الكتاب: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ) المحقق: مكتب البحوث والدراسات - دار الفكر الناشر: دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء: 2 × 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع الخطيب الشربيني الكتاب: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ) المحقق: مكتب البحوث والدراسات - دار الفكر الناشر: دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء: 2 × 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي نشر للْعُلَمَاء أعلاما وَثَبت لَهُم على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم أقداما وَجعل مقَام الْعلم أَعلَى مقَام وَفضل الْعلمَاء بِإِقَامَة الْحجَج الدِّينِيَّة وَمَعْرِفَة الْأَحْكَام وأودع العارفين لطائف سره فهم أهل المحاضرة والإلهام ووفق العاملين لخدمته فهجروا لذيذ الْمَنَام وأذاق المحبين لَذَّة قربه وأنسه فشغلهم عَن جَمِيع الْأَنَام أَحْمَده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على جزيل الإنعام وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْملك العلام وَأشْهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَبده وَرَسُوله وَصفيه وخليله إِمَام كل إِمَام وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته الطيبين الطاهرين صَلَاة وَسلَامًا دائمين متلازمين إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الْقَرِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الْمُجيب مُحَمَّد الشربيني الْخَطِيب إِن مُخْتَصر الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الحبر الْبَحْر الفهامة شهَاب الدُّنْيَا وَالدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الْأَصْفَهَانِي الشهير بِأبي شُجَاع الْمُسَمّى بغاية الِاخْتِصَار لما كَانَ من أبدع مُخْتَصر فِي الْفِقْه صنف وَأجْمع مَوْضُوع لَهُ فِيهِ على مِقْدَار حجمه ألف التمس مني بعض الأعزة عَليّ المترددين إِلَيّ أَن أَضَع عَلَيْهِ شرحا يُوضح مَا أشكل مِنْهُ وَيفتح مَا أغلق مِنْهُ ضاما إِلَى ذَلِك من الْفَوَائِد المستجدات وَالْقَوَاعِد المحررات الَّتِي وَضَعتهَا فِي شروحي على التَّنْبِيه والمنهاج والبهجة فاستخرت الله تَعَالَى مُدَّة من الزَّمَان بعد أَن صليت رَكْعَتَيْنِ فِي مقَام إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة منقلبه ومثواه فَلَمَّا انْشَرَحَ لذَلِك صَدْرِي شرعت فِي شرح تقربه أغين أولي الرغبات راجيا بذلك جزيل الْأجر وَالثَّوَاب أجافي فِيهِ الإيجاز المخل والإطناب الممل حرصا على التَّقْرِيب لفهم قاصده والحصول على فَوَائده ليكتفي بِهِ الْمُبْتَدِي عَن المطالعة فِي غَيره والمتوسط عَن الْمُرَاجَعَة لغيره فَإِنِّي مُؤَمل من الله تَعَالَى أَن يَجْعَل هَذَا الْكتاب عُمْدَة ومرجعا ببركة الأكرم الْوَهَّاب فَمَا كل من صنف أَجَاد وَلَا كل من قَالَ وفى بالمراد وَالْفضل مواهب وَالنَّاس فِي الْفُنُون مَرَاتِب وَالنَّاس يتفاوتون فِي الْفَضَائِل وَقد تظفر الْأَوَاخِر بِمَا تركته الْأَوَائِل وَكم ترك الأول للْآخر وَكم لله على خلقه من فضل وجود وكل ذِي نعْمَة مَحْسُود والحسود لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 يسود وسميته بالإقناع فِي حل أَلْفَاظ أبي شُجَاع أعانني الله على إكماله وَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم بكرمه وأفضاله فَلَا ملْجأ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا إعتماد إِلَّا عَلَيْهِ وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وأسأله السّتْر الْجَمِيل قَالَ الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَي أبتديء وأفتتح أَو أؤلف وَهَذَا أولى إِذْ كل فَاعل يبْدَأ فِي فعله بِبسْم الله يضمر مَا جعل التَّسْمِيَة مبدأ لَهُ كَمَا أَن الْمُسَافِر إِذا حل أَو ارتحل فَقَالَ بِسم الله كَانَ الْمَعْنى باسم الله أحل أَو ارتحل وَالِاسْم مُشْتَقّ من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ فَهُوَ من الْأَسْمَاء المحذوفة الإعجاز كيد وَدم لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال بنيت أوائلها على السّكُون وَأدْخل عَلَيْهَا همزَة الْوَصْل لتعذر الِابْتِدَاء بالساكن وَقيل من الوسم وَهُوَ الْعَلامَة وَفِيه عشر لُغَات نظمها بَعضهم فِي بَيت فَقَالَ ... سم وسما وَاسم بِتَثْلِيث أول ... لَهُنَّ سَمَاء عَاشر تمت انجلى ... وَالله علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد لم يتسم بِهِ سواهُ تسمى بِهِ قبل أَن يُسمى وأنزله على آدم فِي جملَة الْأَسْمَاء قَالَ تَعَالَى {هَل تعلم لَهُ سميا} أَي هَل تعلم أحدا سمى الله غير الله وَأَصله إِلَه كإمام ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِ الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وَاللَّام ثمَّ حذفت الْهمزَة الثَّانِيَة طلبا للخفة ونقلت حركتها إِلَى اللَّام فَصَارَ اللاه بلامين متحركين ثمَّ سكنت الأولى وأدغمت فِي الثَّانِيَة للتسهيل والإله فِي الأَصْل يَقع على كل معبود بِحَق أَو بَاطِل ثمَّ غلب على المعبود بِحَق كَمَا أَن النَّجْم اسْم لكل كَوْكَب ثمَّ غلب على الثريا وَهُوَ عَرَبِيّ عِنْد الْأَكْثَر وَعند الْمُحَقِّقين أَنه اسْم الله الْأَعْظَم وَقد ذكر فِي الْقُرْآن الْعَزِيز فِي أَلفَيْنِ وثلثمائة وَسِتِّينَ موضعا وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ تبعا لجَماعَة أَنه الْحَيّ القيوم قَالَ وَلذَلِك لم يذكر فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي الْبَقَرَة وَآل عمرَان وطه والرحمن الرَّحِيم صفتان مشبهتان بنيتا للْمُبَالَغَة من مصدر رحم والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لِأَن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى كَمَا فِي قطع بِالتَّخْفِيفِ وَقطع بِالتَّشْدِيدِ وَقدم الله عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ اسْم ذَات وهما اسْما صفة وَقدم الرَّحْمَن على الرَّحِيم لِأَنَّهُ خَاص إِذْ لَا يُقَال لغير الله بِخِلَاف الرَّحِيم وَالْخَاص مقدم على الْعَام فَائِدَة قَالَ النَّسَفِيّ فِي تَفْسِيره قيل إِن الْكتب الْمنزلَة من السَّمَاء إِلَى الدُّنْيَا مائَة وَأَرْبَعَة صحف شِيث سِتُّونَ وصحف إِبْرَاهِيم ثَلَاثُونَ وصحف مُوسَى قبل التَّوْرَاة عشر والتوراة وَالزَّبُور وَالْإِنْجِيل وَالْفرْقَان ومعاني كل الْكتب مَجْمُوعَة فِي الْقُرْآن ومعاني الْقُرْآن مَجْمُوعَة فِي الْفَاتِحَة ومعاني الْفَاتِحَة مَجْمُوعَة فِي الْبَسْمَلَة ومعاني الْبَسْمَلَة مَجْمُوعَة فِي بائها وَمَعْنَاهَا بِي كَانَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 كَانَ وَبِي يكون مَا يكون زَاد بَعضهم ومعاني الْبَاء فِي نقطتها الْحَمد لله بَدَأَ بالبسملة ثمَّ بالحمدلة اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وَعَملا بِخَبَر كل أَمر ذِي بَال أَي حَال يهتم بِهِ شرعا لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع أَي نَاقص غير تَامّ فَيكون قَلِيل الْبركَة وَفِي رِوَايَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد بِالْحَمْد لله وَجمع المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كَغَيْرِهِ بَين الابتداءين عملا بالروايتين وَإِشَارَة إِلَى أَنه لَا تعَارض بَينهمَا إِذْ الِابْتِدَاء حَقِيقِيّ وإضافي فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي بالحمدلة أَو أَن الِابْتِدَاء لَيْسَ حَقِيقِيًّا بل هُوَ أَمر عرفي يَمْتَد من الْأَخْذ فِي التَّأْلِيف إِلَى الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فالكتب المصنفة مبدؤها الْخطْبَة بِتَمَامِهَا وَالْحَمْد اللَّفْظِيّ لُغَة الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التبجيل أَي التَّعْظِيم سَوَاء تعلق بالفضائل وَهِي النعم القاصرة أم بالفواصل وَهِي النعم المتعدية فَدخل فِي الثَّنَاء الْحَمد وَغَيره وَخرج بِاللِّسَانِ الثَّنَاء بِغَيْرِهِ كالحمد النَّفْسِيّ وبالجميل الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على غير جميل إِن قُلْنَا بِرَأْي ابْن عبد السَّلَام إِن الثَّنَاء حَقِيقَة فِي الْخَيْر وَالشَّر وَإِن قُلْنَا بِرَأْي الْجُمْهُور وَهُوَ الظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي الْخَيْر فَقَط ففائدة ذَلِك تَحْقِيق الْمَاهِيّة أَو دفع توهم إِرَادَة الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عِنْد من يجوزه وبالاختياري الْمَدْح فَإِنَّهُ يعم الِاخْتِيَارِيّ وَغَيره تَقول مدحت اللؤلؤة على حسنها دون حمدتها وبعلى جِهَة التبجيل مَا كَانَ على جِهَة الِاسْتِهْزَاء والسخرية نَحْو {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} وَعرفا فعل ينبيء عَن تَعْظِيم الْمُنعم من حَيْثُ إِنَّه منعم على الحامد أَو غَيره سَوَاء كَانَ ذكرا بِاللِّسَانِ أم اعتقادا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ومحبة بالجنان أَو عملا وخدمة بالأركان كَمَا قيل ... أفادتكم النعماء مني ثَلَاثَة ... يَدي ولساني وَالضَّمِير المحجبا ... وَالشُّكْر لُغَة هُوَ الْحَمد عرفا وَعرفا صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ من السّمع وَغَيره إِلَى مَا خلق لأَجله والمدح لُغَة الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل مُطلقًا على جِهَة التَّعْظِيم وَعرفا مَا يدل على اخْتِصَاص الممدوح بِنَوْع من الْفَضَائِل وَجُمْلَة الْحَمد لله خبرية لفظا إنشائية معنى لحُصُول الْحَمد بالتكلم بهَا مَعَ الإذعان لمدلولها وَيجوز أَن تكون مَوْضُوعَة شرعا للإنشاء وَالْحَمْد مُخْتَصّ بِاللَّه تَعَالَى كَمَا أفادته الْجُمْلَة سَوَاء جعلت فِيهِ أل للاستغراق كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ ظَاهر أم للْجِنْس كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ لِأَن لَام لله للاختصاص فَلَا فَرد مِنْهُ لغيره تَعَالَى أم للْعهد العلمي كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ هما فِي الْغَار} كَمَا نَقله ابْن عبد السَّلَام وَأَجَازَهُ الواحدي على معنى أَن الْحَمد الَّذِي حمد الله بِهِ فِي نَفسه وحمده بِهِ أنبياؤه وأولياؤه مُخْتَصّ بِهِ وَالْعبْرَة بِحَمْد من ذكر فَلَا فَرد مِنْهُ لغيره وَأولى الثَّلَاثَة الْجِنْس وَقَوله رب بِالْجَرِّ على الصّفة مَعْنَاهُ الْمَالِك لجَمِيع الْخلق من الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالدَّوَاب وَغَيرهم إِذْ كل مِنْهَا يُطلق عَلَيْهِ عَالم يُقَال عَالم الْإِنْس وعالم الْجِنّ إِلَى غير ذَلِك وَسمي الْمَالِك بالرب لِأَنَّهُ يحفظ مَا يملكهُ ويربيه وَلَا يُطلق على غَيره إِلَّا مُقَيّدا كَقَوْلِه تَعَالَى {ارْجع إِلَى رَبك} وَقَوله الْعَالمين اسْم جمع عَالم بِفَتْح اللَّام وَلَيْسَ جمعا لَهُ لِأَن الْعَالم عَام فِي الْعُقَلَاء وَغَيرهم وَالْعَالمِينَ مُخْتَصّ بالعقلاء وَالْخَاص لَا يكون جمعا لما هُوَ أَعم مِنْهُ قَالَه ابْن مَالك وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي تَوْضِيحه وَذهب كثير إِلَى أَنه جمع عَالم على حَقِيقَة الْجمع ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْعَالم الَّذِي هُوَ جمع هَذَا الْجمع فَذهب أَبُو الْحسن إِلَى أَنه أَصْنَاف الْخلق الْعُقَلَاء وَغَيرهم وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْجَوْهَرِي وَذهب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى أَنه أَصْنَاف الْعُقَلَاء فَقَط وهم الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ثمَّ قرن بالثناء على الله تَعَالَى وَالثنَاء على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله وَصلي الله وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي لقَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} أَي لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي كَمَا فِي صَحِيح ابْن حبَان وَلقَوْل الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أحب أَن يقدم الْمَرْء بَين يَدي خطبَته أَي بِكَسْر الْخَاء وكل أَمر طلبه غَيرهَا حمدا لله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإفراد الصَّلَاة عَن السَّلَام مَكْرُوه كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي أذكاره وَكَذَا عَكسه وَيحْتَمل أَن المُصَنّف أَتَى بهَا لفظا وأسقطها خطأ وَيخرج بذلك من الْكَرَاهَة وَالصَّلَاة من الله تَعَالَى رَحْمَة مقرونة بتعظيم وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار وَمن الْآدَمِيّين أَي وَمن الْجِنّ تضرع وَدُعَاء قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره وَاخْتلف فِي وَقت وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَقْوَال أَحدهَا كل صَلَاة وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِي فِي التَّشَهُّد الْأَخير مِنْهَا وَالثَّانِي فِي الْعُمر مرّة وَالثَّالِث كلما ذكر وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيّ من الشَّافِعِيَّة والطَّحَاوِي من الْحَنَفِيَّة وَاللَّخْمِيّ من الْمَالِكِيَّة وَابْن بطة من الْحَنَابِلَة وَالرَّابِع فِي كل مجْلِس وَالْخَامِس فِي أول كل دُعَاء وَفِي وَسطه وَفِي آخِره لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجعلوني كقدح الرَّاكِب بل اجعلوني فِي أول كل دُعَاء وَفِي وَسطه وَفِي آخِره رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر وَمُحَمّد علم على نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْقُول من اسْم مفعول الْفِعْل المضعف سمي بِهِ بإلهام من الله تَعَالَى بِأَنَّهُ يكثر حمد الْخلق لَهُ لِكَثْرَة خصاله الحميدة كَمَا رُوِيَ فِي السّير أَنه قيل لجده عبد الْمطلب وَقد سَمَّاهُ فِي سَابِع وِلَادَته لمَوْت أَبِيه قبلهَا لم سميت ابْنك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ من أَسمَاء آبَائِك وَلَا قَوْمك قَالَ رَجَوْت أَن يحمد فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَقد حقق الله تَعَالَى رَجَاءَهُ كَمَا سبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 فِي علمه وَالنَّبِيّ إِنْسَان حر ذكر من بني آدم سليم عَن منفر طبعا وَمن دناءة أَب وخنا أم أُوحِي إِلَيْهِ بشرع يعمله بِهِ وَإِن لم يُؤمر بتبليغه وَالرَّسُول إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه فَكل رَسُول نَبِي وَلَا عكس وعَلى آله وهم على الْأَصَح مؤمنو بني هَاشم وَبني الْمطلب وَقيل كل مُؤمن تَقِيّ وَقيل أمته وَاخْتَارَهُ جمع من الْمُحَقِّقين وَالْمطلب مفتعل من الطّلب واسْمه شيبَة الْحَمد على الْأَصَح لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيبَة ظَاهِرَة فِي ذؤابتيه وهَاشِم لقب واسْمه عَمْرو وَقيل لَهُ هَاشم لِأَن قُريْشًا أَصَابَهُم قحط فَنحر بَعِيرًا وَجعله لِقَوْمِهِ مرقة وثريدا فَلذَلِك سمي هاشما لهشمه الْعظم وعَلى صَحبه وَهُوَ جمع صَاحب والصحابي من اجْتمع مُؤمنا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته وَلَو سَاعَة وَلَو لم يرو عَنهُ شَيْئا فَيدْخل فِي ذَلِك الْأَعْمَى كَابْن أم مَكْتُوم وَالصَّغِير وَلَو غير مُمَيّز كمن حنكه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو وضع يَده على رَأسه وَقَوله أَجْمَعِينَ تَأْكِيد وَفِي بعض النّسخ أما بعد سَاقِطَة فِي أَكْثَرهَا أَي بعد مَا تقدم من الْحَمد وَغَيره وَهَذِه الْكَلِمَة يُؤْتى بهَا للانتقال من أسلوب إِلَى آخر وَلَا يجوز الْإِتْيَان بهَا فِي أول الْكَلَام وَيسْتَحب الْإِتْيَان بهَا فِي الْخطب والمكاتبات اقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد عقد البُخَارِيّ لَهَا بَابا فِي كتاب الْجُمُعَة وَذكر فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة وَالْعَامِل فِيهَا أما عِنْد سِيبَوَيْهٍ لنيابتها عَن الْفِعْل أَو الْفِعْل نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 عِنْد غَيره وَالْأَصْل مهما يكن من شَيْء بعد فقد سَأَلَني أَي طلب مني بعض الأصدقاء جمع صديق وَهُوَ الْخَلِيل وَقَوله حفظهم الله تَعَالَى جملَة دعائية أَن أعمل أَي أصنف مُخْتَصرا وَهُوَ مَا قل لَفظه وَكثر مَعْنَاهُ لَا مَبْسُوطا وَهُوَ مَا كثر لَفظه وَمَعْنَاهُ قَالَ الْخَلِيل الْكَلَام يبسط ليفهم ويختصر ليحفظ فِي علم الْفِقْه الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود من بَين الْعُلُوم بِالذَّاتِ وباقيها لَهُ كالآلات لِأَن بِهِ يعرف الْحَلَال وَالْحرَام وَغَيرهمَا من الْأَحْكَام وَقد تظاهرت الْآيَات وَالْأَخْبَار والْآثَار وتواترت وتطابقت الدَّلَائِل الصَّرِيحَة وتوافقت على فَضِيلَة الْعلم والحث على تَحْصِيله وَالِاجْتِهَاد فِي اقتباسه وتعليمه فَمن الْآيَات قَوْله تَعَالَى {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} وَقَوله تَعَالَى {وَقل رب زِدْنِي علما} وَقَوله تَعَالَى {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} والآيات فِي ذَلِك كَثِيرَة مَعْلُومَة وَمن الْأَخْبَار قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يرد الله بِهِ خيرا يفقه فِي الدّين رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من حمر النعم رَوَاهُ سهل عَن ابْن مَسْعُود وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة مَعْلُومَة مَشْهُورَة وَمن الْآثَار عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كفى بِالْعلمِ شرفا أَن يَدعِيهِ من لَا يُحسنهُ ويفرح بِهِ إِذا نسب إِلَيْهِ وَكفى بِالْجَهْلِ ذما أَن يتبرأ مِنْهُ من هُوَ فِيهِ وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا الْعلم خير من المَال الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال وَالْمَال تنقصه النَّفَقَة وَالْعلم يزكو بِالْإِنْفَاقِ وَعَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من لَا يحب الْعلم لَا خير فِيهِ فَلَا يكن بَيْنك وَبَينه معرفَة وَلَا صداقة فَإِنَّهُ حَيَاة الْقُلُوب ومصباح البصائر وَعَن الشَّافِعِي أَيْضا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة وَعَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ مجْلِس فقه خير من عبَادَة سِتِّينَ سنة والْآثَار فِي ذَلِك كَثِيرَة مَعْلُومَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ثمَّ اعْلَم أَن مَا ذَكرْنَاهُ فِي فضل الْعلم إِنَّمَا هُوَ فِيمَن طلبه مرِيدا بِهِ وَجه الله تَعَالَى فَمن أَرَادَهُ لغَرَض دُنْيَوِيّ كَمَال أَو رياسة أَو منصب أَو جاه أَو شهرة أَو نَحْو ذَلِك فَهُوَ مَذْمُوم قَالَ الله تَعَالَى {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تعلم علما ينْتَفع بِهِ فِي الْآخِرَة يُرِيد بِهِ عرضا من الدُّنْيَا لم يرح رَائِحَة الْجنَّة أَي لم يجد رِيحهَا وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة أَي من الْمُسلمين عَالم لَا ينْتَفع بِعِلْمِهِ وَفِي ذمّ الْعَالم الَّذِي لم يعْمل بِعِلْمِهِ أَخْبَار كَثِيرَة وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة لمن وَفقه الله تَعَالَى وَالْفِقْه لُغَة الْفَهم مُطلقًا كَمَا صَوبه الأسنوي وَاصْطِلَاحا كَمَا فِي قَوَاعِد الزَّرْكَشِيّ معرفَة أَحْكَام الْحَوَادِث نصا واستنباطا على مَذْهَب أَي مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي من الْأَحْكَام فِي الْمسَائِل مجَازًا عَن مَكَان الذّهاب وَذكر المُصَنّف هُنَا الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلنتعرض إِلَى طرف من أخباره تبركا بِهِ فَنَقُول هُوَ حبر الْأمة وسلطان الْأَئِمَّة مُحَمَّد أَبُو عبد الله بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب بن عبيد بن عبد يزِيد بن هَاشم بن عبد الْمطلب بن عبد منَاف جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف وَهَذَا نسب عَظِيم كَمَا قيل نسب كَأَن عَلَيْهِ من شمس الضُّحَى نورا وَمن فلق الصَّباح عمودا ... مَا فِيهِ إِلَّا سيد من سيد حَاز المكارم والتقى والجودا وشافع بن السَّائِب هُوَ الَّذِي نسب إِلَيْهِ الشَّافِعِي لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مترعرع وَأسلم أَبوهُ السَّائِب يَوْم بدر فَإِنَّهُ كَانَ صَاحب راية بني هَاشم فَأسر فِي جملَة من أسر وفدى نَفسه ثمَّ أسلم وَعبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بِالْهَمْز وَتَركه ابْن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على هَذَا النّسَب إِلَى عدنان وَلَيْسَ فِيمَا بعده إِلَى آدم طَرِيق صَحِيح فِيمَا ينْقل وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا انْتهى فِي النّسَب إِلَى عدنان أمسك ثمَّ يَقُول كذب النسابون أَي بعده ولد الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْأَصَح بغزة الَّتِي توفّي فِيهَا هَاشم جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل بعسقلان وَقيل بمنى سنة خمسين وَمِائَة ثمَّ حمل إِلَى مَكَّة وَهُوَ ابْن سنتَيْن وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع سِنِين والموطأ وَهُوَ ابْن عشر وتفقه على مُسلم بن خَالِد مفتي مَكَّة الْمَعْرُوف بالزنجي لشدَّة شقرته من بَاب أَسمَاء الأضداد وَأذن لَهُ فِي الْإِفْتَاء وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة مَعَ أَنه نَشأ يَتِيما فِي حجر أمه فِي قلَّة من الْعَيْش وضيق خَال وَكَانَ فِي صباه يُجَالس الْعلمَاء وَيكْتب مَا يستفيده فِي الْعِظَام وَنَحْوهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 حَتَّى مَلأ مِنْهَا خبايا ثمَّ رَحل إِلَى مَالك بِالْمَدِينَةِ ولازمه مُدَّة ثمَّ قدم بَغْدَاد سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة فَأَقَامَ بهَا سنتَيْن وَاجْتمعَ عَلَيْهِ علماؤها وَرجع كثير مِنْهُم عَن مَذَاهِب كَانُوا عَلَيْهَا إِلَى مذْهبه وصنف بهَا كِتَابه الْقَدِيم ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ خرج إِلَى مصر وَلم يزل بهَا ناشرا للْعلم ملازما للاشتغال بجامعها الْعَتِيق إِلَى أَن أَصَابَته ضَرْبَة شَدِيدَة فَمَرض بِسَبَبِهَا أَيَّامًا على مَا قيل ثمَّ انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَهُوَ قطب الْوُجُود يَوْم الْجُمُعَة سلخ رَجَب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَدفن بالقرافة بعد الْعَصْر من يَوْمه وانتشر علمه فِي جَمِيع الْآفَاق وَتقدم على الْأَئِمَّة فِي الْخلاف والوفاق وَعَلِيهِ حمل الحَدِيث الْمَشْهُور عَالم قُرَيْش يمْلَأ طباق الأَرْض علما وَمن كَلَامه رَضِي الله عَنهُ أمت مطامعي فأرحت نَفسِي فَإِن النَّفس مَا طمعت تهون ... وأحييت القنوع وَكَانَ مَيتا فَفِي إحيائه عرضي مصون ... إِذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون وَله أَيْضا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا حك جِلْدك مثل ظفرك فتول أَنْت جَمِيع أَمرك ... وَإِذا قصدت لحَاجَة فاقصد لمعترف بقدرك وَقد أفرد بعض أَصْحَابه فِي فَضله وَكَرمه وَنسبه وأشعاره كتبا مَشْهُورَة وَفِيمَا ذكرته تذكرة لأولى الْأَلْبَاب وَلَوْلَا خوف الْملَل لشحنت كتابي هَذَا مِنْهَا بِأَبْوَاب وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مَا فِيهِ الْكِفَايَة وَيكون ذَلِك الْمُخْتَصر فِي غَايَة الِاخْتِصَار أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 بِالنِّسْبَةِ إِلَى أطول مِنْهُ وَغَايَة الشَّيْء مَعْنَاهَا ترَتّب الأثرعلى ذَلِك الشَّيْء كَمَا تَقول غَايَة البيع الصَّحِيح حل الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَغَايَة الصَّلَاة الصَّحِيحَة إجزاؤها وَفِي نِهَايَة الإيجاز بمثناة تحتية بعد الْهمزَة أَي الْقصر وَظَاهر كَلَامه تغاير لَفْظِي الِاخْتِصَار والإيجاز والغاية وَالنِّهَايَة وَهُوَ كَذَلِك فالاختصار حذف عرض الْكَلَام والإيجاز حذف طوله كَمَا قَالَه ابْن الملقن فِي إشاراته عَن بَعضهم وَقد علم مِمَّا تقرر الْفرق بَين الْغَايَة وَالنِّهَايَة يقرب أَي يسهل لوضوح عِبَارَته على المتعلم أَي المبتديء فِي التَّعَلُّم شَيْئا فَشَيْئًا درسه أَي بِسَبَب اختصاره وعذوبة أَلْفَاظه ويسهل أَي يَتَيَسَّر على المبتديء أَي فِي طلب الْفِقْه حفظه عَن ظهر قلب لما مر عَن الْخَلِيل أَن الْكَلَام يختصر ليحفظ تَنْبِيه حرف المضارعة فِي الْفِعْلَيْنِ مَفْتُوح وسألني أَيْضا بعض الأصدقاء أَن أَكثر فِيهِ من التقسيمات لما يحْتَاج إِلَى تقسيمه من الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة الْآتِيَة كَمَا فِي الْمِيَاه وَغَيرهَا مِمَّا ستعرفه وَمن حصر أَي ضبط الْخِصَال الْوَاجِبَة والمندوبة فأجبته أَي السَّائِل إِلَى ذَلِك أَي إِلَى تصنيف مُخْتَصر بالكيفية الْمَطْلُوبَة وَقَوله طَالبا حَال من ضمير الْفَاعِل أَي مرِيدا للثَّواب أَي الْجَزَاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على تصنيف هَذَا الْمُخْتَصر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَقَوله رَاغِبًا حَال أَيْضا مِمَّا ذكر أَي ملتجئا إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْإِعَانَة من فَضله عَليّ بِحُصُول التَّوْفِيق الَّذِي هُوَ خلق قدرَة الطَّاعَة فِي العَبْد للصَّوَاب الَّذِي هُوَ ضد الْخَطَأ بِأَن يقدرني الله على إِتْمَامه كَمَا أقدرني على ابْتِدَائه فَإِنَّهُ كريم جواد لَا يرد من سَأَلَهُ وَاعْتمد عَلَيْهِ إِنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على مَا يَشَاء أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 يُريدهُ قدير أَي قَادر وَالْقُدْرَة صفة تُؤثر فِي الشَّيْء عِنْد تعلقهَا بِهِ وَهِي إِحْدَى الصِّفَات الثَّمَانِية الْقَدِيمَة الثَّابِتَة عِنْد أهل السّنة الَّتِي هِيَ صِفَات الذَّات الْقَدِيم الْمُقَدّس وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعباده جمع عبد وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْمُحكم الْإِنْسَان حرا كَانَ أَو رَقِيقا فقد دعِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي أشرف المواطن ك {الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب} {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} وَقَالَ أَبُو عَليّ الدقاق لَيْسَ لِلْمُؤمنِ صفة أتم وَلَا أشرف من الْعُبُودِيَّة كَمَا قَالَ الْقَائِل ... لَا تدعني إِلَّا بياعبدها ... فَإِنَّهُ أشرف أسمائي ... وَقَوله لطيف من أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاع واللطف الرأفة والرفق وَهُوَ من الله تَعَالَى التَّوْفِيق والعصمة بِأَن يخلق قدره الطَّاعَة فِي العَبْد فَائِدَة قَالَ السُّهيْلي لما جَاءَ البشير إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أعطَاهُ فِي الْبشَارَة كَلِمَات كَانَ يَرْوِيهَا عَن أَبِيه عَن جده عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهِي يَا لطيفا فَوق كل لطيف ألطف بِي فِي أموري كلهَا كَمَا أحب ورضني فِي دنياي وآخرتي وَقَوله خَبِير من أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَيْضا بِالْإِجْمَاع أَي هُوَ عَالم بعباده وبأفعالهم وأقوالهم وبمواضع حوائجهم وَمَا تخفيه صُدُورهمْ وَإِذ قد أنهينا الْكَلَام بِحَمْد الله تَعَالَى على مَا قصدناه من أَلْفَاظ الْخطْبَة فَنَذْكُر طرفا من محَاسِن هَذَا الْكتاب قبل الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فَنَقُول إِن الله تَعَالَى قد علم من مُؤَلفه خلوص نِيَّته فِي تصنيفه فَعم النَّفْع بِهِ فَقل من متعلم إِلَّا ويقرؤه أَولا إِمَّا بِحِفْظ وَإِمَّا بمطالعة وَقد اعتنى بشرحه كثير من الْعلمَاء فَفِي ذَلِك دلَالَة على أَنه كَانَ من الْعلمَاء العاملين القاصدين بعلمهم وَجه الله تَعَالَى جعل الله تَعَالَى قراه الْجنَّة وَجعله فِي أَعلَى عليين مَعَ الَّذين أنعم عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَفعل ذَلِك بِنَا وبوالدينا ومشايخنا ومحبينا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَلما كَانَت الصَّلَاة أفضل الْعِبَادَات بعد الْإِيمَان وَمن أعظم شُرُوطهَا الطَّهَارَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وَالشّرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مقدم طبعا فَقدم وضعا بَدَأَ المُصَنّف بهَا فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هَذَا كتاب بَيَان أَحْكَام الطَّهَارَة اعْلَم أَن الْكتاب لُغَة مَعْنَاهُ الضَّم وَالْجمع يُقَال كتبت كتبا وَكِتَابَة وكتابا وَمِنْه قَوْلهم تكتبت بَنو فلَان إِذا اجْتَمعُوا وَكتب إِذا خطّ بالقلم لما فِيهِ من اجْتِمَاع الْكَلِمَات والحروف قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَصح أَن يكون مشتقا من الْكتب لِأَن الْمصدر لَا يشتق من الْمصدر وَأجِيب بِأَن الْمَزِيد يشتق من الْمُجَرّد وَاصْطِلَاحا اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْعلم ويعبر عَنْهَا بِالْبَابِ وبالفصل أَيْضا فَإِن جمع بَين الثَّلَاثَة قيل الْكتاب اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْعلم مُشْتَمِلَة على أَبْوَاب وفصول ومسائل غَالِبا وَالْبَاب اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْكتاب مُشْتَمِلَة على فُصُول ومسائل غَالِبا والفصل اسْم لجملة مُخْتَصَّة من الْبَاب مُشْتَمِلَة على مسَائِل غَالِبا وَالْبَاب لُغَة مَا يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى غَيره والفصل لُغَة الحاجز بَين الشَّيْئَيْنِ وَالْكتاب هُنَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى محذوفين كَمَا قدرته وَكَذَا يقدر فِي كل كتاب أَو بَاب أَو فصل بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ وَإِذ قد علمت ذَلِك فَلَا احْتِيَاج إِلَى تَقْدِير ذَلِك فِي كل كتاب أَو بَاب أَو فصل اختصارا (الطَّهَارَة لُغَة وَشرعا) وَالطَّهَارَة لُغَة النَّظَافَة والخلوص من الأدناس حسية كَانَت كالأنجاس أَو معنوية كالعيوب يُقَال طهر بِالْمَاءِ وهم قوم يتطهرون أَي يتنزهون عَن الْعَيْب وَأما فِي الشَّرْع فَاخْتلف فِي تَفْسِيرهَا وَأحسن مَا قيل فِيهِ إِنَّه ارْتِفَاع الْمَنْع الْمُتَرَتب على الْحَدث وَالنَّجس فَيدْخل فِيهِ غسل الذِّمِّيَّة والمجنونة ليحلا لحليلهما الْمُسلم فَإِن الِامْتِنَاع من الْوَطْء قد زَالَ وَقد يُقَال إِنَّه لَيْسَ شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لم يرفع حَدثا وَلم يزل نجسا وَكَذَا يُقَال فِي غسل الْمَيِّت الْمُسلم فَإِنَّهُ أَزَال الْمَنْع من الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلم يزل بِهِ حدث وَلَا نجس بل هُوَ تكرمة للْمَيت وَقيل هِيَ فعل مَا تستباح بِهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 (تَقْسِيم الطَّهَارَة إِلَى وَاجِب ومستحب) وتنقسم إِلَى وَاجِب كالطهارة عَن الْحَدث ومستحب كتجديد الْوضُوء والأغسال المسنونة ثمَّ الْوَاجِب يَنْقَسِم إِلَى بدني وقلبي فالقلبي كالحسد وَالْعجب وَالْكبر والرياء قَالَ الْغَزالِيّ معرفَة حُدُودهَا وأسبابها وطبها وعلاجها فرض عين يجب تعلمه والبدني إِمَّا بِالْمَاءِ أَو بِالتُّرَابِ أَو بهما كَمَا فِي ولوغ الْكَلْب أَو بِغَيْرِهِمَا كالحريف فِي الدّباغ أَو بِنَفسِهِ كانقلاب الْخمر خلا (القَوْل فِي أَنْوَاع الْمِيَاه) وَقَوله (الْمِيَاه) جمع مَاء وَالْمَاء مَمْدُود على الْأَفْصَح وَأَصله موه تحركت الْوَاو وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا ثمَّ أبدلت الْهَاء همزَة وَمن عَجِيب لطف الله تَعَالَى أَنه أَكثر مِنْهُ وَلم يحوج فِيهِ إِلَى كثير معالجة لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ (الَّتِي يجوز التَّطْهِير بهَا) أَي بِكُل وَاحِد مِنْهَا عَن الْحَدث والخبث وَالْحَدَث فِي اللُّغَة الشَّيْء الْحَادِث وَفِي الشَّرْع يُطلق على أَمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وعَلى الْأَسْبَاب الَّتِي يَنْتَهِي بهَا الطُّهْر وعَلى الْمَنْع الْمُتَرَتب على ذَلِك وَالْمرَاد هُنَا الأول لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يرفعهُ إِلَّا المَاء بِخِلَاف الْمَنْع لِأَنَّهُ صفة الْأَمر الاعتباري فَهُوَ غَيره لِأَن الْمَنْع هُوَ الْحُرْمَة وَهِي ترْتَفع ارتفاعا مُقَيّدا بِنَحْوِ التَّيَمُّم بِخِلَاف الأول وَلَا فرق فِي الْحَدث بَين الْأَصْغَر وَهُوَ مَا نقض الْوضُوء والمتوسط وَهُوَ مَا أوجب الْغسْل من جماع أَو إِنْزَال والأكبر وَهُوَ مَا أوجبه من حيض أَو نِفَاس والخبث فِي اللُّغَة مَا يستقذر وَفِي الشَّرْع مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وَلَا فرق فِيهِ بَين المخفف كبول صبي لم يطعم غير لبن والمتوسط كبول غَيره من غير نَحْو الْكَلْب والمغلظ كبول نَحْو الْكَلْب وَإِنَّمَا تعين المَاء فِي رفع الْحَدث لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} وَالْأَمر للْوُجُوب فَلَو رفع غير المَاء لما وَجب التَّيَمُّم عِنْد فَقده وَنقل ابْن الْمُنْذر وَغَيره الْإِجْمَاع على اشْتِرَاطه فِي الْحَدث إِزَالَة الْخبث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ حِين بَال الْأَعرَابِي فِي الْمَسْجِد صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء والذنُوب الدَّلْو الممتلئة مَاء وَالْأَمر للْوُجُوب كَمَا مر فَلَو كفى غَيره لما وَجب غسل الْبَوْل بِهِ وَلَا يُقَاس بِهِ غَيره لِأَن الطُّهْر بِهِ عِنْد الإِمَام تعبدي وَعند غَيره مَعْقُول الْمَعْنى لما فِيهِ من الرقة واللطافة الَّتِي لَا تُوجد فِي غَيره الْأَفْعَال كَانَ بِمَعْنى الْحل وَهُوَ هُنَا بِمَعْنى الْأَمريْنِ لِأَن من أَمر غير المَاء على أَعْضَاء الطَّهَارَة بنية الْوضُوء أَو الْغسْل لَا يجوز وَيحرم لِأَنَّهُ تقرب بِمَا لَيْسَ مَوْضُوعا للتقرب فعصى لتلاعبه (سبع مياه) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة أَحدهَا (مَاء السَّمَاء) لقَوْله تَعَالَى {وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 تَنْبِيه يجوز إِذا أضيف إِلَى الْعُقُود كَانَ بِمَعْنى الصِّحَّة وَإِذا أضيف إِلَى مَاء ليطهركم بِهِ وَبَدَأَ المُصَنّف رَحمَه الله بهَا لشرفها على الأَرْض كَمَا هُوَ الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع وَهل للمراد بالسماء فِي الْآيَة الجرم الْمَعْهُود أَو السَّحَاب قَولَانِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ فِي دقائق الرَّوْضَة وَلَا مَانع من أَن ينزل من كل مِنْهُمَا (و) ثَانِيهَا (مَاء الْبَحْر) أَي المالح لحَدِيث هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَسمي بحرا لعمقه واتساعه تَنْبِيه حَيْثُ أطلق الْبَحْر فَالْمُرَاد بِهِ المالح غَالِبا ويقل فِي العذب كَمَا قَالَه فِي الْمُحكم فَائِدَة اعْترض بَعضهم على الشَّافِعِي فِي قَوْله كل مَاء من بَحر عذب أَو مالح فالتطهير بِهِ جَائِز بِأَنَّهُ لحن وَإِنَّمَا يَصح من بَحر ملح وَهُوَ مخطىء فِي ذَلِك قَالَ الشَّاعِر (الطَّوِيل) فَلَو تفلت فِي الْبَحْر وَالْبَحْر مالح لأصبح مَاء الْبَحْر من رِيقهَا عذبا وَلَكِن فهمه السقيم أَدَّاهُ إِلَى ذَلِك قَالَ الشَّاعِر وَكم من عائب قولا صَحِيحا وآفته من الْفَهم السقيم (و) ثَالِثهَا (مَاء النَّهر) العذب وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء وسكونها كالنيل والفرات وَنَحْوهمَا بِالْإِجْمَاع (و) رَابِعهَا (مَاء الْبِئْر) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء لما سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ تَوَضَّأ مِنْهَا وَمن بِئْر رومة تَنْبِيه شَمل إِطْلَاقه الْبِئْر بِئْر زَمْزَم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مِنْهَا وَفِي الْمَجْمُوع حِكَايَة الْإِجْمَاع على صِحَة الطَّهَارَة بِهِ وَإنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِزَالَة النَّجَاسَة بِهِ سِيمَا فِي الِاسْتِنْجَاء لما قيل إِنَّه يُورث البواسير وَذكر نَحوه ابْن الملقن فِي شرح البُخَارِيّ وَهل إِزَالَة النَّجَاسَة بِهِ حرَام أَو مَكْرُوه أَو خلاف الأولى أوجه حَكَاهَا الدَّمِيرِيّ وَالطّيب النَّاشِرِيّ من غير تَرْجِيح تبعا للْأَذْرَعِيّ وَالْمُعْتَمد الْكَرَاهَة لِأَن أَبَا ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَزَال بِهِ الدَّم الَّذِي أدمته قُرَيْش حِين رَجَمُوهُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيح مُسلم وغسلت أَسمَاء بنت أبي بكر وَلَدهَا عبد الله ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حِين قتل وتقطعت أوصاله بِمَاء زَمْزَم بِمحضر من الصَّحَابَة وَغَيرهم وَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهَا أحد مِنْهُم (و) خَامِسهَا (مَاء الْعين) الأرضية كالنابعة من أَرض أَو الْجَبَل أَو الحيوانية كالنابعة من الزلَال وَهُوَ شَيْء ينْعَقد من المَاء على صُورَة الْحَيَوَان أَو الإنسانية كالنابعة من بَين أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَاتهَا على خلاف فِيهِ وَهُوَ أفضل الْمِيَاه مُطلقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 (و) سادسها (مَاء الثَّلج) بِالْمُثَلثَةِ (و) سابعها (مَاء الْبرد) بِفَتْح الر لِأَنَّهُمَا ينزلان من السَّمَاء ثمَّ يعرض لَهما الجمود فِي الْهَوَاء كَمَا يعرض لَهما على وَجه الأَرْض قَالَه ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة فَلَا يردان على المُصَنّف وَكَذَا لَا يرد عَلَيْهِ أَيْضا رشح بخار المَاء لِأَنَّهُ مَاء حَقِيقَة وَينْقص بِقَدرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَغَيره وَإِن قَالَ الرَّافِعِيّ تازع فِيهِ عَامَّة الْأَصْحَاب وَقَالُوا يسمونه بخارا أَو رشحا لَا مَاء على الْإِطْلَاق وَلَا مَاء الزَّرْع إِذا قُلْنَا بطهوريته وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ لَا يخرج عَن أحد الْمِيَاه الْمَذْكُورَة (القَوْل فِي أَقسَام الْمِيَاه من حَيْثُ التَّطْهِير بهَا وَعَدَمه) (ثمَّ الْمِيَاه) الْمَذْكُورَة (على أَرْبَعَة أَقسَام) أَحدهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (مطهر) لغيره (غير مَكْرُوه) اسْتِعْمَاله (وَهُوَ المَاء الْمُطلق) (حَقِيقَة المَاء الْمُطلق) وَهُوَ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم مَاء بِلَا قيد بِإِضَافَة كَمَاء ورد أَو بِصفة كَمَاء دافق أَو بلام عهد كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِذا رَأَتْ المَاء يَعْنِي الْمَنِيّ قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَلَا يحْتَاج لتقييد الْقَيْد بِكَوْنِهِ لَازِما لِأَن الْقَيْد الَّذِي لَيْسَ بِلَازِم كَمَاء الْبِئْر مثلا ينْطَلق اسْم المَاء عَلَيْهِ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَة للِاحْتِرَاز عَنهُ وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْقَيْد فِي جَانب الْإِثْبَات كَقَوْلِنَا غير الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد بِقَيْد لَازم اه (المَاء الْمُطلق يَشْمَل الْمُتَغَيّر بِمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ حكما أَو اسْما) تَنْبِيه تَعْرِيف الْمُطلق بِمَا ذكر هُوَ مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج وَأورد عَلَيْهِ الْمُتَغَيّر كثيرا بِمَا لَا يُؤثر فِيهِ كطين وطحلب وَمَا فِي مقره وممره فَإِنَّهُ مُطلق مَعَ أَنه لم يعر عَمَّا ذكر وَأجِيب بِمَنْع أَنه مُطلق وَإِنَّمَا أعْطى حكمه فِي جَوَاز التَّطْهِير بِهِ للضَّرُورَة فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مُسْتَثْنى من غير الْمُطلق على أَن الرَّافِعِيّ قَالَ أهل اللِّسَان وَالْعرْف لَا يمتنعون من إِيقَاع اسْم المَاء الْمُطلق عَلَيْهِ وَعَلِيهِ لَا إِيرَاد وَلَا يرد المَاء الْقَلِيل الَّذِي وَقعت فِيهِ نَجَاسَة وَلم تغيره وَلَا المَاء الْمُسْتَعْمل لِأَنَّهُ غير مُطلق (و) ثَانِيهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (مطهر) لغيره إِلَّا (أَنه مَكْرُوه) اسْتِعْمَاله شرعا تَنْزِيها فِي الطَّهَارَة (وَهُوَ المَاء المشمس) أَي المتشمس لما روى الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يكره الِاغْتِسَال بِهِ وَقَالَ إِنَّه يُورث البرص لَكِن بِشُرُوط الأول أَن يكون بِبِلَاد حارة أَي وتنقله الشَّمْس عَن حَالَته إِلَى حَالَة أُخْرَى كَمَا نَقله فِي الْبَحْر عَن الْأَصْحَاب وَالثَّانِي أَن يكون فِي آنِية منطبعة غير النَّقْدَيْنِ وَهِي كل مَا طرق نَحْو الْحَدِيد والنحاس وَالثَّالِث أَن يسْتَعْمل فِي حَال حرارته فِي الْبدن لِأَن الشَّمْس بحدتها تفصل مِنْهُ زهومة تعلو المَاء فَإِذا لاقت الْبدن بسخونتها خيف أَن تقبض عَلَيْهِ فيحتبس الدَّم فَيحصل البرص وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن اسْتِعْمَاله فِي الْبدن لغير الطَّهَارَة كشرب كالطهارة بِخِلَاف مَا إِذا اسْتعْمل فِي غير الْبدن كَغسْل ثوب لفقد الْعلَّة الْمَذْكُورَة وَبِخِلَاف المسخن بالنَّار المعتدل وَإِن سخن بِنَجس وَلَو بروث نَحْو كلب فَلَا يكره لعدم ثُبُوت النَّهْي عَنهُ ولذهاب الزهومة لقُوَّة تأثيرها وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِبِلَاد بَارِدَة أَو معتدلة وَبِخِلَاف المشمس فِي غير المنطبع كالخزف والحياض أَو فِي منطبع نقد لصفاء جوهره أَو اسْتعْمل فِي الْبدن بعد أَن برد وَأما الْمَطْبُوخ بِهِ فَإِن كَانَ مَائِعا كره وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَيكرهُ فِي الأبرص لزِيَادَة الضَّرَر وَكَذَا فِي الْمَيِّت لِأَنَّهُ مُحْتَرم وَفِي غير الْآدَمِيّ من الْحَيَوَان إِن كَانَ البرص يُدْرِكهُ كالخيل وَإِنَّمَا لم يحرم المشمس كالسم لِأَن ضَرَره مظنون بِخِلَاف السم وَيجب اسْتِعْمَاله عِنْد فقد غَيره أَي عِنْد ضيق الْوَقْت (القَوْل فِي المَاء شَدِيد السخونة والبرودة) وَيكرهُ أَيْضا تَنْزِيها شَدِيد السخونة أَو الْبُرُودَة فِي الطَّهَارَة لمَنعه الإسباغ وَكَذَا مياه ديار ثَمُود وكل مَاء مغضوب على أَهله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 كَمَاء ديار قوم لوط وَمَاء الْبِئْر الَّتِي وضع فِيهَا السحر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله تَعَالَى مسخ ماءها حَتَّى صَار كنقاعة الْحِنَّاء وَمَاء ديار بابل (القَوْل فِي أَقسَام الطَّاهِر غير المطهر) (و) ثَالِثهَا مَاء (طَاهِر) فِي نَفسه (غير مطهر) لغيره (وَهُوَ) المَاء الْقَلِيل (الْمُسْتَعْمل) فِي فرض الطَّهَارَة عَن حدث كالغسلة الأولى أما كَونه طَاهِرا فَلِأَن السّلف الصَّالح كَانُوا لَا يحترزون عَمَّا يتطاير عَلَيْهِم مِنْهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد جَابِرا فِي مَرضه فَتَوَضَّأ وصب عَلَيْهِ من وضوئِهِ وَأما دَلِيل إِنَّه غير مطهر لغيره فَلِأَن السّلف الصَّالح كَانُوا مَعَ قلَّة مِيَاههمْ لم يجمعوا الْمُسْتَعْمل للاستعمال ثَانِيًا بل انتقلوا إِلَى التَّيَمُّم وَلم يجمعوه للشُّرْب لِأَنَّهُ مستقذر (القَوْل فِي المَاء الْمُسْتَعْمل) تَنْبِيه المُرَاد بِالْفَرْضِ مَا لَا بُد مِنْهُ أَثم الشَّخْص بِتَرْكِهِ كحنفي تَوَضَّأ بِلَا نِيَّة أم لَا كصبي إِذْ لَا بُد لصِحَّة صلاتهما من وضوء وَلَا أثر لاعتقاد الشَّافِعِي أَن مَاء الْحَنَفِيّ فِيمَا ذكر لم يرفع حَدثا بِخِلَاف اقتدائه بحنفي مس فرجه حَيْثُ لَا يَصح اعْتِبَارا باعتقاده لِأَن الرابطة مُعْتَبرَة فِي الِاقْتِدَاء دون الطهارات تَنْبِيه اخْتلف فِي عِلّة منع اسْتِعْمَال المَاء الْمُسْتَعْمل فَقيل وَهُوَ الْأَصَح إِنَّه غير مُطلق كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيقه وَغَيره وَقيل مُطلق وَلَكِن منع من اسْتِعْمَاله تعبدا كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح التَّنْبِيه إِنَّه الصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَرين وَخرج بِالْمُسْتَعْملِ فِي فرض الْمُسْتَعْمل فِي نفل الطَّهَارَة كالغسل الْمسنون وَالْوُضُوء المجدد فَإِنَّهُ طهُور على الْجَدِيد تَنْبِيه من الْمُسْتَعْمل مَاء غسل بدل مسح من رَأس أَو خف وَمَاء غسل كَافِرَة لتحل لحليلها الْمُسلم وَأورد على ضَابِط الْمُسْتَعْمل مَاء غسل بِهِ الرّجلَانِ بعد مسح الْخُف وَمَاء غسل بِهِ الْوَجْه قبل بطلَان التَّيَمُّم وَمَاء غسل بِهِ الْخبث المعفو عَنهُ فَإِنَّهَا لَا ترفع الْحَدث مَعَ أَنَّهَا لم تسْتَعْمل فِي فرض وَأجِيب عَن الأول بِمَنْع عدم رَفعه لِأَن غسل الرجلَيْن لم يُؤثر شَيْئا وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي فرض وَهُوَ رفع الْحَدث الْمُسْتَفَاد بِهِ أَكثر من فَرِيضَة وَعَن الثَّالِث بِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي فرض أَصَالَة (لَا يكون المَاء مُسْتَعْملا إِلَّا إِذا انْفَصل عَن الْعُضْو) فَائِدَة المَاء مَا دَامَ مترددا على الْعُضْو لَا يثبت لَهُ حكم الِاسْتِعْمَال مَا بقيت الْحَاجة إِلَى الِاسْتِعْمَال بالِاتِّفَاقِ للضَّرُورَة فَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 نوى جنب رفع الْجَنَابَة وَلَو قبل تَمام الانغماس فِي مَاء قَلِيل أَجزَأَهُ الْغسْل بِهِ فِي ذَلِك الْحَدث وَكَذَا فِي غَيره وَلَو من غير جنسه كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الْأَئِمَّة وَصرح بِهِ القَاضِي وَغَيره وَلَو نوى جنبان مَعًا بعد تَمام الانغماس فِي مَاء قَلِيل طهرا أَو مُرَتبا وَلَو قبل تَمام الانغماس فَالْأول فَقَط أَو نويا مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لم يرْتَفع حَدثهمَا عَن باقيهما وَلَو شكا فِي الْمَعِيَّة فَالظَّاهِر كَمَا بَحثه بَعضهم أَنَّهُمَا يطهران لأننا لَا نسلب الطّهُورِيَّة بِالشَّكِّ وسلبها فِي حق أَحدهمَا فَقَط تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَالْمَاء المتردد على عُضْو المتوضىء وعَلى بدن الْجنب وعَلى الْمُتَنَجس إِن لم يتَغَيَّر طهُور فَإِن جرى المَاء من عُضْو المتوضىء إِلَى عضوه الآخر وَإِن لم يكن من أَعْضَاء الْوضُوء كَأَن جَاوز مَنْكِبه أَو تقاطر من عُضْو وَلَو من عُضْو بدن الْجنب صَار مُسْتَعْملا نعم مَا يغلب فِيهِ التقاذف كمن الْكَفّ إِلَى الساعد وَعَكسه لَا يصير مُسْتَعْملا للْعُذْر وَإِن خرقه الْهَوَاء كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَلَو غرف بكفه جنب نوى رفع الْجَنَابَة أَو مُحدث بعد غسل وَجهه الغسلة الأولى على مَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ وَغَيره أَو الغسلات الثَّلَاث كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ أوجه إِن لم يرد الِاقْتِصَار على أقل من ثَلَاث من مَاء قَلِيل وَلم ينْو الاغتراف بِأَن نوى اسْتِعْمَالا أَو أطلق صَار مُسْتَعْملا فَلَو غسل بِمَا فِي كَفه بَاقِي يَده لَا غَيرهَا أَجزَأَهُ أما إِذا نوى الاغتراف بِأَن قصد نقل المَاء من الْإِنَاء وَالْغسْل بِهِ خَارجه لم يصر مُسْتَعْملا (القَوْل فِي المَاء الْمُتَغَيّر وشروطه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 (و) مثل المَاء الْمُسْتَعْمل المَاء (الْمُتَغَيّر) طعمه أَو لَونه أَو رِيحه (بِمَا) أَي بِشَيْء (خالطه من) الْأَعْيَان (الطاهرات) الَّتِي لَا يُمكن فصلها المستغنى عَنْهَا كمسك وزعفران وَمَاء شجر ومني وملح جبلي تغيرا يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ المَاء قَلِيلا أم كثيرا لِأَنَّهُ لَا يُسمى مَاء وَلِهَذَا لَو حلف لَا يشرب مَاء أَو وكل فِي شِرَائِهِ فَشرب ذَلِك أَو اشْتَرَاهُ لَهُ وَكيله لم يَحْنَث وَلم يَقع الشِّرَاء لَهُ وَسَوَاء أَكَانَ التَّغَيُّر حسيا أم تقديريا (حَقِيقَة التَّغْيِير التقديري) حَتَّى لَو وَقع فِي المَاء مَائِع يُوَافقهُ فِي الصِّفَات كَمَاء الْورْد الْمُنْقَطع الرَّائِحَة فَلم يتَغَيَّر وَلَو قدرناه بمخالف وسط كلون الْعصير وَطعم الرُّمَّان وريح اللاذن لغيره ضرّ بِأَن تعرض عَلَيْهِ جَمِيع هَذِه الصِّفَات لَا الْمُنَاسب للْوَاقِع فِيهِ فَقَط وَلَا يقدر بالأشد كلون الحبر وَطعم الْخلّ وريح الْمسك بِخِلَاف الْخبث لغلظه أما الْملح المائي فَلَا يضر التَّغَيُّر بِهِ وَإِن كثر لِأَنَّهُ مُنْعَقد من المَاء وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل كمائع فيفرض مُخَالفا وسطا للْمَاء فِي صِفَاته لَا فِي تَكْثِير المَاء فَلَو ضم إِلَى مَاء قَلِيل فَبلغ قُلَّتَيْنِ صَار طهُورا وَإِن أثر فِي المَاء بفرضه مُخَالفا وَلَا يضر تغير يسير بطاهر لَا يمْنَع الِاسْم لتعذر صون المَاء عَنهُ ولبقاء إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ وَكَذَا لَو شكّ فِي أَن تغيره كثير أَو يسير نعم إِن كَانَ التَّغَيُّر كثيرا ثمَّ شكّ فِي أَن التَّغَيُّر الْآن يسير أَو كثير لم يطهر عملا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَتَيْنِ قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَلَا يضر تغير بمكث وَإِن فحش التَّغَيُّر وطين وطحلب وَمَا فِي مقره وممره ككبريت وزرنيخ ونورة لتعذر صون المَاء عَن ذَلِك وَلَا يضر أوراق شَجَرَة تناثرت وتفتتت واختلطت وَإِن كَانَت ربيعية أَو بعيدَة عَن المَاء لتعذر صون المَاء عَنْهَا إِن طرحت وتفتتت أَو أخرج مِنْهُ الطحلب أَو الزرنيخ ودق نَاعِمًا وَأُلْقِي فِيهِ فَغَيره فَإِنَّهُ يضر أَو تغير بالثمار الساقطة فِيهِ لِإِمْكَان التَّحَرُّز عَنْهَا غَالِبا (حَقِيقَة الْفرق بَين المخالط والمجاور) وَاحْترز بِقَيْد المخالط عَن المجاور الطَّاهِر كعود ودهن وَلَو مطيبين وكافور صلب فَلَا يضر التَّغَيُّر بِهِ لِإِمْكَان فَصله وَبَقَاء اسْم الْإِطْلَاق عَلَيْهِ وَكَذَا لَا يضر التَّغَيُّر بِتُرَاب وَلَو مُسْتَعْملا طرح لِأَن تغيره مُجَرّد كدورة فَلَا يمْنَع إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ نعم إِن تغير حَتَّى صَار لَا يُسمى إِلَّا طينا رطبا ضرّ وَمَا تقرر فِي التُّرَاب الْمُسْتَعْمل هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين (القَوْل فِي أَقسَام المَاء الْمُتَنَجس) (و) رَابِعهَا (مَاء نجس) أَي مُتَنَجّس (وَهُوَ الَّذِي حلت فِيهِ) أَو لاقته (نَجَاسَة) تدْرك بالبصر (وَهُوَ) قَلِيل (دون الْقلَّتَيْنِ) بِثَلَاثَة أَرْطَال فَأكْثر سَوَاء تغير أم لَا لمَفْهُوم حَدِيث الْقلَّتَيْنِ الْآتِي وَلخَبَر مُسلم إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده نَهَاهُ عَن الغمس خشيَة النَّجَاسَة وَمَعْلُوم أَنَّهَا إِذا خفيت لَا تغير المَاء فلولا أَنَّهَا تنجسه بوصولها لم يَنْهَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 (لَا يَتَنَجَّس الْكثير إِلَّا بالتغيير بِالنَّجَاسَةِ) (أَو كَانَ كثيرا) بِأَن بلغ قُلَّتَيْنِ فَأكْثر (فَتغير) بِسَبَب النَّجَاسَة لِخُرُوجِهِ عَن الطاهرية وَلَو كَانَ التَّغَيُّر يَسِيرا حسيا أَو تقديريا فَهُوَ نجس بِالْإِجْمَاع الْمُخَصّص لخَبر الْقلَّتَيْنِ الْآتِي وَلخَبَر التِّرْمِذِيّ وَغَيره المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء كَمَا خصصه مَفْهُوم خبر الْقلَّتَيْنِ الْآتِي فالتغير الْحسي ظَاهر (حَقِيقَة التَّغْيِير التقديري) والتقديري بِأَن وَقعت فِيهِ نَجَاسَة مائعة توافقه فِي الصِّفَات كبول انْقَطَعت رَائِحَته وَلَو فرض مُخَالفا لَهُ فِي أغْلظ الصِّفَات كلون الحبر وَطعم الْخلّ وريح الْمسك لغيره فَإِنَّهُ يحكم بِنَجَاسَتِهِ فَإِن لم يتَغَيَّر فطهور لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث قَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَغَيره بِإِسْنَاد صَحِيح فَإِنَّهُ لَا ينجس وَهُوَ المُرَاد بقوله لم يحمل الْخبث أَي يدْفع النَّجس وَلَا يقبله وَفَارق كثير المَاء كثير غَيره فَإِنَّهُ ينجس بِمُجَرَّد ملاقاة النَّجَاسَة بِأَن كَثِيره قوي ويشق حفظه عَن النَّجس بِخِلَاف غَيره وَإِن كثر تَنْبِيهَانِ الأول لَو شكّ فِي كَونه قُلَّتَيْنِ وَوَقعت فِيهِ نَجَاسَة هَل ينجس أَو لَا ينجس رأيان أصَحهمَا الثَّانِي بل قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الصَّوَاب أَنه لَا ينجس إِذْ الأَصْل الطَّهَارَة وشككنا فِي نَجَاسَة منجسة وَلَا يلْزم من حُصُول النَّجَاسَة التَّنْجِيس الثَّانِي لَو تغير بعض المَاء فالمتغير كنجاسة جامدة لَا يجب التباعد عَنْهَا بقلتين وَالْبَاقِي إِن قل فنجس وَإِلَّا فطاهر فَلَو غرف دلوا من مَاء قُلَّتَيْنِ فَقَط وَفِيه نَجَاسَة جامدة لم تغيره وَلم يغرفها مَعَ المَاء فباطن الدَّلْو طَاهِر لانفصال مَا فِيهِ عَن الْبَاقِي قبل أَن ينقص عَن قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهرهَا لتنجسه بِالْبَاقِي الْمُتَنَجس بِالنَّجَاسَةِ لقلته فَإِن دخلت مَعَ المَاء أَو قبله فِي الدَّلْو انعكس الحكم فَائِدَة تَأْنِيث الدَّلْو أفْصح من تذكيره (القَوْل فِي حكم زَوَال التَّغْيِير) فَإِن زَالَ تغيره الْحسي أَو التقديري بِنَفسِهِ بِأَن لم يحدث فِيهِ شَيْء كَأَن زَالَ بطول الْمكْث أَو بِمَاء انْضَمَّ إِلَيْهِ بِفعل أَو غَيره أَو أَخذ مِنْهُ وَالْبَاقِي قلتان طهر لزوَال سَبَب التَّنْجِيس فَإِن زَالَ تغيره بمسك أَو نَحوه كزعفران أَو بِتُرَاب لم يطهر لأَنا لَا نَدْرِي أَن أَوْصَاف النَّجَاسَة زَالَت أَو غلب عَلَيْهَا مَا ذكر فاستترت وَيسْتَثْنى من النَّجس ميتَة لَا دم لَهَا سَائل أَصَالَة بِأَن لَا يسيل دَمهَا عِنْد شقّ عُضْو مِنْهَا فِي حَيَاتهَا كزنبور وعقرب ووزغ وذباب وقمل وبرغوث لَا نَحْو حَيَّة وضفدع وفأرة فَلَا تنجس مَاء أَو غَيره بوقوعها فِيهِ بِشَرْط أَن لَا يَطْرَحهَا طارح وَلم تغيره لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَلخَبَر البُخَارِيّ إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء أَي وَهُوَ الْيَسَار كَمَا قيل وَفِي الآخر شِفَاء زَاد أَبُو دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَإنَّهُ يتقى بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء وَقد يُفْضِي غمسه إِلَى مَوته فَلَو نجس الْمَائِع لما أَمر بِهِ وَقيس بالذباب مَا فِي مَعْنَاهُ من كل ميتَة لَا يسيل دَمهَا فَلَو شككنا فِي سيل دَمهَا امتحن بجنسها فتجرح للْحَاجة قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَو كَانَت مِمَّا يسيل دَمهَا لَكِن لَا دم فِيهَا أَو فِيهَا دم لَا يسيل لصغرها فلهَا حكم مَا يسيل دَمهَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب (القَوْل فِي النَّجَاسَة المعفو عَنْهَا) وَيسْتَثْنى أَيْضا نجس لَا يُشَاهد بالبصر لقلته كنقطة بَوْل وخمر وَمَا يعلق بِنَحْوِ رجل ذُبَاب لعسر الِاحْتِرَاز عَنهُ فَأشبه دم البراغيث قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَقِيَاس اسْتثِْنَاء دم الْكَلْب من يسير الدَّم المعفو عَنهُ أَن يكون هُنَا مثله وَقد يفرق بَينهمَا بالمشقة وَالْفرق أوجه ويعفى أَيْضا عَن رَوْث سمك لم يُغير المَاء وَعَن الْيَسِير عرفا من شعر نجس من غير نَحْو كلب وَعَن كَثِيره من مركوب وَعَن قَلِيل دُخان نجس وغبار سرجين وَنَحْوه مِمَّا تحمله الرّيح كالذر وَعَن حَيَوَان مُتَنَجّس المنفذ إِذا وَقع فِي المَاء للْمَشَقَّة فِي صونه وَلِهَذَا لَا يُعْفَى عَن آدَمِيّ مستجمر وَعَن الدَّم الْبَاقِي على اللَّحْم والعظم فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ وَلَو تنجس حَيَوَان طَاهِر من هرة أَو غَيرهَا ثمَّ غَابَ وَأمكن وُرُوده مَاء كثيرا ثمَّ ولغَ فِي طَاهِر لم يُنجسهُ مَعَ حكمنَا بِنَجَاسَة فَمه لِأَن الأَصْل نَجَاسَته وطهارة المَاء وَقد اعتضد أصل طَهَارَة المَاء بِاحْتِمَال ولوغه فِي مَاء كثير فِي الْغَيْبَة فرجح (القَوْل فِي ضبط الْقلَّتَيْنِ بِالْوَزْنِ) (والقلتان) بِالْوَزْنِ (خَمْسمِائَة رَطْل) بِكَسْر الرَّاء أفْصح من فتحهَا (بالبغدادي) أخذا من رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ وَغَيره إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ بقلال هجر لم يُنجسهُ شَيْء والقلة فِي اللُّغَة الجرة الْعَظِيمَة سميت بذلك لِأَن الرجل الْعَظِيم يقلها بيدَيْهِ أَي يرفعها وهجر بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يجلب مِنْهَا القلال وَقيل هِيَ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَه الْأَزْهَرِي قَالَ فِي الْخَادِم وَهُوَ الْأَشْبَه ثمَّ رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن ابْن جريج أَنه قَالَ رَأَيْت قلال هجر فَإِذا الْقلَّة مِنْهَا تسع قربتين أَو قربتين وشيئا أَي من قرب الْحجاز فاحتاط الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَحسب الشَّيْء نصفا إِذْ لَو كَانَ فَوْقه لقَالَ تسع ثَلَاث قرب إِلَّا شَيْئا على عَادَة الْعَرَب فَتكون القلتان خمس قرب وَالْغَالِب أَن الْقرْبَة لَا تزيد على مائَة رَطْل بغدادي وَهُوَ مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم فِي الْأَصَح فالمجموع بِهِ خَمْسمِائَة رَطْل (تَقْرِيبًا فِي الْأَصَح) فيعفى عَن نقص رَطْل أَو رطلين على مَا صَححهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الرَّوْضَة وَصحح فِي التَّحْقِيق مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه لَا يضر نقص قدر لَا يظْهر بنقصه تفَاوت فِي التَّغَيُّر بِقدر معِين من الْأَشْيَاء الْمُغيرَة كَأَن تَأْخُذ إناءين فِي وَاحِد قلتان وَفِي الآخر دونهمَا ثمَّ تضع فِي أَحدهمَا قدرا من المغير وتضع فِي الآخر قدره فَإِن لم يظْهر بَينهمَا تفَاوت فِي التَّغَيُّر لم يضر ذَلِك وَإِلَّا ضرّ وَهَذَا أولى من الأول لضبطه (القَوْل فِي الْقلَّتَيْنِ بالمساحة) وبالمساحة فِي المربع ذِرَاع وَربع طولا وعرضا وعمقا وَفِي المدور ذراعان طولا وذراع عرضا وَالْمرَاد فِيهِ بالطول العمق وبالعرض مَا بَين حائطي الْبِئْر من سَائِر الجوانب وبالذراع فِي المربع ذِرَاع الْآدَمِيّ وَهُوَ شبران تَقْرِيبًا وَأما فِي المدور فَالْمُرَاد بِهِ فِي الطول ذِرَاع التُّجَّار الَّذِي هُوَ بِذِرَاع الْآدَمِيّ ذِرَاع وَربع تَقْرِيبًا (حَقِيقَة حكم المَاء الْجَارِي) وَالْمَاء الْجَارِي وَهُوَ مَا انْدفع فِي مستو أَو منخفض كراكد فِيمَا مر من التَّفْرِقَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَفِيمَا اسْتثْنِي لمَفْهُوم حَدِيث الْقلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لم يفصل بَين الْجَارِي والراكد لَكِن الْعبْرَة فِي الْجَارِي بالجرية نَفسهَا لَا بِمَجْمُوع المَاء وَهِي كَمَا فِي الْمَجْمُوع الدفعة بَين حافتي النَّهر عرضا وَالْمرَاد بهَا مَا يرْتَفع من المَاء عِنْد تموجه أَي تَحْقِيقا أَو تَقْديرا فَإِن كثرت الجرية لم تنجس إِلَّا بالتغير وَهِي فِي نَفسهَا مُنْفَصِلَة عَمَّا أمامها وَمَا خلفهَا من الجريات حكما وَإِن اتَّصَلت بهما حسا إِذْ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة عَمَّا خلفهَا من الجريات وَيعرف كَون الجرية قُلَّتَيْنِ بِأَن يمسحا وَيجْعَل الْحَاصِل ميزانا ثمَّ يُؤْخَذ قدر عمق الجرية وَيضْرب فِي قدر طولهَا ثمَّ الْحَاصِل فِي قدر عرضهَا بعد بسط الأقدار من مخرج الرّبع لوُجُوده فِي مِقْدَار الْقلَّتَيْنِ فِي المربع فَمسح الْقلَّتَيْنِ بِأَن تضرب ذِرَاعا وربعا طولا فِي مثلهمَا عرضا فِي مثلهمَا عمقا يحصل مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ وَهِي الْمِيزَان أما إِذا كَانَ أَمَام الْجَارِي ارْتِفَاع يردهُ فَلهُ حكم الراكد (فصل فِي الدّباغ) فِي بَيَان مَا يطهر بدباغه وَمَا يسْتَعْمل من الْآنِية وَمَا يمْتَنع (وجلود) الْحَيَوَانَات (الْميتَة) كلهَا (تطهر) ظَاهرا وَبَاطنا (بالدباغ) وَلَو بإلقاء الدابغ عَلَيْهِ بِنَحْوِ ريح أَو بإلقائه على الدابغ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة هلا أَخَذْتُم إهابها فدبغتموه فانتفعتم بِهِ وَالظَّاهِر مَا لَاقَى الدابغ وَالْبَاطِن مَا لم يلاق الدابغ وَلَا فرق فِي الْميتَة بَين أَن تكون مأكولة اللَّحْم أم لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 (ضَابِط الدّباغ) والدبغ نزع فضوله وَهِي مائيته ورطوبته الَّتِي يُفْسِدهُ بَقَاؤُهَا ويطيبه نَزعهَا بِحَيْثُ لَو نقع فِي المَاء لم يعد إِلَيْهِ النتن وَالْفساد وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بحريف بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء كالقرظ والعفص وقشور الرُّمَّان وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الطَّاهِر كم ذكر وَالنَّجس كذرق الطُّيُور وَلَا يَكْفِي التجميد بِالتُّرَابِ وَلَا بالشمس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا ينْزع الفضول وَإِن جف الْجلد وَطَابَتْ رَائِحَته لِأَن الفضلات لم تزل وَإِنَّمَا جمدت بِدَلِيل أَنه لَو نقع فِي المَاء عَادَتْ إِلَيْهِ العفونة (القَوْل فِي حكم الْجلد بعد الدبغ) وَيصير المدبوغ كَثوب مُتَنَجّس لملاقاته للأدوية النَّجِسَة أَو الَّتِي تنجست بِهِ قبل طهر عينه فَيجب غسله لذَلِك فَلَا يصلى فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ قبل غسله وَيجوز بَيْعه قبله مَا لم يمْنَع من ذَلِك مَانع وَلَا يحل أكله سَوَاء كَانَ من مَأْكُول اللَّحْم أم من غَيره لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا وَخرج بِالْجلدِ الشّعْر لعدم تأثره بالدبغ قَالَ النَّوَوِيّ ويعفى عَن قَلِيله (إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير) فَلَا يطهره الدبغ قطعا لِأَن الْحَيَاة فِي إِفَادَة الطَّهَارَة أبلغ من الدبغ والحياة لَا تفِيد طَهَارَته (و) كَذَا (مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا) مَعَ حَيَوَان طَاهِر لما ذكر (وَعظم) الْحَيَوَانَات (الْميتَة وشعرها) وقرنها وظفرها وظلفها (نجس) لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَتَحْرِيم مَا لَا حُرْمَة لَهُ وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَالْميتَة مَا زَالَت حَيَاتهَا بِغَيْر ذَكَاة شَرْعِيَّة فَيدْخل فِي الْميتَة مَا لَا يُؤْكَل إِذا ذبح وَكَذَا مَا يُؤْكَل إِذا اخْتَلَّ فِيهِ شَرط من شُرُوط التذكية كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم للصَّيْد وَمَا ذبح بالعظم وَنَحْوه (القَوْل فِي مَا قطع من حَيّ) والجزء الْمُنْفَصِل من الْحَيّ كميتة ذَلِك الْحَيّ إِن كَانَ طَاهِرا فطاهر وَإِن كَانَ نجسا فنجس لخَبر مَا قطع من حَيّ فَهُوَ كميتته رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ فالمنفصل من الْآدَمِيّ أَو السّمك أَو الْجَرَاد طَاهِر وَمن غَيرهَا نجس (إِلَّا شعر) أَو صوف أَو ريش أَو وبر الْمَأْكُول فطاهر بِالْإِجْمَاع وَلَو نتف مِنْهَا أَو انتتفت قَالَ الله تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} وَهُوَ مَحْمُول على مَا أَخذ بعد التذكية أَو فِي الْحَيَاة على مَا هُوَ الْمَعْهُود وَلَو شككنا فِيمَا ذكر هَل انْفَصل من طَاهِر أَو نجس حكمنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة وشككنا فِي النَّجَاسَة وَالْأَصْل عدمهَا بِخِلَاف مَا لَو رَأينَا قِطْعَة لحم وشككنا هَل هِيَ من مذكاة أَو لَا لِأَن الأَصْل عدم التذكية وَالشعر على الْعُضْو المبان نجس إِذا كَانَ الْعُضْو نجسا تبعا لَهُ وَالشعر الْمُنْفَصِل من (الْآدَمِيّ) سَوَاء انْفَصل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته أم بعد مَوته طَاهِر لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَن لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان وَتحل ميتَة السّمك وَالْجَرَاد لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَإِنَّمَا يحصل الِانْتِفَاع أَو يكمل بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا نَص الشَّارِع على نَجَاسَته وَهُوَ كل مُسكر مَائِع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام وَكَذَا الْحَيَوَان كُله طَاهِر لما مر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع أَيْضا وَهُوَ الْكَلْب وَلَو معلما لخَبر مُسلم طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَجه الدّلَالَة أَن الطَّهَارَة إِمَّا لحَدث أَو خبث أَو تكرمة وَلَا حدث على الْإِنَاء وَلَا تكرمة لَهُ فتعينت طَهَارَة الْخبث فثبتت نَجَاسَة فَمه وَهُوَ أطيب أَجْزَائِهِ بل هُوَ أطيب الْحَيَوَانَات نكهة لِكَثْرَة مَا يَلْهَث فبقيتها أولى وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا من الْكَلْب وَفرع كل مِنْهُمَا مَعَ الآخر أَو مَعَ غَيره من الْحَيَوَانَات الطاهرة كالمتولد بَين ذِئْب وكلبة تَغْلِيبًا للنَّجَاسَة وَإِن الفضلات مِنْهَا مَا يَسْتَحِيل فِي بَاطِن الْحَيَوَان وَهُوَ نجس كَدم وَلَو تحلب من كبد أَو طحال لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} أَي الدَّم المسفوح وقيح لِأَنَّهُ دم مُسْتَحِيل وقيء وَإِن لم يتَغَيَّر وَهُوَ الْخَارِج من الْمعدة لِأَنَّهُ من الفضلات المستحيلة كالبول وجرة وَهِي بِكَسْر الْجِيم مَا يُخرجهُ الْبَعِير أَو غَيره للاجترار وَمرَّة وَهِي بِكَسْر الْمِيم مَا فِي المرارة وَأما الزباد فطاهر قَالَ فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ إِمَّا لبن سنور بحري كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أَو عرق سنور بري كَمَا سمعته من ثِقَات من أهل الْخِبْرَة بِهَذَا وَلَكِن يغلب اخْتِلَاطه بِمَا يتساقط من شعره فليحترز عَمَّا وجد فِيهِ فَإِن الْأَصَح منع أكل الْبري وَيَنْبَغِي الْعَفو عَن قَلِيل شعره وَأما الْمسك فَهُوَ أطيب الطّيب كَمَا رَوَاهُ مُسلم وفأرته طَاهِرَة وَهِي خراج بِجَانِب سرة الظبية كالسلعة فتحتك حَتَّى تلقيها وَاخْتلفُوا فِي العنبر فَمنهمْ من قَالَ إِنَّه نجس لِأَنَّهُ مستخرج من بطن دويبة لَا يُؤْكَل لَحمهَا وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه طَاهِر لِأَنَّهُ ينْبت فِي الْبَحْر ويلفظه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وروث وَلَو من سمك وجراد لما روى البُخَارِيّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جِيءَ لَهُ بحجرين وروثة ليستنجي بهَا أَخذ الحجرين ورد الروثة وَقَالَ وَهَذَا ركس والركس النَّجس وَبَوْل لِلْأَمْرِ بصب المَاء عَلَيْهِ فِي بَوْل الْأَعرَابِي فِي الْمَسْجِد رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ومذي وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة عِنْد ثورانها لِلْأَمْرِ بِغسْل الذّكر مِنْهُ فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وودي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاء أَبيض ثخين يخرج عقب الْبَوْل أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل قِيَاسا على مَا قبله وَالأَصَح طَهَارَة مني غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا لِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر وَلبن مَا لَا يُؤْكَل غير لبن الْآدَمِيّ كلبن الأتان لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْبَاطِن كَالدَّمِ أما لبن مَا يُؤْكَل لَحْمه كلبن الْفرس وَإِن ولدت بغلا فطاهر قَالَ تَعَالَى {لَبَنًا خَالِصا سائغا للشاربين} وَكَذَا لبن الْآدَمِيّ إِذْ لَا يَلِيق بكرامته أَن يكون منشؤه نجسا وَكَلَامهم شَامِل للبن الْميتَة وَبِه جزم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الْمَجْمُوع وَلبن الذّكر وَالصَّغِيرَة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيل وَهُوَ طَاهِر كعرق ولعاب ودمع من حَيَوَان طَاهِر والعلقة وَهِي الدَّم الغليظ المستحيل من الدَّم فِي الرَّحِم والمضغة وَهِي الْعلقَة الَّتِي تستحيل فَتَصِير قِطْعَة لحم ورطوبة الْفرج من حَيَوَان طَاهِر وَلَو غير مَأْكُول طَاهِرَة (القَوْل فِي مَا يطهر من نجس الْعين) وَلَا يطهر نجس الْعين بِغسْل وَلَا باستحالة إِلَّا شَيْئَانِ أَحدهمَا الْجلد إِذا دبغ كَمَا مر وَالثَّانِي الْخمْرَة إِذا تخللت بِنَفسِهَا فَتطهر وَإِن نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه فَإِن خللت بطرح شَيْء فِيهَا لم تطهر وَمَا نجس بملاقاة شَيْء من كلب غسل سبعا إِحْدَاهَا بِتُرَاب طهُور يعم مَحل النَّجَاسَة وَالْخِنْزِير كَالْكَلْبِ وَكَذَا مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا فيلحف بذلك وَمَا نجس ببول صبي لم يتَنَاوَل قبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ غير لبن للتغذي نضح بِالْمَاءِ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم قيس أَنَّهَا جَاءَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره فَبَال عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ وَمَا نجس بِغَيْر الْكَلْب وَنَحْوه وَالصَّبِيّ الَّذِي لم يتَنَاوَل غير اللَّبن إِن كَانَت النَّجَاسَة حكمِيَّة وَهِي مَا يتَيَقَّن وجودهَا وَلَا يدْرك لَهَا طعم وَلَا لون وَلَا ريح كفى وُصُول المَاء إِلَى ذَلِك الْمحل بِحَيْثُ يسيل عَلَيْهِ زَائِدا على النَّضْح وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة وَجب بعد زَوَال عينهَا إِزَالَة الطّعْم وَإِن عسر وَلَا يضر بَقَاء لون كلون الدَّم أَو ريح كريح الْخمر عسر زَوَاله للْمَشَقَّة بِخِلَاف مَا إِذا سهل فَيضر بَقَاؤُهُ فَإِن بقيا بِمحل وَاحِد مَعًا ضرّ لقُوَّة دلالتهما على بَقَاء الْعين وَيشْتَرط وُرُود المَاء على الْمحل إِن كَانَ قَلِيلا لِئَلَّا يَتَنَجَّس المَاء لَو عكس (القَوْل فِي حكم الغسالة) والغسالة طَاهِرَة إِن انفصلت بِلَا تغير وَلم يزدْ الْوَزْن وَقد طهر الْمحل فروع يطهر بِالْغسْلِ مصبوغ بمتنجس انْفَصل مِنْهُ وَلم يزدْ الْمَصْبُوغ وزنا بعد الْغسْل على وَزنه قبل الصَّبْغ وَإِن بَقِي اللَّوْن لعسر زَوَاله فَإِن زَاد وَزنه ضرّ فَإِن لم ينْفَصل عَنهُ لتعقده بِهِ لم يطهر لبَقَاء النَّجَاسَة فِيهِ وَلَو صب على مَوضِع نَحْو بَوْل أَو خمر من أَرض مَاء غمره طهر أما إِذا صب على نفس نَحْو الْبَوْل فَإِنَّهُ لَا يطهر وَاللَّبن بِكَسْر الْمُوَحدَة إِن خالطه نَجَاسَة جامدة كالروث لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يطهر وَإِن طبخ وَصَارَ آجرا لعين النَّجَاسَة وَإِن خالطه غَيرهَا كالبول طهر ظَاهره بِالْغسْلِ وَكَذَا بَاطِنه إِن نقع فِي المَاء إِن كَانَ رخوا يصله المَاء كالعجين وَلَو سقيت سكين أَو طبخ لحم بِمَاء نجس كفى غسلهمَا ويطهر الزئبق الْمُتَنَجس بِغسْل ظَاهره إِن لم يَتَخَلَّل بَين تنجسه وغسله تقطع وَإِلَّا لم يطهر كالدهن وَيَكْفِي غسل مَوضِع نَجَاسَة وَقعت على ثوب وَلَو عقب عصره وَلَو تنجس مَائِع غير المَاء وَلَو دهنا تعذر تَطْهِيره إِذْ لَا يَأْتِي المَاء على كُله وَإِذا غسل فَمه الْمُتَنَجس فليبالغ فِي الغرغرة ليغسل كل مَا فِي حد الظَّاهِر وَلَا يبلع طَعَاما وَلَا شرابًا قبل غسله لِئَلَّا يكون آكلا للنَّجَاسَة (القَوْل فِي حكم أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة) (وَلَا يجوز) لذكر أَو غَيره (اسْتِعْمَال) شَيْء من (أواني الذَّهَب) وأواني (الْفضة) بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها مُتَّفق عَلَيْهِ وَيُقَاس غير الْأكل وَالشرب عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا خصا بِالذكر لِأَنَّهُمَا أظهر وُجُوه الِاسْتِعْمَال وأغلبها وَيحرم على الْوَلِيّ أَن يسْقِي الصَّغِير بمسعط من إنائهما وَلَا فرق بَين الْإِنَاء الْكَبِير والإناء الصَّغِير حَتَّى مَا يخلل بِهِ أَسْنَانه والميل الَّذِي يكتحل بِهِ إِلَّا لضَرُورَة كَأَن يحْتَاج إِلَى جلاء عينه بالميل فَيُبَاح اسْتِعْمَاله وَالْوُضُوء مِنْهُ صَحِيح والمأخوذ مِنْهُ من مَأْكُول أَو غَيره حَلَال لِأَن التَّحْرِيم للاستعمال لَا لخُصُوص مَا ذكر وَيحرم الْبَوْل فِي الْإِنَاء مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وكما يحرم استعمالهما يحرم أَيْضا اتخاذهما من غير اسْتِعْمَال لِأَن مَا لَا يجوز اسْتِعْمَاله للرِّجَال وَلَا لغَيرهم يحرم اتِّخَاذه كآلة الملاهي (القَوْل فِي أواني غير الذَّهَب وَالْفِضَّة) وَيحل (اسْتِعْمَال كل إِنَاء طَاهِر) مَا عدا ذَلِك سَوَاء أَكَانَ من نُحَاس أم من غَيره فَإِن موه غير النَّقْد كإناء نُحَاس وَخَاتم وَآلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 حَرْب من نُحَاس أَو نَحوه بِالنَّقْدِ وَلم يحصل مِنْهُ شي وَلَو بِالْعرضِ على النَّار أَو موه النَّقْد بِغَيْرِهِ أَو صدأ مَعَ حُصُول شَيْء من المموه بِهِ أَو الصدأ حل اسْتِعْمَاله لقلَّة المموه فِي الأولى فَكَأَنَّهُ مَعْدُوم وَلعدم الْخُيَلَاء فِي الثَّانِيَة فَإِن حصل شَيْء من النَّقْد فِي الأولى لكثرته أَو لم يحصل شَيْء من غَيره فِي الثَّانِيَة لقلته حرم اسْتِعْمَاله وَكَذَا اتِّخَاذه فالعلة مركبة من تضييق النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاء وَكسر قُلُوب الْفُقَرَاء وَيحرم تمويه سقف الْبَيْت وجدرانه وَإِن لم يحصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار وَيحرم استدامته إِن حصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا وَيحل اسْتِعْمَال واتخاذ النفيس كياقوت وَزَبَرْجَد وبلور بِكَسْر الْبَاء وَفتح اللَّام ومرجان وعقيق والمتخذ من الطّيب الْمُرْتَفع كمسك وَعَنْبَر وعود لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ نهي وَلَا يظْهر فِيهِ معنى السَّرف وَالْخُيَلَاء وَمَا ضبب من إِنَاء بِفِضَّة ضبة كَبِيرَة وَكلهَا أَو بَعْضهَا وَإِن قل لزينة حرم اسْتِعْمَاله واتخاذه أَو صَغِيرَة بِقدر الْحَاجة فَلَا تحرم للصغر وَلَا تكره للْحَاجة وَلما روى البُخَارِيّ عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ رَأَيْت قدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ قد انصدع أَي انْشَقَّ فسلسله بِفِضَّة أَي شده بخيط فضَّة وَالْفَاعِل هُوَ أنس كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ أنس لقد سقيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْقدح أَكثر من كَذَا وَكَذَا أَو صَغِيرَة وَكلهَا أَو بَعْضهَا لزينة أَو كَبِيرَة كلهَا لحَاجَة جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة فيهمَا أما فِي الأولى فللصغر وَكره لفقد الْحَاجة وَأما فِي الثَّانِيَة فللحاجة وَكره للكبر وضبة مَوضِع الِاسْتِعْمَال لنَحْو شرب كَغَيْرِهِ فِيمَا ذكر من التَّفْصِيل لِأَن الِاسْتِعْمَال مَنْسُوب إِلَى الْإِنَاء كُله تَنْبِيه مرجع الْكبر والصغر الْعرف فَإِن شكّ فِي كبرها فَالْأَصْل الْإِبَاحَة قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَخرج بِالْفِضَّةِ الذَّهَب فَلَا يحل اسْتِعْمَال إِنَاء ضبب بِذَهَب سَوَاء أَكَانَ مَعَه غَيره أم لَا لِأَن الْخُيَلَاء فِي الذَّهَب أَشد من الْفضة وبالطاهر النَّجس كالمتخذ من ميتَة فَيحرم اسْتِعْمَاله فِيمَا ينجس بِهِ كَمَاء قَلِيل ومائع لَا فِيمَا لَا ينجس بِهِ كَمَاء كثير أَو غَيره مَعَ الْجَفَاف فروع (تسمير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي الْإِنَاء) كالتضبيب فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيل السَّابِق بِخِلَاف طرحها فِيهِ فَلَا يحرم بِهِ اسْتِعْمَال الْإِنَاء مُطلقًا وَلَا يكره وَكَذَا لَو شرب بكفه وَفِي إصبعه خَاتم أَو فِي فَمه دَرَاهِم أَو شرب بكفيه وَفِيهِمَا دَرَاهِم (القَوْل فِي حكم اسْتِعْمَال أواني الْكفَّار وأشباههم) وَيجوز اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين إِن كَانُوا لَا يتعبدون بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة كَأَهل الْكتاب فَهِيَ كآنية الْمُسلمين لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ من مزادة مُشركَة وَلَكِن يكره اسْتِعْمَالهَا لعدم تحرزهم فَإِن كَانُوا يتدينون بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة كطائفة من الْمَجُوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 يغتسلون بأبوال الْبَقر تقربا فَفِي جَوَاز اسْتِعْمَالهَا وَجْهَان أخذا من الْقَوْلَيْنِ فِي تعَارض الأَصْل وَالْغَالِب وَالأَصَح الْجَوَاز لَكِن يكره اسْتِعْمَال أوانيهم وملبوسهم وَمَا يَلِي أسافلهم أَي مِمَّا يَلِي الْجلد أَشد وأواني مَائِهِمْ أخف وَيجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أواني مدمني الْخمر والقصابين الَّذين لَا يحترزون من النَّجَاسَة وَالأَصَح الْجَوَاز أَي مَعَ الْكَرَاهَة أخذا مِمَّا مر (فصل فِي السِّوَاك) وَهُوَ بِكَسْر السِّين مُشْتَقّ من ساك إِذا دلك (والسواك) لُغَة الدَّلْك وآلته وَشرعا اسْتِعْمَال عود من أَرَاك أَو نَحوه كأشنان فِي الْأَسْنَان وَمَا حولهَا لإذهاب التَّغَيُّر وَنَحْوه واستعماله (مُسْتَحبّ فِي كل حَال) مُطلقًا كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ عِنْد الصَّلَاة وَغَيرهَا لصِحَّة الْأَحَادِيث فِي اسْتِحْبَابه كل وَقت (إِلَّا بعد الزَّوَال) أَي زَوَال الشَّمْس وَهُوَ ميلها عَن كبد السَّمَاء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكره تَنْزِيها اسْتِعْمَاله (للصَّائِم) وَلَو نفلا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لخلوف الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك والخلوف بِضَم الْخَاء تغير رَائِحَة الْفَم وَالْمرَاد بِهِ الخلوف بعد الزَّوَال لخَبر أَعْطَيْت أمتِي فِي شهر رَمَضَان خمْسا ثمَّ قَالَ وَأما الثَّانِيَة فَإِنَّهُم يمسون وخلوف أَفْوَاههم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك والمساء بعد الزَّوَال وأطيبية الخلوف تدل على طلب إبقائه فَكرِهت إِزَالَته وتزول الْكَرَاهَة بالغروب لِأَنَّهُ لَيْسَ بصائم الْآن وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَن من وَجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك لعَارض كمن نسي نِيَّة الصَّوْم لَيْلًا لَا يكره لَهُ السِّوَاك بعد الزَّوَال وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ بصائم حَقِيقَة وَالْمعْنَى فِي اختصاصها بِمَا بعد الزَّوَال أَن تغير الْفَم بِالصَّوْمِ إِنَّمَا يظْهر حِينَئِذٍ قَالَه الرَّافِعِيّ وَيلْزم من ذَلِك كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ أَن يفرقُوا بَين من تسحر أَو تنَاول فِي اللَّيْل شَيْئا أم لَا فَيكْرَه للمواصل قبل الزَّوَال وَأَنه لَو تغير فَمه بِأَكْل أَو نَحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 نَاسِيا بعد الزَّوَال أَنه لَا يكره لَهُ السِّوَاك وَهُوَ كَذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم يكره أَن يزِيد طول السِّوَاك على شبر وَاسْتحبَّ بَعضهم أَن يَقُول فِي أَوله اللَّهُمَّ بيض بِهِ أسناني وَشد بِهِ لثاتي وَثَبت بِهِ لهاتي وَبَارك لي فِيهِ يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ (القَوْل فِي كَيْفيَّة الاستياك) وَيسن أَن يكون السِّوَاك فِي عرض الْأَسْنَان ظَاهرا وَبَاطنا فِي طول الْفَم لخَبر إِذا استكتم فاستاكوا عرضا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله ويجزىء طولا لَكِن مَعَ الْكَرَاهَة نعم يسن أَن يستاك فِي اللِّسَان طولا كَمَا ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد (القَوْل فِي آلَة السِّوَاك) وَيحصل بِكُل خشن يزِيل القلح كعود من أَرَاك أَو غَيره أَو خرقَة أَو أشنان لحُصُول الْمَقْصُود بذلك لَكِن الْعود أولى من غَيره والأراك أولى من غَيره من العيدان واليابس المندى بِالْمَاءِ أولى من الرطب وَمن الْيَابِس الَّذِي لم يند وَمن الْيَابِس المندى بِغَيْر المَاء كَمَاء الْورْد وعود النّخل أولى من غير الْأَرَاك كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَيسن غسله للاستياك ثَانِيًا إِذا حصل عَلَيْهِ وسخ أَو ريح أَو نَحوه كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَلَا يَكْفِي الاستياك بِأُصْبُعِهِ وَإِن كَانَت خشنة لِأَنَّهُ لَا يُسمى استياكا هَذَا إِذا كَانَت مُتَّصِلَة فَإِن كَانَت مُنْفَصِلَة وَهِي خشنة أَجْزَأت إِن قُلْنَا بطهارتها وَهُوَ الْأَصَح وَيسن أَن يستاك باليمنى من يمنى فَمه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَامُن مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنه كُله فِي طهوره وَترَجله وتنعله وسواكه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (القَوْل فِي مَوَاضِع تَأَكد السِّوَاك) (وَهُوَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع) أَي أَحْوَال (أَشد اسْتِحْبَابا) أَحدهَا (عِنْد تغير) الْفَم وَقَوله (من أزم) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ السُّكُوت أَو الْإِمْسَاك عَن الْأكل (و) من (غَيره) أَي الأزم كثوم وَأكل ذِي ريح كريه (و) ثَانِيهَا (عِنْد الْقيام من النّوم) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من النّوم يشوص فَاه أَي يدلكه بِالسِّوَاكِ (و) ثَالِثهَا (عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة) وَلَو نفلا وَلكُل رَكْعَتَيْنِ من نَحْو التَّرَاوِيح أَو لمتيمم أَو لفاقد الطهُورَيْنِ وَصَلَاة الْجِنَازَة وَلَو لم يكن الْفَم متغيرا أَو استاك فِي وضوئها لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة أَي أَمر إِيجَاب وَلخَبَر رَكْعَتَانِ بسواك أفضل من سبعين رَكْعَة بِلَا سواك رَوَاهُ الْحميدِي بِإِسْنَاد جيد وكما يتَأَكَّد فِيمَا ذكر يتَأَكَّد أَيْضا للْوُضُوء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل وضوء أَي أَمر إِيجَاب وَمحله فِي الْوضُوء على مَا قَالَه ابْن الصّلاح وَابْن النَّقِيب فِي عمدته بعد غسل الْكَفَّيْنِ وَكَلَام الإِمَام وَغَيره يمِيل إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَإِن قَالَ الْغَزالِيّ كالماوردي مَحَله قبل التَّسْمِيَة ولقراءة قُرْآن أَو حَدِيث أَو علم شَرْعِي وَلذكر الله تَعَالَى ولنوم ولدخول منزل وَعند الاحتضار وَيُقَال إِنَّه يسهل خُرُوج الرّوح وَفِي السحر وللأكل وَبعد الْوتر وللصائم قبل وَقت الخلوف فَائِدَة من فَوَائِد السِّوَاك أَنه يطهر الْفَم ويرضي الرب ويبيض الْأَسْنَان ويطيب النكهة وَيُسَوِّي الظّهْر ويشد اللثة ويبطىء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الشيب ويصفي الْخلقَة ويذكي الفطنة ويضاعف الْأجر ويسهل النزع كَمَا مر وَيذكر الشَّهَادَة عِنْد الْمَوْت وَيسن التَّخْلِيل قبل السِّوَاك وَبعده وَمن أثر الطَّعَام وَكَون الْخلال من عود السِّوَاك وَيكرهُ بالحديد وَنَحْوه (فصل فِي الْوضُوء) وَهُوَ بِضَم الْوَاو اسْم للْفِعْل وَهُوَ اسْتِعْمَال المَاء فِي أَعْضَاء مَخْصُوصَة وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَبِفَتْحِهَا اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذ من الْوَضَاءَة وَهِي الْحسن والنظافة والضياء من ظلمَة الذُّنُوب وَأما فِي الشَّرْع فَهُوَ أَفعَال مَخْصُوصَة مفتتحة بِالنِّيَّةِ قَالَ الإِمَام وَهُوَ تعبدي لَا يعقل مَعْنَاهُ لِأَن فِيهِ مسحا وَلَا تنظيف فِيهِ وَكَانَ وُجُوبه مَعَ وجوب الصَّلَوَات الْخمس كَمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي مُوجبه أوجه أَحدهَا الْحَدث وجوبا موسعا ثَانِيهَا الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَنَحْوهَا ثَالِثهَا هما وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي التَّحْقِيق وَشرح مُسلم وَله شُرُوط وفروض وَسنَن (القَوْل فِي شُرُوط الْوضُوء وَالْغسْل) فشروطه وَكَذَا الْغسْل مَاء مُطلق وَمَعْرِفَة أَنه مُطلق وَلَو ظنا وَعدم الْحَائِل وجري المَاء على الْعُضْو وَعدم الْمنَافِي من نَحْو حيض ونفاس فِي غير أغسال الْحَج وَنَحْوهَا وَمَسّ ذكر وَعدم الصَّارِف ويعبر عَنهُ بدوام النِّيَّة وَإِسْلَام وتمييز وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْوضُوء كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الصَّلَاة وَأَن يغسل مَعَ المغسول جُزْءا يتَّصل بالمغسول ويحيط بِهِ ليتَحَقَّق بِهِ اسْتِيعَاب المغسول وَتحقّق الْمُقْتَضِي للْوُضُوء فَلَو شكّ هَل أحدث أم لَا لم يَصح وضوءه على الْأَصَح وَأَن يغسل مَعَ المغسول مَا هُوَ مشتبه بِهِ فَلَو خلق لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَجْهَان أَو يدان أَو رجلَانِ واشتبه الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ وَجب غسل الْجَمِيع (القَوْل فِيمَا يخْتَص بِهِ صَاحب الضَّرُورَة) وَيزِيد وضوء صَاحب الضَّرُورَة بِاشْتِرَاط دُخُول الْوَقْت وَلَو ظنا وَتقدم الِاسْتِنْجَاء والتحفظ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَيْهِ وبالموالاة بَينهمَا وَبَين الْوضُوء (القَوْل فِي فروض الْوضُوء) وَأما فروضه فَذكرهَا بقوله (وفروض الْوضُوء) جمع فرض وَهُوَ وَالْوَاجِب مُتَرَادِفَانِ إِلَّا فِي بعض أَحْكَام الْحَج كَمَا ستعرفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى هُنَاكَ وَقَوله (سِتَّة) خبر فروض زَاد بَعضهم سابعا وَهُوَ المَاء الطّهُور قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالصَّوَاب أَنه شَرط كَمَا مر وَاسْتشْكل بعد التُّرَاب ركنا فِي التَّيَمُّم وَأجِيب بِأَن التَّيَمُّم طَهَارَة ضَرُورَة الأول من الْفُرُوض (النِّيَّة) لرفع حدث عَلَيْهِ أَي رفع حكمه لِأَن الْوَاقِع لَا يرْتَفع وَذَلِكَ كَحُرْمَةِ الصَّلَاة وَلَو لماسح الْخُف لِأَن الْقَصْد من الْوضُوء رفع الْمَانِع فَإِذا نَوَاه فقد تعرض للمقصود وَخرج بقولنَا عَلَيْهِ مَا لَو نوى غَيره كَأَن بَال وَلم ينم فَنوى رفع حدث النّوم فَإِن كَانَ عَامِدًا لم يَصح أَو غالطا صَحَّ وَضَابِط مَا يضر الْغَلَط فِيهِ وَمَا لَا يضر كَمَا ذكره القَاضِي وَغَيره أَن مَا يعْتَبر التَّعَرُّض لَهُ جملَة وتفصيلا أَو جملَة لَا تَفْصِيلًا يضر الْغَلَط فِيهِ فَالْأول كالغلط من الصَّوْم إِلَى الصَّلَاة وَعَكسه وَالثَّانِي كالغلط فِي تعْيين الإِمَام وَمَا لَا يجب التَّعَرُّض لَهُ لَا جملَة وَلَا تَفْصِيلًا لَا يضر الْغَلَط فِيهِ كالخطأ هُنَا وَفِي تعْيين الْمَأْمُوم حَيْثُ لم يجب التَّعَرُّض للْإِمَامَة أما إِذا وَجب التَّعَرُّض لَهَا كإمام الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يضر وَالْأَصْل فِي وجوب النِّيَّة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا الْأَعْمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 بِالنِّيَّاتِ أَي الْأَعْمَال المعتد بهَا شرعا (القَوْل فِي مَقَاصِد النِّيَّة) وحقيقتها لُغَة الْقَصْد وَشرعا قصد الشَّيْء مقترنا بِفِعْلِهِ وَحكمهَا الْوُجُوب كَمَا علم مِمَّا مر ومحلها الْقلب وَالْمَقْصُود بهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات كالجلوس فِي الْمَسْجِد للاعتكاف تَارَة وللاستراحة أُخْرَى أَو تَمْيِيز رتبتها كَالصَّلَاةِ تكون للْفَرض تَارَة وللنفل أُخْرَى وَشَرطهَا إِسْلَام الناوي وتمييزه وَعلمه بالمنوي وَعدم إِتْيَانه بِمَا ينافيها بِأَن يستصحبها حكما وَأَن لَا تكون معلقَة فَلَو قَالَ إِن شَاءَ الله فَإِن قصد التَّعْلِيق أَو أطلق لم تصح وَإِن قصد التَّبَرُّك صحت ووقتها أول الْفُرُوض كأول غسل جُزْء من الْوَجْه وَإِنَّمَا لم يوجبوا الْمُقَارنَة فِي الصَّوْم لعسر مراقبة الْفجْر وتطبيق النِّيَّة عَلَيْهِ وكيفيتها تخْتَلف بِحَسب الْأَبْوَاب فَيَكْفِي هُنَا نِيَّة رفع حدث كَمَا مر أَو نِيَّة اسْتِبَاحَة شَيْء مفتقر إِلَى وضوء كَالصَّلَاةِ وَالطّواف وَمَسّ الْمُصحف لِأَن رفع الْحَدث إِنَّمَا يطْلب لهَذِهِ الْأَشْيَاء فَإِذا نَوَاهَا فقد نوى غَايَة الْقَصْد أَو أَدَاء فرض الْوضُوء أَو فرض الْوضُوء وَإِن كَانَ المتوضىء صَبيا أَو أَدَاء الْوضُوء أَو الْوضُوء فَقَط لتعرضه للمقصود فَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للفرضية كَمَا لَا يشْتَرط فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَصَوْم رَمَضَان (النِّيَّة فِي الْوضُوء المجدد) تَنْبِيه مَا تقرر من الْأُمُور السَّابِقَة مَحَله فِي الْوضُوء غير المجدد أما المجدد فَالْقِيَاس عدم الِاكْتِفَاء فِيهِ بنية الرّفْع أَو الاستباحة قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَقد يُقَال يَكْتَفِي بهَا كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَة غير أَن ذَلِك مُشكل خَارج عَن الْقَوَاعِد فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ قَالَ ابْن الْعِمَاد وتخريجه على الصَّلَاة لَيْسَ بِبَعِيد لِأَن قَضِيَّة التَّجْدِيد أَن يُعِيد الشَّيْء بِصفتِهِ الأولى انْتهى وَالْأول أولى لِأَن الصَّلَاة اخْتلف فِيهَا هَل فَرْضه الأولى أَو الثَّانِيَة وَلم يقل أحد فِي الْوضُوء فِيمَا علمت بذلك وَإِنَّمَا اكْتفي بنية الْوضُوء فَقَط دون نِيَّة الْغسْل لِأَن الْوضُوء لَا يكون إِلَّا عبَادَة فَلَا يُطلق على غَيرهَا بِخِلَاف الْغسْل فَإِنَّهُ يُطلق على غسل الْجَنَابَة وَغسل النَّجَاسَة وَغَيرهمَا وَلَو نوى الطَّهَارَة عَن الْحَدث صَحَّ فَإِن لم يقل عَن الْحَدث لم يَصح على الصَّحِيح كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَعلله فِي الْمَجْمُوع بِأَن الطَّهَارَة قد تكون عَن حدث وَقد تكون عَن خبث فَاعْتبر التَّمْيِيز وَمن دَامَ حَدثهُ كمستحاضة وَمن بِهِ سَلس بَوْل أَو ريح كَفاهُ نِيَّة الاستباحة الْمُتَقَدّمَة دون نِيَّة الرّفْع الْمَار لبَقَاء حَدثهُ وَينْدب لَهُ الْجمع بَينهمَا خُرُوجًا من خلاف من أوجبه لتَكون نِيَّة الرّفْع للْحَدَث السَّابِق وَنِيَّة الاستباحة أَو نَحْوهَا للاحق وَبِهَذَا ينْدَفع مَا قيل إِنَّه قد جمع فِي نِيَّته بَين مُبْطل وَغَيره ويكفيه أَيْضا نِيَّة الْوضُوء وَنَحْوهَا مِمَّا تقدم كَمَا صرح بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير (القَوْل فِي نِيَّة دَائِم الْحَدث) تَنْبِيه حكم نِيَّة دَائِم الْحَدث فِيمَا يستبيحه من الصَّلَوَات الْخمس وَغَيرهَا حكم نِيَّة الْمُتَيَمم كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا وأغفله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فِي الرَّوْضَة وَسَيَأْتِي بسط ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي التَّيَمُّم وَلَا يشْتَرط فِي النِّيَّة الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لَكِن تسْتَحب كَمَا فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَلَو تَوَضَّأ الشاك بعد وضوئِهِ فِي حَدثهُ احْتِيَاطًا فَبَان مُحدثا لم يجزه للتردد فِي النِّيَّة بِلَا ضَرُورَة كَمَا لَو قضى فَائِتَة الظّهْر مثلا شاكا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ بَان أَنَّهَا عَلَيْهِ لم يكف أما إِذا لم يتَبَيَّن حَدثهُ فَإِنَّهُ يُجزئهُ للضَّرُورَة وَلَو تَوَضَّأ الشاك وجوبا بِأَن شكّ بعد حَدثهُ فِي وضوئِهِ فَتَوَضَّأ أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ مترددا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث بل لَو نوى فِي هَذِه الْحَالة إِن كَانَ مُحدثا فَمن حَدثهُ وَإِلَّا فتجديد صَحَّ أَيْضا كَمَا فِي الْمَجْمُوع (القَوْل فِي حكم من نوى التبرد مَعَ الْوضُوء) وَمن نوى بوضوئه تبردا أَو شَيْئا يحصل بِدُونِ قصد كتنظيف وَلَو فِي أثْنَاء وضوئِهِ مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة أَي مستحضرا عِنْد نِيَّة التبرد أَو نَحوه نِيَّة الْوضُوء أَجزَأَهُ لحُصُول ذَلِك من غير نِيَّة كمصل نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم فَإِنَّهَا تُجزئه لِأَن اشْتِغَاله عَن الْغَرِيم لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة فَإِن فقدت النِّيَّة الْمُعْتَبرَة كَأَن نوى التبرد وَقد غفل عَنْهَا لم يَصح غسل مَا غسله بنية التبرد وَنَحْوه وَيلْزمهُ إِعَادَته دون اسْتِئْنَاف الطَّهَارَة تَنْبِيه هَذَا بِالنِّسْبَةِ للصِّحَّة أما الثَّوَاب فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ الظَّاهِر عدم حُصُوله وَقد اخْتَار الْغَزالِيّ فِيمَا إِذا شرك فِي الْعِبَادَة غَيرهَا من أَمر دُنْيَوِيّ اعْتِبَار الْبَاعِث على الْعَمَل فَإِن كَانَ الْقَصْد الدنيوي هُوَ الْأَغْلَب لم يكن فِيهِ أجر وَإِن كَانَ الْقَصْد الديني أغلب فَلهُ بِقَدرِهِ وَإِن تَسَاويا تساقطا وَاخْتَارَ ابْن عبد السَّلَام أَنه لَا أجر فِيهِ مُطلقًا سَوَاء تساوى القصدان أم اخْتلفَا انْتهى وَكَلَام الْغَزالِيّ هُوَ الظَّاهِر وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِذا بَطل وضوءه فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَث أَو غَيره قَالَ فِي الْمَجْمُوع عَن الرَّوْيَانِيّ يحْتَمل أَن يُثَاب على الْمَاضِي كَمَا فِي الصَّلَاة أَو يُقَال إِن بَطل بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أَو بِغَيْر اخْتِيَاره فَنعم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ثَوَاب لَهُ بِحَال لِأَنَّهُ مُرَاد لغيره بِخِلَاف الصَّلَاة اه وَالْأَوْجه التَّفْصِيل فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة وَيبْطل بِالرّدَّةِ التَّيَمُّم وَنِيَّة الْوضُوء وَالْغسْل وَلَو نوى قطع الْوضُوء انْقَطَعت النِّيَّة فيعيدها للْبَاقِي وَلَو نوى بوضوئه مَا ينْدب لَهُ وضوء كَقِرَاءَة الْقُرْآن أَو الحَدِيث لم يُجزئهُ لِأَنَّهُ مُبَاح مَعَ الْحَدث فَلَا يتَضَمَّن قَصده قصد رفع الْحَدث فَلَو نَوَاه مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة يَنْبَغِي أَنه يَكْفِي كَمَا لَو نوى التبرد مَعَ نِيَّة مُعْتَبرَة وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْفَتَاوَى وَلم أر من تعرض لَهَا فروع لَو نوى أَن يُصَلِّي بوضوئه وَلَا يُصَلِّي بِهِ لم يَصح وضوءه لتلاعبه وتناقضه وَكَذَا لَو نوى بِهِ الصَّلَاة بمَكَان نجس وَلَو نسي لمْعَة فِي وضوئِهِ أَو غسله فانغسلت فِي الغسلة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة بنية التَّنَفُّل أَو فِي إِعَادَة وضوء أَو غسل لنسيان لَهُ أَجزَأَهُ بِخِلَاف مَا لَو انغسلت فِي تَجْدِيد وضوء فَإِنَّهُ لَا يجزىء لِأَنَّهُ طهر مُسْتَقْبل بنية لم تتَوَجَّه لرفع الْحَدث أصلا (القَوْل فِي وَقت نِيَّة الْوضُوء) وَيجب أَن تكون (عِنْد) أول (غسل) أَي مغسول من أَجزَاء (الْوَجْه) لتقترن بِأول الْفَرْض كَالصَّلَاةِ وَغَيرهَا من الْعِبَادَات مَا عدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الصَّوْم فَلَا يَكْفِي اقترانها بِمَا بعد الْوَجْه قطعا لخلو أول المغسول وجوبا عَنْهَا وَلَا بِمَا قبله من السّنَن إِذْ الْمَقْصُود من الْعِبَادَات أَرْكَانهَا وَالسّنَن تَوَابِع لَهَا هَذَا إِذْ عزبت النِّيَّة قبل غسل شَيْء من الْوَجْه فَإِن بقيت إِلَى غسل شَيْء مِنْهُ كفى بل هُوَ أفضل ليثاب على السّنَن السَّابِقَة لِأَنَّهَا إِذا خلت عَن النِّيَّة لم يحصل ثَوَابهَا وَلَو اقترنت النِّيَّة بالمضمضة أَو الِاسْتِنْشَاق وانغسل مَعَه جُزْء من الْوَجْه أَجزَأَهُ وَإِن عزبت النِّيَّة بعده سَوَاء أغسله بنية الْوَجْه وَهُوَ ظَاهر أم لَا لوُجُود غسل جُزْء من الْوَجْه مَقْرُونا بِالنِّيَّةِ لَكِن يجب إِعَادَة غسل الْجُزْء مَعَ الْوَجْه على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لوُجُود الصَّارِف وَلَا تجزىء الْمَضْمَضَة وَلَا الِاسْتِنْشَاق فِي الشق الأول لعدم تقدمهما على غسل الْوَجْه قَالَه القَاضِي مجلي فالنية لم تقترن بمضمضة وَلَا استنشاق حَقِيقَة وَلَو وجدت النِّيَّة فِي أثْنَاء غسل الْوَجْه دون أَوله كفت وَوَجَب إِعَادَة المغسول مِنْهُ قبلهَا فوجوبها عِنْد أول غسل جُزْء مِنْهُ ليعتد بِهِ وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا يجب اسْتِصْحَاب النِّيَّة إِلَى آخر الْوضُوء لَكِن مَحَله فِي الِاسْتِصْحَاب الذكري أما الْحكمِي وَهُوَ أَن لَا يَنْوِي قطعهَا وَلَا يَأْتِي بِمَا ينافيها كالردة فَوَاجِب كَمَا علم مِمَّا مر وَله تَفْرِيق النِّيَّة على أَعْضَاء الْوضُوء بِأَن يَنْوِي عِنْد كل عُضْو رفع الْحَدث عَنهُ كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ لِأَنَّهُ يجوز تَفْرِيق أَفعاله فَكَذَلِك يجوز تَفْرِيق النِّيَّة على أَفعاله وَهل تَنْقَطِع النِّيَّة بنوم مُمكن وَجْهَان أوجهها لَا وَالْحَدَث الْأَصْغَر لَا يحل كل الْبدن بل أَعْضَاء الْوضُوء خَاصَّة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَالْمَجْمُوع وَإِنَّمَا لم يجز مس الْمُصحف بغَيْرهَا لِأَن شَرط الماس أَن يكون مطهرا ويرتفع حدث كل عُضْو بِمُجَرَّد غسله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (و) الثَّانِي من الْفُرُوض (غسل) ظَاهر كل (الْوَجْه) لقَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} وللإجماع وَالْمرَاد بِالْغسْلِ الانغسال سَوَاء كَانَ بِفعل المتوضىء أم بِغَيْرِهِ وَكَذَا الحكم فِي سَائِر الْأَعْضَاء (القَوْل فِي حد الْوَجْه طولا وعرضا) الْوَجْه وحد طولا مَا بَين منابت شعر رَأسه وَتَحْت مُنْتَهى لحييْهِ وهما بِفَتْح اللَّام على الْمَشْهُور العظمان اللَّذَان تنْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان السُّفْلى وعرضا مَا بَين أُذُنَيْهِ لِأَن الْوَجْه مَا تقع بِهِ المواجهة وَهِي تقع بذلك وَخرج بِظَاهِر دَاخل الْأنف والفم وَالْعين فَإِنَّهُ لَا يجب غسل ذَلِك قطعا وَإِن انفتحا بِقطع جفن أَو شفة لِأَن ذَلِك فِي حكم الْبَاطِن وَلَا يشكل ذَلِك بِمَا لَو سلخ جلدَة الْوَجْه فَإِنَّهُ يجب غسل مَا ظهر مِنْهُ لِأَن هَذَا من مَحل مَا يجب غسله فَكَانَ بَدَلا بِخِلَاف مَا ذكره فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَن شَيْء مَعَ أَنه يُمكن غسله قبل إِزَالَة مَا ذكر فَلَا يجب غسله بعد إِزَالَته وَهُوَ ظَاهر وَلَا يسن غسل دَاخل الْعين وَلَكِن يجب غسل ذَلِك إِن تنجس وَالْفرق غلظ النَّجَاسَة بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تزَال عَن الشَّهِيد إِذا كَانَت من غير دم الشَّهَادَة أما مآق الْعين فَيغسل بِلَا خلاف فَإِن كَانَ عَلَيْهِ مَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى الْمحل الْوَاجِب كالرماص وَجَبت إِزَالَته وَغسل مَا تَحْتَهُ وبمنابت شعر رَأسه الأصلع وَهُوَ من انحسر الشّعْر عَن ناصيته فَإِنَّهُ لَا يلْزمه غسلهَا وَدخل مَوضِع الغمم فَإِنَّهُ من الْوَجْه لحُصُول المواجهة بِهِ وَهُوَ مَا ينْبت عَلَيْهِ الشّعْر من الْجَبْهَة والغمم أَن يسيل الشّعْر حَتَّى تضيق الْجَبْهَة والقفا يُقَال رجل أغم وَامْرَأَة غماء وَالْعرب تذم بِهِ وتمدح بالنزع لِأَن الغمم يدل على البلادة والجبن وَالْبخل والنزع بضد ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تَنْبِيه مُنْتَهى اللحيين من الْوَجْه كَمَا تقرر وَأما مَوضِع التحذيف فَمن الرَّأْس لاتصال شعره بِشعر الرَّأْس وَهُوَ مَا ينْبت عَلَيْهِ الشّعْر الْخَفِيف بَين ابْتِدَاء العذار والنزعة سمي بذلك لِأَن النِّسَاء والأشراف يحذفون الشّعْر عَنهُ ليتسع الْوَجْه وضابطه كَمَا قَالَ الإِمَام أَن يضع طرف خيط على رَأس الْأذن والطرف الثَّانِي على أَعلَى الْجَبْهَة ويفرض هَذَا الْخَيط مُسْتَقِيمًا فَمَا نزل عَنهُ إِلَى جَانب الْوَجْه فَهُوَ مَوضِع التحذيف وَمن الرَّأْس أَيْضا النزعتان وهما بياضان يكتنفان الناصية وَهُوَ مقدم الرَّأْس من أَعلَى الجبين والصدغان وهما فَوق الْأُذُنَيْنِ متصلان بالعذارين لدخولهما فِي تدوير الرَّأْس وَيسن غسل مَوضِع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين مَعَ الْوَجْه للْخلاف فِي وُجُوبهَا فِي غسله وَيجب غسل جُزْء من الرَّأْس وَمن الْحلق وَمن تَحت الحنك وَمن الْأُذُنَيْنِ وَمن الْوَجْه الْبيَاض الَّذِي بَين العذار وَالْأُذن لدُخُوله فِي حَده وَمَا ظهر من حمرَة الشفتين وَمن الْأنف بالجدع (القَوْل فِي الْكَلَام على شُعُور الْوَجْه) وَيجب غسل كل هدب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على أجفان الْعين وحاجب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على أَعلَى الْعين سمي بذلك لِأَنَّهُ يحجب عَن الْعين شُعَاع الشَّمْس وعذار وَهُوَ الشّعْر النَّابِت المحاذي للأذن بَين الصدغ والعارض وشارب وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على الشّفة الْعليا سمي بذلك لملاقاته الْإِنْسَان عِنْد الشّرْب وَشعر نابت على الخد وعنفقة وَهُوَ الشّعْر النَّابِت على الشّفة السُّفْلى أَي يجب غسل ذَلِك ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف الشّعْر لِأَن كثافته نادرة فَألْحق بالغالب واللحية من الرجل وَهِي بِكَسْر اللَّام الشّعْر النَّابِت على الذقن خَاصَّة وَهِي مَجْمُوع اللحيين إِن خفت وَجب غسل ظَاهرهَا وباطنها وَإِن كثفت وَجب غسل ظَاهرهَا وَلَا يجب غسل بَاطِنهَا لعسر إِيصَال المَاء إِلَيْهِ مَعَ الكثافة غير النادرة وَلما روى البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فغرف غرفَة غسل بهَا وَجهه وَكَانَت لحيته الْكَرِيمَة كثيفة وبالغرفة الْوَاحِدَة لَا يصل المَاء إِلَى ذَلِك غَالِبا فَإِن خف بَعْضهَا وكثف بَعْضهَا وتميز فَلِكُل حكمه فَإِن لم يتَمَيَّز بِأَن كَانَ الكثيف مُتَفَرقًا بَين أثْنَاء الْخَفِيف وَجب غسل الْكل كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن إِفْرَاد الكثيف بِالْغسْلِ يشق وإمرار المَاء على الْخَفِيف لَا يجزىء وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع مَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ خلاف مَا قَالَه الْأَصْحَاب وَالشعر الكثيف مَا يستر الْبشرَة عَن الْمُخَاطب بِخِلَاف الْخَفِيف والعارضان وهما المنحطان عَن الْقدر المحاذي للأذن كاللحية فِي جَمِيع مَا ذكر وَخرج بِالرجلِ الْمَرْأَة فَيجب غسل ذَلِك مِنْهَا ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف لندرة كثافتها وَمثلهَا الْخُنْثَى وَيجب غسل سلْعَة نَبتَت فِي الْوَجْه وَإِن خرجت عَن حَده لحُصُول المواجهة بهَا وَاعْلَم أَن هَذَا التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي شُعُور الْوَجْه إِذا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فِي حَده أما الْخَارِج عَنهُ فَيجب غسل ظَاهرهَا وباطنها مُطلقًا إِن خفت كَمَا فِي الْعباب وظاهرها فَقَط مُطلقًا إِن كثفت كَمَا فِي الرَّوْضَة وَبَعْضهمْ قرر فِي هَذِه الشُّعُور خلاف ذَلِك فاحذره تَنْبِيه من لَهُ وَجْهَان وَكَانَ الثَّانِي مسامتا للْأولِ وَجب عَلَيْهِ غسلهمَا كاليدين على عُضْو وَاحِد أَو رأسان كفى مسح بعض أَحدهمَا وَالْفرق أَن الْوَاجِب فِي الْوَجْه غسل جَمِيعه فَيجب عَلَيْهِ غسل جَمِيع مَا يُسمى وَجها وَفِي الرَّأْس مسح بعض مَا يُسمى رَأْسا وَذَلِكَ يحصل بِبَعْض أَحدهمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع (و) الثَّالِث من الْفُرُوض (غسل) جَمِيع (الْيَدَيْنِ) من كفيه وذراعيه (إِلَى) أَي مَعَ (الْمرْفقين) أَو قدرهما إِن فقدا لما رَوَاهُ مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة فِي صفة وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَوَضَّأ فَغسل وَجهه فأسبغ الْوضُوء ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد ثمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أشرع فِي الْعَضُد إِلَخ وللاجماع وَلقَوْله تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَإِلَى بِمَعْنى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {من أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي مَعَ الله وَقَوله تَعَالَى {ويزدكم قُوَّة إِلَى قوتكم} فَإِن قطع بعض مَا يجب غسله من الْيَدَيْنِ وَجب غسل مَا بَقِي مِنْهُ لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم أَو قطع من مرفقيه بِأَن سل عظم الذِّرَاع وَبَقِي العظمان المسميان بِرَأْس الْعَضُد فَيجب غسل رَأس عظم الْعَضُد لِأَنَّهُ من الْمرْفق أَو قطع من فَوق الْمرْفق ندب غسل بَاقِي عضده كَمَا لَو كَانَ سليم الْيَد وَإِن قطع من مَنْكِبه ندب غسل مَحل الْقطع بِالْمَاءِ كَمَا نَص عَلَيْهِ وَيجب غسل شعر على الْيَدَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف لندرته وَغسل ظفر وَإِن طَال وَغسل بَاطِن ثقب وشقوق فيهمَا إِن لم يكن لَهُ غور فِي اللَّحْم وَإِلَّا وَجب غسل مَا ظهر مِنْهُ فَقَط وَيجْرِي هَذَا فِي سَائِر الْأَعْضَاء كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْمَجْمُوع فِي بَاب صفة الْغسْل وَغسل يَد زَائِدَة إِن نَبتَت بِمحل الْفَرْض وَلَو من الْمرْفق كأصبع زَائِدَة وسلعة سَوَاء جَاوَزت الْأَصْلِيَّة أم لَا وَإِن نَبتَت بِغَيْر مَحل الْفَرْض وَجب غسل مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَله لوُقُوع اسْم الْيَد عَلَيْهِ مَعَ محاذاته لمحل الْفَرْض بِخِلَاف مَا لم يحاذه فَإِن لم تتَمَيَّز الزَّائِدَة عَن الْأَصْلِيَّة بِأَن كَانَتَا أصليتين أَو إِحْدَاهمَا زَائِدَة وَلم تتَمَيَّز بِنَحْوِ فحش قصر وَنقص أَصَابِع وَضعف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بَطش غسلهمَا وجوبا سَوَاء أخرجتا من الْمنْكب أم من غَيره ليتَحَقَّق إتْيَان الْفَرْض بِخِلَاف نَظِيره من السّرقَة تقطع إِحْدَاهمَا فَقَط كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَابهَا لِأَن الْوضُوء مبناه على الِاحْتِيَاط لِأَنَّهُ عبَادَة وَالْحَد مبناه على الدرء لِأَنَّهُ عُقُوبَة وتجري هَذِه الْأَحْكَام فِي الرجلَيْن وَإِن تدلت جلدَة الْعَضُد مِنْهُ لم يجب غسل شَيْء مِنْهَا لَا المحاذي وَلَا غَيره لِأَن اسْم الْيَد لَا يَقع عَلَيْهَا مَعَ خُرُوجهَا عَن مَحل الْفَرْض أَو تقلصت جلدَة الذِّرَاع مِنْهُ وَجب غسلهَا لِأَنَّهَا مِنْهُ وَإِن تدلت جلدَة أَحدهمَا من الآخر بِأَن تقلعت من أَحدهمَا وَبلغ التقلع إِلَى الآخر ثمَّ تدلت مِنْهُ فالاعتبار بِمَا انْتهى إِلَيْهِ تقلعها لَا بِمَا مِنْهُ تقلعها فَيجب غسلهَا فِيمَا إِذا بلغ تقلعها من الْعَضُد إِلَى الذِّرَاع دون مَا إِذا بلغ من الذِّرَاع إِلَى الْعَضُد لِأَنَّهَا صَارَت جُزْءا من مَحل الْفَرْض فِي الأول دون الثَّانِي وَلَو التصقت بعد تقلعها من أَحدهمَا بِالْآخرِ وَجب غسل محاذي الْفَرْض مِنْهَا دون غَيره ثمَّ إِن تجافت عَنهُ وَجب غسل مَا تحتهَا أَيْضا لندرته وَإِن سترته اكْتفى بِغسْل ظَاهرهَا وَلَا يجب فتقها فَلَو غسله ثمَّ زَالَت عَنهُ لزمَه غسل مَا ظهر من تحتهَا لِأَن الِاقْتِصَار على ظَاهرهَا كَانَ للضَّرُورَة وَقد زَالَت وَلَو تَوَضَّأ فَقطعت يَده أَو تثقبت لم يجب غسل مَا ظهر إِلَّا لحَدث فَيجب غسله كَالظَّاهِرِ أَصَالَة وَلَو عجز عَن الْوضُوء لقطع يَده مثلا وَجب عَلَيْهِ أَن يحصل من يوضئه وَلَو بِأُجْرَة مثل وَالنِّيَّة من الْآذِن فَإِن تعذر عَلَيْهِ ذَلِك تيَمّم وَصلى وَعَاد لندرة ذَلِك (و) الرَّابِع من الْفُرُوض (مسح بعض الرَّأْس) بِمَا يُسمى مسحا وَلَو لبَعض بشرة رَأسه أَو بعض شَعْرَة وَلَو وَاحِدَة أَو بَعْضهَا فِي حد الرَّأْس بِأَن لَا يخرج بِالْمدِّ عَنهُ من جِهَة نُزُوله فَلَو خرج بِهِ عَنهُ مِنْهَا لم يكف حَتَّى لَو كَانَ متجعدا بِحَيْثُ لَو مد لخرج عَن الرَّأْس لم يكف الْمسْح عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم} وروى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح بناصيته وعَلى عمَامَته وَاكْتفى بمسح الْبَعْض فِيمَا ذكر لِأَنَّهُ الْمَفْهُوم من الْمسْح عِنْد إِطْلَاقه وَلم يقل أحد بِوُجُوب خُصُوص الناصية وَهِي الشّعْر الَّذِي بَين النزعتين والاكتفاء بهَا يمْنَع وجوب الِاسْتِيعَاب وَيمْنَع وجوب التَّقْدِير بِالربعِ أَو أَكثر لِأَنَّهَا دونه وَالْبَاء إِذا دخلت على مُتَعَدد كَمَا فِي الْآيَة تكون للتَّبْعِيض أَو على غَيره كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} تكون للإلصاق فَإِن قيل لَو غسل بشرة الْوَجْه وَترك الشّعْر أَو عَكسه لم يجزه فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن كلا من الشّعْر والبشرة يصدق عَلَيْهِ مُسَمّى الرَّأْس عرفا إِذْ الرَّأْس اسْم لما رُؤْس وَعلا وَالْوَجْه مَا تقع بِهِ المواجهة وَهِي تقع على الشّعْر والبشرة مَعًا فَإِن قيل هلا اكْتفى بِالْمَسْحِ على النَّازِل عَن حد الرَّأْس كَمَا اكْتفى بذلك للتقصير فِي النّسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 أُجِيب بِأَن الماسح عَلَيْهِ غير ماسح على الرَّأْس والمأمور بِهِ فِي التَّقْصِير إِنَّمَا هُوَ شعر الرَّأْس وَهُوَ صَادِق بالنازل وَيَكْفِي غسل بعض الرَّأْس لِأَنَّهُ مسح وَزِيَادَة وَوضع الْيَد عَلَيْهِ بِلَا مد لحُصُول الْمَقْصُود من وُصُول البلل إِلَيْهِ وَلَو قطر المَاء على رَأسه أَو تعرض للمطر وَإِن لم ينْو الْمسْح أَجزَأَهُ لما مر ويجزىء مسح بِبرد وثلج لَا يذوبان لما ذكره وَلَو حلق رَأسه بعد مَسحه لم يعد الْمسْح لما مر فِي قطع الْيَد (و) الْخَامِس من الْفُرُوض (غسل) جَمِيع (الرجلَيْن) بِإِجْمَاع من يعْتد بإجماعه (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) من كل رجل أَو قدرهما إِن فقدا كَمَا مر فِي الْمرْفقين وهما العظمان الناتئان من الْجَانِبَيْنِ عِنْد مفصل السَّاق والقدم فَفِي كل رجل كعبان لما روى النُّعْمَان بن بشير أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا صفوفكم فَرَأَيْت الرجل منا يلصق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وكعبه بكعبه رَوَاهُ البُخَارِيّ قَالَ تَعَالَى {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرىء فِي السَّبع بِالنّصب والجر عطفا على الْوُجُوه لفظا فِي الأول وَمعنى فِي الثَّانِي لجره على الْجَوَاز وَدلّ على دُخُول الْكَعْبَيْنِ فِي الْغسْل مَا دلّ على دُخُول الْمرْفقين فِيهِ وَقد مر تَنْبِيه مَا أطلقهُ الْأَصْحَاب هُنَا من أَن غسل الرجلَيْن فرض مَحْمُول كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ على غير لابس الْخُف أَو على أَن الأَصْل الْغسْل وَالْمسح بدل عَنهُ وَيجب إِزَالَة مَا فِي شقوق الرجلَيْن من عين كشمع وحناء وَقَالَ الْجُوَيْنِيّ لم يصل إِلَى اللَّحْم وَيحمل على مَا إِذا كَانَ فِي اللَّحْم غور أخذا مِمَّا مر عَن الْمَجْمُوع وَلَا أثر لدهن ذائب ولون نَحْو حناء وَيجب إِزَالَة مَا تَحت الْأَظْفَار من وسخ يمْنَع وُصُول المَاء وَلَو قطع بعض الْقدَم وَجب غسل الْبَاقِي وَإِن قطع فَوق الكعب فَلَا فرض عَلَيْهِ وَيسن غسل الْبَاقِي كَمَا مر فِي الْيَدَيْنِ (و) السَّادِس من الْفُرُوض (التَّرْتِيب على) حكم (مَا ذَكرْنَاهُ) من الْبدَاءَة بِغسْل الْوَجْه مَقْرُونا بِالنِّيَّةِ ثمَّ الْيَدَيْنِ ثمَّ مسح الرَّأْس ثمَّ غسل الرجلَيْن لفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُبين للْوُضُوء الْمَأْمُور بِهِ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذكر ممسوحا بَين مغسولات وتفريق المتجانس لَا ترتكبه الْعَرَب إِلَّا لفائدة وَهِي هُنَا وجوب التَّرْتِيب لَا نَدبه بِقَرِينَة الْأَمر فِي الْخَبَر وَلِأَن الْآيَة بَيَان للْوُضُوء الْوَاجِب فَلَو اسْتَعَانَ بأَرْبعَة غسلوا أعضاءه دفْعَة وَاحِدَة وَنوى حصل لَهُ غسل وَجهه فقد وَلَو اغْتسل مُحدث حَدثا أَصْغَر بنية رفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الْحَدث أَو نَحوه وَلَو مُتَعَمدا أَو بنية رفع الْجَنَابَة غالطا صَحَّ وَإِن لم يمْكث قدر التَّرْتِيب لِأَنَّهُ يَكْفِي لرفع أَعلَى الحدثين فللأصغر أولى ولتقدير التَّرْتِيب فِي لحظات لَطِيفَة وَلَو أحدث وأجنب أَجزَأَهُ الْغسْل عَنْهُمَا لاندراج الْأَصْغَر وَإِن لم يُنَوّه فِي الْأَكْبَر فَلَو اغْتسل إِلَّا رجلَيْهِ أَو إِلَّا يَدَيْهِ مثلا ثمَّ أحدث ثمَّ غسلهمَا عَن الْجَنَابَة تَوَضَّأ وَلم يجب إِعَادَة غسلهَا لارْتِفَاع حَدثهمَا بغسلهما عَن الْجَنَابَة وَهَذَا وضوء خَال عَن غسل الرجلَيْن أَو الْيَدَيْنِ وهما مكشوفتان بِلَا عِلّة قَالَ ابْن الْقَاص وَعَن التَّرْتِيب وغلطه الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ غير خَال عَنهُ بل وضوء لم يجب فِيهِ غسل الرجلَيْن أَو الْيَدَيْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ إِنْكَار صَحِيح وَلَو غسل بدنه إِلَّا أَعْضَاء الْوضُوء ثمَّ أحدث لم يجب ترتيبها وَلَو شكّ فِي تَطْهِير عُضْو قبل فرَاغ طهره أَتَى بِهِ وَمَا بعده أَو بعد الْفَرَاغ لم يُؤثر (القَوْل فِي سنَن الْوضُوء) وَلما فرغ من فروض الْوضُوء شرع فِي سنَنه فَقَالَ (وسننه عشرَة أَشْيَاء) بِالْمدِّ غير مَصْرُوف جمع شَيْء وَالْمُصَنّف لم يحصر السّنَن فِيمَا ذكره وَسَنذكر زِيَادَة على ذَلِك (القَوْل فِي التَّسْمِيَة) الأولى (التَّسْمِيَة) أول الْوضُوء لخَبر النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد عَن أنس قَالَ طلب بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضُوءًا فَلم يَجدوا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل مَعَ أحد مِنْكُم مَاء فَأتي بِمَاء فَوضع يَده فِي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ المَاء ثمَّ قَالَ توضؤوا بِسم الله أَي قائلين ذَلِك فَرَأَيْت المَاء يفور من بَين أَصَابِعه حَتَّى تَوَضَّأ نَحْو سبعين رجلا وَلخَبَر توضؤوا بِسم الله رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَإِنَّمَا لم تجب لآيَة الْوضُوء المبينة لواجباته وَأما خبر لَا وضوء لمن لم يسم الله فضعيف وأقلها بِسم الله وأكملها كمالها ثمَّ الْحَمد لله على الْإِسْلَام وَنعمته وَالْحَمْد لله الَّذِي جعل المَاء طهُورا وَزَاد الْغَزالِيّ بعْدهَا {رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون} وَتسن التَّسْمِيَة لكل أَمر ذِي بَال أَي حَال يهتم بِهِ من عبَادَة وَغَيرهَا كَغسْل وَتيَمّم وَذبح وجماع وتلاوة وَلَو من أثْنَاء سُورَة لَا لصَلَاة وَحج وَذكر وَتكره لمحرم أَو مَكْرُوه وَالْمرَاد بِأول الْوضُوء أول غسل الْكَفَّيْنِ فينوي الْوضُوء ويسمي الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 عِنْده بِأَن يقرن النِّيَّة بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد أول غسلهمَا ثمَّ يتَلَفَّظ بِالنِّيَّةِ ثمَّ يكمل غسلهمَا لِأَن التَّلَفُّظ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَة سنة وَلَا يُمكن أَن يتَلَفَّظ بهما فِي زمن وَاحِد فَإِن تَركهَا سَهوا أَو عمدا أَو فِي أول طَعَام كَذَلِك أَتَى بهَا فِي أَثْنَائِهِ فَيَقُول بِسم الله أَوله وَآخره لخَبر إِذا أكل أحدكُم فليذكر اسْم الله تَعَالَى فَإِن نسي أَن يذكر اسْم الله تَعَالَى فِي أَوله فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَيُقَاس بِالْأَكْلِ الْوضُوء وبالنسيان الْعمد وَلَا يسن أَن يَأْتِي بهَا بعد فرَاغ الْوضُوء لانقضائه كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع بِخِلَافِهِ بعد فَرَاغه من الْأكل فَإِنَّهُ يَأْتِي بهَا ليتقيأ الشَّيْطَان مَا أكله وَيَنْبَغِي أَن يكون الشّرْب كَالْأَكْلِ (القَوْل فِي غسل الْكَفَّيْنِ) (و) الثَّانِيَة (غسل الْكَفَّيْنِ) إِلَى كوعيه قبل الْمَضْمَضَة وَإِن تَيَقّن طهرهما أَو تَوَضَّأ من نَحْو إبريق لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِن شكّ فِي طهرهما غسلهمَا (قبل إدخالهما الْإِنَاء) الَّذِي فِيهِ مَاء قَلِيل أَو مَائِع وَإِن كثر (ثَلَاثًا) فَإِن أدخلهما قبل أَن يغسلهَا كره لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا لفظ (ثَلَاثًا) فلمسلم فَقَط أَشَارَ بِمَا علل بِهِ فِيهِ إِلَى احْتِمَال نَجَاسَة الْيَد فِي النّوم كَأَن تقع على مَحل الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ لأَنهم كَانُوا يستنجون بِهِ فَيحصل لَهُم التَّرَدُّد وعَلى هَذَا حمل الحَدِيث لَا على مُطلق النّوم كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ المُرَاد فَمن لم ينم وَاحْتمل نَجَاسَة يَده كَانَ فِي معنى النَّائِم وَهَذِه الغسلات الثَّلَاث هِيَ المندوبة أول الْوضُوء لَكِن ندب تَقْدِيمهَا عِنْد الشَّك على غمس يَده وَلَا تَزُول الْكَرَاهِيَة إِلَّا بغسلهما ثَلَاثًا لِأَن الشَّارِع إِذا غيا حكما بغاية فَإِنَّمَا يخرج من عهدته باستيفائها فَسقط مَا قيل من أَنه يَنْبَغِي زَوَال الْكَرَاهَة بِوَاحِدَة لتيقن الطُّهْر بهَا كَمَا لَا كَرَاهَة إِذا تَيَقّن طهرهما ابْتِدَاء وَمن هُنَا يُؤْخَذ مَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ أَن مَحل عدم الْكَرَاهَة عِنْد تَيَقّن طهرهما إِذا كَانَ مُسْتَندا ليقين غسلهمَا ثَلَاثًا فَلَو غسلهمَا فِيمَا مضى من نَجَاسَة متيقنة أَو مشكوكة مرّة أَو مرَّتَيْنِ كره غمسهما قبل إِكْمَال الثَّلَاثَة وَمثل الْمَائِع فِيمَا ذكر كل مَأْكُول رطب كَمَا فِي الْعباب فَإِن تعذر عَلَيْهِ الصب لكبر الْإِنَاء وَلم يجد مَا يغْرف بِهِ مِنْهُ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَو أَخذه بِطرف ثوب نظيف أَو بِفِيهِ أَو نَحْو ذَلِك أما إِذا تَيَقّن نجاستهما فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ إدخالهما فِي الْإِنَاء قبل غسلهمَا لما فِي ذَلِك من التضمخ بِالنَّجَاسَةِ وَخرج بِالْمَاءِ الْقَلِيل الْكثير فَلَا يكره فِيهِ كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي دقائقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (القَوْل فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق) (و) الثَّالِثَة (الْمَضْمَضَة) وَهِي جعل المَاء فِي الْفَم وَلَو من غير إدارة فِيهِ وَمَج مِنْهُ (و) الرَّابِعَة (الِاسْتِنْشَاق) بعد الْمَضْمَضَة وَهُوَ جعل المَاء فِي الْأنف وَإِن لم يصل إِلَى الخيشوم وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأما خبر تمضمضوا واستنشقوا فضعيف (تَقْدِيمهَا على الْوَجْه مُسْتَحقّ) تَنْبِيه تَقْدِيم غسل الْيَدَيْنِ على الْمَضْمَضَة وَهِي على الِاسْتِنْشَاق مُسْتَحقّ لَا مُسْتَحبّ عكس تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَفرق الرَّوْيَانِيّ بِأَن الْيَدَيْنِ مثلا عضوان متفقان اسْما وَصُورَة بِخِلَاف الْفَم وَالْأنف فَوَجَبَ التَّرْتِيب بَينهمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْه فَلَو أَتَى بالاستنشاق مَعَ الْمَضْمَضَة حسبت دونه وَإِن قدمه عَلَيْهَا فقضية كَلَام الْمَجْمُوع أَن الْمُؤخر يحْسب وَقَالَ فِي الرَّوْضَة لَو قدم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على غسل الْكَفّ لم يحْسب الْكَفّ على الْأَصَح قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَصَوَابه ليُوَافق مَا فِي الْمَجْمُوع لم تحسب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على الْأَصَح انْتهى وَالْمُعْتَمد مَا فِي الرَّوْضَة لقَولهم فِي الصَّلَاة الثَّالِث عشر تَرْتِيب الْأَركان خرج السّنَن فيحسب مِنْهَا مَا أوقعه أَولا فَكَأَنَّهُ ترك غَيره فَلَا يعْتد بِفِعْلِهِ بعد ذَلِك كَمَا لَو تعوذ ثمَّ أَتَى بِدُعَاء الِافْتِتَاح وَمن فَوَائِد غسل الْكَفَّيْنِ والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق أَولا معرفَة أَوْصَاف المَاء وَهِي اللَّوْن والطعم والرائحة هَل تَغَيَّرت أَو لَا وَيسن أَخذ المَاء بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَيسن أَن يُبَالغ فيهمَا غير الصَّائِم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رِوَايَة صحّح ابْن الْقطَّان إسنادها إِذا تَوَضَّأت فأبلغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مَا لم تكن صَائِما وَالْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة أَن يبلغ المَاء إِلَى أقْصَى الحنك ووجهي الْأَسْنَان واللثات وَيسن إدارة المَاء فِي الْفَم ومجه وإمرار أصْبع يَده الْيُسْرَى على ذَلِك وَالِاسْتِنْشَاق أَن يصعد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخيشوم وَيسن الاستنثار لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَن يخرج بعد الِاسْتِنْشَاق مَا فِي أَنفه من مَاء وأذى بخنصر يَده الْيُسْرَى وَإِذا بَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق فَلَا يستقصي فَيصير سعوطا لَا استنشاقا قَالَه فِي الْمَجْمُوع أما الصَّائِم فَلَا تسن لَهُ الْمُبَالغَة بل تكره لخوف الافطار كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَإِن قيل لم لم يحرم ذَلِك كَمَا قَالُوا بِتَحْرِيم الْقبْلَة إِذا خشِي الْإِنْزَال مَعَ أَن الْعلَّة فِي كل مِنْهُمَا خوف الْفساد أُجِيب بِأَن الْقبْلَة غير مَطْلُوبَة بل دَاعِيَة لما يضاد الصَّوْم من الْإِنْزَال بِخِلَاف الْمُبَالغَة فِيمَا ذكر وَبِأَنَّهُ هُنَا يُمكنهُ إطباق الْحلق وَمَج المَاء وَهُنَاكَ لَا يمنكه رد الْمَنِيّ إِذا خرج لِأَنَّهُ مَاء دافق وَبِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ فِي الْقبْلَة إِفْسَاد لعبادة اثْنَيْنِ (الْجمع والفصل فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق) وَالْأَظْهَر تَفْضِيل الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على الْفَصْل بَينهمَا لصِحَّة الْأَحَادِيث الصَّرِيحَة فِي ذَلِك وَلم يثبت فِي الْفَصْل شَيْء كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَكَون الْجمع بِثَلَاث غرف يتمضمض من كل ثمَّ يستنشق مرّة أفضل من الْجمع بغرفة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا أَو يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق مرّة ثمَّ كَذَلِك ثَانِيَة وثالثة للْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِي ذَلِك وَفِي الْفَصْل كيفيتان أفضلهما يتمضمض بغرفة ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق بِأُخْرَى ثَلَاثًا وَالثَّانيَِة أَن يتمضمض بِثَلَاث غرفات ثمَّ يستنشق بِثَلَاث غرفات وَهَذِه أنظف الكيفيات وأضعفها وَالسّنة تتأدى بِوَاحِدَة من هَذِه الكيفيات لما علم أَن الْخلاف فِي الْأَفْضَل مِنْهَا فَائِدَة فِي الغرفة لُغَتَانِ الْفَتْح وَالضَّم فَإِن جمعت على لُغَة الْفَتْح تعين فتح الرَّاء وَإِن جمعت على لُغَة الضَّم جَازَ إسكان الرَّاء وَضمّهَا وَفتحهَا فتلخص فِي غرفات أَربع لُغَات (القَوْل فِي مسح جَمِيع الرَّأْس) (و) الْخَامِسَة (مسح جَمِيع الرَّأْس) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وخروجا من خلاف من أوجبه وَالسّنة فِي كيفيته أَن يضع يَده على مقدم رَأسه ويلصق سبابته بِالْأُخْرَى وإبهاميه على صدغيه ثمَّ يذهب بهما إِلَى قَفاهُ ثمَّ يردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي ذهب مِنْهُ إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 كَانَ لَهُ شعر يَنْقَلِب وَحِينَئِذٍ يكون الذّهاب وَالرَّدّ مسحة وَاحِدَة لعدم تَمام المسحة بالذهاب فَإِن لم يَنْقَلِب شعره لضفره أَو لقصره أَو عَدمه لم يرد لعدم الْفَائِدَة فَإِن ردهما لم تحسب ثَانِيَة لِأَن المَاء صَار مُسْتَعْملا فَإِن قيل هَذَا مُشكل بِمن انغمس فِي مَاء قَلِيل نَاوِيا رفع الْحَدث ثمَّ أحدث وَهُوَ منغمس ثمَّ نوى رفع الْحَدث فِي حَال انغماسه فَإِن حَدثهُ يرْتَفع ثَانِيًا أُجِيب بِأَن مَاء الْمسْح تافه فَلَيْسَ لَهُ قُوَّة كقوة هَذَا وَلذَلِك لَو أعَاد مَاء غسل الذِّرَاع مثلا ثَانِيًا لم يحْسب لَهُ غسلة أُخْرَى لِأَنَّهُ تافه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَاء الانغماس تَنْبِيه إِذا مسح كل رَأسه هَل يَقع كُله فرضا أَو مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَالْبَاقِي سنة وَجْهَان كَنَظِيرِهِ من تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقِيَام وَإِخْرَاج الْبَعِير عَن خمس فِي الزَّكَاة وَاخْتلف كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي كتبهما فِي التَّرْجِيح فِي ذَلِك وَرجح صَاحب الْعباب أَن مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم فِي الرَّأْس فرض وَالْبَاقِي تطوع وَمثله فِي ذَلِك مَا أمكن فِيهِ التجزي كالركوع بِخِلَاف مَا لم يُمكن كبعير الزَّكَاة وَهُوَ تَفْصِيل حسن (القَوْل فِي الْمسْح على الْعِمَامَة) فَإِن كَانَ على رَأسه نَحْو عِمَامَة كخمار وقلنسوة وَلم يرد رفع ذَلِك كمل بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا وَإِن لبسهَا على حدث لخَبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمسح بناصيته وعَلى عمَامَته وَسَوَاء أعْسر تنحيتها أم لَا وَيفهم من قَوْلهم كمل أَنه لَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على الْعِمَامَة وَنَحْوهَا وَهُوَ كَذَلِك (القَوْل فِي مسح الْأُذُنَيْنِ وكيفيته) (و) السَّادِسَة (مسح) جَمِيع (أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح فِي وضوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وَأدْخل أصبعيه فِي صماخي أُذُنَيْهِ وَيَأْخُذ لصماخيه أَيْضا مَاء جَدِيدا وَكَيْفِيَّة الْمسْح أَن يدْخل مسبحتيه فِي صماخيه ويديرهما فِي المعاطف ويمر إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ ثمَّ يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا والصماخ بِكَسْر الصَّاد وَيُقَال بِالسِّين هُوَ خرق الْأذن وَتَأْخِير مسح الْأُذُنَيْنِ عَن الرَّأْس مُسْتَحقّ كَمَا هُوَ الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَلَو أَخذ بأصابعه مَاء لرأسه فَلم يمسحه بِمَاء بَعْضهَا وَمسح بِهِ الْأُذُنَيْنِ كفى لِأَنَّهُ مَاء جَدِيد فَائِدَة روى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَعْطَانِي نَهرا يُقَال لَهُ الْكَوْثَر فِي الْجنَّة لَا يدْخل أحدكُم أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ إِلَّا سمع خرير ذَلِك النَّهر قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله وَكَيف ذَلِك قَالَ أدخلي أصبعيك فِي أذنيك وسدي فَالَّذِي تسمعين فيهمَا من خرير الْكَوْثَر وَهَذَا النَّهر يتشعب مِنْهُ أَنهَار الْجنَّة وَهُوَ مُخْتَصّ بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسْأَل الله تَعَالَى من فَضله وَكَرمه أَن يمن علينا وعَلى محبينا بالشرب مِنْهُ فَإِن من شرب مِنْهُ شربة لَا يظمأ بعْدهَا أبدا (الْكَلَام على تَخْلِيل اللِّحْيَة) (و) السَّابِعَة (تَخْلِيل اللِّحْيَة الكثة) وكل شعر يَكْفِي غسل ظَاهره بالأصابع من أَسْفَله لما روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخلل لحيته الْكَرِيمَة وَلما روى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ كفا من مَاء فَأدْخلهُ تَحت حنكه فخلل بِهِ لحيته وَقَالَ هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي أما مَا يجب غسله من ذَلِك كالخفيف والكثيف الَّذِي فِي حد الْوَجْه من لحية غير الرجل وعارضيه فَيجب إِيصَال المَاء إِلَى ظَاهره وباطنه ومنابته بتخليل أَو غَيره تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف فِي سنّ التَّخْلِيل أَنه لَا فرق بَين الْمحرم وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا اعْتَمدهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خادمه خلافًا لِابْنِ الْمقري فِي رَوْضَة تبعا للمتولي لَكِن الْمحرم يخلل بِرِفْق لِئَلَّا يتساقط مِنْهُ شعره كَمَا قَالُوهُ فِي تَخْلِيل شعر الْمَيِّت (القَوْل فِي تَخْلِيل الْأَصَابِع) (و) من السَّابِعَة (تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن وَالْيَدَيْنِ) أَيْضا لخَبر لَقِيط بن صبرَة أَسْبغ الْوضُوء وخلل بَين الْأَصَابِع رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وصححوه والتخليل فِي أَصَابِع الْيَدَيْنِ بالتشبيك بَينهمَا فِي أَصَابِع الرجلَيْن يبْدَأ بخنصر الرجل الْيُمْنَى وَيخْتم بخنصر الرجل الْيُسْرَى ويخلل بخنصر يَده الْيُسْرَى أَو الْيُمْنَى كَمَا رَجحه فِي الْمَجْمُوع من أَسْفَل الرجلَيْن وإيصال المَاء إِلَى مَا بَين الْأَصَابِع وَاجِب بتخليل أَو غَيره إِذا كَانَت ملتفة لَا يصل المَاء إِلَيْهَا إِلَّا بالتخليل أَو نَحوه فَإِن كَانَت ملتحمة لم يجز فتقها قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَلم يتَعَرَّض النَّوَوِيّ وَلَا غَيره إِلَى تثليث التَّخْلِيل وَقد روى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد كَمَا قَالَه فِي شرح الْمُهَذّب عَن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه تَوَضَّأ فخلل بَين أَصَابِع قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا فعلت وَمُقْتَضى هَذَا اسْتِحْبَاب تثليث التَّخْلِيل انْتهى وَهَذَا ظَاهر (القَوْل فِي تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى) (و) الثَّامِنَة (تَقْدِيم) غسل (الْيُمْنَى على) غسل (الْيُسْرَى) من كل عضوين لَا يسن غسلهمَا مَعًا كاليدين وَالرّجلَيْنِ لخَبر وَإِذا توضأتم فابدأوا بميامنكم رَوَاهُ ابْنا خُزَيْمَة وحبان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي شَأْنه كُله أَي مِمَّا هُوَ للتكريم كالغسل واللبس والاكتحال والتقليم وقص الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَحلق الرَّأْس والسواك وَدخُول الْمَسْجِد وَتَحْلِيل الصَّلَاة ومفارقة الْخَلَاء وَالْأكل وَالشرب والمصافحة واستلام الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ وَالْأَخْذ والإعطاء والتياسر فِي ضِدّه كدخول الْخَلَاء والاستنجاء والامتخاط وخلع اللبَاس وَإِزَالَة القذر وَكره عَكسه أما مَا يسن غسلهمَا مَعًا كالخدين وَالْكَفَّيْنِ والأذنين فَلَا يسن تَقْدِيم الْيُمْنَى فيهمَا نعم من بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ مَعهَا ذَلِك كَأَن قطعت إِحْدَى يَدَيْهِ فَيسنّ لَهُ تَقْدِيم الْيُمْنَى (القَوْل فِي التَّثْلِيث فِي الطَّهَارَة) (و) التَّاسِعَة (الطَّهَارَة ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك المغسول والممسوح والتخليل الْمَنْدُوب والمفروض لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَإِنَّمَا لم يجب التَّثْلِيث لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة وَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن تثليث القَوْل كالتسمية وَالتَّشَهُّد آخر الْوضُوء مَعَ أَن ذَلِك سنة فقد روى التَّثْلِيث فِي القَوْل فِي التَّشَهُّد أَحْمد وَابْن ماجة وَصرح بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَظَاهر أَن غير التَّشَهُّد مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كالتسمية مثله وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَنه يكره تثليث مسح الْخُف قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالظَّاهِر إِلْحَاق الْجَبِيرَة والعمامة إِذا كمل بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بالخف وَتكره الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَالنَّقْص عَنْهَا إِلَّا لعذر كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَكَذَا الْوضُوء فَمن زَاد على هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع إِنَّه صَحِيح قَالَ نقلا عَن الْأَصْحَاب وَغَيرهم فَمن زَاد على الثَّلَاث أَو نقص عَنْهَا فقد أَسَاءَ وظلم فِي كل من الزِّيَادَة وَالنَّقْص فَإِن قيل كَيفَ يكون إساءة وظلما وَقد ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة ومرتين مرَّتَيْنِ أُجِيب بِأَن ذَلِك كُله كَانَ لبَيَان الْجَوَاز فَكَانَ فِي ذَلِك الْحَال أفضل لِأَن الْبَيَان فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِب قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد وَمحل الْكَرَاهَة فِي الزِّيَادَة إِذا أَتَى بهَا على قصد نِيَّة الْوضُوء أَي أَو أطلق فَلَو زَاد عَلَيْهَا بنية التبرد أَو مَعَ قطع نِيَّة الْوضُوء عَنْهَا لم يكره وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع الْخلاف فَمَا إِذا تَوَضَّأ مَاء مُبَاح أَو مَمْلُوك لَهُ فَإِن تَوَضَّأ بِمَاء مَوْقُوف على من يتَطَهَّر مِنْهُ أَو يتَوَضَّأ مِنْهُ كالمدارس والربط حرمت عَلَيْهِ الزِّيَادَة بِلَا خلاف لِأَنَّهَا غير مَأْذُون فِيهَا انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (القَوْل فِي طلب ترك التَّثْلِيث) تَنْبِيه قد يطْلب ترك التَّثْلِيث كَأَن ضَاقَ الْوَقْت بِحَيْثُ لَو اشْتغل بِهِ لخرج الْوَقْت فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ التَّثْلِيث أَو قل المَاء بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إِلَّا للْفَرض فَتحرم الزِّيَادَة لِأَنَّهَا تحوجه إِلَى التَّيَمُّم مَعَ الْقُدْرَة على المَاء كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي التُّحْفَة أَو احْتَاجَ إِلَى الْفَاضِل عَنهُ لعطش بِأَن كَانَ مَعَه من المَاء مَا يَكْفِيهِ للشُّرْب لَو تَوَضَّأ بِهِ مرّة مرّة وَلَو ثلث لم يفضل للشُّرْب شَيْء فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ التَّثْلِيث كَمَا قَالَه الجيلي فِي الإعجاز وَإِدْرَاك الْجَمَاعَة أفضل من تثليث الْوضُوء وَسَائِر آدابه وَلَا يجزىء تعدد قبل إتْمَام الْعُضْو نعم لَو مسح بعض رَأسه ثَلَاثًا حصل التَّثْلِيث لِأَن قَوْلهم من سنَن الْوضُوء تثليث الْمَمْسُوح شَامِل لذَلِك وَأما مَا تقدم فمحله فِي عُضْو يجب استيعابه بالتطهير وَلَا بعد تَمام الْوضُوء فَلَو تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ تَوَضَّأ ثَانِيًا وثالثا كَذَلِك لم يحصل التَّثْلِيث كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري فِي روضه وَفِي فروق الْجُوَيْنِيّ مَا يَقْتَضِيهِ وَإِن أفهم كَلَام الإِمَام خِلَافه فَإِن قيل قد مر فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَن التَّثْلِيث يحصل بذلك أُجِيب بِأَن الْفَم وَالْأنف كعضو وَاحِد فَجَاز فيهمَا كاليدين بِخِلَاف الْوَجْه وَالْيَد مثلا لتباعدهما فَيَنْبَغِي أَن يفرغ من أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الآخر وَيَأْخُذ الشاك بِالْيَقِينِ فِي الْمَفْرُوض وجوبا وَفِي الْمَنْدُوب ندبا لِأَن الأَصْل عدم مَا زَاد كَمَا لَو شكّ فِي عدد الرَّكْعَات فَإِذا شكّ هَل غسل ثَلَاثًا أَو مرَّتَيْنِ أَخذ بِالْأَقَلِّ وَغسل أُخْرَى (القَوْل فِي الْمُوَالَاة وضابطها) (و) الْعَاشِرَة (الْمُوَالَاة) بَين الْأَعْضَاء فِي التَّطْهِير بِحَيْثُ لَا يجِف الأول قبل الشُّرُوع فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَال الْهَوَاء ومزاج الشَّخْص نَفسه وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَيقدر الْمَمْسُوح مغسولا هَذَا فِي غير وضوء صَاحب الضَّرُورَة كَمَا تقدم وَمَا لم يضق الْوَقْت وَإِلَّا فَتجب وَالِاعْتِبَار بالغسلة الْأَخِيرَة وَلَا يحْتَاج التَّفْرِيق الْكثير إِلَى تَجْدِيد نِيَّة عِنْد عزوبها لِأَن حكمهَا بَاقٍ (القَوْل فِي السّنَن الزَّائِدَة على الْعشْر) وَقد قدمنَا أَن المُصَنّف لم يحصر سنَن الْوضُوء فِيمَا ذكره فلنذكر مِنْهَا شَيْئا مِمَّا تَركه فَمن السّنَن ترك الِاسْتِعَانَة فِي الصب عَلَيْهِ لغير عذر لِأَنَّهُ الْأَكْثَر من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَنَّهَا نوع من التنعم والتكبر وَذَلِكَ لَا يَلِيق بالمتعبد وَالْأَجْر على قدر النصب وَهِي خلاف الأولى أما إِذا كَانَ ذَلِك لعذر كَمَرَض أَو نَحوه فَلَا يكون خلاف الأولى دفعا للْمَشَقَّة بل قد تجب الِاسْتِعَانَة إِذا لم يُمكنهُ التَّطْهِير إِلَّا بهَا وَلَو ببذل أُجْرَة مثل وَالْمرَاد بترك الِاسْتِعَانَة الِاسْتِقْلَال بالأفعال لَا طلب الْإِعَانَة فَقَط حَتَّى لَو أَعَانَهُ غَيره وَهُوَ سَاكِت كَانَ الحكم كَذَلِك وَمِنْهَا ترك نفض المَاء لِأَنَّهُ كالتبري من الْعِبَادَة فَهُوَ خلاف الأولى كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق وَإِن رجح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة أَنه مُبَاح وَمِنْهَا ترك تنشيف الْأَعْضَاء بِلَا عذر لِأَنَّهُ يزِيل أثر الْعِبَادَة وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد غسله من الْجَنَابَة أَتَتْهُ مَيْمُونَة بمنديل فَرده وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا ينفضه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لإباحة النفض فقد يكون فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبَيَان الْجَوَاز أما إِذا كَانَ هُنَاكَ عذر كحر أَو برد أَو التصاق نَجَاسَة فَلَا كَرَاهَة قطعا أَو كَانَ يتَيَمَّم عقب الْوضُوء لِئَلَّا يمْنَع البلل فِي وَجهه وَيَديه التَّيَمُّم وَإِذا نشف فَالْأولى أَن لَا يكون بذيله وطرف ثَوْبه وَنَحْوهمَا قَالَ فِي الذَّخَائِر فقد قيل إِن ذَلِك يُورث الْفقر وَمِنْهَا أَن يضع المتوضىء إِنَاء المَاء عَن يَمِينه إِن كَانَ يغترف مِنْهُ وَعَن يسَاره إِن كَانَ يصب مِنْهُ على يَدَيْهِ كإبريق لِأَن ذَلِك أمكن فيهمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَمِنْهَا تَقْدِيم النِّيَّة مَعَ أول السّنَن الْمُتَقَدّمَة على الْوَجْه ليحصل لَهُ ثَوَابهَا كَمَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَمِنْهَا التَّلَفُّظ بالمنوي قَالَ ابْن الْمقري سرا مَعَ النِّيَّة بِالْقَلْبِ فَإِن اقْتصر على الْقلب كفى أَو التَّلَفُّظ فَلَا أَو التَّلَفُّظ بِخِلَاف مَا نوى فَالْعِبْرَة بِالنِّيَّةِ وَمِنْهَا اسْتِصْحَاب النِّيَّة ذكرا إِلَى آخر الْوضُوء وَمِنْهَا التَّوَجُّه للْقبْلَة وَمِنْهَا دلك أَعْضَاء الْوضُوء ويبالغ فِي الْعقب خُصُوصا فِي الشتَاء فقد ورد ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَمِنْهَا الْبدَاءَة بِأَعْلَى الْوَجْه وَأَن يَأْخُذ مَاءَهُ بكفيه مَعًا وَمِنْهَا أَن يبْدَأ فِي غسل يَدَيْهِ بأطراف أَصَابِعه وَإِن صب عَلَيْهِ غَيره كَمَا جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيقه خلافًا لما قَالَه الصَّيْمَرِيّ من أَنه يبْدَأ بالمرفق إِذا صب عَلَيْهِ غَيره وَمِنْهَا أَن يقتصد فِي المَاء فَيكْرَه السَّرف فِيهِ وَمِنْهَا أَن لَا يتَكَلَّم بِلَا حَاجَة وَأَن لَا يلطم وَجهه بِالْمَاءِ وَمِنْهَا أَن يتعهد موقه وَهُوَ طرف الْعين الَّذِي يَلِي الْأنف بالسبابة الْأَيْمن باليمنى والأيسر باليسرى وَمثله اللحاظ وَهُوَ الطّرف الآخر وَمحل سنّ غسلهمَا إِذا لم يكن فيهمَا رمص يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى مَحَله وَإِلَّا فغسلهما وَاجِب كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع وَمَرَّتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَذَا كل مَا يخَاف إغفاله كالغضون وَمِنْهَا أَن يُحَرك خَاتمًا يصل المَاء تَحْتَهُ وَمِنْهَا أَن يتوقى الرشاش وَمِنْهَا أَن يَقُول بعد فرَاغ الْوضُوء وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء كَمَا قَالَه فِي الْعباب أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله لخَبر مُسلم من تَوَضَّأ فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى آخِره فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين زَاده التِّرْمِذِيّ على مُسلم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك لخَبر الْحَاكِم وَصَححهُ من تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت إِلَى آخرهَا كتب فِي رق ثمَّ طبع بِطَابع وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا الْخَاتم فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَي لم يتَطَرَّق إِلَيْهِ إبِْطَال وَيسن أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عقب الْفَرَاغ من الْوضُوء تَتِمَّة ينْدب إدامة الْوضُوء وَيسن لقِرَاءَة الْقُرْآن أَو سَمَاعه أَو الحَدِيث أَو سَمَاعه أَو رِوَايَته أَو حمل كتب التَّفْسِير إِذا كَانَ التَّفْسِير أَكثر أَو الحَدِيث أَو الْفِقْه وكتابتهما ولقراءة علم شَرْعِي أَو إقرائه ولأذان وجلوس فِي الْمَسْجِد أَو دُخُوله وللوقوف بِعَرَفَة للسعي ولزيارة قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو غَيره ولنوم أَو يقظة وَيسن من حمل ميت ومسه وَمن فصد وحجم وقيء وَأكل لحم جزور وقهقهة مصل وَمن لمس الرجل أَو الْمَرْأَة بدن الْخُنْثَى أَو أحد قبليه وَعند الْغَضَب وكل كلمة قبيحة وَلمن قصّ شَاربه أَو حلق رَأسه ولخطبة غير الْجُمُعَة وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْوضُوء الشَّرْعِيّ لَا اللّغَوِيّ وَلَا ينْدب للبس ثوب وَصَوْم وَعقد نِكَاح وَخُرُوج لسفر ولقاء قادم وزيارة وَالِد وصديق وعيادة مَرِيض وتشييع جَنَازَة وَلَا لدُخُول سوق وَلَا لدُخُول على نَحْو أَمِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 (فصل فِي الِاسْتِنْجَاء) وَهُوَ طَهَارَة مُسْتَقلَّة على الْأَصَح وأخره المُصَنّف عَن الْوضُوء إعلاما بِجَوَاز تَقْدِيم الْوضُوء عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف التَّيَمُّم لِأَن الْوضُوء يرفع الْحَدث وارتفاعه يحصل مَعَ قيام الْمَانِع وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الأسنوي عدم صِحَة وضوء دَائِم الْحَدث قبل الِاسْتِنْجَاء لكَونه لَا يرفع الْحَدث وَهُوَ الظَّاهِر وَإِن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِن المَاء أصل فِي رفع الْحَدث فَكَانَ أقوى من التُّرَاب الَّذِي لَا يرفعهُ أصلا (القَوْل فِي حكم الِاسْتِنْجَاء) (والاستنجاء) استفعال من طلب النَّجَاء وَهُوَ الْخَلَاص من الشَّيْء وَهُوَ مَأْخُوذ من نجوت الشَّجَرَة وأنجيتها إِذا قطعتها لِأَن المستنجي يقطع بِهِ الْأَذَى عَن نَفسه وَقد يترجم هَذَا الْفَصْل بالاستطابة وَلَا شكّ أَن الاستطابة طلب الطّيب فَكَأَن قَاضِي الْحَاجة يطْلب طيب نَفسه بِإِخْرَاج الْأَذَى وَقد يعبر عَنهُ بالاستجمار من الْجمار وَهُوَ الْحَصَى الصغار وَتطلق الثَّلَاثَة على إِزَالَة مَا على المنفذ لَكِن الْأَوَّلَانِ يعمان الْحجر وَالْمَاء وَالثَّالِث يخْتَص بِالْحجرِ (وَاجِب وَمن) خُرُوج (الْبَوْل وَالْغَائِط) وَغَيرهمَا من كل خَارج ملوث وَلَو نَادرا كَدم ومذي وودي إِزَالَة للنَّجَاسَة لَا على الْفَوْر بل عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ (القَوْل فِي الافضل فِي الِاسْتِنْجَاء) (وَالْأَفْضَل أَن يستنجي بالأحجار) أَو مَا فِي مَعْنَاهَا (ثمَّ يتبعهَا بِالْمَاءِ) لِأَن الْعين تَزُول بِالْحجرِ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ والأثر يَزُول بِالْمَاءِ من غير حَاجَة إِلَى مخامرة النَّجَاسَة وَقَضِيَّة التَّعْلِيل أَنه لَا يشْتَرط فِي حُصُول فَضِيلَة الْجمع طَهَارَة الْحجر وَأَنه يَكْتَفِي بِدُونِ الثَّلَاث مَعَ الإنقاء وبالأول صرح الجيلي نقلا عَن الْغَزالِيّ وَقَالَ الأسنوي فِي الثَّانِي الْمَعْنى وَسِيَاق كَلَامهم يدلان عَلَيْهِ انْتهى وَالظَّاهِر أَن بِهَذَا يحصل أصل فَضِيلَة الْجمع وَأما كمالها فَلَا بُد من بَقِيَّة شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَقَضِيَّة كَلَامهم أَن أفضيلة الْجمع لَا فرق فِيهَا بَين الْبَوْل وَالْغَائِط وَبِه صرح سليم وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن جزم الْقفال باختصاصه بالغائط وَصَوَّبَهُ الأسنوي وَشَمل إِطْلَاقه حِجَارَة الذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا قالعا وحجارة الْحرم فَيجوز الِاسْتِنْجَاء بهَا وَهُوَ الْأَصَح (وَيجوز) لَهُ (أَن يقْتَصر) فِيهِ (على المَاء) فَقَط لِأَنَّهُ الأَصْل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة (أَو) يقْتَصر (على ثَلَاثَة أَحْجَار) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جوزه بهَا حَيْثُ فعله كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأمر بِفِعْلِهِ بقوله فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار الْمُوَافق لَهُ مَا رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الِاسْتِنْجَاء بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار (القَوْل فِي شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ) وَيجب فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ أَمْرَانِ أَحدهمَا ثَلَاث مسحات بِأَن يعم بِكُل مسحة الْمحل وَلَو كَانَت بأطراف حجر لخَبر مُسلم عَن سلمَان نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَة أَطْرَاف حجر بِخِلَاف رمي الْجمار فَلَا يَكْفِي حجر لَهُ ثَلَاثَة أَطْرَاف عَن ثَلَاث رميات لِأَن الْقَصْد ثمَّ عدد الرَّمْي وَهنا عدد المسحات وَلَو غسل الْحجر وجف جَازَ لَهُ اسْتِعْمَاله ثَانِيًا كدواء دبغ بِهِ ثَانِيهمَا نقاء الْمحل كَمَا قَالَ (ينقي بِهن) أَي بالأحجار أَو مَا فِي مَعْنَاهَا (الْمحل) فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ وَجب الإنقاء برابع فَأكْثر إِلَى أَن لَا يبْقى إِلَّا أثر لَا يُزِيلهُ إِلَّا المَاء أَو صغَار الخزف وَيسن بعد الإنقاء إِن لم يحصل بِوتْر الإيتار بِوَاحِدَة كَأَن حصل برابعة فَيَأْتِي بخامسة لما روى الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا استجمر أحدكُم فليستجمر وترا وَصَرفه عَن الْوُجُوب رِوَايَة أبي دَاوُد وَهِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج عَلَيْهِ (القَوْل فِي شُرُوط الْحجر) وَفِي معنى الْحجر الْوَارِد كل جامد طَاهِر قالع غير مُحْتَرم كخشب وخزف لحُصُول الْغَرَض بِهِ كالحجر فَخرج بالجامد الْمَائِع غير المَاء الطّهُور كَمَاء الْورْد والخل وبالطاهر النَّجس كالبعر والمتنجس كَالْمَاءِ الْقَلِيل الَّذِي وَقعت فِيهِ نَجَاسَة وبالقالع نَحْو الزّجاج والقصب الأملس وَبِغير مُحْتَرم الْمُحْتَرَم كمطعوم آدَمِيّ كالخبز أَو جني كالعظم لما روى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم وَقَالَ إِنَّه زَاد إخْوَانكُمْ أَي من الْجِنّ فمطعوم الْآدَمِيّ أولى وَلِأَن الْمسْح بِالْحجرِ رخصَة وَهِي لَا تناط بِالْمَعَاصِي وَأما مطعوم الْبَهَائِم كالحشيش فَيجوز والمطعوم لَهَا وللآدمي يعْتَبر فِيهِ الْأَغْلَب فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ بِنَاء على ثُبُوت الرِّبَا فِيهِ وَالأَصَح الثُّبُوت قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنه مطعوم لِأَنَّهُ يدْفع النَّجس عَن نَفسه بِخِلَاف غَيره وَأما الثِّمَار والفواكه فَفِيهَا تَفْصِيل ذكرته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره وَمن الْمُحْتَرَم مَا كتب عَلَيْهِ اسْم مُعظم أَو علم كَحَدِيث أَو فقه قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَلَا بُد من تَقْيِيد الْعلم بالمحترم سَوَاء كَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مر أم لَا كحساب وَنَحْوه وطب وعروض فَإِنَّهَا تَنْفَع فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة أما غير الْمُحْتَرَم كفلسفة ومنطق مُشْتَمل عَلَيْهَا فَلَا كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين أما غير الْمُشْتَمل عَلَيْهَا فَلَا يجوز وعَلى هَذَا التَّفْصِيل يحمل إِطْلَاق من جوزه وَجوزهُ القَاضِي بورق التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَهُوَ مَحْمُول على مَا علم تبديله مِنْهُمَا وخلا عَن اسْم الله تَعَالَى وَنَحْوه وَألْحق بِمَا فِيهِ علم مُحْتَرم جلده الْمُتَّصِل بِهِ دون الْمُنْفَصِل عَنهُ بِخِلَاف جلد الْمُصحف فَإِنَّهُ يمْتَنع الِاسْتِنْجَاء بِهِ مُطلقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 (القَوْل فِي بَقِيَّة شُرُوط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ) وَشرط الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَمَا ألحق بِهِ لِأَن يجزىء أَن لَا يجِف النَّجس الْخَارِج فَإِن جف تعين المَاء نعم لَو بَال ثَانِيًا بعد جفاف بَوْله الأول وَوصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ الأول كفى فِيهِ الْحجر وَحكم الْغَائِط الْمَائِع كالبول فِي ذَلِك وَأَن لَا ينْتَقل عَن الْمحل الَّذِي أَصَابَهُ عِنْد خُرُوجه وَاسْتقر فِيهِ وَأَن لَا يطْرَأ عَلَيْهِ أَجْنَبِي نجسا كَانَ أَو طَاهِرا رطبا وَلَو ببلل الْحجر أما الجاف الطَّاهِر فَلَا يُؤثر فَإِن طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذكر تعين المَاء نعم البلل بعرق الْمحل لَا يضر لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ وَأَن يكون الْخَارِج الْمَذْكُور من فرج مُعْتَاد فَلَا يجزىء فِي الْخَارِج من غَيره كالخارج بالفصد وَلَا فِي منفتح تَحت الْمعدة وَلَو كَانَ الْأَصْلِيّ مُفْسِدا لِأَن الِاسْتِنْجَاء بِهِ على خلاف الْقيَاس وَلَا فِي بَوْل خُنْثَى مُشكل وَإِن كَانَ الْخَارِج من أحد قبليه لاحْتِمَال زِيَادَته نعم إِن كَانَ لَهُ آلَة فَقَط لَا تشبه آلَة الرِّجَال وَلَا آلَة النِّسَاء أَجْزَأَ الْحجر فِيهَا وَلَا فِي بَوْل ثيب تيقنته دخل مدْخل الذّكر لانتشاره عَن مخرجه بِخِلَاف الْبكر لِأَن الْبكارَة تمنع دُخُول الْبَوْل مدْخل الذّكر وَلَا فِي بَوْل الأقلف إِذا وصل الْبَوْل إِلَى الْجلْدَة ويجزىء فِي دم حيض أَو نِفَاس وَفَائِدَته فِيمَن انْقَطع دَمهَا وعجزت عَن اسْتِعْمَال المَاء فاستنجت بِالْحجرِ ثمَّ تيممت لنَحْو مرض فَإِنَّهَا تصلي وَلَا إِعَادَة عَلَيْهَا وَلَو ندر الْخَارِج كَالدَّمِ والودي والمذي أَو انْتَشَر فَوق عَادَة النَّاس وَقيل عَادَة نَفسه وَلم يُجَاوز فِي الْغَائِط صفحته وَهِي مَا انْضَمَّ من الأليين عِنْد الْقيام وَفِي الْبَوْل حشفته وَهِي مَا فَوق الْخِتَان أَو قدرهَا من مقطوعها كَمَا قَالَه الأسنوي جَازَ الْحجر وَمَا فِي مَعْنَاهُ أما النَّادِر فَلِأَن انقسام الْخَارِج إِلَى مُعْتَاد ونادر مِمَّا يتَكَرَّر ويعسر الْبَحْث عَنهُ فنيط الحكم بالمخرج وَأما الْمُنْتَشِر فَوق الْعَادة فلعسر الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلما صَحَّ أَن الْمُهَاجِرين أكلُوا التَّمْر لما هَاجرُوا وَلم يكن ذَلِك عَادَتهم وَهُوَ مِمَّا يرق الْبُطُون وَمن رق بَطْنه انْتَشَر مَا يخرج مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك لم يؤمروا بالاستنجاء بِالْمَاءِ وَلِأَن ذَلِك يتَعَذَّر ضَبطه فنيط الحكم بالصفحة والحشفة أَو مَا يقوم مقَامهَا فَإِن جَاوز الْخَارِج مَا ذكر مَعَ الِاتِّصَال لم يجز الْحجر لَا فِي المجاوز وَلَا فِي غَيره لِخُرُوجِهِ عَمَّا تعم بِهِ الْبلوى وَلَا يجب الِاسْتِنْجَاء لدود وبعر بِلَا لوث لفَوَات مَقْصُود الِاسْتِنْجَاء من إِزَالَة النَّجَاسَة أَو تخفيفها وَلَكِن يسن خُرُوجًا من الْخلاف وَالْوَاجِب فِي الِاسْتِنْجَاء أَن يغلب على ظَنّه زَوَال النَّجَاسَة وَلَا يضر شم رِيحهَا بِيَدِهِ فَلَا يدل على بَقَائِهَا على الْمحل وَإِن حكمنَا على يَده بِالنَّجَاسَةِ لأَنا لم نتحقق أَن مَحل الرّيح بَاطِن الْأصْبع الَّذِي كَانَ ملاصقا للمحل لاحْتِمَال أَنه من جوانبه فَلَا ننجس بِالشَّكِّ وَلِأَن هَذَا الْمحل خفف فِيهِ بالاستنجاء بِالْحجرِ فَخفف فِيهِ هُنَا فَاكْتفى فِيهِ بِغَلَبَة ظن زَوَال النَّجَاسَة (فَإِذا أَرَادَ) المستنجي (الِاقْتِصَار على أَحدهمَا) أَي المَاء وَالْحجر (فالماء أفضل) من الِاقْتِصَار على الْحجر لِأَنَّهُ يزِيل الْعين والأثر بِخِلَاف الْحجر وَلَا استنجاء من غير مَا ذكر فقد نقل الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجب الِاسْتِنْجَاء من النّوم وَالرِّيح قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلم يفرق الْأَصْحَاب بَين أَن يكون الْمحل رطبا أَو يَابسا وَلَو قيل بِوُجُوبِهِ إِذا كَانَ الْمحل رطبا لم يبعد كَمَا قيل بِهِ فِي دُخان النَّجَاسَة وَهَذَا مَرْدُود فقد قَالَ الْجِرْجَانِيّ إِن ذَلِك مَكْرُوه وَصرح الشَّيْخ نصر الدّين الْمَقْدِسِي بتأثيم فَاعله وَالظَّاهِر كَلَام الْجِرْجَانِيّ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاء يَقُول بعد فَرَاغه من الِاسْتِنْجَاء اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وحصن فَرجي من الْفَوَاحِش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 القَوْل فِي آدَاب قَاضِي الْحَاجة ندبا (ويجتنب) قَاضِي الْحَاجة (اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها) ندبا إِذا كَانَ فِي غير الْمعد لذَلِك مَعَ سَاتِر مُرْتَفع ثُلثي ذِرَاع تَقْرِيبًا فَأكْثر بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل بِذِرَاع الْآدَمِيّ وإرخاء ذيله كَاف فِي ذَلِك فهما حِينَئِذٍ خلاف الأولى ويحرمان فِي الْبناء غير الْمعد لقَضَاء الْحَاجة و (فِي الصَّحرَاء) بِدُونِ السَّاتِر الْمُتَقَدّم وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها ببول وَلَا غَائِط وَلَكِن شرقوا أَو غربوا وَفِيهِمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى حَاجته فِي بَيت حَفْصَة مُسْتَقْبل الشَّام مستدبر الْكَعْبَة وَقَالَ جَابر نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تسْتَقْبل الْقبْلَة ببول فرأيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يقبض بعام يستقبلها رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه فحملوا الْخَبَر الأول الْمُفِيد للْحُرْمَة على الْقَضَاء وَمَا ألحق بِهِ لسُهُولَة اجْتِنَاب الْمُحَاذَاة فِيهِ بِخِلَاف الْبناء غير الْمَذْكُور مَعَ الصَّحرَاء فَيجوز فِيهِ ذَلِك كَمَا فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَانا للْجُوَاز وَإِن كَانَ الأولى لنا تَركه كَمَا مر وَأما فِي الْمعد لذَلِك فَلَا حُرْمَة فِيهِ وَلَا كَرَاهَة وَلَا خلاف الأولى قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَيسْتَثْنى من الْحُرْمَة مَا لَو كَانَت الرّيح تهب عَن يَمِين الْقبْلَة وشمالها فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان للضَّرُورَة كَمَا سَيَأْتِي وَإِذا تعَارض الِاسْتِقْبَال والاستدبار تعين الاستدبار وَلَا يحرم وَلَا يكره اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها حَال الِاسْتِنْجَاء أَو الْجِمَاع أَو إِخْرَاج الرّيح إِذْ النَّهْي عَن استقبالها واستدبارها مُقَيّد بِحَالَة الْبَوْل وَالْغَائِط وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَة القَوْل فِي آدَاب قَاضِي الْحَاجة (ويجتنب) ندبا (الْبَوْل) وَالْغَائِط (فِي المَاء الراكد) للنَّهْي عَن الْبَوْل فِيهِ فِي حَدِيث مُسلم وَمثله الْغَائِط بل أولى وَالنَّهْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فِي ذَلِك للكراهة وَإِن كَانَ المَاء قَلِيلا لِإِمْكَان طهره بِالْكَثْرَةِ وَفِي اللَّيْل أَشد كَرَاهَة لِأَن المَاء بِاللَّيْلِ مأوى الْجِنّ أما الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة الْكَرَاهَة فِي الْقَلِيل مِنْهُ دون الْكثير وَلَكِن يكره فِي اللَّيْل لما مر ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يحرم فِي الْقَلِيل مُطلقًا لِأَن فِيهِ إتلافا عَلَيْهِ وعَلى غَيره ورد بِمَا تقدم من التَّعْلِيل وَبِأَنَّهُ مُخَالف للنَّص وَسَائِر الْأَصْحَاب فَهُوَ كالاستنجاء بِخرقَة وَلم يقل أحد بِتَحْرِيمِهِ وَلَكِن يشكل بِمَا مر من أَنه يحرم اسْتِعْمَال الْإِنَاء النَّجس فِي المَاء الْقَلِيل وَأجِيب بِأَن هُنَاكَ اسْتِعْمَالا بِخِلَافِهِ هُنَا تَنْبِيه مَحل عدم التَّحْرِيم إِذا كَانَ المَاء لَهُ وَلم يتَعَيَّن عَلَيْهِ الطُّهْر بِهِ بِأَن وجد غَيره أما إِذا لم يكن لَهُ كمملوك لغيره أَو مُسبل أَو لَهُ وَتعين للطَّهَارَة بِأَن دخل الْوَقْت وَلم يجد غَيره فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ فَإِن قيل المَاء العذب رِبَوِيّ لِأَنَّهُ مطعوم فَلَا يحل الْبَوْل فِيهِ أُجِيب بِمَا تقدم وَيكرهُ أَيْضا قَضَاء الْحَاجة بِقرب المَاء الَّذِي يكره قَضَاؤُهَا فِيهِ لعُمُوم النَّهْي عَن الْبَوْل فِي الْمَوَارِد وصب الْبَوْل فِي المَاء كالبول فِيهِ (و) يجْتَنب ذَلِك ندبا (تَحت الشَّجَرَة المثمرة) وَلَو كَانَ التَّمْر مُبَاحا وَفِي غير وَقت الثَّمَرَة صِيَانة لَهَا عَن التلويث عِنْد الْوُقُوع فتعافها النَّفس وَلم يحرموه لِأَن التَّنْجِيس غير مُتَيَقن نعم إِذا لم يكن عَلَيْهَا ثَمَر وَكَانَ يجْرِي عَلَيْهَا المَاء من مطر أَو غَيره قبل أَن تثمر لم يكره كَمَا لَو بَال تحتهَا ثمَّ أورد عَلَيْهِ مَاء طهُورا وَلَا فرق فِي هَذَا وَفِي غَيره مِمَّا تقدم بَين الْبَوْل وَالْغَائِط (و) يجْتَنب ذَلِك ندبا (فِي الطَّرِيق) المسلوك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتقو اللعانين) قَالُوا وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله قَالَ الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس أَو فِي ظلهم تسببا بذلك فِي لعن النَّاس لَهما كثيرا عَادَة فنسب إِلَيْهِمَا بِصِيغَة الْمُبَالغَة إِذْ أَصله اللاعنان فحول الْإِسْنَاد للْمُبَالَغَة وَالْمعْنَى احْذَرُوا سَبَب اللَّعْن الْمَذْكُور وَلخَبَر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد جيد اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث البرَاز فِي الْمَوَارِد وقارعة الطَّرِيق والظل والملاعن مَوَاضِع اللَّعْن والموارد طرق المَاء والتخلي التغوط وَكَذَا البرَاز وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء على الْمُخْتَار وَقيس بالغائط الْبَوْل كَمَا صرح فِي الْمُهَذّب وَغَيره بِكَرَاهَة ذَلِك فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة وَفِي الْمَجْمُوع ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب كَرَاهَته وَيَنْبَغِي حرمته للْأَخْبَار الصَّحِيحَة ولإيذاء الْمُسلمين انْتهى وَالْمُعْتَمد ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وقارعة الطَّرِيق أَعْلَاهُ وَقيل صَدره وَقيل مَا برز مِنْهُ أما الطَّرِيق المهجور فَلَا كَرَاهَة فِيهِ (و) يتَجَنَّب ذَلِك ندبا فِي (الظل) للنَّهْي عَن التخلي فِي ظلهم أَي فِي الصَّيف وَمثله مَوَاضِع اجْتِمَاعهم فِي الشَّمْس فِي الشتَاء (و) فِي الثقب وَهُوَ بِضَم الْمُثَلَّثَة المستدير النَّازِل للنَّهْي عَنهُ فِي خبر أبي دَاوُد وَغَيره لما قيل إِنَّه مسكن الْجِنّ وَلِأَنَّهُ قد يكون فِيهِ حَيَوَان ضَعِيف فَيَتَأَذَّى أَو قوي فيؤذيه أَو يُنجسهُ وَمثله السرب وَهُوَ بِفَتْح السِّين وَالرَّاء الشق المستطيل قَالَ فِي الْمَجْمُوع يَنْبَغِي تَحْرِيم ذَلِك للنَّهْي عَنهُ إِلَّا أَن يعد لذَلِك أَي لقَضَاء الْحَاجة فَلَا تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة وَالْمُعْتَمد مَا مر من عدم التَّحْرِيم (وَلَا يتَكَلَّم على الْبَوْل وَالْغَائِط) أَي يسكت حَال قَضَاء الْحَاجة فَلَا يتَكَلَّم بِذكر وَلَا غَيره أَي يكره لَهُ ذَلِك إِلَّا لضَرُورَة كإنذار أعمى فَلَا يكره بل قد يجب لخَبر لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط كاشفين عَن عورتهما يتحدثان فَإِن الله يمقت على ذَلِك رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَمعنى يضربان يأتيان والمقت البغض وَهُوَ إِن كَانَ على الْمَجْمُوع فبعض موجباته مَكْرُوه فَلَو عطس حمد الله تَعَالَى بِقَلْبِه وَلَا يُحَرك لِسَانه أَي بِكَلَام يسمع بِهِ نَفسه إِذْ لَا يكره الهمس وَلَا التنحنح وَظَاهر كَلَامهم أَن الْقِرَاءَة لَا تحرم حِينَئِذٍ وَقَول ابْن كج إِنَّهَا لَا تجوز أَي جَوَازًا مستوي الطَّرفَيْنِ فتكره وَأَن قَالَ الْأَذْرَعِيّ اللَّائِق بالتعظيم الْمَنْع وَيسن أَن لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ينظر إِلَى فرجه وَلَا إِلَى الْخَارِج مِنْهُ وَلَا إِلَى السَّمَاء وَلَا يعبث بِيَدِهِ وَلَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالا (وَلَا يسْتَقْبل الشَّمْس) وَلَا (الْقَمَر) ببول وَلَا غَائِط أَي يكره لَهُ ذَلِك (وَلَا يستدبرهما) وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري فِي روضه وَالَّذِي نَقله النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة عَن الْجُمْهُور أَنه يكره الِاسْتِقْبَال دون الاستدبار وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ فِي التَّحْقِيق إِنَّه لَا أصل للكراهة فالمختار إِبَاحَته وَحكم اسْتِقْبَال بَيت الْمُقَدّس واستدباره حكم اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر واستدبارهما وَيسن أَن يبعد عَن النَّاس فِي الصَّحرَاء وَمَا ألحق بهَا من الْبُنيان إِلَى حَيْثُ لَا يسمع للْخَارِج مِنْهُ صَوت وَلَا يشم لَهُ ريح فَإِن تعذر عَلَيْهِ الإبعاد عَنْهُم سنّ لَهُم الإبعاد عَنهُ كَذَلِك ويستتر عَن أَعينهم بمرتفع ثُلثي ذِرَاع فَأكْثر بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى الْغَائِط فليستتر فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبا من رمل فليستتر بِهِ فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج عَلَيْهِ وَيحصل السّتْر براحلة أَو وهدة أَو إرخاء ذيله هَذَا إِذا كَانَ بصحراء أَو بُنيان لَا يُمكن تسقيفه كَأَن جلس فِي وسط مَكَان وَاسع فَإِن كَانَ فِي بِنَاء يُمكن تسقيفه أَي عَادَة كفى كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهَذَا الْأَدَب مُتَّفق على اسْتِحْبَابه وَمحله إِذا لم يكن ثمَّ من لَا يغض بَصَره عَن نظر عَوْرَته مِمَّن يحرم عَلَيْهِ نظرها وَإِلَّا وَجب الاستتار وَعَلِيهِ يحمل قَول النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم يجوز كشف الْعَوْرَة فِي مَحل الْحَاجة فِي الْخلْوَة كحالة الِاغْتِسَال وَالْبَوْل ومعاشرة الزَّوْجَة أما بِحَضْرَة النَّاس فَيحرم كشفها وَلَا يَبُول فِي مَوضِع هبوب الرّيح وَإِن لم تكن هابة إِذْ قد تهب بعد شُرُوعه فِي الْبَوْل فَترد عَلَيْهِ الرشاش وَلَا فِي مَكَان صلب لما ذكر وَلَا يَبُول قَائِما لخَبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد جيد أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت من حَدثكُمْ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَبُول قَائِما فَلَا تُصَدِّقُوهُ أَي يكره لَهُ ذَلِك إِلَّا لعذر فَلَا يكره وَلَا خلاف الأولى وَفِي الْإِحْيَاء عَن الْأَطِبَّاء أَو بولة فِي الْحمام فِي الشتَاء قَائِما خير من شربة دَوَاء وَلَا يدْخل الْخَلَاء حافيا وَلَا مَكْشُوف الرَّأْس لِلِاتِّبَاعِ ويعتمد فِي قَضَاء الْحَاجة على يسَاره لِأَن ذَلِك أسهل لخُرُوج الْخَارِج وَينْدب أَن يرفع لقَضَاء الْحَاجة ثَوْبه عَن عَوْرَته شَيْئا فَشَيْئًا إِلَّا أَن يخَاف تنجس ثَوْبه فيرفع بِقدر حَاجته ويسبله شَيْئا فَشَيْئًا قبل انْقِضَاء قِيَامه وَلَا يستنجي بِمَاء فِي مَجْلِسه إِن لم يكن معدا لذَلِك أَي يكره لَهُ ذَلِك لِئَلَّا يعود عَلَيْهِ الرشاش فينجسه بِخِلَاف المستنجي بِالْحجرِ والمعد لذَلِك وللمشقة فِي الْمعد لذَلِك ولفقد الْعلَّة فِي الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَيكرهُ أَن يَبُول فِي المغتسل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه ثمَّ يتَوَضَّأ فِيهِ فَإِن عَامَّة الوسواس مِنْهُ وَمحله إِذا لم يكن ثمَّ منفذ ينفذ مِنْهُ الْبَوْل وَالْمَاء وَعند قبر مُحْتَرم احتراما لَهُ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الْأَذْرَعِيّ وَيَنْبَغِي أَن يحرم عِنْد قُبُور الْأَنْبِيَاء وتشتد الْكَرَاهَة عِنْد قُبُور الْأَوْلِيَاء وَالشُّهَدَاء قَالَ وَالظَّاهِر تَحْرِيمه بَين الْقُبُور المتكرر نبشها لاختلاط ترابها بأجزاء الْمَيِّت انْتهى وَهُوَ حسن وَيحرم على الْقَبْر وَكَذَا فِي إِنَاء فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح وَيسن أَن يستبرىء من الْبَوْل عِنْد انْقِطَاعه بِنَحْوِ تنحنح ونثر ذكر قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالْمُخْتَار أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس وَالْقَصْد أَن يظنّ أَنه لم يبْق بمجرى الْبَوْل شَيْء يخَاف خُرُوجه فَمنهمْ من يحصل هَذَا بِأَدْنَى عصر وَمِنْهُم من يحْتَاج إِلَى تكرره وَمِنْهُم من يحْتَاج إِلَى تنحنح وَمِنْهُم من لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء من هَذَا وَيَنْبَغِي لكل أحد أَن لَا يَنْتَهِي إِلَى حد الوسوسة وَإِنَّمَا لم يجب الِاسْتِبْرَاء كَمَا قَالَ بِهِ القَاضِي وَالْبَغوِيّ وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ لِأَن الظَّاهِر من انْقِطَاع الْبَوْل عدم عوده وَيحمل الحَدِيث على مَا إِذا تحقق أَو غلب على ظَنّه بِمُقْتَضى عَادَته أَنه لَو لم يستبرىء خرج مِنْهُ وَيكرهُ حَشْو مخرج الْبَوْل من الذّكر بِنَحْوِ الْقطن وإطالة الْمكْث فِي مَحل قَضَاء الْحَاجة لما رُوِيَ عَن لُقْمَان أَنه يُورث وجعا للكبد وَينْدب أَن يَقُول عِنْد وُصُوله إِلَى مَكَان قَضَاء الْحَاجة باسم الله أَي أتحصن من الشَّيْطَان اللَّهُمَّ أَي يَا الله إِنِّي أعوذ بك أَي أَعْتَصِم بك من الْخبث بِضَم الْخَاء وَالْبَاء جمع خَبِيث والخبائث جمع خبيثة وَالْمرَاد ذُكُور الشَّيَاطِين وإناثهم وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والاستعاذة مِنْهُم فِي الْبناء الْمعد لقَضَاء الْحَاجة لِأَنَّهُ مأواهم وَفِي غَيره لِأَنَّهُ سيصير مأوى لَهُم بِخُرُوج الْخَارِج وَيَقُول ندبا عقب انْصِرَافه غفرانك الْحَمد الله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني من الْبلَاء لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأبقى فِي منفعَته وأذهب عني أَذَاهُ فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء وَتسَمى الْأَحْدَاث (وَالَّذِي ينْقض الْوضُوء) أَي يَنْتَهِي بِهِ (خَمْسَة أَشْيَاء) فَقَط وَلَا يُخَالف من جعلهَا أَرْبَعَة كالمنهاج لِأَن مَفْهُوم قَول الْمِنْهَاج إِلَّا نوم مُمكن مَقْعَده هُوَ مَنْطُوق الثَّانِي هُنَا فتوافقا فَتَأَمّله وَعلة النَّقْض بهَا غير معقولة الْمَعْنى فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا غَيرهَا فَلَا نقض بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَلَا بِمَسّ الْأَمْرَد الْحسن وَلَا بِمَسّ فرج الْبَهِيمَة وَلَا بِأَكْل لحم الْجَزُور على الْمَذْهَب فِي الْأَرْبَعَة وَإِن صحّح النَّوَوِيّ الْأَخير مِنْهَا من جِهَة الدَّلِيل ثمَّ أجَاب من جِهَة الْمَذْهَب فَقَالَ أقرب مَا يستروح إِلَيْهِ فِي ذَلِك قَول الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وجماهير الصَّحَابَة وَمِمَّا يضعف النَّقْض بِهِ أَن الْقَائِل بِهِ لَا يعديه إِلَى شحمه وسنامه مَعَ أَنه لَا فرق وَلَا بالقهقهة فِي الصَّلَاة وَإِلَّا لما اخْتصَّ النَّقْض بهَا كَسَائِر النواقض وَمَا رُوِيَ من أَنَّهَا تنقض فضعيف وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَة من غير الْفرج كالفصد والحجامة لما روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرسا الْمُسلمين فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع فَقَامَ أَحدهمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رجل من الْكفَّار بِسَهْم فَنَزَعَهُ وَصلى وَدَمه يجْرِي وَعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَلم يُنكره وَأما صلَاته مَعَ الدَّم فلقلة مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بشفاء دَائِم الْحَدث لِأَن حَدثهُ لم يرْتَفع فَكيف يَصح عد الشِّفَاء سَببا للْحَدَث مَعَ أَنه لم يزل وَلَا بِنَزْع الْخُف لِأَن نَزعه يُوجب غسل الرجلَيْن فَقَط على الْأَصَح أَحدهمَا (مَا) أَي شَيْء (خرج) من أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي من قبل المتوضىء الْحَيّ الْوَاضِح وَلَو من مخرج الْوَلَد أَو أحد ذكرين يَبُول بهما أَو أحد فرجين تبول بِأَحَدِهِمَا وتحيض بِالْآخرِ فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 بَال بِأَحَدِهِمَا أَو حَاضَت بِهِ فقد اخْتصَّ الحكم بِهِ أما الْمُشكل فَإِن خرج الْخَارِج من فرجيه جَمِيعًا فَهُوَ مُحدث وَإِن خرج من أَحدهمَا فَلَا نقض أَو من دبر المتوضىء الْحَيّ سَوَاء أَكَانَ الْخَارِج عينا أم ريحًا طَاهِرا أم نجسا جافا أم رطبا مُعْتَادا كبول أَو نَادرا كَدم انْفَصل أم لَا قَلِيلا أم كثيرا طَوْعًا أم كرها وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} الْآيَة وَالْغَائِط الْمَكَان المطمئن من الأَرْض تقضى فِيهِ الْحَاجة سمي بِهِ الْخَارِج للمجاورة وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمَذْي يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ وَفِيهِمَا اشْتَكَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة قَالَ لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا وَالْمرَاد الْعلم بِخُرُوجِهِ لَا سَمعه وَلَا شمه وَلَيْسَ المُرَاد حصر الناقض فِي الصَّوْت وَالرِّيح بل نفي وجوب الْوضُوء بِالشَّكِّ فِي خُرُوج الرّيح وَيُقَاس بِمَا فِي الْآيَة وَالْأَخْبَار كل خَارج مِمَّا ذكر وَإِن لم تَدْفَعهُ الطبيعة كعود خرج من الْفرج بعد أَن دخل فِيهِ تَنْبِيه التَّعْبِير بالسبيلين جرى على الْغَالِب إِذْ للْمَرْأَة ثَلَاثَة مخارج اثْنَان من قبلهَا وَوَاحِد من دبرهَا وَلِأَنَّهُ لَو خلق للرجل ذكران فَإِنَّهُ ينْتَقض بالخارج من كل مِنْهُمَا كَمَا مر وَكَذَا لَو خلق للْمَرْأَة فرجان كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع وَيسْتَثْنى من ذَلِك خُرُوج مني الشَّخْص نَفسه الْخَارِج مِنْهُ أَولا كَأَن أمنى بِمُجَرَّد نظر أَو احْتِلَام مُمكنا مَقْعَده فَلَا ينْتَقض وضوءه بذلك لِأَنَّهُ أوجب أعظم الْأَمريْنِ وَهُوَ الْغسْل بِخُصُوصِهِ فَلَا يُوجب أدونهما وَهُوَ الْوضُوء بِعُمُومِهِ كزنا الْمُحصن لما أوجب أعظم الحدين لكَونه زنا الْمُحصن فَلَا يُوجب أدونهما لكَونه زنا وَإِنَّمَا أوجبه الْحيض وَالنّفاس مَعَ إيجابهما الْغسْل لِأَنَّهُمَا يمنعان صِحَة الْوضُوء فَلَا يجامعانه بِخِلَاف خُرُوج الْمَنِيّ يَصح مَعَه الْوضُوء فِي صُورَة سَلس الْمَنِيّ فيجامعه أما مني غَيره أَو منيه إِذا عَاد فينقض خُرُوجه لفقد الْعلَّة نعم لَو ولدت ولدا جافا انْتقض وضوءها لِأَن الْوَلَد مُنْعَقد من منيها ومني غَيرهَا وَأما خُرُوج بعض الْوَلَد فَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا تخير بَين الْوضُوء وَالْغسْل لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من منيها فَقَط أَو من منيه فَقَط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 (القَوْل فِي حكم الْخَارِج من الثقب) وَلَو انسد مخرجه الْأَصْلِيّ من قبل أَو دبر بِأَن لم يخرج مِنْهُ شَيْء وَإِن لم يلتحم وَانْفَتح مخرج بدله تَحت معدته وَهِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين على الْأَفْصَح مُسْتَقر الطَّعَام وَهِي من السُّرَّة إِلَى الصَّدْر كَمَا قَالَه الْأَطِبَّاء وَالْفُقَهَاء واللغويون هَذَا حَقِيقَتهَا وَالْمرَاد بهَا هُنَا السُّرَّة فَخرج مِنْهُ الْمُعْتَاد خُرُوجه كبول أَو النَّادِر كدود وَدم نقض لقِيَامه مقَام الْأَصْلِيّ فَكَمَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ الْمُعْتَاد والنادر فَكَذَلِك هَذَا أَيْضا وَإِن انْفَتح فِي السُّرَّة أَو فَوْقهَا أَو محاذيها والأصلي منسد أَو تحتهَا والأصلي منفتح فَلَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ أما فِي الأولى فَلِأَن مَا يخرج من الْمعدة أَو فَوْقهَا لَا يكون مِمَّا أحالته الطبيعة لِأَن مَا تحيله تلقيه إِلَى أَسْفَل فَهُوَ بالقيء أشبه وَأما فِي الثَّانِيَة فَلَا ضَرُورَة إِلَى جعل الْحَادِث مخرجا مَعَ انفتاح الْأَصْلِيّ وَحَيْثُ أَقَمْنَا المنفتح كالأصلي إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للنقض بالخراج فَلَا يجزىء فِيهِ الْحجر وَلَا ينْتَقض الْوضُوء بمسه وَلَا يجب الْغسْل وَلَا غَيره من أَحْكَام الْوَطْء بالإيلاج فِيهِ وَلَا يحرم النّظر إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوق الْعَوْرَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا فِي الانسداد الْعَارِض أما الخلقي فينقض مَعَه الْخَارِج من المنفتح مُطلقًا والمنسد حِينَئِذٍ كعضو زَائِد من الْخُنْثَى لَا وضوء بمسه وَلَا غسل بإيلاجه والإيلاج فِيهِ قَالَ النَّوَوِيّ فِي نكته على التَّنْبِيه أَن تعبيرهم بالانسداد يشْعر بِمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَخرج بالمنفتح مَا لَو خرج شَيْء من المنافذ الْأَصْلِيَّة كالفم وَالْأُذن فَإِنَّهُ لَا ينْقض بذلك كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم (و) الثَّانِي من نواقض الْوضُوء (النّوم) وَهُوَ استرخاء أعصاب الدِّمَاغ بِسَبَب رطوبات الأبخرة الصاعدة من الْمعدة وَإِنَّمَا ينْقض إِذا كَانَ (على غير هَيْئَة المتمكن) من الأَرْض مَقْعَده أَي ألييه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان وكاء السه فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره والسه بسين مُهْملَة مُشَدّدَة مَفْتُوحَة وهاء حَلقَة الدبر والوكاء بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ الْخَيط الَّذِي يرْبط الَّذِي يرْبط بِهِ الشَّيْء وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْيَقَظَة هِيَ الْحَافِظ لما يخرج والنائم قد يخرج مِنْهُ شَيْء وَلَا يشْعر بِهِ فَإِن قيل الأَصْل عدم خُرُوج شَيْء فَكيف عدل عَنهُ وَقيل بِالنَّقْضِ أُجِيب بِأَنَّهُ لما جعل مَظَنَّة لِخُرُوجِهِ من غير شُعُور بِهِ أقيم مقَام الْيَقِين كَمَا أُقِيمَت الشَّهَادَة المفيدة للظن مقَام الْيَقِين فِي شغل الذِّمَّة أما إِذا نَام وَهُوَ مُمكن ألييه من مقره من أَرض أَو غَيرهَا فَلَا ينْتَقض وضوءه وَلَو كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا لَو زَالَ لسقط للأمن من خُرُوج شَيْء حِينَئِذٍ من دبره وَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال خُرُوج ريح من قبله لِأَنَّهُ نَادِر وَلقَوْل أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد ينامون حَتَّى تخفق رؤوسهم الأَرْض فَحمل على نوم الْمُمكن جمعا بَين الْحَدِيثين فَدخل فِي ذَلِك مَا لَو نَام مُحْتَبِيًا وَأَنه لَا فرق بَين النحيف وَغَيره وَهُوَ مَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا نعم إِن كَانَ بَين مَقْعَده ومقره تجاف نقض كَمَا نَقله فِي الشَّرْح الصَّغِير عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ وَلَا تَمْكِين لمن نَام على قَفاهُ مُلْصقًا مَقْعَده بمقره وَمن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا ينْتَقض وضوءه بنومه مُضْطَجعا وَيسن الْوضُوء من النّوم مُمكنا خُرُوجًا من الْخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 (و) الثَّالِث من نواقض الْوضُوء (زَوَال الْعقل) الغريزي بجنون (أَو بسكر) وَإِن لم يَأْثَم بِهِ (أَو) بِعَارِض (مرض) كإغماء أَو بتناول داوء لِأَن ذَلِك أبلغ من النّوم وَلَا فرق بَين أَن يكون مُتَمَكنًا أم لَا فَائِدَة قَالَ الْغَزالِيّ الْجُنُون يزِيل الْعقل وَالْإِغْمَاء يغمره وَالنَّوْم يستره تَنْبِيه علم من كَلَام المُصَنّف أَن أَوَائِل السكر الَّذِي لَا يَزُول بِهِ الشُّعُور لَا ينْقض وَهُوَ كَذَلِك القَوْل فِي النَّقْض باللمس وشروطه (و) الرَّابِع من نواقض الْوضُوء (لمس الرجل) ببشرته (الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة) أَي بَشرَتهَا من غير حَائِل لقَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} أَي لمستم كَمَا قرىء بِهِ فعطف اللَّمْس على الْمَجِيء من الْغَائِط ورتب عَلَيْهِمَا الْأَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد فقد المَاء فَدلَّ على أَنه حدث لَا جامعتم لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر إِذْ اللَّمْس لَا يخْتَص بِالْجِمَاعِ قَالَ تَعَالَى {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّك لمست وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون بِشَهْوَة أَو إِكْرَاها أَو نِسْيَان أَو يكون الرجل ممسوحا أَو خَصيا أَو عنينا أَو الْمَرْأَة عجوزا شوهاء أَو كَافِرَة بتمجس أَو غَيره أَو حرَّة أَو رقيقَة أَو أَحدهمَا مَيتا لَكِن لَا ينْتَقض وضوء الْمَيِّت واللمس الجس بِالْيَدِ وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه مَظَنَّة ثوران الشَّهْوَة وَمثله فِي ذَلِك بَاقِي صُورَة الالتقاء فَألْحق بِهِ بِخِلَاف النَّقْض بِمَسّ الْفرج كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِبَطن الْكَفّ لِأَن الْمس إِنَّمَا يثير الشَّهْوَة بِبَطن الْكَفّ واللمس يثيرها بِهِ وَبِغَيْرِهِ والبشرة ظَاهر الْجلد وَفِي مَعْنَاهَا كلحم الْأَسْنَان وَاللِّسَان واللثة وبطن الْعين وَخرج مَا إِذا كَانَ على الْبشرَة حَائِل وَلَو رَقِيقا نعم لَو كثر الْوَسخ على الْبشرَة من الْعرق فَإِن لمسه ينْقض لِأَنَّهُ صَار كالجزء من الْبدن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من غُبَار وَالسّن وَالشعر وَالظفر كَمَا سَيَأْتِي وَبِالرجلِ وَالْمَرْأَة الرّجلَانِ والمرأتان والخنثيان وَالْخُنْثَى مَعَ الرجل أَو الْمَرْأَة وَلَو بِشَهْوَة لانْتِفَاء مظنتها ولاحتمال التوافق فِي صُورَة الْخُنْثَى وَالْمرَاد بِالرجلِ الذّكر إِذا بلغ حدا يشتهى لَا الْبَالِغ وبالمرأة الْأُنْثَى إِذا بلغت حدا يشتهى كَذَلِك لَا الْبَالِغَة تَنْبِيه لَو لمست الْمَرْأَة رجلا أَجْنَبِيّا أَو الرجل مرأة أَجْنَبِيَّة هَل ينْتَقض وضوء الْآدَمِيّ أم لَا يَنْبَغِي أَن يبْنى ذَلِك على صِحَة مناكحتهم وَفِي ذَلِك خلاف يَأْتِي فِي النِّكَاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا ينْقض لمس محرم لَهُ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَلَو بِشَهْوَة لِأَنَّهَا لَيست مَظَنَّة للشهوة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَرجل وَلَو شكّ فِي الْمَحْرَمِيَّة لم ينْتَقض وضوءه لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة وَظَاهر كَلَامهم أَن الحكم كَذَلِك وَإِن اخْتلطت محرمه بأجنبيات غير محصورات وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الطُّهْر لَا يرفع بِالشَّكِّ نعم إِن تزوج بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ انْتقض وضوءه بلمسها لِأَن الحكم لَا يَتَبَعَّض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 لوإن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يَنْبَغِي عدم النَّقْض كَمَا لَو تزوج بصغيرة لَا تشْتَهى وَمثل ذَلِك مَا لَو تزوج بِامْرَأَة مَجْهُولَة النّسَب واستلحقها أَبوهُ وَلم يصدقهُ فَإِن النّسَب يثبت وَتصير أُخْتا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاحه وينتقض وضوءه بلمسها لما تقدم قَالَ بَعضهم وَلَيْسَ لنا من ينْكح أُخْته فِي الْإِسْلَام إِلَّا هَذَا وَلَا تنقض صَغِيرَة السن وَلَا صَغِير لم يبلغ كل مِنْهُمَا حدا يشتهى عرفا لانْتِفَاء مَظَنَّة الشَّهْوَة بِخِلَاف مَا إِذا بلغاها وَإِن انْتَفَت بعد ذَلِك لنَحْو هرم كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَا شعر وَسن وظفر وَعظم لِأَن مُعظم الالتذاذ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ دون اللَّمْس وَلَا ينْقض الْعُضْو المبان غير الْفرج وَلَو قطعت الْمَرْأَة نِصْفَيْنِ هَل ينْقض كل مِنْهُمَا أَو لَا وَجْهَان وَالْأَقْرَب عدم الانتقاض قَالَ النَّاشِرِيّ وَلَو كَانَ أحد الجزأين أعظم نقض دون غَيره انْتهى وَالَّذِي يظْهر أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم امْرَأَة نقض وَإِلَّا فَلَا وَتقدم أَنه ينْتَقض الْوضُوء بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وَوَقع للنووي فِي رُؤُوس الْمسَائِل أَنه رجح عدم النَّقْض بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وعد من السَّهْو القَوْل فِي النَّقْض بالمس وشروطه (و) الْخَامِس وَهُوَ آخر النواقض (مس) شَيْء من (فرج الْآدَمِيّ) من نَفسه أَو غَيره ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا بِبَطن الْكَفّ من غير حَائِل لخَبر من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلخَبَر ابْن حبَان إِذا أفْضى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ والإفضاء لُغَة الْمس بِبَطن الْكَفّ فَثَبت النَّقْض فِي فرج نَفسه بِالنَّصِّ فَيكون فِي فرج غَيره أولى لِأَنَّهُ أفحش لهتك حُرْمَة غَيره بل ثَبت أَيْضا فِي رِوَايَة من مس ذكرا فَليَتَوَضَّأ وَهُوَ شَامِل لنَفسِهِ وَلغيره وَأما خبر عدم النَّقْض بِمَسّ الْفرج فَقَالَ ابْن حبَان وَغَيره إِنَّه مَنْسُوخ وَالْمرَاد بِبَطن الْكَفّ الرَّاحَة مَعَ بطُون الْأَصَابِع الْأصْبع الزَّائِدَة إِن كَانَت على سنَن الْأَصَابِع انْتقض الْوضُوء بالمس بهَا وَإِلَّا فَلَا وَسميت كفا لِأَنَّهَا تكف الْأَذَى عَن الْبدن وبفرج الْمَرْأَة ملتقى الشرفين على المنفذ فَلَا نقض بِمَسّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا الأليين وَلَا بِمَا بَين الْقبل والدبر وَلَا بالعانة (و) ينْقض (مس حَلقَة دبره) أَي الْآدَمِيّ (على الْجَدِيد) لِأَنَّهُ فرج وَقِيَاسًا على الْقبل بِجَامِع النَّقْض بالخارج مِنْهُمَا وَالْمرَاد بهَا ملتقى المنفذ لَا مَا وَرَاءه وَلَام حَلقَة سَاكِنة وَحكي فتحهَا وينقض مس بعض الذّكر المبان كمس كُله وَإِلَّا مَا قطع فِي الْخِتَان إِذْ لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الذّكر قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَأما قبل الْمَرْأَة والدبر فَالْمُتَّجه إِن بَقِي اسمهما بعد قطعهمَا نقض مسهما وَإِلَّا فَلَا لِأَن الحكم مَنُوط بِالِاسْمِ وَمن لَهُ ذكران نقض الْمس بِكُل مِنْهُمَا سَوَاء كَانَا عاملين أم غير عاملين لَا زَائِد مَعَ عَامل وَمحله كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ نقلا عَن الفوراني إِذا لم يكن مسامتا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كأصبع زَائِدَة مسامتة للبقية فينقض وَمن لَهُ كفان نقضتا بالمس سَوَاء أكانتا عاملتين أم غير عاملتين لَا زَائِدَة مَعَ عاملة فَلَا نقض إِذا كَانَ الكفان على معصمين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَتَا على معصم وَاحِد وَكَانَت على سمت الْأَصْلِيَّة كالأصبع الزَّائِدَة فَإِنَّهَا ينْقض الْمس بهَا وينقض فرج الْمَيِّت وَالصَّغِير وَمحل الْجب وَالذكر الأشل وباليد الشلاء وَخرج بِبَطن الْكَفّ رُؤُوس الْأَصَابِع وَمَا بَينهَا وحرفها وحرف الْكَفّ فَلَا نقض بذلك لخروجها عَن سمت الْكَفّ وَضَابِط مَا ينْقض مَا يسْتَتر عِنْد وضع إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى مَعَ تحامل يسير وبفرج الْآدَمِيّ فرج بَهِيمَة أَو طير فَلَا نقض بمسه قِيَاسا على عدم وجوب ستره وَعدم تَحْرِيم النّظر إِلَيْهِ قَاعِدَة فقهية يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام تَتِمَّة من الْقَوَاعِد المقررة الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة اسْتِصْحَاب الأَصْل وَطرح الشَّك وإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَقد أجمع النَّاس على أَن الشَّخْص لَو شكّ هَل طلق زَوجته أم لَا أَنه يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَأَنه لَو شكّ فِي امْرَأَة هَل تزَوجهَا أم لَا لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَمن ذَلِك أَنه لَا يرْتَفع يَقِين طهر أَو حدث بِظَنّ ضِدّه فَلَو تَيَقّن الطُّهْر وَالْحَدَث كَأَن وجدا مِنْهُ بعد الْفجْر وَجَهل السَّابِق مِنْهُمَا أَخذ بضد مَا قبلهمَا فَإِن كَانَ قبلهمَا مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر سَوَاء اعْتَادَ تَجْدِيد الطُّهْر أم لَا لِأَنَّهُ تَيَقّن الطُّهْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَشك فِي رافعه وَالْأَصْل عَدمه أَو متطهرا فَهُوَ الْآن مُحدث إِن اعْتَادَ التَّجْدِيد لِأَنَّهُ تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي رافعه وَالْأَصْل عَدمه بِخِلَاف مَا إِذا لم يعتده فَلَا يَأْخُذ بِهِ بل يَأْخُذ بِالطُّهْرِ لِأَن الظَّاهِر تَأَخّر طهره عَن حَدثهُ بِخِلَاف من اعتاده فَإِن لم يتَذَكَّر مَا قبلهمَا فَإِن اعْتَادَ التَّجْدِيد لزمَه الْوضُوء لتعارض الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجّح وَلَا سَبِيل إِلَى الصَّلَاة مَعَ التَّرَدُّد الْمَحْض فِي الطُّهْر وَإِلَّا أَخذ بِالطُّهْرِ وَمن هَذِه الْقَاعِدَة مَا إِذا شكّ من نَام قَاعِدا مُتَمَكنًا ثمَّ مَال وانتبه وَشك فِي أَيهمَا أسبق أَو شكّ هَل مَا رَآهُ رُؤْيا أَو حَدِيث نفس أَو هَل لمس الشّعْر أَو الْبشرَة فَلَا نقض بِشَيْء من ذَلِك فصل فِي مُوجب الْغسْل وَهُوَ بِفَتْح الْغَيْن وَضمّهَا لُغَة سيلان المَاء على الشَّيْء مُطلقًا وَالْفَتْح أشهر كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَلَكِن الْفُقَهَاء أَو أَكْثَرهم إِنَّمَا تستعمله بِالضَّمِّ وَشرعا سيلانه على جَمِيع الْبدن مَعَ النِّيَّة وَالْغسْل بِالْكَسْرِ مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من نَحْو سدر وخطمي القَوْل فِي مَا يشْتَرك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء (وَالَّذِي يُوجب الْغسْل سِتَّة أَشْيَاء) مِنْهَا (ثَلَاثَة تشترك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء) مَعًا (وَهِي) أَي الأولى (التقاء الختانين) بِإِدْخَال الْحَشَفَة وَلَا بِلَا قصد أَو كَانَ الذّكر أشل أَو غير منتشر أَو قدرهَا من مقطوعها (فرجا) من امْرَأَة وَلَو ميتَة أَو كَانَ على الذّكر خرفة ملفوفة وَلَو غَلِيظَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل أَي وَإِن لم ينزل رَوَاهُ مُسلم وَأما الْأَخْبَار الدَّالَّة على اعْتِبَار الْإِنْزَال كَخَبَر إِنَّمَا المَاء من المَاء فمنسوخة وَأجَاب ابْن عَبَّاس بِأَن مَعْنَاهُ أَنه لَا يجب الْغسْل بالاحتلام إِلَّا أَن ينزل وَذكر الختانين جري على الْغَالِب فَلَو أَدخل حشفته أَو قدرهَا من مقطوعها فِي فرج بَهِيمَة أَو فِي دبر كَانَ الحكم كَذَلِك لِأَنَّهُ جماع فِي فرج وَلَيْسَ المُرَاد بالتقاء الختانين انضمامهما لعدم إِيجَابه الْغسْل بِالْإِجْمَاع بل تحاذيهما يُقَال التقى الفارسان إِذا تحاذيا وَإِن لم ينضما وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بِإِدْخَال الْحَشَفَة فِي الْفرج إِذْ الْخِتَان مَحل الْقطع فِي الْخِتَان وختان الْمَرْأَة فَوق مخرج الْبَوْل ومخرج الْبَوْل فَوق مدْخل الذّكر وَلَو أولج حَيَوَان قردا أَو غَيره فِي آدَمِيّ وَلَا حَشَفَة لَهُ فَهَل يعْتَبر إيلاج كل ذكره أَو إيلاج قدر حَشَفَة معتدلة قَالَ الإِمَام فِيهِ نظر موكول إِلَى رَأْي الْفَقِيه انْتهى وَيَنْبَغِي اعْتِمَاد الثَّانِي ويجنب صبي مَجْنُون أولجا أَو أولج فيهمَا وَيجب عَلَيْهِمَا الْغسْل بعد الْكَمَال وَصَحَّ من مُمَيّز ويجزيه وَيُؤمر بِهِ كَالْوضُوءِ وإيلاج الْخُنْثَى وَمَا دون الْحَشَفَة لَا أثر لَهُ فِي الْغسْل وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الْوضُوء فَيجب على المولج فِيهِ بالنزع من دبره وَمن قبل أثنى وإيلاج الْحَشَفَة بالحائل جَار فِي سَائِر الْأَحْكَام كإفساد الصَّوْم وَالْحج القَوْل فِي حكم الْخُنْثَى وَيُخَير الْخُنْثَى بَين الْوضُوء وَالْغسْل بإيلاجه فِي دبر ذكر لَا مَانع من النَّقْض بلمسه أَو فِي دبر خُنْثَى أولج ذكره فِي قبل المولج لِأَنَّهُ إِمَّا جنب بِتَقْدِير ذكورته فيهمَا أَو أنوثته وذكورة الآخر فِي الثَّانِيَة أَو مُحدث بِتَقْدِير أنوثته فيهمَا مَعَ أنوثة الآخر فِي الثَّانِيَة فَيُخَير بَينهمَا كَمَا سَيَأْتِي فِيمَن اشْتبهَ عَلَيْهِ الْمَنِيّ بِغَيْرِهِ وَكَذَا يُخَيّر الذّكر إِذا أولج الْخُنْثَى فِي دبر وَلَا مَانع من النَّقْض كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي بَاب الْوضُوء أما إيلاجه فِي قبل خُنْثَى أَو فِي دبره وَلم يولج الآخر فِي قبله فَلَا يُوجب عَلَيْهِ شَيْئا وَلَو أولج رجل فِي قبل خُنْثَى فَلَا يجب عَلَيْهِمَا غسل وَلَا وضوء لاحْتِمَال أَنه رجل فَإِن أولج ذَلِك الْخُنْثَى فِي وَاضح آخر أجنب يَقِينا وَحده لِأَنَّهُ جَامع أَو جومع بِخِلَاف الآخرين لَا جَنَابَة عَلَيْهِمَا وأحدث الْوَاضِح الآخر بالنزع مِنْهُ أما إِذا أولج الْخُنْثَى فِي الرجل المولج فَإِن كلا مِنْهُمَا يجنب وَمن أولج أحد ذكريه أجنب إِن كَانَ يَبُول بِهِ وَحده وَلَا أثر للْآخر فِي نقض الطَّهَارَة إِذا لم يكن على سنَنه فَإِن كَانَ على سنَنه أَو كَانَ يَبُول بِكُل مِنْهُمَا أَو لَا يَبُول بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو كَانَ الانسداد عارضا أجنب بِكُل مِنْهُمَا (و) الثَّانِيَة (إِنْزَال) أَي خُرُوج (الْمَنِيّ) بتَشْديد الْيَاء وَسمع تخفيفها أَي مني الشَّخْص نَفسه الْخَارِج مِنْهُ أول مرّة وَإِن لم يُجَاوز فرج الثّيّب بل وصل إِلَى مَا يجب غسله فِي الِاسْتِنْجَاء أما الْبكر فَلَا بُد من بروزه إِلَى الظَّاهِر كَمَا أَنه فِي حق الرجل لَا بُد من بروزه عَن الْحَشَفَة وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر مُسلم إِنَّمَا المَاء من المَاء وَخبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم سَلمَة قَالَت جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن الله لَا يستحيي من الْحق هَل على الْمَرْأَة من غسل إِذا هِيَ احْتَلَمت قَالَ نعم إِذا رَأَتْ المَاء أما الْخُنْثَى الْمُشكل إِذا خرج الْمَنِيّ من أحد فرجيه فَلَا غسل عَلَيْهِ لاحْتِمَال أَن يكون زَائِدا مَعَ انفتاح الْأَصْلِيّ فَإِن أمنى مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وحاض من الآخر وَجب عَلَيْهِ الْغسْل القَوْل فِي خُرُوج الْمَنِيّ من غير طَرِيقه الْمُعْتَاد وَلَا فرق فِي وجوب الْغسْل بِخُرُوج الْمَنِيّ بَين أَن يخرج من طَرِيقه الْمُعْتَاد وَإِن لم يكن مستحكما أَو من غَيره إِذا كَانَ مستحكما مَعَ انسداد الْأَصْلِيّ وَخرج من تَحت الصلب فالصلب هُنَا كالمعدة فِي فصل الْحَدث فَيُفَرق بَين الانسداد الْعَارِض والخلقي كَمَا فرق هُنَاكَ كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع والصلب إِنَّمَا يعْتَبر للرجل كَمَا قَالَه فِي الْمُهِمَّات أما الْمَرْأَة فَمَا بَين ترائبها والصلب عِظَام الظّهْر كُله والترائب عِظَام الصَّدْر قَالَ تَعَالَى {يخرج من بَين الصلب والترائب} أَي صلب الرجل وترائب الْمَرْأَة فَإِن خرج غير المستحكم من غير الْمُعْتَاد كَأَن خرج لمَرض فَلَا يجب الْغسْل بِهِ بِلَا خلاف كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَلَا يجب بِخُرُوج مني غَيره مِنْهُ وَلَا بِخُرُوج منيه بعد استدخاله وَيعرف الْمَنِيّ بتدفقه بِأَن يخرج بدفعات قَالَ تَعَالَى {من مَاء دافق} وَسمي منيا لِأَنَّهُ يمنى أَي يصب أَو لَذَّة بِخُرُوجِهِ مَعَ فتور الذّكر وانكسار الشَّهْوَة عقبه وَإِن لم يتدفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 لقلته أَو خرج على لون الدَّم أَو ريح عجين حِنْطَة أَو نَحْوهَا أَو ريح طلع رطبا أَو ريح بَيَاض بيض دَجَاج أَو نَحوه جافا وَإِن لم يتلذ بِهِ وَلم يتدفق لقلته كَأَن خرج بَاقِي منيه بعد غسله أما إِذا خرج من قبل الْمَرْأَة مني جِمَاعهَا بعد غسلهَا فَلَا تعيد الْغسْل إِلَّا إِن قَضَت شهوتها فَإِن لم يكن لَهَا شَهْوَة كصغيرة أَو كَانَت وَلم تقض كنائمة لَا إِعَادَة عَلَيْهَا فَإِن قيل إِذا قَضَت شهوتها لم تتيقن خُرُوج منيها ويقين الطَّهَارَة لَا يرفع بِظَنّ الْحَدث إِذْ حدثها وَهُوَ خُرُوج منيها غير مُتَيَقن وَقَضَاء شهوتها لَا يَسْتَدْعِي خُرُوج شَيْء من منيها كَمَا قَالَه فِي التوشيح أُجِيب بِأَن قَضَاء شهوتها منزل منزلَة نومها فِي خُرُوج الْحَدث فنزلوا المظنة منزلَة المئنة وَخرج بقبل الْمَرْأَة مَا لَو وطِئت فِي دبرهَا فاغتسلت ثمَّ خرج مِنْهَا مني الرجل لم يجب عَلَيْهَا إِعَادَة الْغسْل كَمَا علم مِمَّا مر فَإِن فقدت الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْخَارِج فَلَا غسل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمني إِذا شكّ هَل هُوَ مني أَو غَيره فَإِن احْتمل كَون الْخَارِج منيا أَو غَيره كودي أَو مذي تخير بَينهمَا على الْمُعْتَمد فَإِن جعله منيا اغْتسل أَو غَيره تَوَضَّأ وَغسل مَا أَصَابَهُ لِأَنَّهُ إِذا أَتَى بِمُقْتَضى أَحدهمَا برىء مِنْهُ يَقِينا وَالْأَصْل بَرَاءَته من الآخر وَلَا معَارض لَهُ بِخِلَاف من نسي صَلَاة من صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يلْزمه فعلهمَا لاشتغال ذمَّته بهما جَمِيعًا وَالْأَصْل بَقَاء كل مِنْهُمَا وَإِذا اخْتَار أَحدهمَا وَفعله اعْتد بِهِ فَإِن لم يَفْعَله كَانَ لَهُ الرُّجُوع عَنهُ وَفعل الآخر إِذْ لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ شَيْء بِاخْتِيَارِهِ وَلَو استدخلت الْمَرْأَة ذكرا مَقْطُوعًا أَو قدر الْحَشَفَة مِنْهُ لَزِمَهَا الْغسْل كَمَا فِي الرَّوْضَة وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا فرق بَين استدخاله من رَأسه أَو أَصله أَو وَسطه بِجمع طَرفَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَفِي ذَلِك نظر انْتهى وَالظَّاهِر أَن الْمعول على الْحَشَفَة حَيْثُ وجدت وَظَاهر كَلَام الْمِنْهَاج أَن مني الْمَرْأَة يعرف بالخواص الْمَذْكُورَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَر وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ لَا يعرف إِلَّا بالتلذذ وَقَالَ ابْن صَلَاح لَا يعرف إِلَّا بالتلذذ وَالرِّيح وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَالْأول هُوَ الظَّاهِر وَيُؤَيِّدهُ كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة قَول الْمُخْتَصر وَإِذا رَأَتْ الْمَرْأَة المَاء الدافق فرع لَو رأى فِي فرَاشه أَو ثَوْبه وَلَو بِظَاهِرِهِ منيا لَا يحْتَمل أَنه من غَيره لزمَه الْغسْل وإعادة كل صَلَاة لَا يحْتَمل خلوها عَنهُ وَيسن إِعَادَة كل صَلَاة احْتمل خلوها عَنهُ وَإِن احْتمل كَونه من آخر نَام مَعَه فِي فرَاشه مثلا فَإِنَّهُ يسن لَهما الْغسْل والإعادة وَلَو أحس بنزول الْمَنِيّ فَأمْسك ذكره فَلم يخرج مِنْهُ شَيْء فَلَا غسل عَلَيْهِ كَمَا علم مِمَّا مر وَصرح بِهِ فِي الرَّوْضَة (و) الثَّالِثَة (الْمَوْت) لمُسلم غير شَهِيد كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْجَنَائِز لحَدِيث الْمحرم الَّذِي وقصته نَاقَته فَقَالَ اغسلوه بِمَاء وَسدر رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَظَاهره الْوُجُوب وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة والوقص كسر الْعُنُق القَوْل فِي مَا يخْتَص بِهِ النِّسَاء (وَثَلَاثَة) مِنْهَا (تخْتَص بهَا النِّسَاء وَهِي) أَي الأولى (الْحيض) لقَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} أَي الْحيض وَلخَبَر البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 (و) الثَّانِيَة (النّفاس) لِأَنَّهُ دم حيض مُجْتَمع وَيعْتَبر مَعَ خُرُوج كل مِنْهُمَا وانقطاعه الْقيام إِلَى الصَّلَاة أَو نَحْوهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيّ وَالتَّحْقِيق وَإِن صحّح فِي الْمَجْمُوع أَن مُوجبه الِانْقِطَاع فَقَط (و) الثَّالِثَة (الْولادَة) وَلَو علقَة أَو مُضْغَة وَلَو بِلَا بَلل لِأَنَّهُ مني مُنْعَقد وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن بَلل غَالِبا فأقيم مقَامه كالنوم مَعَ الْخَارِج وتفطر بِهِ الْمَرْأَة على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَغَيره القَوْل فِي مَا يحرم على الْحَائِض وَالْجنب تَتِمَّة يحرم على الْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء مَا حرم بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر لِأَنَّهَا أغْلظ مِنْهُ وشيئان آخرَانِ أَحدهمَا الْمكْث لمُسلم غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَسْجِدِ أَو التَّرَدُّد فِيهِ لغير عذر لقَوْله تَعَالَى {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره لَا تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عبور سَبِيل بل موَاضعهَا وَهُوَ الْمَسْجِد وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد} وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبَوَيْهَا وَقَالَ ابْن الْقطَّان إِنَّه حسن وَخرج بالمكث والتردد العبور لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة وكما لَا يحرم لَا يكره إِن كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَض مثل أَن يكون الْمَسْجِد أقرب طريقيه فَإِن لم يكن لَهُ غَرَض كره كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَحَيْثُ عبر لَا يُكَلف الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي بل يمشي على الْعَادة وبالمسلم الْكَافِر فَإِنَّهُ يُمكن من الْمكْث فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَبِغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فَلَا يحرم عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص ذكر من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُخُوله الْمَسْجِد جنبا وبالمسجد الْمدَارِس والربط ومصلى الْعِيد وَنَحْو ذَلِك وَبلا عذر مَا إِذا حصل لَهُ عذر كَأَن احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِد وَتعذر عَلَيْهِ الْخُرُوج لإغلاق بَابه أَو خوف على نَفسه أَو عضوه أَو مَنْفَعَة ذَلِك أَو على مَاله فَلَا يحرم عَلَيْهِ الْمكْث وَلَكِن يجب عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن يتَيَمَّم إِن وجد غير تُرَاب الْمَسْجِد فَإِن لم يجد غَيره لَا يجوز لَهُ أَن يتَيَمَّم بِهِ فَلَو خَالف وَتيَمّم بِهِ صَحَّ تيَمّمه كالتيمم بِتُرَاب مَغْصُوب وَالْمرَاد بِتُرَاب الْمَسْجِد الدَّاخِل فِي وَقفه لَا الْمَجْمُوع من ريح وَنَحْوه وَثَانِيهمَا يحرم على من ذكر قِرَاءَة الْقُرْآن بِاللَّفْظِ فِي حق النَّاطِق وبالإشارة فِي حق الْأَخْرَس كَمَا قَالَه القَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا منزلَة النُّطْق هُنَا وَذَلِكَ لحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن وَيجوز لمن بِهِ حدث أكبر إِجْرَاء الْقُرْآن على قلبه وَنظر فِي الْمُصحف وَقِرَاءَة مَا نسخت تِلَاوَته وتحريك لِسَانه وهمسه بِحَيْثُ لَا يسمع نَفسه لِأَنَّهَا لَيست بِقِرَاءَة قُرْآن وفاقد الطهُورَيْنِ يقْرَأ الْفَاتِحَة وجوبا فَقَط للصَّلَاة لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَيْهَا أما خَارج الصَّلَاة فَلَا يجوز لَهُ أَن يقْرَأ شَيْئا وَلَا أَن تُوطأ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا انْقَطع دَمهَا وَيحل لمن ذكر أذكار الْقُرْآن وَغَيرهَا كمواعظه وأخباره وَأَحْكَامه لَا بِقصد قُرْآن كَقَوْلِه عِنْد الرّكُوب {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} أَي مطيقين وَعند الْمُصِيبَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} فَإِن قصد الْقُرْآن وَحده أَو مَعَ الذّكر حرم وَإِن أطلق فَلَا كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي الدقائق لعدم الْإِخْلَال بحرمته لِأَنَّهُ لَا يكون قُرْآنًا إِلَّا بِالْقَصْدِ قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره وَيسن للْجنب غسل الْفرج وَالْوُضُوء للْأَكْل وَالشرب وَالنَّوْم وَالْجِمَاع وللحائض وَالنُّفَسَاء بعد انْقِطَاع دمهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 (فصل فِي أَحْكَام الْغسْل) (وفرائض الْغسْل) وَلَو مسنونا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) على مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ من عدم الِاكْتِفَاء بغسلة عَن الْحَدث والخبث وفرضان على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي كتبه من الِاكْتِفَاء لَهما بغسلة وَهُوَ الْمَذْهَب الأول (النِّيَّة) لحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فينوي رفع الْجَنَابَة أَي رفع حكمهَا إِن كَانَ جنبا وَرفع حدث الْحيض إِن كَانَت حَائِضًا أَو لتوطأ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَو الْغسْل من الْحيض كَمَا قَالَه ابْن الْمقري فَلَو نوى شخص رفع الْجَنَابَة وحدثه الْحيض أَو عَكسه أَو نوى رفع جَنَابَة الْجِمَاع وجنابته باحتلام أَو عَكسه صَحَّ مَعَ الْغَلَط دون الْعمد كَنَظِيرِهِ فِي الْوضُوء ذكر ذَلِك فِي الْمَجْمُوع وَقَضِيَّة تَعْلِيلهم إِيجَاب الْغسْل فِي النّفاس بِكَوْنِهِ دم حيض مُجْتَمع أَنه يَصح أَحدهمَا بِالْآخرِ وَبِه جزم فِي الْبَيَان وَيَكْفِي نِيَّة رفع الْحَدث عَن كل الْبدن وَكَذَا مُطلقًا فِي الْأَصَح لاستلزام رفع الْمُطلق رفع الْمُقَيد وَلِأَنَّهُ ينْصَرف إِلَى حَدثهُ لوُجُود الْقَرِينَة الحالية فَلَو نوى الْأَكْبَر كَانَ تَأْكِيدًا أَو لَو نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر عمدا لم ترْتَفع جنابته لتلاعبه أَو غَلطا ارْتَفَعت جنابته عَن أَعْضَاء الْأَصْغَر لِأَن غسلهَا وَاجِب فِي الحدثين وَقد غسلهَا بنيته إِلَّا الرَّأْس فَلَا ترْتَفع عَنهُ لِأَن غسله وَقع عَن مَسحه الَّذِي هُوَ فرض فِي الْأَصْغَر وَهُوَ إِنَّمَا نوى الْمسْح وَهُوَ لَا يُغني عَن الْغسْل بِخِلَاف بَاطِن لحية الرجل الكثيفة فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَن غسل الْوَجْه هُوَ الأَصْل فَإِذا غسله فقد أَتَى الأَصْل أما غير أَعْضَاء الْأَصْغَر فَلَا ترْتَفع جنابته لِأَنَّهُ لم يُنَوّه قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَو اجْتمع على الْمَرْأَة غسل حيض وجنابة كفت نِيَّة أَحدهمَا قطعا أَو يَنْوِي اسْتِبَاحَة مفتقر إِلَى غسل كَأَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطّواف مِمَّا يتَوَقَّف على غسل فَإِن نوى مَا لَا يفْتَقر إِلَيْهِ كالغسل ليَوْم الْعِيد لم يَصح أَو يَنْوِي أَدَاء فرض الْغسْل أَو فرض الْغسْل أَو الْغسْل الْمَفْرُوض أَو أَدَاء الْغسْل وَكَذَا الطَّهَارَة للصَّلَاة أما إِذا نوى الْغسْل فَقَط فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي وَتقدم الْفرق بَينه وَبَين الْوضُوء فِي فَصله وَتَكون النِّيَّة مقرونة بِأول مَا يغسل من الْبدن سَوَاء أَكَانَ من أَعْلَاهُ أم من أَسْفَله إِذْ لَا تَرْتِيب فِيهِ فَلَو نوى بعد غسل جُزْء مِنْهُ وَجب إِعَادَة غسله قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَإِذا اغْتسل من إِنَاء كإبريق يَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْوِي عِنْد غسل مَحل الِاسْتِنْجَاء بعد فَرَاغه مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 لِأَنَّهُ قد يغْفل عَنهُ أَو يحْتَاج إِلَى الْمس فينتقض وضوءه أَو إِلَى كلفة فِي لف خرقَة على يَده القَوْل فِي حكم إِزَالَة النَّجَاسَة الَّتِي على بدن المغتسل (و) الثَّانِي (إِزَالَة النَّجَاسَة إِن كَانَت على شَيْء من بدنه) على الْمُصَحح عِنْد الرَّافِعِيّ وَقد عرفت فِيمَا تقدم ضعفه وَأَن الْأَصَح أَنه يَكْفِي لَهما غسلة وَاحِدَة كَمَا لَو اغْتَسَلت من جَنَابَة وحيض وَلِأَن واجبهما غسل الْعُضْو وَقد حصل وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ النَّجس حكميا كَمَا فِي الْمَجْمُوع ويرفعهما المَاء مَعًا وللسابعة فِي الْمُغَلَّظَة حكم هَذِه الغسلة فَإِن كَانَ النَّجس عينيا وَلم يزل بَقِي الْحَدث أما غير السَّابِعَة فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة فَلَا يرْتَفع حدث ذَلِك الْمحل لبَقَاء نَجَاسَته (و) الثَّالِث (إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع) أَجزَاء (الشّعْر) ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف وَيجب نقض الضفائر إِن لم يصل المَاء إِلَى بَاطِنهَا إِلَّا بِالنَّقْضِ لَكِن يُعْفَى عَن بَاطِن الشّعْر الْمَعْقُود وَلَا يجب غسل الشّعْر النَّابِت فِي الْعين أَو الْأنف وَإِن كَانَ يجب غسله من النَّجَاسَة لغلظها (و) إِلَى جَمِيع أَجزَاء (الْبشرَة) حَتَّى الْأَظْفَار وَمَا يظْهر من صماخي الْأُذُنَيْنِ وَمن فرج الْمَرْأَة عِنْد قعودها لقَضَاء الْحَاجة وَمَا تَحت القلفة وَمَوْضِع شعر نتفه قبل غسله قَالَ الْبَغَوِيّ وَمن بَاطِن جدري اتَّضَح فَائِدَة لَو اتخذ لَهُ أُنْمُلَة أَو أنفًا من ذهب أَو فضَّة وَجب عَلَيْهِ غسله من حدث أَصْغَر أَو أكبر وَمن نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ غسل مَا ظهر من الْأصْبع وَالْأنف بِالْقطعِ وَقد تعذر للْعُذْر فَصَارَت الْأُنْمُلَة وَالْأنف كالأصليين وَلَا يجب فِي الْغسْل مضمضة وَلَا استنشاق بل يسن كَمَا فِي الْوضُوء وَغسل الْمَيِّت القَوْل فِي سنَن الْغسْل (وسننه) أَي الْغسْل كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة أَشْيَاء) وَسَنذكر مِنْهَا أَشْيَاء بعد ذَلِك الأولى (التَّسْمِيَة) مقرونة بِالنِّيَّةِ كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع هُنَا وَقد تقدم فِي الْوضُوء بَيَان أكملها (و) الثَّانِيَة (الْوضُوء) كَامِلا (قبله) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَسَوَاء أقدم الْوضُوء كُله أَو بعضه أم أَخّرهُ أم فعله فِي أثْنَاء الْغسْل فَهُوَ مُحَصل للسّنة لَكِن الْأَفْضَل تَقْدِيمه ثمَّ إِن تجردت الْجَنَابَة عَن الْحَدث الْأَصْغَر كَأَن احْتَلَمَ وَهُوَ جَالس مُتَمَكن نوى سنة الْغسْل وَإِلَّا نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر وَإِن قُلْنَا ينْدَرج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه فَإِن ترك الْوضُوء أَو الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق كره لَهُ وَيسن لَهُ أَن يتدارك ذَلِك (و) الثَّالِثَة (إمرار الْيَد) فِي كل مرّة من الثَّلَاث (على) مَا أمكنه من (الْجَسَد) فيدلك مَا وصلت إِلَيْهِ يَده من بدنه احْتِيَاطًا وخروجا من خلاف من أوجبه وَإِنَّمَا لم يجب عندنَا لِأَن الْآيَة وَالْأَحَادِيث لَيْسَ فيهمَا تعرض لوُجُوبه ويتعهد معاطفه كَأَن يَأْخُذ المَاء بكفه فَيَجْعَلهُ على الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا انعطاف والتواء كالإبط والأذنين وطبقات الْبَطن وداخل السُّرَّة لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الثِّقَة بوصول المَاء ويتأكد فِي الْأذن فَيَأْخُذ كفا من مَاء وَيَضَع الْأذن عَلَيْهِ بِرِفْق ليصل المَاء إِلَى معاطفه وزواياه (و) الرَّابِعَة (الْمُوَالَاة) وَهِي غسل الْعُضْو قبل جفاف مَا قبله كَمَا مر فِي الْوضُوء (و) الْخَامِسَة (تَقْدِيم) غسل جِهَة (الْيُمْنَى) من جسده ظهرا وبطنا (على) غسل جِهَة (الْيُسْرَى) بِأَن يفِيض المَاء على شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي طهوره مُتَّفق عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَقدمنَا أَن سنَن الْغسْل كَثِيرَة فَمِنْهَا التَّثْلِيث تأسيا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي الْوضُوء وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن يتعهد مَا ذكر ثمَّ يغسل رَأسه ويدلكه ثَلَاثًا ثمَّ بَاقِي جسده كَذَلِك بِأَن يغسل ويدلك شقة الْأَيْمن الْمُقدم ثمَّ الْمُؤخر ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك مرّة ثمَّ ثَانِيَة ثمَّ ثَالِثَة كَذَلِك للْأَخْبَار الصَّحِيحَة الدَّالَّة على ذَلِك وَلَو انغمس فِي مَاء فَإِن كَانَ جَارِيا كفى فِي التَّثْلِيث أَن يمر عَلَيْهِ ثَلَاث جريات لَكِن قد يفوتهُ الدَّلْك لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن مِنْهُ غَالِبا تَحت المَاء إِذْ رُبمَا يضيق نَفسه وَإِن كَانَ راكدا انغمس فِيهِ ثَلَاثًا بِأَن يرفع رَأسه مِنْهُ أَو ينْقل قَدَمَيْهِ أَو ينْتَقل فِيهِ من مقَامه إِلَى آخر ثَلَاثًا لَا يحْتَاج إِلَى انْفِصَال جملَته وَلَا رَأسه كَمَا فِي التسبيع من نَجَاسَة الْكَلْب فَإِن حركته تَحت المَاء كجري المَاء عَلَيْهِ وَلَا يسن تَجْدِيد الْغسْل لِأَنَّهُ لم ينْقل وَلما فِيهِ من الْمَشَقَّة بِخِلَاف الْوضُوء فَيسنّ تجديده إِذا صلى بِالْأولِ صَلَاة مَا كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي بَاب النّذر من زَوَائِد الرَّوْضَة لما روى أَبُو دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَوَضَّأ على طهر كتب الله لَهُ عشر حَسَنَات وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام يجب الْوضُوء لكل صَلَاة فنسخ الْوُجُوب وَبَقِي أصل الطّلب وَيسن أَن تتبع الْمَرْأَة غير الْمُحرمَة والمحدة لحيض أَو نِفَاس أثر الدَّم مسكا فتجعله فِي قطنة وَتدْخلهَا الْفرج بعد غسلهَا وَهُوَ المُرَاد بالأثر وَيكرهُ تَركه بِلَا عذر كَمَا فِي التَّنْقِيح والمسك فَارسي مُعرب الطّيب الْمَعْرُوف فَإِن لم تَجِد الْمسك أَو لم تمسح بِهِ فنحوه مِمَّا فِيهِ حرارة كالقسط والأظفار فَإِن لم تَجِد طيبا فطينا فَإِن لم تَجدهُ كفى المَاء أما الْمُحرمَة فَيحرم عَلَيْهَا الطّيب بأنواعه والمحدة تسْتَعْمل قَلِيل قسط أَو أظفار وَيسن أَن لَا ينقص مَاء الْوضُوء فِي معتدل الْجَسَد عَن مد تَقْرِيبًا وَهُوَ رَطْل وَثلث بغدادي وَالْغسْل عَن صَاع تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَة أَمْدَاد لحَدِيث مُسلم عَن سفينة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغسلهُ الصَّاع ويوضئه الْمَدّ وَيكرهُ أَن يغْتَسل فِي المَاء الراكد وَإِن كثر أَو بِئْر مُعينَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك فِي غير المستبحر فَائِدَة قَالَ فِي الْإِحْيَاء لَا يَنْبَغِي أَن يحلق أَو يقلم أَو يستحد أَو يخرج دَمًا أَو يبين من نَفسه جُزْءا وَهُوَ جنب إِذْ ترد إِلَيْهِ سَائِر أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَة فَيَعُود جنبا وَيُقَال إِن كل شَعْرَة تطالب بجنابتها وَيجوز أَن ينْكَشف للْغسْل فِي خلْوَة أَو بِحَضْرَة من يجوز لَهُ نظره إِلَى عَوْرَته والستر أفضل القَوْل فِي حكم من اجْتمع عَلَيْهِ أغسال وَمن اغْتسل لجنابة وَنَحْوهَا كحيض وجمعة وَنَحْوهَا كعيد حصل غسلهمَا كَمَا لَو نوى الْفَرْض وتحية الْمَسْجِد أَو نوى أَحدهمَا حصل فَقَط اعْتِبَارا بِمَا نَوَاه وَإِنَّمَا لم ينْدَرج النَّفْل فِي الْفَرْض لِأَنَّهُ مَقْصُود فَأشبه سنة الظّهْر مَعَ فَرْضه فَإِن قيل لَو نوى بِصَلَاتِهِ الْفَرْض دون التَّحِيَّة حصلت التَّحِيَّة وَإِن لم ينوها أُجِيب بِأَن الْقَصْد ثمَّ إشغال الْبقْعَة بِصَلَاة وَقد حصل وَلَيْسَ الْقَصْد هُنَا النَّظَافَة فَقَط بِدَلِيل أَنه يتَيَمَّم عِنْد عَجزه عَن المَاء وَمن وَجب عَلَيْهِ فرضان كغسلي جَنَابَة وحيض كَفاهُ الْغسْل لأَحَدهمَا وَكَذَا لَو سنّ فِي حَقه سنتَانِ كغسلي عيد وجمعة وَلَا يضر التَّشْرِيك بِخِلَاف نَحْو الظّهْر مَعَ سنته لِأَن مبْنى الطهارات على التَّدَاخُل بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو أحدث ثمَّ أجنب أَو أجنب ثمَّ أحدث أَو أجنب وأحدث وأحدث مَعًا كفى الْغسْل لاندراج الْوضُوء فِي الْغسْل تَتِمَّة يُبَاح للرِّجَال دُخُول الْحمام وَيجب عَلَيْهِم غض الْبَصَر عَمَّا لَا يحل لَهُم وصون عَوْرَاتهمْ عَن الْكَشْف بِحَضْرَة من لَا يحل لَهُم النّظر إِلَيْهَا وَقد رُوِيَ أَن الرجل إِذا دخل الْحمام عَارِيا لَعنه ملكاه رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {كراما كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وروى الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حرَام على الرِّجَال دُخُول الْحمام إِلَّا بمئزر أما النِّسَاء فَيكْرَه لَهُنَّ بِلَا عذر لخَبر مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَلِأَن أمرهن مَبْنِيّ على الْمُبَالغَة فِي السّتْر وَلما فِي خروجهن واجتماعهن من الْفِتْنَة وَالشَّر وَيَنْبَغِي أَن يكون الخناثى كالنساء وَيجب أَن لَا يزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فِي المَاء على قدر الْحَاجة وَلَا الْعَادة (وآدابه) أَن يقْصد التَّطْهِير والتنظيف لَا الترفه والتنعم وَأَن يسلم الْأُجْرَة قبل دُخُوله وَأَن يُسَمِّي للدخول ثمَّ يتَعَوَّذ كَمَا فِي دُخُول الْخَلَاء وَأَن يذكر بحرارته حرارة نَار جَهَنَّم لشبهه بهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَا بَأْس بقوله لغيره عافاك الله وَلَا بالمصافحة وَيَنْبَغِي لمن يخالط النَّاس التَّنْظِيف والسواك وَإِزَالَة الشّعْر وَإِزَالَة ريح كريهة وَحسن الْأَدَب مَعَهم وَالله أعلم فصل فِي الأغسال المسنونة (والاغتسالات المسنونة) كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (سَبْعَة عشر غسلا) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة وسأذكر زِيَادَة على ذَلِك الأول من السَّبْعَة عشر (غسل الْجُمُعَة) لمن يُرِيد حُضُورهَا وَإِن لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة لحَدِيث إِذا جَاءَ أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل وَلخَبَر الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح من أَتَى الْجُمُعَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء فليغتسل وَمن لم يأتها فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَرُوِيَ غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم أَي متأكد وَصرف هَذَا عَن الْوُجُوب خبر من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت وَمن اغْتسل فالغسل أفضل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَوَقته من الْفجْر الصَّادِق لِأَن الْأَخْبَار علقته بِالْيَوْمِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ رَاح فِي السَّاعَة الأولى الحَدِيث وتقريبه من ذَهَابه إِلَى الْجُمُعَة أفضل لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْمَقْصُود من انْتِفَاء الرَّائِحَة الكريهة لولو تعَارض الْغسْل والتبكير فمراعاة الْغسْل أولى لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي وُجُوبه وَلَا يبطل غسل الْجُمُعَة بِالْحَدَثِ وَلَا بالجنابة فيغتسل وَيكرهُ تَركه بِلَا عذر على الْأَصَح (و) الثَّانِي وَالثَّالِث (غسل الْيَدَيْنِ) الْفطر والأضحى لكل أحد وَإِن لم يحضر الصَّلَاة لِأَنَّهُ يَوْم زِينَة فالغسل لَهُ بِخِلَاف الْجُمُعَة وَيدخل وَقت غسلهمَا بِنصْف اللَّيْل وَإِن كَانَ الْمُسْتَحبّ فعله بعد الْفجْر لِأَن أهل السوَاد يبكرون إِلَيْهِمَا من قراهم فَلَو لم يكف الْغسْل لَهما قبل الْفجْر لشق عَلَيْهِم فعلق بِالنِّصْفِ الثَّانِي لقُرْبه من الْيَوْم كَمَا قيل فِي أَذَان الْفجْر (و) الرَّابِع غسل صَلَاة (الاسْتِسْقَاء) عِنْد الْخُرُوج لَهَا (و) الْخَامِس غسل صَلَاة (الخسوف) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة للقمر (و) السَّادِس غسل صَلَاة (الْكُسُوف) بِالْكَاف للشمس وَتَخْصِيص الخسوف بالقمر والكسوف بالشمس هُوَ الْأَفْصَح كَمَا فِي الصِّحَاح وَحكي عَكسه وَقيل الْكُسُوف بِالْكَاف أَوله فيهمَا والخسوف آخِره وَقيل غير ذَلِك (و) السَّابِع (الْغسْل من غسل الْمَيِّت) سَوَاء أَكَانَ الْمَيِّت مُسلما أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ الْغَاسِل طَاهِرا أم لَا كحائض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غسل مَيتا فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَإِنَّمَا لم يجب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ عَلَيْكُم فِي غسل ميتكم غسل إِذا غسلتموه رَوَاهُ الْحَاكِم وَيسن الْوضُوء من مَسّه (و) الثَّامِن (غسل الْكَافِر) وَلَو مُرْتَدا (إِذا أسلم) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ وَقد أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيس بن عَاصِم بِهِ لما أسلم وَإِنَّمَا لم يجب لِأَن جمَاعَة أَسْلمُوا وَلم يَأْمُرهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْغسْلِ هَذَا إِن لم يعرض لَهُ فِي كفره مَا يُوجب الْغسْل وَإِلَّا وَجب على الْأَصَح وَلَا عِبْرَة بِالْغسْلِ فِي الْكفْر على الْأَصَح تنيبه قد علم من كَلَامه أَن وَقت الْغسْل بعد إِسْلَامه لتصح النِّيَّة وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى تَأْخِير الْإِسْلَام بعده بل الْمُصَرّح بِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 كَلَامهم تَكْفِير من قَالَ لكَافِر جَاءَهُ ليسلم اذْهَبْ فاغتسل ثمَّ أسلم لرضاه بِبَقَائِهِ على الْكفْر تِلْكَ اللحظة (و) التَّاسِع غسل (الْمَجْنُون) وَإِن تقطع جُنُونه (و) الْعَاشِر غسل (الْمغمى عَلَيْهِ) وَلَو لَحْظَة (إِذا أفاقا) وَلم يتَحَقَّق مِنْهُمَا إِنْزَال لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاء رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُون بل أولى لِأَنَّهُ يُقَال كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قل من جن إِلَّا وَأنزل (و) الْحَادِي عشر (الْغسْل عِنْد الْإِحْرَام) بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما وَلَو حَال حيض الْمَرْأَة ونفاسها (و) الثَّانِي عشر الْغسْل (لدُخُول مَكَّة) المشرفة وَلَو كَانَ حَلَالا على الْمَنْصُوص فِي الْأُم قَالَ السُّبْكِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يكون هَذَا من أغسال الْحَج إِلَّا من جِهَة أَنه يَقع فِيهِ وَيسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو أحرم الْمَكِّيّ بِعُمْرَة من مَحل قريب كالتنعيم واغتسل لم ينْدب لَهُ الْغسْل لدُخُول مَكَّة (و) الثَّالِث عشر الْغسْل (للوقوف بِعَرَفَة) وَالْأَفْضَل كَونه بنمرة وَيحصل أصل السّنة فِي غَيرهَا وَقبل الزَّوَال بعد الْفجْر لَكِن تقريبه للزوال أفضل كتقريبه من ذَهَابه فِي غسل الْجُمُعَة (و) الرَّابِع عشر الْغسْل (للْمَيت بِمُزْدَلِفَة) على طَريقَة ضَعِيفَة لبَعض الْعِرَاقِيّين وَالْمذهب فِي الرَّوْضَة وَحَكَاهُ فِي الزَّوَائِد عَن الْجُمْهُور وَنَصّ الْأُم اسْتِحْبَابه للوقوف بِمُزْدَلِفَة بعد صبح يَوْم النَّحْر وَهُوَ الْوُقُوف بالمشعر الْحَرَام (و) الْخَامِس عشر الْغسْل (لرمي الْجمار الثَّلَاث) فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا غسل لرمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر قَالَ فِي الرَّوْضَة اكْتِفَاء بِغسْل الْعِيد وَلِأَن وقته متسع بِخِلَاف رمي أَيَّام التَّشْرِيق (و) السَّادِس عشر وَالسَّابِع عشر (الْغسْل للطَّواف) أَي لكل من طواف الْإِفَاضَة والوداع وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي منسكه الْكَبِير وَقَالَ فِيهِ أَيْضا إِن الِاغْتِسَال للحلق مسنون لكنه فِي الرَّوْضَة تبعا لكثير قَالَ وَزَاد فِي الْقَدِيم ثَلَاثَة أغسال لطواف الْإِفَاضَة والوداع وللحلق قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَحَاصِله أَن الْجَدِيد عدم الِاسْتِحْبَاب لهَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْمِنْهَاج انْتهى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَقد قدمنَا أَن الأغسال المسنونة لَا تَنْحَصِر فِيمَا قَالَه المُصَنّف بل مِنْهَا الْغسْل من الْحجامَة وَمن الْخُرُوج فِي الْحمام عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج وللاعتكاف وَلكُل لَيْلَة من رَمَضَان وَقَيده الْأَذْرَعِيّ بِمن يحضر الْجَمَاعَة وَهُوَ ظَاهر ولدخول الْحرم ولحلق الْعَانَة ولبلوغ الصَّبِي بِالسِّنِّ ولدخول الْمَدِينَة المشرفة وَهِي مَوْجُودَة فِي بعض النّسخ فَيكون هُوَ السَّابِع عشر وَعند سيلان الْوَادي ولتغيير رَائِحَة الْبدن وَعند كل اجْتِمَاع من مجامع الْخَيْر أما الْغسْل للصلوات الْخمس فَلَا يسن لَهَا لما فِي ذَلِك من الْمَشَقَّة وآكد هَذِه الاغتسالات غسل الْجُمُعَة ثمَّ غسل غاسل الْمَيِّت تَنْبِيه قَالَ الزَّرْكَشِيّ قَالَ بَعضهم إِذا أَرَادَ الْغسْل للمسنونات نوى أَسبَابهَا إِلَّا الْغسْل من الْجُنُون فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَة وَكَذَا الْمغمى عَلَيْهِ ذكره صَاحب الْفُرُوع انْتهى وَمحل هَذَا إِذا جن أَو أُغمي عَلَيْهِ بعد بُلُوغه لقَوْل الشَّافِعِي قل من جن إِلَّا وَأنزل أما إِذا جن أَو أُغمي عَلَيْهِ قبل بُلُوغه ثمَّ أَفَاق قبله فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَب كَغَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وأخباره كَثِيرَة كَخَبَر ابْني خُزَيْمَة وحبان فِي صَحِيحهمَا عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر فَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا وروى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ حَدثنِي سَبْعُونَ من الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين إِن قِرَاءَة الْجَرّ فِي قَوْله تَعَالَى {وأرجلكم} للمسح على الْخُفَّيْنِ القَوْل فِي حكم الْمسْح (وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ جَائِز) فِي الْوضُوء بَدَلا عَن غسل الرجلَيْن فَالْوَاجِب على لابسه الْغسْل أَو الْمسْح وَالْغسْل أفضل كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فِي آخر بَاب صَلَاة الْمُسَافِر نعم إِن ترك الْمسْح رَغْبَة عَن السّنة أَو شكا فِي جَوَازه أَي لم تطمئِن نَفسه إِلَيْهِ لَا أَنه شكّ هَل يجوز لَهُ فعله أَو لَا أَو خَافَ فَوت الْجَمَاعَة أَو عَرَفَة أَو إنقاذ أَسِير أَو نَحْو ذَلِك فالمسح أفضل بل يكره تَركه فِي الأولى وَكَذَا القَوْل فِي سَائِر الرُّخص واللائق فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوب وَخرج بِالْوضُوءِ إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْغسْل وَلَو مَنْدُوبًا فَلَا مسح فيهمَا وبالمسح على الْخُفَّيْنِ مسح خف رجل مَعَ غسل الْأُخْرَى فَلَا يجوز وللأقطع لبس خف فِي السالمة إِلَّا إِن بَقِي بعض المقطوعة فَلَا يَكْفِي ذَلِك حَتَّى يلبس ذَلِك الْبَعْض خفا وَلَو كَانَت إِحْدَى رجلَيْهِ عليلة لم يجز إلباس الْأُخْرَى الْخُف للمسح عَلَيْهِ إِذا يجب التَّيَمُّم عَن العليلة فَهِيَ كالصحيحة القَوْل فِي شُرُوط الْمسْح وَإِنَّمَا يَصح الْمسْح هُنَا (بِثَلَاثَة شَرَائِط) وَترك رَابِعا كَمَا ستعرفه الأول (أَن يبتدىء) مُرِيد الْمسْح على الْخُفَّيْنِ (لبسهما بعد كَمَال) أَي تَمام (الطَّهَارَة) من الحدثين للْحَدِيث السَّابِق فَلَو لبسهما قبل غسل رجلَيْهِ وغسلهما فِي الْخُفَّيْنِ لم يجز الْمسْح إِلَّا أَن ينزعهما من مَوضِع الْقدَم ثمَّ يدخلهما فِي الْخُفَّيْنِ وَلَو أَدخل إِحْدَاهمَا بعد غسلهَا ثمَّ غسل الْأُخْرَى وأدخلها لم يجز الْمسْح إِلَّا أَن ينْزع الأولى من مَوضِع الْقدَم ثمَّ يدخلهَا فِي الْخُف وَلَو غسلهمَا فِي سَاق الْخُفَّيْنِ ثمَّ أدخلهما مَوضِع الْقدَم جَازَ الْمسْح وَلَو ابْتَدَأَ اللّبْس بعد غسلهمَا ثمَّ أحدث قبل وصولهما إِلَى مَوضِع الْقدَم لم يجز الْمسْح وَلَو كَانَ عَلَيْهِ الْحدثَان فَغسل أَعْضَاء الْوضُوء عَنْهُمَا وَلبس الْخُف قبل غسل بَاقِي بدنه لم يمسح عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لبسه قبل كَمَال الطَّهَارَة فَإِن قيل لَفْظَة كَمَال لَا حَاجَة إِلَيْهَا لِأَن حَقِيقَة الطُّهْر أَن يكون كَامِلا وَلذَلِك اعْترض الرَّافِعِيّ على الْوَجِيز بِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى قيد التَّمام لِأَن من لم يغسل رجلَيْهِ أَو إِحْدَاهمَا يَنْتَظِم أَن يُقَال إِنَّه لَيْسَ على طهر وَأجِيب بِأَن ذَلِك ذكر تَأْكِيدًا أَو لاحْتِمَال توهم إِرَادَة الْبَعْض حَقِيقَة السّتْر فِي الْخُفَّيْنِ (و) الثَّانِي من الشُّرُوط (أَن يَكُونَا) أَي الخفان (ساترين لمحل غسل الْفَرْض من الْقَدَمَيْنِ) فِي الْوضُوء وَهُوَ الْقدَم بكعبيه من سَائِر الجوانب لَا من الْأَعْلَى فَلَو رئي الْقدَم من أَعْلَاهُ كَأَن كَانَ وَاسع الرَّأْس لم يضر عكس سَاتِر الْعَوْرَة فَإِنَّهُ من الْأَعْلَى والجوانب لَا من الْأَسْفَل لِأَن الْقَمِيص مثلا فِي ستر الْعَوْرَة يتَّخذ لستر أَعلَى الْبدن والخف يتَّخذ لستر أَسْفَل الرجل فَإِن قصر عَن مَحل الْفَرْض أَو كَانَ بِهِ تخرق فِي مَحل الْفَرْض ضرّ وَلَو تخرقت البطانة أَو الطَّهَارَة وَالْبَاقِي صفيق لم يضر وَإِلَّا ضرّ وَلَو تخرقتا من موضِعين غير متحاذيين لم يضر وَالْمرَاد بالستر هُنَا الْحَيْلُولَة لَا مَا يمْنَع الرُّؤْيَة فَيَكْفِي الشفاف عكس سَاتِر الْعَوْرَة لِأَن الْقَصْد هُنَا منع نُفُوذ المَاء وَثمّ منع الرُّؤْيَة وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع إِن الْمُعْتَبر فِي الْخُف عشر غسل الرجل بِسَبَب السَّاتِر وَقد حصل وَالْمَقْصُود بستر الْعَوْرَة سترهَا بجرم عَن الْعُيُون وَلم يحصل وَلَا يجزىء منسوج لَا يمْنَع نُفُوذ المَاء إِلَى الرجل من غير مَحل الخرز لَو صب عَلَيْهِ لعدم صفاقته لِأَن الْغَالِب من الْخفاف أَنَّهَا تمنع النّفُوذ فتنصرف إِلَيْهَا النُّصُوص الدَّالَّة على الترخيص فَيبقى الْغسْل وَاجِبا فِيمَا عَداهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 (و) الثَّالِث من الشُّرُوط (أَن يَكُونَا) مَعًا (مِمَّا يُمكن تتَابع الْمَشْي عَلَيْهِمَا) لتردد مُسَافر لِحَاجَتِهِ عِنْد الْحَط والترحال وَغَيرهمَا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة وَلَو كَانَ لابسه مقْعدا وَاخْتلف فِي قدر الْمدَّة المتردد فِيهَا فضبطه الْمحَامِلِي بِثَلَاث لَيَال فَصَاعِدا وَقَالَ فِي الْمُهِمَّات الْمُعْتَمد مَا ضَبطه الشَّيْخ أَبُو حَامِد بمسافة الْقصر تَقْرِيبًا انْتهى وَالْأَقْرَب إِلَى كَلَام الْأَكْثَرين كَمَا قَالَه ابْن الْعِمَاد أَن الْمُعْتَبر التَّرَدُّد فِيهِ لحوائج سفر يَوْم وَلَيْلَة للمقيم وَنَحْوه وسفر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر سفر قصر لِأَنَّهُ بعد انْقِضَاء الْمدَّة يحب نَزعه فقوته تعْتَبر بِأَن يُمكن التَّرَدُّد فِيهِ لذَلِك وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمُتَّخذ من جلد أَو غَيره كلبد وخرق مطبقة بِخِلَاف مَا لَا يُمكن الْمَشْي فِيهِ لما ذكر لثقله كالحديد أَو لتحديد رَأسه الْمَانِع لَهُ من الثُّبُوت أَو ضعفه كجورب الصُّوفِيَّة والمتخذ من جلد ضَعِيف أَو لغلظه كالخشبة الْعَظِيمَة أَو لفرط سعته أَو ضيقه أَو نَحْو ذَلِك فَلَا يَكْفِي الْمسْح عَلَيْهِ إِذْ لَا حَاجَة لمثل ذَلِك وَلَا فَائِدَة فِي إدامته قَالَ فِي الْمَجْمُوع إِلَّا أَن يكون الضّيق يَتَّسِع بِالْمَشْيِ فِيهِ وَقَالَ فِي الْكَافِي عَن قرب كفى الْمسْح عَلَيْهِ بِلَا خلاف وَالشّرط الرَّابِع الَّذِي أسْقطه المُصَنّف أَن يَكُونَا طاهرين فَلَا يَكْفِي الْمسْح على خف اتخذ من جلد ميتَة قبل الدّباغ لعدم إِمْكَان الصَّلَاة فِيهِ وَفَائِدَة الْمسْح وَإِن لم تَنْحَصِر فِيهَا فالقصد الْأَصْلِيّ مِنْهُ الصَّلَاة وَغَيرهَا تبع لَهَا وَلِأَن الْخُف بدل عَن الرجل وَهُوَ نجس الْعين وَهِي لَا تطهر عَن الْحَدث مَا لم تزل نجاستها فَكيف يمسح عَن الْبَدَل وَهُوَ نجس الْعين والمتنجس كالنجس كَمَا فِي الْمَجْمُوع لِأَن الصَّلَاة هِيَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ من الْمسْح وَمَا عَداهَا من مس الْمُصحف وَغَيره كالتابع لَهَا كَمَا مر نعم لَو كَانَ على الْخُف نَجَاسَة مَعْفُو عَنْهَا وَمسح من أَعْلَاهُ مَا لَا نَجَاسَة عَلَيْهِ صَحَّ مَسحه فَإِن مسح على النَّجَاسَة زَاد التلويث وَلَزِمَه حِينَئِذٍ غسله وَغسل يَده ذكره فِي الْمَجْمُوع فرع لَو خرز خفه بِشعر نجس والخف أَو الشّعْر رطب طهر بِالْغسْلِ ظَاهره دون مَحل الخرز ويعفى عَنهُ فَلَا ينجس الرجل المبتلة وَيُصلي فِيهِ الْفَرَائِض والنوافل لعُمُوم الْبلوى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة فِي الْأَطْعِمَة خلافًا لما فِي التَّحْقِيق من أَنه لَا يُصَلِّي فِيهِ القَوْل فِي مُدَّة الْمسْح (وَيمْسَح الْمُقِيم) وَلَو عَاصِيا بإقامته وَالْمُسَافر سفرا قَصِيرا أَو طَويلا وَهُوَ عَاص بِسَفَرِهِ وَكَذَا كل سفر يمْتَنع فِيهِ الْقصر (يَوْمًا وَلَيْلَة) كَامِلين فيستبيح بِالْمَسْحِ مَا يستبيحه بِالْوضُوءِ فِي هَذِه الْمدَّة (و) يمسح (الْمُسَافِر) سفر قصر (ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن) فيستبيح بِالْمَسْحِ مَا يستبيحه بِالْوضُوءِ فِي هَذِه الْمدَّة وَدَلِيل ذَلِك الْخَبَر السَّابِق أول الْفَصْل وَخبر مُسلم عَن شُرَيْح بن هانىء سَأَلت عَليّ بن أبي طَالب عَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فَقَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم وَالْمرَاد بلياليهن ثَلَاثَة لَيَال مُتَّصِلَة بهَا سَوَاء أسبق الْيَوْم الأول لَيْلَة أم لَا فَلَو أحدث فِي أثْنَاء اللَّيْل أَو الْيَوْم اعْتبر قدر الْمَاضِي مِنْهُ من اللَّيْلَة الرَّابِعَة أَو الْيَوْم الرَّابِع وعَلى قِيَاس ذَلِك يُقَال فِي مُدَّة الْمُقِيم وَمَا ألحق بِهِ القَوْل فِي مَا يستبيحه دَائِم الْحَدث بِالْمَسْحِ تَنْبِيه شَمل إِطْلَاقه دَائِم الْحَدث كالمستحاضة فَيجوز لَهُ الْمسْح على الْخُف على الصَّحِيح لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى لبسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 والارتفاق بِهِ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيد الصَّلَاة بِطَهَارَتِهِ فيستفيد الْمسْح أَيْضا لَكِن لَو أحدث بعد لبسه غير حَدثهُ الدَّائِم قبل أَن يُصَلِّي بِوضُوء اللّبْس فرضا مسح لفريضة فَقَط ولنوافل وَإِن أحدث وَقد صلى بِوضُوء اللّبْس فرضا لم يمسح إِلَّا لنفل فَقَط لِأَن مَسحه مُرَتّب على طهره وَهُوَ لَا يُفِيد أَكثر من ذَلِك فَإِن أَرَادَ فَرِيضَة أُخْرَى وَجب نزع الْخُف وَالطُّهْر الْكَامِل لِأَنَّهُ مُحدث بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا زَاد على فَرِيضَة ونوافل فَكَأَنَّهُ لبس على حدث حَقِيقَة فَإِن طهره لَا يرفع الْحَدث على الْمَذْهَب أما حَدثهُ الدَّائِم فَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى اسْتِئْنَاف طهر نعم إِن آخر الدُّخُول فِي الصَّلَاة بعد الطُّهْر لغير مصلحتها وحدثه يجْرِي بَطل طهره القَوْل فِي ابْتِدَاء مُدَّة الْمسْح (وَابْتِدَاء الْمدَّة) للمسح فِي حق الْمُقِيم وَالْمُسَافر (من حِين) انْقِضَاء الزَّمن الَّذِي (يحدث) فِيهِ (بعد لبس الْخُفَّيْنِ) لِأَن وَقت جَوَاز الْمسْح يدْخل بذلك فاعتبرت مدَّته مِنْهُ فَإِذا أحدث وَلم يمسح حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة لم يجز الْمسْح حَتَّى يسْتَأْنف لبسا على طَهَارَة أَو لم يحدث لم تحسب الْمدَّة وَلَو بَقِي شهرا مثلا لِأَنَّهَا عبَادَة مُؤَقَّتَة فَكَانَ ابْتِدَاء وَقتهَا من حِين جَوَاز فعلهَا كَالصَّلَاةِ وَعلم مِمَّا تقرر أَن الْمدَّة لَا تحسب من ابْتِدَاء الْحَدث لِأَنَّهُ رُبمَا يسْتَغْرق غَالب الْمدَّة وَشَمل إِطْلَاقهم الْحَدث الْحَدث بِالنَّوْمِ واللمس والمس وَهُوَ كَذَلِك (فَإِن مسح) بعد الْحَدث الْمُقِيم (فِي الْحَضَر) على خفيه (ثمَّ سَافر) سفر قصر (أَو مسح) الْمُسَافِر على خفيه (فِي السّفر ثمَّ أَقَامَ) قبل اسْتِيفَاء مُدَّة الْمُقِيم (أتم) كل مِنْهُمَا (مسح مُقيم) تَغْلِيبًا للحضر لأصالته فَيقْتَصر فِي الأول على مُدَّة حضر وَكَذَا فِي الثَّانِي إِن أَقَامَ قبل مدَّته كَمَا مر وَإِلَّا وَجب النزع ويجزيه مَا زَاد على مُدَّة الْمُقِيم وَلَو مسح إِحْدَى رجلَيْهِ حضرا ثمَّ سَافر وَمسح الْأُخْرَى سفرا أتم مسح مُقيم كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ تَغْلِيبًا للحضر خلافًا للرافعي وَمثل ذَلِك مَا لَو مسح إِحْدَى رجلَيْهِ وَهُوَ عَاص ثمَّ الْأُخْرَى بعد تَوْبَته فِيمَا يظْهر تَنْبِيه قد علم من اعْتِبَار الْمسْح أَنه لَا عِبْرَة بِالْحَدَثِ حضرا وَإِن تلبس بالمدة وَلَا بِمُضِيِّ وَقت الصَّلَاة حضرا وعصيانه إِنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفرِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَة وَلَا يشْتَرط فِي الْخُف أَن يكون حَلَالا لِأَن الْخُف تستوفى بِهِ الرُّخْصَة لَا أَنه المجوز للرخصة بِخِلَاف منع الْقصر فِي سفر الْمعْصِيَة إِذْ المجوز لَهُ السّفر فَيَكْفِي الْمسْح على الْمَغْصُوب والديباج الصفيق والمتخذ من فضَّة وَذهب للرجل كالتيمم بِتُرَاب مَغْصُوب وَاسْتثنى فِي الْعباب مَا لَو كَانَ اللابس للخف محرما بنسك وَوَجهه ظَاهر وَالْفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 بَينه وَبَين الْمَغْصُوب أَن الْمحرم مَنْهِيّ عَن اللّبْس من حَيْثُ هُوَ لبس فَصَارَ كالخف الَّذِي لَا يُمكن تتَابع الْمَشْي فِيهِ وَالنَّهْي عَن لبس الْمَغْصُوب من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَدٍّ فِي اسْتِعْمَال مَال الْغَيْر وَاسْتثنى غَيره جلد الْآدَمِيّ إِذا اتخذ مِنْهُ خفا وَالظَّاهِر أَنه كالمغصوب حكم الْمسْح على الجرموق وَلَا يجزىء الْمسْح على جرموق وَهُوَ خف فَوق خف إِن كَانَ فَوق قوي ضَعِيفا كَانَ أوقويا لوُرُود الرُّخْصَة فِي الْخُف لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ والجرموق لَا تعم الْحَاجة إِلَيْهِ وَإِن دعت إِلَيْهِ حَاجَة أمكنه أَن يدْخل يَده بَينهمَا وَيمْسَح الْأَسْفَل فَإِن كَانَ فَوق ضَعِيف كفى إِن كَانَ قَوِيا لِأَنَّهُ الْخُف والأسفل كاللفافة وَإِلَّا فَلَا كالأسفل إِلَّا أَن يصل إِلَى الْأَسْفَل الْقوي مَاء فَيَكْفِي إِن كَانَ بِقصد مسح الْأَسْفَل فَقَط أَو بِقصد مسحهما مَعًا أَو لَا بِقصد مسح شَيْء مِنْهُمَا لِأَنَّهُ قصد إِسْقَاط الْفَرْض بِالْمَسْحِ وَقد وصل المَاء إِلَيْهِ لَا بِقصد مسح الجرموق فَقَط فَلَا يَكْفِي لقصده مَا لَا يَكْفِي الْمسْح عَلَيْهِ فَقَط وَيتَصَوَّر وُصُول المَاء إِلَى الْأَسْفَل فِي القويين بصبه فِي مَحل الخرز فرع لَو لبس الْخُف على جبيرَة لم يجز الْمسْح عَلَيْهِ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ ملبوس فَوق مَمْسُوح كالمسح على الْعِمَامَة كَيْفيَّة الْمسْح ومجزىء الْمسْح وَسن مسح أَعْلَاهُ وأسفله وعقبه وحرفه خُطُوطًا بِأَن يضع يَده الْيُسْرَى تَحت الْعقب واليمنى على ظهر الْأَصَابِع ثمَّ يمر الْيُمْنَى إِلَى آخر سَاقه واليسرى إِلَى أَطْرَاف الْأَصَابِع من تَحت مفرجا بَين أَصَابِع يَدَيْهِ فاستيعابه بِالْمَسْحِ خلاف الأولى وَعَلِيهِ يحمل قَول الرَّوْضَة لَا ينْدب استيعابه وَيكرهُ تكراره وَغسل الْخُف وَيَكْفِي مُسَمّى مسح كمسح الرَّأْس فِي مَحل الْفَرْض بِظَاهِر أَعلَى الْخُف لَا بأسفله وباطنه وعقبه وحرفه إِذْ لم يرد الِاقْتِصَار على شَيْء مِنْهَا كَمَا ورد الِاقْتِصَار على الْأَعْلَى فَيقْتَصر عَلَيْهِ وقوفا على مَحل الرُّخْصَة وَلَو وضع يَده المبتلة عَلَيْهِ وَلم يمرها أَو قطر عَلَيْهِ أَجزَأَهُ وَلَا مسح لشاك فِي بَقَاء الْمدَّة كَأَن نسي ابتداءها أَو أَنه مسح حضرا أَو سفرا لِأَن الْمسْح رخصَة بِشُرُوط مِنْهَا الْمدَّة فَإِذا شكّ فِيهَا رَجَعَ للْأَصْل وَهُوَ الْغسْل القَوْل فِي مبطلات الْمسْح (وَيبْطل) حكم (الْمسْح) فِي حق لابس الْخُف (بِثَلَاثَة أَشْيَاء) الأول (بخلعهما) أَو أَحدهمَا أَو بِظُهُور بعض الرجل وَشَيْء مِمَّا ستر بِهِ من رجل ولفافة وَغَيرهمَا (و) الثَّانِي (انْقِضَاء الْمدَّة) المحدودة فِي حَقّهمَا فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يُصَلِّي بعد انْقِضَاء مدَّته وَهُوَ بطهر الْمسْح فِي الْحَالين (و) الثَّالِث (مَا يُوجب الْغسْل) من جَنَابَة أَو حيض أَو نِفَاس أَو ولادَة فينزع ويتطهر ثمَّ يلبس حَتَّى لَو اغْتسل لابسا لَا يمسح بَقِيَّة الْمدَّة كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الرَّافِعِيّ وَذَلِكَ لخَبر صَفْوَان قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا إِذا كُنَّا مسافرين أَو سفرا أَلا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن إِلَّا من جَنَابَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وصححوه وَقيس بالجنابة مَا فِي مَعْنَاهَا وَلِأَن ذَلِك لَا يتَكَرَّر تكْرَار الْحَدث الْأَصْغَر وَفَارق الْجَبِيرَة مَعَ أَن فِي كل مِنْهُمَا مسحا بِأَعْلَى سَاتِر لحَاجَة مَوْضُوعَة على طهر بِأَن الْحَاجة ثمَّ أَشد والنزع أشق وَمن فسد خفه أَو ظهر شَيْء مِمَّا ستر بِهِ من رجل ولفافة وَغَيرهمَا أَو انْقَضتْ الْمدَّة وَهُوَ بطهر الْمسْح فِي الثَّلَاث لزمَه غسل قَدَمَيْهِ فَقَط لبُطْلَان طهرهما دون غَيرهمَا بذلك وَخرج بطهر الْمسْح طهر الْغسْل فَلَا حَاجَة إِلَى غسل قَدَمَيْهِ تَتِمَّة لَو تنجست رجله فِي الْخُف بِدَم أَو بِغَيْر بِنَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَأمكنهُ غسلهَا فِي الْخُف غسلهَا وَلم يبطل مَسحه وَإِن لم يُمكن وَجب النزع وَغسل النَّجَاسَة وَبَطل مَسحه وَلَو بَقِي من مُدَّة الْمسْح مَا يسع رَكْعَة أَو اعْتقد طريان حدث غَالب فَأحْرم بِرَكْعَتَيْنِ فَأكْثر انْعَقَدت صلَاته لِأَنَّهُ على طَهَارَة فِي الْحَال وَصَحَّ الِاقْتِدَاء بِهِ وَلَو علم الْمُقْتَدِي بِحَالهِ ويفارقه عِنْد عرُوض الْمُبْطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 قَالَ فِي الْإِحْيَاء يسْتَحبّ لمن أَرَادَ أَن يلبس الْخُف أَن ينفضه لِئَلَّا يكون فِيهِ حَيَّة أَو عقرب أَو شَوْكَة أَو نَحْو ذَلِك وَاسْتدلَّ لذَلِك لما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس خفيه حَتَّى ينفضهما فصل فِي التَّيَمُّم هُوَ لُغَة الْقَصْد يُقَال تيممت فلَانا ويممته وتأممته وأممته أَي قصدته وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} وَشرعا إِيصَال التُّرَاب إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بشرائط مَخْصُوصَة وخصت بِهِ هَذِه الْأمة وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه فرض سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَهُوَ رخصَة وعَلى الْأَصَح وَأَجْمعُوا على أَنه مُخْتَصّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِن كَانَ الْحَدث أكبر وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي تُرَابا طهُورا وَخبر مُسلم جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وتربتها طهُورا (وشرائط التَّيَمُّم) جمع شريطة كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي (خَمْسَة أَشْيَاء) كَذَا فِي أَكثر النّسخ والمعدود فِي كَلَامه سِتَّة كَمَا ستعرفه الأول (وجود الْعذر) وَهُوَ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء أَسبَاب الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء الْمُبِيح للتيمم وللعجز ثَلَاثَة أَسبَاب أَحدهَا فَقده (ب) سَبَب (سفر) وللمسافر أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتَيَقَّن عدم المَاء فيتيمم حِينَئِذٍ بِلَا طلب إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ سَوَاء أَكَانَ مُسَافِرًا أم لَا وفقده فِي السّفر جرى على الْغَالِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الْحَالة الثَّانِيَة أَن لَا يتَيَقَّن الْعَدَم بل جوز وجوده وَعَدَمه فَيجب عَلَيْهِ طلبه فِي الْوَقْت قبل التَّيَمُّم وَلَو بمأذونه مِمَّا جوزه فِيهِ من رَحْله ورفقته المنسوبين إِلَيْهِ ويستوعبهم كَأَن يُنَادي فيهم من مَعَه مَاء يجود بِهِ ثمَّ إِن لم يجد المَاء فِي ذَلِك نظر حواليه يَمِينا وَشمَالًا وأماما وخلفا إِلَى الْحَد الْآتِي وَخص مَوضِع الخضرة وَالطير بمزيد احْتِيَاط إِن كَانَ بمستو من الأَرْض فَإِن كَانَ ثمَّ وهدة أَو جبل تردد إِن أَمن مَعَ مَا يَأْتِي اختصاصا وَمَا لَا يجب بذله لماء طَهَارَته إِلَى حد يلْحقهُ فِيهِ غوث رفقته لَو اسْتَغَاثَ بهم فِيهِ مَعَ تشاغلهم بِأَشْغَالِهِمْ فَإِن لم يجد مَاء تيَمّم لظن فَقده الْحَالة الثَّالِثَة أَن يعلم مَاء بِمحل يصله مُسَافر لِحَاجَتِهِ كاحتطاب واحتشاش وَهَذَا فَوق حد الْغَوْث الْمُتَقَدّم وَيُسمى حد الْقرب فَيجب طلبه مِنْهُ إِن أَمن غير اخْتِصَاص وَمَال يجب بذله لماء طَهَارَته ثمنا أَو أُجْرَة من نفس وعضو وَمَال زَائِد على مَا يجب بذله للْمَاء وَانْقِطَاع عَن رفْقَة وَخُرُوج وَقت وَإِلَّا فَلَا يجب طلبه بِخِلَاف من مَعَه مَاء وَلَو تَوَضَّأ بِهِ خرج الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا يتَيَمَّم لِأَنَّهُ وَاجِد للْمَاء وَلم يعْتَبر هُنَا الْأَمْن على الِاخْتِصَاص وَلَا على المَال الَّذِي يجب بذله بِخِلَافِهِ فِيمَا مر لتيقن وجود المَاء الْحَالة الرَّابِعَة أَن يكون المَاء فَوق ذَلِك الْمحل الْمُتَقَدّم وَيُسمى حد الْبعد فيتيمم وَلَا يجب قصد المَاء لبعده فَلَو تيقنه آخر الْوَقْت فانتظاره أفضل من تَعْجِيل التَّيَمُّم لِأَن فَضِيلَة الصَّلَاة بِالْوضُوءِ وَلَو آخر الْوَقْت أبلغ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوله وَإِن ظَنّه أَو ظن أَو تَيَقّن عَدمه أَو شكّ فِيهِ آخر الْوَقْت فتعجيل التَّيَمُّم أفضل لتحَقّق فضيلته دون فَضِيلَة الْوضُوء السَّبَب الثَّانِي خوف مَحْذُور من اسْتِعْمَال المَاء بِسَبَب بطء برْء (أَو مرض) أَو زِيَادَة ألم أَو شين فَاحش فِي عُضْو ظَاهر للْعُذْر وللآية السَّابِقَة والشين الْأَثر المستكره من تغير لون أَو نحول أَو استحشاف وثغرة تبقى ولحمة تزيد وَالظَّاهِر مَا يَبْدُو عِنْد المهنة غَالِبا كالوجه وَالْيَدَيْنِ ذكر ذَلِك الرَّافِعِيّ وَذكر فِي الْجِنَايَات مَا حَاصله أَنه مَا لَا يعد كشفه هتكا للمروءة وَيُمكن رده إِلَى الأول وَخرج بالفاحش الْيَسِير كقليل سَواد وبالظاهر الْفَاحِش فِي الْبَاطِن فَلَا أثر لخوف ذَلِك ويعتمد فِي خوف مَا ذكر قَول عدل فِي الرِّوَايَة السَّبَب الثَّالِث حَاجته إِلَيْهِ لعطش حَيَوَان مُحْتَرم وَلَو كَانَت حَاجته إِلَيْهِ لذَلِك فِي الْمُسْتَقْبل صونا للروح أَو غَيرهَا من التّلف فيتيمم مَعَ وجوده وَلَا يُكَلف الطُّهْر بِهِ ثمَّ جمعه وشربه لغير دَابَّة لِأَنَّهُ مستقذر عَادَة وَخرج بالمحترم غَيره والعطش الْمُبِيح للتيمم يعْتَبر بالخوف فِي السَّبَب الثَّانِي وللعطشان أَخذ المَاء من مَالِكه قهرا بِبَدَلِهِ إِن لم يبذله لَهُ (و) الشَّيْء الثَّانِي (دُخُول وَقت الصَّلَاة) فَلَا يتَيَمَّم لمؤقت فرضا كَانَ أَو نفلا قبل وقته لِأَن التَّيَمُّم طَهَارَة ضَرُورَة وَلَا ضَرُورَة قبل الْوَقْت بل يتَيَمَّم لَهُ فِيهِ وَلَو قبل الْإِتْيَان بِشَرْطِهِ كستر وخطبة جُمُعَة وَإِنَّمَا لم يَصح التَّيَمُّم قبل زَوَال النَّجَاسَة عَن الْبدن للتضمخ بهَا مَعَ كَون التَّيَمُّم طَهَارَة ضَعِيفَة لَا لكَون زَوَالهَا شرطا للصَّلَاة وَإِلَّا لما صَحَّ التَّيَمُّم قبل زَوَالهَا عَن الثَّوْب وَالْمَكَان وَالْوَقْت شَامِل لوقت الْجَوَاز وَوقت الْعذر وَيدخل وَقت صَلَاة الْجِنَازَة بِانْقِضَاء الْغسْل أَو بدله وَيتَيَمَّم للنفل الْمُطلق فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كل وَقت أَرَادَهُ إِلَّا وَقت الْكَرَاهَة إِذا أَرَادَ إِيقَاع الصَّلَاة فِيهِ وَيشْتَرط الْعلم بِالْوَقْتِ فَلَو تيَمّم شاكا فِيهِ لم يَصح وَإِن صادفه (و) الشَّيْء الثَّالِث (طلب المَاء) بعد دُخُول الْوَقْت بِنَفسِهِ أَو بمأذونه كَمَا مر (و) الشَّيْء الرَّابِع (تعذر اسْتِعْمَاله) شرعا فَلَو وجد خابية مسبلة بطرِيق لم يجز لَهُ الْوضُوء مِنْهَا كَمَا فِي الزَّوَائِد الرَّوْضَة أَو حسا كَأَن يحول بَينه وَبَينه سبع أَو عَدو وَمن صور التَّعَذُّر خَوفه سَارِقا أَو انْقِطَاعًا عَن رفقته (و) الشَّيْء الْخَامِس (إعوازه) أَي المَاء أَي احْتِيَاجه إِلَيْهِ (بعد الطّلب) لعطشه أَو عَطش حَيَوَان مُحْتَرم كَمَا مر وَهُوَ مَا لَا يُبَاح قَتله (و) وَالشَّيْء السَّادِس (التُّرَاب) بِجَمِيعِ أَنْوَاعه حَتَّى مَا يتداوى بِهِ (الطَّاهِر الَّذِي لَهُ غُبَار) قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي تُرَابا طَاهِرا كَمَا فسره ابْن عَبَّاس وَغَيره وَالْمرَاد بالطاهر الطّهُور فَلَا يجوز بالمتنجس وَلَا بِمَا لَا غُبَار لَهُ وَلَا بِالْمُسْتَعْملِ وَهُوَ مَا بَقِي بعضوه أَو تناثر مِنْهُ حَالَة التَّيَمُّم كالمتقاطر من المَاء وَيُؤْخَذ من حصر الْمُسْتَعْمل فِي ذَلِك صِحَة تيَمّم الْوَاحِد وَالْكثير من تُرَاب يسير مَرَّات كَثِيرَة وَهُوَ كَذَلِك وَلَو رفع يَده فِي أثْنَاء مسح الْعُضْو ثمَّ وَضعهَا صَحَّ على الْأَصَح أما مَا تناثر من غير مس لعضو فَإِنَّهُ غير مُسْتَعْمل وَدخل فِي التُّرَاب الْمَذْكُور المحرق مِنْهُ وَلَو أسود مَا لم يصر رَمَادا كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا والأعفر والأصفر والأحمر والأبيض الْمَأْكُول سفها وَخرج بِالتُّرَابِ النورة والزرنيخ وسحاقة الخزف وَنَحْو ذَلِك (فَإِن خالطه) أَي التُّرَاب الطّهُور (جص) بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَهُوَ الَّذِي تسميه الْعَامَّة الجبس أَو دَقِيق أَو نَحوه (أَو) اخْتَلَط بِهِ (رمل) ناعم يلصق بالعضو (لم يجز) التَّيَمُّم بِهِ وَإِن قل الخليط لِأَن ذَلِك يمْنَع وُصُول التُّرَاب إِلَى الْعُضْو أما الرمل الَّذِي لَا يلصق بالعضو فَإِنَّهُ يجوز التَّيَمُّم بِهِ إِذا كَانَ لَهُ غُبَار لِأَنَّهُ من طَبَقَات الأَرْض وَالتُّرَاب جنس لَهُ وَلَو وجد مَاء صَالحا للْغسْل لَا يَكْفِيهِ وَجب اسْتِعْمَاله فِي بعض أَعْضَائِهِ مُرَتبا إِن كَانَ حَدثهُ أَصْغَر أَو مُطلقًا إِن كَانَ غَيره كَمَا يفعل من يغسل كل بدنه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَيكون اسْتِعْمَاله قبل التَّيَمُّم عَن الْبَاقِي لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَهَذَا وَاجِد لَهُ أما مَا لَا يصلح للْغسْل كثلج أَو برد لَا يذوبان فَالْأَصَحّ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يجب مسح الرَّأْس بِهِ إِذْ لَا يُمكن هَهُنَا تَقْدِيم مسح الرَّأْس وَلَو لم يجد إِلَّا تُرَابا لَا يَكْفِيهِ فَالْمَذْهَب الْقطع بِوُجُوب اسْتِعْمَاله وَمن بِهِ نَجَاسَة وَوجد مَا يغسل بِهِ بَعْضهَا وَجب عَلَيْهِ للْحَدِيث الْمُتَقَدّم أَو وجد مَاء وَعَلِيهِ حدث أَصْغَر أَو أكبر وعَلى بدنه نَجَاسَة وَلَا يَكْفِي إِلَّا لأَحَدهمَا تعين للنَّجَاسَة لِأَن إِزَالَتهَا لَا بدل لَهَا بِخِلَاف الْوضُوء وَالْغسْل وَيجب شِرَاء المَاء فِي الْوَقْت وَإِن لم يكفه وَكَذَا التُّرَاب بِثمن مثله وَهُوَ على الْأَصَح مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ الرغبات فِي ذَلِك الْموضع فِي تِلْكَ الْحَالة قَالَ الإِمَام وَالْأَقْرَب على هَذَا أَنه لَا تعْتَبر الْحَالة الَّتِي يَنْتَهِي الْأَمر فِيهَا إِلَى سد الرمق فَإِن الشربة قد تشترى حِينَئِذٍ بِدَنَانِير أَي وَيبعد فِي الرُّخص إِيجَاب ذَلِك فَإِن احْتَاجَ إِلَى الثّمن لدين عَلَيْهِ أَو لنفقة حَيَوَان مُحْتَرم سَوَاء أَكَانَ آدَمِيًّا أم غَيره لم يجب عَلَيْهِ الشِّرَاء وكالنفقة سَائِر الْمُؤَن حَتَّى الْمسكن وَالْخَادِم كَمَا صرح بهما ابْن كج فِي التَّجْرِيد وَلَو احْتَاجَ وَاجِد ثمن المَاء إِلَى شِرَاء ستْرَة للصَّلَاة قدمهَا لدوام النَّفْع بهَا وَلَو كَانَ مَعَه مَاء لَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعطش وَيحْتَاج إِلَى ثمنه فِي شَيْء مِمَّا سبق جَازَ لَهُ التَّيَمُّم كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو وهب لَهُ مَاء أَو أقْرضهُ أَو أعير دلوا أَو نَحوه وَمن آلَة الاستقاء فِي الْوَقْت وَجب عَلَيْهِ الْقبُول إِذا لم يُمكنهُ تَحْصِيل ذَلِك بشرَاء أَو نَحوه لِأَن الْمُسَامحَة بذلك يجب عَلَيْهِ قبُوله بِالْإِجْمَاع لعظم الْمِنَّة وَيشْتَرط قصد التُّرَاب لقَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي اقصدوه فَلَو سفته ريح على عُضْو من أَعْضَاء غالبة فَلَا تعظم فِيهِ الْمِنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 بِخِلَاف مَا لَو وهب لَهُ ثمن المَاء فَإِنَّهُ لَا التَّيَمُّم فردده عَلَيْهِ وَنوى لم يكف وَإِن قصد بوقوفه فِي مهب الرّيح التَّيَمُّم لانْتِفَاء الْقَصْد من جِهَته بِانْتِفَاء النَّقْل الْمُحَقق لَهُ وَلَو يمم بِإِذْنِهِ بِأَن نقل الْمَأْذُون التُّرَاب إِلَى الْعُضْو وردده عَلَيْهِ جَازَ على النَّص كَالْوضُوءِ وَلَا بُد من نِيَّة الْآذِن عِنْد النَّقْل وَعند مسح الْوَجْه كَمَا لَو كَانَ هُوَ الْمُتَيَمم وَإِلَّا لم يَصح جزما كَمَا لَو يممه بِغَيْر إِذْنه وَلَا يشْتَرط عذر لإِقَامَة فعل مأذونه مقَام فعله لكنه ينْدب لَهُ أَلا يَأْذَن لغيره فِي ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة خُرُوجًا من الْخلاف بل يكره لَهُ ذَلِك كَمَا صرح بِهِ الدَّمِيرِيّ وَيجب عَلَيْهِ عِنْد الْعَجز وَلَو بِأُجْرَة عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهَا القَوْل فِي فَرَائض التَّيَمُّم (وفرائضه) أَي التَّيَمُّم جمع فَرِيضَة أَي أَرْكَانه هُنَا (أَرْبَعَة أَشْيَاء) وعدها فِي الْمِنْهَاج خَمْسَة فَزَاد على مَا هُنَا النَّقْل وعدها فِي الرَّوْضَة سَبْعَة فَجعل التُّرَاب وَالْقَصْد ركنين وَأسْقط فِي الْمَجْمُوع التُّرَاب وعدها سِتَّة وَجعل التُّرَاب شرطا وَالْأولَى مَا فِي الْمِنْهَاج إِذْ لَو حسن عد التُّرَاب ركنا لحسن عد المَاء ركنا فِي الطَّهَارَة وَأما الْقَصْد فداخل فِي النَّقْل الْوَاجِب قرن النِّيَّة بِهِ الرُّكْن الأول وَهُوَ الَّذِي أسْقطه المُصَنّف هُنَا نقل التُّرَاب إِلَى الْعُضْو الْمَمْسُوح بِنَفسِهِ أَو بمأذونه كَمَا مر فَلَو كَانَ على الْعُضْو تُرَاب فردده عَلَيْهِ من جَانب إِلَى جَانب لم يكف وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْقَصْدِ مَعَ أَن النَّقْل المقرون بِالنِّيَّةِ مُتَضَمّن لَهُ رِعَايَة للفظ الْآيَة فَلَو تلقى التُّرَاب من الرّيح بكمه أَو يَده وَمسح بِهِ وَجهه أَو تمعك فِي التُّرَاب وَلَو لغير عذر أَجزَأَهُ أَو نَقله من وَجه إِلَى يَد بِأَن حدث عَلَيْهِ بعد زَوَال تُرَاب مَسحه عَنهُ تُرَاب أَو نقل من يَد إِلَى وَجه أَو من يَد إِلَى أُخْرَى أَو من عُضْو ورده إِلَيْهِ ومسحه بِهِ كفى ذَلِك لوُجُود مُسَمّى النَّقْل القَوْل فِي مَرَاتِب النِّيَّة وكيفيتها والركن الثَّانِي وَهُوَ الأول فِي كَلَام المُصَنّف (النِّيَّة) أَي نِيَّة اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو نَحْوهَا مِمَّا تفْتَقر استباحته إِلَى طَهَارَة كطواف وَحمل مصحف وَسُجُود تِلَاوَة إِذْ الْكَلَام الْآن فِي صِحَة التَّيَمُّم وَأما مَا يستباح بِهِ فَسَيَأْتِي وَلَو تيَمّم بنية الاستباحة ظَانّا أَن حَدثهُ أَصْغَر فَبَان أكبر أَو عَكسه صَحَّ لِأَن موجبهما وَاحِد وَإِن تعمد لم يَصح لتلاعبه وَلَو أجنب فِي سَفَره وَنسي وَكَانَ يتَيَمَّم وقتا وَيتَوَضَّأ وقتا أعَاد صلوَات الْوضُوء فَقَط لما مر وَلَا يَكْفِي نِيَّة رفع حدث أَصْغَر أَو أكبر أَو الطَّهَارَة عَن أَحدهمَا لِأَن التَّيَمُّم لَا يرفعهُ وَلَو نوى فرض التَّيَمُّم أَو فرض الطَّهَارَة أَو التَّيَمُّم الْمَفْرُوض لم يكف لِأَن التَّيَمُّم لَيْسَ مَقْصُودا فِي نَفسه وَإِنَّمَا يُؤْتى بِهِ عَن ضَرُورَة فَلَا يَجْعَل مَقْصُودا بِخِلَاف الْوضُوء وَلِهَذَا اسْتحبَّ تَجْدِيد الْوضُوء بِخِلَاف التَّيَمُّم وَيجب قرن النِّيَّة بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ أول الْأَركان واستدامتها إِلَى مسح شَيْء من الْوَجْه كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ فَلَو عزبت قبل الْمسْح لم يكف لِأَن النَّقْل وَإِن كَانَ ركنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فَهُوَ غير مَقْصُود فِي نَفسه قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَالْمُتَّجه الِاكْتِفَاء باستحضارها عِنْدهمَا وَإِن عزبت بَينهمَا وتعليل الرَّافِعِيّ يفهمهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالتَّعْبِير بالاستدامة جرى على الْغَالِب لِأَن هَذَا الزَّمن يسير لَا تعزب فِيهِ النِّيَّة غَالِبا وَلَو ضرب يَدَيْهِ على بشرة امْرَأَة تنقض وَعَلَيْهَا تُرَاب فَإِن منع التقاء البشرتين صَحَّ تيَمّمه وَإِلَّا فَلَا القَوْل فِي مَا يُبَاح للمتيمم بنية الاستباحة وَأما مَا يُبَاح لَهُ بنيته فَإِن نوى اسْتِبَاحَة فرض وَنفل أبيحا لَهُ عملا بنيته أَو فرضا فَقَط فَلهُ النَّفْل مَعَه لِأَن النَّفْل تَابع لَهُ فَإِذا صلحت طَهَارَته للْأَصْل فللتابع أولى أَو نفلا فَقَط أَو نوى الصَّلَاة وَأطلق صلى بِهِ النَّفْل وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْض أما فِي الأولى فَلِأَن الْفَرْض أصل وَالنَّفْل تَابع كَمَا مر فَلَا يَجْعَل الْمَتْبُوع تَابعا وَأما فِي الثَّانِيَة فقياسا على مَا لَو أحرم بِالصَّلَاةِ فَإِن صلَاته تَنْعَقِد نفلا وَلَو نوى بتيممه حمل الْمُصحف أَو سُجُود التِّلَاوَة أَو الشُّكْر أَو نوى نَحْو الْجنب الِاعْتِكَاف أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو الْحَائِض اسْتِبَاحَة الْوَطْء كَانَ ذَلِك كُله كنية النَّفْل فِي أَنه لَا يستبيح بِهِ الْفَرْض وَلَا يستبيح بِهِ النَّفْل أَيْضا لِأَن النَّافِلَة آكِد من ذَلِك وَظَاهر كَلَامهم أَن مَا ذكر فِي مرتبَة وَاحِدَة حَتَّى إِذا تيَمّم لوَاحِد مِنْهَا جَازَ لَهُ فعل الْبَقِيَّة وَلَو نوى بتيممه صَلَاة الْجِنَازَة فَالْأَصَحّ أَنه كالتيمم للنفل (و) الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَام المُصَنّف (مسح الْوَجْه) حَتَّى ظَاهر مسترسل لحيته والمقبل من أَنفه على شَفَتَيْه لقَوْله تَعَالَى {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ} (و) الرُّكْن الرَّابِع وَهُوَ الثَّالِث فِي كَلَام المُصَنّف (مسح) كل (الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين) لِلْآيَةِ لِأَن الله تَعَالَى أوجب طَهَارَة الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة فِي الْوضُوء فِي أول الْآيَة ثمَّ أسقط مِنْهَا عضوين فِي التَّيَمُّم فِي آخر الْآيَة فَبَقيَ العضوان فِي التَّيَمُّم على مَا ذكرا فِي الْوضُوء إِذْ لَو اخْتلفَا لبينهما كَذَا قَالَه الشَّافِعِي (و) الرُّكْن الْخَامِس وَهُوَ الرَّابِع فِي كَلَام المُصَنّف (التَّرْتِيب) بَين الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ لما مر فِي الْوضُوء وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّيَمُّم عَن حدث أكبر أَو أَصْغَر أَو غسل مسنون أَو وضوء مُجَدد أَو غير ذَلِك مِمَّا يطْلب لَهُ التَّيَمُّم فَإِن قيل لم لم يجب التَّرْتِيب فِي الْغسْل وَوَجَب فِي التَّيَمُّم الَّذِي هُوَ بدله أُجِيب بِأَن الْغسْل لما وَجب فِيهِ تَعْمِيم جَمِيع الْبدن صَار كعضو وَاحِد وَالتَّيَمُّم وَجب فِي عضوين فَقَط فَأشبه الْوضُوء وَلَا يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى منبت الشّعْر الْخَفِيف لما فِيهِ من الْعسر بِخِلَاف الْوضُوء بل وَلَا يسْتَحبّ كَمَا فِي الْكِفَايَة فالكثيف أولى وَلَا يجب التَّرْتِيب فِي نقل التُّرَاب إِلَى العضوين بل هُوَ مُسْتَحبّ فَلَو ضرب بيدَيْهِ التُّرَاب دفْعَة وَاحِدَة أَو ضرب الْيَمين قبل الْيَسَار وَمسح بِيَمِينِهِ وَجهه وبيساره يَمِينه أَو عكس جَازَ لِأَن الْفَرْض الْأَصْلِيّ الْمسْح وَالنَّقْل وَسِيلَة إِلَيْهِ وَيشْتَرط قصد التُّرَاب لعضو معِين يمسحه أَو يُطلق فَلَو أَخذ التُّرَاب ليمسح بِهِ وَجهه فَتذكر أَنه مَسحه لم يجز لَهُ أَن يمسح بذلك التُّرَاب يَدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَكَذَا لَو أَخذه ليديه ظَانّا أَنه مسح وَجهه ثمَّ تذكر أَنه لم يمسحه لم يجز أَن يمسح بِهِ وَجهه ذكره الْقفال فِي فَتَاوِيهِ وَيجب مسح وَجهه وَيَديه بضربتين لخَبر الْحَاكِم التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ ورواى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تيَمّم بضربتين مسح بِإِحْدَاهُمَا وَجهه وبالأخرى ذِرَاعَيْهِ وَلِأَن الِاسْتِيعَاب غَالِبا لَا يَتَأَتَّى بدونهما فأشبها الْأَحْجَار الثَّلَاثَة فِي الِاسْتِنْجَاء وَلَا يتَعَيَّن الضَّرْب فَلَو وضع يَدَيْهِ على تُرَاب ناعم وعلق بهما غُبَار كفى القَوْل فِي سنَن التَّيَمُّم ثمَّ شرع فِي سنَن التَّيَمُّم فَقَالَ (وسننه) أَي التَّيَمُّم (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَفِي بعض النّسخ ثَلَاث خِصَال بل أَكثر من ذَلِك كَمَا ستعرفه الأول (التَّسْمِيَة) أَوله كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَلَو لمحدث حَدثا أكبر (و) الثَّانِي (تَقْدِيم الْيُمْنَى) من الْيَدَيْنِ (على الْيُسْرَى) مِنْهُمَا (و) الثَّالِث (الْمُوَالَاة) كَالْوضُوءِ لِأَن كلا مِنْهُمَا طَهَارَة عَن حدث وَإِذا اعْتبرنَا هُنَاكَ الْجَفَاف اعتبرناها هُنَا أَيْضا بتقديره مَاء وَمن سنَنه أَيْضا الْمُوَالَاة بَين التَّيَمُّم وَالصَّلَاة خُرُوجًا من خلاف من أوجبهَا وَتجب الْمُوَالَاة بقسميها فِي تيَمّم دَائِم الْحَدث كَمَا تجب فِي وضوئِهِ تَخْفِيفًا للمانع وَمن سنَنه الْبدَاءَة بِأَعْلَى وَجهه وَتَخْفِيف الْغُبَار من كفيه أَو مَا يقوم مقامهما وتفريق أَصَابِعه فِي أول الضربتين وتخليل أَصَابِعه بعد مسح الْيَدَيْنِ وَأَن لَا يرفع الْيَد عَن الْعُضْو قبل تَمام مَسحه خُرُوجًا من خلاف من أوجبه القَوْل فِي مبطلات التَّيَمُّم ثمَّ شرع فِي مبطلات التَّيَمُّم فَقَالَ وَالَّذِي يبطل التَّيَمُّم بعد صِحَّته (ثَلَاثَة أَشْيَاء) القَوْل فِي حكم رُؤْيَة المَاء أَو توهمه للمتيمم الأول (مَا) أَي الَّذِي (أبطل الْوضُوء) وَتقدم بَيَانه فِي مَوْضِعه (و) الثَّانِي (رُؤْيَة المَاء) الطّهُور (فِي غير وَقت الصَّلَاة) وَإِن ضَاقَ الْوَقْت بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر وَلخَبَر أبي دَاوُد التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَلِأَنَّهُ لم يشرع فِي الْمَقْصُود فَصَارَ كَمَا لَو رَآهُ فِي أثْنَاء التَّيَمُّم وَوُجُود ثمن المَاء عِنْد إِمْكَان شِرَائِهِ كوجود المَاء وَكَذَا توهم المَاء وَإِن زَالَ سَرِيعا لوُجُوب طلبه بِخِلَاف توهم الستْرَة لَا يجب عَلَيْهِ طلبَهَا لِأَن الْغَالِب عدم وجدانها بِالطَّلَبِ للبخل بهَا وَمن التَّوَهُّم رُؤْيَة سراب وَهُوَ مَا يرى نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء أَو رُؤْيَة غمامة مطبقة بِقُرْبِهِ أَو رُؤْيَة ركب طلع أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يتَوَهَّم مَعَه المَاء فَلَو سمع قَائِلا يَقُول عِنْدِي مَاء لغَائِب بَطل تيَمّمه لعلمه بِالْمَاءِ قبل الْمَانِع أَو يَقُول عِنْدِي لغَائِب مَاء لم يبطل تيَمّمه لمقارنة الْمَانِع وجود المَاء وَلَو قَالَ عِنْدِي لحاضر مَاء وَجب عَلَيْهِ طلبه مِنْهُ وَلَو قَالَ لفُلَان مَاء وَلم يعلم السَّامع غيبته وَلَا حُضُوره وَجب السُّؤَال عَنهُ أَي وَيبْطل تيَمّمه فِي الصُّورَتَيْنِ لما مر من أَن وجوب الطّلب يُبطلهُ وَلَو سَمعه يَقُول عِنْدِي مَاء ورد بَطل أَيْضا وَوُجُود مَا ذكر قبل تَمام تَكْبِيرَة الْإِحْرَام كوجوده قبل الشُّرُوع فِيهَا وَإِنَّمَا يُبطلهُ وجود المَاء أَو توهمه إِن لم يقْتَرن بمانع يمْنَع من اسْتِعْمَاله كعطش وَسبع لِأَن وجوده وَالْحَالة هَذِه كَالْعدمِ فَإِن وجده فِي صَلَاة لَا تسْقط قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَن صلى فِي مَكَان يغلب فِيهِ وجود المَاء بَطل تيَمّمه إِذْ لَا فَائِدَة بالاشتغال بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا بُد من إِعَادَتهَا وَإِن أسقط التَّيَمُّم قضاءها لم يبطل تيَمّمه لِأَنَّهُ شرع فِي الْمَقْصُود فَكَانَ كَمَا لَو وجد الْمُكَفّر الرَّقَبَة بعد الشُّرُوع فِي الصَّوْم وَلِأَن وجود المَاء لَيْسَ حَدثا لكنه مَانع من ابْتِدَاء التَّيَمُّم وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين صَلَاة الْفَرْض كَظهر وَصَلَاة جَنَازَة وَالنَّفْل كعيد ووتر وَلَو رأى الْمُسَافِر المَاء فِي أثْنَاء صلَاته وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قَاصِر ثمَّ نوى الْإِقَامَة أَو نوى الْقَاصِر الْإِتْمَام عِنْد رُؤْيَة المَاء بطلت صلَاته تَغْلِيبًا لحكم الْإِقَامَة فِي الأولى ولحدوث مَا لم يستبحه فِيهَا وَفِي الثَّانِيَة لِأَن الْإِتْمَام كافتتاح صَلَاة أُخْرَى وشفاء الْمَرِيض من مَرضه فِي الصَّلَاة كوجدان الْمُسَافِر المَاء فِيهَا فَينْظر إِن كَانَت مِمَّا تسْقط بِالتَّيَمُّمِ لم تبطل وَإِن كَانَت مِمَّا لَا تسْقط بِالتَّيَمُّمِ كَأَن تيَمّم وَقد وضع الْجَبِيرَة على حدث بطلت وَقطع الصَّلَاة الَّتِي تسْقط بِالتَّيَمُّمِ ليتوضأ وَيُصلي بدلهَا أفضل من إِتْمَامهَا كوجود الْمُكَفّر الرَّقَبَة فِي أثْنَاء الصَّوْم وليخرج من خلاف من حرم إِتْمَامهَا إِلَّا إِذا ضَاقَ وَقت الْفَرِيضَة فَيحرم قطعهَا كم جزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وَلَو يمم ميت وَصلى عَلَيْهِ ثمَّ وجد المَاء وَجب غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ سَوَاء أَكَانَ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أم بعْدهَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن لَا يجب وَمَا قَالَه أَولا مَحَله فِي الْحَضَر أما فِي السّفر فَلَا يجب شَيْء من ذَلِك كالحي جزم بِهِ ابْن سراقَة فِي تلقينه لكنه فَرْضه فِي الوجدان بعد الصَّلَاة فَعلم أَن صَلَاة الْجِنَازَة كَغَيْرِهَا وَأَن تيَمّم الْمَيِّت كتيمم الْحَيّ وَلَو رأى المَاء فِي صلَاته الَّتِي تسْقط بِالتَّيَمُّمِ بَطل تيَمّمه بسلامه مِنْهَا وَإِن علم تلفه قبل سَلَامه لِأَنَّهُ ضعف بِرُؤْيَة المَاء وَكَانَ مُقْتَضَاهُ بطلَان الصَّلَاة الَّتِي هُوَ فِيهَا لَكِن خالفناه لحرمتها وَيسلم الثَّانِيَة لِأَنَّهَا من جملَة الصَّلَاة كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ تبعا للروياني وَلَو رَأَتْ حَائِض تيممت لفقد المَاء المَاء وَهُوَ يُجَامِعهَا حرم عَلَيْهَا تَمْكِينه كَمَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره وَوَجَب النزع كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَغَيره لبُطْلَان طهرهَا وَلَو رَآهُ هُوَ دونهَا لم يجب عَلَيْهِ النزع لبَقَاء طهرهَا وَلَو رأى المَاء فِي أثْنَاء قِرَاءَة فَاقِد تيَمّم لَهَا بَطل تيَمّمه بِالرُّؤْيَةِ سَوَاء نوى قِرَاءَة قدر مَعْلُوم أم لَا لبعد ارتباط بَعْضهَا بِبَعْض قَالَه الرَّوْيَانِيّ وَلَا يُجَاوز المتنفل الَّذِي وجد المَاء فِي صلَاته الَّتِي لم ينْو قدرا رَكْعَتَيْنِ بل يسلم مِنْهُمَا لِأَنَّهُ الأحب والمعهود فِي النَّفْل هَذَا إِذا رأى المَاء قبل قِيَامه للثالثة فَمَا فَوْقهَا وَإِلَّا أتم مَا هُوَ فِيهِ فَإِن نوى رَكْعَة أَو عددا أتمه لانعقاد نِيَّته عَلَيْهِ فَأشبه الْمَكْتُوبَة الْمقدرَة وَلَا يزِيد عَلَيْهِ لِأَن الزِّيَادَة كافتتاح نَافِلَة بِدَلِيل افتقارها إِلَى قصد جَدِيد وَلَو رأى المَاء فِي أثْنَاء الطّواف بَطل تيَمّمه بِنَاء على أَنه يجوز تفريقه وَهُوَ الْأَصَح (و) الثَّالِث من المبطلات (الرِّدَّة) وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى مِنْهَا بِخِلَاف الْوضُوء لقُوته وَضعف بدله لَكِن تبطل نِيَّته فَيجب تَجْدِيد نِيَّة الْوضُوء القَوْل فِي الْجَبِيرَة وَحكمهَا (وَصَاحب الجبائر) جمع جبيرَة وَهِي خَشَبَة أَو نَحْوهَا كقصبة تُوضَع على الْكسر ويشد عَلَيْهَا لينجبر الْكسر (يمسح) بِالْمَاءِ (عَلَيْهَا) حَيْثُ عسر نَزعهَا لخوف مَحْذُور مِمَّا تقدم وَكَذَا اللصوق بِفَتْح اللَّام والشقوق الَّتِي فِي الرجل إِذا احْتَاجَ إِلَى تقطير شَيْء فِيهَا يمْنَع من وُصُول المَاء وَيجب مسح كلهَا بِالْمَاءِ اسْتِعْمَالا لَهُ مَا أمكن بِخِلَاف التُّرَاب لَا يجب مسحها بِهِ وَإِن كَانَت فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مَحَله لِأَنَّهُ ضَعِيف فَلَا يُؤثر من وَرَاء حَائِل وَلَا يقدر الْمسْح بِمدَّة بل لَهُ الاستدامة إِلَى الِانْدِمَال لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ تأقيت وَلِأَن السَّاتِر لَا ينْزع للجنابة بِخِلَاف الْخُف فيهمَا وَيمْسَح الْجنب وَنَحْوه مَتى شَاءَ والمحدث وَقت غسل عليله وَيشْتَرط فِي السَّاتِر ليكفي مَا ذكر أَن لَا يَأْخُذ من الصَّحِيح إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ للاستمساك وَيجب غسل الصَّحِيح لِأَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فَاعْتبر الْإِتْيَان فِيهَا بأقصى الْمُمكن (وَيتَيَمَّم) وجوبا لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات عَن جَابر فِي المشجوج الَّذِي احْتَلَمَ واغتسل فَدخل المَاء شجته فَمَاتَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصب على رَأسه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده وَالتَّيَمُّم بدل عَن غسل الْعُضْو العليل وَمسح السَّاتِر بدل عَن غسل مَا تَحت أَطْرَافه من الصَّحِيح كَمَا فِي التَّحْقِيق وَغَيره وَقَضِيَّة ذَلِك أَنه لَو كَانَ السَّاتِر بِقدر الْعلَّة فَقَط أَو بأزيد وَغسل الزَّائِد كُله لَا يجب الْمسْح وَهُوَ كَذَلِك فإطلاقهم وجوب الْمسْح جرى على الْغَالِب من أَن السَّاتِر يَأْخُذ زِيَادَة على مَحل الْعلَّة والفصد كالجرح الَّذِي يخَاف من غسله مَا مر فيتيمم لَهُ إِن خَافَ اسْتِعْمَال المَاء وعصابته كاللصوق وَلما بَين حبات الجدري حكم الْعُضْو الجريح إِن خَافَ من غسله مَا مر وَإِذا ظهر دم الفصادة من اللصوق وشق عَلَيْهِ نَزعه وَجب عَلَيْهِ مَسحه ويعفى عَن هَذَا الدَّم الْمُخْتَلط بِالْمَاءِ تَقْدِيمًا لمصْلحَة الْوَاجِب على دفع مفْسدَة الْحَرَام كوجوب تنحنح مصلي الْفَرْض حَيْثُ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة الْوَاجِبَة وَإِذا تيَمّم الَّذِي غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الْبَاقِي وَأدّى فَرِيضَة لفرض ثَان وثالث وَهَكَذَا وَلم يحدث بعد طَهَارَته الأولى لم يعد الْجنب وَنَحْوه غسلا لما غسله وَلَا مسحا لما مَسحه وَالْحَدَث كالجنب فَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة غسل مَا بعد عليله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو بطلت طَهَارَة العليل وطهارة العليل بَاقِيَة إِذْ يتَنَفَّل بهَا وَإِنَّمَا يُعِيد التَّيَمُّم لضَعْفه عَن أَدَاء فرض ثَان بِخِلَاف من نسي لمْعَة فَإِن طَهَارَة ذَلِك الْعُضْو لم تحصل وَإِذا امْتنع وجوب اسْتِعْمَال المَاء فِي عُضْو من مَحل الطَّهَارَة لنَحْو مرض أَو جرح وَلم يكن عَلَيْهِ سَاتِر وَجب التَّيَمُّم لِئَلَّا يبْقى مَوضِع الْعلَّة بِلَا طَهَارَة فيمر التُّرَاب مَا أمكن على مَوضِع الْعلَّة إِن كَانَت بِمحل التَّيَمُّم وَيجب غسل الصَّحِيح بِقدر الْإِمْكَان لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ فِي رِوَايَة لَهما أَنه غسل معاطفه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صلى بهم قَالَ الْبَيْهَقِيّ مَعْنَاهُ أَنه غسل مَا أمكنه وَتَوَضَّأ وَتيَمّم للْبَاقِي ويتلطف فِي غسل الصَّحِيح المجاور للعليل فَيَضَع خرقَة مبلولة بِقُرْبِهِ ويتحامل عَلَيْهَا ليغسل بالمتقاطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مِنْهَا مَا حواليه من غير أَن يسيل المَاء إِلَيْهِ فَإِن لم يقدر على ذَلِك بِنَفسِهِ اسْتَعَانَ وَلَو بِأُجْرَة فَإِن تعذر فَفِي الْمَجْمُوع أَنه يقْضِي وَلَو جرح عضوا الْمُحدث أَو امْتنع اسْتِعْمَال المَاء فيهمَا لغير جِرَاحَة فَيجب تيممان بِنَاء على الْأَصَح وَهُوَ اشْتِرَاط التَّيَمُّم وَقت غسل العليل لتَعَدد العليل وكل من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ كعضو وَاحِد وَيسْتَحب أَن يَجْعَل كل وَاحِدَة كعضو فَإِن كَانَ فِي أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة جِرَاحَة وَلم تعمها فَلَا بُد من ثَلَاث تيممات الأول للْوَجْه وَالثَّانِي لِلْيَدَيْنِ وَالثَّالِث للرجلين وَالرَّأْس يَكْفِي فِيهِ مسح مَا قل مِنْهُ كَمَا مر فَإِن عَمت الرَّأْس فَأَرْبَعَة وَإِن عَمت الْأَعْضَاء كلهَا فَتَيَمم وَاحِد عَن الْجَمِيع لسُقُوط التَّرْتِيب بِسُقُوط الْغسْل (وَيُصلي) صَاحب الْجَبِيرَة إِذا مسح عَلَيْهَا وَغسل الصَّحِيح وَتيَمّم (وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِن كَانَ وَضعهَا على طهر) لِأَنَّهُ أولى من الْمسْح على الْخُف للضَّرُورَة هُنَا هَذَا إِذا لم تكن الْجَبِيرَة على مَحل التَّيَمُّم وَإِلَّا وَجب الْقَضَاء قَالَ فِي الرَّوْضَة بِلَا خلاف لنَقص الْبَدَل والمبدل جَمِيعًا وَنَقله النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع كالرافعي عَن جمَاعَة ثمَّ قَالَ وَإِطْلَاق الْجُمْهُور يَقْتَضِي أَنه لَا فرق انْتهى وَمَا فِي الرَّوْضَة أوجه لما ذكر وَإِن وَضعهَا على حدث سَوَاء أَكَانَ فِي أَعْضَاء التَّيَمُّم أَو فِي غَيرهَا من أَعْضَاء الطَّهَارَة وَجب نَزعهَا إِن أمكن بِلَا ضَرَر يُبِيح التَّيَمُّم لِأَنَّهُ مسح على سَاتِر فَاشْترط فِيهِ الْوَضع على طهر كالخف فَإِن تعذر نَزعه وَمسح وَصلى قضى الْفَرَائِض لفَوَات شَرط الْوَضع على طَهَارَة فَانْتفى تشبيهه حِينَئِذٍ بالخف وَكَذَا يجب الْقَضَاء إِن أمكنه النزع وَلم يفعل وَكَانَ وَضعهَا على طهر وَلَو تيَمّم عَن حدث أكبر ثمَّ أحدث حَدثا أَصْغَر انْتقض طهره الْأَصْغَر لَا الْأَكْبَر كَمَا لَو أحدث بعد غسله فَيحرم عَلَيْهِ مَا يحرم على الْمُحدث وَيسْتَمر تيَمّمه عَن الْحَدث الْأَكْبَر حَتَّى يجد المَاء بِلَا مَانع فَلَو وجد خابية مَاء مُسبل تيَمّم وَلَا يجوز الطُّهْر مِنْهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا وضعت للشُّرْب نظرا للْغَالِب وَلم يقْض صلَاته كَمَا لَو تيَمّم بِحَضْرَة مَاء يحْتَاج إِلَيْهِ لعطش وَصلى بِهِ وَلَو نسي المَاء فِي رَحْله أَو أضلّهُ فِيهِ فَلم يجده بعد إمعان الطّلب وَتيَمّم فِي الْحَالين وَصلى ثمَّ تذكره فِي النسْيَان ووجده فِي الإضلال قضى لِأَنَّهُ فِي الْحَالة الأولى وَاجِد للْمَاء لكنه قصر فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ فَيَقْضِي كَمَا لَو نسي سَاتِر الْعَوْرَة وَفِي الثَّانِيَة عذر نَادِر لَا يَدُوم وَلَو أضلّ رَحْله فِي رحال بِسَبَب ظلمَة أَو غَيرهَا فَتَيَمم وَصلى ثمَّ وجده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَفِيه المَاء فَإِن لم يمعن فِي الطّلب قضى لتَقْصِيره وَإِن أمعن فِيهِ فَلَا قَضَاء إِذْ لَا مَاء مَعَه حَال التَّيَمُّم وَفَارق إضلاله فِي رَحْله بِأَن مخيم الرّفْقَة أوسع غَالِبا من مخيمه فَلَا يعد مقصرا وَلَو أدرج المَاء فِي رَحْله وَلم يشْعر بِهِ أَو لم يعلم ببئر خُفْيَة هُنَاكَ فَلَا إِعَادَة وَلَو تيَمّم لإضلاله عَن الْقَافِلَة أَو عَن المَاء أَو لغصب مَائه فَلَا إِعَادَة بِلَا خلاف ذكره فِي الْمَجْمُوع فروع لَو أتلف المَاء فِي الْوَقْت لغَرَض كتبرد وتنظف وتحير مُجْتَهدا لم يعْص للْعُذْر أَو أتْلفه عَبَثا فِي الْوَقْت أَو بعده عصى لتَفْرِيطه بإتلافه مَاء تعين للطَّهَارَة وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا تيَمّم فِي الْحَالين لِأَنَّهُ تيَمّم وَهُوَ فَاقِد للْمَاء أما إِذا أتْلفه قبل الْوَقْت فَلَا يَعْصِي من حَيْثُ إِتْلَاف مَاء الطَّهَارَة وَإِن كَانَ يَعْصِي من حَيْثُ إِنَّه إِضَاعَة مَال وَلَا إِعَادَة أَيْضا لما مر وَلَو بَاعه أَو وهبه فِي الْوَقْت بِلَا حَاجَة لَهُ وَلَا للْمُشْتَرِي أَو الْمُتَّهب لعطش لم يَصح بَيْعه وَلَا هِبته لِأَنَّهُ عَاجز عَن تَسْلِيمه شرعا لتعينه للطهر وَبِهَذَا فَارق صِحَة هبة من لَزِمته كَفَّارَة أَو دُيُون فوهب مَا يملكهُ وَعَلِيهِ أَن يسْتَردّهُ فَلَا يَصح تيَمّمه مَا قدر عَلَيْهِ لبَقَائه على ملكه فَإِن عجز عَن اسْتِرْدَاده تيَمّم وَصلى وَقضى تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي فَوت المَاء فِي وَقتهَا لتَقْصِيره دون مَا سواهَا لِأَنَّهُ فَوت المَاء قبل دُخُول وَقتهَا وَلَا يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بِتَيَمُّم فِي الْوَقْت بل يُؤَخر الْقَضَاء إِلَى وجود المَاء أَو حَالَة يسْقط الْفَرْض فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَو أتلف المَاء فِي يَد الْمُتَّهب أَو المُشْتَرِي ثمَّ تيَمّم وَصلى فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما سلف وَيضمن المَاء المُشْتَرِي دون الْمُتَّهب لِأَن فَاسد كل عقد كصحيحه فِي الضَّمَان وَعَدَمه وَلَو مر بِمَاء فِي الْوَقْت وَبعد عَنهُ بِحَيْثُ لَا يلْزمه طلبه ثمَّ تيَمّم وَصلى أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما مر وَلَو عطشوا ولميت مَاء شربوه ويمموه وضمنوه للْوَارِث بِقِيمَتِه لَا بِمثلِهِ وَلَو كَانَ مثلِيا إِذا كَانُوا ببرية للْمَاء فِيهَا قيمَة ثمَّ رجعُوا إِلَى وطنهم وَلَا قيمَة لَهُ فِيهِ وَأَرَادَ الْوَارِث تغريمهم إِذْ لَو ردوا المَاء لَكَانَ إِسْقَاطًا للضَّمَان فَإِن فرض الْغرم بمَكَان الشّرْب أَو بمَكَان آخر للْمَاء فِيهِ قيمَة وَلَو دون قِيمَته بمَكَان الشّرْب وزمانه غرم مثله كَسَائِر الْمِثْلِيَّات وَلَو أوصى بِصَرْف مَاء لأولي النَّاس وَجب تَقْدِيم العطشان الْمُحْتَرَم حفظا لمهجته ثمَّ الْمَيِّت لِأَن ذَلِك خَاتِمَة أمره فَإِن مَاتَ اثْنَان وَوجد المَاء قبل مَوْتهمَا قدم الأول لسبقه فَإِن مَاتَا مَعًا أَو جهل السَّابِق أَو وجد المَاء بعدهمَا قدم الْأَفْضَل لأفضليته بِغَلَبَة الظَّن لكَونه أقرب إِلَى الرَّحْمَة لَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالنّسب وَنَحْو ذَلِك فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا وَلَا يشْتَرط قبُول الْوَارِث لَهُ كالكفن المتطوع بِهِ ثمَّ الْمُتَنَجس لِأَن طهره لَا بدل لَهُ ثمَّ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء لعدم خلوهما عَن النَّجس غَالِبا ولغلظ حَدثهمَا فَإِن اجْتمعَا قدم أفضلهما فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا ثمَّ الْجنب لِأَن حَدثهُ أغْلظ من حدث الْمُحدث حَدثا أَصْغَر نعم إِن كفى الْمُحدث دونه أولى فالمحدث بِهِ لِأَنَّهُ يرْتَفع بِهِ حَدثهُ بِكَمَالِهِ دون الْجنب لَا يجمع فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد (وَيتَيَمَّم) الْمَعْذُور وجوبا (لكل فَرِيضَة) فَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّم غير فرض لِأَن الْوضُوء كَانَ لكل فرض لقَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَالتَّيَمُّم بدل عَنهُ ثمَّ نسخ ذَلِك فِي الْوضُوء بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم الْفَتْح خمس صلوَات بِوضُوء وَاحِد وَبَقِي التَّيَمُّم على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلما روى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عمر قَالَ يتَيَمَّم لكل صَلَاة وَإِن لم يحدث وَلِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورَة وَمثل فرض الصَّلَاة فِي ذَلِك فرض الطّواف وخطبة الْجُمُعَة فَيمْتَنع الْجمع بِتَيَمُّم وَاحِد بَين طوافين مفروضين وَبَين طواف فرض وَفرض صَلَاة وَبَين صَلَاة الْجُمُعَة وخطبتها على مَا رَجحه الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الْخطْبَة وَإِن كَانَت فرض كِفَايَة إِذْ قيل إِنَّهَا قَائِمَة مقَام رَكْعَتَيْنِ وَالصَّبِيّ لَا يُؤَدِّي بتيممه غير فرض كَالْبَالِغِ لِأَن مَا يُؤَدِّيه كالفرض فِي النِّيَّة وَغَيرهَا نعم لَو تيَمّم للْفَرض ثمَّ بلغ لم يصل بِهِ الْفَرْض لِأَن صلَاته نفل كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَنَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْعِرَاقِيّين فَإِن قيل لم جعل كَالْبَالِغِ فِي أَنه لَا يجمع بِتَيَمُّم فرضين وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْض إِذا بلغ أُجِيب بِأَن ذَلِك احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي أَنه يتَيَمَّم للْفَرض الثَّانِي وَيتَيَمَّم إِذا بلغ وَهَذَا فِي غَايَة الِاحْتِيَاط وَخرج بِمَا ذكر تَمْكِين الْحَائِض من الْوَطْء مرَارًا وَجمعه مَعَ فرض آخر بِتَيَمُّم وَاحِد فَإِنَّهُمَا جائزان وَالنّذر كفرض عَيْني لتعينه على النَّاذِر فَأشبه الْمَكْتُوبَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يجمعه مَعَ فَرِيضَة أُخْرَى مُؤَدَّاة كَانَت أَو مقضية بِتَيَمُّم وَاحِد وَلَو تعين على ذِي حدث أكبر تعلم فَاتِحَة أَو حمل مصحف أَو نَحْو ذَلِك كحائض انْقَطع حَيْضهَا وَأَرَادَ الزَّوْج وَطأهَا وَتيَمّم من ذكر لفريضة كَانَ لَهُ أَن يجمع ذَلِك مَعهَا وَكَذَا لَهُ مَعهَا صَلَاة الْجِنَازَة لِأَنَّهَا لَيست من جنس فَرَائض الْأَعْيَان فَهِيَ كالنفل فِي جَوَاز التّرْك فِي الْجُمْلَة وَإِنَّمَا تعين الْقيام فِيهَا الْقُدْرَة لِأَن الْقيام قوامها لعدم الرُّكُوع وَالسُّجُود فِيهَا فَتَركه يمحي صورتهَا وَلَو تيَمّم لنافلة كَانَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ الْجِنَازَة لما ذكره (وَيُصلي بِتَيَمُّم وَاحِد مَا شَاءَ من النَّوَافِل) لِأَن النَّوَافِل تكْثر فَيُؤَدِّي إِيجَاب التَّيَمُّم لكل صَلَاة مِنْهَا إِلَى التّرْك أَو إِلَى حرج عَظِيم فَخفف فِي أمرهَا كَمَا خفف بترك الْقيام فِيهَا مَعَ الْقُدْرَة وبترك الْقبْلَة فِي السّفر وَلَو نذر إتْمَام كل صَلَاة دخل فِيهَا فَلهُ جمعهَا مَعَ فرض لِأَن ابتداءها نفل ذكره الرَّوْيَانِيّ وَلَو صلى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة ثمَّ أَرَادَ إِعَادَتهَا جمَاعَة جَازَ لِأَن فَرْضه الأولى ثمَّ كل صَلَاة أوجبناها فِي الْوَقْت وأوجبنا إِعَادَتهَا كمربوط على خَشَبَة ففرضه الثَّانِيَة وَله أَن يُعِيدهَا بِتَيَمُّم الأولى لِأَن الأولى وَإِن وَقعت نفلا فالإتيان بهَا فرض فَإِن قيل كَيفَ يجمعهما بِتَيَمُّم مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا فرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 أُجِيب بِأَن هَذَا كالمنسية فِي خمس يجوز جمعهَا بِتَيَمُّم وَإِن كَانَت فرضا لِأَن الْفَرْض بِالذَّاتِ وَاحِدَة وَمن نسي إِحْدَى الْخمس وَلم يعلم عينهَا كَفاهُ لَهُنَّ تيَمّم لِأَن الْفَرْض وَاحِد وَمَا سواهُ وَسِيلَة لَهُ فَلَو تذكر المنسية بعد لم يجب إِعَادَتهَا كَمَا رَجحه فِي الْمَجْمُوع أَو نسي مِنْهُنَّ مختلفتين وَلم يعلم عينهما صلى كلا مِنْهُنَّ بِتَيَمُّم أَو صلى أَرْبعا كالظهر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِتَيَمُّم وأربعا لَيست مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بهَا أَي الْعَصْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح بِتَيَمُّم آخر فَيبرأ بِيَقِين أَو نسي مِنْهُنَّ متفقتين أَو شكّ فِي اتِّفَاقهمَا وَلم يعلم عينهما وَلَا تكون المتفقتان إِلَّا من يَوْمَيْنِ فَيصَلي الْخمس مرَّتَيْنِ بتيممين ليبرأ بِيَقِين تَتِمَّة على فَاقِد الطهُورَيْنِ وهما المَاء وَالتُّرَاب كمحبوس بِمحل لَيْسَ فِيهِ وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُصَلِّي الْفَرْض لحرمه الْوَقْت وَيُعِيد إِذا وجد أَحدهمَا وَإِنَّمَا يُعِيد بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحل يسْقط بِهِ الْفَرْض إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْإِعَادَة بِهِ فِي مَحل لَا يسْقط بِهِ الْفَرْض وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل فَلَا يفعل وَيَقْضِي وجوبا متيمم وَلَو فِي سفر ليرد لندرة فقد مَا يسخن بِهِ المَاء أَو يدثر بِهِ أعضاءه ومتيمم لفقد مَاء بِمحل ينْدر فِيهِ فَقده وَلَو مُسَافِرًا لندرة فَقده بِخِلَافِهِ بِمحل لَا ينْدر فِيهِ ذَلِك وَلَو مُقيما ومتيمم لعذر كفقد مَاء وجرح فِي سفر مَعْصِيّة كآبق لِأَن عدم الْقَضَاء رخصَة فَلَا يناط بسفر الْمعْصِيَة فصل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة وَهِي لُغَة كل مَا يستقذر وَشرعا مستقذر يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص (وكل مَائِع خرج من) أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي الْقبل والدبر سَوَاء أَكَانَ مُعْتَادا كالبول وَالْغَائِط أم نَادرا كالودي والمذي (نجس) سَوَاء أَكَانَ ذَلِك من حَيَوَان مَأْكُول أم لَا للأحاديث الدَّالَّة على ذَلِك فقد روى البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جِيءَ لَهُ بحجرين وروثة ليستنجي بهما فَأخذ الحجرين ورد الروثة وَقَالَ هَذَا ركس والركس النَّجس وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث القبرين أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يستبرىء من الْبَوْل رَوَاهُ مُسلم وَقيس بِهِ سَائِر الأبوال وَأما أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العرنيين بِشرب أَبْوَال الْإِبِل فَكَانَ للتداوي والتداوي بِالنَّجسِ جَائِز عِنْد فقد الطَّاهِر الَّذِي يقوم مقَامه وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل الله شِفَاء أمتِي فِيمَا حرم عَلَيْهَا فَمَحْمُول على الْخمر والمذي وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاء أَبيض رَقِيق يخرج بِلَا شَهْوَة قَوِيَّة عِنْد ثورتها والودي وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاء أَبيض كدر ثخين يخرج عقب الْبَوْل أَو عِنْد حمل شَيْء ثقيل تَنْبِيه فِي بعض نسخ الْمَتْن وكل مَا يخرج بِلَفْظ الْمُضَارع بِإِسْقَاط مَائِع فَمَا نكرَة مَوْصُوفَة أَي كل شَيْء فَائِدَة هَذِه الفضلات من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاهِرَة كَمَا جزم بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيره وَصَححهُ القَاضِي وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا لَيست من النَّجَاسَة لِأَن بركَة الحبشية شربت بَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لن تلج النَّار بَطْنك صَححهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ دم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاهِر لِأَن أَبَا طيبَة شربه وَفعل مثل ذَلِك ابْن الزبير وَهُوَ غُلَام حِين أعطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دم حجامته ليدفنه فشربه فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خالط دَمه دمي لم تمسه النَّار حكم الْحَصَاة الْخَارِجَة من الْقبل فَائِدَة أُخْرَى اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ فِي حَصَاة تخرج عقب الْبَوْل فِي بعض الأحيان وَتسَمى عِنْد العامية بالحصية هَل هِيَ نَجِسَة أم متنجسة تطهر بِالْغسْلِ وَالَّذِي يظْهر فِيهَا مَا قَالَه بَعضهم وَهُوَ إِن أخبر طَبِيب عدل بِأَنَّهَا منعقدة من الْبَوْل فَهِيَ نَجِسَة وَإِلَّا فمتنجسة حكم الْمَنِيّ من الْحَيَوَانَات وَحكم الْبيض (إِلَّا الْمَنِيّ) فطاهر من جَمِيع الْحَيَوَانَات إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا أما مني الْآدَمِيّ فلحديث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تحك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ مُتَّفق عَلَيْهِ وَأما مني غير الْآدَمِيّ فَلِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ وَيسْتَحب غسل الْمَنِيّ كَمَا فِي الْمَجْمُوع للْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيهِ وخروجا من الْخلاف وَالْبيض الْمَأْخُوذ من حَيَوَان طَاهِر وَلَو من غير مَأْكُول طَاهِر وَكَذَا الْمَأْخُوذ من ميتَة إِن تصلب وبرز القز وَهُوَ الْبيض الَّذِي يخرج مِنْهُ دود القز وَلَو استحالت الْبَيْضَة دَمًا فَهِيَ طَاهِرَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه هُنَا وَصحح فِي شُرُوط الصَّلَاة مِنْهُ أَنَّهَا نَجِسَة وَالْأَوْجه حمل هَذَا