذَّى بِهِ ثمَّ هَذَا فِيمَا مَعَه من المَال والأهل أما تَركه فِي دَاره فَلَا أَمَان فِيهِ وَمهما قَتله بعد الْأمان هُوَ أَو غَيره لَزِمت الدِّيَة وَالْكَفَّارَة دون الْقصاص فرعان الأول الْأَسير فِيمَا بَينهم إِذا أمنوه بِشَرْط أَن لَا يخرج من دَارهم فَلهُ الْخُرُوج مهما تمكن بل يلْزمه الْخُرُوج فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مُتَمَكنًا من إِقَامَة وظائف شَرْعِيَّة لكنه لَا يَخْلُو عَن ذل فِيمَا بَينهم فَتلْزمهُ الْهِجْرَة وَيلْزمهُ أَن يَحْنَث إِن كَانَ قد حلف وَلَا ترخص فِي الْمقَام خوفًا من وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق إِن كَانَ قد حلف بِهِ وَلَو أَطْلقُوهُ إِلَى دَار الْإِسْلَام بِشَرْط الرُّجُوع فَلَا يلْزمه وَلَو شَرط إِنْفَاذ مَال لم يلْزمه أَيْضا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 وَقيل فِيهِ قَول قديم أَنه يجب الْوَفَاء بوعد المَال نعم إِذا كَانَ الْأمان من الْجَانِبَيْنِ فَإِذا خرج لَا يغتالهم وَلَا يَأْخُذ أموالم إِلَّا إِذا خَرجُوا وَرَاءه فَلهُ دفع الخارجين إِلَيْهِ خَاصَّة وَلَو باعوه شَيْئا وَهُوَ مُخْتَار لزمَه بَعثه الثّمن إِلَيْهِم فَإِن كَانَ مكْرها فَعَلَيهِ رد الْعين وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُخَيّر بَين رد الْعين أَو الثّمن وَكَأَنَّهُ تَفْرِيع على وقف الْعُقُود وَإِذا أسلم الْكَافِر وَقد لزمَه كَفَّارَة يَمِين لم تسْقط الْكَفَّارَة بِالْإِسْلَامِ ويحكي فِيهِ وَجه أَنه يسْقط فعلى هَذَا يبطل بِالْإِسْلَامِ إيلاؤه الْفَرْع الثَّانِي المبارز بِالْإِذْنِ أَو على الإستقلال إِن جَوَّزنَا ذَلِك يلْزمه الْوَفَاء بِشَرْطِهِ مَعَ قرنه وَيلْزم أهل الصَّفّ ذَلِك فَلَو شَرط أَن لَا يتَعَرَّض لَهُ أهل الصَّفّ إِلَى أَن يعود إِلَى صفهم لزم وَإِن شَرط إِلَى أَن يَنْتَهِي الْقِتَال فَإِذا ولى مُنْهَزِمًا جَازَ قَتله إِذْ قد انْتهى قِتَاله بالهزيمة وَإِن شَرط الْأمان إِلَى الْإِثْخَان جَازَ قتل الْكَافِر إِذا أثخنه الْمُسلم وَإِن أثخن الْمُسلم وَقصد تذفيفه منعناه وقتلناه وَإِن كَانَ الْأمان ممدودا إِلَى الْقَتْل بل مثل هَذَا الْأمان بَاطِل إِذْ فِيهِ مضرَّة على الْمُسلمين وَلَو خرج جمع لإعانة الْكَافِر قتلناهم مَعَ المبارز إِن كَانَ باستنجاده وَإِن لم يكن بِإِذْنِهِ لم نتعرض لَهُ واختتام الْبَاب بِذكر ثَلَاث مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى مَسْأَلَة العلج فَإِذا قَالَ علج من علوج الْكفَّار أدلكم على قلعة بِشَرْط أَن تجْعَلُوا لي مِنْهَا الْجَارِيَة الْفُلَانِيَّة الَّتِي فِيهَا فَهَذِهِ الْجعَالَة صَحِيحَة مَعَ أَن الْجعل غير مَمْلُوك وَلَا معِين مَعْلُوم وَلَا مَقْدُور على تَسْلِيمه وَلَكِن للْحَاجة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 وَلَو كَانَ الدَّلِيل مُسلما فَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح لفقد الشُّرُوط وَفِيه وَجه أَنه يَصح للْحَاجة وَهُوَ بعيد وَإِنَّمَا ينقدح إِذا جَوَّزنَا للْإِمَام اسْتِئْجَار الْمُسلم وَإِلَّا فالدلالة جِهَاد يَقع عَنهُ ثمَّ لنا مَعَ الْجَارِيَة خَمْسَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن لَا نُقَاتِل القلعة فَإِن لم يكن مُمكنا فَلَا شَيْء للعلج إِذا دلّ على مَا لَا خير فِيهِ وَإِن كَانَ مُمكنا فتركناه فَيحْتَمل أَن يسْتَحق لِأَنَّهُ أتم عمل الدّلَالَة وَيحْتَمل أَن لَا يسْتَحق وَكَأَنَّهُ مُعَلّق بِالْقِتَالِ وَإِن قاتلنا فَلم نقدر فهاهنا أولى بِأَن لَا يسْتَحق وَإِن جاوزناهم لمهم ثمَّ وقعنا عَلَيْهَا ثَانِيًا لَا بعلامته فَلَا شَيْء لَهُ وَإِن رَجعْنَا بعلامته فَلهُ الْجَارِيَة وَإِن فتحنا طَائِفَة أُخْرَى فَلَا شَيْء عَلَيْهِم لِأَن الشَّرْط لم يجر مَعَهم وَإِن بَلغهُمْ علامته الْحَالة الثَّانِيَة أَن نفتح وَلَا نجد الْجَارِيَة فَإِن أَخطَأ العلج فَلَا شَيْء لَهُ وَكَذَلِكَ إِن كَانَت قد مَاتَت قبل معاقدة العلج وَلَو مَاتَت بعد المعاقدة فَثَلَاثَة طرق أَحدهَا طرد الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الْبَدَل وَالثَّانِي أَنه يجب إِن مَاتَت بعد الظفر وَإِن مَاتَت قبله فَقَوْلَانِ وَالثَّالِث لَا يجب إِن مَاتَت قبل الظفر وَإِن مَاتَت بعده فَقَوْلَانِ وَلَا شكّ فِي أَنه يجب الْبَدَل إِن مَاتَت بعد التَّمْكِين من التَّسْلِيم وَجرى التَّقْصِير منا ثمَّ إِذا وَجب الْبَدَل فَهُوَ قيمتهَا أَو أجر الْمثل فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن الْجعل الْمعِين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 يضمن بِضَمَان العقد أَو ضَمَان الْيَد كَمَا فِي الصَدَاق ثمَّ إِذا وَجب فَهُوَ من الْمغنم أَو من مَال الْمصَالح فِيهِ وَجْهَان الْحَالة الثَّالِثَة أَن نجدها مسلمة فَلَا يُمكن تَسْلِيمهَا إِلَى كَافِر فَلَا بُد من الضَّمَان وَفِيه وَجه أَن الْإِسْلَام كالموت وَهَذَا بعيد إِن أسلمت بعد الظفر أما قبله فَيمكن أَن يُقَال إِذا تعذر ملكنا لَهَا بِالْإِسْلَامِ فَصَارَ كالموت الْحَالة الرَّابِعَة أَن لَا نجد فِي القلعة إِلَّا تِلْكَ الْجَارِيَة وَلَا غَرَض لنا فِي اسْتِبْقَاء القلعة فَفِي تَسْلِيم الْجَارِيَة وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنا لَا نحصل على غَرَض فَيكون عَملنَا للعلج خَاصَّة الْحَالة الْخَامِسَة إِذا ظفر بهَا بعد أَن صالحنا زعيم القلعة على الْأمان فِي أَهله وَكَانَت من أَهله فَإِن لم يرض الزعيم بِتَسْلِيم الْجَارِيَة بِبَدَل قُلْنَا لَهُ ارْجع إِلَى الْقِتَال وأغلق الْبَاب فَإِن الشَّرْط مَعَ العلج سَابق وَالشّرط مَعَك مُنَاقض لَهُ فَلم يَصح وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يشْتَرط فِي أَمَان أهل الزعيم الْعلم بعددهم بل من ظهر أَنه من أَهله كَانَ فِي أَمَان وَإِلَيْهِ التَّعْيِين إِذا طلب الْأمان لعدد مَعْلُوم صَالح أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن بعض القلاع على أَمَان مائَة فعد صَاحب القلعة مائَة فَلَمَّا أتمهَا ضرب عنق صَاحب القلعة لِأَنَّهُ كَانَ زَائِدا على الْمِائَة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْمُسْتَأْمن إِذا ثَبت لَهُ دُيُون فِي ذمتنا أَو أودع عندنَا أَمْوَالًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 بِلَاده ليعود فأمانه مطرد وَلَو نقض الْعَهْد والتحق بدار الْحَرْب فَفِيمَا خَلفه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه فَيْء وانتقض أَمَانه لِأَنَّهُ الأَصْل وَقد بَطل أَمَانه فِي نَفسه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يُفَارق إِلَّا بِنَفسِهِ فأمانه بَاقٍ فِي مَاله وَالثَّالِث أَن المَال إِن عصم تبعا لَهُ انْتقض وَإِن جرى بِشَرْط مَقْصُود فَلَا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بَطل أَمَانه فَهُوَ فَيْء وَإِن قُلْنَا بَقِي أَمَانه فَلَا يتَعَرَّض لَهُ مَا دَامَ حَيا وَله أَن يعود لطلبه وَعذر الطّلب يُغْنِيه عَن الْأمان كعذر السفارة إِلَّا أَن يتَّخذ ذَلِك ذَرِيعَة فِي كَثْرَة الرُّجُوع وَإِن مَاتَ فِي دَار الْحَرْب فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لوَرثَته إتماما للأمان وَالثَّانِي أَنه فَيْء إِذْ ضعف الْأمان بانضمام الْمَوْت إِلَى نقض الْعَهْد وَلَو كَانَ قد خرج لشغل فَمَاتَ فَالظَّاهِر أَنه لوَرثَته وَفِيه وَجه بعيد أَنه يَنْقَطِع الْأمان بِمَوْتِهِ فَإِن قُلْنَا لوَرثَته فَلهم الدُّخُول بِعُذْر الطّلب من غير أَمَان أما إِذا اسْترق بعد الإلتحاق بدار الْحَرْب فَفِي انْقِطَاع الْأمان بِالرّقِّ قَولَانِ مرتبان على الْمَوْت وَأولى بِأَن لَا يَنْقَطِع فَإِن لم يقطعهُ فَعتق رد إِلَيْهِ وَإِن مَاتَ حرا رَجَعَ الْقَوْلَانِ وَإِن مَاتَ رَقِيقا فَهُوَ فَيْء إِذْ الرَّقِيق لَا يُورث وَالسَّيِّد أَيْضا لَا يَرِثهُ هَذَا هُوَ النَّص وَفِيه أَيْضا قَول مخرج أَنه يصرف إِلَى ورثته لِأَن إِسْقَاط الْإِرْث بِالرّقِّ وَنقض الْأمان بِهِ حكم شَرْعِي وَلَا يُؤَاخذ الْكفَّار بِهِ وَخرج هَذَا القَوْل من مَسْأَلَة فِي الْجراح وَهُوَ أَنه لَو قطع يَد ذمِّي فالتحق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 بدار الْحَرْب واسترق وَمَات رَقِيقا من تِلْكَ الْجِنَايَة فَفِي قدر الْوَاجِب على الْقَاطِع كَلَام طَوِيل وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على صرف شَيْء إِلَى الْوَرَثَة فَقيل فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا حاصر الإِمَام أهل قلعة وَرَضي أَهلهَا بِحكم رجل عينوه فللإمام أَن يستنزلهم على حكمه استنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني قُرَيْظَة على حكم سعد رَضِي الله عَنهُ وَليكن الْمُحكم عدلا امينا عَالما بمصالح الْقِتَال وَلَا يشْتَرط كَونه مُجْتَهدا ثمَّ حكم الْمُحكم نَافِذ بِالْقَتْلِ والإرقاق وَالْعَفو وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقْض بِمَا فَوْقه وَله أَن يقْضِي بِمَا دونه مسامحا فَإِذا حكم بِالْقَتْلِ فللإمام الاسترقاق أم لَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ دونه وَالثَّانِي لَا لِأَن الْإِنْسَان قد يُؤثر الْمَوْت على الذل المؤبد وَإِذا حكم بِالْقَتْلِ فَأسلم امْتنع قَتله وَإِن حكم بِالرّقِّ فَأسلم قبل الإرقاق فَإِن رَأينَا أَن الرّقّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 فَوق الْقَتْل لم يملكهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه دونه فقد كَانَ يملكهُ قبل الْإِسْلَام فَيملكهُ الْآن إِلَّا أَن يسلم قبل الظفر وَلَو حكم بِضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِم فَهَل عَلَيْهِم الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه معاقدة بِالتَّرَاضِي فَلَا يجبرون عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَن يجْرِي الْخلاف فِي المفاداة أَيْضا فَإِن قُلْنَا لَا تلزمهم فَلَا يتَعَرَّض لَهُم بقتل وَغَيره إِن منعُوا بذل الْجِزْيَة لَكِن نلحقهم بالمأمن ونستأنف الْقِتَال وَإِن قُلْنَا يلْزمهُم فحكمهم حكم أهل الذِّمَّة إِذا منعُوا الْجِزْيَة وَسَيَأْتِي وَلَو شَرط الْأمان لمِائَة نفر من أهل القلعة فالإختيار إِلَيْهِ فَلهُ أَن يعين من شَاءَ فَإِن عين مائَة تَامَّة فلنا أَن نقلته لانه زَائِد على الْمِائَة كَمَا فعله أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 = كتاب الْجِزْيَة والمهادنة = والعقود الَّتِي تفِيد الْأَمْن للْكفَّار ثَلَاثَة الْأمان وَقد ذَكرْنَاهُ والذمة والمهادنة وهما مَقْصُود الْكتاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 العقد الأول عقد الذِّمَّة وَهُوَ الْتِزَام تقريرهم فِي دِيَارنَا وحمايتهم والذب عَنْهُم ببذل الْجِزْيَة والإستسلام من جهتهم وَذَلِكَ جَائِز لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} وَلقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ حِين بَعثه إِلَى الْيمن إِنَّك سترد على قوم معظمهم أهل الْكتاب فاعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَإِن امْتَنعُوا فَأَعْرض عَلَيْهِم الْجِزْيَة وَخذ من كل حالم دِينَارا فَإِن امْتَنعُوا فاقتلهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 وَالنَّظَر فِي أَرْكَان هَذَا العقد وَأَحْكَامه أما الْأَركان فخمسة الرُّكْن الأول صِيغَة العقد وَهُوَ أَن يَقُول نَائِب الإِمَام أقررتكم بِشَرْط الْجِزْيَة والإستسلام وَالصَّحِيح أَنه يشْتَرط ذكر مِقْدَار الْجِزْيَة وَقيل لَا يشْتَرط وَلَكِن ننزل الْمُطلق على الْأَقَل وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط ذكر الإستسلام لِأَنَّهُ حكم للْعقد كالملك فِي البيع لَكِن هَل يجب التَّعَرُّض لكف اللِّسَان عَن الله وَرَسُوله فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح أَن الإستسلام من جانبهم مَعَ الْجِزْيَة كالعوض عَن التَّقْرِير فَيجب ذكره ثمَّ ينْدَرج تَحْتَهُ كف اللِّسَان والتأقيت هَل يبطل هَذَا العقد فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يبطل كالأمان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَن هَذَا بدل عَن الْإِسْلَام فليتأبد وَلَو قَالَ الإِمَام أقركم بِالذِّمةِ مَا شِئْت أَنا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُم أقركم على ذَلِك مَا أقركم الله إِلَّا أَن ذَلِك كَانَ فِي انْتِظَار الْوَحْي وَلَا يتَصَوَّر الْآن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وَلَو قَالَ أقركم مَا شِئْتُم جَازَ لانه حكم الْمُطلق إِذْ لَا يلْزم هَذَا العقد من جانبهم لَكِن يلْزم من جانبنا إِن صَحَّ وَإِذا فسد لم يلْزم وَلَكِن لَا نغتالهم بل نلحقهم بالمأمن فرع لَو اتّفقت الْإِقَامَة على حكم الْفساد سنة أَو سنتَيْن نَأْخُذ لكل سنة دِينَار وَلَا نسامح بالتقرير مجَّانا وَلَو وَقع كَافِر فِي دِيَارنَا مُدَّة وَلم نشعر بِهِ حَتَّى انْقَضتْ سنة فَلَا نَأْخُذ مِنْهُ الدِّينَار لِأَنَّهُ لم نقبله أصلا نعم ونغتاله ونسترقه فَإِن قبل الْجِزْيَة فَفِي منع استرقاقه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسترق كالأسير إِذا أَرَادَ منع الرّقّ ببذل الْجِزْيَة لم يمْتَنع وَالثَّانِي أَنه يلْزم قبُول الْجِزْيَة لِأَن هَذَا لم نقصد الإستيلاء عَلَيْهِ بِخِلَاف الْأَسير وَلَو قَالَ دخلت لسَمَاع كَلَام الله تَعَالَى تَرَكْنَاهُ وَإِن قَالَ دخلت لسفارة صدقناه إِن كَانَ مَعَه كتاب وَإِن لم يكن فَوَجْهَانِ وَالظَّاهِر نصدقه وَلَو قَالَ دخلت بِأَمَان مُسلم فَفِي تَصْدِيقه بِغَيْر حجَّة وَجْهَان من حَيْثُ إِن إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ مُمكن ثمَّ الَّذِي يدْخل للسماع لَا نمكنه من الْمقَام وَرَاء أَرْبَعَة أشهر وَفِيمَا دون ذَلِك إِلَى مُدَّة الْبَيَان وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 الرُّكْن الثَّانِي فِي الْعَاقِد وَلَا يعقده إِلَّا الإِمَام فَلَو تعاطاه وَاحِد بِغَيْر إِذْنه لم يَصح وَلَكِن يمْنَع الإغتيال وَلَو أَقَامَ سنة فَفِي أَخذ الْجِزْيَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُؤْخَذ كعقد الإِمَام إِذا فسد وَالثَّانِي لَا لِأَن قبُوله لَا يُؤثر إِذْ لم يكن الْقبُول مِمَّن هُوَ من أهل الْإِيجَاب وَيجب على الإِمَام قبُول الْجِزْيَة إِذا بذلوها إِلَّا أَن يخَاف غائلتهم فَإِن كثر جمعهم فليفرقهم فِي الْبِلَاد وَلَا يجب قبُولهَا من الجاسوس لما فِيهِ من الْمضرَّة الرُّكْن الثَّالِث فِيمَن يعْقد لَهُ وَهُوَ كل كتابي عَاقل بَالغ حر ذكر متأهب لِلْقِتَالِ قَادر على أَدَاء الْجِزْيَة فَهَذِهِ سَبْعَة قيود الأول الْكِتَابِيّ فَلَا يُؤْخَذ من عَبدة الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس أَيْضا يسن بهم سنة أهل الْكتاب فِي الْجِزْيَة دون أكل الذَّبِيحَة والمناكحة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُقرر وَثني الْعَجم دون وَثني الْعَرَب وَلَو ظهر قوم زَعَمُوا أَنهم أهل الْكتاب كالزبور وَغَيره فَهَل يقرونَ بالجزية فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزبُور كتاب مُحْتَرم وَكَذَا سَائِر كتب الله تَعَالَى وَلَا يُمكن أَن نعلم دينهم إِلَّا بقَوْلهمْ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا ثِقَة بقَوْلهمْ والأولون لم يعولوا إِلَّا على أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ثمَّ لَا شكّ فِي أَنه لَا تحل مناحكتهم لظُهُور هَذِه الشُّبْهَة كَمَا أَن من شكّ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 أَن أول آبَائِهِ دَان بدينهم قبل المبعث أَو بعده يُقرر وَلَا يناكح فَإِن علم أَنه دَان قبل المبعث يُقرر ويناكح وَإِن علم أَنه دَان بعد المبعث لم يُقرر وَإِن دَان بعد التبديل قرر وَلَا يناكح وَفِيه وَجه أَنه لَا يُقرر فروع الأول اخْتلفت نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الصابئين وهم فرقة من النَّصَارَى وَفِي السامرة وهم فرقة من الْيَهُود فَمنهمْ من قَالَ إِنَّه تردد لتردده فِي أَنهم مبتدعة عِنْدهم أَو كفرة فَإِن صَحَّ كفرهم بِأَن قَالُوا مُدبر الْعَالم النُّجُوم السَّبْعَة أَو قَالُوا بقدم النُّور والظلمة فَلَا يُقرر لِأَنَّهُ يُنَاقض مُوجب الْكتب الْمنزلَة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن كَانُوا مبتدعة فالقولان جائزان إِذْ تضعف بالبدعة حرمتهم وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا ينقدح فِي نكاحهم لِأَن مبتدعة الْإِسْلَام يناكحون لأخبار منعت من التَّكْفِير فَلَا يعد فِي التَّغْلِيظ على مبتدعة أهل الْكتاب الثَّانِي قلو قبلنَا جزيته فَأسلم مِنْهُم رجلَانِ عَدْلَانِ شَهدا أَنه كَافِر بدينهم تبين انتقضا الْعَهْد ونغتاله لتلبيسه علينا وَإِنَّمَا تثبت علقَة الْأمان عِنْد جهلهم الثَّالِث الْمُتَوَلد بَين وَثني وكتابية وبعكسه فِي مناكحته قَولَانِ الصَّحِيح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 أَنه يُقرر وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ الرَّابِع إِذا توثن نَصْرَانِيّ وَله أَوْلَاد صغَار فَإِن كَانَت الْأُم نَصْرَانِيَّة اسْتمرّ حكم تنصرهم بعد الْبلُوغ وَإِن كَانَت وثنية فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه تبقى علقَة التنصير لَهُم فيقررون بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي أَنهم يتبعُون فِي التوثن أَيْضا لَكِن لَا يغتالون وَفِي اغتيال أَبِيهِم خلاف الْخَامِس الْوَلَد الْحَاصِل من الْمُرْتَدين فِي إسْلَامهمْ لأجل علقَة الْإِسْلَام فِي الْمُرْتَد خلاف فَإِن قضينا بِهِ فَإِن لم يصرحوا بعد الْبلُوغ فهم مرتدون وَإِن لم نقض بِهِ فَلَا يقرونَ إِذْ لم يثبت دين آبَائِهِ قبل المبعث وَفِيه وَجه بعيد لَا اتجاه لَهُ إِذْ تخرم الْقَاعِدَة فِي مُرَاعَاة تَقْدِيم الدّين على المبعث ولعى هَذَا يتَّجه التَّرَدُّد فِي نكاحهم وَالصَّحِيح الْمَنْع وَالصَّحِيح أَنه لَا يحل وَطْء سَبَايَا غوراء إِذْ صَحَّ أَنهم ارْتَدُّوا بعد الْإِسْلَام نعم ينقدح التَّرَدُّد فِي استرقاقهم بِنَاء على أَنهم كفار أصليون فَإِن عَبدة الْأَوْثَان لَا يمْتَنع إرقاقهم على ظَاهر الْمَذْهَب وَفِيه وَجه أَنه يمْتَنع لِأَن فِيهِ أَمَانًا مُؤَبَّدًا لوثني الْقَيْد الثَّانِي الْعقل فَلَا يُؤْخَذ من الْمَجْنُون جِزْيَة بل هُوَ تَابع كَالصَّبِيِّ وَلَو وَقع فِي الْأسر رق بِنَفس الْأسر كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ يجن يَوْمًا ويفيق يَوْمًا فَفِي وَجه يعْتَبر آخر الْحول وَفِي وَجه تلفق أَيَّام الْإِفَاقَة سنة وَيُؤْخَذ لَهَا دِينَار وَهُوَ الأقيس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَفِي وَجه ينظر إِلَى الْأَغْلَب وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وَجه لَا نظر إِلَى جُنُون مُنْقَطع بل هُوَ كالغشية بل تجب جِزْيَة كَامِلَة وَفِي وَجه أَنه لَا ينظر إِلَى عقل مُنْقَطع فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ أصلا والوجهان الأخيران ضعيفان وَإِن وَقع مثل هَذَا فِي الْأسر فَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى وَقت الْأسر الْقَيْد الثَّالِث الصَّغِير فَلَا يؤخد مِنْهُ جِزْيَة بل هُوَ تَابع أَبِيه ثمَّ إِذا بلغ عَاقِلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى الإستئناف بل يلْزمه مثل مَا الْتزم أَبوهُ وَكَأَنَّهُ عقد لنَفسِهِ ولولده بعد الْبلُوغ وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف لنَفسِهِ فَلَو بلغ سَفِيها وَالْتزم زِيَادَة نفذ لِأَنَّهُ يحقن بِهِ دَمه كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ قصاص فَصَالح على أَكثر من الدِّيَة فَلَيْسَ للْوَلِيّ الْمَنْع لِأَن حقن الدَّم أهم من المَال وَلَو عقد لَهُ الْوَلِيّ بِزِيَادَة لم يكن للسفيه الْمَنْع كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الطَّعَام فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 المخمصة قهرا لصيانة روحه وَإِن قُلْنَا لَا يسْتَأْنف فَإِن كَانَ الْأَب قد الْتزم زِيَادَة لزمَه بعد الْبلُوغ وَكَانَ امْتِنَاعه كامتناع أَبِيه من الزِّيَادَة الْقَيْد الرَّابِع الْحُرِّيَّة فَالْعَبْد تَابع فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ وَكَذَا من نصفه حر وَنصفه رَقِيق الْقَيْد الْخَامِس الذُّكُورَة فَلَا جِزْيَة على الْمَرْأَة إِذْ لَا تتعرض للْقَتْل بل هِيَ تَابِعَة وللرجل أَن يستتبع بِدِينَار وَاحِد جمعا من النِّسَاء الْأَقَارِب والزوجات وَلَا يشْتَرط الْمَحْرَمِيَّة أما الأصهار والأحماء فَمنهمْ من ألحقهن بالأجانب وَمِنْهُم من ألحقهن بالأقارب وَالصبيان والمجانين الْأَقَارِب أَيْضا يجوز استتباعهم هَذَا فِيهِ إِذا شَرط فِي العقد فَإِن أطلق لم يتبع الْأَقَارِب والأصهار أما أَوْلَاده الصغار فَوَجْهَانِ وَفِي زَوْجَاته طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنَّهُنَّ كالأولاد وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ كالأقارب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وَالأَصَح أَن الزَّوْجَة وَالْولد مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق فَلَا حَاجَة إِلَى الشَّرْط ثمَّ إِذا دخل صبي أَو امْرَأَة دَارنَا من غير أَمَان وتبعية أوقفناهما وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون وَالْحَرْبِيّ يتَخَيَّر فِيهِ بَين الْقَتْل والإرقاق فرع إِذا حاصرنا قلعة وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا النسوان فَإِن فتحناها جرى الرّقّ عَلَيْهِنَّ بِمُجَرَّد الظفر وَإِن بذلن الْجِزْيَة لدفع الرّقّ فَالصَّحِيح أَنه لَا يجب الْقبُول إِذْ لَو جَازَ لَهَا دفع الرّقّ بالجزية كَمَا يجوز للرجل دفع الْقَتْل لما كَانَت تَابِعَة فِي الْجِزْيَة بل صَار أصلا كَالرّجلِ ولكان إِذا دخلت دَارنَا لم يجز إرقاقها إِن بذلت الْجِزْيَة وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يجب الْقبُول وَإِنَّمَا التّبعِيَّة إِذا كَانَ مَعهَا رجل قريب أَو زوج وَإِنَّمَا لَا تستقل إِذا وَقعت فِي الْأسر لِأَنَّهَا رقت بِمُجَرَّد الْأسر أما إِذا كَانَ فِيهِنَّ رجل وَاحِد وبذل الْجِزْيَة كَانَ عصمَة لجَمِيع النسوان إِن كن من أَهله وَإِن كن أجانب فَلَا وَقد أطلق الْأَصْحَاب عصمَة الْجَمِيع وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادهم الْقَيْد السَّادِس المتأهب لِلْقِتَالِ واحترزنا بِهِ عَن الزمني وأرباب الصوامع وَمن ذكرنَا خلافًا فِي قَتلهمْ فَمنهمْ من قَالَ إِذا منعنَا قَتلهمْ فهم كالنسوان فَلَا جِزْيَة عَلَيْهِم وَمِنْهُم من قطع بِأخذ الْجِزْيَة للجنسية وَهُوَ الْأَصَح الْقَيْد السَّابِع الْقُدْرَة واحترزنا بِهِ عَن الْكَافِر الْفَقِير الَّذِي لَيْسَ بكسوب فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يخرج من الدَّار وَلَا يُقرر مجَّانا وَالثَّانِي أَنه يُقرر مجَّانا لِأَنَّهُ مَعْذُور وَالثَّالِث أَنه يُقرر بجزية تَسْتَقِر فِي ذمَّته إِلَى أَن يقدر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 الرُّكْن الرَّابِع فِي الْبِقَاع الَّتِي يُقرر بهَا الْكَافِر وَيجوز تقريرهم بِكُل بقْعَة إِلَّا الْحجاز فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو عِشْت لأخرجت الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب ثمَّ لم يَعش صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يتفرغ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فأجلاهم عمر رَضِي الله عَنهُ وهم زهاء أَرْبَعِينَ ألفا ونعني بِجَزِيرَة الْعَرَب مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة ومخاليفها والطائف وَوَج وَمَا ينْسب إِلَيْهَا مَنْسُوب إِلَى مَكَّة وَفِي بعض الْكتب التهامة وَلَعَلَّه تَصْحِيف الْيَمَامَة وخيبر من مخاليف الْمَدِينَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَزِيرَة الْعَرَب تمتد إِلَى أَطْرَاف الْعرَاق من جَانب وَإِلَى أَطْرَاف الشَّام من جَانب وعَلى هَذَا تلتحق الْيمن بالجزيرة فتحصلنا فِيهِ على خلاف هَذَا فِي المخاليف والبلاد أما الطّرق المعترضة بَينهمَا فَهَل يمْنَعُونَ من الْإِقَامَة بهَا وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن المُرَاد الْمَنْع من الإختلاط بالعرب حُرْمَة لَهُم وَالثَّانِي أَنهم يمْنَعُونَ لِأَن الْحُرْمَة للبقعة ثمَّ لَا خلاف أَنهم لَا يمْنَعُونَ من الإجتياز لسفارة أَو تِجَارَة وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يُقِيمُونَ فِي مَوضِع أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يحْسب يَوْم الدُّخُول وَالْخُرُوج إِلَّا فِي مَكَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 فَإِنَّهُ يمْنَع وَلَا يُمكن الْكَافِر من دُخُولهَا مجتازا وَلَا برسالة بل يخرج إِلَيْهِ من يستمع الرسَالَة لقَوْله تَعَالَى {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} وَلَا يجْرِي هَذَا التَّغْلِيظ فِي الْمَدِينَة فرع لَو دخل مَكَّة وَمرض وَخيف من نَقله الْمَوْت فَلَا يُبَالِي وينقل وَلَو دفن نبش قَبره وَأخرج عِظَامه تَطْهِيرا للحرم وَإِن مَاتَ على طرف الْحجاز وَأمكن نَقله نقل قبل الدّفن وَإِن دفن فَفِي نبش قَبره وَجْهَان وَلَو مرض فِي الْحجاز لم ينْقل إِن خيف مَوته فَإِن كَانَ يشق النَّقْل وَلَا يخَاف الْمَوْت فَفِي وجوب نَقله وَجْهَان فَإِن مَاتَ فِي غير مَكَّة وَدفن وعظمت الْمَشَقَّة فِي نَقله تَرَكْنَاهُ وَلم نرفع نعش قَبره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 الرُّكْن الْخَامِس فِي قدر الْجِزْيَة الْوَاجِبَة والواجبات عَلَيْهِم خَمْسَة الأول نفس الْجِزْيَة وأقلها دِينَار فِي السّنة على كل محتلم كَمَا سبق أَو اثْنَي عشر درهما نقرة وَيُخَير الإِمَام بَينهمَا والتخيير مُسْتَنده قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ وَإِلَّا فَلم يرد فِي الْخَبَر إِلَّا الدِّينَار وشبب بعض الْأَصْحَاب بِأَن النقرة نقومها بِالذَّهَب كَمَا فِي نِصَاب السّرقَة ثمَّ إِن لم يبذلوا إِلَّا دِينَار وَجب الْقبُول وَللْإِمَام أَن يماكس فِي الزِّيَادَة فَإِن بذل زِيَادَة ثمَّ علم أَن الزِّيَادَة لم تكن وَاجِبَة لم يَنْفَعهُ وَكَانَ كمن اشْترى بِالْغبنِ نعم لَو نبذ إِلَيْنَا الْعَهْد ثمَّ رَجَعَ وَطلب العقد بِدِينَار وَجَبت الْإِجَابَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله على الْفَقِير دِينَار وعَلى الْغَنِيّ أَرْبَعَة وعَلى الْمُتَوَسّط دِينَارَانِ وَعِنْدنَا لَا فرق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 وَلَو أسلم أَو مَاتَ بعد مُضِيّ السّنة استوفي عندنَا وَلَو تكَرر سنُون لم تتداخل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دُيُون وَمَات قدمت الْجِزْيَة على وَصَايَاهُ وديونه وَمِنْهُم من قَالَ بل الْجِزْيَة من حُقُوق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 الله فَتقدم على حق الْآدَمِيّ فِي قَول وتؤخر فِي قَول وتستوي فِي قَول فرع لَو مَاتَ فِي أثْنَاء السّنة فَفِي وجوب قسطه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب إِلَّا لتَمام السّنة كَالزَّكَاةِ وَالثَّانِي أَنه يجب كالأجرة وَيُشِير هَذَا إِلَى تردد فِي أَنَّهَا هَل تجب بِأول السّنة لَكِن تَسْتَقِر بِتَمَامِهَا أَو تجب شَيْئا شَيْئا وبنوا على هَذَا أَن الإِمَام لَو طلب شَيْئا فِي أثْنَاء السّنة هَل يجوز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 مَعَ اسْتِمْرَار الْحَيَاة وَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ على خلاف سير الْأَوَّلين الْوَاجِب الثَّانِي الضِّيَافَة وَقد وظف عمر رَضِي الله عَنهُ الضِّيَافَة لمن يطرقهم من أَبنَاء السَّبِيل فاتفقوا على جَوَاز ذَلِك بِشَرْط أَن نبين لكل وَاحِد عدد الضيفان وَقدر الطَّعَام والأدم وجنسه وعلف الدَّابَّة ومنازل الضيفان وليفاوت بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي عدد الضيفان لَا فِي جنس الطَّعَام كي لَا يُؤَدِّي إِلَى التزاحم على الْغَنِيّ وَيبين مُدَّة إِقَامَة الضَّيْف من يَوْم إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فقد ورد أَن الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا زَاد صَدَقَة وَيُقَال إجَازَة يَوْم وَلَيْلَة أَعنِي مَا يُعْطي الضَّيْف ليتزود فِي الطَّرِيق إِذا رَحل ثمَّ هَذَا مَحْسُوب لَهُم من نفس الدِّينَار إِذْ كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يطالبهم بالجزية مَعَ الضِّيَافَة وَمِنْهُم من أَبى ذَلِك لِأَن الْإِطْعَام لَيْسَ بِتَمْلِيك وَهُوَ كالتغدية فِي الْكَفَّارَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 فَإِن قُلْنَا إِنَّه من الْجِزْيَة فَمَا نقص من الدِّينَار يجب أَن يكمل وَلَو أَرَادَ نقلهم عَن الضِّيَافَة إِلَى الدَّنَانِير بعد ضربه بِغَيْر رضاهم فَفِيهِ وَجْهَان وَكَأَنَّهُ تردد فِي أَن ضربه هَل ينقعد لَازِما وَالصَّحِيح أَنه إِن قُلْنَا إِنَّه من الدِّينَار فَيجوز الْإِبْدَال وَإِن قُلْنَا إِنَّه أصل فَلَا بُد من رضاهم فِي الْإِبْدَال ثمَّ إِذا أبدلت فقد كَانَت الضِّيَافَة لجَمِيع الطارقين فَهَل يصرف الْبَدَل إِلَى جَمِيع الْمصَالح أم يخْتَص بِأَهْل الْفَيْء فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لأهل الْفَيْء لِأَن ذَلِك احْتمل فِي الضِّيَافَة لعسر الضَّبْط الْوَاجِب الثَّالِث الإهانة والتصغير عِنْد الْأَخْذ لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} قيل مَعْنَاهُ أَن يطأطىء الذِّمِّيّ رَأسه وَيصب مَا مَعَه فِي كف المستوفي فَيَأْخُذ المستوفي بلحيته وَيضْرب فِي لهازمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 وَهَذَا مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا إِنَّه مُسْتَحقّ لم يجز لَهُ تَوْكِيل الْمُسلم فِي التوفية وَلم يَصح ضَمَان الْمُسلم للجزية فَإِنَّهُ يجب قبُولهَا إِذا أسلم وَتسقط الإهانة وَلَكِن الصَّحِيح أَنه مُسْتَحبّ إِذْ يجوز إِسْقَاطهَا بِتَضْعِيف الصَّدَقَة كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ فَإِن جمَاعَة من نَصَارَى الْعَرَب أنفوا من اسْم الْجِزْيَة وَالصغَار فَقَالُوا نَحن عرب فَخذ منا مَا يَأْخُذ بَعْضكُم من بعض يَعْنِي الزَّكَاة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّهَا طهرة ولستم من أَهلهَا فَقَالُوا خُذ بذلك الإسم وزد مَا شِئْت فضعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَحط اسْم الْجِزْيَة والإهانة وَلَا شكّ فِي أَن الْمَأْخُوذ جِزْيَة حَتَّى لَا تُؤْخَذ من النِّسَاء وَالصبيان وَلَا بُد أَن يَفِي بِقدر الْجِزْيَة إِذا وزع على رُءُوس الْبَالِغين وَله أَن يَأْخُذ ثَلَاثَة أَمْثَال الصَّدَقَة وَله أَن يَأْخُذ نصف الصَّدَقَة إِن وفى بالجزية وَلَكِن لَا يتْرك الإهانة إِلَّا لغَرَض ظَاهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 فَإِن كَثُرُوا وَلم يُمكن عدهم لتبيين الْوَفَاء فَفِي جَوَاز أَخذه بغالب الظَّن وَجْهَان والفقراء هَل يدْخلُونَ فِي الْحساب يخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي العقد وَهل يجوز ذَلِك مَعَ غير الْعَرَب فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر جَوَازه للْمصْلحَة ثمَّ صِيغَة العقد أَن يَقُول الإِمَام ضعفت عَلَيْكُم الصَّدَقَة فَيلْزمهُ عَلَيْكُم الصَّدَقَة فَيلْزمهُ الْوَفَاء فَيَأْخُذ من خمس من الْإِبِل شَاتين وَمن عشر أَربع شِيَاه وَمن خمس وَعشْرين بِنْتي مَخَاض وَلَا يضعف المَال فَيَجْعَلهُ كالخمسين وَيَأْخُذ حَقه بل نضعفه الصَّدَقَة ونأخذ الْخمس مِمَّا سقته السَّمَاء وَالْعشر مِمَّا سقِِي بدالية وَمن عشْرين دِينَارا دِينَارا وَاخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنه هَل يحط لَهُم الوقص فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحط كالصدقة وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك تَخْفيف عَن الْمُسلمين وَالثَّالِث أَنه يَأْخُذ إِن لم يؤد إِلَى التجزئة فَيَأْخُذ من سَبْعَة وَنصف من الْإِبِل ثَلَاث شِيَاه وَقد حُكيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَأْخُذ من عشْرين شَاة شَاة وَمن مائَة دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 الثَّانِيَة لَو ملك سِتا وَثَلَاثِينَ من الْإِبِل وَلَيْسَ فِي مَاله بنت لبون فَيَأْخُذ بِنْتي مَخَاض وجبرانين لكل جبران وَاحِد شَاتين أَو عشْرين درهما وَلَا يضعف الْجبرَان ثَانِيًا وَمن قَالَ بذلك فقد غلط وَكَذَلِكَ إِذا أخرج حقتين فعلى الإِمَام الْجبرَان الْوَاجِب الرَّابِع الْعشْر من البضاعة الَّتِي مَعَ تجارهم إِذا ترددوا فِي بِلَادنَا وَالنَّظَر فِيمَن يعشر مَاله وَفِي قدر الْمَأْخُوذ أما من يُؤْخَذ مِنْهُ فَهُوَ كل حَرْبِيّ يتجر فِي بِلَادنَا ضرب عمر رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِم الْعشْر أما الذِّمِّيّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا اتّجر وَلَا على الْحَرْبِيّ إِذا دخل لسفارة أَو سَماع كَلَام الله تَعَالَى أما لَو تردد فِي الْحجاز لَا للتِّجَارَة فَفِي أَخذ شَيْء مِنْهُ خلاف فَقيل إِنَّه لَا يُمكن تعشير مَاله وَلَا بُد من تَعْظِيم الْحجاز فَيُؤْخَذ دِينَار وَهُوَ أقل الْجِزْيَة وَالذِّمِّيّ إِذا اتّجر فِي الْحجاز أَخذ مِنْهُ نصف الْعشْر كَذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ هَذَا إِذا جرى الشَّرْط وقبلوا فَإِن دخلُوا بِأَمَان من غير شَرط فأصح الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِم وَالثَّانِي أَن قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ بذلك قَضَاء على من سَيكون مِنْهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيتبع أما الْمِقْدَار فَلَا مزِيد على الْعشْر وَقل للْإِمَام أَن يزِيد إِن رأى وَأما النُّقْصَان فَجَائِز إِلَى نصف الْعشْر وَذَلِكَ فِي الْميرَة وكل مَا يحْتَاج الْمُسلمُونَ إِلَى كَثْرَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 المكاسب فِيهِ كَذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَو رأى رفع هَذِه الضريبة أصلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا بُد من قبُول شَيْء وَالثَّانِي أَن هَذَا الْجِنْس يتبع فِيهِ الْمصلحَة إِذْ عمر رَضِي الله عَنهُ فعل ذَلِك بِرَأْيهِ واستصوابه وَقد يتَغَيَّر الصَّوَاب ثمَّ إِذا أَخذ الْعشْر مرّة فَلَا يَأْخُذهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السّنة بل يعْطى جَوَازًا حَتَّى لَا يُطَالِبهُ عشار أصلا إِلَّا إِذا جَوَّزنَا الزِّيَادَة فَعِنْدَ ذَلِك يجوز أَخذه فِي دفعات أما إِذا جرى ترديد مَال وَاحِد إِلَى الْحجاز فِي سنة وَاحِدَة فَهَل يُكَرر الْعشْر لتعظيم الْحجاز فِيهِ خلاف وَهَذَا إِذا خرج من الْحجاز وَعَاد وَمَا دَامَ يتَرَدَّد فِيهِ فَلَا وَلَو بذل اللِّسَان عِنْد المشارطة بِزِيَادَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم إِذْ لَيْسَ ذَلِك عقدا أَصْلِيًّا بِخِلَاف عقد الْجِزْيَة الْوَاجِب الْخَامِس الْخراج وَذَلِكَ قد يكون أُجْرَة فَلَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ كَمَا إِذا ملكنا أراضيهم ثمَّ رددناها إِلَيْهِم بخراج كَمَا فعله عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا وَاجِب وَرَاء الْجِزْيَة أما إِذا صالحناهم على عقارهم بخراج يؤدونه فملكهم مطرد والمأخوذ فِي حكم جِزْيَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 وَمن أسلم سقط الْخراج عَنهُ فِي الْمُسْتَقْبل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام عقد الذِّمَّة وَهُوَ يَقْتَضِي وجوبا علينا وَعَلَيْهِم أما مَا علينا فَيرجع إِلَى أَمريْن الْكَفّ عَنْهُم وذب الْكفَّار دونهم أما الْكَفّ فَمَعْنَاه أَنا لَا نتعرض لأنفهسم ومالهم ونعصمهم بِالضَّمَانِ وَلَا نريق خمورهم وَلَا نتلف خنازيرهم مَا داموا يخفونه وَلَا نمنعهم من التَّرَدُّد إِلَى كنائسهم الْقَدِيمَة وَلَو أظهرُوا الْخُمُور أرقناها وَمن دخل دَارهم وأراقها فقد تعدى وَلَا ضَمَان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو غصبهَا وَجب مئونة الرَّد وَفِيه وَجه أَنه لَا يجب إِلَّا التَّخْلِيَة وَلَو بَاعَ خمرًا من مُسلم أريق على الْمُسلم وَلَا ثمن للذِّمِّيّ وَالظَّاهِر أَنه يجب رد الْخمر المحترمة على الْمُسلم إِذا غصب أما الذب عَنْهُم فَمَعْنَاه دفع الْكفَّار عَنْهُم مَا داموا فِي دَارنَا وَهُوَ ذب عَن الدَّار وَلَو دخلُوا دَار الْحَرْب فَلَا مطمع للذب وَلَو انفردوا ببلدة غير مُتَّصِلَة بِبِلَاد الْإِسْلَام فَفِي وجوب ذب أهل الْحَرْب عَنْهُم وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب إِذْ لم نلتزم إِلَّا الْكَفّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ بذلوا الْجِزْيَة لنسلك بهم مَسْلَك أهل الْإِسْلَام فعلى هَذَا لَو شرطنا أَن لَا نذب عَنْهُم لم يلْزمنَا وَمِنْهُم من ألغى هَذَا الشَّرْط وعَلى الأول لَو شرطنا الذب لزمنا وَمِنْهُم من ألغى ذَلِك الشَّرْط وَكَذَلِكَ لَو ترافعوا إِلَيْنَا هَل يجب الحكم بَينهم فِيهِ خلاف وَيرجع حَاصله إِلَى دفع أَذَى بَعضهم عَن بعض أما الْوَاجِب عَلَيْهِم فَهُوَ الْوَفَاء بالجزية والإنقياد للْأَحْكَام والكف عَن الْفَوَاحِش وَعَن بِنَاء الْكَنَائِس ومطاولة الْمُسلمين بالبنيان والتجمل بترك الغيار وركوب الْخُيُول وسلوك جادة الطّرق هَذِه مجامعها الأول حكم الْكَنَائِس وتفصيله أَن للبلاد ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى بَلْدَة بناها الْمُسلمُونَ فَلَا يكون فِيهَا كَنِيسَة وَإِذا دخلُوا وقبلوا الْجِزْيَة منعُوا من إِحْدَاث الْكَنَائِس قطعا وَفِي مَعْنَاهَا بَلْدَة ملك الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم رقبَتهَا قهرا فَإِنَّهُ ينْقض كنائسهم لَا محَالة وَلَو أَرَادَ الإِمَام أَن ينزل مِنْهُم طَائِفَة بجزية وَيتْرك لَهُم كَنِيسَة قديمَة قطع المراوزة بِالْمَنْعِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي جَوَازه أما الإحداث فَلَا خلاف فِي الْمَنْع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 الثَّانِيَة بَلْدَة فتحناها صلحا على أَن تكون رَقَبَة الْأَبْنِيَة للْمُسلمين وهم يسكنونها بخراج يبذلونه سوى الْجِزْيَة فَإِن اسْتثْنى فِي الصُّلْح البيع وَالْكَنَائِس لم تنقض وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انها تنفض لِأَنَّهَا ملك الْمُسلمين فَلهم التَّصَرُّف فِي ملكهم وَالثَّانِي لَا وَفَاء بِشَرْط التَّقْرِير فَإِنَّهُ يمْنَع عَلَيْهِم الْقَرار من غير متعبد جَامع الثَّالِثَة أَن تفتح على أَن تكون الرّقاب لَهُم وَيضْرب عَلَيْهِم خراج فَهَذِهِ بلدتهم وَلَيْسَ عَلَيْهِم نقض الْكَنَائِس وَلَو أَحْدَثُوا كنائس فَالْمَذْهَب أَنهم لَا يمْنَعُونَ وَقيل يمْنَع لِأَنَّهَا على الْجُمْلَة تَحت حكم الْإِسْلَام وَلَا خلاف أَنهم لَا يمْنَعُونَ من ضرب الناقوس وَإِظْهَار الْخُمُور وَإِن كَانَ الْمُسلمُونَ يدْخلُونَ على الْجُمْلَة لِأَنَّهَا كعقر دَارهم وَلَا نتعرض لما يجْرِي فِي دُورهمْ فرع حَيْثُ قضينا بإبقاء كَنِيسَة قديمَة وَالْمَنْع من الإحداث فَلَا نمنعهم من الْعِمَارَة إِذا استرمت وَالأَصَح أَنا لَا نكلفهم إخفاء الْعِمَارَة وَقيل يجب الْإخْفَاء حَتَّى لَو زَالَ الْجِدَار الْخَارِج فَلَا وَجه إِلَّا بِنَاء جِدَار دَاخل الْكَنِيسَة نعم لَو انْهَدَمت الْكَنِيسَة فَفِي إِعَادَتهَا وَجْهَان من حَيْثُ إِن هَذَا كالإحداث من وَجه وَإِن قُلْنَا لَهُم الْإِعَادَة فَفِي جَوَاز زِيَادَة فِي الخطة وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَن هَذَا إِحْدَاث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 وَأما النواقيس فَإنَّا نمنعهم فِي كنائسهم أَن يظْهر صَوته فَهُوَ كإظهار الْخمر وَقيل لَا يمْنَع فَإِنَّهُ تَابع للكنيسة الْوَاجِب الثَّانِي ترك مطاولة الْبُنيان فَلَو بنى دَارا أرفع من دَار جَاره منع وَلَو كَانَ مثله فَوَجْهَانِ وَلَو لم يكن بجنبه إِلَّا حجرَة ضَعِيفَة منخفضة فَعَلَيهِ أَن لَا يعلوها بُنْيَانه وَلَو كَانَ فِي طرف بلد حَيْثُ لَا جَار أَو كَانَت لَهُم محلّة فَلَا معنى للمطاولة فَلَا حجر وَقيل إِنَّهُم على الْجُمْلَة يمْنَعُونَ من رفع فِيهِ تجمل وَهَذَا كُله فِي الْبناء فَلَو اشْترى دَارا مُرْتَفعَة لم ينْقض بناؤها وَهَذَا الْمَنْع مُسْتَحبّ أَو حتم فِيهِ وَجْهَان الْوَاجِب الثَّالِث يمْنَعُونَ من التجمل بركوب الْخَيل وَلَا يمْنَعُونَ من الْحمار النفيس وَليكن رِكَابهمْ من الْخشب وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يمْنَع من الْفرس الخسيس كالقتبيات وَيمْنَع من البغال الغر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 الْوَاجِب الرَّابِع لَا بُد من الغيار ولون الصُّفْرَة باليهود أليق والكهبة بالنصارى والسواد بالمجوس وَالْمَقْصُود أَن يتميزوا حَتَّى لَا نسلم عَلَيْهِم ويضطرون إِلَى أضيق الطّرق وَيمْنَعُونَ من سرارة الجادة إِذا كَانَت مَشْغُولَة بِالْمُسْلِمين وَإِن كَانَت خَالِيَة فَلَا منع وَيخرج الْكَافِر من الْحمام إِذا لم يكن عَلَيْهِم غيار لِأَنَّهُ رُبمَا ينجس المَاء من حَيْثُ لَا نَعْرِف وَالْمَرْأَة هَل يلْزمهَا الغيار فِي الْحمام وخارجه فِيهِ وَجْهَان ثمَّ أصل الغيار وَترك ركُوب الْخَيل حتم أَو مُسْتَحبّ فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 الْوَاجِب الْخَامِس الإنقياد للْأَحْكَام بِأَن يذعن للحد وَالضَّمان إِذا تعلّقت الْخُصُومَة بِمُسلم أَو زنا بِمسلمَة أَو سرق مَال مُسلم أما مَا لَا يتَعَلَّق بِمُسلم وَلم يعْتَقد تَحْرِيمه فَلَا يحد على الصَّحِيح فِيهِ كالشرب وَمَا اعْتقد تَحْرِيمه وترافعوا إِلَيْنَا وَجب عَلَيْهِم الإنقياد فَإِن قيل فَلَو خالفوا فِي شَيْء من هَذِه الْجُمْلَة فَهَل ينْتَقض عَهدهم قُلْنَا هَذِه الْأُمُور على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى وَهِي أخفها إِظْهَار الْخمر وَضرب الناقوس وَترك الغيار وَإِظْهَار معتقدهم فِي الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الله تَعَالَى بانه ثَالِث ثَلَاثَة وَمَا يضاهيه مِمَّا لَا ضَرَر على الْمُسلمين فِيهِ فَلَا ينْتَقض بِهِ الْعَهْد بل نعزرهم وَلَو شَرط الإِمَام انْتِقَاض الْعَهْد بذلك قَالَ الْأَصْحَاب يحمل على التخويف شَرطه وَلَا ينْتَقض بِهِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة وَهِي أغلظها الْقِتَال وَمنع الْجِزْيَة وَالْأَحْكَام وَالْمَشْهُور أَن الْعَهْد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 ينْتَقض بِهَذِهِ الثَّلَاث وَهُوَ ظَاهر فِي الْقِتَال أما منع الْجِزْيَة فَلَا يبعد أَن يَجْعَل كمنع الدُّيُون فتستوفى قهرا وَلَا يبعد من حَيْثُ إِنَّه ركن الْأمان فَكَأَن مَنعه إِسْقَاط أَمَانه بِخِلَاف سَائِر الدُّيُون وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاد الْأَصْحَاب مِنْهُ أَن يكون الْمَنْع بالتغلب فَيُؤَدِّي إِلَى الْقِتَال وَأما منع الحكم فَلَا يَنْبَغِي أَن ينْقض إِن كَانَ بالهرب فَإِن كَانَ بتمرد حملناه عَلَيْهِ وَإِن أدّى إِلَى الْقِتَال انْتقض عَهده وعَلى الْجُمْلَة لَا يظْهر انْتِقَاض الْعَهْد إِلَّا بِالْقِتَالِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة مَا هُوَ مَحْظُور وَفِيه على الْمُسلمين ضَرَر كَالزِّنَا بالمسلمة والتطلع على عورات الْمُسلمين أَو افتتان الْمُسلم عَن دينه فَفِي هَذِه الثَّلَاثَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ينْقض الْعَهْد كالقتال وَالثَّانِي لَا ينْقض بل يعاقبون عَلَيْهَا كإظهار الْخمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 وَالثَّالِث أَنه إِذا جرى شَرط الإنتقاض انْتقض وَإِلَّا فَلَا وَأما قطع الطَّرِيق وَالْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص فَمنهمْ من قَالَ هُوَ من هَذَا الْقسم وَمِنْهُم من قطع بإلحاقه بِالْقِتَالِ وَكَذَلِكَ فِي تعرضهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسوء طَرِيقَانِ وَمِنْهُم من قَالَ كالقتال وَمِنْهُم من قَالَ على الْأَوْجه الثَّلَاثَة أما إِذا كَانَ الطعْن على وفْق اعْتِقَادهم كَقَوْلِهِم إِنَّه لي رَسُول الله وَالْقُرْآن لَيْسَ بمنزل فَهَذَا كَقَوْلِهِم إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي السب والطعن فِي النّسَب وَمَا لَا يُوَافق عقيدتهم فَإِن قيل وَمَا حكم انْتِقَاض الْعَهْد قُلْنَا أما فِي الْقِتَال فَحكمه الإغتيال وَأما فِي الرُّتْبَة الثَّالِثَة فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الإغتيال وَصَارَ الْعَهْد كَالْمَعْدُومِ وَالثَّانِي أَنا نلحقهم بالمأمن وَلَا اغتيال وَلَو نبذ الذِّمِّيّ عَهده إِلَيْنَا من غير جِنَايَة فَالصَّحِيح أَنه يلْحق بالمأمن وَقيل يخرج على الْقَوْلَيْنِ إِذا كَانَ يقدر على الْخُرُوج من غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 مجاهرة بنبذ الْعَهْد فَإِن قيل فالمسلم إِن طول لِسَانه فِي الرَّسُول فَمَا حكمه قُلْنَا إِن كذب عَلَيْهِ عذر وَإِن كذبه فَهُوَ مُرْتَد فَيقْتل إِلَّا أَن يَتُوب وَكَذَلِكَ كل تعرض فِيهِ استهزاء فَهُوَ ردة وَلَو نسبه إِلَى الزِّنَا فَهَذَا الْقَذْف كفر بالإتفاق فَلَو تَابَ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْفَارِسِي أَنه يقتل إِذْ حد قذف الرَّسُول قتل فَلَا يسْقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْخَبَر من سبّ نَبيا فَاقْتُلُوهُ وَمن سبّ أَصْحَابه فاجلدوه وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال والأستاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الْقَتْل صَار مغمورا فِي الْكفْر فَيسْقط أَثَره بِالْإِسْلَامِ وَالثَّالِث وَهُوَ الَّذِي ذكره الصيدلاني رَحمَه الله أَنه يسْقط الْقَتْل وَتبقى ثَمَانُون جلدَة للحد وَهَذَا يلْزمه أَن يجلد قبل الْقَتْل إِذا لم يتب كالمرتد إِذا قذف والإلتفات إِلَى هَذَا الْقيَاس الجروي فِي مثل هَذَا الْمقَام بعيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 ثمَّ إِن قُلْنَا ثَبت حد الْقَذْف فَلَو عَفا وَاحِد من بني أَعْمَامه يَنْبَغِي أَن يسْقط أَو نقُول هم لَا ينحصرون فَهُوَ كقذف ميت لَا وَارِث لَهُ وَكَذَلِكَ فِي قتل مثله قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا قصاص إِذْ فِي الْمُسلمين صبيان وَلِأَنَّهُ إِن وَجب على الإِمَام الإستيفاء ضاهى الْحَد وَبَطل خاصية الْقصاص وَإِن جَازَ لَهُ الْعَفو فَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال عصمَة من لَا وَارِث لَهُ فينقدح أَيْضا الْقَوْلَانِ فِي قذف من لَا وَارِث لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 العقد الثَّانِي مَعَ الْكفَّار المهادنة وَالنَّظَر فِي شُرُوطه وَأَحْكَامه أما الشُّرُوط فَأَرْبَعَة الأول أَن هَذَا العقد لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الإِمَام لِأَنَّهُ يرجع حَاصله إِلَى صلح جمع من الْكفَّار على ترك قِتَالهمْ والكف عَنْهُم من غير مَال نعم لآحاد الْوُلَاة عقد ذَلِك مَعَ أهل الْقرى والأطراف الْمُتَعَلّقَة بهم فَأَما مهادنة إقليم كالهند وَالروم فَلَيْسَ إِلَّا للْإِمَام الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون للْمُسلمين إِلَى ذَلِك حَاجَة فَإِن لم تكن حَاجَة وَلَا مضرَّة وطلبوا ذَلِك لم يجب على الإِمَام الْإِجَابَة على الصَّحِيح بل يتبع الْأَصْلَح وَفِيه وَجه مخرج أَنه تجب الْإِجَابَة وَفِي الْجِزْيَة وَجه مخرج من المهادنة أَنه لَا تجب الْإِجَابَة والوجهان ضعيفان وَالصَّحِيح الْفرق فَإِن عقد الذِّمَّة كف بِمَال وَهَذِه مُسَامَحَة الشَّرْط الثَّالِث أَن يَخْلُو العقد عَن شَرط يأباه الْمُسلم كَمَا لَو شَرط أَن يتْرك فِي أَيْديهم مَال مُسلم أَو شَرط أَن يرد عَلَيْهِم أَسِيرًا مُسلما أفلت مِنْهُم أَو شَرط لَهُم على الْمُسلمين مَالا فَكل ذَلِك فَاسد مُفسد نعم لَو كَانَ على الْمُسلمين خوف جَازَ الْتِزَام مَال لدفع الشَّرّ كَمَا يجوز فدَاء الْأَسير الْمُسلم إِذا عجزنا عَن انْتِزَاعه مجَّانا الشَّرْط الرَّابِع الْمدَّة وَهُوَ يتَقَدَّر بأَرْبعَة أشهر إِن لم يكن بِالْمُسْلِمين ضعف وَهُوَ مُدَّة السياحة قَالَ الله تَعَالَى {فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 وَلَا يجوزو أَن تبلغ سنة وَهَذِه الْمدَّة للجزية لِأَن الْكَفّ سنة إِنَّمَا جَازَ بعوض أما فِيمَا دون السّنة وَفَوق أَرْبَعَة أشهر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز للقصور عَن مُدَّة الْجِزْيَة وَهَذَا يستمد من قَوْلنَا إِن طلب قسط من الْجِزْيَة فِي بعض السّنة لَا يجوز وَالثَّانِي الْمَنْع للزِّيَادَة على مُدَّة التسييح أما إِذا كَانَ بِالْمُسْلِمين ضعف وَخَوف جَازَت المهادنة عشر سِنِين هادن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عشر سِنِين وَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَفِيه وَجه أَنه تجوز الزِّيَادَة بِالْمَصْلَحَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 فرع لَو أطلق الإِمَام المهادنة وَلم يذكر الْمدَّة فَالصَّحِيح أَنَّهَا فَاسِدَة وَقَالَ الفوراني فِي حَال الْقُوَّة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه ينزل على الْأَقَل وَالثَّانِي على الْأَكْثَر وَهُوَ مَا يُقَارب السّنة وَإِن كَانَ فِي حَالَة الضعْف فَينزل على عشر سِنِين إِذْ لَا يتَقَدَّر أَقَله وَسَببه أَن مُقْتَضى الْمُطلق التَّأْبِيد فنحذف مَا يزِيد على الْمدَّة الشَّرْعِيَّة وَلَو صرح بِالزِّيَادَةِ على الْمدَّة فَالزِّيَادَة مَرْدُودَة وَفِي صِحَّتهَا فِي الْمدَّة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وأصحهما الصِّحَّة إِذْ لَيْسَ فِيهَا عوض تحدد جهالته ثمَّ حكم الْفَاسِد أَن ننذرهم وَلَا نغتالهم وَحكم الصَّحِيح وجوب الْكَفّ عَنْهُم إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة أَو إِلَى جِنَايَة تصدر مِنْهُم تنَاقض الْعَهْد فنغتالهم إِن علمُوا أَنَّهَا جِنَايَة وَإِن لم يعلمُوا فَفِي اغتيالهم من غير إنذار وَجْهَان وَلَو بنينَا تَطْوِيل الْمدَّة على خوف لم ترْتَفع بِزَوَال الْخَوْف بل لَا بُد من الْوَفَاء وَلَو استشعر الإِمَام جِنَايَة فَلهُ أَن ينْبذ إِلَيْهِم عَهدهم بالتهمة وَذَلِكَ لَا يجوز فِي الْجِزْيَة نعم لَا يبتدىء عقد الْجِزْيَة مَعَ التُّهْمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام العقد وَحكمه الْوَفَاء بِالشّرطِ والمعتاد فِي الشَّرْط أَن يَقُول صالحناكم على أَن من جَاءَكُم من الْمُسلمين رددتموه وَمن جَاءَنَا مِنْكُم رددناه وَلَا يجوز شَرط رد الْمَرْأَة إِذا جَاءَت مسلمة وَيجوز رد الرجل الْمُسلم وَالْمَرْأَة الْكَافِرَة وَلما هادن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُهَيْل بن عَمْرو وعيينة بن حصن قَالَ من جَاءَكُم منا فسحقا سحقا وَمن جَاءَنَا مِنْكُم رددناه ثمَّ جَاءَ أَبُو جندل بن سُهَيْل مُسلما فَرده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَبِيه فولى باكيا فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يَجْعَل لَك مخلصا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِن دم الْكَافِر عِنْد الله كَدم الْكَلْب كالتعريض لَهُ بقتل أَبِيه ثمَّ جَاءَ أَبُو بَصِير مُسلما وَجَاء فِي طلبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 رجلَانِ فَرده عَلَيْهِمَا فَقتل أَحدهمَا وأفلت الآخر قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مسعر حَرْب لَو وجد أعوانا كالتعريض لَهُ بالإمتناع وَهَذَا يدل على أَن الرُّجُوع غير وَاجِب عَلَيْهِ إِذْ لم يجر الشَّرْط مَعَه وَإِنَّمَا الرَّد يجب علينا فَجَاز تَعْرِيفه بالتعريض دون التَّصْرِيح وَلِأَن أَبَا بَصِير رَجَعَ مَعَ أحد الرجلَيْن وَقتل الآخر فَلم يُنكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحْتَمل أَن يُقَال للَّذي أسلم بَينهم أَن يقتلهُمْ إِن قدر إِذْ لم يجر الشَّرْط مَعَه وَيدل عَلَيْهِ تَعْرِيض عمر رَضِي الله عَنهُ وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يجوز إِذْ شَرط الْإِسْلَام يتَنَاوَلهُ وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَقر فِي دَارنَا لزمَه الْكَفّ عَنْهُم وعَلى هَذَا هَل يحمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 تَعْرِيض عمر رَضِي الله عَنهُ على تصلب وَلَكِن ترك الْإِنْكَار من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبْقى لَهُ وَجه إِلَّا أَن يُقَال إِن الرُّجُوع غير وَاجِب فَيجوز الْقَتْل فِي دفع من يكلفه الرُّجُوع ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} فَاخْتلف فِي أَن النسْوَة هَل كن مندرجات تَحت قَوْله من جَاءَنَا مِنْكُم رددناه فوردت الْآيَة ناسخة أَو وَردت الْآيَة مخصصة للْعُمُوم الظَّاهِر وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عرف الْخُصُوص فأوهم الْعُمُوم أَو ظَنّه عَاما حَتَّى تبين لَهُ وَقد أفادت الْآيَة منع ردهَا وَوُجُوب صَدَاقهَا وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي عِلّة وجوب الصَدَاق عَلَيْهِ فَقَالَ فِي قَول لَا يجب لِأَنَّهُ الْتزم ردهن ثمَّ نسخ فَخَالف فغرم وعَلى هَذَا يقْتَصر الْغرم عَلَيْهِ وَلَا يلْزمنَا فَإنَّا لَا نلتزم رد الْمسلمَة وَلَو التزمنا فسد الشَّرْط وَهل تفْسد المهادنة بِالشّرطِ الْفَاسِد أم تلغى فِيهِ تردد كترددنا فِي الْوَقْف أَنه هَل يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه وَجب لِأَنَّهُ أوهم بِالْعُمُومِ ردهَا فعلى هَذَا إِن عممنا وأوهمنا لم نردها وغرمنا وَإِن اطلقنا العقد أَو صرحنا بِأَنَّهَا لَا ترد فَلَا غرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وَمِنْهُم من أوجب الْغرم فِي المهادنة الْمُطلقَة وَقَالَ إِطْلَاقهَا أَيْضا موهوم ويتشعب عَن التَّفْرِيع على إِيجَاب الْغرم النّظر فِي سَبَب الْغرم ومصرفه وَقدره أما السَّبَب فَهُوَ الْمَنْع عَن الزَّوْج بعلة الْإِسْلَام واحترزنا بِالْمَنْعِ عَمَّا إِذا جَاءَت وَلم تطلب إِذْ لَا يجب الرَّد فَلَا غرم وَكَذَلِكَ كل كَافِر وكافرة لَا طَالب لَهُ وَمن لَهُ طَالب فَلَيْسَ علينا الرَّد لَكنا لَا نمْنَع من يسترجعه وَقَوْلنَا من الزَّوْج احترزنا بِهِ عَمَّا لَو طلبَهَا أَبوهَا أَو أقاربها فَلَا نرد وَلَا نغرم لِأَن الزَّوْج هُوَ الْمُسْتَحق وَقَوْلنَا بعلة الْإِسْلَام أردنَا بِهِ أَنَّهَا لَو مَاتَت أَو قتلت قبل الطّلب فَلَا غرم إِذْ لَا منع أما إِذا قتلت بعد الطّلب وَجب الْقصاص على الْقَاتِل مَعَ الصَدَاق وَيحْتَمل عِنْدِي أَن يُقَال الْغرم على بَيت المَال لِأَن الْمَنْع حَال الطّلب وَاجِب شرعا وَالْقَتْل وَاقع بِهِ اسْتِحْقَاق الْمَنْع فَلم نفوت ردا مُمكنا بل ردا مُمْتَنعا شرعا وَلَو غرمنا فَأسلم الزَّوْج قبل انْقِضَاء الْعدة استرددنا إِذْ النِّكَاح يبْقى وَإِن أسلم بعد انْقِضَاء الْعدة لم نسترد وَلَو طَلقهَا ثمَّ أسلمت وَهِي مَنْكُوحَة رَجْعِيَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا نغرم إِن لم يُرَاجع لِأَن الْفِرَاق بِالطَّلَاق وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 الأقيس أَنه يسْتَحق الْغرم لِأَن الرَّجْعِيَّة مَنْكُوحَة وَإِن لم يُرَاجِعهَا فَلَا معنى لرجعته مَعَ إسْلَامهَا أما المَال فَهُوَ الْقدر الَّذِي بذله الزَّوْج قَالَ الله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفقُوا} فَإِن كَانَ قد سلم بعض الصَدَاق لم يسْتَحق إِلَّا ذَاك وَإِن لم يسلم شَيْئا أَو سلم خمرًا أَو خنزيرا لم يسْتَحق شَيْئا وَإِن أخذت ووهبت مِنْهُ فَقَوْلَانِ كَمَا فِي التشطير بِالطَّلَاق وَلَو أسلمت قبل قبض الصَدَاق وَبعد الْمَسِيس ثمَّ أسلم الزَّوْج بعد الْعدة أَو قبل الْجِزْيَة فلهَا مُطَالبَته بِالْمهْرِ لأجل الْمَسِيس إِذْ الظَّاهِر صِحَة أنكحتهم فَإِذا غرم لَهَا فَهَل نغرم لَهُ مَا غرم فِيهِ تردد من حَيْثُ إِنَّه حَيْثُ كَانَ أَهلا للطلب لم يكن قد بذل شَيْئا ثمَّ لَا نقبل مُجَرّد قَوْله سلمت الصَدَاق فَإِن أقرَّت فَلَا بُد من التَّصْدِيق إِذْ تعسر إِقَامَة الْحجَّة وَأما المغروم فِيهِ فَهُوَ الْبضْع والمالية فِي الرقيقة وَلَو دخلت كَافِرَة ثمَّ أسلمت فَالْأَصَحّ وجوب الْغرم كَمَا لَو أسلمت ثمَّ دخلت وَلَو دخلت مسلمة ثمَّ ارْتَدَّت فَلَا نردها لعلقة الْإِسْلَام وَفِي وجوب الْغرم وَجْهَان إِذْ لَا قيمَة لبضعها وَالأَصَح الْوُجُوب فَإِن دخلت مَجْنُونَة لم نرد لاحْتِمَال أَنَّهَا أسلمت قبل الْجُنُون وَلَا نغرم لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تسلم فنأخذ بِالْيَقِينِ فِي الطَّرفَيْنِ والصبية إِذا أسلمة وَقُلْنَا يَصح إسْلَامهَا فكالبالغة وَإِن لم نصحح فَلَا نرد لحُرْمَة الْإِسْلَام لأَنا نحول بَين الصَّبِي الْمُسلم وَبَين أَبَوَيْهِ وَإِن منعناها فَالصَّحِيح الْغرم وَقيل إِنَّهَا كالمجنونة وَقيل إِنَّهَا ترد وَهُوَ ضَعِيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 والرقيقة يمْتَنع ردهَا وَتجب قيمتهَا لسَيِّدهَا لَا مَا بذل من الثّمن لِأَن المَال تقويمه سهل وَإِنَّمَا الْعُدُول إِلَى مَا أنْفق فِي الصَدَاق بِنَصّ الْقُرْآن فِيمَا يعسر تقويمه وَلَو جَاءَ غير سَيِّدهَا طَالبا لم يلْتَفت إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَت مُزَوّجَة فَإِن جَاءَ السَّيِّد وَالزَّوْج مَعًا غرمنا للسَّيِّد الْقيمَة وَللزَّوْج مَا بذل وَإِن جَاءَ احدهما فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يلْزم شَيْء إِذْ لَيْسَ لأَحَدهمَا حق الإنفراد وَالثَّانِي يجب أَدَاء حَقه وَحده وَالثَّالِث أَن السَّيِّد مُسْتَحقّ الرَّد فنغرم لَهُ وَالزَّوْج وَحده لَا يتسحق الرَّد وَالْغُرْم تبع الرَّد وَإِن جاءتنا زَوْجَة عبد فَحق الْبضْع للْعَبد وَالسَّيِّد هُوَ باذل الْمهْر فَلَا يلْزمنَا شَيْء إِلَّا إِذا حضرا فَإِن حضر أَحدهمَا لم نغرم شَيْئا وَأما العَبْد فَفِي وجوب رده وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه يستضعف ويهان إِذْ لَا نَاصِر لَهُ وَفِي الْحر الَّذِي لَا عشيرة لَهُ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يرد لظُهُور الْعُمُوم فِي حَقه فَإِن قُلْنَا يرد فليشترط فِي أصل المهادنة أَن من رد مُسلما لَا يستهان بِهِ إِن احتملوا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا نرد العَبْد فنغرم قِيمَته فرع إِن قُلْنَا فِي المهادنة من جَاءَكُم منا فسحقا سحقا فالتحق بهم مُرْتَد فسحقا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 وَإِن كَانَت مرتدة استرددناها فَإِن تعذر غرمنا لزَوجهَا الْمُسلم مَا أنْفق لقَوْله تَعَالَى {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} وكأنا بالمهادنة أحلنا بَينه وَبَين زَوجته الْمُرْتَدَّة إِذْ لأجل المهادنة والأمن رغبت فِي الإلتحاق بهم ثمَّ جَمِيع الْكفَّار كشخص وَاحِد فَلَو جاءتنا مسلمة سلمنَا مهرهَا إِلَى زوج الْمُرْتَدَّة إِن تَسَاويا وَإِن زَاد مهر الْمسلمَة سلمنَا الزِّيَادَة إِلَى زَوجهَا الْكَافِر وَقُلْنَا وَاحِدَة بِوَاحِدَة وَكَأن جُمْلَتهمْ كشخص وَاحِد فيؤاخذ الْوَاحِد بِحكم الْجُمْلَة وَالله أعلم صلوَات الله عَلَيْهِم كرم الله وَجهه الله تبَارك وَتَعَالَى الرب عز وَجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 = كتاب الصَّيْد والذبائح = وَالنَّظَر فِي أَسبَاب الْحل وَأَسْبَاب الْملك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 النّظر الأول فِي سَبَب حل الذَّبِيح وأركان الذّبْح أَرْبَعَة الذَّابِح والذبيح والآلة الذابحة وَنَفس الذّبْح الأول الذَّابِح فَكل مُسلم أَو كتابي عَاقل بَالغ يصير أَهلا للذبح بِيَدِهِ وبجوارح الصَّيْد فَتحل ذبيحه الْيَهُود وَالنَّصَارَى دون الْمَجُوس وَعَبدَة الْأَوْثَان أما الْمُتَوَلد من كتابي ومجوسي أَو وَثني فَقَوْلَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 أَحدهمَا تَغْلِيب التَّحْرِيم وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب وَحل الذَّبِيح يُقَارب حل النِّكَاح إِلَّا فِي الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ تحل ذبيحتها دون مناكحتها فرع لَو اشْترك مَجُوسِيّ وَمُسلم فِي ذبيح فَهُوَ حرَام وَكَذَا لَو أرسلا إِلَى الصَّيْد سَهْمَيْنِ أَو كلبين فَحصل الْهَلَاك بهما وَلَو سبق أَحدهمَا وصيره إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح فَالْحكم لَهُ وَلَو هرب الصَّيْد من كلب الْمُسلم فَرده عَلَيْهِ كلب الْمَجُوسِيّ وَقَتله كلب الْمُسلم فَهُوَ حَلَال وَلَا تَأْثِير لإعانته فِي الرَّد وَحَيْثُ يحل الصَّيْد فالملك للْمُسلمِ وَلَو أثخنه كلب الْمُسلم فأدركه كلب الْمَجُوسِيّ وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَقتله فَهُوَ ميتَة وَضمن الْمَجُوسِيّ للْمُسلمِ إِذْ أفسد ملكه أما قَوْلنَا عَاقل بَالغ احترزنا بِهِ عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يُمَيّز فَفِي ذبيحتهما قَولَانِ وَوجه التَّحْرِيم أَن الْقَصْد قد انْعَدم وَأما الصَّبِي الْمُمَيز فَتحل ذَبِيحَته وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه إِن اعْتبر الْقَصْد فقد نقُول عمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد وَأما الْأَعْمَى فَيصح ذبحه وَفِي اصطياده وَجْهَان من حَيْثُ إِن قَصده لَا يتَعَلَّق بِعَين الصَّيْد وَهُوَ لَا يرَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 الرُّكْن الثَّانِي الذَّبِيح وَالْحَيَوَان يَنْقَسِم إِلَى مَا يحرم فَلَا أثر لذبحه وَإِلَى مَا يحل كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة وَهَذَا يَنْقَسِم إِلَى مَا تحل ميتَته كالجراد والسمك وَإِلَى مَا لَا يحل أما الَّذِي يحل فَلَا حَاجَة إِلَى ذبحه بل لَو اقتطع قِطْعَة من سَمَكَة فَهِيَ حَلَال لِأَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَلَو ابتلع سَمَكَة حَيَّة فمكروه للتعذيب وَلَكِن الظَّاهِر أَنه حَلَال وَمِنْهُم من حرم وَجعل الْمَوْت بَدَلا عَن الذّبْح وَأما حَيَوَان الْبَحْر فَتحل جَمِيعهَا إِلَّا المستخبثات وَمَا يعِيش فِي الْبر كالضفدع والسرطان وَأما مَا لَهُ نَظِير محرم فِي الْبر ككلب المَاء وخنزيره قفيه قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 أَحدهمَا الْحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحل ميتَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَنَاوَلهُ اسْم السّمك وَللشَّافِعِيّ قَول غَرِيب أَنه لَا يحل إِلَّا السّمك وَهُوَ مرجوع عَنهُ لِأَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدوا حَيَوَانا عَظِيما يُسمى العنبر فأكلوه وَلم يُنكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم أما مَا لَا تحل ميتَته فَيتَعَيَّن ذبحه فِي الْحلق والمريء كَمَا سَيَأْتِي إِن لم يكن من الصَّيْد وَإِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 كَانَ صيدا فَجَمِيع أَجْزَائِهِ مذبح مَا دَامَ متوحشا فَإِن أنس أَو ظفر بِهِ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة تعين الذّبْح وَلَو توحشت إنسية وَلم يُمكن ردهَا فَهُوَ كالصيد يذبح فِي كل مَوضِع وَكَذَا لَو تنكس بعير فِي بِئْر وَخيف هَلَاكه فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو طعنت فِي خاصرته لحلت لَك فَقَالَ المراوزة خصص الخاصرة ليَكُون الْجرْح مذففا فَلَا يجوز جرح آخر وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى الْمَوْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وَمِنْهُم من قَالَ تَكْفِي كل جِرَاحَة تُفْضِي إِلَى الْمَوْت أما إِذا شَردت شَاة أَو بعير فَمثل هَذَا مصيره إِلَى الزَّوَال فَإِن أمكن رده بالإستعانة وَجب وَإِن أفلت وعسر ذَلِك فِي الْحَال فَالظَّاهِر أَنه يصبر إِلَى الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يُرِيد ذبحه فِي الْحَال فَلهُ أَن يَرْمِي كَمَا يَرْمِي الصَّيْد ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ اتِّبَاعه يُفْضِي بِهِ إِلَى مسبعَة أَو مهلكة فَهُوَ كالصيد يَرْمِي بِسَهْم وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى مَوضِع لصوص وغصاب فَوَجْهَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 فروع الأول إِذا جرح الصَّيْد بِسَهْم ثمَّ أدْركهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَجب ذبحه فِي المذبح فَإِن صَبر حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حرَام وَعَلِيهِ أَن يعدو فِي طلبه كعادة الصياد وَفِيه وَجه أَنه يَكْتَفِي بمشي كمشي السَّاعِي إِلَى الْجُمُعَة أما الْوُقُوف فَلَا رخصَة فِيهِ فَلَو أدْرك وَلَيْسَ مَعَه مدية أَو تشبث بالغمد أَو سقط مِنْهُ أَو ضَاعَ أَو سرق فَلَيْسَ مَعْذُورًا فِي شَيْء من ذَلِك وَلَو غصبه إِنْسَان فَوَجْهَانِ وَالظَّاهِر أَنه حرَام فَكَأَن الشَّرْط أَن يَمُوت بجراحته قبل أَن يُدْرِكهُ وَهُوَ غير مقصر وَلَو ابتدر وَقطع بعض الْحُلْقُوم فَمَاتَ فَهُوَ حَلَال لعدم التَّقْصِير وَذبح الثَّعْلَب فِي أُذُنه لأجل الْجلد حرَام وَلَا يُفِيد الْحل الثَّانِي لَو قد صيدا نِصْفَيْنِ فالنصفان حَلَال وَلَو أبان عضوا والجراحة مذففة حل الْعُضْو أَيْضا فَإِن لم تكن مذففة وَذبح الْحَيَوَان فِي المذبح أَو حرج جرحا مذففا فالعضو حرَام لَان مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَإِن مَاتَ من تِلْكَ الْجراحَة فَفِي ذَلِك الْعُضْو وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 وَإِن جرحه بعد الأولى جِرَاحَة أُخْرَى غير مذففة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ الرُّكْن الثَّالِث آلَة الصَّيْد وَالذّبْح وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام جوارح الْحَيَوَان وجوارح الأسلحة والمثقلات أما جوارح الْحَيَوَان فَتحل فريسة الْكَلْب الْمعلم بِنَصّ الْكتاب أَعنِي مَا مَاتَ بعضه وجراحته وَإِنَّمَا يصير معلما بِثَلَاثَة أُمُور أَن يسترسل بإرساله وينزجر بزجره وَيمْتَنع من الْأكل خوفًا من صَاحبه وَلَا بُد أَن تَتَكَرَّر هَذِه الْأُمُور حَتَّى يتَبَيَّن أَنه تأدب بِهِ وَلَيْسَ بوفاق فالرجوع فِيهِ إِلَى الْعَادة وَإِنَّمَا يشْتَرط الإنزجار بزجره فِي ابْتِدَاء انطلاقه أما إِذا احتد فِي آخر الْأَمر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يشْتَرط لِأَن ذَلِك مَا لَا يطاوع الْكَلْب عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَن ذَلِك أَيْضا يعسر فِي الإبتداء مَعَ جوع الْكَلْب وَلَكِن بِهِ يصير مؤدبا أما إِذا ترك الْأكل ثمَّ أكل مرّة نَادرا فَفِي تِلْكَ الفريسة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدي بن حَاتِم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 رَضِي الله عَنهُ إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم فَكل وَإِن أكل فَلَا تَأْكُل وَلِأَنَّهُ أَخذ لنَفسِهِ لما أكل لَا لصَاحبه وَالثَّانِي أَنه يحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 كل وَإِن أكل وَلِأَن هَذَا يحمل على جرْأَة وفرط جوع وَلَا يخرج عَن كَونه معلما التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحرم فريسته فَلَا يَنْعَطِف التَّحْرِيم على مَا سبق من فرائسه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو أكل مرَارًا وواظب عَلَيْهِ فَيقطع بِأَنَّهُ تحرم فرائسه إِذْ خرج عَن كَونه معلما وَفِي انعطاف التَّحْرِيم على مَا سبق من الفريسة الَّتِي أكل مِنْهَا أَولا وَجْهَان أما مَا لم يَأْكُل مِنْهَا فَلَا تحرم وَلَا خلاف فِي أَنه لَو انكف فِي أول التَّعْلِيم لم تحل فريسته فَلَو واظب عَلَيْهِ لم يَنْعَطِف الْحل على مَا سبق أما إِذا اقْتصر على لعق الدَّم فَلَا يُؤثر ذَلِك وَفِيه وَجه أَنه كَالْأَكْلِ أما فريسة الفهد والنمر فَحَرَام لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّم وَلَا يطاوع فِي ترك الْأكل والإنزجار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 بالزجر فَإِن تصور ذَلِك على ندور فَهُوَ كَالْكَلْبِ وَأما الْبَازِي فَهَل يشْتَرط فِي تعلمه الإنكفاف عَن الْأكل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط وَإِن كَانَ لَا يتَعَلَّم إِذْ لَا يحْتَمل الضَّرْب فَهُوَ كالفهد وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّم وجنس الطُّيُور من الصَّيْد لَا بُد لَهَا من جارحة وَهِي من الْجَوَارِح لَا تكف عَن الْأكل بِخِلَاف الفهد فَإِن فِي الْكَلْب غنية عَنهُ فرع إِذا مَاتَ بعض الْكَلْب فَفِي مَوضِع عضه ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه ينجس فَيغسل سبعا ويعفر وَالثَّانِي أَنه يقور الْموضع إِذا تشرب اللَّحْم لعابه وَكَذَا كل لحم عض عَلَيْهِ الْكَلْب وَالثَّالِث أَنه يُعْفَى عَنهُ لِأَن الْأَوَّلين لم ينْقل عَنْهُم ذَلِك وَقَالَ الْقفال لَو أصَاب سنّ الْكَلْب عرقا نضاخا بِالدَّمِ سرت النَّجَاسَة إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ وَهَذَا غلط لِأَن تَكْلِيف الْكَلْب الحذر من الْعُرُوق محَال وَلِأَن ذَلِك كَالْعَيْنِ الفوارة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 بِالْمَاءِ فَلَا ينجس أَسْفَلهَا بِنَجَاسَة أَعْلَاهَا النَّوْع الثَّانِي من الْآلَات جوارح الأسلحة وجرح الصَّيْد بِالسَّيْفِ والسهم وكل حَدِيد مُفِيد للْحلّ ويلتحق بالحديد كل شَيْء يجرح من قصب وخشب سوى السن وَالظفر فَإِنَّهُ لَا يحل الذّبْح بِهِ مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا لنهي ورد فِيهِ وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بالمنفصل النَّوْع الثَّالِث مَا يصدم بثقله أَو بخنق وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحل فَلَو انخنق الصَّيْد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 بالأحبولة أَو بصدمة الْوُقُوع فِيهَا أَو الْبِئْر المحفورة للصَّيْد أَو ضرب الطير ببندقة فَكل ذَلِك حرَام إِذْ لَا بُد من جارح وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي الْكَلْب إِذا تغشى الصَّيْد فَمَاتَ تَحْتَهُ غما فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه محرم لِأَنَّهُ منخنق وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يكثر من الْكَلْب وتكليفه العض غير مُمكن فرعان الأول لَو أصَاب الطير الضَّعِيف عرض السهْم وجرحه طرف النصل فَمَاتَ بالجراحة والصدمة فَهُوَ حرَام وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ ببندقة وَسَهْم أَصَابَهُ من راميين فَإِن تردد فِي أَن الْمَوْت بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فالمغلب التَّحْرِيم أما إِذا أَصَابَهُ النصل فَلَا يَخْلُو النصل عَن ثقل وتحامل فَذَلِك لَا يمْنَع الْحل الثَّانِي لَو جرح طائرا فانصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حَلَال لِأَن الإحتراز من ذَلِك للطيور غير مُمكن وَلَو وَقع فِي المَاء أَو تدهور من جبل فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَهُوَ حرَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 لِأَن ذَلِك نَادِر وَإِن وَقع الصَّيْد فِي الْجبَال والبحار فَذَلِك لَا ينْدر فَلَا يبعد تَحْلِيله وَلَكِن قد قَالُوا لَو وَقع من غُصْن إِلَى غُصْن كَذَلِك حَتَّى مَاتَ من الْجراحَة فَهُوَ حرَام لندوره فَيظْهر أَيْضا تَحْرِيمه فِي الْجبَال أما إِذا انْكَسَرَ جنَاحه وَلم ينجرح ثمَّ انصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حرَام إِذْ لم تسبق الْجراحَة الرُّكْن الرَّابِع نفس الذّبْح والإصطياد وَكَيْفِيَّة الذّبْح مَذْكُور فِي الضَّحَايَا وَنَذْكُر الْآن الإصطياد أَعنِي الْإِصَابَة بِآلَة الصَّيْد وَهُوَ كل جرح مَقْصُود حصل الْمَوْت بِهِ أما الْجرْح فَلَا يخفى حَده وَأما الْقَصْد فَلهُ ثَلَاثَة متعلقات الأول أصل الْفِعْل وَلَا بُد مِنْهُ فَلَو سقط السَّيْف من يَده وانجرح بِهِ صيد أَو نصب فِي الأحبولة منجلا فانعقر بِهِ الصَّيْد أَو نصب فِي أَسْفَل الْبِئْر سكينا فانجرح بِهِ أَو كَانَ فِي يَده سكين فاحتكت الشَّاة بِهِ فَالْكل حرَام إِذْ لم يحصل بِفِعْلِهِ بل بِفعل الْحَيَوَان وَلَو كَانَ يُحَرك الْيَد والبهيمة أَيْضا تتحرك حَرَكَة مُؤثرَة غلب التَّحْرِيم وَلذَلِك تضبط الشَّاة حَتَّى لَا تتحرك إِلَّا حَرَكَة يسيرَة لَا تُؤثر وَكَذَلِكَ الْكَلْب إِذا استرسل بِنَفسِهِ لم تحل فريسته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير مُضَافا إِلَيْهِ كالآلة باسترساله بإشارته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 فروع الأول لَو استرسل بِنَفسِهِ فأغراه فازداد عدوا فَفِي الْحل وَجْهَان فَلَو زَجره فَلم ينزجر فأغراه فازداد عدوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الْإِرْسَال من مُسلم والإغراء من مَجُوسِيّ أَو الْعَكْس لَكِن يظْهر أَثَره فِي الْملك ومأخذ الْكل أَن الإفتراس يُحَال على فعله أَو على اغراء المغري وَعَلِيهِ يخرج مَا لَو أغرى أَجْنَبِي كَلْبا استرسل بِإِشَارَة مَالِكه فَإِن أحلناه على الإغراء فقد اصطاد بكلب مَغْصُوب وَفِيه وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 أظهرهمَا أَن الصَّيْد للْغَاصِب وَالْكَلب الْمَغْصُوب كالسكين الْمَغْصُوب وَالثَّانِي أَنه يتبع الْكَلْب لَكِن فِي صُورَة الإغراء يظْهر كَونه للْمَالِك وَيحْتَمل الإحالة عَلَيْهِمَا حَتَّى يكون مُشْتَركا هَاهُنَا وَعند إغراء الْمَجُوسِيّ يحرم الثَّانِي إِذا رمى سَهْما وَكَانَ يقصر عَن الصَّيْد فساعدت ريح من وَرَائه وَأصَاب حل وَلَو انصدم بجدار فَارْتَد إِلَى الصَّيْد وجرح فَوَجْهَانِ لِأَن فعله انْتهى لمصادمة الْجِدَار من وَجه وَأما حركات الذّبْح فَلَا تدخل تَحت الضَّبْط فَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا الثَّالِث لَو نزع الْقوس ليرمي فَانْقَطع الْوتر وارتمى السهْم فَأصَاب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يحل لِأَنَّهُ حصل بِفِعْلِهِ هُوَ وعَلى وفْق شَهْوَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يكن على وفْق قَصده الْمُتَعَلّق الثَّانِي أَن يقْصد جنس الْحَيَوَان فَلَو رمى سَهْما فِي خلْوَة وَهُوَ لَا يقْصد صيدا فَاعْترضَ صيد وَأصَاب حرم وَكَذَا لَو كَانَ يجيل سَيْفه فَأصَاب حلق شَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 أما نِيَّة الذّبْح فَلَا تشْتَرط بعد تعلق الْقَصْد بِالْعينِ بَيَانه أَنه لَو رمى إِلَى شَيْء ظَنّه حجرا فَإِذا هُوَ صيد فَهُوَ حَلَال وَلَو قطع فِي الظلمَة شَيْئا لينًا قصدا فَإِذا هُوَ حلق شَاة فحلال مَا لم يعْتَقد أَنه حلق آدَمِيّ أَو فعل حرَام فَإِن ظن ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه حَلَال وَلَا يعْتَبر ظَنّه وَمِنْهُم من قَالَ يحرم إِذا اعْتقد ذَلِك وينقدح ذَلِك فِي ظَنّه آدَمِيًّا أَو مَا يحرم ذبحه أما لَو ظَنّه خنزيرا فَيَنْبَغِي أَن يحل قطعا لِأَنَّهُ لم يظنّ تَحْرِيم الذّبْح بل تَحْرِيم اللَّحْم الْمُتَعَلّق الثَّالِث عين الْحَيَوَان فَلَو رمى بِاللَّيْلِ إِلَى حَيْثُ لَا يرَاهُ لَكِن يَقُول رُبمَا يُصِيب صيدا فاتفق أَن أصَاب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّحْرِيم لِأَن تعلق الْقَصْد بالذبيح مَعَ عدم الْإِدْرَاك محَال وَالثَّانِي يحل لِأَنَّهُ قصد الذّبْح وَالثَّالِث أَنه إِن رمى حَيْثُ يغلب وجود الصَّيْد حل وَإِن اتّفق نَادرا فَهُوَ عَبث فَلَا يحل وعَلى هَذَا يخرج رمي الْأَعْمَى واصطياده بالكلب أما إِذا قصد سربا من الظباء وَرمى فَأصَاب وَاحِدًا حل وَإِن لم يقْصد عينه فَإِنَّهُ قصد الْجِنْس وَإِن لم يقْصد الْعين أما الْقصاص فِي مثل هَذِه الصُّورَة فقد يسْقط على رَأْي للشُّبْهَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 وَلَو عين ظَبْيَة من السرب فَمَال السهْم إِلَى غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يُصِيب ظَبْيَة من غير هَذَا السرب أَو من هَذَا السرب وَلَو قصد حجرا فَأصَاب ظَبْيَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَلَو ظن أَن الْحجر ظَبْيَة