على مَا إِذا لم تستحل حَيَوَانا وَالْأول على خِلَافه وَقَوله (وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب) أَي من مَأْكُول وَغَيره أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَة المتوسطة كالبول وَالْغَائِط بِدَلِيل ذكره النَّجَاسَة المخففة والمغلظة بعد ذَلِك وَيَكْفِي غسل ذَلِك مرّة لحَدِيث كَانَت الصَّلَاة خمسين وَالْغسْل من الْجَنَابَة وَالْبَوْل سبع مَرَّات فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل الله التَّخْفِيف حَتَّى جعلت الصَّلَاة خمْسا وَالْغسْل من الْجَنَابَة مرّة وَاحِدَة وَمن الْبَوْل مرّة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ وَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصب ذنُوب على بَوْل الْأَعرَابِي وَذَلِكَ فِي حكم غسلة وَاحِدَة وَهُوَ حجَّة الْوُجُوب القَوْل فِي تَقْسِيم النَّجَاسَة إِلَى حكمِيَّة وعينية تَنْبِيه النَّجَاسَة على قسمَيْنِ حكمِيَّة وعينية فالحكمية كبول جف وَلم يدْرك لَهُ صفة يَكْفِي جري المَاء عَلَيْهَا مرّة وَاحِدَة والعينية يجب إِزَالَة صفاتها من طعم ولون وريح إِلَّا مَا عسر زَوَاله من لون أَو ريح فَلَا تجب إِزَالَته بل يطهر الْمحل أما إِذا اجْتمعَا فَتجب إزالتهما مُطلقًا لقُوَّة دلالتهما على بَقَاء الْعين كَمَا يدل على بَقَائِهَا بَقَاء الطّعْم وَحده وَإِن عسر زَوَاله وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا بقيا فِي مَحل وَاحِد فَإِن بقيا مُتَفَرّقين لم يضر وَلَا تجب الِاسْتِعَانَة فِي زَوَال الْأَثر بِغَيْر المَاء إِلَّا إِن تعيّنت وَيشْتَرط وُرُود المَاء إِن قل لَا إِن كثر على الْمحل لِئَلَّا يَتَنَجَّس المَاء لَو عكس فَلَا يطهر الْمحل والغسالة القليلة الْمُنْفَصِلَة بِلَا تغير وَبلا زِيَادَة وزن بعد اعْتِبَار مَا يتشربه الْمحل وَقد طهر الْمحل طَاهِرَة لِأَن الْمُنْفَصِل بعض مَا كَانَ مُتَّصِلا وَقد فرض طهره وَلَا يشْتَرط الْعَصْر إِذا البلل بعض الْمُنْفَصِل وَقد فرض طهره وَلَكِن يسن خُرُوجًا من الْخلاف فَإِن كَانَت كَثِيرَة وَلم تَتَغَيَّر أَو لم تنفصل فطاهرة أَيْضا وَإِن انفصلت متغيرة أَو غير متغيرة وَزَاد وَزنهَا بعد مَا ذكر أَو لم يزدْ وَلم يطهر الْمحل فنجسة فرع مَاء نقل من الْبَحْر فَوجدَ فِيهِ طعم زبل أَو لَونه أَو رِيحه حكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقه وَلَا يشكل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قَوْلهم لَا يحد برِيح الْخمر لوضوح الْفرق وَإِن احْتمل أَن يكون ذَلِك من قربَة جَائِفَة لم يحكم بنجاستة وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تعم بهَا الْبلوى القَوْل فِي النَّجَاسَة المخففة وإزالتها ثمَّ شرع فِي حكم النَّجَاسَة المخففة فَقَالَ (إِلَّا بَوْل الصَّبِي الَّذِي يَأْكُل الطَّعَام) أَي للتغذي قبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يطهر برش المَاء عَلَيْهِ) بِأَن يرش عَلَيْهِ مَا يعمه ويغمره بِلَا سيلان بِخِلَاف الصبية وَالْخُنْثَى لَا بُد فِي بولهما من الْغسْل على الأَصْل ويتحقق بالسيلان وَذَلِكَ لخَبر الشَّيْخَيْنِ عَن أم قيس أَنَّهَا جَاءَت بِابْن لَهَا صَغِير لم يَأْكُل الطَّعَام فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره فَبَال عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ وَلخَبَر التِّرْمِذِيّ وَحسنه يغسل من بَوْل الْجَارِيَة ويرش من بَوْل الْغُلَام وَفرق بَينهمَا بِأَن الائتلاف بِحمْل الصَّبِي يكثر فَخفف فِي بَوْله وَأَن بَوْله أرق من بولها فَلَا يلصق بِالْمحل كلصوق بولها بِهِ وَألْحق بهَا الْخُنْثَى وَخرج بِقَيْد التغذي تحنيكه بِنَحْوِ تمر وتناوله نَحْو سفوف لإِصْلَاح فَلَا يمنعان النَّضْح كَمَا فِي الْمَجْمُوع وبقبل مُضِيّ حَوْلَيْنِ مَا بعدهمَا إِذْ الرَّضَاع حِينَئِذٍ كالطعام كَمَا نقل عَن النَّص وَلَا بُد فِي النَّضْح من إِزَالَة أَوْصَافه كَبَقِيَّة النَّجَاسَات وَإِنَّمَا سكتوا عَن ذَلِك لِأَن الْغَالِب سهولة زَوَالهَا خلافًا للزركشي من أَن بَقَاء اللَّوْن وَالرِّيح لَا يضر القَوْل فِي النَّجَاسَات المعفو عَنْهَا (وَلَا يُعْفَى عَن شَيْء من النَّجَاسَات) كلهَا مِمَّا يُدْرِكهُ الْبَصَر (إِلَّا الْيَسِير) فِي الْعرف (من الدَّم والقيح) الأجنبيين سَوَاء أَكَانَ من نَفسه كَأَن انْفَصل مِنْهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ أَو من غَيره غير دم الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا لِأَن جنس الدَّم يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْعَفو فَيَقَع الْقَلِيل مِنْهُ فِي مَحل الْمُسَامحَة قَالَ فِي الْأُم والقليل مَا تعافاه النَّاس أَي عدوه عفوا والقيح دم اسْتَحَالَ إِلَى نَتن وَفَسَاد وَمثله الصديد أما دم نَحْو الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لغلظه كَمَا صرح فِي الْبَيَان وَنَقله عَنهُ فِي الْمَجْمُوع وَأقرهُ وَكَذَا لَو أَخذ دَمًا أَجْنَبِيّا ولطخ بِهِ نَفسه أَي بدنه أَو ثَوْبه فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ لتعديه بذلك فَإِن التضمخ بِالنَّجَاسَةِ حرَام وَأما دم الشَّخْص نَفسه الَّذِي لم ينْفَصل كَدم الدماميل والقروح وَمَوْضِع الفصد والحجامة فيعفى عَن قَلِيله وَكَثِيره انْتَشَر بعرق أم لَا ويعفى عَن دم البراغيث وَالْقمل والبق وونيم الذُّبَاب وَعَن قَلِيل بَوْل الخفاش وَعَن روثه وَبَوْل الذُّبَاب لِأَن ذَلِك مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى ويشق الِاحْتِرَاز عَنهُ وَدم البراغيث وَالْقمل رشحات تمصها من (بدن) الْإِنْسَان وَلَيْسَ لَهَا دم فِي نَفسهَا ذكره الإِمَام وَغَيره فِي دم البراغيث وَمثلهَا الْقمل تَنْبِيه مَحل الْعَفو عَن سَائِر الدِّمَاء مَا لم تختلط بأجنبي فَإِن اخْتلطت بِهِ وَلَو دم نَفسه كَأَن خرج من عينه دم أَو دميت لثته لم يعف عَن شَيْء مِنْهُ نعم يُعْفَى عَن مَاء الطَّهَارَة إِذا لم يتَعَمَّد وَضعه عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَن شَيْء مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فِي الْكَلَام على كَيْفيَّة الْمسْح على الْخُف لَو تنجس أَسْفَل الْخُف بمعفو عَنهُ لَا يمسح على أَسْفَله لِأَنَّهُ لَو مَسحه زَاد التلويث وَلَزِمَه حِينَئِذٍ غسله وَغسل الْيَد انْتهى وَاخْتلف فِيمَا إِذا لبس ثوبا فِيهِ دم براغيث وبدنه رطب فَقَالَ الْمُتَوَلِي يجوز وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 عَليّ السنجي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة إِلَى تلويث بدنه وَبِه جزم الْمُحب الطَّبَرِيّ تفقها وَيُمكن حمل الْكَلَام الأول على مَا إِذا كَانَت الرُّطُوبَة بِمَاء وضوء أَو غسل مَطْلُوب لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ كَمَا لَو كَانَت بعرق وَالثَّانِي فِي غير ذَلِك كَمَا علم مِمَّا مر وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بِمَاء الطَّهَارَة مَا يتساقط من المَاء حَال شربه أَو من الطَّعَام حَال أكله أَو جعله على جرحه دَوَاء لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَأما مَا لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر فيعفى عَنهُ وَلَو من النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَن ذَلِك تَنْبِيه اقْتِصَار المُصَنّف فِي حصر الِاسْتِثْنَاء على مَا ذكره مَمْنُوع كَمَا علم مِمَّا تقرر وَتقدم فِي الْمِيَاه بعض صور مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا (وَمَا) أَي ويعفى عَن الَّذِي (لَا نفس لَهُ سَائِلَة) من الْحَيَوَانَات عِنْد شقّ عُضْو مِنْهَا كالذباب والزنبور وَالْقمل والبراغيث وَنَحْو ذَلِك (إِذا وَقع فِي الْإِنَاء) الَّذِي فِيهِ مَائِع (وَمَات فِيهِ لَا يُنجسهُ) أَي الْمَائِع بِشَرْط أَن لَا يطرحه طارح وَلم يُغَيِّرهُ لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلخَبَر البُخَارِيّ إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء أَي وَهُوَ الْيَسَار كَمَا قيل وَفِي الآخر شِفَاء زَاد أَبُو دَاوُد وَإنَّهُ يَتَّقِي بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء وَقد يُفْضِي غمسه إِلَى مَوته فَلَو نجس الْمَائِع لما أَمر بِهِ وَقيس بالذباب مَا فِي مَعْنَاهُ من كل ميتَة لَا يسيل دَمهَا فَلَو شككنا فِي سيل دَمهَا امتحن بِمِثْلِهَا فيجرح للْحَاجة قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَو كَانَت تِلْكَ الْحَيَوَانَات مِمَّا يسيل دَمهَا لَكِن لَا دم فِيهَا أَو فِيهَا دم لَا يسيل لصغرها فلهَا حكم مَا يسيل دَمهَا فَإِن غيرته الْميتَة لكثرتها أَو طرحت فِيهِ بعد مَوتهَا قصدا تنجس جزما كَمَا جزم بِهِ فِي الشَّرْح وَالْحَاوِي الصغيرين وَيُؤْخَذ من مَفْهُوم قَوْلهمَا بعد مَوتهَا قصدا أَنه لَو طرحها شخص بِلَا قصد أَو قصد طرحها على مَكَان آخر فَوَقَعت فِي الْمَائِع أَو طرحها من لَا يُمَيّز أَو قصد طرحها فِيهِ فَوَقَعت فِيهِ وَهِي حَيَّة فَمَاتَتْ فِيهِ أَنه لَا يضر وَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ فِي بعض نسخ الْكتاب وَمَاتَتْ فِيهِ فَظَاهره أَنَّهَا لَو طرحت وَهِي حَيَّة فيفصل فِيهَا بَين أَن تقع بِنَفسِهَا أم لَا ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَإِنَّمَا يحصل الِانْتِفَاع أَو يكمل بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا نَص الشَّارِع على نَجَاسَته وَهُوَ الْمُسكر الْمَائِع وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان كُله طَاهِر لما مر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع أَيْضا وَقد نبه على ذَلِك بقوله (وَالْحَيَوَان كُله طَاهِر) أَي طَاهِر الْعين حَال حَيَاته (إِلَّا الْكَلْب) وَلَو معلما لخَبر مُسلم طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَجه الدّلَالَة أَن الطَّهَارَة إِمَّا لحَدث أَو خبث أَو تكرمة وَلَا حدث على الْإِنَاء وَلَا تكرمة فتعينت طَهَارَة الْخبث فثبتت نَجَاسَة فَمه وَهُوَ أطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أَجْزَائِهِ بل هُوَ أطيب الْحَيَوَانَات نكهة لِكَثْرَة مَا يَلْهَث فبقيتها أولى (وَالْخِنْزِير) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا من الْكَلْب لِأَنَّهُ لَا يقتنى بِحَال وَنقض هَذَا التَّعْلِيل بالحشرات وَنَحْوهَا وَلذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ لَيْسَ لنا دَلِيل وَاضح على نَجَاسَته لَكِن ادّعى ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على نَجَاسَته وعورض بِمذهب مَالك وَرِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه طَاهِر وَيرد النَّقْض بِأَنَّهُ مَنْدُوب إِلَى قَتله من غير ضَرَر فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ بِحمْل شَيْء عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِك الحشرات فيهمَا (وَمَا تولد مِنْهُمَا) أَي من جنس كل مِنْهُمَا (أَو من أَحدهمَا) مَعَ الآخر أَو مَعَ غَيره من الْحَيَوَانَات الطاهرة وَلَو آدَمِيًّا كالمتولد بَين ذِئْب وكلبة تغيبا للنَّجَاسَة لتولده مِنْهُمَا وَالْفرع يتبع الْأَب فِي النّسَب وَالأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة وأشرفهما فِي الدّين وَإِيجَاب الْبَدَل وَتَقْرِيره الْجِزْيَة وأخفهما فِي عدم وجوب الزَّكَاة وأخسهما فِي النَّجَاسَة وَتَحْرِيم الذَّبِيحَة والمناكحة القَوْل فِي حكم الْميتَة (وَالْميتَة) وَهِي مَا زَالَت حَيَاتهَا لَا بِذَكَاة شَرْعِيَّة كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم بِضَم الْمِيم وَمَا ذبح بالعظم وَغير الْمَأْكُول إِذا ذبح (كلهَا نَجِسَة) بِالْمَوْتِ وَإِن لم يسل دَمهَا لحُرْمَة تنَاولهَا قَالَ تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} وَتَحْرِيم مَا لَيْسَ بمحترم وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَخرج بالتعريف الْمَذْكُور الْجَنِين فَإِن ذَكَاته بِذَكَاة أمه وَالصَّيْد الَّذِي لم تدْرك ذَكَاته والمتردي إِذا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدخل فِي نَجَاسَة الْميتَة جَمِيع أَجْزَائِهَا من عظم وَشعر وصوف ووبر وَغير ذَلِك لِأَن كلا مِنْهَا تحله الْحَيَاة وَدخل فِي ذَلِك ميتَة نَحْو دود خل وتفاح فَإِنَّهَا نَجِسَة وَلَكِن لَا تنجسه لعسر الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَيجوز أكله مَعَه لعسر تَمْيِيزه (إِلَّا) ميتَة (السّمك و) ميتَة (الْجَرَاد) فطاهرتان بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته وَالْمرَاد بالسمك كل مَا أكل من حَيَوَان الْبَحْر وَإِن لم يسم سمكًا كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْأَطْعِمَة وَالْجَرَاد اسْم جنس واحدته جَرَادَة يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى (و) إِلَّا ميتَة (الْآدَمِيّ) فَإِنَّهَا طَاهِرَة لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَنه لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان وَلَو كَانَ نجسا لأوجبنا على غاسله غسل مَا أَصَابَهُ وَأما خبر الْحَاكِم لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا فَجرى على الْغَالِب وَلِأَنَّهُ لَو تنجس بِالْمَوْتِ لَكَانَ نجس الْعين كَسَائِر الميتات وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة فَإِن قيل لَو كَانَ طَاهِرا لم يُؤمر بِغسْلِهِ كَسَائِر الْأَعْيَان الطاهرة أُجِيب بِأَنَّهُ عهد غسل الطَّاهِر بِدَلِيل الْمُحدث بِخِلَاف نجس الْعين القَوْل فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة وإزالتها (وَيغسل الْإِنَاء) وكل جامد وَلَو معضا من صيد أَو غَيره وجوبا (من ولوغ) كل من (الْكَلْب وَالْخِنْزِير) وَفرع أَحدهمَا وَكَذَا بملاقاة شَيْء من أَجزَاء كل مِنْهُمَا سَوَاء فِي ذَلِك لعابه وبوله وَسَائِر رطوباته وأجزائه الجافة إِذا لاقت رطبا (سبع مَرَّات) بِمَاء طهُور (إِحْدَاهُنَّ) فِي غير أَرض ترابية (بِتُرَاب) طهُور يعم مَحل النَّجَاسَة بِأَن يكون قدرا يكدر المَاء ويصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجزَاء الْمحل وَلَا بُد من مزجه بِالْمَاءِ إِمَّا قبل وضعهما على الْمحل أَو بعده بِأَن يوضعا وَلَو مرتبين ثمَّ يمزجا قبل الْغسْل وَإِن كَانَ الْمحل رطبا إِذْ الطّهُور الْوَارِد على الْمحل بَاقٍ على طهوريته خلافًا للإسنوي فِي اشْتِرَاط المزج قبل الْوَضع على الْمحل وَالْأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فاغسلوه سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ أَي بِأَن يصاحب السَّابِعَة كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد السَّابِعَة بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَة صححها التِّرْمِذِيّ أولَاهُنَّ أَو آخِرهنَّ بِالتُّرَابِ وَبَين روايتي مُسلم تعَارض فِي مَحل التُّرَاب فيتساقطان فِي تعْيين مَحَله ويكتفي بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَة من السَّبع كَمَا فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ إِحْدَاهُنَّ بالبطحاء فنص على اللعاب وَألْحق بِهِ مَا سواهُ وَلِأَن لعابه أشرف فضلاته وَإِذا ثبتَتْ نَجَاسَته فَغَيره من بَوْل وروث وعرق وَنَحْو ذَلِك أولى تَنْبِيه إِذا لم تزل (عين) النَّجَاسَة إِلَّا بست غسلات مثلا حسبت وَاحِدَة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَلَو أكل لحم نَحْو كلب لم يجب عَلَيْهِ تسبيع مَحل الِاسْتِنْجَاء كَمَا نَقله الرَّوْيَانِيّ عَن النَّص فَائِدَة حمام غسل دَاخله كلب وَلم يعْهَد تَطْهِيره وَاسْتمرّ النَّاس على دُخُوله والاغتسال فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة وانتشرت النَّجَاسَة فِي حصر الْحمام وفوطه فَمَا تَيَقّن إِصَابَة شَيْء مِنْهُ من ذَلِك فنجس وَإِلَّا فطاهر لأَنا لَا ننجس بِالشَّكِّ ويطهر الْحمام بمرور المَاء عَلَيْهِ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بطفل لِأَن الطِّفْل يحصل بِهِ التتريب كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة وَلَو مَضَت مُدَّة يحْتَمل أَنه مر عَلَيْهِ ذَلِك وَلَو بِوَاسِطَة الطين الَّذِي فِي نعال داخليه لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الْهِرَّة إِذا أكلت نَجَاسَة وَغَابَتْ غيبَة يحْتَمل فِيهَا طَهَارَة فمها وَيتَعَيَّن التُّرَاب وَلَو غُبَار رمل وَإِن أفسد الثَّوْب جمعا بَين نَوْعي الطّهُور فَلَا يَكْفِي غَيره كأشنان وصابون وَيسن جعل التُّرَاب فِي غير الْأَخِيرَة وَالْأولَى أولى لعدم احْتِيَاجه بعد ذَلِك إِلَى تتريب مَا يترشرش من جَمِيع الغسلات وَلَا يَكْفِي تُرَاب نجس وَلَا مُسْتَعْمل فِي حدث وَلَا يجب تتريب أَرض ترابية إِذْ لَا معنى لتتريب التُّرَاب فَيَكْفِي تسبيعها بِمَاء وَحده وَلَو أصَاب ثَوْبه مثلا مِنْهَا شَيْء قبل تَمام التسبيع لم يجب تتريبه قِيَاسا على مَا أَصَابَهُ من غير الأَرْض بعد تتريبه وَلَو ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل ثمَّ كوثر حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ طهر المَاء دون الْإِنَاء كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه عَن ابْن الْحداد وَأقرهُ فَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء مَاء كثير وَلم ينقص بولوغه عَن الْقلَّتَيْنِ لم ينجس المَاء وَلَا الْإِنَاء إِن لم يكن الْكَلْب أصَاب جرمه الَّذِي لم يصله المَاء مَعَ رُطُوبَة أَحدهمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَقَضيته أَنه لَو أصَاب مَا وَصله المَاء مِمَّا هُوَ فِيهِ لم ينجس وَتَكون كَثْرَة المَاء مَانِعَة من تنجيسه وَبِه صرح الإِمَام وَغَيره تَنْبِيه هَل يجب إِرَاقَة المَاء الَّذِي تنجس بولوغ الْكَلْب وَنَحْوه أَو ينْدب وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي وَحَدِيث الْأَمر بإراقته مَحْمُول على من أَرَادَ اسْتِعْمَال الْإِنَاء وَلَو أَدخل كلب رَأسه فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل فَإِن خرج فَمه جافا لم يحكم بِنَجَاسَتِهِ أَو رطبا فَكَذَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ عملا بِالْأَصْلِ ورطوبته يحْتَمل أَنَّهَا من لعابه القَوْل فِي النَّجَاسَة المتوسطة وإزالتها (وَيغسل من سَائِر) أَي بَاقِي (النَّجَاسَات) المخففة والمتوسطة (مرّة) وجوبا تَأتي عَلَيْهِ (وَاحِدَة) وَقد مر دَلِيل ذَلِك وَكَيْفِيَّة الْغسْل عِنْد قَول المُصَنّف وَغسل جَمِيع الأبوال والأرواث وَاجِب (وَالثَّلَاث) وَفِي بعض النّسخ وَالثَّلَاثَة بِالتَّاءِ (أفضل) أَي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الِاقْتِصَار على مرّة فَينْدب أَن يغسل غسلتين بعد الغسلة المزيلة لعين النَّجَاسَة لتكمل الثَّلَاث فَإِن المزيلة للنَّجَاسَة وَاحِدَة وَإِن تعدّدت النَّجَاسَة كَمَا مر فِي غسلات الْكَلْب لاستحباب ذَلِك عِنْد الشَّك فِي النَّجَاسَة لحَدِيث إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَعِنْدَ تحققها أولى وَشَمل ذَلِك الْمُغَلَّظَة وَبِه صرح صَاحب الشَّامِل الصَّغِير فَينْدب مَرَّتَانِ بعد طهرهَا وَقَالَ الجيلي لَا ينْدب ذَلِك لِأَن المكبر لَا يكبر كَمَا أَن المصغر لَا يصغر أَي فتثلث النَّجَاسَة المخففة والمتوسطة دون الْمُغَلَّظَة وَهَذَا أوجه لَا يشْتَرط النِّيَّة فِي إِزَالَة النَّجَاسَة تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن النَّجَاسَة لَا يشْتَرط فِي إِزَالَتهَا نِيَّة بِخِلَاف طَهَارَة الْحَدث لِأَنَّهَا عبَادَة كَسَائِر الْعِبَادَات وَهَذَا من بَاب التروك كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْب وَإِنَّمَا وَجَبت فِي الصَّوْم مَعَ أَنه من بَاب التروك لِأَنَّهُ لما كَانَ مَقْصُودا لقمع الشَّهْوَة وَمُخَالفَة الْهوى الْتحق بِالْفِعْلِ وَيجب أَن يُبَادر بِغسْل الْمُتَنَجس عَاص بالتنجيس كَأَن اسْتعْمل النَّجَاسَة فِي بدنه بِغَيْر عذر خُرُوجًا من الْمعْصِيَة فَإِن لم يكن عَاصِيا بِهِ فلنحو الصَّلَاة وَينْدب أَن يعجل بِهِ فِيمَا عدا ذَلِك وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين الْمُغَلَّظَة وَغَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي وجوب الْمُبَادرَة بالمغلظة مُطلقًا قَالَ الْإِسْنَوِيّ والعاصي بالجنابة يحْتَمل إِلْحَاقه بالعاصي بالتنجيس وَالْمُتَّجه خِلَافه لِأَن الَّذِي عصى بِهِ هُنَا متلبس بِهِ بِخِلَافِهِ ثمَّ وَإِذا غسل فَمه الْمُتَنَجس فليبالغ فِي الغرغرة ليغسل كل مَا فِي حد الظَّاهِر وَلَا يبلع طَعَاما وَلَا شرابًا قبل غسله لِئَلَّا يكون آكلا للنَّجَاسَة نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأقرهُ حكم تخَلّل الْخمر (وَإِذا تخللت الْخمْرَة) أَي المحترمة وَغَيرهَا والمحترمة هِيَ الَّتِي عصرت بِقصد الخلية أَو هِيَ الَّتِي عصرت لَا بِقصد الخمرية وَهَذَا الثَّانِي أولى (بِنَفسِهَا طهرت) لِأَن عِلّة النَّجَاسَة وَالتَّحْرِيم الْإِسْكَار وَقد زَالا وَلِأَن الْعصير غَالِبا لَا يَتَخَلَّل إِلَّا بعد التخمر فَلَو لم نقل بِالطَّهَارَةِ لتعذر اتِّخَاذ خل من الْخمر وَهُوَ حَلَال إِجْمَاعًا ويطهر دنها مَعهَا وَإِن غلت حَتَّى ارْتَفَعت وتنجس بهَا مَا فَوْقهَا مِنْهُ وتشرب مِنْهَا للضَّرُورَة وَكَذَا تطهر لَو نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه أَو فتح رَأس الدن لزوَال الشدَّة من غير نَجَاسَة خلفتها (وَإِن تخللت بطرح شَيْء فِيهَا) كالبصل وَالْخبْز الْحَار وَلَو قبل التخمر (لم تطهر) لتنجس الْمَطْرُوح فِيهَا فينجسها بعد انقلابها خلا تَنْبِيه لَو عبر بالوقوع بدل الطرح لَكَانَ أولى لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ مَا لَو وَقع فِيهَا شَيْء بِغَيْر طرح كإلقاء ريح فَإِنَّهَا لَا تطهر مَعَه على الْأَصَح نعم لَو عصر الْعِنَب وَوَقع مِنْهُ بعض حبات فِي عصيره لم يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تضر وَلَو نزعت الْعين الطاهرة مِنْهَا قبل التخلل لم يضر لفقد الْعلَّة بِخِلَاف الْعين النَّجِسَة لِأَن النَّجس يقبل التَّنْجِيس فَلَا تطهر بالتخلل وَلَو ارْتَفَعت بِلَا غليان بل بِفعل فَاعل لم يطهر الدن إِذْ لَا ضَرُورَة وَلَا الْخمر لاتصالها بالمرتفع النَّجس فَلَو غمر الْمُرْتَفع بِخَمْر طهرت بالتخلل وَلَو بعد جفافه خلافًا لِلْبَغوِيِّ فِي تَقْيِيده بقبل الْجَفَاف وَلَو نقلت من دن إِلَى آخر طهرت بالتخلل بِخِلَاف مَا لَو أخرجت مِنْهُ ثمَّ صب فِيهِ عصير فتخمر ثمَّ تخَلّل والخمرة هِيَ المتخذة من مَاء الْعِنَب وَيُؤْخَذ من الِاقْتِصَار عَلَيْهَا أَن النَّبِيذ وَهُوَ الْمُتَّخذ من غير مَاء الْعِنَب كالتمر لَا يطهر بالتخلل وَبِه صرح القَاضِي أَبُو الطّيب لتنجس المَاء بِهِ حَالَة الاشتداد فينجسه بعد الانقلاب خلا وَقَالَ الْبَغَوِيّ يطهر وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن المَاء من ضرورياته وَيدل لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الرِّبَا أَنه لَو بَاعَ خل تمر بخل عِنَب أَو خل زبيب بخل رطب صَحَّ وَلَو اخْتَلَط عصير بخل مغلوب ضرّ لِأَنَّهُ لقلَّة الْخلّ فِيهِ يتخمر فيتنجس بِهِ بعد تخلله أَو بخل غَالب فَلَا يضر لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الأَصْل وَالظَّاهِر عدم التخمر وَأما الْمسَاوِي فَيَنْبَغِي إِلْحَاقه بالخل الْغَالِب لما ذكر فَائِدَة الْخمر مُؤَنّثَة كَمَا استعملها المُصَنّف وَقد تذكر على ضعف وَيُقَال فِيهَا خمرة بِالتَّاءِ على لُغَة قَليلَة تَتِمَّة قَالَ الْحَلِيمِيّ قد يصير الْعصير خلا من غير تخمر فِي ثَلَاث صور الأولى أَن يصب فِي الدن الْمُعْتق بالخل الثَّانِيَة أَن يصب الْخلّ فِي الْعصير فَيصير بمخالطته خلا من غير تخمر لَكِن مَحَله كَمَا علم مِمَّا مر أَن لَا يكون الْعصير غَالِبا الثَّالِثَة إِذا تجردت حبات الْعِنَب من عناقيده ويملأ مِنْهَا الدن ويطين رَأسه وَيجوز إمْسَاك ظروف الْخمر وَالِانْتِفَاع بهَا واستعمالها إِذا غسلت وإمساك المحترمة لتصير خلا وَغير المحترمة تجب إراقتها فَلَو لم يرقها فتخللت طهرت على الصَّحِيح كَمَا مر فصل فِي الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة وَقد ذكرهَا على هَذَا التَّرْتِيب فَقَالَ (وَالَّذِي يخرج من الْفرج) أَي قبل الْمَرْأَة مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام من الدِّمَاء (ثَلَاثَة دِمَاء) فَقَط وَأما دم الْفساد الْخَارِج قبل التسع وَدم الآيسة فَلَا يتَعَلَّق بِهِ حكم وَالأَصَح أَنه يُقَال لَهُ دم اسْتِحَاضَة وَدم فَسَاد الأول (دم الْحيض و) الثَّانِي دم (النّفاس و) الثَّالِث دم (الِاسْتِحَاضَة) وَلكُل مِنْهَا حد يميزه القَوْل فِي تَعْرِيف الْحيض وَبَيَان ألوانه وَصِفَاته (فالحيض) لُغَة السيلان تَقول الْعَرَب حَاضَت الشَّجَرَة إِذا سَالَ صمغها وحاض الْوَادي إِذا سَالَ وَشرعا دم جبلة أَي تَقْتَضِيه الطباع السليمة و (هُوَ) الدَّم (الْخَارِج من فرج الْمَرْأَة) أَي من أقْصَى رَحمهَا (على سَبِيل الصِّحَّة) احْتِرَازًا عَن الِاسْتِحَاضَة (من غير سَبَب الْولادَة) فِي أَوْقَات مَعْلُومَة احْتِرَازًا عَن النّفاس وَالْأَصْل فِي الْحيض آيَة {ويسألونك عَن الْمَحِيض} أَي الْحيض وَخبر الصَّحِيحَيْنِ هَذَا شَيْء كتبه الله على بَنَات آدم قَالَ الجاحظ فِي كتاب الْحَيَوَان وَالَّذِي يحيض من الْحَيَوَان أَرْبَعَة الآدميات والأرنب والضبع والخفاش وَجَمعهَا بَعضهم فِي قَوْله (الرجز) أرانب يحضن وَالنِّسَاء ضبع وخفاش لَهَا دَوَاء وَزَاد عَلَيْهِ غَيره أَرْبَعَة أخر وَهِي النَّاقة والكلبة والوزغة وَالْحجر أَي الْأُنْثَى من الْخَيل وَله عشرَة أَسمَاء حيض وطمث بِالْمُثَلثَةِ وَضحك وإكبار وإعصار ودراس وعراك بِالْعينِ الْمُهْملَة وفراك بِالْفَاءِ وطمس بِالسِّين الْمُهْملَة ونفاس (ولونه) أَي الدَّم الْأَقْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 (أسود) ثمَّ أَحْمَر فَهُوَ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ للأسود وَقَوي بِالنِّسْبَةِ للأشقر والأشقر أقوى من الْأَصْفَر وَهُوَ أقوى من الأكدر وَمَا لَهُ رَائِحَة كريهة أقوى مِمَّا لَا رَائِحَة لَهُ والثخين أقوى من الرَّقِيق وَالْأسود (محتدم) بحاء مُهْملَة سَاكِنة ودال مُهْملَة مَكْسُورَة بَينهمَا مثناة فَوق أَي حَار مَأْخُوذ من احتدام النَّهَار وَهُوَ اشتداد حره (لذاع) بذال مُعْجمَة وَعين مُهْملَة أَي موجع تَنْبِيه لَو خلق للْمَرْأَة فرجان فَقِيَاس مَا سبق فِي الْأَحْدَاث أَن يكون الْخَارِج من كل مِنْهُمَا حيضا وَلَو حاض الْمُشكل من الْفرج وأمنى من الذّكر حكمنَا بِبُلُوغِهِ وإشكاله أَو حاض من الْفرج خَاصَّة فَلَا يثبت للدم حكم الْحيض لجَوَاز كَونه رجلا وَالْخَارِج دم فَسَاد قَالَه فِي الْمَجْمُوع القَوْل فِي تَعْرِيف النّفاس (وَالنّفاس) لُغَة الْولادَة وَشرعا (هُوَ الدَّم الْخَارِج) من فرج الْمَرْأَة (عقب الْولادَة) أَي بعد فرَاغ الرَّحِم من الْحمل وَسمي نفاسا لِأَنَّهُ يخرج عقب نفس فَخرج بِمَا ذكر دم الطلق وَالْخَارِج مَعَ الْوَلَد فليسا بحيض لِأَن ذَلِك من آثَار الْولادَة وَلَا نِفَاس لتقدمه على خُرُوج الْوَلَد بل ذَلِك دم فَسَاد نعم الْمُتَّصِل من ذَلِك بحيضها الْمُتَقَدّم حيض تَنْبِيه قَوْله عقب بِحَذْف الْيَاء التَّحْتِيَّة هُوَ الْأَفْصَح وَمَعْنَاهُ أَن لَا يكون متراخيا عَمَّا قبله القَوْل فِي تَعْرِيف الِاسْتِحَاضَة (والاستحاضة هُوَ) الدَّم (الْخَارِج) لعِلَّة من عرق فِي أدنى الرَّحِم يُقَال لَهُ العاذل بذال مُعْجمَة وَيُقَال بِمُهْملَة كَمَا حَكَاهُ ابْن سَيّده وَفِي الصِّحَاح بِمُعْجَمَة وَرَاء (فِي غير أَيَّام) أَكثر (الْحيض و) غير أَيَّام أَكثر (النّفاس) سَوَاء أخرج إِثْر حيض أم لَا والاستحاضة حدث دَائِم فَلَا تمنع الصَّوْم وَالصَّلَاة وَغَيرهمَا مِمَّا يمنعهُ الْحيض كَسَائِر الْأَحْدَاث للضَّرُورَة فتغسل الْمُسْتَحَاضَة فرجهَا قبل الْوضُوء أَو التَّيَمُّم إِن كَانَت تتيمم وَبعد ذَلِك تعصبه وتتوضأ بعد عصبه وَيكون ذَلِك وَقت الصَّلَاة لِأَنَّهَا طَهَارَة ضَرُورَة فَلَا يَصح قبل الْوَقْت كالتيمم وَبعد مَا ذكر تبادر بِالصَّلَاةِ تقليلا للْحَدَث فَلَو أخرت لمصْلحَة الصَّلَاة كستر عَورَة وانتظار جمَاعَة واجتهاد فِي قبْلَة وَذَهَاب إِلَى مَسْجِد وَتَحْصِيل ستْرَة لم يضر لِأَنَّهَا لَا تعد بذلك مقصرة وَإِذا أخرت لغير مصلحَة الصَّلَاة ضرّ فَيبْطل وضؤوها وَيجب إِعَادَته وإعادة الِاحْتِيَاط لتكرر الْحَدث وَالنَّجس مَعَ استغنائها عَن احْتِمَال ذَلِك بقدرتها على الْمُبَادرَة وَيجب الْوضُوء لكل فرض وَلَو منذورا كالتيمم لبَقَاء الْحَدث وَكَذَا يجب لكل فرض تَجْدِيد الْعِصَابَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا من غسل قِيَاسا على تَجْدِيد الْوضُوء وَلَو انْقَطع دَمهَا قبل الصَّلَاة وَلم تَعْتَد انْقِطَاعه وَعوده أَو اعتادت ذَلِك ووسع زمن الِانْقِطَاع بِحَسب الْعَادة الْوضُوء وَالصَّلَاة وَجب الْوضُوء وَإِزَالَة مَا على الْفرج من الدَّم القَوْل فِي مُدَّة الْحيض قلَّة وَكَثْرَة وغالبا (وَأَقل الْحيض) زَمنا (يَوْم وَلَيْلَة) أَي مِقْدَار يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة فلكية (وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا بلياليها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَإِن لم تتصل الدِّمَاء وَالْمرَاد خَمْسَة عشر لَيْلَة وَإِن لم يتَّصل دم الْيَوْم الأول بليلته كَأَن رَأَتْ الدَّم أول النَّهَار للاستقراء وَأما خبر أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام فضعيف كَمَا فِي الْمَجْمُوع (وغالبه) أَي الْحيض (سِتّ أَو سبع) وَبَاقِي الشَّهْر غَالب الطُّهْر لخَبر أبي دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحمنة بنت جحش رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تحيضي فِي علم الله سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة أَيَّام كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن مِيقَات حيضهن وطهرهن أَي التزمي الْحيض وَأَحْكَامه فِيمَا أعلمك الله من عَادَة النِّسَاء من سِتَّة أَو سَبْعَة وَالْمرَاد غالبهن لِاسْتِحَالَة اتِّفَاق الْكل عَادَة القَوْل فِي الْمُسْتَحَاضَة والمتحيرة وَلَو اطردت عَادَة امْرَأَة بِأَن تحيض أقل من يَوْم وَلَيْلَة أَو أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا لم يتبع ذَلِك على الْأَصَح لِأَن بحث الْأَوَّلين أتم وَاحْتِمَال عرُوض دم فَسَاد للْمَرْأَة أقرب من خرق الْعَادة المستقرة وَتسَمى الْمُجَاوزَة للخمسة عشر بالمستحاضة فَينْظر فِيهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة وَهِي الَّتِي ابتدأها الدَّم مُمَيزَة بِأَن ترى فِي بعض الْأَيَّام دَمًا قَوِيا وَفِي بَعْضهَا دَمًا ضَعِيفا فالضعيف من ذَلِك اسْتِحَاضَة وَالْقَوِي مِنْهُ حيض إِن لم ينقص الْقوي عَن أقل الْحيض وَلَا جَاوز أَكْثَره وَلَا نقص الضَّعِيف عَن أقل الطُّهْر وَهُوَ خَمْسَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِن كَانَت مُبتَدأَة غير مُمَيزَة بِأَن رَأَتْهُ بِصفة وَاحِدَة أَو فقدت شَرط تَمْيِيز من شُرُوطه السَّابِقَة فحيضها يَوْم وَلَيْلَة وطهرها تسع وَعِشْرُونَ بَقِيَّة الشَّهْر وَإِن كَانَت مُعْتَادَة غير مُمَيزَة بِأَن سبق لَهَا حيض وطهر وَهِي تعلمهَا قدرا ووقتا فَترد إِلَيْهِمَا قدرا ووقتا وَتثبت الْعَادة الْمُرَتّب عَلَيْهَا مَا ذكر إِن لم تخْتَلف بِمرَّة وَيحكم لمعتادة مُمَيزَة بتمييز لإعادة مُخَالفَة لَهُ وَلم يَتَخَلَّل بَينهمَا أقل طهر لِأَن التَّمْيِيز أقوى من الْعَادة لظُهُوره فَإِن نسيت عَادَتهَا قدرا ووقتا وَهِي غير مُمَيزَة فكحائض فِي أَحْكَامهَا السَّابِقَة لاحْتِمَال كل زمن يمر عَلَيْهَا الْحيض لَا فِي طَلَاق وَعبادَة تفْتَقر لنِيَّة كَصَلَاة وتغتسل لكل فرض إِن جهلت وَقت انْقِطَاع الدَّم وتصوم رَمَضَان لاحْتِمَال أَن تكون طَاهِرَة ثمَّ شهرا كَامِلا فَيحصل لَهَا من كل شهر أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَيبقى عَلَيْهَا يَوْمَانِ إِن لم تَعْتَد الِانْقِطَاع لَيْلًا فَإِن اعتادته لم يبْق عَلَيْهَا شَيْء وَإِذا بَقِي عَلَيْهَا يَوْمَانِ فتصوم لَهما من ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا ثَلَاثَة أَولهَا وَثَلَاثَة آخرهَا فيحصلان فَإِن ذكرت الْوَقْت دون الْقدر أَو بِالْعَكْسِ فلليقين من حيض وطهر حكمه وَهِي فِي الزَّمن الْمُحْتَمل للْحيض وَالطُّهْر كناسية لَهما فِيمَا مر وَالْأَظْهَر أَن دم الْحَامِل حيض وَإِن ولدت مُتَّصِلا بِآخِرهِ بِلَا تخَلّل نقاء لإِطْلَاق الْآيَة السَّابِقَة وَالْأَخْبَار والنقاء بَين دِمَاء أقل الْحيض فَأكْثر حيض تبعا لَهَا بِشُرُوط وَهِي أَلا يُجَاوز ذَلِك خمس عشر يَوْمًا وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 تنقص الدِّمَاء عَن أقل الْحيض وَأَن يكون النَّقَاء محتوشا بَين دمي حيض فَإِذا كَانَت ترى وقتا دَمًا ووقتا نقاء وَاجْتمعت هَذِه الشُّرُوط حكمنَا على الْكل بِأَنَّهُ حيض وَهَذَا يُسمى قَول السحب وَقيل إِن النَّقَاء طهر لِأَن الدَّم إِذا دلّ على الْحيض وَجب أَن يدل النَّقَاء على الطُّهْر وَهَذَا يُسمى قَول اللقط القَوْل فِي أقل النّفاس وَأَكْثَره وغالبه (وَأَقل) دم (النّفاس مجة) أَي دفْعَة وَعبارَة الْمِنْهَاج لَحْظَة وَهُوَ زمن المجة وَفِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لَا حد لأقله أَي لَا يتَقَدَّر بل مَا وجد مِنْهُ وَإِن قل يكون نفاسا وَلَا يُوجد أقل من مجة فَالْمُرَاد من الْعبارَات كَمَا قَالَه فِي الإقليد وَاحِد وَتقدم تَعْرِيف النّفاس لُغَة وَاصْطِلَاحا وَيُقَال لذات النّفاس نفسَاء بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَجَمعهَا نِفَاس وَلَا نَظِير لَهُ إِلَّا نَاقَة عشراء فجمعها عشار قَالَ تَعَالَى {وَإِذا العشار عطلت} وَيُقَال فِي فعله نفست الْمَرْأَة بِضَم النُّون وَفتحهَا وبكسر الْفَاء فيهمَا وَالضَّم أفْصح وَأما الْحَائِض فَيُقَال فِيهَا نفست بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء لَا غير ذكره فِي الْمَجْمُوع (وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا) بلياليها (وغالبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا بلياليها) اعْتِبَارا بالوجود فِي الْجَمِيع كَمَا مر فِي الْحيض وَأما خبر أبي دَاوُد عَن أم سَلمَة كَانَت النُّفَسَاء تجْلِس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَا دلَالَة فِيهِ على نفي الزِّيَادَة أَو مَحْمُول على الْغَالِب وَاخْتلف فِي أَوله فَقيل بعد خُرُوج الْوَلَد وَقيل أقل الطُّهْر فأوله فِيمَا إِذا تَأَخّر خُرُوجه عَن الْولادَة من الْخُرُوج لَا مِنْهَا وَهُوَ مَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَمَوْضِع من الْمَجْمُوع عكس مَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَمَوْضِع آخر من الْمَجْمُوع وَقَضِيَّة الْأَخْذ بِالْأولِ أَن زمن النَّقَاء لَا يحْسب من السِّتين لَكِن صرح البُلْقِينِيّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ ابْتِدَاء السِّتين من الْولادَة وزمن النَّقَاء لَا نِفَاس فِيهِ وَإِن كَانَ محسوبا من السِّتين وَلم أر من حقق هَذَا انْتهى وَمُقْتَضى هذاأنه يلْزمهَا قَضَاء مَا فاتها من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة فِي هَذِه الْمدَّة وَمُقْتَضى قَول النَّوَوِيّ أَنَّهَا إِذا ولدت ولدا جافا بَطل صَومهَا أَنه لَا يجب عَلَيْهَا ذَلِك وَيحرم على حَلِيلهَا أَن يسْتَمْتع بهَا بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بَين السُّرَّة وَالركبَة قبل غسلهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد أما إِذا لم تَرَ الدَّم إِلَّا بعد خَمْسَة عشرَة يَوْمًا فَأكْثر فَلَا نِفَاس لَهَا أصلا على الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع وعَلى هَذَا يحل للزَّوْج أَن يسْتَمْتع بهَا قبل غسلهَا كالجنب وَقَول النَّوَوِيّ فِي بَاب الصّيام إِنَّه يبطل صَومهَا بِالْوَلَدِ الجاف مَحَله مَا إِذا رَأَتْ الدَّم قبل خَمْسَة عشر يَوْمًا فَائِدَة أبدى أَبُو سهل الصعلوكي معنى لطيفا فِي كَون أَكثر النّفاس سِتِّينَ يَوْمًا أَن الْمَنِيّ يمْكث فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يتَغَيَّر ثمَّ يمْكث مثلهَا علقَة ثمَّ مثلهَا مُضْغَة ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَالْولد يتغذى بِدَم الْحيض وَحِينَئِذٍ فَلَا يجْتَمع الدَّم من حِين النفخ لكَونه غذَاء للْوَلَد وَإِنَّمَا يجْتَمع فِي الْمدَّة الَّتِي قبلهَا وَهِي أَرْبَعَة أشهر وَأكْثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا فَيكون أَكثر النّفاس سِتِّينَ يَوْمًا القَوْل فِي أقل الطُّهْر بَين الحيضتين (وَأَقل) زمن (الطُّهْر) الْفَاصِل (بَين الحيضتين خَمْسَة عشر يَوْمًا) لِأَن الشَّهْر غَالِبا لَا يَخْلُو عَن حيض وطهر وَإِذا كَانَ أَكثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا لزم أَن يكون أقل الطُّهْر كَذَلِك وَخرج بقوله بَين الحيضتين الطُّهْر الْفَاصِل بَين الْحيض وَالنّفاس فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون أقل من ذَلِك سَوَاء تقدم الْحيض على النّفاس إِذا قُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض وَهُوَ الْأَصَح أم تَأَخّر عَنهُ وَكَانَ طروه بعد بُلُوغ النّفاس أَكْثَره كَمَا فِي الْمَجْمُوع أما إِذا طَرَأَ قبل بُلُوغ النّفاس أَكْثَره فَلَا يكون حيضا إِلَّا إِذا فصل بَينهمَا خَمْسَة عشر يَوْمًا (وَلَا حد لأكثره) أَي الطُّهْر بِالْإِجْمَاع فقد لَا تحيض الْمَرْأَة فِي عمرها إِلَّا مرّة وَقد لَا تحيض أصلا القَوْل فِي السن الَّذِي تحيض فِيهِ الْمَرْأَة (وَأَقل زمن) أَي سنّ (تحيض فِيهِ الْمَرْأَة) وَفِي بعض النّسخ الْجَارِيَة (تسع سِنِين) قمرية كَمَا فِي الْمُحَرر وَلَو بالبلاد الْبَارِدَة للوجود لِأَن مَا ورد فِي الشَّرْع وَلَا ضَابِط لَهُ شَرْعِي وَلَا لغَوِيّ يتبع فِيهِ الْوُجُود كَالْقَبْضِ والحرز قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أعجل من سَمِعت من النِّسَاء يحضن نسَاء تهَامَة يحضن لتسْع سِنِين أَي تَقْرِيبًا لَا تحديدا فيتسامح قبل تَمامهَا بِمَا لَا يسع حيضا وطهرا دون مَا يسعهما وَلَو رَأَتْ الدَّم أَيَّامًا بَعْضهَا قبل زمن الْإِمْكَان وَبَعضهَا فِيهِ جعل الثَّانِي حيضا إِن وجدت شُرُوطه الْمَارَّة (وَلَا حد لأكثره) أَي السن لجَوَاز أَلا تحيض أصلا كَمَا مر القَوْل فِي أقل الْحمل وَأَكْثَره وغالبه (وَأَقل) زمن (الْحمل سِتَّة أشهر) ولحظتان لَحْظَة للْوَطْء ولحظة للوضع من إِمْكَان اجْتِمَاعهمَا بعد عقد النِّكَاح (وَأَكْثَره) أَي زمن الْحمل (أَربع سِنِين وغالبه تِسْعَة أشهر) للاستقراء كَمَا أخبر بِوُقُوعِهِ الشَّافِعِي وَكَذَا الإِمَام مَالك حُكيَ عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ جارتنا امْرَأَة مُحَمَّد بن عجلَان امْرَأَة صدق وَزوجهَا رجل صدق حملت ثَلَاثَة أبطن فِي اثْنَتَيْ عشرَة سنة تحمل كل بطن أَربع سِنِين وَقد رُوِيَ هَذَا عَن غير الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي مَا يحرم بِالْحيضِ وَالنّفاس ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْحيض فَقَالَ (وَيحرم الْحيض) وَلَو أَقَله (ثَمَانِيَة أَشْيَاء) الأول (الصَّلَاة) فَرضهَا ونفلها وَكَذَا سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر (و) الثَّانِي (الصَّوْم) فَرْضه ونفله وَيجب قَضَاء صَوْم الْفَرْض بِخِلَاف الصَّلَاة لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ يصيبنا ذَلِك أَي الْحيض فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وانعقد الْإِجْمَاع على ذَلِك وَفِيه من الْمَعْنى أَن الصَّلَاة تكْثر فَيشق قَضَاؤُهَا بِخِلَاف الصَّوْم وَهل يحرم قَضَاؤُهَا أَو يكره فِيهِ خلاف ذكره فِي الْمُهِمَّات فَنقل فِيهَا عَن ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ عَن الْبَيْضَاوِيّ أَنه يحرم لِأَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نهت السائلة عَن ذَلِك وَلِأَن الْقَضَاء مَحَله فِيمَا أَمر بِفِعْلِهِ وَعَن ابْن الصّلاح وَالرُّويَانِيّ وَالْعجلِي أَنه مَكْرُوه بِخِلَاف الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ فَيسنّ لَهما الْقَضَاء انْتهى وَالْأَوْجه عدم التَّحْرِيم وَلَا يُؤثر فِيهِ نهي عَائِشَة وَالتَّعْلِيل الْمَذْكُور منتقض بِقَضَاء الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ وعَلى هَذَا هَل تَنْعَقِد صلَاتهَا أم لَا فِيهِ نظر وَالْأَوْجه عدم الِانْعِقَاد لِأَن الأَصْل فِي الصَّلَاة إِذا لم تكن مَطْلُوبَة عدم الِانْعِقَاد وَوُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهَا فِي الصَّوْم بِأَمْر جَدِيد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فَلم يكن وَاجِبا حَال الْحيض وَالنّفاس لِأَنَّهَا مَمْنُوعَة مِنْهُ وَالْمَنْع وَالْوُجُوب لَا يَجْتَمِعَانِ (و) الثَّالِث (قِرَاءَة) شَيْء من (الْقُرْآن) بِاللَّفْظِ أَو بِالْإِشَارَةِ من الْأَخْرَس كَمَا قَالَه القَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة النُّطْق هُنَا وَلَو بعض آيَة للإخلال بالتعظيم سَوَاء أقصد مَعَ ذَلِك غَيرهَا أم لَا لحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن و (يقْرَأ) رُوِيَ بِكَسْر الْهمزَة على النَّهْي وَبِضَمِّهَا على الْخَبَر المُرَاد بِهِ النَّهْي ذكره فِي الْمَجْمُوع وَضَعفه لَكِن لَهُ متابعات تجبر ضعفه وَلمن بِهِ حدث أكبر إِجْرَاء الْقُرْآن على قلبه وَنظر فِي الْمُصحف وَقِرَاءَة مَا نسخت تِلَاوَته وتحريك لِسَانه وهمسه بِحَيْثُ لَا يسمع نَفسه لِأَنَّهَا لَيست بِقِرَاءَة قُرْآن وفاقد الطهُورَيْنِ يقْرَأ الْفَاتِحَة وجوبا فَقَط للصَّلَاة لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَيْهَا خلافًا ل لرافعي فِي قَوْله لَا يجوز لَهُ قرَاءَتهَا كَغَيْرِهَا أما خَارج الصَّلَاة فَلَا يجوز لَهُ أَن يقْرَأ شَيْئا وَلَا أَن يمس الْمُصحف مُطلقًا وَلَا أَن تُوطأ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا انْقَطع دَمهَا وَأما فَاقِد المَاء فِي الْحَضَر فَيجوز لَهُ إِذا تيَمّم أَن يقْرَأ وَلَو فِي غير الصَّلَاة وَهَذَا فِي حق الشَّخْص الْمُسلم أما الْكَافِر فَلَا يمْنَع من الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد حُرْمَة ذَلِك كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أما تَعْلِيمه وتعلمه فَيجوز إِن رُجي إِسْلَامه وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيه يحل لمن بِهِ حدث أكبر أذكار الْقُرْآن وَغَيرهَا كمواعظه وأخباره وَأَحْكَامه لَا بِقصد قُرْآن كَقَوْلِه عِنْد الرّكُوب {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} أَي مطيقين وَعند الْمُصِيبَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} وَمَا جرى بِهِ لِسَانه بِلَا قصد فَإِن قصد الْقُرْآن وَحده أَو مَعَ الذّكر حرم وَإِن أطلق فَلَا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي دقائقه لعدم الْإِخْلَال بحرمته لِأَنَّهُ لَا يكون قُرْآنًا إِلَّا بِالْقَصْدِ قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره وَظَاهره أَن ذَلِك جَار فِيمَا يُوجد نظمه فِي غير الْقُرْآن كالآيتين المتقدمتين والبسملة والحمدلة وَفِيمَا لَا يُوجد نظمه إِلَّا فِيهِ كسورة الْإِخْلَاص وَآيَة الْكُرْسِيّ وَهُوَ كَذَلِك وَإِن قَالَ الزَّرْكَشِيّ لَا شكّ فِي تَحْرِيم مَا لَا يُوجد نظمه فِي غير الْقُرْآن وَتَبعهُ على ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين كَمَا شَمل ذَلِك قَول الرَّوْضَة أما إِذا قَرَأَ شَيْئا مِنْهُ لَا على قصد الْقُرْآن فَيجوز (و) الرَّابِع (مس) شي من (الْمُصحف) بِتَثْلِيث الْمِيم لَكِن الْفَتْح غَرِيب سَوَاء فِي ذَلِك ورقه الْمَكْتُوب فِيهِ وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَيحرم أَيْضا مس جلده الْمُتَّصِل بِهِ لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهُ وَلِهَذَا يتبعهُ فِي البيع وَأما الْمُنْفَصِل عَنهُ فقضية كَلَام الْبَيَان حل مَسّه وَبِه صرح الْإِسْنَوِيّ وَفرق بَينه وَبَين حُرْمَة الِاسْتِنْجَاء بِأَن الِاسْتِنْجَاء أفحش وَنقل الزَّرْكَشِيّ عَن الْغَزالِيّ أَنه يحرم مَسّه أَيْضا وَلم ينْقل مَا يُخَالِفهُ وَقَالَ ابْن الْعِمَاد إِنَّه الْأَصَح إبْقَاء لِحُرْمَتِهِ قبل انْفِصَاله انْتهى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد إِذا لم تَنْقَطِع نسبته عَن الْمُصحف فَإِن انْقَطَعت كَأَن جعل جلد كتاب لم يرحم مَسّه قطعا (و) كَذَا يحرم (حمله) أَي الْمُصحف لِأَنَّهُ أبلغ من الْمس نعم يجوز حمله لضَرُورَة كخوف عَلَيْهِ من غرق أَو حرق أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 نَجَاسَة أَو وُقُوعه فِي يَد كَافِر وَلم يتَمَكَّن من الطَّهَارَة بل يجب أَخذه حِينَئِذٍ كَمَا ذكره فِي التَّحْقِيق وَالْمَجْمُوع فَإِن قدر على التَّيَمُّم وَجب وَخرج بالمصحف غَيره كتوراة وإنجيل ومنسوخ تِلَاوَة من الْقُرْآن وَإِن لم ينْسَخ حكمه فَلَا يحرم وَيحل حمله فِي مَتَاع تبعا لَهُ إِذا لم يكن مَقْصُودا بِالْحملِ بِأَن قصد حمل غَيره أَو لم يقْصد شَيْئا لعدم الْإِخْلَال بتعظيمه حِينَئِذٍ بِخِلَاف ماإذا كَانَ مَقْصُودا بِالْحملِ وَلَو مَعَ الْأَمْتِعَة فَإِنَّهُ يحرم وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحل فِي هَذِه الصُّورَة كَمَا لَو قصد الْجنب الْقِرَاءَة وَغَيرهَا وَيحل حمله فِي تَفْسِير سَوَاء تميزت أَلْفَاظه بلون أم لَا إِذا كَانَ التَّفْسِير أَكثر من الْقُرْآن لعدم الْإِخْلَال بتعظيمه حِينَئِذٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي معنى الْمُصحف بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْقُرْآن أَكثر مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي معنى الْمُصحف أَو كَانَ مُسَاوِيا لَهُ كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام التَّحْقِيق وَالْفرق بَينه وَبَين الْحل فِيمَا إِذا اسْتَوَى الْحَرِير مَعَ غَيره أَن بَاب الْحَرِير أوسع بِدَلِيل جَوَازه للنِّسَاء وَفِي بعض الْأَحْوَال للرِّجَال كبرد وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب حَيْثُ كَانَ التَّفْسِير أَكثر لَا يحرم مَسّه مُطلقًا قَالَ فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ لَيْسَ بمصحف أَي وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَحَيْثُ لم يحرم حمل التَّفْسِير وَلَا مَسّه بِلَا طَهَارَة كرها (و) الْخَامِس (دُخُول الْمَسْجِد) بمكث أَو تردد لقَوْله تَعَالَى {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره أَي لَا تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عبور سَبِيل بل فِي موَاضعهَا وَهُوَ الْمَسْجِد وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {لهدمت صوامع وَبيع وصلوات} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا لجنب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَخرج بالمكث والتردد العبور لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة إِذا لم تخف الْحَائِض تلويثه وَخرج بِالْمَسْجِدِ الْمدَارِس والربط ومصلى الْعِيد وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا مَا وقف بعضه مَسْجِدا شَائِعا وَإِن قَالَ الْإِسْنَوِيّ الْمُتَّجه إِلْحَاقه بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِك وَفِي التَّحِيَّة للداخل وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف صِحَة الِاعْتِكَاف فِيهِ وَكَذَا صِحَة الصَّلَاة فِيهِ للْمَأْمُوم إِذا تبَاعد عَن إِمَامه أَكثر من ثَلَاثمِائَة ذِرَاع (و) السَّادِس (الطّواف) فَرْضه وواجبه ونفله سَوَاء أَكَانَ فِي ضمن نسك أم لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف بِمَنْزِلَة الصَّلَاة إِلَّا أَن الله تَعَالَى أحل فِيهِ الْكَلَام فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير رَوَاهُ الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد (و) السَّابِع (الْوَطْء) وَلَو بعد انْقِطَاعه وَقبل الْغسْل لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 طؤها فِي الْفرج كَبِيرَة من الْعَامِد الْعَالم بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَار يكفر مستحله كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَغَيرهم بِخِلَاف النَّاسِي وَالْجَاهِل وَالْمكْره لخَبر إِن الله تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَيسن للواطىء الْمُتَعَمد الْمُخْتَار الْعَالم بِالتَّحْرِيمِ فِي أول الدَّم وقوته التَّصَدُّق بمثقال إسلامي من الذَّهَب الْخَالِص وَفِي آخر الدَّم وَضَعفه بِنصْف مِثْقَال لخَبر إِذا وَاقع الرجل أَهله وَهِي حَائِض إِن كَانَ دَمًا أَحْمَر فليتصدق بِدِينَار وَإِن كَانَ أصفر فليتصدق بِنصْف دِينَار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَيُقَاس النّفاس على الْحيض وَلَا فرق فِي الواطىء بَين الزَّوْج وَغَيره فَغير الزَّوْج مقيس على الزَّوْج الْوَارِد فِي الحَدِيث وَالْوَطْء بعد انْقِطَاع الدَّم إِلَى الطُّهْر كَالْوَطْءِ فِي آخر الدَّم ذكره فِي الْمَجْمُوع وَيَكْفِي التَّصَدُّق وَلَو على فَقير وَاحِد وَإِنَّمَا لم يجب لِأَنَّهُ وَطْء محرم للأذى فَلَا يجب بِهِ كَفَّارَة كاللواط وَيسْتَثْنى من ذَلِك الْمُتَحَيِّرَة فَلَا كَفَّارَة بِوَطْئِهَا وَإِن حرم وَلَو أخْبرته بحيضها وَلم يُمكن صدقهَا لم يلْتَفت إِلَيْهَا وَإِن أمكن وصدقها حرم وَطْؤُهَا وَإِن كذبهَا فَلَا لِأَنَّهَا رُبمَا عاندته وَلِأَن الأَصْل عدم التَّحْرِيم بِخِلَاف من علق بِهِ طَلاقهَا وأخبرته بِهِ فَإِنَّهَا تطلق وَإِن كذبهَا لتَقْصِيره فِي تَعْلِيقه بِمَا لَا يعرف إِلَّا من جِهَتهَا وَلَا يكره طبخها وَلَا اسْتِعْمَال مَا مسته من مَاء أَو عجين أَو نَحوه (و) الثَّامِن (الِاسْتِمْتَاع) بِالْمُبَاشرَةِ بِوَطْء أَو غَيره (بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة) وَلَو بِلَا شَهْوَة لقَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَلخَبَر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد جيد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَمَّا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَ يحل مَا فَوق الْإِزَار وَخص بمفهومه عُمُوم خبر مُسلم اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح وَلِأَن الِاسْتِمْتَاع بِمَا تَحت الْإِزَار يَدْعُو إِلَى الْجِمَاع فَحرم لخَبر من حام حول الْحمى يُوشك بِالْكَسْرِ أفْصح كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي رياضه أَن يَقع فِيهِ وَخرج بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة هما وَبَاقِي الْجَسَد فَلَا يحرم الِاسْتِمْتَاع بهَا وبالمباشرة الِاسْتِمْتَاع بِالنّظرِ وَلَو بِشَهْوَة فَإِنَّهُ لَا يحرم إِذْ لَيْسَ هُوَ أعظم من تقبيلها فِي وَجههَا بِشَهْوَة وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ وسكتوا عَن مُبَاشرَة الْمَرْأَة للزَّوْج وَالْقِيَاس إِن مَسهَا للذّكر وَنَحْوه من الاستمتاعات الْمُتَعَلّقَة بِمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة حكمه حكم تمتعاته بهَا فِي ذَلِك الْمحل انْتهى وَالصَّوَاب فِي نظم الْقيَاس أَن نقُول كل مَا منعناه مِنْهُ نمنعها أَن تمسه بِهِ فَيجوز لَهُ أَن يلمس بِجَمِيعِ بدنه سَائِر بدنهَا إِلَّا مَا بَين سرتها وركبتها وَيحرم عَلَيْهِ تمكينها من لمسه بِمَا بَينهمَا وَإِذا انْقَطع دم الْحيض لزمن إِمْكَانه ارْتَفع عَنْهَا سُقُوط الصَّلَاة وَلم يحل لَهَا مِمَّا حرم بِهِ قبل الْغسْل أَو التَّيَمُّم غير الصَّوْم لِأَن تَحْرِيمه بِالْحيضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيل صِحَّته من الْجنب وَقد زَالَ وَغير الطَّلَاق لزوَال الْمَعْنى الْمُقْتَضِي للتَّحْرِيم وَهُوَ تَطْوِيل الْعدة وَغير الطُّهْر فَإِنَّهَا مأمورة بِهِ وَمَا عدا ذَلِك من الْمُحرمَات فَهُوَ بَاقٍ إِلَى أَن تطهر بِمَاء أَو تيَمّم أما مَا عَاد الِاسْتِمْتَاع فَلِأَن الْمَنْع {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} وَقد قرىء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف أما قِرَاءَة مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ لأجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الْحَدث وَالْحَدَث بَاقٍ وَأما الِاسْتِمْتَاع فَلقَوْله تَعَالَى التَّشْدِيد فَهِيَ صَرِيحَة فِيمَا ذكر وَأما التَّخْفِيف فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَيْضا الِاغْتِسَال كَمَا قَالَ بِهِ ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة بِقَرِينَة قَوْله تَعَالَى {فَإِذا تطهرن} فَوَاضِح وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ انْقِطَاع الْحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذا تطهرن} فَلَا بُد مِنْهُمَا مَعًا فَائِدَة حكى الْغَزالِيّ أَن الْوَطْء قبل الْغسْل يُورث الجذام فِي الْوَلَد وَيجب على الْمَرْأَة تعلم مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من أَحْكَام الْحيض والاستحاضة وَالنّفاس فَإِن كَانَ زَوجهَا عَالما لزمَه تعليمها وَإِلَّا فلهَا الْخُرُوج لسؤال الْعلمَاء بل يجب وَيحرم عَلَيْهِ منعهَا إِلَّا أَن يسْأَل هُوَ ويخبرها فتستغني بذلك وَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوج إِلَى مجْلِس ذكر أَو تَعْلِيم خير إِلَّا بِرِضَاهُ وَإِذا انْقَطع دم النّفاس أَو الْحيض وتطهرت فَللزَّوْج أَن يَطَأهَا فِي الْحَال من غير كَرَاهَة القَوْل فِي مَا يحرم على الْجنب (وَيحرم على الْجنب خَمْسَة أَشْيَاء) وَهِي (الصَّلَاة وَالطّواف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَمَسّ الْمُصحف وَحمله) على الحكم الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي هَذِه الْأَرْبَعَة سَابِقًا (و) الْخَامِس (اللّّبْث) أَي الْمكْث لمُسلم غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي الْمَسْجِد) أَو التَّرَدُّد فِيهِ لغير عذر لِلْآيَةِ السَّابِقَة والْحَدِيث الْمَار وَخرج بالمكث والتردد العبور وبالمسلم الْكَافِر فَإِنَّهُ يُمكن من الْمكْث فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد حُرْمَة ذَلِك وَلَيْسَ للْكَافِرِ وَلَو غير جنب دُخُول الْمَسْجِد إِلَّا أَن يكون لحَاجَة كإسلام وَسَمَاع قُرْآن لَا كَأَكْل وَشرب وَأَن يَأْذَن لَهُ مُسلم فِي الدُّخُول إِلَّا أَن يكون لَهُ خُصُومَة وَقد قعد الْحَاكِم للْحكم فِيهِ ولهواء الْمَسْجِد حُرْمَة الْمَسْجِد نعم لَو قطع بصاقه هَوَاء الْمَسْجِد وَوَقع خَارجه لم يحرم كَمَا لَو بَصق فِي ثَوْبه أَو فِي الْمَسْجِد وَبِغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فَلَا يحرم عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص ذكر من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُخُوله الْمَسْجِد جنبا وَمَال إِلَيْهِ النَّوَوِيّ وبالمسجد الْمدَارِس وَنَحْوهَا وَبلا عذر إِذا حصل لَهُ عَارض كَأَن احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِد وَتعذر عَلَيْهِ الْخُرُوج لإغلاق بَاب أَو الْخَوْف على نَفسه أَو عضوه أَو مَنْفَعَة ذَلِك أَو على مَاله فَلَا يحرم عَلَيْهِ الْمكْث وَلَكِن يجب عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن يتَيَمَّم إِن وجد تُرَابا غير تُرَاب الْمَسْجِد فَإِن لم يجد غَيره لم يجز لَهُ أَن يتَيَمَّم بِهِ فَلَو خَالف وَتيَمّم بِهِ صَحَّ تيَمّمه كالتيمم بِتُرَاب مَغْصُوب وَالْمرَاد بِتُرَاب الْمَسْجِد الدَّاخِل فِي وقفيته لَا الْمَجْمُوع من الرّيح وَنَحْوه وَلَو لم يجد الْجنب المَاء إِلَّا فِي الْمَسْجِد فَإِن وجد تُرَابا تيَمّم وَدخل واغترف وَخرج إِن لم يشق عَلَيْهِ ذَلِك وَإِلَّا اغْتسل فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّم على الْمُعْتَمد كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه بعد نَقله عَن الْبَغَوِيّ أَنه يتَيَمَّم وَلَا يغْتَسل فِيهِ وَإِطْلَاق الْأَنْوَار جَوَاز الدُّخُول للاستقاء والمكث لَهَا بِقَدرِهَا فَقَط مَحْمُول على هَذَا التَّفْصِيل فَائِدَة لَا بَأْس بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِد لغير الْجنب وَلَو لغير أعزب فقد ثَبت أَن أَصْحَاب الصّفة وَغَيرهم كَانُوا ينامون فِيهِ فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِن ضيق على الْمُصَلِّين أَو شوش عَلَيْهِم حرم النّوم فِيهِ قَالَه فِي الْمَجْمُوع قَالَ وَلَا يحرم إِخْرَاج الرّيح فِيهِ لَكِن الأولى اجتنابه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمَلَائِكَة تتأذى مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ بَنو آدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَيحرم على الْمُحدث) حَدثا أَصْغَر، وَهُوَ المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق غَالِبا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَالأَصَح أَنه مُخْتَصّ بالأعضاء الْأَرْبَعَة لِأَن وجوب الْغسْل وَالْمسح مختصان بهَا وَأَن كل عُضْو يرْتَفع حَدثهُ بِغسْلِهِ فِي المغسول وبمسحه فِي الْمَمْسُوح وَإِنَّمَا حرم مس الْمُصحف بذلك الْعُضْو بعد غسله قبل تَمام الطَّهَارَة لِأَنَّهُ لَا يُسمى متطهرا وَقد قَالَ تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَهِي (الصَّلَاة وَالطّواف وَمَسّ الْمُصحف وَحمله) على الحكم الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي كل من هَذِه الثَّلَاثَة فِي الْكَلَام على مَا يحرم بِالْحيضِ تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف تَقْسِيم الْحَدث إِلَى أكبر ومتوسط وأصغر وَبِه صرح كل من ابْن عبد السَّلَام وَالزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِده خَاتِمَة فِيهَا مسَائِل منثورة مهمة يحرم على الْمُحدث وَلَو أَصْغَر مس خريطة وصندوق فيهمَا مصحف والخريطة وعَاء كالكيس من أَدَم أَو غَيره وَلَا بُد أَن يَكُونَا معدين للمصحف كَمَا قَالَه ابْن الْمقري لِأَنَّهُمَا لما كَانَا معدين لَهُ كَانَا كالجلد وَإِن لم يدخلا فِي بَيْعه والعلاقة كالخريطة أما إِذا لم يكن الْمُصحف فيهمَا أَو هُوَ فيهمَا وَلم يعدا لَهُ لم يحرم مسهما وَيحرم مس مَا كتب لدرس قُرْآن وَلَو بعض آيَة كلوح لِأَن الْقُرْآن قد أثبت فِيهِ للدراسة فَأشبه الْمُصحف أما مَا كتب لغير الدراسة كالتميمة وَهِي ورقة يكْتب فِيهَا شَيْء من الْقُرْآن وَتعلق على الرَّأْس مثلا للتبرك وَالثيَاب الَّتِي يكْتب عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِم فَلَا يحرم مَسهَا وَلَا حملهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتابا إِلَى هِرقل وَفِيه {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} الْآيَة وَلم يَأْمر حاملها بالمحافظة على الطَّهَارَة وَيكرهُ كِتَابَة الحروز وتعليقها إِلَّا إِذا جعل عَلَيْهَا شمعا أَو نَحوه وَينْدب التطهر لحمل كتب الحَدِيث ومسها وَيحل للمحدث قلب ورق الْمُصحف بِعُود وَنَحْوه قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بحامل وَلَا مَاس وَيكرهُ كتب الْقُرْآن على حَائِط وَلَو لمَسْجِد وَثيَاب وَطَعَام وَنَحْو ذَلِك وَيجوز هدم الْحَائِط وَلبس الثَّوْب وَأكل الطَّعَام وَلَا تضر ملاقاته مَا فِي الْمعدة بِخِلَاف ابتلاع قرطاس عَلَيْهِ اسْم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا يكره كتب شَيْء من الْقُرْآن فِي إِنَاء ليسقى مَاؤُهُ للشفاء خلافًا لما وَقع ل ابْن عبد السَّلَام فِي فَتَاوِيهِ من التَّحْرِيم وَأكل الطَّعَام كشرب المَاء لَا كَرَاهَة فِيهِ وَيكرهُ إحراق خشب نقش بِالْقُرْآنِ إِلَّا إِن قصد بِهِ صيانته فَلَا يكره كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام ابْن عبد السَّلَام وَعَلِيهِ يحمل تحريق عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْمَصَاحِف وَيحرم كتب الْقُرْآن أَو شَيْء من أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِنَجس أَو على نجس ومسه بِهِ إِذا كَانَ غير مَعْفُو عَنهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوع لَا بطاهر من مُتَنَجّس وَيحرم الْمَشْي على فرَاش أَو خشب نقش بِشَيْء من الْقُرْآن وَلَو خيف على مصحف تنجس أَو كَافِر أَو تلف بِنَحْوِ غرق أَو ضيَاع وَلم يتَمَكَّن من تطهره جَازَ لَهُ حمله مَعَ الْحَدث فِي الْأَخِيرَة وَوَجَب فِي غَيرهَا صِيَانة لَهُ كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَيحرم السّفر بِهِ إِلَى أَرض الْكفَّار إِن خيف وُقُوعه فِي أَيْديهم وتوسده وَإِن خَافَ سَرقته وتوسده كتب علم إِلَّا لخوف من نَحْو سَرقَة نعم إِن خَافَ على الْمُصحف من تلف بِنَحْوِ غرق أَو تنجس أَو كَافِر جَازَ لَهُ أَن يتوسده بل يجب عَلَيْهِ وَينْدب كتبه وإيضاحه ونقطه وشكله وَيمْنَع الْكَافِر من مَسّه لَا سَمَاعه وَيحرم تَعْلِيمه وتعلمه إِن كَانَ معاندا وَغير المعاند إِن رُجي إِسْلَامه جَازَ تَعْلِيمه وَإِلَّا فَلَا وَتكره الْقِرَاءَة بِفَم مُتَنَجّس وَتجوز بِلَا كَرَاهَة بحمام وَطَرِيق إِن لم يلته عَنْهَا وَإِلَّا كرهت القَوْل فِي مس الْمُصحف للصَّغِير وَلَا يجب منع الصَّغِير الْمُمَيز من حمل الْمُصحف واللوح للتعلم إِذا كَانَ مُحدثا وَلَو حَدثا أكبر كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيّ لحَاجَة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا بل ينْدب وَقَضِيَّة كَلَامهم أَن مَحل ذَلِك فِي الْحمل الْمُتَعَلّق بالدراسة فَإِن لم يكن لغَرَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أَو لغَرَض آخر منع مِنْهُ جزما كَمَا قَالَه فِي الْمُهِمَّات وَإِن نَازع فِي ذَلِك ابْن الْعِمَاد أما غير الْمُمَيز فَيحرم تَمْكِينه من ذَلِك لِئَلَّا ينتهكه وَالْقِرَاءَة أفضل من ذكر لم يخص بِمحل فَإِن خص بِهِ بِأَن ورد الشَّرْع بِهِ فِيهِ فَهُوَ أفضل مِنْهَا وَينْدب أَن يتَعَوَّذ لَهَا جَهرا إِن جهر بهَا فِي غير الصَّلَاة أما فِي الصَّلَاة فيسر مُطلقًا ويكفيه تعوذ وَاحِد مَا لم يقطع قِرَاءَته بِكَلَام أَو فصل طَوِيل كالفصل بَين الرَّكْعَات وَأَن يجلس وَأَن يسْتَقْبل وَأَن يقْرَأ بتدبر وخشوع وَأَن يرتل وَأَن يبكي عِنْد الْقِرَاءَة وَالْقِرَاءَة نظرا فِي الْمُصحف أفضل مِنْهَا عَن ظهر قلب إِلَّا إِن زَاد خشوعه وَحُضُور قلبه فِي الْقِرَاءَة عَن ظهر قلب فَهِيَ أفضل فِي حَقه وَتحرم بالشاذ فِي الصَّلَاة وخارجها وَهُوَ مَا نقل آحادا قُرْآنًا كأيمانهما فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَهُوَ عِنْد جمَاعَة مِنْهُم النَّوَوِيّ مَا وَرَاء السَّبْعَة أبي عَمْرو وَنَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَعند آخَرين مِنْهُم الْبَغَوِيّ مَا وَرَاء الْعشْرَة السَّبْعَة السَّابِقَة وَأبي جَعْفَر وَيَعْقُوب وَخلف قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَإِذا قَرَأَ بِقِرَاءَة من السَّبع اسْتحبَّ أَن يتم الْقِرَاءَة بهَا فَلَو قَرَأَ بعض الْآيَات بهَا وَبَعضهَا بغَيْرهَا من السَّبع جَازَ بِشَرْط أَن لَا يكون مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مرتبطا بِالْأولَى وَتحرم الْقِرَاءَة بعكس الْآي لَا بعكس السُّور وَلَكِن تكره إِلَّا فِي تَعْلِيم لِأَنَّهُ أسهل للتعليم القَوْل فِي حكم الْقُرْآن ونسيانه وَيحرم تَفْسِير الْقُرْآن بِلَا علم ونسيانه أَو شَيْء مِنْهُ كَبِيرَة وَالسّنة أَن يَقُول أنسيت كَذَا لَا نَسِيته إِذْ لَيْسَ هُوَ فَاعل النسْيَان وَينْدب خَتمه أول نَهَار أَو ليل وَالدُّعَاء بعده وحضوره والشروع بعده فِي ختمة أُخْرَى وكثره تِلَاوَته وَقد أفرد الْكَلَام على مَا يتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ بالتصانيف وَفِيمَا ذكرته تذكرة لأولي الْأَلْبَاب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 كتاب الصَّلَاة جمعهَا صلوَات وَهِي لُغَة الدُّعَاء بِخَير قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أَي ادْع لَهُم ولتضمنها معنى التعطف عديت بعلى وَشرعا أَقْوَال وأفعال مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ بشرائط مَخْصُوصَة وَلَا ترد صَلَاة الْأَخْرَس لِأَن الْكَلَام فِي الْغَالِب فَتدخل صَلَاة الْجِنَازَة بِخِلَاف سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر لِأَن قَوْلهم أَقْوَال وأفعال يَشْمَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب غير التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم لقَولهم مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ مختتمة بِالتَّسْلِيمِ وَسميت بذلك لاشتمالها على الدُّعَاء إطلاقا لاسم الْجُزْء على اسْم الْكل القَوْل فِي الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وَدَلِيل فرضيتها وَقد بَدَأَ بالمكتوبات لِأَنَّهَا أهم وَأفضل فَقَالَ (الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة) وَفِي بعض النّسخ الصَّلَوَات المفروضات أَي العينية من الصَّلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة (خمس) مَعْلُومَة من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} أَي حَافظُوا عَلَيْهَا دَائِما بإكمال واجباتها وسننها وَقَوله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} أَي محتمة مُؤَقَّتَة وأخبار فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض الله على أمتِي لَيْلَة الْإِسْرَاء خمسين صَلَاة فَلم أزل أراجعه وأسأله التَّخْفِيف حَتَّى جعلهَا خمْسا فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَقَوله للأعرابي حِين قَالَ هَل عَليّ غَيرهَا قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع وَقَوله لِمعَاذ لما بَعثه إِلَى الْيمن أخْبرهُم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَأما وجوب قيام اللَّيْل فمنسوخ فِي حَقنا وَهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 نسخ فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر الْأَصْحَاب لَا وَالصَّحِيح نعم وَنَقله الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن النَّص وَخرج بقولنَا العينية صَلَاة الْجِنَازَة لَكِن الْجُمُعَة من المفروضات العينية وَلم تدخل فِي كَلَامه إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّهَا بدل عَن الظّهْر وَهُوَ رَأْي وَالأَصَح أَنَّهَا صَلَاة مُسْتَقلَّة وَكَانَ فرض الْخمس لَيْلَة الْمِعْرَاج كَمَا مر قبل الْهِجْرَة بِسنة وَقيل بِسِتَّة أشهر فَائِدَة فِي شرح الْمسند للرافعي أَن الصُّبْح كَانَت صَلَاة آدم وَالظّهْر كَانَت صَلَاة دَاوُد وَالْعصر كَانَت صَلَاة سُلَيْمَان وَالْمغْرب كَانَت صَلَاة يَعْقُوب وَالْعشَاء كَانَت صَلَاة يُونُس وَأورد فِي ذَلِك خَبرا فَجمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيع ذَلِك لنبينا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ولأمته تَعْظِيمًا لَهُ ولكثرة الأجور لَهُ ولأمته وَلما كَانَت الظّهْر أول صَلَاة ظَهرت لِأَنَّهَا أول صَلَاة صلاهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بَدَأَ الله تَعَالَى بهَا فِي قَوْله تَعَالَى {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} بَدَأَ المُصَنّف بهَا فَقَالَ (الظّهْر) أَي صلَاته سميت بذلك لِأَنَّهَا تفعل وَقت الظهيرة أَي شدَّة الْحر وَقيل لِأَنَّهَا ظَاهِرَة وسط النَّهَار وَقيل لِأَنَّهَا أول صَلَاة ظَهرت فِي الْإِسْلَام فَإِن قيل قد تقدم أَن الصَّلَوَات الْخمس فرضت لَيْلَة الْإِسْرَاء فَلم لم يبْدَأ بالصبح أُجِيب بجوابين الأول أَنه حصل التَّصْرِيح بِأَن أول وجوب الْخمس من الظّهْر قَالَه فِي الْمَجْمُوع الثَّانِي أَن الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ مُتَوَقف على بَيَانهَا وَلم تبين إِلَّا عِنْد الظّهْر وَلما صدر الْأَكْثَرُونَ تبعا للشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْبَاب بِذكر الْمَوَاقِيت لِأَن بِدُخُولِهَا تجب الصَّلَاة وبخروجها تفوت وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ} قَالَ ابْن عَبَّاس أَرَادَ بِحِين تمسون صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء وبحين تُصبحُونَ صَلَاة الصُّبْح وبعشيا صَلَاة الْعَصْر وبحين تظْهرُونَ صَلَاة الظّهْر وَخبر أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَكَانَ الْفَيْء قدر الشرَاك وَالْعصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 حِين كَانَ ظله أَي الشَّيْء مثله وَالْمغْرب حِين أفطر الصَّائِم أَي دخل وَقت إفطاره وَالْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَالْفَجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم فَلَمَّا كَانَ الْغَد صلى بِي الظّهْر حِين كَانَ ظله مثله وَالْعصر حِين كَانَ ظله مثلَيْهِ وَالْمغْرب حِين أفطر الصَّائِم وَالْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل وَالْفَجْر فأسفر وَقَالَ هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك وَالْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِي الظّهْر حِين كَانَ ظله مثله أَي فرغ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شرع فِي الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول حِينَئِذٍ قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نافيا بِهِ اشتراكهما فِي وَقت وَاحِد وَيدل لَهُ خبر مُسلم وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس مَا لم تحضر الْعَصْر تَبِعَهُمْ المُصَنّف فَقَالَ القَوْل فِي وَقت الظّهْر ابْتِدَاء وانتهاء (وَأول وَقتهَا) أَي الظّهْر (زَوَال الشَّمْس) أَي وَقت زَوَالهَا يَعْنِي يدْخل وَقتهَا بالزوال كَمَا عبر بِهِ فِي الْوَجِيز وَغَيره وَهُوَ ميل الشَّمْس عَن وسط السَّمَاء الْمُسَمّى بُلُوغهَا إِلَيْهِ بِحَالَة الاسْتوَاء إِلَى جِهَة الْمغرب لَا فِي الْوَاقِع بل فِي الظَّاهِر لِأَن التَّكْلِيف إِنَّمَا يتَعَلَّق بِهِ وَذَلِكَ بِزِيَادَة ظلّ الشي على ظله حَالَة الاسْتوَاء أَو بحدوثه إِن لم يبْق عِنْده ظلّ قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَذَلِكَ يتَصَوَّر فِي بعض الْبِلَاد كمكة وَصَنْعَاء الْيمن فِي أطول أَيَّام السّنة فَلَو شرع فِي التَّكْبِير قبل ظُهُور الزَّوَال ثمَّ ظهر الزَّوَال عقب التَّكْبِير أَو فِي أَثْنَائِهِ لم يَصح الظّهْر وَإِن كَانَ التَّكْبِير حَاصِلا بعد الزَّوَال فِي نفس الْأَمر وَكَذَا الْكَلَام فِي الْفجْر وَغَيره (وَآخره) أَي وَقت الظّهْر (إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله بعد) أَي سوى (ظلّ الزَّوَال) الْمَوْجُود عِنْد الزَّوَال وَإِذا أردْت معرفَة الزَّوَال فاعتبره بقامتك أَو شاخص تُقِيمهُ فِي أَرض مستوية وَعلم على رَأس الظل فَمَا زَالَ الظل ينقص من الْخط فَهُوَ قبل الزَّوَال وَإِن وقف لَا يزِيد وَلَا ينقص فَهُوَ وَقت الاسْتوَاء وَإِن أَخذ الظل فِي الزِّيَادَة علم أَن الشَّمْس زَالَت قَالَ الْعلمَاء وقامة كل إِنْسَان سِتَّة أَقْدَام وَنصف بقدمه وَالشَّمْس عِنْد الْمُتَقَدِّمين من أَرْبَاب علم الْهَيْئَة فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَقَالَ بعض محققي الْمُتَأَخِّرين فِي السَّادِسَة وَهِي أفضل من الْقَمَر لِكَثْرَة نَفعهَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ وللظهر ثَلَاثَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أَوله وَوقت اخْتِيَار إِلَى آخِره وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الْعَصْر لمن يجمع وَقَالَ القَاضِي لَهَا أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أَوله إِلَى أَن يصير ظلّ الشَّيْء مثل ربعه وَوقت اخْتِيَار إِلَى أَن يصير مثل نصفه وَوقت جَوَاز إِلَى آخِره وَوقت عذر وَهُوَ وَقت الْعَصْر لمن يجمع وَلها وَقت ضَرُورَة وَسَيَأْتِي وَوقت حُرْمَة وَهُوَ آخر وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يَسعهَا وَلَا عذر وَإِن وَقعت أَدَاء ويجريان فِي سَائِر أَوْقَات الصَّلَوَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 القَوْل فِي وَقت الْعَصْر ابْتِدَاء وانتهاء (وَالْعصر) أَي صلَاتهَا وَسميت بذلك لمعاصرتها وَقت الْغُرُوب (وَأول وَقتهَا الزِّيَادَة على ظلّ التل) وَعبارَة التَّنْبِيه إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَزَاد أدنى زِيَادَة وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله فَإِن جَاوز ظلّ الشي مثله بِأَقَلّ زِيَادَة فقد دخل وَقت الْعَصْر وَلَيْسَ ذَلِك مُخَالفا للصحيح وَهُوَ أَنه لَا يشْتَرط حُدُوث زِيَادَة فاصلة كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ بل هُوَ مَحْمُول على أَن وَقت الْعَصْر لَا يكَاد يعرف إِلَّا بهَا وَهِي من وَقت الْعَصْر وَقيل من وَقت الظّهْر وَقيل فاصلة (وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى ظلّ المثلين) بعد ظلّ الاسْتوَاء إِن كَانَ لحَدِيث جِبْرِيل الْمَار وَسمي مُخْتَارًا لما فِيهِ من الرجحان على مَا بعده وَفِي الإقليد سمي بذلك لاختيار جِبْرِيل إِيَّاه وَقَول جِبْرِيل فِي الحَدِيث الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ مَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار (وَآخره) فِي وَقت (الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس) لحَدِيث من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر مُتَّفق عَلَيْهِ وروى ابْن شيبَة بِإِسْنَاد فِي مُسلم وَقت الْعَصْر مَا لم تغرب الشَّمْس تَنْبِيه للعصر سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار وَوقت عذر وَقت الظّهْر لمن يجمع وَوقت ضَرُورَة وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة وَوقت كَرَاهَة وَوقت حُرْمَة وَهُوَ آخر وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يَسعهَا وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا أَدَاء وَزَاد بَعضهم ثامنا وَهُوَ وَقت الْقَضَاء فِيمَا إِذا أحرم بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْت ثمَّ أفسدها عمدا فَإِنَّهَا تصير قَضَاء كَمَا نَص عَلَيْهِ القَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقه وَالْمُتوَلِّيّ فِي التَّتِمَّة وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر وَلَكِن هَذَا رَأْي ضَعِيف القَوْل فِي وَقت الْمغرب (وَالْمغْرب) أَي صلَاتهَا (ووقتها وَاحِد) أَي لَا اخْتِيَار فِيهِ كَمَا فِي الحَدِيث الْمَار (وَهُوَ) أَي أَوله يدْخل بعد (غرُوب الشَّمْس) لحَدِيث جِبْرِيل سميت بذلك لفعلها عقب الْغُرُوب وأصل الْغُرُوب الْبعد يُقَال غرب بِفَتْح الرَّاء أَي بعد وَالْمرَاد تَكَامل الْغُرُوب وَيعرف فِي الْعمرَان بِزَوَال الشعاع عَن رُؤُوس الْجبَال وإقبال الظلام من الْمشرق (و) يَمْتَد على القَوْل الْجَدِيد (بِمِقْدَار مَا يُؤذن) لوَقْتهَا (وَيتَوَضَّأ وَيسْتر الْعَوْرَة وَيُقِيم الصَّلَاة) وبمقدار خمس رَكْعَات كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَلِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد بِخِلَاف غَيرهَا كَذَا اسْتدلَّ بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب ورد بِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا بَين الْوَقْت الْمُخْتَار وَهُوَ الْمُسَمّى بِوَقْت الْفَضِيلَة أما الْوَقْت الْجَائِز وَهُوَ مَحل النزاع فَلَيْسَ فِيهِ تعرض لَهُ وَإِنَّمَا اسْتثْنِي قدر هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الْأُمُور للضَّرُورَة وَالْمرَاد بالخمس الْمغرب وسنتها البعدية وَذكر الإِمَام سبع رَكْعَات فَزَاد رَكْعَتَيْنِ قبلهَا بِنَاء على أَنه يسن رَكْعَتَانِ قبلهَا وَهُوَ مَا رَجحه النَّوَوِيّ والاعتماد فِي جَمِيع مَا ذكر بالوسط المعتدل كَذَا أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْقفال يعْتَبر فِي حق كل إِنْسَان الْوسط من فعل نَفسه لأَنهم يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وَيُمكن حمل كَلَام الرَّافِعِيّ على ذَلِك وَيعْتَبر أَيْضا قدر أكل لقم يكسر بهَا حِدة الْجُوع كَمَا فِي الشرحين وَالرَّوْضَة لَكِن صوب فِي التَّنْقِيح وَغَيره اعْتِبَار الشِّبَع لما فِي الصَّحِيحَيْنِ إِذا قدم الْعشَاء فابدأوا بِهِ قبل صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا على عشائكم وَحمل كَلَامه على الشِّبَع الشَّرْعِيّ وَهُوَ أَن يَأْكُل لقيمات يقمن صلبه وَالْعشَاء فِي الحَدِيث مَحْمُول على هَذَا أَيْضا قَالَ بعض السّلف أتحسبونه عشاءكم الْخَبيث إِنَّمَا كَانَ أكلهم لقيمات تَنْبِيه لَو عبر المُصَنّف بِالطُّهْرِ بدل الْوضُوء ليشْمل الْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة الْخبث لَكَانَ أولى وَعبر جمَاعَة بِلبْس الثِّيَاب بدل ستر الْعَوْرَة وَاسْتَحْسنهُ الْإِسْنَوِيّ لتنَاوله التعمم والتقمص والارتداء وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ مُسْتَحبّ للصَّلَاة ويمتد وَقتهَا على القَوْل الْقَدِيم حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر قَالَ النَّوَوِيّ قلت الْقَدِيم أظهر قَالَ فِي الْمَجْمُوع بل هُوَ جَدِيد أَيْضا لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علق القَوْل بِهِ فِي الْإِمْلَاء وَهُوَ من الْكتب الجديدة على ثُبُوت الحَدِيث فِيهِ وَقد ثَبت فِيهِ أَحَادِيث فِي مُسلم مِنْهَا وَقت الْمغرب مَا لم يغب الشَّفق وَأما حَدِيث صَلَاة جِبْرِيل فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد فَمَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار كَمَا مر وَأَيْضًا أَحَادِيث مُسلم مُقَدّمَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَة بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدم بِمَكَّة وَلِأَنَّهَا أَكثر رُوَاة وَأَصَح إِسْنَادًا مِنْهُ وعَلى هَذَا للمغرب ثَلَاثَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَاخْتِيَار أول الْوَقْت وَوقت جَوَاز مَا لم يغب الشَّفق وَوقت الْعشَاء لمن يجمع قَالَ الْإِسْنَوِيّ نقلا عَن التِّرْمِذِيّ وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ تَأْخِيرهَا عَن وَقت الْجَدِيد انْتهى وَمَعْنَاهُ وَاضح مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ بِخُرُوج الْوَقْت وَلها أَيْضا وَقت ضَرُورَة وَوقت حُرْمَة القَوْل فِي وَقت الْعشَاء ابْتِدَاء وانتهاء (وَالْعشَاء (و) يدْخل (أول وَقتهَا إِذا غَابَ الشَّفق الْأَحْمَر) لما سبق وَخرج بالأحمر الْأَصْفَر والأبيض وَلم يُقَيِّدهُ فِي الْمُحَرر بالأحمر لانصراف الِاسْم إِلَيْهِ لُغَة لِأَن الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَن الشَّفق هُوَ الْأَحْمَر كَذَا ذكره الْجَوْهَرِي والأزهري وَغَيرهمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَلِهَذَا لم يَقع التَّعَرُّض لَهُ فِي أَكثر الْأَحَادِيث تَنْبِيه من لَا عشَاء لَهُم بِأَن يَكُونُوا بنواح لَا يغيب فِيهَا شفقهم يقدرُونَ قدر مَا يغيب فِيهِ الشَّفق بأقرب الْبِلَاد إِلَيْهِم كعادم الْقُوت المجزىء فِي الْفطْرَة بِبَلَدِهِ أَي فَإِن كَانَ شفقهم يغيب عِنْد ربع ليلهم مثلا اعْتبر من ليل هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَا أَنهم يصبرون بِقدر مَا يمْضِي من ليلهم لِأَنَّهُ رُبمَا استغرق ليلهم نبه على ذَلِك فِي الْخَادِم (وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل) لخَبر جِبْرِيل السَّابِق وَقَوله فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ مَحْمُول على قَول الِاخْتِيَار وَفِي قَول نصفه لخَبر لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل صَححهُ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَرجحه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَكَلَامه فِي الْمَجْمُوع يَقْتَضِي أَن الْأَكْثَرين عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد (و) آخِره (فِي) وَقت (الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي) أَي الصَّادِق لحَدِيث لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط إِنَّمَا التَّفْرِيط على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يدْخل وَقت الْأُخْرَى رَوَاهُ مُسلم خرجت الصُّبْح بِدَلِيل فَبَقيَ على مُقْتَضَاهُ فِي غَيرهَا وَخرج بالصادق الْكَاذِب والصادق هُوَ الْمُنْتَشِر ضوءه مُعْتَرضًا بنواحي السَّمَاء بِخِلَاف الْكَاذِب فَإِنَّهُ يطلع مستطيلا يعلوه ضوء كذنب السرحان وَهُوَ بِكَسْر السِّين كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب الذِّئْب ثمَّ تعقبه ظلمَة وَشبه بذنب السرحان لطوله فلهَا سَبْعَة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة وَوقت اخْتِيَار وَوقت جَوَاز وَوقت حُرْمَة وَوقت ضَرُورَة وَوقت عذر هُوَ وَقت الْمغرب لمن يجمع وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد بَين الفجرين القَوْل فِي وَقت الصُّبْح ابْتِدَاء وانتهاء (وَالصُّبْح) أَي صلَاته وَهُوَ بِضَم الصَّاد وَكسرهَا لُغَة أول النَّهَار فَلذَلِك سميت بِهِ هَذِه الصَّلَاة وَقيل لِأَنَّهَا تقع بعد الْفجْر الَّذِي يجمع بَيَاضًا وَحُمرَة وَالْعرب تَقول وَجه صبيح لما فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة (وَأول وَقتهَا طُلُوع الْفجْر الثَّانِي) أَي الصَّادِق لحَدِيث جِبْرِيل فَإِنَّهُ علقه على الْوَقْت الَّذِي يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم وَإِنَّمَا يحرمان بالصادق (وَآخره فِي) وَقت (الِاخْتِيَار إِلَى الْإِسْفَار) وَهُوَ الإضاءة لخَبر جِبْرِيل السَّابِق وَقَوله فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْت مَا بَين هذَيْن مَحْمُول على وَقت الِاخْتِيَار (و) آخِره (فِي) وَقت (الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس) لحَدِيث مُسلم وَقت صَلَاة الصُّبْح من طُلُوع الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس وَالْمرَاد بطلوعها هُنَا طُلُوع بَعْضهَا بِخِلَاف غُرُوبهَا فِيمَا مر إِلْحَاقًا لما يظْهر بِمَا ظهر فيهمَا وَلِأَن وَقت الصُّبْح يدْخل بِطُلُوع بعض الْفجْر فَنَاسَبَ أَن يخرج بِطُلُوع الشَّمْس فلهَا سِتَّة أَوْقَات وَقت فَضِيلَة أول الْوَقْت وَوقت اخْتِيَار وَوقت جَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الاحمرار ثمَّ وَقت كَرَاهَة وَوقت حُرْمَة وَوقت ضَرُورَة وَهِي نهارية لقَوْله تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا} الْآيَة وللأخبار الصَّحِيحَة فِي ذَلِك وَهِي عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالْأَصْحَاب الصَّلَاة الْوُسْطَى لقَوْله تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} الْآيَة إِذْ لَا قنوت إِلَّا فِي الصُّبْح وَلخَبَر مُسلم قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لمن يكْتب لَهَا مُصحفا اكْتُبْ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر ثمَّ قَالَت سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الْعَطف يَقْتَضِي التغاير قَالَ النَّوَوِيّ عَن الْحَاوِي الْكَبِير صحت الْأَحَادِيث أَنَّهَا الْعَصْر لخَبر شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَمذهب الشَّافِعِي اتِّبَاع الحَدِيث فَصَارَ هَذَا مذْهبه وَلَا يُقَال فِيهِ قَولَانِ كَمَا وهم فِيهِ بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ فِي شرح مُسلم الْأَصَح أَنَّهَا الْعَصْر كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَا يكره تَسْمِيَة الصُّبْح غَدَاة كَمَا فِي الرَّوْضَة وَالْأولَى عدم تَسْمِيَتهَا بذلك وَتسَمى صبحا وفجرا لِأَن الْقُرْآن جَاءَ بِالثَّانِيَةِ وَالسّنة بهما مَعًا وَيكرهُ تَسْمِيَة الْمغرب عشَاء وَتَسْمِيَة الْعشَاء عتمة هَذَا مَا جزم بِهِ فِي التَّحْقِيق والمنهاج وزوائد الرَّوْضَة لَكِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع نَص فِي الْأُم على أَنه يسْتَحبّ أَن لَا تسمى بذلك وَهُوَ مَذْهَب محققي أَصْحَابنَا وَقَالَت طَائِفَة قَليلَة يكره وَالْأول هُوَ الظَّاهِر لوُرُود النَّهْي عَن ذَلِك وَيكرهُ النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء بعد دُخُول وَقتهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك وَيكرهُ الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بعد فعلهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك إِلَّا فِي خير كَقِرَاءَة قُرْآن وَحَدِيث ومذاكرة فقه وإيناس ضيف وَزَوْجَة عِنْد زفافها وَتكلم بِمَا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ كحساب ومحادثة الرجل أَهله لملاطفة أَو نَحْوهَا فَلَا كَرَاهَة لِأَن ذَلِك خير ناجز فَلَا يتْرك لمفسدة متوهمة وروى الْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدثنا عَامَّة ليله عَن بني إِسْرَائِيل فَائِدَة روى مُسلم عَن النواس بن سمْعَان قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال ولبثه فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَسَائِر أَيَّامه كأيامكم قُلْنَا فَذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَسنة يكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم قَالَ لَا اقدروا لَهُ قدره قَالَ الْإِسْنَوِيّ فيستثنى هَذَا الْيَوْم مِمَّا ذكر فِي الْمَوَاقِيت وَيُقَاس بِهِ اليومان التاليان لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهَذِه الْمَسْأَلَة سيحتاج إِلَيْهَا نَص على حكمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى تَنْبِيه اعْلَم أَن وجوب هَذِه الصَّلَوَات موسع إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت مَا يَسعهَا وَإِذا أَرَادَ الْمُصَلِّي تَأْخِيرهَا إِلَى أثْنَاء وَقتهَا لزمَه الْعَزْم على فعلهَا فِي الْوَقْت على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق فَإِن أَخّرهَا مَعَ الْعَزْم على ذَلِك وَمَات أثْنَاء الْوَقْت وَقد بَقِي مِنْهُ مَا يَسعهَا لم يعْص بِخِلَاف الْحَج لِأَن الصَّلَاة لَهَا وَقت مَحْدُود وَلم يقصر بإخراجها عَنهُ وَأما الْحَج فقد قصر بِإِخْرَاجِهِ عَن وقته بِمَوْتِهِ قبل الْفِعْل وَالْأَفْضَل أَن يُصليهَا أول وَقتهَا إِذا تيقنه وَلَو عشَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَاب أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره نعم يسن تَأْخِير صَلَاة الظّهْر فِي شدَّة الْحر إِلَى أَن يصير للحيطان ظلّ يمشي فِيهِ طَالب الْجَمَاعَة بِشَرْط أَن يكون بِبَلَد حَار كالحجاز لمصل جمَاعَة بمصلى يأتونه كلهم أَو بَعضهم بِمَشَقَّة فِي طريقهم إِلَيْهِ وَمن وَقع من صلَاته فِي وَقتهَا رَكْعَة فَأكْثر فَالْكل أَدَاء وَمن جهل الْوَقْت لنَحْو غيم اجْتهد جَوَازًا إِن قدر على الْيَقِين وَإِلَّا فوجوبا بِنَحْوِ ورد فَإِن علم أَن صلَاته بِالِاجْتِهَادِ وَقعت قبل وَقتهَا أَعَادَهَا وجوبا القَوْل فِي قَضَاء الْفَوَائِت ويبادر بفائت وجوبا إِن فَاتَ بِلَا عذر وندبا إِن فَاتَ بِعُذْر كنوم ونسيان وَيسن تَرْتِيب الْفَائِت وتقديمه على الْحَاضِرَة الَّتِي لَا يخَاف فَوتهَا القَوْل فِي الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم كَمَا صَححهُ فِي الرَّوْضَة فِي غير حرم مَكَّة صَلَاة عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 اسْتِوَاء الشَّمْس إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَعند طُلُوعهَا وَبعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى ترْتَفع كرمح وَبعد صَلَاة الْعَصْر أَدَاء وَلَو مَجْمُوعَة فِي وَقت الظّهْر وَعند اصفرار الشَّمْس حَتَّى تغرب إِلَّا صَلَاة لسَبَب غير مُتَأَخّر عَنْهَا كفائتة لم يقْصد تَأْخِيرهَا إِلَيْهَا وَصَلَاة كسوف وتحية لم يدْخل إِلَيْهِ بنيتها فَقَط وَسجْدَة شكر فَلَا يكره فِي هَذِه الْأَوْقَات وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ فصل القَوْل فِيمَن تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَفِي بَيَان النَّوَافِل وَقد شرع فِي النَّوْع الأول فَقَالَ (وشرائط وجوب الصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء) الأول (الْإِسْلَام) فَلَا تجب على كَافِر أُصَلِّي وجوب مُطَالبَة بهَا فِي الدُّنْيَا لعدم صِحَّتهَا مِنْهُ لَكِن تجب عَلَيْهِ وجوب عِقَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة لتمكنه من فعلهَا بِالْإِسْلَامِ (و) الثَّانِي (الْبلُوغ) فَلَا تجب على صَغِير لعدم تَكْلِيفه لرفع الْقَلَم عَنهُ كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث (و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا تجب على مَجْنُون لما ذكر وَسكت المُصَنّف عَن الرَّابِع وَهُوَ النَّقَاء عَن الْحيض وَالنّفاس فَلَا تجب على حَائِض ونفساء لعدم صِحَّتهَا مِنْهُمَا فَمن اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة بِالْإِجْمَاع وَلَا قَضَاء على الْكَافِر إِذا أسلم لقَوْله تَعَالَى {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} نعم الْمُرْتَد يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَهُ زمن الرِّدَّة بعد إِسْلَامه تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ التزمها بِالْإِسْلَامِ فَلَا تسْقط عَنهُ بالجحود كحق الْآدَمِيّ وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ جن قضى أَيَّام الْجُنُون مَعَ مَا قبلهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلَو سكر مُتَعَدِّيا ثمَّ جن قضى الْمدَّة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا سكره لَا مُدَّة جُنُونه بعْدهَا بِخِلَاف مُدَّة جُنُون الْمُرْتَد لِأَن من جن فِي ردته مُرْتَد فِي جُنُونه حكما وَمن جن فِي سكره لَيْسَ بسكران فِي داوم جُنُونه قطعا وَلَو ارْتَدَّت أَو سكرت ثمَّ حَاضَت أَو نفست لم تقض زمن الْحيض وَالنّفاس وَفَارَقت الْمَجْنُون بِأَن إِسْقَاط الصَّلَاة عَنْهَا عَزِيمَة لِأَنَّهَا مكلفة بِالتّرْكِ وَعنهُ رخصَة وَالْمُرْتَدّ والسكران ليسَا من أَهلهَا وَمَا وَقع فِي الْمَجْمُوع من قَضَاء الْحَائِض الْمُرْتَدَّة زمن الْجُنُون نسب فِيهِ إِلَى السَّهْو وَلَا قَضَاء على الطِّفْل إِذا بلغ ويأمره الْوَلِيّ بهَا إِذا ميز وَلَو قَضَاء لما فَاتَهُ بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 التَّمْيِيز والتمييز بعد استكمال سبع سِنِين وَيضْرب على تَركهَا بعد عشر سِنِين لخَبر مروا الصَّبِي أَي والصبية بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا أَي على تَركهَا كَمَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره تَنْبِيه ظَاهر كَلَامهم أَنه يشْتَرط للضرب تَمام الْعَاشِرَة لَكِن قَالَ الصَّيْمَرِيّ إِنَّه يضْرب فِي أَثْنَائِهَا وَصَححهُ الْإِسْنَوِيّ وَجزم بِهِ ابْن الْمقري وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْبلُوغ وَمُقْتَضى مَا فِي الْمَجْمُوع أَن التَّمْيِيز وَحده لَا يَكْفِي فِي الْأَمر بل لَا بُد مَعَه من السَّبع وَقَالَ فِي الْكِفَايَة إِنَّه الْمَشْهُور وَأحسن مَا قيل فِي حد التَّمْيِيز أَنه يصير الطِّفْل بِحَيْثُ يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويستنجي وَحده وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَتى يُصَلِّي الصَّبِي قَالَ إِذا عرف شِمَاله من يَمِينه قَالَ الدَّمِيرِيّ وَالْمرَاد إِذا عرف مَا يضرّهُ وَمَا يَنْفَعهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَالْأَمر وَالضَّرْب واجبان على الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو جدا أَو وَصِيّا أَو قيمًا من جِهَة القَاضِي وَفِي الْمُهِمَّات والملتقط وَمَالك الرَّقِيق فِي معنى الْأَب وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وَنَحْوهمَا قَالَ الطَّبَرِيّ وَلَا يقْتَصر على مُجَرّد صيغته بل لَا بُد مَعَه من التهديد وَقَالَ فِي الرَّوْضَة يجب على الْآبَاء والأمهات تَعْلِيم أَوْلَادهم الطَّهَارَة وَالصَّلَاة والشرائع وَلَا قَضَاء على الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا طهرتا وَهل يحرم عَلَيْهِمَا أَو يكره وَجْهَان أوصحهما الثَّانِي وَلَا على مَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ إِذا أفاقا لحَدِيث رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يبرأ فورد النَّص فِي الْمَجْنُون وَقيس عَلَيْهِ كل من زَالَ عقله بِسَبَب يعْذر فِيهِ الحكم إِذا زَالَت الْمَوَانِع آخرالوقت أَو طرأت أول الْوَقْت وَلَو زَالَت هَذِه الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من وجوب الصَّلَاة وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة فَأكْثر وَجَبت الصَّلَاة لِأَن الْقدر الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْإِيجَاب يَسْتَوِي فِيهِ قدر الرَّكْعَة ودونها وَيجب الظّهْر مَعَ الْعَصْر بِإِدْرَاك قدر زمن تَكْبِيرَة آخر وَقت الْعَصْر وَيجب الْمغرب مَعَ الْعشَاء بِإِدْرَاك ذَلِك آخر وَقت الْعشَاء لِاتِّحَاد وقتي الظّهْر وَالْعصر ووقتي الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْعذر فَفِي الضَّرُورَة أولى وَيشْتَرط للْوُجُوب أَن يَخْلُو الشَّخْص عَن الْمَوَانِع قدر الطَّهَارَة وَالصَّلَاة أخف مَا يَجْزِي كركعتين فِي صَلَاة الْمُسَافِر تَنْبِيه لَو بلغ الشَّخْص فِي الصَّلَاة بِالسِّنِّ وَجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا لِأَنَّهُ أدْرك الْوُجُوب وَهِي صَحِيحَة فَلَزِمَهُ إِتْمَامهَا كَمَا لَو بلغ بِالنَّهَارِ وَهُوَ صَائِم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وأجزائه وَلَو جُمُعَة لِأَنَّهُ صلى الْوَاجِب بِشَرْطِهِ وَوُقُوع أَولهَا نفلا لَا يمْنَع وُقُوع آخرهَا وَاجِبا كَصَوْم مَرِيض شفي فِي أَثْنَائِهِ وَإِن بلغ بعد فعلهَا بِالسِّنِّ أَو بِغَيْرِهِ فَلَا يجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا بِخِلَاف الْحَج إِذا بلغ بعده يجب عَلَيْهِ إِعَادَته لِأَن وُجُوبه مرّة فِي الْعُمر فَاشْترط وُقُوعه فِي حَال الْكَمَال بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو حَاضَت أَو نفست أَو جن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أَو أُغمي عَلَيْهِ أول الْوَقْت وَجَبت تِلْكَ الصَّلَاة إِن أدْرك من ذكر قدر الْفَرْض بأخف مَا يُمكن وَإِلَّا فَلَا وجوب فِي ذمَّته لعدم التَّمَكُّن من فعلهَا القَوْل فِي الصَّلَوَات المسنونات الَّتِي تشرع لَهَا الْجَمَاعَة وينادى لَهَا ثمَّ شرع فِي النَّوْع الثَّانِي فَقَالَ (والصلوات المسنونات) والمسنون وَالْمُسْتَحب وَالنَّفْل والمرغب فِيهِ أَلْفَاظ مترادفة وَهُوَ الزَّائِد على الْفَرَائِض وَأفضل عبادات الْبدن بعد الْإِسْلَام الصَّلَاة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَي الْأَعْمَال أفضل فَقَالَ الصَّلَاة لوَقْتهَا وَقيل الصَّوْم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ وَإِذا كَانَت الصَّلَاة أفضل الْعِبَادَات ففرضها أفضل الْفُرُوض وتطوعها أفضل التَّطَوُّع وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ قسم تسن الْجَمَاعَة فِيهِ وَهُوَ (خمس العيدان والكسوفان وَالِاسْتِسْقَاء) ورتبتها فِي الْأَفْضَلِيَّة على حكم ترتيبها الْمَذْكُور وَلها أَبْوَاب تذكر فِيهَا القَوْل فِي السّنَن الرَّوَاتِب وَقسم لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ (و) مِنْهُ (السّنَن) الرَّوَاتِب وَهِي على الْمَشْهُور (التابعة للفرائض) وَقيل هِيَ مَا لَهُ وَقت وَالْحكمَة فِيهَا تَكْمِيل مَا نقص من الفرائص بِنَقص نَحْو خشوع كَتَرْكِ تدبر قِرَاءَة (وَهِي سَبْعَة عشر رَكْعَة رَكعَتَا الْفجْر) قبل الصُّبْح (وَأَرْبع) أَي أَربع رَكْعَات (قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وَأَرْبع قبل الْعَصْر وركعتان بعد الْمغرب وَثَلَاث بعد سنة الْعشَاء يُوتر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ) لم يبين المُصَنّف الْمُؤَكّد من غَيره وَبَيَانه أَن الْمُؤَكّد من الرَّوَاتِب عشر رَكْعَات رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وَكَذَا بعْدهَا وَبعد الْمغرب وَالْعشَاء لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر قَالَ صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَغير الْمُؤَكّد أَن يزِيد رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسلم وَيزِيد رَكْعَتَيْنِ بعْدهَا لحَدِيث من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله على النَّار رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَأَرْبع قبل الْعَصْر لخَبر عمر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا رَوَاهُ ابْنا خُزَيْمَة وحبان وصححاه وَمن غير الْمُؤَكّد رَكْعَتَانِ خفيفتان قبل الْمغرب فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس أَن كبار الصَّحَابَة كَانُوا يبتدرون السَّوَارِي لَهما أَي للركعتين إِذا أذن الْمغرب وركعتان قبل الْعشَاء لخَبر بَين كل أذانين صَلَاة وَالْمرَاد الْأَذَان والأقامة وَالْجُمُعَة كالظهر فِيمَا مر فَيصَلي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا لخَبر مُسلم إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 صلى أحدكُم الْجُمُعَة فَليصل بعْدهَا أَرْبعا وَخبر التِّرْمِذِيّ إِن ابْن مَسْعُود كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا وَالظَّاهِر أَنه تَوْقِيف وَقَول المُصَنّف يُوتر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن من الْقسم الَّذِي لَا يسن لَهُ جمَاعَة الْوتر وَأَن أَقَله رَكْعَة لخَبر مُسلم من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر بِوَاحِدَة وَلَا كَرَاهَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهَا خلافًا لما فِي الْكِفَايَة عَن أبي الطّيب وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث وأكمل مِنْهُ خمس ثمَّ سبع ثمَّ تسع ثمَّ إِحْدَى عشرَة وَهِي أَكْثَره للْأَخْبَار الصَّحِيحَة مِنْهَا خبر عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة فَلَا تصح الزِّيَادَة عَلَيْهَا كَسَائِر الرَّوَاتِب وَلمن زَاد على رَكْعَة الْفَصْل بَين الرَّكْعَات بِالسَّلَامِ وَهُوَ أفضل من الْوَصْل بتشهد فِي الْأَخِيرَة أَو بتشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْل غير ذَلِك وَوَقته بَين صَلَاة الْعشَاء وطلوع الْفجْر الثَّانِي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ خير لكم من حمر النعم وَهِي الْوتر فَجَعلهَا لكم من الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر وَيسن جعله آخر صَلَاة اللَّيْل لخَبر الصَّحِيحَيْنِ اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ من اللَّيْل وترا فَإِن كَانَ لَهُ تهجد آخر أخر الْوتر إِلَى أَن يتهجد وَإِلَّا أوتر بعد فَرِيضَة الْعشَاء وراتبتها هَذَا مَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَقَيده فِي الْمَجْمُوع بِمَا إِذا لم يَثِق بيقظته آخر اللَّيْل وَإِلَّا فتأخيره أفضل لخَبر مُسلم من خَافَ أَن لَا يقوم آخر اللَّيْل فليوتر أَوله وَمن طمع أَن يقوم آخِره فليوتر آخِره فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة وَذَلِكَ أفضل وَعَلِيهِ حمل خَبره أَيْضا بَادرُوا الصُّبْح بالوتر فَإِن أوتر ثمَّ تهجد لم ينْدب لَهُ إِعَادَته لخَبر لَا وتران فِي لَيْلَة وَينْدب الْقُنُوت آخر وتره فِي النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان وَهُوَ كقنوت الصُّبْح فِي لفظ وَمحله والجهر بِهِ وَيسن جمَاعَة فِي وتر رَمَضَان القَوْل فِي النَّوَافِل الْمُؤَكّدَة بعد الرَّوَاتِب (والنوافل الْمُؤَكّدَة) بعد الرَّوَاتِب (ثَلَاثَة) الأولى (صَلَاة اللَّيْل) وَهُوَ التَّهَجُّد وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أولى لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلقَوْله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَوله تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} وَهُوَ لُغَة رفع النّوم بالتكلف وَاصْطِلَاحا صَلَاة التَّطَوُّع فِي اللَّيْل بعد النّوم كَمَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن سمي بذلك لما فِيهِ من ترك النّوم وَيسن للمتهجد القيلولة وَهِي النّوم قبل الزَّوَال وَهِي بِمَنْزِلَة السّحُور للصَّائِم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعِينُوا بالقيلولة على قيام اللَّيْل رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَائِدَة ذكر أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي أَن المتهجد يشفع فِي أهل بَيته وَرُوِيَ أَن الْجُنَيْد رئي فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ طاحت تِلْكَ الإشارات وَغَابَتْ تِلْكَ الْعبارَات وفنيت تِلْكَ الْعُلُوم ونفدت تِلْكَ الرسوم وَمَا نفعنا إِلَّا ركيعات كُنَّا نركعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 عِنْد السحر وَيكرهُ ترك التَّهَجُّد لمعتاده بِلَا عذر وَيكرهُ قيام بلَيْل يضر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ألم أخبر أَنَّك تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل فَقلت بلَى قَالَ فَلَا تفعل صم وَأفْطر وقم ونم فَإِن لجسدك عَلَيْك حَقًا إِلَى آخِره أما قيام لَا يضر وَلَو فِي لَيَال كَامِلَة فَلَا يكره فقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أَحْيَا اللَّيْل كُله وَيكرهُ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام بِصَلَاة لخَبر مُسلم لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أما إحياؤها بِغَيْر صَلَاة فَلَا يكره خُصُوصا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك مَطْلُوب فِيهَا (و) الثَّانِيَة (صَلَاة الضُّحَى) وأقلها رَكْعَتَانِ وأكثرها ثَمَان كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَكْثَرين وَصَححهُ فِي التَّحْقِيق وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَفِي الْمِنْهَاج أَن أَكْثَرهَا اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة وَقَالَ فِي الرَّوْضَة أفضلهَا ثَمَان وأكثرها اثْنَتَا عشرَة وَيسن أَن يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ ووقتها من ارْتِفَاع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وَالِاخْتِيَار فعلهَا عِنْد مُضِيّ ربع النَّهَار (و) الثَّالِثَة (صَلَاة التَّرَاوِيح) وَهِي عشرُون رَكْعَة وَقد اتَّفقُوا على سنيتها وعَلى أَنَّهَا المرادة من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَوله إِيمَانًا أَي تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حق مُعْتَقدًا أفضليتهواحتسابا أَي إخلاصا وَالْمَعْرُوف أَن الغفران مُخْتَصّ بالصغائر وَتسن الْجَمَاعَة فِيهَا لِأَن عمر جمع النَّاس على قيام شهر رَمَضَان الرِّجَال على أبي بن كَعْب وَالنِّسَاء على سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة وَسميت كل أَربع مِنْهَا ترويحة لأَنهم كَانُوا يتروحون عَقبهَا أَي يستريحون قَالَ الْحَلِيمِيّ والسر فِي كَونهَا عشْرين أَن الرَّوَاتِب المؤكدات فِي غير رَمَضَان عشر رَكْعَات فضوعفت لِأَنَّهُ وَقت جد وتشمير اه وَلأَهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فعلهَا سِتا وَثَلَاثِينَ لِأَن الْعشْرين خمس ترويحات فَكَانَ أهل مَكَّة يطوفون بَين كل ترويحتين سَبْعَة أَشْوَاط فَجعل لأهل الْمَدِينَة بدل كل أُسْبُوع ترويحة ليساووهم وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ لِأَن لأَهْلهَا شرفا بهجرته وَدَفنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفعلها بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيع الشَّهْر أفضل من تَكْرِير سُورَة الْإِخْلَاص ووقتها بَين صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا وطلوع الْفجْر الثَّانِي قَالَ فِي الرَّوْضَة وَلَا تصح بنية مُطلقَة بل يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ من التَّرَاوِيح أَو من قيام رَمَضَان وَلَو صلى أَرْبعا بِتَسْلِيمَة لم يَصح لِأَنَّهُ خلاف الْمَشْرُوع بِخِلَاف سنة الظّهْر وَالْعصر وَالْفرق أَن التَّرَاوِيح بمشروعية الْجَمَاعَة فِيهَا أشبهت الْفَرَائِض فَلَا تغير عَمَّا وَردت تَنْبِيه يدْخل وَقت الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرْض بِدُخُول وَقت الْفَرْض وَالَّتِي بعده بِفِعْلِهِ وَيخرج وَقت النَّوْعَيْنِ بِخُرُوج وَقت الْفَرْض لِأَنَّهُمَا تابعان لَهُ وَلَو فَاتَ النَّفْل الْمُؤَقت ندب قَضَاؤُهُ وَمن الْقسم الَّذِي لَا تندب فِيهِ الْجَمَاعَة تَحِيَّة الْمَسْجِد وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الْجُلُوس لكل دَاخل وَتحصل لفرض أَو نفل آخر وتتكرر بِتَكَرُّر الدُّخُول وَلَو على قرب وتفوت بجلوسه قبل فعلهَا وَإِن قصر الْفَصْل إِلَّا إِن جلس سَهوا وَقصر الْفَصْل وتفوت بطول الْوُقُوف كَمَا أفتى بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فَائِدَة قَالَ الْإِسْنَوِيّ التَّحِيَّات أَربع تَحِيَّة الْمَسْجِد بِالصَّلَاةِ وَالْبَيْت بِالطّوافِ وَالْحرم بِالْإِحْرَامِ وَمنى بِالرَّمْي وَزيد عَلَيْهِ تَحِيَّة عَرَفَة بِالْوُقُوفِ وتحية لِقَاء الْمُسلم بِالسَّلَامِ تَتِمَّة من الْقسم الَّذِي لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ صَلَاة التسابيح وَهِي أَربع رَكْعَات يَقُول فِيهَا ثَلَاثمِائَة مرّة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر بعد التَّحَرُّم وَقبل الْقِرَاءَة خَمْسَة عشرَة وَبعد الْقِرَاءَة وَقبل الرُّكُوع عشرا وَفِي الرُّكُوع عشرا وَكَذَلِكَ فِي الرّفْع مِنْهُ وَفِي السُّجُود وَالرَّفْع مِنْهُ وَالسُّجُود الثَّانِي فَهَذِهِ خمس وَسَبْعُونَ فِي أَربع بثلاثمائة وَصَلَاة الْأَوَّابِينَ وَتسَمى صَلَاة الْغَفْلَة لغفلة النَّاس عَنْهَا بِسَبَب عشَاء أَو نوم أَو نَحْو ذَلِك وَهِي عشرُون رَكْعَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء وأقلها رَكْعَتَانِ لحَدِيث التِّرْمِذِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى سِتّ رَكْعَات بَين الْمغرب وَالْعشَاء كتب الله لَهُ عبَادَة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وركعتا الْإِحْرَام وركعتا الطّواف وركعتا الْوضُوء وركعتا الاستخارة وركعتا الْحَاجة وركعتا التَّوْبَة وركعتان عِنْد الْخُرُوج من الْمنزل وَعند دُخُوله وَعند الخروح من مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند مروره بِأَرْض لم يمر بهَا قطّ وركعتان عقب الْخُرُوج من الْحمام وركعتان فِي الْمَسْجِد إِذا قدم من سَفَره وركعتان عِنْد الْقَتْل إِن أمكنه وركعتان إِذا عقد على امْرَأَة وزفت إِلَيْهِ إِذْ يسن لكل مِنْهُمَا قبل الوقاع أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وأدلة هَذِه السّنَن مَشْهُورَة لَا يحتملها شرح هَذَا الْكتاب القَوْل فِي الْبدع المذمومة قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمن الْبدع المذمومة صَلَاة الرغائب اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء لَيْلَة أول جُمُعَة من رَجَب وَصَلَاة لَيْلَة نصف شعْبَان مائَة رَكْعَة وَلَا يغتر بِمن يفعل ذَلِك وَأفضل الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة الْوتر ثمَّ رَكعَتَا الْفجْر وهما أفضل من رَكْعَتَيْنِ فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ بَاقِي رواتب الْفَرَائِض ثمَّ الضُّحَى ثمَّ مَا يتَعَلَّق بِفعل غير سنة الْوضُوء كركعتي الطّواف وَالْإِحْرَام والتحية وَهَذِه الثَّلَاثَة فِي الْأَفْضَلِيَّة سَوَاء وَالْقسم الَّذِي تسن الْجَمَاعَة فِيهِ أفضل من الْقسم الَّذِي لَا تسن الْجَمَاعَة فِيهِ نعم تفضل راتبة الْفَرَائِض على التَّرَاوِيح وَأفضل الْقسم الَّذِي فِيهِ تسن الْجَمَاعَة صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَقَضِيَّة كَلَامهم تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَة قَالَ فِي الْخَادِم لَكِن الْأَرْجَح فِي النّظر تَرْجِيح عيد الْأَضْحَى فَصلَاته أفضل من صَلَاة الْفطر وتكبير الْفطر أفضل من تكبيره ثمَّ بعد الْعِيد فِي الْفَضِيلَة كسوف الشَّمْس ثمَّ خُسُوف الْقَمَر ثمَّ الاسْتِسْقَاء ثمَّ التَّرَاوِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَلَا حصر للنفل الْمُطلق وَهُوَ مَا لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ذَر الصَّلَاة خير مَوْضُوع استكثر أَو أقل فَإِن نوى فَوق رَكْعَة تشهد آخرا فَقَط أَو آخر كل رَكْعَتَيْنِ فَأكْثر فَلَا يتَشَهَّد فِي كل رَكْعَة وَإِذا نوى قدرا فَلهُ الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالنَّقْص عَنهُ إِن نويا وَإِلَّا بطلت صلَاته فَإِن قَامَ لزائد سَهوا فَتذكر قعد ثمَّ قَامَ للزائد إِن شَاءَ وَالنَّفْل الْمُطلق بلَيْل أفضل مِنْهُ بِالنَّهَارِ وبأوسطه أفضل من طَرفَيْهِ إِن قسمه ثَلَاثَة أَقسَام ثمَّ آخِره أفضل من أَوله إِن قسمه قسمَيْنِ وَأفضل من ذَلِك السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس وَيسن السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ نَوَاهَا أَو أطلق النِّيَّة وَيسن أَن يفصل بَين سنة الْفجْر وَالْفَرِيضَة باضطجاع على يَمِينه لِلِاتِّبَاعِ وَأَن يقْرَأ فِي أول رَكْعَتي الْفجْر وَالْمغْرب والاستخارة وتحية الْمَسْجِد {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَة الاخلاص ويتأكد إكثار الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فِي جَمِيع سَاعَات اللَّيْل وَهُوَ فِي النّصْف الْأَخير آكِد وَعند السحر أفضل القَوْل فِي سَجْدَتي التِّلَاوَة وَالشُّكْر تَنْبِيه لم يتَعَرَّض المُصَنّف لسجدتي التِّلَاوَة وَالشُّكْر ونذكره مُخْتَصرا لتتم بِهِ الْفَائِدَة لحافظ هَذَا الْمُخْتَصر تسن سَجدَات تِلَاوَة لقارىء وسامع قصد السماع أم لَا قِرَاءَة لجَمِيع آيَة السَّجْدَة مَشْرُوعَة وتتأكد للسامع بسجود القارىء وَهِي أَربع عشرَة سَجْدَة سجدتا الْحَج وَثَلَاث فِي الْمفصل فِي النَّجْم والانشقاق واقرأ والبقية فِي الْأَعْرَاف والرعد والنحل والإسراء وَمَرْيَم وَالْفرْقَان والنمل وآلم تَنْزِيل وحم السَّجْدَة ومحالها مَعْرُوفَة لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَة (ص) بل هِيَ سَجْدَة شكر تسن فِي غير الصَّلَاة وَيسْجد مصل لقرَاءَته إِلَّا مَأْمُوما فلسجدة إِمَامه فَإِن تخلف عَن إِمَامه أَو سجد هُوَ دونه بطلت صلَاته وَيكبر الْمُصَلِّي كَغَيْرِهِ ندبا بالهوي ولرفع من السَّجْدَة بِلَا رفع يَد فِي الرّفْع من السَّجْدَة كَغَيْر الْمُصَلِّي وأركان السَّجْدَة لغير مصل تحرم وَسُجُود وَسَلام وَشَرطهَا كَصَلَاة وَأَن لَا يطول فصل عرفا بَينهَا وَبَين قِرَاءَة الْآيَة وتتكرر بِتَكَرُّر الْآيَة وَسجْدَة الشُّكْر لَا تدخل صَلَاة وَتسن لهجوم نعْمَة أَو اندفاع نقمة أَو رُؤْيَة مبتلي أَو فَاسق معلن ويظهرها لِلْفَاسِقِ إِن لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 يخف ضَرَره وَلَا للمبتلي لِئَلَّا يتَأَذَّى وَهِي كسجدة التِّلَاوَة ولمسافر فعلهمَا كنافلة وَيسن مَعَ سَجْدَة الشُّكْر كَمَا فِي الْمَجْمُوع الصَّدَقَة وَلَو تقرب إِلَى الله بِسَجْدَة من غير سَبَب حرم وَمِمَّا يحرم مَا يَفْعَله كثير من الجهلة من السُّجُود بَين يَدي الْمَشَايِخ وَلَو إِلَى الْقبْلَة أَو قَصده لله تَعَالَى وَفِي بعض صوره مَا يَقْتَضِي الْكفْر عَافَانَا الله تَعَالَى من ذَلِك فصل القَوْل فِي شُرُوط الصَّلَاة وَالسّنَن أبعاض وَهِي الَّتِي تجبر بسجود السَّهْو وهيئات وَهِي الَّتِي لَا تجبر بسجود السَّهْو والركن كالشرط فِي أَنه لَا بُد مِنْهُ ويفارقه بِأَن الشَّرْط هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم على الصَّلَاة وَيجب استمراره فِيهَا كالطهر والستر والركن مَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة كالركوع وَالسُّجُود فَخرج بتعريف الشَّرْط التروك كَتَرْكِ الْكَلَام فَلَيْسَتْ بِشُرُوط كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع بل مبطلة للصَّلَاة كَقطع النِّيَّة وَقيل إِنَّهَا شُرُوط كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ وَيشْهد للْأولِ أَن الْكَلَام الْيَسِير نَاسِيا لَا يضر وَلَو كَانَ تَركه من الشُّرُوط لضر فَائِدَة قد شبهت الصَّلَاة بالإنسان فالركن كرأسه وَالشّرط كحياته وَالْبَعْض كأعضائه والهيئة كشعره وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وشرائط الصَّلَاة) جمع شَرط وَالشّرط بِسُكُون الرَّاء لُغَة الْعَلامَة وَمِنْه أَشْرَاط السَّاعَة أَي علاماتها وَاصْطِلَاحا مَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وجود وَلَا عدم لذاته كَالْكَلَامِ فِيهَا عمدا وَالْمُعْتَبر من الشُّرُوط لصِحَّة الصَّلَاة (قبل الدُّخُول فِيهَا) أَي قبل التَّلَبُّس بهَا (خمس) القَوْل فِي طَهَارَة الْأَعْضَاء من الْحَدث وَالْجِنْس الأول (طَهَارَة الْأَعْضَاء من الْحَدث) الْأَصْغَر وَغَيره فَلَو لم يكن متطهرا عِنْد إِحْرَامه مَعَ الْقُدْرَة على الطَّهَارَة لم تَنْعَقِد صلَاته وَإِن أحرم متطهرا فَإِن سبقه الْحَدث غير الدَّائِم بطلت صلَاته لبُطْلَان طَهَارَته وَلَو صلى نَاسِيا للْحَدَث أثيب على قَصده لَا على فعله إِلَّا الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يتَوَقَّف على الْوضُوء فَإِنَّهُ يُثَاب على فعله أَيْضا قَالَ ابْن عبد السَّلَام وَفِي إثابته على الْقِرَاءَة إِذا كَانَ جنبا نظر اه وَالظَّاهِر عدم الإثابة القَوْل فِي تَعْرِيف الْحَدث لُغَة وَشرعا وَالْحَدَث لُغَة هُوَ الشَّيْء الْحَادِث وَاصْطِلَاحا أَمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمْنَع من صِحَة الصَّلَاة حَيْثُ لَا مرخص وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة معنى ينزل منزلَة المحسوس وَلذَلِك يُقَال بتبعيضه وارتفاعه عَن كل عُضْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 (و) طَهَارَة (النَّجس) الَّذِي لَا يُعْفَى عَنهُ فِي ثَوْبه أَو بدنه حَتَّى دَاخل أَنفه أَو فَمه أَو عينه أَو أُذُنه أَو مَكَانَهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَلَا تصح صلَاته مَعَ شَيْء من ذَلِك وَلَو مَعَ جَهله بِوُجُودِهِ أَو بِكَوْنِهِ مُبْطلًا لقَوْله تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَإِنَّمَا جعل دَاخل الْأنف والفم هُنَا كظاهرهما بِخِلَاف غسل الْجَنَابَة لغلظ أَمر النَّجَاسَة بِدَلِيل أَنه لَو وَقعت نَجَاسَة فِي عينه وَجب غسلهَا وَلَا يجب غسلهَا فِي الطَّهَارَة فَلَو أكل متنجسا لم تصح صلَاته مَا لم يغسل فَمه وَلَو رَأينَا فِي ثوب من يُرِيد الصَّلَاة نَجَاسَة لَا يعلم بهَا لزمنا إِعْلَامه لِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يتَوَقَّف على الْعِصْيَان قَالَه ابْن عبد السَّلَام كَمَا لَو رَأينَا صَبيا يَزْنِي بصبية فَإِنَّهُ يجب علينا منعهما وَإِن لم يكن عصيان واستثني من الْمَكَان مَا لَو كثر زرق الطُّيُور فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ للْمَشَقَّة فِي الِاحْتِرَاز عَنهُ وَقيد فِي الْمطلب الْعَفو بِمَا إِذا لم يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ قيد مُتَعَيّن وَزَاد غَيره أَن لَا يكون رطبا أَو رجله مبلولة تَنْبِيه لَو تنجس ثَوْبه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَلم يجد مَاء يغسلهُ بِهِ وَجب قطع موضعهَا إِن لم تنقص قِيمَته بِالْقطعِ أَكثر من أُجْرَة ثوب يُصَلِّي فِيهِ لَو اكتراه هَذَا مَا قَالَه الشَّيْخَانِ تبعا للمتولي وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من ذَلِك وَمن ثمن المَاء لَو اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَة غسله عِنْد الْحَاجة لِأَن كلا مِنْهُمَا لَو انْفَرد وَجب تَحْصِيله انْتهى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَقيد الشَّيْخَانِ أَيْضا وجوب الْقطع بِحُصُول ستر الْعَوْرَة بالطاهر قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلم يذكرهُ الْمُتَوَلِي وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِقَيْد بِنَاء على أَن من وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة لزمَه ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح اه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر القَوْل فِي الِاجْتِهَاد عِنْد اشْتِبَاه الطَّاهِر بِالْجِنْسِ وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ طَاهِر ونجس من ثَوْبَيْنِ أَو بَيْتَيْنِ اجْتهد فيهمَا للصَّلَاة وَصلى فِيمَا ظَنّه الطَّاهِر من الثَّوْبَيْنِ أَو الْبَيْتَيْنِ فَإِذا صلى بِالِاجْتِهَادِ ثمَّ حضرت صَلَاة أُخْرَى لم يجب تَجْدِيد الِاجْتِهَاد فَإِن قيل إِن ذَلِك يشكل بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمِيَاه فَإِنَّهُ يجْتَهد فِيهَا لكل فرض أُجِيب بِأَن بَقَاء الثَّوْب أَو الْمَكَان كبقاء الطَّهَارَة فَلَو اجْتهد فَتغير ظَنّه عمل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فَيصَلي فِي الآخر من غير إِعَادَة كَمَا لَا يجب إِعَادَة الأولى إِذْ لَا يلْزم من ذَلِك نقض اجْتِهَاد بِاجْتِهَاد بِخِلَاف الْمِيَاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَلَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صحت الصَّلَاة فيهمَا وَلَو جَمعهمَا عَلَيْهِ وَلَو اجْتهد فِي الثَّوْبَيْنِ أَو الْبَيْتَيْنِ فَلم يظْهر لَهُ شَيْء صلى عَارِيا أَو فِي أحد الْبَيْتَيْنِ لحُرْمَة الْوَقْت وَأعَاد لتَقْصِيره بِعَدَمِ إِدْرَاك الْعَلامَة وَلِأَن مَعَه ثوبا فِي الأولى ومكانا فِي الثَّانِيَة طَاهِرا بِيَقِين وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ إمامان يُرِيد الِاقْتِدَاء بِأَحَدِهِمَا اجْتهد فيهمَا وَعمل بِاجْتِهَادِهِ فَإِن صلى خلف وَاحِد ثمَّ تغير ظَنّه إِلَى الآخر صلى خَلفه وَلَا يُعِيد الأولى كَمَا لَو صلى بِاجْتِهَاد إِلَى الْقبْلَة ثمَّ تغير ظَنّه إِلَى جِهَة أُخْرَى فَإِن تحير صلى مُنْفَردا وَلَو تنجس بعض ثوب أَو بدن أَو مَكَان ضيق وَجَهل ذَلِك الْبَعْض وَجب غسل كُله لتصح الصَّلَاة فِيهِ فَإِن كَانَ الْمَكَان وَاسِعًا لم يجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِيهِ فَلهُ أَن يُصَلِّي فِيهِ بِلَا اجْتِهَاد وسكتوا عَن ضبط الْوَاسِع والضيق وَالْأَحْسَن فِي ضبط ذَلِك الْعرف وَلَو غسل بعض نجس كَثوب ثمَّ غسل بَاقِيه فَإِن غسل مَعَه جزاءا من مجاوره طهر كُله وَإِلَّا فَغير المجاور يطهر والمجاور تجس القَوْل فِي حكم من صلى وَهُوَ قَابض حبلا مُتَّصِلا بِنَجس وَلَا تصح صَلَاة نَحْو قَابض طرف شَيْء كحبل مُتَّصِل بِنَجس وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته وَلَا يضر جعل طرفه تَحت رجله وَلَا نجس يحاذيه القَوْل فِي من وصل عظمه بِنَجس وَلَو وصل عظمه لحَاجَة بِنَجس من عظم لَا يصلح للوصل غَيره عذر فِي ذَلِك فَتَصِح صلَاته مَعَه وَلَا يلْزمه نَزعه إِذا وجد الطَّاهِر كَمَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا فَإِن لم يحْتَج لوصله أَو وجد صَالحا غَيره من غير الْآدَمِيّ وَجب عَلَيْهِ نَزعه إِن أَمن من نَزعه ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم وَلم يمت وَمثل الْوَصْل بالعظم فِيمَا ذكر الوشم فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور وعفي عَن مَحل استجماره فِي الصَّلَاة وَلَو عرق مَا لم يُجَاوز الصفحة والحشفة فِي حَقه لَا فِي غَيره ويعفى عَمَّا عسر الِاحْتِرَاز عَنهُ غَالِبا من طين شَارِع نجس يَقِينا لعسر تجنبه وَيخْتَلف المعفو عَنهُ وقتا ومحلا من ثوب وبدن وَعَن دم نَحْو براغيث ودمامل كقمل وَعَن دم فصد وحجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بمحلهما وَعَن رَوْث ذُبَاب وَإِن كثر مَا ذكر وَلَو بانتشار عرق لعُمُوم الْبلوى بذلك لَا إِن كثر بِفِعْلِهِ فَإِن كثر بِفِعْلِهِ كَأَن قتل براغيث أَو عصر الدَّم لم يعف عَن الْكثير عرفا كَمَا هُوَ حَاصِل كَلَام الرَّافِعِيّ وَالْمَجْمُوع وَعَن قَلِيل دم أَجْنَبِي لَا عَن قَلِيل دم نَحْو كلب لغلظه وكالدم فِيمَا ذكر قيح وصديد وَمَاء قُرُوح ومتنفط لَهُ ريح وَلَو صلى بِنَجس غير مَعْفُو عَنهُ لم يُعلمهُ أَو علمه ثمَّ نسي فصلى ثمَّ تذكر وَجَبت الْإِعَادَة وَيجب إِعَادَة كل صَلَاة تَيَقّن فعلهَا مَعَ النَّجس بِخِلَاف مَا احْتمل حُدُوثه بعْدهَا القَوْل فِي الْكَلَام على ستر الْعَوْرَة وبيانها (و) الثَّانِي (ستر الْعَوْرَة) عَن الْعُيُون وَلَو كَانَ خَالِيا فِي ظلمَة عِنْد الْقُدْرَة لقَوْله تَعَالَى {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ ابْن عَبَّاس المُرَاد بِهِ الثِّيَاب فِي الصَّلَاة فَلَو عجز وَجب أَن يُصَلِّي عَارِيا وَيتم رُكُوعه وَسُجُوده وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَيجب ستر الْعَوْرَة فِي غير الصَّلَاة أَيْضا وَلَو فِي الْخلْوَة إِلَّا لحَاجَة كاغتسال وَقَالَ صَاحب الذَّخَائِر يجوز كشف الْعَوْرَة فِي الْخلْوَة لأدنى غَرَض قَالَ وَمن الْأَغْرَاض كشف الْعَوْرَة للتبريد وصيانة الثَّوْب من الأدناس وَالْغُبَار عِنْد كنس الْبَيْت وَغَيره وَإِنَّمَا وَجب السّتْر فِي الْخلْوَة لإِطْلَاق الْأَمر بالستر وَلِأَن الله تَعَالَى أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ وَلَا يجب ستر عَوْرَته عَن نَفسه بل يكره نظره إِلَيْهَا من غير حَاجَة القَوْل فِي عَورَة الرجل وعورة الرجل مَا بَين سرته وركبته لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَإِذا زوج أحدكُم أمته عَبده أَو أجيره فَلَا تنظر أَي الْأمة إِلَى عَوْرَته والعورة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَمثل الذّكر من بهَا رق بِجَامِع أَن رَأس كل مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَة وَخرج بذلك السُّرَّة وَالركبَة فليسا من الْعَوْرَة على الْأَصَح فَائِدَة السُّرَّة مَوضِع الَّذِي يقطع من الْمَوْلُود والسر مَا يقطع من سرته وَلَا يُقَال لَهُ سرة لِأَن السُّرَّة لَا تقطع وَالركبَة موصل مَا بَين أَطْرَاف الْفَخْذ وأعالي السَّاق وكل حَيَوَان ذِي أَربع ركبتاه فِي يَدَيْهِ وعرقوباه فِي رجلَيْهِ القَوْل فِي عَورَة الْحرَّة وعورة الْحرَّة غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ظهرا وبطنا إِلَى الكوعين لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَهُوَ مُفَسّر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِنَّمَا لم يَكُونَا عَورَة لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ابرازهما وَالْخُنْثَى كالأنثى رقا وحرية فَإِن اقْتصر الْخُنْثَى الْحر على ستر مَا بَين سرته وركبته لم تصح صلَاته على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة والأفقه فِي الْمَجْمُوع للشَّكّ فِي السّتْر وَصحح فِي التَّحْقِيق الصِّحَّة وَنقل فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء عَن الْبَغَوِيّ وَكثير الْقطع بِهِ للشَّكّ فِي عَوْرَته قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه وَيُمكن الْجمع بَين العبارتين بِأَن يُقَال إِن دخل فِي الصَّلَاة مُقْتَصرا على ذَلِك لم تصح صلَاته للشَّكّ فِي الِانْعِقَاد وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 دخل مَسْتُورا كَالْحرَّةِ وانكشف شَيْء من غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة لم يضر للشَّكّ فِي الْبطلَان نَظِير مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَة إِن الْعدَد لَو كمل بخنثى لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة للشَّكّ فِي الِانْعِقَاد وَإِن انْعَقَدت الْجُمُعَة بِالْعدَدِ الْمُعْتَبر وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِد عَلَيْهِ ثمَّ بطلت صَلَاة وَاحِد مِنْهُم وكمل الْعدَد بالخنثى لم تبطل الصَّلَاة لأننا تَيَقنا الِانْعِقَاد وشككنا فِي الْبطلَان وَهَذَا فتوح من الْعَزِيز الرَّحِيم فتح الله على من تَلقاهُ بقلب سليم القَوْل فِي شُرُوط السَّاتِر فِي الصَّلَاة وَشرط السَّاتِر جرم يمْنَع إِدْرَاك لون الْبشرَة لَا حجمها وَلَو بطين وَنَحْو مَاء كدر كَمَاء صَاف متراكم بخضرة وَيجب التطيين على فَاقِد الثَّوْب وَنَحْوه وَلَو لمن هُوَ خَارج الصَّلَاة خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين وَيجب ستر الْعَوْرَة من أَعْلَاهَا وجوانبها لَا من أَسْفَلهَا وَلَو كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَة فَلَو رؤيت عَوْرَته من جيبه أَي طوق قَمِيصه لسعته فِي رُكُوعه أَو غَيره ضرّ وَله ستر بَعْضهَا بِيَدِهِ لحُصُول الْمَقْصُود من السّتْر فَإِن وجد من الستْرَة مَا يَكْفِي قبله وَدبره تعين لَهما للاتفاق على أَنَّهُمَا عَورَة وَلِأَنَّهُمَا أفحش من غَيرهمَا فَإِن لم يجد مَا يكفيهما قدم قبله وجوبا لِأَنَّهُ مُتَوَجّه بِهِ للْقبْلَة وَبدل الْقبْلَة كالقبلة كَمَا لَو صلى صوب مقْصده وَيسْتر الْخُنْثَى قبليه فَإِن كفى لأَحَدهمَا تخير وَالْأولَى لَهُ ستر آلَة الرجل إِن كَانَ هُنَاكَ امْرَأَة وَآلَة النِّسَاء إِن كَانَ هُنَاكَ رجل تَنْبِيه لَو وجد الرجل ثوب حَرِير فَقَط لزمَه السّتْر بِهِ وَلَا يلْزمه قطع مَا زَاد من على الْعَوْرَة وَيقدم على الْمُتَنَجس للصَّلَاة وَيقدم الْمُتَنَجس عَلَيْهِ فِي غَيرهَا مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى طَهَارَة الثَّوْب وَلَو صلت أمة مكشوفة الرَّأْس فعتقت فِي صلَاتهَا وَوجدت ستْرَة وَجب عَلَيْهَا أَن تستر رَأسهَا بهَا فَإِن لم تَجِد مَا تستر بِهِ رَأسهَا بنت على صلَاتهَا وَيسن للرجل أَن يلبس للصَّلَاة أحسن ثِيَابه وَأَن يُصَلِّي فِي ثَوْبَيْنِ لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} والثوبان أهم الزِّينَة وَلخَبَر إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه فَإِن الله تَعَالَى أَحَق أَن يتزين لَهُ وَيكرهُ أَن يُصَلِّي فِي ثوب فِيهِ صُورَة وَأَن يُصَلِّي الرجل متلثما وَالْمَرْأَة منتقبة إِلَّا أَن تكون فِي مَكَان وَهُنَاكَ أجانب لَا يحترزون عَن النّظر إِلَيْهَا فَلَا يجوز لَهَا رفع النقاب وَيجب أَن يكون السّتْر (بلباس طَاهِر) حَيْثُ قدر عَلَيْهِ القَوْل فِي من عجز عَن الثَّوْب للستر فَإِن عجز عَنهُ أَو وجده متنجسا وَعجز عَمَّا يطهره بِهِ أَو حبس فِي مَكَان نجس وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا ثوب لَا يَكْفِيهِ للعورة وللمكان صلى عَارِيا فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا قدر وَلَو وجد ثوبا لغيره حرم عَلَيْهِ لبسه وَأَخذه مِنْهُ قهرا وَلَا يلْزمه قبُول هِبته للمنة على الْأَصَح بل يُصَلِّي عَارِيا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَو أَعَارَهُ لَهُ لزمَه قبُوله لضعف الْمِنَّة فَإِن لم يقبل لم تصح صلَاته لقدرته على الستْرَة وَلَو بَاعه إِيَّاه أَو آجره فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّم القَوْل فِي الْوُقُوف على مَكَان طَاهِر (و) الثَّالِث (الْوُقُوف على مَكَان طَاهِر) فَلَا تصح صَلَاة شخص يلاقي بعض بدنه أَو لِبَاسه نَجَاسَة فِي قيام أَو قعُود أَو رُكُوع أَو سُجُود القَوْل فِي الْعلم بِدُخُول الْوَقْت ومراتبه (و) الرَّابِع (الْعلم بِدُخُول الْوَقْت) الْمَحْدُود شرعا فَإِن جَهله لعَارض كغيم أَو حبس فِي مَوضِع مظلم وَعدم ثِقَة يُخبرهُ عَن علم اجْتهد جَوَازًا إِن قدر على الْيَقِين بِالصبرِ أَو الْخُرُوج ورؤية الشَّمْس مثلا وَإِلَّا فوجوبا بورد من قُرْآن ودرس ومطالعة وَصَلَاة وَنَحْو ذَلِك كخياطة وَصَوت ديك مجرب وَسَوَاء الْبَصِير وَالْأَعْمَى وَعمل على الْأَغْلَب فِي ظَنّه وَإِن قدر على الْيَقِين بِالصبرِ أَو غَيره كالخروج لرؤية الْفجْر وللأعمى كالبصير الْعَاجِز تَقْلِيد مُجْتَهد لعَجزه فِي الْجُمْلَة أما إِذا أخبرهُ ثِقَة من رجل أَو امْرَأَة وَلَو رَقِيقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بِدُخُولِهِ عَن علم أَي مُشَاهدَة كَأَن قَالَ رَأَيْت الْفجْر طالعا أَو الشَّفق غاربا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بقوله إِن لم يُمكنهُ الْعلم بِنَفسِهِ وَجَاز إِن أمكنه وَفِي الْقبْلَة لَا يعْتَمد الْمخبر عَن علم إِلَّا إِذا تعذر علمه وَفرق بَينهمَا بِتَكَرُّر الْأَوْقَات فيعسر الْعلم بِكُل وَقت بِخِلَاف الْقبْلَة فَإِنَّهُ إِذا علم عينهَا مرّة اكْتفى بهَا مَا دَامَ مُقيما بمحله فَلَا عسر وَلَا يجوز لَهُ أَن يُقَلّد من أخبرهُ عَن اجْتِهَاد لِأَن الْمُجْتَهد لَا يُقَلّد مُجْتَهدا حَتَّى لَو أخبرهُ عَن اجْتِهَاد أَن صلَاته وَقعت قبل الْوَقْت لم يلْزمه إِعَادَتهَا وَهل يجوز للبصير تَقْلِيد الْمُؤَذّن الثِّقَة الْعَارِف أَو لَا قَالَ الرَّافِعِيّ يجوز فِي الصحو دون الْغَيْم لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهد وَهُوَ لَا يُقَلّد مُجْتَهدا وَفِي الصحو مخبر عَن عيان وَصحح النَّوَوِيّ جَوَاز تَقْلِيده فِيهِ أَيْضا وَنَقله عَن النَّص فَإِنَّهُ لَا يُؤذن فِي الْعَادة إِلَّا فِي الْوَقْت فَلَا يتقاعد عَن الديك المجرب قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَلَعَلَّه إِجْمَاع الْمُسلمين وَلَو كثر المؤذنون وَغلب على الظَّن إصابتهم جَازَ اعتمادهم مُطلقًا بِلَا خلاف وَلَو صلى بِلَا اجْتِهَاد أعَاد مُطلقًا لتَركه الْوَاجِب وعَلى الْمُجْتَهد التَّأْخِير حَتَّى يغلب على ظَنّه دُخُول الْوَقْت وتأخيره إِلَى خوف الْفَوات أفضل وَيعْمل المنجم بِحِسَابِهِ جَوَازًا وَلَا يقلده غَيره على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَغَيره والحاسب وَهُوَ من يعْتَمد منَازِل النُّجُوم وَتَقْدِير سَيرهَا فِي معنى المنجم وَهُوَ من يرى أَن أول الْوَقْت طُلُوع النَّجْم الْفُلَانِيّ كَمَا يُؤْخَذ من نَظِيره فِي الصَّوْم القَوْل فِي الْقبْلَة ومراتها (وَفِي) الْخَامِس (اسْتِقْبَال الْقبْلَة) بالصدر لَا بِالْوَجْهِ لقَوْله تَعَالَى {فول وَجهك شطر} أَي نَحْو {الْمَسْجِد الْحَرَام} والاستقبال لَا يجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين أَن يكون فِيهَا وَقد ورد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمسيء صلَاته وَهُوَ خَلاد بن رَافع الزرقي الْأنْصَارِيّ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركع رَكْعَتَيْنِ قبل الْكَعْبَة أَي وَجههَا وَقَالَ هَذِه الْقبْلَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهِ إِجْمَاعًا وَالْفَرْض فِي الْقبْلَة إِصَابَة الْعين فِي الْقرب يَقِينا وَفِي الْبعد ظنا فَلَا تَكْفِي إِصَابَة الْجِهَة لهَذِهِ الْأَدِلَّة فَلَو خرج عَن محاذاة الْكَعْبَة بِبَعْض بدنه بِأَن وقف بطرفها وَخرج عَنهُ بِبَعْضِه بطلت صلَاته وَلَو امْتَدَّ صف طَوِيل بِقرب الْكَعْبَة وَخرج بَعضهم عَن الْمُحَاذَاة بطلت صلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبلا لَهَا وَلَا شكّ أَنهم إِذا بعدوا عَنْهَا حاذوها وَصحت صلَاتهم وَإِن طَال الصَّفّ لِأَن صَغِير الحجم كلما زَاد بعده زَادَت محاذاته كغرض الرُّمَاة وَاسْتشْكل بِأَن ذَلِك إِنَّمَا يحصل مَعَ الانحراف وَلَو اسْتقْبل الرُّكْن صَحَّ كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبل للْبِنَاء المجاور للركن وَإِن كَانَ بعض بدنه خَارِجا عَن الرُّكْن من الْجَانِبَيْنِ بِخِلَاف مَا لَو اسْتقْبل الْحجر بِكَسْر الْحَاء فَقَط فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي لِأَن كَونه من الْبَيْت مظنون لَا مَقْطُوع بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَبت بالآحاد تَنْبِيه أسقط المُصَنّف شرطا سادسا وَهُوَ الْعلم بكيفية الصَّلَاة بِأَن يعلم فرضيتها ويميز فَرضهَا من سننها نعم إِن اعتقدها كلهَا فرضا أَو بَعْضهَا وَلم يُمَيّز وَكَانَ عاميا وَلم يقْصد فرضا بنفل صحت القَوْل فِي الصَّلَاة الَّتِي يجوز ترك الْقبْلَة فِيهَا (وَيجوز) للْمُصَلِّي (ترك) اسْتِقْبَال (الْقبْلَة فِي حالتين) الْحَالة الأولى (فِي) صَلَاة (شدَّة الْخَوْف) فِيمَا يُبَاح من قتال أَو غَيره فرضا كَانَت أَو نفلا فَلَيْسَ التَّوَجُّه بِشَرْط فِيهَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ فرجالا أَو ركبانا} قَالَ ابْن عمر مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير قَالَ فِي الْكِفَايَة نعم إِن قدر أَن يُصَلِّي قَائِما إِلَى غير الْقبْلَة وراكبا إِلَى الْقبْلَة وَجب الِاسْتِقْبَال رَاكِبًا لِأَنَّهُ آكِد من الْقيم لِأَن الْقيام يسْقط فِي النَّافِلَة بِغَيْر عذر بِخِلَاف الِاسْتِقْبَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 (و) الْحَالة الثَّانِيَة فِي (النَّافِلَة فِي السّفر) الْمُبَاح لقاصد مَحل معِين لِأَن النَّفْل يتوسع فِيهِ كجوازه قَاعِدا للقادر فللمسافر الْمَذْكُور التَّنَفُّل مَاشِيا وَكَذَا (على الرَّاحِلَة) لحَدِيث جَابر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ أَي فِي جِهَة مقْصده فَإِذا أَرَادَ الْفَرِيضَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَجَاز للماشي قِيَاسا على الرَّاكِب بل أولى وَالْحكمَة فِي التَّخْفِيف فِي ذَلِك على الْمُسَافِر أَن النَّاس محتاجون إِلَى الْأَسْفَار فَلَو شَرط فِيهَا الِاسْتِقْبَال للنفل لَأَدَّى إِلَى ترك أورادهم أَو مصَالح مَعَايشهمْ فَخرج بذلك النَّفْل فِي الْحَضَر فَلَا يجوز وَإِن احْتِيجَ للتردد كَمَا فِي السّفر لعدم وُرُوده تَنْبِيه يشْتَرط فِي حق الْمُسَافِر تِلْكَ الْأَفْعَال الْكَثِيرَة من غير عذر كالركض والعدو وَلَا يشْتَرط طول سَفَره لعُمُوم الْحَاجة قِيَاسا على ترك الْجُمُعَة وَالسّفر الْقصير قَالَ القَاضِي وَالْبَغوِيّ مثل أَن يخرج إِلَى مَكَان لَا تلْزمهُ فِيهِ الْجُمُعَة لعدم سَماع النداء وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغَيره مثل أَن يخرج إِلَى ضَيْعَة مسيرتها ميل أَو نَحوه وهما متقاربان فَإِن سهل توجه رَاكب غير ملاح بمرقد كهودج وسفينة فِي جَمِيع صلَاته وإتمام الْأَركان كلهَا أَو بَعْضهَا لزمَه ذَلِك لتيسيره عَلَيْهِ فَإِن لم يسهل ذَلِك لم يلْزمه إِلَّا توجه فِي تحرمه إِن سهل بِأَن تكون الدَّابَّة واقفة وَأمكن انحرافه عَلَيْهَا أَو تحريفها أَو سائرة وَبِيَدِهِ زمامها وَهِي سهلة فَإِن لم يسهل ذَلِك بِأَن تكون صعبة أَو مقطورة وَلم يُمكنهُ انحرافه عَلَيْهَا وَلَا تحريفها لم يلْزمه تَحْرِيف للْمَشَقَّة واختلال أَمر السّير عَلَيْهِ أما ملاح السَّفِينَة وَهُوَ مسيرها فَلَا يلْزمه توجه لِأَن تَكْلِيفه ذَلِك يقطعهُ عَن النَّفْل أَو عمله وَلَا ينحرف عَن صوب طَرِيقه إِلَّا إِلَى الْقبْلَة لِأَنَّهَا الأَصْل فَإِن انحرف إِلَى غَيرهَا عَالما مُخْتَارًا بطلت صلَاته وَكَذَا النسْيَان أَو خطأ طَرِيق أَو جماع دَابَّة إِن طَال الزَّمن وَإِلَّا فَلَا وَلَكِن يسن أَن يسْجد للسَّهْو لِأَن عمد ذَلِك يبطل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَفِي ذَلِك خلاف فِي كَلَام الشَّيْخَيْنِ ويكفيه إِيمَاء فِي رُكُوعه وَسُجُوده وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه لِلِاتِّبَاعِ والماشي يتم رُكُوعه وَسُجُوده وَيتَوَجَّهُ فيهمَا وَفِي تحرمه وجلوسه بَين سجدتيه وَلَو صلى فرضا عينيا أَو غَيره على دَابَّة واقفة وَتوجه للْقبْلَة وَأتم الْفَرْض جَازَ وَإِن لم تكن معقولة وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَن سير الدَّابَّة مَنْسُوب إِلَيْهِ القَوْل فِي مَرَاتِب الْقبْلَة وَتعلم أدلتها وَمن صلى فِي الْكَعْبَة فرضا أَو نفلا أَو على سطحها وَتوجه شاخصا مِنْهَا كعتبتها ثُلثي ذِرَاع تَقْرِيبًا جَازَ مَا صلاه وَمن أمكنه علم الْقبْلَة وَلَا حَائِل بَينه وَبَينهَا لم يعْمل بِغَيْرِهِ فَإِن لم يُمكنهُ اعْتمد ثِقَة يُخبرهُ عَن علم كَقَوْلِه أَنا أشاهد الْكَعْبَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يجْتَهد مَعَ وجود إخْبَاره وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَة محاريب الْمُسلمين بِبَلَد كَبِير أَو صَغِير يكثر طارقوه فَإِن فقد الثِّقَة الْمَذْكُور وَأمكنهُ اجْتِهَاد اجْتهد لكل فرض إِن لم يذكر الدَّلِيل الأول فَإِن ضَاقَ الْوَقْت عَن الِاجْتِهَاد أَو تحير صلى إِلَى أَي جِهَة شَاءَ وَأعَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وجوبا فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد وَلم يُمكنهُ تعلم كأعمى الْبَصَر أَو البصيرة قلد ثِقَة عَارِفًا بأدلتها وَمن أمكنه تعلم أدلتها لزمَه تعلمهَا وتعلمها فرض عين لسفر فَإِن ضَاقَ الْوَقْت عَن تعلمهَا صلى كَيفَ كَانَ وَأعَاد وجوبا وَفرض كِفَايَة لحضر وَقيد السُّبْكِيّ السّفر بِمَا يقل فِيهِ الْعَارِف بالأدلة فَإِن كثر كركب الْحَاج فكالحضر وَمن صلى بِاجْتِهَاد فتيقن خطأ معينا أعَاد صلَاته وجوبا فَإِن تيقنه فِيهَا استأنفها وَإِن تغير اجْتِهَاده ثَانِيًا عمل بِالثَّانِي وجوبا إِن ترجح سَوَاء أَكَانَ فِي الصَّلَاة أم لَا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لما فعله بِالْأولِ حَتَّى لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 صلى أَربع رَكْعَات لأَرْبَع جِهَات بِالِاجْتِهَادِ أَربع مَرَّات فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَن كل رَكْعَة مُؤَدَّاة بِاجْتِهَاد وَلم يتَعَيَّن فِيهَا الْخَطَأ فَإِن اسْتَويَا وَلم يكن فِي صَلَاة تخير بَينهمَا إِذْ لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر وَإِن كَانَ فِيهَا عمل بِالْأولِ وجوبا كَمَا نَقله فِي أصل الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ وَفَارق حكم التَّسَاوِي قبلهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتزم بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَة فَلَا يتَحَوَّل إِلَّا بأرجح وَشرط الْعَمَل الثَّانِي فِي الصَّلَاة أَن يظنّ الصَّوَاب مُقَارنًا لظُهُور الْخَطَأ فَإِن لم يَظُنّهُ مُقَارنًا بطلت صلَاته وَإِن قدر على الصَّوَاب عَن قرب لمضي جُزْء من صلَاته إِلَى غير قبْلَة وَلَا يجْتَهد فِي محاريب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِهَة وَلَا يمنة وَلَا يسرة وَلَا فِي محاريب الْمُسلمين جِهَة فصل فِي أَرْكَان الصَّلَاة وسننها وهيئاتها وَتقدم معنى الرُّكْن لُغَة وَاصْطِلَاحا وَالْفرق بَين الرُّكْن وَالشّرط (وأركان الصَّلَاة ثَمَانِيَة عشر ركنا) وَهَذَا مَا فِي التَّنْبِيه فَجعل الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع والاعتدال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّة الْخُرُوج أركانا وَفِي بعض النّسخ سَبْعَة عشر وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَة وَالتَّحْقِيق لِأَن الْأَصَح أَن نِيَّة الْخُرُوج لَا تجب وَجعلهَا فِي الْمِنْهَاج ثَلَاثَة عشر كَمَا فِي الْمُحَرر بِجعْل الطُّمَأْنِينَة كالهيئة التابعة وَجعلهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَة عشر فَزَاد الطُّمَأْنِينَة إِلَّا أَنه جعلهَا فِي الْأَركان الْأَرْبَعَة ركنا وَاحِدًا وَالْخلف بَينهم لَفْظِي فَمن لم يعد الطُّمَأْنِينَة ركنا جعلهَا فِي كل ركن كالجزء مِنْهُ وكالهيئة التابعة لَهُ وَيُؤَيِّدهُ كَلَامهم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 التَّقَدُّم والتأخر بِرُكْن أَو أَكثر وَبِه يشْعر خبر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة الْآتِي وَمن عدهَا أركانا فَذَاك لاستقلالها وَصدق اسْم السُّجُود وَنَحْوه بِدُونِهَا وَجعلت أركانا لتغايرها باخْتلَاف محلهَا وَمن جعلهَا ركنا وَاحِدًا فلكونها جِنْسا وَاحِدًا كَمَا عدوا السَّجْدَتَيْنِ ركنا لذَلِك الأول (النِّيَّة) لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي بعض الصَّلَاة وَهُوَ أَولهَا لَا فِي جَمِيعهَا فَكَانَت ركنا كالتكبير وَالرُّكُوع وَقيل هِيَ شَرط لِأَنَّهَا عبارَة عَن قصد فعل الصَّلَاة فَتكون خَارج الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ بِالشّرطِ أشبه وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالْإِخْلَاص فِي كَلَامهم النِّيَّة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى وأجمعت الْأمة على اعْتِبَار النِّيَّة فِي الصَّلَاة وَبَدَأَ بهَا لِأَن الصَّلَاة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بهَا فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي فرضا وَلَو نذرا أَو قَضَاء أَو كِفَايَة وَجب قصد فعلهَا لتتميز عَن سَائِر الْأَفْعَال وتعيينها لتتميز عَن سَائِر الصَّلَوَات وَتجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة لتتميز عَن النَّفْل وَلَا تجب فِي صَلَاة الصَّبِي كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَن صلَاته تقع نفلا فَكيف يَنْوِي الْفَرْضِيَّة وَلَا تجب الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الْعِبَادَة لَا تكون إِلَّا لَهُ تَعَالَى وتستحب ليتَحَقَّق معنى الْإِخْلَاص وتستحب نِيَّة اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَعدد الرَّكْعَات وَلَو غير الْعدَد كَأَن نوى الظّهْر ثَلَاثًا أَو خمْسا لم تَنْعَقِد وَتَصِح نِيَّة الْأَدَاء بنية الْقَضَاء وَعَكسه عِنْد جهل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه كَأَن ظن خُرُوج الْوَقْت فَصلاهَا قَضَاء فَبَان وقته أَو ظن بَقَاء الْوَقْت فَصلاهَا أَدَاء فَبَان خُرُوجه لاستعمال كل بِمَعْنى الآخر تَقول قضيت الدّين وأديته بِمَعْنى وَاحِد قَالَ تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} أَي أديتم أما إِذا فعل ذَلِك عَالما فَلَا تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن تصريحهم نعم إِن قصد بذلك الْمَعْنى اللّغَوِيّ لم يضرّهُ كَمَا قَالَه فِي الْأَنْوَار وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للْوَقْت فَلَو عين الْيَوْم وَأَخْطَأ لم يضر كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام أصل الرَّوْضَة وَمن عَلَيْهِ فوائت لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي ظهر يَوْم كَذَا بل يَكْفِيهِ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَالنَّفْل ذُو الْوَقْت أَو ذُو السَّبَب كالفرض فِي اشْتِرَاط قصد فعل الصَّلَاة وتعيينها كَصَلَاة الْكُسُوف وراتبة الْعشَاء قَالَ فِي الْمَجْمُوع وكسنة الظّهْر الَّتِي قبلهَا أَو الَّتِي بعْدهَا وَالْوتر صَلَاة مُسْتَقلَّة فَلَا يُضَاف إِلَى الْعشَاء فَإِن أوتر بِوَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ ووصلى نوى الْوتر وَإِن فصل نوى بالواحدة الْوتر وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل أَو مُقَدّمَة الْوتر وسنته وَهِي أولى أَو رَكْعَتَيْنِ من الْوتر على الْأَصَح هَذَا إِذا نوى عددا فَإِن قَالَ أُصَلِّي الْوتر وَأطلق صَحَّ وَيحمل على مَا يُريدهُ من رَكْعَة إِلَى إِحْدَى عشرَة وترا وَلَا تشْتَرط نِيَّة النفلية وَيَكْفِي فِي النَّفْل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب نِيَّة فعل الصَّلَاة وَالنِّيَّة بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا الْقَصْد فَلَا يَكْفِي النُّطْق مَعَ غَفلَة الْقلب بِالْإِجْمَاع وَفِي سَائِر الْأَبْوَاب كَذَلِك وَلَا يضر النُّطْق بِخِلَاف مَا فِي الْقلب كَأَن قصد الصُّبْح وَسبق لِسَانه إِلَى الظّهْر وَينْدب النُّطْق بالمنوي قبيل التَّكْبِير ليساعد اللِّسَان الْقلب وَلِأَنَّهُ أبعد عَن الوسواس وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِمَشِيئَة الله لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو أطلق لم يَصح للمنافاة (فَائِدَة) لَو قَالَ شخص لآخر صل فرضك وَلَك عَليّ دِينَار فصلى بِهَذِهِ النِّيَّة لم يسْتَحق الدِّينَار وأجزأته صلَاته وَلَو نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم صحت صلَاته لِأَن دَفعه حَاصِل وَإِن لم يُنَوّه بِخِلَاف مَا لَو نوى بِصَلَاتِهِ فرضا ونفلا غير تَحِيَّة وَسنة وضوء لتشريكه بَين عبادتين لَا تندرج إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَلَو قَالَ أُصَلِّي لثواب الله تَعَالَى أَو للهرب من عِقَابه صحت صلَاته خلافًا للفخر الرَّازِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (و) الثَّانِي من أَرْكَان الصَّلَاة (الْقيام) فِي الْفَرْض (مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ وَلَو بِمعين بِأُجْرَة فاضلة عَن مُؤْنَته وَمؤنَة ممونه يَوْمه وَلَيْلَته فَيجب حَالَة الْإِحْرَام بِهِ لخَبر البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى جنب زَاد النَّسَائِيّ فَإِن لم تستطع فمستلقيا لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا وأجمعت الْأمة على ذَلِك وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل وبالقادر الْعَاجِز وَقد يفهم من ذَلِك صِحَة صَلَاة الصَّبِي الْفَرْض قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَالأَصَح كَمَا فِي الْبَحْر خِلَافه وَمثل صَلَاة الصَّبِي الصَّلَاة الْمُعَادَة وَاسْتثنى بَعضهم من ذَلِك مسَائِل الأولى مَا لَو خَافَ رَاكب السَّفِينَة غرقا أَو دوران رَأس فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَالثَّانيَِة مَا لَو كَانَ بِهِ سَلس بَوْل لَو قَامَ سَالَ بَوْله وَإِن قعد لم يسل فَإِنَّهُ يُصَلِّي من قعُود على الْأَصَح بِلَا إِعَادَة وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ طَبِيب ثِقَة لمن بِعَيْنِه مَاء إِن صليت مُسْتَلْقِيا أمكن مداواتك فَلهُ ترك الْقيام على الْأَصَح وَلَو أمكن الْمَرِيض الْقيام مُنْفَردا بِلَا مشقة وَلم يُمكنهُ ذَلِك فِي جمَاعَة إِلَّا بِأَن يُصَلِّي بَعْضهَا قَاعِدا فَالْأَفْضَل الِانْفِرَاد وَتَصِح مَعَ الْجَمَاعَة وَإِن قعد فِي بَعْضهَا كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الثَّالِثَة مَا لَو كَانَ للغزاة رَقِيب يرقب الْعَدو وَلَو قَامَ لرآه الْعَدو أَو جلس الْغُزَاة فِي مكمن وَلَو قَامُوا لرآهم الْعَدو وَفَسَد تَدْبِير الْحَرْب صلوا قعُودا وَوَجَبَت الْإِعَادَة على الْمَذْهَب لندرة ذَلِك لَا إِن خَافُوا قصد الْعَدو لَهُم فَلَا تلزمهم الْإِعَادَة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَالْفرق بَين مَا هُنَا وَبَين مَا مر أَن الْعذر هُنَا أعظم مِنْهُ ثمَّ وَفِي الْحَقِيقَة لَا اسْتثِْنَاء لِأَن من ذكر عَاجز إِمَّا لضَرُورَة التَّدَاوِي أَو خوف الْغَرق أَو الْخَوْف على الْمُسلمين أَو نَحْو ذَلِك فَإِن قيل لم أخر الْقيام عَن النيه مَعَ أَنه مقدم عَلَيْهَا أُجِيب بِأَنَّهَا ركن فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَهُوَ ركن فِي الْفَرِيضَة فَقَط فَلذَلِك قدمت عَلَيْهِ وَشرط الْقيام نصب ظهر الْمُصَلِّي لِأَن اسْم الْقيام دائر مَعَه فَإِن وقف منحنيا إِلَى قدامه أَو خَلفه أَو مائلا إِلَى يَمِينه أَو يسَاره بِحَيْثُ لَا يُسمى قَائِما لم يَصح قِيَامه لتَركه الْوَاجِب بِلَا عذر والانحناء السالب للاسم أَن يصير إِلَى الرُّكُوع أقرب كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو اسْتندَ إِلَى شَيْء كجدار أَجزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو تحامل عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَو رفع مَا اسْتندَ إِلَيْهِ لسقط لوُجُود اسْم الْقيام وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يرفع قَدَمَيْهِ إِن شَاءَ وَهُوَ مُسْتَند لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يُسمى قَائِما بل مُعَلّق نَفسه فَإِن عجز عَن ذَلِك وَصَارَ كراكع لكبر أَو غَيره وقف وجوبا كَذَلِك لقُرْبه من الانتصاب وَزَاد وجوبا انحناءه لركوعه إِن قدر على الزِّيَادَة ليتميز الركنان وَلَو أمكنه الْقيام مُتكئا على شَيْء أَو الْقيام على رُكْبَتَيْهِ لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ ميسوره وَلَو عجز عَن رُكُوع وَسُجُود دون قيام قَامَ وجوبا وَفعل مَا أمكنه فِي انحنائه لَهما بصلبه فَإِن عجز فبرقبته وَرَأسه فَإِن عجز أَوْمَأ إِلَيْهِمَا أَو عجز عَن قيام بلحوق مشقة شَدِيدَة قعد كَيفَ شَاءَ وافتراشه أفضل من تربعه وَغَيره لِأَنَّهُ قعُود عبَادَة وَيكرهُ الإقعاء فِي قعدات الصَّلَاة بِأَن يجلس الْمُصَلِّي على وركيه ناصبا رُكْبَتَيْهِ للنَّهْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 عَن الإقعاء فِي الصَّلَاة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَمن الإقعاء نوع مسنون بَين السَّجْدَتَيْنِ وَإِن كَانَ الافتراش أفضل مِنْهُ وَهُوَ أَن يضع أَطْرَاف أَصَابِع رجلَيْهِ وَيَضَع أليتيه على عَقِبَيْهِ ثمَّ ينحني الْمُصَلِّي قَاعِدا لركوعه إِن قدر وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تحاذي جَبهته مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ وأكمله أَن تحاذي جَبهته مَحل سُجُوده وركوع الْقَاعِد فِي النَّفْل كَذَلِك فَإِن عجز عَن الْقعُود اضْطجع على جنبه وجوبا لخَبر عمرَان السَّابِق وَسن على الْأَيْمن فَإِن عجز عَن الْجنب اسْتلْقى على ظَهره رَافعا رَأسه بِأَن يرفعهُ قَلِيلا بِشَيْء ليتوجه إِلَى الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ومقدم بدنه إِلَّا أَن يكون فِي الْكَعْبَة وَهِي مسقوفة ويركع وَيسْجد بِقدر إِمْكَانه فَإِن قدر الْمُصَلِّي على الرُّكُوع فَقَط كَرَّرَه للسُّجُود وَمن قدر على زِيَادَة على أكمل الرُّكُوع تعيّنت تِلْكَ الزِّيَادَة للسُّجُود لِأَن الْفرق بَينهمَا وَاجِب على المتمكن وَلَو عجز عَن السُّجُود إِلَّا أَن يسْجد بِمقدم رَأسه أَو صُدْغه وَكَانَ بذلك أقرب إِلَى الأَرْض وَجب فَإِن عجز عَن ذَلِك أَوْمَأ بِرَأْسِهِ وَالسُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن عجز فببصره فَإِن عجز أجْرى أَفعَال الصَّلَاة بسننها على قلبه وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة وعقله ثَابت لوُجُود منَاط التَّكْلِيف وللقادر على الْقيام النَّفْل قَاعِدا سَوَاء الرَّوَاتِب وَغَيرهَا وَمَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيد وَمَا لَا تسن فِيهِ ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وعَلى الْقعُود لحَدِيث البُخَارِيّ من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما أَي مُضْطَجعا فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد وَيلْزمهُ أَن يقْعد للرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِن اسْتلْقى مَعَ إِمْكَان الِاضْطِجَاع لم تصح صلَاته وَمحل نُقْصَان أجر الْقَاعِد والمضطجع عِنْد الْقُدْرَة وَإِلَّا لم ينقص من أجرهما شَيْء وَالثَّالِث من أَرْكَان الصَّلَاة (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) بشروطها وَهِي إيقاعها بعد الانتصاب فِي الْفَرْض باللغة الْعَرَبيَّة للقادر عَلَيْهَا وَلَفظ الْجَلالَة وَلَفظ أكبر وَتَقْدِيم لفظ الْجَلالَة على أكبر وَعدم مد همزَة الْجَلالَة وَعدم مد بَاء أكبر وَعدم تشديدها وَعدم زِيَادَة وَاو سَاكِنة أَو متحركة بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَعدم وَاو قبل الْجَلالَة وَعدم وَقْفَة طَوِيلَة بَين كلمتيه كَمَا قَيده الزَّرْكَشِيّ فِي شرح التَّنْبِيه وَمُقْتَضَاهُ أَن الْيَسِيرَة لَا تضر وَبِه صرح فِي الْحَاوِي الصَّغِير وَأقرهُ عَلَيْهِ ابْن الملقن فِي شَرحه وَأَن يسمع نَفسه جَمِيع حروفها إِن كَانَ صَحِيح السّمع وَلَا مَانع من لغط وَغَيره وَإِلَّا فيرفع صَوته بِقدر مَا يسمعهُ لَو لم يكن أَصمّ وَدخُول وَقت الْفَرْض لتكبيرة الْفَرَائِض وَالنَّفْل الْمُؤَقت وَذي السَّبَب وإيقاعها حَال الِاسْتِقْبَال حَيْثُ شرطناه وتأخيرها عَن تَكْبِيرَة الإِمَام فِي حق الْمُقْتَدِي فَهَذِهِ خَمْسَة عشر شرطا إِن اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَدَلِيل وجوب التَّكْبِير خبر الْمُسِيء صلَاته إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والاتباع مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلَا تضر زِيَادَة لَا تمنع اسْم التَّكْبِير كالله الْأَكْبَر لِأَنَّهَا تدل على زِيَادَة مُبَالغَة فِي التَّعْظِيم وَهُوَ الْإِشْعَار بالتخصيص وَكَذَا الله أكبر وَأجل أَو الله الْجَلِيل الْأَكْبَر وَكَذَا كل صفة من صِفَاته تَعَالَى إِن لم يطلّ بهَا الْفَصْل فَإِن طَال كالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس أكبر ضرّ وَلَو لم يجْزم الرَّاء من أكبر لم يضر خلافًا لما اقْتَضَاهُ كَلَام ابْن يُونُس فِي شرح التَّنْبِيه وَاسْتدلَّ لَهُ الدَّمِيرِيّ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّكْبِير جزم اه قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن هَذَا لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَول النَّخعِيّ وعَلى تَقْدِير وجوده فَمَعْنَاه عدم التَّرَدُّد فِيهِ وَيسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أَن لَا يقصر التَّكْبِير بِحَيْثُ لَا يفهم وَأَن لَا يمططه بِأَن يُبَالغ فِي مده بل يَأْتِي بِهِ مُبينًا والإسراع بِهِ أولى من مده لِئَلَّا تَزُول النِّيَّة وَأَن يجْهر بتكبيرة الْإِحْرَام وتكبيرات الِانْتِقَالَات ليسمع الْمَأْمُومين فيعلموا صلَاته بِخِلَاف غَيره من مَأْمُوم ومنفرد فَالسنة فِي حَقه الْإِسْرَار نعم إِن لم يبلغ صَوت الإِمَام جَمِيع الْمَأْمُومين جهر بَعضهم ندبا وَاحِدًا أَو أَكثر بِحَسب الْحَاجة ليبلغ عَنهُ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي مَرضه بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يسمعهم التَّكْبِير وَلَو كبر للْإِحْرَام تَكْبِيرَات نَاوِيا بِكُل مِنْهَا الِافْتِتَاح دخل فِي الصَّلَاة بالأوتار وَخرج مِنْهَا بالأشفاع لِأَن من افْتتح صَلَاة ثمَّ نوى افْتِتَاح صَلَاة أُخْرَى بطلت صلَاته هَذَا إِن لم ينْو بَين كل تكبيرتين خُرُوجًا أَو افتتاحا وَإِلَّا فَيخرج بِالنِّيَّةِ وَيدخل بِالتَّكْبِيرِ فَإِن لم ينْو بِغَيْر التَّكْبِيرَة الأولى شَيْئا لم يضر لِأَنَّهُ ذكر وَمحل مَا ذكر مَعَ الْعمد كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة أما مَعَ السَّهْو فَلَا بطلَان وَمن عجز وَهُوَ نَاطِق عَن النُّطْق بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ ترْجم عَنْهَا بِأَيّ لُغَة شَاءَ وَوَجَب التَّعَلُّم إِن قدر عَلَيْهِ وَلَو بسفر إِلَى بلد آخر لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب فَائِدَة إِنَّمَا سميت هَذِه التَّكْبِيرَة تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لِأَنَّهُ يحرم بهَا على الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالا لَهُ قبلهَا من مفسدات الصَّلَاة كَالْأَكْلِ وَالشرب وَالْكَلَام وَنَحْو ذَلِك وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام بِالْإِجْمَاع مُسْتَقْبلا بكفيه الْقبْلَة مميلا أَطْرَاف أصابعهما نَحْوهَا مفرقا أصابعهما تفريقا وسطا كاشفا لَهما ويرفعهما مُقَابل مَنْكِبَيْه لحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم معنى حَذْو مَنْكِبَيْه أَن تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه وَيجب قرن النِّيَّة بتكبيرة الْإِحْرَام لِأَنَّهَا أول الْأَركان بِأَن يقرنها بأوله ويستصحبها إِلَى آخِره وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ فِي شرحي الْمُهَذّب والوسيط تبعا للْإِمَام وَالْغَزالِيّ الِاكْتِفَاء بالمقارنة الْعُرْفِيَّة عِنْد الْعَوام بِحَيْثُ يعد مستحضرا للصَّلَاة اقْتِدَاء بالأولين فِي تسامحهم بذلك وَقَالَ ابْن الرّفْعَة إِنَّه الْحق وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ ولي بهما أُسْوَة والوسوسة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام من تلاعب الشَّيْطَان وَهِي تدل على خبل فِي الْعقل أَو جهل فِي الدّين وَلَا يجب اسْتِصْحَاب النِّيَّة بعد التَّكْبِير للعسر لَكِن يسن وَيعْتَبر عدم الْمنَافِي كَمَا فِي عقد الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَإِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو تردد فِي أَن يخرج أَو يسْتَمر بطلت بِخِلَاف الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَالْحج وَالصَّوْم لِأَنَّهَا أضيق بَابا من الْأَرْبَعَة فَكَانَ تأثيرها باخْتلَاف النِّيَّة أَشد (و) الرَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (قِرَاءَة) سُورَة (الْفَاتِحَة) فِي كل رَكْعَة فِي قِيَامهَا أَو بدله لخَبر الشَّيْخَيْنِ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بِفَاتِحَة الْكتاب أَي فِي كل رَكْعَة لما مر فِي خبر الْمُسِيء صلَاته إِلَّا رَكْعَة مَسْبُوق فَلَا تجب فِيهَا بِمَعْنى أَنه لَا يسْتَقرّ وُجُوبهَا عَلَيْهِ لتحمل الإِمَام لَهَا عَنهُ تَنْبِيه يتَصَوَّر سُقُوط الْفَاتِحَة فِي كل مَوضِع حصل للْمَأْمُوم فِيهِ عذر تخلف بِسَبَبِهِ عَن الإِمَام بأَرْبعَة أَرْكَان طَوِيلَة وَزَالَ عذره وَالْإِمَام رَاكِع فيتحمل عَنهُ الْفَاتِحَة كَمَا لَو كَانَ بطيء الْقِرَاءَة أَو نسي أَنه فِي الصَّلَاة أَو امْتنع من السُّجُود بِسَبَب زحمة أَو شكّ بعد رُكُوع إِمَامه فِي قِرَاءَته الْفَاتِحَة فَتخلف لَهَا نبه على ذَلِك الْإِسْنَوِيّ (وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا) أَي من الْفَاتِحَة لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة مِنْهَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله فاقرؤوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها وروى ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَى آخرهَا سِتّ آيَات وَهِي آيَة من كل سُورَة إِلَّا بَرَاءَة لإِجْمَاع الصَّحَابَة على إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ أَوَائِل السُّور سوى بَرَاءَة دون الأعشار وتراجم السُّور والتعوذ فَلَو لم تكن قُرْآنًا لما أَجَازُوا ذَلِك لِأَنَّهُ يحمل على اعْتِقَاد مَا لَيْسَ بقرآن قُرْآنًا وَلَو كَانَت للفصل كَمَا قيل لأثبتت فِي أول بَرَاءَة وَلم تثبت فِي أول الْفَاتِحَة فَإِن قيل الْقُرْآن إِنَّمَا يثبت بالتواتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 أُجِيب بِأَن مَحَله فِيمَا يثبت قُرْآنًا قطعا أما مَا يثبت قُرْآنًا حكما فَيَكْفِي فِيهِ الظَّن كَمَا يَكْفِي فِي كل ظَنِّي وَأَيْضًا إِثْبَاتهَا فِي الْمُصحف بِخَطِّهِ من غير نَكِير فِي معنى التَّوَاتُر فَإِن قيل لَو كَانَت قُرْآنًا لكفر جاحدها أُجِيب بِأَنَّهَا لَو لم تكن قُرْآنًا لكفر مثبتها وَأَيْضًا التَّكْفِير لَا يكون بالظنيات وَهِي آيَة من أول الْفَاتِحَة قطعا وَكَذَا فِيمَا عدا بَرَاءَة من بَاقِي السُّور على الْأَصَح وَالسّنة أَن يصلها بِالْحَمْد لله وَأَن يجْهر بهَا حَيْثُ يشرع الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فَائِدَة مَا أثبت فِي الْمُصحف الْآن من أَسمَاء السُّور والأعشار شَيْء ابتدعه الْحجَّاج فِي زَمَنه وَيجب رِعَايَة حُرُوف الْفَاتِحَة فَلَو أَتَى قَادر أَو من أمكنه التَّعَلُّم بدل حرف مِنْهَا بآخر لم تصح قِرَاءَته لتِلْك الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو أبدل ذال الَّذين الْمُعْجَمَة بِالْمُهْمَلَةِ لم تصح كَمَا اقْتضى إِطْلَاق الرَّافِعِيّ وَغَيره الْجَزْم بِهِ خلافًا للزركشي وَمن تبعه وَكَذَا لَو أبدل حاء الْحَمد لله بِالْهَاءِ وَلَو نطق بِالْقَافِ مترددة بَينهَا وَبَين الْكَاف كَمَا تنطق بِهِ الْعَرَب صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا جزم بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَغَيره وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع فِيهِ نظر وَيجب رِعَايَة تشديداتها الْأَرْبَع عشرَة مِنْهَا ثَلَاث فِي الْبَسْمَلَة فَلَو خفف مِنْهَا تشديدة بطلت قِرَاءَة تِلْكَ الْكَلِمَة لتغييره النّظم وَلَو شدد المخفف أَسَاءَ وأجزأه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَيجب رِعَايَة ترتيبها بِأَن يَأْتِي بهَا على نظمها الْمَعْرُوف لِأَنَّهُ منَاط البلاغة والإعجاز فَلَو بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لم يعْتد بِهِ وَيَبْنِي على الأول إِن سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلم يطلّ الْفَصْل ويستأنف إِن تعمد أَو طَال الْفَصْل وَيجب رِعَايَة موالاتها بِأَن يَأْتِي بكلماتها على الْوَلَاء لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فيقطعها تخَلّل ذكر وَإِن قل وسكوت طَال عرفا بِلَا عذر فيهمَا أَو سكُوت قصد بِهِ قطع الْقِرَاءَة لإشعار ذَلِك بِالْإِعْرَاضِ عَن الْقِرَاءَة بِخِلَاف سكُوت قصير لم يقْصد بِهِ الْقطع أَو طَوِيل أَو تخَلّل ذكر بِعُذْر من جهل أَو سَهْو أَو إعياء أَو تعلق ذكر بِالصَّلَاةِ كتأمينه لقِرَاءَة إِمَامه وفتحه عَلَيْهِ إِذا توقف فِيهَا فَإِن عجز عَن جَمِيع الْفَاتِحَة لعدم معلم أَو مصحف أَو غير ذَلِك فسبع آيَات عدد آياتها يَأْتِي بهَا وَلَو مُتَفَرِّقَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة تَنْبِيه ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا فرق بَين أَن تفِيد المتفرقة معنى منظوما أم لَا كثم نظر قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ أَي الثَّانِي الْمُخْتَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 كَمَا أطلقهُ الْجُمْهُور وَاخْتَارَ الإِمَام الأول وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا قَالَ بَعضهم وَالثَّانِي هُوَ الْقيَاس وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ الْمُخْتَار مَا ذكره الإِمَام وإطلاقهم مَحْمُول على الْغَالِب ثمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَي النَّوَوِيّ إِنَّمَا ينقدح إِذا لم يحسن غير ذَلِك أما مَعَ حفظه آيَات مُتَوَالِيَة أَو مُتَفَرِّقَة منتظمة الْمَعْنى فَلَا وَجه لَهُ وَإِن شَمله إِطْلَاقهم انْتهى وَهَذَا يشبه أَن يكون جمعا بَين الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ جمع حسن وَمن يحسن بعض الْفَاتِحَة يَأْتِي بِهِ ويبدل الْبَاقِي إِن أحْسنه وَإِلَّا كَرَّرَه فِي الْأَصَح وَكَذَا من يحسن بعض بدلهَا من الْقُرْآن وَيجب التَّرْتِيب بَين الأَصْل وَالْبدل فَإِن كَانَ يحسن الْآيَة فِي أول الْفَاتِحَة أَتَى بهَا ثمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَإِن كَانَ فِي آخر الْفَاتِحَة أَتَى بِالْبَدَلِ ثمَّ بِالْآيَةِ وَإِن كَانَ فِي وَسطهَا أَتَى بِبَدَل الأول ثمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوسط ثمَّ أَتَى بِبَدَل الآخر فَإِن عجز عَن الْقُرْآن أَتَى بسبعة أَنْوَاع من ذكر أَو دُعَاء لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة وَيجب تعلق الدُّعَاء بِالآخِرَة كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه فَإِن عجز عَن ذَلِك كُله حَتَّى عَن تَرْجَمَة الذّكر وَالدُّعَاء لزمَه وَقْفَة قدر الْفَاتِحَة فِي ظَنّه لِأَنَّهُ وَاجِب فِي نَفسه وَلَا يترجم عَنْهَا بِخِلَاف التَّكْبِير لفَوَات الإعجاز فِيهَا دونه وَسن عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها آمين لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة وَقيس بهَا خَارِجهَا مخففا ميمها بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر وَهُوَ اسْم فعل بِمَعْنى استجب وَلَو شدد الْمِيم لم تبطل صلَاته لقصدة الدُّعَاء وَيسن فِي جهرية جهر بهَا للْمُصَلِّي حَتَّى للْمَأْمُوم لقِرَاءَة إِمَامه تبعا لَهُ وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الشَّيْخَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه فَائِدَة فَاتِحَة الْكتاب لَهَا عشرَة أَسمَاء فَاتِحَة الْكتاب وَأم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وَسورَة الْحَمد وَالصَّلَاة والكافية والواقية والشفاء والأساس (و) الْخَامِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الرُّكُوع) لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وللإجماع وَتقدم رُكُوع الْقَاعِد وَأما أقل الرُّكُوع فِي حق الْقَائِم فَهُوَ أَن ينحني انحناء خَالِصا لَا انخناس فِيهِ قدر بُلُوغ راحتي يَدي المعتدل خلقَة رُكْبَتَيْهِ إِذا أَرَادَ وضعهما فَلَا يحصل بانخناس لِأَنَّهُ لَا يُسمى رُكُوعًا فَلَو طَالَتْ يَدَاهُ أَو قصرتا أَو قطع شَيْء مِنْهُمَا لم يعْتَبر ذَلِك فَإِن عجز عَمَّا ذكر إِلَّا بِمعين وَلَو باعتماد على شَيْء أَو انحناء على شقَّه لزمَه وَالْعَاجِز ينحني قدر إِمْكَانه فَإِن عجز عَن الانحناء أصلا أَوْمَأ بِرَأْسِهِ ثمَّ بطرفه (و) السَّادِس من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي الرُّكُوع لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته الْمَار وأقلها أَن تَسْتَقِر أعضاؤه رَاكِعا بِحَيْثُ ينْفَصل رَفعه عَن رُكُوعه عَن هويه أَي سُقُوطه فَلَا تقوم زِيَادَة الْهَوِي مقَام الطُّمَأْنِينَة وَلَا يقْصد بالهوي غير الرُّكُوع قَصده هُوَ أم لَا كَغَيْرِهِ من بَقِيَّة الْأَركان لِأَن نِيَّة الصَّلَاة منسحبة عَلَيْهِ فَلَو هوى لتلاوة فَجعله رُكُوعًا لم يكف لِأَنَّهُ صرفه إِلَى غير الْوَاجِب بل ينْتَصب ليركع وَلَو قَرَأَ إِمَامه آيَة سَجْدَة ثمَّ ركع عَقبهَا فَظن الْمَأْمُوم أَنه يسْجد للتلاوة فهوى لذَلِك فَرَآهُ لم يسْجد فَوقف عَن السُّجُود فَالْأَقْرَب كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنه يحْسب لَهُ وَيغْتَفر ذَلِك لمتابعته وأكمل الرُّكُوع تَسْوِيَة ظَهره وعنقه أَي يمدهما بانحناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 خَالص بِحَيْثُ يصيران كالصفيحة الْوَاحِدَة لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسلم فَإِن تَركه كره نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَنصب سَاقيه وفخذيه وَأخذ رُكْبَتَيْهِ بكفيه لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وتفريق أَصَابِعه تفريقا وسطا لجِهَة الْقبْلَة لِأَنَّهَا أشرف الْجِهَات والأقطع وَنَحْوه كقصير الْيَدَيْنِ لَا يُوصل يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بل يرسلهما إِن لم يسلما مَعًا أَو يُرْسل إِحْدَاهمَا إِن سلمت الْأُخْرَى (و) السَّابِع من أَرْكَان الصَّلَاة (الِاعْتِدَال) وَلَو لنافلة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيحصل بِعُود البدء بِأَن يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا (و) الثَّامِن من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) كَمَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته بِأَن تَسْتَقِر أعضاؤه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل رُكُوعه بِحَيْثُ ينْفَصل ارتفاعه عَن عوده إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَو ركع عَن قيام فَسقط عَن رُكُوعه قبل الطُّمَأْنِينَة فِيهِ عَاد وجوبا إِلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثمَّ اعتدل أَو سقط عَنهُ بعْدهَا نَهَضَ معتدلا ثمَّ سجد وَإِن سجد ثمَّ شكّ هَل أتم اعتداله اعتدل وجوبا ثمَّ سجد وَلَا يقْصد بِهِ غَيره فَلَو رفع خوفًا من شَيْء كحية لم يكف رَفعه لذَلِك عَن رفع الصَّلَاة لِأَنَّهُ صَارف كَمَا مر (و) التَّاسِع من أَرْكَان الصَّلَاة (السُّجُود) مرَّتَيْنِ فِي كل رَكْعَة لقَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا واسجدوا} وَلخَبَر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة وَإِنَّمَا عدا ركنا وَاحِدًا لاتحادهما كَمَا عد بَعضهم الطُّمَأْنِينَة فِي محالها الْأَرْبَع ركنا وَاحِدًا لذَلِك وَهُوَ لُغَة التطامن والميل وَقيل الخضوع والتذلل وَشرعا أَقَله مُبَاشرَة بعض جَبهته مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ من أَرض أَو غَيرهَا لخَبر إِذا سجدت فمكن جبهتك وَلَا تنقر نقرا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَإِنَّمَا اكْتفى بِبَعْض الْجَبْهَة لصدق اسْم السُّجُود عَلَيْهَا بذلك وَخرج بالجبهة الجبين وَالْأنف فَلَا يَكْفِي وضعهما فَإِن سجد على مُتَّصِل بِهِ كطرف كمه الطَّوِيل أَو عمَامَته جَازَ إِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُنْفَصِل عَنهُ فَإِن تحرّك بحركته فِي قيام أَو قعُود أَو غَيره كمنديل على عَاتِقه لم يجز فَإِن كَانَ مُتَعَمدا عَالما بطلت صلَاته أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا لم تبطل وَأعَاد السُّجُود وَلَو صلى من قعُود فَلم يَتَحَرَّك بحركته وَلَو صلى من قيام لتحرك لم يضر إِذْ الْعبْرَة بالحالة الراهنة هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلم أر من ذكره وَخرج بِمُتَّصِل بِهِ مَا هُوَ فِي حكم الْمُنْفَصِل وَإِن تحرّك بحركته كعود بِيَدِهِ فَلَا يضر السُّجُود عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء وَلَو سجد على شَيْء فِي مَوضِع سُجُوده كورقة فالتصقت بجبهته وَارْتَفَعت مَعَه وَسجد عَلَيْهَا ثَانِيًا ضرّ وَإِن نحاها ثمَّ سجد لم يضر وَلَو سجد على عِصَابَة جرح أَو نَحوه لضَرُورَة بِأَن شقّ عَلَيْهِ إِزَالَتهَا لم تلْزمهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهَا إِذا لم تلْزمهُ مَعَ الْإِيمَاء للْعُذْر فَهَذَا أولى وَكَذَا لَو سجد على شعر نبت على جَبهته لِأَن مَا نبت عَلَيْهَا مثل بَشرته ذكره الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَيجب وضع جُزْء من رُكْبَتَيْهِ وَمن بَاطِن كفيه وَمن بَاطِن أَصَابِع قَدَمَيْهِ فِي السُّجُود لخَبر الشَّيْخَيْنِ أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظم الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ وَلَا يجب كشفها بل يكره كشف الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم فرع لَو خلق لَهُ رأسان وَأَرْبع أيد وَأَرْبع أرجل هَل يجب عَلَيْهِ وضع بعض كل من الجبهتين وَمَا بعدهمَا أم لَا الَّذِي يظْهر أَنه ينظر فِي ذَلِك إِن عرف الزَّائِد فَلَا اعْتِبَار بِهِ وَإِلَّا اكْتفى فِي الْخُرُوج عَن عُهْدَة الْوَاجِب بِوَضْع بعض إِحْدَى الجبهتين وَبَعض يدين وركبتين وأصابع رجلَيْنِ إِن كَانَت كلهَا أَصْلِيَّة فَإِن اشْتبهَ الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ وَجب وضع جُزْء من كل مِنْهُمَا (و) الْعَاشِر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) أَي السُّجُود لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن يُصِيب مَحل سُجُوده ثقل رَأسه للْخَبَر الْمَار إِذا سجدت فمكن جبهتك وَمعنى الثّقل أَن يتحامل بِحَيْثُ لَو فرض تَحْتَهُ قطن أَو حشيش لانكبس وَظهر أَثَره فِي يَد لَو فرضت تَحت ذَلِك وَلَا يعْتَبر هَذَا فِي بَقِيَّة الْأَعْضَاء كَمَا يُؤْخَذ من عبارَة الرَّوْضَة وَعبارَة التَّحْقِيق وَينْدب أَن يضع كفيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 حَذْو مَنْكِبَيْه وينشر أصابعهما مَضْمُومَة للْقبْلَة ويعتمد عَلَيْهِمَا وَيجب أَن يهوي لغير السُّجُود كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو سقط على وَجهه من الِاعْتِدَال وَجب الْعود إِلَيْهِ ليهوي مِنْهُ لانْتِفَاء المهوي فِي السُّقُوط فَإِن سقط من الْهَوِي لم يلْزمه الْعود بل يحْسب ذَلِك سجودا إِلَّا إِن قصد بِوَضْع الْجَبْهَة الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فَقَط فَإِنَّهُ يلْزمه إِعَادَة السُّجُود لوُجُود الصَّارِف وَلَو سقط من الْهَوِي على جنبه فَانْقَلَبَ بنية السُّجُود أَو بِلَا نِيَّة أَو بنيته وَنِيَّة الاسْتقَامَة فَقَط وَسجد أَجزَأَهُ فَإِن نوى الاسْتقَامَة لم يجزه لوُجُود الصَّارِف بل يجلس ثمَّ يسْجد وَلَا يقوم ثمَّ يسْجد فَإِن قَامَ عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَإِن نوى مَعَ ذَلِك صرفه عَن السُّجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ زَاد فعلا لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة عَامِدًا وَيجب فِي السُّجُود أَن ترْتَفع أسافله على أعاليه لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَححهُ ابْن حبَان فَلَو صلى فِي سفينة مثلا وَلم يتَمَكَّن من ارْتِفَاع ذَلِك لميلانها صلى على حسب حَاله وَلَزِمتهُ الْإِعَادَة لِأَنَّهُ عذر نَادِر نعم إِن كَانَ بِهِ عِلّة لَا يُمكنهُ مَعهَا السُّجُود إِلَّا كَذَلِك صَحَّ فَإِن أمكنه السُّجُود على وسَادَة بتنكيس لزمَه لحُصُول هَيْئَة السُّجُود بذلك أَو بِلَا تنكيس لم يلْزمه السُّجُود عَلَيْهَا لفَوَات هَيْئَة السُّجُود بل يَكْفِيهِ الانحناء الْمُمكن خلافًا لما فِي الشَّرْح الصَّغِير (و) الْحَادِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ) وَلَو فِي نفل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا فِيهِ رد على أبي حنيفَة حَيْثُ يَقُول يَكْفِي أَن يرفع رَأسه عَن الأَرْض أدنى رفع كَحَد السَّيْف (و) الثَّانِي عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الطُّمَأْنِينَة فِيهِ) لحَدِيث الْمُسِيء صلَاته وَيجب أَن لَا يقْصد بِرَفْعِهِ غَيره كَمَا مر فِي الرُّكُوع فَلَو رفع فَزعًا من شَيْء لم يكف وَيجب عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى السُّجُود وَيجب أَن لَا يطوله وَلَا الِاعْتِدَال لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ليسَا مقصودين لذاتهما بل للفصل وأكمله أَن يكبر بِلَا رفع يَد مَعَ رفع رَأسه من سُجُوده لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيجْلس مفترشا وَسَيَأْتِي بَيَانه لِلِاتِّبَاعِ وَاضِعا كفيه على فَخذيهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ تسامتهما رُؤُوس الْأَصَابِع ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود قَائِلا رب اغْفِر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وَعَافنِي لِلِاتِّبَاعِ ثمَّ يسْجد الثَّانِيَة كالأولى فِي الْأَقَل والأكمل (و) الثَّالِث عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الْجُلُوس الْأَخير) لِأَنَّهُ مَحل ذكر وَاجِب فَكَانَ وَاجِبا كالقيام لقِرَاءَة الْفَاتِحَة (و) الرَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التَّشَهُّد فِيهِ) أَي الْجُلُوس الْأَخير لقَوْل ابْن مَسْعُود كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد السَّلَام على الله قبل عباده السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام على مِيكَائِيل السَّلَام على فلَان فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقولُوا السَّلَام على الله فَإِن الله هُوَ السَّلَام وَلَكِن قُولُوا التَّحِيَّات لله إِلَى آخِره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالدّلَالَة فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا التَّعْبِير بِالْفَرْضِ الثَّانِي الْأَمر بِهِ وَالْمرَاد فَرْضه فِي الْجُلُوس آخر الصَّلَاة وَأقله مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالا فِيهِ حسن صَحِيح التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَو أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَهل يجزىء وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله قَالَ الْأَذْرَعِيّ الصَّوَاب إجزاؤه لثُبُوته فِي تشهد ابْن مَسْعُود بِلَفْظ عَبده وَرَسُوله وَقد حكوا الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّشَهُّد بالروايات كلهَا وَلَا أعلم أحدا اشْترط لفظ عَبده اه وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وأكمله التَّحِيَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله (و) الْخَامِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ) أَي التَّشَهُّد الْأَخير لقَوْله تَعَالَى {صلوا عَلَيْهِ} قَالُوا وَقد أجمع الْعلمَاء على أَنَّهَا لَا تجب فِي غير الصَّلَاة فَتعين وُجُوبهَا فِيهَا وَالْقَائِل بِوُجُوبِهَا مرّة فِي غَيرهَا محجوج بِإِجْمَاع من قبله وَلِحَدِيث عرفنَا كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد إِلَى آخِره مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد إِلَى آخِره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْمُنَاسِب لَهَا من الصَّلَاة التَّشَهُّد آخرهَا فَتجب فِيهِ أَي بعده كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَقد صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه فِي الْوتر كَمَا رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي مُسْنده وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي وَلم يُخرجهَا شَيْء عَن الْوُجُوب وَأما عدم ذكرهَا فِي خبر الْمُسِيء صلَاته فَمَحْمُول على أَنَّهَا كَانَت مَعْلُومَة لَهُ وَلِهَذَا لم يذكر لَهُ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس لَهُ وَالنِّيَّة وَالسَّلَام وَإِذا وَجَبت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجب الْقعُود لَهَا بالتبعية وَلَا يُؤْخَذ وجوب الْقعُود لَهَا من عبارَة المُصَنّف وَأَقل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله وأكملها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَفِي بعض طرق الحَدِيث زِيَادَة على ذَلِك وَنقص وَآل إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وأولادهما وَخص إِبْرَاهِيم بِالذكر لِأَن الرَّحْمَة وَالْبركَة لم يجتمعا لنَبِيّ غَيره أَي مِمَّن قبْلَة قَالَ تَعَالَى {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت} فَائِدَة كل الْأَنْبِيَاء من بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من وَلَده إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَأما إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن من نَسْله نَبِي إِلَّا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مُحَمَّد بن أبي بكر الرَّازِيّ وَلَعَلَّ الْحِكْمَة فِي ذَلِك انْفِرَاده بالفضيلة فَهُوَ أفضل الْجَمِيع عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام والتحيات جمع تَحِيَّة وَهِي مَا يحيى بِهِ من سَلام وَغَيره وَالْقَصْد بذلك الثَّنَاء على الله تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالك لجَمِيع التَّحِيَّات من الْخلق وَمعنى المباركات الناميات والصلوات الصَّلَوَات الْخمس والطيبات الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالسَّلَام مَعْنَاهُ اسْم السَّلَام أَي اسْم الله عَلَيْك وعلينا أَي الْحَاضِرين من إِمَام ومأموم وملائكة وَغَيرهم والعباد جمع عبد وَالصَّالِحِينَ جمع صَالح وَهُوَ الْقَائِم بِمَا عَلَيْهِ فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق عباده وَالرَّسُول هُوَ الَّذِي يبلغ خبر من أرْسلهُ وَحميد بِمَعْنى مَحْمُود ومجيد بِمَعْنى ماجد وَهُوَ من كمل شرفا وكرما (و) السَّادِس عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (التسليمة الأولى) لخَبر مُسلم تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم قَالَ الْقفال الْكَبِير وَالْمعْنَى فِي السَّلَام أَن الْمُصَلِّي كَانَ مَشْغُولًا عَن النَّاس وَقد أقبل عَلَيْهِم قَالَه الْقفال وَأقله السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يجزىء عَلَيْهِم وَلَا تبطل بِهِ صلَاته لِأَنَّهُ دُعَاء لغَائِب وَلَا عَلَيْك وَلَا عَلَيْكُمَا وَلَا سلامي عَلَيْكُم وَلَا سَلام عَلَيْكُم فَإِن تعمد ذَلِك مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته ويجزىء عَلَيْكُم السَّلَام مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن النَّص وأكمله السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله لِأَنَّهُ الْمَأْثُور وَلَا تسن زِيَادَة وَبَرَكَاته كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَصَوَّبَهُ (و) السَّابِع عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة) وَيجب قرنها بالتسليمة الأولى (فِي قَول) فَإِن قدمهَا عَلَيْهَا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 أَخّرهَا عَنْهَا عَامِدًا بطلت صلَاته وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تجب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات وَلِأَن النِّيَّة السَّابِقَة منسحبة على جَمِيع الصَّلَاة وَلَكِن تسن خُرُوجًا من الْخلاف (و) الثَّامِن عشر من أَرْكَان الصَّلَاة (ترتيبها) أَي الْأَركان (كَمَا ذَكرْنَاهُ) فِي عَددهَا الْمُشْتَمل على قرن النِّيَّة بِالتَّكْبِيرِ وجعلهما مَعَ الْقِرَاءَة فِي الْقيام وَجعل التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقعُود فالترتيب عِنْد من أطلقهُ مُرَاد فِيمَا عدا ذَلِك وَمِنْه الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا بعد التَّشَهُّد كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع كَمَا مر فَهِيَ مرتبَة وَغير مرتبَة باعتبارين وَدَلِيل وجوب التَّرْتِيب الِاتِّبَاع كَمَا فِي الْأَخْبَار الصَّحِيحَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وعده من الْأَركان بِمَعْنى الْفُرُوض صَحِيح وَبِمَعْنى الْإِجْزَاء فِيهِ تَغْلِيب وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف لعد الْوَلَاء من الْأَركان وصوره الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام بِعَدَمِ تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير وَابْن الصّلاح بِعَدَمِ طول الْفَصْل بعد سَلَامه نَاسِيا وَلم يعده الْأَكْثَرُونَ ركنا لكَونه كالجزء من الرُّكْن الْقصير أَو لكَونه أشبه بالتروك وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تنقيحه الْوَلَاء وَالتَّرْتِيب شَرْطَانِ وَهُوَ أظهر من عدهما ركنين اه وَالْمَشْهُور عد التَّرْتِيب ركنا وَالْوَلَاء شرطا وَأما السّنَن فترتيب بَعْضهَا على بعض كالاستفتاح والتعوذ وترتيبها على الْفَرَائِض كالفاتحة وَالسورَة شَرط فِي الِاعْتِدَاد بهَا سنة لَا فِي صِحَة الصَّلَاة فَإِن ترك تَرْتِيب الْأَركان عمدا بِتَقْدِيم ركن فعلي أَو سَلام كَأَن ركع قبل قِرَاءَته أَو سجد أَو سلم قبل رُكُوعه بطلت صلَاته أَو سَهَا فَمَا فعله بعد متروكه لَغْو لوُقُوعه فِي غير مَحَله فَإِن تذكر متروكه قبل فعل مثله فعله وَإِلَّا أَجزَأَهُ عَن متروكه وتدارك الْبَاقِي نعم إِن لم يكن الْمثل من الصَّلَاة كسجود تِلَاوَة لم يجزه فَلَو علم فِي آخر صلَاته ترك سَجْدَة من رَكْعَة أخيرة سجد ثمَّ تشهد أَو من غَيرهَا أَو شكّ لزمَه رَكْعَة فيهمَا أَو علم فِي قيام ثَانِيَة مثلا ترك سَجْدَة من الأولى فَإِن كَانَ جلس بعد سجدته الَّتِي فعلهَا سجد من قِيَامه وَإِلَّا فليجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد أَو علم فِي آخر ربَاعِية ترك سَجْدَتَيْنِ أَو ثَلَاث جهل مَحل الْخمس فيهمَا وَجب رَكْعَتَانِ أَو أَربع جهل محلهَا وَجب سَجْدَة ثمَّ رَكْعَتَانِ أَو خمس أَو سِتّ جهل محلهَا فَثَلَاث أَو سبع جهل محلهَا فسجدة ثمَّ ثَلَاث وَفِي ثَمَانِي سَجدَات سَجْدَتَانِ وَثَلَاث رَكْعَات وَيتَصَوَّر ذَلِك بترك طمأنينة أَو سُجُود على عِمَامَة وكالعلم بترك مَا ذكر الشَّك فِيهِ القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة قبل الدُّخُول فِيهَا وَلما فرغ من الْأَركان شرع فِي ذكر السّنَن فَقَالَ (وسننها) أَي الْمَكْتُوبَة (قبل الدُّخُول فِيهَا) أَي قبل التَّلَبُّس بهَا (شَيْئَانِ) الأول (الْأَذَان) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَة الْإِعْلَام قَالَ تَعَالَى {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} أَي أعلمهم بِهِ وَشرعا قَول مَخْصُوص يعلم بِهِ وَقت الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم وليؤمكم أكبركم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 (و) الثَّانِي (الْإِقَامَة) فِي الأَصْل مصدر أَقَامَ وَسمي الذّكر الْمَخْصُوص بِهِ لِأَنَّهُ يُقيم إِلَى الصَّلَاة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان بِالْإِجْمَاع فهما سنة للمكتوبة دون غَيرهَا من الصَّلَوَات كالسنن وَصَلَاة الْجِنَازَة والمنذورة لعدم ثبوتهما فِيهِ بل يكرهان فِيهِ كَمَا صرح بِهِ صَاحب الْأَنْوَار ويشرع الْأَذَان فِي أذن الْمَوْلُود الْيُمْنَى وَالْإِقَامَة فِي الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْعَقِيقَة ويشرع الْأَذَان أَيْضا إِذا تغولت الغيلان أَي تمردت الجان لخَبر صَحِيح ورد فِيهِ وَينْدب الْأَذَان للمنفرد وَأَن يرفع صَوته بِهِ إِلَّا بِموضع وَقعت فِيهِ جمَاعَة قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَانْصَرفُوا وَيُؤذن للأولى فَقَط من صلوَات والاها ومعظم الْأَذَان مثنى ومعظم الْإِقَامَة فُرَادَى وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر الصَّحِيحَيْنِ أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَالْمرَاد مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة كلمة وَالْأَذَان كَلِمَاته تسع عشرَة كلمة بالترجيع وَيسن الْإِسْرَاع بِالْإِقَامَةِ مَعَ بَيَان حروفها فَيجمع بَين كل كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْت والكلمة الْأَخِيرَة بِصَوْت والترتيل فِي الْأَذَان فَيجمع بَين كل تكبيرتين بِصَوْت ويفرد بَاقِي كَلِمَاته لِلْأَمْرِ بذلك كَمَا أخرجه الْحَاكِم وَيسن الترجيع فِي الْأَذَان وَهُوَ أَن يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ سرا قبل أَن يَأْتِي بهما جَهرا والتثويب فِي أَذَان الصُّبْح وَهُوَ قَوْله بعد الحيعلتين الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ وَيسن الْقيام فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة على عَال إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ والتوجه للْقبْلَة وَأَن يلْتَفت بعنقه فيهمَا يَمِينا مرّة فِي حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ فِي الْأَذَان وَمرَّة فِي الْإِقَامَة وَشمَالًا فِي حَيّ على الْفَلاح كَذَلِك من غير تَحْويل صَدره عَن الْقبْلَة وقدميه عَن مكانهما وَأَن يكون كل من الْمُؤَذّن والمقيم عدلا فِي الشَّهَادَة عالي الصَّوْت حسنه وَكرها من فَاسق وَصبي مُمَيّز وأعمى وَحده وجنب ومحدث وَالْكَرَاهَة لجنب أَشد وَهِي فِي الْإِقَامَة أغْلظ القَوْل فِي شُرُوط الْأَذَان والإمامة وَيشْتَرط فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة التَّرْتِيب وَالْوَلَاء بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 كلماتهما ولجماعة جهر وَدخُول وَقت الْأَذَان صبح فَمن نصف اللَّيْل وَيشْتَرط فِي الْمُؤَذّن والمقيم الْإِسْلَام والتمييز ولغير النِّسَاء الذُّكُورَة وَيسن مؤذنان لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوه وَمن فوائدهما أَن يُؤذن وَاحِد للصبح قبل الْفجْر وَآخر بعده وَيسن لسامع الْمُؤَذّن والمقيم أَن يَقُول مثل قَوْلهمَا إِلَّا فِي حيعلات وتثويب وكلمتي الْإِقَامَة فيحوقل فِي كل كلمة فِي الأولى وَيَقُول فِي الثَّانِيَة صدقت وبررت وَفِي الثَّالِثَة أَقَامَهَا الله وأدامها وَجَعَلَنِي من صالحي أَهلهَا وَيسن لكل من مُؤذن ومقيم وسامع ومستمع أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته تَنْبِيه الْأَذَان وَحده أفضل من الْإِمَامَة وَقيل إِن الْأَذَان مَعَ الْإِقَامَة أفضل من الْإِمَامَة وَصحح النَّوَوِيّ هَذَا فِي نكته القَوْل فِي سنَن الصَّلَاة بعد الدُّخُول فِيهَا وَتسَمى الأبعاض (و) سننها أَي الصَّلَاة مُطلقًا (بعد الدُّخُول فِيهَا) أبعاض وهيئات فأبعاضها ثَمَانِيَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (شَيْئَانِ) الأول (التَّشَهُّد الأول) كُله أَو بعضه (و) الثَّانِي الْقُنُوت (فِي) ثَانِيَة (الصُّبْح) كُله أَو بعضه وَمحل الِاقْتِصَار على الصُّبْح من بَقِيَّة الصَّلَوَات الْخمس فِي حَال الْأَمْن فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة لَا نزلت اسْتحبَّ فِي سَائِر الصَّلَوَات وَلَكِن لَيْسَ هَذَا من الأبعاض وَهُوَ اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت فَإنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت وَلَا يعز من عاديت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت لِلِاتِّبَاعِ (و) كَذَا (فِي) اعْتِدَال رَكْعَة (الْوتر فِي) جَمِيع (النّصْف الثَّانِي من رَمَضَان) سَوَاء أصلى التَّرَاوِيح أم لَا وَهُوَ كقنوت الصُّبْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فِي أَلْفَاظه وجبره بِالسُّجُود وَيسن للمنفرد ولإمام قوم مَحْصُورين رَضوا بالتطويل أَن يَقُول بعده قنوت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونتوب إِلَيْك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله نشكرك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك واللهم إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك وَإِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق (اللَّهُمَّ عذب الْكَفَرَة أهل الْكتاب الَّذِي يصدون عَن سَبِيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك واللهم اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات وَأصْلح ذَات بَينهم ومواصلاتهم ألف بَين قُلُوبهم واجمع فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة وثبتهم على مِلَّة رَسُولك وأوزعهم أَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ وانصرهم على عَدوك وعدوهم إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم) وَهُوَ مَشْهُور وَقد ذكرته فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره وَالْبَعْض الثَّالِث الْقعُود للتَّشَهُّد الأول وَالْمرَاد بالتشهد الأول اللَّفْظ الْوَاجِب فِي التَّشَهُّد الْأَخير دون مَا هُوَ فِيهِ سنة وَالرَّابِع الْقيام للقنوت الرَّاتِب وَالْخَامِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد الأول وَالسَّادِس الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْقُنُوت وَالسَّابِع الصَّلَاة على الْآل بعد الْقُنُوت وَالثَّامِن الصَّلَاة على الْآل بعد التَّشَهُّد الْأَخير وَظَاهر أَن الْقعُود للصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد الأول وللصلاة على الْآل بعد الْأَخير كالقعود للْأولِ وَأَن الْقيام لَهما بعد الْقُنُوت كالقيام لَهُ فتزيد الأبعاض بذلك وَسميت هَذِه السّنَن أبعاضا لقربها بالجبر بِالسُّجُود من الأبعاض الْحَقِيقَة أَي الْأَركان وَخرج بهَا بَقِيَّة السّنَن كأذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود فَلَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود وَلَا تسن الصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الأول خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين القَوْل فِي هيئات الصَّلَاة وَهِي السّنَن غير الأبعاض (وهيئاتها) جمع هَيْئَة وَالْمرَاد بهَا هُنَا مَا عدا الأبعاض من السّنَن الَّتِي لَا تجبر بِالسُّجُود وَهِي كَثِيرَة وَالْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة عشر خصْلَة) الأولى (رفع الْيَدَيْنِ) أَي رفع كفيه للْقبْلَة مكشوفتين منشورتي الْأَصَابِع مفرقة وسطا (عِنْد) ابْتِدَاء (تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) مُقَابل مَنْكِبَيْه بِأَن تحاذي أَطْرَاف أصابعهما أَعلَى أُذُنَيْهِ وإبهاماه شحمتي أُذُنَيْهِ وراحتاه مَنْكِبَيْه (وَعند) الْهَوِي إِلَى (الرُّكُوع و) عِنْد (الرّفْع مِنْهُ) وَعند الْقيام إِلَى الثَّالِثَة من التَّشَهُّد الأول كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع وَفِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَجزم بِهِ فِي شرح مُسلم أَيْضا (و) الثَّانِيَة (وضع) بطن كف (الْيَمين على) ظهر (الشمَال) بِأَن يقبض فِي قيام أَو بدله بِيَمِين كوع يسَاره وَبَعض ساعدها ورسغها تَحت صَدره فَوق سرته لِلِاتِّبَاعِ وَقيل يتَخَيَّر بَين بسط أَصَابِع الْيَمين فِي عرض الْمفصل وَبَين نشرها صوب الساعد وَالْقَصْد من الْقَبْض الْمَذْكُور تسكين الْيَدَيْنِ فَإِن أرسلهما وَلم يعبث فَلَا بَأْس والكوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الْيَد والبوع الْعظم الَّذِي يَلِي إِبْهَام الرجل يُقَال الغبي هُوَ الَّذِي لَا يعرف كوعه من بوعه والرسغ هُوَ الْمفصل بَين الْكَفّ والساعد (و) الثَّالِثَة دُعَاء (التَّوَجُّه) نَحْو {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين} {إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين} لِلِاتِّبَاعِ فَائِدَة معنى {وجهت وَجْهي} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أَي أَقبلت بوجهي وَقيل قصدت بعبادتي وَمعنى {فطر} ابْتَدَأَ الْخلق على غير مِثَال والحنيف المائل إِلَى الْحق وَعند الْعَرَب من كَانَ على مِلَّة إِبْرَاهِيم والمحيا وَالْمَمَات الْحَيَاة وَالْمَوْت والنسك الْعِبَادَة (و) الرَّابِعَة (الِاسْتِعَاذَة) للْقِرَاءَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} أَي إِذا أردْت قِرَاءَته فَقل أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم يَقُول ذَلِك فِي كل رَكْعَة لِأَنَّهُ يبتدىء فِيهَا قِرَاءَة وَفِي الأولى آكِد للاتفاق عَلَيْهَا فَائِدَة الشَّيْطَان اسْم لكل متمرد مَأْخُوذ من شطن إِذا بعد وَقيل من شاط إِذا احْتَرَقَ والرجيم المطرود وَقيل المرجوم وَيسن الْإِسْرَار بِدُعَاء الِافْتِتَاح والتعوذ فِي السّريَّة والجهرية كَسَائِر الْأَذْكَار المسنونة (و) الْخَامِسَة (الْجَهْر) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعه) فَيسنّ لغير الْمَأْمُوم أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْح وأولتي العشاءين وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وخسوف الْقَمَر وَالِاسْتِسْقَاء والتراويح ووتر رَمَضَان وركعتي الطّواف لَيْلًا أَو وَقت الصُّبْح (والإسرار) بهَا (فِي مَوْضِعه) فيسر فِي غير مَا ذكر إِلَّا فِي نَافِلَة اللَّيْل الْمُطلقَة فيتوسط فِيهَا بَين الْإِسْرَار والجهر إِن لم يشوش على نَائِم أَو مصل أَو نَحوه وَمحل الْجَهْر والتوسط فِي الْمَرْأَة حَيْثُ لَا يسمع أَجْنَبِي وَوَقع فِي الْمَجْمُوع مَا يُخَالِفهُ فِي الْخُنْثَى وأجبت عَنهُ فِي شرح الْمِنْهَاج وَالْعبْرَة فِي الْجَهْر والإسرار فِي الْفَرِيضَة المقضية بِوَقْت الْقَضَاء لَا بِوَقْت الْأَدَاء قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن يلْحق بهَا الْعِيد وَالْأَشْبَه خِلَافه كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْمَجْمُوع فِي بَاب صفة صَلَاة الْعِيدَيْنِ قبيل بَاب التَّكْبِير عملا بِأَصْل أَن الْقَضَاء يَحْكِي الْأَدَاء وَلِأَن الشَّرْع ورد بالجهر بِصَلَاتِهِ فِي مَحل الْإِسْرَار فيستصحب (و) السَّادِسَة (التَّأْمِين) عقب الْفَاتِحَة بعد سكتة لَطِيفَة لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاة وخارجها لِلِاتِّبَاعِ بِمد وَقصر وَالْمدّ أفْصح وَأشهر فآمين اسْم فعل بِمَعْنى استجب مَبْنِيّ على الْفَتْح وتخفف الْمِيم فِيهِ وَلَو شدده لم تبطل الصلاته لقصده الدُّعَاء وَيسن فِي جهرية جهر بهَا وَأَن يُؤمن الْمَأْمُوم مَعَ تَأْمِين إِمَامه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه فَائِدَة فِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ حِكَايَة أَقْوَال كَثِيرَة فِي آمين من أحْسنهَا قَول وهب بن مُنَبّه آمين أَرْبَعَة أحرف يخلق الله تَعَالَى من كل حرف ملكا يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لمن يَقُول آمين وَخرج ب فِي جهرية السّريَّة فَلَا جهر بالتأمين فِيهَا وَلَا معية بل يُؤمن الإِمَام وَغَيره سرا مُطلقًا (و) السَّابِعَة (قِرَاءَة السُّورَة) وَلَو قَصِيرَة (بعد) قِرَاءَة (الْفَاتِحَة) فِي رَكْعَتَيْنِ أوليين لغير الْمَأْمُوم من إِمَام ومنفرد جهرية كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الصَّلَاة أَو سَرِيَّة لِلِاتِّبَاعِ أما الْمَأْمُوم فَلَا تسن لَهُ السُّورَة إِن سمع للنَّهْي عَن قِرَاءَته لَهَا بل يستمع قِرَاءَة إِمَامه فَإِن لم يسْمعهَا لصمم أَو بعد أَو سَماع صَوت لم يفهمهُ أَو إسرار إِمَامه وَلَو فِي جهرية قَرَأَ سُورَة إِذْ لَا معنى لسكوته فَإِن سبق الْمَأْمُوم بأوليين من صَلَاة إِمَامه بِأَن لم يدركهما مَعَه قَرَأَهَا فِي بَاقِي صلَاته إِذا تَدَارُكه إِن لم يكن قَرَأَهَا فِيمَا أدْركهُ وَإِلَّا سَقَطت عَنهُ لكَونه مَسْبُوقا لِئَلَّا تَخْلُو صلَاته عَن السُّورَة بِلَا عذر وَيسن أَن يطول من تسن لَهُ السُّورَة قِرَاءَة أولى على ثَانِيَة لِلِاتِّبَاعِ نعم إِن ورد نَص بتطويل الثَّانِيَة اتبع كَمَا فِي مَسْأَلَة الزحام أَنه يسن للْإِمَام تَطْوِيل الثَّانِيَة ليلحقه منتظر السُّجُود وَيسن لمنفرد وَإِمَام مَحْصُورين فِي صبح طوال الْمفصل وَفِي ظهر قريب مِنْهَا وَفِي عصر وعشاء أوساطه وَفِي مغرب قصاره وَفِي صبح جُمُعَة فِي أولى {الم تَنْزِيل} وَفِي الثَّانِيَة {هَل أَتَى} لِلِاتِّبَاعِ (و) الثَّامِنَة (التَّكْبِيرَات عِنْد) ابْتِدَاء (الْخَفْض) لركوع وَسُجُود (و) عِنْد ابْتِدَاء (الرّفْع) من السُّجُود ويمده إِلَى انْتِهَاء الْجُلُوس وَالْقِيَام (و) التَّاسِعَة (قَول سمع الله لمن حَمده) أَي تقبل الله مِنْهُ حَمده وَلَو قَالَ من حمد الله سمع لَهُ كفى (و) قَول (رَبنَا لَك الْحَمد) أَو (اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد) وبواو فيهمَا قبل (لَك) ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد أَي بعدهمَا كالكرسي {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَأَن يزِيد مُنْفَرد وَإِمَام قوم مَحْصُورين راضين بالتطويل أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد أَي الْغَنِيّ مِنْك أَي عنْدك الْجد لِلِاتِّبَاعِ ويجهر الإِمَام بسمع الله لمن حَمده وَيسر بربنا لَك الْحَمد وَيسر غَيره بهما نعم الْمبلغ يجْهر بِمَا يجْهر بِهِ الإِمَام وَيسر بِمَا يسر بِهِ كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ ناقل وَتَبعهُ عَلَيْهِ جمع من شارحي الْمِنْهَاج وَبَالغ بَعضهم فِي التشنيع على تَارِك الْعَمَل بِهِ بل استحسنه فِي الْمُهِمَّات وَقَالَ يَنْبَغِي مَعْرفَتهَا لِأَن غَالب عمل النَّاس على خِلَافه اه وَترك هَذَا من جهل الْأَئِمَّة والمؤذنين (و) الْعَاشِرَة (التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لِلِاتِّبَاعِ وَتكره الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَغَيره من بَقِيَّة الْأَركان غير الْقيام كَمَا فِي الْمَجْمُوع (و) الْحَادِيَة عشرَة التَّسْبِيح فِي (السُّجُود) بِأَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ وَيزِيد مُنْفَرد وَإِمَام مَحْصُورين راضين بالتطويل اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك امنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ وَيسن الدُّعَاء فِي السُّجُود لخَبر مُسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فَأَكْثرُوا الدُّعَاء أَي فِي سُجُودكُمْ وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص الْعَظِيم بِالرُّكُوعِ والأعلى بِالسُّجُود كَمَا فِي الْمُهِمَّات أَن الْأَعْلَى أفعل تَفْضِيل وَالسُّجُود فِي غَايَة التَّوَاضُع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 لما فِيهِ من وضع الْجَبْهَة الَّتِي هِيَ أشرف الْأَعْضَاء على مواطىء الْأَقْدَام وَلِهَذَا كَانَ أفضل من الرُّكُوع فَجعل الأبلغ مَعَ الأبلغ انْتهى (و) الثَّانِيَة عشرَة (وضع) رُؤُوس أَصَابِع (الْيَدَيْنِ على) طرف (الفخذين) فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ناشرا أَصَابِعه مَضْمُومَة للْقبْلَة كَمَا فِي السُّجُود وَفِي التَّشَهُّد الأول وَفِي الْأَخير (يبسط) يَده (الْيُسْرَى) مَعَ ضم أصابعها فِي تشهده إِلَى جِهَة الْقبْلَة بِأَن لَا يفرج بَينهَا لتتوجه كلهَا إِلَى الْقبْلَة (وَيقبض) أَصَابِع يَده (الْيُمْنَى) كلهَا (إِلَّا المسبحة) وَهِي بِكَسْر الْبَاء الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يرسلها و (يُشِير بهَا) أَي يرفعها مَعَ إمالتها قَلِيلا حَال كَونه (متشهدا) عِنْد قَوْله إِلَّا الله لِلِاتِّبَاعِ ويديم رَفعهَا ويقصد من ابْتِدَائه بِهَمْزَة إِلَّا الله أَن المعبود وَاحِد فَيجمع فِي توحيده بَين اعْتِقَاده وَقَوله وَفعله وَلَا يحركها لِلِاتِّبَاعِ فَلَو حركها كره وَلم تبطل صلَاته وَالْأَفْضَل قبض الْإِبْهَام بجنبها بِأَن يَضَعهَا تحتهَا على طرف رَاحَته لِلِاتِّبَاعِ فَلَو أرسلها مَعهَا أَو قبضهَا فَوق الْوُسْطَى أَو حلق بَينهمَا أَو وضع أُنْمُلَة الْوُسْطَى بَين عقدتي الْإِبْهَام أَتَى بِالسنةِ لَكِن مَا ذكر أفضل (و) الثَّالِثَة عشرَة (الافتراش) بِأَن يجلس على كَعْب يسراه بِحَيْثُ يَلِي ظهرهَا الأَرْض وَينصب يمناه وَيَضَع أَطْرَاف أَصَابِعه مِنْهَا للْقبْلَة يفعل ذَلِك (فِي جَمِيع الجلسات) الْخمس وَهِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وجلوس الْمَسْبُوق وجلوس الساهي وجلوس الْمُصَلِّي قَاعِدا للْقِرَاءَة (و) الرَّابِعَة عشرَة (التورك) وَهُوَ كالافتراش لَكِن يخرج يسراه من جِهَة يَمِينه ويلصق وركه للْأَرْض لِلِاتِّبَاعِ (فِي الجلسة الْأَخِيرَة) فَقَط وحكمته التَّمْيِيز بَين جُلُوس التشهدين ليعلم الْمَسْبُوق حَالَة الإِمَام (و) الْخَامِسَة عشرَة (التسليمة الثَّانِيَة) على الْمَشْهُور فِي الرَّوْضَة إِلَّا أَن يعرض لَهُ عقب الأولى مَا يُنَافِي صلَاته فَيجب الِاقْتِصَار على الأولى وَذَلِكَ كَأَن خرج وَقت الْجُمُعَة بعد الأولى أَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح أَو شكّ فِيهَا أَو تخرق الْخُف أَو نوى الْقَاصِر الْإِقَامَة أَو انكشفت عَوْرَته أَو سقط عَلَيْهِ نجس لَا يُعْفَى عَنهُ أَو تبين لَهُ خَطؤُهُ فِي الِاجْتِهَاد أَو عتقت أمة مكشوفة الرَّأْس وَنَحْوه أَو وجد العاري ستْرَة وَيسن إِذا أَتَى بالتسليمتين أَن يفصل بَينهمَا كَمَا صرح بِهِ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء وَأَن تكون الأولى يَمِينا وَالْأُخْرَى شمالا ملتفتا فِي التسليمة الأولى حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْمن فَقَط وَفِي التسليمة الثَّانِيَة حَتَّى يرى خَدّه الْأَيْسَر كَذَلِك فيبتدىء بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ يلْتَفت وَيتم سَلَامه بِتمَام التفاته نَاوِيا السَّلَام على من الْتفت هُوَ إِلَيْهِ من مَلَائِكَة ومؤمني إنس وجن فينويه بِمرَّة الْيَمين على من عَن يَمِينه وبمرة الْيَسَار على من عَن يسَاره وينويه على من خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأولَى أولى وَيَنْوِي مَأْمُوم الرَّد على من سلم عَلَيْهِ من إِمَام ومأموم فينويه من على يَمِين الْمُسلم بالتسليمة الثَّانِيَة وَمن على يسَاره بالتسليمة الأولى وَمن خَلفه وأمامه بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيسن للْمَأْمُوم كَمَا فِي التَّحْقِيق أَن لَا يسلم إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من تسليمتيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فصل فِيمَا يخْتَلف فِيهِ حكم الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاة كَمَا قَالَ (وَالْمَرْأَة تخَالف الرجل) حَالَة الصَّلَاة (فِي خَمْسَة أَشْيَاء) وَفِي بعض النّسخ أَرْبَعَة أَشْيَاء أما الأول (فالرجل) أَي الذّكر وَإِن كَانَ صَبيا مُمَيّزا (يُجَافِي) أَي يخرج (مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ) فِي رُكُوعه وَسُجُوده لِلِاتِّبَاعِ (و) الثَّانِي (يقل) بِضَم حرف المضارعة أَي يرفع (بَطْنه عَن فخذته فِي السُّجُود) لِأَنَّهُ أبلغ فِي تَمْكِين الْجَبْهَة وَالْأنف من مَحل سُجُوده وَأبْعد من هيئات الكسالى كَمَا هُوَ فِي شرح مُسلم عَن الْعلمَاء (و) الثَّالِث (يجْهر فِي مَوضِع الْجَهْر) الْمُتَقَدّم بَيَانه فِي الْفَصْل قبله (و) الرَّابِع (إِذا نابه) أَي أَصَابَهُ (شَيْء فِي الصَّلَاة) كتنبيه إِمَامه على سَهْو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خشِي وُقُوعه فِي مَحْذُور (سبح) أَي قَالَ سُبْحَانَ الله لخَبر الصَّحِيحَيْنِ من نابه شَيْء فِي صلَاته فليسبح وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء وَيعْتَبر فِي التَّسْبِيح أَن يقْصد بِهِ الذّكر أَو الذّكر والإعلام وَإِلَّا بطلت صلَاته (و) الْخَامِس (عَورَة الرجل) أَي الذّكر وَإِن كَانَ صَغِيرا حرا كَانَ أَو غَيره وَيتَصَوَّر فِي غَيره الْمُمَيز فِي الطّواف (مَا بَين سرته وركبته) لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَإِذا زوج أحدكُم أمته عَبده أَو أجيره فَلَا تنظر أَي الْأمة إِلَى عَوْرَته والعورة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة أما السُّرَّة وَالركبَة فليسا من الْعَوْرَة وَإِن وَجب ستر بعضهما لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب (و) أما (الْمَرْأَة) أَي الْأُنْثَى وَإِن كَانَت صَغِيرَة مُمَيزَة وَمثلهَا الْخُنْثَى فَإِنَّهَا تخَالف الرجل فِي هَذِه الْخَمْسَة أُمُور الأول أَنَّهَا (تضم بَعْضهَا إِلَى بعض) بِأَن تلصق مرفقيها لجنبيها فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود (و) الثَّانِي أَن (تلصق بَطنهَا لفخذيها) فِي السُّجُود لِأَنَّهُ أستر لَهَا (و) الثَّالِث أَنَّهَا (تخْفض صَوتهَا) إِن صلت (بِحَضْرَة الرِّجَال) دفعا للفتنة وَإِن كَانَ الْأَصَح أَن صَوتهَا لَيْسَ بِعَوْرَة (و) الرَّابِع (إِذا نابها) أَي أَصَابَهَا (شَيْء) مِمَّا مر (فِي الصَّلَاة) أَي صلَاتهَا (صفقت) للْحَدِيث الْمَار بِضَرْب بطن كف أَو ظهرهَا على ظهر أُخْرَى أَو ضرب ظهر كف على بطن أُخْرَى لَا بِضَرْب بطن كل مِنْهُمَا على بطن أُخْرَى فَإِن فعلته على وَجه اللّعب وَلَو ظهرا على ظهر عَالِمَة بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاتهَا وَإِن قل لمنافاته للصَّلَاة تَنْبِيه لَو صفق الرجل وَسبح غَيره جَازَ مَعَ مخالفتهما السّنة وَالْمرَاد بَيَان التَّفْرِقَة بَينهمَا فِيمَا ذكر لَا بَيَان حكم التَّنْبِيه وَإِلَّا فإنذار الْأَعْمَى وَنَحْوه وَاجِب فَإِن لم يحصل الْإِنْذَار إِلَّا بالْكلَام أَو بِالْفِعْلِ الْمُبْطل وَجب وَتبطل الصَّلَاة بِهِ على الْأَصَح (و) الْخَامِس (جَمِيع بدن) الْمَرْأَة (الْحرَّة) وَلَو صَغِيرَة مُمَيزَة (عَورَة) فِي الصَّلَاة (إِلَّا وَجههَا وكفيها) ظهرهما وبطنهما من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى الكوعين لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا هُوَ الْوَجْه والكفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (وَالْأمة) وَلَو مبعضة (كَالرّجلِ) عورتها مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وألحقت بِالرجلِ بِجَامِع أَن رَأس كل مِنْهُمَا لَيست بِعَوْرَة فَائِدَة السُّرَّة الْموضع الَّذِي يقطع من الْمَوْلُود والسر مَا يقطع من سرته وَلَا يُقَال لَهُ سرة لِأَن السُّرَّة لَا تقطع كَمَا مر تَنْبِيه الْخُنْثَى كالأنثى رقا وحرية فَإِن اقْتصر الْخُنْثَى الْحر على ستر مَا بَين سرته وركبته لم تصح صلَاته على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة والأفقه فِي الْمَجْمُوع للشَّكّ فِي السّتْر وَصحح فِي التَّحْقِيق الصِّحَّة وَنقل فِي الْمَجْمُوع فِي نواقض الْوضُوء عَن الْبَغَوِيّ وَكثير الْقطع بِهِ للشَّكّ فِي عَوْرَته وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وعَلى الأول يجب الْقَضَاء وَإِن بَان ذكرا للشَّكّ حَال الصَّلَاة وَالْأولَى حمل الأول على مَا إِذا شرع فِي الصَّلَاة وَهُوَ سَاتِر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَالثَّانِي على مَا إِذا شرع وَهُوَ سَاتِر لجَمِيع بدنه وانكشف مِنْهُ مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة لِأَن صلَاته قد انْعَقَدت وشككنا فِي الْمُبْطل وَالْأَصْل عَدمه وَهَذَا الْحمل وَإِن كَانَ بَعيدا فَهُوَ أولى من التَّنَاقُض كَمَا مر فصل فِيمَا يبطل الصَّلَاة (وَالَّذِي يبطل الصَّلَاة) المنعقدة أُمُور الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (أحد عشر شَيْئا) الأول (الْكَلَام) أَي النُّطْق بِكَلَام الْبشر بلغَة الْعَرَب وبغيرها بحرفين فَأكْثر أفهما كقم وَلَو لمصْلحَة الصَّلَاة كَقَوْلِه لَا تقم أَو اقعد أَو لَا كعن وَمن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس والحرفان من جنس الْكَلَام وتخصيصه بالمفهم فَقَط اصْطِلَاح حَادث للنحاة أَو حرف مفهم نَحْو ق من الْوِقَايَة وع من الوعي وَكَذَا مُدَّة بعد حرف وَإِن لم يفهم نَحْو آوالمد ألف أَو وَاو أَو يَاء فالممدود فِي الْحَقِيقَة حرفان وَيسْتَثْنى من ذَلِك إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته مِمَّن ناداه والتلفظ بقربة كنذر وَعتق بِلَا تَعْلِيق وخطاب وَلَو كَانَ النَّاطِق بذلك مكْرها لندرة الْإِكْرَاه فِيهَا وَشَرطه فِي الِاخْتِيَار (الْعمد) مَعَ الْعلم بِتَحْرِيمِهِ وَأَنه فِي صَلَاة فَلَا تبطل بِقَلِيل كَلَام نَاسِيا للصَّلَاة أَو سبق إِلَيْهِ لِسَانه أَو جهل تَحْرِيمه فِيهَا وَإِن علم تَحْرِيم جنس الْكَلَام فِيهَا وَقرب إِسْلَامه أَو بعد عَن الْعلمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بِخِلَاف من بعد إِسْلَامه وَقرب من الْعلمَاء لتَقْصِيره بترك التَّعَلُّم والتنحنح والضحك والبكاء وَلَو من خوف الْآخِرَة والأنين والتأوه والنفخ من الْفَم أَو الْأنف إِن ظهر بِوَاحِد من ذَلِك حرفان بطلت صلَاته وَإِلَّا فَلَا وَلَو سلم إِمَامه فَسلم مَعَه ثمَّ سلم الإِمَام ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُوم قد سلمت قبل هَذَا فَقَالَ كنت نَاسِيا لم تبطل صَلَاة وَاحِد مِنْهُمَا وَيسلم الْمَأْمُوم وَينْدب لَهُ سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ تكلم بعد انْقِطَاع الْقدْوَة وَلَو سلم الْمُصَلِّي من اثْنَتَيْنِ ظَانّا كَمَال صلَاته فكالجاهل كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الصّيام أما الْكثير من ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يعْذر فِيهِ لِأَنَّهُ يقطع نظم الصَّلَاة والقليل يحْتَمل لقلته وَلِأَن السَّبق وَالنِّسْيَان فِي الْكثير نَادِر وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين الصَّوْم حَيْثُ لَا يبطل بِالْأَكْلِ الْكثير على الْأَصَح أَن الْمُصَلِّي متلبس بهيئة مذكرة للصَّلَاة يبعد مَعهَا النسْيَان بِخِلَاف الصَّائِم القَوْل فِي حكم التنحنح ويعذر فِي الْيَسِير عرفا من التنحنح وَنَحْوه مِمَّا مر وَغَيره كالسعال والعطاس وَإِن ظهر مِنْهُ حرفان وَلَو من كل نفخة وَنَحْوهَا للغلبة إِذْ لَا تَقْصِير ويعذر فِي التنحنح لتعذر ركن قولي أما إِذا كثر التنحنح وَنَحْوه للغلبة كَأَن ظهر مِنْهُ حرفان من ذَلِك فَأكْثر فَإِن صلَاته تبطل كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ فِي الضحك والسعال وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا لِأَن ذَلِك يقطع نظم الصَّلَاة وَمحل هَذَا إِذا لم يصر السعال وَنَحْوه مَرضا ملازما لَهُ أما إِذا صَار السعال وَنَحْوه كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يضر كمن بِهِ سَلس بَوْل وَنَحْوه بل أولى وَلَا يعْذر فِي يسير التنحنح للجهر لِأَنَّهُ سنة لَا ضَرُورَة إِلَى التنحنح لَهُ وَفِي معنى الْجَهْر سَائِر السّنَن كَقِرَاءَة السُّورَة والقنوت وتكبيرات الِانْتِقَالَات فروع لَو جهل بُطْلَانهَا بالتنحنح مَعَ علمه بِتَحْرِيم الْكَلَام فمعذور لخفاء حكمه على الْعَوام وَلَو علم تَحْرِيم الْكَلَام وَجَهل كَونه مُبْطلًا لم يعْذر كَمَا لَو علم تَحْرِيم شرب الْخمر دون إِيجَابه الْحَد فَإِنَّهُ يحد إِذْ من حَقه بعد الْعلم بِالتَّحْرِيمِ الْكَفّ وَلَو تكلم نَاسِيا لتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة بطلت كنسيان النَّجَاسَة على ثَوْبه صرح بِهِ الْجُوَيْنِيّ وَغَيره وَلَو جهل تَحْرِيم مَا أَتَى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 مِنْهُ مَعَ علمه بِتَحْرِيم جنس الْكَلَام فمعذور كَمَا شَمله كَلَام ابْن الْمقري فِي روضه وَصرح بِهِ أَصله وَكَذَا لَو سلم نَاسِيا ثمَّ تكلم عَامِدًا أَي يَسِيرا كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الصَّوْم وَلَو تنحنح إِمَامه فَبَان مِنْهُ حرفان لم يُفَارِقهُ حملا على الْعذر لِأَن الظَّاهِر تحرزه عَن الْمُبْطل وَالْأَصْل بَقَاء الْعِبَادَة وَقد تدل كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ قرينَة حَال الإِمَام على خلاف ذَلِك فَتجب الْمُفَارقَة وَلَو لحن فِي الْفَاتِحَة لحنا يُغير الْمَعْنى وَجَبت مُفَارقَته لَكِن لَا تجب مُفَارقَته فِي الْحَال بل حَتَّى يرْكَع لجَوَاز أَنه لحن سَاهِيا وَقد يتَذَكَّر فَيُعِيد الْفَاتِحَة وَلَو نطق بنظم الْقُرْآن بِقصد التفهيم ك {يَا يحيى خُذ الْكتاب} فهما بِهِ من اسْتَأْذن أَنه يَأْخُذ شَيْئا إِن قصد مَعَ التفهيم قِرَاءَة لم تبطل وَإِلَّا بطلت وَتبطل بمنسوخ التِّلَاوَة وَإِن لم ينْسَخ حكمه لَا بمنسوخ الحكم دون التِّلَاوَة وَلَا تبطل بِالذكر وَالدُّعَاء وَإِن لم يندبا إِلَّا أَن يُخَاطب بِهِ كَقَوْلِه لعاطس رَحِمك الله وَكَذَا تبطل بخطاب مَا لَا يعقل كَقَوْلِه يَا أَرض رَبِّي وَرَبك الله أعوذ بِاللَّه من شرك وَمن شَرّ مَا فِيك أما خطاب الْخَالِق كإياك نعْبد وخطاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالسلام عَلَيْك فِي التَّشَهُّد فَلَا يضر وَمُقْتَضى كَلَام الرَّافِعِيّ أَن خطاب الْمَلَائِكَة وَبَاقِي الْأَنْبِيَاء تبطل بِهِ الصَّلَاة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْمُتَّجه كَمَا قَالَه الْإِسْنَوِيّ أَن إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفِعْلِ كإجابته بالْقَوْل وَلَا تجب إِجَابَة الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاة بل تحرم فِي الْفَرْض وَتجوز فِي النَّفْل وَالْأولَى الْإِجَابَة فِيهِ إِن شقّ عَلَيْهِمَا عدمهَا وَلَو قَرَأَ إِمَامه {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فَقَالَهَا الْمَأْمُوم بطلت صلَاته إِن لم يقْصد تِلَاوَة أَو دُعَاء كَمَا فِي التَّحْقِيق فَإِن قصد ذَلِك لم تبطل وَلَو قَالَ استعنت بِاللَّه أَو استعنا بِاللَّه بطلت صلَاته إِلَّا أَن يقْصد بذلك الدُّعَاء وَلَو سكت طَويلا عمدا فِي غير ركن قصير لم تبطل صلَاته لِأَن ذَلِك لَا يخرم هَيْئَة الصَّلَاة (و) الثَّانِي من الْأَشْيَاء الَّتِي تبطل الصَّلَاة (الْعَمَل) الَّذِي لَيْسَ من جنس الصَّلَاة (الْكثير) فِي الْعرف فَمَا يعده الْعرف قَلِيلا كخلع الْخُف وَلبس الثَّوْب الْخَفِيف فقليل وَكَذَا الخطوتان المتوسطتان والضربتان كَذَلِك وَالثَّلَاث من ذَلِك أَو غَيره كثير إِن توالت سَوَاء أَكَانَت من جنس كخطوات أم أَجنَاس كخطوة وضربة وخلع نعل وَسَوَاء أَكَانَت الخطوات الثَّلَاث بِقدر خطْوَة أم لَا وَلَو فعل وَاحِدَة بنية الثَّلَاث بطلت صلَاته قَالَه العمراني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فَائِدَة الخطوة بِفَتْح الْخَاء هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة وبالضم اسْم لما بَين الْقَدَمَيْنِ وَلَو تردد فِي فعل هَل انْتهى إِلَى حد الْكَثْرَة أم لَا قَالَ الإِمَام ينقدح فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه لَا يُؤثر وَتبطل بالوثبة الْفَاحِشَة لَا الحركات الْخَفِيفَة المتوالية كتحريك أَصَابِعه بِلَا حَرَكَة كَفه فِي سبْحَة أَو عقد أَو حل أَو نَحْو ذَلِك كتحريك لِسَانه أَو أجفانه أَو شَفَتَيْه أَو ذكره مرَارًا وَلَاء فَلَا تبطل صلَاته بذلك إِذْ لَا يخل ذَلِك بهيئة الْخُشُوع والتعظيم فَأشبه الْفِعْل الْقَلِيل وسهو الْفِعْل الْمُبْطل كعمده (و) الثَّالِث (الْحَدث) فَإِن أحدث قبل التسليمة الأولى عمدا كَانَ أَو سَهوا بطلت صلَاته لبُطْلَان طَهَارَته بِالْإِجْمَاع وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن فَاقِد الطهُورَيْنِ إِذا سبقه الْحَدث لم تبطل صلَاته وَجرى على ذَلِك الْإِسْنَوِيّ وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالتَّعْلِيل خرج مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم} فَإِن الربيبة تحرم مُطلقًا فَلفظ الحجور لَا مَفْهُوم لَهُ تَنْبِيه لَو صلى نَاسِيا للْحَدَث أثيب على قَصده لَا على فعله إِلَّا الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يتَوَقَّف على وضوء فَإِنَّهُ يُثَاب على فعله أَيْضا أما الْحَدث بَين التسليمتين فَلَا يضر لِأَن عرُوض الْمُفْسد بعد التَّحَلُّل من الْعِبَادَة لَا يُؤثر وَيسن لمن أحدث فِي صلَاته أَن يَأْخُذ بِأَنْفِهِ ثمَّ ينْصَرف ليوهم أَنه رعف سترا على نَفسه وَيَنْبَغِي أَن يفعل كَذَلِك إِذا أحدث وَهُوَ منتظر للصَّلَاة خُصُوصا إِذا قربت إِقَامَتهَا أَو أُقِيمَت (و) الرَّابِع (حُدُوث النَّجَاسَة) الَّتِي لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي ثَوْبه أَو بدنه حَتَّى دَاخل أَنفه أَو فَمه أَو عينه أَو أُذُنه لقَوْله تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَإِنَّمَا جعل دَاخل الْفَم وَالْأنف هُنَا كظاهرهما بِخِلَاف غسل الْجَنَابَة لغلظ أَمر النَّجَاسَة فَلَو وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة رطبَة أَو يابسة فأزالها فِي الْحَال بقلع ثوب أَو نفض لم يضر وَلَا يجوز أَن ينحي النَّجَاسَة بِيَدِهِ أَو كمه فَإِن فعل بطلت صلَاته فَإِن نحاها بِعُود كَذَا فِي أحد وَجْهَيْن وَهُوَ الْمُعْتَمد تَنْبِيه لَو تنجس ثَوْبه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَلم يجد مَاء يغسلهُ بِهِ وَجب قطع موضعهَا إِن لم تنقص قِيمَته بِالْقطعِ أَكثر من أُجْرَة ثوب يُصَلِّي فِيهِ لَو اكتراه هَذَا مَا قَالَه الشَّيْخَانِ تبعا للمتولي وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من ذَلِك وَمن ثمن المَاء لَو اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَة غسله عِنْد الْحَاجة لِأَن كلا مِنْهُمَا لَو انْفَرد وَجب تَحْصِيله اه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَقيد الشَّيْخَانِ أَيْضا وجوب الْقطع بِحُصُول ستر الْعَوْرَة بالطاهر قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلم يذكرهُ الْمُتَوَلِي وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِقَيْد بِنَاء على أَن من وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة لزمَه ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح اه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر أَيْضا وَلَا تصح صَلَاة ملاق بعض لِبَاسه نَجَاسَة وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته كطرف عمَامَته الطَّوِيل وَخَالف ذَلِك مَا لَو سجد على مُتَّصِل بِهِ حَيْثُ تصح صلَاته إِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَن اجْتِنَاب النَّجَاسَة فِي الصَّلَاة شرع للتعظيم وَهَذَا يُنَافِيهِ وَالْمَطْلُوب فِي السُّجُود كَونه مُسْتَقرًّا على غَيره لحَدِيث مكن جبهتك فَإِذا سجد على مُتَّصِل بِهِ وَلم يَتَحَرَّك بحركته حصل الْمَقْصُود وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 تصح صَلَاة قَابض طرف شَيْء كحبل على نجس وَإِن لم يَتَحَرَّك بحركته لِأَنَّهُ حَامِل لمتصل بِنَجَاسَة فَكَأَنَّهُ حَامِل لَهَا وَلَو كَانَ طرف الْحَبل ملقى على ساجور نَحْو كلب وَهُوَ مَا يَجْعَل فِي عُنُقه أَو مشدودا فِي سفينة صَغِيرَة بِحَيْثُ تنجر بجر الْحَبل لم تصح صلَاته بِخِلَاف سفينة كَبِيرَة لَا تنجر بجره فَإِنَّهَا كَالدَّارِ وَلَا فرق فِي السَّفِينَة بَين أَن تكون فِي الْبر أَو فِي الْبَحْر خلافًا لما قَالَه الْإِسْنَوِيّ من أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْبر لم تبطل قطعا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة وَلَو وصل عظمه لانكساره مثلا بِنَجس لفقد الطَّاهِر الصَّالح للوصل فمعذور فِي ذَلِك فَتَصِح صلَاته مَعَه للضَّرُورَة قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَلَا يلْزمه نَزعه إِذا وجد الطَّاهِر اه وَظَاهره أَنه لَا يجب نَزعه وَإِن لم يخف ضَرَرا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن خَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فِي ذَلِك أما إِذا وَصله بِهِ مَعَ وجود الطَّاهِر الصَّالح أَو لم يحْتَج إِلَى الْوَصْل فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ نَزعه وَإِن لم يخف ضَرَرا ظَاهرا وَهُوَ مَا يُبِيح التَّيَمُّم فَإِن مَاتَ من وَجب عَلَيْهِ النزع لم ينْزع لهتك حرمته ولسقوط التَّكْلِيف عَنهُ وَقَضِيَّة التَّعْلِيل الأول تَحْرِيم النزع وَهُوَ مَا نَقله فِي الْبَيَان عَن عَامَّة الْأَصْحَاب القَوْل فِي حكم الوشم فروع الوشم وَهُوَ غرز الْجلد بالإبرة حَتَّى يخرج الدَّم ثمَّ يذر عَلَيْهِ نَحْو نيلة ليزرق أَو يخضر بِسَبَب الدَّم الْحَاصِل بغرز الْجلد بالإبرة حرَام للنَّهْي عَنهُ فَتجب إِزَالَته إِن لم يخف ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم فَإِن خَافَ لم تجب إِزَالَته وَلَا إِثْم عَلَيْهِ بعد التَّوْبَة وَهَذَا إِذا فعله بِرِضَاهُ بعد بُلُوغه وَإِلَّا فَلَا تلْزمهُ إِزَالَته وَتَصِح صلَاته وإمامته وَلَا ينجس مَا وضع فِيهِ يَده مثلا إِذا كَانَ عَلَيْهَا وشم وَلَو داوى جرحه بدواء نجس أَو خاطه بخيط نجس أَو شقّ موضعا فِي بدنه وَجعل فِيهِ دَمًا فكالجبر بِعظم نجس فِيمَا مر (و) الْخَامِس (انكشاف) شَيْء من (الْعَوْرَة) وَإِن لم يقصر كَمَا لَو طيرت الرّيح سترته إِلَى مَكَان بعيد فَإِن أمكن ستر الْعَوْرَة فِي الْحَال بِأَن كشف الرّيح ثَوْبه فَرده فِي الْحَال لم تبطل صلَاته لانْتِفَاء الْمَحْظُور وَيغْتَفر هَذَا الْعَارِض الْيَسِير (و) السَّادِس (تَغْيِير النِّيَّة) إِلَى غير الْمَنوِي فَلَو قلب صلَاته الَّتِي هُوَ فِيهَا صَلَاة أُخْرَى عَالما عَامِدًا بطلت صلَاته وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِالْمَشِيئَةِ لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو طلق لم تصح صلَاته للمنافاة وَلَو قلب فرضا نفلا مُطلقًا ليدرك جمَاعَة مَشْرُوعَة وَهُوَ مُنْفَرد وَلم يعين فَسلم من رَكْعَتَيْنِ ليدركها صَحَّ ذَلِك أما لَو قَلبهَا نفلا معينا كركعتي الضُّحَى فَلَا تصح صلَاته لافتقاره إِلَى التَّعْيِين أما إِذا لم تشرع الْجَمَاعَة كَمَا لَو كَانَ يُصَلِّي الظّهْر فَوجدَ من يُصَلِّي الْعَصْر فَلَا يجوز الْقطع كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع (و) السَّابِع (استدبار الْقبْلَة) والتحول بِبَعْض صَدره عَنْهَا بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ عذر فقد تقدم فِي مَوْضِعه (و) الثَّامِن (الْأكل) وَلَو قَلِيلا لشدَّة منافاته لَهَا لِأَن ذَلِك يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا إِلَّا أَن يكون نَاسِيا للصَّلَاة أَو جَاهِلا تَحْرِيمه لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو لبعده عَن الْعلمَاء فَلَا تبطل بقليله لعدم منافاته للصَّلَاة أما كَثِيره فَيبْطل مَعَ النسْيَان أَو الْجَهْل بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يبطل بذلك وَفرقُوا بِأَن للصَّلَاة هَيْئَة مذكرة بِخِلَافِهِ وَهَذَا لَا يصلح فرقا فِي جهل التَّحْرِيم وَالْفرق الصَّالح لذَلِك أَن الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ذَات أَفعَال منظومة وَالْفِعْل الْكثير يقطع نظمها بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ كف وَالْمكْره هُنَا كَغَيْرِهِ لندرة الْإِكْرَاه فَلَو كَانَ بفمه سكرة فَبَلع ذوبها بمص وَنَحْوه لَا بمضغ بطلت صلَاته لمنافاته للصَّلَاة كَمَا مر أما المضغ فَإِنَّهُ من الْأَفْعَال فَتبْطل بكثيره وَإِن لم يصل إِلَى الْجوف شَيْء من الممضوغ (و) التَّاسِع (الشّرْب) وَهُوَ كَالْأَكْلِ فِيمَا مر وَمثل الشّرْب ابتلاع الرِّيق الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ إِذْ الْقَاعِدَة أَن كل مَا أبطل الصَّوْم أبطل الصَّلَاة (و) الْعَاشِر (القهقهة) فِي الضحك بِخُرُوج حرفين فَأكْثر والبكاء وَلَو من خوف الْآخِرَة والأنين والتأوه والنفخ من الْفَم أَو الْأنف مثل الضحك إِن ظهر بِوَاحِد مِمَّا ذكر حرفان فَأكْثر كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ (و) الْحَادِي عشر (الرِّدَّة) فِي أَثْنَائِهَا لَا بعد الْفَرَاغ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تبطل الْعَمَل إِلَّا إِذا اتَّصَلت بِالْمَوْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حبطت أَعْمَالهم} وَلَكِن تحبط ثَوَاب عمله كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ القَوْل فِي بَقِيَّة مبطلات الصَّلَاة وَمن مبطلات الصَّلَاة تَطْوِيل الرُّكْن الْقصير عمدا وَهُوَ الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا غير مقصودين كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَهُوَ الْمُعْتَمد وتخلف الْمَأْمُوم عَن إِمَامه بركنين فعليين عمدا وَكَذَا تقدمه بهما عَلَيْهِ عمدا بِغَيْر عذر وابتلاع نخامة نزلت من رَأسه إِن أمكنه مجها وَلم يفعل تَتِمَّة يكره الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة بِوَجْهِهِ يمنة أَو يسرة إِلَّا لحَاجَة فَلَا يكره وَيكرهُ رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وكف شعره أَو ثَوْبه وَمن ذَلِك كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَن يُصَلِّي وشعره معقوص أَو مَرْدُود تَحت عمَامَته أَو ثَوْبه أَو كمه مشمر وَمِنْه شدّ الْوسط وغرز العذبة وَوضع يَده على فِيهِ بِلَا حَاجَة فَإِن كَانَ لَهَا كَمَا إِذا تثاءب فَلَا كَرَاهَة وَيكرهُ الْقيام على رجل وَاحِدَة وَالصَّلَاة حاقنا بالنُّون أَو حاقبا بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَو حاذقا بِالْقَافِ أَو حاقما بِالْمِيم الأول بالبول وَالثَّانِي بالغائط وَالثَّالِث بِالرِّيحِ وَالرَّابِع بالبول وَالْغَائِط وَتكره الصَّلَاة بِحَضْرَة طَعَام مَأْكُول أَو مشروب يتوق إِلَيْهِ وَأَن يبصق قبل وَجهه أَو عَن يَمِينه وَيكرهُ للْمُصَلِّي وضع يَده على خاصرته وَالْمُبَالغَة فِي خفض الرَّأْس عَن الظّهْر فِي رُكُوعه وَتكره الصَّلَاة فِي الْأَسْوَاق والرحاب الْخَارِجَة عَن الْمَسْجِد وَفِي الْحمام وَلَو فِي مسلخه وَفِي الطَّرِيق فِي الْبُنيان دون الْبَريَّة وَفِي المزبلة وَنَحْوهَا كالمجزرة وَفِي الْكَنِيسَة وَهِي معبد النَّصَارَى وَفِي الْبيعَة بِكَسْر الْبَاء وَهِي معبد الْيَهُود وَنَحْوهمَا من أَمَاكِن الْكفْر وَفِي عطن الْإِبِل وَفِي الْمقْبرَة الطاهرة وَهِي الَّتِي لم تنبش أما المنبوشة فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهَا بِغَيْر حَائِل وَيكرهُ اسْتِقْبَال الْقَبْر فِي الصَّلَاة قَالَ صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد فَائِدَة أجمع الْمُسلمُونَ إِلَّا الشِّيعَة على جَوَاز الصَّلَاة على الصُّوف وَفِيه وَلَا كَرَاهَة فِي الصَّلَاة على شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 من ذَلِك إِلَّا عِنْد مَالك فَإِنَّهُ كره الصَّلَاة عَلَيْهِ تَنْزِيها وَقَالَت الشِّيعَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ من نَبَات الأَرْض (القَوْل فِي الستْرَة أَمَام الْمُصَلِّي) وَيسن أَن يُصَلِّي لنَحْو جِدَار كعمود فَإِن عجز عَنهُ فلنحو عَصا مغروزة كمتاع لِلِاتِّبَاعِ فَإِن عجز عَن ذَلِك بسط مصلى كسجادة فَإِن عجز عَنهُ خطّ أَمَامه خطا طولا وَطول الْمَذْكُورَات ثلثا ذِرَاع فَأكْثر وَبَينهَا وَبَين الْمُصَلِّي ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل فَإِذا صلى إِلَى شَيْء من ذَلِك على هَذَا التَّرْتِيب سنّ لَهُ وَلغيره دفع مار بَينه وَبَينهَا وَالْمرَاد بالمصلي والخط أعلاهما وَيحرم الْمُرُور بَينه وَبَينهَا وَإِن لم يجد الْمَار سَبِيلا آخر وَإِذا صلى إِلَى ستْرَة فَالسنة أَن يَجْعَلهَا مُقَابلَة ليمينه أَو شِمَاله وَلَا يصمد إِلَيْهَا بِضَم الْمِيم أَي لَا يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه فصل فِيمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَمَا يجب عِنْد الْعَجز عَن الْقيام وَبَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وَعدد رَكْعَات الْفَرَائِض) فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة غير يَوْم الْجُمُعَة وسفر الْقصر (سَبْعَة عشر رَكْعَة) قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَن زمن الْيَقَظَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سبع عشرَة سَاعَة فَإِن النَّهَار المعتدل اثْنَتَا عشرَة سَاعَة وسهر الْإِنْسَان من أول اللَّيْل ثَلَاث سَاعَات وَمن آخِره ساعتان إِلَى طُلُوع الْفجْر فَجعل لكل سَاعَة رَكْعَة اه (وفيهَا) أَي الْفَرَائِض (أَربع وَثَلَاثُونَ سَجْدَة) لِأَن فِي كل رَكْعَة سَجْدَتَيْنِ (و) فِيهَا (أَربع وَتسْعُونَ تَكْبِيرَة) بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على السِّين لِأَن فِي كل ربَاعِية اثْنَتَيْنِ وَعشْرين تَكْبِيرَة بتكبيرة الْإِحْرَام فيجتمع مِنْهَا سِتَّة وَسِتُّونَ تَكْبِيرَة وَفِي الثنائية إِحْدَى عشرَة تَكْبِيرَة وَفِي الثلاثية سبع عشرَة تَكْبِيرَة فجملتها أَربع وَتسْعُونَ تَكْبِيرَة (و) فِيهَا (تسع تشهدات) لِأَن فِي الثنائية تشهدا وَاحِدًا وَفِي كل من الْبَاقِي تشهدين (و) فِيهَا (عشر تسليمات) لِأَن فِي كل صَلَاة تسليمتين (و) فِيهَا (مائَة وَثَلَاث وَخَمْسُونَ تَسْبِيحَة) لِأَن فِي كل رَكْعَة تسع تسبيحات مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة عشر فتبلغ مَا ذكره تَفْصِيل ذَلِك فِي الثنائية ثَمَانِيَة عشر وَفِي الثلاثية سَبْعَة وَعِشْرُونَ وَفِي الرّبَاعِيّة مائَة وَثَمَانِية أما يَوْم الْجُمُعَة فعدد ركعاته خمس عشرَة رَكْعَة فِيهَا خَمْسَة عشر رُكُوعًا وَثَلَاثُونَ سَجْدَة وَثَلَاث وَثَمَانُونَ تَكْبِيرَة وَمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَة وثمان تشهدات وَأما سفر الْقصر فعدد ركعاته للقاصر إِحْدَى عشرَة رَكْعَة فِيهَا أحد عشر رُكُوعًا وَاثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَجْدَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ تَكْبِيرَة وتسع وَتسْعُونَ تَسْبِيحَة بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على السِّين فيهمَا وست تشهدات وَأما السَّلَام فَلَا يخْتَلف عدده فِي كل الْأَحْوَال (وَجُمْلَة الْأَركان فِي الصَّلَاة) الْمَفْرُوضَة وَهِي الْخمس (مائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ ركنا) الأولى سبع بِتَقْدِيم السِّين وَعِشْرُونَ إِذْ التَّرْتِيب ركن كَمَا سبق ثمَّ ذكر تَفْصِيله بقوله (فِي الصُّبْح) من ذَلِك (ثَلَاثُونَ ركنا) النِّيَّة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالرُّكُوع والطمأنينة فِيهِ وَالرَّفْع من الرُّكُوع والطمأنينة فِيهِ وَالسُّجُود الأول والطمأنينة فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ والطمأنينة فِيهِ والسجدة الثَّانِيَة والطمأنينة فِيهَا والركعة الثَّانِيَة كالأولى مَا عدا النِّيَّة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وتزيد الْجُلُوس للتَّشَهُّد وَقِرَاءَة التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده والتسليمة الأولى وَسكت عَن التَّرْتِيب وَقد علمت أَنه من الْأَركان وعد كل سَجْدَة ركنا وَهُوَ خلاف مَا قدمه فِي الْأَركان من عدهما ركنا وَاحِدًا وَهُوَ خلاف لَفْظِي (وَفِي الْمغرب) من ذَلِك (اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ركنا) الأولى ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ لما عرفت أَن التَّرْتِيب ركن أَولهَا النِّيَّة وَآخِرهَا التسليمة الأولى وَفِي (كل) من الصَّلَاة (الرّبَاعِيّة) من ذَلِك (أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ ركنا) الأولى خمس وَخَمْسُونَ بِزِيَادَة التَّرْتِيب أَولهَا النِّيَّة وَآخِرهَا التسليمة الأولى كَمَا علم ذَلِك من عدهَا فِي الصُّبْح فَلَا نطيل بِذكرِهِ القَوْل فِي حكم من عجز عَن الْقيام فِي الصَّلَاة أَو وَالْقعُود ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي بقوله (وَمن عجز عَن الْقيام) فِي الْفَرِيضَة (صلى جَالِسا) للْحَدِيث السَّابِق وللإجماع على أَي صفة شَاءَ لإِطْلَاق الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَا ينقص ثَوَابه عَن ثَوَاب الْمُصَلِّي قَائِما لِأَنَّهُ مَعْذُور قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَا نعني بِالْعَجزِ عدم الْإِمْكَان فَقَط بل فِي مَعْنَاهُ خوف الْهَلَاك أَو الْفرق وَزِيَادَة الْمَرَض أَو خوف مشقة شَدِيدَة أَو دوران الرَّأْس فِي حق رَاكب السَّفِينَة كَمَا تقدم بعض ذَلِك كُله قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الَّذِي اخْتَارَهُ الإِمَام فِي ضبط الْعَجز أَن تلْحقهُ مشقة تذْهب خشوعه لَكِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع إِن الْمَذْهَب خِلَافه اه وَجمع بَين كَلَامي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع بِأَن اذهاب الْخُشُوع ينشأ عَن مشقة شَدِيدَة وافتراشه أفضل من غَيره من الجلسات لِأَنَّهَا هَيْئَة مَشْرُوعَة فِي الصَّلَاة فَكَانَت أولى من غَيرهَا وَيكرهُ الإقعاء هُنَا وَفِي سَائِر قعدات الصَّلَاة بِأَن يجلس الْمُصَلِّي على وركيه وهما أصل فَخذيهِ ناصبا رُكْبَتَيْهِ بِأَن يلصق ألييه بِموضع صلَاته وَينصب فَخذيهِ وساقيه كَهَيئَةِ المستوفز وَمن الإقعاء نوع مُسْتَحبّ عِنْد النَّوَوِيّ وَهُوَ أَن يفرش رجلَيْهِ وَيَضَع ألييه على قَدَمَيْهِ ثمَّ ينحني الْمُصَلِّي قَاعِدا لركوعه بِحَيْثُ تقَابل جَبهته مَا قُدَّام رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا أقل رُكُوعه وأكمله أَن تحاذي جَبهته مَوضِع سُجُوده لِأَنَّهُ يضاهي رُكُوع الْقَائِم فِي الْمُحَاذَاة فِي الْأَقَل والأكمل (وَمن عجز عَن الْجُلُوس) بِأَن ناله من الْجُلُوس تِلْكَ الْمَشَقَّة الْحَاصِلَة من الْقيام (صلى مُضْطَجعا) لجنبه مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ومقدم بدنه وجوبا لحَدِيث عمرَان السَّابِق وكالميت فِي اللَّحْد وَالْأَفْضَل أَن يكون على الْأَيْمن وَيكرهُ على الْأَيْسَر بِلَا عذر كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع (وَمن عجز عَنهُ) أَي عَن الِاضْطِجَاع (صلى مُسْتَلْقِيا) على ظَهره وأخمصاه للْقبْلَة وَلَا بُد من وضع نَحْو وسَادَة تَحت رَأسه ليستقبل بِوَجْهِهِ الْقبْلَة إِلَّا أَن يكون بِالْكَعْبَةِ وَهِي مسقوفة فَالْمُتَّجه جَوَاز الاستلقاء على ظَهره وَكَذَا على وَجهه وَإِن لم تكن مسقوفة لِأَنَّهُ كَيْفَمَا توجه فَهُوَ مُتَوَجّه لجزء مِنْهَا ويركع وَيسْجد بِقدر إِمْكَانه فَإِن قدر الْمُصَلِّي على الرُّكُوع فقد كَرَّرَه للسُّجُود وَمن قدر على زِيَادَة على أكمل الرُّكُوع تعيّنت تِلْكَ الزِّيَادَة للسُّجُود لِأَن الْفرق بَينهمَا وَاجِب على المتمكن (فَإِن عجز) عَمَّا ذكر (أَوْمَأ) بِهَمْزَة (بِرَأْسِهِ) وَالسُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن عجز فببصره فَإِن عجز أجْرى أَفعَال الصَّلَاة بسننها (وَنوى بِقَلْبِه) وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَلَا تسْقط عَنهُ الصَّلَاة وعقله ثَابت لوُجُود منَاط التَّكْلِيف تَتِمَّة لَو قدر فِي أثْنَاء صلَاته على الْقيام أَو الْقعُود أَو عجز عَنهُ أَتَى بالمقدور لَهُ وَبنى على قِرَاءَته وَينْدب إِعَادَتهَا فِي الْأَوَّلين لتقع حَال الْكَمَال فَإِن قدر على الْقيام أَو الْقعُود قبل الْقِرَاءَة قَرَأَ قَائِما أَو قَاعِدا وَلَا تُجزئه قِرَاءَته فِي نهوضه لقدرته عَلَيْهَا فِيمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أكمل مِنْهُ فَلَو قَرَأَ فِيهِ شَيْئا أَعَادَهُ وَتجب الْقِرَاءَة فِي هوي الْعَاجِز لِأَنَّهُ أكمل مِمَّا بعده وَلَو قدر على الْقيام بعد الْقِرَاءَة وَجب الْقيام بِلَا طمأنينة ليركع مِنْهُ لقدرته عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لم تجب الطُّمَأْنِينَة لِأَنَّهُ غير مَقْصُود لنَفسِهِ وَإِن قدر عَلَيْهِ فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة ارْتَفع لَهَا إِلَى حد الرُّكُوع عَن قيام فَإِن انتصب ثمَّ ركع بطلت صلَاته لما فِيهِ من زِيَادَة رُكُوع أَو بعد الطُّمَأْنِينَة فقد تمّ رُكُوعه وَلَا يلْزمه الِانْتِقَال إِلَى حد الراكعين وَلَو قدر فِي الِاعْتِدَال قبل الطُّمَأْنِينَة قَامَ وَاطْمَأَنَّ وَكَذَا بعْدهَا إِن أَرَادَ قنوتا فِي مَحَله وَإِلَّا فَلَا يلْزمه الْقيام لِأَن الِاعْتِدَال ركن قصير فَلَا يطول وَقَضِيَّة الْمُعَلل جَوَاز الْقيام وَقَضِيَّة التَّعْلِيل مَنعه وَهُوَ أوجه فَإِن قنت قَاعِدا بطلت صلَاته فَائِدَة سُئِلَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام عَن رجل يَتَّقِي الشُّبُهَات ويقتصر على مَأْكُول يسد الرمق من نَبَات الأَرْض وَنَحْوه فضعف بِسَبَب ذَلِك عَن الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَالْقِيَام فِي الْفَرَائِض فَأجَاب أَنه لَا خير فِي ورع يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاط فَرَائض الله تَعَالَى فصل فِي سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا وَهُوَ لُغَة نِسْيَان الشَّيْء والغفلة عَنهُ وَاصْطِلَاحا الْغَفْلَة عَن الشَّيْء فِي الصَّلَاة وَإِنَّمَا يسن عِنْد ترك مَأْمُور بِهِ من الصَّلَاة أَو فعل مَنْهِيّ عَنهُ وَلَو بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (والمتروك من الصَّلَاة) فرضا كَانَت أَو نفلا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَهِي (فرض وَسنة) أَي بعض (وهيئة) وَتقدم بَيَانهَا القَوْل فِي حكم ترك الْفَرْض فِي الصَّلَاة (فالفرض) الْمَتْرُوك سَهوا (لَا يَنُوب) أَي لَا يقوم (عَنهُ سُجُود السَّهْو) وَلَا غَيره من سنَن الصَّلَاة (بل) حكمه أَنه (إِن ذكره) قبل سَلَامه أَتَى بِهِ لِأَن حَقِيقَة الصَّلَاة لَا تتمّ بِدُونِهِ وَقد يشرع مَعَ الْإِتْيَان بِهِ السُّجُود كَأَن سجد قبل رُكُوعه سَهوا ثمَّ تذكر فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 يقوم ويركع وَيسْجد لهَذِهِ الزِّيَادَة فَإِن مَا بعد الْمَتْرُوك لَغْو وَقد لَا يشرع السُّجُود لتداركه بِأَن لَا تحصل زِيَادَة كَمَا لَو كَانَ الْمَتْرُوك السَّلَام فتذكره عَن قرب وَلم ينْتَقل من مَوْضِعه فَيسلم من غير سُجُود وَإِن تذكره بعد السَّلَام (وَالزَّمَان قريب) وَلم يطَأ نَجَاسَة (أَتَى بِهِ) وجوبا (وَبنى عَلَيْهِ) بَقِيَّة الصَّلَاة وَإِن تكلم قَلِيلا واستدبر الْقبْلَة وَخرج من الْمَسْجِد (وَسجد للسَّهْو) فَإِن طَال الْفَصْل أَو وطىء نَجَاسَة استأنفها وتفارق هَذِه الْأُمُور وَطْء النَّجَاسَة باحتمالها فِي الصَّلَاة فِي الْجُمْلَة والمرجع فِي طوله وقصره إِلَى الْعرف وَقيل يعْتَبر الْقصر بِالْقدرِ الَّذِي نقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ وَالْمَنْقُول فِي الْخَبَر أَنه قَامَ وَمضى إِلَى نَاحيَة الْمَسْجِد وراجع ذَا الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَة فَأَجَابُوهُ القَوْل فِي حكم ترك الْمسنون والتلبس فِي الْفَرْض ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي فَقَالَ (والمسنون) أَي الْبَعْض الْمَتْرُوك عمدا أَو سَهوا (لَا يعود إِلَيْهِ بعد التَّلَبُّس بِالْفَرْضِ) كَأَن تذكر بعد انتصابه ترك التَّشَهُّد الأول أَي يحرم عَلَيْهِ الْعود لِأَنَّهُ تلبس بِفَرْض فَلَا يقطعهُ لسنة فَإِن عَاد عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته لِأَنَّهُ زَاد قعُودا عمدا وَإِن عَاد لَهُ نَاسِيا أَنه فِي الصَّلَاة فَلَا تبطل لعذره وَيلْزمهُ الْقيام عِنْد تذكره (وَلكنه يسْجد للسَّهْو) لِأَنَّهُ زَاد جُلُوسًا فِي غير مَوْضِعه وَترك التَّشَهُّد وَالْجُلُوس فِي مَوْضِعه أَو جَاهِلا بِتَحْرِيم الْعود فَكَذَا لَا تبطل فِي الْأَصَح كالناسي لِأَنَّهُ مِمَّا يخفى على الْعَوام وَيلْزمهُ الْقيام عِنْد الْعلم وَيسْجد للسَّهْو تَنْبِيه هَذَا فِي الْمُنْفَرد وَالْإِمَام القَوْل فِي حكم الْمَأْمُوم لَو ترك سنة وتلبس بِفَرْض وَأما الْمَأْمُوم فَلَا يجوز لَهُ أَن يتَخَلَّف عَن إِمَامه للتَّشَهُّد فَإِن تخلف بطلت صلَاته لفحش الْمُخَالفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فَإِن قيل قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَو ترك إِمَامه الْقُنُوت فَلهُ أَن يتَخَلَّف ليقنت إِذا لحقه فِي السَّجْدَة الأولى أُجِيب بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لم يحدث فِي تخلفه وقوفا وَهَذَا أحدث فِيهِ جُلُوس تشهد وَلَو قعد الْمَأْمُوم فانتصب الإِمَام ثمَّ عَاد قبل قيام الْمَأْمُوم حرم قعوده مَعَه لوُجُوب الْقيام عَلَيْهِ بانتصاب الإِمَام وَلَو انتصبا مَعًا ثمَّ عَاد لم يعد الْمَأْمُوم لِأَنَّهُ إِمَّا مخطىء بِهِ فَلَا يُوَافقهُ فِي الْخَطَأ أَو عَامِد فَصلَاته بَاطِلَة بل يُفَارِقهُ أَو ينتظره حملا على أَنه عَاد نَاسِيا فَإِن عَاد مَعَه عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا فَلَا وَإِذا انتصب الْمَأْمُوم نَاسِيا وَجلسَ إِمَامه للتَّشَهُّد الأول وَجب عَلَيْهِ الْعود لِأَن الْمُتَابَعَة آكِد مِمَّا ذَكرُوهُ وَمن التَّلَبُّس بِالْفَرْضِ وَلِهَذَا سقط بهَا الْقيام وَالْقِرَاءَة عَن الْمَسْبُوق فَإِن لم يعد بطلت صلَاته إِذا لم ينْو الْمُفَارقَة فَإِن قيل إِذا ظن الْمَسْبُوق سَلام إِمَامه فَقَامَ لزمَه الْعود وَلَيْسَ لَهُ أَن يَنْوِي الْمُفَارقَة أُجِيب بِأَن الْمَأْمُوم هُنَا فعل فعلا للْإِمَام أَن يَفْعَله وَلَا كَذَلِك فِي المستشكل بهَا لِأَنَّهُ بعد فرَاغ الصَّلَاة فَجَاز لَهُ الْمُفَارقَة لذَلِك أما إِذا تعمد التّرْك فَلَا يلْزمه الْعود بل يسن لَهُ كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق وَغَيره وَإِن صرح الإِمَام بِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ وَفرق الزَّرْكَشِيّ بَين هَذِه وَبَين مَا لَو قَامَ نَاسِيا حَيْثُ يلْزمه الْعود كَمَا مر بِأَن الْعَامِد انْتقل إِلَى وَاجِب وَهُوَ الْقيام فَخير بَين الْعود وَعَدَمه لِأَنَّهُ تخير بَين واجبين بِخِلَاف النَّاسِي فَإِن فعله غير مُعْتَد بِهِ لِأَنَّهُ لما كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامه كَالْعدمِ فَتلْزمهُ الْمُتَابَعَة كَمَا لَو لم يقم ليعظم أجره والعامد كالمفوت لتِلْك السّنة بتعمده فَلَا يلْزمه الْعود إِلَيْهَا وَلَو ركع قبل إِمَامه نَاسِيا تخير بَين الْعود والانتظار وَيُفَارق مَا مر من أَنه يلْزمه الْعود فِيمَا لَو قَامَ نَاسِيا لفحش الْمُخَالفَة ثمَّ فيقيد فرق الزَّرْكَشِيّ بذلك أَو عَامِدًا سنّ لَهُ الْعود وَلَو ظن الْمُصَلِّي قَاعِدا أَنه تشهد التَّشَهُّد الأول فَافْتتحَ الْقِرَاءَة للثالثة لم يعد إِلَى قِرَاءَة التَّشَهُّد وَإِن سبقه لِسَانه بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ذَاكر أَنه لم يتَشَهَّد جَازَ لَهُ الْعود إِلَى قِرَاءَة التَّشَهُّد لِأَن تعمد الْقِرَاءَة كتعمد الْقيام وَسبق اللِّسَان إِلَيْهَا غير مُعْتَد بِهِ وَلَو نسي قنوتا فَذكره فِي سُجُوده لم يعد لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 لتلبسه بِفَرْض أَو قبله بِأَن لم يضع جَمِيع أَعْضَاء السُّجُود حَتَّى لَو رفع الْجَبْهَة فَقَط أَو بعض أَعْضَاء السُّجُود جَازَ لَهُ الْعود لعدم التَّلَبُّس بِالْفَرْضِ وَسجد للسَّهْو إِن بلغ أقل الرُّكُوع فِي هويه لِأَنَّهُ زَاد رُكُوعًا سَهوا والعمد بِهِ مُبْطل لِأَن ضَابِط ذَلِك أَن ماأبطل عمده كركوع زَائِد أَو سُجُود سجد لسَهْوه وَمَا لَا كالالتفات والخطوتين لم يسْجد لسَهْوه وَلَا لعمده لعدم وُرُود السُّجُود لَهُ وَلَو قَامَ لخامسة فِي ربَاعِية نَاسِيا ثمَّ تذكر قبل جُلُوسه عَاد إِلَى الْجُلُوس فَإِن كَانَ قد تشهد فِي الرَّابِعَة أَو لم يتَذَكَّر حَتَّى قَرَأَهُ فِي الْخَامِسَة أَجزَأَهُ وَلَو ظَنّه التَّشَهُّد الأول ثمَّ يسْجد للسَّهْو وَإِن كَانَ لم يتَشَهَّد أَتَى بِهِ ثمَّ سجد للسَّهْو وَسلم وَلَو شكّ فِي ترك بعض معِين كقنوت سجد لِأَن الأَصْل عدم الْفِعْل بِخِلَاف الشَّك فِي ترك مَنْدُوب فِي الْجُمْلَة لِأَن الْمَتْرُوك قد لَا يَقْتَضِي السُّجُود بِخِلَاف الشَّك فِي ترك بعض مُبْهَم كَأَن شكّ فِي الْمَتْرُوك هَل هُوَ بعض أَو لَا لضَعْفه بالإبهام وَبِهَذَا علم أَن للتَّقْيِيد بالمعين معنى خلافًا لمن زعم خِلَافه فَجعل الْمُبْهم كالمعين وَإِنَّمَا يكون كالمعين فِيمَا إِذا علم أَنه ترك بَعْضًا وَشك هَل هُوَ قنوت مثلا أَو تشهد أول أَو غَيره من الأبعاض فَإِنَّهُ فِي هَذِه يسْجد لعلمه بِمُقْتَضى السُّجُود أَو شكّ فِي ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ وَإِن أبطل عمده ككلام قَلِيل فَلَا يسْجد للسَّهْو لِأَن الأَصْل عَدمه وَلَو سَهَا وَشك هَل سَهَا بِالْأولِ أَو بِالثَّانِي سجد لتيقن مقتضيه وَلَو سَهَا وَشك أَسجد للسَّهْو أَو لَا سجد لِأَن الأَصْل عَدمه أَو هَل سجد وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ سجد أُخْرَى القَوْل فِي حكم من ترك الهيئات (والهيئة) كالتسبيحات وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يجْبر بِالسُّجُود (لَا يعود) الْمُصَلِّي (إِلَيْهَا بعد تَركهَا وَلَا يسْجد للسَّهْو عَنْهَا) سَوَاء تَركهَا عمدا أم سَهوا القَوْل فِي حكم من شكّ فِي عدد الرَّكْعَات (وَإِذا شكّ فِي عدد مَا أَتَى بِهِ من الرَّكْعَات) أَهِي ثَالِثَة أم رَابِعَة (بنى على الْيَقِين وَهُوَ) الْعدَد (الْأَقَل) لِأَنَّهُ الأَصْل (وَيَأْتِي) وجوبا (بِمَا بَقِي) فَيَأْتِي بِرَكْعَة لِأَن الأَصْل عدم فعلهَا (وَسجد للسَّهْو) للتردد فِي زِيَادَته وَلَا يرجع فِي فعله إِلَى قَول غَيره كالحاكم إِذا نسي حكمه لَا يَأْخُذ بقول الشُّهُود عَلَيْهِ فَإِن قيل إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجع أَصْحَابه ثمَّ عَاد للصَّلَاة فِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ أُجِيب بِأَن ذَلِك مَحْمُول على تذكره بعد مُرَاجعَته قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيص ذَلِك بِمَا إِذا لم يبلغُوا حد التَّوَاتُر وَهُوَ بحث حسن وَيَنْبَغِي أَنه إِذا صلى فِي جمَاعَة وصلوا إِلَى هَذَا الْحَد أَنه يَكْتَفِي بفعلهم وَالأَصَح أَنه يسْجد وَإِن زَالَ شكه قبل سَلَامه بِأَن تذكر أَنَّهَا رَابِعَة لفعلها مَعَ التَّرَدُّد وَكَذَا حكم مَا يصليه مترددا وَاحْتمل كَونه زَائِدا أَنه يسْجد للتردد فِي زِيَادَته وَإِن زَالَ شكه قبل سَلَامه بِأَن تذكر قبله أَنَّهَا رَابِعَة سجد للتردد فِي زيادتها أما مَا لَا يحْتَمل زِيَادَة كَأَن شكّ فِي رَكْعَة من ربَاعِية أَهِي ثَالِثَة أم رَابِعَة فَتذكر فِيهَا أَنَّهَا ثَالِثَة فَلَا يسْجد لِأَن مَا فعله مِنْهَا مَعَ التَّرَدُّد لَا بُد مِنْهُ وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 شكّ بعد سَلَامه وَإِن قصر الْفَصْل فِي ترك فرض غير نِيَّة وَتَكْبِيرَة تحرم لم يُؤثر لِأَن الظَّاهِر وُقُوع السَّلَام عَن تَمام فَإِن كَانَ الْفَرْض نِيَّة أَو تَكْبِيرَة تحرم اسْتَأْنف لِأَنَّهُ شكّ فِي أصل الِانْعِقَاد وَهل الشَّرْط كالفرض اخْتلف فِيهِ كَلَام النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي الْمَجْمُوع فِي مَوضِع لَو شكّ هَل كَانَ متطهرا أَنه يُؤثر فارقا بِأَن الشَّك فِي الرُّكْن يكثر بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْر وَبِأَن الشَّك فِي الرُّكْن حصل بعد تَيَقّن الِانْعِقَاد وَالْأَصْل الِاسْتِمْرَار على الصِّحَّة بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْر فَإِنَّهُ شكّ فِي الِانْعِقَاد وَالْأَصْل عَدمه قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَمُقْتَضى هَذَا الْفرق أَن تكون الشُّرُوط كلهَا كَذَلِك وَقَالَ فِي الْخَادِم وَهُوَ فرق حسن لَكِن الْمَنْقُول عدم الْإِعَادَة مُطلقًا وَهُوَ الْمُتَّجه وَعلله بالمشقة وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام ابْن الْمقري وَنَقله فِي الْمَجْمُوع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطُّهْر فِي مسح الْخُف عَن جمع والموافق لما نَقله هُوَ عَن الْقَائِلين بِهِ عَن النَّص أَنه لَو شكّ بعد طواف نُسكه هَل طَاف متطهرا أم لَا لَا يلْزمه إِعَادَة الطّواف وَقد نقل عَن الشَّيْخ أبي حَامِد جَوَاز دُخُول الصَّلَاة بطهر مَشْكُوك فِيهِ وَظَاهر أَن صورته أَن يتَذَكَّر أَنه متطهر قبل الشَّك وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِد تَنْبِيه لَا يخفى أَن مُرَادهم بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا يُؤثر بعده الشَّك سَلام لَا يحصل بعده عود إِلَى الصَّلَاة بِخِلَاف غَيره فَلَو سلم نَاسِيا لسجود السَّهْو ثمَّ عَاد وَشك فِي ترك ركن لزمَه تَدَارُكه كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامهم سَهْو الْمَأْمُوم يحملهُ الإِمَام وسهو الْمَأْمُوم حَال قدوته الحسية كَأَن سَهَا عَن التَّشَهُّد الأول أَو الْحكمِيَّة كَأَن سهت الْفرْقَة الثَّانِيَة فِي ثانيتها من صَلَاة ذَات الرّقاع يحملهُ إِمَامه كَمَا يتَحَمَّل عَنهُ الْجَهْر وَالسورَة وَغَيرهمَا كالقنوت وَخرج بِحَال الْقدْوَة سَهْوه قبلهَا كَمَا لَو سَهَا وَهُوَ مُنْفَرد ثمَّ اقْتدى بِهِ فَلَا يتحمله وَإِن اقْتضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف تَرْجِيح تحمله لعدم اقتدائه بِهِ حَال سَهْوه وسهوه بعْدهَا كَمَا لَو سَهَا بعد سَلام إِمَامه سَوَاء أَكَانَ مَسْبُوقا أم مُوَافقا لانْتِهَاء الْقدْوَة فَلَو سلم الْمَسْبُوق بِسَلام إِمَامه فَذكره حَالا بنى على صلَاته وَسجد للسَّهْو لِأَن سَهْوه بعد انْقِضَاء الْقدْوَة وَيُؤْخَذ من الْعلَّة أَنه لَو سلم مَعَه لم يسْجد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَيلْحق الْمَأْمُوم سَهْو إِمَامه غير الْمُحدث وَإِن أحدث الإِمَام بعد ذَلِك لتطرق الْخلَل لصلاته من صَلَاة إِمَامه ولتحمل الإِمَام عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 السَّهْو أما إِذا بَان إِمَامه مُحدثا فَلَا يلْحقهُ سَهْوه وَلَا يتَحَمَّل هُوَ عَنهُ إِذْ لَا قدوة حَقِيقَة حَال السَّهْو فَإِن سجد إِمَامه للسَّهْو لزمَه مُتَابَعَته وَإِن لم يعرف أَنه سَهَا حملا على أَنه سَهَا فَلَو ترك الْمَأْمُوم الْمُتَابَعَة عمدا بطلت صلَاته لمُخَالفَته حَال الْقدْوَة فَإِن لم يسْجد الإِمَام كَأَن تَركه عمدا أَو سَهوا سجد الْمَأْمُوم بعد سَلام الإِمَام جبرا للخلل وَلَو اقْتدى مَسْبُوق بِمن سَهَا بعد اقتدائه أَو قبله سجد مَعَه ثمَّ يسْجد أَيْضا فِي آخر صلَاته لِأَنَّهُ مَحل السَّهْو الَّذِي لحقه فَإِن لم يسْجد الإِمَام سجد الْمَسْبُوق آخر صَلَاة نَفسه لما مر القَوْل فِي حكم سُجُود السَّهْو وَمحله (وَسُجُود السَّهْو) وَإِن كثر السَّهْو (سَجْدَتَانِ) لاقتصاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ تعدده فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلم من ثِنْتَيْنِ وَتكلم وَمَشى لِأَنَّهُ يجْبر مَا قبله وَمَا وَقع فِيهِ وَمَا بعده حَتَّى لَو سجد للسَّهْو ثمَّ سَهَا قبل سَلَامه بِكَلَام أَو غَيره أَو سجد للسَّهْو ثَلَاثًا سَهوا فَلَا يسْجد ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن وُقُوع مثله فِي السُّجُود ثَانِيًا فيتسلسل قَالَ الدَّمِيرِيّ وَهَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا أَبُو يُوسُف الْكسَائي لما ادّعى أَن من تبحر فِي علم اهْتَدَى بِهِ إِلَى سَائِر الْعُلُوم فَقَالَ لَهُ أَنْت إِمَام فِي النَّحْو وَالْأَدب فَهَل تهتدي إِلَى الْفِقْه فَقَالَ سل مَا شِئْت فَقَالَ لَو سجد سُجُود السَّهْو ثَلَاثًا هَل يلْزمه أَن يسْجد قَالَ لَا لِأَن المصغر لَا يصغر وكيفيتهما كسجود الصَّلَاة فِي واجباته ومندوباته كوضع الْجَبْهَة والطمأنينة والتحامل والتنكيس والافتراش فِي الْجُلُوس بَينهمَا والتورك بعدهمَا وَيَأْتِي بِذكر سُجُود الصَّلَاة فيهمَا وَهُوَ (سنة) للأحاديث الْمَارَّة فَلَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهِ (وَمحله) بعد تشهده و (قبل السَّلَام) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم الظّهْر فَقَامَ من الأولتين وَلم يجلس فَقَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا قضى الصَّلَاة وانتظر النَّاس تَسْلِيمه كبر وَهُوَ جَالس فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ سلم رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الزُّهْرِيّ وَفعله قبل السَّلَام هُوَ آخر الْأَمريْنِ من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد يَتَعَدَّد سُجُود السَّهْو صُورَة كَمَا لَو سَهَا إِمَام الْجُمُعَة وسجدوا للسَّهْو فَبَان فَوتهَا أتموها ظهرا وسجدوا ثَانِيًا آخر الصَّلَاة لتبين أَن السُّجُود الأول لَيْسَ فِي آخر الصَّلَاة وَلَو ظن سَهوا فَسجدَ فَبَان عدم السَّهْو سجد للسَّهْو لِأَنَّهُ زَاد سَجْدَتَيْنِ سَهوا وَلَو سجد فِي آخر صَلَاة مَقْصُورَة فَلَزِمَهُ الْإِتْمَام سجد ثَانِيًا فَهَذَا مِمَّا يَتَعَدَّد فِيهِ السُّجُود صُورَة لَا حكما تَتِمَّة لَو نسي من صلَاته ركنا وَسلم مِنْهَا بعد فراغها ثمَّ أحرم عَقبهَا بِأُخْرَى لم تَنْعَقِد لِأَنَّهُ محرم بِالْأولَى فَإِن تذكره قبل طول الْفَصْل بَين السَّلَام وتيقن التّرْك بنى على الأولى وَإِن تخَلّل كَلَام يسير وَلَا يعْتد بِمَا أَتَى بِهِ من الثَّانِيَة أَو بعد طوله استأنفها لبطلانها بطول الْفَصْل فَإِن أحرم بِالْأُخْرَى بعد طول الْفَصْل انْعَقَدت الثَّانِيَة لبُطْلَان الأولى بطول الْفَصْل وَأعَاد الأولى وَلَو دخل فِي الصَّلَاة وَظن أَنه لم يكبر للْإِحْرَام فاستأنف الصَّلَاة فَإِن علم بعد فرَاغ الصَّلَاة الثَّانِيَة أَنه كبر تمت بهَا الأولى وَإِن علم قبل فَرَاغه بنى على الأولى وَسجد للسَّهْو فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى نَاسِيا بِمَا لَو فعله عَامِدًا بطلت صلَاته وَهُوَ الْإِحْرَام الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فصل فِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي تكره فِيهَا الصَّلَاة بِلَا سَبَب وَهِي كَرَاهَة تَحْرِيم كَمَا صَححهُ فِي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع هُنَا وَإِن صحّح فِي التَّحْقِيق وَفِي الطَّهَارَة من الْمَجْمُوع أَنَّهَا كَرَاهَة تَنْزِيه (و) هِيَ (خَمْسَة أَوْقَات لَا يصلى فِيهَا) أَي فِي غير حرم مَكَّة (إِلَّا صَلَاة لَهَا سَبَب) غير مُتَأَخّر فَإِنَّهَا تصح كفائتة وَصَلَاة كسوف واستسقاء وَطواف وتحية وَسنة وضوء وَسجْدَة تِلَاوَة وشكر وَصَلَاة جَنَازَة وَسَوَاء أَكَانَت فَائِتَة فرضا أم نفلا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هما اللَّتَان بعد الظّهْر أما مَا لَهُ سَبَب مُتَأَخّر كركعتي الاستخارة وَالْإِحْرَام فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد كَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَب لَهَا تَنْبِيه هَل المُرَاد بالمتقدم وقسيميه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَو إِلَى الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة رأيان أظهرهمَا كَمَا قَالَه الْإِسْنَوِيّ الأول وَعَلِيهِ جرى ابْن الرّفْعَة فَعَلَيهِ صَلَاة الْجِنَازَة وَنَحْوهَا كركعتي الطّواف سَببهَا مُتَقَدم وعَلى الثَّانِي قد يكون مُتَقَدما وَقد يكون مُقَارنًا بِحَسب وُقُوعه فِي الْوَقْت وَمحل مَا ذكر إِذا لم يتحر بِهِ وَقت الْكَرَاهَة ليوقعها فِيهِ وَإِلَّا بِأَن قصد تَأْخِير الْفَائِتَة أَو الْجِنَازَة ليوقعها فِيهِ أَو دخل الْمَسْجِد وَقت الْكَرَاهَة بنية التَّحِيَّة فَقَط أَو قَرَأَ آيَة سَجْدَة ليسجد لَهَا فِيهِ وَلَو قَرَأَهَا قبل الْوَقْت لم تصح للْأَخْبَار الصَّحِيحَة كَخَبَر لَا تحروا بصلاتكم طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا ثمَّ أَخذ المُصَنّف فِي بَيَان الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة فَقَالَ مبتدئا بأولها (بعد صَلَاة الصُّبْح) أَدَاء (حَتَّى تطلع الشَّمْس) وترتفع للنَّهْي عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (و) ثَانِيهَا (عِنْد) مُقَارنَة (طُلُوعهَا) سَوَاء أصلى الصُّبْح أم لَا (حَتَّى تتكامل) فِي الطُّلُوع (وترتفع) بعد ذَلِك (قدر رمح) فِي رَأْي الْعين وَإِلَّا فالمسافة بعيدَة (و) ثَالِثهَا (عِنْد الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول) لما روى مُسلم عَن عقبَة بن عَامر ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ أَو نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا حِين تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل الشَّمْس وَحين تضيف للغروب فالظهيرة شدَّة الْحر وقائمها الْبَعِير يكون باركا فَيقوم من شدَّة حر الأَرْض وتضيف بتاء مثناة من فَوق ثمَّ ضاد مُعْجمَة ثمَّ مثناة من تَحت مُشَدّدَة أَي تميل وَالْمرَاد بالدفن فِي هَذِه الْأَوْقَات أَن يترقب الشَّخْص هَذِه الْأَوْقَات لأجل الدّفن وَسبب الْكَرَاهَة مَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا دنت للغروب قارنها فَإِذا غربت فَارقهَا رَوَاهُ الشَّافِعِي بِسَنَدِهِ وَاخْتلف فِي المُرَاد بقرن الشَّيْطَان فَقيل قوهه وهم عباد الشَّمْس يَسْجُدُونَ لَهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقيل إِن الشَّيْطَان يدني رَأسه من الشَّمْس فِي هَذِه الْأَوْقَات ليَكُون الساجد لَهَا سَاجِدا لَهُ وَقيل غير ذَلِك وتزول الْكَرَاهَة بالزوال وَوقت الاسْتوَاء لطيف لَا يسع الصَّلَاة وَلَا يكَاد يشْعر بِهِ حَتَّى تَزُول الشَّمْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 إِلَّا أَن التَّحَرُّم يُمكن إِيقَاعه فِيهِ فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فيستثنى من كَلَامه لاستثنائه فِي خبر أبي دَاوُد وَغَيره وَالأَصَح جَوَاز الصَّلَاة فِي هَذَا الْوَقْت مُطلقًا سَوَاء أحضر إِلَى الْجُمُعَة أم لَا وَقيل يخْتَص بِمن حضر الْجُمُعَة وَصَححهُ جمَاعَة (و) رَابِعهَا (بعد) صَلَاة (الْعَصْر) أَدَاء وَلَو مَجْمُوعَة فِي وَقت الظّهْر (حَتَّى تغرب الشَّمْس) بكمالها للنَّهْي عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (و) خَامِسهَا (عِنْد) مُقَارنَة (الْغُرُوب حَتَّى يتكامل غُرُوبهَا) للنَّهْي عَنهُ فِي خبر مُسلم القَوْل فِي أَقسَام الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة بِاعْتِبَار الْوَقْت وَبِاعْتِبَار الْفِعْل تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر انقسام النَّهْي فِي هَذِه الْأَوْقَات إِلَى مَا يتَعَلَّق بِالزَّمَانِ وَهُوَ ثَلَاثَة أَوْقَات عِنْد الطُّلُوع وَعند الاسْتوَاء وَعند الْغُرُوب وَإِلَى مَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وَهُوَ وقتان بعد الصُّبْح أَدَاء وَبعد الْعَصْر كَذَلِك وتقسيم هَذِه الْأَوْقَات إِلَى خَمْسَة هِيَ عبارَة الْجُمْهُور وتبعهم فِي الْمُحَرر عَلَيْهَا وَهِي أولى من اقْتِصَار الْمِنْهَاج على الاسْتوَاء وعَلى بعد صَلَاة الصُّبْح وَبعد صَلَاة الْعَصْر قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَالْمرَاد بحصر الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْقَات الْأَصْلِيَّة وَإِلَّا فَسَيَأْتِي كَرَاهَة التَّنَفُّل فِي وَقت إِقَامَة الصَّلَاة وَوقت صعُود الإِمَام لخطبة الْجُمُعَة انْتهى وَإِنَّمَا ترد الأولى إِذا قُلْنَا الْكَرَاهَة للتنزيه وَزَاد بَعضهم كَرَاهَة وَقْتَيْنِ آخَرين وهما بعد طُلُوع الْفجْر إِلَى صلَاته وَبعد الْمغرب إِلَى صلَاته وَقَالَ إِنَّهَا كَرَاهَة تَحْرِيم على الصَّحِيح وَنَقله عَن النَّص انْتهى وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب خِلَافه وَأَخْبرنِي بعض الْحَنَابِلَة أَن التَّحْرِيم مَذْهَبهم وَخرج بِغَيْر حرم مَكَّة حرمهَا فَلَا تكره فِيهِ صَلَاة فِي شَيْء من هَذِه الْأَوْقَات مُطلقًا لخَبر يَا بني عبد منَاف لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصلى فِي أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَقَالَ حسن صَحِيح وَلما فِيهِ من زِيَادَة فضل الصَّلَاة نعم هِيَ خلاف الأولى خُرُوجًا من الْخلاف وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ فصل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} أَمر بهَا فِي الْخَوْف فَفِي الْأَمْن أولى وَالْأَخْبَار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة وَفِي رِوَايَة بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَا مُنَافَاة لِأَن الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكثير أَو أَنه أخبر أَولا بِالْقَلِيلِ ثمَّ أخبرهُ الله تَعَالَى بِزِيَادَة الْفضل فَأخْبر بهَا أَو أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال الْمُصَلِّين وَمكث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدَّة مقَامه بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة يُصَلِّي بِغَيْر جمَاعَة لِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 عَنْهُم كَانُوا مقهورين يصلونَ فِي بُيُوتهم فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أَقَامَ بهَا الْجَمَاعَة وواظب عَلَيْهَا وانعقد الْإِجْمَاع عَلَيْهَا وَفِي الْإِحْيَاء عَن أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي أَنه قَالَ لَا يفوت أحدا صَلَاة الْجَمَاعَة إِلَّا بذنب أذنبه قَالَ وَكَانَ السّلف الصَّالح يعزون أنفسهم ثَلَاثَة أَيَّام إِذا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَة الأولى وَسَبْعَة أَيَّام إِذا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَة وأقلها إِمَام ومأموم كَمَا يعلم مِمَّا سَيَأْتِي وَذكر فِي الْمَجْمُوع فِي بَاب هَيْئَة الْجُمُعَة أَن من صلى فِي عشرَة آلَاف لَهُ سبع وَعِشْرُونَ دَرَجَة وَمن صلى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِك لَكِن دَرَجَات الأول أكمل (وَصَلَاة الْجَمَاعَة) فِي المكتوبات غير الْجُمُعَة (سنة مُؤَكدَة) وَلَو للنِّسَاء للأحاديث السَّابِقَة وَهَذَا مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ المُصَنّف وَالأَصَح الْمَنْصُوص كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ أَنَّهَا فِي غير الْجُمُعَة فرض كِفَايَة لرجال أَحْرَار مقيمين غير عُرَاة فِي أَدَاء مَكْتُوبَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة أَو بَدو لَا تُقَام فيهم الْجَمَاعَة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان أَي غلب فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب من الْغنم القاصية رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فَتجب بِحَيْثُ يظْهر شعار الْجَمَاعَة بإقامتها بِمحل فِي الْقرْيَة الصَّغِيرَة وَفِي الْكَبِيرَة والبلد بمحال يظْهر بهَا الشعار وَيسْقط الطّلب بطَائفَة وَإِن قلت فَلَو أطبقوا على إِقَامَتهَا فِي الْبيُوت وَلم يظْهر بهَا شعار لم يسْقط الْفَرْض فَإِن امْتَنعُوا كلهم من إِقَامَتهَا على مَا ذكر قَاتلهم الإِمَام أَو نَائِبه دون آحَاد النَّاس وَهَكَذَا لَو تَركهَا أهل محلّة فِي الْقرْيَة الْكَبِيرَة أَو الْبَلَد فَلَا تجب على النِّسَاء ومثلهن الخناثى وَلَا على من فِيهِ رق لاشتغالهم بِخِدْمَة السَّادة وَلَا على الْمُسَافِرين كَمَا جزم بِهِ فِي التَّحْقِيق وَإِن نقل السُّبْكِيّ وَغَيره عَن نَص الْأُم أَنَّهَا تجب عَلَيْهِم أَيْضا وَلَا على العراة بل هِيَ والانفراد فِي حَقهم سَوَاء إِلَّا أَن يَكُونُوا عميا أَو فِي ظلمَة فتستحب وَلَا فِي مقضية خلف مقضية من نوعها بل تسن أما مقضية خلف مُؤَدَّاة أَو بِالْعَكْسِ أَو خلف مقضية لَيست من نوعها فَلَا تسن وَلَا فِي منذورة بل وَلَا تسن أما الْجُمُعَة فالجماعة فِيهَا فرض عين كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد لغير الْمَرْأَة وَمثلهَا الْخُنْثَى أفضل مِنْهَا فِي غير الْمَسْجِد كالبيت وَجَمَاعَة الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْت أفضل مِنْهَا فِي الْمَسْجِد لخَبر الصَّحِيحَيْنِ صلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة أَي فَهِيَ فِي الْمَسْجِد أفضل لِأَن الْمَسْجِد مُشْتَمل على الشّرف وَإِظْهَار الشعائر وَكَثْرَة الْجَمَاعَة وَيكرهُ لذوات الهيئات حُضُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الْمَسْجِد مَعَ الرِّجَال لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن الْمَسْجِد كَمَا منعن نسَاء بني إِسْرَائِيل ولخوف الْفِتْنَة أما غَيْرهنَّ فَلَا يكره لَهُنَّ ذَلِك قَالَ فِي الْمَجْمُوع قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب وَيُؤمر الصَّبِي بِحُضُور الْمَسَاجِد وجماعات الصَّلَاة ليعتادها وَتحصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة للشَّخْص بِصَلَاتِهِ فِي بَيته أَو نَحوه بِزَوْجَة أَو ولد أَو رَقِيق أَو غير ذَلِك وأقلها اثْنَان كَمَا مر وَمَا كثر جمعه من الْمَسَاجِد كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا وَكَذَا مَا كثر جمعه من الْبيُوت أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا وَأفْتى الْغَزالِيّ أَنه لَو كَانَ إِذا صلى مُنْفَردا خشع وَإِذا صلى فِي جمَاعَة لم يخشع فالانفراد أفضل وَتَبعهُ ابْن عبد السَّلَام قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالْمُخْتَار بل الصَّوَاب خلاف مَا قَالَاه وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقد يكون قَلِيل الْجمع أفضل فِي صور مِنْهَا مَا لَو كَانَ الإِمَام مبتدعا كمعتزلي وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ قَلِيل الْجمع يُبَادر إِمَامه بِالصَّلَاةِ فِي أول الْوَقْت المحبوب فَإِن الصَّلَاة مَعَه أول الْوَقْت أولى كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ قَلِيل الْجمع لَيْسَ فِي أرضه شُبْهَة وَكثير الْجمع بِخِلَافِهِ لاستيلاء ظَالِم عَلَيْهِ فالسالم من ذَلِك أولى وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ الإِمَام سريع الْقِرَاءَة وَالْمَأْمُوم بطيئا لَا يدْرك مَعَه الْفَاتِحَة قَالَ الْغَزالِيّ فَالْأولى أَن يُصَلِّي خلف إِمَام بطيء الْقِرَاءَة وَإِدْرَاك تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مَعَ الإِمَام فَضِيلَة وَإِنَّمَا تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إِمَامه مَعَ حُضُوره تَكْبِيرَة إِحْرَامه لحَدِيث الشَّيْخَيْنِ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا كبر فكبروا وَالْفَاء للتعقيب فإبطاؤه بالمتابعة لوسوسة غير ظَاهِرَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع عذر بِخِلَاف مَا لَو أَبْطَأَ لغير وَسْوَسَة وَلَو لمصْلحَة الصَّلَاة كالطهارة أَو لم يحضر تَكْبِيرَة إِحْرَام إِمَامه أَو لوسوسة ظَاهِرَة وتدرك فَضِيلَة الْجَمَاعَة فِي غير الْجُمُعَة مَا لم يسلم الإِمَام وَإِن لم يقْعد مَعَه أما الْجُمُعَة فَإِنَّهَا لَا تدْرك إِلَّا بِرَكْعَة كَمَا سَيَأْتِي وَينْدب أَن يُخَفف الإِمَام مَعَ فعل الأبعاض والهيئات إِلَّا أَن يرضى بتطويله محصورون لَا يُصَلِّي وَرَاءه غَيرهم وَيكرهُ التَّطْوِيل ليلحق آخَرُونَ سَوَاء أَكَانَ عَادَتهم الْحُضُور أم لَا وَلَو أحس الإِمَام فِي رُكُوع غير ثَان من صَلَاة الْكُسُوف أَو فِي تشهد أخير بداخل مَحل الصَّلَاة يقْتَدى بِهِ سنّ انْتِظَاره لله تَعَالَى إِن لم يُبَالغ فِي الِانْتِظَار وَلم يُمَيّز بَين الداخلين وَإِلَّا كره وَيسن إِعَادَة الْمَكْتُوبَة مَعَ غَيره وَلَو وَاحِدًا فِي الْوَقْت وَهل تشْتَرط نِيَّة الْفَرْضِيَّة فِي الصَّلَاة الْمُعَادَة أم لَا الَّذِي اخْتَارَهُ الإِمَام أَنه يَنْوِي الظّهْر أَو الْعَصْر مثلا وَلَا يتَعَرَّض للْفَرض وَرجحه فِي الرَّوْضَة وَهُوَ الظَّاهِر وَإِن صحّح فِي الْمِنْهَاج الِاشْتِرَاط وَالْفَرْض الأولى وَرخّص فِي ترك الْجَمَاعَة بِعُذْر عَام أَو خَاص كمشقة مطر وَشدَّة ريح بلَيْل وَشدَّة وَحل وَشدَّة حر وَشدَّة برد وَشدَّة جوع وَشدَّة عَطش بِحَضْرَة طَعَام مَأْكُول أَو مشروب يتوق إِلَيْهِ ومشقة مرض ومدافعة حدث وَخَوف على مَعْصُوم وَخَوف من غَرِيم لَهُ وبالخائف إعسار يعسر عَلَيْهِ إثْبَاته وَخَوف من عُقُوبَة يَرْجُو الْخَائِف الْعَفو عَنْهَا بغيبته وَخَوف من تخلف عَن رفْقَة وفقد لِبَاس لَائِق وَأكل ذِي ريح كريه يعسر إِزَالَته وَحُضُور مَرِيض بِلَا متعهد أَو بمتعهد وَكَانَ نَحْو قريب كَزَوج محتضر أَو لم يكن محتضرا لكنه يأنس بِهِ وَقد ذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج زِيَادَة على الْأَعْذَار الْمَذْكُورَة مَعَ فَوَائِد قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمعنى كَونهَا أعذارا سُقُوط الْإِثْم على قَول الْفَرْض وَالْكَرَاهَة على قَول السّنة لَا حُصُول فَضلهَا وَجزم الرَّوْيَانِيّ بِأَنَّهُ يكون محصلا للْجَمَاعَة إِذا صلى مُنْفَردا وَكَانَ قَصده الْجَمَاعَة لَوْلَا الْعذر وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَيدل لَهُ خبر أبي مُوسَى إِذا مرض العَبْد أَو سَافر كتب لَهُ من الْعَمَل مَا كَانَ يعمله صَحِيحا مُقيما رَوَاهُ البُخَارِيّ ثمَّ شرع المُصَنّف فِي شُرُوط الِاقْتِدَاء (و) هِيَ أُمُور الأول أَنه يجب (على الْمَأْمُوم أَن يَنْوِي الائتمام) بِالْإِمَامِ أَو الِاقْتِدَاء بِهِ أَو نَحْو ذَلِك فِي غير جُمُعَة مُطلقًا وَفِي جُمُعَة مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 تحرم لِأَن التّبعِيَّة عمل فافتقرت إِلَى نِيَّة فَإِن لم ينْو مَعَ تحرم انْعَقَدت صلَاته فُرَادَى إِلَّا الْجُمُعَة فَلَا تَنْعَقِد أصلا لاشْتِرَاط الْجَمَاعَة فِيهَا فَلَو ترك هَذِه النِّيَّة أَو شكّ فِيهَا وَتَابعه فِي فعل أَو سَلام بعد انْتِظَار كثير للمتابعة بطلت صلَاته لِأَنَّهُ وَقفهَا على صَلَاة غَيره بِلَا رابطة بَينهمَا وَلَا يشْتَرط تعْيين الإِمَام فَإِن عينه وَلم يشر إِلَيْهِ وَأَخْطَأ كَأَن نوى الِاقْتِدَاء بزيد فَبَان عمرا وَتَابعه كَمَا مر بطلت صلَاته لمتابعته لمن لم ينْو الِاقْتِدَاء بِهِ فَإِن عينه بِإِشَارَة إِلَيْهِ كَهَذا مُعْتَقدًا أَنه زيد أَو بزيد هَذَا أَو الْحَاضِر صحت وَقَوله (دون الإِمَام) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن نِيَّة الإِمَام الْإِمَامَة لَا تشْتَرط فِي غير الْجُمُعَة بل تسْتَحب ليحوز فَضِيلَة الْجَمَاعَة فَإِن لم ينْو لم تحصل لَهُ إِذْ لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مَا نوى وَتَصِح نِيَّته لَهَا مَعَ تحرمه وَإِن لم يكن إِمَامًا فِي الْحَال لِأَنَّهُ سيصير إِمَامًا وفَاقا للجويني وَخِلَافًا للعمراني فِي عدم الصِّحَّة حِينَئِذٍ وَإِذا نوى فِي أثْنَاء الصَّلَاة حَاز الْفَضِيلَة من حِين النِّيَّة وَلَا تنعطف نِيَّته على مَا قبلهَا بِخِلَاف مَا لَو نوى الصَّوْم فِي النَّفْل قبل الزَّوَال فَإِنَّهَا تنعطف على مَا قبلهَا لِأَن النَّهَار لَا يَتَبَعَّض صوما وَغَيره بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا تبعض جمَاعَة وَغَيرهَا أما فِي الْجُمُعَة فَيشْتَرط أَن يَأْتِي بهَا فِيهَا مَعَ التَّحَرُّم فَلَو تَركهَا لم تصح جمعته لعدم استقلاله فِيهَا سَوَاء أَكَانَ من الْأَرْبَعين أم زَائِدا عَلَيْهِم نعم إِن لم يكن من أهل الْوُجُوب وَنوى غير الْجُمُعَة لم يشْتَرط مَا ذكر وَظَاهر أَن الصَّلَاة الْمُعَادَة كَالْجُمُعَةِ إِذْ لَا تصح فُرَادَى فَلَا بُد من نِيَّة الْإِمَامَة فِيهَا فَإِن أَخطَأ الإِمَام فِي غير الْجُمُعَة وَمَا ألحق بهَا فِي تعْيين تَابعه الَّذِي نوى الْإِمَامَة بِهِ لم يضر لِأَن غلطه فِي النِّيَّة لَا يزِيد على تَركهَا أما إِذا نوى ذَلِك فِي الْجُمُعَة وَمَا ألحق بهَا فَإِنَّهُ يضر لِأَن مَا يجب التَّعَرُّض لَهُ يضر الْخَطَأ فِيهِ الثَّانِي من شُرُوط الِاقْتِدَاء عدم تقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه فِي الْمَكَان فَإِن تقدم عَلَيْهِ فِي أثْنَاء صلَاته بطلت أَو عِنْد التَّحَرُّم لم تَنْعَقِد كالتقدم بتكبيرة الْإِحْرَام قِيَاسا للمكان على الزَّمَان نعم يسْتَثْنى من ذَلِك صَلَاة شدَّة الْخَوْف كَمَا سَيَأْتِي فَإِن الْجَمَاعَة فِيهَا أفضل من الِانْفِرَاد وَإِن تقدم بَعضهم على بعض وَلَو شكّ هَل هُوَ مُتَقَدم أم لَا كَأَن كَانَ فِي ظلمَة صحت صلَاته مُطلقًا لِأَن الأَصْل عدم الْمُفْسد كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَن النَّص وَلَا تضر مُسَاوَاة الْمَأْمُوم لإمامه وَالِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم وَغَيره للقائم بالعقب وَهُوَ مُؤخر الْقدَم لَا الكعب فَلَو تَسَاويا فِي الْعقب وَتَقَدَّمت أَصَابِع الْمَأْمُوم لم يضر نعم إِن كَانَ اعْتِمَاده على رُؤُوس الْأَصَابِع ضرّ كَمَا بَحثه الأسنوي وَلَو تقدّمت عقبه وتأخرت أَصَابِعه ضرّ تَنْبِيه لَو اعْتمد على إِحْدَى رجلَيْهِ وَقدم الْأُخْرَى على رجل الإِمَام لم يضر وَلَو قدم إِحْدَى رجلَيْهِ وَاعْتمد عَلَيْهِمَا لم يضر كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَالِاعْتِبَار للقاعد بالألية كَمَا أفتى بِهِ الْبَغَوِيّ أَي وَلَو فِي التَّشَهُّد أما فِي حَال السُّجُود فَيظْهر أَن يكون الْمُعْتَبر رُؤُوس الْأَصَابِع ويشمل ذَلِك الرَّاكِب وَهُوَ الظَّاهِر وَمَا قيل من أَن الْأَقْرَب فِيهِ الِاعْتِبَار بِمَا اعتبروا بِهِ فِي الْمُسَابقَة بعيد وَفِي المضطجع بالجنب وَفِي المستلقي بِالرَّأْسِ وَهُوَ أحد وَجْهَيْن يظْهر اعْتِمَاده وَفِي المقطوعة رجله بِمَا اعْتمد عَلَيْهِ وَفِي المصلوب بالكتف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَيسن أَن يقف الإِمَام خلف الْمقَام عِنْد الْكَعْبَة وَأَن يستدير المأمومون حولهَا وَلَا يضر كَونهم أقرب إِلَيْهَا فِي غير جِهَة الإِمَام مِنْهُ إِلَيْهَا فِي جِهَته كَمَا لَو وَقفا فِي الْكَعْبَة وَاخْتلفَا جِهَة وَلَو وقف الإِمَام فِيهَا وَالْمَأْمُوم خَارِجهَا جَازَ وَله التَّوَجُّه إِلَى أَي جِهَة شَاءَ وَلَو وَقفا بِالْعَكْسِ جَازَ أَيْضا لَكِن لَا يتَوَجَّه الْمَأْمُوم إِلَى الْجِهَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا الإِمَام لتقدمه حِينَئِذٍ عَلَيْهِ وَيسن أَن يقف الذّكر وَلَو صَبيا عَن يَمِين الإِمَام وَأَن يتَأَخَّر عَنهُ قَلِيلا لِلِاتِّبَاعِ واستعمالا للآداب فَإِن جَاءَ ذكر آخر أحرم عَن يسَاره ثمَّ يتَقَدَّم الإِمَام أَو يتأخران فِي قيام وَهُوَ أفضل هَذَا إِذا أمكن كل من التَّقَدُّم والتأخر وَإِلَّا فعل الْمُمكن وَأَن يصطف ذكران خَلفه كامرأة فَأكْثر وَأَن يقف خَلفه رجال لفضلهم فصبيان لَكِن مَحَله إِذا استوعب الرِّجَال الصَّفّ وَإِلَّا كمل بهم أَو بَعضهم فخناثى لاحْتِمَال ذكورتهم فنساء وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَأَن تقف إمامتهن وسطهن فَلَو أمهن غير امْرَأَة قدم عَلَيْهِنَّ وكالمرأة عَار أم عُرَاة بصراء فِي وضوء وَكره لمأموم انْفِرَاد عَن صف من جنسه بل يدْخل الصَّفّ إِن وجد سَعَة وَله أَن يخرق الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا فَوْقه إِلَيْهَا لتقصيرهم بِتَرْكِهَا وَلَا يتَقَيَّد خرق الصُّفُوف بصفين كَمَا زَعمه بَعضهم وَإِنَّمَا يتَقَيَّد بِهِ تخطي الرّقاب الْآتِي فِي الْجُمُعَة فَإِن لم يجد سَعَة أحرم ثمَّ بعد إِحْرَامه جر إِلَيْهِ شخصا من الصَّفّ ليصطف مَعَه وَيسن لمجرور مساعدته (وَيجوز) للْمُصَلِّي المتوضىء (أَن يأتم) بالمتيمم الَّذِي لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وبماسح الْخُف وَيجوز للقائم أَن يَقْتَدِي بالقاعد والمضطجع لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي مرض مَوته قَاعِدا وَأَبُو بكر وَالنَّاس قيَاما وَأَن يأتم الْعدْل (بِالْحرِّ الْفَاسِق) وَلَكِن تكره خَلفه وَإِنَّمَا صحت خَلفه لما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي خلف الْحجَّاج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكفى بِهِ فَاسِقًا وَلَيْسَ لأحد من وُلَاة الْأُمُور تَقْرِير فَاسق إِمَامًا فِي الصَّلَوَات كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فَإِن فعل لم يَصح كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين والمبتدع الَّذِي لَا يكفر ببدعته كالفاسق (وَالْعَبْد) أَي يجوز للْحرّ أَن يأتم بِالْعَبدِ لِأَن ذكْوَان مولى عَائِشَة كَانَ يؤمها لَكِن الْحر وَلَو كَانَ أعمى أولى مِنْهُ (والبالغ بالمراهق) لِأَن عَمْرو بن سَلمَة بِكَسْر اللَّام كَانَ يؤم قومه على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن سِتّ أَو سبع رَوَاهُ البُخَارِيّ لَكِن الْبَالِغ أولى من الصَّبِي وَالْحر الْبَالِغ الْعدْل أولى من الرَّقِيق وَالْعَبْد الْبَالِغ أولى من الْحر الصَّبِي وَفِي العَبْد الْفَقِيه وَالْحر غير الْفَقِيه ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنَّهُمَا سَوَاء والمبعض أولى من كَامِل الرّقّ وَالْأَعْمَى والبصير فِي الْإِمَامَة سَوَاء وَيقدم الْوَالِي بِمحل ولَايَته الْأَعْلَى فالأعلى على غَيره فإمام راتب نعم إِن ولاه الإِمَام الْأَعْظَم فَهُوَ مقدم على الْوَالِي وَيقدم السَّاكِن فِي مَكَان بِحَق وَلَو بإعارة على غَيره لَا على معير للساكن بل يقدم الْمُعير عَلَيْهِ وَلَا على سيد غير سيد مكَاتب لَهُ فأفقه فأقرأ فأورع فأقدم هِجْرَة فأسن فأنسب فأنظف ثوبا وبدنا وصنعة فَأحْسن صَوتا فَأحْسن صُورَة ولمقدم بمَكَان لَا بِصِفَات تَقْدِيم لمن يكون أَهلا للْإِمَامَة (وَلَا) يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِمن يعْتَقد بطلَان صلَاته كشافعي اقْتدى بحنفي مس فرجه لَا إِن افتصد اعْتِبَارا باعتقاد الْمُقْتَدِي وكمجتهدين اخْتلفَا فِي إناءين من المَاء طَاهِر ومتنجس فَإِن تعدد الطَّاهِر صَحَّ اقْتِدَاء بَعضهم بِبَعْض مَا لم يتَعَيَّن إِنَاء إِمَام للنَّجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فَلَو اشْتبهَ خَمْسَة من آنِية فِيهَا نجس على خَمْسَة فَظن كل طَهَارَة إِنَاء مِنْهَا فَتَوَضَّأ بِهِ وَأم بالباقين فِي صَلَاة من الْخمس أعَاد مَا ائتم بِهِ آخرا وَلَا يَصح اقْتِدَاؤُهُ بمقتد وَلَا بِمن تلْزمهُ إِعَادَة كمتيمم لبرد وَلَا يَصح أَن (يأتم) ذكر (رجل) أَو صبي (مُمَيّز) وَلَا خُنْثَى مُشكل (ب) أُنْثَى (امْرَأَة) أَو صبية مُمَيزَة وَلَا خُنْثَى مُشكل لِأَن الْأُنْثَى نَاقِصَة عَن الرجل وَالْخُنْثَى الْمَأْمُوم يجوز أَن يكون ذكرا وَالْإِمَام أُنْثَى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة وروى ابْن ماجة لاتؤمن امْرَأَة رجلا وَيصِح اقْتِدَاء خُنْثَى بَانَتْ أنوثته بِامْرَأَة وَرجل بخنثى بَانَتْ ذكورته مَعَ الْكَرَاهَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَتَصِح قدوة الْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ وبالخنثى كَمَا تصح قدوة الرجل وَغَيره بِالرجلِ فيتلخص من ذَلِك تسع صور خَمْسَة صَحِيحَة وَهِي قدوة رجل بِرَجُل خُنْثَى بِرَجُل امْرَأَة بِرَجُل امْرَأَة بخنثى امْرَأَة بِامْرَأَة وَأَرْبَعَة بَاطِلَة وَهِي قدوة رجل بخنثى رجل بِامْرَأَة خُنْثَى بخنثى خُنْثَى بِامْرَأَة (وَلَا) يَصح أَن يأتم (قارىء) وَهُوَ من يحسن الْفَاتِحَة (بأمي) أمكنه التَّعَلُّم أم لَا والأمي من يخل بِحرف كتخفيف مشدد من الْفَاتِحَة بِأَن لَا يُحسنهُ كأرت بمثناة وَهُوَ من يدغم بإبدال فِي غير مَحل الْإِدْغَام بِخِلَافِهِ بِلَا إِبْدَال كتشديد اللَّام أَو الْكَاف من مَالك وألثغ بمثلثة وَهُوَ من يُبدل حرفا بِأَن يَأْتِي بِغَيْرِهِ بدله كَأَن يَأْتِي بِالْمُثَلثَةِ بدل السِّين فَيَقُول المثتقيم فَإِن أمكن الْأُمِّي التَّعَلُّم وَلم يتَعَلَّم لم تصح صلَاته وَإِلَّا صحت كاقتدائه بِمثلِهِ فِيمَا يخل بِهِ وَكره الِاقْتِدَاء بِنَحْوِ تأتاء كفأفاء ولاحن بِمَا لَا يُغير الْمَعْنى كضم هَاء لله فَإِن غير معنى فِي الْفَاتِحَة كأنعمت بِضَم أَو كسر وَلم يحسن اللاحن الْفَاتِحَة فكأمي فَلَا يَصح اقْتِدَاء القارىء بِهِ وَإِن كَانَ اللّحن فِي غير الْفَاتِحَة كجر اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} صحت صلَاته والقدوة بِهِ حَيْثُ كَانَ عَاجِزا عَن التَّعَلُّم أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ أَو نَاسِيا كَونه فِي الصَّلَاة أَو أَن ذَلِك لحن لَكِن الْقدْوَة بِهِ مَكْرُوهَة أما الْقَادِر الْعَالم الْعَامِد فَلَا تصح صلَاته وَلَا الْقدْوَة بِهِ للْعَالم بِحَالهِ وكالفاتحة فِيمَا ذكر بدلهَا وَلَو بَان إِمَامه بعد اقتدائه بِهِ كَافِرًا وَلَو مخفيا كفره كزنديق وَجَبت الْإِعَادَة لتَقْصِيره بترك الْبَحْث عَنهُ نعم لَو لم يبن كفره إِلَّا بقوله وَقد أسلم قبل الِاقْتِدَاء بِهِ فَقَالَ بعد الْفَرَاغ لم أكن أسلمت حَقِيقَة أَو أسلمت ثمَّ ارتددت لم تجب الْإِعَادَة لِأَنَّهُ كَافِر بذلك فَلَا يقبل خَبره لَا إِن بَان ذَا حدث وَلَو حَدثا أكبر أَو ذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 نَجَاسَة خُفْيَة فِي ثَوْبه أَو بدنه فَلَا تجب الْإِعَادَة على الْمُقْتَدِي لانْتِفَاء التَّقْصِير بِخِلَاف الظَّاهِرَة فَتجب فِيهَا الْإِعَادَة كَمَا لَو بَان إِمَامه أُمِّيا وَلَو اقْتدى رجل بخنثى فَبَان الإِمَام رجلا لم يسْقط الْقَضَاء لعدم صِحَة الْقدْوَة فِي الظَّاهِر لتردد الْمَأْمُوم فِي صِحَة صلَاته عِنْدهَا وثالث الشُّرُوط اجْتِمَاع الإِمَام وَالْمَأْمُوم بمَكَان كَمَا عهد عَلَيْهِ الْجَمَاعَات فِي الْعَصْر الخالية ولاجتماعهما أَرْبَعَة أَحْوَال لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يَكُونَا بِمَسْجِد أَو بِغَيْرِهِ من فضاء أَو بِنَاء أَو يكون أَحدهمَا بِمَسْجِد وَالْآخر خَارجه (و) إِذا كَانَا بِمَسْجِد ف (أَي مَوضِع صلى) الْمَأْمُوم (فِي الْمَسْجِد) وَمِنْه رحبته (بِصَلَاة الإِمَام فِيهِ) أَي الْمَسْجِد (وَهُوَ عَالم بِصَلَاتِهِ) أَي الإِمَام ليتَمَكَّن من مُتَابَعَته بِرُؤْيَتِهِ أَو بعض صف أَو نَحْو ذَلِك كسماع صَوته أَو صَوت مبلغ (أَجزَأَهُ) أَي كَفاهُ ذَلِك فِي صِحَة الِاقْتِدَاء بِهِ وَإِن بَعدت مسافته وحالت أبنية نَافِذَة إِلَيْهِ كبئر أَو سطح سَوَاء أغلقت أَبْوَابهَا أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ أَحدهمَا أَعلَى من الآخر أم لَا كَأَن وقف أَحدهمَا على سطحه أَو منارته وَالْآخر فِي سرداب أَو بِئْر فِيهِ لِأَنَّهُ كُله مَبْنِيّ للصَّلَاة فالمجتمعون فِيهِ مجتمعون لإِقَامَة الْجَمَاعَة مؤدون لشعارها فَإِن لم تكن نَافِذَة إِلَيْهِ لم يعد الْجَامِع لَهما مَسْجِدا وَاحِدًا فَيضر الشباك والمساجد المتلاصقة الَّتِي تفتح أَبْوَاب بَعْضهَا إِلَى بعض كمسجد وَاحِد وَإِن انْفَرد كل مِنْهَا بِإِمَام وَجَمَاعَة وَمحل ذَلِك (مَا لم يتَقَدَّم) الْمَأْمُوم (عَلَيْهِ) أَي الإِمَام فِي غير الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَا مر (وَإِن صلى) الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم (خَارج الْمَسْجِد) حَالَة كَونه (قَرِيبا مِنْهُ) أَي من الْمَسْجِد بِأَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع تَقْرِيبًا مُعْتَبرا من آخر الْمَسْجِد لِأَن الْمَسْجِد كُله شَيْء وَاحِد لِأَنَّهُ مَحل الصَّلَاة فَلَا يدْخل فِي الْحَد الْفَاصِل (وَهُوَ عَالم بِصَلَاتِهِ) أَي الإِمَام الَّذِي فِي الْمَسْجِد بِأحد الْأُمُور الْمُتَقَدّمَة (وَلَا حَائِل هُنَاكَ) بَينهمَا كالباب المفتوح الَّذِي لَا يمْنَع الاستطراق والمشاهدة (جَازَ) الِاقْتِدَاء حِينَئِذٍ فَلَو كَانَ الْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام خَارجه اعْتبرت الْمسَافَة من طرفه الَّذِي يَلِي الإِمَام فَإِن حَال جِدَار لَا بَاب فِيهِ أَو بَاب مغلق منع الِاقْتِدَاء لعدم الِاتِّصَال وَكَذَا الْبَاب الْمَرْدُود والشباك يمْنَع لحُصُول الْحَائِل من وَجه إِذْ الْبَاب الْمَرْدُود مَانع من الْمُشَاهدَة والشباك مَانع من الاستطراق قَالَ الأسنوي نعم قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ لَو كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا وَقت الْإِحْرَام فانغلق فِي أثْنَاء الصَّلَاة لم يضر انْتهى أما الْبَاب المفتوح فَيجوز اقْتِدَاء الْوَاقِف بحذائه والصف الْمُتَّصِل بِهِ وَإِن خَرجُوا عَن الْمُحَاذَاة بِخِلَاف الْعَادِل عَن محاذاته فَلَا يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ للحائل وَإِن كَانَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم بِغَيْر مَسْجِد من فضاء أَو بِنَاء شَرط فِي فضاء وَلَو محطوطا أَو مسقفا أَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا وَلَا مَا بَين كل صفّين أَو شَخْصَيْنِ مِمَّن ائتم بِالْإِمَامِ خَلفه أَو بجانبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْآدَمِيّ تَقْرِيبًا أخذا من عرف النَّاس فَإِنَّهُم يعدونهما فِي ذَلِك مُجْتَمعين فَلَا تضر زِيَادَة ثَلَاثَة أَذْرع كَمَا فِي التَّهْذِيب وَغَيره وَإِن كَانَا فِي بناءين كصحن وَصفَة من دَار أَو كَانَ أَحدهمَا بِبِنَاء وَالْآخر بفضاء شَرط مَعَ مَا مر آنِفا إِمَّا عدم حَائِل بَينهمَا يمْنَع مرورا أَو رُؤْيَة أَو وقُوف وَاحِد حذاء منفذ فِي الْحَائِل إِن كَانَ فَإِن حَال مَا يمْنَع مرورا كشباك أَو رُؤْيَة كباب مَرْدُود أَو لم يقف أحد فِيمَا مر لم يَصح الِاقْتِدَاء إِذْ الْحَيْلُولَة بذلك تمنع الِاجْتِمَاع وَإِذا صَحَّ اقْتِدَاء الْوَاقِف فِيمَا مر فَيصح اقْتِدَاء من خَلفه أَو بجانبه وَإِن حيل بَينه وَبَين الإِمَام وَيكون ذَلِك كَالْإِمَامِ لمن خَلفه أَو بجانبه لَا يجوز تقدمه عَلَيْهِ كَمَا لَا يجوز تقدمه على الإِمَام وَلَا يضر فِي جَمِيع مَا ذكر شَارِع وَلَو كثر طروقه وَلَا نهر وَإِن أحْوج إِلَى سباحة لِأَنَّهُمَا لم يعدا للْحَيْلُولَة وَكره ارتفاعه على إِمَامه وَعَكسه حَيْثُ أمكن وقوفهما على مستوى إِلَّا لحَاجَة كتعليم الإِمَام الْمَأْمُومين صفة الصَّلَاة وكتبليغ الْمَأْمُوم تَكْبِيرَة الإِمَام فَيسنّ ارتفاعهما لذَلِك كقيام غير مُقيم من مريدي الصَّلَاة بعد فرَاغ الْإِقَامَة لِأَنَّهُ وَقت الدُّخُول فِي الصَّلَاة سَوَاء أَقَامَ الْمُؤَذّن أم غَيره أما الْمُقِيم فَيقوم قبل الْإِقَامَة ليقيم قَائِما وَكره ابْتِدَاء نفل بعد شُرُوع الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَإِن كَانَ فِي النَّفْل أتمه إِن لم يخْش بإتمامه فَوت جمَاعَة بِسَلام الإِمَام وَإِلَّا ندب لَهُ قطعه وَدخل فِيهَا لِأَنَّهَا أولى مِنْهُ وَالرَّابِع من شُرُوط الِاقْتِدَاء توَافق نظم صلاتيهما فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء مَعَ اختلافه كمكتوبة وكسوف أَو جَنَازَة لتعذر الْمُتَابَعَة وَيصِح الِاقْتِدَاء لمؤد بقاض ومفترض بمتنفل وَفِي طَوِيلَة بقصيرة كَظهر بصبح وَبِالْعَكْسِ وَلَا يضر اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم والمقتدي فِي نَحْو الظّهْر بصبح أَو مغرب كمسبوق فَيتم صلَاته بعد سَلام إِمَامه وَالْأَفْضَل مُتَابَعَته فِي قنوت الصُّبْح وَتشهد أخير فِي الْمغرب وَله فِرَاقه بِالنِّيَّةِ إِذا اشْتغل بهما والمقتدي فِي صبح أَو مغرب بِنَحْوِ ظهر إِذا أتم صلَاته فَارقه بِالنِّيَّةِ وَالْأَفْضَل انْتِظَاره فِي صبح ليسلم مَعَه بِخِلَافِهِ فِي الْمغرب لَيْسَ لَهُ انْتِظَاره لِأَنَّهُ يحدث جُلُوس تشهد لم يَفْعَله الإِمَام ويقنت فِي الصُّبْح إِن أمكنه الْقُنُوت بِأَن وقف الإِمَام يَسِيرا وَإِلَّا تَركه وَلَا سُجُود عَلَيْهِ لتَركه وَله فِرَاقه بِالنِّيَّةِ ليقنت تحصيلا للسّنة وَالْخَامِس من شُرُوط الِاقْتِدَاء مُوَافَقَته فِي سنَن تفحش مُخَالفَته فِيهَا فعلا وتركا كسجدة تِلَاوَة وَتشهد أول على تَفْصِيل فِيهِ بِخِلَاف مَا لَا تفحش فِيهِ الْمُخَالفَة كجلسة الاسْتِرَاحَة وَالسَّادِس من شُرُوط الِاقْتِدَاء تَبَعِيَّة إِمَامه بِأَن يتَأَخَّر تحرمه عَن تحرم إِمَامه فَإِن خَالفه لم تَنْعَقِد صلَاته وَأَن لَا يسْبقهُ بركنين فعليين وَلَو غير طويلين عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ وَأَن لَا يتَخَلَّف عَنهُ بهما بِلَا عذر فَإِن خَالف فِي السَّبق أَو التَّخَلُّف بهما وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 غير طويلين بطلت صلَاته لفحش الْمُخَالفَة بِلَا عذر بِخِلَاف سبقه بهما نَاسِيا أَو جَاهِلا لَكِن لَا يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة فَيَأْتِي بعد سَلام إِمَامه بِرَكْعَة وَبِخِلَاف سبقه بِرُكْن كَأَن ركع قبله وَإِن عَاد إِلَيْهِ أَو ابْتَدَأَ رفع الِاعْتِدَال قبل رُكُوع إِمَامه لِأَن ذَلِك يسير لكنه فِي الْفعْلِيّ بِلَا عذر حرَام وَبِخِلَاف سبقه بركنين غير فعليين كَقِرَاءَة وركوع أَو تشهد وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تجب إِعَادَة ذَلِك وَبِخِلَاف تخلفه بفعلي مُطلقًا أَو بفعليين بِعُذْر كَأَن ابْتَدَأَ إِمَامه هوي السُّجُود وَهُوَ فِي قيام الْقِرَاءَة والسبق بهما يُقَاس بالتخلف بهما وَبِخِلَاف الْمُقَارنَة فِي غير التَّحَرُّم لَكِنَّهَا فِي الْأَفْعَال مَكْرُوهَة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة وَهل هِيَ مفوتة لما قَارن فِيهِ فَقَط أَو لجَمِيع الصَّلَاة الظَّاهِر الأول وَأما ثَوَاب الصَّلَاة فَلَا يفوت بارتكاب مَكْرُوه فقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذا صلى بِأَرْض مَغْصُوبَة أَن الْمُحَقِّقين على حُصُول الثَّوَاب فالمكروه أولى والعذر للتخلف كَأَن أسْرع إِمَام قِرَاءَته وَركع قبل إتْمَام مُوَافق لَهُ الْفَاتِحَة وَهُوَ بطيء الْقِرَاءَة فِيهَا فيتمها وَيسْعَى خَلفه مَا لم يسْبق بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة فَإِن سبق بِأَكْثَرَ من الثَّلَاثَة بِأَن لم يفرغ من الْفَاتِحَة إِلَّا وَالْإِمَام قَائِم عَن السُّجُود أَو جَالس للتَّشَهُّد تبعه فِيمَا هُوَ فِيهِ ثمَّ تدارك بعد سَلام إِمَامه مَا فَاتَهُ كمسبوق فَإِن لم يُتمهَا الْمُوَافق لشغله بِسنة كدعاء افْتِتَاح فمعذور كبطيء الْقِرَاءَة فَيَأْتِي فِيهِ مَا مر كمأموم علم أَو شكّ قبل رُكُوعه وَبعد رُكُوع إِمَامه أَنه ترك الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ مَعْذُور فَيَقْرَؤُهَا وَيسْعَى خَلفه كَمَا مر فِي بطيء الْقِرَاءَة وَإِن كَانَ علم بذلك أَو شكّ فِيهِ بعد ركوعهما لم يعد إِلَى مَحل قرَاءَتهَا لِيَقْرَأهَا فِيهِ لفوته بل يتبع إِمَامه وَيُصلي رَكْعَة بعد سَلام إِمَامه كمسبوق وَسن لمسبوق أَن لَا يشْتَغل بعد تحرمه بِسنة كتعوذ بل بِالْفَاتِحَةِ إِلَّا أَن يظنّ إِدْرَاكهَا مَعَ اشْتِغَاله بِالسنةِ وَإِذا ركع إِمَامه وَلم يقْرَأ الْمَسْبُوق الْفَاتِحَة فَإِن لم يشْتَغل بِسنة تبعه وجوبا فِي الرُّكُوع وأجزأه وَسَقَطت عَنهُ الْفَاتِحَة وَإِن اشْتغل بِسنة قَرَأَ وجوبا بِقَدرِهَا من الْفَاتِحَة لتَقْصِيره بعدوله عَن فرض إِلَى سنة سَوَاء أَقرَأ شَيْئا من الْفَاتِحَة أم لَا فَإِن ركع مَعَ الإِمَام بِدُونِ قِرَاءَة بِقَدرِهَا بطلت صلَاته تَتِمَّة تَنْقَطِع قدوة بِخُرُوج إِمَامه من صلَاته بِحَدَث أَو غَيره وللمأموم قطعهَا بنية الْمُفَارقَة وَكره قطعهَا إِلَّا لعذر كَمَرَض وَتَطْوِيل إِمَام وَتَركه سنة مَقْصُودَة كتشهد أول وَلَو نوى الْقدْوَة مُنْفَرد فِي أثْنَاء صلَاته جَازَ وَتَبعهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِن فرغ إِمَامه أَولا فَهُوَ كمسبوق أَو فرغ هُوَ أَولا فانتظاره أفضل من مُفَارقَته ليسلم مَعَه وَمَا أدْركهُ مَسْبُوق فَأول صلَاته فَيُعِيد فِي ثَانِيَة صبح الْقُنُوت وَفِي ثَانِيَة مغرب التَّشَهُّد لِأَنَّهُمَا مَحلهمَا فَإِن أدْركهُ فِي رُكُوع مَحْسُوب للْإِمَام وَاطْمَأَنَّ يَقِينا قبل ارْتِفَاع إِمَامه عَن أَقَله أدْرك الرَّكْعَة وَيكبر مَسْبُوق أدْرك الإِمَام فِي رُكُوع لتحرم ثمَّ لركوع فَلَو كبر وَاحِدَة فَإِن نوى بهَا التَّحَرُّم فَقَط وأتمها قبل هويه انْعَقَدت صلَاته وَإِلَّا لم تَنْعَقِد وَلَو أدْركهُ فِي اعتداله فَمَا بعده وَافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفِي ذكر مَا أدْركهُ فِيهِ من تحميد وتسبيح وَتشهد وَدُعَاء وَفِي ذكر انْتِقَاله عَنهُ من تَكْبِير لَا فِي ذكر انْتِقَاله إِلَيْهِ وَإِذا سلم إِمَامه كبر لقِيَامه أَو بدله ندبا إِن كَانَ مَحل جُلُوسه وَإِلَّا فَلَا وَالْجَمَاعَة فِي الْجُمُعَة ثمَّ صبح الْجُمُعَة ثمَّ صبح غَيرهَا ثمَّ الْعشَاء ثمَّ الْعَصْر أفضل وَأما جمَاعَة الظّهْر وَالْمغْرب فهما سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع الْمُخْتَص الْمُسَافِر بجوازهما تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لما يلْحقهُ من مشقة السّفر غَالِبا مَعَ كَيْفيَّة الصَّلَاة بِنَحْوِ الْمَطَر وَالْأَصْل فِي الْقصر قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} قَالَ يعلى بن أُميَّة قلت لعمر إِنَّمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن خِفْتُمْ} وَقد أَمن النَّاس فَقَالَ عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته رَوَاهُ مُسلم وَالْأَصْل فِي الْجمع أَخْبَار تَأتي وَلما كَانَ الْقصر أهم هَذِه الْأُمُور بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ (وَيجوز للْمُسَافِر) لغَرَض صَحِيح (قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة) الْمَكْتُوبَة دون الثنائية والثلاثية (بِخمْس شَرَائِط) وَترك شُرُوطًا أُخْرَى سنتكلم عَلَيْهَا الأول (أَن يكون سَفَره فِي غير مَعْصِيّة) سَوَاء أَكَانَ وَاجِبا كسفر حج أَو مَنْدُوبًا كزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مُبَاحا كسفر تِجَارَة أَو مَكْرُوها كسفر مُنْفَرد وَأما العَاصِي بِسَفَرِهِ وَلَو فِي أَثْنَائِهِ كآبق وناشزة فَلَا يقصر لِأَن السّفر سَبَب للرخصة فَلَا يناط بالمعصية كَبَقِيَّة رخص السّفر نعم لَهُ بل عَلَيْهِ التَّيَمُّم مَعَ وجوب إِعَادَة مَا صلاه بِهِ على الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَإِن تَابَ فَأول سَفَره مَحل تَوْبَته فَإِن كَانَ طَويلا أَو لم يشْتَرط للرخصة طوله كَأَكْل الْميتَة للْمُضْطَر فِيهِ ترخص وَإِلَّا فَلَا وَألْحق بسفر الْمعْصِيَة أَن يتعب نَفسه أَو دَابَّته بالركض بِلَا غَرَض شَرْعِي ذكره فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا (و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن تكون مسافته) أَي السّفر الْمُبَاح ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا هاشمية ذَهَابًا وَهِي مرحلتان وهما سير يَوْمَيْنِ معتدلين بسير الأثقال وَهِي (سِتَّة عشر فرسخا) وَلَو قطع هَذِه الْمسَافَة فِي لَحْظَة فِي بر أَو بَحر فقد كَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يقصران ويفطران فِي أَرْبَعَة برد وَمثله إِنَّمَا يفعل عَن تَوْقِيف وَخرج بذهاب الإياب مَعَه فَلَا يحْسب حَتَّى لَو قصد مَكَانا على مرحلة بنية أَن لَا يُقيم فِيهِ بل يرجع فَلَيْسَ لَهُ الْقصر وَإِن ناله مشقة مرحلَتَيْنِ متواليتين لِأَنَّهُ لَا يُسمى سفرا طَويلا وَالْغَالِب فِي الرُّخص الِاتِّبَاع والمسافة تَحْدِيد لَا تقريب لثُبُوت التَّقْدِير بالأميال عَن الصَّحَابَة وَلِأَن الْقصر على خلاف الأَصْل فيحتاط فِيهِ بتحقيق تَقْدِير الْمسَافَة والميل أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة والخطوة ثَلَاثَة أَقْدَام وَالْقَدَمَانِ ذِرَاع والذراع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أصبعا معترضات والأصبع سِتّ شعيرات معتدلات معترضات والشعيرة سِتّ شَعرَات من شعر البرذون وَخرج بالهاشمية المنسوبة لبني هَاشم الأموية المنسوبة لبني أُميَّة فالمسافة بهَا أَرْبَعُونَ ميلًا إِذْ كل خَمْسَة مِنْهَا قدر سِتَّة هاشمية (و) الشَّرْط الثَّالِث (أَن يكون مُؤديا للصَّلَاة) الْمَقْصُورَة فِي أحد أَوْقَاتهَا الْأَصْلِيّ أَو العذري أَو الضَّرُورِيّ فَلَا تقصر فَائِتَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الْحَضَر فِي السّفر لِأَنَّهَا ثبتَتْ فِي ذمَّته تَامَّة وَكَذَا لَا تقصر فِي السّفر فَائِتَة مَشْكُوك فِي أَنَّهَا فَائِتَة سفر أَو حضر احْتِيَاطًا وَلِأَن الأَصْل الْإِتْمَام وتقضى فَائِتَة سفر قصر فِي سفر قصر وَإِن كَانَ غير سفر الْفَائِتَة دون الْحَضَر نظرا إِلَى وجود السَّبَب (و) الشَّرْط الرَّابِع (أَن يَنْوِي الْقصر مَعَ) تَكْبِيرَة (الْإِحْرَام) كأصل النِّيَّة وَمثل نِيَّة الْقصر مَا لَو نوى الظّهْر مثلا رَكْعَتَيْنِ وَلم ينْو ترخصا كَمَا قَالَه الإِمَام وَمَا لَو قَالَ أؤدي صَلَاة السّفر كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي فَلَو لم ينْو مَا ذكر بِأَن نوى الْإِتْمَام أَو أطلق أتم لِأَنَّهُ الْمَنوِي فِي الأولى وَالْأَصْل فِي الثَّانِيَة وَيشْتَرط التَّحَرُّز عَن منافي نِيَّة الْقصر فِي دوَام الصَّلَاة كنية الْإِتْمَام فَلَو نَوَاه بعد نِيَّة الْقصر أتم تَنْبِيه قد علم من أَن الشَّرْط التَّحَرُّز عَن منافيها أَنه لَا يشْتَرط اسْتِدَامَة نِيَّة الْقصر وَهُوَ كَذَلِك وَلَو أحرم قاصرا ثمَّ تردد فِي أَنه يقصر أَو يتم أتم أَو شكّ فِي أَنه نوى الْقصر أم لَا أتم وَإِن تذكر فِي الْحَال أَنه نَوَاه لِأَنَّهُ أدّى جُزْءا من صلَاته حَال التَّرَدُّد على التَّمام وَلَو قَامَ إِمَامه لثالثة فَشك هَل هُوَ متمم أم ساه أتم وَإِن بَان أَنه ساه وَلَو قَامَ الْقَاصِر لثالثة عمدا بِلَا مُوجب للإتمام كنيته أَو نِيَّة إِقَامَة بطلت صلَاته أَو سَهوا ثمَّ تذكر عَاد وجوبا وَسجد لَهُ ندبا وَسلم فَإِن أَرَادَ عِنْد تذكره أَن يتم عَاد للقعود وجوبا ثمَّ قَامَ نَاوِيا الْإِتْمَام (و) الشَّرْط الْخَامِس (أَن لَا يأتم بمقيم) أَو بِمن (جهل سَفَره) فَإِن اقْتدى بِهِ وَلَو فِي جُزْء من صلَاته كَأَن أدْركهُ فِي آخر صلَاته أَو أحدث هُوَ عقب اقتدائه لزمَه الْإِتْمَام لخَبر الإِمَام أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ مَا بَال الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا انْفَرد وأربعا إِذا ائتم بمقيم فَقَالَ تِلْكَ السّنة وَله قصر الصَّلَاة الْمُعَادَة إِن صلاهَا أَولا مَقْصُورَة وصلاها ثَانِيًا خلف من يُصليهَا مَقْصُورَة أَو صلاهَا إِمَامًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَإِن لم أر من تعرض لَهُ وَلَو اقْتدى بِمن ظَنّه مُسَافِرًا فَبَان مُقيما فَقَط أَو مُقيما ثمَّ مُحدثا لزمَه الْإِتْمَام أما لَو بَان مُحدثا ثمَّ مُقيما أَو بانا مَعًا فَلَا يلْزمه الْإِتْمَام إِذْ لَا قدوة فِي الْحَقِيقَة وَفِي الظَّاهِر ظَنّه مُسَافِرًا وَلَو اسْتخْلف قَاصِر لحَدث أَو غَيره متما أتم المقتدون بِهِ كَالْإِمَامِ إِن عَاد واقتدى بِهِ وَلَو لزم الْإِتْمَام مقتديا فَسدتْ صلَاته أَو إِمَامه أَو بَان إِمَامه مُحدثا أتم لِأَنَّهَا صَلَاة وَجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا وَمَا ذكر لَا يَدْفَعهُ وَلَو بَان للْإِمَام حدث نَفسه لم يلْزمه الْإِتْمَام وَلَو أحرم مُنْفَردا وَلم ينْو الْقصر ثمَّ فَسدتْ صلَاته لزمَه الْإِتْمَام كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو فقد الطهُورَيْنِ فشرع فِيهَا بنية الْإِتْمَام ثمَّ قدر على الطَّهَارَة قَالَ الْمُتَوَلِي وَغَيره قصر لِأَن مَا فعله لَيْسَ بِحَقِيقَة صَلَاة قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاء على أَنَّهَا لَيست بِصَلَاة شَرْعِيَّة بل تشبهها وَالْمذهب خِلَافه اه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَكَذَا يُقَال فِيمَن صلى بِتَيَمُّم مِمَّن تلْزمهُ الْإِعَادَة بنية الْإِتْمَام ثمَّ أَعَادَهَا وَلَو اقْتدى بمسافر وَشك فِي نِيَّة الْقصر فَجزم هُوَ بنية الْقصر جَازَ لَهُ الْقصر إِن بَان الإِمَام قاصرا لِأَن الظَّاهِر من حَال الْمُسَافِر الْقصر فَإِن بَان أَنه متم لزمَه الْإِتْمَام فَإِن لم يجْزم بِالنِّيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 بل قَالَ إِن قصر قصرت وَإِلَّا بِأَن أتم أتممت جَازَ لَهُ الْقصر إِن قصر إِمَامه لِأَنَّهُ نوى مَا فِي نفس الْأَمر فَهُوَ تَصْرِيح بالمقتضي فَإِن لم يظْهر للْمَأْمُوم مَا نَوَاه الإِمَام لزمَه الْإِتْمَام احْتِيَاطًا هَذَا آخر الشُّرُوط الَّتِي اشترطها المُصَنّف وَأما الزَّائِد عَلَيْهَا فأمور الأول يشْتَرط كَونه مُسَافِرًا فِي جَمِيع صلَاته فَلَو انْتهى سَفَره فِيهَا كَأَن بلغت سفينته دَار إِقَامَته أَو شكّ فِي انتهائه أتم لزوَال سَبَب الرُّخْصَة فِي الأولى وللشك فِيهِ فِي الثَّانِيَة وَالثَّانِي يشْتَرط قصد مَوضِع مَعْلُوم معِين أَو غير معِين أول سَفَره ليعلم أَنه طَوِيل فيقصر أَولا فَلَا قصر للهائم وَهُوَ الَّذِي لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه وَإِن طَال سَفَره لانْتِفَاء علمه بِطُولِهِ أَوله وَلَا طَالب غَرِيم أَو آبق يرجع مَتى وجده وَلَا يعلم مَوْضِعه نعم إِن قصد سفر مرحلَتَيْنِ أَولا كَأَن علم أَنه لَا يجد مَطْلُوبه قبلهمَا جَازَ لَهُ الْقصر كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَكَذَا لَو قصد الهائم سفر مرحلَتَيْنِ كَمَا شملته عبارَة الْمُحَرر وَلَو علم الْأَسير أَن سَفَره طَوِيل وَنوى الْهَرَب إِن تمكن مِنْهُ لم يقصر قبل مرحلَتَيْنِ وَيقصر بعدهمَا وَمثل ذَلِك يَأْتِي فِي الزَّوْجَة وَالْعَبْد إِذا نَوَت الزَّوْجَة أَنَّهَا مَتى تخلصت من زَوجهَا رجعت وَالْعَبْد أَنه مَتى عتق رَجَعَ فَلَا يترخصان قبل مرحلَتَيْنِ وَلَو كَانَ لمقصده طَرِيقَانِ طَوِيل يبلغ مَسَافَة الْقصر وقصير لَا يبلغهَا فسلك الطَّوِيل لغَرَض ديني أَو دُنْيَوِيّ كسهولة طَرِيق أَو أَمن جَازَ لَهُ الْقصر لوُجُود الشَّرْط وَهُوَ اسفر الطَّوِيل الْمُبَاح وَإِن سلكه لمُجَرّد الْقصر أَو لم يقْصد شَيْئا كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَلَا يقصر لِأَنَّهُ طول الطَّرِيق على نَفسه من غير غَرَض وَلَو تبع العَبْد أَو الزَّوْجَة أَو الجندي مَالك أمره فِي السّفر وَلَا يعرف كل وَاحِد مِنْهُم مقْصده فَلَا قصر لَهُم وَهَذَا قبل بلوغهم مَسَافَة الْقصر فَإِن قطعوها قصروا كَمَا مر فِي الْأَسير فَلَو نووا مَسَافَة الْقصر وحدهم دون متبوعهم قصر الجندي غير الْمُثبت فِي الدِّيوَان دونهمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحت يَد الْأَمِير وقهره بخلافهما فنيتهما كَالْعدمِ أما الْمُثبت فِي الدِّيوَان فَهُوَ مثلهمَا لِأَنَّهُ مقهور تَحت يَد الْأَمِير وَمثله الْجَيْش وَالثَّالِث يشْتَرط للقصر مُجَاوزَة سور مُخْتَصّ بِمَا سَافر مِنْهُ كبلد وقرية وَإِن كَانَ دَاخله أَمَاكِن خربة ومزارع لِأَن جَمِيع مَا هُوَ دَاخله مَعْدُود مِمَّا سَافر مِنْهُ فَإِن لم يكن لَهُ سور مُخْتَصّ بِهِ بِأَن لم يكن سور مُطلقًا أَو فِي صوب سَفَره أَو كَانَ لَهُ سور غير مُخْتَصّ بِهِ كقرى متفاصلة جمعهَا سور فأوله مُجَاوزَة عمرَان وَإِن تخلله خراب لَا مُجَاوزَة خراب بطرفه هجر بالتحويط على العامر أَو زرع بِقَرِينَة مَا يَأْتِي أَو اندرس بِأَن ذهبت أصُول حيطانه لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحل إِقَامَته بِخِلَاف مَا لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يشْتَرط مجاوزته كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَلَا مُجَاوزَة بساتين ومزارع كَمَا فهمت بِالْأولَى وَإِن اتصلتا بِمَا سَافر مِنْهُ أَو كَانَتَا محوطتين لِأَنَّهُمَا لَا يتخذان للإقامة وَلَو كَانَ بالبساتين قُصُور أَو دور تسكن فِي بعض فُصُول السّنة لم يشْتَرط مجاوزتها على الظَّاهِر فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَنَّهَا لَيست من الْبَلَد والقريتان المتصلتان يشْتَرط مجاوزتهما وأوله لساكن خيام كالأعراب مُجَاوزَة حلَّة فَقَط وَمَعَ مُجَاوزَة عرض وَاد إِن سَافر فِي عرضه وَمَعَ مُجَاوزَة عرض مهبط إِن كَانَ فِي ربوة وَمَعَ مُجَاوزَة مصعد إِن كَانَ فِي وهدة هَذَا إِن اعتدلت الثَّلَاثَة فَإِن أفرطت سعتها اكْتفى بمجاوزة الْحلَّة عرفا وَيَنْتَهِي سَفَره ببلوغ مبدأ سفر من سور أَو غَيره من وَطنه أَو من مَوضِع آخر رَجَعَ من سَفَره إِلَيْهِ أَولا وَقد نوى قبل بُلُوغه وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 مُسْتَقل إِقَامَة بِهِ وَإِن لم يصلح لَهَا إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا أَرْبَعَة أَيَّام صِحَاح وبإقامته وَقد علم أَن إربه لَا يَنْقَضِي فِيهَا وَإِن توقعه كل وَقت قصر ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا صحاحا وَلَو غير محَارب وَيَنْتَهِي أَيْضا سَفَره بنية رُجُوعه ماكثا وَلَو من طَوِيل لَا إِلَى غير وَطنه لحَاجَة بِأَن نوى رُجُوعه إِلَى وَطنه أَو إِلَى غَيره لَا لحَاجَة فَلَا يقصر فِي ذَلِك الْموضع فَإِن سَافر فسفر جَدِيد فَإِن كَانَ طَويلا قصر وَإِلَّا فَلَا فَإِن نوى الرُّجُوع وَلَو من قصير إِلَى غير وَطنه لحَاجَة لم ينْتَه سَفَره بذلك وكنية الرُّجُوع التَّرَدُّد فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَالرَّابِع يشْتَرط الْعلم بِجَوَاز الْقصر فَلَو قصر جَاهِلا بِهِ لم تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا تَنْبِيه الصَّوْم لمسافر سفر قصر أفضل من الْفطر إِن لم يضرّهُ لما فِيهِ من بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْقصر لَهُ أفضل من الْإِتْمَام إِن بلغ سَفَره ثَلَاث مراحل وَلم يخْتَلف فِي جَوَاز قصره فَإِن لم يبلغهَا فالإتمام أفضل خُرُوجًا من خلاف أبي حنيفَة أما لَو اخْتلف فِيهِ كملاح يُسَافر فِي الْبَحْر وَمَعَهُ عِيَاله فِي سفينته وَمن يديم السّفر مُطلقًا فالإتمام لَهُ أفضل لِلْخُرُوجِ من خلاف من أوجبه كَالْإِمَامِ أَحْمد وَلما فرغ المُصَنّف من أَحْكَام الْقصر شرع فِي أَحْكَام الْجمع فِي السّفر فَقَالَ (وَيجوز للْمُسَافِر) سفر قصر (أَن يجمع بَين) صَلَاتي (الظّهْر وَالْعصر فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وتأخيرا (و) أَن يجمع (بَين) صَلَاتي (الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ) تَقْدِيمًا وتأخيرا وَالْجُمُعَة كالظهر فِي جمع التَّقْدِيم وَالْأَفْضَل لسَائِر وَقت أولى تَأْخِير وَلغيره تَقْدِيم لِلِاتِّبَاعِ وَشرط للتقديم أَرْبَعَة شُرُوط الأول التَّرْتِيب بِأَن يبْدَأ بِالْأولَى لِأَن الْوَقْت لَهَا وَالثَّانيَِة تبع لَهَا وَالثَّانِي نِيَّة الْجمع ليتميز التَّقْدِيم الْمَشْرُوع عَن التَّقْدِيم سَهوا أَو عَبَثا فِي الأولى وَلَو مَعَ تحلله مِنْهَا وَالثَّالِث وَلَاء بِأَن لَا يطول بَينهمَا فصل عرفا وَلَو ذكر بعدهمَا ترك ركن من الأولى أعادهما وَله جَمعهمَا تَقْدِيمًا وتأخيرا لوُجُود المرخص فَإِن ذكر أَنه من الثَّانِيَة وَلم يطلّ الْفَصْل بَين سلامها وَالذكر تدارك وصحتا فَإِن طَال بطلت الثَّانِيَة وَلَا جمع لطول الْفَصْل وَلَو جهل بِأَن لم يدر أَن التّرْك من الأولى أَو من الثَّانِيَة أعادهما لاحْتِمَال أَنه من الأولى بِغَيْر جمع تَقْدِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَالرَّابِع دوَام سَفَره إِلَى عقد الثَّانِيَة فَلَو أَقَامَ قبله فَلَا جمع لزوَال السَّبَب وَشرط للتأخير أَمْرَانِ فَقَط أَحدهمَا نِيَّة جمع فِي وَقت أولى مَا بَقِي قدر يَسعهَا تمييزا لَهُ عَن التَّأْخِير تَعَديا وَظَاهر أَنه لَو أخر النِّيَّة إِلَى وَقت لَا يسع الأولى عصى وَإِن وَقعت أَدَاء فَإِن لم ينْو الْجمع أَو نَوَاه فِي وَقت الأولى وَلم يبْق مِنْهُ مَا يَسعهَا عصى وَكَانَت قَضَاء وَثَانِيهمَا دوَام سَفَره إِلَى تمامهما فَلَو أَقَامَ قبله صَارَت الأولى قَضَاء لِأَنَّهَا تَابِعَة للثَّانِيَة فِي الْأَدَاء للْعُذْر وَقد زَالَ قبل تَمامهَا وَفِي الْمَجْمُوع إِذا أَقَامَ فِي أثْنَاء الثَّانِيَة يَنْبَغِي أَن تكون الأولى أَدَاء بِلَا خلاف وَمَا بَحثه مُخَالف لإطلاقهم قَالَ السُّبْكِيّ وَتَبعهُ الْإِسْنَوِيّ وتعليلهم منطبق على تَقْدِيم الأولى فَلَو عكس وَأقَام فِي أثْنَاء الظّهْر فقد وجد الْعذر فِي جَمِيع المتبوعة وَأول التابعة وَقِيَاس مَا مر فِي جمع التَّقْدِيم أَنَّهَا أَدَاء على الْأَصَح أَي كَمَا أفهمهُ تَعْلِيلهم وأجرى الطاوسي الْكَلَام على إِطْلَاقه فَقَالَ وَإِنَّمَا اكْتفى فِي جمع التَّقْدِيم بدوام السّفر إِلَى عقد الثَّانِيَة وَلم يكتف بِهِ فِي جمع التَّأْخِير بل شَرط دَوَامه إِلَى إِتْمَامهَا لِأَن وَقت الظّهْر لَيْسَ وَقت الْعَصْر إِلَّا فِي السّفر وَقد وجد عِنْد عقد الثَّانِيَة فَيحصل الْجمع وَأما وَقت الْعَصْر فَيجوز فِيهِ الظّهْر بِعُذْر السّفر وَغَيره فَلَا ينْصَرف فِيهِ الظّهْر إِلَى السّفر إِلَّا إِذا وجد السّفر فيهمَا وَإِلَّا جَازَ أَن ينْصَرف إِلَيْهِ لوُقُوع بَعْضهَا فِيهِ وَأَن ينْصَرف إِلَى غَيره لوُقُوع بَعْضهَا فِي غَيره الَّذِي هُوَ الأَصْل اه وَكَلَام الطاوسي هُوَ الْمُعْتَمد ثمَّ شرع فِي الْجمع بالمطر فَقَالَ (وَيجوز للحاضر) أَي الْمُقِيم (فِي الْمَطَر) وَلَو كَانَ ضَعِيفا بِحَيْثُ يبل الثَّوْب وَنَحْوه كثلج وَبرد ذائبين (أَن يجمع) مَا يجمع بِالسَّفرِ وَلَو جُمُعَة مَعَ الْعَصْر خلافًا للروياني فِي مَنعه ذَلِك تَقْدِيمًا (فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا) لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء جمعا زَاد مُسلم من غير خوف وَلَا سفر قَالَ الشَّافِعِي كمالك أرى ذَلِك فِي الْمَطَر وَلَا يجوز ذَلِك تَأْخِيرا لِأَن اسْتِدَامَة الْمَطَر لَيست إِلَى الْجَامِع فقد يَنْقَطِع فَيُؤَدِّي إِلَى إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا من غير عذر بِخِلَاف السّفر وَشرط التَّقْدِيم أَن يُوجد نَحْو الْمَطَر عِنْد تحرمه بهما ليقارن الْجمع وَعند تحلله من الأولى ليتصل بِأول الثَّانِيَة فَيُؤْخَذ مِنْهُ اعْتِبَار امتداده بَينهمَا وَهُوَ ظَاهر وَلَا يضر انْقِطَاعه فِي أثْنَاء الأولى أَو الثَّانِيَة أَو بعدهمَا وَيشْتَرط أَن يُصَلِّي جمَاعَة بمصلى بعيد عَن بَاب دَاره عرفا بِحَيْثُ يتَأَذَّى بذلك فِي طَرِيقه إِلَيْهِ بِخِلَاف من يُصَلِّي فِي بَيته مُنْفَردا أَو جمَاعَة أَو يمشي إِلَى الْمصلى فِي كن أَو كَانَ الْمصلى قَرِيبا فَلَا يجمع لانْتِفَاء التأذي وَبِخِلَاف من يُصَلِّي مُنْفَردا لانْتِفَاء الْجَمَاعَة فِيهِ وَأما جمعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمطر مَعَ أَن بيُوت أَزوَاجه كَانَت بِجنب الْمَسْجِد فَأَجَابُوا عَنهُ بِأَن بُيُوتهنَّ كَانَت مُخْتَلفَة وأكثرها كَانَ بَعيدا فَلَعَلَّهُ حِين جمع لم يكن بالقريب وَأجِيب أَيْضا بِأَن للْإِمَام أَن يجمع بالمأمومين وَإِن لم يتأذ بالمطر صرح بِهِ ابْن أبي هُرَيْرَة وَغَيره قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وَلمن اتّفق لَهُ وجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الْمَطَر وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ أَن يجمع وَإِلَّا لاحتاج إِلَى صَلَاة الْعَصْر أَو الْعشَاء فِي جمَاعَة وَفِيه مشقة فِي رُجُوعه إِلَى بَيته ثمَّ عوده أَو فِي إِقَامَته وَكَلَام غَيره يَقْتَضِيهِ تَنْبِيه قد علم مِمَّا مر أَنه لَا جمع بِغَيْر السّفر وَنَحْو الْمَطَر كَمَرَض وريح وظلمة وَخَوف ووحل وَهُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم ينْقل وَلخَبَر الْمَوَاقِيت فَلَا يُخَالف إِلَّا بِصَرِيح وَحكي فِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة من أَصْحَابنَا جَوَازه بالمذكورات قَالَ وَهُوَ قوي جدا فِي الْمَرَض والوحل وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَة لَكِن فَرْضه فِي الْمَرَض وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَقد ظَفرت بنقله عَن الشَّافِعِي اه وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} على ذَلِك يسن أَن يُرَاعى الأرفق بِنَفسِهِ فَمن يحم فِي وَقت الثَّانِيَة يقدمهَا بشرائط جمع التَّقْدِيم أَو فِي وَقت الأولى يؤخرها بالأمرين الْمُتَقَدِّمين وعَلى الْمَشْهُور قَالَ فِي الْمَجْمُوع إِنَّمَا لم يلْحق الوحل بالمطر كَمَا فِي عذر الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لِأَن تاركهما يَأْتِي ببدلهما وَالْجَامِع يتْرك الْوَقْت بِلَا بدل وَلِأَن الْعذر فيهمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بل كل مَا يلْحق بِهِ مشقة شَدِيدَة والوحل مِنْهُ وَعذر الْجمع مضبوط بِمَا جَاءَت بِهِ السّنة وَلم تجىء بالوحل تَتِمَّة قد جمع فِي الرَّوْضَة مَا يخْتَص بِالسَّفرِ الطَّوِيل وَمَا لَا يخْتَص فَقَالَ الرُّخص الْمُتَعَلّقَة بالطويل أَربع الْقصر وَالْفطر وَالْمسح على الْخُف ثَلَاثَة أَيَّام وَالْجمع على الْأَظْهر وَالَّذِي يجوز فِي الْقصير أَيْضا أَربع ترك الْجُمُعَة وَأكل الْميتَة وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفرِ والتنفل على الرَّاحِلَة على الْمَشْهُور وَالتَّيَمُّم وَإِسْقَاط الْفَرْض بِهِ على الصَّحِيح فيهمَا وَلَا يخْتَص هَذَا بِالسَّفرِ أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَزيد على ذَلِك صور مِنْهَا مَا لَو سَافر الْمُودع وَلم يجد الْمَالِك وَلَا وَكيله وَلَا الْحَاكِم وَلَا الْأمين فَلهُ أَخذهَا مَعَه على الصَّحِيح وَمِنْهَا مَا لَو استصحب مَعَه ضرَّة زَوجته بِقرْعَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا يخْتَص بالطويل على الصَّحِيح وَوَقع فِي الْمُهِمَّات تَصْحِيح عَكسه وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ سَهْو فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِضَم الْمِيم وإسكانها وَفتحهَا وَحكي كسرهَا وَجَمعهَا جمعات وَجمع سميت بذلك لِاجْتِمَاع النَّاس لَهَا وَقيل لما جمع فِي يَوْمهَا من الْخَيْر وَقيل لِأَنَّهُ جمع فِيهِ خلق آدم وَقيل لاجتماعه فِيهِ مَعَ حَوَّاء فِي الأَرْض وَكَانَ يُسمى فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الْعرُوبَة أَي الْبَين الْمُعظم وَهِي أفضل الصَّلَوَات ويومها أفضل الْأَيَّام وَخير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يعْتق لَهُ أجر شَهِيد وَوُقِيَ فتْنَة الْقَبْر وَهِي بشروطها الْآتِيَة فرض عين لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا} الله تَعَالَى فِيهِ سِتّمائَة ألف عَتيق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 النَّار وَمن مَاتَ فِيهِ كتب الله تَعَالَى {نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} أَي امضوا {إِلَى ذكر الله} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رواح الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم وفرضت الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَلم يصلها حِينَئِذٍ إِمَّا لِأَنَّهُ لم يكمل عَددهَا عِنْده أَو لِأَن من شعارها الْإِظْهَار وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة مستخفيا وَالْجُمُعَة لَيست ظهرا مَقْصُورا وَإِن كَانَ وَقتهَا وقته وتتدارك بِهِ بل صَلَاة مُسْتَقلَّة لِأَنَّهُ لَا يُغني عَنْهَا وَلقَوْل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد خَابَ من افترى رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَغَيره وتختص بِشُرُوط للزومها وشروط لصحتها وآداب وَسَتَأْتِي كلهَا وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وشرائط وجوب) صَلَاة (الْجُمُعَة سَبْعَة أَشْيَاء) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة الأول (الْإِسْلَام) وَهُوَ شَرط لغَيْرهَا من كل عبَادَة (و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا جُمُعَة على الصَّبِي وَلَا على مَجْنُون كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات والتكليف أَيْضا شَرط فِي كل عبَادَة قَالَ فِي الرَّوْضَة والمغمى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَاف السَّكْرَان فَإِنَّهُ يلْزمه قَضَاؤُهَا ظهرا كَغَيْرِهَا (و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة) فَلَا تجب على من فِيهِ رق لنقصه ولاشتغاله بِحُقُوق السَّيِّد عَن التهيؤ لَهَا وَشَمل ذَلِك الْمكَاتب لِأَنَّهُ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم (و) الْخَامِس (الذُّكُورَة) فَلَا تجب على امْرَأَة وَخُنْثَى لنقصهما (و) السَّادِس (الصِّحَّة) فَلَا تجب على مَرِيض وَلَا على مَعْذُور بمرخص فِي ترك الْجَمَاعَة مِمَّا يتَصَوَّر هُنَا وَمن الْأَعْذَار الِاشْتِغَال بتجهيز الْمَيِّت كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامهم وإسهال لَا يضْبط الشَّخْص نَفسه مَعَه ويخشى مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد كَمَا فِي التَّتِمَّة وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْجَمَاعَة أَن الْحَبْس عذر إِذْ لم يكن مقصرا فِيهِ فَيكون هُنَا كَذَلِك وَأفْتى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يجب إِطْلَاقه لفعلها وَالْغَزالِيّ بِأَن القَاضِي إِن رأى الْمصلحَة فِي مَنعه منع وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أولى وَلَو اجْتمع فِي الْحَبْس أَرْبَعُونَ فَصَاعِدا قَالَ الأسنوي فَالْقِيَاس أَن الْجُمُعَة تلزمهم وَإِذا كَانَ فيهم من لَا يصلح لإقامتها فَهَل لوَاحِد من الْبَلَد الَّتِي لَا يعسر فِيهَا الِاجْتِمَاع إِقَامَة الْجُمُعَة لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أم لَا وَالظَّاهِر كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين أَن لَهُ ذَلِك وَتلْزم الشَّيْخ الْهَرم والزمن إِن وجدا مركبا ملكا أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة وَلَو آدَمِيًّا كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَلم يشق الرّكُوب عَلَيْهِمَا كمشقة الْمَشْي فِي الوحل لانْتِفَاء الضَّرَر وَلَا يجب قبُول الْمَوْهُوب لما فِيهِ من الْمِنَّة وَالشَّيْخ من جَاوز الْأَرْبَعين فَإِن النَّاس صغَار وَأَطْفَال وصبيان وذراري إِلَى الْبلُوغ وشبان وفتيان إِلَى الثَّلَاثِينَ وكهول إِلَى الْأَرْبَعين وَبعد الْأَرْبَعين الرجل شيخ وَالْمَرْأَة شيخة واستنبط بَعضهم ذَلِك من الْقُرْآن الْعَزِيز قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} {قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم} {ويكلم النَّاس فِي المهد وكهلا} {إِن لَهُ أَبَا شَيخا كَبِيرا} الْهَرم أقْصَى الْكبر والزمانة الِابْتِلَاء والعاهة وَتلْزم الْأَعْمَى إِن وجد قائدا وَلَو بِأُجْرَة مثل يجدهَا أَو مُتَبَرعا أَو ملكا فَإِن لم يجده لم يلْزمه الْحُضُور وَإِن كَانَ يحسن الْمَشْي بالعصا خلافًا للْقَاضِي حُسَيْن لما فِيهِ من التَّعَرُّض للضَّرَر نعم إِن كَانَ قَرِيبا من الْجَامِع بِحَيْثُ لَا يتَضَرَّر بذلك يَنْبَغِي وجوب الْحُضُور عَلَيْهِ لِأَن الْمُعْتَبر عدم الضَّرَر وَهَذَا لَا يتَضَرَّر وَمن صَحَّ ظَهره مِمَّن لَا تلْزمهُ الْجُمُعَة صحت جمعته لِأَنَّهَا إِذا صحت مِمَّن تلْزمهُ فَمِمَّنْ لَا تلْزمهُ أولى وتغني عَن ظَهره وَله أَن ينْصَرف من الْمصلى قبل إِحْرَامه بهَا إِلَّا نَحْو مَرِيض كأعمى لَا يجد قائدا فَلَيْسَ لَهُ أَن ينْصَرف قبل إِحْرَامه إِن دخل وَقتهَا وَلم يزدْ ضَرَره بانتظاره فعلهَا أَو أُقِيمَت الصَّلَاة نعم لَو أُقِيمَت وَكَانَ ثمَّ مشقة لَا تحْتَمل كمن بِهِ إسهال ظن انْقِطَاعه فأحس بِهِ وَلَو بعد تحرمه وَعلم من نَفسه أَنه إِن مكث سبقه فَالْمُتَّجه كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ أَن لَهُ الِانْصِرَاف وَالْفرق بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ أَن الْمَانِع فِي نَحْو الْمَرِيض من وُجُوبهَا مشقة الْحُضُور وَقد حضر متحملا لَهَا وَالْمَانِع فِي غَيره صِفَات قَائِمَة بِهِ لَا تَزُول بالحضور (و) السَّابِع (الاستيطان) وَالْأولَى أَن يعبر بِالْإِقَامَةِ فَلَا جُمُعَة على مُسَافر سفرا مُبَاحا وَلَو قَصِيرا لاشتغاله وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا لَا جُمُعَة على مُسَافر لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالصَّحِيح وَقفه على ابْن عمر وَأهل الْقرْيَة وَإِن كَانَ فيهم جمع تصح بِهِ الْجُمُعَة وَهُوَ أَرْبَعُونَ من أهل الْكَمَال المستوطنين أَو بَلغهُمْ صَوت عَال من مُؤذن يُؤذن كعادته فِي علو الصَّوْت والأصوات هادئة والرياح راكدة من طرف يليهم لبلد الْجُمُعَة مَعَ اسْتِوَاء الأَرْض لزمتهم وَالْمُعْتَبر سَماع من أصغى وَلم يكن أَصمّ وَلَا جَاوز سَمعه حد الْعَادة وَلَو لم يسمع مِنْهُم غير وَاحِد وَيعْتَبر كَون الْمُؤَذّن على الأَرْض لَا على عَال لِأَنَّهُ لَا ضبط لحده قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا أَن تكون الْبَلَد فِي أَرض بَين أَشجَار كطبرستان وَتَابعه فِي الْمَجْمُوع فَإِنَّهَا بَين أَشجَار تمنع بُلُوغ الصَّوْت فَيعْتَبر فِيهَا الْعُلُوّ على مَا يُسَاوِي الْأَشْجَار وَقد يُقَال الْمُعْتَبر السماع لَو لم يكن مَانع وَفِي ذَلِك مَانع فَلَا حَاجَة لاستثنائه وَلَو سمعُوا النداء من بلدين فحضور الْأَكْثَر جمَاعَة أولى فَإِن اسْتَويَا فمراعاة الْأَقْرَب أولى كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَة فَإِن لم يكن فيهم الْجمع الْمَذْكُور وَلَا بَلغهُمْ الصَّوْت الْمَذْكُور لم تلزمهم الْجُمُعَة وَلَو ارْتَفَعت قَرْيَة فَسمِعت وَلَو ساوت لم تسمع أَو انخفضت فَلم تسمع وَلَو ساوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 لسمعت لَزِمت الثَّانِيَة دون الأولى اعْتِبَارا بِتَقْدِير الاسْتوَاء وَلَو وجدت قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعُونَ كاملون فَدَخَلُوا بَلَدا وصلوا فِيهَا سَقَطت عَنْهُم سَوَاء أسمعوا النداء أم لَا وَيحرم عَلَيْهِم ذَلِك لتعطيلهم الْجُمُعَة فِي قريتهم وَلَو وَافق الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة فَحَضَرَ أهل الْقرْيَة الَّذين يبلغهم النداء لصَلَاة الْعِيد وَلَو رجعُوا إِلَى أَهْليهمْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَة فَلهم الرُّجُوع وَترك الْجُمُعَة على الْأَصَح نعم لَو دخل وَقتهَا قبل انصرافهم فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُم تَركهَا وَيحرم على من لَزِمته الْجُمُعَة السّفر بعد الزَّوَال لِأَن وُجُوبهَا تعلق بِهِ بِمُجَرَّد دُخُول الْوَقْت إِلَّا أَن يغلب على ظَنّه أَنه يدْرك الْجُمُعَة فِي مقْصده أَو طَرِيقه لحُصُول الْمَقْصُود أَو يتَضَرَّر بتخلفه لَهَا عَن الرّفْقَة فَلَا يحرم دفعا للضَّرَر عَنهُ أما مُجَرّد انْقِطَاعه عَن الرّفْقَة بِلَا ضَرَر فَلَيْسَ بِعُذْر بِخِلَاف نَظِيره من التَّيَمُّم لِأَن الطُّهْر يتَكَرَّر فِي كل يَوْم بِخِلَاف الْجُمُعَة وَبِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الْوَسَائِل مَا لَا يغْتَفر فِي الْمَقَاصِد وَقبل الزَّوَال وأوله الْفجْر كبعده فِي الْحُرْمَة وَغَيرهَا وَإِنَّمَا حرم قبل الزَّوَال وَإِن لم يدْخل وَقتهَا لِأَنَّهَا مُضَافَة إِلَى الْيَوْم وَلذَلِك يجب السَّعْي قبل الزَّوَال على بعيد الدَّار وَسن لغير من تلْزمهُ الْجُمُعَة وَلَو بمحلها جمَاعَة فِي ظَهره وإخفاؤها إِن خَفِي عذره لِئَلَّا يتهم بالرغبة عَن صَلَاة الإِمَام وَيسن لمن رجا زَوَال عذره قبل فَوَات الْجُمُعَة كَعبد يَرْجُو الْعتْق تَأْخِير ظَهره إِلَى فَوَات الْجُمُعَة أما من لَا يَرْجُو زَوَال عذره كامرأة فتعجيل الظّهْر أفضل لتحوز فَضِيلَة أول الْوَقْت ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ شُرُوط الصِّحَّة فَقَالَ (وشرائط) صِحَة (فعلهَا) مَعَ شُرُوط غَيرهَا (ثَلَاثَة) بل ثَمَانِيَة كَمَا ستراها الأول (أَن تكون الْبَلَد) أَي أَن تُقَام فِي خطة أبنية أوطان المجمعين من الْبَلَد سَوَاء الرحاب المسقفة والساحات والمساجد وَلَو انْهَدَمت الْأَبْنِيَة وَأَقَامُوا على عمارتها لم يضر انهدامها فِي صِحَة الْجُمُعَة وَإِن لم يَكُونُوا فِي مظال لِأَنَّهَا وطنهم وَلَا تَنْعَقِد فِي غير بِنَاء إِلَّا فِي هَذِه وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو نزلُوا مَكَانا وَأَقَامُوا فِيهِ ليعمروه قَرْيَة لَا تصح جمعتهم فِيهِ قبل الْبناء استصحابا للْأَصْل فِي الْحَالين وَكَذَا لَو صلت طَائِفَة خَارج الْأَبْنِيَة خلف جُمُعَة منعقدة لَا تصح جمعتهم لعدم وُقُوعهَا فِي الْأَبْنِيَة المجتمعة فِيهِ وَإِن خَالف فِي ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين وَتجوز فِي الفضاء الْمَعْدُود من خطة الْبَلَد (مصرا) كَانَت (أَو قَرْيَة) بِحَيْثُ لَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة كَمَا فِي السكن الْخَارِج عَنْهَا الْمَعْدُود مِنْهَا بِخِلَاف غير الْمَعْدُود مِنْهَا فَمن أطلق الْمَنْع فِي الْخَارِج عَنْهَا أَرَادَ هَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَأكْثر أهل الْقرى يؤخرون الْمَسْجِد عَن جِدَار الْقرْيَة قَلِيلا صِيَانة لَهُ عَن نَجَاسَة الْبَهَائِم وَعدم انْعِقَاد الْجُمُعَة فِيهِ بعيد وَقَول القَاضِي أبي الطّيب قَالَ أَصْحَابنَا لَو بنى أهل الْبَلَد مَسْجِدهمْ خَارِجهَا لم يجز لَهُم إِقَامَة الْجُمُعَة فِيهِ لانفصاله عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْبناء مَحْمُول على انْفِصَال لَا يعد بِهِ من الْقرْيَة اه وَفِي فَتَاوَى ابْن البزري أَنه إِذا كَانَ أَي الْبَلَد كَبِيرا أَو خرب مَا حوالي الْمَسْجِد لم يزل حكم الوصلة عَنهُ وَيجوز إِقَامَة الْجُمُعَة فِيهِ وَلَو كَانَ بَينهمَا فَرسَخ اه وَالضَّابِط فِيهِ أَلا يكون بِحَيْثُ تقصر فِيهِ الصَّلَاة قبل مجاوزته أخذا مِمَّا مر وَلَو لَازم أهل الْخيام موضعا من الصَّحرَاء وَلم يبلغهم النداء من مَحل الْجُمُعَة فَلَا جُمُعَة عَلَيْهِم وَلَا تصح مِنْهُم لأَنهم على هَيْئَة المستوفزين وَلَيْسَ لَهُم أبنية المستوطنين وَلِأَن قبائل الْعَرَب كَانُوا مقيمين حول الْمَدِينَة وَمَا كَانُوا يصلونها وَمَا أَمرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا (و) الثَّانِي من شُرُوط الصِّحَّة (أَن يكون الْعدَد أَرْبَعِينَ) رجلا وَلَو مرضى وَمِنْهُم الإِمَام (من أهل الْجُمُعَة) وهم الذُّكُور الْأَحْرَار المكلفون المستوطنون بمحلها لَا يظعنون عَنهُ شتاء وَلَا صيفا إِلَّا لحَاجَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجمع بِحجَّة الْوَدَاع مَعَ عزمه على الْإِقَامَة أَيَّامًا لعدم التوطن وَكَانَ يَوْم عَرَفَة فِيهَا يَوْم جُمُعَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَصلى بهم الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا كَمَا فِي خبر مُسلم وَلَو نَقَصُوا فِيهَا بطلت لاشْتِرَاط الْعدَد فِي دوامها كالوقت فِيهَا وَقد فَاتَ فيتمها الْبَاقُونَ ظهرا أَو فِي خطْبَة لم يحْسب ركن مِنْهَا فعل حَال نقصهم لعدم سماعهم لَهُ فَإِن عَادوا قَرِيبا عرفا جَازَ بِنَاء على مَا مضى مِنْهَا فَإِن عَادوا بعد طول الْفَصْل وَجب استئنافها لانْتِفَاء الْمُوَالَاة الَّتِي فعلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأَئِمَّة بعده فَيجب اتباعهم فِيهَا كنقصهم بَين الصَّلَاة وَالْخطْبَة فَإِنَّهُم إِن عَادوا قَرِيبا جَازَ الْبناء وَإِلَّا وَجب الِاسْتِئْنَاف لذَلِك وَلَو أحرم أَرْبَعُونَ قبل انفضاض الْأَوَّلين تمت لَهُم الْجُمُعَة وَإِن لم يَكُونُوا سمعُوا الْخطْبَة وَإِن أَحْرمُوا عقب انفضاض الْأَوَّلين قَالَ فِي الْوَسِيط تستمر الْجُمُعَة بِشَرْط أَن يَكُونُوا سمعُوا الْخطْبَة وَتَصِح الْجُمُعَة خلف عبد وَصبي مُمَيّز ومسافر وَمن بَان مُحدثا وَلَو حَدثا أكبر كَغَيْرِهَا إِن تمّ الْعدَد أَرْبَعِينَ بغيرهم بِخِلَاف مَا إِذا لم يتم إِلَّا بهم (و) الثَّالِث من شُرُوط الصِّحَّة (الْوَقْت) وَهُوَ وَقت الظّهْر لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَيشْتَرط الْإِحْرَام بهَا وَهُوَ (بَاقٍ) بِحَيْثُ يَسعهَا جَمِيعهَا (فَإِن خرج الْوَقْت) أَو ضَاقَ عَنْهَا وَعَن خطبتيها أَو شكّ فِي ذَلِك (أَو عدمت الشُّرُوط) أَي شُرُوط صِحَّتهَا أَو بَعْضهَا كَأَن فقد الْعدَد أَو الاستيطان (صليت) حِينَئِذٍ (ظهرا) كَمَا لَو فَاتَ شَرط الْقصر يرجع إِلَى الْإِتْمَام فَعلم أَنَّهَا إِذا فَاتَت لَا تقضى جُمُعَة بل ظهرا أَو خرج الْوَقْت وهم فِيهَا وَجب الظّهْر بِنَاء إِلْحَاقًا للدوام بِالِابْتِدَاءِ فيسر بِالْقِرَاءَةِ من حِينَئِذٍ بِخِلَاف مَا لَو شكّ فِي خُرُوجه لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ وَأما الْمَسْبُوق الْمدْرك مَعَ الإِمَام مِنْهَا رَكْعَة فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِيمَا تقدم فَإِذا خرج الْوَقْت قبل سَلَامه فَإِنَّهُ يجب ظهر بِنَاء وَإِن كَانَت تَابِعَة لجمعة صَحِيحَة وَلَو سلم الإِمَام الأولى وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْت وَسلمهَا الْبَاقُونَ خَارجه صحت جُمُعَة الإِمَام وَمن مَعَه أما الْمُسلمُونَ خَارجه أَو فِيهِ لَو نَقَصُوا عَن أَرْبَعِينَ كَأَن سلم الإِمَام فِيهِ وَسلم من مَعَه أَو بَعضهم خَارجه فَلَا تصح جمعتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فَإِن قيل لَو تبين حدث الْمَأْمُومين دون الإِمَام صحت جمعته كَمَا نَقله الشَّيْخَانِ عَن الْبَيَان مَعَ عدم انْعِقَاد صلَاتهم فَهَلا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِك أُجِيب بِأَن الْمُحدث تصح جمعته فِي الْجُمْلَة بِأَن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا بِخِلَافِهَا خَارج الْوَقْت وَالرَّابِع من الشُّرُوط وجود الْعدَد كَامِلا من أول الْخطْبَة الأولى إِلَى انْقِضَاء الصَّلَاة لتخرج مَسْأَلَة الانفضاض الْمُتَقَدّمَة وَالْخَامِس من الشُّرُوط أَن لَا يسبقها وَلَا يقارنها جُمُعَة فِي محلهَا وَلَو عظم كَمَا قَالَه الشَّافِعِي لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين لم يقيموا سوى جُمُعَة وَاحِدَة وَلِأَن الِاقْتِصَار على وَاحِدَة أفْضى إِلَى الْمَقْصُود من إِظْهَار شعار الِاجْتِمَاع واتفاق الْكَلِمَة قَالَ الشَّافِعِي وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ فعلهَا فِي مسجدين لجَاز فِي مَسْجِد العشائر وَلَا يجوز إِجْمَاعًا إِلَّا إِذا كبر الْمحل وعسر اجْتِمَاعهم فِي مَكَان بِأَن لم يكن فِي مَحل الْجُمُعَة مَوضِع يسعهم بِلَا مشقة وَلَا غير مَسْجِد فَيجوز التَّعَدُّد للْحَاجة بحسبها لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ دخل بَغْدَاد وَأَهْلهَا يُقِيمُونَ فِيهَا جمعتين وَقيل ثَلَاثًا فَلم يُنكر عَلَيْهِم فَحَمله الْأَكْثَرُونَ على عسر الِاجْتِمَاع قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَلَا يحْتَمل مَذْهَب الشَّافِعِي غَيره وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ وَبِه أفتى الْمُزنِيّ بِمصْر وَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة فِي الْعسر بِمن يُصَلِّي لَا بِمن تلْزمهُ وَلَو لم يحضر وَلَا بِجَمِيعِ أهل الْبَلَد كَمَا قيل بذلك وَظَاهر النَّص منع التَّعَدُّد مُطلقًا وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب التَّنْبِيه كالشيخ أبي حَامِد ومتابعيه فالاحتياط لمن صلى جُمُعَة بِبَلَد تعدّدت فِيهِ الْجُمُعَة بِحَسب الْحَاجة وَلم يعلم سبق جمعته أَن يُعِيدهَا ظهرا فَلَو سبقها جُمُعَة فِي مَحل لَا يجوز التَّعَدُّد فِيهِ فالصحيحة السَّابِقَة لِاجْتِمَاع الشَّرَائِط فِيهَا واللاحقة بَاطِلَة وَالْمُعْتَبر سبق التَّحَرُّم بِتمَام التَّكْبِير وَهُوَ الرَّاء وَإِن سبقه الآخر بِالْهَمْزَةِ فَلَو وقعتا مَعًا أَو شكّ فِي الْمَعِيَّة فَلم يدر أوقعتا مَعًا أَو مُرَتبا استؤنفت الْجُمُعَة إِن اتَّسع الْوَقْت لتوافقهما فِي الْمَعِيَّة فَلَيْسَتْ إِحْدَاهمَا أولى من الْأُخْرَى وَلِأَن الأَصْل فِي صُورَة الشَّك عدم وُقُوع جُمُعَة مجزئة قَالَ الإِمَام وَحكم الْأَئِمَّة بِأَنَّهُم إِذا أعادوا الْجُمُعَة بَرِئت ذمتهم مُشكل لاحْتِمَال تقدم إِحْدَاهمَا فَلَا تصح الْأُخْرَى فاليقين أَن يقيموا جُمُعَة ثمَّ ظهرا قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمَا قَالَه مُسْتَحبّ وَإِلَّا فالجمعة كَافِيَة فِي الْبَرَاءَة كَمَا قَالُوهُ لِأَن الأَصْل عدم وُقُوع جُمُعَة مجزئة فِي حق كل طَائِفَة وَإِن سبقت إِحْدَاهمَا وَلم تتَعَيَّن كَأَن سمع مريضان تكبيرتين متلاحقتين وجهلا الْمُتَقَدّم فأخبرا بذلك أَو تعيّنت ونسيت بعده صلوا ظهرا لأَنا تَيَقنا وُقُوع جُمُعَة صَحِيحَة فِي نفس الْأَمر وَلَا يُمكن إِقَامَة جُمُعَة بعْدهَا والطائفة الَّتِي صحت بهَا الْجُمُعَة غير مَعْلُومَة وَالْأَصْل بَقَاء الْفَرْض فِي حق كل طَائِفَة فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الظّهْر فَائِدَة الْجمع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا مَعَ الزَّائِد عَلَيْهِ كالجمعتين الْمُحْتَاج إِلَى إِحْدَاهمَا فَفِي ذَلِك التَّفْصِيل الْمَذْكُور فيهمَا كَمَا أفتى بِهِ الْبُرْهَان بن أبي شرِيف وَهُوَ ظَاهر (وفرائضها ثَلَاثَة) وَهَذَا لَا يُخَالف من عبر بِالشُّرُوطِ كالجمهور فَإِن الشُّرُوط ثَمَانِيَة كَمَا مر إِذْ الْفَرْض والشروط قد يَجْتَمِعَانِ فِي أَن كلا مِنْهُمَا لَا بُد مِنْهُ الأول وَهُوَ الشَّرْط السَّادِس (خطبتان) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة خطبتين يجلس بَينهمَا وكونهما قبل الصَّلَاة بِالْإِجْمَاع إِلَّا من شَذَّ مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلم يصل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بعدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قَالَ فِي الْمَجْمُوع ثبتَتْ صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد خطبتين وأركانهما خَمْسَة أَولهَا حمد الله تَعَالَى لِلِاتِّبَاعِ وَثَانِيها الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا عبَادَة افْتَقَرت إِلَى ذكر الله تَعَالَى فافتقرت إِلَى ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَالصَّلَاةِ وَلَفظ الْحَمد وَالصَّلَاة مُتَعَيّن لِلِاتِّبَاعِ فَلَا يجزىء الشُّكْر وَالثنَاء وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَنَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْحَمد الله بل يجزىء أَن نحمد الله أَو لله الْحَمد أَو نَحْو ذَلِك وَيتَعَيَّن لفظ الْجَلالَة فَلَا يجزىء الْحَمد للرحمن أَو نَحوه وَلَا يتَعَيَّن لفظ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بل يجزىء نصلي أَو أُصَلِّي أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ مُحَمَّد بل يَكْفِي أَحْمد أَو النَّبِي أَو الماحي أَو الحاشر أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يَكْفِي رحم الله مُحَمَّدًا أَو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَالِثهَا الْوَصِيَّة بالتقوى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسلم وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْوَصِيَّة بالتقوى لِأَن الْغَرَض الْوَعْظ والحث على طَاعَة الله تَعَالَى فَيَكْفِي أطِيعُوا الله وراقبوه وَهَذِه الثَّلَاثَة أَرْكَان فِي كل من الْخطْبَتَيْنِ وَرَابِعهَا قِرَاءَة آيَة فِي إِحْدَاهمَا لِأَن الْغَالِب أَن الْقِرَاءَة فِي الْخطْبَة دون تعْيين قَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِنَّه يجزىء أَن يقْرَأ بَين قراءتهما قَالَ وَكَذَا قبل الْخطْبَة أَو بعد فَرَاغه مِنْهُمَا وَنقل ابْن كج ذَلِك عَن النَّص صَرِيحًا قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَيسن جعلهَا فِي الأولى وَلَو قَرَأَ آيَة سَجْدَة نزل وَسجد إِن لم يكن فِيهِ كلفة فَإِن خشِي من ذَلِك طول فصل سجد مَكَانَهُ إِن أمكنه وَإِلَّا تَركه وخامسها مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم دُعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات بأخروي فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة لِأَن الدُّعَاء يَلِيق بالخواتيم وَلَو خص بِهِ الْحَاضِرين كَقَوْلِه رحمكم الله كفى بِخِلَاف مَا لَو خص بِهِ الغائبين فِيمَا يظْهر كَمَا يُؤْخَذ من كَلَامهم وَلَا بَأْس بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان بِعَيْنِه كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة إِن لم يكن فِي وَصفه مجازفة قَالَ ابْن عبد السَّلَام وَلَا يجوز وَصفه بِالصِّفَاتِ الكاذبة إِلَّا لضَرُورَة وَيسن الدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين وولاة أُمُورهم بالصلاح والإعانة على الْحق وَالْقِيَام بِالْعَدْلِ وَنَحْو ذَلِك وَيشْتَرط أَن يَكُونَا عربيتين وَالْمرَاد أركانهما لابباع السّلف وَالْخلف فَإِن لم يكن ثمَّ من يحسن الْعَرَبيَّة وَلم يُمكن تعلمهَا خطب بغَيْرهَا أَو أمكن تعلمهَا وَجب على الْجَمِيع على سَبِيل فرض الْكِفَايَة فَيَكْفِي فِي تعلمهَا وَاحِد وَأَن (يقوم) الْقَادِر (فيهمَا) جَمِيعًا فَإِن عجز عَنهُ خطب جَالِسا (و) أَن (يجلس بَينهمَا) لِلِاتِّبَاعِ بطمأنينة فِي جُلُوسه كَمَا فِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَمن خطب قَاعِدا لعذر فصل بَينهمَا بسكتة وجوبا وَيشْتَرط كَونهمَا فِي وَقت الظّهْر وَيشْتَرط وَلَاء بَينهمَا وَبَين أركانهما وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة وطهر عَن حدث أَصْغَر وأكبر وَعَن نجس غير مَعْفُو عَنهُ فِي ثَوْبه وبدنه ومكانه وَستر لعورته فِي الْخطْبَتَيْنِ وإسماع الْأَرْبَعين الَّذين تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة وَمِنْهُم الإِمَام أركانهما لِأَن مقصودهما وعظهم وَهُوَ لَا يحصل إِلَّا بذلك فَعلم أَنه يشْتَرط سماعهم أَيْضا وَإِن لم يفهموا مَعْنَاهُمَا كالعامي يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وَلَا يفهم مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَار كالأذان وَلَا إسماع دون أَرْبَعِينَ وَلَا حضورهم بِلَا سَماع لصمم أَو بعد أَو نَحوه وَسن تَرْتِيب أَرْكَان الْخطْبَتَيْنِ بِأَن يبْدَأ بِالْحَمْد لله ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ الْوَصِيَّة بالتقوى ثمَّ الْقِرَاءَة ثمَّ الدُّعَاء كَمَا جرى عَلَيْهِ السّلف وَالْخلف وَإِنَّمَا لم يجب لحُصُول الْمَقْصُود بِدُونِهِ وَسن لمن يسمعهما سكُوت مَعَ إصغاء لَهما لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} ذكر فِي التَّفْسِير أَنَّهَا نزلت فِي الْخطْبَة وَسميت قُرْآنًا لاشتمالها عَلَيْهِ وَوَجَب رد السَّلَام وَسن تشميت الْعَاطِس وَرفع الصَّوْت بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد قِرَاءَة الْخَطِيب {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} وَإِن اقْتضى كَلَام الرَّوْضَة إِبَاحَة الرّفْع وَصرح القَاضِي أَبُو الطّيب بكراهته وَعلم من سنّ الْإِنْصَات فيهمَا عدم حُرْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الْكَلَام فيهمَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لمن سَأَلَهُ مَتى السَّاعَة مَا أَعدَدْت لَهَا فَقَالَ حب الله وَرَسُوله فَقَالَ إِنَّك مَعَ من أَحْبَبْت وَلم يُنكر عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَلَام وَلم يبين لَهُ وجوب السُّكُوت فَالْأَمْر فِي الْآيَة للنَّدْب جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ أما من لَا يسمعهما فيسكت أَو يشْتَغل بِالذكر أَو الْقِرَاءَة وَذَلِكَ أولى من السُّكُوت وَسن كَونهمَا على مِنْبَر فَإِن لم يكن مِنْبَر فعلى مُرْتَفع وَأَن يسلم على من عِنْد الْمِنْبَر وَأَن يقبل عَلَيْهِم إِذا صعد الْمِنْبَر أَو نَحوه وانْتهى إِلَى الدرجَة الَّتِي يجلس عَلَيْهَا الْمُسَمَّاة بالمستراح وَأَن يسلم عَلَيْهِم ثمَّ يجلس فَيُؤذن وَاحِد لِلِاتِّبَاعِ فِي الْجَمِيع وَأَن تكون الْخطْبَة فصيحة جزلة لَا مبتذلة ركيكة قريبَة للفهم لَا غَرِيبَة وحشية إِذْ لَا ينْتَفع بهَا أَكثر النَّاس ومتوسطة لِأَن الطَّوِيل يمل والقصير يخل وَأما خبر مُسلم أطيلوا الصَّلَاة وأقصروا الْخطْبَة فقصرها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة وَأَن لَا يلْتَفت فِي شَيْء مِنْهَا بل يسْتَمر مُقبلا عَلَيْهِم إِلَى فراغها وَيسن لَهُم أَن يقبلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ وَأَن يشغل يسراه بِنَحْوِ سيف ويمناه بِحرف الْمِنْبَر وَأَن يكون جُلُوسه بَين الْخطْبَتَيْنِ بِقدر سُورَة الْإِخْلَاص وَأَن يُقيم بعد فَرَاغه من الْخطْبَة مُؤذن ويبادر هُوَ ليبلغ الْمِحْرَاب مَعَ فَرَاغه من الْإِقَامَة فيشرع فِي الصَّلَاة وَالْمعْنَى فِي ذَلِك الْمُبَالغَة فِي تَحْقِيق الْوَلَاء الَّذِي مر وُجُوبه وَأَن يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة المُنَافِقُونَ جَهرا لِلِاتِّبَاعِ وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْجُمُعَة سبح {اسْم رَبك الْأَعْلَى} {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} قَالَ فِي الرَّوْضَة كَانَ يقْرَأ هَاتين فِي وَقت وَهَاتين فِي وَقت فهما سنتَانِ (و) الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْط السَّابِع (أَن تصلى رَكْعَتَيْنِ) بِالْإِجْمَاع وَمر أَنَّهَا صَلَاة مُسْتَقلَّة لَيست ظهرا مَقْصُورَة والركن الثَّالِث وَهُوَ الشَّرْط الثَّامِن أَن تقع فِي (الْجَمَاعَة) وَلَو فِي الرَّكْعَة الأولى لِأَنَّهَا لم تقع فِي عصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين إِلَّا كَذَلِك وَهل يشْتَرط تقدم إِحْرَام من تَنْعَقِد بهم لتصح لغَيرهم أَو لَا اشْترط الْبَغَوِيّ ذَلِك وَنَقله فِي الْكِفَايَة عَن القَاضِي وَرجح البُلْقِينِيّ الثَّانِي وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ إِن الصَّوَاب أَنه لَا يشْتَرط تقدم من ذكر وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد قَالَ البُلْقِينِيّ وَلَعَلَّ مَا قَالَه القَاضِي أَي وَمن تبعه من عدم الصِّحَّة مَبْنِيّ على الْوَجْه الَّذِي قَالَ إِنَّه الْقيَاس وَهُوَ أَنه لَا تصح الْجُمُعَة خلف الصَّبِي أَو العَبْد أَو الْمُسَافِر إِذا تمّ الْعدَد بِغَيْرِهِ وَالأَصَح الصِّحَّة ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ الْآدَاب وَتسَمى هيئات فَقَالَ (وهيئاتها) أَي الْحَالة الَّتِي تطلب لَهَا والمذكورة مِنْهَا هُنَا (أَربع) الأول (الْغسْل) لمن يُرِيد حُضُورهَا وَإِن لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة لحَدِيث إِذا جَاءَ أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل وتفارق الْجُمُعَة الْعِيد حَيْثُ لم يخْتَص بِمن يحضر بِأَن غسله للزِّينَة وَإِظْهَار السرُور وَهَذَا للتنظيف وَدفع الْأَذَى عَن النَّاس وَمثله يَأْتِي فِي التزيين وَرُوِيَ غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم أَي متأكد وَوَقته من الْفجْر الصَّادِق وتقريبه من ذَهَابه إِلَى الْجُمُعَة أفضل لِأَنَّهُ أفْضى إِلَى الْمَقْصُود من انْتِفَاء الرَّائِحَة الكريهة وَلَو تعَارض الْغسْل والتبكير فمراعاة الْغسْل أولى فَإِن عجز عَن المَاء كَأَن تَوَضَّأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ثمَّ عَدمه أَو كَانَ جريحا فِي غير أَعْضَاء الْوضُوء تيَمّم بنية الْغسْل بِأَن يَنْوِي التَّيَمُّم عَن غسل الْجُمُعَة إحرازا للفضيلة كَسَائِر الأغسال (و) الثَّانِي (تنظيف الْجَسَد) من الروائح الكريهة كالصنان لِأَنَّهُ يتَأَذَّى بِهِ فيزال بِالْمَاءِ أَو غَيره قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من نظف ثَوْبه قل همه وَمن طَابَ رِيحه زَاد عقله وَيسن السِّوَاك وَهَذِه الْأُمُور لَا تخْتَص بِالْجمعَةِ بل تسن لكل حَاضر بمجمع كَمَا نَص عَلَيْهِ لَكِنَّهَا فِي الْجُمُعَة أَشد اسْتِحْبَابا (و) الثَّالِث (أَخذ الظفر) إِن طَال وَالشعر كَذَلِك فينتف إبطه ويقص شَاربه ويحلق عانته وَيقوم مقَام الْحلق القص والنتف وَأما الْمَرْأَة فتنتف عانتها بل يجب عَلَيْهَا ذَلِك عِنْد أَمر الزَّوْج لَهَا بِهِ على الْأَصَح وَإِن تفاحش وَجب قطعا والعانة الشّعْر النَّابِت حول ذكر الرجل وَقبل الْمَرْأَة أما حلق الرَّأْس فَلَا ينْدب إِلَّا فِي نسك وَفِي الْمَوْلُود فِي سَابِع وِلَادَته وَفِي الْكَافِر إِذا أسلم وَأما فِي غير ذَلِك فَهُوَ مُبَاح وَلذَلِك قَالَ الْمُتَوَلِي ويتزين الذّكر بحلق رَأسه إِن جرت عَادَته بذلك وَسَيَأْتِي فِي الْأُضْحِية أَن من أَرَادَ أَن يُضحي يكره لَهُ فعل ذَلِك فِي عشر ذِي الْحجَّة فَهُوَ مُسْتَثْنى (و) رَابِعهَا (الطّيب) أَي اسْتِعْمَاله والتزين بِأَحْسَن ثِيَابه لحَدِيث من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَلبس من أحسن ثِيَابه وَمَسّ من طيب إِذا كَانَ عِنْده ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة وَلم يتخط أَعْنَاق النَّاس ثمَّ صلى مَا كتب لَهُ ثمَّ أنصت إِذا خرج إِمَامه حَتَّى يفرغ من صلَاته كَانَ كَفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الَّتِي قبلهَا وَأفضل ثِيَابه الْبيض لخَبر البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم وَيسن للْإِمَام أَن يزِيد فِي حسن الْهَيْئَة والعمة والارتداء لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُور إِلَيْهِ (وَيسْتَحب) لكل سامع للخطبة (الْإِنْصَات) إِلَى الإِمَام (فِي وَقت) قِرَاءَة (الْخطْبَة) الأولى وَالثَّانيَِة وَقد مر دَلِيل ذَلِك وَيكرهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم أَن يتخطى رِقَاب النَّاس لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يتخطى رِقَاب النَّاس فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فقد آذيت وآنيت أَي تَأَخَّرت وَيسْتَثْنى من ذَلِك صور مِنْهَا الإِمَام إِذا لم يبلغ الْمِنْبَر أَو الْمِحْرَاب إِلَّا بالتخطي فَلَا يكره لَهُ لاضطراره إِلَيْهِ وَمِنْهَا مَا إِذا وجد فِي الصُّفُوف الَّتِي بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لم يبلغهَا إِلَّا بتخطي رجل أَو رجلَيْنِ فَلَا يكره لَهُ ذَلِك وَإِن وجد غَيرهَا لتقصير الْقَوْم بإخلاء فُرْجَة لَكِن يسن إِذا وجد غَيرهَا أَن لَا يتخطى فَإِن زَاد فِي التخطي عَلَيْهِمَا وَلَو من صف وَاحِد وَرَجا أَن يتقدموا إِلَى الفرجة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة كره لِكَثْرَة الْأَذَى وَمِنْهَا مَا إِذا سبق الصّبيان أَو العبيد أَو غير المستوطنين إِلَى الْجَامِع فَإِنَّهُ يجب على الكاملين إِذا حَضَرُوا التخطي لسَمَاع الْخطْبَة إِذا كَانُوا لَا يسمعونها مَعَ الْبعد وَيسن أَن يقْرَأ الْكَهْف فِي يَوْمهَا وليلتها لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين روى الْبَيْهَقِيّ من قَرَأَهَا لَيْلَة الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَينه وَبَين الْبَيْت الْعَتِيق وَيكثر من الدُّعَاء يَوْمهَا وليلتها أما يَوْمهَا فرجاء أَن يُصَادف سَاعَة الْإِجَابَة قَالَ فِي الرَّوْضَة وَالصَّحِيح فِي سَاعَة الْإِجَابَة مَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هِيَ مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَلَيْسَ المُرَاد أَن سَاعَة الْإِجَابَة مستغرقة لما بَين الْجُلُوس وَآخر الصَّلَاة كَمَا يشْعر بِهِ ظَاهر عِبَارَته بل المُرَاد أَن السَّاعَة لَا تخرج عَن هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الْوَقْت فَإِنَّهَا لَحْظَة لَطِيفَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عِنْد ذكره إِيَّاهَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها وَأما لَيْلَتهَا فلقول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بَلغنِي أَن الدُّعَاء يُسْتَجَاب فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وللقياس على يَوْمهَا وَيسن كَثْرَة الصَّدَقَة وَفعل الْخَيْر فِي يَوْمهَا وليلتها وَيكثر من الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْمهَا وليلتها لخَبر إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ وَخبر أَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة فَمن صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى عَليّ يَوْم الْجُمُعَة ثَمَانِينَ مرّة غفر لَهُ ذنُوب ثَمَانِينَ سنة وَيحرم على من تلْزمهُ الْجُمُعَة التشاغل بِالْبيعِ وَغَيره بعد الشُّرُوع فِي الْأَذَان بَين يَدي الْخَطِيب حَال جُلُوسه على الْمِنْبَر لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} فورد النَّص فِي البيع وَقيس عَلَيْهِ غَيره فَإِن بَاعَ صَحَّ بيعا لِأَن النَّهْي لِمَعْنى خَارج عَن العقد وَيكرهُ قبل الْأَذَان الْمَذْكُور بعد الزَّوَال لدُخُول وَقت الْوُجُوب (وَمن دخل) لصَلَاة الْجُمُعَة (وَالْإِمَام) يقْرَأ (فِي الْخطْبَة) الأولى أَو الثَّانِيَة أَو هُوَ جَالس بَينهمَا (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ يجلس) لخَبر مُسلم جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا سليك قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا ثمَّ قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا هَذَا إِن صلى سنة الْجُمُعَة وَإِلَّا صلاهَا مُخَفّفَة وحصلت التَّحِيَّة وَلَا يزِيد على رَكْعَتَيْنِ بِكُل حَال فَإِن لم تحصل تَحِيَّة الْمَسْجِد كَأَن كَانَ فِي غير الْمَسْجِد لم يصل شَيْئا فإطلاقهم ومنعهم فِي الرَّاتِبَة مَعَ قيام سَببهَا يَقْتَضِي أَنه لَو تذكر فِي هَذَا الْوَقْت فرضا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنه لَو أَتَى بِهِ لم ينْعَقد وَهُوَ الظَّاهِر كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين أما الدَّاخِل فِي آخر الْخطْبَة فَإِن غلب على ظَنّه أَنه إِن صلاهما فَاتَتْهُ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مَعَ الإِمَام لم يصل التَّحِيَّة بل يقف حَتَّى تُقَام الصَّلَاة وَلَا يقْعد لِئَلَّا يكون جَالِسا فِي الْمَسْجِد قبل التَّحِيَّة قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَو صلاهَا فِي هَذِه الْحَالة اسْتحبَّ للْإِمَام أَن يزِيد فِي كَلَام الْخطْبَة بِقدر مَا يكملها وَمَا قَالَه نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَالْمرَاد بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذكر الِاقْتِصَار على الْوَاجِبَات كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ لَا الْإِسْرَاع قَالَ وَيدل لَهُ مَا ذَكرُوهُ من أَنه إِذا ضَاقَ الْوَقْت وَأَرَادَ الْوضُوء اقْتصر على الْوَاجِبَات وَيجب أَيْضا تَخْفيف الصَّلَاة على من كَانَ فِيهَا عِنْد صعُود الْخَطِيب الْمِنْبَر وجلوسه وَلَا تُبَاح لغير الْخَطِيب من الْحَاضِرين نَافِلَة بعد صُعُوده الْمِنْبَر وجلوسه وَإِن لم يسمع الْخطْبَة لإعراضه عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَنقل فِيهِ الْمَاوَرْدِيّ الْإِجْمَاع وَالْفرق بَين الْكَلَام حَيْثُ لَا بَأْس بِهِ وَإِن صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر مَا لم يبتدىء الْخطْبَة وَبَين الصَّلَاة حَيْثُ تحرم حِينَئِذٍ أَن قطع الْكَلَام هَين مَتى ابْتَدَأَ الْخَطِيب الْخطْبَة بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهُ قد يفوتهُ بهَا سَماع أول الْخطْبَة وَإِذا حرمت لم تَنْعَقِد كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ لِأَن الْوَقْت لَيْسَ لَهَا تَتِمَّة من أدْرك مَعَ إِمَام الْجُمُعَة رَكْعَة وَلَو ملفقة لم تفته الْجُمُعَة فَيصَلي بعد زَوَال قدوته بمفارقته أَو سَلَامه رَكْعَة وَيسن أَن يجْهر فِيهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أدْرك من صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة فَإِن أدْرك دون الرَّكْعَة فَاتَتْهُ الْجُمُعَة لمَفْهُوم الْخَبَر فَيتم بعد سَلام إِمَامه ظهرا وَيَنْوِي وجوبا فِي اقتدائه جُمُعَة مُوَافقَة للْإِمَام وَلِأَن الْيَأْس لم يحصل مِنْهَا إِلَّا بِالسَّلَامِ وَإِذا بطلت صَلَاة إِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 جُمُعَة أَو غَيرهَا فخلفه عَن قرب مقتد بِهِ قبل بُطْلَانهَا جَازَ لِأَن الصَّلَاة بإمامين بالتعاقب جَائِزَة كَمَا فِي قصَّة أبي بكر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه وَكَذَا لَو خَلفه غير مقتد بِهِ فِي غير جُمُعَة إِن لم يُخَالف إِمَامه فِي نظم صلَاته ثمَّ إِن كَانَ الْخَلِيفَة فِي الْجُمُعَة أدْرك الرَّكْعَة الأولى تمت جُمُعَة الْخَلِيفَة والمقتدين وَإِلَّا فتتم الْجُمُعَة لَهُم لَا لَهُ لأَنهم أدركوا رَكْعَة كَامِلَة مَعَ الإِمَام وَهُوَ لم يُدْرِكهَا مَعَه فيتمها ظهرا كَذَا ذكره الشَّيْخَانِ وَقَضيته أَنه يُتمهَا ظهرا وَإِن أدْرك مَعَه رُكُوع الثَّانِيَة وسجودها لَكِن قَالَ الْبَغَوِيّ يُتمهَا جُمُعَة لِأَنَّهُ صلى مَعَ الإِمَام رَكْعَة ويراعي الْمَسْبُوق نظم صَلَاة الإِمَام فَإِذا تشهد أَشَارَ إِلَيْهِم بِمَا يفهمهم فرَاغ صلَاتهم وانتظارهم لَهُ ليسلموا مَعَه أفضل وَمن تخلف عَن الإِمَام لعذر عَن سُجُود فأمكنه على شَيْء من إِنْسَان أَو غَيره لزمَه السُّجُود لتمكنه مِنْهُ فَإِن لم يُمكنهُ فلينتظر تمكنه مِنْهُ ندبا وَلَو فِي جُمُعَة ووجوبا فِي أولى جُمُعَة على مَا بَحثه الإِمَام وَأقرهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فَإِن تمكن مِنْهُ قبل رُكُوع إِمَامه فِي الثَّانِيَة سجد فَإِن وجده بعد سُجُوده قَائِما أَو رَاكِعا فكمسبوق وَإِن وجده فرغ من رُكُوعه وَافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة بعده فَإِن وجده قد سلم فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فيتمها ظهرا وَإِن تمكن فِي رُكُوع إِمَامه فِي الثَّانِيَة فليركع مَعَه ويحسب لَهُ رُكُوعه الأول فركعته ملفقة فَإِن سجد على تَرْتِيب صَلَاة نَفسه عَالما عَامِدًا بطلت صلَاته وَإِلَّا فَلَا تبطل لعذره وَلَكِن لَا يحْسب لَهُ سُجُوده الْمَذْكُور لمُخَالفَته الإِمَام فَإِذا سجد ثَانِيًا وَلَو مُنْفَردا حسب هَذَا السُّجُود فَإِن كمل قبل سَلام الإِمَام أدْرك الْجُمُعَة وَإِلَّا فَلَا فصل فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ والعيد مُشْتَقّ من الْعود لتكرره كل عَام وَقيل لِكَثْرَة عوائد الله تَعَالَى فِيهِ على عباده وَقيل لعود السرُور بعوده وَجمعه أعياد وَإِنَّمَا جمع بِالْيَاءِ وَإِن كَانَ أَصله الْوَاو للزومها فِي الْوَاحِد وَقيل للْفرق بَينه وَبَين أَعْوَاد الْخشب وَالْأَصْل فِي صلَاته قبل الْإِجْمَاع مَعَ الْأَخْبَار الْآتِيَة قَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} راد بِهِ صَلَاة الْأَضْحَى وَالذّبْح وَأول عيد صلاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عيد الْفطر فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة فَهِيَ سنة كَمَا قَالَ (وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ سنة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسَّائِل عَن الصَّلَاة خمس صلوَات كتبهن الله على عباده قَالَ لَهُ هَل عَليّ غَيرهَا قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع (مُؤَكدَة) لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا وتشرع جمَاعَة وَهِي أفضل فِي حق غير الْحَاج بمنى أما هُوَ فَلَا تسن لَهُ صلَاتهَا جمَاعَة وَتسن لَهُ مُنْفَردا وتشرع أَيْضا للمنفرد وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافر فَلَا تتَوَقَّف على شُرُوط الْجُمُعَة ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس وزوالها يَوْم الْعِيد وَيسن تَأْخِيرهَا لترتفع الشَّمْس كرمح لِلِاتِّبَاعِ (وَهِي رَكْعَتَانِ) بِالْإِجْمَاع وَحكمهَا فِي الْأَركان والشروط وَالسّنَن كَسَائِر الصَّلَوَات يحرم بهَا بنية صَلَاة عيد الْفطر أَو الْأَضْحَى هَذَا أقلهَا وَبَيَان أكملها مَذْكُور فِي قَوْله (يكبر فِي) الرَّكْعَة (الأولى سبعا) بِتَقْدِيم السِّين على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْمُوَحدَة (سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام) بعد دُعَاء الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولى سبعا قبل الْقِرَاءَة وَفِي الثَّانِيَة خمْسا قبل الْقِرَاءَة وَعلم من عبارَة المُصَنّف أَن تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَيست من السَّبع وَجعلهَا مَالك والمزني وَأَبُو ثَوْر مِنْهَا يقف ندبا بَين كل اثْنَتَيْنِ مِنْهَا كآية معتدلة يهلل وَيكبر ويمجد وَيحسن فِي ذَلِك أَن يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لِأَنَّهُ لَائِق بِالْحَال وَهِي الْبَاقِيَات الصَّالِحَات ثمَّ يتَعَوَّذ بعد التَّكْبِيرَة الْأَخِيرَة وَيقْرَأ الْفَاتِحَة كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات (و) يكبر (فِي) الرَّكْعَة (الثَّانِيَة) بعد تَكْبِيرَة الْقيام (خمْسا سوى تَكْبِيرَة الْقيام) بِالصّفةِ السَّابِقَة قبل التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة للْخَبَر الْمُتَقَدّم ويجهر وَيرْفَع يَدَيْهِ ندبا فِي الْجَمِيع كَغَيْرِهَا من تَكْبِير الصَّلَوَات وَيسن أَن يضع يمناه على يسراه تَحت صَدره بَين كل تكبيرتين كَمَا فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَلَو شكّ فِي عدد التَّكْبِيرَات أَخذ بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي عدد الرَّكْعَات وَهَذِه التَّكْبِيرَات من الهيئات كالتعوذ وَدُعَاء الِافْتِتَاح فلسن فرضا وَلَا بَعْضًا فَلَا يسْجد لتركهن وَإِن كَانَ التّرْك لكلهن أَو بَعضهنَّ مَكْرُوها وَيكبر فِي قَضَاء صَلَاة الْعِيد مُطلقًا لِأَنَّهُ من هيئاتها كَمَا مر وَلَو نسي التَّكْبِيرَات وَشرع فِي الْقِرَاءَة وَلَو لم يتم الْفَاتِحَة لم يتداركها وَلَو تذكرها بعد التَّعَوُّذ وَلم يقْرَأ كبر بِخِلَاف مَا لَو تعوذ قبل الِافْتِتَاح لَا يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ بعد التَّعَوُّذ لَا يكون مستفتحا وَينْدب أَن يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى ق وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} أَو {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فِي الأولى والغاشية فِي الثَّانِيَة جَهرا لِلِاتِّبَاعِ (ويخطب بعدهمَا) أَي الرَّكْعَتَيْنِ (خطبتين) لجَماعَة لَا لمنفرد كخطبتي الْجُمُعَة فِي أَرْكَان وَسنَن لَا فِي شُرُوط خلافًا للجرجاني وَحُرْمَة قِرَاءَة الْجنب آيَة فِي إِحْدَاهمَا لَيْسَ لكَونهَا ركنا فِيهَا بل لكَون الْآيَة قُرْآنًا لَكِن لَا يخفى أَنه يعْتَبر فِي أَدَاء السّنة الإسماع وَالسَّمَاع وَكَون الْخطْبَة عَرَبِيَّة وَيسن أَن يعلمهُمْ فِي عيد الْفطر الْفطْرَة وَفِي عيد الْأَضْحَى الْأُضْحِية فرع قَالَ أَئِمَّتنَا الْخطب الْمَشْرُوعَة عشر خطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَأَرْبع فِي الْحَج وَكلهَا بعد الصَّلَاة إِلَّا خطبتي الْجُمُعَة وعرفة فقبلها وكل مِنْهَا اثْنَتَانِ إِلَّا الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي الْحَج ففرادى (وَيكبر) ندبا (فِي) افْتِتَاح الْخطْبَة (الأولى تسعا) بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على السِّين (و) يكبر (فِي) افْتِتَاح (الثَّانِيَة سبعا) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة وَلَاء إفرادا فِي الْجَمِيع تَشْبِيها للخطبتين بِصَلَاة الْعِيد فَإِن الرَّكْعَة الأولى تشْتَمل على تسع تَكْبِيرَات فَإِن فِيهَا سبع تَكْبِيرَات وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَتَكْبِيرَة الرُّكُوع والركعة الثَّانِيَة على سبع تَكْبِيرَات فَإِن فِيهَا خمس تَكْبِيرَات وَتَكْبِيرَة الْقيام وَتَكْبِيرَة الرُّكُوع وَالْوَلَاء سنة فِي التَّكْبِيرَات وَكَذَا الْإِفْرَاد فَلَو تخَلّل ذكر بَين كل تكبيرتين أَو قرن بَين كل تكبيرتين جَازَ والتكبيرات الْمَذْكُورَات لَيست من الْخطْبَة بل مُقَدّمَة لَهَا كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وافتتاح الشَّيْء قد يكون بمقدمته الَّتِي لَيست مِنْهُ وَسن غسل للعيدين وَإِن لم يرد لحضور لِأَنَّهُ يَوْم زِينَة وَيدخل وقته بِنصْف اللَّيْل وتبكير بعد الصُّبْح لغير إِمَام وَأَن يحضر الإِمَام وَقت الصَّلَاة ويعجل الْحُضُور فِي أضحى ويؤخره فِي فطر قَلِيلا وحكمته اتساع وَقت التَّضْحِيَة وَوقت صَدَقَة الْفطر قبل الصَّلَاة وفعلها بِمَسْجِد أفضل لشرفه إِلَّا لعذر كضيقه وَإِذا خرج لغير الْمَسْجِد اسْتخْلف ندبا من يُصَلِّي ويخطب فِيهِ وَأَن يذهب للصَّلَاة فِي طَرِيق طَوِيل مَاشِيا بسكينة وَيرجع فِي آخر قصير كجمعة وَأَن يَأْكُل قبلهَا فِي عيد فطر وَالْأولَى أَن يكون على تمر وَأَن يكون وترا ويمسك عَن الْأكل فِي عيد الْأَضْحَى وَلَا يكره نفل قبلهَا بعد ارْتِفَاع الشَّمْس لغير إِمَام أما بعْدهَا فَإِن لم يسمع الْخطْبَة فَكَذَلِك وَإِلَّا كره لِأَنَّهُ بذلك معرض عَن الْخَطِيب بِالْكُلِّيَّةِ وَأما الإِمَام فَيكْرَه لَهُ التَّنَفُّل قبلهَا وَبعدهَا لاشتغاله بِغَيْر أَي عيد الْفطر والأضحى بِرَفْع صَوت فِي الْمنَازل والأسواق وَغَيرهمَا وَدَلِيله فِي الأول قَوْله تَعَالَى {ولتكملوا الْعدة} أَي عدَّة صَوْم رَمَضَان الأهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 (وَيكبر) ندبا كل أحد غير حَاج (من غرُوب الشَّمْس من لَيْلَة الْعِيد) {ولتكبروا الله} أَي عِنْد إكمالها وَفِي الثَّانِي الْقيَاس على الأول وَفِي رفع الصَّوْت إِظْهَار شعار الْعِيد وَاسْتثنى الرَّافِعِيّ مِنْهُ الْمَرْأَة وَظَاهر أَن مَحَله إِذا حضرت مَعَ غير محارمها وَنَحْوهم وَمثلهَا الْخُنْثَى وَيسْتَمر التَّكْبِير (إِلَى أَن يدْخل الإِمَام فِي الصَّلَاة) أَي صَلَاة الْعِيد إِذْ الْكَلَام مُبَاح إِلَيْهِ فالتكبير أولى مَا يشْتَغل بِهِ لِأَنَّهُ ذكر الله تَعَالَى وشعار الْيَوْم فَإِن صلى مُنْفَردا فَالْعِبْرَة بإحرامه (و) يكبر (فِي) عيد (الْأَضْحَى خلف صَلَاة الْفَرَائِض) والنوافل وَلَو فَائِتَة وَصَلَاة جَنَازَة (من) بعد صَلَاة (صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى) بعد صَلَاة (الْعَصْر فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق) الثَّلَاث لِلِاتِّبَاعِ وَأما الْحَاج فيكبر عقب كل صَلَاة من ظهر يَوْم النَّحْر لِأَنَّهَا أول صلَاته بعد انْتِهَاء وَقت التَّلْبِيَة إِلَى عقب صبح آخر أَيَّام التَّشْرِيق لِأَنَّهَا آخر صلَاته بمنى وَقبل ذَلِك لَا يكبر بل يُلَبِّي لِأَن التَّلْبِيَة شعاره وَخرج بِمَا ذكر الصَّلَوَات فِي عيد الْفطر فَلَا يسن التَّكْبِير عَقبهَا لعدم وُرُوده وَالتَّكْبِير عقب الصَّلَوَات يُسمى مُقَيّدا وَمَا قبله مُطلقًا ومرسلا وصيغته المحبوبة الله أكبر الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد وَاسْتحْسن فِي الْأُم أَن يزِيد بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وأعز جنده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَتقبل شَهَادَة هِلَال شَوَّال يَوْم الثَّلَاثِينَ فنفطر ثمَّ إِن كَانَت شَهَادَتهم قبل الزَّوَال بِزَمن يسع الِاجْتِمَاع وَالصَّلَاة أَو رَكْعَة مِنْهَا صلى الْعِيد حِينَئِذٍ أَدَاء وَإِلَّا فتصلى قَضَاء مَتى أُرِيد قَضَاؤُهَا أما شَهَادَتهم بعد الْيَوْم بِأَن شهدُوا بعد الْغُرُوب فَلَا تقبل فِي صَلَاة الْعِيد فتصلى من الْغَد أَدَاء وَتقبل فِي غَيرهَا كوقوع الطَّلَاق وَالْعِتْق المعلقين بِرُؤْيَة الْهلَال وَالْعبْرَة فِيمَا لَو شهدُوا قبل الزَّوَال وَعدلُوا بعده بِوَقْت التَّعْدِيل تَتِمَّة قَالَ الْقَمُولِيّ لم أر لأحد من أَصْحَابنَا كلَاما فِي التهنئة بالعيد والأعوام وَالْأَشْهر كَمَا يَفْعَله النَّاس لَكِن نقل الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَافِظ الْمَقْدِسِي أَنه أجَاب عَن ذَلِك بِأَن النَّاس لم يزَالُوا مُخْتَلفين فِيهِ وَالَّذِي أرَاهُ أَنه مُبَاح لَا سنة فِيهِ وَلَا بِدعَة وَأجَاب الشهَاب ابْن حجر بعد اطِّلَاعه على ذَلِك بِأَنَّهَا مَشْرُوعَة وَاحْتج لَهُ بِأَن الْبَيْهَقِيّ عقد لذَلِك بَابا فَقَالَ بَاب مَا رُوِيَ فِي قَول النَّاس بَعضهم لبَعض فِي الْعِيد تقبل الله منا ومنك وسَاق مَا ذكر من أَخْبَار وآثار ضَعِيفَة لَكِن مجموعها يحْتَج بِهِ فِي مثل ذَلِك ثمَّ قَالَ ويحتج لعُمُوم التهنئة بِمَا يحدث من نعْمَة أَو ينْدَفع من نقمة بمشروعية سُجُود الشُّكْر والتعزية وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن كَعْب بن مَالك فِي قصَّة تَوْبَته لما تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك أَنه لما بشر بِقبُول تَوْبَته وَمضى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إِلَيْهِ طَلْحَة بن عبيد الله فهنأه وَينْدب إحْيَاء لَيْلَة الْعِيد بِالْعبَادَة وَيحصل ذَلِك بإحياء مُعظم اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَح كَمَا فِي الصِّحَاح وَيُقَال فيهمَا كسوفان وخسوفان قَالَ عُلَمَاء الْهَيْئَة إِن كسوف الشَّمْس لَا حَقِيقَة لَهُ لعدم تغيرها فِي نَفسهَا لاستفادة ضوئها من جرمها وَإِنَّمَا الْقَمَر يحول بظلمته بَيْننَا وَبَينهَا مَعَ بَقَاء نورها فَيرى لون الْقَمَر كمدا فِي وَجه الشَّمْس فيظن ذهَاب ضوئها وَأما خُسُوف الْقَمَر فحقيقتة بذهاب ضوئه لِأَن ضوءه من ضوء الشَّمْس وكسوفه بحيلولة ظلّ الأَرْض بَين الشَّمْس وَبَينه فَلَا يبْقى فِيهِ ضوء الْبَتَّةَ وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله} عِنْد كسوفهما وأخبار كَخَبَر مُسلم إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا ينكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا وَادعوا حَتَّى ينْكَشف مَا بكم (وَصَلَاة الْكُسُوف) الشَّامِل الخسوف (سنة) للدليل الْمَذْكُور وَغَيره (مُؤَكدَة) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا لكسوف الشَّمْس كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ولخسوف الْقَمَر كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي كِتَابه عَن الثِّقَات وواظب عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا لم تجب لخَبر الصَّحِيحَيْنِ هَل عَليّ غَيرهَا أَي الْخمس قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع وَلِأَنَّهَا ذَات رُكُوع وَسُجُود لَا أَذَان لَهَا كَصَلَاة الاسْتِسْقَاء وَأما قَول الشَّافِعِي فِي الْأُم لَا يجوز تَركهَا فَمَحْمُول على كَرَاهِيَة لتأكدها ليُوَافق كَلَامه فِي مَوَاضِع أخر وَالْمَكْرُوه قد يُوصف بِعَدَمِ الْجَوَاز من جِهَة إِطْلَاق الْجَائِز على مستوى الطَّرفَيْنِ (فَإِن فَاتَت) وفوات صَلَاة كسوف الشَّمْس بالإنجلاء وبغروبها كاسفة وفوات صَلَاة خُسُوف الْقَمَر بالإنجلاء وبطلوع الشَّمْس لَا بِطُلُوع الْفجْر (لم تقض) لزوَال الْمَعْنى الَّذِي لأَجله شرعت فَإِن حصل الإنجلاء أَو الْغُرُوب فِي الشَّمْس أَو طُلُوع الشَّمْس فِي الْقَمَر فِي أَثْنَائِهَا لم تبطل بِلَا خلاف (وَيُصلي) الشَّخْص (لكسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر رَكْعَتَيْنِ) فِي كل رَكْعَة ركوعان كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه فَيحرم بنية صَلَاة الْكُسُوف وَيقْرَأ بعد الِافْتِتَاح والتعوذ الْفَاتِحَة ويركع ثمَّ يعتدل ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة ثَانِيًا ثمَّ يرْكَع ثَانِيًا ثمَّ يعتدل ثَانِيًا ثمَّ يسْجد السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بالطمأنينة فِي محلهَا فَهَذِهِ رَكْعَة ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة ثَانِيَة كَذَلِك لِلِاتِّبَاعِ وَقَوْلهمْ إِن هَذَا أقلهَا أَي إِذا شرع فِيهَا بنية هَذِه الزِّيَادَة وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوع عَن مُقْتَضى كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَو صلاهَا كَسنة الظّهْر صحت وَكَانَ تَارِكًا للأفضل وَيحمل على أَنه أقل الْكَمَال وَلَا يجوز زِيَادَة رُكُوع ثَالِث فَأكْثر لطول مكث الْكُسُوف وَلَا يجوز إِسْقَاط رُكُوع للإنجلاء كَسَائِر الصَّلَوَات لَا يُزَاد على أَرْكَانهَا وَلَا ينقص مِنْهَا وَورد ثَلَاث ركوعات وَأَرْبع ركوعات فِي كل رَكْعَة وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن أَحَادِيث الركوعين فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ أشهر وَأَصَح فَقدمت على بَقِيَّة الرِّوَايَات وأكملها (فِي كل رَكْعَة قيامان) قبل السُّجُود (يُطِيل الْقِرَاءَة فيهمَا) فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم بعد الْفَاتِحَة وسوابقها من افْتِتَاح وتعوذ الْبَقَرَة بكمالها إِن أحْسنهَا وَإِلَّا فقدرها وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي كمائتي آيَة مِنْهَا وَفِي الْقيام الثَّالِث كمائة وَخمسين مِنْهَا وَفِي الْقيام الرَّابِع كمائة آيَة مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع وَنَصّ فِي الْبُوَيْطِيّ أَنه يقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي آل عمرَان أَو قدرهَا وَفِي الثَّالِث النِّسَاء أَو قدرهَا وَفِي الرَّابِع الْمَائِدَة أَو قدرهَا والمحققون على أَنه لَيْسَ باخْتلَاف بل هُوَ للتقريب (وَفِي) كل رَكْعَة (ركوعان يُطِيل التَّسْبِيح فيهمَا) فيسبح فِي الرُّكُوع الأول من الركوعات الْأَرْبَعَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ قدر مائَة من الْبَقَرَة وَفِي الرُّكُوع الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ مِنْهَا وَفِي الرُّكُوع الثَّالِث قدر سبعين مِنْهَا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة كَمَا فِي الْمِنْهَاج خلافًا لما فِي التَّنْبِيه من تَقْدِيم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة على السِّين وَفِي الرُّكُوع الرَّابِع قدر خمسين مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع لثُبُوت التَّطْوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 من الشَّارِع بِلَا تَقْدِير (دون السجدات) أَي فَلَا يطيلها كالجلوس بَينهَا والاعتدال من الرُّكُوع الثَّانِي وَالتَّشَهُّد وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَالصَّحِيح كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكسوف الشَّمْس وَنَصّ فِي كتاب الْبُوَيْطِيّ أَنه يطيلها نَحْو الرُّكُوع الَّذِي قبلهَا قَالَ الْبَغَوِيّ السُّجُود الأول كالركوع الأول وَالسُّجُود الثَّانِي كالركوع الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَة وَظَاهر كَلَامهم اسْتِحْبَاب هَذِه الإطالة وَإِن لم يرض بهَا المأمومون وَيفرق بَينهَا وَبَين الْمَكْتُوبَة بالندرة وَلَو نوى صَلَاة الْكُسُوف وَأطلق هَل يحمل على أقلهَا وَهِي كَسنة الظّهْر أَو على أدنى الْكَمَال وَهُوَ أَن تكون بركوعين قِيَاس مَا قَالُوهُ فِي صَلَاة الْوتر إِنَّه مُخَيّر بَين الْأَقَل وَغَيره أَن يكون هُنَا كَذَلِك وَلم أر من ذكره وَتسن الْجَمَاعَة فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَتسن للمنفرد وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْمُسَافر كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَتسن للنِّسَاء غير ذَوَات الهيئات الصَّلَاة مَعَ الإِمَام وَذَوَات الهيئات يصلين فِي بُيُوتهنَّ منفردات فَإِن اجْتَمعْنَ فَلَا بَأْس وَيسن صلَاتهَا فِي الْجَامِع كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيد (ويخطب) الإِمَام (بعْدهَا) أَي بعد الصَّلَاة (خطبتين) كخطبتي عيد كَمَا مر لَكِن لَا يكبر تَكْبِير فيهمَا لعدم وُرُوده وَإِنَّمَا تسن الْخطْبَة للْجَمَاعَة وَلَو مسافرين بِخِلَاف الْمُنْفَرد ويحث فيهمَا السامعين على فعل الْخَيْر من تَوْبَة وَصدقَة وَعتق وَنَحْوهَا لِلْأَمْرِ بذلك فِي البُخَارِيّ وَغَيره وَيسن الْغسْل لصَلَاة الْكُسُوف وَأما التَّنْظِيف بحلق الشّعْر وقلم الظفر فَلَا يسن لَهَا كَمَا صرح بِهِ بعض فُقَهَاء الْيمن فَإِنَّهُ يضيق الْوَقْت وَيظْهر أَنه يخرج فِي ثِيَاب بذلة قِيَاسا على الاسْتِسْقَاء لِأَنَّهُ اللَّائِق بِالْحَال وَلم أر من تعرض لَهُ وَمن أدْرك الإِمَام فِي ركع أول من الرَّكْعَة الأولى أَو الثَّانِيَة أدْرك الرَّكْعَة كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات أَو أدْركهُ فِي رُكُوع ثَان أَو فِي قيام ثَان من أَي رَكْعَة فَلَا يدْرك شَيْئا مِنْهَا لِأَن الأَصْل هُوَ الرُّكُوع الأول وقيامه وَالرُّكُوع الثَّانِي وقيامه فِي حكم التَّابِع (وَيسر فِي) قِرَاءَة (كسوف الشَّمْس) لِأَنَّهَا نهارية (ويجهر فِي) قِرَاءَة (خُسُوف الْقَمَر) لِأَنَّهَا صَلَاة ليل أَو مُلْحقَة بهَا وَهُوَ إِجْمَاع وَلَو اجْتمع عَلَيْهِ صلاتان فَأكْثر وَلم يَأْمَن الْفَوات قدم الأخوف فواتا ثمَّ الآكد فعلى هَذَا لَو اجْتمع عَلَيْهِ كسوف وجمعة أَو فرض آخر غَيرهَا قدم الْفَرْض جُمُعَة أَو غَيرهَا لِأَن فعله محتم فَكَانَ أهم هَذَا إِن خيف فَوَاته لضيق وقته فَفِي الْجُمُعَة يخْطب لَهَا ثمَّ يُصليهَا ثمَّ الْكُسُوف إِن بَقِي ثمَّ يخْطب لَهُ وَفِي غير الْجُمُعَة يُصَلِّي الْفَرْض ثمَّ يفعل بالكسوف مَا مر فَإِن لم يخف فَوت الْفَرْض قدم الْكُسُوف لتعرضها للفوات بالإنجلاء ويخففها كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَيقْرَأ فِي كل قيام الْفَاتِحَة وَنَحْو سُورَة الْإِخْلَاص كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم ثمَّ يخْطب للْجُمُعَة فِي صورتهَا متعرضا للكسوف وَلَا يَصح أَن يَقْصِدهُ مَعهَا للخطبة لِأَنَّهُ تشريك بَين فرض وَنفل مَقْصُود وَهُوَ مُمْتَنع ثمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَة وَلَا يحْتَاج إِلَى أَربع خطب لِأَن خطْبَة الْكُسُوف مُتَأَخِّرَة عَن صلَاتهَا وَالْجُمُعَة بِالْعَكْسِ وَلَو اجْتمع عيد وجنازة أَو كسوف وجنازة قدمت الْجِنَازَة فيهمَا خوفًا من تغير الْمَيِّت وَلَكِن مَحل تَقْدِيمهَا إِذا حضرت وَحضر الْوَلِيّ وَإِلَّا أفرد الإِمَام جمَاعَة ينتظرونها واشتغل مَعَ البَاقِينَ بغَيْرهَا والعيد مَعَ الْكُسُوف كالفرض مَعَه لِأَن الْعِيد أفضل مِنْهُ لَكِن يجوز أَن يقصدهما مَعًا بالخطبتين لِأَنَّهُمَا سنتَانِ وَالْقَصْد مِنْهُمَا وَاحِد مَعَ أَنَّهُمَا تابعان للمقصود فَلَا تضر نيتهما بِخِلَاف الصَّلَاة تَتِمَّة يسن لكل أحد أَن يتَضَرَّع بِالدُّعَاءِ وَنَحْوه عِنْد الزلازل وَنَحْوهَا كالصواعق وَالرِّيح الشَّدِيدَة والخسف وَأَن يُصَلِّي فِي بَيته مُنْفَردا كَمَا قَالَه ابْن الْمقري لِئَلَّا يكون غافلا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا عصفت الرّيح قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا فِيهَا وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أرْسلت بِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا وَلَا تجعلها ريحًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فصل فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء هُوَ لُغَة طلب السقيا وَشرعا طلب سقيا الْعباد من الله تَعَالَى عِنْد حَاجتهم إِلَيْهَا وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع الِاتِّبَاع رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا ويستأنس لذَلِك بقوله تَعَالَى {وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ} وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء مسنونة مُؤَكدَة لما مر وَإِنَّمَا لم تجب لخَبر هَل عَليّ غَيرهَا وينقسم أَي الاسْتِسْقَاء إِلَى ثَلَاثَة أَنْوَاع أدناها يكون بِالدُّعَاءِ مُطلقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَو مُجْتَمعين وأوسطها يكون بِالدُّعَاءِ خلف الصَّلَوَات فَرضهَا كَمَا فِي شرح مُسلم ونفلها كَمَا فِي الْبَيَان وَفِي خطْبَة الْجُمُعَة وَنَحْو ذَلِك وَالْأَفْضَل أَن يكون بِالصَّلَاةِ وَالْخطْبَة وَيَأْتِي بيانهما وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْمُقِيم وَلَو بقرية أَو بادية وَالْمُسَافر وَلَو سفر قصر لِاسْتِوَاء الْكل فِي الْحَاجة وَإِنَّمَا تصلى لحَاجَة من انْقِطَاع المَاء أَو قلته بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَو ملوحته ولاستزادة بهَا نفع بِخِلَاف مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا نفع بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت وَشَمل مَا ذكر مَا لَو انْقَطع عَن طَائِفَة من الْمُسلمين واحتاجت إِلَيْهِ فَيسنّ لغَيرهم أَيْضا أَن يستسقوا لَهُم ويسألوا الزِّيَادَة النافعة لأَنْفُسِهِمْ وتكرر الصَّلَاة مَعَ الْخطْبَتَيْنِ حَتَّى يسقوا فَإِن سقوا قبلهَا اجْتَمعُوا لشكر وَدُعَاء وصلوا وخطب لَهُم الإِمَام شكرا لله تَعَالَى وطلبا للمزيد قَالَ تَعَالَى {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَإِذا أَرَادوا الْخُرُوج للصَّلَاة (فيأمرهم الإِمَام) الْأَعْظَم أَو نَائِبه قبل الْخُرُوج إِلَيْهَا (بِالتَّوْبَةِ) من جَمِيع الْمعاصِي الفعلية والقولية الْمُتَعَلّقَة بِحُقُوق الله تَعَالَى بشروطها الثَّلَاثَة وَهِي النَّدَم والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود (و) بالإكثار (من الصَّدَقَة) على المحاويج (و) بِالتَّوْبَةِ من حُقُوق الْآدَمِيّين (و) هِيَ الْمُبَادرَة إِلَى (الْخُرُوج من الْمَظَالِم) الْمُتَعَلّقَة بهم من دم أَو عرض أَو مَال مُضَافا ذَلِك إِلَى الشُّرُوط الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة (و) بالمبادرة إِلَى (مصالحة الْأَعْدَاء) المتشاحنين لأمر دُنْيَوِيّ ولحظ نفس لتَحْرِيم الهجران حِينَئِذٍ فَوق ثَلَاث (و) بالمبادرة إِلَى (صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام) متتابعة ويصوم مَعَهم وَذَلِكَ قبل ميعاد الْخُرُوج فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَة لِأَن لكل من هَذِه الْمَذْكُورَات أثرا فِي إِجَابَة الدُّعَاء قَالَ تَعَالَى {وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} يكون منع الْغَيْث بترك ذَلِك فقد روى الْبَيْهَقِيّ وَلَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس عَنْهُم الْمَطَر وَفِي خبر التِّرْمِذِيّ ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم الصَّائِم حَتَّى يفْطر وَالْإِمَام الْعَادِل والمظلوم وروى الْبَيْهَقِيّ دَعْوَة الصَّائِم وَالْوَالِد وَالْمُسَافر وَإِذا أَمرهم الإِمَام بِالصَّوْمِ لَزِمَهُم امْتِثَال أمره كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن عبد السَّلَام لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله} الْآيَة قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَالْقِيَاس طرده فِي جَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الْمَأْمُور بِهِ هُنَا انْتهى وَيدل لَهُ قَوْلهم فِي بَاب الْإِمَامَة الْعُظْمَى تجب طَاعَة الإِمَام فِي أمره وَنَهْيه مَا لم يُخَالف حكم الشَّرْع وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيّ عدم وجوب الصَّوْم كَمَا لَو أَمرهم بِالْعِتْقِ وَصدقَة التَّطَوُّع قَالَ الْغَزِّي وَفِي الْقيَاس نظر لِأَن ذَلِك إِخْرَاج مَال وَقد قَالُوا إِذا أَمرهم بالاستسقاء فِي الجدب وَجَبت طَاعَته فيقاس الصَّوْم على الصَّلَاة فَيُؤْخَذ من كَلَامهمَا أَن الْأَمر بِالْعِتْقِ وَالصَّدَََقَة لَا يجب امتثاله وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَإِن كَانَ كَلَامهم فِي الْإِمَامَة شَامِلًا لذَلِك إِذْ نفس وجوب الصَّوْم مُنَازع فِيهِ فَمَا بالك بِإِخْرَاج المَال الشاق على أَكثر النَّاس وَإِذا قيل بِوُجُوب الصَّوْم وَجب فِيهِ تبييت النِّيَّة كَمَا قَالَه الأسنوي وَإِن اخْتَار الْأَذْرَعِيّ عدم الْوُجُوب وَقَالَ يبعد عدم صِحَة صَوْم من لم ينْو لَيْلًا كل الْبعد (ثمَّ يخرج بهم) أَي بِالنَّاسِ (الإِمَام) أَو نَائِبه إِلَى الصَّحرَاء حَيْثُ لَا عذر تأسيا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن النَّاس يكثرون فَلَا يسعهم الْمَسْجِد غَالِبا وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين مَكَّة وَغَيرهَا وَإِن اسْتثْنى بَعضهم مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس لفضل الْبقْعَة وسعتها ولأنا مأمورون بإحضار الصّبيان ومأمورون بِأَن نجنبهم الْمَسَاجِد (فِي) الْيَوْم (الرَّابِع) من صِيَامهمْ صياما لحَدِيث ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم الْمُتَقَدّم وَيَنْبَغِي للْخَارِج أَن يُخَفف أكله وشربه تِلْكَ اللَّيْلَة مَا أمكن وَيخرجُونَ غير متطيبين وَلَا متزينين بل (فِي ثِيَاب بذلة) بِكَسْر الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة أَي مهنة وَهُوَ من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته أَي مَا يلبس من الثِّيَاب فِي وَقت الشّغل ومباشرة الْخدمَة وَتصرف الْإِنْسَان فِي بَيته (و) فِي (استكانة) أَي خشوع وَهُوَ حُضُور الْقلب وَسُكُون الْجَوَارِح وخفض الصَّوْت وَيُرَاد بِهِ أَيْضا التذلل (و) فِي (تضرع) إِلَى الله تَعَالَى وَيسن لَهُم التَّوَاضُع فِي كَلَامهم ومشيهم وجلوسهم لِلِاتِّبَاعِ ويتنظفون بِالسِّوَاكِ وَقطع الروائح الكريهة وجالغسل وَيخرجُونَ من طَرِيق ويرجعون فِي أُخْرَى مشَاة فِي ذهابهم إِن لم يشق عَلَيْهِم لَا حُفَاة مكشوفي الرؤوس وَيخرجُونَ مَعَهم ندبا الصّبيان والشيوخ والعجائز وَمن لَا هَيْئَة لَهُ من النِّسَاء وَالْخُنْثَى الْقَبِيح المنظر كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين لِأَن دعاءهم أقرب إِلَى الْإِجَابَة إِذْ الْكَبِير أرق قلبا وَالصَّغِير لَا ذَنْب عَلَيْهِ وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهل ترزقون وتنصرون إِلَّا بضعفائكم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَرُوِيَ بِسَنَد ضَعِيف لَوْلَا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وَأَطْفَال رضع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا ونظم بَعضهم ذَلِك فَقَالَ لَوْلَا عباد للإله ركع وصبية من الْيَتَامَى رضع ومهملات فِي الفلاة رتع صب عَلَيْكُم الْعَذَاب الأوجع وَالْمرَاد بالركع الَّذين انحنت ظُهُورهمْ من الْكبر وَقيل من الْعِبَادَة وَيسن إِخْرَاج الْبَهَائِم لِأَن الجدب قد أَصَابَهَا أَيْضا وَفِي الحَدِيث إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء خرج ليستسقي وَإِذا هُوَ بنملة رَافِعَة بعض قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء فَقَالَ ارْجعُوا فقد اسْتُجِيبَ لكم من أجل شَأْن النملة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي الْبَيَان وَغَيره أَن هَذَا النَّبِي هُوَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن النملة وَقعت على ظهرهَا وَرفعت يَديهَا وَقَالَت اللَّهُمَّ أَنْت خلقتنا فارزقنا وَإِلَّا فأهلكنا قَالَ وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَت اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك لَا غنى لنا عَن رزقك فَلَا تُهْلِكنَا بذنوب بني آدم وتقف الْبَهَائِم معزولة عَن النَّاس وَيفرق بَين الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد حَتَّى يكثر الصياح والضجة والرقة فَيكون أقرب إِلَى الْإِجَابَة وَلَا يمْنَع أهل الذِّمَّة الْحُضُور لأَنهم مسترزقون وَفضل الله وَاسع وَقد يُجِيبهُمْ استدراجا لَهُم وَيكرهُ إخراجهم للاستسقاء لأَنهم رُبمَا كَانُوا سَبَب الْقَحْط قَالَ الشَّافِعِي وَلَا أكره من إِخْرَاج صبيانهم مَا أكره من إِخْرَاج كبارهم لِأَن ذنوبهم أقل لَكِن يكره لكفرهم قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا يَقْتَضِي كفر أَطْفَال الْكفَّار وَقد اخْتلف الْعلمَاء فيهم إِذا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ إِنَّهُم فِي النَّار وَطَائِفَة لَا نعلم حكمهم والمحققون إِنَّهُم فِي الْجنَّة وَهُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار لأَنهم غير مكلفين وولدوا على الْفطْرَة انْتهى وتحرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 هَذَا أَنهم فِي أَحْكَام الدُّنْيَا كفار فَلَا يصلى عَلَيْهِم وَلَا يدفنون فِي مَقَابِر الْمُسلمين وَفِي الْآخِرَة مُسلمُونَ فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَيسن لكل أحد مِمَّن يَسْتَسْقِي أَن يستشفع بِمَا فعله من خير بِأَن يذكرهُ فِي نَفسه فَيَجْعَلهُ شافعا لِأَن ذَلِك لَائِق بالشدائد كَمَا فِي خبر الثَّلَاثَة الَّذين أووا فِي الْغَار وَأَن يستشفع بِأَهْل الصّلاح لِأَن دعاءهم أقرب إِلَى الْإِجَابَة لاسيما أقَارِب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا استشفع عمر بِالْعَبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّمَا كُنَّا إِذا قحطنا نتوسل إِلَيْك بنبينا فتسقينا وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نَبينَا فاسقنا فيسقون رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيُصلي) الإِمَام (بهم رَكْعَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ) فِي كيفيتهما من التَّكْبِير بعد الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة سبعا فِي الأولى وخمسا فِي الثَّانِيَة بِرَفْع يَدَيْهِ ووقوفه بَين كل تكبيرتين كآية معتدلة وَالْقِرَاءَة فِي الأولى جَهرا بِسُورَة ق وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} أَو {سبح} والغاشية قِيَاسا لَا نصا وَلَا تؤقت بِوَقْت عيد وَلَا غَيره فتصلى فِي أَي وَقت كَانَ من ليل أَو نَهَار لِأَنَّهَا ذَات سَبَب فدارت مَعَ سَببهَا (ثمَّ يخْطب) الإِمَام (بعدهمَا) أَي الرَّكْعَتَيْنِ وتجزىء الخطبتان قبلهمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره ويبدل تكبيرها باستغفار أَولهمَا فَيَقُول أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَأَتُوب إِلَيْهِ بدل كل تَكْبِيرَة وَيكثر فِي أثْنَاء الْخطْبَتَيْنِ من قَول {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا} وَمن دُعَاء الكرب وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الْأَرْضين وَرب الْعَرْش الْكَرِيم وَيتَوَجَّهُ للْقبْلَة من نَحْو ثلث الْخطْبَة الثَّانِيَة (ويحول) الْخَطِيب (رِدَاءَهُ) عِنْد اسْتِقْبَال الْقبْلَة للتفاؤل بتحويل الْحَال من الشدَّة إِلَى الرخَاء فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الفأل الْحسن وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَأحب الفأل الصَّالح وَيجْعَل يَمِين رِدَائه يسَاره وَعَكسه (وَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله) وَعَكسه وَالْأول تَحْويل وَالثَّانِي تنكيس وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الأول ولهمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالثَّانِي فِيهِ فَإِنَّهُ استسقى وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بأسفلها أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثقلت عَلَيْهِ قَلبهَا على عَاتِقه ويحصلان مَعًا بِجعْل الطّرف الْأَسْفَل الَّذِي على شقَّه الْأَيْمن على عَاتِقه الْأَيْسَر وَعَكسه وَهَذَا فِي الرِّدَاء المربع وَأما المدور والمثلث فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّحْوِيل قَالَ الْقَمُولِيّ لِأَنَّهُ لَا يتهيأ فِيهِ التنكيس وَكَذَا الرِّدَاء الطَّوِيل وَمرَاده كَغَيْرِهِ أَن ذَلِك متعسر لَا مُتَعَذر وَيفْعل النَّاس وهم جُلُوس مثله تبعا لَهُ وكل ذَلِك مَنْدُوب (وَيكثر) فِي الْخطْبَتَيْنِ (من الدُّعَاء) ويبالغ فِيهِ سرا وجهرا وَيرْفَع الْحَاضِرُونَ أَيْديهم بِالدُّعَاءِ مشيرين بِظُهُور أكفهم إِلَى السَّمَاء لِلِاتِّبَاعِ وَالْحكمَة فِيهِ أَن الْقَصْد رفع الْبلَاء بِخِلَاف القاصد حُصُول شَيْء (و) من (الاسْتِغْفَار) وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا لِأَن ذَلِك أَرْجَى لحُصُول الْمَقْصُود (وَيَدْعُو) فِي الْخطْبَة الأولى (بِدُعَاء) سيدنَا (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الَّذِي أسْندهُ إمامنا الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر وَهُوَ (اللَّهُمَّ سقيا رَحْمَة) بِضَم السِّين أَي اسقنا سقيا رَحْمَة فمحله نصب بِالْفِعْلِ الْمُقدر (وَلَا سقيا عَذَاب) أَي وَلَا تسقنا سقيا عَذَاب (وَلَا محق) بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْمُهْملَة هُوَ الْإِتْلَاف وَذَهَاب الْبركَة (وَلَا بلَاء) بِفَتْح الْمُوَحدَة وبالمد هُوَ الاختبار وَيكون بِالْخَيرِ وَالشَّر كَمَا فِي الصِّحَاح وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي (وَلَا هدم) بِإِسْكَان الْمُهْملَة أَي ضار يهدم المساكن وَلَو تضرروا بِكَثْرَة الْمَطَر فَالسنة أَن يسْأَلُوا الله رَفعه بِأَن يَقُولُوا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اشْتَكَى إِلَيْهِ ذَلِك (اللَّهُمَّ على الظراب والآكام) بِكَسْر الْمُعْجَمَة جمع ظرب بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه جبل صَغِير والآكام بِالْمدِّ جمع أكم بِضَمَّتَيْنِ جمع أكام بِوَزْن كتاب جمع أكم بِفتْحَتَيْنِ جمع أكمة وَهُوَ التل الْمُرْتَفع من الأَرْض إِذا لم يبلغ أَن يكون جبلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (ومنابت الشّجر وبطون الأودية) جمع وَاد وَهُوَ اسْم للحفرة على الْمَشْهُور (اللَّهُمَّ) اجْعَل الْمَطَر (حوالينا) بِفَتْح اللَّام (وَلَا) تَجْعَلهُ (علينا) فِي الْأَبْنِيَة والبيوت وهما فِي مَوضِع نصب على الظَّرْفِيَّة أَو المغولية كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير وَلَا يصلى لذَلِك لعدم وُرُود الصَّلَاة لَهُ وَيَدْعُو فِي الْخطْبَة الأولى أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم والمختصر عَن سَالم بن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استسقى قَالَ (اللَّهُمَّ) أَي يَا الله (أسقنا) بِقطع الْهمزَة من أسْقى وَوَصلهَا من سقى فقد ورد الْمَاضِي ثلاثيا ورباعيا قَالَ تَعَالَى {لأسقيناهم مَاء غدقا} {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا} غيثا بمثلثة أَي مَطَرا (مغيثا) بِضَم الْمِيم أَي منقذا من الشدَّة بإروائه (هَنِيئًا) بِالْمدِّ والهمز أَي طيبا لَا ينغصه شَيْء (مريئا) بِوَزْن هَنِيئًا أَي مَحْمُود الْعَاقِبَة (مريعا) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء وياء مثناة من تَحت أَي ذَا ربع أَي نَمَاء مَأْخُوذ من المراعة وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ من تَحت من قَوْلهم أَربع الْبَعِير يربع إِذا أكل الرّبيع وَرُوِيَ أَيْضا بِالْمُثَنَّاةِ من فَوق من قَوْلهم رتعت الْمَاشِيَة إِذا أكلت مَا شَاءَت وَالْمعْنَى وَاحِد (غدقا) بغين مُعْجمَة ودال مُهْملَة مَفْتُوحَة أَي كثير المَاء وَالْخَيْر وَقيل الَّذِي قطره كبار (مجللا) بِفَتْح الْجِيم وَكسر اللَّام يُجَلل الأَرْض أَي يعمها كجل الْفرس وَقيل هُوَ الَّذِي يُجَلل الأَرْض بالنبات (سَحا) بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة أَي شَدِيد الوقع على الأَرْض يُقَال سح المَاء يسح إِذا سَالَ من فَوق إِلَى أَسْفَل وساح يسيح إِذا جرى على وَجه الأَرْض (طبقًا) بِفَتْح الطَّاء وَالْبَاء أَي مطبقا على الأَرْض أَي مستوعبا لَهَا فَيصير كالطبق عَلَيْهَا يُقَال هَذَا مُطَابق لَهُ أَي مسَاوٍ لَهُ (دَائِما) أَي مستمرا نَفعه إِلَى انْتِهَاء الْحَاجة إِلَيْهِ فَإِن دَوَامه عَذَاب (اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث) تقدم شَرحه (وَلَا تجعلنا من القانطين) أَي الآيسين بِتَأْخِير الْمَطَر (اللَّهُمَّ) يَا الله (إِن بالعباد والبلاد) والبهائم والخلق كَمَا فِي سِيَاق الْمُخْتَصر (من الْجهد) بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا أَي الْمَشَقَّة وَقيل الْبلَاء كَذَا فِي مُخْتَصر الْكِفَايَة وَقيل هُوَ قلَّة الْخَيْر والهزال وَسُوء الْحَال (والجوع) لفظ الحَدِيث واللأواء وَهُوَ بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة وبالهمزة الساكنة بِالْهَمْز السَّاكِن وَالْمدّ شدَّة الْجُوع فَعبر عَنهُ المُصَنّف بِمَعْنَاهُ (والضنك) بِفَتْح الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة وَإِسْكَان النُّون أَي الضّيق (مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك) لِأَنَّك الْقَادِر على النَّفْع والضر ونشكو بالنُّون فِي أَوله (اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع) بِاللَّبنِ وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء الْمُشَدّدَة من الإدرار وَهُوَ الْإِكْثَار والضرع بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة يُقَال أضرعت الشَّاة أَي نزل لَبنهَا قبل النِّتَاج قَالَه فِي الصَّحِيح (وَأنزل علينا من بَرَكَات السَّمَاء) أَي خيراتها هُوَ الْمَطَر (وَأنْبت لنا من بَرَكَات الأَرْض) أَي خيراتها وَهُوَ النَّبَات وَالثِّمَار وَفِيهِمَا بَرَكَات أَقْوَال أخر حَكَاهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد ثمَّ قَالَ وَذَلِكَ أَن السَّمَاء تجْرِي مجْرى الْأَب وَالْأَرْض تجْرِي مجْرى الْأُم ومنهما حصل جَمِيع الْخيرَات بِخلق الله وتدبيره (واكشف عَنَّا من الْبلَاء) بِالْمدِّ أَي الْحَالة الشاقة (مَا لَا يكشفه غَيْرك) وَفِي الحَدِيث قبل قَوْله واكشف عَنَّا اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعري (اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك) أَي نطلب مغفرتك بكرمك وفضلك (إِنَّك كنت غفارًا) أَي كثير الْمَغْفِرَة فَائِدَة ذكر الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله كَانَ على كل شَيْء حسيبا} أَن كل مَوضِع وجد فِيهِ ذكر كَانَ مَوْصُولا بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصلح للماضي وَالْحَال والمستقبل وَإِذا كَانَ مَوْصُولا بِغَيْر الله تَعَالَى يكون على خلاف هَذَا الْمَعْنى (فَأرْسل السَّمَاء) أَي المظلة لِأَن الْمَطَر ينزل مِنْهَا إِلَى السَّحَاب أَو السَّحَاب نَفسه أَو الْمَطَر (علينا مدرارا) بِكَسْر الْمِيم أَي كثير الدّرّ وَالْمعْنَى أرسل علينا مَاء كثيرا وَيسن لكل أحد أَن يظْهر لأوّل مطر السّنة ويكشف عَن جسده غير عَوْرَته ليصيبه شَيْء من الْمَطَر تبركا وللاتباع (ويغتسل) أَو يتَوَضَّأ ندبا كل أحد (فِي الْوَادي) وَمر تَفْسِيره (إِذا سَالَ) مَاؤُهُ وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين الْغسْل وَالْوُضُوء قَالَ فِي الْمَجْمُوع فَإِن لم يجمع فَليَتَوَضَّأ وَالْمُتَّجه كَمَا فِي الْمُهِمَّات الْجمع فِي الِاقْتِصَار على الْغسْل ثمَّ على الْوضُوء وَالْغسْل وَالْوُضُوء لَا يشْتَرط فيهمَا النِّيَّة وَإِن قَالَ الْإِسْنَوِيّ فِيهِ نظر إِلَّا أَن يُصَادف وَقت وضوء أَو غسل لِأَن الْحِكْمَة فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 هِيَ الْحِكْمَة فِي كشف الْبدن لينال أول مطر السّنة وبركته (ويسبح للرعد) أَي عِنْد الرَّعْد (والبرق) فَيَقُول سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته كَمَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن عبد الله بن الزبير وَقيس بالرعد الْبَرْق وَالْمُنَاسِب أَن يَقُول عِنْده سُبْحَانَ من يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وَنقل الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن الثِّقَة عَن مُجَاهِد أَن الرَّعْد ملك والبرق أجنحته يَسُوق بهَا السَّحَاب وعَلى هَذَا فالمسموع صَوته أَو صَوت سوقه على اخْتِلَاف فِيهِ وَإِطْلَاق ذَلِك على الرَّعْد مجَاز وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعث الله السَّحَاب فنطقت أحسن النُّطْق وضحكت أحسن الضحك فالرعد نطقها والبرق ضحكها وَينْدب أَلا يتبع بَصَره الْبَرْق لِأَن السّلف الصَّالح كَانُوا يكْرهُونَ الْإِشَارَة إِلَى الرَّعْد والبرق وَيَقُولُونَ عِنْد ذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ سبوح قدوس قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فيختار الِاقْتِدَاء بهم فِي ذَلِك وَأَن يَقُول عِنْد نزُول الْمَطَر كَمَا فِي البُخَارِيّ اللَّهُمَّ صيبا بصاد مُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة أَي مَطَرا شَدِيدا نَافِعًا وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لما روى الْبَيْهَقِيّ إِن الدُّعَاء يُسْتَجَاب فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن عِنْد التقاء الصُّفُوف ونزول الْغَيْث وَإِقَامَة الصَّلَاة ورؤية الْكَعْبَة وَأَن يَقُول فِي أثر الْمَطَر مُطِرْنَا بِفضل الله علينا وَرَحمته لنا وَكره مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا بِفَتْح نونه وهمز آخِره أَي بِوَقْت النَّجْم الْفُلَانِيّ على عَادَة الْعَرَب فِي إِضَافَة الأطار إِلَى الأنواء لإيهامه أَن النوء فَاعل الْمَطَر حَقِيقَة فَإِن اعْتقد أَنه الْفَاعِل لَهُ حَقِيقَة كفر تَتِمَّة يكره سبّ الرّيح وَيجمع على ريَاح وأرواح بل يسن الدُّعَاء عِنْدهَا لخَبر الرّيح من روح الله أَي رَحمته تَأتي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذا رأيتموها فَلَا تسبوها واسألوا الله خَيرهَا واستعيذوا بِاللَّه من شَرها وروى الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن حَاتِم قَالَ قلت ل أبي بكر الْوراق عَلمنِي شَيْئا يقربنِي إِلَى الله تَعَالَى ويبعدني عَن النَّاس فَقَالَ أما الَّذِي يقربك إِلَى الله تَعَالَى فمسألته وَأما الَّذِي يبعدك عَن النَّاس فَترك مسألتهم ثمَّ رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ ثمَّ أنْشد لَا تسألن بني آدم حَاجَة وسل الَّذِي أبوابه لَا تحجب الله يغْضب إِن تركت سُؤَاله وَبني آدم حِين يسْأَل يغْضب فصل فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف وَهُوَ ضد الْأَمْن وَحكم صلَاته حكم صَلَاة الْأَمْن وَإِنَّمَا أفرد بفصل لِأَنَّهُ يحْتَمل فِي الصَّلَاة عِنْده فِي الْجَمَاعَة وَغَيرهَا مَا لَا يحْتَمل فِيهَا عِنْد غَيره على مَا سَيَأْتِي بَيَانه وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} الْآيَة وَالْأَخْبَار الْآتِيَة مَعَ خبر صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَتجوز فِي الْحَضَر كالسفر خلافًا لمَالِك (وَصَلَاة الْخَوْف على ثَلَاثَة أضْرب) بل أَرْبَعَة كَمَا ستراها ذكر الشَّافِعِي رَابِعهَا وَجَاء بِهِ الْقُرْآن وَاخْتَارَ بقيتها من سِتَّة عشر نوعا مَذْكُورَة فِي الْأَخْبَار وَبَعضهَا فِي الْقُرْآن (أَحدهَا أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة) أَو فِيهَا وَثمّ سَاتِر وَهُوَ قَلِيل وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة وَخيف هجومه (فيفرقهم الإِمَام فرْقَتَيْن) بِحَيْثُ تكون كل فرقة تقاوم الْعَدو (فرقة تقف فِي وَجه الْعَدو) للحراسة (وَفرْقَة) تقف (خَلفه فَيصَلي بالفرقة الَّتِي خَلفه رَكْعَة) من الثنائية بعد أَن ينحاز بهم إِلَى حَيْثُ لَا يبلغهم سِهَام الْعَدو (ثمَّ) إِذا قَامَ الإِمَام للثَّانِيَة فارقته بِالنِّيَّةِ بعد الانتصاب ندبا وَقَبله بعد الرّفْع من السُّجُود جَوَازًا و (تتمّ لنَفسهَا) الرَّكْعَة الثَّانِيَة (وتمضي) بعد سلامها (إِلَى وَجه الْعَدو) للحراسة وَيسن للْإِمَام تَخْفيف الأولى لاشتغال قُلُوبهم بِمَا هم فِيهِ وَيسن لَهُم كلهم تَخْفيف الثَّانِيَة الَّتِي انفردوا بهَا لِئَلَّا يطول الِانْتِظَار (وتجيء الطَّائِفَة) أَي الْفرْقَة (الْأُخْرَى) بعد ذهَاب أُولَئِكَ إِلَى جِهَة الْعَدو وَالْإِمَام قَائِم فِي الثَّانِيَة ويطيل الْقيام ندبا إِلَى لحوقهم (فَيصَلي بهَا) بعد اقتدائها بِهِ (رَكْعَة) فَإِذا جلس الإِمَام للتَّشَهُّد قَامَت (وتتم لنَفسهَا) ثانيتها وَهُوَ منتظر لَهَا وَهِي غير مُنْفَرِدَة عَنهُ بل مقتدية بِهِ وَلَحِقتهُ وَهُوَ جَالس (ثمَّ يسلم بهَا) لتحوز فَضِيلَة التَّحَلُّل مَعَه كَمَا حازت الأولى فَضِيلَة التَّحَرُّم مَعَه وَهَذِه صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع مَكَان من نجد بِأَرْض غطفان رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَسميت بذلك لِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لفوا بأرجلهم الْخرق لما تقرحت وَقيل باسم شَجَرَة هُنَاكَ وَقيل باسم جبل فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة يُقَال لَهُ الرّقاع وَقيل لترقع صلَاتهم فِيهَا وَيقْرَأ الإِمَام بعد قِيَامه للركعة الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَسورَة بعْدهَا فِي زمن انْتِظَاره الْفرْقَة الثَّانِيَة ويتشهد فِي جُلُوسه لانتظارها فَإِن صلى الإِمَام مغربا على كَيْفيَّة ذَات الرّقاع فبفرقة رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة وَهُوَ أفضل من عَكسه الْجَائِز أَيْضا وينتظر مَجِيء الثَّانِيَة وَلَهُم فِي جُلُوس تشهده أَو قيام الثَّالِثَة وَهُوَ أفضل أَو صلى ربَاعِية فبكل رَكْعَتَيْنِ فَلَو فرقهم أَربع فرق وَصلى بِكُل فرقة رَكْعَة صحت صَلَاة الْجَمِيع وسهو كل فرقة مَحْمُول فِي أولاهم لاقتدائهم فِيهَا وَكَذَا ثَانِيَة الثَّانِيَة لَا ثَانِيَة الأولى لانفرادهم وسهو الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى يلْحق الْجَمِيع وَفِي الثَّانِيَة لَا يلْحق الأولى لمفارقتهم قبل السَّهْو (و) الضَّرْب (الثَّانِي أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة) وَلَا سَاتِر بَيْننَا وَبينهمْ وَفينَا كَثْرَة بِحَيْثُ تقاوم كل فرقة الْعَدو (فيصفهم الإِمَام صفّين) فَأكْثر خَلفه (وَيحرم بهم) جَمِيعًا ويستمرون مَعَه إِلَى اعْتِدَال الرَّكْعَة الأولى لِأَن الحراسة الْآتِيَة محلهَا الِاعْتِدَال لَا الرُّكُوع كَمَا يعلم من قَوْله (فَإِذا سجد) الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى (سجد مَعَه أحد الصفين) سجدتيه (ووقف الصَّفّ الآخر) على حَالَة الِاعْتِدَال (يحرسهم) أَي الساجدين مَعَ الإِمَام (فَإِذا رفع) الصَّفّ الساجد من السَّجْدَة الثَّانِيَة (سجدوا) أَي الحارسون لإكمال ركعتهم (ولحقوه) فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَسجد مَعَ الإِمَام فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من حرس أَولا وحرست الْفرْقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الساجدة أَولا مَعَ الإِمَام فَإِذا جلس الإِمَام للتَّشَهُّد سجد من حرس فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَتشهد الإِمَام بالصفين وَسلم بهم وَهَذِه صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم بعسفان بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ قَرْيَة بِقرب خليص بَينهَا وَبَين مَكَّة أَرْبَعَة برد سميت بذلك لعسف السُّيُول فِيهَا وَعبارَة المُصَنّف كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَة بِأَن يسْجد الصَّفّ الأول فِي الرَّكْعَة الأولى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَة وكل مِنْهُمَا فِيهَا بمكانه أَو تحول بمَكَان آخر وبعكس ذَلِك فَهِيَ أَربع كيفيات وَكلهَا جَائِزَة إِذا لم تكْثر أفعالهم فِي التَّحَوُّل وَالَّذِي فِي خبر مُسلم سُجُود الأول فِي الأولى وَسُجُود الثَّانِي فِي الثَّانِيَة مَعَ التَّحَوُّل فِيهَا وَله أَن يرتبهم صُفُوفا ثمَّ يحرس صفان فَأكْثر وَإِنَّمَا اخْتصّت الحراسة بِالسُّجُود دون الرُّكُوع لِأَن الرَّاكِع تمكنه الْمُشَاهدَة وَلَا يشْتَرط أَن يحرس جَمِيع من فِي الصَّفّ بل لَو حرس فِي الرَّكْعَتَيْنِ فرقتا صف على المناوبة ودام غَيرهمَا على الْمُتَابَعَة جَازَ بِشَرْط أَن تكون الحارسة مقاومة لِلْعَدو حَتَّى لَو كَانَ الْجُلُوس وَاحِدًا يشْتَرط أَن لَا يزِيد الْكفَّار على اثْنَيْنِ وَكَذَا يجوز لَو حرست فرقة وَاحِدَة لحُصُول الْغَرَض بِكُل ذَلِك مَعَ قيام الْعذر وَيكرهُ أَن يُصَلِّي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة وَأَن يحرس أقل مِنْهَا (و) الضَّرْب (الثَّالِث أَن يكون) فعلهم الصَّلَاة (فِي شدَّة الْخَوْف) وَإِن لم يلتحم الْقِتَال بِحَيْثُ لم يأمنوا هجوم الْعَدو لَو ولوا عَنهُ أَو انقسموا (والتحام الْحَرْب) أَي الْقِتَال بِأَن لم يتمكنوا من تَركه وَهَذَا كِنَايَة عَن شدَّة اختلاطهم بِحَيْثُ يلتصق لحم بَعضهم بِبَعْض أَو يُقَارب التصاقه (فَيصَلي) كل وَاحِد حِينَئِذٍ (كَيفَ أمكنه رَاجِلا) أَي مَاشِيا (أَو رَاكِبًا) لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ فرجالا أَو ركبانا} وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا (مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَغير مُسْتَقْبل لَهَا) فيعذر كل مِنْهُم فِي ترك توجه الْقبْلَة عِنْد الْعَجز عَنهُ بِسَبَب الْعَدو للضَّرُورَة قَالَ ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي تَفْسِير الْآيَة مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها قَالَ نَافِع لَا أرَاهُ إِلَّا مَرْفُوعا بل قَالَ الشَّافِعِي إِن ابْن عمر رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو انحرف عَنْهَا بجماح الدَّابَّة وَطَالَ الزَّمَان بطلت صلَاته وَيجوز اقْتِدَاء بَعضهم بِبَعْض وَإِن اخْتلفت الْجِهَة وتقدموا على الإِمَام كَمَا صرح بِهِ ابْن الرّفْعَة وَغَيره للضَّرُورَة وَالْجَمَاعَة أفضل من انفرادهم كَمَا فِي الْأَمْن لعُمُوم الْأَخْبَار فِي فضل الْجَمَاعَة ويعذر أَيْضا فِي الْأَعْمَال الْكَثِيرَة كالضربات والطعنات المتوالية لحَاجَة الْقِتَال قِيَاسا على مَا ورد من الْمَشْي وَترك الِاسْتِقْبَال وَلَا يعْذر فِي الصياح لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ لِأَن السَّاكِت أهيب وَيجب أَن يلقِي السِّلَاح إِذا دمي دَمًا لَا يُعْفَى عَنهُ فَإِن عجز عَن ذَلِك شرعا بِأَن احْتَاجَ إِلَى إِمْسَاكه أمْسكهُ للْحَاجة وَيَقْضِي خلافًا لما فِي الْمِنْهَاج لندرة عذره كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب فَإِن عجز عَن رُكُوع أَو سُجُود أَوْمَأ بهما للضَّرُورَة وَجعل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع ليحصل التَّمْيِيز بَينهمَا وَله حَاضرا كَانَ أَو مُسَافِرًا صَلَاة شدَّة الْخَوْف فِي كل مُبَاح قتال وهرب كقتال عَادل لباغ وَذي مَال لقاصد أَخذه ظلما وهرب من حريق وسيل وَسبع لَا معدل عَنهُ وغريم لَهُ عِنْد إِعْسَاره وَهَذَا كُله إِن خَافَ فَوت الْوَقْت كَمَا صرح بِهِ ابْن الرّفْعَة وَغَيره وَلَيْسَ لمحرم خَافَ فَوت الْحَج بفوت وُقُوفه بِعَرَفَة إِن صلى الْعشَاء ماكثا أَن يُصليهَا سائرا لِأَنَّهُ لم يخف فَوت حَاصِل كفوت نفس وَهل لَهُ أَن يُصليهَا ماكثا ويفوت الْحَج لعظم حُرْمَة الصَّلَاة أَو يحصل الْوُقُوف لصعوبة قَضَاء الْحَج وسهولة قَضَاء الصَّلَاة وَجْهَان رجح الرَّافِعِيّ مِنْهُمَا الأول وَالنَّوَوِيّ الثَّانِي بل صَوبه وَهُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ فتأخيرها وَاجِب كَمَا فِي الْكِفَايَة وَلَو صلوا صَلَاة شدَّة الْخَوْف لشَيْء ظنوه عدوا أَو أَكثر من ضعفهم فَبَان خِلَافه قضوا إِذْ لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ وَالضَّرْب الرَّابِع الَّذِي أسْقطه المُصَنّف أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة أَو فِيهَا وَثمّ سَاتِر وَهُوَ قَلِيل وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة وَخيف هجومه فيرتب الإِمَام الْقَوْم فرْقَتَيْن وَيُصلي بهم مرَّتَيْنِ كل مرّة بفرقة جَمِيع الصَّلَاة سَوَاء أَكَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ أم ثَلَاثًا أم أَرْبعا وَتَكون الْفرْقَة الْأُخْرَى تجاه الْعَدو وتحرس ثمَّ تذْهب الْفرْقَة المصلية إِلَى جِهَة الْعَدو وَتَأْتِي الْفرْقَة الحارسة فَيصَلي بهَا مرّة أُخْرَى جَمِيع الصَّلَاة وَتَقَع الصَّلَاة الثَّانِيَة للْإِمَام نفلا وَهَذِه صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل مَكَان من نجد بِأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 غطفان وَهِي وَإِن جَازَت فِي غير الْخَوْف فَهِيَ مَنْدُوبَة فِيهِ عِنْد كَثْرَة الْمُسلمين وَقلة عدوهم وَخَوف هجومهم عَلَيْهِم فِي الصَّلَاة تَتِمَّة تصح الْجُمُعَة فِي الْخَوْف حَيْثُ وَقع بِبَلَد كَصَلَاة عسفان وكذات الرّقاع لَا كَصَلَاة بطن نخل إِذْ لَا تُقَام مجمعة بعد أُخْرَى وَيشْتَرط فِي صَلَاة ذَات الرّقاع أَن يسمع الْخطْبَة عدد تصح بِهِ الْجُمُعَة من كل فرقة بِخِلَاف مَا لَو خطب بفرقة وَصلى بِأُخْرَى وَلَو حدث نقص من السامعين فِي الرَّكْعَة الأولى من الصَّلَاة بطلت أَو فِي الثَّانِيَة فَلَا للْحَاجة مَعَ سبق انْعِقَادهَا وتجهر الطَّائِفَة الأولى فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لأَنهم منفردون وَلَا تجْهر الثَّانِيَة فِي الثَّانِيَة لأَنهم مقتدون بِهِ وَيَأْتِي ذَلِك فِي كل صَلَاة جهرية فصل فِيمَا يجوز لبسه من الْحَرِير للمحارب وَغَيره وَمَا لَا يجوز وَبَدَأَ بِهَذَا فَقَالَ (وَيحرم على الرِّجَال) الْمُكَلّفين فِي حَال الِاخْتِيَار وَكَذَا الخناثى خلافًا للقفال (لبس الْحَرِير) وَهُوَ مَا يحل عَن الدودة بعد مَوتهَا والقز وَهُوَ مَا قطعته الدودة وَخرجت مِنْهُ وَهُوَ كمد اللَّوْن وَمثل اللّبْس سَائِر أَنْوَاع الِاسْتِعْمَال بفرش وتدثر وجلوس عَلَيْهِ واستناد إِلَيْهِ وتستر بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَمِنْه يعلم تَحْرِيم النّوم فِي الناموسية الَّتِي وَجههَا حَرِير أما لبسه للرِّجَال فمجمع على تَحْرِيمه وَأما للخنثى فاحتياط وَأما مَا سواهُ فلقول حُذَيْفَة نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير والديباج وَأَن نجلس عَلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَعلل الإِمَام وَالْغَزالِيّ الْحُرْمَة على الرِّجَال بِأَن فِي الْحَرِير خنوثة لَا تلِيق بشهامة الرِّجَال أما فِي حَال للضَّرُورَة كحر وَبرد مهلكين أَو مضرين كالخوف على عُضْو أَو مَنْفَعَة فَيجوز إِزَالَة للضَّرُورَة وَيُؤْخَذ من جَوَاز اللّبْس جَوَاز اسْتِعْمَاله فِي غَيره بطرِيق الأولى لِأَنَّهُ أخف وَيجوز أَيْضا لفجأة حَرْب وَلم يجد غَيره يقوم مقَامه ولحاجة كجرب وَدفع قمل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي لبسه لذَلِك وَستر عَوْرَته فِي الصَّلَاة وَعَن عُيُون النَّاس وَفِي الْخلْوَة إِذا أوجبناه وَهُوَ الْأَصَح إِذا لم يجد غير الْحَرِير (و) كَذَا يحرم على الرِّجَال وَمثلهمْ الخناثى (التَّخَتُّم بِالذَّهَب) لخَبر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ فِي يَمِينه قِطْعَة حَرِير وَفِي شِمَاله قِطْعَة ذهب وَقَالَ هَذَانِ أَي استعمالهما حرَام على ذُكُور أمتِي حل لإناثهم وَألْحق بالذكور الخناثى احْتِيَاطًا وَاحْترز بالتختم عَن اتِّخَاذ أنف أَو أُنْمُلَة أَو سنّ فَإِنَّهُ لَا يحرم اتخاذها من ذهب على مقطوعها وَإِن أمكن اتخاذها من الْفضة (وَيحل للنِّسَاء) لبس الْحَرِير واستعماله بفرش أَو غَيره والتختم بِالذَّهَب والتحلي بِهِ للْحَدِيث الْمَار (ويسير الذَّهَب وَكَثِيره فِي) حكم (التَّحْرِيم) على من حرم عَلَيْهِ (سَوَاء) بِلَا فرق (وَإِذا كَانَ بعض الثَّوْب إبريسيما) وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وبفتح الرَّاء وفتحهما وَكسر الرَّاء ثَلَاث لُغَات الْحَرِير (وَبَعضه قطنا أَو كتانا جَازَ لبسه مَا لم يكن الإبريسم غَالِبا) فَإِنَّهُ يحرم تَغْلِيبًا للْأَكْثَر بِخِلَاف مَا أَكْثَره من غَيره والمستوى مِنْهُمَا لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يُسمى ثوب حَرِير وَالْأَصْل الْحل وتغليبا للْأَكْثَر فِي الأولى وللولي إلباس مَا ذكر من الْحَرِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَمَا أَكْثَره مِنْهُ صَبيا إِذا لَيْسَ لَهُ شهامة تنَافِي خنوثة الْحَرِير بِخِلَاف الرجل وَلِأَنَّهُ غير مُكَلّف وَألْحق بِهِ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء الْمَجْنُون وَيحل مَا طرز أَو رقع بحرير قدر أَربع أَصَابِع لوروده فِي خبر مُسلم أَو طرف ثَوْبه بِأَن جعل طرف بِهِ مسجفا بِهِ قدر عَادَة أَمْثَاله لوروده فِي خبر مُسلم وَفرق بَينه وَبَين أَربع أَصَابِع فِيمَا مر بِأَن التطريف مَحل الْحَاجة وَقد تمس الْحَاجة للزِّيَادَة على الْأَرْبَع بِخِلَاف مَا مر فَإِنَّهُ مُجَرّد زِينَة فيتقيد بالأربع تَتِمَّة يحل استصباح بدهن نجس كالمتنجس لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا فاستصبحوا بِهِ أَو فانتفعوا بِهِ لَا دهن نَحْو كلب كخنزير فَلَا يحل الاستصباح بِهِ لغلظ نَجَاسَته وَيحل لبس شَيْء مُتَنَجّس وَبلا رُطُوبَة لِأَن نَجَاسَته عارضة سهلة الْإِزَالَة لَا لبس نجس كَجلْد ميتَة لما عَلَيْهِ من التَّعَبُّد باجتناب النَّجس لإِقَامَة الْعِبَادَة إِلَّا لضَرُورَة كحر وَنَحْوه مِمَّا مر وَلَا يحرم اسْتِعْمَال النشا وَهُوَ الْمُتَّخذ من الْقَمْح فِي الثَّوْب وَالْأولَى تَركه وَترك دق الثِّيَاب وصقلها قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي طي الثِّيَاب أَي وَذكر اسْم الله عَلَيْهَا لما روى الطَّبَرَانِيّ إِذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسْم الله تَعَالَى عَلَيْهَا لِئَلَّا يلبسهَا الْجِنّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُم بِالنَّهَارِ فتبلى سَرِيعا فصل فِي صَلَاة الْجِنَازَة بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا لُغَتَانِ مشهورتان اسْم للْمَيت فِي النعش فَإِن لم يكن عَلَيْهِ الْمَيِّت فَهُوَ سَرِير ونعش وَهُوَ من جنزه يجنزه إِذا ستره وَلما اشْتَمَل هَذَا الْفَصْل على الصَّلَاة ذكره المُصَنّف هُنَا دون الْفَرَائِض فَقَالَ (وَيلْزم فِي الْمَيِّت) الْمُسلم غير الشَّهِيد (أَرْبَعَة أَشْيَاء) على جِهَة فرض الْكِفَايَة الأول (غسله) إِذا تَيَقّن مَوته بِظُهُور شَيْء من أماراته كاسترخاء قدم وميل أنف وانخساف صدغ فَإِن شكّ فِي مَوته أخر وجوبا كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع إِلَى الْيَقِين بِتَغَيُّر الرَّائِحَة أَو غَيره وَأَقل الْغسْل تَعْمِيم بدنه بِالْمَاءِ مرّة لِأَن ذَلِك هُوَ الْفَرْض كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الْغسْل من الْجَنَابَة فِي حق الْحَيّ فَلَا يشْتَرط تقدم إِزَالَة النَّجَاسَة عَنهُ كَمَا يلوح بِهِ كَلَام الْمَجْمُوع خلافًا لما توهمه عبارَة الْمِنْهَاج من أَنه يشْتَرط تقدم إِزَالَتهَا وَلَا تجب نِيَّة الْغَاسِل لِأَن الْقَصْد بِغسْل الْمَيِّت النَّظَافَة وَهِي لَا تتَوَقَّف على نِيَّة فَيَكْفِي غسل كَافِر لَا غرق لأَنا مأمورون بِغسْلِهِ فَلَا يسْقط الْفَرْض عَنَّا إِلَّا بفعلنا وأكمله أَن يغسلهُ فِي خلْوَة لَا يدخلهَا إِلَّا الْغَاسِل وَمن يُعينهُ وَالْوَلِيّ وَفِي قَمِيص بَال أَو سخيف لِأَنَّهُ أستر لَهُ وعَلى مُرْتَفع كلوح لِئَلَّا يُصِيبهُ الرشاش بِمَاء بَارِد لِأَنَّهُ يشد الْبدن إِلَّا لحَاجَة إِلَى المسخن كوسخ أَو برد وَأَن يجلسه الْغَاسِل على الْمُرْتَفع بِرِفْق مائلا إِلَى وَرَائه وَيَضَع يَمِينه على كتفه وإبهامه فِي نقرة قَفاهُ لِئَلَّا تميل رَأسه ويسند ظَهره بركبته الْيُمْنَى ويمر يسَاره على بَطْنه بمبالغة ليخرج مَا فِيهِ من الفضلات ثمَّ يضجعه لقفاه وَيغسل بِخرقَة ملفوفة على يسَاره سوأتيه ثمَّ يلقيها ويلف خرقَة أُخْرَى على الْيَد وينظف أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ ثمَّ يوضئه كالحي ثمَّ يغسل رَأسه فلحيته بِنَحْوِ سدر ويسرح شعرهما إِن تلبد بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان بِرِفْق وَيرد المنتف من شعرهما إِلَيْهِ ثمَّ يغسل شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْسَر فَيغسل شقَّه الْأَيْمن مِمَّا يَلِي قَفاهُ ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْمن فَيغسل شقَّه الْأَيْسَر كَذَلِك مستعينا فِي ذَلِك كُله بِنَحْوِ سدر ثمَّ يُزِيلهُ بِمَاء من فرقه إِلَى قَدَمَيْهِ ثمَّ يعمه كَذَلِك بِمَاء قراح فِيهِ قَلِيل كافور كَمَا سَيَأْتِي بِحَيْثُ لَا يُغير المَاء فَهَذِهِ الأغسال الْمَذْكُورَة غسلة وَتسن ثَانِيَة وثالثة كَذَلِك وَلَو خرج بعد الْغسْل نجس وَجب إِزَالَته عَنهُ وَينْدب أَن لَا ينظر الْغَاسِل من غير عَوْرَته إِلَّا قدر الْحَاجة وَأما عَوْرَته فَيحرم النّظر إِلَيْهَا وَأَن يُغطي وَجهه بِخرقَة وَأَن يكون الْغَاسِل أَمينا فَإِن رأى خيرا سنّ ذكره أَو ضِدّه حرم ذكره إِلَّا لمصْلحَة كبدعة ظَاهِرَة وَمن تعذر غسله يمم كَمَا فِي غسل الْجَنَابَة وَلَا يكره لنَحْو جنب غسله وَالرجل أولى بِالرجلِ وَالْمَرْأَة أولى بِالْمَرْأَةِ وَله غسل حليلته من زَوْجَة غير رَجْعِيَّة وَلَو نكح غَيرهَا وَأمة وَلَو كِتَابِيَّة ولزوجة غير رَجْعِيَّة غسل زَوجهَا وَلَو نكحت غَيره بِلَا مس مِنْهَا لَهُ وَلَا من الزَّوْج أَو السَّيِّد لَهَا فَإِن لم يحضر إِلَّا أَجْنَبِي فِي الْميتَة الْمَرْأَة وَإِلَّا أَجْنَبِيَّة فِي الرجل يمم الْمَيِّت نعم الصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الشَّهْوَة يغسلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَمثله الْخُنْثَى الْكَبِير عِنْد فقد الْمحرم قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَيغسل فَوق ثوب ويحتاط الْغَاسِل فِي غض الْبَصَر والمس وَالْأولَى بِالرجلِ فِي غسله الأولى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَة وهم رجال الْعصبَة من النّسَب ثمَّ الْوَلَاء ثمَّ الإِمَام أَو نَائِبه إِن انتظم بَيت المَال ثمَّ ذَوُو الْأَرْحَام وَخرج بِدَرَجَة الأولى بِالصَّلَاةِ صفة إِذْ الأفقه أولى من الأسن وَالْأَقْرَب والبعيد الْفَقِيه أولى من الْأَقْرَب غير الْفَقِيه هُنَا عكس مَا فِي الصَّلَاة وَالْأولَى بهَا فِي غسلهَا قراباتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وأولاهن ذَات محرمية وَهِي من لَو قدرت ذكرا لم يحل لَهُ نِكَاحهَا وَبعد الْقرَابَات ذَات وَلَاء فأجنبية فزوج فرجال محارم كترتيب صلَاتهم فَإِن تنَازع مستويان أَقرع بَينهمَا وَالْكَافِر أَحَق بقريبه الْكَافِر ولنحو أهل الْمَيِّت كأصدقائه تَقْبِيل وَجهه وَلَا بَأْس بالإعلام بِمَوْتِهِ بِخِلَاف نعي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ النداء بِمَوْت الشَّخْص وَذكر مآثره ومفاخره (و) الثَّانِي (تكفينه) بعد غسله بِمَا لَهُ لبسه حَيا من حَرِير وَغَيره وَكره مغالاة فِيهِ وَكره لأنثى نَحْو معصفر من حَرِير ومزعفر وَأَقل الْكَفَن ثوب وَاحِد وَاخْتلف فِي قدره هَل هُوَ مَا يستر الْعَوْرَة أَو جَمِيع الْبدن إِلَّا رَأس الْمحرم وَوجه الْمُحرمَة وَجْهَان صحّح فِي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع وَالشَّرْح الصَّغِير الأول فيختلف قدره بالذكورة وَالْأُنُوثَة كَمَا صرح بِهِ الرَّافِعِيّ لَا بِالرّقِّ وَالْحريَّة وَصحح النَّوَوِيّ فِي مَنَاسِكه الثَّانِي وَاخْتَارَهُ ابْن الْمقري فِي شرح إرشاده كالأذرعي تبعا لجمهور الخراسانيين وَجمع بَينهمَا فِي روضه فَقَالَ وَأقله ثوب يعم جَمِيع الْبدن وَالْوَاجِب ستر الْعَوْرَة فَحمل الأول على أَنه حق الله تَعَالَى وَالثَّانِي على أَنه حق للْمَيت وَلَا تنفذ وَصيته بإسقاطه على الأول وَكَذَا على الثَّانِي فقد صرح فِي الْمَجْمُوع عَن التَّقْرِيب وَالْإِمَام الْغَزالِيّ وَغَيرهم أَنه لَو أوصى بساتر الْعَوْرَة فَقَط لم تصح وَصيته أَي مُرَاعَاة للْخلاف وَلَو لم يوص فَقَالَ بعض الْوَرَثَة يُكفن بِثَوْب يستر جَمِيع الْبدن وَبَعْضهمْ بساتر الْعَوْرَة فَقَط وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كفن بِثَوْب ذكره فِي الْمَجْمُوع أَي لِأَنَّهُ حق للْمَيت وَلَو قَالَ بَعضهم يُكفن بِثَوْب وَبَعْضهمْ بِثَلَاثَة كفن بهَا لما مر وَقيل بِثَوْب وَلَو اتَّفقُوا على ثوب فَفِي التَّهْذِيب يجوز وَفِي التَّتِمَّة أَنه على الْخلاف قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ أَقيس أَي فَيجب أَن يُكفن بِثَلَاثَة أَثوَاب وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق فَقَالَ الْغُرَمَاء يُكفن فِي ثوب وَالْوَرَثَة فِي ثَلَاثَة أُجِيب الْغُرَمَاء وَلَو قَالَ الْغُرَمَاء يُكفن بساتر الْعَوْرَة وَالْوَرَثَة بساتر جَمِيع الْبدن أُجِيب الْوَرَثَة وَلَو اتّفقت الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة على ثَلَاثَة جَازَ بِلَا خلاف وَحَاصِله أَن الْكَفَن بِالنِّسْبَةِ لحق الله تَعَالَى ستر الْعَوْرَة فَقَط وبالنسبة للْغُرَمَاء ستر جَمِيع الْبدن وبالنسبة للْوَرَثَة ثَلَاثَة فَلَيْسَ للْوَارِث الْمَنْع مِنْهَا تَقْدِيمًا لحق الْمَالِك وَفَارق الْغَرِيم بِأَن حَقه سَابق وَبِأَن مَنْفَعَة صرف المَال لَهُ تعود إِلَى الْمَيِّت بِخِلَاف الْوَارِث فيهمَا هَذَا إِذا كفن من تركته أما إِذا كفن من غَيرهَا فَلَا يلْزم من يجهزه من قريب وَسيد وَزوج وَبَيت مَال إِلَّا ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع بدنه بل لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ من بَيت المَال كَمَا يعلم من كَلَام الرَّوْضَة وَكَذَا إِذا كفن مِمَّا وقف للتكفين كَمَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح قَالَ وَيكون سابغا أَي فَلَا يَكْفِي ستر الْعَوْرَة لِأَن الزَّائِد عَلَيْهَا حق للْمَيت كَمَا مر وَأما الْأَفْضَل للرجل وَالْمَرْأَة فَسَيَأْتِي وَسن مغسول لِأَنَّهُ للصديد وَأَن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها وَالْبَاقِي فَوْقهَا وَأَن يذر على كل وعَلى الْمَيِّت حنوط وَأَن يوضع الْمَيِّت فَوْقهَا مُسْتَلْقِيا وَأَن تشد ألياه بِخرقَة وَأَن يَجْعَل على منافذه قطن عَلَيْهِ حنوط وَتلف عَلَيْهِ اللفائف وتشد اللفائف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 بشداد خوف الانتشار عِنْد الْحمل إِلَّا أَن يكون محرما وَيحل الشداد فِي الْقَبْر وَمحل تجهيز الْمَيِّت تركته إِلَّا زَوْجَة وخادمها فتجهيزهما على زوج غَنِي عَلَيْهِ نفقتهما فَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة فتجهيزه على من عَلَيْهِ نَفَقَته حَيا فِي الْجُمْلَة من قريب وَسيد فَإِن لم يكن للْمَيت من تلْزمهُ نَفَقَته فتجهيزه على بَيت المَال (و) الثَّالِث (الصَّلَاة عَلَيْهِ) وَهِي من خَصَائِص هَذِه الْأمة كَمَا قَالَه الْفَاكِهَانِيّ فِي شرح الرسَالَة قَالَ وَكَذَا الْإِيصَاء بِالثُّلثِ وَشرط لصحتها شُرُوط غَيرهَا من الصَّلَوَات وَتقدم طهر الْمَيِّت لِأَنَّهُ الْمَنْقُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو تعذر كَأَن وَقع فِي حُفْرَة وَتعذر إِخْرَاجه وطهره لم يصل عَلَيْهِ وَتكره الصَّلَاة عَلَيْهِ قبل تكفينه لما فِيهِ من الازدراء بِالْمَيتِ وَلَا يشْتَرط فِيهَا الْجَمَاعَة كالمكتوبة بل تسن لخَبر مُسلم مَا من رجل مُسلم يَمُوت يقوم على جنَازَته أَرْبَعُونَ رجلا لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا إِلَّا شفعهم الله فِيهِ وَيَكْفِي فِي إِسْقَاط فَرضهَا ذكر وَلَو صَبيا مُمَيّزا لحُصُول الْمَقْصُود بِهِ وَلِأَن الصَّبِي يصلح أَن يكون إِمَامًا للرجل لَا غَيره من خُنْثَى وَامْرَأَة مَعَ وجود الذّكر لِأَن الذّكر أكمل من غَيره فدعاؤه أقرب للإجابة وَيجب تَقْدِيمهَا على الدّفن وَتَصِح على قبر غير نَبِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِح على غَائِب عَن الْبَلَد وَلَو دون مَسَافَة الْقصر قَالُوا وَإِنَّمَا تصح الصَّلَاة على الْقَبْر وَالْغَائِب عَن الْبَلَد مِمَّن كَانَ فِي أهل فَرضهَا وَقت مَوته قَالُوا لِأَن غَيره متنفل وَهَذِه لَا يتَنَفَّل بهَا وَنَازع الْإِسْنَوِيّ فِي اعْتِبَار وَقت الْمَوْت قَالَ وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَو بلغ أَو أَفَاق بعده وَقبل الْغسْل لم يُؤثر وَالصَّوَاب خِلَافه بل لَو زَالَ بعد الْغسْل أَو الصَّلَاة وَأدْركَ زَمنا يُمكنهُ فعلهَا فِيهِ فَكَذَلِك انْتهى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالتَّعْبِير بِالْمَوْتِ جرى على الْغَالِب وَالْأولَى بإمامة صَلَاة الْمَيِّت أَب وَإِن أوصى بهَا لغيره فأبوه وَإِن علا فَابْن فابنه وَإِن سفل فباقي الْعصبَة بترتيب الْإِرْث فذو رحم وَيقدم حر عدل على عبد أقرب مِنْهُ وَلَو أفقه وأسن لِأَنَّهَا ولَايَة فَلَا حق فِيهَا للزَّوْج وَلَا للْمَرْأَة لَكِن مَحَله إِذا وجد مَعَ الزَّوْج غير الْأَجَانِب وَمَعَ الْمَرْأَة ذكر أَو خُنْثَى وَإِلَّا فالزوج مقدم على الْأَجَانِب وَالْمَرْأَة تصلي وَتقدم بترتيب الذّكر وَيقدم العَبْد الْقَرِيب على الْحر الْأَجْنَبِيّ وَالْعَبْد الْبَالِغ على الْحر الصَّبِي وَشرط الْمُقدم أَن لَا يكون قَاتلا كَمَا فِي الْغسْل فَلَو اسْتَوَى اثْنَان فِي دَرَجَة قدم الأسن فِي الْإِسْلَام الْعدْل على الأفقه مِنْهُ عكس سَائِر الصَّلَوَات لِأَن الْغَرَض هُنَا الدُّعَاء وَدُعَاء الأسن أقرب إِلَى الْإِجَابَة وَينْدب أَن يقف غير الْمَأْمُوم من إِمَام ومنفرد عِنْد رَأس ذكر وعجيزة غَيره من أُنْثَى وَخُنْثَى لِلِاتِّبَاعِ وَتجوز على جنائز صَلَاة وَاحِدَة بِرِضا أوليائها لِأَن الْغَرَض مِنْهَا الدُّعَاء وَيقدم إِلَى الإِمَام الأسبق من الذُّكُور أَو الْإِنَاث أَو الخناثى وَإِن كَانَ الْمُتَأَخر أفضل فَلَو سبقت أُنْثَى ثمَّ حضر رجل أَو صبي أخرت عَنهُ وَمثلهَا الْخُنْثَى وَلَو حضر خناثى مَعًا أَو مرتبين جعلُوا صفا عَن يَمِينه رَأس كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 مِنْهُم عِنْد رجل الآخر لِئَلَّا تتقدم أُنْثَى على ذكر وَلَو وجد جُزْء ميت مُسلم غير شَهِيد صلى عَلَيْهِ بعد غسله وستره بِخرقَة وَدفن كالميت الْحَاضِر وَإِن كَانَ الْجُزْء ظفرا أَو شعرًا لَكِن لَا يصلى على الشعرة الْوَاحِدَة كَمَا قَالَه فِي الْعدة وَإِن خَالفه بعض الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا يصلى على الْجُزْء بِقصد الْجُمْلَة لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة صَلَاة على غَائِب (و) الرَّابِع (دَفنه) فِي قبر وَأقله حُفْرَة تمنع بعد ردمها ظُهُور رَائِحَة مِنْهُ فتؤذي الْحَيّ وتمنع نبش سبع لَهَا فيأكل الْمَيِّت فتنتهك حرمته قَالَ الرَّافِعِيّ وَالْغَرَض من ذكرهمَا إِن كَانَا متلازمين بَيَان فَائِدَة الدّفن وَإِلَّا فبيان وجوب رعايتهما فَلَا يَكْفِي أَحدهمَا اه وَالظَّاهِر الثَّانِي وَخرج بِالْحُفْرَةِ مَا لَو وضع الْمَيِّت على وَجه الأَرْض وَجعل عَلَيْهِ مَا يمْنَع ذَلِك حَيْثُ لم يتَعَذَّر الْحفر وَسَيَأْتِي أكمله فِي كَلَامه (وَاثْنَانِ لَا يغسلان وَلَا يصلى عَلَيْهِمَا) لتَحْرِيم ذَلِك فِي حَقّهمَا الأول (الشَّهِيد) وَلَو أُنْثَى ورقيقا أَو غير بَالغ إِذا مَاتَ (فِي معركة الْمُشْركين) لخَبر البُخَارِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر فِي قَتْلَى أحد بدفنهم بدمائهم وَلم يغسلوا وَلم يصل عَلَيْهِم وَأما خبر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فصلى على قَتْلَى أحد صلَاته على الْمَيِّت فَالْمُرَاد جمعا بَين الْأَدِلَّة دَعَا لَهُم كدعائه للْمَيت كَقَوْلِه تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أَي ادْع لَهُم وَسمي شَهِيدا لشهادة الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بِالْجنَّةِ وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ من لم تبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة قبل انْقِضَاء حَرْب الْمُشْركين بِسَبَبِهَا كَأَن قَتله كَافِر أَو أَصَابَهُ سلَاح مُسلم خطأ أَو عَاد إِلَيْهِ سلاحه أَو رمحته دَابَّته أَو سقط عَنْهَا أَو تردى حَال قِتَاله فِي بِئْر أَو انْكَشَفَ عَنهُ الْحَرْب وَلم يعلم سَبَب قَتله وَإِن لم يكن عَلَيْهِ أثر دم لِأَن الظَّاهِر أَن مَوته بِسَبَب الْحَرْب بِخِلَاف من مَاتَ بعد انْقِضَائِهَا وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة بجراحة فِيهِ وَإِن قطع بِمَوْتِهِ مِنْهَا أَو قبل انْقِضَائِهَا لَا بِسَبَب حَرْب الْمُشْركين كَأَن مَاتَ بِمَرَض أَو فَجْأَة أَو فِي قتال بغاة فَلَيْسَ بِشَهِيد وَيعْتَبر فِي قتال الْمُشْركين كَونه مُبَاحا وَهُوَ ظَاهر أما الشَّهِيد العاري عَمَّا ذكر كالغريق والمبطون والمطعون وَالْمَيِّت عشقا وَالْميتَة مُطلقًا والمقتول فِي غير الْقِتَال الْمَذْكُور ظلما فَيغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَيجب غسل نجس أَصَابَهُ غير دم الشَّهَادَة وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى زَوَال دَمهَا وَيسن تكفينه فِي ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا إِذا اُعْتِيدَ لبسهَا غَالِبا أما ثِيَاب الْحَرْب كدرع وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يعْتَاد لبسه غَالِبا كخف وفروة فَينْدب نَزعهَا كَسَائِر الْمَوْتَى فَإِن لم تكفه ثِيَابه وَجب تتميمها بِمَا يستر جَمِيع بدنه لِأَنَّهُ حق للْمَيت كَمَا مر (و) الثَّانِي (السقط) بِتَثْلِيث السِّين (الَّذِي لم يستهل صَارِخًا) أَي بِأَن لم تعلم حَيَاته وَلم يظْهر خلقه فَلَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَيسن ستره بِخرقَة وَدَفنه دون غَيرهمَا أما إِذا علمت حَيَاته بصياح أَو غَيره أَو ظَهرت أماراتها كاختلاج أَو تحرّك فككبير فَيغسل ويكفن وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن لتيقن حَيَاته وَمَوته بعْدهَا فِي الأولى وَظُهُور أماراتها فِي الثَّانِيَة وَإِن لم تعلم حَيَاته وَظهر خلقه وَجب تَجْهِيزه بِلَا صَلَاة عَلَيْهِ وَفَارَقت الصَّلَاة غَيرهَا بِأَنَّهُ أوسع بَابا مِنْهَا بِدَلِيل أَن الذِّمِّيّ يغسل ويكفن ويدفن وَلَا يصلى عَلَيْهِ والسقط مُشْتَقّ من السُّقُوط وَهُوَ النَّازِل قبل تَمام أشهره فَإِن بلغَهَا فكالكبير كَمَا أفتى بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين والاستهلال الصياح عِنْد الْولادَة كَمَا قَالَه أهل اللُّغَة فَقَوله صَارِخًا تَأْكِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (وَيغسل الْمَيِّت وترا) ندبا كَمَا مر (وَيكون فِي أول غسله سدر) أَو خطمي (وَفِي آخِره) الَّذِي يكون وترا (شَيْء من كافور) تَقْوِيَة للجسد ومنعا للهوام وللنتن وَهُوَ مَنْدُوب فِي كل غسلة إِلَّا أَنه فِي الْأَخِيرَة آكِد وَمحله فِي غير الْمحرم أما الْمحرم فَلَا يقرب طيبا كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَصفَة أكمل الْغسْل قد تقدّمت (ويكفن) الْمَيِّت الذّكر (فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض) لخَبر البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم (لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة) هَذَا هُوَ الْأَفْضَل فِي حَقه وَيجوز رَابِع وخامس فيزاد قَمِيص إِن لم يكن محرما وعمامة تَحت اللفائف وَالْأَفْضَل فِي حق الْمَرْأَة وَمثلهَا الْخُنْثَى خَمْسَة إِزَار فقميص فخمار وَهُوَ مَا يغطى بِهِ الرَّأْس فلفافتان وَأما الْوَاجِب فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّ اعْلَم أَن أَرْكَان الصَّلَاة على الْمَيِّت سَبْعَة ذكر المُصَنّف بَعْضهَا الرُّكْن الأول النِّيَّة كنية غَيرهَا من الصَّلَوَات وَلَا يجب فِي الْمَيِّت الْحَاضِر تَعْيِينه باسمه أَو نَحوه وَلَا مَعْرفَته بل يكفى تَمْيِيزه نوع تَمْيِيز كنية الصَّلَاة على هَذَا الْمَيِّت أَو على من يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام فَإِن عينه كزيد أَو رجل وَلم يشر إِلَيْهِ وَأَخْطَأ فِي تَعْيِينه فَبَان عمرا أَو امْرَأَة لم تصح صلَاته فَإِن أَشَارَ إِلَيْهِ صحت كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة تَغْلِيبًا للْإِشَارَة فَإِن حضر موتى نوى الصَّلَاة عَلَيْهِم وَإِن لم يعرف عَددهمْ قَالَ الرَّوْيَانِيّ فَلَو صلى على بَعضهم وَلم يُعينهُ ثمَّ صلى على الْبَاقِي لم تصح وَلَو أحرم الإِمَام بِالصَّلَاةِ على جَنَازَة ثمَّ حضرت أُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة تركت حَتَّى يفرغ ثمَّ يُصَلِّي على الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لم ينوها أَولا ذكره فِي الْمَجْمُوع وَلَو صلى على حَيّ وميت صحت على الْمَيِّت إِن جهل الْحَال وَإِلَّا فَلَا وَيجب على الْمَأْمُوم نِيَّة الِاقْتِدَاء والركن الثَّانِي قيام قَادر عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا من الْفَرَائِض (و) الرُّكْن الثَّالِث (يكبر عَلَيْهِ أَربع تَكْبِيرَات) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَو زَاد عَلَيْهَا لم تبطل صلَاته لِأَنَّهُ إِنَّمَا زَاد ذكرا وَإِذا زَاد إِمَامه عَلَيْهَا لم يسن لَهُ مُتَابَعَته فِي الزَّائِد لعدم سنه للْإِمَام بل يُفَارِقهُ وَيسلم أَو ينتظره ليسلم مَعَه وَهُوَ أفضل والركن الرَّابِع قِرَاءَة الْفَاتِحَة كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات ولعموم خبر لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَقَوله (يقْرَأ الْفَاتِحَة بعد) التَّكْبِيرَة (الأولى) هُوَ ظَاهر كَلَام الْغَزالِيّ وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ صَححهُ النَّوَوِيّ فِي تبيانه وَلَكِن الرَّاجِح كَمَا رَجحه النَّوَوِيّ فِي منهاجه من زِيَادَته أَنَّهَا تجزىء فِي غير الأولى من الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَجزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَفِي الْمَجْمُوع يجوز أَن يجمع فِي التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة بَين الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الثَّالِثَة بَين الْقِرَاءَة وَالدُّعَاء للْمَيت وَيجوز إخلاء التَّكْبِيرَة الأولى من الْقِرَاءَة اه وَلَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَين الْفَاتِحَة وَبَين الرُّكْن الَّذِي قُرِئت الْفَاتِحَة فِيهِ وَلَا يجوز أَن يقْرَأ بَعْضهَا فِي ركن وَبَعضهَا فِي ركن آخر كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام الْمَجْمُوع لِأَن هَذِه الْخصْلَة لم تثبت وكالفاتحة فِيمَا ذكر عِنْد الْعَجز بدلهَا (و) الرُّكْن الْخَامِس (يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد) التَّكْبِيرَة (الثَّانِيَة) لِلِاتِّبَاعِ وأقلها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَتسن الصَّلَاة على الْآل كالدعاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عَقبهَا وَالْحَمْد لله قبل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) الرُّكْن السَّادِس (يَدْعُو للْمَيت) بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود الْأَعْظَم من الصَّلَاة وَمَا قبله مُقَدّمَة لَهُ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْوَاجِب مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم كاللهم ارحمه واللهم اغْفِر لَهُ وَأما الْأَكْمَل فَسَيَأْتِي وَقَول الْأَذْرَعِيّ الْأَشْبَه أَن غير الْمُكَلف لَا يجب الدُّعَاء لَهُ لعدم تَكْلِيفه قَالَ الْغَزِّي بَاطِل وَيجب أَن يكون الدُّعَاء (بعد) التَّكْبِيرَة (الثَّالِثَة) فَلَا يجزىء فِي غَيرهَا بِلَا خلاف قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَيْسَ لتخصيص ذَلِك إِلَّا مُجَرّد الِاتِّبَاع اه وَيَكْفِي ذَلِك وَيسن رفع يَدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فِي تكبيراتها حَذْو مَنْكِبَيْه وَيَضَع يَدَيْهِ تَحت صَدره كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات وتعوذ للْقِرَاءَة وإسرار بِهِ وبقراءة لَيْلًا أَو نَهَارا وَترك افْتِتَاح وَسورَة لطولهما وَظَاهر كَلَامهم أَن الحكم كَذَلِك وَلَو صلى على قبر أَو غَائِب لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على التَّخْفِيف وَأما أكمل الدُّعَاء (فَيَقُول) بعد قَوْله اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وَذكرنَا وأنثانا اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان (اللَّهُمَّ) أَي يَا الله (هَذَا) الْمَيِّت (عَبدك وَابْن عبديك) بالتثنية تَغْلِيبًا للمذكر (خرج من روح الدُّنْيَا) بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ نسيم الرّيح (وسعتها) بِفَتْح السِّين أَي الاتساع وبالجر عطفا على الْمَجْرُور والمضاف (ومحبوبه وأحبائه فِيهَا) أَي مَا يُحِبهُ وَمن يُحِبهُ (إِلَى ظلمَة الْقَبْر وَمَا هُوَ لاقيه) من هول مُنكر وَنَكِير كَذَا فِي الْمَجْمُوع عَن القَاضِي حُسَيْن قَالَ فِي الْمُهِمَّات لَكِن اللَّفْظ يتَنَاوَل مَا يلقاه فِي الْقَبْر وَفِيمَا بعده (كَأَن يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن) سيدنَا (مُحَمَّدًا) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَبدك وَرَسُولك) إِلَى جَمِيع خلقك (وَأَنت أعلم بِهِ) أَي منا (اللَّهُمَّ إِنَّه نزل بك) أَي ضيفك وَأَنت أكْرم الأكرمين وضيف الْكِرَام لَا يضام (وَأَنت خير منزول بِهِ) وَيذكر اللَّفْظ مُطلقًا سَوَاء كَانَ الْمَيِّت ذكرا أم أُنْثَى لِأَنَّهُ عَائِد على الله تَعَالَى قَالَ الدَّمِيرِيّ وَكَثِيرًا مَا يغلظ فِي ذَلِك (وَأصْبح فَقِيرا إِلَى رحمتك) الواسعة (وَأَنت غَنِي عَن عَذَابه وَقد جئْنَاك) أَي قصدناك (راغبين إِلَيْك شُفَعَاء لَهُ) عنْدك (اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسنا) لنَفسِهِ (فزد فِي إحسانه) أَي إحسانك إِلَيْهِ (وَإِن كَانَ مسيئا) عَلَيْهَا (فَتَجَاوز عَنهُ) بكرمك (ولقه) أَي أنله (بِرَحْمَتك رضاك) عَنهُ (وقه) بِفَضْلِك (فتْنَة) السُّؤَال فِي (الْقَبْر) بإعانته على التثبيت فِي جَوَابه (وقه) (عَذَابه) الْمَعْلُوم صحتهما من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة (وافسح لَهُ) بِفَتْح السِّين أَي وسع لَهُ (فِي قَبره) مد الْبَصَر كَمَا صَحَّ فِي الْخَبَر (وجاف الأَرْض) أَي ارفعها (عَن جَنْبَيْهِ) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون بعْدهَا تَثْنِيَة جنب كَمَا هُوَ عبارَة الْأَكْثَرين وَفِي بعض نسخ الْأُم الصَّحِيحَة عَن جثته بِضَم الْجِيم وَفتح الْمُثَلَّثَة الْمُشَدّدَة قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَهِي أحسن لدُخُول الجنبين والبطن وَالظّهْر اه (ولقه بِرَحْمَتك الْأَمْن من عذابك) الشَّامِل لما فِي الْقَبْر وَلما فِي الْقِيَامَة وأعيد بِإِطْلَاقِهِ بعد تَقْيِيده بِمَا تقدم اهتماما بِشَأْنِهِ إِذْ هُوَ الْمَقْصُود من هَذِه الشَّفَاعَة (حَتَّى تبعثه) من قَبره بجسده وروحه (آمنا) من هول الْموقف مساقا فِي زمرة الْمُتَّقِينَ (إِلَى جنتك بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ) جمع ذَلِك الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى من الْأَخْبَار وَاسْتَحْسنهُ الْأَصْحَاب وَوجد فِي نُسْخَة من الرَّوْضَة ومحبوبها وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوع وَالْمَشْهُور فِي قَوْله ومحبوبه وأحباؤه الْجَرّ وَيجوز رَفعه بِجعْل الْوَاو للْحَال وَهَذَا فِي الْبَالِغ الذّكر فَإِن كَانَ أُنْثَى عبر بالأمة وأنث مَا يعود إِلَيْهَا وَإِن ذكر بِقصد الشَّخْص لم يضر كَمَا فِي الرَّوْضَة وَإِن كَانَ خُنْثَى قَالَ الْإِسْنَوِيّ فَالْمُتَّجه التَّعْبِير بالمملوك وَنَحْوه قَالَ فَإِن لم يكن للْمَيت أَب بِأَن كَانَ ولد زنا فَالْقِيَاس أَن يَقُول فِيهِ وَابْن أمتك اه وَالْقِيَاس أَنه لَو لم يعرف أَن الْمَيِّت ذكر أَو أُنْثَى أَن يعبر بالمملوك وَنَحْوه وَيجوز أَن يَأْتِي بالضمائر مذكرة على إِرَادَة الْمَيِّت أَو الشَّخْص ومؤنثة على إِرَادَة لفظ الْجِنَازَة وَأَنه لَو صلى على جمع مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبه وَأما الصَّغِير فَيَقُول فِيهِ مَعَ الأول فَقَط اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ أَي سَابِقًا مهيئا لمصالحهما فِي الْآخِرَة وسلفا وذخرا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وعظة واعتبارا وشفيعا وَثقل بِهِ موازينهما وأفرغ الصَّبْر على قلوبهما لِأَن ذَلِك مُنَاسِب للْحَال وَزَاد فِي الْمَجْمُوع على هَذَا وَلَا تفتنهما بعده وَلَا تحرمهما أجره وَيُؤَنث فِيمَا إِذا كَانَ الْمَيِّت أُنْثَى وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مر وَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاء للطفل وَلَا يُنَافِي قَوْلهم إِنَّه لَا بُد فِي الدُّعَاء للْمَيت أَن يخص بِهِ كَمَا مر لثُبُوت النَّص فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والسقط يصلى عَلَيْهِ ويدعى لوَالِديهِ بالعافية وَالرَّحْمَة وَلَكِن لَو دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كفى وَلَو تردد فِي بُلُوغ الْمُرَاهق فالأحوط أَن يَدْعُو بِهَذَا ويخصصه بِالدُّعَاءِ بعد الثَّالِثَة قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَسَوَاء فِيمَا قَالُوهُ أمات فِي حَيَاة أَبَوَيْهِ أم لَا وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَحَله فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسلمين فَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال وَهَذَا أولى وَلَو جهل إسلامهما فَالْأولى أَن يعلق على إيمانهما خُصُوصا فِي نَاحيَة يكثر فِيهَا الْكفَّار وَلَو علم كفرهما كتبعية الصَّغِير للسابي حرم الدُّعَاء لَهما بالمغفرة والشفاعة وَنَحْوهمَا (وَيَقُول فِي) التَّكْبِيرَة (الرَّابِعَة) ندبا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا) بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَضمّهَا (أجره) أَي أجر الصَّلَاة عَلَيْهِ أَو أجر الْمُصِيبَة بِهِ فَإِن الْمُسلمين فِي الْمُصِيبَة كالشيء الْوَاحِد (وَلَا تفتنا بعده) أَي بالابتلاء بِالْمَعَاصِي وَزَاد المُصَنّف كالتنبيه (واغفر لنا وَله) وَاسْتَحْسنهُ الْأَصْحَاب وَيسن أَن يطول الدُّعَاء بعد الرَّابِعَة كَمَا فِي الرَّوْضَة نعم لَو خيف تغير الْمَيِّت أَو انفجاره لَو أَتَى بالسنن فَالْقِيَاس كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيّ الِاقْتِصَار على الْأَركان (و) الرُّكْن السَّابِع (يسلم بعد) التَّكْبِيرَة (الرَّابِعَة) كسلام غَيرهَا من الصَّلَوَات فِي كيفيته وتعدده وَيُؤْخَذ من ذَلِك عدم سنّ وَبَرَكَاته خلافًا لمن قَالَ يسن ذَلِك وَأَنه يلْتَفت فِي السَّلَام وَلَا يقْتَصر على تَسْلِيمَة وَاحِدَة يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه وَإِن قَالَ فِي الْمَجْمُوع إِنَّه الْأَشْهر وَحمل الْجِنَازَة بَين العمودين بِأَن يضعهما رجل على عَاتِقيهِ وَرَأسه بَينهمَا وَيحمل المؤخرتين رجلَانِ أفضل من التربيع بِأَن يتَقَدَّم رجلَانِ ويتأخر آخرَانِ وَلَا يحملهَا وَلَو أُنْثَى إِلَّا الرِّجَال لضعف النِّسَاء عَن حملهَا فَيكْرَه لَهُنَّ ذَلِك وَحرم حملهَا على هَيْئَة مزرية كحملها فِي قفة أَو هَيْئَة يخَاف مِنْهَا سُقُوطهَا وَالْمَشْي أمامها وقربها بِحَيْثُ لَو الْتفت لرآها أفضل من غَيره وَسن إسراع بهَا إِن أَمن تغير الْمَيِّت بالإسراع وَإِلَّا فيتأنى بِهِ فَإِن خيف تغيره بالتأني أَيْضا زيد فِي الْإِسْرَاع وَسن لغير ذكر مَا يستره كقبة وَكره لغط فِي الْجِنَازَة بل الْمُسْتَحبّ التفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده وكرة إتباعها بِنَار فِي مجمرة أَو غَيرهَا وَلَا يكره الرّكُوب فِي رُجُوعهَا وَلَا اتِّبَاع مُسلم جَنَازَة قَرِيبه الْكَافِر قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَلَا يبعد إِلْحَاق الزَّوْجَة والمملوك بالقريب قَالَ وَهل يلْحق بِهِ الْجَار كَمَا فِي العيادة فِيهِ نظر اه وَلَا بعد فِيهِ وَتحرم الصَّلَاة على الْكَافِر وَلَا يجب طهر لِأَنَّهُ كَرَامَة وَهُوَ لَيْسَ من أَهلهَا وَيجب علينا تكفين ذمِّي وَدَفنه حَيْثُ لم يكن لَهُ مَال وَلَا من تلْزمهُ نَفَقَته وَفَاء بِذِمَّتِهِ وَلَو اخْتَلَط من يُصَلِّي عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلم يتَمَيَّز كمسلم بِكَافِر وَغير شَهِيد بِشَهِيد وَجب تجهيز كل إِذْ لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بذلك وَيُصلي على الْجَمِيع وَهُوَ أفضل أَو على وَاحِد فواحد بِقصد من يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الكيفيتين وَيغْتَفر التَّرَدُّد فِي النِّيَّة وَيَقُول فِي الْمِثَال الأول اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُسلمِ مِنْهُم فِي الْكَيْفِيَّة الأولى وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ إِن كَانَ مُسلما فِي الْكَيْفِيَّة الثَّانِيَة وَتسن الصَّلَاة عَلَيْهِ بِمَسْجِد وبثلاثة صُفُوف فَأكْثر لخَبر مَا من مُسلم يَمُوت فَيصَلي عَلَيْهِ ثَلَاثَة صُفُوف إِلَّا غفر لَهُ وَلَا تسن إِعَادَتهَا وَمَعَ ذَلِك لَو أُعِيدَت وَقعت نفلا وَلَا تُؤخر لغير ولي أما هُوَ فتؤخر لَهُ مَا لم يخف تغيره وَلَو نوى إِمَام مَيتا حَاضرا أَو غَائِبا ومأموم آخر كَذَلِك جَازَ لِأَنَّهُ اخْتِلَاف نيتهما لَا يضر وَلَو تخلف الْمَأْمُوم عَن إِمَامه بِلَا عذر بتكبيرة حَتَّى شرع إِمَامه فِي أُخْرَى بطلت صلَاته إِذْ الِاقْتِدَاء هُنَا إِنَّمَا يظْهر فِي التَّكْبِيرَات وَهُوَ تخلف فَاحش يشبه التَّخَلُّف بِرَكْعَة فَإِن كَانَ ثمَّ عذر كنسيان فَلَا تبطل إِلَّا بتخلفه بتكبيرتين على مَا اقْتَضَاهُ كَلَامهم وَلَا شكّ أَن التَّقَدُّم كالتخلف بل أولى وَيكبر الْمَسْبُوق وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَإِن كَانَ الإِمَام فِي غَيرهَا كالدعاء لِأَن مَا أدْركهُ أول صلَاته وَلَو كبر الإِمَام أُخْرَى قبل قِرَاءَته كبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 مَعَه وَسَقَطت الْقِرَاءَة عَنهُ كَمَا فِي غَيرهَا من الصَّلَوَات وَإِذا سلم الإِمَام تدارك الْمَسْبُوق حتما بَاقِي التَّكْبِيرَات بأذكارها وجوبا فِي الْوَاجِب وندبا فِي الْمَنْدُوب وَيسن أَن لَا ترْتَفع الْجِنَازَة حَتَّى يتم الْمَسْبُوق وَلَا يضر رَفعهَا قبل إِتْمَامه ثمَّ شرع فِي أكمل الدّفن الْمَوْعُود بِذكرِهِ فَقَالَ (ويدفن فِي لحد) وَهُوَ بِفَتْح اللَّام وَضمّهَا وَسُكُون الْحَاء فيهمَا أَصله الْميل وَالْمرَاد أَن يحْفر فِي أَسْفَل جَانب الْقَبْر القبلي مائلا عَن الاسْتوَاء قدر مَا يسع الْمَيِّت ويستره وَهُوَ أفضل من الشق بِفَتْح الْمُعْجَمَة إِن صلبت الأَرْض وَهُوَ أَن يحْفر قَعْر الْقَبْر كالنهر ويبنى جانباه بِلَبن أَو غَيره غير مَا مسته النَّار وَيجْعَل الْمَيِّت بَينهمَا أما الأَرْض الرخوة فالشق فِيهَا أفضل خشيَة الانهيار وَيُوضَع فِي اللَّحْد أَو غَيره (مُسْتَقْبل الْقبْلَة) وجوبا تَنْزِيلا لَهُ منزلَة الْمُصَلِّي فَلَو وَجه لغَيْرهَا نبش وَوجه للْقبْلَة وجوبا إِن لم يتَغَيَّر وَإِلَّا فَلَا وَيُوضَع الْمَيِّت ندبا عِنْد مُؤخر الْقَبْر الَّذِي سيصير عِنْد أَسْفَله رجل الْمَيِّت (ويسل) بِضَم حرف المضارعة على الْبناء للْمَفْعُول أَي يدْخل (من قبل) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْمُوَحدَة أَي من جِهَة (رَأسه بِرِفْق) لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سل من قبل رَأسه ويدخله الأحق بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَة فَلَا يدْخلهُ وَلَو أُنْثَى إِلَّا الرِّجَال لَكِن الأحق فِي الْأُنْثَى زوج وَإِن لم يكن لَهُ حق فِي الصَّلَاة فمحرم فعبدها لِأَنَّهُ كالمحرم فِي النّظر وَنَحْوه فممسوح فمجبوب فخصي لبَعض شهوتهم فأجنبي صَالح وَسن كَون الْمدْخل وترا وَاحِدًا فَأكْثر بِحَسب الْحَاجة وَسن ستر الْقَبْر بِثَوْب عِنْد الدّفن وَهُوَ لغير ذكر من أُنْثَى وَخُنْثَى آكِد احْتِيَاطًا (وَيَقُول الَّذِي يلحده) أَي يدْخلهُ الْقَبْر ندبا (باسم الله وعَلى مِلَّة) أَي دين (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِلِاتِّبَاعِ وَفِي رِوَايَة وعَلى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ويضجع فِي الْقَبْر) على يَمِينه ندبا كَمَا فِي الِاضْطِجَاع عِنْد النّوم فَإِن وضع على يسَاره كره وَلم ينبش وَينْدب أَن يُفْضِي بخده إِلَى الأَرْض (بعد أَن) يُوسع بِأَن يُزَاد فِي طوله وَعرضه وَأَن (يعمق) الْقَبْر وَهُوَ بِضَم حرف المضارعة وَفتح الْمُهْملَة الزِّيَادَة فِي النُّزُول (قامة وبسطة) من رجل معتدل لَهما وهما أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف كَمَا صَوبه النَّوَوِيّ خلافًا للرافعي فِي قَوْله إنَّهُمَا ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف تبعا للمحاملي وَينْدب أَن يسند وَجهه وَرجلَاهُ إِلَى جِدَار الْقَبْر وظهره بِنَحْوِ لبنة كحجر حَتَّى لَا ينكب وَلَا يستلقي وَأَن يسد فَتحه بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون التَّاء بِنَحْوِ لبن كطين بِأَن يَبْنِي بذلك ثمَّ يسد فرجه بِكَسْر لبن وطين أَو نَحْوهمَا وَكره أَن يَجْعَل لَهُ فرش ومخدة وصندوق لم يحْتَج إِلَيْهِ لِأَن فِي ذَلِك إِضَاعَة مَال أما إِذا احْتِيجَ إِلَى صندوق لنداوة وَنَحْوهَا كرخاوة فِي الأَرْض فَلَا يكره وَلَا تنفذ وَصيته إِلَّا حِينَئِذٍ وَلَا يكره دَفنه لَيْلًا مُطلقًا وَوقت كَرَاهَة صَلَاة مَا لم يتحره بِالْإِجْمَاع فَإِن تحراه كره كَمَا فِي الْمَجْمُوع (وَلَا يبْنى) على الْقَبْر نَحْو قبَّة كبيت (وَلَا يجصص) أَي يبيض بالجص وَهُوَ الجبس وَقيل الجير وَالْمرَاد هُنَا هما أَو أَحدهمَا أَي يكره الْبناء والتجصيص للنَّهْي عَنْهُمَا فِي صَحِيح مُسلم وَخرج بتجصيصه تطيينه فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع إِنَّه الصَّحِيح وَتكره الْكِتَابَة عَلَيْهِ سَوَاء كتب عَلَيْهِ اسْم صَاحبه أم غَيره وَيكرهُ أَن يَجْعَل على الْقَبْر مظلة لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رأى قبَّة فنحاها وَقَالَ دَعوه يظله عمله وَلَو بني عَلَيْهِ فِي مَقْبرَة مسبلة وَهِي الَّتِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بالدفن فِيهَا حرم وَهدم لِأَنَّهُ يضيق على النَّاس وَلَا فرق بَين أَن يَبْنِي قبَّة أَو بَيْتا أَو مَسْجِدا أَو غير ذَلِك وَمن المسبل كَمَا قَالَه الدَّمِيرِيّ قرافة مصر قَالَ ابْن عبد الحكم ذكر فِي تَارِيخ مصر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أعطَاهُ الْمُقَوْقس فِيهَا مَالا جزيلا وَذكر أَنه وجد فِي الْكتاب الأول أَنَّهَا تربة أهل الْجنَّة فكاتب عمر بن الْخطاب فِي ذَلِك فَكتب إِلَيْهِ إِنِّي لَا أعرف تربة الْجنَّة إِلَّا لأجساد الْمُؤمنِينَ فاجعلوها لموتاكم وَينْدب أَن يرش الْقَبْر بِمَاء لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله بِقَبْر وَلَده إِبْرَاهِيم وَالْأولَى أَن يكون طهُورا بَارِدًا وَخرج بِالْمَاءِ مَاء الْورْد فالرش بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 مَكْرُوه لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال وَقَالَ السُّبْكِيّ لَا بَأْس باليسير مِنْهُ إِن قصد بِهِ حُضُور الْمَلَائِكَة فَإِنَّهَا تحب الرَّائِحَة الطّيبَة انْتهى وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَانِع من حُرْمَة إِضَاعَة المَال وَيسن وضع الجريد الْأَخْضَر على الْقَبْر وَكَذَا الريحان وَنَحْوه من الشَّيْء الرطب وَلَا يجوز للْغَيْر أَخذه من على الْقَبْر قبل يبسه لِأَن صَاحبه لم يعرض عَنهُ إِلَّا عِنْد يبسه لزوَال نَفعه الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقت رطوبته وَهُوَ الاسْتِغْفَار وَأَن يضع عِنْد رَأسه حجرا أَو خَشَبَة أَو نَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع عِنْد رَأس عُثْمَان بن مَظْعُون صَخْرَة وَقَالَ أتعلم بهَا قبر أخي لأدفن إِلَيْهِ من مَاتَ من أَهلِي وَينْدب جمع أقَارِب الْمَيِّت فِي مَوضِع وَاحِد من الْمقْبرَة لِأَنَّهُ أسهل على الزائر والدفن فِي الْمقْبرَة أفضل مِنْهُ بغَيْرهَا لينال الْمَيِّت دُعَاء المارين والزائرين وَيكرهُ الْمبيت بهَا لما فِيهَا من الوحشة وَينْدب زِيَارَة الْقُبُور الَّتِي فِيهَا الْمُسلمُونَ للرِّجَال بِالْإِجْمَاع وَكَانَت زيارتها مَنْهِيّا عَنْهَا ثمَّ نسخت بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها وَيكرهُ زيارتها للنِّسَاء لِأَنَّهَا مَظَنَّة لطلب بكائهن وَرفع أصواتهن نعم ينْدب لَهُنَّ زِيَارَة قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا من أعظم القربات وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بذلك بَقِيَّة الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاء وَينْدب أَن يسلم الزائر لقبور الْمُسلمين مُسْتَقْبلا وَجه الْمَيِّت قَائِلا مَا علمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خَرجُوا للمقابر السَّلَام على أهل الدَّار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أسأَل الله لي وَلكم الْعَافِيَة أَو السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون رَوَاهُمَا مُسلم وَزَاد أَبُو دَاوُد اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم وَلَا تفتنا بعدهمْ لَكِن بِسَنَد ضَعِيف وَقَوله إِن شَاءَ الله للتبرك وَيقْرَأ عِنْدهم مَا تيَسّر من الْقُرْآن فَإِن الرَّحْمَة تنزل فِي مَحل الْقِرَاءَة وَالْمَيِّت كحاضر ترجى لَهُ الرَّحْمَة وَيَدْعُو لَهُ عقب الْقِرَاءَة لِأَن الدُّعَاء ينفع الْمَيِّت وَهُوَ عقب الْقِرَاءَة أقرب إِلَى الْإِجَابَة وَأَن يقرب زَائِره مِنْهُ كقربه مِنْهُ فِي زيارته حَيا احتراما لَهُ قَالَه النَّوَوِيّ وَيسْتَحب الْإِكْثَار من الزِّيَارَة وَأَن يكثر الْوُقُوف عِنْد قُبُور أهل الْخَيْر وَالْفضل (وَلَا بَأْس بالبكاء على الْمَيِّت) قبل الْمَوْت وَبعده قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا والبكاء قبل الْمَوْت أولى من بعده لَكِن الأولى عَدمه بِحَضْرَة المحتضر والبكاء عَلَيْهِ بعد الْمَوْت خلاف الأولى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون أسفا على مَا فَاتَ نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْجُمْهُور وَلَكِن يكون (من غير نوح) وَهُوَ رفع الصَّوْت بالندب قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ حرَام لخَبر النائحة إِذا لم تتب تقوم يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب رَوَاهُ مُسلم والسربال الْقَمِيص والدرع قَمِيص فَوْقه (وَلَا شقّ جيب) وَنَحْوه كنشر شعر وتسويد وَجه وإلقاء رماد على رَأس وَرفع صَوت بإفراط فِي الْبكاء أَي يحرم ذَلِك لخَبر الشَّيْخَيْنِ لَيْسَ منا من ضرب الخدود وشق الْجُيُوب ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة والجيب هُوَ تَقْدِير مَوضِع دُخُول رَأس اللابس من الثَّوْب قَالَ صَاحب الْمطَالع وَيحرم أَيْضا الْجزع بِضَرْب صَدره وَنَحْوه كضرب خد وَمن ذَلِك أَيْضا تَغْيِير الزي وَلبس غير مَا جرت بِهِ الْعَادة وَالضَّابِط كل فعل يتَضَمَّن إِظْهَار جزع يُنَافِي الانقياد والاستسلام لقَضَاء الله تَعَالَى وَلَا يعذب الْمَيِّت بِشَيْء من ذَلِك مَا لم يوص بِهِ قَالَ تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} خلاف مَا إِذا أوصى بِهِ وَعَلِيهِ حمل الْجُمْهُور الْأَخْبَار الْوَارِدَة بتعذيب الْمَيِّت على ذَلِك وَالأَصَح كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن مَا ذكر مَحْمُول على الْكَافِر وَغَيره من أَصْحَاب الذُّنُوب وتندب الْمُبَادرَة بِقَضَاء دين الْمَيِّت إِن تيَسّر حَالا قبل الِاشْتِغَال بتجهيزه لخَبر نفس الْمُؤمن أَي روحه معلقَة أَي محبوسة عَن مقَامهَا الْكَرِيم بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى عَنهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَتجب الْمُبَادرَة عِنْد طلب الْمُسْتَحق حَقه وبتنفيذ وَصيته وَتجب عِنْد طلب الْمُوصى لَهُ الْمعِين وَكَذَا عِنْد المكنة فِي الْوَصِيَّة للْفُقَرَاء وَنَحْوهم من ذَوي الْحَاجَات أَو كَانَ قد أوصى بتعجيلها وَيكرهُ تمني الْمَوْت لضر نزل فِي بدنه أَو ضيق فِي دُنْيَاهُ إِلَّا لفتنة دين فَلَا يكره كَمَا فِي الْمَجْمُوع أما تمنيه لغَرَض أخروي فمحبوب كتمني الشَّهَادَة فِي سَبِيل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَيسن التَّدَاوِي لخَبر إِن الله لم يضع دَاء إِلَّا جعل لَهُ دَوَاء غير الْهَرم قَالَ فِي الْمَجْمُوع فَإِن ترك التَّدَاوِي توكلا على الله فَهُوَ أفضل وَيكرهُ إِكْرَاه الْمَرِيض عَلَيْهِ وَكَذَا إكراهه على الطَّعَام وَيجب أَن يستعد للْمَوْت كل مُكَلّف بتوبة بِأَن يُبَادر بهَا لِئَلَّا يفجأه الْمَوْت المفوت لَهَا وَيسن أَن يكثر من ذكر الْمَوْت لخَبر أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات فَإِنَّهُ مَا يذكر فِي كثير إِلَّا قلله وَلَا قَلِيل إِلَّا كثره أَي كثير من الأمل فِي الدُّنْيَا وَقَلِيل من الْعَمَل وهاذم بِالْمُعْجَمَةِ أَي قَاطع وَيحرم نقل الْمَيِّت قبل دَفنه من مَحل مَوته إِلَى مَحل أبعد من مَقْبرَة مَحل مَوته ليدفن فِيهِ إِلَّا أَن يكون بِقرب مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لفضلها (ويعزى) ندبا (أَهله) أَي الْمَيِّت كَبِيرهمْ وصغيرهم وَذكرهمْ وأنثاهم لما رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن مَا من مُسلم يعزي أَخَاهُ بمصيبة إِلَّا كَسَاه الله من حلل الْكَرَامَة يَوْم الْقِيَامَة نعم الشَّابَّة لَا يعزيها أَجْنَبِي وَإِنَّمَا يعزيها محارمها وَزوجهَا وَكَذَا من ألحق بهم فِي جَوَاز النّظر فِيمَا يظْهر وَصرح ابْن خيران بِأَنَّهُ يسْتَحبّ التَّعْزِيَة بالمملوك بل قَالَ الزَّرْكَشِيّ يسْتَحبّ أَن يعزى بِكُل من يحصل لَهُ عَلَيْهِ وجد كَمَا ذكره الْحسن الْبَصْرِيّ حَتَّى الزَّوْجَة وَالصديق وتعبيرهم بالأهل جري على الْغَالِب وتندب الْبدَاءَة بأضعفهم عَن حمل الْمُصِيبَة وَتسن قبل دَفنه لِأَنَّهُ وَقت شدَّة الْجزع والحزن وَلَكِن بعده أولى لاشتغالهم قبله بتجهيزه إِلَّا إِن أفرط حزنهمْ فتقديمها أولى ليصبرهم وغايتها (إِلَى) آخر (ثَلَاثَة أَيَّام) تَقْرِيبًا تمْضِي (من) وَقت الْمَوْت لحاضر وَمن الْقدوم لغَائِب وَقيل من وَقت (دَفنه) وَمثل الْغَائِب الْمَرِيض والمحبوس فتكره التَّعْزِيَة بعْدهَا إِذْ الْغَرَض مِنْهَا تسكين قلب الْمُصَاب وَالْغَالِب سكونه فِيهَا فَلَا يجدد حزنه بهَا وَيُقَال فِي تَعْزِيَة الْمُسلم بِالْمُسلمِ أعظم الله أجرك أَي جعله عَظِيما وَأحسن عزاءك أَي جعله حسنا وَغفر لميتك وَيُقَال فِي تعزيته بالكافر الذِّمِّيّ أعظم الله أجرك وصبرك وأخلف عَلَيْك أَو جبر مصيبتك أَو نَحْو ذَلِك وَيُقَال فِي تَعْزِيَة الْكَافِر بِالْمُسلمِ غفر الله لميتك وَأحسن عزاءك أما الْكَافِر غير الْمُحْتَرَم من حَرْبِيّ أَو مُرْتَد كَمَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ فَلَا يعزى وَهل هُوَ حرَام أَو مَكْرُوه الظَّاهِر فِي الْمُهِمَّات الأول وَمُقْتَضى كَلَام الشَّيْخ أبي حَامِد الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِر هَذَا إِن لم يرج إِسْلَامه فَإِن رُجي إِسْلَامه اسْتحبَّ كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام السُّبْكِيّ وَأما تَعْزِيَة الْكَافِر بالكافر فَهِيَ غير مَنْدُوبَة كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الشَّرْح وَالرَّوْضَة بل هِيَ جَائِزَة إِن لم يرج إِسْلَامه وصيغتها أخلف الله عَلَيْك وَلَا نقص عددك لِأَن ذَلِك ينفعنا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَة الْجِزْيَة وَفِي الْآخِرَة بِالْفِدَاءِ من النَّار قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ دُعَاء بدوام الْكفْر فالمختار تَركه وَمنعه ابْن النَّقِيب لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاء على الْكفْر وَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيله بتكثير الْجِزْيَة (وَلَا يدْفن اثْنَان) ابْتِدَاء (فِي قبر وَاحِد) بل يفرد كل ميت بِقَبْر حَالَة الِاخْتِيَار لِلِاتِّبَاعِ فَلَو جمع اثْنَان فِي قبر واتحد الْجِنْس كرجلين أَو امْرَأتَيْنِ كره عِنْد الْمَاوَرْدِيّ وَحرم عِنْد السَّرخسِيّ وَنَقله عَنهُ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه مُقْتَصرا عَلَيْهِ وعقبه بقوله وَعبارَة الْأَكْثَرين وَلَا يدْفن اثْنَان فِي قبر وَنَازع فِي التَّحْرِيم السُّبْكِيّ وَسَيَأْتِي مَا يُقَوي التَّحْرِيم (إِلَّا لحَاجَة) أَي الضَّرُورَة كَمَا فِي كَلَام الشَّيْخَيْنِ كَأَن كثر الْمَوْتَى وعسر إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر فَيجمع بَين الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَكْثَر فِي قبر بِحَسب الضَّرُورَة وَكَذَا فِي ثوب لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أحد رَوَاهُ البُخَارِيّ فَيقدم حِينَئِذٍ أفضلهما ندبا وَهُوَ الأحق بِالْإِمَامَةِ إِلَى جِدَار الْقَبْر القبلي لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسْأَل فِي قَتْلَى أحد عَن أَكْثَرهم قُرْآنًا فَيقدمهُ إِلَى اللَّحْد لَكِن لَا يقدم فرع على أَصله من جنسه وَإِن علا حَتَّى يقدم الْجد وَلَو من قبل الْأُم وَكَذَا الْجدّة قَالَه الْإِسْنَوِيّ فَيقدم الْأَب على الابْن وَإِن كَانَ أفضل مِنْهُ لحُرْمَة الْأُبُوَّة وَتقدم الْأُم على الْبِنْت وَإِن كَانَت أفضل مِنْهَا أما الابْن مَعَ الْأُم فَيقدم لفضيلة الذُّكُورَة وَيقدم الرجل على الصَّبِي وَالصَّبِيّ على الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى على الْمَرْأَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَلَا يجمع رجل وَامْرَأَة فِي قبر وَاحِد إِلَّا لضَرُورَة فَيحرم عِنْد عدمهَا كَمَا فِي الْحَيَاة قَالَ ابْن الصّلاح وَمحله إِذا لم يكن بَينهمَا محرمية أَو زوجية وَإِلَّا فَيجوز الْجمع قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَهُوَ مُتَّجه وَالَّذِي فِي الْمَجْمُوع أَنه لَا فرق فَقَالَ إِنَّه حرَام حَتَّى فِي الْأُم مَعَ وَلَدهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر إِذْ الْعلَّة فِي منع الْجمع الْإِيذَاء لِأَن الشَّهْوَة قد انْقَطَعت فَلَا فرق بَين الْمحرم وَغَيره وَلَا بَين أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد أم لَا وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَو غَيره كالأنثى مَعَ الذّكر وَالصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الشَّهْوَة كالمحرم ويحجز بَين الميتين بِتُرَاب حَيْثُ جمع بَينهمَا ندبا كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري فِي شرح إرشاده وَلَو اتَّحد الْجِنْس وَأما نبشه بعد دَفنه وَقبل البلى عِنْد أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض للنَّقْل وَغَيره كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وتكفينه فَحَرَام لِأَن فِيهِ هتكا لِحُرْمَتِهِ إِلَّا لضَرُورَة كَأَن دفن بِلَا غسل وَلَا تيَمّم بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّن يجب غسله لِأَنَّهُ وَاجِب فاستدرك عِنْد قربه فَيجب على الْمَشْهُور نبشه وغسله إِن لم يتَغَيَّر أَو دفن فِي أَرض أَو فِي ثوب مغصوبين وطالب بهما مالكهما فَيجب النبش وَلَو تغير الْمَيِّت ليصل الْمُسْتَحق إِلَى حَقه وَيسن لصاحبهما التّرْك وَمحل النبش فِي الثَّوْب إِذا وجد مَا يُكفن فِيهِ الْمَيِّت وَإِلَّا فَلَا يجوز النبش كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الشَّيْخ أبي حَامِد وَغَيره قَالَ الرَّافِعِيّ والكفن الْحَرِير أَي للرجل كالمغصوب قَالَ النَّوَوِيّ وَفِيه نظر وَيَنْبَغِي أَن يقطع فِيهِ بِعَدَمِ النبش انْتهى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى أَو وَقع فِي الْقَبْر مَال وَإِن قل كخاتم فَيجب نبشه وَإِن تغير الْمَيِّت لِأَن تَركه فِيهِ إِضَاعَة مَال وَقَيده فِي الْمُهَذّب بِطَلَب مَالِكه وَهُوَ الَّذِي يظْهر اعْتِمَاده قِيَاسا على الْكَفَن وَالْفرق بِأَن الْكَفَن ضَرُورِيّ لَا يجدي وَلَو بلع مَالا لغيره وَطَلَبه صَاحبه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَلم يضمن مثله أَو قِيمَته أحد من الْوَرَثَة أَو غَيرهم كَمَا فِي الرَّوْضَة نبش وشق جَوْفه وَأخرجه مِنْهُ ورد لصَاحبه أما إِذا ابتلع مَال نَفسه فَإِنَّهُ لَا ينبش وَلَا يشق لاستهلاكه مَاله فِي حَال حَيَاته أَو دفن لغير الْقبْلَة فَيجب نبشه مَا لم يتَغَيَّر وَيُوجه للْقبْلَة بِخِلَاف مَا إِذا دفن بِلَا تكفين فَإِنَّهُ لَا ينبش لِأَن الْغَرَض بالتكفين السّتْر وَقد حصل السّتْر بِالتُّرَابِ تَتِمَّة يسن أَن يقف جمَاعَة بعد دَفنه عِنْد قَبره سَاعَة يسْأَلُون لَهُ التثبيت لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا فرغ من دفن ميت وقف عَلَيْهِ وَقَالَ اسْتَغْفرُوا لأخيكم واسألوا لَهُ التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل وَيسن تلقين الْمَيِّت الْمُكَلف بعد الدّفن لحَدِيث ورد فِيهِ قَالَ فِي الرَّوْضَة والْحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا لكنه اعتضد بشواهد من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَلم تزل النَّاس على الْعَمَل بِهِ من الْعَصْر الأول فِي زمن من يقْتَدى بِهِ وَيقْعد الملقن عِنْد رَأس الْقَبْر أما غير الْمُكَلف وَهُوَ الطِّفْل وَنَحْوه مِمَّن لم يتقدمه تَكْلِيف فَلَا يسن تلقينه لِأَنَّهُ لَا يفتن فِي قَبره يسن لنَحْو جيران أهل الْمَيِّت كأقاربه الْبعدَاء وَلَو كَانُوا بِبَلَد وَهُوَ بِأُخْرَى تهيئة طَعَام يشبعهم يَوْمًا وَلَيْلَة لشغلهم بالحزن عَنهُ وَأَن يلح عَلَيْهِم فِي الْأكل لِئَلَّا يضعفوا بِتَرْكِهِ وَحرم تهيئته لنَحْو نائحة كنادبة لِأَنَّهَا إِعَانَة على مَعْصِيّة قَالَ ابْن الصّباغ وَغَيره أما اصطناع أهل الْمَيِّت طَعَاما وَجمع النَّاس عَلَيْهِ فبدعة غير مُسْتَحبَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 = كتاب الزَّكَاة = وَهِي لُغَة النمو وَالْبركَة وَزِيَادَة الْخَيْر يُقَال زكا الزَّرْع إِذْ نما وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا وَفُلَان زاك أَي كثير الْخَيْر وَتطلق على التَّطْهِير قَالَ تَعَالَى {قد أَفْلح من زكاها} طهرهَا من الأدناس وَتطلق أَيْضا على الْمَدْح قَالَ تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} أَي تمدحوها شرعا اسْم لقدر مَخْصُوص من مَال مَخْصُوص يجب صرفه لأصناف مَخْصُوصَة بشرائط تَأتي وَسميت بذلك لِأَن المَال يَنْمُو ببركة إخْرَاجهَا وَدُعَاء الْآخِذ لَهَا وَلِأَنَّهَا تطهر مخرجها من الْإِثْم وتمدحه حَتَّى تشهد لَهُ بِصِحَّة الْإِيمَان وَالْأَصْل فِي وُجُوبهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} وَقَوله تَعَالَى {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} وأخبار كَخَبَر بني الْإِسْلَام على خمس وَهِي أحد أَرْكَان الْإِسْلَام لهَذَا الْخَبَر يكفر جاحدها وَإِن أَتَى بهَا وَهَذَا فِي الزَّكَاة الْمجمع عَلَيْهَا بِخِلَاف الْمُخْتَلف فِيهَا كالركاز وَيُقَاتل الْمُمْتَنع من أَدَائِهَا عَلَيْهَا وَتُؤْخَذ مِنْهُ قهرا كَمَا فعل الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وفرضت فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة بعد زَكَاة الْفطر (تجب الزَّكَاة فِي خَمْسَة أَشْيَاء) من أَنْوَاع المَال (وَهِي الْمَوَاشِي والأثمان والزروع وَالثِّمَار وعروض التِّجَارَة) وَهَذِه الْأَنْوَاع ثَمَانِيَة أَصْنَاف من أَجنَاس المَال الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم الإنسية وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والزروع وَالنَّخْل وَالْكَرم وَمن ذَلِك وَجَبت لثمانية أَصْنَاف من طَبَقَات النَّاس (فَأَما الْمَوَاشِي) جمع مَاشِيَة وَهِي تطلق على كل شَيْء من الدَّوَابّ والأنعام وَلما كَانَ ذَلِك لَيْسَ بِمُرَاد بَين المُصَنّف المُرَاد مِنْهَا بقوله (فَتجب الزَّكَاة فِي ثَلَاثَة أَجنَاس مِنْهَا) فَقَط (وَهِي الْإِبِل) بِكَسْر الْبَاء اسْم جمع لَا وَاحِدَة لَهُ من لَفظه وتسكن باؤه للتَّخْفِيف وَيجمع على آبال كحمل وأحمال (وَالْبَقر) وَهُوَ اسْم جنس وَاحِدَة بقرة وباقورة للذّكر وَالْأُنْثَى سمي بذلك لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 يبقر الأَرْض أَي يشقها بالحراثة (وَالْغنم) وَهُوَ اسْم جنس للذّكر وَالْأُنْثَى لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه فَلَا تجب فِي الْخَيل وَلَا فِي الرَّقِيق وَلَا فِي الْمُتَوَلد من غنم وظباء وَأما الْمُتَوَلد من وَاحِد من النعم وَمن آخر مِنْهَا كالمتولد بَين إبل وبقر فقضية كَلَامهم أَنَّهَا تجب فِيهِ وَقَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ يَنْبَغِي الْقطع بِهِ قَالَ وَالظَّاهِر أَنه يزكّى زَكَاة أخفهما فالمتولد بَين الْإِبِل وَالْبَقر يُزكي زَكَاة الْبَقر لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن (وشرائط وُجُوبهَا) أَي زَكَاة الْمَاشِيَة الَّتِي هِيَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم (سِتَّة أَشْيَاء) الأول (الْإِسْلَام) لقَوْل الصّديق رَضِي الله عَنهُ هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين فَلَا تجب على كَافِر وجوب مُطَالبَة وَإِن كَانَ يُعَاقب على تَركهَا فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ مُكَلّف بِفُرُوع الشَّرِيعَة نعم الْمُرْتَد تُؤْخَذ مِنْهُ بعد وُجُوبهَا عَلَيْهِ أسلم أم لَا مُؤَاخذَة لَهُ بِحكم الْإِسْلَام هَذَا إِذا لَزِمته قبل ردته وَمَا لزمَه فِي ردته فَهُوَ مَوْقُوف كَمَاله إِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام لزمَه أَدَاؤُهَا لتبين بَقَاء ملكه وَإِلَّا فَلَا (و) الثَّانِي (الْحُرِّيَّة) فَلَا تجب على رَقِيق وَلَو مُدبرا ومعلقا عتقه بِصفة ومكاتبا لضعف ملك الْمكَاتب وَلعدم ملك غَيره نعم تجب على من ملك بِبَعْضِه الْحر نِصَابا لتَمام ملكه (و) الثَّالِث (الْملك التَّام) فَلَا تجب فِيمَا لَا يملكهُ ملكا تَاما كَمَال كِتَابَة إِذْ للْعَبد إِسْقَاطه مَتى شَاءَ وَتجب فِي مَال مَحْجُور عَلَيْهِ والمخاطب بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ وليه وَلَا تجب فِي مَال وقف لجنين إِذْ لَا وثوق بِوُجُودِهِ وحياته وَتجب فِي مَغْصُوب وضال ومجحود وغائب وَإِن تعذر أَخذه ومملوك بِعقد قبل قَبضه لِأَنَّهَا ملكت ملكا تَاما وَفِي دين لَازم من نقد وعروض تِجَارَة لعُمُوم الْأَدِلَّة وَلَا يمْنَع دين وَلَو حجر بِهِ وُجُوبهَا وَلَو اجْتمع زَكَاة وَدين آدَمِيّ فِي تَرِكَة بِأَن مَاتَ قبل أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَنْهُمَا قدمت الزَّكَاة على الدّين تَقْدِيمًا لدين الله تَعَالَى وَفِي خبر الصَّحِيحَيْنِ وَدين الله أَحَق بِالْقضَاءِ وَخرج بدين الْآدَمِيّ دين الله تَعَالَى كَزَكَاة وَحج فَالْوَجْه كَمَا قَالَه السُّبْكِيّ أَن يُقَال إِن كَانَ النّصاب مَوْجُودا قدمت الزَّكَاة وَإِلَّا فيستويان وبالتركة مَا لَو اجْتمعَا على حَيّ فَإِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ قدم حق الْآدَمِيّ إِذا لم تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ وَإِلَّا قدمت مُطلقًا (و) الشَّرْط (الرَّابِع) (النّصاب) بِكَسْر النُّون اسْم لقدر مَعْلُوم مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة قَالَه النَّوَوِيّ فِي تحريره فَلَا زَكَاة فِيمَا دونه (و) الْخَامِس (الْحول) لخَبر لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ وَإِن كَانَ ضَعِيفا مجبور بآثار صَحِيحَة عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم والحول كَمَا فِي الْمُحكم سنة كَامِلَة فَلَا تجب قبل تَمَامه وَلَو بلحظة وَلَكِن لنتاج نِصَاب ملكه بِسَبَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ملك النّصاب حول النّصاب وَإِن مَاتَت الْأُمَّهَات لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ لساعيه اعْتد عَلَيْهِم بالسخلة وَأَيْضًا الْمَعْنى فِي اشْتِرَاط الْحول أَن يحصل النَّمَاء والنتاج نَمَاء عَظِيم فَيتبع الْأُصُول فِي الْحول وَلَو ادّعى الْمَالِك النِّتَاج بعد الْحول صدق لِأَن الأَصْل عدم وجوده قبله فَإِن اتهمه السَّاعِي سنّ تَحْلِيفه (و) السَّادِس (السّوم) وَهُوَ إسامة مَالك لَهَا كل الْحول واختصت السَّائِمَة بِالزَّكَاةِ لتوفر مؤنتها بالرعي فِي كلأ مُبَاح أَو مَمْلُوك قِيمَته يسيرَة لَا يعد مثلهَا كلفة فِي مُقَابلَة نمائها لَكِن لَو عَلفهَا قدرا تعيش بِدُونِهِ بِلَا ضَرَر بَين وَلم يقْصد بِهِ قطع سوم لم يضر أما لَو سامت بِنَفسِهَا أَو أسامها غير مَالِكهَا كغاصب أَو اعتلفت سَائِمَة أَو علفت مُعظم الْحول أَو قدرا لَا تعيش بِدُونِهِ أَو تعيش لَكِن بِضَرَر بَين أَو بِلَا ضَرَر بَين لَكِن قصد بِهِ قطع سوم أَو ورثهَا وَتمّ حولهَا وَلم يعلم فَلَا زَكَاة لفقد إسامة الْمَالِك الْمَذْكُور والماشية تصبر عَن الْعلف يَوْمًا ويومين لَا ثَلَاثَة (وَأما الْأَثْمَان فشيئان) وهما (الذَّهَب وَالْفِضَّة) وَالْأَصْل فِي وجوب الزَّكَاة فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} والكنز الَّذِي لم تُؤَد زَكَاته تَنْبِيه قَضِيَّة تَفْسِير المُصَنّف الْأَثْمَان بِالذَّهَب وَالْفِضَّة شُمُول الْأَثْمَان لغير الْمَضْرُوب فَإِن الذَّهَب وَالْفِضَّة يُطلق على الْمَضْرُوب وعَلى غَيره وَلَيْسَ مرَادا وَإِنَّمَا هِيَ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم خَاصَّة كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي تحريره وَحِينَئِذٍ فإطلاق المُصَنّف غير مُطَابق لتفسير الْأَثْمَان وَإِن كَانَ حسنا من حَيْثُ شُمُول الْمَضْرُوب وَغَيره فَإِنَّهُ المُرَاد هُنَا (وشرائط وجوب الزَّكَاة فِيهَا) أَي الْأَثْمَان وَلَو قَالَ فيهمَا ليعود على الذَّهَب وَالْفِضَّة لَكَانَ أولى لما تقدم (خمس) (الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب والحول) ومحترزاتها مَعْلُومَة مِمَّا تقدم وَلَو زَالَ ملكه فِي الْحول عَن النّصاب أَو بعضه بِبيع أَو غَيره فَعَاد بشرَاء أَو غَيره اسْتَأْنف الْحول لانْقِطَاع الأول بِمَا فعله فَصَارَ ملكا جَدِيدا فَلَا بُد لَهُ من حول للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَإِذا فعل ذَلِك بِقصد الْفِرَار من الزَّكَاة كره كَرَاهَة تَنْزِيه لِأَنَّهُ فرار من الْقرْبَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لحَاجَة أَولهَا وللفرار أَو مُطلقًا على مَا أفهمهُ كَلَامهم فَإِن قيل يشكل عدم الْكَرَاهَة فِيمَا إِذا كَانَ لحَاجَة وَقصد الْفِرَار بِمَا إِذا اتخذ ضبة صَغِيرَة لزينة وحاجة أُجِيب بِأَن الضبة فِيهَا اتِّخَاذ فقوي الْمَنْع بِخِلَاف الْفِرَار وَلَو بَاعَ النَّقْد بعضه بِبَعْض للتِّجَارَة كالصيارفة اسْتَأْنف الْحول كلما بادل وَلذَلِك قَالَ ابْن سُرَيج بشر الصيارفة بِأَن لَا زَكَاة عَلَيْهِم (وَأما الزروع فَتجب الزَّكَاة فِيهَا بِثَلَاثَة شَرَائِط) الأول (أَن يكون مِمَّا يزرعه) أَي يتَوَلَّى أَسبَابه (الآدميون) كالحنطة وَالشعِير والأرز والعدس (و) الثَّانِي (أَن يكون) الزَّرْع (قوتا مدخرا) كالحمص والباقلاء وَهِي بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقصر الفول والذرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَهِي بِمُعْجَمَة مَضْمُومَة ثمَّ رَاء مُخَفّفَة والهرطمان وَهُوَ بِضَم الْهَاء والطاء الجلبان بِضَم الْجِيم والماش وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نوع من الجلبان فَتجب الزَّكَاة فِي جَمِيع ذَلِك لورودها فِي بعض الْأَخْبَار وَألْحق بِهِ الْبَاقِي وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ حِين بعثهما إِلَى الْيمن فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم لَا تأخذا الصَّدَقَة إِلَّا من أَرْبَعَة الشّعير وَالْحِنْطَة وَالتَّمْر وَالزَّبِيب فالحصر فِيهِ إضافي أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودا عِنْدهم وَخرج بالقوت غَيره كخوخ ورمان وتين ولوز وتفاح ومشمش وبالاختيار مَا يقتات فِي الجدب اضطرارا كحبوب الْبَوَادِي كحب الحنظل وَحب الغاسول وَهُوَ الأشنان فَلَا زَكَاة فِيهَا كَمَا لَا زَكَاة فِي الوحشيات من الظباء وَنَحْوهَا وأبدل المُصَنّف تبعا لغيره قيد الِاخْتِيَار بِمَا يزرعه الآدميون وَعبارَة التَّنْبِيه مِمَّا يستنبته الآدميون لِأَن مَا لَا يزرعونه وَلَا يستنبتونه لَيْسَ فِيهِ شَيْء يقتات اخْتِيَارا تَنْبِيه يسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو حمل السَّيْل حبا تجب فِيهِ الزَّكَاة من دَار الْحَرْب فنبت بأرضنا فَإِنَّهُ زَكَاة فِيهِ كالنخل الْمُبَاح فِي الصَّحرَاء وَكَذَا ثمار الْبُسْتَان وغلة الْقرْيَة الموقوفين على الْمَسَاجِد والربط والقناطر والفقراء وَالْمَسَاكِين لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا على الصَّحِيح إِذْ لَيْسَ لَهَا مَالك معِين وَلَو أَخذ الإِمَام الْخراج على أَن يكون بَدَلا عَن الْعشْر كَأَن أَخذ الْقيمَة فِي الزَّكَاة بِالِاجْتِهَادِ فَيسْقط بِهِ الْفَرْض وَإِن نقص عَن الْوَاجِب تممه (و) الثَّالِث (أَن يكون نِصَابا) كَامِلا (وَهُوَ خَمْسَة أوسق) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والوسق بِالْفَتْح على الْأَفْصَح وَهُوَ مصدر بِمَعْنى الْجمع سمي بِهِ هَذَا الْمِقْدَار لأجل مَا جمعه من الصيعان قَالَ الله تَعَالَى {وَاللَّيْل وَمَا وسق} أَي جمع وَسَيَأْتِي بَيَان الأوسق بِالْوَزْنِ فِي كَلَامه وقدرها بِالْكَيْلِ فِي الشَّرْح وَيعْتَبر فِي الْخَمْسَة الأوسق أَن تكون مصفاة من تبنها (لَا قشر عَلَيْهَا) لِأَن ذَلِك لَا يُؤْكَل مَعهَا وَأما مَا ادخر فِي قشره وَلم يُؤْكَل مَعَه من أرز وعلس بِفَتْح الْعين وَاللَّام نوع من الْبر فنصابه عشرَة أوسق غَالِبا اعْتِبَارا بقشره الَّذِي ادخاره فِيهِ دصلح لَهُ وَأبقى وَلَا يكمل فِي النّصاب جنس بِجِنْس كالحنطة مَعَ الشّعير ويكمل فِي نِصَاب نوع بآخر كبر بعلس لِأَنَّهُ نوع مِنْهُ كَمَا مر وَيخرج من كل نوع من النَّوْعَيْنِ بِقسْطِهِ فَإِن عسر إِخْرَاجه لِكَثْرَة الْأَنْوَاع وَقلة مِقْدَار كل نوع مِنْهَا أخرج الْوسط مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أدناها رِعَايَة للجانبين وَلَو تكلّف وَأخرج من كل نوع قسطه جَازَ بل هُوَ الْأَفْضَل والسلت بِضَم السِّين وَسُكُون اللَّام جنس مُسْتَقل لِأَنَّهُ يشبه الشّعير فِي برودة الطَّبْع وَالْحِنْطَة فِي اللَّوْن وَالْمُلَامَسَة فاكتسب من تركب الشبهين طبعا انْفَرد بِهِ وَصَارَ أصلا بِرَأْسِهِ فَلَا يضم إِلَى غَيره (وَأما الثِّمَار فَتجب الزَّكَاة فِي شَيْئَيْنِ مِنْهَا) فَقَط وهما (ثَمَرَة النّخل وَثَمَرَة الْكَرم) أَي الْعِنَب لِأَنَّهُمَا من الأقوات المدخرة وَلَو عبر المُصَنّف بالعنب لَكَانَ أولى لوُرُود النَّهْي عَن تَسْمِيَته بِالْكَرمِ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسموا الْعِنَب كرما إِنَّمَا الْكَرم الرجل الْمُسلم رَوَاهُ مُسلم فَقيل سمي كرما من الْكَرم بِفَتْح الرَّاء لِأَن الْخمْرَة المتخذة مِنْهُ تحمل عَلَيْهِ فكره أَن يُسمى بِهِ وَجعل الْمُؤمن أَحَق بِمَا يشتق من الْكَرم يُقَال رجل كرم بِإِسْكَان الرَّاء وَفتحهَا أَي كريم وثمرات النخيل وَالْأَعْنَاب أفضل الثِّمَار وشجرهما أفضل بالِاتِّفَاقِ وَاخْتلفُوا فِي أَيهمَا أفضل وَالرَّاجِح أَن النّخل أفضل لوُرُود أكْرمُوا عماتكم النّخل المطعمات فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الْمحل وَإِنَّهَا خلقت من طِينَة آدم وَالنَّخْل مقدم على الْعِنَب فِي جَمِيع الْقُرْآن وَشبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخْلَة بِالْمُؤمنِ فَإِنَّهَا تشرب برأسها فَإِذا قطع مَاتَت وَينْتَفع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهِي الشَّجَرَة الطّيبَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن فَكَانَت أفضل وَلَيْسَ فِي الشّجر شجر فِيهِ ذكر وَأُنْثَى تحْتَاج الْأُنْثَى فِيهِ إِلَى الذّكر سواهُ وَشبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين الدَّجَّال بِحَبَّة الْعِنَب لِأَنَّهَا أصل الْخمر وَهِي أم الْخَبَائِث (وشرائط وجوب الزَّكَاة فِيهَا) أَي الثِّمَار (أَرْبَعَة أَشْيَاء) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه وَهِي (الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب) وَقد علمت محترزاتها مِمَّا تقدم وَالْخَامِس بَدو الصّلاح وَهُوَ بُلُوغه صفة يطْلب فِيهَا غَالِبا فعلامته فِي الثَّمر الْمَأْكُول المتلون أَخذه فِي حمرَة أَو سَواد أَو صفرَة وَفِي غير المتلون مِنْهُ كالعنب الْأَبْيَض لينه وتمويهه وَهُوَ صفاؤه وجريان المَاء فِيهِ إِذْ هُوَ قبل بَدو الصّلاح لَا يصلح للْأَكْل (وَأما عرُوض التِّجَارَة) جمع عرض بِفَتْح الْعين وَإِسْكَان الرَّاء اسْم لكل مَا قَابل النَّقْدَيْنِ من صنوف الْأَمْوَال (فَتجب الزَّكَاة فِيهَا) لخَبر الْحَاكِم بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ على شَرط الشَّيْخَيْنِ فِي الْإِبِل صدقتها وَفِي الْغنم صدقتها وَفِي الْبر صدقته وَهُوَ يُقَال لأمتعة الْبَزَّاز وللسلاح وَلَيْسَ فِيهِ زَكَاة عين فصدقته زَكَاة تِجَارَة وَهِي تقليب المَال بمعاوضة لغَرَض الرِّبْح (بالشرائط) الْخَمْسَة (الْمَذْكُورَة فِي) زَكَاة (الْأَثْمَان) وَترك سادسا وَهُوَ أَن تملك بمعاوضة كمهر وَعوض خلع وَصلح عَن دم فَلَا زَكَاة فِيمَا ملك بِغَيْر مُعَاوضَة كَهِبَة بِلَا ثَوَاب وإرث وَوَصِيَّة لانْتِفَاء الْمُعَاوضَة وسابعا وَهُوَ أَن يَنْوِي حَال التَّمَلُّك التِّجَارَة لتتميز عَن الْقنية وَلَا يجب تجديدها فِي كل تصرف بل تستمر مَا لم ينْو الْقنية فَإِن نَوَاهَا انْقَطع الْحول فَيحْتَاج إِلَى تَجْدِيد النِّيَّة مقرونة بِتَصَرُّف فصل فِي بَيَان نِصَاب الْإِبِل وَمَا يجب إِخْرَاجه (وَأول نِصَاب الْإِبِل خمس) لحَدِيث لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود من الْإِبِل صَدَقَة (وفيهَا شَاة) وَإِنَّمَا وَجَبت الشَّاة وَإِن كَانَ وُجُوبهَا على خلاف الأَصْل للرفق بالفريقين لِأَن إِيجَاب الْبَعِير يضر بالمالك وَإِيجَاب جُزْء من بعير وَهُوَ الْخمس يضر بِهِ وبالفقراء (وَفِي عشْرين شَاتَان وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه) وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِيمَا دون خمس وَعشْرين من الْإِبِل جَذَعَة ضَأْن لَهَا سنة أَو أجذعت مقدم أسنانها وَإِن لم يتم لَهَا سنة كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْأُضْحِية وَنزل ذَلِك منزلَة الْبلُوغ بِالسِّنِّ أَو الِاحْتِلَام أَو ثنية معز لَهَا سنتَانِ فَهُوَ مُخَيّر بَين الْجَذعَة والثنية وَلَا يتَعَيَّن غَالب غنم الْبَلَد لخَبر فِي كل خمس شَاة وَالشَّاة تطلق على الضَّأْن والمعز لَكِن لَا يجوز الِانْتِقَال إِلَى غنم بلد أُخْرَى إِلَّا بِمِثْلِهَا فِي الْقيمَة أَو خير مِنْهَا ويجزىء الْجذع من الضَّأْن أَو الثني من الْمعز كالأضحية وَإِن كَانَت الْإِبِل إِنَاثًا لصدق اسْم الشَّاة عَلَيْهِ ويجزىء بعير الزَّكَاة عَن دون خمس وَعشْرين عوضا عَن الشَّاة الْوَاحِدَة أَو الشياه المتعددة وَإِن لم يساو قيمَة الشَّاة لِأَنَّهُ يجزىء عَن خمس وَعشْرين كَمَا سَيَأْتِي فعما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 دونهَا أولى وأفادت إِضَافَته إِلَى الزَّكَاة اعْتِبَار كَونه أُنْثَى بنت مَخَاض فَمَا فَوْقهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوع (وَفِي خمس وَعشْرين) من الْإِبِل (بنت مَخَاض من الْإِبِل) وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وطعنت فِي الثَّانِيَة سميت بذلك لِأَن أمهَا بعد سنة من وِلَادَتهَا تحمل مرّة أُخْرَى فَتَصِير من الْمَخَاض أَي الْحَوَامِل (وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون) من الْإِبِل وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا سنتَانِ وطعنت فِي الثَّالِثَة سميت بِهِ لِأَن أمهَا آن لَهَا أَن تَلد فَتَصِير لبونا (وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة) من الْإِبِل بِكَسْر الْحَاء وَهِي الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وطعنت فِي الرَّابِعَة سميت بذلك لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن تركب ويطرقها الْفَحْل وَيحمل عَلَيْهَا وَلَو أخرج بدلهَا بِنْتي لبون أَجزَأَهُ كَمَا فِي الزَّوَائِد (وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من الْإِبِل وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا أَربع سِنِين وطعنت فِي الْخَامِسَة سميت بذلك لِأَنَّهَا أجذعت مقدم أسنانها أَي أسقطته وَقيل لتكامل أسنانها وَهُوَ آخر أَسْنَان الزَّكَاة وَاعْتبر فِي الْجَمِيع الْأُنُوثَة لما فِيهَا من رفق الدّرّ والنسل وَلَو أخرج بدل الْجَذعَة حقتين أَو بِنْتي لبون أَجزَأَهُ على الْأَصَح لِأَنَّهُمَا يجزئان عَمَّا زَاد (وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون) من الْإِبِل (وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان) من الْإِبِل (وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون) من الْإِبِل (ثمَّ) يسْتَمر ذَلِك إِلَى مائَة وَثَلَاثِينَ فيتغير الْوَاجِب فِيهَا وَفِي كل عشرَة بعْدهَا (فِي كل أَرْبَعِينَ) من الْإِبِل (بنت لبون) مِنْهَا (وَفِي كل خمسين حقة) مِنْهَا كَمَا روى ذَلِك كُله البُخَارِيّ مقطعا فِي عشرَة مَوَاضِع وَأَبُو دَاوُد بِكَمَالِهِ تَنْبِيه قَول المُصَنّف ثمَّ فِي كل أَرْبَعِينَ إِلَى آخِره قد يَقْتَضِي لَوْلَا مَا قدرته أَن استقامة الْحساب بذلك إِنَّمَا تكون فِيمَا بعد مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين وَلَيْسَ مرَادا بل يتَغَيَّر الْوَاجِب بِزِيَادَة تسع ثمَّ بِزِيَادَة عشر كَمَا قررت بِهِ كَلَامه فَإِن عدم بنت مَخَاض فَابْن لبون وَإِن كَانَ أقل قيمَة مِنْهَا وَبنت الْمَخَاض المعيبة والمغصوبة الْعَاجِز عَن تَخْلِيصهَا والمرهونة بمؤجل أَو حَال وَعجز عَن تَخْلِيصهَا كمعدومة وَلَا يُكَلف أَن يخرج بنت مَخَاض كَرِيمَة لَكِن تمنع الْكَرِيمَة عِنْده ابْن لبون وَحقا لوُجُود بنت مَخَاض مجزئة فِي مَاله وَيُؤْخَذ الْحق عَن بنت مَخَاض عِنْد فقدها لَا عَن بنت لبون عِنْد فقدها فصل فِي بَيَان نِصَاب الْبَقر وَمَا يجب إِخْرَاجه (وَأول نِصَاب الْبَقر ثَلَاثُونَ فَيجب فِيهِ) أَي النّصاب (تبيع) ابْن سنة سمي بذلك لِأَنَّهُ يتبع أمه فِي المرعى (وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة) لَهَا سنتَانِ سميت بذلك لتكامل أسنانها وَذَلِكَ لما روى التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَن معَاذ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعا وَصَححهُ الْحَاكِم وَغَيره وَالْبَقَرَة تقال للذّكر وَالْأُنْثَى وَلَو أخرج بدل المسنة تبيعين أَجزَأَهُ على الْمَذْهَب (وعَلى هَذَا) الحكم (أبدا فقس) عِنْد الزِّيَادَة فَفِي سِتِّينَ تبيعان وَفِي سبعين تبيع ومسنة وَفِي ثَمَانِينَ مسنتان وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة وَفِي مائَة مُسِنَّة وتبيعان وَفِي مائَة وَعشرَة مسنتان وتبيع وَفِي مائَة وَعشْرين ثَلَاث مسنات أَو أَرْبَعَة أتبعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 تَنْبِيه قد تلخص أَن الْفَرْض بعد الْأَرْبَعين لَا يتَغَيَّر إِلَّا بِزِيَادَة عشْرين ثمَّ يتَغَيَّر بِزِيَادَة كل عشرَة وَفِي مائَة وَعشْرين يتَّفق فرضان وَإِذا اتّفق فِي إبل أَو بقر فرضان فِي نِصَاب وَاحِد وَجب فيهمَا الأغبط مِنْهُمَا وَهُوَ الأنفع للمستحقين فَفِي مِائَتي بعير أَو مائَة وَعشْرين بقرة يجب فيهمَا الأغبط من أَربع حقاق وَخمْس بَنَات لبون وَثَلَاث مسنات وَأَرْبَعَة أتبعة إِن وجدا بِمَالِه بِصفة الْإِجْزَاء لِأَن كلا مِنْهُمَا فَرضهَا فَإِذا اجْتمعَا روعي مَا فِيهِ حَظّ الْمُسْتَحقّين إِذْ لَا مشقة فِي تَحْصِيله وأجزأه غير الأغبط بِلَا تَقْصِير من الْمَالِك أَو السَّاعِي للْعُذْر وجبر التَّفَاوُت لنَقص حق الْمُسْتَحقّين بِنَقْد الْبَلَد أَو جُزْء من الأغبط أما مَعَ التَّقْصِير من الْمَالِك بِأَن دلّس أَو من السَّاعِي بِأَن لم يجْتَهد وَإِن ظن أَنه الأغبط فَلَا يجزىء للتقصيد وَإِن وجد أَحدهمَا بِمَالِه أَخذ وَإِن وجد شَيْء من الآخر إِذْ النَّاقِص كَالْمَعْدُومِ وَإِن لم يُوجد أَو أَحدهمَا بِمَالِه بِصفة الْإِجْزَاء فَلهُ تَحْصِيل مَا شَاءَ مِنْهُمَا كلا أَو بَعْضًا مِنْهُمَا بشرَاء أَو غَيره وَلَو غير أغبط لما فِي تعْيين الأغبط من الْمَشَقَّة فِي تَحْصِيله تَتِمَّة لمن عدم وَاجِبا من الْإِبِل وَلَو جَذَعَة فِي مَاله أَن يصعد دَرَجَة وَيَأْخُذ جبرانا وَإِبِله سليمَة أَو ينزل دَرَجَة وَيُعْطِي الْجبرَان كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي خبر أنس فالخيرة فِي الصعُود وَالنُّزُول للْمَالِك لِأَنَّهُمَا شرعا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ والجبران شَاتَان بِالصّفةِ أَو عشرُون درهما نقرة خَالِصَة بخيرة الدَّافِع ساعيا كَانَ أَو مَالِكًا وَله صعُود دَرَجَتَيْنِ فَأكْثر ونزول دَرَجَتَيْنِ فَأكْثر مَعَ تعدد الْجبرَان هَذَا عِنْد عدم الْقُرْبَى فِي جِهَة المخرجة وَلَا يَتَبَعَّض جبران فَلَا تجزىء شَاة وَعشرَة دَرَاهِم بجبران وَاحِد إِلَّا لمَالِك رَضِي بذلك لِأَن الْجبرَان حَقه فَلهُ إِسْقَاطه أما الجبرانان فَيجوز تبعيضهما فيجزىء شَاتَان وَعِشْرُونَ درهما لجبرانين كالكفارتين وَلَا جبران فِي غير الْإِبِل من بقر أَو غنم فصل فِي بَيَان نِصَاب الْغنم وَمَا يجب إِخْرَاجه (وَأول نِصَاب الْغنم أَرْبَعُونَ) شَاة (وفيهَا شَاة جَذَعَة من الضَّأْن) بِالْهَمْز وَتَركه لَهَا سنة (أَو ثنية من الْمعز) بِفَتْح الْعين لَهَا سنتَانِ (وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين شَاتَان وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي أَرْبَعمِائَة أَربع شِيَاه ثمَّ فِي كل مائَة شَاة) لحَدِيث أنس فِي ذَلِك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَنقل الشَّافِعِي أَن أهل الْعلم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وَلَو تَفَرَّقت مَاشِيَة الْمَالِك فِي أَمَاكِن فَهِيَ كَالَّتِي فِي مَكَان وَاحِد حَتَّى لَو ملك أَرْبَعِينَ شَاة فِي بلدين لَزِمته الزَّكَاة وَلَو ملك ثَمَانِينَ فِي بلدين فِي كل بلد أَرْبَعُونَ لَا يلْزمه إِلَّا شَاة وَاحِدَة وَإِن بَعدت الْمسَافَة بَينهمَا خلافًا للْإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ يلْزمه عِنْده عِنْد التباعد شَاتَان تَتِمَّة يجزىء فِي إِخْرَاج الزَّكَاة نوع عَن نوع آخر كضأن عَن معز وَعَكسه من الْغنم وأرحبية عَن مهرية وَعَكسه من الْإِبِل وعراب عَن جواميس وَعَكسه من الْبَقر برعاية الْقيمَة فَفِي ثَلَاثِينَ عَنْزًا وَهِي أُنْثَى الْمعز وَعشر نعجات من الضَّأْن عنز أَو نعجة بِقِيمَة ثَلَاثَة أَربَاع عنز وَربع نعجة وَفِي عكس ذَلِك عَكسه وَلَا يُؤْخَذ نَاقص من ذكر ومعيب وصغير إِلَّا من مثله فِي غير مَا مر من جَوَاز أَخذ ابْن اللَّبُون أَو ألحق أَو الذّكر من الشياه فِي الْإِبِل أَو التبيع فِي الْبَقر فَإِن اخْتلف مَاله نقصا وكمالا واتحد نوعا أخرج كَامِلا برعاية الْقيمَة وَإِن لم يوف تمم بناقص وَلَا يُؤْخَذ خِيَار كحامل وأكولة وَهِي المسمنة للْأَكْل وربي وَهِي الحديثة الْعَهْد بالنتاج بِأَن يمْضِي لَهَا من وِلَادَتهَا نصف شهر كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي أَو شَهْرَان كَمَا نَقله الْجَوْهَرِي إِلَّا بِرِضا مَالِكهَا بأخذها نعم إِن كَانَت كلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 خيارا أَخذ الْخِيَار مِنْهَا إِلَّا الْحَوَامِل فَلَا تُؤْخَذ مِنْهَا حَامِل كَمَا نَقله الإِمَام وَاسْتَحْسنهُ وَتُؤْخَذ زَكَاة سَائِمَة عِنْد وُرُودهَا مَاء لِأَنَّهَا أقرب إِلَى الضَّبْط حِينَئِذٍ فَلَا يكلفهم السَّاعِي ردهَا إِلَى الْبَلَد كَمَا لَا يلْزمه أَن يتبع المراعي فَإِن لم ترد المَاء بِأَن اكتفت بالكلأ وَقت الرّبيع فَعِنْدَ بيُوت أَهلهَا وأفنيتهم وَيصدق مخرجها فِي عَددهَا إِن كَانَ ثِقَة والا فتعد والأسهل عدهَا عِنْد مضيق تمر بِهِ وَاحِدَة وَاحِدَة وبيد كل من الْمَالِك والساعي أَو نائبهما قضيب يشيران بِهِ إِلَى كل وَاحِدَة أَو يصيبان بِهِ ظهرهَا لِأَن ذَلِك أبعد عَن الْغَلَط فَإِن اخْتلفَا بعد الْعد وَكَانَ الْوَاجِب يخْتَلف بِهِ أعادا الْعد فصل فِي زَكَاة خلْطَة الْأَوْصَاف وَتسَمى خلْطَة جوَار إِذْ هِيَ الْمَذْكُورَة فِي كَلَامه (والخليطان) من أهل زَكَاة فِي نِصَاب أَو فِي أقل مِنْهُ وَأَحَدهمَا نِصَاب وَلَو فِي غير مَاشِيَة من نقد أَو غَيره كَمَا سَيَأْتِي (يزكيان) وجوبا (زَكَاة) بِالنّصب على نزع الْخَافِض أَي كَزَكَاة المَال (الْوَاحِد) إِجْمَاعًا كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد (بشرائط سَبْعَة) بل عشرَة مَعَ أَنه جرى فِي وَاحِد مِمَّا ذكره على رَأْي ضَعِيف كَمَا ستعرفه مَعَ إِبْدَاله بِغَيْرِهِ تَصْحِيحا لما ذكره من الْعدَد الأول (إِذا كَانَ المراح وَاحِدًا) وَهُوَ بِضَم الْمِيم اسْم لموْضِع مبيت الْمَاشِيَة (و) الثَّانِي إِذا كَانَ (المسرح وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْمُهْملَة اسْم للموضع الَّذِي تَجْتَمِع فِيهِ ثمَّ تساق إِلَى المرعى (و) الثَّالِث إِذا كَانَ (المرعى وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم اسْم للموضع الَّذِي ترعى فِيهِ (و) الرَّابِع إِذا كَانَ (الْفَحْل) الَّذِي يضر بهَا (وَاحِدًا) أَو أَكثر بِأَن تكون مُرْسلَة تنزو على كل من الماشيتين بِحَيْثُ لَا تخْتَص مَاشِيَة هَذَا بفحل عَن مَاشِيَة الآخر وَإِن كَانَ ملكا لأَحَدهمَا أَو معارا لَهُ أَو لَهما إِلَّا إِذا اخْتلف النَّوْع كضأن ومعز فَلَا يضر اختلافه قطعا للضَّرُورَة (و) الْخَامِس إِذا كَانَ (المشرب وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم مَوضِع شرب الْمَاشِيَة سَوَاء كَانَ من نهر أم من غَيره (و) السَّادِس إِذا كَانَ (الحالب) وَهُوَ الَّذِي يحلب اللَّبن (وَاحِدًا) على رَأْي ضَعِيف وَهَذَا هُوَ الشَّرْط الَّذِي تقدم الْإِعْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 بِأَن المُصَنّف جرى فِيهِ على رَأْي ضَعِيف وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط اتحاده كجاز الْغنم والإناء الَّذِي يحلب فِيهِ كآلة الجز ويبدل باتحاد الرَّاعِي فَإِنَّهُ شَرط على الْأَصَح وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَنه لَا يخْتَص أَحدهمَا براع وَلَا يضر تعدد الرُّعَاة (و) السَّابِع إِذا كَانَ (مَوضِع الْحَلب وَاحِدًا) وَهُوَ بِفَتْح اللَّام يُقَال للبن وللمصدر وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَحكي سكونها وَالثَّامِن إِذا كَانَت الماشيتان نِصَابا كَامِلا أَو أقل من نِصَاب ولأحدهما نِصَاب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَالتَّاسِع مُضِيّ الْحول من وَقت خلطهما إِذا كَانَ المَال حوليا فَلَو ملك كل مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول الْمحرم وخلطا فِي أول صفر فالجديد أَنه لَا خلْطَة فِي الْحول بل إِذا جَاءَ الْمحرم وَجب على كل مِنْهُمَا شَاة وَلَو تَفَرَّقت ماشيتهما فِي أثْنَاء الْحول نظر إِن كَانَ زَمَانا طَويلا عرفا وَلَو بِلَا قصد ضرّ وَإِن كَانَ يَسِيرا وَلم يعلمَا بِهِ لم يضر فَإِن علما بِهِ وَأَقَرَّاهُ أَو قصدا ذَلِك أَو علمه أَحدهمَا فَقَط ضرّ كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ والعاشر أَن يَكُونَا من أهل الزَّكَاة كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَلَو كَانَ النّصاب الْمَخْلُوط بَين مُسلم وَكَافِر أَو مكَاتب لم تُؤثر هَذِه الْخلطَة شَيْئا بل يعْتَبر نصيب من هُوَ من أهل الزَّكَاة إِن كَانَ بلغ نِصَابا زكى زَكَاة الْمُنْفَرد وَإِلَّا فَلَا زَكَاة وَلَا تشْتَرط نِيَّة الْخلطَة فِي الْأَصَح لِأَن خفَّة الْمُؤْنَة باتحاد الْمرَافِق لَا تخْتَلف بِالْقَصْدِ وَعَدَمه وَإِنَّمَا اشْترط الِاتِّحَاد فِيمَا مر ليجتمع المالان كَالْمَالِ الْوَاحِد ولتخف الْمُؤْنَة على المحسن بِالزَّكَاةِ تَنْبِيه مثل خلْطَة الْجوَار خلْطَة الشّركَة وَتسَمى خلْطَة أَعْيَان لِأَن كل عين مُشْتَركَة وخلطة شيوع تَتِمَّة الْأَظْهر تَأْثِير خلْطَة الثَّمر وَالزَّرْع والنقد وعروض التِّجَارَة باشتراك أَو مجاورة كَمَا فِي الْمَاشِيَة وَإِنَّمَا توثر خلْطَة الْجوَار فِي الثَّمر وَالزَّرْع بِشَرْط أَن لَا يتَمَيَّز الناطور وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أشهر من الْمُعْجَمَة حَافظ الزَّرْع وَالشَّجر والجرين وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم مَوضِع تجفيف الثِّمَار والبيدر وَهُوَ بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالدَّال الْمُهْملَة مَوضِع تصفية الْحِنْطَة وَفِي النَّقْد وعروض التِّجَارَة بِشَرْط أَن لَا يتَمَيَّز الدّكان والحارس وَمَكَان الْحِفْظ كخزانة وَنَحْو ذَلِك كالميزان والوزان والنقاد والمنادي والحراث وجداد النّخل والكيال والحمال والمتعهد والملقح والحصاد وَمَا يسقى بِهِ لَهما فَإِذا كَانَ لكل مِنْهُمَا نخيل أَو زرع مجاور لنخيل الآخر أَو لزرعه أَو لكل وَاحِد كيس فِيهِ نقد فِي صندوق وَاحِد وأمتعة تِجَارَة فِي مخزن وَاحِد وَلم يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر بِشَيْء مِمَّا سبق ثبتَتْ الْخلطَة لِأَن الْمَالَيْنِ يصيران بذلك كَالْمَالِ الْوَاحِد كَمَا دلّت عَلَيْهِ السّنة فِي الْمَاشِيَة فصل فِي بَيَان نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة وَمَا يجب إِخْرَاجه وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 والكنز هُوَ الَّذِي لم تُؤَد زَكَاته (ونصاب الذَّهَب) الْخَالِص وَلَو غير مَضْرُوب (عشرُون مِثْقَالا) بِالْإِجْمَاع بِوَزْن مَكَّة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِكْيَال مكيال الْمَدِينَة وَالْوَزْن وزن مَكَّة وَهَذَا الْمِقْدَار تَحْدِيد فَلَو نقص فِي ميزَان وَتمّ فِي أُخْرَى فَلَا زَكَاة على الْأَصَح للشَّكّ فِي النّصاب والمثقال لم يتَغَيَّر جَاهِلِيَّة وَلَا إسلاما وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّة وَهِي شعيرَة معتدلة لم تقشر وَقطع من طرفيها مَا دق وَطَالَ (وَفِيه) أَي نِصَاب الذَّهَب (ربع الْعشْر) وَهُوَ نصف مِثْقَال تحديدا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي أقل من عشْرين دِينَارا شَيْء وَفِي عشْرين نصف دِينَار (وَفِيمَا زَاد) على النّصاب (فبحسابه) وَلَو يَسِيرا (ونصاب الْوَرق) وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء الْفضة وَلَو غير مَضْرُوبَة (مِائَتَا دِرْهَم) خَالِصَة بِوَزْن مَكَّة تحديدا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة وَالْأُوقِية بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء على الْأَشْهر أَرْبَعُونَ درهما بالنصوص الْمَشْهُورَة وَالْإِجْمَاع قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَالْمرَاد بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِم الإسلامية الَّتِي كل عشرَة مِنْهَا سَبْعَة مَثَاقِيل وكل عشرَة مَثَاقِيل أَرْبَعَة عشر درهما وسبعان وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة مُخْتَلفَة ثمَّ ضربت فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل عبد الْملك على هَذَا الْوَزْن وَأجْمع الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَوزن الدِّرْهَم سِتَّة دوانق والدانق ثَمَان حبات وخمسا حَبَّة فالدرهم خَمْسُونَ حَبَّة وخمسا حَبَّة وَمَتى زيد على الدِّرْهَم ثَلَاثَة أسباعه كَانَ مِثْقَالا وَمَتى نقص من المثقال ثَلَاثَة أعشاره كَانَ درهما لِأَن المثقال عشرَة أَسْبَاع فَإِذا نقص مِنْهَا ثَلَاثَة بَقِي دِرْهَم (وفيهَا) أَي الدَّرَاهِم الْمَذْكُورَة (ربع الْعشْر) مِنْهُ (وَهُوَ خَمْسَة دَرَاهِم) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الرقة ربع الْعشْر (وَمَا زَاد) على النّصاب وَلَو يَسِيرا (فبحسابه) وَالْفرق بَينهمَا وَبَين الْمَوَاشِي ضَرَر الْمُشَاركَة وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الذَّهَب وَالْفِضَّة معدان للنماء كالماشية السَّائِمَة وهما من أشرف نعم الله تَعَالَى على عباده إِذْ بهما قوام الدُّنْيَا ونظام أَحْوَال الْخلق فَإِن حاجات النَّاس كَثِيرَة وَكلهَا تقضى بهما بِخِلَاف غَيرهمَا من الْأَمْوَال فَمن كنزهما فقد أبطل الْحِكْمَة الَّتِي خلقا لَهَا كمن حبس قَاضِي الْبَلَد وَمنعه أَن يقْضِي حوائج النَّاس وَلَا يكمل نِصَاب أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ لاخْتِلَاف الْجِنْس كَمَا لَا يكمل نِصَاب التَّمْر بالزبيب ويكمل الْجيد بالرديء من الْجِنْس الْوَاحِد وَعَكسه كَمَا فِي الْمَاشِيَة وَالْمرَاد بالجودة النعومة وَنَحْوهَا وبالرداء الخشونة وَنَحْوهَا وَيُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ إِن سهل الْأَخْذ بِأَن قلت أَنْوَاعه فَإِن كثرت وشق اعْتِبَار الْجَمِيع أَخذ من الْوسط كَمَا فِي المعشرات وَلَا يجزىء رَدِيء عَن جيد وَلَا مكسور عَن صَحِيح كَمَا لَو أخرج مَرِيضَة عَن صِحَاح قَالُوا ويجزىء عَكسه بل هُوَ أفضل لِأَنَّهُ زَاد خيرا فَيسلم الْمخْرج الدِّينَار الصَّحِيح أَو الْجيد إِلَى من يُوكله الْفُقَرَاء مِنْهُم أَو من غَيرهم قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَإِن لزمَه نصف دِينَار سلم إِلَيْهِم دِينَارا نصفه عَن الزَّكَاة وَنصفه يبْقى لَهُ مَعَهم أَمَانَة ثمَّ يتفاصل هُوَ وهم فِيهِ بِأَن يبيعوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 لأَجْنَبِيّ ويتقاسموا ثمنه أَو يشتروا مِنْهُ نصفه أَو يَشْتَرِي هُوَ نصفهم لَكِن يكره لَهُ شِرَاء صدقته مِمَّن تصدق عَلَيْهِ سَوَاء فِيهِ الزَّكَاة وَصدقَة التَّطَوُّع وَلَا شَيْء فِي الْمَغْشُوش وَهُوَ الْمُخْتَلط بِمَا هُوَ أدون مِنْهُ كذهب بِفِضَّة وَفِضة بنحاس حَتَّى يبلغ خالصه نِصَابا فَإِذا بلغه أخرج الْوَاجِب خَالِصا أَو مغشوشا خالصه قدر الْوَاجِب وَكَانَ مُتَطَوعا بِالنُّحَاسِ وَيكرهُ للْإِمَام ضرب الْمَغْشُوش لخَبر الصَّحِيحَيْنِ من غَشنَا فَلَيْسَ منا وَلِئَلَّا يغش بِهِ بعض النَّاس بَعْضًا فَإِن علم معيارها صحت الْمُعَامَلَة بهَا وَكَذَا إِذا كَانَت مَجْهُولَة على الْأَصَح كَبيع الغالية والمعجونات وَيكرهُ لغير الإِمَام ضرب الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَلَو خَالِصَة لِأَنَّهُ من شَأْن الإِمَام وَلِأَن فِيهِ افتياتا عَلَيْهِ (وَلَا تجب فِي الْحلِيّ الْمُبَاح) من ذهب أَو فضَّة كخلخال لامْرَأَة (زَكَاة) لِأَنَّهُ معد لاستعمال مُبَاح فَأشبه العوامل من النعم ويزكى الْمحرم من حلي وَمن غَيره كالأواني بِالْإِجْمَاع وَكَذَا الْمَكْرُوه كالضبة الْكَبِيرَة من الْفضة للْحَاجة وَالصَّغِيرَة للزِّينَة وَمن الْمحرم الْميل للْمَرْأَة وَغَيرهَا فَيحرم عَلَيْهِمَا نعم لَو اتخذ شخص ميلًا من ذهب أَو فضَّة لجلاء عينه فَهُوَ مُبَاح فَلَا زَكَاة فِيهِ والسوار والخلخال للبس الرجل بِأَن يَقْصِدهُ باتخاذهما فهما محرمان بِالْقَصْدِ وَالْخُنْثَى فِي حلي النِّسَاء كَالرّجلِ وَفِي حلي الرِّجَال كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا للشَّكّ فِي إِبَاحَته فَلَو اتخذ الرجل سوارا مثلا بِلَا قصد لَا للبس وَلَا لغيره أَو بِقصد إِجَارَته لمن لَهُ اسْتِعْمَاله بِلَا كَرَاهَة فَلَا زَكَاة فِيهِ لانْتِفَاء الْقَصْد الْمحرم وَالْمَكْرُوه وَكَذَا لَو انْكَسَرَ الْحلِيّ الْمُبَاح للاستعمال وَقصد إِصْلَاحه وَأمكن بِلَا صوغ فَلَا زَكَاة أَيْضا وَإِن دَامَ أحوالا لدوام صُورَة الْحلِيّ وَقصد إِصْلَاحه وَحَيْثُ أَوجَبْنَا الزَّكَاة فِي الْحلِيّ وَاخْتلفت قِيمَته ووزنه فَالْعِبْرَة بِقِيمَتِه لَا بوزنه بِخِلَاف الْمحرم لعَينه كالأواني فَالْعِبْرَة بوزنه لَا بِقِيمَتِه فَلَو كَانَ لَهُ حلي وَزنه مِائَتَا دِرْهَم وَقِيمَته ثلثمِائة تخير بَين أَن يخرج ربع عشره مشَاعا ثمَّ يَبِيعهُ السَّاعِي بِغَيْر جنسه وَيفرق ثمنه على الْمُسْتَحقّين أَو يخرج خَمْسَة مصوغة قيمتهَا سَبْعَة وَنصف نَقْدا وَلَا يجوز كَسره ليعطي مِنْهُ خَمْسَة مكسرة لِأَن فِيهِ ضَرَرا عَلَيْهِ وعَلى الْمُسْتَحقّين أَو كَانَ لَهُ إِنَاء كَذَلِك تخير بَين أَن يخرج خَمْسَة من غَيره أَو يكسرهُ وَيخرج خَمْسَة أَو يخرج ربع عشره مشَاعا وَيحرم على الرجل حلي الذَّهَب وَلَو فِي آلَة الْحَرْب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحل الذَّهَب وَالْحَرِير لإناث أمتِي وَحرم على ذكورها إِلَّا الْأنف إِذا جدع فَإِنَّهُ يجوز أَن يتَّخذ من الذَّهَب لِأَن بعض الصَّحَابَة قطع أَنفه فِي غَزْوَة فَاتخذ أنفًا من فضَّة فَأَنْتن عَلَيْهِ فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتَّخِذهُ من ذهب وَإِلَّا الْأُنْمُلَة فَإِنَّهُ يجوز اتخاذها لمن قطعت مِنْهُ وَلَو لكل أصْبع من الذَّهَب قِيَاسا على الْأنف وَإِلَّا السن فَإِنَّهُ يجوز لمن قلعت سنه اتِّخَاذ سنّ من ذهب وَإِن تعدّدت قِيَاسا أَيْضا على الْأنف وَيحرم سنّ الْخَاتم من الذَّهَب على الرجل وَهِي الشعبة الَّتِي يسْتَمْسك بهَا الفص وَيحل للرجل من الْفضة الْخَاتم بِالْإِجْمَاع وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من فضَّة بل لبسه سنة سَوَاء أَكَانَ فِي الْيَمين أم فِي الْيَسَار لَكِن الْيَمين أفضل وَالسّنة أَن يَجْعَل الفص مِمَّا يَلِي كَفه وَلَا يكره للْمَرْأَة لبس خَاتم الْفضة تَنْبِيه لم يتَعَرَّض الْأَصْحَاب لمقدار الْخَاتم الْمُبَاح ولعلهم اكتفوا فِيهِ بِالْعرْفِ أَي عرف تِلْكَ الْبَلدة وَعَادَة أَمْثَاله فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ الْأَذْرَعِيّ الصَّوَاب ضَبطه بِدُونِ مِثْقَال وَلَو اتخذ الرجل خَوَاتِم كَثِيرَة ليلبس الْوَاحِدَة مِنْهَا بعد الْوَاحِد جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا فَإِن لبسهَا مَعًا جَازَ مَا لم يود إِلَى إِسْرَاف كَمَا يُؤْخَذ من كَلَامهم وَلَو تختم الرجل فِي غير الْخِنْصر جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا فِي شرح مُسلم وَيحل للرجل من الْفضة تحلية آلَة الْحَرْب كالسيف وَالرمْح والمنطقة لَا مَا لَا يلْبسهُ كالسرج واللجام وَلَيْسَ للْمَرْأَة تحلية آلَة الْحَرْب بِذَهَب وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فضَّة وَلها لبس أَنْوَاع حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة كالسوار وَكَذَا مَا نسج بهما من الثِّيَاب وَتحرم الْمُبَالغَة فِي السَّرف كخلخال وَزنه مِائَتَا دِينَار وَكَذَا يحرم إِسْرَاف الرجل فِي آلَة الْحَرْب وَيجوز تحلية الْمُصحف بِفِضَّة للرجل وَالْمَرْأَة وَيجوز لَهَا فَقَط بِذَهَب لعُمُوم أحل الذَّهَب وَالْحَرِير لإناث أمتِي قَالَ الْغَزالِيّ وَمن كتب الْمُصحف بِذَهَب فقد أحسن وَلَا زَكَاة فِي سَائِر الْجَوَاهِر كَاللُّؤْلُؤِ والياقوت لعدم وُرُودهَا فِي ذَلِك فصل فِي بَيَان نِصَاب الزروع وَالثِّمَار وَمَا يجب إِخْرَاجه (ونصاب الزروع وَالثِّمَار خَمْسَة أوسق) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة والأوسق جمع وسق بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا سمي بِهِ لِأَنَّهُ يجمع الصيعان (وَهِي) بِالْوَزْنِ (ألف) رَطْل (وسِتمِائَة رَطْل بالعراقي) أَي الْبَغْدَادِيّ لِأَن الوسق سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالبغدادي وقدرت بِهِ لِأَنَّهُ الرطل الشَّرْعِيّ وَهُوَ مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم والنصاب الْمَذْكُور تَحْدِيد كَمَا فِي نِصَاب الْمَوَاشِي وَغَيرهَا وَالْعبْرَة فِيهِ بِالْكَيْلِ على الصَّحِيح وَإِنَّمَا قدرت بِالْوَزْنِ استظهارا أَو إِذا وَافق الْكَيْل وَالْمُعْتَبر فِي الْوَزْن من كل نوع الْوسط فَإِنَّهُ يشْتَمل على الْخَفِيف والرزين وَكيله بالإردب الْمصْرِيّ سِتَّة أرادب وَربع إِرْدَب كَمَا قَالَه الْقَمُولِيّ بِجعْل القدحين صَاعا كَزَكَاة الْفطر وَكَفَّارَة الْيَمين خلافًا للسبكي فِي جعلهَا خَمْسَة أرادب وَنصف وَثلث لِأَنَّهُ جعل الصَّاع قدحين إِلَّا سبعي مد تَنْبِيه لَا يضم ثَمَر عَام وزرعه فِي إِكْمَال النّصاب إِلَى ثَمَر وَزرع عَام آخر وَيضم ثَمَر الْعَام الْوَاحِد بعضه إِلَى بعض فِي إِكْمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 النّصاب وَإِن اخْتلف إِدْرَاكه لاخْتِلَاف أَنْوَاعه وبلاده حرارة وبرودة كنجد وتهامة فتهامة حارة يسْرع إِدْرَاك الثَّمر بهَا بِخِلَاف نجد لبردها وَالْمرَاد بِالْعَام هُنَا اثْنَا عشر شهرا عَرَبِيَّة وَالْعبْرَة بِالضَّمِّ هُنَا بإطلاعهما فِي عَام فيضم طلع نخيل إِلَى الآخر إِن أطلع الثَّانِي قبل جدَاد الأول وَكَذَا بعده فِي عَام وَاحِد نعم لَو أثمر نخل مرَّتَيْنِ فِي عَام فَلَا يضم بل هما كثمرة عَاميْنِ وزرعا الْعَام يضمان وَإِن اخْتلف زراعتهما فِي الْفُصُول وَالْعبْرَة بِالضَّمِّ هُنَا اعْتِبَار وُقُوع حصاديهما فِي سنة وَاحِدَة وَهِي اثْنَا عشر شهرا عَرَبِيَّة كَمَا مر (و) يجب (فِيهَا) أَي فِي الْخَمْسَة أوسق وَمَا زَاد (إِن سقيت بِمَاء السَّمَاء أَو) بِمَاء (السيح) وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة تَحت السَّيْل أَو بِمَا انصب إِلَيْهِ من جبل أَو نهر أَو عين أَو شرب بعروقه لقُرْبه من المَاء وَهُوَ البعلي سَوَاء فِي ذَلِك الثَّمر وَالزَّرْع (الْعشْر) كَامِلا (و) يجب فِيهَا (إِن سقيت بدولاب) بِضَم أَوله وفتحه وَهُوَ مَا يديره الْحَيَوَان أَو دالية وَهِي البكرة أَو ناعورة وَهِي مَا يديره المَاء بِنَفسِهِ (أَو بنضح) من نَحْو نهر بحيوان وَيُسمى الذّكر ناضحا وَالْأُنْثَى ناضحة أَو بِمَاء اشْتَرَاهُ أَو وهب لَهُ لعظم الْمِنَّة فِيهِ أَو غصبه لوُجُوب ضَمَانه (نصف الْعشْر) وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر وانعقد الْإِجْمَاع على ذَلِك كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَالْمعْنَى فِيهِ كَثْرَة الْمُؤْنَة وخفتها كَمَا فِي المعلوفة والسائمة والعثري بِفَتْح الْمُهْملَة والمثلثة مَا سقِِي بِمَاء السَّيْل الْجَارِي إِلَيْهِ فِي حُفْرَة وَتسَمى الحفرة عاثوراء لتعثر المَاء بهَا إِذا لم يعلمهَا والقنوات والسواقي المحفورة من النَّهر الْعَظِيم كَمَاء الْمَطَر فَفِي المسقي بِمَاء يجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعشْر لِأَن مُؤنَة القنوات إِنَّمَا تخرج لعمارة الْقرْيَة والأنهار إِنَّمَا تحفر لإحياء الأَرْض فَإِذا تهيأت وصل المَاء إِلَى الزَّرْع بطبعه مرّة بعد أُخْرَى بِخِلَاف السَّقْي بالنواضح وَنَحْوهَا فَإِن الْمُؤْنَة للزَّرْع نَفسه وَفِيمَا سقِِي بالنوعين كالنضح والمطر يقسط بِاعْتِبَار مُدَّة عَيْش الثَّمر وَالزَّرْع ونمائهما لَا بأكثرهما وَلَا بِعَدَد السقيات فَلَو كَانَت الْمدَّة من يَوْم الزَّرْع مثلا إِلَى يَوْم الْإِدْرَاك ثَمَانِيَة أشهر وَاحْتَاجَ فِي أَرْبَعَة مِنْهَا إِلَى سقية فسقي بالمطر وَفِي الْأَرْبَعَة الْأُخْرَى إِلَى سقيتين فسقي بالنضح وَجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَكَذَا لَو جهلنا الْمِقْدَار من نفع كل مِنْهُمَا بِاعْتِبَار الْمدَّة أخذا بالاستواء وَلَو احْتَاجَ فِي سِتَّة مِنْهَا إِلَى سقيتين فسقي بِمَاء السَّمَاء وَفِي شَهْرَيْن إِلَى ثَلَاثَة سقيات فسقي بالنضح وَجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَربع نصف الْعشْر وَلَو اخْتلف الْمَالِك والساعي فِي أَنه سقِِي بِمَاذَا صدق الْمَالِك لِأَن الأَصْل عدم وجوب الزِّيَادَة عَلَيْهِ فَإِن اتهمه السَّاعِي حلفه ندبا وَتجب الزَّكَاة فِيمَا ذكر ببدو صَلَاح ثَمَر لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَة كَامِلَة وَهُوَ قبل ذَلِك بلح وحصرم وباشتداد حب لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَام وَهُوَ قبل ذَلِك بقل وَالصَّلَاح فِي ثَمَر وَغَيره بُلُوغه صفة يطْلب فِيهَا غَالِبا وعلامته فِي الثَّمر الْمَأْكُول المتلون أَخذه فِي حمرَة أَو سَواد أَو صفرَة كبلح وعناب ومشمش وَفِي غير المتلون مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 كالعنب الْأَبْيَض لينه وتمويهه وَهُوَ صفاؤه وجريان المَاء فِيهِ وبدو صَلَاح بعضه وَإِن قل كظهوره وَسن خرص أَي حزر كل ثَمَر فِيهِ زَكَاة إِذا بدا صَلَاحه على مَالِكه لِلِاتِّبَاعِ فيطوف الخارص بِكُل شَجَرَة وَيقدر ثَمَرَتهَا أَو ثَمَرَة كل نوع رطبا ثمَّ يَابسا وَذَلِكَ لتضمين أَي لنقل الْحق من الْمعِين إِلَى الذِّمَّة تَمرا أَو زبيبا ليخرجه بعد جفافه وَشرط فِي الْخرص الْمَذْكُور عَالم بِهِ أهل للشهادات كلهَا وَشرط تضمين من الإِمَام أَو نَائِبه لمخرج من مَالك أَو نَائِبه وَقبُول للتضمين فللمالك حِينَئِذٍ تصرف فِي الْجَمِيع فَإِن ادّعى حيف الخارص فِيمَا خرصه أَو غلطه بِمَا يبعد لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة ويحط فِي الثَّانِيَة الْقدر الْمُحْتَمل وَإِن ادّعى غلطه بالمحتمل بعد تلف المخروص كُله أَو بعضه فكالوديع لَكِن الْيَمين هُنَا سنة بِخِلَافِهَا فِي الْوَدِيع فَإِنَّهَا وَاجِبَة فصل فِي زَكَاة الْعرُوض والمعدن والركاز وَمَا يجب إِخْرَاجه (وَتقوم عرُوض التِّجَارَة عِنْد آخر الْحول بِمَا اشْتريت بِهِ) هَذَا إِذا ملك مَال التِّجَارَة بِنَقْد وَلَو فِي ذمَّته أَو بِغَيْر نقد الْبَلَد الْغَالِب أَو دون نِصَاب فَإِنَّهُ يقوم بِهِ لِأَنَّهُ أصل مَا بِيَدِهِ وَأقرب إِلَيْهِ من نقد الْبَلَد فَلَو لم يبلغ نِصَابا لم تجب الزَّكَاة وَإِن بلغ بِغَيْرِهِ أما إِذا ملكه بِغَيْر نقد كعرض وَنِكَاح وخلع فبغالب نقد الْبَلَد يقوم بِهِ فَلَو حَال الْحول بِمحل لَا نقد فِيهِ كبلد يتعامل فِيهِ بفلوس أَو نَحْوهَا اعْتبر أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ فَإِن ملكه بِنَقْد وَغَيره قوم مَا قَابل النَّقْد بِهِ وَالْبَاقِي بغالب نقد الْبَلَد فَإِن غلب نقدان على التَّسَاوِي وَبلغ مَال التِّجَارَة نِصَابا بأحدهم دون الآخر قوم بِهِ لتحَقّق تَمام النّصاب بِأحد النَّقْدَيْنِ وَبِهَذَا فَارق مَا لَو تمّ النّصاب فِي ميزَان دون آخر أَو بِنَقْد لَا يقوم بِهِ دون نقد يقوم بِهِ وَإِن بلغ نِصَابا بِكُل مِنْهُمَا خير الْمَالِك كَمَا فِي شاتي الْجبرَان ودراهمه وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَإِن صحّح فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ أَنه يتَعَيَّن الأنفع للمستحقين وَيضم ربح حَاصِل فِي أثْنَاء الْحول لأصل فِي الْحول إِن لم ينض بِمَا يقوم بِهِ فَلَو اشْترى عرضا بِمِائَتي دِرْهَم فَصَارَت قِيمَته فِي الْحول وَلَو قبل آخِره بلحظة ثَلَاثمِائَة زكاها آخِره أما إِذا نض دَرَاهِم أَو دَنَانِير بِمَا يقوم بِهِ وأمسكه إِلَى آخر الْحول فَلَا يضم إِلَى الأَصْل بل يُزكي الأَصْل بحوله ويفرد الرِّبْح بحول (وَيخرج من) قيمتة (ذَلِك) لَا من الْعرُوض (ربع الْعشْر) أما أَنه ربع الْعشْر فَكَمَا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُ يقوم بهما وَأما أَنه من الْقيمَة فَلِأَنَّهَا مُتَعَلقَة فَلَا يجوز إِخْرَاجه من عين الْعرُوض (وَمَا) أَي وَأي نِصَاب (استخرج من معادن الذَّهَب وَالْفِضَّة) أَي استخرج ذَلِك من هُوَ من أهل الزَّكَاة من أَرض مُبَاحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 أَو مَمْلُوكَة لَهُ (يخرج مِنْهُ) أَي النّصاب (ربع الْعشْر) بِعُمُوم الْأَدِلَّة السَّابِقَة لخَبر وَفِي الرقة ربع الْعشْر وَمَا زَاد فبحسابه إِذْ لَا وقص فِي غير الْمَاشِيَة كَمَا مر وَلَا يشْتَرط الْحول بل يجب الْإِخْرَاج (فِي الْحَال) لِأَن الْحول إِنَّمَا يعْتَبر لأجل تَكَامل النَّمَاء والمستخرج من الْمَعْدن نَمَاء فِي نَفسه فَأشبه الثِّمَار والزروع وَيضم بعض الْمخْرج إِلَى بعض إِن اتَّحد الْمَعْدن وتتابع الْعَمَل كَمَا يضم المتلاحق من الثِّمَار وَلَا يشْتَرط بَقَاء الأول على ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الضَّم اتِّصَال النّيل لِأَنَّهُ لَا يحصل غَالِبا إِلَّا مُتَفَرقًا وَإِذا قطع الْعَمَل بِعُذْر كإصلاح آلَة أَو مرض ضم وَإِن طَال الزَّمن عرفا فَإِن قطع بِلَا عذر لم يضم طَال الزَّمن أم لَا لإعراضه وَمعنى عدم الضَّم أَنه لَا يضم الأول إِلَى الثَّانِي فِي إِكْمَال النّصاب وَيضم الثَّانِي إِلَى الأول إِن كَانَ بَاقِيا كَمَا يضمه إِلَى مَا ملكه بِغَيْر الْمَعْدن كإرث وَهبة فِي إِكْمَال النّصاب فَإِذا استخرج من الْفضة خمسين درهما بِالْعَمَلِ الأول وَمِائَة وَخمسين بِالثَّانِي فَلَا زَكَاة فِي الْخمسين وَتجب فِي الْمِائَة وَالْخمسين كَمَا تجب فِيمَا لَو كَانَ مَالِكًا لخمسين من غير الْمَعْدن تَنْبِيه خرج بقولنَا وَهُوَ من أهل الزَّكَاة الْمكَاتب فَإِنَّهُ يملك مَا يَأْخُذهُ من الْمَعْدن وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَأما مَا يَأْخُذهُ الرَّقِيق فلسيده فَيلْزمهُ زَكَاته وَيمْنَع الذِّمِّيّ من أَخذ الْمَعْدن والركاز بدار الْإِسْلَام كَمَا يمْنَع من الْإِحْيَاء بهَا لِأَن الدَّار للْمُسلمين وَهُوَ دخيل فِيهَا وَالْمَانِع لَهُ الْحَاكِم فَقَط فَإِن أَخذه قبل مَنعه ملكه كَمَا لَو احتطب وَيُفَارق مَا أَحْيَاهُ بتأبد ضَرَره وَوقت وجوب حق الْمَعْدن حُصُول النّيل فِي يَده وَوقت الْإِخْرَاج عقب التخليص والتنقية من التُّرَاب وَنَحْوه كَمَا أَن وَقت الْوُجُوب فِي الزَّرْع اشتداد الْحبّ وَوقت الْإِخْرَاج التنقية (وَمَا) أَي وَأي نِصَاب من ذهب أَو فضَّة (يُؤْخَذ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الرِّكَاز (فَفِيهِ الْخمس) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخَالف الْمَعْدن من حَيْثُ إِنَّه لَا مُؤنَة فِي تَحْصِيله أَو مُؤْنَته قَليلَة فَكثر واجبه كالمعشرات وَيصرف هُوَ والمعدن مصرف الزَّكَاة لِأَنَّهُ حق وَاجِب فِي الْمُسْتَفَاد من الأَرْض فَأشبه الْوَاجِب فِي الزروع وَالثِّمَار تَنْبِيه قد علم أَنه لَا بُد أَن يكون نِصَابا من النَّقْد وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْحول والركاز بِمَعْنى المركوز وَهُوَ دَفِين الْجَاهِلِيَّة وَالْمرَاد بالجاهلية مَا قبل الْإِسْلَام أَي قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَليّ سموا بذلك لِكَثْرَة جهالتهم وَيعْتَبر فِي كَون المدفون الجاهلي ركازا أَن لَا يعلم أَن مَالِكه بلغته الدعْوَة فَإِن علم أَنَّهَا بلغته وعاند وَوجد فِي بنائِهِ وبلده الَّتِي أَنْشَأَهَا كثر فَلَيْسَ بركاز بل هُوَ فَيْء كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة وَأقرهُ وَأَن يكون مَدْفُونا فَإِن وجده ظَاهرا فَإِن علم أَن السَّيْل أظهره فركاز أَو أَنه كَانَ ظَاهرا فلقطة وَإِن شكّ فَكَمَا لَو شكّ فِي أَنه ضرب الْجَاهِلِيَّة أَو الْإِسْلَام وَسَيَأْتِي فَإِن وجد دَفِين إسلامي كَأَن يكون عَلَيْهِ شَيْء من الْقُرْآن أَو اسْم ملك من مُلُوك الْإِسْلَام فَإِن علم مَالِكه فَلهُ فَيجب رده على مَالِكه لِأَن مَال الْمُسلمين لَا يملك بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِن لم يعلم مَالِكه فلقطة وَكَذَا إِن لم يعلم من أَي الضربين الجاهلي أَو الإسلامي هُوَ بِأَن كَانَ مِمَّا لَا أثر عَلَيْهِ كالتبر وَإِنَّمَا يملك الرِّكَاز الْوَاجِد لَهُ وَيلْزمهُ زَكَاته إِذا وجده فِي موَات أَو فِي ملك أَحْيَاهُ فَإِن وجده فِي مَسْجِد أَو شَارِع فلقطة وَإِن وجده فِي ملك شخص أَو فِي مَوْقُوف عَلَيْهِ فللشخص إِن ادَّعَاهُ فَإِن لم يَدعه بِأَن نَفَاهُ أَو سكت فَلِمَنْ ملك مِنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِي الْأَمر إِلَى المحيي للْأَرْض فَيكون لَهُ وَإِن لم يَدعه لِأَنَّهُ ملكه وَلَو تنَازع الرِّكَاز فِي ملك بَائِع ومشتر أَو مكر ومكتر أَو معير ومستعير صدق ذُو الْيَد بِيَمِينِهِ كَمَا لَو تنَازعا فِي أَمْتعَة الدَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فصل فِي زَكَاة الْفطر وَيُقَال صَدَقَة الْفطر سميت بذلك لِأَن وُجُوبهَا بِدُخُول الْفطر وَيُقَال أَيْضا زَكَاة الْفطْرَة بِكَسْر الْفَاء وَالتَّاء فِي آخرهَا كَأَنَّهَا من الْفطْرَة الَّتِي هِيَ الْخلقَة المرادة بقوله تَعَالَى {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ وَكِيع بن الْجراح زَكَاة الْفطر لشهر رَمَضَان كسجدة السَّهْو للصَّلَاة تجبر نُقْصَان الصَّوْم كَمَا يجْبر السُّجُود نُقْصَان الصَّلَاة وَالْأَصْل فِي وُجُوبهَا قبل الْإِجْمَاع خبر ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر من رَمَضَان على النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين (وَتجب زَكَاة الْفطر بِثَلَاثَة شَرَائِط) بل بأَرْبعَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فَلَا زَكَاة على كَافِر أُصَلِّي لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُسلمين وَهُوَ إِجْمَاع قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَنَّهَا طهرة وَهُوَ لَيْسَ من أَهلهَا وَالْمرَاد أَنه لَيْسَ مطالبا بإخراجها وَلَكِن يُعَاقب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة وَأما فطْرَة الْمُرْتَد وَمن عَلَيْهِ مُؤْنَته فموقوفة على عوده إِلَى الْإِسْلَام وَكَذَا العَبْد الْمُرْتَد وَلَو غربت الشَّمْس وَمن تلْزم الْكَافِر نَفَقَته مُرْتَد لم تلْزمهُ فطرته حَتَّى يعود إِلَى الْإِسْلَام وَتلْزم الْكَافِر الْأَصْلِيّ فطْرَة رَقِيقه الْمُسلم وقريبه الْمُسلم كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا (و) الشَّرْط الثَّانِي (بغروب) كل (الشَّمْس من آخر يَوْم من رَمَضَان) لِأَنَّهَا مُضَافَة فِي الحَدِيث إِلَى الْفطر من رَمَضَان فِي الْخَبَر الْمَاضِي وَلَا بُد من إِدْرَاك جُزْء من رَمَضَان وجزء من لَيْلَة شَوَّال وَيظْهر أثر ذَلِك فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر مَعَ أول جُزْء من أول لَيْلَة شَوَّال أَو مَعَ آخر جُزْء من رَمَضَان أَو كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَة فِي رَقِيق بَين اثْنَيْنِ بليلة وَيَوْم أَو نَفَقَة قريب بَين اثْنَيْنِ كَذَلِك فَهِيَ عَلَيْهِمَا لِأَن وَقت الْوُجُوب حصل فِي نوبتيهما فَتخرج عَمَّن مَاتَ بعد الْغُرُوب دون من ولد بعده وَيسن أَن تخرج قبل صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الْعِيد لِلِاتِّبَاعِ وَهَذَا جري على الْغَالِب من فعل الصَّلَاة أول النَّهَار فَإِن أخرت اسْتحبَّ الْأَدَاء أول النَّهَار وَيحرم تَأْخِيرهَا عَن يَوْم الْعِيد بِلَا عذر كغيبة مَاله أَو الْمُسْتَحقّين (و) الثَّالِث من الشُّرُوط (وجود الْفضل) أَي الْفَاضِل (عَن قوته وقوت) من تلْزمهُ نَفَقَته من (عِيَاله) من زوجية أَو بعضية أَو ملكية (فِي ذَلِك الْيَوْم) أَي يَوْم الْعِيد (وَلَيْلَته) وَيشْتَرط أَيْضا أَن يكون فَاضلا عَن مسكن وخادم لائقين بِهِ يحْتَاج إِلَيْهِمَا كَمَا فِي الْكَفَّارَة بِجَامِع التَّطْهِير وَالْمرَاد بحاجة الْخَادِم أَن يَحْتَاجهُ لخدمته أَو خدمَة ممونه أما حَاجته لعمله فِي أرضه أَو مَاشِيَته فَلَا أثر لَهَا وَخرج باللائق بِهِ مَا لَو كَانَا نفيسين يُمكن إبدالهما بلائق بِهِ وَيخرج التَّفَاوُت فَيلْزمهُ ذَلِك كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْحَج نعم لَو ثبتَتْ الْفطْرَة فِي ذمَّة إِنْسَان فَإِنَّهُ يُبَاع فِيهَا مَسْكَنه وخادمه لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ التحقت بالديون وَيشْتَرط أَيْضا كَونه فَاضلا عَن دست ثوب يَلِيق بِهِ وبممونه كَمَا أَنه يبْقى لَهُ فِي الدُّيُون وَلَا يشْتَرط كَونه فَاضلا عَن دينه وَلَو لآدَمِيّ كَمَا رَجحه فِي الْمَجْمُوع (و) الشَّرْط الرَّابِع الَّذِي تَركه المُصَنّف الْحُرِّيَّة فَلَا فطْرَة على رَقِيق لَا عَن نَفسه وَلَا عَن غَيره أما غير الْمكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة فلعدم ملكه وَأما الْمكَاتب الْمَذْكُور فلضعف ملكه إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ زَكَاة مَاله وَلَا نَفَقَة قَرِيبه وَلَا فطْرَة على سَيّده عَنهُ لاستقلاله بِخِلَاف الْمكَاتب كِتَابَة فَاسِدَة فَإِن فطرته على سَيّده وَإِن لم تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَمن بعضه حر يلْزمه من الْفطْرَة بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة وباقيها على مَالك الْبَاقِي هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَة بَينه وَبَين مَالك بعضه فَإِن كَانَت مُهَايَأَة اخْتصّت الْفطْرَة مِمَّن وَقعت فِي نوبَته وَمثله فِي ذَلِك الرَّقِيق الْمُشْتَرك (ويزكي عَن نَفسه وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته من) زَوجته وَبَعضه ورقيقه (الْمُسلمين) تَنْبِيه ضَابِط ذَلِك من لزمَه فطْرَة نَفسه لزمَه فطْرَة من تلْزمهُ نَفَقَته بِملك أَو قرَابَة أَو زوجية إِذا كَانُوا مُسلمين وَوجد مَا يُؤَدِّي عَنْهُم وَاسْتثنى من هَذَا الضَّابِط مسَائِل مِنْهَا لَا يلْزم الْمُسلم فطْرَة الرَّقِيق والقريب وَالزَّوْجَة الْكفَّار وَإِن وَجَبت نَفَقَتهم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَبَر السَّابِق من الْمُسلمين وَمِنْهَا لَا يلْزم العَبْد فطْرَة زَوجته حرَّة كَانَت أَو غَيرهَا وَإِن أَوجَبْنَا نَفَقَتهَا فِي كَسبه وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا لفطرة نَفسه فَكيف يتَحَمَّل عَن غَيره وَمِنْهَا لَا يلْزم الابْن فطْرَة زَوْجَة أَبِيه ومستولدته وَإِن وَجَبت نفقتهما على الْوَلَد لِأَن النَّفَقَة لَازِمَة للْأَب مَعَ إِعْسَاره فيتحملها الْوَلَد بِخِلَاف الْفطْرَة وَمِنْهَا عبد بَيت المَال تجب نَفَقَته دون فطرته وَمِنْهَا الْفَقِير الْعَاجِز عَن الْكسْب يلْزم الْمُسلمين نَفَقَته دون فطرته وَمِنْهَا مَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم أَنه لَو آجر عَبده وَشرط نَفَقَته على الْمُسْتَأْجر فَإِن الْفطْرَة على سَيّده وَمِنْهَا عبد الْمَالِك فِي الْمُسَاقَاة والقراض إِذا شَرط عمله مَعَ الْعَامِل فنفقته عَلَيْهِ وفطرته على سَيّده وَمِنْهَا مَا لَو حج بِالنَّفَقَةِ وَمِنْهَا عبد الْمَسْجِد فَلَا تجب فطرتهما وَإِن وَجَبت نفقتهما سَوَاء أَكَانَ عبد الْمَسْجِد ملكا لَهُ أَو مَوْقُوفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْمَوْقُوف على جِهَة أَو معِين كَرجل ومدرسة ورباط وَلَو أعْسر الزَّوْج وَقت الْوُجُوب أَو كَانَ عبدا لزم سيد الزَّوْجَة الْأمة فطرتها لَا الْحرَّة فَلَا تلزمها وَلَا زَوجهَا لانْتِفَاء يسَاره وَالْفرق كَمَال تَسْلِيم الْحرَّة نَفسهَا بِخِلَاف الْأمة لاستخدام السَّيِّد لَهَا ويزكي عَن نَفسه وجوبا (صَاعا من) غَالب (قوت بَلَده) إِن كَانَ بلديا وَفِي غَيره من غَالب قوت مَحَله لِأَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف النواحي وَالْمُعْتَبر فِي غَالب الْقُوت غَالب قوت السّنة كَمَا فِي الْمَجْمُوع لَا غَالب قوت وَقت الْوُجُوب خلافًا للغزالي فِي وسيطه ويجزىء الْقُوت الْأَعْلَى عَن الْقُوت الْأَدْنَى لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَلَا عكس لنقصه عَن الْحق وَالِاعْتِبَار فِي الْأَعْلَى والأدنى بِزِيَادَة الاقتيات لِأَنَّهُ الْمَقْصُود فالبر خير من التَّمْر والأرز وَمن الزَّبِيب وَالشعِير من الزَّبِيب فالشعير خير من التَّمْر لِأَنَّهُ أبلغ فِي الاقتيات وَالتَّمْر خير مِنْهُ بِالْأولَى وَيَنْبَغِي أَن يكون الشّعير خيرا من الْأرز وَأَن الْأرز خير من التَّمْر وَله أَن يخرج عَن نَفسه من قوت وَاجِب وَعَمن تلْزمهُ فطرته كزوجته وَعَبده وقريبه أَو عَمَّن تبرع عَنهُ بِإِذْنِهِ أَعلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَلَا يبعض الصَّاع الْمخْرج عَن الشَّخْص الْوَاحِد من جِنْسَيْنِ وَإِن كَانَ أحد الجنسين أَعلَى من الْوَاجِب كَمَا لَا يجزىء فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن يكسو خَمْسَة وَيطْعم خَمْسَة أما لَو أخرج الصَّاع عَن اثْنَيْنِ كَأَن ملك وَاحِد نصفي عَبْدَيْنِ أَو مبعضين ببلدين مختلفي الْقُوت فَإِنَّهُ يجوز تبعيض الصَّاع أَو إِخْرَاجه من نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِز إِذا كَانَ من الْغَالِب وَلَو كَانَ فِي بلد أقوات لَا غَالب فِيهَا تخير وَالْأَفْضَل أَعْلَاهَا فِي الاقتيات لقَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} تَنْبِيه لَو كَانُوا يقتاتون الْقَمْح الْمَخْلُوط بِالشَّعِيرِ تخير إِن كَانَ الخليطان على حد سَوَاء فَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر وَجب مِنْهُ فَإِن لم يجد إِلَّا نصفا من ذَا وَنصفا من ذَا فَوَجْهَانِ أوجههمَا أَنه يخرج النّصْف الْوَاجِب عَلَيْهِ وَلَا يجزىء الآخر لما مر أَنه لَا يجوز أَن يبعض الصَّاع من جِنْسَيْنِ وَأما من يُزكي عَن غَيره فَالْعِبْرَة بغالب قوت مَحل الْمُؤَدى عَنهُ فَلَو كَانَ الْمُؤَدِّي بِمحل آخر اعْتبرت بقوت مَحل الْمُؤَدى عَنهُ بِنَاء على الْأَصَح من أَن الْفطْرَة تجب أَولا عَلَيْهِ ثمَّ يتحملها عَنهُ الْمُؤَدِّي فَإِن لم يعرف مَحَله كَعبد آبق فَيحْتَمل كَمَا قَالَ جمَاعَة اسْتثِْنَاء هَذِه أَو يخرج فطرته من قوت آخر مَحل عهد وُصُوله إِلَيْهِ لِأَن الأَصْل أَنه فِيهِ أَو يخرج للْحَاكِم لِأَن لَهُ نقل الزَّكَاة فَإِن لم يكن قوت الْمحل الَّذِي يخرج مِنْهُ مجزيا اعْتبر أقرب الْمحَال إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بِقُرْبِهِ محلان متساويان قربا تخير بَينهمَا (وَقدره) أَي الصَّاع بِالْوَزْنِ (خَمْسَة أَرْطَال وَثلث) رَطْل (بالعراقي) أَي بالبغدادي وَتقدم الْكَلَام فِي بَيَان رَطْل بَغْدَاد فِي مَوْضِعه وَالْأَصْل فِيهِ الْكَيْل وَإِنَّمَا قدر بِالْوَزْنِ استظهارا وَالْعبْرَة بالصاع النَّبَوِيّ إِن وجد أَو معياره فَإِن فقد أخرج قدرا يتَيَقَّن أَنه لَا ينقص عَن الصَّاع قَالَ فِي الرَّوْضَة قَالَ جمَاعَة الصَّاع أَربع حفنات بكفي رجل معتدلهما انْتهى والصاع بِالْكَيْلِ الْمصْرِيّ قدحان وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يزِيد شَيْئا يَسِيرا لاحْتِمَال اشتمالهما على طين أَو تبن أَو نَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الرّفْعَة كَانَ قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين السكرِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول حِين يخْطب بِمصْر خطْبَة عيد الْفطر والصاع قدحان بكيل بلدكم هَذِه سَالم من الطين وَالْعَيْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والغلت وَلَا يجزىء فِي بلدكم هَذِه إِلَّا الْقَمْح اه فَائِدَة ذكر الْقفال الشَّاشِي فِي محَاسِن الشَّرِيعَة معنى لطيفا فِي إِيجَاب الصَّاع وَهُوَ أَن النَّاس تمْتَنع غَالِبا من الْكسْب فِي الْعِيد وَثَلَاثَة أَيَّام بعده وَلَا يجد الْفَقِير من يَسْتَعْمِلهُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَيَّام سرُور وراحة عقب الصَّوْم وَالَّذِي يتَحَصَّل من الصَّاع عِنْد جعله خبْزًا ثَمَانِيَة أَرْطَال من الْخبز فَإِن الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث كَمَا مر ويضاف إِلَيْهِ من المَاء نَحْو الثُّلُث فَيَأْتِي مِنْهُ ذَلِك وَهُوَ كِفَايَة الْفَقِير فِي أَرْبَعَة أَيَّام لكل يَوْم رطلان تَتِمَّة جنس الصَّاع الْوَاجِب الْقُوت الَّذِي يجب فِيهِ الْعشْر أَو نصفه لِأَن النَّص قد ورد فِي بعض المعشرات كالبر وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب وَقيس الْبَاقِي عَلَيْهِ بِجَامِع الاقتيات ويجزىء الأقط لثُبُوته فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ لبن يَابِس غير منزوع الزّبد وَفِي مَعْنَاهُ لبن وَجبن لم ينْزع زبدهما وأجزأ كل من الثَّلَاثَة لمن هُوَ قوته سَوَاء أَكَانَ من أهل الْبَادِيَة أم الْحَاضِرَة أما منزوع الزّبد من ذَلِك فَلَا يجزىء وَكَذَا لَا يجزىء الكشك وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف مَعْرُوف وَلَا المخيض وَلَا المصل وَلَا السّمن وَلَا الْملح وَلَا اللَّحْم وَلَا مملح من الأقط أفسد كَثْرَة الْملح جوهره بِخِلَاف الْملح الْيَسِير فيجزىء لَكِن لَا يحْسب الْملح فَيخرج قدرا يكون مَحْض الأقط مِنْهُ صَاعا وللأصل أَن يخرج من مَاله زَكَاة موليه الْغَنِيّ لِأَنَّهُ لَا يسْتَقلّ بتمليكه بِخِلَاف غير موليه كَوَلَد رشيد وأجنبي لَا يجوز إخْرَاجهَا عَنهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَو اشْترك موسران أَو مُوسر ومعسر فِي رَقِيق لزم كل مُوسر قدر حِصَّته لَا من واجبه كَمَا وَقع فِي الْمِنْهَاج بل من قوت مَحل الرَّقِيق كَمَا علم مِمَّا مر وَصرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع بِنَاء على مَا مر من أَن الْأَصَح أَنَّهَا تجب ابْتِدَاء على الْمُؤَدى عَنهُ ثمَّ يتحملها الْمُؤَدِّي فصل فِي قسم الصَّدقَات أَي الزكوات على مستحقيها وَسميت بذلك لإشعارها بِصدق باذلها وَذكرهَا المُصَنّف فِي آخر الزَّكَاة تبعا للْإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْأُم وَهُوَ أنسب من ذكر الْمِنْهَاج لَهَا تبعا للمزني بعد قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة (وتدفع الزَّكَاة) من أَي صنف كَانَ من أصنافها الثَّمَانِية الْمُتَقَدّم بَيَانهَا (إِلَى) جَمِيع (الْأَصْنَاف الثَّمَانِية) عِنْد وجودهم فِي مَحل المَال (وهم) الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} قد علم من الْحصْر بإنها أَنما لَا تصرف لغَيرهم وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقع الْخلاف فِي استيعابهم وأضاف فِي الْآيَة الْكَرِيمَة الصَّدقَات إِلَى الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة الأولى بلام الْملك وَإِلَى الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة بفي الظَّرْفِيَّة للإشعار بِإِطْلَاق الْملك فِي الْأَرْبَعَة الأولى وتقييده فِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة حَتَّى إِذا لم يحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الصّرْف فِي مصارفها اسْترْجع بِخِلَافِهِ فِي الأولى على مَا يَأْتِي وَسكت المُصَنّف عَن تَعْرِيف هَذِه الْأَصْنَاف وَأَنا أذكرهم على نظم الْآيَة الْكَرِيمَة فَالْأول الْفَقِير وَهُوَ من لَا مَال لَهُ وَلَا كسب لَائِق بِهِ يَقع جميعهما أَو مجموعهما موقعا من كِفَايَته مطعما وملبسا ومسكنا وَغَيرهمَا مِمَّا لَا بُد لَهُ مِنْهُ على مَا يَلِيق بِحَالهِ وَحَال ممونه كمن يحْتَاج إِلَى عشرَة وَلَا يملك أَو لَا يكْتَسب إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة وَسَوَاء أَكَانَ مَا يملكهُ نِصَابا أم أقل أم أَكثر وَالثَّانِي الْمِسْكِين وَهُوَ من لَهُ مَال أَو كسب لَائِق بِهِ يَقع موقعا من كِفَايَته وَلَا يَكْفِيهِ كمن يملك أَو يكْتَسب سَبْعَة أَو ثَمَانِيَة وَلَا يَكْفِيهِ إِلَّا عشرَة وَالْمرَاد أَنه لَا يَكْفِيهِ الْعُمر الْغَالِب وَيمْنَع فقر الشَّخْص ومسكنته كِفَايَته بِنَفَقَة قريب أَو زوج أَو سيد لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج كمكتسب كل يَوْم قدر كِفَايَته واشتغاله بنوافل وَالْكَسْب يمنعهُ مِنْهَا لَا اشْتِغَاله بِعلم شَرْعِي يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيله وَالْكَسْب يمنعهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ فرض كِفَايَة وَلَا يمْنَع ذَلِك أَيْضا مَسْكَنه وخادمه وثيابه وَكتب لَهُ يحتاجها وَلَا مَال لَهُ غَائِب بمرحلتين أَو مُؤَجل فَيعْطى مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يصل إِلَى مَاله أَو يحل الْأَجَل لِأَنَّهُ الْآن فَقير أَو مِسْكين وَالثَّالِث الْعَامِل على الزَّكَاة كساع يجبيها وَكَاتب يكْتب مَا أعطَاهُ أَرْبَاب الْأَمْوَال وقاسم وحاشر يجمعهُمْ أَو يجمع ذَوي السهْمَان لَا قَاض ووال فَلَا حق لَهما فِي الزَّكَاة بل رزقهما فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح وَالرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم جمع مؤلف من التَّأْلِيف وَهُوَ من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة فيتألف ليقوى إيمَانه أَو من أسلم وَنِيَّته فِي الْإِسْلَام قَوِيَّة وَلَكِن لَهُ شرف فِي قومه يتَوَقَّع بإعطائه إِسْلَام غَيره أَو كَاف لنا شَرّ من يَلِيهِ من كفار أَو مانعي زَكَاة فهذان القسمان الأخيران إِنَّمَا يعطيان إِذا كَانَ إعطاؤهما أَهْون علينا من جَيش يبْعَث لذَلِك فَقَوْل الْمَاوَرْدِيّ يعْتَبر فِي إِعْطَاء الْمُؤَلّفَة احتياجنا إِلَيْهِم مَحْمُول على غير الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلين أما هما فَلَا يشْتَرط فيهمَا ذَلِك كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَهل تكون الْمَرْأَة من الْمُؤَلّفَة وَجْهَان أصَحهمَا نعم وَالْخَامِس الرّقاب وهم المكاتبون كِتَابَة صَحِيحَة لغير مزك فيعطون وَلَو بِغَيْر إِذن ساداتهم أَو قبل حُلُول النُّجُوم مَا يعينهم على الْعتْق إِن لم يكن مَعَهم مَا يَفِي بنجومهم أما مكَاتب الْمُزَكي فَلَا يعْطى من زَكَاته شَيْئا لعود الْفَائِدَة إِلَيْهِ مَعَ كَونه ملكه وَالسَّادِس الْغَارِم وَهُوَ ثَلَاثَة من تداين لنَفسِهِ فِي مُبَاح طَاعَة كَانَ أَو لَا وَإِن صرفه فِي مَعْصِيّة أَو فِي غير مُبَاح كخمر وَتَابَ وَظن صدقه أَو صرفه فِي مُبَاح فَيعْطى مَعَ الْحَاجة بِأَن يحل الدّين وَلَا يقدر على وفائه بِخِلَاف مَا لَو تداين لمعصية وَصَرفه فِيهَا وَلم يتب فَلَا يعْطى وَمَا لَو لم يحْتَج لم يُعْط أَو تداين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَي الْحَال بَين الْقَوْم كَأَن خَافَ فتْنَة بَين قبيلتين تنازعتا فِي قَتِيل لم يظْهر قَاتله فَتحمل الدِّيَة تسكينا للفتنة فَيعْطى وَلَو غَنِيا ترغيبا فِي هَذِه المكرمة أَو تداين لضمان فَيعْطى إِن أعْسر مَعَ الْأَصِيل أَو أعْسر وَحده وَكَانَ مُتَبَرعا بِالضَّمَانِ بِخِلَاف مَا إِذا ضمن بِالْإِذْنِ وَالسَّابِع سَبِيل الله تَعَالَى وَهُوَ غاز ذكر مُتَطَوّع بِالْجِهَادِ فَيعْطى وَلَو غَنِيا إِعَانَة لَهُ على الْغَزْو وَالثَّامِن ابْن السَّبِيل وَهُوَ منشىء سفر من بلد الزَّكَاة أَو مجتاز بِهِ فِي سَفَره إِن احْتَاجَ وَلَا مَعْصِيّة بِسَفَرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 تَنْبِيه من علم الدَّافِع من إِمَام أَو غَيره حَاله من اسْتِحْقَاقه الزَّكَاة وَعَدَمه عمل بِعِلْمِهِ وَمن لَا يعلم حَاله فَإِن ادّعى ضعف إِسْلَام صدق بِلَا يَمِين أَو ادّعى فقرا أَو مسكنة فَكَذَلِك لَا إِن ادّعى عيالا أَو تلف مَال عرف أَن لَهُ فيكلف بَيِّنَة لسهولتها كعامل ومكاتب وغارم وَبَقِيَّة الْمُؤَلّفَة وَصدق غاز وَابْن السَّبِيل بِلَا يَمِين فَإِن تخلفا عَمَّا أخذا لأَجله اسْتردَّ مِنْهُمَا مَا أخذاه وَالْبَيِّنَة هُنَا إِخْبَار عَدْلَيْنِ أَو عدل وَامْرَأَتَيْنِ ويغني عَن الْبَيِّنَة استفاضة بَين النَّاس وتصديق دائن فِي الْغَارِم وَسيد للْمكَاتب وَيُعْطى فَقير ومسكين كِفَايَة عمر غَالب فيشتريان بِمَا يعطيانه عقارا يستغلانه وَللْإِمَام أَن يَشْتَرِي لَهُ ذَلِك كَمَا فِي الْغَازِي هَذَا فِيمَن لَا يحسن الْكسْب بحرفة وَلَا تِجَارَة أما من يحسن الْكسْب بحرفة فَيعْطى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلاتها أَو بِتِجَارَة فَيعْطى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يحسن التِّجَارَة فِيهِ مَا يَفِي ربحه بكفايته غَالِبا وَيُعْطى مكَاتب وغارم لغير إصْلَاح ذَات الْبَين مَا عَجزا عَنهُ من وَفَاء دينهما وَيُعْطى ابْن سَبِيل مَا يوصله مقْصده أَو مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال فِي طَرِيقه وَيُعْطى غاز حَاجته فِي غَزوه ذَهَابًا وإيابا وَإِقَامَة لَهُ ولعياله ويملكه فَلَا يسْتَردّ مِنْهُ ويهيأ لَهُ مركوب إِن لم يطق الْمَشْي أَو طَال سَفَره وَمَا يحمل زَاده ومتاعه إِن لم يعْتد مثله حملهما كَابْن السَّبِيل والمؤلفة يُعْطِيهَا الإِمَام أَو الْمَالِك مَا يرَاهُ وَالْعَامِل يعْطى أُجْرَة مثله وَمن فِيهِ صفتا اسْتِحْقَاق كفقير وغارم يَأْخُذ بِإِحْدَاهُمَا (و) يجب تَعْمِيم الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فِي الْقسم إِن أمكن بِأَن قسم الإِمَام وَلَو بنائبه ووجدوا لظَاهِر الْآيَة فَإِن لم يُمكن بِأَن قسم الْمَالِك إِذْ لَا عَامل أَو الإِمَام وَوجد بَعضهم وَجب الدّفع (إِلَى من يُوجد مِنْهُم) وتعميم من وجد مِنْهُم وعَلى الإِمَام تَعْمِيم آحَاد كل صنف وَكَذَا الْمَالِك إِن انحصروا بِالْبَلَدِ ووفى بهم المَال فَإِن لم ينحصروا أَو انحصروا (و) لَا وفى بهم المَال (لم يجز الِاقْتِصَار على أقل من ثَلَاثَة من كل صنف) لذكره فِي الْآيَة بِصِيغَة الْجمع وَهُوَ المُرَاد بفي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل الَّذِي هُوَ للْجِنْس (إِلَّا الْعَامِل) فَإِنَّهُ يسْقط إِذْ قسم الْمَالِك وَيجوز حَيْثُ كَانَ أَن يكون وَاحِدًا إِن حصلت بِهِ الْكِفَايَة وَتجب التَّسْوِيَة بَين الْأَصْنَاف غير الْعَامِل وَلَو زَادَت حَاجَة بَعضهم وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَين آحَاد الصِّنْف إِلَّا أَن يقسم الإِمَام وتتساوى الْحَاجَات فَتجب التَّسْوِيَة وَيحرم على الْمَالِك وَلَا يُجزئهُ نقل الزَّكَاة من بلد وُجُوبهَا مَعَ وجود الْمُسْتَحقّين إِلَى بلد آخر فَإِن عدمت الْأَصْنَاف فِي بلد وُجُوبهَا أَو فضل عَنْهُم شَيْء وَجب نقلهَا أَو الْفَاضِل إِلَى مثلهم بأقرب بلد إِلَيْهِ وَإِن عدم بَعضهم أَو فضل عَنهُ شَيْء رد نصيب الْبَعْض أَو الْفَاضِل عَنهُ على البَاقِينَ إِن نقص نصِيبهم عَن كفايتهم أما الإِمَام فَلهُ وَلَو بنائبه نقل الزَّكَاة مُطلقًا وَلَو امْتنع المستحقون من أَخذهَا قوتلوا فرع لَو كَانَ شخص عَلَيْهِ دين فَقَالَ الْمَدْيُون لصَاحب الدّين ادْفَعْ لي من زكاتك حَتَّى أقضيك دينك فَفعل أَجزَأَهُ عَن الزَّكَاة وَلَا يلْزم الْمَدْيُون الدّفع إِلَيْهِ عَن دينه وَلَو قَالَ صَاحب الدّين اقْضِ مَا عَلَيْك لأرده عَلَيْك من زكاتي فَفعل صَحَّ الْقَضَاء وَلَا يلْزمه رده إِلَيْهِ فَلَو دفع إِلَيْهِ وَشرط أَن يَقْضِيه ذَلِك عَن دينه لم يجزه وَلَا يَصح قَضَاؤُهُ بهَا وَلَو نوياه بِلَا شَرط جَازَ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين فَقَالَ جعلته عَن زكاتي لم يجزه على الصَّحِيح حَتَّى يقبضهُ ثمَّ يردهُ إِلَيْهِ وَقيل يُجزئهُ كَمَا لَو كَانَ وَدِيعَة (وَخَمْسَة لَا يجوز دَفعهَا) أَي الزَّكَاة (إِلَيْهِم) الأول (الْغَنِيّ بِمَال) حَاضر عِنْده (أَو كسب) لَائِق بِهِ يَكْفِيهِ (و) الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 (العَبْد) غير الْمكَاتب إِذْ لَا حق فِيهَا لمن بِهِ رق غير الْمكَاتب (و) الثَّالِث (بَنو هَاشم وَبَنُو عبد الْمطلب) فَلَا تحل لَهما لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الصَّدقَات إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد رَوَاهُ مُسلم وَقَالَ لَا أحل لكم أهل الْبَيْت من الصَّدقَات شَيْئا إِن لكم فِي خمس الْخمس مَا يكفيكم أَو يغنيكم أَي بل يغنيكم وَلَا تحل أَيْضا لمواليهم لخَبر مولى الْقَوْم مِنْهُم (و) الرَّابِع (من تلْزم الْمُزَكي نَفَقَته) بزوجية أَو بعضية (لَا يَدْفَعهَا) إِلَيْهِم (باسم) أَي من سهم (الْفُقَرَاء) وَلَا من سهم (الْمَسَاكِين) لغناهم بذلك وَله دَفعهَا إِلَيْهِم من سهم بَاقِي الْأَصْنَاف إِذا كَانُوا بِتِلْكَ الصّفة إِلَّا أَن الْمَرْأَة لَا تكون عاملة وَلَا غَازِيَة كَمَا فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه أفرد المُصَنّف الضَّمِير فِي نَفَقَته حملا على لفظ من وَجمعه فِي إِلَيْهِم حملا على مَعْنَاهُ وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده بالمزكي إِذْ من تلْزم غير الْمُزَكي نَفَقَته كَذَلِك فَلَو حذفه لَكَانَ أخصر وأشمل (و) الْخَامِس (لَا تصح للْكَافِرِ) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم نعم الكيال والحمال والحافظ وَنَحْوهم يجوز كَونهم كفَّارًا مستأجرين من سهم الْعَامِل لِأَن ذَلِك أُجْرَة لَا زَكَاة تَنْبِيه يجب أَدَاء الزَّكَاة فَوْرًا إِذا تمكن من الْأَدَاء بِحُضُور مَال وآخذ لِلزَّكَاةِ من إِمَام أَو ساع أَو مُسْتَحقّ وبجفاف تمر وتنقية حب وخلو مَالك من مُهِمّ ديني أَو دُنْيَوِيّ كَصَلَاة وَأكل وبقدرة على غَائِب قار أَو على اسْتِيفَاء دين حَال وبزوال حجر فلس وَتَقْرِير أُجْرَة قبضت وَلَا يشْتَرط تَقْرِير صدَاق بِمَوْت أَو وَطْء وَفَارق الْأُجْرَة بِأَنَّهَا مُسْتَحقَّة فِي مُقَابلَة الْمَنَافِع فبفواتها يَنْفَسِخ العقد بِخِلَاف الصَدَاق فَإِن أخر أداءها وَتلف المَال ضمن وَله أَدَاؤُهَا لمستحقيها إِلَّا إِن طلبَهَا إِمَام عَن مَال ظَاهر فَيجب أَدَاؤُهَا لَهُ وَله دَفعهَا إِلَى الإِمَام بِلَا طلب مِنْهُ وَهُوَ أفضل من تفريقها بِنَفسِهِ وَتجب نِيَّة فِي الزَّكَاة كهذه زكاتي أَو فرض صدقتي أَو صَدَقَة مَالِي الْمَفْرُوضَة وَلَا يَكْفِي فرض مَالِي لِأَنَّهُ يكون كَفَّارَة ونذرا وَلَا صَدَقَة مَالِي لِأَنَّهَا قد تكون نَافِلَة وَلَا يجب فِي النِّيَّة تعْيين مَال فَإِن عينه لم يَقع عَن غَيره وَتلْزم الْوَلِيّ عَن مَحْجُوره وتكفي النِّيَّة عِنْد عزلها عَن المَال وَبعده وَعند دَفعهَا لإِمَام أَو وَكيل وَالْأَفْضَل أَن ينويا عِنْد تَفْرِيق أَيْضا وَله أَن يُوكل فِي النِّيَّة وَلَا يَكْفِي نِيَّة إِمَام عَن الْمُزَكي بِلَا إِذن مِنْهُ إِلَّا عَن مُمْتَنع من أَدَائِهَا فتكفي وَتلْزَمهُ إِقَامَة لَهَا مقَام نِيَّة الْمُزَكي وَالزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْمَالِ الَّذِي تجب فِيهِ تعلق شركَة بِقَدرِهَا فَلَو بَاعَ مَا تعلّقت بِهِ الزَّكَاة أَو بعضه قبل إخْرَاجهَا بَطل فِي قدرهَا إِلَّا إِن بَاعَ مَال تِجَارَة بِلَا مُحَابَاة فَلَا يبطل لِأَن مُتَعَلق الزَّكَاة الْقيمَة وَهِي لَا تفوت بِالْبيعِ وَسن للْإِمَام أَن يعلم شهرا لأخذ الزَّكَاة وَسن أَن يكون الْمحرم لِأَنَّهُ أول السّنة الشَّرْعِيَّة وَأَن يسم نعم زَكَاة وفيء لِلِاتِّبَاعِ فِي مَحل صلب ظَاهر للنَّاس لَا يكثر شعره وَحرم الوسم فِي الْوَجْه للنَّهْي عَنهُ تَتِمَّة صَدَقَة التَّطَوُّع سنة لما ورد فِيهَا من الْكتاب وَالسّنة وَتحل لَغَنِيّ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتحل لكَافِر وَدفعهَا سرا وَفِي رَمَضَان ولنحو قريب كَزَوْجَة وصديق فجار قريب أقرب فأقرب أفضل وَتحرم بِمَا تحتاجه من نَفَقَة وَغَيرهَا لممونه من نَفسه وَغَيره أَو لدين لَا يظنّ لَهُ وَفَاء لَو تصدق بِهِ وَتسن بِمَا فضل عَن حَاجته لنَفسِهِ وَمؤنَة يَوْمه وَلَيْلَته وَفصل كسوته ووفاء دينه إِن صَبر على الإضاقة وَإِلَّا كره كَمَا فِي الْمُهَذّب وَيسن الْإِكْثَار من الصَّدَقَة فِي رَمَضَان وَأَيَّام الْحَاجَات وَعند كسوف وَمرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وسفر وَحج وَجِهَاد وَفِي أزمنة وأمكنة فاضلة كعشر ذِي الْحجَّة وَأَيَّام الْعِيد وَمَكَّة وَالْمَدينَة وَيسن أَن يخص بِصَدَقَتِهِ أهل الْخَيْر والمحتاجين وَلَو كَانَ التَّصْدِيق بِشَيْء يسير فَفِي الصَّحِيحَيْنِ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} وَمن تصدق بِشَيْء كره أَن يَتَمَلَّكهُ من جِهَة من دَفعه إِلَيْهِ بمعاوضة أَو غَيرهَا وَيحرم الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ وَيبْطل بِهِ ثَوَابهَا وَيسن أَن يتَصَدَّق بِمَا يُحِبهُ قَالَ تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} تَعَالَى حِكَايَة عَن مَرْيَم {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} إمساكا وسكوتا عَن الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 كتاب الصّيام تَعْرِيف الصَّوْم وَالْأَصْل مِنْهُ وَالصَّوْم لُغَة الْإِمْسَاك وَمِنْه قَوْله وَشرعا إمْسَاك عَن الْمُفطر على وَجه مَخْصُوص مَعَ النِّيَّة وَالْأَصْل فِي وُجُوبه قبل الْإِجْمَاع آيَة {كتب عَلَيْكُم الصّيام} وَخبر بني الْإِسْلَام على خمس وَفرض فِي شعْبَان فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة وأركانه ثَلَاثَة صَائِم وَنِيَّة وإمساك عَن المفطرات وَيجب صَوْم رَمَضَان بِأحد أَمريْن بإكمال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَو رُؤْيَة الْهلَال لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا ووجوبه مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَمن جحد وُجُوبه فَهُوَ كَافِر إِلَّا أَن يكون قريب عهد بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء وَمن ترك صَوْمه غير جَاحد من غير عذر كَمَرَض وسفر كَأَن قَالَ الصَّوْم وَاجِب عَليّ وَلَكِن لَا أَصوم حبس وَمنع الطَّعَام وَالشرَاب نَهَارا ليحصل لَهُ صُورَة الصَّوْم بذلك وَتثبت رُؤْيَته فِي حق من لم يره بِعدْل شَهَادَة لقَوْل ابْن عمر أخْبرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي رَأَيْت الْهلَال فصَام وَأمر النَّاس بصيامه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ ابْن حبَان وَلما روى التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرُؤْيَتِهِ فَأمر النَّاس بصيامه وَالْمعْنَى فِي ثُبُوته بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاط للصَّوْم وَهِي شَهَادَة حسبَة قَالَت طَائِفَة مِنْهُم الْبَغَوِيّ وَيجب الصَّوْم أَيْضا على من أخبرهُ موثوق بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إِذا اعْتقد صدقه وَإِن لم يذكرهُ عِنْد القَاضِي وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَة أشهد أَنِّي رَأَيْت الْهلَال وَمحل ثُبُوت رَمَضَان بِعدْل فِي الصَّوْم قَالَ الزَّرْكَشِيّ وتوابعه كَصَلَاة التَّرَاوِيح وَالِاعْتِكَاف وَالْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ المعلقين بِدُخُول رَمَضَان لَا فِي غير ذَلِك كَدين مُؤَجل وَوُقُوع طَلَاق وَعتق معلقين بِهِ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ إِن سبق التَّعْلِيق الشَّهَادَة فَلَو حكم القَاضِي بِدُخُول رَمَضَان بِشَهَادَة عدل ثمَّ قَالَ قَائِل إِن ثَبت رَمَضَان فَعَبْدي حر أَو زَوْجَتي طَالِق وَقعا وَمحله أَيْضا إِذا لم يتَعَلَّق بِالشَّاهِدِ فَإِن تعلق بِهِ ثَبت لاعْتِرَافه بِهِ تَنْبِيه يُضَاف إِلَى الرُّؤْيَة وإكمال الْعدة ظن دُخُوله بِالِاجْتِهَادِ عِنْد الِاشْتِبَاه وَالظَّاهِر كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ أَن الْإِمَارَة الدَّالَّة كرؤية الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالمنائر فِي آخر شعْبَان فِي حكم الرُّؤْيَة وَلَا يجب الصَّوْم بقول المنجم وَلَا يجوز وَلَكِن لَهُ أَن يعْمل بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَقَالَ إِنَّه لَا يُجزئهُ عَن فَرْضه لَكِن صحّح فِي الْكِفَايَة أَنه إِذا جَازَ أَجزَأَهُ وَنَقله عَن الْأَصْحَاب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر والحاسب وَهُوَ من يعْتَمد منَازِل الْقَمَر بِتَقْدِير سيره فِي معنى المنجم وَهُوَ من يرى أَن أول الشَّهْر طُلُوع النَّجْم الْفُلَانِيّ وَلَا عِبْرَة أَيْضا بقول من قَالَ أَخْبرنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم بِأَن اللَّيْلَة أول رَمَضَان فَلَا يَصح الصَّوْم بِهِ بِالْإِجْمَاع لفقد ضبط الرَّائِي لَا للشَّكّ فِي الرُّؤْيَة شُرُوط وجوب الصّيام (وشرائط وجوب الصّيام) أَي صِيَام رَمَضَان (ثَلَاثَة أَشْيَاء) بل أَرْبَعَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) وَلَو فِيمَا مضى فَلَا يجب على الْكَافِر الْأَصْلِيّ وجوب مُطَالبَة كَمَا مر فِي الصَّلَاة (و) الثَّانِي (الْبلُوغ) فَلَا يجب على صبي كَالصَّلَاةِ وَيُؤمر بِهِ لسبع إِن أطاقه وَيضْرب على تَركه لعشر (و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا يجب على الْمَجْنُون إِلَّا إِذا أَثم بمزيل عقله من شراب أَو غَيره فَيجب وَيلْزمهُ قَضَاؤُهُ بعد الْإِفَاقَة وَالشّرط الرَّابِع الَّذِي تَركه المُصَنّف إطاقة الصَّوْم فَلَا يجب على من لم يطقه حسا أَو شرعا لكبر أَو لمَرض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو حيض أَو نَحوه تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن شُرُوط الصِّحَّة وَهِي أَرْبَعَة أَيْضا إِسْلَام وعقل ونقاء عَن حيض ونفاس وولادة وَوقت قَابل لَهُ ليخرج العيدان وَأَيَّام التَّشْرِيق كَمَا سَيَأْتِي (وفرائض الصَّوْم أَرْبَعَة أَشْيَاء) الأول (النِّيَّة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ومحلها الْقلب وَلَا تَكْفِي بِاللِّسَانِ قطعا وَلَا يشْتَرط التَّلَفُّظ بهَا قطعا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه لَو تسحر ليتقوى على الصَّوْم لم يكن نِيَّة وَبِه صرح فِي الْعدة وَالْمُعْتَمد أَنه لَو تسحر ليصوم أَو شرب لدفع الْعَطش نَهَارا أَو امْتنع من الْأكل أَو الشّرْب أَو الْجِمَاع خوف طُلُوع الْفجْر كَانَ ذَلِك نِيَّة إِن خطر بِبَالِهِ الصَّوْم بِالصِّفَاتِ الَّتِي يشْتَرط التَّعَرُّض لَهَا لتضمن كل مِنْهَا قصد الصَّوْم وَيشْتَرط لفرض الصَّوْم من رَمَضَان أَو غَيره كقضاء أَو نذر التبييت وَهُوَ إِيقَاع النِّيَّة لَيْلًا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يبيت النِّيَّة قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ وَلَا بُد من التبييت لكل يَوْم لظَاهِر الْخَبَر لِأَن صَوْم كل يَوْم عبَادَة مُسْتَقلَّة لتخلل الْيَوْم بِمَا يُنَاقض الصَّوْم كَالصَّلَاةِ يتخللها السَّلَام وَالصَّبِيّ فِي تبييت النِّيَّة لصِحَّة صَوْمه كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَيْسَ على أصلنَا صَوْم نفل يشْتَرط فِيهِ التبييت إِلَّا هَذَا وَلَا يشْتَرط للتبييت النّصْف الْأَخير من اللَّيْل وَلَا يضر الْأكل وَالْجِمَاع بعْدهَا وَلَا يجب تجديدها إِذا نَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بعْدهَا ثمَّ تنبه لَيْلًا وَيصِح النَّفْل بنية قبل الزَّوَال وَيشْتَرط حُصُول شَرط الصَّوْم من أول النَّهَار بِأَن لَا يسبقها منَاف للصَّوْم ككفر وجماع (و) الثَّانِي (تعْيين النِّيَّة) فِي الْفَرْض بِأَن يَنْوِي كل لَيْلَة أَنه صَائِم غَدا عَن رَمَضَان أَو عَن نذر أَو عَن كَفَّارَة لِأَنَّهُ عبَادَة مُضَافَة إِلَى وَقت فَوَجَبَ التَّعْيِين فِي نِيَّتهَا كالصلوات الْخمس وَخرج بِالْفَرْضِ النَّفْل فَإِنَّهُ يَصح بنية مُطلقَة فَإِن قيل قَالَ فِي الْمَجْمُوع هَكَذَا أطلقهُ الْأَصْحَاب وَيَنْبَغِي اشْتِرَاط التَّعْيِين فِي الصَّوْم الرَّاتِب كعرفة وعاشوراء وَأَيَّام الْبيض وَسِتَّة أَيَّام من شَوَّال كرواتب الصَّلَاة أُجِيب بِأَن الصَّوْم فِي الْأَيَّام الْمَذْكُورَة منصرف إِلَيْهَا بل لَو نوى بِهِ غَيرهَا حصل أَيْضا كتحية الْمَسْجِد لِأَن الْمَقْصُود وجود صَومهَا تَنْبِيه قَضِيَّة سكُوت المُصَنّف عَن التَّعَرُّض للفرضية أَنه لَا يشْتَرط التَّعَرُّض لَهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع تبعا للأكثرين وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الْمِنْهَاج الِاشْتِرَاط وَالْفرق بَين صَوْم رَمَضَان وَبَين الصَّلَاة أَن صَوْم رَمَضَان من الْبَالِغ لَا يَقع إِلَّا فرضا بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِن الْمُعَادَة نفل وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي الْجُمُعَة بِأَن يُصليهَا فِي مَكَان ثمَّ يدْرك جمَاعَة فِي أُخْرَى يصلونها فيصليها مَعَهم فَإِنَّهَا تقع لَهُ نَافِلَة وَلَا يشْتَرط تعْيين السّنة كَمَا لَا يشْتَرط الْأَدَاء لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا وَاحِد وَلَو نوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان صَوْم غَد عَن رَمَضَان إِن كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لم يَقع عَنهُ إِلَّا إِذا اعْتقد كَونه مِنْهُ بقول من يَثِق بِهِ من عبد أَو امْرَأَة أَو فَاسق أَو مراهق فَيصح وَيَقَع عَنهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوع فَلَو نوى صَوْم غَد نفلا إِن كَانَ من شعْبَان وَإِلَّا فَمن رَمَضَان وَلَا أَمارَة فَبَان من شعْبَان صَحَّ صَوْمه نفلا لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ وَإِن بَان من رَمَضَان لم يَصح فرضا وَلَا نفلا وَلَو نوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان صَوْم غَد إِن كَانَ من رَمَضَان أَجزَأَهُ إِن كَانَ مِنْهُ لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ (و) الثَّالِث (الْإِمْسَاك عَن) كل مفطر من (الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع) وَلَو بِغَيْر إِنْزَال لقَوْله تَعَالَى {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} والرفث الْجِمَاع (و) عَن (تعمد الْقَيْء) وَإِن تَيَقّن أَنه لم يرجع شَيْء إِلَى جَوْفه لما سَيَأْتِي (و) الرَّابِع من الشُّرُوط معرفَة طرفِي النَّهَار يَقِينا أَو ظنا لتحقيق إمْسَاك جَمِيع النَّهَار تَنْبِيه انْفَرد المُصَنّف بِهَذَا الرَّابِع وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَوْلهم لَو نوى بعد الْفجْر لم يَصح صَوْمه أَو أكل مُعْتَقدًا أَنه ليل وَكَانَ قد طلع الْفجْر لم يَصح أَيْضا وَكَذَا لَو أكل مُعْتَقدًا أَن اللَّيْل دخل فَبَان خِلَافه لزمَه الْقَضَاء وَحَاصِل ذَلِك أَنه إِذا أفطر أَو تسحر بِلَا تحر وَلم يتَبَيَّن الْحَال صَحَّ فِي تسحره لَا فِي إفطاره لِأَن الأَصْل بَقَاء اللَّيْل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الأولى وَالنَّهَار فِي الثَّانِيَة فَإِن بَان الصَّوَاب فيهمَا صَحَّ صومهما أَو الْغَلَط فيهمَا لم يَصح وَلَو طلع الْفجْر وَفِي فَمه طَعَام فَلم يبلع شَيْئا مِنْهُ بِأَن طَرحه أَو أمْسكهُ بِفِيهِ صَحَّ صَوْمه أَو كَانَ الْفجْر مجامعا فَنزع حَالا صَحَّ صَوْمه وَإِن أنزل لتولده من مُبَاشرَة مُبَاحَة مَا يفْطر بِهِ الصَّائِم (وَالَّذِي يفْطر بِهِ الصَّائِم عشرَة أَشْيَاء) الأول (مَا وصل) من عين وَإِن قلت كسمسمة (عمدا) مُخْتَارًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ (إِلَى) مُطلق (الْجوف) من منفذ مَفْتُوح سَوَاء أَكَانَ يحِيل الْغذَاء أَو الدَّوَاء أم لَا كباطن الْحلق والبطن والأمعاء (و) بَاطِن (الرَّأْس) لِأَن الصَّوْم هُوَ الْإِمْسَاك عَن كل مَا يصل إِلَى الْجوف فَلَا يضر وُصُول دهن أَو كحل بتشرب مسام جَوْفه كَمَا لَا يضر اغتساله بِالْمَاءِ وَإِن وجد أثرا بباطنه وَلَا يضر وُصُول رِيقه من معدنه جَوْفه أَو وُصُول ذُبَاب أَو بعوض أَو غُبَار طَرِيق أَو غربلة دَقِيق جَوْفه لعسر التَّحَرُّز عَنهُ والتقطير فِي بَاطِن الْأذن مفطر وَلَو سبق مَاء الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق إِلَى جَوْفه نظر إِن بَالغ أفطر وَإِلَّا فَلَا وَلَو بَقِي طَعَام بَين أَسْنَانه فَجرى بِهِ رِيقه من غير قصد لم يفْطر إِن عجز عَن تَمْيِيزه ومجه لِأَنَّهُ مَعْذُور فِيهِ غير مفرط وَلَو أوجر كَأَن صب مَاء فِي حلقه مكْرها لم يفْطر وَكَذَا إِن أكره حَتَّى أكل أَو شرب لِأَن حكم اخْتِيَاره سَاقِط وَإِن أكل نَاسِيا لم يفْطر وَإِن كثر لخَبر الصَّحِيحَيْنِ من نسي وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه (و) الثَّانِي (الحقنة) وَهِي بِضَم الْمُهْملَة إِدْخَال دَوَاء أَو نَحوه فِي الدبر فتعبيره بِأَنَّهَا (من أحد السَّبِيلَيْنِ) فِيهِ تجوز فالتقطير فِي بَاطِن الإحليل وَإِدْخَال عود أَو نَحوه فِيهِ مفطر وكالحقنة دُخُول طرف أصْبع فِي الدبر حَالَة الِاسْتِنْجَاء فيفطر بِهِ إِلَّا إِن أَدخل المبسور مقعدته بِأُصْبُعِهِ فَلَا يفْطر بِهِ كَمَا صَححهُ الْبَغَوِيّ لاضطراره إِلَيْهِ (و) الثَّالِث (الْقَيْء عمدا) وَإِن تَيَقّن أَنه لم يرجع مِنْهُ شَيْء إِلَى الْجوف كَأَن تقايأ مُنَكسًا لخَبر ابْن حبَان وَغَيره من ذرعه الْقَيْء أَي غَلبه وَهُوَ صَائِم فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَمن استقاء فليقض وَخرج بقوله عمدا مَا لَو كَانَ نَاسِيا وَلَا بُد أَن يكون عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لذَلِك لم يفْطر كَمَا لَو غَلبه الْقَيْء وَكَذَا لَو اقتلع نخامة من الْبَاطِن ورماها سَوَاء اقتلعها من دماغه أَو من بَاطِنه لِأَن الْحَاجة إِلَى ذَلِك تَتَكَرَّر فَلَو نزلت من دماغه وحصلت فِي حد الظَّاهِر من الْفَم وَهُوَ مخرج الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكَذَا الْمُهْملَة على الرَّاجِح فِي الزَّوَائِد فليقطعها من مجْراهَا وليمجها إِن أمكن فَإِن تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك فوصلت الْجوف أفطر لتَقْصِيره وكالقيء التجشؤ فَإِن تَعَمّده وَخرج شَيْء من معدته إِلَى حد الظَّاهِر أفطر وَإِن غَلبه فَلَا (و) الرَّابِع (الْوَطْء) بِإِدْخَال حشفتة أَو قدرهَا من مقطوعها (عمدا) مُخْتَارًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ (فِي الْفرج) وَلَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره أنزل أم لَا فَلَا يفْطر بِالْوَطْءِ نَاسِيا وَإِن كثر وَلَا بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ إِن قُلْنَا بتصوره وَهُوَ الْأَصَح وَلَا مَعَ جهل تَحْرِيمه كَمَا سبق فِي الْأكل (و) الْخَامِس (الْإِنْزَال) وَلَو قَطْرَة (عَن مُبَاشرَة) بِنَحْوِ لمس كقبلة بِلَا حَائِل لِأَنَّهُ يفْطر بالإيلاج بِغَيْر إِنْزَال فبالإنزال مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 نوع شَهْوَة أولى بِخِلَاف مَا لَو كَانَ بِحَائِل أَو نظر أَو فكر وَلَو بِشَهْوَة لِأَنَّهُ إِنْزَال بِغَيْر مُبَاشرَة كالاحتلام وَحرم نَحْو لمس كقبلة إِن حركت شَهْوَة خوف الْإِنْزَال وَإِلَّا فَتَركه أولى (و) السَّادِس (الْحيض) للْإِجْمَاع على تَحْرِيمه وَعدم صِحَّته قَالَ الإِمَام وَكَون الصَّوْم لَا يَصح مِنْهَا لَا يدْرك مَعْنَاهُ لِأَن الطَّهَارَة لَيست مَشْرُوطَة فِيهِ وَهل وَجب عَلَيْهَا ثمَّ سقط أَو لم يجب أصلا وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء بِأَمْر جَدِيد وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي قَالَ فِي الْبَسِيط وَلَيْسَ لهَذَا الْخلاف فَائِدَة فقهية وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع يظْهر هَذَا وَشبهه فِي الْأَيْمَان والتعاليق بِأَن يَقُول مَتى وَجب عَلَيْك صَوْم فَأَنت طَالِق (و) السَّابِع (النّفاس) لِأَنَّهُ دم حيض مُجْتَمع (و) الثَّامِن (الْجُنُون) لمنافاته الْعِبَادَة (و) التَّاسِع (الرِّدَّة) لمنافاتها الْعِبَادَة وَسكت المُصَنّف عَن بَيَان الْعَاشِر وَالظَّاهِر أَنه الْولادَة فَإِنَّهَا مبطلة للصَّوْم على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما فِي الْمَجْمُوع من إلحاقها بالاحتلام لوضوح الْفرق وَلَعَلَّ المُصَنّف تَركه لهَذَا الْخلاف أَو لنسيان أَو سَهْو (وَيسْتَحب فِي الصَّوْم) وَلَو نفلا أَشْيَاء كَثِيرَة الْمَذْكُورَة مِنْهَا هُنَا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) الأول (تَعْجِيل الْفطر) إِذا تحقق غرُوب الشَّمْس لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا عجلوا الْفطر زَاد الإِمَام أَحْمد وأخروا السّحُور وَلما فِي ذَلِك من مُخَالفَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيكرهُ لَهُ أَن يُؤَخِّرهُ إِن قصد ذَلِك وَرَأى أَن فِيهِ فَضِيلَة وَإِلَّا فَلَا بَأْس بِهِ نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن نَص الإِمَام وَيسن كَونه على رطب فَإِن لم يجده فعلى تمر فَإِن لم يجده فعلى مَاء لخَبر كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْطر قبل أَن يُصَلِّي على رطبات فَإِن لم يكن فعلى تمرات فَإِن لم يكن حسا حسوات من مَاء فَإِنَّهُ طهُور رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَيسن السّحُور لخَبر الصَّحِيحَيْنِ تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة وَلخَبَر الْحَاكِم فِي صَحِيحه اسْتَعِينُوا بِطَعَام السحر على صِيَام النَّهَار وبقيلولة النَّهَار على قيام اللَّيْل (و) الثَّانِي (تَأْخِير السّحُور) مَا لم يَقع فِي شكّ فِي طُلُوع الْفجْر لخَبر لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا عجلوا الْفطر وأخروا السّحُور وَلِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّقْوَى على الْعِبَادَة فَإِن