فَمَال السهْم إِلَى ظَبْيَة فالجواز أولى وَلَو قصد خنزيرا فَمَال إِلَى ظَبْيَة فَوَجْهَانِ وَأولى بِالتَّحْرِيمِ هَذَا بَيَان الْقَصْد أما قَوْلنَا حصل الْمَوْت بِهِ أردنَا بِهِ أَنه لَو أصَاب فَمَاتَ الصَّيْد بصدمة أَو افتراس سبع لم يحل وَكَذَلِكَ لَو غَابَ عَن بَصَره فأدركه مَيتا وَعَلِيهِ أثر صدمة أَو جِرَاحَة أُخْرَى حرم وَإِن لم يظْهر أثر آخر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحل فَإِنَّهُ لَا يدْرِي إِذْ لم يمت بَين يَدَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يحل حِوَالَة على السَّبَب الظَّاهِر وَلذَلِك توجب غرَّة الْجَنِين وَالْقصاص بِالْجرْحِ وَإِن أمكن الْمَوْت فَجْأَة بِسَبَب آخر أما التَّسْمِيَة فَلَيْسَتْ شرطا عندنَا للذبح والإصطياد وَلَكِن تسْتَحب عِنْد الذّبْح وَعند الرَّمْي وَعند إرْسَال الْكَلْب فَلَو سمى عِنْد عض الْكَلْب فَفِي تأدي الإستحباب بِهِ خلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 النّظر الثَّانِي من الْكتاب فِي أَسبَاب الْملك وَفِيه فصلان الأول فِي السَّبَب وَهُوَ إبِْطَال مَنْعَة الصَّيْد بِإِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ أَو رده إِلَى مضيق لَا يتَخَلَّص أَو إزمانه أَو قصّ جنَاحه أما إِذا اضطره إِلَى مضيق لَهُ مخلص فَأَخذه غَيره فَهُوَ للآخذ ثمَّ الْأَسْبَاب الَّتِي تقيد الْملك تَنْقَسِم فِيمَا يعْتَاد ذَلِك بِهِ كالشبكة فَيَكْفِي وُقُوع الصَّيْد فِيهِ لحُصُول الْملك أما مَا لَا يعْتَاد كَمَا لَو تحل الصَّيْد فِي زرع سقَاهُ لَا للصَّيْد أَو دخل دَاره أَو عشش الطَّائِر فِي دَاره فَالْمَذْهَب أَن الْملك لَا يحصل بِمُجَرَّدِهِ وَإِن كَانَت تَحت قدرته لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ نعم هُوَ أولى بِهِ لَكِن لَو أَخذه غَيره كَانَ كَمَا لَو أَحْيَا أَرضًا يحجرها غَيره وَهَاهُنَا أولى بِحُصُول الْملك لِأَن التحجر مُقَدّمَة الْإِحْيَاء فَهُوَ قصد مَا وَبِنَاء الدَّار لَيْسَ بِقصد للصَّيْد وَلَو قصد بِبِنَاء الدَّار تعشيش الطَّائِر فَهَل يملكهُ فِيهِ وَجْهَان لِأَن هَذَا سَبَب غير مُعْتَاد وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَنه يملك بِدُخُول ملكه وَإِن لم يقْصد وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ إِن قُلْنَا لم يملك فَلَو أغلق الْبَاب قصدا ملك وَإِن كَانَ عَن وفَاق فَلَا وَلَو انْسَلَّ عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 يَده شبكة فتعقل بهَا صيد فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو دخلت سَمَكَة بركَة إِنْسَان فَإِن سد المنافذ وَهُوَ ضيق ملك وَإِن كَانَ وَاسِعًا لم يملك وَنزل منزلَة التحجر هَذَا هُوَ سَبَب الْملك أما زَوَاله فَلَا يَزُول الْملك بانفلات الصَّيْد عَن يَده أَو عَن شبكته وَلَا بِإِطْلَاقِهِ إِيَّاه وَلَو قصد تحريره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ملكه قَائِم كَمَا لَو أعتق حِمَاره وَالثَّانِي أَنه يَزُول لِأَن للصَّيْد مَنْعَة واستقلالا وَلَو أعرض عَن كسرة خبز فاخذها غَيره فَهَل يملك فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يملك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 وَلَو أعرض عَن إهَاب ميتَة فدبغها إِنْسَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يملك لِأَن الْملك كالمستحدث بالدباغ فرع إِذا اخْتَلَط حمام برج مَمْلُوك بحمام برج آخر وعسر التَّمْيِيز فَلَيْسَ لكل وَاحِد بيع شَيْء مِنْهُ إِلَّا أَن يَبِيع من صَاحبه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه جَوَازه مَعَ عسر التَّعْيِين الْحَاجة وَلَو توافقا على بيع الْكل أَو الْبَعْض من ثَالِث وَكَانَا يعلمَانِ الْعدَد أَو الْقيمَة حَتَّى يوزع عَلَيْهِ جَازَ وَإِن جهل ذَلِك لم يجز إِذْ لَا يدْرِي حِصَّة كل وَاحِد والصفقة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع وَإِن تصالحا على شَيْء صَحَّ البيع وَاحْتمل الْجَهْل بِقدر الْمَبِيع أما إِذا اخْتَلَط حمامات مَمْلُوكَة بحمام بَلْدَة مَا فَلَا يحرم الصَّيْد إِذا كَانَ الْمُبَاح غير مَحْصُور وَإِن اخْتَلَط بمباح مَحْصُور حرم كأخت من الرَّضَاع اخْتلطت بنسوة وَإِن اخْتَلَط حمامات بَلْدَة لَا تحصى بحمام بَلْدَة لَا تحصى فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نِسْبَة مَا لَا يُحْصى إِلَّا مَا لَا يُحْصى كنسبة المحصى إِلَى المحصى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 الْفَصْل الثَّانِي فِي الإزدحام على الصَّيْد وَله أَحْوَال إِحْدَاهَا فِي التَّعَاقُب فِي الْإِصَابَة فَإِذا رميا صيدا فَأصَاب وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر جارح فالصيد للمزمن فَإِن سبقته الْجراحَة فَلَا شَيْء على الْجَارِح وَإِن لحقت فقد جرحت صيد الْغَيْر فَعَلَيهِ أرش النُّقْصَان إِن لم يذفف وَإِن ذففه وَكَانَ فِي الصَّيْد حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلم يصب التذفيف المذبح فَهِيَ ميتَة وَعَلِيهِ قِيمَته لانه ذبح فِي حَيَوَان مَقْدُور عَلَيْهِ فِي غير المذبح وَإِن أصَاب المذبح حل وَهَاهُنَا أدنى نظر إِذْ من رمى شَاة فَأصَاب حلقه فَفِي حُصُول الْحل احْتِمَال لَا سِيمَا إِذا لم يقْصد المذبح لَكِن أَصَابَهُ وَلَعَلَّ الْأَظْهر حلّه أما إِذا لم يكن الْجرْح الثَّانِي مذففا وَوَقع على غير المنحر وَترك الصَّيْد حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفِي الْقدر الْوَاجِب من الضَّمَان على الثَّانِي نظر يَنْبَنِي على مَسْأَلَة وَهُوَ أَنه لَو جرح عبدا أَو بَهِيمَة قِيمَته عشرَة جِرَاحَة أَرْشهَا دِينَار فجرح آخر بعده مَا أَرْشه أَيْضا دِينَار وَمَات من الجرحين فَفِيمَا يجب عَلَيْهِمَا خَمْسَة أوجه لَا يَنْفَكّ وَجه عَن إِشْكَال الأول أَنه يجب على الأول خَمْسَة لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جِنَايَته عشرَة وعَلى الثَّانِي أَرْبَعَة وَنصف لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جراحته تِسْعَة وَهَذَا بَاطِل قطعا لِأَن فِيهِ تَضْييع نصف دِينَار على الْمَالِك إِذْ كَانَ قيمَة العَبْد عشرَة وَقد فَاتَ بجنايتهما وَالثَّانِي أَنه يجب على كل وَاحِد خَمْسَة وَهَذَا أَيْضا بَاطِل لِأَن التَّسْوِيَة بَين الثَّانِي وَالْأول محَال وَكَانَ وَقت جِنَايَة الثَّانِي قِيمَته تِسْعَة فَكيف يغرم أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَن على الأول خَمْسَة من حَيْثُ هُوَ شريك وَعَلِيهِ أَيْضا نصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جِنَايَته لِأَنَّهُ حصل مِنْهُ نصف الْقَتْل فَلَا ينْدَرج تَحْتَهُ إِلَّا نصف الْأَرْش وَيبقى النّصْف الآخر وعَلى الثَّانِي خَمْسَة وَنصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جراحته وَأَرْبَعَة وَنصف هُوَ نصف قيمَة العَبْد عِنْد جِنَايَته وَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا إِلَّا زِيَادَة على الْعشْرَة وَذَلِكَ لَا يبعد إِذْ لَو قطع يَدي عبد وَقَتله غَيره كَانَ مَا يجب عَلَيْهِمَا أَكثر من الْقيمَة وَهَذَا فَاسد لما فِيهِ من الزِّيَادَة وَلِأَن الْأَرْش لَا يعْتَبر عِنْد سرَايَة الْجِنَايَة أصلا سَوَاء كَانَ الْجرْح مَعَ شريك أَو لم يكن الرَّابِع قَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة مَا ذكره الْقفال صَالح لِأَن نجعله أصلا للْقِسْمَة حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة فتتبسط الْأَجْزَاء آحادا فَيكون الْمَجْمُوع أحدا وَعشْرين جُزْءا فتبسط الْعشْرَة عَلَيْهَا فَيجب على الأول أحد عشر جُزْءا من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وعَلى الثَّانِي عشرَة أَجزَاء من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ بِنَاء على تَمْيِيز الْأَرْش واعتباره مَعَ سرَايَة الْجِنَايَة الْخَامِس وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام وَصَاحب التَّقْرِيب أَن الثَّانِي لَا يلْزمه أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف أما الأول فَعَلَيهِ خَمْسَة وَنصف لإتمام الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ تسبب إِلَى الْفَوات لَوْلَا الثَّانِي فَمَا لَا يُمكن تَقْرِيره على الثَّانِي يبْقى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضا لَا يَخْلُو عَن محَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 وَلكنه أقرب أما الزِّيَادَة على الْعشْرَة أَو النُّقْصَان مِنْهَا أَو التَّسْوِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ فَظَاهر الْبطلَان الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو صدر إِحْدَى الجراحتين من السَّيِّد جرت الْوُجُوه لَكِن مَا يُقَابل جِنَايَة السَّيِّد فَهُوَ مهدر وَالْبَاقِي يجب رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَة الصَّيْد مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالسيد وَالْأَجْنَبِيّ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ يجب الْجَمِيع على الثَّانِي لِأَن فعل الْمَالِك فِي الصَّيْد لَيْسَ إفسادا بل هُوَ سَبَب حل وَقد صَار إفسادا بِجِنَايَة الثَّانِي وَأما فعل السَّيِّد فإفساد وَالصَّحِيح هُوَ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن قدر الْمَالِك على مبادرة الذّبْح فَلم يفعل حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفعله إِفْسَاد فَهُوَ كالسيد وَإِن لم يقدر فَفعله مخل فعلى الثَّانِي تَمام قيمَة الصَّيْد المزمن فَلَو كَانَ غير مزمن يسوى عشرَة ومزمنا تِسْعَة قَالَ الْأَصْحَاب يجب تِسْعَة واستدرك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ لَو كَانَ مذبوحا يسوى ثَمَانِيَة فَيلْزمهُ الثَّمَانِية وَلَكِن الدِّرْهَم الَّذِي نقص بِالذبْحِ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِيهِ شركَة الْمَالِك فَإِن فعل الْمَالِك إِن لم يعْتَبر فِي الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ شريك فِي الذّبْح وَهُوَ استدارك حسن الْحَالة الثَّانِيَة أَن يصيبا مَعًا فالصيد بَينهمَا إِن تَسَاويا فِي التذفيف والإزمان أَو عَدمه وَإِن كَانَ أَحدهمَا لَو انْفَرد لأزمن وَالثَّانِي لم يزمن قَالَ الصيدلاني فالصيد لمن يزمن وَلَا ضَمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ لم تتأخر الْجراحَة عَن الْملك وَلَو كَانَ أَحدهمَا مذففا وَالْآخر مزمنا فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ مذففين أَو مزمنين فَهُوَ لَهما إِذْ لكل وَاحِد عِلّة مُسْتَقلَّة بالتملك وَإِن احْتمل أَن يكون الإزمان بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فَإِن كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا فالصيد بَينهمَا وَلَكِن لَا بُد أَن يسْتَحل أَحدهمَا الآخر تباعدا عَن الشُّبْهَة وَلَو علمنَا أَن أَحدهمَا مذفف وشككنا فِي الآخر قَالَ الْقفال هُوَ بَينهمَا وَزَاد فَقَالَ فِي مثل هَذِه الصُّورَة يجب الْقصاص على الجارحين وَهَذَا فِي الْقصاص بعيد مَعَ الشُّبْهَة وَالْحق هَاهُنَا أَن النّصْف للمذفف يَقِينا وَالنّصف الآخر مَوْقُوف بَينهمَا فَإِن أيسنا عَن التَّبْيِين فَالْوَجْه قسْمَة النّصْف الآخر حَتَّى يفوز المذفف بِثَلَاثَة أَربَاع الصَّيْد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 الْحَالة الثَّالِثَة علمنَا تعاقب الجرحين وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر مذفف وَلَا نَدْرِي سبق الإزمان فَحرم بالتذفيف بعده أَو هُوَ أَو بِالْعَكْسِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْقطع بِالتَّحْرِيمِ تَغْلِيبًا للحظر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 وَالثَّانِي طرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَة الإنماء وَالأَصَح الأول أما فِي مَسْأَلَة الإنماء فَلم نشاهد إِلَى السَّبَب الْمُحَلّل وَالْآخر موهوم وَأما هَاهُنَا فَلَيْسَ كَذَلِك الْحَالة الرَّابِعَة ترَتّب الجرحان وَحصل الإزمان بهما قَالَ الصيدلاني الصَّيْد بَينهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَقَالَ غَيره هُوَ للثَّانِي إِذْ حصل الإزمان عَقِيبه وَالْأول ساع لقاعد فعلى هَذَا لَو عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فجرحه الأول مهدر وجرحه الثَّانِي مضمن وَقد فسد الصَّيْد بالجراحات الثَّلَاث كلهَا فَفِي قدر الْوَاجِب طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يجب قيمَة الصَّيْد وَبِه الْجراحَة الأولى فَإِنَّهُ هدر والجراحة الثَّانِيَة فَإِنَّهَا من الْمَالِك وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَمَا لَو جرح عبدا مُرْتَدا فَأسلم فجرحه سَيّده ثمَّ عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فَفِيمَا يلْزمه وَجْهَان أَحدهمَا ثلث الدِّيَة توزيعا على حَالَة الإهدار والعصمة ثمَّ قسْمَة حِصَّة الْعِصْمَة على الجراحتين وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي الْقصاص فَكَذَلِك هَاهُنَا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 = كتاب الضَّحَايَا= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 الضَّحَايَا من الشعائر وَالسّنَن الْمُؤَكّدَة فالضحية بِذبح شَيْء من النعم يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عظموا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا على الصِّرَاط مَطَايَاكُمْ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب على كل مُقيم ملك نِصَابا وَعِنْدنَا لَا تلْزم إِلَّا بِالنذرِ أَو بِأَن يَقُول جعلت هَذِه الشَّاة أضْحِية وَلَو اشْتَرَاهَا بنية الضحية لم تلْزمهُ بِمُجَرَّد النِّيَّة ثمَّ من عزم على التَّضْحِيَة يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يحلق وَلَا يقلم فِي عشر ذِي الْحجَّة لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 للتشبيه بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع من الطّيب لَكِن على أكمل أَجْزَائِهِ إِذْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أكبر ضحيتك يعْتق الله بِكُل جُزْء مِنْهَا جُزْءا مِنْك من النَّار وَالنَّظَر فِي أَرْكَان التَّضْحِيَة وأحكامها والأركان أَرْبَعَة الذَّبِيح والذابح وَالذّبْح وَالْوَقْت الرُّكْن الأول الذَّبِيح النّظر فِي جنسه وَصفته وَقدره أما الْجِنْس فَلَا يجزىء إِلَّا النعم وَهُوَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَأما السن فَهُوَ الْجَذعَة من الضَّأْن وَهِي الَّتِي استكملت سنة وطعنت فِي الثَّانِيَة والثنية من الْمعز وَالْبَقر وَهِي الَّتِي طعنت فِي الثَّالِثَة والثني من الْإِبِل وَهِي الَّتِي فِي السَّادِسَة وَهَذِه الْأَسْنَان فِيهَا بُلُوغ هَذِه الْحَيَوَانَات فَإِنَّهَا لَا تحمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 وَلَا تنزو قبلهَا وَقد ورد الْخَبَر بهَا وَيَسْتَوِي الذّكر وَالْأُنْثَى بالِاتِّفَاقِ وَأما الصِّفَات فَلَا يجزىء النَّاقِص وَالنُّقْصَان يَنْقَسِم إِلَى نُقْصَان صفة وَإِلَى نُقْصَان جُزْء أما نُقْصَان الصّفة فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَربع لَا تجزىء العوراء الْبَين عورها والعرجاء الْبَين عرجها والمريضة الْبَين مَرضهَا والعجفاء الَّتِي لَا تنقي أَي لَا نقي لَهَا وَهُوَ المخ وَنهي عَن الثولاء وَهِي الْمَجْنُونَة الَّتِي تستدير فِي المرعى وَلَا ترعى فَلَا بُد من بَيَان هَذِه الصِّفَات أما الْمَرَض إِذا لم يفض بعد إِلَى الهزال لكنه فِي الإبتداء فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَفِيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 وَجه أَنه إِنَّمَا يُؤثر إِذا ظهر بهَا الهزال والجرباء إِن كثر جربها وَفَسَد اللَّحْم فَيمْنَع ومبادئه لَا يُؤثر وَأما العرج فأدنى درجاته مَا يمْنَع من كَثْرَة التَّرَدُّد فِي المرعى وَمَا دون ذَلِك لَا يمْنَع وَلَو انْكَسَرَ رجلهَا وَقد أضجعت للتضحية باضطرابها فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجزىء للْحَدِيث وَالثَّانِي تجزىء لِأَن مَا يكون من مُقَدمَات الذّبْح لَا يعْتَبر وَأما العور فَلَا يقْدَح مَا دَامَت ترى بالعينين وَإِن كَانَ عَلَيْهَا سَواد فَإِن زَالَت الرُّؤْيَة بالفقء فَلَا تجزىء وَإِن كَانَ مَعَ بَقَاء الحدقة فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَقَالَ أَبُو الطييب بن سَلمَة فَإِنَّهُ لَا يُؤثر فِي الهزال وَلَا فِي ظَاهر الصُّورَة وَيلْزمهُ العمياء أَيْضا إِلَّا أَن الْعَمى يُؤثر فِي الهزال عى قرب بِخِلَاف العوراء وَأما الْعَجْفَاء فَهِيَ الَّتِي يأباها المترفهون فِي حَالَة رخاء الأسعار ولركاكة لَحمهَا وَقيل لَا يُؤثر ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 وَأما الثولاء فَإِنَّهَا لَا تجزىء لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الهزال على قرب وللتعبد أَيْضا وَأما الْأُنْثَى والفحل وَإِن كثرت وِلَادَتهَا ونزوانها فتجزىء إِلَّا أَن يتفاحش الهزال بِهِ وَلَا يمْنَع مِنْهُ كَون لَحْمه مستكرها وَأما الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة فقد نهى عَنْهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أمرنَا باستشراف الْعين وَالْأُذن أَي يَتَأَمَّلهَا وَطلب سلامتها والخرقاء هِيَ المخروقة الْأذن والشرقاء هِيَ المشقوقة الْأذن والمقابلة هِيَ الَّتِي قطعت فلقَة من أذنها فتدلت من قبالة أذنها والمدابرة مَا تدلت من دبر أذنها وَفِي جملَة ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا الْجَوَاز للْقِيَاس وَالثَّانِي الْمَنْع لنهي عَليّ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 وَمِنْهُم من قَالَ جَمِيع ذَلِك يجزىء إِلَّا إِذا قطع مُعظم الْأذن أَو الْقدر الَّذِي يظْهر على بعد فَذَلِك نُقْصَان فِي عُضْو يقْصد أكله وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المصلومة والمستأصلة وَإِن قطع قدر يسير من الْأذن فَوَجْهَانِ وَقدر أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِثلث الْأذن وَقدر أَبُو يُوسُف رَحمَه الله بِالنِّصْفِ وَللشَّافِعِيّ رضوَان الله عَلَيْهِ اخْتِلَاف نَص فِي الَّتِي لَا أذن لَهَا فَقيل إِن كَانَ صَغِيرا فِي الْخلقَة جَازَ وَإِن كَانَت سكاء فَلَا فَأَما نُقْصَان الْأَجْزَاء فلهَا صور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 الأولى مَا يقتطعه الذِّئْب من فَخذ الشَّاة فَيمْنَع الْإِجْزَاء لِأَنَّهُ عُضْو أُصَلِّي وَلَو اقتلع أليته فَوَجْهَانِ وَلَو لم تكن لَهَا ألية فِي الْخلقَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْجَوَاز أَن الْمعز لَا ألية لَهُ ويجزىء وَلَكِن قد يُجَاب بِأَن كَثْرَة شحمه بدل عَنهُ الثَّانِيَة الصَّغِيرَة الضَّرع تجزىء وَفِي المقطوعة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالألية وَالْآخر أَنه تجزىء لِأَنَّهُ لَيْسَ من الأطايب الْمَقْصُودَة فَهُوَ كالخصاء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الْإِجْزَاء قطعا الثَّالِثَة نُقْصَان الْقرن وانكساره لَا يُؤثر وَكَذَا تناثر الْأَسْنَان إِذْ لَا يُؤثر فِي اللَّحْم وَلم يرد فَهِيَ حَدِيث بِخِلَاف الْأذن وَقيل إِن تناثر جَمِيع الْأَسْنَان لَا يجزىء وَإِن تناثر بعضه أَجْزَأَ وَهُوَ بعيد وَأما الْقدر فالشاة لَا تجزىء إِلَّا عَن وَاحِد وَلَو اشْترك اثْنَان فِي شَاة لم يجز نعم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ضحى هَذَا عَن مُحَمَّد وَأمة مُحَمَّد وَهَذَا اشْتِرَاك فِي الثَّوَاب وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 جَائِز وَلَو اشْتَركَا فِي شَاتين مشاعين مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ والبدنة تجزىء عَن سَبْعَة وَكَذَا الْبَقَرَة وَلَو وَجب عَلَيْهِ سبع شِيَاه بأساب مُخْتَلفَة أَجزَأَهُ بَدَنَة أَو بقرة إِلَّا أَن يكون من جَزَاء الصَّيْد إِذْ يُرَاعى فِيهِ مشابهة الصُّورَة فَلَا يتجزىء الْبَدنَة عَن سبع ظباء وَلَا يشْتَرط فِي الإشتراك فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة أَن يَكُونُوا من أهل بَيت وَاحِد خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَلَا أَن يَكُونُوا بأجمعهم متقربين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 يطْلب اللَّحْم يقاسم إِذا قُلْنَا الْقِسْمَة إِفْرَاز وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز الْحَاجة هَذَا بَيَان الْوَاجِب أما الإستحباب فالضأن أحب من الْمعز وَسبع من الْغنم أحب من بقرة وبدنة والبدنة أحب من الْبَقَرَة والأبيض أحب من الْأسود وَفِي الْخَبَر لدم عفراء أحب عِنْد الله من دم سوداوين وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْأُنْثَى أحب من الذّكر فَقيل أَرَادَ بِهِ فِي جَزَاء الصَّيْد إِذْ يطْلب مِنْهُ الْقيمَة وَقِيمَة الْأُنْثَى أَكثر وَإِلَّا فلحم الذّكر أطيب فَهُوَ أولى وَقيل أَرَادَ الْأُنْثَى الَّتِي لم تَلد فلحمها أطيب من الذّكر وعَلى الْجُمْلَة يسْتَحبّ اسْتِحْسَان الضحية واستسمانها تَعْظِيمًا للشعائر فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب و {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} الرُّكْن الثَّانِي الْوَقْت وَلَا تجزىء الضحية إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَدِمَاء الجبرانات فِي الْحَج لَا تخْتَص بِوَقْت وَفِي منذورات دِمَاء الْحَج خلاف ثمَّ النّظر فِي أول الْوَقْت وَآخره وأوله إِذا مضى من يَوْم النَّحْر بعد طُلُوع الشَّمْس مِقْدَار مَا تَزُول كَرَاهِيَة الصَّلَاة وتسع رَكْعَتَيْنِ وخطبتين ثمَّ فِي وَجه تعْتَبر رَكْعَتَانِ يقْرَأ فيهمَا ق و الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 اقْتَرَبت وخطبتين طويلتين كَذَلِك فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وَجه تَكْفِي رَكْعَتَانِ خفيفتان وخطبتان خفيفتان لَكِن لَا يَنْتَهِي إِلَى القناعة بِأَقَلّ مَا يجزىء وَقَالَ المراوزة يعْتَبر فِي الْخطْبَة الخفة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي خفَّة الرَّكْعَتَيْنِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة عَن فقه الرجل وَقيل الْخطْبَة لَا تعْتَبر أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْن وآما آخِره فغروب الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَتَصِح التَّضْحِيَة فِي هَذِه الْأَيَّام لَيْلًا وَنَهَارًا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا تجزىء بِاللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تجزىء فِي الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 ثمَّ من فَاتَهُ فلامعنى لقضائه فَإِنَّهُ لَا بُد من الصَّبْر إِلَى الْعِيد الثَّانِي وَعند ذَلِك يَقع عَن حق الْوَقْت الرُّكْن الثَّالِث الذَّابِح وكل من حل ذَبِيحَته صَحَّ مُبَاشَرَته للتضحية لَكِن لَا يتَصَوَّر الضحية من العَبْد والمستولدة وَالْمُدبر إِذْ لَا ملك لَهُم على الصَّحِيح وَلَا تصح من الْمكَاتب بِغَيْر إِذن سَيّده وبإذنه وَجْهَان وَلَو وكل كتابيا بِذبح الضحية دون النِّيَّة جَازَ وَعَلِيهِ أَن يَنْوِي كَمَا لَو وَكله بأَدَاء الزَّكَاة جَازَ إِذا نوى هُوَ وَيسْتَحب أَن يتَوَلَّى الذّبْح بِنَفسِهِ فَإِن عجز فَيشْهد ضحيته وَيَنْوِي عِنْد الذّبْح وَلَو وكل مُسلما بِالذبْحِ وَالنِّيَّة جَازَ الرُّكْن الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الذّبْح وَالنَّظَر فِي الْوَاجِبَات وَالسّنَن وَمَا يخص الضَّحَايَا أما الْوَاجِبَات فَهُوَ التذفيف بِقطع تَمام الْحُلْقُوم والمريء بِآلَة لَيْسَ بِعظم من حَيَوَان فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 أما الْقطع فاحترزنا بِهِ عَن اختطاف رَأس العصفور ببندقة فَإِنَّهُ لَا يُبِيح وَأما الْحُلْقُوم والمريء فظاهران وبقطعهما يَنْقَطِع الودجان وَلَكِن لَو تكلّف وَلم يقطعهما جَازَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذِه أَرْبَعَة فَيَكْفِي قطع ثَلَاثَة مِنْهَا وَلَا يَكْفِي قطع اثْنَيْنِ وَأما التَّمام فاحترزنا بِهِ عَمَّا لَو بَقِي من الْحلق جلدَة يسيرَة فَانْتهى الْحَيَوَان إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح ثمَّ قطع بعده فَهُوَ حرَام وَلَو قطع من الْقَفَا وأسرع حَتَّى لم ينْتَه إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 قبل قطع المذبح فَهُوَ جَائِز وَأما التذفيف أردنَا بِهِ أَنه لَو ابْتَدَأَ الذّبْح وابتدأ غَيره نزع الحشوة مِنْهُ فَهُوَ ميتَة وَكَذَلِكَ كل جرح يقارن الذّبْح ويؤثر فِي التذفيف أما الْعظم فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ حَتَّى يحرم الصَّيْد الْمَجْرُوح بِسَهْم نصله من الْعظم وَأما الْحَيَاة المستقرة فَلَا بُد مِنْهَا وَلَو أخرجنَا شَاة من مَاء أَو تَحت هدم وَبهَا حَرَكَة الْمَذْبُوح فَلَا نُبيح ذَبحهَا فَلَو شككنا فِي أَن حَيَاتهَا كَانَت مُسْتَقِرَّة أم لَا فَالْوَجْه تَغْلِيب التَّحْرِيم فَإِن غلبت على الظَّن بعلامات اسْتِقْرَار حَيَاته حل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله من علامته أَن يَتَحَرَّك بعد الذّبْح وَقيل أَن ينفرج الدَّم وَلَيْسَت هَذِه عَلَامَات قَاطِعَة فقد تخرج حشْوَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 الْمَذْبُوح وَهُوَ يَتَحَرَّك بعد لَكِن جملَة من هَذِه العلامات مَعَ قَرَائِن أَحْوَال لَا يُمكن وصفهَا قد تحصل ظنا غَالِبا فَيُؤْخَذ بِهِ مَعَ أَن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة أما السّنَن فَيُسْتَحَب تَحْدِيد الشَّفْرَة والتحامل عَلَيْهَا بِالْقُوَّةِ وإسراع الْقطع وتوجيه الذَّبِيح نَحْو الْقبْلَة كَمَا جرت الْعَادة وَالتَّسْمِيَة وَلَا بَأْس أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله بِالرَّفْع وَلَا يجوز أَن يَقُول بِسم مُحَمَّد وَلَا أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله فَإِنَّهُ تشريك وَيسْتَحب ذبح الْبَعِير فِي اللبة فَإِن ذبحه يطول عَلَيْهِ الْعَذَاب لطول عُنُقه ثمَّ النَّحْر فِي اللبة بِقطع الْحلق والمريء أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا محرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 أما مَا يخص بالضحية فَأن يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتقبل مني وَلَا بُد من نِيَّة الضحية عِنْد الذّبْح إِلَّا أَن يكون قد عين الشَّاة للضحية من قبل فَالْمَذْهَب أَن تِلْكَ النِّيَّة تكفيه وصريح لفظ التَّعْيِين أَن يَقُول جعلت هَذِه ضحية أما لَو قَالَ لله عَليّ ضحية ثمَّ قَالَ عينت هَذِه الشَّاة لنذري فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِهَذِهِ الشَّاة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالتَّعْيِينِ وَكَذَا الْخلاف فِي نَظِيره من الْعتْق وَالْعَبْد بِالتَّعْيِينِ أولى لِأَنَّهُ ذُو حق فِيهِ وَوجه قَوْلنَا لَا يتَعَيَّن أَن الْحق قد ثَبت فِي الذِّمَّة فَلَا يتَحَوَّل عَنْهَا إِلَى الْعين إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَو قَالَ جعلت هَذِه الدَّرَاهِم صَدَقَة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو كَانَ عَلَيْهِ نذر فَقَالَ جعلت هَذِه عَن نذري لَغَا تَعْيِينه لضعف اللَّفْظ وَالْغَرَض فِي التَّعْيِين وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على هَذَا الشَّخْص فَهَذَا أولى بِالتَّعْيِينِ من تعْيين الدَّرَاهِم بل هُوَ قريب من الْعتْق ثمَّ إِذا تعين الشَّاة اخْتصَّ بِوَقْت الضحية وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِشَاة فَفِي تعْيين الْوَقْت وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يشبه دِمَاء الجبرانات لكَونه فِي الذِّمَّة وَالصَّحِيح أَن ذكر وصف الضحية يُوجب تعْيين الْوَقْت فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَيَّن الْوَقْت فَلَو قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة عَن جِهَة نذري فَفِي التَّأْقِيت وَجْهَان وَالْقِيَاس أَن لَا يلْزم لِأَنَّهُ عين عَن جِهَة مَا الْتزم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي أَحْكَام الضَّحَايَا وَهِي ثَلَاثَة الأول التّلف فَإِذا قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة ضحية فَمَاتَتْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون قد عينهَا عَن نذر سَابق وَقُلْنَا إِنَّهَا تتَعَيَّن فَفِي وَجه أَنه كَانَ تَعْيِينه بِشَرْط الْوَفَاء فَإِن مَاتَت فَعَلَيهِ الْإِبْدَال وَأما إِذا أتلفهَا أَجْنَبِي فَعَلَيهِ قيمتهَا يَشْتَرِي بهَا ضحية فَإِن لم يَفِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّكْمِيل أما الْمَالِك إِذا أتلف فَفِي وجوب التَّكْمِيل وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كالملتزم للضحية والشقص لَا يجزىء فَلَا بُد من الْإِتْمَام وَإِن زَادَت الْقيمَة فيشتري بهَا كَرِيمَة وَإِن تعذر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَشْتَرِي بِهِ شقص للضَّرُورَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا غرمه الْأَجْنَبِيّ أقل من ضحية وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضَّحَايَا حَتَّى لَو اشْترى مِنْهُ خَاتمًا يقتنيه وَلَا يَبِيعهُ جَازَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 هَذَا فِي الإهلاك أما إِذا ذبحه أَجْنَبِي فِي وَقت الضحية فَحَيْثُ لَا تشْتَرط النِّيَّة اكْتِفَاء بِالتَّعْيِينِ السَّابِق فقد وَقع الْموقع وَإِن قُلْنَا لَا بُد من النِّيَّة فقد فَاتَت الْقرْبَة وَفِي لَحْمه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعود إِلَى مَالِكهَا وتنقل عَنهُ الضحية وعَلى الذَّابِح أرش نُقْصَان الذّبْح وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضحية وَإِن لم تكن ضحية وَإِنَّمَا تفوت الْقرْبَة دون الإستحقاق وَلَا يجب على الْأَجْنَبِيّ إِلَّا نُقْصَان الذّبْح وَحَيْثُ قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي لُزُوم أرش الذّبْح قَولَانِ أَحدهمَا نعم لعدوانه وَالثَّانِي لَا لتأدي الْوَاجِب بِهِ هَذَا إِذا لم يفرق الْأَجْنَبِيّ اللَّحْم فَإِن فرق فاللحم مسترد مِمَّن أَخذه لِأَن التَّعْيِين إِلَى المضحي فَإِن تعذر فعلى الذَّابِح قيمَة اللَّحْم وَأرش الذّبْح جَمِيعًا وَإِنَّمَا سقط أرش الذّبْح على قَول إِذا تأدت الْقرْبَة بِهِ والآن فقد فَاتَ بتفريقه ثمَّ فِي كَيْفيَّة تغريم كل من ذبح شَاة غَيره وَأكل لَحْمه وأتلف قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 أَحدهمَا أَنه تجب قيمتهَا حَيَّة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش نُقْصَان الذّبْح وَقِيمَة اللَّحْم لِأَنَّهُ ذبح ملكه وَأكل ملكه وَهَذَا قد يَقْتَضِي زِيَادَة قيمَة الحكم الثَّانِي التعيب وَمهما لم يلْزمه شَيْء بالتلف فَلَا يلْزمه بالتعيب وَلَكِن لَو كَانَ الْعَيْب بِحَيْثُ يمْنَع الْإِجْزَاء فِي الضحية فَهَل يَنْفَكّ عَن الضحية وَالشَّاة مُعينَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم كالتلف وَالثَّانِي لَا بل تجْرِي مجْرى الضَّحَايَا وَلَو قَالَ ابْتِدَاء لشاة مَعِيبَة جعلت هَذِه أضْحِية وَجب صرفهَا إِلَى مصرف الضَّحَايَا على الصَّحِيح إِذْ لَا محمل لكَلَامه إِلَّا هَذَا وَلَو قَالَ لظبية جعلت هَذِه أضْحِية لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ لفصيل فَوَجْهَانِ وَكَأن السن دائر بَين الْعَيْب وَالْجِنْس وَلَو قَالَ لله عَليّ أضْحِية ثمَّ عين مَعِيبَة للنذر لَا تَبرأ بهَا ذمَّته وَهل يلْزمه تَفْرِقَة لَحمهَا فِيهِ وَجْهَان وَلَو زَالَ الْعَيْب فَفِي بَرَاءَة الذِّمَّة بهَا وَجْهَان وَأما إِذا كَانَ تعيب الْمعينَة بِفِعْلِهِ فَعَلَيهِ التَّضْحِيَة بِشَاة صَحِيحَة بَدَلا عَنْهَا وَفِي انفكاك الْمعينَة الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان فروع الأول طرآن الْعَيْب والإنكسار حَالَة قطع الْحُلْقُوم لَا يُؤثر وَقَبله وَبعد الإضجاع للشاة وَجْهَان ذكرناهما فِي انكسار الرجل وَإِنَّمَا يَلِيق التَّرَدُّد بِمَا يكون من اضْطِرَاب الذّبْح أما إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 كَانَ بِسَبَب آخر فَيظْهر تَأْثِيره وَقد قَالَ الْقفال مَا يطْرَأ على الْهَدْي المسوق إِلَى الْحرم بعد بُلُوغ الْحرم لَا يُؤثر لِأَنَّهُ قد بلغ مَحَله وَخَالفهُ الْأَصْحَاب لِأَن من اشْترى فِي الْحرم الْهَدْي فتعيب قبل الذّبْح أثر ذَلِك فِيهِ فَأَي أثر للسوق الثَّانِي لَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بعرجاء فَفِيمَا يلْزمه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تلْزمهُ صَحِيحَة وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ كنذر الظبية وَالثَّالِث أَنه لَا يلْزمه إِلَّا العرجاء الثَّالِث ضلال الشَّاة كتلفها وَإِنَّمَا نُرِيد أَنَّهَا لَو وجدت بعد أَن أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْبَدَل وَقد ضحاه فَفِي انفكاك الضَّالة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَنْفَكّ إِذْ لَا وَجه للتضعيف وَقد ضحى الْبَدَل وَالثَّانِي أَنه يُضحي أَيْضا لِأَنَّهُ الأَصْل وَإِن لم يكن قد ضحى الْبَدَل اقْتصر على الأَصْل إِلَّا أَن يكون قد عين الْبَدَل بِلَفْظِهِ فَأَي الشاتين تذبح فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا الْبَدَل وَالثَّانِي الأَصْل وَالثَّالِث كِلَاهُمَا وَالرَّابِع يتَخَيَّر أَيهمَا شَاءَ الحكم الثَّالِث الْأكل وَهُوَ جَائِز من المتطوع بِهِ وَهل يجوز أكل الْجَمِيع أم لَا تتأدى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 السّنة إِلَّا بتصدق شَيْء مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن الْمَقْصُود إِرَاقَة الدَّم والضيافة وَقد يَسْتَوِي فِي ضِيَافَة الله تَعَالَى الْمَالِك وَغَيره وَالثَّانِي أَنه يتَصَدَّق بِمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} وَلَا يَكْفِي فِي هَذَا الْقدر الْإِطْعَام بل لَا بُد من التَّمْلِيك للْفَقِير وَلَا يَكْفِي تمْلِيك الْغَنِيّ للْفَقِير أَن يملك من شَاءَ من غَنِي وفقير وَيجوز إطْعَام الْأَغْنِيَاء من الضحية وعَلى كل قَول فالتصدق بِالْكُلِّ أحسن وَكَانَ من شعار الصَّالِحين تنَاول لقْمَة من كبد الضحية أَو غَيرهَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته بِالْبَصْرَةِ أما إِن أميركم رَضِي من دنياكم بطمريه لَا يَأْكُل اللَّحْم فِي السّنة إِلَّا الفلذة من كبد أضحيته ثمَّ كَمَال الشعار يتَأَدَّى بالتصدق بِالنِّصْفِ لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} إِلَى وَقيل تتأدى بِالثُّلثِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام كلوا مِنْهَا وَادخرُوا وَاتَّجرُوا أَي اطْلُبُوا الْأجر بالتصدق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 وَمَا يجوز أكله فَلَا يجوز إِتْلَافه وَلَا أَن يملك الْأَغْنِيَاء ليتصرفوا فِيهَا بِالْبيعِ لِأَن الضِّيَافَة مَقْصُودَة فرع لَو أكل الْكل على قَوْلنَا يمْتَنع ذَلِك فَفِيمَا يلْزمه من الْغرم وَجْهَان أَحدهمَا قدر مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي النّصْف أَو الثُّلُث هَذَا كُله فِي المتطوع بِهِ أما الْمَنْذُورَة فَفِي جَوَاز الْأكل مِنْهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا كالمتطوعة وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز الْأكل مِنْهَا كدماء الجبرانات فَإِن قيل مَا حكم جلد الضحية قُلْنَا الصَّحِيح أَنه لَا يُبَاع لَكِن ينْتَفع بِهِ فِي الْبَيْت أَو يتَصَدَّق بِهِ وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا بَعيدا أَنه يُبَاع وَيصرف ثمنه مصرف الضَّحَايَا وَهُوَ ضَعِيف نعم قَالَ لَو تصدق بِالْجلدِ بَدَلا عَن اللَّحْم إِذا قُلْنَا إِن عَلَيْهِ التَّصَدُّق لم يجزه ذَلِك وَهُوَ أحسن فرع ولد الضحية الْمعينَة لَهَا حكم الْأُم وَالصَّحِيح أَن التَّصَدُّق بِجُزْء من الْأُم يُسَلط على أكل جَمِيع الْوَلَد كَمَا يُسَلط على أكل جَمِيع اللَّبن فَإِنَّهُ فِي حكم جُزْء وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من التَّصَدُّق بِشَيْء من الْوَلَد لِأَنَّهُ حَيَوَان مُسْتَقل فرع آخر لَو اشْترى شَاة ثمَّ قَالَ جَعلتهَا ضحية ثمَّ وجد عَيْبا امْتنع ردهَا وَله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 طلب الْأَرْش كَمَا بعد الْعتْق وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْلك بِالْأَرْشِ مَسْلَك الضَّحَايَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لم يعين إِلَّا المعيبة وظنه السَّلامَة لَا يَنْبَغِي أَن يلْزمه أرش السَّلامَة واختتام الْكتاب بِبَاب الْعَقِيقَة وَهِي سنة عندنَا وَاجِبَة عِنْد دَاوُد بِدعَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَحكمهَا حكم الضحية فِي الْأكل وَالتَّصَدُّق والسلامة من الْعُيُوب لَكِنَّهَا عبارَة عَن شَاة تذبح فِي سَابِع ولادَة المولودة لَا تتأقت بِيَوْم النَّحْر بل يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ كَمَا يدْخل وَقت دِمَاء الجبرانات بأسبابها وَفِي الْخَبَر يعق عَن الْغُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة ثمَّ تَكْفِي الشَّاة عَن الْغُلَام وفَاقا نعم تخْتَص الْعَقِيقَة بِأَنَّهُ لَا يكسر مِنْهَا عِظَام الشَّاة فقد ورد فِيهَا خبر وَلَعَلَّه تفاؤل بسلامة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 أَعْضَاء المولد فتنضج وتفصل المفاصل وتفريق اللَّحْم أولى من دُعَاء النَّاس إِلَيْهِ وَقَالَ الصيدلاني يجوز التَّصَدُّق بالمرقة وَهَذَا إِن أَرَادَ بِهِ أَن يَكْفِي عَن التَّصَدُّق بِمِقْدَار من اللَّحْم إِذا قُلْنَا لَا بُد مِنْهُ فَفِيهِ نظر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَعَادَة الْعَرَب تلطيخ رَأس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة وَهُوَ مَكْرُوه نعم يسْتَحبّ أَن يُسمى الصَّبِي فِي السَّابِع ويحلق شعره وَيتَصَدَّق بزنته ذَهَبا أَو فضَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 = كتاب الْأَطْعِمَة = وَفِيه بَابَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حَالَة الِاخْتِيَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْحَيَوَان والجمادات أَكثر من أَن تحصى لَكِن الأَصْل فِيهِ الْإِبَاحَة لقَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة فَجَمِيع مَا يُمكن أكله مُبَاح إِلَّا مَا يستثنيه عشرَة أصُول الأول مَا حرم بِنَصّ الْكتاب كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَالدَّم والمنخنقة والموقوذة وَكَذَلِكَ مَا حرم بِالنَّصِّ عَلَيْهِ فِي السّنة كالحمر الْأَهْلِيَّة الأَصْل الثَّانِي مَا فِي معنى الْمَنْصُوص عَلَيْهِ كالنبيذ الَّذِي هُوَ فِي معنى الْخمر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 الأَصْل الثَّالِث كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَيحرم الْفِيل لِأَنَّهُ ذُو نَاب مكاوح وَكَذَا الدب وَمن ذَوَات المخلب الْبَازِي والشاهين والصقر وَالْعِقَاب والنسر وَجَمِيع جوارح الطير والثعلب والضبع والضب حَلَال عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لوُرُود أَحَادِيث فِيهَا وترددوا فِي ثَلَاثَة حيوانات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 أَحدهَا ابْن آوى قطع المراوزة بِتَحْرِيمِهِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ خلافًا وَالثَّانِي ابْن عرس تردد الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ لتردد شبهه بَين الثَّعْلَب وَالْكَلب وَالثَّالِث الْهِرَّة الوحشية فِيهَا تردد لترددها بَين الْهِرَّة الْأَهْلِيَّة والأرنب وَرُبمَا يظنّ أَن أَصْلهَا إنسية فتوحشت فِي سني الْقَحْط وَلَا يحل السنور لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْهِرَّة سبع وَلِأَنَّهُ يصطاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 بالناب وتأكل الْجِيَف فَأشبه الْأسد وَيحل أكل الْخَيل لما روى جَابر قَالَ ذبحنا يَوْم خَبِير الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير فنهانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البغال وَالْحمير وَلم ينهنا عَن الْخَيل وَأما الدلْدل قطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِتَحْرِيمِهِ وَأما السمور والسنجاب وَمَا يشبههما فَالْأَظْهر إلحاقهما بالثعلب وَقيل هُوَ كَابْن عرس الأَصْل الرَّابِع مَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله فِي الْحل وَالْحرم وَهِي الفواسق الْخمس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 الْغُرَاب والحدأة والفأر والحية وَفِي معنى الْمَنْصُوص كل سبع ضار كالذئب والأسد والفهد والنمر وَالْكَلب الْعَقُور وَمَا لَيْسَ عقورا فَهُوَ محرم لِأَنَّهُ ذُو نَاب يعدو بِهِ كالهر الأَصْل الخامص مَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَتله فَإِن ذَلِك يدل على التَّحْرِيم إِذْ لَو حل لحل ذبحه كَمَا أَن الْأَمر بِالْقَتْلِ يدل على التَّحْرِيم إِذْ لَو حل لأمر بِالذبْحِ لَا بِالْقَتْلِ وَقد نهى عَن قتل الهدهد والخطاف والنحل والصرد ولنملة وَقد نَص رَضِي الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 عَنهُ على أَن الْمحرم يفْدي الهدهد بالجزاء وَلَا يفْدي عِنْده إِلَّا حَلَال وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي حلّه لذَلِك وَأما اللقلق فَالْأَظْهر أَنه يحل لِأَنَّهُ كالكركي وأنواع الحمامات حَلَال وَهن كل ذَات طوق وأنواع العصافير وَإِن اخْتلفت ألوانها حَلَال وَهِي كَثِيرَة والفاختة واليمام والقمري من الحمامات والزرزور والصعوة من العصافير وَإِنَّمَا ينظر فِيهِ إِلَى تقَارب الأشكال لَا إِلَى الألوان وَأما الْغرْبَان فَإِنَّهَا من الفواسق مَعَ الحدأ والبغاثة فِي معنى الحدأة وَهِي ذَات مخلب ضَعِيف وَلكنهَا تقرب من الحدأة والغراب الأبقع هُوَ الْمَقْطُوع بِتَحْرِيمِهِ أما الْأسود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 الْكَبِير فألحقه المراوزة بالأبقع وَتردد فِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأما غراب الزَّرْع وَفِيه غبرة لَيست كَثِيرَة وَمِنْه المحمرة المناقير والأرجل فَفِيهَا تردد وَأما طير المَاء فمباح كُله وَكَذَا فِي جَمِيع حيواناته إِلَّا مَاله نَظِير فِي الْبر محرم فَفِيهِ قَولَانِ ذكرناهما الأَصْل السَّادِس كل مَا استخبثته الْعَرَب فَهُوَ حرَام قَالَ الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات} وَإِنَّمَا خرج على مَا هُوَ طيب عِنْدهم فالحشرات كلهَا مستخبثة وَكَانَت الْعَرَب تستخبث الباز والشاهين والنسر والصقر كَمَا تستخبث العظاية واللحكاء والخنافس واللحكاء دويبة تغوص فِي الرمل مثل الْأصْبع والعظاية مثل الوزغ والضفدع والسلحفاة من المستخبثات وَكَذَا السرطان وَلَا يحل من الحشرات شَيْء إِلَّا الضبة وَفِي أم حبين تردد وَفِي الْآثَار أَنَّهَا تفدي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 بحلان وَكَأَنَّهُ ولد الضَّب وَذَوَات الأجنحة من الحشرات كالذباب فَإِنَّهَا مستخبثة وَإِنَّمَا يحل مِنْهَا الْجَرَاد وَفِي الصرارة تردد لتردده بَين الخنافس وَالْجَرَاد وَهُوَ بالخنفساء أشبه وَفِي الْقُنْفُذ تردد لما رُوِيَ أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أفتى بحله وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ} الْآيَة فَقَامَ شيخ وَقَالَ أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّهَا من الْخَبَائِث فَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ إِن قَالَ فَهُوَ كَمَا قَالَ فسبب التَّرَدُّد فِي قَول الشَّيْخ وعدالته ثمَّ لَا وَجه فِيمَا أشكل خبثه إِلَّا الرُّجُوع إِلَى الْعَرَب فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت أمة كَبِيرَة فطباعها مُتَقَارِبَة الأَصْل السَّابِع مَا أخبر الله تَعَالَى عَنهُ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ حَرَامًا على الْأُمَم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 السالفة فَهُوَ حرَام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن لم يكن فِي شرعنا ذكر تَحْرِيمه علينا وَلَا نرْجِع فِي ذَلِك إِلَى قَول أهل الْكتاب إِذْ لَا يوثق بقَوْلهمْ وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الإعتماد على عُمُوم آيَة الْإِبَاحَة أولى من اعْتِمَاد اسْتِصْحَاب حَال الشَّرَائِع السَّابِقَة الأَصْل الثَّامِن مَا حكم بحله إِذا خالطته نَجَاسَة فَهُوَ حرَام كالزيت النَّجس وَبيعه حرَام وَإِن مَاتَت فَأْرَة فِي سمن ذائب أَو غَيره فَكَذَلِك وَإِن كَانَ جَامِدا قور وَطرح مَا حوله وَالْبَاقِي طَاهِر كَذَلِك أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَلالَة وَهِي الْحَيَوَان الَّذِي يتعاطى الْعذرَة والأشياء القذرة حَلَال إِن لم يظْهر النتن فِي لَحْمه فَإِن ظهر النتن فَهُوَ نجس وَحرَام وَإِن تكلّف بالعلف إِزَالَة رائحتها حلت وَإِن تكلّف بالطبخ فَلَا وجلدها يطهر بالدباغ والذكاة إِن لم تبْق الرَّائِحَة فِي الْجلد وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ أَن الْجَلالَة تكره وَلَا تحرم أما الزَّرْع فحلال وَإِن كثر الزبل فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يظْهر الرَّائِحَة فِيهِ الأَصْل التَّاسِع مَا حكم بحله فميتته ومنخنقته حرَام وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا لم يذبح ذبحا شَرْعِيًّا كَمَا وصفناه وَلَا يسْتَثْنى عَن ميتَته إِلَّا الْجَرَاد وحيوانات الْبَحْر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 الْحل ميتَته وَعَن المنخنفة إِلَّا الْجَنِين الَّذِي يُوجد مَيتا فِي بطن الْمَذْبُوح فَإِنَّهُ حَلَال ورد فِيهِ الْخَبَر الأَصْل الْعَاشِر مَا اكْتسب بمخامرة نَجَاسَة ككسب الْحجام فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فروجع مرَارًا فَقَالَ أطْعمهُ عَبدك وناضحك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 وَهَذِه كَرَاهِيَة وَلَيْسَ بِتَحْرِيم وَقد علل بِأَن ذَلِك مكتسب من حِرْفَة خسيسة جَائِزَة ومخامرة نَجَاسَة وَعِنْدِي أَن التَّعْلِيل بذلك يُوجب إِلْحَاق أُجْرَة الكناس والدباغ بِهِ وَلم يذهب إِلَيْهِ أحد وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الْحجامَة والفصد جرح مُفسد للبنية وَهُوَ حرَام فِي الأَصْل وَإِنَّمَا يُبَاح بتوهم الْمَنْفَعَة وَذَلِكَ مَشْكُوك فِيهِ ويطرد هَذَا فِي أُجْرَة من يقطع يدا متآكلة لاستبقاء النَّفس وَلَا يطرد فِي أُجْرَة الجلاد الَّذِي يقطع فِي السّرقَة وَقد أوردت هَذِه الْعلَّة فِي كتاب الْحَلَال وَالْحرَام من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَقد ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي آخر هَذَا الْكتاب الودك النَّجس والإنتفاع بِهِ وَبيعه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حَالَة الإضطرار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فَيُبَاح تنَاول الْحَرَام للضَّرُورَة وَالنَّظَر فِي حد الضَّرُورَة وجنس المستباح وَقدره أما الضَّرُورَة فنعني بهَا أَن يغلب على ظَنّه الْهَلَاك إِن لم يَأْكُل وَكَذَلِكَ إِن خَافَ مَرضا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت لجنسه لَا لطوله ون كَانَ يخَاف طول الْمَرَض وعسر العلاج فَفِيهِ قَولَانِ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يشْتَرط أَن يصبر حَتَّى يشرف على الْمَوْت فَإِن الْأكل بعد ذَلِك لَا ينعشه وَالظَّن كَالْعلمِ هَاهُنَا كَمَا فِي الْمُكْره على الْإِتْلَاف ثمَّ إِذا جَازَ الْأكل وَجب أَن لَا يجوز السَّعْي فِي الْهَلَاك وَفِيه وَجه أَنه يجوز الإستسلام تورعا عَن الْحَرَام فِي الصيال وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذَلِك إِيثَار مهجة على مهجة وَأما تَحْرِيم الْميتَة فَلَا يَنْتَهِي إِلَى هَذِه الرُّتْبَة نعم يتَّجه ذَلِك مَا دَامَ الْمُضْطَر غير قَاطع بِأَن ترك الْأكل يضرّهُ بل ظَانّا ظنا قَرِيبا من الشَّك فَإِن ذَلِك يدْرك بِنَوْع اجْتِهَاد النّظر الثَّانِي فِي قدر المستباح وَفِي جَوَاز الشِّبَع بعد تحقق الضَّرُورَة نُصُوص مضطربة حاصلها ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب الإقتصار على سد الرمق إِذْ رَجَعَ إِلَى حَالَة لَا يجوز ابْتِدَاء الْأكل على مثله وَزَالَ الْخَوْف والإضطرار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 وَالثَّانِي أَنه يشْبع إِذْ نُبيح للْمُضْطَر الْأكل مُطلقًا وتحققت الضَّرُورَة أَولا وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ فِي بلد اقْتصر على سد الرمق وَإِن كَانَ فِي بادية وَخَافَ إِن لم يشْبع أَن لَا يتقوى على الْمَشْي وَيهْلك فيشبع وَهَذَا يَسْتَدْعِي مزِيد تَفْصِيل فَإِن من علم فِي الْبَادِيَة أَنه لَو لم يشْبع وَلم يتزود لَا يقوى وَلَا يجد غَيره وَيهْلك فَيجب الْقطع بِأَنَّهُ يشْبع ويتزود وَلَا يُفَارق الإبتداء الدَّوَام فِي هَذَا ون كَانَ فِي بلد وَلَو سد الرمق ثمَّ توقع طَعَاما مُبَاحا قبل عود الضَّرُورَة وَجب الْقطع بالإقتصار إِذْ الضَّرُورَة تبيح إِزَالَة الْخَوْف دون الشِّبَع فَإِن كَانَ لَا يتَوَقَّع طَعَاما وَلَكِن يُمكنهُ الرُّجُوع إِلَى الْميتَة إِن لم يجد مُبَاحا فهاهنا يتَّجه التَّرَدُّد إِذْ لَو شبع لم يعاود على قرب وَإِن اقْتصر عَاد على الْقرب فَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا وَإِن لم يجز فِي الإبتداء وَلَكِن بعد أَن وَقع فِي الْأكل فالأكل دفْعَة أقرب من المعاودة كل سَاعَة والأقيس مَا اخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَهُوَ سد الرمق إِلْحَاقًا للدوام بالإبتداء النّظر الثَّالِث فِي جنس المستباح وَيُبَاح الْخمر لتسكين الْعَطش لِأَنَّهُ مستيقن كإساغة اللُّقْمَة بِخِلَاف التَّدَاوِي وَيُبَاح كل حرَام إِلَّا مَا فِيهِ سفك دم مَعْصُوم وَلَيْسَ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 قتل ذمِّي أَو معاهد وَلَا قتل عَبده وَولده وَيجوز لَهُ قتل الْمُرْتَد وَالزَّانِي الْمُحصن وَإِن كَانَ ذَلِك مَنُوطًا بِالْإِمَامِ تقاوم هَذَا الْقدر وَكَذَلِكَ قتل الحربية جَائِز على الظَّاهِر وَإِبَاحَة قتل ولد الْحَرْبِيّ وَهُوَ صَغِير فِيهِ نظر وَالْأَظْهَر جَوَازه لِأَنَّهُ لَا يُقَاوم تَحْرِيمه روح مُسلم فروع الأول لَو قطع فلذة من فَخذه وَلم يكن الْخَوْف مِنْهُ كالخوف من الْجُوع فَفِي جَوَازه وَجْهَان وَلَا يجوز أَن يقطع من فَخذ عَبده وأجنبي آخر لِأَن لَهُ أَن يفْدي نَفسه بِبَعْض نَفسه وَلَا يُمكن ذَلِك فِي حق غَيره الثَّانِي إِذا ظفر بِطَعَام من لَيْسَ مُضْطَرّا مثله فَلهُ أَخذه وَلَيْسَ لمَالِكه مَنعه وَلَكِن الْأَصَح أَن يسْتَأْذن أَولا فَإِن منع أَخذه قهرا فَإِن قَاتله فدم الْمَالِك هدر وَدم الْمُضْطَر مَضْمُون بِالْقصاصِ عَلَيْهِ وَلَو قَالَ الْمَالِك أبيع مِنْك فَعَلَيهِ الشِّرَاء ثمَّ إِن كَانَ بِثمن الْمثل لزمَه الشِّرَاء وَإِن زَاد الثّمن فَهُوَ مُضْطَر فِي شِرَائِهِ كالمصادر فَلَا يلْزمه على أحد الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا قدر على سلبه قهرا فَاشْترى فَإِنَّهُ يصير مُخْتَارًا وَلَو أوجر الْمَالِك الْمُضْطَر الطَّعَام قهرا فَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 اسْتِحْقَاقه الْقيمَة عَلَيْهِ وَجْهَان الثَّالِث إِذا وجد ميتَة وَطَعَام الْغَيْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْميتَة أولى تَرْجِيحا لحق الْآدَمِيّ وَالثَّانِي المَال أولى إِذْ تَفْوِيت الْعين بِبَدَل أسهل من تنَاول الْميتَة وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر لتعارض الْأَمريْنِ وَالصَّيْد فِي حق الْمحرم كطعام الْغَيْر وَلَو كَانَ عِنْده لحم صيد فَهُوَ أولى من الْميتَة فَإِن الْمَحْذُور حق الصَّيْد فِي الْقَتْل وَتَحْرِيم اللَّحْم على الْمحرم أَهْون من تَحْرِيم الْميتَة الْعَام تَحْرِيمهَا وَالله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 = كتاب السَّبق وَالرَّمْي = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي السَّبق وَيجوز أَن يشْتَرط المتسابقون فِي الْخَيل مَالا للسابق يسْتَحق بِالسَّبقِ والرخصة فِيهِ تحريض على تعلم أَسبَاب الْقِتَال قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} وَلَا غناء فِي الْقوس والسهم إِذا لم يسْبقهُ تعلم الرَّمْي وَلَا فِي الأفراس الْجِيَاد إِذا لم يمارسها فَارس حاذق وأبطل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذَا العقد ويتهذب الْبَاب بفصول ثَلَاثَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 الْفَصْل الأول فِيمَا يجوز العقد عَلَيْهِ وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَأَرَادَ بالخف الْإِبِل وَهُوَ أَيْضا عدَّة لِلْقِتَالِ وَإِن لم يبلغ مبلغ الْفرس حَتَّى لَا يسْتَحق بِهِ سهم الْفَارِس وَالْمعْنَى مَعْقُول من ذكر هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فَيلْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ لَكِن من الْأَصْحَاب من يتبع الِاسْم وَمِنْه من يتبع ظُهُور الْمَعْنى وَمِنْهُم من يتبع أصل الْمَعْنى وَإِن ضعف أما الْخُف فَألْحق بِهِ الْفِيل لِأَنَّهُ أظهر غناء من الْإِبِل فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه لَا يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ نَادِر ونعلم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَرَادَهُ وَهُوَ بعيد وَأما البغال وَالْحمير فَلَا تلْحق على الظَّاهِر إِذْ لَا غناء لَهَا فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه تلْحق لِأَن ركُوبهَا مُقَدّمَة لتعلم ركُوب الْفرس وَيَكْفِي أصل الْمَعْنى وَهُوَ بعيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 وَأما النصل فيستوي فِيهِ أَصْحَاب القسي من الناوك وَغَيره وَكَذَلِكَ أَنْوَاع النصل كالمسلة والإبرة فَهُوَ فِي معنى السهْم والإسم أَيْضا يَشْمَل وَأما الزانات والمزاريق فَهِيَ على رُتْبَة بَين الْفِيل والحمر وَالظَّاهِر إلحاقها لغنائها ولشمول اسْم النصل وَلَكِن هَذَا الْخلاف جَار فِي الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ والمقاليع لغنائها وَإِن لم يشملها اسْم النصل وَاسْتِعْمَال السَّيْف أَيْضا قريب من رُتْبَة الزانات فَإِن غناهُ أظهر من الْكل وَلَكِن اسْم النصل بعيد عَنهُ وَلَكِن هُوَ الأَصْل فِي الْقِتَال وَهُوَ نفار من السكين وَالرمْح نفار من السَّيْف وَالرَّمْي نفار من الرمْح فَأَما الْمُسَابقَة بالطيور والحمامات وفائدتها نقل الْأَخْبَار فَالظَّاهِر مَنعه لبعد الْمَعْنى وَضَعفه وَفِيه وَجه أَنه يجوز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 الْفَصْل الثَّانِي فِي شُرُوط العقد وَهِي خَمْسَة الأول الْإِعْلَام فِي المَال ومقداره وَفِي الْموقف والغاية بتعيينها والتساوي فيهمَا فَلَو شَرط تقدم أَحدهمَا بمسافة وَيجْرِي الآخر وَزعم أَنه يسْبقهُ لم يجز بالإتفاق لِأَن اخْتِلَاف الأفراس بالفراهة لَا تنضبط مقاديرها فليضبط بالتساوي ثمَّ إِن كَانَ أحد الفرسين بِحَيْثُ يسْبق قطعا لَو تساوقا فَالْعقد بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو شرطا أَن يتساوقا فِي الركض إِلَى حَيْثُ يسْبق أَحدهمَا فَيسْتَحق المَال لم يجز لِأَن الْجواد قد يحتد فِي آخر الميدان فَلَا معنى لاقتحام جَهَالَة بِغَيْر فَائِدَة وَلَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا اسْتِحْقَاق الشَّرْط لمن يسْبق فِي وسط الميدان فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَلِكَ لَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا غَايَة أُخْرَى يمتدون إِلَيْهَا إِن لم يسْبق فِي الأولى فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ الشَّرْط الثَّانِي أَنه إِذا تسابق جمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط السَّبق للسابق فَلَو شَرط للْمُصَلِّي وَهُوَ التَّالِي للسابق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 أَحدهَا الْمَنْع لِأَن الْمَقْصُود إِظْهَار الجلادة بِالسَّبقِ دون التَّخَلُّف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن ضبط الْفرس بعد احتداده على حد المُرَاد يحْتَاج إِلَى جلادة وَالثَّالِث أَنه لَا يشْتَرط الْكل إِلَّا للسابق أما لَو شَرط للْمُصَلِّي قدرا دون مَا للسابق وَهَكَذَا على التَّرْتِيب والتفاضل لكل من هُوَ أقرب إِلَى السَّابِق فَهُوَ جَائِز وَأما الفسكل وَهُوَ الْأَخير فَلَا يجوز أَن يخصص بِفضل قطعا وَهل يجوزا أَن يشْتَرط لَهُ شَيْئا دون الآخرين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن التَّخَلُّف لَا يعجز عَنهُ أحد وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مِنْهُم وَقد اجْتهد فَيجوز أَن يُشْرك فِيهِ الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون فِيمَا بَينهم مُحَلل ليميل بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار والقمار أَن يجْتَمع فِي حق كل وَاحِد خطر الْغرم وَالْغنم بِأَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالا يحرزه إِن يسْبق وَيَأْخُذ مَال صَاحبه وَهَذَا حرَام قطعا وَإِنَّمَا الْمُبَاح أَن يخرج الإِمَام مَالا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 للسابق أَو يخرج رجل من عرض النَّاس إِذْ يَأْخُذ كل وَاحِد لَو سبق وَلَا يغرم لَو تخلف وَكَذَلِكَ لَو أخرج أحد المتسابقين مَالا وَرَضي بِأَن يحرزه إِن سبق ويبذله إِن تخلف جَازَ وَكَذَلِكَ إِن تسابق ثَلَاثَة وَأخرج رجلَانِ مِنْهُم المَال وَالثَّالِث لم يخرج فَهُوَ مُحَلل فَإِن شَرط المَال للمحلل إِن سبق وَلم يشْتَرط لأحد المستبقين شَيْء إِذا سبق بل الْآخرَانِ فَقَط فَهَذَا جَائِز لِأَن الَّذِي يَأْخُذ لَيْسَ يغرم شَيْئا وَالَّذِي يغرم لَيْسَ يَأْخُذ شَيْئا وَإِن شرطا أَن يسْتَحق الْمُحَلّل كلا الْمَالَيْنِ وَإِن سبق أحد المستبقين أحرز مَاله وَأخذ مَال صَاحبه فَفِي صِحَة هَذِه الْمُعَامَلَة قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِاجْتِمَاع الْخطر فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن هَذِه عَادَة الْمُسَابقَة وَلَا يرضى باذل المَال بِمُجَرَّد الْإِحْرَاز إِن سبق وَدخُول الْمُحَلّل الْوَاحِد الَّذِي لَا يَأْخُذ مَالا وَلَا يُعْطي مَالا يخرج بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار فَيَكْفِي على هَذَا مُحَلل وَاحِد بَين مائَة وعبروا عَن مَحل الْخلاف بِأَن الْمُحَلّل يحلل لنَفسِهِ فَقَط أَو لنَفسِهِ وَلغيره فعلى هَذَا لَو قَالَ لَا سبق إِلَّا للمحلل إِذا سبق فَسبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَهَل يسحق الْمُحَلّل مَال الفسكل وَفِيه وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ سبقه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مَسْبُوق بِالْأولِ فَلَا يُسمى سَابِقًا مُطلقًا وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن اسْم السَّابِق هَل يحمل على السَّابِق مُطلقًا أَو على السَّابِق بِالْإِضَافَة وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ الْمُصَلِّي أحد المستبقين وَقد شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِذا كَانَ المستبق الثَّانِي وَرَاءه فَهَل يسْتَحق شَيْئا من مَاله وَهُوَ مَسْبُوق وسابق فِيهِ وَجْهَان فرع إِذا شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك فَسبق الْمُحَلّل وَجَاءُوا متساوقين بعده أَخذ الْمُحَلّل ماليهما وَإِن تساوقا وأتى الْمُحَلّل بعدهمَا فَلَا مَال لأحد وَإِن سبق الْمُحَلّل وتلاه المستبقان متلاحقين فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ ماليهما لِأَنَّهُ سبقهما وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي يَأْخُذ مَال الفسكل لِأَنَّهُ سبقه أَيْضا وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْمُحَلّل أَيْضا سبقه وَالثَّالِث أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَمَال الفسكل بَين الْمُصَلِّي والمحلل لِأَنَّهُمَا سبقاه وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف وَأما إِذا جَاءَ الْمُحَلّل مَعَ أَحدهمَا متساوقين وَالْآخر فسكل فَمَال الفسكل لَهما إِلَّا إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 قُلْنَا إِن الْمُحَلّل لَا يحلل إِلَّا لنَفسِهِ فيفوز إِذْ ذَاك بِالْمَالِ أما إِذا سبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَفِي مَال الفسكل أوجه أَرْبَعَة تَجْتَمِع من الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورين أَحدهَا أَنه للسابق وَهُوَ على قَوْلنَا إِن السَّبق للسابق الْمُطلق وَإِن الْمُحَلّل يحلل لغيره وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء لأحد مِنْهُمَا وَهُوَ على قَوْلنَا الْمُحَلّل لَا يحلل لغيره والمسبوق لَا شَيْء لَهُ وَإِن سبق غَيره وَالثَّالِث أَنه بَين الْمُحَلّل وَالسَّابِق وَهُوَ على قَوْلنَا يحلل لغيره وَلَا يشْتَرط السَّبق الْمُطلق وَالرَّابِع أَنه للمحل وَهُوَ على قَوْلنَا إِنَّه لَا يحلل لغيره والمسبوق يسْتَحق إِذا سبق غَيره الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون سبق كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمكنا فَإِن كَانَ فرس أَحدهمَا ضَعِيفا نعلم قطعا أَنه يتَخَلَّف أَو فرس الآخر فارها نعم أَنه يسْبق بَطل العقد لِأَن المتخلف إِنَّمَا يرْكض مَعَ نَفسه إِذا لم يطْمع فِي السَّبق وَإِن كَانَ السَّبق مُمكنا وَلَكِن على الندور فَفِي صِحَّته خلاف وَتجوز الْمُسَابقَة بَين الْفرس الْعَرَبِيّ والتركي فَلَا يضر اخْتِلَاف النَّوْع وَأما الْمُسَابقَة بَين الْبَغْل وَالْفرس أَو بَين الْإِبِل وَالْفرس فَفِيهِ خلاف مِنْهُم من ألحق اخْتِلَاف الْجِنْس باخْتلَاف النَّوْع الشَّرْط الْخَامِس تعْيين الفرسين وَلَا يجوز الْإِبْدَال بعد التَّعْيِين وَهل يجوز العقد على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 فرسين موصوفين من غير إِحْضَار ثمَّ يحضر كَمَا وصف فِيهِ وَجْهَان ثمَّ اعْلَم أَن الإعتماد فِي السَّبق على الْأَقْدَام وَهُوَ الَّذِي يعْتَبر تساويهما فِي ابْتِدَاء الْموقف دون الْعُنُق فَإِن ذَلِك يطول وَيقصر وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الإعتبار فِي الْإِبِل بالكتد والخف وَفِي الْفرس بالعنق لِأَن الْإِبِل تمتد أعناقها إِذا عدت وَالْخَيْل ترفع رءوسها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم هَذِه الْمُعَامَلَة وَفِي لُزُومهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم تَشْبِيها لَهَا بالجعالة وَالثَّانِي يلْزم تَشْبِيها لَهُ بالمساقاة وَالْإِجَارَة ثمَّ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يلْزم فِي حق الْمُحَلّل وَمن أَخذ وَلَا يبْذل لِأَنَّهُ مغبوط بِكُل حَال كالمرتهن وَالْمكَاتب وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن علمه فِي الفروسية مَقْصُود للباذل حَتَّى يتَعَلَّم مِنْهُ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه جَائِز لم يشْتَرط الْقبُول على الصَّحِيح وَهل يَصح ضَمَان السَّبق وَالرَّهْن بِهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْجعَالَة وَإِن قُلْنَا يلْزم فَلَا يجب تَسْلِيم السَّبق فِي الْحَال بِخِلَاف الْأُجْرَة بل وَلَا بَأْس يجب الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْعَمَل وَلَا يجوز الْإِبْطَال وَالتَّأْخِير وَيجوز ضَمَانه وَالرَّهْن بِهِ وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله يبْنى على ضَمَان مَا جرى سَبَب وُجُوبه وَلم يجب كَنَفَقَة الْعَدو واليأس بِمَا ذكره وَأما فَسَاد هَذِه الْمُعَامَلَة بِكَوْن الْعِوَض خمرًا أَو مَالا مَغْصُوبًا هَل يُوجب الرُّجُوع بِشَيْء فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 أَحدهمَا نعم كَمَا لَو فسد الْقَرَاض وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا لم يتَحَصَّل على شَيْء وَأكْثر فَائِدَة الْعَمَل هَاهُنَا لِلْعَامِلِ وَهُوَ الرياضة وَقد فَاتَ الإستحقاق بِمَا علق بِهِ وَإِن قُلْنَا يسْتَحق شَيْئا فَإِن أمكن الرُّجُوع إِلَى قيمَة الْمَشْرُوط بِأَن يكون الْفساد لجَهَالَة الْموقف والغاية وَغَيره فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالرُّجُوعِ إِلَى أجر الْمثل كالقراض وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي بدل الْخلْع إِذْ لَيْسَ هَذَا مُعَاوضَة مَحْضَة فَإِن لم يكن لَهُ قيمَة فالرجوع إِلَى أجر عمله فِي جملَة الركض لَا فِي قدر السَّبق قولا وَاحِدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الرَّمْي وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الشُّرُوط وَالنَّظَر فِي سِتَّة شُرُوط الشَّرْط الأول فِي الْمُحَلّل وتفصيله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي السَّبق فَإِن شَرط الإِمَام أَو غَيره لمن زَادَت إِصَابَته جَازَ وَكَذَا لَو شَرط وَاحِد من المترامين على مَا ذَكرْنَاهُ الشَّرْط الثَّانِي اتِّحَاد الْجِنْس وَفِي العقد على السِّهَام والمزاريق وَجْهَان كَمَا فِي مسابقة الْخَيل وَالْبِغَال وَهَذَا أولى بِالْجَوَازِ لِأَن أَكثر الْأَثر فِي الرَّمْي للْعَمَل وَأكْثر الْأَثر للدابة فِي السَّبق فَإِنَّهُ حَيَوَان مُخْتَار فِي الْعَدو وَأما اخْتِلَاف النَّوْع فَغير مَانع كقسي الْعَرَب والعجم وكالناوك وَهُوَ قَوس الحسبان مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 السهْم ثمَّ إِذا جرى التَّعْيِين فَلَا يجوز الْإِبْدَال بالأجود كإبدال الْعَرَبيَّة بِالْفَارِسِيَّةِ أما إِبْدَال الفارسية بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَنَّهُ يجوز إِبْدَاله بفارسية أُخْرَى إِذْ عين الْقوس لَا يتَعَيَّن بل نَوعه فبأن يجوز بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أردأ أولى وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك لَا يَنْضَبِط فحسم الْبَاب أولى فرع ان الأول لَو أطلق العقد وَلم يعين النَّوْع نزل على مَا يغلب فِي الْعَادة الترامي بِهِ وَإِن اخْتلفت الْعَادة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْفساد لتوقع النزاع وَالثَّانِي أَنه يَصح أَن يطابقا على شَيْء وَإِن طلب كل وَاحِد نوعا آخر وَقُلْنَا إِن العقد جَائِز فَهُوَ رُجُوع وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَازم فقد تعذر إِمْضَاء العقد فَيفْسخ الثَّانِي تَبْدِيل الْقوس بِمثلِهِ جَائِز بِخِلَاف الْفرس لِأَن الإعتماد هَاهُنَا على الْعَمَل وَلَا عمل إِلَّا لَهُ وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل فَهَذَا تضييق بِغَيْر فَائِدَة وَفِي صِحَة هَذَا الشَّرْط وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَفِي فَسَاد العقد بِهِ وَبِكُل شَرط فَاسد يسْتَقلّ العقد دونه لَو ترك وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 وَإِن قُلْنَا إِنَّه صَحِيح فَيجب الْوَفَاء بِهِ مَا لم ينكسر فَإِن انْكَسَرَ جَازَ الْإِبْدَال وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل وَإِن انْكَسَرَ بل تَنْقَطِع الْمُعَامَلَة فَهَذَا لَا يحْتَمل وَيفْسد العقد الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الْإِصَابَة الْمَشْرُوطَة مُمكنَة لَا ممتنعة وَلَا وَاجِبَة أما الممتنعة فكإصابة مائَة رشق على التوالي من هدف صَغِير وَغَايَة بعيدَة أَو أصل الْإِصَابَة من مَسَافَة بعيدَة فِي غَايَة الْبعد وَلَو كَانَت مُمكنَة على ندور فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة وَجْهَان أما الْوَاجِب فكإصابة وَاحِد من مائَة مَعَ قرب الْمسَافَة يشرط ذَلِك على حاذق فَلَا خطر فِيهِ وَفِي صِحَّته وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز للتعلم بمشاهدة رميه كَمَا لَو قَالَ من لَا يَرْمِي لرام ارْمِ مائَة وَلَك كَذَا وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من خطر لصِحَّة هَذِه الْمُعَامَلَة فعلى هَذَا لَو كَانَ بَينهمَا مُحَلل علم قطعا أَنه لَا يفلح فوجوده كَعَدَمِهِ وَلَو علم قطعا أَن الْمُحَلّل يفوز خرج على الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن مُحَلل وَشرط كل وَاحِد مَالا وَلَكِن علم قطعا أَن أَحدهمَا يفوز فَهُوَ على صُورَة الْمُحَلّل وَلَا أثر لذكر المَال فرع لَو تَرَاضيا على أَن يرامي كل وَاحِد وَاحِدًا فَقَط والسبق لمن اخْتصَّ بالإصابة فَالْأَصَحّ الصِّحَّة وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز إِذْ رب رمية من غير رام فقد يُصِيب الأخرق بالإتفاق مرّة فَلَا يظْهر بِهِ حذق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 الشَّرْط الرَّابِع الْإِعْلَام وكل مَا يخْتَلف بِهِ الْغَرَض يجب إِعْلَامه كمقدار المَال وَعدد الْإِصَابَة مِنْهَا أما طول الْمسَافَة بَين الْموقف والهدف فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي عرض الهدف قَولَانِ مرتبان وَفِي قدر ارْتِفَاع الهدف من الأَرْض قَولَانِ مرتبان وَالصُّورَة الْأَخِيرَة أولى بِأَن لَا يشْتَرط ذكرهَا فأحد الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يشْتَرط بل ينزل على الْعَادة كالمعاليق فِي اسْتِئْجَار الدَّابَّة فَإِنَّهُ ينزل على الْعَادة على الْأَصَح وَالثَّانِي لَا بُد من ذكره لِأَن النزاع يكثر فِيهِ وَالْعرض يخْتَلف فِيهِ وَأما عدد الأرشاق فَفِي ذكره ثَلَاثَة أَقْوَال والرشق عبارَة عَن نوبَة من الرَّمْي تجْرِي من الرامين كعشرة عشرَة وَعشْرين عشْرين وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يشْتَرط بل يَكْفِي ذكر عدد الإصابات فَيشْتَرط السَّبق بِعشر إصابات وَرُبمَا يكون ذَلِك فِي خمسين وَرُبمَا فِي عشْرين وَالثَّانِي أَنه يجب وَهُوَ كالغاية فِي الْمُسَابقَة حَتَّى تَنْتَهِي الْمُعَامَلَة بهَا وَالثَّالِث أَنه يشْتَرط فِي المحاطة فَإِن توقع الْحَط لَا مُنْتَهى لَهُ وَلَا يشْتَرط فِي الْمُبَادرَة والمحاطة أَن يشْتَرط حط إِصَابَة أَحدهمَا من الآخر حَتَّى يخلص للْوَاحِد عشرَة مثلا والمبادرة هُوَ أَن يسْتَحق من يسْبق إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى لَو أصَاب كل وَاحِد تِسْعَة ثمَّ أصَاب أَحدهمَا وَلم يصب الآخر فِي الْعَاشِرَة اسْتحق من أصَاب وَكَذَلِكَ قد يتضايق الرُّمَاة فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 الْبِدَايَة إِذْ يكون الهدف خَالِيا والرامي على جمام قوته فالإصابة أغلب فَفِي لُزُوم ذكر ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس أَنه يجب وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بالمستبق وَهُوَ وَاضع المَال فَإِنَّهُ عَادَة الرُّمَاة وَهَذَا ترك للفقه وَالْقِيَاس بِالْعَادَةِ وَلَا يخْتَلف القَوْل فِي كل عَادَة تخَالف الْقيَاس إِذْ الشَّافِعِي لَا يتْرك الْقيَاس لأجل عَادَة مُخَالفَة لَهُ بل أَمر الْبِدَايَة أَمر هَين فَلذَلِك تردد فِيهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يَصح ويقرع بَينهم ثمَّ إِن شرطُوا أَن تكون الْبِدَايَة لمن خرج الْقرعَة لَهُ فِي كل الرشقات فَذَاك وَإِلَّا فَفِي إِعَادَة الْقرعَة فِي كل رشقة أَو عُمُوم حكم الأول وَجْهَان وَكَذَلِكَ مُطلق شَرط الْبِدَايَة وَفِي العقد هَل يتَنَاوَل كل رشقة فِيهِ خلاف وَأما إِذا كَانَ المستبق أَكثر من وَاحِد فَلَا وَجه إِلَّا الْإِفْسَاد أَو قَول الْقرعَة فرع فِي صِحَة العقد على البرتاب وَجْهَان ومقصوده الإبعاد دون الْإِصَابَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا غَرَض فِيمَا لَا إِصَابَة فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يَصح وَهُوَ الْأَصَح إِذْ قد يحْتَاج إِلَى إِلْقَاء السهْم فِي القلعة ثمَّ إِذا صَحَّ فَلَا بُد من تَسَاوِي السهمين والقوسين فِي اللين والخفة حَتَّى إِن الرُّمَاة يتضايقون فِيهِ إِلَى حد يشرطون الرَّمْي عَن قَوس وَاحِد بِسَهْم وَاحِدَة الشَّرْط الْخَامِس أَن يرد العقد على رُمَاة مُعينين وَلَا يجوز إِيرَاده على الذِّمَّة ثمَّ تعْيين الرُّمَاة وَيصِح العقد بَين الحزبين وَلَكِن التحزب يكون بِالتَّرَاضِي لَا بالتحكم وَلَا يجوز أَن يكن بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد يجْتَمع الحذاق فِي جَانب إِلَّا أَن يقرعُوا أَولا ثمَّ ينشئون العقد على مَا ميزت الْقرعَة فَإِن ذَلِك رضَا مُسْتَأْنف وَهُوَ جَائِز إِلَّا إِذا علم قطعا فوز أحد الحزبين فَذَلِك لَا ينْعَقد على وَجه لانْتِفَاء الْخطر وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ترامى غَرِيبَانِ صَحَّ وَإِن أمكن أَن يكون أَحدهمَا بِحَيْثُ لَو علم حَاله لتحَقّق عَجزه أَو ظفره وَلَكِن إِن بَان تفَاوت يرفع الإحتمال فيتبين بطلَان العقد ثمَّ لَا يشْتَرط التَّسَاوِي فِي عدد الرُّمَاة فِي التحزب بل فِي الْإِصَابَة فقد يرامي وَاحِد اثْنَيْنِ وَلَكِن يَرْمِي الْوَاحِد سَهْمَيْنِ وكل وَاحِد من الْإِثْنَيْنِ سَهْما وَاحِدًا ثمَّ يفض السَّبق على عدد الرُّءُوس وَإِن اخْتلفُوا فِي عدد الْإِصَابَة إِلَّا أَن يشْتَرط التَّوْزِيع على عدد الْإِصَابَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 ثمَّ الْمُحَلّل فِي التحزب يجوز أَن يكون من الحزبين وَيجوز أَن يكون خَارِجا عَنْهُمَا يناضلهم أَو لَا يناضلهم فَلَو شَرط أحد الحزبين لوَاحِد مِنْهُم الْغنم دون الْغرم فقد حلل هَذَا لنَفسِهِ وَهل يحلل لغيره فعلى الْخلاف الْمَذْكُور وَهَا هُنَا اولى بِأَن يَصح لِأَن الْمُحَلّل هُوَ الَّذِي يسْتَحق جَمِيع السهْم وَهَذَا لَا يسْتَحق إِلَّا بعض السهْم فرع لَو ترامى حزبان واجتاز بهما رجلَانِ قبل العقد فَاخْتَارَ كل وَاحِد وَاحِدًا ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 عقدا جَازَ فَإِن خرج أَحدهمَا أخرق لم يكن لَهُ خِيَار الرَّد فَإِنَّهُ المقصر إِذْ عقد قبل الْبَحْث وَإِن بَان أَنه غير رام أصلا سقط وَسقط مُقَابِله وَهَذَا ينقدح إِذا لم يقدر على نزع الْقوس أما إِذا لم يكن تعلم أصلا وَلَكِن يقدر على الرَّمْي فَيحْتَمل خلافًا فِي جَوَاز مناضلة مثله إِذْ لَا خطر فِيهِ فَإِن لم نجوز فَيسْقط وَإِلَّا احْتمل أَن يَجْعَل كالأخرق الشَّرْط السَّادِس تعْيين الْموقف مَعَ التَّسَاوِي فَلَو شَرط لبَعْضهِم التَّقَدُّم فَهُوَ بَاطِل كَمَا فِي الْمُسَابقَة وَأما الْوَاقِف فِي الْوسط فَلَا شكّ أَنه أقرب إِلَى الْمُحَاذَاة وَلَكِن هَذَا الْقدر يحْتَمل لضَرُورَة الصَّفّ فَإِن تنازعوا فِيهِ فَهُوَ كالبداية بِالرَّمْي والتنافس فِيهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فرع لَو تراضوا بتقدم وَاحِد فَلَا يجوز وَكَأَنَّهُم رَضوا بِأَن يفوز من غير رمي مَحْسُوب أَو حطوا الْعشْرَة فِي حَقه إِلَى التِّسْعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 أما إِذا تطابقوا برد الْجُمْلَة من الْعشْرَة إِلَى التِّسْعَة أَو بالتقدم بأجمعهم أَو التَّأَخُّر فَهَذَا تَغْيِير لصفة العقد وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى أما إِذا تَأَخّر وَاحِد بِالرَّمْي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مُضر بِنَفسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قد يَسْتَفِيد بِهِ أمنا من مروق السهْم ومروق السهْم قد يمْنَع الإحتساب على رَأْي سنبينه وترداد الْفَارِس ببعد الميدان زِيَادَة حِدة فِي الدَّابَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يسْتَحق بِهِ السَّبق والسبق بِنصب الْبَاء عبارَة عَن المَال الْمَشْرُوط للسابق وَإِنَّمَا يسْتَحق بِوُجُود الشَّرْط وَفِي الشَّرْط صور الأولى أَن يشْتَرط الْإِصَابَة فَلَا يحْسب مَا يُصِيب بِعرْض السهْم أَو بفوقه ويحسب مَا يُصِيب ويرتد وَلَا يخرق وَإِن أصَاب جدارا أَو شَجرا ثمَّ مرق إِلَى الهدف فعادة الرُّمَاة أَن لَا يحْسب وللفقهاء فِيهِ تردد وَلَو أصَاب الأَرْض ثمَّ ارْتَفع إِلَى الهدف فَأولى بِأَن يحْسب وَإِن خرق