شكّ فِي ذَلِك كَأَن تردد فِي بَقَاء اللَّيْل لم يسن التَّأْخِير بل الْأَفْضَل تَركه للْخَبَر الصَّحِيح دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك تَنْبِيه لَو صرح المُصَنّف بسن السّحُور كَمَا ذكرته لَكَانَ أولى فَإِن اسْتِحْبَابه مجمع عَلَيْهِ وَذكر فِي الْمَجْمُوع أَنه يحصل بِكَثِير الْمَأْكُول وقليله فَفِي صَحِيح ابْن حبَان تسحرُوا وَلَو بجرعة مَاء وَيدخل وقته بِنصْف اللَّيْل (و) الثَّالِث (ترك الهجر) وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء ترك الهجران (من الْكَلَام) جَمِيع النَّهَار لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا قَائِما فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا هَذَا أَبُو إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم ويصوم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروه أَن يتَكَلَّم وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلِهَذَا يكره صمت الْيَوْم إِلَى اللَّيْل كَمَا جزم بِهِ صَاحب التَّنْبِيه وَأقرهُ أما الهجر بِضَم الْهَاء وَهُوَ الِاسْم من الإهجار وَهُوَ الإفحاش فِي النُّطْق فَلَيْسَ مُرَاد المُصَنّف إِذْ كَلَامه فِيمَا هُوَ سنة وَترك فحش الْكَلَام من غيبَة وَغَيرهَا وَاجِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَبَعْضهمْ ضبط كَلَام المُصَنّف بِالضَّمِّ وَاعْترض عَلَيْهِ كَمَا اعْترض على الْمِنْهَاج فِي قَوْله فِي المندوبات وليصن لِسَانه عَن الْكَذِب والغيبة فَأن صون اللِّسَان عَن ذَلِك وَاجِب وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى أَنه يسن للصَّائِم من حَيْثُ الصَّوْم فَلَا يبطل صَوْمه بارتكاب ذَلِك بِخِلَاف ارْتِكَاب مَا يجب اجتنابه من حَيْثُ الصَّوْم كالاستقاءة قَالَ السُّبْكِيّ وحديثخمس يفطرن الصَّائِم الْغَيْبَة والنميمة إِلَى آخِره ضَعِيف وَإِن صَحَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَالْمُرَاد بطلَان الثَّوَاب لَا الصَّوْم قَالَ وَمن هُنَا حسن عد الِاحْتِرَاز عَنهُ من آدَاب الصَّوْم وَإِن كَانَ وَاجِبا مُطلقًا وَيسن ترك شَهْوَة لَا تبطل الصَّوْم كشم الرياحين وَالنَّظَر إِلَيْهَا لما فِيهَا من الترفه الَّذِي لَا يُنَاسب حِكْمَة الصَّوْم وَترك نَحْو حجم كفصد لِأَن ذَلِك يُضعفهُ وَترك ذوق طَعَام أَو غَيره خوف وُصُوله حلقه وَترك علك بِفَتْح الْعين لِأَنَّهُ يجمع الرِّيق فَإِن بلعه أفطر فِي وَجه وَإِن أَلْقَاهُ عطشه وَهُوَ مَكْرُوه كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيسن أَن يغْتَسل من حدث أكبر لَيْلًا ليَكُون على طهر من أول الصَّوْم وَأَن يَقُول عقب فطره اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول ذَلِك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَن يكثر تِلَاوَة الْقُرْآن ومدارسته بِأَن يقْرَأ على غَيره وَيقْرَأ غَيره عَلَيْهِ فِي رَمَضَان لما فِي الصَّحِيحَيْنِ إِن جِبْرِيل كَانَ يلقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنة فِي رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ فَيعرض عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن وَأَن يعْتَكف فِيهِ لَا سِيمَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر مِنْهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِك ولرجاء أَن يُصَادف لَيْلَة الْقدر إِذْ هِيَ منحصرة فِيهِ عندنَا أَيَّام يجوز الصّيام فِيهَا (وَيحرم صِيَام خَمْسَة أَيَّام) أَي مَعَ بطلَان صيامها وَهِي (العيدان) الْفطر والأضحى بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى نهي الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي خبر الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيَّام التَّشْرِيق) الثَّلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر وَلَو لمتمتع للنَّهْي عَن صيامها كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي صَحِيح مُسلم أَيَّام منى أكل وَشرب وَذكر الله تَعَالَى (وَيكرهُ صَوْم يَوْم الشَّك) كَرَاهَة تَنْزِيه قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَهُوَ الْمَعْرُوف الْمَنْصُوص الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُعْتَمد فِي الْمَذْهَب تَحْرِيمه كَمَا فِي الرَّوْضَة والمنهاج وَالْمَجْمُوع لقَوْل عمار بن يَاسر من صَامَ يَوْم الشَّك فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنْبِيه يُمكن حمل كَلَام المُصَنّف على كَرَاهَة التَّحْرِيم فيوافق الْمُرَجح فِي الْمَذْهَب (إِلَّا أَن يُوَافق) صَوْمه (عَادَة لَهُ) فِي تطوعه كَأَن كَانَ يسْرد الصَّوْم أَو يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا أَو الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَوَافَقَ صَوْمه يَوْم الشَّك وَله صَوْمه عَن قَضَاء أَو نذر كَنَظِيرِهِ من الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لخَبر لَا تقدمُوا رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَّا رجل كَانَ يَصُوم صوما فليصمه وَقيس بالوارد الْبَاقِي بِجَامِع السَّبَب فَلَو صَامَهُ بِلَا سَبَب لم يَصح كَيَوْم الْعِيد بِجَامِع التَّحْرِيم وَقَوله (أَو يصله بِمَا قبله) مَبْنِيّ على جَوَاز ابْتِدَاء صَوْم النّصْف الثَّانِي من شعْبَان تَطَوّعا وَهُوَ وَجه ضَعِيف وَالأَصَح فِي الْمَجْمُوع تَحْرِيمه بِلَا سَبَب إِن لم يصله بِمَا قبله أَو صَامَهُ عَن قَضَاء أَو نذر أَو وَافق عَادَة لَهُ لخَبر إِذا انتصف شعْبَان فَلَا تَصُومُوا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره فعلى هَذَا لَا يَكْفِي وصل صَوْم يَوْم الشَّك إِلَّا بِمَا قبل النّصْف الثَّانِي وَلَو وصل النّصْف الثَّانِي بِمَا قبله ثمَّ أفطر فِيهِ حرم عَلَيْهِ الصَّوْم إِلَّا أَن يكون لَهُ عَادَة قبل النّصْف الثَّانِي فَلهُ صَوْم أَيَّامهَا فَإِن قيل هلا اسْتحبَّ صَوْم يَوْم الشَّك إِذا أطبق الْغَيْم خُرُوجًا من خلاف الإِمَام أَحْمد حَيْثُ قَالَ بِوُجُوب صَوْمه حِينَئِذٍ أُجِيب بِأَنا لَا نراعي الْخلاف إِذا خَالف سنة صَرِيحَة وَهِي هُنَا خبر إِذا غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ وَيَوْم الشَّك هُوَ يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان إِذا تحدث النَّاس بِرُؤْيَتِهِ أَو شهد بهَا عدد ترد شَهَادَتهم كصبيان أَو نسَاء أَو عبيد أَو فسقة وَظن صدقهم كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا لم يَصح صَوْمه عَن رَمَضَان لِأَنَّهُ لم يثبت كَونه مِنْهُ نعم من اعْتقد صدق من قَالَ إِنَّه رَآهُ مِمَّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ذكر يجب عَلَيْهِ الصَّوْم كَمَا تقدم عَن الْبَغَوِيّ فِي طَائِفَة أول الْبَاب وَتقدم فِي أَثْنَائِهِ صِحَة نِيَّة المعتقد لذَلِك وَوُقُوع الصَّوْم عَن رَمَضَان إِذا تبين كَونه مِنْهُ فَلَا تنَافِي بَين مَا ذكر فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة لِأَن يَوْم الشَّك الَّذِي يحرم صَوْمه هُوَ على من لم يظنّ الصدْق هَذَا مَوضِع وَأما من ظَنّه أَو اعتقده صحت النِّيَّة مِنْهُ وَوَجَب عَلَيْهِ الصَّوْم وَهَذَانِ موضعان فَقَوْل الْإِسْنَوِيّ إِن كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب متناقض من ثَلَاثَة أوجه فِي مَوضِع يجب وَفِي مَوضِع يجوز وَفِي مَوضِع يمْتَنع مَمْنُوع أما إِذا لم يتحدث أحد بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْم يَوْم شكّ بل هُوَ من شعْبَان وَإِن أطبق الْغَيْم لخَبر فَإِن غم عَلَيْكُم فرع الْفطر بَين الصومين وَاجِب إِذْ الْوِصَال فِي الصَّوْم فرضا كَانَ أَو نفلا حرَام للنَّهْي عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَن يَصُوم يَوْمَيْنِ فَأكْثر وَلَا يتَنَاوَل بِاللَّيْلِ مطعوما عمدا بِلَا عذر ذكره فِي الْمَجْمُوع وَقَضيته أَن الْجِمَاع وَنَحْوه لَا يمْنَع الْوِصَال لَكِن فِي الْبَحْر هُوَ أَن يستديم جَمِيع أَوْصَاف الصائمين وَذكر الْجِرْجَانِيّ وَابْن الصّلاح نَحوه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر ثمَّ شرع فِيمَا تجب بِهِ الْكَفَّارَة فَقَالَ (وَمن وطىء) بتغييب جَمِيع الْحَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها (عَامِدًا) مُخْتَارًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ (فِي الْفرج) وَلَو دبرا من آدَمِيّ أَو غَيره (فِي نَهَار رَمَضَان) وَلَو قبل تَمام الْغُرُوب وَهُوَ مُكَلّف صَائِم آثم بِالْوَطْءِ بِسَبَب الصَّوْم (فَعَلَيهِ) وعَلى الْمَوْطُوءَة المكلفة (الْقَضَاء) لإفساد صومهما بِالْجِمَاعِ (و) عَلَيْهِ وَحده (الْكَفَّارَة) دونهَا لنُقْصَان صَومهَا بتعرضه للبطلان بعروض الْحيض أَو نَحوه فَلم تكمل حرمته حَتَّى تتَعَلَّق بهَا الْكَفَّارَة فتختص بِالرجلِ الواطىء وَلِأَنَّهَا غرم مَا لي يتَعَلَّق بِالْجِمَاعِ كالمهر فَلَا يجب على الْمَوْطُوءَة وَلَا على الرجل الموطوء كَمَا نَقله ابْن الرّفْعَة واللواط وإتيان الْبَهِيمَة حكم الْجِمَاع فِيمَا ذكر كَمَا شَمله مَا ذكر فِي الْحَد فَخرج بِقَيْد الْوَطْء الْفطر بِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَالشرب والاستمناء والمباشرة فِيمَا دون الْفرج المفضية إِلَى الْإِنْزَال فَلَا كَفَّارَة بِهِ وبقيد جَمِيع الْحَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها إِدْخَال بَعْضهَا فَلَا كَفَّارَة بِهِ لعدم فطره بِهِ وبقيد الْعمد النسْيَان لِأَن صَوْمه لم يفْسد بذلك وبالاختيار الْإِكْرَاه لما ذكر وبعلم التَّحْرِيم جَهله لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نشئه بمَكَان بعيد عَن الْعلمَاء فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لعدم فطره بِهِ نعم لَو علم التَّحْرِيم وَجَهل وجوب الْكَفَّارَة وَجَبت عَلَيْهِ إِذْ كَانَ من حَقه أَن يمْتَنع وبالفرج الْوَطْء فِيمَا دونه فَلَا كَفَّارَة فِيهِ إِذا أنزل وبنهار رَمَضَان غَيره كَصَوْم نذر أَو كَفَّارَة فِيهِ لِأَن ذَلِك من خُصُوص رَمَضَان وبالمكلف الصَّبِي فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة لعدم وجوب الصَّوْم عَلَيْهِ وبالصائم مَا لَو أفطر بِغَيْر وَطْء ثمَّ وطىء أَو نسي النِّيَّة وَأصْبح ممسكا ووطىء فَلَا كَفَّارَة حِينَئِذٍ وبالإثم مَا لَو وطىء الْمَرِيض أَو الْمُسَافِر وَلَو بِغَيْر نِيَّة الترخيص وَمَا لَو ظن وَقت الْجِمَاع بَقَاء اللَّيْل أَو شكّ فِيهِ أَو ظن بِاجْتِهَاد دُخُوله فَبَان جمَاعه نَهَارا لم تلْزمهُ كَفَّارَة لانْتِفَاء الْإِثْم وَلَا كَفَّارَة على من جَامع عَامِدًا بعد الْأكل نَاسِيا وَظن أَنه أفطر بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ يعْتَقد أَنه غير صَائِم وَإِن كَانَ الْأَصَح بطلَان صَوْمه بِهَذَا الْجِمَاع كَمَا لَو جَامع على ظن بَقَاء اللَّيْل فَبَان خِلَافه وَلَا على مُسَافر أفطر بِالزِّنَا مترخصا لِأَن الْفطر جَائِز لَهُ وإثمه بِسَبَب الزِّنَا لَا بِالصَّوْمِ تَنْبِيه قيد فِي الرَّوْضَة الْجِمَاع بالتام تبعا للغزالي احْتِرَازًا من الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تفطر بِدُخُول شَيْء من الذّكر فِي فرجهَا وَلَو دون الْحَشَفَة وزيفوه بِخُرُوج ذَاك بِالْجِمَاعِ إِذْ الْفساد فِيهِ بِغَيْرِهِ وَمن جَامع فِي يَوْمَيْنِ لزمَه كفارتان لِأَن كل يَوْم عبَادَة مُسْتَقلَّة فَلَا تتداخل كفارتان لِأَن كل يَوْم عبَادَة مستقله فَلَا تتداخل كفارتاهما سَوَاء أكفر عَن الْجِمَاع الأول قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الثَّانِي أم لَا كحجتين جَامع فيهمَا فَلَو جَامع فِي جَمِيع أَيَّام رَمَضَان لزمَه كَفَّارَات بعددها فَإِن تكَرر الْجِمَاع فِي يَوْم وَاحِد فَلَا تعدد وَإِن كَانَ بِأَرْبَع زَوْجَات وحدوث السّفر وَلَو طَويلا بعد الْجِمَاع لَا يسْقط الْكَفَّارَة لِأَن السّفر المنشأ فِي أثْنَاء النَّهَار لَا يُبِيح الْفطر فَلَا يُؤثر فِيمَا وَجب من الْكَفَّارَة وَكَذَا حُدُوث الْمَرَض لَا يُسْقِطهَا لِأَن الْمَرَض لَا يُنَافِي الصَّوْم فَيتَحَقَّق هتك حرمته (وَهِي) أَي الْكَفَّارَة الْمَذْكُورَة مرتبَة فَيجب أَولا (عتق رَقَبَة مُؤمنَة) سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ وَالْكَسْب كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الظِّهَار (فَإِن لم يجدهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن لم يسْتَطع) صومهما (فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا) أَو فَقير لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَلَكت قَالَ وَمَا أهْلكك قَالَ واقعت امْرَأَتي فِي رَمَضَان قَالَ هَل تَجِد مَا تعْتق رَقَبَة قَالَ لَا قَالَ فَهَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ لَا قَالَ فَهَل تَجِد مَا تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا ثمَّ جلس فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق فِيهِ تمر فَقَالَ تصدق بِهَذَا فَقَالَ على أفقر منا يَا رَسُول الله فوَاللَّه مَا بَين لابتيها أَي جبليها أهل بَيت أحْوج إِلَيْهِ منا فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت أنيابه ثمَّ قَالَ اذْهَبْ فأطعمه أهلك والعرق بِفَتْح الْعين وَالرَّاء مكتل ينسج من خوص النّخل وَكَانَ فِيهِ قدر خَمْسَة عشر صَاعا وَقيل عشرُون وَلَو شرع فِي الصَّوْم ثمَّ وجد الرَّقَبَة ندب عتقهَا وَلَو شرع فِي الْإِطْعَام ثمَّ قدر على الصَّوْم ندب لَهُ فَلَو عجز عَن جَمِيع الْخِصَال الْمَذْكُورَة اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة فِي ذمَّته لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الْأَعرَابِي بِأَن يكفر بِمَا دَفعه إِلَيْهِ مَعَ إخْبَاره بعجزه فَدلَّ على أَنَّهَا ثَابِتَة فِي الذِّمَّة لِأَن حُقُوق الله تَعَالَى الْمَالِيَّة إِذا عجز عَنْهَا العَبْد وَقت وُجُوبهَا فَإِن كَانَت لَا بِسَبَب مِنْهُ كَزَكَاة الْفطر لم تَسْتَقِر وَإِن كَانَت بِسَبَب مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذمَّته سَوَاء أَكَانَت على وَجه الْبَدَل كجزاء الصَّيْد وفدية الْحلق أَو لَا ككفارة الْقَتْل وَالظِّهَار وَالْيَمِين وَالْجِمَاع وَدم التَّمَتُّع وَالْقرَان فَإِن قيل لَو اسْتَقَرَّتْ لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المواقع بإخراجها بعد أُجِيب بِأَن تَأْخِير الْبَيَان لوقت الْحَاجة جَائِز وَهُوَ وَقت الْقُدْرَة فَإِذا قدر على خصْلَة مِنْهَا فعلهَا كَمَا لَو كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا وَقت الْوُجُوب فَإِن قدر على أَكثر رتب وَله الْعُدُول عَن الصَّوْم إِلَى الْإِطْعَام لشدَّة الغلمة وَهِي بغين مُعْجمَة وَلَام سَاكِنة شدَّة الْحَاجة للنِّكَاح وَلَا يجوز للْفَقِير صرف كَفَّارَته إِلَى عِيَاله كالزكوات وَسَائِر الْكَفَّارَات وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَبَر أطْعمهُ أهلك فَفِي الْأُم كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ يحْتَمل أَنه لما أخبرهُ بفقره صرفه لَهُ صَدَقَة وَفِي ذَلِك أجوبة أخر ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره (وَمن مَاتَ) مُسلما كَمَا قيد بِهِ فِي الْقُوت (وَعَلِيهِ صِيَام) من رَمَضَان أَو نذر أَو كَفَّارَة قبل إِمْكَان الْقَضَاء بِأَن اسْتمرّ مَرضه أَو سَفَره الْمُبَاح إِلَى مَوته فَلَا تدارك للفائت بالفدية وَلَا بِالْقضَاءِ لعدم تَقْصِيره وَلَا إِثْم بِهِ لِأَنَّهُ فرض لم يتَمَكَّن مِنْهُ إِلَى الْمَوْت فَسقط حكمه كَالْحَجِّ هَذَا إِذا كَانَ الْفَوات بِعُذْر كَمَرَض وَسَوَاء اسْتمرّ إِلَى الْمَوْت أم حصل الْمَوْت فِي رَمَضَان وَلَو بعد زَوَال الْعذر أما غير الْمَعْذُور وَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالْفطرِ فَإِنَّهُ يَأْثَم ويتدارك عَنهُ بالفدية كَمَا صرح بِهِ الرَّافِعِيّ فِي بَاب النّذر وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن من الْقَضَاء وَلم يقْض (أطْعم عَنهُ وليه) من تركته (لكل يَوْم) فَاتَهُ صَوْمه (مد طَعَام) وَهُوَ رَطْل وَثلث بالرطل الْبَغْدَادِيّ كَمَا مر وبالكيل الْمصْرِيّ نصف قدح من غَالب قوت بَلَده لخَبر من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام شهر فليطعم عَنهُ وليه مَكَان كل يَوْم مِسْكينا وَلَا يجوز أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 يَصُوم عَنهُ وليه فِي الْجَدِيد لِأَن الصَّوْم عبَادَة بدنية لَا تدْخلهَا النِّيَابَة فِي الْحَيَاة فَكَذَلِك بعد الْمَوْت كَالصَّلَاةِ وَفِي الْقَدِيم يجوز لوَلِيِّه أَن يَصُوم عَنهُ بل ينْدب لَهُ وَيجوز لَهُ الْإِطْعَام فَلَا بُد من التَّدَارُك على الْقَوْلَيْنِ وَالْقَدِيم هُنَا هُوَ الْأَظْهر الْمُفْتى بِهِ للْأَخْبَار الصَّحِيحَة الدَّالَّة عَلَيْهِ كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه قَالَ النَّوَوِيّ وَلَيْسَ للجديد حجَّة من السّنة وَالْخَبَر الْوَارِد بِالْإِطْعَامِ ضَعِيف وَمَعَ ضعفه فالإطعام لَا يمْتَنع عِنْد الْقَائِل بِالصَّوْمِ وعَلى الْقَدِيم الْوَلِيّ الَّذِي يَصُوم عَنهُ كل قريب للْمَيت وَإِن لم يكن عاصبا وَلَا وَارِثا وَلَا ولي مَال على الْمُخْتَار لما فِي خبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لامْرَأَة قَالَت لَهُ إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم نذر أفأصوم عَنْهَا قَالَ صومي عَن أمك قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَهَذَا يبطل احْتِمَال ولَايَة المَال والعصوبة وَقد قيل بِكُل مِنْهُمَا فَإِن اتّفقت الْوَرَثَة على أَن يَصُوم وَاحِد جَازَ فَإِن تنازعوا فَفِي فَوَائِد الْمُهَذّب للفارقي أَنه يقسم على قدر مواريثهم وعَلى الْقَدِيم لَو صَامَ عَنهُ أَجْنَبِي بِإِذْنِهِ بِأَن أوصى بِهِ أَو بِإِذن قَرِيبه صَحَّ قِيَاسا على الْحَج قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمذهب الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه لَو صَامَ عَنهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ يَوْمًا وَاحِدًا أَجزَأَهُ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِر الَّذِي اعتقده وَخرج بِقَيْد الْمُسلم فِيمَا مر مَا لَو ارْتَدَّ وَمَات لم يصم عَنهُ وَيتَعَيَّن الْإِطْعَام قطعا كَمَا قَالَه فِي الْقُوت وَلَو مَاتَ الْمُسلم وَعَلِيهِ صَلَاة أَو اعْتِكَاف لم يفعل ذَلِك عَنهُ وَلَا فديَة لَهُ لعدم وُرُودهَا وَيسْتَثْنى من ذَلِك رَكعَتَا الطّواف فَإِنَّهُمَا تجوزان تبعا لِلْحَجِّ وَمَا لَو نذر أَن يعْتَكف صَائِما فَإِن الْبَغَوِيّ قَالَ فِي التَّهْذِيب إِن قُلْنَا لَا يفرد الصَّوْم عَن الِاعْتِكَاف أَي وَهُوَ الْأَصَح وَقُلْنَا بِصَوْم الْوَلِيّ فَهَذَا يعْتَكف عَنهُ صَائِما وَإِن كَانَت النِّيَابَة لَا تجزىء فِي الِاعْتِكَاف (وَالشَّيْخ) وَهُوَ من جَاوز الْأَرْبَعين والعجوز وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (إِن عجز) كل مِنْهُم (عَن الصَّوْم) بِأَن كَانَ يلْحقهُ بِهِ مشقة شَدِيدَة (يفْطر وَيطْعم) إِن كَانَ حرا (عَن كل يَوْم مدا) لقَوْله تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} فَإِن كلمة لَا مقدرَة أَي لَا يطيقُونَهُ أَو أَن المُرَاد يطيقُونَهُ حَال الشَّبَاب ثمَّ يعجزون عَنهُ بعد الْكبر تَنْبِيه قَضِيَّة إِطْلَاق المُصَنّف أَنه لَا فرق فِي وجوب الْفِدْيَة بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَفَائِدَته استقرارها فِي ذمَّة الْفَقِير وَهُوَ الْأَصَح على مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَقَول الْمَجْمُوع يَنْبَغِي أَن يكون الْأَصَح هُنَا عَكسه لِأَنَّهُ عَاجز حَالَة التَّكْلِيف بالفدية مَرْدُود بِأَن حق الله تَعَالَى المالي إِذا عجز عَنهُ العَبْد وَقت الْوُجُوب يثبت فِي ذمَّته وَهل الْفِدْيَة فِي حق من ذكر بدل عَن الصَّوْم أَو وَاجِبَة ابْتِدَاء وَجْهَان فِي أصل الرَّوْضَة أصَحهمَا فِي الْمَجْمُوع الثَّانِي وَخرج بِالْحرِّ الرَّقِيق فَلَا فديَة عَلَيْهِ إِذا أفطر لكبر أَو مرض وَمَات رَقِيقا (وَالْحَامِل) وَلَو من زنا (والمرضع) وَلَو مستأجرة أَو متبرعة (إِذا خافتا) الْوَلَد (أفطرتا) أَي وَجب عَلَيْهِمَا الْإِفْطَار (و) وَجب (عَلَيْهِمَا الْقَضَاء) بِلَا فديَة كَالْمَرِيضِ فَإِن قيل إِذا خافتا على أَنفسهمَا مَعَ ولديهما فَهُوَ فطر ارتفق بِهِ شخصان فَكَانَ يَنْبَغِي الْفِدْيَة قِيَاسا على مَا سَيَأْتِي أُجِيب بِأَن الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {وَمن كَانَ مَرِيضا} إِلَى آخرهَا وَردت من حُصُول ضَرَر بِالصَّوْمِ كالضرر الْحَاصِل للْمَرِيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (على أَنفسهمَا) وَلَو مَعَ فِي عدم الْفِدْيَة فِيمَا إِذا أفطرتا خوفًا على أَنفسهمَا فَلَا فرق بَين أَن يكون الْخَوْف مَعَ غَيرهمَا أم لَا (وَإِن خافتا) مِنْهُ (على أولادهما) فَقَط بِأَن تخَاف الْحَامِل من إِسْقَاطه أَو الْمُرْضع بِأَن يقل اللَّبن فَيهْلك الْوَلَد (أفطرتا) أَيْضا (و) وَجب (عَلَيْهِمَا الْقَضَاء) للافطار (وَالْكَفَّارَة) وَإِن كَانَتَا مسافرتين أَو مريضتين لما روى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة} أَنه نسخ حكمه إِلَّا فِي حَقّهمَا حِينَئِذٍ وَالْقَوْل بنسخه قَول أَكثر الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم إِنَّه مُحكم غير مَنْسُوخ بتأويله بِمَا مر فِي الِاحْتِجَاج بِهِ تَنْبِيه يلْحق بالمرضع فِي إِيجَاب الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء من أفطر لإنقاذ آدَمِيّ مَعْصُوم أَو حَيَوَان مُحْتَرم مشرف على الْهَلَاك بغرق أَو غَيره فَيجب عَلَيْهِ الْفطر إِذا لم يُمكنهُ تخليصه إِلَّا بفطره فَهُوَ فطر ارتفق بِهِ شخصان وَهُوَ حُصُول الْفطر للْمُضْطَر والخلاص لغيره فَلَو أفطر لتخليص مَال فَلَا فديَة لِأَنَّهُ لم يرتفق بِهِ إِلَّا شخص وَاحِد وَلَا يجب الْفطر لأَجله بل هُوَ جَائِز بِخِلَاف الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم فَإِنَّهُ يرتفق بِالْفطرِ شخصان وَإِن نظر بَعضهم فِي الْبَهِيمَة لأَنهم نزلُوا الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم فِي وجوب الدّفع عَنهُ منزلَة الْآدَمِيّ الْمَعْصُوم وَلَا يلْحق بالحامل والمرضع فِي لُزُوم الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء الْمُتَعَدِّي بفطر رَمَضَان بِغَيْر جماع بل يلْزمه الْقَضَاء فَقَط وَمن أخر قَضَاء رَمَضَان مَعَ إِمْكَانه حَتَّى دخل رَمَضَان آخر لزمَه مَعَ الْقَضَاء لكل يَوْم مد لِأَن سِتَّة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَالُوا بذلك وَلَا مُخَالف لَهُم وَيَأْثَم بِهَذَا التَّأْخِير قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَيلْزمهُ الْمَدّ بِدُخُول رَمَضَان أما من لم يُمكنهُ الْقَضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 لاستمرار عذره حَتَّى دخل رَمَضَان فَلَا فديَة عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِير فَائِدَة وجوب الْفِدْيَة هُنَا للتأخير وفدية الشَّيْخ الْهَرم وَنَحْوه لأصل الصَّوْم وفدية الْمُرْضع وَالْحَامِل لتفويت فَضِيلَة الْوَقْت وبتكرير الْمَدّ إِذا لم يُخرجهُ بِتَكَرُّر السنين لِأَن الْحُقُوق الْمَالِيَّة لَا تتداخل وَلَو أخر قَضَاء رَمَضَان مَعَ إِمْكَانه حَتَّى دخل رَمَضَان آخر فَمَاتَ أخرج من تركته على الْجَدِيد السَّابِق لكل يَوْم مدان مد لفَوَات الصَّوْم وَمد للتأخير وعَلى الْقَدِيم وَهُوَ صَوْم الْوَلِيّ إِذا صَامَ حصل تدارك أصل الصَّوْم وَوَجَب فديَة للتأخير (وَالْكَفَّارَة) أَن يخرج (عَن كل يَوْم مد وَهُوَ) كَمَا سبق (رَطْل وَثلث بالعراقي) أَي الْبَغْدَادِيّ وبالكيل نصف قدح بالمصري ومصرف الْفِدْيَة الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَقَط دون بَقِيَّة الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَارَّة فِي قسم الصَّدقَات لقَوْله تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} وَالْفَقِير أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فَإِذا جَازَ صرفهَا إِلَى الْمِسْكِين فالفقير أولى وَلَا يجب الْجمع بَينهمَا وَله الصّرْف أَمْدَاد من الْفِدْيَة إِلَى شخص وَاحِد لِأَن كل يَوْم عبَادَة مُسْتَقلَّة فالأمداد بِمَنْزِلَة الْكَفَّارَات بِخِلَاف الْمَدّ الْوَاحِد لَا يجوز صرفه إِلَى شَخْصَيْنِ لِأَن كل مد فديَة تَامَّة وَقد أوجب الله تَعَالَى صرف الْفِدْيَة إِلَى الْوَاحِد فَلَا ينقص عَنْهَا وَلَا يلْزم مِنْهُ امْتنَاع صرف فديتين إِلَى شخص وَاحِد كَمَا لَا يمْتَنع أَن يَأْخُذ الْوَاحِد من زكوات مُتعَدِّدَة وجنس الْفِدْيَة جنس الْفطْرَة ونوعها وصفتها وَقد سبق بَيَان ذَلِك فِي زَكَاة الْفطر وَيعْتَبر فِي الْمَدّ الَّذِي توجبه هُنَا فِي الْكَفَّارَات أَن يكون فَاضلا عَن قوته كَزَكَاة الْفطر قَالَه الْقفال فِي فَتَاوِيهِ وَكَذَا عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من مسكن وخادم تَنْبِيه تَعْجِيل فديَة التَّأْخِير قبل دُخُول رَمَضَان الثَّانِي ليؤخر الْقَضَاء مَعَ الْإِمْكَان جَائِز فِي الْأَصَح كتعجيل الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث الْمحرم وَيحرم التَّأْخِير وَلَا شَيْء على الْهَرم وَلَا الزَّمن وَلَا من اشتدت مشقة الصَّوْم عَلَيْهِ لتأخير الْفِدْيَة إِذا أخروها عَن السّنة الأولى وَلَيْسَ لَهُم وَلَا للحامل وَلَا للمرضع تَعْجِيل فديَة يَوْمَيْنِ فَأكْثر كَمَا لَا يجوز تَعْجِيل الزَّكَاة لعامين بِخِلَاف مَا لَو عجل من ذكر فديَة يَوْم فِيهِ أَو فِي ليلته فَإِنَّهُ جَائِز (وَالْمَرِيض) وَإِن تعدى بِسَبَبِهِ (وَالْمُسَافر) سفرا طَويلا مُبَاحا (يفطران) بنية الترخيص (ويقضيان) لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر} أَي فَأفْطر {فَعدَّة من أَيَّام أخر} وَلَا بُد فِي فطر الْمَرِيض من مشقة تبيح لَهُ التَّيَمُّم فَإِن خَافَ على نَفسه الْهَلَاك أَو ذهَاب مَنْفَعَة عُضْو وَجب عَلَيْهِ الْفطر قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ثمَّ إِن كَانَ الْمَرَض مطبقا فَلهُ ترك النِّيَّة أَو متقطعا كَأَن كَانَ يحم وقتا دون وَقت نظر إِن كَانَ محموما وَقت الشُّرُوع جَازَ لَهُ ترك النِّيَّة وَإِلَّا فَعَلَيهِ أَن يَنْوِي فَإِن عَاد الْمَرَض وَاحْتَاجَ إِلَى الْإِفْطَار أفطر وَلمن غلب عَلَيْهِ الْجُوع أَو الْعَطش حكم الْمَرِيض وَأما الْمُسَافِر السّفر الْمَذْكُور فَيجوز لَهُ الْفطر وَإِن لم يتَضَرَّر بِهِ وَلَكِن الصَّوْم أفضل لما فِيهِ من بَرَاءَة الذِّمَّة وَعدم إخلاء الْوَقْت عَن الْعِبَادَة وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَر من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِذا تضرر بِهِ لنَحْو مرض أَو ألم يشق عَلَيْهِ احْتِمَاله فالفطر أفضل لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا صَائِما فِي السّفر قد ظلل عَلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر نعم إِن خَافَ من الصَّوْم تلف نفس أَو عُضْو أَو مَنْفَعَة حرم عَلَيْهِ الصَّوْم كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى وَلَو لم يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ فِي الْحَال وَلَكِن يخَاف الضعْف لَو صَامَ وَكَانَ سفر حج أَو غَزْو فالفطر أفضل كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي كتاب الصَّوْم عَن التَّتِمَّة وَأقرهُ تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن صَوْم التَّطَوُّع وَهُوَ مُسْتَحبّ لما فِي الصَّحِيحَيْنِ من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله باعد الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا ويتأكد صَوْم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتحَرَّى صومهما وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تعرض فيهمَا الْأَعْمَال فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم وَصَوْم يَوْم عَرَفَة وَهُوَ تَاسِع ذِي الْحجَّة لغير الْحَاج لخَبر مُسلم صِيَام يَوْم عَرَفَة يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالَّتِي بعده وَصَوْم عَاشُورَاء وَهُوَ عَاشر الْمحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوْم يَوْم عَاشُورَاء أحتسب على الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَصَوْم تاسوعاء وَهُوَ تَاسِع الْمحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن بقيت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع فَمَاتَ قبله وَصَوْم سِتَّة من شَوَّال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ رَمَضَان ثمَّ أتبعه بست من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر وتتابعها عقب الْعِيد وَيكرهُ إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يصم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم يَوْمًا قبله أَو يَوْمًا بعده وَكَذَا إِفْرَاد السبت أَو الْأَحَد لخَبر لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِيمَا افْترض عَلَيْكُم وَلِأَن الْيَهُود تعظم يَوْم السبت وَالنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد وَصَوْم الدَّهْر غير يومي الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق مَكْرُوه لمن خَافَ بِهِ ضَرَرا أَو فَوت حق وَاجِب أَو مُسْتَحبّ ومستحب لغيره لإِطْلَاق الْأَدِلَّة وَيحرم صَوْم الْمَرْأَة تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا بِإِذْنِهِ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا يحل لامْرَأَة أَن تَصُوم وَزوجهَا شَاهد إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمن تلبس بِصَوْم تطوع أَو صَلَاة فَلهُ قطعهمَا أما الصَّوْم فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّائِم المتطوع أَمِير نَفسه إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر وَأما الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فقياسا على الصَّوْم وَمن تلبس بِصَوْم وَاجِب أَو صَلَاة وَاجِبَة حرم عَلَيْهِ قطعه سَوَاء كَانَ قَضَاؤُهُ على الْفَوْر كَصَوْم من تعدى بِالْفطرِ أَو أخر الصَّلَاة بِلَا عذر أم لَا بِأَن لم يكن تعدى بذلك تَتِمَّة أفضل الشُّهُور بعد رَمَضَان شهر الله الْمحرم ثمَّ رَجَب ثمَّ بَاقِي الْأَشْهر الْحرم ثمَّ شعْبَان فصل فِي الِاعْتِكَاف هُوَ لُغَة اللّّبْث وَالْحَبْس وَشرعا اللّّبْث فِي الْمَسْجِد من شخص مَخْصُوص بنية وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتكف الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان ثمَّ اعْتكف الْعشْر الْأَوَاخِر مِنْهُ ولازمه حَتَّى توفاه الله تَعَالَى ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده وَهُوَ من الشَّرَائِع الْقَدِيمَة قَالَ تَعَالَى {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا بَيْتِي للطائفين والعاكفين} وَالِاعْتِكَاف سنة مُؤَكدَة وَهِي (مُسْتَحبَّة) أَي مَطْلُوبَة فِي كل وَقت فِي رَمَضَان وَغَيره بِالْإِجْمَاع ولإطلاق الْأَدِلَّة قَالَ الزَّرْكَشِيّ فقد رُوِيَ من اعْتكف فوَاق نَاقَة فَكَأَنَّمَا أعتق نسمَة وَهُوَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أفضل مِنْهُ فِي غَيره لطلب لَيْلَة الْقدر فيحييها بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة وَكَثْرَة الدُّعَاء فَإِنَّهَا أفضل ليَالِي السّنة قَالَ تَعَالَى {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} الْقدر 3 أَي الْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَهِي منحصرة فِي الْعشْر الْأَوَاخِر كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَأَنَّهَا تلْزم لَيْلَة بِعَينهَا وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن خُزَيْمَة إِنَّهَا منتقلة فِي ليَالِي الْعشْر جمعا بَين الْأَحَادِيث وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوع وَالْمذهب الأول قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَلَا ينَال فَضلهَا إِلَّا من أطلعه الله عَلَيْهَا لَكِن قَالَ الْمُتَوَلِي يسْتَحبّ التَّعَبُّد فِي كل ليَالِي الْعشْر حَتَّى يجوز الْفَضِيلَة على الْيَقِين فَظَاهر هَذَا أَنه يجوز فَضلهَا سَوَاء اطلع عَلَيْهَا أم لَا وَهَذَا أولى نعم حَال من اطلع عَلَيْهَا أكمل إِذا قَامَ بوظائفها وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي جمَاعَة من رَمَضَان فقد أدْرك لَيْلَة الْقدر وميل الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين أَو الثَّالِث وَالْعِشْرين وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَأبي هِيَ لَيْلَة سبع وَعشْرين وَهُوَ مَذْهَب أَكثر أهل الْعلم وفيهَا نَحْو الثَّلَاثِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قولا وَمن علاماتها أَنَّهَا طَلْقَة لَا حارة وَلَا بَارِدَة وتطلع الشَّمْس فِي صبيحتها بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا كثير شُعَاع وَينْدب أَن يكثر فِي لَيْلَتهَا من قَول اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو كريم تحب الْعَفو فَاعْفُ عني وَأَن يجْتَهد فِي يَوْمهَا كَمَا يجْتَهد فِي لَيْلَتهَا وخصت بهَا هَذِه الْأمة وَهِي بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيسن لمن رَآهَا أَن يكتمها (وَله) أَي الِاعْتِكَاف (شَرْطَانِ) أَي ركنان فمراده بِالشّرطِ مَا لَا بُد مِنْهُ بل أَرْكَانه أَرْبَعَة كَمَا ستعرفه الأول (النِّيَّة) بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهِ من الْعِبَادَات وَتجب نِيَّة فَرضِيَّة فِي نَذره ليتميز عَن النَّفْل وَإِن أطلق الِاعْتِكَاف بِأَن لم يقدر لَهُ مُدَّة كفته نِيَّة وَإِن طَال مكثه لَكِن لَو خرج من الْمَسْجِد بِلَا عزم عود وَعَاد جددها سَوَاء أخرج لتبرز أم لغيره لِأَن مَا مضى عبَادَة تَامَّة فَإِن عزم على الْعود كَانَت هَذِه الْعَزِيمَة قَائِمَة مقَام النِّيَّة وَلَو قَيده بِمدَّة كَيَوْم وَشهر وَخرج لغير تبرز وَعَاد جدد النِّيَّة أَيْضا وَإِن لم يطلّ الزَّمن لقطعه الِاعْتِكَاف بِخِلَاف خُرُوجه لتبرز فَإِنَّهُ لَا يجب تجديدها وَإِن طَال الزَّمن فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهُ فَهُوَ كالمستثنى عِنْد النِّيَّة لَا إِن نذر مُدَّة متتابعة فَخرج الْعذر لَا يقطع التَّتَابُع فَلَا يلْزمه تَجْدِيد سَوَاء أخرج لتبرز أم لغيره (و) الثَّانِي (اللّّبْث) بِقدر مَا يُسمى عكوفا أَي إِقَامَة بِحَيْثُ يكون زَمَنهَا فَوق زمن الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَنَحْوه فَلَا يَكْفِي قدرهَا وَلَا يجب السّكُون بل يَكْفِي التَّرَدُّد فِيهِ وَأَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّالِث بقوله (فِي الْمَسْجِد) فَلَا يَصح فِي غَيره لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وللإجماع وَلقَوْله تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَالْجَامِع أولى من بَقِيَّة الْمَسَاجِد لِكَثْرَة الْجَمَاعَة فِيهِ وَلِئَلَّا يحْتَاج إِلَى الْخُرُوج للْجُمُعَة وخروجا من خلاف من أوجبه بل لَو نذر مُدَّة متتابعة فِيهَا يَوْم جُمُعَة وَكَانَ مِمَّن تلْزمهُ الْجُمُعَة وَلم يشْتَرط الْخُرُوج لَهَا وَجب الْجَامِع لِأَن خُرُوجه لَهَا يبطل تتابعه وَلَو عين النَّاذِر فِي نَذره مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو الْأَقْصَى تعين فَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لمزيد فَضلهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيقوم مَسْجِد مَكَّة مقَام الآخرين لمزيد فَضله عَلَيْهِمَا وَيقوم مَسْجِد الْمَدِينَة مقَام الْأَقْصَى لمزيد فَضله عَلَيْهِ فَلَو عين مَسْجِدا غير الثَّلَاثَة لم يتَعَيَّن وَلَو عين زمن الِاعْتِكَاف فِي نَذره تعين والركن الرَّابِع معتكف وَشَرطه إِسْلَام وعقل وخلو عَن حدث أكبر فَلَا يَصح اعْتِكَاف من اتّصف بضد شَيْء مِنْهَا لعدم صِحَة نِيَّة الْكَافِر وَمن لَا عقل لَهُ وَحُرْمَة مكث من بِهِ حدث أكبر بِالْمَسْجِدِ (وَلَا يخرج من) الْمَسْجِد فِي (الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور) وَلَو غير مُقَيّد بِمدَّة وَلَا تتَابع (إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان) من بَوْل وغائط وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 فِي مَعْنَاهُمَا كَغسْل من جَنَابَة وَلَا يضر ذَهَابه لتبرز بدار لَهُ لم يفحش بعْدهَا عَن الْمَسْجِد وَلَا لَهُ دَار أُخْرَى أقرب مِنْهَا أَو فحش وَلم يجد بطريقه مَكَانا لائقا بِهِ فَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِهِ فَلَا يجب تبرزه فِي غير دَاره كسقاية الْمَسْجِد وَدَار صديقه المجاور لَهُ للْمَشَقَّة فِي الأولى والْمنَّة فِي الثَّانِي أما إِذا كَانَ لَهُ دَار أُخْرَى أقرب مِنْهَا أَو فحش بعْدهَا وَوجد بطريقه مَكَانا لائقا بِهِ فَيَنْقَطِع التَّتَابُع بذلك لاغتنائه بالأقرب فِي الأولى وَاحْتِمَال أَن يَأْتِيهِ الْبَوْل فِي رُجُوعه فِي الثَّانِيَة فَيبقى طول يَوْمه فِي الذّهاب وَالرُّجُوع وَلَا يُكَلف فِي خُرُوجه لذَلِك الْإِسْرَاع بل يمشي على سجيته الْمَعْهُودَة وَإِذا فرغ مِنْهُ واستنجى فَلهُ أَن يتَوَضَّأ خَارج الْمَسْجِد لِأَنَّهُ يَقع تَابعا لذَلِك بِخِلَاف مَا لَو خرج لَهُ مَعَ إِمْكَانه فِي الْمَسْجِد فَلَا يجوز وَضبط الْبَغَوِيّ الْفُحْش بِأَن يذهب أَكثر الْوَقْت فِي التبرز إِلَى الدَّار وَلَو عَاد مَرِيضا فِي طَرِيقه أَو زار قادما فِي طَرِيقه لقَضَاء حَاجته لم يضر مَا لم يعدل عَن طَرِيقه وَلم يطلّ وُقُوفه فَإِن طَال أَو عدل انْقَطع بذلك تتابعه وَلَو صلى فِي طَرِيقه على جَنَازَة فَإِن لم ينتظرها وَلم يعدل إِلَيْهَا عَن طَرِيقه جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِخُرُوجِهِ بِعُذْر كنسيان لاعتكافه وَإِن طَال زَمَنه (أَو عذر من حيض) أَو نِفَاس إِن طَالَتْ مُدَّة الِاعْتِكَاف بِأَن كَانَت لَا تَخْلُو عَنهُ غَالِبا أَو جَنَابَة من احْتِلَام لتَحْرِيم الْمكْث فِيهِ حِينَئِذٍ (أَو) عذر (مرض) وَلَو جنونا أَو إِغْمَاء (لَا يُمكن الْمقَام مَعَه) أَي يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد لحَاجَة فرش وخادم وَتردد طَبِيب أَو يخَاف مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد كإسهال وكإدرار بَوْل بِخِلَاف مرض لَا يحوج إِلَى الْخُرُوج كصداع وَحمى خَفِيفَة فَيَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْخرُوجِ لَهُ وَفِي معنى الْمَرَض الْخَوْف من لص أَو حريق وَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِخُرُوج مُؤذن راتب إِلَى مَنَارَة مُنْفَصِلَة عَن الْمَسْجِد قريبَة مِنْهُ للأذان لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة لَهُ مَعْدُودَة من توابعه وَقد اعْتَادَ الرَّاتِب صعودها وَألف النَّاس صَوته فيعذر فِيهِ وَيجْعَل زمن الْأَذَان كالمستثنى من اعْتِكَافه وَيجب فِي اعْتِكَاف منذور متتابع قَضَاء زمن خُرُوجه من الْمَسْجِد لعذر لَا يقطع التَّتَابُع كزمن حيض ونفاس وجنابة غير مفطرة لِأَنَّهُ غير معتكف فِيهِ إِلَّا زمن نَحْو تبرز مِمَّا يطْلب الْخُرُوج لَهُ وَلم يطلّ زَمَنه عَادَة كَأَكْل وَغسل جَنَابَة وأذان مُؤذن راتب فَلَا يجب قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى إِذْ لَا بُد مِنْهُ وَلِأَنَّهُ معتكف فِيهِ بِخِلَاف مَا يطول زَمَنه كَمَرَض وعدة وحيض ونفاس (وَيبْطل) الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور وَغَيره (بِالْوَطْءِ) من عَالم بِتَحْرِيمِهِ ذَاكِرًا للاعتكاف سَوَاء أوطىء فِي الْمَسْجِد أم خَارجه عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 خُرُوجه لقَضَاء حَاجَة أَو نَحْوهَا لمنافاته الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة وَأما الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة فِيمَا دون الْفرج كلمس وقبلة فتبطله إِن أنزل وَإِلَّا فَلَا تبطله لما مر فِي الصَّوْم وَخرج بِالْمُبَاشرَةِ مَا إِذا نظر أَو تفكر فَأنْزل فَإِنَّهُ لَا يبطل وبالشهوة مَا إِذا قبل بِقصد الْإِكْرَام أَو نَحوه أَو بِلَا قصد فَلَا يُبطلهُ إِذا أنزل والاستمناء كالمباشرة وَلَو جَامع نَاسِيا للاعتكاف أَو جَاهِلا فكجماع الصَّائِم نَاسِيا صَوْمه أَو جَاهِلا فَلَا يضر كَمَا مر فِي الصّيام وَلَا يضر فِي الِاعْتِكَاف التَّطَيُّب والتزين وقص شَارِب وَلبس ثِيَاب حَسَنَة وَنَحْو ذَلِك من دواعي الْجِمَاع لِأَنَّهُ لم ينْقل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَركه وَلَا أَمر بِتَرْكِهِ وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على الْإِبَاحَة وَله أَن يتَزَوَّج ويزوج بِخِلَاف الْمحرم وَلَا تكره لَهُ الصَّنَائِع فِي الْمَسْجِد كالخياطة وَالْكِتَابَة مَا لم يكثر مِنْهَا فَإِن أَكثر مِنْهَا كرهت لِحُرْمَتِهِ إِلَّا كِتَابَة الْعلم فَلَا يكره الْإِكْثَار مِنْهَا لِأَنَّهَا طَاعَة كتعليم الْعلم ذكره فِي الْمَجْمُوع وَله أَن يَأْكُل وَيشْرب وَيغسل يَدَيْهِ فِيهِ وَالْأولَى أَن يَأْكُل فِي سفرة أَو نَحْوهَا وَأَن يغسل يَده فِي طست أَو نَحْوهَا ليَكُون أنظف لِلْمَسْجِدِ وَيجوز نضحه بمستعمل خلافًا لما جرى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ من الْحُرْمَة لاتفاقهم على جَوَاز الْوضُوء فِيهِ وَإِسْقَاط مَائه فِي أرضه مَعَ أَنه مُسْتَعْمل وَيجوز الاحتجام والفصد فِي إِنَاء مَعَ الْكَرَاهَة إِذا أَمن تلويث الْمَسْجِد وَيحرم الْبَوْل فِيهِ فِي إِنَاء وَالْفرق بَينه وَبَين مَا تقدم أَن الدَّم أخف مِنْهُ لما مر أَنه يُعْفَى عَنْهَا فِي محلهَا وَإِن كثرت إِذا لم تكن بِفِعْلِهِ وَإِن اشْتغل الْمُعْتَكف بِالْقُرْآنِ وَالْعلم فَزِيَادَة خير لِأَنَّهُ طَاعَة فِي طَاعَة خَاتِمَة يسن للمعتكف الصَّوْم لِلِاتِّبَاعِ وللخروج من خلاف من أوجبه وَلَا يضر الْفطر بل يَصح اعْتِكَاف اللَّيْل وَحده لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت أَن أعتكف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ أوف بِنَذْرِك فاعتكف لَيْلَة وَلخَبَر أنس لَيْسَ على الْمُعْتَكف صِيَام إِلَّا أَن يَجعله على نَفسه وَلَو نذر اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه فَبَان إِنَّه انْقَضى قبل نَذره لم يلْزمه شَيْء لِأَن اعْتِكَاف شهر قد مضى محَال وَهل الْأَفْضَل للمتطوع بالاعتكاف الْخُرُوج لعيادة الْمَرِيض أَو دوَام الِاعْتِكَاف قَالَ الْأَصْحَاب هما سَوَاء وَقَالَ ابْن الصّلاح إِن الْخُرُوج لَهَا مُخَالف للسّنة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يخرج لذَلِك وَكَانَ اعْتِكَافه تَطَوّعا وَقَالَ البُلْقِينِيّ يَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع التَّسْوِيَة فِي عِيَادَة الْأَجَانِب أما ذَوُو الرَّحِم والأقارب والأصدقاء وَالْجِيرَان فَالظَّاهِر أَن الْخُرُوج لعيادتهم أفضل لَا سِيمَا إِذا علم أَنه يشق عَلَيْهِم وَعبارَة القَاضِي الْحُسَيْن مصرحة بذلك وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله تَعَالَى أَعلَى وَأعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 كتاب الْحَج بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسرهَا لُغَتَانِ قرىء بهما فِي السَّبع وَهُوَ لُغَة الْقَصْد وَشرعا قصد الْكَعْبَة للنسك الْآتِي بَيَانه كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ فرض على المستطيع لقَوْله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} الْآيَة وَلِحَدِيث بني الْإِسْلَام على خمس وَلِحَدِيث حجُّوا قبل أَن لَا تَحُجُّوا قَالُوا كَيفَ نحج قبل أَن لَا نحج قَالَ أَن تقعد الْعَرَب على بطُون الأودية فيمنعون النَّاس السَّبِيل وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ يكفر جاحده إِلَّا أَن يكون قريب عهد بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ ببادية بعيدَة عَن الْعلمَاء وَهُوَ من الشَّرَائِع الْقَدِيمَة رُوِيَ أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما حج قَالَ لَهُ جِبْرِيل إِن الْمَلَائِكَة كَانُوا يطوفون قبلك بِهَذَا الْبَيْت بسبعة آلَاف سنة وَقَالَ صَاحب التَّعْجِيز إِن أول من حج آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَإنَّهُ حج أَرْبَعِينَ سنة من الْهِنْد مَاشِيا وَقيل مَا من نَبِي إِلَّا حجه وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لم يبْعَث الله نَبيا بعد إِبْرَاهِيم إِلَّا وَقد حج الْبَيْت وَادّعى بعض من ألف فِي الْمَنَاسِك أَن الصَّحِيح أَنه لم يجب إِلَّا على هَذِه الْأمة وَاخْتلفُوا مَتى فرض فَقيل فرض فِي السّنة الْخَامِسَة من الْهِجْرَة وَجزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام على أَن الْحَج على التَّرَاخِي وَقيل فِي السّنة السَّادِسَة وصححاه فِي كتاب السّير وَنَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَا يجب بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحجّ بعد فرض الْحَج إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَهِي حجَّة الْوَدَاع وَلخَبَر مُسلم أحجنا هَذَا لِعَامِنَا أم لِلْأَبَد قَالَ لَا بل لِلْأَبَد وَأما حَدِيث الله عَلَيْهِ وَسلم من حج حجَّة أدّى فَرْضه وَمن حج ثَانِيَة داين ربه وَمن حج ثَالِثَة حرم الله شعره وبشرته على النَّار وَقد يجب أَكثر من مرّة لعَارض كنذر وَقَضَاء عِنْد إِفْسَاد التَّطَوُّع وَالْعمْرَة فرض فِي الْأَظْهر لقَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} أَي الْبَيْهَقِيّ الْآمِر بِالْحَجِّ فِي كل خَمْسَة أَعْوَام فَمَحْمُول على النّدب لقَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 صلى ائْتُوا بهما تامين وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله هَل على النِّسَاء جِهَاد قَالَ نعم جِهَاد لَا قتال فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة وَأما خبر التِّرْمِذِيّ عَن جَابر سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ لَا وَأَن تعتمر خير قَالَ فِي الْمَجْمُوع اتّفق الْحفاظ على ضعفه وَلَا تجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة شُرُوط وجوب الْحَج (وشرائط وجوب الْحَج) أَي وَالْعمْرَة (سَبْعَة) بل ثَمَانِيَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فَلَا يجبان على كَافِر أُصَلِّي وجوب مُطَالبَة كَمَا فِي الصَّلَاة أما الْمُرْتَد بعد الِاسْتِطَاعَة فَلَا يسقطان عَنهُ فَإِن أسلم مُعسرا اسْتَقر فِي ذمَّته بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَة أَو مُوسِرًا وَمَات قبل التَّمَكُّن حج وَاعْتمر عَنهُ من تركته وَلَو ارْتَدَّ فِي أثْنَاء نُسكه بَطل فِي الْأَصَح فَلَا يمْضِي فِي فاسده (و) الثَّانِي وَالثَّالِث (الْبلُوغ وَالْعقل) فَلَا يجبان على صبي وَلَا مَجْنُون لعدم تكليفهما كَسَائِر الْعِبَادَات (و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة) فَلَا يجبان على من فِيهِ رق لِأَن مَنَافِعه مُسْتَحقَّة لسَيِّده وَفِي إِيجَاب ذَلِك عَلَيْهِ إِضْرَار لسَيِّده (و) الْخَامِس (الِاسْتِطَاعَة) كَمَا يعلم ذَلِك من كَلَامه فَلَا يجبان على غير مستطيع لمَفْهُوم الْآيَة والاستطاعة نَوْعَانِ أَحدهمَا استطاعة مُبَاشرَة وَلها شُرُوط أَحدهَا (وجود الزَّاد) الَّذِي يَكْفِيهِ وأوعيته حَتَّى السفرة وكلفة ذَهَابه لمَكَّة ورجوعه مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 إِلَى وَطنه وَإِن لم يكن فِيهِ أهل وعشيرة فَلَو لم يجد مَا ذكر وَلَكِن كَانَ يكْتَسب فِي سَفَره مَا يَفِي بزاده وَبَاقِي مُؤْنَته وسفره طَوِيل مرحلتان فَأكْثر لم يُكَلف النّسك وَلَو كَانَ يكْسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام لِأَنَّهُ قد يَنْقَطِع عَن الْكسْب لعَارض وَبِتَقْدِير عدم الِانْقِطَاع فالجمع بَين تَعب السّفر وَالْكَسْب فِيهِ مشقة عَظِيمَة وَإِن قصر سَفَره وَكَانَ يكْتَسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام الْحَج كلف الْحَج بِأَن يخرج لَهُ لقلَّة الْمَشَقَّة حِينَئِذٍ وَقدر فِي الْمَجْمُوع أَيَّام الْحَج بِمَا بَين زَوَال سَابِع ذِي الْحجَّة وَزَوَال ثَالِث عشره وَهُوَ فِي حق من لم ينفر النَّفر الأول فَإِن لم يجد زادا وَاحْتَاجَ أَن يسْأَل النَّاس كره لَهُ اعْتِمَادًا على السُّؤَال إِن لم يكن لَهُ كسب وَإِلَّا منع بِنَاء على تَحْرِيم الْمَسْأَلَة للمكتسب كَمَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ (و) الثَّانِي من شُرُوط الِاسْتِطَاعَة وجود (الرَّاحِلَة) الصَّالِحَة لمثله بشرَاء أَو اسْتِئْجَار بِثمن أَو أُجْرَة مثل لمن بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر قدر على الْمَشْي أم لَا لَكِن ينْدب للقادر على الْمَشْي الْحَج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه وَمن بَينه وَبَين مَكَّة دون مرحلَتَيْنِ وَهُوَ قوي على الْمَشْي يلْزمه الْحَج لعدم الْمَشَقَّة فَلَا يعْتَبر فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة فَإِن ضعف عَن الْمَشْي بِأَن عجز أَو لحقه ضَرَر ظَاهر كالبعيد عَن مَكَّة فَيشْتَرط فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة فَإِن لحقه بالراحلة مشقة شَدِيدَة اشْترط محمل وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي يركب فِيهَا بيع أَو إِجَارَة بعوض مثله دفعا للضَّرَر فِي حق الرجل وَلِأَنَّهُ أستر للْأُنْثَى وأحوط للخنثى وَاشْترط شريك أَيْضا مَعَ وجود الْمحمل يجلس فِي الشق الآخر لتعذر ركُوب شقّ لَا يعادله شَيْء فَإِن لم يجده لم يلْزمه النّسك وَإِن وجد مُؤنَة الْمحمل بِتَمَامِهِ أَو كَانَت الْعَادة جَارِيَة فِي مثله بالمعادلة بالأثقال كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَيشْتَرط كَون مَا ذكر من الزَّاد وَالرَّاحِلَة والمحمل وَالشَّرِيك فاضلين عَن دينه حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا وَعَن كلفة من عَلَيْهِ نَفَقَتهم مُدَّة ذَهَابه وإيابه وَعَن مَسْكَنه اللَّائِق بِهِ الْمُسْتَغْرق لِحَاجَتِهِ وَعَن عبد يَلِيق بِهِ وَيحْتَاج إِلَيْهِ لخدمته وَيلْزمهُ صرف مَال تِجَارَته إِلَى الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَمَا يتَعَلَّق بهما (و) الشَّرْط السَّادِس للْوُجُوب (تخلية الطَّرِيق) أَي أَمنه وَلَو ظنا فِي كل مَكَان بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ فَلَو خَافَ فِي طَرِيقه على نَفسه أَو عضوه أَو نفس مُحْتَرمَة مَعَه أَو عضوها أَو مَاله وَلَو يَسِيرا سبعا أَو عدوا أَو رصديا وَلَا طَرِيق لَهُ سواهُ لم يجب النّسك عَلَيْهِ لحُصُول الضَّرَر وَالْمرَاد بالأمن الْعَام حَتَّى لَو كَانَ الْخَوْف فِي حَقه وَحده قضى من تركته كَمَا نَقله البُلْقِينِيّ عَن النَّص وَيجب ركُوب الْبَحْر إِن غلبت السَّلامَة فِي ركُوبه وَتعين طَرِيقا كسلوك طَرِيق الْبر عِنْد غَلَبَة السَّلامَة فَإِن غلب الْهَلَاك أَو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لم يجب بل يحرم لما فِيهِ من الْخطر (و) السَّابِع (إِمْكَان الْمسير) إِلَى مَكَّة بِأَن يكون قد بَقِي من الْوَقْت مَا يتَمَكَّن فِيهِ من السّير الْمُعْتَاد لأَدَاء النّسك وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْأَئِمَّة وَإِن اعْتَرَضَهُ ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ يشْتَرط لاستقراره لَا لوُجُوبه فقد صوب النَّوَوِيّ مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَقَالَ السُّبْكِيّ إِن نَص الشَّافِعِي أَيْضا يشْهد لَهُ وَلَا بُد من وجود رفْقَة يخرج مَعَهم فِي الْوَقْت الَّذِي جرت عَادَة أهل بَلَده الْخُرُوج فِيهِ وَأَن يَسِيرُوا السّير الْمُعْتَاد فَإِن خَرجُوا قبله أَو أخروا الْخُرُوج بِحَيْثُ لَا يصلونَ مَكَّة إِلَّا بِأَكْثَرَ من مرحلة فِي كل يَوْم أَو كَانُوا يَسِيرُونَ فَوق الْعَادة لم يلْزمه الْخُرُوج هَذَا إِن احْتِيجَ إِلَى الرّفْقَة لدفع الْخَوْف فَإِن أَمن الطَّرِيق بِحَيْثُ لَا يخَاف الْوَاحِد فِيهَا لزمَه وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 حَاجَة للرفقة وَلَا نظر إِلَى الوحشة بِخِلَافِهَا فِيمَا مر فِي التَّيَمُّم لِأَنَّهُ لَا بدل لما هُنَا بِخِلَافِهِ ثمَّ (و) الثَّامِن من شُرُوط الْوُجُوب وَهُوَ من شُرُوط الِاسْتِطَاعَة أَن يثبت على الرَّاحِلَة أَو فِي محمل وَنَحْوه بِلَا مشقة شَدِيدَة فَمن لم يثبت عَلَيْهَا أصلا أَو ثَبت فِي محمل عَلَيْهَا لَكِن بِمَشَقَّة شَدِيدَة لكبر أَو نَحوه انْتَفَى عَنهُ استطاعة الْمُبَاشرَة وَلَا تضر مشقة تحْتَمل فِي الْعَادة وَيشْتَرط وجود مَاء وَزَاد بمحال مُعْتَاد حملهما مِنْهَا بِثمن مثل زَمَانا ومكانا وَوُجُود علف دَابَّة كل مرحلة وَخُرُوج نَحْو زوج امْرَأَة كمحرمها أَو عَبدهَا أَو نسْوَة ثِقَات مَعهَا لتأمن على نَفسهَا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوجهَا أَو محرم وَيَكْفِي فِي الْجَوَاز لفرضها امْرَأَة وَاحِدَة وسفرها وَحدهَا إِن أمنت وَلَو كَانَ خُرُوج من ذكر بِأُجْرَة فيلزمها أجرته إِذا لم يخرج إِلَّا بهَا فَيشْتَرط فِي لُزُوم النّسك لَهَا قدرتها على أجرته ويلزمها أُجْرَة الْمحرم كقائد أعمى والمحجور عَلَيْهِ بِسَفَه كَغَيْرِهِ فِي وجوب النّسك عَلَيْهِ فَيصح إِحْرَامه وَينْفق عَلَيْهِ من مَاله لَكِن لَا يدْفع لَهُ المَال لِئَلَّا يبذره بل يخرج مَعَه الْوَلِيّ بِنَفسِهِ إِن شَاءَ لينفق عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق بِالْمَعْرُوفِ أَو ينصب شخصا لَهُ ثِقَة يَنُوب عَن الْوَلِيّ وَلَو بِأُجْرَة مثله إِن لم يجد مُتَبَرعا لينفق عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق بِالْمَعْرُوفِ وَالظَّاهِر أَن أجرته كَأُجْرَة من يخرج مَعَ الْمَرْأَة وَالنَّوْع الثَّانِي استطاعة بِغَيْرِهِ فَتجب إنابة عَن ميت غير مُرْتَد عَلَيْهِ نسك من تركته كَمَا يقْضِي مِنْهَا دُيُونه وَلَو فعله عَنهُ أَجْنَبِي جَازَ وَلَو بِلَا إِذن كَمَا يقْضِي دُيُونه بِلَا إِذن وَعَن معضوب بضاد مُعْجمَة أَي عَاجز عَن النّسك بِنَفسِهِ لكبر أَو غَيره كمشقة شَدِيدَة بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر إِمَّا بِأُجْرَة مثل فضلت عَمَّا مر فِي النَّوْع الأول غير مُؤنَة عِيَاله سفرا إِذا لم يفارقهم يُمكنهُ تَحْصِيل مؤنتهم أَو بِوُجُود مُطِيع بنسك سَوَاء كَانَ أَصله أم فَرعه أَو أَجْنَبِيّا بِشَرْط كَونه غير معضوب موثوقا بِهِ أدّى فَرْضه وَكَون بعضه غير ماش وَلَا معولا على الْكسْب أَو السُّؤَال إِلَّا أَن يكْتَسب فِي يَوْم كِفَايَة أَيَّام وسفره دون مرحلَتَيْنِ فَلَا يجب عَلَيْهِ إنابة مُطِيع بِمَال للأجرة لعظم الْمِنَّة بِخِلَاف الْمِنَّة فِي بذل الطَّاعَة بنسك بِدَلِيل أَن الْإِنْسَان يستنكف عَن الِاسْتِعَانَة بِمَال غَيره وَلَا يستنكف عَن الِاسْتِعَانَة بِبدنِهِ فِي الأشغال تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن شُرُوط صِحَة النّسك فَيشْتَرط لصِحَّته الْإِسْلَام فَلَا يَصح من كَافِر أُصَلِّي أَو مُرْتَد لعدم أَهْلِيَّته لِلْعِبَادَةِ وَلَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف فلولي مَال وَلَو بمأذونه إِحْرَام عَن صَغِير وَلَو مُمَيّز لخَبر مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي ركبا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعت امْرَأَة فَأخذت بعضد صبي صَغِير فَأَخْرَجته من محفتها فَقَالَت يَا رَسُول الله هَل لهَذَا حج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 قَالَ نعم وَلَك أجر وَعَن مَجْنُون قِيَاسا على الصَّغِير وَيشْتَرط للمباشرة مَعَ الْإِسْلَام التَّمْيِيز وَلَو من صَغِير أَو رَقِيق كَمَا فِي سَائِر الْعِبَادَات فللمميز أَن يحرم بِإِذن وليه من أَب ثمَّ جد ثمَّ وَصِيّ ثمَّ حَاكم أَو قيمه وَيشْتَرط لوُقُوعه عَن فرض الْإِسْلَام مَعَ الْإِسْلَام التَّمْيِيز وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَلَو غير مستطيع فيجزىء ذَلِك من فَقير لكَمَال حَاله فَهُوَ كَمَا لَو تكلّف الْمَرِيض الْمَشَقَّة وَحضر الْجُمُعَة لَا من صَغِير ورقيق إِن كملا بعده لخَبر أَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى فالمراتب الْمَذْكُورَة للصِّحَّة وَالْوُجُوب أَربع الْوُجُوب وَالصِّحَّة الْمُطلقَة وَصِحَّة الْمُبَاشرَة والوقوع عَن فرض الْإِسْلَام أَرْكَان الْحَج (وأركان الْحَج أَرْبَعَة) بل سِتَّة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِحْرَام) بِهِ (مَعَ النِّيَّة) أَي نِيَّة الدُّخُول فِي الْحَج لخَبر إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ (و) الثَّانِي (الْوُقُوف بِعَرَفَة) لخَبر الْحَج عَرَفَة (و) الثَّالِث (الطّواف) لقَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} وَالرَّابِع (السَّعْي) لما روى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره بِإِسْنَاد حسن كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل الْقبْلَة فِي الْمَسْعَى وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اسْعوا فَإِن السَّعْي قد كتب عَلَيْكُم (و) الْخَامِس الْحلق أَو التَّقْصِير لتوقف التَّحَلُّل عَلَيْهِ مَعَ عدم جبره بِدَم كالطواف (و) السَّادِس تَرْتِيب الْمُعظم بِأَن يقدم الْإِحْرَام على الْجَمِيع وَالْوُقُوف على طواف الرُّكْن وَالْحلق أَو التَّقْصِير وَالطّواف على السَّعْي إِن لم يفعل بعد طواف الْقدوم وَدَلِيله الِاتِّبَاع مَعَ خبر خُذُوا عني مَنَاسِككُم وَقد عده فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا ركنا وَفِي الْمَجْمُوع شرطا وَالْأول أنسب كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَا دخل للجبر فِي الْأَركان أَرْكَان الْعمرَة وأركان الْعمرَة أَرْبَعَة أَشْيَاء) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (الْإِحْرَام و) الثَّانِي (الطّواف و) الثَّالِث (السَّعْي و) الرَّابِع (الْحلق أَو التَّقْصِير فِي أحد الْقَوْلَيْنِ) الْقَائِل بِأَنَّهُ نسك وَهُوَ الْأَظْهر وَمثله التَّقْصِير وَالْخَامِس التَّرْتِيب فِي جَمِيع أَرْكَانهَا على مَا ذَكرْنَاهُ تَنْبِيهَات الأول الْأَفْضَل أَن يعين فِي إِحْرَامه النّسك الَّذِي يحرم بِهِ بِأَن يَنْوِي حجا أَو عمْرَة أَو كليهمَا فَلَو أحرم بحجتين أَو عمرتين انْعَقَدت وَاحِدَة فَإِن أحرم وَأطلق بِأَن لَا يزِيد على نفس الْإِحْرَام فَإِن كَانَ فِي أشهر الْحَج صرفه إِلَى مَا شَاءَ بِالنِّيَّةِ من النُّسُكَيْنِ أَو كليهمَا إِن صلح الْوَقْت لَهما ثمَّ بعد النِّيَّة يَأْتِي بِمَا شَاءَ فَلَا يجزىء الْعَمَل قبل النِّيَّة فَإِن لم يصلح الْوَقْت لَهما بِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَاتَ وَقت الْحَج صرفه للْعُمْرَة وَإِن كَانَ فِي غير أشهره انْعَقَدت عمْرَة فَلَا يصرفهُ إِلَى الْحَج فِي أشهره لِأَن الْوَقْت لَا يقبل غير الْعمرَة وَيسن النُّطْق بنية وتلبية فَيَقُول بِقَلْبِه وَلسَانه نَوَيْت الْحَج أَو الْعمرَة أَو هما لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك إِلَى آخِره كَمَا سَيَأْتِي وَلَا تسن التَّلْبِيَة فِي طواف وَلَا سعي لِأَن فيهمَا أذكارا خَاصَّة وَيسن الْغسْل للْإِحْرَام ولدخول مَكَّة وللوقوف بِعَرَفَة وبمزدلفة غَدَاة النَّحْر وَفِي أَيَّام التَّشْرِيق للرمي فَإِن عجز عَن الْغسْل تيَمّم وَيسن أَن يطيب مُرِيد الْإِحْرَام بدنه للْإِحْرَام وَلَا بَأْس باستدامته بعد الْإِحْرَام وَلَا يسن تطييب ثَوْبه خلافًا لما فِي الْمِنْهَاج وَيسن خضب يَدي امْرَأَة للْإِحْرَام إِلَى الكوعين بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قد ينكشفان وَمسح وَجههَا بِشَيْء مِنْهُ وَيسن أَن يُصَلِّي مُرِيد الْإِحْرَام فِي غير وَقت الْكَرَاهَة رَكْعَتَيْنِ للْإِحْرَام وَالْأَفْضَل أَن يحرم الشَّخْص إِذا توجه لطريقه وَيسن للْمحرمِ إكثار التَّلْبِيَة فِي دوَام إِحْرَامه وَيرْفَع الذّكر صَوته بهَا وتتأكد عِنْد تَغْيِير الْأَحْوَال كركوب وصعود وهبوط واختلاط رفْقَة وإقبال ليل أَو نَهَار وَوقت سحر ولفظها لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك وَإِذا رأى مَا يُعجبهُ أَو يكرههُ ندب أَن يَقُول لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة وَإِذا فرغ من تلبيته صلى وَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْجنَّة ورضوانه واستعاذ بِهِ من النَّار وَالْأَفْضَل دُخُول مَكَّة قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْأَفْضَل دُخُولهَا من ثنية كداء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَهِي العلياء وَإِن لم تكن بطريقه وَيخرج من ثنية كدى بِالضَّمِّ وَالْقصر وَهِي السُّفْلى والثنية الطَّرِيق الضّيق بَين الجبلين وَإِذا دخل مَكَّة وَرَأى الْكَعْبَة أَو وصل مَحل رؤيتها وَلم يرهَا لعمى أَو ظلمَة أَو نَحْو ذَلِك قَالَ ندبا رَافعا يَدَيْهِ اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وَكَرمه مِمَّن حجه أَو اعتمره تَشْرِيفًا وتكريما وتعظيما وَبرا اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ وَيدخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة وَإِن لم يكن بطريقه وَيبدأ بِطواف الْقدوم إِلَّا لعذر كإقامة جمَاعَة وضيق وَقت صَلَاة وَيخْتَص بِطواف الْقدوم حَلَال وحاج دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف وَمن دخل الْحرم لَا لنسك بل لنَحْو تِجَارَة سنّ لَهُ إِحْرَام بنسك وَاجِبَات الطّواف التَّنْبِيه الثَّانِي وَاجِبَات الطّواف بأنواعه ثَمَانِيَة الأول ستر الْعَوْرَة وَالثَّانِي طهر عَن حدث أَصْغَر وأكبر وَعَن نجس كَمَا فِي الصَّلَاة فَلَو زَالا فِي الطّواف جدد السّتْر وَالطُّهْر وَبنى على طَوَافه وَالثَّالِث جعله الْبَيْت عَن يسَاره مارا من تِلْقَاء وَجهه وَالرَّابِع بدؤه بِالْحجرِ الْأسود محاذيا لَهُ أَو لجزئه فِي مروره بِبدنِهِ فَلَو بَدَأَ بِغَيْرِهِ لم يحْسب مَا طافه فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَو أزيل الْحجر وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَجب محاذاة مَحَله وَلَو مَشى على الشاذروان الْخَارِج عَن عرض جِدَار الْبَيْت أَو مس الْجِدَار فِي موازاته أَو دخل من إِحْدَى فتحتي الْحجر المحوط بَين الرُّكْنَيْنِ الشاميين لم يَصح طَوَافه وَالْخَامِس كَونه سبعا وَالسَّادِس كَونه فِي الْمَسْجِد وَالسَّابِع نِيَّة الطّواف إِن اسْتَقل بِأَن لم يَشْمَلهُ نسك وَالثَّامِن عدم صرفه لغيره كَطَلَب غَرِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وسننه أَن يمشي فِي كُله إِلَّا لعذر كَمَرَض وَأَن يسْتَلم الْحجر الْأسود أول طَوَافه وَأَن يقبله وَيسْجد عَلَيْهِ وَيفْعل بمحله إِذا أزيل وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى كَذَلِك فَإِن عجز عَن التَّقْبِيل اسْتَلم بِيَدِهِ فَإِن عجز عَن استلامه أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ ويراعي ذَلِك الاستلام وَمَا بعده فِي كل طوفه وَلَا يسن (تَقْبِيل الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَلَا استلامهما) وَيسن استلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَلَا يسن تقبيله وللطواف سنَن أخر وأدعية ذكرتها فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره وَاجِبَات السَّعْي التَّنْبِيه الثَّالِث وَاجِبَات السَّعْي ثَلَاث الأول يبْدَأ بالصفا وَيخْتم بالمروة وَالثَّانِي أَن يسْعَى سبعا ذَهَابه من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة مرّة وَعوده مِنْهَا إِلَيْهِ مرّة أُخْرَى وَالثَّالِث أَن يسْعَى بعد طواف ركن أَو قدوم بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّل بَين السَّعْي وَطواف الْقدوم الْوُقُوف بِعَرَفَة وَمن سعى بعد طواف قدوم لم تسن لَهُ إِعَادَته بعد طواف الْإِفَاضَة وَله سنَن ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره التَّنْبِيه الرَّابِع وَاجِب الْوُقُوف بِعَرَفَة حُضُوره بِجُزْء من أرْضهَا وَإِن كَانَ مارا فِي طلب آبق بِشَرْط كَونه محرما أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا مغمى عَلَيْهِ جَمِيع وَقت الْوُقُوف وَلَا بَأْس بِالنَّوْمِ وَوقت الْوُقُوف من وَقت زَوَال الشَّمْس يَوْم عَرَفَة إِلَى فجر يَوْم النَّحْر وَلَو وقفُوا الْيَوْم الْعَاشِر غَلطا وَلم يقلوا على خلاف الْعَادة أجزأهم وقوفهم فَإِن قلوا على خلاف الْعَادة وَجب الْقَضَاء وَاجِبَات الْحَج (وواجبات الْحَج غير الْأَركان ثَلَاثَة أَشْيَاء) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه وغاير المُصَنّف بَين الرُّكْن وَالْوَاجِب وهما مُتَرَادِفَانِ إِلَّا فِي هَذَا الْبَاب فَقَط فالفرض مَا لَا تُوجد مَاهِيَّة الْحَج إِلَّا بِهِ وَالْوَاجِب مَا يجْبر تَركه بِدَم وَلَا يتَوَقَّف وجود الْحَج على فعله الأول (الْإِحْرَام من الْمِيقَات) وَلَو من آخِره وَالْأَفْضَل من أَوله والميقات فِي اللُّغَة الْحَد وَالْمرَاد بِهِ هُنَا زمن الْعِبَادَة ومكانها فالميقات الزماني لِلْحَجِّ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من ذِي الْحجَّة فَلَو أحرم بِهِ فِي غير وقته انْعَقَد عمْرَة وَجَمِيع السّنة وَقت لإحرام الْعمرَة وَقد يمْتَنع الْإِحْرَام بهَا لعوارض مِنْهَا مَا لَو كَانَ محرما بِحَجّ فَإِن الْعمرَة لَا تدخل عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا لَو أحرم بهَا قبل نفره لاشتغاله بِالرَّمْي وَالْمَبِيت وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ محرما بِعُمْرَة فَإِن الْعمرَة لَا تدخل على أُخْرَى وَأما الْمِيقَات المكاني لِلْحَجِّ فِي حق من بِمَكَّة سَوَاء كَانَ من أَهلهَا أم لَا نفس مَكَّة وَأما غَيره فميقات المتوجه من الْمَدِينَة ذُو الحليفة وَهِي على نَحْو عشرَة مراحل من مَكَّة وميقات المتوجه من الشَّام وَمن مصر وَمن الْمغرب الْجحْفَة وَهِي قَرْيَة كَبِيرَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة قَالَ فِي الْمَجْمُوع على نَحْو ثَلَاث مراحل من مَكَّة وميقات المتوجه من تهَامَة الْيمن يَلَمْلَم وَهُوَ مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة وميقات المتوجه من نجد الْيمن ونجد الْحجاز قرن وَهُوَ جبل على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة وميقات المتوجه من الْمشرق الْعرَاق وَغَيره ذَات عرق وَهِي قَرْيَة على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة وَالْأَصْل فِي الْمَوَاقِيت خبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة وَلأَهل الشَّام ومصر الْجحْفَة وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَقَالَ هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن مِمَّن أَرَادَ الْحَج وَالْعمْرَة وَمن كَانَ دون ذَلِك فَمن حَيْثُ أنشأ حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة فَائِدَة قَالَ بَعضهم سَأَلت الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي أَي سنة أقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوَاقِيت الْإِحْرَام فَقَالَ سنة عَام حج وَمن سلك طَرِيقا لَا تَنْتَهِي إِلَى مِيقَات أحرم من محاذاته فَإِن حَاذَى ميقاتين أحرم من محاذاة أقربهما إِلَيْهِ فَإِن اسْتَويَا فِي الْقرب إِلَيْهِ أحرم من محاذاة أبعدهُمَا من مَكَّة وَإِن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة وَمن مَسْكَنه بَين مَكَّة والميقات فميقاته مَسْكَنه وَمن جَاوز ميقاتا غير مُرِيد نسكا ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَوْضِعه وَمن وصل إِلَيْهِ مرِيدا نسكا لم يجز مجاوزته بِغَيْر إِحْرَام بِالْإِجْمَاع فَإِن جاوزه لزمَه الْعود ليحرم مِنْهُ إِلَّا إِذا ضَاقَ الْوَقْت أَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَإِن لم يعد لعذر أَو غَيره لزمَه دم وَإِن أحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ثمَّ عَاد قبل تلبسه بنسك سقط الدَّم عَنهُ وَإِلَّا فَلَا وميقات الْعمرَة المكاني لمن هُوَ خَارج الْحرم مِيقَات الْحَج وَمن بِالْحرم يلْزمه الْخُرُوج إِلَى أدنى الْحل وَلَو بِأَقَلّ من خطْوَة فَإِن لم يخرج وأتى بِأَفْعَال الْعمرَة أَجزَأَهُ فِي الْأَظْهر وَلَكِن عَلَيْهِ دم فَلَو خرج إِلَى أدنى الْحل بعد إِحْرَامه وَقبل الطّواف وَالسَّعْي سقط عَنهُ الدَّم وَأفضل بقاع الْحل الْجِعِرَّانَة ثمَّ التَّنْعِيم ثمَّ الْحُدَيْبِيَة (و) الْوَاجِب الثَّانِي (رمي الْجمار الثَّلَاث) كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاث وَيدخل رمي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق بِزَوَال شمسه وَيخرج وَقت اخْتِيَاره بغروبها وَأما وَقت جَوَازه فَإلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن نفر وَلَو انْفَصل من منى بعد الْغُرُوب أَو عَاد لشغل فِي الْيَوْم الثَّانِي بعد رميه جَازَ وَسقط مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة وَرمى يَوْمهَا وَشرط لصِحَّة الرَّمْي تَرْتِيب الجمرات بِأَن يَرْمِي أَولا إِلَى الْجَمْرَة الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ إِلَى الْوُسْطَى ثمَّ إِلَى جَمْرَة الْعقبَة تَنْبِيه لَو قَالَ المُصَنّف وَالرَّمْي لَكَانَ أخصر وأجود ليشْمل رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ وَاجِب يجْبر تَركه بِدَم وَيدخل وقته بِنصْف لَيْلَة النَّحْر وَيبقى وَقت اخْتِيَاره إِلَى غرُوب شمس يَوْمه وَأما وَقت الْجَوَاز فَإلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَيشْتَرط فِي رمي يَوْم النَّحْر وَغَيره كَونه سبع مَرَّات وَكَونه بيد لِأَنَّهُ الْوَارِد ذكره بِحجر فيجزىء بأنواعه وَقصد المرمي وَتحقّق إِصَابَته بِالْحجرِ قَالَ الطَّبَرِيّ وَلم يذكرُوا فِي المرمي حدا مَعْلُوما غير أَن كل جَمْرَة عَلَيْهَا علم فَيَنْبَغِي أَن يَرْمِي تَحْتَهُ على الأَرْض وَلَا يبعد عَنهُ احْتِيَاطًا وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْجَمْرَة مُجْتَمع الْحَصَى لَا مَا سَالَ من الْحَصَى وَحده بعض الْمُتَأَخِّرين بِثَلَاثَة أَذْرع من سَائِر الجوانب إِلَّا فِي جَمْرَة الْعقبَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا وَجه وَاحِد وَهُوَ قريب مِمَّا تقدم (و) الْوَاجِب الثَّالِث (الْحلق) على القَوْل بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَة مَحْظُور وَهُوَ مَرْجُوح وَالْمُعْتَمد أَنه ركن على القَوْل الْأَظْهر أَنه نسك كَمَا مر بل نقل الإِمَام الِاتِّفَاق على ركنيته وَحِينَئِذٍ يصحح للْمُصَنف مَا ذكره من الْعدَد بإبدال هَذَا الْمَرْجُوح بالمبيت بِمُزْدَلِفَة فَإِنَّهُ وَاجِب على الْأَصَح وَيجْبر تَركه بِدَم وَالْوَاجِب فِيهِ سَاعَة فِي النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل فَإِن دفع قبل النّصْف الثَّانِي لزمَه الْعود فَإِن لم يعد حَتَّى طلع الْفجْر لزمَه دم وَيسن أَن يَأْخُذ مِنْهَا حَصى الرَّمْي وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاة مِنْهَا سبع لرمي يَوْم النَّحْر وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاث وَسِتُّونَ حَصَاة لأيام التَّشْرِيق كل وَاحِد إِحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاة لكل جَمْرَة سبع حَصَيَات وَيسن أَن يَرْمِي بِقدر حَصى الْخذف وَهُوَ دون الْأُنْمُلَة طولا وعرضا بِقدر الباقلا وَمن عجز عَن الرَّمْي أناب من يَرْمِي عَنهُ وَلَو ترك رميا من رمي يَوْم النَّحْر أَو أَيَّام التَّشْرِيق تَدَارُكه فِي بَاقِي أَيَّام التَّشْرِيق أَدَاء وَإِلَّا لزمَه دم بترك رمي ثَلَاث رميات فَأكْثر (و) الْوَاجِب الرَّابِع الْمبيت بمنى ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق مُعظم اللَّيْل كَمَا لَو حلف لَا يبيت بمَكَان لَا يَحْنَث إِلَّا بمبيت مُعظم اللَّيْل فَإِن تَركه لغمه دم وَمحل وجوب مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة لمن لم ينفر النَّفر الأول كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ (و) الْوَاجِب الْخَامِس التَّحَرُّز من مُحرمَات الْإِحْرَام وَأما طواف الْوَدَاع فَهُوَ وَاجِب مُسْتَقل لَيْسَ من الْمَنَاسِك على الْمُعْتَمد فَيجب على غير نَحْو حَائِض كنفساء بِفِرَاق مَكَّة وَلَو مكيا أَو غير حَاج ومعتمر أَو فَارقهَا لسفر قصير كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيجْبر تَركه بِدَم فَإِن عَاد بعد فِرَاقه بِلَا طواف قبل مَسَافَة الْقصر وَطَاف فَلَا دم عَلَيْهِ وَإِن مكث بعد الطّواف لَا لصَلَاة أُقِيمَت أَو شغل سفر كَشِرَاء زَاد أعَاد الطّواف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 تَنْبِيه يسن دُخُول الْبَيْت وَالصَّلَاة فِيهِ وَالشرب من مَاء زَمْزَم وزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو لغير حَاج ومعتمر وَسن لمن قصد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة لزيارته أَن يكثر فِي طَرِيقه من الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ فَإِذا دخل الْمَسْجِد قصد الرَّوْضَة وَهِي بَين قَبره ومنبره وَصلى تَحِيَّة الْمَسْجِد بِجَانِب الْمِنْبَر ثمَّ وقف مستدبر الْقبْلَة مُسْتَقْبل رَأس الْقَبْر الشريف وَيبعد عَنهُ نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع فارغ الْقلب من علق الدُّنْيَا وَيسلم بِلَا رفع صَوت وَأقله (السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ثمَّ يتَأَخَّر صوب يَمِينه قدر ذِرَاع فَيسلم على أبي بكر ثمَّ يتَأَخَّر قدر ذِرَاع فَيسلم على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ثمَّ يرجع إِلَى موقفه الأول قبالة وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتوسل بِهِ فِي حق نَفسه ويستشفع بِهِ إِلَى ربه وَإِذا أَرَادَ السّفر ودع الْمَسْجِد بِرَكْعَتَيْنِ وأتى الْقَبْر الشريف وَأعَاد نَحْو السَّلَام الأول سنَن الْحَج (وَسنَن الْحَج) كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هَهُنَا (سبع) بِتَقْدِيم السّنَن على الْمُوَحدَة وَمَشى المُصَنّف فِي بَعْضهَا على ضَعِيف كَمَا ستعرفه الأول (الْإِفْرَاد) فِي عَام وَاحِد (وَهُوَ تَقْدِيم) أَعمال (الْحَج على) أَعمال (الْعمرَة) فَإِن الْحَج وَالْعمْرَة يؤديان على ثَلَاثَة أوجه الأول هَذَا الْإِفْرَاد وَالثَّانِي التَّمَتُّع وَعَكسه وَالثَّالِث الْقرَان بِأَن يحرم بهما مَعًا فِي أشهر الْحَج أَو بِعُمْرَة ثمَّ يحجّ قبل شُرُوعه فِي طواف ثمَّ يعْمل الْحَج فيهمَا وأفضلهما الْإِفْرَاد إِن اعْتَمر عَامه ثمَّ التَّمَتُّع أفضل من الْقرَان وعَلى كل من الْمُتَمَتّع والقارن دم إِن لم يَكُونَا من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وهم من مساكنهم دون مرحلَتَيْنِ مِنْهُ (و) الثَّانِيَة (التَّلْبِيَة) إِلَّا عِنْد الرَّمْي فَيُسْتَحَب التَّكْبِير فِيهِ دونهَا وَتَقَدَّمت صيغتها وَمن لَا يحسنها بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بهَا بِلِسَانِهِ (و) الثَّالِثَة (طواف الْقدوم) وَتقدم أَنه يخْتَص بحلال وبحاج دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف فَلَو دخل بعد الْوُقُوف تعين طواف الْإِفَاضَة لدُخُول وقته (و) الرَّابِعَة (الْمبيت بِمُزْدَلِفَة) على وَجه ضَعِيف وَالأَصَح أَنه وَاجِب كَمَا مر (و) الْخَامِسَة (رَكعَتَا الطّواف) خلف الْمقَام فَإِن لم يَتَيَسَّر فَفِي الْحجر فَإِن لم يَتَيَسَّر فَفِي الْمَسْجِد فَإِن لم يَتَيَسَّر فَحَيْثُ شَاءَ من الْحرم (و) السَّادِسَة (الْمبيت بمنى) لَيْلَة عَرَفَة لِأَنَّهُ للاستراحة لَا للنسك وَخرج بِقَيْد عَرَفَة الْمبيت بهَا ليَالِي التَّشْرِيق فَإِنَّهُ وَاجِب كَمَا مر بَيَانه (و) السَّابِعَة (طواف الْوَدَاع) على قَول مَرْجُوح وَالْأَظْهَر أَنه وَاجِب كَمَا مر بَيَانه وَقد بَقِي لِلْحَجِّ سنَن كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا جملَة فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره (ويتجرد الرجل عِنْد الْإِحْرَام عَن الْمخيط) وجوبا كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَهَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي مَنَاسِكه الْكُبْرَى فَقَالَ فِيهِ بالاستحباب وَلَو عبر بالمحيط بِضَم الْمِيم وبحاء مُهْملَة بدل الْمخيط بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة لَكَانَ أولى ليشْمل الْخُف واللبد والمنسوج (ويلبس) ندبا (إزارا ورداء أبيضين) جديدين وَإِلَّا فمغسولين ونعلين وَخرج بِالرجلِ وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى إِذْ لَا نزع عَلَيْهِمَا فِي غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فصل فِي مُحرمَات الْإِحْرَام وَحكم الْفَوات وَقد بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ (وَيحرم على الْمحرم) بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما أُمُور كَثِيرَة الْمَذْكُورَة مِنْهَا هُنَا (عشرَة أَشْيَاء) الأول (لبس الْمخيط) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالمنسوج على هَيئته والملزوق واللبد سَوَاء كَانَ من قطن أم من جلد وَمن غير ذَلِك فِي جَمِيع بدنه إِذا كَانَ مَعْمُولا على قدره على الْهَيْئَة المألوفة فِيهِ ليخرج مَا إِذا ارتدى بقميص أَو قبَاء أَو اتزر بسراويل فَإِنَّهُ لَا فديَة فِي ذَلِك وَالْأَصْل فِي ذَلِك الْأَخْبَار الصَّحِيحَة كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب فَقَالَ لَا يلبس القمص وَلَا العمائم وَلَا السَّرَاوِيل وَلَا البرانس وَلَا الْخفاف إِلَّا أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ فيلبس الْخُفَّيْنِ وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ وَلَا يلبس من الثِّيَاب شَيْئا مَسّه زعفران أَو ورس زَاد البُخَارِيّ وَلَا تنتقب الْمَرْأَة وَلَا تلبس القفازين فَإِن قيل السُّؤَال عَمَّا يلبس فَأُجِيب بِمَا لَا يلبس مَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك أُجِيب بِأَن مَا لَا يلبس مَحْصُور بِخِلَاف مَا يلبس إِذْ الأَصْل الْإِبَاحَة وَفِيه تَنْبِيه على أَنه كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَال عَمَّا لَا يلبس وَبِأَن الْمُعْتَبر فِي الْجَواب مَا يحصل الْمَقْصُود وَإِن لم يُطَابق السُّؤَال صَرِيحًا (و) الثَّانِي (تَغْطِيَة) بعض (الرَّأْس من الرجل) وَلَو الْبيَاض الَّذِي وَرَاء الْأذن سَوَاء أستر الْبَعْض الآخر أم لَا بِمَا يعد ساترا عرفا مخيطا كَانَ أَو غَيره كالعمامة والطيلسان وَكَذَا الطين والحناء الثخينان لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر من على بعيره مَيتا لَا تخمروا رَأسه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا بِخِلَاف مَا لَا يعد ساترا كاستظلال بمحمل وَإِن مَسّه فَإِن لبس أَو ستر بِغَيْر عذر حرم عَلَيْهِ وَلَزِمتهُ الْفِدْيَة فَإِن كَانَ لعذر من حر أَو برد أَو مداواة كَأَن جرح رَأسه فَشد عَلَيْهِ خرقَة فَيجوز لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} لَكِن تلْزمهُ الْفِدْيَة قِيَاسا على الْحلق بِسَبَب الْأَذَى (و) الثَّالِث ستر بعض (الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من الْمَرْأَة) وَلَو أمة كَمَا فِي الْمَجْمُوع بِمَا يعد ساترا إِلَّا لحَاجَة فَيجوز مَعَ الْفِدْيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وعَلى الْحرَّة أَن تستر مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى ستر جَمِيع رَأسهَا إِلَّا بِهِ احْتِيَاطًا للرأس إِذْ لَا يُمكن اسْتِيعَاب ستره إِلَّا بستر قدر يسير مِمَّا يَلِي الْوَجْه والمحافظة على ستره بِكَمَالِهِ لكَونه عَورَة أولى من الْمُحَافظَة على كشف ذَلِك الْقدر من الْوَجْه وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن الْأمة لَا تستر ذَلِك لِأَن رَأسهَا لَيْسَ بِعَوْرَة وَإِذا أَرَادَت الْمَرْأَة ستر وَجههَا عَن النَّاس أرخت عَلَيْهِ مَا يستره بِنَحْوِ ثوب متجاف عَنهُ بِنَحْوِ خَشَبَة بِحَيْثُ لَا يَقع على الْبشرَة وَسَوَاء أفعلته لحَاجَة كحر وَبرد أم لَا وَلها لبس الْمخيط وَغَيره فِي الرَّأْس وَغَيره إِلَّا القفاز فَلَيْسَ لَهَا ستر الْكَفَّيْنِ وَلَا أَحدهمَا بِهِ للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَهُوَ شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ يحشى بِقطن وَيكون لَهُ أزرار تزر على الساعدين من الْبرد تلبسه الْمَرْأَة فِي يَديهَا وَمُرَاد الْفُقَهَاء مَا يَشْمَل المحشو وَغَيره تَنْبِيه يحرم على الْخُنْثَى الْمُشكل ستر وَجهه مَعَ رَأسه وَيلْزمهُ الْفِدْيَة وَله ستر وَجهه مَعَ كشف رَأسه وَلَا فديَة عَلَيْهِ لأَنا لَا نوجبها بِالشَّكِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَيسن أَن يسْتَتر بالمخيط لجَوَاز كَونه رجلا وَيُمكن ستره بِغَيْرِهِ ع (و) الرَّابِع (ترجيل) أَي تَسْرِيح (الشّعْر) أَي شعر رَأس الْمحرم أَو لحيته وَلَو من امْرَأَة (بالدهن) وَلَو غير مُطيب كزيت وشمع مذاب لما فِيهِ من التزين الْمنَافِي لحَال الْمحرم فَإِنَّهُ أَشْعَث أغبر كَمَا ورد فِي الْخَبَر وَلَا فرق فِي الشّعْر بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو وَاحِدَة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَلَو كَانَ شعر الرَّأْس أَو اللِّحْيَة محلوقا لما فِيهِ من تَزْيِين الشّعْر وتنميته بِخِلَاف رَأس الْأَقْرَع والأصلع وذقن الْأَمْرَد لانْتِفَاء الْمَعْنى وَله دهن بدنه ظَاهرا وَبَاطنا وَسَائِر شعره بذلك وَله أكله وَجعله فِي شجة وَلَو بِرَأْسِهِ وَألْحق الْمُحب الطَّبَرِيّ بِشعر اللِّحْيَة شعر الْوَجْه كحاجب وشارب وعنفقة وَقَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ التَّحْرِيم ظَاهر فِيمَا اتَّصل باللحية كالشارب والعنفقة والعذار وَأما الْحَاجِب والهدب وَمَا على الْجَبْهَة أَي والخد فَفِيهِ بعد انْتهى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن ذَلِك لَا يتزين بِهِ وَلَا يكره غسل بدنه وَرَأسه بخطمي وَنَحْوه كسدر من غير نتف شعر لِأَن ذَلِك لإِزَالَة الْوَسخ لَا للتزيين والتنمية لَكِن الأولى تَركه وَترك الاكتحال الَّذِي لَا طيب فِيهِ وللمحرم الاحتجام والفصد مَا لم يقطع بهما شعر (و) الْخَامِس (حلقه) أَي الشّعْر من سَائِر جسده وَمثل الْحلق النتف والإحراق وَنَحْو ذَلِك قَالَ تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} أَي شعرهَا وَشعر سَائِر الْجَسَد مُلْحق بِهِ (و) السَّادِس (تقليم الْأَظْفَار) قِيَاسا على الشّعْر لما فِيهِ من الترفه وَالْمرَاد من ذَلِك الْجِنْس الصَّادِق بِبَعْض شعره أَو ظفر (و) السَّابِع (الطّيب) سَوَاء أَكَانَ الْمحرم ذكرا أم غَيره وَلَو أخشم بِمَا يقْصد مِنْهُ رَائِحَته غَالِبا وَلَو مَعَ غَيره كالمسك وَالْعود والكافور والورس وَهُوَ أطيب بِبِلَاد الْيمن والزعفران وَإِن كَانَ يطْلب للصبغ والتداوي أَيْضا سَوَاء أَكَانَ ذَلِك فِي ملبوسه كثوبه أم فِي بدنه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الْمَار وَلَا يلبس من الثِّيَاب مَا مَسّه ورس أَو زعفران وَسَوَاء أَكَانَ ذَلِك بِأَكْل أَو إسعاط أم احتقان فَيجب مَعَ التَّحْرِيم فِي ذَلِك الْفِدْيَة واستعماله أَن يلصق الطّيب بِبدنِهِ أَو ملبوسه على الْوَجْه الْمُعْتَاد فِي ذَلِك بِنَفسِهِ أَو مأذونه وَلَو اسْتهْلك الطّيب فِي المخالط لَهُ بِأَن لم يبْق لَهُ ريح وَلَا طعم وَلَا لون كَأَن اسْتعْمل فِي دَوَاء جَازَ اسْتِعْمَاله وَأكله وَلَا فديَة وَمَا يقْصد بِهِ الْأكل أَو التَّدَاوِي وَإِن كَانَ لَهُ ريح طيبَة كالتفاح لِأَن مَا لَا يقْصد مِنْهُ الْأكل أَو التَّدَاوِي لَا فديَة فِيهِ (و) الثَّامِن يحرم على الْمحرم (قتل الصَّيْد) إِذا كَانَ مَأْكُولا بريا وحشيا كبقر وَحشِي ودجاجة أَو كَانَ متولدا بَين الْمَأْكُول الْبري الوحشي وَبَين غَيره كمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي أَو بَين شَاة وظبي أما الأول فَلقَوْله تَعَالَى {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر} أَي أَخذه {مَا دمتم حرما} وَأما والسنبل وَسَائِر الإبازير الطّيبَة كالمصطكي لم يحرم وَلم يجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 فِيهِ فديَة الثَّانِي فللاحتياط وَخرج بِمَا ذكر مَا تولد بَين وَحشِي غير مَأْكُول وإنسي مَأْكُول كالمتولد بَين ذِئْب وشَاة وَمَا تولد بَين غير مأكولين أَحدهمَا وَحشِي كالمتولد بَين حمَار وذئب وَمَا تولد بَين أهليين أَحدهمَا غير مَأْكُول كبغل فَلَا يحرم التَّعَرُّض لشَيْء مِنْهَا وَيحرم أَيْضا اصطياد الْمَأْكُول الْبري والمتولد مِنْهُ وَمن غَيره فِي الْحرم على الْحَلَال بِالْإِجْمَاع كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَلَو كَانَ كَافِرًا مُلْتَزم الْأَحْكَام وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَنه (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَوْم فتح مَكَّة قَالَ إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يجوز تنفير صَيْده لمحرم وَلَا لحلال فَغير التنفير أولى وَقيس بِمَكَّة بَاقِي الْحرم (و) التَّاسِع (عقد النِّكَاح) بِولَايَة أَو وكَالَة وَكَذَا قبُوله لَهُ أَو لوَكِيله وَاحْترز بِالْعقدِ عَن الرّجْعَة فَلَا تحرم عَلَيْهِ على الصَّحِيح لِأَنَّهَا اسْتِدَامَة نِكَاح (و) الْعَاشِر (الْوَطْء) بِإِدْخَال الْحَشَفَة أَو قدرهَا من مقطوعها فَإِنَّهُ يحرم بِالْإِجْمَاع وَلَو لبهيمة فِي قبل أَو دبر وَيحرم على الْمَرْأَة الْحَلَال تَمْكِين زَوجهَا الْمحرم من الْجِمَاع لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة وَيحرم على الْحَلَال جماع زَوجته الْمُحرمَة (و) كَذَا (الْمُبَاشرَة) قبل التَّحَلُّل الأول فِيمَا دون الْفرج (بِشَهْوَة) لَا بغَيْرهَا وَكَذَا يحرم الاستمناء بِالْيَدِ (و) يجب (فِي) كل وَاحِد من (جَمِيع ذَلِك) أَي الْمُحرمَات الْمَذْكُورَة (الْفِدْيَة) الْآتِي بَيَانهَا فِي الْفَصْل بعده (إِلَّا عقد النِّكَاح) أَو قبُوله فَلَا فديَة فِيهِ (فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد) فوجوده كَالْعدمِ وَلَو جَامع بعد الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة أَو الاستمناء سَقَطت عَنهُ الْفِدْيَة فِي الصُّورَتَيْنِ لدخولها فِي فديَة الْجِمَاع (وَلَا يُفْسِدهُ) أَي الْإِحْرَام شَيْء من محرماته (إِلَّا الْوَطْء فِي الْفرج) فَقَط وَإِن لم ينزل إِذا وَقع فِي الْعمرَة قبل الْفَرَاغ مِنْهَا وَفِي الْحَج قبل التَّحَلُّل الأول قبل الْوُقُوف بِالْإِجْمَاع وَبعده خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ وَطْء صَادف إحراما صَحِيحا لم يحصل فِيهِ التَّحَلُّل الأول وَلَو كَانَ المجامع فِي الْعمرَة أَو الْحَج رَقِيقا أَو صَبيا مُمَيّزا لقَوْله تَعَالَى {فَلَا رفث} أَي لَا ترفثوا فلفظه خبر وَمَعْنَاهُ النَّهْي وَلَو بَقِي على الْخَبَر امْتنع وُقُوعه فِي الْحَج لِأَن إِخْبَار الله تَعَالَى صدق قطعا مَعَ أَن ذَلِك وَقع كثيرا وَالْأَصْل فِي النَّهْي اقْتِضَاء الْفساد وقاسوا الْعمرَة على الْحَج أما غير الْمُمَيز من صبي أَو مَجْنُون فَلَا يفْسد ذَلِك بجماعه وَكَذَا النَّاسِي وَالْجَاهِل وَالْمكْره وَلَو أحرم حَال النزع صَحَّ فِي أحد أوجه يظْهر تَرْجِيحه لِأَن النزع لَيْسَ بجماع تَنْبِيه يحصل التَّحَلُّل الأول فِي الْحَج بِفعل اثْنَيْنِ من ثَلَاثَة وَهِي رمي يَوْم النَّحْر وَالْحلق أَو التَّقْصِير وَالطّواف الْمَتْبُوع بالسعي إِن لم يكن فعل قبل وَيحل بِهِ اللّبْس وَستر الرَّأْس للرجل وَالْوَجْه للْمَرْأَة وَالْحلق والقلم وَالطّيب وَالصَّيْد وَلَا يحل بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 عقد النِّكَاح وَلَا الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج لما روى النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ إِذا رميتم الْجَمْرَة حل لكم كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء وَإِذا فعل الثَّالِث بعد الِاثْنَيْنِ حصل التَّحَلُّل الثَّانِي وَحل بِهِ بَاقِي الْمُحرمَات بِالْإِجْمَاع وَيجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا بَقِي من أَعمال الْحَج وَهُوَ الرَّمْي وَالْمَبِيت مَعَ أَنه غير محرم كَمَا أَنه يخرج من الصَّلَاة بالتسليمة الأولى وتطلب مِنْهُ التسليمة الثَّانِيَة لَكِن الْمَطْلُوب هُنَا على سَبِيل الْوُجُوب وَهُنَاكَ على سَبِيل النّدب أما الْعمرَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تحلل وَاحِد لِأَن الْحَج يطول زَمَنه وتكثر أَعماله فأبيح بعض محرماته فِي وَقت وَبَعضهَا فِي وَقت آخر بِخِلَاف الْعمرَة وَنَظِير ذَلِك الْحيض والجنابة لما طَال زمن الْحيض جعل لارْتِفَاع محظوراته محلان انْقِطَاع الدَّم والاغتسال والجنابة لما قصر زَمَنهَا جعل لارْتِفَاع محظوراتها مَحل وَاحِد (و) إِذا جَامع الْمحرم (لَا يخرج مِنْهُ) أَي الْإِحْرَام (بِالْفَسَادِ) بل يجب الْمُضِيّ فِي فَاسد نُسكه من حج أَو عمْرَة لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَإِنَّهُ لم يفصل بَين الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَصُورَة الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فَاسِدا أَن يفْسد الْعمرَة بِالْجِمَاعِ ثمَّ يدْخل عَلَيْهَا الْحَج فَإِنَّهُ يَصح على الْأَصَح وَينْعَقد فَاسِدا على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فِي بَاب الْإِحْرَام قَالَ فِي الْجَوَاهِر وَإِذا سُئِلت عَن إِحْرَام ينْعَقد فَاسِدا فَهَذِهِ صورته وَلَا أعلم لَهَا أُخْرَى اه وَأما إِذا أحرم وَهُوَ مجامع فَلم ينْعَقد إِحْرَامه على الْأَصَح فِي زَوَائِد الرَّوْضَة ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْفَوات فَقَالَ (وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة) بِعُذْر أَو غَيره وَذَلِكَ بِطُلُوع فجر يَوْم النَّحْر قبل حُضُوره عَرَفَات وبفواته يفوت الْحَج (تحلل) وجوبا كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُم لِئَلَّا يصير محرما بِالْحَجِّ فِي غير أشهره واستدامة الْإِحْرَام كابتدائه وابتداؤه حِينَئِذٍ لَا يجوز وَيحصل التَّحَلُّل (بِعُمْرَة) أَي بعملها فَيَأْتِي بأركانها الْخَمْسَة الْمُتَقَدّمَة بَيَانهَا نعم شَرط إِيجَاب السَّعْي أَن لَا يكون سعي بعد طواف قدوم فَإِن كَانَ سعي لم يحْتَج لإعادته كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب (وَعَلِيهِ الْقَضَاء) فَوْرًا من قَابل لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَات الْوُقُوف سَوَاء كَانَ فرضا أَو نفلا كَمَا فِي الْإِفْسَاد لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن تَقْصِير وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فِي فَوَات لم ينشأ عَن حصر فَإِن نَشأ عَنهُ بِأَن أحْصر فسلك طَرِيقا آخر ففاته الْحَج وتحلل بِعُمْرَة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل مَا فِي وَسعه فَإِن قيل كَيفَ تُوصَف حجَّة الْإِسْلَام بِالْقضَاءِ وَلَا وَقت لَهَا أُجِيب بِأَن المُرَاد بِالْقضَاءِ الْقَضَاء اللّغَوِيّ لَا الْقَضَاء الْحَقِيقِيّ وَقيل لِأَنَّهُ لما أحرم بِهِ تضيق وقته وَيلْزمهُ قَضَاء عمْرَة الْإِسْلَام مَعَ الْحَج كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن عمْرَة التَّحَلُّل لَا تجزىء عَن عمْرَة الْإِسْلَام (و) عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء (الْهَدْي) أَيْضا وَهُوَ كَدم التَّمَتُّع وَسَيَأْتِي (وَمن ترك ركنا) من أَرْكَان الْحَج غير الْوُقُوف أَو من أَرْكَان الْعمرَة سَوَاء أتركه مَعَ إِمْكَان فعله أم لَا كالحائض قبل الطّواف الْإِفَاضَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 (لم يحل) بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَكسر الْمُهْملَة أَي لم يخرج (من إِحْرَامه حَتَّى يَأْتِي بِهِ) أَي الْمَتْرُوك وَلَو بعد سِنِين لِأَن الطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق لَا آخر لوَقْتهَا أما ترك الْوُقُوف فقد عرف حكمه من كَلَامه سَابِقًا (وَمن ترك وَاجِبا) من وَاجِبَات الْحَج أَو الْعمرَة الْمُتَقَدّم ذكره سَوَاء أتركه عمدا أم سَهوا أم جهلا (لزمَه) بِتَرْكِهِ (دم) وَهُوَ شَاة كَمَا سَيَأْتِي (وَمن ترك سنة) من سنَن الْحَج أَو الْعمرَة (لم يلْزمه بِتَرْكِهَا شَيْء) كتركها من سَائِر الْعِبَادَات فصل فِي الدِّمَاء الْوَاجِبَة وَمَا يقوم مقَامهَا (والدماء الْوَاجِبَة فِي الْإِحْرَام) بترك مَأْمُور بِهِ أَو ارْتِكَاب مَنْهِيّ عَنهُ (خَمْسَة أَشْيَاء) بطرِيق الِاخْتِصَار وبطريق الْبسط تِسْعَة أَنْوَاع دم التَّمَتُّع وَدم الْفَوات وَالدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَدم الْحلق والقلم وَدم الْإِحْصَار وَدم قتل الصَّيْد وَدم الْجِمَاع وَدم الِاسْتِمْتَاع وَدم الْقرَان فَهَذِهِ تِسْعَة أَنْوَاع أخل المُصَنّف بالأخير مِنْهَا وَالثَّمَانِيَة مَعْلُومَة من كَلَامه إِذْ الثَّلَاثَة الأول دَاخِلَة فِي تَعْبِيره بالنسك كَمَا سَيظْهر لَك وَدم الِاسْتِمْتَاع دَاخل فِي تَعْبِيره بالترفه كَمَا سَيظْهر لَك أَيْضا وستعرف التَّاسِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى (أَحدهَا) أَي الدِّمَاء (الدَّم الْوَاجِب بترك نسك) وَهُوَ شَامِل لثَلَاثَة أَنْوَاع الأول دم التَّمَتُّع وَإِنَّمَا يجب بترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من مِيقَات بَلَده وَالثَّانِي دم الْفَوات للوقوف بعد التَّحَلُّل بِعَمَل عمْرَة كَمَا مر وَالثَّالِث الدَّم المنوط بترك مَأْمُور بِهِ من الْوَاجِبَات الْمُتَقَدّمَة (وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب فِي هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة (على التَّرْتِيب) وَالتَّقْدِير وَسَيَأْتِي بَيَان التَّقْدِير وَأما التَّرْتِيب فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة وَوقت وجوب الدَّم على التَّمَتُّع إِحْرَامه بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يصير مُتَمَتِّعا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج وَيجوز ذبحه إِذا فرغ من الْعمرَة وَلَكِن الْأَفْضَل ذبحه يَوْم النَّحْر وَشرط وُجُوبه أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْحَرَام وَهُوَ من مَسْكَنه دون مَسَافَة الْقصر من الْحرم وَأَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج من مِيقَات بَلَده وَأَن يحجّ بعْدهَا فِي سنتها وَأَن لَا يعود إِلَى الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أحرم مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بعد مُجَاوزَة الْمِيقَات وَقد بَقِي بَينه وَبَين مَكَّة مَسَافَة الْقصر فَعَلَيهِ دم الْإِسَاءَة (فَإِن لم يجد) تَارِك النّسك شَاة بِأَن عجز عَنْهَا حسا بِأَن فقدها أَو ثمنهَا أَو شرعا بِأَن وجدهَا بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا أَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو غَابَ عَنهُ مَاله أَو نَحْو ذَلِك فِي مَوْضِعه وَهُوَ الْحرم سَوَاء أقدر عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَو لَا بِخِلَاف كَفَّارَة الْيَمين لِأَن الْهَدْي يخْتَص ذبحه بِالْحرم وَالْكَفَّارَة لَا تخْتَص بِهِ (فَصِيَام عشرَة أَيَّام) بدلهَا وجوبا (ثَلَاثَة) مِنْهَا (فِي الْحَج) لقَوْله تَعَالَى {فَمن لم يجد} أَي الْهَدْي {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} أَي بعد الْإِحْرَام فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على الْإِحْرَام بِخِلَاف الدَّم لِأَن الصَّوْم عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا على وَقتهَا كَالصَّلَاةِ وَالدَّم عبَادَة مَالِيَّة فَأشبه الزَّكَاة وَيسْتَحب صَومهَا قبل يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ يسن للْحَاج فطره فَيحرم قبل سادس ذِي الْحجَّة ويصومه وتالييه وَإِذا أحرم فِي زمن يسع الثَّلَاثَة وَجب عَلَيْهِ تَقْدِيمهَا على يَوْم النَّحْر فَإِن أَخّرهَا عَن يَوْم النَّحْر أَثم وَصَارَت قَضَاء وَلَيْسَ السّفر عذرا فِي تَأْخِير صَومهَا لِأَن صَومهَا مُتَعَيّن إِيقَاعه فِي الْحَج بِالنَّصِّ وَإِن كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يكون السّفر عذرا بِخِلَاف رَمَضَان وَلَا يجوز صَومهَا فِي يَوْم النَّحْر وَكَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي الْجَدِيد وَلَا يجب عَلَيْهِ تَقْدِيم الْإِحْرَام بِزَمن يتَمَكَّن من صَوْم الثَّلَاثَة فِيهِ قبل يَوْم النَّحْر خلافًا لبَعض الْمُتَأَخِّرين فِي وجوب ذَلِك إِذْ لَا يجب تَحْصِيل سَبَب الْوُجُوب وَيجوز أَن لَا يحجّ فِي هَذَا الْعَام وَيسن للموسر أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي الْحجَّة لِلِاتِّبَاعِ وللأمر بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسمي يَوْم التَّرويَة لانتقالهم فِيهِ من مَكَّة إِلَى منى (و) أَن يَصُوم بعد الثَّلَاثَة (سَبْعَة) أَيَّام (إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله) ووطنه إِن أَرَادَ الرُّجُوع إِلَيْهِم لقَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا يجوز صَومهَا فِي الطَّرِيق لذَلِك فَإِن أَرَادَ الْإِقَامَة بِمَكَّة صامها بهَا كَمَا قَالَه فِي الْبَحْر وَينْدب تتَابع الثَّلَاثَة والسبعة أَدَاء كَانَت أَو قَضَاء لِأَن فِيهِ مبادرة لقَضَاء الْوَاجِب وخروجا من خلاف من أوجبه نعم إِن أحرم بِالْحَجِّ سادس ذِي الْحجَّة لزم صَوْم الثَّلَاثَة متتابعة فِي الْحَج لضيق الْوَقْت لَا للتتابع نَفسه وَلَو فَاتَتْهُ الثَّلَاثَة فِي الْحَج بِعُذْر أَو غَيره لزمَه قَضَاؤُهَا وَيفرق فِي قَضَائهَا بَينهَا وَبَين السَّبْعَة بِقدر أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَمُدَّة إِمْكَان السّير إِلَى أَهله على الْعَادة الْغَالِبَة كَمَا فِي الْأَدَاء فَلَو صَامَ عشرَة وَلَاء حصلت الثَّلَاثَة وَلَا يعْتد بالبقية لعدم التَّفْرِيق (وَالثَّانِي الدَّم الْوَاجِب بِالْحلقِ والترفه) كالقلم من الْيَد أَو الرجل وتكمل الْفِدْيَة فِي إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات أَو إِزَالَة ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بِأَن اتَّحد الزَّمَان وَالْمَكَان وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تحلقوا رؤوسكم} أَي شعرهَا وَشعر سَائِر الْجَسَد مُلْحق بِهِ بِجَامِع الترفه وَأما الظفر فقياسا على الشّعْر لما فِيهِ من الترفه وَالشعر يصدق بِالثَّلَاثَةِ وَيُقَاس بِهِ الْأَظْفَار وَلَا يعْتَبر جَمِيعه بِالْإِجْمَاع وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين النَّاسِي للْإِحْرَام وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ لعُمُوم الْآيَة وكسائر الْإِتْلَاف وَهَذَا بِخِلَاف النَّاسِي وَالْجَاهِل بِالْحُرْمَةِ فِي التَّمَتُّع باللبس وَالطّيب والدهن وَالْجِمَاع ومقدماته اعْتِبَار الْعلم وَالْقَصْد فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فيهمَا نعم لَو أزالها مَجْنُون أَو مغمى عَلَيْهِ أَو صبي غير مُمَيّز لم تلْزمهُ الْفِدْيَة وَالْفرق بَين هَؤُلَاءِ وَبَين الْجَاهِل وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يعقلان فعلهمَا فينسبان إِلَى التَّقْصِير بِخِلَاف هَؤُلَاءِ على أَن الْجَارِي على قَاعِدَة الْإِتْلَاف وُجُوبهَا عَلَيْهِم أَيْضا وَمثلهمْ فِي ذَلِك النَّائِم وَلَو أزيل ذَلِك بِقطع جلد أَو عُضْو لم يجب فِيهِ شَيْء لِأَن مَا أزيل تَابع غير مَقْصُود بالإزالة وَيلْزمهُ فِي الشعرة الْوَاحِدَة أَو الظفر الْوَاحِد أَو بعض شَيْء من أَحدهمَا مد طَعَام وَفِي الشعرتين أَو الظفرين مدان وللمعذور فِي الْحلق بإيذاء قمل أَو نَحوه كوسخ أَن يحلق ويفدي لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} الْآيَة قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَكَذَا تلْزمهُ الْفِدْيَة فِي كل محرم أُبِيح للْحَاجة إِلَّا لبس السَّرَاوِيل والخفين المقطوعين لِأَن ستر الْعَوْرَة ووقاية الرجل عَن النَّجَاسَة مَأْمُور بهَا فَخفف فيهمَا والحصر فِيمَا قَالَه مَمْنُوع أَو مؤول فقد اسْتثْنى صور لَا فديَة فِيهَا مِنْهَا مَا إِذا أَزَال مَا نبت من شعر فِي عينه وتأذى بِهِ وَمِنْهَا مَا إِذا أَزَال قدر مَا يغطيها من شعر رَأسه وحاجبيه إِذا طَال بِحَيْثُ ستر بَصَره وَمِنْهَا مَا لَو انْكَسَرَ ظفره فَقطع المؤذي مِنْهُ فَقَط تَنْبِيه دخل فِي إِطْلَاق المُصَنّف الترفه كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي تعداد الْأَنْوَاع دم الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس ومقدمات الْجِمَاع وَالْجِمَاع بَين التحللين ودهن شعر الرَّأْس واللحية وَلَو محلوقين وَألْحق الْمُحب الطَّبَرِيّ بذلك بحثا الْحَاجِب والعذار والشارب والعنفقة وَفصل ابْن النَّقِيب فَألْحق باللحية مَا اتَّصل بهَا كالشارب والعنفقة والعذار دون الْحَاجِب والهدب وَمَا على الْجَبْهَة وَمَرَّتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَأَن هَذَا هُوَ الظَّاهِر (وَهُوَ) أَي الدَّم الْوَاجِب بِمَا ذكر هُنَا (على التَّخْيِير) وَالتَّقْدِير فَتجب (شَاة) مجزئة فِي الْأُضْحِية أَو مَا يقوم مقَامهَا من سبع بَدَنَة أَو سبع بقرة (أَو صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام) وَلَو مُتَفَرِّقَة (أَو التَّصَدُّق بِثَلَاثَة آصَع) بِمد الْهمزَة وَضم الْمُهْملَة جمع صَاع (على سِتَّة مَسَاكِين) لكل مِسْكين نصف صَاع وَتقدم فِي زَكَاة الْفطر بَيَان الصَّاع وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} أَي فحلق {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} فَائِدَة سَائِر الْكَفَّارَات لَا يُزَاد الْمِسْكِين فِيهَا على مد إِلَّا فِي هَذَا الْحَج أَو الْعمرَة وَسكت المصف عَن بَيَان الدَّم هُنَا وَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل كَمَا سَيَأْتِي (فيتحلل) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وجوبا سَوَاء أَكَانَ حَاجا أم مُعْتَمِرًا أم قَارنا وَسَوَاء أَكَانَ الْمَنْع بِقطع الطَّرِيق أم بِغَيْرِهِ منع من الرُّجُوع أم لَا وَذَلِكَ لقَوْله تَعَالَى {فَإِن أحصرتم} أَي وأردتم التَّحَلُّل {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 (وَالثَّالِث الدَّم الْوَاجِب بالإحصار) وَهُوَ الْمَنْع من جَمِيع الطّرق عَن إتْمَام الْإِحْصَار بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجب الْهَدْي وَالْأولَى للمحصر الْمُعْتَمِر الصَّبْر عَن التَّحَلُّل وَكَذَا الْحَاج إِن اتَّسع الْوَقْت وَإِلَّا فَالْأولى التَّعْجِيل لخوف الْفَوات نعم إِن كَانَ فِي الْحَج وتيقن زَوَال الْحصْر فِي مُدَّة يُمكنهُ إِدْرَاك الْحَج بعْدهَا أَو فِي الْعمرَة وتيقن قرب زَوَاله وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام امْتنع تحلله كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا أحد الْمَوَانِع من إتْمَام النّسك وَهِي سِتَّة وَثَانِي الْمَوَانِع الْحَبْس ظلما كَأَن حبس بدين وَهُوَ مُعسر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يتَحَلَّل كَمَا فِي الْحصْر الْعَام وَلَا تحلل بِالْمرضِ وَنَحْوه كإضلال طَرِيق فَإِن شَرط فِي إِحْرَامه أَن يتَحَلَّل بِالْمرضِ وَنَحْوه جَازَ لَهُ أَن يتَحَلَّل بِسَبَب (وَيهْدِي) الْمحصر إِذا أَرَادَ التَّحَلُّل (شَاة) أَو مَا يقوم مقَامهَا من بَدَنَة أَو بقرة أَو سبع إِحْدَاهمَا حَيْثُ أحْصر فِي حل أَو حرم وَلَا يسْقط عَنهُ الدَّم إِذا شَرط عِنْد الْإِحْرَام أَنه يتَحَلَّل إِذا أحْصر بِخِلَاف مَا إِذا شَرط فِي الْمَرَض أَنه يتَحَلَّل بِلَا هدي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه لِأَن حصر الْعَدو لَا يفْتَقر إِلَى شَرط فَالشَّرْط فِيهِ لاغ وَلَو أطلق فِي التَّحَلُّل من الْمَرَض بِأَن لم يشرط هَديا لم يلْزمه شَيْء بِخِلَاف مَا إِذا شَرط التَّحَلُّل بِالْهَدْي فَإِنَّهُ يلْزمه وَلَا يجوز الذّبْح بِموضع من الْحل غير الَّذِي أحْصر فِيهِ كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع وَإِنَّمَا يحصل التَّحَلُّل بِالذبْحِ وَنِيَّة التَّحَلُّل الْمُقَارنَة لَهُ لِأَن الذّبْح قد يكون للتحلل وَقد يكون لغيره فَلَا بُد من قصد صَارف وكيفيتها أَن يَنْوِي خُرُوجه عَن الْإِحْرَام وَكَذَا الْحلق أَو نَحوه إِن جَعَلْنَاهُ نسكا وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر وَلَا بُد من مُقَارنَة النِّيَّة كَمَا فِي الذّبْح وَيشْتَرط تَأَخره عَن الذّبْح لِلْآيَةِ السَّابِقَة فَإِن فقد الدَّم حسا كَأَن لم يجد ثمنه أَو شرعا كَأَن احْتَاجَ إِلَى ثمنه أَو وجده غاليا فَالْأَظْهر أَن لَهُ بَدَلا قِيَاسا على دم التَّمَتُّع وَغَيره وَالْبدل طَعَام بِقِيمَة الشَّاة فَإِن عجز عَن الطَّعَام صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَن كل مد يَوْمًا قِيَاسا على الدَّم الْوَاجِب بترك الْمَأْمُور بِهِ وَله إِذا انْتقل إِلَى الصَّوْم التَّحَلُّل فِي الْحَال بِالْحلقِ بنية التَّحَلُّل عِنْده لِأَن التَّحَلُّل إِنَّمَا شرع لدفع الْمَشَقَّة لتضرره بالْمقَام على الْإِحْرَام وثالث الْمَوَانِع الرّقّ فَإِذا أحرم الرَّقِيق بِلَا إِذن سَيّده فَلهُ تَحْلِيله بِأَن يَأْمُرهُ بالتحلل لِأَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه حرَام لِأَنَّهُ يعطل عَلَيْهِ مَنَافِعه الَّتِي يَسْتَحِقهَا فَإِنَّهُ قد يُرِيد مِنْهُ مَا لَا يُبَاح للْمحرمِ كالاصطياد وَله أَن يتَحَلَّل وَإِن لم يَأْمُرهُ بذلك سَيّده فَإِن أمره بِهِ لزمَه فيحلق وَيَنْوِي التَّحَلُّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فَعلم أَن إِحْرَامه بِغَيْر إِذْنه صَحِيح وَإِن حرم عَلَيْهِ فَإِن لم يتَحَلَّل فَلهُ اسْتِيفَاء منفعَته مِنْهُ وَالْإِثْم عَلَيْهِ ورابع الْمَوَانِع الزَّوْجِيَّة فَللزَّوْج الْحَلَال أَو الْمحرم تَحْلِيل زَوجته كَمَا لَهُ منعهَا ابْتِدَاء من حج أَو عمْرَة تطوع لم يَأْذَن فِيهِ وَله تحليلها أَيْضا من فرض الْإِسْلَام من حج أَو عمْرَة بِلَا إِذن لِأَن حَقه على الْفَوْر والنسك على التَّرَاخِي فَإِن قيل لَيْسَ لَهُ منعهَا من فرض الصَّلَاة وَالصَّوْم فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن مدتهما لَا تطول فَلَا يلْحق الزَّوْج كَبِير ضَرَر وخامس الْمَوَانِع الْأُبُوَّة فَإِن أحرم الْوَلَد بنفل بِلَا إِذن من أَبَوَيْهِ فَلِكُل مِنْهُمَا مَنعه وتحليله وتحليلهما لَهُ كتحليل السَّيِّد رَقِيقه وَلَيْسَ لأحد من أَبَوَيْهِ مَنعه من فرض عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْخَوْف فِيهِ كالخوف فِي الْجِهَاد وَيسن للْوَلَد استئذانهما إِذا كَانَا مُسلمين فِي النّسك فرضا أَو تَطَوّعا وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَو أذن الزَّوْج لزوجته كَانَ لأبويها منعهَا وَهُوَ ظَاهر إِلَّا أَن يُسَافر مَعهَا الزَّوْج وسادس الْمَوَانِع الدّين فَلَيْسَ لغريم الْمَدِين تَحْلِيله إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي إِحْرَامه وَله مَنعه من الْخُرُوج إِذا كَانَ مُوسِرًا وَالدّين حَالا ليوفيه حَقه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُعسرا أَو مُوسِرًا وَالدّين مُؤَجّلا فَلَيْسَ لَهُ مَنعه إِذْ لَا يلْزمه أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ فَإِن كَانَ الدّين يحل فِي غيبته اسْتحبَّ لَهُ أَن يُوكل من يَقْضِيه عِنْد حل حُلُوله وَلَا قَضَاء على الْمحصر المتطوع لعدم وُرُوده فَإِن كَانَ نُسكه فرضا مُسْتَقرًّا كحجة الْإِسْلَام فِيمَا بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان أَو كَانَت قَضَاء أَو نذرا بَقِي فِي ذمَّته أَو غير مُسْتَقر كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة بعد زَوَال الْإِحْصَار (وَالرَّابِع الدَّم الْوَاجِب بقتل الصَّيْد) الْمَأْكُول الْبري الوحشي أَو الْمُتَوَلد من الْمَأْكُول الْبري الوحشي وَمن غَيره كمتولد بَين حمَار وَحشِي وحمار أَهلِي وَاعْلَم أَن الصَّيْد ضَرْبَان مَا لَهُ مثل من النعم فِي الصُّورَة والخلقة تَقْرِيبًا فَيضمن بِهِ وَمَا لَا مثل لَهُ فَيضمن بِالْقيمَةِ إِن لم يكن فِيهِ نقل وَمن الأول مَا فِيهِ نقل بعضه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَعضه عَن السّلف فَيتبع وَقد شرع المُصَنّف فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ (وَهُوَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّخْيِير بَين ثَلَاثَة أُمُور (إِن كَانَ الصَّيْد) الْمَقْتُول أَو المزمن (مِمَّا لَهُ مثل) شبه صوري من النعم وَذكر المُصَنّف الأول من هَذِه الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أخرج الْمثل من النعم) أَي يذبح الْمثل من النعم وَيتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه فَفِي إِتْلَاف النعامة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بَدَنَة كَذَلِك فَلَا تجزىء بقرة وَلَا سبع شِيَاه أَو أَكثر لِأَن جَزَاء الصَّيْد يُرَاعى فِيهِ الْمُمَاثلَة وَفِي وَاحِد من بقر الْوَحْش أَو حِمَاره بقرة وَفِي الغزال وَهُوَ ولد الظبية إِلَى أَن يطلع قرناه معز صَغِير فَفِي الذّكر جدي وَفِي الْأُنْثَى عنَاق فَإِن طلع قرناه سمي الذّكر ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَة وفيهَا عنز وَهِي أُنْثَى الْمعز الَّتِي تمّ لَهَا سنة وَفِي الأرنب عنَاق وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا قويت مَا لم تبلغ سنة وَفِي اليربوع جفرة وَهِي أُنْثَى الْمعز إِذا بلغت أَرْبَعَة أشهر وَفِي الضبع كَبْش وَفِي الثَّعْلَب شَاة وَمَا لَا نقل فِيهِ من الصَّيْد عَمَّن سَيَأْتِي يحكم فِيهِ بِمثلِهِ من النعم عَدْلَانِ لقَوْله تَعَالَى {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} الْآيَة وَالْعبْرَة بالمماثلة بالخلقة وَالصُّورَة تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقا فَأَيْنَ النعامة من الْبَدنَة لَا بِالْقيمَةِ فَيلْزم فِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الذّكر ذكر وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى وَفِي الصَّحِيح صَحِيح وَفِي الْمَعِيب معيب إِن اتَّحد جنس الْعَيْب وَفِي السمين سمين وَفِي الهزيل هزيل وَلَو فدى الْمَرِيض بِالصَّحِيحِ أَو الْمَعِيب بالسليم أَو الهزيل بالسمين فَهُوَ أفضل وَيجب أَن يكون العدلان فقيهين فطنين لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أعرف بالشبه الْمُعْتَبر شرعا وَمَا ذكر من وجوب الْفِقْه مَحْمُول على الْفِقْه الْخَاص بِمَا يحكم بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوع عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب من أَن الْفِقْه مُسْتَحبّ مَحْمُول على زيارته تَنْبِيه لَو حكم عَدْلَانِ بِأَن لَهُ مثلا وعدلان بِعَدَمِهِ فَهُوَ مثلي كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة وَلَو حكم عَدْلَانِ بِمثل وآخران بِمثل آخر تخير على الْأَصَح ثمَّ ذكر الثَّانِي من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو قومه) أَي الْمثل بِدَرَاهِم بِقِيمَة مثله بِمَكَّة يَوْم الْإِخْرَاج (وَاشْترى بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) مجزئا فِي الْفطْرَة أَو مِمَّا هُوَ عِنْده (وَتصدق بِهِ) أَي الطَّعَام وجوبا على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه القاطنين وَغَيرهم وَلَا يجوز لَهُ التَّصَدُّق بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ ذكر الثَّالِث من الثَّلَاثَة فِي قَوْله (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ (وَإِن كَانَ الصَّيْد) الَّذِي وَجب فِيهِ الدَّم (مِمَّا لَا مثل لَهُ) مِمَّا لَا نقل فِيهِ كالجراد وَبَقِيَّة الطُّيُور مَا عدا الْحمام كَمَا سَيَأْتِي سَوَاء كَانَ أكبر جثة من الْحمام أم لَا (أخرج بِقِيمَتِه) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) وَإِنَّمَا لَزِمته الْقيمَة عملا بِالْأَصْلِ فِي المتقومات وَقد حكمت الصَّحَابَة بهَا فِي الْجَرَاد وَلِأَنَّهُ مَضْمُون لَا مثل لَهُ فضمن بِالْقيمَةِ كَمَال الْآدَمِيّ وَيرجع فِي الْقيمَة إِلَى عَدْلَيْنِ أما مَا لَا مثل لَهُ مِمَّا فِيهِ نقل وَالْحمام وَهُوَ مَا عب أَي شرب المَاء بِلَا مص وهدر أَي رَجَعَ صَوته وغرد كاليمام والقمري والفاختة وكل مطوق فَفِي الْوَاحِدَة مِنْهُ شَاة من ضَأْن أَو معز بِحكم الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَفِي مستندهم وَجْهَان أصَحهمَا تَوْقِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 بَلغهُمْ فِيهِ وَالثَّانِي مَا بَينهمَا من الشّبَه وَهُوَ ألف الْبيُوت وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي بعض أَنْوَاع الْحمام إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الفواخت وَنَحْوهَا وَيتَصَدَّق بِالطَّعَامِ على مَسَاكِين الْحرم وفقرائه كَمَا مر (أَو صَامَ عَن كل مد) من الطَّعَام (يَوْمًا) فِي أَي مَوضِع كَانَ قِيَاسا على الْمثْلِيّ تَنْبِيه تعْتَبر قيمَة الْمثْلِيّ وَالطَّعَام فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِجَمِيعِ الْحرم لِأَنَّهُ مَحل الذّبْح لَا بِمحل الْإِتْلَاف على الْمَذْهَب وَغير الْمثْلِيّ تعْتَبر قِيمَته فِي الزَّمَان بِحَالَة الْإِتْلَاف لَا الْإِخْرَاج على الْأَصَح وَفِي الْمَكَان بِمحل الْإِتْلَاف لَا بِالْحرم على الْمَذْهَب (وَالْخَامِس الدَّم الْوَاجِب بِالْوَطْءِ) الْمُفْسد (وَهُوَ) أَي الدَّم الْمَذْكُور (على التَّرْتِيب) وَالتَّعْدِيل على الْمَذْهَب فَيجب بِهِ (بَدَنَة) على الرجل بِصفة الْأُضْحِية لقَضَاء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بذلك وَخرج بِالْوَطْءِ الْمُفْسد مَسْأَلَتَانِ الأولى أَن يُجَامع فِي الْحَج بَين التحللين وَالثَّانيَِة أَن يُجَامع ثَانِيًا بعد جمَاعَة الأول قبل التحللين وَفِي الصُّورَتَيْنِ إِنَّمَا تلْزمهُ شَاة وَبِالرجلِ الْمَرْأَة وَإِن شملتها عِبَارَته فَلَا فديَة عَلَيْهَا على الصَّحِيح سَوَاء أَكَانَ الواطىء زوجا أم غَيره محرما أم حَلَالا تَنْبِيه حَيْثُ أطلقت الْبَدنَة فِي كتب الحَدِيث وَالْفِقْه المُرَاد بهَا الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (فَإِن لم يجد) أَي الْبَدنَة (فبقرة) تجزىء فِي الْأُضْحِية (فَإِن لم يجد) أَي الْبَقَرَة (فسبع من الْغنم) من الضَّأْن أَو الْمعز أَو مِنْهُمَا (فَإِن لم يجد) أَي الْغنم (قوم الْبَدنَة) بِدَرَاهِم بِسعْر مَكَّة حَالَة الْوُجُوب كَمَا قَالَه السُّبْكِيّ وَغَيره وَلَيْسَت الْمَسْأَلَة فِي الشرحين وَالرَّوْضَة (وَاشْترى بِقِيمَتِهَا) أَي بِقَدرِهَا (طَعَاما) أَو أخرجه مِمَّا عِنْده (وَتصدق بِهِ) فِي الْحرم على مساكينه وفقرائه (فَإِن لم يجد) طَعَاما (صَامَ عَن كل مد يَوْمًا) فِي أَي مَكَان كَانَ ويكمل المنكسر تَنْبِيه المُرَاد بِالطَّعَامِ فِي هَذَا الْبَاب مَا يجزىء عَن الْفطْرَة وَلَو قدر على بعض الطَّعَام وَعجز عَن الْبَاقِي أخرج مَا قدر عَلَيْهِ وَصَامَ عَمَّا عجز عَنهُ وَقد عرفت مِمَّا تقدم أَن الْمَذْكُور فِي كَلَام المُصَنّف ثَمَانِيَة أَنْوَاع وَأما النَّوْع التَّاسِع الْمَوْعُود بِذكرِهِ فِيمَا تقدم فَهُوَ دم الْقرَان وَهُوَ كَدم التَّمَتُّع فِي التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير وَسَائِر أَحْكَامه الْمُتَقَدّمَة وَإِنَّمَا لم يدْخل هَذَا النَّوْع فِي تَعْبِيره بترك النّسك لِأَنَّهُ دم جبر لَا دم نسك على الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة وَسَيَأْتِي جَمِيع الدِّمَاء فِي خَاتِمَة آخر الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى (وَلَا يُجزئهُ الْهَدْي وَلَا الْإِطْعَام إِلَّا بِالْحرم) مَعَ التَّفْرِقَة على مساكينه وفقرائه بِالنِّيَّةِ عِنْدهَا وَلَا يُجزئهُ على أقل من ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أَو مِنْهُمَا وَلَو غرباء وَلَا يجوز لَهُ أكل شَيْء مِنْهُ وَلَا نَقله إِلَى غير الْحرم وَإِن لم يجد فِيهِ مِسْكينا وَلَا فَقِيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 تَنْبِيه أفضل بقْعَة من الْحرم لذبح مُعْتَمر الْمَرْوَة لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله ولذبح الْحَاج منى لِأَنَّهَا مَوضِع تحلله وَكَذَا حكم مَا سَاقه الْحَاج والمعتمر من هدي نذر أَو نفل مَكَانا فِي الِاخْتِصَاص والأفضلية وَوقت ذبح هَذَا الْهَدْي وَقت الْأُضْحِية على الصَّحِيح وَالْهَدْي كَمَا يُطلق على مَا يَسُوقهُ الْمحرم يُطلق أَيْضا على مَا يلْزمه من دم الجبرانات وَهَذَا الثَّانِي لَا يخْتَص بِوَقْت الْأُضْحِية (وَيجزئهُ أَن يَصُوم) مَا وَجب عَلَيْهِ عِنْد التَّخْيِير أَو الْعَجز (حَيْثُ شَاءَ) من حل أَو حرم كَمَا مر إِذْ لَا مَنْفَعَة لأهل الْحرم فِي صِيَامه وَيجب فِيهِ تبييت النِّيَّة وَكَذَا تعْيين جِهَته من تمتّع أَو قرَان أَو نَحْو ذَلِك كَمَا قَالَه الْقَمُولِيّ (وَلَا يجوز) لمحرم وَلَا لحلال (قتل صيد الْحرم) أما حرم مَكَّة فبالإجماع كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَلَو كَانَ كَافِرًا مُلْتَزم للْأَحْكَام وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة قَالَ إِن هَذَا الْبَلَد حرَام بِحرْمَة الله لَا يعضد شَجَره وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يجوز تنفير صَيْده لمحرم وَلَا لحلال فَغير التنفير أولى وَقيس بِمَكَّة بَاقِي الْحرم فَإِن أتلف فِيهِ صيدا ضمنه كَمَا مر فِي الْمحرم وَأما حرم الْمَدِينَة فَحَرَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابتيها لَا يقطع عضاهها وَلَا يصاد صيدها وَلَكِن لَا يضمن فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لَيْسَ محلا للنسك بِخِلَاف حرم مَكَّة (وَلَا) يجوز (قطع) وَلَا قلع (شَجَره) أَي حرم مَكَّة وَالْمَدينَة لما مر فِي الْحَدِيثين السَّابِقين وَسَوَاء فِي الشّجر المستنبت وَغَيره لعُمُوم النَّهْي وَمحل ذَلِك فِي الشّجر الرطب غير المؤذي أما الْيَابِس والمؤذي كالشوك والعوسج وَهُوَ ضرب من الشوك فَيجوز قطعه تَنْبِيه علم من تَعْبِيره بِالْقطعِ تَحْرِيم قلعه من بَاب أولى وَخرج بِالْحرم شجر الْحل إِذا لم يكن بعض أَصله فِي الْحرم فَيجوز قطعه وقلعه وَلَو بعد غرسه فِي الْحرم بِخِلَاف عَكسه عملا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أما مَا بعض أَصله فِي الْحرم فَيحرم تَغْلِيبًا للحرم وَخرج بتقييد غير المستنبت بِالشَّجَرِ الْحِنْطَة وَنَحْوهَا كالشعير والخضراوات فَيجوز قطعهَا وقلعها مُطلقَة بِلَا خلاف كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن ضَمَان شجر حرم مَكَّة فَيجب فِي قطع أَو قلع الشَّجَرَة الحرمية الْكَبِيرَة بِأَن تسمى كَبِيرَة عرفا بقرة سَوَاء أخلفت أم لَا قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا والبدنة فِي معنى الْبَقَرَة وَفِي الصَّغِيرَة إِن قاربت سبع الْكَبِيرَة شَاة فَإِن صغرت جدا فَفِيهَا الْقيمَة وَلَو أَخذ غصنا من شَجَرَة حرمية فأخلف مثله فِي سنته بِأَن كَانَ لطيفا كالسواك فَلَا ضَمَان فِيهِ فَإِن لم يخلف أَو أخلف لَا مثله أَو مثله لَا فِي سنته فَعَلَيهِ الضَّمَان وَالْوَاجِب فِي غير الشّجر من النَّبَات الْقيمَة لِأَنَّهُ الْقيَاس وَلم يرد نَص يَدْفَعهُ وَيحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أَخذ نَبَاته لعلف الْبَهَائِم وللدواء كالحنظل وللتغذي كالرجلة للْحَاجة إِلَيْهِ وَلِأَن ذَلِك فِي معنى الزَّرْع وَلَا يقطع لذَلِك إِلَّا بِقدر الْحَاجة وَلَا يجوز قطعه للْبيع مِمَّن يعلف بِهِ لِأَنَّهُ كالطعام الَّذِي أُبِيح أكله لَا يجوز بَيْعه وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنا حَيْثُ جَوَّزنَا أَخذ السِّوَاك كَمَا سَيَأْتِي لَا يجوز بَيْعه وَيجوز رعي حشيش الْحرم وشجره كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم بالبهائم وَيجوز أَخذ أوراق الْأَشْجَار بِلَا خبط لِئَلَّا يضر بهَا وخبطها حرَام كَمَا فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَنقل اتِّفَاقهم على أَنه يجوز أَخذ ثَمَرهَا وعود السِّوَاك وَنَحْوه وَقَضيته أَنه لَا يضمن الْغُصْن اللَّطِيف وَإِن لم يخلف قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ الْأَقْرَب وَيحرم أَخذ نَبَات حرم الْمَدِينَة وَلَا يضمن وَيحرم صيد الطَّائِف ونباته وَلَا ضَمَان فيهمَا قطعا فَائِدَة يحرم نقل تُرَاب من الْحَرَمَيْنِ أَو أَحْجَار أَو عمل من طين أَحدهمَا كالأباريق وَغَيرهَا إِلَى الْحل فَيجب رده إِلَى الْحرم بِخِلَاف مَاء زَمْزَم فَإِنَّهُ يجوز نَقله وَيحرم أَخذ طيب الْكَعْبَة فَمن أَرَادَ التَّبَرُّك مسحها بِطيب نَفسه ثمَّ يَأْخُذهُ وَأما سترهَا فَالْأَمْر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام يصرفهُ فِي بعض مصاريف بَيت المَال بيعا وَعَطَاء لِئَلَّا يتْلف بالبلى وَبِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وجوزوا لمن أَخذه لبسه وَلَو جنبا أَو حَائِضًا (وَالْمحل وَالْمحرم فِي ذَلِك) أَي فِي تَحْرِيم صيد الْحرم وَقطع شَجَره وَالضَّمان (سَوَاء) بِلَا فرق لعُمُوم النَّهْي قَاعِدَة نافعة فِيمَا سبق مَا كَانَ مَحْضا كالصيد وَجَبت الْفِدْيَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ استمتاعا أَو ترفها كالطيب واللبس فَلَا فديَة فِيهِ مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَمَا كَانَ فِيهِ شَائِبَة من الْجَانِبَيْنِ كالجماع وَالْحلق والقلم فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح فِي الْجِمَاع عدم وجوب الْفِدْيَة مَعَ الْجَهْل وَالنِّسْيَان وَفِي الْحلق والقلم الْوُجُوب مَعَهُمَا خَاتِمَة حَيْثُ أطلق فِي الْمَنَاسِك الدَّم فَالْمُرَاد بِهِ كَدم الْأُضْحِية فتجزىء الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة عَن سَبْعَة دِمَاء وَإِن اخْتلفت أَسبَابهَا فَلَو ذَبحهَا عَن دم وَاجِب فالفرض سبعها فَلهُ إِخْرَاجه عَنهُ وَأكل الْبَاقِي إِلَّا فِي جَزَاء الصَّيْد الْمثْلِيّ فَلَا يشْتَرط كَونه كالأضحية فَيجب فِي الصَّغِير صَغِير وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الْمَعِيب معيب كَمَا مر بل لَا تجزىء الْبَدنَة عَن شَاة وَحَاصِل الدِّمَاء ترجع بِاعْتِبَار حكمهَا إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام دم تَرْتِيب وَتَقْدِير دم تَرْتِيب وتعديل دم تَخْيِير وَتَقْدِير دم تَخْيِير وتعديل الْقسم الأول يشْتَمل على دم التَّمَتُّع وَالْقرَان والفوات والمنوط بترك مَأْمُور بِهِ وَهُوَ ترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالرَّمْي وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة وَمنى وَطواف الْوَدَاع فَهَذِهِ الدِّمَاء دِمَاء تَرْتِيب بِمَعْنى أَنه يلْزمه الذّبْح وَلَا يُجزئهُ الْعُدُول إِلَى غَيره إِلَّا إِذا عجز عَنهُ وَتَقْدِير بِمَعْنى أَن الشَّرْع قدر مَا يعدل إِلَيْهِ بِمَا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَالْقسم الثَّانِي يشْتَمل على دم الْجِمَاع فَهُوَ دم تَرْتِيب وتعديل بِمَعْنى أَن الشَّرْع أَمر فِيهِ بالتقويم والعدول إِلَى غَيره بِحَسب الْقيمَة فَيجب فِيهِ بَدَنَة ثمَّ بقرة ثمَّ سبع شِيَاه فَإِن عجز قوم الْبَدنَة بِدَرَاهِم وَاشْترى بهَا طَعَاما وَتصدق بِهِ فَإِن عجز صَامَ عَن كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 مد يَوْمًا ويكمل المنكسر كَمَا مر وعَلى دم الْإِحْصَار فَعَلَيهِ شَاة ثمَّ طَعَام بالتعديل فَإِن عجز صَامَ عَن كل مد يَوْمًا وَالْقسم الثَّالِث يشْتَمل على دم الْحلق والقلم فَيتَخَيَّر إِذا حلق ثَلَاث شَعرَات أَو قلم ثَلَاثَة أظفار وَلَاء بَين ذبح دم وإطعام سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع وَصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى دم الِاسْتِمْتَاع وَهُوَ التَّطَيُّب والدهن بِفَتْح الدَّال للرأس واللحية وَبَعض شعر الْوَجْه على خلاف تقدم واللبس ومقدمات الْجِمَاع والاستمناء وَالْجِمَاع غير الْمُفْسد وَالْقسم الرَّابِع يشْتَمل على جَزَاء الصَّيْد وَالشَّجر فجملة هَذِه الدِّمَاء عشرُون دَمًا وَكلهَا لَا تخْتَص بِوَقْت كَمَا مر وتراق فِي النّسك الَّذِي وَجَبت فِيهِ وَدم الْفَوات يجزىء بعد دُخُول وَقت الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ كالمتمتع إِذا فرغ من عمرته فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يذبح قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن قَالَ ابْن الْمقري لَا يجزىء إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِالْقضَاءِ وَكلهَا وبدلها من الطَّعَام يخْتَص تفرقته بِالْحرم على مساكينه وَكَذَا يخْتَص بِهِ الذّبْح إِلَّا الْمحصر فَيذْبَح حَيْثُ أحْصر كَمَا مر فَإِن عدم الْمَسَاكِين فِي الْحرم أَخّرهُ كَمَا مر حَتَّى يجدهم كمن نذر التَّصَدُّق على فُقَرَاء بلد فَلم يجدهم وَيسن لمن قصد مَكَّة بِحَجّ أَو عمْرَة أَن يهدي إِلَيْهَا شَيْئا من النعم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى فِي حجَّة الْوَدَاع مائَة بَدَنَة وَلَا يجب ذَلِك إِلَّا بِالنذرِ وَيسن أَن يُقَلّد الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة نَعْلَيْنِ من النِّعَال الَّتِي تلبس فِي الْإِحْرَام وَيتَصَدَّق بهما بعد ذَبحهَا ثمَّ يجرح صفحة سنامها الْيُمْنَى بحديدة مُسْتَقْبلا بهَا الْقبْلَة ويلطخها بِالدَّمِ لتعرف وَالْغنم لَا تجرح بل تقلد عرى الْقرب وآذانها وَلَا يلْزم بذلك ذَبحهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 تمّ الْجُزْء الأول ويليه الْجُزْء الثَّانِي وأوله كتاب الْبيُوع كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات ) كقراض وَشركَة وَعبر بالبيوع دون البيع الْمُنَاسب لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع} ولطريق الِاخْتِصَار نظرا إِلَى تنوعه وتقسيم أَحْكَامه فَإِنَّهُ يتنوع إِلَى أَربع أَنْوَاع كَمَا سَيَأْتِي وَأَحْكَامه تَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وفاسد وَالصَّحِيح إِلَى لَازم وَغير لَازم كَمَا يعلم ذَلِك من كَلَامه وَالْبيع لُغَة مُقَابلَة شَيْء بِشَيْء قَالَ الشَّاعِر مَا بعتكم مهجتي إِلَّا بوصلكم وَلَا أسلمها إِلَّا يدا بيد وَشرعا مُقَابلَة مَال بِمَال على وَجه مَخْصُوص وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأحل الله البيع} وَأَحَادِيث كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا البيع عَن ترَاض (الْبيُوع ثَلَاثَة أَشْيَاء) أَي أَنْوَاع بل أَرْبَعَة كَمَا سَيَأْتِي الأول (بيع عين مُشَاهدَة) أَي مرئية للمتبايعين (فَجَائِز) لانْتِفَاء الْغرَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 (و) الثَّانِي (بيع شَيْء) يَصح السّلم فِيهِ (مَوْصُوف فِي الذِّمَّة) بِلَفْظ السّلم (فَجَائِز إِذا وجدت الصّفة) الْمَشْرُوط ذكرهَا فِيهِ (على مَا وصفت بِهِ) الْعين الْمُسلم فِيهَا مَعَ بَقِيَّة شُرُوطه الْآتِيَة فِي بَابه (و) الثَّالِث (بيع عين غَائِبَة) عَن مجْلِس العقد أَو حَاضِرَة فِيهِ (لم تشاهد) للعاقدين (فَلَا يجوز) للنَّهْي عَن بيع الْغرَر تَنْبِيه مُرَاده بِالْجَوَازِ فِيمَا ذكر فِي هَذِه الْأَنْوَاع مَا يعم الصِّحَّة وَالْإِبَاحَة إِذْ تعَاطِي الْعُقُود الْفَاسِدَة حرَام وَالرَّابِع بيع الْمَنَافِع وَهُوَ الْإِجَارَة وَسَيَأْتِي وللمبيع شُرُوط خَمْسَة كَمَا فِي الْمِنْهَاج ذكر المُصَنّف مِنْهَا ثَلَاثَة الأول مَا ذكره بقوله (وَيصِح بيع كل) شَيْء (طَاهِر) عينا أَو يطهر بِغسْلِهِ فَلَا يَصح بيع الْمُتَنَجس كالخل وَاللَّبن لِأَنَّهُ فِي معنى نجس الْعين وَكَذَا الدّهن كالزيت فَإِنَّهُ لَا يُمكن تَطْهِيره فِي الْأَصَح فَإِنَّهُ لَو أمكن لما أَمر بإراقة السّمن فِيمَا رَوَاهُ ابْن حبَان أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْفَأْرَة تَمُوت فِي السّمن إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا فأريقوه أما مَا يُمكن تَطْهِيره كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجس والآجر المعجون بمائع نجس كبول فَإِنَّهُ يَصح بَيْعه لِإِمْكَان طهره وَسَيَأْتِي مُحْتَرز قَوْله طَاهِر فِي كَلَامه وَالشّرط الثَّانِي مَا ذكره بقوله (منتفع بِهِ) شرعا وَلَو فِي الْمَآل كالجحش الصَّغِير وَسَيَأْتِي مُحْتَرزه فِي كَلَامه وَالشّرط الثَّالِث مَا ذكره بقوله (مَمْلُوك) أَي أَن يكون للعاقد عَلَيْهِ ولَايَة فَلَا يَصح عقد فُضُولِيّ وَإِن أجَازه الْمَالِك لعدم ولَايَته على الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَيصِح بيع مَال غَيره ظَاهرا إِن بَان بعد البيع أَنه لَهُ كَأَن بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا لتبين أَنه ملكه وَالشّرط الرَّابِع قدرَة تسلمه فِي بيع غير ضمني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 على رده لعَجزه عَن تسلمه حَالا بِخِلَاف بَيْعه لقادر على ذَلِك نعم إِن احْتَاجَ فِيهِ إِلَى مُؤنَة فَفِي الْمطلب يَنْبَغِي الْمَنْع وَلَا يَصح بيع جُزْء معِين تنقص بِقطعِهِ قِيمَته أَو قيمَة الْبَاقِي كجزء إِنَاء أَو ثوب نَفِيس ينقص بِقطعِهِ مَا ذكر للعجز عَن تَسْلِيم ذَلِك شرعا لِأَن التَّسْلِيم فِيهِ لَا يُمكن إِلَّا بِالْكَسْرِ أَو الْقطع وَفِيه نقص وتضييع مَال بِخِلَاف مَا لَا ينقص بِقطعِهِ مَا ذكر كجزء غليظ كرباس لانْتِفَاء الْمَحْذُور وَالشّرط الْخَامِس الْعلم بِهِ للعاقدين عينا وَقدرا وَصفَة على مَا يَأْتِي بَيَانه حذرا من الْغرَر لما روى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْغرَر وَيصِح بيع صَاع من صبرَة وَإِن جهلت صيعانها لعلمهما بِقدر الْمَبِيع مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاء فَلَا غرر وَيصِح بيع صبرَة وَإِن جهلت صيعانها كل صَاع بدرهم وَلَا يضر فِي مَجْهُولَة الصيعان الْجَهْل بجملة الثّمن لِأَنَّهُ مَعْلُوم بالتفصيل وَبيع صبرَة مَجْهُولَة الصيعان بِمِائَة دِرْهَم كل صَاع بدرهم إِن خرجت مائَة وَإِلَّا فَلَا يَصح لتعذر الْجمع بَين جملَة الثّمن وتفصيله لَا بيع أحد ثَوْبَيْنِ مثلا مُبْهما وَلَا بيع بِأَحَدِهِمَا وَإِن تَسَاوَت قيمتهمَا أَو بملء ذَا الْبَيْت برا أَو بزنة ذِي الْحَصَاة ذَهَبا وملء الْبَيْت وزنة الْحَصَاة مَجْهُولَانِ أَو بِأَلف دَرَاهِم ودنانير للْجَهْل بِعَين الْمَبِيع فِي الأولى وبعين الثّمن فِي الثَّانِيَة وبقدره فِي الْبَاقِي فَإِن عين الْبر كَأَن قَالَ بِعْتُك ملْء ذَا الْبَيْت من ذَا الْبر صَحَّ لِإِمْكَان أَخذه قبل تلفه فَلَا غرر وَقد بسطت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْكتاب ثمَّ أَخذ المُصَنّف فِي مُحْتَرز قَوْله طَاهِر بقوله (وَلَا يَصح بيع عين نَجِسَة) سَوَاء أمكن تطهيرها بالاستحالة كَجلْد الْميتَة أم لَا كالسرجين وَالْكَلب وَلَو معلما وَالْخمر وَلَو مُحْتَرمَة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ثمن الْكَلْب وَقَالَ إِن الله تَعَالَى حرم بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير وَقيس بهَا مَا فِي مَعْنَاهَا ثمَّ أَخذ فِي مُحْتَرز قَوْله منتفع بِهِ بقوله (وَلَا) يَصح (بيع مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يعد مَالا فَأخذ المَال فِي مُقَابلَته مُمْتَنع للنَّهْي عَن إِضَاعَة المَال وَعدم منفعَته إِمَّا لخسته كالحشرات الَّتِي لَا نفع فِيهَا كالخنفساء والحية وَالْعَقْرَب وَلَا عِبْرَة بِمَا يذكر من مَنَافِعهَا فِي الْخَواص وَلَا بيع كل سبع أَو طير لَا ينفع كالأسد وَالذِّئْب والحدأة والغراب غير الْمَأْكُول وَلَا نظر لمَنْفَعَة الْجلد بعد الْمَوْت وَلَا لمَنْفَعَة الريش فِي النبل وَلَا لاقتناء الْمُلُوك لبعضها للهيبة والسياسة أما مَا ينفع من ذَلِك كالفهد للصَّيْد والفيل لِلْقِتَالِ والنحل للعسل والطاووس للأنس بلونه فَيصح وَإِمَّا لقلته كحبتي الْحِنْطَة وَالشعِير وَلَا أثر لضم ذَلِك إِلَى أَمْثَاله أَو وَضعه فِي فخ وَمَعَ هَذَا يحرم غصبه وَيجب رده وَلَا ضَمَان فِيهِ إِن تلف إِذْ لَا مَالِيَّة وَلَا يَصح بيع آلَة اللَّهْو الْمُحرمَة كالطنبور والمزمار والرباب وَإِن اتخذ الْمَذْكُورَات من نقد إِذْ لَا نفع بهَا شرعا وَيصِح بيع آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا المقصودان وَلَا يشكل بِمَا مر من منع بيع آلَات الملاهي المتخذة مِنْهُمَا لِأَن آنيتهما يُبَاح اسْتِعْمَالهَا للْحَاجة بِخِلَاف تِلْكَ وَلَا يَصح بيع كتب الْكفْر والتنجيم والشعوذة والفلسفة كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَلَا بيع السّمك فِي المَاء إِلَّا إِذا كَانَ فِي بركَة صَغِيرَة لَا يمْنَع المَاء رُؤْيَته وَسَهل أَخذه فَيصح فِي الْأَصَح فَإِن كَانَت الْبركَة كَبِيرَة لَا يُمكن أَخذه إِلَّا بِمَشَقَّة شَدِيدَة لم يَصح على الْأَصَح وَبيع الْحمام فِي البرج على هَذَا التَّفْصِيل وَلَا يَصح بيع الطير فِي الْهَوَاء وَلَو حَماما اعْتِمَادًا على عَادَة عودهَا على الْأَصَح لعدم الوثوق بعودها إِلَّا النَّحْل فَيصح بَيْعه طائرا على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَقَيده فِي الْمُهِمَّات تبعا ل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 ابْن الرّفْعَة بِأَن يكون اليعسوب فِي الخلية فارقا بَينه وَبَين الْحمام بِأَن النَّحْل لَا يقْصد بالجوارح بِخِلَاف غَيرهَا من الطُّيُور فَإِنَّهَا تقصد بهَا وَيصِح بَيْعه فِي الكوارة إِن شَاهد جَمِيعه وَإِلَّا فَهُوَ من بيع الْغَائِب فَلَا يَصح تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن أَرْكَان البيع وَهِي ثَلَاثَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَهِي فِي الْحَقِيقَة سِتَّة عَاقد بَائِع ومشتر ومعقود عَلَيْهِ ثمن ومثمن وَصِيغَة وَلَو كِنَايَة وَهِي إِيجَاب كبعتك وملكتك واشتر مني وكجعلته لَك بِكَذَا نَاوِيا البيع وَقبُول كاشتريت وتملكت وَقبلت وَإِن تقدم على الْإِيجَاب كبعني بِكَذَا لِأَن البيع مَنُوط بِالرِّضَا لخَبر إِنَّمَا البيع عَن ترَاض وَالرِّضَا خَفِي فَاعْتبر مَا يدل عَلَيْهِ من اللَّفْظ فَلَا بيع بمعاطاة وَيرد كل مَا أَخذه بهَا أَو بدله إِن تلف وَشرط فِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَلَو بِكِتَابَة أَو إِشَارَة أخرس أَلا يتخللهما كَلَام أَجْنَبِي عَن العقد وَلَا سكُوت طَوِيل وَهُوَ مَا أشعر بإعراضه عَن الْقبُول وَأَن يتوافق الْإِيجَاب وَالْقَبُول معنى فَلَو أوجب بِأَلف مكسرة فَقبل بصحيحه أَو عَكسه لم يَصح وَيشْتَرط أَيْضا عدم التَّعْلِيق التَّأْقِيت فَلَو قَالَ إِن مَاتَ أبي فقد بِعْتُك هَذَا بِكَذَا أَو بعتكه بِكَذَا شهرا لم يَصح وَشرط فِي الْعَاقِد بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا إِطْلَاق تصرف فَلَا يَصح عقد صبي أَو مَجْنُون أَو مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه وَعدم إِكْرَاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 بِغَيْر حق فَلَا يَصح عقد مكره فِي مَاله بِغَيْر حق لعدم رِضَاهُ وَيصِح بِحَق كَأَن توجه عَلَيْهِ بيع مَاله لوفاء دين فأكرهه الْحَاكِم عَلَيْهِ وَلَو بَاعَ مَال غَيره بإكراهه عَلَيْهِ صَحَّ لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِذْن وَإِسْلَام من يَشْتَرِي لَهُ وَلَو بوكالة مصحف أَو نَحوه ككتب حَدِيث أَو كتب علم فِيهَا آثَار السّلف أَو مُسلم أَو مُرْتَد لَا يعْتق عَلَيْهِ لما فِي ملك الْكَافِر للمصحف وَنَحْوه من الإهانة وللمسلم من الإذلال وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} ولبقاء علقَة الْإِسْلَام فِي الْمُرْتَد بِخِلَاف من يعْتق عَلَيْهِ كأبيه أَو ابْنه فَيصح لانْتِفَاء إذلاله بِعَدَمِ اسْتِقْرَار ملكه فَائِدَة يتَصَوَّر دُخُول الرَّقِيق الْمُسلم فِي ملك الْكَافِر فِي مسَائِل نَحْو الْأَرْبَعين صُورَة وَقد ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وأفردها البُلْقِينِيّ بتصنيف دون الكراسة والشامل لجميعها ثَلَاثَة أَسبَاب الأول الْملك القهري الثَّانِي مَا يُفِيد الْفَسْخ الثَّالِث مَا استعقب الْعتْق فاستفده فَإِنَّهُ ضَابِط مُهِمّ ولبعضهم فِي ذَلِك نظم وَهُوَ الرجز وَمُسلم يدْخل ملك كَافِر بِالْإِرْثِ وَالرَّدّ بِعَيْب ظَاهر إِقَالَة وفسخه وَمَا وهب أصل وَمَا استعقب عتقا بِسَبَب وَتَقَدَّمت شُرُوط الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَلَو بَاعَ بِنَقْد مثلا وَثمّ نقد غَالب تعين لِأَن الظَّاهِر إرادتهما لَهُ أَو نقدان مثلا وَلَو صَحِيحا ومكسرا وَلَا غَالب اشْترط تعْيين لفظا إِن اخْتلفت قيمتهَا فَإِن اسْتَوَت لم يشْتَرط تعْيين وتكفي مُعَاينَة عوض عَن الْعلم بِقَدرِهِ اكْتِفَاء بالتخمين المصحوب بالمعاينة وتكفي رؤيتها قبل عقد فِيمَا لَا يغلب تغيره إِلَى وَقت العقد وَيشْتَرط كَونه ذَاكِرًا للأوصاف عِنْد العقد بِخِلَاف مَا يغلب تغيره كالأطعمة وتكفي رُؤْيَة بعض مَبِيع إِن دلّ على بَاقِيَة كظاهر صبرَة نَحْو برك كشعير أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 لم يدل على بَاقِيه بل كَانَ صوانا للْبَاقِي لبَقَائه كقشر رمان وبيض وقشرة سفلى لجوز أَو لوز فتكفي رُؤْيَته لِأَن صَلَاح بَاطِنه فِي إبقائه فِيهِ وَخرج بالسفلى وَهِي الَّتِي تكسر حَالَة الْأكل الْعليا لِأَنَّهَا لَيست من مصَالح مَا فِي بَطْنه نعم إِن لم تَنْعَقِد السُّفْلى كاللوز الْأَخْضَر كفت رُؤْيَة الْعليا لِأَن الْجَمِيع مَأْكُول وَيجوز بيع قصب السكر فِي قشره الْأَعْلَى لِأَن قشره الْأَسْفَل كباطنه لِأَنَّهُ قد يمص مَعَه وَلِأَن قشره الْأَعْلَى لَا يستر جَمِيعه وَيصِح سلم الْأَعْمَى وَإِن عمي قبل تَمْيِيزه بعوض فِي ذمَّته يعين فِي الْمجْلس ويوكل من يقبض عَنهُ أَو من يقبض لَهُ رَأس مَال السّلم وَالْمُسلم فِيهِ وَلَو كَانَ رأى قبل الْعَمى شَيْئا مِمَّا لَا يتَغَيَّر قبل عقده صَحَّ عقده عَلَيْهِ كالبصير وَلَو اشْترى الْبَصِير شَيْئا ثمَّ عمي قبل قَبضه لم يَنْفَسِخ فِيهِ البيع كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَلَا يَصح بيع البصل والجزر وَنَحْوهمَا فِي الأَرْض لِأَنَّهُ غرر فصل فِي الرِّبَا وَهُوَ بِالْقصرِ لُغَة الزِّيَادَة قَالَ الله تَعَالَى {اهتزت وربت} أَي زَادَت ونمت وَشرعا نقد على عوض مَخْصُوص غير مَعْلُوم التَّمَاثُل فِي معيار الشَّرْع حَالَة العقد أَو مَعَ تَأْخِير فِي الْبَدَلَيْنِ أَو أَحدهمَا وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع رَبًّا الْفضل وَهُوَ البيع مَعَ زِيَادَة أحد الْعِوَضَيْنِ على الآخر وَربا الْيَد وَهُوَ البيع مَعَ تَأْخِير قبضهما أَو قبض أَحدهمَا وَربا النِّسَاء وَهُوَ البيع لأجل (والربا حرَام) لقَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله آكل الرِّبَا وموكله وَشَاهده وكاتبه وَهُوَ من الْكَبَائِر قَالَ الْمَاوَرْدِيّ لم يحل فِي شَرِيعَة قطّ لقَوْله تَعَالَى {وَأَخذهم الرِّبَا وَقد نهوا عَنهُ} يَعْنِي فِي الْكتب السالفة وَالْقَصْد بِهَذَا الْفَصْل بيع الرِّبَوِيّ وَمَا يعْتَبر فِيهِ زِيَادَة على مَا مر وَهُوَ لَا يكون إِلَّا فِي (الذَّهَب وَالْفِضَّة) وَلَو غير مضروبين (و) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 فِي (المطعومات) لَا فِي غير ذَلِك وَالْمرَاد بالمطعوم مَا قصد للطعم اقتياتا أَو تفكها أَو تداويا كَمَا يُؤْخَذ ذَلِك من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وَالْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد أَي مقابضة فَإِنَّهُ نَص فِيهِ على الْبر وَالشعِير وَالْمَقْصُود مِنْهُمَا التقوت فَألْحق بهما مَا فِي مَعْنَاهُمَا كالأرز والذرة وَنَصّ على التَّمْر وَالْمَقْصُود مِنْهُ التفكه والتأدم فَألْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كالزبيب والتين وعَلى الْملح وَالْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح فَألْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كالمصطكي والزنجبيل وَلَا فرق بَين مَا يصلح الْغذَاء أَو يصلح الْبدن فَإِن الأغذية تحفظ الصِّحَّة والأدوية ترد الصِّحَّة وَلَا رَبًّا فِي حب الْكَتَّان ودهنه ودهن السّمك لِأَنَّهَا لَا تقصد للطعم وَلَا فِيمَا اخْتصَّ بِهِ الْجِنّ كالعظم أَو الْبَهَائِم كالتبن والحشيش أَو غلب تنَاولهَا لَهُ أما إِذا كَانَا على حد سَوَاء فَالْأَصَحّ ثُبُوت الرِّبَا فِيهِ وَلَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان مُطلقًا سَوَاء جَازَ بلعه كصغار السّمك أم لَا لِأَنَّهُ لَا يعد للْأَكْل على هَيئته (وَلَا يجوز بيع) عين (الذَّهَب بِالذَّهَب و) لَا بيع عين (الْفضة كَذَلِك) أَي بِالْفِضَّةِ (إِلَّا) بِثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه (متماثلا) أَي مُتَسَاوِيا فِي الْقدر من غير زِيَادَة حَبَّة وَلَا نَقصهَا وَالثَّانِي كَونه (نَقْدا) أَي حَالا من غير نَسِيئَة فِي شَيْء مِنْهُ وَالثَّالِث كَونه مَقْبُوضا قبل التَّفَرُّق أَو التخاير للْخَبَر السَّابِق وَعلة الرِّبَا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة جنسية الْأَثْمَان غَالِبا كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع ويعبر عَنهُ أَيْضا بجوهرية الْأَثْمَان غَالِبا وَهِي منتفية عَن الْفُلُوس وَغَيرهَا من سَائِر الْعرُوض وَاحْترز بغالبا عَن الْفُلُوس إِذا راجت فَإِنَّهَا لَا رَبًّا فِيهَا كَمَا مر وَلَا أثر لقيمة الصَّنْعَة فِي ذَلِك حَتَّى لَو اشْترى بِدَنَانِير ذَهَبا مصوغا قِيمَته أَضْعَاف الدَّنَانِير اعْتبرت الْمُمَاثلَة وَلَا نظر إِلَى الْقيمَة وَالْحِيلَة فِي تمْلِيك الرِّبَوِيّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا كَبيع ذهب بِذَهَب مُتَفَاضلا أَن يَبِيعهُ من صَاحبه بِدَرَاهِم أَو عرض وَيَشْتَرِي مِنْهُ بهَا أَو بِهِ الذَّهَب بعد التَّقَابُض فَيجوز وَإِن لم يَتَفَرَّقَا وَلم يتخايرا (وَلَا) يجوز وَلَا يَصح (بيع مَا ابتاعه) وَلَا الْإِشْرَاك فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَة (حَتَّى يقبضهُ) سَوَاء كَانَ مَنْقُولًا أم عقارا أذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 البَائِع وَقبض الثّمن أم لَا لخَبر من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه قَالَ ابْن عَبَّاس وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَبيعه للْبَائِع كَغَيْرِهِ فَلَا يَصح لعُمُوم الْأَخْبَار ولضعف الْملك وَالْإِجَارَة وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن وَالصَّدَاق وَالْهِبَة والإقراض وَجعله عوضا فِي نِكَاح أَو خلع أَو صلح أَو سلم أَو غير ذَلِك كَالْبيع فَلَا يَصح بِنَاء على أَن الْعلَّة فِي البيع ضعف الْملك وَيصِح الْإِعْتَاق لتشوف الشَّارِع إِلَيْهِ وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَسَوَاء أَكَانَ للْبَائِع حق الْحَبْس أم لَا لقُوته وَضعف حق الْحَبْس وَالِاسْتِيلَاد وَالتَّزْوِيج وَالْوَقْف كَالْعِتْقِ وَالثمن الْمعِين كَالْمَبِيعِ قبل قَبضه فِيمَا مر وَله التَّصَرُّف فِي مَاله وَهُوَ فِي يَد غَيره أَمَانَة كوديعة ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه وموروث وباق فِي يَد وليه بعد فك الْحجر عَنهُ لتَمام ملكه على ذَلِك وَلَا يَصح بيع الْمُسلم فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ قبل قَبضه وَيجوز الِاسْتِبْدَال عَن الثّمن الثَّابِت فِي الذِّمَّة فَإِن استبدل مُوَافقا فِي عِلّة الرِّبَا كدراهم عَن دَنَانِير أَو عَكسه اشْترط قبض الْبَدَل فِي الْمجْلس حذرا من الرِّبَا وَلَا يشْتَرط تَعْيِينه فِي العقد لِأَن الصّرْف على مَا فِي الذِّمَّة جَائِز وَيصِح بيع الدّين بِغَيْر دين لغير من هُوَ عَلَيْهِ كَأَن بَاعَ بكر لعَمْرو مائَة لَهُ على زيد بِمِائَة كَبَيْعِهِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ كَمَا رَجحه فِي الرَّوْضَة وَإِن رجح فِي الْمِنْهَاج الْبطلَان أما بيع الدّين بِالدّينِ فَلَا يَصح سَوَاء اتَّحد الْجِنْس أم لَا للنَّهْي عَن بيع الكالىء بالكالىء وَفسّر بِبيع الدّين بِالدّينِ وَقبض غير مَنْقُول من أَرض وَشَجر وَنَحْو ذَلِك بِالتَّخْلِيَةِ لمشتر بِأَن يُمكنهُ مِنْهُ البَائِع ويسلمه الْمِفْتَاح وبتفريغه من مَتَاع غير المُشْتَرِي نظرا للْعُرْف فِي ذَلِك وَقبض الْمَنْقُول من سفينة وحيوان وَغَيرهمَا بنقله مَعَ تَفْرِيغ السَّفِينَة المشحونة بالأمتعة نظرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 للْعُرْف فِيهِ وَيَكْفِي فِي قبض الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يتَنَاوَل بِالْيَدِ التَّنَاوُل وَإِتْلَاف المُشْتَرِي الْمَبِيع قبض لَهُ وَلَو كَانَ الْمَبِيع تَحت يَد المُشْتَرِي أَمَانَة أَو مَضْمُونا وَهُوَ حَاضر وَلم يكن للْبَائِع حق الْحَبْس صَار مَقْبُوضا بِنَفس العقد بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ حق الْحَبْس فَإِنَّهُ لَا بُد من إِذْنه وَلَو اشْترى الْأَمْتِعَة مَعَ الدَّار حَقِيقَة اشْترط فِي قبضهَا نقلهَا كَمَا لَو أفردت وَلَو اشْترى صبرَة ثمَّ اشْترى مَكَانهَا لم يكف والسفينة من المنقولات كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة فَلَا بُد من تحويلها وَهُوَ ظَاهر فِي الصَّغِيرَة وَفِي الْكَبِيرَة فِي مَاء تسير بِهِ أما الْكَبِيرَة فِي الْبر فكالعقار فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَة لعسر النَّقْل فروع للْمُشْتَرِي اسْتِقْلَال بِقَبض الْمَبِيع إِن كَانَ الثّمن مُؤَجّلا وَإِن حل أَو كَانَ حَالا كُله أَو بعضه وَسلم الْحَال لمستحقه وَشرط فِي قبض مَا بيع مُقَدرا مَعَ مَا مر نَحْو ذرع من كيل وَوزن وَلَو كَانَ لبكر طَعَام مثلا مُقَدّر على زيد كعشرة آصَع ولعمرو عَلَيْهِ مثله فليكتل لنَفسِهِ من زيد ثمَّ يكتل لعَمْرو ليَكُون الْقَبْض والإقباض صَحِيحَيْنِ وَيَكْفِي استدامته فِي نَحْو الْمِكْيَال فَلَو قَالَ بكر لعَمْرو اقبض من زيد مَا لي عَلَيْهِ لَك فَفعل فسد الْقَبْض لَهُ لِاتِّحَاد الْقَابِض والمقبض وَلكُل من الْعَاقِدين حبس عوضه حَتَّى يقبض مُقَابِله إِن خَافَ فَوته بهرب أَو غَيره فَإِن لم يخف فَوته وتنازعا فِي الِابْتِدَاء أجبرا إِن عين الثّمن كَالْمَبِيعِ فَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة أجبر البَائِع فَإِذا سلم أجبر المُشْتَرِي إِن حضر الثّمن وَإِلَّا فَإِن أعْسر بِهِ فَللْبَائِع الْفَسْخ بالفلس وَإِن أيسر فَإِن لم يكن مَاله بمسافة الْقصر حجر عَلَيْهِ فِي أَمْوَاله كلهَا حَتَّى يسلم الثّمن وَإِن كَانَ مَاله بمسافة الْقصر كَانَ لَهُ الْفَسْخ فَإِن صَبر فالحجر كَمَا مر وَمحل الْحجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فِي هَذَا وَمَا قبله إِذا لم يكن مَحْجُورا عَلَيْهِ بفلس وَإِلَّا فَلَا حجر وَأما الثّمن الْمُؤَجل فَلَيْسَ للْبَائِع حبس الْمَبِيع بِهِ لرضاه بِتَأْخِيرِهِ وَلَو حل قبل التَّسْلِيم فَلَا حبس أَيْضا (وَلَا) يجوز (بيع اللَّحْم) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالشحم والكبد وَالْقلب والكلية وَالطحَال والألية (بِالْحَيَوَانِ) من جنسه أَو بِغَيْر جنسه من مَأْكُول كَبيع لحم الْبَقر بالضأن وَغَيره كَبيع لحم ضَأْن بِحِمَار للنَّهْي عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ أما بيع الْجلد بِالْحَيَوَانِ فَيصح بعد دبغه بِخِلَافِهِ قبله (وَيجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ) وَعَكسه (مُتَفَاضلا) أَي زَائِدا أَحدهمَا على الآخر بِشَرْطَيْنِ الأول كَونه (نَقْدا) أَي حَالا وَالثَّانِي كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو تخايرهما (وَكَذَا المطعومات) الْمُتَقَدّم بَيَانهَا (لَا يجوز بيع الْجِنْس مِنْهَا) أَي المطعومات (بِمثلِهِ) سَوَاء اتّفق نَوعه أم اخْتلف (إِلَّا) بِثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه (متماثلا) وَالثَّانِي كَونه (نَقْدا) وَالثَّالِث كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو تخايرهما كَمَا مر بَيَانه فِي بيع النَّقْد بِمثلِهِ والمماثلة تعْتَبر فِي الْمكيل كَيْلا وَإِن تفَاوت فِي الْوَزْن وَفِي الْمَوْزُون وزنا وَإِن تفَاوت فِي الْكَيْل وَالْمُعْتَبر فِي كَون الشَّيْء مَكِيلًا أَو مَوْزُونا غَالب عَادَة أهل الْحجاز فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لظُهُور أَنه اطلع على ذَلِك وَأقرهُ وَمَا لم يكن فِي ذَلِك الْعَهْد أَو كَانَ وَجَهل حَاله وجرمه كالتمر يُرَاعى فِيهِ عَادَة بلد البيع فَإِن كَانَ أكبر مِنْهُ فالوزن وَلَو بَاعَ جزَافا نَقْدا أَو طَعَاما بِجِنْسِهِ تخمينا لم يَصح البيع وَإِن خرجا سَوَاء للْجَهْل بالمماثلة عِنْد البيع وَهَذَا معنى قَول الْأَصْحَاب الْجَهْل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة وَتعْتَبر الْمُمَاثلَة للربوي حَال الْكَمَال فَتعْتَبر فِي الثِّمَار والحبوب وَقت الْجَفَاف وتنقيتها فَلَا يُبَاع رطب المطعومات برطبها بِفَتْح الرَّاء فيهمَا وَلَا بجافها إِذا كَانَت من جنس إِلَّا فِي مَسْأَلَة الْعَرَايَا وَلَا تَكْفِي مماثلة الدَّقِيق والسويق وَالْخبْز بل تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِي الْحُبُوب حبا وَفِي حبوب الدّهن كالسمسم بِكَسْر السينين حبا أَو دهنا وَفِي الْعِنَب وَالرّطب زبيبا أَو تَمرا أَو خل عِنَب وَرطب أَو عصير ذَلِك وَفِي اللَّبن لَبَنًا أَو سمنا خَالِصا مصفى بشمس أَو نَار فَيجوز بيع بعضه بِبَعْض وزنا وَإِن كَانَ مَائِعا على النَّص فَلَا تَكْفِي مماثلة مَا أثرت فِيهِ النَّار بالطبخ أَو القلي أَو الشَّيْء وَلَا يضر تَأْثِير تَمْيِيز كالعسل وَالسمن (وَيجوز بيع الْجِنْس مِنْهَا) أَي المطعومات (بِغَيْرِهِ) كالحنطة بِالشَّعِيرِ (مُتَفَاضلا) بِشَرْطَيْنِ الأول كَونه (نَقْدا) أَي حَالا وَالثَّانِي كَونه مَقْبُوضا بيد كل مِنْهُمَا قبل تفرقهما أَو قبل تخايرهما (وَلَا يجوز بيع الْغرَر) وَهُوَ غير الْمَعْلُوم للنَّهْي عَنهُ وَلَا يشْتَرط الْعلم بِهِ من كل وَجه بل يشْتَرط الْعلم بِعَين الْمَبِيع وَقدره وَصفته فَلَا يَصح بيع الْغَائِب إِلَّا إِذا كَانَ رَآهُ قبل العقد وَهُوَ مِمَّا لَا يتَغَيَّر غَالِبا كالأرض والأواني وَالْحَدِيد والنحاس وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي الْفَصْل قبل هَذَا وَتعْتَبر رُؤْيَة كل شَيْء بِمَا يَلِيق بِهِ فَفِي الْكتاب لَا بُد من رُؤْيَته ورقة ورقة وَفِي الْوَرق الْبيَاض رُؤْيَة جَمِيع الطاقات وَفِي الدَّار لَا بُد من رُؤْيَة الْبيُوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة وَكَذَا رُؤْيَة الطَّرِيق كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَفِي الْبُسْتَان رُؤْيَة أشجاره ومجرى مَائه وَكَذَا يشْتَرط رُؤْيَة المَاء الَّذِي تَدور بِهِ الرَّحَى خلافًا لِابْنِ الْمقري لاخْتِلَاف الْغَرَض وَلَا يشْتَرط رُؤْيَة أساس جدران الْبُسْتَان وَلَا رُؤْيَة عروق الْأَشْجَار وَنَحْوهمَا وَيشْتَرط رُؤْيَة الأَرْض فِي ذَلِك وَنَحْوه وَلَو رأى آلَة بِنَاء الْحمام وأرضها قبل بنائها لم يكف عَن رُؤْيَة كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْر رُؤْيَته رطبا كَمَا لَو رأى سخلة أَو صَبيا فكهلا لَا يَصح بيعهمَا بِلَا رُؤْيَة أُخْرَى وَيشْتَرط فِي الرَّقِيق ذكرا كَانَ أَو غَيره رُؤْيَة مَا سوى الْعَوْرَة لَا اللِّسَان والأسنان وَيشْتَرط فِي الدَّابَّة رؤيتها كلهَا حَتَّى شعرهَا فَيجب رفع السرج والإكاف وَلَا يشْتَرط إجراؤها ليعرف سَيرهَا وَلَا يشْتَرط فِي الدَّابَّة رُؤْيَة اللِّسَان والأسنان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَيشْتَرط فِي الثَّوْب نشره ليرى الْجَمِيع وَلَو لم ينشر مثله إِلَّا عِنْد الْقطع وَيشْتَرط فِي الثَّوْب رُؤْيَة وَجْهي مَا يخْتَلف مِنْهُ كَأَن يكون صفيقا كديباج منقش وَبسط بِخِلَاف مَا لَا يخْتَلف وجهاه ككرباس فتكفي رُؤْيَة أَحدهمَا وَلَا يَصح بيع اللَّبن فِي الضَّرع وَإِن حلب مِنْهُ شَيْء ورئي قبل البيع للنَّهْي عَنهُ وَلعدم رُؤْيَته وَلَا يَصح بيع الصُّوف قبل الجز أَو التذكية لاختلاطه بالحادث فَإِن قبض قِطْعَة وَقَالَ بِعْتُك هَذِه صَحَّ وَلَا يَصح بيع مسك مختلط بِغَيْرِهِ لجهل الْمَقْصُود كنحو لبن مخلوط بِنَحْوِ مَاء نعم إِن كَانَ معجونا بِغَيْرِهِ كالغالية والند صَحَّ لِأَن الْمَقْصُود جميعهما لَا الْمسك وَحده وَلَو بَاعَ الْمسك فِي فأرته لم يَصح وَلَو فتح رَأسهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجلد فَإِن رَآهَا فارغة ثمَّ ملئت مسكا لم يره ثمَّ رأى أَعْلَاهُ من رَأسهَا أَو رَآهُ خَارِجهَا ثمَّ اشْتَرَاهُ بعد رده إِلَيْهَا جَازَ فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار وَلما فرغ المُصَنّف من صِحَة العقد وفساده شرع فِي لُزُومه وجوازه وَذَلِكَ بِسَبَب الْخِيَار وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم لِأَن الْقَصْد مِنْهُ نقل الْملك وَقَضِيَّة الْملك التَّصَرُّف وَكِلَاهُمَا فرع اللُّزُوم إِلَّا أَن الشَّارِع أثبت فِيهِ الْخِيَار رفقا بالمتعاقدين وَهُوَ نَوْعَانِ خِيَار تشه وَخيَار نقيصة فخيار التشهي مَا يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فَوَات أَمر فِي الْمَبِيع وَسَببه الْمجْلس أَو الشَّرْط وَقد بَدَأَ بِالسَّبَبِ الأول من النَّوْع الأول (والمتبايعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) ببدنهما عَن مجْلِس العقد أَو يختارا لُزُوم العقد كقولهما تخايرنا فَلَو اخْتَار أَحدهمَا لُزُومه سقط حَقه من الْخِيَار وَبَقِي الْحق فِيهِ للْآخر لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر اختر وَيثبت خِيَار الْمجْلس فِي كل بيع وَإِن استعقب عتقا كَشِرَاء بعضه وَذَلِكَ كربوي وَسلم وتولية وتشريك لَا فِي بيع عبد مِنْهُ وَلَا فِي بيع ضمني لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 مقصودهما الْعتْق وَلَا فِي قسْمَة غير رد وَلَا فِي رد وَلَا فِي حِوَالَة وَلَا فِي إِبْرَاء وَصلح حطيطة وَنِكَاح وَهبة بِلَا ثَوَاب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُسمى بيعا لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي البيع أما الْهِبَة بِثَوَاب فَإِنَّهَا بيع فَيثبت فِيهَا الْخِيَار على الْمُعْتَمد خلافًا لما جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج وَيعْتَبر فِي التَّفَرُّق الغرف فَمَا يعده النَّاس تفَرقا يلْزم بِهِ العقد وَمَا لَا فَلَا لِأَن مَا لَيْسَ لَهُ حد شرعا وَلَا لُغَة يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَلَو قاما وتماشيا منَازِل دَامَ خيارهما كَمَا لَو طَال مكثهما وَإِن زَادَت الْمدَّة على ثَلَاثَة أَيَّام أَو عرضا عَمَّا يتَعَلَّق بِالْعقدِ وَكَانَ ابْن عمر رَاوِي الْخَبَر إِذا ابْتَاعَ شَيْئا فَارق صَاحبه فَلَو كَانَا فِي دَار كَبِيرَة فالتفرق فِيهَا بِالْخرُوجِ من الْبَيْت إِلَى الصحن أَو من الصحن إِلَى الصّفة أَو الْبَيْت وَإِن كَانَا فِي سوق أَو صحراء فبأن يولي أَحدهمَا الآخر ظَهره وَيَمْشي قَلِيلا وَلَو لم يبعد عَن سَماع خطابه وَإِن كَانَا فِي سفينة أَو دَار صَغِيرَة فبخروج أَحدهمَا مِنْهَا وَلَو تناديا بِالْبيعِ من بعد ثَبت لَهما الْخِيَار وامتد مَا لم يُفَارق أَحدهمَا مَكَانَهُ فَإِن فَارقه وَوصل إِلَى مَوضِع لَو كَانَ الآخر مَعَه بِمَجْلِس العقد عد تفَرقا بَطل خيارهما وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فِي الْمجْلس أَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ انْتقل الْخِيَار فِي الأولى إِلَى الْوَارِث وَلَو عَاما وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة إِلَى الْوَلِيّ من حَاكم أَو غَيره وَلَو أجَاز الْوَارِث أَو فسخ قبل علمه بِمَوْت مُوَرِثه نفذ ذَلِك بِنَاء على أَن من بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا صَحَّ وَلَو اشْترى الْوَلِيّ لطفله شَيْئا فَبلغ رشيدا قبل التَّفَرُّق لم ينْتَقل إِلَيْهِ الْخِيَار كَمَا فِي الْبَحْر وَيبقى للْوَلِيّ على الْأَوْجه من وَجْهَيْن حَكَاهُمَا فِي الْبَحْر وأجراهما فِي خِيَار الشَّرْط ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّانِي من النَّوْع الأول بقوله (وَلَهُمَا) أَي الْمُتَعَاقدين (أَن يشرطا الْخِيَار) لَهما أَو لأَحَدهمَا سَوَاء أشرطا إِيقَاع أَثَره مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أم من أَجْنَبِي كَالْعَبْدِ الْمَبِيع وَسَوَاء أشرطا ذَلِك من وَاحِد أم من اثْنَيْنِ مثلا وَلَيْسَ لشارطه للْأَجْنَبِيّ خِيَار إِلَّا أَن يَمُوت الْأَجْنَبِيّ فِي زمن الْخِيَار وَلَيْسَ لوكيل أَحدهمَا شَرطه للْآخر وَلَا للْأَجْنَبِيّ بِغَيْر إِذن مُوكله وَله شَرطه لمُوكلِه ولنفسه وَإِنَّمَا يجوز شَرطه مُدَّة مَعْلُومَة مُتَّصِلَة بِالشّرطِ مُتَوَالِيَة (إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام) فَأَقل بِخِلَاف مَا لَو أطلق أَو قدر بِمدَّة مَجْهُولَة أَو زَادَت على الثَّلَاثَة وَذَلِكَ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ذكر رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع فَقَالَ لَهُ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة ثمَّ أَنْت بِالْخِيَارِ فِي كل سلْعَة ابتعتها ثَلَاث لَيَال وَفِي رِوَايَة فَجعل لَهُ عُهْدَة ثَلَاثَة أَيَّام وخلابة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وبالموحدة الْغبن والخديعة قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا اشْتهر فِي الشَّرْع أَن قَوْله لَا خلابة عبارَة عَن اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وتحسب الْمدَّة الْمَشْرُوطَة من حِين شَرط الْخِيَار سَوَاء أشرط فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 العقد أم فِي مَجْلِسه وَلَو شَرط فِي العقد الْخِيَار من الْغَد بَطل العقد وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى جَوَازه بعد لُزُومه وَلَو شَرط لأحد الْعَاقِدين يَوْم وَللْآخر يَوْمَانِ أَو ثَلَاثَة جَازَ وَالْملك فِي الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار لمن انْفَرد بِهِ من بَائِع أَو مُشْتَر فَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما فموقوف فَإِن تمّ البيع بِأَن أَن الْملك للْمُشْتَرِي من حِين العقد وَإِلَّا فَللْبَائِع وَكَأَنَّهُ لم يخرج عَن ملكه وَلَا فرق فِيهِ بَين خِيَار الشَّرْط أَو الْمجْلس وَكَونه لأَحَدهمَا فِي خِيَار الْمجْلس بِأَن يخْتَار الآخر لُزُوم العقد وَحَيْثُ حكم بِملك الْمَبِيع لأَحَدهمَا حكم بِملك الثّمن للْآخر وَحَيْثُ وقف ملك الثّمن وَيحصل فسخ العقد فِي مُدَّة الْخِيَار بِنَحْوِ فسخت البيع كرفعته وَالْإِجَازَة فِيهَا بِنَحْوِ أجزت البيع كأمضيته وَالتَّصَرُّف فِيهَا كَوَطْء وإعتاق وَبيع وَإِجَارَة وتزويج من بَائِع وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما فسخ للْبيع لإشعاره بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَصَحَّ ذَلِك مِنْهُ أَيْضا لَكِن لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَالتَّصَرُّف الْمَذْكُور من المُشْتَرِي وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما إجَازَة للشراء لإشعاره بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِعْتَاق نَافِذ مِنْهُ إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَغير نَافِذ إِن كَانَ للْبَائِع وَمَوْقُوف إِن كَانَ لَهما وَلم يَأْذَن لَهُ البَائِع ووطؤه حَلَال إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ وَإِلَّا فَحَرَام والبقية صَحِيحَة إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يكون الْوَطْء فسخا أَو إجَازَة إِذا كَانَ الموطوء أُنْثَى لَا ذكرا وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 خُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته وَلَو بإخباره تعلق الحكم بذلك الْوَطْء وَلَيْسَ عرض الْمَبِيع على البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَالتَّوْكِيل فِيهِ فسخا من البَائِع وَلَا إجَازَة من المُشْتَرِي لعدم إشعارهما من البَائِع بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَمن المُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ ثمَّ شرع فِي النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِفَوَات مَقْصُود مظنون نَشأ الظَّن فِيهِ من قَضَاء عرفي أَو الْتِزَام شرطي أَو تغرير فعلي مبتدئا بِالْأَمر الأول وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِالْعرْفِ وَهُوَ السَّلامَة من الْعَيْب فَقَالَ (وَإِذا وجد بِالْمَبِيعِ عيب فَلِلْمُشْتَرِي) حِينَئِذٍ (رده) إِذا كَانَ الْعَيْب بَاقِيا وتنقص الْعين بِهِ نقصا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح أَو ينقص قيمتهَا وَغلب فِي جنس الْمَبِيع عَدمه إِذْ الْغَالِب فِي الْأَعْيَان السَّلامَة وَخرج بالقيد الأول مَا لَو زَالَ الْعَيْب قبل الرَّد وَبِالثَّانِي قطع أصْبع زَائِدَة وَفلقَة يسيرَة من فَخذ أَو سَاق لَا يُورث شَيْئا وَلَا يفوت غَرضا فَلَا رد بهما وبالثالث مَا لَا يغلب فِيهِ مَا ذكر كقلع سنّ فِي الْكَبِير وثيوبة فِي أوانها فِي الْأمة فَلَا رد بِهِ وَإِن نقصت الْقيمَة بِهِ وَذَلِكَ الْعَيْب الَّذِي يثبت بِهِ الرَّد كخصاء حَيَوَان لنقصه المفوت للغرض من الْفَحْل فَإِنَّهُ يصلح لما لَا يصلح لَهُ الْخصي رَقِيقا كَانَ الْحَيَوَان أَو بَهِيمَة نعم الْغَالِب فِي الثيران الخصاء فَيكون كثيوبة الْأمة وجماحه وعضه وَرمحه لنَقص الْقيمَة بذلك وزنا رَقِيق وسرقته وإباقه وَإِن لم يتَكَرَّر ذَلِك مِنْهُ أَو تَابَ عَنهُ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا خلافًا للهروي فِي الصَّغِير وبخره وَهُوَ الناشىء من تغير الْمعدة أما تغير الْفَم لقلح الْأَسْنَان فَلَا لزواله بالتنظيف وصنانه إِن كَانَ مستحكما أما الصنان لعَارض عرض أَو اجْتِمَاع وسخ أَو نَحْو ذَلِك كحركة عنيفة فَلَا وبوله بالفراش إِن خَالف الْعَادة سَوَاء أحدث الْعَيْب قبل قبض الْمَبِيع بِأَن قَارن النَّقْد أم حدث بعده وَقبل الْقَبْض لِأَن الْمَبِيع حِينَئِذٍ من ضَمَان البَائِع فَكَذَا جَزَاؤُهُ وَصفته أَو حدث بعد الْقَبْض واستند لسَبَب مُتَقَدم على الْقَبْض كَقطع يَد الرَّقِيق الْمَبِيع بِجِنَايَة سَابِقَة على الْقَبْض جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا أرش وَيضمن البَائِع الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن بقتْله بردة مثلا سَابِقَة على قَبضه جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فينفسخ البيع فِيهِ قبيل الْقَتْل فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ بِخِلَاف مَا لَو مَاتَ بِمَرَض سَابق على قَبضه جَهله المُشْتَرِي فَلَا يضمنهُ البَائِع لِأَن الْمَرَض يزْدَاد شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَوْت فَلم يحصل بالسابق وَللْمُشْتَرِي أرش الْمَرَض وَهُوَ مَا بَين قيمَة الْمَبِيع صَحِيحا ومريضا من الثّمن فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ وَيتَفَرَّع على مَسْأَلَتي الرِّدَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَالْمَرَض مؤونة التَّجْهِيز فَهِيَ على البَائِع فِي تِلْكَ وعَلى المُشْتَرِي فِي هَذِه وَأما الْأَمر الثَّانِي وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِشَرْط فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ حَيَوَانا أَو غَيره بِشَرْط بَرَاءَته من الْعُيُوب فِي الْمَبِيع فَيبرأ عَن عيب بَاطِن بحيوان مَوْجُود فِيهِ حَال العقد جَهله بِخِلَاف غير الْعَيْب الْمَذْكُور فَلَا يبرأ عَن عيب فِي غير الْحَيَوَان وَلَا فِيهِ لَكِن حدث بعد البيع وَقبل الْقَبْض مُطلقًا لانصراف الشَّرْط إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودا عِنْد العقد وَلَا من عيب ظَاهر فِي الْحَيَوَان علمه البَائِع أم لَا وَلَا عَن عيب بَاطِن فِي الْحَيَوَان علمه وَلَو شَرط الْبَرَاءَة عَمَّا يحدث مِنْهَا قبل الْقَبْض وَلَو مَعَ الْوُجُود مِنْهَا لم يَصح الشَّرْط لِأَنَّهُ إِسْقَاط للشَّيْء قبل ثُبُوته وَلَو تلف الْمَبِيع غير الرِّبَوِيّ الْمَبِيع بِجِنْسِهِ عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ علم عَيْبا بل رَجَعَ بِالْأَرْشِ لتعذر الرَّد بِفَوَات الْمَبِيع أما الرِّبَوِيّ الْمَذْكُور كحلي ذهب بيع بوزنه ذَهَبا فَبَان معيبا بعد تلفه فَلَا أرش فِيهِ وَلَا لنَقص الثّمن فَيصير الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابلا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ رَبًّا وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ (على الْفَوْر) فَتبْطل بِالتَّأْخِيرِ بِلَا عذر وَيعْتَبر الْفَوْر عَادَة فَلَا يضر نَحْو صَلَاة وَأكل دخل وقتهما كقضاء حَاجَة وتكميل لذَلِك أَو لِليْل وَقيد ابْن الرّفْعَة كَون اللَّيْل عذرا بكلفة الْمسير فِيهِ فَيردهُ المُشْتَرِي وَلَو بوكيله على البَائِع أَو مُوكله أَو وَكيله أَو وَارثه أَو يرفع الْأَمر للْحَاكِم ليفصله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَهُوَ آكِد فِي الرَّد فِي حَاضر بِالْبَلَدِ مِمَّن يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا أحوجه إِلَى الرّفْع وواجب فِي غَائِب عَن الْبَلَد وعَلى المُشْتَرِي عَن الْإِشْهَاد بِالْفَسْخِ لم يلْزمه بِلَفْظ بِالْفَسْخِ وَعَلِيهِ ترك اسْتِعْمَال لَا ترك ركُوب مَا عسر سوقه وقوده فَلَو استخدم رَقِيقا أَو ترك على دَابَّة سرجا أَو إكافا فَلَا رد وَلَا أرش لإشعار ذَلِك بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ وَلَو حدث عِنْد المُشْتَرِي عيب سقط الرَّد القهري لإضراره بالبائع ثمَّ إِن رَضِي بِالْعَيْبِ البَائِع رده المُشْتَرِي عَلَيْهِ بِلَا أرش للحادث أَو قنع بِهِ بِلَا أرش للقديم وَإِن لم يرض بِهِ البَائِع فَإِن اتفقَا فِي غير الرِّبَوِيّ على فسخ أَو إجَازَة مَعَ أرش للحادث أَو الْقَدِيم فَذَاك ظَاهر وَلَا أُجِيب طَالب الْإِمْسَاك سَوَاء أَكَانَ المُشْتَرِي أم البَائِع لما فِيهِ من تَقْرِير العقد أما الرِّبَوِيّ فَيتَعَيَّن فِيهِ الْفَسْخ من أرش الْحَادِث وعَلى المُشْتَرِي إِعْلَام البَائِع فَوْرًا بالحادث مَعَ القدي ليختار مَا تقدم فَإِن أخر إِعْلَامه بِلَا عذر فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش عَنهُ لإشعار التَّأْخِير بِالرِّضَا بِهِ لَو حدث عيب لَا يعرف الْقَدِيم بِدُونِهِ ككسر بيض نعام وَجوز وتقوير بطيخ مدود بعضه رد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَلَا أرش عَلَيْهِ للحادث لِأَنَّهُ مَعْذُور فِيهِ وَأما الْأَمر الثَّالِث وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بالتغرير الْفعْلِيّ فَهُوَ التصرية وَهِي أَن يتْرك البَائِع حلب النَّاقة أَو غَيرهَا عمدا قبل بيعهَا ليتوهم المُشْتَرِي كَثْرَة اللَّبن فَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَإِن كَانَت مأكولة رد مَعهَا صَاع تمر بدل اللَّبن المحلوب وَإِن قل اللَّبن وَلَو تعدّدت الْمُصراة تعدد الصَّاع بعددها كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم هَذَا إِذا لم يتَّفقَا على رد غير الصَّاع من اللَّبن وَغَيره سَوَاء أتلف اللَّبن أم لَا بِخِلَاف مَا إِذا لم تحلب أَو اتفقَا على الرَّد وَالْعبْرَة فِي التَّمْر بالمتوسط من تمر الْبَلَد فَإِن فقد فَقيمته بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَقيل بأقرب بلد التَّمْر إِلَيْهِ وَيثبت الْخِيَار للجاهل بالتصرية على الْفَوْر وَلَا يخْتَص خِيَارهَا بِالنعَم بل يعم كل مَأْكُول من الْحَيَوَان وَالْجَارِيَة والأتان وَلَا يرد مَعَهُمَا شَيْء بدل اللَّبن لِأَن لبن الْجَارِيَة لَا يعتاض عَنهُ غَالِبا وَلبن الأتان نجس لَا عُضْو لَهُ فروع لَا يرد قهرا بِعَيْب بعض مَا بيع صَفْقَة لما فِيهِ من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو اخْتلفَا فِي قدم عيب يُمكن حُدُوثه صدق البَائِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 بِيَمِينِهِ لموافقته الأَصْل من اسْتِمْرَار العقد وَيحلف كجوابه وَالزِّيَادَة فِي الْمَبِيع أَو الثّمن لمتصله كسمن تتبعه فِي الرَّاد إِذْ لَا يُمكن إفرادها كحمل قَارن بيعا فَإِنَّهُ يتبع أمه فِي الرِّدَّة وَالزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَة لَا تمنع الرَّد بِالْعَيْبِ وَهِي لمن حصلت فِي ملكه من مُشْتَر أَو بَائِع وَإِن رد قبل الْقَبْض لِأَنَّهَا فرع ملكه وَحبس مَا أَلْقَاهُ وَمَاء الرَّحَى الَّذِي يديرها للطحن الْمُرْسل مَاء كل مِنْهُمَا عِنْد البيع وبتحمير الْوَجْه وتسويد الشّعْر وتجعيده يثبت الْخِيَار لَا لطخ ثوب الرَّقِيق بمداد تخيلا لكتابته فَظهر كَونه غير كَاتب فَلَا رد لَهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ كثير غرر (وَلَا يجوز بيع الثَّمَرَة مُطلقًا) أَي بِغَيْر شَرط قطع وَلَا تبقية (إِلَّا بعد بَدو صَلَاحهَا) فَيجوز بِشَرْط قطعهَا وبشرط إبقائها سَوَاء أَكَانَت الْأُصُول لأَحَدهمَا أم لغيره لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا فَيجوز بعد بدوه وَهُوَ صَادِق بِكُل من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَالْمعْنَى الْفَارِق بَينهمَا أَمن العاهة بعده غَالِبا لغلظها وَكبر نَوَاهَا وَقبل الصّلاح إِن بِيعَتْ مُفْردَة عَن الشّجر لَا يجوز البيع وَلَا يَصح للْخَبَر الْمَذْكُور إِلَّا بِشَرْط الْقطع فِي الْحَال وَإِن كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي وَأَن الشّجر لَا ليَكُون يكون الْمَقْطُوع مُنْتَفعا بِهِ وَإِذا كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي لم يجب الْوَفَاء بِالشّرطِ إِذْ لَا معنى لتكليفه قطع ثَمَرَة عَن شَجَرَة وَإِن بِيعَتْ الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة جَازَ بِلَا شَرط لِأَن الثَّمَرَة هُنَا تتبع الأَصْل وَهُوَ غير متعرض للعاهة وَلَا يجوز بِشَرْط قطعهَا لِأَن فِيهِ حجرا على المُشْتَرِي فِي ملكه وَلَا يَصح بيع الْبِطِّيخ والباذنجان وَنَحْوهمَا قبل بَدو الصّلاح إِلَّا بِشَرْط الْقطع وَإِن بيع من مَالك الْأُصُول لما مر وَلَو بَاعه مَعَ أُصُوله فكبيع الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة على الْمُعْتَمد وَيشْتَرط لبيع الزَّرْع وَالثَّمَر بعد بَدو الصّلاح ظُهُور الْمَقْصُود من الْحبّ وَالثَّمَرَة لِئَلَّا يكون بيع غَائِب كتين وعنب لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كمام لَهُ وشعير لظُهُوره فِي سنبله وَمَا لَا يرى حبه كالحنطة والعدس فِي السنبل لَا يَصح بَيْعه دون سنبله لاستتاره بِهِ وَلَا مَعَه لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ مستتر بِمَا لَيْسَ من صَلَاحه كالحنطة فِي تبنها بعد الدراس وبدو صَلَاح مَا مر من ثَمَر وَغَيره بُلُوغه صفة يطْلب فِيهَا غَالِبا وعلامته فِي الثَّمر الْمَأْكُول المتلون أَخذه فِي حمرَة أَو نَحْوهَا كسواد وَفِي غير المتلون مِنْهُ كالعنب الْأَبْيَض لينه وجريان المَاء فِيهِ وَفِي نَحْو القثاء أَن تجنى غَالِبا للْأَكْل وَفِي الزَّرْع اشتداده وَفِي الْورْد انفتاحه وبدو صَلَاح بعضه وَإِن قل كظهوره وعَلى بَائِع مَا بدا صَلَاحه من الثَّمر وَغَيره سقيه قبل التَّخْلِيَة وَبعدهَا عِنْد اسْتِحْقَاق المُشْتَرِي الْإِبْقَاء بِقدر مَا يَنْمُو وَيسلم من التّلف وَالْفساد ويتصرف فِيهِ مُشْتَرِيه وَيدخل فِي ضَمَانه بعد التَّخْلِيَة فَلَو تلف بترك البَائِع السَّقْي قبل التَّخْلِيَة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 بعْدهَا انْفَسَخ البيع أَو تعيب بِهِ تخير المُشْتَرِي بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة وَلَا يَصح بيع مَا يغلب تلاحقه واختلاط حَادِثَة بموجودة كتين وقثاء إِلَّا بِشَرْط قطعه عِنْد خوف الِاخْتِلَاط فَإِن وَقع اخْتِلَاط فِيهِ أَو فِيمَا لَا يغلب اخْتِلَاطه قبل التَّخْلِيَة خير المُشْتَرِي إِن لم يسمح لَهُ بِهِ البَائِع فَإِن بَادر البَائِع وسمح سقط خِيَاره أما إِذا وَقع الِاخْتِلَاط بعد التَّخْلِيَة فَلَا يُخَيّر المُشْتَرِي بل إِن توافقا على قدر فَذَاك وَإِلَّا صدق صَاحب الْيَد بِيَمِينِهِ فِي قدر حق الآخر وَالْيَد بعد التَّخْلِيَة للْمُشْتَرِي (وَلَا يجوز بيع مَا فِيهِ الرِّبَا) من المطعوم (بِجِنْسِهِ رطبا) بِفَتْح الرَّاء وَلَو فِي الْجَانِبَيْنِ كالرطب بالرطب والحصرم بالحصرم وَاللَّحم بِاللَّحْمِ أَو فِي أَحدهمَا كالرطب بِالتَّمْرِ وَاللَّحم بقديده (إِلَّا اللَّبن) وَمَا شابهه من الْمَائِعَات كالأدهان والخلول وَاعْلَم أَن كل خلين لَا مَاء فيهمَا واتحد جنسهما اشْترط التَّمَاثُل وَإِلَّا فَلَا وكل خلين فيهمَا مَاء لَا يُبَاع أَحدهمَا بِالْآخرِ إِن كَانَا من جنس وَإِن كَانَا من جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا المَاء العذب رِبَوِيّ وَهُوَ الْأَصَح لم يجز وَإِن كَانَ المَاء فِي أَحدهمَا وهما جِنْسَانِ كخل الْعِنَب بخل التَّمْر وخل الرطب بخل الزَّبِيب جَازَ لِأَن المَاء فِي أحد الطَّرفَيْنِ والمماثلة بَين الخلين الْمَذْكُورين غير مُعْتَبرَة والخلول تتَّخذ غَالِبا من الْعِنَب وَالرّطب وَالزَّبِيب وَالتَّمْر وينتظم من هَذِه الخلول عشر مسَائِل وَضَابِط ذَلِك أَن تَأْخُذ كل وَاحِد مَعَ نَفسه ثمَّ تَأْخُذهُ مَعَ مَا بعده وَلَا تَأْخُذهُ مَعَ مَا قبله لِأَنَّك قد عددته قبل هَذَا فَلَا تعده مرّة أُخْرَى الأولى بيع خل الْعِنَب بِمثلِهِ الثَّانِيَة بيع خل الرطب بِمثلِهِ الثَّالِثَة بيع خل الزَّبِيب بِمثلِهِ الرَّابِعَة بيع خل التَّمْر بِمثلِهِ الْخَامِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الرطب السَّادِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الزَّبِيب السَّابِعَة بيع خل الْعِنَب بخل التَّمْر الثَّامِنَة بيع خل الرطب بخل الزَّبِيب التَّاسِعَة بيع خل الرطب بخل التَّمْر الْعَاشِرَة بيع خل الزَّبِيب بخل التَّمْر فَفِي خَمْسَة مِنْهَا يجْزم بِالْجَوَازِ وَفِي خَمْسَة بِالْمَنْعِ فالخمسة الأولى خل عِنَب بخل عِنَب خل رطب بخل رطب خل رطب بخل عِنَب خل تمر بخل عِنَب خل زبيب بخل رطب والخمسة الثَّانِيَة خل عِنَب بخل زبيب خل رطب بخل تمر خل زبيب بخل زبيب خل تمر بخل تمر خل زبيب بخل تمر وَيسْتَثْنى الزَّيْتُون أَيْضا فَإِنَّهُ يُبَاع بعضه بِبَعْض إِذْ لَا يجفف وجعلوه حَالَة كَمَال وَكَذَا الْعَرَايَا وَهُوَ بيع الرطب على النّخل خرصا بِتَمْر فِي الأَرْض كَيْلا أَو الْعِنَب على الشّجر خرصا بزبيب فِي الأَرْض كَيْلا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق تحديدا بِتَقْدِير الْجَفَاف بِمثلِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد بن حُصَيْن أحد رُوَاته فَأخذ الشَّافِعِي بِالْأَقَلِّ فِي أظهر قوليه وَلَو زَاد على مَا دونهَا فِي صفقتين جَازَ وَيشْتَرط التَّقَابُض بِتَسْلِيم التَّمْر أَو الزَّبِيب إِلَى البَائِع كَيْلا والتخلية فِي رطب النّخل وعنب الْكَرم لِأَنَّهُ مطعوم بمطعوم وَلَا يجوز بيع مثل الْعَرَايَا فِي بَاقِي الثِّمَار كالخوخ واللوز لِأَنَّهَا مبتورة بالأوراق فَلَا يَتَأَتَّى الْخرص فِيهَا وَلَا يخْتَص بيع الْعَرَايَا بالفقراء لإِطْلَاق أَحَادِيث الرُّخْصَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف يُقَال أسلم وَسلم وأسلف وَسلف وَالسّلم لُغَة أهل الْحجاز وَالسَّلَف لُغَة أهل الْعرَاق قَالَه الْمَاوَرْدِيّ سمي سلما لتسليم رَأس المَال فِي الْمجْلس وسلفا لتقديم رَأس المَال وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} الْآيَة قَالَ ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا نزلت فِي السّلم وَخبر الصَّحِيحَيْنِ من أسلف فِي شَيْء فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم وَتقدم تَعْرِيف السّلم فِي كَلَام المُصَنّف أول الْبيُوع (وَيصِح السّلم حَالا ومؤجلا) بِأَن يُصَرح بهما أما الْمُؤَجل فبالنص وَالْإِجْمَاع وَأما الْحَال فبالأولى لبعده عَن الْغرَر فَإِن قيل الْكِتَابَة لَا تصح بِالْحَال وَتَصِح بالمؤجل أُجِيب بِأَن الْأَجَل فِيهَا إِنَّمَا وَجب لعدم قدرَة الرَّقِيق والحلول يُنَافِي ذَلِك وَيشْتَرط تَسْلِيم رَأس المَال فِي مجْلِس العقد قبل لزمَه فَلَو تفَرقا قبل قبض رَأس المَال أَو ألزمهُ بَطل العقد أَو قبل تَسْلِيم بعضه بَطل فِيمَا لم يقبض وَفِيمَا يُقَابله من الْمُسلم فِيهِ فَلَو أطلق كأسلمت إِلَيْك دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثمَّ عين الدِّينَار وَسلم فِي الْمجْلس قبل التخاير جَازَ ذَلِك لِأَن الْمجْلس حَرِيم العقد وَلَو قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس وأودعه الْمُسلم قبل التَّفَرُّق جَازَ لِأَن الْوَدِيعَة لَا تستدعي لُزُوم الْملك وَكَذَا يجوز رده إِلَيْهِ عَن دينه كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام أصل الرَّوْضَة فِي بَاب الرِّبَا وَيجوز كَون رَأس المَال مَنْفَعَة وبقبض الْعين ورؤية رَأس المَال تَكْفِي عَن معرفَة قدره وَلَا يسلم إِلَّا (فِيمَا تَكَامل) أَي اجْتمع (فِيهِ خمس شَرَائِط) الأول القَوْل فِي شُرُوط الْمُسلم فِيهِ وَهُوَ الْمُسلم فِي السّلم (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مضبوطا بِالصّفةِ) الَّتِي لَا يعز وجودهَا كالحبوب والأدهان وَالثِّمَار وَالثيَاب وَالدَّوَاب والأرقاء والأصواف والأخشاب والأحجار وَالْحَدِيد والرصاص وَنَحْو ذَلِك من الْأَمْوَال الَّتِي تضبط بِالصِّفَاتِ فَمَا لَا يضْبط بهَا كالنبل لَا يَصح السّلم فِيهِ وَكَذَا مَا يعز وجوده كاللآلىء الْكِبَار واليواقيت وَسَائِر الْجَوَاهِر وَالْجَارِيَة وَأُخْتهَا أَو وَلَدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 (و) الثَّانِي (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (جِنْسا) وَاحِدًا (لم يخْتَلط بِهِ) جنس (غَيره) اختلاطا لَا يَنْضَبِط بِهِ مَقْصُوده كالمختلط الْمَقْصُود الْأَركان الَّتِي لَا تنضبط كهريسة ومعجون وغالية وخف مركب لاشْتِمَاله على ظهارة وبطانة فَإِن كَانَ الْخُف مُفردا صَحَّ السّلم فِيهِ إِن كَانَ جَدِيدا وَاتخذ من غير جلد وَإِلَّا امْتنع وَلَا يَصح فِي الترياق الْمَخْلُوط فَإِن كَانَ مُنْفَردا جَازَ السّلم فِيهِ وَلَا يَصح فِي رُؤُوس الْحَيَوَان لِأَنَّهَا تجمع أجناسا مَقْصُودَة وَلَا تنضبط بِالْوَصْفِ (وَلم تدخله النَّار لإحالته) أَي فَيصير غير منضبط فَلَا يَصح السّلم فِي خبز ومطبوخ ومشوي لاخْتِلَاف الْغَرَض باخْتلَاف تَأْثِير النَّار فِيهِ وَتعذر الضَّبْط بِخِلَاف مَا يَنْضَبِط تَأْثِير ناره كالعسل الْمُصَفّى بهَا وَالسكر والفانيد والدبس واللبأ فَيصح السّلم فِيهَا كَمَا مَال إِلَى تَرْجِيحه النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَقيل لَا يَصح كَمَا فِي الرِّبَا وَفرق بِضيق بَاب الرِّبَا وَلَا يَصح فِي مُخْتَلف أجزاؤه كَقدْر وكوز وقمقم ومنارة ودست معمولة لتعذر ضَبطهَا وَخرج بمعمولة المصبوبة فِي قالب فَيصح السّلم فِيهَا وَلَا يَصح فِي الْجلد لاخْتِلَاف الْأَجْزَاء فِي الرقة والغلظ وَيصِح فِي أسطال مربعة أَو مُدَوَّرَة وَيصِح فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بِغَيْرِهِمَا لَا بمثلهما وَلَا فِي أَحدهمَا بِالْآخرِ حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا وَشرط فِي السّلم فِي الرَّقِيق ذكر نَوعه كتركي فَإِن اخْتلف صنف النَّوْع كرومي وَجب ذكره وَذكر لَونه إِن اخْتلف كأبيض مَعَ وَصفه كَأَن يصف بياضه بسمرة وَذكر سنه كَابْن خمس سِنِين وَذكر قده طولا أَو غَيره تَقْرِيبًا فِي الْوَصْف وَالسّن وَالْقد حَتَّى لَو شَرط كَونه ابْن سبع سِنِين مثلا بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان لم يجز لندرته ويعتمد قَول الرَّقِيق فِي الِاحْتِلَام وَفِي السن إِن كَانَ بَالغا وَإِلَّا فَقَوْل سَيّده إِن ولد فِي الْإِسْلَام وَإِلَّا فَقَوْل النخاسين أَي الدلالين بظنونهم وَذكر ذكورته أَو أنوثته وَشرط فِي مَاشِيَة من بقر وإبل وَغَيرهمَا مَا ذكر فِي الرَّقِيق إِلَّا ذكر وصف اللَّوْن وَالْقد فَلَا يشْتَرط ذكرهمَا وَشرط فِي طير وسمك نوع وجثة وَفِي لحم غير صيد وطير نوع كلحم بقر وَذكر خصي رَضِيع معلوف جذع أَو ضدها من فَخذ أَو غَيرهَا ككتف وَيقبل عظم اللَّحْم مُعْتَاد وَشرط فِي ثوب أَن يذكر جنسه كقطن ونوعه وبلده الَّذِي ينسج فِيهِ إِن اخْتلف بِهِ الْغَرَض وَطوله وَعرضه وَكَذَا غلظه وصفاقته ونعومته أَو ضدها وَمُطلق الثَّوْب يحمل على الخام وَيصِح السّلم فِي الْمَقْصُور وَفِي مصبوغ قبل نسجه وَشرط فِي تمر أَو زبيب أَو حب كبر أَن يذكر نَوعه كبرني ولونه كأحمر وبلده كمدني وجرمه كبرا وصغرا وعتقه أَو حداثته وَشرط فِي عسل نحل مَكَانَهُ كجلبي وزمانه كصيفي ولونه كأبيض (و) الثَّالِث (وَأَن لَا يكون) الْمُسلم فِيهِ (معينا) بل يشْتَرط أَن يكون دينا لِأَن لفظ السّلم مَوْضُوع لَهُ فَلَو أسلم فِي معِين كَأَن قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا العَبْد فَقيل لم ينْعَقد سلما لانْتِفَاء الدِّينِيَّة وَلَا بيعا لاخْتِلَاف اللَّفْظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 (و) الرَّابِع (أَن لَا يكون) الْمُسلم فِيهِ (من) مَوضِع (معِين) لَا يُؤمن ان فِيهِ فَلَو أسلم فِي تمر قَرْيَة صَغِيرَة أَو بُسْتَان أَو ضَيْعَة أَي فِي قدر مَعْلُوم مِنْهُ لم يَصح لِأَنَّهُ قد يَنْقَطِع بجائحة وَنَحْوهَا وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين السّلم الْحَال والمؤجل وَهُوَ كَذَلِك أما إِذا أسلم فِي تمر نَاحيَة أَو قَرْيَة عَظِيمَة صَحَّ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع غَالِبا (و) الْخَامِس (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مِمَّا يَصح بَيْعه) لِأَنَّهُ بيع شَيْء مَوْصُوف فِي الذِّمَّة وَيشْتَرط فِيهِ لفظ السّلم قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لنا عقد يخْتَص بِصِيغَة إِلَّا هَذَا وَالنِّكَاح وَيُؤْخَذ من كَون السّلم بيعا أَنه لَا يَصح أَن يسلم الْكَافِر فِي الرَّقِيق الْمُسلم وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَمثل الرَّقِيق الْمُسلم الرَّقِيق الْمُرْتَد شُرُوط لصِحَّة عقد الْمُسلم فِيهِ (ثمَّ لصِحَّة) عقد (الْمُسلم فِيهِ) حِينَئِذٍ (ثَمَانِيَة شَرَائِط) الأول (أَن يصفه بعد ذكر جنسه ونوعه بِالصِّفَاتِ الَّتِي يخْتَلف بهَا الْغَرَض) اخْتِلَافا ظَاهرا وينضبط بهَا الْمُسلم فِيهِ وَلَيْسَ الأَصْل عدمهَا لتقريبه من المعاينة وَخرج بالقيد الأول مَا يتَسَامَح بإهمال ذكره كالكحل وَالسمن فِي الرَّقِيق وَبِالثَّانِي مَا لَا يَنْضَبِط كَمَا مر وبالثالث كَون الرَّقِيق قَوِيا على الْعَمَل أَو ضَعِيفا أَو كَاتبا أَو أُمِّيا أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ وصف يخْتَلف بِهِ الْغَرَض اخْتِلَافا ظَاهرا مَعَ أَنه لَا يجب التَّعَرُّض لَهُ لِأَن الأَصْل عَدمه (و) الثَّانِي (أَن يذكر قدره) أَي الْمُسلم فِيهِ (بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَة عَنهُ) من كيل فِيمَا يُكَال أَو وزن فِيمَا يُوزن للْحَدِيث الْمشَار إِلَيْهِ أول الْبَاب أَو عد فِيمَا يعد أَو ذرع فِيمَا يذرع قِيَاسا على مَا قبلهمَا وَيصِح سلم الْمكيل وزنا وَالْمَوْزُون الَّذِي يتأنى كَيْله كَيْلا وَحمل الإِمَام إِطْلَاق الْأَصْحَاب جَوَاز كيل الْمَوْزُون على مَا يعد الْكَيْل فِي مثله ضابطا فِيهِ فَلَا يَصح أَن يسلم فِي قتاب الْمسك وَنَحْوه كَيْلا وَقيل يَصح كاللآلىء الصغار وَفرق بِكَثْرَة التَّفَاوُت فِي الْمسك وَنَحْوه بالثقل على الْمحل وتراكمه بِخِلَاف اللُّؤْلُؤ لَا يحصل بذلك تفَاوت كالقمح والفول وَاسْتثنى الْجِرْجَانِيّ وَغَيره النَّقْدَيْنِ أَيْضا فَلَا يَصح فيهمَا إِلَّا بِالْوَزْنِ وَيشْتَرط الْوَزْن فِي الْبِطِّيخ والقثاء والباذنجان وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا لَا يضبطه الْكَيْل لتجافيه فِي الْمِكْيَال كقصب السكر والبقول وَلَا يَكْفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 فِيهَا الْعد لِكَثْرَة التَّفَاوُت فِيهَا وَالْجمع فِيهَا بَين الْعد وَالْوَزْن مُفسد لِأَنَّهُ يحْتَاج مَعَه إِلَى ذكر الجرم فيورث عزة الْوُجُود وَيصِح فِي اللوز والجوز وَإِن لم يقل اختلافه وزنا وَكَذَا كَيْلا قِيَاسا على الْحُبُوب وَالتَّمْر وَلَو عين كَيْلا فسد السّلم وَلَو كَانَ حَالا إِن لم يكن ذَلِك الْكَيْل مُعْتَادا ككوز لَا يعرف قدر مَا يسع فَإِن كَانَ الْكَيْل مُعْتَادا بِأَن عرف قدر مَا يسع وَلم يفْسد السّلم وَيَلْغُو تَعْيِينه كَسَائِر الشُّرُوط الَّتِي لَا غَرَض فِيهَا (و) الثَّالِث (إِن كَانَ) السّلم (مُؤَجّلا ذكر وَقت مَحَله) بِكَسْر الْمُهْملَة أَي وَقت حُلُول الْأَجَل فَيجب أَن يذكر الْعَاقِد أَََجَلًا مَعْلُوما وَالْأَجَل الْمَعْلُوم مَا يعرفهُ النَّاس كشهور الْعَرَب أَو الْفرس أَو الرّوم لِأَنَّهَا مَعْلُومَة مضبوطة وَيصِح التَّأْقِيت بالنيروز وَهُوَ نزُول الشَّمْس برج الْمِيزَان وبعيد الْكفَّار إِن عرفه الْمُسلمُونَ وَلَو عَدْلَيْنِ مِنْهُم أَو المتعاقدان فَإِن أطلق الشَّهْر حمل على الْهلَال وَهُوَ مَا بَين الهلالين لِأَنَّهُ عرف الشَّرْع ذَلِك بِأَن يَقع العقد أول الشَّهْر فَإِن انْكَسَرَ شهر بِأَن وَقع العقد فِي أَثْنَائِهِ والتأجيل بِالْأَشْهرِ حسب الْبَاقِي بعد الأول المنكسر بِالْأَهِلَّةِ وتمم الأول ثَلَاثِينَ مِمَّا بعْدهَا نعم إِن وَقع العقد فِي الْيَوْم الْأَخير من الشَّهْر اكْتفى بِالْأَشْهرِ بعده بأهلة تَامَّة كَانَت أَو نَاقِصَة وَالسّنة الْمُطلقَة تحمل على الْهِلَالِيَّة دون غَيرهَا لِأَنَّهَا عرف الشَّرْع قَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} وَلَو قَالَا إِلَى يَوْم كَذَا أَو شهر كَذَا أَو سنة كَذَا حل بِأول جُزْء مِنْهُ وَلَو قَالَ فِي يَوْم كَذَا أَو شهر كَذَا أَو سنة كَذَا لم يَصح على الْأَصَح أَو قَالَا إِلَى أول شهر كَذَا أَو آخِره صَحَّ وَحمل على الْجُزْء الأول كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ وَغَيره وَيصِح التَّأْجِيل بالعيد وجمادى وربيع وَنَفر الْحَج وَيحمل على الأول من ذَلِك لتحقيق الِاسْم نعم لَو قَالَ بعد عيد الْفطر إِلَى الْعِيد حمل على الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي العقد قَالَه ابْن الرّفْعَة (و) الرَّابِع (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مَوْجُودا عِنْد الِاسْتِحْقَاق) أَي عِنْد وجوب التَّسْلِيم لِأَن المعجوز عَن تَسْلِيمه يمْتَنع بَيْعه فَيمْتَنع السّلم فِيهِ فَإِذا أسلم فِي مُنْقَطع عِنْد الْحُلُول كالرطب فِي زمن الشتَاء لم يَصح وَكَذَا لَو أسلم مُسلم كَافِرًا فِي عبد مُسلم نعم إِن كَانَ فِي يَد الْكَافِر وَكَانَ السّلم حَالا صَحَّ وَلَو ظن تَحْصِيل الْمُسلم فِيهِ بِمَشَقَّة عَظِيمَة كَقدْر كثير من الباكورة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وَهِي أول الْفَاكِهَة لم يَصح فَإِن كَانَ الْمُسلم فِيهِ يُوجد بِبَلَد آخر صَحَّ السّلم فِيهِ إِن اعْتقد نَقله غَالِبا مِنْهُ للْبيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات وَإِن بَعدت الْمسَافَة للقدرة عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَصح السّلم فِيهِ لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَلَو أسلم فِيمَا يعم وجوده فَانْقَطع وَقت حُلُوله لم يَنْفَسِخ لِأَن الْمُسلم فِيهِ يتَعَلَّق بِالذِّمةِ فَأشبه إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن فَيتَخَيَّر الْمُسلم بَين فَسخه وَالصَّبْر حَتَّى يُوجد فَيُطَالب بِهِ دفعا للضَّرَر وَلَو علم قبل الْمحل انْقِطَاعه عِنْده فَلَا خِيَار قبله لِأَنَّهُ لم يدْخل وَقت وجوب التسلم وَالْخَامِس أَن يكون وجوده (فِي الْغَالِب) من الْأَزْمَان فَلَا يَصح فِيمَا ينْدر وجوده كلحم الصَّيْد بِمحل يعز وجوده فِيهِ لانْتِفَاء الوثوق بِتَسْلِيمِهِ نعم لَو كَانَ السّلم حَالا وَكَانَ الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ بِموضع ينْدر فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاء وَلَا فِيمَا لَو استقصى وَصفه عز وجوده كاللآلىء الْكِبَار واليواقيت وَجَارِيَة وَأُخْتهَا أَو خَالَتهَا أَو عَمَّتهَا أَو وَلَدهَا أَو شَاة وسخلتها فَإِن اجْتِمَاع ذَلِك بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَة فِيهَا نَادِر (و) السَّادِس (أَن يذكر) فِي السّلم الْمُؤَجل (مَوضِع قَبضه) إِذا عقا بِموضع لَا يصلح للتسليم كالبادية أَو يصلح ولحمل الْمُسلم فِيهِ مُؤنَة لتَفَاوت الْأَغْرَاض فِيمَا يُرَاد من الْأَمْكِنَة أما إِذا صلح للتسليم وَلم يكن لحمله مُؤنَة فَلَا يشْتَرط مَا ذكر وَيتَعَيَّن مَكَان العقد للتسليم للْعُرْف وَيَكْفِي فِي تَعْيِينه أَن يَقُول تسلم لي فِي بَلْدَة كَذَا إِلَّا أَن تكون كَبِيرَة كبغداد وَالْبَصْرَة فَيَكْفِي إِحْضَاره فِي أَولهَا وَلَا يُكَلف إِحْضَاره إِلَى منزل وَلَو قَالَ فِي أَي الْبِلَاد شِئْت فسد أَو فِي أَي مَكَان شِئْت من بلد كَذَا فَإِن اتَّسع لم يجز وَإِلَّا جَازَ أَو بِبَلَد كَذَا وبلد كَذَا فَهَل يفْسد أَو يَصح وَينزل على تَسْلِيم النّصْف بِكُل بلد وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِي الأول قَالَ فِي الْمطلب وَالْفرق بَين تَسْلِيمه فِي بلد كَذَا حَيْثُ صَحَّ وتسليمه فِي شهر كَذَا حَيْثُ لَا يَصح اخْتِلَاف الْغَرَض فِي الزَّمَان دون الْمَكَان فَلَو عين مَكَانا فخرب وَخرج عَن صَلَاحِية التَّسْلِيم تعين أقرب مَوضِع صَالح لَهُ على الأقيس فِي الرَّوْضَة من ثَلَاثَة أوجه أما السّلم الْحَال فَيتَعَيَّن فِيهِ مَوضِع العقد للتسليم نعم إِن كَانَ غير صَالح للتسليم اشْترط الْبَيَان كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة فَإِن عينا غَيره تعين بِخِلَاف الْمَبِيع الْمعِين لِأَن السّلم يقبل التَّأْجِيل فَقبل شرطا يتَضَمَّن تَأْخِير التَّسْلِيم بِخِلَاف الْمَبِيع وَالْمرَاد بِموضع العقد تِلْكَ الْمحلة لَا نفس مَوضِع العقد (و) السَّابِع (أَن يتقابضا) أَي الْمُسلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ بِنَفسِهِ أَو نَائِبه رَأس مَال السّلم وَهُوَ الثّمن فِي مجْلِس العقد قبضا حَقِيقِيًّا (قبل التَّفَرُّق) أَو التخاير لِأَن اللُّزُوم كالتفريق كَمَا مر فِي بَاب الْخِيَار إِذْ لَو تَأَخّر لَكَانَ فِي معنى بيع الدّين بِالدّينِ إِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 رَأس المَال فِي الذِّمَّة وَلِأَن فِي السّلم غررا فَلَا يضم إِلَيْهِ غرر تَأْخِير رَأس المَال وَلَا بُد من حُلُول رَأس المَال كالصرف فَلَو تفَرقا قبله أَو ألزماه بَطل العقد أَو قبل تَسْلِيم بعضه بَطل فِيمَا لم يقبض وَفِيمَا يُقَابله من الْمُسلم فِيهِ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقسْطِهِ وَخرج بِقَيْد الْحَقِيقِيّ مَا لَو أحَال الْمُسلم الْمُسلم إِلَيْهِ بِرَأْس المَال وَقَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس فَلَا يَصح ذَلِك سَوَاء أذن فِي قَبضه الْمُحِيل أم لَا لِأَن الْحِوَالَة لَيست قبضا حَقِيقِيًّا فَإِن الْمحَال عَلَيْهِ يُؤَدِّي عَن جِهَة نَفسه لَا عَن جِهَة الْمُسلم نعم إِن قَبضه الْمُسلم من الْمحَال عَلَيْهِ أَو من الْمُسلم إِلَيْهِ بعد قَبضه بِإِذْنِهِ وَسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس صَحَّ وَلَا يشْتَرط تعْيين رَأس المَال فِي العقد بل الصَّحِيح جَوَازه فِي الذِّمَّة فَلَو قَالَ أسلمت إِلَيْك دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثمَّ عين الدِّينَار فِي الْمجْلس قبل التخاير جَازَ ذَلِك لِأَن الْمجْلس حَرِيم العقد فَلهُ حكمه فَإِن تفَرقا أَو تخايرا قبله بَطل العقد (و) الثَّامِن (أَن يكون العقد ناجزا لَا يدْخلهُ خِيَار الشَّرْط) لَهما وَلَا لأَحَدهمَا لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل التَّأْجِيل وَالْخيَار أعظم غررا مِنْهُ لِأَنَّهُ مَانع من الْملك أَو من لُزُومه وَاحْترز بِقَيْد الشَّرْط عَن خِيَار الْمجْلس فَإِنَّهُ يثبت فِيهِ لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا وَالسّلم بيع مَوْصُوف فِي الذِّمَّة كَمَا مر تَتِمَّة لَو أحضر الْمُسلم إِلَيْهِ الْمُسلم فِيهِ الْمُؤَجل قبل وَقت حُلُوله فَامْتنعَ الْمُسلم من قبُوله لغَرَض صَحِيح بِأَن كَانَ حَيَوَانا يحْتَاج لمؤونة لَهَا وَقع أَو وَقت إغارة أَو كَانَ ثمرا أَو لَحْمًا يُرِيد أكله عِنْد الْمحل طريا أَو كَانَ مِمَّا يحْتَاج إِلَى مَكَان لَهُ مؤونة كالحنطة الْكَثِيرَة لم يجْبر على قبُوله فَإِن لم يكن للْمُسلمِ غَرَض صَحِيح فِي الِامْتِنَاع أجبر على قبُوله سَوَاء أَكَانَ للمؤدي غَرَض صَحِيح فِي التَّعْجِيل كفك رهن أَو ضَمَان أَو مُجَرّد بَرَاءَة ذمَّته أم لَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الرَّوْض لِأَن عدم قبُوله لَهُ تعنت فَإِن أصر على عدم قبُوله أَخذه الْحَاكِم لَهُ وَلَو أحضر الْمُسلم فِيهِ الْحَال فِي مَكَان التَّسْلِيم لغَرَض غير الْبَرَاءَة أجبر الْمُسلم على قبُوله أَو لفرضها أجبر على الْقبُول أَو الْإِبْرَاء وَلَو ظفر الْمُسلم بِالْمُسلمِ إِلَيْهِ بعد الْمحل فِي غير مَحل التَّسْلِيم وطالبه بِالْمُسلمِ فِيهِ ولنقله مُؤنَة وَلم يتحملها الْمُسلم عَن الْمُسلم إِلَيْهِ لم يلْزمه الْأَدَاء وَلَا يُطَالِبهُ بِقِيمَتِه وَإِن امْتنع الْمُسلم من قبُوله فِي غير مَحل التَّسْلِيم لغَرَض صَحِيح لم يجْبر على قبُوله لتضرره بذلك فَإِن لم يكن لَهُ غَرَض صَحِيح أجبر على قبُوله إِن كَانَ للمؤدي غَرَض صَحِيح كتحصيل بَرَاءَة الذِّمَّة وَلَو أنْفق كَون رَأس مَال السّلم بِصفة الْمُسلم فِيهِ فَأحْضرهُ الْمُسلم إِلَيْهِ وَجب قبُوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فصل فِي الرَّهْن وَهُوَ لُغَة الثُّبُوت وَمِنْه الْحَالة الراهنة وَشرعا جعل عين مَالِيَّة وَثِيقَة بدين يسْتَوْفى مِنْهَا عِنْد تعذر وفائه وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فرهان مَقْبُوضَة} قَالَ القَاضِي مَعْنَاهُ فارهنوا واقبضوا لِأَنَّهُ مصدر جعل جَزَاء للشّرط بِالْفَاءِ فَجرى مجْرى الْأَمر كَقَوْلِه تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رهن درعه عِنْد يَهُودِيّ يُقَال لَهُ أَبُو الشَّحْم على ثَلَاثِينَ صَاعا من شعير لأَهله والوثائق بالحقوق ثَلَاثَة شَهَادَة وَرهن وَضَمان فالشهادة لخوف الْجحْد والآخران لخوف الإفلاس أَرْكَان الرَّهْن وأركانه أَرْبَعَة مَرْهُون ومرهون بِهِ وَصِيغَة وعاقدان وَقد بَدَأَ بِذكر الرُّكْن الأول وَهُوَ الْمَرْهُون فَقَالَ (وكل مَا جَازَ بَيْعه) من الْأَعْيَان (جَازَ رَهنه) فَلَا يَصح رهن دين وَلَو مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غير مَقْدُور على تَسْلِيمه وَلَا رهن مَنْفَعَة كَأَن يرْهن سُكْنى دَاره مُدَّة لِأَن الْمَنْفَعَة تتْلف فَلَا يحصل بهَا استيثاق وَلَا رهن عين لَا يَصح بيعهَا كوقف ومكاتب وَأم ولد وَيصِح رهن الْمشَاع من الشَّرِيك وَغَيره وَيقبض بِتَسْلِيم كُله كَمَا فِي البيع فَيكون بِالتَّخْلِيَةِ فِي غير الْمَنْقُول وبالنقل فِي الْمَنْقُول وَلَا يجوز نَقله بِغَيْر إِذن الشَّرِيك فَإِن أَبى الْإِذْن فَإِن رَضِي الْمُرْتَهن بِكَوْنِهِ فِي يَد الشَّرِيك جَازَ وناب عَنهُ فِي الْقَبْض وَإِن تنَازعا نصب الْحَاكِم عدلا يكون فِي يَده لَهما ويستثني من مَنْطُوق كَلَام المُصَنّف صُورَتَانِ لَا يَصح رهنهما وَيصِح بيعهمَا الأولى الْمُدبر رَهنه بَاطِل وَإِن جَازَ بَيْعه لما فِيهِ من الْغرَر لِأَن السَّيِّد قد يَمُوت فَجْأَة فَيبْطل مَقْصُود الرَّهْن الثَّانِيَة الأَرْض المزروعة يجوز بيعهَا وَلَا يجوز رَهنهَا وَمن مَفْهُومه صُورَة يَصح رَهنهَا وَلَا يَصح بيعهَا الْأمة الَّتِي لَهَا ولد غير مُمَيّز لَا يجوز إِفْرَاد أَحدهمَا بِالْبيعِ وَيجوز بِالرَّهْنِ وَعند الْحَاجة يباعان وَيقوم الْمَرْهُون مِنْهُمَا مَوْصُوفا بِكَوْنِهِ حاضنا أَو محضونا ثمَّ يقوم مَعَ الآخر فالزائد على قِيمَته قيمَة الآخر ويوزع الثّمن عَلَيْهِمَا بِتِلْكَ النِّسْبَة فَإِذا كَانَت قيمَة الْمَرْهُون مائَة وَقِيمَته مَعَ الآخر مائَة وَخمسين فالنسبة بالأثلاث فَيتَعَلَّق حق الْمُرْتَهن بِثُلثي الثّمن ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمَرْهُون بِهِ فَقَالَ (فِي الدُّيُون) أَي وَشرط الْمَرْهُون بِهِ كَونه دينا فَلَا يَصح بِالْعينِ الْمَضْمُونَة كالمغصوبة والمستعارة وَلَا بِغَيْر الْمَضْمُونَة كَمَال الْقَرَاض وَالْمُودع لِأَنَّهُ تَعَالَى ذكر الرَّهْن فِي المداينة فَلَا يثبت فِي غَيرهَا وَلِأَنَّهَا لَا تستوفى من ثمن الْمَرْهُون وَذَلِكَ مُخَالف لغَرَض الرَّهْن عِنْد البيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 تَنْبِيه يُؤْخَذ من ذَلِك مَسْأَلَة كَثْرَة الْوُقُوع وَهِي أَن الْوَاقِف يقف كتبا ويشرط أَن لَا يخرج مِنْهَا كتاب من مَكَان يحبسها فِيهِ إِلَّا برهن وَذَلِكَ لَا يَصح كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَإِن أفتى الْقفال بِخِلَافِهِ وَضعف بَعضهم مَا أفتى بِهِ الْقفال بِأَن الرَّاهِن أحد الْمُسْتَحقّين والراهن لَا يكون مُسْتَحقّا إِذْ الْمَقْصُود بِالرَّهْنِ الْوَفَاء من ثمن الْمَرْهُون عِنْد التّلف وَهَذَا الْمَوْقُوف لَو تلف بِغَيْر تعد وَلَا تَفْرِيط لم يضمن وعَلى إِلْغَاء الشَّرْط لَا يجوز إِخْرَاجه برهن وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يخرج مُطلقًا نعم إِن تعذر الِانْتِفَاع بِهِ فِي الْحل الْمَوْقُوف فِيهِ ووثق بِمن ينْتَفع بِهِ فِي غير ذَلِك الْمحل أَن يردهُ إِلَى مَحَله بعد قَضَاء حَاجته جَازَ إِخْرَاجه كَمَا أفتى بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين وَيشْتَرط فِي الدّين الَّذِي يرْهن بِهِ ثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه ثَابتا فَلَا يَصح بِغَيْرِهِ كَنَفَقَة زَوجته فِي الْغَد لِأَن الرَّهْن وَثِيقَة حق فَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَالثَّانِي كَونه مَعْلُوما للعاقدين فَلَو جهلاه أَو أَحدهمَا لم يَصح وَالثَّالِث كَونه لَازِما أَو آيلا إِلَى اللُّزُوم فَلَا يَصح فِي غير ذَلِك كَمَال الْكِتَابَة وَلَا بِجعْل الْجعَالَة قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وَيجوز الرَّهْن بِالثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم وَالْأَصْل فِي وَضعه اللُّزُوم بِخِلَاف مَال الْكِتَابَة وَجعل الْجعَالَة وَظَاهر أَن الْكَلَام حَيْثُ قُلْنَا ملك المُشْتَرِي الْمَبِيع ليملك البَائِع الثّمن كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام وَلَا حَاجَة لقَوْل المُصَنّف (إِذا اسْتَقر ثُبُوتهَا) أَي الدُّيُون (فِي الذِّمَّة) بل هُوَ مُضر إِذْ لَا فرق بَين كَونه مُسْتَقرًّا كَثمن الْمَبِيع الْمَقْبُوض وَدين الْمُسلم وَأرش الْجِنَايَة أَو غير مُسْتَقر كالأجرة قبل اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة وَسكت المُصَنّف عَن الرُّكْنَيْنِ الْأَخيرينِ أما الصِّيغَة فَيشْتَرط فِيهَا مَا مر فِيهَا فِي البيع فَإِن شَرط فِي الرَّهْن مُقْتَضَاهُ كتقدم الْمُرْتَهن بالمرهون عِنْد تزاحم الْغُرَمَاء أَو شَرط فِيهِ مصلحَة لَهُ كإشهاد بِهِ أَو مَا لَا غَرَض فِيهِ كَأَن يَأْكُل العَبْد الْمَرْهُون كَذَا صَحَّ العقد ولغا الشَّرْط الْأَخير وَإِن شَرط مَا يضر الْمُرْتَهن أَو الرَّاهِن كَأَن لَا يُبَاع عِنْد الْمحل أَو أَن منفعَته للْمُرْتَهن أَو أَن تحدث زوائده مَرْهُونَة لم يَصح الرَّهْن فِي الثَّلَاث لإخلال الشَّرْط بالغرض مِنْهُ فِي الأولى ولتغير قَضِيَّة العقد فِي الثَّانِيَة ولجهالة الزَّوَائِد وَعدمهَا فِي الثَّالِثَة وَأما العاقدان فَيشْتَرط فيهمَا أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَالِاخْتِيَار كَمَا فِي البيع وَنَحْوه فَلَا يرْهن الْوَلِيّ أيا كَانَ أَو غَيره مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا يرتهن لَهما إِلَّا لضَرُورَة أَو غِبْطَة ظَاهِرَة فَيجوز لَهُ الرَّهْن والارتهان فيهمَا دون غَيرهمَا مثالهما للضَّرُورَة أَن يرْهن على مَا يقترض لحَاجَة الْمُؤْنَة ليوفي مِمَّا ينْتَظر من غلَّة أَو حُلُول دين أَو نَحْو ذَلِك كنفاق مَتَاع كاسد وَأَن يرتهن على مَا يقْرضهُ أَو يَبِيعهُ مُؤَجّلا لضَرُورَة نهب أَو نَحوه ومثالهما للغبطة أَن يرْهن مَا يُسَاوِي مائَة على ثمن مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَة نَسِيئَة وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَأَن يرتهن على ثمن مَا يَبِيعهُ نَسِيئَة لغبطة وَلَا يلْزم الرَّهْن إِلَّا بِقَبْضِهِ كَمَا مر فِي البيع بِإِذن من الرَّاهِن أَو إقباض مِنْهُ مِمَّن يَصح عقده للرَّهْن وللعاقد إنابة غَيره فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 كالعقد لَا إنابة مقبض من رَاهن أَو نَائِبه لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى اتِّحَاد الْقَابِض والمقبض (وللراهن الرُّجُوع فِيهِ) أَي الْمَرْهُون (مَا لم يقبضهُ) الْمُرْتَهن أَو نَائِبه وَيحصل الرُّجُوع قبل قَبضه بِتَصَرُّف يزِيل ملكا كَهِبَة مَقْبُوضَة لزوَال مَحل الرَّهْن وَبرهن مَقْبُوض لتَعلق حق الْغَيْر بِهِ وتقيدهما بِالْقَبْضِ هُوَ مَا جزم بِهِ الشَّيْخَانِ وَقَضيته أَن ذَلِك بِدُونِ قبض لَا يكون رُجُوعا لَكِن نقل السُّبْكِيّ وَغَيره عَن النَّص وَالْأَصْحَاب أَنه رُجُوع وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَيحصل الرُّجُوع أَيْضا بِكِتَابَة وتدبير وإحبال لِأَن مقصودها الْعتْق وَهُوَ منَاف للرَّهْن وَلَا يحصل بِوَطْء وتزويج لعدم منافاتهما لَهُ وَلَا بِمَوْت عَاقد وجنونه وإغمائه وتخمر عصير وإباق رَقِيق وَلَيْسَ لراهن مقبض رهن وَلَا وَطْء وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تحبل وَلَا تصرف يزِيل ملكا كوقف أَو ينقصهُ كتزويج فَلَا ينفذ شَيْء من هَذِه التَّصَرُّفَات إِلَّا إِعْتَاق مُوسر وإيلاده وَيغرم قِيمَته وَقت إِعْتَاقه وإحباله وَتَكون رهنا مَكَانَهُ بِغَيْر عقد لقيامها مقَامه وَالْولد الْحَاصِل من وَطْء الرَّاهِن حر نسيب وَلَا يغرم قِيمَته وَإِذا لم ينفذ الْعتْق والإيلاد لكَونه مُعسرا فانفك الرَّهْن نفذ الإيلاد لَا الْإِعْتَاق لإن الْإِعْتَاق قَول فَإِذا رد لَغَا والإيلاد فعل لَا يُمكن رده فَإِذا زَالَ الْحق ثَبت حكمه وللراهن انْتِفَاع بالمرهون لَا ينقصهُ كركوب وسكنى لَا بِنَاء وغراس لِأَنَّهُمَا ينقصان قيمَة الأَرْض ثمَّ إِن أمكن بِلَا اسْتِرْدَاد الْمَرْهُون انْتِفَاع يُريدهُ الرَّاهِن مِنْهُ لَهُ يسْتَردّ وَإِلَّا فيسترده كَأَن يكون دَارا يسكنهَا وَيشْهد عَلَيْهِ بالاسترداد إِن اتهمه وَله بِإِذن الْمُرْتَهن مَا منعناه مِنْهُ وَله رُجُوع عَن الْإِذْن قبل تصرف الرَّاهِن كَمَا للْمُوكل الرُّجُوع قبل تصرف الْوَكِيل فَإِن تصرف بعد رُجُوعه لَغَا تصرفه كتصرف وَكيل عَزله مُوكله وعَلى الرَّاهِن الْمَالِك مؤونة الْمَرْهُون كَنَفَقَة رَقِيق وعلف دَابَّة وَأُجْرَة سقِِي أشجر وَلَا يمْنَع من مصلحَة الْمَرْهُون كفصد وحجامة وَهُوَ أَمَانَة بيد الْمُرْتَهن القَوْل فِي ضَمَان الْمَرْهُون (وَلَا يضمنهُ الْمُرْتَهن) بِمثل وَلَا قيمَة إِذا تلف (إِلَّا بِالتَّعَدِّي) بالتفريط فَيضمنهُ حِينَئِذٍ لخُرُوج يَده عَن الْأَمَانَة وَلَا يسْقط بتلفه شَيْء من الدّين وَيصدق الْمُرْتَهن فِي دَعْوَى التّلف بِيَمِينِهِ وَلَا يصدق فِي الرَّد عِنْد الْأَكْثَرين وَهُوَ الْمُعْتَمد ضَابِط كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر الْمَرْهُون مَحْبُوس مَا بَقِي من الدّين دِرْهَم (وَإِذا قضى) بِمَعْنى أدّى الرَّاهِن (بعض الْحق) أَي الدّين الَّذِي تعلق بِهِ الرَّهْن (لم يخرج) أَي لم يَنْفَكّ (شَيْء من الرَّهْن حَتَّى يقْضِي) أَي يُؤَدِّي (جَمِيعه) لتَعَلُّقه بِكُل جُزْء من الدّين كرقبة الْمكَاتب وينفك أَيْضا بِفَسْخ الْمُرْتَهن وَلَو بِدُونِ الرَّاهِن لِأَن الْحق لَهُ وبالبراءة من جَمِيع الدّين وَلَو رهن نصف عبد بدين وَنصفه بآخر فِي صَفْقَة أُخْرَى فبرىء من أَحدهمَا انْفَكَّ قسطه لتَعَدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد العقد وَلَو رهناه بدين فبرىء أَحدهمَا مِمَّا عَلَيْهِ انْفَكَّ نصِيبه لتَعَدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد الْعَاقِد وَلَو رَهنه عِنْد اثْنَيْنِ فبرىء من دين أَحدهمَا انْفَكَّ قسطه لتَعَدد مُسْتَحقّ الدّين فروع لَو رهن شخص آخر عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَة وَسلم أَحدهمَا لَهُ كَانَ مَرْهُونا على جَمِيع المَال كَمَا لَو سلمهما وَتلف أَحدهمَا وَلَو مَاتَ الرَّاهِن عَن وَرَثَة ففدى أحدهم نصِيبه لم يَنْفَكّ كَمَا فِي الْمُورث وَلَو مَاتَ الْمُرْتَهن عَن وَرَثَة فوفى أَحدهمَا مَا يَخُصُّهُ من الدّين لم يَنْفَكّ نصِيبه كَمَا لَو وفى مُوَرِثه بعض دينه وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الرّفْعَة القَوْل فِي اخْتِلَاف عاقدي الرَّهْن تَتِمَّة لَو اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي أصل الرَّهْن أَو فِي قدره صدق الرَّاهِن الْمَالِك بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عدم مَا يَدعِيهِ الْمُرْتَهن هَذَا إِن كَانَ رهن تبرع أما الرَّهْن الْمَشْرُوط فِي بيع فَإِن اخْتلفَا فِي اشْتِرَاطه فِيهِ أَو اتفقَا عَلَيْهِ وَاخْتلفَا فِي شَيْء مِمَّا مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 غير الأولى فيتحالفان فِيهِ كَسَائِر صور البيع إِذا اخْتلفَا فِيهَا وَلَو ادّعى أَنَّهُمَا رهناه عبدهما بِمِائَة وأقبضاه وَصدقه أَحدهمَا فَنصِيبه رهن بِخَمْسِينَ مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَحلف المكذب لما مر وَتقبل شَهَادَة الْمُصدق عَلَيْهِ لخلوها عَن التُّهْمَة وَلَو اخْتلفَا فِي قبض الْمَرْهُون وَهُوَ بيد رَاهن أَو مُرْتَهن وَقَالَ الرَّاهِن غصبته أَو أقبضته على جِهَة أُخْرَى كإعارة صدق بِيَمِينِهِ وَمن عَلَيْهِ أَلفَانِ مثلا بِأَحَدِهِمَا رهن فَأدى ألفا وَقَالَ أديته عَن ألف الرَّهْن صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعلم بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّة أَدَائِهِ وَإِن لم ينْو شَيْئا جعله عَمَّا شَاءَ مِنْهُمَا وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين تعلق بِتركَتِهِ كمرهون وَلَا يمْنَع التَّعَلُّق إِرْثا فَلَا يتَعَلَّق الدّين بزوائد التَّرِكَة وللوارث إِِمْسَاكهَا بِالْأَقَلِّ من قيمتهَا وَالدّين وَلَو تصرف الْوَارِث وَلَا دين فظطرأ دين بِنَحْوِ رد مَبِيع بِعَيْب تلف ثمنه وَلم يسْقط الدّين بأَدَاء أَو إِبْرَاء أَو نَحوه فسخ التَّصَرُّف لِأَنَّهُ كَانَ سائغا لَهُ فِي الظَّاهِر فصل فِي الْحجر وَهُوَ لُغَة الْمَنْع وَشرعا الْمَنْع من التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها} الْآيَة القَوْل فِي أَنْوَاع الْحجر (وَالْحجر) يضْرب (على) جمَاعَة الْمَذْكُورَة مِنْهَا هُنَا (سِتَّة) وَالْحجر نَوْعَانِ نوع شرع لمصْلحَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَنَوع شرع لمصْلحَة الْغَيْر فالنوع الأول الَّذِي شرع لمصْلحَة نَفسه يضْرب على ثَلَاثَة فَقَط الأول الْحجر على (الصَّبِي) أَي الصَّغِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مُمَيّزا إِلَى بُلُوغه فينفك بِلَا قَاض لِأَنَّهُ حجر ثَبت بِلَا قَاض فَلَا يتَوَقَّف زَوَاله على فك قَاض وَعبر فِي الْمِنْهَاج ككثير بِبُلُوغِهِ رشيدا قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَيْسَ اخْتِلَافا حَقِيقِيًّا بل من عبر بِالثَّانِي أَرَادَ الْإِطْلَاق الْكُلِّي وَمن عبر بِالْأولِ أَرَادَ حجر الصِّبَا وَهَذَا أولى لِأَن الصِّبَا سَبَب مُسْتَقل بِالْحجرِ وَكَذَا التبذير وأحكامهما مُتَغَايِرَة (و) الثَّانِي الْحجر على (الْمَجْنُون) إِلَى إِفَاقَته مِنْهُ فينفك بِلَا فك قَاض كَمَا مر فِي الصَّبِي (و) الثَّالِث الْحجر على الْبَالِغ (السَّفِيه المبذر لمَاله) كَأَن يرميه فِي بَحر أَو نَحوه أَو يضيعه بِاحْتِمَال غبن فَاحش فِي مُعَاملَة أَو يصرفهُ فِي محرم لَا فِي خير كصدقة وَلَا فِي نَحْو مطاعم وملابس وَشِرَاء إِمَاء كَثِيرَة للتمتع وَإِن لم تلق بِحَالهِ لِأَن المَال يتَّخذ لينْتَفع ويلتذ بِهِ وَقَضيته أَنه لَيْسَ بِحرَام وَهُوَ كَذَلِك نعم إِن صرفه فِي ذَلِك بطرِيق الِاقْتِرَاض لَهُ وَلم يكن لَهُ مَا يُوفيه بِهِ فَحَرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 (و) النَّوْع الثَّانِي الَّذِي شرع لمصْلحَة الْغَيْر يضْرب على (الْمُفلس) وَهُوَ (الَّذِي ارتكبته الدُّيُون) الْحَالة اللَّازِمَة الزَّائِدَة على مَاله إِذا كَانَت لآدَمِيّ فيحجر عَلَيْهِ وجوبا فِي مَاله إِن اسْتَقل أَو على وليه فِي مَال موليه إِن لم يسْتَقلّ بِطَلَبِهِ أَو بسؤال الْغُرَمَاء وَلَو بنوابهم كأوليائهم فَلَا حجر بالمؤجل لِأَنَّهُ لَا يُطَالب بِهِ فِي الْحَال وَإِذا حجر بِحَال لم يحل الْمُؤَجل لِأَن الْأَجَل مَقْصُود لَهُ فَلَا يفوت عَلَيْهِ وَلَو جن الْمَدْيُون لم يحل دينه وَمَا وَقع فِي أصل الرَّوْضَة من تَصْحِيح الْحُلُول بِهِ نسب فِيهِ إِلَى السَّهْو وَلَا يحل إِلَّا بِالْمَوْتِ أَو الرِّدَّة الْمُتَّصِلَة بِالْمَوْتِ أَو استرقاق الْحَرْبِيّ كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن النَّص وَلَا بدين غير لَازم كنجوم كِتَابَة لتمكن الْمَدْيُون من إِسْقَاطه وَلَا بدين مسَاوٍ لمَاله أَو نَاقص عَنهُ وَلَا بدين لله تَعَالَى وَإِن كَانَ فوريا كَمَا قَالَه الْإِسْنَوِيّ خلافًا لما بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين وَالْمرَاد بِمَالِه مَاله الْعَيْنِيّ أَو الديني الَّذِي يَتَيَسَّر الْأَدَاء مِنْهُ بِخِلَاف الْمَنَافِع وَالْمَغْصُوب وَالْغَائِب وَنَحْوهمَا وَيُبَاع فِي الدُّيُون بعد الْحجر عَلَيْهِ مَسْكَنه وخادمه ومركوبه وَإِن احْتَاجَ إِلَى خَادِم أَو مركوب لزمانته أَو منصبه لِأَن تَحْصِيلهَا بالكراء أسهل فَإِن تعذر فعلى الْمُسلمين وَيتْرك لَهُ دست ثوب يَلِيق بِهِ وَهُوَ قَمِيص وَسَرَاويل ومنديل ومكعب وَيُزَاد فِي الشتَاء جُبَّة أَو فَرْوَة وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يُؤجر نَفسه لتقية الدّين لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَإِذا ادّعى الْمَدْيُون أَنه مُعسر أَو قسم مَاله بَين غُرَمَائه وَزعم أَنه لَا يملك غَيره وأنكروا مَا زَعمه فَإِن لزمَه الدّين فِي مُقَابلَة مَال كَشِرَاء أَو قرض فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة بإعساره فِي الصُّورَة الأولى وَبِأَنَّهُ لَا يملك غَيره فِي الثَّانِيَة وَإِن لزمَه لَا فِي مُقَابلَة مَال سَوَاء أَكَانَ بِاخْتِيَارِهِ كضمان وصداق أم بِغَيْر اخْتِيَاره كأرش جِنَايَة صدق بِيَمِينِهِ (و) يضْرب على (الْمَرِيض) الْمخوف عَلَيْهِ بِمَا ستعرفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْوَصِيَّة (فِيمَا زَاد على الثُّلُث) لحق الْوَرَثَة حَيْثُ لَا دين وَفِي الْجَمِيع إِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق (و) يضْرب على (العَبْد الَّذِي لم يُؤذن لَهُ التِّجَارَة) لحق سَيّده وعَلى الْمكَاتب لحق سَيّده وَللَّه تَعَالَى زَاد الشَّيْخَانِ فِي هَذَا النَّوْع وعَلى الرَّاهِن فِي الْعين الْمَرْهُونَة لحق الْمُرْتَهن وعَلى الْمُرْتَد لحق الْمُسلمين وَأورد عَلَيْهِمَا فِي الْمُهِمَّات ثَلَاثِينَ نوعا فِيهَا الْحجر لحق الْغَيْر وَسَبقه إِلَى بَعْضهَا شَيْخه السُّبْكِيّ فَمن أَرَادَ فَليُرَاجع ذَلِك فِي الْمُهِمَّات وَقَلِيل من صَار لَهُ همة لذَلِك (وَتصرف) كل من (الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه) فِي مَاله (غير صَحِيح) أما الصَّبِي فَإِنَّهُ مسلوب الْعبارَة وَالْولَايَة إِلَّا مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 اسْتثْنى من عبَادَة مُمَيّز وَإِذن فِي دُخُول وإيصال هَدِيَّة من مُمَيّز مَأْذُون وَأما الْمَجْنُون فمسلوب الْعبارَة من عبَادَة وَغَيرهَا وَالْولَايَة من ولَايَة النِّكَاح وَغَيرهَا وَأما السَّفِيه فمسلوب الْعبارَة فِي التَّصَرُّف المالي كَبيع وَلَو بغبطة أَو بِإِذن الْوَلِيّ وَيصِح إِقْرَاره بِمُوجب عُقُوبَة كَحَد وقود وَتَصِح عِبَادَته بدنية كَانَت أَو مَالِيَّة وَاجِبَة لَكِن لَا يدْفع المَال من زَكَاة وَغَيرهَا بِلَا إِذن من وليه وَلَا تعْيين مِنْهُ للمدفوع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ تصرف مَالِي أما الْمَالِيَّة المندوبة كصدقة التَّطَوُّع فَلَا تصح مِنْهُ فَإِن زَالَ الْمَانِع بِالْبُلُوغِ والإفاقة والرشد صَحَّ التَّصَرُّف من حِينَئِذٍ وَالْبُلُوغ يحصل إِمَّا بِكَمَال خمس عشرَة سنة قمرية تحديدية وابتداؤها من انْفِصَال جَمِيع الْوَلَد أَو بإمناء لآيَة {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم} والحلم الِاحْتِلَام وَهُوَ لُغَة مَا يرَاهُ النَّائِم وَالْمرَاد بِهِ هُنَا خُرُوج الْمَنِيّ فِي نوم أَو يقظة بجماع أَو غَيره وَوقت إِمْكَان الإمناء كَمَال تسع سِنِين قمرية بالاستقراء وَهِي تحديدية بِخِلَاف الْحيض فَإِن السنين فِيهِ تقريبية أَو حيض فِي حق أُنْثَى بِالْإِجْمَاع وَأما حبلها فعلامة على بُلُوغهَا بالإمناء فَلَيْسَ بلوغا لِأَنَّهُ مَسْبُوق بالإنزال فَيحكم بعد الْوَضع بِالْبُلُوغِ قبله بِسِتَّة أشهر وَشَيْء والرشد يحصل ابْتِدَاء بصلاح دين وَمَال حَتَّى من كَافِر كَمَا فسر بِهِ آيَة {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} بِأَن لَا يفعل فِي الأول محرما يبطل الْعَدَالَة من كَبِيرَة أَو إِصْرَار على صَغِيرَة وَلم تغلب طَاعَته على مَعَاصيه ويختبر رشد الصَّبِي فِي الدّين وَالْمَال ليعرف رشده وَعدم رشده قبل بُلُوغه لآيَة {وابتلوا الْيَتَامَى} واليتيم إِنَّمَا يَقع على غير الْبَالِغ فَوق مرّة بِحَيْثُ يظنّ رشده فَلَا تَكْفِي الْمرة لِأَنَّهُ قد يُصِيب فِيهَا اتِّفَاقًا أما فِي الدّين فبمشاهدة حَاله فِي الْعِبَادَات بقيامه بالواجبات واجتنابه الْمَحْظُورَات والشبهات وَأما فِي المَال فيختلف بمراتب النَّاس فيختبر ولد تَاجر بمشاحة فِي مُعَاملَة وَيسلم لَهُ المَال ليشاحح لَا ليعقد ثمَّ إِن أُرِيد العقد عقد وليه ويختبر ولد زارع بزراعة وَنَفَقَة عَلَيْهَا بِأَن ينْفق على القوام بمصالح الزَّرْع وَالْمَرْأَة بِأَمْر غزل وصون نَحْو أَطْعِمَة من نَحْو هرة فَلَو فسق بعد بُلُوغه رشيدا فَلَا حجر عَلَيْهِ أَو بذر بعد ذَلِك حجر عَلَيْهِ القَاضِي لَا غَيره وَهُوَ وليه أَو جن بعد ذَلِك فَوَلِيه وليه فِي الصغر وَولي الصَّغِير أَب فَأَبُو أَب وَإِن علا كولي النِّكَاح فوصي فقاض ويتصرف بمصلحة وَلَو كَانَ تصرفه بِأَجل بِحَسب الْعرف وبعرض وَأخذ شُفْعَة وَيشْهد حتما فِي بَيْعه لأجل ويرتهن بِالثّمن رهنا وافيا وَيَبْنِي عقاره بطين وآجر وَلَا يَبِيعهُ إِلَّا لحَاجَة كَنَفَقَة أَو غِبْطَة بِأَن يرغب فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن مثله وَهُوَ يجد مثله بِبَعْض ذَلِك الثّمن أَو خيرا مِنْهُ بكله ويزكي مَاله ويمونه بِالْمَعْرُوفِ فَإِن ادّعى بعد كَمَاله بيعا بِلَا مصلحَة على وَصِيّ أَو أَمِين حلف الْمُدَّعِي أَو ادّعى ذَلِك على أَب أَو أَبِيه حلفا لِأَنَّهُمَا غير متهمين بِخِلَاف الْوَصِيّ والأمين أما القَاضِي فَيقبل قَوْله بِلَا تَحْلِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 (وَتصرف الْمُفلس) بعد ضرب الْحجر عَلَيْهِ فِي مَاله (يَصح) فِيمَا يُثبتهُ (فِي ذمَّته) كَأَن بَاعَ سلما طَعَاما أَو غَيره أَو اشْترى شَيْئا بِثمن فِي ذمَّته أَو بَاعَ فِيهَا لَا بِلَفْظ الثّمن أَو اقْترض أَو اسْتَأْجر صَحَّ وَثَبت الْمَبِيع وَالثمن وَنَحْوهمَا فِي ذمَّته إِذْ لَا ضَرَر على الْغُرَمَاء فِيهِ (دون) تصرفه فِي شَيْء من (أَعْيَان مَاله) المفوت فِي الْحَيَاة بالإنشاء مُبْتَدأ كَأَن بَاعَ أَو اشْترى بِالْعينِ أَو أعتق أَو أجر أَو وقف فَلَا يَصح لتَعلق حق الْغُرَمَاء بِهِ كالمرهون وَلِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ بِحكم الْحَاكِم فَلَا يَصح تصرفه على مراغمة مَقْصُود الْحجر كالسفيه وَخرج بِقَيْد الْحَيَاة مَا يتَعَلَّق بِمَا بعد الْمَوْت وَهُوَ التَّدْبِير وَالْوَصِيَّة فَيصح مِنْهُ وبقيد الْإِنْشَاء الْإِقْرَار فَلَو أقرّ بِعَين أَو دين وَجب قبل الْحجر قبل فِي حق الْغُرَمَاء وَإِن أسْند وُجُوبه إِلَى مَا بعد الْحجر بمعاملة أَو لم يُقَيِّدهُ بمعاملة وَلَا غَيرهَا لم يقبل فِي حَقهم وَإِن قَالَ عَن جِنَايَة بعد الْحجر قبل فيزاحمهم الْمَجْنِي عَلَيْهِ لعدم تَقْصِيره وبقيد مُبْتَدأ رد مَا كَانَ اشْتَرَاهُ قبل الْحجر ثمَّ اطلع على عيب فِيهِ بعد الْحجر إِن كَانَت الْغِبْطَة فِي الرَّد وَيصِح نِكَاحه وطلاقه وخلعه زَوجته واستيفاؤه الْقصاص وإسقاطه الْقصاص وَلَو مجَّانا إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مَال وَيصِح استلحاقه النّسَب ونفيه بِاللّعانِ (وَتصرف الْمَرِيض) الْمُتَّصِل مَرضه بِالْمَوْتِ (فِيمَا زَاد على الثُّلُث) من مَاله (مَوْقُوف) تنفيذه (على إجَازَة) جَمِيع (الْوَرَثَة) بالقيود الْآتِي بَيَانهَا فِي الْوَصِيَّة (من بعده) أَي بعد مَوته لَا قبله وَلَو حذف لَفْظَة من لَكَانَ أخصر (وَتصرف العَبْد) أَي الرَّقِيق قَالَ ابْن حزم لفظ العَبْد يَشْمَل الْأمة فَكَأَنَّهُ قَالَ الرَّقِيق الَّذِي يَصح تصرفه لنَفسِهِ لَو كَانَ حرا يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَا لَا ينفذ وَإِن أذن فِيهِ السَّيِّد كالولايات والشهادات وَمَا ينفذ بِغَيْر إِذْنه كالعبادات وَالطَّلَاق وَمَا يتَوَقَّف على إِذن كَالْبيع وَالْإِجَارَة فَإِن لم يُؤذن لَهُ بِالتِّجَارَة لم يَصح شِرَاؤُهُ بِغَيْر إِذن سَيّده لِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ لحق سَيّده كَمَا مر فيسترده البَائِع سَوَاء أَكَانَ فِي يَد العَبْد أم فِي يَد سَيّده فَإِن تلف فِي يَد العَبْد فَإِنَّهُ (يكون فِي ذمَّته يتبع بِهِ بعد عتقه) لثُبُوته بِرِضا مَالِكه وَلم يَأْذَن فِيهِ السَّيِّد وَالضَّابِط فِيمَا يتلفه العَبْد أَو يتْلف تَحت يَده إِن لزم بِغَيْر رضَا مُسْتَحقّه كإتلاف أَو تلف بِغَصب تعلق الضَّمَان بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَإِن لزم بِرِضا مُسْتَحقَّة كَمَا فِي الْمُعَامَلَات فَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن السَّيِّد تعلق بِذِمَّتِهِ يتبع بِهِ بعد عتقه سَوَاء رَآهُ السَّيِّد فِي يَد العَبْد أم لَا أَو بِإِذْنِهِ تعلق بِذِمَّتِهِ وَكَسبه وَمَال تِجَارَته وَإِن تلف فِي يَد السَّيِّد كَانَ للْبَائِع تضمين السَّيِّد لوضع يَده عَلَيْهِ وَله مُطَالبَة العَبْد أَيْضا بعد الْعتْق لتَعَلُّقه بِذِمَّتِهِ لَا قبله لِأَنَّهُ مُعسر وَإِن أذن لَهُ سَيّده فِي التِّجَارَة تصرف بِالْإِجْمَاع بِحَسب الْإِذْن لِأَنَّهُ تصرف مُسْتَفَاد من الْإِذْن فاقتصر على الْمَأْذُون فِيهِ فَإِن أذن لَهُ فِي نوع لم يتجاوزه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 كَالْوَكِيلِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَة النِّكَاح وَلَا يُؤجر نَفسه وَلَا يتَبَرَّع لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل التَّبَرُّع وَلَا يُعَامل سَيّده وَلَا رَقِيقه الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة بِبيع وَشِرَاء وَغَيرهمَا لِأَن تصرفه للسَّيِّد وَيَد رَقِيق السَّيِّد كالسيد بِخِلَاف الْمكَاتب وَلَا يتَمَكَّن من عزل نَفسه وَلَا يصير مَأْذُونا لَهُ بسكوت سَيّده وَيقبل إِقْرَاره بديون الْمُعَامَلَة وَمن عرف رق شخص لم يجز لَهُ مُعَامَلَته حَتَّى يعلم الْإِذْن لَهُ بِسَمَاع سَيّده أَو بِبَيِّنَة أَو شيوع بَين النَّاس وَلَا يَكْفِي قَول العَبْد أَنا مَأْذُون لي لِأَنَّهُ مُتَّهم وَلَا يملك العَبْد بِتَمْلِيك العَبْد سَيّده وَلَا بِتَمْلِيك غَيره لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك لِأَنَّهُ مَمْلُوك فَأشبه الْبَهِيمَة فصل فِي الصُّلْح وَمَا يذكر من إشراع الروشن فِي الطَّرِيق وَالصُّلْح لُغَة قطع النزاع وَشرعا عقد يحصل بِهِ ذَلِك وَهُوَ أَنْوَاع صلح بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وَبَين الإِمَام والبغاة وَبَين الزَّوْجَيْنِ عِنْد الشقاق وَصلح فِي الْمُعَامَلَات وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْح خير} وَخبر الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَلَفظه يتَعَدَّى للمتروك بِمن وَعَن وللمأخوذ بعلى وَالْبَاء غَالِبا وَهُوَ قِسْمَانِ صلح على إِقْرَار وَصلح على إِنْكَار وَقد بَدَأَ بالقسم الأل فَقَالَ (وَيصِح الصُّلْح مَعَ الْإِقْرَار فِي الْأَمْوَال) الثَّابِتَة فِي الذِّمَّة فَلَا يَصح على غير إِقْرَار من إِنْكَار أَو سكُوت كَمَا قَالَه فِي الْمطلب عَن سليم الرَّازِيّ وَغَيره كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا فَأنْكر أَو سكت ثمَّ تصالحا عَلَيْهَا أَو على بَعْضهَا أَو على غير ذَلِك كَثوب أَو دين لِأَنَّهُ فِي الصُّلْح على غير الْمُدَّعِي بِهِ صلح محرم للْحَلَال إِن كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقا لتَحْرِيم الْمُدَّعِي بِهِ أَو بعضه عَلَيْهِ أَو مُحَلل لحرام إِن كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا بِأَخْذِهِ مَا لَا يسْتَحقّهُ وَيلْحق بذلك الصُّلْح على الْمُدعى بِهِ أَو بعضه فَقَوْل الْمِنْهَاج إِن جري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 على نفس الْمُدعى بِهِ صَحِيح وَإِن لم يكن فِي الْمُحَرر وَلَا غَيره من كتب الشَّيْخَيْنِ وَالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيم لِأَن على وَالْبَاء يدخلَانِ على الْمَأْخُوذ وَمن وَعَن على الْمَتْرُوك مَرْدُود بِأَن ذَلِك جري على الْغَالِب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَبِأَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور مَأْخُوذ ومتروك باعتبارين غَايَته أَن إِلْغَاء الصُّلْح فِي ذَلِك للإنكار ولفساد الصِّيغَة باتحاد الْعِوَضَيْنِ وَقَوله صالحني عَمَّا تدعيه لَيْسَ إِقْرَارا لِأَنَّهُ قد يُرِيد بِهِ قطع الْخُصُومَة وَيسْتَثْنى من بطلَان الصُّلْح على الْإِنْكَار مسَائِل مِنْهَا اصْطِلَاح الْوَرَثَة فِيمَا وقف بَينهم إِذا لم يبْذل أحدهم عوضا من خَالص ملكه وَمِنْهَا مَا إِذا أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة وَمَات قبل الِاخْتِيَار أَو طلق إِحْدَى زوجتيه وَمَات قبل الْبَيَان أَو التَّعْيِين ووقف الْمِيرَاث بَينهُنَّ فاصطلحن وَمِنْهَا مَا لَو تداعيا وَدِيعَة عِنْد رجل فَقَالَ لَا أعلم لأيكما هِيَ أَو دَارا فِي يدهما وَأقَام كل بَيِّنَة ثمَّ اصطلحا وَإِذا تصالحا ثمَّ اخْتلفَا فِي أَنَّهُمَا تصالحا على إِقْرَار أَو إِنْكَار فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن القَوْل قَول مدعي الْإِنْكَار لِأَن الأَصْل أَن لَا عقد وَلَو أُقِيمَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بعد الْإِنْكَار جَازَ الصُّلْح كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن لُزُوم الْحق بِالْبَيِّنَةِ كلزومه بِالْإِقْرَارِ وَلَو أقرّ ثمَّ أنكر جَازَ الصُّلْح وَلَو أنكر فصولح ثمَّ أقرّ كَانَ الصُّلْح بَاطِلا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (و) يَصح الصُّلْح أَيْضا فِي كل (مَا يُفْضِي) أَي يؤول (إِلَيْهَا) أَي الْأَمْوَال كالعفو عَن الْقصاص كمن ثَبت لَهُ على شخص قصاص فَصَالحه عَلَيْهِ على مَال بِلَفْظ الصُّلْح كصالحتك من كَذَا على مَا تستحقه عَليّ من قصاص فَإِنَّهُ يَصح أَو بِلَفْظ البيع فَلَا القَوْل فِي أَنْوَاع الصُّلْح (وَهُوَ) أَي الصُّلْح ضَرْبَان صلح عَن دين وَصلح عَن عين وكل مِنْهُمَا (نَوْعَانِ) فَالْأول من نَوْعي الدّين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (إِبْرَاء) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه وَالثَّانِي من نَوْعي الدّين وَتَركه المُصَنّف اختصارا مُعَاوضَة وَهُوَ الْجَارِي على غير الْعين المدعاة فَإِن صَالح عَن بعض أَمْوَال الرِّبَا على مَا يُوَافقهُ فِي الْعلَّة اشْترط قبض الْعِوَض فِي الْمجْلس وَلَا يشْتَرط تَعْيِينه فِي نفس الصُّلْح على الْأَصَح وَإِن لم يكن العوضان ربوبين فَإِن كَانَ الْعِوَض عينا صَحَّ الصُّلْح وَإِن لم يقبض فِي الْمجْلس وَإِن كَانَ دينا صَحَّ على الْأَصَح وَيشْتَرط تَعْيِينه فِي الْمجْلس وَالنَّوْع الأول من نَوْعي الْعين وَتَركه المُصَنّف اختصارا صلح الحطيطة وَهُوَ الْجَارِي على بعض الْعين المدعاة كمن صَالح من دَار على بَعْضهَا أَو من ثَوْبَيْنِ على أَحدهمَا وَهَذَا هبة لبَعض الْعين المدعاة لمن هُوَ فِي يَده فَيشْتَرط لصِحَّته الْقبُول ومضي مُدَّة إِمْكَان الْقَبْض وَيصِح فِي الْبَعْض الْمَتْرُوك بِلَفْظ الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وشبههما وَكَذَا بِلَفْظ الصُّلْح على الْأَصَح كصالحتك من الدَّار على ربعهَا وَلَا يَصح بِلَفْظ البيع لعدم الثّمن (و) الثَّانِي من نَوْعي الْعين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (مُعَاوضَة) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه القَوْل فِي صلح الْإِبْرَاء (فالإبراء) الَّذِي هُوَ النَّوْع الأول من نَوْعي الدّين (اقْتِصَاره من حَقه) من الدّين الْمُدعى بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 (على بعضه) وَيُسمى صلح الحطيطة وَيصِح بِلَفْظ الْإِبْرَاء والحط وَنَحْوهمَا كالوضع والإسقاط لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن كَعْب بن مَالك طلب من عبد الله بن أبي حَدْرَد رَضِي الله عَنْهُمَا دينا لَهُ عَلَيْهِ فارتفعت أصواتهما فِي الْمَسْجِد حَتَّى سمعهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج إِلَيْهِمَا ونادى يَا كَعْب فَقَالَ لبيْك يَا رَسُول الله فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن ضع الشّطْر فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُم فاقضه وَإِذا جرى ذَلِك بِصِيغَة الْإِبْرَاء كأبرأتك من خَمْسمِائَة من الْألف الَّذِي لي عَلَيْك أَو نَحْوهَا مِمَّا تقدم كوضعتها أَو أسقطتها عَنْك لَا يشْتَرط الْقبُول على الْمَذْهَب سَوَاء أقلنا الْإِبْرَاء إِسْقَاط أم تمْلِيك وَكَونه إِسْقَاطًا وتمليكا اخْتِلَاف تَرْجِيح أوضحته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره وَيصِح بِلَفْظ الصُّلْح فِي الْأَصَح كصالحتك عَن الْألف الَّذِي لي عَلَيْك على خَمْسمِائَة وَهل يشْتَرط الْقبُول فِي هَذِه الْحَالة فِيهِ خلاف مدركه مُرَاعَاة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى وَالأَصَح مَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطه وَلَا يَصح هُنَا الصُّلْح بِلَفْظ البيع كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْح عَن الْعين (وَلَا يجوز) أَي وَلَا يَصح (فعله) أَي تَعْلِيق الصُّلْح بِمَعْنى الْإِبْرَاء (على شَرط) كَقَوْلِه إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد صالحتك القَوْل فِي صلح الْمُعَاوضَة (والمعاوضة) الَّذِي هُوَ النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الْعين (عدوله عَن حَقه) الْمُدعى بِهِ (إِلَى غَيره) كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَو شِقْصا مِنْهَا فَأقر لَهُ بذلك وَصَالَحَهُ مِنْهُ على ثوب أَو نَحْو ذَلِك كَعبد صَحَّ (وَيجْرِي عَلَيْهِ) أَي عى هَذَا الصُّلْح (حكم البيع) من الرَّد بِعَيْب وَثُبُوت الشُّفْعَة وَمنع تصرفه فِي الْمصَالح عَلَيْهِ قبل قَبضه وفساده بالغرر والجهالة والشروط الْفَاسِدَة إِلَى غير ذَلِك سَوَاء أعقد بِلَفْظ الصُّلْح أم بِغَيْرِهِ لِأَن حد البيع يصدق على ذَلِك وَلَو صَالح من الْعين على دين فَإِن كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة فَهُوَ بيع أَيْضا وَإِن كَانَ عبدا أَو ثوبا مثلا مَوْصُوفا بِصفة السّلم فَهُوَ سلم تثبت فِيهِ أَحْكَامه وَإِن صَالح من الْعين المدعاة على منفعَته لغير الْعين المدعاة كخدمة عبد مُدَّة مَعْلُومَة فإجارة تثبت أَحْكَام الْإِجَارَة فِي ذَلِك لِأَن حد الْإِجَارَة صَادِق عَلَيْهِ فَإِن صَالح على مَنْفَعَة الْعين فَهُوَ عَارِية تثبت أَحْكَام الْعَارِية فِيهَا فَإِن عين مُدَّة فإعارة مُؤَقَّتَة وَإِلَّا فمطلقة وَلَو قَالَ صالحني عَن دَارك مثلا بِكَذَا من غير سبق خُصُومَة فَأَجَابَهُ فَالْأَصَحّ بُطْلَانه لِأَن لفظ الصُّلْح يَسْتَدْعِي سبق الْخُصُومَة سَوَاء كَانَت عِنْد حَاكم أم لَا تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن أَقسَام الصُّلْح سَبْعَة البيع وَالْإِجَارَة وَالْعَارِية وَالْهِبَة وَالسّلم وَالْإِبْرَاء والمعاوضة من دم الْعمد وَبَقِي مِنْهَا أَشْيَاء أخر مِنْهَا الْخلْع كصالحتك من كَذَا على أَن تُطَلِّقنِي طَلْقَة وَمِنْهَا الْجعَالَة كصالحتك من كَذَا على رد عَبدِي وَمِنْهَا الْفِدَاء كَقَوْلِه لحربي صالحتك من كَذَا على إِطْلَاق هَذَا الْأَسير وَمِنْهَا الْفَسْخ كَأَن صَالح من الْمُسلم فِيهِ على رَأس المَال تَتِمَّة لَو صَالح من دين حَال على مُؤَجل مثله أَو صَالح من مُؤَجل على حَال مثله لَغَا الصُّلْح لِأَنَّهُ وعد فِي الأولى من الدَّائِن بإلحاق الْأَجَل وَصفَة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها وَفِي الثَّانِيَة وعد من الْمَدْيُون بِإِسْقَاط الْأَجَل وَهُوَ لَا يسْقط فَلَو صَالح من عشرَة حَالَة على خَمْسَة مُؤَجّلَة برىء من خَمْسَة وَبَقِي خَمْسَة حَالَة لِأَنَّهُ سامح بحط الْبَعْض ووعد بتأجيل الْبَاقِي والوعد لَا يلْزم والحط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 صَحِيح وَلَو عكس بِأَن صَالح من عشرَة مُؤَجّلَة على خَمْسَة حَالَة لَغَا الصُّلْح لِأَن صفة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها والخمسة الْأُخْرَى إِنَّمَا تَركهَا فِي مُقَابلَة ذَلِك فَإِذا لم يحصل الْحُلُول لَا يَصح التّرْك القَوْل فِي الروشن وَحكمه (وَيجوز للْإنْسَان أَن يشرع) بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه أَي يخرج (روشنا) أَي جنَاحا وَهُوَ الْخَارِج من نَحْو الْخشب وساباطا وَهُوَ السَّقِيفَة على حائطين وَالطَّرِيق بَينهمَا (فِي طَرِيق نَافِذ) ويعبر عَنهُ بالشارع وَقيل بَينه وَبَين الطَّرِيق اجْتِمَاع وافتراق لِأَنَّهُ يخْتَص بالبنيان وَلَا يكون إِلَّا نَافِذا وَالطَّرِيق يكون ببنيان أَو صحراء نَافِذا أَو غير نَافِذ وَيذكر وَيُؤَنث (بخيث لَا يضر) كل من الْجنَاح والساباط (الْمَارَّة) فِي مرورهم فِيهِ فَيشْتَرط ارْتِفَاع كل مِنْهُمَا بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمَاشِي منتصبا من غير احْتِيَاج إِلَى أَن يطأطىء رَأسه لِأَن مَا يمْنَع ذَلِك إِضْرَار حَقِيقِيّ وَيشْتَرط مَعَ هَذَا أَن يكون على رَأسه الحمولة الْعَالِيَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ ممر الفرسان والقوافل فيرفع ذَلِك بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمحمل على الْبَعِير مَعَ أخشاب المظلة لِأَن ذَلِك قد يتَّفق وَإِن كَانَ نَادرا وَالْأَصْل فِي جَوَاز ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب بِيَدِهِ الشَّرِيفَة ميزابا فِي دَار عَمه الْعَبَّاس رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ إِن الْمِيزَاب كَانَ شَارِعا لمسجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن فعل مَا منع مِنْهُ أزيل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام والمزيل لَهُ الْحَاكِم لَا كل أحد لَهُ لما فِيهِ من توقع الْفِتْنَة لَكِن لكل أحد مُطَالبَته بإزالته لِأَنَّهُ من إِزَالَة الْمُنكر تَنْبِيه مَا ذكر من جَوَاز إِخْرَاج الْجنَاح غير المضر هُوَ فِي الْمُسلم أما الْكَافِر فَلَيْسَ لَهُ الإشراع إِلَى شوارع الْمُسلمين وَإِن جَازَ استطراقه لِأَنَّهُ كإعلاء الْبناء على الْمُسلم فِي الْمَنْع وَيمْنَعُونَ أَيْضا من آبار حشوشهم فِي أفنية دُورهمْ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن لَا يمنعوا من إِخْرَاج الْجنَاح وَلَا من حفر آبار حشوشهم فِي محالهم وشوارعهم المختصة بهم فِي دَار الْإِسْلَام كَمَا فِي رفع الْبناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وَهُوَ بحث حسن وَحكم الشَّارِع الْمَوْقُوف حكم غَيره فِيمَا مر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الشَّيْخَيْنِ وَالطَّرِيق مَا جعل عِنْد إحْيَاء الْبَلَد أَو قبله طَرِيقا أَو وَقفه الْمَالِك وَلَو بِغَيْر إحْيَاء كَذَلِك وَصرح فِي الرَّوْضَة نقلا عَن الإِمَام بِأَنَّهُ لَا حَاجَة فِي ذَلِك إِلَى لفظ قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَمحله فِيمَا عدا ملكه أما فِيهِ فَلَا بُد من لفظ يصير بِهِ وَقفا على قَاعِدَة الْأَوْقَاف انْتهى وَهَذَا ظَاهر وَحَيْثُ وجدنَا طَرِيقا اعتمدنا فِيهِ الظَّاهِر وَلَا يلْتَفت إِلَى مبدأ جعله طَرِيقا فَإِن اخْتلفُوا عِنْد الْإِحْيَاء فِي تَقْدِيره قَالَ النَّوَوِيّ جعل سَبْعَة أَذْرع لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الطَّرِيق أَن يَجْعَل عرضه سَبْعَة أَذْرع وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اعْتِبَار قدر الْحَاجة والْحَدِيث مَحْمُول عَلَيْهِ اه وَهَذَا ظَاهر فَإِن كَانَ أَكثر من سَبْعَة أَذْرع أَو من قدر الْحَاجة على مَا مر لم يجز لأحد أَن يستولي على شَيْء مِنْهُ وَإِن قل وَيجوز إحْيَاء مَا حوله من الْموَات بِحَيْثُ لَا يضر بالمار وَأما إِذا كَانَت الطَّرِيق مَمْلُوكَة يسبلها مَالِكهَا فتقديرها إِلَى خيرته وَالْأَفْضَل لَهُ توسيعها وَيحرم الصُّلْح على إشراع الْجنَاح أَو الساباط بعوض وَإِن صَالح عَلَيْهِ الإِمَام لِأَن الْهَوَاء لَا يفرد بِالْعقدِ وَيحرم أَن يبْنى فِي الطَّرِيق دكة أَو غَيرهَا أَو يغْرس فِيهَا شَجَرَة وَلَو اتَّسع الطَّرِيق وَأذن الإِمَام وانتفى الضَّرَر لمنع الطروق فِي ذَلِك الْمحل ولتعثر الْمَار بهما عِنْد الازدحام وَلِأَنَّهُ إِذا طَالَتْ الْمدَّة أشبه موضعهَا الْأَمْلَاك وَانْقطع أثر اسْتِحْقَاق الطَّرِيق فِيهِ بِخِلَاف الأجنحة وَنَحْوهَا القَوْل فِي الروشن وَفتح الْبَاب فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك (وَلَا يجوز) إِخْرَاج روشن (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) وَهُوَ غير النَّافِذ الْخَالِي عَن نَحْو مَسْجِد كرباط وبئر موقوفين على جِهَة عَامَّة لغير أَهله ولبعضهم (إِلَّا بِإِذن من الشُّرَكَاء) كلهم فِي الأولى وَمن باقيهم مِمَّن بَابه أبعد عَن رَأسه من مَحل الْمخْرج أَو مُقَابِله فِي الثَّانِيَة فَلَو أَرَادوا الرُّجُوع بعد الْإِخْرَاج بِالْإِذْنِ قَالَ فِي الْمطلب فَيُشبه منع قلعه لِأَنَّهُ وضع بِحَق وَمنع إبقائه بِأُجْرَة لِأَن الْهَوَاء لَا أُجْرَة لَهُ وَيعْتَبر إِذن الْمُكْتَرِي إِن تضرر كَمَا فِي الْكِفَايَة وَأهل غير النَّافِذ من نفذ بَابه إِلَيْهِ لَا من لاصق جِدَاره من غير نُفُوذ بَاب إِلَيْهِ وتختص شركَة كل مِنْهُم بِمَا بَين بَابه وَرَأس غير النَّافِذ لِأَنَّهُ مَحل تردده (وَيجوز) لمن لَهُ بَاب (تَقْدِيم الْبَاب) بِغَيْر إِذن بَقِيَّة الشُّرَكَاء (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) إِذا سد الْبَاب الْقَدِيم لِأَنَّهُ ترك بعض حَقه فَإِن لم يسده فلشركائه مَنعه لِأَن انضمام الثَّانِي إِلَى الأول يُورث زحمة ووقوف الدَّوَابّ فِي الدَّرْب فيتضررون بِهِ وَلَو كَانَ بَابه آخر الدَّرْب فَأَرَادَ تَقْدِيمه وَجعل الْبَاقِي دهليزا لداره جَازَ (وَلَا يجوز) لمن لَهُ بَاب فِي رَأس الدَّرْب الْمُشْتَرك (تَأْخِيره) أَي الْبَاب الْجَدِيد إِلَى أَسْفَل الدَّرْب سَوَاء أقرب من الْقَدِيم أم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 بعد عَنهُ وَسَوَاء أَسد الأول أم لَا (إِلَّا بِإِذن) مِمَّن تَأَخّر بَاب دَاره (من الشُّرَكَاء) عَن بَاب دَار المريد لذَلِك لِأَن الْحق فِي زِيَادَة الاستطراق لمن تَأَخّر دَاره فَجَاز لَهُ إِسْقَاطه بِخِلَاف من بَابه بَين المفتوح وَرَأس الدَّرْب أَو مُقَابل للمفتوح كَمَا فِي الرَّوْضَة عَن الإِمَام أَي المفتوح الْقَدِيم كَمَا فهمه السُّبْكِيّ وَغَيره وَفهم البُلْقِينِيّ أَنه الْجَدِيد فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِأَن الْمُقَابل للمفتوح مشارك فِي الْقدر المفتوح فِيهِ فَلهُ الْمَنْع وَخرج بالخالي عَن نَحْو مَسْجِد مَا لَو كَانَ بِهِ ذَلِك فَلَا يجوز الْإِخْرَاج بقيده السَّابِق عِنْد الْإِضْرَار وَإِن أذن الْبَاقُونَ وَلَا يَصح الصُّلْح بِمَال على إِخْرَاج جنَاح أَو فتح بَاب لِأَن الْحق فِي الاستطراق لجَمِيع الْمُسلمين تَتِمَّة يجوز لمن لاصق جِدَاره الدَّرْب الْمُفْسد أَن يفتح فِيهِ بَابا لاستضاءة وَغَيرهَا سَوَاء أسمره أم لَا لِأَن لَهُ رفع الْجِدَار فبعضه أولى لَا فَتحه لتطرق بِغَيْر إذْنهمْ لتضررهم بمرور الفاتح أَو بمرورهم عَلَيْهِ وَلَهُم بعد الْفَتْح بإذنهم الرُّجُوع مَتى شاؤوا وَلَا غرم عَلَيْهِم وللمالك فتح الطاقات لاستضاءة وغرها بل لَهُ إِزَالَة بعض الْجِدَار وَجعل شباك مَكَانَهُ وَفتح بَاب بَين داريه وَإِن كَانَتَا تفتحان إِلَى دربين أَو درب وشارع لِأَنَّهُ تصرف مصادف للْملك فَهُوَ كَمَا لَو أَزَال الْحَائِط بَينهمَا وجعلهما دَارا وَاحِدَة وَترك بابيهما بحالهما وَلَو تنَازعا جدارا أَو سقفا بَين ملكيهما فَإِن علم أَنه بنى مَعَ بِنَاء أَحدهمَا فَلهُ الْيَد لظُهُور أَمارَة الْملك بذلك وَإِن لم يعلم ذَلِك فَلَهُمَا الْيَد لعدم الْمُرَجح فَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه لَهُ أَو حلف وَنكل الآخر قضى لَهُ بِهِ وَإِلَّا جعل بَينهمَا لظَاهِر الْيَد فينتفع بِهِ كل مِمَّا يَلِيهِ فصل فِي الْحِوَالَة وَهِي بِفَتْح الْحَاء أفْصح من كسرهَا لُغَة التَّحَوُّل والانتقال وَشرعا عقد يَقْتَضِي نقل دين من ذمَّة إِلَى ذمَّة أُخْرَى وَتطلق على انْتِقَاله من ذمَّة إِلَى أُخْرَى وَالْأول هُوَ غَالب اسْتِعْمَال الْفُقَهَاء وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ بِإِسْكَان التَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَي فَليَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيّ وَيسن قبُولهَا على مَلِيء لهَذَا الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَصَرفه عَن الْوُجُوب الْقيَاس على سَائِر الْمُعَاوَضَات وَيعْتَبر فِي الِاسْتِحْبَاب كَمَا بَحثه الْأَذْرَعِيّ أَن يكون المليء وفيا وَلَا شُبْهَة فِي مَاله وَالأَصَح أَنَّهَا بيع دين بدين جوز للْحَاجة وَلِهَذَا لم يعْتَبر التَّقَابُض فِي الْمجْلس وَإِن كَانَ الدينان ربوبيين القَوْل فِي أَرْكَان الْحِوَالَة وأركانها سِتَّة محيل ومحتال ومحال عَلَيْهِ وَدين للمحتال على الْمُحِيل وَدين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ وَصِيغَة وَكلهَا تُؤْخَذ مِمَّا يَأْتِي وَإِن سمي بَعْضهَا شرطا كَمَا قَالَ (وشرائط) صِحَة (الْحِوَالَة أَرْبَعَة) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (رضَا الْمُحِيل) (و) الثَّانِي (قبُول الْمُحْتَال) لِأَن للْمُحِيل إِيفَاء الْحق من حَيْثُ شَاءَ فَلَا يلْزم بِجِهَة وَحقّ الْمُحْتَال فِي ذمَّة الْمُحِيل فَلَا ينْتَقل إِلَّا بِرِضَاهُ لِأَن الذمم تَتَفَاوَت وَالْأَمر الْوَارِد للنَّدْب كَمَا مر تَنْبِيه إِنَّمَا عبر بِالْقبُولِ المستدعي للْإِيجَاب لإِفَادَة أَنه لَا بُد من إِيجَاب الْمُحِيل كَمَا فِي البيع وَهِي دقيقة حَسَنَة وَلَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحل الْحق وَالتَّصَرُّف كَالْعَبْدِ الْمَبِيع وَلِأَن الْحق للْمُحِيل فَلهُ أَن يَسْتَوْفِيه بِغَيْرِهِ كَمَا لَو وكل غَيره بِالِاسْتِيفَاءِ (و) الثَّالِث (كَون الْحق) أَي الدّين الْمحَال بِهِ وَعَلِيهِ لَازِما وَهُوَ مَا لَا خِيَار فِيهِ وَلَا بُد أَن يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ كَالثّمنِ بعد زمن الْخِيَار وَإِن لم يكن (مُسْتَقرًّا فِي الذِّمَّة) كالصداق قبل الدُّخُول وَالْمَوْت وَالْأُجْرَة قبل مُضِيّ الْمدَّة وَالثمن قبل قبض الْمَبِيع بِأَن يحِيل بِهِ المُشْتَرِي البَائِع على ثَالِث وَعَلِيهِ كَذَلِك بِأَن يحِيل البَائِع غَيره على المُشْتَرِي سَوَاء اتّفق الدينان فِيهِ بِسَبَب الْوُجُوب أم اخْتلفَا كَأَن كَانَ أَحدهمَا ثمنا وَالْآخر أُجْرَة أَو قرضا فَلَا تصح بِالْعينِ لما مر أَنَّهَا بيع دين بدين وَلَا بِمَا لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ كَدين السّلم فَلَا تصح الْحِوَالَة بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَازِما وَلَا تصح الْحِوَالَة للساعي وَلَا للْمُسْتَحقّ بِالزَّكَاةِ مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكسه وَإِن تلف الذّهاب بعد التَّمَكُّن لِامْتِنَاع الِاعْتِيَاض عَنْهَا وَتَصِح على الْمَيِّت لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صحت عَلَيْهِ مَعَ خراب ذمَّته لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للمستقبل أَي لم تقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ذمَّته شَيْئا بعد مَوته وَإِلَّا فذمته مَرْهُونَة بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين أَن يكون لَهُ تَرِكَة أَو لَا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ فِي الثَّانِي خلاف وَلَا تصح على التَّرِكَة لعدم الشَّخْص الْمحَال عَلَيْهِ وَتَصِح بِالدّينِ الْمثْلِيّ كالنقود والحبوب وبالمتقوم كالعبيد وَالثيَاب وبالثمن فِي زمن الْخِيَار بِأَن يحِيل بِهِ المُشْتَرِي البَائِع على إِنْسَان وَعَلِيهِ بِأَن يحِيل البَائِع إنْسَانا على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم بِنَفسِهِ وَالْجَوَاز عَارض فِيهِ وَيبْطل الْخِيَار بالحوالة بِالثّمن لتراضي عاقديها وَلِأَن مقتضاها اللُّزُوم فَلَو بَقِي الْخِيَار فَاتَ مقتضاها وَفِي الْحِوَالَة عَلَيْهِ يبطل فِي حق البَائِع لرضاه بهَا لَا فِي حق مُشْتَر لم يرض فَإِن رَضِي بهَا بَطل فِي حَقه أَيْضا فِي أحد وَجْهَيْن رَجحه ابْن الْمقري وَهُوَ الْمُعْتَمد وَتَصِح حِوَالَة الْمكَاتب سَيّده بالنجوم لوُجُود اللُّزُوم من جِهَة السَّيِّد والمحال عَلَيْهِ فَيتم الْغَرَض مِنْهُمَا دون حِوَالَة السَّيِّد غَيره عَلَيْهِ بِمَال الْكِتَابَة فَلَا تصح لِأَن الْكِتَابَة جَائِزَة من جِهَة الْمكَاتب فَلَا يتَمَكَّن الْمُحْتَال من مُطَالبَته وإلزامه وَخرج بنجوم الْكِتَابَة وَلَو كَانَ للسَّيِّد على الْمكَاتب دين مُعَاملَة وأحال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصح كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة وَلَا نظر إِلَى سُقُوطه بالتعجيز لِأَن دين الْمُعَامَلَة لَازم فِي الْجُمْلَة وَلَا تصح بِجعْل الْجعَالَة وَلَا عَلَيْهِ قبل تَمام الْعَمَل وَلَو بعد الشُّرُوع فِيهِ لعدم ثُبُوت دينهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ بعد التَّمام (و) الرَّابِع (اتِّفَاق) أَي مُوَافقَة (مَا فِي ذمَّة الْمُحِيل) للمحتال من الدّين الْمحَال بِهِ (و) مَا فِي ذمَّة (الْمحَال عَلَيْهِ) للْمُحِيل من الدّين الْمحَال عَلَيْهِ (فِي الْجِنْس) فَلَا يَصح بالدارهم على الدَّنَانِير وَعَكسه وَفِي الْقدر فَلَا يَصح بِخَمْسَة على عشرَة وَعَكسه لِأَن الْحِوَالَة مُعَاوضَة إرفاق جوزت للْحَاجة فَاعْتبر فِيهَا الِاتِّفَاق فِيمَا ذكر كالقرض (و) فِي (النَّوْع والحلول والتأجيل) وَفِي قدر الْأَجَل وَفِي الصِّحَّة والتكسير إِلْحَاقًا لتَفَاوت الْوَصْف بتفاوت الْقدر تَنْبِيه أفهم كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يعْتَبر اتِّفَاقهمَا فِي الرَّهْن وَلَا فِي الضَّمَان وَهُوَ كَذَلِك بل لَو أحَال بدين أَو على دين بِهِ رهن أَو ضَامِن أَنْفك الرَّهْن وبرىء الضَّمَان لِأَن الْحِوَالَة كَالْقَبْضِ وَالْخَامِس الْعلم بِمَا يُحَال بِهِ وَعَلِيهِ قدرا وَصفَة بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبرَة فِي السّلم القَوْل فِي أثر عقد الْحِوَالَة الصَّحِيح (وتبرأ بهَا) أَي بالحوالة الصَّحِيحَة (ذمَّة الْمُحِيل) من دين الْمُحْتَال وَيسْقط دينه عَن الْمحَال عَلَيْهِ وَيلْزم دين محتال محالا عَلَيْهِ أَي يصير نَظِيره فِي ذمَّته فَإِن تعذر أَخذه مِنْهُ بفلس أَو غَيره كجحد للدّين أَو وَمَوْت لم يرجع على محيل كَمَا لَو أَخذ عوضا عَن الدّين وَتلف فِي يَده وَإِن شَرط يسَار الْمحَال عَلَيْهِ أَو جَهله فَإِنَّهُ لَا يرجع على الْمُحِيل كمن اشْترى شَيْئا وَهُوَ مغبون فِيهِ وَلَا عِبْرَة بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ مقصر بترك الفحص عَنهُ وَلَو شَرط الرُّجُوع عِنْد التَّعَذُّر بِشَيْء مِمَّا ذكر لم تصح الْحِوَالَة وَلَو شَرط الْعَاقِد فِي الْحِوَالَة راهنا أَو ضمينا هَل يَصح أَو لَا رجح ابْن الْمقري الأول وَصَاحب الْأَنْوَار الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 فِي عقدهَا خِيَار شَرط لِأَنَّهَا لم تبن على المعاينة وَلَا خِيَار مجْلِس فِي الْأَصَح وَإِن قُلْنَا مُعَاوضَة لِأَنَّهَا على خلاف الْقيَاس تَتِمَّة لَو فسخ بيع بِعَيْب أَو غَيره كإقالة وَقد أحَال مُشْتَر بَائِعا بثمر بطلت الْحِوَالَة لارْتِفَاع الثّمن بانفساخ البيع لَا إِن أحَال بَائِع بِهِ ثَالِثا على المُشْتَرِي فَلَا تبطل الْحِوَالَة لتَعلق الْحق بثالث بِخِلَافِهِ فِي الأولى وَلَو بَاعَ عبدا وأحال بِثمنِهِ على المُشْتَرِي ثمَّ اتّفق الْمُتَبَايعَانِ والمحتال على حُرِّيَّته أَو ثبتَتْ بِبَيِّنَة يقيمها العَبْد أَو شهِدت حسبَة بطلت الْحِوَالَة لِأَنَّهُ بَان أَن لَا ثمن حَتَّى يُحَال بِهِ فَيرد الْمُحْتَال مَا أَخذه على المُشْتَرِي وَيبقى حَقه كَمَا كَانَ وَإِن كذبهما الْمُحْتَال فِي الْحُرِّيَّة وَلَا بَيِّنَة حلفاه على نفي الْعلم بهَا ثمَّ بعد حلفه يَأْخُذ المَال من المُشْتَرِي لبَقَاء الْحِوَالَة ثمَّ يرجع بِهِ المُشْتَرِي على البَائِع لِأَنَّهُ قضى دينه بِإِذْنِهِ الَّذِي تضمنته الْحِوَالَة وَلَو قَالَ الْمُسْتَحق عَلَيْهِ للْمُسْتَحقّ وَكلتك لتقبض لي ديني من فلَان وَقَالَ الْمُسْتَحق أحلتين بِهِ أَو قَالَ الأول أردْت بِقَوْلِي أحلتك بِهِ الْوكَالَة وَقَالَ الْمُسْتَحق بل أردْت بذلك الْحِوَالَة صدق الْمُسْتَحق عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بإرادته وَالْأَصْل بَقَاء الْحَقَّيْنِ وَإِن قَالَ الْمُسْتَحق عَلَيْهِ أحلتك فَقَالَ الْمُسْتَحق وكلتني أَو قَالَ أردْت بِقَوْلِي أحلتك الْوكَالَة صدق الثَّانِي بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل بَقَاء حَقه نعم لَو قَالَ أحلتك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك على عَمْرو فَلَا يحلف مُنْكرا الْحِوَالَة لِأَن هَذَا لَا يحْتَمل إِلَّا حَقِيقَتهَا فَيحلف مدعيها وللمحتال أَن يحِيل وَأَن يحتال من الْمحَال عَلَيْهِ على مدينه فصل فِي الضَّمَان وَهُوَ فِي اللُّغَة الِالْتِزَام وَشرعا يُقَال لالتزام حق ثَابت فِي ذمَّة الْغَيْر أَو إِحْضَار عين مَضْمُونَة أَو بدن من يسْتَحق حُضُوره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَيُقَال للْعقد الَّذِي يحصل بِهِ ذَلِك وَيُسمى الْمُلْتَزم لذَلِك ضَامِنا وزعيما وكفيلا وَغير ذَلِك كَمَا بَينته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع أَخْبَار كَخَبَر الزعيم زعيم غَارِم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَخبر الْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحمل عَن رجل عشرَة دَنَانِير أَرْكَان الضَّمَان وأركان ضَمَان المَال خَمْسَة ضَامِن ومضمون لَهُ ومضمون عَنهُ ومضمون بِهِ وَصِيغَة القَوْل فِي شُرُوط الضَّامِن إِذا علمت ذَلِك فنبدأ بِشَرْط الضَّامِن فَنَقُول (وَيصِح ضَمَان) من يَصح تبرعه وَيكون مُخْتَارًا فَيصح الضَّمَان من سَكرَان وسفيه لم يحْجر عَلَيْهِ ومحجور فلس كشرائه فِي الذِّمَّة وَإِن لم يُطَالب إِلَّا بعد فك الْحجر لَا من صبي وَمَجْنُون ومحجور وسفيه ومريض مرض الْمَوْت عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لمَاله ومكره وَلَو بإكراه سَيّده وَصَحَّ ضَمَان رَقِيق بِإِذن سَيّده لَا ضَمَانه لسَيِّده وكالرقيق الْمبعض إِن لم تكن مُهَايَأَة أَو كَانَت وَضمن فِي نوبَة سَيّده فَإِن عين للْأَدَاء جِهَة فَذَاك وَإِلَّا فمما يكسبه بعد الْإِذْن فِي الضَّمَان وَمِمَّا بيد مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة القَوْل فِي شُرُوط الْمَضْمُون وَيشْتَرط فِي الْمَضْمُون كَونه حَقًا ثَابتا حَال العقد فَلَا يَصح ضَمَان مَا لم يجب كَنَفَقَة مَا بعد الْيَوْم للزَّوْجَة وَيشْتَرط فِي (الدُّيُون) الْمَضْمُونَة أَن تكون لَازِمَة وَقَول المُصَنّف (المستقرة فِي الذِّمَّة) لَيْسَ بِقَيْد بل يَصح ضَمَانهَا وَإِن لم تكن مُسْتَقِرَّة كالمهر قبل الدُّخُول أَو الْمَوْت وَثمن الْمَبِيع قبل قَبضه لِأَنَّهُ آيل إِلَى الِاسْتِقْرَار لَا كنجوم كِتَابَة لِأَن للْمكَاتب إِسْقَاطهَا بِالْفَسْخِ فَلَا معنى للتوثق عَلَيْهِ وَيصِح الضَّمَان عَن الْمكَاتب بغَيْرهَا لأَجْنَبِيّ لَا للسَّيِّد بِنَاء على أَن غَيرهَا يسْقط من الْمكَاتب بعجزه وَهُوَ الْأَصَح وَيصِح بِالثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم بِنَفسِهِ فَألْحق باللازم وَصِحَّة الضَّمَان فِي الدُّيُون مَشْرُوطَة بِمَا (إِذا علم) الضَّامِن (قدرهَا) وجنسها وصفتها لِأَنَّهُ إِثْبَات مَال فِي الذِّمَّة لآدَمِيّ بِعقد فَأشبه البيع وَالْإِجَارَة وَلَا بُد أَن يكون معينا فَلَا يَصح ضَمَان غير الْمعِين كَأحد الدينَيْنِ وَالْإِبْرَاء من الدّين الْمَجْهُول جِنْسا أَو قدرا أَو صفة بَاطِل لِأَن الْبَرَاءَة متوقفة على الرِّضَا وَلَا يعقل مَعَ الْجَهَالَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَلَا تصح الْبَرَاءَة من الْأَعْيَان وَيصِح ضَمَان رد كل عين مِمَّن هِيَ فِي يَده مَضْمُونَة عَلَيْهِ كمغصوبة ومستعارة كَمَا يَصح بِالْبدنِ بل أولى لِأَن الْمَقْصُود هُنَا المَال وَيبرأ الضَّامِن بردهَا للمضمون لَهُ وَيبرأ أَيْضا بتلفها فَلَا يلْزمه قيمتهَا كَمَا لَو مَاتَ الْمَكْفُول بِبدنِهِ لَا يلْزم الْكَفِيل الدّين وَلَو قَالَ ضمنت مِمَّا لَك على زيد من دِرْهَم إِلَى عشرَة صَحَّ وَكَانَ ضَامِنا لتسعة إدخالا للطرف الأول لِأَنَّهُ مبدأ الِالْتِزَام وَقيل عشره إِدْخَال للطرفين فِي الِالْتِزَام فَإِن قيل رجح النَّوَوِيّ فِي بَاب الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث وُقُوع الثَّلَاث وَقِيَاسه تعْيين الْعشْرَة أُجِيب بِأَن الطَّلَاق مَحْصُور فِي عدد فَالظَّاهِر اسْتِيفَاؤهُ بِخِلَاف الدّين وَلَو ضمن مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة لزمَه ثَمَانِيَة كَمَا فِي الْإِقْرَار القَوْل فِي شَرط الصِّيغَة وَشرط فِي الصِّيغَة للضَّمَان وَالْكَفَالَة الْآتِيَة لفظ يشْعر بالالتزام كضمنت دينك الَّذِي على فلَان أَو تكفلت بِبدنِهِ وَلَا يصحان بِشَرْط بَرَاءَة أصيل لمُخَالفَته مقتضاهما وَلَا بتعليق وَلَا بتوقيت وَلَو كفل بدن غَيره وَأجل إِحْضَاره لَهُ بِأَجل مَعْلُوم صَحَّ للْحَاجة كضمان حَال مُؤَجّلا بِأَجل مَعْلُوم وَيثبت الْأَجَل فِي حق الضَّامِن وَيصِح ضَمَان الْمُؤَجل حَالا وَلَا يلْزم الضَّامِن تَعْجِيل الْمَضْمُون وَإِن الْتَزمهُ حَالا كَمَا لَو الْتَزمهُ الْأَصِيل القَوْل فِي مَا يَتَرَتَّب على الضَّمَان الصَّحِيح (وَلِصَاحِب الْحق) وَلَو وَارِثا (مُطَالبَة من شَاءَ من الضَّامِن) وَلَو مُتَبَرعا (والمضمون عَنهُ) بِأَن يطالبهما جَمِيعًا أَو يُطَالب أَيهمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ أَو يُطَالب أَحدهمَا بِبَعْضِه وَالْآخر بباقيه أما الضَّامِن فلخبر الزعيم غَارِم وَأما الْأَصِيل فَلِأَن الدّين بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَو برىء الْأَصِيل من الدّين برىء الضَّامِن مِنْهُ وَلَا عكس فِي إِبْرَاء الضَّامِن بِخِلَاف مَا لَو برىء بِغَيْر إِبْرَاء كأداء وَلَو مَاتَ أَحدهمَا وَالدّين مُؤَجل حل عَلَيْهِ لِأَن ذمَّته خربَتْ بِخِلَاف الْحَيّ فَلَا يحل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يرتفق بالأجل وَإِنَّمَا يُخَيّر فِي الْمُطَالبَة (إِذا كَانَ الضَّمَان) صَحِيحا (على مَا بَيناهُ) فِيمَا تقدم من كَون الدّين لَازِما مَعْلُوم الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة وَشرط فِي الْمَضْمُون لَهُ هُوَ الدَّائِن معرفَة الضَّامِن عينه لتَفَاوت النَّاس فِي اسْتِيفَاء الدّين تشديدا وتسهيلا وَمَعْرِفَة وَكيله كمعرفته كَمَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح وَإِن أفتى ابْن عبد السَّلَام بِخِلَافِهِ لِأَن الْغَالِب أَن الشَّخْص لَا يُوكل إِلَّا من هُوَ أَشد مِنْهُ فِي الْمُطَالبَة وَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لِأَن الضَّمَان مَحْض الْتِزَام لم يوضع على قَوَاعِد المعاقدات وَلَا رضَا الْمَضْمُون عَنهُ وَهُوَ الْمَدِين وَلَا مَعْرفَته لجَوَاز التَّبَرُّع بأَدَاء دين غَيره بِغَيْر إِذْنه ومعرفته (وَإِذا غرم الضَّامِن) الْحق لصَاحبه (رَجَعَ) بِمَا غرمه (على الْمَضْمُون عَنهُ إِذا كَانَ الضَّمَان وَالْقَضَاء) للدّين (بِإِذْنِهِ) أَي الْمَضْمُون عَنهُ لَهُ فيهمَا لِأَنَّهُ صرف مَاله إِلَى مَنْفَعَة الْغَيْر بِإِذْنِهِ هَذَا إِذا أدّى من مَاله أما لَو أَخذ من سهم الغارمين فَأدى بِهِ الدّين فَإِنَّهُ لَا يرجع كَمَا ذَكرُوهُ فِي قسم الصَّدقَات وَإِن انْتَفَى إِذْنه فِي الضَّمَان وَالْأَدَاء فَلَا رُجُوع لَهُ لتبرعه فَإِن أذن فِي الضَّمَان فَقَط وَسكت عَن الْأَدَاء رَجَعَ فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أذن فِي سَبَب الْأَدَاء وَلَا يرجع إِذا ضمن بِغَيْر الْإِذْن وَأدّى بِالْإِذْنِ لِأَن وجوب الْأَدَاء بِسَبَب الضَّمَان وَلم يَأْذَن فِيهِ نعم لَو أدّى بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ كَغَيْر الضَّامِن وَحَيْثُ ثَبت الرُّجُوع فَحكمه حكم الْقَرْض حَتَّى يرجع فِي الْمُتَقَوم بِمثلِهِ صُورَة كَمَا قَالَه القَاضِي حُسَيْن وَمن أدّى دين غَيره بِإِذن وَلَا ضَمَان رَجَعَ وَإِن لم يشرط الرُّجُوع للْعُرْف بِخِلَاف مَا إِذا أَدَّاهُ بِلَا إِذن لِأَنَّهُ مُتَبَرّع وَإِنَّمَا يرجع مؤد وَلَو ضَامِنا إِذا أشهد بذلك وَلَو رجلا ليحلف مَعَه لِأَن ذَلِك حجَّة أَو أدّى بِحَضْرَة مَدين وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 مَعَ تَكْذِيب الدَّائِن أَو فِي غيبته لَكِن صدقه الدَّائِن لسُقُوط الطّلب بِإِقْرَارِهِ القَوْل فِي ضَمَان الْمَجْهُول (وَلَا يَصح ضَمَان) الدّين (الْمَجْهُول) قدره أَو قِيمَته أَو صفته لِأَنَّهُ إِثْبَات مَال فِي الذِّمَّة بِعقد فَأشبه البيع إِلَّا فِي إبل دِيَة فَيصح ضَمَانهَا مَعَ الْجَهْل بصفتها لِأَنَّهَا مَعْلُومَة السن وَالْعدَد وَلِأَنَّهُ قد اغتفر ذَلِك فِي إِثْبَاتهَا فِي ذمَّة الْجَانِي فيغتفر فِي الضَّمَان وَيرجع فِي صفتهَا إِلَى غَالب إبل الْبَلَد (وَلَا) يَصح ضَمَان (مَا لم يجب) كضمان مَا سيقرضه زيدا وَنَفَقَة الزَّوْجَة الْمُسْتَقْبلَة وَتَسْلِيم ثوب رَهنه شخص وَلم يتسلمه كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (إِلَّا) ضَمَان (دَرك الْمَبِيع) أَو الثّمن بعد قبض مَا يضمن كَأَن يضمن لمشتر الثّمن أَو لبائع الْمَبِيع إِن خرج مُقَابِله مُسْتَحقّا أَو مَبِيعًا ورد أَو نَاقِصا لنَقص صفة شرطت أَو صنجة أَي وزن ورد وَذَلِكَ للْحَاجة إِلَيْهِ وَمَا وَجه بِهِ القَوْل بِبُطْلَانِهِ من أَنه ضَمَان مَا لم يجب أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِن خرج الْمُقَابل كَمَا ذكر تبين وجوب رد الْمَضْمُون وَلَا يَصح قبل قبض الْمَضْمُون لِأَنَّهُ إِنَّمَا يضمن مَا دخل فِي ضَمَان البَائِع أَو المُشْتَرِي تَتِمَّة لَو صَالح الضَّامِن عَن الدّين الْمَضْمُون بِمَا دونه كَأَن صَالح عَن مائَة بِبَعْضِهَا أَو بِثَوْب قِيمَته دونهَا لم يرجع إِلَّا بِمَا غرم لِأَنَّهُ الَّذِي بذله نعم لَو ضمن ذمِّي لذِمِّيّ دينا على مُسلم ثمَّ تصالحا على خمر لم يرجع لتعلقها بِالْمُسلمِ وَلَا قيمَة للخمر عِنْده وحوالة الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ كالأداء فِي ثُبُوت الرُّجُوع وَعَدَمه وَلَو ضمن اثْنَان ألفا لشخص كَانَ لَهُ مُطَالبَة كل مِنْهُمَا بِالْألف لِأَن كلا مِنْهُمَا ضَامِن للألف على الْمَكْفُول قَالَه الْمُتَوَلِي فصل فِي كَفَالَة الْبدن وَتسَمى أَيْضا كَفَالَة الْوَجْه وَهِي بِفَتْح الْكَاف اسْم لضمان الْإِحْضَار دون المَال (وَالْكَفَالَة بِالْبدنِ) أَي ببدن من يسْتَحق حُضُوره مجْلِس الحكم عِنْد الاستدعاء (جَائِزَة إِذا كَانَ على الْمَكْفُول بِهِ حق) لله تَعَالَى أَو حق (لآدَمِيّ) للْحَاجة إِلَى ذَلِك واستؤنس لَهَا بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام {لن أرْسلهُ مَعكُمْ حَتَّى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني بِهِ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 بِخِلَاف عُقُوبَة الله تَعَالَى وَإِنَّمَا تصح كَفَالَة بدن من ذكر بِإِذْنِهِ وَلَو بنائبه وَلَو كَانَ من ذكر صَبيا أَو مَجْنُونا بِإِذن وليه أَو مَحْبُوسًا وَإِن تعذر تَحْصِيل الْغَرَض فِي الْحَال أَو مَيتا قبل دَفنه ليشهد على صورته إِذا تحمل الشَّاهِد عَلَيْهِ كَذَلِك وَلم يعرف اسْمه وَنسبه قَالَ فِي الْمطلب وَيظْهر اشْتِرَاط إِذن الْوَارِث إِذا اشترطنا إِذن الْمَكْفُول وَظَاهر أَن مَحَله فِيمَن يعْتَبر إِذْنه وَإِلَّا فَالْمُعْتَبر إِذن وليه فَإِن كفل بدن من عَلَيْهِ مَال شَرط لُزُومه لَا علم بِهِ لعدم لُزُومه للْكَفِيل وكالبدن الْجُزْء الشَّائِع كثلثه والجزء الَّذِي لَا يعِيش بِدُونِهِ كرأسه ثمَّ إِن عين مَحل تَسْلِيم فِي الْكفَالَة فَذَاك وَإِلَّا تعين محلهَا كَمَا فِي السّلم فيهمَا وَيبرأ الْكَفِيل بِتَسْلِيم الْمَكْفُول فِي مَحل التَّسْلِيم الْمَذْكُور بِلَا حَائِل كتسليمه نَفسه عَن الْكَفِيل فَإِن غَابَ لزمَه إِحْضَاره إِن أمكن بِأَن عرف مَحَله وَأمن الطَّرِيق وَلَا حَائِل وَلَو كَانَ بمسافة الْقصر ويمهل مُدَّة إِحْضَاره بِأَن يُمْهل مُدَّة ذَهَابه وإيابه على الْعَادة وَظَاهر أَنه إِن كَانَ السّفر طَويلا أمْهل مُدَّة إِقَامَة الْمسَافَة وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام غير يومي الدُّخُول وَالْخُرُوج ثمَّ إِن مَضَت الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَلم يحضرهُ حبس إِلَّا أَن يتَعَذَّر إِحْضَار الْمَكْفُول بِمَوْت أَو غَيره أَو يُوفي الدّين فَإِن وفاه ثمَّ حضر الْمَكْفُول قَالَ الْإِسْنَوِيّ فَالْمُتَّجه أَن لَهُ الِاسْتِرْدَاد وَلَا يُطَالب كَفِيل بِمَال وَلَا عُقُوبَة وَإِن فَاتَ التَّسْلِيم بِمَوْت أَو غَيره لِأَنَّهُ لم يلتزمه وَلَو شَرط أَنه يغرم المَال وَلَو مَعَ قَوْله إِن فَاتَ التَّسْلِيم للمكفول لم تصح الْكفَالَة لِأَن ذَلِك خلاف مقتضاها فصل فِي الشّركَة هِيَ بِكَسْر الشين وَإِسْكَان الرَّاء وبفتح الشين مَعَ كسر الرَّاء وإسكانها لُغَة الِاخْتِلَاط وَشرعا ثُبُوت الْحق فِي شَيْء لاثْنَيْنِ فَأكْثر على جِهَة الشُّيُوع هَذَا وَالْأولَى أَن يُقَال هِيَ عقد يَقْتَضِي ثُبُوت ذَلِك وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع خبر السَّائِب بن يزِيد أَنه كَانَ شريك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث وَخبر يَقُول الله أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه فَإِذا خانه خرجت من بَينهمَا وَالْمعْنَى أَنا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ والإعانة فأمدهما بالمعونة فِي أموالهما وَأنزل الْبركَة فِي تجارتهما فَإِذا وَقعت بَينهمَا الْخِيَانَة رفعت الْبركَة والإعانة عَنْهُمَا وَهُوَ معنى خرجت من بَينهمَا القَوْل فِي أَنْوَاع الشّركَة وَمَا يجوز مِنْهَا وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع شركَة أبدان بِأَن يشْتَرك اثْنَان ليَكُون بَينهمَا كسبهما ببدنهما وَشركَة مُفَاوَضَة ليَكُون بَينهمَا كسبهما ببدنهما أَو مَالهمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يعرض من غرم وَشركَة وُجُوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 بِأَن يشتركا ليَكُون بَينهمَا ربح مَا يشتريانه بمؤجل أَو حَال لَهما ثمَّ يبيعانه وَشركَة عنان بِكَسْر الْعين على الْمَشْهُور من عَن الشَّيْء ظهر وَهِي الصَّحِيحَة وَلِهَذَا اقْتصر المُصَنّف عَلَيْهَا دون الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فباطلة لِأَنَّهَا شركَة فِي غير مَال كالشركة فِي احتطاب واصطياد ولكثرة الْغرَر فِيهَا لَا سِيمَا شركَة الْمُفَاوضَة نعم إِن نويا بالمفاوضة وفيهَا مَال شركَة الْعَنَان صحت وأركان شركَة الْعَنَان خَمْسَة عاقدان ومعقود عَلَيْهِ وَعمل وَصِيغَة ذكر المُصَنّف بَعْضهَا وَذكر شُرُوطًا خَمْسَة فَقَالَ (وللشركة) الْمَذْكُورَة (خمس شَرَائِط) وَالْخَامِس مِنْهَا على وَجه ضَعِيف وَهُوَ المبدوء بِهِ فِي كَلَامه بقوله (أَن تكون على ناض) أَي مَضْرُوب (من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير) لَا على التبر والسبائك وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الْمثْلِيّ وَالأَصَح صِحَّتهَا فِي كل مثلي أما النَّقْد الْخَالِص فبالإجماع وَأما الْمَغْشُوش فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة جَوَازه إِن اسْتمرّ رواجه وَأما غير النَّقْد من الْمِثْلِيَّات كالبر وَالشعِير وَالْحَدِيد فعلى الْأَظْهر لِأَنَّهُ إِذا اخْتَلَط بِجِنْسِهِ ارْتَفع التَّمْيِيز فَأشبه النَّقْدَيْنِ وَمن الْمثْلِيّ تبر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَتَصِح الشّركَة فِيهِ فَمَا أطلقهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا من منع الشّركَة فِيهِ وَلَعَلَّ مِنْهُم المُصَنّف مَبْنِيّ على أَنه مُتَقَوّم كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي أصل الرَّوْضَة وَهِي لَا تصح فِي الْمُتَقَوم إِذْ لَا يُمكن الْخَلْط فِي المتقومات لِأَنَّهَا أَعْيَان متميزة وَحِينَئِذٍ قد يتْلف مَال أَحدهمَا أَو ينقص فَلَا يُمكن قسْمَة الآخر بَينهمَا إِذا علمت ذَلِك فَالْمُعْتَمَد حِينَئِذٍ أَن الشُّرُوط أَرْبَعَة فَقَط الأول مِنْهَا (أَن يتَّفقَا) أَي المالان (فِي الْجِنْس وَالنَّوْع) دون الْقدر إِذا لَا مَحْذُور فِي التَّفَاوُت فِيهِ لِأَن الرِّبْح والخسران على قدرهما (و) الثَّانِي (أَن يخلطا الْمَالَيْنِ) بِحَيْثُ لَا يتميزان لما مر فِي امْتنَاع الْمُتَقَوم وَلَا بُد من كَون الْخَلْط قبل العقد فَإِن وَقع بعده وَلَو فِي الْمجْلس لم يكف إِذْ لَا اشْتِرَاك حَال العقد فيعاد العقد بعد ذَلِك وَلَا يَكْفِي الْخَلْط مَعَ إِمْكَان التَّمْيِيز لنَحْو اخْتِلَاف جنس كدراهم ودنانير أَو صفة كصحاح ومكسرة وحنطة جَدِيدَة وحنطة عتيقة أَو بَيْضَاء وسوداء لِإِمْكَان التَّمْيِيز وَإِن كَانَ فِيهِ عسر تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يشْتَرط تَسَاوِي المثلثين فِي الْقيمَة وَهُوَ كَذَلِك فَلَو خلطا قَفِيزا مُقَومًا بِمِائَة قفيز مقوم بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَت الشّركَة أَثلَاثًا بِنَاء على قطع النّظر فِي الْمثْلِيّ عَن تَسَاوِي الْأَجْزَاء فِي الْقيمَة وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا القفيز مثلا لهَذَا القفيز وَإِن كَانَ مثلِيا فِي نَفسه وَلَو كَانَ كل مِنْهُمَا يعرف مَا لَهُ بعلامة لَا يعرفهَا غَيره وَلَا يتَمَكَّن من التَّمْيِيز هَل تصح الشّركَة نظرا إِلَى حَال النَّاس أَو لَا نظرا إِلَى حَالهمَا قَالَ فِي الْبَحْر يحْتَمل وَجْهَيْن انْتهى وَالْأَوْجه عدم الصِّحَّة أخذا من عُمُوم كَلَام الْأَصْحَاب وَمحل هَذَا الشَّرْط إِن أخرجَا مالين وعقدا فَإِن كَانَ ملكا مُشْتَركا مِمَّا تصح فِيهِ الشّركَة أَو لَا كالعروض بِإِرْث وَشِرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَغَيرهمَا وَأذن كل مِنْهُمَا للْآخر فِي التِّجَارَة تمت الشّركَة لِأَن الْمَعْنى الْمَقْصُود بالخلط حَاصِل وَمن الْحِيلَة فِي الشّركَة فِي المتقومات أَن يَبِيع أَحدهمَا بعض عرضه بِبَعْض عرض الآخر كَنِصْف بِنصْف أَو ثلث بثلثين ثمَّ يَأْذَن لَهُ بعد التَّقَابُض وَغَيره مِمَّا شَرط فِي البيع فِي التَّصَرُّف فِيهِ لِأَن الْمَقْصُود بالخلط حَاصِل بل ذَلِك أبلغ من الْخَلْط لِأَن مَا من جُزْء هُنَا إِلَّا هُوَ مُشْتَرك بَينهم وَهُنَاكَ وَإِن وجد الْخَلْط فَإِن مَال كل وَاحِد ممتاز عَن مَال الآخر وَحِينَئِذٍ فيملكانه بِالسَّوِيَّةِ إِن بيع نصف بِنصْف فَإِن بيع ثلث بثلثين لأجل تفاوتهما فِي الْقيمَة ملكاه على هَذِه النِّسْبَة (و) الثَّالِث (أَن يَأْذَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي التَّصَرُّف) بعد الْخَلْط وَفِي هَذَا الشَّرْط إِشَارَة إِلَى الصِّيغَة وَهِي مَا يدل على الْإِذْن من كل مِنْهُمَا للْآخر فِي التَّصَرُّف لمن يتَصَرَّف من كل مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا لِأَن المَال الْمُشْتَرك لَا يجوز لأحد الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذن صَاحبه وَلَا يعرف الْإِذْن إِلَّا بِصِيغَة تدل عَلَيْهِ فَإِن قَالَ أَحدهمَا للْآخر اتّجر أَو تصرف اتّجر فِي الْجَمِيع فِيمَا شَاءَ وَلَو لم يقل فِيمَا شِئْت كالقراض وَلَا يتَصَرَّف الْقَائِل إِلَّا فِي نصِيبه مَا لم يَأْذَن لَهُ الآخر فيتصرف فِي الْجَمِيع أَيْضا فَإِن شَرط أَن لَا يتَصَرَّف أَحدهمَا فِي نصيب نَفسه لم يَصح العقد لما فِيهِ من الْحجر على الْمَالِك فِي ملكه فَلَو اقْتصر كل مِنْهُمَا على اشتركنا لم يكف الْإِذْن الْمَذْكُور وَلم يتَصَرَّف كل مِنْهُمَا إِلَّا فِي نصِيبه لاحْتِمَال كَون ذَلِك إِخْبَارًا عَن حُصُول الشّركَة فِي المَال وَلَا يلْزم من حُصُولهَا جَوَاز التَّصَرُّف بِدَلِيل المَال الْمَوْرُوث شركَة (و) الرَّابِع (أَن يكون الرِّبْح والخسران على قدر الْمَالَيْنِ) بِاعْتِبَار الْقيمَة لَا الْأَجْزَاء سَوَاء شرطا ذَلِك أم لَا تساوى الشريكان فِي الْعَمَل أم تَفَاوتا فِيهِ لِأَن ذَلِك ثَمَرَة الْمَالَيْنِ فَكَانَ ذَلِك على قدرهما كَمَا لَو كَانَ بَينهمَا شَجَرَة فأثمرت أَو شَاة فنتجت فَإِن شرطا خِلَافه بِأَن شرطا التَّسَاوِي فِي الرِّبْح والخسران مَعَ التَّفَاضُل فِي الْمَالَيْنِ أَو التَّفَاضُل فِي الرِّبْح والخسران مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ فسد العقد لِأَنَّهُ مُخَالف لموضوع الشّركَة وَلَو شرطا زِيَادَة فِي الرِّبْح للْأَكْثَر مِنْهُمَا عملا بَطل الشَّرْط كَمَا لَو شرطا التَّفَاوُت فِي الخسران فَيرجع كل مِنْهُمَا على الآخر بِأُجْرَة عمله فِي مَال الآخر كالقراض إِذا فسد وتنفذ التَّصَرُّفَات مِنْهُمَا لوُجُود الْإِذْن وَالرِّبْح بَينهمَا على قدر الْمَالَيْنِ ويتسلط كل مِنْهُمَا على التَّصَرُّف إِذا وجد الْإِذْن من الطَّرفَيْنِ بِلَا ضَرَر فَلَا يَبِيع نَسِيئَة للغرر وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد وَلَا يَشْتَرِي بِغَبن وَلَا يُسَافر بِالْمَالِ الْمُشْتَرك لما فِي السّفر من الْخطر فَإِن سَافر ضمن فَإِن بَاعَ صَحَّ البيع وَإِن كَانَ ضَامِنا وَلَا يَدْفَعهُ لمن يعْمل فِيهِ لِأَنَّهُ لم يرض بِغَيْر يَده فَإِن فعل ضمن هَذَا كُله إِذا فعله بِغَيْر إِذن شَرِيكه فَإِن أذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 لَهُ فِي شَيْء مِمَّا ذكر جَازَ وَيشْتَرط فِي الْعَاقِد أَهْلِيَّة تَوْكِيل وتوكل لِأَن كلا مِنْهُمَا وَكيل عَن الآخر فَإِن كَانَ أَحدهمَا هُوَ الْمُتَصَرف اشْترط فِيهِ أَهْلِيَّة التَّوَكُّل وَفِي الآخر أَهْلِيَّة التَّوْكِيل فَقَط حَتَّى يجوز كَونه أعمى كَمَا قَالَه فِي الْمطلب القَوْل فِي الشّركَة عقد جَائِز (وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا) أَي الشَّرِيكَيْنِ (فَسخهَا) أَي الشّركَة (مَتى شَاءَ) وَلَو بعد التَّصَرُّف لِأَنَّهَا عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ وينعزلان عَن التَّصَرُّف بِفَسْخ كل مِنْهُمَا فَإِن قَالَ أَحدهمَا للْآخر عزلتك أَو لَا تتصرف فِي نَصِيبي لم يَنْعَزِل العازل فيتصرف فِي نصيب الْمَعْزُول (وَمَتى مَاتَ أَحدهمَا أَو جن) أَو أُغمي عَلَيْهِ أَو حجر عَلَيْهِ بِسَفَه (بطلت) أَي انْفَسَخت لما مر أَنه عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ وَاسْتثنى فِي الْبَحْر إِغْمَاء لَا يسْقط بِهِ فرض صَلَاة فَلَا فسخ بِهِ لِأَنَّهُ خَفِيف وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب يُخَالِفهُ تَتِمَّة يَد الشَّرِيك يَد أَمَانَة كَالْمُودعِ وَالْوَكِيل فَيقبل قَوْله فِي الرِّبْح والخسران وَفِي التّلف إِن ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب أَو بِسَبَب خَفِي كالسرقة فَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب ظَاهر كحريق طُولِبَ بِبَيِّنَة بِالسَّبَبِ ثمَّ بعد إِقَامَتهَا يصدق فِي التّلف بِهِ بِيَمِينِهِ فَإِن عرف الْحَرِيق دون عُمُومه صدق بِيَمِينِهِ أَو وعمومه صدق بِلَا يَمِين وَلَو قَالَ من فِي يَده المَال هُوَ لي وَقَالَ الآخر هُوَ مُشْتَرك أَو قَالَ من فِي يَده المَال هُوَ مُشْتَرك وَقَالَ الآخر هُوَ لي صدق صَاحب الْيَد بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تدل على الْملك وَلَو قَالَ صَاحب الْيَد اقْتَسَمْنَا وَصَارَ مَا فِي يَدي لي وَقَالَ الآخر بل هُوَ مُشْتَرك صدق الْمُنكر بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عدم الْقِسْمَة وَلَو اشْترى أَحدهمَا شَيْئا وَقَالَ اشْتَرَيْته للشَّرِكَة أَو لنَفْسي وَكذبه الآخر صدق المُشْتَرِي لِأَنَّهُ أعرف بِقَصْدِهِ فصل فِي الْوكَالَة هِيَ بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا لُغَة التَّفْوِيض يُقَال وكل أمره إِلَى فلَان فوضه إِلَيْهِ وَاكْتفى بِهِ وَمِنْه {توكلت على الله} وَشرعا تَفْوِيض شخص مَا لَهُ فعله مِمَّا يقبل النِّيَابَة إِلَى غَيره ليفعله فِي حَيَاته وَالْأَصْل فِيهَا من الْكتاب الْعَزِيز قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} وَمن السّنة أَحَادِيث مِنْهَا خبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث السعاة لأخذ الزَّكَاة القَوْل فِي أَرْكَان الْوكَالَة وأركانها أَرْبَعَة مُوكل ووكيل وموكل فِيهِ وَصِيغَة وَبَدَأَ المُصَنّف بالموكل فَقَالَ (وكل مَا جَازَ للْإنْسَان التَّصَرُّف فِيهِ بِنَفسِهِ) بِملك أَو ولَايَة (جَازَ لَهُ أَن يُوكل فِيهِ) غَيره لِأَنَّهُ إِذا لم يقدر على التَّصَرُّف بِنَفسِهِ فبنائبه أولى وَهَذَا فِي الْغَالِب وَإِلَّا فقد اسْتثْنى مِنْهُ مسَائِل طردا وعكسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 فَمن الطَّرْد الظافر بِحقِّهِ فَلَا يُوكل فِي كسر الْبَاب وَأخذ حَقه وكوكيل قَادر وَعبد مَأْذُون لَهُ وسفيه مَأْذُون لَهُ فِي نِكَاح وَمن الْعَكْس كأعمى يُوكل فِي تصرف وَإِن لم تصح مُبَاشَرَته لَهُ للضَّرُورَة وكمحرم يُوكل حَلَالا فِي النِّكَاح بعد التَّحَلُّل فَيصح تَوْكِيل ولي عَن نَفسه أَو موليه من صبي وَمَجْنُون وسفيه لصِحَّة مُبَاشَرَته لَهُ وَسكت المُصَنّف عَن شَرط الْمُوكل فِيهِ وَشَرطه أَن يملكهُ الْمُوكل حِين التَّوْكِيل فَلَا يَصح التَّوْكِيل فِيمَا لَا يملكهُ وَمَا سيملكه وَطَلَاق من سينكحها لِأَنَّهُ لَا يُبَاشر ذَلِك بِنَفسِهِ فَكيف يَسْتَنِيب غَيره إِلَّا تبعا فَيصح التَّوْكِيل بِبيع مَا لَا يملكهُ تبعا للمملوك كَمَا نقل عَن الشَّيْخ أبي حَامِد وَغَيره وَيشْتَرط أَن يقبل نِيَابَة فَيصح التَّوْكِيل فِي كل عقد كَبيع وَهبة وكل فسخ كإقالة ورد بِعَيْب وَقبض وإقباض وخصومة من دَعْوَى وَجَوَاب وتملك مُبَاح كإحياء واصطياد وَاسْتِيفَاء عُقُوبَة لَا فِي إِقْرَار فَلَا يَصح التَّوْكِيل فِيهِ وَلَا فِي الْتِقَاط وَلَا فِي عبَادَة كَصَلَاة إِلَّا فِي نسك من حج أَو عمْرَة وَدفع نَحْو زَكَاة ككفارة وَذبح نَحْو أضْحِية كعقيقة وَلَا يَصح فِي شَهَادَة إِلْحَاقًا لَهَا بِالْعبَادَة وَلَا فِي نَحْو ظِهَار كَقَتل وَلَا فِي نَحْو يَمِين كإيلاء وَلَا بُد أَن يكون الْمُوكل فِيهِ مَعْلُوما وَلَو من وَجه كوكلتك فِي بيع أَمْوَالِي وَعتق أرقائي لَا فِي نَحْو كل أموري ككل قَلِيل وَكثير وَإِن كَانَ تَابعا لمُعين وَالْفرق بَينه وَبَين مَا مر بِأَن التَّابِع ثمَّ معِين بِخِلَافِهِ هُنَا وَيجب فِي تَوْكِيله فِي شِرَاء عبد بَيَان نَوعه كتركي وَفِي شِرَاء دَار محلّة وسكة وَلَا يجب بَيَان ثمن فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَن غَرَض الْمُوكل قد يتَعَلَّق بِوَاحِد من ذَلِك نفيسا كَانَ ذَلِك أَو خسيسا ثمَّ مَحل بَيَان مَا ذكر إِذا لم يقْصد التِّجَارَة وَإِلَّا فَلَا يجب بَيَان شَيْء من ذَلِك وَأَشَارَ إِلَى الْوَكِيل بقوله (أَو يتوكل فِيهِ عَن غَيره) فأو هُنَا تقسيمية أَي شَرط الْوَكِيل صِحَة مُبَاشَرَته التَّصَرُّف الْمَأْذُون فِيهِ لنَفسِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصح توكله لِأَنَّهُ إِذا لم يقدر على التَّصَرُّف لنَفسِهِ فلغيره أولى فَلَا يَصح تَوْكِيل صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ وَلَا تَوْكِيل امْرَأَة فِي نِكَاح وَلَا محرم ليعقده إِحْرَامه وَهَذَا فِي الْغَالِب وَإِلَّا فقد اسْتثْنِي من ذَلِك مسَائِل مِنْهَا للْمَرْأَة فتتوكل فِي طَلَاق غَيرهَا وَمِنْهَا السَّفِيه وَالْعَبْد فيتوكلان فِي قبُول النِّكَاح بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ وَالسَّيِّد لَا فِي إِيجَابه وَمِنْهَا الصَّبِي الْمَأْمُون فيتوكل فِي الْإِذْن فِي دُخُول دَار وإيصال هَدِيَّة وَإِن لم تصح مُبَاشَرَته لَهُ بِلَا إِذن وَيشْتَرط تعْيين الْوَكِيل فَلَو قَالَ لاثْنَيْنِ وكلت أَحَدكُمَا فِي بيع كَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 لم يَصح نعم لَو قَالَ وَكلتك فِي بيع كَذَا مثلا وكل مُسلم صَحَّ كَمَا بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين وَعَلِيهِ الْعَمَل وَشرط فِي الصِّيغَة من مُوكل وَلَو بنائبه مَا يشْعر بِرِضَاهُ كوكلتك فِي كَذَا أَو بِعْ كَذَا كَسَائِر الْعُقُود وَالْأول إِيجَاب وَالثَّانِي قَائِم مقَامه أما الْوَكِيل فَلَا يشْتَرط قبُوله لفظا أَو نَحوه إِلْحَاقًا للتوكيل بِالْإِبَاحَةِ أما قبُوله معنى وَهُوَ عدم رد الْوكَالَة فَلَا بُد مِنْهُ فَلَو رد فَقَالَ لَا أقبل أَو لَا أفعل بطلت وَلَا يشْتَرط فِي الْقبُول هُنَا الْفَوْر وَلَا الْمجْلس وَيصِح تَوْقِيت الْوكَالَة نَحْو وَكلتك فِي كَذَا إِلَى رَجَب وَتَعْلِيق التَّصَرُّف نَحْو وَكلتك الْآن فِي بيع كَذَا وَلَا تبعه حَتَّى يَجِيء رَمَضَان لَا تَعْلِيق الْوكَالَة نَحْو إِذا جَاءَ شعْبَان فقد وَكلتك فِي كَذَا فَلَا يَصح كَسَائِر الْعُقُود لَكِن ينفذ تصرفه بعد وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ للْإِذْن فِيهِ القَوْل فِي الْوكَالَة عقد جَائِز (و) الْوكَالَة وَلَو بِجعْل غير لَازِمَة من جَانب الْمُوكل وَالْوَكِيل فَيجوز (لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَسخهَا مَتى شَاءَ) وَلَو بعد التَّصَرُّف سَوَاء تعلق بهَا حق ثَالِث كَبيع الْمَرْهُون أم لَا (وتنفسخ) حكما (بِمَوْت أَحدهمَا) وبجنونه وبإغمائه وَشرعا بعزل أَحدهمَا بِأَن يعْزل الْوَكِيل نَفسه أَو يعزله الْمُوكل سَوَاء أَكَانَ بِلَفْظ الْعَزْل أم لَا كفسخت الْوكَالَة أَو أبطلتها أَو رفعتها وبتعمده إنكارها بِلَا غَرَض لَهُ فِيهِ بِخِلَاف إِنْكَاره لَهَا نِسْيَانا أَو لغَرَض كإخفائها من ظَالِم وبطرو رق وَحجر كحجر سفه أَو فلس عَمَّا لَا ينفذ مِمَّن اتّصف بهَا وبفسقه فِيمَا فِيهِ الْعَدَالَة شَرط كوكالة النِّكَاح والوصايا وبزوال ملك مُوكل عَن مَحل التَّصَرُّف أَو منفعَته كَبيع ووقف لزوَال الْولَايَة وإيجار مَا وكل فِي بَيْعه وَمثله تَزْوِيجه وَرَهنه مَعَ قبض لإشعارها بالندم عَن التَّصَرُّف بِخِلَاف نَحْو الْعرض على البيع القَوْل فِي ضَمَان الْوَكِيل (وَالْوَكِيل) وَلَو بِجعْل (أَمِين فِيمَا يقبضهُ) لمُوكلِه (وَفِيمَا يصرفهُ) من مَال مُوكله عَنهُ ((وَلَا يضمن) مَا تلف فِي يَده من مَال مُوكله (إِلَّا بالتفريط) فِي حَقه كَسَائِر الْأُمَنَاء تَنْبِيه لَو عبر بِالتَّعَدِّي لَكَانَ أولى لِأَنَّهُ يلْزم من التَّعَدِّي التَّفْرِيط وَلَا عكس لاحْتِمَال نِسْيَان وَنَحْوه وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى التّلف وَالرَّدّ على الْمُوكل لِأَنَّهُ ائتمنه بِخِلَاف دَعْوَى الرَّد على غير الْمُوكل كرسوله وَإِذا تعدى كَأَن ركب الدَّابَّة أَو لبس الثَّوْب تَعَديا ضمن كَسَائِر الْأُمَنَاء وَلَا يَنْعَزِل لِأَن الْوكَالَة إِذن فِي التَّصَرُّف وَالْأَمَانَة حكم يَتَرَتَّب عَلَيْهَا وَلَا يلْزم من ارتفاعه بطلَان الْإِذْن بِخِلَاف الْوَدِيعَة فَإِنَّهَا مَحْض ائتمان فَإِذا بَاعَ وَسلم الْمَبِيع زَالَ الضَّمَان عَنهُ وَلَا يضمن الثّمن وَلَو رد الْمَبِيع عَلَيْهِ بِعَيْب عَاد الضَّمَان القَوْل فِي تصرف الْوَكِيل (وَلَا يجوز) للْوَكِيل (أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي) بِالْوكَالَةِ الْمُطلقَة (إِلَّا بِثَلَاثَة شَرَائِط) الأول أَن يعْقد (بِثمن الْمثل) إِذا لم يجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 رَاغِبًا بِزِيَادَة عَلَيْهِ فَإِن وجده فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ بِدُونِهِ فَلَا يَصح إِذا كَانَ بِغَبن فَاحش وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل غَالِبا بِخِلَاف الْيَسِير وَهُوَ مَا يحْتَمل غَالِبا فيغتفر فَبيع مَا يُسَاوِي عشرَة بِتِسْعَة مُحْتَمل وبثمانية غير مُحْتَمل وَالثَّانِي كَون الثّمن (نَقْدا) أَي حَالا فَلَا يَبِيع نَسِيئَة وَالثَّالِث أَن يَبِيع (بِنَقْد الْبَلَد) أَي بلد البيع لَا بلد التَّوْكِيل فَلَو خَالف فَبَاعَ على أحد هَذِه الْأَنْوَاع وَسلم الْمَبِيع ضمن بدله لتعديه بِتَسْلِيمِهِ بِبيع فَاسد فيسترده إِن بَقِي وَله بَيْعه بِالْإِذْنِ السَّابِق وَلَا يضمن ثمنه وَإِن تلف الْمَبِيع غرم الْمُوكل بدله من شَاءَ من الْوَكِيل وَالْمُشْتَرِي والقرار عَلَيْهِ تَنْبِيه لَو كَانَ بِالْبَلَدِ نقدان لزمَه البيع بأغلبهما فَإِن اسْتَويَا فِي الْمُعَامَلَة بَاعَ بأنفعهما للْمُوكل فَإِن اسْتَويَا تخير بَينهمَا فَإِذا بَاعَ بهما قَالَ الإِمَام فِيهِ تردد للأصحاب وَالْمذهب الْجَوَاز وَلَو وَكله لبيع مُؤَجّلا صَحَّ وَإِن أطلق الْأَجَل وَحمل مُطلق أجل على عرف فِي البيع بَين النَّاس فَإِن لم يكن عرف راعي الْوَكِيل الأنفع للْمُوكل وَيشْتَرط الْإِشْهَاد وَحَيْثُ قدر الْأَجَل اتبع الْوَكِيل مَا قدره الْمُوكل فَإِن بَاعَ بِحَال أَو نقص عَن الْأَجَل كَأَن بَاعَ إِلَى شهر مَا قَالَ الْمُوكل بِعْهُ إِلَى شَهْرَيْن صَحَّ البيع إِن لم يَنْهَهُ الْمُوكل وَلم يكن عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَر كنقص ثمن أَو خوف أَو مؤونة حفظ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ حمله على ماإذا لم يعين المُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا يَصح لظُهُور قصد الْمُحَابَاة فرع لَو قَالَ لوَكِيله بِعْ هَذَا بكم شِئْت فَلهُ بَيْعه بِغَبن فَاحش لَا بنسيئة وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد أَو بِمَا شِئْت أَو بِمَا ترَاهُ فَلهُ بَيْعه بِغَيْر نقد الْبَلَد لَا بِغَبن وَلَا بنسيئة أَو بكيف شِئْت فَلهُ بَيْعه بنسيئة لَا بِغَبن وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد أَو بِمَا عز وَهَان فَلهُ بَيْعه بِعرْض وغبن لَا بنسيئة وَذَلِكَ لِأَن كم للعدد فَشَمَلَ الْقَلِيل وَالْكثير وَمَا للْجِنْس فَشَمَلَ النَّقْد وَالْعرض لكنه فِي الْأَخِيرَة لما قرن بعز وَهَان شَمل عرفا الْقَلِيل وَالْكثير أَيْضا وَكَيف للْحَال فَشَمَلَ الْحَال والمؤجل (وَلَا يجوز) للْوَكِيل (أَن يَبِيع) مَا وكل فِيهِ (من نَفسه) وَلَا من موليه وَإِن أذن لَهُ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ مُتَّهم فِي ذَلِك بِخِلَاف غَيرهمَا كأبيه وَولده الرشيد وَله قبض ثمن حَال ثمَّ يسلم الْمَبِيع الْمعِين إِن تسلمه لِأَنَّهُمَا من مقتضيات البيع فَإِن سلم الْمَبِيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 قبل قبض الثّمن ضمن قِيمَته وَقت التَّسْلِيم لتعديه وَإِن كَانَ الثّمن أَكثر مِنْهَا فَإِذا غرمها ثمَّ قبض الثّمن دَفعه إِلَى الْمُوكل واسترد مَا غرم أما الثّمن الْمُؤَجل فَلهُ تَسْلِيم الْمَبِيع وَلَيْسَ لَهُ قبض الثّمن إِذا حل إِلَّا بِإِذن جَدِيد وَلَيْسَ لوكيل بشرَاء شِرَاء معيب لاقْتِضَاء الْإِطْلَاق عرفا السَّلِيم وَله تَوْكِيل بِلَا إِذن فِيمَا لم يتأت مِنْهُ لكَونه لَا يَلِيق بِهِ أَو كَونه عَاجِزا عَنهُ عملا بِالْعرْفِ لِأَن التَّفْوِيض لمثل هَذَا لَا يقْصد مِنْهُ عينه فَلَا يُوكل الْعَاجِز إِلَّا فِي الْقدر الَّذِي عجز عَنهُ وَلَا يُوكل الْوَكِيل فِيمَا ذكر عَن نَفسه بل عَن مُوكله (وَلَا) يجوز لَهُ أَن (يقر على مُوكله) بِمَا يلْزمه (إِلَّا بِإِذْنِهِ) على وَجه ضَعِيف وَالأَصَح عدم صِحَة التَّوْكِيل فِي الْإِقْرَار مُطلقًا فَإِذا قَالَ لغيره وَكلتك لتقر عني لفُلَان بِكَذَا فَيَقُول الْوَكِيل أَقرَرت عَنهُ بِكَذَا أَو جعلته مقرا بِكَذَا لم يَصح لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن حق فَلَا يقبل التَّوْكِيل كَالشَّهَادَةِ لَكِن الْمُوكل يكون مقرا بِالتَّوْكِيلِ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لإشعاره بِثُبُوت الْحق عَلَيْهِ وَمحل الْخلاف إِذا قَالَ وَكلتك لتقر عني لفُلَان بِكَذَا كَمَا مثلته فَلَو قَالَ أقرّ عني لفُلَان بِأَلف لَهُ عَليّ كَانَ إِقْرَارا قطعا وَلَو قَالَ أقرّ لَهُ عَليّ بِأَلف لم يكن إِقْرَارا قطعا صرح بِهِ صَاحب التَّعْجِيز تَتِمَّة أَحْكَام عقد الْوَكِيل كرؤية الْمَبِيع ومفارقة مجْلِس وتقابض فِيهِ تتَعَلَّق بِهِ لَا بالموكل لِأَنَّهُ الْعَاقِد حَقِيقَة وَللْبَائِع مُطَالبَة الْوَكِيل كالموكل بِثمن إِن قَبضه من الْمُوكل سَوَاء اشْترى بِعَيْنِه أم فِي الذِّمَّة فَإِن لم يقبضهُ مِنْهُ لم يُطَالِبهُ إِن كَانَ الثّمن معينا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهِ وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة طَالبه بِهِ إِن لم يعْتَرف بوكالته بِأَن أنكرها أَو قَالَ لَا أعرفهَا فَإِن اعْترف بهَا طَالب كلا مِنْهُمَا بِهِ وَالْوَكِيل كضامن وَالْمُوكل كأصل فَإِذا غرم رَجَعَ بِمَا غرمه على الْمُوكل وَلَو تلف ثمن قَبضه وَاسْتحق مَبِيع طلبه مُشْتَر بِبَدَل الثّمن سَوَاء اعْترف المُشْتَرِي بِالْوكَالَةِ أم لَا والقرار على الْمُوكل فَيرجع الْوَكِيل بِمَا غرمه لِأَنَّهُ غره وَمن ادّعى أَنه وَكيل بِقَبض مَا على زيد لم يجب دَفعه لَهُ إِلَّا بِبَيِّنَة بوكالته إِنْكَار الْمُوكل لَهَا وَلَكِن يجوز لَهُ دَفعه إِن صدقه فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ محق عِنْده أَو ادّعى أَنه محتال بِهِ أَو أَنه وَارِث لَهُ أَو وَصِيّ أَو موصى لَهُ مِنْهُ وَصدقه وَجب دَفعه لَهُ لاعْتِرَافه بانتقال المَال إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 فصل فِي الْإِقْرَار وَهُوَ لُغَة الْإِثْبَات من قر الشَّيْء أذا ثَبت وَشرعا إِخْبَار الشَّخْص بِحَق عَلَيْهِ فَإِن كَانَ بِحَق لَهُ على غَيره فدعوى أَو لغيره على غَيره فشهادة وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري} أَي عهدي {قَالُوا أقررنا} وَخبر الصَّحِيحَيْنِ اغْدُ يَا أنيس إِلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها وأجمعت الْأمة على الْمُؤَاخَذَة بِهِ أَرْكَان الْإِقْرَار وأركانه أَرْبَعَة مقرّ ومقر لَهُ وَصِيغَة ومقر بِهِ القَوْل فِي أَنْوَاع الْمقر بِهِ (وَالْمقر بِهِ) من الْحُقُوق (ضَرْبَان) أَحدهمَا (حق الله تَعَالَى) وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَقطع السّرقَة وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف وَإِلَى مَا لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَة (و) الثَّانِي (حق الْآدَمِيّ) كَحَد الْقَذْف لشخص (فَحق الله تَعَالَى) الَّذِي يسْقط بذلك إِذا أقرّ بِهِ (يَصح الرُّجُوع فِيهِ عَن الْإِقْرَار بِهِ) لِأَن مبناه على الدرء والستر وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض لما عز بِالرُّجُوعِ بقوله لَعَلَّك قبلت لَعَلَّك لمست أبك جُنُون وللقاضي أَن يعرض لَهُ بذلك لما ذكر وَلَا يَقُول لَهُ ارْجع فَيكون آمرا لَهُ بِالْكَذِبِ وَخرج بِالْإِقْرَارِ مَا لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَصح رُجُوعه كَمَا لَا يَصح رُجُوعه عَمَّا لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ (و) الضَّرْب الثَّانِي (حق الْآدَمِيّ) إِذا أقرّ بِهِ (لَا يَصح الرُّجُوع فِيهِ عَن الْإِقْرَار بِهِ) لتَعلق حق الْمقر لَهُ بِهِ إِلَّا إِذا كذبه الْمقر لَهُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوط الْمقر لَهُ القَوْل فِي شُرُوط صِحَة الْإِقْرَار ثمَّ شرع فِي شُرُوط الْمقر فَقَالَ (وتفتقر صِحَة الْإِقْرَار) فِي الْمقر (إِلَى ثَلَاثَة شَرَائِط) الأول (الْبلُوغ) فَلَا يَصح إِقْرَار من هُوَ دون الْبلُوغ وَلَو كَانَ مُمَيّزا لرفع الْقَلَم عَنهُ فَإِن ادّعى بلوغا بإمناء مُمكن بِأَن اسْتكْمل تسع سِنِين صدق فِي ذَلِك وَلَا يحلف عَلَيْهِ وَإِن فرض ذَلِك فِي خُصُومَة بِبُطْلَان تصرفه مثلا لِأَن ذَلِك لَا يعرف إِلَّا مِنْهُ وَلِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فَلَا يحْتَاج إِلَى يَمِين وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة فِيهَا لِأَن يَمِين الصَّغِير غير منعقدة وَإِذا لم يحلف فَبلغ مبلغا يقطع فِيهَا بِبُلُوغِهِ قَالَ الإِمَام فَالظَّاهِر أَيْضا أَنه لَا يحلف لانْتِهَاء الْخُصُومَة وكالإمناء فِي ذَلِك الْحيض (و) الثَّانِي (الْعقل) فَلَا يَصح إِقْرَار مَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ وَمن زَالَ عقله بِعُذْر كشرب دَوَاء أَو إِكْرَاه على شرب خمر لِامْتِنَاع تصرفهم وَسَيَأْتِي حكم السَّكْرَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الطَّلَاق (و) الثَّالِث (الِاخْتِيَار) فَلَا يَصح وَيُمكن إِقْرَار مكره بِمَا أكره عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} جعل الْإِكْرَاه مسْقطًا لحكم الْكفْر فبالأولى مَا عداهُ وَصُورَة إكراهه أَن يضْرب لِيُقِر فَلَو ضرب ليصدق فِي الْقَضِيَّة فَأقر حَال الضَّرْب أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بعده لزمَه مَا أقرّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مكْرها إِذْ الْمُكْره من أكره على شَيْء وَاحِد وَهَذَا إِنَّمَا ضرب ليصدق وَلَا ينْحَصر الصدْق فِي الْإِقْرَار قَالَ الْأَذْرَعِيّ والولاة فِي هَذَا الزَّمَان يَأْتِيهم من يتهم بِسَرِقَة أَو قتل أَو نَحْوهمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِر بِالْحَقِّ وَيُرَاد بذلك الْحق الْإِقْرَار بِمَا ادَّعَاهُ خَصمه وَالصَّوَاب أَن هَذَا إِكْرَاه سَوَاء أقرّ فِي حَال ضربه أم بعده وَعلم أَنه لَو لم يقر بذلك لضرب ثَانِيًا انْتهى وَهَذَا مُتَعَيّن (وَإِن كَانَ) بِحَق آدَمِيّ كإقراره (بِمَال) أَو نِكَاح (اعْتبر فِيهِ) مَعَ مَا تقدم (شَرط رَابِع) أَيْضا (وَهُوَ الرشد) فَلَا يَصح إِقْرَار سَفِيه بدين أَو إِتْلَاف مَال أَو نَحْو ذَلِك قبل الْحجر أَو بعده نعم يَصح إِقْرَاره فِي الْبَاطِن فَيغرم بعد فك الْحجر إِن كَانَ صَادِقا فِيهِ وَخرج بِالْمَالِ إِقْرَاره بِمُوجب عُقُوبَة كَحَد وقود وَإِن عُفيَ عَنهُ على مَال لعدم تعلقه بِالْمَالِ القَوْل فِي شُرُوط الْمقر لَهُ وَأما شُرُوط الْمقر لَهُ وَلم يذكرهَا المُصَنّف فَمِنْهَا كَون الْمقر لَهُ معينا نوع تعين بِحَيْثُ يتَوَقَّع مِنْهُ الدَّعْوَى والطلب فَلَو قَالَ لإِنْسَان أَو لوَاحِد من بني آدم أَو من أهل الْبَلَد عَليّ ألف لم يَصح إِقْرَاره على الصَّحِيح وَمِنْهَا كَون الْمقر لَهُ فِيهِ أَهْلِيَّة اسْتِحْقَاق الْمقر لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَادف مَحَله وَصدقه مُحْتَمل وَبِهَذَا يخرج مَا إِذا أقرَّت الْمَرْأَة بصداقها عقب النِّكَاح لغَيْرهَا أَو الزَّوْج بِبَدَل الْخلْع عقب المخالعة لغيره أَو الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ عقب اسْتِحْقَاقه لغيره فَلَو قَالَ لهَذِهِ الدَّابَّة عَليّ كَذَا لم يَصح لِأَنَّهَا لَيست أَهلا لذَلِك فَإِن قَالَ عَليّ بِسَبَبِهَا لفُلَان كَذَا صَحَّ حملا على أَنه جنى عَلَيْهَا أَو اكتراها أَو استعملها تَعَديا كصحة الْإِقْرَار لحمل هِنْد وَإِن أسْندهُ إِلَى جِهَة لَا تمكن فِي حَقه كَقَوْلِه أقرضنيه أَو بَاعَنِي بِهِ شَيْئا وَيَلْغُو الْإِسْنَاد الْمَذْكُور وَهَذَا مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ فِي شرحيه وَهُوَ الْمُعْتَمد وَمَا وَقع فِي الْمِنْهَاج من أَنه إِذا أسْندهُ إِلَى جِهَة لَا تمكن فِي حَقه لَغْو ضَعِيف وَمِنْهَا عدم تَكْذِيبه للْمقر فَلَو كذبه فِي إِقْرَاره لَهُ بِمَال ترك فِي يَد الْمقر لِأَن يَده تشعر بِالْملكِ ظَاهرا وَسقط إِقْرَاره بمعارضة الْإِنْكَار حَتَّى لَو رَجَعَ بعد التَّكْذِيب قبل رُجُوعه سَوَاء قَالَ غَلطت فِي الْإِقْرَار أم تَعَمّدت الْكَذِب وَلَو رَجَعَ الْمقر لَهُ عَن التَّكْذِيب لم يقبل فَلَا يعْطى إِلَّا بِإِقْرَار جَدِيد القَوْل فِي شُرُوط صِيغَة الْإِقْرَار وَأما شُرُوط الصِّيغَة وَلم يذكرهَا المُصَنّف أَيْضا فَيشْتَرط فِيهَا لفظ صَرِيح أَو كِنَايَة تشعر بِالْتِزَام وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَة مَعَ النِّيَّة وَإِشَارَة أخرس مفهمة كَقَوْلِه لزيد عَليّ أَو عِنْدِي كَذَا أما لَو حذف عَليّ أَو عِنْدِي لم يكن إِقْرَارا إِلَّا أَن يكون الْمقر بِهِ معينا كَهَذا الثَّوْب فَيكون إِقْرَارا وَعلي أَو فِي ذِمَّتِي للدّين وَمَعِي أَو عِنْدِي للعين وَجَوَاب لي عَلَيْك ألف أَو لَيْسَ لي عَلَيْك ألف ببلى أَو نعم أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 صدقت أَو أَنا مقرّ بهَا أَو نَحْوهَا كأبرأتني مِنْهُ إِقْرَار كجواب اقْضِ الْألف الَّذِي لي عَلَيْك بنعم أَو بقوله أَقْْضِي غَدا أَو أمهلني أَو حَتَّى أفتح الْكيس أَو أجد الْمِفْتَاح مثلا أَو نَحْوهَا كابعث من يَأْخُذهُ لَا جَوَاب ذَلِك بزنه أَو خُذْهُ أَو اختم عَلَيْهِ أَو اجْعَلْهُ فِي كيسك أَو أَنا مقرّ أَو أقرّ بِهِ أَو نَحْوهَا كهي صِحَاح أَو رُومِية فَلَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن مثل ذَلِك يذكر للاستهزاء القَوْل فِي شُرُوط الْمقر بِهِ وَأما شَرط الْمقر بِهِ وَلم يذكرهُ أَيْضا فشرطه أَن لَا يكون ملكا للْمقر حِين يقر بِهِ فَقَوله دَاري أَو ديني الَّذِي عَلَيْك لعَمْرو لَغْو لِأَن الْإِضَافَة إِلَيْهِ تَقْتَضِي الْملك لَهُ فتنافى الْإِقْرَار لغيره لَا قَوْله هَذَا لفُلَان وَكَانَ ملكي إِلَى أَن أَقرَرت بِهِ فَلَيْسَ لَغوا اعْتِبَارا بأوله وَكَذَا لَو عكس فَقَالَ هَذَا ملكي هَذَا لفُلَان غَايَته أَنه إِقْرَار بعد إِنْكَار وَأَن يكون بِيَدِهِ وَلَو مَآلًا ليسلم بِالْإِقْرَارِ للْمقر لَهُ حِينَئِذٍ فَلَو لم يكن بِيَدِهِ حَالا ثمَّ صَار بهَا عمل بِمُقْتَضى إِقْرَاره بِأَن يسلم للْمقر لَهُ حِينَئِذٍ فَلَو أقرّ بحريّة شخص بيد غَيره ثمَّ اشْتَرَاهُ حكم بهَا وَكَانَ شِرَاؤُهُ افتداء لَهُ وبيعا من جِهَة البَائِع فَلهُ الْخِيَار دون المُشْتَرِي القَوْل فِي حكم الْإِقْرَار بِمَجْهُول (وَإِذا أقرّ بِمَجْهُول) كشيء وَكَذَا صَحَّ إِقْرَاره و (رَجَعَ لَهُ فِي بَيَانه) فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ شَيْء أَو كَذَا قبل تَفْسِيره بِغَيْر عِيَادَة مَرِيض ورد سَلام ونجس لَا يقتنى كخنزير سَوَاء أَكَانَ مَالا وَإِن لم يتمول كفلس وحبتي بر أم لَا كقود وَحقّ شُفْعَة وحد قذف وزبل لصدق كل مِنْهَا بالشَّيْء مَعَ كَونه مُحْتَرما وَإِن أقرّ بِمَال وَإِن وَصفه بِنَحْوِ عظم كَقَوْلِه مَال عَظِيم أَو كَبِير أَو كثير قبل تَفْسِيره بِمَا قل من المَال وَإِن لم يتمول كحبة بر وَيكون وَصفه بالعظم وَنَحْوه من حَيْثُ أَثم غاصبه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أصل مَا أبني عَلَيْهِ الْإِقْرَار أَن ألزم الْيَقِين وأطرح الشَّك وَلَا أسْتَعْمل الْغَلَبَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ أَو عِنْدِي شَيْء شَيْء أَو كَذَا كَذَا لزمَه شَيْء وَاحِد لِأَن الثَّانِي تَأْكِيد فَإِن قَالَ شَيْء وَشَيْء أَو كَذَا وَكَذَا لزمَه شَيْئَانِ لاقْتِضَاء الْعَطف الْمُغَايرَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا دِرْهَم بِرَفْع أَو نصب أَو جر أَو سُكُون أَو كَذَا دِرْهَم بالأحوال الْأَرْبَعَة أَو قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم بِلَا نصب لزمَه دِرْهَم فَإِن ذكره بِالنّصب بِأَن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَن التَّمْيِيز وصف فِي الْمَعْنى فَيَعُود إِلَى الْجَمِيع وَلَو قَالَ الدَّرَاهِم الَّتِي أَقرَرت بهَا نَاقِصَة الْوَزْن أَو مغشوشة فَإِن كَانَت دَرَاهِم الْبَلَد الَّتِي أقرّ بهَا كَذَلِك أَو وصل قَوْله الْمَذْكُور بِالْإِقْرَارِ قبل قَوْله وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم فِي عشرَة فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 أَرَادَ معية فأحد عشر أَو حسابا عرفه فعشرة وَإِن أَرَادَ ظرفا أَو حسابا لم يعرفهُ أَو أطلق لزمَه دِرْهَم لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن القَوْل فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِقْرَار (وَيصِح الِاسْتِثْنَاء) بإلا أَو إِحْدَى أخواتها (فِي الْإِقْرَار) وَغَيره لِكَثْرَة وُرُوده فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَكَلَام الْعَرَب ذَلِك بِشُرُوط الأول وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (إِذا وَصله بِهِ) أَي اتَّصل الْمُسْتَثْنى بالمستثنى مِنْهُ عرفا فَلَا تضر سكتة تنفس وعي وتذكر وَانْقِطَاع صَوت بِخِلَاف الْفَصْل بسكوت طَوِيل وَكَلَام أَجْنَبِي وَلَو يَسِيرا وَالشّرط الثَّانِي أَن يَنْوِي قبل فرَاغ الْإِقْرَار لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يعْتَبر بِتَمَامِهِ فَلَا يشْتَرط من أَوله وَلَا يَكْفِي بعد الْفَرَاغ وَإِلَّا لزم رفع الْإِقْرَار بعد لُزُومه وَالشّرط الثَّالِث عدم استغراق الْمُسْتَثْنى للمستثنى مِنْهُ فَإِن استغرقه نَحْو لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة لم يَصح فَيلْزمهُ عشرَة وَلَا يجمع مفرق فِي استغراق لَا فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَلَا فِي الْمُسْتَثْنى وَلَا فيهمَا فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم وَدِرْهَم وَدِرْهَم إِلَّا درهما لزمَه ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَّا دِرْهَمَيْنِ ودرهما لزمَه دِرْهَم لِأَن المستنثى إِذا لم يجمع مفرقه لم يلغ إِلَّا مَا يحصل بِهِ الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ دِرْهَم فَيبقى الدرهمان مستثنيين وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ثَلَاثَة إِلَّا درهما ودرهما ودرهما لزمَه دِرْهَم لِأَن الِاسْتِغْرَاق إِنَّمَا يحصل بالأخير وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَّا درهما ودرهما لزمَه دِرْهَم لجَوَاز الْجمع هُنَا إِذْ لَا استغراق وَالِاسْتِثْنَاء من إِثْبَات نفي وَمن نفي إِثْبَات فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة لزمَه تِسْعَة لِأَن الْمَعْنى إِلَّا تِسْعَة لَا تِسْعَة لَا تلْزم إِلَّا ثَمَانِيَة تلْزم فَيلْزمهُ الثَّمَانِية وَالْوَاحد الْبَاقِي من الْعشْرَة وَمن طرق بَيَانه أَيْضا أَن تجمع كلا من الْمُثبت والمنفي وَتسقط الْمَنْفِيّ مِنْهُ فالباقي هُوَ الْمقر بِهِ فالعشرة وَالثَّمَانِيَة فِي الْمِثَال مثبتان ومجموعهما ثَمَانِيَة عشر والتسعة منفية فَإِن أسقطتها من الثَّمَانِية عشر بَقِي تِسْعَة وَهُوَ الْمقر بِهِ وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا أَرْبَعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا وَاحِدًا لزمَه خَمْسَة لِأَن الْأَعْدَاد المثبتة هُنَا ثَلَاثُونَ والمنفية خَمْسَة وَعِشْرُونَ فَيلْزم الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَة وَلَك طَرِيق أُخْرَى وَهِي أَن تخرج الْمُسْتَثْنى الْأَخير مِمَّا قبله وَمَا بَقِي مِنْهُ يخرج مِمَّا قبله فَتخرج الْوَاحِد من الِاثْنَيْنِ وَمَا بَقِي تخرجه من الثَّلَاثَة وَمَا بَقِي تخرجه من الْأَرْبَعَة وَهَكَذَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الأول وَلَك أَن تخرج الْوَاحِد من الثَّلَاثَة ثمَّ مَا بَقِي من الْخَمْسَة ثمَّ مَا بَقِي من السَّبْعَة ثمَّ مَا بَقِي من التِّسْعَة وَهَذَا أسهل من الأول ومحصل لَهُ فَمَا بَقِي فَهُوَ الْمَطْلُوب وَلَو قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ شَيْء إِلَّا خَمْسَة لزمَه خَمْسَة أَو قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة لم يلْزمه شَيْء لِأَن الْعشْرَة إِلَّا خَمْسَة خَمْسَة فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ خَمْسَة فَجعل النَّفْي الأول مُتَوَجها إِلَى مَجْمُوع الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ وَإِن خرج عَن قَاعِدَة أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَإِنَّمَا لزمَه فِي الأول خَمْسَة لِأَنَّهُ نفي مُجمل فَيبقى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ وَلَو قدم الْمُسْتَثْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَصَحَّ الِاسْتِثْنَاء من غير جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيُسمى اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا إِن بَين بِثَوْب قِيمَته دون ألف فَإِن بَين بِثَوْب قِيمَته ألف فالبيان لَغْو وَيبْطل الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ بَين مَا أَرَادَهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ تلفظ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرق وَصَحَّ أَيْضا من معِين كَغَيْرِهِ كَقَوْلِه هَذِه الدَّار لزيد إِلَّا هَذَا الْبَيْت أَو هَؤُلَاءِ العبيد لَهُ إِلَّا وَاحِدًا وَحلف فِي بَيَان الْوَاحِد لِأَنَّهُ أعرف بمراده حَتَّى لَو مَاتُوا بقتل أَو دونه إِلَّا وَاحِدًا وَزعم أَنه الْمُسْتَثْنى صدق بِيَمِينِهِ أَنه الَّذِي أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لاحْتِمَال مَا ادَّعَاهُ وَقد ذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره فَوَائِد مهمة لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر فَلْيُرَاجِعهَا من أَرَادَ (وَهُوَ) أَي الْإِقْرَار (فِي حَال الصِّحَّة وَالْمَرَض) وَلَو مخوفا (سَوَاء) فِي الحكم بِصِحَّتِهِ فَلَو أقرّ فِي صِحَّته بدين لإِنْسَان وَفِي مَرضه بدين لآخر لم يقدم الأول بل يتساويان كَمَا لَو ثبتا بِالْبَيِّنَةِ وَلَو أقرّ فِي صِحَّته أَو مَرضه بدين لإِنْسَان وَأقر وَارثه بعد مَوته بدين لآخر لم يقدم الأول فِي الْأَصَح لِأَن إِقْرَار الْوَارِث كإقرار الْمُورث لِأَنَّهُ خَلِيفَته فَكَأَنَّهُ أقرّ بالدينين القَوْل فِي إِقْرَار الْمَرِيض تَتِمَّة لَو أقرّ الْمَرِيض لإِنْسَان بدين وَلَو مُسْتَغْرقا ثمَّ أقرّ لآخر بِعَين قدم صَاحبهَا كَعَكْسِهِ لِأَن الْإِقْرَار بِالدّينِ لَا يتَضَمَّن حجرا فِي الْعين بِدَلِيل نُفُوذ تصرفه فِيهَا بِغَيْر تبرع وَلَو أقرّ بِإِعْتَاق أَخِيه فِي الصِّحَّة عتق وَورثه إِن لم يَحْجُبهُ غَيره أَو بِإِعْتَاق عبد فِي الصِّحَّة وَعَلِيهِ دين مُسْتَغْرق لتركته عتق لِأَن الْإِقْرَار إِخْبَار لَا تبرع وَيصِح إِقْرَاره فِي مَرضه لوَارِثه على الْمَذْهَب كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَن الظَّاهِر أَنه محق لِأَنَّهُ انْتهى إِلَى حَالَة يصدق فِيهَا الْكَاذِب وَيَتُوب فِيهَا الْفَاجِر وَفِي قَول لَا يَصح لِأَنَّهُ مُتَّهم بحرمان بعض الْوَرَثَة وَيجْرِي الْخلاف فِي إِقْرَار الزَّوْجَة بِقَبض صَدَاقهَا من زَوجهَا فِي مرض مَوتهَا وَفِي إِقْرَاره لوَارِثه بِهِبَة أقبضها لَهُ فِي حَال صِحَّته وَالْخلاف الْمَذْكُور فِي الصِّحَّة وَعدمهَا وَأما التَّحْرِيم فَعِنْدَ قَصده الحرمان لَا شكّ فِيهِ كَمَا صرح بِهِ جمع مِنْهُم الْقفال فِي فَتَاوِيهِ وَقَالَ إِنَّه لَا يحل للْمقر لَهُ أَخذه انْتهى وَالْخلاف فِي الْإِقْرَار بِالْمَالِ أما لَو أقرّ بِنِكَاح أَو عُقُوبَة فَيصح جزما وَإِن أفْضى إِلَى المَال بِالْعَفو أَو بِالْمَوْتِ قبل الِاسْتِيفَاء لضعف التُّهْمَة فصل فِي الْعَارِية وَهِي بتَشْديد الْيَاء وَقد تخفف اسْم لما يعار ولعقدها من عَار إِذا ذهب وَجَاء بِسُرْعَة وَمِنْه قيل للغلام الْخَفِيف عيار لِكَثْرَة ذَهَابه ومجيئه وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَفسّر جُمْهُور الْمُفَسّرين قَوْله تَعَالَى {وَيمْنَعُونَ الماعون} بِمَا يستعيره الْجِيرَان بَعضهم من بعض كالدلو والفأس والإبرة وَخبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 اسْتعَار فرسا من أبي طَلْحَة فَرَكبهُ وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا وَهِي مُسْتَحبَّة وَقد تجب كإعارة الثَّوْب لدفع حر أَو برد وَقد تحرم كإعارة الْأمة من أَجْنَبِي وَقد تكره كإعارة العَبْد الْمُسلم من كَافِر القَوْل فِي أَرْكَان الْإِعَارَة وأركانها أَرْبَعَة معير ومستعير ومعار وَصِيغَة وَقد بَدَأَ المُصَنّف بالمستعار فَقَالَ (وكل مَا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ) مَنْفَعَة مُبَاحَة (مَعَ بَقَاء عينه) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْب فَخرج بالقيد الأول مَا لَا ينْتَفع بِهِ فَلَا يعار مَا لَا نفع فِيهِ كالحمار الزَّمن وَأما مَا يتَوَقَّع نَفعه فِي الْمُسْتَقْبل كالجحش الصَّغِير فَالَّذِي يظْهر فِيهِ أَن الْعَارِية إِن كَانَت مُطلقَة أَو مُؤَقَّتَة بِزَمن يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ صحت وَإِلَّا فَلَا وَلم أر من ذكر ذَلِك وَخرج بالقيد الثَّانِي مَا لَو كَانَت منفعَته مُحرمَة فَلَا يعار مَا ينْتَفع بِهِ انتفاعا محرما كآلات الملاهي وَلَا بُد أَن تكون منفعَته قَوِيَّة فَلَا يعار النقدان للتزين إِذْ منفعَته بهما أَو الضَّرْب على طبعهما مَنْفَعَة ضَعِيفَة قَلما تقصد ومعظم منفعتهما فِي الْإِنْفَاق والإخراج نعم إِن صرح بالتزين أَو الضَّرْب على طبعهما أَو نوى ذَلِك كَمَا بَحثه بَعضهم صحت لاتخاذه هَذِه الْمَنْفَعَة مقصدا وَإِن ضعفت وَيَنْبَغِي مَجِيء هَذَا الِاسْتِثْنَاء فِي المطعوم الْآتِي وَخرج بالقيد الثَّالِث مَا لَو كَانَت منفعَته فِي إذهاب عينه فَلَا يعار المطعوم وَنَحْوه فَإِن الِانْتِفَاع بِهِ إِنَّمَا هُوَ بالاستهلاك فَانْتفى الْمَقْصُود من الْإِعَارَة فَإِن اجْتمعت هَذِه الشُّرُوط فِي المعار (جَازَت إعارته إِذا كَانَت مَنَافِعه أثارا) بِالْقصرِ أَي بَاقِيَة كَالثَّوْبِ وَالْعَبْد كَمَا مر فَخرج بالمنافع الْأَعْيَان فَلَو أَعَارَهُ شَاة للبنها أَو شَجَرَة لثمرها أَو نَحْو ذَلِك لم يَصح وَلَو أَعَارَهُ شَاة أَو دَفعهَا لَهُ وَملكه درها ونسلها لم يَصح وَلَا يضمن آخذها الدّرّ والنسل لِأَنَّهُ أخذهما بِهِبَة فَاسِدَة وَيضمن الشَّاة بِحكم الْعَارِية الْفَاسِدَة (وَتجوز) إِعَارَة جَارِيَة لخدمة امْرَأَة أَو ذكر محرم لِلْجَارِيَةِ لعدم الْمَحْذُور فِي ذَلِك وَفِي معنى الْمَرْأَة وَالْمحرم الْمَمْسُوح وَزوج الْجَارِيَة ومالكها كَأَن يستعيرها من مستأجرها أَو الْمُوصى لَهُ بمنفعتها وَيلْحق بالجارية الْأَمْرَد الْجَمِيل كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ لَا سِيمَا مِمَّن عرف بِالْفُجُورِ قَالَ الْإِسْنَوِيّ وسكتوا عَن إِعَارَة العَبْد للْمَرْأَة وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شكّ وَلَو كَانَ الْمُسْتَعِير أَو المعار خُنْثَى امْتنع احْتِيَاطًا وَيكرهُ كَرَاهَة تَنْزِيه اسْتِعَارَة وإعارة فرع أَصله لخدمة واستعارة وإعارة كَافِر مُسلما صِيَانة لَهما عَن الإذلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 تَنْبِيه سكت المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى عَن شُرُوط بَقِيَّة الْأَركان فَيشْتَرط فِي الْمُعير صِحَة تبرعه وَلِأَنَّهَا تبرع بِإِبَاحَة الْمَنْفَعَة فَلَا تصح من صبي وَمَجْنُون ومكاتب بِغَيْر إِذن سَيّده ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه وفلس أَن يكون مُخْتَارًا فَلَا يَصح من مكره وَأَن يكون مَالِكًا لمَنْفَعَة المعار وَإِن لم يكن مَالِكًا للعين لِأَن الْإِعَارَة إِنَّمَا ترد على الْمَنْفَعَة دون الْعين فَتَصِح من مكتر لَا من مستعير لِأَنَّهُ غير مَالك للمنفعة وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ الِانْتِفَاع فَلَا يملك نقل الْإِبَاحَة وَيشْتَرط فِي الْمُسْتَعِير تعْيين وَإِطْلَاق تصرف فَلَا تصح لغير معِين كَأَن قَالَ أعرت أَحَدكُمَا وَلَا لصبي وَمَجْنُون وسفيه إِلَّا بِعقد وليهم إِذا لم تكن الْعَارِية مَضْمُونَة كَأَن اسْتعَار من مُسْتَأْجر وللمستعير إنابة من يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَة لِأَن الِانْتِفَاع رَاجع إِلَيْهِ وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بِالْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاع كأعرتك أَو بِطَلَبِهِ كأعرني مَعَ لفظ الآخر أَو فعله وَإِن تَأَخّر أَحدهمَا عَن الآخر كَمَا فِي الْإِبَاحَة وَفِي معنى اللَّفْظ الْكِتَابَة مَعَ نِيَّة وَإِشَارَة أخرس مفهمة وَلَو قَالَ أعرتك فرسي مثلا لتعلفه بعلفك أَو لتعيرني فرسك فَهُوَ إِجَارَة لَا إِعَارَة نظرا إِلَى الْمَعْنى فَاسِدَة لجَهَالَة الْمدَّة والعوض توجب أُجْرَة الْمثل وَمؤنَة رد المعار على الْمُسْتَعِير من مَالك أَو من نَحْو مكتر إِن رد عَلَيْهِ فَإِن رد على الْمَالِك فالمؤنة عَلَيْهِ كَمَا لَو رد على الْمُكْتَرِي وَخرج بمؤنة رده مُؤْنَته فتلزم الْمَالِك لِأَنَّهَا من حُقُوق الْملك وَإِن خَالف القَاضِي وَقَالَ إِنَّهَا على الْمُسْتَعِير وَتجوز (الْعَارِية مُطلقَة) من غير تَقْيِيد بِزَمن (ومقيدة بِمدَّة) كشهر فَلَا يفْتَرق الْحَال بَينهمَا نعم المؤقتة فَيجوز فِيهَا تَكْرِير الْمُسْتَعِير مَا استعاره لَهُ فَإِذا اسْتعَار أَرضًا لبِنَاء أَو غراس جَازَ لَهُ أَن يَبْنِي أَو يغْرس الْمرة بعد الْأُخْرَى مَا لم تنقص الْمدَّة أَو يرجع الْمُعير وَفِي الْمُطلقَة لَا يفعل ذَلِك إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإِن قلع مَا بناه أَو غرسه لم تكن لَهُ إِعَادَته إِلَّا بِإِذن جَدِيد إِلَّا إِن صرح لَهُ بالتجديد مرّة بعد أُخْرَى وَسَوَاء أَكَانَت الْإِعَارَة مُطلقَة أم مُؤَقَّتَة وَلكُل من الْمُعير أَو الْمُسْتَعِير رُجُوع فِي الْعَارِية مَتى شَاءَ لِأَنَّهَا جَائِزَة من الطَّرفَيْنِ فتنفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة وَنَحْوهَا من موت أَحدهمَا وَغَيره وَيسْتَثْنى من رُجُوع الْمُعير مَا إِذا أعَار أَرضًا لدفن ميت مُحْتَرم فَلَا يرجع الْمُعير فِي مَوْضِعه الَّذِي دفن فِيهِ وَامْتنع أَيْضا على الْمُسْتَعِير ردهَا فَهِيَ لَازِمَة من جهتهما حَتَّى يندرس أثر المدفون إِلَّا عجب الذَّنب وَهُوَ مثل حَبَّة خَرْدَل فِي طرف العصعص لَا يكَاد يتَحَقَّق بِالْمُشَاهَدَةِ مُحَافظَة على حُرْمَة الْمَيِّت وَلَهُمَا الرُّجُوع قبل وَضعه فِي الْقَبْر لَا بعد وَضعه وَإِن لم يوار بِالتُّرَابِ كَمَا رَجحه فِي الشَّرْح الصَّغِير خلافًا للمتولي وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مسَائِل كَثِيرَة مُسْتَثْنَاة من الرُّجُوع فَلَا نطيل بذكرها فَمن أرادها فَلْيُرَاجِعهَا من تِلْكَ الْكتب وَلَكِن الهمم قد قصرت وَإِن أعَار لبِنَاء أَو غراس وَلَو إِلَى مُدَّة ثمَّ رَجَعَ بعد أَن بنى الْمُسْتَعِير أَو غرس فَإِن شَرط عَلَيْهِ قلع ذَلِك لزمَه قلعه فَإِن امْتنع قلعه الْمُعير وَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ ذَلِك فَإِن اخْتَارَهُ الْمُسْتَعِير قلع مجَّانا وَلَزِمَه تَسْوِيَة الأَرْض وَإِن لم يخْتَر قلعه خير الْمُعير بَين ثَلَاثَة أُمُور وَهِي تملكه بِعقد بِقِيمَتِه مُسْتَحقّ الْقلع حِين التَّمَلُّك أَو قلعه بِضَمَان أرش نَقصه أَو تبقيته بِأُجْرَة فَإِن لم يخْتَر الْمُعير شَيْئا ترك حَتَّى يخْتَار أَحدهمَا مَا لَهُ اخْتِيَاره وَلكُل مِنْهُمَا بيع ملكه مِمَّن شَاءَ وَإِذا رَجَعَ الْمُعير قبل إِدْرَاك زرع لم يعْتد قلعه لزمَه تبقيته إِلَى قلعه وَلَو عين مُدَّة وَلم يدْرك فِيهَا لتقصير من الْمُسْتَعِير قلعه الْمُعير مجَّانا كَمَا لَو حمل نَحْو سيل كهواء بذرا إِلَى أرضه فنبت فِيهَا فَإِن لَهُ قلعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 مجَّانا القَوْل فِي ضَمَان الْمُسْتَعَار (وَهِي) أَي الْعين المستعارة (مَضْمُونَة على الْمُسْتَعِير) إِذا تلفت بِغَيْر الِاسْتِعْمَال الْمَأْذُون فِيهِ وَإِن لم يفْرض كتلفها بِآفَة سَمَاوِيَّة لخَبر على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه وَحِينَئِذٍ يضمنهَا (بِقِيمَتِهَا) مُتَقَومَة كَانَت أَو مثلية (يَوْم تلفهَا) هَذَا مَا جزم بِهِ فِي الْأَنْوَار واقتضاه كَلَام جمع وَقَالَ ابْن أبي عصرون يضمن الْمثْلِيّ بالمثلي وَجرى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي على الْقَوَاعِد فَهُوَ الْمُعْتَمد وَلَو اسْتعَار عبدا عَلَيْهِ ثِيَاب لم تكن مَضْمُونَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذهَا وَلم يستعملها بِخِلَاف إكاف الدَّابَّة قَالَه الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ تَنْبِيه يسْتَثْنى من ضَمَان الْعَارِية مسَائِل مِنْهَا جلد الْأُضْحِية الْمَنْذُورَة فَإِن إعارته جَائِزَة وَلَا يضمنهُ الْمُسْتَعِير إِذا تلف فِي يَده وَمِنْهَا الْمُسْتَعَار للرَّهْن إِذا تلف فِي يَد الْمُرْتَهن فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا على الْمُسْتَعِير وَمِنْهَا مَا لَو اسْتعَار صيدا من محرم فَتلف فِي يَده لم يضمنهُ فِي الْأَصَح وَمِنْهَا مَا لَو أَعَارَهُ الإِمَام شَيْئا من بَيت المَال لمن لَهُ حق فِيهِ فَتلف فِي يَد الْمُسْتَعِير لم يضمنهُ وَمِنْهَا مَا لَو اسْتعَار الْفَقِيه كتابا مَوْقُوفا على الْمُسلمين لِأَنَّهُ من جملَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِم أما مَا تلف بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُون فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يضمنهُ للْإِذْن فِيهِ تَتِمَّة لَو قَالَ من فِي يَده عين كدابة وَأَرْض لمَالِكهَا أعرتني ذَلِك فَقَالَ لَهُ مَالِكهَا بل أجرتك أَو غصبتني وَمَضَت مُدَّة لمثلهَا أُجْرَة صدق الْمَالِك كَمَا لَو أكل طَعَام غَيره وَقَالَ كنت أبحته لي وَأنكر الْمَالِك أما إِذا لم تمض مُدَّة لمثلهَا أُجْرَة وَالْعين بَاقِيَة فَيصدق من بِيَدِهِ الْعين بِيَمِينِهِ فِي الأولى وَلَا معنى لهَذَا الِاخْتِلَاف فِي الثَّانِيَة وَلَو ادّعى الْمَالِك الْإِعَارَة وَذُو الْيَد الْغَصْب فَلَا معنى للنزاع فِيمَا إِذا كَانَت الْعين بَاقِيَة وَلم تمض مُدَّة لَهَا أُجْرَة فَإِن مَضَت فذو الْيَد مقرّ بِالْأُجْرَةِ لمنكرها وَلَو اخْتلف الْمُعير وَالْمُسْتَعِير فِي رد الْعَارِية صدق الْمُعير بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عدم الرَّد وَلَو اسْتعْمل الْمُسْتَعِير الْعَارِية جَاهِلا بِرُجُوع الْمُعير لم تلْزمهُ أُجْرَة فَإِن قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 الضَّمَان لَا فرق فِيهِ بَين الْجَهْل وَعَدَمه أُجِيب بِأَن ذَلِك عِنْد عدم تسليط الْمَالِك وَهنا بِخِلَافِهِ وَالْأَصْل بَقَاء السلطنة وَبِأَن الْمَالِك مقصر بترك الْإِعْلَام فصل فِي الْغَصْب وَهُوَ لُغَة أَخذ الشَّيْء ظلما وَقيل أَخذه ظلما جهارا وَشرعا اسْتِيلَاء على حق الْغَيْر بِلَا حق وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} أَي لَا يَأْكُل بَعْضكُم مَال بعض بِالْبَاطِلِ وأخبار كَخَبَر إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَدخل فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور مَا لَو أَخذ مَال غَيره يَظُنّهُ مَاله فَإِنَّهُ غصب وَإِن لم يكن بِهِ إِثْم وَقَول الرَّافِعِيّ إِن الثَّابِت فِي هَذِه حكم الْغَصْب لَا حَقِيقَته مَمْنُوع وَهُوَ نَاظر إِلَى أَن الْغَصْب يَقْتَضِي الْإِثْم مُطلقًا وَلَيْسَ مرَادا وَإِن كَانَ غَالِبا فَلَو ركب دَابَّة لغيره أَو جلس على فرَاشه فغاصب وَإِن لم ينْقل ذَلِك وَلم يقْصد الِاسْتِيلَاء (وَمن غصب مَالا) أَو غَيره (لأحد) وَلَو ذِمِّيا وَكَانَ بَاقِيا (لزمَه رده) على الْفَوْر عِنْد التَّمْكِين وَإِن عظمت الْمُؤْنَة فِي رده وَلَو كَانَ غير مُتَمَوّل كحبة بر أَو كلب يقتنى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه فَلَو لَقِي الْغَاصِب الْمَالِك بمفازة وَالْمَغْصُوب مَعَه فَإِن استرده لم يُكَلف أُجْرَة النَّقْل وَإِن امْتنع فَوَضعه بَين يَدَيْهِ برىء إِن لم يكن لنقله مُؤنَة وَلَو أَخذه الْمَالِك وَشرط على الْغَاصِب مُؤنَة النَّقْل لم يجز لِأَنَّهُ ينْقل ملك نَفسه وَلَو رد الْغَاصِب الدَّابَّة لإصطبل الْمَالِك برىء إِن علم الْمَالِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 بِهِ بمشاهدة أَو إِخْبَار ثِقَة وَلَا يبرأ قبل الْعلم وَلَو غصب من الْمُودع أَو الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن برىء بِالرَّدِّ إِلَى كل من أَخذ مِنْهُ لَا إِلَى الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ غير مَأْذُون لَهُ من جِهَة الْمَالِك فِي الْمُسْتَعِير والمستام وَجْهَان أوجههمَا أَنه يبرأ لِأَنَّهُمَا مَأْذُون لَهما من جِهَة الْمَالِك لكنهما ضامنان تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يجب على الْغَاصِب مَعَ رد الْعين المغتصبة بِحَالِهَا شَيْء وَيسْتَثْنى مَسْأَلَة يجب فِيهَا مَعَ الرَّد الْقيمَة وَهِي مَا لَو غصب أمة فَحملت بَحر فِي يَده ثمَّ ردهَا لمَالِكهَا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ قيمتهَا للْحَيْلُولَة لِأَن الْحَامِل بَحر لاتباع ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ قَالَ وعَلى الْغَاصِب التَّعْزِير لحق الله تَعَالَى واستيفاؤه للْإِمَام وَلَا يسْقط بإبراء الْمَالِك وَيسْتَثْنى من وجوب الرَّد على الْفَوْر مَسْأَلَتَانِ الأولى مَا لَو غصب لوحا وأدرجه فِي سفينة وَكَانَت فِي لجة وَخيف من نَزعه هَلَاك مُحْتَرم فِي السَّفِينَة وَلَو للْغَاصِب على الْأَصَح فَلَا ينْزع فِي هَذِه الْحَالة الثَّانِيَة تَأْخِيره للإشهاد وَإِن طَالبه الْمَالِك فَإِن قيل هَذَا مُشكل لاستمرار الْغَصْب أُجِيب بِأَنَّهُ زمن يسير اغتفر للضَّرُورَة لِأَن الْمَالِك قد يُنكره وَهُوَ لَا يقبل قَوْله فِي الرَّد (و) لزمَه مَعَ رده (أرش نَقصه) أَي نقص عينه كَقطع يَده أَو صفته كنسيان صَنْعَة لَا نقص قِيمَته (و) لزمَه مَعَ الرَّد (و) الْأَرْش (أُجْرَة مثله) لمُدَّة إِقَامَته فِي يَده وَلَو لم يسْتَوْف الْمَنْفَعَة وَلَو تفاوتت الْأُجْرَة فِي الْمدَّة ضمن فِي كل بعض من أبعاض الْمدَّة أُجْرَة مثله فِيهِ وَإِذا وَجَبت أجرته فدخله نقص فَإِن كَانَ بِسَبَب الِاسْتِعْمَال كلبس الثَّوْب وَجب مَعَ الْأُجْرَة أَرْشه على الْأَصَح وَإِن كَانَ بِسَبَب غير الِاسْتِعْمَال كَأَن غصب عبدا فنقصت قِيمَته بِآفَة سَمَاوِيَّة كسقوط عُضْو بِمَرَض وَجب مَعَ الْأُجْرَة الْأَرْش أَيْضا ثمَّ الْأُجْرَة حِينَئِذٍ لما قبل حُدُوث النَّقْص أُجْرَة مثله سليما وَلما بعده أُجْرَة مثله معيبا وَإِطْلَاق المُصَنّف شَامِل لذَلِك كُله (فَإِن تلف) الْمَغْصُوب المتمول عِنْد الْغَاصِب بِآفَة أَو إِتْلَاف كُله أَو بعضه (ضمنه) الْغَاصِب بِالْإِجْمَاع أما غير المتمول كحبة بر وكلب يقتني وزبل وحشرات وَنَحْو ذَلِك فَلَا يضمنهُ وَلَو كَانَ مُسْتَحقّ الزبل قد غرم على نَقله أُجْرَة لم يُوجِبهَا على الْغَاصِب وَيسْتَثْنى من ضَمَان المتمول إِذا تلف مسَائِل مِنْهَا مَا لَو غصب الْحَرْبِيّ مَال مُسلم أَو ذمِّي ثمَّ أسلم أَو عقدت لَهُ ذمَّة بعد التّلف فَإِنَّهُ لَا ضَمَان وَلَو كَانَ بَاقِيا وَجب رده وَمِنْهَا مَا لَو غصب عبدا وَجب قَتله لحق الله تَعَالَى بردة أَو نَحْوهَا فَقتله فَلَا ضَمَان على الْأَصَح وَمِنْهَا مَا لَو قتل الْمَغْصُوب فِي يَد الْغَاصِب واقتص الْمَالِك من الْقَاتِل فَإِنَّهُ لَا شَيْء على الْغَاصِب لِأَن الْمَالِك أَخذ بدله قَالَه فِي الْبَحْر تَنْبِيه قَول المُصَنّف تلف لَا يتَنَاوَل مَا إِذا أتْلفه هُوَ أَو أَجْنَبِي لكنه مَأْخُوذ من بَاب أولى وَلذَا قلت أَو إِتْلَاف لَكِن لَو أتْلفه الْمَالِك فِي يَد الْغَاصِب أَو أتْلفه من لَا يعقل أَو من يرى طَاعَة الْأَمر بِأَمْر الْمَالِك برىء من الضَّمَان نعم لَو صال الْمَغْصُوب على الْمَالِك فَقتله دفعا لصياله لم يبرأ الْغَاصِب سَوَاء أعلم أَنه عَبده أم لَا لِأَن الْإِتْلَاف بِهَذِهِ الْجِهَة كتلف العَبْد نَفسه وَخرج بقولنَا عِنْد الْغَاصِب مَا لَو تلف بعد الرَّد فَإِنَّهُ لَا ضَمَان وَاسْتثنى من ذَلِك مَا لَو رده على الْمَالِك بِإِجَارَة أَو رهن أَو وَدِيعَة وَلم يعلم الْمَالِك فَتلف عِنْد الْمَالِك فَإِن ضَمَانه على الْغَاصِب وَمَا لَو قتل بعد رُجُوعه إِلَى الْمَالِك بردة أَو جِنَايَة فِي يَد الْغَاصِب فَإِنَّهُ يضمنهُ وَيضمن مَغْصُوب تلف (بِمثلِهِ إِن كَانَ لَهُ مثل) مَوْجُود والمثلي مَا حصره كيل أَو وزن وَجَاز السّلم فِيهِ كَمَاء وَلَو أَعلَى وتراب ونحاس ومسك وقطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَإِن لم ينْزع حبه ودقيق ونخالة كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَإِنَّمَا ضمن بِمثلِهِ الْآيَة {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم} وَلِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّالِف وَمَا عدا ذَلِك مُتَقَوّم وَسَيَأْتِي كالمذروع والمعدود وَمَا لَا يجوز السّلم فِيهِ كمعجون وغالية ومعيب وَأورد على التَّعْرِيف الْبر الْمُخْتَلط بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يجوز السّلم فِيهِ مَعَ أَن الْوَاجِب فِيهِ الْمثل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّالِف فَيخرج الْقدر الْمُحَقق مِنْهُمَا وَأجِيب بِأَن إِيجَاب رد مثله لَا يسْتَلْزم كَونه مثلِيا كَمَا فِي إِيجَاب رد مثل الْمُتَقَوم فِي الْقَرْض وَبِأَن امْتنَاع السّلم فِي جملَته لَا يُوجب امْتِنَاعه فِي جزأيه الباقيين بحالهما ورد الْمثل إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَيْهِمَا وَالسّلم فيهمَا جَائِز وَيضمن الْمثْلِيّ بِمثلِهِ فِي أَي مَكَان حل بِهِ وَإِنَّمَا يضمن الْمثْلِيّ بِمثلِهِ إِذا بَقِي لَهُ قيمَة فَلَو أتلف مَاء بمفازة مثلا ثمَّ اجْتمعَا عِنْد نهر وَجَبت قِيمَته بالمفازة وَلَو صَار الْمثْلِيّ مُتَقَوّما أَو مثلِيا أَو الْمُتَقَوم مثلِيا كجعل الدَّقِيق خبْزًا أَو السمسم شيرجا أَو الشَّاة لَحْمًا ثمَّ تلف ضمنه بِمثلِهِ إِلَّا أَن يكون الآخر أَكثر قيمَة فَيضمن بِهِ فِي الثَّانِي وبقيمته فِي الآخرين وَالْمَالِك فِي الثَّانِي مُخَيّر بَين المثلين أما لَو صَار الْمُتَقَوم مُتَقَوّما كإناء نُحَاس صِيغ مِنْهُ حلي فَيجب فِيهِ أقْصَى الْقيم كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا مر وَخرج بِقَيْد الْوُجُود مَا إِذا فقد الْمثل حسا أَو شرعا كَأَن لم يُوجد بمَكَان الْغَصْب وَلَا حواليه أَو وجد بِأَكْثَرَ من ثمن مثله فَيضمن بأقصى قيم الْمَكَان الَّذِي حل بِهِ الْمثْلِيّ من حِين غصب إِلَى حِين فقد الْمثْلِيّ لِأَن وجود الْمثل كبقاء الْعين فِي وجوب تَسْلِيمه فَيلْزمهُ ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَقَوم وَلَا نظر إِلَى مَا بعد الْفَقْد كَمَا لَا نظر إِلَى مَا بعد تلف الْمُتَقَوم وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا لم يكن الْمثل مفقودا عِنْد التّلف كَمَا صوره الْمُحَرر وَإِلَّا ضمن الْأَكْثَر من الْغَصْب إِلَى التّلف (أَو) يضمن الْمَغْصُوب (بِقِيمَتِه إِن لم يكن لَهُ مثل) بِأَن كَانَ مُتَقَوّما فَيلْزمهُ قِيمَته إِن تلف بِإِتْلَاف أَو بِدُونِهِ حَيَوَانا كَانَ أَو غَيره وَلَو مكَاتبا ومستولدة (أَكثر مَا كَانَت من يَوْم) أَي حِين (الْغَصْب إِلَى يَوْم) أَي حِين (التّلف) وَإِن زَاد على دِيَة الْحر لتوجه الرَّد عَلَيْهِ حَال الزِّيَادَة فَيضمن الزَّائِد وَالْعبْرَة فِي ذَلِك بِنَقْد مَكَان التّلف إِن لم يَنْقُلهُ وَإِلَّا فَيتَّجه كَمَا فِي الْكِفَايَة اعْتِبَار نقد أَكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 الْأَمْكِنَة وتضمن أَبْعَاضه بِمَا نقض من الْأَقْصَى إِلَّا إِن أتلفت بِأَن أتلفهَا الْغَاصِب أَو غَيره من رَقِيق وَلها أرش مُقَدّر من حر كيد وَرجل فَيضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ مِمَّا نقص وَنصف قِيمَته لِاجْتِمَاع الشبهين فَلَو نقص بقطعها ثلثا قِيمَته لزماه النّصْف بِالْقطعِ وَالسُّدُس بِالْغَصْبِ نعم إِن قطعهَا الْمَالِك ضمن الْغَاصِب الزَّائِد على النّصْف فَقَط وزوائد الْمَغْصُوب الْمُتَّصِلَة كالسمن والمنفصلة كَالْوَلَدِ مَضْمُونَة على الْغَاصِب كالأصل وَإِن لم يطْلبهَا الْمَالِك بِالرَّدِّ وَيضمن مُتَقَوّم أتلف بِلَا غصب بِقِيمَتِه وَقت تلف لِأَنَّهُ بعده مَعْدُوم وَضَمان الزَّائِد فِي الْمَغْصُوب إِنَّمَا كَانَ بِالْغَصْبِ وَلم يُوجد هُنَا وَلَو أتلف عبدا مغنيا لزمَه تَمام قِيمَته أَو أمة مغنية لم يلْزمه مَا زَاد على قيمتهَا بِسَبَب الْغناء على النَّص الْمُخْتَار فِي الرَّوْضَة لِأَن استماعه مِنْهَا محرم عِنْد خوف الْفِتْنَة وَقَضيته أَن العَبْد الْأَمْرَد الْحسن كَذَلِك فَإِن تلف بسراية جِنَايَة ضمن بالأقصى من الْجِنَايَة إِلَى التّلف لأَنا إِذا اعْتبرنَا الْأَقْصَى بِالْغَصْبِ فَفِي نفس الْإِتْلَاف أولى تَتِمَّة لَو وَقع فصيل فِي بَيت أَو دِينَار فِي محبرة وَلم يخرج الأول إِلَّا بهدم الْبَيْت وَالثَّانِي إِلَّا بِكَسْر المحبرة فَإِن كَانَ الْوُقُوع بتفريط صَاحب الْبَيْت أَو المحبرة فَلَا غرم على مَالك الفصيل وَالدِّينَار وَإِلَّا غرم الْأَرْش فَإِن كَانَ الْوُقُوع بتفريطهما فَالْوَجْه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أَنه إِنَّمَا يغرم النّصْف لاشْتِرَاكهمَا فِي التَّفْرِيط كالمتصادمين وَلَو أدخلت بَهِيمَة رَأسهَا فِي قدر وَلم تخرج إِلَّا بِكَسْرِهَا كسرت لتخليصها وَلَا تذبح المأكولة لذَلِك ثمَّ إِن صحبها مَالِكهَا فَعَلَيهِ الْأَرْش لتَفْرِيطه فَإِن لم يكن مَعهَا فَإِن تعدى صَاحب الْقدر بوضعها بِموضع لَا حق لَهُ فِيهِ أَو لَهُ فِيهِ حق لكنه قدر على دفع الْبَهِيمَة فَلم يَدْفَعهَا فَلَا أرش لَهُ وَلَو تعدى كل من مَالك الْقدر والبهيمة فَحكمه حكم مَا مر عَن الْمَاوَرْدِيّ وَلَو ابتلعت بَهِيمَة جَوْهَرَة لم تذبح لتخليصها وَإِن كَانَت مأكولة بل يغرم مَالِكهَا إِن فرط فِي حفظهَا قيمَة الْجَوْهَرَة للْحَيْلُولَة فَإِن ابتلعت مَا يفْسد بالابتلاع غرم قِيمَته للفيصولة فصل فِي الشُّفْعَة وَهِي إسكان الْفَاء وَحكي ضمهَا لُغَة الضَّم وَشرعا حق تملك قهري يثبت للشَّرِيك الْقَدِيم على الشَّرِيك الْحَادِث فِيمَا ملك بعوض وَالْأَصْل فِيهَا خبر البُخَارِيّ عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي أَرض أَو ربع أَو حَائِط وَالرّبع الْمنزل والحائط الْبُسْتَان وَالْمعْنَى فِيهِ دفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة واستحداث الْمرَافِق كالمصعد وَالْمُنَوّر والبالوعة فِي الْحصَّة الصائرة إِلَيْهِ وَذكرت عقب الْغَصْب لِأَنَّهَا تُؤْخَذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 قهرا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاة من تَحْرِيم أَخذ مَال الْغَيْر قهرا وأركانها ثَلَاثَة آخذ ومأخوذ مِنْهُ ومأخوذ والصيغة إِنَّمَا تجب فِي التَّمَلُّك القَوْل فِي أَرْكَان الشُّفْعَة وأركانها ثَلَاثَة آخذ ومأخود مِنْهُ ومأخوذ والصيغة إِنَّمَا تجب فِي التَّمَلُّك وَبَدَأَ المُصَنّف بِشُرُوط الْآخِذ فَقَالَ (وَالشُّفْعَة وَاجِبَة) أَي ثَابِتَة للشَّرِيك (بالخلطة) أَي خلْطَة الشُّيُوع وَلَو كَانَ الشَّرِيك مكَاتبا أَو غير عَاقل كمسجد لَهُ شقص لم يُوقف بَاعَ شَرِيكه يَأْخُذ لَهُ النَّاظر بِالشُّفْعَة (دون) خلْطَة (الْجوَار) بِكَسْر الْجِيم فَلَا تثبت للْجَار وَلَو ملاصقا لخَبر البُخَارِيّ الْمَار وَمَا ورد فِيهِ مَحْمُول على الْجَار الشَّرِيك جمعا بَين الْأَحَادِيث وَلَو قضى بِالشُّفْعَة للْجَار حَنَفِيّ لم ينْقض حكمه وَلَو كَانَ الْقَضَاء بهَا لشافعي كَنَظِيرِهِ من الْمسَائِل الاجتهادية وَلَا تثبت أَيْضا لِشَرِيك فِي الْمَنْفَعَة فَقَط كَأَن ملكهَا بِوَصِيَّة وَتثبت لذِمِّيّ على مُسلم ومكاتب على سَيّده كعكسهما وَلَو كَانَ لبيت المَال شريك فِي أَرض فَبَاعَ شَرِيكه كَانَ للْإِمَام الْآخِذ بِالشُّفْعَة إِن رَآهُ مصلحَة وَلَا شُفْعَة لصَاحب شقص من أَرض مُشْتَركَة مَوْقُوف عَلَيْهِ إِذا بَاعَ شَرِيكه نصِيبه وَلَا لشَرِيكه إِذا بَاعَ شريك آخر نصِيبه كَمَا أفتى بِهِ البُلْقِينِيّ لِامْتِنَاع قسْمَة الْوَقْف عَن الْملك ولانتفاء ملك الأول عَن الرَّقَبَة نعم على مَا اخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ وَالنَّوَوِيّ من جَوَاز قسمته عَنهُ لَا مَانع من أَخذ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمد إِن كَانَت الْقِسْمَة قسْمَة إِفْرَاز القَوْل فِي شُرُوط الْمَأْخُوذ بِالشُّفْعَة وَيشْتَرط فِي الْمَأْخُوذ وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي أَن يكون (فِيمَا يَنْقَسِم) أَي فِيمَا يقبل الْقِسْمَة إِذا طلبَهَا الشَّرِيك بِأَن لَا يبطل نَفعه الْمَقْصُود مِنْهُ لَو قسم بِأَن يكون بِحَيْثُ ينْتَفع بِهِ بعد الْقِسْمَة من الْوَجْه الَّذِي كَانَ ينْتَفع بِهِ قبلهَا كطاحون وحمام كبيرين وَذَلِكَ لِأَن عِلّة ثُبُوت الشُّفْعَة فِي المنقسم كَمَا مر دفع ضَرَر مُؤنَة الْقِسْمَة وَالْحَاجة إِلَى إِفْرَاد الْحصَّة الصائرة للشَّرِيك بالمرافق وَهَذَا الضَّرَر حَاصِل قبل البيع وَمن حق الرَّاغِب فِيهِ من الشَّرِيكَيْنِ أَن يخلص صَاحبه مِنْهُ بِالْبيعِ لَهُ فَلَمَّا بَاعَ لغيره سلطه الشَّرْع على أَخذه مِنْهُ (دون مَا لَا يَنْقَسِم) بِأَن يبطل نَفعه الْمَقْصُود مِنْهُ لَو قسم كحمام وطاحون صغيرين وَبِذَلِك علم أَن الشُّفْعَة تثبت لمَالِك عشر دَار صَغِيرَة إِن بَاعَ شَرِيكه بقيتها لَا عَكسه لِأَن الأول يجْبر على الْقِسْمَة دون الثَّانِي (و) أَن يكون (فِي كل مَا لَا ينْقل من الأَرْض) بِأَن يكون أَرضًا بتابعها كشجر وثمر غير مؤبر وَبِنَاء وتوابعه من أَبْوَاب وَغَيرهَا غير نَحْو ممر كمجرى نهر لَا غنى عَنهُ فَلَا شُفْعَة فِي بَيت على سقف وَلَو مُشْتَركا وَلَا فِي شجر أفرد بِالْبيعِ أَو بيع مَعَ مغرسه فَقَط وَلَا فِي شجر جَاف شَرط دُخُوله فِي بيع أَرض لانْتِفَاء التّبعِيَّة وَلَا فِي نَحْو ممر دَار لَا غنى عَنهُ فَلَو بَاعَ دَاره وَله شريك فِي ممرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الَّذِي لَا غنى عَنهُ فَلَا شُفْعَة فِيهِ حذرا من الْإِضْرَار بالمشتري بِخِلَاف مَا لَو كَانَ لَهُ غنى عَنهُ بِأَن كَانَ للدَّار ممر آخر أَو أمكنه إِحْدَاث ممر لَهَا إِلَى شَارِع أَو نَحوه وَمثل المُصَنّف لما لَا ينْقل بقوله (كالعقار) بِفَتْح الْعين وَهُوَ اسْم للمنزل وللأرض والضياع كَمَا فِي تَهْذِيب النَّوَوِيّ وتحريره حِكَايَة عَن أهل اللُّغَة (وَغَيره) أَي الْعقار مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كالحمام الْكَبِير إِذا أمكن جعله حمامين وَالْبناء وَالشَّجر تبعا للْأَرْض كَمَا تقدم تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف أَن كل مَا ينْقل لَا يثبت فِيهِ شُفْعَة وَهُوَ كَذَلِك إِن لم يكن تَابعا كَمَا مر وَمن الْمَنْقُول الَّذِي لَا تثبت فِيهِ شُفْعَة الْبناء على الأَرْض المحتكرة فَلَا شُفْعَة فِيهِ كَمَا ذكره الدَّمِيرِيّ وَهِي مَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع وَأَن يملك الْمَأْخُوذ بعوض كمبيع وَمهر وَعوض خلع وَصلح دم فَلَا شُفْعَة فِيمَا لم يملك وَإِن جرى سَبَب ملكه كالجعل قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وَلَا فِيمَا ملك بِغَيْر عوض كإرث وَوَصِيَّة وَهبة بِلَا ثَوَاب وَيشْتَرط فِي الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث تَأَخّر سَبَب ملكه عَن سَبَب ملك الْآخِذ فَلَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه بِشَرْط الْخِيَار لَهُ فَبَاعَ الآخر نصِيبه فِي زمن الْخِيَار بيع بت فَالشُّفْعَة للْمُشْتَرِي الأول وَإِن لم يشفع بَائِعه لتقدم سَبَب ملكه على سَبَب ملك الثَّانِي لَا للثَّانِي وَإِن تَأَخّر عَن ملكه ملك الأول لتأخر سَبَب ملكه عَن سَبَب ملك الأول وَكَذَا لَو باعا مُرَتبا بِشَرْط الْخِيَار لَهما دون المُشْتَرِي سَوَاء أجازا مَعًا أم أَحدهمَا قبل الآخر بِخِلَاف مَا لَو اشْترى اثْنَان دَارا أَو بَعْضهَا مَعًا فَلَا شُفْعَة لأَحَدهمَا على الآخر لعدم السَّبق وَيَأْخُذ الشَّفِيع الشّقص من المُشْتَرِي (بِالثّمن) الْمَعْلُوم (الَّذِي وَقع عَلَيْهِ) عقد (البيع) أَو غَيره فَيَأْخُذ فِي ثمن مثلي كنقد وَحب بِمثلِهِ إِن تيَسّر وَإِلَّا فبقيمته وَفِي مُتَقَوّم كَعبد وثوب بِقِيمَتِه كَمَا فِي الْغَصْب وَتعْتَبر قِيمَته وَقت العقد من بيع وَنِكَاح وخلع وَغَيرهَا لِأَنَّهُ وَقت ثُبُوت الشُّفْعَة وَلِأَن مَا زَاد فِي ملك الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَخير الشَّفِيع فِي ثمن مُؤَجل بَين تَعْجِيله مَعَ أَخذه حَالا وَبَين صبره إِلَى الْحُلُول ثمَّ يَأْخُذ وَإِن حل الْمُؤَجل بِمَوْت الْمَأْخُوذ مِنْهُ لاخْتِلَاف الذمم وَإِن ألزم بِالْأَخْذِ حَالا بنظيره من الْحَال أضرّ بالشفيع لِأَن الْأَجَل يُقَابله قسط من الثّمن وَعلم بذلك أَن الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَو رَضِي بِذِمَّة الشَّفِيع لم يُخَيّر وَهُوَ الْأَصَح وَلَو بيع مثلا شقص وَغَيره كَثوب أَخذ الشّقص بِقدر حِصَّته من الثّمن بِاعْتِبَار الْقيمَة فَلَو كَانَ الثّمن مِائَتَيْنِ وَقِيمَة الشّقص ثَمَانِينَ وَقِيمَة المضموم إِلَيْهِ عشْرين أَخذ الشّقص بأَرْبعَة أَخْمَاس الثّمن وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي بتفريق الصَّفْقَة عَلَيْهِ لدُخُوله فِيهَا عَالما بِالْحَال وَخرج بالمعلوم الَّذِي قدرته فِي كَلَامه مَا إِذا اشْترى بجزاف نَقْدا كَانَ أَو غَيره امْتنع الْأَخْذ بِالشُّفْعَة لتعذر الْوُقُوف على الثّمن وَالْأَخْذ بِالْمَجْهُولِ غير مُمكن وَهَذَا من الْحِيَل المسقطة للشفعة وَهِي مَكْرُوهَة لما فِيهَا من إبْقَاء الضَّرَر وصورها كَثِيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 مِنْهَا أَن يَبِيعهُ الشّقص بِأَكْثَرَ من ثمنه بِكَثِير ثمَّ يَأْخُذ بِهِ عرضا يُسَاوِي مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ عوضا عَن الثّمن أَو يحط عَن المُشْتَرِي مَا يزِيد عَلَيْهِ بعد انْقِضَاء الْخِيَار وَمِنْه أَن يَبِيعهُ بِمَجْهُول مشَاهد ويقبضه ويخلطه بِغَيْرِهِ بِلَا وزن فِي الْمَوْزُون أَو يُنْفِقهُ أَو يتلفه وَمِنْهَا أَن يَشْتَرِي من الشّقص جُزْءا بِقِيمَة الْكل ثمَّ يَهبهُ الْبَاقِي وَمِنْهَا أَن يهب كل من مَالك الشّقص وَآخذه للْآخر بِأَن يهب لَهُ الشّقص بِلَا ثَوَاب ثمَّ يهب لَهُ الآخر قدر قِيمَته فَإِن خشِي عدم الْوَفَاء بِالْهبةِ وكلا أمينين ليقبضاهما مِنْهُمَا مَعًا بِأَن يَهبهُ الشّقص ويجعله فِي يَد أَمِين ليقبضه إِيَّاه ثمَّ يتقابضا فِي حَالَة وَاحِدَة وَمِنْهَا أَن يَشْتَرِي بمتقوم قِيمَته مَجْهُولَة كفص ثمَّ يضيعه أَو يخلطه بِغَيْرِهِ فَإِن كَانَ غَائِبا لم يلْزم البَائِع إِحْضَاره وَلَا الْإِخْبَار بِقِيمَتِه وَلَو عين الشَّفِيع قدر ثمن الشّقص كَقَوْلِه للْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِمِائَة دِرْهَم وَقَالَ المُشْتَرِي لم يكن الثّمن مَعْلُوم الْقدر حلف على نفي الْعلم بِقَدرِهِ لِأَن الأَصْل عدم علمه بِهِ فَإِن ادّعى الشَّفِيع علم المُشْتَرِي بِالثّمن وَلم يعين لَهُ قدرا لم تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لم يدع حَقًا لَهُ تَنْبِيه لَو ظهر الثّمن مُسْتَحقّا بعد الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَإِن كَانَ معينا كَأَن اشْترى بِهَذِهِ الْمِائَة بَطل البيع وَالشُّفْعَة لعدم الْملك وَإِن اشْترى بِثمن فِي الذِّمَّة وَدفع عَمَّا فِيهَا فَخرج الْمَدْفُوع مُسْتَحقّا أبدل الْمَدْفُوع وَبَقِي البيع وَالشُّفْعَة وَإِن دفع الشَّفِيع مُسْتَحقّا لم تبطل الشُّفْعَة وَإِن علم أَنه مُسْتَحقّ لِأَنَّهُ لم يقصر فِي الطّلب وَالْأَخْذ سَوَاء أَخذ بِمعين أم لَا فَإِن كَانَ معينا فِي العقد احْتَاجَ تملكا جَدِيدا وكخروج مَا ذكر مُسْتَحقّا خُرُوجه نُحَاسا وَللْمُشْتَرِي تصرف فِي الشّقص لِأَنَّهُ ملكه وللشفيع فَسخه بِأخذ الشّقص سَوَاء كَانَ فِيهِ شُفْعَة كَبيع أم لَا كوقف وَهبة لِأَن حَقه سَابق على هَذَا التَّصَرُّف وَله أَخذ بِمَا فِيهِ شُفْعَة من التَّصَرُّف كَبيع لذَلِك وَلِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ الْعِوَض فِيهِ أقل أَو من جنس هُوَ عَلَيْهِ أيسر القَوْل فِي طلب الشُّفْعَة على الْفَوْر (وَهِي) أَي الشُّفْعَة بعد علم الشَّفِيع بِالْبيعِ (على الْفَوْر) لِأَنَّهَا حق ثَبت لدفع الضَّرَر فَكَانَ على الْفَوْر كالرد بِالْعَيْبِ وَالْمرَاد بِكَوْنِهَا على الْفَوْر هُوَ طلبَهَا وَإِن تَأَخّر التَّمَلُّك وَاسْتثنى من الْفَوْرِيَّة عشر صور ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج مِنْهَا أَنه لَو قَالَ لم أعلم أَن لي الشُّفْعَة وَهُوَ مِمَّن يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَمِنْهَا مَا لَو قَالَ الْعَاميّ لَا أعلم أَن الشُّفْعَة على الْفَوْر فَإِن الْمَذْهَب هُنَا وَفِي الرَّد بِالْعَيْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 قبُول قَوْله فَإِذا علم بِالْبيعِ مثلا فليبادر عقب علمه بِالشِّرَاءِ على الْعَادة وَلَا يُكَلف البدار على خلَافهَا بالعدو وَنَحْوه بل يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَمَا عده الْعرف تقصيرا وتوانيا كَانَ مسْقطًا ومالا فَلَا (فَإِن أَخّرهَا) أَي الشُّفْعَة مَعَ الْعلم بِالْبيعِ مثلا بِأَن لم يطْلبهَا (مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا) بِأَن لم يكن عذر (بطلت) أَي الشُّفْعَة لتَقْصِيره وَخرج بِالْعلمِ مَا إِذا لم يعلم فَإِنَّهُ على شفعته وَلَو مضى سنُون وَلَا يُكَلف الْإِشْهَاد على الطّلب إِذا سَار طَالبا فِي الْحَال أَو وكل فِي الطّلب فَلَا تبطل شفعته بِتَرْكِهِ وَخرج بِعَدَمِ الْعذر مَا إِذا كَانَ مَعْذُورًا كَكَوْنِهِ مَرِيضا مَرضا يمْنَع من الْمُطَالبَة لَا كصداع يسير أَو كَانَ مَحْبُوسًا ظلما أَو بدين وَهُوَ مُعسر وعاجز عَن الْبَيِّنَة أَو غَائِبا عَن بلد المُشْتَرِي فَلَا تبطل شفعته بِالتَّأْخِيرِ فَإِن كَانَ الْعذر يَزُول عَن قرب كالمصلي والآكل وقاضي الْحَاجة وَالَّذِي فِي الْحمام كَانَ لَهُ التَّأْخِير أَيْضا إِلَى زَوَاله وَلَا يُكَلف الْقطع على خلاف الْعَادة وَلَا يُكَلف الِاقْتِصَار فِي الصَّلَاة على أقل مَا يجزىء بل لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الْمُسْتَحبّ للمنفرد فَإِن زَاد عَلَيْهِ فَالَّذِي يظْهر أَنه لَا يكون عذرا وَلم أر من تعرض لذَلِك وَلَو حضر وَقت الصَّلَاة أَو الطَّعَام أَو قَضَاء الْحَاجة جَازَ لَهُ أَن يقدمهَا وَأَن يلبس ثَوْبه فَإِذا فرغ طَالب بِالشُّفْعَة وَإِن كَانَ فِي ليل فحتى يصبح وَلَو أخر الطّلب بهَا وَقَالَ لم أصدق الْمخبر بِبيع الشَّرِيك الشّقص لم يعْذر إِن أخبرهُ عَدْلَانِ أَو عدل وَامْرَأَتَانِ بذلك وَكَذَا إِن أخبرهُ ثِقَة حر أَو عبد أَو امْرَأَة فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ إِخْبَار وَخبر الثِّقَة مَقْبُول ويعذر فِي خبر من لَا يقبل خَبره كفاسق وَصبي وَلَو مُمَيّزا وَلَو أخبر الشَّفِيع بِالْبيعِ بِأَلف فَترك الشُّفْعَة فَبَان بِخَمْسِمِائَة بَقِي حَقه فِي الشُّفْعَة لِأَنَّهُ لم يتْركهُ زاهدا بل للغلاء فَلَيْسَ مقصرا وَإِن بَان بِأَكْثَرَ مِمَّا أخبر بِهِ بَطل حَقه لِأَنَّهُ إِذا لم يرغب فِيهِ بِالْأَقَلِّ فبالأكثر أولى وَلَو لَقِي الشَّفِيع المُشْتَرِي فَسلم عَلَيْهِ أَو سَأَلَهُ عَن الثّمن أَو قَالَ لَهُ بَارك الله لَك فِي صفقتك لم يبطل حَقه أما فِي الأولى فَلِأَن السَّلَام سنة قبل الْكَلَام وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن جَاهِل الثّمن لَا بُد لَهُ من مَعْرفَته وَقد يُرِيد الْعَارِف إِقْرَار المُشْتَرِي وَأما فِي الثَّالِثَة فَلِأَنَّهُ قد يَدْعُو بِالْبركَةِ ليَأْخُذ صَفْقَة مباركة (وَإِذا تزوج امْرَأَة) أَو خَالعهَا (على شقص) فِيهِ شُفْعَة وَهُوَ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْقَاف اسْم للقطعة من الأَرْض وللطائفة من الشَّيْء كَمَا اتّفق عَلَيْهِ أهل اللُّغَة (أَخذه الشَّفِيع) أَي شريك الْمُصدق أَو المخالع من الْمَرْأَة فِي الأولى وَمن المخالع فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 الثَّانِيَة (بِمهْر الْمثل) مُعْتَبرا بِيَوْم العقد لِأَن الْبضْع مُتَقَوّم وَقِيمَته مهر الْمثل وَتجب فِي الْمُتْعَة مُتْعَة مثلهَا لَا مهر مثلهَا لِأَنَّهَا الْوَاجِبَة بالفراق والشقص عوض عَنْهَا وَلَو اخْتلفَا فِي قدر الْقيمَة الْمَأْخُوذ بهَا الشّقص الْمَشْفُوع صدق الْمَأْخُوذ مِنْهُ بِيَمِينِهِ قَالَه الرَّوْيَانِيّ (وَإِن كَانَ الشفعاء جمَاعَة) من الشُّرَكَاء (استحقوها على قدر الْأَمْلَاك) لِأَنَّهُ حق مُسْتَحقّ بِالْملكِ فقسط على قدره كالأجرة وَالثَّمَرَة فَلَو كَانَت أَرض بَين ثَلَاثَة لوَاحِد نصفهَا وَلآخر ثلثهَا وَلآخر سدسها فَبَاعَ الأول حِصَّته أَخذ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِث سَهْما وَهَذَا مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَقيل يَأْخُذُونَ بِعَدَد الرؤوس وَاعْتَمدهُ جمع من الْمُتَأَخِّرين وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ إِن الأول خلاف مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ بعض حِصَّته لرجل ثمَّ بَاقِيهَا لآخر فَالشُّفْعَة فِي الْبَعْض الأول للشَّرِيك الْقَدِيم لانفراده بِالْحَقِّ فَإِن عَفا عَنهُ شَاركهُ المُشْتَرِي الأول فِي الْبَعْض الثَّانِي لِأَنَّهُ صَار شَرِيكا مثله قبل البيع الثَّانِي فَإِن لم يعف عَنهُ بل أَخذه لم يُشَارِكهُ فِيهِ لزوَال ملكه وَلَو عَفا أحد شفيعين عَن حَقه أَو بعضه سقط حَقه كالقود وَأخذ الآخر الْكل أَو تَركه فَلَا يقْتَصر على حِصَّته لِئَلَّا تتبعض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي أَو جضر أَحدهمَا وَغَابَ الآخر أخر الْأَخْذ إِلَى حُضُور الْغَائِب لعذره فِي أَن لَا يَأْخُذ مَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَو أَخذ الْكل فَإِذا حضر الْغَائِب شَاركهُ فِيهِ لِأَن الْحق لَهما فَلَيْسَ للحاضر الِاقْتِصَار على حِصَّته لِئَلَّا تتبعض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي لَو لم يَأْخُذهُ الْغَائِب وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِر من الْمَنَافِع كالأجرة وَالثَّمَرَة لَا يزاحمه فِيهِ الْغَائِب وتتعدد الشُّفْعَة بِتَعَدُّد الصَّفْقَة أَو الشّقص فَلَو اشْترى اثْنَان من وَاحِد شِقْصا أَو اشْتَرَاهُ وَاحِد من اثْنَيْنِ فَللشَّفِيع أَخذ نصيب أَحدهمَا وَحده لانْتِفَاء تبعيض الصَّفْقَة على المُشْتَرِي أَو وَاحِد شقصين من دارين فَللشَّفِيع أَخذ أَحدهمَا لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى تبعيض شَيْء وَاحِد فِي صَفْقَة وَاحِدَة تَتِمَّة لَو كَانَ لمشتر حِصَّة فِي أَرض كَأَن كَانَت بَين ثَلَاثَة أَثلَاثًا فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه لأحد صَاحِبيهِ اشْترك مَعَ الشَّفِيع فِي الْمَبِيع بِقدر حِصَّته لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشّركَة فَيَأْخُذ الشَّفِيع فِي الْمِثَال السُّدس لَا جَمِيع الْمَبِيع كَمَا لَو كَانَ المُشْتَرِي أَجْنَبِيّا وَلَا يشْتَرط فِي ثُبُوت الشُّفْعَة حكم بهَا من حَاكم لثبوتها بِالنَّصِّ وَلَا حُضُور ثمن كَالْبيع وَلَا حُضُور مُشْتَر وَلَا رِضَاهُ كالرد بِعَيْب وَشرط فِي تملك بهَا رُؤْيَة شَفِيع الشّقص وَعلمه بِالثّمن كالمشتري وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي مَنعه من رُؤْيَته وَشرط فِيهِ أَيْضا لفظ يشْعر بالتملك وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كتملكت أَو أخذت بِالشُّفْعَة مَعَ قبض مُشْتَر الثّمن أَو مَعَ رِضَاهُ بِكَوْن الثّمن فِي ذمَّة الشَّفِيع وَلَا رَبًّا أَو مَعَ حكم لَهُ بِالشُّفْعَة إِذا حضر مَجْلِسه وَأثبت حَقه فِيهَا وَطَلَبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 فصل فِي الْقَرَاض وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع سمي بذلك لِأَن الْمَالِك قطع لِلْعَامِلِ قِطْعَة من مَاله يتَصَرَّف فِيهَا وَقطعَة من الرِّبْح وَيُسمى أَيْضا مُضَارَبَة ومقارضة وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْحَاجة وَاحْتج لَهُ الْمَاوَرْدِيّ بقوله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} وَبِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَارب لِخَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بمالها إِلَى الشَّام وأنفذت مَعَه عَبدهَا ميسرَة وَحَقِيقَته تَوْكِيل مَالك بِجعْل مَاله بيد آخر ليتجر فِيهِ وَالرِّبْح مُشْتَرك بَينهمَا القَوْل فِي أَرْكَان الْقَرَاض وأركانه سِتَّة مَالك وعامل وَعمل وَربح وَصِيغَة وَمَال وَيعرف بَعْضهَا من كَلَام المُصَنّف وباقيها من شَرحه (وللقراض أَرْبَعَة شَرَائِط) الأول (أَن يكون) عقده (على ناض) بِالْمدِّ وَتَشْديد الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا ضرب (من الدَّرَاهِم) الْفضة الْخَالِصَة (و) من (الدَّنَانِير) الْخَالِصَة وَفِي هَذِه إِشَارَة إِلَى أَن شَرط المَال الَّذِي هُوَ أحد الْأَركان أَن يكون نَقْدا خَالِصا وَلَا بُد أَن يكون مَعْلُوما جِنْسا وَقدرا وَصفَة وَأَن يكون معينا بيد الْعَامِل فَلَا يَصح على عرض وَلَو فُلُوسًا وتبرا وحليا وَمَنْفَعَة لِأَن فِي الْقَرَاض إغرارا إِذْ الْعَمَل فِيهِ غير مضبوط وَالرِّبْح غير موثوق بِهِ وَإِنَّمَا جوز للْحَاجة فاختص بِمَا يروج بِكُل حَال وتسهل التِّجَارَة بِهِ وَلَا على نقد مغشوش وَلَو رائجا لانْتِفَاء خلوصه نعم إِن كَانَ غشه مُسْتَهْلكا جَازَ قَالَه الْجِرْجَانِيّ وَلَا على مَجْهُول جِنْسا أَو قدرا أَو صفة وَلَا على غير معِين كَأَن قارضه على مَا فِي الذِّمَّة من دين أَو غَيره وَكَأن قارضه على إِحْدَى صرتين وَلَو متساويتين وَلَا يَصح بِشَرْط كَون المَال بيد غير الْعَامِل كالمالك ليوفي مِنْهُ ثمن مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِل لِأَنَّهُ قد لَا يجده عِنْد الْحَاجة وَشرط فِي الْمَالِك مَا شَرط فِي مُوكل وَفِي الْعَامِل مَا شَرط فِي وَكيل وهما الركنان الْأَوَّلَانِ لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل وتوكل وَأَن يسْتَقلّ الْعَامِل بِالْعَمَلِ ليتَمَكَّن من الْعَمَل مَتى شَاءَ فَلَا يَصح شَرط عمل غَيره مَعَه لِأَن انقسام الْعَمَل يَقْتَضِي انقسام الْيَد وَيصِح شَرط إِعَانَة مَمْلُوك الْمَالِك مَعَه فِي الْعَمَل وَلَا يَد للمملوك لِأَنَّهُ مَال فَجعل عمله تبعا لِلْمَالِ وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما بِرُؤْيَة أَو وصف وَإِن شرطت نَفَقَته عَلَيْهِ جَازَ (و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن يَأْذَن رب المَال لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّف) فِي البيع وَالشِّرَاء (مُطلقًا) وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى الرُّكْن الرَّابِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وَهُوَ الْعَمَل فشرطه أَن يكون فِي تِجَارَة وَأَشَارَ بقوله مُطلقًا إِلَى اشْتِرَاط أَن لَا يضيق الْعَمَل على الْعَامِل فَلَا يَصح على شِرَاء بر يطحنه ويخبزه أَو غزل ينسجه ويبيعه لِأَن الطَّحْن وَمَا مَعَه أَعمال لَا تسمى تِجَارَة بل أَعمال مضبوطة يسْتَأْجر عَلَيْهَا وَلَا على شِرَاء مَتَاع معِين كَقَوْلِه وَلَا تشتر إِلَّا هَذِه السّلْعَة لِأَن الْمَقْصُود من العقد حُصُول الرِّبْح وَقد لَا يحصل فِيمَا يُعينهُ فيختل العقد (أَو) أَي لَا يضر فِي العقد إِذْنه (فِيمَا لَا يَنْقَطِع وجوده غَالِبا) كالبر ويضر فِيمَا ينْدر وجوده كالياقوت الْأَحْمَر وَالْخَيْل البلق لحُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِي الأول دون الثَّانِي وَلَا يَصح على مُعَاملَة شخص كَقَوْلِه وَلَا تبع إِلَّا لزيد أَو لَا تشتر إِلَّا مِنْهُ (و) الشَّرْط الثَّالِث وَهُوَ الرُّكْن الْخَامِس (أَن يشْتَرط) الْمَالِك (لَهُ) أَي لِلْعَامِلِ فِي صلب العقد (جُزْءا) وَلَو قَلِيلا (مَعْلُوما) لَهما (من الرِّبْح) بجزأيه كَنِصْف أَو ثلث فَلَا يَصح الْقَرَاض على أَن لأَحَدهمَا معينا أَو مُبْهما الرِّبْح أَو أَن لغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئا لعدم كَونه لَهما والمشروط لمملوك أَحدهمَا كالمشروط لَهُ فَيصح فِي الثَّانِيَة دون الأولى أَو على أَن لأَحَدهمَا شركَة أَو نَصِيبا فِيهِ للْجَهْل بِحِصَّة الْعَامِل أَو على أَن لأَحَدهمَا عشرَة أَو ربح صنف لعدم الْعلم بالجزئية وَلِأَنَّهُ قد لَا يربح غير الْعشْرَة أَو غير ربح ذَلِك الصِّنْف فيفوز أَحدهمَا بِجَمِيعِ الرِّبْح أَو على أَن للْمَالِك النّصْف مثلا لِأَن الرِّبْح فَائِدَة رَأس المَال فَهُوَ للْمَالِك إِلَّا مَا ينْسب مِنْهُ لِلْعَامِلِ وَلم ينْسب لَهُ شَيْء مِنْهُ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ على أَن لِلْعَامِلِ النّصْف مثلا فَيصح وَيكون الْبَاقِي للْمَالِك لِأَنَّهُ بَين مَا لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي للْمَالِك بِحكم الأَصْل وَصَحَّ فِي قَوْله قارضتك وَالرِّبْح بَيْننَا وَكَانَ نِصْفَيْنِ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَين زيد وَعَمْرو وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن السَّادِس مَا مر فِيهَا فِي البيع بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا عقد مُعَاوضَة كقارضتك أَو عاملتك فِي كَذَا على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَقبل الْعَامِل لفظا (و) الرَّابِع من الشُّرُوط (أَن لَا يقدر) أَحدهمَا الْعَمَل (بِمدَّة) كَسنة سَوَاء أسكت أم مَنعه التَّصَرُّف أم البيع بعْدهَا أم الشِّرَاء لاحْتِمَال عدم حُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِيهَا فَإِن مَنعه الشِّرَاء فَقَط بعد مُدَّة كَقَوْلِه وَلَا تشتر بعد سنة صَحَّ لحُصُول الاسترباح بِالْبيعِ الَّذِي لَهُ فعله بعْدهَا وَمحله كَمَا قَالَ الإِمَام أَن تكون الْمدَّة يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاء لغَرَض الرِّبْح بِخِلَاف نَحْو سَاعَة تَنْبِيه قد علم من امْتنَاع التَّأْقِيت امْتنَاع التَّعْلِيق لِأَن التَّأْقِيت أسهل مِنْهُ بِدَلِيل احْتِمَاله فِي الْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَيمْتَنع أَيْضا تَعْلِيق التَّصَرُّف بِخِلَاف الْوكَالَة لمنافاته غَرَض الرِّبْح وَيجوز تعدد كل من الْمَالِك وَالْعَامِل فللمالك أَن يقارض اثْنَيْنِ مُتَفَاضلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 ومتساويا فِي الْمَشْرُوط لَهما من الرِّبْح كَأَن يشرط لأَحَدهمَا ثلث الرِّبْح وَللْآخر الرّبع أَو يشرط لَهما النّصْف بِالسَّوِيَّةِ سَوَاء أشرط على كل مِنْهُمَا مُرَاجعَة الآخر أم لَا ولمالكين أَن يقارضا وَاحِدًا وَيكون الرِّبْح بعد نصيب الْعَامِل بَينهمَا بِحَسب المَال فَإِذا شرطا لِلْعَامِلِ نصف الرِّبْح وَمَال أَحدهمَا مِائَتَان وَمَال الآخر مائَة قسم النّصْف الآخر أَثلَاثًا فَإِن شرطا غير مَا تَقْتَضِيه النِّسْبَة فسد العقد وَإِن فسد قِرَاض صَحَّ تصرف الْعَامِل للْإِذْن فِيهِ وَالرِّبْح كُله للْمَالِك لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَعَلِيهِ لِلْعَامِلِ إِن لم يقل وَالرِّبْح لي أُجْرَة مثله لِأَنَّهُ لم يعْمل مجَّانا وَقد فَاتَهُ الْمُسَمّى ويتصرف الْعَامِل وَلَو بِعرْض بمصلحة لِأَن الْعَامِل فِي الْحَقِيقَة وَكيل لَا بِغَبن فَاحش وَلَا بنسيئة بِلَا إِذن وَلكُل من الْمَالِك وَالْعَامِل رد بِعَيْب إِن فقدت مصلحَة الْإِبْقَاء فَإِن اخْتلفَا عمل بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِك وَلَا يُعَامل الْعَامِل الْمَالِك كَأَن يَبِيعهُ شَيْئا من مَال الْقَرَاض لِأَن المَال لَهُ وَلَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من مَال الْقَرَاض رَأس مَال وربحا وَلَا يَشْتَرِي زوج الْمَالِك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَا من يعْتق عَلَيْهِ لكَونه بعضه بِلَا إِذن مِنْهُ فَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذْنه لم يَصح الشِّرَاء فِي غير الأولى وَلَا فِي الزَّائِد فِيهَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الزَّائِد فِيهَا ولتضرره بانفساخ النِّكَاح وتفويت المَال فِي غَيرهَا إِلَّا إِن اشْترى فِي ذمَّته فَيَقَع لِلْعَامِلِ وَلَا يُسَافر بِالْمَالِ بِلَا إِذن لما فِيهِ من الْخطر فَإِن أذن لَهُ جَازَ لَكِن لَا يجوز فِي الْبَحْر إِلَّا بِنَصّ عَلَيْهِ وَلَا يمون مِنْهُ نَفسه حضرا وَلَا سفرا وَعَلِيهِ فعل مَا يعْتَاد فعله كطي ثوب وَوزن خَفِيف كذهب القَوْل فِي ضَمَان مَال الْقَرَاض (وَلَا ضَمَان على الْعَامِل) بِتَلف المَال أَو بعضه لِأَنَّهُ أَمِين فَلَا يضمن (إِلَّا بعدوان) مِنْهُ كتفريط أَو سفر فِي بر أَو بَحر بِغَيْر إِذن وَيقبل قَوْله فِي التّلف إِذا أطلق فَإِن أسْندهُ إِلَى سَبَب فعلى التَّفْصِيل الْآتِي فِي الْوَدِيعَة وَيملك الْعَامِل حِصَّته من الرِّبْح بقسمة لَا بِظُهُور لِأَنَّهُ لَو ملكهَا بالظهور لَكَانَ شَرِيكا فِي المَال فَيكون النَّقْص الْحَاصِل بعد ذَلِك محسوبا عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِنَّمَا يسْتَقرّ ملكه بِالْقِسْمَةِ إِن نض رَأس المَال وَفسخ العقد حَتَّى لَو حصل بعد الْقِسْمَة فَقَط نقص جبر بِالرِّبْحِ الْمَقْسُوم ويستقر ملكه أَيْضا بنضوض المَال وَالْفَسْخ بِلَا قسْمَة وللمالك مَا حصل من مَال قِرَاض كثمر ونتاج وَكسب وَمهر وَغَيرهَا من سَائِر الزَّوَائِد العينية الْحَاصِلَة بِغَيْر تصرف الْعَامِل لِأَنَّهُ لَيْسَ من فَوَائِد التِّجَارَة (وَإِذا حصل) فِيمَا بِيَدِهِ من المَال (ربح وخسران) بعده بِسَبَب رخص أَو عيب حَادث (جبر الخسران) الْحَاصِل برخص أَو عيب حَادث (بِالرِّبْحِ) لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وَكَذَا لَو تلف بعضه بِآفَة سَمَاوِيَّة بعد تصرف الْعَامِل بِبيع أَو شِرَاء قِيَاسا على مَا مر وَلَو أَخذ الْمَالِك بعضه قبل ظُهُور ربح وخسر رَجَعَ رَأس المَال للْبَاقِي بعد الْمَأْخُوذ أَو أَخذ بعضه بعد ظُهُور ربح فَالْمَال الْمَأْخُوذ ربح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَرَأس مَال مِثَاله المَال مائَة وَالرِّبْح عشرُون وَأخذ عشْرين فسدسها وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث من الرِّبْح لِأَن الرِّبْح سدس المَال فيستقر لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوط لَهُ مِنْهُ وَهُوَ وَاحِد وَثُلُثَانِ إِن شَرط لَهُ نصف الرِّبْح أَو أَخذ بعضه بعد ظُهُور خسر فالخسر موزع على الْمَأْخُوذ وبالباقي مِثَاله المَال مائَة والخسر عشرُون وَأخذ عشْرين فحصتها من الخسر ربع الخسر فَكَأَنَّهُ أَخذ خَمْسَة وَعشْرين فَيَعُود رَأس المَال إِلَى خَمْسَة وَسبعين وَيصدق الْعَامِل فِي عدم الرِّبْح وَفِي قدره لموافقته فِيمَا نَفَاهُ للْأَصْل وَفِي شِرَاء لَهُ أَو للقراض وَإِن كَانَ خاسرا وَلَو اخْتلفَا فِي الْقدر الْمَشْرُوط لَهُ تحَالفا كاختلاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن وللعامل بعد الْفَسْخ أُجْرَة الْمثل وَيصدق فِي دَعْوَى رد المَال للْمَالِك لِأَنَّهُ ائتمنه كَالْمُودعِ بِخِلَاف نَظِيره فِي الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر فَائِدَة كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر القَوْل فِي الْقَرَاض عقد جَائِز تَتِمَّة الْقَرَاض جَائِز من الطَّرفَيْنِ لكل من الْمَالِك وَالْعَامِل فَسخه مَتى شَاءَ وينفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة كموت أَحدهمَا وجنونه لما مر أَنه تَوْكِيل وتوكل ثمَّ بعد الْفَسْخ أَو الِانْفِسَاخ يلْزم الْعَامِل اسْتِيفَاء الدّين لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبضته ورد قدر رَأس المَال لمثله بِأَن ينضضه وَإِن كَانَ قد بَاعه بِنَقْد على غير صفته أَو لم يكن ربح لِأَنَّهُ فِي عُهْدَة رد رَأس المَال كَمَا أَخذه هَذَا إِذا طلب الْمَالِك الِاسْتِيفَاء أَو التنضيض وَإِلَّا فَلَا يلْزمه ذَلِك إِلَّا أَن يكون لمحجور عَلَيْهِ وحظه فِيهِ وَلَو تعاقدا على نقد وَتصرف فِيهِ الْعَامِل فَأبْطل السُّلْطَان ذَلِك النَّقْد ثمَّ فسخ العقد فَلَيْسَ للْمَالِك على الْعَامِل إِلَّا مثل النَّقْد الْمَعْقُود عَلَيْهِ على الصَّحِيح فِي الزَّوَائِد فصل فِي الْمُسَاقَاة وَهِي لُغَة مَأْخُوذَة من السَّقْي بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْقَاف الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِيهَا غَالِبا لَا سِيمَا فِي الْحجاز فَإِنَّهُم يسقون من الْآبَار لِأَنَّهُ أَنْفَع أَعمالهَا وحقيقتها أَن يُعَامل غَيره على نخل أَو شجر عِنَب ليتعهده بالسقي والتربية على أَن الثَّمَرَة لَهما وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل أهل خَيْبَر وَفِي رِوَايَة دفع إِلَى يهود خَيْبَر نخلها وأرضها بِشَطْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 مَا يخرج مِنْهَا من ثَمَر أَو زرع وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا لِأَن مَالك الْأَشْجَار قد لَا يحسن تعهدها أَو لَا يتفرغ لَهُ وَمن يحسن ويتفرغ قد لَا يملك الْأَشْجَار فَيحْتَاج ذَلِك إِلَى الِاسْتِعْمَال وَهَذَا إِلَى الْعَمَل وَلَو اكترى الْمَالِك لَزِمته الْأُجْرَة فِي الْحَال وَقد لَا يحصل لَهُ شَيْء من الثِّمَار ويتهاون الْعَامِل فدعَتْ الْحَاجة إِلَى تجويزها وأركانها سِتَّة عاقدان وَعمل وثمر وَصِيغَة ومورد الْعَمَل وَالْمُصَنّف ذكر بَعْضهَا وَنَذْكُر الْبَاقِي فِي الشَّرْح (وَالْمُسَاقَاة جَائِزَة) للْحَاجة إِلَيْهَا كَمَا مر وَلَا يَصح عقدهَا إِلَّا (على) شجر (النّخل وَالْكَرم) هَذَا أحد الْأَركان وَهُوَ المورد أما النّخل فللخبر السَّابِق وَلَو ذُكُورا كَمَا اقْتَضَاهُ إِطْلَاق المُصَنّف وَصرح بِهِ الْخفاف وَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مغروسا معينا مرئيا بيد عَامل لم يبد صَلَاحه وَمثله الْعِنَب لِأَنَّهُ فِي معنى النّخل بِجَامِع وجوب الزَّكَاة وَتَأْتِي الْخرص وَتَسْمِيَة الْعِنَب بِالْكَرمِ ورد النَّهْي عَنْهَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسموا الْعِنَب كرما إِنَّمَا الْكَرم الرجل الْمُسلم رَوَاهُ مُسلم وَاخْتلفُوا أَيهمَا أفضل وَالرَّاجِح أَن النّخل أفضل لوُرُود أكْرمُوا عماتكم النّخل المطعمات فِي الْمحل وَأَنَّهَا خلقت من طِينَة آدم وَالنَّخْل مقدم على الْعِنَب فِي جَمِيع الْقُرْآن وَشبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخْلَة بِالرجلِ الْمُؤمن فَإِنَّهَا تشرب برأسها وَإِذا قطعت مَاتَت وَينْتَفع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَشبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين الدَّجَّال بِحَبَّة الْعِنَب لِأَنَّهَا أصل الْخمر وَهِي أم الْخَبَائِث فَلَا تصح الْمُسَاقَاة على غير نخل وعنب اسْتِقْلَالا كتين وتفاح ومشمش وبطيخ لِأَنَّهُ يَنْمُو من غير تعهد بِخِلَاف النّخل وَالْعِنَب وَلَا على غير مرئي وَلَا على مُبْهَم كَأحد البستانين كَمَا فِي سَائِر عُقُود الْمُعَاوضَة وَلَا على كَونه بيد غير الْعَامِل كَأَن جعل بِيَدِهِ وبيد الْمَالِك كَمَا فِي الْقَرَاض وَلَا على ودي يغرسه ويتعهده وَالثَّمَرَة بَينهمَا كَمَا لَو سلمه بذرا ليزرعه وَلِأَن الْغَرْس لَيْسَ عمل الْمُسَاقَاة فضمه إِلَيْهِ يُفْسِدهَا وَلَا على مَا بدا صَلَاح ثمره لفَوَات مُعظم الْأَعْمَال وَشرط فِي الْعَاقِدين وهما الرُّكْن الثَّانِي وَالثَّالِث مَا مر فيهمَا فِي الْقَرَاض وَتقدم بَيَانه وَشريك مَالك كأجنبي فَتَصِح مساقاته لَهُ إِن شَرط لَهُ زِيَادَة على حِصَّته وَشرط فِي الْعَمَل وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع أَن لَا يشْتَرط على الْعَاقِد مَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَو شَرط ذَلِك كَأَن شَرط على الْعَامِل أَن يَبْنِي جِدَار الحديقة أَو على الْمَالِك تنقية النَّهر لم يَصح العقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَشرط فِي الثَّمر وَهُوَ الرُّكْن الْخَامِس شُرُوط ذكر المُصَنّف مِنْهَا شرطين بقوله (وَلها شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يقدرها) العاقدان (بِمدَّة مَعْلُومَة) يُثمر فِيهَا الشّجر غَالِبا كَسنة أَو أَكثر كَالْإِجَارَةِ فَلَا تصح مُؤَبّدَة وَلَا مُطلقَة وَلَا مُؤَقَّتَة بِإِدْرَاك الثَّمر للْجَهْل بوقته فَإِنَّهُ يتَقَدَّم تَارَة ويتأخر أُخْرَى وَلَا مُؤَقَّتَة بِزَمن لَا يُثمر فِيهِ الشّجر غَالِبا لخلو الْمُسَاقَاة عَن الْعِوَض وَلَا أُجْرَة لِلْعَامِلِ إِن علم أَو ظن أَنه لَا يُثمر فِي ذَلِك الزَّمن وَإِن اسْتَوَى الاحتمالان أَو جهل الْحَال فَلهُ أجرته لِأَنَّهُ عمل طامعا وَإِن كَانَت الْمُسَاقَاة بَاطِلَة (و) الشَّرْط (الثَّانِي أَن يعين) الْمَالِك (لِلْعَامِلِ جُزْءا) كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا (مَعْلُوما) كالثلث (من الثَّمَرَة) الَّتِي أوقع عَلَيْهَا العقد وَالشّرط الثَّالِث اختصاصهما بالثمرة فَلَا يجوز شَرط بَعْضهَا لغَيْرِهِمَا وَلَا كلهَا للْمَالِك قَالَ فِي الرَّوْضَة وَفِي اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة عِنْد شَرط الْكل للْمَالِك وَجْهَان كالقراض أصَحهمَا الْمَنْع وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن السَّادِس مَا مر فِيهَا فِي البيع غير عدم التَّأْقِيت بِقَرِينَة مَا مر آنِفا كساقيتك أَو عاملتك على هَذَا على أَن الثَّمَرَة بَيْننَا فَيقبل الْعَامِل لَا تَفْصِيل أَعمال بِنَاحِيَة بهَا عرف غَالب فِي الْعَمَل عرفه العاقدان فَلَا يشْتَرط فَإِن لم يكن فِيهَا عرف غَالب أَو كَانَ وَلم يعرفاه اشْترط وَيحمل الْمُطلق على الْعرف الْغَالِب الَّذِي عرفاه فِي نَاحيَة (ثمَّ الْعَمَل فِيهَا على ضَرْبَيْنِ) هَذَا شُرُوع فِي بَيَان حكمهَا الأول (عمل يعود نَفعه على الثَّمَرَة) لزيادتها أَو صَلَاحهَا أَو يتَكَرَّر كل سنة كسقي وتنقية مجْرى المَاء من طين وَنَحْوه وَإِصْلَاح أجاجين يقف فِيهَا المَاء حول الشّجر ليشربه شبهت بأجاجين الغسيل جمع إجانة وتلقيح النّخل وتنحية حشيش وقضبان مضرَّة بِالشَّجَرِ وتعريش للعنب إِن جرت بِهِ عَادَة وَهُوَ أَن ينصب أَعْوَاد أَو يظللها وَيَرْفَعهُ عَلَيْهَا ويحفظ الثَّمر على الشّجر وَفِي البيدر عَن السّرقَة وَالشَّمْس وَالطير بِأَن يَجْعَل كل عنقود فِي وعَاء يهيئه الْمَالِك كقوصره وقطعه وتجفيفه (فَهُوَ) كُله (على الْعَامِل) دون الْمَالِك لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك فِي الْمُسَاقَاة قَالَ فِي الرَّوْضَة وَإِنَّمَا اعْتبر التّكْرَار لِأَن مَا لَا يتَكَرَّر يبْقى أَثَره بعد فرَاغ الْمُسَاقَاة وتكليف الْعَامِل مثل هَذَا إجحاف بِهِ (و) الضَّرْب الثَّانِي (عمل يعود نَفعه إِلَى الأَرْض) من غير أَن يتَكَرَّر كل سنة وَلَكِن يقْصد بِهِ حفظ الْأُصُول كبناء حيطان الْبُسْتَان وحفر نهر وَإِصْلَاح مَا انهار من النَّهر وَنصب الْأَبْوَاب والدولاب وَنَحْو ذَلِك وآلات الْعَمَل كالفأس والمعول والمنجل والطلع الَّذِي يلقح بِهِ النّخل والبهيمة الَّتِي تدير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الدولاب (فَهُوَ) كُله (على رب المَال) دون الْعَامِل لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وَيملك الْعَامِل حِصَّته من الثَّمر بالظهور إِن عقد قبل ظُهُوره وَفَارق الْقَرَاض حَيْثُ لَا يملك فِيهِ الرِّبْح إِلَّا بِالْقِسْمَةِ كَمَا مر بِأَن الرِّبْح وقاية لرأس المَال وَالثَّمَر لَيْسَ وقاية للشجر أما إِذا عقد بعد ظُهُوره فيملكها بِالْعقدِ وَخرج بالثمر الْجَدِيد والكرناف والليف فَلَا يكون مُشْتَركا بَينهمَا بل يخْتَص بِهِ الْمَالِك كَمَا جزم بِهِ فِي الْمطلب تبعا للماوردي وَغَيره قَالَ وَلَو شَرط جعله بَينهمَا على حسب مَا شرطاه فِي الثَّمر فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي اه وَالظَّاهِر مِنْهُمَا الصِّحَّة كَمَا نَقله الزَّرْكَشِيّ وَغَيره عَن الصَّيْمَرِيّ وَلَو شَرطهَا لِلْعَامِلِ بَطل قطعا وعامل الْمُسَاقَاة أَمِين بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب وَلَا يَصح كَون الْعِوَض غير الثَّمر فَلَو ساقاه بِدَرَاهِم أَو غَيرهمَا لم تَنْعَقِد مُسَاقَاة وَلَا إِجَارَة إِلَّا إِن فصل الْأَعْمَال وَكَانَت مَعْلُومَة وَلَو ساقاه على نوع بِالنِّصْفِ على أَن يساقيه على آخر بِالثُّلثِ فسد الأول للشّرط الْفَاسِد وَأما الثَّانِي فَإِن عقده جَاهِلا بِفساد الأول فَكَذَلِك وَإِلَّا فَيصح تَتِمَّة الْمُسَاقَاة لَازِمَة كَالْإِجَارَةِ فَلَو هرب الْعَامِل أَو عجز بِمَرَض أَو نَحوه قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وتبرع غَيره بِالْعَمَلِ بِنَفسِهِ أَو بِمَالِه بَقِي حق الْعَامِل فَإِن لم يتَبَرَّع غَيره وَرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم اكترى الْحَاكِم عَلَيْهِ من يعْمل بعد ثُبُوت الْمُسَاقَاة وهرب الْعَامِل مثلا وَتعذر إِحْضَاره من مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا اكترى بمؤجل إِن تَأتي نعم إِن كَانَت الْمُسَاقَاة على الْعين فَالَّذِي جزم بِهِ صَاحب الْعين الْيُمْنَى والنشائي أَنه لَا يكترى عَلَيْهِ لتمكن الْمَالِك من الْفَسْخ ثمَّ إِن تعذر اكتراؤه اقْترض عَلَيْهِ من الْمَالِك أَو غَيره ويوفي نصِيبه من الثَّمر ثمَّ إِن تعذر اقتراضه عمل الْمَالِك بِنَفسِهِ أَو أنْفق بإشهاد بذلك شَرط فِيهِ رُجُوعا بِأُجْرَة عمله أَو بِمَا أنفقهُ وَلَو مَاتَ المساقي فِي ذمَّته قبل تَمام الْعَمَل وَخلف تَرِكَة عمل وَارثه إِمَّا مِنْهَا بِأَن يكتري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حق وَاجِب على مُوَرِثه أَو من مَاله أَو بِنَفسِهِ وَيسلم لَهُ الْمَشْرُوط فَلَا يجْبر على الْإِنْفَاق من التَّرِكَة وَلَا يلْزم الْمَالِك تَمْكِينه من الْعَمَل بِنَفسِهِ إِلَّا إِذا كَانَ أَمينا عَارِفًا بِالْأَعْمَالِ فَإِن لم تكن تَركه فللوارث الْعَمَل وَلَا يلْزمه وَلَو أعْطى شخص آخر دَابَّة ليعْمَل عَلَيْهَا أَو يتعهدها وفوائدها بَينهمَا لم يَصح العقد لِأَنَّهُ فِي الأولى يُمكنهُ إِيجَار الدَّابَّة فَلَا حَاجَة إِلَى إِيرَاد عقد عَلَيْهَا فِيهِ غرر وَفِي الثَّانِيَة الْفَوَائِد لَا تحصل بِعَمَلِهِ فصل فِي الْإِجَارَة وَهِي بِكَسْر الْهمزَة أشهر من ضمهَا وَفتحهَا لُغَة اسْم للأجرة وَشرعا تمْلِيك مَنْفَعَة بعوض بِشُرُوط تَأتي وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {فَإِن أرضعن لكم} وَجه الدّلَالَة أَن الْإِرْضَاع بِلَا عقد تبرع لَا يُوجب أُجْرَة وَإِنَّمَا يُوجِبهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 ظَاهرا العقد فَتعين وَخبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة وَأمر بالمؤاجرة وَالْمعْنَى فِيهَا أَن الْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا إِذْ لَيْسَ لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت لذَلِك كَمَا جوز بيع الْأَعْيَان وأركانها أَرْبَعَة صِيغَة وَأُجْرَة وَمَنْفَعَة وعاقدان مكر ومكتر وَأَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أحد الْأَركان وَهُوَ الْمَنْفَعَة بقوله (وكل مَا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ) مَنْفَعَة مَقْصُودَة مَعْلُومَة قَابِلَة للبذل وَالْإِبَاحَة بعوض مَعْلُوم (مَعَ بَقَاء عينه) مُدَّة الْإِجَارَة (صحت إِجَارَته) بِصِيغَة وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي كآجرتك هَذَا الثَّوْب مثلا فَيَقُول الْمُسْتَأْجر قبلت أَو اسْتَأْجَرت وتنعقد أَيْضا بقول الْمُؤَجّر لدار مثلا أجرتك مَنْفَعَتهَا سنة مثلا على الْأَصَح فَيقبل الْمُسْتَأْجر فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أجرتك وَيكون ذكر الْمَنْفَعَة تَأْكِيدًا كَقَوْل البَائِع بِعْتُك عين هَذِه الدَّار ورقبتها فَخرج بِمَنْفَعَة الْعين وبمقصوده التافهة كاستئجار بياع على كلمة لَا تتعب وبمعلومة الْقَرَاض والجعالة على عمل مَجْهُول ويقابلة لما ذكر مَنْفَعَة الْبضْع فَإِن العقد عَلَيْهَا لَا يُسمى إِجَارَة وبعوض هبة الْمَنَافِع وَالْوَصِيَّة بهَا وَالشَّرِكَة والإعارة وبمعلوم الْمُسَاقَاة والجعالة على عمل مَعْلُوم بعوض مَجْهُول كَالْحَجِّ بالرزق وَدلَالَة الْكَافِر لنا على قلعة بِجَارِيَة مِنْهَا بِبَقَاء عينه مَا تذْهب عينه فِي الِاسْتِعْمَال كالشمع للسراج فَلَا تصح الْإِجَارَة فِي هَذِه الصُّور وَذكرت لَهَا شُرُوطًا أخر أوضحتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره وَإِنَّمَا تصح إِجَارَة مَا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ هَذِه الشُّرُوط (إِذا قدرت منفعَته) فِي العقد (بِأحد أَمريْن) الأول أَن يكون بِتَعْيِين (مُدَّة) فِي الْمَنْفَعَة المجهولة الْقدر كالسكنى وَالرّضَاع وَسقي الأَرْض وَنَحْو ذَلِك إِذْ السُّكْنَى وَمَا يشْبع الصَّبِي من اللَّبن وَمَا تروى بِهِ الأَرْض من السَّقْي يخْتَلف وَلَا يَنْضَبِط فاحتيج فِي منفعَته إِلَى تَقْدِيره بِمدَّة (أَو) أَي وَالْأَمر الثَّانِي بِتَعْيِين مَحل (عمل) فِي الْمَنْفَعَة الْمَعْلُومَة الْقدر فِي نَفسهَا كخياطة الثَّوْب وَالرُّكُوب إِلَى مَكَان فتعيين الْعَمَل فِيهَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَتهَا فَلَو قَالَ لتخيط لي ثوبا لم يَصح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 بل يشْتَرط أَن يبين مَا يُرِيد من الثَّوْب من قَمِيص أَو غَيره وَأَن يبين نوع الْخياطَة أَهِي رُومِية أَو فارسية إِلَّا أَن تطرد عَادَة بِنَوْع فَيحمل الْمُطلق عَلَيْهِ تَنْبِيه بَقِي على المُصَنّف قسم ثَالِث وَهُوَ تقديرهما بهما مَعًا كَقَوْلِه فِي اسْتِئْجَار عين استأجرتك لتعمل لي كَذَا شهرا أما لَو جمع بَين الزَّمن وَمحل الْعَمَل كاكتريتك لتخيط لي هَذَا الثَّوْب بَيَاض النَّهَار لم يَصح لِأَن الْعَمَل قد يتَقَدَّم وَقد يتَأَخَّر كَمَا لَو أسلم فِي قفيز حِنْطَة بِشَرْط كَون وَزنه كَذَا لَا يَصح لاحْتِمَال أَن يزِيد أَو ينقص وَبِهَذَا انْدفع مَا قَالَه السُّبْكِيّ من أَنه لَو كَانَ الثَّوْب صَغِيرا يقطع بفراغه فِي الْيَوْم فَإِنَّهُ يَصح وَشرط فِي الْعَاقِدين وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث مَا شَرط فِي الْمُتَبَايعين وَتقدم بَيَانه ثمَّ نعم إِسْلَام المُشْتَرِي شَرط فِيمَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا مُسلما وَهنا لَا يشْتَرط فَيصح من الْكَافِر اسْتِئْجَار الْمُسلم إِجَارَة ذمَّة وَكَذَا إِجَارَة عين على الْأَصَح مَعَ الْكَرَاهَة وَلَكِن يُؤمر بِإِزَالَة ملكه عَن الْمَنَافِع على الْأَصَح فِي الْمَجْمُوع بِأَن يؤجره لمُسلم وَلَا تَنْعَقِد الْإِجَارَة بِلَفْظ البيع على الْأَصَح لِأَن لفظ البيع مَوْضُوع لملك الْأَعْيَان فَلَا يسْتَعْمل فِي الْمَنَافِع كَمَا لَا ينْعَقد البيع بِلَفْظ الْإِجَارَة وكلفظ البيع لفظ الشِّرَاء وَلَا يكون كِنَايَة فِيهَا أَيْضا لِأَن قَوْله بِعْتُك يُنَافِي قَوْله سنة مثلا فَلَا يكون صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة خلافًا لما بَحثه بَعضهم من أَنه فِيهَا كِنَايَة وَترد الْإِجَارَة على عين كإجارة معِين من عقار ورقيق وَنَحْوهمَا كاكتريتك لكذا سنة وَإِجَارَة الْعقار لَا تكون إِلَّا على الْعين وعَلى ذمَّة كإجارة مَوْصُوف من دَابَّة وَنَحْوهَا لحمل مثلا وإلزام ذمَّته عملا كخياطة وَبِنَاء ومورد الْإِجَارَة الْمَنْفَعَة لَا الْعين على الْأَصَح سَوَاء أوردت على الْعين أم على الذِّمَّة وَشرط فِي الْأُجْرَة وَهِي الرُّكْن الرَّابِع مَا مر فِي الثّمن فَيشْتَرط كَونهَا مَعْلُومَة جِنْسا وَقدرا وَصفَة إِلَّا أَن تكون مُعينَة فَيَكْفِي رؤيتها فَلَا تصح إِجَارَة دَار أَو دَابَّة بعمارة أَو علف للْجَهْل فِي ذَلِك فَإِن ذكر مَعْلُوما وَأذن لَهُ خَارج العقد فِي صرفه فِي الْعِمَارَة أَو الْعلف صحت وَلَا لسلخ الشَّاة بجلدها وَلَا لطحن الْبر مثلا بِبَعْض دقيقه كثلثه للْجَهْل بثخانة الْجلد وبقدر الدَّقِيق وَلعدم الْقُدْرَة على الْأُجْرَة حَالا وَفِي معنى الدَّقِيق النخالة وَتَصِح إِجَارَة امْرَأَة مثلا بِبَعْض رَقِيق حَالا لإرضاع بَاقِيه للْعلم بِالْأُجْرَةِ وَالْعَمَل الْمُكْتَرِي لَهُ إِنَّمَا وَقع فِي ملك غير الْمُكْتَرِي تبعا وَيشْتَرط فِي صِحَة إِجَارَة الذِّمَّة تَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْمجْلس وَأَن تكون حَالَة كرأس مَال السّلم لِأَنَّهَا سلم فِي الْمَنَافِع فَلَا يجوز فِيهَا تَأْخِير الْأُجْرَة وَلَا تأجيلها وَلَا الِاسْتِبْدَال عَنْهَا وَلَا الْحِوَالَة بهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاء مِنْهَا وَإِجَارَة الْعين لَا يشْتَرط فِي صِحَّتهَا تَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْمجْلس مُعينَة كَانَت الْأُجْرَة أَو فِي الذِّمَّة كَالثّمنِ فِي الْمَبِيع ثمَّ إِن عين لمَكَان التَّسْلِيم مَكَانا تعين وَإِلَّا فموضع العقد وَيجوز فِي الْأُجْرَة فِي إِجَارَة الْعين تَعْجِيل الْأُجْرَة وتأجيلها إِن كَانَت الْأُجْرَة فِي الذِّمَّة كَالثّمنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 (وإطلاقها يَقْتَضِي تَعْجِيل الْأُجْرَة) فَتكون حَالَة كَالثّمنِ فِي البيع الْمُطلق (إِلَّا أَن يشْتَرط التَّأْجِيل) فِي صلب العقد فتتأجل كَالثّمنِ وَيجوز الِاسْتِبْدَال عَنْهَا وَالْحوالَة بهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاء مِنْهَا فَإِن كَانَت مُعينَة لم يجز التَّأْجِيل لِأَن الْأَعْيَان لَا تؤجل وتملك فِي الْحَال بِالْعقدِ سَوَاء كَانَت مُعينَة أَو مُطلقَة أم فِي الذِّمَّة ملكا مراعى بِمَعْنى أَنه كل مَا مضى زمن على السَّلامَة بَان أَن الْمُؤَجّر اسْتَقر ملكه من الْأُجْرَة على مَا يُقَابل ذَلِك إِن قبض الْمُكْتَرِي الْعين أَو عرضت عَلَيْهِ فَامْتنعَ فَلَا تَسْتَقِر كلهَا إِلَّا بِمُضِيِّ الْمدَّة سَوَاء انْتفع الْمُكْتَرِي أم لَا لتلف الْمَنْفَعَة تَحت يَده وتستقر فِي إِجَارَة فَاسِدَة أُجْرَة مثل بِمَا يسْتَقرّ بِهِ مُسَمّى فِي صَحِيحه سَوَاء أَكَانَت مثل الْمُسَمّى أم أقل أم أَكثر وَهَذَا هُوَ الْغَالِب وَقد تخالفها فِي أَشْيَاء مِنْهَا التَّخْلِيَة فِي الْعقار وَمِنْهَا الْوَضع بَين يَدي الْمُكْتَرِي وَمِنْهَا الْعرض عَلَيْهِ وامتناعه من الْقَبْض إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة فَلَا تَسْتَقِر فِيهَا الْأُجْرَة فِي الْفَاسِدَة ويستقر بهَا الْمُسَمّى فِي الصَّحِيحَة وَشرط فِي إِيجَار الدَّابَّة إِجَارَة عين لركوب أَو حمل رُؤْيَة الدَّابَّة كَمَا فِي البيع وَشرط فِي إِجَارَتهَا إِجَارَة ذمَّة لركوب ذكر جِنْسهَا كإبل أَو خيل ونوعها كبخاتي أَو عراب وذكورة أَو أنوثة وَصفَة سَيرهَا من كَونهَا مهملجة أَو بحرا أَو قطوفا لِأَن الْأَغْرَاض تخْتَلف بذلك وَشرط فِي إِجَارَة الْعين والذمة للرُّكُوب ذكر قدر سري وَهُوَ السّير لَيْلًا أَو قدر تأويب وَهُوَ السّير نَهَارا حَيْثُ لم يطرد عرف فَإِن اطرد عرف حمل ذَلِك عَلَيْهِ وَشرط فيهمَا لحمل رُؤْيَة مَحْمُول إِن حضر أَو امتحانه بيد أَو تَقْدِيره حضر أَو غَابَ وَذكر جنس مَكِيل وعَلى مكري دَابَّة لركوب إكاف وَهُوَ مَا تَحت البرذعة وبرذعة وحزام وثفر وبرة وَهِي الْحلقَة الَّتِي تجْعَل فِي أنف الْبَعِير وخطام وَهُوَ زِمَام يَجْعَل فِي الْحلقَة وَيتبع فِي نَحْو سرج وَحبر وكحل وخيط وصبغ وَنَحْو ذَلِك عرف مطرد بَين النَّاس فِي مَحل الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا ضَابِط لَهُ فِي الشَّرْع وَلَا فِي اللُّغَة فَمن اطرد فِي حَقه من الْعَاقِدين شَيْء من ذَلِك فَهُوَ عَلَيْهِ فَإِن لم يكن عرف أَو اخْتلف الْعرف فِي مَحل الْإِجَارَة وَجب الْبَيَان وَتَصِح الْإِجَارَة مُدَّة تبقى فِيهَا الْعين الْمُؤجرَة غَالِبا فيؤجر الرَّقِيق وَالدَّار ثَلَاثِينَ سنة وَالدَّابَّة عشر سِنِين وَالثَّوْب سنة أَو سنتَيْن على مَا يَلِيق بِهِ وَالْأَرْض مائَة سنة أَو أَكثر (وَلَا تبطل الْإِجَارَة) سَوَاء كَانَت وَارِدَة على الْعين أم على الذِّمَّة (بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين) وَلَا بموتهما بل تبقى إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة لِأَنَّهَا عقد لَازم فَلَا تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ كَالْبيع ويخلف الْمُسْتَأْجر وَارثه فِي اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة وتنفسخ بِمَوْت الْأَجِير الْمعِين لِأَنَّهُ مورد العقد لَا لِأَنَّهُ عَاقد فَلَا يسْتَثْنى ذَلِك من عدم الِانْفِسَاخ لَكِن اسْتثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا مَا لَو آجر عَبده الْمُعَلق عتقه بِصفة فَوجدت مَعَ مَوته فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ على الْأَصَح وَمِنْهَا مَا لَو أجر أم وَلَده وَمَات فِي الْمدَّة فَإِن الْإِجَارَة تَنْفَسِخ بِمَوْتِهِ وَمِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 الْمُدبر فَإِنَّهُ كالمعلق عتقه بِصفة وَاسْتثنى غير ذَلِك مِمَّا ذكرته فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره وَلَا تَنْفَسِخ بِمَوْت نَاظر الْوَقْف من حَاكم أَو منصوبه أَو من شَرط لَهُ النّظر على جَمِيع الْبُطُون وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو كَانَ النَّاظر هُوَ الْمُسْتَحق للْوَقْف آجر بِدُونِ أُجْرَة الْمثل فَإِنَّهُ يجوز لَهُ ذَلِك فَإِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْمدَّة انْفَسَخت كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَو أجر الْبَطن الأول من الْمَوْقُوف عَلَيْهِم الْعين الْمَوْقُوفَة مُدَّة وَمَات الْبَطن الْمُؤَجّر قبل تَمامهَا وَشرط الْوَاقِف لكل بطن مِنْهُم النّظر فِي حِصَّته مُدَّة اسْتِحْقَاقه فَقَط أَو أجر الْوَلِيّ صَبيا أَو مَاله مُدَّة لَا يبلغ فِيهَا الصَّبِي بِالسِّنِّ فَبلغ فِيهَا بالاحتلام وَهُوَ رشيد انْفَسَخت فِي الْوَقْف لِأَن الْوَقْف انْتقل اسْتِحْقَاقه بِمَوْت الْمُؤَجّر لغيره وَلَا ولية عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَة وَلَا تَنْفَسِخ فِي الصَّبِي لِأَن الْوَلِيّ تصرف فِيهِ على الْمصلحَة (وَتبطل) أَي وتنفسخ الْإِجَارَة فِي الْمُسْتَقْبل (بِتَلف) كل (الْعين الْمُسْتَأْجرَة) كانهدام كل الدَّار لزوَال الِاسْم وفوات الْمَنْفَعَة بِخِلَاف الْمَبِيع الْمَقْبُوض لَا يَنْفَسِخ البيع بتلفه فِي يَد المُشْتَرِي لِأَن الِاسْتِيلَاء فِي البيع حصل على جملَة الْمَبِيع والاستيلاء على الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا لَا يحصل إِلَّا شَيْئا فَشَيْئًا وَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِسَبَب انْقِطَاع مَاء أَرض استؤجرت لزراعة لبَقَاء الِاسْم مَعَ إِمْكَان ريعها بِغَيْر الْمُنْقَطع بل يثبت الْخِيَار للعيب على التَّرَاخِي وتنفسخ بِحَبْس غير مكتر للمعين مُدَّة حَبسه إِن قدر بِمدَّة سَوَاء أحبسه الْمكْرِي أم غَيره لفَوَات الْمَنْفَعَة قبل الْقَبْض وَلَا تَنْفَسِخ بِبيع الْعين الْمُؤجرَة للمكتري أَو لغيره وَلَو بِغَيْر إِذن الْمُكْتَرِي وَلَا بِزِيَادَة أُجْرَة وَلَا بِظُهُور طَالب بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَلَو كَانَت إِجَارَة وقف لجريانها بالغبطة فِي وَقتهَا كَمَا لَو بَاعَ مَال موليه ثمَّ زَادَت الْقيمَة أَو ظهر طَالب بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِإِعْتَاق رَقِيق وَلَا يرجع على سَيّده بِأُجْرَة مَا بعد الْعتْق لِأَنَّهُ تصرف فِيهِ حَالَة ملكه فَأشبه مَا لَو زوج أمته وَاسْتقر مهرهَا بِالدُّخُولِ ثمَّ أعْتقهَا لَا ترجع عَلَيْهِ بِشَيْء تَنْبِيه يجوز إِبْدَال مستوف ومستوفى بِهِ كمحمول من طَعَام وَغَيره ومستوفي فِيهِ كَأَن اكترى دَابَّة لركوب فِي طَرِيق إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 قَرْيَة بِمثل المستوفي والمستوفى بِهِ والمستوفى فِيهِ أَو بِدُونِ مثلهَا الْمَفْهُوم بِالْأولَى أما الأول فَكَمَا لَو أكرى مَا اكتراه لغيره وَأما الثَّانِي وَالثَّالِث فلأنهما طَرِيقَانِ للاستيفاء كالراكب لَا مَعْقُود عَلَيْهِمَا وَلَا يجوز إِبْدَال مُسْتَوفى مِنْهُ كدابة لِأَنَّهُ إِمَّا مَعْقُود عَلَيْهِ أَو مُتَعَيّن بِالْقَبْضِ إِلَّا فِي إِجَارَة ذمَّة فَيجب إِبْدَاله لتلف أَو تعييب وَيجوز الْإِبْدَال مَعَ سَلامَة مِنْهُمَا بِرِضا مكتر لِأَن الْحق لَهُ (وَلَا ضَمَان على الْأَجِير) فِي تلف مَا بِيَدِهِ لِأَنَّهُ أَمِين على الْعين المكتراة لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِيفَاء حَقه إِلَّا بِوَضْع الْيَد عَلَيْهَا وَلَو بعد مُدَّة الْإِجَارَة إِن قدرت بِزَمن أَو مُدَّة إِمْكَان الِاسْتِيفَاء إِن قدرت بِمحل عمل استصحابا لما كَانَ كالوديع فَلَو اكترى دَابَّة وَلم ينْتَفع بهَا فَتلفت أَو اكتراه لخياطة ثوب أَو صبغه فَتلف لم يضمن سَوَاء انْفَرد الْأَجِير بِالْيَدِ أم لَا كَأَن قعد الْمُكْتَرِي مِنْهُ حَتَّى يعْمل أَو أحضر منزله ليعْمَل كعامل الْقَرَاض (إِلَّا بعدوان) كَأَن ترك الِانْتِفَاع الدَّابَّة فَتلفت بِسَبَب كانهدام سقف إصطبلها عَلَيْهَا فِي وَقت لَو انْتفع بهَا فِيهِ عَادَة سلمت وَكَأن ضربهَا أَو نخعها باللجام فَوق عَادَة فيهمَا أَو أركبها أثقل مِنْهُ أَو أسكن مَا اكتراه حدادا أَو قصارا دق وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك أَو حمل الدَّابَّة مائَة رَطْل شعير بدل مائَة رَطْل بر أَو عَكسه أَو حملهَا عشرَة أَقْفِزَة بر بدل عشرَة أَقْفِزَة شعير فَيصير ضَامِنا لَهَا لتعديه بِخِلَاف مَا لَو حملهَا عشرَة أَقْفِزَة شعير بدل عشرَة أَقْفِزَة بر فَإِنَّهُ لَا يضمن لخفة الشّعير مَعَ استوائهما فِي الحجم تَنْبِيه لَا أُجْرَة لعمل كحلق رَأس وخياطة ثوب بِلَا شَرط أُجْرَة وَإِن عرف ذَلِك الْعَمَل بهَا لعدم التزامها مَعَ صرف الْعَامِل منفعَته هَذَا إِذا كَانَ حرا مُطلق التَّصَرُّف أما لَو كَانَ عبدا أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو نَحوه فَلَا إِذْ لَيْسُوا من أهل التَّبَرُّع بمنافعهم وَهَذَا بِخِلَاف دَاخل الْحمام بِلَا إِذن لِأَنَّهُ استوفى مَنْفَعَة الْحمام بسكونه فِيهِ وَبِخِلَاف عَامل الْمُسَاقَاة إِذا عمل مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِإِذن فَإِنَّهُ يسْتَحق الْأُجْرَة للْإِذْن فِي أصل الْعَمَل الْمُقَابل بعوض تَتِمَّة لَو قطع الْخياط ثوبا وخاطه قبَاء وَقَالَ لمَالِكه بذا أَمرتنِي فَقَالَ الْمَالِك بل أَمرتك بِقطعِهِ قَمِيصًا صدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ كَمَا لَو اخْتلفَا فِي أصل الْإِذْن فَيحلف أَنه مَا أذن لَهُ فِي قطعه قبَاء وَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ إِذا حلف وَله على الْخياط أرش نقص الثَّوْب لِأَن الْقطع بِلَا إِذن مُوجب للضَّمَان وَفِيه وَجْهَان فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيح أَحدهمَا أَنه يضمن مَا بَين قِيمَته صَحِيحا ومقطوعا وَصَححهُ ابْن أبي عصرون وَغَيره لِأَنَّهُ أثبت بِيَمِينِهِ أَنه لم يَأْذَن فِي قطعه قبَاء وَالثَّانِي مَا بَين قِيمَته مَقْطُوعًا قَمِيصًا ومقطوعا قبَاء وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَقَالَ لَا يتَّجه غَيره وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن أصل الْقطع مَأْذُون فِيهِ وعَلى هَذَا لَو لم يكن بَينهمَا تفَاوت أَو كَانَ مَقْطُوعًا قبَاء أَكثر قيمَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَيجب على الْمكْرِي تَسْلِيم مِفْتَاح الدَّار إِلَى الْمُكْتَرِي إِذا سلمهَا إِلَيْهِ لتوقف الِانْتِفَاع عَلَيْهِ فَإِذا تسلمه الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَده أَمَانَة فَلَا يضمنهُ بِلَا تَفْرِيط وَهَذَا فِي مِفْتَاح غلق مُثبت أما القفل الْمَنْقُول ومفتاحه فَلَا يسْتَحقّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 الْمُكْتَرِي وَإِن اُعْتِيدَ وعمارتها على الْمُؤَجّر سَوَاء أقارن الْخلَل العقد كدار لَا بَاب لَهَا أم عرض لَهَا دواما فَإِن بَادر وَأَصْلَحهَا فَذَاك وَإِلَّا فللمكتري الْخِيَار وَرفع الثَّلج عَن السَّطْح فِي دوَام الْإِجَارَة على الْمُؤَجّر لِأَنَّهُ كعمارة الدَّار وتنظيف عَرصَة الدَّار من ثلج وكناسة على الْمُكْتَرِي إِن حصلا فِي دوَام الْمدَّة فَإِن انْقَضتْ الْمدَّة أجبر على نقل الكناسة دون الثَّلج وَلَو كَانَ التُّرَاب أَو الرماد أَو الثَّلج مَوْجُودا عِنْد العقد كَانَت إِزَالَته على الْمُؤَجّر إِذْ بِهِ يحصل بِهِ التَّسْلِيم التَّام فصل فِي الْجعَالَة وجيمها مُثَلّثَة كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَهِي لُغَة اسْم لما يَجْعَل للْإنْسَان على فعل شَيْء وَشرعا الْتِزَام عوض مَعْلُوم على عمل معِين مَعْلُوم أَو مَجْهُول عسر علمه وَذكرهَا المُصَنّف كصاحب التَّنْبِيه وَالْغَزالِيّ وتبعهم فِي الرَّوْضَة عقب الْإِجَارَة لاشْتِرَاكهمَا فِي غَالب الْأَحْكَام إِذْ الْجعَالَة لَا تخَالف الْإِجَارَة إِلَّا فِي أَرْبَعَة أَحْكَام صِحَّتهَا على عمل مَجْهُول عسر علمه كرد الضال والآبق وصحتها مَعَ غير معِين وَكَونهَا جَائِزَة وَكَون الْعَامِل لَا يسْتَحق الْجعل إِلَّا بعد تَمام الْعَمَل وَذكرهَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ تبعا لِلْجُمْهُورِ عقب بَاب اللَّقِيط لِأَنَّهَا طلب الْتِقَاط الضَّالة وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع وَإِلَّا خبر الَّذِي رقاه الصَّحَابِيّ بِالْفَاتِحَةِ على قطيع من الْغنم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الراقي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم والقطيع ثَلَاثُونَ رَأْسا من الْغنم وَأَيْضًا الْحَاجة قد تَدْعُو إِلَيْهَا فجازت كَالْإِجَارَةِ ويستأنس لَهَا بقوله تَعَالَى {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير} وَكَانَ مَعْلُوما عِنْدهم كالوسق وَلم أستدل بِالْآيَةِ لِأَن شرع من قبلنَا لَيْسَ شرعا لنا وَإِن ورد فِي شرعنا مَا يقرره وأركانها أَرْبَعَة عمل وَجعل وَصِيغَة وعاقد وَشرط فِي الْعَاقِد وَهُوَ الرُّكْن الأول اخْتِيَار وَإِطْلَاق تصرف مُلْتَزم وَلَو غير الْمَالِك فَلَا يَصح الْتِزَام مكره وَصبي وَمَجْنُون ومحجور سفه وَعلم عَامل وَلَو مُبْهما بالالتزام فَلَو قَالَ إِن رده زيد فَلهُ كَذَا فَرده غير عَالم بذلك أَو من رد آبقي فَلهُ كَذَا فَرده من لم يعلم ذَلِك لم يسْتَحق شَيْئا وأهلية عمل معِين فَيصح مِمَّن هُوَ أهل لذَلِك وَلَو عبدا وصبيا ومجنونا ومحجور سفه وَلَو بِلَا إِذن بِخِلَاف صَغِير لَا يقدر على الْعَمَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 لِأَن منفعَته مَعْدُومَة كاستئجار أعمى للْحِفْظ (والجعالة جَائِزَة) من الْجَانِبَيْنِ فَلِكُل من الْمَالِك وَالْعَامِل الْفَسْخ قبل تَمام الْعَمَل وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْفَسْخ ابْتِدَاء من الْعَامِل الْمعِين وَأما غَيره فَلَا يتَصَوَّر الْفَسْخ مِنْهُ إِلَّا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَإِن فسخ الْمَالِك أَو الْعَامِل الْمعِين قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل أَو فسخ الْعَامِل بعد الشُّرُوع فِيهِ فَلَا شَيْء لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أما فِي الأولى فَلِأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ لم يحصل غَرَض الْمَالِك وَإِن فسخ الْمَالِك بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل فَعَلَيهِ أُجْرَة الْمثل لما عمله الْعَامِل لِأَن جَوَاز العقد يَقْتَضِي التسليط على رَفعه وَإِذا ارْتَفع لم يجب الْمُسَمّى كَسَائِر الفسوخ لَكِن عمل الْعَامِل وَقع مُحْتَرما فَلَا يفوت عَلَيْهِ فَرجع إِلَى بدله وَهُوَ أُجْرَة الْمثل (وَهِي) أَي لفظ الْجعَالَة أَي الصِّيغَة فِيهَا وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي (أَن يشْتَرط) الْعَاقِد الْمُتَقَدّم ذكره (فِي رد ضالته) الَّتِي هِيَ اسْم لما ضَاعَ من الْحَيَوَان كَمَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره أَو فِي رد مَا سواهَا أَيْضا من مَال أَو أَمْتعَة وَنَحْوهَا أَو فِي عمل كخياطة ثوب (عوضا) كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا (مَعْلُوما) لِأَنَّهَا مُعَاوضَة فافتقرت إِلَى صِيغَة تدل على الْمَطْلُوب كَالْإِجَارَةِ بِخِلَاف طرف الْعَامِل لَا يشْتَرط لَهُ صِيغَة فَلَو عمل أحد بقول أَجْنَبِي كَأَن قَالَ زيد يَقُول من رد عَبدِي فَلهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَلَا شَيْء لَهُ لعدم الِالْتِزَام فَإِن كَانَ صَادِقا فَلهُ على زيد مَا الْتَزمهُ إِن كَانَ الْمخبر ثِقَة وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَو رد عبد زيد غير عَالم بِإِذْنِهِ والتزامه وَلمن رده من أقرب من الْمَكَان الْمعِين قسطه من الْجعل فَإِن رده من أبعد مِنْهُ فَلَا زِيَادَة لَهُ لعدم التزامها أَو من مثله من جِهَة أُخْرَى فَلهُ كل الْجعل لحُصُول الْغَرَض وَقَوله عوضا مَعْلُوما إِشَارَة إِلَى الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْجعل فَيشْتَرط فِيهِ مَا يشْتَرط فِي الثّمن فَمَا لَا يَصح ثمنا لجهل أَو نَجَاسَة أَو لغَيْرِهِمَا يفْسد العقد كَالْبيع وَلِأَنَّهُ مَعَ الْجَهْل لَا حَاجَة إِلَى احْتِمَاله هُنَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْعَمَل وَالْعَامِل وَلِأَنَّهُ لَا يكَاد أحد يرغب فِي الْعَمَل مَعَ جَهله بالجعل فَلَا يحصل مَقْصُود العقد وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَسْأَلَة العلج إِذا جعل لَهُ الإِمَام إِن دلنا على قلعة جَارِيَة مِنْهَا وَمَا لَو وصف الْجعل بِمَا يُفِيد الْعلم وَإِن لم يَصح كَونه ثمنا لِأَن البيع لَازم فاحتيط لَهُ بِخِلَاف الْجعَالَة وَشرط فِي الْعَمَل وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع كلفة وَعدم تعينه فَلَا جعل فِيمَا لَا كلفة فِيهِ وَلَا فِيمَا تعين عَلَيْهِ كَأَن قَالَ من دلَّنِي على مَالِي فَلهُ كَذَا وَالْمَال بيد غَيره أَو تعين عَلَيْهِ الرَّد لنَحْو غصب وَإِن كَانَ فِيهِ كلفة لِأَن مَا لَا كلفة فِيهِ وَمَا تعين عَلَيْهِ شرعا لَا يقابلان بعوض وَمَا لَا يتَعَيَّن شَامِل للْوَاجِب على الْكِفَايَة كمن حبس ظلما فبذل مَالا لمن يتَكَلَّم فِي خلاصه بجاهه أَو غَيره فَإِنَّهُ جَائِز كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَعدم تأقيته لِأَن تأقيته قد يفوت الْغَرَض فَيفْسد وَسَوَاء اكان الْعَمَل الَّذِي يَصح العقد عَلَيْهِ مَعْلُوما أَو مَجْهُولا عسر علمه للْحَاجة كَمَا فِي الْقَرَاض بل أولى فَإِن لم يعسر علمه اعْتبر ضَبطه إِذْ لَا حَاجَة إِلَى احْتِمَال الْجَهْل فَفِي بِنَاء حَائِط يذكر مَوْضِعه وَطوله وَعرضه وارتفاعه وَمَا يبْنى بِهِ وَفِي الْخياطَة يعْتَبر وصفهَا وَوصف الثَّوْب (فَإِذا ردهَا) أَي الضَّالة أَو رد غَيرهَا من المَال الْمَعْقُود عَلَيْهِ أَو فرغ من عمل الْخياطَة مثلا (اسْتحق) الْعَامِل حِينَئِذٍ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 الْجَاعِل (ذَلِك الْعِوَض الْمَشْرُوط) لَهُ فِي مُقَابلَة عمله وللمالك أَن يتَصَرَّف فِي لجعل الَّذِي شَرطه لِلْعَامِلِ بِزِيَادَة أَو نقص أَو بتغيير جنسه قبل الْفَرَاغ من عمل الْعَامِل سَوَاء أَكَانَ قبل الشُّرُوع أم بعده كَمَا يجوز فِي البيع فِي زمن الْخِيَار بل أولى كَأَن يَقُول من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة ثمَّ يَقُول فَلهُ خَمْسَة أَو عَكسه أَو يَقُول من رده فَلهُ دِينَار ثمَّ يَقُول فَلهُ دِرْهَم فَإِن سمع الْعَامِل ذَلِك قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل اعْتبر النداء الْأَخير وللعامل مَا ذكر فِيهِ وَإِن لم يسمعهُ الْعَامِل أَو كَانَ بعد الشُّرُوع اسْتحق أُجْرَة الْمثل لِأَن النداء الْأَخير فسخ للْأولِ وَالْفَسْخ من الْمَالِك فِي أثْنَاء الْعَمَل يَقْتَضِي الرُّجُوع إِلَى أُجْرَة الْمثل فَلَو عمل من سمع النداء الأول خَاصَّة وَمن سمع النداء الثَّانِي اسْتحق الأول نصف أُجْرَة الْمثل وَالثَّانِي نصف الْمُسَمّى الثَّانِي وَالْمرَاد بِالسَّمَاعِ الْعلم وَأُجْرَة الْمثل فِيمَا ذكر لجَمِيع الْعَمَل لَا للماضي خَاصَّة تَتِمَّة لَو تلف الْمَرْدُود قبل وُصُوله كَأَن مَاتَ الْآبِق بِغَيْر قتل الْمَالِك لَهُ فِي بعض الطَّرِيق وَلَو بِقرب دَار سَيّده أَو غصب أَو تَركه الْعَامِل أَو هرب وَلَو فِي دَار الْمَالِك قبل تَسْلِيمه لَهُ فَلَا شَيْء لِلْعَامِلِ وَإِن حضر الْآبِق لِأَنَّهُ لم يردهُ بِخِلَاف مَا لَو اكترى من يحجّ عَنهُ فَأتى بِبَعْض الْأَعْمَال وَمَات حِينَئِذٍ يسْتَحق من الْأُجْرَة بِقدر مَا عمل وَفرقُوا بَينهمَا بِأَن الْمَقْصُود من الْحَج الثَّوَاب وَقد حصل بِبَعْض الْعَمَل وَهنا لم يحصل شَيْء من الْمَقْصُود وَإِذا رد الْآبِق على سَيّده فَلَيْسَ لَهُ حَبسه لقبض الْجعل لِأَن الِاسْتِحْقَاق بِالتَّسْلِيمِ وَلَا حبس قبل الِاسْتِحْقَاق وَكَذَا لَا يحْبسهُ لِاسْتِيفَاء مَا أنفقهُ عَلَيْهِ بِإِذن الْمَالِك وَيصدق الْمَالِك بِيَمِينِهِ إِذا أنكر شَرط الْجعل لِلْعَامِلِ بِأَن اخْتلفَا فِيهِ فَقَالَ الْعَامِل شرطت لي جعلا وَأنكر الْمَالِك أَو أنكر سعي الْعَامِل فِي رد الْآبِق بِأَن قَالَ لم ترده وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفسِهِ لِأَن الأَصْل عدم الشَّرْط وَالرَّدّ فَإِن اخْتلف الْمُلْتَزم من مَالك أَو غَيره وَالْعَامِل فِي قدر الْجعل بعد فرَاغ الْعَمَل تحَالفا وَفسخ العقد وَوَجَب لِلْعَامِلِ أُجْرَة الْمثل كَمَا لَو اخْتلفَا فِي الْإِجَارَة فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض فالمزارعة تَسْلِيم الأَرْض لرجل ليزرعها بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا وَالْبذْر من الْمَالِك وَالْمُخَابَرَة كالمزارعة لَكِن الْبذر من الْعَامِل وكراء الأَرْض سَيَأْتِي فَلَو كَانَ بَين الشّجر نخلا كَانَ أَو عنبا أَرض لَا زرع فِيهَا صحت الزِّرَاعَة عَلَيْهَا مَعَ الْمُسَاقَاة على الشّجر تبعا للْحَاجة إِلَى ذَلِك إِن اتَّحد عقد وعامل بِأَن يكون عَامل الْمُزَارعَة هُوَ عَامل الْمُسَاقَاة وعسر إِفْرَاد الشّجر بالسقي وقدمت الْمُسَاقَاة على الْمُزَارعَة لتَحْصِيل التّبعِيَّة وَأَن تفَاوت الجزءان المشروطان من الثَّمر وَالزَّرْع وَخرج بالمزارعة المخابرة فَلَا تصح تبعا للمساقاة لعدم وُرُودهَا كَذَلِك (وَإِذا) أفردت الْمُزَارعَة أَو المخابرة بِأَن (دفع) مُطلق التَّصَرُّف (إِلَى رجل أَرضًا) أَي مكنه مِنْهَا (ليزرعها) وَكَانَ الْبذر من الْمَالِك (وَشرط لَهُ) أَي لِلْعَامِلِ (جُزْءا) كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا (مَعْلُوما) كالثلث (من زَرعهَا) وَهُوَ الْمُسَمّى بالمزارعة أَو كَانَ الْبذر من الْعَامِل وَشرط للْمَالِك مَا مر وَهُوَ الْمُسَمّى بالمخابرة (لم يجز) فِي الصُّورَتَيْنِ للنَّهْي عَن الأولى فِي مُسلم وَعَن الثَّانِيَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمعْنَى فِي الْمَنْع فيهمَا أَن تَحْصِيل مَنْفَعَة الأَرْض مُمكنَة بِالْإِجَارَة فَلم يجز الْعَمَل فِيهَا بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا كالمواشي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 بِخِلَاف الشّجر فَإِنَّهُ لَا يُمكن عقد الْإِجَارَة عَلَيْهِ فجوزت الْمُسَاقَاة للْحَاجة والمغل فِي المخابرة لِلْعَامِلِ لِأَن الزَّرْع يتبع الْبذر وَعَلِيهِ للْمَالِك أُجْرَة مثل الأَرْض وَفِي الْمُزَارعَة للْمَالِك لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَعَلِيهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَة مثل عمله وَعمل دوابه وَعمل مَا يتَعَلَّق بِهِ من آلاته سَوَاء أحصل من الزَّرْع شَيْء أم لَا أخذا من نَظِيره فِي الْقَرَاض وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يرض بِبُطْلَان منفعَته إِلَّا ليحصل لَهُ بعد الزَّرْع فَإِذا لم يحصل لَهُ وَانْصَرف كل الْمَنْفَعَة للْمَالِك اسْتحق الْأُجْرَة وَطَرِيق جعل الْغلَّة لَهما فِي صُورَة إِفْرَاد الأَرْض بالمزارعة أَن يسْتَأْجر الْمَالِك الْعَامِل بِنصْف الْبذر شَائِعا ليزرع لَهُ النّصْف الآخر فِي الأَرْض ويعيره نصف الأَرْض شَائِعا أَو يسْتَأْجر الْعَامِل بِنصْف الْبذر شَائِعا وَنصف مَنْفَعَة الأَرْض كَذَلِك ليزرع لَهُ النّصْف الآخر من الْبذر فِي النّصْف الآخر من الأَرْض فيكونان شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْع على المناصفة وَلَا أُجْرَة لأَحَدهمَا على الآخر لِأَن الْعَامِل يسْتَحق من مَنْفَعَة الأَرْض بِقدر نصِيبه من الزَّرْع وَالْمَالِك من منفعَته بِقدر نصِيبه من الزَّرْع وَطَرِيق جعل الْغلَّة لَهما فِي المخابرة وَلَا أُجْرَة أَن يسْتَأْجر الْعَامِل نصف الأَرْض بِنصْف الْبذر وَنصف عمله وَمَنَافع دوابه وآلاته أَو بِنصْف الْبذر ويتبرع بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِع وَلَا بُد فِي هَذِه الْإِجَارَة من رِعَايَة الرُّؤْيَة وَتَقْدِير الْمدَّة وَغَيرهمَا من شُرُوط الْإِجَارَة (وَإِن أكراه إِيَّاهَا) أَي الأَرْض للمزارعة (بِذَهَب أَو فضَّة) أَو لَهما مَعًا أَو بعروض كالفلوس وَالثيَاب (أَو شَرط لَهُ طَعَاما مَعْلُوما فِي ذمَّته) قدره وجنسه ونوعه وَصفته عِنْده وَعند الْمُكْتَرِي (جَازَ) ذَلِك على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص بل نقل بَعضهم فِيهِ الْإِجْمَاع تَتِمَّة لَو أعْطى شخص آخر دَابَّة ليعْمَل عَلَيْهَا أَو يتعهدها وفوائدها بَينهمَا لم يَصح العقد لِأَنَّهُ فِي الأولى يُمكنهُ إِيجَار الدَّابَّة فَلَا حَاجَة إِلَى إِيرَاد عقد عَلَيْهَا فِيهِ غرر وَفِي الثَّانِيَة الْفَوَائِد لَا تحصل بِعَمَلِهِ وَلَو أَعْطَاهَا لَهُ ليعلفها من عِنْده بِنصْف درها فَفعل ضمن لَهُ الْمَالِك الْعلف وَضمن الآخر للْمَالِك نصف الدّرّ وَهُوَ الْقدر الْمَشْرُوط لَهُ لحصوله بِحكم بيع فَاسد وَلَا يضمن الدَّابَّة لِأَنَّهَا غير مُقَابلَة بعوض وَإِن قَالَ لتعلفها بِنِصْفِهَا فَفعل فالنصف الْمَشْرُوط مَضْمُون على العالف لحصوله بِحكم الشِّرَاء الْفَاسِد دون النّصْف الآخر فصل فِي إحْيَاء الْموَات وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو الأَرْض الَّتِي لَا مَالك لَهَا وَلَا ينْتَفع بهَا أحد قَالَه الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ هُوَ الَّذِي لم يكن غامرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وَلَا حريما لعامر قرب من العامر أَو بعد وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع أَخْبَار كَخَبَر من عمر أَرضًا لَيست لأحد فَهُوَ أَحَق بهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وإحياء الْموَات جَائِز) بل هُوَ مُسْتَحبّ كَمَا ذكره فِي الْمُهَذّب وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَلِحَدِيث من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ فِيهَا أجر وَمَا أكلت العوافي أَي طلاب الرزق مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره وَقَالَ ابْن الرّفْعَة وَهُوَ قِسْمَانِ أُصَلِّي وَهُوَ مَا لم يعمر قطّ وطارىء وَهُوَ مَا خرب بعد عِمَارَته وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ بقاع الأَرْض إِمَّا مَمْلُوكَة أَو محبوسة على الْحُقُوق الْعَامَّة أَو الْخَاصَّة وَإِمَّا منفكة عَن الْحُقُوق الْعَامَّة أَو الْخَاصَّة وَهِي الْموَات وَإِنَّمَا يملك المحيي مَا أَحْيَاهُ (بِشَرْطَيْنِ) الأول (أَن يكون المحيي مُسلما) وَلَو غير مُكَلّف إِذا كَانَت الأَرْض بِبِلَاد الْإِسْلَام وَلَو بحرم أذن فِيهِ الإِمَام أم لَا بِخِلَاف الْكَافِر وَإِن أذن فِيهِ الإِمَام لِأَنَّهُ كالاستعلاء وَهُوَ مُمْتَنع عَلَيْهِ بِدَارِنَا وَقَالَ السُّبْكِيّ عَن الْجَوْزِيّ بِضَم الْجِيم من أَصْحَابنَا إِن موَات الأَرْض كَانَ ملكا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رده على أمته وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد بِدَارِنَا وَلَا يجوز إحْيَاء فِي عَرَفَة وَلَا الْمزْدَلِفَة وَمنى لتَعلق حق الْوُقُوف بِالْأولِ وَالْمَبِيت بالآخرين قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي إِلْحَاق المحصب بذلك لِأَنَّهُ يسن للحجيج الْمبيت بِهِ انْتهى لَكِن قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ لَيْسَ ذَلِك من مَنَاسِك الْحَج فَمن أَحْيَا شَيْئا مِنْهُ ملكه انْتهى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد أما إِذا كَانَت الأَرْض ببلادهم فَلهم إحياؤها لِأَنَّهُ من حُقُوقهم وَلَا ضَرَر علينا فِيهِ وَكَذَا للْمُسلمِ إحياؤها إِن لم يذبونا عَنْهَا بِخِلَاف مَا يذبونا عَنْهَا أَي وَقد صولحوا على أَن الأَرْض لَهُم (و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن تكون الأَرْض) الَّتِي يُرَاد ملكهَا بِالْإِحْيَاءِ (حرَّة) وَهِي الَّتِي (لم يجر عَلَيْهَا ملك لمُسلم) وَلَا لغيره فَإِن جرى عَلَيْهَا ملك وَإِن كَانَ للآن خرابا فَهُوَ لمَالِكه مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا فَإِن جهل مَالِكه والعمارة إسلامية فَمَال ضائع الْأَمر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام فِي حفظه أَو بَيْعه وَحفظ ثمنه أَو اقتراضه على بَيت المَال إِلَى ظُهُور مَالِكه أَو جَاهِلِيَّة فَيملك بِالْإِحْيَاءِ كالركاز نعم إِن كَانَ ببلادهم وذبونا عَنهُ وَقد صولحوا على أَن الأَرْض لَهُم فَظَاهر أَنا لَا نملكه بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يملك بِالْإِحْيَاءِ حَرِيم عَامر لِأَنَّهُ مَمْلُوك لمَالِك العامر وحريم العامر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لتَمام الِانْتِفَاع بالعامر فالحريم لقرية محياة نَاد وَهُوَ مُجْتَمع الْقَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 للْحَدِيث ومرتكض الْخَيل وَنَحْوهَا ومناخ إبل وَهُوَ الْموضع الَّذِي تناخ فِيهِ ومطرح رماد وسرجين وَنَحْوهَا كمراح غنم وملعب صبيان والحريم لبئر استقاء محياة مَوضِع نازح مِنْهَا وَمَوْضِع دولاب إِن كَانَ الاستقاء بِهِ وَهُوَ يُطلق على مَا يَسْتَقِي بِهِ النازح وَمَا يَسْتَقِي بِهِ بالدابة وَنَحْوهمَا كالموضع الَّذِي يصب فِيهِ النازح المَاء ومتردد الدَّابَّة إِن كَانَ الاستقاء بهَا والموضع الَّذِي يطْرَح فِيهِ مَا يخرج من مصب المَاء أَو نَحوه والحريم لبئر قناة مَا لَو حفر فِيهِ نقص مَاؤُهَا أَو خيف انهيارها وَيخْتَلف ذَلِك بصلابة الأَرْض ورخاوتها وَلَا يحْتَاج إِلَى مَوضِع نازح وَلَا غَيره مِمَّا مر فِي بِئْر الاستقاء والحريم لدار ممر وفناء لجدرانها ومطرح نَحْو رماد ككناسة وثلج وَلَا حَرِيم لدار محفوفة بدور بِأَن أَحييت كلهَا مَعًا لِأَن مَا يَجْعَل حريما لَهَا لَيْسَ بِأولى من جعله حريما لأخرى ويتصرف كل من الْملاك فِي ملكه عَادَة وَإِن أدّى إِلَى ضَرَر جَاره أَو إِتْلَاف مَاله كمن حفر بِئْر مَاء أَو حش فاختل بِهِ جِدَار جَاره أَو تغير بِمَا فِي الحش مَاء بئره فَإِن جَاوز الْعَادة فِيمَا ذكر ضمن بِمَا جَاوز فِيهِ كَأَن دق دقا عنيفا أزعج الْأَبْنِيَة أَو حبس المَاء فِي ملكه فانتشرت النداوة إِلَى جِدَار جَاره وَله أَن يتَّخذ ملكه وَلَو بحوانيت بزازين حَماما وإصطبلا وطاحونة وحانوت حداد إِن أحكم جدرانه بِمَا يَلِيق بمقصوده لِأَن ذَلِك لَا يضر الْملك وَإِن ضرّ الْمَالِك بِنَحْوِ رَائِحَة كريهة القَوْل فِي صفة الْإِحْيَاء الَّذِي يكون بِهِ الْملك (وَصفَة الْإِحْيَاء) الَّذِي يملك بِهِ الْموَات شرعا (مَا كَانَ فِي الْعَادة) الَّتِي هِيَ الْعرف الَّذِي يعد مثله (عمَارَة للمحيا) وَيخْتَلف ذَلِك بِحَسب الْغَرَض مِنْهُ وضابطه أَن يهيىء الأَرْض لما يُريدهُ فَيعْتَبر فِي مسكن تحويط الْبقْعَة بِأَجْر أَو لبن أَو طين أَو أَلْوَاح خشب بِحَسب الْعَادة وَنصب بَاب وسقف بعض الْبقْعَة ليهيئها للسُّكْنَى وَفِي زريبة للدواب أَو غَيرهَا كثمار وغلال التحويط وَنصب الْبَاب لَا السّقف عملا بِالْعَادَةِ وَلَا يَكْفِي التحويط بِنصب سعف أَو أَحْجَار من غير بِنَاء وَفِي مزرعة جمع نَحْو تُرَاب كقصب وَشَوْك وحولها لينفصل الْمحيا عَن غَيره وتسويتها بطم منخفض وكسح مستعل وَيعْتَبر حرثها إِن لم تزرع إِلَّا بِهِ فَإِن لم يَتَيَسَّر إِلَّا بِمَا يساق إِلَيْهَا فَلَا بُد مِنْهُ لتتهيأ للزِّرَاعَة وتهيئة مَاء لَهَا إِن لم يكفها مطر مُعْتَاد وَفِي بُسْتَان تحويط وَلَو بِجمع تُرَاب حول أرضه وتهيئة مَاء لَهُ بِحَسب الْعَادة وغرس ليَقَع على الأَرْض اسْم الْبُسْتَان وَمن شرع فِي إحْيَاء مَا يقدر على إحيائه وَلم يزدْ على كِفَايَته أَو نصب عَلَيْهِ عَلامَة كنصب أَحْجَار أَو أقطعه لَهُ إِمَام فمتحجر لذَلِك الْقدر وَهُوَ مُسْتَحقّ لَهُ دون غَيره وَلَكِن لَو أَحْيَاهُ آخر ملكه وَلَو طَالَتْ عرفا مُدَّة تحجره بِلَا عذر وَلم يحيي قَالَ لَهُ الإِمَام أحيي أَو اترك فَإِن استمهل بِعُذْر أمْهل مُدَّة قريبَة تَنْبِيه من أَحْيَا مواتا فَظهر فِيهِ مَعْدن ظَاهر وَهُوَ مَا يخرج بِلَا علاج كنفط وكبريت وقار وموميا أَو مَعْدن بَاطِن وَهُوَ مَا لَا يخرج إِلَّا بعلاج كذهب وَفِضة وحديد ملكه لِأَنَّهُ من أَجزَاء الأَرْض وَقد ملكهَا بِالْإِحْيَاءِ وَخرج بظهوره مَا لَو علمه قبل الْإِحْيَاء فَإِنَّهُ إِنَّمَا يملك الْمَعْدن الْبَاطِن دون الظَّاهِر كَمَا رَجحه ابْن الرّفْعَة وَغَيره أوقر النَّوَوِيّ عَلَيْهِ صَاحب التَّنْبِيه أما بقعتهما فَلَا يملكهَا بإحيائها مَعَ علمه بهما لفساد قَصده لِأَن الْمَعْدن لَا يتَّخذ دَارا وَلَا بستانا وَلَا مزرعة أَو نَحْوهَا والمياه الْمُبَاحَة من الأودية كالنيل والفرات والعيون فِي الْجبَال وَغَيرهَا وسيول الأمطار يَسْتَوِي النَّاس فِيهَا لخَبر النَّاس شُرَكَاء فِي ثَلَاثَة فِي المَاء والكلأ وَالنَّار فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 يجوز لأحد تحجرها وَلَا للْإِمَام إقطاعها بِالْإِجْمَاع فَإِن أَرَادَ قوم سقِِي أراضيهم من الْمِيَاه الْمُبَاحَة فَضَاقَ المَاء عَنْهُم سقى الْأَعْلَى فالأعلى وَحبس كل مِنْهُم المَاء حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بذلك فَإِن كَانَ فِي أَرض ارْتِفَاع وانخفاض أفرد كل طرف بسقي وَأما أَخذ من هَذَا المَاء الْمُبَاح فِي إِنَاء أَو بركَة أَو حُفْرَة أَو نَحْو ذَلِك ملك على الْأَصَح كالاحتطاب والاحتشاش وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وحافر بِئْر بموات لَا للتَّمْلِيك بل للارتفاق بهَا لنَفسِهِ مُدَّة إِقَامَته هُنَاكَ أولى بهَا من غَيره حَتَّى يرتحل لحَدِيث من سبق إِلَى مَا لم يسْبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ أَحَق بِهِ والبئر المحفورة فِي الْموَات للتَّمَلُّك أَو فِي ملكه يملك الْحَافِر ماءها لِأَنَّهَا نَمَاء ملكه كالثمرة وَاللَّبن القَوْل فِي شُرُوط بذل المَاء (وَيجب) عَلَيْهِ (بذل المَاء بِثَلَاثَة شَرَائِط) بل بِسِتَّة كَمَا ستعرفه) الأول (أَن يفضل عَن حَاجته) لنَفسِهِ وماشيته وشجره وزرعه (و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره لنَفسِهِ) فَيجب بذل الْفَاضِل مِنْهُ عَن شربه لشرب غَيره الْمُحْتَرَم من الْآدَمِيّين وَقَوله (أَو لبهيمته) أَي وَيجب بذل مَا فضل عَن مَاشِيَته وزرعه لبهيمة غَيره المحترمة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تمنعوا فضل المَاء لتمنعوا بِهِ الْكلأ تَنْبِيه أطلق المُصَنّف الْحَاجة وقيدها الْمَاوَرْدِيّ بالناجزة وَقَالَ فَلَو فضل عَنهُ الْآن وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَال وَجب بذله لِأَنَّهُ يسْتَخْلف وَخرج بِقَيْد الْمُحْتَرَم غير كالزاني الْمُحصن وتارك الصَّلَاة وَكَذَا تَارِك الْوضُوء فِي الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَالْمُرْتَدّ وَالْحَرْبِيّ لِأَنَّهُ يسْتَخْلف وَخرج بِقَيْد الْمُحْتَرَم غَيره كالزاني الْمُحصن وتارك الصَّلَاة وَكَذَا تَارِك الْوضُوء فِي الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَالْمُرْتَدّ وَالْحَرْبِيّ وَالْكَلب الْعَقُور والبهيمة المأكولة إِذا وطِئت مُحْتَرمَة فَإِن الْأَصَح أَنَّهَا لَا تذبح فَيجب الْبَذْل لَهَا (و) الشَّرْط الثَّالِث (أَن يكون) المَاء الْفَاضِل عَمَّا تقدم (مِمَّا يسْتَخْلف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يخلفه مَاء غَيره (فِي بِئْر أَو عين) فِي جبل أَو غَيره وَأما الَّذِي لَا يخلف كالقار فِي إِنَاء أَو حَوْض مسدود فَلَا يجب بذل فَضله على الصَّحِيح وَالْفرق أَنه فِي صُورَة الِاسْتِخْلَاف لَا يلْحقهُ ضَرَر بالاحتياج إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبل بِخِلَافِهِ فِي غَيره وَالشّرط الرَّابِع أَن يكون بِقرب المَاء كلأ مُبَاح ترعاه الْمَوَاشِي وَإِلَّا فَلَا يجب على الْمَذْهَب لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا تمنعوا فضل المَاء لتمنعوا بِهِ الْكلأ أَي من حَيْثُ إِن الْمَاشِيَة إِنَّمَا ترعى بِقرب المَاء فَإِذا منع من المَاء فقد منع من الْكلأ وَالشّرط الْخَامِس أَن لَا يجد مَالك الْمَاشِيَة عِنْد الْكلأ مَاء مُبَاحا وَإِلَّا فَلَا يجب بذله وَالشّرط السَّادِس أَن لَا يكون على صَاحب الْبِئْر فِي وُرُود الْمَاشِيَة إِلَى مَائه ضَرَر فِي زرع وَلَا مَاشِيَة فَإِن لحقه فِي وُرُودهَا ضَرَر منعت لَكِن يجوز للرعاة استقاء فضل المَاء لَهَا وَلَا يجب بذله لزرع الْغَيْر كَسَائِر المملوكات وَإِنَّمَا وَجب بذله للماشية لحُرْمَة الرّوح وَلَا يجب بذل فضل الْكلأ لِأَنَّهُ لَا يسْتَخْلف فِي الْحَال ويتمول فِي الْعَادة وزمن رعيه يطول بِخِلَاف المَاء وَحَيْثُ لزمَه بذل المَاء للماشية لزمَه أَن يُمكنهَا من وُرُود الْبِئْر إِن لم يضر بِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا مر وَحَيْثُ وَجب الْبَذْل لم يجز أَخذ عوض عَلَيْهِ وَإِن صَحَّ بيع الطَّعَام للْمُضْطَر لصِحَّة النَّهْي عَن بيع فضل المَاء رَوَاهُ مُسلم وَلَا يجب على من وَجب عَلَيْهِ الْبَذْل إِعَارَة آلَة الاستقاء تَتِمَّة يشْتَرط فِي بيع المَاء التَّقْدِير بكيل أَو وزن لَا بري الْمَاشِيَة وَالزَّرْع وَالْفرق بَينه وَبَين جَوَاز الشّرْب من مَاء السقاء بعوض أَن الِاخْتِلَاف فِي شرب الْآدَمِيّ أَهْون مِنْهُ فِي شرب الْمَاشِيَة وَالزَّرْع وَيجوز الشّرْب وَسقي الدَّوَابّ من الجداول والأنهار الْمَمْلُوكَة إِن كَانَ السَّقْي لَا يضر بمالكها إِقَامَة للْإِذْن الْعرفِيّ مقَام اللَّفْظِيّ قَالَه ابْن عبد السَّلَام ثمَّ قَالَ نعم لَو كَانَ النَّهر لمن لَا يعْتَبر إِذْنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 كاليتيم والأوقاف الْعَامَّة فعندي فِيهِ وَقْفَة انْتهى وَالظَّاهِر الْجَوَاز والقناة أَو الْعين الْمُشْتَركَة يقسم مَاؤُهَا عِنْد ضيقه عَنْهُم بِنصب خَشَبَة فِي عرض النَّهر فِيهَا ثقب مُتَسَاوِيَة أَو مُتَفَاوِتَة على قدر الحصص من الْقَنَاة أَو الْعين وللشركاء الْقِسْمَة مُهَايَأَة وَهِي أَمر يتراضون عَلَيْهِ كَأَن يسْقِي كل مِنْهُم يَوْمًا أَو بَعضهم يَوْمًا وَبَعْضهمْ أَكثر بِحَسب حِصَّته وَإِن سقى زرعه بِمَاء مَغْصُوب ضمن المَاء بِبَدَلِهِ وَالْغلَّة لَهُ لِأَنَّهُ الْمَالِك للبذر فَإِن غرم الْبَدَل وتحلل من صَاحب المَاء كَانَت الْغلَّة أطيب لَهُ مِمَّا لَو غرم الْبَدَل فَقَط وَلَو أشعل نَارا فِي حطب مُبَاح لم يمْنَع أحدا الِانْتِفَاع بهَا وَلَا الاستصباح مِنْهَا فَإِن كَانَ الْحَطب لَهُ فَلهُ الْمَنْع من الْأَخْذ مِنْهَا كَالْمَاءِ لَا الاصطلاء بهَا وَلَا الاستصباح مِنْهَا فصل فِي الْوَقْف هُوَ والتحبيس والتسبيل بِمَعْنى وَهُوَ لُغَة الْحَبْس يُقَال وقفت كَذَا أَي حَبسته وَلَا يُقَال أوقفته إِلَّا فِي لُغَة تميمية وَهِي رَدِيئَة وَعَلَيْهَا الْعَامَّة وَهُوَ عكس حبس فَإِن الفصيح أحبس وَأما حبس فلغة رَدِيئَة وَشرعا حبس مَال يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِقطع التَّصَرُّف فِي رقبته على مصرف مُبَاح مَوْجُود وَيجمع على وقُوف وأوقاف وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} فَإِن أَبَا طَلْحَة لما سَمعهَا رغب فِي وقف بيرحاء وَهِي أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ وَخبر مُسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَالصَّدَََقَة الْجَارِيَة مَحْمُولَة عِنْد الْعلمَاء على الْوَقْف كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ القَوْل فِي أَرْكَان الْوَقْف وأركانه أَرْبَعَة وَاقِف وَمَوْقُوف وَمَوْقُوف عَلَيْهِ وَصِيغَة وَالْمُصَنّف ذكر بَعْضهَا معبرا عَنهُ بِالشُّرُوطِ فَقَالَ (وَالْوَقْف) أَي من مُخْتَار أهل تبرع (جَائِز) أَي صَحِيح وَهَذَا هُوَ الرُّكْن الأول وَهُوَ الْوَاقِف فَيصح من كَافِر وَلَو لمَسْجِد وَمن مبعض لَا من مكره ومكاتب ومحجور عَلَيْهِ بفلس أَو غَيره وَلَو بِمُبَاشَرَة وليه القَوْل فِي شُرُوط صِحَة الْوَقْف وَقَوله (بِثَلَاثَة شَرَائِط) ذكر أَرْبَعَة وَأسْقط خَامِسًا وسادسا وسابعا وثامنا كَمَا ستعرفه الشَّرْط الأول وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمَوْقُوف (أَن يكون مِمَّا ينْتَفع بِهِ) عينا معينا (مَعَ بَقَاء عينه) مَمْلُوكا للْوَاقِف نعم يَصح وقف الإِمَام من بَيت المَال وَلَا بُد أَن يقبل النَّقْل من ملك شخص إِلَى ملك آخر ويفيد لَا بفواته نفعا مُبَاحا مَقْصُودا وَسَوَاء كَانَ النَّفْع فِي الْحَال أم لَا كوقف عبد وجحش صغيرين وَسَوَاء كَانَ عقارا أم مَنْقُولًا كمشاع وَلَو مَسْجِدا كمدبر ومعلق عتقه بِصفة قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا ويعتقان بِوُجُود الصّفة وَيبْطل الْوَقْف بعتقهما وَبِنَاء وغراس وضعا بِأَرْض بِحَق فَلَا يَصح وقف مَنْفَعَة لِأَنَّهَا لَيست بِعَين وَلَا مَا فِي الذِّمَّة وَلَا أحد عبديه لعدم تعيينهما وَلَا مَا لَا يملك للْوَاقِف كمكتري وموصي بمنفعته لَهُ وحر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وكلب وَلَو معلما وَلَا مُسْتَوْلدَة ومكاتب لِأَنَّهُمَا لَا يقبلان النَّقْل وَلَا آلَة لَهو وَلَا دَرَاهِم لزينة لِأَن آلَة اللَّهْو مُحرمَة والزينة مَقْصُودَة وَلَا مَا لَا يُفِيد نفعا كزمن لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَا مَا لَا يُفِيد إِلَّا بفواته كطعام وَرَيْحَان غير مزروع لِأَن نَفعه فِي فَوته ومقصود الْوَقْف الدَّوَام بِخِلَاف مَا يَدُوم كمسك وَعَنْبَر وَرَيْحَان مزروع (و) الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ (أَن يكون) الْوَقْف (على أصل مَوْجُود) فِي الْحَال وَهُوَ على قسمَيْنِ معِين وَغير معِين فَإِن وقف على معِين اشْترط إِمْكَان تَمْلِيكه فِي حَال الْوَقْف عَلَيْهِ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِج فَلَا يَصح الْوَقْف على وَلَده وَهُوَ لَا ولد لَهُ وَلَا على فُقَرَاء أَوْلَاده وَلَا فَقير فيهم فَإِن كَانَ فيهم فَقير وغني صَحَّ وَيُعْطِي مِنْهُ أَيْضا من افْتقر بعد كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا على جَنِين لعدم صِحَة تملكه وَسَوَاء أَكَانَ مَقْصُودا أم تَابعا حَتَّى لَو كَانَ لَهُ أَوْلَاد وَله جَنِين عِنْد الْوَقْف لم يدْخل نعم إِن انْفَصل دخل مَعَهم إِلَّا أَن يكون الْوَاقِف قد سمى الموجدين أَو ذكر عَددهمْ فَلَا يدْخل كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ تَنْبِيه قد علم مِمَّا ذكر أَن الْوَقْف على الْمَيِّت لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يملك وَبِه صرح الْجِرْجَانِيّ وَلَا على أحد هذَيْن الشخصين لعدم تعْيين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا على نفس العَبْد لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك فَإِن أطلق الْوَقْف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ لَهُ لم يَصح لِأَنَّهُ يَقع للْوَاقِف وَإِن كَانَ لغيره فَهُوَ وقف على سَيّده وَأما الْوَقْف على الْمبعض فَالظَّاهِر أَنه إِن كَانَ مُهَايَأَة وَصدر الْوَقْف عَلَيْهِ يَوْم نوبَته فكالحر أَو يَوْم نوبَة سَيّده فكالعبد وَإِن لم تكن مُهَايَأَة وزع على الرّقّ وَالْحريَّة وَلَو وقف على بَهِيمَة مَمْلُوكَة لم يَصح الْوَقْف لِأَنَّهَا لَيست أَهلا للْملك بِحَال فَإِن قصد بِهِ مَالِكهَا فَهُوَ وقف عَلَيْهِ وَخرج بالمملوكة الْمَوْقُوفَة كالخيل الْمَوْقُوفَة فِي الثغور وَنَحْوهَا فَيصح الْوَقْف على عَلفهَا وَيصِح على ذمِّي معِين مِمَّا يُمكن تَمْلِيكه لَهُ فَيمْتَنع وقف الْمُصحف وَكتب علم وَالْعَبْد الْمُسلم عَلَيْهِ وَلَا يَصح الْوَقْف على مُرْتَد وحربي وَلَا وقف الشَّخْص على نَفسه لِأَن الْأَوَّلين لَا دوَام لَهما مَعَ كفرهما وَالثَّالِث لتعذر تمْلِيك الْإِنْسَان ملكه لنَفسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِل وَتَحْصِيل الْحَاصِل محَال (و) الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْوَقْف مُؤَبَّدًا على (فرع لَا يَنْقَطِع) سَوَاء أظهر فِيهِ جِهَة قربَة كالوقف على الْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 والمجاهدين والمساجد والربط أم لم تظهر كالأغنياء وَأهل الذِّمَّة والفسقة لِأَن الصَّدَقَة عَلَيْهِم جَائِزَة وَلَو وقف شخص على الْأَغْنِيَاء وَادّعى شخص أَنه غَنِي لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة بِخِلَاف مَا لَو وقف على الْفُقَرَاء وَادّعى شخص أَنه فَقير وَلم يعرف لَهُ مَال فَيقبل بِلَا بَيِّنَة نظرا للْأَصْل فيهمَا تَنْبِيه قَضِيَّة عطف المُصَنّف قَوْله وَفرع لَا يَنْقَطِع على مَا قبله أَنَّهُمَا شَرط وَاحِد وَلِهَذَا عد الشُّرُوط ثَلَاثَة وَالَّذِي فِي الرَّوْضَة أَنهم شَرْطَانِ كَمَا قررت بِهِ كَلَامه (و) الشَّرْط الرَّابِع (أَن لَا يكون فِي مَحْظُور) بِالْحَاء الْمُهْملَة والظاء المشالة أَي محرم كعمارة الْكَنَائِس وَنَحْوهَا من متعبدات الْكفَّار للتعبد فِيهَا أَو حصرها أَو قناديلها أَو خدامها أَو كتب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَو السِّلَاح لقطاع الطَّرِيق لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة وَالْوَقْف شرع للتقرب فهما متضادان وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع لفظ يشْعر بالمراد كَالْعِتْقِ بل أولى وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وصريحة كوقفت وسلبت وحبست كَذَا على كَذَا أَو تَصَدَّقت بِكَذَا على كَذَا صَدَقَة مُحرمَة أَو مُؤَبّدَة أَو مَوْقُوفَة أَو لَا تبَاع أَو لَا توهب أَو جعلت هَذَا الْمَكَان مَسْجِدا وكنايته كحرمت وأبدت هَذَا للْفُقَرَاء لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يسْتَعْمل مُسْتقِلّا وَإِنَّمَا يُؤَكد بِهِ فَلَا يكون صَرِيحًا وكتصدقت بِهِ مَعَ إِضَافَته لجِهَة عَامَّة كالفقراء وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ بِاللَّفْظِ أَيْضا مَا لَو بنى مَسْجِدا بنيته بموات وَالشّرط الْخَامِس التَّأْبِيد كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام السَّاعَة كالفقراء أَو على من ينقرض ثمَّ على من لَا ينقرض كزيد ثمَّ الْفُقَرَاء فَلَا يَصح تأقيت الْوَقْف فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على كَذَا سنة لم يَصح لفساد الصِّيغَة فَإِن أعقبه بمصرف كوقفته على زيد سنة ثمَّ على الْفُقَرَاء صَحَّ وَرُوِيَ فِيهِ شَرط الْوَاقِف وَهَذَا فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير أما مَا يضاهيه كالمسجد والمقبرة والرباط كَقَوْلِه جعلته مَسْجِدا سنة فَإِنَّهُ يَصح مُؤَبَّدًا كَمَا لَو ذكر فِيهِ شرطا فَاسِدا وَهُوَ لَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد وَلَو قَالَ وقفت على أَوْلَادِي أَو على زيد ثمَّ نَسْله وَنَحْوه مِمَّا لَا يَدُوم وَلم يزدْ على ذَلِك من يصرف إِلَيْهِ بعدهمْ صَحَّ لِأَن الْمَقْصُود بِالْوَقْفِ الْقرْبَة والدوام فَإِذا تبين مصرفه ابْتِدَاء سهل إدامته على سَبِيل الْخَيْر وَيُسمى مُنْقَطع الآخر فَإِذا انقرض الْمَذْكُور صرف إِلَى أقرب النَّاس إِلَى الْوَاقِف يَوْم انْقِرَاض الْمَذْكُور وَيخْتَص الْمصرف وجوبا بفقراء قرَابَة الرَّحِم لَا الْإِرْث فِي الْأَصَح فَيقدم ابْن بنت على ابْن عَم وَلَو كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الأول كوقفته على من سيولد لي ثمَّ على الْفُقَرَاء لم يَصح لِأَن الأول بَاطِل لعدم إِمْكَان الصّرْف إِلَيْهِ فِي الْحَال فَكَذَا مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَو كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الْوسط كوقفت على أَوْلَادِي ثمَّ على رجل مُبْهَم ثمَّ على الْفُقَرَاء صَحَّ لوُجُود الْمصرف فِي الْحَال والمآل ثمَّ بعد أَوْلَاده يصرف للْفُقَرَاء وَالشّرط السَّادِس بَيَان الْمصرف فَلَو اقْتصر على قَوْله وقفت كَذَا وَلم يذكر مصرفه لم يَصح لعدم ذكر مصرفه وَلَو ذكر الْمصرف إِجْمَالا كَقَوْلِه وقفت هَذَا على مَسْجِد كَذَا كفي وَصرف إِلَى مَصَالِحه عِنْد الْجُمْهُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَالشّرط السَّابِع أَن يكون مُنجزا فَلَا يَصح تَعْلِيقه كَقَوْلِه إِذا جَاءَ زيد فقد وقفت كَذَا على كَذَا لِأَنَّهُ عقد يَقْتَضِي نقل الْملك فِي الْحَال لم يبن على التغليب والسراية فَلَا يَصح تَعْلِيقه على شَرط كَالْبيع وَالْهِبَة وَمحل الْبطلَان فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير أما مَا يضاهيه كجعلته مَسْجِدا إِذا جَاءَ رَمَضَان فَالظَّاهِر صِحَّته كَمَا ذكره ابْن الرّفْعَة وَمحله أَيْضا مَا لم يعلقه بِالْمَوْتِ فَإِن علقه بِهِ كَقَوْلِه وقفت دَاري بعد موتِي على الْفُقَرَاء فَإِنَّهُ يَصح قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّة لقَوْل الْقفال إِنَّه لَو عرضهَا للْبيع كَانَ رُجُوعا وَلَو نجز الْوَقْف وعلق الْإِعْطَاء للْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ نَقله الزَّرْكَشِيّ عَن القَاضِي حُسَيْن وَلَو قَالَ وقفت على من شِئْت أَو فِيمَا شِئْت وَكَانَ قد عين لَهُ مَا شَاءَ أَو من يَشَاء عِنْد وَقفه صَحَّ وَأخذ ببيانه وَإِلَّا فَلَا يَصح للْجَهَالَة وَلَو قَالَ وقفت فِيمَا شَاءَ الله كَانَ بَاطِلا لِأَنَّهُ لَا يعلم مَشِيئَة الله تَعَالَى وَالشّرط الثَّامِن الْإِلْزَام فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على كَذَا بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ فِي إبْقَاء وَقفه أَو الرُّجُوع فِيهِ مَتى شَاءَ أَو شَرطه لغيره أَو شَرط عوده إِلَيْهِ بِوَجْه مَا كَانَ شَرط أَن يَبِيعهُ أَو شَرط أَن يدْخل من شَاءَ وَيخرج من شَاءَ لم يَصح قَالَ الرَّافِعِيّ كَالْعِتْقِ قَالَ السُّبْكِيّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامه من بطلَان الْعتْق غير مَعْرُوف وَأفْتى الْقفال بِأَن الْعتْق لَا يبطل بذلك لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الْغَلَبَة والسراية القَوْل فِي الْوَقْف على شُرُوط الْوَاقِف (وَهُوَ) أَي الْوَقْف (على مَا شَرط الْوَاقِف) سَوَاء أقلنا الْملك لَهُ أم للْمَوْقُوف عَلَيْهِ أم ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه يَنْفَكّ عَن اخْتِصَاص الْآدَمِيّين كَمَا هُوَ الْأَظْهر إِذْ مبْنى الْوَقْف على اتِّبَاع شَرط الْوَاقِف (من تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو تَسْوِيَة أَو تَفْصِيل) أَو جمع وترتيب وَإِدْخَال من شَاءَ بِصفة وإخراجه بِصفة مِثَال التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي بِشَرْط أَن يقدم الأورع مِنْهُم فَإِن فضل شَيْء كَانَ للباقين وَمِثَال التَّسْوِيَة كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يصرف لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم وَمِثَال التَّفْضِيل كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يصرف لزيد مائَة ولعمرو خَمْسُونَ وَمِثَال الْجمع خَاصَّة كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادهمْ فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة فِي أصل الْإِعْطَاء والمقدار بَين الْكل وَهُوَ جَمِيع أَفْرَاد الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ ذكورهم وإناثهم لِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع لَا للتَّرْتِيب كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَنقل عَن إِجْمَاع النُّحَاة وَإِن زَاد على ذَلِك مَا تَنَاسَلُوا أَو بَطنا بعد بطن لِأَن الْمَزِيد للتعميم فِي النَّسْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَمِثَال التَّرْتِيب خَاصَّة كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَادِي أَو الْأَعْلَى فالأعلى أَو الأول فَالْأول أَو الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب لدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ وَمِثَال الْجمع وَالتَّرْتِيب كَقَوْلِه وقفته على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فَإِذا انقرضوا فعلى أَوْلَادهم ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَادهم مَا تَنَاسَلُوا فَتكون الْأَوْلَاد وَأَوْلَاد الْأَوْلَاد مشتركين وبعدهم يكونُونَ مرتبين وَحَيْثُ وجد لفظ التَّرْتِيب فَلَا يصرف للبطن الثَّانِي شَيْء مَا بَقِي من الْبَطن الأول أحد وَهَكَذَا فِي جَمِيع الْبُطُون لَا يصرف إِلَى بطن وَهُنَاكَ من بطن أقرب مِنْهُ إِلَّا أَن يَقُول من مَاتَ من أَوْلَادِي مِنْهُم فَنصِيبه لوَلَده فَيتبع شَرطه وَلَا يدْخل أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف على الْأَوْلَاد لِأَنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْوَلَد حَقِيقَة وَيدخل أَوْلَاد الْبَنَات فِي الْوَقْف على الذُّرِّيَّة وعَلى النَّسْل وعَلى الْعقب وعَلى أَوْلَاد الْأَوْلَاد لصدق اللَّفْظ بهم أما فِي الذُّرِّيَّة فَلقَوْله تَعَالَى {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى أَن ذكر عِيسَى وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا ولد الْبِنْت والنسل والعقب فِي مَعْنَاهُ إِلَّا إِن قَالَ على من ينْسب إِلَيّ مِنْهُم فَلَا يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فِيمَا ذكر نظرا للقيد الْمَذْكُور هَذَا إِن كَانَ الْوَاقِف رجلا فَإِن كَانَ امْرَأَة دخلُوا فِيهِ بِجعْل الانتساب فِيهَا لغويا لَا شَرْعِيًّا فالتقييد فِيهَا لبَيَان الْوَاقِع لَا للإخراج وَمِثَال الإدخال بِصفة والإخراج بِصفة كوقفته على أَوْلَادِي الأرامل وأولادي الْفُقَرَاء فَلَا تدخل المتزوجة وَلَا يدْخل الْغَنِيّ فَلَو عَادَتْ أرملة أَو عَاد فَقِيرا عَاد الِاسْتِحْقَاق وتستحق غير الرَّجْعِيَّة فِي زمن عدتهَا كَمَا قَالَه فِي الزَّوَائِد تفقها تَتِمَّة الْمولى يَشْمَل الْأَعْلَى وَهُوَ من لَهُ الْوَلَاء والأسفل وَهُوَ من عَلَيْهِ الْوَلَاء فَلَو اجْتمعَا اشْتَركَا لتناول اسْمه لَهما وَالصّفة وَالِاسْتِثْنَاء يلحقان المتعاطفات بِحرف مُشْرك كالواو وَالْفَاء وَثمّ إِن لم يتخللها كَلَام طَوِيل لِأَن الأَصْل اشتراكهما فِي جَمِيع المتعاطفات سَوَاء أتقدما عَلَيْهَا أم تأخرا أم توسطا كوقفت هَذَا على محتاجي أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي أَو على أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أَو على أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي والمحتاجين أَو على أَوْلَادِي المحتاجين وأحفادي أَو على من ذكر إِلَّا من يفسق مِنْهُم وَالْحَاجة هُنَا مُعْتَبرَة بِجَوَاز أَخذ الزَّكَاة كَمَا أفتى بِهِ الْقفال فَإِن تخَلّل المتعاطفات مَا ذكر كوقفت على أَوْلَادِي على أَن من مَاتَ مِنْهُم وأعقب فَنصِيبه بَين أَوْلَاده للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِلَّا فَنصِيبه لمن فِي دَرَجَته فَإِذا انقرضوا صرف إِلَى إخوتي المحتاجين أَو إِلَّا من لم يفسق مِنْهُم اخْتصَّ بذلك بالمعطوف الْأَخير وَنَفَقَة الْمَوْقُوف وَمؤنَة تَجْهِيزه وعمارته من حَيْثُ شَرطهَا الْوَاقِف من مَاله أَو من مَال الْوَقْف وَإِلَّا فَمن مَنَافِع الْمَوْقُوف ككسب العَبْد وغلة الْعقار فَإِذا انْقَطَعت مَنَافِعه فالنفقة وَمؤنَة التَّجْهِيز لَا الْعِمَارَة فِي بَيت المَال وَإِذا شَرط الْوَاقِف نظرا لنَفسِهِ أَو لغيره اتبع شَرطه وَإِلَّا فَهُوَ للْقَاضِي. وَشرط النَّاظر: عَدَالَة، وكفاية، ووظيفته عمَارَة وَإِجَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَحفظ أصل وغلة وَجَمعهَا وقسمتها على مستحقيها فَإِن فوض لَهُ بَعْضهَا لم يتعده ولواقف نَاظر عزل من ولاه النّظر عَنهُ وَنصب غَيره مَكَانَهُ فصل فِي الْهِبَة تقال لما يعم الصَّدَقَة والهدية وَلما يقابلهما وَاسْتعْمل الأول فِي تَعْرِيفهَا وَالثَّانِي فِي أَرْكَانهَا وَسَيَأْتِي ذَلِك وَالْأَصْل فِيهَا على الأول قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَالْهِبَة بر وَقَوله تَعَالَى {وَآتى المَال على حبه} الْآيَة وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة أَي ظلفها وانعقد الْإِجْمَاع على اسْتِحْبَاب الْهِبَة بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا وَقد يعرض لَهَا أَسبَاب تخرجها عَن ذَلِك مِنْهَا الْهِبَة لأرباب الولايات والعمال وَمِنْهَا مَا لَو كَانَ الْمُتَّهب يَسْتَعِين بذلك على مَعْصِيّة وَهِي بِالْمَعْنَى الأول تمْلِيك تطوع فِي حَيَاة فَخرج بالتمليك الْعَارِية والضيافة وَالْوَقْف وبالتطوع غَيره كَالْبيع وَالزَّكَاة فَإِن ملك لاحتياج أَو لثواب آخِره فصدقة أَيْضا أَو نَقله للمتهب إِكْرَاما لَهُ فهدية القَوْل فِي أَرْكَان الْهِبَة (وأركانها) بِالْمَعْنَى الثَّانِي المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق ثَلَاثَة صِيغَة وعاقد وموهوب وعرفه المُصَنّف بقوله (وكل مَا جَازَ بَيْعه جَازَ هِبته) بِالْأولَى لِأَن بَابهَا أوسع فَإِن قيل لم حذف المُصَنّف التَّاء من جَازَ هِبته أُجِيب بِأَن تَاء تَأْنِيث الْهِبَة غير حَقِيقِيّ أَو لمشاكلة جَازَ بَيْعه تَنْبِيه يسْتَثْنى من هَذَا الضَّابِط مسَائِل مِنْهَا الْجَارِيَة الْمَرْهُونَة إِذا اسْتَوْلدهَا الرَّاهِن أَو أعْتقهَا وَهُوَ مُعسر فَإِنَّهُ يجوز بيعهَا للضَّرُورَة وَلَا تجوز هبتها لَا من الْمُرْتَهن وَلَا من غَيره وَمِنْهَا الْمكَاتب يَصح بيع مَا فِي يَده وَلَا تصح هِبته وَمِنْهَا هبة الْمَنَافِع فَإِنَّهَا تبَاع بِالْأُجْرَةِ وَفِي هبتها وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَيست بِتَمْلِيك بِنَاء على أَن مَا وهبت مَنَافِعه عَارِية وَهُوَ مَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَرجحه الزَّرْكَشِيّ وَالثَّانِي أَنَّهَا تمْلِيك بِنَاء على أَن مَا وهبت مَنَافِعه أَمَانَة وَهُوَ مَا رَجحه ابْن الرّفْعَة والسبكي وَغَيرهمَا وَهُوَ الظَّاهِر وَاسْتثنى مسَائِل غير ذَلِك ذكرتها فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره وَمَفْهُوم كَلَام المُصَنّف أَن مَا لَا يجوز بَيْعه كمجهول ومغصوب لغير قَادر على انْتِزَاعه وضال وآبق لَا تجوز هِبته بِجَامِع أَنَّهُمَا تمْلِيك فِي الْحَيَاة وَاسْتثنى أَيْضا من هَذَا مسَائِل مِنْهَا حبتا الْحِنْطَة وَنَحْوهمَا من المحقرات كشعيرة فَإِنَّهُمَا لَا يجوز بيعهمَا وَتجوز هبتهما كَمَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج وَهُوَ الْمُعْتَمد لانْتِفَاء الْمُقَابل لَهما وَإِن قَالَ ابْن النَّقِيب إِن هَذَا سبق قلم وَمِنْهَا حق التحجير فَإِنَّهُ يَصح هِبته وَلَا يَصح بَيْعه وَمِنْهَا صوف الشَّاة المجعولة أضْحِية ولبنها وَمِنْهَا الثِّمَار قبل بَدو الصّلاح يجوز هبتها من غير شَرط بِخِلَاف البيع وَيسْتَثْنى مسَائِل غير ذَلِك ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره وَشرط فِي الْعَاقِد وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي مَا مر فِي البيع فَيشْتَرط فِي الْوَاهِب الْملك وَإِطْلَاق التَّصَرُّف فِي مَاله فَلَا يَصح من ولي فِي مَال مَحْجُوره وَلَا من مكَاتب بِغَيْر إِذن سَيّده وَيشْتَرط فِي الْمَوْهُوب لَهُ أَن يكون فِيهِ أَهْلِيَّة الْملك لما يُوهب لَهُ من مُكَلّف وَغَيره وَغير الْمُكَلف يقبل لَهُ وليه فَلَا تصح لحمل وَلَا لبهيمة وَلَا لرقيق نَفسه فَإِن أطلق الْهِبَة لَهُ فَهِيَ لسَيِّده (وَلَا تلْزم) أَي لَا تملك (الْهِبَة) الصَّحِيحَة غير الضمنية وَذَات الثَّوَاب الشاملة للهدية وَالصَّدَََقَة (إِلَّا بِالْقَبْضِ) فَلَا تملك بِالْعقدِ لما روى الْحَاكِم فِي صَحِيحه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى إِلَى النَّجَاشِيّ ثَلَاثِينَ أُوقِيَّة مسكا ثمَّ قَالَ لأم سَلمَة إِنِّي لأرى النَّجَاشِيّ قد مَاتَ وَلَا أرى الْهَدِيَّة الَّتِي أهديت إِلَيْهِ إِلَّا سترد فَإِذا ردَّتْ إِلَيّ فَهِيَ لَك فَكَانَ كَذَلِك وَلِأَنَّهُ عقد إرفاق كالقرض فَلَا تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ وَخرج بالصحيحة الْفَاسِدَة فَلَا تملك بِالْقَبْضِ وَبِغير الضمنية كَمَا لَو قَالَ أعتق عَبدك عني مجَّانا فَإِنَّهُ يعْتق عَنهُ وَيسْقط الْقَبْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 فِي هَذِه الصُّورَة كَمَا يسْقط الْقبُول إِذا كَانَ التمَاس الْعتْق بعوض كَمَا ذَكرُوهُ فِي بَاب الْكَفَّارَات وَبِغير ذَات الثَّوَاب ذَاته فَإِنَّهُ إِذا سلم الثَّوَاب اسْتَقل بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ بيع تَنْبِيه شَمل كَلَامه هبة الْأَب لِابْنِهِ الصَّغِير أَنَّهَا لَا تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَامهم فِي البيع وَنَحْوه خلافًا لما حَكَاهُ ابْن عبد الْبر وَلَا بُد أَن يكون الْقَبْض بِإِذن الْوَاهِب فِيهِ إِن لم يقبضهُ الْوَاهِب سَوَاء كَانَ فِي يَد الْمُتَّهب أم لَا فَلَو قبض بِلَا إِذن وَلَا إقباض لم يملكهُ وَدخل فِي ضَمَانه سَوَاء أقبضهُ فِي مجْلِس العقد أم بعده وَلَا بُد للْمَوْهُوب لَهُ من إِمْكَان السّير إِلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا وَقد سبق بَيَان الْقَبْض إِلَّا أَنه هُنَا لَا يَكْفِي الْإِتْلَاف وَلَا الْوَضع بَين يَدَيْهِ بِغَيْر إِذْنه لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ الْقَبْض بِخِلَاف البيع فَلَو مَاتَ الْوَاهِب أَو الْمَوْهُوب لَهُ قَامَ وَارِث الْوَاهِب مقَامه فِي الْإِقْبَاض وَالْإِذْن فِي الْقَبْض ووارث الْمُتَّهب فِي الْقَبْض وَلَا تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وَلَا بالجنون وَلَا بالإغماء لِأَنَّهَا تؤول إِلَى اللُّزُوم كَالْبيع فِي زمن الْخِيَار القَوْل فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة (وَإِذا قبضهَا الْمَوْهُوب لَهُ) أَي الْهِبَة الشاملة للهدية وَالصَّدَََقَة (لم يكن للْوَاهِب) حِينَئِذٍ (الرُّجُوع فِيهَا إِلَّا أَن يكون) الْوَاهِب (والدا) كَذَا سَائِر الْأُصُول من الْجِهَتَيْنِ وَلَو مَعَ اخْتِلَاف الدّين على الْمَشْهُور سَوَاء أقبضها الْوَلَد أم لَا غَنِيا كَانَ أم فَقِيرا صَغِيرا أم كَبِيرا لخَبر لَا يحل لرجل أَن يُعْطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَالْولد يَشْمَل كل الْأُصُول إِن حمل اللَّفْظ على حَقِيقَته ومجازه وَإِلَّا ألحق بِهِ بَقِيَّة الْأُصُول بِجَامِع أَن لكل ولادَة كَمَا فِي النَّفَقَة وَحُصُول الْعتْق وَسُقُوط الْقود تَنْبِيه مَحل الرُّجُوع فِيمَا إِذا كَانَ الْوَلَد حرا أما الْهِبَة لوَلَده الرَّقِيق فهبة لسَيِّده وَمحله أَيْضا فِي هبة الْأَعْيَان أما لَو وهب لوَلَده دينا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوع سَوَاء قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك أم إِسْقَاط إِذْ لَا بَقَاء للدّين فَأشبه مَا لَو وهبه شَيْئا فَتلف وَشرط رُجُوع الْأَب أَو أحد سَائِر الْأُصُول بَقَاء الْمَوْهُوب فِي سلطنة الْوَلَد وَيدخل فِي السلطنة مَا لَو أبق الْمَوْهُوب أَو غصب فَيثبت الرُّجُوع فيهمَا وَخرج بهما مَا لَو جنى الْمَوْهُوب أَو أفلس الْمُتَّهب وَحجر عَلَيْهِ فَيمْتَنع الرُّجُوع نعم لَو قَالَ أَنا أؤدي أرش الْجِنَايَة وأرجع مكن فِي الْأَصَح وَيمْتَنع الرُّجُوع أَيْضا بِبيع الْوَلَد الْمَوْهُوب أَو وَقفه أَو عتقه أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يزِيل الْملك عَنهُ وَقَضِيَّة كَلَامهم امْتنَاع الرُّجُوع بِالْبيعِ وَإِن كَانَ البيع من أَبِيه الْوَاهِب وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يمْنَع الرُّجُوع رَهنه وَلَا هِبته قبل الْقَبْض لبَقَاء السلطنة لِأَن الْملك لَهُ وَأما بعد الْقَبْض فَلَا رُجُوع لَهُ لزوَال سلطنته وَلَا يمْنَع أَيْضا تَعْلِيق عتقه وَلَا تَدْبيره وَلَا تَزْوِيج الرَّقِيق وَلَا زراعة الأَرْض وَلَا إِجَارَتهَا لِأَن الْعين بَاقِيَة بِحَالِهَا نعم يسْتَثْنى من الرُّجُوع مَعَ بَقَاء السلطنة صور مِنْهَا مَا لَو جن الْأَب فَإِنَّهُ لَا يَصح رُجُوعه حَال جُنُونه وَلَا رُجُوع وليه بل إِذا أَفَاق كَانَ لَهُ الرُّجُوع ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب وَمِنْهَا مَا لَو أحرم والموهوب صيد فَإِنَّهُ لَا يرجع فِي الْحَال لِأَنَّهُ لَا يجوز إِثْبَات يَده على الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام وَمِنْهَا مَا لَو ارْتَدَّ الْوَالِد وفرعنا على وقف ملكه وَهُوَ الرَّاجِح فَإِنَّهُ لَا يرجع لِأَن الرُّجُوع لَا يقبل الْوَقْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 كَمَا لَا يقبل التَّعْلِيق فَلَو حل من إِحْرَامه أَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام والموهوب بَاقٍ على ملك الْوَلَد رَجَعَ فروع لَو وهب لوَلَده شَيْئا ووهبه الْوَلَد لوَلَده لم يرجع الأول فِي الْأَصَح لِأَن الْملك غير مُسْتَفَاد مِنْهُ وَلَو وهبه لوَلَده فوهبه الْوَلَد لِأَخِيهِ من أَبِيه لم يثبت للْأَب الرُّجُوع لِأَن الْوَاهِب لَا يملك الرُّجُوع فالأب أولى وَلَو وهبه الْوَلَد لجده ثمَّ الْجد لوَلَده فالرجوع للْجدّ فَقَط وَلَو زَالَ ملك الْوَلَد عَن الْمَوْهُوب وَعَاد إِلَيْهِ بِإِرْث أَو غَيره لم يرجع الأَصْل لِأَن الْملك غير مُسْتَفَاد مِنْهُ حَتَّى يرجع فِيهِ وَلَو زرع الْوَلَد الْحبّ أَو فرخ الْبيض لم يرجع الأَصْل فِيهِ كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري وَإِن جزم البُلْقِينِيّ بِخِلَافِهِ لِأَن الْمَوْهُوب صَار مُسْتَهْلكا وَلَو زَاد الْمَوْهُوب رَجَعَ فِيهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَة كالسمن دون الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ الْحَادِث فَإِنَّهُ يبْقى للمتهب لحدوثه على ملكه بِخِلَاف الْحمل الْمُقَارن للهبة فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ وَإِن انْفَصل القَوْل فِي مَا يتَحَقَّق فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَيحصل الرُّجُوع برجعت فِيمَا وهبت أَو استرجعته أَو رَددته إِلَى ملكي أَو نقضت الْهِبَة أَو نَحْو ذَلِك كأبطلتها أَو فسختها وَلَا يحصل الرُّجُوع بِبيع مَا وهبه الأَصْل لفرعه وَلَا بوقفه وَلَا بهبته وَلَا بإعتاقه وَلَا بِوَطْء الْأمة وَلَا بُد فِي صِحَة الْهِبَة من صِيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع وَتحصل بِإِيجَاب وَقبُول لفظا من النَّاطِق مَعَ التواصل الْمُعْتَاد كَالْبيع وَمن صرائح الْإِيجَاب وَهبتك ومنحتك وملكتك بِلَا ثمن وَمن صرائح الْقبُول قبلت ورضيت وَيقبل الْهِبَة للصَّغِير وَنَحْوه مِمَّن لَيْسَ أَهلا للقبول الْوَلِيّ وَلَا يشْتَرط الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْهَدِيَّة وَلَا فِي الصَّدَقَة بل يَكْفِي الْإِعْطَاء من الْمَالِك وَالْأَخْذ من الْمَدْفُوع لَهُ القَوْل فِي الْعُمْرَى والرقبى (و) تصح بعمرى ورقبى فالعمرى كَمَا (إِذا أعمر شَيْئا) كَأَن قَالَ أعمرتك هَذَا أَي جعلته لَك عمرك أَو حياتك أَو مَا عِشْت وَإِن زَاد فَإِذا مت عَاد لي لخَبر الصَّحِيحَيْنِ الْعُمْرَى مِيرَاث لأَهْلهَا وَخرج بقولنَا جعلته لَك عمرك مَا لَو قَالَ جعلته لَك عمري أَو عمر زيد فَإِنَّهُ لَا يَصح لِخُرُوجِهِ عَن اللَّفْظ الْمُعْتَاد لما فِيهِ من تأقيت الْملك فَإِن الْوَاهِب أَو زيدا قد يَمُوت أَو لَا بِخِلَاف الْعَكْس فَإِن الْإِنْسَان لَا يملك إِلَّا مُدَّة حَيَاته وَلَا يَصح تَعْلِيق الْعُمْرَى كإذا جَاءَ فلَان أَو رَأس الشَّهْر فَهَذَا الشَّيْء لَك عمرك والرقبى كَمَا إِذا قَالَ جعلته لَك رقبى (أَو أرقبه) كَأَن قَالَ أرقبتكه أَي إِن مت قبلي عَاد لي وَإِن مت قبلك اسْتَقَرَّتْ لَك (كَانَ) ذَلِك الشَّيْء (للمعمر) فِي الأولى (أَو للمرقب) فِي الثَّانِيَة بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول فيهمَا (ولورثته من بعده) وَيَلْغُو الشَّرْط الْمَذْكُور فِي الْعُمْرَى والرقبى لخَبر أَبُو دَاوُد لَا تعمروا وَلَا ترقبوا فَمن أعمر شَيْئا أَو أرقبه فَهُوَ لوَرثَته أَي لَا تعمروا وَلَا ترقبوا طَمَعا فِي أَن يعود إِلَيْكُم فَإِن مصيره الْمِيرَاث والرقبى من الرقوب فَكل مِنْهُمَا يرقب موت الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وَالْهِبَة إِن أطلقت بِأَن لم تقيد بِثَوَاب وَلَا بِعَدَمِهِ فَلَا ثَوَاب فِيهَا وَإِن كَانَت لأعلى من الْوَاهِب أَو قيدت بِثَوَاب مَجْهُول كَثوب فباطلة أَو بِمَعْلُوم فَبيع نظرا إِلَى الْمَعْنى وظرف الْهِبَة إِن لم يعْتد رده كقوصرة تمر هبة أَيْضا وَإِلَّا فَلَا وَإِذا لم يكن هبة حرم اسْتِعْمَاله إِلَّا فِي أكل الْهِبَة مِنْهُ إِن اُعْتِيدَ تَتِمَّة يسن للوالد وَإِن علا الْعدْل فِي عَطِيَّة أَوْلَاده بِأَن يُسَوِّي بَين الذّكر وَالْأُنْثَى لخَبر البُخَارِيّ اتَّقوا الله واعدلوا بَين أَوْلَادكُم وَيكرهُ تَركه لهَذَا الْخَبَر وَمحل الْكَرَاهَة عِنْد الاسْتوَاء فِي الْحَاجة وَعدمهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة وعَلى ذَلِك يحمل تَفْضِيل الصَّحَابَة لِأَن الصّديق فضل السيدة عَائِشَة على غَيرهَا من أَوْلَاده وَفضل عمر ابْنه عَاصِمًا بِشَيْء وَفضل عبد الله بن عمر بعض أَوْلَاده على بَعضهم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَيسن أَيْضا أَن يُسَوِّي الْوَلَد إِذا وهب لوَالِديهِ شَيْئا وَيكرهُ لَهُ ترك التَّسْوِيَة كَمَا مر فِي الْأَوْلَاد فَإِن فضل أَحدهمَا فالأم أولى لخَبر إِن لَهَا ثُلثي الْبر وَالإِخْوَة وَنَحْوهم لَا يجْرِي فيهم هَذَا الحكم وَلَا شكّ أَن التَّسْوِيَة بَينهم مَطْلُوبَة لَكِن دون طلبَهَا فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَأفضل الْبر بر الْوَالِدين بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَفعل مَا يسرهما من الطَّاعَة لله تَعَالَى وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ بمنهي عَنهُ وعقوق كل مِنْهُمَا من الْكَبَائِر وَهُوَ أَن يُؤْذِيه أَذَى لَيْسَ بالهين مَا لم يكن مَا آذاه بِهِ وَاجِبا وصلَة الْقَرَابَة وَهِي فعلك مَعَ قريبك مَا تعد بِهِ واصلا مَأْمُور بهَا وَتحصل بِالْمَالِ وَقَضَاء الْحَوَائِج والزيارة وَالْمُكَاتبَة والمراسلة بِالسَّلَامِ وَنَحْو ذَلِك فصل فِي اللّقطَة وَهِي بِضَم اللَّام وَفتح الْقَاف وإسكانها لُغَة الشَّيْء الْمُلْتَقط وَشرعا مَا وجد من حق مُحْتَرم غير مُحْتَرز لَا يعرف الْوَاجِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 مُسْتَحقّه وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع الْآيَات الآمرة بِالْبرِّ وَالْإِحْسَان إِذْ فِي أَخذهَا للْحِفْظ وَالرَّدّ بر وإحسان وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِك كَخَبَر مُسلم وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه (وَإِذا وجد) أَي الْحر (لقطَة فِي موَات أَو طَرِيق) وَلم يَثِق بأمانة نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل وَهُوَ آمن فِي الْحَال خشيَة الضّيَاع أَو طرُو الْخِيَانَة (فَلهُ أَخذهَا) جَوَازًا لِأَن خيانته لم تتَحَقَّق وَالْأَصْل عدمهَا وَعَلِيهِ الِاحْتِرَاز (و) لَهُ (تَركهَا) خشيَة استهلاكها فِي الْمُسْتَقْبل وَلَا يضمن بِالتّرْكِ فَلَا ينْدب لَهُ أَخذهَا وَلَا يكره لَهُ التّرْك وَخرج بِالْحرِّ الرَّقِيق فَلَا يَصح الْتِقَاطه بِغَيْر إِذن سَيّده وَإِن لم يَنْهَهُ لِأَن اللّقطَة أَمَانَة وَولَايَة ابْتِدَاء وتمليك انْتِهَاء وَلَيْسَ هُوَ من أَهلهَا فَإِن الْتقط بِإِذْنِهِ صَحَّ وَكَأن سَيّده هُوَ الْمُلْتَقط وَأما بِغَيْر إِذن سَيّده فَمن أَخذهَا مِنْهُ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقط سيدا كَانَ أَو أَجْنَبِيّا وَلَو أقرها فِي يَده سَيّده واستحفظه عَلَيْهَا ليعرفها وَهُوَ أَمِين جَاءَ وَإِلَّا فَلَا وَيصِح اللقط من مكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة لِأَنَّهُ مُسْتَقل بِالْملكِ وَالتَّصَرُّف وَخرج بالموات الْمَمْلُوك فَلَا تُؤْخَذ مِنْهُ للتَّمَلُّك بعد التَّعْرِيف بل هِيَ لصَاحب الْيَد فِيهِ إِذا ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَلِمَنْ كَانَ مَالِكًا قبله وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى المحيي فَإِن لم يَدعهَا كَانَت لقطَة كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة وَبِغير الواثق بِنَفسِهِ الواثق بهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَأَخذهَا أولى من تَركهَا) فَهُوَ مُسْتَحبّ (إِن كَانَ على ثِقَة) من نَفسه (من الْقيام بهَا) لما فِيهِ من الْبر بل يكره تَركهَا وَسن إِشْهَاد بهَا مَعَ تَعْرِيف شَيْء من اللّقطَة زَائِدَة كَمَا فِي الْوَدِيعَة وحملوا الْأَمر بِالْإِشْهَادِ فِي خبر أبي دَاوُد من الْتقط لقطَة فليشهد ذَا عدل أَو ذَوي عدل وَلَا يكتم وَلَا يعيب على النّدب جمعا بَين الْأَخْبَار وَتَصِح لقطَة الْمبعض لِأَنَّهُ كَالْحرِّ فِي الْملك وَالتَّصَرُّف والذمة ولقطته لَهُ ولسيده فِي غير مُهَايَأَة فيعرفانها ويتملكانها بِحَسب الرّقّ وَالْحريَّة كشخصين التقطا وَفِي مناوبة لذِي نوبَة كباقي الأكساب كوصية وَهبة وركاز والمؤن كَأُجْرَة طَبِيب وحجام وَثمن دَوَاء فالأكساب لمن حصلت فِي نوبَته والمؤن على من وَجب سَببهَا فِي نوبَته وَأما أرش الْجِنَايَة فيشتركان فِيهِ لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ وَهِي مُشْتَركَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ كالجناية مِنْهُ كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ وَكَلَام الْمِنْهَاج يشملهما وَكره اللقط لفَاسِق لِئَلَّا تَدعُوهُ نَفسه إِلَى الْخِيَانَة فَيصح اللقط مِنْهُ كَمَا يَصح من مُرْتَد وَكَافِر مَعْصُوم فِي دَار الْإِسْلَام كاصطيادهم واحتطابهم وتنزع اللّقطَة مِنْهُم وتسلم لعدل لأَنهم لَيْسُوا من أهل الْحِفْظ لعدم أمانتهم وَيضم لَهُم مشرف فِي التَّعْرِيف فَإِن تمّ التَّعْرِيف تملكوا وَتَصِح من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 صبي وَمَجْنُون وَينْزع اللّقطَة مِنْهُمَا وليهما ويعرفها ويتملكها لَهما إِن رَآهُ حَيْثُ يجوز الِاقْتِرَاض لَهما لِأَن التَّمْلِيك فِي معنى الِاقْتِرَاض فَإِن لم يره حفظهَا وَسلمهَا للْقَاضِي وكالصبي وَالْمَجْنُون السَّفِيه إِلَّا أَنه يَصح تَعْرِيفه دونهمَا وَمن أَخذ لقطَة لَا لخيانة بِأَن لقطها لحفظ أَو تملك أَو اخْتِصَاص أَو لم يقْصد خِيَانَة وَلَا غَيرهَا أَو قصد أَحدهمَا ونسيه فأمين وَإِن قصد الْخِيَانَة بعد أَخذهَا مَا لم يتَمَلَّك أَو يخْتَص بعد التَّعْرِيف وَيجب تَعْرِيفهَا وَإِن لقطها لحفظ وَإِن أَخذهَا للخيانة فضامن وَلَيْسَ لَهُ تَعْرِيفهَا وَلَو دفع لقطَة لقاض لزمَه قبُولهَا القَوْل فِيمَا يجب على الْمُلْتَقط (وَإِذا أَخذهَا) أَي اللّقطَة الْمُلْتَقط الواثق بِنَفسِهِ أَو غَيره (فَعَلَيهِ) حِينَئِذٍ (أَن يعرف) بِفَتْح حرف المضارعة (سِتَّة أَشْيَاء) وَهِي فِي الْحَقِيقَة ترجع إِلَى أَرْبَعَة وَترك معرفَة اثْنَيْنِ كَمَا سَيظْهر الأول أَن يعرف (وعاءها) وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ مَا هِيَ فِيهِ من جلد أَو غَيره (و) الثَّانِي أَن يعرف (عفاصها) وَهُوَ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَأَصله كَمَا فِي تَحْرِير التَّنْبِيه عَن الْخطابِيّ الْجلد الَّذِي يلبس رَأس القارورة وَهِي مُرَاد المُصَنّف كصاحب التَّنْبِيه لِأَنَّهُمَا جمعا بَين الْوِعَاء والعفاص والمحكي فِي تَحْرِير التَّنْبِيه عَن الْجُمْهُور أَن العفاص هُوَ الْوِعَاء وَلذَلِك قَالَ فِي الرَّوْضَة فَيعرف عفاصها وَهِي الْوِعَاء من جلد وخرقة وَغَيرهمَا انْتهى فَأطلق العفاص على الْوِعَاء توسعا (و) الثَّالِث أَن يعرف (وكاءها) وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وبالمد مَا ترْبط بِهِ من خيط أَو غَيره (و) الرَّابِع أَن يعرف (جِنْسهَا) من نقد أَو غَيره (و) الْخَامِس أَن يعرف (عَددهَا) كاثنين فَأكْثر (و) السَّادِس أَن يعرف (وَزنهَا) كدرهم فَأكْثر أما كَونهَا ترجع إِلَى أَربع فَإِن العفاص والوعاء وَاحِد كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَالْعدَد وَالْوَزْن يعبر عَنْهُمَا بِالْقدرِ فَإِن معرفَة الْقدر شَامِلَة للوزن وَالْعدَد والكيل وَالزَّرْع وَالسَّابِع وَهُوَ الْمَتْرُوك من كَلَامه أَن يعرف صنفها أهروية أم مروية وَالثَّامِن أَن يعرف صفتهَا من صِحَة وتكسير وَنَحْوهمَا وَمَعْرِفَة هَذِه الْأَوْصَاف تكون عقب الْأَخْذ كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَغَيره وَهِي سنة كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الْجُمْهُور وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَة وَجرى عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة وَينْدب كتب الْأَوْصَاف كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَأَنه التقطها فِي وَقت كَذَا (و) يجب عَلَيْهِ (أَن يحفظها) لمَالِكهَا (فِي حرز مثلهَا) إِلَى ظُهُوره لِأَنَّهَا فِيهَا معنى الْأَمَانَة وَالْولَايَة والاكتساب فالأمانة وَالْولَايَة أَولا والاكتساب آخرا بعد التَّعْرِيف وَهل الْمُغَلب فِيهَا الْأَمَانَة وَالْولَايَة لِأَنَّهُمَا ناجزان أَو الِاكْتِسَاب لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَجْهَان فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا من غير تَرْجِيح والمرجح فِيهَا تَغْلِيب الِاكْتِسَاب لِأَنَّهُ يَصح الْتِقَاط الْفَاسِق وَالذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَلَوْلَا أَن الْمُغَلب ذَلِك لما صَحَّ التقاطهما (ثمَّ إِذا أَرَادَ) الْمُلْتَقط (تَملكهَا عرفهَا سنة) أَي من يَوْم التَّعْرِيف تحديدا وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن السّنة لَا تتأخر فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 القوافل غَالِبا وتمضي فِيهَا الْفُصُول الْأَرْبَعَة قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة وَلِأَنَّهُ لَو لم يعرف سنة لضاعت الْأَمْوَال على أَرْبَابهَا وَلَو جعل التَّعْرِيف أبدا لامتنع من التقاطها فَكَانَ فِي السّنة نظر لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا وَلَا يشْتَرط أَن تكون السّنة مُتَّصِلَة بل تَكْفِي وَلَو مفرقة على الْعَادة إِن كَانَت غير حقيرة وَلَو من الاختصاصات فيعرفها أَولا كل يَوْم مرَّتَيْنِ طَرفَيْهِ أسبوعا ثمَّ كل يَوْم مرّة طرفه أسبوعا أَو أسبوعين ثمَّ فِي كل أُسْبُوع مرّة أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ كل شهر كَذَلِك بِحَيْثُ لَا ينسى أَنه تكْرَار لما مضى وَإِنَّمَا جعل التَّعْرِيف فِي الْأَزْمِنَة الأول أَكثر لِأَن طلب الْمَالِك فِيهَا أَكثر قَالَ الزَّرْكَشِيّ قيل ومرادهم أَن يعرف كل مُدَّة من هَذِه المدد ثَلَاثَة أشهر وَلَو مَاتَ الْمُلْتَقط فِي أثْنَاء الْمدَّة بنى وَارثه على ذَلِك كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ وَلَو الْتقط اثْنَان لقطَة عرفهَا كل وَاحِد نصف سنة كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّه الْأَشْبَه وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الرّفْعَة لِأَنَّهَا لقطَة وَاحِدَة والتعريف من كل مِنْهُمَا لكلها لَا لنصفها لِأَنَّهَا إِنَّمَا تقسم بَينهمَا عِنْد التَّمَلُّك تَنْبِيه قد يتَصَوَّر التَّعْرِيف سنتَيْن وَذَلِكَ إِذا قصد الْحِفْظ فعرفها سنة ثمَّ قصد التَّمْلِيك فَإِنَّهُ لَا بُد من تَعْرِيفه سنة من حِينَئِذٍ وَيبين فِي التَّعْرِيف زمن وجدان اللّقطَة وَيذكر ندبا اللاقط وَلَو بنائبه بعض أوصافها فِي التَّعْرِيف فَلَا يستوعبها لِئَلَّا يعتمدها الْكَاذِب فَإِن استوعبها ضمن لِأَنَّهُ قد يرفعهُ إِلَى من يلْزم الدّفع بِالصِّفَاتِ ويعرفها فِي بلد الِالْتِقَاط (على أَبْوَاب الْمَسَاجِد) عِنْد خُرُوج النَّاس لِأَن ذَلِك أقرب إِلَى وجد صَاحبهَا (و) يجب التَّعْرِيف (فِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ) وليكثر مِنْهُ فِيهِ لِأَن طلب الشَّيْء فِي مَكَانَهُ أَكثر وَخرج بقوله على أَبْوَاب الْمَسَاجِد الْمَسَاجِد فَيكْرَه التَّعْرِيف فِيهَا كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَإِن أفهم كَلَام الرَّوْضَة التَّحْرِيم إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَا يكره التَّعْرِيف فِيهِ اعْتِبَارا بِالْعرْفِ وَلِأَنَّهُ مجمع النَّاس وَمُقْتَضى ذَلِك أَن مَسْجِد الْمَدِينَة والأقصى كَذَلِك وَلَو أَرَادَ الْمُلْتَقط سفرا استناب بِإِذن الْحَاكِم من يحفظها ويعرفها فَإِن سَافر بهَا أَو استناب بِغَيْر إِذن الْحَاكِم مَعَ وجوده ضمن لتَقْصِيره وَإِن الْتقط فِي الصَّحرَاء وَهُنَاكَ قافلة تبعها وَعرف فِيهَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْرِيف فِي الْأَمَاكِن الخالية فَإِن لم يرد ذَلِك فَفِي بلد يقصدها قربت أَو بَعدت سَوَاء أقصدها ابْتِدَاء أم لَا حَتَّى لَو قصد بعد قَصده الأول بَلْدَة أُخْرَى وَلَو بلدته الَّتِي سَافر مِنْهَا عرف فِيهَا وَلَا يُكَلف الْعُدُول عَنْهَا إِلَى أقرب الْبِلَاد إِلَى ذَلِك الْمَكَان وَيعرف حقير لَا يعرض عَنهُ غَالِبا متمولا كَانَ أَو مُخْتَصًّا وَلَا يتَقَدَّر بِشَيْء بل هُوَ مَا يغلب على الظَّن أَن فاقده لَا يكثر أسفه عَلَيْهِ وَلَا يطول طلبه لَهُ غَالِبا إِلَى أَن يظنّ إِعْرَاض فاقده عَنهُ غَالِبا وَعَلِيهِ مُؤنَة التَّعْرِيف إِن قصد تملكا وَلَو بعد لقطه للْحِفْظ أَو مُطلقًا وَإِن لم يتَمَلَّك لوُجُوب التَّعْرِيف عَلَيْهِ فَإِن لم يقْصد التَّمَلُّك كَأَن لقط لحفظ أَو أطلق وَلم يقْصد تَمْلِيكًا أَو اختصاصا فمؤنة التَّعْرِيف على بَيت المَال أَو على مَالك بِأَن يرتبها الْحَاكِم فِي بَيت المَال أَو يقترضها على الْمَالِك من اللاقط أَو غَيره أَو يَأْمُرهُ بصرفها ليرْجع على الْمَالِك أَو يَبِيع بَعْضهَا إِن رَآهُ وَإِنَّمَا لم تلْزم اللاقط لِأَن الْحَظ فِيهِ للْمَالِك فَقَط مَا الحكم إِذا لم يجد صَاحبهَا (فَإِن لم يجد صَاحبهَا) بعد تَعْرِيفهَا (كَانَ لَهُ أَن يتملكها بِشَرْط الضَّمَان) إِذا ظهر مَالِكهَا وَلَا يملكهَا الْمُلْتَقط بِمُجَرَّد مُضِيّ مُدَّة التَّعْرِيف بل لَا بُد من لفظ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ كتملكت لِأَنَّهُ تملك مَال بِبَدَل فافتقر إِلَى ذَلِك كالتملك بشرَاء وَبحث ابْن الرّفْعَة فِي لقطَة لَا تملك كخمر وكلب أَنه لَا بُد فِيهَا مِمَّا يدل على نقل الِاخْتِصَاص فَإِن تَملكهَا فَظهر الْمَالِك وَلم يرض ببدلها وَلَا تعلق بهَا حق لَازم يمْنَع بيعهَا لزمَه ردهَا لَهُ بزيادتها الْمُتَّصِلَة وَكَذَا الْمُنْفَصِلَة إِن حدثت قبل التَّمَلُّك تبعا للقطة فَإِن تلف حسا أَو شرعا بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 التَّمَلُّك غرم مثلهَا إِن كَانَت مثلية أَو قيمتهَا إِن كَانَت مُتَقَومَة وَقت التَّمَلُّك لِأَنَّهُ وَقت دُخُولهَا فِي ضَمَانه وَلَا تدفع اللّقطَة لمدعيها بِلَا وصف وَلَا حجَّة إِلَّا أَن يعلم اللاقط أَنَّهَا لَهُ فَيلْزمهُ دَفعهَا لَهُ وَإِن وصفهَا لَهُ وَظن صدقه جَازَ دَفعهَا لَهُ عملا بظنه بل يسن نعم إِن تعدد الواصف لم يدْفع إِلَّا بِحجَّة فَإِن دَفعهَا لَهُ بِالْوَصْفِ فثبتت لآخر بِحجَّة حولت لَهُ عملا بِالْحجَّةِ فَإِن تلفت عِنْد الواصف فللمالك تضمين كل مِنْهُمَا والقرار على الْمَدْفُوع لَهُ وَإِذا تملك الْمُلْتَقط بعد التَّعْرِيف وَلم يظْهر لَهَا صَاحب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي إنفاقها فَإِنَّهَا كسب من أكسابه لَا مُطَالبَة عَلَيْهِ بهَا فِي الدَّار الْآخِرَة فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا وَاعْلَم أَن الشَّيْء الْمُلْتَقط قِسْمَانِ وَيعلم مَال وَغَيره وَالْمَال نَوْعَانِ حَيَوَان وَغَيره وَالْحَيَوَان ضَرْبَان آدَمِيّ وَغَيره وَيعلم غَالب ذَلِك من كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله (واللقطة) أَي بِالنّظرِ إِلَى مَا يفعل فِيهَا (على أَرْبَعَة أضْرب أَحدهَا مَا يبْقى على الدَّوَام) كالذهب وَالْفِضَّة (فَهَذَا) أَي مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْفَصْل قبله من التَّخْيِير بَين تَملكهَا وَبَين إدامة حفظهَا إِذا عرفهَا وَلم يجد مَالِكهَا هُوَ (حكمه) أَي هَذَا الضَّرْب (و) الضَّرْب (الثَّانِي مَا لَا يبْقى على الدَّوَام) بل يفْسد بِالتَّأْخِيرِ (كالطعام الرطب) كالرطب الَّذِي لَا يتتمر والبقول (فَهُوَ) أَي الْمُلْتَقط (مُخَيّر) فِيهِ (بَين) تملكه ثمَّ (أكله) وشربه (وغرمه) أَي وَغرم بدله من مثل أَو قيمَة (أَو بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لمَالِكه (و) الضَّرْب (الثَّالِث مَا يبْقى) على الدَّوَام لَكِن (بعلاج) بِكَسْر الْمُهْملَة (كالرطب) الَّذِي يتجفف (فيفعل) الْمُلْتَقط (مَا فِيهِ الْمصلحَة) لمَالِكه (من بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لَهُ (أَو تجفيفه وَحفظه) لمَالِكه إِن تبرع الْمُلْتَقط بالتجفيف وَإِلَّا فيبيع بعضه بِإِذن الْحَاكِم إِن وجده وينفقه على تجفيف الْبَاقِي وَالْمرَاد بِالْبَعْضِ الَّذِي يُبَاع مَا يُسَاوِي مُؤنَة التجفيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 (و) الضَّرْب (الرَّابِع مَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة كالحيوان) آدَمِيّ أَو غَيره فالآدمي وَتَركه المُصَنّف اختصارا لندرة وُقُوعه فَيصح لقط رَقِيق غير مُمَيّز أَو مُمَيّز زمن نهب بِخِلَاف زمن الْأَمْن لِأَنَّهُ يسْتَدلّ بِهِ على سَيّده فيصل إِلَيْهِ وَمحل ذَلِك فِي الْأمة إِذا التقطها للْحِفْظ أَو للتَّمَلُّك وَلم تحل لَهُ كمجوسية ومحرم بِخِلَاف من تحل لَهُ لِأَن تملك اللّقطَة كالاقتراض وَينْفق على الرَّقِيق مُدَّة الْحِفْظ من كَسبه فَإِن لم يكن لَهُ كسب فَإِن تبرع بالانفاق عَلَيْهِ فَذَاك وَإِن أَرَادَ الرُّجُوع فلينفق بِإِذن الْحَاكِم فَإِن لم يجده أشهد وَإِذا بيع ثمَّ ظهر الْمَالِك وَقَالَ كنت أَعتَقته قبل قَوْله وَحكم بِفساد البيع وَأما غير الْآدَمِيّ وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف لغَلَبَة وَقَوله فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ ضَرْبَان) الأول (حَيَوَان لَا يمْتَنع بِنَفسِهِ) من صغَار السبَاع كشاة وَعجل وفصيل والكسير من الْإِبِل وَالْخَيْل وَنَحْو ذَلِك مِمَّا إِذا تَركه يضيع بكاسر من السبَاع أَو بخائن من النَّاس فَإِن وجده بمفازة (فَهُوَ مُخَيّر) فِيهِ (بَين) تملكه ثمَّ (أكله وَغرم ثمنه) لمَالِكه (أَو تَركه) أَي إِمْسَاكه عِنْده (والتطوع بالانفاق عَلَيْهِ) إِن شَاءَ فَإِن لم يتَطَوَّع وَأَرَادَ الرُّجُوع فلينفق بِإِذن الْحَاكِم فَإِن لم يجده أشهد كَمَا مر فِي الرَّقِيق (أَو بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لمَالِكه ويعرفها ثمَّ يتَمَلَّك الثّمن وَخرج بِقَيْد الْمَفَازَة الْعمرَان فَإِذا وجده فِيهِ فَلهُ الْإِمْسَاك مَعَ التَّعْرِيف وَله البيع والتعريف وتملك الثّمن وَلَيْسَ لَهُ أكله وَغرم ثمنه على الْأَظْهر لسُهُولَة البيع فِي الْعمرَان بِخِلَاف الْمَفَازَة فقد لَا يجد فِيهَا من يَشْتَرِي ويشق النَّقْل إِلَيْهِ والخصلة الأولى من الثَّلَاث عِنْد استوائها فِي الأحظية أولى من الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة أولى من الثَّالِثَة وَزَاد الْمَاوَرْدِيّ خصْلَة رَابِعَة وَهِي أَن يَتَمَلَّكهُ فِي الْحَال ليستبقيه حَيا لدر أَو نسل قَالَ لِأَنَّهُ لما استباح تملكه مَعَ استهلاكه فَأولى أَن يستبيح تملكه مَعَ استبقائه هَذَا كُله فِي الْحَيَوَان الْمَأْكُول فَأَما غَيره كالجحش وصغار مَا لَا يُؤْكَل فَفِيهِ الخصلتان الأخيرتان وَلَا يجوز تملكه حَتَّى يعرفهُ سنة على الْعَادة (و) الضَّرْب الثَّانِي (حَيَوَان يمْتَنع) من صغَار السبَاع كذئب ونمر وفهد (بِنَفسِهِ) إِمَّا بِفضل قُوَّة كَالْإِبِلِ وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَإِمَّا بِشدَّة عدوه كالأرنب والظباء الْمَمْلُوكَة وَإِمَّا بطيرانه كالحمام (فَإِن وجده) الْمُلْتَقط (فِي الصَّحرَاء) الآمنة وَأَرَادَ أَخذه للتَّمَلُّك لم يجز و (تَركه) وجوبا لِأَنَّهُ مصون بالامتناع من أَكثر السبَاع مستغن بالرعي إِلَى أَن يجده صَاحبه لطلبه لَهُ وَلِأَن طروق النَّاس فِيهَا لَا يعم فِيمَن أَخذه للتَّمَلُّك ضمنه وَيبرأ من الضَّمَان بِدَفْعِهِ إِلَى القَاضِي لَا برده إِلَى مَوْضِعه وَخرج بِقَيْد التَّمَلُّك إِرَادَة أَخذه للْحِفْظ فَيجوز للْحَاكِم ونوابه وَكَذَا للآحاد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لِئَلَّا يضيع بِأخذ خائن وَخرج بِقَيْد الآمنة مَا لَو كَانَ فِي صحراء زمن نهب فَيجوز لقطه للتَّمَلُّك لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يضيع بامتداد الْيَد الخائنة إِلَيْهِ (وَإِن وجده فِي الْحَضَر) ببلدة أَو قَرْيَة أَو قريب مِنْهُمَا كَانَ لَهُ أَخذه للتَّمَلُّك وَحِينَئِذٍ (فَهُوَ مُخَيّر) فِيهِ (بَين الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة) الَّتِي تقدم ذكرهَا قَرِيبا (فِيهِ) أَي الضَّرْب الرَّابِع فِي الْكَلَام على الضَّرْب الأول مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي لَا يمْتَنع فأغنى عَن إِعَادَتهَا هُنَا وَإِنَّمَا جَازَ أَخذ هَذَا الْحَيَوَان فِي الْعمرَان دون الصَّحرَاء الآمنة للتَّمَلُّك لِئَلَّا يضيع بامتداد الْأَيْدِي الخائنة إِلَيْهِ بِخِلَاف الصَّحرَاء الآمنة فَإِن طروق النَّاس بهَا نَادِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 تَتِمَّة لَا يحل لقط حرم مَكَّة إِلَّا لحفظ فَلَا يحل إِن لقط للتَّمَلُّك أَو أطلق وَيجب تَعْرِيف مَا التقطه للْحِفْظ لخَبر إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله تَعَالَى لَا يلتقط لقطته إِلَّا من عرفهَا وَيلْزم اللاقط الْإِقَامَة للتعريف أَو دَفعهَا إِلَى الْحَاكِم والسر فِي ذَلِك أَن حرم مَكَّة مثابة للنَّاس يعودون إِلَيْهِ مرّة بعد الْأُخْرَى فَرُبمَا يعود مَالِكهَا من أجلهَا أَو يبْعَث فِي طلبَهَا فَكَأَنَّهُ جعل مَاله بِهِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ كَمَا غلظت الدِّيَة فِيهِ وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ لَيْسَ كحرم مَكَّة بل هِيَ كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْجُمْهُور وَلَيْسَت لقطَة عَرَفَة ومصلى إِبْرَاهِيم كلقطة الْحرم (فصل فِي اللَّقِيط) وَيُسمى ملقوطا ومنبوذا ودعيا وَالْأَصْل فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} قَوْله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} القَوْل فِي أَرْكَان الِالْتِقَاط وأركان اللَّقِيط الشَّرْعِيّ لقط ولقيط ولاقط ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الأول وَهُوَ اللقط بقوله (وَإِذا وجد لَقِيط) أَي ملقوط (بقارعة الطَّرِيق) أَي طَرِيق الْبَلَد وَغَيره (فَأَخذه وتربيته) وَهِي تَوْلِيَة أَمر الطِّفْل بِمَا يصلحه (وكفالته) وَالْمرَاد بهَا هُنَا كَمَا فِي الرَّوْضَة حفظه وتربيته (وَاجِبَة) أَي فرض (على الْكِفَايَة) لقَوْله تَعَالَى {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} وَلِأَنَّهُ آدَمِيّ مُحْتَرم فَوَجَبَ حفظه كالمضطر إِلَى طَعَام غَيره وَفَارق اللّقطَة حَيْثُ لَا يجب لقطها بِأَن الْمُغَلب فِيهَا الِاكْتِسَاب وَالنَّفس تميل إِلَيْهِ فاستغني بذلك عَن الْوُجُوب كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْء فِيهِ وَيجب الْإِشْهَاد على اللَّقِيط وَإِن كَانَ اللاقط ظَاهر الْعَدَالَة خوفًا من أَن يسترقه وَفَارق الْإِشْهَاد على لقط اللّقطَة بِأَن الْغَرَض مِنْهَا المَال وَالْإِشْهَاد فِي التَّصَرُّف المالي مُسْتَحبّ وَمن اللَّقِيط حفظ حُرِّيَّته وَنسبه فَوَجَبَ الْإِشْهَاد كَمَا فِي النِّكَاح وَبِأَن اللّقطَة يشيع أمرهَا بالتعريف وَلَا تَعْرِيف فِي اللَّقِيط وَيجب الْإِشْهَاد أَيْضا على مَا مَعَه تبعا وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكهُ فَلَو ترك الْإِشْهَاد لم تثبت لَهُ ولَايَة الْحِفْظ وَجَاز نَزعه مِنْهُ قَالَه فِي الْوَسِيط وَإِنَّمَا يجب الْإِشْهَاد فِيمَا ذكر على لاقط بِنَفسِهِ أما من سلمه لَهُ الْحَاكِم فالإشهاد مُسْتَحبّ قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره واللقيط وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي صَغِير أَو مَجْنُون منبوذ لَا كافل لَهُ مَعْلُوم وَلَو مُمَيّزا لِحَاجَتِهِ إِلَى التعهد ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ اللاقط بقوله (وَلَا يقر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي لَا يتْرك اللَّقِيط (إِلَّا فِي يَد أَمِين) وَهُوَ الْحر الرشيد الْعدْل وَلَو مَسْتُورا فَلَو لقطه غَيره مِمَّن بِهِ رق وَلَو مكَاتبا أَو كفر أَو صبا أَو جُنُون أَو فسق لم يَصح فينزع اللَّقِيط مِنْهُ لِأَن حق الْحَضَانَة ولَايَة وَلَيْسَ من أَهلهَا لَكِن لكَافِر لقط كَافِر لما بَينهمَا من الْمُوَالَاة فَإِن أذن لرقيقه غير الْمكَاتب فِي لقطه أَو أقره عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فَهُوَ اللاقط ورقيقه نَائِب عَنهُ فِي الْأَخْذ والتربية إِذْ يَده كَيده بِخِلَاف الْمكَاتب لاستقلاله فَلَا يكون السَّيِّد هُوَ اللاقط بل وَلَا هُوَ أَيْضا كَمَا علم مِمَّا مر فَإِن قَالَ لَهُ السَّيِّد الْتقط لي فالسيد هُوَ اللاقط والمبعض كالرقيق وَلَو ازْدحم اثْنَان أهلان للقط على لَقِيط قبل أَخذه بِأَن قَالَ كل مِنْهُمَا أَنا آخذه عين الْحَاكِم من يرَاهُ وَلَو من غَيرهمَا أَو بعد أَخذه قدم سَابق لسبقه وَإِن لقطاه مَعًا قدم غَنِي على فَقير لِأَنَّهُ قد يواسيه بِبَعْض مَاله وَعدل بَاطِنا على مَسْتُور احْتِيَاطًا للقيط فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا وللاقط نَقله من بادية الْقرْيَة ومنهما لبلد لِأَنَّهُ أرْفق بِهِ لَا نَقله من قَرْيَة لبادية أَو من بلد لقرية أَو بادية لخشونة عيشهما وفوات الْعلم بِالدّينِ والصنعة فيهمَا نعم لَو نَقله من بلد أَو من قَرْيَة لبادية قريبَة يسهل المُرَاد مِنْهَا جَازَ على النَّص وَقَول الْجُمْهُور وَله نَقله من بادية وقرية وبلد لمثله (فَإِن وجد مَعَه) أَي اللَّقِيط (مَال) عَام كوقف على اللقطاء أَو الْوَصِيَّة لَهُم أَو خَاص كثياب ملفوفة عَلَيْهِ أَو ملبوسة لَهُ أَو مغطى بهَا أَو تَحْتَهُ مفروشة ودنانير عَلَيْهِ أَو تَحْتَهُ وَلَو منثورة وَدَار هُوَ فِيهَا وَحده وحصته مِنْهَا إِن كَانَ مَعَه غَيره لِأَن لَهُ يدا وَحِصَّة واختصاصا كَالْبَالِغِ وَالْأَصْل الْحُرِّيَّة مَا لم يعرف غَيرهَا (أنْفق عَلَيْهِ الْحَاكِم) أَو مأذونه (مِنْهُ) وَخرج بِمَا ذكر المَال المدفون وَلَو تَحْتَهُ أَو كَانَ فِيهِ أَو مَعَ اللَّقِيط رقْعَة مَكْتُوب فِيهَا أَنه لَهُ فَلَا يكون ملكا لَهُ كالمكلف نعم إِن حكم بِأَن الْمَكَان لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَان وَلَا مَال مَوْضُوع بِقُرْبِهِ كالبعيد عَنهُ بِخِلَاف الْمَوْضُوع بِقرب الْمُكَلف لِأَنَّهُ لَهُ رِعَايَة (فَإِن لم يُوجد مَعَه مَال) وَلَا عرف لَهُ مَال (فنفقته) حِينَئِذٍ (من بَيت المَال) من سهم الْمصَالح فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال مَال أَو كَانَ ثمَّ مَا هُوَ أهم مِنْهُ اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم فَإِن عسر الِاقْتِرَاض وَجب على موسرينا قرضا بِالْقَافِ عَلَيْهِ إِن كَانَ حرا وَإِلَّا فعلى سَيّده وللاقطه اسْتِقْلَال بِحِفْظ مَاله كحفظه وَإِنَّمَا يمونه مِنْهُ بِإِذن الْحَاكِم لِأَن ولَايَة المَال لَا تثبت لغير أَب وجد من الْأَقَارِب فالأجنبي أولى فَإِن لم يُوجد الْحَاكِم أنْفق عَلَيْهِ بإشهاد فَإِن أنْفق بِدُونِ ذَلِك ضمن تَتِمَّة اللَّقِيط مُسلم تبعا للدَّار وَمَا ألحق بهَا وَإِن اسْتَلْحقهُ كَافِر بِلَا بَيِّنَة إِن وجود بِمحل وَلَو بدار كفر بِهِ مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ وَيحكم بِإِسْلَام غير لَقِيط صبي أَو مَجْنُون تبعا لأحد أُصُوله وَلَو من قبل الْأُم وتبعا لسابيه الْمُسلم إِن لم يكن مَعَه فِي السَّبي أحد أُصُوله لِأَنَّهُ صَار تَحت ولَايَته فَإِن كفر بعد كَمَاله بِالْبُلُوغِ أَو الْإِفَاقَة فِي التبعيتين الْأَخِيرَتَيْنِ فمرتد لسبق الحكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِهِ فِي التّبعِيَّة الأولى وَهِي تَبَعِيَّة الدَّار وَمَا يلْحق بهَا فَإِنَّهُ كَافِر أُصَلِّي لَا مُرْتَد لبنائه على ظَاهرهَا وَهَذَا معنى قَوْلهم تَبَعِيَّة الدَّار ضَعِيفَة وَهُوَ حر وَإِن ادّعى رقّه لاقط أَو غَيره إِلَّا أَن تُقَام برقه بَيِّنَة متعرضة لسَبَب الْملك كإرث أَو شِرَاء أَو يقر بِهِ بعد كَمَاله وَلم يكذبهُ الْمقر لَهُ وَلم يسْبق إِقْرَاره بعد كَمَاله بحريَّته وَلَا يقبل إِقْرَاره بِالرّقِّ فِي تصرف مَاض مُضر بِغَيْرِهِ فَلَو لزمَه دين فَأقر برق وَبِيَدِهِ مَال قضى مِنْهُ وَلَا يَجْعَل للْمقر لَهُ بِالرّقِّ إِلَّا مَا فضل عَن الدّين فَإِن بَقِي من الدّين شَيْء اتبع بِهِ بعد عتقه أما التَّصَرُّف الْمَاضِي المضر بِهِ فَيقبل إِقْرَاره بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلَو كَانَ اللَّقِيط امْرَأَة متزوجة وَلَو بِمن لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة وأقرت بِالرّقِّ لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا وتسلم لزَوجهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ويسافر بهَا زَوجهَا بِغَيْر إِذن سَيِّدهَا وَوَلدهَا قبل إِقْرَارهَا حر وَبعده رَقِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 فصل فِي الْوَدِيعَة تقال على الْإِيدَاع وعَلى الْعين المودعة ومناسبة ذكرهَا بعد اللَّقِيط ظَاهِرَة وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَخبر أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك وَلِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة بل ضَرُورَة إِلَيْهَا القَوْل فِي أَرْكَان الْوَدِيعَة وأركانها بِمَعْنى الْإِيدَاع أَرْبَعَة وَدِيعَة بِمَعْنى الْعين المودعة وَصِيغَة ومودع ووديع وَشرط فِي الْمُودع والوديع مَا مر فِي مُوكل ووكيل لِأَن الْإِيدَاع استنابة فِي الْحِفْظ فَلَو أودعهُ نَحْو صبي كمجنون ضمن مَا أَخذه مِنْهُ وَإِن أودع شخص نَحْو صبي إِنَّمَا يضمن بإتلافه وَشرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِي الْوكَالَة فَيشْتَرط اللَّفْظ من جَانب الْمُودع وَعدم الرَّد من جَانب الْوَدِيع نعم لَو قَالَ الْوَدِيع أَو دعنيه مثلا فَدفعهُ لَهُ ساكتا فَيُشبه أَن يَكْفِي ذَلِك كالعارية وَعَلِيهِ فَالشَّرْط اللَّفْظ من أَحدهمَا نبه عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ والإيجاب إِمَّا صَرِيح كأودعتك هَذَا أَو استحفظتكه أَو كِنَايَة مَعَ النِّيَّة كخذه (والوديعة أَمَانَة) أَصَالَة فِي يَد الْوَدِيع (يسْتَحبّ) لَهُ (قبُولهَا) أَي أَخذهَا (لمن قَامَ بالأمانة فِيهَا) بِأَن قدر على حفظهَا ووثق بأمانة نَفسه فِيهَا هَذَا إِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَخذهَا لخَبر مُسلم وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه فَإِن تعين بِأَن لم يكن ثمَّ غَيره وَجب عَلَيْهِ أَخذهَا لَكِن لَا يجْبر على إِتْلَاف منفعَته وَمَنْفَعَة حرزه مجَّانا فَإِن عجز عَن حفظهَا حرم عَلَيْهِ قبُولهَا لِأَنَّهُ يعرضهَا للتلف قَالَ ابْن الرّفْعَة وَمحله إِذا لم يعلم الْمَالِك بِحَالهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الزَّرْكَشِيّ وَإِن قدر على الْحِفْظ وَهُوَ فِي الْحَال أَمِين وَلَكِن لم يَثِق بأمانته بل خَافَ الْخِيَانَة من نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل كره لَهُ قبُولهَا خشيَة الْخِيَانَة فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي الْمِنْهَاج قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيظْهر أَن هَذَا إِذا لم يعلم الْمَالِك الْحَال وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة كَمَا علم مِمَّا مر تَنْبِيه أَحْكَام الْوَدِيعَة ثَلَاثَة الحكم الأول الْأَمَانَة وَالْحكم الثَّانِي الرَّد وَالْحكم الثَّالِث الْجَوَاز وَقد أَشَارَ إِلَى الأول بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 والوديعة أَمَانَة وَقد تصير مَضْمُونَة بعوارض غالبها يُؤْخَذ من قَول المُصَنّف (وَلَا يضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي تلفهَا كَأَن نقلهَا من محلّة وَدَار لأخرى دونهَا حرْزا وَإِن لم يَنْهَهُ الْمُودع عَن نقلهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للتلف نعم إِن نقلهَا يظنّ أَنَّهَا ملكه وَلم ينْتَفع بهَا لم يضمن وَكَأن يودعها غَيره وَلَو قَاضِيا بِلَا إِذن من الْمُودع وَلَا عذر لَهُ لِأَن الْمُودع لم يرض بذلك بِخِلَاف مَا لَو أودعها غَيره لعذر كَمَرَض وسفر وَله استعانة بِمن يحملهَا لحرز أَو يعلفها أَو يسقيها لِأَن الْعَادة جرت بذلك وَعَلِيهِ لعذر كإرادة سفر وَمرض ردهَا لمَالِكهَا أَو وَكيله فَإِن فقدهما ردهَا للْقَاضِي وَعَلِيهِ أَخذهَا فَإِن فَقده ردهَا الْأمين وَلَا يُكَلف تَأْخِير السّفر ويغني عَن الرَّد إِلَى القَاضِي أَو الْأمين الْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ فَهُوَ مُخَيّر عِنْد فقد الْمَالِك ووكيله بَين ردهَا للْقَاضِي وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ وَعند فقد القَاضِي بَين ردهَا للأمين وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ وَالْمرَاد بِالْوَصِيَّةِ بهَا الْإِعْلَام بهَا وَالْأَمر بردهَا مَعَ وصفهَا بِمَا تتَمَيَّز بِهِ أَو الْإِشَارَة لعينها وَمَعَ ذَلِك يجب الْإِشْهَاد كَمَا فِي الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ فَإِن لم يردهَا وَلم يوص بهَا لمن ذكر كَمَا ذكر ضمن إِن تمكن من ردهَا أَو الْإِيصَاء بهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للفوات وَكَأن يدفنها بِموضع ويسافر وَلم يعلم بهَا أَمينا يراقبها لِأَنَّهُ عرضهَا للضياع بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا من ذكر لِأَن إِعْلَامه بهَا بِمَنْزِلَة إيداعه فشرطه فقد القَاضِي وَكَأن لَا يدْفع متلفاتها كَتَرْكِ تهوية ثِيَاب صوف أَو ترك لبسهَا عِنْد حَاجَتهَا لذَلِك وَقد علمهَا لِأَن الدُّود يُفْسِدهَا بترك ذَلِك وكل من الْهَوَاء وعبوق رَائِحَة الْآدَمِيّ بهَا يَدْفَعهُ أَو ترك علف دَابَّة بِسُكُون اللَّام لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْحِفْظ لَا إِن نَهَاهُ عَن التهوية واللبس والعلف فَلَا يضمن لكنه يَعْصِي فِي مَسْأَلَة الدَّابَّة لحُرْمَة الرّوح فَإِن أعطَاهُ الْمَالِك علفا عَلفهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَاجعه أَو وَكيله ليعلفها أَو يستردها فَإِن فقدهما رَاجع القَاضِي ليقترض على الْمَالِك أَو يؤجرها أَو يَبِيع جُزْءا مِنْهَا فِي عَلفهَا بِحَسب مَا يرَاهُ وَكَأن تلفت بمخالفة حفظ مَأْمُور بِهِ كَقَوْلِه لَا ترقد على الصندوق الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَة فرقد وانكسر بثقله وَتلف مَا فِيهِ بانكساره لَا إِن تلف بِغَيْرِهِ كسرقة فَلَا يضمن وَلَا إِن نَهَاهُ عَن قفلين فأقفلهما لِأَن رقاده وقفله ذَلِك زِيَادَة فِي الْحِفْظ ثمَّ شرع فِي الحكم الثَّانِي وَهُوَ الرَّد بقوله (وَقَول الْمُودع) بِفَتْح الدَّال (مَقْبُول فِي ردهَا على الْمُودع) بِكَسْرِهَا بِيَمِينِهِ وَإِن أشهد عَلَيْهِ بهَا عِنْد دَفعهَا لِأَنَّهُ ائتمنه تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف يجْرِي فِي كل أَمِين كوكيل وَشريك وعامل قِرَاض وجاب فِي رد مَا جباه على الَّذِي اسْتَأْجرهُ للجباية كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَضَابِط الَّذِي يصدق بِيَمِينِهِ فِي الرَّد هُوَ كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر فَإِنَّهُمَا لَا يصدقان فِي الرَّد لِأَنَّهُمَا أخذا الْعين لغَرَض أَنفسهمَا فَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه كوارث الْمَالِك أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 ادّعى وَارِث الْمُودع بِفَتْح الدَّال رد الْوَدِيعَة على الْمَالِك أَو أودع الْمُودع عِنْد سَفَره أَمينا فَادّعى الْأمين الرَّد على الْمَالِك طُولِبَ كل مِمَّن ذكر بِبَيِّنَة بِالرَّدِّ على من ذكر إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَلم يأتمنه القَوْل فِي مَا يجب على الْوَدِيع (وَعَلِيهِ) أَي الْوَدِيع (أَن يحفظها) أَي الْوَدِيعَة لمَالِكه أَو وَارثه (فِي حرز مثلهَا) فَإِن أخر إحرازها مَعَ التَّمَكُّن أَو دلّ عَلَيْهَا سَارِقا بِأَن عين لَهُ مَكَانهَا وضاعت بِالسَّرقَةِ أَو دلّ عَلَيْهَا من يصادر الْمَالِك بِأَن عين لَهُ موضعهَا فَضَاعَت بذلك ضمنهَا لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا غَيره فَلَو أكره الْوَدِيع ظَالِم على تَسْلِيم الْوَدِيعَة حَتَّى سلمهَا إِلَيْهِ فللمالك تضمين الْوَدِيع لتسليمه ثمَّ يرجع على الظَّالِم لاستيلائه عَلَيْهَا وَيجب على الْوَدِيع إِنْكَار الْوَدِيعَة من الظَّالِم والامتناع من إِعْلَامه بهَا جهده فَإِن ترك ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ ضمن وَله أَن يحلف على ذَلِك لمصْلحَة حفظهَا قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيتَّجه وجوب الْحلف إِذا كَانَت الْوَدِيعَة رَقِيقا والظالم يُرِيد قَتله أَو الْفُجُور بِهِ وَيجب أَن يوري فِي يَمِينه إِذا حلف وَأمكنهُ التورية وَكَانَ يعرفهَا لِئَلَّا يحلف كَاذِبًا فَإِن لم يور كفر عَن يَمِينه لِأَنَّهُ كَاذِب فِيهَا فَإِن حلف بِالطَّلَاق أَو الْعتْق مكْرها عَلَيْهِ أَو على اعترافه فَحلف حنث لِأَنَّهُ فدى الْوَدِيعَة بِزَوْجَتِهِ أَو رَقِيقه وَإِن اعْترف بهَا وَسلمهَا ضمنهَا لِأَنَّهُ فدى زَوجته أَو رَقِيقه بهَا وَلَو أعلم اللُّصُوص بمكانها فَضَاعَت بذلك ضمن لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ لَا إِن أعلمهم بِأَنَّهَا عِنْده من غير تعْيين مَكَانهَا فَلَا يضمن بذلك القَوْل فِي ضَمَان الْوَدِيعَة (وَإِذا طُولِبَ) أَي طَالب الْمَالِك أَو وَارثه الْوَدِيع أَو وَارثه (بهَا) أَي بردهَا (لم يُخرجهَا) أَي لم يردهَا عَلَيْهِ (مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا) وَقت طلبَهَا (حَتَّى تلفت ضمنهَا) ببدلها من مثل إِن كَانَت مثلية أَو قيمَة إِن كَانَت مُتَقَومَة لتَركه الْوَاجِب عَلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَلَيْسَ المُرَاد برد الْوَدِيعَة حملهَا إِلَى مَالِكهَا بل يحصل بِأَن يخلي بَينه وَبَينهَا فَقَط وَلَيْسَ لَهُ أَن يلْزم الْمَالِك الْإِشْهَاد وَإِن كَانَ أشهد عَلَيْهِ عِنْد الدّفع فَإِنَّهُ يصدق فِي الدّفع بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو طلبَهَا وَكيل الْمُودع لِأَنَّهُ لَا يقبل قَوْله فِي دَفعهَا إِلَيْهِ وَلَو قَالَ من عِنْده وَدِيعَة لمَالِكهَا خُذ وديعتك لزمَه أَخذهَا كَمَا فِي الْبَيَان وعَلى الْمَالِك مُؤنَة الرَّد وَخرج بقوله مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا مَا إِذا لم يقدر على ذَلِك لعذر كَأَن كَانَ فِي جنح ليل والوديعة فِي خزانَة لَا يَتَأَتَّى فتح بَابهَا فِي ذَلِك الْوَقْت أَو كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاة أَو قَضَاء حَاجَة أَو فِي حمام أَو بِأَكْل طَعَام فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لعدم تَقْصِيره الحكم الثَّالِث الْجَوَاز فللمودع الِاسْتِرْدَاد وللوديع الرَّد فِي كل وَقت أما الْمُودع فَلِأَنَّهُ الْمَالِك وَأما الْوَدِيع فَلِأَنَّهُ مُتَبَرّع بِالْحِفْظِ قَالَ ابْن النَّقِيب وَيَنْبَغِي أَن يُقيد جَوَاز الرَّد للوديع بِحَالَة لَا يلْزمه فِيهَا الْقبُول وَإِلَّا حرم الرَّد فَإِن كَانَ بِحَالَة ينْدب فِيهَا الْقبُول فالرد خلاف الأولى إِن لم يرض بِهِ الْمَالِك وتنفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة من موت أَحدهمَا أَو جُنُونه أَو إغمائه أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا مر فِيهَا القَوْل فِي ادِّعَاء الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة خَاتِمَة لَو ادّعى الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة وَلم يذكر لَهُ سَببا أَو ذكر لَهُ سَببا خفِيا كسرقة صدق فِي ذَلِك بِيَمِينِهِ قَالَ ابْن الْمُنْذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 بِالْإِجْمَاع وَلَا يلْزمه بَيَان السَّبَب فِي الأولى نعم يلْزمه أَن يحلف لَهُ أَنَّهَا تلفت بِغَيْر تَفْرِيط وَإِن ذكر سَببا ظَاهرا كحريق فَإِن عرف الْحَرِيق وعمومه وَلم يحْتَمل سَلامَة الْوَدِيعَة كَمَا قَالَه ابْن الْمقري صدق بِلَا يَمِين لِأَن ظَاهر الْحَال يُغْنِيه عَن الْيَمين أما إِذا احْتمل سلامتها بِأَن عَم ظَاهرا لَا يَقِينا فَيحلف لاحْتِمَال سلامتها فَإِن عرف الْحَرِيق دون عُمُومه صدق بِيَمِينِهِ لاحْتِمَال مَا ادَّعَاهُ وَإِن جهل مَا ادَّعَاهُ من الظَّاهِر طُولِبَ بِبَيِّنَة عَلَيْهِ ثمَّ يحلف على التّلف لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تتْلف بِهِ وَلَا يُكَلف الْبَيِّنَة على التّلف بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يخفي وَلَو أودعهُ ورقة مَكْتُوبًا فِيهَا الْحق الْمقر بِهِ كمائة دِينَار وَتَلفت بتقصيره ضمن قيمتهَا مَكْتُوبَة وَأُجْرَة الْكِتَابَة كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ بِخِلَاف مَا لَو أتلف ثوبا مطرزا فَإِنَّهُ يلْزمه قِيمَته وَلَا يلْزمه أُجْرَة التطريز لِأَن التطريز يزِيد قيمَة الثَّوْب غَالِبا وَلَا كَذَلِك الْكِتَابَة فَإِنَّهَا قد تنقصها وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 = كتاب بَيَان أَحْكَام الْفَرَائِض والوصايا = الْفَرَائِض جمع فَرِيضَة بِمَعْنى مَفْرُوضَة أَي مقدرَة لما فِيهَا من السِّهَام الْمقدرَة فَغلبَتْ على غَيرهَا وَالْفَرْض لُغَة التَّقْدِير قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} أَي قدرتم وَشرعا نصيب مُقَدّر شرعا لوَارث وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات الْمَوَارِيث وَالْأَخْبَار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِي فَلأولى رجل ذكر فَإِن قيل مَا فَائِدَة ذكر ذكر بعد رجل أُجِيب بِأَنَّهُ للتَّأْكِيد لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه مُقَابل الصَّبِي بل المُرَاد أَنه مُقَابل الْأُنْثَى فَإِن قيل لَو اقْتصر على ذكر ذكر كفتى فَمَا فَائِدَة ذكر رجل مَعَه أُجِيب بِأَن لَا يتَوَهَّم أَنه عَام مَخْصُوص القَوْل فِي مِيرَاث الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوَارِيث يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء والكبار دون الصغار وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام بِالْحلف والنصر ثمَّ نسخ فتوارثوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة ثمَّ نسخ فَكَانَت الْوَصِيَّة وَاجِبَة للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ بآيتي الْمَوَارِيث فَلَمَّا نزلتا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أعْطى كل ذِي حق حَقه أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث القَوْل فِي الْحَث على تعلم الْفَرَائِض واشتهرت الْأَخْبَار بالحث على تعليمها وتعلمها مِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموه أَي علم الْفَرَائِض النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَإِن هَذَا الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يقْضِي فِيهَا وَمِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض فَإِنَّهُ من دينكُمْ وَإنَّهُ نصف الْعلم وَإنَّهُ أول علم ينْزع من أمتِي وَإِنَّمَا سمي نصف الْعلم لِأَن للْإنْسَان حالتين حَالَة حَيَاة وَحَالَة موت وَلكُل مِنْهُمَا أَحْكَام تخصه وَقيل النّصْف بِمَعْنى الصِّنْف قَالَ الشَّاعِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 إِذا مت كَانَ النَّاس نِصْفَانِ شامت وَآخر مثن بِالَّذِي كنت أصنع وَاعْلَم أَن الْإِرْث يتَوَقَّف على ثَلَاثَة أُمُور وجود أَسبَابه وَوُجُود شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه القَوْل فِي أَسبَاب الْإِرْث فَأَما الْأَسْبَاب فَأَرْبَعَة قرَابَة وَنِكَاح وَوَلَاء وجهة الْإِسْلَام وشروطه أَيْضا أَرْبَعَة تحقق موت الْمُورث أَو إِلْحَاقه بالموتى حكما كَمَا فِي حكم القَاضِي بِمَوْت الْمَفْقُود اجْتِهَادًا أَو تحقق حَيَاة الْوَارِث بعد موت مُوَرِثه وَلَو بلحظة وَمَعْرِفَة إدلائه للْمَيت بِقرَابَة أَو نِكَاح أَو وَلَاء والجهة الْمُقْتَضِيَة للإرث تَفْصِيلًا القَوْل فِي مَوَانِع الْإِرْث والموانع أَيْضا أَرْبَعَة كَمَا قَالَه ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الرّقّ وَالْقَتْل وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي وَهُوَ أَن يلْزم من تَوْرِيث شخص عدم توريثه كأخ أقرّ بِابْن للْمَيت فَيثبت نسب الابْن وَلَا يَرث القَوْل فِي الوارثون من الرِّجَال (والوارثون من) جنس (الرِّجَال) ليدْخل فِيهِ الصَّغِير (عشرَة) بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُم اثْنَان من أَسْفَل النّسَب وهما (الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل) بِفَتْح الْفَاء على الْأَفْصَح أَي نزل وَاثْنَانِ من أَعْلَاهُ (و) هما (الْأَب وَالْجد) أَبُو الْأَب (وَإِن علا) وَأَرْبَعَة من الْحَوَاشِي (و) هم (الْأَخ) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا (وَابْنه) أَي ابْن الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج ابْن الْأَخ للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَإِن تراخيا) أَي وَإِن سفل الْأَخ الْمَذْكُور وَابْنه (وَالْعم) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج الْعم للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَابْنه) أَي الْعم الْمَذْكُور (وَإِن تباعدا) أَي الْعم الْمَذْكُور وَابْنه وَالْمعْنَى أَنه لَا فرق فِي الْعم بَين الْقَرِيب كعم الْمَيِّت والبعيد كعم أَبِيه وَعم جده إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي وَكَذَلِكَ ابْنه وَاثْنَانِ بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْج) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (وَالْمولى) وَيُطلق على نَحْو عشْرين معنى المُرَاد مِنْهَا هُنَا السَّيِّد (الْمُعْتق) بِكَسْر التَّاء وَالْمرَاد بِهِ من صدر مِنْهُ الْإِعْتَاق أَو ورث بِهِ فَلَا يرد على الْحصْر فِي الْعشْرَة عصبَة الْمُعْتق ومعتق الْمُعْتق وَطَرِيق الْبسط هُنَا يُقَال الوارثون من الذُّكُور خَمْسَة عشر الْأَب وَأَبوهُ وَإِن علا وَالِابْن وَابْنه وَإِن سفل وَالْأَخ الشَّقِيق وَالْأَخ للْأَب وَالْأَخ للْأُم وَابْن الْأَخ الشَّقِيق وَابْن الْأَخ للْأَب وَالْعم لِأَبَوَيْنِ وَالْعم لأَب وَابْن الْعم لِأَبَوَيْنِ وَابْن الْعم لأَب وَالزَّوْج وَالْمُعتق القَوْل فِي الوارثات من النِّسَاء (والوارثات من) جنس (النِّسَاء) ليدْخل فِيهِنَّ الصَّغِيرَة (سبع) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ من أَسْفَل النّسَب وهما (الْبِنْت وَبنت الابْن) وَفِي بعض النّسخ (وَإِن سفلت) وَهُوَ فِي بعض نسخ الْمُحَرر أَيْضا وَصَوَابه وَإِن سفل بِحَذْف الْمُثَنَّاة إِذْ الْفَاعِل ضمير يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي وَإِن سفل الابْن فَإِن بنته تَرث وَإِثْبَات الْمُثَنَّاة يُؤَدِّي إِلَى دُخُول بنت بنت الابْن فِي الْإِرْث وَهُوَ خطأ فَتَأَمّله وثنتان من أَعلَى النّسَب (و) هما (الْأُم وَالْجدّة) المدلية بوارث كَأُمّ الْأَب وَأم الْأُم (وَإِن علت) فَخرج بالمدلية بوارث أم أبي الْأُم فَلَا تَرث وَوَاحِدَة من الْحَوَاشِي (و) هِيَ (الْأُخْت) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا وثنتان بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْجَة) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (و) السيدة (الْمُعتقَة) بِكَسْر الْمُثَنَّاة وَهِي من صدر مِنْهَا الْعتْق أَو ورثت بِهِ كَمَا مر تَنْبِيه الْأَفْصَح أَن يُقَال فِي الْمَرْأَة زوج وَالزَّوْجَة لُغَة مرجوحة قَالَ النَّوَوِيّ واستعمالها فِي بَاب الْفَرَائِض مُتَعَيّن ليحصل الْفرق بَين الزَّوْجَيْنِ انْتهى وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يسْتَعْمل فِي عِبَارَته الْمَرْأَة وَهُوَ حسن وَطَرِيق الْبسط هُنَا أَن يُقَال والوارثات من النِّسَاء عشرَة الْأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْجدّة للْأُم وَإِن علتا وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفل وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة والمعتقة القَوْل فِي اجْتِمَاع الذُّكُور فَلَو اجْتمع كل الذُّكُور فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت أُنْثَى ورث مِنْهُم ثَلَاثَة الْأَب وَالِابْن وَالزَّوْج فَقَط لأَنهم لَا يحجبون وَمن بَقِي مَحْجُوب بِالْإِجْمَاع فَابْن الابْن وَالْجد بِالْأَبِ وَتَصِح مسألتهم من اثْنَي عشر لِأَن فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 ربعا وسدسا وَللزَّوْج الرّبع وَللْأَب السُّدس وللابن الْبَاقِي القَوْل فِي اجْتِمَاع الْإِنَاث أَو اجْتمع كل الْإِنَاث فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت ذكر فالوارثات مِنْهُنَّ خمس وَهن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَة وَالْبَاقِي من الْإِنَاث مَحْجُوب الْجدّة بِالْأُمِّ وَالْأُخْت للْأُم بالبنت وكل من الْأُخْت للْأَب والمعتقة بالشقيقة لكَونهَا مَعَ الْبِنْت وَبنت الابْن عصبَة تَأْخُذ الْفَاضِل عَن الْفُرُوض وَتَصِح مسألتهن من أَرْبَعَة وَعشْرين لِأَن فِيهَا سدسا وَثمنا للْأُم السُّدس وللزوجة الثّمن وللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس وَللْأُخْت الْبَاقِي وَهُوَ سهم القَوْل فِي اجْتِمَاع الْمُمكن من الصِّنْفَيْنِ أَو اجْتمع الَّذين يُمكن اجْتِمَاعهم من الصِّنْفَيْنِ الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَن اجْتمع كل الذُّكُور وكل الْإِنَاث إِلَّا الزَّوْجَة فَإِنَّهَا الْميتَة أَو كل الْإِنَاث وكل الذُّكُور إِلَّا الزَّوْج فَإِنَّهُ الْمَيِّت ورث مِنْهُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الابْن والأبوان وَالْبِنْت وَأحد الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ الزَّوْج حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْجَة وَهِي حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْج لحجبهم من عداهم فَالْأولى من اثْنَي عشر لِلْأَبَوَيْنِ السدسان أَرْبَعَة وَللزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَة بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر تبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تصح وَالثَّانيَِة أَصْلهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ للزَّوْجَة الثّمن وللأبوين السدسان وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَة عشر بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي أَرْبَعَة وَعشْرين تبلغ اثْنَيْنِ وَسبعين وَمِنْهَا تصح ضَابِط كل من انْفَرد من الذُّكُور حَاز جَمِيع التَّرِكَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى إِلَّا الزَّوْج وكل من انْفَرد من الْإِنَاث لَا يحوز جَمِيع المَال إِلَّا المعتقه وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى من حوز جَمِيع المَال إِلَّا الزَّوْجَة القَوْل فِي مِيرَاث ذَوي الْأَرْحَام تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف كَغَيْرِهِ أَن ذَوي الْأَرْحَام لَا يَرِثُونَ وهم كل قريب لَيْسَ بِذِي فرض وَلَا عصبَة وهم أحد عشر صنفا جد وَجدّة ساقطان كَأبي أم وَأم أبي أم وَإِن علتا وَهَذَانِ صنف وَاحِد وَأَوْلَاد بَنَات لصلب أَو لِابْنِ من ذُكُور وإناث وَبَنَات إخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وَأَوْلَاده أَخَوَات كَذَلِك وَبَنُو إخْوَة لأم وَعم لأم أَي أَخُو الْأَب لأمه وَبَنَات أعمام لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وعمات بِالرَّفْع وأخوال وخالات ومدلون بهم أَي بِمَا عدا الأول إِذْ لم يبْق فِي الأول من يُدْلِي بِهِ وَمحل هَذَا إِذا استقام أَمر بَيت المَال فَإِذا لم يستقم أَمر بَيت المَال وَلم يكن عصبَة وَلَا ذُو فرض مُسْتَغْرق ورث ذَوُو الْأَرْحَام كَمَا صَححهُ فِي الزَّوَائِد وَفِي كَيْفيَّة توريثهم مذهبان أَحدهمَا وَهُوَ الْأَصَح مَذْهَب أهل التَّنْزِيل وَهُوَ أَن ينزل كل مِنْهُم منزلَة من يُدْلِي بِهِ وَالثَّانِي مَذْهَب أهل الْقَرَابَة وَهُوَ تَقْدِيم الْأَقْرَب مِنْهُم إِلَى الْمَيِّت فَفِي بنت بنت وَبنت بنت ابْن المَال على الأول بَينهمَا أَربَاعًا وعَلى الثَّانِي لبِنْت الْبِنْت لقربها إِلَى الْمَيِّت وَقد بسطت الْكَلَام على ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب هَذَا كُله إِذا وجد أحد من ذَوي الْأَرْحَام وَإِلَّا فَحكمه كَمَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه إِذا جارت الْمُلُوك فِي مَال الْمصَالح فظفر بِهِ أحد يعرف المصارف أَخذه وَصَرفه فِيهَا كَمَا يصرفهُ الإِمَام الْعَادِل وَهُوَ مأجور على ذَلِك قَالَ وَالظَّاهِر وُجُوبه القَوْل فِي الْحجب بالشخص ثمَّ شرع فِيمَن يحجب وَمن لَا يحجب بقوله (وَمن) أَي وَالَّذِي (لَا يسْقط بِحَال) أَي الَّذِي لَا يحجب حجب حرمَان والحجب فِي اللُّغَة هُوَ الْمَنْع وَشرعا منع من قَامَ بِهِ سَبَب الْإِرْث من الْإِرْث بِالْكُلِّيَّةِ أَو من أوفر حظيه وَيُسمى الأول حجب حرمَان وَالثَّانِي حجب نُقْصَان فَالثَّانِي كحجب الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة وَالْأول قِسْمَانِ حجب بِالْوَصْفِ وَيُسمى منعا كَالْقَتْلِ وَالرّق وَسَيَأْتِي وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة أَيْضا وحجب بالشخص أَو الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ المُرَاد هُنَا كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام المُصَنّف وَمن لَا يسْقط بِحَال (خَمْسَة) وهم (الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِجْمَاع لِأَن كلا مِنْهُم يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ بِنسَب أَو نِكَاح وَلَيْسَ فرعا لغيره وَالْأَصْل مقدم على الْفَرْع فَخرج بقولنَا وَلَيْسَ فرعا لغيره الْمُعْتق ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِنَّهُ وَإِن أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ يحجب لِأَنَّهُ فرع لغيره وَهُوَ النّسَب وَهَذَا أولى من قَول بَعضهم وَضَابِط من لَا يدْخل عَلَيْهِ الْحجب بالشخص حجب حرمَان كل من أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ إِلَّا الْمُعْتق والمعتقة القَوْل فِي الْحجب بِالْوَصْفِ ثمَّ شرع فِي الْحجب بِالْوَصْفِ بقوله (وَمن) أَي الَّذِي (لَا يَرث بِحَال) أَي مُطلقًا سَبْعَة بل أَكثر كَمَا ستعرفه الأول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 (العَبْد) قَالَ ابْن حزم وَهُوَ يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى وَقَالَ فِي الْمُحكم العَبْد وَهُوَ الْمَمْلُوك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (و) الثَّانِي الرَّقِيق (الْمُدبر و) الثَّالِث (أم الْوَلَد و) الرَّابِع الرَّقِيق (الْمكَاتب) لنقصهم بِالرّقِّ وَكَانَ الأخصر للْمُصَنف أَن يَقُول أَرْبَعَة بدل سَبْعَة ويعبر عَن هَؤُلَاءِ بِالرّقِّ إِلَى آخر كَلَامه تَنْبِيه إِطْلَاقه مشْعر بِأَنَّهُ لَا فرق بَين كَامِل الرّقّ وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الصَّحِيح أَن الْمبعض لَا يَرث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ نَاقص بِالرّقِّ فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْولَايَة فَلم يَرث كالقن وَلَا يُورث الرَّقِيق كُله وَأما الْمبعض فيورث عَنهُ مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر لِأَنَّهُ تَامّ الْملك عَلَيْهِ فيرثه عَنهُ قَرِيبه الْحر أَو مُعتق بعضه وَزَوجته وَلَا شَيْء لسَيِّده لاستيفائه حَقه مِمَّا اكْتَسبهُ بالرقية وَاسْتثنى من كَون الرَّقِيق لَا يُورث كَافِر لَهُ أَمَان وَجَبت لَهُ جِنَايَة حَال حُرِّيَّته وأمانه ثمَّ نقض الْأمان فسبي واسترق وَحصل الْمَوْت بِالسّرَايَةِ فِي حَال رقّه فَإِن قدر الْأَرْش من قِيمَته لوَرثَته على الْأَصَح قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لنا رَقِيق كُله يُورث إِلَّا هَذَا (و) الْخَامِس (الْقَاتِل) فَلَا يَرث الْقَاتِل من مقتوله مُطلقًا لخَبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء أَي من الْمِيرَاث وَلِأَنَّهُ لَو ورث لم يُؤمن أذ يستعجل بِالْقَتْلِ فاقتضت الْمصلحَة حرمانه وَلِأَن الْقَتْل قطع الْمُوَالَاة وَهِي سَبَب الْإِرْث وَسَوَاء أَكَانَ الْقَتْل عمدا أم غَيره مَضْمُونا أم لَا بِمُبَاشَرَة أم لَا قصد مصْلحَته كضرب الْأَب أَو الزَّوْج أَو الْمعلم أم لَا مكْرها أم لَا فَكل ذَلِك تنَاوله إِطْلَاقه (و) السَّادِس (الْمُرْتَد) وَنَحْوه كيهودي تنصر فَلَا يَرث أحدا إِذْ لَيْسَ بَينه وَبَين أحد مُوالَاة فِي الدّين لِأَنَّهُ ترك دينا كَانَ يقر عَلَيْهِ وَلَا يقر على دينه الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا يَرث وَلَو عَاد بعده لِلْإِسْلَامِ بعد موت مُوَرِثه وَهُوَ كَذَلِك كَمَا حكى الْإِجْمَاع عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمَا وَقع لِابْنِ الرّفْعَة فِي الْمطلب من تَقْيِيده بِمَا إِذا مَاتَ مُرْتَدا وَأَنه إِذا أسلم تبين إِرْثه غلطه فِي ذَلِك صَاحبه السُّبْكِيّ فِي الابتهاج وَقَالَ إِنَّه فِيهِ خارق للْإِجْمَاع تَنْبِيه تنَاول إِطْلَاق المُصَنّف الْمُعْلن وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك وكما لَا يَرث الْمُرْتَد لَا يُورث لما مر لَكِن لَو قطع شخص طرف مُسلم فَارْتَد الْمَقْطُوع وَمَات سرَايَة وَجب قَود الطّرف ويستوفيه من كَانَ وَارثه لَوْلَا الرِّدَّة وَمثله حد الْقَذْف (و) السَّابِع (أهل ملتين) مختلفتين كملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر فَلَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا وانعقد الْإِجْمَاع على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث الْمُسلم مِنْهُ فالجمهور على الْمَنْع فَإِن قيل يرد على مَا ذكر مَا لَو مَاتَ كَافِر عَن زَوْجَة كَافِرَة حَامِل ووقف الْمِيرَاث فَأسْلمت ثمَّ ولدت فَإِن الْوَلَد يَرث مِنْهُ مَعَ حكمنَا بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أمه أُجِيب بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْم موت أَبِيه وَقد ورث مذ كَانَ حملا وَلِهَذَا قَالَ الكتاني من محققي الْمُتَأَخِّرين إِن لنا جمادا يملك وَهُوَ النُّطْفَة وَاسْتَحْسنهُ السُّبْكِيّ قَالَ الدَّمِيرِيّ وَفِيه نظر إِذْ الجماد مَا لَيْسَ بحيوان وَلَا كَانَ حَيَوَانا يَعْنِي وَلَا أصل حَيَوَان وَخرج بملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر ملتا الْكفْر إِذا كَانَ لَهما عهد فيتوارثان كيهودي من نَصْرَانِيّ وَنَصْرَانِي من مَجُوسِيّ ومجوسي من وَثني وَبِالْعَكْسِ لِأَن جَمِيع ملل الْكفْر فِي الْبطلَان كالملة الْوَاحِدَة قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 فَإِن قيل كَيفَ يتَصَوَّر إِرْث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي وَعَكسه فَإِن الْأَصَح أَن من انْتقل من مِلَّة إِلَى مِلَّة لَا يقر أُجِيب بتصور ذَلِك فِي الْوَلَاء وَالنِّكَاح وَفِي النّسَب أَيْضا فِيمَا إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ يَهُودِيّا وَالْآخر نَصْرَانِيّا أما بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بعد بُلُوغه كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ قبيل نِكَاح الْمُشرك حَتَّى لَو كَانَ لَهُ ولدان وَاخْتَارَ أَحدهمَا الْيَهُودِيَّة وَالْآخر النَّصْرَانِيَّة جعل التَّوَارُث بَينهمَا بالأبوة والأمومة والأخوة مَعَ اخْتِلَاف الدّين أما الْحَرْبِيّ وَغَيره كذمي ومعاهد فَلَا توارث بَين الْحَرْبِيّ وَغَيره لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا وَالثَّامِن إِيهَام وَقت الْمَوْت فَلَو مَاتَ متوارثان بغرق أَو حرق أَو هدم أَو فِي بِلَاد غربَة مَعًا أَو جهل أسبقهما أَو علم سبق وَجَهل لم يَرث أَحدهمَا من الآخر شَيْئا لِأَن من شَرط الْإِرْث كَمَا مر تَحْقِيق حَيَاة الْوَارِث بعد موت الْمُورث وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ وَالْجهل بِالسَّبقِ صَادِق بِأَن يعلم أصل السَّبق وَلَا يعلم عين السَّابِق وَبِأَن لَا يعلم بسبق أصلا وصور الْمَسْأَلَة خمس الْعلم بالمعية الْعلم بِالسَّبقِ وَعين السَّابِق الْجَهْل بالمعية والسبق الْجَهْل بِعَين السَّابِق مَعَ الْعلم بِالسَّبقِ التباس السَّابِق بعد معرفَة عينه فَفِي الصُّورَة الْأَخِيرَة يُوقف الْمِيرَاث إِلَى الْبَيَان أَو الصُّلْح وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة تقسم التَّرِكَة وَفِي الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة تَرِكَة كل من الميتين بغرق وَنَحْوه لباقي ورثته لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا ورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَهنا لم تعلم حَيَاته عِنْد موت صَاحبه فَلم يَرث كالجنين إِذا خرج مَيتا وَالتَّاسِع الدّور الْحكمِي وَقد مر مِثَاله والعاشر اللّعان فَإِنَّهُ يقطع التَّوَارُث ذكره الْغَزالِيّ القَوْل فِي مَوَانِع الْمِيرَاث الْحَقِيقِيَّة وَقَالَ ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الْمَوَانِع الْحَقِيقِيَّة أَرْبَعَة الْقَتْل وَالرّق وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي وَمَا زَاد عَلَيْهَا فتسميته مَانِعا مجَاز وَقَالَ فِي غَيره إِنَّهَا سِتَّة الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَالرِّدَّة وَاخْتِلَاف الْعَهْد وَإِن مَا زَاد عَلَيْهَا مجَاز وَانْتِفَاء الْإِرْث مَعَه لَا لِأَنَّهُ مَانع بل لانْتِفَاء الشَّرْط كَمَا فِي جهل التَّارِيخ وَهَذَا أوجه وعد بَعضهم من الْمَوَانِع النُّبُوَّة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَالْحكمَة فِيهِ أَن لَا يتَمَنَّى أحد من الْوَرَثَة مَوْتهمْ لذَلِك فَيهْلك وَأَن لَا يظنّ بهم الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَن يكون مَالهم صَدَقَة بعد وفاتهم توفيرا لأجورهم وَقد علم مِمَّا تقرر أَن النَّاس فِي الْإِرْث على أَرْبَعَة أَقسَام مِنْهُم من يَرث وَيُورث وَعَكسه فيهمَا وَمِنْهُم من يُورث وَلَا يَرث وَعَكسه فَالْأولى كزوجين وأخوين وَالثَّانِي كرقيق ومرتد وَالثَّالِث كمبعض وجنين فِي غرته فَقَط فَإِنَّهَا تورث عَنهُ لَا غَيرهَا وَالرَّابِع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُم يَرِثُونَ وَلَا يورثون القَوْل فِي الْعَصَبَات (وَأقرب الْعَصَبَات) من النّسَب الْعصبَة بِنَفسِهِ وهم (الابْن) لِأَنَّهُ يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْنه) وَإِن سفل لِأَنَّهُ يقوم مقَام أَبِيه فِي الْإِرْث فَكَذَا فِي التَّعْصِيب (ثمَّ الْأَب) لإدلاء سَائِر الْعَصَبَات بِهِ (ثمَّ أَبوهُ) وَإِن علا (ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 عبر بِهِ كَانَ أخصر (ثمَّ الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْأَب يُدْلِي بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفسِهِ كأبيه (ثمَّ الْعم على هَذَا التَّرْتِيب) أَي فَيقدم الْعم الشَّقِيق على الْعم للْأَب لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْجد ويدلي للْمَيت بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْنه) أَي الْعم على تَرْتِيب أَبِيه فَيقدم ابْن الْعم الشَّقِيق على ابْن الْعم للْأَب ثمَّ عَم الْأَب من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك ثمَّ عَم الْجد من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي قَالَه فِي الرَّوْضَة وَتَركه المُصَنّف اختصارا (فَإِذا عدمت الْعَصَبَات) من النّسَب الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم (فالمولى الْمُعْتق) والعصبات جمع عصبَة وَيُسمى بِهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث قَالَه المطرزي وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَأنكر ابْن الصّلاح إِطْلَاقه على الْوَاحِد لِأَنَّهُ جمع عاصب وَمعنى الْعصبَة لُغَة قرَابَة الرجل لِأَبِيهِ وَشرعا من لَيْسَ لَهُم سهم مُقَدّر من الْوَرَثَة فيرث التَّرِكَة إِذا انْفَرد أَو مَا فضل بعد الْفُرُوض فقولنا يَرث التَّرِكَة صَادِق بالعصبة بِنَفسِهِ وَهُوَ مَا تقدم وبنفسه وَغَيره مَعًا والعصبة بِغَيْرِهِ من الْبَنَات وَالْأَخَوَات غير ولد الْأُم مَعَ أخيهن وَقَوْلنَا أَو مَا فضل إِلَى آخِره صَادِق بذلك وبالعصبة مَعَ غَيره وَهن الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن فَلَيْسَ لَهُنَّ حَال يستغرقن فِيهِ التَّرِكَة وَالْمُعتق يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى لإِطْلَاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَلِأَن الإنعام بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُود من الرجل وَالْمَرْأَة فاستويا فِي الْإِرْث وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا قدم النّسَب عَلَيْهِ لقُوته ويرشد إِلَيْهِ الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب شبه بِهِ والمشبه دون الْمُشبه بِهِ (ثمَّ عصبته) أَي الْمُعْتق بِنسَب المتعصبون بِأَنْفسِهِم كابنه وأخيه لَا كبنته وَأُخْته وَلَو مَعَ أخويهما المعصبين لَهما لِأَنَّهُمَا من أَصْحَاب الْفُرُوض وَلَا للْعصبَةِ مَعَ غَيره وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْوَلَاء أَضْعَف من النّسَب المتراخي وَإِذا ترَاخى النّسَب ورث الذُّكُور دون الْإِنَاث كبني الْأَخ وَبني الْعم دون أخواتهم فَإِذا لم تَرث بنت الْأَخ وَبنت الْعم فبنت الْمُعْتق أولى أَن لَا تَرث لِأَنَّهَا أبعد مِنْهُمَا وَالْمُعْتَبر أقرب عصباته يَوْم موت الْعَتِيق فَلَو مَاتَ الْمُعْتق وَخلف ابْنَيْنِ ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا وَخلف ابْنا ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فولاؤه لِابْنِ الْمُعْتق دون ابْن ابْنه تَنْبِيه كَلَام المُصَنّف كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْوَلَاء لَا يثبت للْعصبَةِ فِي حَيَاة الْمُعْتق بل إِنَّمَا يثبت بعده وَلَيْسَ بِمُرَاد بل الْوَلَاء ثَابت لَهُم فِي حَيَاة الْمُعْتق على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي الْأُم إِذْ لَو لم يثبت لَهُم الْوَلَاء إِلَّا بعد مَوته لم يرثوا وَقَالَ السُّبْكِيّ يتلخص للأصحاب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَهُم مَعَه لَكِن هُوَ الْمُقدم عَلَيْهِم فِيمَا يُمكن جعله لَهُ كإرث المَال وَنَحْوه اه وترتيبهم هُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 كالترتيب الْمُتَقَدّم فِي النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل مِنْهَا إِذا اجْتمع الْجد وَالْأَخ الشَّقِيق أَو لأَب قدم الْأَخ هُنَا فِي الْوَلَاء على الْأَظْهر بِخِلَافِهِ فِي النّسَب فَلَو اجْتمعَا مَعَه فَلَا يقدم أَوْلَاد الْأَب على الْجد على الْأَصَح بل يقتسم الْجد مَعَ الشَّقِيق فَقَط وَمِنْهَا مَا إِذا كَانَ مَعَ الْجد ابْن الْأَخ فَالْأَظْهر تَقْدِيم ابْن الْأَخ فِي الْوَلَاء لقُوَّة الْبُنُوَّة وَمِنْهَا إِذا كَانَ للْمُعْتق ابْنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم فَالْمَذْهَب تَقْدِيمه وَسكت المُصَنّف عَمَّا إِذا لم يكن للْمُعْتق عصبَة وَحكمه أَن التَّرِكَة لمعتق الْمُعْتق ثمَّ لعصبته على التَّرْتِيب الْمُعْتَبر فِي عصبات الْمُعْتق ثمَّ لمعتق مُعتق الْمُعْتق وَهَكَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَإِن فقدوا فمعتق الْأَب ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق الْجد ثمَّ عصبته وَهَكَذَا فَإِن لم يكن وَارِث انْتقل المَال لبيت المَال إِرْثا للْمُسلمين إِذا انتظم أَمر بَيت المَال أما إِذا لم يَنْتَظِم لكَون الإِمَام غير عَادل فَإِنَّهُ يرد على أهل الْفُرُوض غير الزَّوْجَيْنِ لِأَن عِلّة الرَّد الْقَرَابَة وَهِي مفقودة فيهمَا وَنقل ابْن سُرَيج فِيهِ الْإِجْمَاع هَذَا إِذا لم يَكُونَا من ذَوي الْأَرْحَام فَلَو كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّة رحم رد عَلَيْهَا كَبِنْت الْخَالَة وَبنت الْعم لَكِن الصّرْف إِلَيْهِم من جِهَة الرَّحِم لَا من جِهَة الزَّوْجِيَّة وَإِنَّمَا يرد مَا فضل عَن فروضهم بِالنِّسْبَةِ لسهام من يرد عَلَيْهِ طلبا للعدل فيهم فَفِي بنت وَأم يبْقى بعد إِخْرَاج فرضهما سَهْمَان من سِتَّة للْأُم ربعهما نصف سهم وللبنت ثَلَاثَة أرباعهما فَتَصِح الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وَترجع بالاختصار إِلَى أَرْبَعَة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد وَذكرت أَشْيَاء من ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره القَوْل فِي الْإِرْث بِالْفَرْضِ وَبَيَان الْفُرُوض ثمَّ شرع فِي بَيَان الْفُرُوض وأصحابها وهم كل من لَهُ سهم مُقَدّر شرعا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَقدر مَا يسْتَحقّهُ كل مِنْهُم بقوله (والفروض) جمع فرض بِمَعْنى نصيب أَي الْأَنْصِبَاء (الْمَذْكُورَة) أَي الْمقدرَة أَي المحصورة للْوَرَثَة بِأَن لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص عَنْهَا إِلَّا لعَارض كعول فينقص أَو رد فيزاد (فِي كتاب الله تَعَالَى) للْوَرَثَة وَخبر الْفُرُوض (سِتَّة) بعول وبدونه ويعبر عَنْهَا بعبارات أوضحها (النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس) وأخصرها الرّبع وَالثلث والضعف كل وَنصفه وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وَنصف نصفه وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَنصف نصفهما وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وربعه والسدسان ونصفهما وربعهما وَخرج بقوله فِي كتاب الله تَعَالَى السُّدس الَّذِي للجدة ولبنت الابْن إِلَّا أَن يُقَال السُّدس مَذْكُور فِي كتاب الله تَعَالَى لَا مَعَ كَون من يسْتَحقّهُ إِمَّا جدة أَو بنت ابْن والسبع وَالتسع فِي مسَائِل الْعَوْل إِلَّا أَن يُقَال الأول سدس عائل وَالثَّانِي ثمن عائل وَثلث مَا يبْقى فِي الغراوين كَزَوج وأبوين وَزَوْجَة وأبوين وَفِي مسَائِل الْجد حَيْثُ مَعَه ذُو فرض كَأُمّ وجد وَخَمْسَة إخْوَة فَإِنَّهُ من قبيل الِاجْتِهَاد القَوْل فِي أَصْحَاب النّصْف (ف) الْفَرْض الأول (النّصْف) بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ لكَونه أكبر كسر مُفْرد قَالَ السُّبْكِيّ وَكنت أود أَن لَو بدأوا بالثلثين لِأَن الله تَعَالَى بَدَأَ بهما حَتَّى رَأَيْت أَبَا النَّجَاء وَالْحُسَيْن بن عبد الْوَاحِد الوني بدآ بهما فَأَعْجَبَنِي ذَلِك وَهُوَ (فرض خَمْسَة) أَحدهَا (الْبِنْت) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف} (و) ثَانِيهَا (بنت الابْن) وَإِن سفل بِالْإِجْمَاع (إِذا انْفَرَدت) عَن تعصيب وتنقيص فَخرج بِالتَّعْصِيبِ مَا إِذا كَانَ مَعهَا أَخ فِي درجتها فَإِنَّهُ يعصبها وَيكون لَهَا نصف مَا حصل لَهُ وبالتنقيص مَا إِذا كَانَ مَعهَا بنت صلب فَإِن لَهَا مَعهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَلَو عبر بالشقيقة لَكَانَ أخصر (و) رَابِعهَا (الْأُخْت من الْأَب) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك} قَالَ ابْن الرّفْعَة وَأَجْمعُوا على أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 (و) ثَالِثهَا (الْأُخْت من الْأَب وَالأُم) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة المُرَاد بهَا الْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت من الْأَب وَخرج بِقَيْد الِانْفِرَاد عَمَّن ذكر فِي الْأَرْبَعَة الزَّوْج فَإِن لكل وَاحِدَة مَعَ وجوده النّصْف أَيْضا (و) خَامِسهَا (الزَّوْج إِذا لم يكن لَهَا) أَي لزوجته (ولد) مِنْهُ أَو من غَيره وَيصدق الْوَلَد بِالذكر وَالْأُنْثَى (وَلَا ولد ابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد} وانعقد الْإِجْمَاع على أَن ولد الابْن كَوَلَد الصلب فِي حجب الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع إِمَّا لصدق اسْم الْوَلَد عَلَيْهِ مجَازًا وَإِمَّا قِيَاسا على الْإِرْث والتعصيب فَإِنَّهُ فيهمَا كَوَلَد الصلب إِجْمَاعًا القَوْل فِي أَصْحَاب الرّبع (و) الْفَرْض الثَّانِي (الرّبع وَهُوَ فرض اثْنَيْنِ) فرض (الزَّوْج مَعَ الْوَلَد) لزوجته مِنْهُ أَو من غَيره (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا مر وَخرج بِقَيْد الابْن هُنَا وَفِيمَا قبله ولد الْبِنْت فَإِنَّهُ لَا يَرث وَلَا يحجب (وَهُوَ) أَي الرّبع (للزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) لكل (الزَّوْجَات) بِالسَّوِيَّةِ (مَعَ عدم الْوَلَد) للزَّوْج (أَو) عدم (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد} وَأما مَعَ عدم ولد الابْن فبالإجماع واستفيد من تَعْبِيره بالزوجات بعد الْوَاحِدَة أَن مَا فَوق الْوَاحِدَة إِلَى انْتِهَاء الْأَرْبَع فِي اسْتِحْقَاق الرّبع كالواحدة وَهُوَ إِجْمَاع كَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر تَنْبِيه قد تَرث الْأُم الرّبع فرضا فِيمَا إِذا ترك زَوْجَة وأبوين فللزوجة الرّبع وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَاحِد وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ربع وَلَكنهُمْ تأدبوا مَعَ لفظ الْقُرْآن الْعَظِيم القَوْل فِي أَصْحَاب الثّمن (و) الْفَرْض الثَّالِث (الثّمن) وَهُوَ (فرض الزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) كل (الزَّوْجَات) بالتسوية (مَعَ الْوَلَد) للزَّوْج مِنْهَا أَو من غَيرهَا (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا تقدم من الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس على ولد الصلب وَيُسْتَفَاد من تَعْبِيره هُنَا بالزوجات بعد الْوَاحِدَة مَا اسْتُفِيدَ فِيمَا قبله القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلثَيْنِ (و) الْفَرْض الرَّابِع (الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْله (فرض أَرْبَعَة البنتين) فَأكْثر أما فِي البنتين فبالإجماع الْمُسْتَند لما صَحَّ الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى بِنْتي سعد بن الرّبيع الثُّلثَيْنِ وَإِلَى الْقيَاس على الْأُخْتَيْنِ وَمِمَّا احْتج بِهِ أَيْضا أَن الله تَعَالَى قَالَ {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَهُوَ لَو كَانَ مَعَ وَاحِدَة كَانَ حظها الثُّلُث فَأولى وَأَحْرَى أَن يجب لَهَا ذَلِك مَعَ أُخْتهَا وَأما فِي الْأَكْثَر من ثِنْتَيْنِ فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وَفرض (بَنَات الابْن) وَإِن سفل وَلَو عبر ببنتي الابْن فَأكْثر كَانَ أولى ليدْخل بِنْتا الابْن وَالْألف وَاللَّام فِي الابْن للْجِنْس حَتَّى لَو كن من أَبنَاء كَانَ الحكم كَذَلِك وَهَذَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ بنت صلب فَإِن كَانَ فَسَيَأْتِي حكمه (و) فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب وَالأُم) أما فِي الْأُخْتَيْنِ فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك} وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وفللآية الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة فَإِن المُرَاد بهما الصنفان كَمَا حكى ابْن الرّفْعَة فِيهِ الْإِجْمَاع وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب) عِنْد فقد الشقيقتين أما فِي الْأُخْتَيْنِ اثْنَتَيْنِ كَمَا تقدم تَنْبِيه ضَابِط من يَرث الثُّلثَيْنِ من تعدد من الْإِنَاث مِمَّن فَرْضه النّصْف عِنْد انفرادهن عَمَّن يعصبهن أَو يحجبهن القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلُث (و) الْفَرْض الْخَامِس (الثُّلُث) وَهُوَ (فرض اثْنَيْنِ) فرض (الْأُم إِذا لم تحجب) حجب نُقْصَان بِأَن لم يكن لميتها ولد وَلَا ولد ابْن وَارِث وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْمَيت سَوَاء أكانوا أشقاء أم لَا ذُكُورا أم لَا محجوبين بغَيْرهَا كأخوين لأم من جد أم لَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} وَولد الابْن مُلْحق بِالْوَلَدِ وَالْمرَاد بالإخوة اثْنَان فَأكْثر إِجْمَاعًا قبل إِظْهَار ابْن عَبَّاس الْخلاف وَيشْتَرط أَيْضا أَن لَا يكون مَعَ الْأُم أَب وَأحد الزَّوْجَيْنِ فَقَط فَإِن كَانَ مَعهَا ذَلِك ففرضها ثلث الْبَاقِي كَمَا مر (وَهُوَ) أَي الثُّلُث (للاثنين فَصَاعِدا) بِالنّصب على الْحَال وناصبه وَاجِب الاضمار أَي ذَاهِبًا من فرض عدد الِاثْنَيْنِ إِلَى الصعُود على الِاثْنَيْنِ وَلَا يجوز فِيهِ غير النصب وَإِنَّمَا يسْتَعْمل بِالْفَاءِ وَثمّ لَا بِالْوَاو كَمَا فِي الْمُحكم أَي فزائدا (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم) يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} الْآيَة وَالْمرَاد أَوْلَاد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَغَيره وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَهِي وَإِن لم تتواتر لَكِنَّهَا كالخبر فِي الْعَمَل على الصَّحِيح لِأَن مثل ذَلِك إِنَّمَا يكون توقيفا وَإِنَّمَا سوى بَين الذّكر وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَا تعصيب فِيمَن أدلوا بِهِ بِخِلَاف الأشقاء ولأب فَإِن فيهم تعصيبا فَكَانَ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كالبنين وَالْبَنَات ذكره ابْن أبي هُرَيْرَة فِي تَعْلِيقه وَقد يفْرض الثُّلُث للْجدّ مَعَ الْإِخْوَة فِيمَا إِذا نقص عَنهُ بالمقاسمة كَمَا لَو كَانَ مَعَه ثَلَاثَة إخْوَة فَأكْثر وَبِهَذَا يكون فرض الثُّلُث لثَلَاثَة وَإِن لم يكن الثَّالِث فِي كتاب الله تَعَالَى كَمَا مر القَوْل فِي أَصْحَاب السُّدس (و) الْفَرْض السَّادِس (السُّدس) وَهُوَ (فرض سَبْعَة) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة (للْأُم مَعَ الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو غَيره لقَوْله تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك إِن كَانَ لَهُ ولد} أَو مَعَ (ولد الابْن) وَإِن سفل للْإِجْمَاع على حجبها بِهِ من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَلم يعتبروا مُخَالفَة مُجَاهِد فِي ذَلِك (أَو) مَعَ (اثْنَيْنِ فَصَاعِدا) أَي فَأكْثر (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات) لما مر فِي الْآيَتَيْنِ تَنْبِيه قَوْله (اثْنَيْنِ) قد يَشْمَل مَا لَو ولدت امْرَأَة وَلدين ملتصقين لَهما رأسان وَأَرْبع أرجل وَأَرْبع أيد وفرجان وَلَهُمَا ابْن آخر ثمَّ مَاتَ هَذَا الابْن وَترك أمه وهذين فَيصْرف لَهَا السُّدس وَهُوَ كَذَلِك لِأَن حكمهمَا حكم الِاثْنَيْنِ فِي سَائِر الْأَحْكَام من قصاص ودية وَغَيرهمَا وتعطى أَيْضا السُّدس مَعَ الشَّك فِي وجود أَخَوَيْنِ كَأَن وطىء اثْنَان امْرَأَة بِشُبْهَة وَأَتَتْ بِولد واشتبه الْحَال ثمَّ مَاتَ الْوَلَد قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 لُحُوقه بِأَحَدِهِمَا ولأحدهما دون الآخر ولدان فللأم من مَال الْوَلَد السُّدس فِي الْأَصَح أَو الصَّحِيح كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي الْعدَد وَإِذا اجْتمع مَعَ الْأُم الْوَلَد أَو ولد الابْن وَاثْنَانِ من الْإِخْوَة فَالَّذِي ردهَا من الثُّلُث إِلَى السُّدس الْوَلَد لقُوته كَمَا بَحثه ابْن الرّفْعَة وَقد يفْرض لَهَا أَيْضا السُّدس مَعَ عدم من ذكر كَمَا إِذا مَاتَت امْرَأَة عَن زوج وأبوين (وَهُوَ) أَي السُّدس (للجدة) الوارثة لأَب أَو لأم لخَبر أبي دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الْجدّة السُّدس وَالْمرَاد بهَا الْجِنْس لِأَن الجدتين فَأكْثر الوارثات يَشْتَرِكَانِ أَو يشتركن فِي السُّدس وروى الْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِهِ للجدتين ثمَّ إِن كَانَت الْجدّة لأم فلهَا ذَلِك (عِنْد عدم الْأُم) فَقَط سَوَاء انْفَرَدت أَو كَانَت مَعَ ذَوي فرض أَو عصبَة لِأَنَّهَا لَا يحجبها إِلَّا الْأُم فَقَط إِذْ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الْمَيِّت غَيرهَا فَلَا تحجب بِالْأَبِ وَلَا بالجد وَالْجدّة للْأَب يحجبها الْأَب لِأَنَّهَا تدلي بِهِ أَو الْأُم بِالْإِجْمَاع فَإِنَّهَا تسْتَحقّ بالأمومة وَالأُم أقرب مِنْهَا والقربى من كل جِهَة تحجب البعدى مِنْهَا سَوَاء أدلت بهَا كَأُمّ أَب وَأم أم أَب وَأم أم وَأم أم أم أم لم تدل بهَا كَأُمّ أَب وَأم أبي أَب فَلَا تَرث البعدى مَعَ وجود الْقُرْبَى والقربى من جِهَة الْأُم كَأُمّ أم تحجب البعدي من جِهَة الْأَب كَأُمّ أم أَب والقربى من جِهَة الْأَب كَأُمّ أَب لَا تحجب البعدى من جِهَة الْأُم كَأُمّ أم أم بل يكون السُّدس بَينهمَا نِصْفَيْنِ (و) السُّدس أَيْضا (لبِنْت الابْن) فَأكْثر (مَعَ بنت الصلب) أَو مَعَ بنت ابْن أقرب مِنْهَا تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ لقضائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي بنت الابْن مَعَ الْبِنْت رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَقيس عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَن الْبَنَات لَيْسَ لَهُنَّ أَكثر من الثُّلثَيْنِ فالبنت وَبَنَات الابْن أولى بذلك تَنْبِيه اسْتُفِيدَ من إِفْرَاد المُصَنّف كَغَيْرِهِ بنت الصلب أَنه لَو كَانَ مَعَ بَنَات الابْن بِنْتا صلب فَأكْثر أَنه لَا شَيْء لبنات الابْن وَهُوَ كَذَلِك بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن بنت الابْن فَأكْثر إِنَّمَا تَأْخُذ أَو يَأْخُذن تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَهُوَ السُّدس وَلِهَذَا سمي تَكْمِلَة كَمَا مر (وَهُوَ) أَي السُّدس (للْأُخْت) فَأكْثر (من الْأَب مَعَ الْأُخْت) الْوَاحِدَة (من الْأَب وَالأُم) تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ كَمَا فِي الْبِنْت وَبَنَات الابْن (وَهُوَ) أَي السُّدس (فرض الْأَب مَعَ الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو غَيره (أَو) مَعَ (ولد الابْن) وَإِن سفل (و) هُوَ أَيْضا (فرض الْجد) للْأَب (عِنْد عدم الْأَب) لقَوْله تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} الْآيَة وَولد الابْن كَالْوَلَدِ كَمَا مر وَالْجد كَالْأَبِ (وَهُوَ) أَيْضا (للْوَاحِد من ولد الْأُم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى لقَوْله تَعَالَى {وَله أَخ أَو أُخْت} الْآيَة تَتِمَّة أَصْحَاب الْفُرُوض ثَلَاثَة عشر أَرْبَعَة من الذُّكُور الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَالْأَب وَالْجد وَقد يَرث الْأَب وَالْجد بِالتَّعْصِيبِ فَقَط وَقد يجمعان بَينهمَا وَتِسْعَة من الْإِنَاث الْأُم والجدتان وَالزَّوْجَة وَالْأُخْت للْأُم وَذَوَات النّصْف الْأَرْبَع حجب الحرمان بالشخص ثمَّ شرع فِي حجب الحرمان بقوله (وَتسقط الْجدَّات) سَوَاء أكن للْأُم أَو للْأَب (بِالْأُمِّ) إِجْمَاعًا لِأَن الْجدّة إِنَّمَا تسْتَحقّ بالأمومة وَالأُم أقرب مِنْهَا كَمَا مر (و) يسْقط (الأجداد) المدلون إِلَى الْمَيِّت بمحض الذُّكُور (بِالْأَبِ) وَبِكُل جد هُوَ إِلَى الْمَيِّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 أقرب مِنْهُم بِالْإِجْمَاع (وَيسْقط ولد الْأُم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (مَعَ) وجود (أَرْبَعَة) أَي بِوَاحِد مِنْهَا (الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (وَولد الابْن) وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (وَالْأَب وَالْجد) بِالْإِجْمَاع وَالْآيَة الْكَلَالَة المفسرة بِمن لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَأما الْأُم فَلَا تحجبهم وَإِن أدلوا بهَا لِأَن شَرط حجب المدلي بالمدلى بِهِ أما اتِّحَاد جهتهما كالجد مَعَ الْأَب وَالْجدّة مَعَ الْأُم أَو اسْتِحْقَاق المدلى بِهِ كل التَّرِكَة لَو انْفَرد كالأخ مَعَ الْأَب وَالأُم مَعَ وَلَدهَا لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا تَأْخُذ بالأمومة وَهُوَ بالأخوة وَلَا تسْتَحقّ جَمِيع التَّرِكَة إِذا انْفَرَدت (وَيسْقط ولد الْأَب وَالأُم) أَي الْأَخ الشَّقِيق وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أخصر (مَعَ ثَلَاثَة) أَي بِوَاحِد مِنْهَا (الابْن وَابْن الابْن) وَإِن سفل (وَالْأَب) بِالْإِجْمَاع فِي الثَّلَاثَة (وَيسْقط ولد الْأَب) أَي الْأَخ للْأَب فَقَط مَعَ أَرْبَعَة (بهؤلاء الثَّلَاثَة وبالأخ من الْأَب وَالأُم) لقُوته بِزِيَادَة الْقرب فَإِن قيل يرد على ذَلِك أَنه يحجب أَيْضا ببنت وَأُخْت شَقِيقَة أُجِيب بِأَن كَلَامه فِيمَن يحجب بمفرده وكل من الْبِنْت وَالْأُخْت لَا تحجب الْأَخ بمفردها بل مَعَ غَيرهَا وَالَّذِي يحجب ابْن الْأَخ لِأَبَوَيْنِ سِتَّة أَب لِأَنَّهُ يحجب أَبَاهُ فَهُوَ أولى وجد لِأَنَّهُ فِي دَرَجَة أَبِيه وَابْن وَابْنَة لِأَنَّهُمَا يحجبان أَبَاهُ فَهُوَ أولى وَالْأَخ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ إِن كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِن كَانَ عَمه فَهُوَ أقرب مِنْهُ وَالْأَخ لأَب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ وَابْن الْأَخ لأَب يَحْجُبهُ سَبْعَة هَؤُلَاءِ السِّتَّة لما سبق وَابْن الْأَخ لِأَبَوَيْنِ لقُوته وَالْعم لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبهُ ثَمَانِيَة هَؤُلَاءِ السَّبْعَة لما سبق وَابْن الْأَخ لأَب لقرب دَرَجَته وَالْعم لأَب يَحْجُبهُ تِسْعَة هَؤُلَاءِ الثَّمَانِية لما مر وَعم لِأَبَوَيْنِ لقُوته وَابْن عَم لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبهُ عشرَة هَؤُلَاءِ التِّسْعَة لما مر وَعم لأَب لِأَنَّهُ فِي دَرَجَة أَبِيه فَيقدم عَلَيْهِ لزِيَادَة قربه وَابْن عَم لأَب يَحْجُبهُ أحد عشر هَؤُلَاءِ الْعشْرَة لما سلف وَابْن عَم لِأَبَوَيْنِ لقُوته وَالْمُعتق يَحْجُبهُ عصبَة النّسَب بِالْإِجْمَاع لِأَن النّسَب أقوى من الْوَلَاء إِذْ يتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام لَا تتَعَلَّق بِالْوَلَاءِ كالمحرمية وَوُجُوب النَّفَقَة وَسُقُوط الْقصاص وَعدم صِحَة الشَّهَادَة وَنَحْوهَا وَسكت المُصَنّف عَن ذَلِك اختصارا (وَأَرْبَعَة يعصبون أخواتهم) مَنْصُوب بالكسرة لكَونه جمع مؤنت سَالم الأول (الابْن) لقَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} فنص سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أَوْلَاد الصلب (و) الثَّانِي (ابْن الابْن) وَإِن سفل لِأَنَّهُ لما قَامَ مقَام أَبِيه فِي الْإِرْث قَامَ مقَامه فِي التَّعْصِيب (و) الثَّالِث (الْأَخ من الْأَب وَالأُم و) الرَّابِع (الْأَخ من الْأَب) فَقَط لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} القَوْل فِيمَن يَرث دون أُخْته (وَأَرْبَعَة) لَا يعصبون أخواتهم بل (يَرِثُونَ دون أخواتهم) فَلَا يرثن (وهم الْأَعْمَام) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (وَبَنُو الْأَعْمَام) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (وَبَنُو الْإِخْوَة) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب لِأَن العمات وَبَنَات الْأَعْمَام وَبَنَات الْإِخْوَة من ذَوي الْأَرْحَام كم مر بيانهم أول الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 (وعصبات الْمولى الْمُعْتق) الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم لانجرار الْوَلَاء إِلَيْهِم كَمَا مر بَيَانه فيرثون عَتيق مُورثهم بِالْوَلَاءِ دون أخواتهم لِأَن الْإِنَاث إِذا لم يرثن فِي النّسَب الْبعيد فَلَا يرثن فِي الْوَلَاء الَّذِي هُوَ أَضْعَف من النّسَب الْبعيد أولى وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورث بنت حَمْزَة من عَتيق أَبِيهَا قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّه حَدِيث مُضْطَرب لَا تقوم بِهِ الْحجَّة وَالَّذِي صَححهُ النَّسَائِيّ أَنه كَانَ عتيقها وَكَذَا حكى تصويب ذَلِك عَن النَّسَائِيّ ابْن الملقن فِي أَدِلَّة التَّنْبِيه تَنْبِيه الابْن الْمُنْفَرد يسْتَغْرق التَّرِكَة وَكَذَا الابنان والبنون إِجْمَاعًا وَلَو اجْتمع بنُون وَبَنَات فالتركة لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأَوْلَاد الابْن وَإِن نزل إِذا انفردوا كأولاد الصلب فِيمَا ذكر فَلَو اجْتمع أَوْلَاد الصلب وَأَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ من أَوْلَاد الصلب ذكر حجب أَوْلَاد الابْن بِالْإِجْمَاع فَإِن لم يكن فَإِن كَانَ للصلب بنت فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور والإنث وَلَا شَيْء للإناث الخلص فِي أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب أَو فَصَاعِدا أخذتا أَو أخذن الثُّلثَيْنِ وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور أَو الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شَيْء للإناث الخلص من أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يكون أَسْفَل مِنْهُنَّ ذكر فيعصبهن فِي الْبَاقِي وَأَوْلَاد ابْن الابْن مَعَ أَوْلَاد الابْن كأولاد الابْن مَعَ أَوْلَاد الصلب فِي جَمِيع مَا مر وَكَذَا سَائِر الْمنَازل وَإِنَّمَا يعصب الذّكر النَّازِل من أَوْلَاد الابْن من فِي دَرَجَته كأخته وَبنت عَمه ويعصب من فَوْقه كَبِنْت عَم أَبِيه إِن لم يكن لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ كبنتي صلب وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ لِأَن لَهَا فرضا استغنت بِهِ عَن تعصيبه وَبَاب الْفَرَائِض بَاب وَاسع وَقد أفرد بالتأليف وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة بِالنِّسْبَةِ لهَذَا الْمُخْتَصر فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء وَهِي فِي اللُّغَة الإيصال من وصّى الشَّيْء بِكَذَا وَصله بِهِ لِأَن الْمُوصي وصل خير دُنْيَاهُ بِخَير عقباه وَشرعا لَا بِمَعْنى الْإِيصَاء تبرع بِحَق مُضَاف وَلَو تَقْديرا لما بعد الْمَوْت لَيْسَ بتدبير وَلَا تَعْلِيق عتق بِصفة وَإِن ألحقا بهَا حكما كالتبرع الْمُنجز فِي مرض الْمَوْت أَو الملحق بِهِ وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم الْوَصِيَّة على الْفَرَائِض لِأَن الْإِنْسَان يُوصي ثمَّ يَمُوت فتقسم تركته وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من الْمَوَارِيث {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وأخبار كَخَبَر ابْن مَاجَه المحروم من حرم الْوَصِيَّة من مَاتَ على وَصِيَّة مَاتَ على سَبِيل وَسنة وتقى وَشَهَادَة وَمَات مغفورا لَهُ وَكَانَت أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 الْإِسْلَام وَاجِبَة بِكُل المَال للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ وُجُوبهَا بِآيَة الْمَوَارِيث وَبَقِي استحبابها فِي الثُّلُث فَأَقل لغير الْوَارِث وَإِن قل المَال وَكثر الْعِيَال القَوْل فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة وأركانها أَرْبَعَة صِيغَة وموصي وموصى لَهُ وموصى بِهِ وَأسْقط المُصَنّف من ذَلِك الصِّيغَة وَذكر الْبَقِيَّة وَبَدَأَ بالموصي بِهِ بقوله (وَتجوز الْوَصِيَّة) بالشَّيْء (الْمَعْلُوم) وَإِن قل كحبتي الْحِنْطَة وبنجوم الْكِتَابَة وَإِن لم تكن مُسْتَقِرَّة وبالمكاتب وَإِن لم يقل إِن عجز نَفسه وَبِعَبْد غَيره وَإِن لم يقل إِن ملكته وبنجاسة يحل الِانْتِفَاع بهَا ككلب معلم أَو قَابل التَّعْلِيم وَبِنَحْوِ زبل مِمَّا ينْتَفع بِهِ كسماد وَجلد ميتَة قَابل للدباغ وزيت نجس وميتة لطعم الْجَوَارِح كَمَا نَقله القَاضِي أَبُو الطّيب عَن الْأَصْحَاب وخمر مُحْتَرمَة لثُبُوت الِاخْتِصَاص فِي ذَلِك وَلَو أوصى بكلب من كلابه أعْطى الْمُوصى لَهُ أَحدهَا فَإِن لم يكن لَهُ كلب يحل الِانْتِفَاع بِهِ لغت وَصيته وَلَو كَانَ لَهُ مَال وكلاب وَأوصى بهَا كلهَا أَو بِبَعْضِهَا نفذت وَصيته وَإِن كثرت الْكلاب وَقل المَال لِأَن المَال خير من الْكلاب (و) تجوز الْوَصِيَّة بالشَّيْء (الْمَجْهُول) عينه كأوصيت لزيد بِمَالي الْغَائِب أَو عبد من عَبِيدِي أَو قدره كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِم أَو نَوعه كأوصيت لَهُ بِصَاع حِنْطَة أَو جنسه كأوصيت لَهُ بِثَوْب أَو صفته كالحمل الْمَوْجُود وَكَانَ ينْفَصل حَيا لوقت يعلم وجوده عِنْدهَا لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة وَبِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالطير الطَّائِر وَالْعَبْد الْآبِق لِأَن الْمُوصى لَهُ يخلف الْمَيِّت فِي ثلثه كَمَا يخلفه الْوَارِث فِي ثُلثَيْهِ (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَوْجُود) كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَة لِأَنَّهَا إِذا صحت بالمعدوم فبالموجود أولى (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَعْدُوم) كَأَن يُوصي بثمرة أَو حمل سيحدث لِأَن الْوَصِيَّة احْتمل فِيهَا وُجُوه من الْغرَر رفقا بِالنَّاسِ وتوسعة وَلِأَن الْمَعْدُوم يَصح تملكه بِعقد السّلم وَالْمُسَاقَاة وَالْإِجَارَة فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ وَتجوز بالمبهم كَأحد عبديه لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة فَلَا يُؤثر فِيهَا الْإِبْهَام ويعين الْوَارِث وَتجوز بالمنافع الْمُبَاحَة وَحدهَا مُؤَقَّتَة ومؤبدة ومطلقة وَالْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّأْبِيد لِأَنَّهَا أَمْوَال مُقَابلَة بالأعواض كالأعيان وَتجوز بِالْعينِ دون الْمَنْفَعَة وبالعين لوَاحِد وبالمنفعة لآخر وَإِنَّمَا صحت فِي الْعين وَحدهَا لشخص مَعَ عدم الْمَنْفَعَة فِيهَا لِإِمْكَان صيرورة الْمَنْفَعَة لَهُ بِإِجَارَة أَو إِبَاحَة أَو نَحْو ذَلِك تَنْبِيه يشْتَرط فِي الْمُوصى بِهِ كَونه مَقْصُودا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَلَا تصح بِمَا لَا يقْصد كَالدَّمِ وَكَونه يقبل النَّقْل من شخص إِلَى شخص فَمَا لَا يقبل النَّقْل كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف لَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ لِأَنَّهُمَا وَإِن انتقلا بِالْإِرْثِ لَا يتَمَكَّن مستحقهما من أقلهَا نعم لَو أوصى بِهِ لمن هُوَ عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الْعَفو عَن الْقصاص القَوْل فِي مِقْدَار الْوَصِيَّة (وَهِي) أَي الْوَصِيَّة مُعْتَبرَة (من الثُّلُث) سَوَاء أوصى بِهِ فِي صِحَة أَو مَرضه لِاسْتِوَاء الْكل وَقت اللُّزُوم حَال الْمَوْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 تَنْبِيه يعْتَبر المَال الْمُوصى بِثُلثِهِ يَوْم الْمَوْت لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك بعد الْمَوْت فَلَو أوصى بِعَبْد وَلَا عبد لَهُ ثمَّ ملك عِنْد الْمَوْت عبدا تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَو زَاد مَاله تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَا يخفى أَن الثُّلُث الَّذِي تنفذ فِيهِ الْوَصِيَّة هُوَ الثُّلُث الْفَاضِل بعد الدّين فَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم تنفذ الْوَصِيَّة فِي شَيْء لَكِنَّهَا تَنْعَقِد حَتَّى ينفذها لَو أَبْرَأ الْغَرِيم أَو قضى عَنهُ الدّين كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَغَيره وَيعْتَبر من الثُّلُث تبرع نجز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ كوقف وَهبة وَعتق وإبراء لخَبر إِن الله تَعَالَى تصدق عَلَيْكُم عِنْد وفاتكم بِثلث أَمْوَالكُم زِيَادَة لكم فِي أَعمالكُم رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده مقَال وَلَو وهب فِي الصِّحَّة وأقبض فِي الْمَرَض اعْتبر من الثُّلُث أَيْضا إِذْ لَا أثر لتقدم الْهِبَة وَخرج بتبرع مَا لَو استولد فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرعا بل إِتْلَاف واستمتاع فَهُوَ من رَأس المَال وبمرضه تبرع نجز فِي صِحَّته فيحسب من رَأس المَال لَكِن يسْتَثْنى من الْعتْق فِي مرض الْمَوْت عتق أم الْوَلَد إِذا أعْتقهَا فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ ينفذ من رَأس المَال كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ أَنه تبرع نجز فِي الْمَرَض فَائِدَة قيمَة مَا يفوت على الْوَرَثَة يعْتَبر بِوَقْت التفويت فِي الْمُنجز وبوقت الْمَوْت فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَفِيمَا يبْقى للْوَرَثَة يعْتَبر بِأَقَلّ قيمَة من يَوْم الْمَوْت إِلَى يَوْم الْقَبْض لِأَنَّهُ إِن كَانَ يَوْم الْمَوْت أقل فَالزِّيَادَة حصلت فِي ملك الْوَارِث أَو يَوْم الْقَبْض أقل فَمَا نقص قبله لم يدْخل فِي يَده فَلَا يحْسب عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّة اعْتِبَارهَا من الثُّلُث أَنه إِذا اجْتمع فِي وَصِيَّة تبرعات مُتَعَلقَة بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَت مرتبَة وَلم يوف الثُّلُث بهَا فَإِن تمحض الْعتْق كَأَن قَالَ إِذا مت فَأنْتم أَحْرَار أَو غَانِم وَسَالم وَبكر أَحْرَار أَقرع بَينهم فَمن قرع عتق مِنْهُ مَا يَفِي بِالثُّلثِ وَلَا يعْتق من كل بعضه لِأَن الْمَقْصُود من الْعتْق تَخْلِيص الشَّخْص من الرّقّ وَإِنَّمَا لم يعْتَبر ترتيبها مَعَ إضافتها للْمَوْت لاشتراكها فِي وَقت نفاذها وَهُوَ وَقت الْمَوْت نعم إِن اعْتبر الْمُوصي وُقُوعهَا مرتبَة كَأَن قَالَ أعتقوا سالما بعد موتِي ثمَّ غانما ثمَّ بكرا قدم مَا قدمه لِأَن الْمُوصي اعْتبر وُقُوعهَا مرتبَة من غَيره فَلَا بُد أَن تقع كَذَلِك بِخِلَاف مَا مر أَو تمحض تبرعات غير الْعتْق قسط الثُّلُث على الْجَمِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة أَو الْمِقْدَار كَمَا تقسط التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون أَو اجْتمع عتق وَغَيره كَأَن أوصى بِعِتْق سَالم ولزيد بِمِائَة قسط الثُّلُث عَلَيْهِمَا بِالْقيمَةِ للعتيق لِاتِّحَاد وَقت الِاسْتِحْقَاق فَإِذا كَانَت قِيمَته مائَة وَالثلث مائَة عتق نصفه ولزيد خَمْسُونَ نعم لَو دبر عَبده وَقِيمَته مائَة وَأوصى لَهُ بِمِائَة وَثلث مَاله مائَة فَإِنَّهُ يعْتق كُله وَلَا شَيْء للْوَصِيَّة على الْأَصَح أَو اجْتمع تبرعات منجزة قدم الأول مِنْهَا فَالْأول حَتَّى يتم الثُّلُث سَوَاء أَكَانَ فِيهَا عتق أم لَا ويتوقف مَا بَقِي على إجَازَة الْوَارِث فَإِن وجدت هَذِه التَّبَرُّعَات دفْعَة إِمَّا مِنْهُ أَو بوكالة واتحد الْجِنْس فِيهَا كعتق عبيد أَو إِبْرَاء جمع كَقَوْلِه أعتقتكم أَو أبرأتكم أَقرع فِي الْعتْق خَاصَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 حذرا من التشقيص وقسط بِالْقيمَةِ فِي غَيره كَمَا مر وَإِن كَانَت التَّبَرُّعَات منجزة ومعلقة بِالْمَوْتِ قدم الْمُنجز لِأَنَّهُ يُفِيد الْملك حَالا ولازم لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهِ فروع لَو قَالَ إِن أعتقت غانما فسالم حر فَأعتق غانما فِي مرض مَوته تعين لِلْعِتْقِ إِن خرج وَحده من الثُّلُث وَلَا إقراع وَلَو أوصى بحاضر هُوَ ثلث مَاله وَبَاقِيه غَائِب لم يتسلط موصى لَهُ على شَيْء مِنْهُ حَالا وَلَو أوصى بِالثُّلثِ وَله عين وَدين دفع للْمُوصى لَهُ ثلث الْعين وَكلما نض من الدّين شَيْء دفع لَهُ ثلثه وَينْدب للْمُوصي أَن لَا يُوصي بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله وَالْأولَى أَن ينقص مِنْهُ شَيْئا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ الثُّلُث وَالثلث كثير (فَإِن زَاد) على الثُّلُث وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ مَكْرُوهَة وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَغَيره وَإِن قَالَ القَاضِي وَغَيره إِنَّهَا مُحرمَة (وقف) الزَّائِد (على إجَازَة الْوَرَثَة) فَتبْطل الْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ إِن رده وَارِث خَاص مُطلق التَّصَرُّف لِأَنَّهُ حَقه فَإِن لم يكن وَارِث خَاص بطلت فِي الزَّائِد لِأَن الْحق للْمُسلمين فَلَا مجيز أَو كَانَ وَهُوَ غير مُطلق التَّصَرُّف فَالظَّاهِر كَمَا بَحثه بَعضهم أَنه إِن توقعت أَهْلِيَّته وقف الْأَمر إِلَيْهَا وَإِلَّا بطلت وَعَلِيهِ يحمل مَا أفتى بِهِ السُّبْكِيّ من الْبطلَان وَإِن أجَازه فإجازته تَنْفِيذ للْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ حكم الْوَصِيَّة للْوَارِث (وَلَا تجوز الْوَصِيَّة) أَي تكره كَرَاهَة تَنْزِيه (لوَارث) خَاص غير جَائِز بزائد على حِصَّته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن (إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة) المطلقين التَّصَرُّف لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد قَالَ الذَّهَبِيّ صَالح وَقِيَاسًا على الْوَصِيَّة لأَجْنَبِيّ بِالزَّائِدِ على الثُّلُث وَخرج بالخاص الْوَارِث للعام كَمَا لَو أوصى لإِنْسَان بِشَيْء ثمَّ انْتقل إِرْثه لبيت المَال فَإِن ذَلِك يصرف إِلَيْهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة الإِمَام وَبِغير حائز مَا لَو أوصى لحائز بِمَالِه كُله فَإِنَّهَا بَاطِلَة على الْأَصَح وبزائد على حِصَّته مَا لَو أوصى لوَارث بِقدر إِرْثه فَإِن فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَين الْمشَاع والمعين وبالمطلقين التَّصَرُّف مَا لَو كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون أَو مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تصح مِنْهُ الْإِجَازَة وَلَا من وليه تَنْبِيه فِي معنى الْوَصِيَّة للْوَارِث الْوَقْف عَلَيْهِ وإبراؤه من دين عَلَيْهِ أوهبته شَيْئا فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة بَقِيَّة الْوَرَثَة نعم يسْتَثْنى من الْوَقْف صُورَة وَاحِدَة وَهِي مَا لَو وقف مَا يخرج من الثُّلُث على قدر نصِيبهم كمن لَهُ ابْن وَبنت وَله دَار تخرج من ثلثه فَوقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 ثلثيها على الابْن وثلثها على الْبِنْت فَإِنَّهُ ينفذ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة فِي الْأَصَح فَائِدَة من الْحِيَل فِي الْوَصِيَّة للْوَارِث أَن يَقُول أوصيت لزيد بِأَلف إِن تبرع لوَلَدي بِخَمْسِمِائَة مثلا فَإِذا قبل لزمَه دَفعهَا إِلَيْهِ وَلَا عِبْرَة برد بَقِيَّة الْوَرَثَة وإجازتهم للْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا اسْتِحْقَاق لَهُم قبل مَوته وَالْعبْرَة فِي كَون الْمُوصى لَهُ وَارِثا بِوَقْت الْمَوْت فَلَو أوصى لِأَخِيهِ فَحدث لَهُ ابْن قبل مَوته صحت أَو أوصى لِأَخِيهِ وَله ابْن فَمَاتَ قبل موت الْمُوصي فَهِيَ وَصِيَّة لوَارث وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِقدر حِصَّته شَائِعا من نصف أَو غَيره لَغْو لِأَنَّهُ يسْتَحقّهُ بِغَيْر وَصِيَّة وَخرج بِكُل وَارِث مَا لَو أوصى لبَعْضهِم بِقدر حِصَّته شَائِعا كَأَن أوصى لأحد بنيه الثَّلَاثَة بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَصح ويتوقف على الْإِجَازَة فَإِن أُجِيز أَخذه وَقسم الْبَاقِي بَينهم بِالسَّوِيَّةِ وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِعَين هِيَ قدر حِصَّته كَأَن أوصى لأحد ابنيه بِعَبْد قِيمَته ألف وَللْآخر بدار قيمتهَا ألف وهما مَا يملكهُ صَحِيحَة كَمَا لَو أوصى بِبيع عين من مَاله لزيد وَلَكِن يفْتَقر إِلَى الْإِجَازَة فِي الْأَصَح لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض بالأعيان ومنافعها ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصي بقوله (وَتَصِح) أَي تجوز (الْوَصِيَّة من كل مَالك) بَالغ (عَاقل) حر مُخْتَار بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا تبرع وَلَو كَافِرًا حَرْبِيّا أَو غَيره أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس لصِحَّة عبارتهم واحتياجهم للثَّواب فَلَا تصح من صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ ورقيق وَلَو مكَاتبا ومكره كَسَائِر الْعُقُود وَلعدم ملك الرَّقِيق أَو ضعفه والسكران كالمكلف تَنْبِيه دخل فِي الْكَافِر الْمُرْتَد فَتَصِح وَصيته نعم إِن مَاتَ أَو قتل كَافِرًا بطلت وَصيته لِأَن ملكه مَوْقُوف على الْأَصَح وَالْمُوصى لَهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث إِمَّا أَن يكون معينا أَو غير معِين وَقد شرع المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْقسم الأول بقوله (لكل متملك) أَي بِأَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك عِنْد موت الْمُوصي وَلَو بمعاقدة وليه فَلَا تصح الْوَصِيَّة لدابة لِأَنَّهَا لَيست أَهلا للْملك وَقَضِيَّة هَذَا أَنَّهَا لَا تصح لمَيت وَهُوَ كَذَلِك وَقَول الرَّافِعِيّ فِي بَاب التَّيَمُّم إِنَّه لَو أوصى بِمَاء لأولى النَّاس بِهِ وَهُنَاكَ ميت قدم على الْمُتَنَجس أَو الْمُحدث الْحَيّ على الْأَصَح لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة وَصِيَّة لمَيت بل لوَلِيِّه لِأَنَّهُ الَّذِي يتَوَلَّى أمره وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضا عدم الْمعْصِيَة وَأَن يكون معينا وَأَن يكون مَوْجُودا فَلَا تصح لكَافِر بِمُسلم لكَونهَا مَعْصِيّة وَلَا لأحد هذَيْن الرجلَيْن للْجَهْل بِهِ نعم إِن قَالَ أعْطوا هَذَا لأحد هذَيْن صَحَّ كَمَا لَو قَالَ لوَكِيله بِعْهُ لأحد هذَيْن وَلَا لحمل سيحدث تَنْبِيه يُؤْخَذ من اعْتِبَار تصور الْملك اشْتِرَاط كَون الْمُوصى بِهِ مَمْلُوكا للْمُوصي فتمتنع الْوَصِيَّة بِمَال الْغَيْر وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ فِي الْكِتَابَة وَقَالَ النَّوَوِيّ قِيَاس الْبَاب الصِّحَّة أَي يصير موصى بِهِ إِذا ملكه قبل مَوته وَلَو فسر الْوَصِيَّة للدابة بِالصرْفِ فِي عَلفهَا صَحَّ لِأَن عَلفهَا على مَالِكهَا فَهُوَ الْمَقْصُود بِالْوَصِيَّةِ فَيشْتَرط قبُوله وَيتَعَيَّن الصّرْف إِلَى جِهَة الدَّابَّة رِعَايَة لغَرَض الْمُوصي وَلَا يسلم عَلفهَا للْمَالِك بل يصرفهُ الْوَصِيّ فَإِن لم يكن فَالْقَاضِي وَلَو بنائبه وَتَصِح لكَافِر وَلَو حَرْبِيّا مُرْتَدا وَقَاتل بِحَق أَو بِغَيْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 كالصدقة عَلَيْهِمَا وَالْهِبَة لَهما وَصورتهَا فِي الْقَاتِل أَن يُوصي لرجل فيقتله ولحمل إِن انْفَصل حَيا حَيَاة مُسْتَقِرَّة لدوّنَ سِتَّة أشهر مِنْهَا للْعَمَل بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودا عِنْدهَا أَو لأكْثر مِنْهُ ولأربع سِنِين فَأَقل مِنْهَا وَلم تكن الْمَرْأَة فراشا لزوج أَو سيد فَإِن كَانَت فراشا لَهُ أَو انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين لم تصح الْوَصِيَّة لاحْتِمَال حُدُوثه مَعهَا أَو بعْدهَا فِي الأولى وَلعدم وجودهَا عِنْدهَا فِي الثَّانِيَة وَتَصِح لعمارة مَسْجِد ومصالحه ومطلقا وَتحمل عِنْد الْإِطْلَاق عَلَيْهِمَا عملا بِالْعرْفِ فَإِن قَالَ أردْت تَمْلِيكه فَقيل تبطل الْوَصِيَّة وَبحث الرَّافِعِيّ صِحَّتهَا بِأَن لِلْمَسْجِدِ ملكا وَعَلِيهِ وَقفا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا هُوَ الأفقه الْأَرْجَح ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّة لغير معِين بقوله (و) تجوز الْوَصِيَّة (فِي سَبِيل الله تَعَالَى) لِأَنَّهُ من القربات وَتصرف إِلَى الْغُزَاة من أهل الزَّكَاة لثُبُوت هَذَا الِاسْم لَهُم فِي عرف الشَّرْع وَيشْتَرط فِي الْوَصِيَّة لغير الْمعِين أَن لَا يكون جِهَة مَعْصِيّة كعمارة كَنِيسَة للتعبد فِيهَا وَكِتَابَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وقراءتهما وَكِتَابَة كتب الفلسفة وَسَائِر الْعُلُوم الْمُحرمَة وَمن ذَلِك الْوَصِيَّة لدهن سراج الْكَنِيسَة تَعْظِيمًا لَهَا أما إِذا قصد انْتِفَاع المقيمين والمجاورين بضوئها فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَإِن خَالف فِي ذَلِك الْأَذْرَعِيّ وَسَوَاء أوصى بِمَا ذكر مُسلم أم كَافِر وَإِذا انْتَفَت الْمعْصِيَة فَلَا فرق بَين أَن تكون قربَة كالفقراء وَبِنَاء الْمَسَاجِد أَو مُبَاحَة لَا يظْهر فِيهَا قربَة كَالْوَصِيَّةِ للأغنياء وَفك أُسَارَى الْكفَّار من الْمُسلمين لِأَن الْقَصْد من الْوَصِيَّة تدارك مَا فَاتَ فِي حَال الْحَيَاة من الْإِحْسَان فَلَا يجوز أَن تكون مَعْصِيّة تَنْبِيه سكت المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى عَن الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع وَشرط فِيهَا لفظ يشْعر بِالْوَصِيَّةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَهِي تَنْقَسِم إِلَى صَرِيح كأوصيت لَهُ بِكَذَا أَو أَعْطوهُ لَهُ أَو هُوَ لَهُ أَو وهبته لَهُ بعد موتِي فِي الثَّلَاثَة وَإِلَى كِنَايَة كَقَوْلِه من مَالِي وَمَعْلُوم أَن الْكِنَايَة تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَالْكِتَابَة كِنَايَة فتنعقد بهَا مَعَ النِّيَّة كَالْبيع وَأولى فَلَو اقْتصر على قَوْله هُوَ لَهُ فَقَط فإقرار لَا وَصِيَّة القَوْل فِي لُزُوم الْوَصِيَّة بِالْمَوْتِ وَتلْزم الْوَصِيَّة بِمَوْت وَلَكِن مَعَ قبُول بعده وَلَو بتراخ فِي موصى لَهُ معِين وَإِن تعدد وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي غير معِين كالفقراء وَيجوز الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة مِنْهُم وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهم وَإِنَّمَا لم يشْتَرط الْفَوْر فِي الْقبُول لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْعُقُود الَّتِي يشْتَرط فِيهَا ارتباط الْقبُول بِالْإِيجَابِ فَلَا يَصح قبُول وَلَا رد فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا حق لَهُ قبل الْمَوْت فَأشبه إِسْقَاط الشُّفْعَة قبل البيع فَلِمَنْ قبل فِي الْحَيَاة الرَّد بعد الْمَوْت وَبِالْعَكْسِ وَيصِح الرَّد بَين الْمَوْت وَالْقَبُول لَا بعدهمَا وَبعد الْقَبْض وَأما بعد الْقبُول وَقبل الْقَبْض فَالْأَوْجه عدم الصِّحَّة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَإِن صحّح فِي تَصْحِيحه الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا قبل الْمَوْت غير لَازِمَة فبطلت بِالْمَوْتِ وَإِن مَاتَ بعد الْمُوصي وَقبل الْقبُول وَالرَّدّ خَلفه وَارثه فيهمَا فَإِن كَانَ الْوَارِث بَيت المَال فالقابل وَالرَّدّ هُوَ الإِمَام وَملك الْمُوصى لَهُ الْمعِين للْمُوصى بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِإِعْتَاق بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول مَوْقُوف إِن قبل بَان أَنه ملكه بِالْمَوْتِ وَإِن رد بَان أَنه للْوَارِث ويتبعه فِي الْوَقْف الْفَوَائِد الْحَاصِلَة من الْمُوصى بِهِ كثمرة وَكسب والمؤنة وَلَو فطْرَة وَيُطَالب الْوَارِث الْمُوصى لَهُ أَو الرَّقِيق الْمُوصى بِهِ أَو الْقَائِم مقامهما من ولي ووصي بالمؤن إِن توقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 فِي قبُول ورد كَمَا لَو امْتنع مُطلق إِحْدَى زوجتيه من التَّعْيِين فَإِن لم يقبل أَو لم يرد خَيره الْحَاكِم بَين الْقبُول وَالرَّدّ فَإِن لم يفعل حكم بِالْبُطْلَانِ كالمتحجر إِذا امْتنع من الْإِحْيَاء أما لَو أوصى بِإِعْتَاق رَقِيق فالملك فِيهِ للْوَارِث إِلَى إِعْتَاقه فالمؤنة عَلَيْهِ وللموصي رُجُوع فِي وَصيته وَعَن بَعْضهَا بِنَحْوِ نقضتها كأبطلتها وَبِنَحْوِ قَوْله هَذَا لوارثي مُشِيرا إِلَى الْمُوصى بِهِ وَبِنَحْوِ بيع وَرهن وَكِتَابَة لما وصّى بِهِ وَلَو بِلَا قبُول وبوصية بذلك وتوكيل بِهِ وَعرض عَلَيْهِ وخلطه برا معينا وصّى بِهِ وخلطه صبرَة وصّى بِصَاع مِنْهَا بأجود مِنْهَا وطحنه برا وصّى بِهِ وبذر لَهُ وعجنه دَقِيقًا وصّى بِهِ وغزله قطنا وصّى بِهِ ونسجه غزلا وصّى بِهِ وقطعه ثوبا وصّى بِهِ قَمِيصًا وبنائه وغراسه بِأَرْض وصّى بهَا القَوْل فِي الْإِيصَاء وشروط الْوَصِيّ ثمَّ شرع فِي الْإِيصَاء وَهُوَ إِثْبَات تصرف مُضَاف لما بعد الْمَوْت بقوله (وَتَصِح الْوَصِيَّة) بِمَعْنى الْإِيصَاء فِي التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة يُقَال أوصيت لفُلَان بِكَذَا وأوصيت إِلَيْهِ ووصيته إِذا جعلته وَصِيّا وَقد أوصى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَكتب وصيتي إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الزبير وَابْنه عبد الله وأركان الْإِيصَاء أَرْبَعَة موص ووصي وموصي فِيهِ وَصِيغَة وَشرط فِي الْمُوصي بِقَضَاء حق كَدين وتنفيذ وَصِيَّة ورد وَدِيعَة وعارية مَا مر فِي الْمُوصى بِمَال وَقد مر بَيَانه وَشرط فِي الْمُوصي بِنَحْوِ أَمر طِفْل كمجنون ومحجور بِسَفَه مَعَ مَا مر ولَايَة عَلَيْهِ ابْتِدَاء من الشَّرْع بتفويض فَلَا يَصح الْإِيصَاء مِمَّن فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون ومكره وَمن بِهِ رق وَأم وَعم ووصي لم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَيصِح الْإِيصَاء (إِلَى من اجْتمعت فِيهِ خمس شَرَائِط) عِنْد الْمَوْت وَترك سادسا وسابعا كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فِي مُسلم (و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة و) الْخَامِس (الْأَمَانَة) وَعبر بَعضهم عَنْهَا بِالْعَدَالَةِ وَلَو ظَاهِرَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح السَّادِس الاهتداء إِلَى التَّصَرُّف كَمَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَالسَّابِع عدم عَدَاوَة مِنْهُ للْمولى عَلَيْهِ وَعدم جَهَالَة فَلَا يَصح الْإِيصَاء إِلَى من فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون وفاسق ومجهول وَمن بِهِ رق أَو عَدَاوَة وَكَافِر على مُسلم وَمن لَا يَكْفِي فِي التَّصَرُّف لسفه أَو هرم أَو لغيره لعدم الْأَهْلِيَّة فِي بَعضهم وللتهمة فِي الْبَاقِي وَيصِح الْإِيصَاء إِلَى كَافِر مَعْصُوم عدل فِي دينه على كَافِر واعتبرت الشُّرُوط عِنْد الْمَوْت لَا عِنْد الْإِيصَاء وَلَا بَينهمَا لِأَنَّهُ وَقت التسلط على الْقبُول حَتَّى لَو أوصى لمن خلا عَن الشُّرُوط أَو بعضهما كصبي ورقيق ثمَّ استكملها عِنْد الْمَوْت صَحَّ وَلَا يضر عمى لِأَن الْأَعْمَى مُتَمَكن من التَّوْكِيل فِيمَا لَا يتَمَكَّن مِنْهُ وَلَا أنوثة لما فِي سنَن أبي دَاوُد أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أوصى إِلَى حَفْصَة وَالأُم أولى من غَيرهَا إِذا حصلت الشُّرُوط فِيهَا عِنْد الْمَوْت وينعزل ولي بفسق لَا إِمَام لتَعلق الْمصَالح الْكُلية بولايته وَشرط فِي الْمُوصى فِيهِ كَونه تَصرفا ماليا مُبَاحا فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يُزَوّج الصَّغِير وَالصَّغِيرَة وَلَا فِي مَعْصِيّة كبناء كَنِيسَة لمنافاتها لَهُ لكَونه قربَة وَشرط فِي الصِّيغَة إِيجَاب بِلَفْظ يشْعر بالإيصاء وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كأوصيت إِلَيْك أَو فوضت إِلَيْك أَو جعلتك وَصِيّا وَلَو كَانَ الْإِيجَاب مؤقتا ومعلقا كأوصيت إِلَيْك إِلَى بُلُوغ ابْني أَو قدوم زيد فَإِذا بلغ أَو قدم فَهُوَ الْوَصِيّ لِأَنَّهُ يحْتَمل الجهالات والأخطار وَقبُول كوكالة فيكتفي بِالْعَمَلِ وَيكون الْقبُول بعد الْمَوْت مَتى شَاءَ كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِمَال مَعَ بَيَان مَا يُوصي فِيهِ فَلَو اقْتصر على أوصيت إِلَيْك مثلا لَغَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 تَتِمَّة يسن إيصاء بِأَمْر نَحْو طِفْل كمجنون وبقضاء حق إِن لم يعجز عَنهُ حَالا أَو عجز وَبِه شُهُود وَلَا يَصح الْإِيصَاء على نَحْو طِفْل وَالْجد بِصفة الْولَايَة عَلَيْهِ لِأَن ولَايَته ثَابِتَة شرعا وَلَو أوصى اثْنَيْنِ وقبلا لم ينْفَرد أَحدهمَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لَهُ بالانفراد عملا بِالْإِذْنِ نعم لَهُ الِانْفِرَاد برد الْحُقُوق وتنفيذ وَصِيَّة مُعينَة وَقَضَاء دين فِي التَّرِكَة جنسه وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَلكُل من الْمُوصي وَالْوَصِيّ رُجُوع عَن الْإِيصَاء مَتى شَاءَ لِأَنَّهُ عقد جَائِز إِلَّا أَن يتَعَيَّن الْوَصِيّ أَو يغلب على ظَنّه تلف المَال باستيلاء ظَالِم من قَاض أَو غَيره فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَصدق بِيَمِينِهِ ولي وَصِيّا كَانَ أَو قيمًا أَو غَيره فِي إِنْفَاق على موليه لَائِق بِالْحَال لَا فِي دفع المَال إِلَيْهِ بعد كَمَاله فَلَا يصدق بل الْمُصدق موليه إِذْ لَا يعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْإِنْفَاق وَلَو قَالَ أوصيت إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى زيد حمل ذكر الله على التَّبَرُّك وَلَو خَافَ الْوَصِيّ على المَال من اسْتِيلَاء ظَالِم فَلهُ تخليصه بِشَيْء مِنْهُ {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَمن هَذَا لَو علم أَنه لَو لم يبْذل شَيْئا لقَاضِي سوء لانتزع مِنْهُ المَال وَسلمهُ لبَعض خونته وَأدّى ذَلِك إِلَى استئصاله وَيقرب من ذَلِك قَول ابْن عبد السَّلَام يجوز تغييب مَال الْيَتِيم أَو السَّفِيه أَو الْمَجْنُون لحفظه إِذا خيف عَلَيْهِ الْغَصْب كَمَا فِي قصَّة الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام نفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين وانضم بَعْضهَا إِلَى بعض وَشرعا عقد يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْء بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو تَرْجَمته وَالْعرب تستعمله بِمَعْنى العقد وَالْوَطْء جَمِيعًا ولأصحابنا فِي مَوْضُوعه الشَّرْعِيّ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الْوَطْء كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَلَا يرد على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 = كتاب النِّكَاح = هُوَ لُغَة الضَّم وَالْجمع وَمِنْه تناكحت الْأَشْجَار إِذا تمايلت لِأَن المُرَاد العقد وَالْوَطْء مُسْتَفَاد من خبر الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَعقد النِّكَاح لَازم من جِهَة الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ من جِهَة الزَّوْج على الْأَصَح وَهل كل من الزَّوْجَيْنِ مَعْقُود عَلَيْهِ أَو الزَّوْجَة فَقَط وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي وَهل هُوَ ملك أَو إِبَاحَة وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي أَيْضا وَالْأَصْل فِي حلّه الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة فَمن الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} من السّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب فِطْرَتِي فَليَسْتَنَّ بِسنتي وَمن سنتي النِّكَاح وَزَاد المُصَنّف فِي التَّرْجَمَة (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من) بعض (الْأَحْكَام) كصحة وَفَسَاد (و) من (القضايا) الْآتِي ذكر بَعْضهَا فِي الْفُصُول الْآتِيَة القَوْل فِي حكم النِّكَاح (وَالنِّكَاح) بِمَعْنى التَّزْوِيج (مُسْتَحبّ) لتائق لَهُ بتوقانه للْوَطْء إِن وجد أهبته من مهر وَكِسْوَة فصل التَّمْكِين وَنَفَقَة يَوْمه تحصينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 لدينِهِ سَوَاء أَكَانَ مشتغلا بِالْعبَادَة أم لَا فَإِن فقد أهبته فَتَركه أولى وَكسر إرشادا توقانه بِصَوْم لخَبر يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء أَي قَاطع لتوقانه والباءة بِالْمدِّ مُؤَن النِّكَاح فَإِن لم تنكسر بِالصَّوْمِ فَلَا يكسرهُ بالكافور وَنَحْوه بل يتَزَوَّج وَكره النِّكَاح لغير التائق لَهُ لعِلَّة أَو غَيرهَا إِن فقد أهبته أَو وجدهَا وَكَانَ بِهِ عِلّة كهرم وتعنين لانْتِفَاء حَاجته مَعَ الْتِزَام فَاقِد الأهبة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ وخطر الْقيام بواجبه فِيمَا عداهُ وَإِن وجدهَا وَلَا عِلّة بِهِ فتخل لعبادة أفضل من النِّكَاح إِن كَانَ متعبدا اهتماما بهَا فَإِن لم يتعبد فَالنِّكَاح أفضل من تَركه لِئَلَّا تُفْضِي بِهِ البطالة إِلَى الْفَوَاحِش وَيسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو كَانَ فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يسْتَحبّ لَهُ النِّكَاح وَإِن اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَعلله بالخوف على وَلَده من الْكفْر والاسترقاق تَنْبِيه نَص فِي الْأُم وَغَيرهَا على أَن الْمَرْأَة التائقة يسن لَهَا النِّكَاح وَفِي مَعْنَاهَا المحتاجة إِلَى النَّفَقَة والخائفة من اقتحام الفجرة وَيُوَافِقهُ مَا فِي التَّنْبِيه من أَن من جَازَ لَهَا النِّكَاح إِن كَانَت محتاجة إِلَيْهِ اسْتحبَّ لَهَا النِّكَاح وَإِلَّا كره فَمَا قيل إِنَّه يسْتَحبّ لَهَا ذَلِك مُطلقًا مَرْدُود وَيسن أَن يتَزَوَّج بكرا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك إِلَّا لعذر كضعف آلَته عَن الافتضاض أَو احْتِيَاجه لمن يقوم على عِيَاله دينة لَا فاسقة جميلَة لوُرُود خبر الصَّحِيحَيْنِ تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك أَي افْتَقَرت إِن لم تفعل واستغنيت إِن فعلت وَخبر تزوجوا الْوَلُود الْوَدُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَيعرف كَون الْبكر ولودا بأقاربها نسيبة أَي طيبَة الأَصْل لخَبر تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ غير ذَات قرَابَة قريبَة بِأَن تكون أَجْنَبِيَّة أَو ذَات قرَابَة بعيدَة لضعف الشَّهْوَة فِي الْقَرِيبَة فَيَجِيء الْوَلَد نحيفا (وَيجوز للْحرّ أَن يجمع) فِي نِكَاح (بَين أَربع حرائر) فَقَط لقَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغيلان وَقد أسلم وَتَحْته عشر نسْوَة أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن وَإِذا امْتنع فِي الدَّوَام فَفِي الِابْتِدَاء أولى فَائِدَة ذكر ابْن عبد السَّلَام أَنه كَانَ فِي شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْجَوَاز من غير حصر تَغْلِيبًا لمصْلحَة الرِّجَال وَفِي شَرِيعَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجوز غير وَاحِدَة تَغْلِيبًا لمصْلحَة النِّسَاء وراعت شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ مصلحَة النَّوْعَيْنِ قَالَ ابْن النَّقِيب وَالْحكمَة فِي تَخْصِيص الْحر بالأربع أَن الْمَقْصُود من النِّكَاح الألفة والمؤانسة وَذَلِكَ يفوت مَعَ الزِّيَادَة على الْأَرْبَع وَلِأَنَّهُ بالقسم يغيب عَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاث لَيَال وَهِي مُدَّة قريبَة اه وَقد تتَعَيَّن الْوَاحِدَة للْحرّ وَذَلِكَ فِي كل نِكَاح توقف على الْحَاجة كالسفيه وَالْمَجْنُون وَقَالَ بعض الْخَوَارِج الْآيَة تدل على جَوَاز تسع مثنى بِاثْنَيْنِ وَثَلَاث بِثَلَاث وَربَاع بِأَرْبَع ومجموع ذَلِك تسع وَبَعض مِنْهُم قَالَ تدل على ثَمَانِيَة عشرَة مثنى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاث ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَربَاع أَرْبَعَة أَرْبَعَة ومجموع ذَلِك مَا ذكر وَهَذَا خرق للْإِجْمَاع الْيَمين من غير حصر سَوَاء أكن مَعَ الْحَرَائِر أَو منفردات وَهُوَ كَذَلِك لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 تَنْبِيه اسْتُفِيدَ من تَقْيِيد المُصَنّف بالحرائر جَوَاز الْجمع بَين الْإِمَاء بِملك (و) يجوز (للْعَبد أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ) فَقَط لِأَن الحكم بن عتيبة نقل إِجْمَاع الصَّحَابَة فِيهِ وَلِأَنَّهُ على النّصْف من الْحر وَلِأَن النِّكَاح من بَاب الْفَضَائِل فَلم يلْحق العَبْد فِيهِ بِالْحرِّ كَمَا لم يلْحق الْحر بِمنْصب النُّبُوَّة فِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَع والمبعض كالقن كَمَا صرح بِهِ أَبُو حَامِد وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا فَلَو نكح الْحر خمْسا مثلا بِعقد وَاحِد أَو العَبْد ثَلَاثًا كَذَلِك بطلن إِذْ لَيْسَ إبِْطَال نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِأولى من الْأُخْرَى فَبَطل الْجَمِيع كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو مُرَتبا فالخامسة للْحرّ وَالثَّالِثَة للْعَبد يبطل نِكَاحهَا لِأَن الزِّيَادَة على الْعدَد الشَّرْعِيّ حصل بهَا (وَلَا ينْكح الْحر أمة) لغيره (إِلَّا بِشَرْطَيْنِ) بل بِثَلَاثَة وَإِن عَم الثَّالِث