طرف الهدف فَإِن حصل فِيهِ جَمِيع جرم النصل حسب وَإِن حصل فِيهِ بعض جرمه فَفِيهِ حلاف وَأولى بِأَن يحْسب الثَّانِيَة إِذا شَرط الخواسق وَهِي الخوارق أَي الَّتِي تخرق الهدف فَإِن خرق طرف الهدف فَهُوَ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِصَابَة وَإِن وَقع فِي ثقبة قديمَة وَثَبت فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يخرق وَلَكِن كَانَ بِحَيْثُ لَو لم تكن الثقبة تخرق وَالأَصَح أَنه يحْسب وَإِن خرق وَلم يثبت وَلَكِن مرق حسب لِأَنَّهُ خرق وَزَاد وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي أَن الثُّبُوت هَل يشْتَرط فِي الخواسق وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا شَرط عشر قرعات من مائَة رشق مبادرة وَمعنى الْقرعَة الْإِصَابَة فَرمى أَحدهمَا خمسين وَقد تمت لَهُ الْعشْرَة اسْتحق السَّبق وَلَكِن هَل عَلَيْهِ إتْمَام الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعَمَل مَقْصُود للتعلم وَمَعَ هَذَا فَلَا شكّ أَن خارجيا لَو شَرط لَهُ على إِصَابَته الَّتِي بهَا يسْتَحق شَيْئا آخر اسْتحق ذَلِك أَيْضا لِأَن الْعَمَل الْوَاحِد يَفِي فِي التَّعَلُّم بالغرضين وَلَو شَرط فِي المحاطة عشر قرعات خَالِصَة فحصلت من خمسين وَقُلْنَا لَا يشْتَرط إتْمَام الْعَمَل فِي الْمُبَادرَة فهاهنا وَجْهَان لِأَنَّهُ يتَوَقَّع الْحَط فِي الثقبة وَالَّذِي لَا يُوجب يَقُول إِنَّمَا المحاطة قبل تَمام الْعشْرَة خَالِصا لوَاحِد وَأما الْحَط من عشرَة خَالِصَة فَلَا وَجه لَهُ وَالْقَائِل الآخر يجوز الْحَط من الْخَالِص أما إِذا تمت عشرته فِي آخر الْخمسين وَالْآخر بعد مَا رمى إِلَّا تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق الأول فَإِنَّهُ رُبمَا يُصِيب صَاحبه فيحطه إِلَى تِسْعَة وَكَذَلِكَ فِي الْمُبَادرَة لَو تمّ لَهُ عشرَة بالخمسين وَتمّ للْآخر تِسْعَة فِي تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق السَّابِق حَتَّى يُسَاوِيه الآخر فِي الرشق فَإِن أصَاب فِي آخر الْخمسين فقد تَسَاويا وَإِن أَخطَأ اسْتحق الأول الرَّابِعَة لَو قَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك دِينَار فَإِن أصَاب سِتَّة على التوالي اسْتحق وَفِي لوم إتْمَام الْعَمَل الْخلاف أما إِذا قَالَ ارْمِ خمْسا عَنْك وخمسا عني فَإِن أصبت فِيمَا عَنْك فلك كَذَا فَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يناضل نَفسه فيقصر فِي حق صَاحبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 الْخَامِسَة إِذا تشارطوا أَن الْقَرِيب مَحْسُوب وقدروه بالذراع جَازَ وَكَأَنَّهُ وسع الهدف وَإِن أطلق وَلَهُم عَادَة مطردَة ينزل عَلَيْهَا وَإِلَّا فسد للْجَهَالَة وَقيل إِنَّه ينزل على احتساب الْأَقْرَب إِذا كَانَ سهم أَحدهمَا أقرب فَازَ وَإِن كَانَ بَعْضهَا أقرب وَبَعضهَا أبعد وجميعا أقرب من سِهَام صَاحبه سقط سِهَام صَاحبه وَهل يسْقط أقربه أبعده فِيهِ تردد وَالصَّحِيح أَنه لَا يسْقط أما إِذا تشارطوا صَرِيحًا إِسْقَاط الْقَرِيب الْأَقْرَب أَو إِسْقَاط الْإِصَابَة للقريب فَهُوَ مُتبع وَإِن تشارطوا إِخْرَاج وسط القرطاس وَمَا حواليه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي صِحَة ذَلِك من حَيْثُ إِن وسط القرطاس يتَعَذَّر قَصده وَقد يُصِيبهُ الأخرق وفَاقا فرع فِي النكبات الطارئة فَإِذا مرق السهْم مِنْهُ فَوق الهدف وَوَقع على بعد مفرط لسوء رميه فَهُوَ مَحْسُوب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لانكسار قَوس أَو سهم أَو انْقِطَاع وتر وَوَقع على بعد مفرط فَلَا يحْسب عَلَيْهِ من رشقه بل يرد إِلَيْهِ السهْم ليعيد رميه وَإِن وَقع على قرب حسب عَلَيْهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن النكبة لم يظْهر أَثَرهَا فِي الإبعاد وعَلى وَجه آخر لَا يحْسب عَلَيْهِ وَلَو أصَاب مَعَ ذَلِك يحْسب لَهُ على الْوَجْه الأول وَإِن فرعنا على الثَّانِي فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يظْهر حمله على وفَاق فَلَا يظْهر بِهِ الحذق وَلَو عرض بَهِيمَة فأصابها ومرق إِلَى الهدف فَالْأَصَحّ أَنه يحْسب وَيدل على استقامة رميه وقوته وَفِيه وَجه أَنه يحمل على وفَاق فَلَا يحْسب لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْعَارِض هُوَ الرّيح فَإِن اقْترن بالإبتداء لم يعْذر إِذْ هُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 المقصر حَيْثُ ابْتَدَأَ مَعَ الرّيح وللحذاق نيقة فِي الرَّمْي عِنْد الرّيح بإمالة النّظر وَكَذَا إِذا انْكَسَرَ الْقوس لسوء فعله فَلَا أثر فليتعلم وَإِن عصفت ريح عَظِيمَة فِي وسط الرَّمْي فَهَل يعْذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْذر لِأَن السهْم أحد من الرّيح فَلَا يُؤثر فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يعْذر لِأَنَّهُ قد تُؤثر وَأما الرّيح اللينة فَلَا تُؤثر أما إِذا انْكَسَرَ السهْم بنصفين وَأصَاب بالمقطع من النّصْف الَّذِي فِيهِ الفوق حسب وَإِن أصَاب بالنصل لم يحْسب لِأَن قُوَّة الرَّمْي تبقى فِي ذَلِك النّصْف لَا فِي النصل وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ النّظر إِلَى النصل فَأَما إِذا أصَاب بالفوق أَو الْعرض فَلَا يحْسب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 الْفَصْل الثَّالِث فِي جَوَاز هَذِه الْمُعَامَلَة وفيهَا قَولَانِ كَمَا فِي الْمُسَابقَة فَإِن قُلْنَا باللزوم لم يجب تَسْلِيم السَّبق إِلَى تَمام الْعَمَل وَفِيه وَجه يجْرِي فِي الْمُسَابقَة أَنه يجب كتسليم الْأُجْرَة لِأَن الإنهدام فِي الدَّار أَيْضا متوقع إِلَّا أَن انهدام الدَّار بعيد وَأما الْفَوْز فتقديره لَيْسَ بأغلب من نقيضه وَيُفَارق الْإِجَارَة أَيْضا فِي أَنه لَو مَاتَ الْعَاقِد انْفَسَخ لِأَن العقد مُتَعَلق بِعَيْنِه وَلَو مَاتَ الْفرس انْفَسَخت الْمُسَابقَة وَلَو مَاتَ المسابق وَالْفرس قَائِم انقدح أَن يُقَال على الْوَارِث إِتْمَامه لِأَن الأَصْل الْفرس وَفِيه بعد أَيْضا لِأَن للفارس فِيهِ دخلا ظَاهرا وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ ت فرع أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا جَوَاز إِلْحَاق الزِّيَادَة بالإرشاق والقرعات بِالتَّرَاضِي فَلَو استبد أَحدهمَا دون صَاحبه فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لاغ وَالثَّانِي أَنه مُعْتَبر وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر من الْغَالِب دون المنضول لِأَن المنضول إِذا استشعر الضعْف فَلَا يزَال يدافع بِالزِّيَادَةِ ثمَّ نعني بالغالب الَّذِي ظهر استيلاؤه وقارب الظفر فَلَا يَكْفِي التَّقَدُّم بِقرْعَة وقرعتين فَإِن ذَلِك سريع التَّغَيُّر وَإِذا قُلْنَا إِنَّه يعْتَبر لم يلْزم فِي حق صَاحبه بل إِن تثاقلت عَلَيْهِ فليفسخ العقد كَمَا لَو زَاد الْجَاعِل عملا على المجعول يجْرِي فِيهِ هَذَا الْخلاف فَإِن اعْتبر فللمجعول فسخ العقد وَطلب أُجْرَة الْمثل بِخِلَاف مَا لَو فسخ تشهيا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل بِغَيْر عذر فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق شَيْئا الثَّانِي الْفَسْخ وَذَلِكَ جَائِز لكل وَاحِد عِنْد التَّسَاوِي وَجَائِز من الناضل وَهل ينفذ من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 المنضول يَنْبَنِي على أَن زِيَادَته هَل تلتحق فَإِن قُلْنَا لَا تلتحق فَكَأَنَّهُ صَار لَازِما فِي حق المنضول وَيجْرِي مثل هَذَا الْخلاف إِذا فسخ الْجَاعِل وَقد فرغ المجعول عَن بعض الْعَمَل وَكَانَ مَا يخص عمله من الْمُسَمّى يزِيد على أجر الْمثل أَنه هَل ينفذ الثَّالِث النُّقْصَان من الإرشاق والقرعات كالزيادة وَلَيْسَ كالإبراء عَن الثّمن أما الْإِبْرَاء عَن السَّبق فَيخرج على الْإِبْرَاء قبل الْوُجُوب وَبعد جَرَيَان السَّبَب الرَّابِع الإبطاء وَذَلِكَ جَائِز على قَول الْجَوَاز بل لَهُ الْإِعْرَاض وعَلى قَول اللُّزُوم يجب الجري على الْعَادة فرع لَو قَالَ المنضول للنضال حط فضلك وَلَك عَليّ كَذَا لم يجز على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مُقَابلَة بحط الْفضل بِمَال وَلَا أصل لمثل هَذِه الْمُعَاوضَة سَوَاء كَانَ العقد جَائِزا أَو لَازِما وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 = كتاب الْأَيْمَان = وَالنَّظَر فِي الْيَمين وَالْكَفَّارَة والحنث فنعقد فِي كل وَاحِد بَابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْيَمين وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الصَّرِيح وَالْكِنَايَة وَالْيَمِين عبارَة عَن تَحْقِيق مَا يحْتَمل الْمُخَالفَة بِذكر اسْم الله تَعَالَى أَو بِصفة من صِفَاته مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا لَا فِي معرض اللَّغْو والمناشدة وأشرنا بالماضي إِلَى يَمِين الْغمُوس فَإِنَّهَا توجب الْكَفَّارَة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 وأشرنا بِاللَّغْوِ إِلَى قَول الْعَرَب لَا وَالله وبلى وَالله فِي معرض المحاورة من غير قصد إِلَى التَّحْقِيق فَلذَلِك لَا يُوجب الْكَفَّارَة وَهُوَ لَغْو إِلَّا فِي الطَّلَاق وَالْعتاق فَإِن الْعَادة مَا جرت بِاللَّغْوِ فِيهِ وَإِنَّمَا يخرج عَن كَونه لَغوا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة على قصد التَّحْقِيق وَأما المناشدة فَهُوَ أَن يَقُول أقسم بِاللَّه عَلَيْك لتفعلن فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد لَا عَلَيْهِ وَلَا على الْمُخَاطب إِلَّا أَن يقْصد العقد على نَفسه فَيصير حَالفا فَيحنث بمخالفة الْمُخَاطب وَأما قَوْلنَا بِاللَّه أَو بصفاته احترزنا بِهِ عَن قَوْله وَحقّ الْكَعْبَة وَالنَّبِيّ وقبره وشعره وَجِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة فاليمين بِهِ وَبِكُل مَخْلُوق لَا يُوجب الْكَفَّارَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف فليحلف بِاللَّه وَإِلَّا فليصمت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو بَرِيء من الله لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِنَّمَا يسْتَثْنى عَن هَذَا الأَصْل يَمِين اللجاج وَالْغَضَب على قَول ثمَّ الْيَمين يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ صَرِيح وكناية بِالْإِضَافَة إِلَى أَسمَاء الله تَعَالَى وَهِي على أَربع مَرَاتِب الْمرتبَة الأولى أَن يذكر اسْما لَا يُطلق إِلَّا على الله تَعَالَى فِي معرض التَّعْظِيم كَقَوْلِه بِاللَّه وبالرحمن والرحيم وبالخالق والرازق فَهَذَا صَرِيح وَإِن لم ينْو فَإِن قَالَ أردْت بِاللَّه أَي وثقت بِاللَّه ثمَّ ابتدأت لَأَفْعَلَنَّ فَهَذَا لَا يقبل ظَاهرا فِي الْإِيلَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 وَغَيره وَهل يدين بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان الْمرتبَة الثَّانِيَة أَن يذكر اسْما مُشْتَركا يُطلق على الله وعَلى غَيره كالعليم والحكيم والرحيم والجبار وَالْحق وَأَمْثَاله فَهُوَ كِنَايَة وَإِنَّمَا يصير يَمِينا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّة وَكَذَلِكَ قَوْله وَحقّ الله إِذْ قد يُرَاد بِهِ حُقُوقه من الْعِبَادَات وَقد يُرَاد اسْتِحْقَاقه للإلهية الْمرتبَة الثَّالِثَة أَن يحلف بِالصِّفَاتِ كَقَوْلِه بقدرة الله وَعلمه وَكَلَامه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كَقَوْلِه بِاللَّه فَلَا يقبل فِيهِ التورية وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 وَالثَّالِث أَنه يدين بَاطِنا وَفِي قبُوله ظَاهرا وَجْهَان إِذْ قد يُرَاد بِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُور وبالعلم الْمَعْلُوم فَيَقُول رَأَيْت قدرَة الله أَي آثَار صنعه وَلَو قَالَ وجلال الله وعظمته وكبريائه فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالحلف بِاللَّه وَالثَّانِي أَنه كالحلف بِالْقُدْرَةِ إِذْ قد يَقُول رَأَيْت جلال الله وَيُرِيد آثَار صنعه وَقَوله وَحُرْمَة الله قيل إِنَّه كَقَوْلِه وَحقّ الله وَقيل إِنَّه كالصفات وَقَوله لعمر الله قيل إِنَّه حلف بِبَقَاء الله فَهُوَ كالصفات وَقيل إِنَّه كِنَايَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 الْمرتبَة الرَّابِعَة مَا لَا يصير يَمِينا وَإِن نوى وَهُوَ مَا لَا تَعْظِيم فِيهِ كَقَوْلِه وَالشَّيْء الْمَوْجُود والمرئي وَأَرَادَ بِهِ الله تَعَالَى فَلَيْسَ بِيَمِين وَإِن نوى إِذْ لم يذكر اسْما مُعظما وَذكر اسْم مُعظم لَا بُد مِنْهُ وَلَو قَالَ بله وَقصد التلبيس فَلَيْسَ بحالف وَكَذَلِكَ إِن لم يقْصد فَإِن البلة من الرُّطُوبَة إِلَّا إِذا نوى الْيَمين فَيحمل حذف الْألف على لحن قد تجْرِي بِهِ الْعَادة عِنْد الْوَقْف هَذَا فِي انقسام الْيَمين بِذكر اسْم الله تَعَالَى وينقسم أَيْضا بِذكر الصلات وَهِي على دَرَجَات فَإِنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى حُرُوف وكلمات أما الْكَلِمَات فَقَوله أَقْسَمت بِاللَّه أَو أقسم بِاللَّه أَو حَلَفت بِاللَّه أَو أَحْلف فَهَذَا يحْتَمل الْإِخْبَار والوعد فَإِن نوى الْيَمين فَهُوَ يَمِين وَإِن قصد الْوَعْد والإخبار فَلَا وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَيْسَ بِيَمِين لتردد اللَّفْظ وَالثَّانِي أَنه يَمِين للْعَادَة الدرجَة الثَّانِيَة مَا هُوَ كِنَايَة قطعا كَقَوْلِه وعهد الله وَعلي عهد الله أَو نذرت بِاللَّه أما قَوْله أزخداي تَعَالَى بديرفتم قيل إِنَّه كِنَايَة وَقيل هُوَ كَقَوْلِه حَلَفت بِاللَّه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 الدرجَة الثَّالِثَة وَهُوَ بَين المرتبتين قَوْله أشهد بِاللَّه مِنْهُم من قَالَ إِنَّه كِنَايَة قطعا وَقَالَ المراوزة هُوَ كَقَوْلِه أقسم بِاللَّه وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو قَالَ الْملَاعن فِي لِعَانه أشهد بِاللَّه كَاذِبًا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة وَجْهَان وَهَذَا جَار وَإِن قصد الْيَمين لِأَن اللّعان صرف الْيَمين إِلَى اقْتِضَاء الْفِرَاق فَيحْتَمل خلافًا فِي الْكَفَّارَة فِيهِ كَمَا فِي الْإِيلَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 الدرجَة الرَّابِعَة أَن يَقُول وَايْم الله الظَّاهِر أَنه كَقَوْلِه أَحْلف بِاللَّه وَقيل إِنَّه كَقَوْلِه بِاللَّه فَإِنَّهُ صَرِيح فِيمَا بَين الْعَرَب وَأَصله أَيمن الله والأيمن جمع الْيَمين أما الْحُرُوف فَهِيَ الْبَاء وَالتَّاء وَالْوَاو وَالْفَاء وَقَوله وَالله وتالله كقلوه بِاللَّه وَنقل نَص عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن تالله لَيْسَ بِيَمِين فَقيل هُوَ كَقَوْلِه أقسم بِاللَّه وَالصَّحِيح أَنه يَمِين قطعا وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ مَا إِذا قَالَ القَاضِي فِي الْقسَامَة قل بِاللَّه فَقَالَ تالله لم يكن يَمِينا للمخالفة أما قَوْله يَا الله فَلَيْسَ بِيَمِين وَلَو قَالَ الله لَأَفْعَلَنَّ لم يكن يَمِينا إِلَّا أَن يَنْوِي وَلَو قَالَ الله لَأَفْعَلَنَّ بالخفض كَانَ يَمِينا وَلَو لم ينْو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 الْفَصْل الثَّانِي فِي يَمِين الْغَضَب واللجاج فَإِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَللَّه عَليّ صَوْم أَو حج أَو صَدَقَة أَو ذكر عبَادَة تلتزم بِالنذرِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يلْزمه الْوَفَاء كَمَا لَو قَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ صَوْم أَو علقه بِدفع بلية أَو حُصُول نعْمَة وَالثَّانِي أَنه يلْزمه كَفَّارَة يَمِين لِأَن هَذَا يقْصد للْمَنْع بِخِلَاف نذر التبرر فَإِنَّهُ يذكر للتقرب وَالثَّالِث أَن يتَخَيَّر بَين الْوَفَاء وَالْكَفَّارَة لتردد اللَّفْظ بَين الْمَعْنيين التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزمه الْكَفَّارَة فَإِنَّمَا يكون فِيمَا لَيْسَ بِنِعْمَة كَقَوْلِه إِن دخلت نيسابور أَو شربت أَو زَنَيْت وَلَو قَالَ إِن دخلت مَكَّة أَو لم أشْرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 أَو صليت فَهَذَا مُحْتَمل للوجهين فَيرجع إِلَى قَصده أما إِذا علقه بمباح لَا على قصد الْمَنْع بل لِحِرْصِهِ على ذَلِك الشَّيْء كَقَوْلِه إِن لم آكل أَي انْكَسَرت شهوتي بِتَوْفِيق الله أَو دخلت نيسابور أَي إِن بقيت إِلَى ذَلِك الْوَقْت فَهَذَا فِيهِ تردد فَمنهمْ من منع التبرر فِي الْمُبَاحَات فروع الأول إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي نذر نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَهُوَ تَفْرِيع على قَول الْكَفَّارَة وَإِن فرعنا على الْوَفَاء فَيَنْبَغِي أَن تجب هَاهُنَا عبَادَة مَا وَإِلَيْهِ التَّعْيِين وَله تعْيين كل مَا يتَصَوَّر الْتِزَامه بِالنذرِ وَإِن قَالَ إِن فعلت فعلي يَمِين فَهُوَ لَغْو إِذْ لم يَأْتِ بِمَا يشْعر بِعبَادة وَلَا بِصِيغَة الْحلف وَقيل عَلَيْهِ مَا على الْحَالِف الثَّانِي لَو قَالَ مَالِي صَدَقَة أَو فِي سَبِيل الله قَالَ القَاضِي هُوَ لَغْو لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِصِيغَة الإلتزام وَفِيه وَجْهَان آخرَانِ أَحدهمَا أَن ذَلِك كَقَوْلِه عَليّ صَدَقَة وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن مَاله للصدقة كَقَوْلِه جعلت هَذِه الشَّاة ضحية وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 بعيد وعَلى الْوُجُوه الثَّلَاثَة يخرج مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَمَالِي صَدَقَة هَذَا بَيَان الْيَمين الْمُوجبَة وكل ذَلِك إِذا لم يعقبه الإستثناء فَلَو قَالَ بعد الْيَمين إِن شَاءَ الله لم يلْزمه شَيْء كَمَا ذكرنَا فِي الطَّلَاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْكَفَّارَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي السَّبَب والكيفية والملتزم النّظر الأول فِي سَبَب الْوُجُوب وَهُوَ الْيَمين عندنَا دون الْحِنْث لَكِن الْيَمين يُوجب عِنْد الْحِنْث كَمَا يُوجب ملك النّصاب عِنْد آخر الْحول لِأَن الْحِنْث لَا يحرم بِالْيَمِينِ بل يبْقى تَحْرِيمه وإباحته كَمَا كَانَ نعم فِي الأولى ثَلَاثَة أوجه إِذا عقد على مُبَاح أَحدهَا أَن الأولى الْبر لتعظيم الْيَمين وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الأولى الْحِنْث لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة وَالثَّالِث أَنه يبْقى كَمَا كَانَ وَأما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قضى بِتَحْرِيم الْحِنْث عَلَيْهِ وَبنى عَلَيْهِ أَن يَمِين الْغمُوس لَا ينْعَقد إِذْ الْمَاضِي لَا يُمكن تَحْرِيمه وَقضى بِأَنَّهُ لَو قَالَ حرمت هَذَا الطَّعَام لَزِمته الْكَفَّارَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 وَعِنْدنَا لَا يلْزم إِلَّا فِي تَحْرِيم الْبضْع وَفِيه وَردت الْآيَة وَقضى بِلُزُوم الْيَمين فِي قَوْله إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي معنى التَّحْرِيم وَقَالَ لَا ينْعَقد يَمِين الْكَافِر إِذْ لَيْسَ مأخوذا بِتَحْرِيم شرعنا وَقَالَ لَا تقدم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وَإِن قدم الزَّكَاة على الْحول وَمَالك رَحمَه الله يجوز تَعْجِيل الْكَفَّارَة دون تَعْجِيل الزَّكَاة وَعِنْدنَا يجوز تعجيلهما إِلَّا إِذا حلف على مَحْظُور فَفِي جَوَاز تَقْدِيم الْكَفَّارَة وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تمهيد للتوصل إِلَى الْحَرَام وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يجوز لِأَن التَّحْرِيم يباين مَأْخَذ الْيَمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 هَذَا فِي الْكَفَّارَة الْمَالِيَّة تَشْبِيها بِالزَّكَاةِ أما بِالصَّوْمِ فَالْمَذْهَب أَنه لَا يقدم لَا سِيمَا فِي الْيَمين وَهُوَ مُرَتّب على الْعَجز وَلَا يتَحَقَّق الْعَجز إِلَّا بعد الْوُجُوب وَفِيه وَجه أَنه يجوز لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير ثمَّ يجْرِي التَّقْدِيم فِي كل كَفَّارَة بعد جَرَيَان سَبَب الْوُجُوب وَكَفَّارَة الْقَتْل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 تجْرِي بعد الْجرْح وَقبل الزهوق وَكَفَّارَة الظِّهَار بعد الظِّهَار وَقبل الْعود إِن أمكن وكفارات الْحَج بعد الْإِحْرَام وَقبل ارْتِكَاب الْأَسْبَاب وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز قبل ارْتِكَاب الْمَحْظُور لِأَن الْإِحْرَام لَيْسَ سَببا بل الإرتكاب للمحظور هُوَ السَّبَب النّظر الثَّانِي فِي الْكَيْفِيَّة وَهَذِه الْكَفَّارَة فِيهَا تَخْيِير وترتيب فَيتَخَيَّر بَين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 عتق رَقَبَة وَكِسْوَة عشرَة مَسَاكِين وإطعام عشرَة مَسَاكِين لكل وَاحِد مد فَإِن عجز عَن جَمِيع ذَلِك فصوم ثَلَاثَة أَيَّام مُتَفَرقًا أَو مُتَتَابِعًا وَفِيه قَول قديم أَنه يجب التَّتَابُع حملا للمطلق على الْمُقَيد فِي الظِّهَار وَكَيْفِيَّة الْكَفَّارَة ذَكرنَاهَا فِي الظِّهَار وَإِنَّمَا نذْكر الْآن الْكسْوَة وَالنَّظَر فِي قدرهَا وجنسها وصفتها أما الْقدر فَلَا يشْتَرط دست ثوب بل يَكْفِي ثوب وَاحِد كجبة أَو قَمِيص أَو رِدَاء أَو سَرَاوِيل أَو عِمَامَة قَصِيرَة ثمَّ لَا يشْتَرط الْمخيط بل يَكْفِي الكرباس وَلَو سلم إِلَى طِفْل يواريه خرقَة كَفاهُ إِذا قبضهَا وليه وَلَو سلم إِلَى كَبِير مَا يستر طفْلا فَالظَّاهِر جَوَازه وَلَا ينظر إِلَى الْآخِذ هَكَذَا قَالَه القَاضِي وَقَالَ غَيره لَا بُد أَن ينظر إِلَى الْآخِذ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الْوَاجِب مَا يستر الْعَوْرَة بِحَيْثُ تصح الصَّلَاة مَعَه وَهُوَ قَول حَكَاهُ الْبُوَيْطِيّ أما الْجِنْس فيجزىء الْقطن والإبريسم والكتان وَالصُّوف وَفِي الدرْع وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 لِأَنَّهُ أَيْضا ملبوس تجب الْفِدْيَة على الْمحرم بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُف والشمشك والقلنسوة وَجْهَان أما النَّعْل فَلَا يجزىء كالمنطقة على وَجه وعَلى وَجه هُوَ كالشمشك وَلم يعْتَبر فِي الثَّوْب غَالب جنس ملبوس أهل الْبَلَد قَالَ القَاضِي وَلَو اعْتبر ذَلِك لم يبعد أما الصّفة فَيُؤْخَذ الْجَدِيد والخلق والمعيب إِلَّا إِذا صَار بِكَثْرَة الإستعمال منسحقا بِحَيْثُ يتمزق على الْقرب أَو تمزق بالإستعمال ورقع النّظر الثَّالِث فِيمَن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَتجب الْكَفَّارَة على كل مُكَلّف حنث حرا كَانَ أَو عبدا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا بَقِي حَيا أَو مَاتَ قبل الْأَدَاء وَالنَّظَر فِي الْمَيِّت وَالْعَبْد أما الْمَيِّت فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون لَهُ تَرِكَة وَعَلِيهِ كَفَّارَة مرتبَة فعلى الْوَارِث الْإِعْتَاق عَنهُ وَلَا بَأْس بِحُصُول الْوَلَاء لَهُ بِغَيْر إِذْنه وَتثبت هَذِه الْخلَافَة للضَّرُورَة وَإِن كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين فَلهُ أَن يكسو وَيطْعم عَنهُ وَلَا ضَرُورَة فِي تَحْصِيل الْوَلَاء لَهُ فَفِي إِعْتَاقه عَنهُ وَالْكَفَّارَة مخيرة وَجْهَان وَالأَصَح الْجَوَاز الثَّانِيَة أَن لَا يكون لَهُ تَرِكَة فللوارث أَن يكسو وَيطْعم عَنهُ مُتَبَرعا وَفِي التَّبَرُّع بِالْإِعْتَاقِ عَنهُ وَجْهَان مرتبان على الْكَفَّارَة المتخيرة وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ التَّرِكَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 علقَة مسلطة وتبرع الْأَجْنَبِيّ بِالْعِتْقِ عَنهُ لَا يجوز وَفِي إطعامه وَكسوته وَجْهَان وَفِي عتق الْأَجْنَبِيّ عَنهُ وَجه بعيد أَنه ينفذ كالكسوة وَفِي إطْعَام الْوَارِث وَجه بعيد أَنه لَا يجوز كالإعتاق وهما بعيدان أما الصَّوْم فَفِي صَوْم الْوَلِيّ عَنهُ خلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 وَالْأَجْنَبِيّ الْمَأْذُون لَهُ فِي الصَّوْم كالولي الَّذِي لَيْسَ بمأذون فِي الصَّوْم وَفِي صَوْم الْأَجْنَبِيّ من غير إِذن خلاف مُرَتّب على الْإِطْعَام وَأولى بِالْمَنْعِ وَإِن قُلْنَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة فَلَو مرض بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَفِي الصَّوْم عَنهُ وَهُوَ حَيّ وَجْهَان كشبهه بِالْحَجِّ حَيْثُ تطرقت إِلَيْهِ النِّيَابَة وَلكنه بِالْجُمْلَةِ أبعد عَن النِّيَابَة الثَّالِثَة إِذا مَاتَ وَله تَركه وَعَلِيهِ دُيُون فَفِي تَقْدِيم حق الله أَو الْآدَمِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال ذَكرنَاهَا فِي الزَّكَاة فَإِن قُلْنَا تقدم الدُّيُون فَكَأَنَّهُ لَا تَرِكَة لَهُ وَلَو حجر عَلَيْهِ بالإفلاس قدم الدُّيُون قطعا لِأَن الْكَفَّارَة على التَّرَاخِي فرع لَو أوصى أَن يعْتق عَن كَفَّارَة يَمِينه عبد وَقِيمَته تزيد على الطَّعَام وَالْكِسْوَة فَفِيهِ وَجها أَحدهمَا أَنه يحْسب من الثُّلُث لِأَن تعْيين الْعتْق تبرع وَالثَّانِي لَا بل هُوَ أحد الْخِصَال الْوَاجِبَة وَقد تعين بتعيينه فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْسب من الثُّلُث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن قدر قيمَة الطَّعَام يحْسب من رَأس المَال وَالزَّائِد إِن لم يَفِ الثُّلُث بِهِ عدلنا إِلَى الطَّعَام وَالثَّانِي وَهُوَ ظَاهر النَّص أَن الثُّلُث إِن لم يَفِ بِأَصْل قيمَة العَبْد عدلنا إِلَى الطَّعَام أما العَبْد فَإِذا حلف فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّوْم لِأَن الصَّحِيح أَنه لَا يملك بالتمليك وَللسَّيِّد منع الْجَارِيَة عَنهُ للإستمتاع لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي وَله مِنْهُ العَبْد الَّذِي يضعف عَن الْخدمَة عَن الصَّوْم وَإِن كَانَ قَوِيا فَلَا وَإِن كَانَ الْحِنْث أَو الْيَمين أَو كِلَاهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 بِإِذن السَّيِّد فَفِيهِ نظر مَا ذَكرْنَاهُ فِي الظِّهَار وَمنعه عَن صَوْم كَفَّارَة الظِّهَار غير مُمكن لِأَن فِيهِ إدامة التَّحْرِيم وإضرارا بِالْعَبدِ أما إِذا مَاتَ العَبْد فللسيد أَن يكفر عَنهُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَة وَإِن قُلْنَا إِن العَبْد لَا ملك لَهُ لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ فَلَا رق عَلَيْهِ وَالْحر الْمَيِّت أَيْضا لَا ملك لَهُ وَإِن أعتق عَنهُ فَوَجْهَانِ لعسر الْوَلَاء فِي حق الرَّقِيق أما إِعْتَاق العَبْد مِمَّا ملكه على قَوْلنَا إِنَّه يملك بالتمليك فَفِيهِ تَفْصِيل ذَكرْنَاهُ فِي الْبَسِيط فَلَا نطول بِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيع على قَول ضَعِيف فرع من نصف حر وَنصفه عبد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يكفر بِالْمَالِ إِن كَانَ لَهُ مَال وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يجوز إِلَّا الصَّوْم لِأَن المَال يَقع عَن جملَته إِذْ التجزئة لَا تمكن فِي الْمُؤَدِّي كَمَا لَا يُمكن إِعْتَاق نصف رَقَبَة وإطعام خَمْسَة مَسَاكِين وَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا قولا مخرجا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يَقع بِهِ الْحِنْث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذَلِكَ بمخالفة مُوجب الْيَمين لفظا وَعرفا وَهُوَ بَاب جَامع الْأَيْمَان والألفاظ لَا تَنْحَصِر وَلَكِن تعرض الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما يكثر وُقُوعه وَهِي سَبْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول فِي أَلْفَاظ الدُّخُول وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا حلف أَن لَا يدْخل الدَّار فرقي فِي السَّطْح لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون مسقفا وَإِن كَانَ محوطا من الجوانب غير مسقف فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث والحائط من جَانب وَاحِد لَا يُؤثر وَإِن كَانَ من جانبين وَثَلَاثَة فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على التحويط من الجوانب وَأولى بِأَن لَا يَحْنَث وَلَو حلف أَن لَا يدْخل الدَّار فَصَعدَ السَّطْح وَنزل إِلَى صحن الدَّار وَخرج من الْبَاب فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِنَّه حصل فِي الدَّار لكنه لم يدْخل من الْبَاب وَلَو حلف أَن لَا يخرج من الدَّار فَصَعدَ السَّطْح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 وَنزل فَلَا يَحْنَث قَالَ القَاضِي وَجب أَن يَحْنَث لِأَنَّهُ كالدخول سَوَاء فَإِن من حلف لَا يدْخل الدَّار فَدخل بِبَعْضِه لم يدْخل وَلَو حلف على الْخُرُوج فَصَعدَ السَّطْح لَا يبر بِهِ إِذْ لَيْسَ بِهِ أَيْضا خَارِجا كَمَا أَن من دخل بِبَعْض بدنه أَو خرج بِبَعْض بدنه لَا يَحْنَث فِي يَمِين الدُّخُول وَالْخُرُوج لِأَنَّهُ لَيْسَ بداخل وَلَا خَارج وَقَالَ القَاضِي إِذا لم يكن دَاخِلا فِي صعُود السَّطْح فَيَنْبَغِي أَن نجعله خَارِجا وَأما الدهليز فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن دَاخل الدهليز لَا يَحْنَث فَقَالَ الْأَصْحَاب أَرَادَ بِهِ الطاق الْمَضْرُوب خَارج الْبَاب فَإِن جَاوز الْبَاب حنث قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَا يبعد أَن يُقَال أَرَادَ بِهِ دَاخل الْبَاب قبل الْوُصُول إِلَى صحن الدَّار لِأَن ذَلِك لَا يُسمى دَارا بل لَهُ اسْم على الْخُصُوص وَلَو انْهَدَمت الدَّار وَلم يبْق إِلَّا الْعَرَصَة لم يَحْنَث بِدُخُولِهَا وَلَو بَقِي مَا يُقَال إِنَّه دَار فَيحنث وَلَو قَالَ لَا أَدخل الدَّار فَصَعدَ السَّطْح وَنزل فِي الدَّار وَخرج فَفِي الْحِنْث وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه حصل فِي الدَّار لَكِن لم يدْخل من الْبَاب وَلَو قَالَ وَهُوَ فِي الدَّار لَا أَدخل الدَّار لم يَحْنَث بالْمقَام كَمَا لَو قَالَ لَا أتطهر لَا يَحْنَث باستدامة الطَّهَارَة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَا ألبس وَلَا أركب فَإِنَّهُ يَحْنَث بالإستدامة إِذْ يَقُول الرَّاكِب أركب فرسخا أَي أستديم وَلَا يَقُول من فِي الدَّار أَدخل بل يَقُول أقيم فِيهِ وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا بُد من مُفَارقَة الدَّار كَمَا لَا بُد من نزع الثَّوْب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 اللَّفْظ الثَّانِي إِذا حلف أَن لَا يدْخل بَيْتا فَدخل بَيْتا لَهُ اسْم آخر أخص وَأشهر كالمسجد والكعبة والرحا وَالْحمام فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث بِهِ وَفِيه وَجه أَنه يَحْنَث بِهِ لِأَن الْبَيْت وَإِن جعل مَسْجِدا لَا يُفَارِقهُ وضع الإسم وَيقرب مِنْهُ الْخلاف فِيمَا لَو حلف أَنه لَا يَأْكُل الْميتَة فَأكل السّمك أَو لَا يَأْكُل اللَّحْم فَأكل الْميتَة فَمن نَاظر إِلَى وضع الإسم وَمن نَاظر إِلَى وضع الإستعمال وَلَو دخل بَيت الشّعْر حنث إِن كَانَ بدويا لِأَنَّهُ بَيت عِنْدهم وَإِن كَانَ قرويا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يَحْنَث لِأَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ بَيْتا وَقَالَ {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا} وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يفهم مِنْهُ الْبَيْت فيراعى فهمه لَا وضع اللِّسَان وَالثَّالِث أَن قريته إِن كَانَت قريبَة من الْبَادِيَة يطرقونها فَيحنث وَإِلَّا فَلَا وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْمُعْتَبر عرف اللَّفْظ فِي الْوَضع عِنْد من وَضعه أَو عرف اللافظ فِي الإستعمال وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يمِيل إِلَى عرف اللَّفْظ فَإِنَّهُ قَالَ يَحْنَث قرويا كَانَ أَو بدويا وَمَعَ هَذَا نَص أَنه لَو حلف لَا يَأْكُل الرُّءُوس لَا يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك وَلَو قَالَ لَا آكل اللَّحْم لم يَحْنَث بِلَحْم السّمك وَذكر صَاحب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 التَّقْرِيب قولا أَنه يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك اتبَاعا للفظ كَمَا فِي لفظ الْبَيْت لَكِن الْفرق مُمكن من حَيْثُ إِن الرَّأْس إِذا ذكر مَقْرُونا بِالْأَكْلِ لم يُمكن أَن ندعى فِيهِ عُمُوم اللَّفْظ فِي عرف الْوَضع وَلَو ذكر الرَّأْس مَقْرُونا باللمس لَا بِالْأَكْلِ حنث بِرَأْس الطير حَتَّى قَالَ الْقفال لَو قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ درخانه نشوم لَا يَحْنَث بِبَيْت الشّعْر إِذْ لم يثبت هَذَا الْعُمُوم فِي عرف الفارسية وَإِذا قصد اللَّفْظ الْعَرَبِيّ جَازَ أَن يُؤَاخذ بِمُوجب ذَلِك اللَّفْظ لِأَنَّهُ اخْتَار ذَلِك اللَّفْظ كَمَا لَو قَالَ لَا آكل التفاح وَهُوَ لَا يدْرِي مَا التفاح حنث بِمَا سَمَّاهُ الْعَرَب تفاحا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَ الصيدلاني لَو حلف لَا يَأْكُل الْخبز وَهُوَ فِي بِلَاد طبرستان حنث بِخبْز الْأرز وَلَا يَحْنَث فِي غَيرهَا وكل مَا ذَكرْنَاهُ فِي مُطلق اللَّفْظ فَإِن نوى شَيْئا من ذَلِك فتتبع نِيَّته إِن احْتمل فَلَو قَالَ وَالله مَا ذقت لفُلَان مَاء وَكَانَ قد أكل طَعَامه لم يَحْنَث وَلَو نوى الطَّعَام أَيْضا لم يَحْنَث لِأَن لفظ المَاء لَا يصلح لَهُ اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لَا أسكن هَذِه الدَّار فَليخْرجْ على الْفَوْر وَلَا يَكْفِيهِ إِخْرَاج أَهله مَعَ الْمقَام وَلَو خرج وَترك أَهله لم يَحْنَث وَلَو انتهض لنقل الأقمشة على الْعَادة قَالَ المراوزة لَا يَحْنَث وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْنَث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَحْنَث إِلَّا بالْمقَام يَوْمًا وَلَيْلَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 وَلَو قَالَ لَا أساكن فلَانا ففارقه صَاحبه بر فِي الْيَمين وَإِن فَارق هُوَ فِي الْحَال فَكَذَلِك وَإِن أَقَامَ سَاعَة حنث وَالنَّظَر فِي الْأَمَاكِن فَإِن كَانَا فِي خَان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبر فِي الْيَمين إِذْ انْفَرد بِبَيْت وَإِن كَانَ مَعَه فِي الخان وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من الْخُرُوج من الخان تَشْبِيها للخان بِالدَّار لَا بالسكة وَالثَّالِث أَنه إِن حلف وَهُوَ مَعَه فِي بَيت كَفاهُ الْخُرُوج من الْبَيْت وَإِن لم يكن فِي الْبَيْت فَلَا بُد من الْخُرُوج من الخان أما البيتان من الدَّار فمكان وَاحِد عِنْد الْإِطْلَاق وَفِيه وَجه آخر أَنَّهُمَا كالخان ثمَّ على الصَّحِيح لَو انْفَرد بحجرة تنفرد بمرافقها لَكِن بَابهَا لافظ فِي الدَّار فَفِيهِ وَجْهَان لأجل الطَّرِيق أما الْحُجْرَة فِي الخان فمنفردة وَلَا يُؤثر كَون الطَّرِيق على الخان وَلَو قَالَ سَاكن حجرَة فِي الخان لَا أساكن فلَانا وَهُوَ فِي حجرَة أُخْرَى فَلَا يَحْنَث بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مساكنا وَقَالَ القَاضِي يجب الْخُرُوج من الخان وَهَذَا بعيد وَلَزِمَه طرده فِي دور فِي سكَّة وَقد ارْتَكَبهُ وَيلْزمهُ فِي سكتين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 من بلد وَلَا قَائِل بِهِ نعم لَو قَالَ نَوَيْت أَن لَا أساكنه فِي الْبَلدة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن اللَّفْظ لَا ينبىء عَنهُ وَيلْزمهُ مِنْهُ تَقْدِير ذَلِك فِي خُرَاسَان أما الْمحلة فَوَجْهَانِ مرتبان على الْبَلَد وَأولى بالإندراج عِنْد النِّيَّة وَإِن كَانَا فِي سكَّة منسدة الْأَسْفَل وَجَرت النِّيَّة فَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ تتبع النِّيَّة أما إِذا كَانَ فِي دَار فانتهض بِبِنَاء جِدَار حَائِل فَالصَّحِيح أَنه يَحْنَث بالمكث وَفِيه وَجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 النَّوْع الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الْأكل وَالشرب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ ثَلَاثَة أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أشْرب مَاء هَذِه الْإِدَاوَة لم يَحْنَث إِلَّا بِشرب الْجَمِيع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الْإِدَاوَة فَلَا يبر إِلَّا بِشرب الْجَمِيع وَلَو قَالَ لأشرين مَاء هَذَا النَّهر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَقْتَضِي الْجَمِيع وَهُوَ محَال فَيحنث فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء وَالثَّانِي أَنه يحمل على التَّبْعِيض حَيْثُ لَا يحْتَمل إِذْ قد يُقَال فلَان شرب مَاء دجلة أَي شرب مِنْهَا وَلَو قَالَ لأقتلن فلَانا وَهُوَ يدْرِي أَنه ميت يلْزمه الْكَفَّارَة فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الْإِدَاوَة وَلَا مَاء فِيهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا كَفَّارَة فَإِنَّهُ ذكر محالا فِي ذَاته بِخِلَاف الصعُود وَقتل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 الْمَيِّت إِذْ إحْيَاء الْمَيِّت مَقْدُور لله تَعَالَى وَهَذَا فَاسد لأَنا نوجب الْكَفَّارَة بِوُجُود الْمُخَالفَة فِي الْيَمين بِدَلِيل وُجُوبه فِي الْغمُوس وَلَو قَالَ لأصعدن السَّمَاء غَدا فَفِي لُزُوم الْكَفَّارَة قبل الْغَد وَجْهَان وَلَو قَالَ لأقتلن فلَانا وَهُوَ يَظُنّهُ حَيا فَإِذا هُوَ ميت فَفِي الْكَفَّارَة خلاف بِنَاء على أَن النَّاسِي بِالْحلف هَل يعْذر اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لَا آكل هَذَا الرَّغِيف وَهَذَا الرَّغِيف لَا يَحْنَث إِلَّا بأكلهما وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا آكل وَلَا أكلم زيدا فَلَا يَحْنَث إِلَّا بمجموعهما وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَلَيْسَ يَخْلُو عَن إِشْكَال وَلَكِن قَالُوا الْوَاو العاطفة تجْعَل الإسمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 كالإسم الْوَاحِد الْمثنى فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لَا أكلمهما فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 بتكليمهما جَمِيعًا اللَّفْظ الثَّالِث إِذا حلف أَن لَا يَأْكُل الرَّأْس لم يَحْنَث بِرَأْس الطير والسمك على الظَّاهِر وَيحنث بِرَأْس الْبَقر وَالْإِبِل فَإِن ذَلِك يُؤْكَل بِبَعْض الأقطار وَرَأس الظباء لَا يَحْنَث بهَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل فِي سَائِر الأقطار وَإِن كَانَ يعْتَاد فِي قطر حنث من حلف بذلك الْقطر وَهل يَحْنَث فِي قطر آخر فِيهِ وَجْهَان مأخذه أَنه يرْعَى أصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 الْعَادة أَو عَادَة الحالفين وَكَذَا بيض السّمك لَا يَحْنَث بِهِ الْحَالِف على أكل الْبيض لِأَنَّهُ لَا يُفَارق السّمك وَيحنث ببيض الأوز والبط والنعامة وَلَا يَحْنَث ببيض العصافير فَإِن بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبيض كرأس الطير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرُّءُوس وَيجْرِي فِيهِ وَجه صَاحب التَّقْرِيب بِمُجَرَّد الإسم وَلَو حلف لَا يَأْكُل اللَّحْم لَا يَحْنَث بالشحم وَيحنث بالسمين وَهل يَحْنَث بالألية فِيهِ وَجْهَان وسنام الْبَعِير كالألية لَا كالشحم وَالسمن وَلَا يَحْنَث بتناول الأمعاء والكرش والكبد وَالطحَال والرئة وَفِي الْقلب وَجْهَان فَقيل يطرد ذَلِك فِي الأمعاء وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 بعيد وَلَو حلف على الزّبد لم يَحْنَث بالسمن وَلَا بِالْعَكْسِ وَفِيه وَجه أَن الزّبد سمن وَلَيْسَ السّمن بزبد وَاللَّبن لَيْسَ بزبد وَلَا سمن والمخيض هَل هُوَ لبن فِيهِ وَجْهَان إِذْ الْعَرَب قد تسمى المخيض لَبَنًا وَلَو حلف على السّمن لم يَحْنَث بالأدهان وَلَو حلف على الدّهن فَفِي الْحِنْث بالسمن تردد أما روغن بِالْفَارِسِيَّةِ فيتناولهما جَمِيعًا وَلَو حلف على الْجَوْز حنث بالهندي وَلَو حلف على التَّمْر لم يَحْنَث بالهندي وَلَو حلف لَا يَأْكُل لحم الْبَقر حنث ببقر الوحشي وَلَو حلف لَا يركب الْحمار فَهَل يَحْنَث بركوب حمَار الْوَحْش وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل لَا يَحْنَث بالشرب أَو لَا يشرب لم يَحْنَث بِالْأَكْلِ وَلَو حلف لَا يشرب سويقا فَصَارَ خاثرا بِحَيْثُ يُؤْكَل بالملاعق فتحساه فَفِيهِ تردد وَلَو قَالَ لَا آكل السكر فَوضع فِي الْفَم حَتَّى انماع لم يَحْنَث وَفِيه وَجه وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْعِنَب وَالرُّمَّان فَشرب عصيرهما لم يَحْنَث فَإِن حلف لَا يَذُوق فَأدْرك طعمه ومجه وَلم يبتلع فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن ازدرد حنث وَإِن لم يدْرك الطّعْم لَو حلف لَا يَأْكُل السّمن فَشرب الذائب مِنْهُ لم يَحْنَث وَإِن جعله فِي عصيدة وَلم يبْق لَهُ أثر لم يَحْنَث وَإِن كَانَ ممتازا مِنْهُ حنث وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يَحْنَث إِذا كَانَ مَعَ غَيره حَتَّى قَالَ لَو أكل مَعَ الْخبز لم يَحْنَث وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ الْعَادة وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْخلّ فَغمسَ فِيهِ الْخبز حنث وَلَو جعله فِي سكباج نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يَحْنَث وَقَالَ مُعظم الْأَصْحَاب أَرَادَ إِذا لم يظْهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 طعمه فَإِن ظهر طعمه حنث وَمِنْهُم من جرى على ظَاهر النَّص لِأَن الإسم قد تبدل خلاف السّمن الْمُمَيز عَن العصيدة وَالسمن وَإِذا لم يتَمَيَّز فِي العصيدة فَهُوَ كالخل فِي السكباج وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْفَاكِهَة حنث بالطرب واليابس وَالْعِنَب وَالرُّمَّان خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ قَالَ لَا يَحْنَث وَفِي الْحِنْث بالقثاء تردد وَكَذَا فِي اللبوب كلب الفستق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 فرع لَو حلف لَا يَأْكُل الْبيض ثمَّ انْتهى إِلَى رجل فَقَالَ وَالله لآكلن مِمَّا فِي كمك فَإِذا هُوَ بيض فقد سُئِلَ الْقفال رَحمَه الله عَنهُ هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ على الْكُرْسِيّ فَلم يحضرهُ الْجَواب فَقَالَ المَسْعُودِيّ وَهُوَ تِلْمِيذه يتَّخذ مِنْهُ الناطف وَيَأْكُل فَيكون قد أكل مِمَّا فِي كمه وَلم يَأْكُل الْبيض فَاسْتحْسن مِنْهُ ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 النَّوْع الثَّالِث فِي أَلْفَاظ الْعُقُود فَإِذا حلف لَا يَأْكُل طَعَاما اشْتَرَاهُ فلَان لَا يَحْنَث بِمَا ملكه من وَصِيَّة وَهبة وَإِجَارَة أَو رَجَعَ إِلَيْهِ بإقالة ورد عيب أَو قسْمَة نظرا إِلَى اللَّفْظ وَيحنث بالسلم وَفِيمَا ملك بِالصُّلْحِ عَن الدّين تردد وَلَو قَالَ لَا أَدخل دَارا اشْترى فلَان بَعْضهَا فَأَخذه بِالشُّفْعَة لم يَحْنَث وَمَا ملكه بِلَفْظ الإشتراك وَالتَّوْلِيَة فَهُوَ شِرَاء وَلَو قَالَ مَا اشْتَرَاهُ زيد فاشترك زيد وَعَمْرو فَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب أَنه لَا يَحْنَث لِأَن الشِّرَاء غير مُضَاف إِلَى أَحدهمَا على الْخُصُوص وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَحْنَث وَلَو اشْترى زيد وخلط بِمَا اشْتَرَاهُ غَيره حنث إِذا أكل من الْمُخْتَلط اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لَا أَشْتَرِي وَلَا أَتزوّج فَوكل لم يَحْنَث كَمَا لَو وكل بِالضَّرْبِ إِلَّا أَن يحلف على مَا لَا يقدر عَلَيْهِ كَقَوْلِه لَا أبني بَيْتا وَهُوَ لَيْسَ بِبِنَاء أَو قَالَ الْأَمِير لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 أضْرب فَأمر الجلاد فقد خرج الرّبيع فِيهِ قولا أَنه يَحْنَث وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يَحْنَث وَيتبع اللَّفْظ إِذا لم تكن نِيَّة أما إِذا توكل فِي هَذِه الْعُقُود فَإِن أضَاف إِلَى الْمُوكل لم يَحْنَث وَالنِّكَاح يجب إِضَافَته فَلَا يَحْنَث فِيهِ الْوَكِيل وَلَا الْمُوكل وَلَو حلفا جَمِيعًا فَإِن اطلق الْوَكِيل الشِّرَاء من غير إِضَافَة فَالْمَشْهُور أَنه يَحْنَث لِأَنَّهُ يُنَاقض قَوْله لَا أَشْتَرِي وَخرج القَاضِي وَجها أَنه لَا يَحْنَث لانصراف العقد إِلَى غَيره وَلَو قَالَ لَا أزوج فَوكل بِالتَّزْوِيجِ حنث لِأَن الْوَلِيّ أَيْضا كَالْوَكِيلِ وَلَو قَالَ لَا أكلم زَوْجَة زيد حنث بمكالمة امْرَأَة قبل نِكَاحهَا وَكيل زيد وَلَو قَالَ لَا أكلم عبدا اشْتَرَاهُ زيد فَاشْترى وَكيله لم يَحْنَث بمكالمته وَلَو قَالَ لَا أكلم امْرَأَة تزَوجهَا زيد فَقبل وَكيله فَالْقِيَاس أَنه لَا يَحْنَث كَمَا فِي الشِّرَاء وَقَالَ الصيدلاني إِنَّه يَحْنَث وَهُوَ تشوف إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي أَن من تزوج بِالتَّوْكِيلِ حنث فِي يَمِين التَّزَوُّج اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لَا أبيع الْخمر فَبَاعَهُ لم يَحْنَث لِأَن ذَلِك صُورَة البيع وَبيع الْخمر محَال فَهُوَ كصعود السَّمَاء وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يَحْنَث وَيحمل هَذَا على صُورَة البيع بِخِلَاف مَا لَو أطلق وَقَالَ لَا أبيع فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث بالفاسد وَالْمذهب أَنه لَا يَحْنَث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ الزَّوْج لَا أبيع مَال زَوْجَتي بِغَيْر إِذْنهَا ثمَّ بَاعَ بِغَيْر إِذْنهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع وَإِنَّمَا حلف على محَال اللَّفْظ الرَّابِع إِذا حلف لَا يهب مِنْهُ فَتصدق عَلَيْهِ حنث وَيحنث بالرقبى والعمرى وَلَا يَحْنَث بِالْوَقْفِ إِن قُلْنَا لَا يملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا يملك حنث وَفِيه احْتِمَال وَلَا يَحْنَث بِتَقْدِيم الطَّعَام إِلَيْهِ بالضيافة وَلَا يَحْنَث بِالْهبةِ من غير قبُوله وَهل يَحْنَث قبل الْإِقْبَاض فِيهِ وَجْهَان وَقَالَ ابْن سُرَيج يَحْنَث من غير قبُوله إِذْ يَقُول وهبت فَلم يقبل وَيلْزمهُ طرد ذَلِك فِي جَمِيع الْعُقُود وَإِن قَالَ لَا أَتصدق عَلَيْهِ لم يَحْنَث بِالْهبةِ مِنْهُ إِذْ حلت الْهِبَة لرَسُول الله دو الصَّدَقَة وَفِيه وَجه أَنه يَحْنَث وَلَو حلف أَنه لَا مَال لَهُ حنث بِمَال لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَيحنث بِالدّينِ المجل والمعجل كَانَ على مُوسر أَو مُعسر والآبق مَال وَكَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 الْمُدبر وَفِي أم الْوَلَد وَجْهَان وَفِي الْمكَاتب وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يكون مَالا لاستقلاله بِنَفسِهِ وَالْمَنَافِع لَيْسَ بِمَال فِي الْيَمين حَتَّى لَو ملك مَنْفَعَة دَار بِالْإِجَارَة لم يَحْنَث لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْأَعْيَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 النَّوْع الرَّابِع فِي الإضافات وفيهَا أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أَدخل دَار فلَان فَدخل مَا يملكهُ وَلَا يسكنهُ حنث وَلَو دخل مَا يسكنهُ عَارِية لم يَحْنَث فمطلق الْإِضَافَة للْملك وَلَو قَالَ لَا أسكن مسكن فلَان حنث بِمَا يسكنهُ عَارِية وَهل يَحْنَث بمسكنه الْمَغْصُوب فِيهِ وَجْهَان وَهل يَحْنَث بِمَا يملكهُ وَلَا يسكنهُ ثَلَاثَة أوجه وَفِي الثَّالِث أَنه يَحْنَث إِن سكنه مرّة وَلَو سَاعَة وَلَو قَالَ لَا أَدخل دَار زيد هَذِه فَبَاعَهَا ثمَّ دخل حنث فِي الْأَظْهر تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَفِيه وَجه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يَحْنَث للإضافة المقرونة بِالْإِشَارَةِ وَلم تُوجد إِلَّا إِحْدَاهمَا وَلَو قَالَ لَا أَدخل من هَذَا الْبَاب فحول الْبَاب إِلَى منفذ آخر فبأيهما يَحْنَث فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يَحْنَث بِدُخُول هَذَا المنفذ وَإِن لم يكن عَلَيْهِ بَاب وَالثَّانِي أَنه يَحْنَث بِدُخُول المنفذ الَّذِي عَلَيْهِ الْبَاب وَالثَّالِث أَنه لَا يَحْنَث بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا بُد من اجتماعها فَلَو قَالَ لَا أَدخل بَاب هَذِه الدَّار وَلم يشر إِلَى بَاب ومنفذ فَفتح للدَّار بَاب جَدِيد فعلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 وَجه يَحْنَث بِهِ وَبِأَيِّ بَاب كَانَ وعَلى وَجه ينزل على الْمَوْجُود وَقت الْيَمين وَلَو قَالَ لَا أركب دَابَّة ذَلِك العَبْد لَا يَحْنَث بِمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ إِذا لم يملكهُ إِذا قُلْنَا إِنَّه يملك بالتمليك وَلَو قَالَ لَا أركب سرج هَذِه الدَّابَّة وَلَا أبيع جلها حنث بالمنسوب إِلَيْهَا إِلَّا أَن الْملك للدابة غير متوقع فَيحمل على النِّسْبَة وَلَو قَالَ لَا ألبس مَا من بِهِ فلَان عَليّ حنث بِمَا وهبه فِي الْمَاضِي لَا بِمَا يهب فِي الْمُسْتَقْبل لِأَن اللَّفْظ للماضي وَلَو قَالَ بِمَا يمن بِهِ فلَان لم يَحْنَث بِمَا وهب من قبل وَيحنث بِمَا سيهبه ثمَّ سَبيله أَن يُبدل بِثَوْب آخر يَبِيعهُ وَلَو بَاعه ثوبا بمحاباة لم يَحْنَث بِهِ لِأَنَّهُ مَا من بِالثَّوْبِ بل من بِالثّمن وَلَو قَالَ لَا ألبس ثوبا فارتدى بِهِ أَو اتزر حنث وَكَذَلِكَ لَو ارتدى بسراويل واتزر بقميص لتحَقّق اسْم اللّبْس وَالثَّوْب وَلَو طواه وَوَضعه على رَأسه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ حمل وَلَيْسَ بِلبْس وَلَو فرش ورقد عَلَيْهِ لم يَحْنَث وَلَو تدثر بِهِ فَفِيهِ تردد وَلَو قَالَ لَا ألبس قيمصا فارتدى بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان لِأَن ذكر الْقَمِيص يشْعر بلبسه كَمَا يلبس الْقَمِيص وَلَو فتق واتزر بِهِ يجب الْقطع بِأَنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ فِي الْحَال غير قَمِيص وَلَو قَالَ لَا ألبس هَذَا الْقَمِيص فَوَجْهَانِ وَأولى بِأَن يَحْنَث حَتَّى يجْرِي الْخلاف وَإِن فتقه وارتدى بِهِ تَغْلِيبًا للْإِشَارَة على وَجه وَلَو قَالَ لَا ألبس هَذَا الثَّوْب وَهُوَ قَمِيص عِنْد ذكره ففتقه وارتدى بِهِ فَوَجْهَانِ وَأولى بِالْحِنْثِ وَلَو قَالَ لَا أكلم هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عبد وَعتق وَكَلمه حنث وَإِن قَالَ لَا أكلم هَذَا العَبْد فَفِي كَلَامه بعد الْعتْق وَجْهَان لاخْتِلَاف الْإِشَارَة والإسم وَلَو قَالَ لَا آكل لحم هَذَا وَكَانَت سخلة فكبرت وَأكل حنث وَلَو قَالَ لَا آكل لحم هَذِه السخلة فكبرت فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ الرطب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 إِذا جف وَالْحِنْطَة إِذا تَغَيَّرت وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يَحْنَث فِي الْحِنْطَة أَو مَا تَغَيَّرت بالصنعة بِخِلَاف السخلة وَالرّطب فَإِن تغيره بالخلقة وَلَو أَشَارَ إِلَى سخلة وَقَالَ لَا آكل لحم هَذِه الْبَقَرَة حنث بأكلها تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَفِي مثله فِي البيع خلاف لِأَن فِي الْعُقُود تعبدات توجب مُلَاحظَة النّظم فِي الْعبارَة وَلَو قَالَ لَا ألبس مِمَّا غزلته فُلَانَة يحمل على مَا غزلته فِي الْمَاضِي وَلَو قَالَ من غزلها عَم الْمَاضِي والمستقبل وَلَو خيط ثَوْبه بغزلها لم يَحْنَث إِذْ الْخَيط غير ملبوس وَلَو كَانَ السّديّ من غزلها واللحمة من غزل غَيرهَا فَالْمَشْهُور أَنه لَا يَحْنَث لِأَن اسْم الثَّوْب لَا يتَنَاوَل بعض الْغَزل وَاسم اللّبْس يتَنَاوَل الثَّوْب قَالَ الإِمَام وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يُقَال لَو حلف لَا يلبس من غزل نسوته فنسج ثوبا وَاحِدًا من غزلهن لَا يَحْنَث وَهُوَ بعيد وَإِنَّمَا يتَّجه هَذَا إِذا قَالَ لَا ألبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَإِن الْبَعْض لَيْسَ بِثَوْب أما إِذا قَالَ لَا ألبس من غزل فُلَانَة فَهَذَا فِيهِ غزلها فَلَا يبعد أَن يَحْنَث وَلَو حلف لَا تخرج امْرَأَته بِغَيْر إِذْنه ثمَّ أذن لَهَا بِحَيْثُ لم تسمع فَفِي الْحِنْث إِذا خرجت وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي حد الْإِذْن إِذْ يحْتَمل أَن يُقَال شَرطه اسْتِمَاع الْمَأْذُون فِيهِ وَيحْتَمل أَن يُقَال أَرَادَ بِالْإِذْنِ الرِّضَا وَقد رَضِي ونطق بِهِ والمشكل أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قد نَص أَنَّهَا لَو خرجت مرّة بِإِذْنِهِ انحل الْيَمين وَلَو خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذن لم يَحْنَث بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِن خرجت بِغَيْر خف فَأَنت طَالِق فَخرجت بخف ثمَّ خرجت بِغَيْر خف يَحْنَث وَمن أَصْحَابنَا من خرج وَجها أَنه لَا تنْحَل الْيَمين بِالْخرُوجِ بِالْإِذْنِ أَيْضا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَهُوَ منقاس وَلكنه خلاف النَّص وَالْفرق أَن مَقْصُود الزَّوْج فِي مثله إلزامها التحذر وَإِذا أذن فِي الْخُرُوج مرّة فقد رفع ذَلِك التحذر بِنَفسِهِ فخروجها بعد ذَلِك لَا يتَنَاوَلهُ الْيَمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 النَّوْع الْخَامِس فِي الْحلف على الْكَلَام فَلَو قَالَ وَالله لَا أُكَلِّمك تَنَح عني حنث بقوله تَنَح عني وَكَذَلِكَ بِكُل مَا يذكرهُ بعد الْيَمين من زجر وإبعاد وَشتم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَحْنَث وَلَو كَاتبه لم يَحْنَث فَلَو رمز بِإِشَارَة مفهمة فالجديد أَنه لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن خرس وَأَشَارَ إِلَيْهِ لِأَن إِشَارَته لَيست بِكَلَام فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا أعطي حكم الْكَلَام لضَرُورَة الْمُعَامَلَة وَلَو حلف على مهاجرته فَفِي مُكَاتبَته تردد من حَيْثُ إِنَّهَا ضد المهاجرة وَلَكِن المهاجرة الْمُحرمَة لَا ترْتَفع بهَا وَلَو قَالَ لَا أَتكَلّم فَقَرَأَ الْقُرْآن وَسبح وَهَلل لم يَحْنَث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَحْنَث كَمَا لَو ردد شعرًا مَعَ نَفسه فَإِنَّهُ يَحْنَث عندنَا أَيْضا وَمَا ذكره لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 وَلَو قَالَ لأنثين على الله أحسن الثَّنَاء فالبر أَن يَقُول لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك وَلَو قَالَ لأحمدن الله بِمَجَامِع الْحَمد فَلْيقل مَا علمه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام آدم عَلَيْهِ السَّلَام الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده وَلَو قَالَ وَالله لَا أُصَلِّي حنث كَمَا يحرم بِالصَّلَاةِ وَإِن أفسدها بعد ذَلِك وَمِنْهُم من قَالَ مَا لم يفرغ من صَلَاة صَحِيحَة لَا يَحْنَث لَكِن هَل يتَبَيَّن استناد الْحِنْث إِلَى أول الصَّلَاة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْخلاف فِي الصَّوْم وَلمن حلف لَا يحجّ حنث بِالْحَجِّ الْفَاسِد لِأَنَّهُ مُنْعَقد بِخِلَاف البيع الْفَاسِد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 النَّوْع السَّادِس وَهُوَ تَقْدِيم الْبر وتأخيره وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لآكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَإِن أكل الطَّعَام قبل الْغَد حنث لِأَنَّهُ فَوت الْبر بِاخْتِيَارِهِ وَكَذَلِكَ إِذا أكل الْبَعْض لِأَن الْبر يحصل بِأَكْل جَمِيعه لَكِن الْكَفَّارَة تلْزمهُ فِي الْوَقْت أَو غَدا فِيهِ خلاف وَلَو تلف الطَّعَام قبل مَجِيء الْغَد بِغَيْر اخْتِيَاره فَفِي الْحِنْث خلاف يلْتَفت على الْإِكْرَاه وَالنِّسْيَان فِي الْحِنْث وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَو أتْلفه فِي أثْنَاء الْغَد أَو مَاتَ الْحَالِف وَقد بَقِي من الْغَد بَقِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَن من مَاتَ فِي أثْنَاء وَقت الصَّلَاة هَل يَعْصِي بترك الْمُبَادرَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يَعْصِي لِأَن الْوَقْت فسحة التَّأْخِير وَالصَّحِيح أَنه يَحْنَث لِأَنَّهُ فَوت الْبر مَعَ إِمْكَانه وَكَذَلِكَ لَو فَاتَ مهما قُلْنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 إِن الْحِنْث يحصل بِغَيْر اخْتِيَاره اللَّفْظ الثَّانِي لَو قَالَ لأقضين حَقك غَدا فَمَاتَ الْمُسْتَحق فالوفاء مُمكن بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْوَرَثَة وَإِن مَاتَ الْحَالِف سَوَاء مَاتَ قبل الْغَد أَو بعده فَهُوَ كفوات الطَّعَام فَإِن قُلْنَا يَحْنَث فَفِي مَوته قبل الْغَد نظر لِأَن وَقت الْحِنْث إِنَّمَا يدْخل وَهُوَ ميت وَلَكِن لَا يبعد أَن يَحْنَث وَهُوَ ميت مهما سبق الْيَمين الَّتِي هِيَ السَّبَب فِي حَال الْحَيَاة كَمَا لَو حفر بِئْرا فتردى فِيهَا بعد مَوته إِنْسَان إِذْ يلْزمه الْكَفَّارَة وَالضَّمان فِي مَاله اللَّفْظ الثَّالِث لَو قَالَ لأقضين حلقك عِنْد رَأس الْهلَال فَلَو قضى قبله فقد فَوت الْبر فَيحنث وَلَو قضى بعده فَكَذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يترصد ويحضر المَال ليسلم عِنْد الإستهلال لَا قبله وَلَا بعده وَهَذَا يكَاد يكون محالا إِذْ لَا يقدر عَلَيْهِ فإمَّا أَن يتَسَامَح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 فِيهِ ويقنع بالممكن أَو يُقَال الْتزم محالا فَيحنث بِكُل حَال وَلَا ذَاهِب إِلَيْهِ وَلَكِن قَالَ بعض الْأَصْحَاب لَهُ فسحة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَالْيَوْم الأول فَإِن هَذَا فِي الْعَادة يُسمى أول الْهلَال وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الرَّابِع لَو قَالَ لأقضين حَقك إِلَى حِين فَهَذَا ينبسط على الْعُمر وَلَا يتَقَدَّر وقته وَلَو قَالَ إِذا مضى حِين فَأَنت طَالِق نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تطلق بعد لَحْظَة وَهَذَا فِي جَانب الطَّلَاق مُمكن وَغَايَة تَعْلِيله أَن الإسم ينْطَلق على لَحْظَة وَهُوَ تَعْلِيق فَيتَعَلَّق بِأول مَا يُسمى حينا أما إِذا قَالَ لأقضين حَقك إِلَى حِين فَهَذَا وعد فَلَا يتَعَلَّق بِأول اسْم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 النَّوْع السَّابِع فِي الْخُصُومَات وَفِيه ثَلَاثَة أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لَا أرى مُنْكرا إِلَّا رفعته إِلَى القَاضِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ البدار إِذا رَآهُ بل جَمِيع عمره فسحة وَإِنَّمَا يَحْنَث إِذا مَاتَ هُوَ أَو القَاضِي بعد التَّمَكُّن من الرّفْع وَلَو لم يتَمَكَّن حَتَّى مَاتَ أَحدهمَا فَهَذَا فَوَات الْبر كرها فَيخرج على الْخلاف وَلَو بَادر إِلَى الرّفْع فَمَاتَ القَاضِي قبل الإنتهاء إِلَى مَجْلِسه مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَحْنَث وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف وَلَو عزل القَاضِي الَّذِي عينه وَلم يرفعهُ إِلَيْهِ بعد الْعَزْل قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خشيت أَن يَحْنَث فَأطلق الْأَصْحَاب قَوْلَيْنِ وَإِذا قَالَ رفعته إِلَى القَاضِي فَهَل يتَعَيَّن الْمَنْصُوب فِي الْحَال أم يبر بِالرَّفْع إِلَى كل من ينصب بعده فَفِيهِ وَجْهَان لتردد الْألف وَاللَّام بَين التَّعْرِيف وَالْجِنْس وَلَو رأى مُنْكرا بَين يَدي القَاضِي مَعَ القَاضِي فَلَا معنى للرفع وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد اطلَاع القَاضِي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه فَاتَ الْبر كَمَا لَو رأى مَعَه وَالثَّانِي أَنه يبر بِصُورَة الرّفْع وَإِن لم يكن فِيهِ إِعْلَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 وعَلى الْوَجْه الأول يخرج مَا لَو صب مَاء الْإِدَاوَة بعد أَن حلف على شربة أَو أبرىء عَن الدّين بعد أَن حلف على قَضَائِهِ فَإِن قُلْنَا الْإِبْرَاء يفْتَقر إِلَى قبُول فَقبل يَحْنَث بالفوات قطعا لاختياره اللَّفْظ الثَّانِي إِذا حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يَسْتَوْفِي الْحق فَإِن أَبرَأَهُ أَو أَخذ مِنْهُ عوضا حنث لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف عين حَقه إِلَّا إِذا نوى وَلَو فَارقه الْغَرِيم فَلم يتَعَلَّق بِهِ وَلم يتبعهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُفَارق وَإِنَّمَا المفارق غَرِيمه وَهُوَ حَالف على فعل نَفسه وَلَو كَانَا يتماشيان فَوقف وَمَشى الْغَرِيم لَا يَحْنَث أَيْضا لِأَن الْمُفَارقَة قد حصلت بحركة الْغَرِيم وَلَا ينْسب إِلَى سكونه وَقَالَ القَاضِي ينْسب إِلَى سكونه فَإِنَّهُ الْحَادِث الْآن بِخِلَاف الصُّورَة الأولى فَإِن الْحَادِث هُوَ أصل الْمَشْي وَهُوَ من الْغَرِيم أما إِذا قَالَ لَا يفْتَرق فَإِن فَارقه الْغَرِيم حنث لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الْجَانِبَيْنِ وَفِيه وَجه أَنه لَا يَحْنَث اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لأضربنك مائَة خَشَبَة حصل الْبر بِالضَّرْبِ بشمراخ عَلَيْهِ مائَة من القضبان وَهَذَا بعيد على خلاف مُوجب اللَّفْظ وَلكنه يثبت تعبدا قَالَ الله تَعَالَى {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 ثمَّ لَا بُد أَن يتثاقل على الْمَضْرُوب بِحَيْثُ تنكبس جَمِيع القضبان حَتَّى يكون لكل وَاحِد أثر وَلَا بَأْس أَن يكون وَرَاء حَائِل إِذا كَانَ لَا يمْنَع التَّأْثِير أصلا وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من ملاقاة جَمِيع بدنه وَلَا يَكْفِي انكباس الْبَعْض على الْبَعْض ثمَّ لَو شككنا فِي حُصُول التثقيل أَو المماسة إِن شرطناها قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حصل الْبر وَنَصّ أَنه لَو قَالَ لَا أَدخل الدَّار إِلَّا أَن يَشَاء زيد ثمَّ دخل وَمَات زيد وَلم يعرف أَنه شَاءَ أم لَا حنث فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج لأجل الْإِشْكَال وَقيل الْفرق أَن الأَصْل عدم الْمَشِيئَة وَلَا سَبَب يظنّ بِهِ وجودهَا وَالضَّرْب هَاهُنَا سَبَب ظَاهر فِي اقْتِضَاء الإنكباس وَلَو قَالَ مائَة سَوط بدل الْخَشَبَة لم تكفه الشماريخ بل عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ مائَة سَوط وَيجمع وَيضْرب دفْعَة وَاحِدَة وَمِنْهُم من قَالَ تكفيه الشماريخ أَيْضا كَمَا فِي لفظ الْخَشَبَة أما إِذا قَالَ لَأَضرِبَن مائَة ضَرْبَة فَلَا يَكْفِي الضَّرْب مرّة وَاحِدَة بالشماريخ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي الضربات بالسياط مَعًا ولنقتصر من صور الْأَلْفَاظ ومعانيها على هَذَا الْقدر فَإِنَّهُ فن لَا يتَصَوَّر أَن يحصر وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ هَاهُنَا وَفِي الطَّلَاق مَا يمهد طَرِيق الْمعرفَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 خَاتِمَة كل فعل يحصل بِهِ الْحِنْث فَإِذا حصل ذَلِك الْفِعْل مَعَ إِكْرَاه أَو نِسْيَان أَو جهل فَفِيهِ نظر لَا بُد من بَيَانه فَلَو قَالَ وَالله لَا أَدخل الدَّار فَأذن حَتَّى حمل وَأدْخل حنث لِأَنَّهُ كالراكب والراكب دَاخل وَلَو حمل قهرا وَأدْخل لم يَحْنَث وَفِيه وَجه أَنه كالإذن وَبَين الدرجتين أَن يحمل وَهُوَ قَادر على الإمتناع فَلَا يمْتَنع فقد ألحقهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بالقهر أما إِذا أكره على الدُّخُول أَو نسي الْيَمين فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يَحْنَث لوُجُود الصُّورَة وَلِأَنَّهُ يَحْنَث بِطُلُوع الشَّمْس إِذا حلف عَلَيْهِ فَلَيْسَ يشْتَرط الْفِعْل فِي الْحِنْث وَالثَّانِي أَنه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ الْآن علق على الْفِعْل وَهَذَا لَيْسَ بِفعل شرعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 وَاخْتَارَ الْقفال رَحمَه الله أَن الطَّلَاق يَقع والحنث لَا يحصل فَإِنَّهُ أشبه بالعبادات الَّتِي ينْسب فِيهَا إِلَى الْإِحْرَام وَتَركه فيؤثر فِيهِ النسْيَان وَالْإِكْرَاه ثمَّ قيل النَّاسِي أولى بِأَن يَحْنَث وَقيل أولى بِأَن لَا يَحْنَث وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَأما الْجَهْل فَهُوَ أَن يَقُول لَا أسلم على زيد فَسلم فِي ظلمَة وَلَا يدْرِي أَنه زيد فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْحِنْثِ لِأَن الْجَاهِل يفْطر وَالنَّاسِي لَا يفْطر أَعنِي من غلط فَظن غرُوب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 الشَّمْس وكل مَا يفوت الْبر بِهِ من انصباب مَاء الْإِدَاوَة وَمَوْت من يتَعَلَّق الْبر بِهِ وهلاكه فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ مَا فعلت أَو لَا أملك شَيْئا وَكَانَ قد فعل وَملك لَكِن نسي خرج على الْقَوْلَيْنِ فرع لَو قَالَ لَا أسلم على زيد فَسلم على قوم هُوَ فيهم وَلكنه لم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا إِذا رَآهُ فِي ظلمَة فَسلم عَلَيْهِ وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُعينهُ بِالسَّلَامِ وَلَو قَالَ لَا أَدخل على فلَان فَدخل على قوم هُوَ فيهم وَلم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْحِنْثِ بِأَن اللَّفْظ أقبل للخصوص من الْفِعْل وَأما إِذا سلم على الْقَوْم واستثناه بِاللَّفْظِ أَو بِالنِّيَّةِ لم يَحْنَث وَلَو لم يسْتَثْن وَهُوَ عَالم بِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَولَانِ وَلَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا أَنه لم يسلم عَلَيْهِ خَاصَّة فَيحمل مُطلق لَفظه على التَّسْلِيم عَلَيْهِ بالتنصيص أما إِذا قَالَ لَا أَدخل عَلَيْهِ ثمَّ دخل على قوم وَهُوَ فيهم وَاسْتثنى بِالنِّيَّةِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يَحْنَث كالسلام وَالثَّانِي أَنه يَحْنَث لِأَن الْعُمُوم يقبل الْخُصُوص وَأما الْفِعْل فَلَا يقبل وَإِن كَانَ هُوَ وَحده فِي الْبَيْت وَلَكِن دخل لشغل آخر فَهُوَ أَيْضا على الْوَجْهَيْنِ وَلَو دخل وَلم يعلم أَنه فِيهِ فَظَاهر النَّص أَنه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يكون دَاخِلا عَلَيْهِ إِذا لم يُعلمهُ وَلم يَقْصِدهُ وَخرج الرّبيع أَن هَذَا كالناسي وَصحح مُعظم الْأَصْحَاب تَخْرِيجه وَالله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 = كتاب النذور= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 قَالَ الله تَعَالَى {يُوفونَ بِالنذرِ} فَصَارَ هَذَا أصلا فِي لُزُوم الْوَفَاء وَالنَّظَر فِي أَرْكَان النذور وَأَحْكَامه النّظر الأول فِي الْأَركان وَهِي الْمُلْتَزم وَصِيغَة الإلتزام والملتزم أما الْمُلْتَزم فَهُوَ كل مُكَلّف لَهُ أَهْلِيَّة الْعِبَادَة فَلَا يَصح النّذر من كَافِر لِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ التَّقَرُّب نعم قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت نذرت اعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أوف بِنَذْرِك فَمن هَذَا يحْتَمل التَّصْحِيح وَيحْتَمل أَن يحمل على الإستحباب حَتَّى لَا يكون إِسْلَامه سَببا فِي ترك خير كَانَ قد عزم عَلَيْهِ فِي الْكفْر وَأما الصِّيغَة فَهِيَ ثَلَاثَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 الأولى أَن يَقُول إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ كَذَا فَيلْزمهُ وَكَذَلِكَ إِذا علق بِنِعْمَة أَو زَوَال بلية الثَّانِيَة أَن يعلق بِمَا يُرِيد عَدمه وَهُوَ يَمِين الْغَضَب واللجاج وَقد ذَكرْنَاهُ الثَّالِثَة أَن يلْتَزم ابْتِدَاء من غير تَعْلِيق فَيَقُول لله عَليّ صَوْم أَو صَلَاة فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا أَنه يجب تَنْفِيذ النّذر وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك كالعوض عَن النِّعْمَة وَهَذَا ابْتِدَاء تبرع فَلَا يصير وَاجِبا بإيجابه لَهُ إِذا قَالَ لله عَليّ كَذَا إِن شَاءَ الله لم يلْزمه شَيْء والإستثناء عقيب الْعُقُود والأيمان وَالنُّذُور كلهَا تدفعها وَأما إِذا قَالَ لله عَليّ كَذَا إِن شَاءَ زيد لم يلْزمه شَيْء وَإِن شَاءَ زيد لِأَنَّهُ لم يلتزمه لله تَعَالَى وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو قَالَ إِن قدم زيد فَللَّه عَليّ كَذَا لِأَن ذَلِك يَمِين الْغَضَب أَو هُوَ تبرر وَلم يعلق فِيهِ لُزُوم الْعِبَادَة بِمَشِيئَة زيد هَكَذَا قَالَه القَاضِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 وَأما الْمُلْتَزم فَكل عبَادَة مَقْصُودَة وَلها مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى أصُول الْعِبَادَات تلْزم بِالنذرِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج وَالصَّدَََقَة ويلتحق بهَا فنان أَحدهمَا صِفَات هَذِه الْعِبَادَات كَمَا لَو نذر الْحَج مَاشِيا أَو طول الْقِرَاءَة وَالْقِيَام فِي الصَّلَاة فَإِن أفرد الصّفة بِأَن الْتزم الْمَشْي فِي حجَّة الْإِسْلَام وَطول الْقِرَاءَة فِي رواتب الْفَرَائِض فَفِي اللُّزُوم وَجْهَان لِأَن هَذِه صِفَات فيبعد أَن تستقل باللزوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 وَالثَّانِي فرض الكفايات فَلَو نذر الْجِهَاد فِي جِهَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يلْزمه فِي تِلْكَ الْجِهَة وَكَذَلِكَ لَو نذر تجهيز الْمَوْتَى وَكَذَا كل مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى مَال أما مَالا يحْتَاج إِلَيْهِ كَالصَّلَاةِ على الْجَنَائِز وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَفِيهِ تردد وَالظَّاهِر لُزُومه الرُّتْبَة الثَّانِيَة القربات الَّتِي حث الشَّرْع عَلَيْهَا كعيادة الْمَرِيض وزيارة القادم وإفشاء السَّلَام ذهب المتقدمون من الْأَصْحَاب إِلَى أَنه لَا تلتزم بِالنذرِ فَإِنَّهَا لَيست عبَادَة وَلَو لزم لوَجَبَ قصد التَّقَرُّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى ولصارت عبَادَة وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ إِلَى أَنَّهَا تلْزم كتجهيز الْمَوْتَى وَالْجهَاد فَإِنَّهَا لم تشرع عبَادَة مَقْصُودَة فَلَا يُمكن الضَّبْط إِلَّا بالقربة الَّتِي يرتجي ثَوَابهَا وَاسْتثنى القَاضِي عَن هَذَا مَا يُخَالف الرُّخْصَة كَقَوْلِه لَا أفطر فِي السّفر فَإِن هَذَا تَغْيِير للشَّرْع إِذْ اللُّزُوم بِالنذرِ لَا يزِيد على إِلْزَام الشَّرْع وَهُوَ يسْقط بِالسَّفرِ وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو الْتزم بِالنذرِ الْوتر والنوافل الرَّوَاتِب لِأَنَّهُ كالتغيير لرخصة الشَّرْع فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 تَركه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن لَا يجب بِالنذرِ إِلَّا مَا لَهُ أصل وَاجِب فِي الشَّرْع مَقْصُود فَقَالَ لَا يجب بِالنذرِ تَجْدِيد الْوضُوء لِأَنَّهُ لم يجب مَقْصُودا والإعتكاف يجب لِأَنَّهُ مكث وَالْوُقُوف بِعَرَفَة مكث وَاجِب وَقَالَ الإِمَام يجب عِنْدِي تَجْدِيد الْوضُوء بِالنذرِ الرُّتْبَة الثَّالِثَة الْمُبَاحَات كَالْأَكْلِ وَالدُّخُول وَالنَّوْم فَإِنَّهُ وَإِن كَانَت يُثَاب على أكله إِذا قصد التَّقْوَى على الْعِبَادَة وعَلى نومَة إِذا قصد طرد النعاس عِنْد التَّهَجُّد فَهَذَا بِمُجَرَّد الْقَصْد وَهَذِه الْأَفْعَال غير مَقْصُودَة شرعا بِخِلَاف العيادة ورد السَّلَام وَغَيره لَكِن قَالَ القَاضِي إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَدخل أَو آكل وَلم يلْتَزم فَيلْزمهُ بِمُجَرَّد اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أشْرب الْخمر أَو مَحْظُورًا آخر قَالَ فِي لُزُوم الْكَفَّارَة وَجْهَان وَهَذَا لَيْسَ يظْهر لَهُ وَجه يعْتد بِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من نذر وسمى فَعَلَيهِ مَا سمى وَمن نذر وَلم يسم فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 وَهَذَا يُمكن أَن يكون المُرَاد بِهِ فِي يَمِين الغلق فَلَا يتْرك الْقيَاس بِمثلِهِ نعم لَو نوى الْيَمين بقوله لله عَليّ أَلا أَدخل الدَّار فَيلْزمهُ الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ فرع إِذا نذر الْجِهَاد فِي جِهَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص تتَعَيَّن الْجِهَة وَقَالَ أَبُو زيد لَا تتَعَيَّن وميل الشَّيْخ أبي عَليّ إِلَى أَن تتَعَيَّن الْجِهَة أَو جِهَة تساويها فِي الْمُؤْنَة والمسافة كَمَا فِي مَوَاقِيت الْحَج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام النّذر وَمُوجب النّظر مُقْتَضى اللَّفْظ والملتزم بِالنذرِ أَنْوَاع من الْقرب النَّوْع الأول الصَّوْم وَفِيه أَلْفَاظ الأول إِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم فَيلْزمهُ يَوْم وَهُوَ الْأَقَل وَهل يلْزمه تبيت النِّيَّة فِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن مُطلق النّذر ينزل على أقل وَاجِب الشَّرْع أَو على أقل الْجَائِز وَالصَّحِيح أَنه ينزل على أقل الْجَائِز فَلَا يشْتَرط التبيت فَإِن اتِّبَاع الأَصْل أولى من التَّنْزِيل على وَاجِب الشَّرْع وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لله عَليّ صَلَاة تلْزمهُ رَكْعَتَانِ على قَول ويكفيه رَكْعَة على قَول وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لله عَليّ صَدَقَة لم يتَصَدَّق بِخَمْسَة دَرَاهِم لِأَن فِي الْخلطَة قد يجوز إِخْرَاج مَا دونهَا وَلَا خلاف أَنه لَا تخْتَص بِجِنْس مَال الزَّكَاة وَفِي الإعتكاف هَل يَكْفِي الدُّخُول مَعَ النِّيَّة من غير مكث فِيهِ تردد وَإِن كَانَ الْمكْث لَا يشْتَرط فِي كَونه عبَادَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 ثمَّ إِن ثلنا لَا يشْتَرط التبيت فَلَو قَالَ عَليّ صَوْم يَوْم وَنوى نَهَارا فَإِن قُلْنَا إِنَّه صَائِم من ذَلِك الْوَقْت فَلَا يجزىء وَإِن قُلْنَا إِنَّه صَائِم جَمِيع النَّهَار أَجزَأَهُ اللَّفْظ الثَّانِي إِذا عين يَوْمًا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتَعَيَّن الْيَوْم وَتعين الزَّمَان كتعين الْمَكَان وَالْمَسْجِد للصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن فَلَا يُجزئهُ قبله وَإِن أخر عَنهُ كَانَ قَضَاء وَلَا خلاف فِي أَنه لَا تثبت خَواص رَمَضَان لذَلِك الْيَوْم الْمعِين بل يجوز فِيهِ صَوْم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 آخر بِمَعْنى أَنه ينْعَقد وَلَو نذر شهرا لم يلْزمه التَّتَابُع إِلَّا أَن يلتزمه وَلَو عين الشَّهْر فَقَالَ عَليّ صَوْم رَجَب مُتَتَابِعًا فَفِي وجوب التَّتَابُع فِي قَضَائِهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ الْتزم وَالثَّانِي لَا كقضاء رَمَضَان فَإِن ذكر التَّتَابُع مَعَ تعْيين الشَّهْر لَغْو فَإِن التَّتَابُع يَقع ضَرُورَة فِي الشَّهْر الْمعِين وَلَو شَرط التَّفَرُّق فِي الصَّوْم لم يلْزمه على الْأَصَح لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصفا مَقْصُودا وَلم يعين للصَّوْم وقتا حَتَّى يخرج على الْخلاف الْمَشْهُور فِي تعْيين الْوَقْت وَلَو قَالَ عَليّ صَوْم هَذِه السّنة يَكْفِيهِ أَن يَصُوم جَمِيعهَا وينحط عَنهُ صَوْم رَمَضَان وَأَيَّام الْعِيد والتشريق وَهل يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض وَأما مَا أفطر بِالْمرضِ فَفِيهِ خلاف وَمن لم يُوجب فَكَأَنَّهُ قَالَ النّذر يجْرِي مجْرى الشَّرْع وَالشَّرْع لَا يُوجب عَلَيْهِ صَوْم هَذِه الْأَيَّام أما مَا أفطر فِي السّفر فَالظَّاهِر أَنه يقْضِي إِذْ يظْهر فِيهِ أَن الشَّرْع أوجب لَكِن السّفر اقْتضى التَّخْيِير بَينه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 وَبَين عدَّة من أَيَّام أخر أما إِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم سنة فَيلْزمهُ اثْنَا عشر شهرا بِالْأَهِلَّةِ وَلَو ابْتَدَأَ من الْمحرم إِلَى الْمحرم لَا يَكْفِيهِ بل يلْزمه قَضَاء أَيَّام رَمَضَان وَالْعِيدَيْنِ وَفِيه وَجه أَنه يَكْفِيهِ وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم يَوْم يقدم فِيهِ فلَان فَقدم لَيْلًا لم يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ قرن الْيَوْم فِي نَذره بالقدوم وَلم يُوجد وَلَو قدم فِي أثْنَاء النَّهَار فنقدم على هَذَا أصلا وَهُوَ أَن من أصبح صَائِما تَطَوّعا فَنَذر إتْمَام ذَلِك الْيَوْم لزمَه وَلَو أصبح ممسكا فالتطوع مُمكن بإنشاء النِّيَّة فَلَو نذر أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم لزمَه