الْحر وَغَيره واختص بِالْمُسلمِ أول الثَّلَاثَة (عدم) قدرته على (صدَاق الْحرَّة) وَلَو كِتَابِيَّة تصلح تِلْكَ الْحرَّة للاستمتاع بهَا أَو قدر على صَدَاقهَا وَلم يجدهَا أَو وجدهَا وَلم ترض إِلَّا بِزِيَادَة على مهر مثلهَا أَو لم ترض بنكاحه لقُصُور نسبه وَنَحْوه أَو كَانَ تَحْتَهُ من لَا تصلح للاستمتاع كصغيرة لَا تحْتَمل الْوَطْء أَو رتقاء أَو قرناء أَو هرمة أَو نَحْو ذَلِك فَلَو قدر على حرَّة غَائِبَة عَن بَلَده حلت لَهُ الْأمة إِن لحقه مشقة ظَاهِرَة فِي قَصدهَا وَضبط الإِمَام الْمَشَقَّة بِأَن ينْسب محتملها فِي طلب الزَّوْجَة إِلَى الْإِسْرَاف ومجاوزة الْحَد أَو خَافَ زنا مُدَّة قصد الْحرَّة وَإِلَّا فَلَا تحل لَهُ الْأمة وَيجب السّفر للْحرَّة لَكِن مَحَله كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ إِذا أمكن انتقالها مَعَه إِلَى وَطنه وَإِلَّا فَهِيَ كالمعدومة لما فِي تَكْلِيفه الْمقَام مَعهَا هُنَاكَ من التَّغْرِيب والرخص لَا تحْتَمل هَذَا التَّضْيِيق وَلَا يمْنَع مَاله الْغَائِب نِكَاح الْأمة وَلَو قدر على حرَّة بِبيع مَسْكَنه حلت لَهُ الْأمة وَلَو وجد حرَّة ترْضى بمؤجل وَلم يجد الْمهْر أَو ترْضى بِدُونِ مهر الْمثل وَهُوَ واجده حلت لَهُ الْأمة فِي الصُّورَة الأولى لِأَن ذمَّته تصير مَشْغُولَة فِي الْحَال وَقد لَا يجده عِنْد حُلُول الْأَجَل دون الصُّورَة الثَّانِيَة لقدرته على نِكَاح حرَّة والْمنَّة فِي ذَلِك قَليلَة إِذْ الْعَادة الْمُسَامحَة فِي المهور وَلَو رضيت حرَّة بِلَا مهر حلت لَهُ الْأمة أَيْضا لوُجُوب مهرهَا بِالْوَطْءِ (و) ثَانِي الشُّرُوط (خوف الْعَنَت) وَهُوَ الْوُقُوع فِي الزِّنَا بِأَن تغلب شَهْوَته وتضعف تقواه وَإِن لم يغلب على ظَنّه وُقُوع الزِّنَا بل توقعه لَا على ندور فَمن ضعفت شَهْوَته وَله تقوى أَو مُرُوءَة أَو حَيَاء يستقبح مَعَه الزِّنَا وقويت شَهْوَته وتقواه لم تحل لَهُ الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الزِّنَا فَلَا يجوز لَهُ أَن يرق وَلَده لفضاء وطر أَو كسر شَهْوَة وأصل الْعَنَت الْمَشَقَّة سمي بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَببهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا والعقوبة فِي الْآخِرَة وَالْأَصْل فِيمَا ذكر قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 إِلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} والطول السعَة وَالْمرَاد بالمحصنات الْحَرَائِر قَالَ الرَّوْيَانِيّ وبالعنت عُمُومه لَا خصوصه حَتَّى لَو خَافَ الْعَنَت من أمة بِعَينهَا لقُوَّة ميله إِلَيْهَا وحبه لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا إِذا كَانَ واجدا للطول لِأَن الْعِشْق لَا معنى لاعتباره هُنَا لِأَن هَذَا تهييج من البطالة وإطالة الْفِكر وَكم من إِنْسَان ابتلى بِهِ وَسَلاهُ اه وَالْوَجْه ترك التَّقْيِيد بِوُجُود الطول لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَاز نِكَاحهَا عِنْد فقد الطول فَيفوت اعْتِبَار عُمُوم الْعَنَت مَعَ أَن وجود الطول كَاف فِي الْمَنْع من نِكَاحهَا وَبِهَذَا الشَّرْط علم أَن الْحر لَا ينْكح أمتين وَأَن الْمَمْسُوح والمجبوب ذكره لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الزِّنَا وَلَو وجدت الْأمة زَوجهَا مجبوبا وأرادت إبِْطَال النِّكَاح وَادّعى الزَّوْج حُدُوث الْجب بعد النِّكَاح وَأمكن حكم بِصِحَّة نِكَاحه فَإِن لم يُمكن حُدُوثه بِأَن كَانَ الْموضع مندملا وَقد عقد النِّكَاح أمس حكم بِبُطْلَان النِّكَاح وَالشّرط الثَّالِث إسْلَامهَا لمُسلم حر أَو غَيره كَمَا مر فَلَا تحل لَهُ كِتَابِيَّة أما الْحر فَلقَوْله تَعَالَى {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَأما غير الْحر فَلِأَن الْمَانِع من نِكَاحهَا كفرها فساوى الْحر كالمرتدة والمجوسية وَمن بَعْضهَا رَقِيق وباقيها حر حكمهَا كرقيق كلهَا فَلَا ينْكِحهَا الْحر إِلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَة لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد مَحْذُور وَفِي جَوَاز نِكَاح أمة مَعَ تيَسّر مبعضة تردد للْإِمَام لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق كُله وعَلى تَعْلِيل الْمَنْع اقْتصر الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُرَجح أما غير الْمُسلم من حر وَغَيره ككتابيين فَتحل لَهُ أمة كِتَابِيَّة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدّين وَلَا بُد فِي نِكَاح الْحر الْكِتَابِيّ الْأمة الْكِتَابِيَّة من أَن يخَاف الزِّنَا ويفقد الْحرَّة كَمَا فهمه السُّبْكِيّ من كَلَامهم وَاعْلَم أَنه لَا يحل للْحرّ مُطلقًا نِكَاح أمة وَلَده وَلَا أمة مُكَاتبَة وَلَا أمة مَوْقُوفَة عَلَيْهِ وَلَا موصى لَهُ بخدمتها القَوْل فِي أَنْوَاع النّظر إِلَى الْمَرْأَة (وَنظر الرجل) الْفَحْل الْبَالِغ الْعَاقِل (إِلَى الْمَرْأَة) وَلَو غير مشتهاة (على سَبْعَة أضْرب) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة فَخرج بِقَيْد الرجل وَالْمَرْأَة وَسَيَأْتِي حكم نظرها لمثلهَا لَكِن عِبَارَته توهم خُرُوج الْخُنْثَى الْمُشكل وَالصَّحِيح أَن حكمه فِي النّظر حكم الرجل وبقيد الْفَحْل الْمَمْسُوح فنظره للأجنبية جَائِز على الْأَصَح كنظر الْفَحْل إِلَى مَحَارمه تَنْبِيه شَمل قَول المُصَنّف الرجل الْفَحْل الْخصي وَهُوَ من قلعت أنثياه وَبَقِي ذكره والمجبوب بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ من قطع ذكره وَبَقِي أنثياه والعنين وَالشَّيْخ الْهَرم والمخنث وَهُوَ بِكَسْر النُّون على الْأَفْصَح المتشبه بِالنسَاء وبقيد الْبَالِغ الصَّبِي وَلَو مُمَيّزا لَكِن الْمُرَاهق هُنَا كَالْبَالِغِ على الْأَصَح وبقيد الْعَاقِل الْمَجْنُون فنظره لَا يُوصف بِتَحْرِيم كالبهيمة (أَحدهَا نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن امْرَأَة (أَجْنَبِيَّة) غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَو غير مشتهاة قصدا (لغير حَاجَة) مِمَّا سَيَأْتِي (فَغير جَائِز) قطعا وَإِن إِلَى الاختلاء بهَا لجماع أَو مقدماته بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الإِمَام وَلَو نظر إِلَيْهِمَا بِشَهْوَة وَهِي قصد التَّلَذُّذ بِالنّظرِ الْمُجَرّد وَأمن الْفِتْنَة حرم قطعا وَكَذَا يحرم النّظر إِلَيْهِمَا عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة فِيمَا يظْهر لَهُ من نَفسه من غير شَهْوَة على الصَّحِيح كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَوَجهه الإِمَام بِاتِّفَاق الْمُسلمين على منع النِّسَاء من الْخُرُوج سافرات الْوُجُوه وَبِأَن النّظر مَظَنَّة الْفِتْنَة ومحرك للشهوة وَقد قَالَ تَعَالَى قل أَمن الْفِتْنَة وَأما نظره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحَرَام عِنْد خوف فتْنَة تَدْعُو {للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} واللائق بمحاسن الشَّرِيعَة سد الْبَاب والإعراض عَن تفاصيل الْأَحْوَال كالخلوة بالأجنبية وَقيل لَا يحرم لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَهُوَ مُفَسّر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَنسبه الإِمَام لِلْجُمْهُورِ والشيخان للأكثرين وَقَالَ فِي الْمُهِمَّات إِنَّه الصَّوَاب لكَون الْأَكْثَرين عَلَيْهِ وَقَالَ البُلْقِينِيّ التَّرْجِيح بِقُوَّة الْمدْرك وَالْفَتْوَى على مَا فِي الْمِنْهَاج اه وَكَلَام المُصَنّف شَامِل لذَلِك وَهُوَ الْمُعْتَمد وَخرج بِقَيْد الْقَصْد مَا إِذا حصل النّظر اتِّفَاقًا فَلَا إِثْم فِيهِ (و) الضَّرْب (الثَّانِي نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن (زَوجته و) إِلَى بدن (أمته) الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا (فَيجوز) حِينَئِذٍ (أَن ينظر إِلَى) كل بدنهما حَال حياتهما لِأَنَّهُ مَحل استمتاعه (مَا عدا الْفرج) الْمُبَاح مِنْهُمَا فَلَا يجوز جَوَازًا مستوي الطَّرفَيْنِ فَيكْرَه النّظر إِلَيْهِ بِلَا حَاجَة وَإِلَى بَاطِنه أَشد كَرَاهَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رأى مني أَي الْفرج وَأما خبر النّظر إِلَى الْفرج يُورث الطمس أَي الْعَمى كَمَا ورد كَذَلِك فَرَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره فِي الضُّعَفَاء بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَقَالَ ابْن عدي حَدِيث مُنكر حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالنّظرِ فِي أَحْكَام النّظر وَخَالف ابْن الصّلاح وَحسن إِسْنَاده وَقَالَ أَخطَأ من ذكره فِي الموضوعات وَمَعَ ذَلِك هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَإِن كَانَ كَلَام المُصَنّف يُوهم الْحُرْمَة وَاخْتلفُوا فِي قَوْله يُورث الْعَمى فَقيل فِي النَّاظر وَقيل فِي الْوَلَد وَقيل فِي الْقلب وَنظر الزَّوْجَة إِلَى زَوجهَا كنظره إِلَيْهَا تَنْبِيه شَمل كلا مِنْهُم الدبر وَقَول الإِمَام والتلذذ بالدبر بِلَا إيلاج جَائِز صَرِيح فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الدَّارمِيّ وَقَالَ بِحرْمَة النّظر إِلَيْهِ ويستثني زَوجته الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الْغَيْر بِشُبْهَة فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ نظر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحل مَا سواهُ على الصَّحِيح وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَا يجوز للْمَرْأَة أَن تنظر إِلَى عَورَة زَوجهَا إِذا منعهَا مِنْهُ بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ يملك التَّمَتُّع بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 بِخِلَاف الْعَكْس اه وَهُوَ ظَاهر وَإِن توقف فِيهِ بَعضهم وَخرج بِقَيْد الْحَيَاة مَا بعد الْمَوْت فَيصير الزَّوْج فِي النّظر حِينَئِذٍ كالمحرم كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع وَمُقْتَضى التَّشْبِيه بالمحرم أَنه يحرم النّظر إِلَيْهِ بِشَهْوَة فِي غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَإِلَى مَا بَينهمَا بِغَيْر شَهْوَة وَمثل الزَّوْج السَّيِّد فِي أمته الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا أما الَّتِي لَا يحل لَهُ فِيهَا ذَلِك بِكِتَابَة أَو تَزْوِيج أَو شركَة أَو كفر كتوثن وردة وعدة من غَيره وَنسب ورضاع ومصاهرة وَنَحْو ذَلِك فَيحرم عَلَيْهِ نظره مِنْهَا إِلَى مَا بَين سرة وركبة دون مَا زَاد أما الْمُحرمَة بِعَارِض قريب الزَّوَال كحيض وَرهن فَلَا يحرم نظره إِلَيْهَا (و) الضَّرْب (الثَّالِث نظره إِلَى ذَوَات مَحَارمه) من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة (أَو) إِلَى (أمته الْمُزَوجَة) وَمثلهَا الَّتِي يحرم الِاسْتِمْتَاع بهَا كالمكاتبة والمعتدة والمشتركة والمرتدة والمجوسية والوثنية فَيجوز بِغَيْر شَهْوَة فِيمَا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة مِنْهُنَّ لِأَن الْمَحْرَمِيَّة معنى يُوجب حُرْمَة المناكحة فَكَانَا كالرجلين والمرأتين وَالْمَانِع الْمَذْكُور فِي الْأمة صيرها كالمحرم أما مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَيحرم نظره فِي الْمحرم إِجْمَاعًا وَمثل الْمحرم الْأمة الْمَذْكُورَة وَأما النّظر إِلَى السُّرَّة وَالركبَة فَيجوز لِأَنَّهُمَا ليسَا بِعَوْرَة بِالنِّسْبَةِ لنظر الْمحرم وَالسَّيِّد فَهَذِهِ الْعبارَة أولى من عبارَة ابْن الْمقري تبعا لغيره بِمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة وَخرج بِقَيْد عدم الشَّهْوَة النّظر بهَا فَيحرم مُطلقًا فِي كل مَا لَا يُبَاح لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِهِ وَلَكِن النّظر فِي الْخطْبَة يجوز وَلَو بِشَهْوَة كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله (و) الضَّرْب (الرَّابِع النّظر) الْمسنون (لأجل النِّكَاح فَيجوز) بل يسن إِذا قصد نِكَاحهَا ورجاه رَجَاء ظَاهرا أَنه يُجَاب إِلَى خطبَته كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُغِيرَة بن شُعْبَة وَقد خطب امْرَأَة انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا الْمَوَدَّة والألفة وَمعنى يُؤْدم أَي يَدُوم قدمت الْوَاو على الدَّال وَقيل من الإدام مَأْخُوذ من إدام الطَّعَام لِأَنَّهُ يطيب بِهِ حكى الأول الْمَاوَرْدِيّ عَن الْمُحدثين وَالثَّانِي عَن أهل اللُّغَة وَوقت النّظر قبل الْخطْبَة وَبعد الْعَزْم على النِّكَاح لِأَنَّهُ قبل الْعَزْم لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَبعد الْخطْبَة قد يُفْضِي الْحَال إِلَى التّرْك فَيشق عَلَيْهَا وَلَا يتَوَقَّف النّظر على إِذْنهَا وَلَا إِذن وَليهَا اكْتِفَاء بِإِذن الشَّارِع وَلِئَلَّا تتزين فَيفوت غَرَضه وَله تَكْرِير نظره إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ ليتبين هيئتها فَلَا ينْدَم بعد النِّكَاح وَالضَّابِط فِي ذَلِك الْحَاجة وَلَا يتَقَيَّد بِثَلَاث مَرَّات وَسَوَاء أَكَانَ بِشَهْوَة أم بغَيْرهَا كَمَا قَالَه الإِمَام وَالرُّويَانِيّ وَإِن قَالَ الْأَذْرَعِيّ فِي نظره بِشَهْوَة نظر وَينظر فِي الْحرَّة (إِلَى) جَمِيع (الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ) ظهرا وبطنا لِأَنَّهُمَا مَوَاضِع مَا يظْهر من الزِّينَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَلَا يجوز أَن ينظر إِلَى غير ذَلِك وَالْحكمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ أَن فِي الْوَجْه مَا يسْتَدلّ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 على الْجمال وَفِي الْيَدَيْنِ مَا يسْتَدلّ بِهِ على خصب الْبدن أما الْأمة وَلَو مبعضة فَينْظر مِنْهَا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة كَمَا صرح بِهِ ابْن الرّفْعَة وَقَالَ إِنَّه مَفْهُوم كَلَامهم فَإِن لم يَتَيَسَّر نظره إِلَيْهَا أَو لم يردهُ بعث امْرَأَة أَو نَحْوهَا تتأملها وتصفها لَهُ وَيجوز للمبعوث أَن يصف للباعث زَائِدا على مَا ينظره فيستفيد بِالْبَعْثِ مَا لَا يستفيده بنظره وَيسن للْمَرْأَة أَيْضا أَن تنظر من الرجل غير عَوْرَته إِذا أَرَادَت تزَوجه فَإِنَّهَا يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا وتستوصف كَمَا مر فِي الرجل تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن كلا من الزَّوْجَيْنِ ينظر من الآخر مَا عدا عَورَة الصَّلَاة وَخرج بِالنّظرِ الْمس فَلَا يجوز إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ (و) الضَّرْب (الْخَامِس النّظر للمداواة) كفصد وحجامة وعلاج وَلَو فِي فرج (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا فَقَط) لِأَن فِي التَّحْرِيم حِينَئِذٍ حرجا فللرجل مداواة الْمَرْأَة وَعَكسه وَليكن ذَلِك بِحَضْرَة محرم أَو زوج أَو امْرَأَة ثِقَة إِن جَوَّزنَا خلْوَة أَجْنَبِي بامرأتين وَهُوَ الرَّاجِح وَيشْتَرط عدم امْرَأَة يُمكنهَا تعَاطِي ذَلِك من امْرَأَة وَعَكسه كَمَا صَححهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَأَن لَا يكون ذِمِّيا مَعَ وجود مُسلم وَفِيه كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ أَن لَا تكون كَافِرَة أَجْنَبِيَّة مَعَ وجود مسلمة على الْأَصَح وَلَو لم نجد لعلاج الْمَرْأَة إِلَّا كَفَّارَة وَمُسلمًا فَالظَّاهِر أَن الْكَافِرَة تقدم لِأَن نظرها ومسها أخف من الرجل بل الْأَشْبَه عِنْد الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تنظر مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة بِخِلَاف الرجل وَقيد فِي الْكَافِي الطَّبِيب بالأمين فَلَا يعدل إِلَى غَيره مَعَ وجوده وَشرط الْمَاوَرْدِيّ أَن يَأْمَن الافتتان وَلَا يكْشف إِلَّا قدر الْحَاجة وَفِي معنى مَا ذكر نظر الخاتن إِلَى فرج من يختنه وَنظر الْقَابِلَة إِلَى فرج الَّتِي تولدها وَيعْتَبر فِي النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ مُطلق الْحَاجة وَفِي غَيرهمَا مَا عدا السوأتين تأكدها بِأَن يكون مِمَّا يُبِيح التَّيَمُّم كشدة الضنا وَفِي السوأتين مزِيد تأكيدها بِأَن لَا يعد الْكَشْف بِسَبَبِهَا هتكا للمروءة (و) الضَّرْب (السَّادِس النّظر للشَّهَادَة) تحملا وَأَدَاء أَو للمعاملة من بيع وَغَيره (فَيجوز) حَتَّى يجوز فِي الشَّهَادَة النّظر إِلَى الْفرج للشَّهَادَة على الزِّنَا والولادة وَإِلَى الثدي للشَّهَادَة على الرَّضَاع وَإِذا نظر إِلَيْهَا وَتحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا كلفت الْكَشْف عَن وَجههَا عِنْد الْأَدَاء إِن لم يعرفهَا فِي نقابها فَإِن عرفهَا لم يفْتَقر إِلَى الْكَشْف بل يحرم النّظر حِينَئِذٍ وَيجوز النّظر إِلَى عانة ولد الْكَافِر لينْظر هَل نَبتَت أَو لَا وَيجوز للنسوة أَن ينظرن إِلَى ذكر الرجل إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة عبالته وامتنعت من التَّمْكِين تَنْبِيه هَذَا كُله إِذا لم يخف فتْنَة فَإِن خافها لم ينظر إِلَّا إِن تعين عَلَيْهِ فَينْظر ويضبط نَفسه وَأما فِي الْمُعَامَلَة فَينْظر إِلَى الْوَجْه فَقَط كَمَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره (و) الضَّرْب (السَّابِع النّظر إِلَى) بدن (الْأمة عِنْد ابتياعها) أَي إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا رجل أَو بدن عبد إِذا أَرَادَت أَن تشتريه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 امْرَأَة (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَى تقليبها) فَينْظر الرجل إِذا اشْترى جَارِيَة أَو اشترت الْمَرْأَة عبدا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَا يُزَاد على النظرة الْوَاحِدَة إِلَّا أَن يحْتَاج إِلَى ثَانِيَة للتحقق فَيجوز تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن النّظر إِلَى أَشْيَاء اختصارا مِنْهَا النّظر إِلَى التَّعْلِيم كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَاخْتلف الشُّرَّاح فِي معنى ذَلِك فَقَالَ السُّبْكِيّ إِنَّمَا يظْهر فِيمَا يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وَمَا يتَعَيَّن تَعْلِيمه من الصَّنَائِع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا بِشَرْط التَّعَذُّر من وَرَاء حجاب وَأما غير ذَلِك فكلامهم يَقْتَضِي الْمَنْع وَمِنْهُم النَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الصَدَاق وَلَو أصدقهَا تَعْلِيم قُرْآن فَطلق قبله فَالْأَصَحّ تعذر تَعْلِيمه وَقَالَ الْجلَال الْمحلي وَهُوَ أَي التَّعْلِيم للأمرد خَاصَّة لما سَيَأْتِي وَيُشِير بذلك إِلَى مَسْأَلَة الصَدَاق وَالْمُعْتَمد أَنه يجوز النّظر للتعليم للأمرد وَغَيره وَاجِبا كَانَ أَو مَنْدُوبًا وَإِنَّمَا منع من تَعْلِيم الزَّوْجَة الْمُطلقَة لِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ تعلّقت آماله بِالْآخرِ فَصَارَ لكل مِنْهُمَا طمعة فِي الآخر فَمنع من ذَلِك وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى محارمها وَحكمه كَعَكْسِهِ فتنظر مِنْهُ مَا عدا مَا بَين سرته وركبته وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى بدن أَجْنَبِي وَالأَصَح أَنه كنظره إِلَيْهَا وَمِنْهَا نظر رجل إِلَى رجل فَيحل بِلَا شَهْوَة إِلَّا مَا بَين سرة وركبة فَيحرم وَمِنْهَا نظر الْأَمْرَد وَهُوَ الشَّاب الَّذِي لم تنْبت لحيته وَلَا يُقَال لمن أسن وَلَا شعر بِوَجْهِهِ أَمْرَد بل يُقَال لَهُ ثط بالثاء الْمُثَلَّثَة فَإِن كَانَ بِشَهْوَة فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع وَلَا يخْتَص ذَلِك بالأمرد كَمَا مر بل النّظر إِلَى الملتحي وَالنِّسَاء الْمَحَارِم بِشَهْوَة حرَام قطعا وَضَابِط الشَّهْوَة فِيهِ كَمَا قَالَه فِي الْإِحْيَاء إِن كل من تأثر بِجَمَال صُورَة الْأَمْرَد بِحَيْثُ يظْهر من نَفسه الْفرق بَينه وَبَين الملتحي فَهُوَ لَا يحل لَهُ النّظر وَلَو انْتَفَت الشَّهْوَة وَخيف الْفِتْنَة حرم النّظر أَيْضا قَالَ ابْن الصّلاح وَلَيْسَ المعني بخوف الْفِتْنَة غَلَبَة الظَّن بوقوعها بل يَكْفِي أَن لَا يكون ذَلِك نَادرا وَأما نظره بِغَيْر شَهْوَة وَلَا خوف فتْنَة فَيحرم عِنْد النَّوَوِيّ أَيْضا وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافه وَمِنْهَا النّظر إِلَى الْأمة وَهِي الْحرَّة على الْأَصَح عِنْد الْمُحَقِّقين وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى مثلهَا وَهُوَ كنظر رجل إِلَى رجل وَأما الْخُنْثَى الْمُشكل فيعامل بالأشد فَيجْعَل مَعَ النِّسَاء رجلا وَمَعَ الرِّجَال امْرَأَة إِذا كَانَ فِي سنّ يحرم فِيهِ نظر الْوَاضِح كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي بَاب الْأَحْدَاث من الْمَجْمُوع وَلَا يجوز أَن يَخْلُو بِهِ أَجْنَبِي وَلَا أَجْنَبِيَّة وَلَو كَانَ مَمْلُوكا لامْرَأَة فَهُوَ مَعهَا كعبدها وَمِنْهَا نظر الْكَافِرَة إِلَى الْمسلمَة فَهُوَ حرَام فتحتجب الْمسلمَة عَنْهَا لقَوْله تَعَالَى {أَو نسائهن} فَلَو جَازَ لَهَا النّظر لم يبْق للتخصيص فَائِدَة وَصَحَّ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ منع الكتابيات دُخُول الْحمام مَعَ المسلمات هَذَا مَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَالْأَشْبَه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَنه يجوز أَن ترى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَمحل ذَلِك فِي كَافِرَة غير محرم للمسلمة وَغير مَمْلُوكَة لَهَا أما هما فَيجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 لَهما النّظر إِلَيْهَا كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ فِي الْمَمْلُوكَة وبحثه الزَّرْكَشِيّ فِي الْمحرم وَهُوَ ظَاهر تَتِمَّة مَتى حرم النّظر حرم اللَّمْس لِأَنَّهُ أبلغ مِنْهُ فِي اللَّذَّة وإثارة الشَّهْوَة بِدَلِيل أَنه لَو مس فَأنْزل أفطر وَلَو نظر فَأنْزل لم يفْطر وكل مَا حرم نظره مُتَّصِلا حرم نظره مُنْفَصِلا كشعر عانة وَلَو من رجل وقلامة ظفر حرَّة وَلَو من يَديهَا وَيحرم اضطجاع رجلَيْنِ أَو امْرَأتَيْنِ فِي ثوب وَاحِد إِذا كَانَا عاريين وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا فِي جَانب من الْفراش لخَبر مُسلم لَا يفض الرجل إِلَى الرجل فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَلَا الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَتسن مصافحة الرجلَيْن والمرأتين لخَبر مَا من مُسلمين يَلْتَقِيَانِ يتصافحان إِلَّا غفر لَهما قبل أَن يَتَفَرَّقَا وَتكره المعانقة والتقبيل فِي الرَّأْس إِلَّا لقادم من سفر أَو تبَاعد لِقَاء عرفا فَسنة لِلِاتِّبَاعِ وَيسن تَقْبِيل يَد الْحَيّ لصلاح وَنَحْوه من الْأُمُور الدِّينِيَّة كعلم وزهد وَيكرهُ ذَلِك لغنى أَو نَحوه من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة كشوكة ووجاهة وَيسن الْقيام لأهل الْفضل إِكْرَاما لَا رِيَاء وتفخيما فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح وَهِي خَمْسَة صِيغَة وَزَوْجَة وَزوج وَولي وهما العاقدان وشاهدان وعَلى الْأَخيرينِ وهما الْوَلِيّ والشاهدان اقْتصر المُصَنّف مُشِيرا إِلَيْهِمَا بقوله (وَلَا يَصح عقد النِّكَاح إِلَّا بولِي) أَو مأذونه أَو الْقَائِم مقَامه كالحاكم عِنْد فَقده أَو غيبته الشَّرْعِيَّة أَو عضلة أَو إِحْرَامه (و) حُضُور (شَاهِدي عدل) لخَبر ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَمَا كَانَ من نِكَاح على غير ذَلِك فَهُوَ بَاطِل فَإِن تشاحوا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ وَالْمعْنَى فِي إِحْضَار الشَّاهِدين الِاحْتِيَاط للأبضاع وصيانة الْأَنْكِحَة عَن الْجُحُود وَيسن إِحْضَار جمع زِيَادَة على الشَّاهِدين من أهل الْخَيْر وَالدّين القَوْل فِي شُرُوط الْوَلِيّ والشاهدين (ويفتقر الْوَلِيّ والشاهدان) المعتبرون لصِحَّة النِّكَاح (إِلَى سِتَّة شَرَائِط) بل إِلَى أَكثر كَمَا سَيَأْتِي الأول (الْإِسْلَام) وَهُوَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 ولي الْمسلمَة إِجْمَاعًا وَسَيَأْتِي أَن الْكَافِر يَلِي الْكَافِرَة وَأما الشَّاهِدَانِ فالإسلام شَرط فيهمَا سَوَاء أَكَانَت الْمَنْكُوحَة مسلمة أم ذِمِّيَّة إِذْ الْكَافِر لَيْسَ أَهلا للشَّهَادَة (و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا ولَايَة لصبي وَمَجْنُون لِأَنَّهُمَا ليسَا من أهل الشَّهَادَة (و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة) فَلَا ولَايَة لرقيق وَلَا يكون شَاهدا (و) الْخَامِس (الذُّكُورَة) فَلَا تملك الْمَرْأَة تَزْوِيج نَفسهَا بِحَال لَا بِإِذن وَلَا بِغَيْرِهِ سَوَاء الْإِيجَاب وَالْقَبُول إِذْ لَا يَلِيق بمحاسن الْعَادَات دُخُولهَا فِيهِ لما قصد مِنْهَا من الْحيَاء وَعدم ذكره أصلا وَقد قَالَ الله تَعَالَى {الرِّجَال قوامون على النِّسَاء} وَلَا تَزْوِيج غَيرهَا بِولَايَة وَلَا وكَالَة لخَبر لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا الْمَرْأَة نَفسهَا نعم لَو ابتلينا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى بإمامة امْرَأَة فَإِن أَحْكَامهَا تنفذ للضَّرُورَة كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره وَقِيَاسه تَصْحِيح تَزْوِيجهَا وَلَا يعْتَبر إِذن الْمَرْأَة فِي نِكَاح غَيرهَا إِلَّا فِي ملكهَا أَو فِي سَفِيه أَو مَجْنُون هِيَ وَصِيَّة عَلَيْهِ وَلَيْسَت الْمَرْأَة أَهلا للشَّهَادَة فَلَا ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة النِّسَاء وَلَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يثبت بقَوْلهمْ تَنْبِيه أفهم كَلَامه أَنه لَا ينْعَقد بخنثيين وَلَو بانا رجلَيْنِ لَكِن الْأَصَح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الصِّحَّة فَإِن قيل لَو عقد على خُنْثَى أَو لَهُ ثمَّ تبين كَونه أُنْثَى فِي الأول أَو ذكرا فِي الثَّانِي لَا يَصح أُجِيب بِأَن الْخُنْثَى أهل للشَّهَادَة فِي الْجُمْلَة فَإِن بَان رجلا اكتفينا بذلك فِي النِّكَاح بِخِلَاف العقد على الْخُنْثَى أَو لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهلا لعقد النِّكَاح عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِي حَال من الْأَحْوَال (و) السَّادِس (الْعَدَالَة) وَهِي ملكة فِي النَّفس تمنع من اقتراف الذُّنُوب وَلَو صغائر الخسة والراذئل الْمُبَاحَة فَلَا ينْعَقد بولِي فَاسق غير الإِمَام الْأَعْظَم مجبرا كَانَ أم لَا فسق بِشرب الْخمر أم لَا أعلن بِفِسْقِهِ أم لَا لحَدِيث (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالْمرَاد بالمرشد الْعدْل وَأفْتى الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَنَّهُ لَو كَانَ لَو سلب الْولَايَة لانتقلت إِلَى حَاكم فَاسق ولي وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ وَلَا سَبِيل إِلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ إِذْ الْفسق قد عَم الْبِلَاد والعباد وَالْأَوْجه إِطْلَاق الْمَتْن لِأَن الْحَاكِم يُزَوّج للضَّرُورَة وقضاؤه نَافِذ أَمَام الإِمَام الْأَعْظَم فَلَا يقْدَح فسقه لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل بِهِ فيزوج بَنَاته وَبَنَات غَيره بِالْولَايَةِ الْعَامَّة تفخيما لشأنه فَعَلَيهِ إِنَّمَا يُزَوّج بَنَاته إِذا لم يكن لَهُنَّ ولي غَيره كبنات غَيره تَنْبِيه لَا يلْزم من أَن الْفَاسِق لَا يُزَوّج اشْتِرَاط أَن يكون الْوَلِيّ عدلا لِأَن بَينهمَا وَاسِطَة فَإِن الْعَدَالَة ملكة تمنع صَاحبهَا مِمَّا مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَالصَّبِيّ إِذا بلغ وَلم تصدر مِنْهُ كَبِيرَة وَلم تحصل لَهُ تِلْكَ الملكة لَا عدل وَلَا فَاسق وَقد نقل الإِمَام الْغَزالِيّ الِاتِّفَاق على أَن المستور يَلِي وَحَيْثُ منعنَا ولَايَة الْفَاسِق فَقَالَ الْبَغَوِيّ إِذا تَابَ زوج فِي الْحَال وَوَجهه بِأَن الشَّرْط فِي ولي النِّكَاح عدم الْفسق لَا قبُول الشَّهَادَة وَلَا ينْعَقد بِشَهَادَة فاسقين لِأَنَّهُ لَا يثبت بهما وَينْعَقد بمستوري الْعَدَالَة وهما المعروفان بهَا ظَاهرا لَا بَاطِنا بِأَن عرفت بالمخالطة دون التَّزْكِيَة عِنْد الْحَاكِم لِأَن الظَّاهِر من الْمُسلمين الْعَدَالَة وَلَا فرق بَين أَن يعْقد بهما الْحَاكِم أَو غَيره على الْمُعْتَمد لَا بمستوري الْإِسْلَام أَو الْحُرِّيَّة بِأَن يَكُونَا فِي مَوضِع يخْتَلط فِيهِ الْمُسلمُونَ بالكفار والأحرار بالأرقاء بل لَا بُد من معرفَة حَالهمَا بَاطِنا لسُهُولَة الْوُقُوف على ذَلِك بِخِلَاف الْعَدَالَة وَالْفِسْق هَل الْكَافِر يَلِي عقد موليته الْكَافِرَة ثمَّ شرع فِي كَون الْكَافِر الْأَصْلِيّ يَلِي الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة بقوله (إِلَّا أَنه لَا يفْتَقر نِكَاح الذِّمِّيَّة إِلَى إِسْلَام الْوَلِيّ) وَلَو كَانَت الذِّمِّيَّة عتيقة مُسلم وَإِن اخْتلف اعْتِقَاد الزَّوْجَة وَالْوَلِيّ فيزوج الْيَهُودِيّ نَصْرَانِيَّة وَالنَّصْرَانِيّ يَهُودِيَّة كَالْإِرْثِ لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَقَضِيَّة التَّشْبِيه بِالْإِرْثِ أَنه لَا ولَايَة لحربي على ذِمِّيَّة وَبِالْعَكْسِ وَأَن الْمُسْتَأْمن كالذمي وَهُوَ ظَاهر كَمَا صَححهُ البُلْقِينِيّ ومرتكب الْمحرم الْفسق فِي دينه من أَوْلِيَاء الْكَافِرَة كالفاسق عندنَا فَلَا يُزَوّج موليته بِخِلَاف مَا إِذا لم يرتكب ذَلِك وَإِن كَانَ مَسْتُورا فيزوجها كَمَا تقرر وَفرقُوا بَين ولَايَته وشهادته حَيْثُ لَا تقبل وَإِن لم يكن مرتكبا ذَلِك بِأَن الشَّهَادَة مَحْض ولَايَة على الْغَيْر فَلَا يؤهل لَهَا الْكَافِر وَالْوَلِيّ فِي التَّزْوِيج كَمَا يُرَاعِي حَظّ موليته يُرَاعِي حَظّ نَفسه أَيْضا فِي تحصينها وَدفع الْعَار عَن النّسَب تَنْبِيه ظَاهر كَلَامه أَنه لَا فرق بَين أَن يكون زوج الْكَافِرَة كَافِرًا أَو مُسلما وَهُوَ كَذَلِك لَكِن لَا يُزَوّج الْمُسلم قاضيهم بِخِلَاف الزَّوْج الْكَافِر لِأَن نِكَاح الْكَافِر مَحْكُوم بِصِحَّتِهِ وَإِن صدر من قاضيهم أما الْمُرْتَد فَلَا يَلِي مُطلقًا لَا على مسلمة وَلَا على مرتدة وَلَا على غَيرهمَا لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينه وَبَين غَيره (وَلَا) يفْتَقر (نِكَاح الْأمة) من عبد أَو حر بِشَرْطِهِ (إِلَى عَدَالَة السَّيِّد) لِأَنَّهُ يُزَوّج بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ لِأَنَّهُ يملك التَّمَتُّع بهَا فِي الْجُمْلَة وَالتَّصَرُّف فِيمَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ وَنَقله إِلَى الْغَيْر يكون بِحكم الْملك كاستيفاء سَائِر الْمَنَافِع ونقلها بِالْإِجَارَة فيزوج مُسلم وَلَو فَاسِقًا أَو مكَاتبا أمته الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة بِخِلَاف الْكَافِر لي لَهُ أَن يُزَوّج أمته لَيْسَ الْمسلمَة إِذْ لَا يملك التَّمَتُّع بهَا أصلا بل وَلَا سَائِر التَّصَرُّفَات فِيهَا سوى إِزَالَة الْملك عَنْهَا وكتابتها بِخِلَاف الْمُسلم فِي الْكَافِرَة وَإِذا ملك الْمبعض بِبَعْضِه الْحر أمة زَوجهَا كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه وَإِن خَالف فِي فَتَاوِيهِ كَالْمكَاتبِ بل أولى لِأَن ملكه تَامّ وَلِهَذَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 تَنْبِيه مِمَّا تَركه المُصَنّف من شُرُوط الْوَلِيّ أَن لَا يكون مختل النّظر بهرم أَو خبل وَأَن لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه وَمَتى كَانَ الْأَقْرَب بِبَعْض هَذِه الصِّفَات الْمَانِعَة للولاية فالولاية للأبعد وَأما الْإِغْمَاء فننتظر إِفَاقَته مِنْهُ وَلَا يقْدَح الْعَمى فِي ولَايَة التَّزْوِيج لحُصُول الْمَقْصُود بالبحث وَالسَّمَاع وإحرام أحد الْعَاقِدين إِن ولي وَلَو حَاكما أَو زوج أَو وَكيل عَن أَحدهمَا أَو الزَّوْجَة بنسك وَلَو فَاسِدا يمْنَع صِحَة النِّكَاح لحَدِيث الْمحرم ينْكح وَلَا ينْكح الْكَاف مَكْسُورَة فيهمَا وَالْيَاء مَفْتُوحَة فِي الأول مَضْمُومَة فِي الثَّانِي وَلَا ينْقل الْإِحْرَام الْولَايَة للأبعد فيزوج السُّلْطَان عِنْد إِحْرَام الْوَلِيّ الْأَقْرَب لَا الْأَبْعَد وَمِمَّا تَركه من شُرُوط الشَّاهِدين السّمع وَالْبَصَر والضبط وَلَو مَعَ النسْيَان عَن قرب وَمَعْرِفَة لِسَان الْمُتَعَاقدين وَكَونه غير مُتَعَيّن للولاية كأب وَأَخ مُنْفَرد وكل وَحضر مَعَ الآخر وَينْعَقد النِّكَاح بِابْني الزَّوْجَيْنِ وعدويهما لِأَنَّهُمَا من أهل الشَّهَادَة وَينْعَقد بهما النِّكَاح فِي الْجُمْلَة القَوْل فِي شُرُوط الصِّيغَة وَمِمَّا تَركه من الْأَركان الصِّيغَة وَشرط فِيهَا مَا شَرط فِي صِيغَة البيع وَقد مر بَيَانه وَمِنْه عدم التَّعْلِيق والتأقيت وَلَفظ مَا يشتق من تَزْوِيج أَو إنكاح وَلَو بعجمية يفهم مَعْنَاهَا العاقدان والشاهدان وَإِن أحسن العاقدان الْعَرَبيَّة اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى فَلَا يَصح بِغَيْر ذَلِك كَلَفْظِ بيع وتمليك وَهبة لخَبر مُسلم اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله وَصَحَّ النِّكَاح بِتَقْدِيم قبُول وبزوجني من قبُول الزَّوْج ويتزوجها من قبل الْوَلِيّ مَعَ قَول الآخر عقبه زَوجتك فِي الأول أَو تَزَوَّجتهَا فِي الثَّانِي لوُجُود الاستدعاء الْجَازِم الدَّال على الرِّضَا لَا بكناية فِي الصِّيغَة كأحللتك بِنْتي إِذْ لَا بُد فِي الْكِنَايَة من النِّيَّة وَالشُّهُود ركن فِي النِّكَاح كَمَا مر وَلَا اطلَاع لَهُم على النِّيَّة أما الْكِنَايَة فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ زَوجتك بِنْتي فَقبل ونويا مُعينَة فَيصح النِّكَاح بهَا القَوْل فِي شُرُوط الزَّوْجَة وَمِمَّا تَركه من الْأَركان أَيْضا الزَّوْجَة وَشرط فِيهَا حل وَتَعْيِين وخلو من نِكَاح وعدة فَلَا يَصح نِكَاح مُحرمَة للْخَبَر السَّابِق وَلَا إِحْدَى امْرَأتَيْنِ للإبهام وَلَا مَنْكُوحَة وَلَا مُعْتَدَّة من غَيره لتَعلق حق الْغَيْر بهَا القَوْل فِي شُرُوط الزَّوْج وَمِمَّا تَركه من الْأَركان أَيْضا الزَّوْج وَشرط فِيهِ حل وَاخْتِيَار وَتَعْيِين وَعلم بِحل الْمَرْأَة لَهُ فَلَا يَصح نِكَاح محرم وَلَو بوكيل للْخَبَر السَّابِق وَلَا مكره وَغَيره معِين كَالْبيع وَلَا من جهل حلهَا لَهُ احْتِيَاطًا لعقد النِّكَاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء فِي بَيَان أَحْكَام الْأَوْلِيَاء ترتيبا وإجبارا أَو عَدمه وَفِي بعض أَحْكَام الْخطْبَة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَفِي بعض النّسخ ذكر هَذَا الْفَصْل وأسقطه فِي بَعْضهَا فَقَالَ (وَأولى الْوُلَاة) أَي من الْأَقَارِب فِي التَّزْوِيج (الْأَب) لِأَن سَائِر الْأَوْلِيَاء يدلون بِهِ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ (ثمَّ الْجد أَبُو الْأَب) وَإِن علا لاخْتِصَاص كل مِنْهُم عَن سَائِر الْعَصَبَات بِالْولادَةِ مَعَ مشاركته فِي الْعُصُوبَة (ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم) لإدلائه بهما (ثمَّ الْأَخ للْأَب) لإدلائه بِهِ فَهُوَ أقرب من ابْن الْأَخ (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم) وَإِن سفل (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب) وَإِن سفل لِأَن ابْن الْأَخ أقرب من الْعم (ثمَّ الْعم) لِأَبَوَيْنِ ثمَّ الْعم لأَب (ثمَّ ابْنه) أَي الْعم لِأَبَوَيْنِ وَإِن سفل ثمَّ ابْن الْعم لأَب وَإِن سفل وَهَذَا معنى قَوْله (على هَذَا التَّرْتِيب) لزِيَادَة الْقرب والشفقة كَالْإِرْثِ وعَلى هَذَا لَو غَابَ الشَّقِيق لم يُزَوّج الَّذِي لأَب بل السُّلْطَان نعم لَو كَانَا ابْنا عَم أَحدهمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخر لأَب لكنه أَخُوهَا من أمهَا فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيّ لِأَنَّهُ يُدْلِي بالجد وَالأُم وَالْأول يُدْلِي بالجد وَالْجدّة وَلَو كَانَا ابْنا عَم أَحدهمَا ابْنهَا وَالْآخر أَخُوهَا من الْأُم فالابن هُوَ الْمُقدم لِأَنَّهُ أقرب وَلَو كَانَ ابْنا عَم أَحدهمَا مُعتق قدم الْمُعْتق وَمِنْه يُؤْخَذ أَنه لَو كَانَ الْمُعْتق ابْن عَم لأَب وَالْآخر شقيقا قدم الشَّقِيق وَبِه صرح البُلْقِينِيّ تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف تَسْمِيَة كل من غير الْأَب وَالْجد من الْأَخ وَالْعم وليا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن توقف فِيهِ الإِمَام وَجعل الْولَايَة حَقِيقَة للْأَب وَالْجد فَقَط وَلَا يُزَوّج ابْن أمه ببنوة مَحْضَة خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة والمزني لِأَنَّهُ لَا مُشَاركَة بَينه وَبَينهَا فِي النّسَب إِذْ انتسابها إِلَى أَبِيهَا وانتساب الابْن إِلَى أَبِيه فَلَا يعتني بِدفع الْعَار عَن النّسَب فَإِن كَانَ ابْن عَم لَهَا أَو مُعتقة لَهَا أَو عاصب مُعتق لَهَا أَو قَاضِيا أَو وَكيلا عَن وَليهَا كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ زوج بِمَا ذكر فَلَا تضره الْبُنُوَّة لِأَنَّهَا غير مقتضية لَا مَانِعَة فَإِذا وجد مَعهَا سَبَب آخر يَقْتَضِي للولاية لم تَمنعهُ (فَإِذا عدمت الْعَصَبَات) من النّسَب (فالمولى) أَي السَّيِّد (الْمُعْتق) الرجل (ثمَّ عصباته) بِحَق الْوَلَاء سَوَاء كَانَ الْمُعْتق رجلا أَو امْرَأَة وَالتَّرْتِيب هُنَا كَالْإِرْثِ فِي ترتيبه فَيقدم بعد عصبَة الْمُعْتق مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته وَهَكَذَا لحَدِيث الْوَلَاء لحْمَة كلحمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 النّسَب وَلِأَن الْمُعتقَة أخرجهَا من الرّقّ إِلَى الْحُرِّيَّة فَأشبه الْأَب فِي إِخْرَاجه لَهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود ويزوج عتيقة الْمَرْأَة إِذا فقد ولي العتيقة من النّسَب كل من يُزَوّج الْمُعتقَة مَا دَامَت حَيَّة بِالْولَايَةِ عَلَيْهِ تبعا للولاية على الْمُعتقَة فيزوجها الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ بَقِيَّة الْأَوْلِيَاء على مَا فِي ترتيبهم بِرِضا العتيقة وَيَكْفِي سكُوت الْبكر كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِي تكملته وَإِن خَالف فِي ديباجه وَلَا يعْتَبر إِذن الْمُعتقَة فِي ذَلِك فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهَا وَلَا إِجْبَار فَلَا فَائِدَة لَهُ فَإِذا مَاتَت الْمُعتقَة زوج العتيقة من لَهُ الْوَلَاء على الْمُعتقَة من عصباتها فيزوجها ابْنهَا ثمَّ ابْنه ثمَّ أَبوهَا على تَرْتِيب عصبَة الْوَلَاء إِذْ تَبَعِيَّة الْولَايَة انْقَطَعت بِالْمَوْتِ القَوْل فِي تَزْوِيج الْحَاكِم (ثمَّ) إِن فقد الْمُعْتق وعصبته زوج (الْحَاكِم) الْمَرْأَة الَّتِي فِي مَحل ولَايَته لخَبر السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ فَإِن لم تكن فِي مَحل ولَايَته فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجهَا وَإِن رضيت كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْقَضَاء على الْغَائِب وَكَذَا يُزَوّج الْحَاكِم إِذا عضل النسيب الْقَرِيب وَلَو مجبرا وَالْمُعتق وعصبته لِأَنَّهُ حق عَلَيْهِم فَإِذا امْتَنعُوا من وفائه وفاه الْحَاكِم وَلَا تنْتَقل الْولَايَة للأبعد إِذا كَانَ العضل دون ثَلَاث مَرَّات فَإِن كَانَ ثَلَاث مَرَّات زوج الْأَبْعَد بِنَاء على منع ولَايَة الْفَاسِق كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ وَهَذَا فِيمَن لم تغلب طاعاته على مَعَاصيه كَمَا ذَكرُوهُ فِي الشَّهَادَات وَكَذَا يُزَوّج عِنْد غيبَة الْوَلِيّ مَسَافَة الْقصر وإحرامه وإرادته تزوج موليته وَلَا مساوي لَهُ فِي الدرجَة والمجنونة الْبَالِغَة عِنْد فقد الْمُجبر وَقد جمع بَعضهم الْمَوَاضِع الَّتِي يُزَوّج فِيهَا الْحَاكِم فِي أَبْيَات فَقَالَ ويزوج الْحَاكِم فِي صور أَتَت منظومة تحكي عُقُود جَوَاهِر عدم الْوَالِي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مَسَافَة قَاصِر وكذاك إِغْمَاء وَحبس مَانع أمة لمحجور تواري الْقَادِر إِحْرَامه وتعزز مَعَ عضله إِسْلَام أم الْفَرْع وَهِي لكَافِر وأهمل النَّاظِم تَزْوِيج الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة وَإِنَّمَا يحصل العضل من الْوَلِيّ إِذا دعت بَالِغَة عَاقِلَة رَشِيدَة كَانَت أَو سَفِيهَة إِلَى كُفْء وَامْتنع الْوَلِيّ من تَزْوِيجه وَلَو عينت كفأ وَأَرَادَ الْأَب أَو الْجد الْمُجبر كفأ غَيره فَلهُ ذَلِك فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أكمل نظرا مِنْهَا الْكَلَام على الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء ثمَّ شرع فِي بعض أَحْكَام الْخطْبَة وَهِي بِكَسْر الْخَاء التمَاس الْخَاطِب النِّكَاح من جِهَة المخطوبة بقوله (وَلَا يجوز أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 يُصَرح بِخطْبَة) امْرَأَة (مُعْتَدَّة) بَائِنا كَانَت أَو رَجْعِيَّة بِطَلَاق أَو فسخ أَو انْفِسَاخ أَو موت أَو مُعْتَدَّة عَن شُبْهَة لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} الْآيَة وَحكى ابْن عَطِيَّة الْإِجْمَاع على ذَلِك وَالتَّصْرِيح مَا يقطع بالرغبة فِي النِّكَاح كأريد أَن أنكحك وَإِذا انْقَضتْ عدتك نكحتك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا صرح تحققت رغبته فِيهَا فَرُبمَا تكذب فِي انْقِضَاء الْعدة وَلَا يجوز تَعْرِيض لرجعية لِأَنَّهَا زَوْجَة أَو فِي معنى الزَّوْجَة وَلِأَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق فقد تكذب انتقاما والتعريض يحْتَمل الرَّغْبَة فِي النِّكَاح وَعدمهَا كَقَوْلِه أَنْت جميلَة وَرب رَاغِب فِيك وَمن يجد مثله (وَيجوز أَن يعرض لَهَا) لغير الرَّجْعِيَّة (بنكاحها قبل انْقِضَاء الْعدة) سَوَاء كَانَت عدَّة وَفَاة أم بَائِن بِفَسْخ أَو ردة أَو طَلَاق لعُمُوم الْآيَة ولانقطاع سلطنة الزَّوْج عَنْهَا تَنْبِيه هَذَا كُله فِي غير صَاحب الْعدة الَّذِي يحل لَهُ نِكَاحهَا فِيهَا أما هُوَ فَيحل لَهُ التَّعْرِيض وَالتَّصْرِيح وَأما من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا فِيهَا كَمَا لَو طَلقهَا بَائِنا أَو رَجْعِيًا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِي بِشُبْهَة فِي الْعدة فَحملت مِنْهُ فَإِن عدَّة الْحمل تقدم وَلَا يحل لصَاحب عدَّة الشُّبْهَة أَن يخطبها لِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ العقد عَلَيْهَا حِينَئِذٍ وَحكم جَوَاب الْمَرْأَة فِي الصُّور الْمَذْكُورَة تَصْرِيحًا وتعريضا حكم الْخطْبَة فِيمَا تقدم وَيحرم على عَالم خطْبَة على خطْبَة جَائِزَة مِمَّن صرح بإجابته إِلَّا بِالْإِعْرَاضِ بِإِذن أَو غَيره من الْخَاطِب أَو الْمُجيب لخَبر الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ لَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه حَتَّى يتْرك الْخَاطِب قبله أَو يَأْذَن لَهُ الْخَاطِب وَالْمعْنَى فِي ذَلِك مَا فِيهِ من الْإِيذَاء وَيجب ذكر عُيُوب من أُرِيد اجْتِمَاع عَلَيْهِ لمناكحة أَو نَحْوهَا كمعاملة وَأخذ علم لمريده ليحذر بذلا للنصيحة سَوَاء استشير الذاكر فِيهِ أم لَا فَإِن انْدفع بِدُونِهِ بِأَن لم يحْتَج إِلَى ذكرهَا أَو احْتِيجَ إِلَى ذكر بَعْضهَا حرم ذكر شَيْء مِنْهَا فِي الأول وَشَيْء من الْبَعْض الآخر فِي الثَّانِي القَوْل فِيمَا تُبَاح فِيهِ الْغَيْبَة قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة والغيبة تُبَاح لسِتَّة أَسبَاب وَذكرهَا وَجَمعهَا غَيره فِي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ لقب ومستفت وَفسق ظَاهر وَالظُّلم تحذير مزيل الْمُنكر قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء إِلَّا أَن يكون المتظاهر بالمعصية عَالما يقْتَدى بِهِ فتمنع غيبته لِأَن النَّاس إِذا اطلعوا على زلته تساهلوا فِي ارْتِكَاب الذَّنب انْتهى وَسن خطْبَة بِضَم الْخَاء قبل خطْبَة بِكَسْرِهَا وَأُخْرَى قبل العقد لخَبر كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أقطع أَي عَن الْبركَة وَتحصل السّنة بِالْخطْبَةِ قبل العقد من الْوَلِيّ أَو الزَّوْج أَو أَجْنَبِي وَلَو أوجب ولي العقد فَخَطب الزَّوْج خطْبَة قَصِيرَة عرفا فَقبل صَحَّ العقد مَعَ الْخطْبَة الفاصلة بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول لِأَنَّهَا مُقَدّمَة الْقبُول فَلَا تقطع الْوَلَاء كالإقامة وَطلب المَاء وَالتَّيَمُّم بَين صَلَاتي الْجمع لَكِنَّهَا لَا تسن بل يسن تَركهَا كَمَا صرح بِهِ ابْن يُونُس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 القَوْل فِي الْإِجْبَار على النِّكَاح (وَالنِّسَاء) بِالنِّسْبَةِ إِلَى إجبارهن فِي التَّزْوِيج وَعَدَمه (على ضَرْبَيْنِ) الأول (بكر) تجبر (و) الثَّانِي (ثَبت) لَا تجبر (فالبكر) وَلَو كَبِيرَة ومخلوقة بِلَا بكارة أَو زَالَت بلاوطء كسقطة أَو حِدة حيض (يجوز) وَيصِح (للْأَب وَالْجد) أبي الْأَب وَإِن علا عِنْد عدم الْأَب وَإِن عدم أَهْلِيَّته (إجبارها على النِّكَاح) أَي تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا وَلِأَنَّهَا لم تمارس الرِّجَال بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَة الْحيَاء تَنْبِيه لتزويج الْأَب أَو الْجد الْبكر بِغَيْر إِذْنهَا شُرُوط الأول أَن لَا يكون بَينهَا وَبَينه عَدَاوَة ظَاهِرَة الثَّانِي أَن يُزَوّجهَا من كُفْء الثَّالِث أَن يُزَوّجهَا بِمهْر مثلهَا الرَّابِع أَن يكون من نقد الْبَلَد الْخَامِس أَن لَا يكون الزَّوْج مُعسرا بِالْمهْرِ السَّادِس أَن لَا يُزَوّجهَا بِمن تتضرر بمعاشرته كأعمى أَو شيخ هرم السَّابِع أَن لَا يكون قد وَجب عَلَيْهَا نسك فَإِن الزَّوْج يمْنَعهَا لكَون النّسك على التَّرَاخِي وَلها غَرَض فِي تَعْجِيل بَرَاءَة ذمَّتهَا قَالَه ابْن الْعِمَاد وَهل هَذِه الشُّرُوط الْمَذْكُورَة شُرُوط لصِحَّة النِّكَاح بِغَيْر الْإِذْن أَو لجَوَاز الْإِقْدَام فَقَط فِيهِ مَا هُوَ تعْتَبر لهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبر لذَلِك فالمعتبرات للصِّحَّة بِغَيْر الْإِذْن أَن لَا يكون بَينهَا وَبَين وَليهَا عَدَاوَة ظَاهِرَة وَأَن يكون الزَّوْج كفأ وَأَن يكون مُوسِرًا بِحَال صَدَاقهَا وَمَا عدا ذَلِك شُرُوط لجَوَاز الْإِقْدَام قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِي الْإِجْبَار أَيْضا انْتِفَاء الْعَدَاوَة بَينهَا وَبَين الزَّوْج انْتهى وَإِنَّمَا لم يعتبروا ظُهُور الْعَدَاوَة هُنَا كَمَا اعْتبر ثمَّ لظُهُور الْفرق بَين الزَّوْج وَالْوَلِيّ الْمُجبر بل قد يُقَال إِنَّه لَا حَاجَة إِلَى مَا قَالَه لِأَن انْتِفَاء الْعَدَاوَة بَينهَا وَبَين الْوَلِيّ يَقْتَضِي أَن لَا يُزَوّجهَا إِلَّا مِمَّن يحصل لَهَا مِنْهُ حَظّ ومصلحة لشفقته عَلَيْهَا أما مُجَرّد كراهتها لَهُ من غير ضَرَر فَلَا يُؤثر لَكِن يكره لوَلِيّهَا أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَيسن اسْتِئْذَان الْبكر إِذا كَانَت مكلفة لحَدِيث مُسلم وَالْبكْر يستأمرها أَبوهَا وَهُوَ مَحْمُول على النّدب تطييبا لخاطرها وَأما غير المكلفة فَلَا إِذن لَهَا وَيسن اسْتِفْهَام المراهقة وَأَن لَا تزوج الصَّغِيرَة حَتَّى تبلغ وَالسّنة فِي الاسْتِئْذَان لوَلِيّهَا أَن يُرْسل إِلَيْهَا نسْوَة ثِقَات ينظرن مَا فِي نَفسهَا وَالأُم بذلك أولى لِأَنَّهَا تطلع على مَا لَا يطلع غَيرهَا من لَا تجبر على النِّكَاح (وَالثَّيِّب) الْبَالِغَة (لَا يجوز) وَلَا يَصح (تَزْوِيجهَا) وَإِن عَادَتْ بَكَارَتهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ السَّابِق وَخبر لَا تنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تستأمروهن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَلِأَنَّهَا عرفت مَقْصُود النِّكَاح فَلَا تجبر بِخِلَاف الْبكر فَإِن كَانَت الثّيّب صَغِيرَة غير مَجْنُونَة وَغير أمة لم تزوج سَوَاء احتملت الْوَطْء أم لَا (إِلَّا بعد بُلُوغهَا وإذنها) لِأَن إِذن الصَّغِيرَة غير مُعْتَبر فَامْتنعَ تَزْوِيجهَا إِلَى الْبلُوغ أما الْمَجْنُونَة فيزوجها الْأَب وَالْجد عِنْد عَدمه قبل بُلُوغهَا للْمصْلحَة وَأما الْأمة فلسيدها أَن يُزَوّجهَا وَكَذَا الْوَلِيّ السَّيِّد عِنْد الْمصلحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 تَتِمَّة لَو وطِئت الْبكر فِي قبلهَا وَلم تزل بَكَارَتهَا كَأَن كَانَت غوراء فَهِيَ كَسَائِر الْأَبْكَار وَإِن كَانَ مُقْتَضى تَعْلِيلهم بممارسة الرِّجَال خِلَافه كَمَا أَن قَضِيَّة كَلَامهم كَذَلِك إِذا زَالَت بِذكر حَيَوَان غير آدَمِيّ كقرد مَعَ أَن الْأَوْجه أَنَّهَا كالثيب وَلَو خلقت بِلَا بكارة فَحكمهَا حكم الْأَبْكَار كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة عَن الصَّيْمَرِيّ وَأقرهُ وَتصدق المكلفة فِي دَعْوَى الْبكارَة وَإِن كَانَت فاسقة قَالَ ابْن الْمقري بِلَا يَمِين وَكَذَا فِي دَعْوَى الثيوبة قبل العقد وَإِن لم تتَزَوَّج وَلَا تسْأَل الْوَطْء فَإِن ادَّعَت الثيوبة بعد العقد وَقد زَوجهَا الْوَلِيّ بِغَيْر إِذْنهَا نطقا فَهُوَ الْمُصدق بِيَمِينِهِ لما فِي تصديقها من إبِْطَال النِّكَاح بل لَو شهِدت أَربع نسْوَة بثيوبتها عِنْد العقد لم يبطل لجَوَاز إِزَالَتهَا بأصبع أَو نَحوه أَو أَنَّهَا خلقت بِدُونِهَا كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَإِن أفتى ابْن الصّلاح بِخِلَافِهِ فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ (والمحرمات) على قسمَيْنِ تَحْرِيم مؤبد وَتَحْرِيم غير مؤبد وَمن الأول وَإِن لم يذكرهُ الشَّيْخَانِ اخْتِلَاف الْجِنْس فَلَا يجوز للآدمي نِكَاح الجنبة كَمَا قَالَ ابْن يُونُس وَأفْتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام خلافًا للقمولي قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا} والمؤبد (بِالنَّصِّ) الْقطعِي فِي الْآيَة الْكَرِيمَة الْآتِيَة عَن قرب (أَربع عشرَة) وَله ثَلَاثَة أَسبَاب قرَابَة ورضاع ومصاهرة وَقد بَدَأَ بِالسَّبَبِ الأول القَوْل فِي الْمُحرمَات بِالنّسَبِ والمحرمات بِالنّسَبِ وَهُوَ الْقَرَابَة بقوله (سبع) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة أَي يحرمن (بِالنّسَبِ) لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم} الْآيَة وَلما يحرم بِالنّسَبِ وَالرّضَاع ضابطان الأول تحرم نسَاء الْقَرَابَة إِلَّا من دخلت تَحت ولد العمومة أَو ولد الخؤولة وَالثَّانِي يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل بعد الأَصْل الأول فالأصول الْأُمَّهَات والفصول الْبَنَات وفصول أول الْأُصُول الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وَأول فصل من كل أصل بعد الأَصْل الأول العمات والخالات وَالضَّابِط الأول أرجح كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لإيجازه وَنَصه على الْإِنَاث بِخِلَاف الثَّانِي (وَهِي) أَي السَّبع من النّسَب الأول مِنْهَا (الْأُم) أَي يحرم العقد عَلَيْهَا وَكَذَا يقدر فِي الْبَاقِي وَضَابِط الْأُم هِيَ كل من وَلدتك فَهِيَ أمك حَقِيقَة أَو ولدت من ولدك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى كَأُمّ الْأَب (وَإِن علت) وَأم الْأُم كَذَلِك فَهِيَ أمك مجَازًا وَإِن شِئْت قلت كل أُنْثَى يَنْتَهِي إِلَيْهَا نسبك بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 (و) الثَّانِي (الْبِنْت) وضابطها كل من ولدتها فبنتك حَقِيقَة أَو ولدت من وَلَدهَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى كَبِنْت ابْن وَإِن نزل وَبنت بنت (وَإِن سفلت) فبنتك مجَازًا وَإِن شِئْت قلت كل أُنْثَى يَنْتَهِي إِلَيْك نَسَبهَا بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا (و) الثَّالِث (الْأُخْت) وضابطها كل من وَلَدهَا أَبَوَاك أَو أَحدهمَا فأختك (و) الرَّابِع (الْخَالَة) وضابطها كل أُخْت أُنْثَى وَلدتك فخالتك حَقِيقَة أَو بِوَاسِطَة كخالة أمك فخالتك مجَازًا وَقد تكون الْخَالَة من جِهَة الْأَب كأخت أم الْأَب تَنْبِيه كَانَ الأولى أَن يُؤَخر الْخَالَة عَن الْعمة ليَكُون على تَرْتِيب الْآيَة (و) الْخَامِس (الْعمة) وضابطها كل أُخْت ذكر ولدك بِلَا وَاسِطَة فعمتك حَقِيقَة أَو بِوَاسِطَة كعمة أَبِيك فعمتك مجَازًا وَقد تكون الْعمة من جِهَة الْأُم كأخت أبي الْأُم (و) السَّادِس وَالسَّابِع (بنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت) من جَمِيع الْجِهَات وَبَنَات أولادهما وَإِن سفلن تَنْبِيه علم من كَلَام المُصَنّف أَن الْبِنْت المخلوقة من مَاء زِنَاهُ سَوَاء تحقق أَنَّهَا من مَائه أم لَا تحل لَهُ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة إِذْ لَا حُرْمَة لماء الزِّنَا بِدَلِيل انْتِفَاء سَائِر أَحْكَام النّسَب من إِرْث وَغَيره عَنْهَا فَلَا تبعض الْأَحْكَام كَمَا يَقُول الْمُخَالف فَإِن منع الْإِرْث إِجْمَاع كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَلَكِن يكره نِكَاحهَا خُرُوجًا من خلاف من حرمهَا وَلَو أرضعت الْمَرْأَة بِلَبن الزَّانِي صَغِيرَة فكبنته قَالَه الْمُتَوَلِي وَيحرم على الْمَرْأَة وعَلى سَائِر محارمها وَلَدهَا من زنا بِالْإِجْمَاع كَمَا أَجمعُوا على أَنه يَرِثهَا وَالْفرق أَن الابْن كالعضو مِنْهَا وانفصل مِنْهَا إنْسَانا وَلَا كَذَلِك النُّطْفَة الَّتِي خلقت مِنْهَا الْبِنْت بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَب ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّانِي الرَّضَاع بقوله (وَاثْنَتَانِ بِالرّضَاعِ) وهما (الْأُم الْمُرضعَة وَالْأُخْت من الرَّضَاع) لقَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} فَمن ارتضع من امْرَأَة صَارَت بناتها الموجودات قبله والحادثات بعده أَخَوَات لَهُ وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك مَعَ وضوحه لِأَن كثيرا من جهلة الْعَوام يظنون أَن الْأُخْت من الرَّضَاع هِيَ الَّتِي ارتضعت مَعَه دون غَيرهَا ويسألون عَنهُ كثيرا فمرضعتك وَمن أرضعتها أَو ولدتها أَو ولدت أَبَا من رضَاع وَهُوَ الْفَحْل أَو أَرْضَعَتْه أَو أرضعت من ولدك بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا أم رضَاع وَقس على ذَلِك الْبَاقِي من السَّبع بِالرّضَاعِ بِمَا ذكر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من الْولادَة وَفِي رِوَايَة من النّسَب وَفِي أُخْرَى حرمُوا من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَلَا يحرم عَلَيْك مُرْضِعَة أَخِيك أَو أختك وَلَو كَانَت أم نسب حرمت عَلَيْك لِأَنَّهَا أمك أَو مَوْطُوءَة أَبِيك وَلَا مُرْضِعَة نافلتك وَهُوَ ولد الْوَلَد وَلَو كَانَت أم نسب حرمت عَلَيْك لِأَنَّهَا بنتك أَو مَوْطُوءَة ابْنك وَلَا أم مُرْضِعَة ولدك وَلَا بنت الْمُرضعَة وَلَو كَانَت الْمُرضعَة أم نسب كَانَت موطوءتك فَيحرم عَلَيْك أمهَا وبنتها فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة يحرمن فِي النّسَب وَلَا يحرمن فِي الرَّضَاع فاستثناها بَعضهم من قَاعِدَة يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب والمحققون كَمَا فِي الرَّوْضَة على أَنَّهَا لَا تستثنى لعدم دُخُولهَا فِي الْقَاعِدَة لِأَنَّهُنَّ إِنَّمَا يحرمن فِي النّسَب لِمَعْنى لم يُوجد فِيهِنَّ فِي الرَّضَاع كَمَا قَرّرته وَلَا يجرم عَلَيْك أُخْت أَخِيك سَوَاء كَانَت من نسب كَأَن كَانَ لزيد أَخ لأَب وَأُخْت لأم فلأخيه نِكَاحهَا أم من رضَاع كَأَن ترْضع امْرَأَة زيدا وصغيرة أَجْنَبِيَّة مِنْهُ فلأخيه لِأَبِيهِ نِكَاحه وَسَوَاء أَكَانَت الْأُخْت أُخْت أَخِيك لأَبِيك لأمه كَمَا مثلنَا أم أُخْت أَخِيك لأمك لِأَبِيهِ مِثَاله فِي النّسَب أَن يكون لأبي أَخِيك بنت من غير أمك فلك نِكَاحهَا وَفِي الرَّضَاع أَن ترتضع صَغِيرَة بِلَبن أبي أَخِيك لأمك فلك نِكَاحهَا بقوله (وَأَرْبع بالمصاهرة) وَهن (أم الزَّوْجَة) بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا من نسب أَو رضَاع سَوَاء أَدخل بهَا أم لَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَات نِسَائِكُم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 القَوْل فِي الْمُحرمَات بالمصاهرة ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّالِث وَهُوَ الْمُصَاهَرَة (والربيبة إِذا دخل بِالْأُمِّ) بِعقد صَحِيح أَو فَاسد لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} وَذكر الحجور خرج مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن قيل لم أُعِيد الْوَصْف إِلَى الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَلم يعد إِلَى الْجُمْلَة الأولى وَهِي {وَأُمَّهَات نِسَائِكُم} مَعَ أَن الصِّفَات عقب الْجمل تعود إِلَى الْجَمِيع أُجِيب بِأَن نِسَائِكُم الثَّانِي مجرور بِحرف الْجَرّ ونسائكم الأول مجرور بالمضاف وَإِذا اخْتلف الْعَامِل لم يجز الِاتِّبَاع وَيتَعَيَّن الْقطع تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام الشَّيْخ أبي حَامِد وَغَيره أَنه يعْتَبر فِي الدُّخُول أَن يَقع فِي حَيَاة الْأُم فَلَو مَاتَت قبل الدُّخُول وَوَطئهَا بعد مَوتهَا لم تحرم بنتهَا لِأَن ذَلِك لَا يُسمى دُخُولا وَإِن تردد فِيهِ الرَّوْيَانِيّ فَإِن قيل لم يعتبروا الدُّخُول فِي تَحْرِيم الْأُصُول واعتبروا فِي تَحْرِيم الْبِنْت الدُّخُول أُجِيب بِأَن الرجل يبتلى عَادَة بمكالمة أمهَا عقب العقد لترتيب أُمُوره فَحرمت بِالْعقدِ ليسهل ذَلِك بِخِلَاف بنتهَا تَنْبِيه من حرم بِالْوَطْءِ لَا يعْتَبر فِيهِ صِحَة العقد كالربيبة وَمن حرم بِالْعقدِ فَلَا بُد فِيهِ من صِحَة العقد نعم لَو وطىء فِي العقد الْفَاسِد حرم بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعقدِ فَائِدَة الربيبة بنت الزَّوْجَة وبناتها وَبنت ابْن الزَّوْجَة وبناتها ذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره وَمن هَذَا يعلم تَحْرِيم بنت الربيبة وَبنت الربيب لِأَنَّهَا من بَنَات أَوْلَاد زَوجته وَهِي مَسْأَلَة نفيسة يَقع السُّؤَال عَنْهَا كثيرا وكل من وطىء امْرَأَة بِملك حرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَحرمت هِيَ على آبَائِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاع وَكَذَا الْمَوْطُوءَة الْحَيَّة بِشُبْهَة فِي حَقه كَأَن ظَنّهَا زَوجته أَو أمته يحرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَتحرم هِيَ على آبَائِهِ كَمَا يثبت فِي هَذَا الْوَطْء النّسَب وَيُوجب الْعدة لَا الْمُزنِيّ بهَا فَلَا يثبت بزناها حُرْمَة مصاهرة فللزاني نِكَاح أم من زنى بهَا وبنتها ولابنه وَأَبِيهِ نِكَاحهَا هِيَ وبنتها لِأَن الله تَعَالَى امتن على عباده بِالنّسَبِ والصهر فَلَا يثبت بِالزِّنَا كالنسب وَلَيْسَت مُبَاشرَة كلمس وقبلة بِشَهْوَة كَوَطْء لِأَنَّهَا لَا توجب الْعدة فَكَذَا لَا توجب الْحُرْمَة قبل الْأَب أَو الْأُم وَإِن لم يدْخل بهَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 (و) تحرم (زَوْجَة الْأَب) وَهُوَ من ولدك بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا أَبَا أَو جدا من مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُم يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّة قبل علمكُم بِتَحْرِيمِهِ (و) تحرم (زَوْجَة الابْن) وَهُوَ من وَلدته بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا وَإِن لم يدْخل ولدك بهَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم} تَنْبِيه لَا فرق فِي الْفَرْع وَالْأَصْل بَين أَن يكون من نسب أَو رضَاع أما النّسَب فللآية وَأما الرَّضَاع فللحديث الْمُتَقَدّم فَإِن قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم} فَكيف حرمت حَلِيلَة الابْن من الرَّضَاع أُجِيب بِأَن الْمَفْهُوم إِنَّمَا يكون حجَّة إِذا لم يُعَارضهُ مَنْطُوق وَقد عَارضه هُنَا مَنْطُوق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب فَإِن قيل فَمَا فَائِدَة التَّقْيِيد فِي الْآيَة حِينَئِذٍ أُجِيب بِأَن فَائِدَة ذَلِك إِخْرَاج حَلِيلَة المتبني فَلَا يحرم على الْمَرْء زَوْجَة من تبناه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْن لَهُ وَلَا تحرم بنت زوج الْأُم وَلَا أمه وَلَا بنت زوج الْبِنْت وَأمه وَلَا أم زَوْجَة الْأَب وَلَا بنتهَا وَلَا أم زَوْجَة الابْن وَلَا بنتهَا وَلَا زَوْجَة الربيب وَلَا زَوْجَة الراب (القَوْل فِي التَّحْرِيم غير المؤبد) ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ التَّحْرِيم غير المؤبد بقوله (و) تحرم (وَاحِدَة من جِهَة الْجمع) فِي الْعِصْمَة (وَهِي أُخْت الزَّوْجَة) فَلَا يتأبد تَحْرِيمهَا بل تحل بِمَوْت أُخْتهَا أَو بينونتها لقَوْله تَعَالَى {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} وَلما فِي ذَلِك من قطيعة الرَّحِم وَإِن رضيت بذلك فَإِن الطَّبْع يتَغَيَّر (وَلَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَلَا خَالَتهَا) من نسب أَو رضَاع وَلَو بِوَاسِطَة لخَبر لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا الْعمة على بنت أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَة على خَالَتهَا وَلَا الْخَالَة على بنت أُخْتهَا لَا الْكُبْرَى على الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى على الْكُبْرَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وصححوه وَلما مر من التَّعْلِيل فِي الْأُخْتَيْنِ القَوْل فِي التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ (وَيحرم من) النِّسَاء بِسَبَب (الرَّضَاع مَا يحرم) مِنْهُنَّ (من النّسَب) وَهِي السَّبْعَة الْمُتَقَدّمَة وَقدمنَا أَنه يحرم زَوْجَة وَالِده من الرَّضَاع وَزَوْجَة وَلَده كَذَلِك وَبنت زَوجته كَذَلِك أما تَحْرِيم الْأُم وَالْأُخْت من الرَّضَاع فَلَمَّا مر وَأما تَحْرِيم الْبَوَاقِي فللحديث الْمَار وَهُوَ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب تَنْبِيه من حرم جَمعهمَا بِنِكَاح حرم أَيْضا فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين أَو ملك وَنِكَاح وَله تملكهما بِالْإِجْمَاع فَإِن وطىء وَاحِدَة مِنْهُمَا وَلَو مكْرها حرمت الْأُخْرَى حَتَّى يحرم الأولى بِإِزَالَة ملك أَو نِكَاح أَو كِتَابَة إِذْ لَا جمع حِينَئِذٍ بِخِلَاف غَيرهَا كحيض وَرهن وإحرام وردة لِأَنَّهَا لَا تزيل الْملك وَلَا الِاسْتِحْقَاق فَلَو عَادَتْ الأولى كَأَن ردَّتْ بِعَيْب قبل وَطْء الْأُخْرَى فَلهُ وَطْء أَيَّتهمَا شَاءَ بعد اسْتِبْرَاء العائدة أَو بعد وَطئهَا حرمت العائدة حَتَّى يحرم الْأُخْرَى وَيشْتَرط أَن تكون كل مِنْهُمَا مُبَاحَة على انفرادها فَلَو كَانَت إِحْدَاهمَا مَجُوسِيَّة أَو نَحْوهَا كمحرم فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْء الْأُخْرَى نعم لَو ملك أما وبنتها فوطىء إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا علم مِمَّا مر وَلَو ملك أمة ثمَّ نكح من يحرم الْجمع بَينهمَا وَبَينهَا كَأَن نكح أُخْتهَا الْحرَّة أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا أَو نكح امْرَأَة ثمَّ ملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 من يحرم الْجمع بَينهَا وَبَينهَا كَأَن ملك أُخْتهَا حلت الْمَنْكُوحَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دون الْمَمْلُوكَة لِأَن فرَاش النِّكَاح أقوى إِذْ يتَعَلَّق بِهِ الطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَغَيرهَا بِخِلَاف الْملك القَوْل فِيمَا ترد بِهِ الْمَرْأَة وَيثبت الْخِيَار للرجل ثمَّ شرع فِي مثبتات الْخِيَار بقوله (وَترد الْمَرْأَة) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يثبت للزَّوْج خِيَار فسخ نِكَاحه (بِخَمْسَة عُيُوب) أَي بِوَاحِدَة مِنْهَا وَإِن أوهمت عِبَارَته أَنه لَا بُد من اجتماعها أَشَارَ إِلَى الأول بقوله (بالجنون) وَإِن تقطع وَكَانَ قَابلا للعلاج وَالْجُنُون زَوَال الشُّعُور من الْقلب مَعَ بَقَاء الْحَرَكَة وَالْقُوَّة فِي الْأَعْضَاء وَاسْتثنى الْمُتَوَلِي من المتقطع الْخَفِيف الَّذِي يطْرَأ فِي بعض الزَّمَان وَأما الْإِغْمَاء بِالْمرضِ فَلَا يثبت بِهِ خِيَار كَسَائِر الْأَمْرَاض وَمحله كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تحصل مِنْهُ الْإِفَاقَة كَمَا هُوَ الْغَالِب أما الميئوس من زَوَاله فكالجنون كَمَا ذكره الْمُتَوَلِي وَكَذَا إِن بَقِي الْإِغْمَاء بعد الْمَرَض فَيثبت بِهِ الْخِيَار كالجنون وَألْحق الشَّافِعِي الخبل بالجنون والصراع نوع من الْجُنُون كَمَا قَالَ بعض الْعلمَاء (و) الثَّانِي (الجذام) وَهُوَ عِلّة يحمر مِنْهَا الْعُضْو ثمَّ يسود ثمَّ يتقطع ويتناثر وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي كل عُضْو لكنه فِي الْوَجْه أغلب (و) الثَّالِث (البرص) وَهُوَ بَيَاض شَدِيد يبقع الْجلد وَيذْهب دمويته هَذَا إِذا كَانَا مستحكمين بِخِلَاف غَيرهمَا من أَوَائِل الجذام والبرص لَا يثبت بِهِ الْخِيَار كَمَا صرح بِهِ الْجُوَيْنِيّ قَالَ والاستحكام فِي الجذام يكون بالتقطع وَتردد الإِمَام فِيهِ وَجوز الِاكْتِفَاء باسوداده وَحكم أهل الْمعرفَة باستحكام الْعلَّة وَلم يشترطوا فِي الْجُنُون الاستحكام قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَعَلَّ الْفرق أَن الْجُنُون يُفْضِي إِلَى الْجِنَايَة (و) الرَّابِع (الرتق) وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء والمثناة الْفَوْقِيَّة انسداد الْفرج بِاللَّحْمِ وَيخرج الْبَوْل من ثقبة صَغِيرَة كإحليل الرجل قَالَه فِي الْكِفَايَة (و) الْخَامِس (الْقرن) وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَكَذَا الرَّاء على الْأَرْجَح انسداد الْفرج بِعظم على الْأَصَح وَقيل بِلَحْم وَعَلِيهِ فالرتق والقرن وَاحِد فَيثبت لَهُ الْخِيَار بِكُل مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يخل بمقصود النِّكَاح كالبرص وَأولى لِأَن البرص لَا يمنعهُ بِالْكُلِّيَّةِ بل ينفر مِنْهُ وَلَيْسَ للزَّوْج إجبارها على شقّ الْموضع فَإِن شقته وَأمكن الْوَطْء فَلَا خِيَار وَلَا تمكن الْأمة من الشق قطعا إِلَّا بِإِذن السَّيِّد القَوْل فِيمَا يثبت الْخِيَار للْمَرْأَة وَيرد نِكَاح الرجل (وَيرد الرجل) أَيْضا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يثبت للْمَرْأَة فسخ نِكَاحهَا مِنْهُ (بِخَمْسَة عُيُوب) أَي بِوَاحِد مِنْهُمَا كَمَا مر وَأَشَارَ إِلَى ثَلَاثَة مِنْهَا بقوله (بالجنون والجذام والبرص) على مَا مر بَيَانا وتحريرا فِي كل مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 (و) الرَّابِع (الْجب) وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم قطع جَمِيع الذّكر مَعَ بَقَاء الْأُنْثَيَيْنِ أَو لم يبْق مِنْهُ قدر الْحَشَفَة أما إِذا بَقِي مِنْهُ مَا يولج قدرهَا فَلَا خِيَار لَهَا على الْأَصَح فَلَو تنَازعا فِي إِمْكَان الْوَطْء بِهِ قبل قَوْله على الْأَصَح وَخرج بِهِ الْخصي وَهُوَ من قطعت أنثياه وَبَقِي ذكره فَلَا خِيَار لَهَا بِهِ على الْأَصَح لقدرته على الْجِمَاع قَالَ ابْن الملقن فِي شرح الْحَاوِي وَيُقَال إِنَّه أقدر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ينزل فَلَا يَعْتَرِيه فتور (و) الْخَامِس (الْعنَّة) فِي الْمُكَلف قبل الْوَطْء فِي قبلهَا وَهُوَ بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون عِلّة فِي الْقلب والكبد أَو الدِّمَاغ أَو الْآلَة تسْقط الشَّهْوَة الناشرة للآلة فتمنع الْجِمَاع وَخرج بِقَيْد الْمُكَلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا تسمع دَعْوَى الْعنَّة فِي حَقّهمَا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يثبت بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بِيَمِينِهَا بعد نُكُوله وإقرارهما لَغْو وبقيد قبل الْوَطْء الْعنَّة الْحَادِثَة بعده وَلَو مرّة بِخِلَاف حُدُوث الْجب بعد الْوَطْء فَإِنَّهُ يثبت بِهِ خِيَار الْفَسْخ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَفرق بتوقع زَوَال الْعنَّة بِحُصُول الشِّفَاء وعود الداعية للاستمتاع فَهِيَ مترجية لحُصُول مَا يعفها بِخِلَاف الْجب ليأسها من توقع حُصُول مَا يعفها تَنْبِيه ثُبُوت الْخِيَار بِهَذِهِ الْعُيُوب قَالَ بِهِ جُمْهُور الْعلمَاء وَجَاءَت بِهِ الْآثَار وَصَحَّ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الثَّلَاثَة الأول وَهِي الْمُشْتَركَة بَين الزَّوْجَيْنِ رَوَاهُ الشَّافِعِي وعول عَلَيْهِ لِأَن مثله لَا يكون إِلَّا عَن تَوْقِيف وَفِي الصَّحِيح فر من المجذوم فرارك من الْأسد قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأما الجذام والبرص فَإِنَّهُ أَي كلا مِنْهُمَا يعدي الزَّوْج وَالْولد وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الجذام والبرص مِمَّا يزْعم أهل الْعلم بالطب والتجارب أَنه يعدي كثيرا وَهُوَ مَانع للجماع لَا تكَاد النُّفُوس تطيب أَن تجامع من هُوَ بِهِ وَالْولد قَلما يسلم مِنْهُ وَإِن سلم أدْرك نَسْله فَإِن قيل كَيفَ قَالَ الشَّافِعِي إِنَّه يعدي وَقد صَحَّ فِي الحَدِيث لَا عدوى أَنه أُجِيب بِأَن مُرَاده أَنه يعدى بِفعل الله تَعَالَى لَا بِنَفسِهِ والْحَدِيث ورد ردا لما يَعْتَقِدهُ أهل الْجَاهِلِيَّة من نِسْبَة الْفِعْل لغير الله تَعَالَى وَلَو حدث بِالزَّوْجِ بعد العقد عيب كَأَن جب ذكره وَلَو بعد الدُّخُول وَلَو بِفِعْلِهَا ثَبت لَهَا الْخِيَار بِخِلَاف حُدُوث الْعنَّة بعد الدُّخُول كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَإِلَى الْفرق بَين الْجب والعنة وَلَو حدث بهَا عيب تخير الزَّوْج قبل الدُّخُول وَبعده كَمَا لَو حدث بِهِ وَلَا خِيَار لوَلِيّ بحادث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وَكَذَا بمقارن جب وعنة للْعقد وَيتَخَيَّر بمقارن جُنُون الزَّوْج وَإِن رضيت الزَّوْجَة بِهِ وَكَذَا بمقارن جذام وبرص فِي الْأَصَح للعار وَالْخيَار فِي الْفَسْخ بِهَذِهِ الْعُيُوب إِذا ثبتَتْ يكون على الْفَوْر لِأَنَّهُ خِيَار عيب فَكَانَ على الْفَوْر كَمَا فِي البيع وَيشْتَرط فِي الْفَسْخ بِعَيْب الْعنَّة وَكَذَا بَاقِي الْعُيُوب رفع إِلَى حَاكم لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ فَأشبه الْفَسْخ بالإعسار وَتثبت الْعنَّة بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بِبَيِّنَة على إِقْرَاره لِأَنَّهُ لَا مطلع للشُّهُود عَلَيْهَا وَتثبت أَيْضا بِيَمِينِهَا بعد نُكُوله وَإِذا ثبتَتْ ضرب القَاضِي لَهُ سنة كَمَا فعله عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِطَلَب الزَّوْجَة لِأَن الْحق لَهَا فَإِذا تمت رفعته إِلَى القَاضِي فَإِن قَالَ وطِئت حلف فَإِن نكل حَلَفت واستقلت بِالْفَسْخِ كَمَا يسْتَقلّ بِالْفَسْخِ من وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا خَاتِمَة حَيْثُ اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَة كَانَ الْمُصدق نافيها أخذا بِالْأَصْلِ إِلَّا فِي مسَائِل الأولى الْعنين كَمَا مر الثَّانِيَة الْمولي وَهُوَ كالعنين فِي أَكثر مَا ذكر الثَّالِثَة إِذا ادَّعَت الْمُطلقَة ثَلَاثًا أَن الْمُحَلّل وَطئهَا وفارقها وَانْقَضَت عدتهَا وَأنكر الْمُحَلّل الْوَطْء فَتصدق بِيَمِينِهَا لحلها للْأولِ الرَّابِعَة إِذا علق طَلاقهَا بِعَدَمِ الْوَطْء فَادَّعَاهُ وأنكرته صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَذكرت صورا أُخْرَى فِي شرح الْمِنْهَاج من أرادها فليراجعه فصل فِي الصَدَاق وَهُوَ بِفَتْح الصَّاد أشهر من كسرهَا مَا وَجب بِنِكَاح أَو وَطْء أَو تَفْوِيت بضع قهرا كرضاع وَرُجُوع شُهُود وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} أَي عَطِيَّة من الله مُبتَدأَة والمخاطب بذلك الْأزْوَاج عِنْد الْأَكْثَرين وَقيل الْأَوْلِيَاء لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يأخذونه ويسمونه نحلة لِأَن الْمَرْأَة وَقَوله تَعَالَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمريد التَّزْوِيج تستمتع بِالزَّوْجِ كاستمتاعه بهَا وَأكْثر فَكَأَنَّهَا تَأْخُذ الصَدَاق من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 غير مُقَابل التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيسْتَحب) للزَّوْج (تَسْمِيَة الْمهْر) للزَّوْجَة (فِي) صلب (النِّكَاح) أَي العقد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخل نِكَاحا عَنهُ وَلِأَنَّهُ أدفَع للخصومة وَلِئَلَّا يشبه نِكَاح الواهبة نَفسهَا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن السَّيِّد إِذا زوج عَبده أمته أَنه يسْتَحبّ لَهُ ذكر الْمهْر وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَة تبعا لبَعض نسخ الشَّرْح الْكَبِير وَهُوَ الْمُعْتَمد إِذْ لَا ضَرَر فِي ذَلِك وَإِن خَالف فِي ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين وَيسن أَن لَا يدْخل بهَا حَتَّى يدْفع إِلَيْهَا شَيْئا من الصَدَاق خُرُوجًا من خلاف من أوجبه (فَإِن لم يسم) صَدَاقا بِأَن أخلى العقد مِنْهُ (صَحَّ العقد) بِالْإِجْمَاع لَكِن مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَغَيرهمَا وَقد تجب التَّسْمِيَة فِي صور الأولى إِذا كَانَت الزَّوْجَة غير جَائِزَة التَّصَرُّف أَو مَمْلُوكَة لغير جَائِز التَّصَرُّف الثَّانِيَة إِذا كَانَت جَائِزَة التَّصَرُّف وأذنت لوَلِيّهَا أَن يُزَوّجهَا وَلم تفوض فَزَوجهَا هُوَ أَو وَكيله الثَّالِثَة إِذا كَانَ الزَّوْج غير جَائِز التَّصَرُّف وَحل الِاتِّفَاق فِي هَذِه الصُّورَة على أقل من مهر مثل الزَّوْجَة وَفِيمَا عَداهَا على أَكثر مِنْهُ فتتعين تَسْمِيَته بِمَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَلَا يجوز إخلاؤه مِنْهُ وَإِذا خلا العقد من التَّسْمِيَة فَإِن لم تكن مفوضة اسْتحقَّت مهر الْمثل بِالْعقدِ القَوْل فِي وجوب مهر المفوضة (و) إِذا كَانَت مفوضة بِأَن قَالَت رَشِيدَة لوَلِيّهَا زَوجنِي بِلَا مهر فَفعل (وَجب الْمهْر بِثَلَاثَة أَشْيَاء) أَي بِوَاحِد مِنْهَا الأول (أَن يفرضه) أَي يقدره (الزَّوْج على نَفسه) قبل الدُّخُول وَلها حبس نَفسهَا ليفرض لَهَا لتَكون على بَصِيرَة من تَسْلِيم نَفسهَا وَلها بعد الْفَرْض حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض الْحَال كالمسمى فِي العقد أما الْمُؤَجل فَلَيْسَ لَهَا حبس نَفسهَا لَهُ كالمسمى فِي العقد وَيشْتَرط رِضَاهَا بِمَا يفرضه الزَّوْج لِأَن الْحق لَهَا فَإِن لم ترض بِهِ فَكَأَنَّهُ لم يفْرض وَهَذَا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ إِذا فرض دون مهر الْمثل أما إِذا فرض لَهَا مهر مثلهَا حَالا من نقد الْبَلَد وبذله لَهَا وصدقته على أَنه مهر مثلهَا فَلَا يعْتَبر رِضَاهَا لِأَنَّهُ عَبث وَلَا يشْتَرط علم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ تَرَاضيا على مهر بِقدر مهر الْمثل لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَنهُ بل الْوَاجِب أَحدهمَا وَيجوز فرض مُؤَجل بِالتَّرَاضِي وَفَوق مهر الْمثل وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو يفرضه الْحَاكِم) إِذا امْتنع الزَّوْج من الْفَرْض لَهَا أَو تنَازعا فِي قدر الْمَفْرُوض كَمَا يفْرض لِأَن منصبه فصل الْخُصُومَات وَلَكِن يفرضه الْحَاكِم حَالا من نقد الْبَلَد كَمَا فِي قيم الْمُتْلفَات لَا مُؤَجّلا وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد وَإِن رضيت الزَّوْجَة بذلك لِأَن منصبه الْإِلْزَام بِمَال حَال من نقد الْبَلَد وَلها إِذا فَرْضه حَالا تَأْخِير الْقَبْض بل لَهَا تَركه بِالْكُلِّيَّةِ لِأَن الْحق لَهَا ويفرض مهر الْمثل بِلَا زِيَادَة وَلَا نقص وَيشْتَرط علم الْحَاكِم بِمهْر الْمثل لَا يزِيد عَلَيْهِ وَلَا ينقص عَنهُ إِلَّا بالتفاوت الْيَسِير وَلَا يَصح فرض أَجْنَبِي من مَاله لِأَنَّهُ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ العقد وَالْفَرْض الصَّحِيح كالمسمى فِي العقد فينشطر بِالطَّلَاق بعد عقد وَقبل وَطْء سَوَاء أَكَانَ الْمَفْرُوض من الزَّوْجَيْنِ أَو من الْحَاكِم وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو يدْخل بهَا) بِأَن يَطَأهَا وَلَو فِي حيض أَو إِحْرَام أَو دبر (فَيجب) لَهَا (مهر الْمثل) وَإِن أَذِنت لَهُ فِي وَطئهَا بِشَرْط أَن لَا مهر لِأَن الْوَطْء لَا يُبَاح بِالْإِبَاحَةِ لما فِيهِ من حق الله تَعَالَى وَالْمُعْتَبر فِي مهر مثل المفوضة أَكثر من مهر الْمثل من العقد إِلَى الْوَطْء لِأَن الْبضْع دخل بِالْعقدِ فِي ضَمَانه واقترن بِهِ الْإِتْلَاف فَوَجَبَ الْأَكْثَر كالمقبوض بشرَاء فَاسد وَلَو طلق الزَّوْج قبل فرض وَوَطْء فَلَا شطر وَإِن مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ قبلهمَا وَجب لَهَا مهر الْمثل لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِير الْمُسَمّى فَكَذَا فِي إِيجَاب مهر الْمثل فِي التَّفْوِيض وَهل يعْتَبر مهر الْمثل هُنَا بِالْأَكْثَرِ كَمَا مر أَو بِحَال العقد أَو الْمَوْت أوجه فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا بِلَا تَرْجِيح أوجهها أَولهَا لِأَن الْبضْع دخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ وتقرر عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَالْوَطْءِ وَلَو قتل السَّيِّد أمته أَو قتلت نَفسهَا قبل دُخُول سقط مهرهَا بِخِلَاف مَا لَو قَتلهَا أَجْنَبِي أَو قتلت الْحرَّة نَفسهَا قبل الدُّخُول لَا يسْقط مهرهَا وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ فِي مثلهَا عَادَة وركنه الْأَعْظَم نسب فِي النسيبة وُقُوع التفاخر بِهِ كالكفاءة فِي النِّكَاح وَظَاهر كَلَام الْأَكْثَرين اعْتِبَار ذَلِك فِي الْعَجم كالعرب وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الرغبات تخْتَلف بِالنّسَبِ مُطلقًا فيراعى أقرب من تنْسب إِلَيْهِ فأقربهن أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ بَنَات أَخ لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ عمات لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب لِأَن المدلي بجهتين يقدم على المدليي بِجِهَة ثمَّ بَنَات الْأَعْمَام لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب فَإِن تعذر اعْتِبَار نسَاء الْعصبَة اعْتبر بذوات الْأَرْحَام كالجدات والخالات لِأَنَّهُنَّ أولى من الْأَجَانِب وَيقدم من نسَاء الْأَرْحَام الْأُم ثمَّ الْجدَّات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْأَخَوَات ثمَّ بَنَات الأخوال وَالْمرَاد بالأرحام هُنَا قَرَابَات الْأُم لَا ذَوُو الْأَرْحَام المذكورون فِي الْفَرَائِض لِأَن أُمَّهَات الْأُم لسن من الْمَذْكُورين فِي الْفَرَائِض وَيعْتَبر مَعَ مَا تقدم سنّ وعفة وعقل وجمال ويسار وفصاحة وبكارة وثيوبة وَمَا اخْتلف بِهِ غَرَض كَالْعلمِ والشرف لِأَن المهور تخْتَلف باخْتلَاف الصِّفَات وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك الْبَلَد فَإِن كَانَ نسَاء الْعصبَة ببلدين هِيَ فِي إِحْدَاهمَا اعْتبر بعصبات بَلَدهَا فَإِن كن كُلهنَّ ببلدة أُخْرَى فالاعتبار بِهن لَا بأجنبيات بَلَدهَا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (وَلَيْسَ لأَقل الصَدَاق وَلَا لأكثره حد) بل ضابطه كل مَا صَحَّ كَونه مَبِيعًا عوضا أَو معوضا صَحَّ كَونه صَدَاقا ومالا فَلَا فَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 عقد بِمَا لَا يتمول وَلَا يُقَابل بمتمول كحبتي حِنْطَة لم تصح التَّسْمِيَة وَيرجع لمهر الْمثل وَكَذَا إِذا أصدقهَا ثوبا لَا يملك غَيره فَلَا يَصح لتَعلق حق الله تَعَالَى بِهِ فِي ستر الْعَوْرَة كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ مستدلا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي أَرَادَ التَّزْوِيج على إزَاره إزارك هَذَا إِن أَعْطيته إِيَّاهَا جَلَست وَلَا إِزَار لَك وَهَذَا دَاخل فِي قَوْلنَا مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقا وَيسن أَن لَا ينقص الْمهْر عَن عشرَة دَرَاهِم خُرُوجًا من خلاف أبي حنيفَة وَأَن لَا يزِيد على خَمْسمِائَة دِرْهَم كأصدقة بَنَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزوجاته وَأما إصداق أم حَبِيبَة أَرْبَعمِائَة دِينَار فَكَانَ من النَّجَاشِيّ إِكْرَاما لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القَوْل فِي الزواج على مَنْفَعَة (وَيجوز أَن يَتَزَوَّجهَا على مَنْفَعَة مَعْلُومَة) تستوفى بِعقد الْإِجَارَة كتعليم فِيهِ كلفة وخياطة ثوب وَكِتَابَة وَنَحْوهَا إِذا كَانَ يحسن تِلْكَ الْمَنْفَعَة فَإِن لم يكن يحسنها وَالْتزم فِي الذِّمَّة جَازَ ويستأجر لَهَا من يحسنها وَإِن الْتزم الْعَمَل بِنَفسِهِ لم يَصح على الْأَصَح لعَجزه وَخرج بِقَيْد الْمَعْلُومَة الْمَنْفَعَة المجهولة فَلَا يَصح أَن تكون صَدَاقا وَلَكِن يجب مهر الْمثل وَإِطْلَاق التَّعْلِيم فِيمَا تقدم شَامِل لما يجب تعلمه كالفاتحة وَغَيرهَا وَالْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالشعر والخط وَغير ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمحرم ولتعليمها هِيَ أَو وَلَدهَا الْوَاجِب عَلَيْهَا تَعْلِيمه وَكَذَا عَبدهَا على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فعلى هَذَا لَا يتَعَذَّر تَعْلِيم غَيرهَا بِطَلَاقِهَا أما إِذا أصدقهَا تعليمها بِنَفسِهِ فَطلق قبل التَّعْلِيم بعد دُخُول أَو قبله تعذر تَعْلِيمه لِأَنَّهَا صَارَت مُحرمَة عَلَيْهِ لَا يجوز اختلاؤه بهَا فَإِن قيل الْأَجْنَبِيَّة يُبَاح النّظر إِلَيْهَا للتعليم وَهَذِه صَارَت أَجْنَبِيَّة فَهَلا جَازَ تعليمها أُجِيب بِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ تعلّقت آماله بِالْآخرِ وَحصل بَينهمَا نوع ود فَقَوِيت التُّهْمَة فَامْتنعَ التَّعْلِيم لقرب الْفِتْنَة بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ فَإِن قُوَّة الوحشة بَينهمَا اقْتَضَت جَوَاز التَّعْلِيم وَقيل المُرَاد بالتعليم الَّذِي يجوز النّظر لَهُ هُوَ التَّعْلِيم الْوَاجِب كَقِرَاءَة الْفَاتِحَة فَمَا هُنَا مَحَله فِي غير الْوَاجِب وَرجح هَذَا السُّبْكِيّ وَقيل التَّعْلِيم الَّذِي يجوز النّظر خَاص بالأمرد بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ وَرجح هَذَا الْجلَال الْمحلي وَالْمُعْتَمد الأول تَنْبِيه أفهم تَعْلِيلهم السَّابِق أَنَّهَا لَو لم تحرم الْخلْوَة بهَا كَأَن كَانَت صَغِيرَة لَا تشْتَهى أَو صَارَت محرما لَهُ برضاع أَو نَكَحَهَا ثَانِيًا لم يتَعَذَّر التَّعْلِيم وَهُوَ كَذَلِك فروع لَو أصدق زَوجته الْكِتَابِيَّة تَعْلِيم قُرْآن صَحَّ إِن توقع إسْلَامهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَو أصدقهَا تَعْلِيم التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل وهما كَافِرَانِ ثمَّ أسلما أَو ترافعا إِلَيْنَا بعد التَّعْلِيم فَلَا شَيْء لَهَا سواهُ أَو قبله وَجب لَهَا مهر الْمثل وَلَو أصدق الْكِتَابِيَّة تَعْلِيم للشهادتين فَإِن كَانَ فِي تعليمهما كلفة صَحَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ القَوْل فِيمَا يجب بِهِ نصف الْمهْر (وَيسْقط بِالطَّلَاق) وَبِكُل فرقة وجدت لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا (قبل الدُّخُول) كإسلامه وردته ولعانه وإرضاع أمه لَهَا أَو أمهَا لَهُ (نصف الْمهْر) أما فِي الطَّلَاق فلآية {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} وَأما الْبَاقِي فللقياس عَلَيْهِ وَأما الْفرْقَة الَّتِي وجدت مِنْهَا قبل الدُّخُول كإسلامها بِنَفسِهَا أَو بالتبعية لأحد أَبَوَيْهَا أَو فَسخهَا بِعَيْبِهِ أَو ردتها أَو إرضاعها زَوْجَة لَهُ صَغِيرَة أَو وجدت بِسَبَبِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 كفسخه بعيبها تسْقط الْمهْر الْمُسَمّى ابْتِدَاء أَو الْمَفْرُوض الصَّحِيح أَو مهر الْمثل فِي كل مَا ذكر لِأَنَّهَا إِن كَانَت هِيَ الفاسخة فَهِيَ المختارة للفرقة فَكَأَنَّهَا قد أتلفت المعوض قبل التَّسْلِيم فَيسْقط الْعِوَض وَإِن كَانَ هُوَ الفاسخ بعيبها فَكَأَنَّهَا هِيَ الفاسخة تَنْبِيه لَو ارتدا مَعًا فَهَل هُوَ كردتها فَيسْقط الْمهْر أَو كردته فيتنصف وَجْهَان صحّح الأول الرَّوْيَانِيّ والنشائي والأذرعي وَغَيرهم وَصحح الثَّانِي الْمُتَوَلِي والفارقي وَابْن أبي عصرون وَغَيرهم وَهُوَ أوجه تَتِمَّة يجب للمطلقة قبل وَطْء مُتْعَة إِن لم يجب لَهَا شطر مهر بِأَن كَانَت مفوضة وَلم يفْرض لَهَا شَيْء وَادّعى الإِمَام فِيهِ الْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن} الْآيَة وَيجب أَيْضا لموطوءة فِي الْأَظْهر لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ} وَلِأَن جَمِيع الْمهْر وَجب فِي مُقَابلَة اسْتِيفَاء مَنْفَعَة الْبضْع فَخَلا الطَّلَاق عَن الْجَبْر بِخِلَاف من وَجب لَهَا النّصْف فَإِن بضعهَا سلم لَهَا فَكَانَ النّصْف جَابِرا للإيحاش قَالَ النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ إِن وجوب الْمُتْعَة مِمَّا يغْفل النِّسَاء عَن الْعلم بهَا فَيَنْبَغِي تعريفهن وإشاعة حكمهَا ليعرفن ذَلِك وَتجب بفرقة لَا بِسَبَبِهَا بِأَن كَانَت من الزَّوْج كردته ولعانه كَطَلَاق فِي إِيجَاب الْمُتْعَة وَيسن أَن لَا تنقص عَن ثَلَاثِينَ درهما أَو مَا قِيمَته ذَلِك فَإِن تنَازعا فِي قدرهَا قدرهَا القَاضِي بِاجْتِهَادِهِ بِحَسب مَا يَلِيق بِالْحَال مُعْتَبرا حَالهمَا من يسَار الزَّوْج وإعساره ونسبها وصفاتها لقَوْله تَعَالَى {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فصل فِي الْوَلِيمَة ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْوَلِيمَة واشتقاقها كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِي من الولم وَهُوَ الِاجْتِمَاع لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَهِي تقع على كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 طَعَام يتَّخذ لسرور حَادث من عرس وإملاك وَغَيرهمَا لَكِن اسْتِعْمَالهَا مُطلقَة فِي الْعرس أشهر القَوْل فِي حكم الْوَلِيمَة (والوليمة على الْعرس) بِضَم الْعين مَعَ ضم الرَّاء وإسكانها الابتناء بِالزَّوْجَةِ (مُسْتَحبَّة) مُؤَكدَة لثبوتها عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وفعلا فَفِي البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير وَأَنه أولم على صَفِيَّة بِتَمْر وَسمن وأقط وَأَنه قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقد تزوج أولم وَلَو بِشَاة وأقلها للمتمكن شَاة وَلغيره مَا قدر عَلَيْهِ قَالَ النَّسَائِيّ وَالْمرَاد أقل الْكَمَال شَاة لقَوْل التَّنْبِيه وَبِأَيِّ شَيْء أولم من الطَّعَام جَازَ تَنْبِيه لم يتَعَرَّضُوا لوقت الْوَلِيمَة واستنبط السُّبْكِيّ من كَلَام الْبَغَوِيّ أَن وَقتهَا موسع من حِين العقد فَيدْخل وَقتهَا بِهِ وَالْأَفْضَل فعلهَا بعد الدُّخُول لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولم على نِسَائِهِ إِلَّا بعد الدُّخُول فَتجب الْإِجَابَة إِلَيْهَا من حِين العقد وَإِن خَالف الأَصْل القَوْل فِي الْإِجَابَة على الْوَلِيمَة (والإجابة إِلَيْهَا وَاجِبَة) عينا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها وَخبر مُسلم شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة تدعى لَهَا الْأَغْنِيَاء وتترك الْفُقَرَاء وَمن لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله قَالُوا وَالْمرَاد وَلِيمَة الْعرس لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة عِنْدهم وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعا إِذا دعِي أحدكُم إِلَى وَلِيمَة عرس فليجب وَأما غَيرهَا من الولائم فالإجابة إِلَيْهَا مُسْتَحبَّة لما فِي مُسْند أَحْمد عَن الْحسن قَالَ دعِي عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ إِلَى ختان فَلم يجب وَقَالَ لم يكن يدعى لَهُ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله (إِلَّا عذر) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَكثر شُرُوط وجوب الْإِجَابَة فَإِن شُرُوطه كَثِيرَة مِنْهَا أَن لَا يخص بالدعوة الْأَغْنِيَاء لغناهم لخَبر شَرّ الطَّعَام وَمِنْهَا أَن يكون الدَّاعِي مُسلما وَمِنْهَا أَن يكون الْمَدْعُو مُسلما أَيْضا وَمِنْهَا أَن يَدعُوهُ فِي الْيَوْم الأول فتسن الْإِجَابَة فِي الْيَوْم الثَّانِي وَتكره فِي الثَّالِث وَمِنْهَا أَن يكون الدَّاعِي مُطلق التَّصَرُّف نعم إِن اتخذها الْوَلِيّ من مَاله وَهُوَ أَب أَو جد فَالظَّاهِر كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ الْوُجُوب وَمِنْهَا أَن لَا يَدعُوهُ لخوف مِنْهُ لَو لم يحضر أَو طَمَعا فِي جاهه أَو إعانته على بَاطِل وَمِنْهَا أَن يعين الْمَدْعُو بِنَفسِهِ أَو نَائِبه لَا أَن يُنَادي فِي النَّاس كَأَن فتح الْبَاب وَقَالَ ليحضر من أَرَادَ وَمِنْهَا أَن لَا يعْتَذر الْمَدْعُو إِلَى الدَّاعِي ويرضى بتخلفه وَمِنْهَا أَن لَا يسْبق الدَّاعِي غَيره فَإِن جَاءَا مَعًا أجَاب أقربهما رحما ثمَّ دَارا وَمِنْهَا أَن لَا يَدْعُو من أَكثر مَاله حرَام فَمن كَانَ كَذَلِك كرهت إجَابَته فَإِن علم أَن عين الطَّعَام حرَام حرمت إجَابَته وَإِلَّا فَلَا وتباح الْإِجَابَة وَلَا تجب إِذا كَانَ فِي مَاله شُبْهَة وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ لَا تجب الْإِجَابَة فِي زَمَاننَا هَذَا انْتهى وَلَكِن لَا بُد أَن يغلب على الظَّن أَن فِي مَال الدَّاعِي شُبْهَة وَمِنْهَا أَن لَا يكون الدَّاعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 امْرَأَة أَجْنَبِيَّة وَلَيْسَ فِي مَوضِع الدعْوَة محرم لَهَا وَلَا للمدعو وَإِن لم يخل بهَا وَمِنْهَا أَن لَا يكون الدَّاعِي ظَالِما أَو فَاسِقًا أَو شريرا أَو متكلفا طَالبا للمباهاة وَالْفَخْر قَالَه فِي الْإِحْيَاء وَمِنْهَا أَن يكون الْمَدْعُو حرا فَلَو دَعَا عبدا لَزِمته إِن أذن لَهُ سَيّده وَكَذَا الْمكَاتب إِن لم يضر حُضُوره بِكَسْبِهِ فَإِن ضرّ وَأذن لَهُ سَيّده فَوَجْهَانِ وَالْأَوْجه عدم الْوُجُوب والمحجور عَلَيْهِ فِي إِجَابَة الدَّعْوَى كالرشيد وَمِنْهَا أَن يَدعُوهُ فِي وَقت الْوَلِيمَة وَقد تقدم وَقتهَا وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَدْعُو قَاضِيا وَفِي مَعْنَاهُ كل ذِي ولَايَة عَامَّة وَمِنْهَا أَن لَا يكون مَعْذُورًا بمرخص فِي ترك الْجَمَاعَة وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ من يتَأَذَّى بِحُضُورِهِ أَو لَا يَلِيق بِهِ مُجَالَسَته كالأراذل وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَدْعُو أَمْرَد يخَاف من حُضُوره رِيبَة أَو تُهْمَة أَو قالة وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ مُنكر لَا يَزُول بِحُضُورِهِ كشرب الْخمر وَالضَّرْب بالملاهي فَإِن كَانَ يَزُول بِحُضُورِهِ وَجب حُضُوره للدعوة وَإِزَالَة الْمُنكر وَمن الْمُنكر فرش غير حَلَال كالمغصوب والمسروق وفرش جُلُود النمور وفرش الْحَرِير للرِّجَال وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ صُورَة حَيَوَان فِي غير أَرض وبساط ومخدة وَالْمَرْأَة إِذا دعت النِّسَاء فَكَمَا ذكرنَا فِي الرِّجَال قَالَه فِي الرَّوْضَة وَقِيَاس مَا مر عَن الْأَذْرَعِيّ فِي الْأَمْرَد أَن الْمَرْأَة إِذا خَافت من حُضُورهَا رِيبَة أَو تُهْمَة أَو قالة لَا تجب عَلَيْهَا الْإِجَابَة وَإِن أذن الزَّوْج وَالْأولَى عدم حُضُورهَا خُصُوصا فِي هَذَا الزَّمَان الَّذِي كثر فِيهِ اخْتِلَاط الْأَجَانِب من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي مثل ذَلِك من غير مبالاة بكشف مَا هُوَ عَورَة كَمَا هُوَ مَعْلُوم مشَاهد وَلابْن الْحَاج الْمَالِكِي اعتناء زَائِد بالْكلَام على مثل هَذَا وأشباهه بِاعْتِبَار زَمَانه فَكيف لَهُ بِزَمَان خرق فِيهِ السياج وَزَاد بَحر فَسَاده وهاج وَلَا تسْقط إِجَابَة بِصَوْم فَإِن شقّ على الدَّاعِي صَوْم نفل من الْمَدْعُو فالفطر لَهُ أفضل وَيَأْكُل الضَّيْف مِمَّا قدم لَهُ بِلَا لغط وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ إِلَّا بِأَكْل وَيملك الضَّيْف مَا التقمه بِوَضْعِهِ فِي فَمه كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري وللضيف أَخذ مَا يعلم رضَا المضيف بِهِ وَيحل نثر سكره وَغَيره فِي الإملاك وَلَا يكره النثر فِي الْأَصَح وَيحل الْتِقَاطه وَلَكِن تَركه أولى وَيسن للضيف وَإِن لم يَأْكُل أَن يَدْعُو للمضيف وَأَن يَقُول الْملك لضيفه وَلغيره كزوجته وَولده إِذا رفع يَده من الطَّعَام كل ويكرره عَلَيْهِ مَا لم يتَحَقَّق أَنه اكْتفى مِنْهُ وَلَا يزِيد على ثَلَاث مَرَّات وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا الْفَصْل لَا بَأْس بمراجعتها فصل فِي الْقسم والنشوز وَالْقسم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون السِّين مصدر قسمت الشَّيْء وَأما بِالْكَسْرِ فالنصيب وَالْقسم بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْيَمين والنشوز هُوَ الْخُرُوج عَن الطَّاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وَيجب الْقسم لزوجتين أَو زَوْجَات وَلَو كن إِمَاء فَلَا مدْخل لإماء غير زَوْجَات فِيهِ وَإِن كن مستولدات قَالَ تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} القَوْل فِي حكم التَّسْوِيَة بَين النِّسَاء وَقد شرح فِي الْقسم الأول وَهُوَ الْقسم بقوله (والتسوية فِي الْقسم) فِي الْمبيت (بَين) الزوجتين و (الزَّوْجَات) الْحَرَائِر (وَاجِبَة) على الزَّوْج وَلَو قَامَ بهما أَو بِهن عذر كَمَرَض وحيض ورتق وَقرن وإحرام لِأَن الْمَقْصُود الْأنس لَا الْوَطْء وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهمَا أَو بَينهُنَّ فِي التَّمَتُّع بِوَطْء وَغَيره لَكِنَّهَا تسن وَخرج بقولنَا الْحَرَائِر مَا لَو كَانَ تَحْتَهُ حرَّة وَأمة فللحرة ليلتان وللأمة لَيْلَة لحَدِيث فِيهِ مُرْسل وَإِذا قَامَ بِالزَّوْجَةِ نشوز وَإِن لم يحصل بِهِ إِثْم كمجنونة بِأَن خرجت عَن طَاعَة زَوجهَا كَأَن خرجت من مَسْكَنه بِغَيْر إِذْنه أَو لم تفتح لَهُ الْبَاب ليدْخل أَو لم تمكنه من نَفسهَا لَا تسْتَحقّ قسما كَمَا لَا تسْتَحقّ نَفَقَة وَللزَّوْج إِعْرَاض عَن زَوْجَاته بِأَن لَا يبيت عِنْدهن لِأَن الْمبيت حَقه فَلهُ تَركه وَيسن أَن لَا يعطلهن بِأَن يبيت عِنْدهن ويحصنهن كواحدة لَيْسَ تَحْتَهُ غَيرهَا فَلهُ الْإِعْرَاض عَنْهَا وَيسن أَن لَا يعطلها وَأدنى درجاتها أَن لَا يخليها كل أَربع لَيَال عَن لَيْلَة اعْتِبَارا بِمن لَهُ أَربع زَوْجَات وَالْأولَى لَهُ أَن يَدُور عَلَيْهِنَّ بمسكنهن وَلَيْسَ لَهُ أَن يدعوهن لمسكن إِحْدَاهُنَّ إِلَّا برضاهن وَلَا أَن يجمعهن بمسكن إِلَّا برضاهن وَلَا أَن يَدْعُو بَعْضًا لمسكنه ويمضي لبَعض آخر لما فِيهِ من التَّخْصِيص الموحش إِلَّا برضاهن أَو بِقرْعَة أَو غَرَض كقرب مسكن من يمْضِي إِلَيْهَا دون الْأُخْرَى عماد الْقسم لَيْلًا أَو نَهَارا وَالْأَصْل فِي الْقسم لمن عمله نَهَارا اللَّيْل لِأَنَّهُ وَقت السّكُون وَالنَّهَار قبله أَو بعده تبع لِأَنَّهُ وَقت المعاش قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصرا} الأَصْل فِي الْقسم لمن عمله لَيْلًا كحارس النَّهَار لِأَنَّهُ وَقت سكونه وَاللَّيْل تبع لِأَنَّهُ وَقت معاشه فَلَو كَانَ يعْمل تَارَة بِالنَّهَارِ وَتارَة بِاللَّيْلِ لم يجز أَن يقسم لوَاحِدَة لَيْلَة تَابِعَة وَنَهَارًا متبوعا ولأخرى عَكسه (و) من عماد قسمه اللَّيْل (لَا يدْخل) نَهَارا (على غير الْمَقْسُوم لَهَا لغير حَاجَة) لتحريمه حِينَئِذٍ لما فِيهِ من إبِْطَال حق صَاحبه النّوبَة فَإِن فعل وَطَالَ مكثه لزمَه لصاحبة النّوبَة الْقَضَاء بِقدر ذَلِك من نوبَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا أما دُخُوله لحَاجَة كوضع مَتَاع أَو أَخذه أَو تَسْلِيم نَفَقَة أَو تَعْرِيف خبر فَجَائِز لحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف علينا جَمِيعًا فيدنو من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 كل امْرَأَة من غير مَسِيس أَي وَطْء حَتَّى يبلغ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا وَلَا يقْضِي إِذا دخل لحَاجَة وَإِن طَال الزَّمن لِأَن النَّهَار تَابع مَعَ وجود الْحَاجة وَله مَا سوى وَطْء من استمتاع للْحَدِيث السَّابِق وَخرج بِقَيْد النَّهَار اللَّيْل فَيحرم عَلَيْهِ وَلَو لحَاجَة على الصَّحِيح لما فِيهِ من إبِْطَال حق ذَات النّوبَة إِلَّا لضَرُورَة كمرضها الْمخوف وَشدَّة الطلق وَخَوف النهب والحريق ثمَّ إِن طَال مكثه عرفا قضى من نوبَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا مثل مكثه لِأَن حق الْآدَمِيّ لَا يسْقط بالعذر فَإِن لم يطلّ مكثه لم يقْض ليلته وَيَأْثَم من تعدى بِالدُّخُولِ وَإِن لم يطلّ مكثه وَلَو جَامع من دخل عَلَيْهَا فِي نوبَة غَيرهَا عصى وَإِن قصر الزَّمن وَكَانَ لضَرُورَة قَالَ الإِمَام واللائق بالتحقيق الْقطع بِأَن الْجِمَاع لَا الْجِمَاع يُوصف بِالتَّحْرِيمِ وَيصرف التَّحْرِيم إِلَى إِيقَاع الْمعْصِيَة لَا إِلَى مَا وَقعت بِهِ الْمعْصِيَة وَحَاصِله أَن تَحْرِيم الْجِمَاع لَا لعَينه بل لأمر خَارج وَيَقْضِي الْمدَّة دون الْجِمَاع لَا إِن قصرت وَمحل وجوب الْقَضَاء مَا إِذا بقيت المظلومة فِي نِكَاحه فَلَو مَاتَت المظلومة بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاء لخلوص الْحق للباقيات وَلَو فَارق المظلومة تعذر الْقَضَاء أما من عماد قسمه النَّهَار فليله كنهار غَيره ونهاره كليل غَيره فِي جَمِيع مَا تقدم هَذَا كُله فِي الْمُقِيم أما الْمُسَافِر فعماد قسمه وَقت نُزُوله لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه أقل نوب الْقسم لمقيم عمله نَهَارا لَيْلَة وَلَا يجوز تبعيضها لما فِيهِ من تشويش الْعَيْش وعسر ضبط أَجزَاء اللَّيْل وَلَا بليلة وَبَعض أُخْرَى وَأما طَوَافه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِسَائِهِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَمَحْمُول على رضاهن أما الْمُسَافِر فقد مر حكمه وَأما من عماد قسمه النَّهَار كالحارس فَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يجوز لَهُ تبعيضه كتبعيض اللَّيْل مِمَّن يقسم لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِر وَيحْتَمل أَنه يجوز لسُهُولَة الضَّبْط والاقتصار على اللَّيْلَة أفضل من الزِّيَادَة عَلَيْهَا اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليقرب عَهده بِهن وَيجوز لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا بِغَيْر رضاهن وَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِغَيْر رضاهن وَإِن تفرقن فِي الْبِلَاد لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى المهاجرة والإيحاش للباقيات بطول الْمقَام عِنْد الضرة وَقد يَمُوت فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة فَيفوت حقهن وَتجب الْقرعَة للابتداء بِوَاحِدَة عِنْد عدم رضاهن تَحَرُّزًا عَن التَّرْجِيح مَعَ استوائهن فِي الْحق فَيبْدَأ بِمن خرجت قرعتها فَإِذا مَضَت نوبتها أَقرع بَين الْبَاقِيَات ثمَّ بَين الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِذا تمت النّوبَة رَاعى التَّرْتِيب وَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة الْقرعَة بِخِلَاف مَا لَو بَدَأَ بِلَا قرعَة فَإِنَّهُ يقرع بَين الْبَاقِيَات فَإِذا تمت النّوبَة أَقرع للابتداء القَوْل فِي حكم الْمُسَافِر فِي الْقسم (وَإِذا أَرَادَ) الزَّوْج (السّفر) لنقلة وَلَو سفرا قَصِيرا حرم عَلَيْهِ أَن يستصحب بَعضهنَّ دون بعض وَلَو بِقرْعَة فَإِن سَافر ببعضهن لنقله وَلَو بِقرْعَة قضى للمتخلفات وَلَو نقل بَعضهنَّ بِنَفسِهِ وبعضهن بوكيله قضى لمن مَعَ الْوَكِيل وَلَا يجوز أَن يتركهن بل ينقلهن أَو يُطَلِّقهُنَّ لما فِي ذَلِك من قطع أطماعهن من الوقاع فَأشبه الْإِيلَاء بِخِلَاف مَا لَو امْتنع من الدُّخُول إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضر لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع رجاؤهن وَفِي بَاقِي الْأَسْفَار الطَّوِيلَة أَو القصيرة الْمُبَاحَة إِذا أَرَادَ اسْتِصْحَاب بَعضهنَّ (أَقرع بَينهُنَّ) وجوبا كَمَا اقْتَضَاهُ إِيرَاد الرَّوْضَة وَأَصلهَا عِنْد تنازعهن (وَخرج بِالَّتِي تخرج لَهَا) سهم (الْقرعَة) لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا مَعَه وَسَوَاء أَكَانَ ذَلِك فِي يَوْمهَا أَو فِي يَوْم غَيرهَا وَإِذا خرجت الْقرعَة لصَاحبه النّوبَة لَا تدخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 نوبتها فِي مُدَّة السّفر بل إِذا رَجَعَ وفى لَهَا نوبتها وَإِذا خرجت الْقرعَة لوَاحِدَة فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوج بغَيْرهَا وَله تَركهَا وَلَو سَافر بِوَاحِدَة أَو أَكثر من غير قرعَة عصى وَقضى فَإِن رضين بِوَاحِدَة جَازَ بِلَا قرعَة وَسقط الْقَضَاء ولهن الرُّجُوع قبل سفرها قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا بعده مَا لم يُجَاوز مَسَافَة الْقصر أَي يصل إِلَيْهَا وَإِذا سَافر بِالْقُرْعَةِ لَا يقْضِي لِلزَّوْجَاتِ المتخلفات مُدَّة سَفَره لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ وَالْمعْنَى فِيهِ أَن المستصحبة وَإِن فازت بِصُحْبَتِهِ فقد لحقها من تَعب السّفر ومشقته مَا يُقَابل ذَلِك والمتخلفة وَإِن فاتها حظها من الزَّوْج فقد ترفهت بالراحة وَالْإِقَامَة فتقابل الْأَمْرَانِ فاستويا وَخرج بالأسفار الْمُبَاحَة غَيرهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يستصحب فِيهَا بَعضهنَّ لَا بِقرْعَة وَلَا بغَيْرهَا فَإِن فعل عصى وَلَزِمَه الْقَضَاء للمتخلفات وَخرج بالزوجات الْإِمَاء فَلهُ أَن يستصحب بَعضهم بِغَيْر قرعَة فَإِن وصل الْمَقْصد وَصَارَ مُقيما قضى مُدَّة الْإِقَامَة لِخُرُوجِهِ عَن حكم السّفر هَذَا إِن سَاكن المصحوبة أما إِذا اعتزلها مُدَّة الْإِقَامَة فَلَا يقْضِي كَمَا جزم بِهِ فِي الْحَاوِي وَلَا يقْضِي مُدَّة الرُّجُوع كَمَا لَا يقْضِي مُدَّة الذّهاب تَنْبِيه من وهبت من الزَّوْجَات حَقّهَا من الْقسم لغَيْرهَا لم يلْزم الزَّوْج الرِّضَا بذلك لِأَنَّهَا لَا تملك إِسْقَاط حَقه من الِاسْتِمْتَاع فَإِن رَضِي بِالْهبةِ ووهبت لمعينة مِنْهُنَّ بَات عِنْدهَا ليلتيهما كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وهبت سَوْدَة نوبتها لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَإِن وهبت للزَّوْج فَقَط كَانَ لَهُ التَّخْصِيص بِوَاحِدَة فَأكْثر لِأَنَّهَا جعلت الْحق لَهُ فيضعه حَيْثُ شَاءَ وَلَو وهبت لَهُ ولبعض الزَّوْجَات أَو لَهُ وللجميع قسم ذَلِك على الرؤوس كَمَا بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين وَلَا يجوز للواهبة أَن تَأْخُذ على الْمُسَامحَة بِحَقِّهَا عوضا لَا من الزَّوْج وَلَا من الضرائر لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَين وَلَا مَنْفَعَة لِأَن مقَام الزَّوْج عِنْدهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَة ملكتها عَلَيْهِ وَقد استنبط السُّبْكِيّ من هَذِه الْمَسْأَلَة وَمن خلع الْأَجْنَبِيّ جَوَاز النُّزُول عَن الْوَظَائِف وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيه أَن أَخذ الْعِوَض فِيهِ جَائِز وَأَخذه حَلَال لإِسْقَاط الْحق لَا لتَعلق حق المنزول لَهُ بل يبْقى الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى نَاظر الْوَظِيفَة يفعل مَا فِيهِ الْمصلحَة شرعا وَبسط ذَلِك وَهَذِه مَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع فاستفدها وللواهبة الرُّجُوع مَتى شَاءَت فَإِذا رجعت خرج فَوْرًا وَلَا ترجع فِي الْمَاضِي قبل الْعلم بِالرُّجُوعِ وَإِن بَات الزَّوْج فِي نوبَة وَاحِدَة عِنْد غَيرهَا ثمَّ ادّعى أَنَّهَا وهبت حَقّهَا وَأنْكرت لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 القَوْل فِي تَخْصِيص الزَّوْجَة الجديدة (وَإِذا تزوج) حر أَو عبد فِي دوَام نِكَاحه (جَدِيدَة) وَلَو معادة بعد الْبَيْنُونَة (خصها) أَي كل مِنْهُمَا وجوبا (بِسبع لَيَال) مُتَوَالِيَة بِلَا قَضَاء للباقيات (إِن كَانَت بكرا) على خلقتها أَو زَالَت بِغَيْر وَطْء (وبثلاث) لَيَال مُتَوَالِيَة بِلَا قَضَاء للباقيات (إِن كَانَت ثَيِّبًا) لخَبر ابْن حبَان فِي صَحِيحه سبع للبكر وَثَلَاث للثيب وَالْمعْنَى فِي ذَلِك زَوَال الوحشة بَينهمَا وَلِهَذَا سوى بَين الْحرَّة وَالْأمة لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع لَا يخْتَلف بِالرّقِّ وَالْحريَّة كمدة الْعنَّة وَالْإِيلَاء وَزيد للبكر لِأَن حياءها أَكثر وَالْحكمَة فِي الثَّلَاث والسبع أَن الثَّلَاث مغتفرة فِي الشَّرْع والسبع عدد أَيَّام الدُّنْيَا وَمَا زَاد عَلَيْهَا تكْرَار فَإِن فرق ذَلِك لما يحْسب لِأَن الوحشة لَا تَزُول بالمفرق واستأنف وَقضى المفرق للأخريات تَنْبِيه دخل فِي الثّيّب الْمَذْكُورَة من كَانَت ثيوبتها بِوَطْء حَلَال أَو حرَام أَو وَطْء شُبْهَة وَخرج بهَا من حصلت ثيوبتها بِمَرَض أَو وثبة أَو نَحْو ذَلِك وَيسن تَخْيِير الثّيّب بَين ثَلَاث بِلَا قَضَاء وَبَين سبع بِقَضَاء كَمَا فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حَيْثُ قَالَ لَهَا إِن شِئْت سبعت عنْدك وسبعت عِنْدهن وَإِن شِئْت ثلثت عنْدك وَدرت أَي بالقسم الأول بِلَا قَضَاء وَإِلَّا لقَالَ وثلثت عِنْدهن كَمَا قَالَ وسبعت عِنْدهن وَلَا يتَخَلَّف بِسَبَب ذَلِك عَن الْخُرُوج للجماعات وَسَائِر أَعمال الْبر كعيادة المرضى وتشييع الْجَنَائِز مُدَّة الزفاف إِلَّا لَيْلًا فيتخلف وجوبا تَقْدِيمًا للْوَاجِب وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين وَأما ليَالِي الْقسم فَتجب التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فيهل فِي الْخُرُوج وَعَدَمه فإمَّا أَن يخرج فِي لَيْلَة الْجَمِيع أَو لَا يخرج أصلا فَإِن خص لَيْلَة بَعضهنَّ بِالْخرُوجِ أَثم القَوْل فِي حكم نشوز الْمَرْأَة ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ النُّشُوز بقوله (وَإِذا خَافَ) الزَّوْج (نشوز الْمَرْأَة) بِأَن ظَهرت أَمَارَات نشوزها فعلا كَأَن يجد مِنْهَا إعْرَاضًا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وَجه أَو قولا كَأَن تجيبه بِكَلَام خشن بعد أَن كَانَ بلين (وعظها) اسْتِحْبَابا لقَوْله تَعَالَى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} كَأَن يَقُول لَهَا اتَّقى الله فِي الْحق الْوَاجِب لي عَلَيْك واحذري الْعقُوبَة بِلَا هجر وَلَا ضرب وَيبين لَهَا أَن النُّشُوز يسْقط النَّفَقَة وَالْقسم فلعلها تبدي عذرا أَو تتوب عَمَّا وَقع مِنْهَا بِغَيْر عذر وَحسن أَن يذكر لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا باتت الْمَرْأَة هاجرة لفراش زَوجهَا لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا امْرَأَة باتت وَزوجهَا رَاض عَنْهَا دخلت الْجنَّة (فَإِن أَبَت) مَعَ وعظه (إِلَّا النُّشُوز هجرها) فِي المضجع أَي يجوز لَهُ ذَلِك لظَاهِر الْآيَة وَلِأَن فِي الهجر أثرا ظَاهرا فِي تَأْدِيب النِّسَاء وَالْمرَاد أَن يهجر فراشها فَلَا يضاجعها فِيهِ وَخرج بالهجران فِي المضجع الهجران بالْكلَام فَلَا يجوز الهجر بِهِ لَا لزوجة وَلَا لغَيْرهَا فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَيجوز فِيهَا للْحَدِيث الصَّحِيح لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَفِي سنَن أبي دَاوُد فَمن هجره فَوق ثَلَاث فَمَاتَ دخل النَّار وَحمل الْأَذْرَعِيّ وَغَيره التَّحْرِيم على مَا إِذا قصد بهجرها ردهَا لحظ نَفسه فَإِن قصد بِهِ ردهَا عَن الْمعْصِيَة وَإِصْلَاح دينهَا فَلَا تَحْرِيم وَهَذَا مَأْخُوذ من قَوْلهم يجوز هجر المبتدع وَالْفَاسِق وَنَحْوهمَا وَمن رجا بهجره صَلَاح دين الهاجر أَو المهجور وَعَلِيهِ يحمل هجره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْب بن مَالك وصاحبيه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة عَن كَلَامهم وَكَذَا هجر السّلف بَعضهم بَعْضًا (فَإِن أَقَامَت عَلَيْهِ) أَي أصرت على النُّشُوز بعد الهجر الْمُرَتّب على الْوَعْظ فعظوهن فَإِن نشزن فاهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن وَالْخَوْف هُنَا بِمَعْنى الْعلم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن خَافَ من موص جنفا أَو إِثْمًا} ضربهَا ضربا غير مبرح لظَاهِر الْآيَة فتقديرها واللاتي تخافون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 نشوزهن تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يضْرب إِلَّا إِذا تكَرر مِنْهَا النُّشُوز وَهُوَ مَا رَجحه جُمْهُور الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم وَرجحه الرَّافِعِيّ وَالَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ جَوَاز الضَّرْب وَإِن لم يتَكَرَّر النُّشُوز لظَاهِر الْآيَة وَإِنَّمَا يجوز الضَّرْب إِذا أَفَادَ ضربهَا فِي ظَنّه وَإِلَّا فَلَا يضْربهَا كَمَا صرح بِهِ الإِمَام وَغَيره وَخرج بقوله غير مبرح المبرح فَإِنَّهُ لَا يجوز مُطلقًا وَلَا يجوز على الْوَجْه والمهالك وَالْأولَى لَهُ الْعَفو عَن الضَّرْب وَخبر النَّهْي عَن ضرب النِّسَاء مَحْمُول على ذَلِك أَو على الضَّرْب بِغَيْر سَبَب يَقْتَضِيهِ وَهَذَا بِخِلَاف ولي الصَّبِي فَالْأولى لَهُ عدم الْعَفو لِأَن ضربه للتأديب مصلحَة لَهُ وَضرب الزَّوْج زَوجته مصلحَة لنَفسِهِ (وَيسْقط بالنشوز قسمهَا) الْوَاجِب لَهَا والنشوز يحصل بخروجها من منزل زَوجهَا بِغَيْر إِذْنه لَا إِلَى القَاضِي لطلب الْحق مِنْهُ وَلَا إِلَى اكتسابها النَّفَقَة إِذا أعْسر بهَا الزَّوْج وَلَا إِلَى استفتاء إِذا لم يكن زَوجهَا فَقِيها وَلم يستفت لَهَا وَيحصل أَيْضا بمنعها الزَّوْج من الِاسْتِمْتَاع وَلَو غير الْجِمَاع حَيْثُ لَا عذر لَا منعهَا لَهُ مِنْهُ تذللا وَلَا الشتم لَهُ وَلَا الْإِيذَاء لَهُ بِاللِّسَانِ أَو غَيره بل تأثم بِهِ وتستحق التَّأْدِيب (و) تسْقط بِهِ أَيْضا حَيْثُ لَا عذر (نَفَقَتهَا) وتوابعها كالسكنى وآلات التَّنْظِيف وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ بهَا عذر كَأَن كَانَت مَرِيضَة أَو مضناة لَا تحْتَمل الْجِمَاع أَو بفرجها قُرُوح أَو كَانَت مَرِيضَة مُسْتَحَاضَة أَو كَانَ الزَّوْج عبلا أَي كَبِير الْآلَة يَضرهَا وَطْؤُهُ فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا لعذرها تَنْبِيه قَضِيَّة إِطْلَاق المُصَنّف كَغَيْرِهِ تنَاوله نشوز بعض الْيَوْم وَهُوَ الْأَصَح ومرادهم بالسقوط هُنَا منع الْوُجُوب لَا سُقُوط مَا وَجب حَتَّى لَو نشزت قبل الْفجْر وطلع الْفجْر وَهِي نَاشِزَة فَلَا وجوب وَيُقَال سَقَطت لِأَن السُّقُوط فرع الْوُجُوب وَسكت المُصَنّف عَن سُقُوط الْكسْوَة بالنشوز اكْتِفَاء بجعلهم الْكسْوَة تَابِعَة للنَّفَقَة تجب بِوُجُوبِهَا وَتسقط بسقوطها وَسَيَأْتِي تَحْرِير ذَلِك فِي فصل نَفَقَة الزَّوْجَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى حكم منع زَوجته حَقّهَا تَتِمَّة لَو منع الزَّوْج زَوجته حَقًا لَهَا كقسم وَنَفَقَة ألزمهُ القَاضِي توفيته إِذا طلبته لعجزها عَنهُ فَإِن أَسَاءَ خلقه وأذاها بِضَرْب أَو غَيره بِلَا سَبَب نَهَاهُ عَن ذَلِك وَلَا يعزره فَإِن عَاد إِلَيْهِ وَطلبت تعزيره من القَاضِي عزره بِمَا يَلِيق بِهِ لتعديه عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لم يعزره فِي الْمرة الأولى وَإِن كَانَ الْقيَاس جَوَازه إِذا طلبته لِأَن إساءة الْخلق تكْثر بَين الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِير عَلَيْهَا يُورث وَحْشَة بَينهمَا فَيقْتَصر أَولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 على النَّهْي لَعَلَّ الْحَال يلتئم بَينهمَا فَإِن عَاد عزره وَإِن قَالَ كل من الزَّوْجَيْنِ إِن صَاحبه مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ تعرف القَاضِي الْحَال الْوَاقِع بَينهمَا بِثِقَة يخبرهما وَيكون الثِّقَة جارا لَهما فَإِن عدم أسكنهما بِجنب ثِقَة يتعرف حَالهمَا ثمَّ يُنْهِي إِلَيْهِ مَا يعرفهُ فَإِذا تبين للْقَاضِي حَالهمَا منع الظَّالِم مِنْهُمَا من عوده لظلمه فَإِن اشْتَدَّ الشقاق بَينهمَا بعث القَاضِي حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا لينْظر فِي أَمرهمَا والبعث وَاجِب وَمن أهلهما سنة وهما وكيلان لَهما لَا حكمان من جِهَة الْحَاكِم فيوكل هُوَ حكمه بِطَلَاق أَو خلع وتوكل هِيَ حكمهَا ببذل عوض وَقبُول طَلَاق بِهِ ويفرقا بَينهمَا إِن رأياه صَوَابا وَيشْتَرط فيهمَا إِسْلَام وحرية وعدالة واهتداء إِلَى الْمَقْصُود من بعثهما لَهُ وَإِنَّمَا اشْترط فيهمَا ذَلِك مَعَ أَنَّهُمَا وكيلان لتَعلق وكالتهما بِنَظَر الْحَاكِم كَمَا فِي أَمِينه وَيسن كَونهمَا ذكرين فَإِن اخْتلف رأيهما بعث القَاضِي اثْنَيْنِ غَيرهمَا حَتَّى يجتمعا على شَيْء فَإِن لم يرض الزَّوْجَانِ ببعث الْحكمَيْنِ وَلم يتَّفقَا على شَيْء أدب القَاضِي الظَّالِم مِنْهُمَا وَاسْتوْفى للمظلوم حَقه فصل فِي الْخلْع وَهُوَ لُغَة مُشْتَقّ من خلع الثَّوْب لِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ لِبَاس الآخر قَالَ تَعَالَى {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} فَكَأَنَّهُ بمفارقة الآخر نزع لِبَاسه وَشرعا فرقة بَين الزَّوْجَيْنِ وَلَو بِلَفْظ مفاداة بعوض مَقْصُود رَاجع لجِهَة الزَّوْج فَقَوْل المُصَنّف (وَالْخلْع جَائِز على عوض مَعْلُوم) يُقيد بِمَا ذكر فَخرج بمقصود الْخلْع بِدَم وَنَحْوه فَإِنَّهُ رَجْعِيّ وَلَا مَال وَدخل براجع لجِهَة الزَّوْج وُقُوع الْعِوَض للزَّوْج ولسيده وَمَا لَو خالعت بِمَا ثَبت لَهَا من قَود أَو غَيره وَخرج بِهِ مَا لَو علق الطَّلَاق بِالْبَرَاءَةِ لَهَا على غَيره فَيصح رَجْعِيًا وَخرج بِمَعْلُوم الْعِوَض الْمَجْهُول كَثوب غير معِين فَيَقَع بَائِنا بِمهْر الْمثل وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} وَالْأَمر بِهِ فِي خبر البُخَارِيّ فِي امْرَأَة ثَابت بن قيس بقوله اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة وَهُوَ أول خلع وَقع فِي الْإِسْلَام وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه لما جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 أَن يملك الزَّوْج الِانْتِفَاع بالبضع بعوض جَازَ لَهُ (أَن يزِيل ذَلِك الْملك بعوض كالشراء وَالْبيع فَالنِّكَاح كالشراء وَالْخلْع كَالْبيع) وَأَيْضًا فِيهِ دفع الضَّرَر عَن الْمَرْأَة غَالِبا وَلكنه مَكْرُوه لما فِيهِ من قطع النِّكَاح الَّذِي هُوَ مَطْلُوب الشَّرْع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق قَالَ فِي التَّنْبِيه إِلَّا فِي حالتين الأولى أَن يخافا أَو أَحدهمَا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله الثَّانِيَة أَن يحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث على فعل شَيْء لَا بُد لَهُ مِنْهُ فيخلعها ثمَّ يفعل الْأَمر الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَذكرت فِي شَرحه صورا أُخْرَى لَا كَرَاهَة فِيهَا فَمن أَرَادَ ذَلِك فليراجعه وأركان الْخلْع خَمْسَة مُلْتَزم للعوض وبضع وَعوض وَصِيغَة وَزوج وَشرط فِيهِ صِحَة طَلَاقه فَيصح من عبد ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه وَيدْفَع الْعِوَض لمَالِك أَمرهمَا من سيد وَولي وَشرط فِي الْمُلْتَزم قَابلا كَانَ أَو ملتمسا إِطْلَاق تصرف مَالِي فَلَو اخْتلعت أمة وَلَو مُكَاتبَة بِلَا إِذن سَيِّدهَا بِعَين من مَاله أَو غَيره بَانَتْ بِمهْر الْمثل فِي ذمَّتهَا أَو بدين فبالدين تبين ثمَّ مَا ثَبت فِي ذمَّتهَا إِنَّمَا تطالب بِهِ بعد الْعتْق واليسار وَإِن اخْتلعت بِإِذْنِهِ فَإِن أطلق الْإِذْن وَجب مهر الْمثل فِي كسبها وَمِمَّا فِي يَدهَا من مَال تِجَارَة وَإِن قدر لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 دينا فِي ذمَّتهَا تعلق الْمُقدر بذلك أَيْضا وَإِن عين لَهَا عينا من مَاله تعيّنت وَلَو اخْتلعت محجورة بِسَفَه طلقت رَجْعِيًا ولغا ذكر المَال أَو مَرِيضَة مرض موت صَحَّ وَحسب من الثُّلُث زَائِد على مهر الْمثل القَوْل فِي أثر الْخلْع (وتملك الْمَرْأَة) المختلعة (بِهِ نَفسهَا) أَي بضعهَا الَّذِي استخلصته بِالْعِوَضِ (وَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا) فِي الْعدة لانْقِطَاع سلطنته بالبينونة الْمَانِعَة من تسلطه على بضعهَا (إِلَّا بِنِكَاح) أَي بِعقد (جَدِيد) عَلَيْهَا بأركانه وشروطه الْمُتَقَدّم بَيَانهَا فِي مَوْضِعه وَيصِح عوض الْخلْع قَلِيلا أَو كثيرا دينا وعينا وَمَنْفَعَة لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَلَو قَالَ إِن أبرأتيني من صداقك أَو من دينك فَأَنت طَالِق فأبرأته وَهِي جاهلة بِقَدرِهِ لم تطلق لِأَن الْإِبْرَاء لم يَصح فَلم يُوجد مَا علق عَلَيْهِ الطَّلَاق وَلَو خَالعهَا على مَا فِي كفها وَلم يكن فِيهِ شَيْء وَقع بَائِنا بِمهْر الْمثل على الْأَرْجَح فِي الزَّوَائِد وَشرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِيهَا فِي البيع على مَا يَأْتِي وَلَكِن لَا يضر هُنَا تخَلّل كَلَام يسير وَلَفظ الْخلْع صَرِيح فِي الطَّلَاق فَلَا يحْتَاج مَعَه لنِيَّة لِأَنَّهُ تكَرر على لِسَان حَملَة الشَّرْع وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج تبعا لِلْبَغوِيِّ وَغَيره وَقيل كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَهَذَا مَا نَص عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع من الْأُم وَالأَصَح كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن الْخلْع والمفاداة إِن ذكر مَعَهُمَا المَال فهما صريحان فِي الطَّلَاق لِأَن ذكره يشْعر بالبينونة وَإِلَّا فكنايتان القَوْل فِي جَوَاز الْخلْع فِي الطُّهْر (وَيجوز الْخلْع فِي الطُّهْر) الَّذِي جَامعهَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يلْحقهُ نَدم بِظُهُور الْحمل لرضاه بِأخذ الْعِوَض وَمِنْه يعلم جَوَازه فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ من بَاب أولى (و) يجوز أَيْضا (فِي الْحيض) لِأَنَّهَا ببذلها الْفِدَاء لخلاصها رضيت لنَفسهَا بتطويل الْعدة (وَلَا يلْحق المختلعة) فِي عدتهَا (طَلَاق) بِلَفْظ صَرِيح أَو كِنَايَة وَلَا إِيلَاء وَلَا ظِهَار لصيرورتها أَجْنَبِيَّة بافتداء بضعهَا وَخرج بِقَيْد المختلعة الرَّجْعِيَّة فيلحقها الطَّلَاق إِلَى انْقِضَاء الْعدة لبَقَاء سلطنته عَلَيْهَا إِذْ هِيَ كَالزَّوْجَةِ فِي لُحُوق الطَّلَاق وَالْإِيلَاء وَالظَّاهِر وَاللّعان وَالْمِيرَاث القَوْل فِي اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي الْخلْع تَتِمَّة لَو ادَّعَت خلعا فَأنْكر الزَّوْج صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عَدمه فَإِن أَقَامَت بَيِّنَة رجلَيْنِ عمل بهَا وَلَا مَال لِأَنَّهُ يُنكره إِلَّا أَن يعود ويعترف بِالْخلْعِ فيستحقه قَالَه الْمَاوَرْدِيّ أَو ادّعى الْخلْع فأنكرت بِأَن قَالَت لم تُطَلِّقنِي أَو طَلقنِي مجَّانا بَانَتْ بقوله وَلَا عوض عَلَيْهَا إِذْ الأَصْل عَدمه فتحلف على نَفْيه وَلها نَفَقَة الْعدة فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة بِهِ أَو شَاهدا وَحلف مَعَه ثَبت المَال كَمَا قَالَه فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 الْبَيَان وَكَذَا لَو اعْترفت بعد يَمِينهَا بِمَا ادَّعَاهُ قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَو اخْتلفَا فِي عدد الطَّلَاق كقولها سَأَلتك ثَلَاث طلقات بِأَلف فأجبتني فَقَالَ وَاحِدَة بِأَلف فأجبتك أَو فِي صفة عوضه كدراهم ودنانير أَو صِحَاح ومكسرة سَوَاء اخْتلفَا فِي التَّلَفُّظ بذلك أَو فِي إِرَادَته كَأَن خَالع بِأَلف وَقَالَ أردنَا دَنَانِير فَقَالَت دِرْهَم أَو قدره كَقَوْلِه خالعتك بمائتين فَقَالَت بِمِائَة وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا أَو لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة وتعارضتا تحَالفا كالمتبايعين فِي كَيْفيَّة الْحلف وَمن يبْدَأ بِهِ وَيجب ببيونتها بِفَسْخ الْعِوَض مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أَو الْحَاكِم مهر مثل وَإِن كَانَ أَكثر مِمَّا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ المُرَاد فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة عمل بهَا وَلَو خَالع بِأَلف مثلا ونويا نوعا من نَوْعَيْنِ بِالْبَلَدِ لزم إِلْحَاقًا للمنوي بالملفوظ فَإِن لم ينويا شَيْئا حمل على الْغَالِب إِن كَانَ وَإِلَّا لزم مهر الْمثل فصل فِي الطَّلَاق هُوَ لُغَة حل الْقَيْد وَشرعا حل عقد النِّكَاح بِلَفْظ الطَّلَاق وَنَحْوه وعرفه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه بِأَنَّهُ تصرف مَمْلُوك للزَّوْج يحدثه بِلَا سَبَب فَيقطع النِّكَاح وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع الْكتاب كَقَوْلِه تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} وَالسّنة كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ شَيْء من الْحَلَال أبْغض إِلَى الله تَعَالَى من الطَّلَاق القَوْل فِي أَرْكَان الطَّلَاق وأركانه خَمْسَة صِيغَة وَمحل وَولَايَة وَقصد وَمُطلق وَشرط فِي الْمُطلق وَلَو بِالتَّعْلِيقِ تَكْلِيف فَلَا يَصح من غير مُكَلّف لخَبر رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث إِلَّا السَّكْرَان فَيصح مَعَ أَنه غير مُكَلّف كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي كتب الْأُصُول تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَاخْتِيَار فَلَا يَصح من مكره وَإِن لم يور لإِطْلَاق خبر لَا طَلَاق فِي إغلاق أَي إِكْرَاه شُرُوط الْإِكْرَاه وَشرط الْإِكْرَاه قدرَة مكره بِكَسْر الرَّاء على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ بِولَايَة أَو تَغْلِيب عَاجلا ظلما وَعجز مكره بِفَتْح الرَّاء عَن دَفعه بهرب وَغَيره وظنه أَنه إِن امْتنع حقق مَا هدده بِهِ وَيحصل الْإِكْرَاه بتخويف بمحذور كضرب شَدِيد أَو نَحْو ذَلِك كحبس صِيغَة الطَّلَاق صَرِيح وكناية ثمَّ شرع المُصَنّف فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَة بقوله (وَالطَّلَاق ضَرْبَان) فَقَط (صَرِيح) وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل ظَاهره غير الطَّلَاق فَلَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاع الطَّلَاق كَمَا سَيَأْتِي فَلَو قَالَ لم أنو بِهِ الطَّلَاق لم يقبل وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ الْإِجْمَاع (وكناية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وَهُوَ مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَغَيره فَيحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاعه كَمَا سَيَأْتِي فانحصر الطَّلَاق فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ وَمَا وَقع للدميري فِي قَوْله لنا طَلَاق يَقع بِلَا صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَصورته باعتراف الزَّوْجَيْنِ بفسق الشُّهُود حَالَة العقد هُوَ على وَجه ضَعِيف وَالصَّحِيح فِي الرَّوْضَة أَنَّهَا فرقة فسخ تَنْبِيه أفهم كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يَقع طَلَاق بنية من غير لفظ وَهُوَ كَذَلِك وَلَا بتحريك لِسَانه بِكَلِمَة الطَّلَاق إِذا لم يرفع صَوته بِقدر مَا يسمع نَفسه مَعَ اعْتِدَال سَمعه وَعدم الْمَانِع لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام القَوْل فِي الطَّلَاق الصَّرِيح (فالصريح ثَلَاثَة أَلْفَاظ) فَقَط كَمَا قَالَه الْأَصْحَاب (الطَّلَاق) أَي مَا اشتق مِنْهُ لاشتهاره فِيهِ لُغَة وَعرفا (و) كَذَا (الْفِرَاق والسراح) بِفَتْح السِّين أَي مَا اشتق مِنْهُمَا على الْمَشْهُور فيهمَا لورودهما فِي الْقُرْآن بِمَعْنَاهُ وأمثلة الْمُشْتَقّ من الطَّلَاق كطلقتك وَأَنت طَالِق وَيَا مُطلقَة وَيَا طَالِق لَا أَنْت طَلَاق وَالطَّلَاق فليسا بصريحين بل كنايتان لِأَن المصادر إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْأَعْيَان توسعا وَيُقَاس بِمَا ذكر فارقتك وسرحتك فهما صريحان وَكَذَا أَنْت مُفَارقَة ومسرحة وَيَا مُفَارقَة وَيَا مسرحة وَأَنت فِرَاق والفراق وسراح والسراح كنايات فروع لَو قَالَ أَنْت طَالِق من وثاق أَو من الْعَمَل أَو سرحتك إِلَى كَذَا كَانَ كِنَايَة إِن قصد أَن يَأْتِي بِهَذِهِ الزِّيَادَة قبل فَرَاغه من الْحلف وَإِلَّا فصريح وَيجْرِي ذَلِك فِيمَن يحلف بِالطَّلَاق من ذراعه أَو فرسه أَو رَأسه أَو نَحْو ذَلِك فَلَو أَتَى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بدل الطَّاء كَأَن يَقُول أَنْت تالق كَانَ كِنَايَة كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين سَوَاء أَكَانَت لغته كَذَلِك أم لَا وَلَو قَالَ نسَاء الْمُسلمين طَوَالِق لم تطلق زَوجته إِن لم ينْو طَلاقهَا بِنَاء على الْأَصَح من أَن الْمُتَكَلّم لَا يدْخل فِي عُمُوم كَلَامه وترجمة لفظ الطَّلَاق بالعجمية صَرِيح لشهرة اسْتِعْمَالهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْد أَهلهَا دون تَرْجَمَة الْفِرَاق والسراح فَإِنَّهَا كِنَايَة كَمَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة للِاخْتِلَاف فِي صراحتهما بِالْعَرَبِيَّةِ فضعفا بالترجمة (وَلَا يفْتَقر) وُقُوع الطَّلَاق بصريحه (إِلَى النِّيَّة) إِجْمَاعًا إِلَّا فِي الْمُكْره عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي حَقه النِّيَّة إِن نَوَاه وَقع على الْأَصَح وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْوَكِيل فِي الطَّلَاق يشْتَرط فِي حَقه إِذا طلق عَن مُوكله بِالصَّرِيحِ النِّيَّة إِن كَانَ لمُوكلِه زَوْجَة أُخْرَى كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 رَجحه فِي الْخَادِم لتردده بَين زَوْجَتَيْنِ فَلَا بُد من تَمْيِيز قَالَ أما إِذا لم يكن لمُوكلِه غَيرهَا فَفِي اشْتِرَاط النِّيَّة نظر لتعين الْمحل الْقَابِل للطَّلَاق من أَهله انْتهى وَالظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط فَإِن قيل كَيفَ يُقَال إِن الصَّرِيح لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة بِخِلَاف الْكِنَايَة مَعَ أَنه يشْتَرط قصد لفظ الطَّلَاق لمعناه وَلَا يَكْفِي قصد حُرُوف الطَّلَاق من غير قصد مَعْنَاهُ أُجِيب بِأَن كلا من الصَّرِيح وَالْكِنَايَة يشتراط فِيهِ قصد اللَّفْظ لمعناه والصريح لَا يحْتَاج إِلَى قصد الْإِيقَاع بِخِلَاف الْكِنَايَة فَلَا بُد فِيهَا من ذَلِك فروع قَوْله الطَّلَاق لَازم لي أَو وَاجِب عَليّ صَرِيح بِخِلَاف قَوْله فرض عَليّ للْعُرْف فِي ذَلِك وَلَو قَالَ عَليّ الطَّلَاق وَسكت فَفِي الْبَحْر عَن الْمُزنِيّ أَنه كِنَايَة وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ إِنَّه صَرِيح قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْحق فِي هَذَا الزَّمن لاشتهاره فِي معنى التَّطْلِيق وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَقَوله لَهَا طَلَّقَك الله ولغريمه أبرأك الله ولأمته أعتقك الله صَرِيح فِي الطَّلَاق وَالْإِبْرَاء وَالْعِتْق إِذْ لَا يُطلق الله وَلَا يبرىء الله وَلَا يعْتق وَإِلَّا وَالزَّوْجَة طَالِق والغريم بَرِيء وَالْأمة مُعتقة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ باعك الله أَو أقالك الله فَإِنَّهُ كِنَايَة لِأَن الصِّيَغ هُنَا قَوِيَّة لاستقلالها بِالْمَقْصُودِ بِخِلَاف صيغتي البيع وَالْإِقَالَة القَوْل فِي كِنَايَة الطَّلَاق (وَالْكِنَايَة كل لفظ احْتمل الطَّلَاق وَغَيره) وَلَا يُخَالف هَذَا قَول الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه هِيَ كل لفظ ينبىء عَن الْفرْقَة وَإِن دق وَلَا قَول الرَّافِعِيّ هِيَ مَا احْتمل مَعْنيين فَصَاعِدا إِذْ هِيَ فِي بعض الْمعَانِي أظهر لرجوع ذَلِك كُله إِلَى معنى وَاحِد (وتفتقر) فِي وُقُوع الطَّلَاق بهَا (إِلَى النِّيَّة) إِجْمَاعًا إِذْ اللَّفْظ مُتَرَدّد بَين الطَّلَاق وَغَيره فَلَا بُد من نِيَّة تميز بَينهمَا وألفاظها كَثِيرَة لَا تكَاد تَنْحَصِر ذكر المُصَنّف بَعْضهَا فِي بعض النّسخ بقوله (مثل أَنْت خلية) أَي خَالِيَة مني وَكَذَا يقدر الْجَار وَالْمَجْرُور فِيمَا بعده (و) أَنْت (بتة) بمثناة قبل آخِره أَي مَقْطُوعَة الوصلة مَأْخُوذَة من الْبَتّ وَهُوَ الْقطع تَنْبِيه تنكير ألبت جوزه الْفراء وَالأَصَح وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا مُعَرفا بِاللَّامِ (و) أَنْت (بَائِن) من الْبَين وَهُوَ الْفِرَاق تَنْبِيه قَوْله بَائِن هُوَ اللُّغَة الفصحى والقليل بَائِنَة (و) أَنْت (حرَام) أَي مُحرمَة عَليّ مَمْنُوعَة للفرقة (و) أَنْت (كالميتة) أَي فِي التَّحْرِيم شبه تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاق كتحريم الْميتَة (واغربي) بِمُعْجَمَة ثمَّ رَاء أَي صيري غَرِيبَة بِلَا زوج وَأما اعزبي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي فَذكره المُصَنّف بِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَأْتِي (واستبرئي رَحِمك) أَي لِأَنِّي طَلقتك وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا (وتقنعي) أَي استري رَأسك بالقناع لِأَنِّي طَلقتك والقناع بِكَسْر الْقَاف والمقنعة بِكَسْر الْمِيم مَا تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا ومحاسنها (وابعدي) أَي مني لِأَنِّي طَلقتك (واذهبي) أَي عني لِأَنِّي طَلقتك هما بِمَعْنى اعزبي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي (والحقي بأهلك) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْحَاء وَقيل بِالْعَكْسِ وَجعله المطرزي خطأ أَي لِأَنِّي طَلقتك سَوَاء أَكَانَ لَهَا أهل أم لَا (وَمَا أشبهه ذَلِك) من أَلْفَاظ الْكِنَايَات كتجردي وتزودي أَي استعدي للحوق بأهلك وَلَا حَاجَة لي فِيك أَي لِأَنِّي طَلقتك وذوقي أَي مرَارَة الْفِرَاق وحبلك على غاربك أَي خليت سَبِيلك كَمَا يخلى الْبَعِير فِي الصَّحرَاء وزمامه على غاربه وَهُوَ مَا تقدم من الظّهْر وارتفع من الْعُنُق ليرعى كَيفَ شَاءَ وَلَا أنده سربك من النده وَهُوَ الزّجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 أَي لَا أهتم بشأنك لِأَنِّي طَلقتك والسرب بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِبِل وَمَا يرْعَى من المَال أما بِكَسْر السِّين فالجماعة من الظباء وَالْبَقر وَيجوز كسر السِّين هُنَا وَخرج بِقَيْد شبه مَا ذكر مَا لَا يُشبههُ من الْأَلْفَاظ نَحْو بَارك الله لي فِيك وأطعميني واسقيني وزوديني وقومي واقعدي وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَقع بِهِ طَلَاق وَإِن نَوَاه لِأَن اللَّفْظ لَا يصلح لَهُ القَوْل فِي شُرُوط وُقُوع الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ (فَإِن نوى بِجَمِيعِ ذَلِك) أَي بِلَفْظ من أَلْفَاظه (الطَّلَاق) فِيهِ (وَقع) إِن اقْترن بِكُل اللَّفْظ كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَقيل يَكْفِي اقترانها بأوله وينسحب مَا بعده عَلَيْهِ وَرجحه الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ وَالَّذِي رَجحه ابْن الْمقري وَهُوَ الْمُعْتَمد أَنه يَكْفِي اقترانها بِبَعْض اللَّفْظ سَوَاء أَكَانَ من أَوله أَو وَسطه أَو آخِره إِذْ الْيَمين إِنَّمَا تعْتَبر بِتَمَامِهَا تَنْبِيه اللَّفْظ الَّذِي يعْتَبر قرن النِّيَّة بِهِ هُوَ لفظ الْكِنَايَة كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ والبندنيجي لَكِن مثل لَهُ الرَّافِعِيّ تبعا لجَماعَة بقرنها بأنت من أَنْت بَائِن مثلا وَصوب فِي الْمُهِمَّات الأول لِأَن الْكَلَام فِي الْكِنَايَات وَالْأَوْجه الِاكْتِفَاء بِمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لِأَن أَنْت وَإِن لم يكن جُزْءا من الْكِنَايَة فَهُوَ كالجزء مِنْهَا لِأَن مَعْنَاهَا الْمَقْصُود لَا يتَأَدَّى بِدُونِهِ (وَإِن لم يُنَوّه) بِلَفْظ من أَلْفَاظ الْكِنَايَات الْمَذْكُورَة (لم يَقع) طَلَاق لعدم قَصده وَإِشَارَة نَاطِق وَإِن فهمها كل أحد بِطَلَاق كَأَن قَالَت لَهُ زَوجته طَلقنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن اذهبي لَغْو لَا يَقع بِهِ شَيْء لِأَن عدوله عَن الْعبارَة إِلَى الْإِشَارَة يفهم أَنه غير قَاصد للطَّلَاق وَإِن قَصده بهَا فَهِيَ لَا تقصد للإفهام إِلَّا نَادرا ويعتد بِإِشَارَة أخرس وَلَو قدر على الْكِتَابَة كَمَا صرح بِهِ الإِمَام فِي الْعُقُود كَالْبيع وَفِي الأقارير وَفِي الدَّعَاوَى وَفِي الْحُلُول كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْق وَاسْتثنى فِي الدقائق شَهَادَته وإشارته فِي الصَّلَاة فَلَا يعْتد بهَا وَلَا يَحْنَث بهَا فِي الْحلف على عدم الْكَلَام فَإِن فهم طَلَاقه مثلا بإشارته كل أحد من فطن وَغَيره فصريحة لَا تحْتَاج لنِيَّة وَإِن اخْتصَّ بطلاقه بإشارته فطنون فكناية تحْتَاج إِلَى النِّيَّة تَتِمَّة لَو قَالَ لزوجته إِن أبرأتني من دينك فَأَنت طَالِق فأبرأته بَرَاءَة صَحِيحَة وَقع الطَّلَاق بَائِنا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لغَيْرهَا إِن أبرأتني من دينك فزوجتي طَالِق فأبرأته بَرَاءَة صَحِيحَة وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ تَعْلِيق مَحْض وَلَو قَالَ لزوجته إِن دخلت الْبَيْت وَوجدت فِيهِ شَيْئا من متاعك وَلم أكسره على رَأسك فَأَنت طَالِق فَوجدَ فِي الْبَيْت هونا لَهَا لم تطلق كَمَا جزم بِهِ الْخَوَارِزْمِيّ وَرجحه الزَّرْكَشِيّ للاستحالة وَقيل تطلق قبيل مَوته أَو مَوتهَا لليأس وَلَو قَالَ لزوجته إِن قبلت ضرتك فَأَنت طَالِق فقبلها ميتَة لم تطلق بِخِلَاف تَعْلِيقه بتقبيل أمه فَإِنَّهَا تطلق بتقبيله لَهَا ميتَة إِذْ قبْلَة الزَّوْجَة قبْلَة شَهْوَة وَلَا شَهْوَة بعد الْمَوْت وَالأُم لَا فرق فِيهَا بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت لِأَن قبلتها قبْلَة شَفَقَة وكرامة أكرمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيع أهلنا ومشايخنا وأصحابنا وَالْمُسْلِمين بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 فصل فِي طَلَاق السّني وَغَيره والترجمة بِالْفَصْلِ سَاقِطَة فِي أَكثر النّسخ وَهُوَ فِي الطَّلَاق السّني وَغَيره وَفِيه اصطلاحان أَحدهمَا وَهُوَ أضبط يَنْقَسِم إِلَى سني وبدعي وَثَانِيهمَا وَهُوَ أشهر يَنْقَسِم إِلَى سني وبدعي وَلَا وَلَا وَيعلم ذَلِك من كَلَام المُصَنّف الْأَحْكَام الَّتِي تعتري الطَّلَاق فَائِدَة قسم جمَاعَة الطَّلَاق إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَاجِب كَطَلَاق الحكم فِي الشقاق ومندوب كَطَلَاق زَوْجَة حَالهَا غير مُسْتَقِيم كَأَن تكون غير عفيفة وَحرَام كَالطَّلَاقِ البدعي كَمَا سَيَأْتِي ومكروه كَطَلَاق مُسْتَقِيمَة الْحَال وَعَلِيهِ حمل أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق وَأَشَارَ الإِمَام إِلَى الْمُبَاح بِطَلَاق من لَا يهواها الزَّوْج وَلَا تسمح نَفسه بمؤنتها من غير استمتاع بهَا (وَالنِّسَاء فِيهِ) أَي فِي حكم الطَّلَاق (ضَرْبَان ضرب فِي طلاقهن سنة) أَي لَا تَحْرِيم فِيهِ (وبدعة) أَي حرَام (وَهن ذَوَات الْحيض) وَأَشَارَ إِلَى الْقسم الأول بقوله (فَالسنة) أَي السّني (أَن يُوقع الطَّلَاق) على مَدْخُول بهَا لَيست بحامل وَلَا صَغِيرَة وَلَا آيسة (فِي طهر غير مجامع فِيهِ) وَلَا فِي حيض قبله وَذَلِكَ لاستعقابه الشُّرُوع فِي الْعدة وَعدم النَّدَم فِيمَن ذكرت وَقد قَالَ تَعَالَى {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} أَي فِي الْوَقْت الَّذِي يشرعن فِيهِ فِي الْعدة على مَدْخُول بهَا (فِي الْحيض أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ) وَهِي مِمَّن تحبل أَو فِي حيض قبله وَإِن سَأَلته طَلَاقا بِلَا عوض أَو اختلعها أَجْنَبِي وَذَلِكَ لمُخَالفَته فِيمَا إِذا طَلقهَا فِي حيض لقَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وزمن الْحيض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 الطَّلَاق البدعي وَأَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (والبدعة أَن يُوقع الطَّلَاق) لَا يحْسب من الْعدة وَمثله النّفاس وَالْمعْنَى فِي ذَلِك تضررها بطول مُدَّة التَّرَبُّص ولأدائه إِلَى النَّدَم فِيمَن تحمل إِذا ظهر حملهَا فَإِن الْإِنْسَان قد يُطلق الْحَائِل دون الْحَامِل وَعند النَّدَم قد لَا يُمكنهُ التَّدَارُك فيتضرر هول وَخرج بِقَيْد الْإِيقَاع تَعْلِيق الطَّلَاق فَلَا يحرم فِي الْحيض لَكِن إِن وجدت الصّفة فِي الطُّهْر سمي سنيا وَإِن وجدت فِي الْحيض سمي بدعيا وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام البدعي إِلَّا أَنه لَا إِثْم فِيهِ بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب فِي كل الطّرق كَمَا قَالَه فِي الزَّوَائِد نعم إِن أوقع الصّفة فِي الْحيض بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ أَنه يَأْثَم بإيقاعه فِي الْحيض كإنشائه الطَّلَاق فِيهِ وَخرج بِقَيْد الطَّلَاق فِي السّني والبدعي الفسوخ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِم إِلَى سني وَلَا إِلَى بدعي قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهَا شرعت لدفع مضار زَائِدَة فَلَا يَلِيق بهَا تَكْلِيف مراقبة الْأَوْقَات وبقيد قَوْله فِي الْحيض مَا إِذا وَافق قَوْله أَنْت زمن الطُّهْر وَطَالِق زمن الْحيض فَهَل يكون سنيا أَو بدعيا وَهِي مَسْأَلَة عزيزة النَّقْل ذكرهَا ابْن الرّفْعَة فِي غير مظنتها فِي بَاب الْكَفَّارَات وَنقل فِيهَا عَن بن شُرَيْح وَأقرهُ أَنه قَالَ يحْسب لَهَا الزَّمن الَّذِي وَقع فِيهِ قَوْله أَنْت فَقَط قرءا وَيكون الطَّلَاق سنيا قَالَ وَهُوَ من بَاب تَرْتِيب الحكم على أول أَجْزَائِهِ لِأَن الطَّلَاق لَا يَقع بقوله أَنْت بمفرده اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَقع بِمَجْمُوع قَوْله أَنْت طَالِق انْتهى تَنْبِيهَات أَحدهَا قَضِيَّة تَقْيِيد المُصَنّف بِالْجِمَاعِ قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا بل لَو استدخلت مَاءَهُ الْمُحْتَرَم كَانَ الحكم كَذَلِك وَكَذَا الْوَطْء فِي الدبر على الْأَصَح كَمَا فِي الرَّوْضَة لثُبُوت النّسَب وَوُجُوب الْعدة بِهِ التَّنْبِيه الثَّانِي ظَاهر كَلَامه حصر البدعي فِيمَا ذكره وَلَيْسَ مُرَاد بل بَقِي مِنْهُ قسم آخر مَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَهُوَ فِي حق من لَهُ زوجتان وَقسم لإحداهما ثمَّ طلق الْأُخْرَى قبل الْمبيت عِنْدهَا وَلَو نكح حَامِلا من زنا ثمَّ دخل بهَا ثمَّ طَلقهَا نظر إِن لم تَحض فبدعي لِأَنَّهَا لَا تشرع فِي الْعدة إِلَّا بعد الْوَضع وَالنّفاس وَإِلَّا فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر فسني أَو فِي الْحيض فبدعي كَمَا يُؤْخَذ من كَلَامهم وَأما الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة إِذا حبلت مِنْهُ ثمَّ طَلقهَا طَاهِرا فَإِنَّهُ بدعي التَّنْبِيه الثَّالِث يسْتَثْنى من الطَّلَاق فِي الْحيض صور مِنْهَا الْحَامِل إِذا حَاضَت فَلَا يحرم طَلاقهَا لِأَن عدتهَا بِالْوَضْعِ وَمِنْهَا مَا لَو كَانَت الزَّوْج أمة وَقَالَ لَهَا سَيِّدهَا إِن طَلَّقَك الزَّوْج الْيَوْم فَأَنت حرَّة فَسَأَلت الزَّوْج الطَّلَاق لأجل الْعتْق فَطلقهَا لم يحرم فَإِن دوَام الرّقّ أضرّ بهَا من تَطْوِيل الْعدة وَقد لَا يسمح بِهِ السَّيِّد بعد ذَلِك أَو يَمُوت فيدوم أسرها بِالرّقِّ قَالَه الْأَذْرَعِيّ بحثا وَهُوَ حسن وَمِنْهَا طَلَاق الْمُتَحَيِّرَة فَلَيْسَ بسني وَلَا بدعي وَمِنْهَا طَلَاق الْحكمَيْنِ فِي صُورَة الشقاق وَمِنْهَا طَلَاق الْمولى إِذا طُولِبَ فِي الْحيض ثَانِيَة وَمِنْهَا مَا لَو خَالعهَا على عوض لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} وَإِن توقف فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 الرَّافِعِيّ وَمِنْهَا مَا لَو طَلقهَا فِي الطُّهْر طَلْقَة ثمَّ طَلقهَا {فِيمَا افتدت بِهِ} ولحاجتها إِلَى الْخَلَاص بالمفارقة حَيْثُ افتدت بِالْمَالِ وَهَذَا لَيْسَ بسني وَلَا بدعي وَهُوَ وَارِد على قَول المُصَنّف طَلَاق لَيْسَ بدعيا وَلَا سنيا (وَضرب لَيْسَ فِي طلاقهن سنة وَلَا بِدعَة) على الْمَشْهُور من الْمَذْهَب كَمَا فِي الرَّوْضَة (وَهن أَربع) الأولى (الصَّغِيرَة) الَّتِي لم تَحض (و) الثَّانِيَة (الآيسة) لِأَن عدتهما بِالْأَشْهرِ فَلَا ضَرَر يلحقهما (و) الثَّالِثَة (الْحَامِل) الَّتِي ظهر حملهَا لِأَن عدتهَا بوضعها فَلَا تخْتَلف الْمدَّة فِي حَقّهَا وَلَا نَدم بعد ظُهُور الْحمل (و) الرَّابِعَة (المختلعة الَّتِي لم يدْخل بهَا) إِذْ لَا عدَّة عَلَيْهَا مَا يطْلب مِمَّن يُطلق بدعيا تَتِمَّة من طلق بدعيا سنّ لَهُ الرّجْعَة ثمَّ بعْدهَا إِن شَاءَ طلق بعد تَمام طهر لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا طلق زَوجته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليُطَلِّقهَا طَاهِرا أَي قبل أَن يَمَسهَا إِن أَرَادَ كَمَا صرح بِهِ فِي بعض رواياتهما وَلَو قَالَ لحائض ممسوسة أَو نفسَاء أَنْت طَالِق للبدعة وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال أَو أَنْت طَالِق للسّنة فَيَقَع الطَّلَاق حِين تطهر وَلَو قَالَ لمن فِي طهر لم تمس فِيهِ أَنْت طَالِق للسّنة وَقع فِي الْحَال فِي وَإِن مست فِيهِ فحين تطهر بعد الْحيض أَو للبدعة وَقع فِي الْحَال إِن مست فِيهِ أَو حيض قبله وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة حَسَنَة أَو أحسن الطَّلَاق أَو أفضله أَو أعدله أَو أجمله فكالسنة أَو طَلْقَة قبيحة أَو أقبح الطَّلَاق أَو أسمجه أَو أفحشه فكالبدعة وَقَوله لَهَا طَلقتك طَلَاقا كالثلج أَو كالنار يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَيَلْغُو التَّشْبِيه الْمَذْكُور فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات وَفِي الِاسْتِثْنَاء وَالتَّعْلِيق وَالْمحل الْقَابِل للطَّلَاق وشروط الْمُطلق وَقد شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ عدد الطلقات بقوله (وَيملك الْحر) على زَوجته سَوَاء أَكَانَت حرَّة أَو أمة (ثَلَاث تَطْلِيقَات) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ من قَوْله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة فَقَالَ أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَإِنَّمَا لم يعتبروا رق الزَّوْجَة لِأَن الِاعْتِبَار فِي الطَّلَاق بِالزَّوْجِ لما رُوِيَ الْبَيْهَقِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء وَلَا يحرم جمع الطلقات لِأَن عويمرا الْعجْلَاني لما لَاعن امْرَأَته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يُخبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم أَنَّهَا تبين بِاللّعانِ مُتَّفق عَلَيْهِ فَلَو كَانَ إِيقَاع الثَّلَاث حَرَامًا لنهاه عَن ذَلِك ليعلمه هُوَ وَمن حَضَره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 (و) يملك (العَبْد طَلْقَتَيْنِ) فَقَط وَإِن كَانَت زَوجته حرَّة لما روى الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعا طَلَاق العَبْد طَلْقَتَانِ وَالْمكَاتب والمبعض وَالْمُدبر كالقن وَإِنَّمَا لم يعتبروا حريَّة الزَّوْجَة لما مر تَنْبِيه قد يملك العَبْد ثَالِثَة كذمي طلق زَوجته طَلْقَتَيْنِ ثمَّ الْتحق بدار الْحَرْب واسترق ثمَّ أَرَادَ نِكَاحهَا فَإِنَّهَا تحل لَهُ على الْأَصَح وَيملك عَلَيْهَا الثَّالِثَة لِأَنَّهَا لم تحرم عَلَيْهِ بالطلقتين وطريان الرّقّ لَا يمْنَع الْحل السَّابِق بِخِلَاف مَا لَو طَلقهَا طَلْقَة ثمَّ اسْترق فَإِنَّهَا تعود لَهُ بِطَلْقَة فَقَط لِأَنَّهُ رق قبل اسْتِيفَاء عدد العبيد القَوْل فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء بقوله (وَيصِح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق) لوُقُوعه فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَكَلَام الْعَرَب وَهُوَ الْإِخْرَاج بإلا أَو إِحْدَى أخواتها ولصحته شُرُوط خَمْسَة وَهِي (إِذا وَصله بِهِ) أَي الْيَمين ونواه قبل فَرَاغه وَقصد بِهِ رفع حكم الْيَمين وتلفظ بِهِ مسمعا بِهِ نَفسه وَلم يسْتَغْرق فَلَو انْفَصل زَائِدا على سكتة النَّفس ضرّ أما لَو سكت لتنفس أَو انْقِطَاع صَوت فَإِنَّهُ لَا يضر لِأَن ذَلِك لَا يعد فاصلا بِخِلَاف الْكَلَام الْأَجْنَبِيّ وَلَو يَسِيرا أَو نَوَاه بعد فرَاغ الْيَمين ضرّ بِخِلَاف مَا إِذا نَوَاه قبلهَا لِأَن الْيَمين إِنَّمَا تعْتَبر بِتَمَامِهَا وَذَلِكَ صَادِق بِأَن ينويه أَولهَا أَو آخرهَا أَو مَا بَينهمَا أَو لم يقْصد بِهِ رفع حكم الْيَمين أَو لم قصد بِهِ رفع حكم الْيَمين وَلم يتَلَفَّظ بِهِ أَو تلفظ بِهِ وَلم يسمع بِهِ نَفسه عِنْد اعْتِدَال سَمعه أَو استغرق الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ضرّ والمستغرق بَاطِل بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الإِمَام والآمدي فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا لم يَصح الِاسْتِثْنَاء وَطلقت ثَلَاثًا وَيصِح تَقْدِيم الْمُسْتَثْنى على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَأَنْت إِلَّا وَاحِدَة طَالِق ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاء يعْتَبر من الملفوظ بِهِ لَا من الْمَمْلُوك فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق خمْسا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع طَلْقَتَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف طَلْقَة وَقع ثَلَاثًا لِأَنَّهُ إِذا اسْتثْنى من طَلْقَة بعض طَلْقَة بَقِي بَعْضهَا وَمَتى بَقِي كملت تَنْبِيه يُطلق الِاسْتِثْنَاء شرعا عل التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو إِن لم يَشَأْ الله تَعَالَى طَلَاقك وَقصد التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ فِي الأولى وبعدمها فِي الثَّانِيَة قبل فرَاغ الطَّلَاق لم يَحْنَث لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ من مَشِيئَة الله تَعَالَى وَعدمهَا غير مَعْلُوم فَإِن لم يقْصد بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيق بِأَن سبق إِلَى لِسَانه لتعوده بهَا كَمَا هُوَ الْأَدَب أَو قَصدهَا بعد الْفَرَاغ من الطَّلَاق أَو قصد بهَا التَّبَرُّك أَو أَن كل شَيْء بِمَشِيئَة الله تَعَالَى أَو لم يعلم هَل قصد التَّعْلِيق أم لَا حنث وَكَذَا إِن أطلق كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَامهم وَكَذَا يمْنَع التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَاد نِيَّة وضوء أَو صَلَاة أوصوم أوغيرها عِنْد قصد التَّعْلِيق وانعقاد تَعْلِيق وانعقاد عتق وانعقاد يَمِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 وانعقاد نذر وانعقاد كل تصرف غير مَا ذكر مِمَّا حَقه الْجَزْم كَبيع وَإِقْرَار وَإِجَارَة وَلَو قَالَ يَا طَالِق إِن شَاءَ الله وَقع طَلْقَة فِي الْأَصَح نظرا لصورة النداء الْمشعر بِحُصُول الطَّلَاق حَالَته وَالْحَاصِل لَا يعلق بِخِلَاف أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ قد يسْتَعْمل عِنْد الْقرب مِنْهُ وتوقع الْحُصُول كَمَا يُقَال للقريب من الْوُصُول أَنْت وَاصل وللمريض المتوقع شفاؤه أَنْت صَحِيح فينتظم الِاسْتِثْنَاء فِي مثله القَوْل فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالصّفةِ وَالشّرط ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ التَّعْلِيق بقوله (وَيصِح تَعْلِيقه) أَي الطَّلَاق قِيَاسا على الْعتْق (بِالصّفةِ) فَتطلق عِنْد وجودهَا فَإِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فِي شهر كَذَا أَو فِي غرته أَو فِي رَأسه أَو فِي أَوله وَقع الطَّلَاق مَعَ أول جُزْء من اللَّيْلَة الأولى مِنْهُ أَو أَنْت طَالِق فِي نَهَار كَذَا من شهر كَذَا أَو أول يَوْم مِنْهُ فَتطلق بِأول فجر يَوْم مِنْهُ أَو أَنْت طَالِق فِي آخر شهر كَذَا أَو سلخه فَتطلق بآخر جُزْء من الشَّهْر وَإِن علق بِأول آخِره طلقت بِأول الْيَوْم الْأَخير مِنْهُ لِأَنَّهُ أول آخِره وَلَو علق بآخر أَوله طلقت بآخر الْيَوْم الأول مِنْهُ لِأَنَّهُ آخر أَوله وَلَو علق بانتصاف الشَّهْر طلقت بغروب شمس الْخَامِس عشر وَإِن نقص الشَّهْر لِأَن الْمَفْهُوم من ذَلِك وَلَو علق بِنصْف نصفه الأول طلقت بِطُلُوع فجر الثَّامِن لِأَن نصف نصفه سبع لَيَال وَنصف وَسَبْعَة أَيَّام وَنصف وَاللَّيْل سَابق النَّهَار فيقابل نصف لَيْلَة بِنصْف يَوْم وَيجْعَل ثَمَان لَيَال وَسَبْعَة أَيَّام نصفا وَسبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام نصفا وَلَو علق بِمَا بَين اللَّيْل وَالنَّهَار طلقت بالغروب إِن علق نَهَارا وبالفجر إِن علق لَيْلًا إِذا كل مِنْهُمَا عبارَة عَن مَجْمُوع جُزْء من اللَّيْل وجزء من النَّهَار إِذْ لَا فاصل بَين الزمانين وَقَوله (وَالشّرط) مجرور عطفا على الصّفة قَالَ فِي الْمطلب وَقد استؤنس لجَوَاز تَعْلِيق الطَّلَاق بِالشّرطِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم انْتهى وأدوات التَّعْلِيق بِالشّرطِ وَالصِّفَات إِن وَهِي أم الْبَاب نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَمن بِفَتْح الْمِيم كمن دخلت من نسَائِي الدَّار فَهِيَ طَالِق وَإِذا وَمَتى وَمَتى مَا بِزِيَادَة مَا وَكلما نَحْو كلما دخلت الدَّار وَاحِدَة من نسَائِي فَهِيَ طَالِق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 وَأي كأي وَقت دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَمن الأدوات إِذْ مَا على رَأْي سِيبَوَيْهٍ وَمهما وَهِي بِمَعْنى مَا وَمَا الشّرطِيَّة وَإِذ مَا وأيا مَا كلمة وأيان وَهِي كمتى فِي تَعْمِيم الْأَزْمَان وَأَيْنَ وحيثما لتعميم الْأَمْكِنَة وَكَيف وكيفما للتعليق على الْأَحْوَال وَفِي فَتَاوَى الْغَزالِيّ أَن التَّعْلِيق يكون بِلَا فِي بلد عَم الْعرف فِيهَا كَقَوْل أهل بَغْدَاد أَنْت طَالِق لَا دخلت الدَّار وَيكون التَّعْلِيق أَيْضا بلو كَأَنْت طَالِق لَو دخلت الدَّار كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَهَذِه الأدوات لَا تَقْتَضِي الْوُقُوع بِالْوَضْعِ فَوْرًا فِي الْمُعَلق عَلَيْهِ وَلَا تراخيا إِن علق بمثبت كالدخول فِي غير خلع أما فِيهِ فَإِنَّهَا تفِيد الْفَوْرِيَّة فِي بعض صيغه كَإِن وَإِذا كَإِن ضمنت أَو إِذا ضمنت لي ألفا فَأَنت طَالِق وَكَذَا تفِيد الْفَوْرِيَّة فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ نَحْو أَنْت طَالِق إِن شِئْت أَو إِذا شِئْت لِأَنَّهُ تمْلِيك على الصَّحِيح بِخِلَاف مَتى شِئْت وَلَا تَقْتَضِي هَذِه الأدوات تكرارية فِي الْمُعَلق عَلَيْهِ بل إِذا وجد مرّة وَاحِدَة فِي غير نِسْيَان وَلَا إِكْرَاه انْحَلَّت الْيَمين وَلم يُؤثر وجودهَا ثَانِيًا إِلَّا فِي كلما فَإِن التَّعْلِيق بهَا يُفِيد التّكْرَار فَلَو قَالَ من لَهُ عبيد وَتَحْته أَربع نسْوَة إِن طلقت وَاحِدَة فعبد من عَبِيدِي حر أَو اثْنَتَيْنِ فعبدان أَو ثَلَاثًا فَثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة فَأَرْبَعَة وطلق أَرْبعا مَعًا أَو مُرَتبا عتق عشرَة وَاحِد بِطَلَاق الأولى وَاثْنَانِ بِطَلَاق الثَّانِيَة وَثَلَاثَة بِطَلَاق الثَّالِثَة وَأَرْبَعَة بِطَلَاق الرَّابِعَة ومجموع ذَلِك عشرَة وَلَو علق بكلما فخمسة عشر لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التّكْرَار كَمَا مر لِأَن فِيهَا أَرْبَعَة آحَاد واثنتين مرَّتَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فَيعتق وَاحِد بِطَلَاق الأولى وَثَلَاث بِطَلَاق الثَّانِيَة لِأَنَّهُ صدق بِهِ طَلَاق وَاحِدَة وَطَلَاق ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعَة بِطَلَاق الثَّالِثَة لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ طَلَاق وَلَا طَلَاق وَاحِدَة ثَلَاث وَسَبْعَة بِطَلَاق الرَّابِعَة لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ طَلَاق وَاحِدَة وَطَلَاق ثِنْتَيْنِ غير الْأَوليين وَطَلَاق أَرْبَعَة ومجموع ذَلِك خَمْسَة عشر ثمَّ شرع فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ الْمحل بقوله (وَلَا يَقع الطَّلَاق) الْمُعَلق (قبل النِّكَاح) بعد وجوده لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح صَححهُ التِّرْمِذِيّ الْقسم الْخَامِس وَهُوَ شُرُوط الْمُطلق ثمَّ شرع فِي الْقسم الْخَامِس وَهُوَ شُرُوط الْمُطلق بقوله (وَأَرْبع لَا يَقع طلاقهم) بتنجيز وَلَا تَعْلِيق الأول (الصَّبِي) وَالثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 (الْمَجْنُون و) الثَّالِث (النَّائِم) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ صَححهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَحَيْثُ ارْتَفع عَنْهُم الْقَلَم بَطل تصرفهم نعم لَو طَرَأَ الْجُنُون من سكر تعدى بِهِ صَحَّ تصرفه لِأَنَّهُ لَو طلق فِي هَذَا الْجُنُون وَقع طَلَاقه على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي كتب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة والمبرسم وَالْمَعْتُوه وَهُوَ النَّاقِص الْعقل كَمَا فِي الصِّحَاح كَالْمَجْنُونِ (و) الرَّابِع (الْمُكْره) بِفَتْح الرَّاء على طَلَاق زَوجته لَا يَقع خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَلخَبَر لَا طَلَاق فِي إغلاق أَي إِكْرَاه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده على شَرط مُسلم فَإِن ظهر من الْمُكْره قرينَة اخْتِيَار مِنْهُ للطَّلَاق كَأَن أكره على ثَلَاث طلقات فَطلق وَاحِدَة أَو على طَلَاق صَرِيح فكنى وَنوى أَو على تَعْلِيق فنجز أَو بِالْعَكْسِ لهَذِهِ الصُّور وَقع الطَّلَاق فِي الْجَمِيع لِأَن مُخَالفَته تشعر اخْتِيَاره فِيمَا أَتَى بِهِ وَشرط حُصُول الْإِكْرَاه قدرَة الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ الْمُكْره بِفَتْحِهَا تهديد عَاجلا ظلما بِولَايَة أَو تغلب وَعجز الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء عَن دفع الْمُكْره بِكَسْرِهَا بهرب أَو غَيره كاستغاثة بِغَيْرِهِ وظنه أَنه إِن امْتنع من فعل مَا أكره عَلَيْهِ حقق فعل مَا خَوفه بِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق الْعَجز إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة فَخرج بعاجلا مَا لَو قَالَ لأَقْتُلَنك غَدا فَلَيْسَ بإكراه وبظلما مَا لَو قَالَ ولي الْقصاص للجاني طلق زَوجتك وَإِلَّا اقتصصت مِنْك لم يكن إِكْرَاها وَيحصل الْإِكْرَاه بتخويف بِضَرْب شَدِيد أَو حبس طَوِيل أَو إِتْلَاف مَال أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُؤثر الْعَاقِل لأَجله الْإِقْدَام على مَا أكره عَلَيْهِ وَيخْتَلف الْإِكْرَاه باخْتلَاف الْأَشْخَاص والأسباب الْمُكْره عَلَيْهَا فقد يكون الشَّيْء إِكْرَاها فِي شخص دون آخر وَفِي سَبَب دون آخر فالإكراه بِإِتْلَاف مَال لَا يضيق على الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء كخمسة دَرَاهِم فِي حق الْمُوسر لَيْسَ بإكراه على الطَّلَاق لِأَن الْإِنْسَان يتحمله وَلَا يُطلق بِخِلَاف المَال الَّذِي يضيق عَلَيْهِ وَالْحَبْس فِي الْوَجِيه إِكْرَاه وَإِن قل كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَالضَّرْب الْيَسِير فِي أهل المروءات إِكْرَاه وَخرج بِقَيْد طَلَاق زَوجته فِيمَا تقدم مَا إِذا أكرهه على طَلَاق زَوْجَة نَفسه بِأَن قَالَ لَهُ طلق زَوْجَتي وَإِلَّا قتلتك فَطلقهَا وَقع على الصَّحِيح لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِذْن كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَتِمَّة لَو قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَطلقهَا طَلْقَة أَو أَكثر وَقع الْمُنجز فَقَط وَلَا يَقع مَعَه الْمُعَلق لزيادته على الْمَمْلُوك وَقيل لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُنجز لوقع الْمُعَلق قبله بِحكم التَّعْلِيق وَلَو وَقع الْمُعَلق لم يَقع الْمُنجز وَإِذا لم يَقع الْمُنجز لم يَقع الْمُعَلق وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى السريجية منسوبة لِابْنِ سُرَيج وَجرى عَلَيْهَا كثير من الْأَصْحَاب وَالْأول هُوَ مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين لَا يجوز التَّقْلِيد فِي عدم الْوُقُوع وَقَالَ ابْن الصّباغ وددت لَو محيت هَذِه الْمَسْأَلَة وَابْن سُرَيج بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيْهِ فِيهَا وَلَو علق الطَّلَاق بمستحيل عرفا كصعود السَّمَاء والطيران أَو عقلا كالجمع بَين الضدين أَو شرعا كنسخ صَوْم رَمَضَان لم تطلق لِأَنَّهُ لم ينجز الطَّلَاق وَإِنَّمَا علقه على صفة لم تُوجد وَالْيَمِين فِيمَا ذكر منعقدة حَتَّى يَحْنَث بهَا الْمُعَلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 على الْحلف وَلَو قَالَ لزوجته إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق فكلمت حَائِطا مثلا وَهُوَ يسمع لم يَحْنَث فِي أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لم تكَلمه وَلَو قَالَ لَهَا إِن كلمت رجلا فَأَنت طَالِق فكلمت أَبَاهَا أَو أحدا من محارمها طلقت لوُجُود الصّفة فَإِن قَالَ قصدت منعهَا من مكالمة الْأَجَانِب قبل مِنْهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِر وفروع الطَّلَاق لَا تَنْحَصِر وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة لمن وَفقه الله لهَذَا الْمُخْتَصر الَّذِي عَم نَفعه فِي الْوُجُود ونفع الله تَعَالَى بِهِ ورحم مُؤَلفه وشارحيه آمين فصل فِي الرّجْعَة بِفَتْح الرَّاء أفْصح من كسرهَا عِنْد الْجَوْهَرِي وَالْكَسْر أَكثر عِنْد الْأَزْهَرِي وَهِي لُغَة الْمرة من الرُّجُوع وَشرعا رد الْمَرْأَة إِلَى النِّكَاح من طَلَاق غير بَائِن فِي الْعدة على وَجه مَخْصُوص كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} أَي فِي الْعدة {إِن أَرَادوا إصلاحا} أَي رَجْعَة كَمَا قَالَه الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ رَاجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَإِنَّهَا زَوجتك فِي الْجنَّة أَرْكَان الرّجْعَة أَرْكَانهَا ثَلَاثَة مَحل وَصِيغَة ومرتجع وَأما الطَّلَاق فَهُوَ سَبَب لَا ركن وَبَدَأَ المُصَنّف بِشُرُوط الرُّكْن الأول وَهُوَ مَحل بقوله (وشروط) صِحَة (الرّجْعَة أَرْبَعَة) وَترك خَامِسًا وسادسا كَمَا ستعرفه الأول (أَن يكون الطَّلَاق دون الثَّلَاث) فِي الْحر وَدون اثْنَيْنِ فِي الرَّقِيق وَلَو قَالَ كَمَا فِي الْمِنْهَاج لم يسْتَوْف عدد الطَّلَاق لشمل ذَلِك أما إِذا استوفى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا سلطنة لَهُ عَلَيْهَا (و) الثَّانِي (أَن يكون) الطَّلَاق (بعد الدُّخُول بهَا) فَإِن كَانَ قبله فَلَا رَجْعَة لَهُ لبينونتها وكالوطء استدخال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم (و) الثَّالِث (أَن لَا يكون الطَّلَاق بعوض) مِنْهَا أَو من غَيرهَا فَإِن كَانَ على عوض فَلَا رَجْعَة كَمَا تقدم تَوْجِيهه فِي الْخلْع (و) الرَّابِع (أَن تكون) الرّجْعَة (قبل انْقِضَاء الْعدة) فَإِذا انْقَضتْ فَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف فِي الْفَصْل بعده مَعَ أَن هَذَا الْفَصْل سَاقِط من بعض النّسخ وَالْخَامِس كَون الْمُطلقَة قَابِلَة للْحلّ للمراجع فَلَو أسلمت الْكَافِرَة وَاسْتمرّ زَوجهَا وراجعها فِي كفره لم يَصح أَو ارْتَدَّت الْمسلمَة لم تصح مراجعتها فِي حَال ردتها لِأَن مَقْصُود الرّجْعَة الْحل وَالرِّدَّة تنافيه وَكَذَا لَو ارْتَدَّ الزَّوْجَة أَو ارتدا مَعًا وَضَابِط ذَلِك انْتِقَال أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى دين يمْنَع دوَام النِّكَاح وَالسَّادِس كَونهَا مُعينَة فَلَو طلق إِحْدَى زوجتيه وَأبْهم ثمَّ رَاجع إِحْدَاهمَا أَو طلقهما جَمِيعًا ثمَّ رَاجع إِحْدَاهُنَّ لم تصح الرّجْعَة إِذْ لَيست الرّجْعَة فِي احْتِمَال الْإِبْهَام كَالطَّلَاقِ لشبهها بِالنِّكَاحِ لَا يَصح مَعَ الْإِبْهَام وَلَو تعيّنت ونسيت لم تصح رَجعتهَا أَيْضا فِي الْأَصَح تَتِمَّة لَو علق طَلاقهَا على شَيْء وَشك فِي حُصُوله فراجع ثمَّ علم أَنه كَانَ حَاصِلا فَفِي صِحَة الرّجْعَة وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَه شيخ النَّوَوِيّ الْكَمَال سَلام فِي مُخْتَصر الْبَحْر إِنَّهَا تصح بِغَيْر عوض مِنْهُ حرَّة كَانَت أَو أمة طَلْقَة (وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ) بعد وَطئهَا وَلَو فِي الدبر بِنَاء على أَنه يُوجب الْعدة وَهُوَ الْأَصَح وَكَذَا لَو استدخلت مَاءَهُ الْمُحْتَرَم فَإِن الرّجْعَة تثبت بِهِ على الْمُعْتَمد (فَلهُ مراجعتها) بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن سَيِّدهَا (مَا لم تنقض عدتهَا) لقَوْله تَعَالَى {فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} وَلَو كَانَ حق الرّجْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة (وَإِذا طلق) الْحر امْرَأَته بَاقِيا لما كَانَ يُبَاح لَهُنَّ النِّكَاح تَنْبِيه يرد عَلَيْهِ مَا إِذا خالط الرَّجْعِيَّة مُخَالطَة الْأزْوَاج بِلَا وَطْء فَإِن الْعدة لَا تَنْقَضِي وَلَا رَجْعَة لَهُ بعد الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر كَمَا فِي الرَّوْضَة والمنهاج وأصليهما وَإِن خَالف فِي ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين وَدخل فِي كَلَامه مَا إِذا وطِئت بِشُبْهَة فَحملت ثمَّ طَلقهَا فَإِن لَهُ الرّجْعَة فِي عدَّة الْحمل على الْأَصَح مَعَ أَنَّهَا لَيست فِي عدته وَلَكِن لم تنقض عدتهَا القَوْل فِي شُرُوط المرتجع وَشرط فِي المرتجع وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي الِاخْتِيَار وأهلية النِّكَاح بِنَفسِهِ وَإِن توقف على إِذن فَتَصِح رَجْعَة سَكرَان وسفيه ومحرم لَا مَجْنُون ومكره ولولي من جن وَقد وَقع عَلَيْهِ طَلَاق رَجْعَة حَيْثُ يُزَوجهُ بِأَن يحْتَاج إِلَيْهِ وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث لفظ يشْعر بالمراد بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَذَلِكَ إِمَّا صَرِيح وَهُوَ كرددتك إِلَيّ ورجعتك وارتجعتك وراجعتك وأمسكتك لشهرتها فِي ذَلِك وورودها فِي الْكتاب وَالسّنة وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر مَا اشتق من مصادرها كَأَنْت مُرَاجعَة وَمَا كَانَ بالعجمية وَإِن أحسن الْعَرَبيَّة وَإِمَّا كِنَايَة كتزوجتك ونكحتك وَيشْتَرط فِيهَا تَنْجِيز وَعدم تأقيت فَلَو قَالَ رَاجَعتك إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت أَو رَاجَعتك شهرا لم تحصل الرّجْعَة وَسن إِشْهَاد عَلَيْهَا خُرُوجًا من خلاف من أوجبه وَإِنَّمَا لم يجب لِأَنَّهَا فِي حكم اسْتِدَامَة النِّكَاح السَّابِق وَإِنَّمَا وَجب الْإِشْهَاد على النِّكَاح لإِثْبَات الْفراش وَهُوَ ثَابت هُنَا تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن الرّجْعَة لَا تحصل بِفعل غير الْكِتَابَة وَإِشَارَة الْأَخْرَس المفهمة كَوَطْء ومقدماته وَإِن نوى بِهِ الرّجْعَة لعدم دلَالَته عَلَيْهَا (فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا) بِوَضْع حمل أَو أَقراء أَو أشهر (كَانَ لَهُ) إِعَادَة (نِكَاحهَا بِعقد جَدِيد) بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدّمَة فِي بَابه لبينونتها حِينَئِذٍ وَحلفت فِي انْقِضَاء الْعدة بِغَيْر أشهر من أَقراء أَو وضع إِذا أنكرهُ الزَّوْج فَتصدق فِي ذَلِك إِن أمكن وَإِن خَالَفت عَادَتهَا لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 النِّسَاء مؤتمنات على أرحامهن وَخرج بِانْقِضَاء الْعدة غَيره كنسب واستيلاد فَلَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة وَبِغير الْأَشْهر انقضاؤها بِالْأَشْهرِ وبالإمكان مَا إِذا لم يُمكن لصِغَر أَو يأس أَو غَيره فَيصدق بِيَمِينِهِ وَيُمكن انقضاؤها بِوَضْع لتَمام بِسِتَّة أشهر ولحظتين من حِين إِمْكَان اجْتِمَاعهمَا بعد النِّكَاح والمصور بِمِائَة وَعشْرين يَوْمًا ولحظتين ولمضغة بِثَمَانِينَ يَوْمًا ولحظتين وبأقراء لحرة طلقت فِي طهر سبق بحيض بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ولحظتين وَفِي حيض بسبعة وَأَرْبَعين يَوْمًا ولحظة ولغير حرَّة طلقت فِي طهر سبق بحيض بِسِتَّة عشر يَوْمًا ولحظتين وَفِي حيض بِإِحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ولحظة (و) إِذا انْقَضتْ عدتهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا (تكون مَعَه على مَا بَقِي) لَهُ (من) عدد (الطَّلَاق) لما روى الْبَيْهَقِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه أفتى بذلك وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلم يظْهر لَهُم مُخَالف القَوْل فِيمَا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا (فَإِن طَلقهَا) أَي الْحر (ثَلَاثًا) أَو العَبْد وَلَو مبعضا طَلْقَتَيْنِ مَعًا أَو مُرَتبا قبل الدُّخُول أَو بعده فِي نِكَاح أَو أنكحة (لم تحل) أَي الْمُطلقَة (لَهُ إِلَّا بعد وجود خَمْسَة أَشْيَاء) فِي الْمَدْخُول بهَا وعَلى وجود مَا عدا الأول مِنْهَا فِي غَيرهَا الأول (انْقِضَاء عدتهَا مِنْهُ) أَي الْمُطلق (و) الثَّانِي (تَزْوِيجهَا بِغَيْرِهِ) وَلَو عبدا أَو مَجْنُونا (و) الثَّالِث (دُخُوله بهَا وإصابتها) بِدُخُول حشفته أَو قدرهَا من مقطوعها وَلَو كَانَ عَلَيْهَا حَائِل كَأَن لف عَلَيْهَا خرقَة فَإِنَّهُ يَكْفِي تغييبها فِي قبلهَا خَاصَّة لَا فِي غَيره كدبرها كَمَا لَا يحصل بِهِ التحصين وَسَوَاء أولج هُوَ أم نزلت عَلَيْهِ فِي يقظة أَو نوم أَو أولج فِيهَا وَهِي نَائِمَة (و) الرَّابِع (بينونتها مِنْهُ) أَي الزَّوْج الثَّانِي بِطَلَاق أَو فسخ أَو موت (و) الْخَامِس (انْقِضَاء عدتهَا مِنْهُ) لاستبراء رَحمهَا لاحْتِمَال علوقها من إِنْزَال حصل مِنْهُ تَنْبِيه يشْتَرط انتشار الْآلَة وَإِن ضعف الانتشار واستعان بِأُصْبُعِهِ أَو أصبعها بِخِلَاف مَا لم ينتشر لشلل أَو عنة أَو غَيره فَالْمُعْتَبر الانتشار بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ على الْأَصَح كَمَا أفهمهُ كَلَام الْأَكْثَرين وَصرح بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وصاحبا الْمُهَذّب وَالْبَيَان وَغَيرهم حَتَّى لَو أَدخل السَّلِيم ذكره بِأُصْبُعِهِ بِلَا انتشار لم يحلل كالطفل فَمَا قيل إِن الانتشار بِالْفِعْلِ لم يقل بِهِ أحد مَمْنُوع وَلَا بُد أَيْضا من صِحَة النِّكَاح فَلَا يحلل الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَلَا ملك الْيَمين وَلَا وَطْء الشُّبْهَة لِأَنَّهُ تَعَالَى علق الْحل بِالنِّكَاحِ وَهُوَ إِنَّمَا يتَنَاوَل النِّكَاح الصَّحِيح بِدَلِيل مَا لَو حلف لَا ينْكح لَا يَحْنَث بِمَا ذكر وَكَون الزَّوْج مِمَّن يُمكن جمَاعه لَا طفْلا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِك أَو يَتَأَتَّى مِنْهُ وَهُوَ رَقِيق لِأَن نِكَاحه إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالإجبار وَقد مر أَنه مُمْتَنع فليحذر مِمَّا وَقع لبَعض الرؤساء والجهال من الْحِيلَة لدفع الْعَار من إنكاحها مَمْلُوكه الصَّغِير ثمَّ بعد وَطئه يملكهُ لَهَا لينفسخ النِّكَاح وَقد قيل إِن بعض الرؤساء فعل ذَلِك وأعادها فَلم يوفق الله بَينهمَا وتفرقا وَإِنَّمَا حرمت عَلَيْهِ إِلَى أَن تتحلل تنفيرا من الطَّلَاق الثَّلَاث وَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن طَلقهَا} أَي الثَّالِثَة {فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 تَتِمَّة يَكْفِي وَطْء محرم بنسك وَخصي وَلَو كَانَ صَائِما أَو كَانَت حَائِضًا أَو صَائِمَة أَو مُظَاهرا مِنْهَا أَو مُعْتَدَّة من شُبْهَة وَقعت فِي نِكَاح الْمُحَلّل أَو مُحرمَة بنسك لِأَنَّهُ وَطْء زوج فِي نِكَاح صَحِيح وَيشْتَرط فِي تَحْلِيل الْبكر الافتضاض كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ وَتحل كِتَابِيَّة لمُسلم بِوَطْء مَجُوسِيّ أَو وَثني فِي نِكَاح نقرهم عَلَيْهِ وَلَو نكح الزَّوْج الثَّانِي بِشَرْط أَنه إِذا وَطئهَا طَلقهَا أَو فَلَا نِكَاح بَينهمَا وَشرط ذَلِك فِي صلب العقد لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ شَرط يمْنَع دوَام النِّكَاح فَأشبه التَّأْقِيت وَلَو تواطأ العاقدان على شَيْء من ذَلِك قبل العقد ثمَّ عقدا بذلك الْقَصْد بِلَا شَرط كره وَلَو نَكَحَهَا بِشَرْط أَن لَا يَطَأهَا وَأَن لَا يَطَأهَا إِلَّا نَهَارا أَو إِلَّا مرّة مثلا لم يَصح النِّكَاح إِن كَانَ الشَّرْط من جِهَتهَا لمنافاته مَقْصُود العقد فَإِن وَقع الشَّرْط مِنْهُ لم يضر لِأَن الْوَطْء حق لَهُ فَلهُ تَركه والتمكين حق عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا تَركه وَيقبل قَول الْمُطلقَة ثَلَاثًا فِي التَّحْلِيل بِيَمِينِهَا عِنْد الْإِمْكَان وللأول تَزْوِيجهَا وَإِن ظن كذبهَا لَكِن يكره فَإِن قَالَ هِيَ كَاذِبَة منع من تَزْوِيجهَا إِلَّا إِن قَالَ بعده تبين لي صدقهَا وَلَو حرمت عَلَيْهِ زَوجته الْأمة بِإِزَالَة مَا يملكهُ عَلَيْهَا من الطَّلَاق ثمَّ اشْتَرَاهَا قبل التَّحْلِيل لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا لظَاهِر الْقُرْآن فصل فِي الْإِيلَاء وَهُوَ لُغَة الْحلف قَالَ الشَّاعِر وأكذب مَا يكون أَبُو الْمثنى إِذا آلى يَمِينا بِالطَّلَاق وَشرعا حلف زوج يَصح طَلَاقه على امْتِنَاعه من وَطْء زَوجته مُطلقًا أَو فَوق أَرْبَعَة أشهر كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} الْآيَة وَإِنَّمَا عدي فِيهَا بِمن وَهُوَ إِنَّمَا يعدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 بعلى لِأَنَّهُ ضمن معنى الْبعد كَأَنَّهُ قَالَ للَّذين يؤلون مبعدين أنفسهم من نِسَائِهِم وَهُوَ حرَام للإيذاء القَوْل فِي أَرْكَان الْإِيلَاء وأركانه سِتَّة حَالف ومحلوف بِهِ ومحلوف عَلَيْهِ وَمُدَّة وَصِيغَة وزوجان وَالْمُصَنّف ذكر بَعْضهَا بقوله (وَإِذا حلف) أَي الزَّوْج باسم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَو صفة من صِفَاته أَو بِالْتِزَام مَا يلْزم بِنذر أَو تَعْلِيق طَلَاق أَو عتق (أَن لَا يطَأ زَوجته) الْحرَّة أَو الْأمة وطئا شَرْعِيًّا فَهُوَ مول فَلَا إِيلَاء بحلفه على امْتِنَاعه من تمتعه بهَا بِغَيْر وَطْء وَلَا من وَطئهَا فِي دبرهَا أَو فِي قبلهَا فِي نَحْو حيض أَو إِحْرَام ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمدَّة بقوله (مُطلقًا) بِأَن يُطلق كَقَوْلِه وَالله لَا أطؤك (أَو مُدَّة تزيد على أَرْبَعَة أشهر) كَقَوْلِه وَالله لَا أطؤك خَمْسَة أشهر أَو قيد بمستبعد الْحُصُول فِيهَا كَقَوْلِه وَالله لَا أطؤك حَتَّى ينزل السَّيِّد عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو حَتَّى أَمُوت أَو تموتي أَو يَمُوت فلَان (فَهُوَ مول) لضررها بِمَنْع نَفسه مِمَّا لَهَا فِيهِ حق العفاف وَخرج بِقَيْد الزَّوْجَة أمته فَلَا يَصح الْإِيلَاء مِنْهَا وبقيد الزِّيَادَة على أَرْبَعَة أشهر مَا إِذا حلف لَا يَطَؤُهَا مُدَّة وَسكت أَو لَا يَطَؤُهَا أَرْبَعَة أشهر فَإِنَّهُ لَا يكون موليا فيهمَا أما الأول فلتردد اللَّفْظ بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَأما الثَّانِي فلصبرها عَن الزَّوْج هَذِه الْمدَّة فَإِذا قَالَ وَالله لَا أطؤك أَرْبَعَة أشهر فَإِذا مَضَت فوَاللَّه لَا أطؤك أَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ بمول لانْتِفَاء فَائِدَة الْإِيلَاء وَلكنه يَأْثَم لَكِن إِثْم الْإِيذَاء لَا إِثْم الْإِيلَاء قَالَ فِي الْمطلب وَكَأَنَّهُ دون إِثْم الْمولي وَيجوز أَن يكون فَوْقه لِأَن ذَلِك تقدر فِيهِ على رفع الضَّرَر بِخِلَاف هَذَا فَإِنَّهُ لَا رفع لَهُ إِلَّا من جِهَة الزَّوْج بِالْوَطْءِ هَذَا إِذا أعَاد حرف الْقسم فَلَو قَالَ وَالله لَا أطؤك أَرْبَعَة أشهر فَإِذا مَضَت فَلَا أطؤك أَرْبَعَة أشهر كَانَ موليا لِأَنَّهَا يَمِين وَاحِدَة اشْتَمَلت على أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وَلَو قَالَ وَالله لَا أطؤك خَمْسَة أشهر فَإِذا مَضَت فوَاللَّه لَا أطؤك سِتَّة أشهر فإيلاءان لكل مِنْهُمَا حكمه وَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بالإيلاء وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَذَلِكَ إِمَّا صَرِيح كتغييب حَشَفَة بفرج وَوَطْء وجماع كَقَوْلِه وَالله لَا أغيب حشفتي بفرجك أَو لَا أطؤك أَو لَا أجامعك فَإِن قَالَ أردْت بِالْوَطْءِ الْوَطْء بالقدم وبالجماع الِاجْتِمَاع لم يقبل فِي الظَّاهِر ويدين وَإِمَّا كِنَايَة كملامسة ومباضعة ومباشرة كَقَوْلِه وَالله لَا أمسك أَو لَا أباضعك أَو لَا أباشرك فيفتقر إِلَى نِيَّة الْوَطْء لعدم اشتهارها فِيهِ وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 قَالَ إِن وَطئتك فَعَبْدي حر فَزَالَ ملكه عَنهُ بِمَوْت أَو بِغَيْرِهِ زَالَ الْإِيلَاء لِأَنَّهُ لَا يلْزمه بِالْوَطْءِ بعد ذَلِك شَيْء وَلَو قَالَ إِن وَطئتك فضرتك طَالِق فمول من المخاطبة فَإِن وطأ فِي مُدَّة الْإِيلَاء أَو بعْدهَا طلقت الضرة لوُجُود الْمُعَلق عَلَيْهِ وَزَوَال الْإِيلَاء إِذْ لَا يلْزمه شَيْء بِوَطْئِهَا بعد وَلَو قَالَ وَالله لَا أطؤك سنة إِلَّا مرّة مثلا فمول إِن وطىء وَبَقِي من السّنة أَكثر من الْأَشْهر الْأَرْبَعَة لحُصُول الْحِنْث بِالْوَطْءِ بعد ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو بَقِي أَرْبَعَة أشهر فَأَقل فَلَيْسَ بمول بل حَالف (ويؤجل لَهُ) بِمَعْنى يُمْهل الْوَلِيّ وجوبا (إِن سَأَلت) زَوجته (ذَلِك أَرْبَعَة أشهر) سَوَاء الْحر وَالرَّقِيق فِي الزَّوْج وَالزَّوْجَة من حِين الْإِيلَاء فِي غير رَجْعِيَّة وابتداؤه فِي رَجْعِيَّة آلى مِنْهَا من حِين الرّجْعَة وَيقطع الْمدَّة ردة بعد دُخُول وَلَو من أَحدهمَا وَبعد الْمدَّة لارْتِفَاع النِّكَاح أَو اختلاله بهَا فَلَا يحْسب زَمَنهَا من الْمدَّة ومانع وَطْء بِالزَّوْجَةِ حسي أَو شَرْعِي غير نَحْو حيض كنفاس وَذَلِكَ كَمَرَض وجنون ونشوز وتلبس بِفَرْض نَحْو صَوْم كاعتكاف وإحرام فرضين لِامْتِنَاع الْوَطْء مَعَه بمانع من قبلهَا وتستأنف الْمدَّة بِزَوَال الْقَاطِع وَلَا تبني على مَا مضى تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف من توقف التَّأْجِيل على سؤالها مَمْنُوع فَهُوَ مُخَالف لقَوْل الإِمَام الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب فقد قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْأُم كَمَا فِي الْمطلب مَا نَصه وَمن حلف لَا يقرب امْرَأَته أَكثر من أَرْبَعَة أشهر فتركته امْرَأَته وَلم تطالبه حَتَّى مضى الْوَقْت الَّذِي حلف عَلَيْهِ فقد خرج من حكم الْإِيلَاء لِأَن الْيَمين سَاقِطَة عَنهُ اه فَلَو كَانَ التَّأْجِيل متوقفا على طلبَهَا لما حسبت الْمدَّة وَصرح الْأَصْحَاب بِضَرْب الْمدَّة بِنَفسِهَا سَوَاء علمت ثُبُوت حَقّهَا فِي الطّلب وَتركته قصدا أم لم تعلم حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة وَلَا تحْتَاج إِلَى ضرب القَاضِي لثبوتها بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم حَتَّى قَالَ فِي الرَّوْضَة لَو آلى ثمَّ غَابَ أَو آلى وَهُوَ غَائِب حسبت الْمدَّة (ثمَّ) إِذا مَضَت الْمدَّة وَلم يطَأ من غير مَانع بِالزَّوْجَةِ (يُخَيّر) الْمولي بطلبها (بَين الْفَيْئَة) بِأَن يولج الْمولي حشفته أَو قدرهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 من مقطوعها بقبل الْمَرْأَة وَسمي الْوَطْء فيئة لِأَنَّهُ من فَاء إِذا رَجَعَ (والتكفير) للْيَمِين إِن كَانَ حلفه بِاللَّه تَعَالَى على ترك وَطئهَا (أَو الطَّلَاق) للمحلوف عَلَيْهِ تَنْبِيه كَيْفيَّة الْمُطَالبَة أَنَّهَا تطالبه أَولا بالفيئة الَّتِي امْتنع مِنْهَا فَإِن لم يفىء طالبته بِطَلَاق لقَوْله تَعَالَى {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم وَإِن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم} وَلَو تركت حَقّهَا كَانَ لَهَا الْمُطَالبَة بعد ذَلِك لتجدد الضَّرَر وَلَيْسَ لسَيِّد الْأمة مُطَالبَته لِأَن التَّمَتُّع حَقّهَا وينتظر بُلُوغ المراهقة وَلَا يُطَالب وَليهَا لذَلِك وَمَا ذكرته من التَّرْتِيب بَين مطالبتها بالفيئة وَالطَّلَاق هُوَ مَا ذكره الرَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى تبعا لظَاهِر النَّص وَإِن كَانَ قَضِيَّة كَلَام الْمِنْهَاج أَنَّهَا تردد الطّلب بَينهمَا فَإِن كَانَ الْمَانِع بِالزَّوْجِ وَهُوَ طبعي كَمَرَض فتطالبه بالفيئة بِاللِّسَانِ بِأَن يَقُول إِذا قدرت فئت ثمَّ إِن لم يفىء طالبته بِطَلَاق أَو شَرْعِي كإحرام وَصَوْم وَاجِب فتطالبه بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ الَّذِي يُمكنهُ لحُرْمَة الْوَطْء فَإِن عصى بِوَطْء لم يُطَالب لانحلال الْيَمين (فَإِن امْتنع) مِنْهُمَا أَي الْفَيْئَة وَالطَّلَاق (طلق عَلَيْهِ الْحَاكِم) طَلْقَة نِيَابَة عَنهُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى دوَام إضرارها وَلَا إِجْبَار على الْفَيْئَة لِأَنَّهَا لَا تدخل تَحت الْإِجْبَار وَالطَّلَاق يقبل النِّيَابَة فناب الْحَاكِم عَنهُ عِنْد الِامْتِنَاع فَيَقُول أوقعت على فُلَانَة على فلَان طَلْقَة كَمَا حُكيَ عَن الْإِمْلَاء أَو حكمت عَلَيْهِ فِي زَوجته بِطَلْقَة تَنْبِيه يشْتَرط حُضُوره ليثبت امْتِنَاعه كالعضل إِلَّا إِن تعذر وَلَا يشْتَرط للطَّلَاق حُضُوره عِنْده وَلَا ينفذ طَلَاق القَاضِي فِي مُدَّة إمهاله وَلَا بعد وَطئه أَو طَلَاقه وَإِن طلقا مَعًا وَقع الطلاقان وَإِن طلق القَاضِي مَعَ الْفَيْئَة لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَة وَإِن طلق الزَّوْج بعد طَلَاق القَاضِي وَقع الطَّلَاق إِن كَانَ طَلَاق القَاضِي رَجْعِيًا تَتِمَّة لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاء أَو فِي انْقِضَاء مدَّته بِأَن ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ فَأنْكر صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عَدمه وَلَو اعْترفت بِالْوَطْءِ بعد الْمدَّة وَأنْكرهُ سقط حَقّهَا من الطّلب عملا باعترافها وَلم يقبل رُجُوعهَا عَنهُ لاعترافها بوصول حَقّهَا إِلَيْهَا وَلَو كرر يَمِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 الْإِيلَاء مرَّتَيْنِ فَأكْثر وَأَرَادَ بِغَيْر الأولى التَّأْكِيد لَهَا وَلَو تعدد الْمجْلس وَطَالَ الْفَصْل صدق بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْلِيق الطَّلَاق وَفرق بَينهَا وَبَين تَنْجِيز الطَّلَاق بِأَن التَّنْجِيز إنْشَاء وإيقاع وَالْإِيلَاء وَالتَّعْلِيق متعلقان بِأَمْر مُسْتَقْبل فالتأكيد بهما أليق أَو أَرَادَ الِاسْتِئْنَاف تعدّدت الْأَيْمَان وَإِن أطلق وَلم يرد تَأْكِيدًا وَلَا استئنافا فَوَاحِدَة إِن اتَّحد الْمجْلس حملا على التَّأْكِيد وَإِلَّا تعدّدت لبعد التَّأْكِيد مَعَ اخْتِلَاف الْمجْلس فصل فِي الظِّهَار هُوَ لُغَة مَأْخُوذ من الظّهْر لِأَن صورته الْأَصْلِيَّة أَن يَقُول لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وخصوا الظّهْر دون غَيره لِأَنَّهُ مَوضِع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوب الزَّوْج وَكَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة كالإيلاء فَغير الشَّرْع حكمه إِلَى تَحْرِيمهَا بعد الْعود وَلُزُوم الْكَفَّارَة كَمَا سَيَأْتِي وَحَقِيقَته الشَّرْعِيَّة تَشْبِيه الزَّوْج زَوجته فِي الْحُرْمَة بمحرمة كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَة {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} وَهُوَ من الْكَبَائِر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا} فَائِدَة سُورَة المجادلة فِي كل آيَة مِنْهَا اسْم الله تَعَالَى مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن سُورَة تشابههما وَهِي نصف الْقُرْآن عددا وعشره بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء وأركان الظِّهَار أَرْبَعَة صِيغَة وَمظَاهر وَمظَاهر مِنْهَا ومشبه بِهِ القَوْل فِي صِيغَة الظِّهَار وَكلهَا تُؤْخَذ من قَوْله (وَالظِّهَار أَن يَقُول) أَي وصيغته وَهُوَ الرُّكْن الأول أَن يَقُول (الرجل) أَي الزَّوْج وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي (لزوجته) أَي الْمظَاهر مِنْهَا وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث (أَنْت عَليّ) أَو مني أَو معي أَو عِنْدِي (كَظهر أُمِّي) أَي مركبي مِنْك حرَام كمركبي من أُمِّي وَهَذَا هُوَ الْمُشبه بِهِ وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع فقد حصل من كَلَام المُصَنّف جَمِيع الْأَركان وَلَكِن لَهَا شُرُوط فَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بالظهار وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَذَلِكَ إِمَّا صَرِيح كَأَنْت أَو رَأسك أَو يدك وَلَو بِدُونِ عَليّ كَظهر أُمِّي أَو كيدها أَو كِنَايَة كَأَنْت كأمي أَو كعينها أَو غَيرهَا مِمَّا يذكر للكرامة كرأسها القَوْل فِي شَرط الْمظَاهر وَشرط فِي الْمظَاهر كَونه زوجا يَصح طَلَاقه وَلَو عبدا أَو كَافِرًا أَو خَصيا أَو مجبوبا أَو سكرانا فَلَا يَصح من غير زوج وَإِن نكح من ظَاهر مِنْهَا وَلَا من صبي وَمَجْنُون ومكره القَوْل فِي شَرط الْمظَاهر مِنْهَا وَشرط فِي الْمظَاهر مِنْهَا كَونهَا زَوْجَة وَلَو أمة أَو صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة أَو رتقاء أَو قرناء أَو رَجْعِيَّة لَا أَجْنَبِيَّة وَلَو مختلعة أَو أمة كَالطَّلَاقِ فَلَو قَالَ لأجنبية إِن نكحتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو قَالَ السَّيِّد لأمته أَنْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 عَليّ كَظهر أُمِّي لم يَصح وَشرط فِي الْمُشبه بِهِ كَونه كل أُنْثَى محرم أَو جُزْء أُنْثَى محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة لَهُ تكن حلا للزَّوْج كبنته وَأُخْته من نسب ومرضعة أَبِيه أَو أمه وَزَوْجَة أَبِيه الَّتِي نَكَحَهَا قبل وِلَادَته أَو مَعهَا فِيمَا يظْهر بِخِلَاف غير الْأُنْثَى من ذكر وَخُنْثَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحل التَّمَتُّع وَبِخِلَاف من كَانَت حَلَاله كَزَوْجَة ابْنه وَبِخِلَاف أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن تحريمهن لَيْسَ للمحرمية بل لشرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما أُخْته من الرَّضَاع فَإِن كَانَت وِلَادَتهَا قبل إرضاعه فَلَا يَصح التَّشْبِيه بهَا وَإِن كَانَت بعده صَحَّ وَكَذَا إِن كَانَت مَعَه فِيمَا يظْهر تَنْبِيه يَصح تأقيت الظِّهَار كَأَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي يَوْمًا تَغْلِيبًا للْيَمِين فَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة أشهر كَانَ ظِهَارًا مؤقتا وإيلاء لامتناعه من وَطئهَا فَوق أَرْبَعَة أشهر وَيصِح تَعْلِيقه لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالتَّحْرِيمِ فَأشبه الطَّلَاق فَلَو قَالَ إِن ظَاهَرت من ضرتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَظَاهر مِنْهَا فمظاهر مِنْهُمَا عملا بِمُقْتَضى التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق القَوْل فِي مُضِيّ الْعود فِي الظِّهَار (فَإِذا قَالَ) الْمظَاهر (ذَلِك وَلم يتبعهُ بِالطَّلَاق) بِأَن يمْسِكهَا بعد ظِهَاره زمن إِمْكَان فرقة وَلم يفعل (صَار عَائِدًا) لِأَن تشبيهها بِالْأُمِّ مثلا يَقْتَضِي أَن لَا يمْسِكهَا زَوْجَة فَإِن أمْسكهَا زَوْجَة بعد عَاد فِيمَا قَالَ لِأَن الْعود لِلْقَوْلِ مُخَالفَته يُقَال قَالَ فلَان قولا ثمَّ عَاد لَهُ وَعَاد فِيهِ أَي خَالفه ونقضه وَهُوَ قريب من قَوْلهم عَاد فِي هِبته تَنْبِيه هَذَا فِي الظِّهَار المؤبد أَو الْمُطلق وَفِي غير الرَّجْعِيَّة لِأَنَّهُ فِي الظِّهَار الْمُؤَقت إِنَّمَا يصير عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمدَّة كَمَا سَيَأْتِي لَا بالإمساك وَالْعود فِي الرَّجْعِيَّة إِنَّمَا هُوَ بالرجعة وَاسْتثنى من كَلَامه مَا إِذا كرر لفظ الظِّهَار وَقصد بِهِ التَّأْكِيد فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُود على الْأَصَح مَعَ تمكنه بالإتيان بِلَفْظ الطَّلَاق بدل التَّأْكِيد وَمَا تقدم من حُصُول الْعود بِمَا ذكر مَحَله إِذا لم يتَّصل بالظهار فرقة بِسَبَب من أَسبَابهَا فَلَو اتَّصَلت بالظهار فرقة جرت مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أَو فسخ نِكَاح بِسَبَبِهِ أَو بِسَبَبِهَا أَو بانفساخ كردة قبل الدُّخُول أَو فرقة بِسَبَب طَلَاق بَائِن أَو رَجْعِيّ وَلم يُرَاجع أَو جن الزَّوْج عقب ظِهَاره فَلَا عود وَلَو رَاجع من طَلقهَا عقب ظِهَاره أَو ارْتَدَّ بعد دُخُول مُتَّصِلا ثمَّ أسلم بعد ردته فِي الْعدة صَار عَائِدًا بالرجعة وَإِن لم يمْسِكهَا عقب الرّجْعَة بل طَلقهَا لَا الْإِسْلَام بل هُوَ عَائِد بعده إِن مضى بعد الْإِسْلَام زمن يسع الْفرْقَة وَالْفرق أَن مَقْصُود الرّجْعَة الاستباحة ومقصود الْإِسْلَام الرُّجُوع إِلَى الدّين الْحق فَلَا يحصل بِهِ إمْسَاك إِنَّمَا يحصل بعد (و) إِذا صَار عَائِدًا (لَزِمته الْكَفَّارَة) لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 الْآيَة وَهل وَجَبت الْكَفَّارَة بالظهار وَالْعود أَو بالظهار وَالْعود شَرط أَو بِالْعودِ فَقَط لِأَنَّهُ الْجُزْء الْأَخير أوجه ذكرهَا فِي أصل الرَّوْضَة بِلَا تَرْجِيح وَالْأول هُوَ ظَاهر الْآيَة الْمُوَافق لترجيحهم أَن كَفَّارَة الْيَمين تجب بِالْيَمِينِ والحنث جَمِيعًا وَلَا تسْقط الْكَفَّارَة بعد الْعود بفرقة لمن ظَاهر مِنْهَا بِطَلَاق أَو غَيره لاستقرارها بالإمساك وَلَو قَالَ لزوجاته الْأَرْبَع أنتن عَليّ كَظهر أُمِّي فمظاهر مِنْهُنَّ فَإِن أمسكهن زَمنا يسع طلاقهن فعائد مِنْهُنَّ فَيلْزمهُ أَربع كَفَّارَات فَإِن ظَاهر مِنْهُنَّ بِأَرْبَع كَلِمَات صَار عَائِدًا من كل وَاحِدَة من الثَّلَاث الأول وَلَزِمَه ثَلَاث كَفَّارَات وَأما الرَّابِعَة فَإِن فَارقهَا عقب ظهارها فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِيهَا وَإِلَّا فَعَلَيهِ كَفَّارَة (وَالْكَفَّارَة) مَأْخُوذَة من الْكفْر وَهُوَ السّتْر لسترها للذنب تَخْفِيفًا من الله تَعَالَى وَسمي الزراع كَافِرًا لِأَنَّهُ يستر الْبذر وتنقسم الْكَفَّارَة إِلَى نَوْعَيْنِ مخيرة فِي أَولهَا ومرتبة فِي آخرهَا وَهِي كَفَّارَة الْيَمين ومرتبة فِي كلهَا وَهِي كَفَّارَة الْقَتْل وَالْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان وَالظِّهَار وَالْكَلَام الْآن فِي كَفَّارَة الظِّهَار وخصالها ثَلَاثَة الأول (عتق رَقَبَة) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وللرقبة المجزئة فِي الْكَفَّارَة أَرْبَعَة شُرُوط ذكر المُصَنّف مِنْهَا شرطين الشَّرْط الأول مَا ذكره بقوله (مُؤمنَة) وَلَو بِإِسْلَام أحد الْأَبَوَيْنِ أَو تبعا للسابي أَو الدَّار قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَة الْقَتْل {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَألْحق بهَا غَيرهَا قِيَاسا عَلَيْهَا أَو حملا لإِطْلَاق آيَة الظِّهَار على الْمُقَيد فِي آيَة الْقَتْل كحمل الْمُطلق فِي قَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} على الْمُقَيد فِي قَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} الشَّرْط الثَّانِي مَا ذكره بقوله (سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ) إِضْرَارًا بَينا لِأَن الْمَقْصُود تَكْمِيل حَاله ليتفرغ لوظائف الْأَحْرَار وَإِنَّمَا يحصل ذَلِك إِذا اسْتَقل بكفاية نَفسه وَإِلَّا فَيصير كلا على نَفسه أَو على غَيره تَنْبِيه قَالَ الْأَصْحَاب مُلَاحظَة الشَّافِعِي فِي الْعَيْب هُنَا مَا يضر بِالْعَمَلِ نَظِير ملاحظته فِي عيب الْأُضْحِية مَا ينقص اللَّحْم لِأَنَّهُ الْمَقْصُود فِيهَا وَفِي عيب النِّكَاح مَا يخل بمقصود الْجِمَاع وَفِي عيب الْمَبِيع مَا يخل بالمالية فَاعْتبر فِي كل مَوضِع مَا يَلِيق بِهِ فيجزىء صَغِير وَلَو ابْن يَوْم حكم بِإِسْلَامِهِ لإِطْلَاق الْآيَة الْكَرِيمَة وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كبره كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ وأقرع وَهُوَ من لَا نَبَات بِرَأْسِهِ وأعرج يُمكنهُ تتَابع الْمَشْي بِأَن يكون عرجه غير شَدِيد وأعور لم يضعف عوره بصر عينه السليمة وأصم وَهُوَ فَاقِد السّمع وأخرس إِذا فهمت إِذا فهمت إِشَارَته وَيفهم بِالْإِشَارَةِ وفاقد أَنفه وفاقد أُذُنَيْهِ وفاقد أَصَابِع رجلَيْهِ وَلَا يجزىء زمن وَلَا فَاقِد رجل أَو خنصر وبنصر من يَد أَو فَاقِد أنملتين من غَيرهمَا وَلَا فَاقِد أُنْمُلَة إِبْهَام لتعطل مَنْفَعَة الْيَد وَلَا يجزىء هرم عَاجز وَلَا مَرِيض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِن برىء بَان الْإِجْزَاء على الْأَصَح الشَّرْط الثَّالِث كَمَال الرّقّ فِي الْإِعْتَاق عَن الْكَفَّارَة فَلَا يجزىء شِرَاء قريب يعْتق عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الشِّرَاء بِأَن كَانَ أصلا أَو فرعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 بنية عتقه عَن كَفَّارَته لِأَن عتقه مُسْتَحقّ بِجِهَة الْقَرَابَة فَلَا ينْصَرف عَنْهَا إِلَى الْكَفَّارَة وَلَا عتق أم ولد لاستحقاقها الْعتْق وَلَا عتق ذِي كِتَابَة صَحِيحَة لِأَن عتقه يَقع بِسَبَب الْكِتَابَة ويجزىء مُدبر ومعلق عتقه بِصفة الشَّرْط الرَّابِع خلو الرَّقَبَة عَن شوب الْعِوَض فَلَو أعتق عَبده عَن كَفَّارَته بعوض يَأْخُذهُ من الرَّقِيق كأعتقتك عَن كفارتي على أَن ترد عَليّ ألفا أَو على أَجْنَبِي كأعتقت عَبدِي هَذَا عَن كفارتي بِأَلف لي عَلَيْك فَقيل لم يجز ذَلِك الْإِعْتَاق عَن كَفَّارَته وَضَابِط من يلْزمه الْعتْق كل من ملك رَقِيقا أَو ثمنه من نقد أَو عرض فَاضلا عَن كِفَايَة نَفسه وَعِيَاله الَّذين تلْزمهُ مؤنتهم شرعا نَفَقَة وَكِسْوَة وسكنى وأثاثا وإخداما لَا بُد مِنْهُ لزمَه الْعتْق قَالَ الرَّافِعِيّ وسكتوا عَن تَقْدِير مُدَّة النَّفَقَة وَبَقِيَّة الْمُؤَن فَيجوز أَن يقدر ذَلِك بالعمر الْغَالِب وَأَن يقدر بِسنة وَصوب فِي الرَّوْضَة مِنْهُمَا الثَّانِي وَقَضِيَّة ذَلِك أَنه لَا نقل فيهمَا مَعَ أَن مَنْقُول الْجُمْهُور الأول وَهُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يجب على الْمُكَفّر بيع ضيعته وَهِي بِفَتْح الضَّاد الْعقار وَلَا بيع رَأس مَال تِجَارَته بِحَيْثُ لَا يفضل دخلهما من غلَّة الضَّيْعَة وَربح مَال التِّجَارَة عَن كِفَايَته لممونه لتَحْصِيل رَقِيق يعتقهُ وَلَا بيع مسكن ورقيق نفيسين ألفهما لعسر مُفَارقَة المألوف وَلَا يجب شِرَاء بِغَبن وَأظْهر الْأَقْوَال اعْتِبَار الْيَسَار الَّذِي يلْزمه بِهِ الْإِعْتَاق بِوَقْت الْأَدَاء لَا بِوَقْت الْوُجُوب وَلَا بِأَيّ وَقت كَانَ ثمَّ شرع فِي الْخصْلَة الثَّانِيَة من خِصَال الْكَفَّارَة فَقَالَ (فَإِن لم يجد) رَقَبَة يعتقها بِأَن عجز عَنْهَا حسا أَو شرعا (فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة فَلَو تكلّف الْإِعْتَاق بالاستقراض أَو غَيره أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ ترقى إِلَى الرُّتْبَة الْعليا وَيعْتَبر الشهران بالهلال وَلَو نقصا وَيكون صومهما بنية الْكَفَّارَة لكل يَوْم مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَعْلُوم فِي صَوْم الْفَرْض وَيجب تبييت النِّيَّة كَمَا فِي صَوْم رَمَضَان وَلَا يشْتَرط نِيَّة التَّتَابُع اكْتِفَاء بالتتابع الْفعْلِيّ فَإِن بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي أثْنَاء شهر حسب الشَّهْر بعده بالهلال وَأتم الأول من الثَّالِث ثَلَاثِينَ يَوْمًا ويفوت التَّتَابُع بِفَوَات يَوْم بِلَا عذر وَلَو كَانَ الْيَوْم الْأَخير أما إِذا فَاتَ بِعُذْر فَإِن كَانَ كجنون لم يضر لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْم أَو كَمَرَض مسوغ للفطر ضرّ لِأَن الْمَرَض لَا يُنَافِي الصَّوْم ثمَّ شرع فِي الْخصْلَة الثَّالِثَة من خِصَال الْكَفَّارَة فَقَالَ (فَإِن لم يسْتَطع) أَي الصَّوْم المتتابع لهرم أَو لمَرض يَدُوم شَهْرَيْن ظنا الْمُسْتَفَاد من الْعَادة فِي مثله أَو من قَول الْأَطِبَّاء أَو لمَشَقَّة شَدِيدَة وَلَو كَانَت الْمَشَقَّة لشبق وَهُوَ شدَّة الغلمة أَي شَهْوَة الْوَطْء أَو خوف زِيَادَة مرض (فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا) لِلْآيَةِ السَّابِقَة أَو فَقِيرا لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ وَيَكْفِي الْبَعْض مَسَاكِين وَالْبَعْض فُقَرَاء تَنْبِيه قَوْله فإطعام تبع فِيهِ لفظ الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْمرَاد تمليكهم كَقَوْل جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أطْعم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجدّة السُّدس أَي ملكهَا فَلَا يَكْفِي التغدية وَلَا التعشية وَهل يشْتَرط اللَّفْظ أَو يَكْفِي الدّفع عبارَة الرَّوْضَة تَقْتَضِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ عبر بالتمليك قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ بعيد أَي فَلَا يشْتَرط لفظ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر كدفع الزَّكَاة وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكه كَافِرًا وَلَا هاشميا وَلَا مطلبيا وَلَا من تلْزمهُ نَفَقَته كزوجته وقريبه وَلَا إِلَى مكفي بِنَفَقَة قريب أَو زوج وَلَا إِلَى عبد وَلَو مكَاتبا لِأَنَّهَا حق الله تَعَالَى فَاعْتبر فِيهَا صِفَات الزَّكَاة وَيصرف للستين الْمَذْكُورين سِتِّينَ مدا (كل مِسْكين مد) كَأَن يَضَعهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 بَين أَيْديهم ويملكها لَهُم بِالسَّوِيَّةِ أَو يُطلق فَإِذا قبلوا ذَلِك أَجْزَأَ على الصَّحِيح فَلَو فاوت بَينهم بِتَمْلِيك وَاحِد مَدين وَآخر مدا أَو نصف مد لم يجزه وَلَو قَالَ خذوه وَنوى بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ فَإِن تفاوتوا لم يجزه إِلَّا مد وَاحِد مَا لم يتَبَيَّن مَعَه من أَخذ مدا آخر وَهَكَذَا وجنس الأمداد من جنس الْحبّ الَّذِي يكون فطْرَة فَيخرج من غَالب قوت بلد الْمُكَفّر فَلَا يجزىء نَحْو الدَّقِيق والسويق وَالْخبْز وَاللَّبن ويجزىء الأقط كَمَا يجزىء فِي الْفطْرَة القَوْل فِي وجوب التَّكْفِير قبل الْوَطْء (وَلَا يحل للمظاهر) ظِهَارًا مُطلقًا (وَطْؤُهَا) أَي زَوجته الَّتِي ظَاهر مِنْهَا (حَتَّى يكفر) لقَوْله تَعَالَى فِي الْعتْق {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} وَيقدر من قبل أَن يتماسا فِي الْإِطْعَام حملا للمطلق على الْمُقَيد لِاتِّحَاد الْوَاقِعَة وَخرج بِالْوَطْءِ غَيره كاللمس وَنَحْوه كالقبلة بِشَهْوَة فَإِنَّهُ جَائِز فِي غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة أما مَا بَينهمَا فَيحرم كَمَا رَجحه الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَيصِح الظِّهَار الْمُؤَقت كَمَا مر وَيَقَع مؤقتا وَعَلِيهِ إِنَّمَا يحصل الْعود فِيهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمدَّة لِأَن الْحل منتظر بعد الْمدَّة فالإمساك يحْتَمل أَن يكون لانتظار الْحل وَالْوَطْء فِي الْمدَّة وَالْأَصْل بَرَاءَته من الْكَفَّارَة وكالتكفير مُضِيّ الْوَقْت لانتهائه بهَا تَتِمَّة إِذا عجز من لَزِمته الْكَفَّارَة عَن جَمِيع الْخِصَال بقيت فِي ذمَّته إِلَى أَن يقدر على شَيْء مِنْهَا فَلَا يطَأ الْمظَاهر حَتَّى يكفر وَلَا تجزىء كَفَّارَة ملفقة من خَصْلَتَيْنِ كَأَن يعْتق نصف رَقَبَة ويصوم شهرا أَو يَصُوم شهرا وَيطْعم ثَلَاثِينَ فَإِن وجد بعض الرَّقَبَة صَامَ لِأَنَّهُ عادم لَهَا بِخِلَاف مَا إِذا وجد بعض الطَّعَام فَإِنَّهُ يُخرجهُ وَلَو بعض مد لِأَنَّهُ لَا بدل لَهُ والميسور لَا يسْقط بالمعسور وَيبقى الْبَاقِي فِي ذمَّته فِي أحد وَجْهَيْن يظْهر تَرْجِيحه لِأَن الْفَرْض أَن الْعَجز عَن جَمِيع الْخِصَال لَا يسْقط الْكَفَّارَة وَلَا نظر إِلَى توهم كَونه فعل شَيْئا وَإِذا اجْتمع عَلَيْهِ كفارتان وَلم يقدر إِلَّا على رَقَبَة أعْتقهَا عَن إِحْدَاهمَا وَصَامَ عَن الْأُخْرَى إِن قدر وَإِلَّا أطْعم فصل فِي اللّعان هُوَ لُغَة المباعدة وَمِنْه لَعنه الله أَي أبعده وطرده وَسمي بذلك لبعد الزَّوْجَيْنِ من الرَّحْمَة أَو لبعد كل مِنْهُمَا عَن الآخر فَلَا يَجْتَمِعَانِ أبدا وَشرعا كَلِمَات مَعْلُومَة جعلت حجَّة للْمُضْطَر إِلَى قذف من لطخ فرَاشه إِن كَانَ من الْكَاذِبين وإطلاقه فِي جَانب الْمَرْأَة من مجَاز التغليب واختير لَفظه دون لفظ لغضب وَإِن كَانَا موجودين فِي اللّعان لكَون اللَّعْنَة مُتَقَدّمَة فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَلِأَن لِعَانه قد يَنْفَكّ عَن لعانها وَلَا ينعكس وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَات وَسبب نُزُولهَا وَألْحق الْعَار بِهِ وَسميت هَذِه الْكَلِمَات لعانا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 لقَوْل الرجل عَلَيْهِ لعنة الله ذكرته فِي شرح الْبَهْجَة وَغَيره وَهِي يَمِين مُؤَكدَة بِلَفْظ الشَّهَادَة كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَة عَن الْأَصْحَاب فَلَا يَصح لعان صبي وَمَجْنُون وَلَا يَقْتَضِي قذفهما لعانا بعد كمالهما وَلَا عُقُوبَة كَمَا فِي الرَّوْضَة وَلم يَقع بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة لعان بعد اللّعان الَّذِي وَقع بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (وَإِذا رمى) أَي قذف (الرجل) الْمُكَلف (زَوجته) المحصنة (بِالزِّنَا) صَرِيحًا كزنيت وَلَو مَعَ قَوْله فِي الْجَبَل أَو يَا زَانِيَة أَو زنى فرجك أَو يَا قحبة كَمَا أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام أَو كِنَايَة كزنأت فِي الْجَبَل بِالْهَمْز لِأَن الزنء هُوَ الصعُود بِخِلَاف زنأت فِي الْبَيْت بِالْهَمْز فصريح لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل بِمَعْنى الصعُود فِي الْبَيْت وَنَحْوه زَاد فِي الرَّوْضَة أَن هَذَا كَلَام الْبَغَوِيّ وَأَن غَيره قَالَ إِن لم يكن للبيت درج يصعد إِلَيْهِ فِيهَا فصريح قطعا أَو يَا فاجرة أَو يَا فاسقة أَو أَنْت تحبين الْخلْوَة بِالرجلِ أَو لم أجدك بكرا وَنوى بذلك الْقَذْف (فَعَلَيهِ) لَهَا (حد الْقَذْف) للإيذاء وَخرج بِقَيْد المحصنة غَيرهَا والمحصن الَّذِي يحد قَاذفه مُكَلّف وَمثله السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي بسكره حر مُسلم عفيف عَن وَطْء يحد بِهِ فَلَا يحد بِقَذْف زَوجته الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحْتَمل الْوَطْء وَلَا الْبكر قبل دُخُوله بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 (إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة) بزناها فيرتفع عَنهُ الْحَد أَو التَّعْزِير لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهِلَال بن أُميَّة حِين قذف زَوجته بِشريك ابْن سمحاء الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله فِي أَمْرِي مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد فَنزلت آيَات اللّعان الحَدِيث وَهُوَ بِطُولِهِ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فَدلَّ على ارْتِفَاع الْحَد بِالْبَيِّنَةِ (أَو يُلَاعن) لدفع الْحَد إِن اخْتَارَهُ لحَدِيث هِلَال وَله الِامْتِنَاع وَعَلِيهِ حد الْقَذْف كَمَا فِي الرَّوْضَة وَيشْتَرط لصِحَّة اللّعان سبق قذفه زَوجته تَقْدِيمًا للسبب على الْمُسَبّب كَمَا هُوَ مُسْتَفَاد من صَنِيع المُصَنّف وَبِه صرح الْأَصْحَاب لِأَن اللّعان إِنَّمَا شرع لخلاص الْقَاذِف من الْحَد قَالَ فِي الْمُهَذّب لِأَن الزَّوْج يبتلى بِقَذْف امْرَأَته لدفع الْعَار وَالنّسب الْفَاسِد وَقد يتَعَذَّر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَجعل اللّعان بَيِّنَة لَهُ فَلهُ قَذفهَا إِذا تحقق زنَاهَا بِأَن رَآهَا تَزني أَو ظن زنَاهَا ظنا مؤكدا أورثه الْعلم كشياع زنَاهَا بزيد مصحوب بِقَرِينَة كَأَن رَآهَا وَلَو مرّة وَاحِدَة فِي خلْوَة أَو رَآهُ يخرج من عِنْدهَا أَو هِيَ تخرج من عِنْده أَو رأى رجلا مَعهَا مرَارًا فِي مَحل رِيبَة أَو مرّة تَحت شعار فِي هَيْئَة مُنكرَة أما مُجَرّد الإشاعة فَقَط أَو الْقَرِينَة فَقَط فَلَا يجوز لَهُ اعْتِمَاد وَاحِد مِنْهُمَا أما الإشاعة فقد يشيعه عَدو لَهَا أَو من يطْمع فِيهَا فَلم يظفر بِشَيْء وَأما مُجَرّد الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة فَلِأَنَّهُ رُبمَا دخل عَلَيْهَا لخوف أَو سَرقَة أَو طمع أَو نَحْو ذَلِك وَالْأولَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة أَن يستر عَلَيْهَا ويطلقها إِن كرهها لما فِيهِ من ستر الْفَاحِشَة وإقالة العثرة هَذَا حَيْثُ لَا ولد يَنْفِيه فَإِن كَانَ هُنَاكَ ولد يَنْفِيه بِأَن علم أَنه لَيْسَ مِنْهُ لزمَه نَفْيه لِأَن ترك النَّفْي يتَضَمَّن استلحاقه واستلحاق من لَيْسَ مِنْهُ حرَام كَمَا يحرم نفي من هُوَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يعلم إِذا لم يَطَأهَا أَو وَطئهَا وَلَكِن وَلدته لدوّنَ سِتَّة أشهر من وَطئه الَّتِي هِيَ أقل مُدَّة الْحمل أَو لفوق أَربع سِنِين من الْوَطْء الَّتِي هِيَ أَكثر مُدَّة الْحمل فَلَو علم زنَاهَا وَاحْتمل كَون الْوَلَد مِنْهُ وَمن الزِّنَا وَإِن لم يَسْتَبْرِئهَا بعد وَطئه حرم النَّفْي رِعَايَة للْفراش وَكَذَا الْقَذْف وَاللّعان على الصَّحِيح لِأَن اللّعان حجَّة ضَرُورِيَّة إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا لدفع النّسَب أَو قطع النِّكَاح حَيْثُ لَا ولد على الْفراش الملطخ وَقد حصل الْوَلَد هُنَا فَلم يبْق لَهُ فَائِدَة والفراق يُمكن بِالطَّلَاق ثمَّ شرع فِي كَيْفيَّة اللّعان بقوله (فَيَقُول) أَي الزَّوْج (عِنْد الْحَاكِم) أَو نَائِبه إِذْ اللّعان لَا يعْتَبر إِلَّا بِحُضُورِهِ والمحكم حَيْثُ لَا ولد كالحاكم أما إِذا كَانَ هُنَاكَ ولد فَلَا يَصح التَّحْكِيم إِلَّا أَن يكون مُكَلّفا ويرضى بِحكمِهِ لِأَن لَهُ حَقًا فِي النّسَب فَلَا يُؤثر رضاهما فِي حَقه وَالسَّيِّد فِي اللّعان بَين أمته وَعَبده إِذا زَوجهَا مِنْهُ كالحاكم لِأَن لَهُ أَن يتَوَلَّى لعان رَقِيقه وَيسن التَّغْلِيظ فِي اللّعان بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان أما الْقسم الأول وَهُوَ التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ فَيكون فِي أشرف مَوضِع بلد اللّعان لِأَن فِي ذَلِك تَأْثِيرا فِي الزّجر عَن الْيَمين الْفَاجِرَة فَإِن كَانَ فِي غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَيكون (فِي الْجَامِع على الْمِنْبَر) كَمَا صَححهُ صَاحب الْكَافِي لِأَن الْجَامِع هُوَ الْمُعظم من تِلْكَ الْبَلدة والمنبر أولى فَإِن كَانَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَبين الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود وَبَين مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيُسمى مَا بَينهمَا بِالْحَطِيمِ فَإِن قيل لَا شَيْء فِي مَكَّة أشرف من الْبَيْت أُجِيب بِأَن عدولهم عَنهُ صِيَانة لَهُ عَن ذَلِك وَإِن كَانَ فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فعلى الْمِنْبَر كَمَا فِي الْأُم والمختصر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على منبري هَذَا يَمِينا آثِما تبوأ مَقْعَده من النَّار وَإِن كَانَ فِي بَيت الْمُقَدّس فَعِنْدَ الصَّخْرَة لِأَنَّهَا أشرف بقاعه لِأَنَّهَا قبْلَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي صَحِيح ابْن حبَان أَنَّهَا من الْجنَّة وتلاعن امْرَأَة حَائِض أَو نفسَاء أَو متحيرة مسلمة بِبَاب الْجَامِع لتَحْرِيم مكثها فِيهِ وَالْبَاب أقرب إِلَى الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة ويلاعن الزَّوْج فِي الْمَسْجِد فَإِذا فرغ خرج الْحَاكِم أَو نَائِبه إِلَيْهَا ويغلظ على الْكَافِر الْكِتَابِيّ إِذا ترافعوا إِلَيْنَا فِي بيعَة وَهِي بِكَسْر الْمُوَحدَة معبد النَّصَارَى وَفِي كَنِيسَة وَهِي معبد الْيَهُود وَفِي بَيت نَار مَجُوسِيّ لَا بَيت أصنام وَثني لِأَنَّهُ لَا حُرْمَة لَهُ وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فِي الْمُسلم فَيكون بعد صَلَاة عصر كل يَوْم إِن كَانَ طلبه حثيثا لِأَن الْيَمين الْفَاجِرَة بعد الْعَصْر أغْلظ عُقُوبَة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم وعد مِنْهُم رجلا حلف على يَمِين كَاذِبَة بعد الْعَصْر يقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم فَإِن لم يكن طلب حثيث فَبعد صَلَاة عصر يَوْم الْجُمُعَة لِأَن سَاعَة الْإِجَابَة فِيهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم وروى مُسلم أَنَّهَا من مجْلِس الإِمَام على الْمِنْبَر إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة وَأما التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فِي الْكَافِر فَيعْتَبر بأشرف الْأَوْقَات عِنْدهم كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ قَضِيَّة كَلَام المُصَنّف أَنه كَالْمُسلمِ وَنَقله ابْن الرّفْعَة عَن الْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيره تَنْبِيه من لَا ينتحل دينا كالدهري والزنديق الَّذِي لَا يتدين بدين وعابد الوثن لَا يشرع فِي حَقهم تَغْلِيظ بل يلاعنون فِي مجْلِس الحكم لأَنهم لَا يعظمون زَمَانا وَلَا مَكَانا فَلَا ينزجرون قَالَ الشَّيْخَانِ وَيحسن أَن يحلف من ذكر بِاللَّه الَّذِي خلقه ورزقه لِأَنَّهُ وَإِن غلا فِي كفره وجد نَفسه مذعنة لخالق مُدبر وَيسن التَّغْلِيظ أَيْضا (فِي جمَاعَة) أَي بِحُضُور جمع عدُول (من) أَعْيَان (النَّاس) وصلحائهم من بلد اللّعان لقَوْله تَعَالَى {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} وَلِأَن فِيهِ ردعا عَن الْكَذِب وَأَقلهمْ كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ أَرْبَعَة لثُبُوت الزِّنَا بهم فاستحب أَن يحضر ذَلِك الْعدَد وَيبدأ فِي اللّعان بِالزَّوْجِ فَيَقُول (أشهد بِاللَّه إِنَّنِي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميت بِهِ زَوْجَتي فُلَانَة) هَذِه (من الزِّنَا) إِن كَانَت حَاضِرَة فَإِن كَانَت غَائِبَة عَن الْبَلَد أَو مجْلِس اللّعان لمَرض أَو حيض أَو نَحْو ذَلِك سَمَّاهَا وَرفع نَسَبهَا بِمَا يميزها عَن غَيرهَا دفعا للاشتباه وَإِن كَانَ ثمَّ ولد يَنْفِيه عَنهُ ذكره فِي كل كَلِمَات اللّعان الْخَمْسَة الْآتِيَة لينتفي عَنهُ فَيَقُول فِي كل مِنْهَا (وَإِن هَذَا الْوَلَد) إِن كَانَ حَاضرا أَو لِأَن الْوَلَد الَّذِي وَلدته إِن كَانَ غَائِبا (من الزِّنَا وَلَيْسَ) هُوَ (مني) لِأَن كل مرّة بِمَنْزِلَة شَاهد فَلَو أغفل ذكر الْوَلَد فِي بعض الْكَلِمَات احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة اللّعان لنفيه تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَامه إِنَّه لَو اقْتصر على قَوْله (من الزِّنَا) وَلم يقل لَيْسَ مني أَنه لَا يَكْفِي قَالَ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَبِه أجَاب كَثِيرُونَ لِأَنَّهُ قد يظنّ أَن وَطْء النِّكَاح الْفَاسِد والشبهة زنا وَلَكِن الرَّاجِح أَنه يَكْفِي كَمَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَالشَّرْح الصَّغِير حملا للفظ الزِّنَا على حَقِيقَته وَقَضيته أَيْضا أَنه لَو اقْتصر على قَوْله لَيْسَ مني لم يكف وَهُوَ الصَّحِيح لاحْتِمَال أَن يُرِيد أَن لَا يُشبههُ خلقا وَلَا خلقا فَلَا بُد أَن يسْندهُ مَعَ ذَلِك إِلَى سَبَب معِين كَقَوْلِه من زنا أَو وَطْء شُبْهَة ويكرر ذَلِك (أَربع مَرَّات) للآيات السَّابِقَة أول الْفَصْل وكررت الشَّهَادَة لتأكيد الْأَمر لِأَنَّهَا أُقِيمَت مقَام أَربع شُهُود من غَيره ليقام عَلَيْهَا الْحَد وَلذَلِك سميت شَهَادَات وَهِي فِي الْحَقِيقَة أَيْمَان وَأما الْكَلِمَة الْخَامِسَة الْآتِيَة فمؤكدة لمفاد الْأَرْبَع (وَيَقُول فِي الْمرة الْخَامِسَة بعد أَن يعظه الْحَاكِم) ندبا بِأَن يخوفه من عَذَاب الله تَعَالَى وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِلَال اتَّقِ الله فَإِن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة وَيَأْمُر رجلا أَن يضع يَده على فِيهِ لَعَلَّه ينزجر فَإِن أَبى بعد مُبَالغَة الْحَاكِم فِي وعظه إِلَّا الْمُضِيّ قَالَ لَهُ قل (وَعلي لعنة الله إِن كنت من الْكَاذِبين) فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَيُشِير إِلَيْهَا فِي الْحُضُور ويميزها فِي الْغَيْبَة كَمَا فِي الْكَلِمَات الْأَرْبَع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 تَنْبِيه كَانَ من حق المُصَنّف أَن يذكر هَذِه الزِّيَادَة لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الْخَامِسَة لَا يشْتَرط فِيهَا ذكر ذَلِك وسكوته أَيْضا عَن ذكر الْوَلَد فِي الْخَامِسَة يَقْتَضِي أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط فِي نَفْيه ذكره فِيهَا وَلَيْسَ مرَادا كَمَا مر أَنه لَا بُد من ذكره فِي الْكَلِمَات الْخمس وَسكت أَيْضا عَن ذكر الْمُوَالَاة فِي الْكَلِمَات الْخمس وَالأَصَح اشْتِرَاطهَا كَمَا فِي الرَّوْضَة فيؤثر الْفَصْل الطَّوِيل وَهَذَا كُله إِن كَانَ قذف وَلم تثبته عَلَيْهِ بِبَيِّنَة وَإِلَّا بِأَن كَانَ اللّعان لنفي ولد كَأَن احْتمل كَونه من وَطْء شُبْهَة وأثبتت قذفه بِبَيِّنَة قَالَ فِي الأول فِيمَا رميتها بِهِ من إِصَابَة غَيْرِي لَهَا على فِرَاشِي وَأَن هَذَا الْوَلَد من تِلْكَ الْإِصَابَة إِلَى الْكَلِمَات وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَت على من رمى إِيَّاهَا بِالزِّنَا إِلَى آخِره وَلَا تلاعن الْمَرْأَة فِي الأول إِذْ لَا حد عَلَيْهَا بِهَذَا اللّعان حَتَّى تسقطه بلعانها القَوْل فِيمَا يرتب على لعان الرجل (وَيتَعَلَّق بلعانه) أَي بِتَمَامِهِ من غير توقف عى لعانها وَلَا قَضَاء القَاضِي كَمَا فِي الرَّوْضَة (خَمْسَة أَحْكَام) وَعَلَيْهَا اقْتصر فِي الْمِنْهَاج وَذكر فِي الزَّوَائِد زِيَادَة عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ غَيرهَا الأول (سُقُوط الْحَد) أَي سُقُوط حد قذف الْمُلَاعنَة (عَنهُ) إِن كَانَت مُحصنَة وَسُقُوط التَّعْزِير عَنهُ إِن لم تكن مُحصنَة وَلَا يسْقط حد قذف الزَّانِي عَنهُ إِلَّا إِن ذكره فِي لِعَانه تَنْبِيه كَانَ الأولى أَن يعبر بالعقوبة بدل الْحَد ليشْمل التَّعْزِير (و) الثَّانِي (وجوب الْحَد) أَي حد الزِّنَا (عَلَيْهَا) أَي زَوجته مسلمة كَانَت أَو كَافِرَة إِن لم تلاعن لقَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} الْآيَة فَدلَّ على وُجُوبه عَلَيْهَا بلعانه وعَلى سُقُوطه بلعانها (و) الثَّالِث (زَوَال الْفراش) أَي فرَاش الزَّوْج عَنْهَا لانْقِطَاع النِّكَاح بَينهمَا لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَينهمَا ثمَّ قَالَ لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا وَهِي فرقة فسخ كالرضاع لحصولها بِغَيْر لفظ وَتحصل ظَاهرا وَبَاطنا وَفِي سنَن أبي دواد المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا تَنْبِيه تَعْبِير المُصَنّف بالفراش مُرَاده بِهِ هُنَا الزَّوْجِيَّة كَمَا مر تبعا لجمع من أَئِمَّة اللُّغَة وَغَيرهم (و) الرَّابِع (نفي) انتساب (الْوَلَد) إِلَيْهِ إِن نَفَاهُ فِي لِعَانه لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَينهمَا وَألْحق الْوَلَد بِالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يحْتَاج الْملَاعن إِلَى نفي نسب ولد يُمكن كَونه مِنْهُ فَإِن تعذر كَون الْوَلَد مِنْهُ كَأَن طَلقهَا فِي مجْلِس العقد أَو نكح امْرَأَة وَهُوَ بالمشرق وَهِي بالمغرب أَو كَانَ الزَّوْج صَغِيرا أَو ممسوحا لم يلْحقهُ الْوَلَد لِاسْتِحَالَة كَونه مِنْهُ فَلَا حَاجَة فِي انتفائه إِلَى لِعَانه وَالنَّفْي فوري كالرد بِالْعَيْبِ بِجَامِع الضَّرَر بالإمساك إِلَّا لعذر كَأَن بلغه الْخَبَر لَيْلًا فَأخر حَتَّى يصبح أَو كَانَ مَرِيضا أَو مَحْبُوسًا وَلم يُمكنهُ إِعْلَام القَاضِي بذلك أَو لم يجده فَلَا يبطل حَقه إِن تعسر عَلَيْهِ فِيهِ إِشْهَاد بِأَنَّهُ بَاقٍ على النَّفْي وَإِلَّا بَطل حَقه كَمَا لَو أخر بِلَا عذر فيلحقه الْوَلَد وَله نفي حمل وانتظار وَضعه ليتَحَقَّق كَونه ولدا فَلَو قَالَ عَلمته ولدا وأخرت رَجَاء وَضعه مَيتا فألغي اللّعان بَطل حَقه من النَّفْي لتَفْرِيطه فَإِن أخر وَقَالَ جهلت الْوَضع وَأمكن جَهله صدق بِيَمِينِهِ وَلَا يَصح نفي أحد توأمين بِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 لم يَتَخَلَّل بَينهمَا سِتَّة أشهر بِأَن ولدا مَعًا أَو تخَلّل بَين وضعيهما دون سِتَّة أشهر لِأَن الله تَعَالَى لم يجر الْعَادة بِأَن يجمع فِي الرَّحِم ولدا من مَاء رجل وَولدا من مَاء آخر لِأَن الرَّحِم إِذا اشْتَمَل على الْمَنِيّ استد فَمه فَلَا يَتَأَتَّى قبُوله منيا آخرا وَلَو هنىء بِولد كَأَن قيل لَهُ متعت بولدك فَأجَاب بِمَا يتَضَمَّن إِقْرَارا كآمين أَو نعم لم ينف بِخِلَاف مَا إِذا أجَاب بِمَا لَا يتَضَمَّن إِقْرَارا كَقَوْلِه جَزَاك الله خيرا لِأَن الظَّاهِر أَنه قَصده مُكَافَأَة الدُّعَاء بِالدُّعَاءِ (و) الْخَامِس (التَّحْرِيم) أَي تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ (على الْأَبَد) فَلَا يحل لَهُ نِكَاحهَا بعد اللّعان وَلَا وَطْؤُهَا بِملك الْيَمين لَو كَانَت أمة واشتراها لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الْمَار وَلَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا أَي لَا طَرِيق لَك إِلَيْهَا وَلما مر فِي الحَدِيث الآخر المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا تَنْبِيه بَقِي على المُصَنّف من الْأَحْكَام أَشْيَاء لم يذكرهَا وَقد تقدم الْوَعْد بذكرها مِنْهَا سُقُوط حد قذف الزَّانِي بهَا عَن الزَّوْج إِن سَمَّاهُ فِي لِعَانه كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَإِن لم يذكرهُ فِي لِعَانه لم يسْقط عَنهُ حد قذفه لَكِن لَهُ أَن يُعِيد اللّعان ويذكره فَإِن لم يُلَاعن وَلَا بَيِّنَة وحد لقذفها بطلبها فطالبه الرجل الْمَقْذُوف بِهِ بِالْحَدِّ وَقُلْنَا بالأصح أَنه يجب عَلَيْهِ حدان فَلهُ اللّعان وتأبدت حُرْمَة الزَّوْجَة بِاللّعانِ لأجل الرجل فَقَط وَلَو ابْتَدَأَ الرجل فطالبه بِحَدّ قذفه كَانَ لَهُ اللّعان لإِسْقَاط الْحَد فِي أحد وَجْهَيْن يظْهر تَرْجِيحه بِنَاء على أَن حَقه يثبت أصلا لَا تبعا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَإِن عَفا أَحدهمَا فللآخر الْمُطَالبَة بِحقِّهِ وَحَيْثُ قُلْنَا يُلَاعن للمقذوف بِهِ لَا يثبت بلعانه زنا الْمَقْذُوف بِهِ وَلَا يُلَاعن الْمَقْذُوف بِهِ وَإِنَّمَا فَائِدَته سُقُوط الْحَد عَن الْقَاذِف وَمِنْهَا سُقُوط حصانتها فِي حق الزَّوْج إِن امْتنعت من اللّعان وَمِنْهَا تشطير الصَدَاق قبل الدُّخُول وَمِنْهَا أَن حكمهَا حكم الْمُطلقَة بَائِنا فَلَا يلْحقهَا طَلَاق وَيحل للزَّوْج نِكَاح أَربع سواهَا وَمن يحرم جمعه مَعهَا كأختها وعمتها وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام المترتبة على الْبَيْنُونَة وَإِن لم تنقض عدتهَا وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على قَضَاء القَاضِي لَا على لعانها بل يحصل بِمُجَرَّد لعان الزَّوْج وَمِنْهَا أَنه لَا نَفَقَة لَهَا وَإِن كَانَت حَامِلا إِذا نفى الْحمل بلعانه كَمَا جزم بِهِ فِي الْكَافِي فرع لَو قذف زوج زَوجته وَهِي بكر ثمَّ طَلقهَا وَتَزَوَّجت ثمَّ قَذفهَا الزَّوْج الثَّانِي وَهِي ثيب ثمَّ لاعنا وَلم تلاعن جلدت ثمَّ رجمت (وَيسْقط الْحَد عَنْهَا) أَي حد الزِّنَا الَّذِي وَجب عَلَيْهَا بِتمَام لعان الزَّوْج (بِأَن تلاعن) بعد تَمام لِعَانه كَمَا هُوَ مُسْتَفَاد من لفظ المسقوط لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِيمَا وَجب وَلم يجب عَلَيْهَا إِلَّا بِتمَام لِعَانه وباشتراط البعدية جزم فِي الرَّوْضَة وَدلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} الْآيَة (فَتَقول) بعد أَن يأمرها الْحَاكِم فِي جمع من النَّاس كَمَا سنّ التَّغْلِيظ فِي حَقه كَمَا مر (أشهد بِاللَّه إِن فلَانا هَذَا) أَي زَوجهَا إِن كَانَ حَاضرا وتميزه فِي الْغَيْبَة كَمَا فِي جَانبهَا (لمن الْكَاذِبين) عَليّ (فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا أَربع مَرَّات) لقَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه} الْآيَة (وَتقول فِي الْمرة الْخَامِسَة بعد أَن يعظها) أَي يُبَالغ (الْحَاكِم) ندبا فِي هَذِه الْمرة بالتخويف والتحذير كَأَن يَقُول لَهَا عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة وَيَأْمُر امْرَأَة تضع يَدهَا على فِيهَا لَعَلَّهَا أَن تنزجر فَإِن أَبَت إِلَّا الْمُضِيّ قَالَ لَهَا قولي (وَعلي غضب الله إِن كَانَ من الصَّادِقين) فِيمَا رماني بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه أفهم سُكُوته فِي لعانها عَن ذكر الْوَلَد أَنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِذكرِهِ فِي لعانها حكم فَلم تحتج إِلَيْهِ وَلَو تعرضت لَهُ لم يضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 تَتِمَّة لَو بدل لفظ شَهَادَة بِحلف أَو نَحوه كأقسم بِاللَّه أَو أَحْلف بِاللَّه إِلَى آخِره أَو لفظ غضب بلعن أَو غَيره كالإبعاد وَعَكسه بِأَن ذكر الرجل الْغَضَب وَالْمَرْأَة اللَّعْن أَو ذكر اللَّعْن أَو الْغَضَب قبل تَمام الشَّهَادَة لم يَصح ذَلِك اتبَاعا للنَّص كَمَا فِي الشَّهَادَة وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص لعانها بِالْغَضَبِ ولعان الرجل باللعن أَن جريمة الزِّنَا أعظم من جريمة الْقَذْف فقوبل الْأَعْظَم بِمثلِهِ وَهُوَ الْغَضَب لِأَن غَضَبه تَعَالَى إِرَادَة الانتقام من العصاة وإنزال الْعقُوبَة بهم واللعن والطرد والبعد فخصت الْمَرْأَة بِالْتِزَام أغْلظ الْعقُوبَة وَلَو نفى الذِّمِّيّ ولدا ثمَّ أسلم لم يتبعهُ فِي الْإِسْلَام فَلَو مَاتَ الْوَلَد وَقسم مِيرَاثه بَين ورثته الْكفَّار ثمَّ اسْتَلْحقهُ لحقه فِي نسبه وإسلامه وَورثه وانتقضت الْقِسْمَة وَلَو قتل الْملَاعن من نَفَاهُ ثمَّ اسْتَلْحقهُ لحقه وَسقط عَن الْقصاص وَالِاعْتِبَار فِي الْحَد وَالتَّعْزِير بِحَالَة الْقَذْف فَلَا يتغيران بحدوث عتق أَو رق أَو إِسْلَام فِي الْقَاذِف أَو الْمَقْذُوف فصل فِي الْعدَد مَأْخُوذَة من الْعدَد لاشتمالها على عدد من الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر غَالِبا وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لمُدَّة تَتَرَبَّص فِيهَا الْمَرْأَة لمعْرِفَة بَرَاءَة رَحمهَا أَو للتعبد أَو لتفجعها على زَوجهَا وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع الْآيَات وَالْأَخْبَار الْآتِيَة وشرعت صِيَانة للأنساب وتحصينا لَهَا من الِاخْتِلَاط رِعَايَة لحق الزَّوْجَيْنِ وَالْولد والناكح الثَّانِي والمغلب فِيهَا التَّعَبُّد بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بقرء وَاحِد مَعَ حُصُول الْبَرَاءَة بِهِ (والمعتدة) من النِّسَاء (على ضَرْبَيْنِ متوفى عَنْهَا وَغير متوفى عَنْهَا) سلك المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَقْسِيم الْأَحْكَام الْآتِيَة طَريقَة حَسَنَة مَعَ الِاخْتِصَار ثمَّ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الأول فَقَالَ (فالمتوفى عَنْهَا) حرَّة كَانَت أَو أمة (إِن كَانَت حَامِلا) بِولد يلْحق الْمَيِّت (فعدتها بِوَضْع الْحمل) أَي انْفِصَال كُله حَتَّى ثَانِي توأمين وَلَو بعد الْوَفَاة لقَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} هُوَ مُقَيّد لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسبيعة الأسْلَمِيَّة وَقد وضعت بعد موت زَوجهَا بِنصْف شهر قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت مُتَّفق عَلَيْهِ وَخرج بقولنَا يلْحق الْمَيِّت مَا لَو مَاتَ صبي لَا يُولد لمثله عَن حَامِل فَإِن عدتهَا بِالْأَشْهرِ لَا بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُ منفي عَنهُ يَقِينا لعدم إنزاله وَكَذَا لَو مَاتَ مَمْسُوح وَهُوَ الْمَقْطُوع جَمِيع ذكره وأنثييه عَن حَامِل فعدتها بِالْأَشْهرِ لَا بِالْوَضْعِ إِذْ لَا يلْحقهُ ولد على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ لَا ينزل فَإِن الْأُنْثَيَيْنِ مَحل الْمَنِيّ الَّذِي يتدفق بعد انْفِصَاله من الظّهْر وَلم يعْهَد لمثله ولادَة فَائِدَة حُكيَ أَن أَبَا عبيد بن حربويه قلد قَضَاء مصر وَقضى بِهِ فَحَمله الْمَمْسُوح على كتفه وَطَاف بِهِ الْأَسْوَاق وَقَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا القَاضِي يلْحق أَوْلَاد الزِّنَا بالخدام وَيلْحق الْوَلَد مجبوبا قطع جَمِيع ذكره وَبَقِي أنثياه فَتعْتَد الْحَامِل بِوَضْعِهِ لبَقَاء أوعية الْمَنِيّ وَمَا فِيهَا من الْقُوَّة المحيلة للدم وَكَذَا مسلول خصيتاه وَبَقِي ذكره يلْحقهُ الْوَلَد فتنقضي بِهِ الْعدة على الْمَذْهَب لِأَن آلَة الْجِمَاع بَاقِيَة فقد يُبَالغ فِي الْإِيلَاج فيلتذ وَينزل مَاء رَقِيقا (وَإِن كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة (حَائِلا) وَهِي بِهَمْزَة مَكْسُورَة غير الْحَامِل (فعدتها) إِن كَانَت حرَّة وَإِن لم تُوطأ أَو كَانَت صَغِيرَة أَو زَوْجَة صبي أَو مَمْسُوح (أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) من الْأَيَّام لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَهُوَ مَحْمُول على الْحَرَائِر كَمَا مر وعَلى الحائلات بِقَرِينَة الْآيَة الْمُتَقَدّمَة وكالحائلات الحاملة من غير الزَّوْج وَهَذِه الْآيَة ناسخة لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول} فَإِن قيل شَرط النَّاسِخ أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمَنْسُوخ مَعَ أَن الْآيَة الأولى مُتَقَدّمَة وَهَذِه مُتَأَخِّرَة أُجِيب بِأَنَّهَا مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة مُتَأَخِّرَة فِي النُّزُول وَتعْتَبر الْأَشْهر بِالْأَهِلَّةِ مَا أمكن ويكمل المنكسر بِالْعدَدِ كنظائره فَإِن خفيت عَلَيْهَا الْأَهِلّة كالمحبوسة اعْتدت بِمِائَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَو مَاتَ عَن مُطلقَة رَجْعِيَّة انْتَقَلت إِلَى عدَّة وَفَاة بِالْإِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر أَو مَاتَ عَن مُطلقَة بَائِن فَلَا تنْتَقل لعدة وَفَاة لِأَنَّهَا لَيست بِزَوْجَة فتكمل عدَّة الطَّلَاق وَخرج بِقَيْد الْحرَّة الْأمة وَسَتَأْتِي فِي كَلَامه ثمَّ شرع فِي الضَّرْب الثَّانِي فَقَالَ (وَغير الْمُتَوفَّى عَنْهَا) الْمُعْتَدَّة عَن فرقة طَلَاق أَو فسخ بِعَيْب أَو رضَاع أَو لعان (إِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل) لقَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فَهُوَ مُخَصص لقَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَلِأَن الْمُعْتَبر من الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَهِي حَاصِلَة بِالْوَضْعِ بِشَرْط إِمْكَان نسبته إِلَى صَاحب الْعدة زوجا كَانَ أَو غَيره وَلَو احْتِمَالا كمنفي بِلعان لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إِمْكَان كَونه مِنْهُ وَلِهَذَا لَو اسْتَلْحقهُ لحقه فَإِن لم يُمكن نسبته إِلَيْهِ لم تنقض بِوَضْعِهِ كَمَا إِذا مَاتَ صبي لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْإِنْزَال أَو مَمْسُوح عَن زَوْجَة حَامِل فَلَا تَعْتَد بوضح الْحمل كَمَا مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وَكَذَا كل من أَتَت زَوجته الْحَامِل بِولد لَا يُمكن كَونه مِنْهُ كَأَن وَضعته لدوّنَ سِتَّة أشهر من النِّكَاح أَو لأكْثر وَكَانَ بَين الزَّوْجَيْنِ مَسَافَة لَا تقطع فِي تِلْكَ الْمدَّة أَو لفوق أَربع سِنِين من الْفرْقَة لم تنقض عدتهَا بِوَضْعِهِ لَكِن لَو ادَّعَت فِي الْأَخِيرَة أَنه رَاجعهَا أَو جدد نِكَاحهَا أَو وَطئهَا بِشُبْهَة وَأمكن فَهُوَ وَإِن انْتَفَى عَنهُ تَنْقَضِي بِهِ عدتهَا وَيشْتَرط انْفِصَال كل الْحمل فَلَا أثر لخُرُوج بعضه مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا فِي انْقِضَاء الْعدة وَلَا فِي غَيرهَا من سَائِر أَحْكَام الْجَنِين لعدم تَمام انْفِصَاله ولظاهر الْآيَة وَاسْتثنى من ذَلِك وجوب الْغرَّة بِظُهُور شَيْء مِنْهُ لِأَن الْمَقْصُود تحقق وجوده وَوُجُوب الْقود إِذا حز جَان رقبته وَهُوَ حَيّ وَوُجُوب الدِّيَة بِالْجِنَايَةِ على أمه إِذا مَاتَت بعد صياحه وتنقضي الْعدة بميت وبمضغة فيهمَا صُورَة آدَمِيّ وَلَو خَفِيفَة على غير القوابل لظهورها عِنْدهن فَإِن لم يكن فِي المضغة صُورَة لَا ظَاهِرَة وَلَا خُفْيَة وَلَكِن قُلْنَ هِيَ أصل آدَمِيّ وَلَو بقيت لتصورت انْقَضتْ الْعدة بوضعها على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص لحُصُول بَرَاءَة الرَّحِم بذلك وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى مَسْأَلَة النُّصُوص فَإِنَّهُ نَص هُنَا على أَن الْعدة تَنْقَضِي بهَا وعَلى أَنه لَا تجب فِيهَا الْغرَّة وَلَا يثبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَالْفرق أَن الْعدة تَنْقَضِي بِبَرَاءَة الرَّحِم وَقد حصلت وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الْغرَّة وأمومة الْوَلَد إِنَّمَا تثبت تبعا للْوَلَد وَهَذَا لَا يُسمى ولدا وَخرج بالمضغة الْعلقَة وَهِي مني يَسْتَحِيل فِي الرَّحِم فَيصير دَمًا غليظا فَلَا تَنْقَضِي الْعدة بهَا لِأَنَّهَا لَا تسمى حملا فَائِدَة وَقع فِي الْإِفْتَاء أَن الْوَلَد لَو مَاتَ فِي بطن الْمَرْأَة وَتعذر نُزُوله بدواء أَو غَيره كَمَا يتَّفق لبَعض الْحَوَامِل هَل تَنْقَضِي عدتهَا بالإقراء إِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء أَو بِالْأَشْهرِ إِن لم تكن من ذَوَات الْأَقْرَاء أَو لَا تَنْقَضِي عدتهَا مَا دَامَ فِي بَطنهَا اخْتلف العصريون فِي ذَلِك وَالظَّاهِر الثَّالِث كَمَا صرح بِهِ جلال الدّين البُلْقِينِيّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَة قَالَ وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة واستفتينا عَنْهَا فأجبنا بذلك انْتهى وَيدل لذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (وَإِن كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة عَن فرقة طَلَاق وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا مر (حَائِلا) بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم (وَهِي من ذَوَات) أَي صَوَاحِب (الْحيض فعدتها ثَلَاثَة قُرُوء) جمع قرء وَهُوَ لُغَة بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا حَقِيقَة فِي الْحيض وَالطُّهْر تتْرك الصَّلَاة أَيَّام أقرائها (وَهِي) فِي الِاصْطِلَاح (الْأَطْهَار) كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَعَائِشَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلقَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وَالطَّلَاق فِي الْحيض يحرم فَيصْرف الْإِذْن وَمن إِطْلَاقه على الْحيض مَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 خبر النَّسَائِيّ وَغَيره إِلَى زمن الطُّهْر فَإِن طلقت طَاهِرا وَبَقِي من زمن طهرهَا شَيْء انْقَضتْ عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة ثَالِثَة لِأَن بعض الطُّهْر وَإِن قل يصدق عَلَيْهِ اسْم قرء قَالَ تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} وَهُوَ شَهْرَان وَبَعض الثَّالِث أَو طلقت فِي حيض انْقَضتْ عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة رَابِعَة وَلَا يحْسب طهر من لم تَحض قرءا بِنَاء على أَن الطُّهْر هُوَ المحتوش بَين دمي حيض أَو حيض ونفاس أَو دمي نِفَاس كَمَا صرح بِهِ الْمُتَوَلِي وعدة مُسْتَحَاضَة غير متحيرة بأقرائها الْمَرْدُودَة إِلَيْهَا وعدة متحيرة ثَلَاثَة أشهر فِي الْحَال لاشتمال كل شهر على طهر وحيض غَالِبا (إِلَّا إِذا كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة (صَغِيرَة أَو) كَبِيرَة (آيسة) من الْحيض (فعدتها ثَلَاثَة أشهر) هلالية بِأَن انطبق الطَّلَاق على أول الشَّهْر قَالَ الله تَعَالَى {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن} فعدتهن كَذَلِك كَمَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء فِي إعرابه وَقَوله تَعَالَى {إِن ارتبتم} مَعْنَاهُ إِن لم تعرفوا مَا تَعْتَد بِهِ الَّتِي يئست من ذَوَات الْأَقْرَاء فَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر كملته من الرَّابِع ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاء كَانَ الشَّهْر تَاما أم نَاقِصا القَوْل انْقَطع حَيْضهَا لغير يأس تَنْبِيه من انْقَطع حَيْضهَا لعَارض كرضاع أَو نِفَاس أَو مرض تصبر حَتَّى تحيض فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ أَو حَتَّى تبلغ سنّ الْيَأْس فَتعْتَد بِالْأَشْهرِ وَلَا مبالاة بطول مُدَّة الِانْتِظَار وَإِن انْقَطع لَا لعِلَّة تعرف فكالانقطاع لعَارض على الْجَدِيد فتصبر حَتَّى تحيض أَو تيأس فَائِدَة قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين ويتعتين التفطن لتعليم جهلة الشُّهُود هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُم يزوجون مُنْقَطِعَة الْحيض لعَارض أَو غَيره قبل بُلُوغ سنّ الْيَأْس ويسمونها بِمُجَرَّد الِانْقِطَاع آيسة ويكتفون بِمُضِيِّ ثَلَاثَة أشهر ويستغربون القَوْل بصبرها إِلَى بُلُوغ سنّ الْيَأْس حَتَّى تصير عجوزا فليحذر من ذَلِك انْتهى أَي لِأَن الْأَشْهر إِنَّمَا شرعت للَّتِي لم تَحض والآيسة وَهَذِه غَيرهمَا فَلَو حَاضَت من لم تَحض من حرَّة أَو غَيرهَا أَو حَاضَت آيسة كَذَلِك فِي الْأَشْهر اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا الأَصْل فِي الْعدة وَقد قدرت عَلَيْهَا قبل الْفِرَار من بدلهَا فتنتقل إِلَيْهَا كالمتيمم إِذا وجد المَاء فِي أثْنَاء التَّيَمُّم فَإِن حَاضَت بعْدهَا الأولى لم يُؤثر لِأَن حَيْضهَا حِينَئِذٍ لَا يمْنَع صدق القَوْل بِأَنَّهَا عِنْد اعتدادها بِالْأَشْهرِ من اللائي لم يحضن أَو الثَّانِيَة فَهِيَ كآيسة حَاضَت بعْدهَا وَلم تنْكح زوجا آخر فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ لتبين أَنَّهَا لَيست آيسة فَإِن نكحت آخر فَلَا شَيْء عَلَيْهَا لانقضاء عدتهَا ظَاهرا مَعَ تعلق حق الزَّوْج بهَا وللشروع فِي الْمَقْصُود كَمَا إِذا قدر الْمُتَيَمم على المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَالْمُعْتَبر فِي الْيَأْس يأس من كل النِّسَاء بِحَسب مَا بلغنَا خَبره لَا طواف نسَاء الْعَالم وَلَا يأس عشيرتها فَقَط وأقصاه اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة وَقيل سِتُّونَ وَقيل خَمْسُونَ عَلَيْهَا) لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 القَوْل فِي الْمُطلقَة قبل الدُّخُول بهَا (والمطلقة قبل الدُّخُول بهَا لَا عدَّة {طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} وَالْمعْنَى فِيهِ عدم اشْتِغَال رَحمهَا بِمَا يُوجب استبراءه القَوْل فِي عدَّة الْأمة (وعدة الْأمة) أَو من فِيهَا رق (بِالْحملِ) أَي بِوَضْعِهِ بِشَرْط نسبته إِلَى ذِي الْعدة حَيا كَانَ أَو مَيتا أَو مُضْغَة (كعدة الْحرَّة) فِي جَمِيع مَا مر فِيهَا من غير فرق لعُمُوم الْآيَة الْكَرِيمَة (و) عدتهَا (بِالْأَقْرَاءِ) عَن فرقة طَلَاق أَو فسخ وَلَو مُسْتَحَاضَة غير متحيرة (أَن تَعْتَد بقرأين) لِأَنَّهَا على النّصْف من الْحرَّة فِي كثير من الْأَحْكَام وَإِنَّمَا كملت الْقُرْء الثَّانِي لتعذر تبعيضه كَالطَّلَاقِ إِذْ لَا يظْهر نصفه إِلَّا بِظُهُور كُله فَلَا بُد من الِانْتِظَار إِلَى أَن يعود الدَّم فَإِن عتقت فِي عدَّة رَجْعَة فكحرة فتكمل ثَلَاثَة أَقراء لِأَن الرَّجْعِيَّة كَالزَّوْجَةِ فِي كثير من الْأَحْكَام فَكَأَنَّهَا عتقت قبل الطَّلَاق بِخِلَاف مَا إِذا عتقت فِي عدَّة بينونة لِأَنَّهَا كالأجنبية فَكَأَنَّهَا عتقت بعد انْقِضَاء الْعدة أما الْمُتَحَيِّرَة فَهِيَ إِن طلقت أول الشَّهْر فبشهرين وَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر وَالْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا حسب قرءا فتكمل بعده بِشَهْر هلالي وَإِلَّا لم يحْسب قرءا فَتعْتَد بعده بشهرين هلاليين على الْمُعْتَمد خلافًا للباذري فِي اكتفائه بِشَهْر وَنصف (و) عدتهَا (بالشهور عَن الْوَفَاة) قبل الدُّخُول أَو بعده (أَن تَعْتَد بشهرين) هلاليين (وَخَمْسَة أَيَّام) بلياليها وَيَأْتِي فِي الانكسار مَا مر (و) عدتهَا (عَن الطَّلَاق) وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تقدم (بِشَهْر) هلالي (وَنصف) شهر لِإِمْكَان التنصيف فِي الْأَشْهر وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقَالَ المُصَنّف من عِنْد نَفسه (فَإِن اعْتدت بشهرين كَانَ أولى) أَي لِأَنَّهَا تَعْتَد فِي الْأَقْرَاء بقرأين فَفِي الْيَأْس تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَنْهُمَا قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين وَمَا ادَّعَاهُ من الْأَوْلَوِيَّة لم يقل بِهِ أحد من الْأَصْحَاب الْقَائِلين بالتنصيف ثمَّ قَالَ وَجُمْلَة مَا فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال أظهرها مَا تقدم وَثَانِيها وجوب شَهْرَيْن وَالثَّالِث وجوب ثَلَاثَة أشهر فَالْخِلَاف فِي الْوُجُوب فَإِن أَرَادَ الْأَوْلَوِيَّة من حَيْثُ الِاحْتِيَاط على القَوْل الرَّاجِح فالاحتياط إِنَّمَا يكون بالْقَوْل الثَّالِث وَلم يَقُولُوا بِهِ أَيْضا انْتهى وَقد يُقَال إِن المُصَنّف قد اطلع على ذَلِك فِي كَلَامهم وَلَا شكّ أَن الِاحْتِيَاط بالشهرين أولى من الِاقْتِصَار على شهر وَنصف وَإِن كَانَ بِالثَّلَاثَةِ أولى ويراعي الأول الْوَجْه الضَّعِيف فَيَجْعَلهُ من بَاب الِاحْتِيَاط تَتِمَّة لَو طلق زَوجته وعاشرها بِلَا وَطْء فِي عدَّة أَقراء أَو أشهر فَإِن كَانَت بَائِنا انْقَضتْ عدتهَا بِمَا ذكر وَإِن كَانَت رَجْعِيَّة لم تنقض عدتهَا بذلك وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَلَا رَجْعَة لَهُ بعد الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر وَإِن لم تنقض بذلك الْعدة ويلحقها الطَّلَاق وَلَو طلق زَوجته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 الْأمة وعاشرها سَيِّدهَا كَانَ كَمَا لَو عَاشرهَا الزَّوْج فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمَار أما غير الزَّوْج وَالسَّيِّد فكمعاشرة الْبَائِن فتنقضي عدتهَا بِمَا ذكر فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا وَعَلَيْهَا سَوَاء أَكَانَت بَائِنا أم رَجْعِيَّة القَوْل فِيمَا يجب للرجعية وَقد بَدَأَ بالقسم الثَّانِي فَقَالَ (للمعتدة الرَّجْعِيَّة) وَلَو حَائِلا أَو أمة (السُّكْنَى وَالنَّفقَة) وَالْكِسْوَة وَسَائِر حُقُوق الزَّوْجِيَّة إِلَّا آلَة تنظيف لبَقَاء حبس النِّكَاح وسلطنته وَلِهَذَا يسْقط بنشوزها القَوْل فِيمَا يجب للبائن ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول فَقَالَ (وَيجب للبائن) الْحَائِل بخلع أَو ثَلَاث فِي غير نشوز (السُّكْنَى دون النَّفَقَة) وَالْكِسْوَة لقَوْله تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم} فَلَا سُكْنى لمن أَبَانهَا نَاشِزَة أَو نشزت فِي الْعدة إِلَّا إِن عَادَتْ إِلَى الطَّاعَة كَمَا فِي الرَّوْضَة ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك قَوْله (إِلَّا أَن تكون) الْبَائِن (حَامِلا) بِولد يلْحق الزَّوْج فَيجب لَهَا من النَّفَقَة بِسَبَب الْحمل على أظهر الْقَوْلَيْنِ مَا كَانَ سقط عِنْد عَدمه إِذا توافقا على الْحمل أَو شهد بِهِ أَربع نسْوَة مَا لم تنشز فِي الْعدة فَإِن نشزت فِيهَا سقط مَا وَجب لَهَا بِنَاء على الْأَظْهر الْمُتَقَدّم وَخرج بِقَيْد الْبَائِن الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن كَانَت حَامِلا لخَبر لَيْسَ للحامل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَلِأَنَّهَا بَانَتْ بالوفاة والقريب تسْقط مُؤْنَته بهَا وَإِنَّمَا لم تسْقط فِيمَا لَو توفّي بعد بينونتها لِأَنَّهَا وَجَبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 قبل الْوَفَاة فاغتفر بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَام لِأَنَّهُ أقوى من الِابْتِدَاء الْإِحْدَاد على الْمُتَوفَّى (و) يجب (على الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا) وَلَو أمة (الْإِحْدَاد) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا أَي فَيحل لَهَا الْإِحْدَاد عَلَيْهِ أَي يجب للْإِجْمَاع على إِرَادَته والتقيد بِإِيمَان الْمَرْأَة جري على الْغَالِب لِأَن غَيرهَا مِمَّن لَهَا أَمَان يلْزمهَا الْإِحْدَاد وعَلى ولي صَغِيرَة ومجنونة منعهما مِمَّا يمْنَع مِنْهُ غَيرهمَا وَسن لمفارقة وَلَو رَجْعِيَّة وَلَا يجب لِأَنَّهَا إِن فورقت بِطَلَاق فَهِيَ مجفوة بِهِ أَو بِفَسْخ فالفسخ مِنْهَا أَو لِمَعْنى فِيهَا فَلَا يَلِيق بهَا فيهمَا إِيجَاب الْإِحْدَاد بِخِلَاف الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَمَا ذكر من أَن الرَّجْعِيَّة يسن لَهَا ذَلِك هُوَ مَا نَقله فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن أبي ثَوْر عَن الشَّافِعِي ثمَّ نقل عَن بعض الْأَصْحَاب أَن الأولى لَهَا أَن تتزين بِمَا يَدْعُو الزَّوْج إِلَى رَجعتهَا (وَهُوَ) أَي الْإِحْدَاد من أحد وَيُقَال فِيهِ الْحداد من حد لُغَة الْمَنْع وَاصْطِلَاحا (الِامْتِنَاع من الزِّينَة) فِي الْبدن بحلي من ذهب أَو فضَّة سَوَاء كَانَ كَبِيرا كالخلخال والسوار أم صَغِيرا كالخاتم والقرط لما روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد حسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تلبس الْحلِيّ وَلَا تكتحل وَلَا تختضب وَإِنَّمَا حرم ذَلِك لِأَنَّهُ يزِيد فِي حسنها كَمَا قيل (الطَّوِيل) مَا الْحلِيّ إِلَّا زِينَة لنقيصة يتمم من حسن إِذا الْحسن قصرا فَأَما إِذا كَانَ الْجمال موفرا كحسنك لم يحْتَج إِلَى أَن يزورا وَكَذَا اللُّؤْلُؤ يحرم التزين بِهِ فِي الْأَصَح لِأَن الزِّينَة فِيهِ ظَاهِرَة أَو بِثِيَاب مصبوغة لزينة لحَدِيث أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تلبس المعصفر من الثِّيَاب وَلَا الممشقة وَلَا الْحلِيّ وَلَا تختضب وَلَا تكتحل والممشقة المصبوغة بالمشق وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم الْمغرَة بِفَتْحِهَا وَيُقَال طين أَحْمَر يشبهها وَيُبَاح لبس غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وَإِن كَانَ نفيسا وحرير إِذا لم يحدث فِيهِ زِينَة وَيُبَاح مصبوغ لَا يقْصد لزينة كالأسود وَكَذَا الْأَزْرَق والأخضر المشبعان الكدران لِأَن ذَلِك لَا يقْصد للزِّينَة بل لنَحْو حمل وسخ أَو مُصِيبَة فَإِن تردد بَين الزِّينَة وَغَيرهَا كالأخضر والأزرق فَإِن كَانَ براقا صافي اللَّوْن حرم لِأَنَّهُ مستحسن يتزين بِهِ أَو كدرا أَو مشبعا فَلَا لِأَن المشبع من الْأَخْضَر والأزرق يُقَارب الْأسود وَخرج بِقَيْد الْبدن تجميل فرَاش وَهُوَ مَا ترقد أَو تقعد عَلَيْهِ من نطع ومرتبة ووسادة وَنَحْوهَا وتجميل أثاث وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة ومثلثتين مَتَاع الْبَيْت فَيجوز ذَلِك لِأَن الْإِحْدَاد فِي الْبدن لَا فِي الْفراش وَنَحْوه وَأما الغطاء فالأشبه أَنه كالثياب لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِن خصّه الزَّرْكَشِيّ بِالنَّهَارِ (و) الِامْتِنَاع من اسْتِعْمَال (الطّيب) فِي بدن أَو ثوب لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم عَطِيَّة كُنَّا ننهى أَن نحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَأَن نكتحل وَأَن نتطيب وَأَن نلبس ثوبا مصبوغا وَيحرم أَيْضا اسْتِعْمَال الطّيب فِي طَعَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وكحل غير محرم قِيَاسا على الْبدن وَضَابِط الطّيب الْمحرم عَلَيْهَا كل مَا حرم على الْمحرم لَكِن يلْزمهَا إِزَالَة الطّيب الْكَائِن مَعهَا حَال الشُّرُوع فِي الْعدة وَلَا فديَة عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَاله بِخِلَاف الْمحرم فِي ذَلِك وَاسْتثنى اسْتِعْمَالهَا عِنْد الطُّهْر من الْحيض وَكَذَا من النّفاس كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَغَيره قَلِيلا من قسط أَو إظفار وهما نَوْعَانِ من البخور وَيحرم عَلَيْهَا دهن شعر رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَ لَهَا لحية لما فِيهِ من الزِّينَة واكتحالها بإثمد وَإِن لم يكن فِيهِ طيب لحَدِيث أم عَطِيَّة الْمَار لِأَن فِيهِ جمالا وزينة وَسَوَاء فِي ذَلِك الْبَيْضَاء وَغَيرهَا أما اكتحالها بالأبيض كالتوتياء فَلَا يحرم إِذْ لَا زِينَة فِيهِ وَأما الْأَصْفَر وَهُوَ الصَّبْر فَيحرم على السَّوْدَاء وَكَذَا على الْبَيْضَاء على الْأَصَح لِأَنَّهُ يحسن الْعين وَيجوز الاكتحال بالإثمد وَالصَّبْر لحَاجَة كرمد فتكتحل لَيْلًا وتمسحه نَهَارا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لأم سَلمَة فِي الصَّبْر لَيْلًا نعم إِن احْتَاجَت إِلَيْهِ نَهَارا أَيْضا جَازَ وَكَذَا يحرم عَلَيْهَا طلي الْوَجْه بالإسفيذاج والدمام وَهُوَ كَمَا فِي الْمُهِمَّات بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وميمين بَينهمَا ألف مَا يطلى بِهِ الْوَجْه للتحسين الْمُسَمّى بالحمرة الَّتِي يُورد بهَا الخد والاختضاب بحناء وَنَحْوه فيهمَا يظْهر من بدنهَا كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَيحرم تطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها وتجعيد صدغيها وحشو حاجبها بالكحل وتدقيقه بالحف تَنْبِيه قد علم من تَفْسِير الْإِحْدَاد بِمَا ذكر جَوَاز التَّنْظِيف بِغسْل رَأس وقلم أظفار واستحداد ونتف شعر إبط وَإِزَالَة وسخ وَلَو ظَاهرا لِأَن جَمِيع ذَلِك لَيْسَ من الزِّينَة أَي الداعية إِلَى الْوَطْء وَأما إِزَالَة الشّعْر المتضمن زِينَة كأخذ مَا حول الحاجبين وَأَعْلَى الْجَبْهَة فتمتنع مِنْهُ كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر وَأما إِزَالَة شعر لحية أَو شَارِب نبت لَهَا فتسن إِزَالَته كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَيحل الامتشاط بِلَا ترجيل بدهن وَنَحْوه وَيجوز بسدر وَنَحْوه وَيحل لَهَا أَيْضا دُخُول حمام إِن لم يكن فِيهِ خُرُوج محرم وَلَو تركت المحدة المكلفة الْإِحْدَاد الْوَاجِب عَلَيْهَا كل الْمدَّة أَو بَعْضهَا عَصَتْ إِن علمت حُرْمَة التّرْك وَانْقَضَت عدتهَا مَعَ الْعِصْيَان وَلَو بلغتهَا وَفَاة زَوجهَا أَو طَلَاقه بعد انْقِضَاء الْعدة كَانَت منقضية وَلَا حداد عَلَيْهَا وَلها إحداد على غير زوج ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل وَتحرم الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِقصد الْإِحْدَاد فَلَو تركت ذَلِك بِلَا قصد لم تأثم وَخرج بِالْمَرْأَةِ الرجل فَلَا يجوز لَهُ الْإِحْدَاد على قَرِيبه ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن الْإِحْدَاد إِنَّمَا شرع للنِّسَاء لنَقص عقلهن الْمُقْتَضِي عدم الصَّبْر القَوْل فِيمَا يجب على الْمُتَوفَّى عَنْهَا والمبتوتة (و) يجب (على الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا) (و) على (المبتوتة) أَي المقطوعة عَن النِّكَاح ببينونة صغرى أَو كبرى إِذْ الْبَتّ الْقطع (مُلَازمَة الْبَيْت) أَي الَّذِي كَانَت فِيهِ عِنْد الْفرْقَة بِمَوْت أَو غَيره وَكَانَ مُسْتَحقّا للزَّوْج لائقا بهَا لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 أَي بيُوت أَزوَاجهنَّ وإضافتها إلَيْهِنَّ للسُّكْنَى {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} اي قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره الْفَاحِشَة المبينة هِيَ أَن تبذو على أهل زَوجهَا أَي تشتمهم وَلَيْسَ للزَّوْج وَلَا لغيره إخْرَاجهَا وَلَا لَهَا خُرُوج مِنْهُ وَإِن رَضِي بِهِ الزَّوْج إِلَّا لعذر كَمَا سَيَأْتِي لِأَن فِي الْعدة حَقًا لله تَعَالَى وَالْحق الَّذِي لله تَعَالَى لَا يسْقط بِالتَّرَاضِي وَخرج بِقَيْد المبتوتة الرَّجْعِيَّة فَإِن للزَّوْج إسكانها حَيْثُ شَاءَ فِي مَوضِع يَلِيق بهَا وَهَذَا مَا فِي حاوي الْمَاوَرْدِيّ والمهذب وَغَيرهمَا من كتب الْعِرَاقِيّين لِأَنَّهَا فِي حكم الزَّوْجَة وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي نكته وَالَّذِي فِي النِّهَايَة وَهُوَ مَفْهُوم الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة وَغَيره وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ أولى لإِطْلَاق الْآيَة وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ إِنَّه الْمَذْهَب الْمَشْهُور وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ إِنَّه الصَّوَاب وَلِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْخلْوَة بهَا فضلا عَن الِاسْتِمْتَاع فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ ثمَّ اسْتثْنى من وجوب مُلَازمَة الْبَيْت قَوْله (إِلَّا لحَاجَة) أَي فَيجوز لَهَا الْخُرُوج فِي عدَّة وَفَاة وعدة وَطْء شُبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَكَذَا بَائِن ومفسوخ نِكَاحهَا وَضَابِط ذَلِك كل مُعْتَدَّة لَا تجب نَفَقَتهَا وَلم يكن لَهَا من يَقْضِيهَا حَاجَتهَا لَهَا الْخُرُوج فِي النَّهَار لشراء طَعَام وقطن وكتان وَبيع غزل وَنَحْوه للْحَاجة إِلَى ذَلِك أما من وَجَبت نَفَقَتهَا من رَجْعِيَّة أَو بَائِن حَامِل مستبرأة فَلَا تخرج إِلَّا بِإِذن أَو ضَرُورَة كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مكفيات بِنَفَقَة أَزوَاجهنَّ وَكَذَا لَهَا الْخُرُوج لذَلِك لَيْلًا إِن لم يُمكنهَا نَهَارا وَكَذَا إِلَى دَار جارتها لغزل وَحَدِيث وَنَحْوهمَا للتأنس وَلَكِن بِشَرْط أَن ترجع وتبيت فِي بَيتهَا تَنْبِيه اقْتصر المُصَنّف على الْحَاجة إعلاما بِجَوَازِهِ للضَّرُورَة من بَاب أولى كَأَن خَافت على نَفسهَا تلفا أَو فَاحِشَة أَو خَافت على مَالهَا أَو وَلَدهَا من هدم أَو غرق فَيجوز لَهَا الِانْتِقَال للضَّرُورَة الداعية إِلَى ذَلِك وَعلم من كَلَامه كَغَيْرِهِ وَتَحْرِيم خُرُوجهَا لغير حَاجَة وَهُوَ كَذَلِك كخروجها لزيارة وعيادة واستنماء مَال تِجَارَة وَنَحْو ذَلِك تَتِمَّة لَو أَحرمت بِحَجّ أَو قرَان بِإِذن زَوجهَا أَو بِغَيْر إِذن ثمَّ طَلقهَا أَو مَاتَ فَإِن خَافت الْفَوات لضيق الْوَقْت جَازَ لَهَا الْخُرُوج مُعْتَدَّة لتقدم الْإِحْرَام وَإِن لم تخف الْفَوات لسعة الْوَقْت جَازَ لَهَا الْخُرُوج إِلَى ذَلِك أَيْضا لما فِي تعْيين الصَّبْر من مشقة مصابرة الْإِحْرَام وَإِن أَحرمت بعد أَن طَلقهَا أَو مَاتَ بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما امْتنع عَلَيْهَا الْخُرُوج سَوَاء أخافت الْفَوات أم لَا فَإِذا انْقَضتْ الْعدة أتمت عمرتها أَو حَجهَا إِن بَقِي وقته وَإِلَّا تحللت بِأَفْعَال عمْرَة ولزمها الْقَضَاء وَدم الْفَوات ويكتري الْحَاكِم من مَال مُطلق لَا مسكن لَهُ مسكنا لمعتدته لتعتد فِيهِ إِن فقد مُتَطَوّع بِهِ فَإِن لم يكن لَهُ مَال اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم فَإِن أذن لَهَا الْحَاكِم أَن تقترض على زَوجهَا أَو تكتري الْمسكن من مَالهَا جَازَ وَترجع بِهِ فَإِن فعلته بِقصد الرُّجُوع بِلَا إِذن الْحَاكِم نظر فَإِن قدرت على اسْتِئْذَانه أَو لم تقدر وَلم تشهد لم ترجع وَإِن لم تقدر وأشهدت رجعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء هُوَ بِالْمدِّ لُغَة طلب الْبَرَاءَة وَشرعا تربص الْأمة مُدَّة بِسَبَب حُدُوث ملك الْيَمين أَو زَوَاله أَو حُدُوث حل كالمكاتبة والمرتدة لمعْرِفَة بَرَاءَة الرَّحِم أَو للتعبد وَهَذَا الْفَصْل مقدم فِي بعض النّسخ على الَّذِي قبله وموضعه هُنَا أنسب وَخص هَذَا بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ قدر بِأَقَلّ مَا يدل على بَرَاءَة الرَّحِم من غير تكَرر وتعدد وَخص التَّرَبُّص بِسَبَب النِّكَاح باسم الْعدة اشتقاقا من الْعدَد وَالْأَصْل فِي الْبَاب مَا سَيَأْتِي من الْأَدِلَّة (وَمن استحدث) أَي حدث لَهُ (ملك أمة) وَلَو مِمَّن لَا يُمكن جمَاعه كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ وَلَو مستبرأة قبل ملكه بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو رد بِعَيْب أَو إِقَالَة أَو تحالف أَو قبُول وَصِيَّة أَو سبي أَو نَحْو ذَلِك (حرم عَلَيْهِ) فِيمَا عدا المسبية (الِاسْتِمْتَاع بهَا) بِكُل نوع من أَنْوَاعه حَتَّى النّظر بِشَهْوَة (حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا) بِمَا سَيَأْتِي لاحْتِمَال حملهَا أما المسبية الَّتِي وَقعت فِي سَهْمه من الْغَنِيمَة فَيحل لَهُ مِنْهَا غير وَطْء من أَنْوَاع الاستمتاعات لمَفْهُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا غير ذَات حمل حَتَّى تحيض حَيْضَة وقاس الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ المسبية عَلَيْهَا بِجَامِع حُدُوث الْملك وَأخذ من الْإِطْلَاق فِي المسبية أَنه لَا فرق بَين الْبكر وَغَيرهَا وألحقت من لم تَحض أَو أَيِست بِمن تحيض فِي اعْتِبَار قدر الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا وَهُوَ شهر كَمَا سَيَأْتِي وَلما روى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ وَقعت فِي سهمي جَارِيَة من سبي جَلُولَاء فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا عُنُقهَا مثل إبريق الْفضة فَلم أتمالك أَن قبلتها وَالنَّاس ينظرُونَ وَلم يُنكر أحد عَليّ من الصَّحَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 وجلولاء بِفَتْح الْجِيم وَالْمدّ قَرْيَة من نواحي فَارس وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا جلولي على غير قِيَاس فتحت يَوْم اليرموك سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة فبلغت غنائمها ثَمَانِيَة عشر ألفا وَفَارَقت المسبية غَيرهَا بِأَن غايتها أَن تكون مُسْتَوْلدَة حَرْبِيّ وَذَلِكَ لَا يمْنَع الْملك وَإِنَّمَا حرم وَطْؤُهَا صِيَانة لمائه لِئَلَّا يخْتَلط بِمَاء حَرْبِيّ لَا لحُرْمَة مَاء الْحَرْبِيّ ثمَّ (إِن كَانَت) أَي الْأمة الَّتِي يجب استبراؤها (من ذَوَات الْحيض) فاستبراؤها يحصل (بِحَيْضَة) وَاحِدَة بعد انتقالها إِلَيْهِ الْجَدِيد للْخَبَر السَّابِق فَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحَيْضَة الَّتِي وجد السَّبي فِي أَثْنَائِهَا وتنتظر ذَات الْأَقْرَاء الْكَامِلَة إِلَى سنّ الْيَأْس كالمعتدة وَإِنَّمَا لم يكتف بِبَقِيَّة الْحَيْضَة كَمَا اكْتفى بِبَقِيَّة الطُّهْر فِي الْعدة لِأَن بَقِيَّة الطُّهْر تستعقب الْحَيْضَة الدَّالَّة على الْبَرَاءَة وَهَذَا يستعقب الطُّهْر وَلَا دلَالَة لَهُ على الْبَرَاءَة (وَإِن كَانَت من ذَوَات الشُّهُور) لصِغَر أَو يأس فاستبراؤها يحصل (بِشَهْر) فَقَط فَإِنَّهُ كقرء فِي الْحرَّة فَكَذَا فِي الْأمة والمتحيرة تستبرأ بِشَهْر أَيْضا (وَإِن كَانَت من ذَوَات الْحمل) وَلَو من زنا فاستبراؤها يحصل (بِالْوَضْعِ) لعُمُوم الحَدِيث السَّابِق وَلِأَن الْمَقْصُود معرفَة بَرَاءَة الرَّحِم وَهِي حَاصِلَة بذلك تَنْبِيه لَو مضى زمن اسْتِبْرَاء على أمة بعد الْملك وَقبل الْقَبْض حسب زَمَنه إِن ملكهَا بِإِرْث لِأَن الْملك بذلك مَقْبُوض حكما وَإِن لم يحصل الْقَبْض حسا بِدَلِيل صِحَة بَيْعه وَكَذَا إِن ملكت بشرَاء أَو نَحوه من الْمُعَاوَضَات بعد لُزُومهَا لِأَن الْملك لَازم فَأشبه مَا بعد الْقَبْض أما إِذا جرى الِاسْتِبْرَاء فِي زمن الْخِيَار فَإِنَّهُ لَا يعْتد بِهِ لضعف الْملك وَلَو وهبت لَهُ وَحصل الِاسْتِبْرَاء بعد عقدهَا وَقبل الْقَبْض لم يعْتد بِهِ لتوقف الْملك فِيهَا على الْقَبْض وَلَو اشْترى أمة مَجُوسِيَّة أَو نَحْوهَا كمرتدة فَحَاضَت أَو وجد مِنْهَا مَا يحصل بِهِ الِاسْتِبْرَاء من وضع حمل أَو مُضِيّ شهر لغير ذَوَات الْأَقْرَاء ثمَّ أسلمت بعد انْقِضَاء ذَلِك أَو فِي أَثْنَائِهِ لم يكف هَذَا الِاسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا يستعقب حل الِاسْتِمْتَاع الَّذِي هُوَ الْقَصْد فِي الِاسْتِبْرَاء فروع يجب الِاسْتِبْرَاء فِي مُكَاتبَة كِتَابَة صَحِيحَة فسختها بِلَا تعجيز أَو عجزت بتعجيز السَّيِّد لَهَا عِنْد عجزها عَن النُّجُوم لعود ملك التَّمَتُّع بعد زَوَاله فَأشبه مَا لَو بَاعهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا أما الْفَاسِدَة فَلَا يجب الِاسْتِبْرَاء فِيهَا كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي بَابه وَكَذَا يجب اسْتِبْرَاء أمة مرتدة عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام لزوَال ملك الِاسْتِمْتَاع ثمَّ أعادته فَأشبه تعجيز الْمُكَاتبَة وَكَذَا لَو ارْتَدَّ السَّيِّد ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يلْزمه الِاسْتِبْرَاء أَيْضا لما ذكر وَلَو زوج السَّيِّد أمته ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج قبل الدُّخُول وَجب الِاسْتِبْرَاء لما مر وَإِن طَلقهَا بعد الدُّخُول فاعتدت لم يدْخل الِاسْتِبْرَاء فِي الْعدة بل يلْزمه أَن يَسْتَبْرِئهَا بعد انْقِضَاء عدتهَا وَلَا يجب اسْتِبْرَاء أمة خلت من حيض ونفاس وَصَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 واعتكاف وإحرام لِأَن حرمتهَا بذلك لَا تخل بِالْملكِ بِخِلَاف الْكِتَابَة وَالرِّدَّة وَلَو اشْترى زَوجته الْأمة اسْتحبَّ لَهُ استبراؤها ليتميز ولد الْملك عَن ولد النِّكَاح لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ ينْعَقد الْوَلَد رَقِيقا ثمَّ يعْتق فَلَا يكون كُفؤًا لحرة أَصْلِيَّة وَلَا تصير بِهِ أم ولد وبملك الْيَمين ينعكس الحكم (وَإِذا مَاتَ سيد أم الْوَلَد) أَو أعْتقهَا وَهِي خَالِيَة من زوج أَو عدَّة (استبرأت نَفسهَا) وجوبا (كالأمة) على حكم التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِيهَا فَلَو كَانَت فِي نِكَاح أَو عدَّة وَقت موت السَّيِّد أَو عتقه لَهَا لم يلْزمهَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب لِأَنَّهَا لَيست فراشا للسَّيِّد بل للزَّوْج فَهِيَ كَغَيْر الْمَوْطُوءَة وَلِأَن الِاسْتِبْرَاء لحل الِاسْتِمْتَاع وهما مشغولتان بِحَق الزَّوْج وَلَو أعتق مستولدته فَلهُ نِكَاحهَا بِلَا اسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح كَمَا يجوز لَهُ أَن ينْكح الْمُعْتَدَّة مِنْهُ لِأَن المَاء لوَاحِد تَتِمَّة لَو وطىء أمة شريكان فِي حيض أَو طهر ثمَّ باعاها أَو أَرَادَا تَزْوِيجهَا أَو وطىء اثْنَان أمة رجل كل يَظُنهَا أَنَّهَا أمته وَأَرَادَ الرجل تَزْوِيجهَا وَجب استبراءان كالعدتين من شَخْصَيْنِ وَلَو بَاعَ جَارِيَة لم يقر بِوَطْئِهَا فَظهر بهَا حمل وادعاه فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إِنَّه لَا يُعلمهُ مِنْهُ وَثَبت نسب البَائِع على الْأَوْجه من خلاف فِيهِ إِذْ لَا ضَرُورَة على المُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّة وَالْقَائِل بِخِلَافِهِ علله بِأَن ثُبُوته يقطع إِرْث المُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ فَإِن أقرّ بِوَطْئِهَا وباعها نظر فَإِن كَانَ ذَلِك بعد أَن استبرائها فَأَتَت بِولد لدوّنَ سِتَّة أشهر من استبرائها مِنْهُ لحقه وَبَطل البيع لثُبُوت أُميَّة الْوَلَد وَإِن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر فَالْوَلَد مَمْلُوك للْمُشْتَرِي إِن لم يكن وَطئهَا وَإِلَّا فَإِن أمكن كَونه مِنْهُ بِأَن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من وَطئه لحقه وَصَارَت الْأمة مُسْتَوْلدَة لَهُ وَإِن لم يكن استبرأها قبل البيع فَالْوَلَد لَهُ إِن أمكن كَونه مِنْهُ إِلَّا إِن وَطئهَا المُشْتَرِي وَأمكن كَونه مِنْهُمَا فتعرض على الْقَائِف وَلَو زوج أمته فَطلقت قبل الدُّخُول وأقرت للسَّيِّد بِوَطْئِهَا فَولدت ولدا لزمن يحْتَمل كَونه مِنْهُمَا لحق السَّيِّد عملا بِالظَّاهِرِ وَصَارَت أم ولد للْحكم بلحوق الْوَلَد بِملك الْيَمين فصل فِي الرَّضَاع هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَيجوز كسرهَا وَإِثْبَات التَّاء مَعَهُمَا لُغَة اسْم لمص الثدي وَشرب لبنه وَشرعا اسْم لحُصُول لبن امْرَأَة أَو مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 حصل مِنْهُ فِي معدة طِفْل أَو دماغه وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قبل الْإِجْمَاع الْآيَة وَالْخَبَر الآتيين وأركانه ثَلَاثَة مرضع ورضيع وَلبن وَقد شرع فِي الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَإِذا أرضعت الْمَرْأَة) أَي الْآدَمِيَّة خلية كَانَت أَو مُزَوّجَة الْحَيَّة حَيَاة مُسْتَقِرَّة حَال انْفِصَال لَبنهَا بلغت تسع سِنِين قمرية تَقْرِيبًا وَإِن لم يحكم ببلوغها بذلك (بلبنها) وَلَو متغيرا عَن هَيْئَة انْفِصَاله عَن الثدي بحموضة أَو غَيرهَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّانِي بقوله (ولدا صَار الرَّضِيع وَلَدهَا) من الرَّضَاع القَوْل فِيمَا يخرج بِالْمَرْأَةِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الرجل فَلَا تثبت حُرْمَة بلبنه على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ معدا للتغذية فَلم يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم كَغَيْرِهِ من الْمَائِعَات لَكِن يكره لَهُ ولفرعه نِكَاح من ارتضعت مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم والبويطي ثَانِيهَا الْخُنْثَى الْمُشكل وَالْمذهب توقفه إِلَى الْبَيَان فَإِن بَانَتْ أنوثته حرم وَإِلَّا فَلَا وَلَو مَاتَ قبله لم يثبت التَّحْرِيم فللرضيع نِكَاح أم الْخُنْثَى وَنَحْوهَا كَمَا نَقله الْأَذْرَعِيّ عَن الْمُتَوَلِي ثَالِثهَا الْبَهِيمَة فَلَو ارتضع صغيران من شَاة مثلا لم يثبت بَينهمَا أخوة فَتحل مناكحتهما لِأَن الْأُخوة فرع الأمومة فَإِذا لم يثبت الأَصْل لم يثبت الْفَرْع وَخرج بآدمية وَلَو عبر بهَا بدل الْمَرْأَة كَمَا عبر بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَكَانَ أولى الجنية إِن تصور إرضاعها بِنَاء على عدم صِحَة مناكحتهم وَهُوَ الرَّاجِح لِأَن الرَّضَاع تلو النّسَب بِدَلِيل يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَالله تَعَالَى قطع النّسَب بَين الْجِنّ وَالْإِنْس وَخرج بقوله بالحية لبن الْميتَة فَإِنَّهُ لَا يحرم لِأَنَّهُ من لبن جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة وباستكمال تسع سِنِين تَقْرِيبًا مَا لَو ظهر لصغيرة دون ذَلِك لبن وارتضع بِهِ طِفْل فَلَا يثبت بِهِ تَحْرِيم وَلَو حلب لبن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة قبل مَوتهَا وأوجر لطفل حرم لانفصاله مِنْهَا فِي الْحَيَاة ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يشْتَرط فِي الرَّضِيع بقوله (بِشَرْطَيْنِ) وَترك ثَالِثا ورابعا كَمَا ستراه (أَحدهمَا أَن يكون لَهُ دون السنتين) لخَبر لَا رضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فَإِن بلغهما وَشرب بعدهمَا لم يحرم ارتضاعه قَالَ فِي الرَّوْضَة وَيعْتَبر الحولان بِالْأَهِلَّةِ فَإِن انْكَسَرَ الشَّهْر الأول تمم الْعدَد ثَلَاثِينَ يَوْمًا من الشَّهْر الْخَامِس وَالْعِشْرين وَذَلِكَ بقوله تَعَالَى {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 اي جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَمام الرضَاعَة فِي الْحَوْلَيْنِ فأفهم بِأَن الحكم بعد الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ تَنْبِيه ابْتِدَاء الْحَوْلَيْنِ من تَمام انْفِصَال الرَّضِيع كَمَا فِي نَظَائِره فَإِن ارتضع قبل تَمَامه لم يُؤثر وَظَاهر كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَو تمّ الحولان فِي الرضعة الْخَامِسَة حرم وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا فِي التَّهْذِيب وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَإِن كَانَ ظَاهر نَص الْأُم وَغَيره عدم التَّحْرِيم لِأَن مَا يصل إِلَى الْجوف فِي كل رضعة غير مُقَدّر كَمَا قَالُوا لَو لم يحصل فِي جَوْفه إِلَّا خمس قطرات فِي كل رضعة قَطْرَة حرم (و) الشَّرْط (الثَّانِي أَن ترْضِعه خمس رَضعَات) لما روى مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ فِيمَا أنزل الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات يحرمن فنسخن بِخمْس مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن فِيمَا يقْرَأ من الْقُرْآن أَي يتلي حكمهن أَو يقرؤهن من لم يبلغهُ النّسخ وَقيل تَكْفِي رضعة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْخمس رَضعَات ضبطهن بِالْعرْفِ إِذْ لَا ضَابِط لَهَا فِي اللُّغَة وَلَا فِي الشَّرْع فَرجع فِيهَا إِلَى الْعرف كالحرز فِي السّرقَة فَمَا قضى بِكَوْنِهِ رضعة أَو رَضعَات اعْتبر وَإِلَّا فَلَا وَلَا خلاف فِي اعْتِبَار كَونهَا (متفرقات) عرفا فَلَو قطع الرَّضِيع الارتضاع بَين كل من الْخمس إعْرَاضًا عَن الثدي تعدد عملا بِالْعرْفِ وَلَو قطعت عَلَيْهِ الْمُرضعَة لشغل وأطالته ثمَّ عَاد تعدد كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة لِأَن الرَّضَاع يعْتَبر فِيهِ فعل الْمُرضعَة والرضيع على الِانْفِرَاد بِدَلِيل مَا لَو ارتضع على امْرَأَة نَائِمَة أَو أجرعته لَبَنًا وَهُوَ نَائِم وَإِذا ثَبت ذَلِك وَجب أَن يعْتد بقطعها كَمَا يعْتد بِقطعِهِ وَلَو قطعه للهو أَو نَحوه كنومة خَفِيفَة أَو تنفس أَو ازدراد مَا جمعه من اللَّبن فِي فَمه وَعَاد فِي الْحَال لم يَتَعَدَّد بل الْكل رضعة وَاحِدَة فَإِن طَال لهوه أَو نَومه فَإِن كَانَ الثدي فِي فَمه فرضعة وَإِلَّا فرضعتان وَلَو تحول الرَّضِيع بِنَفسِهِ أَو بتحويل الْمُرضعَة فِي الْحَال من ثدي إِلَى ثدي أَو قطعته الْمُرضعَة لشغل خَفِيف ثمَّ عَادَتْ لم يَتَعَدَّد حِينَئِذٍ فَإِن لم يتَحَوَّل فِي الْحَال تعدد الْإِرْضَاع وَلَو حلب مِنْهَا لبن دفْعَة وَوصل إِلَى جَوف الرَّضِيع أَو دماغه بإيجار أَو إسعاط أَو غير ذَلِك فِي خمس مَرَّات أَو حلب مِنْهَا خمْسا وأوجر بِهِ الرَّضِيع دفْعَة فرضعة وَاحِدَة فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارا فِي الأولى بِحَال الِانْفِصَال من الثدي وَفِي الثَّانِيَة بِحَالهِ وُصُوله إِلَى جَوْفه دفْعَة وَاحِدَة وَلَو شكّ فِي رَضِيع هَل رضع خمْسا أَو أقل أَو هَل رضع فِي حَوْلَيْنِ أَو بعدهمَا فَلَا تَحْرِيم لِأَن الأَصْل عدم مَا ذكر وَلَا يخفى الْوَرع وَالشّرط الثَّالِث وُصُول اللَّبن فِي الْخمس إِلَى الْمعدة فَلَو لم يصل إِلَيْهَا فَلَا تَحْرِيم وَلَو وصل إِلَيْهَا وتقايأه ثَبت التَّحْرِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وَالشّرط الرَّابِع كَون الطِّفْل حَيا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَلَا أثر للوصول إِلَى معدة الْمَيِّت وَاعْلَم أَن الْحُرْمَة تَنْتَشِر من الْمُرضعَة والفحل إِلَى أصولهما وفروعهما وحواشيهما وَمن الرَّضِيع إِلَى فروعه فَقَط إِذا علمت ذَلِك وَوجدت الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فَتَصِير الْمُرضعَة بذلك أمه (وَيصير زَوجهَا) الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الْوَلَد بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة (أَبَا لَهُ) لِأَن الرَّضَاع تَابع للنسب أما من لم ينْسب إِلَيْهِ الْوَلَد كالزاني فَلَا يثبت بِهِ حُرْمَة من جِهَته وتنتشر الْحُرْمَة من الرَّضِيع إِلَى أَوْلَاده فَقَط سَوَاء كَانُوا من النّسَب أم من الرَّضَاع فَلَا تسري الْحُرْمَة إِلَى آبَائِهِ وَإِخْوَته فلأبيه وأخيه نِكَاح الْمُرضعَة وبناتها ولزوج الْمُرضعَة أَن يتَزَوَّج بِأم الطِّفْل وَأُخْته وَيصير آبَاء الْمُرضعَة من نسب أَو رضَاع أجدادا للرضيع لما مر وَأَوْلَادهَا من نسب أَو رضَاع جداته لما مر أَن من الْحُرْمَة تَنْتَشِر إِلَى أُصُولهَا وَتصير أمهاتها من نسب أَو رضَاع جداته لما مر وَأَوْلَادهَا من نسب أَو رضَاع وأخواته لما مر من أَن الْحُرْمَة تَنْتَشِر إِلَى فروعها وَتصير إخوتها وَأَخَوَاتهَا من نسب أَو رضَاع أَخْوَاله وخالاته لما مر من أَن الْحُرْمَة تسري إِلَى حواشيها وَإِذا علمت ذَلِك فَيمْتَنع عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج بهَا كَمَا يُشِير إِلَى ذَلِك قَوْله (وَيحرم على الْمُرْضع) بِفَتْح الضَّاد اسْم مفعول (التَّزْوِيج إِلَيْهَا) أَي الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أمه من الرضَاعَة فَتحرم عَلَيْهِ بِنَصّ الْقُرْآن (و) تَنْتَشِر الْحُرْمَة مِنْهَا (إِلَى كل من ناسبها) أَي من انتسبت إِلَيْهِ من الْأُصُول أَو انتسب إِلَيْهِ من الْفُرُوع تَنْبِيه كَانَ الأولى أَن يَقُول إِلَى كل من تنتمي إِلَيْهِ أَو ينتمي إِلَيْهَا بِنسَب أَو رضَاع لما مر من الضَّابِط (وَيحرم عَلَيْهَا) أَي الْمُرضعَة (التَّزْوِيج إِلَيْهِ) أَي الرَّضِيع لِأَنَّهُ وَلَدهَا وَهَذَا مَعْلُوم لَكِن ذكره المُصَنّف توضيحا للمبتدىء ليُفِيد أَن الْحُرْمَة المنتشرة مِنْهَا لَيست كالحرمة المنتشرة مِنْهُ فَإِن الْحُرْمَة الَّتِي مِنْهَا منتشرة إِلَى مَا تقدم بَيَانه وَالْحُرْمَة الَّتِي مِنْهُ منتشرة إِلَيْهِ (و) إِلَى (وَلَده) الذّكر وَإِن سفل من نسب أَو رضَاع لأَنهم أحفادهما (دون من كَانَ فِي دَرَجَته) أَي الرَّضِيع كأخيه فَلَا يحرم عَلَيْهَا تَزْوِيجه لما مر أَن الْحُرْمَة لَا تَنْتَشِر إِلَى حَوَاشِيه وَعطف المُصَنّف على الْجُمْلَة المنفية قَوْله (أَو أَعلَى) أَي وَدون من كَانَ أَعلَى (طبقَة مِنْهُ) أَي الرَّضِيع كآبائه فَلَا يحرم عَلَيْهَا تَزْوِيج أحد أَبَوَيْهِ لما مر أَن الْحُرْمَة لَا تَنْتَشِر إِلَى آبَائِهِ وَتقدم فِي فصل مُحرمَات النِّكَاح مَا يحرم بِالنّسَبِ وَالرّضَاع فَارْجِع إِلَيْهِ تَتِمَّة لَو كَانَ لرجل خمس مستولدات أَو لَهُ أَربع نسْوَة دخل بِهن وَأم ولد فرضع طِفْل من كل رضعة وَلَو متواليا صَار ابْنه لِأَن لبن الْجَمِيع مِنْهُ فيحرمن على الطِّفْل لِأَنَّهُنَّ موطوءات أَبِيه وَلَو كَانَ لرجل بدل المستولدات بَنَات أَو أَخَوَات فرضع طِفْل من كل رضعة فَلَا حُرْمَة بَين الرجل والطفل لِأَن الجدودة للْأُم فِي الصُّورَة الأولى والخؤولة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة إِنَّمَا يثبتان بتوسط الأمومة وَلَا أمومة هُنَا وَيثبت الرَّضَاع بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو بِأَرْبَع نسْوَة لاخْتِصَاص النِّسَاء بالإطلاع عَلَيْهِ غَالِبا هَذَا إِذا كَانَ الْإِرْضَاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 من الثدي أما إِذا كَانَ بالشرب من إِنَاء أَو كَانَ بإيجار فَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء المتمحضات لِأَنَّهُنَّ لَا اخْتِصَاص لَهُنَّ بالاطلاع عَلَيْهِ وَأما الْإِقْرَار بالإرضاع فَلَا بُد فِيهِ من رجلَيْنِ لاطلاع الرِّجَال عَلَيْهِ غَالِبا فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم وَجَمعهَا المُصَنّف فِي هَذَا الْفَصْل لتناسبها فِي سُقُوط كل مِنْهَا بِمُضِيِّ الزَّمَان وَوُجُوب الْكِفَايَة من غير تَقْدِير ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ نَفَقَة الْقَرِيب وَالْمرَاد بِهِ الأَصْل وَالْفرع فَقَالَ (وَنَفَقَة الْوَالِدين) من ذُكُور وإناث الْأَحْرَار (و) نَفَقَة (المولودين) كَذَلِك بخفض مَا قبل عَلامَة الْجمع فِيهَا كل مِنْهُمَا (وَاجِبَة) على الْفُرُوع لِلْأُصُولِ وَبِالْعَكْسِ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَالْأَصْل فِي الأول من جِهَة الْأَب وَالأُم قَوْله تَعَالَى {وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} اي وَمن الْمَعْرُوف الْقيام بكفايتهما عِنْد حاجتهما وَخبر أطيب مَا يَأْكُل الرجل من كَسبه وَولده من كَسبه فَكُلُوا من أَمْوَالهم رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ قَالَ ابْن الْمُنْذر وَأَجْمعُوا على أَن نَفَقَة الْوَالِدين اللَّذين لَا كسب لَهما وَلَا مَال وَاجِبَة فِي مَال الْوَلَد والأجداد والجدات ملحقون بهما إِن لم يدخلُوا فِي عُمُوم ذَلِك كَمَا ألْحقُوا بهما فِي الْعتْق بِالْملكِ وَعدم الْقود ورد الشَّهَادَة وَغَيرهَا وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} اي إِذْ إِيجَاب الْأُجْرَة لإرضاع الْأَوْلَاد يَقْتَضِي إِيجَاب مؤنتهم وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والأحفاد ملحقون بالأولاد إِن لم يتناولهم إِطْلَاق مَا تقدم وَلَا يضر فِيمَا ذكر اخْتِلَاف الدّين فَيجب على الْمُسلم مِنْهُمَا نَفَقَة الْكَافِر الْمَعْصُوم وَعَكسه لعُمُوم الْأَدِلَّة ولوجود الْمُوجب وَهُوَ البعضية كَالْعِتْقِ ورد الشَّهَادَة فَإِن قيل هلا كَانَ ذَلِك كالميراث أُجِيب بِأَن الْمِيرَاث مَبْنِيّ على الناصرة وَهِي مفقودة عِنْد اخْتِلَاف الدّين وَخرج بالأصول وَالْفُرُوع وَغَيرهمَا من سَائِر الْأَقَارِب كالأخ وَالْأُخْت وَالْعم والعمة وبالأحرار الأرقاء فَإِن لم يكن الرَّقِيق مبعضا وَلَا مكَاتبا فَإِن كَانَ منفقا عَلَيْهِ فَهِيَ على سَيّده وَإِن كَانَ منفقا فَهُوَ أَسْوَأ حَالا من الْمُعسر والمعسر لَا تجب عَلَيْهِ نَفَقَة قريبَة وَأما الْمبعض فَإِن كَانَ منفقا فَعَلَيهِ نَفَقَة تَامَّة لتَمام ملكه فَهُوَ كحر الْكل وَإِن كَانَ منفقا عَلَيْهِ فتبعض نَفَقَته على الْقَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وَالسَّيِّد بِالنِّسْبَةِ لما فِيهِ من رق وحرية وَأما الْمكَاتب فَإِن كَانَ منفقا عَلَيْهِ فَلَا تلْزم قَرِيبه نَفَقَته لبَقَاء أَحْكَام الرّقّ عَلَيْهِ بل نَفَقَته من كَسبه فَإِن عجز نَفسه فعلى سَيّده وَإِن كَانَ منفقا فَلَا تجب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للمواساة وَخرج بالمعصوم غَيره من مُرْتَد وحربي فَلَا تجب نَفَقَته إِذْ لَا حُرْمَة لَهُ القَوْل فِي شُرُوط نَفَقَة الْأُصُول ثمَّ ذكر المُصَنّف شرطين آخَرين بقوله (فَأَما الوالدون فَتجب نَفَقَتهم) على الْفُرُوع (بِشَرْطَيْنِ) أَي بِأحد شرطين (الْفقر والزمانة) وَهِي بِفَتْح الزَّاي الِابْتِلَاء والعاهة (أَو الْفقر وَالْجُنُون) لتحَقّق الِاحْتِيَاج حِينَئِذٍ فَلَا تجب للْفُقَرَاء الأصحاء وَلَا للْفُقَرَاء الْعُقَلَاء إِن كَانُوا ذَوي كسب لِأَن الْقُدْرَة بِالْكَسْبِ كالقدرة بِالْمَالِ فَإِن لم يَكُونُوا ذَوي كسب وَجَبت نَفَقَتهم على الْفَرْع على الْأَظْهر فِي الرَّوْضَة وزوائد الْمِنْهَاج لِأَن الْفَرْع مَأْمُور بمعاشرة أَهله بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفه الْكسْب مَعَ كبر السن وكما يجب الإعفاف وَيمْتَنع الْقصاص ثمَّ ذكر شُرُوطًا زَائِدَة على مَا تقدم فِي المولودين بقوله (وَأما المولودون فَتجب نَفَقَتهم) على الْأُصُول (بِثَلَاثَة شَرَائِط) أَي بِوَاحِد مِنْهَا (الْفقر والصغر) لعجزهم (أَو الْفقر والزمانة أَو الْفقر وَالْجُنُون) لتحَقّق احتياجهم فَلَا تجب للبالغين إِن كَانُوا ذَوي كسب قطعا وَكَذَا إِن لم يَكُونُوا على الْمَذْهَب وَسَوَاء فِيهِ الابْن وَالْبِنْت كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه لم يتَعَرَّض المُصَنّف لاشْتِرَاط الْيَسَار فِيمَن تجب عَلَيْهِ مِنْهُمَا لوضوحه وَالْمُعْتَبر فِي نَفَقَة الْقَرِيب الْكِفَايَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا يَكْفِيك وَيَكْفِي وولدك بِالْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهَا تجب على سَبِيل الْمُوَاسَاة لدفع الْحَاجة الناجزة وَيعْتَبر حَاله فِي سنه وزهادته ورغبته وَيجب إشباعه كَمَا صرح بِهِ ابْن يُونُس وَيجب لَهُ الْأدم كَمَا يجب لَهُ الْقُوت وَيجب لَهُ مُؤنَة خَادِم إِن احتاجه مَعَ كسْوَة وسكنى لائقين بِهِ وَأُجْرَة طَبِيب وَثمن أدوية وَالنَّفقَة وَمَا ذكر مَعهَا إمتاع تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان وَإِن تعدى الْمُنفق بِالْمَنْعِ لِأَنَّهَا وَجَبت لدفع الْحَاجة الناجزة وَقد زَالَت بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة فَإِنَّهَا مُعَاوضَة وَحَيْثُ قُلْنَا بسقوطها لَا تصير دينا فِي ذمَّته إِلَّا باقتراض قَاض بِنَفسِهِ أَو مأذونه لغيبة أَو منع أَو نَحْو ذَلِك كَمَا لَو نفى الْأَب الْوَلَد فأنفقت عَلَيْهِ أمه ثمَّ اسْتَلْحقهُ فَإِن الْأُم ترجع عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَكَذَا لَو لم يكن هُنَاكَ حَاكم واستقرضت الْأُم على الْأَب وأشهدت فَعَلَيهِ قَضَاء مَا استقرضته أما إِذا لم تشهد فَلَا رُجُوع لَهَا وَنَفَقَة الْحَامِل لَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان وَإِن جعلنَا النَّفَقَة للْحَمْل لِأَن الزَّوْجَة لما كَانَت هِيَ الَّتِي تنْتَفع بهَا فَكَانَت كنفقتها وللقريب أَخذ نَفَقَته من مَال قَرِيبه عِنْد امْتِنَاعه إِن وجد جِنْسهَا وَكَذَا إِن لم يجده فِي الْأَصَح وَله الاستقراض إِن لم يجد لَهُ مَالا وَعجز عَن القَاضِي وَيرجع إِن أشهد كجد الطِّفْل الْمُحْتَاج وَأَبوهُ غَائِب مثلا وَللْأَب وَالْجد أَخذ النَّفَقَة من مَال فرعهما الصَّغِير أَو الْمَجْنُون بِحكم الْولَايَة وَلَهُمَا إيجاره لَهَا لما يطيقه من الْأَعْمَال وَلَا تأخذها الْأُم من مَاله إِذا وَجَبت نَفَقَتهَا عَلَيْهِ وَلَا الابْن من مَال أَصله الْمَجْنُون فيولي القَاضِي الابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الزَّمن إِجَارَة أَبِيه الْمَجْنُون إِذا صلح لصنعة لنفقته وَيجب على الْأُم إِرْضَاع وَلَدهَا اللبأ وَهُوَ بهمز وَقصر اللَّبن النَّازِل أول الْولادَة لِأَن الْوَلَد لَا يعِيش بِدُونِهِ غَالِبا أَو أَنه لَا يقوى وَلَا تشتد بنيته إِلَّا بِهِ ثمَّ بعد إرضاعه للبأ إِن لم يُوجد إِلَّا الْأُم أَو أَجْنَبِيَّة وَجب على الْمَوْجُود مِنْهُمَا إرضاعه إبْقَاء للْوَلَد وَلها طلب الْأُجْرَة من مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا فَمن تلْزمهُ نَفَقَته وَإِن وجدت الْأُم والأجنبية لم تجبر الْأُم وَإِن كَانَت فِي نِكَاح أَبِيه على إرضاعه لقَوْله تَعَالَى {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} اي وَإِذا امْتنعت حصل التعاسر فَإِن رغبت فِي إرضاعه وَهِي مَنْكُوحَة أبي الرَّضِيع فَلَيْسَ لَهُ منعهَا مَعَ وجود غَيرهَا كَمَا صَححهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَن فِيهِ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أشْفق ولبنها لَهُ أصلح وَلَا تزاد نَفَقَتهَا للإرضاع وَإِن احْتَاجَت فِيهِ إِلَى زِيَادَة الْغذَاء لِأَن قدر النَّفَقَة لَا يخْتَلف بِحَال الْمَرْأَة وحاجتها القَوْل فِي نَفَقَة الرَّقِيق والبهائم ثمَّ شرع فِي الْقسمَيْنِ الآخرين وهما نَفَقَة الرَّقِيق والبهائم بقوله (وَنَفَقَة الرَّقِيق والبهائم وَاجِبَة) بِقدر الْكِفَايَة أما الرَّقِيق فلخبر للمملوك طَعَامه وَكسوته وَلَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق فيكفيه طَعَاما وأدما وَتعْتَبر كِفَايَته فِي نَفسه زهادة ورغبة وَإِن زَادَت على كِفَايَة مثله غَالِبا وَعَلِيهِ كِفَايَته كسْوَة وَكَذَا سَائِر مؤنه وَيجب على السَّيِّد شِرَاء مَاء طَهَارَته إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ وَكَذَا شِرَاء تُرَاب تيَمّمه إِن احْتَاجَ وَنَصّ فِي الْمُخْتَصر على وجوب إشباعه وَإِن كَانَ رَقِيقه كسوبا أَو مُسْتَحقّا مَنَافِعه بِوَصِيَّة أَو غَيرهَا أَو أعمى زَمنا أَو مُدبرا أَو مُسْتَوْلدَة أَو مُسْتَأْجرًا أَو معارا أَو آبقا لبَقَاء الْملك فِي الْجَمِيع ولعموم لخَبر السَّابِق نعم الْمكَاتب وَلَو فَاسد الْكِتَابَة لَا يجب لَهُ شَيْء من ذَلِك على سَيّده لاستقلاله بِالْكَسْبِ وَلِهَذَا تلْزمهُ نَفَقَة أرقائه نعم إِن عجز نَفسه وَلم يفْسخ السَّيِّد الْكِتَابَة فَعَلَيهِ نَفَقَته وَهِي مَسْأَلَة عزيزة النَّقْل فاستفدها وَكَذَا الْأمة الْمُزَوجَة حَيْثُ أَوجَبْنَا نَفَقَتهَا على الزَّوْج وَلَا يجب على الْمَالِك الْكِفَايَة الْمَذْكُورَة من جنس طَعَامه وَكسوته بل من غَالب قوت رَقِيق الْبَلَد من قَمح وشعير وَنَحْو ذَلِك وَمن غَالب أدمهم من نَحْو زَيْت وَسمن وَمن غَالب كسوتهم من نَحْو قطن وصوف لخَبر الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ للمملوك نَفَقَته وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ قَالَ وَالْمَعْرُوف عندنَا الْمَعْرُوف لمثله بِبَلَدِهِ ويراعى حَال السَّيِّد فِي يسَاره وإعساره وَينْفق عَلَيْهِ الشريكان بِقدر مليكهما وَلَا يَكْفِي ستر الْعَوْرَة لرقيقه وَإِن لم يتأذ بَحر وَلَا برد لما فِيهِ من الإذلال والتحقير هَذَا ببلادنا كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ وَغَيره وَأما بِبِلَاد السودَان وَنَحْوهَا فَلهُ ذَلِك كَمَا فِي الْمطلب وَتسقط نَفَقَة الرَّقِيق بِمُضِيِّ الزَّمَان فَلَا تصير دينا عَلَيْهِ إِلَّا باقتراض القَاضِي أَو إِذْنه فِيهِ واقتراض كَنَفَقَة الْقَرِيب بِجَامِع وجوبهما بالكفاية وَيبِيع القَاضِي فِيهَا مَا لَهُ إِن امْتنع أَو غَابَ لِأَنَّهُ حق وَاجِب عَلَيْهِ فَإِن فقد المَال أمره القَاضِي بِبيعِهِ أَو إِجَارَته أَو إِعْتَاقه دفعا للضَّرَر فَإِن لم يفعل أجره القَاضِي فَإِن لم يَتَيَسَّر إِجَارَته بَاعه فَإِن لم يشتره أحد أنْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال وَأما غير الرَّقِيق من الْبَهَائِم جمع بَهِيمَة سميت بذلك لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم وَهِي كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ كل ذَات أَربع من دَوَاب الْبر وَالْبَحْر اه وَفِي مَعْنَاهَا كل حَيَوَان مُحْتَرم فَيجب عَلَيْهِ عَلفهَا وسقيها لحُرْمَة الرّوح وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ دخلت امْرَأَة النَّار فِي هرة حبستها لَا هِيَ أطعمتها وَلَا هِيَ أرسلتها تَأْكُل من خشَاش لأرض بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا أَي هوامها وَالْمرَاد بكفاية الدَّوَابّ وصولها لأوّل الشِّبَع والري دون غايتهما وَخرج بالمحترم غَيره كالفواسق الْخمس فَلَا يلْزمه عَلفهَا بل يخليها وَلَا يجوز لَهُ حَبسهَا لتَمُوت جوعا لخَبر إِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة فَإِن امْتنع الْمَالِك مِمَّا ذكر وَله مَال أجْبرهُ الْحَاكِم فِي الْحَيَوَان الْمَأْكُول على أحد ثَلَاثَة أُمُور بيع لَهُ أَو نَحوه مِمَّا يَزُول ضَرَره بِهِ أَو علف أَو ذبح وأجبر فِي غَيره على أحد أَمريْن بيع أَو علف وَيحرم ذبحه للنَّهْي عَن ذبح الْحَيَوَان إِلَّا لأكله فَإِن لم يفعل مَا أمره الْحَاكِم بِهِ نَاب عَنهُ فِي ذَلِك على مَا يرَاهُ ويقتضيه الْحَال فَإِن لم يكن لَهُ مَال بَاعَ الْحَاكِم الدَّابَّة أَو جُزْءا مِنْهَا أَو إِكْرَاها عَلَيْهِ فَإِن تعذر ذَلِك فعلى بَيت المَال كفايتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 (وَلَا يكلفون) أَي لَا يجوز لمَالِك الرَّقِيق والبهائم أَن يكلفهم (من الْعَمَل مَا لَا يُطِيقُونَ) الدَّوَام عَلَيْهِ لوُرُود النَّهْي عَنهُ فِي الرَّقِيق فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ للتَّحْرِيم وَقيس عَلَيْهِ الْبَهَائِم بِجَامِع حُصُول الضَّرَر قَالَ فِي الرَّوْضَة لَا يجوز للسَّيِّد تَكْلِيف رَقِيقه من الْعَمَل إِلَّا مَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ فَلَا يجوز أَن يكلفه عملا يقدر عَلَيْهِ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ يعجز عَنهُ وَقَالَ أَيْضا يحرم عَلَيْهِ تَكْلِيفه الدَّابَّة مَا لَا تُطِيقهُ من ثقيل الْحمل أَو إدامة السّير أَو غَيرهم وَقَالَ فِي الزَّوَائِد يحرم تحميلها مَا لَا تطِيق الدَّوَام عَلَيْهِ يَوْمًا أَو نَحوه كَمَا سبق فِي الرَّقِيق تَتِمَّة لَا يحلب الْمَالِك من لبن دَابَّته مَا يضر وَلَدهَا لِأَنَّهُ غذاؤه كَوَلَد الْأمة وَإِنَّمَا يحلب مَا فضل عَن ري وَلَدهَا وَله أَن يعدل بِهِ إِلَى لبن غير أمه إِن استمرأه وَإِلَّا فَهُوَ أَحَق بِلَبن أمه وَلَا يجوز الْحَلب إِذا كَانَ يضر بالبهيمة لقلَّة عَلفهَا وَلَا ترك الْحَلب أَيْضا إِذا كَانَ يَضرهَا فَإِن لم يَضرهَا كره للإضاعة وَيسن أَن لَا يستقصى الحالب فِي الْحَلب بل يدع فِي الضَّرع شَيْئا وَأَن يقص أَظْفَاره لِئَلَّا يؤذيها وَيحرم جز الصُّوف من أصل الظّهْر وَنَحْوه وَكَذَا حلقه لما فيهمَا من تَعْذِيب الْحَيَوَان قَالَه الْجُوَيْنِيّ وَيجب على مَالك النَّحْل أَن يبقي لَهُ شَيْئا من الْعَسَل فِي الكوارة بِقدر حَاجته إِن لم يكفه غَيره وَإِلَّا فَلَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك قَالَ الرَّافِعِيّ وَقد قيل يشوي لَهُ دجَاجَة ويعلقها بِبَاب الكوارة فيأكل مِنْهَا وعَلى مَالك دود القز علفه بورق توت أَو تخليته كُله لِئَلَّا يهْلك بِغَيْر فَائِدَة وَيُبَاع فِيهِ مَاله كالبهيمة وَيجوز تجفيفه بالشمس عِنْد حُصُول نواله وَإِن أهلكه لحُصُول فَائِدَته كذبح الْحَيَوَان الْمَأْكُول وَخرج بِمَا فِيهِ روح مَا لَا روح فِيهِ كقناة وَدَار لَا يجب على الْمَالِك عمارتهما فَإِن ذَلِك تنمية لِلْمَالِ وَلَا يجب على الْإِنْسَان ذَلِك وَلَا يكره تَركهَا إِلَّا إِذا أدّى إِلَى الخراب فَيكْرَه لَهُ فصل فِي النَّفَقَة وَالنَّفقَة على قسمَيْنِ نَفَقَة تجب للْإنْسَان على نَفسه إِذا قدر عَلَيْهَا وَعَلِيهِ أَن يقدمهَا على نَفَقَة غَيره لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول وَنَفَقَة تجب على الْإِنْسَان لغيره قَالَ الشَّيْخَانِ وَأَسْبَاب وُجُوبهَا ثَلَاثَة النِّكَاح والقرابة وَالْملك وَأورد على الْحصْر فِي هَذِه الثَّلَاثَة صور مِنْهَا الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة المنذوران فَإِن نفقتهما على النَّاذِر وَالْمهْدِي مَعَ انْتِقَال الْملك فيهمَا للْفُقَرَاء وَمِنْهَا نصيب الْفُقَرَاء بعد الْحول وَقبل الْإِمْكَان تجب نَفَقَته على الْمَالِك وَقدم المُصَنّف الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول بقوله (وَنَفَقَة الزَّوْجَة الممكنة من نَفسهَا وَاجِبَة) بالتمكين التَّام لقَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وَخبر اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ رَوَاهُ مُسلم وَلِأَنَّهَا سلمت مَا ملك عَلَيْهَا فَيجب مَا يُقَابله من الْأُجْرَة لَهَا وَالْمرَاد بِالْوُجُوب اسْتِحْقَاقهَا يَوْمًا بِيَوْم كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَو حصل التَّمْكِين فِي أثْنَاء الْيَوْم فَالظَّاهِر وُجُوبهَا بِالْقِسْطِ وَهل التَّمْكِين سَبَب أَو شَرط فِيهِ وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي فَلَا تجب بِالْعقدِ لِأَنَّهُ يُوجب الْمهْر وَهُوَ لَا يُوجب عوضين مُخْتَلفين وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَة وَالْعقد لَا يُوجب مَالا مَجْهُولا وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي بنت سِتّ سِنِين وَدخل بهَا بعد سنتَيْن وَلم ينْقل أَنه أنْفق عَلَيْهَا قبل الدُّخُول وَلَو كَانَ حَقًا لَهَا لساقه إِلَيْهَا وَلَو وَقع لنقل فَإِن لم تعرض عَلَيْهِ زَوجته مُدَّة مَعَ سكُوتهَا عَن طلبَهَا وَلم تمْتَنع فَلَا نَفَقَة لَهَا لعدم التَّمْكِين وَلَو عرضت عَلَيْهِ وَهِي بَالِغَة عَاقِلَة مَعَ حُضُوره فِي بَلَدهَا كَأَن بعثت إِلَيْهِ تخبره إِنِّي مسلمة نَفسِي إِلَيْك فاختر أَن آتِيك حَيْثُ شِئْت أَو تَأتي إِلَيّ وَجَبت نَفَقَتهَا من حِين بُلُوغ الْخَبَر لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مقصر فَإِن غَابَ عَن بَلَدهَا قبل عرضهَا عَلَيْهِ وَرفعت الْأَمر إِلَى الْحَاكِم مظهرة لَهُ التَّسْلِيم كتب الْحَاكِم لحَاكم بلد الزَّوْج يُعلمهُ بِالْحَال فَيَجِيء أَو يُوكل فَإِن لم يفعل شَيْئا من الْأَمريْنِ وَمضى زمن إِمْكَان وُصُوله فَرضهَا القَاضِي فِي مَاله من حِين إِمْكَان وُصُوله وَالْعبْرَة فِي زَوْجَة مَجْنُونَة ومراهقة عرض وليهما على أزواجهما لِأَن الْوَلِيّ هُوَ الْمُخَاطب بذلك وَلَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي التَّمْكِين فَقَالَت مكنت فِي وَقت كَذَا فَأنْكر وَلَا بَينه صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عَدمه (وَهِي) أَي نَفَقَة الزَّوْجَة (مقدرَة) على الزَّوْج بِحَسب حَاله ثمَّ (إِن كَانَ الزَّوْج) حرا (مُوسِرًا فمدان) عَلَيْهِ لزوجته وَلَو أمة وكتابية من الْحبّ (من غَالب قوتها) أَي غَالب قوت بَلَدهَا من حِنْطَة أَو شعير أَو تمر أَو غَيرهَا المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُور بهَا قِيَاسا على الْفطْرَة وَالْكَفَّارَة فالتعبير بِالْبَلَدِ جري على الْغَالِب (وَيجب) لَهَا مَعَ ذَلِك (من الْأدم) مَا جرت بِهِ الْعَادة من أَدَم غَالب الْبَلَد كزيت وشيرج وَسمن وزبد وتمر وخل لقَوْله تَعَالَى {وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ} حَتَّى يجب الأقط فِي حق أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الْبَوَادِي والقرى الَّذين يعتادونه لِأَنَّهُ من وَلَيْسَ من المعاشرة تكليفها الصَّبْر على الْخبز وَحده إِذْ الطَّعَام غَالِبا لَا يساغ إِلَّا بِالْأدمِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} اي الْخبز وَالزَّيْت وَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الْخبز وَالسمن وَيخْتَلف قدر الْأدم بالفصول الْأَرْبَعَة فَيجب لَهَا فِي كل فصل مَا يعتاده النَّاس من الْأدم قَالَ الشَّيْخَانِ وَقد تغلب الْفَاكِهَة فِي أَوْقَاتهَا فَتجب وَيقدر الْأدم عِنْد تنَازع الزَّوْجَيْنِ فِيهَا قَاض بِاجْتِهَادِهِ إِذْ لَا تَوْقِيف فِيهِ من جِهَة الشَّرْع ويفاوت فِي قدره بَين مُوسر وَغَيره فَينْظر فِي جنس الْأدم وَمَا يحتاح إِلَيْهِ الْمَدّ فيفرضه على الْمُعسر ويضاعفه للموسر ويوسطه فيهمَا للمتوسط وَيجب لَهَا عَلَيْهِ لحم يَلِيق بيساره وتوسطه وإعساره كعادة الْبَلَد وَلَو كَانَت عَادَتهَا أَن تَأْكُل الْخبز وَحده وَجب لَهَا عَلَيْهِ الْأدم وَلَا نظر لعادتها لِأَنَّهُ حَقّهَا القَوْل فِي أصل تَقْدِير النَّفَقَة (و) يجب لَهَا عَلَيْهِ من (الْكسْوَة) لفصلي الشتَاء والصيف (مَا جرت بِهِ الْعَادة) لقَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} وَلما روى التِّرْمِذِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَدِيث وحقهن عَلَيْكُم أَن تحسنوا إلَيْهِنَّ فِي كسوتهن وطعامهن وَلَا بُد أَن تكون الْكسْوَة تكفيها للْإِجْمَاع على أَنه لَا يَكْفِي مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وتختلف كفايتها بِطُولِهَا وقصرها وسمنها وهزالها وباختلاف الْبِلَاد فِي الْحر وَالْبرد وَلَا يخْتَلف عدد الْكسْوَة باخْتلَاف يسَار الزَّوْج وإعساره ولكنهما يؤثران فِي الْجَوْدَة والرداءة وَلَا فرق بَين البدوية والحضرية وَيجب لَهَا عَلَيْهِ فِي كل سِتَّة أشهر قَمِيص وَسَرَاويل وخمار ومكعب وَيزِيد الزَّوْج زَوجته على ذَلِك فِي الشتَاء جُبَّة محشوة قطنا أَو فَرْوَة بِحَسب الْعَادة لدفع الْبرد وَيجب لَهَا أَيْضا تَوَابِع ذَلِك من كوفية للرأس وتكة للباس وزر الْقَمِيص والجبة وَنَحْوهمَا وجنس الْكسْوَة من قطن لِأَنَّهُ لِبَاس أهل الدّين وَمَا زَاد عَلَيْهِ ترفه ورعونة فَإِن جرت عَادَة الْبَلَد لمثل الزَّوْج بكتان أَو حَرِير وَجب مَعَ وجوب التَّفَاوُت فِي مَرَاتِب ذَلِك الْجِنْس بَين الْمُوسر وَغَيره عملا بِالْعَادَةِ وَيجب لَهَا عَلَيْهِ مَا تقعد عَلَيْهِ كزلية أَو لبد فِي الشتَاء أَو حَصِير فِي الصَّيف وَهَذَا لزوجة الْمُعسر أما زَوْجَة الْمُوسر فَيجب لَهَا نطع فِي الصَّيف وطنفسة فِي الشتَاء وَهِي بِسَاط صَغِير ثخين لَهُ وبرة كَبِيرَة وَيجب لَهَا عَلَيْهِ فرَاش للنوم غير مَا تفرشه نَهَارا للْعَادَة الْغَالِبَة وَيجب لَهَا عَلَيْهِ مخدة ولحاف أَو كسَاء فِي الشتَاء فِي بلد بَارِد وَمِلْحَفَة بدل اللحاف أَو الكساء فِي الصَّيف (وَإِن كَانَ) الزَّوْج (مُعسرا فَمد) وَاحِد (من غَالب) قوت محلهَا كَمَا مر على مَا مر بَيَانه (وَإِن كَانَ) الزَّوْج حرا (متوسطا) بَين الْيَسَار والإعسار (فَمد وَنصف) أَي وَنصف مد من غَالب قوت محلهَا كَمَا مر (و) يجب لَهَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك (من الْأدم) قدرا وجنسا على مَا مر بَيَانه (و) من (الْكسْوَة الْوسط) فِي كل مِنْهُمَا على مَا مر بَيَانه وَاحْتَجُّوا لأصل التَّفَاوُت بقوله تَعَالَى {لينفق} (و) يجب لَهَا مَعَ ذَلِك (مَا يتأدم بِهِ المعسرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 ويكسونه) قدرا وجنسا {ذُو سَعَة من سعته} وَاعْتبر الْأَصْحَاب النَّفَقَة بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا مَال يجب بِالشَّرْعِ ويستقر فِي الذِّمَّة وَأكْثر مَا وَجب فِي الْكَفَّارَة لكل مِسْكين مدان وَذَلِكَ فِي كَفَّارَة الْأَذَى فِي الْحَج وَأَقل مَا وَجب لَهُ مد فِي نَحْو كَفَّارَة الظِّهَار فأوجبوا على الْمُوسر الْأَكْثَر وَهُوَ مدان لِأَنَّهُ قدر الْمُوسر وعَلى الْمُعسر الْأَقَل وَهُوَ مد لِأَن الْمَدّ الْوَاحِد يَكْتَفِي بِهِ الزهيد ويقتنع بِهِ الرغيب وعَلى الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا لِأَنَّهُ لَو ألزم الْمَدِين لضره وَلَو اكْتفى مِنْهُ بِمد لضرها فَلَزِمَهُ مد وَنصف والمعسر هُنَا مِسْكين الزَّكَاة لَكِن قدرته على الْكسْب لَا تخرجه عَن الْإِعْسَار فِي النَّفَقَة وَإِن كَانَت تخرجه عَن اسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين فِي الزَّكَاة وَمن فَوق الْمِسْكِين إِن كَانَ لَو كلف إِنْفَاق مَدين رَجَعَ مِسْكينا فمتوسط وَإِن لم يرجع مِسْكينا فموسر وَيخْتَلف ذَلِك بالرخص والغلاء وَقلة الْعِيَال وكثرتهم أما من فِيهِ رق وَلَو مكَاتبا ومبعضا وَإِن كثر مَاله فمعسر لضعف ملك الْمكَاتب وَنقص حَال الْمبعض وَعدم ملك غَيرهمَا وَلَو اخْتلف قوت الْبَلَد وَلَا غَالب فِيهِ أَو اخْتلف الْغَالِب وَجب لَائِق بِالزَّوْجِ لَا بهَا فَلَو كَانَ يَأْكُل فَوق اللَّائِق بِهِ تكلفا لم يُكَلف ذَلِك أَو دونه بخلا أَو زهدا وَجب اللَّائِق بِهِ وَيعْتَبر الْيَسَار وَغَيره من توَسط وإعسار بِطُلُوع الْفجْر فِي كل يَوْم اعْتِبَارا بِوَقْت الْوُجُوب حَتَّى لَو أيسر بعده أَو أعْسر لم يتَغَيَّر حكم نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم هَذَا إِذا كَانَت مُمكنَة حِين طُلُوع الْفجْر أما الممكنة بعده فَيعْتَبر الْحَال عقب تمكينها وَعَلِيهِ تمليكها الطَّعَام حبا سليما وَعَلِيهِ مُؤنَة طحنه وعجنه وخبزه ببذل مَال أَو يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فَإِن غلب غير الْحبّ كتمر وَلحم وأقط فَهُوَ الْوَاجِب لَيْسَ غير لَكِن عَلَيْهِ مُؤنَة اللَّحْم وَمَا يطْبخ بِهِ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَلَو طلب أَحدهمَا بدل الْحبّ خبْزًا أَو قِيمَته لم يجْبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا لِأَنَّهُ غير الْوَاجِب فَإِن اعتاضت عَمَّا وَجب لَهَا نَقْدا أَو غَيره من الْعرُوض جَازَ إِلَّا خبْزًا ودقيقا أَو نَحْوهمَا من الْجِنْس فَلَا يجوز لما فِيهِ من الرِّبَا وَلَو أكلت مَعَ الزَّوْج على الْعَادة سَقَطت نَفَقَتهَا على الْأَصَح لجَرَيَان الْعَادة بِهِ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعده من غير نزاع وَلَا إِنْكَار وَلم ينْقل أَن امْرَأَة طالبت بِنَفَقَة بعده إِلَّا أَن تكون الزَّوْجَة غير رَشِيدَة كصغيرة أَو سَفِيهَة بَالِغَة وَلم يَأْذَن فِي أكلهَا مَعَه وَليهَا فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بأكلها مَعَه وَيكون الزَّوْج مُتَطَوعا وَيجب للزَّوْجَة على زَوجهَا آلَة تنظيف من الأوساخ الَّتِي تؤذيها وَذَلِكَ كمشط ودهن يسْتَعْمل فِي ترجيل شعرهَا وَمَا يغسل بِهِ الرَّأْس من سدر أَو خطمي على حسب الْعَادة ومرتك وَنَحْوه لدفع صنان إِذا لم ينْدَفع بِدُونِهِ كَمَاء وتراب وَلَا يجب لَهَا عَلَيْهِ كحل وَلَا طيب وَلَا خضاب وَلَا مَا تتزين بِهِ فَإِن هيأه لَهَا وَجب عَلَيْهَا اسْتِعْمَاله وَلَا يجب لَهَا عَلَيْهِ دَوَاء مرض وَلَا أجره طَبِيب وحاجم وَنَحْو ذَلِك كفاصد وخاتن لِأَن ذَلِك لحفظ الأَصْل وَيجب لَهَا طَعَام أَيَّام الْمَرَض وأدمها لِأَنَّهَا محبوسة عَلَيْهِ وَلها صرفه فِي الدَّوَاء وَنَحْوه وَيجب لَهَا أُجْرَة حمام بِحَسب الْعَادة إِن كَانَ عَادَتهَا دُخُوله للْحَاجة إِلَيْهِ عملا بِالْعرْفِ وَذَلِكَ فِي كل شهر مرّة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لتخرج من دنس الْحيض الَّذِي يكون فِي كل شهر مرّة غَالِبا وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيّ أَن ينظر فِي ذَلِك لعادة مثلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَيخْتَلف باخْتلَاف الْبِلَاد حرا وبردا وَيجب لَهَا ثمن مَاء غسل جماع ونفاس من الزَّوْج إِن احْتَاجَت لشرائه لَا مَاء غسل من حيض واحتلام إِذْ لَا صنع مِنْهُ وَيجب لَهَا آلَات أكل وَشرب وآلات طبخ كَقدْر وقصعة وكوز وجرة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا غنى لَهَا عَنهُ كمغرفة وَمَا تغسل فِيهِ ثِيَابهَا وَيجب لَهَا عَلَيْهِ تهيئة مسكن لِأَن الْمُطلقَة يجب لَهَا ذَلِك لقَوْله تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم} فالزوجة أولى وَلَا بُد أَن يكون الْمسكن يَلِيق بهَا عَادَة لِأَنَّهَا لَا تملك الِانْتِقَال مِنْهُ وَلَا يشْتَرط فِي الْمسكن كَونه ملكه (وَإِن كَانَت) تِلْكَ الزَّوْجَة (مِمَّن يخْدم مثلهَا) بِأَن كَانَت مِمَّن تخْدم فِي بَيت أَبِيهَا لكَونهَا لَا يَلِيق بهَا خدمَة نَفسهَا (فَعَلَيهِ إخدامها) لِأَنَّهُ من المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ إِمَّا بحرة أَو أمة لَهُ أَو لَهَا أَو مستأجرة أَو بِالْإِنْفَاقِ على من صحبتهَا من حرَّة أَو أمة لخدمة لحُصُول الْمَقْصُود بِجَمِيعِ ذَلِك وَسَوَاء فِي وجوب الإخدام مُوسر ومتوسط ومعسر ومكاتب وَعبد كَسَائِر الْمُؤَن لِأَن ذَلِك من المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُور بهَا فَإِن أخدمها الزَّوْج بحرة أَو أمة بِأُجْرَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ غير الْأُجْرَة وَإِن أخدمها بأمته أنْفق عَلَيْهَا بِالْملكِ وَإِن أخدمها بِمن صحبتهَا حرَّة كَانَت أَو أمة لزمَه نَفَقَتهَا وفطرتها فَائِدَة الْخَادِم يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى وَفِي لُغَة قَليلَة يُقَال للْأُنْثَى خادمة وجنس طَعَام الْخَادِم جنس طَعَام الزَّوْجَة وَقد مر وَهُوَ مد على الْمُعسر جزما وعَلى الْمُتَوَسّط الْأَصَح قِيَاسا على الْمُعسر وعَلى الْمُوسر مد وَثلث على النَّص وَأقرب مَا قيل فِي تَوْجِيهه أَن نَفَقَة الْخَادِم على الْمُتَوَسّط مد وَهُوَ ثلثا نَفَقَة المخدومة وَالْمدّ وَالثلث على الْمُوسر وَهُوَ ثلثا نَفَقَة المخدومة وَالْمدّ وَالثلث على الْمُوسر وَهُوَ ثلثا نَفَقَة المخدومة وَيجب للخادم أَيْضا كسْوَة تلِيق بِحَالهِ وَلَو على متوسط ومعسر وَلَا يجب لَهُ سَرَاوِيل لِأَنَّهُ للزنية وَكَمَال السّتْر وَيجب لَهُ الْأدم لِأَن الْعَيْش لَا يتم بِدُونِهِ وجنسه جنس أَدَم المخدومة وَلَكِن نَوعه دون نَوعه على الْأَصَح وَمن تخْدم نَفسهَا فِي الْعَادة لَهَا أَن تتَّخذ خَادِمًا وتنفق عَلَيْهِ من مَالهَا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا فَإِن احْتَاجَت حرَّة كَانَت أَو أمة إِلَى خدمَة لمَرض بهَا أَو زمانة وَجب إخدامها لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ فَأَشْبَهت من لَا يَلِيق بهَا خدمَة نَفسهَا بل أولى لِأَن الْحَاجة أقوى مِمَّا نقص من الْمُرُوءَة وَلَا إخدام حَال الصِّحَّة لزوجة رقيقَة الْكل أَو الْبَعْض لِأَن الْعرف أَن تخْدم نَفسهَا وَإِن كَانَت جميلَة تَنْبِيه يجب فِي الْمسكن وَالْخَادِم إمتاع لَا تمْلِيك لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط كَونهمَا ملكه وَيجب فِيمَا يستهلك لعدم بَقَاء عينه كطعام وأدم تمْلِيك فتتصرف فِيهِ الْحرَّة بِمَا شَاءَت أما الْأمة فَإِنَّمَا يتَصَرَّف فِي ذَلِك سَيِّدهَا فَلَو قترت بعد قبض نَفَقَتهَا بِمَا يَضرهَا منعهَا زَوجهَا من ذَلِك وَمَا دَامَ نَفعه مَعَ بَقَاء عينه ككسوة وفرش وظروف طَعَام وشراب وآلات تنظيف ومشط تمْلِيك فِي الْأَصَح وتعطى الزَّوْجَة الْكسْوَة أول فصل شتاء وَأول فصل صيف لقَضَاء الْعرف بذلك هَذَا إِذا وَافق النِّكَاح أول الْفَصْل وَإِلَّا وَجب إعطاؤها فِي أول كل سِتَّة أشهر من حِين الْوُجُوب فَإِن أَعْطَاهَا الْكسْوَة أول فصل مثلا ثمَّ تلفت فِيهِ بِلَا تَقْصِير مِنْهَا لم تبدل لِأَنَّهُ وفاها مَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ إِذا تلفت فِي يَدهَا فَإِن مَاتَ أَو أَبَانهَا بِطَلَاق أَو غَيره أَو مَاتَت فِي أثْنَاء فصل لم ترد وَلَو لم يكس الزَّوْج مُدَّة فدين عَلَيْهِ وَالْوَاجِب فِي الْكسْوَة الثِّيَاب لَا قيمتهَا وَعَلِيهِ خياطتها وَلها بيعهَا لِأَنَّهَا ملكهَا وَلَو لبست دونهَا منعهَا لِأَن لَهُ غَرضا فِي تجملها القَوْل فِي الْإِعْسَار بِنَفَقَة الزَّوْجَة (وَإِن أعْسر) الزَّوْج (بنفقتها) الْمُسْتَقْبلَة لتلف مَاله مثلا فَإِن صبرت بهَا وأنفقت على نَفسهَا من مَالهَا أَو مِمَّا فَإِن لم تصبر (فلهَا فسخ النِّكَاح) بِالطَّرِيقِ الْآتِي لقَوْله تَعَالَى {فإمساك بِمَعْرُوف} أَو اقترضته صَار دينا عَلَيْهِ وَإِن لم يقرضها القَاضِي كَسَائِر الدُّيُون المستقرة {تَسْرِيح بِإِحْسَان} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 فَإِذا عجز عَن الأول تعين الثَّانِي وَلِأَنَّهَا إِذا فسخت بالجب أَو الْعنَّة فبالعجز عَن النَّفَقَة أولى لِأَن الْبدن لَا يقوم بِدُونِهَا بِخِلَاف الْوَطْء أما لَو أعْسر بِنَفَقَة مَا مضى فَلَا فسخ على الْأَصَح وَلَا فسخ أَيْضا بالإعسار بِنَفَقَة الْخَادِم وَلَا بامتناع مُوسر من الْإِنْفَاق سَوَاء أحضر أم غَابَ عَنْهَا لتمكنها من تَحْصِيل حَقّهَا بالحاكم وَلَو حضر الزَّوْج وَغَابَ مَاله فَإِن كَانَ غَائِبا بمسافة الْقصر فَأكْثر فلهَا الْفَسْخ وَلَا يلْزمهَا الصَّبْر للضَّرَر فَإِن كَانَ دون مَسَافَة الْقصر فَلَا فسخ لَهَا وَيُؤمر بإحضاره بِسُرْعَة وَلَو تبرع شخص بهَا عَن زوج مُعسر لم يلْزمهَا الْقبُول بل لَهَا الْفَسْخ لما فِيهِ من الْمِنَّة نعم لَو كَانَ الْمُتَبَرّع أَبَا أَو جدا وَالزَّوْج تَحت حجره وَجب عَلَيْهَا الْقبُول وقدرة الزَّوْج على الْكسْب كالقدرة على المَال وَإِنَّمَا تفسخ الزَّوْجَة بعجز الزَّوْج عَن نَفَقَة مُعسر فَلَو عجز عَن نَفَقَة مُوسر أَو متوسط لم تفسخ لِأَن نَفَقَته الْآن نَفَقَة مُعسر فَلَا يصير الزَّائِد دينا عَلَيْهِ والإعسار بالكسوة كالإعسار بِالنَّفَقَةِ إِلَّا إِذا لَا بُد مِنْهَا وَلَا يبْقى الْبدن بِدُونِهَا غَالِبا وَلَا تفسخ بإعساره من الْأدم والمسكن لِأَن النَّفس تقوم بدونهما بِخِلَاف الْقُوت (و) كَذَلِك يثبت لَهَا خِيَار الْفَسْخ (إِن أعْسر بِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُول) للعجز عَن تَسْلِيم الْعِوَض مَعَ بَقَاء المعوض فَأشبه مَا إِذا لم يقبض البَائِع الثّمن حَتَّى حجر على المُشْتَرِي بالفلس وَالْمَبِيع بَاقٍ بِعَيْنِه وَلَا تفسخ بعده لتلف المعوض وصيرورة الْعِوَض دينا فِي الذِّمَّة تَنْبِيه لَو قبضت بعض الْمهْر قبل الدُّخُول كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد وأعسر بِالْبَاقِي كَانَ لَهَا الْفَسْخ كَمَا أفتى بِهِ الْبَارِزِيّ وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام المُصَنّف لصدق الْعَجز عَن الْمهْر بِالْعَجزِ عَن بعضه وَبِه صرح الْجَوْزِيّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ هُوَ الْأَوْجه نقلا وَمعنى وَإِن أفتى ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ لَا فسخ إِذْ يلْزم على إفتائه إِجْبَار الزَّوْجَة على تَسْلِيم نَفسهَا بِتَسْلِيم بعض الصَدَاق وَلَو أجبرت لاتخذ الْأزْوَاج ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى إبِْطَال حق الْمَرْأَة من حبس نَفسهَا بِتَسْلِيم دِرْهَم وَاحِد من صدَاق هُوَ ألف دِرْهَم وَهُوَ فِي غَايَة الْبعد تَتِمَّة لَا فسخ بإعسار زوج بِشَيْء مِمَّا ذكر حَتَّى يثبت عِنْد قَاض بعد الرّفْع إِلَيْهِ إِعْسَاره بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار فيفسخه بِنَفسِهِ أَو بنائبه بعد الثُّبُوت أَو يَأْذَن لَهَا فِيهِ وَلَيْسَ لَهَا مَعَ علمهَا بِالْعَجزِ الْفَسْخ قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي وَلَا بعده قبل الْإِذْن فِيهِ نعم إِن عجزت عَن الرّفْع إِلَى القَاضِي وفسخت نفذ ظَاهرا وَبَاطنا للضَّرُورَة ثمَّ على ثُبُوت الْفَسْخ بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ يجب إمهاله ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن لم يطْلب الزَّوْج الْإِمْهَال ليتَحَقَّق عَجزه فَإِنَّهُ قد يعجز لعَارض ثمَّ يَزُول وَهِي مُدَّة قريبَة يتَوَقَّع فِيهَا الْقُدْرَة بقرض أَو غَيره وَلها خُرُوج فِيهَا لتَحْصِيل نَفَقَة مثلا بكسب وسؤال وَعَلَيْهَا رُجُوع لمسكنها لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقت الدعة وَلَيْسَ لَهَا مَنعه من التَّمَتُّع ثمَّ بعد الْإِمْهَال يفْسخ القَاضِي أَو هِيَ بِإِذْنِهِ صَبِيحَة الرَّابِع نعم إِن لم يكن فِي النَّاحِيَة قَاض وَلَا مُحكم فَفِي الْوَسِيط لَا خلاف فِي استقلالها بِالْفَسْخِ فَإِن سلم نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع فَلَا فسخ لتبين زَوَال مَا كَانَ الْفَسْخ لأَجله فَإِن أعْسر بَعْدَمَا سلم نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع بِنَفَقَة الْخَامِس بنت على الْمدَّة وَلم تستأنفها كَمَا لَو أيسر فِي الثَّالِث ثمَّ أعْسر فِي الرَّابِع فَإِنَّهَا تبني وَلَا تسْتَأْنف وَلَو رضيت قبل النِّكَاح أَو بعده بإعساره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 فلهَا الْفَسْخ لِأَن الضَّرَر يَتَجَدَّد وَلَا أثر لقولها رضيت بِهِ أبدا لِأَنَّهُ وعد لَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ إِلَّا إِن رضيت بإعساره بِالْمهْرِ فَلَا فسخ لَهَا لِأَن الضَّرَر لَا يَتَجَدَّد فصل فِي الْحَضَانَة وَهِي بِفَتْح الْحَاء لُغَة الضَّم مَأْخُوذَة من الحضن بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجنب لضم الحاضنة الطِّفْل إِلَيْهِ وَشرعا تربية من لَا يسْتَقلّ بأموره بِمَا يصلحه ويقيه عَمَّا يضرّهُ وَلَو كَبِيرا مَجْنُونا كَأَن يتعهده بِغسْل جسده وثيابه ودهنه وكحله وربط الصَّغِير فِي المهد وتحريكه لينام وَهِي نوع ولَايَة وسلطنة لَكِن الْإِنَاث أليق بهَا لِأَنَّهُنَّ أشْفق وَأهْدى إِلَى التربية وأصبر على الْقيام بهَا الْحق بحضانة الْوَلَد وأولاهن أم كَمَا قَالَ (وَإِذا فَارق الرجل زَوجته) بِطَلَاق أَو فسخ أَو لعان (وَله مِنْهَا ولد) لَا يُمَيّز ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى (فَهِيَ أَحَق بحضانته) لوفور شفقتها ثمَّ بعد الْأُم أُمَّهَات لَهَا وارثات وَإِن علت الْأُم تقدم الْقُرْبَى فالقربى فأمهات أَب كَذَلِك وَخرج بالوارثات غَيْرهنَّ وَهِي من أدلت بِذكر بَين أنثيين كَأُمّ أبي أم فأخت لِأَنَّهَا أقرب من الْخَالَة فخالة لِأَنَّهَا تدلى بِالْأُمِّ فبنت أُخْت فبنت أَخ كالأخت مَعَ الْأَخ فعمة وَتقدم أُخْت وَخَالَة وعمة لِأَبَوَيْنِ عَلَيْهِنَّ لأَب لزِيَادَة قرابتهن وَتقدم أُخْت وَخَالَة وعمة لأَب عَلَيْهِنَّ لأم لقُوَّة لجِهَة فرع لَو كَانَ للمحضون بنت قدمت فِي الْحَضَانَة عِنْد عدم الْأَبَوَيْنِ على الْجدَّات أَو زوج يُمكن تمتعه بهَا قدم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى على كل الْأَقَارِب وَالْمرَاد بتمتعه بهَا وَطْؤُهُ لَهَا فَلَا بُد أَن تُطِيقهُ وَإِلَّا فَلَا تسلم إِلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ وَتثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 الْحَضَانَة لأنثى قريبَة غير محرم لم تدل بِذكر غير وَارِث كَبِنْت خَالَة وَبنت عمَّة وَلذكر قريب وَارِث محرما كَانَ كأخ أَو غير محرم كَابْن عَم لوفور شفقته وَقُوَّة قرَابَته بِالْإِرْثِ وَالْولَايَة وَيزِيد الْمحرم بالمحرمية بترتيب ولَايَة النِّكَاح وَلَا تسلم مشتهاة لغير محرم حذرا من الْخلْوَة الْمُحرمَة بل تسلم لثقة يعينها هُوَ كبنته وَإِن اجْتمع ذُكُور وإناث قدمت الْأُم فأمهاتها وَإِن علت فأب فأمهاته وَإِن علا لما مر وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من الْحَوَاشِي ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِن اسْتَويَا قربا قدمت الْأُنْثَى لِأَن الْإِنَاث أَصْبِر وَأبْصر فَإِن اسْتَويَا ذكورة أَو أنوثة قدم بِقرْعَة من خرجت قرعته على غَيره وَالْخُنْثَى هُنَا كالذكر فَلَا يقدم على الذّكر فَلَو ادّعى الْأُنُوثَة صدق بِيَمِينِهِ (ثمَّ) الْمُمَيز (يُخَيّر ندبا) بَين أَبَوَيْهِ إِن صلحا للحضانة بِالشُّرُوطِ الْآتِيَة وَلَو فضل أَحدهمَا الآخر دينا أَو مَالا أَو محبَّة (فَأَيّهمَا اخْتَارَهُ سلم إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما بَين أَبِيه وَأمه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه والغلامة كالغلام فِي الانتساب وَلِأَن الْقَصْد بِالْكَفَالَةِ الْحِفْظ للْوَلَد والمميز أعرف بحفظه فَيرجع إِلَيْهِ وَسن التَّمْيِيز غَالِبا سبع سِنِين أَو ثَمَان تَقْرِيبًا وَقد يتَقَدَّم على السَّبع وَقد يتَأَخَّر عَن الثمان فمداره عَلَيْهِ لَا على السن قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيعْتَبر فِي تَمْيِيزه أَن يكون عَارِفًا بِأَسْبَاب الِاخْتِيَار وَإِلَّا أخر إِلَى حُصُول ذَلِك وَهُوَ موكول إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي وَيُخَير أَيْضا بَين أم وَإِن علت وجد أَو غَيره من الْحَوَاشِي كأخ أَو عَم أَو ابْنه كَالْأَبِ بِجَامِع الْعُصُوبَة كَمَا يُخَيّر بَين أَب وَأُخْت لغير أَب أَو خَالَة كالأم وَله بعد اخْتِيَار أَحدهمَا تحول للْآخر وَإِن تكَرر مِنْهُ ذَلِك لِأَنَّهُ قد يظْهر لَهُ الْأَمر على خلاف مَا ظَنّه أَو يتَغَيَّر حَال من اخْتَارَهُ قيل نعم إِن غلب على الظَّن أَن سَبَب تكرره قلَّة تَمْيِيزه ترك عِنْد من يكون عِنْده قبل التَّمْيِيز فَإِن اخْتَار الْأَب ذكر لم يمنعهُ زِيَارَة أمه وَلَا يكلفها الْخُرُوج لزيارته لِئَلَّا يكون ساعيا فِي العقوق وَقطع الرَّحِم وَهُوَ أولى مِنْهَا بِالْخرُوجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَة وَهل هَذَا على سَبِيل الْوُجُوب أَو الِاسْتِحْبَاب قَالَ فِي الْكِفَايَة الَّذِي صرح بِهِ الْبَنْدَنِيجِيّ وَدلّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 عَلَيْهِ كَلَام الْمَاوَرْدِيّ الأول وَيمْنَع الْأَب أُنْثَى إِذا اختارته من زِيَارَة أمهَا لتألف الصيانة وَعدم البروز وَالأُم أولى مِنْهَا بِالْخرُوجِ لزيارتها وَلَا تمنع الْأُم زِيَارَة ولديها على الْعَادة كَيَوْم فِي أَيَّام لَا فِي كل يَوْم وَلَا يمْنَعهَا من دُخُولهَا بَيته وَإِذا زارت لَا تطيل الْمكْث وَهِي أولى بتمريضها عِنْده لِأَنَّهَا أشْفق وَأهْدى إِلَيْهِ هَذَا إِن رَضِي بِهِ وَإِلَّا فَعندهَا ويعودهما ويحترز فِي الْحَالين عَن الْخلْوَة بهَا وَإِذا اخْتَارَهَا ذكر فَعندهَا لَيْلًا وَعِنْده نَهَارا ليعلمه الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية على مَا يَلِيق بِهِ لِأَن ذَلِك من مَصَالِحه فَمن أدب وَلَده صَغِيرا سر بِهِ كَبِيرا يُقَال الْأَدَب على الْآبَاء وَالصَّلَاح على الله تَعَالَى أَو اختارتها أُنْثَى أَو خُنْثَى كَمَا بَحثه بَعضهم فَعندهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاء الزمنين فِي حَقّهَا ويزورها الْأَب على الْعَادة وَلَا يطْلب إحضارها عِنْده وَإِن اختارهما مُمَيّز أَقرع بَينهمَا وَيكون عِنْد من خرجت قرعته مِنْهُمَا أَو لم يخْتَر وَاحِدًا مِنْهُمَا فالأم أولى لِأَن الْحَضَانَة لَهَا وَلم يخْتَر غَيرهَا القَوْل فِي شُرُوط من يسْتَحق الْحَضَانَة (وشرائط) اسْتِحْقَاق (الْحَضَانَة سَبْعَة) وَترك سِتَّة كَمَا ستعرفه أَولهَا (الْعقل) فَلَا حضَانَة لمَجْنُون وَإِن كَانَ جُنُونه متقطعا لِأَنَّهَا ولَايَة وَلَيْسَ هُوَ من أَهلهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظ والتعهد بل هُوَ فِي نَفسه يحْتَاج إِلَى من يحضنه نعم إِن كَانَ يَسِيرا كَيَوْم فِي سنة كَمَا فِي الشَّرْح الصَّغِير لم تسْقط الْحَضَانَة كَمَرَض يطْرَأ وَيَزُول (و) ثَانِيهَا الْحُرِّيَّة فَلَا حضَانَة لرقيق وَلَو مبعضا وَإِن أذن لَهُ سَيّده لِأَنَّهَا ولَايَة وَلَيْسَ من أَهلهَا وَلِأَنَّهُ مَشْغُول بِخِدْمَة سَيّده وَإِنَّمَا لم يُؤثر إِذْنه لِأَنَّهُ قد يرجع فيشوش أَمر الْوَلَد وَيسْتَثْنى مَا لَو أسلمت أم ولد الْكَافِر فَإِن وَلَدهَا يتبعهَا وحضانته لَهَا مَا لم تنْكح كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَة فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالْمعْنَى فِيهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّات فراغها لمنع السَّيِّد من قربانها ووفور شفقتها (و) ثَالِثهَا (الدّين) أَي الْإِسْلَام فَلَا حضَانَة لكَافِر على مُسلم إِذْ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ رُبمَا فتنه فِي دينه فيحضنه أَقَاربه الْمُسلمُونَ ومؤنته فِي مَاله على التَّرْتِيب الْمَار فَإِن لم يُوجد أحد مِنْهُم حضنه الْمُسلمُونَ فَإِن لم يكن لَهُ مَال فعلى من تلْزمهُ نَفَقَته فَإِن لم يكن فَهُوَ من محاويج الْمُسلمين وَينْزع ندبا من الْأَقَارِب الذميين ولد ذمِّي وصف الْإِسْلَام وَتثبت الْحَضَانَة للْكَافِرِ على الْكَافِر وللمسلم على الْكَافِر بِالْأولَى لِأَن فِيهِ مصلحَة لَهُ (و) رَابِعهَا وخامسها (الْعِفَّة وَالْأَمَانَة) جمع المُصَنّف بَينهمَا لتلازمهما إِذْ الْعِفَّة بِكَسْر الْمُهْملَة الْكَفّ عَمَّا لَا يحل وَلَا يحمد قَالَه فِي الْمُحكم وَالْأَمَانَة ضد الْخِيَانَة فَكل عفيف أَمِين وَعَكسه فَلَو عبر المُصَنّف عَن الثَّالِث إِلَى هُنَا بِالْعَدَالَةِ لَكَانَ أخصر فَلَا حضَانَة لفَاسِق لِأَن الْفَاسِق لَا يَلِي وَلَا يؤتمن وَلِأَن الْمَحْضُون لَا حَظّ لَهُ فِي حضانته لِأَنَّهُ ينشأ على طَرِيقَته وتكفي الْعَدَالَة الظَّاهِرَة كشهود النِّكَاح نعم إِن وَقع نزاع فِي الْأَهْلِيَّة فَلَا بُد من ثُبُوتهَا عِنْد القَاضِي (و) سادسها (الْإِقَامَة) فِي بلد الطِّفْل بِأَن يكون أَبَوَاهُ مقيمين فِي بلد وَاحِد فَلَو أَرَادَ أَحدهمَا سفرا لَا لنقلة كحج وتجارة فالمقيم أولى بِالْوَلَدِ مُمَيّزا كَانَ أَو لَا حَتَّى يعود الْمُسَافِر لخطر السّفر أَو لنقله فالعصبة من أَب أَو غَيره وَلَو غير محرم أولى بِهِ من الْأُم حفظا للنسب إِن أَمن خوفًا فِي طَرِيقه ومقصده وَإِلَّا فالأم أولى وَقد علم مِمَّا مر أَنه لَا تسلم مشتهاة لغير محرم كَابْن عَم حذرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 من الْخلْوَة الْمُحرمَة بل لثقة ترافقه كبنته (و) سابعها (الْخُلُو) أَي خلو الحاضنة (من زوج) لَا حق لَهُ فِي الْحَضَانَة فَلَا حضَانَة لمن تزوجت بِهِ وَإِن لم يدْخل بهَا وَإِن رَضِي أَن يدْخل الْوَلَد دَاره لخَبر أَن امْرَأَة قَالَت يَا رَسُول الله إِن ابْني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء وحجري لَهُ حَوَّاء وثديي لَهُ سقاء وَإِن أَبَاهُ طَلقنِي وَزعم أَن يَنْزعهُ مني فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت أَحَق بِهِ مَا لم تنكحي وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَة عَنهُ بِحَق الزَّوْج فَإِن كَانَ لَهُ فِيهَا حق كعم الطِّفْل وَابْن عَمه فَلَا يبطل حَقّهَا بنكاحه لِأَن من نكحته لَهُ حق فِي الْحَضَانَة وشفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على كفَالَته وثامنها أَن تكون الحاضنة مُرْضِعَة للطفل إِن كَانَ الْمَحْضُون رضيعا فَإِن لم يكن لَهَا لبن أَو امْتنعت من الْإِرْضَاع فَلَا حضَانَة لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهر عبارَة الْمِنْهَاج وَقَالَ البُلْقِينِيّ حَاصله إِن لم يكن لَهَا لبن فَلَا خلاف فِي عدم اسْتِحْقَاقهَا وَإِن كَانَ لَهَا لبن وامتنعت فَالْأَصَحّ لَا حضَانَة لَهَا انْتهى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وتاسعها أَن لَا يكون بِهِ مرض دَائِم كالسل والفالج إِن عَاق تألمه عَن نظر الْمَحْضُون بِحَيْثُ يشْغلهُ تألمه عَن كفَالَته وتدبر أمره أَو عَن حَرَكَة من يُبَاشر الْحَضَانَة فَتسقط فِي حَقه دون من يدبر الْأُمُور بنظره ويباشرها غَيره وعاشرها أَن لَا يكون أبرص وَلَا أَجْذم كَمَا فِي قَوَاعِد العلائي وحادي عشرهَا أَن لَا يكون أعمى كَمَا أفتى بِهِ عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي من أَئِمَّتنَا وَمن أَقْرَان ابْن الصّباغ وَأقرهُ عَلَيْهِ جمع من محققي الْمُتَأَخِّرين وَثَانِي عشرهَا أَن لَا يكون مغفلا كَمَا قَالَه الْجِرْجَانِيّ فِي الشافي وثالث عشرهَا أَن لَا يكون صَغِيرا لِأَنَّهَا ولَايَة وَلَيْسَ هُوَ من أَهلهَا القَوْل فِي سُقُوط الْحَضَانَة (فَإِن اخْتَلَّ مِنْهَا) أَي من الشُّرُوط الْمَذْكُورَة (شَرط) فَقَط (سَقَطت) حضانتها أَي لم تسْتَحقّ حضَانَة كَمَا تقرر نعم لَو خَالعهَا الْأَب على ألف مثلا وحضانة وَلَده الصَّغِير سنة فَلَا يسْقط حَقّهَا فِي تِلْكَ الْمدَّة كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَة أَو أَخذ الْخلْع حِكَايَة عَن القَاضِي حُسَيْن مُعَللا لَهُ بِأَن الْإِجَارَة عقد لَازم وَلَو فقد مقتضي الْحَضَانَة ثمَّ وجد كَأَن كملت نَاقِصَة بِأَن أسلمت كَافِرَة أَو تابت فاسقة أَو أفاقت مَجْنُونَة أَو عتقت رقيقَة أَو طلقت مَنْكُوحَة بَائِنا أَو رَجْعِيَّة على الْمَذْهَب حضنت لزوَال الْمَائِع وتستحق الْمُطلقَة الْحَضَانَة فِي الْحَال قبل انْقِضَاء الْعدة على الْمَذْهَب وَلَو غَابَتْ الْأُم أَو امْتنعت من الْحَضَانَة فللجدة مثلا أم الْأُم كَمَا لَو مَاتَت أَو جنت وَضَابِط ذَلِك أَن الْقَرِيب إِن امْتنع كَانَت الْحَضَانَة لمن يَلِيهِ وَظَاهر كَلَامهم عدم إِجْبَار الْأُم عِنْد الِامْتِنَاع وَهُوَ مُقَيّد بِمَا إِذا لم تجب النَّفَقَة عَلَيْهَا للْوَلَد الْمَحْضُون فَإِن وَجَبت كَأَن لم يكن لَهُ أَب وَلَا مَال أجبرت كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة لِأَنَّهَا من جملَة النَّفَقَة فَهِيَ حِينَئِذٍ كَالْأَبِ القَوْل فِي الْمَحْضُون إِذا بلغ خَاتِمَة مَا مر إِذا لم يبلغ الْمَحْضُون فَإِن بلغ بِأَن كَانَ غُلَاما وَبلغ رشيدا ولي أَمر نَفسه لاستغنائه عَمَّن يكفله فَلَا يجْبر على الْإِقَامَة عِنْد أحد أَبَوَيْهِ وَالْأولَى أَنه لَا يفارقهما ليبرهما قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَعند الْأَب أولى للمجانسة نعم إِن كَانَ أَمْرَد وَخيف عَلَيْهِ من انْفِرَاده فَفِي الْعدة عَن الْأَصْحَاب أَنه يمْنَع من مُفَارقَة الْأَبَوَيْنِ وَلَو بلغ عَاقِلا غير رشيد فَأطلق مطلقون أَنه كَالصَّبِيِّ وَقَالَ ابْن كج إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 كَانَ لعدم إصْلَاح مَاله فَكَذَلِك وَإِن كَانَ لدينِهِ فَقيل تدام حضانته إِلَى ارْتِفَاع الْحجر وَالْمذهب أَنه يسكن حَيْثُ شَاءَ قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا التَّفْصِيل حسن انْتهى وَإِن كَانَ أُنْثَى فَإِن بلغت رَشِيدَة فَالْأولى أَن تكون عِنْد أَحدهمَا حَتَّى تتَزَوَّج إِن كَانَا مفترقين وَبَينهمَا إِن كَانَا مُجْتَمعين لِأَنَّهُ أبعد عَن التُّهْمَة وَلها أَن تسكن حَيْثُ شَاءَت وَلَو بكرا وَهَذَا إِذا لم تكن رِيبَة فَإِن كَانَت فللأم إسكانها مَعهَا وَكَذَا للْوَلِيّ من الْعصبَة إسكانها مَعَه إِذا كَانَ محرما لَهَا وَإِلَّا فَفِي مَوضِع لَائِق بهَا يسكنهَا ويلاحظها دفعا لعار النّسَب كَمَا يمْنَعهَا نِكَاح غير الْكُفْء وتجبر على ذَلِك والأمرد مثلهَا فِيمَا ذكر كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَيصدق الْوَلِيّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَة وَلَا يُكَلف الْبَيِّنَة لِأَن إسكانها فِي مَوضِع الْبَرَاءَة أَهْون من الفضيحة لَو أَقَامَ بَيِّنَة وَإِن بلغت غير رَشِيدَة فَفِيهَا التَّفْصِيل الْمَار قَالَ النَّوَوِيّ فِي نواقض الْوضُوء حضَانَة الْخُنْثَى الْمُشكل وكفالته بعد الْبلُوغ لم أر فِيهِ نقلا وَيَنْبَغِي أَن يكون كالبنت الْبكر حَتَّى يَجِيء فِي جَوَاز استقلاله وانفراده عَن الْأَبَوَيْنِ إِذا شَاءَ وَجْهَان انْتهى وَيعلم التَّفْصِيل فِيهِ مِمَّا مر وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 كتاب الْجِنَايَات عبر بهَا دون الْجراح لتشمله وَالْقطع وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا مِمَّا يُوجب حدا أَو تعزيرا وَهُوَ حسن وَهِي جمع جِنَايَة وجمعت وَإِن كَانَت مصدرا لتنوعها كَمَا سَيَأْتِي إِلَى عمد وَخطأ وَشبه عمد وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ اجتنبوا السَّبع الموبقات قيل وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ الشّرك بِاللَّه تَعَالَى وَالسحر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والتولي يَوْم الزَّحْف وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات القَوْل فِي ذَنْب الْقَتْل وَقتل الْآدَمِيّ عمدا بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر فقد سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله تَعَالَى قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك قيل ثمَّ أَي قَالَ أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِح تَوْبَة الْقَاتِل عمدا لِأَن الْكَافِر تصح تَوْبَته فَهَذَا أولى وَلَا يتحتم عَذَابه بل هُوَ فِي خطر الْمَشِيئَة وَلَا يخلد عَذَابه إِن عذب وَإِن أصر على ترك التَّوْبَة كَسَائِر ذَوي الْكَبَائِر غير الْكفْر وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} فَالْمُرَاد بالخلود الْمكْث الطَّوِيل فَإِن الدَّلَائِل تظاهرت على أَن عصاة الْمُسلمين لَا يَدُوم عَذَابهمْ أَو مَخْصُوص بالمستحيل كَمَا ذكره عِكْرِمَة وَغَيره وَإِن اقْتصّ مِنْهُ الْوَارِث أَو عَفا عَنهُ على مَال أَو مجَّانا فظواهر الشَّرْع تَقْتَضِي سُقُوط الْمُطَالبَة فِي الدَّار الْآخِرَة كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَذكر مثله فِي شرح مُسلم وَمذهب أهل السّنة أَن الْمَقْتُول لَا يَمُوت إِلَّا بأجله وَالْقَتْل لَا يقطع الْأَجَل خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا الْقَتْل بِقطعِهِ القَوْل فِي أَنْوَاع الْقَتْل ثمَّ شرع فِي تَقْسِيم الْقَتْل بقوله (الْقَتْل على ثَلَاثَة أضْرب عمد مَحْض وَخطأ مَحْض وَعمد خطأ) وَجه الْحصْر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 ذَلِك أَن الْجَانِي إِن لم يقْصد عين الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأ وَإِن قَصدهَا فَإِن كَانَ بِمَا يقتل غَالِبا فَهُوَ الْعمد وَإِلَّا فَشبه عمد كَمَا تُؤْخَذ هَذِه الثَّلَاثَة من قَوْله (فالعمد الْمَحْض) أَي الْخَالِص (هُوَ أَن يعمد) بِكَسْر الْمِيم أَي يقْصد (إِلَى ضربه) أَي الشَّخْص الْمَقْصُود بِالْجِنَايَةِ (بِمَا يقتل غَالِبا) كجارح ومثقل وسحر (ويقصد) بِفِعْلِهِ (قَتله بذلك) عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا للروح كَمَا فِي الرَّوْضَة فَخرج بِقَيْد قصد الْفِعْل مَا لَو تزلقت رجله فَوَقع على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ وبقيد الشَّخْص الْمَقْصُود مَا لَو رمى زيدا فَأصَاب عمرا فَهُوَ خطأ وبقيد الْغَالِب النَّادِر كَمَا لَو غرز إبرة فِي غير مقتل وَلم يعقبها ورم وَمَات فَلَا قصاص فِيهِ وَإِن كَانَ عُدْوانًا وبقيد الْعدوان الْقَتْل الْجَائِز وبقيد حيثية الإزهاق للروح مَا إِذا اسْتحق حز رقبته قصاصا فَقده نِصْفَيْنِ فَلَا قصاص فِيهِ وَإِن كَانَ عُدْوانًا قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا وَإِنَّمَا هُوَ عدوان من حَيْثُ إِنَّه عدل عَن الطَّرِيق فَائِدَة يُمكن انقسام الْقَتْل إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَاجِب وَحرَام ومكروه ومندوب ومباح فَالْأول قتل الْمُرْتَد إِذا لم يتب وَالْحَرْبِيّ إِذا لم يسلم أَو يُعْطي الْجِزْيَة وَالثَّانِي قتل الْمَعْصُوم بِغَيْر حق وَالثَّالِث قتل الْغَازِي قَرِيبه الْكَافِر إِذا لم يسب الله تَعَالَى أَو رَسُوله وَالرَّابِع قَتله إِذا سبّ أَحدهمَا وَالْخَامِس قتل الإِمَام الْأَسير إِذا اسْتَوَت الْخِصَال فَإِنَّهُ مُخَيّر فِيهِ وَأما قتل الْخَطَأ فَلَا يُوصف بحلال وَلَا حرَام لِأَنَّهُ غير مُكَلّف فِيمَا أَخطَأ فِيهِ فَهُوَ كَفعل الْمَجْنُون والبهيمة الْوَاجِب فِي الْعمد الْمَحْض (فَيجب) فِي الْقَتْل الْعمد لَا فِي غَيره كَمَا سَيَأْتِي (الْقود) أَي الْقصاص لقَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} اي الْآيَة سَوَاء أمات فِي الْحَال أم بعده بسراية جِرَاحَة وَأما عدم وُجُوبه فِي غَيره فَسَيَأْتِي وَسمي الْقصاص قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي بِحَبل أَو غَيره إِلَى مَحل الِاسْتِيفَاء وَإِنَّمَا وَجب الْقصاص فِيهِ لِأَنَّهُ بدل متْلف فَتعين جنسه كَسَائِر الْمُتْلفَات (فَإِن عَفا) الْمُسْتَحق (عَنهُ) أَي الْقود مجَّانا سقط وَلَا دِيَة وَكَذَا إِن أطلق الْعَفو لَا دِيَة على الْمَذْهَب لِأَن الْقَتْل لم يُوجب الدِّيَة وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت لَا إِثْبَات مَعْدُوم أَو عَفا على مَال (وَجَبت دِيَة مُغَلّظَة) كَمَا سنعرفه فِيمَا سَيَأْتِي (حَالَة فِي مَال الْقَاتِل) وَإِن لم يرض الْجَانِي لما روى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد وَغَيره كَانَ فِي شرع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام تحتم الْقصاص جزما وَفِي شرع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الدِّيَة فَقَط فَخفف الله تَعَالَى عَن هَذِه الْأمة وَخَيرهَا بَين الْأَمريْنِ لما فِي الْإِلْزَام بِأَحَدِهِمَا من الْمَشَقَّة وَلِأَن الْجَانِي مَحْكُوم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ كالمحال عَلَيْهِ وَلَو عَفا عَن عُضْو من أَعْضَاء الْجَانِي سقط كُله كَمَا أَن تطليق بعض الْمَرْأَة تطليق لكلها وَلَو عَفا بعض الْمُسْتَحقّين سقط أَيْضا وَإِن لم يرض الْبَعْض الآخر لِأَن الْقصاص لَا يتَجَزَّأ ويغلب فِيهِ جَانب السُّقُوط القَوْل فِي الْخَطَأ الْمَحْض (وَالْخَطَأ الْمَحْض) هُوَ أَن يقْصد الْفِعْل دون الشَّخْص كَأَن (يَرْمِي إِلَى شَيْء) كشجرة أَو صيد (فَيُصِيب) إنْسَانا (رجلا) أَي ذكرا أَو غَيره (فيقتله) أَو يَرْمِي بِهِ زيدا فَيُصِيب عمرا كَمَا مر وَلم يقْصد أصل الْفِعْل كَأَن زلق فَسقط على غَيره فَمَاتَ كَمَا مر أَيْضا (فَلَا قَود عَلَيْهِ) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} اي فَأوجب الدِّيَة وَلم يتَعَرَّض للْقصَاص (بل تجب دِيَة) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة (مُخَفّفَة على الْعَاقِلَة) كَمَا ستعرفه فِي فصلها (مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم لأَنهم يحملونها على سَبِيل الْمُوَاسَاة وَمن الْمُوَاسَاة تأجيلها عَلَيْهِم (فِي ثَلَاث سِنِين) بِالْإِجْمَاع كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَغَيره (وَعمد الْخَطَأ) الْمُسَمّى بشبه الْعمد هُوَ (أَن يقْصد ضربه) أَي الشَّخْص (بِمَا لَا يقتل غَالِبا) كسوط أَو عَصا خَفِيفَة أَو نَحْو ذَلِك (فَيَمُوت) بِسَبَبِهِ (فَلَا قَود عَلَيْهِ) لفقد الْآلَة القاتلة غَالِبا فموته بغَيْرهَا مصادفة قدر (بل تجب دِيَة مُغَلّظَة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن فِي قَتِيل عمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط أَو الْعَصَا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَالْمعْنَى فِيهِ أَن شبه الْعمد مُتَرَدّد بَين الْعمد وَالْخَطَأ فَأعْطِي حكم الْعمد من وَجه تغليظها وَحكم الْخَطَأ من وَجه كَونهَا (على الْعَاقِلَة) لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بذلك (مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم كَمَا فِي دِيَة الْخَطَأ تَنْبِيه جِهَات تحمل الدِّيَة ثَلَاث قرَابَة وَوَلَاء وَبَيت مَال لَا غَيرهَا كزوجية وقرابة لَيست بعصبة وَلَا الفريد الَّذِي لَا عشيرة لَهُ فَيدْخل نَفسه فِي قَبيلَة ليعد مِنْهَا الْجِهَة الأولى عصبَة الْجَانِي الَّذين يرثونه بِالنّسَبِ أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْعَاقِلَة الْعصبَة وهم الْقَرَابَة من قبل الْأَب قَالَ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ إِن أيسرا لَا يحْملَانِ شَيْئا وَكَذَا الْمَعْتُوه عِنْدِي انْتهى وَاسْتثنى من الْعصبَة أصل الْجَانِي وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل لأَنهم أَبْعَاضه فَكَمَا لَا يتَحَمَّل الْجَانِي لَا يتَحَمَّل أَبْعَاضه وَيقدم فِي تحمل الدِّيَة من الْعصبَة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فَإِن لم يَفِ الْأَقْرَب بِالْوَاجِبِ بِأَن بَقِي مِنْهُ شَيْء وزع الْبَاقِي على من يَلِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَيقدم مِمَّن ذكر مدل بأبوين على مدل بأب فَإِن لم يَفِ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 عَلَيْهِم بِالْوَاجِبِ فمعتق ذكر لخَبر الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب ثمَّ إِن فقد الْمُعْتق أَو لم يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ فعصبته من نسب غير أَصله وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل كَمَا مر فِي أصل الْجَانِي وفرعه ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَذَلِك وَهَكَذَا مَا عدا الأَصْل وَالْفرع ثمَّ مُعتق أَب الْجَانِي ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق مُعتق الْأَب وعصبته غير أَصله وفرعه وَكَذَا أبدا وعتيق الْمَرْأَة يعقله عاقلتها ومعتقون فِي تحملهم كمعتق وَاحِد وكل شخص من عصبَة كل مُعتق يحمل مَا كَانَ يحملهُ ذَلِك الْمُعْتق فِي حَيَاته وَلَا يعقل عَتيق عَن مُعْتقه كَمَا لَا يَرِثهُ فَإِن فقد الْعَاقِل مِمَّن ذكر عقل ذَوُو الْأَرْحَام إِذا لم يَنْتَظِم أَمر بَيت المَال فَإِن انتظم عقل بَيت المَال فَإِن فقد بَيت المَال فكله على الْجَانِي بِنَاء على أَنَّهَا تلْزمهُ ابْتِدَاء ثمَّ تتحملها الْعَاقِلَة وَهُوَ الْأَصَح وصفات من يعقل خمس الذُّكُورَة وَعدم الْفقر وَالْحريَّة والتكليف واتفاق الدّين فَلَا تعقل امْرَأَة وَلَا خُنْثَى نعم إِن بَان ذكرا غرم حِصَّته الَّتِي أَدَّاهَا غَيره وَلَا فَقير وَلَو كسوبا وَلَا رَقِيق وَلَو مكَاتبا وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا مُسلم عَن كَافِر وَعَكسه وَيعْقل يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَعَكسه كَالْإِرْثِ وعَلى الْغَنِيّ فِي كل سنة من الْعَاقِلَة وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا يبْقى لَهُ فِي الْكَفَّارَة عشْرين دِينَارا أَو قدرهَا اعْتِبَارا بِالزَّكَاةِ نصف دِينَار على أهل الذَّهَب أَو قدره دَرَاهِم على أهل الْفضة وعَلى الْمُتَوَسّط مِنْهُم وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا ذكر دون الْعشْرين دِينَارا أَو قدرهَا وَفَوق ربع دِينَار لِئَلَّا يبْقى فَقِيرا ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْفَقِير الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ والغني الَّذِي عَلَيْهِ نصف دِينَار وَتحمل الْعَاقِلَة الْجِنَايَة على العَبْد لِأَنَّهُ بدل آدَمِيّ فَفِي آخر كل سنة يُؤْخَذ من قِيمَته قدر ثلث دِيَة وَلَو قتل شخص رجلَيْنِ مثلا فَفِي ثَلَاث سِنِين والأطراف كَقطع الْيَدَيْنِ والحكومات وأروش الْجِنَايَات تؤجل فِي كل سنة قدر ثلث دِيَة كَامِلَة وَأجل دِيَة النَّفس من الزهوق وَأجل دِيَة غير النَّفس كَقطع يَد من ابْتِدَاء الْجِنَايَة وَمن مَاتَ من الْعَاقِلَة فِي أثْنَاء سنة سقط من وَاجِب تِلْكَ السّنة القَوْل فِي شُرُوط وجوب الْقصاص (وشرائط وجوب الْقصاص) فِي الْعمد (أَرْبَعَة) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (أَن يكون الْقَاتِل بَالغا) وَالثَّانِي أَن يكون (عَاقِلا) فَلَا قصاص على صبي وَمَجْنُون لرفع الْقَلَم عَنْهُمَا وتضمينهما متلفاتهما إِنَّمَا هُوَ من بَاب خطاب الْوَضع فَتجب الدِّيَة فِي مَالهمَا تَنْبِيه مَحل عدم الْجِنَايَة على الْمَجْنُون إِذا كَانَ جُنُونه مطبقا فَإِن تقطع فَلهُ حكم الْمَجْنُون حَال جُنُونه وَحكم الْعَاقِل حَال إِفَاقَته وَمن لزمَه قصاص ثمَّ جن استوفى مِنْهُ حَال جُنُونه لِأَنَّهُ لَا يقبل الرُّجُوع وَلَو قَالَ كنت يَوْم الْقَتْل صَبيا أَو مَجْنُونا وَكذبه ولي الْمَقْتُول صدق الْقَاتِل بِيَمِينِهِ إِن أمكن الصِّبَا وَقت الْقَتْل وعهد الْجُنُون قبله لِأَن الأَصْل بقاؤهما بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن صباه وَلم يعْهَد جُنُونه وَالْمذهب وجوب الْقصاص على السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي بسكره لِأَنَّهُ مُكَلّف عِنْد غير النَّوَوِيّ وَلِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى ترك الْقصاص لِأَن من رام الْقَتْل لَا يعجز أَن يسكر حَتَّى لَا يقْتَصّ مِنْهُ وَهَذَا كالمستثنى من شَرط الْعقل وَهُوَ من قبيل ربط الْأَحْكَام بالأسباب وَألْحق بِهِ من تعدى بِشرب دَوَاء يزِيل الْعقل أما غير الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كالمعتوه فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَلَا قصاص وَلَا دِيَة على حَرْبِيّ قتل حَال حرابته وَإِن عصم بعد ذَلِك بِإِسْلَام أَو عقد ذمَّة لما تَوَاتر من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة بعده من عدم الْقصاص مِمَّن أسلم كوحشي قَاتل حَمْزَة وَلعدم الْتِزَامه الْأَحْكَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 (و) الثَّالِث (أَن لَا يكون) الْقَاتِل (والدا للمقتول) فَلَا قصاص بقتل ولد للْقَاتِل وَإِن سفل لخَبر الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححاه لَا يُقَاد للِابْن من أَبِيه وَلَو كَافِرًا ولرعاية حرمته وَلِأَنَّهُ كَانَ سَببا فِي وجوده فَلَا يكون هُوَ سَببا فِي عَدمه تَنْبِيه هَل يقتل بولده الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَجْهَان ويجريان فِي الْقطع بِسَرِقَة مَاله وَقبُول شَهَادَته لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَالْأَشْبَه أَنه يقتل بِهِ مَا دَامَ مصرا على النَّفْي انْتهى وَالْأَوْجه أَنه لَا يقتل بِهِ مُطلقًا للشُّبْهَة كَمَا قَالَه غَيره وَلَا قصاص للْوَلَد على الْوَالِد كَأَن قتل زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد أَو قتل زَوْجَة ابْنه أَو لزمَه قَود فورث بعضه وَلَده كَأَن قتل أَبَا زَوجته ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على وَلَده فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى وَأفهم كَلَامه أَن الْوَلَد يقتل بِكُل وَاحِد من وَالِديهِ وَهُوَ كَذَلِك بِشَرْط التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَام وَالْحريَّة إِلَّا أَنه يسْتَثْنى مِنْهُ الْمكَاتب إِذا قتل أَبَاهُ وَهُوَ يملكهُ فَلَا يقتل بِهِ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَيقتل الْمَحَارِم بعضم بِبَعْض وَيقتل العَبْد بِعَبْد لوالده (و) الرَّابِع (أَن لَا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِكفْر أَو رق) أَو هدر دم تَحْقِيقا للمكافأة الْمَشْرُوطَة لوُجُوب الْقصاص بالأدلة الْمَعْرُوفَة فَإِن كَانَ أنقص بِأَن قتل مُسلم كَافِرًا أَو حر من فِيهِ رق أَو مَعْصُوم بِالْإِسْلَامِ زَانيا مُحصنا فَلَا قصاص حِينَئِذٍ وَخرج بتقييد الْعِصْمَة بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُوم بجزية كالذمي فَإِنَّهُ يقتل بالزاني الْمُحصن وبذمي أَيْضا وَإِن اخْتلفت ملتهما فَيقْتل يَهُودِيّ بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وَعَكسه لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة من حَيْثُ إِن النّسخ شَمل الْجَمِيع فَلَو أسلم الذِّمِّيّ الْقَاتِل لم يسْقط الْقصاص لتكافؤهما حَال الْجِنَايَة لِأَن الِاعْتِبَار فِي الْعُقُوبَات بِحَال الْجِنَايَات وَلَا نظر لما يحدث بعْدهَا وَيقتل رجل بِامْرَأَة وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وعالم بجاهل كَعَكْسِهِ وشريف بخسيس وَشَيخ بشاب كعسكهما وَالْخَامِس عصمَة الْقَتِيل بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد ذمَّة أَو عهد لقَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} اي الْآيَة وَلقَوْله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} اي الْآيَة فيهدر الْحَرْبِيّ وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا لقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ومرتد فِي حق مَعْصُوم لخَبر من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ كزان مُحصن قَتله مُسلم مَعْصُوم كَمَا مر لاستيفائه حق الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة وَمن عَلَيْهِ قَود لقاتله لاستيفائه حَقه وَيقتل قن ومدبر ومكاتب وَأم ولد بَعضهم بِبَعْض وَإِن كَانَ الْمَقْتُول الْكَافِر وَالْقَاتِل الْمُسلم وَلَو قتل عبد عبدا ثمَّ عتق الْقَاتِل فكحدوث الْإِسْلَام لذِمِّيّ قتل وَحكمه كَمَا سبق وَمن بعضه حر لَو قتل مثله سَوَاء ازادت حريَّة الْقَاتِل على حريَّة الْمَقْتُول أم لَا لَا قصاص لِأَنَّهُ لم يقتل بِالْبَعْضِ الْحر الْبَعْض الْحر وبالرقيق الرَّقِيق بل قَتله جَمِيعه بِجَمِيعِهِ حريَّة وَرقا شَائِعا فَيلْزم قتل جُزْء حريَّة بِجُزْء رق وَهُوَ مُمْتَنع والفضيلة فِي شخص لَا بِخَبَر النَّقْص فِيهِ وَلِهَذَا لَا قصاص بَين عبد مُسلم وحر ذمِّي لِأَن الْمُسلم لَا يقتل بالذمي وَالْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَلَا تجبر فَضِيلَة كل مِنْهُمَا نقيضته القَوْل فِي قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (وَتقتل الْجَمَاعَة) وَإِن كَثُرُوا (بِالْوَاحِدِ) وَإِن تفاضلت جراحاتهم فِي الْعدَد وَالْفُحْش وَالْأَرْش سَوَاء أقتلوه بمحدد أم بِغَيْرِهِ كَأَن ألقوه من شَاهِق وَفِي بَحر لما روى مَالك أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ غيلَة أَي حِيلَة بِأَن يخدع وَيقتل فِي مَوضِع لَا يرَاهُ فِيهِ أحد وَقَالَ لَو تمالأ أَي اجْتمع عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم بِهِ جَمِيعًا وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد فَصَارَ ذَلِك إِجْمَاعًا وَلِأَن الْقصاص عُقُوبَة تجب للْوَاحِد على الْوَاحِد فَتجب للْوَاحِد على الْجَمَاعَة كَحَد الْقَذْف وَلِأَنَّهُ شرع لحقن الدِّمَاء فَلَو لم يجب عِنْد الِاشْتِرَاك لَكَانَ كل من أَرَادَ أَن يقتل شخصا اسْتَعَانَ بآخر على قَتله وَاتخذ ذَلِك ذَرِيعَة لسفك الدِّمَاء لِأَنَّهُ صَار آمنا من الْقصاص وللولي الْعَفو عَن بَعضهم على الدِّيَة وَعَن جَمِيعهم عَلَيْهَا ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد تزيد نكاية الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات وَمن قتل جمعا مُرَتبا قتل بأولهم أَو دفْعَة فبالقرعة وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم فَلَو قَتله غير الأول من الْمُسْتَحقّين فِي الأولى أَو غير من خرجت قرعته مِنْهُم فِي الثَّانِيَة عصى وَوَقع قَتله قصاصا وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم بِغَيْر اختيارهم وَلَو قَتَلُوهُ كلهم أساؤوا وَوَقع الْقَتْل موزعا عَلَيْهِم وَرجع كل مِنْهُم بِالْبَاقِي لَهُ من الدِّيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 عُفيَ عَنهُ قَوْله (على عدد الضربات الخ) وَهُوَ المعمتد وَقيل على عدد الرؤوس هَذَا إِن عرف عدد الضربات وَإِلَّا فعلى عدد الرؤوس قَوْله (وَمن قتل جمعا الخ) هَذَا عكس مَا فِي الْمَتْن قَوْله مُرَتبا أَي يَقِينا وَقَوله دفْعَة أَي وَلَو احْتِمَالا فَيدْخل فِي الثَّانِيَة (وكل شَخْصَيْنِ جري الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة (يجْرِي بَينهمَا) الْقصاص أَيْضا (فِي) قطع (الْأَطْرَاف) وَفِي الْجرْح الْمُقدر كالموضحة كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف وَفِي إِزَالَة بعض الْمَنَافِع المضبوطة كضوء الْعين والسمع والشم والبطش والذوق قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَن لَهَا محالا مضبوطة وَلأَهل الْخِبْرَة طرق فِي إِبْطَالهَا القَوْل فِي شُرُوط الْقصاص فِي الْأَطْرَاف (وشرائط وجوب الْقصاص فِي الْأَطْرَاف بعد الشَّرَائِط) الْخَمْسَة (الْمَذْكُورَة) فِي قصاص النَّفس (اثْنَان) الأول (الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم الْخَاص) رِعَايَة للمماثلة (الْيُمْنَى باليمنى واليسرى باليسرى) فَلَا تقطع يسَار بِيَمِين وَلَا شفة سفلى بعليا وعكسهما وَلَا حَادث بعد الْجِنَايَة بموجود فَلَو قلع سنا لَيْسَ لَهُ مثلهَا فَلَا قَود وَإِن نبت لَهُ مثلهَا بعد وَخرج بِقَيْد الِاسْم الْخَاص الِاشْتِرَاك فِي الْبدن فَلَا يشْتَرط فَيقطع الرجل بِالْمَرْأَةِ وَعَكسه وَالذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ وَلَا عكس فيهمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (و) الثَّانِي (أَن لَا يكون بِأحد الطَّرفَيْنِ) أَي الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ (شلل) وَهُوَ يبس فِي الْعُضْو يبطل عمله فَلَا تقطع صَحِيحَة من يَد أَو رجل بشلاء وَإِن رَضِي بِهِ الْجَانِي أَو شلت يَده أَو رجله بعد الْجِنَايَة لانْتِفَاء الْمُمَاثلَة فَلَو خَالف صَاحب الشلاء وَفعل الْقطع بِغَيْر إِذن الْجَانِي لم يقطع قصاصا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ بل عَلَيْهِ دِيَتهَا وَله حُكُومَة يَده الشلاء فَلَو سرى الْقطع فَعَلَيهِ قصاص النَّقْص لتفويتها بِغَيْر حق وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا اسْتَويَا فِي الشلل أَو كَانَ شلل الْجَانِي أَكثر وَلم يخف نزف الدَّم وَإِلَّا فَلَا قطع وتقطع الشلاء أَيْضا بالصحيحة لِأَنَّهَا دون حَقه إِلَّا أَن يَقُول أهل الْخِبْرَة لَا يَنْقَطِع الدَّم بل تنفتح أَفْوَاه الْعُرُوق وَلَا تنسد بحسم النَّار وَلَا غَيره فَلَا تقطع بهَا وَإِن رَضِي الْجَانِي كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم حذرا من اسْتِيفَاء النَّفس بالطرف فَإِن قَالُوا يَنْقَطِع الدَّم وقنع بهَا مستوفيها بِأَن لَا يطْلب أرشا لشلل قطعت لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الجرم وَإِن اخْتلفَا فِي الصّفة لِأَن الصّفة الْمُجَرَّدَة لَا تقَابل بِمَال وَكَذَا لَو قتل الذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ لم يجب لفضيلة الْإِسْلَام وَالْحريَّة شَيْء وَيقطع عُضْو سليم بأعسم وأعرج إِذْ لَا خلل فِي الْعُضْو والعسم بمهملتين مفتوحتين تشنج فِي الْمرْفق أَو قصر فِي الساعد أَو الْعَضُد وَلَا أثر فِي الْقصاص فِي يَد أَو رجل لخضرة أظفار وسوادها لِأَنَّهُ عِلّة أَو مرض فِي الظفر وَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي وجوب الْقصاص وتقطع ذَاهِبَة الْأَظْفَار بسليمتها لِأَنَّهَا دونهَا دون عَكسه لِأَن الْكَامِل لَا يُؤْخَذ بالناقص وَالذكر صِحَة وشللا كَالْيَدِ صِحَة وشللا أَو لذكر الأشل منقبض لَا ينبسط وَعَكسه وَلَا أثر للانتشار وَعَدَمه فَيقطع ذكر فَحل بِذكر خصي وعنين وأنف صَحِيح الشم بأخشم وتقطع أذن سميع بِأَصَمَّ وَلَا تُؤْخَذ عين صَحِيحَة بحدقة عمياء وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 لِسَان نَاطِق بأخرس وَفِي قلع السن قصاص قَالَ تَعَالَى {وَالسّن بِالسِّنِّ} اي فَلَا قصاص فِي كسرهَا كَمَا لَا قصاص فِي كسر الْعِظَام نعم إِن أمكن فِيهَا الْقصاص فَعَن النَّص أَنه يجب لِأَن السن عظم مشَاهد من أَكثر الجوانب وَلأَهل الصَّنْعَة آلَات قطاعة يعْتَمد عَلَيْهَا فِي الضَّبْط فَلم تكن كَسَائِر الْعِظَام وَلَو قلع شخص مثغور وَهُوَ الَّذِي سَقَطت رواضعه سنّ كَبِير أَو صَغِير لم تسْقط أَسْنَانه الرواضع وَمِنْهَا المقلوعة فَلَا ضَمَان فِي الْحَال لِأَنَّهَا تعود غَالِبا فَإِن جَاءَ وَقت نباتها بِأَن سقط الْبَوَاقِي ونبتت دون المقلوعة وَقَالَ أهل الْخِبْرَة فسد المنبت وَجب الْقصاص فِيهَا حِينَئِذٍ وَلَا يسْتَوْفى للصَّغِير فِي صغره لِأَن الْقصاص للتشفي وَلَو قلع شخص سنّ مثغور فَنَبَتَتْ لم يسْقط الْقصاص لِأَن عودهَا نعْمَة جَدِيدَة من الله تَعَالَى (وكل عُضْو أَخذ) أَي قطع جِنَايَة (من مفصل) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة كالمرفق والأنامل والكوع ومفصل الْقدَم وَالركبَة (فَفِيهِ الْقصاص) لانضباط ذَلِك مَعَ الْأَمْن من اسْتِيفَاء الزِّيَادَة وَلَا يضر فِي الْقصاص عِنْد مُسَاوَاة الْمحل كبر وَصغر وَقصر وَطول وَقُوَّة بَطش وَضَعفه فِي عُضْو أُصَلِّي أَو زَائِد وَمن المفاصل أصل الْفَخْذ والمنكب فَإِن أمكن الْقصاص فيهمَا بِلَا جَائِفَة اقْتصّ وَإِلَّا فَلَا سَوَاء أجاف الْجَانِي أم لَا نعم إِن مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ بذلك قطع الْجَانِي وَإِن لم يُمكن بِلَا إجافة وَيجب الْقصاص فِي فقء عين وَفِي قطع أذن وجفن وشفة سفلى وعليا ولسان وَذكر وأنثيين وشفرين وهما بِضَم الشين الْمُعْجَمَة تنثية شفر وَهُوَ حرف الْفرج وَفِي الأليتين وهما اللحمان الناتئان بَين الظّهْر والفخذ (وَلَا قصاص فِي الجروح) فِي سَائِر الْبدن لعدم ضَبطهَا وَعدم أَمن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان طولا وعرضا (إِلَّا فِي) الْجراحَة (الْمُوَضّحَة) للعظم فِي أَي مَوضِع من الْبدن من غير كسر فَفِيهَا الْقصاص لتيسر ضَبطهَا القَوْل فِي حكم الجروح فِي الْقصاص تَتِمَّة يعْتَبر قدر الْمُوَضّحَة بالمساحة طولا وعرضا فِي قصاصها لَا بالجزئية لِأَن الرأسين مثلا قد يَخْتَلِفَانِ صغرا وكبرا وَلَا يضر تفَاوت غلظ لحم وَجلد فِي قصاصها وَلَو أوضح كل رَأس المشجوج وَرَأس الشاج أَصْغَر من رَأسه استوعبناه إيضاحا وَلَا نكتفي بِهِ وَلَا نتممه من غَيره بل نَأْخُذ قسط الْبَاقِي من أرش الْمُوَضّحَة لَو وزع على جَمِيعهَا وَإِن كَانَ رَأس الشاج أكبر من رَأس المشجوج أَخذ مِنْهُ قدر مُوضحَة رَأس المشجوج فَقَط والخيرة فِي تعْيين مَوْضِعه للجاني وَلَو أوضح نَاصِيَة من شخص وناصيته أَصْغَر من نَاصِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ تمم من بَاقِي الرَّأْس لِأَن الرَّأْس كُله عُضْو وَاحِد وَلَو زَاد الْمُقْتَص عمدا فِي مُوضحَة على حَقه لزمَه قصاص الزِّيَادَة لتعمده فَإِن كَانَ الزَّائِد خطأ أَو شبه عمد أَو عمدا وعفي عَنهُ على مَال وَجب أرش كَامِل وَلَو أوضحه جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 بتحاملهم على آلَة وَاحِدَة أوضح من كل وَاحِد مِنْهُم مُوضحَة مثلهَا كَمَا لَو اشْتَركُوا فِي قطع عُضْو فصل فِي الدِّيَة وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لِلْمَالِ الْوَاجِب بِجِنَايَة على الْحر فِي نفس أَو فِيمَا دونهَا وَذكرهَا المُصَنّف عقب الْقصاص لِأَنَّهَا بدل عَنهُ على الصَّحِيح وَالْأَصْل فِيهَا الْكِتَابِيّ وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله اي وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة طافحة بذلك وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وُجُوبهَا فِي الْجُمْلَة القَوْل فِي أَنْوَاع الدِّيَة (وَالدية) الْوَاجِبَة ابْتِدَاء أَو بَدَلا (على ضَرْبَيْنِ) الأول (مُغَلّظَة) من ثَلَاثَة أوجه أَو من وَجه وَاحِد (و) الثَّانِي (مُخَفّفَة) من ثَلَاثَة أوجه أَو من وَجْهَيْن تَنْبِيه الدِّيَة قد يعرض لَهَا مَا يغلظها وَهُوَ أحد أَسبَاب خَمْسَة كَون الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو ذِي رحم محرم وَقد يعرض لَهَا مَا ينقصها وَهُوَ أحد أَسبَاب أَرْبَعَة الْأُنُوثَة وَالرّق وَقتل الْجَنِين وَالْكفْر فَالْأول يردهَا إِلَى الشّطْر وَالثَّانِي إِلَى الْقيمَة وَالثَّالِث إِلَى الْغرَّة وَالرَّابِع إِلَى الثُّلُث أَو أقل وَكَون الثَّانِي أنقص جرى على الْغَالِب وَإِلَّا فقد تزيد الْقيمَة على الدِّيَة القَوْل فِي الدِّيَة الْمُغَلَّظَة ثمَّ شرع المُصَنّف فِي الْقسم الأول وَهِي الْمُغَلَّظَة فَقَالَ (فالمغلظة مائَة من الْإِبِل) فِي الْقَتْل الْعمد سَوَاء وَجب فِيهِ قصاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وعفي على مَال أم لَا كَقَتل الْوَالِد وَلَده (ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة) وَتقدم بيانهما فِي الزَّكَاة (وَأَرْبَعُونَ خلفة) وَهِي الَّتِي (فِي بطونها أَوْلَادهَا) لخَبر التِّرْمِذِيّ بذلك وَالْمعْنَى أَن الْأَرْبَعين حوامل وَيثبت حملهَا بقول أهل الْخِبْرَة بِالْإِبِلِ وَذَلِكَ فِي قتل الذّكر الْحر الْمُسلم المحقون الدَّم غير جَنِين انْفَصل بِجِنَايَة مَيتا وَالْقَاتِل لَهُ لَا رق فِيهِ لِأَن الله تَعَالَى أوجب فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة دِيَة وَبَينهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتاب عَمْرو بن حزم فِي قَوْله فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَنقل ابْن عبد الْبر وَغَيره فِيهِ الْإِجْمَاع وَلَا تخْتَلف الدِّيَة بالفضائل والرذائل وَإِن اخْتلفت بالأديان والذكورة وَالْأُنُوثَة بِخِلَاف الْجِنَايَة على الرَّقِيق فَإِن فِيهِ الْقيمَة الْمُخْتَلفَة أما إِذا كَانَ غير محقون الدَّم كتارك الصَّلَاة كسلا وَالزَّانِي الْمُحصن إِذا قتل كلا مِنْهُمَا مُسلم فَلَا دِيَة فِيهِ وَلَا كَفَّارَة وَإِن كَانَ الْقَاتِل رَقِيقا لغير الْمَقْتُول وَلَو مكَاتبا وَأم ولد فَالْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ من قِيمَته وَالدية وَإِن كَانَ مبعضا لزمَه لجِهَة الْحُرِّيَّة الْقدر الَّذِي يُنَاسِبهَا من نصف أَو ثلث مثلا ولجهة الرّقية أقل الْأَمريْنِ من الْقيمَة وَالدية وَهَذِه الدِّيَة مُغَلّظَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا على الْجَانِي وَحَالَة وَمن جِهَة السن والخلفة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وبالفاء وَلَا جمع لَهَا من لَفظهَا عِنْد الْجُمْهُور بل من مَعْنَاهَا وَهُوَ مَخَاض كامرأة وَنسَاء وَقَالَ الْجَوْهَرِي جمعهَا خلف بِكَسْر اللَّام وَابْن سَيّده خلفات وَفِي شبه الْعمد مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد وَهُوَ كَونهَا مُثَلّثَة القَوْل فِي الدِّيَة المخففة (والمخففة) بِسَبَب قتل الذّكر الْحر الْمُسلم (مائَة من الْإِبِل) وَهِي فِي الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة أوجه الأول وُجُوبهَا مخمسة (عشرُون حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض) وَتقدم بَيَانهَا فِي الزَّكَاة وَالثَّانِي وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة وَالثَّالِث وُجُوبهَا مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين القَوْل فِي دِيَة شبه الْعمد وَفِي شبه الْعمد مُخَفّفَة من وَجْهَيْن وهما وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة ووجوبها مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا يقبل فِي إبل الدِّيَة معيب بِمَا يثبت الرَّد فِي الْمَبِيع وَإِن كَانَت إبل من لَزِمته مَعِيبَة لِأَن الشَّرْع أطلقها فاقتضت السَّلامَة وَخَالف ذَلِك الزَّكَاة لتعلقها بِعَين المَال وَخَالف الْكَفَّارَة أَيْضا لِأَن مقصودها تَخْلِيص الرَّقَبَة من الرّقّ لتستقل فَاعْتبر فِيهَا السَّلامَة مِمَّا يُؤثر فِي الْعَمَل والاستقلال إِلَّا بِرِضا الْمُسْتَحق بذلك إِذا كَانَ أَهلا للتبرع لِأَن الْحق لَهُ فَلهُ إِسْقَاطه وَمن لَزِمته دِيَة وَله إبل فتؤخذ مِنْهَا وَلَا يُكَلف غَيرهَا لِأَنَّهَا تُؤْخَذ على سَبِيل الْمُوَاسَاة فَكَانَت مِمَّا عِنْده كَمَا تجب الزَّكَاة فِي نوع النّصاب فَإِن لم يكن لَهُ إبل فَمن غَالب إبل بَلْدَة بلدي أَو غَالب إبل قَبيلَة بدوي لِأَنَّهَا بدل متْلف فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَل الْغَالِب كَمَا فِي قيمَة الْمُتْلفَات فَإِن لم يكن فِي الْبَلدة أَو الْقَبِيلَة إبل بِصفة الْإِجْزَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 فتؤخذ من غَالب إبل أقرب بِلَاد أَو أقرب قبائل إِلَى مَوضِع الْمُؤَدِّي فَيلْزمهُ نقلهَا كَمَا فِي زَكَاة الْفطر مَا لم تبلغ مُؤنَة نقلهَا مَعَ قيمتهَا أَكثر من ثمن الْمثل ببلدة أَو قَبيلَة الْعَدَم فَإِنَّهُ لَا يجب حِينَئِذٍ نقلهَا وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَهُوَ أولى من الضَّبْط بمسافة الْقصر وَإِذا وَجب نوع من الْإِبِل لَا يعدل عَنهُ إِلَى نوع من غير ذَلِك الْوَاجِب وَلَا إِلَى قيمَة عَنهُ إِلَّا بتراض من الْمُؤَدِّي والمستحق تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف من التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فِي النَّفس يجْرِي مثله فِي الْأَطْرَاف والجروح القَوْل فِي الحكم إِذا عدمت الْإِبِل (فَإِن عدمت الْإِبِل) حسا بِأَن لم تُوجد فِي مَوضِع يجب تَحْصِيلهَا مِنْهُ أَو شرعا بِأَن وجدت فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا (انْتقل إِلَى قيمتهَا) وَقت وجوب تَسْلِيمهَا بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهَا بدل متْلف فَيرجع إِلَى قيمتهَا عِنْد إعواز أَصله وَتقوم بِنَقْد بَلَده الْغَالِب لِأَنَّهُ أقرب من غَيره وأضبط فَإِن كَانَ فِيهِ نقدان فَأكْثر لَا غَالب فيهمَا تخير الْجَانِي بَينهمَا وَهَذَا هُوَ القَوْل الْجَدِيد وَهُوَ الصَّحِيح (وَقيل) وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم (ينْتَقل) الْمُسْتَحق عِنْد عدمهَا (إِلَى) أَخذ (ألف دِينَار) من أهل الدَّنَانِير (أَو) ينْتَقل (إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم) فضَّة من أهل الدَّرَاهِم وَالْمُعْتَبر فيهمَا الْمَضْرُوب الْخَالِص (و) على الْقَدِيم (إِن غلظت) الدِّيَة وَلَو من وَجه وَاحِد (زيد عَلَيْهَا) لأجل التَّغْلِيظ (الثُّلُث) أَي قدره على أحد الْوَجْهَيْنِ المفرعين عَلَيْهِ فَفِي الدَّنَانِير ألف وثلاثمائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ دِينَارا وَثلث دِينَار وَفِي الْفضة سِتَّة عشر ألف دِرْهَم وَالْمُصَنّف فِي هَذَا تَابع لصَاحب الْمُهَذّب وَهُوَ ضَعِيف وأصحهما فِي الرَّوْضَة إِنَّه لَا يُزَاد شَيْء لِأَن التَّغْلِيظ فِي الْإِبِل إِنَّمَا ورد بِالسِّنِّ وَالصّفة لَا بِزِيَادَة الْعدَد وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم القَوْل فِي أَسبَاب تَغْلِيظ دِيَة الْخَطَأ (وتغلظ دِيَة الْخَطَأ) من وَجه وَاحِد وَهُوَ وُجُوبهَا مُثَلّثَة (فِي) أحد (ثَلَاثَة مَوَاضِع) الأول (إِذا قتل) خطأ (فِي الْحرم) أَي حرم مَكَّة فَإِنَّهَا تثلث فِيهِ لِأَن لَهُ تَأْثِيرا فِي الْأَمْن بِدَلِيل إِيجَاب جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول فِيهِ سَوَاء أَكَانَ الْقَاتِل والمقتول فِيهِ أم أُصِيب الْمَقْتُول فِيهِ وَرمى من خَارجه أم قطع السهْم فِي مروره هَوَاء الْحرم وهما بِالْحلِّ تَنْبِيه الْكَافِر لَا تغلظ دِيَته فِي الْحرم كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي لِأَنَّهُ مَمْنُوع من دُخُوله فَلَو دخله لضَرُورَة اقتضته فَهَل تغلظ أَو يُقَال هَذَا نَادِر الْأَوْجه الثَّانِي وَخرج بِالْحرم الْإِحْرَام لِأَن حرمته عارضة غير مستمرة وبمكة حرم الْمَدِينَة بِنَاء على منع الْجَزَاء بقتل صَيْده وَهُوَ الْأَصَح وَالثَّانِي مَا ذكره بقوله (أَو) قتل خطأ (فِي) بعض (الْأَشْهر الْحرم) الْأَرْبَعَة وَهِي ذُو الْقعدَة بِفَتْح الْقَاف وَذُو الْحجَّة بِكَسْر الْحَاء على الْمَشْهُور فيهمَا وسميا بذلك لقعودهم عَن الْقِتَال فِي الأول ولوقوع الْحَج فِي الثَّانِي وَالْمحرم بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة سمي بذلك لتَحْرِيم الْقِتَال فِيهِ وَقيل لتَحْرِيم الْجنَّة على إِبْلِيس حَكَاهُ صَاحب المستعذب ودخلته اللَّام دون غَيره من الشُّهُور لِأَنَّهُ أَولهَا فعرفوه كَأَنَّهُ قيل هَذَا الشَّهْر الَّذِي يكون أبدا أول السّنة وَرَجَب وَيُقَال لَهُ الْأَصَم والأصب وَهَذَا التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي عد الْأَشْهر الْحرم وَجعلهَا من سنتَيْن هُوَ الصَّوَاب كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وعدها الْكُوفِيُّونَ من سنة وَاحِدَة فَقَالُوا الْمحرم وَرَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة قَالَ ابْن دحْيَة وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا إِذا نذر صيامها أَي مرتبَة فعلى الأول يبْدَأ بِذِي الْقعدَة وعَلى الثَّانِي بالمحرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَالثَّالِث مَا ذكره بقوله (أَو قتل) خطأ محرما (ذَات رحم) أَي قريب (محرم) كالأم وَالْأُخْت لما فِي ذَلِك من قطيعة الرَّحِم وَخرج بِمحرم ذَات رحم صُورَتَانِ الأولى مَا إِذا انْفَرَدت الْمَحْرَمِيَّة عَن الرَّحِم كَمَا فِي الْمُصَاهَرَة وَالرّضَاع فَلَا يغلظ بهَا الْقَتْل قطعا الثَّانِيَة أَن تنفرد الرحمية عَن الْمَحْرَمِيَّة كأولاد الْأَعْمَام والأخوال فَلَا تغلظ فيهم على الْأَصَح عِنْد الشَّيْخَيْنِ لما بَينهمَا من التَّفَاوُت فِي الْقَرَابَة تَنْبِيه يدْخل التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فِي دِيَة الْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَنَحْوه مِمَّن لَهُ عصمَة وَفِي قطع الطّرف وَفِي دِيَة الْجرْح بِالنِّسْبَةِ لدية النَّفس وَلَا يدْخل قيمَة العَبْد تَغْلِيظ وَلَا تَخْفيف بل الْوَاجِب قِيمَته يَوْم التّلف على قِيَاس سَائِر المتقومات وَلَا تَغْلِيظ فِي قتل الْجَنِين بِالْحرم كَمَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقهم وَصرح بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَإِن كَانَ مُقْتَضى النَّص خِلَافه وَلَا تَغْلِيظ فِي الحكومات كَمَا نَقله الزَّرْكَشِيّ عَن تَصْرِيح الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ خِلَافه وَتَقْيِيد المُصَنّف الْقَتْل بالْخَطَأ إِشَارَة إِلَى أَن التَّغْلِيظ إِنَّمَا يظْهر فِيهِ أما إِذا كَانَ عمدا أَو شبه عمد فَلَا يتضاعف بالتغليظ وَلَا خلاف فِيهِ كَمَا قَالَه العمراني لِأَن الشَّيْء إِذا انْتهى نهايته فِي التَّغْلِيظ لَا يقبل التَّغْلِيظ كالإيمان فِي الْقسَامَة وَنَظِيره المكبر لَا يكبر كَعَدم التَّثْلِيث فِي غسلات الْكَلْب قَالَه الدَّمِيرِيّ وَالزَّرْكَشِيّ القَوْل فِي تَخْفيف الدِّيَة وأسبابه وَلما فرغ من مغلظات الدِّيَة شرع فِي منقصاتها فَمِنْهَا الْأُنُوثَة كَمَا قَالَه (ودية الْمَرْأَة) الْحرَّة سَوَاء أقتلها رجل أم امْرَأَة (على النّصْف من دِيَة الرجل) الْحر مِمَّن هِيَ على دينه نفسا أَو جرحا لما روى الْبَيْهَقِيّ خبر دِيَة الْمَرْأَة نصف دِيَة الرجل وَألْحق بِنَفسِهَا جرحها وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ هُنَا فِي جَمِيع أَحْكَامهَا لِأَن زِيَادَته عَلَيْهَا مَشْكُوك فِيهَا فَفِي قتل الْمَرْأَة أَو الْخُنْثَى خطأ عشر بَنَات مَخَاض وَعشر بَنَات لبون وَهَكَذَا وَفِي قَتلهَا عمدا أَو شبه عمد خمس عشرَة حقة وَخمْس عشرَة جَذَعَة وَعِشْرُونَ خلفة القَوْل فِي دِيَة الْكتاب وَغَيره (ودية) كل من (الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ) والمعاهد والمستأمن إِذا كَانَ مَعْصُوما تحل مناكحته (ثلث دِيَة) الْحر (الْمُسلم) نفسا وَغَيرهَا أما فِي النَّفس فَروِيَ مَرْفُوعا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم قضى بذلك عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَهَذَا التَّقْدِير لَا يفعل بِلَا تَوْقِيف فَفِي قَتله عمدا أَو شبه عمد عشر حقاق وَعشر جذعات وَثَلَاث عشرَة خلفة وَثلث وَفِي قَتله خطأ لم يغلظ سِتَّة وَثُلُثَانِ من بَنَات الْمَخَاض وَبَنَات اللَّبُون وَبني اللَّبُون والحقاق والجذاع فمجموع ذَلِك ثَلَاث وَثَلَاثُونَ وَثلث وَقَالَ أَبُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 حنيفَة دِيَة مُسلم وَقَالَ مَالك نصفهَا وَقَالَ أَحْمد إِن قتل عمدا فديَة مُسلم أَو خطأ فنصفها أما غير الْمَعْصُوم من الْمُرْتَدين وَمن لَا أَمَان لَهُ فَإِنَّهُ مقتول بِكُل حَال وَأما من لَا تحل مناكحته فَهُوَ كالمجوسي وَأما الْأَطْرَاف والجراح فبالقياس على النَّفس تَنْبِيه السامرة كاليهود والصابئة كالنصارى إِن لم يكفرهم أهل ملتهم وَإِلَّا فكمن لَا كتاب لَهُ القَوْل فِي دِيَة الْمَجُوس (ودية الْمَجُوسِيّ) الَّذِي لَهُ أَمَان أخس الدِّيات وَهِي (ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم) كَمَا قَالَه بِهِ عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم فَفِيهِ عِنْد التَّغْلِيظ حقتان وجذعتان وخلفتان وَثلثا خلفة وَعند التَّخْفِيف بعير وَثلث من كل سنّ فمجموع ذَلِك سِتّ وَثُلُثَانِ وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن فِي الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ خمس فَضَائِل وَهِي حُصُول كتاب وَدين كَانَ حَقًا بِالْإِجْمَاع وَتحل مناكحتهم وذبائحهم ويقرون بالجزية وَلَيْسَ للمجوسي من هَذِه الْخَمْسَة إِلَّا التَّقْرِير بالجزية فَكَانَت دِيَته على الْخمس من دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ تَنْبِيه قَوْله ثلثا عشر أولى مِنْهُ ثلث خمس لِأَن فِي الثُّلثَيْنِ تكريرا وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافق لتصويب أهل الْحساب لَهُ بِكَوْنِهِ أخصر وَكَذَا وَثني وَنَحْوه كعابد شمس وقمر وزنديق وَهُوَ من لَا ينتحل دينا مِمَّن لَهُ أَمَان كدخوله لنا رَسُولا أما من لَا أَمَان لَهُ فمهدر القَوْل فِي دِيَة الْمُتَوَلد بَين كتابي ووثني وَسكت المُصَنّف عَن دِيَة المتوليد بَين كتابي ووثني مثلا وَهِي كدية الْكِتَابِيّ اعْتِبَارا بالأشرف سَوَاء كَانَ أَبَا أم أما لِأَن الْمُتَوَلد يتبع أشرف الْأَبَوَيْنِ دينا وَالضَّمان يغلب فِيهِ جَانب التَّغْلِيظ وَيحرم قتل من لَهُ أَمَان لأمانه ودية النِّسَاء وخناثى مِمَّن ذكر على النّصْف من دِيَة رِجَالهمْ وَلَو أخر المُصَنّف ذكر الْمَرْأَة إِلَى هُنَا وَذكر مَعهَا الْخُنْثَى لشمل الْجَمِيع ويراعى فِي ذَلِك التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف وَمن لم تبلغه دَعْوَة الْإِسْلَام إِن تمسك بدين لم يُبدل فديَة أهل دينه دِيَته وَإِلَّا فكدية مَجُوسِيّ وَلَا يجوز قتل من لم تبلغه الدعْوَة ويقتص لمن أسلم بدار الْحَرْب وَلم يُهَاجر مِنْهَا بعد إِسْلَامه وَإِن تمكن القَوْل فِي دِيَة الْأَطْرَاف وَلما بَين المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى دِيَة النَّفس شرع فِي بَيَان مَا دونهَا وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام إبانة طرف وَإِزَالَة مَنْفَعَة وجرح مخلا بترتيبها كَمَا ستعرفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى مبتدئا بِالْأَمر الأول بقوله (وتكمل دِيَة النَّفس) أَي دِيَة نفس صَاحب ذَلِك الْعُضْو من ذكر أَو غَيره تَغْلِيظًا أَو تَخْفِيفًا (فِي) إبانة (الْيَدَيْنِ) الأصليتين لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 تَنْبِيه المُرَاد بِالْيَدِ الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع الْخمس هَذَا إِن قطع الْيَد من مفصل كف وَهُوَ الْكُوع فَإِن قطع فَوق الْكَفّ وَجب مَعَ دِيَة الْكَفّ حُكُومَة لِأَن مَا فَوق الْكَفّ لَيْسَ بتابع بِخِلَاف الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع فَإِنَّهُمَا كالعضو الْوَاحِد بِدَلِيل قطعهمَا فِي السّرقَة بقوله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى النَّص بالوارد فِي كتاب عَمْرو بن حزم الَّذِي كتبه لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الرجلَيْن) الأصليتين إِذا قطعتا من الْكَعْبَيْنِ لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك والكعب كَالْكَفِّ والساق كالساعد والفخذ كالعضد والأعرج كالسليم لِأَن الْعَيْب لَيْسَ فِي نفس الْعُضْو وَإِنَّمَا العرج نقص فِي الْفَخْذ وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا لما مر وَفِي كل أصْبع أَصْلِيَّة من يَد أَو رجل عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لذكر حر مُسلم عشرَة أَبْعِرَة كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم أما الْأصْبع الزَّائِد أَو الْيَد الزَّائِدَة أَو الرجل الزَّائِدَة فَفِيهَا حُكُومَة وَفِي كل أُنْمُلَة من أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ من غير إِبْهَام ثلث الْعشْر لِأَن كل أصْبع لَهُ ثَلَاث أنامل إِلَّا الْإِبْهَام فَلهُ أنملتان فَفِي أنملته نصفهَا عملا بقسط وَاجِب الْأصْبع (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة مارن (الْأنف) وَهُوَ مَا لَان من الْأنف وخلا من الْعظم لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك وَلِأَن فِيهِ جمالا وَمَنْفَعَة وَهُوَ مُشْتَمل على الطَّرفَيْنِ المسميان بالمنخرين وعَلى الحاجز بَينهمَا وتندرج حُكُومَة قصبته فِي دِيَته كَمَا رَجحه فِي أصل الرَّوْضَة وَلَا فرق بَين الأخشم وَغَيره وَفِي كل من طَرفَيْهِ والحاجز ثلث توزيعا للدية عَلَيْهَا (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الْأُذُنَيْنِ) من أَصلهمَا بِغَيْر إِيضَاح سَوَاء أَكَانَ سميعا أم أَصمّ لخَبر عَمْرو بن حزم فِي الْأذن خَمْسُونَ من الْإِبِل رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلِأَنَّهُمَا عضوان فيهمَا جمال وَمَنْفَعَة فَوَجَبَ أَن تكمل فيهمَا الدِّيَة فَإِن حصل بِالْجِنَايَةِ إِيضَاح وَجب مَعَ الدِّيَة أرش وَفِي بعض الْأذن بِقسْطِهِ وَيقدر بالمساحة وَلَو أيبسهما بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَو حركتا لم تتحركا فديَة كَمَا لَو ضرب يَده فشلت وَلَو قطع أذنين يابستين بِجِنَايَة أَو غَيرهَا فَحُكُومَة (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الْعَينَيْنِ) لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَلِأَنَّهُمَا من أعظم الْجَوَارِح نفعا فكانتا أولى بِإِيجَاب الدِّيَة وَفِي كل عين نصفهَا وَلَو عين أَحول وَهُوَ من فِي عَيْنَيْهِ خلل دون بَصَره وَعين أعمش وَهُوَ من يسيل دمعه غَالِبا مَعَ ضعف رُؤْيَته وَعين أَعور وَهُوَ ذَاهِب حس إِحْدَى الْعَينَيْنِ مَعَ بَقَاء بَصَره وَعين أخفش وَهُوَ صَغِير الْعين المبصرة وَعين أعشى وَهُوَ من لَا يبصر لَيْلًا وَعين أَجْهَر وَهُوَ من لَا يبصر فِي الشَّمْس لِأَن الْمَنْفَعَة بَاقِيَة بأعين من ذكر وَمِقْدَار الْمَنْفَعَة لَا ينظر إِلَيْهِ وَكَذَا من بِعَيْنِه بَيَاض علا بياضها أَو سوادها أَو ناظرها وَهُوَ رَقِيق لَا ينقص الضَّوْء الَّذِي فِيهَا يجب فِي قلعهَا نصف دِيَة لما مر فَإِن نقص الضَّوْء وَأمكن ضبط النَّقْص فقسط مَا نقص يسْقط من الدِّيَة فَإِن لم يَنْضَبِط النَّقْص وَجَبت حكومته (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الجفون الْأَرْبَعَة) وَفِي كل جفن بِفَتْح جيمه وَكسرهَا وَهُوَ غطاء الْعين ربع دِيَة سَوَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 الْأَعْلَى أَو الْأَسْفَل وَلَو كَانَت لأعمى وَبلا هدب لِأَن فِيهَا جمالا وَمَنْفَعَة وَقد اخْتصّت عَن غَيرهَا من الْأَعْضَاء بِكَوْنِهَا ربَاعِية وَتدْخل حُكُومَة الْأَهْدَاب فِي دِيَة الأجفان بِخِلَاف مَا لَو انْفَرَدت الْأَهْدَاب فَإِن فِيهَا حُكُومَة إِذا فسد منبتها كَسَائِر الشُّعُور لِأَن الْفَائِت بقعطها الزِّينَة وَالْجمال دون الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة وَإِلَّا فالتعزير وَفِي قطع الجفن المستحشف حُكُومَة وَفِي إحشاف الجفن الصَّحِيح ربع دِيَة وَفِي بعض الجفن الْوَاحِد قسطه من الرّبع فَإِن قطع بعضه فتقلص بَاقِيه فقضية كَلَام الرَّافِعِيّ عدم تَكْمِيل الدِّيَة (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (اللِّسَان) لناطق سليم الذَّوْق وَلَو كَانَ اللِّسَان لألكن وَهُوَ من فِي لِسَانه لكنة أَي عجمة وَلَو لِسَان أرت بمثناة أَو ألثغ بمثلثة وَسبق تفسيرهما فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَلَو لِسَان طِفْل وَإِن لم ينْطق كل ذَلِك لإِطْلَاق حَدِيث عَمْرو بن حزم وَفِي اللِّسَان الدِّيَة صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَلِأَن فِيهِ جمالا وَمَنْفَعَة يتَمَيَّز بِهِ الْإِنْسَان عَن الْبَهَائِم فِي الْبَيَان والعبارة عَمَّا فِي الضَّمِير وَفِيه ثَلَاث مَنَافِع الْكَلَام والذوق والاعتماد فِي أكل الطَّعَام وإدارته فِي اللهوات حَتَّى يستكمل طحنه بالأضراس نعم لَو بلغ الطِّفْل أَوَان النُّطْق والتحريك وَلم يوجدا مِنْهُ فَفِيهِ حُكُومَة لَا دِيَة لإشعار الْحَال بعجزه وَإِن لم يبلغ أَوَان النُّطْق فديَة أخذا بِظَاهِر السَّلامَة كَمَا تجب الدِّيَة فِي يَده وَرجله وَإِن لم يكن فِي الْحَال بَطش وَلَا مشي وَخرج بِقَيْد النَّاطِق الْأَخْرَس فَالْوَاجِب فِيهِ حُكُومَة وَلَو كَانَ خرسه عارضا كَمَا فِي قطع الْيَد الشلاء وبسليم الذَّوْق وعديمه فَجزم الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْمُهَذّب بِأَن فِيهِ حُكُومَة كالأخرس قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهَذَا بِنَاء على الْمَشْهُور أَن الذَّوْق فِي اللِّسَان وَقد ينازعه قَول الْبَغَوِيّ وَغَيره إِذا قطع لِسَانه فَذهب ذوقه لزمَه ديتان اه وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لقَوْل الرَّافِعِيّ إِذا قطع لِسَان أخرس فَذهب ذوقه وَجَبت الدِّيَة للذوق وَهَذَا يعلم من قَوْلهم إِن فِي الذَّوْق الدِّيَة وَإِن لم يقطع اللِّسَان (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الشفتين) لوروده فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم وَفِي الشفتين الدِّيَة وَفِي كل شفة وَهِي فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين وَفِي طوله مَا يستر اللثة كَمَا قَالَه فِي الْمُحَرر وَنصف الدِّيَة عليا أَو سفلى رقت أَو غلظت صغرت أَو كَبرت والإشلال كالقطع وَفِي شقها بِلَا إبانة حُكُومَة وَلَو قطع شفة مشقوقة وَجَبت دِيَتهَا إِلَّا حُكُومَة الشق وَإِن قطع بعضهما فتقلص البعضان الباقيان وبقيا كمقطوع الْجَمِيع وزعت الدِّيَة على الْمَقْطُوع وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَص الْأُم وَهل يسْقط مَعَ قطعهمَا حُكُومَة الشَّارِب أَو لَا وَجْهَان أظهرهمَا الأول كَمَا فِي الْأَهْدَاب مَعَ الأجفان وَيجب فِي كل لحي نصف دِيَة وَهُوَ بِفَتْح لامه وَكسرهَا وَاحِد اللحيين بِالْفَتْح وهما العظمان اللَّذَان تنْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان السُّفْلى وملتقاهما الذقن أما الْعليا فمنبتها عظم الرَّأْس وَلَا يدْخل أرش الْأَسْنَان فِي دِيَة فك اللحيين لِأَن كلا مِنْهُمَا مُسْتَقل بِرَأْسِهِ وَله بدل مُقَدّر وَاسم يَخُصُّهُ فَلَا يدْخل أَحدهمَا فِي الآخر كالأسنان وَاللِّسَان القَوْل فِي إِزَالَة الْمَنَافِع وديته ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ إِزَالَة الْمَنَافِع فَقَالَ (و) تكمل دِيَة النَّفس (فِي ذهَاب الْكَلَام) فِي الْجِنَايَة على اللِّسَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 لخَبر الْبَيْهَقِيّ فِي اللِّسَان الدِّيَة إِن منع الْكَلَام وَقَالَ ابْن أسلم مَضَت السّنة بذلك وَلِأَن اللِّسَان عُضْو مَضْمُون بِالدِّيَةِ فَكَذَا منفعَته الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرجل وَإِنَّمَا تُؤْخَذ الدِّيَة إِذا قَالَ أهل الْخِبْرَة لَا يعود كَلَامه فَإِن أخذت ثمَّ عَاد استردت وَلَو ادّعى زَوَال نطقه امتحن بِأَن يروع فِي أَوْقَات الخلوات وَينظر هَل يصدر مِنْهُ مَا يعرف بِهِ كذبه فَإِن لم يظْهر مِنْهُ شَيْء حلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ كَمَا يحلف الْأَخْرَس هَذَا فِي إبِْطَال نطقه بِكُل الْحُرُوف وَأما فِي إبِْطَال بعض الْحُرُوف فَيعْتَبر قسطه من الدِّيَة هَذَا إِذا بَقِي لَهُ كَلَام مَفْهُوم وَإِلَّا فَعَلَيهِ كَمَال الدِّيَة كَمَا جزم بِهِ صَاحب الْأَنْوَار اه والحروف الَّتِي توزع عَلَيْهَا الدِّيَة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي لُغَة الْعَرَب بِحَذْف كلمة لَا لِأَنَّهَا لَام وَألف وهما معدودتان فَفِي إبِْطَال نصف الْحُرُوف نصف الدِّيَة وَفِي إبِْطَال حرف مِنْهَا ربع سبعها وَخرج بلغَة الْعَرَب غَيرهَا فتوزع عَلَيْهَا وَإِن كَانَت أَكثر حروفا وَقد انْفَرَدت لُغَة الْعَرَب بِحرف الضَّاد فَلَا يُوجد فِي غَيرهَا وَفِي اللُّغَات حُرُوف لَيست فِي لُغَة الْعَرَب كالحرف الْمُتَوَلد بَين الْجِيم والشين وحروف اللُّغَات مُخْتَلفَة بَعْضهَا أحد عشر وَبَعضهَا أحد وَثَلَاثُونَ وَلَا فرق فِي توزيع الدِّيَة على الْحُرُوف بَين اللسانية وَغَيرهَا كالحروف الحلقية وَلَو عجز الْمَجْنِي على لِسَانه عَن بعض الْحُرُوف خلقَة كأرت وألثغ أَو بِآفَة سَمَاوِيَّة فديَة كَامِلَة فِي إبِْطَال كَلَام كل مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِق وَله كَلَام مَفْهُوم إِلَّا أَن فِي نطقه ضعفا وَضعف مَنْفَعَة الْعُضْو لَا يقْدَح فِي كَمَال الدِّيَة كضعف الْبَطْش وَالْبَصَر فعلى هَذَا لَو أبطل بِالْجِنَايَةِ بعض الْحُرُوف فالتوزيع على مَا يُحسنهُ لَا على جَمِيع الْحُرُوف (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الْبَصَر) من الْعَينَيْنِ لخَبر معَاذ بن جبل فِي الْبَصَر الدِّيَة وَهُوَ غَرِيب وَلِأَن منفعَته النّظر وَفِي ذهَاب بصر كل عين نصفهَا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة حادة أَو كالة صَحِيحَة أَو عليلة عمشاء أَو حولاء من شيخ أَو طِفْل حَيْثُ الْبَصَر السَّلِيم فَلَو قلعهَا لم يزدْ على نصف الدِّيَة كَمَا لَو قطع يَده وَلَو ادّعى الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَال الضَّوْء وَأنكر الْجَانِي سُئِلَ عَدْلَانِ من أهل الْخِبْرَة أَو رجل وَامْرَأَتَانِ إِن كَانَ خطأ أَو شبه عمد فَإِنَّهُم إِذا واوفقوا الشَّخْص فِي مُقَابلَة عين الشَّمْس ونظروا فِي عينه عرفُوا أَن الضَّوْء ذَاهِب أَو مَوْجُود فَإِن لم يُوجد مَا ذكر من أهل الْخِبْرَة امتحن الْمَجْنِي عَلَيْهِ بتقريب عقرب أَو حَدِيدَة محماة أَو نَحْو ذَلِك من عينه بَغْتَة وَنظر هَل ينزعج أَو لَا فَإِن انزعج صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فالمجني عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَإِن نقص ضوء الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن عرف قدر النَّقْص بِأَن كَانَ يرى الشَّخْص من مَسَافَة فَصَارَ لَا يرَاهُ إِلَّا من نصفهَا مثلا فقسطه من الدِّيَة وَإِلَّا فَحُكُومَة (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب السّمع) لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَفِي السّمع الدِّيَة وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَلِأَنَّهُ من أشرف الْحَواس فَكَانَ كالبصر بل هُوَ أشرف مِنْهُ عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء لِأَن بِهِ يدْرك الْفَهم وَيدْرك من الْجِهَات السِّت وَفِي النُّور والظملة وَلَا يدْرك بالبصر إِلَّا من جِهَة الْمُقَابلَة وبواسطة من ضِيَاء أَو شُعَاع وَقَالَ أَكثر الْمُتَكَلِّمين بتفضيل الْبَصَر عَلَيْهِ لِأَن السّمع لَا يدْرك بِهِ إِلَّا الْأَصْوَات وَالْبَصَر يدْرك بِهِ الأجساد والألوان والهيئات فَلَمَّا كَانَ تعلقاته أَكثر كَانَ أشرف وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر تَنْبِيه لَا بُد فِي وجوب الدِّيَة من تحقق زَوَاله فَلَو قَالَ أهل الْخِبْرَة يعود وقدروا لَهُ مُدَّة لَا يستبعد أَن يعِيش إِلَيْهَا انْتظر فَإِن استبعد ذَلِك أَو لم يقدروا لَهُ مُدَّة أخذت الدِّيَة فِي الْحَال وَفِي إِزَالَته من أذن نصفهَا لَا لتَعَدد السّمع فَإِنَّهُ وَاحِد وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي منفذه بِخِلَاف ضوء الْبَصَر إِذْ تِلْكَ اللطيفة مُتعَدِّدَة ومحلها الحدقة بل لِأَن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب مِنْهُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مَا نَص عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 فِي الْأُم وَلَو ادّعى الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَاله من أُذُنَيْهِ وَكذبه الْجَانِي وانزعج بالصياح فِي نوم أَو غَفلَة فكاذب لِأَن ذَلِك يدل على التصنع وَإِن لم ينزعج بالصياح وَنَحْوه فصادق فِي دَعْوَاهُ وَحلف حِينَئِذٍ لاحْتِمَال تجلده وَأخذ الدِّيَة وَإِن نقص سَمعه فقسطه من الدِّيَة إِن عرف وَإِلَّا فَحُكُومَة بِاجْتِهَاد قَاض (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الشم) من المنخرين كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم وَهُوَ غَرِيب وَلِأَنَّهُ من الْحَواس النافعة فكملت فِيهِ الدِّيَة كالسمع وَفِي إِزَالَة شم كل منخر نصف الدِّيَة وَلَو نفض الشم وَجب بِقسْطِهِ من الدِّيَة إِن أمكن مَعْرفَته وَإِلَّا فَحُكُومَة تَنْبِيه لَو أنكر الْجَانِي زَوَاله امتحن الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي غفلاته بالروائح الحادة فَإِن هش للطيب وَعَبس لغيره حلف الْجَانِي لظُهُور كذب الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَإِلَّا حلف هُوَ لظُهُور صدقه مَعَ أَنه لَا يعرف إِلَّا مِنْهُ (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الْعقل) إِن لم يرج عوده بقول أهل الْخِبْرَة فِي مُدَّة يظنّ أَنه يعِيش إِلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أجمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم على ذَلِك لِأَنَّهُ أشرف الْمعَانِي وَبِه يتَمَيَّز الْإِنْسَان عَن الْبَهِيمَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره وَالْمرَاد الْعقل الغريزي الَّذِي بِهِ التَّكْلِيف دون المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَفِيهِ حُكُومَة فَإِن رجى عوده فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة انْتظر فَإِن عَاد فَلَا ضَمَان تَنْبِيه اقْتِصَار المُصَنّف على الدِّيَة يَقْتَضِي عدم وجوب الْقصاص فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَب للِاخْتِلَاف فِي مَحَله فَقيل الْقلب وَقيل الدِّمَاغ وَقيل مُشْتَرك بَينهمَا وَالْأَكْثَرُونَ على الأول وَقيل مَسْكَنه الدِّمَاغ وتدبيره فِي الْقلب وَسمي عقلا لِأَنَّهُ يعقل صَاحبه عَن التورط فِي المهالك وَلَا يُزَاد شَيْء على دِيَة الْعقل إِن زَالَ بِمَا لَا أرش لَهُ فَإِن زَالَ بِجرح لَهُ أرش مُقَدّر كالموضحة أَو حُكُومَة وَجَبت الدِّيَة وَالْأَرْش أَو هِيَ والحكومة وَلَا ينْدَرج ذَلِك فِي دِيَة الْعقل لِأَنَّهَا جِنَايَة أبطلت مَنْفَعَة غير حَالَة فِي مَحل الْجِنَايَة فَكَانَت كَمَا انْفَرَدت الْجِنَايَة عَن زَوَال الْعقل وَلَو ادّعى ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَال الْعقل وَأنكر الْجَانِي فَإِن لم يَنْتَظِم قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَفعله فِي خلواته فَلهُ دِيَة بِلَا يَمِين لِأَن يَمِينه تثبت جُنُونه وَالْمَجْنُون لَا يحلف وَهَذَا فِي الْجُنُون المطبق أما المتقطع فَإِنَّهُ يحلف فِي زمن إِفَاقَته فَإِن انتظم قَوْله وَفعله حلف الْجَانِي لاحْتِمَال صُدُور المنتظم اتِّفَاقًا أَو جَريا على الْعَادة وَخرج بالغريزي الْعقل المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَتجب فِيهِ الْحُكُومَة فَقَط كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (الذّكر) السَّلِيم لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك وَلَو كَانَ لصغير وَشَيخ وعنين وَخصي لإِطْلَاق الْخَبَر الْمَذْكُور وَلِأَن ذكر الْخصي سليم وَهُوَ قَادر على الْإِيلَاج وَإِنَّمَا الْفَائِت الإيلاد والعنة عيب فِي غير الذّكر لِأَن الشَّهْوَة فِي الْقلب والمني فِي الصلب وَلَيْسَ الذّكر بِمحل لوَاحِد مِنْهُمَا فَكَانَ سليما من الْعَيْب بِخِلَاف الأشل وَحكم الْحَشَفَة حكم الذّكر لِأَن مَا عَداهَا من الذّكر كالتابع لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع لِأَن أَحْكَام الْوَطْء تَدور عَلَيْهَا وَبَعضهَا بِقسْطِهِ مِنْهَا لِأَن الدِّيَة تكمل بقطعها كَمَا مر فقسطت على أبعاضها (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (الْأُنْثَيَيْنِ) لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك وَلِأَنَّهُمَا من تَمام الْخلقَة وَمحل التناسل وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا سَوَاء الْيُمْنَى واليسرى وَلَو من عنين ومجبوب وطفل وَغَيرهم تَنْبِيه المُرَاد بالأنثيين البيضتان كَمَا صرح بهما فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن حزم وَأما الخصيتان فالجلدتان اللَّتَان فيهمَا البيضتان (و) يجب فِي (الْمُوَضّحَة) أَي مُوضحَة الرَّأْس وَلَو للعظم الناتىء خلف الْأذن أَو الْوَجْه وَإِن صغرت وَلَو لما تَحت الْمقبل من الجبين نصف عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لحر مُسلم غير جَنِين (خمس من الْإِبِل) لما روى التِّرْمِذِيّ وَحسنه فِي الْمُوَضّحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 خمس من الْإِبِل فتراعى هَذِه النِّسْبَة فِي حق غَيره من الْمَرْأَة والكتابي وَغَيرهمَا وَخرج بِقَيْد الرَّأْس وَالْوَجْه مَا عداهما كالساق والعضد فَإِن فيهمَا الْحُكُومَة وبقيد الْحر الرَّقِيق فَفِيهِ نصف عشر قِيمَته وبقيد الْمُسلم الْكِتَابِيّ فَفِي موضحته بعير وَثُلُثَانِ والمجوسي وَنَحْوه فَفِي موضحته ثلث بعير وَلَا يخْتَلف أرش مُوضحَة بكبرها وَلَا بصغرها لَا تبَاع الِاسْم كالأطراف وَلَا لكَونهَا بارزة أَو مستورة بالشعر وَيجب فِي هاشمة مَعَ إِيضَاح عشرَة أَبْعِرَة وَهِي عشر دِيَة الْكَامِل بِالْحُرِّيَّةِ وَغَيرهَا لما رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوجب فِي الهاشمة عشرا من الْإِبِل وَيجب فِي هاشمة دون إِيضَاح خَمْسَة أَبْعِرَة وَيجب فِي منقلة مَعَ إِيضَاح وهشم خَمْسَة عشر بَعِيرًا كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) يجب (فِي) قلع (السن) الْأَصْلِيَّة التَّامَّة المثغورة غير القلقلة صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة بَيْضَاء أَو سَوْدَاء نصف عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لذكر حر مُسلم (خمس من الْإِبِل) لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك فَقَوله خمس من الْإِبِل رَاجع لكل من الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تقرر وَلَا فرق بَين الثَّنية والناب والضرس وَإِن انْفَرد كل مِنْهَا باسم كالسبابة وَالْوُسْطَى والخنصر فِي الْأَصَابِع وفيهَا لأنثى حرَّة مسلمة بعيران وَنصف ولذمي بعير وَثُلُثَانِ ولمجوسي ثلث بعير ولرقيق نصف عشر قِيمَته تَنْبِيه يسْتَثْنى من إِطْلَاقه صُورَتَانِ الأولى لَو انْتهى صغر السن إِلَّا أَن لَا تصلح للمضغ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْحُكُومَة الثَّانِيَة أَن الْغَالِب طول الثنايا على الرعيات فَلَو كَانَت مثلهَا أَو أقصر فقضية كَلَام الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَن الْأَصَح أَنه لَا يجب الْخمس بل ينقص مِنْهَا بِحَسب نقصانها وَلَا فرق فِي وجوب دِيَة السن بَين أَن يقلعها من السنخ وَهُوَ بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وإعجام الْخَاء أَصْلهَا الْمُسْتَتر بِاللَّحْمِ أَو بِكَسْر الظَّاهِر مِنْهَا دونه لِأَن السنخ تَابع فَأشبه الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع وَلَو أذهب مَنْفَعَة السن وَهِي بَاقِيَة على حَالهَا وَجَبت دِيَتهَا وَخرج بِقَيْد الْأَصْلِيَّة الزَّائِدَة وَهِي الشاغبة الْخَارِجَة عَن سمت الْأَسْنَان الْأَصْلِيَّة لمُخَالفَة نباتها لَهَا فَفِيهَا حُكُومَة كالأصبع الزَّائِدَة وبقيد التَّامَّة مَا لَو كسر بعض الظَّاهِر مِنْهَا فَفِيهِ قسطه من الْإِرْث وينسب المكسور إِلَى مَا بق من الظَّاهِر دون السنخ على الْمَذْهَب وبقيد المثغورة مَا لَو قلع سنّ صَغِير أَو كَبِير لم يثغر نظر إِن بَان فَسَاد المنبت فكالمثغورة وَإِن لم يتَبَيَّن الْحَال حَتَّى مَاتَ فَفِيهَا الْحُكُومَة وبقيد غير المقلقلة فَإِن بطلت مَنْفَعَتهَا فَفِيهَا الْحُكُومَة وحركة السن لكبر أَو مرض إِن قلت بِحَيْثُ لَا تُؤدِّي المقلقلة إِلَى نقص فِي مَنْفَعَتهَا من مضغ وَغَيره فكصحيحة حكمهَا لبَقَاء الْجمال وَالْمَنْفَعَة (و) يجب (فِي كل عُضْو لَا مَنْفَعَة فِيهِ) كَالْيَدِ الشلاء وَالذكر الأشل وَنَحْو ذَلِك كالأصبع الأشل (حُكُومَة) وَكَذَا فِي كسر الْعِظَام لِأَن الشَّرْع لم ينص عَلَيْهِ وَلم يُبينهُ فَوَجَبَ فِيهِ حُكُومَة وَكَذَا يجب فِي تعويج الرَّقَبَة وَالْوَجْه وتسويده وَفِي حلمتي الرجل وَالْخُنْثَى وَأما حلمتا الْمَرْأَة ففيهما دِيَة لِأَن مَنْفَعَة الْإِرْضَاع وجمال الثدي بهما كمنفعة الْيَدَيْنِ وجمالهما بالأصابع وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا والحلمة كَمَا فِي الْمُحَرر الْمُجْتَمع الناتىء على رَأس الثدي تَنْبِيه لَو ضرب ثدي امْرَأَة فشل بِفَتْح الشين وَجَبت دِيَته وَإِن استرسل فَحُكُومَة لِأَن الْفَائِت مُجَرّد جمال وَإِن ضرب ثدي خُنْثَى فاسترسل لم يجب فِيهِ حُكُومَة حَتَّى يتَبَيَّن كَونه امْرَأَة لاحْتِمَال كَونه رجلا فَلَا يلْحقهُ نقص بالاسترسال وَلَا يفوتهُ جمال فَإِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 تبين أَنه امْرَأَة وَجَبت الْحُكُومَة وَهِي جُزْء من الدِّيَة نسبته إِلَى دِيَة النَّفس نِسْبَة نقص الْجِنَايَة من قيمَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَو كَانَ رَقِيقا بصفاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِثَاله جرح يَده فَيُقَال كم قيمَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ بصفاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْر جِنَايَة لَو كَانَ رَقِيقا فَإِذا قيل مائَة فَيُقَال كم قِيمَته بعد الْجِنَايَة فَإِذا قيل تسعون فالتفاوت الْعشْر فَيجب عشر دِيَة النَّفس وَهِي عشر من الْإِبِل إِذا كَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ حرا ذكرا مُسلما لِأَن الْجُمْلَة مَضْمُونَة بِالدِّيَةِ فتضمن الْأَجْزَاء بِجُزْء مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيره من عيب الْمَبِيع تَنْبِيه تقدم أَن المُصَنّف أخل بترتيب صور الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ قبل فَرَاغه من الأول أَعنِي إبانة الْأَطْرَاف ذكر الثَّانِي أَعنِي الْمَنَافِع ثمَّ عَاد إِلَى الأول ثمَّ ذكر الثَّالِث أَعنِي الْجِرَاحَات ثمَّ ختم بِالسِّنِّ الَّذِي هُوَ من جملَة صور الأول وَكَانَ حق التَّرْتِيب الوضعي ذكر الأول على نسق إِلَّا أَن الْأَمر فِيهِ سهل ثمَّ إِنَّه اقْتصر فِي الأول على إِيرَاد إِحْدَى عشرَة صُورَة وَأهل من صوره سِتَّة وَفِي الثَّانِي على خَمْسَة وأهمل من صوره تِسْعَة كَمَا أوضحته كُله فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره القَوْل فِي دِيَة العَبْد (ودية العَبْد) أَي وَالْجِنَايَة على نفس الرَّقِيق الْمَعْصُوم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو أم ولد (قِيمَته) بَالِغَة مَا بلغت سَوَاء أَكَانَت الْجِنَايَة عمدا أم خطأ وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر كَسَائِر الْأَمْوَال المتلفة وَلَو عبر بِالْقيمَةِ بدل الدِّيَة لَكَانَ أولى فَيَقُول وَفِي العَبْد قِيمَته لما سبق فِي تَعْرِيف الدِّيَة أول الْفَصْل وَلَا يدْخل فِي قِيمَته التَّغْلِيظ أما الْمُرْتَد فَلَا ضَمَان فِي إِتْلَافه قَالَ فِي الْبَيَان وَلَيْسَ لنا شَيْء يَصح بَيْعه وَلَا يجب فِي إِتْلَافه شَيْء سواهُ وَيجب فِي إِتْلَاف غير نفس الرَّقِيق من أَطْرَافه ولطائفه مَا نقص من قِيمَته سليما إِن لم يتَقَدَّر ذَلِك الْغَيْر من الْحر وَلم يتبع مُقَدرا وَلَا يبلغ بالحكومة قيمَة جملَة الرَّقِيق الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو قيمَة عضوه على مَا سبق فِي الْحر وَإِن قدرت فِي الْحر كموضحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وَقطع عُضْو فَيجب مثل نسبته من الدِّيَة من قِيمَته لأَنا نشبه الْحر بالرقيق فِي الْحُكُومَة ليعرف قدر التَّفَاوُت ليرْجع بِهِ فَفِي الْمُشبه بِهِ أولى وَلِأَنَّهُ أشبه الْحر فِي أَكثر الْأَحْكَام بِدَلِيل التَّكْلِيف فألحقناه بِهِ فِي التَّقْدِير فَفِي قطع يَده نصف قِيمَته وَفِي يَدَيْهِ قِيمَته وَفِي أُصْبُعه عشرهَا وَفِي موضحته نصف عشرهَا وعَلى هَذَا الْقيَاس وَلَو قطع ذكره وأنثياه وَنَحْوهمَا مِمَّا يجب للْحرّ فِيهِ ديتان وَجب بقطعهما قيمتان كَمَا يجب فيهمَا للْحرّ ديتان وَمن نصفه حر قَالَ المارودي يجب فِي طرفه نصف مَا فِي طرف الْحر وَنصف مَا فِي طرف العَبْد فَفِي يَده ربع الدِّيَة وَربع الْقيمَة وَفِي أُصْبُعه نصف عشر الدِّيَة وَنصف عشر الْقيمَة وعَلى هَذَا الْقيَاس فِيمَا زَاد من الْجراحَة أَو نقص القَوْل فِي دِيَة الْجَنِين (و) فِي (دِيَة الْجَنِين الْحر) الْمُسلم (غرَّة) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي الْجَنِين بغرة (عبد أَو أمة) بترك تَنْوِين غرَّة على الْإِضَافَة البيانية وتنوينها على أَن مَا بعْدهَا بدل مِنْهَا وأصل الْغرَّة الْبيَاض فِي وَجه الْفرس وَلِهَذَا شَرط عَمْرو بن الْعَلَاء أَن يكون العَبْد أَبيض وَالْأمة بَيْضَاء وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيّ فِي شرح الرسَالَة عَن ابْن عبد الْبر أَيْضا وَلم يشْتَرط الْأَكْثَرُونَ ذَلِك وَقَالُوا النَّسمَة من الرَّقِيق غرَّة لِأَنَّهَا غرَّة مَا يملك أَي أفضله وغرة كل شَيْء خِيَاره وَإِنَّمَا تجب الْغرَّة فِي الْجَنِين إِذا انْفَصل مَيتا بِجِنَايَة على أمه الْحَيَّة مُؤثرَة فِيهِ سَوَاء أَكَانَت الْجِنَايَة بالْقَوْل كالتهديد والتخويف المفضي إِلَى سُقُوط الْجَنِين أم بِالْفِعْلِ كَأَن يضْربهَا أَو يؤجرها دَوَاء أَو غَيره فتلقي جَنِينا أم بِالتّرْكِ كَأَن يمْنَعهَا الطَّعَام أَو الشَّرَاب حَتَّى تلقي الْجَنِين وَكَانَت الأجنة تسْقط بذلك وَلَو دعتها ضَرُورَة إِلَى شرب دَوَاء فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهَا لَا تضمن بِسَبَبِهِ وَلَيْسَ من الضَّرُورَة الصَّوْم وَلَو فِي رَمَضَان إِذا خشيت مِنْهُ الإجهاض فَإِذا فعلته وأجهضت ضمنته كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَا تَرث مِنْهُ لِأَنَّهَا قاتلة وَسَوَاء أَكَانَ الْجَنِين ذكرا أم غَيره لإِطْلَاق الْخَبَر وَلِأَن دِيَتهمَا لَو اخْتلفت لكثر الِاخْتِلَاف فِي كَونه ذكرا أَو غَيره فسوى الشَّارِع بَينهمَا وَسَوَاء أَكَانَ الْجَنِين تَامّ الْأَعْضَاء أم ناقصها ثَابت النّسَب أم لَا لَكِن لَا بُد أَن يكون مَعْصُوما مَضْمُونا على الْجَانِي بالغرة عِنْد الْجِنَايَة وَإِن لم تكن أمه معصومة أَو مَضْمُونَة عِنْدهَا وَلَا أثر لنَحْو لطمة خَفِيفَة كَمَا لَا تُؤثر فِي الدِّيَة وَلَا لضربة قَوِيَّة أَقَامَت بعْدهَا بِلَا ألم ثمَّ أَلْقَت جَنِينا نَقله فِي الْبَحْر عَن النَّص وَسَوَاء انْفَصل فِي حَيَاتهَا بِجِنَايَة أَو انْفَصل بعد مَوتهَا بِجِنَايَة فِي حَيَاتهَا وَلَو ظهر بعض الْجَنِين بِلَا انْفِصَال من أمه كخروج رَأسه مَيتا وَجَبت فِيهِ الْغرَّة لتحَقّق وجوده فَإِن لم يكن مَعْصُوما عِنْد الْجِنَايَة كجنين حربية من حَرْبِيّ إِن أسلم أَحدهمَا بعد الْجِنَايَة أَو لم يكن مضموما كَأَن يكون الْجَانِي مَالِكًا للجنين ولأمه بِأَن جنى السَّيِّد على أمته الْحَامِل وجنينها من غَيره وَهُوَ ملك لَهُ فعتقت ثمَّ أَلْقَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 الْجَنِين أَو كَانَت أمه ميتَة أَو لم ينْفَصل وَلَا ظهر بِالْجِنَايَةِ على أمه شين فَلَا شَيْء فِيهِ لعدم احترامه فِي الصُّورَة الأولى وَعدم ضَمَان الْجَانِي فِي الثَّانِيَة وَظُهُور مَوته بموتها فِي الثَّالِثَة وَلعدم تحقق وجوده فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَو انْفَصل حَيا وَبَقِي بعد انْفِصَاله زَمنا بِلَا ألم فِيهِ ثمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَان على الْجَانِي وَإِن مَاتَ حِين خرج بعد انْفِصَاله أَو دَامَ ألمه وَمَات مِنْهُ فديَة نفس كَامِلَة على الْجَانِي تَنْبِيه لَو أَلْقَت امْرَأَة بِجِنَايَة عَلَيْهَا جنينين ميتين وَجَبت غرتان أَو ثَلَاثًا فَثَلَاث وَهَكَذَا وَلَو أَلْقَت يدا أَو رجلا وَمَاتَتْ وَجَبت غرَّة لِأَن الْعلم قد حصل بِوُجُود الْجَنِين أما لَو عاشت الْأُم وَلم تلق جَنِينا فَلَا يجب إِلَّا نصف غرَّة كَمَا أَن يَد الْحَيّ لَا يجب فِيهَا إِلَّا نصف دِيَة وَلَا يضمن بَاقِيه لأَنا لم نتحقق تلفه وَلَو أَلْقَت لَحْمًا قَالَ أهل الْخِبْرَة فِيهِ صُورَة آدَمِيّ خُفْيَة وَجَبت الْغرَّة بِخِلَاف مَا لَو قَالُوا لَو بَقِي لتصور أَي تخلق فَلَا شَيْء فِيهِ وَإِن انْقَضتْ بِهِ الْعدة كَمَا مر فِي الْعدَد والخيرة فِي الْغرَّة إِلَى الْغَارِم وَيجْبر الْمُسْتَحق على قبُولهَا من أَي نوع كَانَت بِشَرْط أَن يكون العَبْد أَو الْأمة مُمَيّزا فَلَا يلْزمه قبُول غَيره سليما من عيب مَبِيع لِأَن الْمَعِيب لَيْسَ من الْخِيَار وَالأَصَح قبُول رَقِيق كَبِير لم يعجز بهرم لِأَنَّهُ من الْخِيَار مَا لم تنقص مَنَافِعه وَيشْتَرط بُلُوغهَا فِي الْقيمَة نصف عشر الدِّيَة من الْأَب الْمُسلم وَهُوَ عشر دِيَة الْأُم الْمسلمَة فَفِي الْحر الْمُسلم رَقِيق قِيمَته خَمْسَة أَبْعِرَة كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَزيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَإِن فقدت الْغرَّة حسا بِأَن لم تُوجد أَو شرعا بِأَن وجدت بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا فخمسة أَبْعِرَة بدلهَا لِأَنَّهَا مقدرَة بهَا وَهِي لوَرَثَة الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وَهِي وَاجِبَة على عَاقِلَة الْجَانِي والجنين الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي بالتبع لِأَبَوَيْهِ تجب غرَّة فِيهِ كثلث غرَّة مُسلم كَمَا فِي دِيَته وَهُوَ بعير وَثلثا بعير وَفِي الْجَنِين الْمَجُوسِيّ ثلث خمس غرَّة مُسلم كَمَا فِي دِيَته وَهُوَ ثلث بعير وَأما الْجَنِين الْحَرْبِيّ والجنين الْمُرْتَد بالتبع لأبويهما فمهدران ثمَّ شرع فِي حكم الْجَنِين الرَّقِيق فَقَالَ (ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك) ذكرا كَانَ أَو غَيره فِيهِ (عشر قيمَة أمه) قنة كَانَت أَو مُدبرَة أَو مُكَاتبَة أَو مُسْتَوْلدَة قِيَاسا على الْجَنِين الْحر فَإِن الْغرَّة فِي الْجَنِين مُعْتَبرَة بِعشر مَا تضمن بِهِ الْأُم وَإِنَّمَا لم يعتبروا قِيمَته فِي نَفسه لعدم ثُبُوت استقلاله بانفصاله مَيتا تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَت الْأُم هِيَ الجانية على نَفسهَا فَإِنَّهُ لَا يجب فِي جَنِينهَا الْمَمْلُوك للسَّيِّد شَيْء إِذْ لَا يجب للسَّيِّد على رَقِيقه شَيْء وَخرج بالرقيق الْمبعض فَالَّذِي يَنْبَغِي أَن توزع الْغرَّة فِيهِ على الرّقّ وَالْحريَّة خلافًا ل لمحاملي فِي قَوْله إِنَّه كَالْحرِّ وَتعْتَبر قيمَة الْأُم كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة بأكبر مَا كَانَت من حِين الْجِنَايَة إِلَى حِين الإجهاض خلافًا لما جري عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج من أَنَّهَا يَوْم الْجِنَايَة هَذَا إِذا انْفَصل مَيتا كَمَا علم من التَّعْلِيل السَّابِق فَإِن انْفَصل حَيا وَمَات من أثر الْجِنَايَة فَإِن فِيهِ قِيمَته يَوْم الِانْفِصَال وَإِن نقصت عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 عشر قيمَة أمه كَمَا نَقله فِي الْبَحْر عَن النَّص وَسكت المُصَنّف عَن الْمُسْتَحق لذَلِك وَالَّذِي فِي الرَّوْضَة أَن بدل الْجَنِين الْمَمْلُوك لسَيِّده وَهُوَ أحسن من قَول الْمِنْهَاج لسَيِّدهَا أَي أم الْجَنِين لِأَن الْجَنِين قد يكون لشخص وصّى لَهُ بِهِ وَتَكون الْأُم لآخر فالبدل لسَيِّده لَا لسَيِّدهَا وَقد يعد عَن الْمِنْهَاج بِأَنَّهُ جري على الْغَالِب من أَن الْحمل الْمَمْلُوك لسَيِّد الْأمة تَتِمَّة لَو كَانَت الْأُم مَقْطُوعَة الْأَطْرَاف والجنين سليمها قومت بتقديرها سليمَة فِي الْأَصَح لسلامته كَمَا لَو كَانَت كَافِرَة والجنين مُسلم فَإِنَّهُ يقدر فِيهَا الْإِسْلَام وَتقوم مسلمة وَكَذَا لَو كَانَت حرَّة والجنين رَقِيق فَإِنَّهَا تقدر رقيقَة وَصورته أَن تكون الْأمة لشخص والجنين لآخر بِوَصِيَّة فيعتقها مَالِكهَا وَيحمل الْعشْر الْمَذْكُور عَاقِلَة الْجَانِي على الْأَظْهر فصل فِي الْقسَامَة وَهِي بِفَتْح الْقَاف اسْم للأيمان الَّتِي تقسم على أَوْلِيَاء الدَّم مَأْخُوذَة من الْقسم وَهُوَ الْيَمين وَقيل اسْم للأولياء وَترْجم الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالْأَكْثَرُونَ بِبَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة على الدَّم وَاقْتصر المُصَنّف رَضِي الله عَنهُ على إِيرَاد وَاحِد مِنْهَا وَهُوَ الْقسَامَة طلبا للاختصار وأدرج فِيهِ الْكَلَام على الْكَفَّارَة فَقَالَ (وَإِذا اقْترن بِدَعْوَى الْقَتْل) عِنْد حَاكم (لوث) وَهُوَ بِإِسْكَان الْوَاو وبالمثلثة مُشْتَقّ من التلويث أَي التلطيخ (يَقع بِهِ) أَي اللوث (فِي النَّفس صدق الْمُدَّعِي) بِأَن يغلب على الظَّن صدقه بِقَرِينَة كَأَن وجد قَتِيل أَو بعضه كرأسه إِذا تحقق مَوته وَفِي محلّة مُنْفَصِلَة عَن بلد كَبِير وَلَا يعرف قَاتله وَلَا بَيِّنَة بقتْله أَو فِي قَرْيَة صَغِيرَة لأعدائه سَوَاء فِي ذَلِك الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة إِذا كَانَت تبْعَث على الانتقام بِالْقَتْلِ أَو وجد قَتِيل وَقد تفرق عَنهُ جمع كَأَن ازدحموا على بِئْر أَو بَاب الْكَعْبَة ثمَّ تفَرقُوا عَن قَتِيل (حلف الْمُدَّعِي) بِكَسْر الْعين على قتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 ادَّعَاهُ لنَفس وَلَو نَاقِصَة كامرأة وذمي (خمسين يَمِينا) لثُبُوت ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يشْتَرط موالاتها فَلَو حلفه القَاضِي خمسين يَمِينا فِي خمسين يَوْمًا صَحَّ لِأَن الْأَيْمَان من جنس الْحجَج والحجج يجوز تفريقها كَمَا إِذا شهد الشُّهُود مُتَفَرّقين وَلَو تخَلّل الْأَيْمَان جُنُون أَو إِغْمَاء بنى إِذا أَفَاق على مَا مضى وَلَو مَاتَ الْوَلِيّ الْمقسم فِي أثْنَاء الْأَيْمَان لم يبن وَارثه بل يسْتَأْنف لِأَن الْأَيْمَان كالحجة الْوَاحِدَة وَلَا يجوز أَن يسْتَحق أحد شَيْئا بِيَمِين غَيره وَلَيْسَ كَمَا لَو أَقَامَ شطر الْبَيِّنَة ثمَّ مَاتَ حَيْثُ يضم وَارثه إِلَيْهِ الشّطْر الثَّانِي وَلَا يسْتَأْنف لِأَن شَهَادَة كل شَاهد مُسْتَقلَّة أما إِذا تمت أيمانه قبل مَوته فَلَا يسْتَأْنف وَارثه بل يحكم لَهُ كَمَا لَو أَقَامَ بَيِّنَة ثمَّ مَاتَ وَأما وَارِث الْمُدعى عَلَيْهِ فيبني على أيمانه إِذا تخَلّل مَوته الْأَيْمَان وَكَذَا يَبْنِي الْمُدعى عَلَيْهِ لَو عزل القَاضِي أَو مَاتَ فِي خلالها وَولي غَيره وَالْفرق بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ للنَّفْي فتنفذ بِنَفسِهَا وَيَمِين الْمُدَّعِي للإثبات فتتوقف على حكم القَاضِي وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يحكم بِحجَّة أُقِيمَت عِنْد الأول وَلَو كَانَ للقتيل وَرَثَة خَاصَّة اثْنَان فَأكْثر وزعت الْأَيْمَان الْخَمْسُونَ عَلَيْهِم بِحَسب الْإِرْث لِأَن مَا ثَبت بأيمانهم يقسم بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى فَوَجَبَ أَن تكون الْأَيْمَان كَذَلِك وَخرج بقولنَا خَاصَّة مَا لَو كَانَ هُنَاكَ وَارِث غير حائز وشريكه بَيت المَال فَإِن الْأَيْمَان لَا توزع بل يحلف الْخَاص خمسين يَمِينا كَمَا لَو نكل بعض الْوَرَثَة أَو غَابَ يحلف الْحَاضِر خمسين يَمِينا وَهل تقسم الْأَيْمَان بَينهم على أصل الْفَرِيضَة أَو على الْفَرِيضَة وعولها وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا فِي الْحَاوِي الثَّانِي أَنَّهَا تقسم على الْفَرِيضَة بعولها فَفِي زوج وَأم وأختين لأَب وأختين لأم أَصْلهَا سِتَّة وتعول إِلَى الْعشْرَة فَيحلف الزَّوْج خمس عشرَة وكل أُخْت لأَب عشرَة وكل أُخْت لأم خَمْسَة وَالأُم خَمْسَة وَيجْبر المنكسر إِن لم تَنْقَسِم صَحِيحَة لِأَن الْيَمين لَا تتبعض وَلَا يجوز إِسْقَاطه لِئَلَّا ينقص نِصَاب الْقسَامَة فَلَو كَانَ ثَلَاثَة بَنِينَ حلف كل مِنْهُم سَبْعَة عشر أَو تِسْعَة وَأَرْبَعين حلف كل يمينين وَلَو نكل أحد الْوَارِثين حلف الآخر وَأخذ حِصَّته لما مر تَنْبِيه يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ قتل بِلَا لوث وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة من الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي إِن لم يكن لوث أَو كَانَ وَنكل الْمُدَّعِي عَن الْقسَامَة فَردَّتْ على الْمُدعى عَلَيْهِ فنكل فَردَّتْ على الْمُدَّعِي مرّة ثَانِيَة وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة على الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب نُكُول الْمُدَّعِي مَعَ لوث وَالْيَمِين أَيْضا مَعَ شَاهد خَمْسُونَ فِي جَمِيع هَذِه الصُّور لِأَنَّهَا فِيهَا ذكر يَمِين دم حَتَّى لَو تعدد الْمُدعى عَلَيْهِ حلف كل خمسين يَمِينا وَلَا توزع عَلَيْهِم على الْأَظْهر بِخِلَاف تعدد الْمُدَّعِي وَالْفرق أَن كل وَاحِد من الْمُدعى عَلَيْهِم يَنْفِي عَن نَفسه الْقَتْل كَمَا يَنْفِيه من انْفَرد وكل من المدعين لَا يثبت لنَفسِهِ مَا يُثبتهُ الْوَاحِد لَو انْفَرد بل يثبت بعض الْأَرْش فَيحلف بِقدر الْحصَّة (وَاسْتحق) الْوَارِث بالقسامة فِي قتل الْخَطَأ أَو قتل شبه الْعمد (الدِّيَة) على الْعَاقِلَة مُخَفّفَة فِي الأول مُغَلّظَة فِي الثَّانِي لقِيَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 الْحجَّة بذلك كَمَا لَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة وَفِي قتل الْعمد دِيَة حَالَة على الْمقسم عَلَيْهِ وَلَا قصاص فِي الْجَدِيد لخَبر البُخَارِيّ الحكم بِالدِّيَةِ وَلم يفصل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو صلحت الْأَيْمَان للْقصَاص لذكره وَلِأَن الْقسَامَة حجَّة ضَعِيفَة فَلَا توجب الْقصاص احْتِيَاطًا لأمر الدِّمَاء كالشاهد وَالْيَمِين تَنْبِيه كل من اسْتحق بدل الدَّم من سيد أَو وَارِث سَوَاء أَكَانَ مُسلما أم كَافِرًا عدلا أم فَاسِقًا مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أم غَيره وَلَو كَانَ مكَاتبا لقتل عَبده أقسم لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لبدله وَلَا يقسم سَيّده بِخِلَاف العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا قتل العَبْد الَّذِي تَحت يَده فَإِن السَّيِّد أَخذ السَّيِّد الْقيمَة كَمَا لَو مَاتَ الْوَلِيّ بَعْدَمَا أقسم أَو قبله وَقبل نُكُوله حلف السَّيِّد أَو بعد نُكُوله فَلَا لبُطْلَان الْحق بِالنّكُولِ كَمَا حَكَاهُ الإِمَام عَن الْأَصْحَاب إِذا لم يُوجد لوث (وَإِن لم يكن هُنَاكَ) أَي عِنْد الْقَتْل (لوث) بِأَن تعذر إثْبَاته أَو ظهر فِي أصل الْقَتْل بِدُونِ كَونه عمدا أَو خطأ أَو أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ اللوث فِي حَقه أَو شهد بِهِ عدل أَو عَدْلَانِ أَن زيدا قتل أحد هذَيْن الْقَتِيلين أَو كذب بعض الْوَرَثَة فَهَذِهِ خمس صور يسْقط فِيهَا اللوث كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (فاليمين على الْمُدعى عَلَيْهِ) لسُقُوط اللوث فِي حَقه وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّته تَنْبِيه قَضِيَّة تَعْبِيره بِالْيَمِينِ أَنه لَا يغلظ فِي حَقه بِالْعدَدِ الْمَذْكُور وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ وأظهرهما كَمَا فِي الرَّوْضَة أَنه يغلظ عَلَيْهِ بِالْعدَدِ الْمَذْكُور كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ لِأَنَّهَا يَمِين دم فَكَانَ الأولى أَن يَقُول فالأيمان إِلَى آخِره تَتِمَّة من ارْتَدَّ بعد اسْتِحْقَاقه بدل الدَّم بِأَن يَمُوت الْمَجْرُوح ثمَّ يرْتَد وليه قبل أَن يقسم فَالْأولى تَأْخِير إقسامه ليسلم لِأَنَّهُ لَا يتورع فِي حَال ردته عَن الْأَيْمَان الكاذبة فَإِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام أقسم أما إِذا ارْتَدَّ قبل مَوته ثمَّ مَاتَ الْمَجْرُوح وَهُوَ مُرْتَد فَلَا يقسم لِأَنَّهُ لَا يَرث بِخِلَاف مَا إِذا قتل العَبْد وارتد سَيّده فَإِنَّهُ لَا فرق بَين أَن يرْتَد قبل موت العَبْد أَو بعده لِأَن اسْتِحْقَاقه بِالْملكِ لَا بِالْإِرْثِ فَإِن أقسم الْوَارِث فِي الرِّدَّة صَحَّ إقسامه وَاسْتحق الدِّيَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتد بأيمان الْيَهُود فَدلَّ على أَن يَمِين الْكَافِر صَحِيحَة والقسامة نوع اكْتِسَاب لِلْمَالِ فَلَا تمنع مِنْهُ الرِّدَّة كالاحتطاب وَمن لَا وَارِث لَهُ خَاص لَا قسَامَة فِيهِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ لوث لعدم الْمُسْتَحق الْمعِين لِأَن دِيَته لعامة الْمُسلمين وتحليفهم غير مُمكن لَكِن ينصب القَاضِي من يَدعِي على من نسب الْقَتْل إِلَيْهِ ويحلفه فَإِن نكل فَهَل يقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ أَو لَا وَجْهَان جزم فِي الْأَنْوَار بِالْأولِ وَمُقْتَضى مَا رَجحه الشَّيْخَانِ فِيمَن مَاتَ بِلَا وَارِث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 فَادّعى القَاضِي أَو منصوبه دينا لَهُ على آخر فَأنْكر وَنكل أَنه لَا يقْضِي لَهُ بِالنّكُولِ بل يحبس ليحلف أَو يقر تَرْجِيح الثَّانِي وَهُوَ أوجه القَوْل فِي كَفَّارَة الْقَتْل ثمَّ شرع فِي كَفَّارَة الْقَتْل الَّتِي هِيَ من موجباته فَقَالَ (وعَلى قَاتل النَّفس الْمُحرمَة) سَوَاء كَانَ الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو خطأ (كَفَّارَة) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} اي وَقَوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم} أَي فِي قوم {عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة} اي وَخبر وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَتَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَاحب لنا قد اسْتوْجبَ النَّار بِالْقَتْلِ فَقَالَ أعتقوا عَنهُ رَقَبَة يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ الْحَاكِم وَغَيره وَخرج بِالْقَتْلِ الْأَطْرَاف والجروح فَلَا كَفَّارَة فيهمَا لعدم وُرُوده وَلَا يشْتَرط فِي وجوب الْكَفَّارَة تَكْلِيف بل تجب وَإِن كَانَ الْقَاتِل صَبيا أَو مَجْنُونا لِأَن الْكَفَّارَة من بَاب الضَّمَان فَتجب فِي مَالهمَا فَيعتق الْوَلِيّ عَنْهُمَا من مَالهمَا وَلَا يَصُوم عَنْهُمَا بِحَال فَإِن صَامَ الصَّبِي الْمُمَيز أَجزَأَهُ وَلَا يشْتَرط فِي وُجُوبهَا أَيْضا الْحُرِّيَّة بل تجب وَإِن كَانَ الْقَاتِل عبدا كَمَا يتَعَلَّق بقتْله الْقصاص وَالضَّمان لَكِن يكفر بِالصَّوْمِ لعدم ملكه وَلَا يشْتَرط فِي وُجُوبهَا الْمُبَاشرَة بل تجب وَإِن كَانَ الْقَاتِل كالمكره متسببا بِكَسْر الرَّاء وَشَاهد الزُّور وحافر بِئْر عُدْوانًا تَنْبِيه دخل فِي قَول المُصَنّف النَّفس الْمُحرمَة الْمُسلم وَلَو كَانَ بدار الْحَرْب وَالذِّمِّيّ والمستأمن والجنين الْمَضْمُون بالغرة وَعبد الشَّخْص نَفسه وَنَفسه لِأَنَّهُ قتل نفسا معصومة وَخرج بذلك قتل الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ الْحَرْبِيين فَلَا كَفَّارَة فِي قَتلهمَا وَإِن كَانَ حَرَامًا لِأَن الْمَنْع من قَتلهمَا لَيْسَ لحرمتهما بل لمصْلحَة الْمُسلمين لِئَلَّا يفوتهُمْ الارتفاق بهما وَقتل مُبَاح الدَّم كَقَتل بَاغ وصائل لِأَنَّهُمَا لَا يضمنَانِ فأشبها الْحَرْبِيّ ومرتد وزان مُحصن بِالنِّسْبَةِ لغير الْمسَاوِي وَالْحَرْبِيّ وَلَو قَتله مثله ومقتص مِنْهُ يقتل الْمُسْتَحق لَهُ لِأَنَّهُ مُبَاح الدَّم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وعَلى كل من الشُّرَكَاء فِي الْقَتْل كَفَّارَة فِي الْأَصَح الْمَنْصُوص لِأَنَّهُ حق يتَعَلَّق بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّض كَالْقصاصِ وَالْكَفَّارَة (عتق رَقَبَة) مُؤمنَة بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} اي (سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ) إِضْرَارًا بَينا كَامِلَة الرّقّ خَالِيَة عَن عوض كَمَا تقدم بَيَان ذَلِك مَبْسُوطا فِي الظِّهَار فَهِيَ ككفارة الظِّهَار فِي التَّرْتِيب فَيعتق أَولا (فَإِن لم يجد) رَقَبَة بشروطها أَو وجدهَا وَعجز عَن ثمنهَا أَو وجدهَا وَهِي تبَاع بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا (فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين) على مَا تقدم بَيَانه فِي الظِّهَار تَنْبِيه قَضِيَّة اقْتِصَاره على مَا ذكره أَنه لَا إطْعَام هُنَا عِنْد الْعَجز عَن الصَّوْم وَهُوَ كَذَلِك على الْأَظْهر اقتصارا على الْوَارِد فِيهَا إِذْ المتبع فِي الْكَفَّارَات النَّص لَا الْقيَاس وَلم يذكر الله تَعَالَى فِي كَفَّارَة الْقَتْل غير الْعتْق وَالصِّيَام فَإِن قيل لم لَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي الظِّهَار كَمَا فعلوا فِي قيد الْأَيْمَان حَيْثُ اعتبروه ثمَّ حملا على الْمُقَيد هُنَا أُجِيب بِأَن ذَاك إِلْحَاق فِي وصف وَهَذَا إِلْحَاق فِي أصل وَأحد الْأَصْلَيْنِ لَا يلْحق بِالْآخرِ بِدَلِيل أَن الْيَد الْمُطلقَة فِي التَّيَمُّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 حملت على الْمقيدَة بالمرافق فِي الْوضُوء وَلم يحمل إهمال الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ فِي التَّيَمُّم على ذكرهمَا فِي الْوضُوء وعَلى هَذَا لَو مَاتَ قبل الصَّوْم أطْعم من تركته كفائت صَوْم رَمَضَان خَاتِمَة لَا كَفَّارَة على من أصَاب غَيره بِالْعينِ واعترف أَنه قَتله بهَا وَإِن كَانَت الْعين حَقًا لِأَن ذَلِك لَا يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا وَلَا يعد مهْلكا وَينْدب للعائن أَن يَدْعُو بِالْبركَةِ فَيَقُول اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وَلَا تضره وَأَن يَقُول مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قيل وَيَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يمْنَع من عرف بذلك من مُخَالطَة النَّاس ويأمره بِلُزُوم بَيته وَيَرْزقهُ مَا يَكْفِيهِ إِن كَانَ فَقِيرا فَإِن ضَرَره أَشد من ضَرَر المجذوم الَّذِي مَنعه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من مُخَالطَة النَّاس وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام استكثر قومه ذَات يَوْم فأمات الله مِنْهُم مائَة ألف فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَلَمَّا أصبح اشْتَكَى ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ الله تَعَالَى إِنَّك استكثرتهم فعنتهم فَهَلا حصنتهم حِين استكثرتهم فَقَالَ يَا رب كَيفَ أحصنهم فَقَالَ تَعَالَى تَقول حصنتكم بالحي القيوم الَّذِي لَا يَمُوت أبدا وَدفعت عَنْكُم السوء بِأَلف لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي العظيمب 1 قَالَ القَاضِي وَهَكَذَا السّنة فِي الرجل إِذا رأى نَفسه سليمَة وأحواله معتدلة يَقُول فِي نَفسه ذَلِك وَكَانَ القَاضِي يحصن تلامذته بذلك إِذا استكثرهم وسكتوا عَن الْقَتْل بِالْحَال وَأفْتى بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَنَّهُ يقتل إِذا قتل بِهِ لِأَن لَهُ فِيهِ اخْتِيَارا كالساحر وَالصَّوَاب أَنه لَا يقتل بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نقل ذَلِك عَن جمَاعَة من السّلف قَالَ مهْرَان بن مَيْمُون حَدثنَا غيلَان بن جرير أَن مطرف بن عبد الله بن الشخير كَانَ بَينه وَبَين رجل كَلَام فكذب عَلَيْهِ فَقَالَ مطرف اللَّهُمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا فأمته فَخر مَيتا فَرفع ذَلِك إِلَى زِيَاد فَقَالَ قتلت الرجل قَالَ لَا وَلكنهَا دَعْوَة وَافَقت أَََجَلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 = كتاب الْحُدُود = جمع حد وَهُوَ لُغَة الْمَنْع وَشرعا عُقُوبَة مقدرَة وَجَبت زجرا عَن ارْتِكَاب مَا يُوجِبهُ وَعبر عَنْهَا جمعا لتنوعها وَلَو عبر بِالْبَابِ لَكَانَ أولى لما تقدم أَن التَّرْجَمَة بالجنايات شَامِلَة للحدود وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا وَهُوَ بِالْقصرِ لُغَة حجازية وبالمد لُغَة تميمية وَاتفقَ أهل الْملَل على تَحْرِيمه وَهُوَ من أفحش الْكَبَائِر وَلم يحل فِي مِلَّة قطّ وَلِهَذَا كَانَ حَده أَشد الْحُدُود لِأَنَّهُ جِنَايَة على الْأَعْرَاض والأنساب تَعْرِيف الزَّانِي الَّذِي يجب حَده فَقَالَ (وَالزَّانِي) أَي الَّذِي يجب حَده وَهُوَ مُكَلّف وَاضح الذُّكُورَة أولج حَشَفَة ذكره الْأَصْلِيّ الْمُتَّصِل أَو قدرهَا مِنْهُ عِنْد فقدها فِي قبل وَاضح الْأُنُوثَة وَلَو غوراء كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ فارقا بَين مَا هُنَا وَمَا فِي بَاب التَّحْلِيل من عدم الِاكْتِفَاء بالإيلاج فِيهَا بِنَاء على تَكْمِيل اللَّذَّة محرم فِي نفس الْأَمر لعين الْإِيلَاج خَال عَن الشُّبْهَة المسقطة للحد مشتهي طبعا بِأَن كَانَ فرج آدَمِيّ حَيّ فَهَذِهِ قيود لإِيجَاب الْحَد خرج بِالْأولِ الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا حد عَلَيْهِمَا وَبِالثَّانِي الخثنى الْمُشكل إِذا أولج آلَة الذُّكُورَة فَلَا حد عَلَيْهِ لاحْتِمَال أنوثته وَكَون هَذَا عرقا زَائِدا وبالثالث مَا لَو أولج بعض الْحَشَفَة فَلَا حد عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 وبالرابع مَا لَو خلق لَهُ ذكران مشتبهان فأولج أَحدهمَا فَلَا حد للشَّكّ فِي كَونه أَصْلِيًّا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وبالخامس الذّكر المبان فَلَا حد فِيهِ وبالسادس مَا لَو أولج فِي فرج خُنْثَى مُشكل فَلَا حد لاحْتِمَال ذكورته وَكَون هَذَا الْمحل زَائِدا وبالسابع الْمحرم لأمر خَارج كَوَطْء حَائِض وصائمة ومحرمة وَنَحْوه وبنفس الْأَمر كَمَا لَو وطىء زَوجته ظَانّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَلَا حد فِيهِ وبالثامن وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ وبالتاسع وَطْء شُبْهَة الطَّرِيق وَالْفَاعِل وَالْمحل إِلَّا فِي جَارِيَة بَيت المَال فَيحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الإعفاف فِيهِ وَإِن اسْتحق النَّفَقَة ثمَّ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تقيسم الْحَد فِي حَقه (على ضَرْبَيْنِ مُحصن) وَهُوَ من اسْتكْمل الشُّرُوط الْآتِيَة (وَغير مُحصن) وَهُوَ من لم يستكملها القَوْل فِي حد الْمُحصن (فالمحصن) والمحصنة كل مِنْهُمَا (حَده الرَّجْم) حَتَّى يَمُوت بِالْإِجْمَاع وتظاهر الْأَخْبَار فِيهِ كرجم مَاعِز والغامدية وقرىء شاذا وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة وَهَذِه نسخ لَفظهَا وَبَقِي حكمهَا وَكَانَت هَذِه الْآيَة فِي الْأَحْزَاب كَمَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره وَلَو زنى قبل إحْصَانه وَلم يحد ثمَّ زنى بعده جلد ثمَّ رجم على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فِي اللّعان وَأرْسل فِيهَا فِي بَاب قَاطع الطَّرِيق وَجْهَيْن مصححين من غير تَصْرِيح بترجيح وَصحح فِي الْمُهِمَّات أَن الرَّاجِح مَا صَحَّحَاهُ فِي اللّعان وَهُوَ الْمُصَحح فِي التَّنْبِيه أَيْضا ومشيت عَلَيْهِ فِي شَرحه وَأقرهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي تَصْحِيحه القَوْل فِي حد غير الْمُحصن (وَغير الْمُحصن) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِذا كَانَ حرا (حَده مائَة جلدَة) لآيَة {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} اي أَي وَلَاء فَلَو فرقها نظر فَإِن لم يزل الْأَلَم لم يضر وَإِلَّا فَإِن كَانَ خمسين لم يضر وَإِن كَانَ دون ذَلِك ضرّ وَعلل بِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 الْخمسين حد الرَّقِيق وَسمي جلدا لوصوله إِلَى الْجلد (وتغريب عَام) لرِوَايَة مُسلم بذلك تَنْبِيه أفهم عطفه التَّغْرِيب بِالْوَاو أَنه لَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَينهمَا فَلَو قدم التَّغْرِيب على الْجلد جَازَ كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَأفهم لفظ التَّغْرِيب أَنه لَا بُد من تغريب الإِمَام أَو نَائِبه حَتَّى لَو أَرَادَ الإِمَام تغريبه فَخرج بِنَفسِهِ وَغَابَ سنة ثمَّ عَاد لم يكف وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْمَقْصُود التنكيل وَلم يحصل وَابْتِدَاء الْعَام من حُصُوله فِي بلد التَّغْرِيب فِي أحد وَجْهَيْن أجَاب بِهِ القَاضِي أَبُو الطّيب وَالْوَجْه الثَّانِي من خُرُوجه من بلد الزِّنَا وَلَو ادّعى الْمَحْدُود انْقِضَاء الْعَام وَلَا بَيِّنَة صدق لِأَنَّهُ من حُقُوق الله تَعَالَى وَيحلف ندبا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيَنْبَغِي للْإِمَام أَن يثبت فِي ديوانه أول زمَان التَّغْرِيب ويغرب من بلد الزِّنَا (إِلَى مَسَافَة الْقصر) لِأَن مَا دونهَا فِي حكم الْحَضَر لتواصل الْأَخْبَار فِيهَا إِلَيْهِ وَلِأَن الْمَقْصُود إيحاشه بالبعد عَن الْأَهْل والوطن (فَمَا فَوْقهَا) إِن رَآهُ الإِمَام لِأَن عمر غرب إِلَى الشَّام وَعُثْمَان إِلَى مصر وعليا إِلَى الْبَصْرَة وَليكن تغريبه إِلَى بلد معِين فَلَا يُرْسِلهُ الإِمَام إرْسَالًا وَإِذا عين لَهُ الإِمَام جِهَة فَلَيْسَ للمغرب أَن يخْتَار غَيرهَا لِأَن ذَلِك أليق بالزجر ومعاملة لَهُ بنقيض قَصده تَنْبِيه لَو غرب إِلَى بلد معِين فَهَل يمْنَع من الِانْتِقَال إِلَى بلد آخر وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة لَا يمْنَع لِأَنَّهُ امتثل وَالْمَنْع من الِانْتِقَال لم يدل عَلَيْهِ دَلِيل وَيجوز أَن يحمل مَعَه جَارِيَة يتسرى بهَا مَعَ نَفَقَة يحتاجها وَكَذَا مَال يتجر فِيهِ كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَيْسَ لَهُ أَن يحمل مَعَه أَهله وعشيرته فَإِن خَرجُوا مَعَه لم يمنعوا وَلَا يعقل فِي الْموضع الَّذِي غرب إِلَيْهِ لَكِن يحفظ بالمراقبة وَالتَّوْكِيل بِهِ لِئَلَّا يرجع إِلَى بَلَده أَو إِلَى مَا دون مَسَافَة الْقصر مِنْهَا لَا لِئَلَّا ينْتَقل إِلَى بلد آخر لما مر من أَنه لَو انْتقل إِلَى بلد آخر لم يمْنَع وَلَو عَاد إِلَى بَلَده الَّذِي غرب مِنْهَا أَو إِلَى مَا دون مَسَافَة الْقصر مِنْهُ رد واستؤنفت الْمدَّة على الْأَصَح إِذْ لَا يجوز تَفْرِيق سنة التَّغْرِيب فِي الْحر وَلَا نصفهَا فِي غَيره لِأَن الإيحاش لَا يحصل مَعَه وَقَضِيَّة هَذَا أَنه لَا يتَعَيَّن للتغريب الْبَلَد الَّذِي غرب إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك ويغرب زَان غَرِيب لَهُ بلد من بلد الزِّنَا تنكيلا وإبعادا عَن مَوضِع الْفَاحِشَة إِلَى غير بَلَده لِأَن الْقَصْد إيحاشه وعقوبته وَعوده إِلَى وَطنه يأباه وَيشْتَرط أَن يكون بَينه وَبَين بَلَده مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوْقهَا ليحصل مَا ذكر فَإِن عَاد إِلَى بَلَده الْأَصْلِيّ منع مِنْهُ مُعَارضَة لَهُ بنقيض قَصده القَوْل فِي شُرُوط الْإِحْصَان ثمَّ شرع فِي شُرُوط الْإِحْصَان فِي الزِّنَا فَقَالَ (وشرائط الْإِحْصَان أَرْبَعَة) الأول (الْبلُوغ و) الثَّانِي (الْعقل) فَلَا حصانة لصبي وَمَجْنُون لعدم الْحَد عَلَيْهِمَا لَكِن يؤدبان بِمَا يزجرهما كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه مَا ذكره من اعْتِبَار التَّكْلِيف وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أخصر فِي الْإِحْصَان صَحِيح إِلَّا أَن هَذَا الْوَصْف لَا يخْتَص بالإحصان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 بل هُوَ شَرط لوُجُوب الْحَد مُطلقًا كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ والمتعدي بسكره كالمكلف (و) الثَّالِث (الْحُرِّيَّة) فالرقيق لَيْسَ بمحصن وَلَو مكَاتبا ومبعضا ومستولدة لِأَنَّهُ على النّصْف من الْحر وَالرَّجم لَا نصف لَهُ وَلَو كَانَ ذِمِّيا أَو مُرْتَدا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم الْيَهُودِيين كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ زَاد أَبُو دَاوُد وَكَانَا قد أحصنا تَنْبِيه عقد الذِّمَّة شَرط لإِقَامَة الْحَد على الذِّمِّيّ لَا لكَونه مُحصنا فَلَو غيب حَرْبِيّ حشفته فِي نِكَاح وصححنا أنكحة الْكفَّار وَهُوَ الْأَصَح فَهُوَ مُحصن حَتَّى لَو عقدت لَهُ ذمَّة فزنى رجم وَمثل الذِّمِّيّ الْمُرْتَد وَخرج بِهِ الْمُسْتَأْمن فَإنَّا لَا نُقِيم عَلَيْهِ حد الزِّنَا على الْمَشْهُور (و) الرَّابِع (وجود الْوَطْء) بغيبوبة الْحَشَفَة أَو قدرهَا عِنْد فقدها من مُكَلّف بقبل وَلَو لم تزل الْبكارَة كَمَا مر (فِي نِكَاح صَحِيح) لِأَن الشَّهْوَة مركبة فِي النُّفُوس فَإِذا وطىء فِي نِكَاح صَحِيح وَلَو كَانَت الْمَوْطُوءَة فِي عدَّة وَطْء شُبْهَة أَو وَطئهَا فِي نَهَار رَمَضَان أَو فِي حيض أَو إِحْرَام فقد استوفاها فحقه أَن يمْتَنع من الْحَرَام وَلِأَنَّهُ يكمل طَرِيق الْحل بِدفع الْبَيْنُونَة بِطَلْقَة أَو ردة فَخرج بِقَيْد الْوَطْء المفاخذة وَنَحْوهَا وبقيد الْحَشَفَة غيبوبة بَعْضهَا وبقيد الْقبل الْوَطْء فِي الدبر وبقيد النِّكَاح الْوَطْء فِي ملك الْيَمين وَالْوَطْء بِشُبْهَة وبقيد الصَّحِيح الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَنَّهُ حرَام فَلَا يحصل بِهِ صفة كَمَال فَلَا حصانة فِي هَذِه الصُّور المحترز عَنْهَا بالقيود الْمَذْكُورَة وَالأَصَح الْمَنْصُوص اشْتِرَاط التغييب لحشفة الرجل أَو قدرهَا حَال حُرِّيَّته الْكَامِلَة وتكليفه فَلَا يجب الرَّجْم على من وطىء فِي نِكَاح صَحِيح وَهُوَ صبي أَو مَجْنُون أَو رَقِيق وَإِنَّمَا اعْتبر وُقُوعه فِي حَال الْكَمَال لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بأكمل الْجِهَات وَهُوَ النِّكَاح الصَّحِيح فَاعْتبر حُصُوله من كَامِل حَتَّى لَا يرْجم من وطىء وَهُوَ نَاقص ثمَّ زنى وَهُوَ كَامِل ويرجم من كَانَ كَامِلا فِي الْحَالين وَإِن تخللهما نقص كجنون ورق وَالْعبْرَة بالكمال فِي الْحَالين فَإِن قيل يرد على هَذَا إِدْخَال الْمَرْأَة حَشَفَة الرجل وَهُوَ نَائِم وإدخاله فِيهَا وَهِي نَائِمَة فَإِنَّهُ يحصل الْإِحْصَان للنائم أَيْضا مَعَ أَنه غير مُكَلّف عِنْد الْفِعْل أُجِيب بِأَنَّهُ مُكَلّف استصحابا لحاله قبل النّوم تَنْبِيه سكتوا عَن شَرط الِاخْتِيَار هُنَا وَقَضِيَّة كَلَامهم عدم اشْتِرَاطه حَتَّى لَو وجدت الْإِصَابَة وَالزَّوْج مكره عَلَيْهَا وَقُلْنَا بتصور الْإِكْرَاه حصل التحصين وَهُوَ كَذَلِك وَهَذِه الشُّرُوط كَمَا تعْتَبر فِي الواطىء تعْتَبر أَيْضا فِي الْمَوْطُوءَة وَالْأَظْهَر كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن الْكَامِل من رجل أَو امْرَأَة إِذا تزوج بناقص مُحصن لِأَنَّهُ حر مُكَلّف وطىء فِي نِكَاح صَحِيح فَأشبه مَا إِذا كَانَا كَامِلين وَلَا تغرب امْرَأَة زَانِيَة وَحدهَا بل مَعَ زوج أَو محرم لخَبر لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا زوج أَو محرم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم إِلَّا مَعَ ذِي رحم محرم وَلِأَن الْقَصْد تأديبها والزانية إِذا خرجت وَحدهَا هتكت جِلْبَاب الْحيَاء فَإِن امْتنع من ذكر من الْخُرُوج مَعهَا وَلَو بِأُجْرَة لم يجْبر كَمَا فِي الْحَج لِأَن فِيهِ تغريب من لم يُذنب وَلَا يَأْثَم بامتناعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 كَمَا بَحثه فِي الْمطلب فيؤخر تغريبها إِلَى أَن يَتَيَسَّر من يخرج مَعهَا كَمَا جزم بِهِ ابْن الصّباغ القَوْل فِي حد العَبْد وَالْأمة ثمَّ شرع فِي حد غير الْحر قَالَ (وَالْعَبْد وَالْأمة) الْمُكَلّفين وَلَو مبعضين (حدهما نصف حد الْحر) وَهُوَ خَمْسُونَ جلدَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} اي وَالْمرَاد الْجلد لِأَن الرَّجْم قتل وَالْقَتْل لَا يتنصف وروى مَالك وَأحمد عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه أُتِي بِعَبْد وَأمة زَنَيَا فجلدهما خمسين إِذْ لَا فرق فِي ذَلِك بَين الرجل وَالْأُنْثَى بِجَامِع الرّقّ وَلَو عبر المُصَنّف بِمن فِيهِ رق لعم الْمكَاتب وَأم الْوَلَد والمبعض ويغرب من فِيهِ رق نصف سنة كَمَا شَمل ذَلِك قَول المُصَنّف نصف الْحر ولعموم الْآيَة فَأشبه الْجلد القَوْل فِي مُؤنَة التَّغْرِيب تَنْبِيه مُؤنَة الْمغرب فِي مُدَّة تغريبه على نَفسه إِن كَانَ حرا وعَلى سَيّده إِن كَانَ رَقِيقا وَإِن زَادَت على مُؤنَة الْحر وَلَو زنى العَبْد الْمُؤَجّر حد وَهل يغرب فِي الْحَال وَيثبت للْمُسْتَأْجر الْخِيَار أَو يُؤَخر إِلَى مُضِيّ الْمدَّة وَجْهَان حَكَاهُمَا الدَّارمِيّ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيقرب أَن يفرق بَين طول مُدَّة الْإِجَارَة وقصرها قَالَ وَيُشبه أَن يَجِيء ذَلِك فِي الْأَجِير الْحر أَيْضا انْتهى وَالْأَوْجه أَنه لَا يغرب إِن تعذر عمله فِي الغربة كَمَا لَا يحبس لغريمه إِن تعذر عمله فِي الْحَبْس بل أولى لِأَن ذَلِك حق آدَمِيّ وَهَذَا حق الله تَعَالَى بِخِلَاف الْمَرْأَة إِذا توجه عَلَيْهَا حبس فَإِنَّهَا تحبس وَلَو فَاتَ التَّمَتُّع على الزَّوْج لِأَنَّهُ لَا غَايَة لَهُ وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين العَبْد الْمُسلم وَالْكَافِر وَهُوَ كَذَلِك القَوْل فِيمَا يثبت بِهِ الزِّنَا وَيثبت الزِّنَا بِأحد أَمريْن إِمَّا بِبَيِّنَة عَلَيْهِ وَهِي أَرْبَعَة شُهُود لآيَة {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم} اي أَو إِقْرَار حَقِيقِيّ وَلَو مرّة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما رَوَاهُ مُسلم وَيشْتَرط فِي الْبَيِّنَة التَّفْصِيل فَتذكر بِمن زنى لجَوَاز أَن لَا حد عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا والكيفية لاحْتِمَال إِرَادَة الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج وتتعرض للحشفة أَو قدرهَا وَقت الزِّنَا فَتَقول رَأَيْنَاهُ أَدخل ذكره أَو حشفته فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا وَيعْتَبر كَون الْإِقْرَار مفصلا كَالشَّهَادَةِ وَخرج بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيّ التقديري وَهُوَ الْيَمين الْمَرْدُودَة بعد نُكُول الْخصم فَلَا يثبت بِهِ الزِّنَا وَلَكِن يسْقط بِهِ الْحَد عَن الْقَاذِف وَيسن للزاني وكل من ارْتكب مَعْصِيّة السّتْر على نَفسه لخَبر من أَتَى من هَذِه القاذورات شَيْئا فليستتر بستر الله تَعَالَى فَإِن من أبدى لنا صفحته أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد حكم اللوط (وَحكم اللواط) وَهُوَ إيلاج الْحَشَفَة أَو قدرهَا فِي دبر ذكر وَلَو عَبده أَو أُنْثَى غير زَوجته وَأمته (وإتيان الْبَهَائِم) مُطلقًا فِي وجوب الْحَد (كَحكم الزِّنَا) فِي الْقبل على الْمَذْهَب فِي مَسْأَلَة اللواط فَقَط فيرجم الْفَاعِل الْمُحصن ويجلد ويغرب غَيره على مَا سبق وَأما الْمَفْعُول بِهِ فيجلد ويغرب مُطلقًا أحصن أم لَا على الْأَصَح وَخرج بِقَيْد غير زَوجته وَأمته اللواط بهما فَلَا حد عَلَيْهِ بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 واجبه التَّعْزِير فَقَط على الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة أَي إِذا تكَرر مِنْهُ الْفِعْل فَإِن لم يتَكَرَّر فَلَا تَعْزِير كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ وَالزَّوْجَة وَالْأمة فِي التَّعْزِير مثله وَأما مَا ذكره المُصَنّف من أَن إتْيَان الْبَهَائِم فِي الْحَد كَالزِّنَا فَهُوَ أحد الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَرْجُوح وَعَلِيهِ يفرق بَين الْمُحصن وَغَيره لِأَنَّهُ حد يجب بِالْوَطْءِ كَذَا علله صَاحب الْمُهَذّب والتهذيب وَالثَّانِي أَن واجبه الْقَتْل مُحصنا كَانَ أَو غَيره لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوها مَعَه رَوَاهُ الْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده وأظهرها لَا حد فِيهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ لِأَن الطَّبْع السَّلِيم يأباه فَلم يحْتَج إِلَى زاجر بِحَدّ بل يُعَزّر وَفِي النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس لَيْسَ على الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة حد وَمثل هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف القَوْل فِي حكم الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج (وَمن وطىء) الأولى وَمن بَاشر (فِيمَا دون الْفرج) بمفاخذة أَو معانقة أَو قبْلَة أَو نَحْو ذَلِك (عزّر) بِمَا يرَاهُ الإِمَام من ضرب أَو صفع أَو حبس أَو نفي وَيعْمل بِمَا يرَاهُ من الْجمع بَين هَذِه الْأُمُور أَو الِاقْتِصَار على بَعْضهَا وَله الِاقْتِصَار على التوبيخ بِاللِّسَانِ وَحده فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى كَمَا فِي الرَّوْضَة ضَابِط مَا فِيهِ التَّعْزِير وَلَا يبلغ الإِمَام وجوبا (بالتعزير أدنى الْحُدُود) لِأَن الضَّابِط فِي التَّعْزِير أَنه مَشْرُوع فِي كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة سَوَاء أَكَانَت حَقًا لله تَعَالَى أم لآدَمِيّ وَسَوَاء أَكَانَت من مُقَدمَات مَا فِيهِ حد كمباشرة أَجْنَبِيَّة فِي غير الْفرج وسرقة مَا لَا قطع فِيهِ والسب بِمَا لَيْسَ بِقَذْف أم لَا كالتزوير وَشَهَادَة الزُّور وَالضَّرْب بِغَيْر حق ونشوز الْمَرْأَة وَمنع الزَّوْج حَقه مَعَ الْقُدْرَة وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {واللاتي تخافون نشوزهن} اي الْآيَة فأباح الضَّرْب عِنْد الْمُخَالفَة فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيه على التَّعْزِير وروى الْبَيْهَقِيّ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سُئِلَ عَمَّن قَالَ لرجل يَا فَاسق يَا خَبِيث فَقَالَ يُعَزّر أُمُور ثَلَاثَة نتيجة لضابط التَّعْزِير تَنْبِيه اقْتضى الضَّابِط الْمَذْكُور ثَلَاثَة أُمُور الْأَمر الأول تَعْزِير ذِي الْمعْصِيَة الَّتِي لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا الأَصْل لَا يُعَزّر لحق الْفَرْع كَمَا لَا يحد بقذفه وَمِنْهَا مَا إِذا ارْتَدَّ ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ لَا يُعَزّر أول مرّة وَمِنْهَا مَا إِذا كلف السَّيِّد عَبده مَا لَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 يُعَزّر أول مرّة وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ لَا تعد فَإِن عَاد عزّر وَمِنْهَا مَا إِذا قطع الشَّخْص أَطْرَاف نَفسه الْأَمر الثَّانِي مَتى كَانَ فِي الْمعْصِيَة حد كَالزِّنَا أَو كَفَّارَة كالتمتع بِطيب فِي الْإِحْرَام يَنْتَفِي التَّعْزِير لإِيجَاب الأول الْحَد وَالثَّانِي الْكَفَّارَة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا إِفْسَاد الصَّائِم يَوْمًا من رَمَضَان بجماع زَوجته أَو أمته فَإِنَّهُ يجب فِيهِ التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة وَمِنْهَا الْمظَاهر يجب عَلَيْهِ التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة وَمِنْهَا الْيَمين الْغمُوس يجب فِيهَا التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة وَمِنْهَا مَا ذكره الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد الصُّغْرَى أَنه لَو زنى بِأُمِّهِ فِي جَوف الْكَعْبَة فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم معتكف محرم لزمَه الْعتْق والبدنة وَيحد للزِّنَا وَيُعَزر لقطع رَحمَه وانتهاك حُرْمَة الْكَعْبَة الْأَمر الثَّالِث أَنه لَا يُعَزّر فِي غير مَعْصِيّة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا الصَّبِي وَالْمَجْنُون يعزران إِذا فعلا مَا يُعَزّر عَلَيْهِ الْبَالِغ الْعَاقِل وَإِن لم يكن فعلهمَا مَعْصِيّة وَمِنْهَا أَن الْمُحْتَسب يمْنَع من يكْتَسب باللهو ويؤدب عَلَيْهِ الْآخِذ والمعطي وَظَاهره تنَاول اللَّهْو الْمُبَاح وَمِنْهَا نفي المخنث نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي مَعَ أَنه لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَإِنَّمَا هُوَ فعل للْمصْلحَة واستثنيت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره من ذَلِك مسَائِل عديدة مهمة لَا يحتملها شرح هَذَا الْمُخْتَصر وَفِيمَا ذكرته تذكرة لأولي الْأَلْبَاب تَتِمَّة للْإِمَام ترك تَعْزِير لحق الله تَعَالَى لإعراضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جمَاعَة استحقوه كالغال فِي الْغَنِيمَة ولاوي شدقه فِي حكمه للزبير وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه كَالْقصاصِ على الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الْمقري وَيُعَزر من وَافق الْكفَّار فِي أعيادهم وَمن يمسك الْحَيَّة وَيدخل النَّار وَمن قَالَ لذِمِّيّ يَا حَاج وَمن يُسَمِّي زائر قُبُور الصَّالِحين حَاجا وَلَا يجوز للْإِمَام الْعَفو عَن الْحَد وَلَا تجوز الشَّفَاعَة فِيهِ وَتسن الشَّفَاعَة الْحَسَنَة إِلَى وُلَاة الْأُمُور لقَوْله تَعَالَى {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة} الْآيَة وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَتَاهُ طَالب حَاجَة أقبل على جُلَسَائِهِ وَقَالَ اشفعوا تؤجروا وَيَقْضِي الله على لِسَان نبيه مَا شَاءَ فصل فِي حد الْقَذْف وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة لُغَة الرَّمْي وَشرعا الرَّمْي بِالزِّنَا فِي معرض التعيير وألفاظ الْقَذْف ثَلَاثَة صَرِيح وكناية وتعريض وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ (وَإِذا قذف) شخص (غَيره بِالزِّنَا) كَقَوْلِه لرجل أَو امْرَأَة حد الْقَذْف) للمقذوف بالاجماع الْمُسْتَند إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 زَنَيْت أَو زَنَيْت بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا أَو يَا زاني أَو يَا زَانِيَة (فَعَلَيهِ الْمُحْصنَات اي الْآيَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِلَال بن أُميَّة حِين قذف زَوجته بِشريك بن سمحاء الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك وَلما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ ذَلِك قَالَ يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُكَرر ذَلِك فَقَالَ هِلَال وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد فَنزلت آيَة اللّعان وَلَو قَالَ للرجل يَا زَانِيَة وللمرأة يَا زاني كَانَ قذفا وَلَا يضر اللّحن بالتذكير للمؤنث وَعَكسه كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحَرر وَلَو خَاطب خُنْثَى بزانية أَو زَان وَجب الْحَد لكنه يكون صَرِيحًا إِن أضَاف الزِّنَا إِلَى فرجيه فَإِن أَضَافَهُ إِلَى أَحدهمَا كَانَ كِنَايَة وَالرَّمْي لشخص بإيلاج ذكره أَو حَشَفَة مِنْهُ فِي فرج مَعَ وصف الْإِيلَاج بِتَحْرِيم مُطلق أَو الرَّمْي بإيلاج ذكر أَو حَشَفَة فِي دبر صَرِيح وَإِنَّمَا اشْترط الْوَصْف بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقبل دون الدبر لِأَن الْإِيلَاج فِي الدبر لَا يكون إِلَّا حَرَامًا فَإِن لم يُوصف الأول بِالتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ صَرِيحًا لصدقه بالحلال بِخِلَاف الثَّانِي وَأما اللَّفْظ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَة فكقوله زنأت بِالْهَمْز فِي الْجَبَل أَو السّلم أَو نَحوه فَهُوَ كِنَايَة لِأَن ظَاهره يَقْتَضِي الصعُود وزنيت بِالْيَاءِ فِي الْجَبَل صَرِيح للظهور فِيهِ كَمَا لَو قَالَ فِي الدَّار وَكَقَوْلِه لرجل يَا فَاجر يَا فَاسق يَا خَبِيث ولامرأة يَا فاجرة يَا فاسقة يَا خبيثة وَأَنت تحبين الْخلْوَة أَو الظلمَة أَو لَا تردين يَد لامس وَاخْتلف فِي قَول شخص لآخر يَا لوطي هَل هُوَ صَرِيح أَو كِنَايَة لاحْتِمَال أَن يُرِيد أَنه على دين قوم لوط وَالْمُعْتَمد أَنه كِنَايَة بِخِلَاف قَوْله يَا لائط فَإِنَّهُ صَرِيح قَالَ ابْن الْقطَّان وَلَو قَالَ لَهُ يَا بغاء أَو لَهَا يَا قحبة فَهُوَ كِنَايَة وَالَّذِي أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام فِي قحبة أَنه صَرِيح وَهُوَ الظَّاهِر وَأفْتى أَيْضا بصراحة يَا مخنث للْعُرْف وَالظَّاهِر أَنه كِنَايَة فَإِن أنكر شخص فِي الْكِنَايَة إِرَادَة قذف بهَا صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بمراده فَيحلف أَنه مَا أَرَادَ قذفه قَالَه الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ عَلَيْهِ التعزيز للإيذاء وَقَيده الْمَاوَرْدِيّ بِمَا إِذا خرج لَفظه مخرج السب والذم وَإِلَّا فَلَا تَعْزِير وَهُوَ ظَاهر وَأما اللَّفْظ الثَّالِث وَهُوَ التَّعْرِيض فكقوله لغيره فِي خُصُومَة أَو غَيرهَا يَا ابْن الْحَلَال وَأما أَنا فلست بزان وَنَحْوه كليست أُمِّي بزانية وَلست ابْن خباز أَو اسكافي وَمَا أحسن اسْمك فِي الْجِيرَان فَلَيْسَ ذَلِك بِقَذْف صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَإِن نَوَاه لِأَن النِّيَّة إِنَّمَا تُؤثر إِذا احْتمل اللَّفْظ الْمَنوِي وَهَا هُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظ إِشْعَار بِهِ وَإِنَّمَا يفهم بقرائن الْأَحْوَال فَلَا يُؤثر فِيهِ فاللفظ الَّذِي يقْصد بِهِ الْقَذْف إِن لم يحْتَمل غَيره فصريح وَإِلَّا فَإِن فهم مِنْهُ الْقَذْف بِوَضْعِهِ فكناية وَإِلَّا فتعريض وَلَيْسَ الرَّمْي بإتيان الْبَهَائِم قذفا وَالنِّسْبَة إِلَى غير الزِّنَا من الْكَبَائِر وَغَيرهَا مِمَّا فِيهِ إِيذَاء كَقَوْلِه لَهَا زَنَيْت بفلانة أَو أصابتك فُلَانَة يَقْتَضِي التَّعْزِير للإيذاء لَا الْحَد لعدم ثُبُوته (وشرائطه) أَي حد الْقَذْف (ثَمَانِيَة ثَلَاثَة مِنْهَا) بل سِتَّة (فِي الْقَاذِف) كَمَا ستعرفه (وَهُوَ أَن يكون بَالغا عَاقِلا) فَلَا حد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 على صبي وَمَجْنُون لنفي الْإِيذَاء بقذفهما لعدم تكليفهما لَكِن يعزران إِذا كَانَ لَهما نوع تَمْيِيز (و) الثَّالِث (أَن لَا يكون والدا) أَي أصلا (للمقذوف) فَلَا يحد أصل بِقَذْف فَرعه وَإِن سفل وَالرَّابِع كَونه مُخْتَارًا فَلَا حد على مكره بِفَتْح الرَّاء فِي الْقَذْف وَالْخَامِس كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا حد على حَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَالسَّادِس كَونه مَمْنُوعًا مِنْهُ ليخرج مَا لَو أذن مُحصن لغيره فِي قذفه فَلَا حد كَمَا صرح بِهِ فِي الزَّوَائِد تَنْبِيه قد علم من الِاقْتِصَار على هَذِه الشُّرُوط فِي الْقَاذِف عدم اشْتِرَاط إِسْلَامه وحريته وَهُوَ كَذَلِك (وَخَمْسَة) مِنْهَا (فِي الْمَقْذُوف وَهُوَ أَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا حرا عفيفا) عَن وَطْء يحد بِهِ بِأَن لم يطَأ أصلا أَو وطىء وطئا لَا يجد بِهِ كَوَطْء الشَّرِيك الْأمة الْمُشْتَركَة لِأَن أضداد ذَلِك نقص وَفِي الْخَبَر من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن وَإِنَّمَا جعل الْكَافِر مُحصنا فِي حد الزِّنَا لِأَن حَده إهانة لَهُ وَالْحَد بقذفه إكرام لَهُ واعتبرت الْعِفَّة عَن الزِّنَا لِأَن من زنا لَا يتعير بِهِ تَنْبِيه يرد على مَا ذكر وَطْء زَوجته فِي دبرهَا فَإِنَّهُ تبطل لَهُ حصانته على الْأَصَح مَعَ أَنه لَا يحد بِهِ وَيتَصَوَّر الْحَد بِقَذْف الْكَافِر بِأَن يقذف مُرْتَدا بزنا يضيفه إِلَى حَال إِسْلَامه وبقذف الْمَجْنُون بِأَن يقذفه بزنا يضيفه إِلَى حَال إِفَاقَته وبقذف العَبْد بِأَن يقذفه بزنا يضيفه إِلَى حَال حُرِّيَّته إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ الرّقّ وَصورته فِيمَا إِذا أسلم الْأَسير ثمَّ اخْتَار الإِمَام فِيهِ الرّقّ القَوْل فِيمَا تبطل بِهِ الْعِفَّة وَتبطل الْعِفَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْإِحْصَان بِوَطْء شخص وطئا حَرَامًا وَإِن لم يحد بِهِ كَوَطْء مُحرمَة برضاع أَو نسب كأخت مَمْلُوكَة لَهُ مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ لدلالته على قلَّة مبالاته بِالزِّنَا بل غشيان الْمَحَارِم أَشد من غشيان الأجنبيات وَلَا تبطل الْعِفَّة بِوَطْء حرَام فِي نِكَاح صَحِيح كَوَطْء زَوجته فِي عدَّة شُبْهَة لِأَن التَّحْرِيم عَارض يَزُول وَلَا بِوَطْء أمة وَلَده لثُبُوت النّسَب حَيْثُ حصل علوق من ذَلِك الْوَطْء مَعَ انْتِفَاء الْحَد وَلَا بِوَطْء فِي نِكَاح فَاسد كَوَطْء منكوحته بِلَا ولي أَو بِلَا شُهُود لقُوَّة الشُّبْهَة وَلَا تبطل الْعِفَّة بِوَطْء زَوجته أَو أمته فِي حيض أَو نِفَاس أَو إِحْرَام أَو صَوْم أَو اعْتِكَاف وَلَا بِوَطْء زَوجته الرَّجْعِيَّة وَلَا بِوَطْء مَمْلُوكَة لَهُ مرتدة أَو مُزَوّجَة أَو قبل الِاسْتِبْرَاء أَو مُكَاتبَة وَلَا بزنا صبي وَمَجْنُون وَلَا بِوَطْء جَاهِل بِتَحْرِيم الْوَطْء لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ ببادية بعيدَة عَن الْعلمَاء وَلَا بِوَطْء مكره وَلَا بِوَطْء مَجُوسِيّ محرما لَهُ كَأُمِّهِ بِنِكَاح أَو ملك لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد تَحْرِيمه وَلَا بمقدمات الْوَطْء فِي الْأَجْنَبِيَّة القَوْل فِي سُقُوط وَاحِد الْقَذْف بعد ثُبُوته فروع لَو زنى مقذوف قبل أَن يحد قَاذفه سقط الْحَد عَن قَاذفه لِأَن الْإِحْصَان لَا يتَيَقَّن بل يظنّ وَظُهُور الزِّنَا يخدشه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 كالشاهد ظَاهره الْعَدَالَة شهد بِشَيْء ثمَّ ظهر فسقه قبل الحكم وَلَو ارْتَدَّ لم يسْقط الْحَد عَن قَاذفه وَالْفرق بَين الرِّدَّة وَالزِّنَا أَنه يكتم مَا أمكن فَإِذا ظهر أشعر بسبق مثله لِأَن الله تَعَالَى كريم لَا يهتك السّتْر أول مرّة كَمَا قَالَه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالرِّدَّة عقيدة والعقائد لَا تخفى غَالِبا فإظهارها لَا يدل على سبق الْإخْفَاء وكالردة السّرقَة وَالْقَتْل لِأَن مَا صدر مِنْهُ لَيْسَ من جنس مَا قذف بِهِ وَمن زنى مرّة ثمَّ صلح بِأَن تَابَ وَصلح حَاله لم يعد مُحصنا أبدا وَلَو لزم الْعَدَالَة وَصَارَ من أورع خلق الله تَعَالَى وأزهدهم لِأَن الْعرض إِذا انخرم بِالزِّنَا لم يزل خلله بِمَا يطْرَأ من الْعِفَّة فَإِن قيل قد ورد التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ أُجِيب بِأَن هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة مِقْدَار الْحَد فِي الْقَاذِف (وَيحد الْحر) فِي الْقَذْف (ثَمَانِينَ) جلدَة لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} اي الْآيَة واستفيد كَونهَا فِي الْأَحْرَار من قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} اي (و) يحد (الرَّقِيق) فِيهِ وَلَو مبعضا (أَرْبَعِينَ) جلدَة بالاجماع وحد الْقَذْف أَو تعزيره يُورث كَسَائِر حُقُوق الْآدَمِيّين وَلَو مَاتَ الْمَقْذُوف مُرْتَدا قبل اسْتِيفَاء الْحَد فَالْأَوْجه أَنه لَا يسْقط بل يَسْتَوْفِيه وَارثه لَوْلَا الرِّدَّة للتشفي كَمَا فِي نَظِيره من قصاص الطّرف القَوْل فِي الْأُمُور الَّتِي يسْقط بهَا الْقَذْف (وَيسْقط حد الْقَذْف) عَن الْقَاذِف (بِثَلَاثَة) بل بِخَمْسَة (أَشْيَاء) الأول (إِقَامَة الْبَيِّنَة) على زنا الْمَقْذُوف وَتقدم أَنَّهَا أَرْبَعَة وَأَنَّهَا تكون مفصلة فَلَو شهد بِهِ دون أَرْبَعَة حدوا كَمَا فعله عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو عَفْو الْمَقْذُوف) عَن الْقَاذِف عَن جَمِيع الْحَد فَلَو عَفا عَن بعضه لم يسْقط مِنْهُ شَيْء كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الشُّفْعَة وَألْحق فِي الرَّوْضَة التَّعْزِير بِالْحَدِّ فَقَالَ إِنَّه يسْقط بِعَفْو أَيْضا وَلَو عَفا وَارِث الْمَقْذُوف على مَال سقط وَلم يجب المَال كَمَا فِي فَتَاوَى الحناطي وَلَو قذفه فَعَفَا عَنهُ ثمَّ قذفه لم يحد كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ بل يُعَزّر وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو اللّعان) أَي لعان الزَّوْج الْقَاذِف (فِي حق الزَّوْجَة) المقذوفة وَلَو مَعَ قدرته على إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا تقدم تَوْجِيهه فِي اللّعان وَالرَّابِع إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا وَالْخَامِس مَا لَو ورث الْقَاذِف الْحَد تَتِمَّة يَرث الْحَد جَمِيع الْوَرَثَة الخاصين حَتَّى الزَّوْجَيْنِ ثمَّ من بعدهمْ للسُّلْطَان كَالْمَالِ وَالْقصاص وَلَو قذف بعد مَوته هَل للزوجين حق أَو لَا وَجْهَان أوجههمَا الْمَنْع لانْقِطَاع الوصلة حَالَة الْقَذْف وَلَو عَفا بعض الْوَرَثَة عَن حَقه مِمَّا وَرثهُ من الْحَد فللباقين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 مِنْهُم اسْتِيفَاء جَمِيعه لِأَنَّهُ عَار والعار يلْزم الْوَاحِد كَمَا يلْزم الْجَمِيع وَفرق بَينه وَبَين الْقود فَإِنَّهُ إِذا عَفا بعض الْوَرَثَة عَنهُ سقط بِأَن لَهُ بَدَلا يعدل إِلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَة بِخِلَافِهِ هَذَا إِذا كَانَ الْمَقْذُوف حرا فَلَو كَانَ رَقِيقا وَاسْتحق التَّعْزِير على غير سَيّده ثمَّ مَاتَ فَهَل يَسْتَوْفِيه سَيّده أَو عصبته الْأَحْرَار أَو السُّلْطَان وُجُوه أَصَحهَا أَولهَا وللقاذف تَحْلِيف الْمَقْذُوف على عدم زِنَاهُ وَلَو مَعَ قدرته على الْبَيِّنَة عِنْد الْأَكْثَرين فَإِن حلف حد الْقَاذِف وَإِلَّا سقط عَنهُ فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره فِي حد شَارِب الْمُسكر من خمر وَغَيره وشربه من كَبَائِر الْمُحرمَات وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة وانعقد الْإِجْمَاع على تَحْرِيم الْخمر وَكَانَ الْمُسلمُونَ يشربونها فِي صدر الْإِسْلَام وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن ذَلِك كَانَ استصحابا مِنْهُم لحكم الْجَاهِلِيَّة أَو بشرع فِي إباحتها على وَجْهَيْن رجح الْمَاوَرْدِيّ الأول وَالنَّوَوِيّ الثَّانِي وَكَانَ تَحْرِيمهَا فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة بعد أحد وَقيل بل كَانَ الْمُبَاح الشّرْب لَا مَا يَنْتَهِي إِلَى السكر المزيل لِلْعَقْلِ فَإِنَّهُ حرَام فِي كل مِلَّة حَكَاهُ الْقشيرِي فِي تَفْسِيره عَن الْقفال الشَّاشِي قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَهُوَ بَاطِل لَا أصل لَهُ وَالْخمر الْمُسكر من عصير الْعِنَب وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي وُقُوع اسْم الْخمر على الأنبذة هَل هُوَ حَقِيقَة قَالَ الْمُزنِيّ وَجَمَاعَة نعم لِأَن الِاشْتِرَاك بِالصّفةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم وَهُوَ قِيَاس فِي اللُّغَة وَهُوَ جَائِز عِنْد الْأَكْثَرين وَهُوَ ظَاهر الْأَحَادِيث وَنسب الرَّافِعِيّ إِلَى الْأَكْثَر أَنه لَا يَقع عَلَيْهَا إِلَّا مجَازًا أما فِي التَّحْرِيم وَالْحَد فكالخمر كَمَا يُؤْخَذ من قَول المُصَنّف شُرُوط الْحَد فِي شرب الْخمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 (وَمن شرب) أَي من الْمُكَلّفين الْمُلْتَزم للْأَحْكَام مُخْتَارًا لغير ضَرُورَة عَالما بِالتَّحْرِيمِ (خمرًا) وَهِي المتخذة من عصير الْعِنَب كَمَا مر (أَو) شرب (شرابًا مُسكرا) غير الْخمر كالأنبذة المتخذة من تمر أَو رطب أَو زبيب أَو شعير أَو ذرة أَو نَحْو ذَلِك (يحد) الْحر (أَرْبَعِينَ) جلدَة لما فِي مُسلم عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال أَرْبَعِينَ وَيحد الرَّقِيق وَلَو مبعضا عشْرين لِأَنَّهُ حد يَتَبَعَّض فتنصف على الرَّقِيق كَحَد الزِّنَا تَنْبِيه لَو تعدد الشّرْب كفي مَا ذكر وَحَدِيث الْأَمر بقتل الشَّارِب فِي الرَّابِعَة مَنْسُوخ بِالْإِجْمَاع القَوْل فِي ضَابِط معنى الْخمر تَنْبِيه كل شراب أسكر كَثِيره حرم هُوَ وقليله وحد شَاربه لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل شراب أسكرع فَهُوَ حرَام وروى مُسلم خبر كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام وَإِنَّمَا حرم الْقَلِيل وحد شَاربه إِن كَانَ لَا يسكر حسما لمادة الْفساد كَمَا حرم تَقْبِيل الْأَجْنَبِيَّة وَالْخلْوَة بهَا لافضائه إِلَى الْوَطْء الْمحرم وَلِحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم من شرب الْخمر فاجلدوه وَقيس بِهِ شرب النَّبِيذ وَخرج بالشرب الحقنة بِهِ بِأَن أدخلهُ دبره والسعوط بِأَن أدخلهُ أَنفه فَلَا حد بذلك لِأَن الْحَد للزجر وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ هُنَا وبالشراب الْمَفْهُوم من شرب النَّبَات قَالَ الدَّمِيرِيّ كالحشيشة الَّتِي يأكلها الحرافيش وَنقل الشَّيْخَانِ فِي بَاب الْأَطْعِمَة عَن الرَّوْيَانِيّ أَن أكلهَا حرَام وَلَا حد فِيهَا وبالمكلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون لرفع المقلم عَنْهُمَا وبالملتزم الْحَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَالذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَا يلْتَزم بِالذِّمةِ مَا لَا يَعْتَقِدهُ وبالمختار المصبوب فِي حلقه قهرا وَالْمكْره على شربه لحَدِيث رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَبِغير ضَرُورَة مَا لَو غص أَي شَرق بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فأساغها بهَا فَلَا حد عَلَيْهِ لوُجُوب شربهَا إنقاذا للنَّفس من الْهَلَاك والسلامة بذلك قَطْعِيَّة بِخِلَاف الدَّوَاء وَهُوَ رخصَة وَاجِبَة فَلَو وجد غَيرهَا وَلَو بولا حرم إساغتها بِالْخمرِ وَوَجَب حَده وبعالم بِالتَّحْرِيمِ من جهل كَونهَا خمرًا فَشربهَا ظَانّا كَونهَا شرابًا لَا يسكر لم يحد للْعُذْر وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة مُدَّة السكر كالمغمى عَلَيْهِ وَلَو قَالَ السَّكْرَان بعد الإصحاء كنت مكْرها أَو لم أعلم أَن الَّذِي شربته مُسكرا صدق بِيَمِينِهِ قَالَه فِي الْبَحْر فِي كتاب الطَّلَاق وَلَو قرب إِسْلَامه فَقَالَ جهلت تَحْرِيمهَا لم يحد لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 من نَشأ فِي بِلَاد الْإِسْلَام أَو لَا وَلَو قَالَ علمت تَحْرِيمهَا وَلَكِن جهلت الْحَد بشربها حد لِأَن من حَقه إِذا علم التَّحْرِيم أَن يمْتَنع وَيحد بدردي مُسكر وَلَا يحد بشربه فِيمَا اسْتهْلك فِيهِ وَلَا بِخبْز عجن دقيقه بِهِ لِأَن عين الْمُسكر أَكلته النَّار وَبَقِي الْخبز متنجسا وَلَا معجون هُوَ فِيهِ لاستهلاكه وَلَا بِأَكْل لحم طبخ بِهِ بِخِلَاف مرقه إِذا شربه أَو غمس فِيهِ أَو ثرد بِهِ فَإِنَّهُ يحد لبَقَاء عينه القَوْل فِي حُرْمَة التدواي بِالْخمرِ وَيحرم تنَاول الْخمر لدواء وعطش أما تَحْرِيم الدَّوَاء بهَا فَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بهَا قَالَ إِنَّه لَيْسَ بدواء وَلكنه دَاء وَالْمعْنَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سلب الْخمر مَنَافِعهَا حِين حرمهَا وَمَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن من أَن فِيهَا مَنَافِع للنَّاس إِنَّمَا هُوَ قبل تَحْرِيمهَا وَإِن سلم بَقَاء الْمَنْفَعَة فتحريمها مَقْطُوع بِهِ وَحُصُول الشِّفَاء بهَا مظنون فَلَا يقوى على إِزَالَة الْمَقْطُوع بِهِ وَأما تَحْرِيمهَا للعطش فَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلهُ بل يزِيدهُ لِأَن طبعها حَار يَابِس كَمَا قَالَه أهل الطِّبّ وشربها لدفع الْجُوع كشربها لدفع الْعَطش هَذَا إِذا تداوى بصرفها أما الترياق المعجون بهَا وَنَحْوه مِمَّا تستهلك فِيهِ فَيجوز التَّدَاوِي بِهِ عِنْد فقد مَا يقوم مقَامه مِمَّا يحصل بِهِ التَّدَاوِي من الطاهرات كالتداوي بِنَجس كلحم حَيَّة وَبَوْل وَلَو كَانَ التَّدَاوِي بذلك لتعجيل شِفَاء بِشَرْط إِخْبَار طَبِيب مُسلم عدل بذلك أَو مَعْرفَته للتداوي بِهِ والند بِالْفَتْح المعجون بِخَمْر لَا يجوز بَيْعه لنجاسته وَيجوز تنَاول مَا يزِيل الْعقل من غير الْأَشْرِبَة لقطع عُضْو متآكل أما الْأَشْرِبَة فَلَا يجوز تعاطيها لذَلِك وأصل الْجلد أَن يكون بِسَوْط أَو يَد أَو نعال أَو أَطْرَاف ثِيَاب لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يضْرب بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَفِي البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسكران فَأمر بضربه فمنا من ضربه بِيَدِهِ وَمنا من ضربه بنعله وَمنا من ضربه بِثَوْبِهِ القَوْل فِي جَوَاز الزِّيَادَة عَن أَرْبَعِينَ (وَيجوز) للْإِمَام (أَن يبلغ بِهِ) أَي الشَّارِب الْحر (ثَمَانِينَ) على الْأَصَح الْمَنْصُوص لما رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ وَعمر ثَمَانِينَ وكل سنة وَهَذَا أحب إِلَيّ لِأَنَّهُ إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 هذى افترى وحد الافتراء ثَمَانُون وَالزِّيَادَة على الْأَرْبَعين فِي الْحر وعَلى الْعشْرين فِي غَيره (على وَجه التَّعْزِير) لِأَنَّهَا لَو كَانَت حدا لما جَازَ تَركهَا وَقيل حد لِأَن التَّعْزِير لَا يكون إِلَّا عَن جِنَايَة مُحَققَة وَاعْترض الأول بِأَن وضع التَّعْزِير النَّقْص عَن الْحَد فَكيف يُسَاوِيه وَأجِيب بِأَنَّهُ لجنايات تولدت من الشَّارِب وَلِهَذَا اسْتحْسنَ تَعْبِير الْمِنْهَاج بتعزيرات على تَعْبِير الْمُحَرر بتعزير قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَيْسَ هَذَا الْجَواب شافيا فَإِن الْجِنَايَات لم تتَحَقَّق حَتَّى يُعَزّر والجنايات الَّتِي تتولد من الْخمر لَا تَنْحَصِر فلتجز الزِّيَادَة على الثَّمَانِينَ وَقد منعوها قَالَ وَفِي قصَّة تَبْلِيغ الصَّحَابَة الضَّرْب ثَمَانِينَ أَلْفَاظ مشعرة بِأَن الْكل حد وَعَلِيهِ فحد الشَّارِب مَخْصُوص من بَين سَائِر الْحُدُود بِأَن يتحتم بعضه وَيتَعَلَّق بعضه بِاجْتِهَاد الإِمَام اه وَالْمُعْتَمد أَنَّهَا تعزيرات وَإِنَّمَا لم تجز الزِّيَادَة اقتصارا على مَا ورد بِمَ يجب حد الْخمر (وَيجب عَلَيْهِ) أَي الشَّارِب الْمُقَيد بِمَا تقدم (الْحَد بِأحد أَمريْن) إِمَّا (بِالْبَيِّنَةِ) وَهِي شَهَادَة رجلَيْنِ أَنه شرب خمرًا أَو شرب مِمَّا شرب مِنْهُ غَيره فَسَكِرَ مِنْهُ (أَو الْإِقْرَار) بِمَا ذكر لِأَن كلا من الْبَيِّنَة وَالْإِقْرَار حجَّة شَرْعِيَّة فَلَا يحد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْبَيِّنَة نَاقِصَة وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لما مر فِي قطع السّرقَة وَلَا برِيح خمر وسكر وقيء لاحْتِمَال أَن يكون شرب غالطا أَو مكْرها وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسْتَوْفِيه القَاضِي بِعِلْمِهِ على الصَّحِيح بِنَاء على أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى نعم سيد العَبْد يَسْتَوْفِيه بِعِلْمِهِ لإِصْلَاح ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة تَفْصِيل بل يَكْفِي الْإِطْلَاق فِي إِقْرَار من شخص بِأَنَّهُ شرب خمرًا وَفِي شَهَادَة بِشرب مُسكر شرب فلَان خمرًا وَلَا يحْتَاج أَن يَقُول وَهُوَ مُخْتَار عَالم لِأَن الأَصْل عدم الْإِكْرَاه وَالْغَالِب من حَال الشَّارِب علمه بِمَا يشربه فَنزل الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَيقبل رُجُوعه عَن الْإِقْرَار لِأَن كل مَا لَيْسَ من حق آدَمِيّ يقبل الرُّجُوع فِيهِ القَوْل فِي وَقت حد السَّكْرَان تَتِمَّة لَا يحد حَال سكره لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الردع والزجر والتنكيل وَذَلِكَ لَا يحصل مَعَ السكر بل يُؤَخر وجوبا إِلَى إِفَاقَته ليرتدع فَإِن حد قبلهَا فَفِي الِاعْتِدَاد بِهِ وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ الِاعْتِدَاد بِهِ وسوط الْحُدُود أَو التعازير بَين قضيب وَهُوَ الْغُصْن وعصا غير معتدلة وَبَين رطب ويابس بِأَن يكون معتدل الجرم والرطوبة لِلِاتِّبَاعِ وَلم يصرحوا بِوُجُوب هَذَا وَلَا بندبه وَقَضِيَّة كَلَامهم الْوُجُوب كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ وَيفرق الضَّرْب على الْأَعْضَاء فَلَا يجمعه فِي مَوضِع وَاحِد لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك ويجتنب الْمقَاتل وَهِي مَوَاضِع يسْرع الْقَتْل إِلَيْهَا بِالضَّرْبِ كقلب وثغرة نحر وَفرج ويجتنب الْوَجْه أَيْضا فَلَا يضْربهُ لخَبر مُسلم إِذا ضرب أحدكُم فليتق الْوَجْه وَلِأَنَّهُ مجمع المحاسن فيعظم أثر شينه بِخِلَاف الرَّأْس فَإِنَّهَا مغطاة غَالِبا فَلَا يخَاف تشويهه بِالضَّرْبِ بِخِلَاف الْوَجْه وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ للجلاد اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس وَلَا تشد يَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 المجلود وَلَا تجرد ثِيَابه الْخَفِيفَة أما مَا يمْنَع كالجبة المحشوة فتنزع عَنهُ مُرَاعَاة لمقصود الْحَد ويوالي الضَّرْب عَلَيْهِ بِحَيْثُ يحصل زجر وتنكيل فَلَا يجوز أَن يفرق على الْأَيَّام والساعات لعدم الإيلام الْمَقْصُود فِي الْحُدُود وَبِمَ يضْبط التَّفْرِيق الْجَائِز وَغَيره قَالَ الإِمَام إِن لم يحصل فِي كل دفْعَة ألم لَهُ وَقع كسوط أَو سوطين فِي كل يَوْم فَهَذَا لَيْسَ بِحَدّ وَإِن آلم أَو أثر لما لَهُ وَقع فَإِن لم يَتَخَلَّل زمن يَزُول فِيهِ الْأَلَم الأول كفى وَإِن تخَلّل لم يكف على الْأَصَح وَيكرهُ إِقَامَة الْحُدُود والتعازير فِي الْمَسْجِد كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخَانِ فِي أدب الْقَضَاء فصل فِي حد السّرقَة الْوَاجِب بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع وَهِي لُغَة أَخذ المَال خُفْيَة وَشرعا أَخذه خُفْيَة ظلما من حرز مثله بِشُرُوط تَأتي وَلما نظم أَبُو الْعَلَاء المعري الْبَيْت الَّذِي شكك بِهِ على أهل الشَّرِيعَة فِي الْفرق بَين الدِّيَة وَالْقطع فِي السّرقَة وَهُوَ يَد بِخمْس مئين عسجد وديت مَا بالها قطعت فِي ربع دِينَار أَجَابَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي بقوله وقاية النَّفس أغلاها وأرخصها وقاية المَال فَافْهَم حِكْمَة الْبَارِي وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لما سُئِلَ عَن هَذَا لما كَانَت أمينة كَانَت ثمنية فَلَمَّا خانت هَانَتْ وأركان الْقطع ثَلَاثَة مَسْرُوق وسرقة وسارق وَالْمُصَنّف اقْتصر على السَّارِق والمسروق فَقَالَ (وتقطع يَد السَّارِق) والسارقة وَلَو ذميين ورقيقين (بِسِتَّة) بل بِعشْرَة (شَرَائِط) كَمَا ستعرفه وَمرَاده بِالشّرطِ هُنَا مَا لَا بُد مِنْهُ الشَّامِل للركن وَغَيره لِأَنَّهُ ذكر من جُمْلَتهَا الْمَسْرُوق وَهُوَ أحد الْأَركان كَمَا مر الأول (أَن يكون) السَّارِق (بَالغا) فَلَا يقطع صبي لعدم تَكْلِيفه (و) الثَّانِي أَن يكون (عَاقِلا) فَلَا يقطع مَجْنُون لما ذكر (و) الثَّالِث وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ أَنه من الْأَركان (أَن يسرق نِصَابا) وَهُوَ ربع دِينَار فَأكْثر وَلَو كَانَ الرّبع لجَماعَة اتَّحد حرزهم لخَبر مُسلم لَا تقطع يَد سَارِق إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا وَأَن يكون خَالِصا لِأَن الرّبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 الْمَغْشُوش لَيْسَ بِربع دِينَار حَقِيقَة فَإِن كَانَ فِي الْمَغْشُوش بِربع خَالص وَجب الْقطع وَمثل ربع الدِّينَار مَا قِيمَته ربع دِينَار لِأَن الأَصْل فِي التَّقْوِيم هُوَ الذَّهَب الْخَالِص حَتَّى لَو سرق دَرَاهِم أَو غَيرهَا قومت بِهِ وَتعْتَبر (قِيمَته ربع دِينَار) وَقت الْإِخْرَاج من الْحِرْز فَلَو نقصت قِيمَته بعد ذَلِك لم يسْقط الْقطع وعَلى أَن التَّقْوِيم يعْتَبر بالمضروب لَو سرق ربع دِينَار مسبوكا أَو حليا أَو نَحوه كقراضة لَا تَسَاوِي ربعا مَضْرُوبا فَلَا قطع بِهِ وَإِن ساواه غير مَضْرُوب لِأَن الْمَذْكُور فِي الْخَبَر لفظ الدِّينَار وَهُوَ اسْم للمضروب وَلَا يقطع بِخَاتم وَزنه دون ربع وَقِيمَته بالصنعة ربع نظرا إِلَى الْوَزْن الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي الذَّهَب وَلَا بِمَا نقص قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز عَن نِصَاب بِأَكْل أَو غَيره كإحراق لانْتِفَاء كَون الْمخْرج نِصَابا وَلَا بِمَا دون نصابين اشْترك اثْنَان فِي إِخْرَاجه لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يسرق نِصَابا وَيقطع بِثَوْب رث فِي جيبه تَمام نِصَاب وَإِن جَهله السَّارِق لِأَنَّهُ أخرج نِصَابا من حرز بِقصد السّرقَة وَالْجهل بِجِنْسِهِ لَا يُؤثر كالجهل بِصفتِهِ وبنصاب ظَنّه فَلَو مَالا يُسَاوِيه لذَلِك وَلَا أثر لظَنّه وَالرَّابِع أَن يَأْخُذهُ (من حرز مثله) فَلَا قطع بِسَرِقَة مَا لَيْسَ محرزا لخَبر أبي دَاوُد لَا قطع فِي شَيْء من الْمَاشِيَة إِلَّا فِيمَا آواه المراح وَلِأَن الْجِنَايَة تعظم بمخاطرة أَخذه من الْحِرْز فَحكم بِالْقطعِ زجرا بِخِلَاف مَا إِذا جرأه الْمَالِك ومكنه بتضييعه والإحراز يكون بلحاظ لَهُ بِكَسْر اللَّام دَائِما أَو حصانة مَوْضِعه مَعَ لحاظ لَهُ والمحكم فِي الْحِرْز الْعرف فَإِنَّهُ لم يحد فِي الشَّرْع وَلَا اللُّغَة فَرجع فِيهِ إِلَى الْعرف كَالْقَبْضِ والإحياء وَلَا شكّ أَنه يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال وَالْأَحْوَال والأوقات فقد يكون الشَّيْء حرْزا فِي وَقت دون وَقت بِحَسب صَلَاح أَحْوَال النَّاس وفسادها وَقُوَّة السُّلْطَان وَضَعفه وَضَبطه الْغَزالِيّ بِمَا لَا يعد صَاحبه مضيعا لَهُ فعرصة دَار وصفتها حرز خسيس آنِية وَثيَاب أما نفيسها فحرزه بيُوت الدّور والخانات والأسواق المنيعة ومخزن حرز حلي وَنقد وَنَحْوهمَا ونوم بِنَحْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 صحراء كمسجد وشارع على مَتَاع وَلَو توسده حرز لَهُ وَمحله فِي توسده فِيمَا يعد التوسد حرْزا لَهُ وَإِلَّا كَأَن توسد كيسا فِيهِ نقد أَو جَوْهَر فَلَا يكون حرْزا لَهُ كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَيقطع بنصاب انصب من وعَاء بنقبه لَهُ وَإِن انصب شَيْئا فَشَيْئًا لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرزه وبنصاب أخرجه دفعتين بِأَن تمّ فِي الثَّانِيَة لذَلِك فَإِن تخَلّل بَينهمَا علم الْمَالِك وإعادة الْحِرْز فالثانية سَرقَة أُخْرَى فَلَا قطع فِيهَا إِن كَانَ الْمخْرج فِيهَا دون نِصَاب وَالْخَامِس كَون السَّارِق (لَا ملك لَهُ فِيهِ) أَي الْمَسْرُوق فَلَا قطع بِسَرِقَة مَاله الَّذِي بيد غَيره وَإِن كَانَ مَرْهُونا أَو مؤجرا وَلَو سرق مَا اشْتَرَاهُ من يَد غَيره وَلَو قبل تَسْلِيم الثّمن أَو فِي زمن الْخِيَار أَو سرق مَا اتهبه قبل قَبضه لم يقطع فيهمَا وَلَو سرق مَعَ مَا اشْتَرَاهُ مَالا آخر بعد تَسْلِيم الثّمن لم يقطع كَمَا فِي الرَّوْضَة وَلَو سرق الْمُوصى لَهُ بِهِ قبل موت الْمُوصي أَو بعده وَقبل الْقبُول قطع فِي الصُّورَتَيْنِ أما الأولى فَلِأَن الْقبُول لم يقْتَرن بِالْوَصِيَّةِ وَأما فِي الثَّانِيَة فبناء على أَن الْملك فِيهَا لَا يحصل بِالْمَوْتِ فَإِن قيل قد مر أَنه لَا يقطع بِالْهبةِ بعد الْقبُول وَقبل الْقَبْض فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن الْمُوصي لَهُ مقصر بِعَدَمِ الْقبُول مَعَ تمكنه مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَة فَإِنَّهُ قد لَا يتَمَكَّن من الْقَبْض وَأَيْضًا الْقبُول وجد ثمَّ وَلم يُوجد هُنَا وَلَو سرق الْمُوصي بِهِ فَقير بعد موت الْمُوصي وَالْوَصِيَّة للْفُقَرَاء لم يقطع كسرقة المَال الْمُشْتَرك بِخِلَاف مَا لَو سَرقه الْغَنِيّ تَنْبِيه لَو ملك السَّارِق الْمَسْرُوق أَو بعضه بِإِرْث أَو غَيره كَشِرَاء قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز أَو نقص فِي الْحِرْز عَن نِصَاب بِأَكْل بعضه أَو غَيره كإحراقه لم يقطع أما فِي الأولى فَلِأَنَّهُ مَا أخرج إِلَّا ملكه وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ لم يخرج من الْحِرْز نِصَابا وَلَو ادّعى السَّارِق ملك الْمَسْرُوق أَو بعضه لم يقطع على النَّص لاحْتِمَال صدقه فَصَارَ شُبْهَة دارئة للْقطع ويروى عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سَمَّاهُ السَّارِق الظريف أَي الْفَقِيه وَلَو سرق اثْنَان مثلا نصابين وَادّعى الْمَسْرُوق أَحدهمَا أَنه لَهُ أَولهمَا فكذبه الآخر لم يقطع الْمُدَّعِي لما مر وَقطع الآخر فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أقرّ بِسَرِقَة نِصَاب لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ وَإِن سرق من حرز شَرِيكه مَالا مُشْتَركا بَينهمَا فَلَا قطع بِهِ وَإِن قل نصِيبه لِأَن لَهُ فِي كل جُزْء حَقًا شَائِعا وَذَلِكَ شُبْهَة فَأشبه من وطىء الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة (و) السَّادِس كَون السَّارِق (لَا شُبْهَة لَهُ فِي مَال الْمَسْرُوق مِنْهُ) لحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 ادرؤوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم صحّح الْحَاكِم إِسْنَاده سَوَاء فِي ذَلِك شُبْهَة الْملك كمن سرق مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره كَمَا مر أَو شُبْهَة الْفَاعِل كمن أَخذ مَالا على صُورَة السّرقَة يظنّ أَنه ملكه أَو ملك أَصله أَو فَرعه أَو شُبْهَة الْمحل كسرقة الابْن مَال أحد أُصُوله أَو أحد الْأُصُول مَال فَرعه وَإِن سفل لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد وَإِن اخْتلف دينهما كَمَا بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين وَلِأَن مَال كل مِنْهُمَا مرصد لحَاجَة الآخر وَمِنْهَا أَن لَا تقطع يَده بِسَرِقَة ذَلِك المَال بِخِلَاف سَائِر الْأَقَارِب وَسَوَاء أَكَانَ السَّارِق مِنْهُمَا حرا أم رَقِيقا كَمَا صرح بِهِ الزَّرْكَشِيّ تفقها مؤيدا لَهُ بِمَا ذَكرُوهُ من أَنه لَو وطىء الرَّقِيق أمة فَرعه لم يحد للشُّبْهَة وَلَا قطع أَيْضا بِسَرِقَة رَقِيق مَال سَيّده بِالْإِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر ولشبهة اسْتِحْقَاق النَّفَقَة وَيَده كيد سَيّده والمبعض كالقن وَكَذَا الْمكَاتب لِأَنَّهُ قد يعجز فَيصير كَمَا كَانَ لَا يقطع العَبْد بِمَال لَا يقطع بِهِ سَيّده قَاعِدَة من لَا يقطع بِمَال لَا يقطع بِهِ رَقِيقه فَكَمَا لَا يقطع الأَصْل بِسَرِقَة مَال الْفَرْع بِالْعَكْسِ لَا يقطع أَحدهمَا بِسَرِقَة مَال الآخر لَا يقطع السَّيِّد بِسَرِقَة مَال مكَاتبه لما مر لَا بِمَال ملكه الْمبعض بِبَعْضِه الْحر كَمَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ لِأَن ملكه بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَة لجَمِيع بدنه فَصَارَ شُبْهَة لَا يقطع بِطَعَام سَرقَة زمن الْقَحْط فروع لَو سرق طَعَاما زمن الْقَحْط وَلم يقدر عَلَيْهِ لم يقطع وَكَذَا من أذن لَهُ فِي الدُّخُول إِلَى دَار أَو حَانُوت لشراء أَو غَيره فَسرق كَمَا رَجحه ابْن الْمقري وَيقطع بِسَرِقَة حطب وحشيش وَنَحْوهمَا كصيد لعُمُوم الْأَدِلَّة وَلَا أثر لكَونهَا مُبَاحَة الأَصْل وَيقطع بِسَرِقَة معرض للتلف كهريسة وفواكه وَبقول لذَلِك وبماء وتراب ومصحف وَكتب علم شَرْعِي مَا يتَعَلَّق بِهِ وَكتب شعر نَافِع مُبَاح لما مر فَإِن لم يكن نَافِعًا مُبَاحا قوم الْوَرق وَالْجَلد فَإِن بلغا نِصَابا قطع وَإِلَّا فَلَا لَا يقطع المكرة على السّرقَة وَالسَّابِع كَونه مُخْتَارًا فَلَا يقطع الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء على السّرقَة لرفع الْقَلَم عَنهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَلَا يقطع الْمُكْره بِكَسْرِهَا أَيْضا نعم لَو كَانَ الْمُكْره بِالْفَتْح غير مُمَيّز لعجمة أَو غَيرهَا قطع الْمُكْره لَهُ وَالثَّامِن كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا يقطع حَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَيقطع مُسلم وذمي بِمَال مُسلم وذمي أما قطع الْمُسلم بِمَال الْمُسلم فبالاجماع وَأما قطعه بِمَال الذِّمِّيّ فعلى الْمَشْهُور لِأَنَّهُ مَعْصُوم بِذِمَّتِهِ وَلَا يقطع مُسلم وَلَا ذمِّي بِمَال معاهد وَمُؤمن كَمَا لَا يقطع الْمعَاهد وَالْمُؤمن بِسَرِقَة مَال ذمِّي أَو مُسلم لِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْأَحْكَام فَأشبه الْحَرْبِيّ وَالتَّاسِع كَونه مُحْتَرما فَلَو أخرج مُسلم أَو ذمِّي خمرًا وَلَو مُحْتَرمَة وخنزيرا وكلبا وَلَو مقتنى وَجلد ميت بِلَا دبغ فَلَا قطع لِأَن مَا ذكر لَيْسَ بِمَال أما المدبوغ فَيقطع بِهِ حَتَّى لَو دبغه السَّارِق فِي الْحِرْز ثمَّ أَخّرهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَاب سَرقَة فَإِنَّهُ يقطع بِهِ إِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ للْمَغْصُوب مِنْهُ إِذا دبغه الْغَاصِب وَهُوَ الْأَصَح وَمثله كَمَا قَالَ البُلْقِينِيّ إِذا صَار الْخمر خلا بعد وضع السَّارِق يَده عَلَيْهِ وَقبل إِخْرَاجه من الْحِرْز فَإِن بلغ إِنَاء الْخمر نِصَابا قطع بِهِ لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرز لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ كَمَا إِذا سرق إِنَاء فِيهِ بَوْل فَإِنَّهُ يقطع بِاتِّفَاق كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره هَذَا إِذا قصد بِإِخْرَاج ذَلِك السّرقَة أما إِذا قصد تغييرها بِدُخُولِهِ أَو بإخراجها فَلَا قطع وَسَوَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 أخرجهَا فِي الأولى أَو دخل فِي الثَّانِيَة بِقصد السّرقَة أم لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّوْض فيهمَا وَكَلَام أَصله فِي الثَّانِيَة وَلَا قطع فِي أَخذ مَا سلط الشَّرْع على كَسره كمزمار وصنم وصليب وطنبور لِأَن التَّوَصُّل إِلَى إِزَالَة الْمعْصِيَة مَنْدُوب إِلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَة كإراقة الْخمر فَإِن بلغ مكسره نِصَابا قطع لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرزه هَذَا إِذا لم يقْصد التَّغْيِير كَمَا فِي الرَّوْضَة فَإِن قصد بِإِخْرَاجِهِ تيَسّر تَغْيِير فَلَا قطع وَلَا فرق بَين أَن يكون لمُسلم أَو ذمِّي وَيقطع بِسَرِقَة مَا لَا يحل الِانْتِفَاع بِهِ من الْكتب إِذا كَانَ الْجلد والقرطاس يبلغ نِصَابا وبسرقة إِنَاء النَّقْد لِأَن اسْتِعْمَاله يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة إِلَّا إِن أخرجه من الْحِرْز ليشهره بِالْكَسْرِ وَلَو كسر إِنَاء الْخمر والطنبور وَنَحْوه أَو إِنَاء النَّقْد فِي الْحِرْز ثمَّ أخرجه قطع إِن بلغ نِصَابا كَحكم الصَّحِيح والعاشر كَون الْملك فِي النّصاب تَاما قَوِيا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فَلَا يقطع مُسلم بِسَرِقَة حصر الْمَسْجِد الْمعدة للاستعمال وَلَا سَائِر مَا يفرش فِيهِ وَلَا قناديل تسرج فِيهِ لِأَن ذَلِك لمصْلحَة الْمُسلمين فَلهُ فِيهِ حق كَمَال بَيت المَال وَخرج بالمعدة حصر الزِّينَة فَيقطع فِيهَا كَمَا قَالَه ابْن الْمقري وبالمسلم الذِّمِّيّ فَيقطع لعدم الشُّبْهَة وَيَنْبَغِي أَن يكون بلاط الْمَسْجِد كحصره الْمعدة للاستعمال وَيقطع الْمُسلم بِسَرِقَة بَاب الْمَسْجِد وجذعه وتأزيره وسواريه وسقوفه وقناديل زِينَة فِيهِ لِأَن الْبَاب للتحصين والجذع وَنَحْوه للعمارة وَلعدم الشُّبْهَة فِي الْقَنَادِيل وَيلْحق بِهَذَا ستر الْكَعْبَة إِن خيط عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحرز وَيَنْبَغِي أَن يكون ستر الْمِنْبَر كَذَلِك إِن خيط عَلَيْهِ وَلَو سرق الْمُسلم من مَال بَيت المَال شَيْئا نظر إِن أفرز لطائفة كذوي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين وَكَانَ مِنْهُم أَو أَصله أَو فَرعه فَلَا قطع وَإِن أفرز لطائفة لَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَلَا أَصله وَلَا فَرعه قطع إِذْ لَا شُبْهَة لَهُ فِي ذَلِك وَإِن لم يفرز لطائفة فَإِن كَانَ لَهُ حق فِي الْمَسْرُوق كَمَال الْمصَالح سَوَاء أَكَانَ فَقِيرا أم غَنِيا وكصدقة وَهُوَ فَقير أَو غَارِم لذات الْبَين أَو غاز فَلَا يقطع فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أما فِي الأولى فَلِأَن لَهُ حَقًا وَإِن كَانَ غَنِيا كَمَا مر لِأَن ذَلِك قد يصرف فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والرباطات والقناطر فينتفع بِهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير من الْمُسلمين لِأَن ذَلِك مَخْصُوص بهم بِخِلَاف الذِّمِّيّ يقطع بذلك وَلَا نظر إِلَى إِنْفَاق الإِمَام عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْفق عَلَيْهِ للضَّرُورَة وبشرط الضَّمَان كَمَا ينْفق على الْمُضْطَر بِشَرْط الضَّمَان وانتفاعه بالقناطر والرباطات بالتبعية من حَيْثُ إِنَّه قاطن بدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 الْإِسْلَام لَا لاختصاصه بِحَق فِيهَا وَأما فِي الثَّانِيَة فلاستحقاقه بِخِلَاف الْغَنِيّ فَإِنَّهُ يقطع لعدم اسْتِحْقَاقه إِلَّا إِذا كَانَ غازيا أَو غارما لذات الْبَين فَلَا يقطع لما مر فَإِن لم يكن لَهُ فِي بَيت المَال حق قطع لانْتِفَاء التّبعِيَّة فرع لَو سرق شخص الْمُصحف الْمَوْقُوف عَن الْقِرَاءَة لم يقطع إِذا كَانَ قَارِئًا لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا وَكَذَا إِن كَانَ غير قارىء لِأَنَّهُ رُبمَا تعلم مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَو يَدْفَعهُ إِلَى من يقْرَأ فِيهِ لاستماع الْحَاضِرين وَيقطع بموقوف على غَيره لِأَنَّهُ مَال مُحرز وَلَو سرق مَالا مَوْقُوفا على الْجِهَات الْعَامَّة أَو على وُجُوه الْخَيْر لم يقطع وَإِن كَانَ السَّارِق ذِمِّيا لِأَنَّهُ تبع للْمُسلمين تَعْرِيف السّرقَة تَنْبِيه قد تقدم أَن المُصَنّف ترك الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ السّرقَة وَهِي أَخذ المَال خُفْيَة كَمَا مر وَحِينَئِذٍ لَا يقطع مختلس وَهُوَ من يعْتَمد الْهَرَب من غير غَلَبَة مَعَ مُعَاينَة الْمَالِك وَلَا منتهب وَهُوَ من يَأْخُذ عيَانًا مُعْتَمدًا على الْقُوَّة وَالْغَلَبَة وَلَا مُنكر وَدِيعَة وعارية لحَدِيث لَيْسَ على المختلس والمنتهب والخائن قطع صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَفرق من حَيْثُ الْمَعْنى بَينهم وَبَين السَّارِق بِأَن السَّارِق يَأْخُذ المَال خُفْيَة وَلَا يَتَأَتَّى مَنعه فشرع الْقطع زجرا لَهُ وَهَؤُلَاء يقصدونه عيَانًا فَيمكن مَنعهم بالسلطان وَغَيره كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره وَلَعَلَّ هَذَا حكم على الْأَغْلَب وَإِلَّا فالجاحد لَا يقْصد الْأَخْذ عِنْد جحوده عيَانًا فَلَا يُمكن مَنعه بسُلْطَان وَلَا بِغَيْرِهِ وفروع الْبَاب كَثِيرَة وَمحل ذكرهَا المبسوطات وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة لقارىء هَذَا الْكتاب (وتقطع يَده) أَي السَّارِق (الْيُمْنَى) قَالَ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} اي وقرىء شاذا فَاقْطَعُوا أيمانهما وَالْقِرَاءَة الشاذة كَخَبَر الْوَاحِد فِي الِاحْتِجَاج بهَا ويكتفي بِالْقطعِ وَلَو كَانَت مَعِيبَة كفاقدة الْأَصَابِع أَو زائدتها لعُمُوم الْآيَة وَلِأَن الْغَرَض التنكيل بِخِلَاف الْقود فَإِنَّهُ مَبْنِيّ على الْمُمَاثلَة كَمَا مر أَو سرق مرَارًا قبل قطعهَا لِاتِّحَاد السَّبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 كَمَا لَو زنى أَو شرب مرَارًا يَكْتَفِي بِحَدّ وَاحِد وكاليد الْيُمْنَى فِي ذَلِك غَيرهَا كَمَا هُوَ ظَاهر وانعقد الْإِجْمَاع على قطعهَا (من مفصل الْكُوع) بِضَم الْكَاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي فِي مفصل الْكَفّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَام وَمَا يَلِي الْخِنْصر اسْمه الكرسوع والبوع هُوَ الْعظم الَّذِي عِنْد أصل إِبْهَام الرجل وَمِنْه قَوْلهم الغبي من لَا يعرف كوعه من بوعه أَي مَا يدْرِي لغباوته مَا اسْم الْعظم الَّذِي عِنْد كل إِبْهَام من أصْبع يَدَيْهِ من الْعظم الَّذِي عِنْد كل إِبْهَام من رجلَيْهِ (فَإِن سرق ثَانِيًا) بعد قطع يمناه (قطعت رجله الْيُسْرَى) بعد اندمال يَده الْيُمْنَى لِئَلَّا يُفْضِي التوالي إِلَى الْهَلَاك وتقطع من الْمفصل الَّذِي بَين السَّاق والقدم لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِك (فَإِن سرق ثَالِثا) بعد قطع رجله الْيُسْرَى (قطعت يَده الْيُسْرَى) بعد اندمال رجله الْيُسْرَى لما مر (فَإِن سرق رَابِعا) بعد قطع يَده الْيُسْرَى (قطعت رجله الْيُمْنَى) بعد اندمال يَده الْيُسْرَى لما مر وَإِنَّمَا قطع من خلاف لما روى الشَّافِعِي أَن السَّارِق إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله وحكمته لِئَلَّا يفوت جنس الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ فتضعف حركته كَمَا فِي قطع الطَّرِيق لَو سرق بعد قطع أَعْضَائِهِ (فَإِن سرق بعد ذَلِك) أَي بعد قطع أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة (عزّر) على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم يبْق فِي نكاله بعد مَا ذكر إِلَّا التَّعْزِير كَمَا لَو سَقَطت أَطْرَافه أَولا (وَقيل) لَا يزجره حِينَئِذٍ تَعْزِير بل (يقتل) وَهَذَا مَا حَكَاهُ الإِمَام عَن الْقَدِيم لوروده فِي حَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة قَالَ فِي الرَّوْضَة إِنَّه مَنْسُوخ أَو مؤول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله لاستحلاله أَو لسَبَب آخر اه وَالْإِمَام أطلق حِكَايَة هَذَا القَوْل عَن الْقَدِيم كَمَا ترَاهُ وَقَيده المُصَنّف بِكَوْنِهِ (صبرا) قَالَ بعض شارحيه وَلم أره بعد التتبع فِي كَلَام وَاحِد من الْأَئِمَّة الحاكين لَهُ بل أطلقهُ من وقفت على كَلَامه مِنْهُم فَلَعَلَّ مَا قيد بِهِ المُصَنّف من تصرفه أَو لَهُ فِيهِ سلف لم أظفر بِهِ وعَلى كلا الْأَمريْنِ هُوَ مَنْصُوب على الْمصدر اه قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه الصَّبْر فِي اللُّغَة الْحَبْس وَقَتله صبرا حَبسه للْقَتْل اه وَيُوَافِقهُ قَول الْجَوْهَرِي فِي صحاحه يُقَال قتل فلَان صبرا إِذا حبس على الْقَتْل حَتَّى يقتل اه مُلَخصا القَوْل فِي حكم الْيَمين الْمَرْدُودَة تَتِمَّة هَل يثبت الْقطع فِي السّرقَة بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة أَو لَا كَأَن يَدعِي على شخص سَرقَة نِصَاب فينكل عَن الْيَمين فَترد على الْمُدَّعِي فَيحلف جرى فِي الْمِنْهَاج على أَنه يثبت بهَا فَيجب الْقطع لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ أَو الْبَيِّنَة وَالْقطع يجب بِكُل مِنْهُمَا وَالَّذِي جزم فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا فِي الْبَاب الثَّالِث فِي الْيَمين من الدَّعَاوَى وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير هُنَا أَنه لَا يقطع بهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الْقطع فِي السّرقَة حق الله تَعَالَى بل قَالَ الْأَذْرَعِيّ إِنَّه الْمَذْهَب وَالصَّوَاب الَّذِي قطع بِهِ جُمْهُور الْأَصْحَاب وَهَذَا الْخلاف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَأما المَال فَيثبت قطعا القَوْل فِيمَا يثبت بِهِ السّرقَة وَيثبت قطع السّرقَة بِإِقْرَار السَّارِق مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَلَا يشْتَرط تكْرَار الْإِقْرَار كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ الأول أَن يكون بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَو أقرّ قبلهَا لم يثبت الْقطع فِي الْحَال بل يُوقف على حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه وَالثَّانِي أَن يفصل الْإِقْرَار فيبين السّرقَة والمسروق مِنْهُ وَقدر الْمَسْرُوق والحرز بِتَعْيِين أَو وصف بِخِلَاف مَا إِذا لم يبين ذَلِك لِأَنَّهُ قد يظنّ غير السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع سَرقَة مُوجبَة لَهُ وَيقبل رُجُوعه عَن الْإِقْرَار بِالسَّرقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَلَو فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى وَمن أقرّ بِمُقْتَضى عُقُوبَة الله تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 للْقَاضِي أَن يعرض لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أقرّ بِهِ كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك فَأخذت أَو لمست أَو باشرت وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكرا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لمن أقرّ عِنْده بِالسَّرقَةِ مَا إخالك سرقت قَالَ بلَى فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأمر بِهِ فَقطع وَقَالَ لماعز لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَا يَقُول لَهُ ارْجع عَنهُ لِأَنَّهُ يكون أمرا بِالْكَذِبِ وَتثبت أَيْضا بِشَهَادَة رجلَيْنِ كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ ثَبت المَال وَلَا قطع وَيشْتَرط ذكر الشَّاهِد شُرُوط السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع كَمَا مر فِي الْإِقْرَار وَيجب على السَّارِق رد مَا أَخذه إِن كَانَ بَاقِيا لخَبر أبي دَاوُد على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه فَإِن تلف ضمنه بِبَدَلِهِ جبرا لما فَاتَ فصل فِي قَاطع الطَّرِيق الأَصْل فِيهِ آيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَقطع الطَّرِيق هُوَ البروز لأخذ مَال أَو لقتل أَو لإرعاب مُكَابَرَة واعتمادا على الْقُوَّة مَعَ الْبعد عَن الْغَوْث وَيثبت برجلَيْن لَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وقاطع الطَّرِيق مُلْزم للْأَحْكَام وَلَو سكرانا أَو ذِمِّيا مُخْتَار مخيف للطريق يُقَاوم من يبرز هوله بِأَن يُسَاوِيه أَو يغلبه بِحَيْثُ يبعد مَعَه غوث لبعد عَن الْعِمَارَة أَو ضعف فِي أَهلهَا وَإِن كَانَ البارز وَاحِدًا أَو أُنْثَى أَو بِلَا سلَاح وَخرج بالقيود الْمَذْكُورَة أضدادها فَلَيْسَ المتصف بهَا أَو بِشَيْء مِنْهَا من حَرْبِيّ وَلَو معاهدا وَصبي وَمَجْنُون ومكره ومختلس ومنتهب قَاطع طَرِيق وَقد علم مِمَّا تقرر أَنه لَا يشْتَرط فِيهِ إِسْلَام وَإِن شَرطه فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَلَو دخل جمع بِاللَّيْلِ دَارا وَمنعُوا أَهلهَا من الِاسْتِعَانَة مَعَ قُوَّة السُّلْطَان وحضوره فقطاع (وقطاع الطَّرِيق على أَرْبَعَة أَقسَام) فَقَط لِأَن الْمَوْجُود مِنْهُم إِمَّا الِاقْتِصَار على الْقَتْل أَو الْجمع بَينه وَبَين أَخذ المَال أَو الِاقْتِصَار على أَخذ المَال أَو على الإخافة ورتبها المُصَنّف على هَذَا مبتدئا بِالْأولِ فَقَالَ (إِن قتلوا) مَعْصُوما مكافئا لَهُم عمدا (وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا) حتما لِلْآيَةِ السَّابِقَة وَلِأَنَّهُم ضمُّوا إِلَى جنايتهم إخافة سَبِيل الْمُقْتَضِيَة زِيَادَة الْعقُوبَة وَلَا زِيَادَة هُنَا إِلَّا تحتم الْقَتْل فَلَا يسْقط قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَمحل تحتمه إِذا قتلوا لأخذ المَال وَإِلَّا فَلَا تحتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (فَإِن قتلوا وَأخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب السّرقَة وَقِيَاس مَا سبق اعْتِبَار الْحِرْز وَعدم الشُّبْهَة (قتلوا) حتما (وصلبوا) زِيَادَة فِي التنكيل وَيكون صلبهم بعد غسلهم وتكفينهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم وَالْغَرَض من صلبهم بعد قَتلهمْ التنكيل بهم وزجر غَيرهم ويصلب على خَشَبَة وَنَحْوهَا ثَلَاثَة أَيَّام ليشتهر الْحَال وَيتم النكال وَلِأَن لَهَا اعْتِبَارا فِي الشَّرْع وَلَيْسَ لما زَاد عَلَيْهَا غَايَة ثمَّ ينزل هَذَا إِذا لم يخف التَّغَيُّر فَإِن خيف قبل الثَّلَاثَة أنزل على الْأَصَح وَحمل النَّص فِي الثَّلَاث على زمن الْبرد والاعتدال ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّالِث بقوله (وَإِن أخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب سَرقَة بِلَا شُبْهَة من حرز مِمَّا مر بَيَانه فِي السّرقَة (وَلم يقتلُوا قطعت) بِطَلَب من الْمَالِك (أَيْديهم وأرجلهم من خلاف) بِأَن تقطع الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى دفْعَة أَو على الْوَلَاء لِأَنَّهُ حد وَاحِد فَإِن عَادوا بعد قطعهمَا ثَانِيًا قطعت الْيَد الْيُسْرَى وَالرجل الْيُمْنَى لقَوْله تَعَالَى {أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف} وَإِنَّمَا قطع من خلاف لما مر فِي السّرقَة وَقطعت الْيَد الْيُمْنَى لِلْمَالِ كالسرقة وَقيل للمحاربة وَالرجل قيل لِلْمَالِ وَقيل للمجاهرة تَنْزِيلا لذَلِك منزلَة سَرقَة ثَانِيَة وَقيل للمحاربة قَالَ العمراني وَهُوَ أشبه ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الرَّابِع بقوله (فَإِن أخافوا السَّبِيل) أَي الطَّرِيق بوقوفهم فِيهَا (وَلم يَأْخُذُوا مَالا) من الْمَارَّة (وَلم يقتلُوا) مِنْهُم أحدا (حبسوا) فِي غير موضعهم لِأَنَّهُ أحوط وأبلغ فِي الزّجر والإيحاش كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَة حِكَايَة عَن ابْن سُرَيج وَأقرهُ (وعزروا) بِمَا يرَاهُ الإِمَام من ضرب وَغَيره لارتكابهم مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة تَنْبِيه عطف المُصَنّف التَّعْزِير على الْحَبْس من عطف الْعَام على الْخَاص إِذْ الْحَبْس من جنس التَّعْزِير وَللْإِمَام تَركه إِن رَآهُ مصلحَة وَبِمَا تقرر فسر ابْن عَبَّاس الْآيَة الْكَرِيمَة فَقَالَ الْمَعْنى أَن يقتلُوا إِن قتلوا أَو يصلبوا مَعَ ذَلِك إِن قتلوا وَأخذُوا المَال أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِن اقتصروا على أَخذ المَال أَو ينفوا من الأَرْض إِن أرعبوا وَلم يَأْخُذُوا شَيْئا فَحمل كلمة أَو على التنويع لَا التَّخْيِير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} أَي قَالَت الْيَهُود كونُوا هودا وَقَالَت النَّصَارَى كونُوا نَصَارَى إِذْ لم يُخَيّر أحد مِنْهُم بَين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَقتل الْقَاطِع يغلب فِيهِ معنى الْقصاص لَا الْحَد لِأَن الأَصْل فِيمَا اجْتمع فِيهِ حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ يغلب فِيهِ حق الْآدَمِيّ لبنائه على التَّضْيِيق وَلِأَنَّهُ لَو قتل بِلَا محاربة ثَبت لَهُ الْقود فَكيف يحبط حَقه بقتْله فِيهَا فَلَا يقتل بِغَيْر كُفْء كولده وَلَو مَاتَ بِغَيْر قتل فديَة تجب فِي تركته فِي الْحر أما فِي الرَّقِيق فَتجب قِيمَته مُطلقًا وَيقتل بِوَاحِد مِمَّن قَتلهمْ وللباقين ديات فَإِن قَتلهمْ مُرَتبا قتل بِالْأولِ مِنْهُم وَلَو عَفا ولي الْقَتِيل بِمَال وَجب المَال وَقتل الْقَاتِل حدا لتحتيم قَتله وتراعى الْمُمَاثلَة فِيمَا قتل بِهِ وَلَا يتحتم غير قتل وصلب كَأَن قطع يَده فاندمل لِأَن التحتم تَغْلِيظ لحق الله تَعَالَى فاختص بِالنَّفسِ كالكفارة الظفر بِهِ (سقط عَنهُ الْحُدُود) أَي الْعُقُوبَات الَّتِي تخص الْقَاطِع من تحتم الْقَتْل والصلب وَقطع الْيَد وَالرجل لآيَة {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 القَوْل فِي حكم من تَابَ مِنْهُم (وَمن تَابَ مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي قبل تقدروا عَلَيْهِم {وَأخذُوا} من الْمُؤَاخَذَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى طُولِبَ (بالحقوق) أَي بباقيها فَلَا يسْقط عَنهُ وَلَا عَن غَيره بِالتَّوْبَةِ قَود وَلَا مَال وَلَا بَاقِي الْحُدُود من حد زنا وسرقة وَشرب خمر وَقذف لِأَن العمومات الْوَارِدَة فِيهَا لم تفصل بَين مَا قبل التَّوْبَة وَمَا بعْدهَا بِخِلَاف قَاطع الطَّرِيق نعم تَارِك الصَّلَاة كسلا يقتل حدا على الصَّحِيح وَمَعَ ذَلِك لَو تَابَ سقط الْقَتْل قطعا وَالْكَافِر إِذا زنى ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ الْحَد كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن النَّص وَلَا يرد الْمُرْتَد إِذا تَابَ حَيْثُ تقبل تَوْبَته وَيسْقط الْقَتْل لِأَنَّهُ إِذا أصر يقتل كفرا لَا حدا وَمحل عدم سُقُوط بَاقِي الْحُدُود بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِر أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَيسْقط قطعا لِأَن التَّوْبَة تسْقط أثر الْمعْصِيَة كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي بَاب السّرقَة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّوْبَة تجب مَا قبلهَا وَورد التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ تَتِمَّة التَّوْبَة لُغَة الرُّجُوع وَلَا يلْزم أَن تكون عَن ذَنْب وَعَلِيهِ حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأتوب إِلَى الله تَعَالَى فِي الْيَوْم سبعين مرّة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ عَن الِاشْتِغَال بمصالح الْخلق إِلَى الْحق قَالَ تَعَالَى {فَإِذا فرغت فانصب} وَإِنَّمَا فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك تشريعا وليفتح بَاب التَّوْبَة للْأمة ليعلمهم كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى وَقد سُئِلَ بعض أكَابِر الْقَوْم عَن قَوْله تَعَالَى {لقد تَابَ الله على النَّبِي} من أَي شَيْء فَقَالَ نبه بتوبة من لم يُذنب على تَوْبَة من أذْنب يَعْنِي بذلك أَنه لَا يدْخل أحد مقَاما من المقامات الصَّالِحَة إِلَّا تَابعا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلولا تَوْبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حصل لأحد تَوْبَة وأصل هَذِه التَّوْبَة أَخذ الْعلقَة من صَدره الْكَرِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل هَذِه حَظّ الشَّيْطَان مِنْك وَشرعا لرجوع عَن التعويج إِلَى سنَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وشروطها إِن كَانَت من حق الله تَعَالَى النَّدَم والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود وَإِن كَانَت من حُقُوق الْآدَمِيّين زيد على ذَلِك رَابِع وَهُوَ الْخُرُوج من الْمَظَالِم وَقد بسطت الْكَلَام على التَّوْبَة مَعَ ذكر جمل من النفائس الْمُتَعَلّقَة بهَا فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم والصيال هُوَ الاستطالة والوثوب وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَخبر البُخَارِيّ انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما والصائل ظَالِم فَيمْنَع من ظلمه لِأَن ذَلِك نصر ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ حكم الصَّائِل فَقَالَ (وَمن قصد) بِضَم أَوله على الْبناء للْمَفْعُول بِمَعْنى قَصده صائل من آدَمِيّ مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا عَاقِلا أَو مَجْنُونا بَالغا أَو صَغِيرا قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا أَو بَهِيمَة (بأذى) بتنوين الْمُعْجَمَة أَي بِمَا يُؤْذِيه (فِي نَفسه) كَقَتل وَقطع طرف وَإِبْطَال مَنْفَعَة عُضْو (أَو) فِي (مَاله) وَلَو قَلِيلا كدرهم (أَو) فِي (حريمه فقاتل عَن ذَلِك) ليندفع عَنهُ (فَقتل) المصول عَلَيْهِ الصَّائِل (فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ) من قصاص وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة وَلَا قيمَة بَهِيمَة وَغَيرهَا لخَبر من قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَجه الدّلَالَة أَنه لما جعله شَهِيدا دلّ على أَن لَهُ الْقَتْل والقتال كَمَا أَن من قَتله أهل الْحَرْب لما كَانَ شَهِيدا كَانَ لَهُ الْقَتْل والقتال وَلَا إِثْم عَلَيْهِ أَيْضا لِأَنَّهُ مَأْمُور بِدَفْعِهِ وَفِي الْأَمر بِالْقِتَالِ وَالضَّمان مُنَافَاة حَتَّى لَو صال العَبْد الْمَغْصُوب أَو الْمُسْتَعَار على مَالِكه فَقتله دفعا لم يبرأ الْغَاصِب وَلَا الْمُسْتَعِير وَيسْتَثْنى من عدم الضَّمَان الْمُضْطَر إِذا قَتله صَاحب الطَّعَام دفعا فَإِن عَلَيْهِ الْقود كَمَا قَالَه الزبيلي فِي آدَاب الْقَضَاء وَلَو صال مكْرها على إِتْلَاف مَال غَيره لم يجز دَفعه بل يلْزم الْمَالِك أَن يقي روحه بِمَالِه كَمَا يتَنَاوَل الْمُضْطَر طَعَامه وَلكُل مِنْهُمَا دفع الْمُكْره تَنْبِيه تَعْبِير المُصَنّف بِالْمَالِ قد يخرج مَا لَيْسَ بِمَال كَالْكَلْبِ المقتنى والسرجين وَقَضِيَّة كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره إِلْحَاقه بِهِ وَهُوَ الظَّاهِر وَله دفع مُسلم عَن ذمِّي ووالد عَن وَلَده وَسيد عَن عَبده لأَنهم معصومون وَلَا يجب الدّفع عَن مَال لَا روح فِيهِ لِأَنَّهُ تجوز إِبَاحَته للْغَيْر أما مَا فِيهِ روح فَيجب الدّفع عَنهُ إِذا قصد إِتْلَافه مَا لم يخْش على نَفسه لحُرْمَة الرّوح وَيجب الدّفع عَن بضع لِأَنَّهُ لَا السَّبِيل إِلَى إِبَاحَته وَسَوَاء بضع أَهله وَغَيرهم وَمثل الْبضْع مقدماته وَعَن نَفسه إِذا قَصدهَا كَافِر وَلَو مَعْصُوما إِذْ غير الْمَعْصُوم لَا حُرْمَة لَهُ والمعصوم بطلت حرمته بصياله وَلِأَن الاستسلام للْكَافِرِ ذل فِي الدّين أَو قَصدهَا بَهِيمَة لِأَنَّهَا تذبح لاستبقاء الْآدَمِيّ فَلَا وَجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 للإستسلام لَهَا وَظَاهره أَن عضوه ومنفعته كنفسه وَلَا يجب الدّفع إِذا قَصدهَا مُسلم وَلَو مَجْنُونا بل يجوز الاستسلام لَهُ بل يسن كَمَا أفهمهُ كَلَام الرَّوْضَة لخَبر أبي دَاوُد كن خير ابْني آدَمِيّ يَعْنِي قابيل وهابيل وَالدَّفْع عَن نفس غَيره إِذا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرما كالدفع عَن نَفسه فَيجب حَيْثُ يجب وينتفي حَيْثُ يَنْتَفِي وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من أذلّ عِنْده مُسلم فَلم ينصره وَهُوَ قَادر أَن ينصره أذله الله على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيدْفَع الصَّائِل بالأخف فالأخف فَإِن أمكن دَفعه بِكَلَام أَو استغاثة حرم الدّفع بِالضَّرْبِ أَو بِضَرْب بيد حرم بِسَوْط أَو بِسَوْط حرم بعصا أَو بعصا حرم بِقطع عُضْو أَو بِقطع عُضْو حرم قتل لِأَن ذَلِك جوز للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الأثقل مَعَ إِمْكَان تَحْصِيل الْمَقْصُود بالأسهل وَفَائِدَة هَذَا التَّرْتِيب أَنه مَتى خَالف وَعدل إِلَى رُتْبَة مَعَ إِمْكَان الِاكْتِفَاء بِمَا دونهَا ضمن وَيسْتَثْنى من التَّرْتِيب مَا لَو التحم الْقِتَال بَينهمَا وَاشْتَدَّ الْأَمر عَن الضَّبْط سقط مُرَاعَاة التَّرْتِيب كَمَا ذكره الإِمَام فِي قتال الْبُغَاة وَمَا لَو كَانَ الصَّائِل ينْدَفع بِالسَّوْطِ والعصا والمصول عَلَيْهِ لَا يجد إِلَّا السَّيْف فَالصَّحِيح أَن لَهُ الضَّرْب بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الدّفع إِلَّا بِهِ وَلَيْسَ بمقصر فِي ترك اسْتِصْحَاب السَّوْط وَنَحْوه وعَلى التَّرْتِيب إِن أمكن المصول عَلَيْهِ هرب أَو التجاء لحصن أَو جمَاعَة فَالْمَذْهَب وُجُوبه وَتَحْرِيم قتال لِأَنَّهُ مَأْمُور بتخليص نَفسه بالأهون فالأهون وَمَا ذكره أسهل من غَيره فَلَا يعدل إِلَى الأشد القَوْل فِي حكم مَا تتلفه الْبَهَائِم ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا تتلفه الْبَهَائِم بقوله (وعَلى رَاكب الدَّابَّة) وسائقها وقائدها سَوَاء أَكَانَ مَالِكًا أم مُسْتَأْجرًا أم مودعا أم مستعيرا أم غَاصبا (ضَمَان مَا أتلفته دَابَّته) أَي الَّتِي يَده عَلَيْهَا بِيَدِهَا أَو رجلهَا أَو غير ذَلِك نفسا أَو مَالا لَيْلًا أَو نَهَارا لِأَنَّهَا فِي يَده وَعَلِيهِ تعهدها وحفظها وَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ فعلهَا مَنْسُوبا إِلَيْهِ وَإِلَّا نسب إِلَيْهَا كَالْكَلْبِ إِذا أرْسلهُ صَاحبه وَقتل الصَّيْد حل وَإِن استرسل بِنَفسِهِ فَلَا فجنايتها كجنايته وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد مَعَ رَاكب فَهَل يخْتَص الضَّمَان بالراكب أَو يجب أَثلَاثًا وَجْهَان أرجحهما الأول وَلَو كَانَ عَلَيْهَا راكبان فَهَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِمَا أَو يخْتَص بِالْأولِ دون الرديف وَجْهَان أوجههمَا الأول لِأَن الْيَد لَهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 تَنْبِيه حَيْثُ أطلق ضَمَان النَّفس فِي هَذَا الْبَاب فَهُوَ على الْعَاقِلَة كحفر الْبِئْر وَيسْتَثْنى من إِطْلَاقه صور الأولى لَو أركبها أَجْنَبِي بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ صَبيا أَو مَجْنُونا فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الْأَجْنَبِيّ الثَّانِيَة لَو ركب الدَّابَّة فنخسها إِنْسَان بِغَيْر إِذْنه كَمَا قَيده الْبَغَوِيّ فرمحت فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الناخس فَإِن أذن الرَّاكِب فِي النخس فَالضَّمَان عَلَيْهِ الثَّالِثَة لَو غلبته دَابَّته فَاسْتَقْبلهَا إِنْسَان فَردهَا فأتلفت فِي انصرافها شَيْئا ضمنه الرَّاد الرَّابِعَة لَو سَقَطت الدَّابَّة ميتَة فَتلف بهَا شَيْء لم يضمنهُ وَكَذَا لَو سقط هُوَ مَيتا على شَيْء وأتلفه لَا ضَمَان عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بسقوطها ميتَة سُقُوطهَا بِمَرَض أَو عَارض ريح شَدِيد وَنَحْوه الْخَامِسَة لَو كَانَ مَعَ الدَّوَابّ رَاع فهاجت ريح وأظلم النَّهَار فتفرقت الدَّوَابّ فَوَقَعت فِي زرع فأفسدته فَلَا ضَمَان على الرَّاعِي فِي الْأَظْهر للغلبة كَمَا لَو ند بعيره أَو انفلتت دَابَّته من يَده فأفسدت شَيْئا بِخِلَاف مَا لَو تَفَرَّقت الْغنم لنومه فَيضمن وَلَو انتفخ ميت فتكسر بِسَبَبِهِ شَيْء لم يضمنهُ بِخِلَاف طِفْل سقط على شَيْء لِأَن لَهُ فعلا بِخِلَاف الْمَيِّت وَلَو بَالَتْ دَابَّته أَو راثت بمثلثة بطرِيق وَلَو واقفة فَتلفت بِهِ نفس أَو مَال فَلَا ضَمَان كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ لِأَن الطَّرِيق لَا تَخْلُو عَن ذَلِك وَالْمَنْع من الطروق لَا سَبِيل إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن نَازع فِي ذَلِك أَكثر الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا يضمن صَاحب الدَّابَّة مَا أتلفته دَابَّته إِذا لم يقصر صَاحب المَال فِيهِ فَإِن قصر بِأَن وضع المَال بطرِيق أَو عرضه للدابة فَلَا يضمنهُ لِأَنَّهُ المضيع لمَاله وَإِن كَانَت الدَّابَّة وَحدهَا فأتلفت زرعا أَو غَيره نَهَارا لم يضمن صَاحبهَا أَو لَيْلًا ضمن لتَقْصِيره بإرسالها لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارا للْخَبَر الصَّحِيح فِي ذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَهُوَ على وفْق الْعَادة فِي حفظ الزَّرْع وَنَحْوه نَهَارا وَالدَّابَّة لَيْلًا وَلَو تعود أهل الْبَلَد إرْسَال الدَّوَابّ أَو حفظ الزَّرْع لَيْلًا دون النَّهَار انعكس الحكم فَيضمن مرسلها مَا أتلفته نَهَارا دون اللَّيْل اتبَاعا لِمَعْنى الْخَبَر وَالْعَادَة وَمن ذَلِك يُؤْخَذ مَا بَحثه البُلْقِينِيّ أَنه لَو جرت عَادَة بحفظها لَيْلًا وَنَهَارًا ضمن مرسلها مَا أتلفته مُطلقًا تَتِمَّة يسْتَثْنى من الدَّوَابّ الْحمام وَغَيره من الطُّيُور فَلَا ضَمَان بإتلافها مُطلقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أصل الرَّوْضَة عَن ابْن الصّباغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 وَعلله بِأَن الْعَادة إرسالها وَيدخل فِي ذَلِك النَّحْل وَقد أفتى البُلْقِينِيّ فِي نحل لإِنْسَان قتل جملا لآخر بِعَدَمِ الضَّمَان وَعلله بِأَن صَاحب النَّحْل لَا يُمكنهُ ضَبطه وَالتَّقْصِير من صَاحب الْجمل وَلَو أتلفت الْهِرَّة طيرا أَو طَعَاما أَو غَيره إِن عهد ذَلِك مِنْهَا ضمن مَالِكهَا أَو صَاحبهَا الَّذِي يَأْوِيهَا مَا أتلفته لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وَكَذَا كل حَيَوَان مولع بِالتَّعَدِّي كَالْجمَلِ وَالْحمار اللَّذين عرفا بعقر الدَّوَابّ وإتلافها أما إِذا لم يعْهَد مِنْهَا إِتْلَاف مَا ذكر فَلَا ضَمَان لِأَن الْعَادة حفظ مَا ذكر عَنْهَا لَا ربطها فَائِدَة سُئِلَ الْقفال عَن حبس الطُّيُور فِي أقفاص لسَمَاع أصواتها أَو غير ذَلِك فَأجَاب بِالْجَوَازِ إِذا تعهدها صَاحبهَا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ كالبهيمة ترْبط وَلَو كَانَ بداره كلب عقور أَو دَابَّة جموح ودخلها شخص بِإِذْنِهِ وَلم يُعلمهُ بِالْحَال فعضه الْكَلْب أَو رمحته الدَّابَّة ضمن وَإِن كَانَ الدَّاخِل بَصيرًا أَو دَخلهَا بِلَا إِذن أَو أعلمهُ بِالْحَال فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ المتسبب فِي هَلَاك نَفسه فصل فِي قتال الْبُغَاة جمع بَاغ وَالْبَغي الظُّلم ومجاوزة الْحَد سموا بذلك لظلمهم وعدولهم عَن الْحق وَالْأَصْل فِيهِ آيَة {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْخُرُوج على الإِمَام صَرِيحًا لَكِنَّهَا تشمله بعمومها أَو تَقْتَضِيه لِأَنَّهُ إِذا طلب الْقِتَال لبغي طَائِفَة على طَائِفَة فللبغي على الإِمَام أولى وهم مُسلمُونَ مخالفو إِمَام وَلَو جائرا بِأَن خَرجُوا عَن طَاعَته بِعَدَمِ انقيادهم لَهُ أَو منع حق توجه عَلَيْهِم كَزَكَاة بِالشُّرُوطِ الْآتِيَة (وَيُقَاتل أهل الْبَغي) وجوبا كَمَا اسْتُفِيدَ من الْآيَة الْمُتَقَدّمَة وَعَلَيْهَا عول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قتال صفّين والنهروان (بِثَلَاثَة شَرَائِط) الأول (أَن يَكُونُوا فِي مَنْعَة) بِفَتْح النُّون وَالْعين الْمُهْملَة أَي شَوْكَة بِكَثْرَة أَو قُوَّة وَلَو بحصن بِحَيْثُ يُمكن مَعهَا مقاومة الإِمَام فَيحْتَاج فِي ردهم إِلَى الطَّاعَة لكلفة من بذل مَال وَتَحْصِيل رجال وَهِي لَا تحصل إِلَّا بمطاع أَي متبوع يحصل بِهِ قُوَّة لشوكتهم يصدرون عَن رَأْيه إِذْ لَا قُوَّة لمن لَا تجمع كلمتهم بمطاع فالمطاع شَرط لحُصُول الشَّوْكَة لَا أَنه شَرط آخر غير الشَّوْكَة كَمَا تَقْتَضِيه عبارَة الْمِنْهَاج وَلَا يشْتَرط أَن يكون فيهم إِمَام مَنْصُوب لِأَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَاتل أهل الْجمل وَلَا إِمَام لَهُم وَأهل صفّين قبل نصب إمَامهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 (و) الثَّانِي (أَن يخرجُوا عَن قَبْضَة الإِمَام) أَي عَن طَاعَته بانفرادهم ببلدة أَو قَرْيَة أَو مَوضِع من الصَّحرَاء كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن جمع وَحكى الْمَاوَرْدِيّ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ (و) الثَّالِث (أَن يكون لَهُم) فِي خُرُوجهمْ عَن طَاعَة الإِمَام (تَأْوِيل سَائِغ) أَي مُحْتَمل من الْكتاب أَو السّنة ليستندوا إِلَيْهِ لِأَن من خَالف بِغَيْر تَأْوِيل كَانَ معاندا للحق تَنْبِيه يشْتَرط فِي التَّأْوِيل أَن يكون فَاسِدا لَا يقطع بفساده بل يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَاز الْخُرُوج كتأويل الخارجين من أهل الْجمل وصفين على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَنَّهُ يعرف قتلة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يقْتَصّ مِنْهُم لمواطأته إيَّاهُم وَتَأْويل بعض مانعي الزَّكَاة من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَنَّهُم لَا يدْفَعُونَ الزَّكَاة إِلَّا لمن صلَاته سكن لَهُم أَي دعاؤه رَحْمَة لَهُم وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن فقدت فِيهِ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة بِأَن خَرجُوا بِلَا تَأْوِيل كمانعي حق الشَّرْع كَالزَّكَاةِ عنادا أَو بِتَأْوِيل يقطع بِبُطْلَانِهِ كتأويل الْمُرْتَدين أَو لم تكن لَهُم شَوْكَة بِأَن كَانُوا أفرادا يسهل الظفر بهم أَو لَيْسَ فيهم مُطَاع فليسوا بغاة لانتقاء حرمتهم فيترتب على أفعالهم مقتضاها على تَفْصِيل فِي ذِي الشَّوْكَة يعلم مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَو تأولوا بِلَا شَوْكَة وأتلفوا شَيْئا ضمنوه مُطلقًا كقاطع الطَّرِيق وَأما الْخَوَارِج وهم قوم يكفرون مرتكب كَبِيرَة ويتركون الْجَمَاعَات فَلَا يُقَاتلُون وَلَا يفسقون مَا لم يقاتلوا وهم فِي قبضتنا نعم إِن تضررنا بهم تعرضنا لَهُم حَتَّى يَزُول الضَّرَر فَإِن قَاتلُوا أَو لم يَكُونُوا فِي قبضتنا قوتلوا وَلَا يتحتم قتل الْقَاتِل مِنْهُم وَإِن كَانُوا كقطاع الطَّرِيق فِي شهر السِّلَاح لأَنهم لم يقصدوا إخافة الطَّرِيق وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن الْجُمْهُور وَفِيهِمَا عَن الْبَغَوِيّ أَن حكمهم كَحكم قطاع الطَّرِيق وَبِه جزم فِي الْمِنْهَاج وَالْمُعْتَمد الأول فَإِن قيد بهَا إِذا قصدُوا إخافة الطَّرِيق فَلَا خلاف القَوْل فِي حكم شَهَادَة الْبُغَاة وَتقبل شَهَادَة الْبُغَاة لأَنهم لَيْسُوا بفسقة لتأويلهم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن يَكُونُوا مِمَّن يشْهدُونَ لموافقيهم بتصديقهم كالخطابية وهم صنف من الرافضة يشْهدُونَ بالزور ويقضون لموافقيهم بتصديقهم فَلَا تقبل شَهَادَتهم وَلَا ينفذ حكم قاضيهم وَلَا يخْتَص هَذَا بالبغاة نعم إِن بينوا السَّبَب قبلت شَهَادَتهم لانْتِفَاء التُّهْمَة حِينَئِذٍ وَيقبل قَضَاء قاضيهم بعد اعْتِبَار صِفَات القَاضِي فِيهِ فِيمَا يقبل فِيهِ قَضَاء قاضينا لِأَن لَهُم تَأْوِيلا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد إِلَّا أَن يسْتَحل شَاهد الْبُغَاة أَو قاضيهم دماءنا وَأَمْوَالنَا فَلَا تقبل شَهَادَته وَلَا قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل وَشرط الشَّاهِد وَالْقَاضِي الْعَدَالَة هَذَا مَا نَقله الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا هُنَا عَن الْمُعْتَبر وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا ذكره فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي كتاب الشَّهَادَات من أَنه لَا فرق فِي قبُول شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء وَقَضَاء قاضيهم بَين من يسْتَحل الدِّمَاء وَالْأَمْوَال أم لَا لِأَن مَا هُنَا مَحْمُول على من اسْتحلَّ ذَلِك بِلَا تَأْوِيل وَمَا هُنَاكَ على من استحله بِتَأْوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 القَوْل فِي حكم مَا أتْلفه الْبُغَاة وَمَا أتْلفه بَاغ من نفس أَو مَال على عَادل وَعَكسه إِن لم يكن فِي قتال لضرورته بِأَن كَانَ فِي غير الْقِتَال أَو فِيهِ لَا لضرورته ضمن كل مِنْهُمَا مَا أتْلفه من نفس أَو مَال جَريا على الأَصْل فِي الاتلافيات نعم إِن قصد أهل الْعدْل إِتْلَاف المَال إضعافهم وهزيمتهم لم يضمنوا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَإِن كَانَ الْإِتْلَاف فِي قتال لضرورته فَلَا ضَمَان اقْتِدَاء بالسلف لِأَن الوقائع الَّتِي جرت فِي عصر الصَّحَابَة كوقعة الْجمل وصفين لم يُطَالب بَعضهم بَعْضًا بِضَمَان نفس وَلَا مَال وَهَذَا عِنْد اجْتِمَاع الشَّوْكَة والتأويل فَإِن فقد أَحدهمَا فَلهُ حالان الأول الْبَاغِي المتأول بِلَا شَوْكَة يضمن النَّفس وَالْمَال وَلَو حَال الْقِتَال كقاطع الطَّرِيق وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَة بِلَا تَأْوِيل وَهَذَا كباغ فِي الضَّمَان وَعَدَمه لِأَن سُقُوط الضَّمَان فِي الباغين لقطع الْفِتْنَة واجتماع الْكَلِمَة وَهُوَ مَوْجُود هُنَا وَلَا يُقَاتل الإِمَام الْبُغَاة حَتَّى يبْعَث لَهُم أَمينا فطنا إِن كَانَ الْبَعْث للمناظرة ناصحا لَهُم يسألهم عَمَّا يكْرهُونَ اقْتِدَاء ب عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ بعث ابْن عَبَّاس إِلَى أهل النهروان فَرجع بَعضهم وأبى بَعضهم فَإِن ذكرُوا مظْلمَة أَو شُبْهَة أزالها لِأَن الْمَقْصُود بقتالهم ردهم إِلَى الطَّاعَة فَإِن أصروا نصحهمْ ووعظهم فَإِن أصروا أعلمهم بِالْقِتَالِ لِأَن الله تَعَالَى أَمر أَولا بالإصلاح ثمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يجوز تَقْدِيم مَا أَخّرهُ الله تَعَالَى فَإِن طلبُوا من الإِمَام الْإِمْهَال اجْتهد وَفعل مَا رَآهُ صَوَابا القَوْل فِي أَسِير الْبُغَاة ومالهم (وَلَا يقتل) مدبرهم وَلَا من ألْقى سلاحه وَأعْرض عَن الْقِتَال وَلَا (أسيرهم وَلَا يذفف) بِالْمُعْجَمَةِ أَي لَا يسْرع (على جريحهم) بِالْقَتْلِ (وَلَا يغنم مَالهم) لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} والفيئة الرُّجُوع عَن الْقِتَال بالهزيمة وروى ابْن أبي شيبَة أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَمر مناديه يَوْم الْجمل فَنَادَى لَا يتبع مُدبر وَلَا يذفف على جريح وَلَا يقتل أَسِير وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن وَلِأَن قِتَالهمْ شرع للدَّفْع عَن منع الطَّاعَة وَقد زَالَ تَنْبِيه قد يفهم من منع قتل هَؤُلَاءِ وجوب الْقصاص بِقَتْلِهِم وَالأَصَح أَنه لَا قصاص لشُبْهَة أبي حنيفَة وَلَا يُطلق أسيرهم وَلَو كَانَ صَبيا أَو امْرَأَة أَو عبدا حَتَّى يَنْقَضِي الْحَرْب ويتفرق جمعهم وَلَا يتَوَقَّع عودهم إِلَّا أَن يُطِيع الْأَسير بِاخْتِيَارِهِ فيطلق قبل ذَلِك وَهَذَا فِي الرجل الْحر وَكَذَا فِي الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد إِن كَانُوا مقاتلين وَإِلَّا أطْلقُوا بِمُجَرَّد انْقِضَاء الْحَرْب وَيرد لَهُم بعد أَمن شرهم بعودهم إِلَى الطَّاعَة أَو تفرقهم وَعدم توقع عودهم مَا أَخذ مِنْهُم من سلَاح وخيل وَغير ذَلِك وَيحرم اسْتِعْمَال شَيْء من سِلَاحهمْ وخيلهم وَغَيرهم من أَمْوَالهم لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيب نفس مِنْهُ إِلَّا لضَرُورَة كَمَا إِذا خفنا انهزام أهل الْعدْل وَلم نجد غير خيولهم فَيجوز لأهل الْعدْل ركُوبهَا وَلَا يُقَاتلُون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا يستعان عَلَيْهِم بِكَافِر لِأَنَّهُ يحرم تسليطه على الْمُسلم إِلَّا لضَرُورَة بِأَن كَثُرُوا وَأَحَاطُوا بِنَا فيقاتلون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا بِمن يرى قَتلهمْ مُدبرين لعداوة أَو اعْتِقَاد كالحنفي وَالْإِمَام لَا يرى ذَلِك إبْقَاء عَلَيْهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 القَوْل فِي إحصار الْبُغَاة وَلَا يجوز إحصارهم بِمَنْع طَعَام وشراب إِلَّا على رَأْي الإِمَام فِي أهل قلعة وَلَا يجوز عقر خيولهم إِلَّا إِذا قَاتلُوا عَلَيْهَا وَلَا قطع أَشْجَارهم أَو زُرُوعهمْ القَوْل فِي مقاومة أهل الْبَغي وَيلْزم الْوَاحِد كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِي من أهل الْعدْل مصابرة اثْنَيْنِ من الْبُغَاة كَمَا يجب على الْمُسلم أَن يصبر لكافرين فَلَا يولي إِلَّا متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فِئَة قَالَ الشَّافِعِي يكره للعادل أَن يعمد إِلَى قتل ذِي رَحمَه من أهل الْبَغي وَحكم دَار الْبَغي كَحكم دَار الْإِسْلَام فَإِذا جرى فِيهَا مَا يُوجب إِقَامَة حد أَقَامَهُ الإِمَام المستولي عَلَيْهَا وَلَو سبى الْمُشْركُونَ طَائِفَة من الْبُغَاة وَقدر أهل الْعدْل على استنقاذهم لَزِمَهُم ذَلِك االقول فِي شُرُوط الإِمَام الْأَعْظَم تَتِمَّة فِي شُرُوط الإِمَام الْأَعْظَم وَفِي بَيَان طرق انْعِقَاد الْإِمَامَة وَهِي فرض كِفَايَة كالقضاء فَشرط الإِمَام كَونه أَهلا للْقَضَاء قرشيا لخَبر الْأَئِمَّة من قُرَيْش شجاعا ليغزو بِنَفسِهِ وَتعْتَبر سَلَامَته من نقص يمْنَع اسْتِيفَاء الْحَرَكَة وَسُرْعَة النهوض كَمَا دخل فِي الشجَاعَة القَوْل فِيمَا تَنْعَقِد بِهِ الْإِمَامَة وتنعقد الْإِمَامَة بِثَلَاثَة طرق الأولى ببيعة أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء ووجوه النَّاس المتيسر اجْتِمَاعهم فَلَا يعْتَبر فِيهَا عدد وَيعْتَبر اتصاف المبايع بِصفة الشُّهُود وَالثَّانيَِة باستخلاف الإِمَام من عينه فِي حَيَاته كَمَا عهد أَبُو بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَيشْتَرط الْقبُول فِي حَيَاته كجعله الْأَمر فِي الْخلَافَة تشاورا بَين جمع كَمَا جعل عمر الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة عَليّ وَالزُّبَيْر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة فاتفقوا على عُثْمَان وَالثَّالِثَة باستيلاء شخص متغلب على الْإِمَامَة وَلَو غير أهل لَهَا نعم الْكَافِر إِذا تغلب لَا تَنْعَقِد إِمَامَته لقَوْله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَتجب طَاعَة الإِمَام وَإِن كَانَ جائرا فِيمَا يجوز من أمره وَنَهْيه لخَبر اسمعوا وَأَطيعُوا وَإِن أَمر عَلَيْكُم عبد حبشِي مجدع الْأَطْرَاف وَلِأَن الْمَقْصُود من نَصبه اتِّحَاد الْكَلِمَة وَلَا يحصل ذَلِك إِلَّا بِوُجُوب الطَّاعَة فصل فِي الرِّدَّة أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا هِيَ لُغَة الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره وَهِي من أفحش الْكفْر وأغلظه حكما محبطة للْعَمَل إِن اتَّصَلت بِالْمَوْتِ وَإِلَّا حَبط ثَوَابه كَمَا نَقله فِي الْمُهِمَّات عَن نَص الشَّافِعِي وَشرعا قطع من أَو قَول مكفر سَوَاء أقاله استهزاء أم اعتقادا أم عنادا لقَوْله تَعَالَى {قل أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزؤون لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ} بعد يَصح طَلَاقه اسْتِمْرَار الْإِسْلَام وَيحصل قطعه بِأُمُور بنية كفر أَو فعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 مكفر إيمَانكُمْ القَوْل فِيمَا يُوجب الرِّدَّة فَمن نفى الصَّانِع وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم الدهريون الزاعمون أَن الْعَالم لم يزل مَوْجُودا كَذَلِك بِلَا صانع أَو نفى الرُّسُل بِأَن قَالَ لم يرسلهم الله تَعَالَى أَو نفى نبوة نَبِي أَو كذب رَسُولا أَو نَبيا أَو سبه أَو استخف بِهِ أَو باسمه أَو باسم الله أَو بأَمْره أَو وعده أَو جحد آيَة من الْقُرْآن مجمعا على ثُبُوتهَا أَو زَاد فِيهِ آيَة مُعْتَقدًا أَنَّهَا مِنْهُ أَو استخف بِسنة كَمَا لَو قيل لَهُ قلم أظفارك فَإِنَّهُ سنة فَقَالَ لَا أفعل وَإِن كَانَ سنة وَقصد الِاسْتِهْزَاء بذلك أَو قَالَ لَو أَمرنِي الله وَرَسُوله بِكَذَا مَا فعلته أَو قَالَ إِن كَانَ مَا قَالَه الْأَنْبِيَاء صدقا نجونا أَو قَالَ لَا أَدْرِي النَّبِي إنسي أَو جني أَو قَالَ لَا أَدْرِي مَا الْإِيمَان احتقارا أَو قَالَ لمن حول لَا حول لَا تغني من جوع أَو قَالَ الْمَظْلُوم هَذَا بِتَقْدِير الله تَعَالَى فَقَالَ الظَّالِم أَنا أفعل بِغَيْر تَقْدِيره أَو أَشَارَ بالْكفْر على مُسلم أَو على كَافِر أَرَادَ الْإِسْلَام أَو لم يلقن الْإِسْلَام طَالبه مِنْهُ أَو كفر مُسلما بِلَا تَأْوِيل للمكفر بِكفْر النِّعْمَة كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن الْمُتَوَلِي وَأقرهُ أَو حلل محرما بِالْإِجْمَاع كَالزِّنَا واللواط وَالظُّلم وَشرب الْخمر أَو حرم حَلَالا بِالْإِجْمَاع كَالنِّكَاحِ وَالْبيع أَو نفى وجوب مجمع عَلَيْهِ كَأَن نفى رَكْعَة من الصَّلَوَات الْخمس أَو اعْتقد وجوب مَا لَيْسَ بِوَاجِب بِالْإِجْمَاع كزيادة رَكْعَة فِي الصَّلَوَات الْخمس أَو عزم على الْكفْر غَدا أَو تردد فِيهِ حَالا كفر فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل الْمَذْكُورَة وَهَذَا بَاب لَا سَاحل لَهُ وَالْفِعْل الْمُكَفّر مَا تَعَمّده صَاحبه استهزاء صَرِيحًا بِالدّينِ أَو جحُودًا لَهُ كإلقاء مصحف وَهُوَ اسْم للمكتوب بَين الدفتين بقاذورة وَسُجُود لمخلوق كصنم وشمس وَخرج بقولنَا قطع من يَصح طَلَاقه الصَّبِي وَلَو مُمَيّزا وَالْمَجْنُون فَلَا تصح ردتهما لعدم تكليفهما وَالْمكْره لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} وَدخل فِيهِ السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي بسكره فَتَصِح ردته كطلاقه وَسَائِر تَصَرُّفَاته وإسلامه عَن ردته القَوْل فِيمَا يفعل بالمرتد (وَمن ارْتَدَّ) من رجل أَو امْرَأَة عَن دين (الْإِسْلَام) بِشَيْء مِمَّا تقدم بَيَانه أَو بِغَيْرِهِ مِمَّا تقرر فِي المبسوطات وَغَيرهَا (استتيب) وجوبا قبل قَتله لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرما بِالْإِسْلَامِ فَرُبمَا عرضت لَهُ شُبْهَة فيسعى فِي إِزَالَتهَا لِأَن الْغَالِب أَن الرِّدَّة تكون عَن شُبْهَة عرضت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 وَثَبت وجوب الاستتابة عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا أم رُومَان ارْتَدَّت فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت وَلَا يُعَارض هَذَا النَّهْي عَن قتل النِّسَاء الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة لِأَن ذَلِك مَحْمُول على الحربيات وَهَذَا على المرتدات والاستتابة تكون حَالا لِأَن قَتله الْمُرَتّب عَلَيْهَا حد فَلَا يُؤَخر كَسَائِر الْحُدُود نعم إِن كَانَ سَكرَان سنّ التَّأْخِير إِلَى الصحو وَفِي قَول يُمْهل فِيهَا (ثَلَاثًا) أَي ثَلَاثَة أَيَّام لأثر عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي ذَلِك وَأخذ بِهِ الإِمَام مَالك وَقَالَ الزُّهْرِيّ يدعى إِلَى الْإِسْلَام ثَلَاث مَرَّات فَإِن أَبى قتل وَحمل بَعضهم كَلَام الْمَتْن على هَذَا وعَلى كل حَال هُوَ ضَعِيف وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه يُسْتَتَاب شَهْرَيْن (فَإِن تَابَ) بِالْعودِ إِلَى الْإِسْلَام (صَحَّ) إِسْلَامه وَترك وَلَو كَانَ زنديقا أَو تكَرر مِنْهُ ذَلِك لآيَة {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَخبر فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَق الْإِسْلَام والزنديق من يخفي الْكفْر وَيظْهر الْإِسْلَام كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ فِي هَذَا الْبَاب وبابي صفة الْأَئِمَّة والفرائض هُوَ أَو من لَا ينتحل دينا كَمَا قَالَاه فِي اللّعان وَصَوَابه فِي الْمُهِمَّات ثمَّ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتب فِي الْحَال (قتل) وجوبا لخَبر البُخَارِيّ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ أَي بِضَرْب عُنُقه دون الإحراق وَغَيره كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة لِلْأَمْرِ بِإِحْسَان القتلة (وَلم يغسل) أَي لَا يجب غسله لِخُرُوجِهِ عَن أَهْلِيَّة الْوُجُوب بِالرّدَّةِ لَكِن يجوز لَهُ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فِي الْجَنَائِز (وَلم يصل عَلَيْهِ) لتحريمها على الْكَافِر قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن تكفينه وَحكمه الْجَوَاز كغسله (وَلم يدْفن) أَي لَا يجوز دَفنه (فِي مَقَابِر الْمُسلمين) لِخُرُوجِهِ مِنْهُم بِالرّدَّةِ وَيجوز دَفنه فِي مَقَابِر الْكفَّار وَلَا يجب كالحربي كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الدَّمِيرِيّ من دَفنه بَين مَقَابِر الْمُسلمين وَالْكفَّار لما تقدم لَهُ من حُرْمَة الْإِسْلَام لَا أصل لَهُ لقَوْله تَعَالَى {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر} الْآيَة وَيجب تَفْصِيل الشَّهَادَة بِالرّدَّةِ لاخْتِلَاف النَّاس فِيمَا يُوجِبهَا وَلَو ادّعى مدعى عَلَيْهِ بردة إِكْرَاها وَقد شهِدت بَيِّنَة بِلَفْظ كفر أَو فعله حلف فَيصدق وَلَو بِلَا قرينَة لِأَنَّهُ لم يكذب الشُّهُود أَو شهِدت بردته وأطلقت لم تقبل لما مر وَلَو قَالَ أحد ابْنَيْنِ مُسلمين مَاتَ أبي مُرْتَدا فَإِن بَين سَبَب ردته كسجود لصنم فَنصِيبه فَيْء لبيت المَال وَإِن أطلق استفصل فَإِن ذكر مَا هُوَ ردة كَانَ فَيْئا أَو غَيرهَا كَقَوْلِه كَانَ يشرب الْخمر صرف إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر فِي أصل الرَّوْضَة وَمَا فِي الْمِنْهَاج من أَن الْأَظْهر أَنه فَيْء أَيْضا ضَعِيف تَتِمَّة فرع الْمُرْتَد إِن انْعَقَد قبل الرِّدَّة أَو فِيهَا وَأحد أُصُوله مُسلم فَمُسلم تبعا لَهُ وَالْإِسْلَام يَعْلُو أَو أُصُوله مرتدون فمرتد تبعا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 مُسلم وَلَا كَافِر أُصَلِّي فَلَا يسترق وَلَا يقتل حَتَّى يبلغ ويستتاب فَإِن لم يتب قتل وَاخْتلف فِي الْمَيِّت من أَوْلَاد الْكفَّار قبل بُلُوغه وَالصَّحِيح كَمَا فِي الْمَجْمُوع فِي بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء تبعا للمحققين أَنهم فِي الْجنَّة وَالْأَكْثَرُونَ على أَنهم فِي النَّار وَقيل على الْأَعْرَاف وَلَو كَانَ أحد أَبَوَيْهِ مُرْتَدا وَالْآخر كَافِرًا أَصْلِيًّا فكافر أُصَلِّي قَالَه الْبَغَوِيّ وَملك الْمُرْتَد مَوْقُوف إِن مَاتَ مُرْتَدا بَان زَوَاله بِالرّدَّةِ وَيَقْضِي مِنْهُ دين لزمَه قبلهَا وَبدل مَا أتْلفه فِيهَا ويمان مِنْهُ ممونه من نَفسه وَبَعضه وَمَاله وزوجاته لِأَنَّهَا حُقُوق مُتَعَلقَة بِهِ وتصرفه إِن لم يحْتَمل الْوَقْف بِأَن لم يقبل التَّعْلِيق كَبيع وَكِتَابَة بَاطِل لعدم احْتِمَال الْوَقْف وَإِن احتمله بِأَن قبل التَّعْلِيق كعتق وَوَصِيَّة فموقوف إِن أسلم نفذ وَإِلَّا فَلَا وَيجْعَل مَاله عِنْد عدل وَأمته عِنْد نَحْو محرم كامرأة ثِقَة وَيُؤَدِّي مكَاتبه النُّجُوم للْقَاضِي حفظا لَهَا وَيعتق بذلك أَيْضا وَإِنَّمَا لم يقبضهَا الْمُرْتَد لِأَن قَبضه غير مُعْتَبر فصل فِي تَارِك الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة على الْأَعْيَان أَصَالَة جحدا أَو غَيره وَبَيَان حكمه وَذكره المُصَنّف عقب الرِّدَّة لاشْتِمَاله على شَيْء من أَحْكَامهَا فَفِيهِ مُنَاسبَة وَإِن كَانَ مُخَالفا لغيره من المصنفين فِيمَا علمت فَإِن الْغَزالِيّ ذكره بعد الْجَنَائِز وَذكره جمَاعَة قبل الْأَذَان وَذكره الْمُزنِيّ وَالْجُمْهُور قبل الْجَنَائِز وتبعهم الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَعَلَّه أليق (و) الْمُكَلف (تَارِك الصَّلَاة) الْمَعْهُودَة شرعا الصادقة بِإِحْدَى الْخمس (على ضَرْبَيْنِ) إِذْ التّرْك سَببه جحد أَو كسل (أَحدهمَا أَن يَتْرُكهَا غير مُعْتَقد لوُجُوبهَا) عَلَيْهِ جحدا بِأَن أنكرها بعد علمه بِهِ أَو عنادا كَمَا هُوَ فِي الْقُوت عَن الدَّارمِيّ (فَحكمه) فِي وجوب استتابته وَقَتله وَجَوَاز غسله وتكفينه وَدَفنه فِي مَقَابِر الْمُشْركين (حكم الْمُرْتَد) على مَا سبق بَيَان فِي مَوْضِعه من غير فرق وكفره بجحده فَقَط لَا بِهِ من التّرْك وَإِنَّمَا ذكره المُصَنّف لأجل التَّقْسِيم لِأَن الْجحْد لَو انْفَرد كَمَا لَو صلى جاحدا للْوُجُوب كَانَ مقتضيا للكفر لإنكاره مَا هُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَلَو اقْتصر المُصَنّف على الْجحْد كَانَ أولى لِأَن ذَلِك تَكْذِيب لله وَلِرَسُولِهِ فيكفر بِهِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَنقل الْمَاوَرْدِيّ الْإِجْمَاع على ذَلِك وَذَلِكَ جَار فِي جحود كل مجمع عَلَيْهِ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ أما من أنكرهُ جَاهِلا لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَحوه مِمَّن يجوز أَن يخفى عَلَيْهِ كمن بلغ مَجْنُونا ثمَّ أَفَاق أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء فَلَيْسَ مُرْتَدا بل يعرف الْوُجُوب فَإِن عَاد بعد ذَلِك صَار مُرْتَدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 القَوْل فِي تَارِك الصَّلَاة كسلا (و) الضَّرْب (الثَّانِي أَن يَتْرُكهَا) كسلا أَو تهاونا (مُعْتَقدًا لوُجُوبهَا) عَلَيْهِ (فيستتاب) قبل الْقَتْل لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأ حَالا من الْمُرْتَد وَهِي مَنْدُوبَة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَإِن كَانَ قَضِيَّة كَلَام الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع أَنَّهَا وَاجِبَة كاستتابة الْمُرْتَد وَالْفرق على الأول أَن جريمة الْمُرْتَد تَقْتَضِي الخلود فِي النَّار فَوَجَبت الاستتابة رَجَاء نجاته من ذَلِك بِخِلَاف تَارِك الصَّلَاة فَإِن عُقُوبَته أخف لكَونه يقتل حدا بل مُقْتَضى مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ من كَون الْحُدُود تسْقط الْإِثْم أَنه لَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قد حد على هَذَا الجريمة والمستقبل لم يُخَاطب بِهِ وتوبته على الْفَوْر لِأَن الْإِمْهَال يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِير صلوَات (فَإِن تَابَ) بِأَن امتثل الْأَمر (وَصلى) خلي سَبيله من غير قتل فَإِن قيل هَذَا الْقَتْل حد وَالْحُدُود لَا تسْقط بِالتَّوْبَةِ أُجِيب أَن هَذَا الْقَتْل لَا يضاهي الْحُدُود الَّتِي وضعت عُقُوبَة على مَعْصِيّة سَابِقَة بل حملا على مَا توجه عَلَيْهِ من الْحق وَلِهَذَا لَا خلاف فِي سُقُوطه بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَوْبَة وَلَا يتَخَرَّج على الْخلاف فِي سُقُوط الْحَد بِالتَّوْبَةِ على الصَّوَاب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتب (قتل) بِالسَّيْفِ إِن لم يبد عذرا (حدا) لَا كفرا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة فَإِذا فعلوا ذَلِك عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَق الْإِسْلَام وحسابهم على الله فَإِن أبدى عذرا كَأَن قَالَ تركتهَا نَاسِيا أَو للبرد أَو نَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار صَحِيحَة كَانَت فِي نفس الْأَمر أَو بَاطِلَة لم يقتل لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق مِنْهُ تعمد تَأْخِيرهَا عَن الْوَقْت بِغَيْر عذر لَكِن نأمره بهَا بعد ذكر الْعذر وجوبا فِي الْعذر الْبَاطِل وندبا فِي الصَّحِيح بِأَن نقُول لَهُ صل فَإِن امْتنع لم يقتل لذَلِك فَإِن قَالَ تَعَمّدت تَركهَا بِلَا عذر قتل سَوَاء قَالَ وَلم أَصْلهَا أَو سكت لتحَقّق جِنَايَته بتعمد التَّأْخِير وَيقتل تَارِك الطَّهَارَة للصَّلَاة لِأَنَّهُ ترك لَهَا وَيُقَاس بِالطَّهَارَةِ الْأَركان وَسَائِر الشُّرُوط وَمحله فِيمَا لَا خلاف فِيهِ أَو فِيهِ خلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 واه بِخِلَاف الْقوي فَفِي فَتَاوَى الْقفال لَو ترك فَاقِد الطهُورَيْنِ الصَّلَاة مُتَعَمدا أَو مس شَافِعِيّ الذّكر أَو لمس الْمَرْأَة أَو تَوَضَّأ وَلم ينْو وَصلى مُتَعَمدا لَا يقتل لِأَن جَوَاز صلَاته مُخْتَلف فِيهِ وَالصَّحِيح قَتله وجوبا بِصَلَاة فَقَط لظَاهِر الْخَبَر بِشَرْط إخْرَاجهَا عَن وَقت الضَّرُورَة فِيمَا لَهُ وَقت ضَرُورَة بِأَن تجمع مَعَ الثَّانِيَة فِي وَقتهَا فَلَا يقتل بترك الظّهْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَلَا بترك الْمغرب حَتَّى يطلع الْفجْر وَيقتل فِي الصُّبْح بِطُلُوع الشَّمْس وَفِي الْعَصْر بغروبها وَفِي الْعشَاء بِطُلُوع الْفجْر فَيُطَالب بأدائها إِذا ضَاقَ وَقتهَا ويتوعد بِالْقَتْلِ إِن أخرجهَا عَن الْوَقْت فَإِن أصر وَأخرج اسْتوْجبَ الْقَتْل فَقَوْل الرَّوْضَة يقتل بِتَرْكِهَا إِذا ضَاقَ وَقتهَا مَحْمُول على مُقَدمَات الْقَتْل بِقَرِينَة كَلَامهَا بعد وَمَا قيل من أَنه لَا يقتل بل يُعَزّر وَيحبس حَتَّى يُصَلِّي كَتَرْكِ الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج وَلخَبَر لَا يحل دمخ امرىءه مسلمه إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة وَلِأَنَّهُ لَا يقتل بترك الْقَضَاء مَرْدُود بِأَن الْقيَاس مَتْرُوك بالنصوص وَالْخَبَر عَام مَخْصُوص بِمَا ذكر وَقَتله خَارج الْوَقْت إِنَّمَا هُوَ للترك بِلَا عذر على أَنا نمْنَع أَنه لَا يقتل بترك الْقَضَاء مُطلقًا بل فِيهِ تَفْصِيل يَأْتِي فِي خَاتِمَة الْفَصْل وَيقتل بترك الْجُمُعَة وَإِن قَالَ أصليها ظهرا كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة عَن الشَّاشِي لتركها بِلَا قَضَاء إِذْ الظّهْر لَيْسَ قَضَاء عَنْهَا وَيقتل بِخُرُوج وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يتَمَكَّن من فعلهَا إِن لم يتب فَإِن تَابَ لم يقتل وتوبته أَن يَقُول لَا أتركها بعد ذَلِك كسلا وَهَذَا فِيمَن تلْزمهُ الْجُمُعَة إِجْمَاعًا فَإِن أَبَا حنيفَة يَقُول لَا جُمُعَة إِلَّا على أهل مصر جَامع وَقَوله جَامع صفة لمصر (وَحكمه) بعد قَتله (حكم الْمُسلمين فِي) وجوب (الدّفن) فِي مَقَابِر الْمُسلمين (و) فِي وجوب (الْغسْل وَالصَّلَاة) عَلَيْهِ وَلَا يطمس قَبره كَسَائِر أَصْحَاب الْكَبَائِر من الْمُسلمين خَاتِمَة من ترك الصَّلَاة بِعُذْر كنوم أَو نِسْيَان لم يلْزمه قَضَاؤُهَا فَوْرًا لَكِن يسن لَهُ الْمُبَادرَة بهَا أَو بِلَا عذر لزمَه قَضَاؤُهَا فَوْرًا لتَقْصِيره لَكِن لَا يقتل بفائتة فَاتَتْهُ بِعُذْر لِأَن وَقتهَا موسع أَو بِلَا عذر وَقَالَ أصليها لم يقتل لتوبته بِخِلَاف مَا إِذا لم يقل ذَلِك كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَو ترك منذورة مُؤَقَّتَة لم يقتل كَمَا علم من تَقْيِيد الصَّلَاة بِإِحْدَى الْخمس لِأَنَّهُ الَّذِي أوجبهَا على نَفسه قَالَ الْغَزالِيّ وَلَو زعم زاعم أَن بَينه وَبَين الله تَعَالَى حَالَة أسقطت عَنهُ الصَّلَاة وَأحلت لَهُ شرب الْخمر وَأكل مَال السُّلْطَان كَمَا زَعمه بعض من ادّعى التصوف فَلَا شكّ فِي وجوب قَتله وَإِن كَانَ فِي خلوده فِي النَّار نظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 = كتاب أَحْكَام الْجِهَاد = أَي الْقِتَال فِي سَبِيل الله وَمَا يتَعَلَّق بِبَعْض أَحْكَامه وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} وَقَوله تَعَالَى {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} وَقَوله تَعَالَى {واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَخبر مُسلم لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَقد جرت عَادَة الْأَصْحَاب تبعا لإمامهم الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يذكرُوا مُقَدّمَة فِي صدر هَذَا الْكتاب فلنذكر نبذة مِنْهَا على سَبِيل التَّبَرُّك فَنَقُول بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَان وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَقيل ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة وَآمَنت بِهِ خَدِيجَة ثمَّ بعْدهَا قيل عَليّ وَهُوَ ابْن تسع سِنِين وَقيل عشر وَقيل أَبُو بكر وَقيل زيد بن حَارِثَة ثمَّ أَمر بتبليغ قومه بعد ثَلَاث سِنِين من مبعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول مَا فرض عَلَيْهِ بعد الْإِنْذَار وَالدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد من قيام اللَّيْل مَا ذكر فِي أول سُورَة المزمل ثمَّ نسخ بِمَا فِي آخرهَا ثمَّ نسخ بالصلوات الْخمس لَيْلَة الْإِسْرَاء إِلَى بَيت الْمُقَدّس بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة بِعشر سِنِين وَثَلَاثَة أشهر لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَجَب وَقيل بعد النُّبُوَّة بِخمْس أَو سِتّ وَقيل غير ذَلِك ثمَّ أَمر باستقبال الْكَعْبَة ثمَّ فرض الصَّوْم بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ تَقْرِيبًا وفرضت الزَّكَاة بعد الصَّوْم وَقيل قبله وَفِي السّنة الثَّانِيَة قيل فِي نصف شعْبَان وَقيل فِي رَجَب من الْهِجْرَة حولت الْقبْلَة وفيهَا فرضت صَدَقَة الْفطر وفيهَا ابْتَدَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة عيد الْفطر ثمَّ عيد الْأَضْحَى ثمَّ فرض الْحَج سنة سِتّ وَقيل سنة خمس وَلم يحجّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة إِلَّا حجَّة الْوَدَاع سنة عشر وَاعْتمر أَرْبعا وَكَانَ الْجِهَاد فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة فرض كِفَايَة وَأما بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فللكفار كِفَايَة سقط الْحَرج عَن البَاقِينَ لِأَن هَذَا شَأْن فروض الْكِفَايَة (وشرائط وجوب الْجِهَاد) حِينَئِذٍ (سبع خِصَال) الأولى (الْإِسْلَام) لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 حالان الْحَال الأول أَن يَكُونُوا ببلادهم فَفرض كِفَايَة إِذا فعله من فيهم فخوطب بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يجب على الْكَافِر وَلَو ذِمِّيا لِأَنَّهُ يبْذل الْجِزْيَة لنذب عَنهُ لَا ليذب عَنَّا (و) الثَّانِيَة (الْبلُوغ و) الثَّالِثَة (الْعقل) فَلَا جِهَاد على صبي وَمَجْنُون لعدم تكليفهما وَلقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة قيل هم الصّبيان لضعف أبدانهم وَقيل المجانين لضعف عُقُولهمْ وَلِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد ابْن عمر يَوْم أحد وَأَجَازَهُ فِي الخَنْدَق (و) الرَّابِعَة (الْحُرِّيَّة) فَلَا جِهَاد على رَقِيق وَلَو مبعضا أَو مكَاتبا لقَوْله تَعَالَى {وتجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ} وَلَا مَال للْعَبد وَلَا نفس يملكهَا فَلم يَشْمَلهُ الْخطاب حَتَّى لَو أمره سَيّده لم يلْزمه كَمَا قَالَه الإِمَام لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل هَذَا الشَّأْن وَلَيْسَ الْقِتَال من الِاسْتِخْدَام الْمُسْتَحق للسَّيِّد لِأَن الْملك لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّض للهلاك (و) الْخَامِسَة (الذُّكُورَة) فَلَا جِهَاد على امْرَأَة لِضعْفِهَا وَلقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال} وَإِطْلَاق لفظ الْمُؤمنِينَ ينْصَرف للرِّجَال دون النِّسَاء وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة وَقد سَأَلته فِي الْجِهَاد لَكِن أفضل الْجِهَاد حج مبرور (و) السَّادِسَة (الصِّحَّة) فَلَا جِهَاد على مَرِيض يتَعَذَّر قِتَاله أَو تعظم مشقته (و) السَّابِعَة (الطَّاقَة على الْقِتَال) بِالْبدنِ وَالْمَال فَلَا جِهَاد على أعمى وَلَا على ذِي عرج بَين وَلَو فِي رجل وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج} النُّور 61 فَلَا عِبْرَة بصداع ووجع ضرس وَضعف بصر إِن كَانَ يدْرك الشَّخْص ويمكنه اتقاء السِّلَاح وَلَا عرج يسير لَا يمْنَع الْمَشْي والعدو والهرب وَلَا على أقطع يَد بكاملها أَو مُعظم أصابعها بِخِلَاف فَاقِد الْأَقَل أَو أَصَابِع الرجلَيْن إِن أمكنه الْمَشْي بِغَيْر عرج بَين وَلَا على أشل يَد أَو مُعظم أصابعها لِأَن مَقْصُود الْجِهَاد الْبَطْش والنكاية وَهُوَ مَفْقُود فيهمَا لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يتَمَكَّن من الضَّرْب وَلَا عادم أهبة قتال من نَفَقَة وَلَا سلَاح وَكَذَا مركوب إِن كَانَ سفر قصر فَإِن كَانَ دونه لزمَه إِن كَانَ قَادِرًا على الْمَشْي فَاضل ذَلِك عَن مُؤنَة من تلْزمهُ مُؤْنَته كَمَا فِي الْحَج وَلَو مرض بعد مَا خرج أَو فنى زَاده أَو هَلَكت دَابَّته فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن ينْصَرف أَو يمْضِي فَإِن حضر الْوَقْعَة جَازَ لَهُ الرُّجُوع على الصَّحِيح إِذا لم يُمكنهُ الْقِتَال فَإِن أمكنه الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحّ فِي زَوَائِد الرَّوْضَة الرَّمْي بهَا على تنَاقض وَقع لَهُ فِيهِ وَلَو كَانَ الْقِتَال على بَاب دَاره أَو حوله سقط اعْتِبَار الْمُؤَن كَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره وَالضَّابِط الَّذِي يعم مَا سبق وَغَيره كل عذر منع وجوب حج كفقد زَاد وراحلة منع وجوب الْجِهَاد إِلَّا فِي خوف طَرِيق من كفار أَو من لصوص مُسلمين فَلَا يمْنَع وُجُوبه لِأَن الْخَوْف يحْتَمل فِي هَذَا السّفر لبِنَاء الْجِهَاد على مصادمة المخاوف وَالدّين الْحَال على مُوسر يحرم على رجل سفر جِهَاد وسفر غَيره إِلَّا بِإِذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 غَرِيمه وَالدّين الْمُؤَجل لَا يحرم السّفر وَإِن قرب الْأَجَل وَيحرم على رجل جِهَاد بسفر وَغَيره إِلَّا بِإِذن أَبَوَيْهِ إِن كَانَا مُسلمين وَلَو كَانَ الْحَيّ أَحدهمَا فَقَط لم يجز إِلَّا بِإِذْنِهِ وَجَمِيع أُصُوله الْمُسلمين كَذَلِك وَلَو وجد الْأَقْرَب مِنْهُم وَأذن بِخِلَاف الْكَافِر مِنْهُم لَا يجب اسْتِئْذَانه وَلَا يحرم عَلَيْهِ سفر لتعلم فرض وَلَو كِفَايَة كَطَلَب دَرَجَة الافتاء بِغَيْر إِذن أَصله وَلَو أذن أَصله أَو رب الدّين فِي الْجِهَاد ثمَّ رَجَعَ بعد خُرُوجه وَعلم بِالرُّجُوعِ وَجب رُجُوعه إِن لم يحضر الصَّفّ وَإِلَّا حرم انْصِرَافه لقَوْله تَعَالَى {إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا} وَيشْتَرط لوُجُوب الرُّجُوع أَيْضا أَن يَأْمَن على نَفسه وَمَاله وَلم تنكسر قُلُوب الْمُسلمين وَإِلَّا فَلَا يجب الرُّجُوع بل لَا يجوز وَالْحَال الثَّانِي من حَال الْكفَّار أَن يدخلُوا بَلْدَة لنا مثلا فَيلْزم أَهلهَا الدّفع بالممكن مِنْهُم وَيكون الْجِهَاد حِينَئِذٍ فرض عين سَوَاء أمكن تأهبهم لقِتَال أم لم يُمكن علم كل من قصد أَنه إِن أَخذ قتل أَو لم يعلم أَنه إِن امْتنع من الاستسلام قتل أَو لم تأمن الْمَرْأَة فَاحِشَة إِن أخذت وَمن هُوَ دون مَسَافَة الْقصر من الْبَلدة الَّتِي دَخلهَا الْكفَّار حكمه كأهلها وَإِن كَانَ فِي أَهلهَا كِفَايَة لِأَنَّهُ كالحاضر مَعَهم فَيجب ذَلِك على كل مِمَّن ذكر حَتَّى على فَقير وَولد ومدين ورقيق بِلَا إِذن من الأَصْل وَرب الدّين وَالسَّيِّد وَيلْزم الَّذين على مَسَافَة الْقصر الْمُضِيّ إِلَيْهِم عِنْد الْحَاجة بِقدر الْكِفَايَة دفعا لَهُم وإنقاذا من الهلكة فَيصير فرض عين فِي حق من قرب وَفرض كِفَايَة فِي حق من بعد وَإِذا لم يُمكن من قصد تأهب لقِتَال وَجوز أسرا وقتلا فَلهُ استسلام وقتال إِن علم أَنه إِن امْتنع مِنْهُ قتل وَأمنت الْمَرْأَة فَاحِشَة ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْجِهَاد بقوله (وَمن أسر من الْكفَّار فعلى ضَرْبَيْنِ ضرب يكون رَقِيقا بِنَفس) أَي بِمُجَرَّد (السَّبي) بِفَتْح الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْمُوَحدَة وَهُوَ الْأسر كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي تحريره (وهم النِّسَاء وَالصبيان) والمجانين وَالْعَبِيد وَلَو مُسلمين كَمَا يرق حَرْبِيّ مقهور لحربي بالقهر أَي يصيرون بالأسر أرقاء لنا وَيَكُونُونَ كَسَائِر أَمْوَال الْغَنِيمَة الْخمس لأَهله وَالْبَاقِي للغانمين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم السَّبي كَمَا يقسم المَال وَالْمرَاد برق العبيد استمراره لَا تجدده وَمثلهمْ فِيمَا ذكر المبعضون تَغْلِيبًا لحقن الدَّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 تَنْبِيه لَا يقتل من ذكر للنَّهْي عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا فَإِن قَتلهمْ الإِمَام وَلَو لشرهم وقوتهم ضمن قيمتهم للغانمين كَسَائِر الْأَمْوَال (وَضرب لَا يرق بِنَفس السَّبي) وَإِنَّمَا يرق بِالِاخْتِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (وهم الرِّجَال) الْأَحْرَار (البالغون) الْعُقَلَاء (وَالْإِمَام) أَو أَمِير الْجَيْش (مُخَيّر فيهم) بِفعل الأحظ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين (بَين أَرْبَعَة أَشْيَاء) وَهِي (الْقَتْل) بِضَرْب رَقَبَة لَا بتحريق وتغريق (والاسترقاق) وَلَو لونثي أَو عَرَبِيّ أَو بعض شخص على الْمُصَحح فِي الرَّوْضَة إِذا رَآهَا مصلحَة (والمن) عَلَيْهِم بتخلية سبيلهم (والفدية بِالْمَالِ) أَي يَأْخُذهُ مِنْهُم سَوَاء أَكَانَ من مَالهم أَو من مالنا الَّذِي فِي أَيْديهم (أَو بِالرِّجَالِ) أَي برد أسرى مُسلمين كَمَا نَص عَلَيْهِ وَمثل الرِّجَال غَيرهم أَو أهل ذمَّة كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر فَيرد مُشْرك بِمُسلم أَو مُسلمين أَو مُشْرِكين بِمُسلم أَو بذمي وَيجوز أَن يفديهم بأسلحتنا الَّتِي فِي أَيْديهم وَلَا يجوز أَن نرد أسلحتهم الَّتِي فِي أَيْدِينَا بِمَال يبذلونه كَمَا لَا يجوز أَن نبيعهم السِّلَاح (يفعل الإِمَام) أَو أَمِير الْجَيْش (من ذَلِك) بِالِاجْتِهَادِ لَا بالتشهي (مَا فِيهِ الْمصلحَة للْمُسلمين) وَالْإِسْلَام فَإِن خَفِي على الإِمَام أَو أَمِير الْجَيْش الأحظ حَبسهم حَتَّى يظْهر لَهُ لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى الِاجْتِهَاد لَا إِلَى التشهي كَمَا مر فيؤخر لظُهُور الصَّوَاب وَلَو أسلم أَسِير مُكَلّف لم يخْتَر الإِمَام فِيهِ قبل إِسْلَامه منا وَلَا فدَاء عصم الْإِسْلَام دَمه فَيحرم قَتله لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى أَن قَالَ فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَقَوله وَأَمْوَالهمْ مَحْمُول على مَا قبل الْأسر بِدَلِيل قَوْله إِلَّا بِحَقِّهَا وَمن حَقّهَا أَن مَاله الْمَقْدُور عَلَيْهِ بعد الْأسر غنيمَة وَبَقِي الْخِيَار فِي الْبَاقِي من خِصَال التَّخْيِير السَّابِقَة لِأَن الْمُخَير بَين أَشْيَاء إِذا سقط بَعْضهَا لتعذره لَا يسْقط الْخِيَار فِي الْبَاقِي كالعجز عَن الْعتْق فِي الْكَفَّارَة (وَمن أسلم) من رجل أَو امْرَأَة فِي دَار حَرْب أَو إِسْلَام (قبل الْأسر) أَي قبل الظفر بِهِ (أحرز) أَي عصم بِإِسْلَامِهِ (مَاله) من غنيمَة (وَدَمه) من سفكه للْخَبَر الْمَار (وصغار أَوْلَاده) الْأَحْرَار عَن السَّبي لأَنهم يتبعونه فِي الْإِسْلَام وَالْجد كَذَلِك فِي الْأَصَح وَلَو كَانَ الْأَب حَيا لما مر وَولده أَو ولد وَلَده الْمَجْنُون كالصغير وَلَو طَرَأَ الْجُنُون بعد الْبلُوغ لما مر أَيْضا ويعصم الْحمل تبعا لَهُ لَا إِن استرقت أمه قبل إِسْلَام الْأَب فَلَا يبطل إِسْلَامه رقّه كالمنفصل وَإِن حكم بِإِسْلَامِهِ تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن سبي الزَّوْجَة والمذاهب كَمَا فِي الْمِنْهَاج أَن إِسْلَام الزَّوْج لَا يَعْصِمهَا عَن الاسترقاق لاستقلالها وَلَو كَانَت حَامِلا مِنْهُ فِي الْأَصَح فَإِن قيل لَو بذل مِنْهُ فِي الْجِزْيَة منع إرقاق زَوجته وَابْنَته الْبَالِغَة فَكَانَ الْإِسْلَام أولى أُجِيب بِأَن مَا يُمكن اسْتِقْلَال الشَّخْص بِهِ لَا يَجْعَل فِيهِ تَابعا لغيره والبالغة تستقل بِالْإِسْلَامِ وَلَا تستقل ببذل الْجِزْيَة فَإِن استرقت انْقَطع نِكَاحه فِي حَال السَّبي سَوَاء أَكَانَ قبل الدُّخُول بهَا أم لَا لِامْتِنَاع إمْسَاك الْأمة الْكَافِرَة للنِّكَاح كَمَا يمْتَنع ابْتِدَاء نِكَاحهَا وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض وَلم يسْأَل عَن ذَات زوج وَلَا غَيرهَا وَمَعْلُوم أَنه كَانَ فيهم من لَهَا زوج وترق زَوْجَة الذِّمِّيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 بِنَفس الْأسر وَيقطع بِهِ نِكَاحه فَإِن قيل هَذَا يُخَالف قَوْلهم إِن الْحَرْبِيّ إِذا بذل الْجِزْيَة عصم نَفسه وَزَوجته من الاسترقاق أُجِيب بِأَن المُرَاد هُنَاكَ الزَّوْجَة الْمَوْجُودَة حِين العقد فيتناولها العقد على جِهَة التّبعِيَّة وَالْمرَاد هُنَا الزَّوْجَة المتجددة بعد العقد لِأَن العقد لم يَتَنَاوَلهَا وَيجوز إرقاق عَتيق الذِّمِّيّ إِذا كَانَ حَرْبِيّا لِأَن الذِّمِّيّ لَو الْتحق بدار الْحَرْب اسْترق فعتيقه أولى لَا عَتيق مُسلم الْتحق بدار الْحَرْب فَلَا يسترق لِأَن الْوَلَاء بعد ثُبُوته لَا يرفع وَلَا تسْتَرق زَوْجَة الْمُسلم الحربية إِذا سبيت كَمَا صَححهُ فِي الْمِنْهَاج وَأَصله وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الرَّوْضَة والشرحين الْجَوَاز فَإِنَّهُمَا سويا فِي جَرَيَان الْخلاف بَينهمَا وَبَين زَوْجَة الْحَرْبِيّ إِذا أسلم لِأَن الْإِسْلَام الْأَصْلِيّ أقوى من الْإِسْلَام الطارىء وَلَو سبيت زَوْجَة حرَّة أَو زوج حر ورق انْفَسَخ النِّكَاح لحدوث الرّقّ فَإِن كَانَا رقيقين لم يَنْفَسِخ النِّكَاح إِذْ لم يحدث رق وَإِنَّمَا انْتقل الْملك من شخص إِلَى آخر وَذَلِكَ لَا يقطع النِّكَاح كَالْبيع وَإِذا رق الْحَرْبِيّ وَعَلِيهِ دين لغير حَرْبِيّ كمسلم وذمي لم يسْقط فيفضي من مَاله إِن غنم بعد رقّه فَإِن كَانَ لحربي على حَرْبِيّ ورق من عَلَيْهِ الدّين بل أَو رب الدّين فَيسْقط وَلَو رق رب الدّين وَهُوَ على غير حَرْبِيّ لم يسْقط وَمَا أَخذ من أهل الْحَرْب بِلَا رضَا من عقار أَو غَيره بِسَرِقَة أَو غَيرهَا غنيمَة مخمسة إِلَّا السَّلب خمسها لأَهله وَالْبَاقِي للآخذ وَكَذَا مَا وجد كلقطة مِمَّا يظنّ أَنه لَهُم فَإِن أمكن كَونه لمُسلم وَجب تَعْرِيفه وَيعرف سنة إِلَّا أَن يكون حَقِيرًا كَسَائِر اللقطات (وَيحكم للصَّبِيّ) أَي للصَّغِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى (بِالْإِسْلَامِ عِنْد وجود) أحد (ثَلَاثَة أَسبَاب) أَولهَا مَا ذكره بقوله (أَن يسلم أحد أَبَوَيْهِ) وَالْمَجْنُون وَإِن جن بعد بُلُوغه كالصغير بِأَن يعلق بَين كَافِرين ثمَّ يسلم أَحدهمَا قبل بُلُوغه فَإِنَّهُ يحكم بِإِسْلَامِهِ حَالا سَوَاء أسلم أَحدهمَا قبل وَضعه أم بعده قبل تَمْيِيزه وَقبل بُلُوغه لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} تَنْبِيه قَول المُصَنّف أَن يسلم أحد أَبَوَيْهِ يُوهم قصره على الْأَبَوَيْنِ وَلَيْسَ مرَادا بل فِي معنى الْأَبَوَيْنِ الأجداد والجدات وَإِن لم يَكُونُوا وارثين وَكَانَ الْأَقْرَب حَيا فَإِن قيل إِطْلَاق ذَلِك يَقْتَضِي إِسْلَام جَمِيع الْأَطْفَال بِإِسْلَام أَبِيهِم آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أُجِيب بِأَن الْكَلَام فِي جد يعرف النّسَب إِلَيْهِ بِحَيْثُ يحصل بَينهمَا التَّوَارُث وَبِأَن التّبعِيَّة فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية حكم جَدِيد وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 وَالْمَجْنُون الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ كالصغير فِي تَبَعِيَّة أحد أُصُوله فِي الْإِسْلَام إِن بلغ مَجْنُونا وَكَذَا إِن بلغ عَاقِلا ثمَّ جن فِي الْأَصَح وَإِذا حدث للْأَب ولد بعد موت الْجد مُسلما تبعه فِي أحد احْتِمَالَيْنِ رَجحه السُّبْكِيّ وَهُوَ الظَّاهِر فَإِن بلغ الصَّغِير وَوصف كفرا بعد بُلُوغه أَو أَفَاق الْمَجْنُون وَوصف كفرا بعد إِفَاقَته فمرتد على الْأَظْهر لسبق الحكم بِإِسْلَامِهِ فَأشبه من أسلم بِنَفسِهِ ثمَّ ارْتَدَّ وَإِن كَانَ أحد أَبَوي الصَّغِير مُسلما وَقت علوقه فَهُوَ مُسلم بِإِجْمَاع وتغليبا لِلْإِسْلَامِ وَلَا يضر مَا يطْرَأ بعد الْعلُوق مِنْهُمَا من ردة فَإِن بلغ وَوصف كفرا بِأَن أعرب بِهِ عَن نَفسه كَمَا فِي الْمُحَرر فمرتد قطعا لِأَنَّهُ مُسلم ظَاهرا وَبَاطنا وَثَانِيها مَا ذكره بقوله (أَو يسبيه) أَي الصَّغِير أَو الْمَجْنُون (مُسلم) وَقَوله (مُنْفَردا) حَال من ضمير الْمَفْعُول أَي حَال انْفِرَاده (عَن أَبَوَيْهِ) فَيحكم بِإِسْلَامِهِ ظَاهرا وَبَاطنا تبعا لسابيه لِأَن لَهُ عَلَيْهِ ولَايَة وَلَيْسَ مَعَه من هُوَ أقرب إِلَيْهِ مِنْهُ فيتبعه كَالْأَبِ قَالَ الإِمَام وَكَأن السابي لما أبطل حُرِّيَّته قلبه قلبا كليا فَعدم عَمَّا كَانَ وافتتح لَهُ وجود تَحت يَد السابي وَولَايَة فَأشبه تولده بَين الْأَبَوَيْنِ الْمُسلمين وَسَوَاء أَكَانَ السابي بَالغا عَاقِلا أم لَا أما إِذا سبي مَعَ أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يتبع السابي جزما وَمعنى كَون أحد أَبَوي الصَّغِير مَعَه أَن يَكُونَا فِي جَيش وَاحِد وغنيمة وَاحِدَة وَإِن اخْتلف سابيهما لِأَن تَبَعِيَّة الأَصْل أقوى من تَبَعِيَّة السابي فَكَانَ أولى بالاستتباع وَلَا يُؤثر موت الأَصْل بعد لِأَن التّبعِيَّة إِنَّمَا تثبت فِي ابْتِدَاء السَّبي وَخرج بِالْمُسلمِ الْكَافِر فَلَو سباه ذمِّي وَحمله إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو مستأمن كَمَا قَالَه الدَّارمِيّ لم يحكم بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَح لِأَن كَونه من أهل دَار الْإِسْلَام لم يُؤثر فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَاده فَكيف يُؤثر فِي مسبيه وَلِأَن تَبَعِيَّة الدَّار إِنَّمَا تُؤثر فِي حق من لَا يعرف حَاله وَلَا نسبه نعم هُوَ على دين سابيه كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره ثَالِثهَا مَا ذكره بقوله (أَو يُوجد لقيطا فِي دَار الْإِسْلَام) فَيحكم بِإِسْلَامِهِ تبعا للدَّار وَمَا ألحق بهَا وَإِن اسْتَلْحقهُ كَافِر بِلَا بَيِّنَة بنسبه هَذَا إِن وجد بِمحل وَلَو بدار كفر بِهِ مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ وَلَو أَسِيرًا منتشرا أَو تَاجِرًا أَو مجتازا تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ قد حكم بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغير بِمُجَرَّد دَعْوَى الِاسْتِلْحَاق وَلَكِن لَا يَكْفِي اجتيازه بدار كفر بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا لحرمتها وَلَو نَفَاهُ مُسلم قبل فِي نفي نسبه لَا فِي نفي إسْلَامهَا اتِّفَاقًا لِأَن نطقه بِالشَّهَادَتَيْنِ إِمَّا خبر وَإِمَّا إنْشَاء فَإِن كَانَ خَبرا للْكَافِرِ لَيْسَ بِهِ مُسلم فَهُوَ كَافِر أما إِذا اسْتَلْحقهُ الْكَافِر بِبَيِّنَة أَو وجد اللَّقِيط بِمحل مَنْسُوب للْكفَّار لَيْسَ بِهِ مُسلم فَهُوَ كَافِر تَنْبِيه اقْتِصَاره كَغَيْرِهِ على هَذِه الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة يدل على عدم الحكم بِإِسْلَام الصَّغِير الْمُمَيز وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 الْقَدِيم والجديد كَمَا قَالَه الإِمَام لِأَنَّهُ غير مُكَلّف فَأشبه غير الْمُمَيز وَالْمَجْنُون وهما لَا يَصح إسلامهما اتِّفَاقًا وَلِأَن نطقه بِالشَّهَادَتَيْنِ إِمَّا خبر وَإِمَّا إنْشَاء فَإِن كَانَ خَبرا فخبره غير مَقْبُول وَإِن كَانَ إنْشَاء فَهُوَ كعقوده وَهِي بَاطِلَة وَأما إِسْلَام سيدنَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فقد اخْتلف فِي وقته فَقيل إِنَّه كَانَ بَالغا حِين أسلم كَمَا نَقله القَاضِي أَبُو الطّيب عَن الإِمَام أَحْمد وَقيل إِنَّه أسلم قبل بُلُوغه وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَأجَاب عَنهُ الْبَيْهَقِيّ بِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا صَارَت معلقَة بِالْبُلُوغِ بعد الْهِجْرَة قَالَ السُّبْكِيّ وَهُوَ صَحِيح لِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا نيطت بِخَمْسَة عشر عَام الخَنْدَق فقد تكون منوطة قبل ذَلِك بسن التَّمْيِيز وَالْقِيَاس على الصَّلَاة وَنَحْوهَا لَا يَصح لِأَن الْإِسْلَام لَا يتَنَفَّل بِهِ وعَلى هَذَا يُحَال بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ الْكَافرين لِئَلَّا يفتنانه وَهَذِه الْحَيْلُولَة مُسْتَحبَّة على الصَّحِيح فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة فيتلطف بِوَالِديهِ ليؤخذ مِنْهُمَا فَإِن أَبَيَا فَلَا حيلولة تَتِمَّة فِي أَطْفَال الْكفَّار إِذا مَاتُوا وَلم يتلفظوا بِالْإِسْلَامِ خلاف منتشر وَالأَصَح أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة لِأَن كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فحكمهم حكم الْكفَّار فِي الدُّنْيَا فَلَا يصلى عَلَيْهِم وَلَا يدفنون فِي مَقَابِر الْمُسلمين وحكمهم حكم الْمُسلمين فِي الْآخِرَة لما مر فصل فِي قسم الْغَنِيمَة وَهِي لُغَة الرِّبْح وَشرعا مَال أَو مَا ألحق بِهِ كخمر مُحْتَرمَة حصل لنا من كفار أصليين حربيين مِمَّا هُوَ لَهُم بِقِتَال منا أَو إيجَاف خيل أَو ركاب وَنَحْو ذَلِك وَلَو بعد انهزامهم فِي الْقِتَال أَو قبل شهر السِّلَاح حِين التقى الصفان وَمن الْغَنِيمَة مَا أَخذ من دَارهم سَرقَة أَو اختلاسا أَو لقطَة أَو مَا أهدوه لنا أَو صالحونا عَلَيْهِ وَالْحَرب قَائِمَة وَخرج بِمَا ذكره مَا حصله أهل الذِّمَّة من أهل الْحَرْب بِقِتَال فالنص أَنه لَيْسَ بغنيمة فَلَا ينْزع مِنْهُم وَمَا أَخذ من تَرِكَة الْمُرْتَد فَإِنَّهُ فَيْء لَا غنيمَة وَمَا أَخذ من ذمِّي كجزية فَإِنَّهُ فَيْء أَيْضا وَلَو أَخذنَا من الْحَرْبِيين مَا أَخَذُوهُ من مُسلم أَو ذمِّي أَو نَحوه بِغَيْر حق لم نملكه وَلَو غنم ذمِّي وَمُسلم غنيمَة فَهَل يُخَمّس الْجَمِيع أَو نصيب الْمُسلم فَقَط وَجْهَان أظهرهمَا الثَّانِي كَمَا رَجحه بعض الْمُتَأَخِّرين وَلما كَانَ يقدم من أصل مَال الْغَنِيمَة السَّلب بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (وَمن) أَي إِذا (قتل) الْمُسلم سَوَاء أَكَانَ حرا أم لَا ذكرا أم لَا بَالغا أم لَا فَارِسًا أم لَا (قَتِيلا أعْطى سلبه) سَوَاء أشرطه لَهُ الإِمَام أم لَا لخَبر الشَّيْخَيْنِ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وروى أَبُو دَاوُد أَن أَبَا طَلْحَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قتل يَوْم خَيْبَر عشْرين قَتِيلا وَأخذ سلبهم تَنْبِيه يسْتَثْنى من إِطْلَاقه الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق السَّلب سَوَاء أحضر بِإِذن الإِمَام أم لَا والمخذل والمرجف والخائن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 وَنَحْوهم مِمَّن لَا سهم لَهُ وَلَا رضخ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وأطلقوا اسْتِحْقَاق العَبْد الْمُسلم السَّلب وَيجب تقيده بِكَوْنِهِ لمُسلم على الْمَذْهَب وَيشْتَرط فِي الْمَقْتُول أَن لَا يكون مَنْهِيّا عَن قَتله فَلَو قتل صَبيا أَو امْرَأَة لم يقاتلا فَلَا سلب لَهُ فَإِن قَاتلا اسْتَحَقَّه فِي الْأَصَح وَلَو أعرض مُسْتَحقّ السَّلب عَنهُ لم يسْقط حَقه مِنْهُ على الْأَصَح لِأَنَّهُ مُتَعَيّن لَهُ إِنَّمَا يسْتَحق الْقَاتِل السَّلب بركوب غرر يَكْفِي بِهِ شَرّ كَافِر فِي حَال الْحَرْب وكفاية شَره أَن يزِيل امْتِنَاعه كَأَن يفقأ عَيْنَيْهِ أَو يقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَكَذَا لَو أسره أَو قطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ وَكَذَا لَو قطع يدا ورجلا فَلَو رمي من حصن أَو من صف الْمُسلمين أَو قتل كَافِرًا نَائِما أَو أَسِيرًا أَو قَتله وَقد انهزم الْكفَّار فَلَا سلب لَهُ لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الْخطر والتغرير بِالنَّفسِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَا هُنَا وسلب ثِيَاب الْقَتِيل الَّتِي عَلَيْهِ والخف وَآلَة الْحَرْب كدرع وَسلَاح ومركوب وآلته نَحْو سرج ولجام وَكَذَا سوار ومنطقة وَخَاتم وَنَفَقَة مَعَه وَكَذَا جنيبة تقاد مَعَه فِي الْأَظْهر لَا حقيبة وَهِي وعَاء يجمع فِيهِ الْمَتَاع وَيجْعَل على حقو الْبَعِير مشدودة على الْفرس فَلَا يَأْخُذهَا وَلَا مَا فِيهَا من الدَّرَاهِم والأمتعة لِأَنَّهَا لَيست من لِبَاسه وَلَا من حليته وَلَا من حلية فرسه وَلَا يُخَمّس السَّلب على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِهِ للْقَاتِل وَبعد السَّلب تخرج مُؤنَة الْحِفْظ وَالنَّقْل وَغَيرهمَا من الْمُؤَن اللَّازِمَة كَأُجْرَة جمال وراع (وتقسم الْغَنِيمَة) وجوبا (بعد ذَلِك) أَي بعد إِعْطَاء السَّلب وَإِخْرَاج الْمُؤَن خَمْسَة أَخْمَاس مُتَسَاوِيَة (فَيعْطى أَرْبَعَة أخماسها) من عقار ومنقول (لمن شهد الْوَقْعَة) بنية الْقِتَال وهم الغانمون لإِطْلَاق الْآيَة الْكَرِيمَة وَعَملا بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَرْض خَيْبَر سَوَاء أقَاتل من حضر بنية الْقِتَال مَعَ الْجَيْش أم لَا لِأَن الْمَقْصُود تهيؤه للْجِهَاد وحصوله هُنَاكَ فَإِن تِلْكَ الْحَالة باعثة على الْقِتَال وَلَا يتَأَخَّر عَنهُ فِي الْغَالِب إِلَّا لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ مَعَ تكثيره سَواد الْمُسلمين وَكَذَا من حضر لَا بنية الْقِتَال وَقَاتل فِي الْأَظْهر فَمن لم يحضر أَو حضر لَا بنية الْقِتَال وَلم يُقَاتل لم يسْتَحق شَيْئا وَيسْتَثْنى من ذَلِك مسَائِل الأولى مَا لَو بعث الإِمَام جاسوسا فغنم الْجَيْش قبل رُجُوعه فَإِنَّهُ يشاركهم فِي الْأَصَح الثَّانِيَة لَو طلب الإِمَام بعض الْعَسْكَر ليحرس من هجوم الْعَدو وأفرد من الْجَيْش كمينا فَإِنَّهُ يُسهم لَهُم وَإِن لم يحضروا الْوَقْعَة لأَنهم فِي حكمهم ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الثَّالِثَة لَو دخل الإِمَام أَو نَائِبه دَار الْحَرْب فَبعث سَرِيَّة فِي نَاحيَة فَغنِمت شاركها جَيش الإِمَام وَبِالْعَكْسِ لاستظهار كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ وَلَو بعث سريتين إِلَى جِهَة اشْترك الْجَمِيع فِيمَا تغنم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَكَذَا لَو بعثهما إِلَى جِهَتَيْنِ وَإِن تباعدتا على الْأَصَح وَلَا شي لمن حضر بعد انْقِضَاء الْقِتَال وَلَو قبل حِيَازَة المَال وَلَو مَاتَ بَعضهم بعد انْقِضَاء الْقِتَال وَلَو قبل حِيَازَة المَال فحقه لوَارِثه كَسَائِر الْحُقُوق وَلَو مَاتَ فِي أثْنَاء الْقِتَال فالمنصوص أَنه لَا شَيْء لَهُ فَلَا يخلفه وَارثه فِيهِ وَنَصّ فِي موت الْفرس حِينَئِذٍ أَنه يسْتَحق سهميها وَالأَصَح تَقْرِير النَّصِيبَيْنِ لِأَن الْفَارِس متبوع فَإِذا مَاتَ فَاتَ الأَصْل وَالْفرس تَابع فَإِذا مَاتَ جَازَ أَن يبْقى سَهْمه للمتبوع وَالْأَظْهَر أَن الْأَجِير الَّذِي وَردت الْإِجَارَة على عينه مُدَّة مُعينَة لَا لجهاده بل لسياسة دَوَاب وَحفظ أَمْتعَة وَنَحْوهَا والتاجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 والمحترف كالخياط والبقال يُسهم لَهُم إِذا قَاتلُوا لشهودهم الْوَقْعَة وقتالهم أما من وَردت الْإِجَارَة على ذمَّته أَو بِغَيْر مُدَّة كخياطة ثوب فَيعْطى وَإِن لم يُقَاتل وَأما الْأَجِير للْجِهَاد فَإِن كَانَ مُسلما فَلَا أُجْرَة لَهُ لبُطْلَان إِجَارَته لِأَنَّهُ بِحُضُور الصَّفّ تعين عَلَيْهِ وَلم يسْتَحق السهْم فِي أحد وَجْهَيْن قطع بِهِ الْبَغَوِيّ وَاقْتضى كَلَام الرَّافِعِيّ تَرْجِيحه لإعراضه عَنهُ بِالْإِجَارَة وَلم يحضر مُجَاهدًا وَيدْفَع (للفارس ثَلَاثَة أسْهم) لَهُ سهم ولفرسه سَهْمَان لِلِاتِّبَاعِ فيهمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمن حضر بفرس يركبه يُسهم لَهُ وَإِن لم يُقَاتل عَلَيْهِ إِذا كَانَ يُمكنهُ ركُوبه لَا إِن حضر وَلم يعلم بِهِ فَلَا يُسهم لَهُ وَلَا يعْطى إِلَّا لفرس وَاحِد وَإِن كَانَ مَعَه أَكثر مِنْهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعْط الزبير إِلَّا لفرس وَاحِد وَكَانَ مَعَه يَوْم خَيْبَر أَفْرَاس عَرَبيا كَانَ الْفرس أَو غَيره كالبرذون وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ عجميان والهجين وَهُوَ مَا أَبوهُ عَرَبِيّ دون أمه والمقرف بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَكسر الرَّاء عَكسه لِأَن الْكر والفر يحصل من كل مِنْهُمَا وَلَا يضر تفاوتهما كالرجال وَلَا يعْطى لفرس أعجف أَي مهزول بَين الهزال وَلَا مَا لَا نفع فِيهِ كالهرم وَالْكَبِير لعدم فَائِدَته وَلَا لبعير وَغَيره كالفيل والبغل وَالْحمار لِأَنَّهَا لَا تصلح للحرب صَلَاحِية الْخَيل لَهُ وَلَكِن يرْضخ لَهَا ويتفاوت بَينهَا بِحَسب النَّفْع (و) يدْفع (للراجل سهم) وَاحِد لفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك يَوْم خَيْبَر مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَا يرد إِعْطَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي وقْعَة سَهْمَيْنِ كَمَا صَحَّ فِي مُسلم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مِنْهُ خُصُوصِيَّة اقْتَضَت ذَلِك (وَلَا يُسهم) من الْغَنِيمَة (إِلَّا لمن استكملت فِيهِ خمس) بل سِتّ (شَرَائِط الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورة) وَالصِّحَّة (فَإِن اخْتَلَّ شَرط من ذَلِك) أَي مِمَّا ذكر كالكافر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَالرَّقِيق وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى والزمن (رضخ لَهُ وَلم يُسهم) لوَاحِد مِنْهُم لأَنهم لَيْسُوا من أهل فرض الْجِهَاد والرضخ بالضاد وَالْخَاء المعجمتين لُغَة الْعَطاء الْقَلِيل وَشرعا اسْم لما دون السهْم ويجتهد الإِمَام أَو أَمِير الْجَيْش فِي قدره لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ تَحْدِيد فَيرجع إِلَى رَأْيه ويتفاوت على قدر نفع المرضخ لَهُ فَيرجع الْمقَاتل وَمن قِتَاله أَكثر على غَيره والفارس على الراجل وَالْمَرْأَة الَّتِي تداوي الْجَرْحى وتسقي العطاشى على الَّتِي تحفظ الرِّجَال بِخِلَاف سهم الْغَنِيمَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمقَاتل وَغَيره لِأَنَّهُ مَنْصُوص عَلَيْهِ والرضخ بِالِاجْتِهَادِ لَكِن لَا يبلغ بِهِ سهم راجل وَلَو كَانَ الرضخ لفارس لِأَنَّهُ تبع للسهام فينقص بِهِ من قدرهَا كالحكومة مَعَ الأروش الْمقدرَة وَمحل الرضخ الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ سهم من الْغَنِيمَة يسْتَحق بِحُضُور الْوَقْعَة إِلَّا أَنه نَاقص وَإِنَّمَا يرْضخ لذِمِّيّ وَمَا ألحق بِهِ من الْكفَّار حضر بِلَا أُجْرَة وَكَانَ حُضُوره بِإِذن الإِمَام أَو أَمِير الْجَيْش وَبلا إِكْرَاه مِنْهُ وَلَا أثر لإذن الْآحَاد فَإِن حضر بِأُجْرَة فَلهُ الْأُجْرَة وَلَا شَيْء لَهُ سواهَا وَإِن حضر بِلَا إِذن الإِمَام أَو الْأَمِير فَلَا رضخ لَهُ بل يعزره الإِمَام إِن رَآهُ وَإِن أكرهه الإِمَام على الْخُرُوج اسْتحق أُجْرَة مثله من غير سهم وَلَا رضخ لاستهلاك عمله عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (وَيقسم الْخمس) الْخَامِس بعد ذَلِك (على خَمْسَة أسْهم) فالقسمة من خَمْسَة وَعشْرين لقَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} الْآيَة الأول (سهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِلْآيَةِ وَلَا يسْقط بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل (يصرف بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 للْمصَالح) أَي لمصَالح الْمُسلمين فَلَا يصرف مِنْهُ لكَافِر فَمن الْمصَالح سد الثغور وشحنها بِالْعدَدِ والمقاتلة وَهِي مَوَاضِع الْخَوْف من أَطْرَاف بِلَاد الْإِسْلَام الَّتِي تَلِيهَا بِلَاد الْمُشْركين فيخاف أَهلهَا مِنْهُم وَعمارَة الْمَسَاجِد والقناطر والحصون وأرزاق الْقُضَاة وَالْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء بعلوم تتَعَلَّق بمصالح الْمُسلمين كتفسير وَحَدِيث وَفقه ومعلمي الْقُرْآن والمؤذنين لِأَن بالثغور حفظ الْمُسلمين وَلِئَلَّا يتعطل من ذكر بالاكتساب عَن الِاشْتِغَال بِهَذِهِ الْعُلُوم وَعَن تَنْفِيذ الْأَحْكَام وَعَن التَّعْلِيم والتعلم فيرزقون مَا يكفيهم ليتفرغوا لذَلِك قَالَ الزَّرْكَشِيّ نقلا عَن الْغَزالِيّ يعْطى الْعلمَاء والقضاة مَعَ الْغَنِيّ وَقدر الْمُعْطى إِلَى رَأْي الإِمَام بِالْمَصْلَحَةِ وَيخْتَلف بِضيق المَال وسعته وَقَالَ الْغَزالِيّ وَيُعْطى أَيْضا من ذَلِك الْعَاجِز عَن الْكسْب لَا مَعَ الْغَنِيّ وَالْمرَاد بالقضاة غير قُضَاة الْعَسْكَر أما قُضَاة الْعَسْكَر وهم الَّذين يحكمون لأهل الْفَيْء فِي مغزاهم فيرزقون من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لَا من خمس الْخمس كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا أئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم يقدم الأهم فالأهم مِنْهَا وجوبا وأهمها كَمَا قَالَه فِي التَّنْبِيه سد الثغور لِأَن فِيهِ حفظا للْمُسلمين تَنْبِيه قَالَ فِي الْإِحْيَاء لَو لم يدْفع الإِمَام إِلَى الْمُسْتَحقّين حُقُوقهم من بَيت المَال فَهَل يجوز لأحد أَخذ شَيْء من بَيت المَال وَفِيه أَرْبَعَة مَذَاهِب أَحدهَا لَا يجوز أَخذ شَيْء أصلا لِأَنَّهُ مُشْتَرك وَلَا يدْرِي قدر حِصَّته مِنْهُ قَالَ وَهَذَا غلُول وَالثَّانِي يَأْخُذ كل يَوْم قوت يَوْم وَالثَّالِث يَأْخُذ كِفَايَة سنة وَالرَّابِع يَأْخُذ مَا يعْطى وَهُوَ قدر حِصَّته قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقيَاس لِأَن المَال لَيْسَ مُشْتَركا بَين الْمُسلمين كالغنيمة بَين الْغَانِمين وَالْمِيرَاث بَين الْوَارِثين لِأَن ذَلِك ملك لَهُم حَتَّى لَو مَاتُوا تقسم بَين ورثتهم وَهَذَا لَو مَاتَ لم يسْتَحق وَارثه شَيْئا انْتهى وَأقرهُ فِي الْمَجْمُوع على هَذَا الرَّابِع وَهُوَ الظَّاهِر (و) الثَّانِي (سهم لِذَوي الْقُرْبَى) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة (وهم) آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب) وَمِنْهُم إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دون بني عبد شمس وَبني نَوْفَل وَإِن كَانَ الْأَرْبَعَة أَوْلَاد عبد منَاف لاقتصاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقسم على بني الْأَوَّلين مَعَ سُؤال بني الآخرين لَهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلِأَنَّهُم لم يفارقوه فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا الْإِسْلَام حَتَّى إِنَّه لما بعث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرسالة نصروه وذبوا عَنهُ بِخِلَاف بني الآخرين بل كَانُوا يؤذونه وَالثَّلَاثَة الأول أشقاء وَنَوْفَل أخوهم لأبيهم وَعبد شمس جد عُثْمَان بن عَفَّان وَالْعبْرَة بالانتساب إِلَى الْآبَاء أما من انتسب مِنْهُم إِلَى الْأُمَّهَات فَلَا ويشترك فِي هَذَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالنِّسَاء ويفضل الذّكر كَالْإِرْثِ وَحكى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 الإِمَام فِيهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (و) الثَّالِث (سهم لِلْيَتَامَى) لِلْآيَةِ جمع يَتِيم وَهُوَ صَغِير ذكر أَو خُنْثَى أَو أُنْثَى لَا أَب لَهُ أما كَونه صَغِيرا فلخبر لَا يتم بعد احْتِلَام وَأما كَونه لَا أَب لَهُ فللوضع وَالْعرْف سَوَاء أَكَانَ من أَوْلَاد المرتزقة أم لَا قتل أَبوهُ فِي الْجِهَاد أم لَا لَهُ جد أم لَا تَنْبِيه كَانَ الأولى للْمُصَنف أَن يُقيد الْيَتِيم بِالْمُسلمِ لِأَن أَيْتَام الْكفَّار لَا يُعْطون من سهم الْيَتَامَى شَيْئا لِأَنَّهُ مَال أَخذ من الْكفَّار فَلَا يرجع إِلَيْهِم وَكَذَا يشْتَرط الْإِسْلَام فِي ذَوي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل لذَلِك ويندرج فِي تفسيرهم الْيَتِيم ولد الزِّنَا واللقيط والمنفي بِلعان وَلَا يسمون أيتاما لِأَن ولد الزِّنَا لَا أَب لَهُ شرعا فَلَا يُوصف باليتيم واللقيط قد يظْهر أَبوهُ والمنفي بِاللّعانِ قد يستلحقه نافيه وَلَكِن الْقيَاس أَنهم يُعْطون من سهم الْيَتَامَى فَائِدَة يُقَال لمن فقد أمه دون أَبِيه مُنْقَطع واليتيم فِي الْبَهَائِم من فقد أمه وَفِي الطير من فقد أَبَاهُ وَأمه وَيشْتَرط فِي إِعْطَاء الْيَتِيم لَا فِي تَسْمِيَته يَتِيما فقره أَو مسكنته لإشعار لفظ الْيَتِيم بذلك وَلِأَن اغتناءه بِمَال أَبِيه إِذا منع اسْتِحْقَاقه فاغتناؤه بِمَالِه أولى بِمَنْعه (و) الرَّابِع (سهم للْمَسَاكِين) لِلْآيَةِ وَيدخل فِي هَذَا الِاسْم هُنَا الْفُقَرَاء كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (و) الْخَامِس (سهم لِابْنِ السَّبِيل) أَي الطَّرِيق لِلْآيَةِ وَابْن السَّبِيل منشىء سفر مُبَاح من مَحل الزَّكَاة كَمَا فِي قسم الصَّدقَات أَو مجتاز بِهِ فِي سفر وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر ذكرا أَو غَيره سمي بذلك لملازمته السَّبِيل وَهِي الطَّرِيق وَشرط فِي إِعْطَائِهِ لَا فِي تَسْمِيَته الْحَاجة بِأَن لَا يجد مَا يَكْفِيهِ غير الصَّدَقَة وَإِن كَانَ لَهُ مَال فِي مَكَان آخر أَو كَانَ كسوبا أَو كَانَ سَفَره لنزهة لعُمُوم الْآيَة تَتِمَّة يجوز للْإِمَام أَن يجمع للْمَسَاكِين بَين سهمهم من الزَّكَاة وسهمهم من الْخمس وحقهم من الْكَفَّارَات فَيصير لَهُم ثَلَاثَة أَمْوَال قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَإِذا وجد فِي وَاحِد مِنْهُم يتم ومسكنة أعْطى باليتم دون المسكنة لِأَن الْيُتْم وصف لَازم والمسكنة زائلة وَاعْترض بِأَن الْيُتْم لَا بُد فِيهِ من فقر أَو مسكنة وَقَضِيَّة كَلَام الْمَاوَرْدِيّ أَنه إِذا كَانَ الْغَازِي من ذَوي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذ بالغزو بل بِالْقَرَابَةِ فَقَط لَكِن ذكر الرَّافِعِيّ فِي قسم الصَّدقَات أَنه يَأْخُذ بهما وَاقْتضى كَلَامه أَنه لَا خلاف فِيهِ وَهُوَ ظَاهر وَالْفرق بَين الْغَزْو والمسكنة أَن الْأَخْذ بالغزو لحاجتنا بالمسكنة لحَاجَة صَاحبهَا وَمن فقد من الْأَصْنَاف أعْطى الْبَاقُونَ نصِيبه كَمَا فِي الزَّكَاة إِلَّا سهم رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ للْمصَالح كَمَا مر وَيصدق مدعي المسكنة والفقر بِلَا بَيِّنَة وَإِن اتهمَ وَلَا يصدق مدعي الْيُتْم وَلَا مدعي الْقَرَابَة إِلَّا بِبَيِّنَة فصل فِي قسم الْفَيْء وَهُوَ مَال أَو نَحوه ككلب ينْتَفع بِهِ حصل لنا من كفار مِمَّا هُوَ لَهُم بِلَا قتال وَبلا إيجَاف أَي إسراع خيل وَلَا سير ركاب أَي إبل وَنَحْوهَا كبغال وحمير وسفن ورجالة فَخرج بلنا مَا حصله أهل