على الْأَصَح وَإِن قُلْنَا إِن النّذر الْمُطلق ينزل على وَاجِب الشَّرْع لِأَن هَذَا مُقَيّد وَلِهَذَا قطعُوا بِأَنَّهُ لَو قَالَ لله عَليّ رَكْعَة وَاحِدَة لَزِمته وَالْعجب أَنهم قَالُوا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي قَاعِدا وَهُوَ قَادر على الْقيام يلْزمه الْقيام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَأخذُوا يفرقون بَين رَكْعَة وَبَين الْقيام غير مُمكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 أما إِذا نذر صَوْم بعض الْيَوْم فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَلْغُو لِأَنَّهُ الْتزم محالا وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيلْزمهُ أَن يضم إِلَيْهِ بَقِيَّة الْيَوْم ليَصِح الْبَعْض مَعَ الْبَقِيَّة وعَلى هَذَا يخرج مَا لَو نذر رُكُوعًا أَو سجودا أَنه يَلْغُو أَو تلْزمهُ صَلَاة وَلم يذهب أحد إِلَى أَن السَّجْدَة وَحدهَا تلْزم بِالنذرِ فَإِنَّهَا لَيست عبَادَة إِلَّا مقرونة بِسَبَب كالتلاوة رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَتنَا قطع الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ لَا يخرج عَن النّذر بِصَوْم ذَلِك الْيَوْم وَإِن أصبح ممسكا وَكَانَ قبل الزَّوَال وَهَذَا ميل إِلَى أَنه لَو نذر صَوْم يَوْم لم يكفه إنْشَاء النِّيَّة نَهَارا وَإِن كَفاهُ إِذا لم يذكر الْيَوْم وَذكر مُجَرّد الصَّوْم ثمَّ هَل يلْزمه صَوْم يَوْم آخر فِيهِ قَولَانِ اخْتلفُوا فِي أَصلهمَا مِنْهُم من قَالَ أَصله أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 من نذر صَوْم بعض يَوْم هَل يلْزمه يَوْم كَامِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل أَصله أَن قَوْله يَوْم يقدم فلَان مَحْمُول على يَوْم الْقدوم من أَوله أَو من وَقت قدومه فَإِن قُلْنَا إِنَّه من أَوله لزمَه صَوْم يَوْم وَإِن قُلْنَا إِنَّه من وَقت الْقدوم فَهُوَ محَال لَا يلْزمه شَيْء إِذْ نذر صَوْم بعض الْيَوْم لاغ على الصَّحِيح إِذْ قطعُوا بِأَنَّهُ لَو نذر حج هَذِه السّنة وَلم يبْق من وَالْوَقْت إِلَّا يَوْم وَهُوَ على مائَة فَرسَخ بَطل النّذر ويتبين أثر هَذَا الْبناء فِي الْعتْق فَإِذا قَالَ عَبدِي حر يَوْم يقدم فلَان فَبَاعَهُ ضحوة ثمَّ قدم ذَلِك الْيَوْم فَإِن قُلْنَا بالإستناد تبين بطلَان البيع وَإِلَّا فَالْبيع نَافِذ لتقدمه على الْقدوم التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزمه ثمَّ يظْهر بالعلامة أَنه يقدم غَدا فَنوى لَيْلًا فَقَالَ الْقفال لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 يَصح التَّرَدُّد وَقَالَ غَيره يَصح للعلامة وللتشوف إِلَى الْوَفَاء بالملتزم وترددوا فِي أَنه هَل يلْزمه الْإِمْسَاك فِي ذَلِك الْيَوْم إِذا أصبح ممسكا فَإِن قُلْنَا يجب الْقَضَاء فَعَلَيهِ الْإِمْسَاك وَإِلَّا فَلَا وَلَو كَانَ صَائِما ذَلِك الْيَوْم عَن نذر آخر فَالْأولى أَن يقْضِي ذَلِك النّذر لِأَنَّهُ تطرق إِلَيْهِ نوع من الإشتراك اللَّفْظ الرَّابِع إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان أبدا فَقدم يَوْم الْإِثْنَيْنِ لزمَه صَوْم الأثانين أبدا تفريفعا على الْأَصَح فِي أَن الْوَقْت يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فِي الصَّوْم وَكَذَلِكَ من نذر صَوْم الأثانين أبدا لزمَه ثمَّ لَو وَافق يَوْم حيض أَو مرض فَفِي الْقَضَاء الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي السّنة هَذَا إِذا كَانَ لَا يغلب وُقُوع الأثانين فِي الْحيض فَإِن كَانَت تحيض عشرا عشرا فَلَا بُد وَأَن يتَنَاوَل اثْنَيْنِ فَالْمَذْهَب أَنه لَا يجب الْقَضَاء لِأَن نذر أَيَّام الْحيض لاغ وَقد تنَاول بنذره أَيَّام الْحيض وَمِنْهُم من طرد الْخلاف لِأَن الْحيض يطول وَيقصر وَلَو صَادف يَوْم عيد فإسقاط الْقَضَاء أظهر لِأَنَّهُ كالمتعين وَمِنْهُم من قَالَ الْهلَال يخْتَلف وَيتَصَوَّر فِيهِ التَّقَدُّم وَالتَّأْخِير فَيجب الْقَضَاء فَإِن يَوْم حَيْضهَا فِي علم الله تَعَالَى أَيْضا مُتَعَيّن أما الأثانين الْوَاقِعَة فِي دور رَمَضَان فَلَا يجب الْقَضَاء قطعا إِذْ لَا بُد من وُقُوع أَربع أثانين فِيهِ أما الْخَامِس فَيخرج على الْخلاف وَلَو كَانَ قد لزمَه من قبل صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين لكفارة ثمَّ نذر الأثانين لم يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ فِي الصَّوْم المتتابع كرمضان وَفِيه وَجه أَنه يقْضِي كَمَا لَو لزمَه صَوْم الشَّهْرَيْنِ بعد النّذر فَإِنَّهُ يقْضِي لِأَنَّهُ أَدخل سَبَب الْكَفَّارَة على نَفسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 اللَّفْظ الْخَامِس إِذا نذر صَوْم الدَّهْر لزمَه وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ الدَّهْر فَلَا صَامَ أَرَادَ بِهِ أَن لَا يفْطر أَيَّام الْعِيدَيْنِ ثمَّ لَهُ الترخيص بِعُذْر السّفر وَالْمَرَض وَلَا قَضَاء إِذْ لَا يُمكن الْقَضَاء لِأَن الده مُسْتَغْرق وَلَو أفطر عمدا لزمَه الْقَضَاء وَتعذر لاستغراق الدهل فَعَلَيهِ الْمَدّ فَإِن نوى الْقَضَاء فِي يَوْم انْعَقَد قَضَاؤُهُ وَلَكِن فَاتَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم الْأَدَاء فَعَلَيهِ الْمَدّ لذَلِك الْيَوْم أما إِذْ عين نذر يَوْم الْعِيد لَغَا نَذره عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 رَحمَه الله وَهُوَ عندنَا كنذر يَوْم الْحيض وَفِي نذر يَوْم الشَّك وَنذر الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة خلاف وَكَذَلِكَ فِي أَيَّام التَّشْرِيق إِن قُلْنَا إِنَّه يقبل صَوْم الْمُتَمَتّع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 النَّوْع الثَّانِي الْحَج وَمن نذر الْحَج لزمَه فَإِن نذر مَاشِيا فَفِي لُزُوم الْمَشْي قَولَانِ بِنَاء على أَن الْأَفْضَل هُوَ الرّكُوب أَو الْمَشْي فَإِن قُلْنَا الْمَشْي أفضل لزمَه لِأَنَّهُ صَار وَصفا لِلْعِبَادَةِ ثمَّ النّظر فِي ثلَاثه أُمُور الأول فِي وَقت الْمَشْي فَلَو نذر الْمَشْي من دويرة أَهله قبل الْإِحْرَام فَفِي لُزُومه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمَشْي قبل الْإِحْرَام لَيْسَ بِعبَادة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحَج مَاشِيا كَذَلِك يكون فَإِن قُلْنَا يلْزم فَلَو أطلق وَقَالَ أحج مَاشِيا أَو أَمْشِي حَاجا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحمل اللَّفْظ على الْعَادة فَيلْزم الْمَشْي من دويرة أَهله وَالثَّانِي يحمل على الْحَقِيقَة وَالْحج من وَقت الْإِحْرَام وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ أحج مَاشِيا فَمن وَقت الْإِحْرَام وَإِن قَالَ أَمْشِي حَاجا مَعْنَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 قَاصِدا لِلْحَجِّ فَمن دويرة أَهله وَأما فِي آخر الْحَج فَلهُ الرّكُوب بعد التحللين وَهل لَهُ ذَلِك بَينهمَا فِيهِ وَجْهَان النّظر الثَّانِي لَو فَاتَهُ الْحَج بعد الشُّرُوع أَو فسد عَلَيْهِ بِالْجِمَاعِ لزمَه لِقَاء الْبَيْت وَفِي لُزُوم الْمَشْي وَجْهَان من حَيْثُ إِن هَذَا غير وَاقع عَن الْمَنْذُور وَلكنه من لوازمه النّظر الثَّالِث لَو ترك الْمَشْي بِعُذْر وَقع الْحَج عَن نَذره وَإِن ترك بِغَيْر عذر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مَا أَتَى بالموصوف وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يَقع لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَصْلِ لَكِن هَل يلْزمه الْفِدْيَة بترك الْمَشْي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَشْي من الأبعاض فِي الْحَج وَالثَّانِي نعم إِذْ لَا معنى للْبَعْض إِلَّا وَاجِب لَا يجوز تَركه وَالثَّالِث أَنه تجب إِن تَركه عمدا وَإِن تَركه بِعُذْر لم تجب فروع أَحدهَا لَو ركب فِي بعض الطَّرِيق وَمَشى فِي بعض قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا عَاد للْقَضَاء مَشى حَيْثُ ركب وَركب حَيْثُ مَشى وَهَذَا تَفْرِيع على لُزُوم الْقَضَاء فَكَأَنَّهُ وَقع الْحَج الأول عَنهُ وَبَقِي الْمَشْي الْوَاجِب فَلم يُمكن قَضَاؤُهُ مُفردا فَقضى بِالْحَجِّ لَهُ وَكَفاهُ بعض الْمَشْي لذَلِك وَمِنْهُم من قَالَ وَجب الْمَشْي فِي جَمِيعه لِأَن الأول لم يَقع عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 الثَّانِي لَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج عَامي هَذَا تعين الْوَقْت لَهُ كَمَا فِي الصَّوْم فَلَو امْتنع بِعُذْر فَفِي الْقَضَاء خلاف كَمَا فِي الصَّوْم وَفِي الْإِحْصَار خلاف مُرَتّب وَأولى أَن لَا يجب الْقَضَاء وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِحْصَار أَنه لَا يجب الْقَضَاء وَالْآخر تَخْرِيج ابْن سُرَيج الثَّالِث لَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج رَاكِبًا وَقُلْنَا إِن الرّكُوب أفضل فَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي الْمَشْي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 النَّوْع الثَّالِث إتْيَان الْمَسَاجِد إِذا نذر إتْيَان مَسْجِد سوى الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس لم يلْزمه شَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاث مَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَمَسْجِد إيلياء أَي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهَذَا لَا يُوجب تَحْرِيمًا وكراهية فِي شدّ الرّحال إِلَى غَيره على الصَّحِيح بل بَين أَن الْقرْبَة هَذَا فَقَط أما إِذا نذر إتْيَان مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس أَو مَسْجِد الْمَدِينَة فَفِي اللُّزُوم قَولَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ لَا يتَعَلَّق بهما نسك وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهما اختصاصا بالقربة على الْجُمْلَة فَإِن قُلْنَا يلْزم فَهَل يجب أَن يضم إِلَيْهِ قربَة أُخْرَى من اعْتِكَاف أَو صَلَاة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 أَحدهمَا أَنه يلْزم إِذْ يبعد أَن يَكْفِي الإجتياز بِهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزم إِلَّا مَا الْتزم فَهُوَ مُجَرّد زِيَارَة كزيارة الْعلمَاء والقبور فَإِن قُلْنَا تجب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب فِيهِ الإعتكاف لِأَنَّهُ أخص بِالْمَسْجِدِ وَالثَّانِي تجب الصَّلَاة وَلَو رَكْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ أظهر فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد بهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره وَصَلَاة فِي مَسْجِد إيلياء تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي غَيره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا وَزَاد الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَنه يَكْفِيهِ زِيَارَة الْقَبْر فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فرع لَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة وإيلياء قطع المراوزة باللزوم وَحكى الْعِرَاقِيُّونَ طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تعْيين الْمَسْجِد وَلَو نذر الْمَشْي إِلَى المسجدين فَفِي الْمَشْي وَجْهَان كَمَا فِي الْمَشْي من دويرة أَهله قبل الْإِحْرَام وَأما إِذا نذر إتْيَان الْمَسْجِد الْحَرَام فَيلْزمهُ حج أَو عمْرَة إِن قُلْنَا يحمل النّذر على أقل وَاجِب وَإِن قُلْنَا يحمل على مُجَرّد الإسم فَلَا بُد من إِحْرَام إِن قُلْنَا إِن ذَلِك يجب بِدُخُول مَكَّة وَإِن قُلْنَا لَا يجب نزل منزلَة المسجدين فَيخرج اللُّزُوم بِالنذرِ على قَوْلَيْنِ ثمَّ لَا فرق بَين لفظ الْمَشْي وَبَين قَوْله آتِي أَو أَسِير إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِلَّا بِلَفْظ الْمَشْي وَلَا فرق بَين أَن يَقُول إِلَى مَكَّة أَو الْحرم أَو الْمَسْجِد أَو مَسْجِد الْخيف وَجَمِيع مَوَاضِع الْحرم ثمَّ إِن قُلْنَا يجب أَن يُضَاف إِلَى الْإِتْيَان اعْتِكَاف أَو صَلَاة فها هُنَا تزيد الْعمرَة وَالْحج فَإِنَّهُمَا أخص بِهِ وَلَا يبعد أَن يكْتَفى بِمُجَرَّد طواف وَهُوَ أَيْضا أخص من الإعتكاف وَلَو قَالَ آتِي عَرَفَة لم يلْزمه شَيْء لِأَن ذَلِك لَيْسَ بقربة إِذا لم يكن فِي حج وَقَالَ القَاضِي إِن خطر لَهُ شُهُود يَوْم عَرَفَة مَعَ الحجيج لم يبعد لُزُومه لما فِيهِ من الْبركَة وَلَو نوى بِهِ الْحَج لزمَه الْحَج وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَى بَيت الله تَعَالَى فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن جَمِيع الْمَسَاجِد بَيت الله إِلَّا إِذا نوى بِهِ الْكَعْبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 النَّوْع الرَّابِع تعْيين الْمَسَاجِد فَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي الْفَرَائِض فِي الْمَسْجِد لزمَه إِذا قُلْنَا إِن صفة الْفَرَائِض تفرض بالالتزام أما إِذا عين مَسْجِدا لم يتَعَيَّن إِلَّا الْمَسَاجِد الثَّلَاث وَهل يقوم بَعْضهَا مقَام بعض فِي الْمَسْجِد سوى الْمَسْجِد الْحَرَام فِيهِ خلاف مِنْهُم من قَالَ يقوم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى بَينهمَا بالتعديل بِأَلف صَلَاة وعَلى هَذَا يقوم الْمَسْجِد الْحَرَام مقامهما وَمِنْهُم من قَالَ إِذا عين فَلَا بُد من التعين وَمِنْهُم من طرد هَذَا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ لَا يقوم مقَام المسجدين وَلَا خلاف أَنه لَو نذر ألف صَلَاة لَا تكفيه صَلَاة وَاحِدَة فِي هَذِه الْمَسَاجِد وَلَو نذر صَلَاة فِي الْكَعْبَة جَازَ الصَّلَاة فِي أرجاء الْمَسْجِد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 النَّوْع الْخَامِس فِي الضَّحَايَا والهدايا وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْحَج ونتكلم الْآن فِي أَلْفَاظ خَمْسَة الأول لَو نذر أَن يتَقرَّب بسوق شَاة إِلَى مَكَّة لزمَه وَلم يكفه الذّبْح فِي غير مَكَّة ثمَّ يلْزمه التَّفْرِقَة بِمَكَّة لِأَن التلطيخ وَحده لَيْسَ بِقُرْبِهِ وَفِيه وَجه أَنه لَا تلْزمهُ التَّفْرِقَة بهَا بل يجوز النَّقْل لِأَنَّهُ لم يلتزمه مَقْصُودا وَأما إِذا لم يذكر لفظ الضحية وَلَا لفظا يدل على الْقرْبَة بل قَالَ لله عَليّ أَن أذبح بِمَكَّة فَالْأَظْهر أَنه يلْزمه لِأَن اقترانه بِذكر الله تَعَالَى وَمَكَّة يشْعر بِقصد التَّقَرُّب وَمِنْهُم من قَالَ لَا يلْزمه لِأَن الذّبْح الْمَذْكُور بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بقربة مَا لم يُوصف بِمَا يدل عَلَيْهِ فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أذبح بنيسابور فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن لفظ مَكَّة قرينَة مَعَ ذكر اسْم الله تَعَالَى التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يلْزم لَو ذكر لفظ التَّضْحِيَة بنيسابور فَهَل يتَعَيَّن تَفْرِقَة اللَّحْم بهَا فِيهِ وَجْهَان يستمدام نن جَوَاز نقل الصَّدَقَة وَيخرج عَلَيْهِ الْخلاف فِي أَن الْفَقِير هَل يتَعَيَّن للتصدق عَلَيْهِ إِذا عين فَفِي وَجه لَا يلْزم إِذْ لم تثبت قربَة فِي هَذِه الْأَعْيَان بِخِلَاف مَكَّة فَإِن قُلْنَا لَا يلْزم فَالظَّاهِر أَنه يلْزم النّذر وَيسْقط التَّعْيِين وَيحْتَمل أَن يُقَال فسد أصل النّذر فَإِن قُلْنَا تتَعَيَّن للتفرقة فَهَل يتَعَيَّن للذبح فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن تَخْصِيص الْبِلَاد بِالزَّكَاةِ مَعْهُود أما بِالذبْحِ فَلَا إِلَّا فِي مَكَّة وَلَكِن لَا يبعد أَن يجب تَابعا للتفرقة اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِبدنِهِ لزمَه بعير وَهل يقوم مقَامه بقرة أَو سبع من الْغنم فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا إِن عدمت الْبَدنَة جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 وَالثَّانِي إِن وجدت لم يجز وَإِن عدمت فَوَجْهَانِ ومأخذ الْخلاف الإلتفات إِلَى مُوجب اللَّفْظ أَو وضع الشَّرْع فِي التَّعْدِيل وَلَا خلاف فِي أَنه لَو نذر دَرَاهِم فَلَا يتَصَدَّق بِجِنْس آخر التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا الْإِبْدَال فَلَا يشْتَرط المعادلة فِي الْقيمَة وَفِيه وَجه بعيد أَنه يشْتَرط وَأما الصّفة فَالصَّحِيح أَنه يتَعَيَّن من الْإِبِل الْبَعِير الثني الَّذِي يجزىء فِي الضحية بقوله عَليّ أَن أضحي وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه ينزل على مَا يُسمى بَدَنَة وَإِن كَانَ معيبا نعم لَا يجزىء الفصيل فَإِنَّهُ لَا يُسمى بَدَنَة اللَّفْظ الثَّالِث إِذا قَالَ لله عَليّ هدي وَإِن نزلناه على أقل وَاجِب الشَّرْع فَعَلَيهِ حَيَوَان من النعم سليم من الْعُيُوب وَيلْزمهُ السُّوق إِلَى الْحرم وَفِيه وَجه أَن السُّوق لَا يجب لِأَن دم الْإِحْصَار وَدم الْحَيَوَان تجزىء فِي غير الْحرم وَإِن قُلْنَا ينزل على جَائِز الشَّرْع فَكل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْهدى والمنحة وَلَو دانق يتَصَدَّق بِهِ حَيْثُ كَانَ وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من تَبْلِيغ الْحرم لاسم الْهَدْي وَهُوَ بعيد اللَّفْظ الرَّابِع إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أهدي هَذِه الظبية إِلَى مَكَّة لزمَه التَّبْلِيغ وَيتَصَدَّق بهَا حَيَّة بِمَكَّة إِذْ لَا قربَة فِي ذَبحهَا كَمَا لَو نذر عشرَة أَذْرع من كرباس لَا يخيطه قَمِيصًا وَلَو نذر بَعِيرًا معيبا لَا يجزىء فِي الضحية فَفِي وجوب ذبحه بمكه وَجْهَان لِأَنَّهُ من جنس الضحية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 وَإِن لم يكن بِصفتِهِ فَلَو عين مَالا وَقَالَ عَليّ أَن أهديه إِلَى مَكَّة لزمَه النَّقْل بِعَيْنِه إِلَّا أَن يكون عقارا أَو حجر رحى مِمَّا لَا يُمكن النَّقْل فيبيع وينقل الْقيمَة وَخرج من هَذَا أَن مَكَّة تتَعَيَّن فِي الصَّدَقَة وَالصَّلَاة إِذا عينت وَهل تتَعَيَّن للصَّوْم الظَّاهِر أَنه لَا تتَعَيَّن إِذْ لم يثبت لَهَا اخْتِصَاص فِي الصَّوْم بِخِلَاف الصَّلَاة وَالصَّدَََقَة اللَّفْظ الْخَامِس إِذا قَالَ عَليّ أَن أستر الْكَعْبَة أَو أطيبها لزمَه لِأَن السّتْر عهد فِي الْعَصْر الأول وَلم يُنكر وَهَذَا يدل على أَن مَا لَيْسَ بقربة مَقْصُودَة أَيْضا يلْزم بِالنذرِ وَيجوز ستر الْكَعْبَة بالحرير لِأَن ذَلِك محرم على الرِّجَال أَن يلبسوه بِأَنْفسِهِم لَا فِي التزين وَفِي إلتزام تطييب المسجدين الآخرين تردد وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 = كتاب أدب الْقَضَاء = وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي التَّوْلِيَة والعزل وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي التَّوْلِيَة وَفِيه سِتّ مسَائِل الأولى فِي فَضِيلَة الْقَضَاء وَالْقِيَام بمصالح الْمُسلمين والإنتصاف للمظلومين من أفضل القربات وَهُوَ من فروض الكفايات وَهُوَ أفضل من الْجِهَاد وأهم مِنْهُ لِأَن الْجِهَاد لطلب الزِّيَادَة وَالْقَضَاء لحفظ الْمَوْجُود وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَوْم وَاحِد من إِمَام عَادل أفضل من عبَادَة سِتِّينَ سنة وحد يُقَام فِي أَرض بِحقِّهِ أزكى من مطر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا فلأجل فَضِيلَة الْولَايَة وَكَونهَا مهما لنظام الدّين وَالدُّنْيَا تجب الْإِجَابَة على من دعِي إِلَى الحكم وَالْمُسْتَحب أَن يَقُول إِذا دعِي سمعا وَطَاعَة الثَّانِيَة فِي جَوَاز طلب الْقَضَاء والولايات وَقد ورد فِيهِ التحذير مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ من الْفضل فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولي الْقَضَاء فقد ذبح بِغَيْر سكين وَقَالَ لعبد الرحمن بن سَمُرَة لَا تسْأَل الْإِمَارَة فَإنَّك إِن أعطيتهَا عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا من غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا من أَمِير وَلَا وَال إِلَّا وَيُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه أطلقهُ عدله أَو أوبقه جوره وَإِنَّمَا هَذِه التحذيرات لِأَن هَذِه الْولَايَة تستخرج من النَّفس خفايا الْخبث حَتَّى يمِيل على الْعَدو وينتقم مِنْهُ وَينظر للصديق وَيتبع الْأَغْرَاض وَقد يظنّ بِنَفسِهِ التَّقْوَى فَإِذا ولي تغير فَنَقُول للطَّالِب أَرْبَعَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون مُتَعَيّنا بِأَن لَا يُوجد غَيره مِمَّن يصلح فالطب فرض عَلَيْهِ وَإِن كَانَ خاملا فَعَلَيهِ أَن يشهر نَفسه عِنْد الإِمَام حَتَّى يُولى ثمَّ إِن كَانَ يخَاف على نَفسه الْخِيَانَة والميل لم يكن هَذَا عذارا بل عَلَيْهِ أَن يُجَاهد نَفسه ويلازم سمت التَّقْوَى فَإِن تولى وَمَال عصى وَإِن امْتنع من الْقبُول خوفًا من الْميل عصى وَهُوَ مُتَرَدّد بَين إِحْدَى معصيتين لَا محَالة الثَّانِيَة أَن يكون فِي النَّاحِيَة من هُوَ أصلح مِنْهُ فَفِي انْعِقَاد إِمَامَة الْمَفْضُول خلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 فَإِن منعنَا فَفِي انْعِقَاد قَضَاء الْمَفْضُول وتوليته خلاف وَالأَصَح أَنه ينْعَقد لِأَن مَا يفوت من مزية الْإِمَامَة لَا جبر لَهَا ونقصان القَاضِي يجْبرهُ نظر الإِمَام من وَرَائه فَإِن قُلْنَا لَا ينْعَقد حرم عَلَيْهِ الْقبُول وَحرم على الإِمَام التَّوْلِيَة فَإِن قُلْنَا ينْعَقد جَازَ للمفضول الْقبُول إِن ولي بِغَيْر مسأله وَأولى أَن لَا يقبل وَأما الطّلب فمكروه وَلَا يَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم وَقيل إِنَّه يحرم وَهَذَا كُله فِي الواثق بِنَفسِهِ الَّذِي اختبر ورعها وتقواها فَإِن كَانَ مَعَه استشعار خِيَانَة فَيحرم الطّلب الثَّالِثَة أَن يكون فِي الْبَلَد من هُوَ دونه فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد ولَايَة الْمَفْضُول الْتحق بالصورة الأولى وَإِن قُلْنَا تَنْعَقِد جَازَ الْقبُول بل هُوَ الأولى لتَحْصِيل تِلْكَ المزية للْمُسلمين وَأما الطّلب فَهُوَ جَائِز وَإِن قلد بِغَيْر سُؤال فَهَل يلْزمه الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ واثقا بِنَفسِهِ فَإِن كَانَ خَائفًا فَهَذَا لَا يوازيه مزية الْفَضِيلَة فليمتنع الرَّابِعَة أَن يكون فِي النَّاحِيَة مثله فالقبول جَائِز وَإِن ولي بِغَيْر سُؤال فَلَا يجب الْقبُول على الْأَظْهر لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن لَكِن الأولى الْقبُول لِأَنَّهُ أَتَاهُ من غير مَسْأَلَة فيعان عَلَيْهِ وَأما الطّلب فَيحْتَمل أَن يكره للخطر وَيحْتَمل أَن يسْتَحبّ للفضيلة وكل هَذَا إِذا لم يخف على نَفسه فَإِن خَافَ خوفًا ظَاهرا فَعَلَيهِ الحذر وَإِن كَانَ لَا يستشعر ميلًا وَلكنه لم يجرب نَفسه فِي الولايات فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة لطلب رزق وكفاية فَلَا تطلق لَهُ الْكَرَاهِيَة بالتوهم مَعَ الْحَاجة فَلهُ الطّلب وَإِن لم تكن حَاجَة فَيكْرَه لَهُ الطّلب بِمُجَرَّد هَذَا الإستشعار وَلَا يَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي صِفَات الْقُضَاة وَلَا بُد أَن يكون حرا ذكرا مفتيا بَصيرًا إِذْ لَا ولَايَة للْعَبد وَلَا للْمَرْأَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز تَوْلِيَة الْمَرْأَة فِيمَا لَهَا فِيهِ شَهَادَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 وَقَوْلنَا مفتي أردنَا الْمُجْتَهد الَّذِي تقبل فتواه وَيخرج عَنهُ الصَّبِي وَالْفَاسِق إِذْ لَا تقبل فتواهما نعم الفاص مفت فِي حق نَفسه حَتَّى لَا يجوز لَهُ تَقْلِيد غَيره وَلَكِن لَا يوثق بفتواه ونعني الْمُجْتَهد المتمكن من دَرك أَحْكَام الشَّرْع اسْتِقْلَالا من غير تَقْلِيد غَيره ويستقصى تَفْصِيل ذَلِك فِي علم الْوُصُول أما الْمُقَلّد فَلَا يصلح للْقَضَاء وَأما من بلغ مبلغ الإجتهاد فِي مَذْهَب إِمَام لَا فِي أصل الشَّرْع فَفِي جَوَاز الْفَتْوَى لَهُ خلاف مَبْنِيّ على أَن من قَلّدهُ كَانَ قد قلد إِمَامه الْمَيِّت أم قَلّدهُ فِي نَفسه فَمن جوز تَقْلِيد الْمَيِّت وَهُوَ الصَّحِيح جوز لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 الْفَتْوَى وَمَعَ هَذَا فَلَا تجوز تَوليته مَعَ الْقُدْرَة على مُجْتَهد مُسْتَقل وَإِذا لم يُوجد غَيره وَجب تَقْدِيمه على الْجَاهِل وَالَّذِي لم يبلغ مبلغ الإجتهاد فِي الْمَذْهَب وَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر مَعَ هَذِه الْخِصَال الْكَفَاءَة اللائقة بِالْقضَاءِ فمجرد الْعلم لَا يَكْفِي لهَذِهِ الْأُمُور وَفِي تَوْلِيَة الْأُمِّي الَّذِي لَا يحسن الْكِتَابَة وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز إِذْ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمِّيا وَأما الْعَمى فمينع الْقَضَاء لِأَنَّهُ لَا يُمَيّز بَين الْخُصُوم وَالشُّهُود ثمَّ هَذِه الشُّرُوط أطلقها أَصْحَابنَا وَقد تعذر فِي عصرنا لِأَن مصدر الولايات خَال عَن هَذِه الصِّفَات وَقد خلا الْعَصْر أَيْضا عَن الْمُجْتَهد المستقل وَالْوَجْه الْقطع بتنفيذ قَضَاء من ولاه السُّلْطَان ذُو الشَّوْكَة كَيْلا تتعطل مصَالح الْخلق فَإنَّا ننفذ قَضَاء أهل الْبَغي للْحَاجة فَكيف يجوز تَعْطِيل الْقَضَاء الْآن نعم يَعْصِي السُّلْطَان بتفويضه إِلَى الْفَاسِق وَالْجَاهِل وَلَكِن بعد أَن ولاه فَلَا بُد من تَنْفِيذ أَحْكَامه للضَّرُورَة الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الإستخلاف وَالْأولَى بِالْإِمَامِ أَن يُصَرح بِالْإِذْنِ فِيهِ فَإِن نهى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 امْتنع وَإِن أطلق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يمْتَنع لِأَنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ وَولَايَة الْقَضَاء عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تتجزأ حَتَّى لَو فوض إِلَيْهِ قَضَاء الرِّجَال دون النِّسَاء أَو قَضَاء الْأَمْوَال دون النُّفُوس أَو اسْتثْنى شخصا وَاحِدًا عَن ولَايَته نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَكَذَلِك إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ الإستخلاف وَالثَّانِي أَن الْمُطلق ينزل على الْمُعْتَاد فَيجوز لَهُ الإستخلاف وَالثَّالِث أَنه إِن اتسعت خطة الْولَايَة بِحَيْثُ لَا يقدر على الْقيام بِنَفسِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وتشترط صِفَات الْقُضَاة فِي النَّائِب إِلَّا إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ إِلَّا تعْيين الشُّهُود أَو التَّزْكِيَة فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط من الْعلم إِلَّا مَا يَلِيق بِهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد نَائِب القَاضِي فِي الْقرى إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ إِمْضَاء الحكم بل سَماع الْبَيِّنَة ونقلها فَلَا يشْتَرط منصب الإجتهاد بل الْعلم اللَّائِق بِأَحْكَام الْبَينَات فرع لَيْسَ لَهُ أَن يشْتَرط على النَّائِب الحكم بِخِلَاف اجْتِهَاده أَو بِخِلَاف اعْتِقَاده حَيْثُ يجوز تَوْلِيَة الْمُقَلّد للضَّرُورَة بل اعْتِقَاد الْمُقَلّد فِي حَقه كالإجتهاد فِي حق الْمُجْتَهد فَإِن شَرط حَنَفِيّ على نَائِبه الشَّافِعِي الحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله جَازَ لَهُ الحكم فِي كل مَسْأَلَة توَافق فِيهَا المذهبان وَمَا فِيهِ خلاف لَا يحكم فِيهِ أصلا لَا بِمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 الله فَإِنَّهُ خلاف اعْتِقَاده وَلَا بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا نصب فِي بَلْدَة قاضيين على أَن لَا يسْتَقلّ أَحدهمَا دون الآخر لم يجز لِأَن الإختلاف يكثر فِي الإجتهاد فَيُؤَدِّي إِلَى بَقَاء الْخُصُومَات ناشئة وَلَو خصص كل قَاض بِطرف من أَطْرَاف الْبَلَد جَازَ كَمَا يعْتَاد فِي بَغْدَاد وَإِن أثبت لكل وَاحِد الإستقلال فِي جَمِيع الْبَلَد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا إِذْ يتنازع الخصمان فِي اخْتِيَار أَحدهمَا وَكَذَلِكَ فِي إِجَابَة داعيهما بِخِلَاف دَاعِي الإِمَام وَالْقَاضِي أَو خَلِيفَته فَإِن دَاعِي الأَصْل يقدم وَكَذَلِكَ من اخْتَارَهُ وَالثَّانِي أَنه يجوز وَيحكم عِنْد النزاع بِالْقُرْعَةِ فِي التَّقْدِيم الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي التَّحْكِيم إِذا حكم رجلَانِ اخْتَصمَا فِي مَال هَل ينفذ حكمه عَلَيْهِمَا فِيهِ قَولَانِ وَالنِّكَاح مُرَتّب على المَال وَأولى بِأَن لَا ينفذ والعقوبات مرتبَة على النِّكَاح وَأولى بِأَن لَا تنفذ ثمَّ اخْتلف فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ قيل إِنَّه إِذا لم يكن فِي الْبَلَد قَاض فَإِن كَانَ لم يجز وَقيل إِن لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 يكن فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ فَقَوْلَانِ وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ مُطلقًا وَالأَصَح الْمَنْع بِكُل حَال وَقد ذكرنَا تَوْجِيه ذَلِك فِي مَسْأَلَة مُفْردَة التمس بعضه الْفُقَهَاء بِالشَّام التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا ذَلِك فَلْيَكُن الْمُحكم على صفة تجوز للْقَاضِي تَوليته ثمَّ لَا ينفذ إِلَّا على من رَضِي فَلَو تعلق بثالث كَمَا إِذا كَانَ فِي قتل الْخَطَأ لم يضْرب الدِّيَة على الْعَاقِلَة إِذا لم يرْضوا بِحكمِهِ وَفِيه وَجه أَن رضَا الْقَاتِل كَاف فِيهِ لأَنهم تبع لَهُ وَهُوَ بعيد لِأَن إِقْرَار الْقَاتِل لَا يلْزمهُم فَكيف يلْزمهُم رِضَاهُ وَالْمذهب أَنه لَا يحكم فِي الإستيفاء بل لَيْسَ إِلَيْهِ إِلَّا الْإِثْبَات وَفِيه وَجه وَلَا شكّ أَنه مَمْنُوع من اسْتِيفَاء الْعُقُوبَات لِأَنَّهُ يخرم أبهة الْولَايَة ثمَّ للمحكم أَن يرجع عَن التَّحْكِيم قبل تَمام الحكم وَبعده فَلَا ينفع وَإِن لم يجدد رضَا بعد الحكم فَهَل يلْزم بِمُجَرَّد الرِّضَا السَّابِق ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل وَحكمه وَفِيه خمس مسَائِل الأولى فِي الإنعزال وينعزل بِكُل صفة لَو قارنت التَّوْلِيَة لامتنع كالعمى وَالْجُنُون وَالنِّسْيَان أما الْفسق فالإمام الْأَعْظَم لَا يَنْعَزِل بطرآنه إِذْ فِيهِ خطر ويجر ذَلِك فَسَادًا أما القَاضِي إِذا فسق وَجب على الإِمَام عَزله وَقطع الْفُقَهَاء المعتبرون بانعزاله وَقَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ لَا يَنْعَزِل إِلَّا أَن يعْزل فرع لَو جنالقاضي ثمَّ أَفَاق فَهَل يعود قَضَاؤُهُ فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يعود كَالْوكَالَةِ لِأَن الْقَضَاء أَيْضا جَائِز إِذْ للْقَاضِي أَن يعْزل نَفسه الثَّانِيَة فِي جَوَاز الْعَزْل فللإمام عزل القَاضِي إِذا رابه مِنْهُ أَمر وَيَكْفِي غَلَبَة الظَّن فَإِن لم يظْهر سَبَب فَعَزله بِمن هُوَ أفضل نفذ وَإِن عَزله بِمن هُوَ دونه لم ينفذ على الْأَظْهر وَإِن عَزله بِمثلِهِ فَوَجْهَانِ وَاخْتَارَ الإِمَام نُفُوذ عَزله بِكُل حَال إِذْ رُبمَا يرى من هُوَ دونه أصلح لَهُم مِنْهُ نعم عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن لَا يعْزل إِلَّا لمصْلحَة الْمُسلمين فَإِن خَالف الْمصلحَة عصى وَلَكِن يَنْبَغِي أَن ينفذ عَزله فَإِن ذَلِك يجر فَسَادًا فِي الْأَقْضِيَة فرع حَيْثُ ينفذ الْعَزْل فَهَل يقف على بُلُوغ الْخَبَر إِلَيْهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ كَالْوَكِيلِ وَالثَّانِي الْقطع بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل لما فِيهِ من الضَّرَر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 أما إِذا كتب إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فينعزل عِنْد الْقِرَاءَة وَكَذَلِكَ إِذا قرىء عَلَيْهِ بِخِلَاف الطَّلَاق فَإِن ذَلِك يَنْبَنِي على اللَّفْظ وَهَذَا يَنْبَنِي على الْمَقْصُود وَلَا يقْصد الإِمَام الجاد فِي الْعَزْل قِرَاءَته بِنَفسِهِ وَفِيه وَجه أَن هَذَا كَالطَّلَاقِ الثَّالِثَة إِذا انْعَزل الإِمَام لم يَنْعَزِل الْقُضَاة وَكَذَا إِذا مَاتَ إِذْ يعظم الضَّرَر فِي خلو الخطة عَن الْقُضَاة وَلَو انْعَزل القَاضِي بعزل أَو موت أَو غَيره انْعَزل كل من فوض إِلَيْهِ شغلا معينا كمن يصغي إِلَى شَهَادَة مُعينَة وَأما خَلِيفَته ونوابه فِي الْقرى وقيم الْأَطْفَال فَفِي انعزالهم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنهم لَا ينعزلون كَمَا لَا يَنْعَزِل القَاضِي بِمَوْت الإِمَام الثَّانِي ينعزلون كَمَا يَنْعَزِل الْوَكِيل وَالثَّالِث أَنه إِن اسْتخْلف بِالْإِذْنِ الصَّرِيح لم ينعزلوا وَإِن اسْتَقل بالإستخلاف انعزلوا الرَّابِعَة إِذا قَالَ القَاضِي بعد الْعَزْل كنت قضيت لفُلَان لم يقبل قَوْله كَالْوَكِيلِ بعد الْعَزْل وَيقبل بِمُجَرَّد قَوْله قبل الْعَزْل وَإِن لم تكن بَيِّنَة وَإِن قضينا بِأَنَّهُ لَا يحكم بِمُجَرَّد علمه وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أهل الْإِنْشَاء فِي الْحَال وَلَو شهد عَدْلَانِ بعد الْعَزْل على قَضَائِهِ ثَبت وَإِن كَانَ هُوَ أحد العدلين وَقَالَ أشهد أَنِّي قضيت لم يقبل وَلَو قَالَ أشهد أَن قَاضِيا قضى فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تقبل كَمَا تقبل شَهَادَة الْمُرضعَة كَذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 وَالثَّانِي لَا لِأَن نِسْبَة الْقَضَاء إِلَيْهِ ظَاهر فَكَأَنَّهُ صرح بِهِ الْخَامِسَة من ادّعى على قَاض مَعْزُول أَنه أَخذ مِنْهُ رشوة حمله إِلَى القَاضِي الْمَنْصُوب ليفصل بَينهمَا الْخُصُومَة بطريقها وَإِن ادّعى أَنه أَخذ مني المَال بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ أَو معلنين بِالْفِسْقِ فَكَذَلِك وَإِن ادّعى مُجَرّد الحكم دون أَخذ المَال فَفِي قبُول الدَّعْوَى وَجْهَان ينبنيان على أَن القَاضِي إِذا أقرّ على نَفسه بذلك هَل يغرم أم يخْتَص الْغرم بالشهود لَو حاسب الصَّارِف الْأُمَنَاء فَادّعى وَاحِد مِنْهُم أَنه أَخذ مِنْهُ أُجْرَة قدرهَا لَهُ الْمَعْزُول فَلَا أثر لتصديق الْمَعْزُول وَلَكِن الزَّائِد على أُجْرَة الْمثل يسْتَردّ وَهل تصدق يَمِينه فِي قدر أُجْرَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مُدع وَالثَّانِي نعم لِأَن الظَّاهِر أَنه لَا يعْمل مجَّانا وَقد فَاتَت مَنَافِعه فَلَا بُد من عوض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي جَامع آدَاب الْقَضَاء وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي آدَاب مُتَفَرِّقَة وَهِي عشرَة الأول أَن من قبل الْولَايَة فِي الحضرة فليقدم إِلَى الْبَلَد من يشيع ولَايَته فَإِن انْصَرف على الْفَوْر وَقدم فَجْأَة وَلم يستفض فَادّعى أَنه قَاض فَلهم الإمتناع من الطَّاعَة إِن لم يكن مَعَه كتاب وَإِن كَانَ كتاب من غير استفاضة وَلَا شَهَادَة عَدْلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب اعْتِمَاد الْكتاب مَعَ مخايل الصدْق وَبعد الجرأة على التلبيس فِي مثل هَذَا على السُّلْطَان وَالثَّانِي أَن ابْتِدَاء الْأُمُور الْعَظِيمَة لَا بُد من الإحتياط فِيهَا فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ يخبران عَن التَّوْلِيَة وَإِن لم تكن على صِيغَة الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَيْسَ لذَلِك خصم معِين حَتَّى تُقَام عَلَيْهِ وَلَا ثمَّ قَاض آخر تثبت عِنْده وَإِن ظَهرت مخايل الْخِيَانَة فَلَا حرج على النَّاس فِي التَّوَقُّف أصلا الْأَدَب الثَّانِي أَنه كَمَا قدم فَيَنْبَغِي أَن لَا يشْتَغل بِشَيْء حَتَّى يفتش عَن المحبوسين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 فَمن كَانَ مَحْبُوسًا ظلما أَو فِي تَعْزِير أطلقهُ وَمن أقرّ بِأَنَّهُ مَحْبُوس بِحَق رده إِلَى الْحَبْس فَإِن لم يعْتَرف سَأَلَهُ عَن خَصمه فَإِن ذكر خصما حَاضرا أحضرهُ فطالبه بابتداء الْخُصُومَة فَإِن أَقَامَ الْحجَّة على أَن القَاضِي الأول حكم عَلَيْهِ رده إِلَى الْحَبْس وَإِلَّا خلاه حَتَّى يسْتَأْنف الْخُصُومَة فَإِن قَالَ الْمَحْبُوس حبست ظلما قَالَ بَعضهم يخلى فَإِن إمسكانه من غير حجَّة لَا وَجه لَهُ وخصمه يحْتَاج إِلَى ابْتِدَاء الْخُصُومَة لَا محَالة وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا بُد أَن يحضر خَصمه أَولا وَيسْأل فَإِن لم يظْهر لَهُ خصم أطلق فَإِن قَالَ لَا أَدْرِي لم حبست يُنَادى عَلَيْهِ إِلَى حد الإشاعة فَإِن لم يظْهر لَهُ خصم أطلق وَفِي مُدَّة الإشاعة لَا يحبس وَلَا يخلى بل يراقب وَهل يُطَالب بكفيل بِبدنِهِ فِيهِ وَجْهَان وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه لَا يلْزمه ذَلِك فَإِن ذكر خصما غَائِبا وَقَالَ أَنا مظلوم فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ يخلى وَمِنْهُم من ذكر وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يكْتب إِلَى خَصمه حَتَّى يجْتَهد فِي التَّعْجِيل ويحضر فَإِن تخلف أطلق وَالثَّانِي أَنه يُطلق لِأَن انْتِظَار الْغَائِب يطول بِخِلَاف الْحَاضِر ثمَّ يَنْبَغِي أَن يُبَادر بعد الْفَرَاغ من المحبوسين إِلَى النّظر فِي أَمْوَال الْأَيْتَام والأوصياء ومحاسبتهم فَإِنَّهَا وقائع لَا رَافع لَهَا إِلَيْهِ فَإِن وَقعت حَادِثَة فِي أثْنَاء ذَلِك وَلم يتَفَرَّع لفصلها مَعَ شغل الأوصياء اسْتخْلف من يقوم بِأحد المهمين وَالْغَرَض مبادرة هَذِه الْأُمُور الْأَدَب الثَّالِث أَن يتروى بعد ذَلِك فِي تَرْتِيب الْكتاب والمزكين والمترجمين أما الْكَاتِب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 فَلْيَكُن عدلا عَاقِلا نزها عَن الطمع وَيَكْفِي كَاتب وَاحِد وَلَا أقل من مزكيين وَسَتَأْتِي صفاتهم وَأما المترجم فَلَا بُد أَيْضا من عَددهمْ وَأما المسمع وَهُوَ الَّذِي يسمع القَاضِي الْأَصَم فَفِي اشْتِرَاط الْعدَد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يشْتَرط كالمترجم فَإِنَّهُ ينْقل عين اللَّفْظ كَمَا أَن ذَلِك ينْقل معنى اللَّفْظ وَالثَّانِي لَا لِأَن المسمع لَو غير عرفه الخصمان والحاضرون بِخِلَاف التَّرْجَمَة وَالثَّالِث أَن الْعدَد لَا يشْتَرط إِلَّا أَن يكون الخصمان أصمين فَإِن الْقَوْم قد يغفلون عَن تَغْيِيره والخصم هُوَ الَّذِي يعتني بِهِ التَّفْرِيع إِن لم نشترط الْعدَد فَلَا نرعى لفظ الشَّهَادَة وَهل تشْتَرط الْحُرِّيَّة فِيهِ خلاف كَمَا فِي شَهَادَة رُؤْيَة الْهلَال لرمضان وَالصَّحِيح أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الرِّوَايَة وَإِن شَرط الْعدَد فَفِي لفظ الشَّهَادَة وَجْهَان وعَلى الْجُمْلَة لَيست هَذِه شَهَادَة مُحَققَة وَلَكِن لَا يبعد الإستظهار فِيهَا بِالْعدَدِ وَاللَّفْظ وَقد حصل أَن الْعدَد شَرط فِي الشَّاهِد والمزكى والمترجم والمقوم وَلَا يشْتَرط فِي الْقَائِف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 للْخَبَر وَهل يشْتَرط فِي الخارص وَالقَاسِم والمسمع فِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِن شرطنا الْعدَد فِي المسمع فَلَا بُد من رجلَيْنِ وَإِن كَانَت الْخُصُومَة فِي مَال وَكَذَا فِي الشَّهَادَة على الْوكَالَة بِالْمَالِ لِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَال فِي نَفسه وَإِن كَانَ إِلَيْهِ يَئُول فرع إِذا طلب المسمع أُجْرَة فَهِيَ على صَاحب الْحق أم هِيَ من بَيت المَال على وَجْهَيْن الْأَدَب الرَّابِع أَن يتَّخذ القَاضِي مَجْلِسا رفيقعا يكون مهب الرِّيَاح فِي الصَّيف وَفِي الشتَاء كَمَا كسا وَالْمَقْصُود أَن لَا يتسارع إِلَيْهِ الْملَل فيستضر الْخُصُوم وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَّخذ الْمَسْجِد مَجْلِسا للْقَضَاء فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ مَكْرُوه وَلَيْسَ بِمحرم وَسبب الْكَرَاهَة إفضاؤه إِلَى رفع الْأَصْوَات وَدخُول النِّسَاء الْحيض وَالصبيان وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 أكره ذَلِك فإقامة الْحُدُود أكره وَلَا بَأْس بفصل قَضِيَّة أَو قضايا فِي أَوْقَات مُتَفَرِّقَة وَقد فعل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن لم يَتَّخِذهُ مَجْلِسا وَكَلَام الْمُزنِيّ يُشِير إِلَى أَن اتِّخَاذه مَجْلِسا لَا يكره لَكِن الأولى تَركه وَالصَّحِيح الْكَرَاهِيَة فرع ذكر الصيدلاني وَجْهَيْن فِي أَن القَاضِي هَل يتَّخذ حاجبا وبوابا وَالْوَجْه أَن يُقَال لَهُ ذَلِك إِن كَانَ فِي خلْوَة وَإِن جلس للْحكم وخشي الرَّحْمَة فَلهُ ذَلِك وَإِلَّا فَلْينْظر إِلَى الْمصلحَة نعم ينقدح التَّرَدُّد إِن لم يخمش الزحمة من حَيْثُ إِن فِيهِ توقفا لصَاحب الْحق إِلَى الإستئذان فَيجوز أَن يمْنَع مِنْهُ وَيجوز أَن يحْتَمل ذَلِك ليستعد القَاضِي وَيتْرك انبساطه فِي الْبَيْت ويتصدى لَهُ الْأَدَب الْخَامِس أَن لَا يقْضِي فِي حَال غضب وحزن بَين وألم مبرح وجوع غَالب إِذْ يسوء خلقه فيمتد غَضَبه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 مَعْنَاهُ كل مَا يمْنَع من التؤدة وَاسْتِيفَاء الْفِكر الْأَدَب السَّادِس أَن لَا يخرج حَتَّى يجْتَمع عُلَمَاء الْفَرِيقَيْنِ ليشاورهم فَيكون أبعد من التُّهْمَة قَالَ تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مستغنيا عَن مشاورتهم وَلَكِن أَرَادَ أَن تصير سنة للحكام الْأَدَب السَّابِع أَن لَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي بِنَفسِهِ وَلَا بوكيل مَعْرُوف لِأَنَّهُ يستحيا مِنْهُ أَو يخَاف فيحابى فَيكون مرتشيا بِقدر الْمُسَامحَة الْأَدَب الثَّامِن إِذا أَسَاءَ وَاحِد أدبه فِي مَجْلِسه بمجاوزة حد الشَّرْع فِي الْخِصَام أَو مشافهة الشُّهُود بالتكذيب زَجره بِاللِّسَانِ فَإِن عَاد عزره وراعى التدريج فِيهِ فَإِن ظهر لَهُ شَهَادَة زور عزّر المزور على مَلأ من النَّاس ونادى عَلَيْهِ حَتَّى لَا يحمل الشَّهَادَة بعده الْأَدَب التَّاسِع أَن لَا يقْضِي لوَلَده وَلَا على عدوه بِعِلْمِهِ وَإِن قُلْنَا يقْضِي بِالْعلمِ وَهل يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ أَسِير شَاهِدين فَلَيْسَ إِلَيْهِ شَيْء بِخِلَاف الشَّاهِد فَإِنَّهُ يقدر على الْكَذِب وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه لَا يقْضِي إِذْ إِلَيْهِ الإستقصاء فِي دقائق أَدَاء الشَّهَادَة وَالرَّدّ بالتهمة وَإِلَيْهِ التسامح فِيهِ فولده كنفسه فيرفع إِلَى الإِمَام فَإِن رفع إِلَى نَائِبه وَحكم بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَنه هَل يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ إِن لم يَنْعَزِل يشابه قَاضِيا مُسْتقِلّا ووصى الْيَتِيم إِذا ولي الْقَضَاء فَلَا يقْضِي لَهُ لِأَنَّهُ خصم فِي حَقه كَمَا فِي حق نَفسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وَولده وَقَالَ الْقفال يقْضِي لِأَن كل قَاض فَهُوَ ولي الْأَيْتَام وَهُوَ الصَّحِيح الْأَدَب الْعَاشِر أَن لَا ينْقض قَضَاء نَفسه وَلَا قَضَاء غَيره بِظَنّ واجتهاد يُقَارب ظَنّه الأول قضى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِإِسْقَاط الْأَخ من الْأَب وَالأُم فِي مَسْأَلَة المشركة بعد أَن شرك فِي الْعَام الأول فروجع فِيهِ فَقَالَ ذَاك على مَا قضينا وَهَذَا على مَا نقضي وينقض فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول أَن يُخَالف نَص الْكتاب أَو سنة متواترة أَو إِجْمَاعًا وَهَذَا ظَاهر الثَّانِي أَن يُخَالف قِيَاسه واجتهاده خبر الْوَاحِد الصَّحِيح الصَّرِيح الَّذِي لَا يحْتَمل إِلَّا تَأْوِيلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 بَعيدا ينبو الْفَهم عَن قبُوله فينقض قَضَاء الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة خِيَار الْمجْلس والعرايا وذكاة الْجَنِين وَألْحق الْأَصْحَاب بِهِ النِّكَاح بِلَا ولي وَالْحكم بِشَهَادَة الْفَاسِق وَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأَمْثَاله وَقَالُوا لَا نبالي بتنزيل الْمُتَبَايعين فِي خِيَار الْمجْلس على المتقاولين وتنزيل الْمَرْأَة فِي النِّكَاح بِلَا ولي على الْأمة وَالصَّغِيرَة فَإِنَّهُ جلي الْبطلَان الثَّالِث أَن يُخَالف الْقيَاس الْجَلِيّ فينقض قَضَاء أَصْحَاب الظَّاهِر المعتقدين بطلَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 الْقيَاس لِأَنَّهُ بَاطِل بِدَلِيل أصولي قَاطع وينقض قَضَاء الْحَنَفِيّ إِن قضى بالإستحسان الْمُخَالف للْقِيَاس الْجَلِيّ إِلَّا أَن يعْنى بِهِ اتِّبَاع الْخَبَر أَو الْقيَاس الْخَفي فَمن اسْتحْسنَ بِغَيْر ذَلِك فقد شرع نعم قد اسْتحْسنَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْحلف بالمصحف وَلكنه مصلحَة من غير مُخَالفَة خبر وَقِيَاس فَهُوَ جَائِز وينقض مَذْهَب الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة الْقَتْل بالمثقل ومعظم مسَائِل الْحُدُود وَالْغَصْب لِأَنَّهُ على خلاف القانون الْكُلِّي وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أنقض قَضَاء من حكم لزوجة الْمَفْقُود بِأَن تنْكح بعد تربص أَربع سِنِين وَإِن كَانَ ذَلِك مَذْهَب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الرَّابِع أَن يُقَاوم الْقيَاس الْجَلِيّ قِيَاس خَفِي يسْتَند إِلَى وَاقعَة شَاذَّة لَا يُمكن تلفيقه إِلَّا بتكلف كَقَوْل أبي حنيفَة رَحمَه الله إِن الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة لَا يقْتَصر على الْإِذْن بل يتَعَدَّى لقياس يتَكَلَّف استنباطه من مَسْأَلَة الْعهْدَة بالحيلة وَقَوْلنَا إِنَّه يتبع إِذن الْمَالِك قِيَاس جلي يعلم الأصولي سُقُوط خيالهم بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ وعَلى الْجُمْلَة فَإِذا لم ينقدح عِنْده إِمْكَان الْإِصَابَة عِنْد الله عز وَجل بعد إِحَالَة وَقع فينقضه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 وَهَذَا مِمَّا يخْتَلف بالمجتهدين والوقائع وَإِنَّمَا لَا ينْقض الْقَضَاء حِين يتقارب النظران تقاربا لَا يبعد وهم الْإِصَابَة أَو الْمصير إِلَى أَن كل وَاحِد مُصِيب ثمَّ الْقَضَاء وَإِن لم ينْقض فَلَا يتَغَيَّر بِهِ الحكم بَاطِنا وَإِنَّمَا ينفذ الْقَضَاء عندنَا ظَاهرا وَإِن وَقع فِي مَحل الإجتهاد وَقَالَ الْقفال يحل بَاطِنا وَقطع الأصوليون بِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر أَمر الْبَاطِن وَهُوَ الصَّحِيح فَلَا يحل للشفعوي شُفْعَة الْجَار وَإِن قضى لَهُ الْحَنَفِيّ بهَا وَهل يمنعهُ الْحَنَفِيّ عَن طلبه على خلاف اعْتِقَاده فِيهِ تردد وَالظَّاهِر أَنه لَا يمْنَع إِذْ القَاضِي لَا يلْتَفت إِلَى مَذْهَب غَيره فرع لَو ظهر لَهُ خطأ فِي وَاقعَة فليتتبع وَإِن لم ترفع إِلَيْهِ وَإِن ظهر لَهُ خطأ القَاضِي الْمَعْزُول لَا يلْزمه التتبع مَا لم ترفع إِلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 الْفَصْل الثَّانِي فِي مُسْتَند قَضَائِهِ وَلَا يخفى استناده إِلَى الْحجَج وَالْغَرَض الْقَضَاء بِالْعلمِ والخط أما الْقَضَاء بِمَا ينْفَرد بِعِلْمِهِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقْضِي بِهِ وَهُوَ أقوى من شَاهِدين وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يتَعَرَّض للتُّهمَةِ ويوغر الصُّدُور وَلَا يَلِيق بالإيالة فتح هَذَا الْبَاب فَيصير أَيْضا وَسِيلَة لقضاة السوء وَفِي الْعُقُوبَات قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقْضِي وَالصَّحِيح أَنه لَا معنى للتَّرْتِيب مَعَ حُصُول حَقِيقَة الْعلم والعقوبات فِيهِ كَالْمَالِ فَإِن قُلْنَا يقْضِي فَلَا خلاف أَنه لَا يقْضِي بظنه الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى بَيِّنَة وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ كَيفَ كَانَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقْضِي إِلَّا بِعلم حصل فِي زمَان ولَايَته وَمَكَان ولَايَته وَإِن قُلْنَا لَا يقْضِي فيستثنى عَنهُ أَرْبَعَة أُمُور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 الأول أَنه يتَوَقَّف عَن الْقَضَاء إِذا علم كذب الشُّهُود يَقِينا بل يجب عَلَيْهِ التَّوَقُّف عِنْد الرِّيبَة فَكيف يقْضِي على خلاف معلومه الثَّانِي أَنه يقْضِي بِهِ فِي عَدَالَة الشُّهُود وَمِنْهُم من قَالَ يحْتَاج إِلَى مزكين على هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ يتهم وَكَيف لَا وَالْعَدَالَة لَا تعلم يَقِينا الثَّالِث يقْضِي على من أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء وَإِن رَجَعَ الْمقر فَإِنَّهُ أقوى الْحجَج وَأما إِن أقرّ عِنْده سرا فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من جوز أَيْضا على الْإِقْرَار سرا قولا وَاحِدًا الرَّابِع أَنه لَو شهد شَاهد وَاحِد فَهَل يُغني علمه عَن الشَّاهِد الثَّانِي حَتَّى يكون هُوَ كشاهد آخر فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يَكْفِي أما الْخط فَإِذا رأى القَاضِي خطه بِأَنِّي قضيت بِكَذَا لم يجز لَهُ إمضاؤه وَكَذَا الشَّاهِد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 بل لَا بُد وَأَن يتَذَكَّر الْوَاقِعَة بِجَمِيعِ حُدُودهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز الإعتماد على الْخط كَمَا فِي الْيَمين فَإِنَّهُ رأى خطّ أَبِيه جَازَ لَهُ أَن يحلف على الْبَتّ فِي طلب الْحُقُوق وإسقاطها إِذا وثق بِهِ وَقطع أَصْحَابنَا بِالْفرقِ لِأَن التزوير على الْخط بِحَيْثُ لَا يخْتَلف مُمكن وَفِي فتح هَذَا الْبَاب خطر عَام بِخِلَاف الْيَمين فَإِنَّهُ يُبَاح بغالب الظَّن وَلَا تُؤدِّي إِلَى ضَرَر عَام فَإِذن الإعتماد على ثَلَاث دَرَجَات أوسعها الْحلف وأضيقها الْقَضَاء وَالشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَمد فِيهِ مُجَرّد الْخط دون التَّذَكُّر وَبَينهمَا رِوَايَة الْأَحَادِيث فَإِنَّهُ لَا يعْتَمد فِيهِ مُجَرّد الْخط إِن أمكن التحريف لَكِن إِن صحت النُّسْخَة وحفظها بِنَفسِهِ وَأمن من التَّغَيُّر جَازَت الرِّوَايَة على الْأَظْهر وَعَلِيهِ عمل عُلَمَاء الْأَمْصَار وَسوى الصيدلاني بَينهمَا وَقَالَ لَا يحل للمحدث إِلَّا رِوَايَة مَا حفظ وتذكر فليرو كَذَلِك أَو ليترك الرِّوَايَة وَسوى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد على الْعَكْس من هَذَا وَقَالَ الشَّاهِد إِذا نسخ الْوَاقِعَة وَحفظ النُّسْخَة فِي خزانَة ووثق بِأَنَّهُ لم تحرف جَازَ لَهُ الشَّهَادَة وَإِن لم يذكر وَالْمَشْهُور بَين الْأَصْحَاب الْفرق بَين دَرَجَة الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة فِي صُورَة حفظ النُّسْخَة وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أقرب مِمَّا ذكره الصيدلاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 فروع الأول لَو شهد شَاهِدَانِ عِنْد القَاضِي بِأَنَّهُ قضى لم يجز لَهُ الحكم إِذا لم يتَذَكَّر ويشهدان عِنْد غَيره فَيثبت قَضَاؤُهُ وَإِن لم يذكرهُ وَلم يكذبهما وَلَكِن القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب من نَفسه الْيَقِين وَلَا يُمكنهُ طلب الْيَقِين من قَاض آخر وَيجوز هَذَا فِي الرِّوَايَة فَمن الْمَشَايِخ من كَانَ يَقُول حَدثنِي فلَان عني وَقَالَ أَبُو يُوسُف يقبل ذَلِك فِي الْقَضَاء أَيْضا الثَّانِي أَنه لَو ادّعى خصم على قَاض أَنَّك قضيت لي فَأنْكر الْقَضَاء فَلَيْسَ لَهُ أَن يرفعهُ إِلَى قَاض آخر ويحلفه بل هُوَ كالشاهد لَا يحلف إِذا أنكر الشَّهَادَة وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن قُلْنَا إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ فَلهُ ذَلِك حَتَّى إِن نكل حلف الْخصم وَكَانَ كإقرار القَاضِي وَهَذَا ضَعِيف الثَّالِث إِذا التمس صَاحب الْحق من القَاضِي أَن يُعْطِيهِ خطه بِأَنَّهُ قضى لَهُ وَيسلم إِلَيْهِ محضرا ديوانيا هَل تجب الْإِجَابَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِذْ بِهِ إحكام الْأَمر وإتمامه وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا اعْتِمَاد على الْخط وَإِنَّمَا الْخط مُذَكّر فَقَط فَإِن قُلْنَا يكْتب فالكاغد على الملتمس إِن لم يُطلق الإِمَام للقراطيس شَيْئا وَذَلِكَ مُسْتَحبّ إِطْلَاقه ثمَّ اعْلَم أَنا وَإِن لم نوجب كتبة الْمحْضر فَيُسْتَحَب للْقَاضِي اسْتِحْبَابا مؤكدا مهما جرت قَضِيَّة أَن يكْتب محضرا يذكر فِيهِ الْوَاقِعَة وَأَسْمَاء الْخَصْمَيْنِ فَإِن كَانَا غريبين كتب الْحِلْية ثمَّ يجمع محَاضِر كل أُسْبُوع فِي إضبارة ومحاضر الشَّهْر فِي قمطرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 ومحاضر السّنة فِي خريطة وَيكْتب عَلَيْهِ التواريخ وَيخْتم القَاضِي على الخريطة بِنَفسِهِ ويحفظه بِنَفسِهِ أَو بِعدْل لَا يتمارى فِيهِ وَيدْفَع نُسْخَة أُخْرَى إِلَى صَاحب الْحق حَتَّى إِن ضَاعَت وَاحِدَة سهل الرُّجُوع إِلَى الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْعَادة فَإِن التَّذَكُّر من غير خطّ بعيد وَمن جوز للأمي أَن يكون قَاضِيا فَلَا يُمكنهُ إِيجَاب الكتبة وَإِن التمس صَاحب الْحق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّسْوِيَة بَين الْخَصْمَيْنِ وَفِيه مسَائِل الأولى أَن لَا يخصص أحد الْخَصْمَيْنِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُول وَلَا بِجَوَاب السَّلَام وَلَا بمزيد الْبشر وَلَا بِالْقيامِ وَلَا بالبداية بالْكلَام وَلَا بِرَفْع الْمجْلس وَلَا بِالنّظرِ بل إِن نظر نظر إِلَيْهِمَا أَو أطرق وَقَالَ عَلَيْكُمَا السَّلَام وَلَو بَادر أَحدهمَا بِالسَّلَامِ صَبر حَتَّى يسلم الثَّانِي فيجيب مَعًا إِلَّا أَن يظْهر التَّقَدُّم فيعذر فِي الْجَواب وَقيل يَنْبَغِي أَن يصبر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ سو بَين الْخَصْمَيْنِ فِي مجلسك ولحظك فيسوى بَين الشريف والوضيع فِي الْمجْلس إِلَّا أَن يكون أَحدهمَا ذِمِّيا فَيجوز أَن يرْتَفع عَلَيْهِ الْمُسلم على أحد الْوَجْهَيْنِ لما رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دخل مَعَ خصم ذمِّي لَهُ إِلَى شُرَيْح فَقَامَ لَهُ شُرَيْح فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هَذَا أول جورك ثمَّ أسْند عَليّ رَضِي الله عَنهُ ظَهره إِلَى الْجِدَار وَقَالَ أما إِن خصمي لَو كَانَ مُسلما لجلست بجنبه فَلَا بَأْس بِهَذَا الْقدر لأمر الْإِسْلَام أما التَّخْصِيص بِالْقيامِ فقد نهى عَنهُ ثمَّ لَا بَأْس أَن يَقُول القَاضِي من الْمُدَّعِي مِنْكُمَا فَإِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 ابتدر أَحدهمَا بِدَعْوَى صَحِيحَة فَالظَّاهِر أَنه يَقُول للْآخر مَاذَا تَقول وَقيل إِنَّه يسكت حَتَّى يُجيب الآخر إِن شَاءَ ثمَّ إِن أقرّ ثَبت الْحق وَلم يفْتَقر إِلَى أَن يَقُول قضيت بِخِلَاف مَا لَو قَامَت بَيِّنَة لِأَن ذَلِك يتَعَلَّق بِاجْتِهَاد وَقيل يجب أَن يقْضِي أَيْضا فِي الْإِقْرَار وَإِن أنكر قَالَ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة وَقيل إِنَّه لَا يَقُول ذَلِك فَإِنَّهُ كالتلقين لإِظْهَار الْحجَّة وَلَيْسَ للْقَاضِي أَن يلقن إِقْرَارا وَإِنْكَارا وَحجَّة وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ سُؤال لَا تلقين فَإِن قَالَ لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة ثمَّ بعد ذَلِك أَقَامَ قبل وَإِن قَالَ لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة وَلَا غَائِبَة ثمَّ أَقَامَ بعد ذَلِك فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تقبل لمناقضة قَوْله وَالثَّانِي يقبل قَوْله فَلَعَلَّهُ تذكر وإصرار الْمُدعى عَلَيْهِ على السُّكُوت كإنكاره فِي جَوَاز إِقَامَة الْبَيِّنَة الثَّانِيَة إِذا تساوق المدعون إِلَى مَجْلِسه فالسبق لمن سبق فَإِن لم يسْبق فالقرعة وَلَا يقدم لفضله إِلَّا أَن الْمُسَافِر يجوز تَقْدِيمه إِن رأى الْمصلحَة ثمَّ من خرجت قرعته اقْتصر على خُصُومَة فَإِن أنشأ دَعْوَى أُخْرَى على ذَلِك الْخصم بِعَيْنِه فَالظَّاهِر الْمَنْع كشخص آخر وَمِنْهُم من جوز إِلَى ثَلَاث دعاوي وَيجوز تَقْدِيم الْمَرْأَة إِذا اقْتَضَت الْمصلحَة ذَلِك وَمِنْهُم من منع ذَلِك فِيهَا وَفِي الْمُسَافِر أصلا وَهُوَ بعيد وَكَذَلِكَ إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 ازدحموا على الْمُفْتِي والمدرس فليعول على الْقرعَة أَو السَّبق إِلَّا إِذا كَانَ مَا يطْلب مِنْهُ من الْعلم غير وَاجِب تَعْلِيمه فإليه الإختيار والإيثار فرع لَو سبق أَحدهمَا إِلَى الدَّعْوَى فَقَالَ الآخر كنت الْمُدَّعِي فَيُقَال لَهُ الْآن اخْرُج عَن مُوجب الدَّعْوَى فَإِنَّهُ سبق إِلَى الدَّعْوَى فَإِن ابتدءا مَعًا أَقرع بَينهمَا الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن لَا يقبل الْهَدِيَّة لَا من الْخَصْمَيْنِ وَلَا من أَحدهمَا بل يتْرك قبُول الْهَدَايَا أصلا وَلَا بَأْس بقبولها مِمَّن اعْتَادَ ذَلِك قبل الْقَضَاء وَلَا خُصُومَة لَهُ وَإِن كَانَ لَا يعْتَاد ذَلِك وَلَا خُصُومَة لَهُ فِي الْحَال جَازَ الْقبُول وَالْأولَى أَن يثيب أَو يضع فِي بَيت المَال وَأما من تكون لَهُ خُصُومَة فَيحرم قبُول هديته وَهل يملكهُ إِن قبله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يملك لِأَنَّهُ حرَام وَالثَّانِي أَنه يملك كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة تصح وَيحرم فعلهَا وَكَذَا الْخلاف فِيمَن وهب المَاء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ لوضوئه من غير عطشان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 الرَّابِعَة لَا يكره لَهُ حُضُور الولائم إِذا لم يخصص بالإجابة بَعضهم لِأَن فِي حُضُور الولائم أَخْبَارًا كَثِيرَة وَهَذَا فِي المأدبة الْعَامَّة أما مَا هيىء لأَجله فَلَا يحضرهُ فَإِنَّهُ كالهدية وَلَا يحضر مأدبة الْخَصْمَيْنِ أصلا فَإِنَّهُ رُبمَا يتودد أَحدهمَا بِزِيَادَة تكلّف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّزْكِيَة وَفِيه مسَائِل الأولى أَن الإستزكاء عندنَا حق الله تَعَالَى فَإِن سكت الْخصم وَجب على القَاضِي إِلَّا إِذا علم عدالتهما فَإِن الظَّاهِر أَنه يعول على الْعلم هَهُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن سكت الْخصم قضى وَلَو أقرّ الْخصم بعدالتهما وَلَكِن قَالَ قد زلا فِي هَذِه الْوَاقِعَة فَفِي وجوب الإستزكاء وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يقْضِي مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّانِيَة فِي كَيْفيَّة الإستزكاء وَهُوَ أَن يكْتب القَاضِي إِلَى الْمُزَكي اسْم الشَّاهِدين والخصمين وَقدر المَال فَلَعَلَّهُ يعرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 بَينهمَا عَدَاوَة وَرُبمَا يعدله فِي مِقْدَار يسير من المَال دون كثير وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الْعدْل فِي الْيَسِير عدل فِي الْكثير فَذكر قدر المَال لَا يجب وَهُوَ الْأَشْهر وليكتب إِلَى الْمُزَكي سرا حَتَّى لَا يتوسل الشَّاهِد إِلَى الإستمالة والتعرف إِلَى الْمُزَكي بِحسن الْحَال ثمَّ يسْتَحبّ أَن يشافه القَاضِي الْمُزَكي ظَاهرا فِي آخر الْأَمر وَيسْتَحب أَن يكون لَهُ جمَاعَة من المزكين أخفياء لَا يعْرفُونَ الثَّالِثَة صِفَات المزكين كصفات الشُّهُود وَيزِيد أَمْرَانِ أَحدهمَا الْعلم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل وَالْآخر خبرته ببواطن الشُّهُود فَلَا يجوز التَّعْدِيل بِنَاء على الظَّاهِر وَلَا بُد من الذُّكُورَة وَلَا بُد من الْعدَد إِلَّا إِذا كَانَ مَنْصُوبًا للْحكم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل وَسَمَاع الْبَيِّنَة فللقاضي أَن يعْتَمد قَوْله وَحده إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عِنْده وَيجب على الْمُزَكي أَن يَقُول أشهد بِأَنَّهُ عدل إِن قُلْنَا تجب المشافهة وَإِن اكتفينا بالرقعة مَعَ الرَّسُول فَفِي اشْتِرَاط كتبه لفظ الشَّهَادَة خلاف كَمَا فِي المترجم فرع تركيته لوَلَده أَو وَالِده فِيهِ خلاف كَمَا فِي الْقَضَاء وَالْأَظْهَر أَنه كَالشَّهَادَةِ الرَّابِعَة فِي مُسْتَند الْمُزَكي وَيَنْبَغِي أَن لَا يجرح إِلَّا بمعاينة سَبَب الْفسق أَو يَقِين وَعلم لِأَن ذَلِك يُمكن مَعْرفَته أما الْعَدَالَة فَلَا يُمكن مَعْرفَتهَا يَقِينا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى أَنه لَيْسَ بفسق وَهُوَ نفي وَالْإِنْسَان يخفي عيوبه جهده وَإِنَّمَا يعدل إِذا خبر بَاطِنه بالصحبة مَعَه أَو شهد عِنْده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 عَدْلَانِ بعدالته إِن كَانَ مَنْصُوبًا للْحكم بالتعديل وَالْأَصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لمن عرف شَاهدا بالصلاح هَل كنت جارا لَهُ فتعرف إصباحه وإمساءه فَقَالَ لَا فَقَالَ هَل عاملته على الدِّينَار وَالدِّرْهَم فبهما تعرف الْأَمَانَات فَقَالَ لَا فَقَالَ هَل صحبته فِي السّفر فبه تعرف أَخْلَاق الرِّجَال فَقَالَ لَا فَقَالَ مَا أَرَاك إِلَّا رَأَيْته فِي الْمَسْجِد يهمهم فِي صلَاته يرفع رَأسه وَيخْفِضهُ هَات من يعرفك فَإِنَّهُ لَا يعرفك وَلِهَذَا يجب على القَاضِي أَن يعرف أَن الْمُزَكي هَل خبر بَاطِن الشَّاهِد أم لَا فِي كل مرّة إِلَّا إِذا علم من عَادَته أَنه لَا يُزكي إِلَّا بعد الْخِبْرَة الْخَامِسَة كَيْفيَّة التَّعْدِيل أَن يَقُول هُوَ عدل عَليّ ولي أَو عدل مَقْبُول الشَّهَادَة فَإِن الْعدْل قد لَا تقبل شَهَادَته لكَون مغفلا وَلَا يجب ذكر سَبَب الْعَدَالَة فَإِنَّهُ لَا ينْحَصر وَيجب ذكر سَبَب الْجرْح من شرب وزنا وَأكل حرَام وَغَيره وَهَذَا وَإِن كَانَ غيبَة فَهُوَ جَائِز لهَذِهِ الْحَاجة وَإِنَّمَا يجب الذّكر لِأَن للنَّاس مَذَاهِب فِي أَسبَاب الْجرْح فَمنهمْ من يفسق بِأَدْنَى خيال وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الْمُزَكي من المتعصبين فِي الْمَذْهَب والأهواء السَّادِسَة لَا تَكْفِي الرقعة إِلَى القَاضِي بالتعديل فَإِن الْخط لَا يعْتَمد وَالْأَظْهَر أَنه يجب المشافهة وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يَكْفِي رَسُولا عَدْلَانِ إِذْ تَكْلِيفه الْحُضُور شهرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 وَالْمُسْتَحب إخفاء الْمُزَكي وَمن شَرط المشافهة أوجب لفظ الشَّهَادَة وَمن اكْتفى بالرسول ترددوا فِيهِ السَّابِعَة إِذا زكى المزكون لَكِن ارتاب القَاضِي أَو توهم غَلطا فِي خُصُوص الْوَاقِعَة فليفرق الشُّهُود وليراجع أَنه كَيفَ رأى وَأي وَقت رأى فَرُبمَا عثر على تفَاوت بَين كلاميهما فَيكْشف بِهِ وَجه الْغَلَط والتهمة فَإِذا كَانَ الشَّاهِد فَقِيها فَلهُ الْإِصْرَار على كلمة وَاحِدَة وَلَا يلْزمه التَّفْصِيل فَلَا يفصل وَلَا يزِيد على الْإِعَادَة وَلَيْسَ للْقَاضِي إِجْبَاره وَلَكِن ليبحث عَن جِهَات أخر فَإِن أصر الشَّاهِد وَبحث وَلم تزل الرِّيبَة وَجب الْقَضَاء فَإِنَّهُ غَايَة الْإِمْكَان وَلَو قضى قبل الْبَحْث مَعَ بَقَاء الرِّيبَة لم يجز لَهُ ذَلِك لِأَن الْبَحْث حق الله تَعَالَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 فروع الأول لَو عدل رجلَانِ وجرح رجن فالجرح أولى لِأَنَّهُ مُسْتَند إِلَى عيان وَلَو جرح رجل وَاحِد وَعدل رجلَانِ لم يقبل الْجرْح الثَّانِي يتَوَقَّف القَاضِي إِذا توقف المزكون وَلَا يجوز للمزكي الْجرْح بِالتَّسَامُعِ فِي الْفسق بل التَّوَقُّف إِلَّا إِذا عاين أَو سمع أَو شهد عَدْلَانِ عِنْده على مُشَاهدَة الْفسق وَكَانَ حَاكما فِي التَّعْدِيل فَإِن عدل المزكون فللقاضي إِذا انْفَرد بتسامع الْفسق أَن يتَوَقَّف لِأَنَّهُ مَحل الرِّيبَة الثَّالِث إِذا شهد الْمعدل مرّة أُخْرَى رُوجِعَ الْمُزَكي إِن طَال الزَّمَان إِذْ الْأَحْوَال تَتَغَيَّر وَإِن قرب الزَّمَان فَلَا وَلَو رَجَعَ الْمُزَكي فَفِي غرامته لِلْمَالِ وَجْهَان وَالله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْقَضَاء على الْغَائِب وَكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْقَضَاء على الْغَائِب يجوز خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِسِتَّة أَرْكَان الرُّكْن الأول الدَّعْوَى فَيشْتَرط فِيهَا ثَلَاثَة أُمُور الأول الْإِعْلَام فَإِذا ادّعى دينا فليذكر قدره وجنسه وَهَذَا لَا يخْتَص بالغائب فَلَا يَكْفِيهِ أَن يَدعِي عشرَة دَنَانِير أَو دَرَاهِم مَا لم يذكر أَي نوع هِيَ وَلَا ينزل مُطلق الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير على الْغَالِب كَمَا لَا ينزل فِي الْإِقْرَار على الْغَالِب بِخِلَاف الْعُقُود إِذْ الْعَادة تُؤثر فِي الْمُعَامَلَات ثمَّ يعرض القَاضِي عَنهُ أَو يستفصله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يعرض حَتَّى لَا يكون كالتلقين وَكَذَلِكَ إِذا أدّى الشَّاهِد شَهَادَة مَجْهُولَة فَلَا يرشده القَاضِي بل يسكت وَكَذَلِكَ لَو شَبَّبَ الْمُدَّعِي بِمَا لَو ذكره كَانَ إِقْرَارا لم يزجره القَاضِي وَالثَّانِي أَنه يستفصل وَهُوَ الْأَصَح لِأَن هَذَا سُؤال لَا تلقين الثَّانِي صَرِيح الدَّعْوَى فَلَا يَكْفِيهِ أَن يَقُول لي على فلَان كَذَا مَا لم يقل إِنِّي الْآن مطَالب بِهِ فَلَو قَالَ لي عَلَيْهِ كَذَا وَيلْزمهُ التَّسْلِيم إِلَيّ فَهَذَا فِيهِ تردد لِأَنَّهُ لم يذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 الطّلب وَالدّين لَازم قبل الطّلب فَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِطَلَب الثَّالِث أَن يكون مَعَه بَيِّنَة وَيَدعِي جحود الْغَائِب إِذْ لَا معنى للدعوى على الْغَائِب من غير بَيِّنَة وَلَا تسمع الْبَيِّنَة من غير جحود وَمِنْهُم من قَالَ لَا يشْتَرط ذكر الْجُحُود لِأَنَّهُ من أَيْن يعلم جحوده فِي الْغَيْبَة وَكَيف يعول على مُجَرّد قَوْله بل تجْعَل الْغَيْبَة كالسكوت وَالْبَيِّنَة تسمع على السَّاكِت فَلَو قَالَ هُوَ يعْتَرف وَإِنَّمَا أقيم الْبَيِّنَة استظهارا لم تسمع وَلَا خلاف أَنه لَو اشْترى شَيْئا فَخرج مُسْتَحقّا وَالْبَائِع غَائِب سَمِعت بَينته وَإِن لم يذكر الْجُحُود لِأَن تقدم البيع مِنْهُ كالجحود الرُّكْن الثَّانِي الشُّهُود وَلَا بُد أَن يستقصي القَاضِي الْبَحْث وَلَا يخْتَلف ذَلِك عندنَا بالحضور والغيبة فَإِن الْبَحْث حق الله تَعَالَى الرُّكْن الثَّالِث الْمُدَّعِي وَحكمه لَا يخْتَلف إِلَّا فِي دَعْوَى الْجُحُود وإحضار الْبَيِّنَة وَأمر ثَالِث وَهُوَ أَن القَاضِي يحلفهُ أَنه مَا أَبْرَأ عَنهُ وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ وَلَا اعتضاض عَنهُ وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ وَلَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَأَنه يلْزمه التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَأَن الشُّهُود صدقُوا ثمَّ هَذِه الْيَمين وَاجِبَة إِن كَانَت الدَّعْوَى على صبي أَو مَجْنُون أَو ميت فَإِن كَانَ على حَيّ عَاقل بَالغ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب بل يحكم ثمَّ لَا ينحسم بَاب دَعْوَى الْإِبْرَاء والتوفية كَمَا على الْحَاضِر وَالثَّانِي أَنه يجب إِذْ الْحَاضِر يُبَادر الدَّعْوَى والتسليط من غير استقصاء مِنْهُ محَال ثمَّ على هَذَا لَا يجب التَّعَرُّض لصدق الشُّهُود وَإِنَّمَا يجب فِيمَن يحلف مَعَ شَاهد وَاحِد وَأما إِذا كملت الْبَيِّنَة فَلَا هَذَا إِذا ادّعى بِنَفسِهِ فَإِن ادّعى وَكيله وَهُوَ غَائِب فَلَا بُد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 من تَسْلِيم الْحق بل لَو حضر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِإِزَاءِ وَكيل الْمُدَّعِي فأقيمت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَقَالَ إِن موكلك قد أبرأني فَأُرِيد يَمِينه توقف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فُقَهَاء الْفَرِيقَيْنِ بمرو فِي وَاقعَة فاستدرك الْقفال وَقَالَ يسلم الْحق إِذْ لَو فتح هَذَا الْبَاب تعذر طلب الْحُقُوق الغائبة بالوكلاء الرُّكْن الرَّابِع فِي إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ أَو الْإِشْهَاد أَو المشافهة أما مُجَرّد الْكِتَابَة فَلَا يعْتَمد إِذْ لَا تعويل على الْخط وَمُجَرَّد الْإِشْهَاد بعدلين دون الْكتاب كَاف وَإِن كتب فَهُوَ تذكرة للشاهدين وَلَا يعْتَمد حَتَّى لَو ضَاعَ لم يضر وَلَو شَهدا بِخِلَاف مَا فِي الْكتاب سمع لِأَن الإعتماد عل الْعلم وَيحصل علمهما بِأَن يجْرِي القَاضِي الْقَضَاء بَين يديهما ويشهدهما عَلَيْهِ وَلَا يَكْتَفِي أَن يسلم إِلَيْهِمَا الْكتاب وَيَقُول أشهد كَمَا أَن هَذَا خطي فَإِن قَالَ أشهد كَمَا أَن مَضْمُون الْكتاب قضائي قَالَ الْإِصْطَخْرِي يَكْفِي ذَلِك لِأَن هَذَا إِقْرَار بِمَجْهُول يُمكن مَعْرفَته وَقَالَ الْأَصْحَاب لَا يَكْفِي حَتَّى يذكر تَفْصِيل قَضَائِهِ للشاهدين وَيقرب من هَذَا مَا لَو سلم الْمقر القبالة إِلَى الشَّاهِد وَقَالَ أشهدك على مَا فِيهِ وَأَنا عَالم بِهِ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَن هَذَا يَكْفِي لِأَنَّهُ مقرّ على نَفسه بِمَا لَا يتَعَلَّق بِحَق غَيره وَالْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ صَحِيح وَأما القَاضِي فمقر على نَفسه لَكِن بِمَا يرجع ضَرَره على غَيره فالإحتياط فِيهِ أهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 ثمَّ الأولى أَن يكْتب الْكتاب مَعَ الشُّهُود للتذكرة ويختمه وَيسلم إِلَيْهِمَا نُسْخَة غير مختومة للمطالعة وَيكْتب فِي الْكتاب اسْم الْخَصْمَيْنِ وَاسم أَبِيهِمَا وجدهما وحليتهما ومسكنهما إِلَى حَيْثُ يحصل التَّمْيِيز فَهُوَ الْمَقْصُود وَيذكر قدر المَال وتاريخ الدَّعْوَى وَيَقُول قَامَت عِنْدِي بذلك بَيِّنَة عادلة وحلفته مَعَ الْبَيِّنَة وَالْتمس مني الْقَضَاء والكتبة إِلَيْك لتستوفي فأجبته إِلَى ذَلِك وأشهدت عَلَيْهِ فلَانا وَفُلَانًا وَلَا فَائِدَة فِي ذكر عَدَالَة شَاهِدي الْكتاب فَإِنَّهُ لَا تثبت عدالتهما بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا بِمُجَرَّد الْكتاب وهما يَشْهَدَانِ على الْكتاب بل يَنْبَغِي أَن تظهر عدالتهما للْقَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بطرِيق آخر فَإِن قيل إِذا لم يبْق إِلَّا اسْتِيفَاء الْحق فَلم لَا يُكَاتب واليا غير القَاضِي حَتَّى يَسْتَوْفِي قُلْنَا لِأَن الْكتاب لَا يثبت عِنْد الْوَالِي إِلَّا بِشَهَادَة الشُّهُود ومنصب سَماع الشَّهَادَة يخْتَص بالقضاة فَإِن شافه الْوَالِي جَازَ لَهُ الإستيفاء فِي بَلْدَة هِيَ من ولَايَة القَاضِي فَإِن كَانَت خَارِجَة عَن ولَايَته فَفِي وجوب اسْتِيفَائه نظر لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ على تِلْكَ الْبقْعَة وَلَكِن الصَّحِيح وُجُوبه لِأَن سَماع الْوَالِي بالمشافهة كسماع قَاض آخر شَهَادَة الشُّهُود أما المشافهة فَهِيَ أقوى لَكِن بِشَرْط أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَحل ولَايَته بِأَن يَكُونَا قاضيي بَلْدَة وَاحِدَة على الْعُمُوم أَو شقي بَلْدَة فيناديا فِي الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا يَكْفِي ذَلِك إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 قَالَ قضيت فاستوف أما إِذا قَالَ سَمِعت الْبَيِّنَة فاحكم فَلَا فَائِدَة لَهُ فِي خبْرَة الْبَيِّنَة لِأَن قَوْله فرع عَن الشُّهُود وَإِنَّمَا يُفِيد عِنْد الْعَجز عَنْهُم بِالْمَوْتِ أَو الْغَيْبَة هَذَا هُوَ الْأَظْهر وَفِيه وَجه سَيَأْتِي أما إِذا اجْتمعَا فِي أحد الشقين فَقَالَ لَهُ صَاحب الْولَايَة إِذا رجعت إِلَى شقك فاستوف فَإِنِّي قد قضيت فَإِذا رَجَعَ جَازَ لَهُ الإستيفاء إِن جَوَّزنَا الْقَضَاء بِالْعلمِ لِأَنَّهُ علم حصل فِي غير مَحل ولَايَته وَإِن لم نجوز فقد أطلق بعض الْأَصْحَاب جَوَازه وَقَالَ الإِمَام لَا يجوز بل هُوَ كسماعه الشَّهَادَة فِي غير مَحل ولَايَته لِأَنَّهُ سمع حَيْثُ لم يكن أَهلا للسماع فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لَهُ سَمِعت الْبَيِّنَة وَلم يبْق إِلَّا الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يقْضِي إِذا رَجَعَ إِلَى شقَّه إِذْ قَول القَاضِي فرع لشهادة الشُّهُود فسماعه لَا يزِيد على سَماع الشَّهَادَة وَهَذَا يلْزمه أَن يَقُول الْوَالِي الَّذِي لَيْسَ بقاض لَا يَسْتَوْفِي لِأَن كَونه قَاضِيا لَا يُخرجهُ عَن كَونه واليا لَكِن يُمكن أَن يُجَاب بِأَن الْوَالِي لَا يقْضِي إِلَّا بِعِلْمِهِ ومستند علمه قَوْله قضيت فَكَذَلِك يجوز أَيْضا للْقَاضِي إِذا قُلْنَا إِنَّه يقْضِي بِعِلْمِهِ أما إِذا قَالَ فِي غير مَحل ولَايَته لقاض آخر قضيت فِي ولايتي فاحكم أَو استوف فَلَا خلاف أَنه لَا يسمع إِذْ لَا حجَّة فِي قَوْله إِلَّا فِي مَحل ولَايَته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 فروع الأول إِذا كتب إِلَى قَاض فَمَاتَ الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ جَازَ لكل من شهد عِنْده الشُّهُود من الْقُضَاة الحكم بِهِ لِأَن الْحجَّة فِي حكمه لَا فِي كِتَابه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز ذَلِك إِلَّا إِذا كتب إِلَى فلَان وَإِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من الْقُضَاة وَكَأَنَّهُ يَجْعَل ذَلِك تفويضا الثَّانِي إِذا قضى القَاضِي وَاقْتصر على قَوْله حكمت على أَحْمد بن مُحَمَّد فاعترف رجل فِي تِلْكَ الْبَلدة بِأَنَّهُ أَحْمد بن مُحَمَّد وَأَنه المعني بِالْكتاب وَأنكر الْحق فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن الحكم فِي نَفسه بَاطِل لِأَنَّهُ على مُتَّهم غير معِين لَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا بِوَصْف مستقص كَامِل فَلَا يتم الحكم باعترافه بِأَنَّهُ المعني إِلَّا أَن يقر بِالْحَقِّ فَيُؤْخَذ الْحق بِإِقْرَارِهِ أما إِذا استقصى فَذكر اسْم أَبِيه وجده وحليته ومسكنه ومحلته وأتى بالممكن فإمكان اشتراكه فِي جملَة هَذِه الصِّفَات على الندور لَا ينقدح فَإِن قَالَ الْمَأْخُوذ لست مُسَمّى بِهَذَا الإسم فعلى الْخصم إِن نقم بَيِّنَة على الإسم وَالنّسب فَإِن عجز حلفه فَإِن حلف انْصَرف عَنهُ الْقَضَاء وَإِن نكل توجه الْحق بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة فَلَو أَخذ يحلف على أَن الْحق لَا يلْزمه وَلَيْسَ يحلف على نفي الإسم فَلَا يسمع بِخِلَاف من ادعِي عَلَيْهِ قرض فَلم يُنكر وَلَكِن قَالَ لَا يلْزَمنِي تَسْلِيم شَيْء يقبل لِأَنَّهُ رُبمَا أخد ورد وَلَو اعْترف لطولب بِالْبَيِّنَةِ لِأَن مُجَرّد الدَّعْوَى لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ وَهَاهُنَا قد قَامَت الْبَيِّنَة على الإسم وَتوجه الْحق إِن ثَبت الإسم وَقَالَ الصيدلاني يقبل ذَلِك مِنْهُ كتلك الْمَسْأَلَة وَهُوَ ضَعِيف وَالْفرق أظهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 وَأما إِذا قَالَ أَنا مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات وَلَكِن فِي الْبَلَد من يساويني فَإِذا أظهر ذَلِك وَلَو مَيتا انْصَرف الْقَضَاء عَنهُ وَهَذَا كُله إِذا قضى القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ وَلم يبْق لَهُ إِلَّا الإستيفاء أما إِذا سمع الْبَيِّنَة وَكتب إِلَى قَاض آخر بِسَمَاع الْبَيِّنَة فَهَذَا جَائِز بالإتفاق وساعد عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَفِيه إِشْكَال لِأَنَّهُ إِن كَانَ تحملا كَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِد وَإِن كَانَ قَضَاء بِقِيَام الْبَيِّنَة وسماعها حَتَّى ينزل سَمَاعه منزلَة سَماع القَاضِي الثَّانِي فَلم يجب ذكر الشُّهُود فِي الْكتاب وصفتهم وَلَا يجب ذكر شُهُود الْوَاقِعَة إِذا تمم القَاضِي وَكَأن هَذَا قَضَاء مشوب بِالنَّقْلِ والأغلب عَلَيْهِ أَنه قَضَاء بأَدَاء الشَّهَادَة حَتَّى يقوم سَمَاعه مقَام سَماع الآخر وَلَكِن وَجب ذكر الشُّهُود لِأَن الآخر إِنَّمَا يقْضِي بقَوْلهمْ والمذاهب فِي الْحجَج مُخْتَلفَة فَرُبمَا لَا يرى القَاضِي الْقَضَاء بقَوْلهمْ ثمَّ لَا خلاف أَنه لَو سمع وَلم يعدل وفوض التَّعْدِيل إِلَى الآخر جَازَ وَإِن كَانَ الأولى أَن يعدل لِأَن أهل بلدهم أعرف بهم وَلَو عدل القَاضِي وَأشْهد على التَّعْدِيل شُهُود الْكتاب جَازَ ذَلِك ثمَّ إِن ادّعى الْخصم جرحا فلظهر شَاهِدين عَدْلَيْنِ فَيقدم بَيِّنَة الْجرْح على التَّعْدِيل الَّذِي فِي الْكتاب فَإِن استمهل أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن قَالَ لَا أتمكن مِنْهُ إِلَّا فِي بلد الشُّهُود لم يُمْهل لِأَن ذَلِك يطول وَيصير ذَلِك ذَرِيعَة لَكِن يسلم المَال ثمَّ إِن أثبت الْجرْح اسْتردَّ قولا وَاحِدًا وَلم يخرج على مَا لَو كَانَ الْخصم حَاضرا وَأظْهر الْجرْح بعد الحكم فَإِن فِي نقض الْقَضَاء بِهِ قَوْلَيْنِ لِأَن الْحَاضِر مقصر وَهُوَ مَعْذُور الثَّالِث لَو كَانَ للبلد قاضيان وجوزناه فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر سَمِعت الْبَيِّنَة فَاقْض فَلهُ ذَلِك إِن قُلْنَا الْغَالِب عَلَيْهِ الْقَضَاء وكأنهما تعاونا على حكم وَاحِد وَإِن قُلْنَا الْغَالِب النَّقْل لم يجز ذَلِك مَعَ حُضُور الشُّهُود فَإِن القَاضِي كالفرع للشُّهُود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 الرُّكْن الْخَامِس فِي الْمَحْكُوم بِهِ وَذَلِكَ إِن كَانَ دينا أَو عقارا يُمكن تحديده فَهُوَ سهل وَإِن كَانَ عينا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن تَعْرِيفه بِالصّفةِ كالفرس وَالْجَارِيَة وَالْعَبْد أَو يكثر أَمْثَالهَا كالأمتعة والكرباس مثلا أما العَبْد وَأَمْثَاله فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا ترتبط الدَّعْوَى وَالْقَضَاء بِعَيْنِه بل بِقِيمَتِه كالكرباس لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عرف بِالنّسَبِ وتعريف العَبْد وَالْفرس غير مُمكن وَالثَّانِي أَنه يجوز أَن يقْضِي على عينه كالمحكوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ خاملا وَالثَّالِث أَنه يسمع الْبَيِّنَة على عينه وَلَا يقْضِي لِأَن إبراهم الحكم مَعَ هَذِه الْجَهَالَة صَعب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه يتَعَلَّق بِعَيْنِه فالمدعى عَلَيْهِ إِذا عين عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْبَلدة عبد فَيصْرف الْقَضَاء عَنهُ بِأَن يظْهر فِي الْبَلَد عبد آخر بِتِلْكَ الصّفة إِمَّا من ملكه أَو ملك غَيره فَإِن أظهر من ملكه لم يلْزمه تَسْلِيم أَحدهمَا بل صَار الْقَضَاء بَاطِلا لكَونه مُبْهما وَإِن لم يبين لزمَه تَسْلِيم العَبْد الْمَوْصُوف وَإِن قُلْنَا إِنَّه يسمع الْبَيِّنَة فَقَط ففائدة الْمُدَّعِي أَن يُطَالب بِتَسْلِيم العَبْد إِلَيْهِ حَتَّى يُعينهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 الشُّهُود فِي بَلَده ثمَّ فِي الإحتياط لملكه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزم الْمُدَّعِي كَفِيلا بِالْبدنِ وَالثَّانِي أَن الْكفَالَة بِالْبدنِ ضَعِيف فَلَا يلْزمه بل يلْزمه أَن يَشْتَرِي ويتكفل بِالْمَالِ ضَامِن حَتَّى إِن تلف تلف من ضَمَانه وَإِن ثَبت ملكه فِيهِ بَان بطلَان الشِّرَاء وَيحْتَمل هَذَا الْوَقْف للْحَاجة وَذكر الفوراني أَنه يلْزمه تَسْلِيم الْقيمَة إِلَيْهِ للْحَيْلُولَة فِي الْحَال من غير بَيِّنَة فَإِن ثَبت ملكه اسْتردَّ الْقيمَة وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ إِذْ كَفَالَة الْبدن ضَعِيفَة الْفَائِدَة وَالْبيع رُبمَا لَا يرضى بِهِ صَاحب الْيَد هَذَا فِي العَبْد أما الْجَارِيَة فتسلم إِلَى أَمِين لِأَن حفظ الْفروج وَاجِب وَمن يَدعِي الْملك لَا يمْتَنع من الْمُبَاشرَة وَإِن قُلْنَا إِنَّه كالكرباس فَلَا ترتبط الدَّعْوَى بِعَيْنِه بل ترتبط بِالْقيمَةِ فيذكر كرباسا أَو عبدا قِيمَته عشرَة مثلا وَلَا بَأْس بِذكر صِفَات الْعين وَلَا يجب كَمَا أَنه لَا بَأْس بِذكر قيمَة الْعقار وَقِيمَة العَبْد على قَوْلنَا تتَعَلَّق بِعَيْنِه وَلَكِن لَا يجب على الظَّاهِر أما إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ حَاضرا وَالْعَبْد والكرباس حاضرين وَلَكِن لم يحضرهُ مجْلِس الحكم فهاهنا يفْتَرق الكرباس وَالْعَبْد إِذْ الْمُنكر لَا يلْزمه إِحْضَار الكرباس لِأَنَّهُ يتماثل وَإِن أحضر وَأما العَبْد فَيحكم القَاضِي بِهِ وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا عرفه القَاضِي بِعَيْنِه وَإِن لم يعرفهُ فَلَا بُد من إِحْضَاره للتعيين وَيجب ذَلِك على الْمُدعى عَلَيْهِ إِن اعْترف بِأَن فِي يَده عبدا هَذَا صفته وَإِن لم يعْتَرف حلف على أَنه لَيْسَ فِي يَده مثل هَذَا العَبْد فَإِن نكل فَحلف الْمُدَّعِي أَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَن فِي يَده مثله حبس الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى يحضر ويتأبد عَلَيْهِ الْحَبْس وَلَا يتَخَلَّص إِلَّا بالإحضار أَو بِدَعْوَى التّلف فَعِنْدَ ذَلِك يقبل قَوْله للضَّرُورَة ويقنع بِالْقيمَةِ ثمَّ إِن حضر فعلى الشُّهُود على الْوَصْف إِعَادَة الشَّهَادَة على الْعين فَإِن علم الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا بَينه لَهُ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يُبَالِي بِالْحلف عل أَنه لَيْسَ فِي يَده فطريق الْجَزْم لَهُ أَن يصرف الدَّعْوَى إِلَى الْقيمَة وَيثبت الْمَالِيَّة بِالشَّهَادَةِ على الْوَصْف مهما لم يطْلب الْعين فَلَو قَالَ أَدعِي عبدا صفته كَذَا وَقِيمَته كَذَا فإمَّا أَن يرد الْعين أَو الْقيمَة فَهَذِهِ دَعْوَى غير مجزومة فَفِي سماعهَا وَجْهَان وَلَكِن اتّفق الْقُضَاة على سماعهَا للْحَاجة اصْطِلَاحا فرع إِذا حضر العَبْد الْغَائِب وَلم يثبت ملك الْمُدَّعِي فعلى الْمُدَّعِي مئونة الْإِحْضَار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 ومئونة الرَّد إِلَى مَكَانَهُ هَذَا مَا ذكره الْأَصْحَاب وَلم يتَعَرَّضُوا لأجرة منفعَته الَّتِي تعطلت وَلَا لمَنْفَعَة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا تعطل بالحضور وَكَأن ذَلِك احتملوه لمصْلحَة الإيالة وَجعل ذَلِك وَاجِبا لإجابة القَاضِي فَلم يلْزمه بَدَلا أما مُؤنَة إِحْضَار العَبْد فَلم تحْتَمل الرُّكْن السَّادِس الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَشَرطه أَن يكون غَائِبا فَإِن كَانَ فِي الْبَلَد فَفِي جَوَاز سَماع الْبَيِّنَة قبل استحضاره وَجْهَان أَحدهمَا تسمع إِذْ إِنْكَاره غير مَشْرُوط وَإِنَّمَا الشَّرْط عدم إِقْرَاره وَهُوَ مَعْدُوم فِي الْحَال وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن إِقْرَاره متوقع على قرب وسلوك أقرب الطّرق وَاجِب فِي الْقَضَاء فَإِن قُلْنَا تسمع فَالْمَذْهَب أَنه لَا يقْضِي إِلَّا فِي حُضُوره فَلَعَلَّهُ يجد مطعنا ودفعا بِخِلَاف الْغَائِب فَإِن انْتِظَاره يطول وَفِيه وَجه بعيد أَنه يقْضِي كالغائب أما إِذا حضر فَفِي جَوَاز سَماع الْبَيِّنَة من دون مُرَاجعَة الْخصم وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَوجه الْجَوَاز أَنه قَادر على الدّفع وَالْكَلَام فَلْيَتَكَلَّمْ إِن أَرَادَ أما إِذا توارى وَتعذر فَالْمَذْهَب أَنه يقْضِي عَلَيْهِ كالغائب وَذكر القَاضِي وَجها أَن الْمَنْع لَا يَجْعَل كالعجز كَمَا أَن منع الْمهْر وَالثمن لَا يلْحق بالإفلاس على وَجه واختتام الْبَاب بتنبيهات الأول أَن فِي قبُول كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي الْحُدُود قَوْلَيْنِ وَفِي الْقصاص قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْقبُولِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 الثَّانِي أَن حد الْغَيْبَة مَا فَوق مَسَافَة الْعَدْوى وَهُوَ أَن يعدو من بَيته فَلَا يرجع إِلَيْهِ مسَاء فَإِن أمكن ذَلِك فَهُوَ كالحاضر فَيجب عَلَيْهِ إِجَابَة القَاضِي إِذا دَعَاهُ وَإِن دَعَاهُ صَاحب الْحق لم يجب الْحُضُور بل الْوَاجِب هُوَ الْحق إِن كَانَ صَادِقا وَإِلَّا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجب الْحُضُور طَاعَة للْقَاضِي لأجل الْمصلحَة الثَّالِث أَنه إِن لم يكن على مَسَافَة الْعَدْوى حَاكم فَيجوز للْقَاضِي إِحْضَاره وَلَكِن بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة إِذْ تَكْلِيفه ذَلِك من غير حجَّة إِضْرَار وَلِهَذَا يجب على القَاضِي أَن لَا يخلي مثل هَذِه الْمسَافَة من حَاكم الرَّابِع إِذا كَانَ للْغَائِب مَال فِي الْبَلَد وَجب على القَاضِي التوفية وَهل يُطَالب الْمُدَّعِي بكفيل فَرُبمَا توقع استدارك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ كل حكم يُمكن فِيهِ الإستدراك وَقد تمّ الحكم فِي الْحَال وَالثَّانِي نعم لِأَن الْخصم غَائِب والإستدراك غَالب الْخَامِس إِذا عزل القَاضِي بعد سَماع الْبَيِّنَة ثمَّ ولي يلْزمه استعادة الْبَيِّنَة إِذْ بَطل بِالْعَزْلِ سَمَاعه السَّابِق وَإِن خرج عَن مَحل ولَايَته ثمَّ رَجَعَ فَفِي الإستعادة وَجْهَان السَّادِس المخدرة لَا تحضر مجْلِس القَاضِي لِأَن ضَرَر إبِْطَال الخدر أعظم من ضَرَر الْمَرَض بل يحضر القَاضِي أَو مَأْذُون من جِهَته فَكل من لَا تخرج أصلا إِلَّا لضَرُورَة مرهقة فَهِيَ مخدرة أما من لَا تخرج إِلَى العزايا والزيارات إِلَّا نَادرا قَالَ القَاضِي هِيَ أَيْضا مخدرة وَقيل بل هِيَ الَّتِي لَا تخرج إِلَّا لضَرُورَة وَقيل بل هِيَ الَّتِي لَا تصير مبتذلة بِكَثْرَة الْخُرُوج وَإِن كَانَت تخرج على الْجُمْلَة وَقَالَ الْقفال يجب إِحْضَار المخدرة لِأَن الْحُضُور بِهَذَا الْعذر لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 يبطل التخدر وَخَالفهُ جَمِيع الْأَصْحَاب فِيهِ السَّابِع للْقَاضِي أَن يتَصَرَّف فِي مَال حَاضر ليتيم خَارج عَن مَحل ولَايَته إِذا أشرف على الْهَلَاك كَمَا يتَصَرَّف فِي مَال كل غَائِب وَلَكِن هَل لَهُ نصب قيم للتَّصَرُّف فِيهِ تردد القَاضِي فِيهِ وَلم يبت جَوَابا فَإِنَّهُ نصب على الْيَتِيم وَفِي المَال أَيْضا فَإِذا كَانَ الْيَتِيم فِي ولَايَته وَمَاله فِي ولَايَة أُخْرَى رُبمَا أدّى إِلَى أَن ينصب كل وَاحِد من القاضيين قيمًا وَلَعَلَّ الأولى أَن يُلَاحظ مَكَان الْيَتِيم لَا مَكَان المَال وَأما إِذا زوج امْرَأَة خَارِجَة عَن مَحل ولَايَته من غَائِب خَارج عَن مَحل ولَايَته بِرِضَاهَا فَهَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يَصح وَلَا يَكْفِي حُضُور الزَّوْج إِذْ لَا تعلق للولاية بِهِ بل حُضُور الْمَرْأَة مُعْتَبر لِأَنَّهُ ولي عَلَيْهَا بِخِلَاف المَال وَلَيْسَ ذَلِك كَمَا لَو حكم فِي مَحل ولَايَته على غَائِب خَارج عَن مَحل ولَايَته إِذْ الْمُدَّعِي حَاضر وَالْولَايَة مُتَعَلقَة بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 الْبَاب الرَّابِع فِي الْقِسْمَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي القسام وأجرته وَلَا يَنْبَغِي أَن يخلي الْحَاكِم النواحي عَن القسام لمسيس الْحَاجة إِلَيْهِ وَليكن لَهُم رزق من بَيت المَال وَكَذَا القَاضِي والمزكي أما الشَّاهِد فَلَا يعْطى كَيْلا يتهم مَعَ أَن الشُّهُود لَا ينحصرون وَإِن لم يكن لَهُم رزق فَلَا يَنْبَغِي أَن يعين الْحَاكِم وَاحِدًا فيحسم على النَّاس اسْتِئْجَار غَيره وَفِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي القسام قَولَانِ مأخذهما أَن منصبه منصب الْحَاكِم أَو الشَّاهِد وَإِن نصب حَاكما للتقويم أَو للتزكية أَو للْقِسْمَة فَيثبت عِنْدهم بِشَاهِدين ثمَّ القَاضِي يعول على قَوْلهم على الإنفراد وَلَا يجوز أَن ينصب حَاكما ليحكم بالتقويم بِاجْتِهَادِهِ أَو ليزكي بِنَظَر نَفسه وَإِن فرعنا على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ نعم للْقَاضِي أَن يعْتَمد على مَا يعرفهُ من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 عَدَالَة الشَّاهِد على رَأْي وَهل لَهُ أَن يَكْتَفِي ببصيرة نَفسه فِي التَّقْوِيم مِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ تخمين وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ أُجْرَة القسام عِنْد تفَاوت الحصص تقسم على الرُّءُوس أَو على عدد قدر الحصص فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الشُّفْعَة وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ على قدر الحصص لِأَن الْعَمَل فِي الْكثير بالمساحة أَكثر لَا محَالة هَذَا إِذا أطلق الشُّرَكَاء العقد فَأَما إِذا انْفَرد كل وَاحِد بِذكر نصِيبه أتبع ذَلِك وَلَكِن لَيْسَ لوَاحِد أَن ينْفَرد بالإستئجار دون إِذن الشَّرِيك لِأَن تردده فِي الْملك الْمُشْتَرك مَمْنُوع دون الْإِذْن فَيكون الْعَمَل مَمْنُوعًا وَالْإِجَارَة فَاسِدَة بل يعْقد كل وَاحِد بِإِذن الآخرين أَو الْوَكِيل بِإِذن جَمِيعهم فرع إِذا كَانَ أحد الشَّرِيكَيْنِ طفْلا وَطلب الْقيم الْقِسْمَة حَيْثُ لَا غِبْطَة رد القَاضِي عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِيهِ غِبْطَة فَعَلَيهِ حِصَّة من الْأُجْرَة وَإِن طلب الشَّرِيك حَيْثُ لَا غِبْطَة فَفِي لُزُوم أُجْرَة لنصيب الطِّفْل وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يجب إِذا لَزِمت الْإِجَابَة كَمَا فِي الْبَالِغ وَالْأُجْرَة تتبع لُزُوم الْقِسْمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقِسْمَة فَإِن جرت فِي ذَوَات الْأَمْثَال جَازَت التَّسْوِيَة بِالْوَزْنِ والكيل وَكَذَا فِي الربويات إِن قُلْنَا إِنَّهَا إِفْرَاز حق وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَلَا يجوز فِي الْمكيل إِلَّا الْكَيْل فَإِن كَانَت فِي عَرصَة مُتَسَاوِيَة الْأَجْزَاء فالتسوية بالمساحة وتقسم الحصص وَتَكون الْأَجْزَاء على حسب أقل الحصص بَيَانه عَرصَة لوَاحِد نصفهَا ولواحد ثلثهَا ولواحد سدسها فتجعل الأَرْض سِتَّة أَجزَاء مُتَسَاوِيَة بالمساحة وَإِن افْتقر إِلَى التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ عدل كَذَلِك ثمَّ يكْتب أَسمَاء الْملاك على ثَلَاثَة رقاع لأَنهم ثَلَاثَة ويدرجها فِي بَنَادِق من شمع أَو طين مُتَسَاوِيَة وتسلم إِلَى من لم يشْهد ذَلِك حَتَّى يخرج وَاحِدًا وَيقف القسام على الطّرف فَإِن خرج اسْم صَاحب النّصْف أعطَاهُ الْجُزْء الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث على الإتصال حَتَّى لَا يتفرق نصِيبه ثمَّ يخرج الآخر فَإِن خرج اسْم صَاحب الثُّلُث أعطَاهُ الرَّابِع وَالْخَامِس وَيتَعَيَّن السَّادِس لصَاحب السُّدس وَإِن خرج اسْم صَاحب السُّدس أعطَاهُ الرَّابِع وَتعين الْبَاقِي لصَاحب الثُّلُث وَتعين مَا مِنْهُ ابْتِدَاء التَّسْلِيم إِلَى تحكم القسام فيقف على أَي طرف شَاءَ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَن أعتق عبيدا لَا يملك غَيرهم أَنه يكْتب على الرقعة الْحُرِّيَّة وَالرّق لَا اسْم العبيد وَالْوَرَثَة وَهَا هُنَا لم يكْتب الثُّلُث وَالسُّدُس وَالنّصف فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بِأَن مُسْتَحقّ الْحُرِّيَّة هُوَ الله تَعَالَى دون العبيد فَيكْتب الْحُرِّيَّة ليندفع عَنْهَا الْوَرَثَة وَبَقِيَّة العبيد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا فِي الإستحباب إِذْ يجوز كتبة الْأَجْزَاء هَا هُنَا وكتبة الْأَسْمَاء ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 وَالْغَرَض يحصل فَإِن قُلْنَا يكْتب أَسمَاء الْملاك فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يكْتب باسم صَاحب النّصْف ثَلَاث رقاع وباسم صَاحب الثُّلُث اثْنَتَيْنِ لِأَن صَاحب الْكثير أولى بِاسْتِحْقَاق الطّرف وَفِي تَكْثِير اسْمه مَا يُوجب التَّقْدِيم إِذْ الْغَالِب أَنه يسْبق وَاحِد من ثَلَاثَة وَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُ إِلَّا فِي الْكَثْرَة فَيَكْفِي ثَلَاث رقاع فرعان الأول إِذا اسْتحق الْمَتَاع الْوَاقِع فِي حِصَّة أَحدهمَا أَو بعضه انتقضت الْقِسْمَة فَإِن اسْتحق عينا من يَد وَاحِد وَاسْتحق مثلهَا فِي الْقِسْمَة من يَد الآخر لم تبطل الْقِسْمَة وَفِيه وَجه أَنه تسْتَأْنف الْقِسْمَة ويلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن كَانَ المَال أَرضًا قسم بَينهمَا وَاسْتحق ثلث الْكل فقد بطلت الْقِسْمَة فِي ذَلِك الْقدر وَالْبَاقِي يخرج على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَالأَصَح أَنه لَا ينْتَقض أما إِذا ظهر دين أَو وَصِيَّة بعد الْقِسْمَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا إِفْرَاز فالقسمة تبقى على الصِّحَّة إِن وفوا الدّين وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لِأَن الدّين إِمَّا أَن يمْنَع الْملك أَو يَجْعَل التَّرِكَة مَرْهُونَة وَالثَّانِي أَنه يَصح بل التَّرِكَة كَالْعَبْدِ الْجَانِي فَينفذ بَيْعه إِلَّا أَن لَا يُوفي الدّين الْفَرْع الثَّانِي إِذا ادّعى بعض الشُّرَكَاء غَلطا فِي الْقِسْمَة على قسام القَاضِي لم يكن لَهُ تَحْلِيفه لِأَنَّهُ حَاكم لَكِن لم تنقض الْقِسْمَة إِن أَقَامَ بَيِّنَة وَإِلَّا فَلهُ أَن يحلف شركاءه فَإِن حلف بَعضهم وَنكل بَعضهم فتفيد الْيَمين الْمَرْدُودَة نقض الْقِسْمَة فِي حق الناكلين دون الحالفين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 هَذَا فِي قسْمَة القَاضِي بالإجبار أما إِذا كَانَ القسام مَنْصُوب الشُّرَكَاء بِالتَّرَاضِي أَو توَلّوا الْقِسْمَة بِأَنْفسِهِم فظهور الْغَلَط بعد تَمام الْقِسْمَة هَل يُوجب نقضهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تنقض لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ فَصَارَ كَمَا إِذا اشْترى بِغَبن وَهَذَا يتَّجه على قَوْلنَا إِنَّهَا بيع فَإِن جعلناها إِفْرَاز حق فَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ التَّفَاوُت وَكَذَا إِن جَعَلْنَاهُ بيعا وَلم يجر لفظ البيع أَو مَا يقوم مقَامه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِجْبَار وَالْقِسْمَة ثَلَاثَة قسْمَة إِفْرَاز أَو تَعْدِيل أَو رد أما قسْمَة الْإِفْرَاز فَهُوَ أَن يكون الشَّيْء متساوي الْأَجْزَاء كَالثَّوْبِ الْوَاحِد والعرصة المتساوية أَو المكيلات والموزونات فَيجْبر على هَذِه الْقِسْمَة من امْتنع قهرا بِشَرْط أَن تبقى الحصص بعد الْقِسْمَة منفعا بهَا الْمَنْفَعَة الَّتِي كَانَت فَلَا يجْبر على قسْمَة الطاحونة وَالْحمام الصَّغِير إِذا لم يُمكن الإنتفاع بِهِ بعده وَفِيه وَجه بعيد أَنه يجْبر إِذا كَانَ يبْقى أصل الإنتفاع وَإِن لم يبْق ذَلِك النَّوْع أما إِذا كَانَ الْحمام كَبِيرا تبقى بِهِ الْمَنْفَعَة عِنْد إِحْدَاث مستوقد آخر وبئر آخر وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَفِي الْإِجْبَار تَفْرِيعا على الْمَشْهُور وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجْبر لِأَنَّهُ تَعْطِيل إِلَّا بإحداث أَمر جَدِيد وَالثَّانِي أَنه يجْبر لِأَن إبْقَاء أصل الْمَنْفَعَة بِأَمْر قريب مُمكن فرع إِذا ملك من دَار عشرهَا وَالْعشر الْمُفْرد لَا يصلح للمسكن فَالصَّحِيح أَن صَاحبه لَا يُجَاب إِلَى الْقِسْمَة لِأَنَّهُ متعنت وَهل يلْزمه الْإِجَابَة إِذا طلب شَرِيكه لصِحَّة غَرَضه فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 أَحدهمَا نعم لتمييز ملكه وَالثَّانِي لَا لِأَن فِيهِ تَعْطِيل الْمَنْفَعَة على الشَّرِيك فَكَأَنَّهُ فِي حَقه لَا يقبل الْقِسْمَة وَإِن قُلْنَا لَا قسْمَة لوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَة لوَاحِد مِنْهُمَا إِذا بَاعَ صَاحبه لِأَن الشُّفْعَة لدفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة أما إِذا كَانَ النّصْف لوَاحِد وَالنّصف الآخر لخمسة فَإِذا بَاعَ الْخَمْسَة النّصْف فَلصَاحِب النّصْف الآخر الشُّفْعَة لِأَن الْخَمْسَة لَو اجْتَمعُوا وطالبوه بِالْقِسْمَةِ أجبر وَإِنَّمَا لَا يجْبر إِذا كَانَ الطَّالِب وَاحِدًا وَفِيه وَجه أَيْضا أَن صَاحب الْعشْر يُجَاب إِذْ يَقُول لي أَن أعطل الْملك على نَفسِي فَلم لَا أجَاب وَهَذَا وَإِن كَانَ غير مَشْهُور فَهُوَ منقاس الْقِسْمَة الثَّانِيَة قسْمَة التَّعْدِيل وَهُوَ أَن يخلف الرجل على ثَلَاثَة بَنِينَ ثَلَاثَة عبيد متساوي الْقيمَة فَفِي الْإِجْبَار عَلَيْهِ خلاف مَشْهُور ذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنه يجْبر كَمَا فِي الْإِفْرَاز إِذْ لَا ضَرَر فِيهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يجْبر إِذْ كل عبد يخْتَص بغرض وَصفَة لَا تُوجد فِي الْبَاقِي فَلَا يَكْفِي تَسَاوِي الْمَالِيَّة مَعَ تفَاوت الْأَغْرَاض وَذَلِكَ غير مَوْجُود فِي الأَرْض وَذَوَات الْأَمْثَال وَإِن خلف بَين ثَلَاثَة بَنِينَ أَرْبَعَة أعبد قيمَة وَاحِد مائَة وَقِيمَة آخر مائَة وَقِيمَة الْإِثْنَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 الآخرين مائَة فَالْخِلَاف هَا هُنَا مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يجْبر لِأَن تفَاوت الْعدَد انْضَمَّ إِلَى تفَاوت الصّفة وَفِي الحمامات والطواحين الَّتِي لَا تقبل الْقِسْمَة وتتساوى قيمتهَا خلاف مُرَتّب وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ الْغَرَض يخْتَلف باخْتلَاف أماكنها اخْتِلَافا ظَاهرا فَإِن خلف طاحونة وعبدا وحماما متساوي الْقيم فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى بِالْمَنْعِ أما إِذا خلف قطعا من الأَرْض متباينة وآحادها يقبل قسْمَة الْإِفْرَاز فَلَا يجْبر على قسْمَة التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ لِأَن ذَلِك جوز ضَرُورَة للعجز عَن الْإِفْرَاز وميل نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى منع الْإِجْبَار فِي هَذِه الْقِسْمَة فروع الأول دَار مُخْتَلفَة الجوانب فقسمتها من قسْمَة التَّعْدِيل إِلَّا إِذا كَانَ فِي كل جَانب بِنَاء يماثل الْجَانِب الآخر وَيُمكن قسْمَة الْعَرَصَة فَذَلِك كالأراضي فَإِن احْتِيجَ إِلَى التَّعْدِيل بِالْقيمَةِ مَعَ التَّفَاوُت فَلَا فرق بَينهمَا وَبَين الْأَمْتِعَة الثَّانِي عَرصَة بَين شَرِيكَيْنِ وَقِيمَة أحد الْجَانِبَيْنِ تزيد لقُرْبه من المَاء حَتَّى يكون الثُّلُث بالمساحة نصفا بِالْقيمَةِ قَالَ الْأَصْحَاب يجْبر على هَذِه الْقِسْمَة وَلم يخرجوه على الْخلاف وَلم يكترثوا بِمثل هَذَا التَّفَاوُت النَّادِر الثَّالِث قسْمَة اللبنات المتساوية القوالب من قبيل قسْمَة الْإِفْرَاز فَإِن تفاوتت القوالب فَهِيَ من قسْمَة التَّعْدِيل الْقِسْمَة الثَّالِثَة قسْمَة الرَّد وَهُوَ أَن يتْرك عَبْدَيْنِ قيمَة أَحدهمَا سِتّمائَة وَقِيمَة الآخر ألف فَلَو أَخذ أَحدهمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 النفيس ورد مِائَتَيْنِ اسْتَويَا وَلَكِن هَذَا لَا يجْبر عَلَيْهِ قطعا لِأَن فِيهِ تَمْلِيكًا جَدِيدا لَو قَالَ أَحدهمَا يخْتَص أَحَدنَا بالخسيس وَخمْس من النفيس فَهَذَا هَل يجْبر عَلَيْهِ ليتخلص فِي أحد الْعَبْدَيْنِ عَن الشّركَة فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجْبر لِأَن أصل الشّركَة لَيْسَ يَنْقَطِع فَإِن قيل فَمَا حَقِيقَة الْقِسْمَة قُلْنَا أما قسْمَة الْإِفْرَاز فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه إِفْرَاز إِذْ لَو كَانَ بيعا لما أجبر عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قد تبين بِالْقِسْمَةِ أَن مَا خصّه هُوَ الَّذِي ملكه وَالثَّانِي أَنه بيع إِذْ يَسْتَحِيل أَن يُقَال إِنَّه لم يَرث من أَبِيه إِلَّا هَذِه الْحصَّة على الْخُصُوص وَأما قسْمَة الرَّد فَهُوَ بيع فِي الْقدر الَّذِي يُقَابله الْعِوَض وَفِي قسْمَة الْبَاقِي وَفِي قسْمَة التَّعْدِيل بيع أَيْضا إِن قُلْنَا لَا يجْبر عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه يجْبر فطريقان مِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ بيع وَلَكِن يجْبر للْحَاجة وَيخرج على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل فِي الربويات وَالزَّكَاة وَالْوَقْف فَإِذا قُلْنَا إِنَّه بيع لم يجز فصل الْوَقْف عَن الْملك لِأَنَّهُ بيع أما فصل الْوَقْف من الْوَقْف فَلَا يجوز وَإِن قُلْنَا إِنَّه إِفْرَاز لِأَنَّهُ كالتغيير لشرط الْوَاقِف وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ قد يشرف على الإنهدام فَيحْتَاج إِلَى الْقِسْمَة فَإِن قيل فَهَل يشْتَرط الرِّضَا قُلْنَا لَا يشْتَرط فِي قسْمَة الْإِجْبَار وَيشْتَرط فِي قسْمَة التَّرَاضِي وَلَا بُد من لفظ وَهُوَ قَوْله رضيت وَيجب تجديده بعد خُرُوج الْقرعَة فَيَقُول رضيت بِهَذَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي السُّكُوت بعد الرِّضَا إِلَى خُرُوج الْقرعَة فَلَا يجب التَّجْدِيد وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يشْتَرط لفظ البيع وَإِن قُلْنَا إِنَّه بيع وَمِنْهُم من شَرط أَن يَقُول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 قاسمتك على هَذَا الْوَجْه أَو رضيت بِالْقِسْمَةِ ليتلفظ بِالْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي قَوْله رضيت بِهَذَا لِأَن الْقِسْمَة تُؤدِّي معنى التَّمْلِيك والتملك فرعان أَحدهمَا أَن الْقبَّة والقناة وَالْحمام وَمَا لَا يقبل الْقِسْمَة فَالصَّوَاب الْمُهَايَأَة فِيهَا بِالتَّرَاضِي وَمن رَجَعَ قبل اسْتِيفَاء نوبَته فَلهُ ذَلِك وَإِن استوفى ثمَّ رَجَعَ فَوَجْهَانِ أقيسهما أَنه يرجع وَيغرم مَا انْفَرد بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه مُعَاملَة جرى عَلَيْهَا الْأَولونَ فَلَا تشوش وَقَالَ ابْن سُرَيج يجْبر على الْمُهَايَأَة لِأَن بعض من يَسْتَغْنِي عَنهُ لثروته قد يعطل على الشُّرَكَاء بِكَذَا وَالصَّحِيح أَنهم لَو تنازعوا وتناكدوا تركُوا إِلَى أَن يصطلحوا الثَّانِي أَنه لَو تقدم جمَاعَة فالتمسوا من القَاضِي قسْمَة مَال بَينهم من غير إِقَامَة حجَّة على أَنه ملكهم فَالصَّحِيح أَن القَاضِي يقسم وَيكْتب فِي الْحجَّة إِنِّي قسمت بقَوْلهمْ وَكَذَلِكَ إِذا جَاءَ وَاحِد مِنْهُم وَطلب وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يُجيب لِأَنَّهُ رُبمَا يكون متصرفا فِي مَال الْغَيْر من غير بَيِّنَة وَهُوَ بعيد لِأَن الْيَد لَهُم فِي الْحَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 = كتاب الشَّهَادَات = وَفِيه سِتَّة أَبْوَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يُفِيد أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وقبولها من الْأَوْصَاف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة ثَلَاثَة مِنْهَا لَا يطول النّظر فِيهَا وَهِي التَّكْلِيف وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا تقبل شَهَادَة كَافِر لَا على كَافِر وَلَا على مُسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل على الْكَافِر وَلَا تقبل شَهَادَة العَبْد أصلا وَقَالَ دَاوُد تقبل وَثَلَاثَة يطول النّظر فِيهَا وَهِي الْعَدَالَة وَحفظ الْمُرُوءَة والإنفكاك عَن التُّهْمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 الْوَصْف الأول الْعَدَالَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ أحد من النَّاس نعلمهُ إِلَّا قَلِيلا يمحض الطَّاعَة حَتَّى لَا يخلطها بِمَعْصِيَة أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْعِصْمَة من الْمعاصِي لَيْسَ بِشَرْط إِذْ ذَلِك يحسم بَاب الشَّهَادَة وَلَكِن من قارف كَبِيرَة أَو أصر على صَغِيرَة لم تقبل شَهَادَته لِأَن ذَلِك يشْعر بالتهاون بِأَمْر الدّيانَة وَمثله جدير بِأَن لَا يخَاف وبال الْكَذِب أما من يلم بالصغيرة أَحْيَانًا لفترة تقع من مراقبة التَّقْوَى وفلتة تقع للنَّفس فِي الْخُرُوج عَن لجام الْوَرع وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَا يَنْفَكّ عَن تندم واستشعار خوف فَهَذَا لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو الْمُؤمن من الذَّنب يُصِيبهُ الفينة بعد الفينة أَي الْوَقْت بعد الْوَقْت وَإِنَّمَا الْفسق المرون على الْمعْصِيَة وَإِن كَانَت صَغِيرَة وَالْفرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة يطول وَقد استقصيناه فِي كتاب التَّوْبَة من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين ونشير الْآن إِلَى بعض مَا يعْتَاد من الصَّغَائِر وَهِي سِتَّة الأولى اللّعب بالشطرنج لَيْسَ بِحرَام وَلكنه مَكْرُوه وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُبَاح أردنَا أَنه لَا إِثْم فِيهِ لَا كَرَاهِيَة فِيهِ فَلَا ترد بِهِ الشَّهَادَة إِلَّا أَن يخْتَلط بِهِ قمار وَهُوَ أَخذ مَال المقمور واشتراطه أَو الْيَمين الْفَاجِرَة وَقد رُوِيَ أَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ كَانَ يلْعَب بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 وَهُوَ مستدبره وَلَا يرَاهُ وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون لَعَلَّه كَانَ فِي معرض السُّؤَال إِذْ أشكل عَلَيْهِ صُورَة تِلْكَ الأشكال وَأَنَّهَا مَا هِيَ أما المداومة عَلَيْهِ فقد تقدح فِي الْمُرُوءَة وتعطل الْمُهِمَّات وَقد ينشأ رد الشَّهَادَة من هَذَا وَسَيَأْتِي الثَّانِيَة اللّعب النَّرْد حرَام لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَلْعُون من لعب بالنردشير وَقَالَ اللاعب بالنرد كعابد الوثن وَنقل عَن ابْن خيران وَأبي إِسْحَق الْمروزِي أَنه كالشطرنج وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن الْخَبَر مَانع مِنْهُ ثمَّ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حرَام فالمداومة عَلَيْهِ ترد الشَّهَادَة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَقيل إِن الْمرة الْوَاحِدَة فسق ترد الشَّهَادَة وَأما اللّعب بالحمام فَلَيْسَ بِحرَام وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي كراهيته ورد الشَّهَادَة بِهِ إِنَّمَا يكون من جِهَة الْمُرُوءَة فِي حق من يقْدَح فِي مروءته الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْحَنَفِيّ إِذا شرب النَّبِيذ حددته وَقبلت شَهَادَته أما الْحَد فللزجر حَتَّى لَا يعود إِلَيْهِ إِذْ يجر إِلَى الْفساد وَأما قبولنا الشَّهَادَة فَلِأَن إقدامه على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 شربهَا لم يشْعر بتهاونه إِذْ اعْتقد إِبَاحَته واستبعد الْمُزنِيّ هَذَا الْفرق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يحد وَلَا تقبل الشَّهَادَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يحد وَتقبل شَهَادَته فتحصلنا على ثَلَاثَة أوجه فَإِن قُلْنَا إِن الْحَنَفِيّ لَا يحد فَفِي الشفعوي وَجْهَان لشُبْهَة الْخلاف فِي الْإِبَاحَة الرَّابِعَة المعازف والأوتار حرَام لِأَنَّهَا تشوق إِلَى الشّرْب وَهُوَ شعار الشّرْب فَحرم التَّشَبُّه بهم وَأما الدُّف إِن لم يكن فِيهِ جلاجل فَهُوَ حَلَال ضرب فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ فِيهِ جلاجل فَوَجْهَانِ وَفِي اليراع وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يحرم والمزمار الْعِرَاقِيّ حرَام لِأَنَّهُ عَادَة أهل الشّرْب والطبول كلهَا مُبَاح إِلَّا الكوبة قَالَ فَإِن طبل المخنثين وَهُوَ طبل طَوِيل متسع الطَّرفَيْنِ ضيق الْوسط وَسبب تَحْرِيمه التَّشَبُّه بهم وَكَذَا الضَّرْب بالصفاقتين حرَام لِأَنَّهُ من عَادَتهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وَقد ذكرنَا مآخذ هَذِه التحريمات فِي كتاب الوجد وَالسَّمَاع وفصلنا مَا يحل وَيحرم ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد سَماع الأوتار مرّة لَا يرد الشَّهَادَة وَإِنَّمَا ترد بالإصرار وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَبِيرَة توجب الْمرة الْوَاحِدَة رد الشَّهَادَة وَلَا شكّ أَن ذَلِك يخْتَلف بالبلاد فَحَيْثُ يعظم أمره فالمرة الْوَاحِدَة تشعر بانخرام مُرُوءَة الشَّاهِد الْخَامِسَة نظم الشّعْر وإنشاده وسماعه بألحان وَغير ألحان لَيْسَ بِحرَام إِلَّا أَن يكون فِي الشّعْر هجو أَو وصف امْرَأَة مُعينَة أَو فحش وَمَا يحرم نثره فَيحرم نظمه فَإِن الشّعْر كَلَام حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَقد أنْشد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشعار وَلم ينكرها وَإِن أطنب فِي الْمَدْح حَتَّى انْتهى إِلَى حد الْكَذِب قيل إِنَّه حرَام وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَيْسَ بكذب إِذْ ذَلِك لَيْسَ يقْصد مِنْهُ الإعتقاد والتصديق بل هِيَ إِظْهَار صَنْعَة فِي الْكَلَام وَسَمَاع الْغناء مُبَاح لِأَن مَا جَازَ من غير لحن جَازَ مَعَ ألحان إِلَّا أَن يتَّخذ ذَلِك عَادَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 فقد يقْدَح فِي الْمُرُوءَة والرقص أَيْضا مُبَاح وَلَكِن إِذا صَار مُعْتَادا أَو صَار الْغناء مكسبة فيقدح فِي الْمُرُوءَة والتغني بِالْقُرْآنِ جَائِز بل مُسْتَحبّ إِلَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى التمطيط المشوش للنظم كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ حسن الترنم بِالْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا قد أُوتِيَ مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام السَّادِس لبس الْحَرِير وَالْجُلُوس عَلَيْهِ حرَام وَترد الشَّهَادَة باستدامة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَكَذَا التَّخَتُّم بِخَاتم الذَّهَب وَغلط بعض الْأَصْحَاب فَقَالَ لَو كَانَ شُهُود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 النِّكَاح على حَرِير لم ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَتِهِم الْوَصْف الثَّانِي الْمُرُوءَة فَمن يرتكب من الْمُبَاحَات مَا لَا يَلِيق بأمثاله كَالْأَكْلِ فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وَلبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة فِي بِلَادنَا وَغير ذَلِك مِمَّا يخسر بِهِ فِيهِ فَيدل ذَلِك إِمَّا على خبل فِي عقله أَو انحلال فِي نَفسه يبطل الثِّقَة بصدقه فتخل شَهَادَته وَلَا يخفى أَن ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فذو المنصب إِذا حمل الْمَتَاع إِلَى بَيته لنجله فَلَا مُرُوءَة لَهُ وَإِن أمكن حمله على التَّقْوَى والإقتداء بالأولين فَلَا يقْدَح فِيهِ ويلتحق بِهَذَا الْفَنّ الإكباب على الْمُبَاحَات الْمَانِعَة من الْمُهِمَّات كمداومة الشطرنج واللعب بالحمام والرقص والغناء فَإِن ذَلِك أَيْضا يشْعر بانحلال وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْحَرْف الدنية فَمنهمْ من لم يقبل شَهَادَة الدّباغ والكناس والحجام والمدلك وَمن يتعاطى القذر لِأَن اخْتِيَاره هَذِه الحرفة يشْعر بخسته وَمِنْهُم من قَالَ تقبل إِذا كَانَ ذَلِك صَنْعَة آبَائِهِ ولائقا بأمثاله وَفِي الحائك طَرِيقَانِ قَالَ الْقفال لَا فرق بَينه وَبَين الْخياط وَقَالَ بَعضهم جرت الْعَادة بالإزراء بهم فاختياره مَعَ ذَلِك كاختيار الكنس والحجامة الْوَصْف الثَّالِث الإنفكاك عَن التُّهْمَة وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الْعدْل لَا تقبل فِي كل مَوضِع فَنَقُول للتُّهمَةِ أَسبَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 الأول أَن تَتَضَمَّن الشَّهَادَة جرا أَو دفعا أما الْجَرّ فبأن يشْهد على من جرح مُوَرِثه فالشهادة مَرْدُودَة لِأَن بدل الْجراحَة يحصل لَهُ بِالْإِرْثِ وَالْجرْح سَبَب الْمَوْت المفضي إِلَى الْإِرْث وَلَا خلاف أَنه لَو شهد فِي مرض الْمَوْت للمورث بِمَال جَازَ وَلَا نجْعَل للتُّهمَةِ موضعا وَإِنَّمَا ردَّتْ شَهَادَة الْجرْح لِأَن تزكيته ترجع إِلَيْهِ وَأما الدّفع فبأن يشْهد اثْنَان من الْعَاقِلَة على فسق شُهُود الْقَتْل الْخَطَأ فكأنهم يشْهدُونَ لأَنْفُسِهِمْ فرع ان الأول لَو شهد أحد الِابْنَيْنِ على أَخِيه بِأَلف دِرْهَم دين على الْمُورث وَقُلْنَا لَا يجب عِنْد الإنفراد بِالْإِقْرَارِ إِلَّا حِصَّة الْمقر قبلت هَذِه الشَّهَادَة إِذْ لَا دفع فِيهَا وَإِن قُلْنَا إِنَّه يلْزمه تَسْلِيم جَمِيع الْألف من حِصَّته لَو أنكر الآخر فَلَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ دَافع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن أقرّ ثمَّ شهد لم تقبل كَمَا لَو قذف ثمَّ شهد وَلَو أنشأ الشَّهَادَة ابْتِدَاء قبل كَمَا لَو شهد على الزِّنَا الثَّانِي لَو شهد شَاهِدَانِ لِرجلَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ لَهما فِي تَرِكَة فشهدا للشاهدين أَيْضا بِوَصِيَّة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا تقبل للتُّهمَةِ وَهَذَا فَاسد لِأَن كل شَهَادَة مُنْفَصِلَة عَن الْأُخْرَى لَيْسَ فِيهَا جر وَقد قطع الْأَصْحَاب بِأَن رُفَقَاء الْقَافِلَة إِذا شهد بَعضهم لبَعض فِي قطع الطَّرِيق قبل إِذا لم يتَعَرَّض فِي شَهَادَته لنصيب نَفسه السَّبَب الثَّانِي البعضية الْمُوجبَة للنَّفَقَة تمنع قبُول الشَّهَادَة فَلَا تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وَالْوَالِد وَسَائِر الْفُرُوع وَالْأُصُول لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ من مَاله إِلَّا قدر حَاجته وَمَال أُصُوله وفروعه معرض لِحَاجَتِهِ فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ وَفِي شَهَادَة الزَّوْجَيْنِ ثَلَاثَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 أَقْوَال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقطع بِالسَّرقَةِ وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الزَّوْج على إِنْسَان بِأَنَّهُ زنى بِزَوْجَتِهِ لَا تقبل وَكَذَلِكَ إِن شهد على زَوجته بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة من الْعُدُول لِأَنَّهَا أوغرت صَدره فَنَشَأَ مِنْهُ عَدَاوَة وَلِأَنَّهُ يشْهد بالخيانة على مَحل حَقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تقبل شَهَادَة الْوَلَد لوالده وَلَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَنه تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وللوالد أما الشَّهَادَة عَلَيْهِم فمقبولة لِأَنَّهَا أبعد عَن التُّهْمَة وَفِيه وَجه أَن شَهَادَة الإبن لَا تقبل على الْأَب بالعقوبات إِذْ لَا يكون الإبن سَبَب عُقُوبَة الْأَب وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ مظهر لَا مُوجبا وَفِي حبس الْأَب بدين وَلَده ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يحبس لِأَنَّهُ عُقُوبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 وَالثَّانِي أَنه يحبس لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودا وَعَلِيهِ أَن يُؤَدِّي الْحق ليتخلص وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحبس فِي نَفَقَته وَلَا يحبس فِي سَائِر دُيُونه فرع إِذا شهد بِحَق مُشْتَرك بَين وَلَده وأجنبي ورد فِي حق وَلَده فَفِي الرَّد فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان لأجل تبعيض الشَّهَادَة فِي نَفسهَا السَّبَب الثَّالِث الْعَدَاوَة فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على الْعَدو خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَسلم أَن شَهَادَة المخاصم فِي الْحَال لَا تقبل أما شَهَادَة المخاصم بعد انْقِطَاع الْخُصُومَة فمقبولة بالإتفاق إِذْ يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى أَن من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 يستشعر من غَيره إِقَامَة شَهَادَة عَلَيْهِ ينشيء مَعَه خُصُومَة ورد شَهَادَة الْعَدو مُشكل لِأَنَّهُ إِن أخرجته الْعَدَاوَة إِلَى فسق فَترد للفسق وَإِن لم تخرجه إِلَى مَعْصِيّة فَلَا يبْقى إِلَّا مُجَرّد تُهْمَة وَلَا خلاف أَن الشَّهَادَة للصديق مَقْبُولَة وَكَذَا الْأَخ وَالْأَقْرَب وَلَكِن الْمُعْتَمد فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل شَهَادَة خصم على خصم وَإِنَّمَا ترد الشَّهَادَة بعداوة ظَاهِرَة موروثة أَو مكتسبة بِحَيْثُ يعلم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يفرح بمساءة صَاحبه ويغتم بمسرته ويبغي الشَّرّ لَهُ وَهَذَا الْقدر لَا يفسق بِهِ فَترد الشَّهَادَة بِهِ وَإِن عرف ذَلِك من أَحدهمَا خصت شَهَادَته بِالرَّدِّ دون شَهَادَة صَاحبه وَقد يكون سَبَب الْعَدَاوَة التعصب للأهواء والمذاهب إِذْ الْمُعْتَزلَة وَسَائِر المبتدعة لَا يكفرون وَأَنه تقبل شَهَادَتهم وَإِن ضللناهم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ترد شَهَادَة من يطعن فِي الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن يقذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَإِنَّهَا مُحصنَة بِنَصّ الْكتاب مبرأة عَن الْفَوَاحِش وَمَا ذكره صَحِيح وَإِنَّمَا تقبل شَهَادَة الْمُخَالفين فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 الإعتقادات فَإِن من يرى أَن الْكَبِيرَة الْوَاحِدَة توجب الخلود فِي النَّار فَقَوله أوثق السَّبَب الرَّابِع التغافل فَرب عدل مُغفل كثير السَّهْو والغلط وَإِن لم يكذب عمدا وَرُبمَا لَا يفْطن لحقائق الْأَشْيَاء وَيكثر سبقه إِلَى الإعتقاد بالتوهم فَمثل هَذَا لَا تقبل شَهَادَته الْمُرْسلَة إِلَّا فِي أَمر جلي يستقصي الْحَاكِم فِيهِ وَيكثر فِيهِ مُرَاجعَته حَتَّى يتَبَيَّن تثبته وَأَنه لَا يسهو فِي مثله السَّبَب الْخَامِس التَّغَيُّر يرد الشَّهَادَة فالفاسق المستسر بِالْفِسْقِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ حسنت حَالَته فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَة بِعَينهَا لم تقبل وَتقبل سَائِر شهاداته إِذْ المكذب تنبعث فِيهِ دَاعِيَة طبيعية لإِثْبَات صدق نَفسه فَيصير ذَلِك من أهم حظوظه وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْعَبْد إِذا ردَّتْ شَهَادَتهم ثمَّ أعادوها بعد الْأَهْلِيَّة قبل إِذْ لَا عَار عَلَيْهِم فِي الرَّد أما الْفَاسِق الْمُعْلن والعدو وَالسَّيِّد إِذا شهد لمكاتبه فَردَّتْ شَهَادَتهم فأعادوها بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 هَذِه الْأَعْذَار فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ترد لِأَن أَسبَاب الرَّد ظَاهِرَة فَلَا يتعيرون بهَا كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْد وَالثَّانِي أَنه ترد لانهم اتهموا وَالْمُتَّهَم يتعير فَيدْفَع الْعَار بِالْإِعَادَةِ السَّبَب السَّادِس الْحِرْص على الشَّهَادَة بأدائها قبل الاستشهاد وَذَلِكَ مَرْدُود إِن كَانَ قبل الدَّعْوَى وَإِن كَانَ بعد الدَّعْوَى وَقب الإستشهاد فَفِي الْقبُول وَجْهَان وَإِن لم تقبل فَهَل يصير بِهِ مجروحا فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا فِيمَا لَا تجوز فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة أما مالله تَعَالَى فِيهِ حق كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَتَحْرِيم الرَّضَاع وَالْعَفو عَن الْقصاص فَيثبت بِشَهَادَة الْحِسْبَة من غير تقدم دَعْوَى وترددوا فِي الْوَقْف وَالنّسب وَشِرَاء الْأَب أما الْوَقْف فَالصَّحِيح أَنه لَا يثبت إِلَّا بِالدَّعْوَى إِذا كَانَ لَهُ مُسْتَحقّ معِين فَأَما على الْمَسَاجِد والجهات الْعَامَّة فَيثبت وَأما شِرَاء الْقَرِيب الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ فَيُشبه الْخلْع من وَجه وَالطَّلَاق الْبَائِن يثبت بِالشَّهَادَةِ على الْخلْع وَفِي شِرَاء الْقَرِيب وَجْهَان أَحدهمَا يثبت كالخلع وَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى لِأَن الْعِوَض مَقْصُود فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 الشِّرَاء وإثباته دون الْعِوَض محَال وَبيع الْعِوَض محَال إِذْ لَا مدعي لَهُ وَأما النّسَب فَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى وَقَالَ الصيدلاني من أَتَت بِولد وَادّعى الزَّوْج أَنه لدوّنَ سِتَّة أشهر قبلت الْبَيِّنَة على أَنه لسِتَّة أشهر وَإِن سكتت الْمَرْأَة وَهَذَا يدل على الْقبُول من غير دَعْوَى فقد تحصلنا فِيهِ على تردد من حَيْثُ إِن النّسَب مُتَعَلق بِكَثِير من حُقُوق الله تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَلَا خلاف فِي أَن من اختفى فِي زَاوِيَة لتحمل شَهَادَة فَلَا يحمل ذَلِك على حرصه على الشَّهَادَة وَلَا ترد لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَى ذَلِك للأقارير وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هَذِه الشَّهَادَة مَرْدُودَة وَقيل إِنَّه قَول للشَّافِعِيّ ضَعِيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 هَذِه مجامع مَا ترد بِهِ الشَّهَادَة أما شَهَادَة الْقَرَوِي على البدوي والبدوي على الْقَرَوِي فمقبولة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَشَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ مَقْبُولَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَشَهَادَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 الْفَاسِق الَّذِي لَا يكذب ويوثق بقوله لَا تقبل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن من لَا يخَاف الله تَعَالَى إِنَّمَا يصدق لغَرَض وَإِذا تغير غَرَضه لم يبال بِالْكَذِبِ خَاتِمَة بِذكر قاعدتين إِحْدَاهمَا أَن هَذِه الْأَسْبَاب إِذا زَالَت قبلت الشَّهَادَة وَلَا يطول النّظر فِي زَوَال الصَّبِي وَالرّق وَأَمْثَاله وَإِنَّمَا يطول فِي زَوَال الْفسق والعداوة فَإِن التَّوْبَة مِمَّا يخفى وَلَا يَكْفِي قَول الْفَاسِق تبت بل لَا بُد من الإستبراء مُدَّة حَتَّى يظْهر بقرائن الْأَحْوَال صَلَاح سَرِيرَته وَقدر بَعضهم بِسنة لتنقضي الْفُصُول فَإِن العزائم تَتَغَيَّر فِيهِ وَقيل سِتَّة أشهر وَالْكل تحكم بل يخْتَلف ذَلِك بالأحوال والأشخاص وَالْمَطْلُوب غَلَبَة الظَّن أما الْقَاذِف فتوبته فِي إكذابه نَفسه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فالمعني بِهِ تَكْذِيبه نَفسه فِي قَوْله أَنا محق بالإظهار والمجاهرة دون الْحجَّة فَيَكْفِي أَن يَقُول تبت وَلَا أَعُود وَهل يَكْفِي مُجَرّد ذَلِك دون الإستبراء إِذا لم يظْهر مِنْهُ فسق آخر فِيهِ نُصُوص مضطربة وَالْحَاصِل أَنه إِن أقرّ على نَفسه بِالْكَذِبِ فيستبرأ لِأَن هَذَا الْكَذِب كَبِيرَة وَإِن لم يقر وَجَاء شَاهدا وَمَا تمت الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ وَإِن جَاءَ قَاذِفا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يستبرأ وَالصَّوَاب أَن نقُول إِن علم أَن ذكر ذَلِك حرَام فَهُوَ فَاسق فيستبرأ وَإِن ظن أَن هَذَا الْقَذْف مُبَاح فَلَا حَاجَة إِلَى الإستبراء وَيَكْفِي قَوْله تبت فَإِن أَقَامَ الْحجَّة على صدق نَفسه فَفِي بَقَاء عَدَالَته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تقبل شَهَادَته إِذْ ظهر صدقه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 وَالثَّانِي إِذْ لَا نمكن لَهُ أَن يقذف ثمَّ يثبت إِلَّا أَن يَجِيء مَجِيء الشُّهُود الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن القَاضِي إِذا غلط فَقضى بِشَهَادَة هَؤُلَاءِ ثمَّ عرف بعد الْقَضَاء فينقض الْقَضَاء إِن ظهر كَون الشَّاهِد عبدا أَو صَبيا أَو كَافِرًا وَإِن ظهر كَونه فَاسِقًا فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه ينْقض إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ شَهَادَة العَبْد أقرب من شَهَادَة الْفَاسِق إِذْ نَص الْقُرْآن يدل على رد الْفَاسِق حَيْثُ قَالَ {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} وَقَوله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَالثَّانِي أَنه لَا ينْقض لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة وَرُبمَا صدق وَهَذَا ضَعِيف على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلِهَذَا قطع بعض الْأَصْحَاب بِالنَّقْضِ ورد تردد القَوْل إِلَى مَا إِذا فسق بعد الْقَضَاء وَاحْتمل الإستناد وَأول عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْعدَد والذكورة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْعدَد مَشْرُوط فِي كل شَهَادَة فَلَا يثبت بِشَهَادَة وَاحِد إِلَّا رُؤْيَة الْهلَال لرمضان على رَأْي إِذْ يسْلك بِهِ مَسْلَك الْأَخْبَار لتَعَلُّقه بالعبادات أما هِلَال شَوَّال فَلَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ ثمَّ الشَّهَادَات فِي الْعدَد على مَرَاتِب الْمرتبَة الأولى الزِّنَا وَلَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال لقَوْله تَعَالَى {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَيَقُول كل وَاحِد رَأَيْته يدْخل فرجه فِي فرجهَا كالمرود فِي المكحلة فَإِن الشَّاهِد الرَّابِع على زنا الْمُغيرَة لما قَالَ بَين يَدي عمر وَرَأَيْت نفسا يَعْلُو واستا ينبو ورأيتهما يضطربان تَحت لِحَاف ورجلاها على عَاتِقه كَأَنَّهُمَا أذنا حمَار فَقَالَ عمر الله أكر وَجلد سَائِر الشُّهُود وَلم يكتف بِهَذَا وَهل يشْتَرط على الْإِقْرَار بِالزِّنَا أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ واللواط إِن قُلْنَا إِنَّه كَالزِّنَا أَو يُوجب الْقَتْل فَهُوَ كَالزِّنَا وَإِن لم يُوجب إِلَّا التَّعْزِير فَهَل يشْتَرط فِيهِ أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ وَهل يجوز للشَّاهِد النّظر إِلَى الْفرج أَو إِلَى العورات لتحمل الشَّهَادَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن الشَّهَادَة أَمَانَة وَالثَّانِي لَا لَكِن إِن وَقع الْبَصَر تحمل الشَّهَادَة وَإِلَّا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وَالثَّالِث لَا يجوز لأجل الزِّنَا فَإِن الْحُدُود مَبْنِيَّة على الدّفع أما لعيوب النِّسَاء وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام يجوز فرع لَا تمنع الشَّهَادَة بتقادم الْعَهْد فِي الزِّنَا وَلَا بِأَن يشْهد أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة مجَالِس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا انْفَرد وَاحِد فِي مجْلِس حد وَلَا يَنْفَعهُ من يشْهد فِي مجْلِس آخر الْمرتبَة الثَّانِيَة النِّكَاح وَالرَّجْعَة لقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود الْحق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِهِ كل مَا لَيْسَ بِمَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 كَالْقصاصِ وَالْعِتْق والإستيلاد وَالْكِتَابَة والوصايا وَالْوكَالَة وَالْعَفو عَن الْقصاص وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والترجمة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَإِثْبَات الرِّدَّة وَالْإِسْلَام وَالنّسب وَالْبُلُوغ وَالْوَلَاء وَالْعدة وَالْمَوْت وَلَا ينظر إِلَى رُجُوع الْوكَالَة والوصايا إِلَى مَال لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا سلطنة وَولَايَة وَلَيْسَ بِمَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وخصص اعْتِبَار الذُّكُورَة بالعقوبات الْمرتبَة الثَّالِثَة الْأَمْوَال وحقوقها وأسبابها تثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِدَلِيل آيَة المداينة وَيدخل فِيهِ الشّركَة وَالْإِجَارَة وَإِتْلَاف الْأَمْوَال وعقود الضَّمَان وَالْقَتْل خطأ وكل جِرَاحَة لَا توجب إِلَّا المَال وَحقّ الْخِيَار وَالشُّفْعَة وَفسخ الْعُقُود وَقبض نُجُوم الْكِتَابَة إِلَّا النَّجْم الْأَخير فَيتَعَلَّق بِهِ الْعتْق فَفِيهِ وَجْهَان وَيثبت المَال فِي السّرقَة بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ دون الْقطع وَالصَّحِيح أَن الْأَجَل من حُقُوق المَال وَقيل إِنَّه نوع سلطنة فيضاهي الْوكَالَة ثمَّ ليعلم أَن النِّكَاح إِن لم يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ يثبت فِي حق الْمهْر وَكَذَا الْوكَالَة تثبت فِي حق البيع وَتثبت الْوَصِيَّة وَإِن لم تثبت الْوِصَايَة فرع لَو قَالَ لزوجته إِن غصبت فَأَنت طَالِق أَو إِن ولدت فَثَبت الْغَصْب أَو الْولادَة بِشَهَادَة النسْوَة وَجب المَال وَلحق النّسَب وَلم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق بهما وَكَذَا لَو علق بِرُؤْيَة الْهلَال وَشهد وَاحِد وَلَو شهد أَولا على غصبهَا رجل وَامْرَأَتَانِ فَقضى القَاضِي بِالضَّمَانِ فَقَالَ إِن كنت غصبت فَأَنت طَالِق قَالَ ابْن سُرَيج إِنَّه يَقع بِخِلَاف مَا إِذا تقدم التَّعْلِيق وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يَقع الْمرتبَة الرَّابِعَة مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا وَيثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 كالولادة والبكارة وعيوب النِّسَاء وَالرّضَاع وَمَا يخفى عَن الرِّجَال غَالِبا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تثبت الْولادَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا عِنْد قيام الْفراش أَو ظُهُور مخايل الْحمل بعد الطَّلَاق فَإِن قيل فَهَل يتَعَلَّق بِشَاهِد وَاحِد حكم قُلْنَا من أَقَامَ شَاهِدين على مَال فخاف فَوَاته فَلهُ التمَاس الْحَيْلُولَة قبل التَّزْكِيَة وَيجب ذَلِك على القَاضِي فِي الْأمة إِذا أَقَامَت شَاهِدين على الْحُرِّيَّة وَيجب فِي العَبْد إِن طلب العَبْد وَالْعَبْد ينْفق من كَسبه فِي مُدَّة الْحَيْلُولَة وَإِن لم يكن فَمن بَيت المَال ثمَّ يرجع إِلَى السَّيِّد إِن لم يثبت الْعتْق وَكَذَا لَو أَقَامَ شَاهِدين على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 زوجية امْرَأَة منعنَا الْمَرْأَة عَن الإنتشار قبل التزكيه وَفِي الْعقار هَل يُجَاب إِلَى الْحَيْلُولَة مَعَ أَنه لَا خوف فِيهِ خلاف فِي هَذِه الْمسَائِل الشَّاهِد الْوَاحِد هَل ينزل فِي اقْتِضَاء الْحَيْلُولَة منزلَة الشَّاهِدين فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن تَمَامه متوقع كالتعديل وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاحِد لَيْسَ بِحجَّة وَالتَّعْدِيل يبين أَن مَا أَقَامَهُ من قبل كَانَ حجَّة فَإِن قُلْنَا يُؤثر فِي الْحَيْلُولَة فقد ظهر لَهُ فَائِدَة على الْجُمْلَة وَلَو جرى فِي دين فَهَل للْمُدَّعِي أَن يلْتَمس الْحجر خوفًا من أَن يَبِيع مَاله فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَن ضَرَر الْحجر عَظِيم وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ الْخصم مَعْرُوفا بالحيلة وَخَافَ القَاضِي حيلته حجر عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُسْتَند علم الشَّاهِد وتحمله وأدائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي مُسْتَنده وَالْأَصْل فِيهِ الْيَقِين قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أشهد فَقَالَ أَرَأَيْت الشَّمْس طالعة فَقَالَ نعم فَقَالَ على مثل هَذَا فاشهد وَإِلَّا فاسكت هَذَا هُوَ الأَصْل لَكنا قد نلحق الظَّن بِهِ للْحَاجة فَنَقُول الْمَشْهُود عَلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَإِلَى مَا يحْتَاج إِلَى السّمع دون الْبَصَر وإلي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا الأول مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَهُوَ الْأَفْعَال إِذْ الْبَصَر يدْرك الْفِعْل وَالْفَاعِل جَمِيعًا الْقسم الثَّانِي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا وَهُوَ الْأَقْوَال إِذْ الْأَقْوَال تدْرك بِالسَّمْعِ وَالْقَائِل لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 يتَعَيَّن إِلَّا بالبصر وَلَيْسَ للأعمى أَن يعْتَمد الْأَصْوَات فَإِنَّهَا تتشابه بالتلبيس وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَهُ ذَلِك إِذْ يحل لَهُ وَطْء زَوجته فَإِذا سمع إِقْرَارهَا فِي حَالَة الْوَطْء كَيفَ لَا يشْهد عَلَيْهَا فَنَقُول فِي غَيره من الشُّهُود غنية أما حل الْوَطْء والمعاملات فتبنى على الْحَاجَات وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِي سبع الأول إِذا تعلق الْأَعْمَى بشخص فصاح فِي أُذُنه بِالْإِقْرَارِ فجره إِلَى القَاضِي مُتَعَلقا بِهِ وَشهد فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْقبُول للثقة وَالثَّانِي لَا لِأَن فتح هَذَا الْبَاب عسير ودرجات التَّعَلُّق والملازمة تخْتَلف وَلَا تنضبط الثَّانِيَة فِي رِوَايَة الْأَعْمَى خلاف لِأَنَّهُ يعجز عَن تَمْيِيز الْمَرْوِيّ عَنهُ وَلَكِن قَالَ بَعضهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 يجوز وَكَانَ الصَّحَابَة يسمعُونَ من عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من وَرَاء السّتْر فهم فِي حَقّهَا كالعميان أما مَا سَمعه قبل الْعَمى فيروي بل مَا تحمل من الشَّهَادَة قبل الْعَمى على مَعْرُوف النّسَب تقبل فِيهِ شَهَادَته وَالْقَاضِي إِذا سمع بَيِّنَة وَلم يبْق إِلَّا الحكم فانعزل بالعمى فَفِي ذَلِك الحكم وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْعَزْل يبعد أَن يتَجَزَّأ الثَّالِثَة فِي المترجم الْأَعْمَى وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن القَاضِي يُشَاهد المترجم كَلَامه وَالثَّانِي لَا حسما للباب الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد النِّكَاح بِحُضُور الأعميين وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات لَكِن الْمَقْصُود الْإِثْبَات الْخَامِسَة إِذا تحمل الْبَصِير شَهَادَة على شخص فَمَاتَ وَلم يكن مَعْرُوفا بِالنّسَبِ فَلَا بُد وَأَن يحضر مَيتا حَتَّى يشْهد على عينه بمشاهدة صورته فَإِن كَانَ قد دفن لم ينبش قَبره إِلَّا إِذا عظمت الْوَاقِعَة واشتدت الْحَاجة وَلم يطلّ الْعَهْد بِحَيْثُ تَتَغَيَّر الصُّورَة فَإِن كَانَ يعرفهُ باسمه وَاسم أَبِيه دون جده فليقتصر عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَإِن عرف القَاضِي بذلك جَازَ وَإِن افْتقر إِلَى اسْم الْجد فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْأَل عَن اسْم جده ويذكره وَحكي أَن الْقفال ورد عَلَيْهِ كتاب من قَاض ليزوج فُلَانَة من خاطبها أَحْمد بن عبد الله وَكَانَ جَار الْقفال فَقَالَ أَنا إِنَّمَا أعرفك بِأَحْمَد لَا بِأَحْمَد بن عبد الله فَلم يُزَوّج وَفِي مثل هَذِه الصُّورَة لَو أَقَامَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 عِنْده بَيِّنَة على أَنه أَحْمد بن عبد الله لم تَنْفَع لِأَنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ سَماع الْبَيِّنَة كَيفَ وَالصَّحِيح أَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا تسمع بعد تقدم دَعْوَى وإنكار السَّادِسَة تحمل الشَّهَادَة على امْرَأَة منتقبة بتعريف عَدْلَيْنِ غير جَائِز إِلَّا على مَذْهَب من يرى أَن التسامع من عَدْلَيْنِ كَاف فِي معرفَة النّسَب بل الطَّرِيق مَا فعله الْقفال رَحمَه الله إِذْ كتب فِي مثل هَذِه الشَّهَادَة أشهدني فلَان وَفُلَان أَنَّهَا فُلَانَة بنت فلَان وَأَنَّهَا أقرَّت وَامْتنع عَن الْأَدَاء فَقَالَ وَكَيف أشهد والشاهدان فِي السُّوق يَعْنِي أَن شهادتي شَهَادَة الْفَرْع لَكِن طَرِيق تحمل الشَّهَادَة أَن تكشف عَن وَجههَا حَتَّى ينظر إِلَيْهَا ويحفظ حليتها ثمَّ إِنَّهَا عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة تكشف ثَانِيًا فَإِن عرفهَا شهد وَإِلَّا فيسكت وَيجوز النّظر لحَاجَة التَّحَمُّل وَإِن كَانَت فِي غَايَة الْجمال وللقاضي عِنْد الشَّهَادَة إِن رابه أَمر أَن يحضر مَعهَا نسْوَة فِي قدها وكسوتها ويمتحن الشَّاهِد فَإِن لم يميزها عَنْهُن لم تقبل شَهَادَته وَقد فعل ذَلِك بعض الْقُضَاة السَّابِعَة إِذا وَقعت الشَّهَادَة على عينهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ بِمَال فَطلب الْخصم التسجيل وَلم يعرفهَا القَاضِي بنسبها لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يسجل على حليتها وَصورتهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلهَا إِنِّي فُلَانَة بنت فلَان إِذْ لَا يسمع مُجَرّد قَوْلهَا وَلَا أَن يُقيم الْخصم بَيِّنَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُقَام بعد تقدم دَعْوَى فِي النّسَب وَلَكِن لَو نصب قيمًا حَتَّى يَدعِي عَلَيْهَا دينا وَأَنَّهَا بنت فلَان فتنكر الْمَرْأَة وتقام الْبَيِّنَة جَازَ ذَلِك فعله القَاضِي حُسَيْن فِي مثل هَذِه الْوَاقِعَة وَفِيه إِشْكَال من حَيْثُ إِنَّهَا رُبمَا كَانَت أقرَّت عِنْد القَاضِي بِالنّسَبِ فَكيف تنكره وَلَا دَعْوَى إِلَّا على مُنكر وَمن حَيْثُ إِن القَاضِي عَالم بِأَن هَذِه الدَّعْوَى كذب لَكِن قَالَ القَاضِي حُسَيْن هَذِه حِيلَة جَائِزَة للْحَاجة كَمَا جَازَ بيع ثمار خَيْبَر بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ شِرَاء نوع آخر بِهِ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة الْقسم الثَّالِث مَا لَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر وَهُوَ الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ إِذْ لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 كالإعسار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يدْرك بالخبرة الْبَاطِنَة وقرائن الْأَحْوَال فِي الصَّبْر سرا على الضّر والجوع وَلَا يعلم بِيَقِين لَكِن إِذا حصل ظن قريب من الْيَقِين جَازَت الشَّهَادَة أما الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ فالنسب وَالْملك الْمُطلق وَاخْتلفُوا فِي الْوَلَاء وَالْوَقْف وَالنِّكَاح وَالْعِتْق لِأَن هَذِه أُمُور يدْرك بالبصر أَسبَابهَا لَكِن قد يستفيض بَين النَّاس ويدوم التفوه بِهِ وتتوفر الطباع على ذكره بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة وَأَمْثَاله فَفِي اعْتِمَاد التسامع بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من منع لِإِمْكَان الْمُشَاهدَة وَمِنْهُم من ألحق بِالنّسَبِ لحُصُول الظَّن بالإستفاضة وَكَذَا الْخلاف فِي النّسَب من جَانب الْأُم فَإِنَّهُ يُمكن مُشَاهدَة الْولادَة وَلَكِن يُؤثر فِيهِ التسامع أَيْضا وَمِنْهُم من قطع بِأَن جَانب الْأُم كجانب الْأَب وَفِي الْمَوْت أَيْضا طَرِيقَانِ وَالْمَشْهُور أَنه كالنسب يثبت بِالتَّسَامُعِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ يُمكن مشاهدته ثمَّ إِذا قضى بِهِ فالنظر فِي النّسَب وَالْملك أما النّسَب وَمَا يلْحق بِهِ فَفِي حد التسامع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسمع من قوم لَا تجمعهم رابطة التواطؤ كَمَا فِي أَخْبَار التَّوَاتُر وَالثَّانِي ذكر الْعِرَاقِيُّونَ أَنه يَكْفِي أَن يسمع من عَدْلَيْنِ ثمَّ لَا يكون شَاهدا على شَهَادَتهمَا وَهُوَ بعيد ثمَّ زادوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَو رَآهُ يحمل صَغِيرا وَهُوَ يستلحقه أَو قَالَ الْكَبِير هَذَا ابْني وَهُوَ سَاكِت شهد على النّسَب وَهَذَا غلط إِلَّا أَن يشْهد على الدعْوَة فَلَقَد يثبت النّسَب بِمُجَرَّد الدعْوَة أما الْملك فَلَا يحصل فِيهِ تعْيين لِأَنَّهُ وَإِن شَاهد الشِّرَاء فَمن أَيْن يعلم ملك البَائِع أَو شَاهد الإصطياد فَمن أَيْن يعلم أَنه لم يفلت من غَيره لَكِن يعْتَمد الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 كلف مزِيد بحث لتعذر إِثْبَات الأملالك وَيحصل ذَلِك باجتماع ثَلَاثَة أُمُور الْيَد وَالتَّصَرُّف والستامع أَعنِي تفاوض النَّاس بِإِضَافَة الْملك إِلَيْهِ فَإِن هَذَا إِذا دَامَ مُدَّة بِلَا مُنَازع غلب على الظَّن الْملك وَهل يَكْفِي مُجَرّد الْيَد وَالتَّصَرُّف دون تفاوض النَّاس بِالْإِضَافَة الْمَشْهُور أَن ذَلِك كَاف وَقَالَ القَاضِي لَا يَكْفِي لِأَن المنازع إِنَّمَا يظْهر إِذا سمع الْإِضَافَة من النَّاس لَكِن يُقَابله أَنه لَو كَانَ تصرفه بالعدوان لظهر التفاوض بعدوانه فِي الْجِيرَان وَأهل الْمحلة فَعدم ذَلِك دَلِيل على عدم الْخصم وَأما مُجَرّد الْيَد دون التَّصَرُّف أَو التَّصَرُّف دون الْيَد فَلَا يَكْفِي وَهل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد التسامع دون الْيَد وَالتَّصَرُّف وتصور ذَلِك فِي ملك معطل قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي ذَلِك وَهُوَ بعيد فكأنهم يظنون أَن الْملك أَيْضا يشْتَهر كَمَا يشْتَهر الْوَقْف ثمَّ إِنَّمَا نعني بِالتَّصَرُّفِ الْهدم وَالْبناء وَالْبيع وَالْفَسْخ وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَلَو لم نر إِلَّا مُجَرّد الْإِجَارَة وَلَكِن مرّة بعد أُخْرَى فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا يدل إِذْ الْمُسْتَأْجر مُدَّة طَوِيلَة قد يُؤَاجر مرَارًا هَذَا بَيَان مَا يعتمده الشَّاهِد فَتحل لَهُ الشَّهَادَة أما الْخط فقد ذكرنَا أَنه لَا يعْتَمد للشَّهَادَة ويعتمد للحلف وَمِمَّا يجب ذكره هَاهُنَا أَن من شهد على أَن فلَانا مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ سوى فلَان فَهَذَا يسمع وَإِن كَانَ على النَّفْي كبينة الْإِعْسَار وَلَكِن يسمع مِمَّن خبر بَاطِن أَحْوَاله وَعلم شعب نسبه وَيَكْفِي فِيهِ عَدْلَانِ يَقُولَانِ لَا نعلم لَهُ وَارِثا سواهُ مَعَ الْخِبْرَة الْبَاطِنَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة سلم إِلَى الْحَاضِر قدر الْيَقِين فَقَط وَلَا يَقِين إِلَّا فِي فرض من لَا يحجب عائلا كربع الثّمن عائلا للزَّوْجَة وَأما الْأَب فَلَا يستيقن لَهُ مِقْدَار معِين فَإِن لم تكن بَيِّنَة بحث القَاضِي ونادى بِأَنِّي قَاسم مِيرَاثه فَمن عرف لَهُ وَارِثا فليذكر فَإِن لم يظْهر سلم المَال إِلَى الْحَاضِر وَهل يطْلب لَهُ كَفِيلا للقدر الْمَشْكُوك فِيهِ قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 الْفَصْل الثَّانِي فِي وجوب التَّحَمُّل وَالْأَدَاء أما الْأَدَاء فَهُوَ وَاجِب على كل متحمل مُتَعَيّن دعِي إِلَى الْأَدَاء من مَسَافَة دون مَسَافَة الْعَدوي فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود فَلَو لم يتَحَمَّل وَلَكِن وَقع بَصَره على فعل وَتعين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب لِأَن المتحمل مُلْتَزم وَهَذَا لم يلْتَزم وَالثَّانِي أَنه يجب صِيَانة للحقوق وَلَو لم يتَعَيَّن فَإِن امْتَنعُوا بجملتهم عَم الْحَرج جَمِيعهم وَإِن امْتنع وَاحِد فَفِي جَوَازه وَجْهَان من حَيْثُ إِن فتح ذَلِك الْبَاب رُبمَا يَدْعُو إِلَى التخاذل وَلَو دعِي من مَسَافَة دون مَسَافَة الْقصر وَفَوق مَسَافَة الْعَدْوى فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي لُزُوم قبُول شَهَادَة ال ْفَرْع فِي غيبَة الأَصْل إِلَى هَذَا الْحَد ثمَّ الشَّاهِد لَا يسْتَحق الْأُجْرَة لِأَنَّهُ الْتزم هَذِه الْأَمَانَة بِخِلَاف الْكَاتِب نعم يسْتَحق الشَّاهِد أُجْرَة المركوب عِنْد طول الطَّرِيق ثمَّ إِذا أَخذهَا فَلهُ أَن لَا يركب وَيَمْشي فَكَأَنَّهُ أُجْرَة نَصبه فِي الْمَشْي وَلَو تعين شَاهِدَانِ فَامْتنعَ أَحدهمَا وَقَالَ احْلِف مَعَ الثَّانِي لم يجز بالإتفاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 أما التَّحَمُّل فِيمَا لَا يَصح دون الشَّهَادَة كَالنِّكَاحِ فالإجابة إِلَى التَّحَمُّل فِيهِ من فروض الكفايات وَمن امْتنع لَا يَأْثَم لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن أما التَّحَمُّل فِي الْأَمْوَال والأقارير هَل هُوَ من فروض الكفايات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاستغنائه عَنهُ وَالثَّانِي نعم لحَاجَة الْإِثْبَات عِنْد النزاع وَكَذَا الْخلاف فِي كتبه الصَّك لِأَنَّهُ لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي عصمَة الْحُقُوق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكل وَاقعَة يقْضى فِيهَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَيقْضى بِشَاهِد وَيَمِين إِلَّا عُيُوب النِّسَاء وبابها وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَضَاء بِشَاهِد وَيَمِين قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل شَاهد وَيَمِين ثمَّ عندنَا يَنْبَغِي أَن تتقدم شَهَادَة الشَّاهِد وتعديله على الْيَمين إِذْ الْيَمين قبل تأيد جَانب الْحَالِف بِالْيَدِ أَو اللوث سَاقِط الْأَثر وَيجب على الْحَالِف أَن يصدق الشَّاهِد فِي يَمِينه فَيَقُول أَنا محق وَهُوَ صَادِق وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حلف مَعَ امْرَأتَيْنِ لم يجز ثمَّ هَذَا الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ أَو بِالْيَمِينِ أَو بهما وَيظْهر الْأَثر فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد يعضد جَانب الْحَالِف كاللوث وَالثَّانِي أَنه بِالشَّاهِدِ لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين وَالثَّالِث أَنه بهما جَمِيعًا ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه بِالْيَمِينِ أمكن إِيجَاب غرم أَيْضا على الشَّاهِد إِذْ الْيَمين نفذ بِشَهَادَتِهِ كَمَا يجب على رَأْي على الْمُزَكي لِأَن الشَّهَادَة نفذت بتعديله وَتَمام الْبَاب بمسائل أَربع الأولى لَو أَقَامَ الْوَرَثَة شَاهدا وَاحِدًا على دين لمورثهم وحلفوا جَمِيعًا استحقوا وَلَو حلف وَاحِد اسْتحق الْحَالِف نصِيبه دون الناكل وَلَو مَاتَ الناكل لم يكن لوَارِثه أَن يحلف إِذْ بَطل حق الْحلف بِالنّكُولِ وَإِن مَاتَ قبل النّكُول فلوارثه أَن يحلف وَلَكِن هَل يجب إِعَادَة الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو جَاءَ الْوَارِث بِشَاهِد آخر هَل يجب على الأول الْإِعَادَة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن هَذِه دَعْوَى جَدِيدَة أَو فِي حكم الْبناء وَلَو نكل الْوَارِث وللميت غَرِيم فَهَل يحلف فِيهِ قَولَانِ ذكرناهما فِي الْقسَامَة أما إِذا كَانَ فيهم غَائِب أَو مَجْنُون فَإِذا عَاد أَو أَفَاق حلف من غير حَاجَة إِلَى إِعَادَة الشَّهَادَة بل نفذت تِلْكَ الشَّهَادَة فِي الْحق الْمُشْتَرك بِدَعْوَى وَاحِد من الْوَرَثَة وَإِنَّمَا تخْتَص الدَّعْوَى وَالْحلف دون الْمُشَاهدَة أما إِذا أوصى لشخصين فَحلف أَحدهمَا مَعَ شَاهد وَالثَّانِي غَائِب فَإِذا عَاد فَلَا بُد من إِعَادَة الشَّهَادَة إِذْ ملكه مُنْفَصِل بِخِلَاف حُقُوق الْوَرَثَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يثبت أَولا لشخص وَاحِد وَهُوَ الْمَيِّت فرع لَو حلف بَعضهم مَعَ الشَّاهِد فَهَل يخرج نصيب الْغَائِب من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحَيْلُولَة بِشَاهِد وَاحِد لَكِن هَذَا أبعد لِأَن صَاحب الْحق لم يدع إِلَّا أَن اتِّحَاد الْمَيِّت كَأَنَّهُ يَجْعَل دَعْوَى الْوَاحِد كدعوى الْجَمِيع وَلذَلِك لَا تستعاد الشَّهَادَة أما النَّصِيب الَّذِي أَخذه الْحَالِف الْوَارِث فَلَا يُشَارِكهُ الْغَائِب فِيهِ نَص عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كتاب الصُّلْح لَو ادّعى الوارثان عينا فَأقر لأَحَدهمَا بِنَصِيبِهِ شَاركهُ الآخر فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالصَّحِيح أَنه فرض هَهُنَا فِي الدّين وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُشَارِكهُ فِيهِ وَفِي الصُّلْح فِي جُزْء من الْعين وَهُوَ مُشْتَرك بِإِقْرَارِهِ فَكيف ينْفَرد بِهِ أما إِذا أَقَامَ أَحدهمَا شَاهِدين فينتزع نصيب الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَأما نصيب الْغَائِب فينتزع أَيْضا إِن كَانَ عينا وَإِن كَانَ دينا فَوَجْهَانِ يجريان فِي كل دين يقر بِهِ لغَائِب أَن الْوَالِي هَل يَسْتَوْفِيه أَو يتْركهُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الوراثة أما الْوَصِيَّة فَيتْرك نصيب الْغَائِب وَإِن كملت بَيِّنَة الْحَاضِر الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ادّعى ثَلَاثَة أَن أباهم وقف عَلَيْهِم ضَيْعَة وعَلى أَوْلَادهم على التَّرْتِيب وحلفوا مَعَ شَاهد وَاحِد استحقوا وَفِيه وَجه أَن الْوَقْف كَالْعِتْقِ وَلَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين إِن قُلْنَا إِن الْملك فِيهِ لله تَعَالَى وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ ثمَّ الْبَطن الثَّانِي هَل يَحْتَاجُونَ إِلَى الْحلف عِنْد مَوْتهمْ إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ الْحق من الْبَطن الأول فيكفيهم يَمِين الْبَطن الأول وَإِن قُلْنَا من الْوَاقِف فَلَا بُد من التَّجْدِيد لأَنهم لَا يسْتَحقُّونَ بِيَمِين غَيرهم فَلَو كَانَ الشَّرْط الصّرْف إِلَى الْمَسَاكِين بعد مَوْتهمْ فعلى هَذَا لَا يُمكن تَحْلِيف الْمَسَاكِين إِذْ لَا ينحصرون فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 أَحدهمَا أَنهم يسْتَحقُّونَ بِغَيْر يَمِين للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَن الْوَقْف قد تعذر مصرفه وَفِيه خلاف أَنه يبطل أَو يصرف إِلَى أقرب شخص إِلَى الْوَاقِف وَلَو مَاتَ وَاحِد من الحالفين فَنصِيبه للباقين الَّذين حلفوا مَعَه فِي دَرَجَته لِأَنَّهُ وقف تَرْتِيب وَفِي تَجْدِيد يمينهم قَولَانِ مرتبان وَالصَّحِيح أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لأَنهم قد حلفوا مرّة على الْجُمْلَة أما إِذا نكلوا جَمِيعًا فالبطن الثَّانِي لَا يسْتَحقُّونَ إِن لم يحلفوا وَإِن حلفوا استحقوا هَذَا إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ من الْوَاقِف وَإِن قُلْنَا يَأْخُذُونَ من الْبَطن الأول فَلَا أثر لحلفهم إِذْ قد بَطل حق الْحلف بنكول الْبَطن الأول أما إِذا حلف وَاحِد وَنكل اثْنَان ثمَّ مَاتُوا فولد الْحَالِف يسْتَحق إِن حلف وَإِن لم يحلف فَقَوْلَانِ وَولد الناكل لَا يسْتَحق إِن لم يحلف وَإِن حلف فَقَوْلَانِ وَإِن مَاتَ الْحَالِف أَولا فَشرط الْوَقْف أَن يكون للآخرين لَكِن أبطلوا حُقُوقهم بِالنّكُولِ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يصرف إِلَى ولد الْحَالِف وَقد التحقا بالموتى لنكولهم وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِم ويستحقون بِيَمِين الْمَيِّت وَالثَّالِث أَنه قد تعذر مصرفه إِذن فينتزع من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ أما نصيب الناكلين فَيبقى فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا يصرف إِلَى الناكلين فَفِي إِيجَاب الْحلف عَلَيْهِم قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا كَانَا قد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 حلفا وَهَهُنَا أولى بِالْحلف الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو كَانَ الْوَقْف وقف التَّشْرِيك وَحلف الثَّلَاثَة ثمَّ ولد لوَاحِد ولد صَار الْوَقْف أَربَاعًا بعد أَن كَانَ أَثلَاثًا وَيُوقف الرّبع للطفل وَكَذَا غَلَّته فَإِن بلغ وَحلف اسْتحق وَإِن نكل فالنص أَنه يرد على الثَّلَاثَة وَكَأن الناكل مَعْدُوم وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله كَيفَ يرد عَلَيْهِم وهم مقرون بِأَنَّهُم لَا يستحقونه فَهُوَ وقف تعذر مصرفه وَالْقِيَاس مَا ذكره فنجعله قولا مخرجا فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ردُّوهُ إِلَيّ فَلَا طَالب لَهُ غَيْرِي فَلَا خلاف أَنه لَا يردهُ إِلَيْهِ إِذْ قد انتزع من يَده بِحجَّة فَلَا يُمكن الرَّد إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة جَارِيَة لَهَا ولد ادعِي إِنْسَان على صَاحب الْيَد أَنَّهَا مستولدته وَالْولد مِنْهُ وَأقَام شَاهدا وَاحِدًا وَحلف سلمت لَهُ الْجَارِيَة وَثَبت ملكه ثمَّ تعْتق عَلَيْهِ إِذا مَاتَ بِإِقْرَارِهِ وبالإستيلاد لَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أما الْوَلَد فَفِي حُرِّيَّته وَنسبه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يثبت بطرِيق التّبعِيَّة للْأُم وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ إِنْسَان مُسْتَقل تدعى فِيهِ الْحُرِّيَّة وَالنّسب كَمَا يدعى فِي الْأُم الإستيلاد وَاسْتشْهدَ الْمُزنِيّ بِمَا لَو أَقَامَ هَذِه الْحجَّة على عبد بِأَنَّهُ كَانَ ملكه وَقد أعْتقهُ فَإِنَّهُ لَا يسمع لِأَنَّهُ معترف فِي الْحَال بحريَّته مَعَ أَنه قد سبق لَهُ ملك فَكيف يسمع فِي الْوَلَد وَلم يجر عَلَيْهِ رق أصلا فَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من فرق بِأَن الحكم هَاهُنَا وجد منتسبا من ملك حَاضر وَهُوَ الْأُم بِخِلَاف مَسْأَلَة العَبْد وَالْقِيَاس مَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي خَمْسَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي مجاريه وَهُوَ جَار فِيمَا لَيْسَ بعقوبة وَفِي الْعُقُوبَات ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يجْرِي لِأَنَّهُ بدل فَلَا يَخْلُو عَن شُبْهَة وَالثَّانِي أَنه يجْرِي لِأَن كَونه بَدَلا لَا يُوجب الشُّبْهَة وَالثَّالِث أَنه يجْرِي فِي حُقُوق الْآدَمِيّين كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف دون حُدُود الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يتسارع إِلَيْهِ السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ وَكَذَا الْخلاف فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَكَذَا فِي التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الْوَكِيل بدل عَن الْمُوكل فَإِذا منعنَا ذَلِك فَلَا معنى لدعوى الْقصاص على غَائِب الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَلَا يجوز أَن يشْهد على شَهَادَة غَيره مَا لم يعلم أَن عِنْده شَهَادَة مجزومة ثَابِتَة وَذَلِكَ بِأَن يَقُول لَهُ عِنْدِي شَهَادَة بِكَذَا وَأَنا أشهدك على شهادتي وَإِمَّا بِأَن يرَاهُ بَين يَدي حَاكم وَهُوَ يَقُول أشهد أَن لفُلَان على فلَان كَذَا فَلهُ أَن يتَحَمَّل وَإِن لم يقل لَهُ أشهدك لِأَن ذَلِك لَيْسَ تفويضا حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِشْهَاد نعم إِذا رَآهُ يخبر عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 الشَّيْء لَا فِي معرض الشَّهَادَة وَلَا بِلَفْظ الشَّهَادَة فالإنسان قد يتساهل فِيهِ وَلَو كلف الشَّهَادَة امْتنع فَلذَلِك لَا يتَحَمَّل أما إِذا قَالَ فِي غير مجْلِس القَاضِي عِنْدِي شَهَادَة مثبوتة لَا أتمارى فِيهَا فَفِي جَوَاز التَّحَمُّل وَجْهَان أَحدهمَا نعم لانْقِطَاع الإحتمال وَالثَّانِي لَا إِذْ قد يكون لَهُ فِيهِ غَرَض وَإِذا طُولِبَ بِالْإِقَامَةِ توقف أما إِذا اقْتصر على قَوْله أَنا أشهد بِكَذَا لم يعْتَمد ذَلِك لظُهُور اعْتِمَاد التساهل وَلِأَنَّهُ قد يرِيه بِهِ الْوَعْد وَلَا يَفِي بِهِ فَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف فَيشْهد على إِقْرَاره وَلَا يقدر احْتِمَال إِرَادَة وعد لِأَن الْإِنْسَان لَا يتساهل فِي الْإِقْرَار على نَفسه ويتساهل فِي الْإِخْبَار عَن الْغَيْر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله لَا يشْهد على إِقْرَاره مَا لم يضفه إِلَى إِتْلَاف أَو ضَمَان أَو غير ذَلِك مِمَّا يقطع هَذَا الإحتمال وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ ثمَّ الشَّاهِد يَنْبَغِي أَن يَحْكِي مُسْتَند تحمله بِأَن شَاهد الأَصْل أشهده أَو رَآهُ يشْهد عِنْد القَاضِي فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يعرف كَيْفيَّة التَّحَمُّل حَتَّى يبْحَث عَنهُ القَاضِي فَلَو كَانَ فَقِيها فيكفيه أَن يَقُول أشهد على شَهَادَته وَله الْإِصْرَار عَلَيْهِ فَلَو سَأَلَهُ القَاضِي لم يلْزمه التَّفْصِيل الطّرف الثَّالِث فِي الطوارىء على شُهُود الأَصْل وَلَا يضر مَوْتهمْ وغيبتهم ومرضهم بل هُوَ المُرَاد من شُهُود الْفَرْع وَقد ذكرنَا حد الْغَيْبَة أما طرآن فسقهم وعداوتهم وردتهم فَلَا يُؤثر طرآنه بعد الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَرْع وَلَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 طَرَأَ قبل الْقَضَاء منع الْقبُول لِأَن هَذِه أُمُور لَا تهجم بل يتقدمها مُقَدمَات وَلِأَنَّهُ يقبح أَن يشْهد على شَهَادَة مُرْتَد وفاسق وَلَو حضر شُهُود الأَصْل فكذبوا الْفَرْع بعد الْقَضَاء لم يُؤثر وَقبل الْقَضَاء لَو ثَبت تكذيبهم فِي الْغَيْبَة بِبَيِّنَة أَو رجوعهم امْتنع شَهَادَة الْفَرْع وَلَو بَان بعد الْقَضَاء أَنهم كَانُوا كذبُوا أَو رجعُوا قبل الْقَضَاء نقض الحكم قولا وَاحِدًا أما طرآن الْعَمى وَالْجُنُون فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يُؤثر كالموت وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي أَنه يُؤثر إِذْ بطلت أهليتها والمقبول شَهَادَتهمَا وَإِنَّمَا اسْتثْنى الْمَوْت للضَّرُورَة وَالثَّالِث أَن الْجُنُون بِخِلَاف الْعَمى فَإِن الْأَعْمَى أهل وَإِنَّمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّعْيِين أما الْإِغْمَاء فَلَا يُؤثر فِي الْغَيْبَة وَفِي الْحُضُور ينْتَظر زَوَاله فَلَا يُسَلط شَاهد الْفَرْع على الشَّهَادَة ثمَّ إِذا قُلْنَا يمْتَنع بالجنون فَلَو زَالَ فَفِي وجوب تَجْدِيد التَّحَمُّل وَجْهَان أقيسهما أَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 لَا يجب وأشهرهما أَنه يجب كَمَا لَو أَفَاق الْمُوكل الطّرف الرَّابِع فِي الْعدَد والكمال أَن يشْهد على كل شَاهد شَاهِدَانِ فَإِن شهد اثْنَان على شَهَادَة وَاحِد وهما بأعيانهما شَهدا على الآخر فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه يجوز كَمَا لَو شهد اثْنَان على ألف رجل بِالْإِقْرَارِ وَهُوَ اخْتِيَار أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه حجَّة وَاحِدَة فَلَا يقوم شخص بطرفيها كَمَا لَو شهد أحد شَاهِدي الأَصْل بال فرع ية على شَهَادَة آخر فَإِن منعنَا ذَلِك فَلَو شهد أَرْبَعَة على شَهَادَتهمَا فَوَجْهَانِ أَصَحهَا الْجَوَاز إِذْ شهد على كل وَاحِد اثْنَان فتعرضهما للثَّانِي يَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَالْعدمِ وَالثَّانِي لَا لِأَن من اسْتَقل بشق لَا تعْتَبر شَهَادَته فِي الثَّانِي وَلَيْسَ أحد الشقين بالإسقاط بِأولى من الآخر وَلَا خلاف أَن مَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فالشهادة على شَهَادَتهم تجْرِي مجْرى الشَّهَادَة على ثَلَاثَة أشخاص فرع الزِّنَا إِن قُلْنَا يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فيجتمع فِي عدد الْفَرْع أَرْبَعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 أَقْوَال فَفِي قَول يَكْفِي اثْنَان يَشْهَدَانِ على شَهَادَة الْأَرْبَعَة الْأُصُول وَهُوَ بِنَاء على أَن الْإِقْرَار بِالزِّنَا يثبت بِشَاهِدين على قَول فَكَذَلِك الشَّهَادَة وَفِي قَول لَا بُد من الْأَرْبَعَة وَفِي قَول ثَمَانِيَة وَفِي قَول سِتَّة عشر ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أصلين أَحدهمَا عدد شُهُود الْفَرْع وَالْآخر عدد شُهُود الْإِقْرَار الطّرف الْخَامِس فِي الْعذر المرخص لشهادة الْفَرْع وَهُوَ الْمَوْت والغيبة وَالْمَرَض والغيبة إِلَى مَسَافَة الْقصر ترخص وَدون مَسَافَة الْعَدْوى لَا وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان وَالْمَرَض هُوَ الْقدر الَّذِي يجوز ترك الْجُمُعَة بِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مشقة لَا مَا يمْنَع مَعَه الْحُضُور وَلَيْسَ على القَاضِي أَن يحضر دَار الْمَرِيض أَو يبْعَث نَائِبه إِلَيْهِ فَإِن ذَلِك يغض من منصب الْقَضَاء وَشَهَادَة الْفَرْع قريب وَلذَلِك جَازَت الرِّوَايَة من الْفَرْع مَعَ حُضُور الشَّيْخ وَالْخَوْف من الْغَرِيم كالمرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 فرع لَيْسَ على شُهُود الْفَرْع الثَّنَاء على شُهُود الأَصْل وتعديلهم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عدلوا ثبتَتْ الْعَدَالَة وَالشَّهَادَة جَمِيعًا بِشَهَادَتِهِم وَإِلَّا بحث القَاضِي عَنْهُم وَلَيْسَ عَلَيْهِم أَيْضا أَن يشْهدُوا على صدق شُهُود الأَصْل فَإِنَّهُم لَا يعْرفُونَ بِخِلَاف الْحَالِف مَعَ الشَّاهِد فَإِنَّهُ يعرف صدقه وَالله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الْعُقُوبَات والبضع وَالْمَال الأول الْعُقُوبَات وللرجوع ثَلَاثَة أَحْوَال الأول أَن يكون قبل الْقَضَاء فَيمْنَع الْقَضَاء فَإِن كَانَ فِي زنا وَجب حد الْقَذْف فَإِن قَالُوا غلطنا فَفِي وجوب الْحَد قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا نقص عدد الشُّهُود وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن التحفظ وَاجِب عَلَيْهِم وَهُوَ إِلَى اختيارهم فَإِن حددنا لم تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك إِلَّا بعد التَّوْبَة والإستبراء وَإِن لم نجدهم لم تسْقط عدالتهم فَتقبل شَهَادَتهم وَلَو رجعُوا فِي الشَّهَادَة وفسقناهم فعادوا بعد التَّوْبَة وَقَالُوا كذبنَا فِي الرُّجُوع لم تقبل تِلْكَ الشَّهَادَة أصلا مُؤَاخذَة لَهُم بقَوْلهمْ فِي الرُّجُوع الأول وَلَو لم يُصَرح الشَّاهِد بِالرُّجُوعِ وَلَكِن قَالَ للْقَاضِي توقف فَيتَوَقَّف القَاضِي فَإِن عَادوا إِلَى الشَّهَادَة فَفِي الْقبُول وَجْهَان لتطرق التُّهْمَة بِسَبَب التَّوَقُّف والإستمهال للتروي فَإِن قُلْنَا لَا يمْنَع الإستمهال فَهَل يجب إِعَادَة تِلْكَ الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 الْحَالة الثَّانِيَة الرُّجُوع بُد الْقَضَاء وَقب الإستيفاء وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا تستوفى لِأَن الْحُدُود تسْقط بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّانِي أَنه تستوفى كالأموال لِأَن الْمَحْكُوم بِوُجُوب قَتله كالمقتول وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط كأموالهم وَتسقط حُقُوق الله تَعَالَى الْحَالة الثَّالِث الرُّجُوع بعد اسْتِيفَاء الْعقُوبَة وَله صور الأولى أَن يَقُولُوا تعمدنا الْكَذِب مَعَ الْعلم بِأَن شهادتنا تقبل فيلزمهم الْقصاص عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا خلاف أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة تجب فِي مَالهم وَلَو رَجَعَ مَعَهم ولي الْقصاص وَهُوَ الَّذِي بَاشر وَجب عَلَيْهِ الْقصاص وَهل يجب على الشُّهُود مَعَه فِي وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 أَحدهمَا لَا إِذْ الشَّاهِد بِالشَّهَادَةِ صَار كالممسك مَعَ الْمُبَاشر وَالثَّانِي يجب لأَنهم بِالشَّهَادَةِ أهدروا الدَّم وأبطلوا الْعِصْمَة وَالْقَاضِي إِذا رَجَعَ شَارك الشُّهُود فِي الْقصاص وَالدية الْمُغَلَّظَة فَإِن رَجَعَ الْمُزَكي فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه كالشهود وَالثَّانِي أَنه كالممسك وَالثَّالِث أَنه يصلح فعله لإِيجَاب الدِّيَة دون الْقصاص الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالُوا أَخْطَأنَا فَلَا قصاص وَقد يعزرهم القَاضِي وَالدية فِي مَالهم فَإِن صدقهم الْعَاقِلَة فَفِيهِ تردد سَيَأْتِي وَلَو قَالَ بَعضهم أَخْطَأنَا فَلَا قصاص على الْمُعْتَرف بالعمد لِأَنَّهُ شريك خاطىء وَلَو قَالَ كل وَاحِد تَعَمّدت وَأَخْطَأ شَرِيكي فَفِي الْقصاص وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ إِقْرَار بِأَنَّهُ شريك خاطىء فَلَا يجب الْقصاص عَلَيْهِ بِدَعْوَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 الشَّرِيك العمدية وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن دَعْوَاهُ خطأ الشَّرِيك وَهُوَ مُنكر لَا يدْرَأ عَنهُ قصاص الْعمد الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا قَالُوا تعمدنا وَلَكِن مَا عرفنَا أَنه تقبل شهادتنا فَلَا يجب الْقصاص عِنْد الْأَكْثَرين إِذْ لم يظْهر قصدهم إِلَى الْقَتْل مَعَ أَن نفس الشَّهَادَة لَيْسَ تقتل بِخِلَاف مَا لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض دون الصَّحِيح وَجَهل كَونه مَرِيضا فَإِن الْأَظْهر أَنه يجب الْقصاص وَيحْتَمل فِيهِ وَجه من هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن قُلْنَا لَا قصاص لجهلهم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لتكن الدِّيَة مُؤَجّلَة فَإِنَّهُ قريب من شبه الْعمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 الطّرف الثَّانِي فِيمَا لَا تدارك لَهُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق وموجبه الْغرم وَفِي مِقْدَار مَا يجب على الرَّاجِع فِي الْبضْع قبل الْمَسِيس وَبعده كَلَام سبق وَنَذْكُر الْآن فرعين الأول لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على الْعتْق مثلا فالغرم الْوَاجِب يجب على الرجل النّصْف وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ النّصْف وَلَو كَانُوا عشر نسْوَة فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا النّصْف إِذْ نصف الْبَيِّنَة قَامَ بِالرجلِ أما إِذا شهد رجل وَعشر نسْوَة على رضَاع محرم أوجب التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ ثمَّ رجعُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 بعد التَّفْرِيق فَيقسم الْغرم بِاثْنَيْ عشر سَهْما على الرجل سَهْمَان وعَلى كل امْرَأَة سهم وننزل امْرَأتَيْنِ منزلَة رجل لِأَن هَذِه الشَّهَادَة تنفرد بهَا النِّسَاء فَلَا يتَعَيَّن الرجل بِشَطْر هَذِه الْحجَّة وَلَو رَجَعَ الرجل وست نسْوَة فقد أصر أَربع نسْوَة يستقللن بِإِثْبَات الرَّضَاع فَفِي وجوب شَيْء على الراجعين وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا يجب لِأَن الْحجَّة بعد قَائِمَة وَالثَّانِي أَنه يجب على الراجعين بِقدر حصتهم أما لَو رَجَعَ مَعَه سبع نسْوَة بطلت الْحجَّة فعلى الْوَجْه الضَّعِيف عَلَيْهِم حصتهم وَهِي سَبْعَة من اثْنَي عشر وعَلى الصَّحِيح إِنَّمَا بَطل ربع الْحجَّة فَعَلَيْهِم ربع الْغرم الْفَرْع الثَّانِي أَن شُهُود الْإِحْصَان هَل يشاركون شُهُود الزِّنَا فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ تمّ الرَّجْم بهم وَالثَّانِي لَا لأَنهم مَا شهدُوا إِلَّا على خِصَال كَمَال وَكَذَا الْخلاف فِي شُهُود التَّعْلِيق وَالصّفة فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي حصتهم وَجْهَان أَحدهمَا التَّسْوِيَة وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِم الثُّلُث إِذْ يَكْفِي فِي الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة وَيتَفَرَّع من هَذَا أَنه لَو شهد على الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وعَلى الزِّنَا أَرْبَعَة وَرجع أحد شَاهِدي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 الْإِحْصَان فَفِي قَول لَا شَيْء عَلَيْهِ وَفِي قَول يجب السُّدس وَهُوَ قَول التَّثْلِيث وَفِي قَول يجب الرّبع وَهُوَ قَول التَّسْوِيَة بَين الْإِحْصَان وَالزِّنَا وَكَذَلِكَ يتَفَرَّع صور فِي زِيَادَة الشُّهُود على الْعدَد الْوَاجِب وَفِي رُجُوع بعض شُهُود الزِّنَا وَلَا يخفى تخريجها على الْأَقْوَال السَّابِقَة على متأمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 الطّرف الثَّالِث فِيمَا يقبل التَّدَارُك كَمَا لَو شَهدا على عين مَال ورجعا بعد التَّسْلِيم فَلَا يقبل رجوعهما فِي الإسترداد وَفِي وجوب الْغرم للْحَيْلُولَة قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ يتَوَقَّع إِقْرَار الْخصم فَكيف يغرم وَالْعين قَائِم لَا كالعتاق وَالطَّلَاق اللَّذين لَا تدارك لَهما وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يجب لِأَن الْحَيْلُولَة تنجزت وَإِقْرَار الْخصم بعيد وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِيمَن أقرّ بدار لزيد ثمَّ لعَمْرو وتسلم الدَّار إِلَى زيد وَهل يغرم الْقيمَة لعَمْرو للْحَيْلُولَة فِيهِ قَولَانِ فرع لَو ظهر كَون الشَّاهِدين عَبْدَيْنِ أَو كَافِرين أَو صبيين انْتقض الْقَضَاء وَبَان أَنه لَا طَلَاق وَلَا عتاق وَكَذَا إِن كَانَا فاسقين وَقُلْنَا ينْقض الْقَضَاء وَإِن كَانَ ذَلِك أمرا لَا يتدارك كَقَتل فَيجب الْغرم على القَاضِي بخطئه وَمحله مَاله أَو بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ وَلَا يرجع على الصَّبِيَّيْنِ لِأَن التَّقْصِير من جِهَته إِذْ لم يبْحَث وَلَا على الْفَاسِقين فَإِنَّهُمَا معذوران فِي كتمان الْفسق وَهل يرجع على الْعَبْدَيْنِ والكافرين فِيهِ قَولَانِ ذكرنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 تفصيلهما فِي كتاب ضَمَان الْوُلَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 = كتاب الدَّعْوَى والبينات= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 ومجامع الْخُصُومَات يحويها خَمْسَة أَرْكَان الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار وَالْيَمِين والنكول وَالْبَيِّنَة الرُّكْن الأول الدَّعْوَى ونقدم عَلَيْهَا مُقَدّمَة فِي بَيَان من يحْتَاج إِلَى الدَّعْوَى فَنَقُول من لَهُ حق عِنْد إِنْسَان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون عينا أَو عُقُوبَة أَو دينا أما الْعين فَلهُ أَن ينتزعه من يَده إِن قدر عَلَيْهِ قهرا إِذا كَانَ لَا يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى تَحْرِيك فتْنَة وَأما الْعقُوبَة فَلَا يسْتَقلّ باستيفائها أصلا دون القَاضِي لما فِيهِ من الْخطر وَأما الدّين فَإِن كَانَ على معترف مماطل أَو مُنكر يُمكن رَفعه إِلَى القَاضِي فَلَا يجوز الإنفراد باستيفائه إِذْ لَا يتَعَيَّن حَقه من الدّين إِلَّا بِتَعْيِين من عَلَيْهِ أَو بِتَعْيِين القَاضِي فَإِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 تعذر رَفعه إِلَى القَاضِي لتعززه أَو تواريه أَو هربه فَإِذا ظفر بِجِنْس حَقه فَلهُ أَن يَأْخُذهُ ويتملكه مستبدا فَإِن ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَفِي جَوَاز الْأَخْذ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لهِنْد خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ وَلم يفرق بَين الْجِنْس وَغَيره وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَيفَ يتَمَلَّك وَلَيْسَ من جنس حَقه وَكَيف يَبِيع ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه فَإِن قُلْنَا يَأْخُذ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ القَوْل الْمَشْهُور أَنه يرفع إِلَى القَاضِي حَتَّى يَبِيع بِجِنْس حَقه وَلم يذكر الْقفال غير هَذَا وَالثَّانِي أَنه ينْفَرد بِبيعِهِ كَمَا ينْفَرد بِالتَّعْيِينِ فِي جنس حَقه فَإِن هَذِه رخصَة وَلَو كلف ذَلِك كلفه القَاضِي الْبَيِّنَة وَرُبمَا عسر عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه يتَمَلَّك مِنْهُ بِقدر حَقه وَلَا معنى للْبيع وَهَذَا بعيد فِي الْمَذْهَب وَإِن كَانَ متجها فَإِن قُلْنَا يَبِيع فَإِن كَانَ حَقه نَقْدا بَاعَ بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ حِنْطَة أَو شَعِيرًا قَالَ القَاضِي يَبِيع بِالنَّقْدِ ثمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْحِنْطَة فَإِنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمُطلق لَا يَبِيع بِالْعرضِ وَقَالَ غَيره وَهُوَ الْأَصَح يَبِيع بِجِنْس حَقه وَلَا معنى للتطويل هَذَا كُله فِيمَن لَهُ بَيِّنَة فَإِن لم يكن وَعلم أَنه لَو رَفعه إِلَى القَاضِي لجحد وَحلف فَكَلَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 الْقفال فِي تَكْلِيفه بِالرُّجُوعِ إِلَى القَاضِي فِي البيع وَإِقَامَة الْبَيِّنَة يشْعر بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذ شَيْئا وَإِنَّمَا لَهُ حق التَّحْلِيف فَقَط وَلَا يبعد عِنْدِي أَن يجوز لَهُ الْأَخْذ إِذا ظفر بِهِ لِأَن الْمَقْصُود إِيصَال الْحق إِلَيْهِ إِذا تعذر فروع الأول لَو تلفت الْعين الْمَأْخُوذَة قيل بَيْعه فَهِيَ من ضَمَانه وَلَيْسَ لَهُ الإنتفاع بِهِ قبل البيع وَعَلِيهِ مبادرة البيع فَلَو قصر فنقصت الْقيمَة كَانَ محسوبا عَلَيْهِ وَمَا ينقص قبل التَّقْصِير فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَة على مِقْدَار حَقه فِي ضَمَانه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي أَخذهَا إِلَّا إِذا كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 حَقه خمسين وَلم يظفر إِلَّا بِسيف يُسَاوِي مائَة فَفِي دُخُول الزِّيَادَة فِي ضَمَانه وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالأصل وَالثَّانِي لَا يضمن لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ بِحقِّهِ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيهِ بل قَالَ القَاضِي لَو احْتَاجَ إِلَى نقب جِدَاره فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَان النقب إِذْ بِهِ يتَوَصَّل إِلَى حَقه الْفَرْع الثَّانِي لَو كَانَ حَقه صحاحا فظفر بالمكسور جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ ويرضى بِهِ وَلَو كَانَ بِالْعَكْسِ فَلَا يَتَمَلَّكهُ وَلَا يَبِيعهُ بالمكسر مَعَ التَّفَاضُل لِأَنَّهُ رَبًّا بل يَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَيَشْتَرِي بِهِ قدر حَقه وَيخرج جَوَاز أَخذه على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إِذا احْتَاجَ إِلَى البيع فَهُوَ كَغَيْر جنس حَقه وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كجنس حَقه وَلَكِن لَا بُد من البيع للضَّرُورَة الْفَرْع الثَّالِث إِذا اسْتحق شخصان كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه مَا لَا يحصل فِيهِ التَّقَاصّ إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَجحد أَحدهمَا فَهَل للْآخر أَن يجْحَد حَقه فعلى وَجْهَيْن يلتفتان إِلَى الظفر بِغَيْر جنس حَقه هَذِه هِيَ الْمُقدمَة رَجعْنَا إِلَى الرُّكْن الأول وَهِي الدَّعْوَى وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي واليمن على من أنكر وَفِي حَده قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 أَحدهمَا أَن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يخلى وسكوته وَالثَّانِي أَنه الَّذِي يَدعِي أمرا خفِيا على خلاف الأَصْل وَيظْهر أثر هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ إِذا أسلما قبل الْمَسِيس فَقَالَ الزَّوْج أسلمنَا مَعًا فَالنِّكَاح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 دَائِم وَقَالَت بل على التَّعَاقُب فَالْقَوْل قَوْلهَا إِن قُلْنَا إِن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَدعِي أمرا خفِيا فَإِن الْأَغْلَب التَّعَاقُب فِي الْإِسْلَام والتساوق خَفِي وَإِن قُلْنَا إِنَّه الَّذِي يخلى وسكوته فَهِيَ مدعية فَالْقَوْل قَول الزَّوْج لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يخلى وسكوته وَقد قَالَ مَالك رَحمَه الله لَا تسمع الدَّعْوَى على من لَا مُعَاملَة بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا تسمع دَعْوَى الخسيس على الشريف فِي تَزْوِيج ابْنَته وَلَا تسمع أَيْضا دَعْوَى فَقير على سُلْطَان أَو على أَمِير أَنه أقْرضهُ مَالا وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا وَلَا خلاف عندنَا أَن الْمُودع إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة صدق بِيَمِينِهِ وَسَببه الْحَاجة فَإِن الْمُودع اعْترف بِأَنَّهُ أَمِينه فَلَزِمَهُ تَصْدِيقه وَإِذا ثَبت أَن حكم الدَّعْوَى توجه الْيَمين بهَا على الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا بُد من دَعْوَى صَحِيحَة وَهِي الدَّعْوَى الْمَعْلُومَة الملزمة وَيخرج على الوصفين مسَائِل الأولى أَنه من يَدعِي على غَيره هبة أَو بيعا لم تسمع إِذْ رُبمَا تكون قبل الْقَبْض وَيكون البيع مَعَ الْخِيَار بل يَنْبَغِي أَن يَقُول ويلزمك التَّسْلِيم إِلَيّ فَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزمه التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ من قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بِملك فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلف الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَة إِلَّا أَن ينشىء دَعْوَى صَحِيحَة كدعوى بيع أَو إِبْرَاء وَلَو ادّعى جرح الشُّهُود فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة وَهل لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 تَحْلِيف الْمُدعى على نفي الْعلم بفسقهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَيْسَ يَدعِي حَقًا لَازِما وَالثَّانِي أَنه يسمع لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي حق لَازم كَمَا لَو قذف مَيتا وَطلب الْوَارِث الْحَد فَإِن لَهُ أَن يطْلب يَمِين الْوَارِث على نفي الْعلم بزنا الْمَقْذُوف وَكَذَا يجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَو ادّعى على إِنْسَان إِقْرَارا بِحَق لِأَن الْحق لَا يسْتَحق بِالْإِقْرَارِ وَلَكِن ثُبُوته يُوجب الْحق ظَاهرا فَفِي التلحيف بِهِ وَجْهَان وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بعد قيام الْبَيِّنَة قد أقرّ لي بِهَذَا وَكَذَلِكَ إِذا توجه الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَقَالَ قد حلفني بِهِ مرّة وَأَرَادَ أَن يحلفهُ عَلَيْهِ فَفِي سَماع هَذِه الدعاوي وَجْهَان مأخذهما أَن مَا لَيْسَ عين الْحق وَلَكِن ينفع فِي الْحق فَهَل تسمع الدَّعْوَى بِهِ وَلَا خلاف أَنه لَا تسمع الدَّعْوَى على الشَّاهِد وَالْقَاضِي بِالْكَذِبِ وَلَا يتَوَجَّه الْحلف وَإِن كَانَ ينفع ذَلِك لَكِن يُؤَدِّي فتح بَابه إِلَى فَاسد عَظِيم عَام الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَقد قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أمهلوني فَإِن لي بَيِّنَة دافعة حَتَّى أحضرها قَالَ الْأَصْحَاب يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ القَاضِي بل يَوْم وَاحِد لِأَنَّهُ يشبه أَن يكون مُتَعَنتًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 وَلَو قَالَ أبرأني عَن الْحق فحلفوه سمع فَيحلف الْمُدَّعِي أَولا ثمَّ يسْتَوْفى وَقَالَ القَاضِي بل يسْتَوْفى أَولا ثمَّ يحلف لِأَن هَذِه خُصُومَة جَدِيدَة وَهُوَ بعيد نعم لَو قَالَ لي بَيِّنَة على بَيْعه مني أَو على الْإِبْرَاء فَيجوز أَن يُقَال هَذَا يحْتَاج إِلَى مهلة فَلَا يُمْهل أما التَّحْلِيف فِي الْحَال فَيمكن فَكيف يُؤَخر وَلَو قَالَ أبرأني عَن الدَّعْوَى فَهَذَا لَا يسمع إِذْ لَا معنى للإبراء عَن الدَّعْوَى إِلَّا الصُّلْح على الْإِنْكَار وَهُوَ فَاسد وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يسمع الثَّالِثَة فِي الدَّعْوَى الْمُطلقَة وَفِي البيع وَالنِّكَاح نُصُوص مُخْتَلفَة وحاصلها فِي البيع قَولَانِ وَفِي النِّكَاح ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا بُد من التَّفْصِيل بِذكر الْوَلِيّ وَالشَّاهِد ورضاها وَلَا خلاف أَنه لَا يشْتَرط انْتِفَاء الْمَوَانِع المفسدات من الرِّدَّة وَالْعدة وَالرّضَاع وَالثَّانِي أَنه يَكْفِي دَعْوَى النِّكَاح وَلَا خلاف أَن من ادّعى دينا أَو عينا لَا يلْزمه ذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 الْجِهَة وَالتَّفْصِيل وَالثَّالِث أَنه إِن ادّعى النِّكَاح فَلَا بُد من التَّفْصِيل وَإِن قَالَ هِيَ زَوْجَتي فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا خلاف أَن الْقصاص لَا بُد من تَفْصِيل الدَّعْوَى فِيهِ لِأَن أَمر الْعقُوبَة مخطر التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجب التَّفْسِير فيذكر فِي البيع أَهْلِيَّة الْعَاقِد وَرضَاهُ وَالثمن وَإِن قُلْنَا لَا يشْتَرط فَهَل يجب التَّقْيِيد بِالصِّحَّةِ فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه يشْتَرط لِأَنَّهُ لفظ جَامع وَيجب الْقطع باشتراطه فِي النِّكَاح وَحَيْثُ يشْتَرط تَفْصِيل الدَّعْوَى فَكَذَلِك الشَّهَادَة لِأَنَّهَا تَصْدِيق الدَّعْوَى فتبنى عَلَيْهَا وَالْأَظْهَر أَنه لَا يتشرط التَّفْصِيل فِي إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ الرَّابِعَة دَعْوَى الزَّوْجِيَّة من الْمَرْأَة إِنَّمَا تسمع إِذا ذكرت النَّفَقَة أَو الْمهْر فَإِن ذكرت مُجَرّد الزَّوْجِيَّة فَفِي سماعهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ الزَّوْجِيَّة حق عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا تَدعِي أَنَّهَا رقيقَة فَلَيْسَتْ دَعْوَى ملزمة وَالثَّانِي أَنه تسمع إِذْ الزَّوْجِيَّة تتَعَلَّق بهَا حُقُوقهَا إِذا ثبتَتْ فَإِن قُلْنَا تسمع فَهَل تبطل بِمُجَرَّد إِنْكَار الزَّوْج فِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الْإِنْكَار هَل هُوَ طَلَاق ويتبين أَثَره فِي أَنه لَو قَالَ غَلطت فِي الْإِنْكَار هَل تسلم الزَّوْجَة إِلَيْهِ فِيهِ خلاف وَقَالَ الْقفال تسلم إِلَيْهِ كَمَا لَو ادَّعَت انْقِضَاء الْعدة قبل الرّجْعَة ثمَّ قَالَت غَلطت إِذْ لَا خلاف أَنه تسمع وَإِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 كَانَ لَهَا حَظّ فِي النِّكَاح وَهُوَ جَار فِي كل من أنكر لنَفسِهِ حَقًا ثمَّ عَاد وادعاه الْخَامِسَة إِن رَأينَا عبدا فِي يَد إِنْسَان وَادّعى أَنه حر الأَصْل فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَن الأَصْل عدم الرّقّ وَكَونه فِي يَده وتصرفه لَا يُوجب تَصْدِيقه لِأَن الْحُرِّيَّة تدفع الْيَد نعم يجوز للْمُشْتَرِي أَن يعْتَمد الْيَد فِي الشِّرَاء مَعَ سكُوت العَبْد أما مَعَ تصريحه بالإنكار فَلَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يجوز مَعَ السُّكُوت بل يَنْبَغِي أَن نَسْأَلهُ حَتَّى يقر ثمَّ يَشْتَرِي وَإِن ادّعى الْإِعْتَاق فَالْقَوْل قَول السَّيِّد أما الصَّغِير الْمُمَيز إِذا ادّعى الْحُرِّيَّة هَل تسمع دَعْوَاهُ فِيهِ وَجْهَان يلْتَفت على صِحَة إِسْلَامه ووصيته وَقد قَالَ الشَّافِعِي إِن الصَّغِير الَّذِي لَا يتَكَلَّم كَالثَّوْبِ مَعْنَاهُ أَنه لَا يزَال فِي يَده إِذا قَالَ هُوَ عَبدِي ويشترى مِنْهُ بقوله فَإِن أسقطنا دَعْوَى الْمُمَيز فَبلغ وَعَاد فَفِي الْقبُول وَجْهَان أقيسهما أَنه تقبل وَالثَّانِي لَا إِذْ حكمنَا عِنْد دَعْوَاهُ بِالْملكِ بِنَاء على الْيَد وَالتَّصَرُّف وَسُقُوط الدَّعْوَى السَّادِسَة الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 أَحدهَا أَنه لَا تسمع إِذْ لَيست ملزمة فِي الْحَال وَالثَّانِي تسمع إِذْ تثبت أصل الْحق للُزُوم فِي الإستقبال وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة فَتسمع للتسجيل وَإِلَّا فَلَا أما دَعْوَى الإستيلاد وَالتَّدْبِير وَتَعْلِيق الْعتْق بِصفة فَتقبل على الصَّحِيح وَمِنْهُم من خرج ذَلِك على الدّين الْمُؤَجل السَّابِعَة لَو ادّعى شَيْئا وَلم يذكر مَا هُوَ فالدعوى فَاسِدَة إِذْ طلب الْمَجْهُول غير مُمكن وَلَو دفع ثوبا يُسَاوِي خَمْسَة إِلَى دلال ليبيع بِعشْرَة فَجحد وَلم يدر الْمَالِك أَنه بَاعَ أَو أتلف فَقَالَ أَدعِي عَلَيْهِ ثوبا إِن بَاعه فلي عَلَيْهِ عشرَة وَإِن كَانَ بَاقِيا فلي عَلَيْهِ عين الثَّوْب وَإِن كَانَ تَالِفا فلي عَلَيْهِ خَمْسَة قَالَ القَاضِي اصْطلحَ الْقُضَاة على قبُول هَذِه الدَّعْوَى المرددة للْحَاجة وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يَنْبَغِي أَن يَدعِي هَذَا فِي دعاوي مُفْردَة ثمَّ إِذا عين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 وَاحِدًا رَآهُ أقرب فنكل فَهَل لَهُ أَن يسْتَدلّ بِنُكُولِهِ وَيحلف كَمَا يسْتَدلّ بِخَط أَبِيه ويستفيد بِهِ ظنا فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا فِي الْمُودع إِذا نكل عَن يَمِين التّلف فَهَل يحل الْحلف اسْتِدْلَالا بِنُكُولِهِ فِيهِ خلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 الرُّكْن الثَّانِي جَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ إِنْكَار أَو سكُوت أَو إِقْرَار أما السُّكُوت فَهُوَ قريب من الْإِنْكَار وَأما الْإِقْرَار فَلَا يخفى حكمه وَقد ذكرنَا إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ فِي كتاب النِّكَاح وَنَذْكُر الْآن مسَائِل الأولى لَو قَالَ لي من هَذَا الْكَلَام مخرج فَلَيْسَ بِإِقْرَار خلافًا لِابْنِ أبي ليلى فَلَعَلَّ مخرجه الْإِنْكَار وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ أَكثر مِمَّا لَك فَيحْتَمل الإستهزاء وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَلَو قَالَ الشُّهُود عدُول فَلَيْسَ بِإِقْرَار إِذْ الْعدْل قد يغلط الثَّانِيَة لَو قَالَ لي عَلَيْك عشرَة فَقَالَ لَا تلزمني الْعشْرَة فَيلْزمهُ أَن يَقُول وَلَا شَيْء مِنْهَا ويكلفه القَاضِي ذَلِك فِي الْإِنْكَار وَالْيَمِين لِأَن مدعي الْعشْرَة مُدع لجَمِيع أَجْزَائِهَا وَقَالَ القَاضِي لَا يكلفه ذَلِك فِي الْإِنْكَار وَإِنَّمَا يكلفه فِي الْيَمين ثمَّ إِن اقْتصر فِي الْيَمين على نفي الْعشْرَة وأصر عَلَيْهِ فَهُوَ ناكل عَمَّا دون الْعشْرَة بِأَقَلّ الْقَلِيل فللمدعي أَن يحلف على مَا دون الْعشْرَة إِذْ لم يسند الْعشْرَة إِلَى قبُول عقد فَإِن الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت أَنه نَكَحَهَا بِخَمْسِينَ وَأقر بِالنِّكَاحِ وَأنكر الْخمسين وَنكل فَلَيْسَ لَهَا الْحلف على مَا دون الْخمسين لِأَنَّهُ يُنَاقض دَعْوَى الْخمسين الثَّالِثَة لَو قَالَ مزقت ثوبي فلي عَلَيْك الْأَرْش فيكفيه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي الْأَرْش وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْجَواب عَن التمزيق فَلَعَلَّهُ جرى بِحَيْثُ لَا يُوجب الْأَرْش وَلَو أقرّ بِهِ لطولب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ من ادعِي عَلَيْهِ دين وَكَانَ قد أَدَّاهُ فيكفيه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَكَذَا إِذا ادّعى عينا لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ عِنْده رهنا أَو إِجَارَة فكيفه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم فَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الْملك قَالَ القَاضِي يجب التَّسْلِيم وَهَذَا مُشكل من حَيْثُ إِن لَهُ أَن يَقُول صدق الشُّهُود فِي الْملك وَلَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَهَذَا يلْتَفت على أَنه لَو صرح بِأَنَّهُ فِي يَدي بِإِجَارَة فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد أَو قَول الْمَالِك وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا القَوْل قَول الْمَالِك فَيلْزمهُ أَن يُقيم بَيِّنَة على رهن أَو إِجَارَة إِن كَانَ يَدعِيهِ وَقَالَ الفوراني طَرِيقه أَن يَقُول فِي الْجَواب إِن كنت تَدعِي مُطلقًا فَلَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم وَإِن كنت تَدعِي جِهَة رهن فاذكره حَتَّى أُجِيب وَكَذَا يَقُول إِن ادعيت الدّين الَّذِي لي بِهِ مَال مَرْهُون فحتى أُجِيب وَقَالَ القَاضِي لَا يسمع هَذَا الْجَواب المردد وَلَكِن لَهُ أَن يُنكر الدّين إِن أنكر هُوَ الرَّهْن وَهَذَا بِنَاء على مَسْأَلَة الظفر بِغَيْر جنس الْحق الرَّابِعَة إِن ادّعى ملكا فِي يَد رجل فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ لي وَلَا لَك فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَن يضيف إِلَى ثَالِث حَاضر فنحضره فَإِن صدقه انصرفت الدَّعْوَى إِلَيْهِ وللمدعي أَن يحلف الأول إِن قُلْنَا إِنَّه لَو أقرّ لَهُ غرم لَهُ بحيلولته بِالْإِقْرَارِ للثَّالِث وَإِن قُلْنَا لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 يغرم وَإِن أقرّ فَلَا معنى لتحليفه أما إِذا أحضرناه فَقَالَ لَيْسَ هُوَ لي فَفِيمَا يفعل بِالْمَالِ ثَلَاثَة أوجه أضعفها أَنه يسلم إِلَى الْمُدَّعِي إِذْ لَا طَالب لَهُ سواهُ وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذهُ القَاضِي ويتوقف إِلَى ظُهُور حجَّة ويحفظه وَالثَّالِث هُوَ أَن يتْرك فِي يَد صَاحب الْيَد فَإِنَّهُ أقرّ للثَّالِث وَبَطل إِقْرَاره برده فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يقر ثمَّ الْمقر لَهُ لَو رَجَعَ بعد ذَلِك وَقَالَ غَلطت هَل يقبل فِيهِ وَجْهَان وَإِن رَجَعَ الْمقر وَقَالَ بل كَانَت لي وغلطت فَفِي رُجُوعه وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقبل لِأَنَّهُ نفى الْملك عَن نَفسه وَهَذَا إِذا لم تزل يَده فَإِن أزلناه فَلَا أثر لرجوعه الْحَالة الثَّانِيَة إِذا أضَاف الدَّار إِلَى غَائِب قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ انصرفت الْخُصُومَة إِلَى الْغَائِب فَلَيْسَ لَهُ أَن يحلفهُ إِلَّا لأجل الْغرم على قَوْلنَا يغرم بالحيلولة إِن أقرّ للثَّانِي وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد والفوراني بل يحلف لننزع الْملك من يَده بِالْيَمِينِ والمردودة إِذْ لَو فتح هَذَا الْبَاب صَار ذَرِيعَة بعد انْقِطَاع سلطنته وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي كل من نفى عَن نَفسه شَيْئا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 وَرجع مهما لم يقر بِهِ لغيره أَو أقرّ وَلَكِن رد إِقْرَاره بالتكذيب فَإِن قُلْنَا إِنَّه يقبل رُجُوعه فللمدعي أَن يحلفهُ فعساه يرجع ويقر لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا يَصح رُجُوعه فَلَا معنى لتحليفه إِلَى إِسْقَاط الدَّعْوَى بِالْإِضَافَة إِلَى غَائِب لَا يُرْجَى رُجُوعه نعم الْغَائِب إِذا رَجَعَ فالدار مَرْدُودَة إِلَيْهِ وعَلى الْمُدَّعِي اسْتِئْنَاف الْخُصُومَة مَعَه فَإِن كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة سلمت الدَّار إِلَيْهِ مَعَ الْيَمين لِأَنَّهُ قَضَاء على الْغَائِب عِنْد الْعِرَاقِيّين وَعند الشَّيْخ أبي مُحَمَّد هُوَ قَضَاء على الْحَاضِر فَلَا يحْتَاج إِلَى الْيَمين أما إِذا كَانَ لصَاحب الْيَد بَيِّنَة على أَنه للْغَائِب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا تسمع إِلَّا أَن يثبت وكَالَة نَفسه وَالثَّانِي أَن الْبَيِّنَة تسمع لَا لإِثْبَات الْملك للْغَائِب وَلَكِن ليقطع التَّحْلِيف وَالْخُصُومَة عَنهُ وَالثَّالِث اخْتَارَهُ القَاضِي أَنه إِذا ادّعى لنَفسِهِ علقَة من وَدِيعَة أَو عَارِية سَمِعت وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِن سَمِعت الْبَيِّنَة لثُبُوت الْوكَالَة وَكَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة قدم بَيِّنَة الْوَكِيل لأجل الْيَد وَإِن سمعنَا دون الْوكَالَة فَبَيِّنَة الْمُدَّعِي أولى فَإِنَّهُ لم تسمع إِلَّا لصرف الْيَمين عَنهُ وَلذَلِك يجب على الْغَائِب إِعَادَة الْبَيِّنَة وَلَا يُغْنِيه مَا أَقَامَهُ صَاحب الْيَد لَكِن إِذا رَجَعَ الْغَائِب جَعَلْنَاهُ صَاحب الْيَد حَتَّى إِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة قدمت على بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَيكْتب فِي سجل الْمُدَّعِي أَن الْغَائِب على حجَّته وعَلى يَده مهما عَاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 فرعان أَحدهمَا من قَالَ لَا تسمع الْبَيِّنَة دون الْوكَالَة فَلَو ادّعى لنَفسِهِ رهنا أَو إِجَارَة فَفِي سَماع الْبَيِّنَة وَجْهَان فَإِن قُلْنَا تسمع فَفِي التَّقْدِيم على بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا تقدم لِأَنَّهُ إِنَّمَا أثبت إِجَارَته وَرَهنه بعد ثُبُوت ملك الْغَائِب فَإِذن لَا تُؤثر بَينته إِلَّا فِي صرف الْحلف عَنهُ الثَّانِي إِذا ثَبت ملك الْغَائِب بِبَيِّنَتِهِ بعد رُجُوعه لَكِن بعد إِقْرَار صَاحب الْيَد للْمُدَّعِي فَلَيْسَ للْمُدَّعِي تَحْلِيف الْمقر ليغرمه فَإِن الْحَيْلُولَة وَقعت بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ للْغَائِب أَيْضا بعد الْإِقْرَار للْمُدَّعِي لَا يغرم للْمُدَّعِي إِذْ رُجُوعه إِلَى الْغَائِب بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِهِ الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَقُول لَيْسَ لي وَلَيْسَ يضيفه إِلَى معِين أَو قَالَ هُوَ لرجل لَا أُسَمِّيهِ فَالْمَذْهَب أَن الْخُصُومَة لَا تَنْصَرِف عَنهُ بِهَذَا الْإِقْرَار فَيحلف وَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَأخذ وَمِنْهُم من قَالَ يَأْخُذ القَاضِي عَنهُ وَيكون مَوْقُوفا إِلَى أَن تظهر حجَّة وَيبقى تَحْلِيف الْمُدَّعِي صَاحب الْيَد لأجل التغريم أما إِذا أضَاف إِلَى صبي أَو مَجْنُون انصرفت الْخُصُومَة إِلَى وليهما وَلَكِن لَا حَاجَة لتحليف الْمولى وَلَا لتحليف الصَّبِي لَكِن يُؤَخر إِلَى بُلُوغه إِلَّا أَن يكون للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَيحكم بهَا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هَذَا وقف على وَلَدي أَو على الْفُقَرَاء انصرفت عَنهُ الْخُصُومَة وَلَا يبْقى إِلَّا التَّحْلِيف للتغريم الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا بِبَيِّنَة رَجَعَ المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِن لم يُصَرح فِي إِقْرَاره بِالْملكِ للْبَائِع فَإِن صرح وَقَالَ هَذَا ملكي اشْتَرَيْته من فلَان وَكَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 ملكه فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يرجع مُؤَاخذَة لَهُ بقوله فَإِنَّهُ زعم أَن الْمُدَّعِي هُوَ الظَّالِم وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يرجع مهما قَالَ إِنَّمَا قلت ذَلِك على رسم الْخُصُومَة أما إِذا ادّعى جَارِيَة وَأقَام بَيِّنَة وَأَخذهَا واستولدها ثمَّ كذب نَفسه فَعَلَيهِ الْمهْر للْمقر لَهُ وَتلْزَمهُ قيمَة الْوَلَد لِأَنَّهُ انْعَقَد حرا فَلَا تَزُول الْحُرِّيَّة بِرُجُوعِهِ وَكَذَلِكَ يلْزمه قيمَة الْجَارِيَة إِذْ ثَبت لَهَا علقَة الإستيلاد فَلَا تبطل بِرُجُوعِهِ فَلَو صدقته فَالظَّاهِر أَن تصديقها لَا يسْقط علقَة الإستيلاد وَفِيه وَجه أَنه يرد الْجَارِيَة لِأَن الْحق لَا يعدوهم وَقد تصادقوا السَّادِسَة جَوَاب دَعْوَى الْقصاص على العَبْد بِطَلَب من العَبْد لَا من السَّيِّد وَجَوَاب دَعْوَى أرش الْجِنَايَة بِطَلَب من السَّيِّد لَا من العَبْد لِأَن إِقْرَار العَبْد لَا يقبل نعم إِن قُلْنَا يتَعَلَّق الْأَرْش بِذِمَّتِهِ فَيحلف فَإِن نكل وَحلف الْمُدَّعِي لم يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة إِن كَانَت كالبينة فَلَا تتعدى إِلَى غير المتداعيين وَفِيه وَجه أَنه يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ إِذا جَعَلْنَاهُ كالبينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 الرُّكْن الثَّالِث الْيَمين وَالنَّظَر فِي الْحلف والمحلوف عَلَيْهِ والحالف وَحكم الْحلف وَفِيه أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْحلف وَصورته مَشْهُورَة والتغليظ يجْرِي فِيهِ فِي كل مَاله خطر مِمَّا لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَيجْرِي فِي عُيُوب النِّسَاء لِأَن ثُبُوتهَا بقول النسْوَة للْحَاجة لَا لنُقْصَان الْخطر وَأما المَال فَلَا يجْرِي التَّغْلِيظ فِي قَلِيله وَيجْرِي فِي كَثِيره وَهُوَ مَا يُسَاوِي نِصَاب الزَّكَاة إِمَّا مِائَتي دِرْهَم أَو عشْرين دِينَار وأجروا التَّغْلِيظ فِي الْوكَالَة وَإِن كَانَت على دِرْهَم لِأَنَّهَا سلطنة فِي نَفسهَا وَلَو ادّعى عبد على مَوْلَاهُ الْعتْق وَقِيمَته دون النّصاب فَلَا تَغْلِيظ على سَيّده إِذْ يثبت لنَفسِهِ ملكا حَقِيرًا فَإِن نكل غلظت الْيَمين الْمَرْدُودَة على العَبْد لِأَنَّهُ يثبت الْعتْق وَفِيه وَجه أَنه تغلظ على السَّيِّد أَيْضا لِاسْتِوَاء الْجَانِبَيْنِ وَلِأَن نفي الْعتْق كإثباته وَهُوَ بعيد وَكَيْفِيَّة التَّغْلِيظ قد ذَكرْنَاهُ فِي اللّعان وَهُوَ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان وَزِيَادَة اللَّفْظ كَقَوْلِه وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الطَّالِب الْغَالِب فَإِن امْتنع الْحَالِف عَن الْمُغَلَّظَة فَهَل يَجْعَل ناكلا عَن أصل الْيَمين فِيهِ اضْطِرَاب نُصُوص وَيرجع حاصلها إِلَى أَرْبَعَة أوجه ذَكرنَاهَا فِي اللّعان أحدهنا أَن جَمِيعهَا مُسْتَحقّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع مُسْتَحبّ وَالثَّالِث أَنه لَا اسْتِحْقَاق إِلَّا فِي الْمَكَان وَالرَّابِع إِلْحَاق الزَّمَان بِالْمَكَانِ ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَأَيْت بعض الْحُكَّام يسْتَحْلف بالمصحف فاستحسنت ذَلِك وتغليظ الذِّمِّيّ بِحُضُور كنائسهم وعَلى الْمَجُوسِيّ بِحُضُور بَيت النيرَان وَفِيه وَجه أَنه لَا يحضر بَيت النيرَان كَمَا لَا يحضر بَيت الْأَصْنَام إِذْ لم يثبت حرمتهَا فِي الْكتاب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِن التَّغْلِيظ مُسْتَحقّ فَلَو امْتنع فَهُوَ ناكل وَلَا يُغْنِيه قَوْله حَلَفت بِالطَّلَاق أَن لَا أَحْلف يَمِينا مُغَلّظَة إِذْ يُقَال انكل أَو احْلِف وليقع طَلَاقك وَكَذَلِكَ يجب على المخدرة حُضُور الْمَسْجِد للتحليف تَغْلِيظًا وَإِن لم يلْزمهَا الْحُضُور بِجَوَاب الدَّعْوَى وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُسْتَحبّ فَلَا يلْزمهَا ذَلِك وَأما وَقت الْيَمين فَهُوَ بعد عرض القَاضِي فَمَا يُبَادر إِلَيْهِ قبل عرض القَاضِي لَا يحْسب ويعاد عَلَيْهِ وَشَرطه أَن يُطَابق الْإِنْكَار وَيكون الْإِنْكَار على مُطَابقَة الدَّعْوَى فَمَا لَا يكون كَذَلِك لم يحْسب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 الطّرف الثَّانِي فِي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه يحلف على الْبَتّ فِي كل مَا ينْسبهُ إِلَى نَفسه من نفي وَإِثْبَات وَمَا ينْسبهُ إِلَى غَيره من إِثْبَات كَبيع وَإِتْلَاف فَيلْزمهُ الْبَتّ وَأما النَّفْي كنفي الدّين والإتلاف عَن الْمُورث الْمَيِّت فيكفيه الْحلف على نفي الْعلم وَلَو نفى عَن عَبده مَا يُوجب أرش الْجِنَايَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه الْبَتّ كالمورث وَالثَّانِي أَنه يلْزمه لِأَن عَبده كأعضائه وَهُوَ مطلع عَلَيْهِ ويلتفت هَذَا على أَنه هَل يتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد فَإِن تعلق بِذِمَّتِهِ فقد صَار شخصا مُسْتقِلّا لَا كالبهيمة فَإِنَّهَا إِذا أتلفت مَا ينْسب صَاحبهَا إِلَى تَقْصِير فَالظَّاهِر أَنه يلْزمه الْبَتّ ثمَّ يجوز لَهُ أَن يبت بِظَنّ يستفيده من خطّ أَبِيه وَخط نَفسه ونكول خَصمه كَمَا سبق الثَّانِيَة أَن الْيَمين على نِيَّة المستحلف وعقيدته أما النِّيَّة فَهُوَ أَن التورية على خلاف رَأْي القَاضِي لَا تَنْفَع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عقيب الْيَمين إِن شَاءَ الله وَلم يسمع القَاضِي انْعَقَدت الْيَمين فاجرة مؤثمة لِأَن هَذَا بَاب لَو فتح بطلت الْأَيْمَان وَلَو سمع القَاضِي الإستثناء لم ينْعَقد الْيَمين وَعَلِيهِ الإستعادة فَإِنَّهُ لم يحلف بعد وَأما العقيدة فَهُوَ أَن الْحَنَفِيّ يحلف الشفعوي على نفس شُفْعَة الْجوَار فَلَا يحل للشفعوي أَن يحلف على أَنه لَا يلْزمه بِتَأْوِيل مَذْهَب نَفسه بل يَأْثَم وتنعقد الْيَمين كَاذِبَة لِأَنَّهُ قد لزمَه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 فِي الظَّاهِر كَمَا ألزمهُ القَاضِي وَهل يلْزمه فِي الْبَاطِن فِيهِ خلاف وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها ثَالِثا وَهُوَ أَن الْقَضَاء ينفذ فِي مَحل الإجتهاد بَاطِنا على الْعَوام فَإِن كَانَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مُجْتَهدا لم ينفذ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَا يؤثمه إِذا حلف بِمُوجب اعْتِقَاد نَفسه وَهَذَا بعيد بل الإعتقاد كالإجتهاد وَيَنْبَغِي أَن ينظر إِلَى عقيدة القَاضِي الثَّالِثَة إِذا لم يطب الْمُدَّعِي الْحلف وَلَكِن قَالَ لي بَيِّنَة لَكِن أُرِيد كَفِيلا فِي الْحَال فَلَا يلْزمه بالإتفاق وَلَكِن قد جرى بِهِ رسم القضاه وَلَو شهد شخصان وَلم يعدلا لزمَه الْكَفِيل بِالْبدنِ فَإِن امْتنع حبس لأجل الْكفَالَة لَا لأجل الْحق لِأَنَّهُ رُبمَا يهرب فالحاجة تمس إِلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 الطّرف الثَّالِث فِي الْحَالِف وَهُوَ كل مُكَلّف توجه عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَة فِي حق فَيحلف فِي الْإِيلَاء وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالظِّهَار وَالْوَلَاء وَالنّسب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقْضى بِالنّكُولِ فِي هَذِه الْمسَائِل فَلَا تعرض الْيَمين فِيهَا وَلَا يجْرِي التَّحْلِيف فِي عقوبات الله تَعَالَى إِذْ لَا مدعي فِيهَا وَلَا يجوز تَحْلِيف الشَّاهِد وَالْقَاضِي إِذْ نسبتهم إِلَى الْكَذِب دَعْوَى فَاسِدَة تجر فَسَادًا عَظِيما نعم تجوز الدَّعْوَى على القَاضِي الْمَعْزُول فَيحلف عَلَيْهِ وَمن ادّعى أَنه صبي وَهُوَ مُحْتَمل لم يحلف بل ينْتَظر بُلُوغه وَإِن قَالَ أَنا بَالغ صدق وَلم يحلف أَيْضا وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ لَا يحلف على نفي الدّين عَن الْمُوصي لِأَنَّهُ لَو أقرّ لم يقبل قَوْله وَكَذَا لَا يحلف الْوَكِيل الْخصم الْمُنكر لوكالته على نفي الْعلم بِالْوكَالَةِ لِأَنَّهُ وَإِن علم فَلَا يجب التَّسْلِيم إِلَيْهِ لِأَن الْمُوكل رُبمَا جحد وكَالَته وَله أَن يحلف الْوَكِيل على نفي الْعلم بِأَنَّهُ مَا عَزله وَلَا مَاتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 وسبل الْوَكِيل فِي مجْلِس الحكم أَن يحضر الْخصم وَيَقُول أستحق مخاصمتك فَإِن كَانَ قد وَكله مُوكله فِي مجْلِس الحكم لم يفْتَقر إِلَى حجَّة وَإِن وَكله فِي الْغَيْبَة وَأَرَادَ الْوَكِيل إثْبَاته على الْخصم بِالْحجَّةِ جَازَ وَإِن أَرَادَ إثْبَاته فِي غير وَجه الْخصم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَنَّهُ يثبت حق نَفسه وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ حق على الْخصم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 الطّرف الرَّابِع فِي حكم الْيَمين وَفَائِدَته عندنَا قطع الْخُصُومَة فِي الْحَال فَلَا يحصل بهَا بَرَاءَة الذِّمَّة بل يجوز للْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة بعده وَسَوَاء كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة أَو غَائِبَة وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز للْمُدَّعِي وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة لم يجز وَنحن نقُول لَعَلَّه تذكر وَعرف الْآن فَلَو قَالَ أَولا لَا بَيِّنَة لي حَاضِرَة وَلَا غَائِبَة فقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن أما إِذا قَالَ كذب شهودي بطلت الْبَيِّنَة وَفِي بطلَان دَعْوَاهُ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا تبطل فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنهم قَالُوا من غير علم فَإِن قُلْنَا لَا تبطل فَلَو أَنه ادّعى عَلَيْهِ الْخصم إِقْرَاره بكذب الشُّهُود وَأقَام شَاهدا وَأَرَادَ أَن يحلف مَعَه لم يجز إِذْ لَيْسَ مضمونه إِثْبَات مَال بل الطعْن فِي الشُّهُود وَإِن قُلْنَا تسْقط الدَّعْوَى قبل لِأَن الْمَقْصُود إبِْطَال الدَّعْوَى بِمَال فرع إِذا امْتنع عَن الْحلف وَقَالَ حلفني مرّة على هَذِه الْوَاقِعَة فليحلف على أَنه مَا حلفني فَفِي لُزُوم ذَلِك وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي حَقًا وَقَالَ الفوراني لَهُ ذَلِك فَلَو ادّعى أَنه حلفني مرّة على أَنِّي مَا حلفته فليحلف على أَنه مَا حلفني قَالَ لَا يُجَاب إِلَيْهِ لِأَن ذَلِك يتسلسل إِلَى غير نِهَايَة وبمثل هَذَا حسم الْبَاب من حسم وَلم يسمع هَذِه الدَّعْوَى من غير بَيِّنَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 الرُّكْن الرَّابِع فِي النّكُول وَلَا يثبت الْحق على المنكل بِنُكُولِهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل حكم النّكُول رد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَبطلَان حق الناكل عَن الْيَمين حَتَّى لَا يعود وَلَكِن إِنَّمَا يبطل حَقه إِذا تمّ النّكُول وَإِنَّمَا يتم بِصَرِيح قَوْله لَا أَحْلف وَأَنا ناكل فَبعد ذَلِك لَا يعود وَلَا حَاجَة هَاهُنَا إِلَى قَول القَاضِي قضيت بِالنّكُولِ أما إِذا سكت بعد عرض الْيَمين فَيحْتَاج إِلَى الْقَضَاء وَحقّ القَاضِي أَن يعرض الْيَمين عَلَيْهِ ثَلَاثًا وينبهه أَن حكم النّكُول اسْتِيفَاء الْحق بِيَمِين الْمُدَّعِي فَرُبمَا لَا يعرف ذَلِك فَإِذا فعل ذَلِك وَقَالَ قضيت بِنُكُولِهِ لم يُمكنهُ الْحلف بعد ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الْمُدَّعِي أَحْلف فَهُوَ كالقضاء وَلَو أقبل على الْمُدَّعِي بِوَجْهِهِ وَقبل أَن يَقُول احْلِف رَجَعَ الناكل فَهُوَ لَهُ الْيَمين فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 وَلَو لم ينبهه على حكمه وَقضى بِنُكُولِهِ فَقَالَ الناكل كنت لَا أعرف حكم النّكُول فَالظَّاهِر أَن الحكم نفذ وَفِيه احْتِمَال وَحَيْثُ منعناه من الْيَمين فَلَو رَضِي الْمُدَّعِي بِأَن يحلف فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز إِذْ الْحق لَا يعدوهما الثَّانِي الْمَنْع إِذْ بَطل حق الْحلف بِالْقضَاءِ فَلَا يُؤثر الرِّضَا ثمَّ إِذا ثَبت النّكُول ورد الْيَمين على الْمُدَّعِي فَلهُ حالتان إِحْدَاهمَا النّكُول فَإِن نكل صَرِيحًا وَقَالَ لَا أَحْلف كَانَ نُكُوله كحلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا يُمكن من الْعود إِلَى الْيَمين بعد ذَلِك بل لَا تسمع دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن استمهل أمهلناه ثَلَاثًا ليراجع الْحساب وَلَا يُمْهل الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الْمُدَّعِي على اخْتِيَاره فِي طلب الْحق وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ لَا خيرة لَهُ وَكَذَلِكَ إِذا أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا واستمهل للحلف مَعَه أمهلناه وَلَو نكل حكمنَا بِنُكُولِهِ وَلَا يقبل بعد ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة كَامِلَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحكم بنكول الْمُدَّعِي بل هُوَ إِلَى خيرته أبدا مهما عَاد وَحلف مكن كَمَا أَنه على خيرته فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة الْحَالة الثَّانِيَة أَن يحلف الْمُدَّعِي فَيسْتَحق الْحق ثمَّ الْيَمين الْمَرْدُودَة منزلتها منزلَة إِقْرَار الْخصم أَو منزلَة الْبَيِّنَة فِيهِ خلاف مَشْهُور وَقد بنى الْأَصْحَاب عَلَيْهِ مسَائِل على غير وَجهه لِأَنَّهُ وَإِن جعل كالبينة فَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 كَذَلِك فِي حق غير الْحَالِف بل الصَّحِيح أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَقد ذكرنَا تِلْكَ الْمسَائِل فِي موَاضعهَا فَإِن قيل هَل يتَصَوَّر الْقَضَاء بِالنّكُولِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قُلْنَا مهما كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّن لَا يُمكن الرَّد عَلَيْهِ بِأَن يكون غير معِين كالمساكين أَو يكون هُوَ الإِمَام فَيتَعَيَّن الحكم وَذَلِكَ فِي مسَائِل الأولى النزاع بَين السَّاعِي وَرب المَال فِي الزَّكَاة يُوجب الْيَمين على رب المَال فَإِن نكل تعذر الرَّد على السَّاعِي وعَلى الْمَسَاكِين فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يقْضِي بِالنّكُولِ للضَّرُورَة وَالثَّانِي أَنه يحبس حَتَّى يقر أَو يُؤَدِّي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 وَالثَّالِث أَنه إِن ادّعى الْأَدَاء فَهُوَ فِي صُورَة مُدع فيستوفى وَإِن أنكر المَال فَلَا يقْضى عَلَيْهِ الثَّانِيَة ذمِّي غَابَ فَرجع مُسلما وَزعم أَنه أسلم قبل انْقِضَاء السّنة وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ وَنكل عَن الْيَمين فَفِي وَجه يقْضى عَلَيْهِ وَفِي وَجه يحبس حَتَّى يقر أَو يُقيم بَيِّنَة وَفِي وَجه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مُنكر وَلَا حجَّة عَلَيْهِ الثَّالِثَة الصَّبِي الْمُشرك إِذا أنبت وَادّعى أَنه استعجل بالمعالجة حلف فَإِن نكل قتل وَلَيْسَ ذَلِك حكما بِالنّكُولِ بل توجه الْقَتْل بالْكفْر مَعَ الإنبات وَإِنَّمَا الْيَمين دَافع وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 دَافع لَهُ وَفِيه وَجه أَن الْقَتْل بِالنّكُولِ محَال وتحليف من زعم أَنه صبي محَال بل يحبس حَتَّى يبلغ فَإِن حلف ترك وَإِن نكل قتل إِذْ ذَاك وَهَذَا أَجْدَر من تَحْلِيف من يزْعم أَنه صبي وَهُوَ رَكِيك لأَنا نتوهم بُلُوغه وعلامته النّكُول الرَّابِعَة ادّعى وَاحِد من صبيان المرتزقة أَنه بَالغ قَالَ الْأَصْحَاب يثبت اسْمه بِغَيْر يَمِين لِأَنَّهُ إِن كذب فَأَي فَائِدَة فِي يَمِين الصَّبِي وَإِن صدق فليثبت وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص إِن اتهمه السُّلْطَان يحلفهُ فَإِن نكل فَلَا حلق لَهُ الْخَامِسَة مَاتَ من لَا وَارِث لَهُ وَادّعى القَاضِي لَهُ دينا على إِنْسَان فنكل عَن الْيَمين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقْضِي عَلَيْهِ للضَّرُورَة فَإِنَّهُ مُنْتَهى الْخُصُومَة وَالثَّانِي أَنه يحبس حَتَّى يحلف أَو يقر وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يعرض عَنهُ وَلم يذكرهُ أحد إِلَّا الشَّيْخ أَو مُحَمَّد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 الرُّكْن الْخَامِس الْبَيِّنَة وَقد ذكرنَا شَرطهَا ووصفها فِي الشَّهَادَات وَالْغَرَض تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ وَمهما أمكن الْجمع بَينهمَا جمع فَإِن تناقضا وَأمكن التَّرْجِيح رجح وَإِن تَسَاويا من كل وَجه فَأَرْبَعَة أَقْوَال إِذا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث أَحدهَا التساقط وَالثَّانِي الإستعمال بِالْقُرْعَةِ وَالثَّالِث الْقِسْمَة بَينهمَا وَالرَّابِع الْوَقْف إِلَى أَن يصطلحا وَأما مدارك مثارات التَّرْجِيح فَثَلَاثَة قُوَّة فِي الشَّهَادَة أَو زِيَادَة فِيهَا أَو يَد تقترن بِإِحْدَاهُمَا الْمدْرك الأول قُوَّة الشَّهَادَة وَله صور إِحْدَاهَا أَن يُقيم أَحدهمَا شَاهِدين وَالْآخر ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَو كَانَ شُهُود أَحدهمَا أكمل عَدَالَة فَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا تَرْجِيح بِخِلَاف الرِّوَايَة لِأَن نِصَاب الشَّهَادَة قدره الشَّرْع فَالزِّيَادَة عَلَيْهِ لَا تُؤثر عَلَيْهِ بِخِلَاف الرِّوَايَة وَالْقَوْل الْقَدِيم التَّرْجِيح بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَة وعَلى هَذَا يخرج مَا إِذا كَانَ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ شَهَادَة أحل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الثَّانِيَة شَاهِدَانِ يقدم على شَاهد وَامْرَأَتَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 الْأَظْهر الثَّالِثَة تَقْدِيم الشَّاهِدين على شَاهد وَيَمِين فِيهِ قَولَانِ فِي الْجَدِيد وَالأَصَح التَّرْجِيح ثمَّ حَيْثُ رجحنا لَو اقْترن الْيَد بِالْحجَّةِ الضعيفة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا يتساويان وَالثَّانِي أَن الْيَد توجب تَرْجِيح الضَّعِيف لِأَنَّهَا أقوى الْمدْرك الثَّانِي الْيَد وَلَا يَخْلُو الْمُتَنَازع فِيهِ إِمَّا أَن يكون فِي يدهما أَو فِي أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث الْحَالة الأولى أَن يكون فِي يَد ثَالِث فَفِي اسْتِعْمَال الْبَيِّنَتَيْنِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا يتساقطان لتكاذبهما وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَالثَّانِي الإستعمال وَفِي كَيْفيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 أَحدهَا أَنه يقسم بَينهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن كل بَيِّنَة سَبَب لكَمَال الْملك وَقد ازدحما فيقسط عَلَيْهِمَا وَالثَّانِي أَنه يتَوَقَّف إِلَى الإصطلاح لِأَن من قسم فقد خَالف مُوجب الْبَيِّنَتَيْنِ جَمِيعًا وَالثَّالِث أَنه يقرع بَينهمَا لِأَنَّهُ يقرع عِنْد الْإِشْكَال فعلى هَذَا هَل يجب الْحلف على من خرجت الْقرعَة لَهُ فِيهِ قَولَانِ ثمَّ اعْلَم أَن قَول الإستعمال لَا يجْرِي إِذا تكاذبا صَرِيحًا بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا كَمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا على قتل فِي وَقت وَشهِدت الْأُخْرَى على الْحَيَاة فِي ذَلِك الْوَقْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 بل حَيْثُ يتَوَهَّم تَأْوِيل كَمَا لَو شَهدا على الْملك فَإنَّا نقُول لَعَلَّ كل وَاحِد سمع وَصيته لَهُ أَو شِرَاء أَو غَيره وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ مَعَ اسْتِحَالَة الْجمع وَهُوَ بعيد وَكَذَلِكَ قَول الْقِسْمَة لَا يجْرِي حَيْثُ تمْتَنع الْقِسْمَة كَالْمَرْأَةِ الَّتِي يدعيها زوجان وَكَذَا قَول الْوَقْف لِأَن الصُّلْح غير مُمكن وَفِي جَرَيَان قَول الْقرعَة وَجْهَان فروع أَحدهَا دَار فِي يَد ثَالِث ادّعى وَاحِد كلهَا وَأقَام بَيِّنَة وَادّعى آخر نصفهَا وَأقَام بَيِّنَة أما النّصْف فقد تَعَارضا فِيهِ فَفِيهِ الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَالنّصف الآخر لَا معَارض لَهُ لَكِن إِن قُلْنَا بالتهاتر بطلت بَينته فِي بعض مُوجبهَا فَهَل تبطل فِي الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي دَار فِي يَد ثَالِث ادّعى وَاحِد نصفهَا فَصدق وَادّعى آخر النّصْف الآخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 فكذبه صَاحب الْيَد وَالْمُدَّعِي الآخر وهما لَا يدعيان لأنفسهما فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا تسلم إِلَيْهِ إِذْ لَا مدعي لَهَا سواهُ وَالثَّانِي أَنه مَال لَا مَالك لَهُ وَالثَّانِي يتْرك فِي يَده فَإِنَّهُ لَا حجَّة لمدعيه وَالثَّالِث أَنه تنتزع من يَده وَتحفظ إِلَى أَن نتبين مَالِكه الثَّالِث أقرّ الثَّالِث لأَحَدهمَا فَهَل يُوجب إِقْرَار صَاحب الْيَد التَّرْجِيح بِمَنْزِلَة الْيَد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالْيَدِ وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه يَد مُسْتَحقَّة الْإِزَالَة بِالْيَقِينِ الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون فِي يَد أَحدهمَا فعندنا تقدم بَيِّنَة صَاحب الْيَد وَهُوَ الدَّاخِل على بَيِّنَة الْخَارِج وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا أثر لبينة صَاحب الْيَد وَلَكنَّا نقُول للداخل فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة سِتَّة مقامات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 الْمقَام الأول أَن لَا يكون عَلَيْهِ مُدع وَأَرَادَ إِقَامَة بَيِّنَة للتسجيل فَالْمَذْهَب أَنه لَا تسمع إِذْ لَا حجَّة إِلَّا على خصم فطريقه أَن ينصب لنَفسِهِ خصما وَفِيه وَجه أَنه تسمع لغَرَض التسجيل وَإِثْبَات الْملك فَإِن الْيَد لَا تثبت الْملك الْمقَام الثَّانِي أَن يكون لَهُ خصم مُدع لَا بَيِّنَة لَهُ فَأَرَادَ الرجل إِقَامَة الْبَيِّنَة ليصرف الْيَمين عَن نَفسه فَالْمَذْهَب أَنه لَا تسمع إِذْ الأَصْل فِي جَانِبه الْيَمين بِنَصّ الْخَبَر وَإِنَّمَا يعدل إِلَى الْبَيِّنَة حَيْثُ لَا تكفيه الْيَمين وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه تسمع كَمَا فِي الْمُودع تسمع بَينته وَإِن قدر على الْيَمين الْمقَام الثَّالِث أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة وَلَكِن لم تعدل فَهَل تسمع بَيِّنَة الدَّاخِل قبل التَّعْدِيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا بعد التَّعْدِيل إِذا قَامَت أصل الْحجَّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى أَن يُخَالف منصبه وينهض مُدعيًا وَالْبَيِّنَة تقبل من الْمُدَّعِي الْمقَام الرَّابِع إِذا عدلت بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَلم يبْق إِلَّا الْقَضَاء فَهَذَا أَوَان بَينته فَتسمع عندنَا قطعا لِأَن كَونه صَاحب الْيَد لَا يمنعهُ من دَعْوَى الْملك حَيْثُ لَا تغنيه الْيَد وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من يَقُول إِن بَينته إِنَّمَا تعتمد ظَاهر يَده لِأَن بَيِّنَة الْخَارِج إِنَّمَا تعتمد أَيْضا يدا كَانَت لَهُ لِأَن الْيَد وَالتَّصَرُّف دَلِيل الْملك وَكَونه مُقَارنًا لَا يُؤثر وَمن أَصْحَابنَا من ارتاع من هَذَا وَشرط فِي بَينه الدَّاخِل أَن تشْتَمل على إِسْنَاد الْملك إِلَى سَبَب وَلم يسمع على الْملك الْمُطلق وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَنَّهُمَا يتهاتران وَيسلم الْملك للداخل بِيَمِينِهِ أَو ترجح بِالْيَدِ فَيحكم لَهُ بِمُوجب الْبَيِّنَة فَإِن قُلْنَا يرجح فَهَل يلْزمه الْحلف مَعَ بَينته فِيهِ وَجْهَان كَمَا ذَكرْنَاهُ عِنْد التَّفْرِيع على قَول الْقرعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 الْمقَام الْخَامِس إِذا لم تكن بَينته حَاضِرَة حَتَّى أزلنا يَده فَجَاءَت بَينته فَإِن ادّعى ملكا مُطلقًا فَهُوَ بَيِّنَة من خَارج وَإِن ادّعى ملكا مُسْتَندا إِلَى مَا قبل إِزَالَة الْيَد وَزعم أَن الْبَيِّنَة كَانَت غَائِبَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَيْهِ وترجح بِالْيَدِ وَلَا حكم للإزالة السَّابِقَة وَالثَّانِي أَنه كالخارج لِأَن تيك الْيَد قد اتَّصل الْقَضَاء بزوالها فَلَا ينقص الْمقَام السَّادِس إِذا أَقَامَ بعد الْقَضَاء بِاسْتِحْقَاق الْإِزَالَة وَلَكِن قبل التَّسْلِيم فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن ترجح فرعان الأول لَو أَقَامَ الْخَارِج بَيِّنَة على الْملك الْمُطلق وَأقَام الدَّاخِل بَيِّنَة على أَنه ملكه اشْتَرَاهُ من الْخَارِج تقدم بَيِّنَة الدَّاخِل كَمَا لَو أطلق وَلَا تزَال يَده قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَقَالَ القَاضِي تزَال يَده إِذا ادّعى ذَلِك إِذْ يُقَال اعْترفت لَهُ بِالْملكِ فَسلم إِلَيْهِ ثمَّ أثبت مَا تدعيه من الشِّرَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَدعِي أَنه أَبْرَأ عَن الدّين الْمُدعى بِهِ يُقَال لَهُ سلم الدّين ثمَّ أثبت الْإِبْرَاء فقد انتهضت الْخُصُومَة الأولى كَمَا إِذا ادّعى على الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِبْرَاء مُوكله الْغَائِب وجماهير الْقُضَاة على أَنه لَا يُطَالب بِالتَّسْلِيمِ إِذا كَانَت الْبَيِّنَة حَاضِرَة بِخِلَاف الْمُوكل الْغَائِب فَإِن تَأْخِير ذَلِك يطول وَكَذَا لَو قَالَ لي بَيِّنَة غَائِبَة فيكفيه تَسْلِيم الْعين وَالدّين فِي الْحَال الْفَرْع الثَّانِي من أقرّ لغيره بِملك ثمَّ عَاد إِلَى الدَّعْوَى لم تقبل دَعْوَاهُ حَتَّى يدعى تلقي الْملك مِنْهُ أما إِذا أخرج من يَده بَيِّنَة فجَاء يدعى مُطلقًا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يقبل إِذْ الْبَيِّنَة فِي حَقه كَالْإِقْرَارِ وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَن الرجل يؤاخد بِإِقْرَار نَفسه فِي الإستقبال ولولاه لم يكن فِي الأقارير فَائِدَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 أما حكم الْبَيِّنَة فَلَا يلْزم بِكُل حَال وَلَا خلاف أَن دَعْوَى ثَالِث بِالْملكِ مُطلقًا تسمع إِذْ لم يلْزمه حكم الْبَيِّنَة المقامة على غَيره فَهَذَا ثَلَاث مَرَاتِب فلتفهم الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون الدَّار فِي يدهما وَادّعى كل وَاحِد جَمِيعهَا فَإِن لم تكن بَيِّنَة فيتحالفان إِذْ كل وَاحِد مُدع فِي النّصْف مدعى عَلَيْهِ فِي النّصْف فَيبْدَأ القَاضِي بِمن يرَاهُ أَو بِالْقُرْعَةِ فَإِن حلفا أَو نكلا بَقِي الدَّار فِي يدهما كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا يحلف كل وَاحِد على النَّفْي بِخِلَاف المتحالفين فِي البيع إِذْ كل وَاحِد يحلف على إِثْبَات مَا يَدعِيهِ وَنفي مَا يدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُمَيّز فِي البيع الْمُدَّعِي عَن الْمُدعى عَلَيْهِ أما هَا هُنَا فالتمييز ظَاهر إِذْ نصف الدَّار مُمَيّز عَن النّصْف الآخر وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أما إِذا حلف الأول وَنكل الثَّانِي ردَّتْ الْيَمين على الأول فَيحلف على الْإِثْبَات فِي النّصْف الآخر لِأَن هَذِه يَمِين الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَة فَلَو أَقَامَ الناكل بَيِّنَة بعد الْيَمين الْمَرْدُودَة فَفِيهِ وَجْهَان ينبنيان على أَن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ أَو الْبَيِّنَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا كَالْإِقْرَارِ لم تقبل أما إِذا نكل الأول فتعرض على الثَّانِي يَمِين النَّفْي وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة وَفِي تعدد الْيَمين وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْجِهَة وَالثَّانِي أَنه تَكْفِي يَمِين وَاحِدَة جَامِعَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات للإيجاز فَيحلف أَن جَمِيع الدَّار لَهُ لَيْسَ لصَاحبه فِيهَا حق فَلَو قَالَ وَالله إِن النّصْف الَّذِي يَدعِيهِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حق وَالنّصف الآخر هُوَ لي اكْتفي بذلك أما إِذا كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة فَتسمع ابْتِدَاء وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي النّصْف وَلَكِن تسمع تَابعا لِلنِّصْفِ الآخر وَإِنَّمَا ينقدح الرَّد على رد بَيِّنَة الدَّاخِل وَحده إِذا أنشأ مَعَ الإستغناء عَنهُ وَهَهُنَا احْتَاجَ لأجل النّصْف وَلَكِن لَو أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَة فقد قيل الْآن يجب على الأول إِعَادَة بَينته ليَقَع بعد بَيِّنَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 الْخَارِج وَلَا يبعد التساهل فِيهِ أَيْضا الْمدْرك الثَّالِث اشْتِمَال إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ على زِيَادَة تَارِيخ أَو سَبَب ملك وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِي التَّارِيخ فَإِن تَسَاويا فِي التَّارِيخ فيتعارضان وَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا على الْملك مُنْذُ سنة وَالْأُخْرَى مُنْذُ سنتَيْن فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا يتعارضان إِذْ الْمَطْلُوب هُوَ الْملك فِي الْحَال فَلَا تَأْثِير للسبق وَالثَّانِي ترجح السَّابِقَة وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن مَا سبق ثُبُوته فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ فيصلح للترجيح وَاسْتدلَّ الْمُزنِيّ بِمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا النِّتَاج فِي يَده أَو سَبَب آخر من أَسبَاب الْملك فَإِنَّهُ يقْضِي بتقديمها وَقضى الْأَصْحَاب بطرد الْقَوْلَيْنِ وَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا على سَبَب الْملك أَيْضا وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيِّنَة الزَّوْجَيْنِ على الزَّوْجِيَّة إِذا سبق التَّارِيخ فَإِن كَانَت إِحْدَى البنتين مُطلقَة وَالْأُخْرَى مؤرخة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا ترجح لِأَن الْمُطلقَة كالعامة أما إِذا كالن السَّبق فِي جَانب وَالْيَد فِي جَانب فَإِن قُلْنَا السَّبق لَا تَرْجِيح بِهِ فاليد مُقَدّمَة وَإِن رجحنا بِهِ فهاهنا ثَلَاثَة أوجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 أَحدهَا أَن السَّبق أولى وَالثَّانِي الْيَد أولى وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يتعارضان تَنْبِيهَات الأول إِذا شهِدت الْبَيِّنَة على ملك إِنْسَان بالْأَمْس وَلم تتعرض لَهُ فِي الْحَال لم تقبل على الْجَدِيد بِخِلَاف مَا لَو شهد على إِقْرَاره بالْأَمْس فَإِنَّهُ يثبت الْإِقْرَار وَالْإِقْرَار الثَّابِت مستدام حكمه وَعَلِيهِ عمل الْأَوَّلين وَإِلَّا لبطلت فَائِدَة الأقارير لِأَن الْمقر يخبر عَن تَحْقِيق فَيظْهر استصحابه وَالشَّاهِد يشْهد على تخمين فِي الْملك فَإِذا لم يَنْضَم إِلَيْهِ الْجَزْم فِي الْحَال لم يُؤثر وَكَذَلِكَ لَو شهِدت الْبَيِّنَة على أَنه كَانَ ملكه بالْأَمْس اشْتَرَاهُ من صَاحب الْيَد فَتقبل لِأَنَّهُ يدْرك يَقِينا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اشْتَرَاهُ من غَيره لِأَنَّهُ لَا يكون حجَّة على صَاحب الْيَد أما إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِملك سَابق وَقَالَ للْمُدَّعِي كَانَ ملكك أمس فَهَل يلْزمه التَّسْلِيم استصحابا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه كَمَا لَو ثَبت إِقْرَاره بالْأَمْس وَالثَّانِي لَا كَمَا لَو شهِدت الْبَيِّنَة على ملكه بالْأَمْس فَإِنَّهُ مردد بَينهمَا ثَلَاث مَرَاتِب وَهَاهُنَا قَول قديم أَن الْبَيِّنَة وَإِن شهِدت على الْملك بالْأَمْس فَتقبل كَالْإِقْرَارِ بالْأَمْس وَوجه غَرِيب مَال إِلَيْهِ القَاضِي أَن الْإِقْرَار السَّابِق إِذا شهِدت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة لَا يسمع مَا لم يتَعَرَّض الشَّاهِد للْملك فِي الْحَال وَالْمَشْهُور الْفرق كَمَا سبق التَّفْرِيع إِذا فرعنا على الْجَدِيد فسبيل الشَّاهِد أَن يَقُول كَانَ ملكه بالْأَمْس وَلم يزل أَو هُوَ الْآن ملكه وَيكون مُسْتَنده فِيهِ الإستصحاب وَيجوز ذَلِك إِذا لم يعلم مزيلا فَلَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 صرح بِأَنِّي مستصحب ملكه فَإِنِّي لَا أعلم مزيلا قَالَ الْأَصْحَاب لَا تقبل كَشَهَادَة الرَّضَاع على صُورَة الإمتصاص وحركة الْحُلْقُوم وَقَالَ القَاضِي تقبل إِذْ نعلم أَنه لَا مُسْتَند لَهُ سواهُ بِخِلَاف الرَّضَاع إِذْ يدْرك ذَلِك بقرائن لَا تعرب الْعبارَة عَنهُ نعم لَو قَالَ الشَّاهِد فِي معرض مرتاب لَا أَدْرِي أَزَال ملكه أَو لم يزل لم تسمع لفساد الصِّيغَة أما إِذا قَالَ لَا أعلم مزيلا كَفاهُ وَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا بُد من الْجَزْم فِي الْحَال وَلَا خلاف أَن الْبَيِّنَة لَو شهِدت بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي بالْأَمْس قبل وَجعل الْمُدَّعِي صَاحب الْيَد التَّنْبِيه الثَّانِي لَا توجب الْملك لَكِن تظهره وَمن ضَرُورَته التَّقَدُّم بلحظة على الْإِقَامَة فَلَو كَانَ الْمُدعى دَابَّة فنتاجها الَّذِي نتج قبل الْإِقَامَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَمَا نتج بعد الْإِقَامَة وَقبل التَّعْدِيل فللمدعي فَلَو كَانَت شَجَرَة ثَمَرَتهَا بادية فَهِيَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَفِي الْحمل احْتِمَال إِذْ انْفِصَال الْملك فِيهِ مُمكن بِالْوَصِيَّةِ وَهَذَا فِي الْبَيِّنَة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تتعرض لملك سَابق التَّنْبِيه الثَّالِث أَن مُقْتَضى مَا ذَكرْنَاهُ أَن لَا يرجع المُشْتَرِي بِالثّمن إِذا أَخذ مِنْهُ الْمَبِيع بِبَيِّنَة مُطلقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقْتَضِي الزَّوَال إِلَّا من الْوَقْت قَالَ القَاضِي يحْتَمل أَن يُقَال لَا يرجع إِذا كَانَت الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة مستندة إِلَى ملك سَابق وَإِطْلَاق الْأَصْحَاب يحمل على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 أَنهم أَرَادوا ذَلِك فَإِنَّهُ غير نَادِر لكنه قَالَ فِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يدل على خلاف مَا قلته إِذْ قَالُوا لَو أَخذ من المُشْتَرِي أَو الْمُتَّهب من المُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي الأول الرُّجُوع على البَائِع مِنْهُ وَلَعَلَّ سَببه أَن الْبَيِّنَة إِذا كَانَت مُطلقَة لَا تشهد على إِزَالَة الْملك فَيحمل على الصدْق الْمُطلق فالحاجة تمس إِلَى ذَلِك فِي عُهْدَة الْعُقُود أما إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَنَّك أزلت الْملك فَأنْكر وَقَامَت الْبَيِّنَة على إِزَالَته فَلَا رُجُوع لَهُ وَأما مُجَرّد دَعْوَى الْمُدَّعِي للإحالة عَلَيْهِ فَلَا تمنع الرُّجُوع إِذا لم تشهد الْبَيِّنَة عَلَيْهِ التَّنْبِيه الرَّابِع لَو ادّعى أَرضًا وزرعا فِيهَا وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهَا وَأَنه زَرعهَا وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة أما الأَرْض فَلصَاحِب الْيَد وَأما الزَّرْع فيبنى على أَن السَّبق وَالْيَد إِذا اجْتمعَا أَيهمَا يقدم الْخَامِس إِذا ادّعى ملكا مُطلقًا فَذكر الشَّاهِد الْملك وَسَببه لم يضر لَكِن إِن طلب الْخصم تَقْدِيم حجَّته لاشتمالها على ذكر السَّبَب فَلَا يُجَاب إِلَيْهِ إِلَّا بِأَن تُعَاد الْبَيِّنَة بعد دَعْوَاهُ فَإِن الذّكر قبل الدَّعْوَى لاغ وَلَا تجرح الْبَيِّنَة بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ألفا فَشَهِدت البينت على أَلفَيْنِ رد فِي الزِّيَادَة لِأَنَّهَا زِيَادَة مُسْتَقلَّة وَهل ترد فِي الْبَاقِي كَيْلا تتبعض الْبَيِّنَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا ترد فَهَل يصير الشَّاهِد مجروحا بِهِ فِيهِ وَجْهَان يجْرِي فِي كل شَهَادَة تُؤدِّي قبل الدَّعْوَى وَلَو ذكر الْمُدَّعِي سَببا وَذكر الشَّاهِد سَببا آخر فَالصَّحِيح أَنه لَا يقبل للتناقض وَقيل تقبل على الْملك ويلغى السَّبَب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 الطّرف الثَّانِي التَّنَازُع فِي الْعُقُود وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَالَ صَاحب الدَّار أكريت بَيْتا من الدَّار بِعشْرَة وَقَالَ الْمُكْتَرِي بل اكتريت الْكل بِعشْرَة وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ ابْن سُرَيج بَيِّنَة الْمُكْتَرِي أولى لاشْتِمَاله على ذكر زِيَادَة حَتَّى لَو قَالَ الْمكْرِي اكتريت جَمِيع الدَّار بِعشْرين وَقَالَ الْمُكْتَرِي بل بِعشْرَة فَبَيِّنَة الْمكْرِي أولى لِأَن فِيهِ زِيَادَة وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح التَّعَارُض لِأَن هَذِه زِيَادَة فِي مِقْدَار الْمَشْهُود بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة إِيضَاح بِخِلَاف استناد الْملك إِلَى سَبَب أَو تَارِيخ سَابق فَإِن فرعنا على التَّعَارُض ورأينا التهاتر فيتحالفان وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَة وَلَا تجْعَل الزِّيَادَة مرعية وَبِه يتَبَيَّن ضعف رَأْي ابْن سُرَيج وَإِن قُلْنَا بِالْوَقْفِ فَلَا وَجه لَهُ إِذْ الْمَنَافِع تفوت وَإِن قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ فَكَذَلِك فَإِن الزِّيَادَة يدعيها وَاحِد وينفيها الآخر وَإِنَّمَا يُمكن الْقِسْمَة إِذا ادّعى كل وَاحِد لنَفسِهِ وَأما الْقرعَة فممكن وَلَكِن اسْتِعْمَالهَا ضَعِيف لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي إِفْرَاز الْحُقُوق الْمُشْتَركَة لينقطع النزاع أَو فِي الْعتْق للْخَبَر وَمن رأى الْقِسْمَة أَو الْوَقْف وَتعذر عَلَيْهِ اخْتلفُوا مِنْهُم من رَجَعَ إِلَى قَول التهاتر لعسر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 الإستعمال وَمِنْهُم من رَجَعَ إِلَى الطَّرِيق الْمُمكن فِي الإستعمال وَهُوَ الْقرعَة فَيرى الإستعمال بِأحد الطّرق أولى من التهاتر الثَّانِيَة إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث يزْعم كل وَاحِد أَن الثَّالِث قد بَاعه وَقبض مِنْهُ مائَة فِي ثمنهَا فتجري الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة فِي بينتيهما لَكِن لَا بُد من الْبَيِّنَة لأمور أَحدهَا أَنا على قَول الْقرعَة نسلم الدَّار إِلَى من خرجت قرعته ونسلم الثّمن إِلَى الثَّانِي لِأَن الْقرعَة مُؤثرَة فِي مَحل التَّنَاقُض وَهُوَ رَقَبَة الدَّار أما اجْتِمَاع الثمنين عَلَيْهِ فممكن لَا تضَاد فِيهِ وعَلى قَول الْوَقْف تخرج الدَّار وَالثمن من يَده ويتوقف فيهمَا وعَلى قَول الْقِسْمَة يَأْخُذ كل وَاحِد نصف الدَّار وَنصف الثّمن ثمَّ لكل وَاحِد أَن يمْتَنع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 عَن النّصْف لتبعض الْمَبِيع عَلَيْهِ فَيرجع إِلَى جَمِيع الثّمن فَإِن فسخ أَحدهمَا فللآخر أَن يطْلب جَمِيع الدَّار إِذْ يَقُول كَانَت الْقِسْمَة لأجل المزاحم وَقد انْدفع وَفِيه وَجه أَنه يقْتَصر على النّصْف الثَّانِي أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد قَالَ لَا أجري قَول الْقرعَة إِذا كَانَتَا مطلقتين غير مؤرختين حَتَّى يؤرخا بتاريخ وَاحِد يظْهر تناقضه إِذْ هِيَ لتمييز الْكَاذِب وصدقهما مُمكن بتعاقب عقدين بعد تخَلّل ملك وَهَذَا ضَعِيف بل هِيَ لتقديم أحد المتساويين الثَّالِث أَن الربعِي خرج قولا خَامِسًا وَهُوَ أَن تسْتَعْمل الْبَيِّنَتَانِ لفسخ الْعقْدَيْنِ إِذْ تعذر عقد كل وَاحِد بِسَبَب بَيِّنَة الآخر الرَّابِع أَن الْأَقْوَال تجْرِي إِذا كَانَتَا مطلقتين أَو مؤرختين بتاريخ وَاحِد أما إِذا سبق تَارِيخ إِحْدَاهمَا فَهِيَ مُقَدّمَة لِأَن البيع إِذا ثَبت سبقه منع صِحَة مَا بعده الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عكس الثَّانِيَة وَهُوَ أَن يَدعِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بيع الدَّار من الثَّالِث بِأَلف ومقصودهما طلب الْألف وَترك الدَّار فِي يَده فَالصَّحِيح أَن الْأَقْوَال لَا تجْرِي لِأَن الذِّمَّة متسعة لإِثْبَات الثمنين فَيلْزمهُ توفيتهما بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مِنْهُ رَقَبَة الدَّار لِأَنَّهَا وَاحِدَة تضيق وَمن الْأَصْحَاب من أجْرى الْأَقْوَال لِأَنَّهُمَا ربطا الثمنين بِعَين وَاحِدَة وَلَا يَصح ذَلِك إِلَّا إِذا عينا وقتا وَاحِدًا يَسْتَحِيل تَقْدِير الْجمع وَإِلَّا فلزوم الثمنين فِي عقدين بَينهمَا بِبَدَل ملك مُمكن إِلَّا أَن تعْيين وَقت وَاحِد لَا يَتَّسِع لكلمتين أَيْضا لَا يُدْرِكهُ الْحس إِلَّا إِذا اكتفينا بِجَوَاز شَهَادَة النَّفْي مهما اسْتندَ إِلَى وَقت معِين فَإِن السُّكُوت عَن البيع يُشَاهد فنعلم أَنه نفى البيع وَفِي مثل تِلْكَ الشَّهَادَة خلاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة ادّعى عبد أَن مَوْلَاهُ أعْتقهُ وَادّعى آخر أَن مَوْلَاهُ بَاعه مِنْهُ وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة فَإِن كَانَ فيهمَا تَارِيخ قدم السَّابِق لِأَنَّهُ يمْنَع صِحَة مَا بعده وَإِن لم يكن جرى الْأَقْوَال كلهَا وعَلى قَول الْقِسْمَة يعْتق نصف العَبْد وَيحكم بِالْملكِ فِي النّصْف وَالصَّحِيح أَنه لَا يسري إِلَيْهِ الْعتْق لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِهِ قهرا وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ وَزَعَمُوا أَنه يسري إِلَيْهِ الْعتْق فِي قَول لِأَنَّهُ حكم عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ الْعتْق وَاعْترض الْمُزنِيّ وَقَالَ يَنْبَغِي أَن تقدم بَيِّنَة الْعتْق لِأَن العَبْد كصاحب الْيَد فِي حق رقبته وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ فِي يَد سَيّده مَا لم يثبت عتقه فَهُوَ يَدعِي الْيَد وَلم تثبت بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 الطّرف الثَّالِث فِي النزاع فِي الْمَوْت وَالْقَتْل وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة الأولى رجل مَعْرُوف بالتنصر مَاتَ وَله ابْن مُسلم يَدعِي أَنه مَاتَ مُسلما والإبن النَّصْرَانِي يَدعِي أَنه لم يسلم فَالْقَوْل قَول النَّصْرَانِي لِأَن الأَصْل عدم الْإِسْلَام وَلَو أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة قدمت بَيِّنَة الْمُسلم لاشتمالها على زِيَادَة ناقلة عَن الإستصحاب وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الإبن الْإِرْث فِي دَار فأقامت زَوْجَة أَبِيه بَيِّنَة أَنه أصدقهَا الدَّار أَو اشترتها من أَبِيه قدمت بينتها أما إِذا شهِدت بَيِّنَة النَّصْرَانِي أَنه نطق بتنصر وَمَات عَقِيبه فقد تَعَارضا فتجري الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي لَا يجْرِي قَول الْقِسْمَة إِذْ لَا يشْتَرك فِي الْمِيرَاث مُسلم وَكَافِر وَهَذَا ضَعِيف إِذْ كل بَيِّنَة تَقْتَضِي كَمَال الْملك لصَاحِبهَا فَانْدفع فِي النّصْف بِالْأُخْرَى إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بِأولى فَيَكْفِي إِمْكَان الشّركَة فِي جنس الْملك أما إِذا كَانَ الْمَيِّت مَجْهُول الدّين فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لم يزل على ديني حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ أَحدهمَا أولى بِأَن يَجْعَل القَوْل قَوْله فتجعل التَّرِكَة كَمَال فِي يَد اثْنَيْنِ تنازعاه وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا كَانَ القَوْل قَوْله وَهَذِه زلَّة لِأَنَّهُ معترف بِأَن يَده من جِهَة الْمِيرَاث فَلَا أثر ليده مَعَ ذَلِك فَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة جرت الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة وَقيل بَيِّنَة الْإِسْلَام تقدم لِأَنَّهُ الظَّاهِر فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 دَار الْإِسْلَام وَهَذَا بعيد إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لجعل القَوْل قَوْله نعم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن هَذَا الشَّخْص يغسل وَيصلى عَلَيْهِ إِذا أشكل أمره وَالصَّلَاة على نَصْرَانِيّ أَهْون من ترك الصَّلَاة على مُسلم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَاتَ نَصْرَانِيّ وَله ابْن مُسلم يَدعِي أَنه أسلم بعد مَوته فيرث وَابْنه النَّصْرَانِي يَدعِي أَنه أسلم قبل مَوته فَلَا يَرث فللمسألة حالتان إِحْدَاهمَا أَن يتَّفقَا على أَنه أسلم فِي رَمَضَان وَلَكِن ادّعى أَن الْأَب مَاتَ فِي شعْبَان وَقَالَ الْأَخ النَّصْرَانِي بل مَاتَ فِي شَوَّال فَالْقَوْل قَول النَّصْرَانِي لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة فَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ الْأَصْحَاب تقدم بَيِّنَة الْمُسلم لاشتمالها على زِيَادَة علم بِالْمَوْتِ فِي شعْبَان أما كَونه مَيتا فِي شَوَّال فمشترك قَالَ الإِمَام هَذَا ضَعِيف لِأَن من يشْهد على الْمَوْت فِي شَوَّال يشْهد على مَوته عَن حَيَاة وَإِذا ثَبت الْحَيَاة حصل التَّعَارُض فتجري الْأَقْوَال الْحَالة الثَّانِيَة اتفقَا على أَنه مَاتَ فِي رَمَضَان وَلَكِن قَالَ الْمُسلم أسلمت فِي شَوَّال وَقَالَ النَّصْرَانِي بل أسلمت فِي شعْبَان فَالْقَوْل قَول الْمُسلم إِذْ الأَصْل بَقَاء الْكفْر وَإِن كَانَ لَهما بَيِّنَة فَتقدم بَيِّنَة النَّصْرَانِي لِأَن الناقلة أولى من المستصحبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 فرع زَوْجَة مسلمة وَأَخ مُسلم وابنان كَافِرَانِ تنازعوا فِي إِسْلَام الْمَيِّت وتعارضت بينتان فَإِن رَأينَا الْقِسْمَة فالنصف للإثنين فَإِنَّهُمَا فريق وَالنّصف للزَّوْجَة وَالْأَخ ثمَّ الزَّوْجَة تَأْخُذ الرّبع من هَذَا النّصْف لِأَن الإبن مَحْجُوب بقولهمَا فَلَا نردها إِلَى الْيَمين وَلَو خلف أبوين كَافِرين وابنين مُسلمين وَتَنَازَعُوا فِي دين الْمَيِّت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول الْأَبَوَيْنِ لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَلَد يكون على دين الْأَبَوَيْنِ وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الإبنين لِأَن الْإِسْلَام يَنْبَغِي أَن يغلب بِالدَّار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ لعَبْدِهِ إِن قتلت فَأَنت حر فَشهد اثْنَان أَنه قتل وَشهد آخرَانِ أَنه مَاتَ حتف أَنفه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعَارُض وَالثَّانِي تَقْدِيم بَيِّنَة الْقَتْل لاشتمالها على زِيَادَة إِذْ كل قَتِيل ميت وَلَيْسَ كل ميت قَتِيلا وَلَو قَالَ لسالم إِن مت فِي رَمَضَان فَأَنت حر وَقَالَ لغانم إِن مت فِي شَوَّال فَأَنت حر وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعَارُض وَالثَّانِي تَقْدِيم بَيِّنَة رَمَضَان لزِيَادَة علمهَا بِتَقْدِيم الْمَوْت وَقَالَ ابْن سُرَيج بَيِّنَة شَوَّال أولى لِأَنَّهُ رُبمَا يغمى عَلَيْهِ فِي رَمَضَان فيظن مَوته فرع إِذا تنَازع الزَّوْجَانِ فِي مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ فِي يدهما وَلَا يخْتَص السِّلَاح بِالرجلِ وَلَا آلَة الْغَزل بِالْمَرْأَةِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 الطّرف الرَّابِع فِي النزاع فِي الْوَصِيَّة وَالْعِتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا قَامَت بَيِّنَة على أَنه أعتق فِي مَرضه عبدا وَهُوَ ثلث مَاله وَقَامَت بَيِّنَة أُخْرَى لعبد آخر فَالْقِيَاس أَن يَجْعَل كَأَنَّهُ أعتقهما مَعًا فيقرع بَينهمَا لَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه يعْتق من كل وَاحِد نصفه فَيجب تَنْزِيله على مَوضِع لَا تجْرِي فِيهِ الْقرعَة وَذَلِكَ بِأَن يتَقَدَّم عتق أَحدهمَا فَإِنَّهُ لَا قرعَة وَلَو تقدم عتق أَحدهمَا وَلَكِن أشكل السَّابِق فَهُوَ كالإعتاق مَعًا أَو كالتعاقب فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا يقرع فَيحمل تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ على هَذِه الصُّورَة ونقول الْغَالِب أَنه أعتقهما ترتيبا وأشكل الْأَمر فَلَا قرعَة فَيقسم عَلَيْهِمَا الثَّانِيَة الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَكِن أحد البعدين سدس المَال فَحَيْثُ يقرع لَو خرج على الخسيس يعْتق بِكَمَالِهِ وَيعتق من النفيس نصفه لتكملة الثُّلُث وَلَو خرج على النفيس اقْتصر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمَال الثُّلُث وَحَيْثُ نرى الْقِسْمَة على قَول فَفِي كفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتق من كل وَاحِد ثُلُثَاهُ لِأَن النفيس يضارب بِضعْف مَا يضارب بِهِ الخسيس كَمَا لَو أوصى لزيد بِكُل مَاله ولعمرو بِثلث مَاله وَأَجَازَ الْوَرَثَة الْوَصَايَا إِذْ يقسم المَال بَينهمَا أَربَاعًا فَإِن زيدا يضارب بِثَلَاثَة أَمْثَال مَا يضارب بِهِ عَمْرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 وَالْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه يعْتق من النفيس ثَلَاثَة أَربَاع وَمن الخسيس نصفه لِأَن النفيس يَقُول إِن أعتقت أَولا فجميعي حر وَإِن تَأَخَّرت فنصفي حر فَنصف مُسلم لَا خلاف فِيهِ إِنَّمَا النزاع فِي النّصْف الآخر وَهُوَ قدر سدس بيني وَبَيْنك فَيقسم عَلَيْهِمَا وَهَذَا أَيْضا يَنْبَغِي أَن يطرد فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة فَيَقُول زيد أما الثُّلُثَانِ فَهُوَ مُسلم لي وَإِنَّمَا التزاحم فِي الثُّلُث فَيقسم علينا فَيحصل زيد على خَمْسَة أَسْدَاس وَعَمْرو على سدس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِثَة شهد أجنبيان أَنه أوصى بِعِتْق عَبده غَانِم وَهُوَ ثلث المَال وَشهد وارثان بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنهُ وَأوصى بسالم وَهُوَ أَيْضا ثلث ثَبت بقول الْوَارِثين عتق سَالم وَالرُّجُوع عَن غَانِم إِذْ لَا تُهْمَة عَلَيْهِمَا فِي تَبْدِيل مَحل الْعتْق وَلَا نظر إِلَى تبدل الْوَلَاء فَلَا يتهم الْعدْل بِمثلِهِ أما إِذا كَانَ سَالم سدس المَال فَهُوَ مُتَّهم بتنقيص السُّدس فَترد فِي قدر السُّدس وَالشَّهَادَة إِذا ردَّتْ فِي بعض فَهَل ترد فِي الْبَاقِي قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ترد فَيعتق العبدان جَمِيعًا الأول بِالشَّهَادَةِ إِذْ ردَّتْ شَهَادَة الرُّجُوع وَالثَّانِي يعْتق بِإِقْرَار الْوَارِث وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على عتقهما وَإِن قُلْنَا لَا ترد فِي الْبَاقِي فقد شهد على الرُّجُوع عَن جَمِيع غَانِم وَهُوَ مُتَّهم فِي النّصْف إِذْ لم يثبت لَهُ بَدَلا وَلَا يتهم فِي النّصْف فِي نصف غَانِم وَيعتق نصفه مَعَ جَمِيع سَالم لِأَن نصف غَانِم سدس وَجُمْلَة سَالم سدس وَالثلث يَفِي بهما فَكَأَنَّهُ أوصى بِعِتْق نصف غَانِم وَجَمِيع سَالم وَيحْتَمل أَن يُقَال الرُّجُوع لَا يتَجَزَّأ فَتبْطل الشَّهَادَة على الرُّجُوع عَن عتق غَانِم وَتبقى الشَّهَادَة بِالْعِتْقِ لغانم وَشَهَادَة الْوَرَثَة كَشَهَادَة الْأَجَانِب فَكَأَنَّهُ ثَبت عتقهما جَمِيعًا فيقرع بَينهمَا فَإِن خرج على غَانِم عتق فَقَط وَإِن خرج على سَالم عتق وَعتق مَعَه من غَانِم نصفه ليكمل الثُّلُث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 الرَّابِعَة شهِدت بَيِّنَة أَنه أوصى لزيد بِالثُّلثِ وَشهِدت أُخْرَى لعَمْرو بِالثُّلثِ وَشهِدت أُخْرَى بِالرُّجُوعِ عَن إِحْدَى الوصيتين لَا بِعَينهَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يقسم الثُّلُث بَينهمَا قَالَ الْأَصْحَاب سَببه رد شَهَادَة الرُّجُوع لِأَنَّهَا مجملة وَقَالَ الْقفال تقبل شَهَادَة الرُّجُوع لِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ والمشهود لَهُ معِين وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا لَو كَانَ شهد كل بَيِّنَة بالسدس فَإِن رددنا شَهَادَة الرُّجُوع المجملة أعطينا كل وَاحِد سدسا كَامِلا وَإِن قبلنَا الشَّهَادَة وزعنا سدسا وَاحِدًا عَلَيْهِمَا وَقد تمّ الْكَلَام فِي الدَّعَاوَى فلنذكر دَعْوَى النّسَب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 = كتاب دَعْوَى النّسَب وإلحاق الْقَائِف= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْإِلْحَاق وَهِي ثَلَاثَة الْمُسْتَلْحق والملحق والإلحاق الرُّكْن الأول الْمُسْتَلْحق وَيصِح استلحاق كل حر ذكر يُمكن ثُبُوت النّسَب مِنْهُ بِنِكَاح أَو وَطْء مُحْتَرم فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول الْحُرِّيَّة وَفِي استلحاق العَبْد وَالْمُعتق ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَصح فَلَا فرق بَين الْحر وَالْعَبْد حَتَّى لَو تداعيا جَمِيعًا عرض على الْقَائِف وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقدم الْحر على العَبْد وَالْمُسلم على الْكَافِر وَعِنْدنَا لَا فرق وَالثَّانِي لَا يلحقهما نسب إِلَّا فِي نِكَاح أَو وَطْء بِشُبْهَة لِأَنَّهُمَا بصدد الْوَلَاء فَلَيْسَ لَهما قطع الْوَلَاء بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَالثَّالِث أَن العَبْد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فيلحقه من يستلحقه أما الْمُعْتق فَالْولَاء عَلَيْهِ حَاصِل فَلَا تصح دَعْوَاهُ وَهَذَا الْخلاف جَار لَو كَانَ الْمُسْتَلْحق عبدا أَو معتقا لأجل الْوَلَاء الْقَيْد الثَّانِي الذُّكُورَة وَفِي استلحاق الْمَرْأَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الصِّحَّة كَالرّجلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 وَالثَّانِي لَا لِأَن الْولادَة يُمكن إِثْبَاتهَا بِالشَّهَادَةِ بِخِلَاف جَانب الْأَب وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت خلية من الزَّوْج لحقها وَإِن كَانَت ذَات زوج فَلَا إِذْ لَا يُمكن الْإِلْحَاق بهَا دون الزَّوْج وَلَا يُمكن الْإِلْحَاق بِالزَّوْجِ مَعَ إِنْكَاره الْقَيْد الثَّالِث الْإِمْكَان وَذَلِكَ بِحَقِيقَة الْوَطْء أَو بِعقد النِّكَاح مَعَ مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَقد ذَكرْنَاهُ وَإِنَّمَا يُمكن النّسَب من شَخْصَيْنِ بِأَن يجتمعا على وَطئهَا فِي طهر وَاحِد إِمَّا بِالشُّبْهَةِ أَو بِملك الْيَمين فَإِن وطىء الثَّانِي بعد تخَلّل حَيْضَة فَالْوَلَد للثَّانِي إِلَّا أَن يكون الأول زوجا فَلَا يَنْقَطِع الْإِمْكَان فِيهِ بِالْحيضِ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِي حَقه وجود الْوَطْء بل يَكْفِي فرَاش النِّكَاح مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَهَذَا مَوْجُود فِي الطُّهْر الثَّانِي وَأما ملك الْيَمين فَلَا يثبت فراشا وَالنِّكَاح الْفَاسِد يلْحق بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح أَو بِملك الْيَمين فِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف أَن فرَاش النِّكَاح الصَّحِيح يَنْقَطِع بفراش آخر نَاسخ لَهُ حَتَّى يلْحق الْوَلَد بِالثَّانِي وَإِن أمكن من حَيْثُ الزَّمَان أَن يكون مِنْهُمَا الرُّكْن الثَّانِي الملحق وَهُوَ كل مدلجي مجرب أهل للشَّهَادَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول المدلجي وَالصَّحِيح الإختصاص بهم إِذْ رجعت إِلَيْهِم الصَّحَابَة مَعَ كَثْرَة الأكياس فيهم وَمِنْهُم من قَالَ هَذِه صَنْعَة تتعلم فَمن تعلم جَازَ اعْتِمَاد قَوْله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 وَأما المجرب فنعنى بِهِ أَن من كَانَ مدلجيا أَو ادّعى علم الْقَافة لم يقبل قَوْله حَتَّى يجرب ثَلَاثًا بِأَن يرى صَبيا بَين نسْوَة لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن لم يلْحق أحضرت نسْوَة أُخْرَى لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن ألحق علمنَا أَنه بَصِير فنعرض عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يرى النسْوَة لِأَن ولادتهن نعلمها تَحْقِيقا فَلَا يتَعَيَّن عدد فِي التجربة بل الْمَقْصُود ظُهُور بصيرته وَأما كَونه أَهلا للشَّهَادَة فَلَا بُد مِنْهُ وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا تشْتَرط الذُّكُورَة وَالْحريَّة وَكَأَنَّهُ إِخْبَار وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط الْعدَد وَكَأن الْقَائِف حَاكم الرُّكْن الثَّالِث فِي الْإِلْحَاق وَمحل الْعرض على الْقَائِف إِنَّمَا يعرض على الْقَائِف صَغِير تداعاه شخصان كل وَاحِد لَو انْفَرد بالدعوة للحقه وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر وَخرج على هَذِه الْقُيُود مسَائِل أَربع الأولى أَن إِثْبَات النّسَب من أبوين غير مُمكن عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَلذَلِك لزم الْعرض على الْقَائِف ومستند الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَدِيث مجزز المدلجي وَهُوَ مَعْرُوف وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقُول يلْحق بهما جَمِيعًا وَلَا نظر إِلَى قَول الْقَائِف ثمَّ عندنَا يعْتَمد قَول الْقَائِف فِي مَوْلُود صَغِير أَو بَالغ سَاكِت أما الْبَالِغ الْمَجْهُول إِذا اسْتَلْحقهُ وَاحِد فوافقه فَلَا يقبل قَول الْقَائِف على خِلَافه لِأَن الْحق لَا يعدوها وَلَو أنكرهُ الْبَالِغ وألحقه الْقَائِف لم يصر قَوْله حجَّة عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 الثَّانِيَة صبي فِي يَد إِنْسَان وَهُوَ مستلحقه فاستلحقه غَيره لم يعرض على الْقَائِف بعد تقدم صَاحب الْيَد وَيَده كفراش النِّكَاح والمولود على فرَاش النِّكَاح إِذا ادَّعَاهُ من يَدعِي وَطْء شُبْهَة لم يلْحقهُ وَإِن وَافقه الزَّوْجَانِ على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ لِأَن حق الْوَلَد يرْعَى فِيهِ بل إِن أَقَامَ بَيِّنَة على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ عرض على الْقَائِف الثَّالِثَة صبي استحلقه رجل ذُو زَوْجَة وَهِي تنكر وِلَادَته أَو استلحقته امْرَأَة ذَات زوج وَالزَّوْج يُنكر وِلَادَتهَا فليلحق بِالرجلِ الْمُسْتَلْحق وَفِي الْمَرْأَتَيْنِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يلْحق زَوْجَة الْمُسْتَلْحق وَإِن أنْكرت وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعية وَيقدر أَنَّهَا ولدت من الْمُدَّعِي بِوَطْء شُبْهَة وَالثَّالِث أَنه يعرض فِي حَقّهمَا على الْقَائِف الرَّابِعَة إِن لم نجد الْقَائِف أَو وَجَدْنَاهُ وتحي رفإذا بلغ أمرناه بالإنتساب فَإِن لم ينتسب حبسانه حَتَّى ينتسب فَإِذا انتسب إِلَى أَحدهمَا لحقه وَكَانَ اخْتِيَاره كإلحاق الْقَائِف وَلم يقبل رُجُوعه كَمَا لَا يقبل رُجُوع الْقَائِف ودعواه الْغَلَط وَالصَّحِيح أَن الْمُمَيز لَا يُخَيّر بِخِلَاف الْحَضَانَة فَإِن أَمر النّسَب مخطر فروع أَرْبَعَة الأول وطىء رجلَانِ فِي طهر وَاحِد وحبلت وَادّعى أَحدهمَا وَسكت الآخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يعرف على الْقَائِف وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعي الثَّانِي لَو أَلْقَت سقطا يعرض على الْقَائِف وَلَو انْفَصل حَيا وَمَات يعرض مَا لم يتَغَيَّر الثَّالِث نَفَقَة الْوَلَد قبل إِلْحَاق الْقَائِف عَلَيْهِمَا ثمَّ إِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ على الآخر بِمَا أنْفق وَلَو أوصِي لَهُ قبله كل وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يحصل الْملك لَهُ الرَّابِع من استلحق صَبيا مَجْهُولا فَبلغ وانتفى عَنهُ فَفِيهِ قَولَانِ كالقولين فِيمَن حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا فَبلغ وأعرب عَن نَفسه بالْكفْر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 = كتاب الْعتْق = وَلَا يخفى أَن الْعتْق قربَة وَيشْهد لنفوذه الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وخواصه وفروعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 أما أَرْكَانه فَثَلَاثَة الأول الْمُعْتق وَهُوَ كل مُكَلّف لَا حجر عَلَيْهِ بفلس وسفه الثَّانِي الْمُعْتق وَهُوَ كل إِنْسَان مَمْلُوك لم يتَعَلَّق بِعَيْنِه وَثِيقَة وَحقّ لَازم فَإِن ف إِعْتَاق الْمَرْهُون خلافًا وإعتاق الطير والبهيمة لاغ على الْأَصَح الثَّالِث الصِّيغَة وصريحه التَّحْرِير وَالْإِعْتَاق وَفك الرَّقَبَة ورد فِي الْقُرْآن مرّة فَفِي كَونه صَرِيحًا وَجْهَان كالمفاداة فِي الْخلْع وَأما الْكِنَايَة فَكل مَا يحْتَمل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق وَلَا سُلْطَان لي عَلَيْك وحبلك على غاربك ونظائره فروع أَرْبَعَة الأول لَو قَالَ لعَبْدِهِ يَا مولَايَ وَنوى عتق وَلَو قَالَ يَا سَيِّدي وَيَا كذبانو للْأمة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 وَنوى لم ينفذ لِأَنَّهُ ينبىء عَن التَّرَدُّد وتدبير الْمنزل دون الْعتْق وَيحْتَمل أَن يُقَال ينفذ الثَّانِي أَن يَقُول يَا حرَّة فتعتق إِلَّا أَن يكون اسْمهَا حرَّة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ اسْم الْغُلَام آزاذروي وَإِن كَانَ اسْمهَا قبل الرّقّ حرَّة فبدل اسْمهَا فَقَالَ السَّيِّد يَا حرَّة ثمَّ قَالَ قصدت نداءها باسمها الْقَدِيم لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن هَذَا الإسم الْآن لَا يَلِيق بهَا فَظَاهر اللَّفْظ صَرِيح وَلَو كَانَ اسْمهَا الْقَدِيم فَاطِمَة فَغير باسم من أَسمَاء الإِمَام فناداها وَقَالَ يَا فَاطِمَة وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن اللَّفْظ لَا يشْعر بِهِ الثَّالِث لَو قَالَ يَا آزاذمرد ثمَّ قَالَ أردْت وَصفه بالجود لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن اللَّفْظ صَرِيح إِلَّا أَن يكون مَعَه قرينه كَمَا لَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق وَهُوَ يحل الوثاق عَنْهَا وَفِي قبُول نِيَّته فِي حل الوثاق خلاف الرَّابِع إِذا قَالَ لعبد الْغَيْر أَعتَقتك فَإِن كَانَ فِي معرض الْإِنْشَاء لَغَا وَإِن كَانَ فِي معرض الْإِقْرَار كَانَ مؤاخذا بِهِ إِن ملكه يَوْمًا من الدَّهْر وَاعْلَم أَن الْعتاق وَالطَّلَاق يتقاربان وَقد فصلنا حكم الْأَلْفَاظ والتعليقات فِي الطَّلَاق فَلَا نعيده بل نقتصر على ذكر خَواص الْعتْق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 النّظر الثَّانِي فِي خَواص الْعتْق وَهِي خَمْسَة السَّرَايَة والحصول بِالْقَرَابَةِ والإمتناع من الْمَرِيض فِيمَا جَاوز الثُّلُث والقرعة وَالْوَلَاء الخاصية الأولى السَّرَايَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَله مَال قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي ففهم من هَذَا أَن الشَّرْع متشوف إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَلذَلِك نقُول لَو أعتق نصف عبد عتق الْجَمِيع بل لَو أعتق يَده أَو عضوا آخر عتق الْجَمِيع وَذَلِكَ بطرِيق السَّرَايَة أَو بطرِيق التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَتظهر فَائِدَته فِي الْإِضَافَة إِلَى الْعُضْو الْمَقْطُوع وَلَا تثبت السَّرَايَة من شخص إِلَى شخص فَإِن أعتق الْجَنِين لم تعْتق الْأُم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله وَلَو أعتق الْأُم عتق الْجَنِين تبعا كَمَا يتبع فِي البيع وَلَو كَانَ الْحمل مَمْلُوكا للْغَيْر فَلَا يسري وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسري أما الْعتْق فَإِنَّمَا يسري إِلَى ملك الشَّرِيك بِشُرُوط أَرْبَعَة أَحدهَا أَن يكون الْمُعْتق مُوسِرًا ونعني بِهِ أَن يكون لَهُ من المَال قدر قيمَة نصيب الشَّرِيك وَيعْتَبر فِيهِ كل مَا يُبَاع فِي الدّين فَلَا يتْرك لَهُ إِلَّا دست ثوب يَلِيق بِهِ وَيُبَاع فِيهِ دَاره وَعَبده الَّذِي يحْتَاج إِلَى خدمته وَإِن كَانَ لَا يُبَاع فِي الْكَفَّارَة لِأَن هَذَا دين وَالْمَرِيض لَيْسَ مُوسِرًا إِلَّا بِمِقْدَار الثُّلُث وَلَو أوصى بِعِتْق بعض عبد عِنْد مَوته لم يسر لِأَن الْمَيِّت مُعسر وَقد انْتقل مَاله إِلَى الْوَارِث إِلَّا أَن يَسْتَثْنِي بِالْوَصِيَّةِ فَلَو قَالَ أعتقوا نصفه عتقا ساريا أعتقنا النّصْف وَلم يسر لِأَنَّهُ أوصى بمحال إِلَّا أَن يُوصي بشرَاء النَّصِيب الثَّانِي وإعتاقه فرعان الأول لَو كَانَ لَهُ مَال وَعَلِيهِ مثله دين فَهَل يحلق بالمعسر فِيهِ خلاف كَمَا فِي الزَّكَاة لِأَن السَّرَايَة حق الله تَعَالَى كَالزَّكَاةِ الثَّانِي لَو كَانَ مُعسرا بِبَعْض قيمَة النَّصِيب فِيهِ وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 أَحدهمَا أَنه يسري بذلك الْقدر وَالثَّانِي أَنه لَا يسري إِذْ لَا بُد من تبعيض الرّقّ وَالشَّرِيك يتَضَرَّر بتبعيض ملكه كَمَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي بتبعيض الْمَبِيع عَلَيْهِ فِي الشُّفْعَة الشَّرْط الثَّانِي أَن يتَوَجَّه الْعتْق على نصيب نَفسه أَو على الْجَمِيع حَتَّى يتَنَاوَل نصِيبه فَلَو قَالَ أعتقت نصيب شَرِيكي لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ أعتقت النّصْف من هَذَا العَبْد فَهُوَ مُحْتَمل لكل وَاحِد من الْجَانِبَيْنِ وَلكنه لَا يخصص بِجَانِب شَرِيكه وَهل يخصص بجانبه أم يُقَال هُوَ نصف شَائِع فِي الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وَلَا تظهر هَا هُنَا فَائِدَته لِأَنَّهُ إِذا تنَاول شَيْئا من ملكه سرى إِلَى جَمِيع ملكه ويسري أَيْضا إِلَى شَرِيكه إِلَّا أَن يكون مُعسرا لَكِن تظهر فَائِدَته فِي قَوْله بِعْت هَذَا النّصْف أَو فِي إِقْرَاره بِنصْف الضَّيْعَة الْمُشْتَركَة لثالث فَفِي وَجه يخرج جَمِيع النّصْف من يَده وَفِي وَجه يخرج شطر النّصْف من يَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل البيع عَن نصف الْخَاص وَالْإِقْرَار يشيع لِأَن الْإِنْسَان قد يخبر عَمَّا فِي يَد الْغَيْر وَلَا يَبِيع مَال الْغَيْر وَهَذَا مُتَّجه فليجعل وَجها فِي مَذْهَبنَا الشَّرْط الثَّالِث أَن يعْتق بِاخْتِيَارِهِ فَلَو ورث نصف قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ لم يسر لِأَن التَّقْوِيم تغريم يَلِيق بالتلف الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يتَعَلَّق بِمحل السَّرَايَة حق لَازم فَإِن تعلق كَمَا لَو كَانَ مَرْهُونا أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو مُسْتَوْلدَة فَفِي السَّرَايَة إِلَى جَمِيع ذَلِك خلاف وَبَعضهَا أولى بِأَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 لَا يسري من بعض وَذَلِكَ بِحَسب تَأَكد الْحُقُوق ثمَّ عتق الْمُوسر مَتى يسري فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه فِي الْحَال حَتَّى لَا يَتَبَعَّض الرّقّ مَا أمكن وَالثَّانِي أَنه إِذا أدّى الْقيمَة حَتَّى لَا يَزُول ملك الشَّرِيك إِلَّا بِبَدَل يملكهُ فَإِن ذَلِك أهم من السَّرَايَة وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِذا أدّى تبين السَّرَايَة من وَقت الْعتْق وَإِن تعذر اسْتمرّ الر نظرا إِلَى الْمَعْنيين جَمِيعًا ثمَّ يَنْبَنِي على الْأَقْوَال مسَائِل الأولى فِي سرَايَة استيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بالترتيب وَأولى بِأَن لَا يتعجل لِأَنَّهُ علقَة عتاقه لَا حَقِيقَة عتاقه وَقيل أولى بِأَن يتعجل لِأَنَّهُ فعل وَهُوَ أقوى من القَوْل ثمَّ إِذا سريناه لكَونه مُوسِرًا فَعَلَيهِ نصف الْمهْر وَنصف قيمَة الْجَارِيَة وَنصف قيمَة الْوَلَد إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك ينْتَقل قبيل الْعلُوق فَتسقط قيمَة الْوَلَد وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَا يسري وَلَو اسْتَوْلدهَا الثَّانِي أَيْضا وَهُوَ مُعسر فَهِيَ مستولدتهما فَإِن أعتق أَحدهمَا نصِيبه وَهُوَ مُوسر فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسري لِأَن السَّرَايَة بِتَقْدِير نقل الْملك والمستولدة لَا تقبل النَّقْل وَلَكِن لَا يبعد أَن يقبل مثل هَذَا النَّقْل القهري المفضي إِلَى الْعتْق وَكَذَلِكَ لَو أعتق الْكَافِر نصِيبه من عبد مُسلم فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان إِذْ فِي ضمنهَا نقل الْملك وَلَكِن قهرا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عبد بَين ثَلَاثَة لأَحَدهم ثلثه وَلآخر سدسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 وَللْآخر نصفه فَأعتق اثْنَان نصيبهما مَعًا وسرى فقيمة مَحل السَّرَايَة توزع على عدد رءوسهما أَو على قدر ملكيهما فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الشُّفْعَة وَقيل يقطع هَاهُنَا بالتوزيع على عدد الرُّءُوس لِأَنَّهُ إهلاك فَيُشبه الْجِرَاحَات وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْجراحَة لَا يتَقَدَّر أَثَرهَا بِقدر غورها حَتَّى يُقَال بِأَن أَربع جراحات أثر كل وَاحِدَة ربع السَّرَايَة وَهَا هُنَا السَّبَب مُقَدّر تَحْقِيقا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا حكمنَا بِتَأْخِير السَّرَايَة فَالْقيمَة بِأَيّ يَوْم تعْتَبر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَوْم الْإِعْتَاق إِذْ هُوَ سَبَب الزَّوَال وَالثَّانِي بِيَوْم الْأَدَاء إِذْ عِنْده فَوَات الْملك وَالثَّالِث يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْإِعْتَاق وَالْأَدَاء وَهُوَ الْأَصَح كَمَا يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْجراحَة وَالْمَوْت فرع إِذا اخْتلفَا فِي قدر قيمَة العَبْد وَقد مَاتَ وَتعذر مَعْرفَته فَالْقَوْل قَول الْغَارِم لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَفِيه قَول آخر ضَعِيف أَن القَوْل قَول الطَّالِب إِذْ يبعد أَن ينْقل ملكه بقول غَيره أما إِذا ادّعى الْغَارِم نُقْصَان الْقيمَة بِسَبَب نقيصة طارئة فَالْأَصْل عدم النَّقْص وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَيخرج على قولي تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَلَيْسَ معنى تقَابل الْأَصْلَيْنِ اسْتِحَالَة التَّرْجِيح بل يطْلب التَّرْجِيح من مدرك آخر سوى اسْتِصْحَاب الْأُصُول فَإِن تعذر فَلَيْسَ إِلَّا التَّوَقُّف أما تخير الْمُفْتِي بَين متناقضين فَلَا وَجه لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الطوارىء قبل أَدَاء الْقيمَة على قَول التَّوَقُّف كموت الْمُعْتق أَو العَبْد أَو بيع الشَّرِيك أَو عتقه أَو وَطئه أَو إعسار الْمُعْتق أما موت الْمُعْتق فَيُوجب الْقيمَة فِي التَّرِكَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ الْإِعْتَاق وَأما موت العَبْد هَل يسْقط الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِخُرُوجِهِ من قبُول الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سبق اسْتِحْقَاق الْعتْق على الْمَوْت وَالْقيمَة وَجَبت بِهِ أما بيع الشَّرِيك فَالصَّحِيح أَنه لَا ينفذ فَإِنَّهُ يبطل اسْتِحْقَاق الْعتْق وَأما إِعْتَاقه فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينفذ لِأَن الأول اسْتحق إِعْتَاقه من نَفسه وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم وَالْمَقْصُود أصل الْعتْق وَأما وَطْؤُهُ فَيُوجب نصف الْمهْر لنصفها الْحر وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِلنِّصْفِ الثَّانِي لِأَن ملكه بَاقٍ وَفِيه وَجه أَنه يجب للشَّرِيك الأول فَإِن الْملك مُسْتَحقّ الإنقلاب إِلَيْهِ وَأما إعسار الْمُعْتق فَالصَّحِيح أَنه يرفع الْحجر عَن الشَّرِيك فِي التَّصَرُّف لأَنا أخرنا الْعتْق لأجل حَقه فَلَا يُمكن تَعْطِيل ملكه بِغَيْر بدل نعم لَو كَانَ مُعسرا أَولا فطرآن الْيَسَار لَا يُؤثر فِي السَّرَايَة الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ لصَاحبه إِذا أعتقت أَنْت نصيبك فنصيبي أَيْضا حر فَإِذا أعتق الْمَقُول لَهُ ذَلِك وَكَانَ مُوسِرًا ورأينا تَعْجِيل السَّرَايَة عتق العَبْد كُله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اجْتمع على النّصْف تَعْلِيق وسراية والسراية أولى لكَونهَا قهرية تَابِعَة لعتق النّصْف الآخر الَّذِي لَا يقبل الدّفع وَأما التَّعْلِيق فَلفظ يقبل الدّفع وَإِن فرعنا على التَّأْخِير فَيعتق النّصْف الآخر بِالتَّعْلِيقِ كَمَا لَو أنشأالعتق مَعَه أَو بعده إِلَّا إِذا فرعنا على أَن عتقه لَا ينفذ لاسْتِحْقَاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 السَّرَايَة فَحِينَئِذٍ ينْدَفع التَّعْلِيق بِاسْتِحْقَاق السَّرَايَة كَمَا ينْدَفع بِنَفس السَّرَايَة أما إِذا كَانَ مُعسرا فتلغو السَّرَايَة وَينفذ التَّعْلِيق وَلَو قَالَ فنصيبي حر قبله وَكَانَا معسرين عتق كل نصيب على صَاحبه وَإِن كَانَا موسرين فَهَذَا من الدّور إِذْ لَو عتق قبل مُبَاشَرَته بِحكم التَّعْلِيق لسرى وامتنعت الْمُبَاشرَة بعده وانعدمت الصّفة الَّتِي عَلَيْهَا التَّعْلِيق فتنعدم السَّرَايَة فَهَذَا عِنْد ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْحجر على الْمَالِك فِي إِعْتَاق نصيب نَفسه الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه قد أعتقت نصيبك وَأَنت مُوسر فَأنْكر عتق نصيب الْمُدَّعِي مجَّانا مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَذَلِكَ ظَاهر وَلَكِن على قَول تَعْجِيل السَّرَايَة ثمَّ لَهُ أَن يحلفهُ فَلَو نكل فَحلف الْمُدَّعِي أَخذ قيمَة نصِيبه وَلم يحكم بِعِتْق نصيب الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ الْمَرْدُودَة لِأَن دَعْوَاهُ إِنَّمَا قبلت لأجل قيمَة نصِيبه وَإِلَّا فدعوى الْإِنْسَان على غَيره أَنه أعتق ملك نَفسه غير مسموع بل إِنَّمَا تسمع الشَّهَادَة على سَبِيل الْحِسْبَة وَلَو ادّعى كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ على الآخر أَنه أعتق نصيب نَفسه فَإِن كَانَا معسرين بَقِي العَبْد رَقِيقا وَإِن كَانَا موسرين عتق العَبْد وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا يَدعِيهِ أَحدهمَا لنَفسِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 الخاصية الثَّانِيَة الْعتْق بِالْقَرَابَةِ وكل من دخل فِي ملكه أحد أَبْعَاضه عتق عَلَيْهِ إِن كَانَ من أهل التَّبَرُّع فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول قَوْلنَا دخل فِي ملكه وَقد تناولنا بِهَذَا الْإِرْث وَالْهِبَة وَالشِّرَاء وكل ملك قهرا كَانَ أَو اخْتِيَارا لِأَن هَذَا الْعتْق صلَة فَلَا يَسْتَدْعِي الإختبار والسراية غَرَامَة فَلَا تحصل إِلَّا بعد الإختيار الثَّانِي الأبعاض وَقد تناولنا بِهِ جَمِيع الْفُرُوع وَالْأُصُول وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة وأخرجنا الْإِخْوَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق كل ذِي رحم محرم الثَّالِثَة أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَيخرج عَلَيْهِ الطِّفْل وَالْمَرِيض والمحجور أما الطِّفْل لَيْسَ لوَلِيِّه أَن يَشْتَرِي لَهُ قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ وَلَو وهب لَهُ لم يجز قبُوله حَيْثُ تجب نَفَقَته بِأَن يكون الْمَوْهُوب غير كسوب وَالصَّبِيّ مُوسر وَحَيْثُ لَا تجب النَّفَقَة فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 الْحَال يجوز الْقبُول وَإِن كَانَ يتَوَقَّع فِي الْمَآل فَلَا ينظر إِلَيْهِ ثمَّ إِذا قبل عتق عَلَيْهِ وَلَو وهب مِنْهُ نصف قَرِيبه وتوقع من قبُوله السَّرَايَة والغرامة فَلَا يقبله الْوَلِيّ وَفِيه وَجه أَنه يقبل وَلَا يسري أما الْمَرِيض فَلَو اشْترى قَرِيبه عتق من ثلثه فَإِن لم يَفِ بِهِ فَلَا يعْتق وَإِن ملكه بِإِرْث أَو هبة فَيعتق من الثُّلُث أَو رَأس المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا من الثُّلُث كَمَا لَو اتهب عبدا وَأَنْشَأَ عتقه وَالثَّانِي من رَأس المَال لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلم يبْذل فِي مُقَابلَته شَيْئا وَلَو اشْتَرَاهُ بِأَلف وَهُوَ يُسَاوِي أَلفَيْنِ فَقدر الْمُحَابَاة يخرج على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْبَاقِي يحْسب من الثُّلُث أما الْمَحْجُور بِسَبَب الدّين مَرِيضا كَانَ أَو مفسلا فَيعتق عَلَيْهِ قَرِيبه الَّذِي وَرثهُ أَو اتهبه وَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْسب من رَأس المَال أما إِذا اشْترى فَفِي وَجه يبطل الشِّرَاء وَفِي وَجه يملك وَلَا يعْتق فرع إِذا قهر الْحَرْبِيّ حَرْبِيّا آخر ملكه فَلَو قهر أَبَاهُ فَهَل يملكهُ حَتَّى يَصح بَيْعه قَالَ أَبُو زيد يملكهُ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ يعْتق قهرا فقهر الْعتْق ملك والقهر دَائِم وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يملك لِأَن الْقَرَابَة دافعة وَهِي دائمة مَعَ الْقَهْر قَاعِدَة مركبة من عتق الْقَرَابَة والسراية وَهِي أَن الْمُوسر إِذا اشْترى نصف قَرِيبه عتق وسرى وَكَذَا لَو اتهب وَلَو ورث عتق وَلم يسر لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 وَاعْلَم أَن اخْتِيَار وَكيله ونائبه شرعا كاختياره حَتَّى لَو أوصى لَهُ بِبَعْض أَبِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ فَقبل بنيابته عتق كُله على الْمَيِّت إِن كَانَ فِي الثُّلُث وَفَاء لِأَن قبُوله كقبول الْمَيِّت فَكَأَن الْمَيِّت ملكه فِي الْحَيَاة وَلَو أوصى لَهُ بِنصْف ابْن أَخِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ وَقبل فَهَل يسر على الْقَابِل فَإِنَّهُ ابْنه فِيهِ وَجْهَان وَوجه منع السَّرَايَة أَن قبُوله يحصل الْملك للْمَيت أَولا ثمَّ ينْتَقل إِلَيْهِ قهرا وَيجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كل ملك يحصل غير مَقْصُود فِي نَفسه كَمَا لَو بَاعَ بعض من يعْتق على وَارثه بِثَوْب ثمَّ رد الْوَارِث الثَّوْب بِعَيْب رَجَعَ إِلَيْهِ بعض قَرِيبه ضمنا لرد الْعِوَض وَكَذَلِكَ إِذا عجز مكَاتبه وَكَانَ فِي يَده بعض قَرِيبه وَلَو عجز الْمكَاتب نَفسه فَرجع بعض قريب السَّيِّد إِلَيْهِ لم يسر قطعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 الخاصية الثَّالِثَة امْتنَاع الْعتْق بِالْمرضِ إِذا لم يَفِ الثُّلُث بِهِ فَلَو أعتق عبدا لَا مَال لَهُ غَيره عتق ثلثه ورق ثُلُثَاهُ للورقة فَإِن ظهر عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق بيع كُله فِي الدّين وَلَو مَاتَ العَبْد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْقفال مَاتَ وَثلثه حر وثلثاه رَقِيق وَقيل إِنَّه مَاتَ حرا لِأَن الإرقاق إِنَّمَا يكون حَيْثُ يكون للْوَرَثَة فِيهِ فَائِدَة وَقيل يَمُوت كُله رَقِيقا لِأَن الثُّلُث إِنَّمَا يعْتق إِذا حصل للْوَارِث ثُلُثَاهُ وَتظهر فَائِدَة هَذَا فِيمَا لَو وهب عبدا وأقبضه وَمَات ثمَّ مَاتَ السَّيِّد فَيظْهر أثر الْخلاف فِي مُؤنَة التَّجْهِيز وَأَنَّهَا على من أما لَو قبله الْمُتَّهب فَهُوَ كالباقي حَتَّى يغرم قيمَة الزَّائِد على الثُّلُث فرع لَو أعتق ثَلَاثَة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم وَمَات وَاحِد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْأَصْحَاب يدْخل الْمَيِّت فِي الْقرعَة فَإِن خرجت لَهُ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الْحَيَّيْنِ عتق ثُلُثَاهُ فَقَط وَهَذَا إِنَّمَا يَصح على اخْتِيَار الْقفال فَأَما من جعل الْمَيِّت قبل السَّيِّد كَالْمَعْدُومِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 فَلَا ينقدح عِنْده إِدْخَاله فِي الْقرعَة أما إِذا مَاتَ أحدهم بعد موت السَّيِّد وَلَكِن قبل امتداد يَد الْوَارِث وَقبل الْقرعَة فَيدْخل فِي الْقرعَة فَإِن خرج عَلَيْهِ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الباقيين عتق ثُلُثَاهُ وَلم يحْتَسب مَا لم يدْخل فِي يَد الْوَارِث عَلَيْهِ وَإِن كَانَ دخل فِي يَده وَلَكِن مَاتَ قبل الْقرعَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحْسب عَلَيْهِ حَتَّى لَو خرجت على وَاحِد من الْحَيَّيْنِ عتق بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَحْجُورا عَن التَّصَرُّف قبل الْقرعَة فَأَي فَائِدَة لليد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 الخاصية الرَّابِعَة الْقرعَة وَالنَّظَر فِي محلهَا وكيفيتها أما محلهَا فَإِن أعتق عبيدا مَعًا لَا يَفِي ثلثه بهم فقد أعتق رجل سِتَّة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم فجزأهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَجزَاء وأقرع بَينهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا قرعَة ويزع عَلَيْهِم فَيعتق من كل وَاحِد ثلثه وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن تشوف الشَّرْع إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَوَجَبَ اتِّبَاع الْخَبَر وَالْمذهب أَن الْقرعَة جَارِيَة فِيمَا لَو أوصى بعتقهم وَفِيمَا لَو قَالَ الثُّلُث من كل وَاحِد مِنْكُم حر وَفِيه وَجه أَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي تَنْجِيز الْعتْق على الْجَمِيع فَلَا تلْحق بِهِ الْوَصِيَّة وَلَا صَرِيح التجزئة بل يجْرِي على الْقيَاس أما إِذا أعتق على تَرْتِيب فَلَا خلاف أَن السَّابِق يقدم وَلَا قرعَة وَأما الْوَصِيَّة فَلَا ينظر فِيهَا إِلَى التَّقَدُّم والتأخر لِأَن الْمَوْت جَامع لوقت الْعتْق وَهُوَ وَاحِد نعم لَو دبر عبدا وَأوصى بِعِتْق آخر فالمدبر يتَّصل عتقه بِالْمَوْتِ وَالْوَصِيَّة تقف على الْإِنْشَاء بعده فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تَقْدِيم الْمُدبر وَالثَّانِي التَّسْوِيَة لِأَن اسْتِحْقَاق الْمُوصى بِهِ يُقَارب عتق الْمُدبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 فرع فِي الدّور وَكَيْفِيَّة الْإِخْرَاج من الثُّلُث فَإِذا أعتق ثلَاثه أعبد قيمَة كل وَاحِد مائَة وَلَا مَال لَهُ غَيرهم وَلَكِن اكْتسب وَاحِد مائَة قبل الْمَوْت فيقرع بَينهم فَإِن خرج على المكتسب فَلَا إِشْكَال وَقد عتق وفاز بِالْكَسْبِ ورق الْآخرَانِ وَلَو خرج على غَيره عتق وَلم يقنع بِهِ لِأَنَّهُ يبْقى للْوَرَثَة عَبْدَانِ وَمِائَة أُخْرَى هِيَ الْكسْب فيقرع مرّة أُخْرَى بَين الْعَبْدَيْنِ الآخرين فَإِن خرج على غير المكتسب فَيعتق مِنْهُ ثلثه وَبِه يتم ثلث أَرْبَعمِائَة إِذْ مهما رق المكتسب صَار المَال أَرْبَعمِائَة وَإِن خرج على المكتسب وَقع الدّور لِأَن كل جُزْء يعْتق مِنْهُ فيستتبع جُزْءا من الْكسْب فِي مُقَابلَته وَينْقص مبلغ الْمِيرَاث بِهِ إِذْ مَا يتبع الْجُزْء يخرج من حِسَاب الْمِيرَاث فسبيله الْجَبْر والمقابلة فطريق عمله أَن نقُول عتق من المكتسب شَيْء وَتَبعهُ مثله لِأَن الْكسْب مثل قِيمَته وَلَو كَانَ اكْتسب مِائَتَيْنِ لقلنا تبعه مثلاه وَلَو كَانَ اكْتسب خمسين لقلنا تبعه مثل نصفه فَإِن كَانَ الْكسْب مائَة وَتَبعهُ مثله بَقِي فِي يَد الْوَرَثَة ثَلَاثمِائَة إِلَّا شَيْئَيْنِ إِذْ أعتقنا شَيْئا وَتَبعهُ مثله وَهِي تعدل مثلي مَا أعتقنا فيكُن مِائَتَيْنِ وشيئين أعتقنا مائَة وشيئا فَفِي أَيْديهم ثلثان إِلَّا شَيْئَيْنِ تعدل مِائَتَيْنِ وشيئين فتجبر الثَّلَاث مائَة بشيئين فَيصير فِي أَيْديهم ثَلَاثمِائَة تعدل مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَة أَشْيَاء فالمائتان بالمائتين قصاص تبقى مائَة فِي مُقَابلَة أَرْبَعَة أَشْيَاء فَيكون كل شَيْء ربع الْمِائَة فقد ظهر لنا أَن الَّذِي أعتقنا كَانَ ربع العَبْد وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين وَتَبعهُ من الْكسْب مثله فَتَصِير خمسين وَيبقى فِي يَد الْوَرَثَة من بَقِيَّة الْكسْب والعبدين قدر مِائَتَيْنِ وَخمسين وَهُوَ ضعف مَا أعتقناه فَإنَّا أعتقنا مائَة وخمسا وَعشْرين وَذَلِكَ مَا أردنَا أَن نبين وَمهما زَادَت قيمَة عبد فَهُوَ ككسبه وَلَو كَانَت جَارِيَة فَحملت فالحمل كالكسب الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقرعَة وَكَيْفِيَّة التجزئة أما كَيْفيَّة الْقرعَة فقد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْقِسْمَة وَيتَخَيَّر بَين أَن يكْتب اسْم العبيد أَو يكْتب الرّقّ وَالْحريَّة وَلَعَلَّ الأسهل أَن يكْتب اسْم الْحُرِّيَّة فِي رقْعَة وَالرّق فِي رقعتين وتدرج فِي بَنَادِق مُتَسَاوِيَة وتسلم إِلَى صبي حَتَّى يُعْطي كل بعد بندقة وَهَذَا يقطع النزاع فِي الْبِدَايَة باسم من تخرج عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 وَلَو اتَّفقُوا على أَنه إِن طَار غراب فغانم حر مثلا وَإِن وضع صبي يَده على وَاحِد فَهُوَ حر فَذَلِك لَا أثر لَهُ بل لَا بُد من الْقرعَة كَمَا ورد الشَّرْع نعم لَا يتَعَيَّن الكاغد فِي الرقعة لَكِن يجوز بالخشب وَغَيره وَقد أَقرع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَغَانِم مرّة بالنوى وَمرَّة بالبعر أما كَيْفيَّة التجزئة فَإِن أعتق ثَلَاثَة أعبد أَو سِتَّة وهم متساوو الْقيمَة فيسهل تجزئتهم بِثَلَاثَة أَجزَاء أما إِذا خَالَفت الْقيمَة الْعدَد فَإِن أمكن التجزئة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء بِالْقيمَةِ فيفعل وَلَا يُبَالِي بتفاوت الْعدَد حَتَّى لَو كَانُوا أَرْبَعَة وَقِيمَة اثْنَيْنِ مائَة وَقِيمَة كل وَاحِد من الآخرين مائَة جعل الْإِثْنَيْنِ جُزْءا وَاحِدًا فإا خرجت لَهما الْقرعَة عتقا أما إِذا لم يُمكن ذَلِك بِأَن كَانُوا ثَمَانِيَة أعبد مثلا وَلَا تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء إِذا تَسَاوَت قيمتهم فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجزأ بِحَيْثُ يقرب من التَّثْلِيث فَيجْعَل ثَلَاثَة وَثَلَاثَة واثنين فَإِن خرج على الثَّلَاثَة قرعَة الْحُرِّيَّة لم يعْتق جَمِيعهم بل تُعَاد الْقرعَة بَينهم بِسَهْم رق وسهمي عتق فَمن خرج لَهُ سهم الرّقّ رق ثلثه وَعتق ثُلُثَاهُ وَالثَّانِي أَنه يجب التَّثْلِيث بل يجوز تجزئتهم مثلا أَرْبَعَة أَجزَاء سهم عتق وَثَلَاثَة أسْهم رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما الْقرعَة بِالْحُرِّيَّةِ عتقا ثمَّ تُعَاد بَين السِّتَّة فيجزءون بِثَلَاثَة أَجزَاء وَيضْرب بَينهم سهم عتق وَسَهْما رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما سهم الْعتْق انحصر فيهمَا ثمَّ تُعَاد بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق ثُلُثَاهُ مَعَ الآخرين وَالصَّحِيح أَن هَذَا فِي الإستحباب وَقَالَ الصيدلاني الْخلاف فِي الإستحقاق فرع إِذا كَانَ على الْمَيِّت دين مُسْتَغْرق بَطل الْعتْق وَإِن لم يسْتَغْرق فالباقي بعد الدّين كَأَنَّهُ كل المَال فَينفذ الْعتْق بِقدر ثلث الْبَاقِي وَإِذا لم يملك إِلَّا عبيدا أعتقهم فيقرع أَولا سهم دين وَسَهْم تَرِكَة حَتَّى يتَعَيَّن بَعضهم للدّين فَيصْرف أَولا إِلَى الدّين ثمَّ يقرع لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَة فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 البَاقِينَ لِأَنَّهُ رُبمَا يَمُوت من تعين للدّين قبل أَن يصرف إِلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يكْتب رقْعَة لِلْعِتْقِ وَأُخْرَى للدّين وَأُخْرَى للْوَرَثَة دفْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ رُبمَا سبق رقْعَة الْعتْق وَلَا يُمكن تنفيذه قبل قَضَاء الدّين وَفِيه وَجه أَنه يجوز ثمَّ إِذا خرج أَولا سهم الْعتْق وقفنا فِي التَّنْفِيذ إِلَى أَن يقْضى الدّين ثمَّ كَيْفيَّة الْقرعَة على الصَّحِيح أَن ينظر فَإِن كَانَ الدّين ربع التَّرِكَة مثلا قسمنا العبيد أَرْبَعَة أَجزَاء وَإِن كَانَ ثَلَاثَة قسمناهم ثَلَاثَة أَجزَاء فَإِذا خرج قرعَة الدّين لقسم صرفناه إِلَى الدّين ثمَّ إِذا دفعنَا بعض الْعتْق فَظهر للْمَيت دين أعدنا الْقرعَة بِقدر مَا اتسعت التَّرِكَة وَلَا يخفى وَجهه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 النّظر الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة الأولى إِذا أبهم الْعتْق بَين جاريتين ثمَّ وطىء إِحْدَاهمَا هَل يكون ذَلِك تعيينا للْملك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي الطَّلَاق وَفِي الإستمتاع باللمس والقبلة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يكون تعيينا وَفِي الإستخدام وَجْهَان مرتبان وَيبعد يَجعله تعيينا وَبَقِيَّة أَحْكَام الْإِبْهَام ذَكرنَاهَا فِي الطَّلَاق الثَّانِي إِذا قَالَ لجاريته أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فَولدت مَيتا ثمَّ حَيا لم يعْتق الْحَيّ وانحلت الْيَمين بِالْمَيتِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِث لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت ابْني ثَبت نسبه وَعتق إِلَّا أَن يكون أكبر سنا مِنْهُ فَيلْغُو لِأَنَّهُ ذكر محالا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق وَإِن لم يثبت النّسَب وَلَو كَانَ مَشْهُور النّسَب من غَيره لم يثبت النّسَب وَفِي الْعتْق وَجْهَان لِأَن مَا صرح بِهِ مُمْتَنع شرعا لَا حسا بِخِلَاف من هُوَ أكبر مِنْهُ الرَّابِع إِذا أعتق الْوَارِث عبدا من التَّرِكَة قبل قَضَاء دين الْمَيِّت أَو بَاعه فَذَلِك يَنْبَنِي على أَن تعلق حق الْغرم بِالتَّرِكَةِ كتعلق أرش الْجِنَايَة أَو كتعلق الْمُرْتَهن أَو يمْنَع أصل ملك الْوَارِث وَفِيه ثَلَاثَة أوجه وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه إِن كَانَ مُعسرا لم ينفذ تصرفه وَإِن كَانَ مُوسِرًا فَيكون تصرفه كتصرف الرَّاهِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 الْخَامِس لَو قَالَ إِذا أعتقت غانما فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَهُوَ مَرِيض وكل وَاحِد ثلث مَاله لم يقرع بَينهمَا بل يعْتق غَانِم لِأَنَّهُ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيعتق من غير وجود الصّفة وَهُوَ وجود عتق غَانِم وَفِيه وَجه أَنه يقرع وَهُوَ غلط السَّادِس إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فنصيبي حر وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فنصيبي حر واستبهم فَإِن كَانَا موسرين نفذ عتق العَبْد إِذْ أَحدهمَا حانث وَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يُطَالب الآخر بِقِيمَة السَّرَايَة وَإِن كَانَا معسرين رق العَبْد إِذْ كل وَاحِد يشك فِي عتق نصيب نَفسه وَالْأَصْل بَقَاء الْملك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 فَإِن اشْترى أَحدهمَا نصيب الآخر حكم بِعِتْق نصف العَبْد إِذْ تَيَقّن أَن فِي يَده نصف حر وَكَذَا لَو اشْترى ثَالِث العَبْد حكم عَلَيْهِ بحريّة نصفه وَلَيْسَ لَهُ الرَّد عَلَيْهِمَا وَلَا على أَحدهمَا لِأَن كل وَاحِد يزْعم أَن نصِيبه رَقِيق وَفِيه وَجه أَنه يرد إِذا كَانَ جَاهِلا وَهُوَ فَاسد لِأَن الْعتْق قد نفذ عَلَيْهِ فَكيف ينْقض السَّابِع وقف بَين يَدَيْهِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ غَابَ سَالم ووقف ميسر بِجنب غَانِم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ مَاتَ قبل الْبَيَان وَقُلْنَا الْوَارِث لَا يقوم مقَامه فِي التَّعْيِين فيقرع بَين غَانِم وَسَالم فَإِن خرج على سَالم عتق وأقرع بَين غَانِم وميسر وَيعتق من خرج أما إِذا خرج أَولا على غَانِم فَهَل تُعَاد بَينه وَبَين ميسر فِيهِ وَجْهَان قَالَ الماسرجسي تُعَاد لانه أبهم مرَّتَيْنِ فيقرع مرَّتَيْنِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا تُعَاد لِأَن الْقرعَة كتعيين الْمَالِك أَو بَيَانه لما نَوَاه وَلَو قَالَ الْمَالِك أردْت بالإبهامين غانما فَقَط أَو عين غانما عَن الإبهامين لانقطعت الْمُطَالبَة عَنهُ فَينزل الْأَمر بعد مَوته على الأول ويقنع بِعِتْق غَانِم الثَّامِن إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ أعتقت أَحَدكُمَا على ألف وَقبل كل وَاحِد وَمَات قبل الْبَيَان أَقرع بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق وَلَزِمَه قيمَة رقبته لفساد الْعِوَض بالإبهام وَفِيه وَجه أَن الْمُسَمّى أَيْضا يحْتَمل الْإِبْهَام تبعا لِلْعِتْقِ فَيلْزم الْألف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 التَّاسِع جَارِيَة مُشْتَركَة زوجاها من ابْن أحد الشَّرِيكَيْنِ فَولدت عتق نصفهَا على أحد الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ جد الْمَوْلُود وَلَا يسري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلَا يَجْعَل بِالْإِذْنِ فِي التَّزْوِيج مُخْتَارًا وَقد تخَلّل بعد الْوَطْء والعلوق بِاخْتِيَار غَيره وَقيل سَببه أَن الْوَلَد ينْعَقد حرا وَإِنَّمَا يسري الْعتْق الطارىء دون الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقد قيل إِنَّه ينْعَقد رَقِيقا ثمَّ يعْتق كَمَا لَو اشْترى قَرِيبه ملكه ثمَّ عتق عَلَيْهِ وَعِنْدِي أَنه لَا يملك بل ينْدَفع الْملك بِمُوجب الْعتْق وَيكون الإندفاع فِي معنى الإنقطاع وَكَذَلِكَ الْوَلَد ينْدَفع رقّه وَلِهَذَا غور ذَكرْنَاهُ فِي تحصين المآخذ فِي مَسْأَلَة شريك الْأَب الْعَاشِر الْمَغْرُور بِنِكَاح الْأمة يغرم قيمَة الْوَلَد للسَّيِّد فَلَو غر بِجَارِيَة أَبِيه فَفِي لُزُوم قيمَة الْوَلَد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ يعْتق بِسَبَب الجدودة وَإِن لم يكن ظن الْمَغْرُور فَإِنَّهُ لَو زَوجهَا من ابْنه كَانَ وَلَده حرا وَالثَّانِي أَنه يغرم لِأَن الْأَب لم يرض بتعرض ولد جَارِيَته لِلْعِتْقِ بِنِكَاح ابْنه فَلَا يفوت عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 الخاصية الْخَامِسَة الْوَلَاء وَالنَّظَر فِي سَببه وَحكمه وفروعه الأول فِي السَّبَب وَسَببه زَوَال الْملك بِالْحُرِّيَّةِ فَكل من زَالَ ملكه عَن رَقِيق بِالْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْلَاهُ سَوَاء نجز أَو علق أَو دبر أَو كَاتب فتمت الْكِتَابَة أَو استولد فَمَاتَ أَو أعتق العَبْد بعوض أَو اشْترى قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ أَو وَرثهُ فَعتق عَلَيْهِ قرها أَو سرى عتقه إِلَى نصيب شركه وَسَوَاء اتّفق الدّين عِنْد الْعتْق أَو اخْتلف وَلَو بَاعَ عَبده من نَفسه فَالظَّاهِر أَيْضا أَن الْوَلَاء لَهُ وَفِيه وَجه أَن لَا وَلَاء لَهُ فِي هَذِه الصُّورَة أصلا وَأما حَقِيقَة الْوَلَاء فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك نقُول لَو شَرط فِي الْعتْق نفي الْوَلَاء أَو شَرطه لغيره أَو شَرطه لبيت المَال لَغَا شَرطه وَهَذَا لِأَن الْمُعْتق كَالْأَبِ فَإِنَّهُ سَبَب فِي وجود العَبْد إِذْ كَانَ العَبْد مفقودا لنَفسِهِ مَوْجُودا لسَيِّده فقد أوجده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 لنَفسِهِ بِالْعِتْقِ وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه لِأَنَّهُ إِذا أعْتقهُ فقد كافأه على الْأُبُوَّة إِذْ صَار سَببا لوُجُوده الْحكمِي كَمَا كَانَ الْأَب سَببا لوُجُوده الْحسي وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب تحرم الصَّدَقَة على موَالِي بني هَاشم وَإِذا أوصى لبني فلَان دخل فيهم مواليهم وَلِهَذَا نقلو لَا يثبت الْوَلَاء بالمخالفة والموالاة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْوَلَاء ثَمَرَة الإنعام بالإيجاد الْحكمِي فَلَا يحصل بالمعاقدة وَلذَلِك نقُول يسترسل وَلَاء الْمُعْتق على أَوْلَاد الْعَتِيق وأحفاده وعَلى مُعتق الْعَتِيق ومعتق مُعْتقه وَإِن سفلوا وَقد حصل لَك من هَذَا أَن الشَّخْص قد يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لمعتقه أَو لمعتق أُصُوله من أَب وَأم وجد وَجدّة أَو لمعتق مُعْتقه ويسترسل الْوَلَاء على سَائِر أحفاد الْعَتِيق إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول أَن يكون فيهم من مَسّه الرّقّ فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق ولعصابته وَلَا ينجر إِلَى مُعتق الْأُصُول أصلا الثَّانِي أَن يكون فيهم من أَبوهُ حر أُصَلِّي مَا مس الرّقّ أَبَاهُ فَلَا وَلَاء على وَلَده كَمَا لَا وَلَاء عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَمِنْهُم من قَالَ يثبت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأُم فَإِنَّهَا فِي مَحل الْوَلَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَن جَانب الْأَب مقدم فِي بَاب الْوَلَاء كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجد وَفِيه وَجه أَن أَبَاهُ إِن كَانَ عَرَبيا يعلم نسبه وَأَن لَا رق فِي نسبه فَلَا وَلَاء عَلَيْهِ وَإِن حكم بحريَّته بِظَاهِر الْحَال كالتركي والخوزي والنبطي فَيثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الثَّالِث أَن تكون أمه حرَّة أَصْلِيَّة وَإِنَّمَا الْمُعْتق أَبوهُ فَالظَّاهِر هَا هُنَا ثُبُوت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأَب وَفِيه وَجه أَنه لَا يثبت فعلى هَذَا لَا يثبت الْوَلَاء بِالسّرَايَةِ من الأَصْل إِلَّا على ولد لَيْسَ فِي أُصُوله حر أُصَلِّي هَذِه قَاعِدَة الْوَلَاء وَالنَّظَر بعده فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالْأَصْل فِيهِ أَن من مَسّه الرّقّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق لَا لمعتق أَبِيه ومعتق أمه فَإِن لم يمسهُ الرّقّ بِأَن يُولد حرا من رقيقين فِي صُورَة الْغرُور أَو من معتقين فَالْولَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب وَهُوَ مقدم على موَالِي الْأُم فَإِن كَانَ الْأَب رَقِيقا بعد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فَالْولَاء لموَالِي الْأُم إِلَى أَن يعْتق الْأَب فينجر من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْأَب إِلَى أَن يتَعَذَّر جَرّه إِلَى موَالِي الْأَب بِأَن يَشْتَرِي هُوَ أَب نَفسه فَيعتق عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مولى أَب نَفسه فَلَا يُمكن إِثْبَات الْوَلَاء على نَفسه وَيبقى الْوَلَاء لموَالِي الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج ينجر الْوَلَاء إِلَيْهِ وَيسْقط وَيصير كشخص لَا وَلَاء عَلَيْهِ أصلا فرعان أَحدهمَا لَو كَانَ الْأَب رَقِيقا فَأعتق أَب الْأَب فَفِي انجرار الْوَلَاء إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَب رَقِيق فَيلْزم أَن ينجر من موَالِي الْجد إِلَى موَالِي الْأَب إِذا أعتق والمنجر يَنْبَغِي أَن يسْتَقرّ وَلَا ينجر ثَانِيًا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه ينجر إِلَيْهِ ثمَّ ينجر إِلَى الْأَب وَلَيْسَ يشْتَرط اسْتِقْرَار المنجر وَلَو أَن مولودا مَا مَسّه الرّقّ وَهُوَ من أبوين مَا مسهما الرّقّ لَكِن لكل وَاحِد من أَبَوَيْهِ أَبَوَانِ رقيقان إِلَّا أم أمه فَإِنَّهَا مُعتقة فَالْولَاء فِيهِ تبع لولاء أمه وَوَلَاء أمه تبع لولاء أمهَا فَإِن أعتق أَب أمه انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أَب الْأُم فَإِن أعتقت أم الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أم أمه فَإِن أعتق أَبُو أَبِيه انجر إِلَى موَالِي أَب أَبِيه وَاسْتقر فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 فَإِن فَرضنَا الْأَب رَقِيقا تصور أَن ينجر إِلَى مُعتق الْأَب من مُعتق الْجد أَيْضا وَالْمَقْصُود أَن أَب الْأُم أولى بالاستتباع من أم الْأُم وَأم الْأَب أولى من أَب الْأُم وَأب الْأَب أولى من أم الْأَب وَالْأَب أولى من أَب الْأَب فَيَقَع الإنجرار بِحَسبِهِ إِلَى أَن يسْتَقرّ على مَا لَا يُوجد أولى مِنْهُ الْفَرْع الثَّانِي لَو أعتق أمة حَامِلا عتق الْجَنِين وَوَلَاء الْجَنِين لموَالِي الْأُم لَا لموَالِي أَبِيه لِأَنَّهُ عتق بِالْمُبَاشرَةِ فالمباشرة أولى لمباشرته لَا لِأَنَّهُ مولى أمه وَهَذَا إِذا علم أَن الْجَنِين كَانَ مَوْجُودا يَوْم الْإِعْتَاق بِأَن يُؤْتى بِهِ لأَقل من سِتَّة اشهر فَإِن كَانَ لأَقل من أَربع سِنِين بِحَيْثُ يفترشها الزَّوْج فَفِيهِ قَولَانِ ذكرنَا نظيرهما فِي مَوَاضِع من حَيْثُ إِن إِثْبَات النّسَب يدل على تَقْدِير وجوده وَقت الْعتْق وَلَكِن يجوز أَن يَكْتَفِي فِي النّسَب بالإحتمال وَلَا يَكْتَفِي فِي الْولَايَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَلَاء وَهِي ثَلَاثَة ولَايَة التَّزْوِيج وَتحمل الْعقل والوراثة لِأَن الْوَلَاء يُفِيد الْعُصُوبَة وَهَذِه نتائج الْعُصُوبَة وَقد ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع وَلَكِن ننبه الْآن فِي الْمِيرَاث على أُمُور الأول أَن الْمُعْتق إِذا مَاتَ وَلم يخلف إِلَّا أَب الْمُعْتق وَأمه فَلَا شَيْء للْأُم وَلَو خلف ابْن الْمُعْتق وبنته فَلَا شَيْء للْبِنْت وَلَو خلف أَب الْمُعْتق وَابْنه فَلَا شَيْء للْأَب لِأَن الْأَب لَيْسَ عصبَة مَعَ الإبن وَالْمِيرَاث لعصبة الْمُعْتق وَلَا يعصب الْأَخ أُخْته فِي بَاب الْوَلَاء وعَلى الْجُمْلَة فَالْولَاء يُورث بِهِ وَلَا يُورث فِي نَفسه وَإِنَّمَا يَرث بِهِ الْعَصَبَات فيقد رموت الْمُعْتق بدل موت الْعَتِيق يَوْم موت الْعَتِيق وكل من يَأْخُذ مِيرَاثه بعصوبته فَيَأْخُذ مِيرَاث عتيقه وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا إِلَّا الْجد وَالإِخْوَة فَإِن فيهم قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن أَخ الْمُعْتق يقدم على جده لقُوَّة الْبُنُوَّة فِي الْعُصُوبَة وَالثَّانِي أَنهم يتقاسمون كَمَا فِي مِيرَاث النّسَب لَكِن لَا معادة بالأخ للْأَب مَعَ الْجد بل يقدم عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَلَا يُعَاد عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَهَذَا مَذْهَب زيد وَفِيه وَجه أَن الْأَخ للْأَب يُسَاوِي الْأَخ للْأَب وَالأُم لِأَنَّهُ لَا أثر للأمومة فِي الْوَلَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 الثَّانِي أَن الْمَرْأَة لَا يتَصَوَّر أَن تَرث بِالْوَلَاءِ إِلَّا إِذا باشرت الْعتْق فَهِيَ كَالرّجلِ فِي الْمُبَاشرَة حَيْثُ ثَبت لَهَا الْوَلَاء على عتيقها وعَلى أَوْلَاد عتيقها وعَلى عَتيق عتيقها الثَّالِث لَو خلف رجل ابْنَيْنِ وَوَلَاء مولى فَالْولَاء لَهما فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عَن ابْن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فميراثه لِابْنِ الْمُعْتق وَلَيْسَ لِابْنِ الإبن شَيْء لِأَنَّهُ لَو قدر موت الْمُعْتق فِي ذَلِك الْوَقْت مَا وَرثهُ ابْن الإبن فَلَا يَرث عتيقه وَهُوَ معنى قَوْلهم الْوَلَاء لأقعد ولد الْمُعْتق أَي الْأَقْرَب الرَّابِع أَن النِّسْبَة قد تتركب من النّسَب وَالْعِتْق فيلتبس أمره التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فقد يثبت الْوَلَاء لأَب مُعتق الْأَب ولمعتق أَب الْمُعْتق وَيَنْبَغِي أَن يقدم مُعتق الْمَيِّت ثمَّ عصبات مُعْتقه ثمَّ مُعتق مُعْتقه وَلَو قيل لَك مُعتق أَب وَأب مُعتق فَأَيّهمَا أولى فَهَذِهِ أغلوطة فَإِن الْمَيِّت لَهُ مُعتق فولاؤه ولمعتقه وعصبات مُعْتقه فَلَا يكون لمعتق أَبِيه وَأمه حق فِيهِ فَإِن وَلَاء الْمُبَاشرَة لَا ينجر وَإِنَّمَا ينجر وَلَاء السَّرَايَة إِلَى الأولاء فَإِذن من لَهُ أَب مُعتق فَالْولَاء عَلَيْهِ كَانَ بِالْمُبَاشرَةِ لمعتقه أَو لعصبات مُعْتقه أَو لمعتق مُعْتقه إِذا كَانَ لَهُ مُعتق وَلَيْسَ لمعتق أَبِيه وَلَاء أصلا فَكيف يُقَابل بأب الْمُعْتق وَكَذَلِكَ قد يظنّ أَنه مُعتق أَب الْمُعْتق أولى من مُعتق مُعتق الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْولَايَةِ حَيْثُ توَسط الْأَب وَهُوَ غلط لما ذَكرْنَاهُ من أَن للْمَيت معتقا فولاؤه بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا حق فِيهِ لمن يُدْلِي بِإِعْتَاق أَبِيه فروع مشكلة الأول اشْترى أَخ وَأُخْت أباهما فَعتق عَلَيْهِمَا فَأعتق الْأَب عبدا وَمَات ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فقد غلط فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض فضلا عَن غَيرهم إِذْ قَالُوا مِيرَاث الْعَتِيق بَين الْأَخ وَالْأُخْت لِأَنَّهُمَا معتقا مُعْتقه وَإِنَّمَا الْحق أَن الْمِيرَاث للْأَخ وَلَا شَيْء للْأُخْت لِأَنَّهَا إِن أخذت لِأَنَّهَا مُعتقة الْمُعْتق فَهُوَ محَال إِذْ عصبَة الْمُعْتق أولى وأخوها عصبَة الْمُعْتق بل لَو خلف الْأَب ابْن عَم بعيد لَكَانَ أولى من الْبِنْت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو مَاتَ الْأَخ وَخلف هَذِه الْأُخْت فلهَا نصف مِيرَاثه بالأخوة وَلها من الْبَاقِي نصفه لِأَنَّهَا لما اشترت أَبَاهَا ثَبت لَهَا نصف الْوَلَاء على الْأَب واسترسل على أَوْلَاده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 وأخوها من أَوْلَاد أَبِيهَا فلهَا نصف الْوَلَاء عَلَيْهِ فَتحصل على ثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاثه وَلَو مَاتَ الْأَب ثمَّ مَاتَ الإبن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فلهَا ثَلَاثَة أَربَاع مَاله أما النّصْف فَلِأَن لَهَا نصف الْوَلَاء على مُعْتقه وَأما الرّبع فَلِأَن لَهَا الْوَلَاء أَيْضا على أَخِيهَا الَّذِي هُوَ مُعتق نصف الْمُعْتق فَهِيَ فِي اُحْدُ النصفين مُعتقة الْمُعْتق وَفِي نصف النّصْف مُعتقة أبي مُعتق الْمُعْتق الثَّانِي أختَان خلفتا حرتين فِي نِكَاح غرور اشترت إحادهما أَبَاهَا وَالْأُخْرَى أمهَا فولاء الَّتِي اشترت أمهَا انجر إِلَى الَّتِي اشترت أَبَاهَا فَثَبت الْوَلَاء لمشترية الْأَب على مشترية الْأُم وَأما مشترية الْأُم فالمنصوص أَن وَلَاء صاحبتها أَيْضا ثَبت لَهَا فَتكون كل وَاحِدَة مولى صاحبتها لِأَن الَّتِي اشترت الْأَب لَا تقدر أَن تجر وَلَاء نَفسهَا إِلَى نَفسهَا فَيبقى لمشترية الْأُم فَإِنَّهَا مُعتقة الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج تجر إِلَى نَفسهَا وَيسْقط فَإِذا ثَبت هَذَا فَلَو مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي لمشترية الْأَب بِالْوَلَاءِ فَإِن مَاتَت بعد ذَلِك مشترية الْأُم وَلَا وَارِث لَهَا سوى الْأُخْت فَنصف مِيرَاثهَا لَهَا بالأخوة وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهَا جرت ولاءها بإعتاب الْأَب وَكَذَلِكَ كَانَ مِيرَاثهَا لمشترية الْأُم على النَّص بالأخوة وَالْوَلَاء وَعند ابْن سُرَيج النّصْف لَهَا وَالْبَاقِي لبيت المَال إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهَا الثَّالِث فِي الدّور اشترت أختَان أمهما وعتقت عَلَيْهِمَا ثمَّ إِن الْأُم شاركت أَجْنَبِيّا فِي شِرَاء أَبِيهِمَا أَعنِي أبي الْأُخْتَيْنِ وأعتقاه فَيثبت الْوَلَاء لَهما نِصْفَانِ على الْأَب وعَلى الْأُخْتَيْنِ أَيْضا لِأَنَّهُمَا ولدا معتقهما وَوَلَاء الْأَب يجر الْوَلَاء من مولى الْأُم والأختان هما موليا أم نفسيهما فَإِذا مَاتَت الْأُم فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهُمَا اشتريا الْأُم ثمَّ إِذا مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لِأَنَّهُمَا معتقاه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 وَلَو مَاتَ الأبوان ثمَّ اتت إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَنصف مِيرَاثهَا لأختها بِالنّسَبِ وَالنّصف الآخر بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لَو كَانَت حَيَّة لِأَنَّهُمَا معتقا الْأَب والآن فالأم ميتَة فنصيبها وَهُوَ الرّبع يجب أَن يكون لمعتقيها وهما الْأخْتَان الْحَيَّة وَالْميتَة فَيصْرف النّصْف إِلَى الْحَيَّة وَيبقى نصفه وَهُوَ الثّمن للميتة وَالْقِيَاس أَن يصرف إِلَى من لَهُ وَلَاء الْميتَة وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ وَالأُم ثمَّ قدر وَلَاء الْأُم يرجع إِلَى الْحَيَّة وَالْميتَة ثمَّ قدر وَلَاء الْميتَة من الْأُم يرجع إِلَى الْأَجْنَبِيّ وَالأُم فيدور بنيهما الثّمن لَا ينْفَصل بل لَا يزَال يرجع مِنْهُ شَيْء إِلَى الْميتَة فَالصَّوَاب أَن يقسم المَال من سِتَّة ثَلَاثَة للْأُخْت بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَبَينهمَا بِالْوَلَاءِ أَثلَاثًا للْأَجْنَبِيّ سَهْمَان وَلها سهم فَتحصل الْأُخْت على أَرْبَعَة أسْهم وَالْأَجْنَبِيّ على سَهْمَيْنِ وَغلط ابْن الْحداد فَقَالَ يصرف الثّمن إِلَى بَيت المَال لتعذر مصرفه وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ كلما دَار رَجَعَ إِلَى الْأَجْنَبِيّ ضعف مَا يرجع إِلَى الْأُخْت فَيقسم كَذَلِك وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 = كتاب التَّدْبِير= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وَأَحْكَامه الأول فِي الْأَركان وَهُوَ اثْنَان الصِّيغَة والأهل أما الْمحل فَلَا يخفى الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي أَن يَقُول إِذا مت فَأَنت حر أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَحكمه أَنه يعْتق إِن وَفِي الثُّلُث بِهِ بعد قَضَاء الدُّيُون وَفِيه مسَائِل الأولى أَن لفظ التَّدْبِير صَرِيح نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَشْهُور فِي اللُّغَة لهَذَا الْمَعْنى وَورد الشَّرْع بتقريره وَلَفظ الْكِتَابَة يفْتَقر إِلَى النِّيَّة لِأَن اللُّغَة لَا تجعلها صَرِيحًا فِي حكمهَا الشَّرْعِيّ وَقيل فِيهَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِيَة التَّدْبِير الْمُقَيد كالمطلق وَهُوَ أَن يَقُول إِن مت من مرضِي هَذَا أَو قتلت فَأَنت حر وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت مُدبر لَا يصير مُدبرا مَا لم يدْخل الدَّار وَقد علق الْعتْق بصفتين وَلَو قَالَ إِن مت فَأَنت حر بعد موتِي بِيَوْم عتق بعد مَوته بِيَوْم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله صَار وَصِيَّة فتحتاج إِلَى الْإِنْشَاء بعد الْمَوْت فَلَو قَالَ شريكان إِذا متْنا فَأَنت حر فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا لم يعْتق نصِيبه لِأَنَّهُ مُعَلّق بموتهما جَمِيعًا لَكِن صَار نصيب الآخر مُدبرا عِنْد موت صَاحبه وَقيل ذَلِك لِأَن تَدْبِير الثَّانِي مُعَلّق بِمَوْت صَاحبه والآن لم يبْق إِلَّا موت الْمَالِك وَلَكِن لَيْسَ للْوَارِث التَّصَرُّف فِي نصيب من مَاتَ أَولا لِأَنَّهُ ينْتَظر الْعتْق بِمَوْت الثَّانِي فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار بعد موتِي فَأَنت حر لم يجز للْوَارِث بَيْعه بعد الْمَوْت كَمَا لَا يَبِيع مَال الْوَصِيَّة قبل قبُول الْمُوصى لَهُ وَلَيْسَ للْوَارِث رفع تَعْلِيق الْمَيِّت كَمَا لَيْسَ لَهُ رفع عاريته الَّتِي أضافها إِلَى مَا بعد الْمَوْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت مُدبر إِن شِئْت فَالْمَشْهُور أَنه لَا بُد من مَشِيئَته على الْفَوْر وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجب على الْفَوْر لَا هَا هُنَا وَلَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق إِلَّا أَن يكون الطَّلَاق على عوض أما إِذا قَالَ أَنْت مُدبر مَتى شِئْت فَلَا يجب على الْفَوْر أصلا لَكِن يَقْتَضِي مَشِيئَته فِي حَيَاة السَّيِّد وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر لم يعْتق بِالدُّخُولِ بعد موت السَّيِّد بل مُطلق تَعْلِيقه ينزل على حَيَاته إِلَّا أَن يُصَرح وَيَقُول إِن دخلت الدَّار بعد موتِي فَأَنت حر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن شِئْت بعد موتِي فَأَنت حر فشاء بعد مَوته عتق وَلم يجب الْفَوْر بعد الْمَوْت إِلَّا أَن يرتب بفاء التعقي بفيقول إِن مت فشئت فَأَنت حر فَفِي الْفَوْر وَجْهَان يجريان فِي كل تَعْلِيق بِهَذِهِ الصِّيغَة فرع لَو قَالَ إِذا مت فَأَنت حر إِن شِئْت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تَكْفِي الْمَشِيئَة فِي الْحَيَاة وَالثَّانِي أَنه يحمل على الْمَشِيئَة بعد الْمَوْت وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من مَشِيئَته فِي الْحَال وَأُخْرَى بعد الْمَوْت حَتَّى يحصل الْيَقِين وَلَا يعْتق بِأَحَدِهِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 وَلَو قَالَ إِن رَأَيْت الْعين فَأَنت حر وَالْعين اسْم مُشْتَرك لِأَشْيَاء فَالظَّاهِر أَنه إِذا رأى وَاحِدًا يسما عينا عتق الرُّكْن الثَّانِي الْأَهْل وَيصِح التَّدْبِير من كل مُكَلّف مَالك غير مَحْجُور فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود أما الْمُكَلف فنعني بِهِ أَنه لَا ينفذ من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ وَفِي الْمُمَيز قَولَانِ وَكَذَا فِي وَصيته لِأَنَّهُ قربَة وَلَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهِ وَأما الْمَالِك فَيخرج عَلَيْهِ أَنه لَو دبر نصيب نَفسه من عبد مُشْتَرك لَا يسري إِلَى الآخر وَذكر صَاحب التَّقْرِيب فِي سرايته وَجْهَيْن وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ تَعْلِيق أَو وَصِيَّة لَا تلِيق بِهِ السَّرَايَة بل لَو دبر نصف عَبده لم يسر إل الْبَاقِي لَا فِي الْحَال وَلَا إِذا عتق بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ بعد الْمَوْت مُعسر وَأما الْمَحْجُور فَيخرج عَلَيْهِ السَّفِيه وَفِيه طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْقطع بنفوذه مِنْهُ وَالثَّانِي أَنه كالمميز وَأما الْمُرْتَد فَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه وَقد حجر عَلَيْهِ فَيخرج تَدْبيره على تَدْبِير الْمُفلس الْمَحْجُور وَإِن قُلْنَا يَزُول ملكه لم ينفذ وَإِن قُلْنَا إِنَّه مَوْقُوف فَهُوَ مَوْقُوف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 وَلَو دبر ثمَّ ارْتَدَّ فطريقان أَحدهمَا أَنه يخرج بُطْلَانه على أَقْوَال الْملك وَالثَّانِي الْقطع بِأَنَّهُ لَا يبطل لِأَنَّهُ حق العَبْد مُتَعَلق بِهِ فَلَا يُمكن إِبْطَاله كَمَا لَا يبطل حق الْغُرَمَاء وَنَفَقَة الْأَقَارِب عَن مَاله وَإِن قُلْنَا يبطل فَلَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام فَفِي عود التَّدْبِير طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يعود كَمَا لَو اسْتَحَالَ الْعصير الْمَرْهُون خمرًا ثمَّ صَار خلا وَالثَّانِي أَنه يخرج على قولي عود الْحِنْث أما إِذا مَاتَ مُرْتَدا وَقُلْنَا لَا يبطل التَّدْبِير فَينفذ إِن وفى بِهِ الثلثه وَفِيه وَجه أَنه لَا ينفذ لِأَن الْوَارِث لَا شي لَهُ من مَاله وَإِنَّمَا تنفذ الْوَصِيَّة فِي مَال يُورث وَمَاله فَيْء وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْفَيْء مصرفه بَيت المَال فَيعْتَبر الثُّلُث لأَجله أما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فَيصح تَدْبيره فَإِن نقض الْعَهْد مكن من اسْتِصْحَاب مدبره لِأَنَّهُ قن وَلَا يُمكن من مكَاتبه وَلَو أسلم مدبره فَهَل يُبَاع عَلَيْهِ فِيهِ قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 498 أَحدهمَا نعم كالقن وَالثَّانِي لَا نظرا للْعَبد وَلَكِن يُحَال بَينهمَا ويستكسب لَهُ كالمستولدة وَفِي الْمكَاتب إِذا أسلم طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمستولدة لَا تتباع عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه كالمدبر فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَامه وَالنَّظَر فِي حكمين ارْتِفَاع التَّدْبِير وسرايته إِلَى الْوَلَد وَيرْفَع التَّدْبِير بِأُمُور خَمْسَة الأول إِزَالَة الْملك بِبيع وَهبة جَائِر ويرتفع التَّدْبِير فِي الْحَال فَإِن عَاد إِلَى الْملك وَقُلْنَا إِن التَّدْبِير وَصِيَّة لم يعد وَإِن قُلْنَا تَعْلِيق فَيخرج على قولي عود الحنق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز إِزَالَة الْملك عَنهُ كَالْمكَاتبِ الثَّانِي صَرِيح الرُّجُوع وَهُوَ جَائِز إِن قَالَ أعتقوه عني بعد موتِي لِأَنَّهُ وَصِيَّة وَإِن قَالَ إِذا مت فَدخلت الدَّار فَأَنت حر لم يجز صَرِيح الرُّجُوع لَكِن يجوز ازالة الْملك لِأَنَّهُ تَعْلِيق مَحْض أما إِذا قَالَ دبرتك أَو أَنْت حر بعد موتِي فَفِيهِ معنى التَّعْلِيق وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُ إِثْبَات حق للْعَبد فَأَيّهمَا يغلب فِيهِ قَولَانِ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ تَرْجِيح معنى الْوَصِيَّة وتجويز الرُّجُوع فَإِن قُلْنَا إِنَّه وَصِيَّة حصل الرُّجُوع عَنهُ بِمَا يحصل بِهِ الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة حَتَّى الْعرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 على البيع إِلَّا الإستيلاد فَإِنَّهُ يُوَافق مُوجب التَّدْبِير فَلَا يرفعهُ وَيرْفَع الْوَصِيَّة وَلَو قَالَ بعد التَّدْبِير الْمُطلق إِذا مت فَدخلت الدَّار فَأَنت حر كَانَ رُجُوعا عَن التَّدْبِير الْمُطلق وَلَو قَالَ إِن دخلت فَأَنت حر فقد زَاده سَببا آخر للحرية فَلَا رُجُوع فَلَو كَاتبه أَو رَهنه هَل يكون رُجُوعا فِيهِ وَجْهَان وَلَو رَجَعَ عَن التَّدْبِير فِي نصفه فالباقي مُدبر وَلَو رَجَعَ عَن تَدْبِير الْحمل لم يسر الرُّجُوع إِلَى الْأُم وَلَا بِالْعَكْسِ بل يقْتَصر الثَّالِث إِنْكَار السَّيِّد التَّدْبِير وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ القَوْل قَول السَّيِّد وَهَذَا مُشكل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْإِنْكَار رُجُوع فَأَي معنى للتحليف فَمنهمْ من قَالَ فرع الشَّافِعِي على معنى الرُّجُوع الصَّحِيح وَمِنْهُم من قَالَ الْإِنْكَار لَيْسَ بِرُجُوع بل هُوَ رفع الأَصْل فَعَلَيهِ أَن يحلف أَو يرجع فقد تحصلنا على وَجْهَيْن فِي الْإِنْكَار هَل يكون رُجُوعا وَيجْرِي فِي إِنْكَار الْوَصِيَّة أَيْضا وَأما إِنْكَار الْمُوكل فَهُوَ عزل قطعا وَمِنْهُم من طرد الْوَجْهَيْنِ وإنكار البَائِع بِشَرْط الْخِيَار لَيْسَ فسخا وَفِيه احْتِمَال وإنكارالزوج الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لَا يكون رَجْعَة قطعا لِأَنَّهُ فِي حكم عقد فيحتاط بِاللَّفْظِ الْإِشْكَال الثَّانِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل لَا تقبل إِذْ لَا لُزُوم فِي الْحَال فَكيف تقبل دَعْوَى العَبْد فِي التَّدْبِير وَاتفقَ الْأَصْحَاب على آخر الْخلاف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج فَإِن قُلْنَا تقبل دَعْوَى التَّدْبِير فَلَا يَكْفِي فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ لِأَن مَقْصُوده الْعتْق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 الرَّابِع مُجَاوزَة الثُّلُث فَلَو كَانَ استوفى ثلثه بتبرع قبل التَّدْبِير لم ينفذ تَدْبيره وَلَو لم يَفِ الثُّلُث إِلَّا بِبَعْضِه اقْتصر على ذَلِك الْقدر وَالتَّدْبِير وَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة فيحسب من الثُّلُث كَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْمَوْت أما إِذا علق على صفة فِي الصِّحَّة فَوجدت الصّفة فِي الْمَرَض فَهَل ينْحَصر فِي الثُّلُث فِيهِ قَولَانِ فرع لَو لم يملك إِلَّا عبدا فدبره عتق ثلثه عِنْد الْمَوْت فَلَو كَانَ لَهُ مَال غَائِب فَهَل ينجز الْعتْق فِي الثُّلُث فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْغَائِب لَا يزِيد على الْمَعْدُوم فَقدر الثُّلُث مستيقن بِكُل حَال وَالثَّانِي لَا لِأَن العَبْد لَو تسلط على ثلث نَفسه للَزِمَ تسليط الْوَرَثَة على ثُلثَيْهِ فَكيف يُسَلط ويتوقع عتق الثُّلثَيْنِ بِرُجُوع المَال وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص وَالْأول مخرج وَالْقَوْلَان جاريان فِي الْوَصِيَّة بِمَال إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب أَن الْمُوصى لَهُ هَل يسلم إِلَيْهِ الثُّلُث الْحَاضِر فِي الْحَال وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ دين على أحد ابنيه لَا مَال لَهُ غَيره فَهَل يبرأ عَن نصيب نَفسه قبل تَسْلِيم نصيب أَخِيه فِيهِ قَولَانِ الْخَامِس إِذا جنى الْمُدبر بيع فِيهِ فَإِن فدَاه السَّيِّد بَقِي التَّدْبِير وَإِن بَاعَ بعضه فالباقي مُدبر وَإِن مَاتَ قبل الْفِدَاء وَالثلث واف بِالْأَرْشِ وَالْعِتْق وَجب على الْوَارِث فداؤه ليعتق وَفِيه قَول أَنه لَا يجب بِنَاء على أَن أرش الْجِنَايَة يمْنَع نُفُوذ الْعتْق وَفِيه خلاف النّظر الثَّانِي فِي الْوَلَد وَفِيه مسَائِل الأولى ولد الْمُدبرَة من زنا أَو نِكَاح هَل يسري إِلَيْهِ التَّدْبِير فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يسري كالإستيلاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501 وَالثَّانِي لَا كَالْوَصِيَّةِ لَو علق عتقهَا بِالدُّخُولِ فَفِي سرَايَة التَّعْلِيق إِلَى وَلَدهَا قَولَانِ نَص عَلَيْهِمَا فِي الْكَبِير فَإِن قُلْنَا يسري فَمَعْنَاه أَنه إِن دخل أَيْضا عتق وَلَا يعْتق بِدُخُول الْأُم لِأَن هَذَا سرَايَة عتق لَا سرَايَة تَعْلِيق وَمِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ أَن يعْتق بِدُخُول الْأُم ثمَّ إِذا سرينا التَّدْبِير كَانَ كَمَا لَو دبرهما مَعًا حَتَّى لَا يكون الرُّجُوع عَن أَحدهمَا رُجُوعا عَن الآخر وَلَو لم يَفِ الثُّلُث بهما أَقرع بَينهمَا وَفِيه وَجه أَنه يقسم الْعتْق عَلَيْهِمَا إِذْ يبعد أَن تخرج الْقرعَة على الْوَلَد فَيعتق دون الأَصْل وَهَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ صَار مُسْتقِلّا بعد السَّرَايَة وَكَذَلِكَ لَو مَاتَت الْأُم بَقِي مُدبرا أما ولد الْمُدبر فَلَا يتبعهُ بل يتبع الْأُم الرقيقة أَو الْحرَّة الثَّانِيَة إِذا مَاتَ السَّيِّد وَهِي حَامِل عتق مَعهَا الْجَنِين بِالسّرَايَةِ وَلَو كَانَت حَامِلا حَال التَّدْبِير فَهَل يسري التَّدْبِير الْمُضَاف إِلَى الْأُم إِلَى الْجَنِين فِيهِ وَجْهَان فعلى هَذَا لَو تبرع الْوَارِث بِالْفِدَاءِ وَعتق فَالْولَاء للْمَيت إِن قُلْنَا إِن إجَازَة الْوَرَثَة لَيْسَ بابتداء عَطِيَّة فرع الْمُدبر الْمُشْتَرك إِذا أعتق أَحدهمَا نصِيبه هَل يسري إِلَى الآخر فِيهِ قَولَانِ أقيسهما أَنه يسري وَالثَّانِي لَا لِأَن الثَّانِي اسْتحق الْعتَاقَة من نَفسه وَهَذَا يضاهي قَوْلنَا إِذا أصدقهَا عبدا فدبرته لم ينشطر بِالطَّلَاق كَيْلا يبطل غرضها من التَّدْبِير فَإِن قُلْنَا لَا يسري فَرجع عَن التَّدْبِير فَهَل يسري الْآن وَجْهَان وَجه قَوْلنَا لَا يسري أَنه لم يسر فِي الْحَال فَلَا يسري بعده كَمَا لَو ظن الْيَسَار فَإِن قُلْنَا يسري فيسري فِي الْوَقْت أَو تتبين السَّرَايَة من الأَصْل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا يسري إِلَيْهِ البيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 502 وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ أدرج فِي البيع لِأَن استثناءه يبطل البيع فرع لَو دبر الْحمل دون الْأُم صَحَّ وَاقْتصر عَلَيْهِ فَلَو بَاعَ الْأُم وَنوى الرُّجُوع صَحَّ البيع وَدخل فِيهِ الْجَنِين وَإِن لم ينْو الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ اسْتثْنى الْحمل الثَّالِثَة لَو تنَازعا فَقَالَت ولدت بعد التَّدْبِير فَتَبِعَنِي على قَول السَّرَايَة وَقَالَ السَّيِّد بل قبله فَالْقَوْل قَول السَّيِّد لِأَن الأَصْل بَقَاء ملكه وعَلى قَوْلنَا لَا يسري لَو نازعت الْوَارِث وَقَالَت ولدت بعد الْمَوْت فَهُوَ حر وَقَالَ الْوَارِث بل قبله فَالْقَوْل قَول الْوَارِث وَلَو كَانَ فِي يَد الْمُدبر مَال فَقَالَ الْوَارِث هُوَ من كسبك قبل الْمَوْت وَقَالَ بل بعده فَالْقَوْل قَول الْمُدبر لِأَن الْملك فِي يَده بِخِلَاف الْوَلَد فَإِنَّهُ لَا يَد لَهَا عَلَيْهِ وَهِي تَدعِي حُرِّيَّته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 503 = كتاب الْكِتَابَة= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 505 اعْلَم أَن الْكِتَابَة عبارَة عَن الْجمع وَلذَلِك سمي اجْتِمَاع الْحُرُوف كِتَابَة واجتماع الْعَسْكَر كَتِيبَة واجتماع النُّجُوم فِي هَذَا العقد كِتَابَة وَهَذَا عقد مَنْدُوب إِلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَمل على أُمُور غَرِيبَة كمقابلة الْملك بِالْملكِ أَعنِي الْكسْب والرقبة وَكِلَاهُمَا ملك للسَّيِّد وَإِثْبَات الْملك للملوك لِأَن الْمكَاتب عبد وَيملك فَكَأَنَّهُ إِثْبَات رُتْبَة بَين الرّقّ وَالْحريَّة إِذْ الْمكَاتب يسْتَقلّ من وَجه دون وَجه لَكِن الْمصلحَة تَدْعُو إِلَيْهِ إِذْ السَّيِّد قد لَا يسمح بِالْعِتْقِ مجَّانا وَالْعَبْد يتشمر للكسب إِذا علق بِهِ عتقه فَاحْتمل لتَحْصِيل مَقْصُوده مَا يَلِيق بِهِ عتقه وَإِن خَالف قِيَاس سَائِر الْعُقُود كَمَا احتملت الْجَهَالَة فِي عمل الْجعَالَة وَربح الْقَرَاض وَغَيره وَإِنَّمَا يسْتَحبّ إِذا جمع العَبْد الْقُوَّة وَالْأَمَانَة فَإِن لم يكن أَمينا فمعاملته لَا تُفْضِي إِلَى الْعتْق غَالِبا فَلَا يسْتَحبّ تَنْجِيز الْحَيْلُولَة لأَجله لَا كَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يسْتَحبّ بِكُل حَال لِأَنَّهُ تَنْجِيز خلاص وَإِن كَانَ أَمينا غير كسوب فَفِي الإستحباب وَجْهَان وَظَاهر الْكتاب لم يشْتَرط إِلَّا الْأَمَانَة إِذْ قَالَ تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} وَحكى صَاحب التَّقْرِيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 507 قولا بَعيدا أَن الْكِتَابَة وَاجِبَة وَلَا وَجه لَهُ وَإِن ذهب إِلَيْهِ دَاوُد لِأَنَّهُ إبِْطَال سلطنة الْملك فَحمل الْأَمر على الإستحباب أولى ثمَّ النّظر يتَعَلَّق بأركان الْكِتَابَة وأحكامها أما الْأَركان فَهِيَ أَرْبَعَة الصِّيغَة والعوض والعاقدان الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهُوَ أَن يَقُول مثلا كاتبتك على ألف تُؤَدِّيه فِي نجمين فَإِذا أديته فَأَنت حر فَيَقُول العَبْد قبلت فَإِن لم يُصَرح بتعليق الْحُرِّيَّة وَلَكِن نَوَاه بِلَفْظ الْكِتَابَة كفى وَفِيه قَول مخرج أَن لفظ الْكِتَابَة صَرِيح كالتدبير وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح الْفرق ثمَّ وَإِن صرح بِالتَّعْلِيقِ فالعتق يحصل بِالْإِبْرَاءِ والإعتياض تَغْلِيبًا لحكم الْمُعَاوضَة لَكِن فِي صَحِيح الْكِتَابَة أما فِي فاسدها فيغلب حكم التَّعْلِيق وَلَو اقْتصر على قَوْله أَنْت حر على ألف فَقبل عتق فِي الْحَال وَكَانَ الْألف فِي ذمَّته وَهُوَ نَظِير الْخلْع وَقد ذكرنَا أَحْكَامه وَلَو بَاعَ العَبْد من نَفسه صَحَّ وَالْوَلَاء للسَّيِّد وَكَأَنَّهُ إِعْتَاق على مَال لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَة البيع وَخرج الرّبيع قولا أَنه لَا يَصح إِذْ هُوَ تمْلِيك وَكَيف يملك العَبْد نَفسه وَفِيه وَجه أَنه لَا يَصح وَلَا وَلَاء للسَّيِّد بل عتق على نَفسه كَمَا لَو اشْترى قَرِيبه أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فَلَا يُمكنهُ أَن يُعْطِيهِ من ملكه إِذْ لَا ملك لَهُ فَيكون كَمَا لَو قَالَ لزوجته إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَأَتَت بِأَلف مَغْصُوبَة فَفِي وُقُوع الطَّلَاق خلاف وَكَذَلِكَ فِي الْعتْق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 508 الرُّكْن الثَّانِي الْعِوَض وَشَرطه أَن يكون دينا مُؤَجّلا منجما مَعْلُوم الْقدر وَالْأَجَل والنجم فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط الأول كَونه دينا إِذْ لَو كَانَ عينا لَكَانَ ملك الْغَيْر فَيفْسد الْعتْق ثمَّ لَا يخفى أَن الدّين يَنْبَغِي أَن يكون مَعْلُوما كَمَا فِي السّلم وَالْإِجَارَة الثَّانِي الْأَجَل فَلَا تصح الْكِتَابَة الْحَالة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لعلتين إِحْدَاهمَا اتِّبَاع السّلف وَالْأُخْرَى أَن العَبْد عقيب العقد عَاجز فَكيف يجوز لَهُ لُزُوم مَا لَا يقدر عَلَيْهِ إِذْ لَو كَانَ على ملاحة وكاتبه على ملح فَلَا بُد من لَحْظَة لأخذ الْملح حَتَّى يملك وَلَا بُد من لَحْظَة لقبُول الْهِبَة إِن قدر ذَلِك نعم يرد عَلَيْهِ أَربع مسَائِل لَا تَخْلُو وَاحِدَة عَن خلاف إِحْدَاهَا من نصفه حر وَنصفه عبد قد يملك مَالا فَفِي الْكِتَابَة الْحَالة مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان لتعارض معنى الإتباع وَالْعجز الثَّانِيَة إِذا كَاتبه على مَال عَظِيم ونجمه بلحظتين فِيهِ أَيْضا وَجْهَان الثَّالِثَة البيع من الْمُفلس صَحِيح لِأَنَّهُ يقدر بِالْمَبِيعِ وَإِن زَاد الثّمن على قيمَة الْمَبِيع فَلَا يبعد وجود زبون يَشْتَرِي الْمَبِيع مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك فقد ذكر وَجه أَنه لَا يَصح العقد الرَّابِعَة إِذا أسلم إِلَى مكَاتب عقيب العقد فِيهِ وَجْهَان وَجه التجويز أَنه يملك رَأس المَال الشَّرْط الثَّالِث التنجيم بنجمين فَصَاعِدا إِذْ سَبَب اشْتِرَاطه الإتباع الْمَحْض فَمَا كَاتب أحد من السّلف على نجم وَاحِد ثمَّ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو كَاتبه على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 509 خدمَة شهر ودينار بعده جَازَ إِذْ حصل التنجيم لَكِن النَّجْم الأول حَال إِذْ يتنجز اسْتِحْقَاق الْمَنَافِع عقيب العقد وَإِنَّمَا التَّأْخِير للتوفية وَلذَلِك قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ يشْتَرط أَن يكون الدِّينَار بعده بل لَو كَانَ بعد العقد بِيَوْم جَازَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله لَا يجوز كَأَنَّهُ تخيل الْخدمَة مُؤَجّلا وَلَا شكّ أَنه لَو لم يُؤَجل الدِّينَار لم يجز إِذْ يكون جَمِيع الْعِوَض حَالا وَلَو كَاتب على خدمَة شَهْرَيْن وَجعل كل نجم شهرا لم يجز لِأَن الْكل يتنجز اسْتِحْقَاقه بِالْعقدِ فَإِن صرح بِإِضَافَة الإستحقاق إِلَى الشَّهْر الْقَابِل خرج على مثل هَذِه الْإِجَارَة فِي الشَّهْر الْقَابِل وَفِيه وَجْهَان أما إِذا أعتق عَبده على أَن يَخْدمه شهرا عتق فِي الْحَال وَيجب الْوَفَاء فَإِن تعذر فَيرجع السَّيِّد إِلَى قيمَة الْأُجْرَة أَو قيمَة الرَّقَبَة قَولَانِ كَمَا فِي بدل الصَدَاق وَالْخلْع الشَّرْط الرَّابِع الْإِعْلَام وَذَلِكَ قد ذَكرْنَاهُ فِي البيع وَمعنى إِعْلَام النَّجْم أَن يُمَيّز الْمحل لكل نجم ومقداره فَلَو كَانَ على مائَة يُؤَدِّيه فِي عشر سِنِين لم يجز حَتَّى يبين قدر كل نجم وَمحله وَلَا يشْتَرط تَسَاوِي النُّجُوم وَلَا تَسَاوِي الْمدَّة وَقد تنشأ الْجَهَالَة من تَفْرِيق الصَّفْقَة فلنذكر مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا لَو كَاتبه بِشَرْط أَن يَبِيعهُ شَيْئا فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ شَرط عقدا فِي عقد أما إِذا بَاعه شَيْئا وكاتبه على عوض وَاحِد منجم فسد البيع لِأَن إِيجَابه يسْبق على قبُول الْكِتَابَة وَهُوَ لَيْسَ أَهلا للشراء قبله إِذْ صيغته أَن يَقُول بِعْتُك هَذَا الثَّوْب وكاتبتك بِأَلف إِلَى نجمين فيتقدم الْإِيجَاب على الْقبُول وَفِيه قَول مخرج أَنه يَصح أخذا من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو قَالَ اشْتريت عَبدك بِأَلف ورهنت بِالْألف دَارا فَأجَاب إِلَيْهِمَا صَحَّ الرَّهْن مَعَ تقدم إِيجَابه على لُزُوم الدّين إِلَّا أَن الرَّهْن من مصَالح البيع فَلَا يبعد مزجه بِهِ وَذَلِكَ فِي الْكِتَابَة يبعد فَإِن أفسدنا البيع فَفِي صِحَة الْكِتَابَة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن صححنا البيع فَيخرج على قولي الْجمع بَين صفقتين مختلفتين وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الرَّهْن وَالْبيع لِأَن الرَّهْن تَابع للْبيع ومؤكد لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 510 الثَّانِيَة لَو كَاتب ثَلَاثَة أعبد على ألف فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلم يُمَيّز نُجُوم كل وَاحِد فالنص صِحَة الْكِتَابَة وَالنَّص فِي شِرَاء ثَلَاثَة أعبد من ثَلَاثَة ملاك بعوض وَاحِد الْفساد وَالنَّص فِي خلع نسْوَة أَو نِكَاحهنَّ بعوض وَاحِد أَنه على قَوْلَيْنِ فَمن الْأَصْحَاب من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْكل وَهُوَ الْأَصَح لِأَن الْعِوَض مَعْلُوم الْجُمْلَة لَكِن مَجْهُول التَّفْصِيل وَمِنْهُم من قَالَ العبيد فِي الْكِتَابَة يجمعهُمْ مَالك وَاحِد والعوض فِيهِ غير مَقْصُود فَكَأَنَّهُ كعقد وَاحِد وغرض الشِّرَاء مَقْصُود فيخالفه وَالْخلْع وَالنِّكَاح على رُتْبَة بَين الرتبتين فَفِيهِ قَولَانِ وَهَذَا ضَعِيف وَلِأَن جملَة هَذِه الأعواض تفْسد بالجهالة وَإِن كَانَت الْعُقُود لَا تبطل ثمَّ إِن صححنا فَالْقَوْل الصَّحِيح أَنه يوزع الْألف على قدر قيم العبيد لَا على عدد الرُّءُوس وَفِيه قَول أَنه يوزع على عدد الرؤس ثمَّ إِن اعتقدنا التَّوْزِيع على الْعدَد فتنتفي الْجَهَالَة فَيصح لَا محَالة ثمَّ كَيفَ كَانَ فَإِذا أدّى كل عبد نصِيبه عتق وَلم يقف على أَدَاء رَفِيقه وَلَا ينظر إِلَى التَّعْلِيق على أَدَاء الْجَمِيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يعْتق وَاحِد مَا لم يؤد الْجَمِيع نظرا إِلَى التَّعْلِيق الرُّكْن الثَّالِث السَّيِّد الْمكَاتب وَشَرطه أَن يكون مَالِكًا مُكَلّفا أَهلا للتبرع غير دَافع بِالْكِتَابَةِ حَقًا لَازِما أما شَرط الْملك والتكليف فَلَا يخفى فَلَا يَصح كِتَابَة الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَغير الْمَالِك أما أَهْلِيَّة التَّبَرُّع فَيخرج عَلَيْهِ منع ولي الطِّفْل من كِتَابَة عَبده وَلَو بأضعاف ثمنه فَإِنَّهُ مَمْنُوع لِأَن مَا يكسبه يكون ملكا للطفل وَكَذَا الْمَرِيض تحسب كِتَابَته من الثُّلُث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 511 وَلَو كَاتب فِي الصِّحَّة وَوضع النُّجُوم عَنهُ فِي الْمَرَض أَو أعْتقهُ اعْتبرنَا خُرُوج الْأَقَل من الثُّلُث فَإِن كَانَت الرَّقَبَة أقل اعْتبرنَا خُرُوجهَا لِأَنَّهُ لَو عجز لم يكن للْوَرَثَة إِلَّا الرَّقَبَة وَإِن كَانَ النُّجُوم أقل فَكَذَلِك وَكَذَا لَو أوصى بإعتاقه أَو بِوَضْع النُّجُوم عَنهُ وَلَو كَاتب فِي الصِّحَّة وَأقر فِي الْمَرَض بِأَنَّهُ كَانَ قبض النُّجُوم صَحَّ إِقْرَاره لِأَنَّهُ حجَّة وَأما قَوْلنَا لَا يرفع بهَا حَقًا لَازِما فَيخرج عَلَيْهِ كِتَابَة الْمَرْهُون فَإِنَّهُ لَا يَصح وَكِتَابَة الْكَافِر لعَبْدِهِ الْمُسلم بعد أَن توجه عَلَيْهِ الْأَمر بِالْبيعِ فِي صِحَّته وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ البيع لَازم عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْجَوَاز نظرا إِلَى العَبْد فَذَلِك أصلح لَهُ ثمَّ إِن عجز بعناه وَلَو كَاتب ثمَّ أسلم وَقُلْنَا لَا يَصح استبراؤه فَفِي دَوَامه وَجْهَان لقُوَّة الدَّوَام وَلَو دبر ثمَّ أسلم فَيُبَاع عَلَيْهِ أم تضرب الْحَيْلُولَة فِيهِ خلاف أَيْضا أما الْمُرْتَد فكتابته بعد الْحجر وَقَبله تخرج على أَقْوَال الْملك فِي تصرف الْمَحْجُور وَأما الْحَرْبِيّ فَتَصِح كِتَابَته للْعَبد الْكَافِر لَكِن لَا يظْهر أَثَره فَإِنَّهُ لَو قهره بعد أَدَاء النُّجُوم ملكه فَكيف قبله لَكِن لَو أدّى النُّجُوم ثمَّ أسلما قبل الْقَهْر فَلَا رق عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بعض النُّجُوم خمرًا وَقد بَقِي مِنْهُ شَيْء وَقبض الْبَاقِي بعد الْإِسْلَام عتق لَكِن يرجع السَّيِّد على العَبْد بِقِيمَتِه كلهَا وَلَا توزع على مَا بَقِي وعَلى مَا قبض وَقد ذكرنَا نَظِير ذَلِك فِي الْخلْع فَلَا نعيده الرُّكْن الرَّابِع العَبْد الْقَابِل وَله شَرْطَانِ الأول كَونه مُكَلّفا فَلَا يَصح كِتَابَة الصَّغِير الْمُمَيز نعم إِن علق صَرِيحًا على الْأَدَاء عتق لَكِن لَا يرجع السَّيِّد بِقِيمَتِه بِخِلَاف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة لِأَن هَذِه الْكِتَابَة بَاطِلَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 512 الشَّرْط الثَّانِي أَن يُورد الْكِتَابَة على كُله ليستفيد عقيبها اسْتِقْلَالا فَلَو كَاتب بِنصْف عَبده فَالْمَذْهَب أَن الْكِتَابَة فَاسِدَة وَلَو كَاتب النّصْف الرَّقِيق مِمَّن نصفه حر صحت لحصور الإستلال وَلَو كَاتب أحد الشَّرِيكَيْنِ دون إِذن صَاحبه فَالْمَذْهَب أَنَّهَا فَاسِدَة وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ فَفِيهِ قَولَانِ وَالْأَظْهَر فَسَاده لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد الإستقلال بالمسافرة وَأخذ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة لَا تصرف إِلَى من نصفه رَقِيق وَنصفه حر فَأَي فَائِدَة لإذن وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أما المسافرة فقد نقُول لَا يسْتَقلّ بهَا الْمكَاتب كُله وَأما الصَّدَقَة فَيجوز صرفهَا إِلَيْهِ على رَأْي فَمن هَاهُنَا خَرجُوا طرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو كَاتب بِغَيْر إِذْنه أَيْضا وَخَرجُوا قولا قيمًا لَو كَاتب نصف عبد نَفسه وَلَا خلاف أَنَّهُمَا لَو كَاتبا على مَال وَاحِد صَحَّ وانقسمت النُّجُوم على قدر الحصتين فَلَو شرطا تَفَاوتا على قدر الحصص فقد انْفَرد كل عقد عَن صَاحبه فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن شَرِيكه فرع لَو كاتباه ثمَّ عَجزه أَحدهمَا وَأَرَادَ الثَّانِي إنظاره وإبقاء الْكِتَابَة فِي نصفه فَفِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 513 ثَلَاثَة طرق أَحدهَا الْقطع بِالْمَنْعِ إِذْ يُرِيد إبْقَاء الْكِتَابَة بِغَيْر رِضَاء صَاحبه وَالثَّانِي تَخْرِيجه على قَوْلَيْنِ إِذْ الشَّرِيك لما وَافق فِي ابْتِدَاء العقد فقد رَضِي بلوازم وتوابع وَهَذَا مِنْهَا وَالثَّالِث الْقطع بِالْجَوَازِ لِأَن الدَّوَام يحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الإبتداء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 514 وَلَو كَاتب وَاحِد عبدا ثمَّ مَاتَ وَخلف ابْنَيْنِ وعجزه أَحدهمَا فَفِي إنظار الآخر هَذِه الطّرق وَأولى بامتناع التَّبْعِيض لِأَن العقد ابْتِدَاء وجد من وَاحِد هَذَا مَا يَصح من الْكِتَابَة ثمَّ مَا لَا يَصح يَنْقَسِم إِلَى بَاطِن وفاسد وَالْبَاطِل لَا حكم لَهُ إِلَّا مُوجب التَّعْلِيق إِن كَانَ قد صرح بِهِ وَالْفَاسِد لَهُ حكم وَمهما تطرق الْخلَل إِلَى أصل الْأَركان الْأَرْبَعَة فَبَاطِل كَمَا لَو كَانَ السَّيِّد صَغِيرا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها والقابل كَذَلِك أَو صدر من ولي الطِّفْل وَمن لَيْسَ بِمَالك أَو عدم أصل الْعِوَض أَو شرطا شَيْئا لَا تقصد مَالِيَّته كالحشرات أَو اختلت الصِّيَغ بِأَن لم تنتظم أَو فقد الْإِيجَاب أَو الْقبُول أَو صدر من غير أَهله نعم اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن الْبعد لَو كَانَ مَجْنُونا نقل الرّبيع أَنه عتق بِالْأَدَاءِ وَرجع السَّيِّد بِالْقيمَةِ وَالرُّجُوع من حكم الْفَاسِد فَكَأَنَّهُ جعل قبُول الْمَجْنُون فَاسِدا وَقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله ضِدّه وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن قبُول الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فكلا قبُول فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ الثَّانِيَة لَو ترك لفظ الْكِتَابَة وَاقْتصر على قَوْله إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه لَو أعْطى هَل يعْتق لِأَن مَا يُعْطِيهِ فِي حكم الْمَغْصُوب فَإِن قُلْنَا يعْتق فَهَل يرجع السَّيِّد عَلَيْهِ بِقِيمَة الرَّقَبَة فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع فَإِن قُلْنَا يرجع فَهَل يستتبع الْكسْب وَالْولد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يستتبع وَمن رأى الرُّجُوع والإستتباع فقد ألحقهُ بالفاسد فقد حصل من هَذَا أَن الْفَاسِد مَا امْتنع صِحَّته بِشَرْط فَاسد أَو لفَوَات شَرط فِي الْعِوَض كالإعلام أَو فِي العَبْد ككتابة نصفه أَو كَتَرْكِ الْأَجَل والنجوم فَإِن قيل فَمَا حكم الْفَاسِد قُلْنَا الْفَاسِد يُسَاوِي الصَّحِيح فِي ثَلَاثَة أَحْكَام ويفارقه فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 515 حكمين يُسَاوِيه فِي الْعتْق عِنْد أَدَاء مَا علق عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِحكم التَّعْلِيق حَتَّى لَا يحصل بِالْإِبْرَاءِ والإعتياض فيغلب التَّعْلِيق على الْفَاسِد ويساويه فِي استتباع الْكسْب وَالْولد أَعنِي وَلَده من جَارِيَته لِأَنَّهُ فِي حكم كَسبه أما ولد الْمُكَاتبَة فَفِي سرَايَة الْكِتَابَة الْفَاسِدَة إِلَيْهِ قَولَانِ كالقولين فِي سرَايَة التَّدْبِير وَتَعْلِيق الْعتْق وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ يتبعهُ ويسري إِلَيْهِ ويساويه أَيْضا فِي اسْتِقْلَال العَبْد عَقِيبه بالإكتساب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوط نَفَقَته عَن مَوْلَاهُ وَجَوَاز مُعَامَلَته إِيَّاه وَاخْتلفُوا فِيمَا يتَعَلَّق باستقلاله فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا فِي مسافرته وَفِيه وَجْهَان إِن رَأينَا أَن الْمكَاتب كِتَابَته صَحِيحَة يُسَافر وَكَذَلِكَ فِي صرف الزَّكَاة إِلَيْهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْكِتَابَة غير لَازِمَة من جِهَة السَّيِّد فَلَا يوثق بانصرافه إِلَى الْعتْق أما مَا يفْتَرق فِيهِ فأمران أَحدهمَا أَن مَا يقبضهُ وَيحصل الْعتْق بِهِ يجب رده وَالرُّجُوع إِلَى قيمَة الرَّقَبَة كَمَا فِي الْخلْع الْفَاسِد وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تلْزم من جِهَة السَّيِّد بل لَهُ أَن يفْسخ وَمهما فسخ أَو قضى القَاضِي بردهَا انْفَسَخ حَتَّى لَا يعْتق بأَدَاء النُّجُوم ويرتفع التَّعْلِيق أَيْضا لِأَن معنى قَوْله إِن أدّيت إِلَيّ فِي ضمن مُعَاوضَة فَأَنت حر وَالْفَسْخ يرفع الْمُعَاوضَة ثمَّ يبتني على هَذَا اعني على عدم لُزُومه لَو مَاتَ السَّيِّد فَأدى إِلَى الْوَارِث لم يعْتق لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقَاتِل إِن أدّيت إِلَيّ فَأَنت حر وَالتَّعْلِيق غَالب على الْفَاسِد وَيتَفَرَّع مِنْهُ أَنه لَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 516 أعْتقهُ عَن كَفَّارَته صَحَّ وَيكون كَأَنَّهُ فسخ الْكِتَابَة وَلَا يستتبع الْكسْب وَالْولد بِخِلَاف مَا لَو أعتق الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة فَإِنَّهُ يَقع عَن الْكِتَابَة وَلَا يبرأ عَن الْكَفَّارَة ويتبعه الْكسْب وَالْولد وَلم تخَالف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة قِيَاس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَّا فِي شي وَاحِد وَهُوَ إِثْبَات الإستقلال فِي الإكتساب وَحُصُول الْعتْق بِالْأَدَاءِ تشوفا إِلَيْهِ فَوَجَبَ السَّعْي فِي تَحْصِيل الْعتْق فَلَا يُمكن إِلَّا بِإِثْبَات الإستقلال بِالْكَسْبِ فَأصل الْكسْب يسلم لَهُ مهما اسْتَقل وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ سُقُوط نَفَقَته وَصِحَّته مُعَامَلَته أما إِلْزَامه من جهد السَّيِّد وَتَصْحِيح الْمُسَمّى حَتَّى لَا يرجع إِلَى الْقيمَة فَلَا ضَرُورَة فِيهِ فأجري على الْقيَاس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 517 النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْكِتَابَة وَحكمهَا الْعتْق عِنْد بَرَاءَة الذِّمَّة بأَدَاء أَو إِبْرَاء أَو اعتياض واستقلال العَبْد بالإكتساب عقيب العقد وَيتَفَرَّع عَنهُ تَبَعِيَّة الْكسْب وَالْولد وَوُجُوب الْأَرْش وَالْمهْر على السَّيِّد عِنْد الْوَطْء وَالْجِنَايَة وَالْكِتَابَة تَقْتَضِي نُفُوذ تَصَرُّفَات الْمكَاتب بِمَا لَا ينْزع فِيهِ وَامْتِنَاع تصرف السَّيِّد فِي رقبته ومجموع هَذِه التفاصيل ترجع إِلَى خَمْسَة أَحْكَام الحكم الأول فِيمَا لَا يحصل بِهِ الْعتْق وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أَبْرَأ عَن بعض النُّجُوم أَو قبض بعضه لم يعْتق مِنْهُ شَيْء بل هُوَ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعْتق بِكُل جُزْء من النُّجُوم جُزْء من رقبته وَأما الْإِبْرَاء فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَلَا توجب الْعتْق الثَّانِيَة إِذا جن السَّيِّد فَقبض النُّجُوم لم يعْتق لِأَن قَبضه فَاسد حَتَّى يقبض وليه وللمكاتب اسْتِرْدَاده وَإِن تلف فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ المضيع بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ وَلَو جن الْمكَاتب فَقبض السَّيِّد مِنْهُ عتق لِأَن فعل العَبْد لَيْسَ بِشَرْط بل إِذا تعذر فعله فللسيد أَخذه هَكَذَا أطلقهُ الْأَصْحَاب وَفِيه نظر إِذْ لَا يبعد لُزُوم رَفعه إِلَى القَاضِي حَتَّى يُوفي النُّجُوم إِن رأى الْمصلحَة أما اسْتِقْلَال السَّيِّد فمشكل عِنْد إِمْكَان مُرَاجعَة القَاضِي أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَظَاهر النَّص أَنَّهَا تَنْفَسِخ بجنون السَّيِّد كَمَا تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ وَلَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فَاخْتَلَفُوا فِي النصين وَحَاصِل مَا ذكر نقلا وتخريجا ثَلَاثَة أوجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 518 أَحدهَا وَهُوَ الأقيس أَنه لَا تَنْفَسِخ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ جَائِزا فمصيره إِلَى اللُّزُوم كَالْبيع فِي زمَان الْخِيَار وَالثَّانِي أَنه يَنْفَسِخ لضعف الْفساد الثَّالِث أَنه يَنْفَسِخ بجنون الْمولى دون العَبْد فَإِن الْكِتَابَة أبدا جَائِزَة من جَانب العَبْد فَلم يُؤثر الْفساد فِي جَانِبه وَلَا خلاف أَن موت العَبْد يُوجب فسخ الْكِتَابَة الصَّحِيحَة أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن خلف وَفَاء فللوارث أَدَاء نجومه وَأخذ الْفَاضِل بالوراثة فَإِن قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فأفاق وَأدّى عتق وَإِن قُلْنَا تَنْفَسِخ بجنون العَبْد فأفاق وَأدّى فَهَل يحصل الْعتْق بِمُجَرَّد التَّعْلِيق فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحصل كَمَا لَو فسخ السَّيِّد لِأَن هَذَا تَعْلِيق فِي ضمن مُعَاوضَة وَالثَّالِثَة إِذا كَاتبا عبدا ثمَّ أعتق أَحدهمَا نصِيبه نفذ وسرى إِلَى نصيب شَرِيكه إِن كَانَ مُوسِرًا لَكِن يسري فِي الْحَال أَو يتَأَخَّر إِلَى أَن يعجز الْمكَاتب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا التَّأْخِير إِلَى أَن يعجز إِذْ السَّيِّد قد نصب سَبَب الْعتْق لنَفسِهِ بِالْكِتَابَةِ فَكيف يجوز إِبْطَاله وَالثَّانِي أَنه يسري فِي الْحَال وَيقدر انْتِقَاله إِلَى الْمُعْتق من غير انْفِسَاخ فِي الْكِتَابَة بل يعْتق عَن جِهَة الْكِتَابَة عَن الْمُعْتق حَتَّى يكون الْوَلَاء للشَّرِيك وَلَا يُؤَدِّي إِلَى بطلَان الْكِتَابَة وَمِنْهُم من قَالَ ينْتَقل وتنفسخ الْكِتَابَة إِذْ الْعتْق أقوى من الْكِتَابَة فَيعتق كُله على الشَّرِيك الْمُعْتق وَمن هَذَا الْإِشْكَال حكى صَاحب التقري بوجها أَن الْكِتَابَة تمنع الْعتْق أصلا فَلَا يسري فَإِذا فرعنا على الصَّحِيح وَهُوَ أَنه يسري فإبراؤه عَن نصِيبه وَقبض نصِيبه حَيْثُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 519 يجوز الْقَبْض على مَا سَيَأْتِي كإعتاقه فِي اقْتِضَاء السَّرَايَة وَلَا نقُول إِنَّه مجبر على الْقَبْض فَلَا يسري لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي إنْشَاء الْكِتَابَة الَّتِي اقْتَضَت إِجْبَاره على الْقَبْض نعم إِذا مَاتَ وَخلف مكَاتبا فبض أحد الِابْنَيْنِ نصِيبه عتق نصِيبه وَلم يسر لِأَنَّهُ مجبر على الْقبُول وَلم يصدر العقد مِنْهُ أما إِذا ادّعى العَبْد على الشَّرِيكَيْنِ أَنه وفى نجومهما فَصدق أَحدهمَا وَكذبه الآخر عتق نصيب الْمُصدق وَهل يسري إِلَى الْبَاقِي فِيهِ قَولَانِ وَجه قَوْلنَا إِنَّه لَا يسري مَعَ أَنه مُخْتَار فِي التَّصْدِيق أَن مُقْتَضى إِقْرَاره عتق الْكل فَكيف يعْمل بِخِلَاف مُوجبه وَيقدر عتق الْبَعْض حَتَّى يسري الرَّابِعَة أحد الإبنين الْوَارِثين إِذا أعتق نصِيبه من الْمكَاتب نفذ وَهل يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن قَومنَا على أحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ قَولَانِ وَجه الْفرق أَن عتقه يَقع عَن الْمَيِّت وَلذَلِك يكون الْوَلَاء للْمَيت وَيُمكن بِنَاء الْقَوْلَيْنِ على أَن الْوَارِث هَل يملك الْمكَاتب وَيحْتَمل أَن لَا يملك بِنَاء على أَن الدّين الْمُسْتَغْرق يمْنَع الْملك وَكَذَا الْخلاف فِي السَّرَايَة عِنْد إبرائه أما عِنْد قَبضه نصِيبه فَلَا سرَايَة لِأَنَّهُ مجبر التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يسري ورق النَّصِيب الآخر بِالْعَجزِ فَفِي وَلَاء النّصْف الأول وَجْهَان أَحدهمَا أَنه بَين الْإِثْنَيْنِ لِأَن الْعتْق وَقع عَن الْمَيِّت فَلهُ الْوَلَاء وَلَهُمَا عصوبته وَالثَّانِي أَنه للْمُعْتق وكأنا بِالآخِرَة تَبينا أَن الْعتْق وَقع عَن الْمُعْتق وتضمن انْفِسَاخ الْكِتَابَة لِأَن الْكِتَابَة لَا تقبل التَّبْعِيض وَقد انْفَسَخ فِي الْبَاقِي وَهَكَذَا الْخلاف إِن فرع نا على أَن الْعتْق يسري وَلَكِن يتَضَمَّن انْفِسَاخ الْكِتَابَة فِي مَحل السَّرَايَة لِأَنَّهُ قد انْفَسَخ فِي الْبَعْض أما الْوَلَاء فِي مَحل السَّرَايَة فينبني على انْفِسَاخ الْكِتَابَة فَإِن رَأينَا أَنَّهَا تَنْفَسِخ بِالسّرَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 520 فَالْولَاء فِيهِ لمن سرى عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ فقد عتق العَبْد كُله عَن جِهَة كِتَابَة الْمَيِّت فَالْولَاء لَهما بعصوبته فرع إِذا خلف ابْنَيْنِ وعبدا فَادّعى العَبْد أَن الْمُورث كَاتبه فَصدقهُ أَحدهمَا وَكذبه الآخر وَحلف صَار نصيب الْمُصدق مكَاتبا فيستقل العَبْد بِنصْف كَسبه ليصرفه إِلَى النُّجُوم ثمَّ إِن عتق نصيب الْمُصدق بِقَبْضِهِ النُّجُوم لم يسر لِأَنَّهُ مجبر عَلَيْهِ وَإِن عتق بِإِعْتَاق سرى وَلم يُمكن تَخْرِيجه على الْخلاف فِي السَّرَايَة إِلَى الْمكَاتب لِأَن الشَّرِيك يزْعم أَن نصِيبه رَقِيق فَلَا بُد وَأَن يسري إِلَيْهِ وَإِن عتق بِالْإِبْرَاءِ لم يسر فَإِن الشَّرِيك المكذب يَقُول الْإِبْرَاء لاغ إِذْ لَا كِتَابَة فَلَا يسري حَتَّى يُصَرح الْمُصدق بِلَفْظ يُوجب الْإِعْتَاق ثمَّ الصَّحِيح أَن الْمُصدق يشْهد مَعَ غَيره على المكذب فَيجوز لِأَن نصِيبه من النُّجُوم قد سلم بِإِقْرَار العَبْد فَلَا تُهْمَة فِيهِ الْخَامِسَة إِذا قبض النُّجُوم ثمَّ وجدهَا نَاقِصَة فِي الْوَصْف فَإِن رَضِي اسْتمرّ الْعتْق وَيكون حُصُول الْعتْق عِنْد الْقَبْض أَو عِنْد الرِّضَا فِيهِ خلاف يَنْبَنِي على أَن الدّين النَّاقِص يملك عِنْد الْقَبْض أَو عِنْد الرِّضَا وَإِن أَرَادَ الرَّد فَلهُ ذَلِك ويرتد الْعتْق على معنى أَنه يتَبَيَّن أَنه لم يحصل لعدم الْقَبْض فِي الْمُسْتَحق وَهُوَ ظَاهر إِذا قُلْنَا لَا يحصل الْملك بِالْقَبْضِ وَإِن قُلْنَا يحصل فَيحصل الْعتْق أَيْضا بِحَسبِهِ حصولا غير مُسْتَقر بل ينْدَفع عِنْد الرَّد فَلَو اطلع على النُّقْصَان بعد تلف النُّجُوم فَلهُ طلب الْأَرْش ويتبين أَن لَا عتق حَتَّى يُؤَدِّي الْأَرْش فَإِن عَجزه السَّيِّد وأرقه جَازَ كَمَا فِي نفس النُّجُوم ثمَّ الْأَرْش قدر قيمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 521 نُقْصَان النُّجُوم أَو مَا يُقَابله من الرَّقَبَة فِيهِ خلاف يجْرِي مثله فِي الْمُعَاوَضَات الْمُتَعَلّقَة بالديون السَّادِسَة إِذا خرج النَّجْم مُسْتَحقّا تبين أَن لَا عتق وَلَيْسَ هُوَ كَمَا لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت حر فجَاء بمغصوب فَيحصل الْعتْق أَو الطَّلَاق فِي مثله على وَجه لتجرد حكم التَّعْلِيق وَوُجُوب صُورَة الْإِعْطَاء أما هَا هُنَا إِذا صحت الْمُعَامَلَة فَلَا يعْتق إِلَّا بِبَرَاءَة الذِّمَّة نعم يجْرِي الْخلاف فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ على أَدَاء الْألف فرع لَو قَالَ لَهُ عِنْد أَدَاء النُّجُوم اذْهَبْ فَإنَّك حر أَو عتقت فَلهُ رد الْعتْق وَلَا يؤاخد بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بِنَاء على ظَاهر الْحَال كالمشتري فَإِنَّهُ يرجع بِالثّمن إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا وَإِن كَانَ قد قَالَ هُوَ ملكي وَملك بائعي وَقد ذكرنَا فِيهِ وَجها أَنه لَا يرجع وَيجْرِي هَا هُنَا أَيْضا إِذْ لَا فرق أما إِذا أقرّ بِعِتْق أَو طَلَاق ثمَّ قَالَ كنت أطلقت لَفْظَة ظننتها نَافِذَة فراجعت الْمُفْتِي فَأفْتى بِأَنَّهُ لَا ينفذ قَالَ الصيدلاني يقبل قِيَاسا على هَذِه الْمَسْأَلَة وَهَذَا بعيد لِأَن الْإِقْرَار حجَّة صَرِيحَة وَفتح هَذَا الْبَاب يمْنَع الأقارير إِلَّا أَن قَوْله بعد قبض النُّجُوم أَنْت حر أَو عتقت هُوَ إِقْرَار وَلَا فرق بَين أَن يَقُوله جَوَابا إِذا سُئِلَ عَن حُرِّيَّته أَو ابْتِدَاء وَبَين أَن يَقُوله مُتَّصِلا بِقَبض النُّجُوم أَو بعده فَإِنَّهُ مَعْذُور فِي الْأَحْوَال كلهَا لظَنّه فَإِذا عذر هَا هُنَا فَلَا يبعد أَن يفتح هَذَا الْبَاب فِي كَلَام يجْرِي مجْرَاه الحكم الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بأَدَاء النُّجُوم وَفِيه سبع مسَائِل الأولى أَنه يجب الإيتاء لقَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله} وَلِأَنَّهُ مَا كَاتب أحد من السّلف إِلَّا وضع شَيْئا وَلنْ الْمُطلقَة تنْتَظر مهْرا فَإِذا لم تسلم تأذت فَوَجَبت الْمُتْعَة دفعا للأذى فَكَذَا العَبْد ينْتَظر الْعتْق مجَّانا فَإِذا كَانَ بعوض فَيَتَأَذَّى فَلَا بُد من إمتاعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 522 ثمَّ النّظر فِي مَحَله وَوَقته وجنسه وَقدره أما الْمحل فَهُوَ الْكِتَابَة الصَّحِيحَة وَفِي الْفَاسِدَة وَجْهَان بِنَاء على أَن الأَصْل فِي الإيتاء حط شَيْء من وَاجِب النُّجُوم أَو بذل شَيْء مَعَ أَنه لَا خلاف أَن الْوُجُوب يتَأَدَّى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِذا قُلْنَا الأَصْل هُوَ حط الْوَاجِب فَلَا يجب فِي الْفَاسِد النُّجُوم بل يجب قيمَة الرَّقَبَة بعد الْعتْق أما لَو بَاعَ العَبْد من نَفسه أَو أعْتقهُ على مَال فَالْمَشْهُور أَنه لَا يجب الإيتاء وَفِيه وَجه أَنه يجب لأجل الْعِوَض وَلَا خلاف أَن الْعتْق مجَّانا لَا يُوجب شَيْئا فَإِنَّهُ عين الإيتاء والإمتاع أما الْوَقْت فَلَا يجب البدار عقيب العقد وَهل يجوز التَّأْخِير عَن الْعتْق فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن مَقْصُوده أَن يكون بلغَة بعد الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن مَقْصُوده أَن يكون مَعُونَة على الْعتْق وَأما مِقْدَاره فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه أقل مَا يتمول إِذْ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الإيتاء بِخِلَاف الْمُتْعَة فَإِنَّهُ قدر بِالْمَعْرُوفِ وَالثَّانِي أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك إِذْ الْحبَّة لَا يحصل بهَا لَا بلغَة وَلَا مَعُونَة بل لَا بُد من قدر يَلِيق بِحَال السَّيِّد وَالْعَبْد وَقدر النُّجُوم وَيظْهر لَهُ أثر فِي التَّيْسِير وَالتَّخْفِيف وَقد كَاتب ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ عبدا لَهُ بِخَمْسَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 523 وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ حط عَنهُ خَمْسَة آلَاف وَهُوَ تسع المَال وَإِن كَانَ السَّبع إِلَى الْعشْر لائقا وَلَكِن لَا يتَقَدَّر بِهِ بل يجْتَهد القَاضِي عِنْد النزاع فَإِن شكّ فِي مِقْدَاره فيتقابل فِيهِ أصلان بَرَاءَة ذمَّة السَّيِّد وَبَقَاء الْأَمر بالإيتاء فليرجح فرع لَو بَقِي من النُّجُوم قدر لَا يقبل فِي الإيتاء أقل مِنْهُ فَلَيْسَ للسَّيِّد تعجيزه أصلا بل يرفعهُ إِلَى القَاضِي ليرى فِيهِ رَأْيه أما الْجِنْس فليبرىء من بعض النُّجُوم أَو ليرد عَلَيْهِ مِمَّا أَخذ مِنْهُ أَو من جنسه فَإِن عدل إِلَى غير جنسه فَوَجْهَانِ وَجه الْمَنْع أَنه تعبد فهم من قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} وعنى بِهِ النُّجُوم فضاهى قَوْله تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} وَالأَصَح أَن هَذِه مُعَاملَة فيتطرق الْعِوَض إِلَيْهَا فرع لَو مَاتَ السَّيِّد قبل الإيتاء فَهُوَ فِي تركته لَكِن النَّص أَنه يضارب بِهِ الْوَصَايَا وَهُوَ مُشكل لِأَن حق الدّين أَن يقدم فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا إِذا قدر زِيَادَة على الْوَاجِب فَمَاتَ وَمِنْهُم من قَالَ وجوب الإيتاء ضَعِيف فينقلب اسْتِحْبَابا بِالْمَوْتِ وَمِنْهُم من قَالَ أقل مَا يتمول دين وَالزِّيَادَة إِذا أوجبناها إِنَّمَا أَوجَبْنَا لِأَنَّهَا لائقة بِالْحَال وَلَا تلِيق بِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 524 بعد الْمَوْت فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا عجل النُّجُوم قبل الْمحل أجبر السَّيِّد على الْقبُول لأجل فك الرَّقَبَة كَمَا يجْبر فِي الدّين الَّذِي بِهِ رهن أما فِي سَائِر الدُّيُون المؤجلة فَوَجْهَانِ ثمَّ إِنَّمَا يجْبر على قبُول النَّجْم إِذا لم يكن على السَّيِّد ضَرَر وَمؤنَة وَلم يكن وَقت نهب وغارة فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر لم يلْزمه فَإِن كَانَ النهب مَقْرُونا بِوَقْت العقد فَفِي الْإِجْبَار وَجْهَان وَحَيْثُ يجْبر فَلَو كَانَ غَائِبا أَو امْتنع قبض القَاضِي عَنهُ وَعتق وَيقبض النَّجْم الأول وَإِن لم يكن فِيهِ عتق أَيْضا لِأَنَّهُ تمهيد سَبَب لِلْعِتْقِ وَلَو قَالَ لَا آخذه فَإِنَّهُ حرَام فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب وَيجب أَخذه وَيعتق بِهِ ثمَّ يجب عَلَيْهِ رده إِلَى مَالِكه إِن أَضَافَهُ إِلَى مَالك فَإِن لم يضف فَهَل ينتزع من يَده فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا ينتزع فَلَو كذب نَفسه فَالظَّاهِر قبُوله وَيعود تصرفه فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 525 فرع إِذا قَالَ السَّيِّد عدل لي بعض النُّجُوم لأبرئك عَن الْبَعْض فقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله فِي ذَلِك ترددا وَجعل الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ وَمحل الْقَوْلَيْنِ مُشكل لِأَن السَّيِّد إِن قَالَ إِذا عجلت فقد أَبْرَأتك فَهُوَ تَعْلِيق إِبْرَاء فَاسد وَإِن قَالَ العَبْد خُذ هَذَا بِشَرْط أَن تبرئني فأداؤه بِالشّرطِ فَاسد فَلَعَلَّ مَحل التَّرَدُّد أَن يبتدىء العَبْد الْأَدَاء بِالشّرطِ فأداؤه فَاسد لَكِن لَو أَبْرَأ السَّيِّد واستأنف العَبْد رضَا فِي دوَام الْقَبْض صَار الْقَبْض صَحِيحا فَلَو لم يسْتَأْنف فَهَل نقُول رِضَاهُ الأول كَانَ رِضَاء بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الْإِبْرَاء وَقد تحقق فَهَل يَكْتَفِي بِهِ يحْتَمل فِيهِ تردد الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي تعذر النُّجُوم وَله خَمْسَة أَسبَاب الأول الإفلاس عِنْد الْمحل وَللسَّيِّد مبادرة الْفَسْخ فَإِن لم يُبَادر فَلهُ الْفَسْخ مَتى شَاءَ وَلَيْسَ هَذَا على الْفَوْر وَلَو استمهل الْمكَاتب لم يلْزمه إِلَّا بِقدر مَا يخرج المَال من المخزن فَإِن كَانَ مَاله غَائِبا فَلهُ الْفَسْخ وَلَو كَانَ لَهُ عرُوض لَا تشترى إِلَّا بعد زمَان فَلهُ الْفَسْخ وَقَالَ الصيدلاني لَا يفْسخ وَهُوَ بعيد وَإِذا عجز عَن الْبَعْض فَلهُ الْفَسْخ وَالْبَاقِي سلم للسَّيِّد إِلَّا مَا كَانَ من الزكوات فَإِنَّهَا ترد إِلَى أَصْحَابهَا الثَّانِي إِذا غَابَ وَقت الْمحل فَلهُ الْفَسْخ وَلَا يحْتَاج إِلَى الرّفْع إِلَى القَاضِي على الصَّحِيح وَلَو كَانَ أذن لَهُ فِي السّفر فَلهُ أَن يرجع وَلَكِن لَا يُبَادر الْفَسْخ حَتَّى يعرفهُ الرُّجُوع عَن الْإِذْن فَإِن قصر بعد ذَلِك فِي الإياب وَالْأَدَاء فسخ الثَّالِث أَن يمْنَع مَعَ الْقُدْرَة فَلهُ ذَلِك إِذْ لَيْسَ النُّجُوم لَازِما على العَبْد بل الْكِتَابَة جَائِزَة فِي جَانِبه لَكِن للسَّيِّد الْفَسْخ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَيْسَ للْعَبد الْفَسْخ لَكِن لَهُ أَن لَا يُؤَدِّي مَعَ الْقُدْرَة حَتَّى يفْسخ السَّيِّد وَهُوَ متناقض لِأَن العقد إِن كَانَ لَازِما فليجب الْوَفَاء بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 526 الرَّابِع إِذا جن العَبْد وَقُلْنَا لَا يَنْفَسِخ على الْأَصَح فَالْقَاضِي إِن علم لَهُ مَالا وَرَأى مصْلحَته فِي الْعتْق أدّى عَنهُ وَإِن رأى أَنه يضيع إِن عتق فَلهُ أَن لَا يُؤَدِّي عَنهُ وَكَلَام الْأَصْحَاب يُشِير إِلَى أَن السَّيِّد يسْتَقلّ بِالْأَخْذِ إِذْ ذكرُوا أَن الْقَبْض من العَبْد الْمَجْنُون يُوجب الْعتْق وَفِيه نظر إِذْ رُبمَا لم يرضى بِالْعِتْقِ وَالْأَدَاء إِذا أَفَاق إِلَّا أَن هَذَا لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِن السَّيِّد يقدر على إِعْتَاقه بِكُل حَال فَأَي فرق بَين أَن يَأْخُذ كَسبه عَن جِهَة النُّجُوم أَو عَن جِهَة رالرق الْخَامِس الْمَوْت وَذَلِكَ يُوجب انْفِسَاخ الْكِتَابَة وَإِن خلف وَفَاء لتعذر الْعتْق بعد الْمَوْت فرع لَو استسخر الْمكَاتب شهرا وَغرم لَهُ أُجْرَة الْمثل فَإِذا حل النَّجْم وَعجز فَلهُ الْفَسْخ وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه أَن ينظره مثل مُدَّة الإستسخار لِأَنَّهُ كَانَ يتَوَقَّع اتِّفَاق فتوح فِي ذَلِك الشَّهْر فيعوضه بِمثل تِلْكَ الْمدَّة فَلَعَلَّهُ يتَحَقَّق توقعه الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي ازدحام الدُّيُون وَلها صور الأولى أَن يكون الدّين للسَّيِّد فَإِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين مُعَاملَة ونجوم وَفِي يَده مَا يَفِي بِأَحَدِهِمَا فَلَو تطوع السَّيِّد وَأخذ عَن النُّجُوم عتق وَدين الْمُعَامَلَة يبْقى فِي ذمَّته وَله أَن يَأْخُذ عَن جِهَة الْمُعَامَلَة ويعجزه وَلَو أَرَادَ تعجيزه قبل أَن يَأْخُذ مَاله عَن جِهَة الدّين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَهُ ذَلِك لَان لَهُ طلبهما جَمِيعًا ويتضمن ذَلِك عَجزه عَن بعض النُّجُوم لَا محَالة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَادر على النُّجُوم وَإِنَّمَا تَزُول الْقُدْرَة بإخلاء يَده عَن المَال فرع لَو قبض المَال مُطلقًا وَقصد السَّيِّد الدّين وَقصد العَبْد النُّجُوم فالإعتبار بِأَيّ قصد فِيهِ وَجْهَان وَتظهر فَائِدَته فِي التَّحْلِيف عِنْد النزاع فَإِن القَوْل قَول من تعتمد نِيَّته الثَّانِيَة أَن يكون عَلَيْهِ دين مُعَاملَة وَأرش لأَجْنَبِيّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ للسَّيِّد إِلَّا النُّجُوم فَإِن لم يحْجر القَاضِي بعد عَلَيْهِ فَلهُ أَن يقدم أَي دين شَاءَ وَإِن حجر بالتماس الْغَيْر فالنص أَنه يوزع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 527 على الدُّيُون لِأَن كل وَاحِد لَو انْفَرد لاستغرق تَمام حَقه وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن الْمُقدم دين مُعَاملَة الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهُ لَا يجد مُتَعَلقا من الرَّقَبَة بِخِلَاف الْأَرْش والنجم ثمَّ أرش الْأَجْنَبِيّ يقدم على النَّجْم لِأَنَّهُ يقدم على حق الْمَالِك حَتَّى يُبَاع فِيهِ العَبْد الثَّالِثَة أَن يعجز الْمكَاتب نَفسه فَتسقط عَنهُ النُّجُوم وَيبقى للأجانب الْأَرْش وَدين الْمُعَامَلَة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الصَّحِيح أَنه يقسم مَا فِي يَده عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالثَّانِي أَنه يقدم دين الْمُعَامَلَة لتَعلق صَاحب الْأَرْش بِالرَّقَبَةِ وَالثَّالِث وَهُوَ غَرِيب أَن يقدم الْأَرْش وَيُقَال لصَاحب الْمُعَامَلَة قد قنعت بذمية فَاتبعهُ إِذا عتق وَهَذَا يلْزم طرده فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَهُوَ بعيد جدا التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يقدم الْمُعَامَلَة فَلَو مَاتَ الْمكَاتب وَخلف شَيْئا فَالصَّحِيح أَنه يسوى بَينه وَبَين الْأَرْش إِذْ لم يبْق طمع فِي الرَّقَبَة ليتعلق بهَا الْأَرْش وَمِنْهُم من استصحب دين الْمُعَامَلَة فرعان أَحدهمَا أَن لمستحق الْأَرْش تعجيز الْمكَاتب حَتَّى يفْسخ الْكِتَابَة وَيبِيع الرَّقَبَة فَلَو أَرَادَ السَّيِّد فداءه لتستمر الْكِتَابَة لم يجب على الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبُوله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ بعد انْفِسَاخ الْكِتَابَة وَإِنَّمَا لَهُ الْفِدَاء عِنْد التَّعْلِيق وَفِيه وَجه أَنه يجب قبُوله لغَرَض السَّيِّد فِي دوَام الْكِتَابَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 528 وَأما صَاحب دين الْمُعَامَلَة فَلَيْسَ لَهُ التَّعْجِيز على الْمَذْهَب إِذْ لَيْسَ لَهُ طمع فِي الرَّقَبَة فَلَا فَائِدَة لَهُ فِي التَّعْجِيز الْفَرْع الثَّانِي لَو كَانَ للسَّيِّد دين مُعَاملَة وَنجم فَلَا يضارب الْغُرَمَاء بِالنَّجْمِ ويضارب بدين الْمُعَامَلَة لِأَنَّهُ لَا يقْضِي من الرَّقَبَة وَفِيه وَجه أَنه لَا يضارب لِأَن حَقه على عَبده ضَعِيف وعرضة للسقوط الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا كَاتبا عبدا فَلَيْسَ للْعَبد أَن يقْضِي نصيب أَحدهمَا وَحده لِأَن كل مَا فِي يَده كالمشترك بَين السيدين لَكِن لَو وكل أَحدهمَا صَاحبه بِقَبض نصِيبه فَإِذا قبض الْجَمِيع عتق العَبْد وَلَو استبد بِتَسْلِيم الْجَمِيع إِلَى أَحدهمَا لم يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن الْقَابِض لَا يملك مِنْهُ شَيْئا مَا لم يملك شَرِيكه مثله وَفِيه وَجه أَنه يعْتق نصِيبه إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ رفع الْيَد إِلَّا عَن النّصْف وَلَو رَضِي أَحدهمَا بِتَقْدِيم الآخر بِنَصِيبِهِ فَهَل يَصح الْأَدَاء فِيهِ وَجْهَان ينبنيان على نُفُوذ التَّبَرُّع بِإِذن السَّيِّد وَقيل يَنْبَنِي على أَن كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن صَاحبه هَل تصح فِي نصِيبه وَحده لِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتق الْبَعْض وَتبقى الْكِتَابَة فِي الْبَاقِي التَّفْرِيع إِن قضينا بِفساد الْأَدَاء فَهُوَ رَقِيق وَيسْتَرد مِنْهُ وَإِن قُلْنَا صَحِيح فَلَا نقُول بِعِتْق نصِيبه ويسري بل إِن كَانَ فِي يَده وَفَاء أدّى نصيب الثَّانِي وَعتق كُله عَلَيْهِمَا وَإِن عجز عَن نصيب الثَّانِي قَالَ ابْن سُرَيج لَا يُشَارك الأول فِيمَا قبض بِإِذْنِهِ وَلَكِن عتق على الأول نصِيبه وَهل يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور فِي سرَايَة عتق الشَّرِيك فِي الْمكَاتب وَقَالَ غَيره بل يُشَارِكهُ فِيمَا قبض لِأَنَّهُ أذن فِي التَّقْدِيم لَا فِي التَّكْمِيل ثمَّ إِذا شَارك فَلَهُمَا التَّعْجِيز بِسَبَب الْبَاقِي ويرق العَبْد فرع لَو ادّعى أَنه وفاه النُّجُوم فَصدقهُ أَحدهمَا وَكذبه الآخر فَلهُ أَن يُشَارك الْمُصدق فِيمَا أقرّ بِقَبْضِهِ وَله أَن يُطَالب الْمكَاتب بِتمَام نصِيبه إِن شَاءَ ثمَّ لَا تراجع بَين الْمكَاتب والمصدق فِيمَا يَأْخُذهُ المكذب مِنْهُمَا إِذْ مُوجب قَوْلهمَا أَن المكذب ظَالِم وَلَا يرجع الْمَظْلُوم إِلَّا على ظَالِم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 529 الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كَاتب عَبْدَيْنِ فجَاء أَحدهمَا بِمَال ليتبرع بأَدَاء نُجُوم الثَّانِي وَقُلْنَا لَا ينفذ تبرعه بِالْإِذْنِ فَالْمَال للمؤدي لَكِن قد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْمُؤَدِّي لَو عتق بِمَال آخر لم يرجع إِلَى ذَلِك المَال وَنَصّ على أَن الْمكَاتب لَو عَفا عَن أرش جِنَايَة ثَبت لَهُ على سَيّده فَإِذا عتق رَجَعَ فِيهِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج بِنَاء على أَن تصرف الْمُفلس إِذا رد للحجر فَإِذا انْقَضتْ دُيُونه فَهَل ينفذ بعده وَلَا خلاف أَنه لَو اسْتردَّ قبل الْعتْق ثمَّ عتق لم يكن للسَّيِّد اسْتِرْدَاده فَإِنَّمَا إِنَّمَا ينفذ بعد الْعتْق إِذا لم يقبضهُ قبل الْعتْق أما إِذا تكفل أحد الْعَبْدَيْنِ بنجوم الآخر لم يَصح لِأَن النُّجُوم لَيْسَ بِلَازِم على العَبْد فَلَا يَصح ضَمَانه وَلَو شَرط ضَمَان أَحدهمَا للْآخر فسد العقد فرع لَو كَانَا متفاوتي الْقيمَة وَجَاء المَال ثمَّ ادّعى الخسيس أَنَّهُمَا أديا على عدد الرؤس وَقَالَ الآخر بل على قدر النُّجُوم فَفِيهِ نصان مُخْتَلِفَانِ فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول من يَدعِي الإستواء لِأَنَّهُ كَانَ فِي يدهما وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي القَوْل قَول الآخر لِأَن قرينَة التَّفَاوُت فِي النُّجُوم تشهد لَهُ وَقيل بل الْمَسْأَلَة على حَالين فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الإستواء إِلَى أَن يَقْتَضِي ذَلِك فِي النَّجْم الْأَخير اسْتِرْدَاد شَيْء من السَّيِّد فَالْقَوْل قَول من يُنكره الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي النزاع وَله صور الأولى إِذا اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي جنسه أَو فِي مِقْدَار الْأَجَل تحَالفا وتفاسخا وَإِن كَانَ بعد حُصُول الْعتْق بالإتفاق وَفَائِدَة الْفَسْخ الرُّجُوع إِلَى قيمَة الرَّقَبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 530 أما رد الْعتْق فَغير مُمكن وَصورته أَن يقبض مِنْهُ أَلفَيْنِ وَيَدعِي العَبْد أَن بعضه وَدِيعَة وَقَالَ السَّيِّد بل النُّجُوم أَلفَانِ الثَّانِيَة أَن يختلفا فِي أصل الْأَدَاء أَو فِي أصل الْكِتَابَة فَالْقَوْل قَول السَّيِّد فَلَو قَالَ العَبْد لي بَيِّنَة على الْأَدَاء أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ قبل إِلَّا فِي النَّجْم الْأَخير فَفِيهِ وَجْهَان لتعليق الْعتْق بِهِ الثَّالِثَة لَو مَاتَ الْمكَاتب وَله ولد من مُعْتقه كَانَ وَلَاؤُه لموَالِي الْمُعتقَة فَلَو قَالَ السَّيِّد عتق قبل الْمَوْت وجر إِلَيّ وَلَاء أَوْلَاده فَالْقَوْل قَول مولى الْأُم إِنَّه مَاتَ قبل الْعتْق لِأَن الأَصْل عدم الْقَبْض واستمرار الْوَلَاء الرَّابِعَة كَاتب عَبْدَيْنِ وَأقر بِأَنَّهُ قبض نُجُوم أَحدهمَا فَلِكُل وَاحِد أَن يَدعِي فَإِن أقرّ لأَحَدهمَا وَنكل عَن يَمِين الآخر حَتَّى حلف الْمُدَّعِي عتق هَذَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة وَعتق الأول بِالْإِقْرَارِ وَإِن مَاتَ قبل الْبَيَان فللوارث أَن يحلف على نفي الْعلم بِمَا عناه الْمُورث وَإِذا حلف استبهم فَهَل يقرع بَينهمَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عتق استبهم وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ دين استبهم من عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عتق عبد معِين من عَبْدَيْنِ وَإِنَّمَا تجْرِي الْقرعَة عِنْد إِعْتَاق الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا وقصور الثُّلُث عَن الْوَفَاء وإبهام الْعتْق بَينهمَا لَكِن إِذا قُلْنَا لَا يقرع فللوارث أَن يعجزهما ليحصل تعجيز الرّقّ مِنْهُمَا وَبعد ذَلِك يستبهم عتق بَين عَبْدَيْنِ فَلَا تبعد الْقرعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 531 الحكم الثَّالِث حكم التَّصَرُّفَات أما تَصَرُّفَات السَّيِّد فَفِيهَا خمس مسَائِل الأولى بيع الْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة صَحِيح وَهُوَ رُجُوع وَإِن كَانَت الْكِتَابَة صَحِيحَة فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد لِأَن العَبْد اسْتحق عتقا عَلَيْهِ وَفِي بيع العَبْد نقل الْوَلَاء إِلَى غَيره وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه يَصح وَيكون مكَاتبا على المُشْتَرِي إِن أدّى إِلَيْهِ النُّجُوم عتق وَله الْوَلَاء وَإِن عجز رق لَهُ الثَّانِيَة بيع نُجُوم الْكِتَابَة بَاطِل لِأَن ضَمَانه أَيْضا بَاطِل لعدم لُزُومه وَفِي الإستبدال عَنهُ وَجْهَان وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَصح بَيْعه ثمَّ إِذا منعنَا بَيْعه فَقبض المُشْتَرِي النُّجُوم لم يعْتق وَيرد على الْمكَاتب وَفِيه وَجه أَنه يعْتق لِأَنَّهُ مَأْذُون فِي الْقَبْض من البَائِع فَكَأَنَّهُ وَكيله فعلى هَذَا ترد النُّجُوم على السَّيِّد إِذا عتق عَلَيْهِ الثَّالِثَة للسَّيِّد مُعَامَلَته بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَيَأْخُذ الشُّفْعَة مِنْهُ وَيَأْخُذ هُوَ من السَّيِّد ويلتزم كل وَاحِد الْأَرْش عِنْد الْجِنَايَة على صَاحبه فَلَو ثَبت لَهُ على السَّيِّد دين مثل النُّجُوم فِي قدره وجنسه عتق حَيْثُ نوى وُقُوع التَّقَاصّ وَفِي أصل التَّقَاصّ عِنْد تَسَاوِي الدينَيْنِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يَقع مَعَ الرِّضَا لإنه إِبْدَال دين بدين وَالثَّانِي يَقع إِن رَضِينَا جَمِيعًا وَكَأَنَّهُ يشبه الْحِوَالَة وَالثَّالِث أَنه يَقع إِن رَضِي أَحدهمَا كَمَا يجْبر أحد الشَّرِيكَيْنِ على الْقِسْمَة عِنْد طلب أَحدهمَا وَالرَّابِع أَنه يَقع التَّقَاصّ لِأَن طلبه مِنْهُ إِذا كَانَ هُوَ مطالبا بِمثلِهِ عنت وَلَعَلَّه الْأَصَح وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن أجرينا التَّقَاصّ فِي النَّقْدَيْنِ فَفِي ذَوَات الْأَمْثَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 532 وَجْهَان فَإِن أجرينا فَفِي الْعرُوض المتساوية وَجْهَان وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يجوز التَّقَاصّ بَين المكسر وَالصَّحِيح وَالْحَال والمؤجل الرَّابِعَة لَو أوصى بِرَقَبَة الْمكَاتب لم يَصح وَإِن عجز إِلَّا أَن يضيف إِلَى الْعَجز فَيَقُول إِن عجز فقد أوصيت بِهِ لفُلَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على مَا لَو قَالَ إِن ملكت ذَلِك العَبْد فقد أوصيت بِهِ لفُلَان وَهَذَا أولى بِالصِّحَّةِ لقِيَام أصل الْملك وَلَو أوصى بالنجوم لإِنْسَان جَازَ فِيمَا يخرج من الثُّلُث فَإِن عجز فللوارث التَّعْجِيز وَإِن أنظر الْمُوصى لَهُ وَحَيْثُ تصح الْوَصِيَّة بِرَقَبَتِهِ إِذا عجز فللموصى لَهُ تعجيزه وَإِن أنظر الْوَارِث وَإِنَّمَا يتعاطى القَاضِي تعجيزه إِذا تحقق ذَلِك عِنْده الْخَامِسَة إِذا قَالَ ضَعُوا عَن الْمكَاتب أَكثر مَا عَلَيْهِ وَمثل نصفه والنجوم ثَمَانِيَة مثلا فَيُوضَع لأجل الْأَكْثَر أَربع وَشَيْء وَلقَوْله مثل نصفه نصف الْأَرْبَعَة وَالشَّيْء فَيجوز أَن يبْقى عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ إِلَّا شَيْئَيْنِ وَلَو قَالَ ضَعُوا عَنهُ مَا شَاءَ فشاء الْكل لم يوضع بل لَا بُد من إبْقَاء شَيْء وَإِن قل وَفِيه وَجه أَنه يوضع الْكل بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ضَعُوا من نجومه مَا شَاءَ فَإِن من تَقْتَضِي التَّبْعِيض أما تَصَرُّفَات الْمكَاتب فَهُوَ فِيهِ كَالْحرِّ إِلَّا مَا فِيهِ تبرع أَو خطر فَوَات أما التَّبَرُّع كَالْهِبَةِ وَالْعِتْق وَالشِّرَاء بِالْعينِ وَالْبيع بالمحاباة والضيافة والتوسع فِي المطاعم والملابس وَأما الْخطر فَهُوَ كَالْبيع بِالنَّسِيئَةِ وَإِن استوثق بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يدْرِي عاقبته وَقد يجوز مثل ذَلِك فِي مَال الطِّفْل بِالْمَصْلَحَةِ وَلَكِن هَا هُنَا لَا تطلب مصلحَة الْمكَاتب بل مصلحَة الْعتْق وَالْيَد وَلذَلِك لَا ترفع يَد السَّيِّد عَن الْمَبِيع قبل قبض الثّمن وَلَا يهب بِثَوَاب مَجْهُول وَلَا يُكَاتب وَلَا يتَزَوَّج لِأَنَّهُ يتَعَرَّض للنَّفَقَة وَالْمهْر وَلَا يتسرى إِذْ تتعرض الْجَارِيَة للهلاك بالطلق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 533 وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق عَلَيْهِ وَلَا يتهب أَيْضا من يعْتق عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ كسوبا لَا تجب نَفَقَته وَأما إِقْرَاره فَيقبل كَالْمَرِيضِ وكل مَا منع إِذا اسْتَقل فَلَو أذن فِيهِ السَّيِّد فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن حق الْعتْق ملحوظ أَيْضا وَإِذن السَّيِّد لَا أثر لَهُ وَقد اسْتَقل الْمكَاتب بِنَفسِهِ فروع الأول نِكَاحه بِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقيل إِنَّه يَصح قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ من حَاجته وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لاستقل بِهِ ولجاز التَّسَرِّي وَلِأَن للكتابة آخرا فَإِن الصَّبْر إِلَيْهِ مُمكن الثَّانِي فِي تَزْوِيج الْمُكَاتبَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْجَوَاز قطعا إِذْ تسْتَحقّ المه روالنفقة وَلَا يلْزمهَا تَسْلِيم نَفسهَا نَهَارا بل تكتسب كالأمة لَا كَالْحرَّةِ وَقيل إِنَّه لَا يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيف الثَّالِث ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي مسافرة الْمكَاتب دون الْإِذْن وَجْهَيْن ثمَّ مِنْهُم من طرد فِي كل سفر وَمِنْهُم من خصص بِالسَّفرِ الطَّوِيل وَقَالَ هُوَ انسلال عَن لحاظ السَّيِّد بِالْكُلِّيَّةِ الرَّابِع لَو وهب من السَّيِّد شَيْئا خرج على الْقَوْلَيْنِ وَقيل يَصح قطعا كَمَا يعجل النَّجْم الأول إِلَيْهِ وَلَا يعجل الدّين إِلَى غَيره الْخَامِس لَو اتهب الْمكَاتب نصف من يعْتق عَلَيْهِ فكاتب عَلَيْهِ حَتَّى يعْتق بِعِتْقِهِ ويرق برقه فَإِن عتق فَعتق النّصْف قَالَ ابْن الْحداد يقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن كَانَ مُوسِرًا عِنْد الْعتْق لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ وَقَالَ الْقفال لَا يسري لِأَنَّهُ لم يسر عِنْد حُصُول الْملك فَلَا يسري بعده وَهُوَ الْأَصَح السَّادِس لَو اشْترى من يعْتق على سَيّده صَحَّ ثمَّ إِن عجز وانقلب إِلَى السَّيِّد عتق عَلَيْهِ وَلَو اتهب العَبْد الْقِنّ دون إِذن السَّيِّد فَفِيهِ وَجْهَان فَإِن جَوَّزنَا فاتهب من يعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ غير كسوب لم يجز إِلَّا بِالْإِذْنِ لأجل النَّفَقَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 534 وَإِذا اتهب نصف قَرِيبه فَفِي وَجه يَصح وَلَا يسر وَفِي وَجه لَا يَصح حذرا من السَّرَايَة وَفِي وَجه يَصح ويسري لِأَن اخْتِيَار العَبْد كاختياره ثمَّ إِذا صححنا قبُول العَبْد فَهَل للسَّيِّد رده فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَهُ رده فَهُوَ دفع لأصل الْملك أَو قطع من حِين الرَّد فِيهِ وَجْهَان السَّابِع إِعْتَاق الْمكَاتب عَبده بِإِذن سَيّده فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا التَّخْرِيج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي الْقطع بِالْمَنْعِ لما نذكرهُ من إِشْكَال الْوَلَاء فَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد لِأَن الْمكَاتب رَقِيق وَفَائِدَة الْوَلَاء الْمِيرَاث وَالتَّزْوِيج وَتحمل الْعقل وكل ذَلِك يُنَافِيهِ الرّقّ وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف فَإِن عتق الْمكَاتب يَوْمًا مَا فَهُوَ لَهُ وَإِن مَاتَ رَقِيقا فَهُوَ للسَّيِّد فعلى هَذَا لَو مَاتَ الْمُعْتق بل موت الْمكَاتب وعتقه وَهُوَ فِي مُدَّة التَّوَقُّف فَفِي مِيرَاثه وَجْهَان أَحدهمَا يُوقف حَتَّى يتَبَيَّن أَمر الْوَلَاء فَيصْرف إِلَى من يسْتَقرّ عَلَيْهِ من السَّيِّد أَو من الْمكَاتب وَالثَّانِي أَنه لبيت المَال لِأَن مَا يتَبَيَّن من بعد لَا يسند الْوَلَاء إِلَى مَا مضى فَإِن قُلْنَا يثبت الْوَلَاء للسَّيِّد فِي الْحَال فَإِذا عتق الْمكَاتب فَهَل ينجر إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان فرع كِتَابَة الْمكَاتب عَبده كإعتاقه فَإِن قُلْنَا ينفذ فَلَو عتق وَالْعَبْد الأول رَقِيق بعد فَفِي ولائه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي الْإِعْتَاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 535 الثَّامِن لَيْسَ للْمكَاتب أَن يكفر إِلَّا بِالصَّوْمِ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الْإِطْعَام فعلى الْقَوْلَيْنِ وَقيل يجوز إِذا قُلْنَا إِن الْقِنّ لَا يملك وَالْمكَاتب أَيْضا لَا يملك وَإِنَّمَا تصرفه بِحكم الضَّرُورَة فَلَا يَصح التَّكْفِير بِالْمَالِ وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَن الْمكَاتب يملك التَّاسِع إِذا استولد الْمكَاتب جَارِيَة فولده مكَاتب عَلَيْهِ وَهل يثبت للْأُم علقَة أُميَّة الْوَلَد حَتَّى تصير مُسْتَوْلدَة إِذا عتق فِيهِ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا علقت بِولد رَقِيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 536 الحكم الرَّابِع حكم ولد الْمُكَاتبَة إِذا كَانَ من نِكَاح أَو زنا وَفِيه قَولَانِ كَمَا فِي سرَايَة التَّدْبِير إِلَّا أَن ولد الْمُدبرَة لَا يعْتق بِإِعْتَاق الْأُم وَهَذَا يعْتق لِأَن أمة تعْتق عَن جِهَة الْكِتَابَة إِذا عتقت وَلذَلِك يستتبع الْوَلَد فَإِن قُلْنَا يسري فلحق الْملك فِي الْوَلَد للسَّيِّد أَو الْمُكَاتبَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد كالأم وَالثَّانِي أَنه للْأُم لِأَنَّهُ من كسبها وَيتَفَرَّع على هَذَا النَّفَقَة وَالْكَسْب وَلَا شكّ أَنه ينْفق عَلَيْهِ من كَسبه والفاضل مِنْهُ يصرف إِلَى الْأُم إِن قُلْنَا لَهَا الْحق وَإِن قُلْنَا للسَّيِّد لم يصرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كسب مُكَاتبَة فَيُوقف فَإِن عتق الْوَلَد تعْتق الْأُم فالكسب لَهُ وَإِن رق سلم للسَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه يصرف فِي الْحَال إِلَى السَّيِّد فَإِن قُلْنَا الْكسْب للْأُم فعلَيْهَا نَفَقَته إِذا لم يكن كسب وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف للسَّيِّد فَهِيَ على السَّيِّد وَقيل إِنَّه على بَيت المَال لِأَنَّهُ يتَضَرَّر إِن توقفنا فِي الْكسْب إِذْ يُطَالِبهُ بِالنَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ إِعْتَاق السَّيِّد ينفذ إِن قُلْنَا لَهُ حق الْملك وَإِن قُلْنَا للْأُم فَلَا كَمَا لَا ينفذ فِي عبد مكَاتبه وَأما أرش الْجِنَايَة عَلَيْهِ فَهُوَ كالكسب إِلَّا أَن يكون على روحه فَإِنَّهُ لَا يُمكن التَّوَقُّف لانتظار الْعتْق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للسَّيِّد وَالْآخر أَنه للْأُم أما ولد الْمكَاتب من جَارِيَته فَهُوَ ككسب الْمكَاتب فَلَا يتَصَرَّف السَّيِّد فِيهِ لَكِن لَو جنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 537 الْوَلَد لم يكن للْمكَاتب أَن يفْدِيه لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف فِيهِ بِالْبيعِ ويتصرف فِي مَال الْفِدَاء وَفِيه ضَرَر وفداؤه كشرائه إِذا وطىء السَّيِّد الْمُكَاتبَة فَلَا حد وَلَكِن عصى وَوَجَب الْمهْر للشُّبْهَة فَإِن أحبلها وَولدت وَهِي مُكَاتبَة بعد فَعَلَيهِ قيمَة الْوَلَد لَهَا إِن قُلْنَا إِن بدل وَلَدهَا الْقَتِيل يصرف إِلَيْهَا ثمَّ هِيَ مُسْتَوْلدَة ومكاتبة فَإِن عتقت بأَدَاء النُّجُوم فَذَاك وَإِلَّا بقيت مُسْتَوْلدَة فتعتق بِمَوْت السَّيِّد وَمهما أَتَت بِالْوَلَدِ بعد الْعَجز أَو بعد الْعتْق فَلَيْسَ لَهَا قيمَة الْوَلَد قولا وَاحِدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 538 الحكم الْخَامِس حكم الْجِنَايَة وَفِيه صور الأول إِذا جنى على سَيّده أَو على أَجْنَبِي لزمَه الْأَرْش فَإِن زَاد على رقبته فَهَل يُطَالب بِتمَام الْأَرْش فِيهِ قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يُطَالب أَنه يقدر على أَن يعجز نَفسه فَيرد حق الْأَرْش إِلَى قدر الرقبه الثَّانِيَة جنى عبد من عبيد الْمكَاتب فَلَيْسَ لَهُ فداؤه بِأَكْثَرَ من قِيمَته لِأَنَّهُ تبرع الثَّالِثَة جنى الْمكَاتب على أَجْنَبِي فَأعْتقهُ السَّيِّد فَعَلَيهِ فداؤه لِأَنَّهُ فَوت الرَّقَبَة كَمَا لَو قَتله وَلَو عتق بأَدَاء النُّجُوم فَلَا فدَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجْبر على الْقبُول الرَّابِعَة لَو جنى على السَّيِّد فَأعْتقهُ سقط الْأَرْش إِن لم يكن فِي يَده شَيْء لِأَنَّهُ لَا يُطَالب عبد نَفسه بِالْجِنَايَةِ بعد الْعتْق وَقَالَ الإِمَام يَنْبَغِي أَن يُطَالِبهُ بعد الْعتْق لِأَن الْمُطَالبَة تَوَجَّهت عِنْد الْجِنَايَة بِخِلَاف الْقِنّ أما إِذا كَانَ فِي يَده شَيْء فَهَل يتَعَلَّق بِمَا فِي يَده إِن قُلْنَا لَا يتبع ذمَّته ذكر الْأَصْحَاب وَجْهَيْن إِذْ شبه فَوَات رقبته بِالْعِتْقِ لما عسرت مُطَالبَته بالفوات بِالْمَوْتِ الْخَامِسَة لَو جنى ابْن الْمكَاتب فَلَا يفْدِيه لِأَنَّهُ فِي معنى شِرَائِهِ وَلَو جنى ابْنه على عَبده فَهَل يتبع الابْن وَجْهَان السَّادِسَة لَو قتل عبد الْمكَاتب عبدا آخر فَلهُ أَن يقْتله قصاصا بِغَيْر الْإِذْن للزجل وَكَذَا لَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 539 كَانَ الْقَاتِل عبدا أَجْنَبِي لم يلْزمه طلب الدِّيَة وَخرج الرّبع قولا أَنه لَا قصاص إِلَّا بِإِذن السَّيِّد وَيتَعَيَّن طلب الْأَرْش لحق السَّيِّد السَّابِعَة لَو جنى على سَيّده بِمَا يُوجب الْقصاص فللسيد اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو قتل الْمكَاتب مَاتَ رَقِيقا وَللسَّيِّد طلب الْقيمَة من الْقَاتِل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540 = كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541 مَذْهَب الْعلمَاء قاطبة فِي هَذِه الْأَعْصَار أَن من استولد جَارِيَته عتقت عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَلم يجز بيعهَا قبل الْمَوْت وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَول قديم وَهُوَ مَذْهَب عَليّ كرم الله وَجهه أَنه يجوز البيع فَإِن لم يتَّفق عتقت بِالْمَوْتِ وَقيل معنى قَوْله الْقَدِيم أَنَّهَا لَا تعْتق بل الإستيلاد كالإستخدام بإرضاع الْوَلَد لَكِن اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَنه لَو قضى قَاض بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد هَل ينْقض قَضَاؤُهُ وَكَأَنَّهُم يرَوْنَ الإتفاق بعد الإختلاف قَاطعا أثر الِاخْتِلَاف ثمَّ النّظر فِي أَرْكَانه وَأَحْكَامه أما أَرْكَانه فَأَرْبَعَة الأول أَن يظْهر على الْوَلَد خلقَة الْآدَمِيّ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِيهِ كَلَام مضى فِي الْعدة الثَّانِي أَن ينْعَقد حرا فَلَو انْعَقَد رَقِيقا لم يُوجب الإستيلاد بعده الثَّالِث أَن يقارن الْملك الْوَطْء فَلَو وطىء بِالشُّبْهَةِ أَو غر بِجَارِيَة فَولدت مِنْهُ حرا فَإِذا ملكهَا بعد ذَلِك فَفِي الإستيلاد قَولَانِ الرَّابِع أَن يكون النّسَب ثَابتا مِنْهُ وَقد ذكرنَا مَظَنَّة لُحُوق النّسَب وَأما أَحْكَامه فَهِيَ كَثِيرَة ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة وننبه الْآن على أُمُور أَرْبَعَة الأول أَن ولد الْمُسْتَوْلدَة من زنا أَو نِكَاح يسري إِلَيْهِ حكمهَا فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن مَاتَت الْأُم قبل موت السَّيِّد وَلَا يعْتق بِإِعْتَاق السَّيِّد أمه بل بِمَوْتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 543 وَإِذا فرعنا على أَنه لَو اشْتَرَاهَا بعد الإستيلاد صَارَت مُسْتَوْلدَة فَإِنَّمَا يسري إِلَى ولد يحدث بعد الشِّرَاء وَوَلدهَا قبل ذَلِك قن نعم لَو اشْتَرَاهَا وَهِي حَامِل فَالظَّاهِر أَن الإستيلاد يسري إِلَى الْحمل وَيجوز أَن يخرج على سرَايَة التَّدْبِير الثَّانِي تَصَرُّفَات السَّيِّد كلهَا نَافِذَة إِلَّا إِزَالَة الْملك أَو مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا كَالرَّهْنِ فَلهُ الْإِجَارَة والإستخدام وَالتَّزْوِيج بِغَيْر رِضَاهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا بِرِضَاهَا وَوجه أَنَّهَا لَا تزوج أصلا وَوجه أَن القَاضِي يُزَوّجهَا بِرِضَاهَا ورضاء السَّيِّد وَالْكل ضَعِيف الثَّالِث أرش الْجِنَايَة على طرفها وَزوجهَا للسَّيِّد وَلَو مَاتَت فِي يَد غاصبها فَعَلَيهِ الضَّمَان للسَّيِّد وَلَو شهد شَاهِدَانِ على إِقْرَاره بالإستيلاد ورجعا بعد الحكم غرما للْوَرَثَة عِنْد عتقهَا بِمَوْت السَّيِّد وَلم يغرما فِي الْحَال إِذْ لم يزيلا إِلَّا سلطنة البيع وَذَلِكَ لَا يتقوم الرَّابِع مُسْتَوْلدَة اسْتَوْلدهَا شريكان معسران فَهِيَ مستولدتهما فَلَو قَالَ كل وَاحِد ولدت مني أَولا وهما موسران فَهِيَ مُسْتَوْلدَة لَكنا لَا نَدْرِي أَنَّهَا مُسْتَوْلدَة من فَلَو مَاتَا عتقت ظَاهرا وَبَاطنا وَالْوَلَاء مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عتق نصِيبه مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَلَو كَانَا معسرين فماتا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْوَلَاء إِذْ لَيْسَ يثبت لكل وَاحِد إِلَّا نصف الإستيلاد وَحكى الرّبيع أَن الْوَلَاء مَوْقُوف هَا هُنَا أَيْضا وَهُوَ غلط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 544 تمّ الْكتاب بِحَمْد الله تَعَالَى وَمِنْه وَحسن توفيقه وَقد وَقع الْفَرَاغ مِنْهُ على يَد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الراجي رَحْمَة ربه الْمُعْتَرف بِذَنبِهِ إِسْحَاق بن مَحْمُود بن ملكويه البشيا ابْن خوامني البردجردي فِي الْخَامِس من ربيع الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ المحروسة رحم الله من طالعه أَو نظر فِيهِ أَو ترحم على كَاتبه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وعترته وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا تمّ تَدْقِيقه بِحَمْد الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 545