الذِّمَّة من أهل الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا ينْزع مِنْهُم وَمِمَّا هُوَ لَهُم مَا أَخَذُوهُ من مُسلم أَو ذمِّي أَو نَحوه بِغَيْر حق فإننا لم نملكه بل نرده على مَالِكه إِن عرف وَإِلَّا فيحفظ وَمن الْفَيْء الْجِزْيَة وَعشر تِجَارَة من كفار شرطت عَلَيْهِم إِذا دخلُوا دَارنَا وخراج ضرب عَلَيْهِم على اسْم الْجِزْيَة وَمَا جلوا أَي تفَرقُوا عَنهُ وَلَو لغير خوف كضر أَصَابَهُم وَمن قتل أَو مَاتَ على الرِّدَّة أَو ذمِّي أَو نَحوه مَاتَ بِلَا وَارِث أَو ترك وَارِثا غير جَائِز ثمَّ شرع فِي قسمته بقوله (وَيقسم مَال الْفَيْء) وَمَا ألحق بِهِ من الاختصاصات (على خمس) لقَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} الْآيَة (يصرف خمسه) وجوبا (على من يصرف عَلَيْهِم خمس الْغَنِيمَة) فيخمس جَمِيعه خَمْسَة أَخْمَاس مُتَسَاوِيَة كالغنيمة خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة حَيْثُ قَالُوا لَا يُخَمّس بل جَمِيعه لمصَالح الْمُسلمين وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} الْآيَة فَأطلق هَا هُنَا وَقيد فِي الْغَنِيمَة فَحمل الْمُطلق على الْمُقَيد جمعهَا بَينهمَا لِاتِّحَاد الحكم فَإِن الحكم وَاحِد وَهُوَ رُجُوع المَال من الْمُشْركين للْمُسلمين وَإِن اخْتلف السَّبَب بِالْقِتَالِ وَعَدَمه كَمَا حملنَا الرَّقَبَة فِي الظِّهَار على المؤمنة فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم لَهُ أَرْبَعَة أخماسه وَخمْس خمسه وَلكُل من الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورين مَعَه فِي الْآيَة خمس الْخمس كَمَا مر فِي الْفَصْل قبله وَأما بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصْرف مَا كَانَ لَهُ من خمس الْخمس لمصالحنا كَمَا مر أَيْضا فِي الْفَصْل قبله (وَيُعْطى أَرْبَعَة أخماسها) الَّتِي كَانَت لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته (للمقاتلة) أَي المرتزقة لعمل الْأَوَّلين بِهِ لِأَنَّهَا كَانَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحُصُول النُّصْرَة بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 والمقاتلون بعده هم المرصدون لِلْقِتَالِ (فِي مصَالح الْمُسلمين) بِتَعْيِين الإِمَام لَهُم سموا مرتزقة لأَنهم أرصدوا أنفسهم للذب عَن الدّين وطلبوا الرزق من مَال الله وَخرج بهم المتطوعة وهم الَّذين يغزون إِذا نشطوا وَإِنَّمَا يُعْطون من الزَّكَاة لَا من الْفَيْء عكس المرتزقة تَتِمَّة يجب على الإِمَام أَن يبْحَث عَن حَال كل وَاحِد من المرتزقة وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَتهم من أَوْلَاد وزوجات ورقيق لحَاجَة غَزْو أَو لخدمة إِن اعتادها لَا رَقِيق زِينَة وتجارة وَمَا يكفيهم فيعطيه كِفَايَته وكفايتهم من نَفَقَة وَكِسْوَة وَسَائِر الْمُؤَن بِقدر الْحَاجة ليتفرغ للْجِهَاد ويراعي فِي الْحَاجة حَاله فِي مروءته وضدها وَالْمَكَان وَالزَّمَان والرخص والغلاء وَعَادَة الْبَلَد فِي المطاعم والملابس وَيُزَاد إِن زَادَت حَاجته بِزِيَادَة ولد أَو حُدُوث زَوْجَة وَمن لَا رَقِيق لَهُ يعْطى من الرَّقِيق مَا يَحْتَاجهُ لِلْقِتَالِ مَعَه أَو لخدمته إِذا كَانَ مِمَّن يخْدم وتعطى زَوجته وَأَوْلَاده الَّذين تلْزمهُ نَفَقَتهم فِي حَيَاته إِذا مَاتَ بعد أَخذ نصِيبه لِئَلَّا يشْتَغل النَّاس بِالْكَسْبِ عَن الْجِهَاد إِذا علمُوا ضيَاع عِيَالهمْ بعدهمْ فتعطى الزَّوْجَة حَتَّى تنْكح لاستغنائها بِالزَّوْجِ وَلَو استغنت بكسب أَو إِرْث أَو نَحوه كوصية لم تعط وَحكم أم الْوَلَد كَالزَّوْجَةِ وَكَذَا الزَّوْجَات وَيُعْطى الْأَوْلَاد حَتَّى يستقلوا بكسب أَو نَحوه كوصية واستنبط السُّبْكِيّ رَحمَه الله تَعَالَى من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْفَقِيه أَو المعيد أَو الْمدرس إِذا مَاتَ تُعْطى زَوجته وَأَوْلَاده مِمَّا كَانَ يَأْخُذ مَا يقوم بهم ترغيبا فِي الْعلم كالترغيب هُنَا فِي الْجِهَاد اه وَفرق بَعضهم بَينهمَا بِأَن الْإِعْطَاء من الْأَمْوَال الْعَامَّة وَهِي أَمْوَال الْمصَالح أقوى من الْخَاصَّة كالأوقاف فَلَا يلْزم من التَّوَسُّع فِي تِلْكَ التَّوَسُّع فِي هَذِه لِأَنَّهُ مَال معِين أخرجه شخص لتَحْصِيل مصلحَة نشر الْعلم فِي هَذَا الْمحل الْمَخْصُوص فَكيف يصرف مَعَ انْتِفَاء الشَّرْط وَمُقْتَضى هَذَا الْفرق الصّرْف لأَوْلَاد الْعَالم من مَال الْمصَالح كفايتهم كَمَا كَانَ يصرف لأبيهم وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فصل فِي الْجِزْيَة تطلق على العقد وعَلى المَال الْمُلْتَزم بِهِ وَهِي مَأْخُوذَة من المجازاة لكفنا عَنْهُم وَقيل من الْجَزَاء بِمَعْنى الْقَضَاء قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} أَي لَا تقضى وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} وَقد أَخذهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مجوس هجر وَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمن أهل نَجْرَان كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن فِي أَخذهَا مَعُونَة لنا وإهانة لَهُم وَرُبمَا يحملهم ذَلِك على الْإِسْلَام وَفسّر إِعْطَاء الْجِزْيَة فِي الْآيَة بالتزامها وَالصغَار بِالْتِزَام أحكامنا وأركانها خَمْسَة عَاقد ومعقود لَهُ وَمَكَان وَمَال وَصِيغَة وَشرط فِي الصِّيغَة وَهِي الرُّكْن الأول مَا مر فِي شَرطهَا فِي البيع والصيغة إِيجَابا كأقررتكم أَو أَذِنت فِي إقامتكم بِدَارِنَا مثلا على أَن تلتزموا كَذَا جِزْيَة وتنقادوا لحكمنا وقبولا نَحْو قبلنَا ورضينا وَشرط فِي الْعَاقِد كَونه إِمَامًا يعْقد بِنَفسِهِ أَو بنائبه ثمَّ شرع المُصَنّف فِي شُرُوط الْمَعْقُود لَهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي بقوله (وشرائط وجوب) ضرب (الْجِزْيَة) على الْكفَّار الْمَعْقُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 لَهُم (خمس خِصَال) الأولى (الب و) الثَّانِيَة (الْعقل) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا من وليهما لعدم تكليفهما وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ الْمَجْنُون بَالغا وَلَو بعد عقد الْجِزْيَة إِن أطبق جُنُونه فَإِن تقطع وَكَانَ قَلِيلا كساعة من شهر لَزِمته وَلَا عِبْرَة بِهَذَا الزَّمن الْيَسِير وَكَذَا لَا أثر ليسير زمن الْإِفَاقَة كَمَا بَحثه بَعضهم وَإِن كَانَ كثيرا كَيَوْم وَيَوْم فَالْأَصَحّ تلفيق زمن الْإِفَاقَة فَإِذا بلغ سنة وَجَبت جزيتهَا (و) الثَّالِثَة (الْحُرِّيَّة) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ الرَّقِيق وَلَو مبعضا وَلَا جِزْيَة على متمحض الرّقّ إِجْمَاعًا وَلَا على الْمبعض على الْمَذْهَب (و) الرَّابِعَة (الذكورية) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ امْرَأَة وَلَا جِزْيَة عَلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وهم صاغرون} وَهُوَ خطاب للذكور وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وروى الْبَيْهَقِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَة من النِّسَاء وَالصبيان وَلَا من خُنْثَى وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ لاحْتِمَال كَونه أُنْثَى فَإِن بَانَتْ ذكورته وَقد عقدت لَهُ الْجِزْيَة طالبناه بجزية الْمدَّة الْمَاضِيَة عملا بِمَا فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف مَا لَو دخل حَرْبِيّ دَارنَا وَبَقِي مُدَّة ثمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا لما مضى لعدم عقد الْجِزْيَة لَهُ وَالْخُنْثَى كَذَلِك إِذا بَانَتْ ذكورته وَلم تعقد لَهُ الْجِزْيَة وعَلى هَذَا التَّفْصِيل يحمل إِطْلَاق من صحّح الْأَخْذ مِنْهُ وَمن صحّح عَدمه (و) الْخَامِسَة (أَن يكون) الْمَعْقُود مَعَه (من أهل الْكتاب) كاليهودي وَالنَّصْرَانِيّ من الْعَرَب والعجم الَّذين لم يعلم دُخُولهمْ فِي ذَلِك الدّين بعد نسخه لأصل أهل الْكتاب وَقد قَالَ تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ} إِلَى أَن قَالَ {الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة} (أَو مِمَّن لَهُ شُبْهَة كتاب) كالمجوس لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذهَا مِنْهُم وَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب وَلِأَن لَهُم شُبْهَة كتاب وَكَذَا تعقد لأَوْلَاد من تهود أَو تنصر قبل النّسخ لدينِهِ وَلَو بعد التبديل وَإِن لم يجتنبوا الْمُبدل مِنْهُ تَغْلِيبًا لحقن الدَّم وَلَا تحل ذبيحتهم وَلَا مناكحتهم لِأَن الأَصْل فِي الميتات والأبضاع التَّحْرِيم وتقعد أَيْضا لمن شككنا فِي وَقت تهوده أَو تنصره فَلم نَعْرِف أدخلُوا فِي ذَلِك الدّين قبل النّسخ أَو بعده تَغْلِيبًا لحقن الدَّم كالمجوس وَبِذَلِك حكمت الصَّحَابَة فِي نَصَارَى الْعَرَب وَأما الصابئة والسامرة فتعقد لَهُم الْجِزْيَة إِن لم تكفرهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلم يخالفوهم فِي أصُول دينهم وَإِلَّا فَلَا تعقد لَهُم وَكَذَا تعقد لَهُم لَو أشكل أَمرهم وتعقد لزاعم التَّمَسُّك بصحف إِبْرَاهِيم وصحف شِيث وَهُوَ ابْن آدم لصلبه وزبور دَاوُد لِأَن الله تَعَالَى أنزل عَلَيْهِم صحفا فَقَالَ {صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} وَقَالَ {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} وَتسَمى كتبا كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فاندرجت فِي قَوْله تَعَالَى {من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} وَمن أحد أَبَوَيْهِ كتابي وَالْآخر وَثني تَغْلِيبًا لحقن الدَّم وَتحرم ذَبِيحَته ومناكحته احْتِيَاطًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَأما من لَيْسَ لَهُم كتاب وَلَا شُبْهَة كتاب كعبدة الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَالْمَلَائِكَة وَمن فِي معناهم كمن يَقُول إِن الْفلك حَيّ نَاطِق وَإِن الْكَوَاكِب السَّبْعَة آلِهَة فَلَا يقرونَ بالجزية وَلَو بلغ ابْن ذمِّي وَلم يُعْط الْجِزْيَة ألحق بمأمنه وَإِن بذلها عقدت لَهُ وَالْمذهب وُجُوبهَا على زمن وَشَيخ وهرم وأعمى وراهب وأجير لِأَنَّهَا كَأُجْرَة الدَّار وعَلى فَقير عجز عَن كسب فَإِذا تمت سنة وَهُوَ مُعسر فَفِي ذمَّته حَتَّى يوسر وَكَذَا حكم السّنة الثَّانِيَة وَمَا بعْدهَا ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ المَال بقوله (وَأَقل الْجِزْيَة دِينَار فِي كل حول) عَن كل وَاحِد لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَن معَاذ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله من المعافر وَهِي ثِيَاب تكون بِالْيمن تَنْبِيه ظَاهر الْخَبَر أَن أقلهَا دِينَار أَو مَا قِيمَته دِينَار وَبِه أَخذ البُلْقِينِيّ وَالْمَنْصُوص الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَاب كَمَا هُوَ ظَاهر عبارَة المُصَنّف أَن أقلهَا دِينَار وَعَلِيهِ إِذا عقدهَا بِهِ جَازَ أَن يعتاض عَنهُ مَا قِيمَته دِينَار وَإِنَّمَا امْتنع عقدهَا بِمَا قِيمَته دِينَار لِأَن قِيمَته قد تنقص عَنهُ آخر الْمدَّة وَمحل كَون أقلهَا دِينَارا عِنْد قوتنا وَإِلَّا فقد نقل الدَّارمِيّ عَن الْمَذْهَب أَنه يجوز عقدهَا بِأَقَلّ من دِينَار نَقله الْأَذْرَعِيّ وَقَالَ إِنَّه ظَاهر مُتَّجه وَقَضِيَّة كَلَام المُصَنّف تعلق الْوُجُوب بِانْقِضَاء الْحول وَقَالَ الْقفال اخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي أَن الْجِزْيَة تجب بِالْعقدِ وتستقر بِانْقِضَاء الْحول أَو تجب بانقضائه وَبنى عَلَيْهِمَا إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول هَل تسْقط فَإِن قُلْنَا بِالْعقدِ لم تسْقط وَإِلَّا سَقَطت حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن فِي الْأَسْرَار وَلَا حد لأكْثر الْجِزْيَة وَينْدب للْإِمَام مماكسة الْكَافِر الْعَاقِد لنَفسِهِ أَو لمُوكلِه فِي قدر الْجِزْيَة حَتَّى تزيد على دِينَار (و) على هَذَا (يُؤْخَذ من الْمُتَوَسّط دِينَارَانِ وَمن الْمُوسر أَرْبَعَة دَنَانِير) وَمن الْفَقِير دِينَارا (اسْتِحْبَابا) اقْتِدَاء بعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَلِأَن الإِمَام متصرف للْمُسلمين فَيَنْبَغِي أَن يحْتَاط لَهُم فَإِن أمكنه أَن يعْقد بِأَكْثَرَ مِنْهُ لم يجز أَن يعْقد بِدُونِهِ إِلَّا لمصْلحَة تَنْبِيه هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ابْتِدَاء العقد فَأَما إِذا انْعَقَد العقد على شَيْء فَلَا يجوز أَخذ شَيْء زَائِد عَلَيْهِ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي سير الْوَاقِدِيّ وَنَقله الزَّرْكَشِيّ عَن نَص الْأُم وَلَو عقدت الْجِزْيَة للْكفَّار بِأَكْثَرَ من دِينَار ثمَّ علمُوا بعد العقد جَوَاز دِينَار لَزِمَهُم مَا التزموه كمن اشْترى شَيْئا بِأَكْثَرَ من ثمن مثله ثمَّ علم الْغبن فَإِن أَبَوا بذل الزِّيَادَة بعد العقد كَانُوا ناقضين للْعهد كَمَا لَو امْتَنعُوا من أَدَاء أصل الْجِزْيَة وَلَو أسلم ذمِّي أَو نبذ الْعَهْد أَو مَاتَ بعد سِنِين وَله وَارِث مُسْتَغْرق أخذت جزيتهن مِنْهُ فِي الأولتين وَمِنْه تركته فِي الثَّالِثَة مُقَدّمَة على حق الْوَرَثَة كالخراج وَسَائِر الدُّيُون أما إِذا لم يخلف وَارِثا فتركته فَيْء أَو أسلم أَو نبذ الْعَهْد أَو مَاتَ فِي خلال سنة فقسط لما مضى كالأجرة (وَيجوز) كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الْجُمْهُور وَالرَّاجِح كَمَا فِي الْمِنْهَاج أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام (أَن يشْتَرط) بِنَفسِهِ أَو بنائبه (عَلَيْهِم) أَي على غير فَقير من غَنِي أَو متوسط فِي العقد برضاهم (الضِّيَافَة) أَي ضِيَافَة من يمر بهم منا بِخِلَاف الْفَقِير فَإِنَّهَا تَتَكَرَّر فَلَا تتيسر لَهُ (فضلا) أَي فَاضلا (عَن مِقْدَار الْجِزْيَة) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على الْإِبَاحَة والجزية على التَّمْلِيك وَيجْعَل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل وَيذكر عدد ضيفان رجلا وخيلا لِأَنَّهُ أنفى للغرر وأقطع للنزاع بِأَن يشْتَرط ذَلِك على كل مِنْهُم أَو على الْمَجْمُوع كَأَن يَقُول وتضيفون فِي كل سنة ألف مُسلم وهم يتوزعون فِيمَا بَينهم أَو يتَحَمَّل بَعضهم عَن بعض وَيذكر منزلهم ككنيسة أَو فَاضل مسكن وجنس طَعَام وأدم وقدرهم لكل منا وَيذكر الْعلف للدواب وَلَا يشْتَرط ذكر جنسه وَلَا قدره وَيحمل على تبن وَنَحْوه بِحَسب الْعَادة إِلَّا الشّعير وَنَحْوه كالفول إِن ذكره فيقدره وَلَو كَانَ لوَاحِد دَوَاب وَلم يعين عددا مِنْهَا لم يعلف لَهُ إِلَّا وَاحِدَة على النَّص وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا روى الْبَيْهَقِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح أهل أَيْلَة على ثَلَاثمِائَة دِينَار وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل وعَلى ضِيَافَة من يمر بهم من الْمُسلمين وروى الشَّيْخَانِ خبر الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام وَليكن الْمنزل بِحَيْثُ يدْفع الْحر وَالْبرد والركن الرَّابِع الْعَاقِد وَشرط فِيهِ كَونه إِمَامًا فيعقد بِنَفسِهِ أَو بنائبه فَلَا يَصح عقدهَا من غَيره لِأَنَّهَا من الْأُمُور الْكُلية فتحتاج إِلَى نظر واجتهاد لَكِن لَا يغتال الْمَعْقُود لَهُ بل يبلغ مأمنه وَعَلِيهِ إجابتهم إِذا طلبُوا وَأمن إِذا لم يخف غائلتهم ومكيدتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 فَإِن خَافَ ذَلِك كَأَن يكون الطَّالِب جاسوسا يخَاف شرهم لم يجبهم وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر مُسلم عَن بُرَيْدَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمر أَمِيرا على جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه إِلَى أَن قَالَ فَإِن هم أَبَوا فاسألهم الْجِزْيَة فَإِن هم أجابوا فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم وَيسْتَثْنى الْأَسير إِذا طلب عقدهَا فَلَا يجب تَقْرِيره بهَا والركن الْخَامِس الْمَكَان وَيشْتَرط فِيهِ قبُوله للتقرير فِيهِ فَيمْنَع كَافِر وَلَو ذِمِّيا إِقَامَة بالحجاز وَهُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة وطرق الثَّلَاثَة وقراها كالطائف لمَكَّة وخيبر للمدينة فَلَو دخله بِغَيْر إِذن الإِمَام أخرجه مِنْهُ وعزره إِن كَانَ عَالما بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَأْذَن لَهُ فِي دُخُولهَا الْحجاز غير حرم مَكَّة إِلَّا لمصْلحَة لنا كرسالة وتجارة فِيهَا كَبِير حَاجَة فَإِن لم يكن فِيهَا كَبِير حَاجَة لم يَأْذَن لَهُ إِلَّا بِشَرْط أَخذ شَيْء من متاعها كالعشر وَلَا يُقيم فِيهِ بعد الْإِذْن لَهُ إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَو أَقَامَ فِي مَوضِع ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْتقل إِلَى آخر أَي وَبَينهمَا مَسَافَة الْقصر وَهَكَذَا فَلَا منع فَإِن مرض فِيهِ وشق نَقله مِنْهُ أَو خيف مِنْهُ مَوته ترك مُرَاعَاة لأعظم الضررين فَإِن مَاتَ فِيهِ وشق نَقله مِنْهُ دفن فِيهِ للضَّرُورَة نعم الْحَرْبِيّ لَا يجب دَفنه وَلَا يدْخل حرم مَكَّة وَلَو لمصْلحَة لقَوْله تَعَالَى {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} وَالْمرَاد جَمِيع الْحرم لقَوْله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ عيلة} أَي فقرا بمنعهم من الْحرم وَانْقِطَاع مَا كَانَ لكم بقدومهم من المكاسب {فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} وَمَعْلُوم أَن الجلب إِنَّمَا يجلب إِلَى الْبَلَد لَا إِلَى الْمَسْجِد نَفسه وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَنهم أخرجُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فعوقبوا بِالْمَنْعِ من دُخُوله بِكُل حَال فَإِن كَانَ رَسُولا خرج إِلَيْهِ الإِمَام بِنَفسِهِ أَو نَائِبه يسمعهُ فَإِن مرض فِيهِ أخرج مِنْهُ وَإِن خيف مَوته فَإِن مَاتَ فِيهِ لم يدْفن فِيهِ فَإِن دفن فِيهِ نبش وَأخرج مِنْهُ إِلَى الْحل لِأَن بَقَاء جيفته فِيهِ أَشد من دُخُوله حَيا وَلَا يجْرِي هَذَا الحكم فِي حرم الْمَدِينَة لاخْتِصَاص حرم مَكَّة بالنسك وَثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدخل الْكفَّار مَسْجده وَكَانَ ذَلِك بعد نزُول بَرَاءَة (ويتضمن عقد الذِّمَّة) أَي الْجِزْيَة الْمُشْتَملَة على هَذِه الْأَركان الْخَمْسَة وَقد قَالَ البُلْقِينِيّ نفس العقد يَشْمَل الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالْقدر الْمَأْخُوذ والموجب والقابل فَجعله متضمنا لغالب الْأَركان ثمَّ بَين مَا تضمنه بقوله (أَرْبَعَة أَشْيَاء) الأول (أَن يؤدوا الْجِزْيَة عَن يَد) أَي ذلة (وصغار) أَي احتقار وأشده على الْمَرْء أَن يحكم عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدهُ ويضطر إِلَى احْتِمَاله قَالَه فِي الزَّوَائِد فتؤخذ بِرِفْق كَسَائِر الدُّيُون وَيَكْفِي فِي الصغار الْمَذْكُور فِي آياتها أَن يجرى عَلَيْهِ الحكم بِمَا لَا يعْتَقد حلّه كَمَا فسره الْأَصْحَاب بذلك وَتَفْسِيره بِأَن يجلس الْآخِذ وَيقوم الْكَافِر ويطأطىء رَأسه ويحني ظَهره وَيَضَع الْجِزْيَة فِي الْمِيزَان وَيقبض الْآخِذ لحيته وَيضْرب لهزمتيه وهما مُجْتَمع اللَّحْم بَين الماضغ وَالْأُذن من الْجَانِبَيْنِ مَرْدُود بِأَن هَذِه الْهَيْئَة بَاطِلَة وَدَعوى استحبابها أَو وُجُوبهَا أَشد بطلانا وَلم ينْقل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أحدا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فعل شَيْئا مِنْهَا (و) الثَّانِي (أَن تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْإِسْلَام) فِي غير الْعِبَادَات من حُقُوق الْآدَمِيّين فِي الْمُعَامَلَات وغرامة الْمُتْلفَات وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة دون مَا لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه كشرب الْخمر وَنِكَاح الْمَجُوس وَإِنَّمَا وَجب التَّعَرُّض لذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 فِي الْإِيجَاب لِأَن الْجِزْيَة مَعَ الانقياد والاستسلام كالعوض عَن التَّقْرِير فَيجب التَّعَرُّض لَهُ كَالثّمنِ فِي البيع وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة وَهَذَا فِي حق الرجل وَأما الْمَرْأَة فَيَكْفِي فِيهَا الانقياد لحكم الْإِسْلَام فَقَط (و) الثَّالِث (أَن لَا يذكرُوا دين الْإِسْلَام إِلَّا بِخَير) لإعزازه فَلَو خالفوا وطعنوا فِيهِ أَو فِي الْقُرْآن الْعَظِيم أَو ذكرُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا لَا يَلِيق بِقَدرِهِ الْعَظِيم عزروا وَالأَصَح أَنه إِن شَرط انْتِقَاض الْعَهْد بذلك انْتقض وَإِلَّا فَلَا (و) الرَّابِع (أَن لَا يَفْعَلُوا مَا فِيهِ ضَرَر للْمُسلمين) كَأَن قاتلوهم وَلَا شُبْهَة لَهُم أَو امْتَنعُوا من أَدَاء الْجِزْيَة أَو من إِجْرَاء حكم الْإِسْلَام عَلَيْهِم فَإِن فعلوا شَيْئا من ذَلِك انْتقض عَهدهم وَإِن لم يشرط الإِمَام عَلَيْهِم الانتقاض بِهِ وَيمْنَعُونَ أَيْضا من سقيهم خمرًا وإطعامهم خنزيرا أَو إسماعهم قولا شركا كَقَوْلِهِم الله ثَالِث ثَلَاثَة تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَمن إِظْهَار خمر وخنزير وناقوس وَعِيد وَمَتى أظهرُوا خمورهم أريقت وَقِيَاسه إِتْلَاف الناقوس وَهُوَ مَا يضْرب بِهِ النَّصَارَى لأوقات الصَّلَاة إِذا أظهروه وَمن إِحْدَاث كَنِيسَة وبيعة وصومعة للرهبان وَبَيت نَار للمجوس فِي بلد أحدثناه كبغداد والقاهرة أَو أسلم أَهله عَلَيْهِ كالمدينة الشَّرِيفَة واليمن لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تبن كَنِيسَة فِي الْإِسْلَام وَلِأَن إِحْدَاث ذَلِك مَعْصِيّة فَلَا يجوز فِي دَار الْإِسْلَام فَإِن بنوا ذَلِك هدم سَوَاء أشرط عَلَيْهِم أم لَا وَلَا يحدثُونَ ذَلِك فِي بَلْدَة فتحت عنْوَة كمصر وأصبهان لِأَن الْمُسلمين ملكوها بِالِاسْتِيلَاءِ فَيمْتَنع جعلهَا كَنِيسَة وكما لَا يجوز إحداثها لَا يجوز إِعَادَتهَا إِذا انْهَدَمت وَلَا يقرونَ على كَنِيسَة كَانَت فِيهِ لما مر وَلَو فتحنا الْبَلَد صلحا كبيت الْمُقَدّس بِشَرْط كَون الأَرْض لنا وَشرط إسكانهم فِيهَا بخراج وإبقاء الْكَنَائِس أَو إحداثها جَازَ لِأَنَّهُ إِذا جَازَ الصُّلْح على أَن كل الْبَلَد لَهُم فعلى بعضه أولى فَلَو أطلق الصُّلْح وَلم يذكر فِيهِ إبْقَاء الْكَنَائِس وَلَا عَدمه فَالْأَصَحّ الْمَنْع من إبقائها فيهدم مَا فِيهَا من الْكَنَائِس لِأَن إِطْلَاق اللَّفْظ يَقْتَضِي صيرورة جَمِيع الْبَلَد لنا أَو بِشَرْط الأَرْض لَهُم ويؤدون خراجها قررت كنائسهم لِأَنَّهَا ملكهم وَلَهُم الإحداث فِي الْأَصَح وَيمْنَعُونَ وجوبا من رفع بِنَاء لَهُم على بِنَاء جَار لَهُم مُسلم لخَبر الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يطلع على عوراتنا وَلَا فرق بَين أَن يرضى الْجَار بذلك أم لَا لِأَن الْمَنْع من ذَلِك لحق الدّين لَا لمحض حق الدَّار وَالأَصَح الْمَنْع من الْمُسَاوَاة أَيْضا فَإِن كَانُوا بمحلة مُنْفَصِلَة عَن الْمُسلمين كطرف من الْبَلَد لم يمنعوا من رفع الْبناء (ويعرفون) بِضَم حرف المضارعة مَعَ تَشْدِيد الرَّاء الْمَفْتُوحَة على الْبناء للْمَفْعُول أَي نعرفهم ونأمرهم أَي أهل الذِّمَّة المكلفون فِي دَار الْإِسْلَام وجوبا أَنهم يتميزون عَن الْمُسلمين (بِلبْس الغيار) بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَإِن لم يشرط عَلَيْهِم وَهُوَ أَن يخيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 كل مِنْهُم من ذكر أَو غَيره بِموضع لَا يعْتَاد الْخياطَة عَلَيْهِ كالكتف على ثَوْبه الظَّاهِر مَا يُخَالف لَونه لون ثَوْبه ويلبسه وَذَلِكَ للتمييز وَلِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَالحهمْ على تَغْيِير زيهم بِمحضر من الصَّحَابَة كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فَإِن قيل لم لم يفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا بيهود الْمَدِينَة أُجِيب بِأَنَّهُم كَانُوا قليلين معروفين فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زمن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وخافوا من التباسهم بِالْمُسْلِمين احتاجوا إِلَى تمييزهم وإلقاء منديل وَنَحْوه كالخياطة وَالْأولَى باليهود الْأَصْفَر وبالنصارى الْأَزْرَق أَو الأكهب وَيُقَال لَهُ الرَّمَادِي وبالمجوسي الْأَحْمَر أَو الْأسود (وَشد الزنار) أَي ويؤمرون بذلك أَيْضا وَهُوَ بِضَم الْمُعْجَمَة خيط غليظ يشد فِي الْوسط فَوق الثِّيَاب لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَالحهمْ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَذَا فِي الرجل أما الْمَرْأَة فتشده تَحت الْإِزَار كَمَا صرح بِهِ فِي التَّنْبِيه وَحَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن التَّهْذِيب وَغَيره لَكِن مَعَ ظُهُور بعضه حَتَّى يحصل بِهِ فَائِدَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِر الألوان قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة وَلَيْسَ لَهُم إِبْدَاله بمنطقة ومنديل وَنَحْوهمَا وَالْجمع بَين الغيار والزنار أولى وَلَيْسَ بِوَاجِب وَمن لبس مِنْهُم قلنسوة يميزها عَن قلانسنا بعلامة فِيهَا وَإِذا دخل الذِّمِّيّ مُجَردا حَماما فِيهِ مُسلمُونَ أَو تجرد عَن ثِيَابه بَين الْمُسلمين فِي غير حمام جعل وجوبا فِي عُنُقه خَاتم حَدِيد أَو رصاص أَو نَحْو ذَلِك فَلَا يَجعله من ذهب وَلَا فضَّة قَالَ الزَّرْكَشِيّ والخاتم طوق يكون فِي الْعُنُق قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيجب الْقطع بمنعهم من التَّشَبُّه بلباس أهل الْعلم والقضاة وَنَحْوهم لما فِي ذَلِك من التعاظم قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيمْنَعُونَ من التَّخَتُّم بِالذَّهَب وَالْفِضَّة لما فِيهِ من التطاول والمباهاة وَتجْعَل الْمَرْأَة خفها لونين وَلَا يشْتَرط التَّمْيِيز بِكُل هَذِه الْوُجُوه بل يَكْفِي بَعْضهَا قَالَ الْحَلِيمِيّ وَلَا يَنْبَغِي لفعلة الْمُسلمين وصياغهم أَن يعملوا للْمُشْرِكين كَنِيسَة أَو صليبا وَأما نسج الزنانير فَلَا بَأْس بِهِ لِأَن فِيهَا صغَارًا لَهُم (وَيمْنَعُونَ) أَي الذُّكُور المكلفون فِي بِلَاد الْمُسلمين وجوبا (من ركُوب الْخَيل) لقَوْله تَعَالَى {وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ} فَأمر أولياءه بإعدادها لأعدائه وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة تَنْبِيه ظَاهر كَلَامه أَنه لَا فرق فِي منع ركُوب الْخَيل بَين النفيس مِنْهَا والخسيس وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور بِخِلَاف الْحمير وَالْبِغَال وَلَو نفيسة لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا خسيسة وَإِن كَانَ أَكثر أَعْيَان النَّاس يركبونها ويركب بإكاف وركاب خشب لَا حَدِيد وَنَحْوه وَلَا سرج اتبَاعا لكتاب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالْمعْنَى فِيهِ أَن يتميزوا عَن الْمُسلمين ويركب عرضا بِأَن يَجْعَل رجلَيْهِ من جَانب وَاحِد وظهره من جَانب آخر قَالَ الرَّافِعِيّ وَيحسن أَن يتوسط فَيُفَرق بَين أَن يركب إِلَى مَسَافَة قريبَة من الْبَلَد أَو بعيدَة وَهُوَ ظَاهر وَيمْنَع من حمل السِّلَاح وَمن اللجم المزينة بالنقدين أما النِّسَاء وَالصبيان وَنَحْوهمَا فَلَا يمْنَعُونَ من ذَلِك كَمَا لَا جِزْيَة عَلَيْهِم قَالَ ابْن الصّلاح وَيَنْبَغِي مَنعهم من خدمَة الْمُلُوك والأمراء كَمَا يمْنَعُونَ من ركُوب الْخَيل (ويلجؤون) عِنْد زحمة الْمُسلمين (إِلَى أضيق الطّرق) بِحَيْثُ لَا يقعون فِي وهدة وَلَا يصدمهم جِدَار لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تبدأوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذا لَقِيتُم أحدهم فِي طَرِيق فاضطروهم إِلَى أضيقه أما إِذا خلت الطَّرِيق عَن الزحمة فَلَا حرج قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إِلَّا أفرادا مُتَفَرّقين وَلَا يوقرون فِي مجْلِس فِيهِ مُسلم لِأَن الله تَعَالَى أذلّهم وَالظَّاهِر كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ تَحْرِيم ذَلِك خَاتِمَة تحرم مَوَدَّة الْكَافِر لقَوْله تَعَالَى {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 فَإِن قيل قد مر فِي بَاب الْوَلِيمَة أَن مُخَالطَة الْكفَّار مَكْرُوهَة أُجِيب بِأَن المخالطة ترجع إِلَى الظَّاهِر والمودة إِلَى الْميل القلبي فَإِن قيل الْميل القلبي لَا اخْتِيَار للشَّخْص فِيهِ أُجِيب بِإِمْكَان دَفعه بِقطع أَسبَاب الْمَوَدَّة الَّتِي ينشأ عَنْهَا ميل الْقلب كَمَا قيل إِن الْإِسَاءَة تقطع عروق الْمحبَّة وَالْأولَى للْإِمَام أَن يكْتب بعد عقد الذِّمَّة اسْم من عقد لَهُ وَدينه وحليته ويتعرض لسنه أهوَ شيخ أم شَاب ويصف أعضاءه الظَّاهِرَة من وَجهه ولحيته وحاجبيه وَعَيْنَيْهِ وشفتيه وَأَنْفه وأسنانه وآثار وَجهه إِن كَانَ فِيهِ آثَار ولونه من سَمُرَة أَو شقرة وَغَيرهمَا وَيجْعَل لكل من طوائفهم عريفا مُسلما يضبطهم ليعرفه بِمن مَاتَ أَو أسلم أَو بلغ مِنْهُم أَو دخل فيهم وَأما من يحضرهم ليؤدي كل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو يشتكي إِلَى الإِمَام من يعتدي عَلَيْهِم منا أَو مِنْهُم فَيجوز جعله عريفا لذَلِك وَلَو كَانَ كَافِرًا وَإِنَّمَا اشْترط إِسْلَامه فِي الْغَرَض الأول لِأَن الْكَافِر لَا يعْتَمد خَبره تَعَالَى {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} والذبائح جمع ذَبِيحَة بِمَعْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 = كتاب الصَّيْد والذبائح = مصدر صَاد يصيد ثمَّ أطلق الصَّيْد على المصيد قَالَ مذبوحة وَلما كَانَ الصَّيْد مصدرا أفرده المُصَنّف وَجمع الذَّبَائِح لِأَنَّهَا تكون بالسكين أَو السهْم أَو الْجَوَارِح وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حللتم فاصطادوا} وَقَوله تَعَالَى {إِلَّا مَا ذكيتم} وَقَوله تَعَالَى {أحل لكم الطَّيِّبَات} والمذكى من الطَّيِّبَات تَنْبِيه ذكر المُصَنّف كالمنهاج وَأكْثر الْأَصْحَاب هَذَا الْكتاب وَمَا بعده هُنَا وفَاقا للمزني وَخَالف فِي الرَّوْضَة فَذكره آخر ربع الْعِبَادَات تبعا لطائفة من الْأَصْحَاب قَالَ وَهُوَ أنسب قَالَ ابْن قَاسم وَلَعَلَّ وَجه الأنسبية أَن طلب الْحَلَال فرض عين اه (وأركان الذّبْح) بِالْمَعْنَى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَة ذبح وَآلَة وذبيح وذابح وَقد شرع فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ (وَمَا قدر) بِضَم الْقَاف على الْبناء للْمَفْعُول (على ذَكَاته) بِالْمُعْجَمَةِ أَي ذبحه من الْحَيَوَان الْمَأْكُول (فذكاته) اسْتِقْلَالا (فِي حلقه ولبته) إِجْمَاعًا هَذَا هُوَ الرُّكْن الأول وَالثَّانِي وَهُوَ الذّبْح والذبيح وَالْحلق أَعلَى الْعُنُق واللبة بِفَتْح اللَّام وَالْبَاء المشددتين أَسْفَله وقيدت إِطْلَاقه بالاستقلال لِأَنَّهُ مُرَاده فَلَا يرد حل الْجَنِين الْمَوْجُود مَيتا فِي بطن أمه وَلم يذبح وَلم يعقر لِأَن حلّه بطرِيق التّبعِيَّة لذكاة أمه كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه وَيشْتَرط فِي الذّبْح قصد فَلَو سَقَطت مدية على مذبح شَاة أَو احتكت بهَا فانذبحت أَو استرسلت جارحة بِنَفسِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 فقتلت أَو أرسل سَهْما لَا لصيد فَقتل صيدا حرم كجارحة أرسلها وَغَابَتْ عَنهُ مَعَ الصَّيْد أَو جرحته وَلم ينْتَه بِالْجرْحِ إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح وَغَابَتْ ثمَّ وجده مَيتا فيهمَا فَإِنَّهُ يحرم لاحْتِمَال أَن مَوته بِسَبَب آخر وَمَا ذكر من التَّحْرِيم فِي الثَّانِيَة هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَإِن اخْتَار النَّوَوِيّ فِي تَصْحِيحه الْحل وَلَو رمى شَيْئا ظَنّه حجرا أَو رمى قطيع ظباء فَأصَاب وَاحِدَة مِنْهُ أَو قصد وَاحِدَة مِنْهُ فَأصَاب غَيرهَا حل ذَلِك لصِحَّة قَصده وَلَا اعْتِبَار بظنه الْمَذْكُور (وَمَا لم يقدر) بِضَم حرف المضارعة على الْبناء للْمَفْعُول (على ذَكَاته) لكَونه متوحشا كالضبع (فذكاته عقره) أَي بِجرح مزهق للروح فِي أَي مَوضِع كَانَ الْعقر من بدنه بِالْإِجْمَاع وَلَو توحش إنسي كبعير ند فَهُوَ كالصيد يحل بجرحه فِي غير مذبحه (حَيْثُ قدر عَلَيْهِ) بالظفر بِهِ وَيحل بإرسال الْكَلْب عَلَيْهِ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه تنَاول إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو تردى بعير فِي بِئْر وَلم يقدر على ذَكَاته فَيحل بجرحه فِي غير المذبح وَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَلَا يحل بإرسال الْكَلْب عَلَيْهِ كَمَا صَححهُ فِي الْمِنْهَاج من زِيَادَته وَالْفرق أَن الْحَدِيد يستباح بِهِ الذّبْح مَعَ الْقُدْرَة بِخِلَاف فعل الْجَارِحَة وَلَو تردى بعير فَوق بعير فغرز رمحا فِي الأول حَتَّى نفذ مِنْهُ إِلَى الثَّانِي حلا وَإِن لم يعلم بِالثَّانِي قَالَه القَاضِي فَإِن مَاتَ الْأَسْفَل بثقل الْأَعْلَى لم يحل وَلَو دخلت الطعنة إِلَيْهِ وَشك هَل مَاتَ بهَا أَو بالثقل لم يحل كَمَا هُوَ قَضِيَّة مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ (وَيسْتَحب فِي الذَّكَاة) أَي ذَكَاة الْحَيَوَان الْمَقْدُور عَلَيْهِ (أَرْبَعَة أَشْيَاء) الأول (قطع) كل (الْحُلْقُوم) وَهُوَ مجْرى النَّفس (و) الثَّانِي قطع كل (المريء) وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَالْمدّ والهمزة فِي آخِره مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب (و) الثَّالِث وَالرَّابِع قطع كل (الودجين) بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْجِيم وهما عرقان فِي صفحتي الْعُنُق محيطان بالحلقوم وَقيل بالمريء وهما الوريدان من الْآدَمِيّ لِأَنَّهُ أوحى وأسهل لخُرُوج الرّوح فَهُوَ من الْإِحْسَان فِي الذّبْح وَلَا يسْتَحبّ قطع مَا وَرَاء ذَلِك تَنْبِيه مُرَاد المُصَنّف أَن قطع هَذِه الْأَرْبَعَة مُسْتَحبّ لَا أَن قطع كل وَاحِد مُسْتَحبّ على انْفِرَاده من غير قطع الْبَاقِي إِذْ قطع الْحُلْقُوم والمريء وَاجِب وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والمجزىء مِنْهَا) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحل (شَيْئَانِ) وهما (قطع) كل الْحُلْقُوم و (كل المريء) مَعَ وجود الْحَيَاة المستقرة أول قطعهمَا لِأَن الذَّكَاة صادفته وَهُوَ حَيّ كَمَا لَو قطع يَد حَيَوَان ثمَّ ذكاه فَإِن شرع فِي قطعهمَا وَلم تكن فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بل انْتهى لحركة مَذْبُوح لم يحل لِأَنَّهُ صَار ميتَة فَلَا يفِيدهُ الذّبْح بعد ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 تَنْبِيه لَو ذبح شخص حَيَوَانا وَأخرج آخر أمعاءه أَو نخس خاصرته مَعًا لم يحل لِأَن التذفيف لم يتمحض بِقطع الْحُلْقُوم والمريء قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة سَوَاء أَكَانَ مَا قطع بِهِ الْحُلْقُوم مَا يذفف أَو انْفَرد أَو كَانَ يعين على التذفيف وَلَو اقْترن قطع الْحُلْقُوم بِقطع رَقَبَة الشَّاة من قفاها بِأَن أجْرى سكينا من الْقَفَا وسكينا من الْحُلْقُوم حَتَّى التقيا فَهِيَ ميتَة كَمَا صرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة لِأَن التذفيف إِنَّمَا حصل بذبحين وَلَا يشْتَرط الْعلم بِوُجُود الْحَيَاة المستقرة عِنْد الذّبْح بل يَكْفِي الظَّن بوجودها بِقَرِينَة وَلَو عرفت بِشدَّة الْحَرَكَة أَو انفجار الدَّم وَمحل ذَلِك مَا لم يتقدمه مَا يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك فَلَو وصل بِجرح إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَفِيه شدَّة الْحَرَكَة ثمَّ ذبح لم يحل وَحَاصِله أَن الْحَيَاة المستقرة عِنْد الذّبْح تَارَة تتيقن وَتارَة تظن بعلامات وقرائن فَإِن شككنا فِي استقرارها حرم للشَّكّ فِي الْمُبِيح وتغليبا للتَّحْرِيم فَإِن مرض أَو جَاع فذبحه وَقد صَار فِي آخر رَمق حل لِأَنَّهُ لم يُوجد سَبَب يُحَال الْهَلَاك عَلَيْهِ وَلَو مرض بِأَكْل نَبَات مُضر حَتَّى صَار آخر رَمق كَانَ سَببا يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك فَلم يحل على الْمُعْتَمد وَلَا يشْتَرط فِي الذَّكَاة قطع الْجلْدَة الَّتِي فَوق الْحُلْقُوم والمريء فَلَو أَدخل سكينا بأذن ثَعْلَب مثلا وَقطع الْحُلْقُوم والمريء دَاخل الْجلد لأجل جلده وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة حل وَإِن حرم عَلَيْهِ للتعذيب وَيسن نحر إبل فِي اللبة وَهِي أَسْفَل الْعُنُق كَمَا مر لقَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} وللأمر بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه أسهل لخُرُوج الرّوح لطول عُنُقهَا وَقِيَاس هَذَا كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة أَن يَأْتِي فِي كل مَا طَال عُنُقه كالنعام والإوز والبط وَيسن ذبح بقر وغنم وَنَحْوهمَا كخيل بِقطع الْحُلْقُوم والمريء لِلِاتِّبَاعِ وَيجوز بِلَا كَرَاهَة عَكسه وَيسن أَن يكون نحر الْبَعِير قَائِما معقولة ركبته وَهِي الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوع لقَوْله تَعَالَى {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} قَالَ ابْن عَبَّاس أَي قيَاما على ثَلَاثَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَأَن يكون نحر الْبَقَرَة أَو الشَّاة مضجعه لجنبها الْأَيْسَر وتترك رجلهَا الْيُمْنَى بِلَا تشد وتشد بَاقِي القوائم وَيسن الذَّابِح أَن يحد سكينه لخَبر مُسلم إِن الله كتب الأحسان على كل شَيْء فَإِذا قُلْتُمْ فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته وَأَن يُوَجه للْقبْلَة ذَبِيحَته وَأَن يَقُول عِنْد ذَبحهَا بِسم الله وَأَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك وَلَا يقل بِسم الله وَاسم مُحَمَّد لإيهامه التَّشْرِيك (وَيجوز) لمن تحل ذَكَاته لَا لغيره (الِاصْطِيَاد) أَي أكل المصاد بِالشّرطِ الْآتِي فِي غير الْمَقْدُور عَلَيْهِ (بِكُل جارحة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 سِبَاع الْبَهَائِم) كَالْكَلْبِ والفهد فِي أَي مَوضِع كَانَ جرحها حَيْثُ لم يكن فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بِأَن أدْركهُ مَيتا أَو فِي حَرَكَة الْمَذْبُوح أما الِاصْطِيَاد بِمَعْنى إِثْبَات الْملك فَلَا يخْتَص بالجوارح بل يحصل بِكُل طَرِيق تيَسّر والجارحة كل مَا يجرح سمي بذلك لجرحه الطير بظفره أَو نابه وَقَوله (معلمة) بِالْجَرِّ صفة لجارحة (و) من (جوارح الطير) كالباز والصقر لقَوْله تَعَالَى {أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح} أَي صيد مَا علمْتُم (وشرائط تعليمها) أَي جارحة السبَاع وَالطير (أَرْبَعَة) الأول (أَن تكون) الْجَارِحَة معلمة بِحَيْثُ (إِذا أرْسلت) أَي أرسلها صَاحبهَا (استرسلت) أَي هَاجَتْ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع لقَوْله تَعَالَى {مكلبين} قَالَ الشَّافِعِي إِذا أمرت الْكَلْب فائتمر وَإِذا نهيته فَانْتهى فَهُوَ مكلب (و) الثَّانِي (إِذا زجرت) أَي زجرها صَاحبهَا فِي ابْتِدَاء الْأَمر وَبعده (انزجرت) أَي وقفت (و) الثَّالِث (إِذا قتلت) صيدا (لم تَأْكُل من الصَّيْد) أَي من لَحْمه أَو نَحوه كجلده وحشوته شَيْئا قبل قَتله أَو عقبه وَمَا قررت بِهِ كَلَام المُصَنّف من اشْتِرَاط جَمِيع هَذِه الْأُمُور فِي جارحة السبَاع وَالطير هُوَ مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي كَمَا نَقله البُلْقِينِيّ كَغَيْرِهِ ثمَّ قَالَ وَلم يُخَالِفهُ أحد من الْأَصْحَاب وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام الْمِنْهَاج كالروضة يُخَالف ذَلِك حَيْثُ خصها بجارحة السبَاع وَشرط فِي جارحة الطير ترك الْأكل فَقَط (و) الرَّابِع (أَن يتَكَرَّر ذَلِك) أَي هَذِه الْأُمُور الْمُعْتَبرَة فِي التَّعْلِيم (مِنْهَا) بِحَيْثُ يظنّ تأدب الْجَارِحَة وَلَا يَنْضَبِط ذَلِك بِعَدَد بل الرُّجُوع فِي ذَلِك إِلَى أهل الْخِبْرَة بالجوارح (فَإِن عدم أحد هَذِه الشُّرُوط) الْمُعْتَبرَة فِي التَّعْلِيم (لم يحل) أكل (مَا أَخَذته) أَي جرحته من الصَّيْد بِحَيْثُ لم يبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع (إِلَّا أَن يدْرك حَيا) أَي يجد فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة (فيذكى) حِينَئِذٍ فَيحل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي فِي حَدِيثه وَمَا صدت بكلبك غير الْمعلم فأدركت ذَكَاته فَكل مُتَّفق عَلَيْهِ تَنْبِيه عَلامَة الْحَيَاة المستقرة شدَّة الْحَرَكَة بعد قطع الْحُلْقُوم والمريء على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَالْمَجْمُوع وَقَالَ فِيهِ يَكْتَفِي بهَا وَحدهَا وَلَو لم يجر الدَّم على الصَّحِيح الْمُعْتَمد وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك مَعَ تَفْصِيل تقدم وَلَو ظهر بِمَا ذكر من الشُّرُوط كَونهَا معلمة ثمَّ أكلت من لحم صيد أَو نَحوه مِمَّا مر لم يحل ذَلِك الصَّيْد فِي الْأَظْهر هَذَا إِذا أرسلها صَاحبهَا فَإِن استرسلت بِنَفسِهَا فقتلت وأكلت لم يقْدَح ذَلِك فِي تعليمها وَلَا أثر للعق الدَّم لِأَنَّهُ لَا يقْصد للصائد فَصَارَ كتناوله الفرث ومعض الْكَلْب من الصَّيْد نجس كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنجسهُ الْكَلْب وَالأَصَح أَنه لَا يُعْفَى عَنهُ وَأَنه يَكْفِي غسله سبعا بِمَاء وتراب فِي إِحْدَاهَا كَغَيْرِهِ وَأَنه لَا يجب أَن يقور المعض ويطرح لِأَنَّهُ لم يرد وَلَو تحاملت الْجَارِحَة على صيد فَقتلته بثقلها أَو نَحوه كعضها وصدمتها وَلم تجرحه حل فِي الْأَظْهر لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْآلَة فَقَالَ (وَتجوز الذَّكَاة بِكُل مَا يجرح) كمحدد حَدِيد وقصب وَحجر ورصاص وَذهب وَفِضة لِأَنَّهُ أسْرع فِي إزهاق الرّوح (إِلَّا بِالسِّنِّ وَالظفر) وَبَاقِي الْعِظَام مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا من آدَمِيّ أَو غَيره لخَبر الصَّحِيحَيْنِ مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السن وَالظفر وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك أما السن فَعظم وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة وَألْحق بذلك بَاقِي الْعِظَام وَالنَّهْي عَن الذّبْح بالعظام قيل تعبدي وَبِه قَالَ ابْن الصّلاح وَمَال إِلَيْهِ ابْن عبد السَّلَام وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم مَعْنَاهُ لَا تذبحوا بهَا فَإِنَّهَا تنجس بِالدَّمِ وَقد نهيتم عَن تنجسها فِي الِاسْتِنْجَاء لكَونهَا طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَمعنى قَوْله وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة أَنهم كفار وَقد نهيتم عَن التَّشَبُّه بهم نعم مَا قتلته الْجَارِحَة بظفرها أَو نابها حَلَال كَمَا علم مِمَّا مر وَخرج بمحدد مَا لَو قتل بمثقل كبندقة وسوط وَسَهْم بِلَا نصل وَلَا حد أَو بِسَهْم وبندقة أَو انخنق وَمَات بأحبولة مَنْصُوبَة لذَلِك أَو أَصَابَهُ سهم فَوَقع على طرف جبل ثمَّ سقط مِنْهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَمَات حرم الصَّيْد فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل أما فِي الْقَتْل بالمثقل فَلِأَنَّهَا موقوذة فَإِنَّهَا مَا قتل بِحجر أَو نَحوه مِمَّا لَا حد لَهُ وَأما مَوته بِالسَّهْمِ والبندقة وَمَا بعدهمَا فَإِنَّهُ موت بشيئين مُبِيح ومحرم فغلب الْمحرم لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الميتات وَأما المنخنقة بالأحبولة فَلقَوْله تَعَالَى {والمنخنقة} ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الرَّابِع وَهُوَ الذَّابِح فَقَالَ (وَتحل ذَكَاة) وصيد (كل مُسلم) ومسلمة (وكتابي) وكتابية تحل مناكحتنا لأهل ملتهما قَالَ تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم} وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا أحلّت ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أجل أَنهم آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَلَا أثر للرق فِي الذَّابِح فَتحل ذَكَاة أمة كِتَابِيَّة وَإِن حرم مناكحتها لعُمُوم الْآيَة الْمَذْكُورَة (وَلَا تحل ذَكَاة مَجُوسِيّ وَلَا وَثني) وَلَا غَيرهمَا مِمَّا لَا كتاب لَهُ وَلَو شَارك من لَا تحل مناكحته مُسلما فِي ذبح أَو اصطياد حرم الْمَذْبُوح والمصاد تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم وَلَو أرسل الْمُسلم والمجوسي كلبين أَو سَهْمَيْنِ على صيد فَإِن سبق آلَة الْمُسلم آلَة الْمَجُوسِيّ فِي صُورَة السهمين أَو كلب الْمُسلم كلب الْمَجُوسِيّ فِي صُورَة الكلبين فَقتل الصَّيْد أَو لم يقْتله بل أنهاه إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح حل وَلَو انعكس مَا ذكر أَو جرحاه مَعًا وَحصل الْهَلَاك بهما أَو جهل ذَلِك أَو جرحاه مُرَتبا وَلَكِن لم يذففه الأول فَهَلَك بهما حرم الصَّيْد فِي مَسْأَلَة الْعَكْس وَمَا عطف عَلَيْهَا تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم فَائِدَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ بعض الْعلمَاء وَالْحكمَة فِي اشْتِرَاط الذَّابِح وإنهار الدَّم تَمْيِيز حَلَال اللَّحْم والشحم من حرامهما وتنبيه على تَحْرِيم الْميتَة لبَقَاء دَمهَا وَيحل ذبح وصيد صَغِير مُسلم أَو كتابي مُمَيّز لِأَن قَصده صَحِيح بِدَلِيل صِحَة الْعِبَادَة مِنْهُ إِن كَانَ مُسلما فاندرج تَحت الْأَدِلَّة كَالْبَالِغِ وَكَذَا صَغِير غير مُمَيّز وَمَجْنُون وسكران تحل ذبيحتهم فِي الْأَظْهر لِأَن لَهُم قصدا وَإِرَادَة فِي الْجُمْلَة لَكِن مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 الْكَرَاهَة كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم خوفًا من عدولهم عَن مَحل الذّبْح وَتكره ذَكَاة الْأَعْمَى لذَلِك وَيحرم صَيْده برمي وكلب وَغَيره من جوارح السبَاع لعدم صِحَة قَصده لِأَنَّهُ لَا يرى الصَّيْد وَأما صيد الصَّغِير غير الْمُمَيز وَالْمَجْنُون والسكران فَمُقْتَضى عبارَة الْمِنْهَاج أَنه حَلَال وَهُوَ مَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع أَنه الْمَذْهَب وَقيل لَا يَصح لعدم الْقَصْد وَلَيْسَ بِشَيْء انْتهى (وذكاة الْجَنِين) حَاصِلَة (بِذَكَاة أمه) فَلَو وجد جَنِين مَيتا أَو عيشه عَيْش مَذْبُوح سَوَاء أشعر أم لَا فِي بطن مذكاة سَوَاء أَكَانَت ذكاتها بذبحها أَو إرْسَال سهم أَو نَحْو كلب عَلَيْهَا لحَدِيث ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه أَي ذكاتها الَّتِي أحلتها أحلته تبعا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْء من أَجْزَائِهَا وذكاتها ذَكَاة لجَمِيع أَجْزَائِهَا وَلِأَنَّهُ لَو لم يحل بِذَكَاة أمه لحرم ذكاتها مَعَ ظُهُور الْحمل كَمَا لَا تقتل الْحَامِل قودا أما إِذا خرج وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة كَمَا قَالَ (إِلَّا أَن يُوجد حَيا) حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَأمكنهُ ذَكَاته (فيذكى) وجوبا فَلَا يحل بِذَكَاة أمه وَلَا بُد أَن يسكن عقب ذبح أمه فَلَو اضْطربَ فِي الْبَطن بعد ذبح أمه زَمَانا طَويلا ثمَّ سكن لم يحل قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الفروق وَأقرهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَالظَّاهِر أَن مُرَاد الْأَصْحَاب إِذا مَاتَ بِذَكَاة أمه فَلَو مَاتَ قبل ذكاتها كَانَ ميتَة لَا محَالة لِأَن ذَكَاة الْأُم لم تُؤثر فِيهِ والْحَدِيث يُشِير إِلَيْهِ انْتهى وعَلى هَذَا لَو خرج رَأسه مَيتا ثمَّ ذبحت أمه قبل انْفِصَاله لم يحل وَقَالَ البُلْقِينِيّ وَمحل الْحل مَا إِذا لم يُوجد سَبَب يُحَال عَلَيْهِ مَوته فَلَو ضرب حَامِلا على بَطنهَا وَكَانَ الْجَنِين متحركا فسكن حِين ذبحت أمه فَوجدَ مَيتا لم يحل وَلَو خرج رَأسه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة لم يجب ذبحه حَتَّى يخرج لِأَن خُرُوج بعضه كَعَدم خُرُوجه فِي الْغرَّة وَنَحْوهَا فَيحل إِذا مَاتَ عقب خُرُوجه بِذَكَاة أمه وَإِن صَار بِخُرُوج رَأسه مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَلَو لم تتخطط المضغة لم تحل بِنَاء على عدم وجوب الْغرَّة فِيهَا وَعدم ثُبُوت الِاسْتِيلَاد لَو كَانَت من آدَمِيّ وَلَو كَانَ للمذكاة عُضْو أشل حل كَسَائِر أَجْزَائِهَا (وَمَا قطع من حَيّ فَهُوَ ميت) أَي فَهُوَ كميتته طَهَارَة ونجاسة لخَبر مَا قطع من حَيّ فَهُوَ ميت رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ فجزء الْبشر والسمك وَالْجَرَاد طَاهِر دون جُزْء غَيرهَا (إِلَّا الشُّعُور) الساقطة من الْمَأْكُول وأصوافه وأوباره المنتفع بهَا فِي المفارش والملابس وَغَيرهَا من سَائِر أَنْوَاع الانتفاعات فطاهرة قَالَ تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} وَخرج بالمأكول نَحْو شعر غَيره فنجس وَمِنْه نَحْو شعر عُضْو أبين من مَأْكُول لِأَن الْعُضْو صَار غير مَأْكُول تَتِمَّة تتَعَلَّق بالصيد لَو أرسل كَلْبا وَسَهْما فأزمنه الْكَلْب ثمَّ ذبحه السهْم حل وَإِن أزمنه السهْم ثمَّ قَتله الْكَلْب حرم وَلَو أخبرهُ فَاسق أَو كتابي أَنه ذبح هَذِه الشَّاة مثلا حل أكلهَا لِأَنَّهُ من أهل الذّبْح فَإِن كَانَ فِي الْبِلَاد مجوس ومسلمون وَجَهل ذابح الْحَيَوَان هَل هُوَ مُسلم أَو مَجُوسِيّ لم يحل أكله للشَّكّ فِي الذّبْح الْمُبِيح وَالْأَصْل عَدمه نعم إِن كَانَ الْمُسلمُونَ أغلب كَمَا فِي بِلَاد الْإِسْلَام فَيَنْبَغِي أَن يحل وَفِي معنى الْمَجُوسِيّ كل من لم تحل ذَبِيحَته فصل فِي الْأَطْعِمَة جمع طَعَام أَي بَيَان مَا يحل أكله وشربه مِنْهَا وَمَا يحرم فقد ورد فِي الْخَبَر أَي لحم نبت من حرَام فَالنَّار أولى بِهِ وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة إِذْ معرفَة أَحْكَامهَا من الْمُهِمَّات لِأَن فِي تنَاول الْحَرَام الْوَعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 الشَّديد وَقَوله تَعَالَى {وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} (وكل حَيَوَان) لَا نَص فِيهِ من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع لَا خَاص وَلَا عَام بِتَحْرِيم وَلَا تَحْلِيل وَلَا ورد فِيهِ أَمر بقتْله وَلَا بِعَدَمِهِ (استطابته الْعَرَب) وهم أهل يسَار أَي ثروة وخصب وَأهل طباع سليمَة سَوَاء كَانُوا سكان بِلَاد أَو قرى فِي حَال رفاهية (فَهُوَ حَلَال إِلَّا مَا) أَي حَيَوَان (ورد الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ) كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يرجع فِيهِ لاستطابتهم (وكل حَيَوَان استخبثته الْعَرَب) أَي عدوه خبيثا (فَهُوَ حرَام إِلَّا مَا) أَي حَيَوَان (ورد الشَّرْع بإباحته) كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يكون حَرَامًا لِأَن الله تَعَالَى أناط الْحل بالطيب وَالتَّحْرِيم بالخبيث وَعلم بِالْعقلِ أَنه لم يرد مَا يستطيبه ويستخبثه كل الْعَالم لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاعهم على ذَلِك عَادَة لاخْتِلَاف طبائعهم فَتعين أَن يكون المُرَاد بَعضهم وَالْعرب بذلك أولى لأَنهم أولى الْأُمَم إِذْ هم المخاطبون أَولا وَلِأَن الدّين عَرَبِيّ وَخرج بِأَهْل يسَار المحتاجون وبسليمة أجلاف الْبَوَادِي الَّذين يَأْكُلُون مَا دب ودرج من غير تَمْيِيز فَلَا عِبْرَة بهم وبحال الرَّفَاهِيَة حَال الضَّرُورَة فَلَا عِبْرَة بهَا تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام المُصَنّف أَنه لَا بُد من إِخْبَار جمع مِنْهُم بل ظَاهره جَمِيع الْعَرَب وَالظَّاهِر كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ الِاكْتِفَاء بِخَبَر عَدْلَيْنِ وَيرجع فِي كل زمَان إِلَى الْعَرَب الْمَوْجُودين فِيهِ فَإِن استطابته فحلال وَإِن استخبثته فَحَرَام وَالْمرَاد بِهِ مَا لم يسْبق فِيهِ كَلَام الْعَرَب الَّذين كَانُوا فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن بعدهمْ فَإِن ذَلِك قد عرف حَاله وَاسْتقر أمره فَإِن اخْتلفُوا فِي استطابته اتبع الْأَكْثَر فَإِن اسْتَووا فقريش لِأَنَّهَا قطب الْعَرَب فَإِن اخْتلفُوا وَلَا تَرْجِيح أَو شكوا أَو لم نجدهم وَلَا غَيرهم من الْعَرَب اعتبروا بأقرب الْحَيَوَان شبها بِهِ صُورَة أَو طبعا أَو طعما فَإِن اسْتَوَى الشبهان أَو لم يُوجد مَا يُشبههُ فحلال لآيَة {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} وَلَا يعْتَمد فِيهِ شرع من قبلنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ شرعا لنا فاعتماد ظَاهر الْآيَة الْمُقْتَضِيَة للْحلّ أولى من اسْتِصْحَاب الشَّرَائِع السالفة وَإِن جهل اسْم حَيَوَان سُئِلَ الْعَرَب عَن ذَلِك الْحَيَوَان وَعمل بتسميتهم لَهُ مَا هُوَ حَلَال أَو حرَام لِأَن الْمرجع فِي ذَلِك إِلَى الِاسْم وهم أهل اللِّسَان وَإِن لم يكن لَهُ اسْم عِنْدهم اعْتبر بالأشبه بِهِ من الْحَيَوَان فِي الصُّورَة أَو الطَّبْع أَو الطّعْم فِي اللَّحْم فَإِن تساوى الشبهان أَو فقد مَا يُشبههُ حل على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع فمما ورد النَّص بِتَحْرِيمِهِ الْبَغْل للنَّهْي عَن أكله فِي خبر أبي دَاوُد ولتولده بَين حَلَال وَحرَام فَإِنَّهُ متولد بَين فرس وحمار أَهلِي فَإِن كَانَ الذّكر فرسا فَهُوَ شَدِيد الشّبَه بالحمار أَو حمارا كَانَ شَدِيد الشّبَه بالفرس فَإِن تولد بَين فرس وحمار وَحشِي أَو بَين فرس وبقر حل بِلَا خلاف وَالْحمار الأهلي للنَّهْي عَنهُ فِي خبر الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 وكنيته أَبُو زِيَاد وكنية الْأُنْثَى أم مَحْمُود (وَيحرم من السبَاع) كل (مَا لَهُ نَاب قوي يجرح بِهِ) أَي يَسْطُو بِهِ على غَيره من الْحَيَوَان كأسد ذكر لَهُ ابْن خالويه خَمْسمِائَة اسْم وَزَاد عَليّ بن جَعْفَر عَلَيْهِ مائَة وَثَلَاثِينَ اسْما ونمر بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم وَهُوَ حَيَوَان مَعْرُوف أَخبث من الْأسد سمي بذلك لتنمره وَاخْتِلَاف لون جسده يُقَال تنمر فلَان أَي تنكر وَتغَير لِأَنَّهُ لَا يُوجد غَالِبا إِلَّا غَضْبَان معجبا بِنَفسِهِ إِذا شبع نَام ثَلَاثَة أَيَّام ورائحة فِيهِ طيبَة وذئب بِالْهَمْز وَعَدَمه حَيَوَان مَعْرُوف مَوْصُوف بالانفراد والوحدة وَمن طبعه أَنه لَا يعود إِلَى فريسة شبع مِنْهَا وينام بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يقظة حَتَّى تكتفي الْعين النائمة من النّوم ثمَّ يفتحها وينام بِالْأُخْرَى ليحرس باليقظى ويستريح بالنائمة ودب بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَقيل وكنيته أَبُو الْعَبَّاس والفيل الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن كنيته ذَلِك واسْمه مَحْمُود وَهُوَ صَاحب حقد وَلسَانه مقلوب وَلَوْلَا ذَلِك لتكلم وَيخَاف من الْهِرَّة خوفًا شَدِيدا وَفِيه من الْفَهم مَا يقبل بِهِ التَّأْدِيب والتعليم ويعمر أَي يعِيش كثيرا والهند تعظمه لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْخِصَال المحمودة وقرد وَهُوَ حَيَوَان ذكي سريع الْفَهم يشبه الْإِنْسَان فِي غَالب حالاته فَإِنَّهُ يضْحك وَيضْرب ويتناول الشَّيْء بِيَدِهِ ويأنس بِالنَّاسِ وَمن ذَوي الناب الْكَلْب وَالْخِنْزِير والفهد وَابْن آوى بِالْمدِّ بعد الْهمزَة وَهُوَ فَوق الثَّعْلَب وَدون الْكَلْب طَوِيل المخالب فِيهِ شبه من الذِّئْب وَشبه من الثَّعْلَب وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يأوي إِلَى عواء أَبنَاء جنسه وَلَا يعوي إِلَّا لَيْلًا إِذا استوحش والهرة وَلَو وحشية (وَيحرم من الطُّيُور) كل (مَا لَهُ مخلب قوي) بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْمُعْجَمَة وَهُوَ للطير كالظفر للْإنْسَان (يجرح بِهِ) كالصقر والباز والشاهين والنسر وَالْعِقَاب وَجَمِيع جوارح الطير كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وَمِمَّا ورد فِيهِ النَّص بِالْحلِّ الْأَنْعَام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعهَا لقَوْله تَعَالَى {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَالْخَيْل وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه كقوم لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَأذن فِي لُحُوم الْخَيل وَفِيهِمَا عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَت نحرنا فرسا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكلناه وَنحن بِالْمَدِينَةِ وَأما خبر خَالِد فِي النَّهْي عَن أكل لُحُوم الْخَيل فَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَغَيره مُنكر وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَنْسُوخ وبقر وَحش وَهُوَ أشبه شَيْء بالمعز الْأَهْلِيَّة وحمار وَحش لِأَنَّهُمَا من الطَّيِّبَات وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الثَّانِي كلوا من لَحْمه وَأكل مِنْهُ وَقيس بِهِ الأول وظبي وظبية بِالْإِجْمَاع وضبع لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يحل أكله وَلِأَن نابه ضَعِيف لَا يتقوى بِهِ وَهُوَ من أَحمَق الْحَيَوَان لِأَنَّهُ يتناوم حَتَّى يصاد وَهُوَ اسْم للْأُنْثَى قَالَ الدَّمِيرِيّ وَمن عَجِيب أمرهَا أَنَّهَا تحيض وَتَكون سنة ذكرا وَسنة أُنْثَى وَيُقَال للذّكر ضبعان وضب لِأَنَّهُ أكل على مائدته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَضْرَتِهِ وَلم يَأْكُل مِنْهُ فَقيل لَهُ أحرام هُوَ قَالَ لَا وَلكنه لَيْسَ بِأَرْض قومِي فأجدني أعافه وَهُوَ حَيَوَان للذّكر مِنْهُ ذكران وللأنثى فرجان وأرنب وَهُوَ حَيَوَان يشبه العناق قصير الْيَدَيْنِ طَوِيل الرجلَيْن قصير عكس الزرافة لِأَنَّهُ بعث بوركها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبله وَأكل مِنْهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وثعلب لِأَنَّهُ من الطَّيِّبَات وَلَا يتقوى بنابه وكنيته أَبُو الْحصين وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَة وكنيتها أم هويل ويربوع لِأَن الْعَرَب تستطيبه ونابه ضَعِيف وفنك بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون لِأَن الْعَرَب تستطيبه وَهُوَ حَيَوَان يُؤْخَذ من جلده الفرو للينه وَخِفته وسمور بِفَتْح الْمُهْملَة وَضم الْمِيم الْمُشَدّدَة وسنجاب لِأَن الْعَرَب تستطيب ذَلِك وهما نَوْعَانِ من ثعالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 التّرْك وقنفذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة والوبر بِإِسْكَان الْمُوَحدَة دويبة أَصْغَر من الهر كحلاء الْعين لَا ذَنْب لَهَا والدلدل وَهُوَ دويبة قدر السخلة ذَات شوك طَوِيل يشبه السِّهَام وَابْن عرس وَهُوَ دويبة رقيقَة تعادي الفأر تدخل جُحْره وتخرجه والحواصل وَيُقَال لَهُ حوصل وَهُوَ طَائِر أَبيض أكبر من الكركي ذُو حوصلة عَظِيمَة يتَّخذ مِنْهَا فرو وَيحرم كل مَا ندب قَتله لإيذائه كحية وعقرب وغراب أبقع وحدأة وفأرة والبرغوث والزنبور بِضَم الزَّاي والبق وَإِنَّمَا ندب قَتلهَا لإيذائها كَمَا مر إِذْ لَا نفع فِيهَا وَمَا فِيهِ نفع ومضرة لَا يسْتَحبّ قَتله لنفعه وَلَا يكره لضرره وَيكرهُ قتل مَا لَا ينفع وَلَا يضر كالخنافس والجعلان وَهُوَ دويبة مَعْرُوفَة تسمى الزعقوق وَالْكَلب غير الْعَقُور الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ مُبَاحَة وَتحرم الرخمة وَهُوَ طَائِر أَبيض والبغاثة لِأَنَّهَا كالحدأة وَهِي طَائِر أَبيض بطيء الطيران والببغاء بِفَتْح الموحدتين وَتَشْديد الثَّانِيَة وَهُوَ الطَّائِر الْمَعْرُوف بِالدرةِ والطاووس وَهُوَ طَائِر فِي طبعه الْعِفَّة وَيُحب الزهو بِنَفسِهِ وَالْخُيَلَاء والإعجاب بريشه وَهُوَ مَعَ حسنه يتشاءم بِهِ وَوجه تَحْرِيمه وَمَا قبله خبثهما وَلَا يحل مَا نهى عَن قَتله كخطاف وَيُسمى عُصْفُور الْجنَّة لِأَنَّهُ زهد مَا فِي أَيدي النَّاس من الأقوات ونمل وذباب وَلَا تحل الحشرات وَهِي صغَار دَوَاب الأَرْض كخنفساء ودود وَلَا مَا تولد من مَأْكُول وَغَيره كمتولد بَين كلب وشَاة فَلَو لم نر ذَلِك وَولدت شَاة سخلة تشبه الْكَلْب قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تحرم لِأَنَّهُ قد يحصل الْخلق على خلاف صُورَة الأَصْل وَمن الْمُتَوَلد بَين مَأْكُول وَغَيره السّمع بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة فَإِنَّهُ متولد بَين الذِّئْب والضبع والبغل لتولده بَين فرس وحمار كَمَا مر والزرافة وَهِي بِفَتْح الزَّاي وَضمّهَا وبتحريمها جزم صَاحب التَّنْبِيه وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع إِنَّه لَا خلاف فِيهِ وَمنع ابْن الرّفْعَة التَّحْرِيم وَحكي أَن الْبَغَوِيّ أفتى بحلها قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ الصَّوَاب ومنقول اللُّغَة أَنَّهَا مُتَوَلّدَة بَين مأكولين من الْوَحْش وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَا فِي الْمَجْمُوع سَهْو وَصَوَابه الْعَكْس اه وَهَذَا الْخلاف يرجع فِيهِ إِلَى الْوُجُود إِن ثَبت أَنَّهَا مُتَوَلّدَة بَين مأكولين فَمَا يَقُول هَؤُلَاءِ ظَاهر وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَد مَا فِي الْمَجْمُوع وَيحل كركي وبط وإوز ودجاج وحمام وَهُوَ كل مَا عب وهدر وَمَا على شكل عُصْفُور وَإِن اخْتلف لَونه كعندليب وَهُوَ الهزار وصعوة وَهِي صغَار العصافير وَيحل غراب الزَّرْع على الْأَصَح وَهُوَ أسود صَغِير يُقَال لَهُ الزاغ وَقد يكون محمر المنقار وَالرّجلَيْنِ لِأَنَّهُ مستطاب يَأْكُل الزَّرْع يشبه الفواخت وَأما مَا عدا الأبقع الْحَرَام وغراب الزَّرْع الْحَلَال فأنواع أَحدهَا العقعق وَيُقَال لَهُ القعقع وَهُوَ ذُو لونين أَبيض وأسود طَوِيل الذَّنب قصير الْجنَاح عَيناهُ يشبهان الزئبق صَوته العقعقة كَانَت الْعَرَب تتشاءم بِصَوْتِهِ ثَانِيهَا الغداف الْكَبِير وَيُسمى الْغُرَاب الْجبلي لِأَنَّهُ لَا يسكن إِلَّا الْجبَال فهذان حرامان لخبثهما ثَالِثهَا الغداف الصَّغِير وَهُوَ أسود رمادي اللَّوْن وَهَذَا قد اخْتلف فِيهِ فَقيل يحرم كَمَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري لِلْأَمْرِ بقتل الْغُرَاب فِي خبر مُسلم وَقيل بحله كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ وَهُوَ الظَّاهِر وَقد صرح بحله الْبَغَوِيّ والجرجاني وَالرُّويَانِيّ وَعلله بِأَنَّهُ يَأْكُل الزَّرْع وَاعْتَمدهُ الْإِسْنَوِيّ والبلقيني (وَيحل للْمُضْطَر) أَي يجب عَلَيْهِ إِذا خَافَ على نَفسه (فِي) حَال (المخمصة) بميمين مفتوحتين بَينهمَا خاء مُعْجمَة وبعدهما صَاد أَي المجاعة موتا أَو مَرضا مخوفا أَو زِيَادَته أَو طول مدَّته أَو انْقِطَاعه عَن رفقته أَو خوف ضعف عَن مشي أَو ركُوب وَلم يجد حَلَالا يَأْكُلهُ (أَن يَأْكُل من الْميتَة الْمُحرمَة) عَلَيْهِ قبل اضطراره لِأَن تَاركه ساع فِي هَلَاك نَفسه وكما يجب دفع الْهَلَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 بِأَكْل الْحَلَال وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} فَلَا يشْتَرط تحقق وُقُوعه لَو لم يَأْكُل بل يَكْفِي فِي ذَلِك الظَّن كَمَا فِي الْإِكْرَاه على أكل ذَلِك فَلَا يشْتَرط فِيهِ التيقن وَلَا الإشراف على الْمَوْت بل لَو انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة لم يحل لَهُ أكله فَإِنَّهُ غير مُفِيد كَمَا صرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك العَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاح لَهُ الْأكل حَتَّى يَتُوب قَالَ البُلْقِينِيّ وكالعاصي بِسَفَرِهِ مراق الدَّم كالمرتد وَالْحَرْبِيّ فَلَا يأكلان من ذَلِك حَتَّى يسلما قَالَ وَكَذَا مراق الدَّم من الْمُسلمين وَهُوَ مُتَمَكن من إِسْقَاط الْقَتْل بِالتَّوْبَةِ كتارك الصَّلَاة وَمن قتل فِي قطع الطَّرِيق قَالَ وَلم أر من تعرض لَهُ وَهُوَ مُتَعَيّن تَنْبِيه أفهم إِطْلَاق المُصَنّف الْميتَة الْمُحرمَة التَّخْيِير بَين أَنْوَاعهَا كميتة شَاة وحمار لَكِن لَو كَانَت الْميتَة من حَيَوَان نجس فِي حَيَاته كخنزير وميتة حَيَوَان طَاهِر فِي حَيَاته كحمار وَجب تَقْدِيم ميتَة الطَّاهِر كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالفه الْإِسْنَوِيّ ثمَّ إِن توقع الْمُضْطَر حَلَالا على قرب لم يجز أَن يَأْكُل غير (مَا يسدد رمقه) لاندفاع الضَّرُورَة بِهِ وَقد يجد بعده الْحَلَال وَلقَوْله تَعَالَى {غير متجانف لإثم} قيل أَرَادَ بِهِ الشِّبَع قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَمن تبعه والرمق بَقِيَّة الرّوح كَمَا قَالَه جمَاعَة وَقَالَ بَعضهم إِنَّه الْقُوَّة وَبِذَلِك ظهر لَك أَن الشد الْمَذْكُور بالشين الْمُعْجَمَة لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَغَيره الَّذِي نَحْفَظهُ أَنه بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كَذَلِك فِي الْكتب وَالْمعْنَى عَلَيْهِ صَحِيح لِأَن المُرَاد سد الْخلَل الْحَاصِل فِي ذَلِك بِسَبَب الْجُوع نعم إِن خَافَ تلفا أَو حُدُوث مرض أَو زِيَادَته إِن اقْتصر على سد الرمق جَازَت لَهُ الزِّيَادَة بل وَجَبت لِئَلَّا يهْلك نَفسه تَنْبِيه يجوز لَهُ التزود من الْمُحرمَات وَلَو رجا الْوُصُول إِلَى الْحَلَال وَيبدأ وجوبا بلقمة حَلَال ظفر بهَا فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِمَّا ذكر حَتَّى يأكلها لتحَقّق الضَّرُورَة وَإِذا وجد الْحَلَال بعد تنَاوله الْميتَة وَنَحْوهَا لزمَه الْقَيْء أَي إِذا لم يضرّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّة نَص الْأُم فَإِنَّهُ قَالَ وَإِن أكره رجل حَتَّى شرب خمرًا أَو أكل محرما فَعَلَيهِ أَن يتقايأ إِذا قدر عَلَيْهِ وَلَو عَم الْحَرَام جَازَ اسْتِعْمَال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يقْتَصر على الضَّرُورَة قَالَ الإِمَام بل على الْحَاجة قَالَ ابْن عبد السَّلَام هَذَا إِن توقع معرفَة الْمُسْتَحق إِذْ المَال عِنْد الْيَأْس مِنْهَا للْمصَالح الْعَامَّة وللمضطر أكل آدَمِيّ ميت إِذا لم يجد ميتَة غَيره كَمَا قَيده الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة لِأَن حُرْمَة الْحَيّ أعظم من حُرْمَة الْمَيِّت واستثني من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الْمَيِّت نَبيا فَإِنَّهُ لَا يجوز الْأكل مِنْهُ جزما فَإِن قيل كَيفَ يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء والأنبياء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث أُجِيب بِأَنَّهُ يتَصَوَّر ذَلِك من مُضْطَر وجد ميتَة نَبِي قبل دَفنه وَأما إِذا كَانَ الْمَيِّت مُسلما والمضطر كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يجوز الْأكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 مِنْهُ لشرف الْإِسْلَام وَحَيْثُ جَوَّزنَا أكل ميتَة الْآدَمِيّ لَا يجوز طبخها وَلَا شيها لما فِي ذَلِك من هتك حرمته وَيتَخَيَّر فِي غَيره بَين أكله نيئا وَغَيره وَله قتل مُرْتَد وَأكله وَقتل حَرْبِيّ وَلَو صَغِيرا أَو امْرَأَة وَأكله لِأَنَّهُمَا غير معصومين وَإِنَّمَا حرم قتل الصَّبِي الْحَرْبِيّ وَالْمَرْأَة الحربية فِي غير الضَّرُورَة لَا لحرمتهما بل لحق الْغَانِمين وَله قتل الزَّانِي الْمُحصن والمحارب وتارك الصَّلَاة وَمن لَهُ عَلَيْهِ قصاص وَإِن لم يَأْذَن الإِمَام فِي الْقَتْل لِأَن قَتلهمْ مُسْتَحقّ وَإِنَّمَا اعتبروا إِذْنه فِي غير حَال الضَّرُورَة تأدبا مَعَه وَحَال الضَّرُورَة لَيْسَ فِيهَا رِعَايَة أدب وَحكم مجانين أهل الْحَرْب وأرقائهم وخنثاهم كصبيانهم قَالَ ابْن عبد السَّلَام وَلَو وجد الْمُضْطَر صَبيا مَعَ بَالغ حربيين أكل الْبَالِغ وكف عَن الصَّبِي لما فِي أكله من ضيَاع المَال وَلِأَن الْكفْر الْحَقِيقِيّ أبلغ من الْكفْر الْحكمِي انْتهى وَكَذَا يُقَال فِيمَا شبه بِالصَّبِيِّ وَمحل الْإِبَاحَة كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ إِذا لم يستول على الصَّبِي وَالْمَرْأَة أَي وَنَحْوهمَا وَإِلَّا صَارُوا أرقاء معصومين لَا يجوز قَتلهمْ لحق الْغَانِمين وَلَا يجوز قتل ذمِّي ومعاهد لحُرْمَة قَتلهمَا وَلَو وجد مُضْطَر طَعَام غَائِب أكل مِنْهُ وَغرم بدله أَو حَاضر مُضْطَر إِلَيْهِ لم يلْزمه بذله لغيره إِن لم يفضل عَنهُ بل هُوَ أَحَق بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابدأ بِنَفْسِك وإبقاء لمهجته نعم إِن كَانَ غير الْمَالِك نَبيا وَجب بذله لَهُ فَإِن آثر الْمُضْطَر مُضْطَرّا مُسلما مَعْصُوما جَازَ بل سنّ وَإِن كَانَ أولى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة لقَوْله تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} وَهُوَ من شيم الصَّالِحين وَخرج بِالْمُسلمِ الْكَافِر والبهيمة وبالمعصوم مراق الدَّم فَيجب عَلَيْهِ أَن يقدم نَفسه على هَؤُلَاءِ أَو وجد طَعَام حَاضر غير مُضْطَر لزمَه بذله لمعصوم بِثمن مثل مَقْبُوض إِن حضر وَإِلَّا فَفِي ذمَّته وَلَا ثمن لَهُ إِن لم يذكرهُ وَإِن امْتنع غير الْمُضْطَر من بذله بِالثّمن فللمضطر قَبره وَأخذ الطَّعَام وَإِن قَتله وَلَا يضمنهُ بقتْله إِلَّا إِن كَانَ مُسلما والمضطر كَافِر مَعْصُوم فَيضمنهُ كَمَا بَحثه ابْن أبي الدَّم أَو وجد مُضْطَر ميتَة وَطَعَام غَيره لم يبذله لَهُ أَو ميتَة وصيدا حرم بِإِحْرَام أَو حرم تعيّنت الْميتَة وَيحل قطع جُزْء نَفسه لأكله إِن فقد نَحْو ميتَة وَإِن كَانَ خوف قطعه أقل وَيحرم قطع بعضه لغيره من الْمُضْطَرين لِأَن قطعه لغيره لَيْسَ فِيهِ قطع الْبَعْض لاستبقاء الْكل نعم إِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر نَبيا لم يحرم بل يجب وَيحرم على الْمُضْطَر أَيْضا أَن يقطع لنَفسِهِ قِطْعَة من حَيَوَان مَعْصُوم لما مر (وَلنَا ميتَتَانِ حلالان) وهما (السّمك وَالْجَرَاد) وَلَو بقتل مَجُوسِيّ لخَبر أحلّت لنا ميتَتَانِ السّمك وَالْجَرَاد فَيحل أكلهما وبلعهما وَإِن لم يشبه السّمك الْمَشْهُور ككلب وخنزير وَفرس وَكره قطعهمَا حيين وَيكرهُ ذبحهما إِلَّا سَمَكَة كَبِيرَة يطول بَقَاؤُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 فَيسنّ ذَبحهَا وَيحرم مَا يعِيش فِي بر وبحر كضفدع وسرطان وَيُسمى عقرب المَاء وحية ونسناس وتمساح وسلحفاة بِضَم السِّين وَفتح اللَّام لخبث لَحمهَا وللنهي عَن قتل الضفدع فَائِدَة روى الْقزْوِينِي عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله خلق فِي الأَرْض ألف أمة سِتّمائَة فِي الْبَحْر وَأَرْبَعمِائَة فِي الْبر وَقَالَ مقَاتل بن حَيَّان لله تَعَالَى ثَمَانُون ألف عَالم أَرْبَعُونَ ألفا فِي الْبَحْر وَأَرْبَعُونَ ألفا فِي الْبر (وَدَمَانِ حلالان) وهما (الكبد) بِكَسْر الْمُوَحدَة على الْأَفْصَح (وَالطحَال) بِكَسْر الطَّاء لحَدِيث أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال رَفعه ابْن مَاجَه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَصحح الْبَيْهَقِيّ وَقفه عَلَيْهِ وَقَالَ حكمه حكم الْمَرْفُوع وَلذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوع الصَّحِيح أَن ابْن عمر هُوَ الْقَائِل أحلّت لنا وَأَنه يكون بِهَذِهِ الصِّيغَة مَرْفُوعا تَتِمَّة أفضل مَا أكلت مِنْهُ كسبك من زراعة لِأَنَّهَا أقرب إِلَى التَّوَكُّل ثمَّ من صناعَة لِأَن الْكسْب فِيهَا يحصل بكد الْيَمين ثمَّ من تِجَارَة لِأَن الصَّحَابَة كَانُوا يكتسبون بهَا وَيحرم مَا يضر الْبدن أَو الْعقل كالحجر وَالتُّرَاب والزجاج والسم كالأفيون وَهُوَ لبن الخشخاش لِأَن ذَلِك مُضر وَرُبمَا يقتل وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي شرح التَّنْبِيه وَيحرم أكل الشواء المكمور وَهُوَ مَا يكفأ عَلَيْهِ غطاء بعد استوائه لإضراره بِالْبدنِ وَيسن ترك التبسط فِي الطَّعَام الْمُبَاح فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَخْلَاق السّلف هَذَا إِذا لم تدع إِلَيْهِ حَاجَة كقرى الضَّعِيف وأوقات التَّوسعَة على الْعِيَال كَيَوْم عَاشُورَاء ويومي الْعِيد وَلم يقْصد بذلك التفاخر وَالتَّكَاثُر بل لطيب خاطر الضَّعِيف والعيال وَقَضَاء وطرهم مِمَّا يشتهونه وَفِي إِعْطَاء النَّفس شهواتها الْمُبَاحَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيّ منعهَا وقهرها لِئَلَّا تطغى وَالثَّانِي إعطاؤها تحيلا على نشاطها وبعثا لروحانيتها قَالَ وَالْأَشْبَه التَّوَسُّط بَين الْأَمريْنِ لِأَن فِي إعطائها الْكل سلاطة عَلَيْهِ وَفِي منعهَا بلادة وَيسن الحلو من الْأَطْعِمَة وَكَثْرَة الْأَيْدِي على الطَّعَام وَأَن يحمد الله تَعَالَى عقب الْأكل وَالشرب وروى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أكل أَو شرب قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أطْعم وَسَقَى وسوغه وَجعل لَهُ مخرجا فصل فِي الْأُضْحِية مُشْتَقَّة من الضحوة وَسميت بِأول زمَان فعلهَا وَهُوَ الضُّحَى وَهِي بِضَم همزتها وَكسرهَا وَتَشْديد يائها وتخفيفها مَا يذبح وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} فَإِن أشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 من الْغنم تقربا إِلَى الله تَعَالَى من يَوْم الْعِيد إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق الْأَقْوَال أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ صَلَاة الْعِيد وبالنحر الضَّحَايَا وَخبر التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا عمل ابْن آدم يَوْم النَّحْر من عمل أحب إِلَى الله تَعَالَى من إِرَاقَة الدَّم إِنَّهَا لتأتي يَوْم الْقِيَامَة بقرونها وأظلافها وَإِن الدَّم ليَقَع من الله بمَكَان قبل أَن يَقع على الأَرْض فطيبوا بهَا نفسا (وَالْأُضْحِيَّة) بِمَعْنى التَّضْحِيَة كَمَا فِي الرَّوْضَة لَا الْأُضْحِية كَمَا يفهمهُ كَلَامه لِأَن الْأُضْحِية اسْم لما يضحى بِهِ (سنة) مُؤَكدَة فِي حَقنا على الْكِفَايَة إِن تعدد أهل الْبَيْت فَإِذا فعلهَا وَاحِد من أهل الْبَيْت كفى عَن الْجَمِيع وَإِلَّا فَسنة عين والمخاطب بهَا الْمُسلم الْحر الْبَالِغ الْعَاقِل المستطيع وَكَذَا الْمبعض إِذا ملك مَالا بِبَعْضِه الْحر قَالَه فِي الْكِفَايَة قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَا بُد أَن تكون فاضلة عَن حَاجته وحاجة من يمونه لِأَنَّهَا نوع صَدَقَة وَظَاهر هَذَا أَنه يَكْفِي أَن تكون فاضلة عَمَّا يَحْتَاجهُ فِي ليلته ويومه وَكِسْوَة فَصله كَمَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع وَيَنْبَغِي أَن تكون فاضلة عَن يَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق فَإِنَّهُ وقتهما كَمَا أَن يَوْم الْعِيد وَلَيْلَة الْعِيد وَقت زَكَاة الْفطر واشترطوا فِيهَا أَن تكون فاضلة عَن ذَلِك وَأما الْمكَاتب فَهِيَ مِنْهُ تبرع فَيجْرِي فِيهَا مَا يجْرِي فِي سَائِر تبرعاته تَنْبِيه شَمل كَلَام المُصَنّف أهل الْبَوَادِي والحضر وَالسّفر والحاج وَغَيره لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى فِي منى عَن نِسَائِهِ بالبقر رَوَاهُ الشَّيْخَانِ والتضحية أفضل من صَدَقَة التَّطَوُّع للِاخْتِلَاف فِي وُجُوبهَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا أرخص فِي تَركهَا لمن قدر عَلَيْهَا انْتهى أَي فَيكْرَه للقادر تَركهَا وَيسن لمن يريدها أَن لَا يزِيل شعره وَلَا ظفره فِي عشر ذِي الْحجَّة حَتَّى يُضحي وَلَا تجب إِلَّا بِالنذرِ وَيسن أَن يذبح الْأُضْحِية الرجل بِنَفسِهِ إِن أحسن الذّبْح لِلِاتِّبَاعِ أما الْمَرْأَة فَالسنة لَهَا أَن توكل كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَالْخُنْثَى مثلهَا وَمن لم يذبح لعذر أَو لغيره فليشهدها لما روى الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها فَإِنَّهُ بِأول قَطْرَة مِنْهَا أَي من دَمهَا يغْفر لَك مَا سلف من ذنوبك قَالَ عمرَان بن حُصَيْن هَذَا لَك وَلأَهل بَيْتك فَأهل ذَلِك أَنْتُم أم للْمُسلمين عَامَّة قَالَ بل للْمُسلمين عَامَّة وَشرط التَّضْحِيَة نعم إبل وبقر وغنم لقَوْله تَعَالَى {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَلِأَن التَّضْحِيَة عبَادَة تتَعَلَّق بِالْحَيَوَانِ فاختصت بِالنعَم كَالزَّكَاةِ (ويجزىء فِيهَا) من النعم (الْجذع من الضَّأْن) وَهُوَ مَا اسْتكْمل سنة وَطعن فِي الثَّانِيَة وَلَو أجذع قبل تَمام السّنة أَي سَقَطت أَسْنَانه أَجْزَأَ لعُمُوم خبر أَحْمد ضحوا بالجذع من الضَّأْن فَإِنَّهُ جَائِز أَي وَيكون ذَلِك كالبلوغ بِالسِّنِّ أَو الِاحْتِلَام فَإِنَّهُ يَكْفِي أسبقهما كَمَا صرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة (والثني من الْمعز) وَهُوَ مَا اسْتكْمل سنتَيْن وَطعن فِي الثَّالِثَة (و) الثني من (الْإِبِل) وَهُوَ مَا اسْتكْمل خمس سِنِين وَطعن فِي السَّادِسَة (و) الثني من (الْبَقر) الْإِنْسِي وَهُوَ مَا اسْتكْمل سنتَيْن وَطعن فِي الثَّالِثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وَخرج بِقَيْد الْإِنْسِي والوحشي فَلَا يجزىء فِي الْأُضْحِية وَإِن دخل فِي اسْم الْبَقر وتجزىء التَّضْحِيَة بِالذكر وَالْأُنْثَى بِالْإِجْمَاع وَإِن كثر نزوان الذّكر وولادة الْأُنْثَى نعم التَّضْحِيَة بِالذكر أفضل على الْأَصَح الْمَنْصُوص لِأَن لَحْمه أطيب كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَنقل فِي الْمَجْمُوع فِي بَاب الْهَدْي عَن الشَّافِعِي أَن الْأُنْثَى أحسن من الذّكر لِأَنَّهَا أرطب لَحْمًا وَلم يحك غَيره وَيُمكن حمل الأول على مَا إِذا لم يكثر نزوانه وَالثَّانِي على مَا إِذا كثر تَنْبِيه لم يتَعَرَّض كثير من الْفُقَهَاء لإجزاء الْخُنْثَى فِي الْأُضْحِية وَقَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه يجزىء لِأَنَّهُ ذكر أَو أُنْثَى وَكِلَاهُمَا يجزىء وَلَيْسَ فِيهِ مَا ينقص اللَّحْم (وتجزىء الْبَدنَة) عِنْد الِاشْتِرَاك فِيهَا (عَن سَبْعَة) لما رَوَاهُ مُسلم عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهلين بِالْحَجِّ فَأمرنَا أَن نشترك فِي الْإِبِل وَالْبَقر كل سَبْعَة منا فِي بَدَنَة وَسَوَاء اتَّفقُوا فِي نوع الْقرْبَة أَو اخْتلفُوا كَمَا إِذا قصد بَعضهم التَّضْحِيَة وَبَعْضهمْ الْهَدْي وَكَذَا لَو أَرَادَ بَعضهم اللَّحْم وَبَعْضهمْ الْأُضْحِية وَلَهُم قسْمَة اللَّحْم لِأَن قسمته قسْمَة إِفْرَاز على الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع (و) كَذَا (الْبَقَرَة) تجزىء (عَن سَبْعَة) للْحَدِيث الْمَار تَنْبِيه لَا يخْتَص إِجْزَاء الْبَدنَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة بالتضحية بل لَو لزم شخصا سبع شِيَاه بِأَسْبَاب مُخْتَلفَة كالتمتع وَالْقرَان والفوات ومباشرة مَحْظُورَات الْإِحْرَام جَازَ عَن ذَلِك بَدَنَة أَو بقرة (و) تجزىء (الشَّاة) الْمعينَة من الضَّأْن أَو الْمعز (عَن وَاحِد) فَقَط فَإِن ذَبحهَا عَنهُ وَعَن أَهله أَو عَنهُ وأشرك غَيره فِي ثَوَابهَا جَازَ وَعَلِيهِ حمل خبر مُسلم ضحى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبشين وَقَالَ اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَمن أمة مُحَمَّد قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ لذَلِك الْخَبَر الصَّحِيح فِي الْمُوَطَّأ أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ كُنَّا نضحي بِالشَّاة الْوَاحِدَة يذبحها الرجل عَنهُ وَعَن أهل بَيته ثمَّ تباهى النَّاس بعد فَصَارَت مباهاة وَخرج بمعينة الِاشْتِرَاك فِي شَاتين مشاعتين بَين اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصح وَكَذَا لَو اشْترك أَكثر من سَبْعَة فِي بقرتين مشاعتين أَو بدنتين كَذَلِك لم يجز عَنْهُم ذَلِك لِأَن كل وَاحِد لم يَخُصُّهُ سبع بَدَنَة أَو بقرة من كل وَاحِدَة من ذَلِك والمتولد بَين إبل وغنم أَو بقر وغنم يَنْبَغِي أَنه لَا يجزىء عَن أَكثر من وَاحِد وَأفضل أَنْوَاع التَّضْحِيَة بِالنّظرِ لإِقَامَة شعارها بَدَنَة ثمَّ بقرة لِأَن لحم الْبَدنَة أَكثر ثمَّ ضَأْن ثمَّ معز لطيب الضَّأْن على الْمعز ثمَّ الْمُشَاركَة فِي بَدَنَة أَو بقرة أما بِالنّظرِ للحم فلحم الضَّأْن خَيرهَا وَسبع شِيَاه أفضل من بَدَنَة أَو بقرة وشَاة أفضل من مُشَاركَة فِي بَدَنَة أَو بقرة للانفراد بإراقة الدَّم وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب السمين فِي الْأُضْحِية فالسمينة أفضل من غَيرهَا ثمَّ مَا تقدم من الْأَفْضَلِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 فِي الذَّات وَأما فِي الألوان فالبيضاء أفضل ثمَّ الصَّفْرَاء ثمَّ العفراء وَهِي الَّتِي لَا يصفو بياضها ثمَّ الْحَمْرَاء ثمَّ البلقاء ثمَّ السَّوْدَاء قيل للتعبد وَقيل لحسن المنظر وَقيل لطيب اللَّحْم وروى الإِمَام أَحْمد خبر لدم عفراء أحب إِلَى الله تَعَالَى من دم سوداوين (وَأَرْبع لَا تجزىء فِي الضَّحَايَا) الأولى (العوراء) بِالْمدِّ (الْبَين عورها) بِأَن لم تبصر بِإِحْدَى عينيها وَإِن بقيت الحدقة فَإِن قيل لَا حَاجَة لتقييد العور بالبين لِأَن الْمدَار فِي عدم إِجْزَاء العوراء على ذهَاب الْبَصَر من إِحْدَى الْعَينَيْنِ أُجِيب بِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أصل العور بَيَاض يُغطي النَّاظر وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَتَارَة يكون يَسِيرا فَلَا يضر فَلَا بُد من تَقْيِيده بالبين كَمَا فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ الْآتِي تَنْبِيه قد علم من كَلَامه عدم إِجْزَاء العمياء بطرِيق الأولى وتجزىء العمشاء وَهِي ضَعِيفَة الْبَصَر مَعَ سيلان الدمع غَالِبا والمكوية لِأَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي اللَّحْم والعشواء وَهِي الَّتِي لَا تبصر لَيْلًا لِأَنَّهَا تبصر وَقت الرَّعْي غَالِبا (و) الثَّانِيَة (العرجاء) بِالْمدِّ (الْبَين عرجها) بِأَن يشْتَد عرجها بِحَيْثُ تسبقها الْمَاشِيَة إِلَى المرعى وتتخلف عَن القطيع فَلَو كَانَ عرجها يَسِيرا بِحَيْثُ لَا تتخلف بِهِ عَن الْمَاشِيَة لم يضر كَمَا فِي الرَّوْضَة (و) الثَّالِثَة (الْمَرِيضَة الْبَين مَرضهَا) بِأَن يظْهر بِسَبَبِهِ هزالها وَفَسَاد لَحمهَا فَلَو كَانَ مَرضهَا يَسِيرا لم يضر وَيدخل فِي إِطْلَاق المُصَنّف الهيماء بِفَتْح الْهَاء وَالْمدّ فَلَا تجزىء لِأَن الهيام كالمرض يَأْخُذ الْمَاشِيَة فتهيم فِي الأَرْض وَلَا ترعى كَمَا قَالَه فِي الزَّوَائِد (و) الرَّابِعَة (الْعَجْفَاء) بِالْمدِّ وَهِي (الَّتِي ذهب لَحمهَا) السمين بِسَبَب مَا حصل لَهَا (من الهزال) بِضَم الْهَاء وَهُوَ كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي ضد السّمن وَيدل لما قَالَه المُصَنّف مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَربع لَا تجزىء فِي الْأَضَاحِي العوراء الْبَين عورها والمريضة الْبَين مَرضهَا والعرجاء الْبَين عرجها والعجفاء الَّتِي لَا تنقى مَأْخُوذَة من النقي بِكَسْر النُّون وَإِسْكَان الْقَاف وَهُوَ المخ أَي لَا مخ لَهَا من شدَّة الهزال وَعلم من هَذَا عدم إِجْزَاء الْمَجْنُونَة وَهِي الَّتِي تَدور فِي المرعى وَلَا ترعى إِلَّا قَلِيلا فتهزل وَتسَمى أَيْضا التواء بل هُوَ أولى بهَا تَنْبِيه قد عرفت مَا تنَاوله كَلَام المُصَنّف من أَن العمياء والهيماء والمجنونة لَا تجزىء وَبِه صَارَت الْعُيُوب الْمَذْكُورَة سَبْعَة وَبَقِي مِنْهَا مَا لَا يتَنَاوَلهُ كَلَام المُصَنّف الجرباء وَإِن كَانَ الجرب يَسِيرا على الْأَصَح الْمَنْصُوص لِأَنَّهُ يفْسد اللَّحْم والودك وَالْحَامِل فَلَا تجزىء كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَتَبعهُ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّات وتعجب من ابْن الرّفْعَة حَيْثُ صحّح فِي الْكِفَايَة الْإِجْزَاء فَائِدَة ضَابِط المجزىء فِي الْأُضْحِية السَّلامَة من عيب ينقص اللَّحْم أَو غَيره مِمَّا يُؤْكَل (ويجزىء الْخصي) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين موجوءين أَي خصيين رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا وجبر مَا قطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 مِنْهُ زِيَادَة لَحْمه طيبا وَكَثْرَة وَأَيْضًا الخصية المفقودة مِنْهُ غير مَقْصُودَة بِالْأَكْلِ فَلَا يضر فقدها وَاتفقَ الْأَصْحَاب إِلَّا ابْن الْمُنْذر على جَوَاز خصاء الْمَأْكُول فِي صغره دون كبره وتحريمه فِيمَا لَا يُؤْكَل كَمَا أوضحته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره (و) تجزىء (الْمَكْسُورَة الْقرن) مَا لم يعب اللَّحْم وَإِن دمي بِالْكَسْرِ لِأَن الْقرن لَا يتَعَلَّق بِهِ كَبِير غَرَض وَلِهَذَا لَا يضر فَقده خلقَة فَإِن عيب اللَّحْم ضرّ كالجرب وَغَيره وَذَات الْقرن أولى لخَبر خير الضحية الْكَبْش الأقرن وَلِأَنَّهُ أحسن منْظرًا بل يكره غَيرهَا كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَلَا يضر ذهَاب بعض الْأَسْنَان لِأَنَّهُ لَا يُؤثر فِي الاعتلاف وَنقص اللَّحْم فَلَو ذهب الْكل ضرّ لِأَنَّهُ يُؤثر فِي ذَلِك وَقَضِيَّة هَذَا التَّعْلِيل أَن ذهَاب الْبَعْض إِذا أثر يكون كَذَلِك وَهُوَ الظَّاهِر وَيدل لذَلِك قَول الْبَغَوِيّ ويجزىء مكسور سنّ أَو سِنِين ذكره الْأَذْرَعِيّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ (وَلَا يجزىء مَقْطُوع) بعض (الْأذن) وَإِن كَانَ يَسِيرا لذهاب جُزْء مَأْكُول وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ الْمَقْطُوع دون الثُّلُث أَجْزَأَ وَأفهم كَلَام المُصَنّف منع كل الْأذن بطرِيق الأولى وَمنع المخلوقة بِلَا أذن وَهُوَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ بِخِلَاف فاقدة الضَّرع أَو الألية أَو الذَّنب خلقَة فَإِنَّهُ لَا يضر وَالْفرق أَن الْأذن عُضْو لَازم غَالِبا بِخِلَاف مَا ذكر فِي الْأَوَّلين وكما يجزىء ذكر الْمعز وَأما فِي الثَّالِث فقياسا على ذَلِك أما إِذا فقد ذَلِك بِقطع وَلَو لبَعض مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذ من قَوْله (وَلَا مَقْطُوع) بعض (الذَّنب) وَإِن قل أَو بِقطع بعض لِسَان فَإِنَّهُ يضر لحدوث مَا يُؤثر فِي نقص اللَّحْم وَبحث بَعضهم أَن شلل الْأذن كفقدها وَهُوَ ظَاهر أَن خرج عَن كَونه مَأْكُولا وَلَا يضر شقّ أذن وَلَا خرقها بِشَرْط أَن لَا يسْقط من الْأذن شَيْء بذلك كَمَا علم مِمَّا مر لِأَنَّهُ لَا ينقص بذلك شَيْء من لَحمهَا وَلَا يضر التطريف وَهُوَ قطع شَيْء يسير من الألية لجبر ذَلِك بسمنها وَلَا قطع فلقَة يسيرَة من عُضْو كَبِير كفخذ لِأَن ذَلِك لَا يظْهر بِخِلَاف الْكَبِيرَة بِالْإِضَافَة إِلَى الْعُضْو فَلَا يجزىء لنُقْصَان اللَّحْم (و) يدْخل (وَقت الذّبْح) للأضحية المندوبة والمنذورة (من وَقت) مُضِيّ قدر (صَلَاة) رَكْعَتي (الْعِيد) وَهُوَ طُلُوع الشَّمْس يَوْم النَّحْر ومضي قدر خطبتين خفيفتين وَيسْتَمر (إِلَى غرُوب الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق) الثَّلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر بِحَيْثُ لَو قطع الْحُلْقُوم والمريء قبل تَمام غرُوب شمس آخرهَا صحت أضحيته فَلَو ذبح قبل ذَلِك أَو بعده لم يقطع أضْحِية لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أول مَا نبدأ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا نصلي ثمَّ نرْجِع فننحر من فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله لَيْسَ من النّسك فِي شَيْء وَخبر ابْن حبَان فِي كل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح وَالْأَفْضَل تَأْخِيرهَا إِلَى مُضِيّ ذَلِك من ارْتِفَاع شمس يَوْم النَّحْر كرمح خُرُوجًا من الْخلاف وَمن نذر أضْحِية مُعينَة أَو فِي ذمَّته كلله عَليّ أضْحِية ثمَّ عين الْمَنْذُورَة لزمَه ذبحه فِي الْوَقْت الْمَذْكُور فَإِن تلفت الْمعينَة فِي الثَّانِيَة وَلَو بِلَا تَقْصِير بَقِي الأَصْل عَلَيْهِ أَو تلفت فِي الأولى بِلَا تَقْصِير فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن تلفت بتقصير لزمَه الْأَكْثَر من مثلهَا يَوْم النَّحْر وَقيمتهَا يَوْم التّلف ليَشْتَرِي بهَا كَرِيمَة أَو مثلين للمتلفة فَأكْثر فَإِن أتلفهَا أَجْنَبِي لزمَه دفع قيمتهَا للناذر يَشْتَرِي بهَا مثلهَا فَإِن لم يجد فدونها (وَيسْتَحب عِنْد الذّبْح) مُطلقًا (خَمْسَة) بل تِسْعَة (أَشْيَاء) الأول (التَّسْمِيَة) بِأَن يَقُول بِسم الله وَلَا يجوز أَن يَقُول بِسم الله وَاسم مُحَمَّد (و) الثَّانِي (الصَّلَاة) وَالسَّلَام (على) سيدنَا (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) تبركا بهما (و) الثَّالِث (اسْتِقْبَال الْقبْلَة بالذبيحة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 أَي بمذبحها فَقَط على الْأَصَح دون وَجههَا ليمكنه الِاسْتِقْبَال أَيْضا (و) الرَّابِع (التَّكْبِير ثَلَاثًا) بعد التَّسْمِيَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (و) الْخَامِس (الدُّعَاء بِالْقبُولِ) بِأَن يَقُول اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَإِلَيْك فَتقبل مني وَالسَّادِس تَحْدِيد الشَّفْرَة فِي غير مقابلتها وَالسَّابِع إمرارها وتحامل ذهابها وإيابها وَالثَّامِن إضجاعها على شقها الْأَيْسَر وَشد قَوَائِمهَا الثَّلَاث غير الرجل الْيُمْنَى وَالتَّاسِع عقل الْإِبِل وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى بعض ذَلِك (وَلَا يَأْكُل من الْأُضْحِية الْمَنْذُورَة) وَالْهَدْي الْمَنْذُور كَدم الجبرانات فِي الْحَج (شَيْئا) أَي يحرم عَلَيْهِ ذَلِك فَإِن أكل من ذَلِك شَيْئا غرمه (وَيَأْكُل من الْأُضْحِية المتطوع بهَا) أَي ينْدب لَهُ ذَلِك قِيَاسا على هدي التَّطَوُّع الثَّابِت بقوله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} أَي الشَّديد الْفقر وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل من كبد أضحيته وَإِنَّمَا لم يجب الْأكل مِنْهَا كَمَا قيل بِهِ لظَاهِر الْآيَة لقَوْله تَعَالَى {وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله} فَجَعلهَا لنا وَمَا جعل للْإنْسَان فَهُوَ مُخَيّر بَين أكله وَتَركه قَالَه فِي الْمُهَذّب (وَلَا يَبِيع من الْأُضْحِية شَيْئا) وَلَو جلدهَا أَي يحرم عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا يَصح سَوَاء أَكَانَت منذورة أم لَا وَله أَن ينْتَفع بجلد أضْحِية التَّطَوُّع كَمَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا كَأَن يَجعله دلوا أَو نعلا أَو خفا وَالتَّصَدُّق بِهِ أفضل وَلَا يجوز بَيْعه وَلَا إِجَارَته لِأَنَّهَا بيع الْمَنَافِع لخَبر الْحَاكِم وَصَححهُ من بَاعَ جلد أضحيته فَلَا أضْحِية لَهُ وَلَا يجوز إِعْطَاؤُهُ أُجْرَة للجزار وَيجوز لَهُ إعارته كَمَا تجوز لَهُ إعارتها أما الْوَاجِبَة فَيجب التَّصَدُّق بجلدها كَمَا فِي الْمَجْمُوع والقرن مثل الْجلد فِيمَا ذكر وَله جز صوف عَلَيْهَا إِن ترك إِلَى الذّبْح ضرّ بهَا للضَّرُورَة وَإِلَّا فَلَا يجزه إِن كَانَت وَاجِبَة لانتفاع الْحَيَوَان بِهِ فِي دفع الْأَذَى وانتفاع الْمَسَاكِين بِهِ عِنْد الذّبْح وكالصوف فِيمَا ذكر الشّعْر والوبر وَولد الْأُضْحِية الْوَاجِبَة يذبح حتما كَأُمِّهِ وَيجوز لَهُ كَمَا فِي الْمِنْهَاج أكله قِيَاسا على اللَّبن وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَقيل لَا يجوز كَمَا لَا يجوز لَهُ الْأكل من أمه وَله شرب فَاضل لَبنهَا عَن وَلَدهَا مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (وَيطْعم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين) من الْمُسلمين على سَبِيل التَّصَدُّق من أضْحِية التَّطَوُّع بَعْضهَا وجوبا وَلَو جُزْءا يَسِيرا من لَحمهَا بِحَيْثُ ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَيَكْفِي الصّرْف لوَاحِد من الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين وَإِن كَانَت عبارَة المُصَنّف تَقْتَضِي خلاف ذَلِك بِخِلَاف سهم الصِّنْف الْوَاحِد من الزَّكَاة لَا يجوز صرفه لإقل من ثَلَاثَة لِأَنَّهُ يجوز هُنَا الِاقْتِصَار على جُزْء يسير لَا يُمكن صرفه لأكْثر من وَاحِد وَيشْتَرط فِي اللَّحْم أَن يكون نيئا ليتصرف فِيهِ من يَأْخُذهُ بِمَا شَاءَ من بيع وَغَيره كَمَا فِي الْكَفَّارَات فَلَا يَكْفِي جعله طَعَاما وَدُعَاء الْفُقَرَاء إِلَيْهِ لِأَن حَقهم فِي تملكه وَلَا تمليكهم لَهُ مطبوخا وَلَا تمليكهم غير اللَّحْم من جلد وكرش وطحال وَنَحْوهَا وَلَا الْهَدِيَّة عَن التَّصَدُّق وَلَا الْقدر التافه من اللَّحْم كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَلَا كَونه قديدا كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ وَلَو تصدق بِقدر الْوَاجِب وَأكل وَلَدهَا كُله جَازَ وَلَو أعطي الْمكَاتب جَازَ كَالْحرِّ قِيَاسا على الزَّكَاة وَخَصه ابْن الْعِمَاد بِغَيْر سَيّده وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَو صرفه إِلَيْهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 زَكَاته انْتهى وَهُوَ ظَاهر وَخرج بِقَيْد الْمُسلمين غَيرهم فَلَا يجوز إطعامهم مِنْهَا كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَوَقع فِي الْمَجْمُوع جَوَاز إطْعَام فُقَرَاء أهل الذِّمَّة من أضْحِية التَّطَوُّع دون الْوَاجِبَة وتعجب مِنْهُ الْأَذْرَعِيّ تَتِمَّة الْأَفْضَل التَّصَدُّق بكلها لِأَنَّهُ أقرب للتقوى وَأبْعد عَن حَظّ النَّفس إِلَّا لقْمَة أَو لقمتين أَو لقما يتبرك بأكلها عملا بِظَاهِر الْقُرْآن والاتباع وللخروج من خلاف من أوجب الْأكل وَيسن أَن يجمع بَين الْأكل وَالتَّصَدُّق والإهداء وَأَن يَجْعَل ذَلِك أَثلَاثًا وَإِذا أكل الْبَعْض وَتصدق بِالْبَعْضِ فَلهُ ثَوَاب التَّضْحِيَة بِالْكُلِّ وَالتَّصَدُّق بِالْبَعْضِ وَيشْتَرط النِّيَّة للتضحية عِنْد ذبح الْأُضْحِية أَو قبله عِنْد تعْيين مَا يُضحي بِهِ كالنية فِي الزَّكَاة لَا فِيمَا عين لَهَا بِنذر فَلَا يشْتَرط لَهُ نِيَّة وَإِن وكل بِذبح كفت نِيَّته وَلَا حَاجَة لنِيَّة الْوَكِيل وَله تفويضها لمُسلم مُمَيّز وَلَا تضحية لأحد عَن آخر بِغَيْر إِذْنه وَلَو كَانَ مَيتا كَسَائِر الْعِبَادَات بِخِلَاف مَا إِذا أذن لَهُ كَالزَّكَاةِ وَلَا لرقيق وَلَو مكَاتبا فَإِن أذن لَهُ سَيّده فِيهَا وَقعت لسَيِّده إِن كَانَ غير مكَاتب وَإِن كَانَ مكَاتبا وَقعت لَهُ لِأَنَّهَا تبرع وَقد أذن لَهُ سَيّده فِيهِ فصل فِي الْعَقِيقَة وَهِي سنة مُؤَكدَة للْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِك مِنْهَا خبر الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته تذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى وَمِنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِتَسْمِيَة الْمَوْلُود يَوْم سابعه وَوضع الْأَذَى عَنهُ والعق رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيّ وَمعنى مُرْتَهن بعقيقته قيل لَا يَنْمُو نمو مثله وَقيل إِذا لم يعق عَنهُ لم يشفع لوَالِديهِ يَوْم الْقِيَامَة (والعقيقة مُسْتَحبَّة وَهِي) لُغَة اسْم للشعر الَّذِي على رَأس الْمَوْلُود حِين وِلَادَته وَشرعا (الذَّبِيحَة عَن الْمَوْلُود) عِنْد حلق شعر رَأسه تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه وَيدخل وَقتهَا بانفصال جَمِيع الْوَلَد وَلَا تسْتَحب قبله بل تكون شَاة لحم وَيسن ذَبحهَا (يَوْم سابعه) أَي وِلَادَته ويحسب يَوْم الْولادَة من السَّبْعَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع بِخِلَاف الْخِتَان فَإِنَّهُ لَا يحْسب مِنْهَا كَمَا صَححهُ فِي الزَّوَائِد لِأَن المرعي هُنَا الْمُبَادرَة إِلَى فعل الْقرْبَة والمرعي هُنَاكَ التَّأْخِير لزِيَادَة الْقُوَّة ليحتمله وَيسن أَن يَقُول الذَّابِح بعد التَّسْمِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك عقيقة فلَان لخَبر ورد فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن وَيكرهُ لطخ رَأس الْمَوْلُود بدمها لِأَنَّهُ من فعل الْجَاهِلِيَّة وَإِنَّمَا لم يحرم للْخَبَر الصَّحِيح كَمَا فِي الْمَجْمُوع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَعَ الْغُلَام عقيقة فأهرقوا عَلَيْهِ دَمًا وأميطوا عَنهُ الْأَذَى بل قَالَ الْحسن وَقَتَادَة إِنَّه يسْتَحبّ ذَلِك ثمَّ يغسل لهَذَا الْخَبَر وَيسن لطخ رَأسه بالزعفران والخلوق كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَيسن أَن يُسمى فِي السَّابِع كَمَا فِي الحَدِيث الْمَار وَلَا بَأْس بتسميته قبل ذَلِك وَذكر النَّوَوِيّ فِي أذكاره أَن السّنة تَسْمِيَته يَوْم السَّابِع أَو يَوْم الْولادَة وَاسْتدلَّ لكل مِنْهُمَا بأخبار صَحِيحَة وَحمل البُخَارِيّ أَخْبَار يَوْم الْولادَة على من لم يرد العق وأخبار يَوْم السَّابِع على من أَرَادَهُ قَالَ ابْن حجر شَارِحه وَهُوَ جمع لطيف لم أره لغيره وَيسن أَن يحسن اسْمه لخَبر إِنَّكُم تدعون يَوْم الْقِيَامَة بأسمائكم وَأَسْمَاء آبائكم فحسنوا أسماءكم وَأفضل الْأَسْمَاء عبد الله وَعبد الرَّحْمَن لخَبر مُسلم أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَتكره الْأَسْمَاء القبيحة كشهاب وَشَيْطَان وحمار وَمَا يتطير بنفيه عَادَة كبركة ونجيح وَلَا تكره التَّسْمِيَة بأسماء الْمَلَائِكَة والأنبياء رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أخرج الله أهل التَّوْحِيد من النَّار وَأول من يخرج من وَافق اسْمه اسْم نَبِي وَعنهُ أَنه قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد أَلا ليقمْ من اسْمه مُحَمَّد فَلْيدْخلْ الْجنَّة كَرَامَة لنَبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحرم تلقيب الشَّخْص بِمَا يكره وَإِن كَانَ فِيهِ كالأعمش وَيجوز ذكره بِقصد التَّعْرِيف لمن لَا يعرف إِلَّا بِهِ والألقاب الْحَسَنَة لَا ينْهَى عَنْهَا وَمَا زَالَت الألقاب الْحَسَنَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ إِلَّا مَا أحدثه النَّاس فِي زَمَاننَا من التَّوَسُّع حَتَّى لقبوا السفلة بِالْأَلْقَابِ الْعليا وَيسن أَن يكنى أهل الْفضل من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَيحرم التكني بِأبي الْقَاسِم وَلَا يكنى كَافِر قَالَ فِي الرَّوْضَة وَلَا فَاسق وَلَا مُبْتَدع لِأَن الكنية للتكرمة وَلَيْسوا من أَهلهَا إِلَّا لخوف فتْنَة من ذكره باسمه أَو تَعْرِيف كَمَا قيل بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {تبت يدا أبي لَهب} واسْمه عبد الْعُزَّى وَيسن فِي سَابِع ولادَة الْمَوْلُود أَن يحلق رَأسه كُله وَيكون ذَلِك بعد ذبح الْعَقِيقَة وَأَن يتَصَدَّق بزنة الشّعْر ذَهَبا فَإِن لم يَتَيَسَّر كَمَا فِي الرَّوْضَة ففضة (ويذبح) على الْبناء للْمَفْعُول حذف فَاعله للْعلم بِهِ وَهُوَ من تلْزمهُ نَفَقَته كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة (عَن الْغُلَام شَاتَان) متساويتان (وَعَن الْجَارِيَة شَاة) لخَبر عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نعق عَن الْغُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة وَإِنَّمَا كَانَت الْأُنْثَى على النّصْف تَشْبِيها بِالدِّيَةِ ويتأدى أصل السّنة عَن الْغُلَام بِشَاة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن كَبْشًا وكالشاة سبع بَدَنَة أَو بقرة أَنه من مَال الْمَوْلُود فَلَا يجوز للْوَلِيّ أَن يعق عَنهُ من ذَلِك لِأَن الْعَقِيقَة تبرع وَهُوَ مُمْتَنع من مَال الْمَوْلُود تَنْبِيه لَو كَانَ الْوَلِيّ عَاجِزا عَن الْعَقِيقَة حِين الْولادَة ثمَّ أيسر قبل تَمام السَّابِع اسْتحبَّ فِي حَقه وَإِن أيسر بهَا بعد السَّابِع وَبعد بَقِيَّة مُدَّة النّفاس أَي أَكْثَره كَمَا قَالَه بَعضهم لم يُؤمر بهَا وَفِيمَا إِذا أيسر بهَا بعد السَّابِع فِي مُدَّة النّفاس تردد للأصحاب وَمُقْتَضى كَلَام الْأَنْوَار تَرْجِيح مخاطبته بهَا وَهُوَ الظَّاهِر (وَيطْعم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين) الْمُسلمين فَهِيَ كالأضحية فِي جِنْسهَا وسلامتها من الْعَيْب وَالْأَفْضَل مِنْهَا وَالْأكل مِنْهَا وَقدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 الْمَأْكُول مِنْهَا وَالتَّصَدُّق والإهداء مِنْهَا وتعيينها إِذا عينت وَامْتِنَاع بيعهَا كالأضحية المسنونة فِي ذَلِك لِأَنَّهَا ذَبِيحَة مَنْدُوب إِلَيْهَا فَأَشْبَهت الْأُضْحِية لَكِن الْعَقِيقَة يسن طبخها كَسَائِر الولائم بِخِلَاف الْأُضْحِية لما روى الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنه السّنة وَيسن أَن تطبخ بحلو تفاؤلا بحلاوة أَخْلَاق الْمَوْلُود وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل تَنْبِيه ظَاهر كَلَامهم أَنه يسن طبخها وَإِن كَانَت منذورة وَهُوَ كَذَلِك وَيسْتَثْنى من طبخها رجل الشَّاة فَإِنَّهَا تُعْطى للقابلة لِأَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فعلت ذَلِك بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَيسن أَن لَا يكسر مِنْهَا عظم بل يقطع كل عظم من مفصله تفاؤلا بسلامة أَعْضَاء الْمَوْلُود فَإِن كَسره لم يكره خَاتِمَة يسن أَن يُؤذن فِي أذن الْمَوْلُود الْيُمْنَى ويقام فِي الْيُسْرَى لخَبر ابْن السّني من ولد لَهُ مَوْلُود فَأذن فِي أُذُنه الْيُمْنَى وَأقَام فِي الْيُسْرَى لم تضره أم الصّبيان أَي التابعة من الْجِنّ وليكون إِعْلَامه بِالتَّوْحِيدِ أول مَا يقرع سَمعه عِنْد قدومه إِلَى الدُّنْيَا كَمَا يلقن عِنْد خُرُوجه مِنْهَا وَأَن يحنك بِتَمْر سَوَاء أَكَانَ ذكرا أم أُنْثَى فيمضغ ويدلك بِهِ حنكه وَيفتح فَاه حَتَّى ينزل إِلَى جَوْفه مِنْهُ شَيْء وَفِي معنى التَّمْر الرطب وَيسن لكل أحد من النَّاس أَن يدهن غبا بِكَسْر الْغَيْن أَي وقتا بعد وَقت بِحَيْثُ يجِف الأول وَأَن يكتحل وترا لكل عين ثَلَاثَة وَأَن يحلق الْعَانَة ويقلم الظفر وينتف الْإِبِط وَأَن يغسل البراجم وَلَو فِي غير الْوضُوء وَهِي عقد الْأَصَابِع ومفاصلها وَأَن يسرح اللِّحْيَة لخَبر أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن من كَانَ لَهُ شعر فليكرمه وَيكرهُ الْفَزع وَهُوَ حلق بعض الرَّأْس وَأما حلق جَمِيعهَا فَلَا بَأْس بِهِ لمن أَرَادَ التنظف وَلَا يتْركهُ لمن أَرَادَ أَن يدهنه ويرجله وَلَا يسن حلقه إِلَّا فِي النّسك أَو فِي حق الْكَافِر إِذا أسلم أَو فِي الْمَوْلُود إِذا أُرِيد أَن يتَصَدَّق بزنة شعره ذَهَبا أَو فضَّة كَمَا مر وَأما الْمَرْأَة فَيكْرَه لَهَا حلق رَأسهَا إِلَّا لضَرُورَة وَيكرهُ نتف اللِّحْيَة أول طُلُوعهَا إيثارا للمروءة ونتف الشيب واستعجال الشيب بالكبريت أَو غَيره طلبا للشيخوخة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 = كتاب السَّبق وَالرَّمْي = السَّبق بِالسُّكُونِ مصدر سبق أَي تقدم وبالتحريك المَال الْمَوْضُوع بَين أهل السباق وَالرَّمْي يَشْمَل الرَّمْي بِالسِّهَامِ والمزاريق وَغَيرهمَا وَهَذَا الْبَاب من مبتكرات إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا كَمَا قَالَه الْمُزنِيّ وَغَيره والمسابقة الشاملة للمناضلة سنة للرِّجَال الْمُسلمين بِقصد الْجِهَاد بِالْإِجْمَاع وَلقَوْله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} وَفسّر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُوَّة بِالرَّمْي وَلخَبَر أنس كَانَت العضباء نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبق فجَاء أَعْرَابِي على قعُود لَهُ فسبقها فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حَقًا على الله تَعَالَى أَن لَا يرفع شَيْئا من هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وَيكرهُ لمن علم الرَّمْي تَركه كَرَاهَة شَدِيدَة فَإِن قصد بذلك غير الْجِهَاد كَانَ مُبَاحا لِأَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِن قصد بِهِ محرما كَقطع الطَّرِيق كَانَ حَرَامًا أما النِّسَاء فَصرحَ الصَّيْمَرِيّ بِمَنْع ذَلِك لَهُنَّ وَأقرهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَمرَاده أَنه لَا يجوز بعوض لَا مُطلقًا فقد روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سابقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَتَصِح الْمُسَابقَة) بعوض وَغَيره (على الدَّوَابّ) الْخَيل وَالْإِبِل وَالْبِغَال وَالْحمير والفيلة فَقَط لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر فَلَا تجوز على الْكلاب ومهارشة الديكة ومناطحة الكباش لَا بعوض وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَن فعل ذَلِك سفه وَمن فعل قوم لوط الَّذين أهلكهم الله بِذُنُوبِهِمْ وَلَا على طير وصراع بعوض لِأَنَّهُمَا ليسَا من آلَات الْقِتَال فَإِن قيل قد صارع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة على شِيَاه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيب بِأَن الْغَرَض من مصارعته لَهُ أَن يرِيه شدته ليسلم بِدَلِيل أَنه لما صارعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم رد عَلَيْهِ غنمه فَإِن كَانَ ذَلِك بِغَيْر عوض جَازَ وَكَذَا كل مَا لَا ينفع فِي الْحَرْب كالشباك والمسابقة على الْبَقر فَيجوز بِلَا عوض وَأما الغطس فِي المَاء فقد جرت الْعَادة بالاستعانة بِهِ فِي الْحَرْب كالسباحة فَيجوز بِلَا عوض وَإِلَّا فَلَا يجوز مُطلقًا (و) تجوز (المناضلة) بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة أَي المغالبة (على) رمي (السِّهَام) سَوَاء أَكَانَت عَرَبِيَّة وَهِي النبل أم عجمية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 وَهِي النشاب وَتَصِح على مزاريق جمع مزراق وَهُوَ رمح صَغِير وعَلى رماح وعَلى رمي بأحجار بمقلاع أَو بيد وَرمي بمنجنيق وكل نَافِع فِي الْحَرْب مِمَّا يشبه ذَلِك كالرمي بالمسلات والإبر والتردد بِالسُّيُوفِ والرماح وَخرج مِمَّا ذكر المراماة بِأَن يَرْمِي كل وَاحِد مِنْهُمَا الْحجر إِلَى صَاحبه وإشالة الْحجر بِالْيَدِ وَيُسمى العلاج فَلَا يَصح العقد على ذَلِك وَأما التقاف بِالْمُثَنَّاةِ وَتقول الْعَامَّة بِالدَّال فَلَا نقل فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَالْأَشْبَه جَوَازه لِأَنَّهُ ينفع فِي حَال الْمُسَابقَة وَقد يمْنَع خشيَة الضَّرَر إِذْ كل يحرص على إِصَابَة صَاحبه كاللكام وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلَا يَصح على رمي ببندق يَرْمِي بِهِ فِي حُفْرَة وَنَحْوهَا وَلَا على سباحة فِي المَاء وَلَا على شطرنج وَلَا على خَاتم وَلَا على وقُوف على رجل وَلَا على معرفَة مَا بِيَدِهِ من شفع ووتر وَكَذَا سَائِر أَنْوَاع اللّعب كالمسابقة على الْأَقْدَام وبالسفن أَو الزوارق لِأَن هَذِه الْأُمُور لَا تَنْفَع فِي الْحَرْب هَذَا إِذا عقد عَلَيْهَا بعوض وَإِلَّا فمباح وَأما الرَّمْي بالبندق على قَوس فَظَاهر كَلَام الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَنه كَذَلِك لَكِن الْمَنْقُول فِي الْحَاوِي الْجَوَاز قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَا خلاف فِيهِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَب وشروط الْمُسَابقَة عشرَة أَشْيَاء اقْتصر المُصَنّف مِنْهَا على ذكر اثْنَيْنِ أَولهمَا (إِذا كَانَ الْمسَافَة) أَي مَسَافَة مَا بَين موقف الرَّامِي وَالْغَرَض الَّذِي يَرْمِي إِلَيْهِ (مَعْلُومَة) ابْتِدَاء وَغَايَة وَثَانِيهمَا الْمُحَلّل الْآتِي فِي كَلَامه وَالثَّالِث من بَاقِي الشُّرُوط أَن يكون الْمَعْقُود عَلَيْهِ عدَّة لِلْقِتَالِ وَالرَّابِع تعْيين الفرسين مثلا لِأَن الْغَرَض معرفَة سيرهما وَهِي تَقْتَضِي التَّعْيِين وَيَكْفِي وصفهما فِي الذِّمَّة ويتعينان بِالتَّعْيِينِ فَإِن وَقع هَلَاك انْفَسَخ العقد فَإِن وَقع العقد على مَوْصُوف فِي الذِّمَّة لم يتعينا كَمَا بَحثه الرَّافِعِيّ فَلَا يَنْفَسِخ العقد بِمَوْت الْفرس الْمَوْصُوف كالأجير غير الْمعِين وَالْخَامِس إِمْكَان سبق كل وَاحِد من الفرسين مثلا فَإِن كَانَ أَحدهمَا ضَعِيفا يقطع بتخلفه أَو فارها يقطع بتقدمه لم يجز وَالسَّادِس أَن يركبا المركوبين وَلَا يرسلاهما فَلَو شَرط إرسالهما ليجريا بأنفسهما لم يَصح لِأَنَّهُمَا لَا يقصدان الْغَايَة وَالسَّابِع أَن يقطع المركوبان الْمسَافَة فَيعْتَبر كَونهمَا بِحَيْثُ يمكنهما قطعهَا بِلَا انْقِطَاع وتعب وَالثَّامِن تعْيين الراكبين فَلَو شَرط كل مِنْهُمَا أَن يركب دَابَّته من شَاءَ لم يجز حَتَّى يتَعَيَّن الراكبان وَلَا يَكْفِي الْوَصْف فِي الرَّاكِب كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ وَالتَّاسِع الْعلم بِالْمَالِ الْمَشْرُوط جِنْسا وَقدرا وَصفَة كَسَائِر الأعواض عينا كَانَ أَو دينا حَالا أَو مُؤَجّلا فَلَا يَصح عقد بِغَيْر مَال ككلب وَلَا بِمَال مَجْهُول كَثوب غير مَوْصُوف والعاشر اجْتِنَاب شَرط مُفسد فَلَو قَالَ إِن سبقتني فلك هَذَا الدِّينَار بِشَرْط أَن تطعمه أصحدبك فسد العقد لِأَنَّهُ تمْلِيك بِشَرْط يمْنَع كَمَال التَّصَرُّف فَصَارَ كَمَا لَو بَاعه شَيْئا بِشَرْط أَن لَا يَبِيعهُ تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن حكم عقد الْمُسَابقَة وَهُوَ لَازم فِي حق مُلْتَزم الْعِوَض وَلَو غير المتسابقين كَالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 فَسخه وَلَا ترك عمل قبل الشُّرُوع وَلَا بعده إِن كَانَ مَسْبُوقا أَو سَابِقًا وَأمكن أَن يُدْرِكهُ الآخر ويسبقه وَإِلَّا فَلهُ ترك حَقه وَلَا زِيَادَة وَلَا نقص فِي الْعَمَل وَلَا فِي الْعِوَض وَقَوله (وَصفَة المناضلة مَعْلُومَة) مَعْطُوف على الْمسَافَة أَي وَكَانَت صفة المناضلة مَعْلُومَة لتصح فَيشْتَرط لَهَا زِيَادَة على مَا مر بَيَان البادىء مِنْهُمَا بِالرَّمْي لاشْتِرَاط التَّرْتِيب بَينهمَا فِيهِ حذرا من اشْتِبَاه الْمُصِيب بالمخطىء لَو رميا مَعًا وَبَيَان قدر الْغَرَض وَهُوَ بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة مَا يَرْمِي إِلَيْهِ من نَحْو خشب أَو جلد أَو قرطاس طولا وعرضا وسمكا وَبَيَان ارتفاعه من الأَرْض إِن ذكر الْغَرَض وَلم يغلب عرف فيهمَا فَإِن غلب فَلَا يشْتَرط بَيَان شَيْء مِنْهُمَا بل يحمل الْمُطلق عَلَيْهِ وَلَا بَيَان مبادرة بِأَن يبدر أَي يسْبق أَحدهمَا بِإِصَابَة الْعدَد الْمَشْرُوط من عدد مَعْلُوم كعشرين من كل مِنْهُمَا مَعَ استوائهما فِي عدد الرَّمْي أَو الْيَأْس من استوائهما فِي الْإِصَابَة وَلَا بَيَان محاطة بِأَن تزيد إِصَابَته على إِصَابَة الآخر بِكَذَا كواحد من عدد مَعْلُوم كعشرين من كل مِنْهُمَا وَيحمل الْمُطلق عَن التَّقْيِيد بِشَيْء من ذَلِك على الْمُبَادرَة وعَلى أقل نوبه وَهُوَ سهم سهم لغلبتهما وَلَا يشْتَرط بَيَان قَوس وَسَهْم لِأَن الْعُمْدَة على الرَّامِي فَإِن عين شَيْئا مِنْهُمَا لَغَا وَجَاز إِبْدَاله بِمثلِهِ من نَوعه وَشرط منع إِبْدَاله مُفسد للْعقد وَيسن بَيَان صفة إِصَابَته الْغَرَض من قرع وَهُوَ مُجَرّد إِصَابَة الْغَرَض أَو خرق بِأَن يثقبه وَيسْقط أَو خسق بِأَن يثبت فِيهِ وَإِن سقط بعد ذَلِك أَو مرق بِأَن ينفذ مِنْهُ أَو خرم بِأَن يُصِيب طرف الْغَرَض فيخرمه فَإِن أطلقا كفى القرع (وَيخرج الْعِوَض) الْمَشْرُوط (أحد المتسابقين حَتَّى إِذا سبق) بِفَتْح أَوله على الْبناء للْفَاعِل (استرده) مِمَّن هُوَ مَعَه (وَإِن سبق) بِضَم أَوله على الْبناء للْمَفْعُول (أَخذه صَاحبه) السَّابِق وَلَا يشْتَرط حِينَئِذٍ بَينهمَا مُحَلل (وَإِن أَخْرجَاهُ) أَي المتسابقان الْعِوَض (مَعًا لم يجز) حِينَئِذٍ (إِلَّا أَن يدخلا) أَي يشرطا (بَينهمَا محللا) بِكَسْر اللَّام الأولى فَيجوز إِن كَانَت دَابَّته كُفؤًا لدابتيهما سمي محللا لِأَنَّهُ يحلل العقد ويخرجه عَن صُورَة الْقمَار الْمُحرمَة فَإِن الْمُحَلّل (إِن سبق) المتسابقين (أَخذ) مَا أَخْرجَاهُ من الْعِوَض لنَفسِهِ سَوَاء أجاءا مَعًا أم مُرَتبا لسبقه لَهما (وَإِن سبق) أَي سبقاه وجاءا مَعًا (لم يغرم) لَهما شَيْئا وَلَا شَيْء لأَحَدهمَا على الآخر وَإِن جَاءَ الْمُحَلّل مَعَ أحد المتسابقين وَتَأَخر الآخر فَمَال هَذَا لنَفسِهِ لِأَنَّهُ لم يسْبقهُ أحد وَمَال الْمُتَأَخر للمحلل وللذمي مَعَه لِأَنَّهُمَا سبقاه وَإِن جَاءَ أَحدهمَا ثمَّ الْمُحَلّل ثمَّ الآخر فَمَال الآخر للْأولِ لسبقه الِاثْنَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 تَنْبِيه الصُّور الممكنة فِي الْمُحَلّل ثَمَانِيَة أَن يسبقهما ويجيئان مَعًا أَو مُرَتبا أَو يسبقا ويجيئان مَعًا أَو مُرَتبا أَو يتوسط بَينهمَا أَو يكون مَعَ أَولهمَا أَو ثَانِيهمَا أَو يَجِيء الثَّلَاثَة مَعًا وَلَا يخفى الحكم فِي الْجَمِيع وَلَو تسابق جمع ثَلَاثَة فَأكْثر وَشرط الثَّانِي مثل الأول أَو دونه صَحَّ وَيجوز شَرط الْعِوَض من غير المتسابقين وَسَوَاء أَكَانَ من الإِمَام أم من غَيره كَأَن يَقُول الإِمَام من سبق مِنْكُمَا فَلهُ فِي بَيت المَال كَذَا أَوله عَليّ كَذَا وَيكون مَا يُخرجهُ من بَيت المَال من سهم الْمصَالح كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ أَو الْأَجْنَبِيّ من سبق مِنْكُمَا فَلهُ عَليّ كَذَا لِأَنَّهُ بذل مَال فِي طَاعَة وَلَا شكّ أَن حكم إِخْرَاج أحد المتناضلين الْعِوَض وإخراجهما مَعًا حكم الْمُسَابقَة فِيمَا سبق من غير فرق وَصُورَة إِخْرَاج أَحدهمَا أَن يَقُول أَحدهمَا ترمي كَذَا فَإِذا أصبت أَنْت مِنْهَا كَذَا فلك عَليّ كَذَا وَأَن أصبتها أَنا فَلَا شَيْء لِأَحَدِنَا على صَاحبه وَصُورَة إخراجهما مَعًا أَن يشْتَرط كل وَاحِد على صَاحبه عوضا إِن أصَاب وَلَا يجوز هَذَا إِلَّا بِمُحَلل بَينهمَا كَمَا سبق خَاتِمَة لَو تراهن رجلَانِ عل اختبار قوتهما بصعود جبل أَو إقلال صَخْرَة أَو أكل كَذَا فَهُوَ من أكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَكله حرَام ذكره ابْن كج وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة قَالَ الدَّمِيرِيّ وَمن هَذَا النمط مَا يَفْعَله الْعَوام من الرِّهَان على حمل كَذَا من مَوضِع كَذَا إِلَى مَكَان كَذَا أَو إِجْرَاء السَّاعِي من طُلُوع الشَّمْس إِلَى الْغُرُوب وكل ذَلِك ضَلَالَة وجهالة مَعَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من ترك الصَّلَوَات وَفعل الْمُنْكَرَات اه وَهَذَا أَمر ظَاهر وَينْدب أَن يكون عِنْد الْغَرَض شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ على مَا وَقع من إِصَابَة أَو خطأ وَلَيْسَ لَهما أَن يمدحا الْمُصِيب وَلَا أَن يذما المخطىء لِأَن ذَلِك يخل بالنشاط وَيمْنَع أَحدهمَا من أذية صَاحبه بالتبجح وَالْفَخْر عَلَيْهِ وَلكُل مِنْهُمَا حث الْفرس فِي السباق بِالسَّوْطِ أَو تَحْرِيك اللجام وَلَا يجلب عَلَيْهِ بالصياح ليزِيد عدوه لخَبر لَا جلب وَلَا جنب قَالَ الرَّافِعِيّ وَذكر فِي معنى الْجنب أَنهم كَانُوا يجنبون الْفرس حَتَّى إِذا قاربوا الأمد تحولوا عَن المركوب الَّذِي كره بالركوب إِلَى الجنيبة فنهوا عَن ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 = كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور = الْأَيْمَان بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين وَأَصلهَا فِي اللُّغَة الْيَد الْيُمْنَى وأطلقت على الْحلف لأَنهم كَانُوا إِذا تحالفوا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُم بيد صَاحبه وَفِي الِاصْطِلَاح تَحْقِيق أَمر غير ثَابت مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا نفيا أَو إِثْبَاتًا مُمكنا كحلفه ليدخلن الدَّار أَو مُمْتَنعا كحلفه ليقْتلن الْمَيِّت صَادِقَة كَانَت أَو كَاذِبَة مَعَ الْعلم بِالْحَال أَو الْجَهْل بِهِ وَخرج بالتحقيق لَغْو الْيَمين فَلَيْسَتْ يَمِينا وَبِغير ثَابت الثابث كَقَوْلِه وَالله لأموتن لتحققه فِي نَفسه فَلَا معنى لتحقيقه وَلِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْحِنْث وَفَارق انْعِقَادهَا بِمَا لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْبر كحلفه ليقْتلن الْمَيِّت فَإِن امْتنَاع الْحِنْث لَا يخل بتعظيم الله وَامْتِنَاع الْبر يخل بِهِ فيحوج إِلَى التَّكْفِير وَتَكون الْيَمين أَيْضا للتَّأْكِيد وَالْأَصْل فِي الْبَاب قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} الْآيَة وأخبار كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأغزون قُريْشًا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة إِن شَاءَ الله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَابِط الْحَالِف مُكَلّف مُخْتَار قَاصد فَلَا تَنْعَقِد يَمِين الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا الْمُكْره وَلَا يَمِين اللَّغْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 ثمَّ شرع المُصَنّف فِيمَا تَنْعَقِد الْيَمين بِهِ فَقَالَ (وَلَا تَنْعَقِد الْيَمين إِلَّا بِذَات الله تَعَالَى) أَي بِمَا يفهم مِنْهُم ذَات الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المُرَاد بهَا الْحَقِيقَة من غير احْتِمَال غَيره (أَو باسم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى) المختصة بِهِ وَلَو مشتقا أَو من غير أَسْمَائِهِ الْحسنى سَوَاء كَانَ اسْما مُفردا كَقَوْلِه وَالله أَو مُضَافا كَقَوْلِه وَرب الْعَالمين وَمَالك يَوْم الدّين أَو لم يكن كَقَوْلِه وَالَّذِي أعبده أَو أَسجد لَهُ أَو نَفسِي بِيَدِهِ أَي بقدرته يصرفهَا كَيفَ يَشَاء أَو الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ غير الْيَمين فَلَيْسَ بِيَمِين فَيقبل مِنْهُ ذَلِك كَمَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَلَا يقبل مِنْهُ ذَلِك فِي الطَّلَاق والعناق وَالْإِيلَاء ظَاهرا لتَعلق حق غَيره بِهِ أما إِذا أَرَادَ بذلك غير الله تَعَالَى فَلَا يقبل مِنْهُ إِرَادَته لَا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا لِأَن الْيَمين بذلك لَا تحْتَمل غَيره تَعَالَى فَقَوْل الْمِنْهَاج وَلَا يقبل قَوْله لم أرد بِهِ الْيَمين مؤول بذلك أَو باسم من أَسْمَائِهِ الْغَالِب إِطْلَاقه عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعَلى غَيره كَقَوْلِه والرحيم والخالق والرازق والرب انْعَقَدت يَمِينه مَا لم يرد بهَا غَيره تَعَالَى بِأَن أَرَادَهُ تَعَالَى أَو أطلق بِخِلَاف مَا إِذا أَرَادَ بهَا غَيره لِأَنَّهَا تسْتَعْمل فِي غَيره تَعَالَى مُقَيّدا كرحيم الْقلب وخالق الْإِفْك ورازق الْجَيْش وَرب الْإِبِل وَأما الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ تَعَالَى وعَلى غَيره سَوَاء كالموجود والعالم والحي فَإِن أَرَادَهُ تَعَالَى بِهِ انْعَقَدت يَمِينه بِخِلَاف مَا إِذا أَرَادَ بهَا غَيره أَو أطلق لِأَنَّهَا لما أطلقت عَلَيْهِمَا سَوَاء أشبهت الْكِنَايَات (أَو صفة من صِفَات ذَاته) كوعظمته وعزته وكبريائه وَكَلَامه ومشيئته وَعلمه وَقدرته وَحقه إِلَّا أَن يُرِيد بِالْحَقِّ الْعِبَادَات وباللذين قبله الْمَعْلُوم والمقدور وبالبقية ظُهُور آثارها فَلَيْسَتْ يَمِينا لاحْتِمَال اللَّفْظ وَقَوله وَكتاب الله يَمِين وَكَذَا وَالْقُرْآن والمصحف إِلَّا أَن يُرِيد بِالْقُرْآنِ الْخطْبَة وَالصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وبالمصحف الْوَرق وَالْجَلد وحروف الْقسم الْمَشْهُورَة بَاء مُوَحدَة وواو وتاء فوقية كبالله وَوَاللَّه وتالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَيخْتَص لفظ الله تَعَالَى بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّة والمظهر مُطلقًا بِالْوَاو وَسمع شاذا ترب الْكَعْبَة وتالرحمن وَتدْخل الْمُوَحدَة عَلَيْهِ وعَلى الْمُضمر فَهِيَ الأَصْل وتليها الْوَاو ثمَّ التَّاء وَلَو قَالَ الله مثلا بِتَثْلِيث الْهَاء أَو تسكينها لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فكناية كَقَوْلِه أشهد بِاللَّه أَو لعمر الله أَو على عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِن نوى بهَا الْيَمين فيمين وَإِلَّا فَلَا واللحن وَإِن قيل بِهِ فِي الرّفْع لَا يمْنَع الِانْعِقَاد على أَنه لَا لحن فِي ذَلِك فالرفع بِالِابْتِدَاءِ أَي الله أَحْلف بِهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالنّصب بِنَزْع الْخَافِض والجر بحذفه وإبقاء عمله والتسكين بإجراء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف وَقَوله أَقْسَمت أَو أقسم أَو حَلَفت أَو أَحْلف بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يَمِين إِلَّا إِن نوى خَبرا مَاضِيا فِي صِيغَة الْمَاضِي أَو مُسْتَقْبلا فِي الْمُضَارع فَلَا يكون يَمِينا لاحْتِمَال مَا نَوَاه وَقَوله لغيره أقسم عَلَيْك بِاللَّه أَو اسألك بِاللَّه لتفعلن كَذَا يَمِين إِن أَرَادَ بِهِ يَمِين نَفسه بِخِلَاف مَا إِذا لم يردهَا وَيحمل على الشَّفَاعَة وَعلم من حصر الِانْعِقَاد فِيمَا ذكر عدم انْعِقَاد الْيَمين بمخلوق كالنبي وَجِبْرِيل والكعبة وَنَحْو ذَلِك وَلَو مَعَ قَصده بل يكره الْحلف بِهِ إِلَّا أَن يسْبق إِلَيْهِ لِسَانه وَلَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو من الله أَو من رَسُوله فَلَيْسَ بِيَمِين وَلَا يكفر بِهِ إِن أَرَادَ تبعيد نَفسه عَن الْفِعْل أَو أطلق كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْأَذْكَار وَليقل لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله ويستغفر الله تَعَالَى وَإِن قصد الرِّضَا بذلك إِذا فعله فَهُوَ كَافِر فِي الْحَال تَنْبِيه تصح الْيَمين على مَاض وَغَيره وَتكره إِلَّا فِي طَاعَة وَفِي دَعْوَى مَعَ صدق عِنْد حَاكم وَفِي حَاجَة كتوكيد كَلَام فَإِن حلف على ارْتِكَاب مَعْصِيّة عصى بحلفه وَلَزِمَه حنث وَكَفَّارَة أَو على ترك أَو فعل مُبَاح سنّ ترك حنثه أَو على ترك مَنْدُوب أَو فعل مَكْرُوه سنّ حنثه وَعَلِيهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَة أَو على فعل مَنْدُوب أَو ترك مَكْرُوه كره حنثه وَله تَقْدِيم كَفَّارَة بِلَا صَوْم على أحد سببيها كمنذور مَالِي (وَمن حلف بِصَدقَة مَاله) كَقَوْلِه لله عَليّ أَن أَتصدق بِمَالي إِن فعلت كَذَا أَو أعتق عَبدِي وَيُسمى نذر اللجاج وَالْغَضَب وَمن صوره مَا إِذا قَالَ الْعتْق يلْزَمنِي مَا أفعل كَذَا (فَهُوَ مُخَيّر) على أظهر الْأَقْوَال (بَين) فعل (الصَّدَقَة) الَّتِي التزمها أَو الْعتْق الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 الْتَزمهُ (و) بَين فعل (الْكَفَّارَة) عَن الْيَمين الْآتِي بَيَانه لخَبر مُسلم كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة يَمِين وَهِي لَا تَكْفِي فِي نذر التبرر بالانفاق فَتعين حمله على نذر اللجاج وَلَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي كَفَّارَة يَمِين أَو كَفَّارَة نذر لَزِمته الْكَفَّارَة عِنْد وجود الصّفة تَغْلِيبًا لحكم الْيَمين فِي الأولى وَلخَبَر مُسلم السَّابِق فِي الثَّانِيَة وَلَو قَالَ فعلي يَمِين فلغو أَو فعلي نذر صَحَّ وَيتَخَيَّر بَين قربَة وَكَفَّارَة يَمِين (وَلَا شَيْء فِي لَغْو الْيَمين) لقَوْله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} أَي قصدتم بِدَلِيل الْآيَة الآخرى {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} ولغو الْيَمين هُوَ كَمَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَول الرجل لَا وَالله وبلى وَالله رَوَاهُ البُخَارِيّ كَأَن قَالَ ذَلِك فِي حَال غضب أَو لجاج أَو صلَة كَلَام قَالَ ابْن الصّلاح وَالْمرَاد بتفسير لَغْو الْيَمين بِلَا وَالله وبلى وَالله على الْبَدَل لَا على الْجمع مَا لَو قَالَ لَا وَالله وبلى وَالله فِي وَقت وَاحِد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ كَانَت الأولى لَغوا وَالثَّانيَِة منعقدة لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاك فَصَارَت مَقْصُودَة وَلَو حلف على شَيْء فَسبق لِسَانه إِلَى غَيره كَانَ من لَغْو الْيَمين وَجعل صَاحب الْكَافِي من لَغْو الْيَمين مَا إِذا دخل على صَاحبه فَأَرَادَ أَن يقوم لَهُ فَقَالَ وَالله لَا تقوم لي وَهُوَ مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى (وَمن حلف أَن لَا يفعل شَيْئا) معينا كَأَن لَا يَبِيع أَو لَا يَشْتَرِي (فَفعل) شَيْئا (غَيره لم يَحْنَث) لِأَنَّهُ لم يفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ أما إِذا فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِأَن بَاعَ أَو اشْترى بِنَفسِهِ بِولَايَة أَو وكَالَة فَإِن كَانَ عَالما مُخْتَارًا حنث أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها لم يَحْنَث وَمن صور الْفِعْل جَاهِلا أَن يدْخل دَارا لَا يعرف أَنَّهَا الْمَحْلُوف عَلَيْهَا أَو حلف لَا يسلم على زيد فَسلم عَلَيْهِ فِي ظلمَة وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 يعرف أَنه زيد قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه مُطلق الْحلف على الْعُقُود ينزل على الصَّحِيح مِنْهَا فَلَا يَحْنَث بالفاسد قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلم يُخَالف الشَّافِعِي هَذِه الْقَاعِدَة إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي مَا إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح فنكح فَاسِدا فَإِنَّهُ أوجب فِيهَا الْمهْر كَمَا يجب فِي النِّكَاح الصَّحِيح وَكَذَا الْعِبَادَات لَا يسْتَثْنى مِنْهَا إِلَّا الْحَج الْفَاسِد فَإِنَّهُ يَحْنَث بِهِ وَلَو أضَاف العقد إِلَى مَا لَا يقبله كَأَن حلف لَا يَبِيع الْخمر وَلَا الْمُسْتَوْلدَة ثمَّ أَتَى بِصُورَة البيع فَإِن قصد التَّلَفُّظ بِلَفْظ العقد مُضَافا إِلَى مَا ذكره حنث وَإِن أطلق فَلَا (وَمن حلف أَلا يفعل شَيْئا) كَأَن حلف أَنه لَا يُزَوّج موليته أَو لَا يُطلق امْرَأَته أَو لَا يعْتق عَبده أَو لَا يضْرب غُلَامه (فَأمر غَيره) بِفِعْلِهِ (فَفعله) وَكيله وَلَو مَعَ حُضُوره (لم يَحْنَث) لِأَنَّهُ حلف على فعله وَلم يفعل إِلَّا أَن يُرِيد الْحَالِف اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي حَقِيقَته ومجازه وَهُوَ أَن لَا يَفْعَله هُوَ وَلَا غَيره فَيحنث بِفعل وَكيله فِيمَا ذكر عملا بإرادته وَلَو حلف لَا يَبِيع وَلَا يُوكل وَكَانَ وكل قبل ذَلِك بِبيع مَاله فَبَاعَ الْوَكِيل بعد يَمِينه بِالْوكَالَةِ السَّابِقَة فَفِي فَتَاوَى القَاضِي حُسَيْن أَنه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ بعد الْيَمين لم يُبَاشر وَلم يُوكل وَقِيَاسه أَنه لَو حلف على زَوجته أَن لَا تخرج إِلَّا بِإِذْنِهِ وَكَانَ أذن لَهَا قبل ذَلِك فِي الْخُرُوج إِلَى مَوضِع معِين فَخرجت إِلَيْهِ بعد الْيَمين لم يَحْنَث قَالَ البُلْقِينِيّ وَهُوَ ظَاهر وَلَو حلف لَا يعْتق عَبده فكاتبه وَعتق بِالْأَدَاءِ لم يَحْنَث كَمَا نَقله الشَّيْخَانِ عَن ابْن قطان وَأَقَرَّاهُ وَإِن صوب فِي الْمُهِمَّات الْحِنْث وَلَو حلف لَا ينْكح حنث بِعقد وَكيله لَهُ لَا بِقبُول الْحَالِف النِّكَاح لغيره لِأَن الْوَكِيل فِي النِّكَاح سفير مَحْض وَلِهَذَا يجب تَسْمِيَة الْمُوكل وَهَذَا مَا جزم بِهِ فِي الْمِنْهَاج تبعا لأصله وَهُوَ الْمُعْتَمد وَصحح فِي التَّنْبِيه عدم الْحِنْث وَأقرهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحه وَصَححهُ البُلْقِينِيّ فِي تَصْحِيح الْمِنْهَاج نَاقِلا لَهُ عَن الْأَكْثَرين وَقَالَ إِن مَا فِي الْمِنْهَاج من الْحِنْث مُخَالف لمقْتَضى نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ولقاعدته وللدليل وَلما عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ من الْأَصْحَاب وَأطَال فِي ذَلِك وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي التَّوْكِيل فِي الرّجْعَة فِيمَا إِذا حلف أَنه لَا يُرَاجِعهَا فَوكل من يُرَاجِعهَا فروع لَو حَلَفت الْمَرْأَة بِأَن لَا تتَزَوَّج فعقد عَلَيْهَا وَليهَا نظر إِن كَانَت مجبرة فعلى قولي الْمُكْره وَإِن كَانَت غير مجبرة وأذنت فِي التَّزْوِيج فَزَوجهَا الْوَلِيّ فَهُوَ كَمَا لَو أذن الزَّوْج لمن يُزَوجهُ وَلَو حلف الْأَمِير أَن لَا يضْرب زيدا فَأمر الجلاد بضربه فَضَربهُ لم يَحْنَث أَو حلف لَا يَبْنِي بَيته فَأمر الْبناء ببنائه فبناه فَكَذَلِك أَو لَا يحلق رَأسه فَأمر حلاقا فحلقه لم يَحْنَث كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري لعدم فعله وَقيل يَحْنَث للْعُرْف وَجزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام من شرحيه وَصَححهُ الْإِسْنَوِيّ أَو لَا يَبِيع مَال زيد فَبَاعَهُ بيعا صَحِيحا بِأَن بَاعه بِإِذْنِهِ أَو لظفر بِهِ أَو أذن حَاكم لحجر أَو امْتنَاع أَو أذن ولي لصِغَر أَو لحجر أَو جُنُون حنث لصدق اسْم البيع بِمَا ذكر وَلَو حلف لَا يَبِيع لي زيد مَالا فَبَاعَهُ زيد حنث الْحَالِف سَوَاء أعلم زيد أَنه مَال الْحَالِف أم لَا لِأَن الْيَمين منعقدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 على نفي فعل زيد وَقد فعل باخت وَالْجهل أَو النسْيَان إِنَّمَا يعْتَبر فِي الْمُبَاشر للْفِعْل لَا فِي غَيره وَوقت الْغَدَاء من طُلُوع الْفجْر إِلَى الزَّوَال وَوقت الْعشَاء من الزَّوَال إِلَى نصف اللَّيْل وقدرهما أَن يَأْكُل فَوق نصف الشِّبَع وَوقت السّحُور بعد نصف اللَّيْل إِلَى طُلُوع الْفجْر وَلَو حلف ليثنين على الله أحسن الثَّنَاء وأعظمه أَو أَجله فَلْيقل لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك أَو ليحمدن الله تَعَالَى بِمَجَامِع الْحَمد أَو بِأَجل التحاميد فَلْيقل الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده وَهنا فروع كَثِيرَة ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر وَفِيمَا ذكرته كِفَايَة لأولي الْأَلْبَاب ثمَّ شرع فِي صفة كَفَّارَة الْيَمين واختصت من بَين الْكَفَّارَات بِكَوْنِهَا مخيرة فِي الِابْتِدَاء مرتبَة فِي الِانْتِهَاء وَالصَّحِيح فِي سَبَب وُجُوبهَا عِنْد الْجُمْهُور الْحِنْث وَالْيَمِين مَعًا فَقَالَ (وَكَفَّارَة الْيَمين هُوَ) أَي الْمُكَفّر الْحر الرشيد وَلَو كَافِرًا (مُخَيّر فِيهَا) ابْتِدَاء (بَين) فعل وَاحِد من (ثَلَاثَة أَشْيَاء) وَهِي (عتق رَقَبَة مُؤمنَة) بِلَا عيب يخل بِعَمَل أَو كسب (أَو إطْعَام) أَي تمْلِيك (عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين مد) من جنس الْفطْرَة على مَا مر بَيَانه فِيهَا (أَو كسوتهم) بِمَا يُسمى كسْوَة مِمَّا يعْتَاد لبسه وَلَو ثوبا أَو عِمَامَة أَو إزارا أَو طيلسانا أَو منديلا قَالَ فِي الرَّوْضَة وَالْمرَاد بِهِ الْمَعْرُوف الَّذِي يحمل فِي الْيَد أَو مقنعة أَو درعا من صوف أَو غَيره وَهُوَ قَمِيص لَا كم لَهُ أَو ملبوسا لم تذْهب قوته أَو لم يصلح للمدفوع لَهُ كقميص صَغِير لكبير لَا يصلح لَهُ وَيجوز قطن وكتان وحرير وَشعر وصوف منسوج كل مِنْهَا لامْرَأَة وَرجل لوُقُوع اسْم الْكسْوَة على ذَلِك وَلَا يجزىء الْجَدِيد مهلهل النسيج إِذا كَانَ لبسه لَا يَدُوم إِلَّا بِقدر مَا يَدُوم لبس الثَّوْب الْبَالِي لضعف النَّفْع بِهِ وَلَا خف وَلَا قفازان وَلَا مكعب وَلَا منْطقَة وَلَا قلنسوة وَهِي مَا يُغطي بهَا الرَّأْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُسمى كسْوَة كدرع من حَدِيد وتجزىء فَرْوَة ولبد اُعْتِيدَ فِي الْبَلَد لبسهما وَلَا يجزىء التبَّان وَهُوَ سروال قصير لَا يبلغ الرّكْبَة وَلَا الْخَاتم وَلَا التكة والعرقية وَوَقع فِي شرح الْمنْهَج أَنَّهَا تَكْفِي ورد بِأَن القلنسوة لَا تَكْفِي كَمَا مر وَهِي شَامِلَة لَهَا وَيُمكن حملهَا على الَّتِي تجْعَل تَحت البرذعة وَإِن كَانَ بَعيدا فَهُوَ أولى من مُخَالفَته للأصحاب وَلَا يجزىء نجس الْعين ويجزىء الْمُتَنَجس وَعَلِيهِ أَن يعلمهُمْ بِنَجَاسَتِهِ ويجزىء مَا غسل مَا لم يخرج عَن الصلاحية كالطعام الْعَتِيق لانطلاق اسْم الْكسْوَة عَلَيْهِ وَكَونه يرد فِي البيع لَا يُؤثر فِي مقصودها كالعيب الَّذِي لَا يضر بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيق وَينْدب أَن يكون الثَّوْب جَدِيدا خاما كَانَ أَو مَقْصُور الْآيَة {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} وَلَو أعْطى عشرَة ثوبا طَويلا لم يُجزئهُ بِخِلَاف مَا لَو قطعه قطعا قطعا ثمَّ دَفعه إِلَيْهِم قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ مَحْمُول على قِطْعَة تسمى كسْوَة وَخرج بقول المُصَنّف عشرَة مَسَاكِين مَا إِذا أطْعم خَمْسَة وكسا خَمْسَة لَا يجزىء كَمَا لَا يجزىء إِعْتَاق نصف رَقَبَة وإطعام خمسه (فَإِن لم) يكن الْمُكَفّر رشيدا أَو لم (يجد) شَيْئا من الثَّلَاثَة لعَجزه عَن كل مِنْهَا بِغَيْر غيبَة مَاله برق أَو غَيره (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام) لقَوْله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} الْآيَة وَالرَّقِيق لَا يملك أَو يملك ملكا ضَعِيفا فَلَو كفر عَنهُ سَيّده بِغَيْر صَوْم لم يجز ويجزىء بعد مَوته بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَة لِأَنَّهُ لَا رق بعد الْمَوْت وَله فِي الْمكَاتب أَن يكفر عَنهُ بهما بِإِذْنِهِ وللمكاتب أَن يكفر بهما بِإِذن سَيّده أما الْعَاجِز بغيبة مَاله فكغير الْعَاجِز لِأَنَّهُ وَاحِد فينتظر حُضُور مَاله بِخِلَاف فَاقِد المَاء مَعَ غيبَة مَاله فَإِنَّهُ يتَيَمَّم لضيق وَقت الصَّلَاة وَبِخِلَاف الْمُتَمَتّع الْمُعسر بِمَكَّة الْمُوسر بِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَصُوم لِأَن مَكَان الدَّم بِمَكَّة فَاعْتبر يسَاره وَعَدَمه بهَا وَمَكَان الْكَفَّارَة مُطلق فَاعْتبر مُطلقًا فَإِن كَانَ لَهُ هُنَا رَقِيق غَائِب تعلم حَيَاته فَلهُ إِعْتَاقه فِي الْحَال تَنْبِيه المُرَاد بِالْعَجزِ أَن لَا يقدر على المَال الَّذِي يصرفهُ فِي الْكَفَّارَة كمن يجد كِفَايَته وكفاية من تلْزمهُ مُؤْنَته فَقَط وَلَا يجد مَا يفضل عَن ذَلِك قَالَ الشَّيْخَانِ وَمن لَهُ أَن يَأْخُذ سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من الزَّكَاة وَالْكَفَّارَات لَهُ أَن يكفر بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فَقير فِي الْأَخْذ فَكَذَا فِي الْإِعْطَاء وَقد يملك نِصَابا وَلَا يَفِي دخله لحوائجه فَتلْزمهُ الزَّكَاة وَله أَخذهَا وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ أَنا لَو أسقطنا الزَّكَاة خلا النّصاب عَنْهَا بِلَا بدل والتكفير لَهُ بدل وَهُوَ الصَّوْم وَلَا يجب تتَابع فِي الصَّوْم لإِطْلَاق الْآيَة فَإِن قيل قَرَأَ ابْن مَسْعُود ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات وَالْقِرَاءَة الشاذة كخبير الْوَاحِد فِي وجوب الْعَمَل كَمَا أَوجَبْنَا قطع يَد السَّارِق الْيُمْنَى بِالْقِرَاءَةِ الشاذة فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} أُجِيب بِأَن آيَة الْيَمين نسخت مُتَتَابِعَات تِلَاوَة وَحكما فَلَا يسْتَدلّ بهَا بِخِلَاف آيَة السّرقَة فَإِنَّهَا نسخت تِلَاوَة لَا حكما تَتِمَّة إِن كَانَ الْعَاجِز أمة تحل لسَيِّدهَا لم تصم إِلَّا بِإِذْنِهِ كَغَيْرِهَا من أمة لَا تحل لَهُ وَعبد وَالصَّوْم يضر غَيرهَا فِي الْخدمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وَقد حنث بِلَا إِذن من السَّيِّد فَإِنَّهُ لَا يَصُوم إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِن أذن لَهُ فِي الْحلف لحق الْخدمَة فَإِن أذن لَهُ فِي الْحِنْث صَامَ بِلَا إِذن وَإِن لم يَأْذَن فِي الْحلف فَالْعِبْرَة فِي الصَّوْم بِلَا إِذن فِيمَا إِذا أذن فِي أَحدهمَا بِالْحِنْثِ وَوَقع فِي الْمِنْهَاج تَرْجِيح اعْتِبَار الْحلف وَالْأول هُوَ الْأَصَح فِي الرَّوْضَة كالشرحين فَإِن لم يضرّهُ الصَّوْم فِي الْخدمَة لم يحْتَج إِلَى إِذن فِيهِ وَمن بعضه حر وَله مَال يكفر بِطَعَام أَو كسْوَة وَلَا يكفر بِالصَّوْمِ ليساره لَا عتق لِأَنَّهُ يستعقب مِنْك الْوَلَاء المتضمن للولاية وَالْإِرْث وَلَيْسَ هُوَ من أَهلهَا وَاسْتثنى البُلْقِينِيّ من ذَلِك مَا لَو قَالَ لَهُ مَالك بعضه إِذا عتقت عَن كفارتك فنصيبي مِنْك حر قبل إعتاقك عَن الْكَفَّارَة أَو مَعَه فَيصح إِعْتَاقه عَن كَفَّارَة نَفسه فِي الأولى قطعا وَفِي الثَّانِيَة على الْأَصَح فصل فِي أَحْكَام النذور جمع نذر وَهُوَ بذال مُعْجمَة سَاكِنة وَحكي فتحهَا لُغَة الْوَعْد بِخَير أَو شَرّ وَشرعا الْوَعْد بِخَير خَاصَّة قَالَه الرَّوْيَانِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ غَيرهمَا الْتِزَام قربَة لم تتَعَيَّن كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي وَذكره المُصَنّف عقب الْأَيْمَان لِأَن كلا مِنْهُمَا عقد يعقده الْمَرْء على نَفسه تَأْكِيدًا لما الْتَزمهُ وَالْأَصْل فِيهِ آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وليوفوا نذورهم} وأخبار كَخَبَر البُخَارِيّ من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وَفِي كَونه قربَة أَو مَكْرُوها خلاف وَالَّذِي رَجحه ابْن الرّفْعَة أَنه قربَة فِي نذر التبرر دون غَيره وَهَذَا أولى مَا قيل فِيهِ وأركانه ثَلَاثَة صِيغَة ومنذور وناذر (و) شَرط فِي النَّاذِر إِسْلَام وَاخْتِيَار ونفوذ بِصَرْف فِيمَا ينذره فَلَا يَصح (النّذر) من كَافِر لعدم أَهْلِيَّته للقربة وَلَا من مكره لخَبر رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَلَا مِمَّن لَا ينفذ تصرفه فِيمَا ينذره كمحجور سفه أَو فلس فِي الْقرب الْمَالِيَّة الْمعينَة وَصبي وَمَجْنُون وَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بِالْتِزَام وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كلله عَليّ كَذَا أَو عَليّ كَذَا كَسَائِر الْعُقُود و (يلْزم) ذَلِك بِالنذرِ بِنَاء على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع وَهُوَ مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ هُنَا وَوَقع لَهما فِيهِ اخْتِلَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 تَرْجِيح وَبَين المُصَنّف مُتَعَلق اللُّزُوم بقوله (فِي المجازاة) أَي الْمُكَافَأَة (على) نذر فعل (مُبَاح) لم يرد فِيهِ ترغيب كَأَكْل وَشرب وقعود وَقيام أَو ترك ذَلِك وَهَذَا من المُصَنّف لَعَلَّه سَهْو أَو سبق قلم إِذْ النّذر على فعل مُبَاح أَو تَركه لَا ينْعَقد بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب فضلا عَن لُزُومه وَلَكِن هَل يكون يَمِينا تلْزمهُ فِيهِ الْكَفَّارَة عِنْد الْمُخَالفَة أَو لَا اخْتلف فِيهِ تَرْجِيح الشَّيْخَيْنِ فَالَّذِي رجحاه فِي الْمِنْهَاج وَالْمُحَرر اللُّزُوم لِأَنَّهُ نذر فِي غير مَعْصِيّة الله تَعَالَى وَالَّذِي رجحاه فِي الرَّوْضَة والشرحين وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوع أَنه لَا كَفَّارَة فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد لعدم انْعِقَاده فَإِن قيل يُوَافق الأول مَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا من أَنه لَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فَللَّه عَليّ أَن أطلقك أَو أَن آكل الْخبز أَو لله عَليّ أَن أَدخل الدَّار فَإِن عَلَيْهِ كَفَّارَة فِي ذَلِك عِنْد الْمُخَالفَة أُجِيب بِأَن الْأَوَّلين فِي نذر اللجاج وَكَلَام المُصَنّف فِي نذر التبرر وَأما الْأَخِيرَة فلزوم الْكَفَّارَة فِيهَا من حَيْثُ الْيَمين لَا من حَيْثُ النّذر (و) يلْزم النّذر على فعل (الطَّاعَة) مَقْصُودَة لم تتَعَيَّن كعتق وعيادة مَرِيض وَسَلام وتشييع جَنَازَة وَقِرَاءَة سُورَة مُعينَة وَطول قِرَاءَة صَلَاة وَصَلَاة جمَاعَة وَلَا فرق فِي صِحَة نذر الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة بَين كَونهَا فِي فرض أم لَا فَالْقَوْل بِأَن صِحَّتهَا مُقَيّدَة بِكَوْنِهَا فِي الْفَرْض أخذا من تَقْيِيد الرَّوْضَة وَأَصلهَا بذلك وهم لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا قيدا بذلك للْخلاف فِيهِ فَلَو نذر غير الْقرْبَة الْمَذْكُورَة من وَاجِب عَيْني كَصَلَاة الظّهْر أَو مُخَيّر كَأحد خِصَال كَفَّارَة الْيَمين وَلَو مُعينَة كَمَا صرح بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 القَاضِي حُسَيْن أَو مَعْصِيّة كَمَا سَيَأْتِي كشرب خمر وَصَلَاة بِحَدَث أَو مَكْرُوه كَصَوْم الدَّهْر لمن خَافَ بِهِ ضَرَرا أَو فَوت حق لم يَصح نَذره أما الْوَاجِب الْمَذْكُور فَلِأَنَّهُ لزم عينا بإلزام الشَّرْع قبل النّذر فَلَا معنى لالتزامه وَأما الْمَكْرُوه فَلِأَنَّهُ لَا يتَقرَّب بِهِ وَلخَبَر أبي دَاوُد لَا نذر إِلَّا فِيمَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله تَعَالَى وَلم يلْزمه بمخالفة ذَلِك كَفَّارَة ثمَّ بَين المُصَنّف نذر المجازاة وَهُوَ نوع من التبرر وَهُوَ الْمُعَلق بِشَيْء بقوله (كَقَوْلِه إِن شفي الله) تَعَالَى (مريضي) أَو قدم غائبي أَو نجوت من الْغَرق أَو نَحْو ذَلِك (فَللَّه) تَعَالَى (عَليّ أَن أُصَلِّي أَو أَصوم أَو أَتصدق) وأو فِي كَلَامه تنويعية (وَيلْزمهُ) بعد حُصُول الْمُعَلق عَلَيْهِ (من ذَلِك) أَي من أَي نوع الْتَزمهُ عِنْد الْإِطْلَاق (مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم) مِنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة رَكْعَتَانِ على الْأَظْهر بِالْقيامِ مَعَ الْقُدْرَة حملا على أقل وَاجِب الشَّرْع وَفِي الصَّوْم يَوْم وَاحِد لِأَنَّهُ الْيَقِين فَلَا يلْزمه زِيَادَة عَلَيْهِ وَفِي الصَّدَقَة مَا يتمول شرعا وَلَا يتَقَدَّر بِخَمْسَة دَرَاهِم وَلَا بِنصْف دِينَار وَإِنَّمَا حملنَا الْمُطلق على أقل وَاجِب من جنسه كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن ذَلِك قد يلْزمه فِي الشّركَة فرع لَو نذر شَيْئا كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي فشفي ثمَّ شكّ هَل نذر صَدَقَة أَو عتقا أَو صَلَاة أَو صوما قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يحْتَمل أَن يُقَال عَلَيْهِ الْإِتْيَان بجميعها كمن نسي صَلَاة من الْخمس وَيحْتَمل أَن يُقَال يجْتَهد بِخِلَاف الصَّلَاة لأَنا تَيَقنا أَن الْجَمِيع لم تجب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ شَيْء وَاحِد واشتبه فيجتهد كالأواني والقبلة اه وَهَذَا أوجه وَإِن لم يعلق النّذر بِشَيْء وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي التبرر كَقَوْلِه ابْتِدَاء لله عَليّ صَوْم أَو حج أَو غير ذَلِك لزمَه مَا الْتَزمهُ لعُمُوم الْأَدِلَّة الْمُتَقَدّمَة وَلَو علق النّذر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى أَو مَشِيئَة زيد لم يَصح وَإِن شَاءَ زيد لعدم الْجَزْم اللَّائِق بِالْقربِ نعم إِن قصد بِمَشِيئَة الله تَعَالَى التَّبَرُّك أَو وُقُوع حُدُوث مَشِيئَة زيد نعْمَة مَقْصُودَة كقدوم زيد فِي قَوْله إِن قدم زيد فعلي كَذَا فَالْوَجْه الصِّحَّة كَمَا صرح بذلك بعض الْمُتَأَخِّرين (وَلَا) يَصح (نذر فِي) فعل (مَعْصِيّة كَقَوْلِه إِن قتلت فلَانا فَللَّه عَليّ كَذَا) لحَدِيث لَا نذرع فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى رَوَاهُ مُسلم وَلخَبَر البُخَارِيّ الْمَار من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وَلَا تجب بِهِ كَفَّارَة إِن حنث وَأجَاب النَّوَوِيّ عَن خبر لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين بِأَنَّهُ ضَعِيف وَغَيره يحملهُ على نذر اللجاج وَمحل عدم لُزُومهَا بذلك كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ إِذا لم ينْو بِهِ الْيَمين كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الرَّافِعِيّ آخرا فَإِن نوى بِهِ الْيَمين لَزِمته الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ تَنْبِيه أورد فِي التوشيح إِعْتَاق العَبْد الْمَرْهُون فَإِن الرَّافِعِيّ حكى عَن التَّتِمَّة أَن نَذره مُنْعَقد إِن نفذنا عتقه فِي الْحَال أَو عِنْد أَدَاء المَال وَذكروا فِي الرَّهْن أَن الْإِقْدَام على عتق الْمَرْهُون لَا يجوز وَإِن تمّ الكلامان كَانَ نذرا فِي مَعْصِيّة منعقدا وَاسْتثنى غَيره مَا لَو نذر أَن يُصَلِّي فِي أَرض مَغْصُوبَة صَحَّ النّذر وَيُصلي فِي مَوضِع آخر كَذَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه وَصرح باستثنائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 الْجِرْجَانِيّ فِي إيضاحه وَلَكِن جزم الْمحَامِلِي بِعَدَمِ الصِّحَّة وَرجحه الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْجَارِي على الْقَوَاعِد وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ إِنَّه الْأَقْرَب ويتأيد بِالنذرِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد على الصَّحِيح (وَلَا يلْزم النّذر) بِمَعْنى لَا ينْعَقد (على ترك) فعل (مُبَاح أَو فعله كَقَوْلِه لَا آكل لَحْمًا وَلَا أشْرب لَبَنًا وَمَا أشبه ذَلِك) لخَبر البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب إِذْ رأى رجلا قَائِما فِي الشَّمْس فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا هَذَا أَبُو إِسْرَائِيل نذر أَن يَصُوم وَلَا يقْعد وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه وَفسّر فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا الْمُبَاح بِمَا لم يرد فِيهِ ترغيب وَلَا ترهيب وَزَاد فِي الْمَجْمُوع على ذَلِك واستوى فعله وَتَركه شرعا كنوم وَأكل وَسَوَاء أقصد بِالنَّوْمِ النشاط على التَّهَجُّد وبالأكل التقوي على الْعِبَادَة أم لَا وَإِنَّمَا لم يَصح فِي الْقسم الأول كَمَا اخْتَارَهُ بعض الْمُتَأَخِّرين لِأَن فعله غير مَقْصُود فالثواب على الْقَصْد لَا الْفِعْل تَنْبِيه كَانَ الأولى للْمُصَنف التَّعْبِير هُنَا بِنَفْي الِانْعِقَاد الْمَعْلُوم مِنْهُ بِالْأولَى مَا ذكر وَيُؤْخَذ من الحَدِيث الْمَذْكُور أَن النّذر بترك كَلَام الْآدَمِيّين لَا ينْعَقد وَبِه صرح فِي الزَّوَائِد وَالْمَجْمُوع وَلَا يلْزم عقد النِّكَاح بِالنذرِ كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري هُنَا وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين إِن كَانَ مَنْدُوبًا وَفِي فَتَاوَى الْغَزالِيّ أَن قَول البَائِع للْمُشْتَرِي إِن خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا فَللَّه عَليّ أَن أهبك ألفا لَغْو لِأَن الْمُبَاح لَا يلْزم بِالنذرِ لِأَن الْهِبَة وَإِن كَانَت قربَة فِي نَفسهَا إِلَّا أَنَّهَا على هَذَا الْوَجْه لَيست قربَة وَلَا مُحرمَة فَكَانَت مُبَاحَة كَذَا قَالَه ابْن الْمقري وَالْأَوْجه انْعِقَاد النّذر كَمَا لَو قَالَ إِن فعلت كَذَا فَللَّه عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَفِي فَتَاوَى بعض الْمُتَأَخِّرين أَنه يَصح نذر الْمَرْأَة لزَوجهَا بِمَا وَجب لَهَا عَلَيْهِ من حُقُوق الزَّوْجِيَّة وَيبرأ الزَّوْج وَإِن لم تكن عَالِمَة بالمقدار قِيَاسا مَا إِذا قَالَ نذرت لزيد ثَمَرَة بستاني مُدَّة حَيَاته فَإِنَّهُ صَحِيح كَمَا أفتى بِهِ البُلْقِينِيّ وَقِيَاسًا على صِحَة وقف مَا لم يره كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ وتوبع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعم من أَن يكون الْمَوْقُوف عَلَيْهِ معينا أَو جِهَة عَامَّة خَاتِمَة فِيهَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِالنذرِ من نذر إتْمَام نفل لزمَه إِتْمَامه أَو نذر صَوْم بعض يَوْم لم ينْعَقد أَو نذر إتْيَان الْحرم أَو شَيْء مِنْهُ لزمَه نسك من حج أَو عمْرَة أَو نذر الْمَشْي إِلَيْهِ لزمَه مَعَ نسك مشي من مَسْكَنه أَو نذر أَن يحجّ أَو يعْتَمر مَاشِيا أَو عَكسه لزمَه مَعَ ذَلِك مشي من حَيْثُ أحرم فَإِن ركب وَلَو بِلَا عذر أَجزَأَهُ وَلَزِمَه دم وَإِن ركب بِعُذْر وَلَو نذر صَلَاة أَو صوما فِي وَقت ففاته وَلَو بِعُذْر وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَو نذر إهداء شَيْء إِلَى الْحرم لزمَه حمله إِلَيْهِ إِن سهل وَلَزِمَه صرفه بعد ذبح مَا يذبح مِنْهُ لمساكينه أما إِذا لم يسهل حمله كعقار فَيلْزمهُ حمل ثمنه إِلَى الْحرم وَلَو نذر تصدقا بِشَيْء على أهل بلد معِين لزمَه صرفه لمساكينه الْمُسلمين وَلَو نذر صَلَاة قَاعِدا جَازَ فعلهَا قَائِما لإتيانه بالأفضل لَا عَكسه وَلَو نذر عتقا أَجزَأَهُ رَقَبَة وَلَو نَاقِصَة بِكفْر أَو غَيره أَو نذر عتق نَاقِصَة أَجزَأَهُ رَقَبَة كَامِلَة فَإِن عين نَاقِصَة كَأَن قَالَ لله عَليّ عتق هَذَا الرَّقِيق الْكَافِر تعيّنت وَلَو نذر زيتا أَو شمعا لإسراج مَسْجِد أَو غَيره أَو وقف مَا يشتريان بِهِ من غَلَّته صَحَّ كل من النّذر وَالْوَقْف وَإِن كَانَ يدْخل الْمَسْجِد أَو غَيره من ينْتَفع بِهِ من نَحْو مصل أَو نَائِم وَإِلَّا لم يَصح لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال وَلَو نذر أَن يُصَلِّي فِي أفضل الْأَوْقَات فَقِيَاس مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاق لَيْلَة الْقدر أَو فِي أحب الْأَوْقَات إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي أَن لَا يَصح نَذره وَالَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّة وَيكون كنذره فِي أفضل الْأَوْقَات وَلَو نذر أَن يعبد الله بِعبَادة لَا يشركهُ فِيهَا أحد فَقيل يطوف بِالْبَيْتِ وَحده وَقيل يُصَلِّي دَاخل الْبَيْت وَحده وَقيل يتَوَلَّى الْإِمَامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 الْعُظْمَى وَيَنْبَغِي أَن يَكْفِي وَاحِد من ذَلِك وَمَا رد بِهِ من أَن الْبَيْت لَا يَخْلُو عَن طائف من ملك أَو غَيره مَرْدُود لِأَن الْعبْرَة بِمَا فِي ظَاهر الْحَال وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره هُنَا فروعا مهمة لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر فَمن أرادها فَلْيُرَاجِعهَا فِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 = كتاب الْأَقْضِيَة والشهادات = الْأَقْضِيَة جمع قَضَاء بِالْمدِّ كقباء وأقبية وَهُوَ لُغَة إِمْضَاء الشَّيْء وإحكامه وَشرعا فصل الْخُصُومَة بَين خصمين فَأكْثر بِحكم الله تَعَالَى والشهادات جمع شَهَادَة وَهِي إِخْبَار عَن شَيْء بِلَفْظ خَاص وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا وَالْأَصْل فِي الْقَضَاء قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} وَقَوله تَعَالَى {فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَإِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَفِي رِوَايَة فَلهُ عشرَة أجور قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم أجمع الْمُسلمُونَ على أَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَاكم عَالم أهل للْحكم إِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وإصابته وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر فِي اجْتِهَاده فِي طلب الْحق أما من لَيْسَ بِأَهْل للْحكم فَلَا يحل لَهُ أَن يحكم وَإِن حكم فَلَا أجر لَهُ بل هُوَ آثم وَلَا ينفذ حكمه سَوَاء أوافق الْحق أم لَا لِأَن إِصَابَته اتفاقية لَيست صادرة عَن أصل شَرْعِي فَهُوَ عَاص فِي جَمِيع أَحْكَامه سَوَاء أوافق الصَّوَاب أم لَا وَهِي مَرْدُودَة كلهَا وَلَا يعْذر فِي شَيْء من ذَلِك وَقد روى الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل عرف الْحق وَقضى بِهِ واللذان فِي النَّار رجل عرف الْحق فجار فِي الْحق وَرجل قضى للنَّاس على جهل وَالْقَاضِي الَّذِي ينفذ حكمه هُوَ الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث لَا اعْتِبَار بحكمهما وتولي الْقَضَاء فرض كِفَايَة فِي حق الصَّالِحين لَهُ فِي نَاحيَة أما تَوْلِيَة الإِمَام لأَحَدهم فَفرض عين عَلَيْهِ فَمن تعين عَلَيْهِ فِي نَاحيَة لزمَه طلبه وَلَزِمَه قبُوله (وَلَا يجوز) وَلَا يَصح (أَن يَلِي الْقَضَاء) الَّذِي هُوَ الحكم بَين النَّاس (إِلَّا من استكملت فِيهِ) بِمَعْنى اجْتمع فِيهِ (خمس عشرَة خصْلَة) ذكر المُصَنّف مِنْهَا خَصْلَتَيْنِ على ضَعِيف وَسكت عَن خَصْلَتَيْنِ على الصَّحِيح كَمَا ستعرف ذَلِك الأولى (الْإِسْلَام) فَلَا تصح ولَايَة كَافِر وَلَو على كَافِر وَمَا جرت بِهِ الْعَادة من نصب شخص مِنْهُم للْحكم بَينهم فَهُوَ تَقْلِيد رئاسة وزعامة لَا تَقْلِيد حكم وَقَضَاء كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (و) الثَّانِيَة (الْبلُوغ و) الثَّالِثَة (الْعقل) فَلَا تصح ولَايَة غير مُكَلّف لنقصه (و) الرَّابِعَة (الْحُرِّيَّة) فَلَا تصح ولَايَة رَقِيق وَلَو مبعضا لنقصه (و) الْخَامِسَة (الذكورية) فَلَا تصح ولَايَة امْرَأَة وَلَا خُنْثَى مُشكل أما الْخُنْثَى الْوَاضِح الذُّكُورَة فَتَصِح ولَايَته كَمَا قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 فِي الْبَحْر (و) السَّادِسَة (الْعَدَالَة) الْآتِي بَيَانهَا فِي الشَّهَادَات فَلَا تصح ولَايَة فَاسق وَلَو بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَة على الصَّحِيح كَمَا قَالَه ابْن النَّقِيب فِي مُخْتَصر الْكِفَايَة وَإِن اقْتضى كَلَام الدَّمِيرِيّ خِلَافه (و) السَّابِعَة (معرفَة أَحْكَام الْكتاب) الْعَزِيز (و) معرفَة أَحْكَام (السّنة) على طَرِيق الِاجْتِهَاد وَلَا يشْتَرط حفظ آياتها وَلَا أحاديثها المتعلقات بهَا عَن ظهر قلب وآي الْأَحْكَام كَمَا ذكره الْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا خَمْسمِائَة آيَة وَعَن الْمَاوَرْدِيّ أَن عدد أَحَادِيث الْأَحْكَام خَمْسمِائَة كعدد الْآي وَالْمرَاد أَن يعرف أَنْوَاع الْأَحْكَام الَّتِي هِيَ مجَال النّظر وَالِاجْتِهَاد وَاحْترز بهَا عَن المواعظ والقصص فَمن أَنْوَاع الْكتاب وَالسّنة الْعَام الْخَاص والمجمل والمبين وَالْمُطلق والمقيد وَالنَّص وَالظَّاهِر والناسخ والمنسوخ وَمن أَنْوَاع السّنة الْمُتَوَاتر والآحاد والمتصل وَغَيره لِأَنَّهُ بذلك يتَمَكَّن من التَّرْجِيح عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة فَيقدم الْخَاص على الْعَام والمقيد على الْمُطلق والمبين على الْمُجْمل والناسخ على الْمَنْسُوخ والمتواتر على الْآحَاد وَيعرف الْمُتَّصِل من السّنة والمرسل مِنْهَا وَهُوَ غير الْمُتَّصِل وَحَال الروَاة قُوَّة وضعفا فِي حَدِيث لم يجمع على قبُوله (و) الثَّامِنَة معرفَة (الْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف) فِيهِ فَيعرف أَقْوَال الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ إِجْمَاعًا واختلافا لِئَلَّا يَقع فِي حكم أَجمعُوا على خِلَافه تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَامه أَنه يشْتَرط معرفَة جَمِيع ذَلِك وَلَيْسَ مرَادا بل يَكْفِي أَن يعرف فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي يُفْتِي أَو يحكم فِيهَا أَن قَوْله لَا يُخَالف الْإِجْمَاع فِيهَا إِمَّا بِعِلْمِهِ بموافقة بعض الْمُتَقَدِّمين أَو يغلب على ظَنّه أَن تِلْكَ الْمَسْأَلَة لم يتَكَلَّم فِيهَا الْأَولونَ بل تولدت فِي عصره وعَلى هَذَا تقاس معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ كَمَا نَقله الشَّيْخَانِ عَن الْغَزالِيّ وَأَقَرَّاهُ (و) التَّاسِعَة معرفَة (طرق الِاجْتِهَاد) الموصلة إِلَى مدارك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَهِي معرفَة مَا تقدم وَمَا سَيذكرُهُ مَعَ معرفَة الْقيَاس صَحِيحه وفاسده بأنواعه الأولى والمساوي والأدون ليعْمَل بهَا فَالْأول كقياس ضرب الْوَالِدين على التأفيف وَالثَّانِي كإحراق مَال الْيَتِيم على أكله فِي التَّحْرِيم فيهمَا وَالثَّالِث كقياس التفاح على الْبر فِي الرِّبَا بِجَامِع الطّعْم (و) الْعَاشِرَة (معرفَة طرف من لِسَان الْعَرَب) لُغَة وإعرابا وتصريفا لِأَن بِهِ يعرف عُمُوم اللَّفْظ وخصوصه وإطلاقه وتقييده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 وإجماله وَبَيَانه وصيغ الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والاستفهام والوعد والوعيد والأسماء وَالْأَفْعَال والحروف وَمَا لَا بُد مِنْهُ فِي فهم الْكتاب وَالسّنة (و) الْحَادِيَة عشرَة معرفَة طرف (تَفْسِير) من (كتاب الله تَعَالَى) ليعرف بِهِ الْأَحْكَام الْمَأْخُوذَة مِنْهُ تَنْبِيه هَذَا مَعَ الَّذِي قبله من جملَة طرق الِاجْتِهَاد وَلَا يشْتَرط أَن يكون متبحرا فِي كل نوع من هَذِه الْعُلُوم حَتَّى يكون فِي النَّحْو كسيبويه وَفِي اللُّغَة كالخليل بل يَكْفِي معرفَة جمل مِنْهَا قَالَ ابْن الصّباغ إِن هَذَا سهل فِي هَذَا الزَّمَان فَإِن الْعُلُوم قد دونت وجمعت انْتهى وَيشْتَرط أَن يكون لَهُ من كتب الحَدِيث أصل كصحيح البُخَارِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَلَا يشْتَرط حفظ جَمِيع الْقُرْآن وَلَا بعضه عَن ظهر قلب بل يَكْفِي أَن يعرف مظان أَحْكَامه فِي أَبْوَابهَا فيراجعها وَقت الْحَاجة وَلَا بُد أَن يعرف الْأَدِلَّة الْمُخْتَلف فِيهَا كالأخذ بِأَقَلّ مَا قيل وكالاستصحاب وَمَعْرِفَة أصُول الِاعْتِقَاد كَمَا حُكيَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا عَن الْأَصْحَاب اشْتِرَاطه ثمَّ اجْتِمَاع هَذِه الْعُلُوم إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْمُجْتَهد الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيع أَبْوَاب الشَّرْع أما الْمُقَلّد بِمذهب إِمَام خَاص فَلَيْسَ عَلَيْهِ معرفَة قَوَاعِد إِمَامه وليراع فِيهَا مَا يُرَاعى الْمُطلق فِي قوانين الشَّرْع فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهد كالمجتهد مَعَ نُصُوص الشَّرْع وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يعدل عَن نَص إِمَامه كَمَا لَا يسوغ الِاجْتِهَاد مَعَ النَّص قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد وَلَا يَخْلُو الْعَصْر عَن مُجْتَهد إِلَّا إِذا تداعى الزَّمَان وَقربت السَّاعَة وَأما أَقْوَال الْغَزالِيّ والقفال إِن الْعَصْر خلا عَن الْمُجْتَهد المستقل فَالظَّاهِر أَن المُرَاد مُجْتَهد قَائِم بِالْقضَاءِ فَإِن الْعلمَاء يرغبون عَنهُ فقد قَالَ مَكْحُول لَو خيرت بَين الْقَضَاء وَالْقَتْل لاخترت الْقَتْل وَامْتنع مِنْهُ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَهَذَا ظَاهر لَا شكّ فِيهِ إِذْ كَيفَ يُمكن الْقَضَاء على الْأَعْصَار بخلوها عَن الْمُجْتَهد وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن والأستاذ أَبُو إِسْحَاق وَغَيرهم كَانُوا يَقُولُونَ لسنا مقلدين للشَّافِعِيّ بل وَافق رَأينَا رَأْيه وَيجوز تبعيض الِاجْتِهَاد بِأَن يكون الْعَالم مُجْتَهدا فِي بَاب دون بَاب فيكفيه علم مَا يتَعَلَّق بِالْبَابِ الَّذِي يجْتَهد فِيهِ (و) الثَّانِيَة عشرَة (أَن يكون سميعا) وَلَو بصياح فِي أُذُنه فَلَا يُولى أَصمّ لَا يسمع أصلا فَإِنَّهُ لَا يفرق بَين إِقْرَار وإنكار وَالثَّالِثَة عشرَة أَن يكون (بَصيرًا) فَلَا يُولى أعمى وَلَا من يرى الأشباح وَلَا يعرف الصُّور لِأَنَّهُ لَا يعرف الطَّالِب من الْمَطْلُوب فَإِن كَانَ يعرف الصُّور إِذا قربت مِنْهُ صَحَّ وَخرج بالأعمى الْأَعْوَر فَإِنَّهُ يَصح تَوليته وَكَذَا من يبصر نَهَارا فَقَط دون من يبصر لَيْلًا فَقَط قَالَه الْأَذْرَعِيّ فَإِن قيل قد اسْتخْلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أم مَكْتُوم على الْمَدِينَة وَهُوَ أعمى وَلذَلِك قَالَ مَالك بِصِحَّة ولَايَة الْأَعْمَى أُجِيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إِمَامَة الصَّلَاة دون الحكم تَنْبِيه لَو سمع القَاضِي الْبَيِّنَة ثمَّ عمي قضى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة على الْأَصَح وَاسْتثنى أَيْضا لَو نزل أهل قلعة على حكم أعمى فَإِنَّهُ يجوز كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي مَحَله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 وَالرَّابِعَة عشرَة أَن يكون (كَاتبا) على أحد وَجْهَيْن اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيّ وَالزَّرْكَشِيّ لاحتياجه إِلَى أَن يكْتب إِلَى غَيره وَلِأَن فِيهِ أمنا من تَحْرِيف القارىء عَلَيْهِ وأصحهما كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا عدم اشْتِرَاط كَونه كَاتبا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أُمِّيا لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب وَلَا يشْتَرط فِيهِ معرفَة الْحساب لتصحيح الْمسَائِل الحسابية الْفِقْهِيَّة كَمَا صَوبه فِي الْمطلب لِأَن الْجَهْل بِهِ لَا يُوجب الْخلَل فِي غير تِلْكَ الْمسَائِل والإحاطة بِجَمِيعِ الْأَحْكَام لَا تشْتَرط وَالْخَامِسَة عشرَة أَن يكون (مستيقظا) بِحَيْثُ لَا يُؤْتى من غَفلَة وَلَا يخدع من غرَّة كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام ابْن الْقَاص وَصرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيّ فِي الْوَسِيط واستند فِيهِ إِلَى قَول الشَّيْخَيْنِ وَيشْتَرط فِي الْمُفْتِي التيقظ وَقُوَّة الضَّبْط قَالَ وَالْقَاضِي أولى بِاشْتِرَاط ذَلِك وَإِلَّا لضاعت الْحُقُوق انْتهى مُلَخصا وَلَكِن المجزوم بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا اسْتِحْبَاب ذَلِك لَا اشْتِرَاطه تَنْبِيه هَاتَانِ الخصلتان الضعيفتان الْمَوْعُود بهما وَأما المتروكتان فَالْأولى كَونه ناطقا فَلَا تصح تَوْلِيَة الْأَخْرَس على الصَّحِيح لِأَنَّهُ كالجماد وَالثَّانيَِة أَن يكون فِيهِ كِفَايَة للْقِيَام بِأَمْر الْقَضَاء فَلَا يُولى مختل نظر بكبر أَو مرض أَو نَحْو ذَلِك وَفسّر بَعضهم الْكِفَايَة اللائقة بِالْقضَاءِ بِأَن يكون فِيهِ قُوَّة على تَنْفِيذ الْحق بِنَفسِهِ فَلَا يكون ضَعِيف النَّفس جَبَانًا فَإِن كثيرا من النَّاس يكون عَالما دينا وَنَفسه ضَعِيفَة عَن التَّنْفِيذ والإلزام والسطوة فيطمع فِي جَانِبه بِسَبَب ذَلِك وَإِذا عرف الإِمَام أَهْلِيَّة أحد ولاه وَإِلَّا بحث عَن حَاله كَمَا اختبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا وَلَو ولى من لَا يصلح للْقَضَاء مَعَ وجود الصَّالح لَهُ وَالْعلم بِالْحَال أَثم الْمولي بِكَسْر اللَّام وَالْمولى بِفَتْحِهَا وَلَا ينفذ قَضَاؤُهُ وَإِن أصَاب فِيهِ فَإِن تعذر فِي شخص جَمِيع هَذِه الشُّرُوط السَّابِقَة فولى السُّلْطَان لَهُ شَوْكَة فَاسِقًا مُسلما أَو مُقَلدًا نفذ قَضَاؤُهُ للضَّرُورَة لِئَلَّا تتعطل مصَالح النَّاس فَخرج الْمُسلم الْكَافِر إِذا ولي بِالشَّوْكَةِ وَأما الصَّبِي وَالْمَرْأَة فَصرحَ ابْن عبد السَّلَام بنفوذه مِنْهُمَا وَمَعْلُوم أَنه يشْتَرط فِي غير الْأَهْل معرفَة طرف من الْأَحْكَام وللعادل أَن يتَوَلَّى الْقَضَاء من الْأَمِير الْبَاغِي فقد سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن ذَلِك لمن استقضاه زِيَاد فَقَالَت إِن لم يقْض لَهُم خيارهم قضى لَهُم شرارهم فروع ينْدب للْإِمَام أَن يَأْذَن للْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَاف إِعَانَة لَهُ فَإِن أطلق التَّوْلِيَة اسْتخْلف فِيمَا عجز عَنهُ فَإِن أطلق الْإِذْن فِي الِاسْتِخْلَاف اسْتخْلف مُطلقًا فَإِن خصصه بِشَيْء لم يتعده وَشرط الْمُسْتَخْلف بِفَتْح اللَّام كَشَرط القَاضِي السَّابِق إِلَّا أَن يسْتَخْلف فِي أَمر خَاص كسماع بَيِّنَة فَيَكْفِي علمه بِمَا يتَعَلَّق بِهِ وَيحكم بِاجْتِهَادِهِ إِن كَانَ مُجْتَهدا أَو اجْتِهَاد مقلده إِن كَانَ مُقَلدًا وَجَاز نصب أَكثر من قَاض بِمحل إِن لم يشرط اجْتِمَاعهم على الحكم وَإِلَّا فَلَا يجوز لما يَقع بَينهمَا من الْخلاف فِي مَحل الِاجْتِهَاد وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل أَن عدم الْجَوَاز مَحَله فِي غير الْمسَائِل الْمُتَّفق عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر وَيجوز تحكيم اثْنَيْنِ فَأكْثر أَهلا للْقَضَاء فِي غير عُقُوبَة الله تَعَالَى وَلَو مَعَ وجود قَاض وَخرج بالأهل غَيره فَلَا يجوز تحكيمه مَعَ وجود الْأَهْل وَلَا ينفذ حكمه إِلَّا بِرِضا الْخَصْمَيْنِ قبل الحكم إِن لم يكن أَحدهمَا قَاضِيا وَإِلَّا فَلَا يشْتَرط رضاهما وَلَا يَكْفِي رضَا جَان فِي ضرب دِيَة على عَاقِلَة وَلَو رَجَعَ أحد الْخَصْمَيْنِ قبل الحكم امْتنع وَلَو زَالَت أَهْلِيَّة القَاضِي بِنَحْوِ جُنُون كإغماء انْعَزل وَلَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 عَادَتْ لم تعد ولَايَته وَله عزل نَفسه كَالْوَكِيلِ وَللْإِمَام عَزله بخلل وَأفضل مِنْهُ وبمصلحة كتسكين فتْنَة فَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك حرم وَنفذ عَزله إِن وجد ثمَّ صَالح وَإِلَّا فَلَا ينفذ وَلَا يَنْعَزِل قبل بُلُوغه عَزله فَإِن علق عَزله بقرَاءَته كَاتبا انْعَزل بهَا وبقراءته عَلَيْهِ وينعزل بانعزاله نَائِبه لَا قيم يَتِيم ووقف وَلَا من اسْتَخْلَفَهُ بقول الإِمَام اسْتخْلف عني وَلَا يَنْعَزِل قَاض ووال بانعزال الإِمَام وَلَا يقبل قَول متول فِي غير مَحل ولَايَته وَلَا مَعْزُول حكمت بِكَذَا وَلَا شَهَادَة كل مِنْهُمَا بِحكمِهِ إِلَّا إِن شهد بِحكم حَاكم وَلم يعلم القَاضِي أَنه حكمه وَلَو ادّعى على متول جورا فِي حكمه لم يسمع ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء لَا يتَعَلَّق بِحكمِهِ أَو على مَعْزُول بِشَيْء فكغيرهما وَتثبت تَوْلِيَة القَاضِي بِشَاهِدين يخرجَانِ مَعَه إِلَى مَحل ولَايَته يخبران أَو باستفاضة وَيسن أَن يكْتب موليه لَهُ كتابا بالتولية وَأَن يبْحَث القَاضِي عَن حَال عُلَمَاء الْمحل وعدوله قبل دُخُوله وَأَن يدْخل يَوْم الِاثْنَيْنِ فخميس فسبت (وَيسْتَحب أَن يجلس) للْقَضَاء (فِي وسط الْبَلَد) ليتساوى أَهله فِي الْقرب مِنْهُ هَذَا إِن اتسعت خطته وَإِلَّا نزل حَيْثُ تيَسّر وَهَذَا إِذا لم يكن فِيهِ مَوضِع يعْتَاد النُّزُول فِيهِ وَأَن ينظر أَولا فِي أهل الْحَبْس لِأَنَّهُ عَذَاب فَمن أقرّ مِنْهُم بِحَق فعل بِهِ مُقْتَضَاهُ وَمن قَالَ ظلمت فعلى خَصمه حجَّة فَإِن كَانَ خَصمه غَائِبا كتب إِلَيْهِ ليحضر هُوَ أَو وَكيله ثمَّ ينظر فِي الأوصياء فَمن وجده عدلا قَوِيا فِيهَا أقره أَو فَاسِقًا أَخذ المَال مِنْهُ أَو عدلا ضَعِيفا عضده بِمعين ثمَّ يتَّخذ كَاتبا للْحَاجة إِلَيْهِ عدلا ذكرا حرا عَارِفًا بِكِتَابَة محَاضِر وسجلات شرطا فِيهَا فَقِيها عفيفا وافر الْعقل جيد الْخط ندبا وَأَن يتَّخذ مترجمين وَأَن يتَّخذ قَاض أَصمّ مسمعين للْحَاجة إِلَيْهِمَا أَهلِي شَهَادَة وَلَا يضرهما الْعَمى لِأَن التَّرْجَمَة والإسماع تَفْسِير وَنقل اللَّفْظ لَا يحْتَاج إِلَى مُعَاينَة بِخِلَاف الشَّهَادَات وَأَن يتَّخذ درة للتأديب وسجنا لأَدَاء حق ولعقوبة وَيكون جُلُوسه (فِي مَوضِع) فسيح (بارز للنَّاس) أَي ظَاهر لَهُم ليعرفه من أَرَادَهُ من مستوطن وغريب مصونا من أَذَى حر وَبرد بِأَن يكون فِي الصَّيف فِي مهب الرّيح وَفِي الشتَاء فِي كن لائقا بِالْحَال فيجلس فِي كل فصل من الصَّيف والشتاء وَغَيرهمَا بِمَا يُنَاسِبه وَيكرهُ للْقَاضِي أَن يتَّخذ حاجبا كَمَا قَالَ (لَا حَاجِب لَهُ) أَي للْقَاضِي (دونهم) أَي الْخُصُوم أَي حَيْثُ لَا زحمة وَقت الحكم لخَبر من ولي من أُمُور النَّاس شَيْئا فاحتجب حجبه الله يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح فَإِن لم يجلس للْحكم بِأَن كَانَ فِي وَقت خلوته أَو كَانَ ثمَّ زحمة لم يكره نَصبه والبواب وَهُوَ من يقْعد بِالْبَابِ للإحراز وَيدخل على القَاضِي للاستئذان كالحاجب فِيمَا ذكر قَالَ الْمَاوَرْدِيّ أما من وظيفته تَرْتِيب الْخُصُوم والإعلام بمنازل النَّاس أَي وَهُوَ الْمُسَمّى الْآن بالنقيب فَلَا بَأْس باتخاذه وَصرح القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره باستحبابه تَنْبِيه من الْآدَاب أَن يجلس على مُرْتَفع كدكة ليسهل عَلَيْهِ النّظر إِلَى النَّاس وَعَلَيْهِم الْمُطَالبَة وَأَن يتَمَيَّز عَن غَيره بفراش ووسادة وَإِن كَانَ مَشْهُورا بالزهد والتواضع ليعرفه النَّاس وليكون أهيب للخصوم وأرفق بِهِ فَلَا يمل وَأَن يسْتَقْبل الْقبْلَة لِأَنَّهَا أشرف الْمجَالِس كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَأَن لَا يتكىء بِغَيْر عذر وَأَن يَدْعُو عقب جُلُوسه بالتوفيق والتسديد وَالْأولَى مَا روته أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خرج من بَيته قَالَ بِسم الله توكلت على الله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من أَن أضلّ أَو أضلّ أَو أزل أَو أزل أَو أظلم أَو أظلم أَو أَجْهَل أَو يجهل عَليّ قَالَ فِي الْأَذْكَار حَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ ابْن الْقَاص وَسمعت أَن الشّعبِيّ كَانَ يَقُوله إِذا خرج إِلَى مجْلِس الْقَضَاء وَيزِيد فِيهِ أَو أعتدي أَو يعتدى عَليّ اللَّهُمَّ أَعنِي بِالْعلمِ وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى حَتَّى لَا أنطق إِلَّا بِالْحَقِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 وَلَا أَقْْضِي إِلَّا بِالْعَدْلِ وَأَن يَأْتِي الْمجْلس رَاكِبًا وَأَن يسْتَعْمل مَا جرت بِهِ الْعَادة من الْعِمَامَة والطيلسان وَينْدب أَن يسلم على النَّاس يَمِينا وَشمَالًا وَأَن يشاور الْفُقَهَاء عِنْد اخْتِلَاف وُجُوه النّظر وتعارض الْأَدِلَّة فِي حكم قَالَ تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستغنيا عَنْهَا وَلَكِن أَرَادَ أَن تكون سنة للحكام أما الحكم الْمَعْلُوم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس جلي فَلَا وَالْمرَاد بالفقهاء كَمَا قَالَه جمع من الْأَصْحَاب الَّذين يقبل قَوْلهم فِي الْإِفْتَاء فَيدْخل الْأَعْمَى وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَيخرج الْفَاسِق وَالْجَاهِل (وَلَا يقْعد للْقَضَاء فِي الْمَسْجِد) أَي يكره لَهُ اتِّخَاذه مَجْلِسا للْحكم صونا لَهُ عَن ارْتِفَاع الْأَصْوَات واللغظ الواقعين بِمَجْلِس الْقَضَاء عَادَة وَلَو اتّفقت قَضِيَّة أَو قضايا وَقت حُضُوره فِيهِ لصَلَاة أَو غَيرهَا فَلَا بَأْس بفصلها وعَلى ذَلِك يحمل مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن خلفائه فِي الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد وَكَذَا إِذا احْتَاجَ لجُلُوس فِيهِ لعذر من مطر وَنَحْوه فَإِن جلس فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَة أَو دونهَا منع الْخُصُوم من الْخَوْض فِيهِ بالمخاصمة والمشاتمة وَنَحْوهمَا بل يَقْعُدُونَ خَارجه وَينصب من يدْخل عَلَيْهِ خصمين وَإِقَامَة الْحُدُود فِيهِ أَشد كَرَاهَة كَمَا نَص عَلَيْهِ ثمَّ شرع فِي التَّسْوِيَة بَين الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ (وَيُسَوِّي) أَي القَاضِي (بَين الْخَصْمَيْنِ) وجوبا على الصَّحِيح (فِي ثَلَاثَة) بل سَبْعَة (أَشْيَاء) كَمَا ستعرفه الأول (فِي الْمجْلس) فيسوي بَينهمَا فِيهِ بِأَن يجلسهما بَين يَدَيْهِ أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَالْجُلُوس بَين يَدَيْهِ أولى وَلَا يرْتَفع الْمُوكل عَن الْوَكِيل والخصم لِأَن الدَّعْوَى مُتَعَلقَة بِهِ أَيْضا بِدَلِيل تَحْلِيفه إِذا وَجَبت يَمِين حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة عَن الزبيلي وَأقرهُ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَغَيره وَهُوَ حسن والبلوى بِهِ عَامَّة وَقد رَأينَا من يُوكل قرارا من التسويه بَينه وَبَين خَصمه وَالصَّحِيح جَوَاز رفع مُسلم على ذمِّي فِي الْمجْلس كَأَن يجلس الْمُسلم أقرب إِلَيْهِ من الذِّمِّيّ لما روى الْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ خرج عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى السُّوق فَإِذا هُوَ بنصراني يَبِيع درعا فعرفها عَليّ فَقَالَ هَذِه دِرْعِي بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين فَأتيَا إِلَى القَاضِي شُرَيْح فَلَمَّا رأى القَاضِي عليا قَامَ من مَجْلِسه وَأَجْلسهُ فَقَالَ لَهُ عَليّ لَو كَانَ خصمي مُسلما لجلست مَعَه بَين يَديك وَلَكِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تساووهم فِي الْمجَالِس اقْضِ بيني وَبَينه فَقَالَ شُرَيْح مَا تَقول يَا نَصْرَانِيّ فَقَالَ الدرْع دِرْعِي فَقَالَ شُرَيْح لعَلي هَل من بَيِّنَة فَقَالَ عَليّ صدق شُرَيْح فَقَالَ النَّصْرَانِي إِنِّي أشهد أَن هَذِه أَحْكَام الْأَنْبِيَاء ثمَّ أسلم النَّصْرَانِي فَأعْطَاهُ عَليّ الدرْع وَحمله على فرس عَتيق قَالَ الشّعبِيّ فقد رَأَيْته يُقَاتل الْمُشْركين عَلَيْهِ وَلِأَن الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ وَيُشبه كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَن يجْرِي ذَلِك فِي سَائِر وُجُوه الْإِكْرَام حَتَّى فِي التَّقْدِيم فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر إِذا قلت خصوم الْمُسلمين وَإِلَّا فَالظَّاهِر خِلَافه لِكَثْرَة ضَرَر الْمُسلمين قَالَ الأسنوي وَلَو كَانَ أَحدهمَا ذِمِّيا وَالْآخر مُرْتَدا فَيتَّجه تَخْرِيجه على التكافؤ فِي الْقصاص وَالصَّحِيح أَن الْمُرْتَد يقتل بالذمي دون عَكسه وتعجب البُلْقِينِيّ من هَذَا التَّخْرِيج فَإِن التكافؤ فِي الْقصاص لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ بسبيل وَلَو اعتبرناه لرفع الْحر على العَبْد وَالْوَالِد على الْوَلَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 (و) الثَّانِي فِي اسْتِمَاع (اللَّفْظ) مِنْهُمَا لِئَلَّا ينكسر قلب أَحدهمَا (و) الثَّالِث فِي (اللحظ) بالظاء المشالة وَهُوَ النّظر بمؤخر الْعين كَمَا قَالَه فِي الصِّحَاح وَالْمعْنَى فِيهِ مَا تقدم وَالرَّابِع فِي دخولهما عَلَيْهِ فَلَا يدْخل أَحدهمَا قبل الآخر وَالْخَامِس فِي الْقيام لَهما فَلَا يخص أَحدهمَا بِقِيَام إِن علم أَنه فِي خُصُومَة فَإِن لم يعلم إِلَّا بعد قِيَامه لَهُ فإمَّا أَن يعْتَذر لخصمه مِنْهُ وَإِمَّا أَن يقوم لَهُ كقيامه للْأولِ وَهُوَ الأولى وَاخْتَارَ ابْن أبي الدَّم كَرَاهَة الْقيام لَهما جَمِيعًا فِي آدَاب الْقَضَاء لَهُ أَي إِذا كَانَ أَحدهمَا مِمَّن يُقَام لَهُ دون الآخر لِأَنَّهُ رُبمَا يتَوَهَّم أَن الْقيام لَيْسَ لَهُ وَالسَّادِس فِي جَوَاب سلامهما إِن سلما مَعًا فَلَا يرد على أَحدهمَا وَيتْرك الآخر فَإِن سلم عَلَيْهِ أَحدهمَا انْتظر الآخر أَو قَالَ لَهُ سلم ليجيبهما مَعًا إِذا سلم قَالَ الشَّيْخَانِ وَقد يتَوَقَّف فِي هَذَا إِذا طَال الْفَصْل وَكَأَنَّهُم احتملوا هَذَا الْفَصْل لِئَلَّا يبطل معنى التَّسْوِيَة وَالسَّابِع فِي طلاقة الْوَجْه وَسَائِر أَنْوَاع الْإِكْرَام فَلَا يخص أَحدهمَا بِشَيْء مِنْهَا وَإِن اخْتلف بفضيلة أَو غَيرهَا تَنْبِيه ينْدب أَن لَا يَشْتَرِي وَلَا يَبِيع بِنَفسِهِ لِئَلَّا يشْتَغل قلبه عَمَّا هُوَ بصدده وَلِأَنَّهُ قد يحابي فيميل قلبه إِلَى من يحابيه إِذا وَقع بَينه وَبَين غَيره حُكُومَة والمحاباة فِيهَا رشوة أَو هَدِيَّة وَهِي مُحرمَة وَأَن لَا يكون لَهُ وَكيل مَعْرُوف كي لَا يحابي أَيْضا فَإِن فعل ذَلِك كره والمعاملة فِي مجْلِس حكمه أَشد كَرَاهَة (وَلَا يجوز) للْقَاضِي (أَن يقبل الْهَدِيَّة) وَإِن قلت فَإِن أهدي إِلَيْهِ من لَهُ خُصُومَة فِي الْحَال عِنْده سَوَاء أَكَانَ مِمَّن يهدى إِلَيْهِ قبل الْولَايَة سَوَاء أَكَانَ (من أهل عمله) أم لَا أَو لم يكن لَهُ خُصُومَة لكنه لم يهد لَهُ قبل ولَايَته الْقَضَاء ثمَّ أهدي إِلَيْهِ بعد الْقَضَاء هَدِيَّة حرم عَلَيْهِ قبُولهَا أما فِي الأولى فلخبر هَدَايَا الْعمَّال سحت وَرُوِيَ هَدَايَا السُّلْطَان سحت وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْميل إِلَيْهِ وينكسر بهَا قلب خَصمه وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن سَببهَا الْعَمَل ظَاهرا وَلَا يملكهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لَو قبلهَا ويردها على مَالِكهَا فَإِن تعذر وَضعهَا فِي بَيت المَال وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَو أرسلها إِلَيْهِ فِي مَحل ولَايَته وَلم يدْخل بهَا حرمت وَهُوَ كَذَلِك وَإِن ذكر فِيهَا الْمَاوَرْدِيّ وَجْهَيْن تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك هَدِيَّة أَبْعَاضه كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ إِذْ لَا ينفذ حكمه لَهُم وَلَو أهدي إِلَيْهِ من لَا خُصُومَة لَهُ وَكَانَ يهدى إِلَيْهِ قبل ولَايَته جَازَ لَهُ قبُولهَا إِن كَانَت الْهَدِيَّة بِقدر الْعَادة السَّابِقَة وَالْأولَى إِذا قبلهَا أَن يردهَا أَو يثيب عَلَيْهَا لِأَن ذَلِك أبعد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 التُّهْمَة أما إِذا زَادَت على الْعَادة فَكَمَا لَو لم يعْهَد مِنْهُ ذَلِك كَذَا فِي أصل الرَّوْضَة وَقَضيته تَحْرِيم الْجَمِيع لَكِن قَالَ الرَّوْيَانِيّ نقلا عَن الْمُهَذّب إِن كَانَت الزِّيَادَة من جنس الْهَدِيَّة جَازَ قبُولهَا لدخولها فِي المألوف وَإِلَّا فَلَا وَفِي الذَّخَائِر يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن لم تتَمَيَّز الزِّيَادَة أَي بِجِنْس أَو قدر حرم قبُول الْجَمِيع وَإِلَّا فَالزِّيَادَة فَقَط وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فَإِن زَادَت فِي الْمَعْنى كَأَن أهْدى من عَادَته قطن حَرِيرًا هَل يبطل فِي الْجَمِيع أَو يَصح مِنْهَا بِقدر الْمُعْتَاد فِيهِ نظر استظهر الْإِسْنَوِيّ الأول وَهُوَ ظَاهر إِن كَانَ للزِّيَادَة وَقع وَإِلَّا فَلَا عِبْرَة بهَا والضيافة وَالْهِبَة كالهدية وَالْعَارِية إِن كَانَت مِمَّا يُقَابل بِأُجْرَة فَحكمهَا كالهدية وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحثه بَعضهم وَبحث بَعضهم أَيْضا أَن الصَّدَقَة كالهدية وَأَن الزَّكَاة كَذَلِك إِن لم يتَعَيَّن الدّفع إِلَيْهِ وَمَا بَحثه ظَاهر وَقبُول الرِّشْوَة حرَام وَهِي مَا يبْذل للْقَاضِي ليحكم بِغَيْر الْحق أَو ليمتنع من الحكم بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لخَبر لعن الله الراشي والمرتشي فِي الحكم فروع لَيْسَ للْقَاضِي حُضُور وَلِيمَة أحد الْخَصْمَيْنِ حَالَة الْخُصُومَة وَلَا يحضر وليمتهما وَلَو فِي غير مَحل ولَايَته لخوف الْميل وَله تَخْصِيص إِجَابَة من اعْتَادَ تَخْصِيصه قبل الْولَايَة وَينْدب لَهُ إِجَابَة غير الْخَصْمَيْنِ إِن عمم المولم النداء لَهَا وَلم يقطعهُ كَثْرَة الولائم عَن الحكم وَإِلَّا فَيتْرك الْجَمِيع وَلَا يضيف أحد الْخَصْمَيْنِ دون الآخر وَلَا يلْتَحق فِيمَا ذكر الْمُفْتِي والواعظ ومعلموا الْقُرْآن وَالْعلم إِذْ لَيْسَ لَهُم أَهْلِيَّة الْإِلْزَام وللقاضي أَن يشفع لأحد الْخَصْمَيْنِ ويزن عَنهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ينفعهما وَأَن يُعِيد المرضى وَيشْهد الْجَنَائِز ويزور القادمين وَلَو كَانُوا متخاصمين لِأَن ذَلِك قربَة (ويجتنب) القَاضِي (الْقَضَاء) أَي يكره لَهُ ذَلِك (فِي عشرَة مَوَاضِع) وأهمل مَوَاضِع كَمَا ستعرفها وَضَابِط الْمَوَاضِع الَّتِي يكره للْقَاضِي الْقَضَاء فِيهَا كل حَال يتَغَيَّر فها خلقه وَكَمَال عقله الْموضع الأول (عِنْد الْغَضَب) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا يحكم أحد بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان وَظَاهر هَذَا أَنه لَا فرق بَين الْمُجْتَهد وَغَيره وَلَا بَين أَن يكون لله تَعَالَى أَو لَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمَقْصُود تشويش الْفِكر وَهُوَ لَا يخْتَلف بذلك نعم تَنْتفِي الْكَرَاهَة إِذا دعت الْحَاجة إِلَى الحكم فِي الْحَال وَقد يتَعَيَّن الحكم على الْفَوْر فِي صور كَثِيرَة (و) الثَّانِي عِنْد (الْجُوع و) الثَّالِث عِنْد (الْعَطش) المفرطين وَكَذَا عِنْد الشِّبَع المفرط وَأَهْمَلَهُ المُصَنّف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 (و) الرَّابِع عِنْد (شدَّة الشَّهْوَة) أَي التوقان إِلَى النِّكَاح (و) الْخَامِس عِنْد (الْحزن) المفرط فِي مُصِيبَة أَو غَيرهَا (و) السَّادِس عِنْد (الْفَرح المفرط) وَلَو قَالَ المفرطين لَكَانَ أولى لِأَنَّهُ قيد فِي الْحزن أَيْضا كَمَا مر (و) السَّابِع عِنْد (الْمَرَض) المؤلم كَمَا قيد بِهِ فِي الرَّوْضَة (و) الثَّامِن عِنْد (مدافعة) أحد (الأخبثين) أَي الْبَوْل وَالْغَائِط وَلَو ذكر أحد كَمَا قدرته فِي كَلَامه لَكَانَ أولى لإِفَادَة الِاكْتِفَاء بِهِ وكراهته عِنْد مدافعتهم بِالْأولَى وَكَذَا يكره عِنْد مدافعة الرّيح كَمَا ذكره الدَّمِيرِيّ وَأَهْمَلَهُ المُصَنّف (و) التَّاسِع عِنْد (النعاس) أَي غلبته كَمَا قيد بِهِ فِي الرَّوْضَة (و) الْعَاشِر عِنْد شدَّة (الْحر و) شدَّة (الْبرد) وأهمل المُصَنّف عِنْد الْخَوْف المزعج وَعند الملال وَقد جزم بهما فِي الرَّوْضَة وَإِنَّمَا كره الْقَضَاء فِي هَذِه الْأَحْوَال لتغير الْعقل والخلق فِيهَا فَلَو خَالف وَقضى فِيهَا نفذ قَضَاؤُهُ كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة لقصة الزبير الْمَشْهُورَة وَلَا ينفذ حكم القَاضِي لنَفسِهِ لِأَنَّهُ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يحكم لرقيقه وَلَا لشَرِيكه فِي المَال الْمُشْتَرك بَينهمَا للتُّهمَةِ وَيحكم للْقَاضِي وَلمن ذكر مَعَه الإِمَام أَو قَاض آخر أَو نَائِبه وَإِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد القَاضِي أَو نكل عَن الْيَمين فَحلف الْمُدَّعِي الْيَمين الْمَرْدُودَة وَسَأَلَ القَاضِي أَن يشْهد على إِقْرَاره عِنْده فِي صُورَة الْإِقْرَار أَو على يَمِينه فِي صُورَة النّكُول أَو سَأَلَ الحكم بِمَا ثَبت عِنْده وَالْإِشْهَاد بِهِ لزمَه إجَابَته لِأَنَّهُ قد يُنكر بعد ذَلِك (وَلَا يسْأَل) القَاضِي (الْمُدعى عَلَيْهِ) الْجَواب أَي لَا يجوز لَهُ ذَلِك (إِلَّا بعد كَمَال الدَّعْوَى) الصَّحِيحَة وَيشْتَرط لصِحَّة كل دَعْوَى سَوَاء أَكَانَت بِدَم أم بِغَيْرِهِ كغصب وسرقة وَإِتْلَاف سِتَّة شُرُوط الأول أَن تكون مَعْلُومَة غَالِبا بِأَن يفصل الْمُدَّعِي مَا يَدعِيهِ كَقَوْلِه فِي دَعْوَى الْقَتْل قَتله عمدا أَو شبه عمد أَو خطأ إفرادا أَو شركَة فَإِن أطلق مَا يَدعِيهِ كَقَوْلِه هَذَا قتل ابْني يسن للْقَاضِي استفصاله عَمَّا ذكر وَالثَّانِي أَن تكون ملزمة فَلَا تسمع دَعْوَى هبة شَيْء أَو بَيْعه أَو إِقْرَار بِهِ حَتَّى يَقُول الْمُدَّعِي وقبضته بِإِذن الْوَاهِب وَيلْزم البَائِع أَو الْمقر التَّسْلِيم وَالثَّالِث أَن يعين مدعى عَلَيْهِ فَلَو قَالَ قَتله أحد هَؤُلَاءِ لم تسمع دَعْوَاهُ لإبهام الْمُدعى عَلَيْهِ وَالرَّابِع وَالْخَامِس أَن يكون كل من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ غير حَرْبِيّ لَا أَمَان لَهُ مُكَلّفا وَمثله السَّكْرَان فَلَا تصح دَعْوَى حَرْبِيّ لَا أَمَان لَهُ وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِم وَالسَّادِس أَن لَا تناقضها دَعْوَى أُخْرَى فَلَو ادّعى على أحد انفرادا بِالْقَتْلِ ثمَّ ادّعى على آخر شركَة أَو انفرادا لم تسمع الدَّعْوَى الثَّانِيَة لِأَن الأولى تكذبها نعم إِن صدقه الآخر فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَار وَتسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ على الْأَصَح فِي أصل الرَّوْضَة وَلَا يُمكن من العودة إِلَى الأولى لِأَن الثَّانِيَة تكذبها (وَلَا يحلفهُ) أَي لَا يجوز للْقَاضِي أَن يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ (إِلَّا بعد سُؤال) أَي طلب (الْمُدَّعِي) تَحْلِيفه فَلَو حلفه قبل طلبه لم يعْتد بِهِ فعلى هَذَا يَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي حلفه وَإِلَّا فاقطع طَلَبك عَنهُ قَالَ ابْن النَّقِيب فِي مُخْتَصر الْكِفَايَة وَلَو حلف بعد طلب الْمُدَّعِي وَقبل إحلاف القَاضِي لم يعْتد بِهِ صرح بِهِ القَاضِي حسن اه تَنْبِيه قد علم مِمَّا ذكره المُصَنّف أَنه لَا يجوز للْقَاضِي الحكم على الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا بعد طلب الْمُدَّعِي وَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فِي بَاب الْقَضَاء على الْغَائِب (وَلَا يلقن خصما) مِنْهُمَا (حجَّة) يستظهر بهَا على خَصمه أَي يحرم عَلَيْهِ ذَلِك لإضراره بِهِ (وَلَا يفهمهُ) أَي وَاحِدًا مِنْهُمَا (كلَاما) يعرف بِهِ كَيْفيَّة الدَّعْوَى وَكَيْفِيَّة الْجَواب أَو الْإِقْرَار أَو الانكار لما مر وَخرج بِقَيْد الْخصم فِي كَلَامه الشَّاهِد فَيجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 للْقَاضِي تَعْرِيفه كَيْفيَّة أَدَاء الشَّهَادَة كَمَا صَححهُ القَاضِي أَبُو المكارم وَالرُّويَانِيّ وَأقرهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَة خلافًا للشرف الْغَزِّي فِي ادعائه الْمَنْع مِنْهُ فَلَعَلَّهُ انْتقل نظره من منع التَّلْقِين إِلَى ذَلِك فَإِن القَاضِي لَا يلقن الشَّاهِد الشَّهَادَة كَمَا جزم بِهِ فِي الرَّوْضَة (وَلَا يتعنت بِالشُّهَدَاءِ) أَي لَا يشق عَلَيْهِم كَأَن يَقُول لَهُم لم شهدتم وَمَا هَذِه الشَّهَادَة وَنَحْو ذَلِك فَرُبمَا يُؤَدِّي إِلَى تَركهم الشَّهَادَة فيتضرر الْخصم الْمَشْهُود لَهُ بذلك (وَلَا يقبل) القَاضِي (الشَّهَادَة) إِذا لم يعرف عَدَالَة الشَّاهِد (إِلَّا مِمَّن ثبتَتْ عَدَالَته) عِنْد حَاكم سَوَاء أطعن الْخصم فِيهِ أم سكت لِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة تَتَضَمَّن تعديله وَالتَّعْدِيل لَا يثبت إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَسَيَأْتِي بَيَان الْعَدَالَة فِي فصل بعد ذَلِك فَإِذا ثبتَتْ عَدَالَة الشَّاهِد ثمَّ شهد فِي وَاقعَة أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَة إِن لم يطلّ الزَّمَان حكم بِشَهَادَتِهِ وَلَا يطْلب تعديله ثَانِيًا وَإِن طَال فَوَجْهَانِ أصَحهمَا يطْلب تعديله ثَانِيًا لِأَن طول الزَّمَان يُغير الْأَحْوَال ثمَّ يجْتَهد الْحَاكِم فِي طوله وقصره انْتهى قَالَ فِي الْخَادِم إِن الْخلاف فِي الطول فِي غير الشُّهُود المرتبين عِنْد الْحَاكِم أما هم فَلَا يجب طلب التَّعْدِيل قطعا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين فِي قَوَاعِده انْتهى وَهُوَ حسن وَقَالَ فِي الْعدة إِذا استفاض فسق الشَّاهِدين بَين النَّاس فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَحْث وَالسُّؤَال (وَلَا تقبل شَهَادَة عَدو على عدوه) لحَدِيث لَا تقبل شَهَادَة ذِي غمر على أَخِيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن والغمر بِكَسْر الْغَيْن الغل والحقد وَلما فِي ذَلِك من التُّهْمَة تَنْبِيه المُرَاد بالعداوة الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة الظَّاهِرَة لِأَن الْبَاطِنَة لَا يطلع عَلَيْهَا إِلَّا علام الغيوب وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَيَأْتِي قوم فِي آخر الزَّمَان إخْوَان الْعَلَانِيَة أَعدَاء السريرة بِخِلَاف شَهَادَته لَهُ إِذْ لَا تُهْمَة ومليحة شهِدت لَهَا ضراتها وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء وعدو الشَّخْص من يحزن لفرحه ويفرح لحزنه وَقد تكون الْعَدَاوَة من الْجَانِبَيْنِ وَقد تكون من أَحدهمَا فَيخْتَص برد شَهَادَته على الآخر وَلَا يشْتَرط ظُهُورهَا بل يَكْفِي مَا دلّ عَلَيْهَا من الْمُخَاصمَة وَنَحْوهَا كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ نَاقِلا لَهُ عَن نَص الْمُخْتَصر أما الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة فَلَا توجب رد الشَّهَادَة فَتقبل بِشَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر وَشَهَادَة السّني على المبتدع وَتقبل من مُبْتَدع لَا نكفره ببدعته كمنكري صِفَات الله تَعَالَى وخلقه أَفعَال عباده وَجَوَاز رُؤْيَته يَوْم الْقِيَامَة لاعتقادهم أَنهم مصيبون فِي ذَلِك لما قَامَ عِنْدهم بِخِلَاف من نكفره ببدعته كمنكري حُدُوث الْعَالم والبعث والحشر للأجسام وَعلم الله بالمعدوم وبالجزئيات لإنكارهم مَا علم مَجِيء الرَّسُول بِهِ ضَرُورَة فَلَا تقبل شَهَادَتهم وَلَا شَهَادَة من يَدْعُو النَّاس إِلَى بدعته كَمَا لَا تقبل رِوَايَته بل أولى وَلَا شَهَادَة خطابي لمثله إِن لم يذكر فِيهَا مَا يَنْفِي احْتِمَال اعْتِمَاده على قَول الْمَشْهُود لَهُ لاعْتِقَاده أَنه لَا يكذب فَإِن ذكر فِيهَا ذَلِك كَقَوْلِه رَأَيْت أَو سَمِعت أَو شهد لمُخَالفَة قبلت لزوَال الْمَانِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 (وَلَا) تقبل (شَهَادَة وَالِد) وَإِن علا (لوَلَده) وَإِن سفل (وَلَا) تقبل شها (ولد) وَإِن سفل (لوالده) وَإِن علا للتُّهمَةِ وَلَو قَالَ المُصَنّف وَلَا تقبل شَهَادَة الشَّخْص لبعضه لَكَانَ أخصر وَأفهم كَلَامه قبُول شَهَادَة الْوَالِد على وَلَده وَعَكسه وَهُوَ كَذَلِك لانْتِفَاء التُّهْمَة تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو كَانَ بَينه وَبَين أَصله أَو فَرعه عَدَاوَة فَإِن شَهَادَته لَا تقبل لَهُ وَلَا عَلَيْهِ كَمَا جزم بِهِ فِي الْأَنْوَار وَإِذا شهد بِحَق لفرع أَو أصل لَهُ وأجنبي كَأَن شهد برقيق لَهما قبلت الشَّهَادَة للْأَجْنَبِيّ على الْأَصَح من قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَتقبل الشَّهَادَة لكل من الزَّوْجَيْنِ من الآخر لِأَن الْحَاصِل بَينهمَا عقد يطْرَأ وَيَزُول نعم لَو شهد لزوجته بِأَن فلَانا قَذفهَا لم تصح شَهَادَته فِي أحد وَجْهَيْن رَجحه البُلْقِينِيّ وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهَا بِالزِّنَا لِأَنَّهُ يَدعِي خيانتها فرَاشه وَلَا تقبل شَهَادَة الشَّخْص لأحد أصليه أَو فرعيه على الآخر كَمَا جزم بِهِ الْغَزالِيّ وَيُؤَيِّدهُ منع الحكم بَين أَبِيه وَأمه وَإِن خَالف ابْن عبد السَّلَام فِي ذَلِك مُعَللا بِأَن الْوَازِع الطبيعي قد تعَارض فَظهر الصدْق لضعف التُّهْمَة وَلَا تقبل تَزْكِيَة الْوَالِد لوَلَده وَلَا شَهَادَته لَهُ بِالرشد سَوَاء أَكَانَ فِي حجره أم لَا وَإِن أخذناه بِإِقْرَارِهِ برشد من فِي حجره تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف أَن مَا عدا الأَصْل وَالْفرع من حَوَاشِي النّسَب تقبل شَهَادَة بَعضهم لبَعض فَتقبل شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَهُوَ كَذَلِك وَكَذَا تقبل شَهَادَة الصّديق لصديقه وَهُوَ من صدق فِي ودادك بِأَن يهمه مَا أهمك قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَلِيل ذَلِك أَي فِي زَمَانه ونادر فِي زَمَاننَا أَو مَعْدُوم (وَلَا يقبل) القَاضِي (كتاب قَاض) كتب بِهِ (إِلَى قَاض) وَلَو غير معِين أَي لَا يعْمل بِهِ (فِي) مَا أنهاه فِيهِ من (الْأَحْكَام) كَأَن حكم فِيهِ لحاضر على غَائِب بدين (إِلَّا بعد شَهَادَة شَاهِدين) على شَهَادَة (يَشْهَدَانِ) عِنْد من وصل إِلَيْهِ من الْقُضَاة (بِمَا فِيهِ) أَي الْكتاب من الحكم تَنْبِيه صُورَة الْكتاب كَمَا هُوَ حَاصِل كَلَام الرَّوْضَة حضر فلَان وَادّعى على فلَان الْغَائِب الْمُقِيم ببلدة كَذَا بدين وحكمت لَهُ بِحجَّة أوجبت الحكم وسألني أَن أكتب إِلَيْك بذلك فأجبته وأشهدت بالحكم شَاهِدين ويسميهما إِن لم يعدلهما وَإِلَّا فَلهُ ترك تسميتهما وَيسن خَتمه بعد قِرَاءَته على الشَّاهِدين بِحَضْرَتِهِ وَيَقُول أشهدكم أَنِّي كتبت إِلَى فلَان بِمَا سمعتما ويضعان خطيهما فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ أَن يَقُول أشهدكما أَن هَذَا خطي وَأَن مَا فِيهِ حكمي وَيدْفَع للشاهدين نُسْخَة أُخْرَى بِلَا ختم ليطالعاها ويتذكرا عِنْد الْحَاجة ويشهدان عِنْد القَاضِي الآخر على القَاضِي الْكَاتِب بِمَا جرى عِنْده من ثُبُوت أَو حكم إِن أنكر الْخصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 الْمحْضر أَن المَال الْمَذْكُور فِيهِ عَلَيْهِ فَإِن قَالَ لَيْسَ الْمَكْتُوب اسْمِي صدق بِيَمِينِهِ إِن لم يعرف بِهِ لِأَنَّهُ أخبر بِنَفسِهِ وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَإِن عرف بِهِ لم يصدق بل يحكم عَلَيْهِ أَو قَالَ لست الْخصم وَقد ثَبت بِإِقْرَارِهِ أَو بِحجَّة أَنه اسْمه حكم عَلَيْهِ إِن لم يكن ثمَّ من يشركهُ فِيهِ أَو كَانَ وَلم يعاصر الْمُدَّعِي لِأَن الظَّاهِر أَنه الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَإِن كَانَ ثمَّ من يشركهُ فِيهِ صرعا وَالْمُدَّعِي فَإِن مَاتَ أَو أنكر الْحق بعث الْمَكْتُوب إِلَيْهِ لِلْكَاتِبِ ليطلب من الشُّهُود زِيَادَة تَمْيِيز للْمَشْهُود عَلَيْهِ ويكتبها وينهيها ثَانِيًا لقَاضِي بلد الْغَائِب فَإِن لم يجد زِيَادَة تَمْيِيز وقف الْأَمر حَتَّى ينْكَشف فَإِن اعْترف المشارك بِالْحَقِّ طُولِبَ بِهِ وَيعْتَبر أَيْضا مَعَ المعاصرة إِمْكَان الْمُعَامَلَة كَمَا صرح بِهِ الْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيره تَتِمَّة لَو حضر قَاضِي بلد الْغَائِب بِبَلَد الْحَاكِم للْمُدَّعِي الْحَاضِر فشافهه بِحكمِهِ على الْغَائِب أَمْضَاهُ إِذا عَاد إِلَى مَحل ولَايَته وَهُوَ حِينَئِذٍ قَضَاء بِعِلْمِهِ بِخِلَاف مَا لَو شافهه بِهِ فِي غير عمله فَلَيْسَ لَهُ إمضاؤه إِذا عَاد إِلَى مَحل ولَايَته كَمَا قَالَه الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَلَو قَالَ قَاضِي بلد الْحَاضِر وَهُوَ فِي طرف ولَايَته لقَاضِي بلد الْغَائِب فِي طرف ولَايَته حكمت بِكَذَا على فلَان الَّذِي ببلدك نفذه لِأَنَّهُ أبلغ من الشَّهَادَة وَالْكتاب فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ والإنهاء وَلَو بِغَيْر كتاب بِحكم يمْضِي مُطلقًا عَن التَّقْيِيد بفوق مَسَافَة الْعَدْوى والإنهاء بِسَمَاع حجَّة يقبل فِيمَا فَوق مَسَافَة الْعَدْوى لَا فِيمَا دونه وَفَارق الإنهاء بالحكم بِأَن الحكم قد تمّ وَلم يبْق إِلَّا الِاسْتِيفَاء بِخِلَاف سَماع الْحجَّة إِذْ يسهل إحضارها مَعَ الْقرب وَالْعبْرَة بالمسافة بِمَا بَين القاضيين لَا بِمَا بَين القَاضِي الْمنْهِي والغريم ومسافة الْعَدْوى مَا يرجع مِنْهَا مبكرا إِلَى مَحَله يَوْمه المعتدل وَسميت بذلك لِأَن القَاضِي يعدي أَي يعين من طلب خصما مِنْهَا على إِحْضَاره وَيُؤْخَذ من تَعْلِيلهم السَّابِق إِنَّه لَو عسر إِحْضَار الْحجَّة مَعَ الْقرب بِنَحْوِ مرض قبل الإنهاء كَمَا ذكره فِي الْمطلب فصل فِي الْقِسْمَة بِكَسْر الْقَاف وَهِي تَمْيِيز بعض الْأَنْصِبَاء من بعض والقسام الَّذِي يقسم الْأَشْيَاء بَين النَّاس قَالَ لبيد فرض بِمَا قسم المليك فَإِنَّمَا قسم الْمَعيشَة بَيْننَا قسامها وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حضر الْقِسْمَة} الْآيَة وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم الْغَنَائِم بَين أَرْبَابهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا ليتَمَكَّن كل وَاحِد من الشُّرَكَاء من التَّصَرُّف فِي ملكه على الْكَمَال ويتخلص من سوء الْمُشَاركَة وَاخْتِلَاف الْأَيْدِي (ويفتقر الْقَاسِم) أَي الَّذِي ينصبه الإِمَام أَو القَاضِي (إِلَى سَبْعَة شَرَائِط) وَزيد عَلَيْهَا شَرَائِط أخر كَمَا ستعرفها وَهِي (الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورة وَالْعَدَالَة) لِأَن ذَلِك ولَايَة وَمن لم يَتَّصِف بِمَا ذكر لَيْسَ من أهل الْولَايَة (و) علم المساحة وَعلم (الْحساب) لاستدعائها للمساحة من غير عكس وَإِنَّمَا شَرط علمهما لِأَنَّهُمَا آلَة الْقِسْمَة كَمَا أَن النَّفَقَة آلَة الْقَضَاء وَاعْتبر الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره مَعَ ذَلِك أَن يكون عفيفا عَن الطمع حَتَّى لَا يرتشي وَلَا يخون واقتضاه كَلَام الْأُم وَهل يشْتَرط فِيهِ معرفَة التَّقْوِيم فِيهِ وَجْهَان أوجههمَا لَا يشْتَرط كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَقَالَ الْإِسْنَوِيّ جزم باستحبابه القاضيان الْبَنْدَنِيجِيّ وَأَبُو الطّيب وَابْن الصّباغ وَغَيرهم تَنْبِيه لَو قَالَ المُصَنّف بدل الْعَدَالَة تقبل شَهَادَته لاستفيد مِنْهُ اشْتِرَاط السّمع وَالْبَصَر والنطق والضبط إِذْ لَا بُد من ذَلِك وَاسْتغْنى عَن ذكر الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل بل ويستغني عَن ذكر ذَلِك أَيْضا بِالْعَدَالَةِ وَإِذا لم يكن الْقَاسِم مَنْصُوبًا من جِهَة القَاضِي فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِن تَرَاضيا) وَفِي نُسْخَة فَإِن تراضى (الشريكان) أَي المطلقان التَّصَرُّف (بِمن يقسم بَينهمَا) من غير أَن يحكماه فِي المَال الْمُشْتَرك (لم يفْتَقر) أَي هَذَا الْقَاسِم (إِلَى ذَلِك) أَي الشُّرُوط السَّابِقَة لِأَنَّهُ وَكيل عَنْهُمَا لَكِن يشْتَرط فِيهِ التَّكْلِيف فَإِن كَانَ فيهمَا مَحْجُورا عَلَيْهِ فقاسم عَنهُ وليه اشْترط مَعَ التَّكْلِيف الْعَدَالَة أما محكمهما فَهُوَ كمنصوب القَاضِي فَيشْتَرط فِيهِ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة (وَإِن كَانَ فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم) هُوَ مصدر قوم السّلْعَة قدر قيمتهَا (لم يقْتَصر فِيهِ على أقل من اثْنَيْنِ) لاشْتِرَاط الْعدَد فِي الْمُقَوّم لِأَن التَّقْدِيم شَهَادَة بِالْقيمَةِ فَإِن لم يكن فِيهِ تَقْوِيم فَيَكْفِي قَاسم وَاحِد وَإِن كَانَ فِيهَا خرص وَهُوَ الْأَصَح لِأَن الخارص يجْتَهد وَيعْمل بِاجْتِهَادِهِ فَكَانَ كالحاكم وَلَا يحْتَاج الْقَاسِم إِلَى لفظ الشَّهَادَة وَإِن وَجب تعدده لِأَنَّهَا تستند إِلَى عمل محسوس وَللْإِمَام جعل الْقَاسِم حَاكما فِي التَّقْوِيم فَيعْمل فِيهِ بعدلين وَيقسم بِنَفسِهِ وللقاضي الحكم فِيهِ فِي التَّقْوِيم بِعِلْمِهِ وَيجْعَل الإِمَام رزق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 منصوبه إِن لم يتَبَرَّع بِهِ من بَيت المَال إِذا كَانَ فِيهِ سَعَة وَإِلَّا فأجرته على الشُّرَكَاء لِأَن الْعَمَل لَهُم فَإِن استأجروه وسمى كل مِنْهُم قدرا لزمَه وَإِن سموا أُجْرَة مُطلقَة فِي إِجَارَة صَحِيحَة أَو فَاسِدَة فالأجرة موزعة على قدر الحصص الْمَأْخُوذَة لِأَنَّهَا من مُؤَن الْملك ثمَّ مَا عظم ضَرَر قسمته إِن بَطل نَفعه بِالْكُلِّيَّةِ كجوهرة وثوب نفيسين مَنعهم الْحَاكِم مِنْهَا وَإِن لم يبطل نَفعه بِالْكُلِّيَّةِ كَأَن نقص نَفعه أَو بَطل نَفعه الْمَقْصُود لم يمنعهُم وَلم يجبهم فَالْأول كسيف يكسر وَالثَّانِي كحمام وطاحونة صغيرين فَلَا يمنعهُم وَلَا يُجِيبهُمْ وَلَو كَانَ لَهُ عشر دَار مثلا لَا يصلح للسُّكْنَى وَالْبَاقِي آخر يصلح لَهَا أجبر صَاحب الْعشْر على الْقِسْمَة بِطَلَب الآخر لَا عَكسه وَمَا لَا يعظم ضَرَر قسمته فقسمته أَنْوَاع ثَلَاثَة وَهِي الْآتِيَة لِأَن الْمَقْسُوم إِن تَسَاوَت الْأَنْصِبَاء مِنْهُ صُورَة وَقِيمَة فَهُوَ الأول وَإِلَّا فَإِن لم يحْتَج إِلَى رد شَيْء فَالثَّانِي وَإِلَّا فالثالث النَّوْع الأول الْقِسْمَة بالأجزاء وَتسَمى قسْمَة المتشابهات وَإِلَى هَذَا النَّوْع وَالنَّوْع الثَّانِي أَيْضا أَشَارَ المُصَنّف بقوله (وَإِذا دَعَا أحد الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكه إِلَى قسْمَة مَا لَا ضَرَر فِيهِ) كمثلي من حبوب ودراهم وأدهان وَغَيرهَا ودر متفقة الْأَبْنِيَة وَأَرْض مستوية الْأَجْزَاء (لزم) شَرِيكه (الآخر) الْمَطْلُوب إِلَى الْقِسْمَة إجَابَته إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهَا فيجزأ مَا يقسم كَيْلا فِي الْمكيل ووزنا فِي الْمَوْزُون وذرعا فِي المذروع وَعدا فِي الْمَعْدُود بِعَدَد الْأَنْصِبَاء إِن اسْتَوَت وَيكْتب مثلا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي من بَقِيَّة الْأَنْوَاع فِي كل رقْعَة إِمَّا اسْم شريك من الشَّرِيك من الشُّرَكَاء أَو جُزْء من الْأَجْزَاء مُمَيّز عَن الْبَقِيَّة بِحَدّ أَو غَيره وتدرج الرقع فِي بَنَادِق من نَحْو طين مستوية ثمَّ يخرج من لم يحضر الْكِتَابَة والإدراج رقْعَة إِمَّا على الْجُزْء الأول إِن كتبت الْأَسْمَاء أَو على اسْم زيد مثلا إِن كتبت الْأَجْزَاء فَيعْطى ذَلِك الْجُزْء وَيفْعل كَذَلِك فِي الثَّانِيَة وتتعين الثَّالِثَة للْبَاقِي إِن كَانَت الرّقاع ثَلَاثَة فَإِن اخْتلفت الْأَنْصِبَاء كَنِصْف وَثلث وَسدس جُزْء مَا يقسم على أقلهَا ويجتنب إِذا كتبت الْأَجْزَاء تَفْرِيق حِصَّة وَاحِد بِأَن لَا يبْدَأ بِصَاحِب السُّدس النَّوْع الثَّانِي الْقِسْمَة بالتعديل بِأَن تعدل السِّهَام بِالْقيمَةِ كأرض تخْتَلف قيمَة أَجْزَائِهَا بِنَحْوِ قُوَّة إنبات وَقرب مَاء أَو يخْتَلف جنس مَا فِيهَا كبستان بعضه نخل وَبَعضه عِنَب فَإِذا كَانَت لاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقِيمَة ثلثهما الْمُشْتَمل على مَا ذكر كقيمة ثلثيها الخاليين عَن ذَلِك جعل الثُّلُث سَهْما وَالثُّلُثَانِ سَهْما وأقرع كَمَا مر وَيلْزم شَرِيكه الآخر إجَابَته كَمَا شَمل ذَلِك عبارَة المُصَنّف كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ إِلْحَاقًا للمتساوي فِي الْقيمَة بالمتساوي فِي الْأَجْزَاء فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة نعم إِن أمكن قسم الْجيد وَحده والرديء وَحده لم يلْزمه فِيهَا إجَابَته كأرضين يُمكن قسْمَة كل مِنْهُمَا بالأجزاء فَلَا يجْبر على التَّعْدِيل كَمَا بَحثه الشَّيْخَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 وَجزم بِهِ جمع مِنْهُم الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَيجْبر على قسْمَة التَّعْدِيل فِي منقولات نوع لم يخْتَلف مُتَقَومَة كعبيد وَثيَاب من نوع إِن زَالَت الشّركَة بِالْقِسْمَةِ كثلاثة أعبد زنجية مُتَسَاوِيَة الْقيمَة بَين ثَلَاثَة وعَلى قسْمَة التَّعْدِيل أَيْضا فِي نَحْو دكاكين صغَار متلاصقة مِمَّا لَا يخْتَلف فِي كل مِنْهَا الْقِسْمَة أعيانا إِن زَالَت الشّركَة بهَا للْحَاجة بِخِلَاف نَحْو الدكاكين الْكِبَار وَالصغَار غير المتلاصقة لشدَّة اخْتِلَاف الْأَغْرَاض باخْتلَاف الْمحَال والأبنية النَّوْع الثَّالِث الْقِسْمَة بِالرَّدِّ بِأَن يحْتَاج فِي الْقِسْمَة إِلَى رد مَال أَجْنَبِي كَأَن يكون بِأحد الْجَانِبَيْنِ من الأَرْض نَحْو بِئْر كشجر لَا يُمكن قسمته فَيرد أَخذه بِالْقِسْمَةِ قسط قيمَة نَحْو الْبِئْر فَإِن كَانَ ألفا وَله النّصْف رد خَمْسمِائَة وَلَا إِجْبَار فِي هَذَا النَّوْع لِأَن فِيهِ تَمْلِيكًا لما لَا شركَة فِيهِ فَكَانَ كَغَيْر الْمُشْتَرك وَشرط الْقِسْمَة مَا قسم بتراض من قسْمَة رد وَغَيرهَا رضَا بهَا بعد خُرُوج قرعَة وَالنَّوْع الأول إِفْرَاز للحق لَا بيع والنوعان الْآخرَانِ بيع وَإِن أجبر على الأول مِنْهُمَا كَمَا مر وَلَو ثَبت بِحجَّة غلط أَو حيف فِي قسْمَة إِجْبَار أَو قسْمَة ترَاض وَهِي بالأجزاء نقضت الْقِسْمَة بنوعيها فَإِن لم تكن بالأجزاء بِأَن كَانَت بالتعديل أَو الرَّد لم تنقض لِأَنَّهَا بيع وَإِن لم يثبت ذَلِك فَلهُ تَحْلِيف شَرِيكه وَلَو اسْتحق بعض مقسوم معينا وَلَيْسَ سَوَاء بطلت الْقِسْمَة لاحتياج أَحدهمَا إِلَى الرُّجُوع على الآخر وتعود الإشاعة فَإِن اسْتحق بعضه شَائِعا بطلت فِيهِ لَا فِي الْبَاقِي تَتِمَّة لَو ترافع الشُّرَكَاء إِلَى قَاض فِي قسْمَة ملك بِلَا بَيِّنَة لم يجبهم وَإِن لم يكن لَهُم مُنَازع وَقيل يُجِيبهُمْ وَعَلِيهِ الإِمَام وَغَيره فصل فِي الدَّعْوَى والبينات وَفِي بعض النّسخ أَن هَذَا الْفَصْل مقدم على الَّذِي قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 وَالدَّعْوَى فِي اللُّغَة الطّلب وَالتَّمَنِّي وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَهُم مَا يدعونَ} وَشرعا إِخْبَار عَن وجوب حق على غَيره عِنْد حَاكم والبينات جمع بَيِّنَة وهم الشُّهُود سموا بذلك لِأَن بهم يتَبَيَّن الْحق وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم إِذا فريق مِنْهُم معرضون} وأخبار كَخَبَر مُسلم لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لادعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدعى وَالْيَمِين على من أنكر وَالَّذِي يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَصْل خَمْسَة أُمُور الدَّعْوَى وجوابها وَالْيَمِين وَالْبَيِّنَة والنكول وَتقدم شَرط صِحَة الدَّعْوَى فِيمَا قبل ذَلِك وَأَن لَهَا سِتَّة شُرُوط وَأما الْأَرْبَعَة فمدمجة فِي كَلَام المُصَنّف كَمَا ستراه وَالْمُدَّعِي من خَالف قَوْله الظَّاهِر وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من وَافقه فَلَو قَالَ الزَّوْج وَقد أسلم هُوَ وَزَوجته قبل وَطْء أسلمنَا مَعًا فَالنِّكَاح بَاقٍ وَقَالَت بل مُرَتبا فَلَا نِكَاح فَهُوَ مُدع وَهِي مدعى عَلَيْهَا (فَإِذا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة) بِمَا ادَّعَاهُ (سَمعهَا الْحَاكِم وَحكم لَهُ بهَا) إِن كَانَت معدلة فَيشْتَرط فِي غير عين وَدين كقود وحد قذف وَنِكَاح ورجعة ولعان دَعْوَى عِنْد حَاكم وَلَو محكما فَلَا يسْتَقلّ صَاحبه باستيفائه نعم لَو اسْتَقل الْمُسْتَحق لقود باستيفائه وَقع الْموقع وَإِن حرم وَخرج بذلك الْعين وَالدّين ففيهما تَفْصِيل وَهُوَ إِن اسْتحق شخص عينا عِنْد آخر اشْترط الدَّعْوَى بهَا عِنْد حَاكم إِن خشِي بأخذها ضَرَرا تَحَرُّزًا عَنهُ وَإِلَّا فَلهُ أَخذهَا اسْتِقْلَالا للضَّرُورَة وَإِن اسْتحق دينا على مُمْتَنع من أَدَائِهِ طَالبه بِهِ (فَإِن لم تكن) مَعَه (بَيِّنَة) معدلة (فَالْقَوْل) حِينَئِذٍ (قَول الْمُدعى عَلَيْهِ) لموافقته الظَّاهِر وَلَكِن (بِيَمِينِهِ) فِي غير الْقسَامَة فِي دَعْوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 الدَّم إِذْ الْيَمين هُنَاكَ فِي جَانب الْمُدَّعِي لوُجُود اللوث كَمَا تقدم هُنَاكَ وَله حِينَئِذٍ أَن يَأْخُذ من مَال الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر مُطَالبَة جنس حَقه وَإِذا أَخذه ملكه إِن كَانَ بِصفتِهِ فَإِن تعذر عَلَيْهِ جنس حَقه أَو لم يجد جنس حَقه بِصفتِهِ أَخذ غَيره مقدما النَّقْد على غَيره فيبيعه مُسْتقِلّا كَمَا يسْتَقلّ بِالْأَخْذِ وَلما فِي الرّفْع إِلَى الْحَاكِم من الْمُؤْنَة هَذَا حَيْثُ لَا حجَّة لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَبِيع إِلَّا بِإِذن الْحَاكِم وَلمن جَازَ لَهُ الْأَخْذ فعل مَا لَا يصل لِلْمَالِ إِلَّا بِهِ ككسر بَاب ونقب جِدَار وَظَاهر أَن مَحل ذَلِك إِذا كَانَ ملكا للْمَدِين وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم كرهن وَإِجَارَة والمأخوذ مَضْمُون على الْآخِذ إِن تلف قبل تملكه وَلَو بعد البيع لِأَنَّهُ أَخذه لغَرَض نَفسه كالمستلم وَإِن كَانَ الدّين على غير مُمْتَنع من أَدَائِهِ طَالبه بِهِ فَلَا يَأْخُذ شَيْئا لَهُ بِغَيْر مُطَالبَة وَلَو أَخذه لم يملكهُ وَلَزِمَه رده وَيضمنهُ إِن تلف عِنْده (فَإِن نكل) الْمُدعى عَلَيْهِ أَي امْتنع (عَن الْيَمين) بعد عرضهَا عَلَيْهِ كَأَن قَالَ أَنا ناكل أَو يَقُول لَهُ القَاضِي احْلِف فَيَقُول لَا أَحْلف أَو يسكت لَا لدهشة وغباوة (ردَّتْ) أَي الْيَمين حِينَئِذٍ (على الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ردهَا على صَاحب الْحق كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَكَذَا فعل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِمحضر من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم من غير مُخَالفَة كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (فَيحلف) الْمُدَّعِي إِن اخْتَار ذَلِك (وَيسْتَحق) الْمُدَّعِي بِهِ بِيَمِينِهِ لَا بنكول خَصمه وَقَول القَاضِي للْمُدَّعِي احْلِف نَازل منزلَة الحكم بنكول الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَإِن لم يكن حكم بِنُكُولِهِ حَقِيقَة وَبِالْجُمْلَةِ فللخصم بعد نُكُوله الْعود إِلَى الْحلف مَا لم يحكم بِنُكُولِهِ حَقِيقَة أَو تَنْزِيلا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعود إِلَيْهِ إِلَّا بِرِضا الْمُدَّعِي وَيبين القَاضِي حكم النّكُول للجاهل بِهِ بِأَن يَقُول لَهُ إِن نكلت عَن الْيَمين حلف الْمُدَّعِي وَأخذ مِنْك الْحق فَإِن لم يفعل وَحكم بِنُكُولِهِ نفذ حكمه لتَقْصِيره بترك الْبَحْث عَن حكم النّكُول وَيَمِين الرَّد وَهِي يَمِين الْمُدَّعِي بعد نُكُول خَصمه كإقرار الْخصم لَا كالبينة لِأَنَّهُ يتَوَصَّل بِالْيَمِينِ بعد نُكُوله إِلَى الْحق فَأشبه إِقْرَاره بِهِ فَيجب الْحق بعد فرَاغ الْمُدَّعِي من يَمِين الرَّد من غير افتقار إِلَى حكم كَالْإِقْرَارِ وَلَا تسمع بعْدهَا حجَّة بمسقط كأداء أَو إِبْرَاء فَإِن لم يحلف الْمُدَّعِي يَمِين الرَّد وَلَا عذر لَهُ سقط حَقه من الْيَمين والمطالبة لإعراضه عَن الْيَمين وَلَكِن تسمع حجَّته فَإِن أبدى عذرا كإقامة حجَّة وسؤال فَقِيه ومراجعة حِسَاب أمْهل ثَلَاثَة أَيَّام فَقَط لِئَلَّا تطول مدافعته وَالثَّلَاثَة مُدَّة مغتفرة شرعا وَيُفَارق جَوَاز تَأْخِير الْحجَّة أبدا بِأَنَّهَا قد لَا تساعده وَلَا تحضر وَالْيَمِين إِلَيْهِ وَهل هَذَا الْإِمْهَال وَاجِب أَو مُسْتَحبّ وَجْهَان وَالظَّاهِر الأول وَلَا يُمْهل خَصمه لعذر حَتَّى يسْتَحْلف إِلَّا بِرِضا الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مقهور بِطَلَب الْإِقْرَار أَو الْيَمين بِخِلَاف الْمُدَّعِي وَإِن استمهل الْخصم فِي ابْتِدَاء الْجَواب لعذر أمْهل إِلَى آخر الْمجْلس إِن شَاءَ القَاضِي وَقيل إِن شَاءَ الْمُدَّعِي وَالْأول هُوَ مَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الْمُدَّعِي لَا يتَقَيَّد بآخر الْمجْلس وَمن طُولِبَ بجزية فَادّعى مسْقطًا كإسلامه قبل تَمام الْحول فَإِن وَافَقت دَعْوَاهُ الظَّاهِر كَأَن كَانَ غَائِبا فَحَضَرَ وَادّعى ذَلِك وَحلف فَذَاك وَإِن لم نوافق الظَّاهِر بِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 كَانَ عندنَا ظَاهرا ثمَّ ادّعى ذَلِك أَو وَافقه وَنكل طُولِبَ بهَا وَلَيْسَ ذَلِك قَضَاء بِالنّكُولِ بل لِأَنَّهَا وَجَبت وَلم يَأْتِ بدافع أَو بِزَكَاة فَادّعى الْمسْقط كدفعها لساع آخر لم يُطَالب بهَا وَإِن نكل عَن الْيَمين لِأَنَّهَا مُسْتَحبَّة وَلَو ادّعى ولي صبي أَو مَجْنُون حَقًا لَهُ على شخص فَأنْكر وَنكل لم يحلف الْوَلِيّ وَإِن ادّعى ثُبُوته بِسَبَب مُبَاشَرَته بل ينْتَظر كَمَاله لِأَن إِثْبَات الْحق لغير الْحَالِف بعيد (وَإِذا تداعيا) أَي الخصمان أَي ادّعى كل مِنْهُمَا (شَيْئا) أَي عينا وَهِي (فِي يَد أَحدهمَا) وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فَالْقَوْل) حِينَئِذٍ (قَول صَاحب الْيَد بِيَمِينِهِ) إِنَّهَا ملكه إِذْ الْيَد من الْأَسْبَاب المرجحة (فَإِن كَانَ) الْمُدَّعِي بِهِ وَهُوَ الْعين (فِي يديهما) وَلَا بَيِّنَة لَهما (تحَالفا) على النَّفْي فَقَط على النَّص (وَجعل) ذَلِك (بَينهمَا) نِصْفَيْنِ لقضائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك كَمَا صَححهُ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلَو أَقَامَ كل من المدعيين بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ بيد ثَالِث سقطتا لتناقض موجبهما فَيحلف لكل مِنْهُمَا يَمِينا وَإِن أقرّ بِهِ لأَحَدهمَا عمل بِمُقْتَضى إِقْرَاره أَو بيدهما أَو لَا بيد أحد فَهُوَ لَهما إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بِأولى بِهِ من الآخر أَو بيد أَحدهمَا وَيُسمى الدَّاخِل رجحت بَينته وَإِن تَأَخّر تاريخها أَو كَانَت شَاهدا ويمينا وَبَيِّنَة الْخَارِج شَاهِدين أَو لم تبين سَبَب الْملك من شِرَاء أَو غَيره تَرْجِيحا لبينته بِيَدِهِ هَذَا إِن أَقَامَهَا بعد بَيِّنَة الْخَارِج وَلَو قبل تعديلها لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسمع بعْدهَا لِأَن الأَصْل فِي جَانِبه الْيَمين فَلَا يعدل عَنْهَا مَا دَامَت كَافِيَة وَلَو أزيلت يَده بِبَيِّنَة وأسندت بَيِّنَة الْملك إِلَى مَا قبل إِزَالَة يَده وَاعْتذر بغيبتها مثلا فَإِنَّهَا ترجح لِأَن يَده إِنَّمَا أزيلت لعدم الْحجَّة وَقد ظَهرت لَكِن لَو قَالَ الْخَارِج هُوَ ملكي اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الدَّاخِل بل هُوَ ملكي وَأَقَامَا بينتين بِمَا قَالَاه رجح الْخَارِج لزِيَادَة علم بَينته بِمَا ذكر فَلَو أزيلت يَده بِإِقْرَار لم تسمع دَعْوَاهُ بِهِ بِغَيْر ذكر انْتِقَال لِأَنَّهُ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ نعم لَو قَالَ وهبته لَهُ وَملكه لم يكن إِقْرَارا بِلُزُوم الْهِبَة لجَوَاز اعْتِقَاده لُزُوم الْهِبَة بِالْعقدِ ذكره فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا ويرجح بِشَاهِدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 أَو بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ لأَحَدهمَا على شَاهد مَعَ يَمِين للْآخر لِأَن ذَلِك حجَّة بِالْإِجْمَاع وَأبْعد عَن تُهْمَة الْحَالِف بِالْكَذِبِ فِي يَمِينه إِلَّا أَن يكون مَعَ الشَّاهِد يَد فَيرجع بهَا على من ذكر وَلَا يرجح بِزِيَادَة شُهُود لأَحَدهمَا وَلَا برجلَيْن على رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا على أَربع نسْوَة لكَمَال الْحجَّة فِي الطَّرفَيْنِ وَلَا بَيِّنَة مؤرخة على بَيِّنَة مُطلقَة ويرجح بتاريخ سَابق وَالْعين بيدهما أَو بيد غَيرهمَا أَو لَا بيد أحد ورجحت بَيِّنَة ذِي الْأَكْثَر لِأَن الْأُخْرَى لَا تعارضها فِيهِ وَلِصَاحِب التَّارِيخ السَّابِق أُجْرَة وَزِيَادَة حَادِثَة من يَوْم ملكه بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمَا نَمَاء ملكه ويستثني من الْأُجْرَة مَا لَو كَانَت الْعين بيد البَائِع قبل الْقَبْض فَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ للْمُشْتَرِي على الْأَصَح (وَمن حلف على فعل نَفسه) إِثْبَاتًا كَانَ أَو نفيا وَلَو بِظَنّ مُؤَكد كَأَن يعْتَمد على خطه أَو خطّ مُوَرِثه (حلف على الْبَتّ) بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْقطع والجزم مَأْخُوذ من قَوْلهم بت الْحَبل إِذا قطعه فَقَوله حِينَئِذٍ (وَالْقطع) عطف تَفْسِير لِأَنَّهُ يعلم حَال نَفسه ويطلع عَلَيْهَا فَيَقُول فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْإِثْبَات وَالله لقد بِعْت بِكَذَا أَو اشْتريت بِكَذَا وَفِي النَّفْي وَالله مَا بِعْت بِكَذَا أَو اشْتريت بِكَذَا (وَمن حلف على فعل نَفسه) اثباتا أَو نفيا وَلَو بِظَنّ مؤكدا كَانَ يعْتَمد حلف حِينَئِذٍ (على الْبَتّ وَالْقطع) لسُهُولَة الإطلاع عَلَيْهِ (وَإِن كَانَ) فعله (نفيا مُطلقًا حلف) حِينَئِذٍ (على نفي الْعلم) أَي أَنه لَا يعلم فَيَقُول وَالله مَا علمت أَنه فعل كَذَا لِأَن النَّفْي الْمُطلق يعسر الْوُقُوف عَلَيْهِ وَلَا يتَعَيَّن فِيهِ ذَلِك فَلَو حلف على الْبَتّ اعْتد بِهِ كَمَا قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره لِأَنَّهُ قد يعلم ذَلِك أما النَّفْي المحصور فكالإثبات فِي إِمْكَان الْإِحَاطَة بِهِ كَمَا فِي آخر الدَّعَاوَى من الرَّوْضَة فَيحلف فِيهِ على الْبَتّ تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف حصر الْيَمين فِي فعله وَفعل غَيره وَقد يكون الْيَمين على تَحْقِيق مَوْجُود لَا إِلَى فعل ينْسب إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيره مثل أَن يَقُول لزوجته إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فَأَنت طَالِق فطار وَلم يعرف فادعت أَنه غراب فَأنْكر فقد قَالَ الإِمَام إِنَّه يحلف على الْبَتّ قَالَ الشَّيْخَانِ تبعا للبندنيجي وَغَيره وَالضَّابِط أَن يُقَال كل يَمِين فَهِيَ على الْبَتّ إِلَّا على نفي فعل الْغَيْر وَلَو ادّعى دينا لمورثه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أبرأني مورثك مِنْهُ وَأَنت تعلم ذَلِك حلف الْمُدَّعِي على نفي الْعلم بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ حلف على نفي فعل غَيره وَلَو قَالَ جنى عَبدك عَليّ بِمَا يُوجب كَذَا وَأنكر فَالْأَصَحّ حلف السَّيِّد على الْبَتّ لِأَن عَبده مَاله وَفعله كَفِعْلِهِ وَلذَلِك سَمِعت الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَلَو قَالَ جنت بهيمتك على زرعي مثلا فَعَلَيْك ضَمَانه فَأنْكر مَالِكهَا حلف على الْبَتّ لِأَنَّهُ لَا ذمَّة لَهَا وَضَمان جنايتها بتقصيره فِي حفظهَا لَا وَتعْتَبر نِيَّة القَاضِي المستحلف للخصم فَلَو ورى الْحَالِف فِي يَمِينه بِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 قصد خلاف ظَاهر اللَّفْظ أَو تَأَول بِأَن اعْتقد الْحَالِف خلاف نِيَّة القَاضِي لم يدْفع إِثْم الْيَمين الْفَاجِرَة لِأَن الْيَمين شرعت ليهاب الْخصم الْإِقْدَام عَلَيْهَا خوفًا من الله تَعَالَى فَلَو صَحَّ تَأْوِيله لبطلت هَذِه الْفَائِدَة تَتِمَّة يسن تَغْلِيظ يَمِين مُدع إِذا حلف مَعَ شَاهده أَو ردَّتْ الْيَمين عَلَيْهِ وَيَمِين مدعى عَلَيْهِ وَإِن لم يطْلب الْخصم تغليظها فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد بِهِ مَال كَنِكَاح وَطَلَاق ولعان وَفِي مَال يبلغ نِصَاب زَكَاة نقد عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا أَو مِائَتي دِرْهَم فضَّة أَو مَا قِيمَته ذَلِك والتغليظ يكون بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان كَمَا مر فِي اللّعان وَبِزِيَادَة أَسمَاء وصفات كَأَن يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَإِن كَانَ الْحَالِف يَهُودِيّا حلفه القَاضِي بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ونجاه من الْغَرق أَو نَصْرَانِيّا حلفه بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى أَو مجوسيا أَو وثنيا حلفه بِالَّذِي خلقه وصوره وَلَا يجوز لقاض أَن يحلف أحدا بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَتى بلغ الإِمَام أَن قَاضِيا يسْتَحْلف النَّاس بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر عَزله عَن الحكم لِأَنَّهُ جَاهِل وَقَالَ ابْن عبد الْبر لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم يرى الِاسْتِحْلَاف بذلك وَلَا يحلف قَاض على تَركه ظلما فِي حكمه وَلَا شَاهد أَنه لم يكذب فِي شَهَادَته وَلَا مُدع صبا وَلَو احْتِمَالا بل يمهله حَتَّى يبلغ إِلَّا كَافِرًا مسبيا أنبت وَقَالَ تعجلت إنبات الْعَانَة فَيحلف لسُقُوط الْقَتْل وَالْيَمِين من الْخصم تقطع الْخُصُومَة حَالا لَا الْحق فَتسمع بَيِّنَة الْمُدَّعِي بعد حلف الْخصم وَلَو ادّعى رق غير صبي وَمَجْنُون ومجهول نسب فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَلَو ادّعى رق صبي أَو مَجْنُون وليسا بِيَدِهِ لم يصدق إِلَّا بِحجَّة أَو بِيَدِهِ وَجَهل لقطهما حلف وَحكم لَهُ برقهما لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَالهمَا وإنكارهما بعد كمالهما لَغْو فَلَا بُد لَهما من حجَّة وَلَا تسمع دَعْوَى بدين مُؤَجل وَإِن كَانَ بِهِ بَيِّنَة إِذْ لَا يتَعَلَّق بهَا إِلْزَام فِي الْحَال فَلَو كَانَ بعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا صحت الدَّعْوَى بِهِ لاسْتِحْقَاق الْمُطَالبَة بِبَعْضِه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فصل فِي الشَّهَادَات جمع شَهَادَة وَهِي إِخْبَار عَن شَيْء بِلَفْظ خَاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} وَقَوله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ لَك إِلَّا شَاهِدَاك أَو يَمِينه وَخبر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الشَّهَادَة فَقَالَ للسَّائِل ترى الشَّمْس قَالَ نعم فَقَالَ على مثلهَا فاشهد أَو دع رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وصححا إِسْنَاده وأركانها خَمْسَة شَاهد ومشهود لَهُ ومشهود عَلَيْهِ ومشهود بِهِ وَصِيغَة ثمَّ شرع فِي شُرُوط الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَلَا تقبل الشَّهَادَة) عِنْد الْأَدَاء (إِلَّا مِمَّن اجْتمعت فِيهِ خَمْسَة) بل عشرَة (خِصَال) كَمَا ستعرفها الأولى (الْإِسْلَام) فَلَا تقبل شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم وَلَا على الْكَافِر خلافًا لأبي حنيفَة فِي قبُوله شَهَادَة الْكَافِر على الْكَافِر وَلأَحْمَد فِي الْوَصِيَّة لقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَالْكَافِر لَيْسَ بِعدْل وَلَيْسَ منا وَلِأَنَّهُ أفسق الْفُسَّاق ويكذب على الله تَعَالَى فَلَا يُؤمن من الْكَذِب على خلقه (و) الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة (الْبلُوغ وَالْعقل) فَلَا تقبل شَهَادَة صبي لقَوْله تَعَالَى {من رجالكم} وَلَا مَجْنُون بِالْإِجْمَاع (و) الرَّابِعَة (الْحُرِّيَّة) وَلَو بِالدَّار فَلَا تقبل شَهَادَة رَقِيق خلافًا لِأَحْمَد وَلَو مبعضا أَو مكَاتبا لِأَن أَدَاء الشَّهَادَة فِيهِ معنى الْولَايَة وَهُوَ مسلوب مِنْهَا (و) الْخَامِسَة (الْعَدَالَة) فَلَا تقبل شَهَادَة فَاسق لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَالسَّادِسَة أَن تكون لَهُ مُرُوءَة وَهِي الاسْتقَامَة لِأَن من لَا مُرُوءَة لَهُ لَا حَيَاء لَهُ وَمن لَا حَيَاء لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَالسَّابِعَة أَن يكون غير مُتَّهم فِي شَهَادَته لقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُم أقسط عِنْد الله وأقوم للشَّهَادَة وَأدنى أَلا ترتابوا} والريبة حَاصِلَة بالمتهم وَالثَّامِنَة أَن يكون ناطقا فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس وَإِن فهمت إِشَارَته والتاسعة أَن يكون يقظا كَمَا قَالَه صَاحب التَّنْبِيه وَغَيره فَلَا تقبل شَهَادَة مُغفل والعاشرة أَن لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تقبل شَهَادَته كَمَا نقل فِي أصل الرَّوْضَة قبيل فصل التَّوْبَة عَن الصَّيْمَرِيّ وَجزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْوَصِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 وَخرج بِقَيْد الْأَدَاء التَّحَمُّل فَلَا يشْتَرط عِنْده هَذِه الشُّرُوط بِدَلِيل قَوْلهم إِنَّه لَو شهد كَافِر أَو عبد أَو صبي ثمَّ أَعَادَهَا بعد كَمَاله قبلت كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِي خادمه قَالَ وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك غير شُهُود النِّكَاح فَإِنَّهُ يشْتَرط الْأَهْلِيَّة عِنْد التَّحَمُّل أَيْضا (وللعدالة) الْمُتَقَدّمَة (خمس شَرَائِط) الأول (أَن يكون مجتنبا للكبائر) أَي لكل مِنْهَا (و) الثَّانِي أَن يكون (غير مصر على الْقَلِيل من الصَّغَائِر) من نوع أَو أَنْوَاع وَفسّر جمَاعَة الْكَبِيرَة بِأَنَّهَا مَا لحق صَاحبهَا وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب أَو سنة وَقيل هِيَ الْمعْصِيَة الْمُوجبَة للحد وَذكر فِي أصل الرَّوْضَة أَنهم إِلَى تَرْجِيح هَذَا أميل وَأَن الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَولا هُوَ الْمُوَافق لما ذَكرُوهُ عِنْد تَفْصِيل الْكَبَائِر انْتهى لأَنهم عدوا الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم وَشَهَادَة الزُّور وَنَحْوهَا من الْكَبَائِر وَلَا حد فِيهَا وَقَالَ الإِمَام هِيَ كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بِالدّينِ انْتهى وَالْمرَاد بهَا بِقَرِينَة التعاريف الْمَذْكُورَة غير الْكَبَائِر الاعتقادية الَّتِي هِيَ الْبدع فَإِن الرَّاجِح قبُول شَهَادَة أَهلهَا مَا لم نكفرهم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه هَذَا ضَبطهَا بِالْحَدِّ وَأما ضَبطهَا بالعد فأشياء كَثِيرَة قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ إِلَى السّبْعين أقرب وَقَالَ سعيد بن جُبَير إِنَّهَا إِلَى سَبْعمِائة أقرب أَي بِاعْتِبَار أَصْنَاف أَنْوَاعهَا وَمَا عدا ذَلِك من الْمعاصِي فَمن الصَّغَائِر وَلَا بَأْس بعد شَيْء من النَّوْعَيْنِ فَمن الأول تَقْدِيم الصَّلَاة أَو تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا بِلَا عذر وَمنع الزَّكَاة وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة ونسيان الْقُرْآن واليأس من رَحْمَة الله وَأمن مكره تَعَالَى وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والإفطار فِي رَمَضَان من غير عذر وعقوق الْوَالِدين وَالزِّنَا واللواط وَشَهَادَة الزُّور وَضرب الْمُسلم بِغَيْر حق والنميمة وَأما الْغَيْبَة فَإِن كَانَت فِي أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن فَهِيَ كَبِيرَة كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَإِلَّا فصغيرة وَمن الصَّغَائِر النّظر الْمحرم وهجر الْمُسلم فَوق ثَلَاثَة أَيَّام والنياحة وشق الجيب والتبختر فِي الْمَشْي وَإِدْخَال صبيان أَو مجانين يغلب تنجيسهم الْمَسْجِد وَاسْتِعْمَال نَجَاسَة فِي بدن أَو ثوب لغير حَاجَة فبارتكاب كَبِيرَة أَو إِصْرَار على صَغِيرَة من نوع أَو أَنْوَاع تَنْتفِي الْعَدَالَة إِلَّا إِن تغلب طَاعَته على مَعَاصيه كَمَا قَالَه الْجُمْهُور فَلَا تَنْتفِي عَدَالَته وَإِن اقْتَضَت عبارَة المُصَنّف الانتفاء مُطلقًا فَائِدَة فِي الْبَحْر لَو نوى الْعدْل فعل كَبِيرَة غَدا كزنا لم يصر بذلك فَاسِقًا بِخِلَاف نِيَّة الْكفْر (و) الثَّالِث أَن يكون الْعدْل (سليم السريرة) أَي العقيدة بِأَن لَا يكون مبتدعا لَا يكفر وَلَا يفسق ببدعته فَلَا تقبل شَهَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 مُبْتَدع يكفر أَو يفسق ببدعته فَالْأول كمنكري الْبَعْث وَالثَّانِي كساب الصَّحَابَة وَيسْتَثْنى من هَذَا الخطابية فَلَا تقبل شَهَادَتهم وهم فرقة يجوزون الشَّهَادَة لصَاحِبِهِمْ إِذا سَمِعُوهُ يَقُول لي على فلَان كَذَا هَذَا إِذا لم يبينوا السَّبَب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَإِن بينوا السَّبَب كَأَن قَالُوا رَأَيْنَاهُ يقْرضهُ كَذَا فَتقبل حِينَئِذٍ شَهَادَتهم (و) الرَّابِع أَن يكون الْعدْل (مَأْمُونا) مِمَّا توقع فِيهِ النَّفس الأمارة صَاحبهَا (عِنْد الْغَضَب) من ارْتِكَاب قَول الزُّور والإصرار على الْغَيْبَة وَالْكذب لقِيَام غَضَبه فَلَا عَدَالَة لمن يحملهُ غَضَبه على الْوُقُوع فِي ذَلِك (و) الْخَامِس أَن يكون (محافظا على مُرُوءَة مثله) بِأَن يتخلق الشَّخْص بِخلق أَمْثَاله من أَبنَاء عصره مِمَّن يُرَاعِي مناهج الشَّرْع وآدابه فِي زَمَانه ومكانه لِأَن الْأُمُور الْعُرْفِيَّة قَلما تنضبط بل تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص والأزمنة والبلدان وَهَذَا بِخِلَاف الْعَدَالَة فَإِنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص فَإِن الْفسق يَسْتَوِي فِيهِ الشريف والوضيع بِخِلَاف الْمُرُوءَة فَإِنَّهَا تخْتَلف فَلَا تقبل شَهَادَة من لَا مُرُوءَة لَهُ كمن يَأْكُل أَو يشرب فِي سوق وَهُوَ غير سوقي كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغير من لم يغلبه جوع أَو عَطش أَو يمشي فِي سوق مَكْشُوف الرَّأْس أَو الْبدن غير الْعَوْرَة مِمَّن لَا يَلِيق بِهِ مثله ولغير محرم بنسك أما الْعَوْرَة فكشفها حرَام أَو يقبل زَوجته أَو أمته بِحَضْرَة النَّاس وَأما تَقْبِيل ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أمته الَّتِي وَقعت فِي سَهْمه بِحَضْرَة النَّاس فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ كَانَ تَقْبِيل اسْتِحْسَان لَا تمتّع أَو ظن أَنه لَيْسَ ثمَّ من ينظره أَو على أَن الْمرة الْوَاحِدَة لَا تضر على مَا اقْتَضَاهُ نَص الشَّافِعِي وَمد الرجل عِنْد النَّاس بِلَا ضَرُورَة كقبلة أمته بحضرتهم وَمن ذَلِك إكثار حكايات مضحكة بَين النَّاس بِحَيْثُ يصير ذَلِك عَادَة لَهُ وَخرج بالإكثار مَا لم يكثر أَو كَانَ ذَلِك طبعا لَا تصنعا كَمَا وَقع لبَعض الصَّحَابَة وَلبس فَقِيه قبَاء أَو قلنسوة فِي مَحل لَا يعْتَاد الْفَقِيه لبس ذَلِك فِيهِ وإكباب على لعب الشطرنج بِحَيْثُ يشْغلهُ عَن مهامته وَإِن لم يقْتَرن بِهِ مَا يحرمه أَو على غناء أَو استماعه وإكثار رقص وحرفة دنيئة مُبَاحَة كحجامة وكنس زبل وَنَحْوه ودبغ مِمَّن لَا يَلِيق ذَلِك بِهِ وَاعْترض جعلهم الحرفة الدنيئة مِمَّا يخرم الْمُرُوءَة مَعَ قَوْلهم إِنَّهَا من فروض الكفايات وَأجِيب بِحمْل ذَلِك على من اخْتَارَهَا لنَفسِهِ مَعَ حُصُول الْكِفَايَة بِغَيْرِهِ وَأما الحرفة غير الْمُبَاحَة كالمنجم والعراف والكاهن والمصور فَلَا تقبل شَهَادَتهم قَالَ الصَّيْمَرِيّ لِأَن شعارهم التلبيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 تَنْبِيه هَذَا الشَّرْط الْخَامِس إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي قبُول الشَّهَادَة لَا فِي الْعَدَالَة فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِك لَا يخرج عَن كَونه عدلا لَكِن شَهَادَته لم تقبل لفقد مروءته وَمن شُرُوط الْقبُول أَيْضا أَن لَا يكون مُتَّهمًا والتهمة أَن يجر إِلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ نفعا أَو يدْفع عَنهُ بهَا ضَرَرا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه تَتِمَّة لَو شهد اثْنَان لاثْنَيْنِ بِوَصِيَّة من تَرِكَة فَشهد الِاثْنَان للشاهدين بِوَصِيَّة من تِلْكَ التَّرِكَة قبلت الشهادتان فِي الْأَصَح لانفصال كل شَهَادَة عَن الْأُخْرَى وَلَا تجر شَهَادَته نفعا وَلَا تدفع عَنهُ ضَرَرا وَتقبل شَهَادَة الْحِسْبَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى المتمحضة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَفِيمَا فِيهِ لله تَعَالَى حق مُؤَكد وَهُوَ مَا لَا يتأثر بِرِضا الْآدَمِيّ كَطَلَاق وَعتق وعفو عَن قصاص وإبقاء عدَّة وانقضائها وحد لله تَعَالَى وَكَذَا النّسَب على الصَّحِيح وَمَتى حكم قَاض بِشَاهِدين فبانا غير مقبولي الشَّهَادَة ككافرين نقضه هُوَ وَغَيره وَلَو شهد كَافِر أَو عبد أَو صبي ثمَّ أَعَادَهَا بعد كَمَاله قبلت شَهَادَته لانْتِفَاء التُّهْمَة أَو فَاسق تَابَ لم تقبل للتُّهمَةِ وَتقبل من غير تِلْكَ الشَّهَادَة بِشَرْط اختباره بعد التَّوْبَة مُدَّة يظنّ فِيهَا صدق تَوْبَته وقدرها الْأَكْثَرُونَ بِسنة وَيشْتَرط فِي تَوْبَة مَعْصِيّة قولية القَوْل فَيَقُول قذفي بَاطِل وَأَنا نادم عَلَيْهِ وَلَا أَعُود إِلَيْهِ وَيَقُول فِي شَهَادَة الزُّور شهادتي بَاطِلَة وَأَنا نادم عَلَيْهَا وَالْمَعْصِيَة غير القولية يشْتَرط فِي التَّوْبَة مِنْهَا إقلاع عَنْهَا وَنَدم عَلَيْهَا وعزم أَن لَا يعود لَهَا ورد ظلامة آدَمِيّ إِن تعلّقت بِهِ فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة والأسباب الْمَانِعَة من الْقبُول وَأسْقط ذكر فصل فِي بَعْضهَا (والحقوق) الْمَشْهُود بهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يعْتَبر فِيهَا عددا أَو وَصفا (ضَرْبَان) أَحدهمَا (حق الله تَعَالَى و) ثَانِيهمَا (حق الْآدَمِيّ) وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ (فَأَما حق الْآدَمِيّ) لِأَنَّهُ الْأَغْلَب وقوعا (فَهُوَ على ثَلَاثَة أضْرب) الأول (ضرب لَا يقبل فِيهِ إِلَّا شَاهِدَانِ ذكران) أَي رجلَانِ وَلَا مدْخل فِيهِ للإناث وَلَا للْيَمِين مَعَ الشَّاهِد (وَهُوَ مَا لَا يقْصد مِنْهُ المَال) أصلا كعقوبة لله تَعَالَى والآدمي (و) مَا (يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) غَالِبا كَطَلَاق وَنِكَاح ورجعة وَإِقْرَار بِنَحْوِ زنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 وَمَوْت ووكالة ووصاية وَشركَة وقراض وكفالة وَشَهَادَة على شَهَادَة لِأَن الله تَعَالَى نَص على الرجلَيْن فِي الطَّلَاق وَالرَّجْعَة والوصاية وروى مَالك عَن الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة بِأَنَّهُ لَا يجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود وَلَا فِي النِّكَاح كَالطَّلَاقِ وَقيس بالمذكورات غَيرهَا مِمَّا يشاركها فِي الْمَعْنى الْمَذْكُور وَالْوكَالَة وَالثَّلَاثَة بعْدهَا وَإِن كَانَت فِي مَال الْقَصْد مِنْهَا الْولَايَة والسلطنة لَكِن لما ذكر ابْن الرّفْعَة اخْتلَافهمْ فِي الشّركَة والقراض قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن رام مدعيهما إِثْبَات التَّصَرُّف فَهُوَ كَالْوَكِيلِ أَو إِثْبَات حِصَّته من الرِّبْح فيثبتان بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ إِذْ الْمَقْصُود المَال وَيقرب مِنْهُ دَعْوَى الْمَرْأَة النِّكَاح لإِثْبَات الْمهْر أَو شطره أَو الْإِرْث فَيثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ إِذْ الْمَقْصُود مِنْهُ المَال وَإِن لم يثبت النِّكَاح بهما فِي غير هَذِه الصُّورَة (و) الثَّانِي (ضرب يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ) رجلَانِ (أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو شَاهد) أَي رجل وَاحِد (وَيَمِين الْمُدَّعِي) بعد أَدَاء شَهَادَة شَاهده وَبعد تعديله وَيذكر حتما فِي حلفه صدق شَاهده لِأَن الْيَمين وَالشَّهَادَة حجتان مختلفتا الْجِنْس فَاعْتبر ارتباط إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى ليصيرا كالنوع الْوَاحِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الضَّرْب الثَّانِي فِي كل (مَا كَانَ) مَالا عينا كَانَ أَو دينا أَو مَنْفَعَة أَو كَانَ (الْقَصْد مِنْهُ المَال) من عقد مَالِي أَو فَسخه أَو حق مَالِي كَبيع وَمِنْه الْحِوَالَة لِأَنَّهَا بيع دين بدين وإقالة وَضَمان وَخيَار وَأجل وَذَلِكَ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} وروى مُسلم وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِشَاهِد وَيَمِين زَاد الشَّافِعِي فِي الْأَمْوَال وَقيس بهَا مَا فِيهِ مَال تَنْبِيه من هَذَا الضَّرْب الْوَقْف أَيْضا كَمَا قَالَه ابْن سُرَيج وَقَالَ فِي الرَّوْضَة إِنَّه أقوى من الْمَعْنى وَصَححهُ الإِمَام وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا انْتهى وَصَححهُ أَيْضا الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُهِمَّات (و) الثَّالِث (ضرب يقبل فِيهِ) شَاهِدَانِ (رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو أَربع نسْوَة) منفردات (وَهُوَ) أَي هَذَا الضَّرْب الثَّالِث فِي كل (مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) غَالِبا كبكارة وولادة وحيض ورضاع وعيب امْرَأَة تَحت ثوبها كجراحة على فرجهَا حرَّة كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 أَو أمة واستهلال ولد لما روى ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة بِأَنَّهُ يجوز شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ غَيْرهنَّ من ولادَة النِّسَاء وعيوبهن وَقيس بِمَا ذكر غَيره مِمَّا يُشَارِكهُ فِي الضَّابِط الْمَذْكُور وَإِذا قبلت شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك منفردات فقبول الرجلَيْن أَو الرجل والمرأتين أولى تَنْبِيه قيد الْقفال وَغَيره مَسْأَلَة الرَّضَاع بِمَا إِذا كَانَ الرَّضَاع من الثدي فَإِن كَانَ من إِنَاء حلب فِيهِ اللَّبن لم تقبل شَهَادَة النِّسَاء بِهِ لَكِن تقبل شَهَادَتهنَّ بِأَن هَذَا اللَّبن من هَذِه الْمَرْأَة لِأَن الرِّجَال لَا يطلعون عَلَيْهِ غَالِبا وَخرج بِعَيْب امْرَأَة تَحت ثوبها مَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن الْبَغَوِيّ وَأقرهُ الْعَيْب فِي وَجه الْحرَّة وكفيها فَإِنَّهُ لَا يثبت إِلَّا برجلَيْن وَفِي وَجه الْأمة وَمَا يَبْدُو عِنْد المهنة فَإِنَّهُ يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ المَال فَإِن قيل هَذَا وَمَا قبله إِنَّمَا يأتيان على القَوْل بِحل النّظر إِلَى ذَلِك أما على مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ فِي الأولى وَالنَّوَوِيّ فِي الثَّانِيَة من تَحْرِيم ذَلِك فَتقبل النِّسَاء فِيهِ منفردات أُجِيب بِأَن الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ يطلع عَلَيْهِمَا الرِّجَال غَالِبا وَإِن قُلْنَا بِحرْمَة نظر الْأَجْنَبِيّ لِأَن ذَلِك جَائِز لمحارمها وَزوجهَا وَيجوز نظر الْأَجْنَبِيّ لوجهها لتعليم ومعاملة وَتحمل شَهَادَة وَقد قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ أطلق الْمَاوَرْدِيّ نقل الْإِجْمَاع على أَن عُيُوب النِّسَاء فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لَا يقبل فِيهِ إِلَّا الرِّجَال وَلم يفصل بَين الْأمة والحرة وَبِه صرح القَاضِي حُسَيْن فيهمَا انْتهى أَي فَلَا تقبل النِّسَاء الخلص فِي الْأمة لما مر أَنه يقبل فِيهَا رجل وَامْرَأَتَانِ لما مر وكل مَا لَا يثبت من الْحُقُوق بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ لَا يثبت بِرَجُل وَيَمِين لِأَن الرجل وَامْرَأَتَيْنِ أقوى وَإِذا لم يثبت بالأقوى لَا يثبت بِمَا دونه وكل مَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ يثبت بِرَجُل وَيَمِين إِلَّا عُيُوب النِّسَاء وَنَحْوهَا كإرضاع فَإِنَّهَا لَا تثبت بِشَاهِد وَيَمِين لِأَنَّهَا أُمُور خطرة بِخِلَاف المَال وَقد علم من تَقْسِيم المُصَنّف الْمَذْكُور أَنه لَا يثبت شَيْء بامرأتين وَيَمِين وَهُوَ كَذَلِك لعدم وُرُود ذَلِك وقيامهما مقَام رجل فِي غير ذَلِك لوروده فرع مَا قبل فِيهِ شَهَادَة النسْوَة على فعله لَا تقبل شَهَادَتهنَّ على الْإِقْرَار بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يسمعهُ الرِّجَال غَالِبا كَسَائِر الأقارير كَمَا ذكره الدَّمِيرِيّ (وَأما حُقُوق الله تَعَالَى فَلَا تقبل فِيهَا النِّسَاء) أصلا وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِي هَذَا وَفِي جَمِيع مَا مر (وَهِي) أَي حُقُوق الله تَعَالَى (على ثَلَاثَة أضْرب) أَيْضا الأول (ضرب لَا يقبل فِيهِ أقل من أَرْبَعَة) من الرِّجَال (وَهُوَ) أَي هَذَا الضَّرْب (الزِّنَا) لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَلما فِي صَحِيح مُسلم عَن سعد بن عبَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو وجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء قَالَ نعم وَلِأَنَّهُ لَا يقوم إِلَّا من اثْنَيْنِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ على فعلين وَلِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 من أغْلظ الْفَوَاحِش فغلظت الشَّهَادَة فِيهِ ليَكُون أستر وَإِنَّمَا تقبل شَهَادَتهم بِالزِّنَا إِذا قَالُوا حانت منا التفاتة فَرَأَيْنَا أَو تعمدنا النّظر لإِقَامَة الشَّهَادَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَإِن قَالُوا تعمدنا لغير الشَّهَادَة فسقوا وَردت شَهَادَتهم انْتهى هَذَا إِذا تكَرر ذَلِك مِنْهُم وَلم تغلب طاعتهم على معاصيهم وَإِلَّا فَتقبل لِأَن ذَلِك صَغِيرَة وَيَنْبَغِي إِذا أطْلقُوا الشَّهَادَة أَن يستفسروا إِن تيَسّر وَإِلَّا فَلَا تقبل شَهَادَتهم وَلَا بُد أَن يَقُولُوا رَأَيْنَاهُ أَدخل حشفته أَو قدرهَا من فاقدها فِي فرجهَا وَإِن لم يَقُولُوا كالأصبع فِي الْخَاتم أَو كالمرود فِي المكحلة تَنْبِيه اللواط فِي ذَلِك كَالزِّنَا وَكَذَا إتْيَان الْبَهِيمَة على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي الْأُم قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة لِأَن كلا جماع ونقصان الْعقُوبَة فِيهِ لَا يمْنَع من الْعدَد كَمَا فِي زنا الْأمة قَالَ البُلْقِينِيّ وَوَطْء الْميتَة لَا يُوجب الْحَد على الْأَصَح وَهُوَ كإتيان الْبَهَائِم فِي أَنه لَا يثبت إِلَّا بأَرْبعَة على الْمُعْتَمد انْتهى وَخرج بِمَا ذكر وَطْء الشُّبْهَة إِذا قصد بِالدَّعْوَى بِهِ المَال أَو شهد بِهِ حسبَة ومقدمات الزِّنَا كقبلة ومعانقة فَلَا تحْتَاج إِلَى أَرْبَعَة وَيقبل فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا وَمَا ألحق بِهِ رجلَانِ كَغَيْرِهِ من الأقارير (و) الثَّانِي (ضرب يقبل فِيهِ اثْنَان) أَي رجلَانِ (وَهُوَ) أَي هَذَا الضَّرْب الثَّانِي (مَا سوى الزِّنَا) وَمَا ألحق بِهِ (من الْحُدُود) سَوَاء أَكَانَ قتلا للمرتد أم لقاطع الطَّرِيق بِشَرْطِهِ أم لقطع فِي سَرقَة أم فِي طَرِيق أم فِي جلد لشارب مُسكر (و) الثَّالِث (ضرب يقبل فِيهِ) رجل (وَاحِد وَهُوَ هِلَال شهر رَمَضَان) بِالنِّسْبَةِ للصَّوْم على أظهر الْقَوْلَيْنِ عِنْد الشَّيْخَيْنِ احْتِيَاطًا للصَّوْم أما بِالنِّسْبَةِ لحلول أجل أَو لوُقُوع طَلَاق فَلَا كَمَا مر ذَلِك فِي الصّيام وَألْحق بذلك مسَائِل مِنْهَا مَا لَو نذر صَوْم رَجَب مثلا فَشهد وَاحِد بِرُؤْيَتِهِ فَهَل يجب الصَّوْم إِذا قُلْنَا يثبت بِهِ رَمَضَان حكى ابْن الرّفْعَة فِيهِ وَجْهَيْن عَن الْبَحْر وَرجح ابْن الْمقري فِي كتاب الصّيام الْوُجُوب مِنْهَا مَا فِي الْمَجْمُوع آخر الصَّلَاة على الْمَيِّت عَن الْمُتَوَلِي أَنه لَو مَاتَ ذمِّي فَشهد عدل بِإِسْلَامِهِ لم يكف فِي الْإِرْث وَفِي الِاكْتِفَاء بِهِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وتوابعها وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي هِلَال رَمَضَان وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيح الْقبُول وَهُوَ الظَّاهِر وَإِن أفتى القَاضِي حُسَيْن بِالْمَنْعِ وَمِنْهَا ثُبُوت شَوَّال بِشَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد بطرِيق التّبعِيَّة فِيمَا إِذا ثَبت رَمَضَان بِشَهَادَتِهِ وَلم ير الْهلَال بعد الثَّلَاثِينَ فانفطر على الْأَصَح وَمِنْهَا المسمع للخصم كَلَام القَاضِي أَو للْقَاضِي كَلَام الْخصم يقبل فِيهِ الْوَاحِد وَهُوَ من بَاب الشَّهَادَة كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ قبيل الْقَضَاء على الْغَائِب وَمِنْهَا صور زِيَادَة على ذَلِك ذكرتها فِي شرح المنهاح وَغَيره (وَلَا تقبل شَهَادَة) على فعل كزنا وَشرب خمر وغصب وَإِتْلَاف وولادة ورضاع واصطياد وإحياء وَكَون الْيَد على مَال إِلَّا بإبصار لذَلِك الْفِعْل مَعَ فَاعله لِأَنَّهُ يصل بِهِ إِلَى الْعلم وَالْيَقِين فَلَا يَكْفِي فِيهِ السماع من الْغَيْر قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مثلهَا فاشهد أَو دع إِلَّا أَن فِي الْحُقُوق مَا اكْتفى فِيهِ بِالظَّنِّ الْمُؤَكّد لتعذر الْيَقِين فِيهِ وَتَدْعُو الْحَاجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 إِلَى إثْبَاته كالملك فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى مَعْرفَته يَقِينا وَكَذَا الْعَدَالَة والإعسار وَتقبل فِي الْفِعْل من أَصمّ لإبصاره وَيجوز تعمد النّظر لفرجي الزَّانِيَيْنِ لتحمل الشَّهَادَة كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُمَا هتكا حُرْمَة أَنفسهمَا والأقوال كعقد وَفسخ وَطَلَاق وَإِقْرَار يشْتَرط فِي الشَّاهِد بهَا سَمعهَا وإبصار قَائِلهَا حَال تلفظه بهَا حَتَّى لَو نطق بهَا من وَرَاء حجاب وَهُوَ يتحققه لم يكف وَمَا حَكَاهُ الرَّوْيَانِيّ عَن الْأَصْحَاب من أَنه لَو جلس بِبَاب بَيت فِيهِ اثْنَان فَقَط فَسمع تعاقدهما بِالْبيعِ وَغَيره كفى من غير رُؤْيَة زيفه الْبَنْدَنِيجِيّ بِأَنَّهُ لَا يعرف الْمُوجب من الْقَابِل وَلَا تقبل شَهَادَة (الْأَعْمَى) فِيمَا يتَعَلَّق بالبصر لجَوَاز اشْتِبَاه الْأَصْوَات وَقد يحاكي الْإِنْسَان صَوت غَيره (إِلَّا فِي سِتَّة) وَفِي بعض النّسخ خَمْسَة (مَوَاضِع) وَسَيَأْتِي تَوْجِيه ذَلِك الْموضع الأول (الْمَوْت) فَإِنَّهُ يثبت بِالتَّسَامُعِ لِأَن أَسبَابه كَثِيرَة مِنْهَا مَا يخفى وَمِنْهَا مَا يظْهر وَقد يعسر الإطلاع عَلَيْهَا فَجَاز أَن يعْتَمد على الاستفاضة (و) الْموضع الثَّانِي (النّسَب) لذكر أَو أُنْثَى وَإِن لم يعرف عين الْمَنْسُوب إِلَيْهِ من أَب أَو جد فَيشْهد أَن هَذَا ابْن فلَان أَو أَن هَذِه بنت فلَان أَو قَبيلَة فَيشْهد أَنه من قَبيلَة كَذَا لِأَنَّهُ لَا مدْخل للرؤية فِيهِ فَإِن غَايَة الْمُمكن أَن يُشَاهد الْولادَة على الْفراش وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْقطع بل الظَّاهِر فَقَط وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَى إِثْبَات الْإِنْسَان إِلَى الأجداد المتوفين والقبائل الْقَدِيمَة فسومح فِيهِ قَالَ ابْن الْمُنْذر وَهَذَا مِمَّا لَا أعلم فِيهِ خلافًا وَكَذَا يثبت النّسَب بالاستفاضة إِلَى الْأُم فِي الْأَصَح كَالْأَبِ وَإِن كَانَ النّسَب فِي الْحَقِيقَة إِلَى الْأَب (و) الْموضع الثَّالِث (الْملك الْمُطلق) من غير إِضَافَة لمَالِك معِين إِذا لم يكن مُنَازع تَنْبِيه هَذِه الثَّلَاثَة من الْأُمُور الَّتِي تثبت بالاستفاضة وَبَقِي من الْأُمُور الَّتِي تثبت بالاستفاضة الْعتْق وَالْوَلَاء وَالْوَقْف وَالنِّكَاح كَمَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الْمُحَقِّقين لِأَنَّهَا أُمُور مُؤَبّدَة فَإِذا طَالَتْ مدَّتهَا عسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على ابتدائها فمست الْحَاجة إِلَى إِثْبَاتهَا بالاستفاضة وَلَا يشك أحد أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَعَن أَبَوَيْهَا زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا مُسْتَند غير السماع وَمَا ذكر فِي الْوَقْف هُوَ بِالنّظرِ إِلَى أَصله وَأما شُرُوطه فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ لَا يثبت بالاستفاضة شُرُوط الْوَقْف وتفاصيله بل إِن كَانَ وَقفا على جمَاعَة مُعينين أَو جِهَات مُتعَدِّدَة قسمت الْغلَّة بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفَة الشُّرُوط صرف النَّاظر الْغلَّة فِيمَا يرَاهُ من مصالحها انْتهى وَالْأَوْجه حمل هَذَا على مَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح شَيْخه من أَن الشُّرُوط إِن شهد بهَا مُنْفَرِدَة لم يثبت بهَا وَإِن ذكرهَا فِي شَهَادَته بِأَصْل الْوَقْف سَمِعت لِأَنَّهُ يرجع حَاصله إِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْوَقْف وَمِمَّا يثبت بالاستفاضة الْقَضَاء وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والرشد وَالْإِرْث وَاسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَالرّضَاع وَحَيْثُ يثبت النِّكَاح بالاستفاضة لَا يثبت الصَدَاق بهَا بل يرجع لمهر الْمثل وَلَا يَكْفِي الشَّاهِد بالاستفاضة أَن يَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ كَذَا وَإِن كَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 شَهَادَته مَبْنِيَّة عَلَيْهَا بل يَقُول أشهد أَنه لَهُ أَو أَنه ابْنه مثلا لِأَنَّهُ قد يعلم خلاف مَا سمع من النَّاس وَلَو صرح بذلك لم تقبل شَهَادَته على الْأَصَح لِأَن ذكره يشْعر بِعَدَمِ جزمه بِالشَّهَادَةِ وَيُؤْخَذ من التَّعْلِيل حمل هَذَا على مَا إِذا ظهر بِذكرِهِ تردد فِي الشَّهَادَة فَإِن ذكره لتقوية أَو حِكَايَة حَال قبلت شَهَادَته وَهُوَ ظَاهر وَلَيْسَ لَهُ أَن يَقُول أشهد أَن فُلَانَة ولدت فلَانا وَأَن فلَانا أعتق فلَانا لما مر أَنه يشْتَرط فِي الشَّهَادَة بِالْفِعْلِ الإبصار وبالقول الإبصار والسمع وَشرط الاستفاضة الَّتِي يسْتَند الشَّاهِد إِلَيْهَا فِي الْمَشْهُود بِهِ سَماع الْمَشْهُود بِهِ من جمع كثير يُؤمن توافقهم على الْكَذِب بِحَيْثُ يَقع الْعلم أَو الظَّن الْقوي بخبرهم كَمَا ذكره الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة لِأَن الأَصْل فِي الشَّهَادَة اعْتِمَاد الْيَقِين وَإِنَّمَا يعدل عَنهُ عِنْد عدم الْوُصُول إِلَيْهِ إِلَى ظن يقرب مِنْهُ على حسب الطَّاقَة (و) الْموضع الرَّابِع (التَّرْجَمَة) إِذا اتَّخذهُ القَاضِي مترجما وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْأَصَح فَتقبل شَهَادَته فِيهَا لِأَن التَّرْجَمَة تَفْسِير للفظ فَلَا يحْتَاج إِلَى مُعَاينَة وَإِشَارَة وَقَوله (وَمَا شهد بِهِ قبل الْعَمى) سَاقِط فِي بعض النّسخ فَمن عد الْمَوَاضِع سِتَّة عد ذَلِك وَمن عدهَا خَمْسَة لم يعد ذَلِك وَمَعْنَاهُ أَن الْأَعْمَى لَو تحمل شَهَادَة فِيمَا يحْتَاج لِلْبَصَرِ قبل عرُوض الْعَمى لَهُ ثمَّ عمي بعد ذَلِك شهد بِمَا تحمله إِن كَانَ الْمَشْهُود لَهُ وَعَلِيهِ معروفي الِاسْم وَالنّسب لِإِمْكَان الشَّهَادَة عَلَيْهِمَا فَيَقُول أشهد أَن فلَان ابْن فلَان أقرّ لفُلَان ابْن فلَان بِكَذَا بِخِلَاف مجهولهما أَو أَحدهمَا أخذا من مَفْهُوم الشَّرْط نعم لَو عمي ويدهما أَو يَد الْمَشْهُود عَلَيْهِ فِي يَده فَشهد عَلَيْهِ فِي الأولى مُطلقًا مَعَ تَمْيِيزه لَهُ من خَصمه وَفِي الثَّانِيَة بِالْمَعْرُوفِ الِاسْم وَالنّسب قبلت شَهَادَته كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ فِي الأولى وَصرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة فِي الثَّانِيَة (و) الْموضع الْخَامِس أَو السَّادِس على مَا تقدم مَا تحمله (على المضبوط) عِنْده كَأَن يقر شخص فِي أُذُنه بِنَحْوِ طَلَاق أَو عتق أَو مَال لشخص مَعْرُوف الِاسْم وَالنّسب فَيتَعَلَّق الْأَعْمَى بِهِ ويضبطه حَتَّى يشْهد عَلَيْهِ بِمَا سمع مِنْهُ عِنْد قَاض بِهِ فَتقبل على الصَّحِيح لحُصُول الْعلم بِأَنَّهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَله أَن يطَأ زَوجته اعْتِمَادًا على صَوتهَا للضَّرُورَة وَلِأَن الْوَطْء يجوز بِالظَّنِّ وَلَا يجوز لَهُ أَن يشْهد على زَوجته اعْتِمَادًا على صَوتهَا كَغَيْرِهَا خلافًا لما بَحثه الْأَذْرَعِيّ من قبُول شَهَادَته عَلَيْهَا اعْتِمَادًا على ذَلِك (وَلَا تقبل شَهَادَة جَار لنَفسِهِ نفعا) فَترد شَهَادَته لعَبْدِهِ سَوَاء أَكَانَ مَأْذُونا لَهُ أم لَا ومكاتبه لِأَن لَهُ فِيهِ علقَة نعم لَو شهد بشرَاء شقص لمشتريه وَفِيه شُفْعَة لمكاتبه قبلت ولغريم لَهُ ميت وَإِن لم تستغرق تركته الدُّيُون أَو عَلَيْهِ حجر فلس لِأَنَّهُ إِذا أثبت للْغَرِيم شَيْئا أثبت لنَفسِهِ الْمُطَالبَة بِهِ وَترد شَهَادَته أَيْضا بِمَا هُوَ ولي أَو وَصِيّ أَو وَكيل فِيهِ وَلَو بِدُونِ جعل لِأَنَّهُ يثبت لنَفسِهِ سلطنة التَّصَرُّف وببراءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 من ضمنه بأَدَاء أَو إِبْرَاء لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ الْغرم عَن نَفسه وبجراحة مُوَرِثه قبل اندمالها لِأَنَّهُ لَو مَاتَ كَانَ الْأَرْش لَهُ وَلَو شهد لموروث لَهُ مَرِيض أَو جريح بِمَال قبل الِانْدِمَال قبلت شَهَادَته وَالْفرق بَين هَذِه وَالَّتِي قبلهَا أَن الْجراحَة سَبَب للْمَوْت النَّاقِل للحق إِلَيْهِ بِخِلَاف المَال وَاحْتج لمنع قبُول الشَّهَادَة فِي ذَلِك وَأَمْثَاله بقوله تَعَالَى {وَأدنى أَلا ترتابوا} والريبة حَاصِلَة هُنَا وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل شَهَادَة خصم وَلَا ظنين والظنين الْمُتَّهم (و) لهَذَا (لَا) تقبل شَهَادَة (دَافع عَنْهَا) أَي عَن نَفسه (ضَرَرا) كَشَهَادَة عَاقِلَة بفسق شُهُود قتل يحملونه من خطأ أَو شبه عمد وَشَهَادَة غُرَمَاء مُفلس بفسق شُهُود دين آخر ظهر عَلَيْهِ لأَنهم يدْفَعُونَ بهَا ضَرَر الْمُزَاحمَة تَتِمَّة لَا تقبل شَهَادَة مُغفل لَا يضْبط أصلا وَلَا غَالِبا لعدم الوثوق بقوله أما من لَا يضْبط نَادرا والأغلب فِيهِ الْحِفْظ والضبط فَتقبل شَهَادَته قطعا لِأَن أحدا لَا يسلم من ذَلِك وَمن تعادل غلطه وَضَبطه فَالظَّاهِر أَنه كمن غلب غلطه وَلَا شَهَادَة مبادر بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يستشهد للتُّهمَةِ وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَجِيء قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون فَإِن ذَلِك فِي مقَام الذَّم لَهُم وَأما خبر مُسلم أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهُود الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا فَمَحْمُول على شَهَادَة الْحِسْبَة وَهِي مَأْخُوذَة من الاحتساب وَهُوَ طلب الْأجر فَتقبل سَوَاء أسبقها دَعْوَى أم لَا وَسَوَاء أَكَانَت فِي غيبَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ أم لَا وَهِي كَغَيْرِهَا من الشَّهَادَات فِي شُرُوطهَا السَّابِقَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى المتمحضة كَصَلَاة وَزَكَاة وَصَوْم بِأَن يشْهد بِتَرْكِهَا وَفِيمَا لله تَعَالَى فِيهِ حق مُؤَكد كَطَلَاق وَعتق وعفو عَن قصاص وَبَقَاء عدَّة وانقضائها وحد لله تَعَالَى بِأَن يشْهد بِمُوجب ذَلِك وَالْمُسْتَحب ستره إِذا رأى الْمصلحَة فِيهِ وإحصان وتعديل وَكَفَّارَة وبلوغ وَكفر وَإِسْلَام وَتَحْرِيم مصاهرة وَثُبُوت نسب وَوَصِيَّة ووقف إِذا عَمت جهتهما وَلَو أخرت الْجِهَة الْعَامَّة فَيدْخل نَحْو مَا أفتى بِهِ الْبَغَوِيّ من أَنه لَو وقف دَارا على أَوْلَاده ثمَّ الْفُقَرَاء فاستولى عَلَيْهَا ورثته وتملكوها فَشهد شَاهِدَانِ حسبَة قبل انْقِرَاض أَوْلَاده بوقفيتها قبلت شَهَادَتهمَا لِأَن آخِره وقف على الْفُقَرَاء لَا إِن خصت جهتهما فَلَا تقبل شَهَادَتهمَا لتعلقهما بِحُقُوق خَاصَّة وَخرج بِحُقُوق الله تَعَالَى حُقُوق الْآدَمِيّين كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف والبيوع والأقارير لَكِن إِذا لم يعلم صَاحب الْحق بِهِ أعلمهُ الشَّاهِد بِهِ ليستشهده بعد الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تسمع شَهَادَة الْحِسْبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا فَلَو شهد اثْنَان أَن فلَانا أعتق عَبده أَو أَنه أَخُو فُلَانَة من الرَّضَاع لم يكف حَتَّى يَقُولَا إِنَّه يسترقه أَو أَنه يُرِيد نِكَاحهَا وَكَيْفِيَّة شَهَادَة الْحِسْبَة أَن الشُّهُود يجيئون إِلَى القَاضِي وَيَقُولُونَ نَحن نشْهد على فلَان بِكَذَا فَأحْضرهُ لنشهد عَلَيْهِ فَإِن ابتدأوا وَقَالُوا فلَان زنى فهم قذفة وَمَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة هَل تسمع فِيهِ دَعْوَاهَا وَجْهَان أوجههمَا كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري تبعا للإسنوي وَنسبه الإِمَام للعراقيين لَا تسمع لِأَنَّهُ لَا حق للْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُود بِهِ وَمن لَهُ الْحق لم يَأْذَن فِي الطّلب وَالْإِثْبَات بل أَمر فِيهِ الْإِعْرَاض وَالدَّفْع مَا أمكن وَالْوَجْه الثَّانِي وَرجحه البُلْقِينِيّ أَنَّهَا تسمع وَيجب حمله على غير حُدُود الله تَعَالَى وَلذَا فصل بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ إِنَّهَا تسمع فِي مَحْض حُدُود الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 كتاب الْعتْق بِمَعْنى الْإِعْتَاق وَهُوَ لُغَة مَأْخُوذ من قَوْلهم عتق الْفرس إِذا سبق وَعتق الفرخ إِذا طَار واستقل فَكَأَن العَبْد إِذا فك من الرّقّ تخلص واستقل وَشرعا إِزَالَة ملك عَن آدَمِيّ لَا إِلَى مَالك تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَخرج بالآدمي والبهيمة فَلَا يَصح عتقهما كَمَا فِي زَوَايَا الخبايا عَن الرَّافِعِيّ أَو ملك طائرا وَأَرَادَ إرْسَاله فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ فِي معنى السوائب وَالْأَصْل فِي مشروعيته قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فك رَقَبَة} وَقَوله تَعَالَى {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} أَي بِالْإِسْلَامِ {وأنعمت عَلَيْهِ} أَي بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَه الْمُفَسِّرُونَ وَفِي غير مَوضِع فَتَحْرِير رَقَبَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار حَتَّى الْفرج بالفرج وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة كَانَت فداءه من النَّار وخصت الرَّقَبَة بِالذكر فِي هذَيْن الْخَبَرَيْنِ لِأَن ملك السَّيِّد الرَّقِيق كالغل فِي رقبته فَهُوَ محتبس بِهِ كَمَا تحبس الدَّابَّة بالحبل فِي عُنُقهَا فَإِذا أعْتقهُ أطلقهُ من ذَلِك الغل الَّذِي كَانَ فِيهِ رقبته وَقَوله حَتَّى الْفرج بالفرج خصّه بِالذكر إِمَّا لِأَن ذَنبه فَاحش وَإِمَّا لِأَنَّهُ قد يخْتَلف من الْمُعْتق وَالْمُعتق فَائِدَة أعتق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نسمَة وعاش ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وأعتقت السيدة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تسعا وَسِتِّينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 وَعَاشَتْ كَذَلِك وَأعْتق عبد الله بن عمر ألفا وَأعْتق حَكِيم بن حزَام مائَة مطوقين بِالْفِضَّةِ وَأعْتق ذُو الكراع الْحِمْيَرِي فِي يَوْم ثَمَانِيَة آلَاف وَأعْتق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَلَاثِينَ ألفا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وحشرنا مَعَهم آمين وأركانه ثَلَاثَة مُعتق وعتيق وَصِيغَة وَقد شرع فِي الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَيصِح الْعتْق من كل مَالك) للرقبة (جَائِز التَّصَرُّف فِي ملكه) أهل للتبرع وَالْوَلَاء مُخْتَار وَمن وَكيل أَو ولي فِي كَفَّارَة لَزِمت موليه فَلَا يَصح من غير مَالك بِلَا إِذن وَلَا من غير مُطلق التَّصَرُّف من صبي وَمَجْنُون ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس وَلَا من مبعض ومكاتب ومكره بِغَيْر حق وَيتَصَوَّر الْإِكْرَاه بِحَق فِي البيع بِشَرْط الْعتْق وَيصِح من سَكرَان وَمن كَافِر وَلَو حَرْبِيّا وَيثبت وَلَاؤُه على عتيقه الْمُسلم سَوَاء أعْتقهُ مُسلما أَو كَافِرًا ثمَّ أسلم وَلَا يَصح عتق مَوْقُوف لِأَنَّهُ غير مَمْلُوك وَلِأَن ذَلِك يبطل بِهِ حق بَقِيَّة الْبُطُون وَيصِح مُعَلّقا بِصفة مُحَققَة الْوُقُوع وَغَيرهَا كالتدبير لما فِيهِ من التَّوسعَة لتَحْصِيل الْقرْبَة وَإِذا علق الْإِعْتَاق على صفة لم يملك الرُّجُوع فِيهِ بالْقَوْل ويملكه بِالتَّصَرُّفِ كَالْبيع وَنَحْوه وَلَو بَاعه ثمَّ اشْتَرَاهُ لم تعد الصّفة وَلَو علقه على صفة بعد الْمَوْت ثمَّ مَاتَ السَّيِّد لم تبطل الصّفة وَيصِح مؤقتا وَيَلْغُو التَّأْقِيت والركن الثَّانِي الْعَتِيق وَيشْتَرط فِيهِ أَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم غير عتق يمْنَع بَيْعه كمستولدة ومؤجر بِخِلَاف مَا تعلق بِهِ ذَلِك كرهن على تَفْصِيل مر بَيَانه وَهَذَا الرُّكْن لم يذكرهُ المُصَنّف ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الصِّيغَة وَهِي إِمَّا صَرِيح وَإِمَّا كِنَايَة وَقد شرع فِي الْقسم الأول بقوله (وَيَقَع الْعتْق) أَي ينفذ (بِصَرِيح) لفظ (الْعتْق والتحرير) وَمَا تصرف مِنْهُمَا كَأَنْت عَتيق أَو مُعتق أَو مُحَرر أَو حررتك لورودهما فِي الْقُرْآن وَالسّنة متكررين وَيَسْتَوِي فِي ألفاظهما الهازل واللاعب لِأَن هزلهما جد كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَكَذَا {فك رَقَبَة} وَمَا تصرف مِنْهُ كمفكوك الرَّقَبَة صَرِيح فِي الْأَصَح لوروده فِي الْقُرْآن فروع لَو كَانَ اسْم أمته قبل إرقاقها حرَّة فسميت بِغَيْرِهِ فَقَالَ لَهَا يَا حرَّة عتقت إِن لم يقْصد النداء باسمها الْقَدِيم فَإِن كَانَ اسْمهَا فِي الْحَال حرَّة لم تعْتق إِلَّا إِن قصد الْعتْق وَلَو أقرّ بحريّة رَقِيقه خوفًا من أَخذ المكس عَنهُ إِذا طَالبه المكاس بِهِ وَقصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 الْإِخْبَار بِهِ لم يعْتق بَاطِنا وَلَو قَالَ لامْرَأَة زاحمته تأخري يَا حرَّة فَبَانَت أمته لم تعْتق وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ افرغ من عَمَلك وَأَنت حر وَقَالَ أردْت حرا من الْعَمَل لم يقبل ظَاهرا ويدين وَلَو قَالَ الله أعتقك عتق أَو أعتقك الله فَكَذَلِك كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر مثل هَذَا العَبْد وَأَشَارَ إِلَى عبد آخر لَهُ لم يعْتق ذَلِك العَبْد كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ لِأَن وَصفه بِالْعَبدِ يمْنَع عتقه وَيعتق الْمُخَاطب فَإِن قَالَ مثل هَذَا وَلم يقل العَبْد عتقا كَمَا صَوبه النَّوَوِيّ وَإِن قَالَ الْإِسْنَوِيّ إِنَّمَا يعْتق الأول فَقَط وَلَو قَالَ السَّيِّد لرجل أَنْت تعلم أَن عَبدِي حر عتق بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم يكن الْمُخَاطب عَالما بحريَّته لَا إِن قَالَ لَهُ أَنْت تظن أَو ترى والصريح لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاعه كَسَائِر الصرائح لِأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهُ غَيره عِنْد الْإِطْلَاق فَلم يحْتَج لتقويته بِالنِّيَّةِ وَلِأَن هزله جد كَمَا مر فَيَقَع الْعتْق وَإِن لم يقْصد إِيقَاعه أما قصد الصَّرِيح لمعناه فَلَا بُد مِنْهُ ليخرج أعجمي تلفظ بِالْعِتْقِ وَلم يعرف مَعْنَاهُ ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَة بقوله (و) يَقع الْعتْق أَيْضا بِلَفْظ (الْكِنَايَة) وَهُوَ مَا احْتمل الْعتْق وَغَيره كَقَوْلِه لَا ملك لي عَلَيْك لَا سُلْطَان لي عَلَيْك لَا سَبِيل لي عَلَيْك لَا خدمَة لي عَلَيْك أَنْت سائبة أَنْت مولَايَ وَنَحْو ذَلِك كأزلت ملكي أَو حكمي عَنْك لإشعار مَا ذكر بِإِزَالَة الْملك مَعَ احْتِمَال غَيره وَلذَلِك قَالَ المُصَنّف (مَعَ النِّيَّة) أَي لَا بُد من نِيَّة وَإِن احتف بهَا قرينَة لاحتمالها غير الْعتْق فَلَا بُد من نِيَّة الْعتْق التَّمْيِيز كالإمساك فِي الصَّوْم تَنْبِيه يشْتَرط أَن يَأْتِي بِالنِّيَّةِ قبل فَرَاغه من لفظ الْكِنَايَة كَمَا مر ذَلِك فِي الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ يَا سَيِّدي هَل هُوَ كِنَايَة أَو لَا وَجْهَان رجح الإِمَام أَنه كِنَايَة وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَهُوَ الظَّاهِر وَرجح القَاضِي وَالْغَزالِيّ أَنه لَغْو لِأَنَّهُ من السؤدد وتدبير الْمنزل وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعتْق وَصِيغَة طَلَاق أَو ظِهَار صَرِيحه كَانَت أَو كِنَايَة كِنَايَة هُنَا أَي فِيمَا هُوَ صَالح فِيهِ بِخِلَاف قَوْله للْعَبد اعْتد أَو استبرىء رَحِمك أَو لرقيقه أَنا مِنْك حر فَلَا ينفذ بِهِ الْعتْق وَلَو نَوَاه وَلَا يضر خطأ بتذكير أَو تَأْنِيث فَقَوله لعَبْدِهِ أَنْت حرَّة ولأمته أَنْت حر صَرِيح وَتَصِح إِضَافَة الْعتْق إِلَى جُزْء من الرَّقِيق كَمَا قَالَ (فَإِذا أعتق) الْمَالِك (بعض عبد) معِين كَيده أَو شَائِع مِنْهُ كربعه (عتق جَمِيعه) سرَايَة كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاق وَسَوَاء الْمُوسر وَغَيره لما روى النَّسَائِيّ أَن رجلا أعتق شِقْصا من غُلَام فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأجَاز عتقه وَقَالَ لَيْسَ لله شريك هَذَا إِذا كَانَ بَاقِيه لَهُ فَإِن كَانَ بَاقِيه لغيره فقد ذكره بقوله (وَإِن أعتق شركا) بِكَسْر الشين أَي نَصِيبا مُشْتَركا (لَهُ فِي عبد) سَوَاء كَانَ شَرِيكه مُسلما أم لَا كثر نصِيبه أم قل (وَهُوَ مُوسر يسري الْعتْق) مِنْهُ بِمُجَرَّد تلفظه بِهِ (إِلَى بَاقِيه) من غير توقف على أَدَاء الْقيمَة تَنْبِيه المُرَاد بِكَوْنِهِ مُوسِرًا أَن يكون مُوسِرًا بِقِيمَة حِصَّة شَرِيكه فَاضلا ذَلِك عَن قوته وقوت من تلْزمهُ نَفَقَته فِي يَوْمه وَلَيْلَته ودست ثوب يلْبسهُ وسكنى يَوْم على مَا سبق فِي الْفلس وَيصرف إِلَى ذَلِك كل مَا يُبَاع وَيصرف فِي الدُّيُون (وَكَانَ عَلَيْهِ) بِمُجَرَّد السَّرَايَة (قيمَة نصيب شَرِيكه) يَوْم الْإِعْتَاق لِأَنَّهُ وَقت الْإِتْلَاف فَإِن أيسر بِبَعْض حِصَّته سرى إِلَى مَا أيسر بِهِ من نصيب شَرِيكه وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر الصَّحِيحَيْنِ من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم العَبْد عَلَيْهِ قيمَة عدل فَأعْطى شركاءه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد وَإِلَّا فقد عتق عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عتق وَفِي رِوَايَة وَمن أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ قيمَة العَبْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 فَهُوَ عَتيق وَاحْترز بِقَيْد يسَاره عَن إِعْسَاره فَإِنَّهُ لَا يسري بل الْبَاقِي ملك لشَرِيكه وَيعتق نصِيبه فَقَط وَالِاعْتِبَار باليسار بِحَالَة الْإِعْتَاق فَلَو أعتق وَهُوَ مُعسر ثمَّ أيسر فَلَا تَقْوِيم كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وَقَضِيَّة إِطْلَاق التَّقْوِيم شُمُوله مَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين بِقَدرِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْأَظْهر عِنْد الْأَكْثَرين كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ مَالك لما فِي يَده نَافِذ تصرفه فِيهِ وَلِهَذَا لَو اشْترى بِهِ عبدا وَأعْتقهُ نفذ وَيسْتَثْنى من السَّرَايَة مَا لَو كَانَ نصيب الشَّرِيك مستولدا بِأَن اسْتَوْلدهَا وَهُوَ مُعسر فَلَا سرَايَة فِي الْأَصَح لِأَن السَّرَايَة تَتَضَمَّن النَّقْل وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو اسْتَوْلدهَا أَحدهمَا وَهُوَ مُعسر ثمَّ اسْتَوْلدهَا الآخر ثمَّ أعْتقهَا أَحدهمَا وَلَو كَانَت حِصَّة الَّذِي لم يعْتق مَوْقُوفَة لم يسر الْعتْق إِلَيْهَا قولا وَاحِدًا كَمَا قَالَه فِي الْكِفَايَة وَيسْتَثْنى صُورَتَانِ لَا تَقْوِيم فيهمَا على الْمُعْتق مَعَ يسَاره الأولى مَا إِذا وهب الأَصْل لفرعه شِقْصا من رَقِيق وَقَبضه ثمَّ أعتق الأَصْل مَا بَقِي فِي ملكه فَإِنَّهُ يسري إِلَى نصيب الْفَرْع مَعَ الْيَسَار وَلَا قيمَة عَلَيْهِ على الرَّاجِح وَالثَّانيَِة مَا لَو بَاعَ شِقْصا من رَقِيق ثمَّ حجر على المُشْتَرِي بالفلس فَأعتق البَائِع نصِيبه فَإِنَّهُ يسري إِلَى الْبَاقِي الَّذِي لَهُ الرُّجُوع فِيهِ بِشَرْط الْيَسَار وَلَا قيمَة عَلَيْهِ لِأَن عتقه صَادف مَا كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهِ وَلَو كَانَ رَقِيق بَين ثَلَاثَة فَأعتق اثْنَان مِنْهُم نصيبهما مَعًا وَأَحَدهمَا مُعسر وَالْآخر مُوسر قوم جَمِيع نصيب الَّذِي لم يعْتق على هَذَا الْمُوسر كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ وَالْمَرِيض مُعسر إِلَّا فِي ثلثه مَاله فَإِذا أعتق نصِيبه من رَقِيق مُشْتَرك فِي مرض مَوته فَإِن خرج جَمِيع العَبْد من ثلثه مَاله قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه وَعتق جَمِيعه وَإِن لم يخرج إِلَّا نصِيبه عتق بِلَا سرَايَة وَلَا تخْتَص السَّرَايَة بِالْإِعْتَاقِ وَحِينَئِذٍ استيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسر الْأمة الْمُشْتَركَة بَينهمَا يسري إِلَى نصيب شَرِيكه كَالْعِتْقِ بل أولى مِنْهُ بالنفوذ لِأَنَّهُ فعل وَهُوَ أقوى من القَوْل وَلِهَذَا ينفذ استيلاد الْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ دون عتقهما وإيلاد الْمَرِيض من رَأس المَال وإعتاقه من الثُّلُث وَخرج بالموسر الْمُعسر فَلَا يسري استيلاده كَالْعِتْقِ نعم إِن كَانَ الشَّرِيك المستولد أصلا لشَرِيكه يسري كَمَا لَو استولد الْجَارِيَة الَّتِي كلهَا لَهُ وَعَلِيهِ قيمَة نصيب شَرِيكه للإتلاف بِإِزَالَة ملكه وَعَلِيهِ أَيْضا حِصَّته من مهر مثل للاستمتاع بِملك غَيره مَعَ أرش الْبكارَة لَو كَانَت بكرا وَهَذَا إِن تَأَخّر الْإِنْزَال عَن تغييب الْحَشَفَة كَمَا هُوَ للْغَالِب وَإِلَّا فَلَا يلْزمه حِصَّة مهر لِأَن الْمُوجب لَهُ تغييب الْحَشَفَة فِي ملك غَيره وَهُوَ مُنْتَفٍ وشروط سرَايَة الْعتْق أَرْبَعَة الأول إِعْتَاق الْمَالِك وَلَو بنائبه بِاخْتِيَارِهِ كشرائه جُزْء أَصله وَلَيْسَ المُرَاد بِالِاخْتِيَارِ مُقَابل الْإِكْرَاه بل المُرَاد السَّبَب فِي الاعتاق وَلَا يَصح الِاحْتِرَاز بِالِاخْتِيَارِ عَن الْإِكْرَاه لِأَن الْكَلَام فِيمَا يعْتق فِيهِ الشّقص وَالْإِكْرَاه لَا عتق فِيهِ وَخرج بِالِاخْتِيَارِ مَا لَو ورث بعض فَرعه أَو أَصله فَإِنَّهُ لم يسر عَلَيْهِ الْعتْق إِلَى بَاقِيه لِأَن التَّقْوِيم سَبيله سَبِيل ضَمَان الْمُتْلفَات وَعند انْتِفَاء الِاخْتِيَار لَا صنع مِنْهُ يعد إتلافا الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون لَهُ يَوْم الْإِعْتَاق مَال يَفِي بِقِيمَة الْبَاقِي أَو بعضه كَمَا مر الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون محلهَا قَابلا للنَّقْل فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 سرَايَة فِي نصيب حكم بالاستيلاد فِيهِ وَلَا إِلَى الْحصَّة الْمَوْقُوفَة وَلَا إِلَى الْمَنْذُور إِعْتَاقه الشَّرْط الرَّابِع أَن يعْتق نصِيبه ليعتق أَولا ثمَّ يسري الْعتْق إِلَى نصيب شَرِيكه فَلَو أعتق نصيب شَرِيكه لَغَا إِذْ لَا ملك وَلَا تَبَعِيَّة فَلَو أعتق نصِيبه بعد ذَلِك سرى إِلَى حِصَّة شَرِيكه وَلَو أعتق نصف الْمُشْتَرك وَأطلق حمل على ملكه فَقَط لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يعْتق مَا يملكهُ كَمَا جزم بِهِ صَاحب الْأَنْوَار (وَمن ملك وَاحِدًا من وَالِديهِ أَو مولوديه) من النّسَب بِكَسْر الدَّال فيهمَا ملكا قهريا كَالْإِرْثِ أَو اختياريا كالشراء وَالْهِبَة (وَعتق عَلَيْهِ) أما الْأُصُول فَلقَوْله تَعَالَى {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} وَلَا يتأنى خفض الْجنَاح مَعَ الاسترقاق وَلما فِي صَحِيح مُسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه أَي بِالشِّرَاءِ لَا أَن الْوَلَد هُوَ الْمُعْتق بإنشائه الْعتْق كَمَا فهمه دَاوُد الظَّاهِرِيّ بِدَلِيل رِوَايَة فَيعتق عَلَيْهِ وَأما الْفُرُوع فَلقَوْله تَعَالَى {وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} دلّ على نفي اجْتِمَاع الولدية والعبدية تَنْبِيه شَمل قَوْله وَالِديهِ أَو مولوديه الذُّكُور مِنْهُمَا وَالْإِنَاث علوا أَو سفلوا اتَّحد دينهما أم لَا لِأَنَّهُ حكم مُتَعَلق بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ من ذَكرْنَاهُ وَخرج من عداهما من الْأَقَارِب كالإخوة والأعمام فَإِنَّهُم لَا يعتقون بِالْملكِ لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ نَص وَلَا هُوَ فِي معنى مَا ورد فِيهِ النَّص لانْتِفَاء البعضية عَنهُ وَأما خبر من ملك ذَا رحم فقد عتق عَلَيْهِ فضعيف بل قَالَ النَّسَائِيّ إِنَّه مُنكر وَخرج بقولنَا من النّسَب أَصله أَو فَرعه من الرَّضَاع فَإِنَّهُ لَا يعْتق عَلَيْهِ تَتِمَّة لَا يَصح شِرَاء الْوَلِيّ لطفل أَو مَجْنُون أَو سَفِيه قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَصَرَّف عَلَيْهِ بالغبطة وَلَا غِبْطَة لِأَنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَلَو وهب لمن ذكر أَو وصّى لَهُ بِهِ وَلم تلْزمهُ نَفَقَته كَأَن كَانَ هُوَ مُعسرا أَو فَرعه كسوبا فعلى الْوَلِيّ قبُوله وَيعتق على موليه لانْتِفَاء الضَّرَر وَحُصُول الْكَمَال للْبَعْض فَإِن لَزِمته نَفَقَته لم يجز للْوَلِيّ قبُوله وَلَو ملك أَصله أَو فَرعه فِي مرض مَوته مجَّانا كَأَن وَرثهُ أَو وهب لَهُ عتق عَلَيْهِ من رَأس المَال لِأَن الشَّرْع أخرجه عَن ملكه فَكَأَنَّهُ لم يدْخل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا صَححهُ فِي الرَّوْضَة كالشرحين وَإِن صحّح فِي الْمِنْهَاج أَنه يعْتق من ثلثه وَإِن ملكه بعوض بِلَا مُحَابَاة عتق من ثلثه لِأَنَّهُ فَوت على الْوَرَثَة مَا بذلوه من الثّمن وَلَا يَرِثهُ لِأَنَّهُ لَو وَرثهُ لَكَانَ عتقه تَبَرعا على الْوَرَثَة فَيبْطل لتعذر إِجَازَته لتوقفها على إِرْثه المتوقف على عتقه المتوقف عَلَيْهَا فَيتَوَقَّف كل من إِجَازَته وإرثه على الآخر فَيمْتَنع إِرْثه فَإِن كَانَ الْمَرِيض مدينا بدين مُسْتَغْرق لمَاله عِنْد مَوته بيع للدّين وَلَا يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن عتقه يعْتَبر من الثُّلُث وَالدّين يمْنَع مِنْهُ وَإِن ملكه بعوض بمحاباة من البَائِع فقدرها كملكه مجَّانا فَيكون من رَأس المَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 وَالْبَاقِي من الثُّلُث وَلَو وهب لرقيق جُزْء بعض سَيّده فَقبل عتق قَالَ فِي الْمِنْهَاج وسرى وعَلى سَيّده قيمَة بَاقِيَة لِأَن الْهِبَة لَهُ هبة لسَيِّده وَقَالَ فِي الرَّوْضَة يَنْبَغِي أَنه لَا يسري لِأَنَّهُ دخل فِي ملكه قهرا كَالْإِرْثِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر كَمَا اعْتَمدهُ البُلْقِينِيّ وَقَالَ مَا فِي الْمِنْهَاج وَجه ضَعِيف غَرِيب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء وَهُوَ بِفَتْح الْوَاو وَالْمدّ لُغَة الْقَرَابَة مَأْخُوذَة من الْمُوَالَاة وَهِي المعاونة والمقاربة وَشرعا عصوبة سَببهَا زَوَال الْملك عَن الرَّقِيق بِالْحُرِّيَّةِ وَهِي متراخية عَن عصوبة النّسَب فيرث الْمُعْتق بهَا الْمُعْتق ويلي أَمر النِّكَاح وَالصَّلَاة وَيعْقل وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {ومواليكم} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب أَي اخْتِلَاط كاختلاط النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب واللحمة بِضَم اللَّام الْقَرَابَة وَيجوز فتحهَا وَلَا يُورث بل يُورث بِهِ لِأَنَّهُ لَو ورث لاشترك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء كَسَائِر الْحُقُوق (وَالْوَلَاء من حُقُوق الْعتْق) اللَّازِمَة لَهُ فَلَا يَنْتَفِي بنفيه فَلَو اعتقه على أَن لَا وَلَاء لَهُ عَلَيْهِ أَو أَنه لغيره لَغَا الشَّرْط لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل قَضَاء الله أَحَق وَشَرطه أوثق إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَيثبت لَهُ الْوَلَاء سَوَاء أحصل الْعتْق مُنجزا أم بِصفة أم بِكِتَابَة بأَدَاء نُجُوم أم بتدبير أم باستيلاد أم بِقرَابَة كَأَن ورث قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ أَو ملكه بِبيع أَو هبة أَو وَصِيَّة أَو بشرَاء الرَّقِيق نَفسه فَإِنَّهُ عقد عتاقة أم ضمنا كَقَوْلِه لغيره أعتق عَبدك عني فَأَجَابَهُ أما وَلَاؤُه بِالْإِعْتَاقِ فللخبر السَّابِق وَأما بِغَيْرِهِ فبالقياس عَلَيْهِ أما إِذا أعتق غَيره عَبده عَنهُ بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ يَصح أَيْضا لَكِن لَا يثبت لَهُ الْوَلَاء وَإِنَّمَا يثبت للْمَالِك الْمُعْتق خلافًا لما وَقع فِي أصل الرَّوْضَة من أَنه يثبت لَهُ لَا للْمَالِك وَاسْتثنى من ذَلِك مَا لَو أقرّ بحريّة عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَلَا يكون وَلَاؤُه لَهُ بل هُوَ مَوْقُوف لِأَن الْملك بِزَعْمِهِ لم يثبت لَهُ وَإِنَّمَا عتق مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَمَا لَو أعتق الْكَافِر كَافِرًا فلحق الْعَتِيق بدار الْحَرْب واسترق ثمَّ أعْتقهُ السَّيِّد الثَّانِي فولاؤه للثَّانِي وَمَا لَو أعتق الإِمَام عبدا من عبيد بَيت المَال فَإِنَّهُ يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ للْمُسلمين لَا للْمُعْتق تَنْبِيه يثبت الْوَلَاء للْكَافِرِ على الْمُسلم كَعَكْسِهِ وَإِن لم يتوارثا كَمَا تثبت علقَة النِّكَاح وَالنّسب بَينهمَا وَإِن لم يتوارثا وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 يثبت الْوَلَاء بِسَبَب آخر غير الْإِعْتَاق كلإسلام شخص على يَد غَيره وَحَدِيث من أسلم على يَد رجل فَهُوَ أَحَق النَّاس بمحياه ومماته قَالَ البُخَارِيّ اخْتلفُوا فِي صِحَّته وكالتقاطه وَحَدِيث تحوز الْمَرْأَة ثَلَاثَة مَوَارِيث عتيقها ولقيطها وَوَلدهَا الَّذِي لاعنت عَلَيْهِ ضعفه الشَّافِعِي وَغَيره (وَحكمه) أَي الْإِرْث بِالْوَلَاءِ (حكم التَّعْصِيب) بِالنّسَبِ فِي أَرْبَعَة أَحْكَام الْمُتَقَدّم فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَالْإِرْث بِهِ وَولَايَة التَّزْوِيج وَتحمل الدِّيَة (عِنْد عَدمه) أَي التَّعْصِيب بِالنّسَبِ وَإِنَّمَا قدم النّسَب لقُوته (وينتقل) الْوَلَاء (عَن الْمُعْتق) بعد مَوته (إِلَى الذُّكُور من عصبته) أَي الْمُعْتق المتعصبين بِأَنْفسِهِم دون سَائِر الْوَرَثَة وَمن يعصبهم العاصب لِأَنَّهُ لَا يُورث كَمَا مر فَلَو انْتقل إِلَى غَيرهم لَكَانَ موروثا تَنْبِيه ظَاهر كَلَامه أَن الْوَلَاء لَا يثبت للعاصب مَعَ وجود الْمُعْتق وَلَيْسَ مرَادا بل يثبت لَهُم فِي حَيَاته والمتأخر لَهُم عَنهُ إِنَّمَا هُوَ فَوَائده وَلَا تَرث امْرَأَة بولاء إِلَّا من عتيقها للْخَبَر السَّابِق أَو منتميا إِلَيْهِ بِنسَب أَو وَلَاء فَإِن عتق عَلَيْهَا أَبوهَا كَأَن اشترته ثمَّ أعتق عبدا فَمَاتَ بعد موت الْأَب بِلَا وَارِث من النّسَب للْأَب وَالْعَبْد فَمَال الْعَتِيق للْبِنْت لَا لكَونهَا بنت مُعْتقه لما مر أَنَّهَا لَا تَرث بل لِأَنَّهَا مُعتقة الْمُعْتق وَمحل مِيرَاثهَا إِذا لم يكن للْأَب عصبَة فَإِن كَانَ كأخ أَو ابْن عَم فميراث الْعَتِيق لَهُ وَلَا شَيْء لَهَا لِأَن مُعتق الْمُعْتق مُتَأَخّر من عصوبة النّسَب قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ سَمِعت بعض النَّاس يَقُول أَخطَأ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض فَقَالُوا إِن الْمِيرَاث للْبِنْت لأَنهم رأوها أقرب وَهِي عصبَة لَهُ بولائها عَلَيْهِ وَوجه الْغَفْلَة أَن الْمُقدم فِي الْوَلَاء الْمُعْتق ثمَّ عصبته ثمَّ مُعْتقه ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق مُعْتقه ثمَّ عصباته وَهَكَذَا ووارث العَبْد هَا هُنَا عصبته فَكَانَ مقدما على مُعتق مُعْتقه وَلَا شَيْء لَهَا مَعَ وجوده وَنسبَة غلط الْقُضَاة فِي هَذِه الصُّورَة حَكَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَالَّذِي حَكَاهُ الإِمَام عَن غلطهم فِيمَا إِذا اشْترى أَخ وَأُخْت أباهما فَأعتق الْأَب عبدا وَمَات ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فَقَالُوا مِيرَاثه بَين الْأَخ وَالْأُخْت لِأَنَّهُمَا معتقا مُعْتقه وَهُوَ غلط وَإِنَّمَا الْمِيرَاث للْأَخ وَحده وَالْوَلَاء لأعلى الْعَصَبَات فِي الدرجَة والقرب مِثَاله ابْن الْمُعْتق مَعَ ابْن ابْنه فَلَو مَاتَ الْمُعْتق عَن ابْنَيْنِ أَو أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا وَخلف ابْنا فَالْولَاء لِعَمِّهِ دونه وَإِن كَانَ هُوَ الْوَارِث لِأَبِيهِ فَلَو مَاتَ الآخر وَخلف تِسْعَة بَنِينَ فَالْولَاء بَين الْعشْرَة بِالسَّوِيَّةِ وَلَو أعتق عَتيق أَبَا مُعتقة فَلِكُل مِنْهُمَا الْوَلَاء على الآخر وَإِن أعتق أَجْنَبِي أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فاشترتا أباهما فَلَا وَلَاء لوَاحِدَة مِنْهُمَا على الْأُخْرَى وَلَو أعتق كَافِر مُسلما وَله ابْن مُسلم وَابْن كَافِر ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق بعد موت مُعْتقه فولاؤه للْمُسلمِ فَقَط وَلَو أسلم الآخر قبل مَوته فولاؤه لَهما وَلَو مَاتَ فِي حَيَاة مُعتقة فميراثه لبيت المَال (وَلَا يجوز بيع الْوَلَاء وَلَا هِبته) لِأَن الْوَلَاء كالنسب فَكَمَا لَا يَصح بيع النّسَب وَلَا هِبته فَكَذَلِك لَا يَصح بيع الْوَلَاء وَلَا هِبته وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته مُتَّفق عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 تَتِمَّة لَو نكح عبد مُعتقة فَأَتَت بِولد فولاؤه لموَالِي الْأُم لِأَنَّهُ الْمُنعم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عتق بِإِعْتَاق أمه فَإِذا عتق الْأَب انجر الْوَلَاء من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْأَب لِأَن الْوَلَاء فرع النّسَب وَالنّسب إِلَى الْآبَاء دون الإمهات وَإِنَّمَا ثَبت لموَالِي الْأُم لعدمه من جِهَة الْأَب فَإِذا أمكن عَاد إِلَى مَوْضِعه وَمعنى الانجرار أَن يَنْقَطِع من وَقت عتق الْأَب عَن موَالِي الْأُم فَإِذا انجر إِلَى موَالِي الْأَب فَلم يبْق مِنْهُم أحد لم يرجع إِلَى موَالِي الْأُم بل يكون الْمِيرَاث لبيت المَال وَلَو مَاتَ الْأَب رَقِيقا وَعتق الْجد انجر الْوَلَاء من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْجد لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فَإِن أعتق الْجد وَالْأَب رَقِيق انجر الْوَلَاء من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْجد أَيْضا فَإِن أعتق الْأَب بعد الْجد انجر الْوَلَاء من موَالِي الْجد إِلَى موَالِي الْأَب لِأَن الْجد إِنَّمَا جَرّه لكَون الْأَب كَانَ رَقِيقا فَإِذا عتق كَانَ أولى بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ أقوى من الْجد فِي النّسَب وَلَو ملك هَذَا الْوَلَد الَّذِي وَلَاؤُه لموَالِي أمه أَبَاهُ جر وَلَاء إخْوَته لِأَبِيهِ من موَالِي أمّهم إِلَيْهِ وَلَا يجر وَلَاء نَفسه لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون لَهُ على نَفسه وَلَاء وَلِهَذَا لَو اشْترى العَبْد نَفسه أَو كَاتبه سَيّده وَأخذ النُّجُوم كَانَ الْوَلَاء عَلَيْهِ لسَيِّده كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فصل فِي التَّدْبِير وَهُوَ لُغَة النّظر فِي عواقب الْأُمُور وَشرعا تَعْلِيق عتق بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دبر الْحَيَاة فَهُوَ تَعْلِيق عتق بِصفة لَا وَصِيَّة وَلِهَذَا لَا يفْتَقر إِلَى إِعْتَاق بعد الْمَوْت وَلَفظه مَأْخُوذ من الدبر لِأَن الْمَوْت دبر الْحَيَاة وَكَانَ مَعْرُوفا فِي الْجَاهِلِيَّة فأقره الشَّرْع وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ أَن رجلا دبر غُلَاما لَيْسَ لَهُ مَال غَيره فَبَاعَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقريره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ وَعدم إِنْكَاره يدل على جَوَازه (وأركانه ثَلَاثَة) صِيغَة وَمَالك وَمحل وَهُوَ الرَّقِيق وَشرط فِيهِ كَونه رَقِيقا غير أم ولد لِأَنَّهَا تسْتَحقّ الْعتْق بِجِهَة أقوى من التَّدْبِير وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَهُوَ إِمَّا صَرِيح كَمَا يُؤْخَذ من قَوْله (وَمن قَالَ لعَبْدِهِ إِذا مت) أَنا (فَأَنت حر) أَعتَقتك أَو حررتك بعد موتِي أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَإِمَّا كِنَايَة وَهُوَ مَا يحْتَمل التَّدْبِير وَغَيره كخليت سَبِيلك أَو حسبتك بعد موتِي نَاوِيا الْعتْق (فَهُوَ مُدبر) وَحكمه أَنه (يعْتق) عَلَيْهِ (بعد وَفَاته) أَي السَّيِّد محسوبا (من ثلث مَاله) بعد الدّين وَإِن وَقع التَّدْبِير فِي الصِّحَّة وَلَو استغرق الدّين التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء أَو نصفهَا وَهِي هُوَ فَقَط بيع نصفه فِي الدّين وَعتق ثلث الْبَاقِي مِنْهُ وَإِن لم يكن دين وَلَا مَال غَيره عتق ثلثه فَائِدَة الْحِيلَة فِي عتق الْجَمِيع بعد الْمَوْت وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ أَن يَقُول هَذَا الرَّقِيق حر قبل مرض موتِي بِيَوْم وَإِن مت فَجْأَة فَقبل موتِي بِيَوْم فَإِذا مَاتَ بعد التعليقين بِأَكْثَرَ من يَوْم عتق من رَأس المَال وَلَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ وَيصِح التَّدْبِير مُقَيّدا بِشَرْط كَأَن مَاتَ فِي هَذَا الشَّهْر أَو الْمَرَض فَأَنت حر فَإِن مَاتَ فِيهِ عتق وَإِلَّا فَلَا ومعلقا كَإِن دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي فَإِن وجدت الصّفة وَمَات عتق وَإِلَّا فَلَا وَلَا يصير مُدبرا حَتَّى يدْخل وَشرط لحُصُول الْعتْق الدُّخُول قبل موت سَيّده فَإِن مَاتَ السَّيِّد قبل دُخُوله فَلَا تَدْبِير فَإِن قَالَ إِن مت ثمَّ دخلت الدَّار فَأَنت حر شَرط دُخُوله بعد مَوته وَلَو متراخيا عَن الْمَوْت وللوارث كَسبه قبل الدُّخُول وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يزِيل الْملك كَالْبيع لتَعلق حق الْعتْق بِهِ كَقَوْلِه إِذا مت وَمضى شهر مثلا بعد موتِي فَأَنت حر فللوارث كَسبه فِي الشَّهْر وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يزِيل الْملك وَهَذَا لَيْسَ بتدبير فِي الصُّورَتَيْنِ بل تَعْلِيق بِصفة لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 الْمَوْت فَقَط وَلَا مَعَ شَيْء قبله وَلَو قَالَ إِن شِئْت فَأَنت حر بعد موتِي اشْترط وُقُوع الْمَشِيئَة قبل الْمَوْت فَوْرًا فَإِن أَتَى بِصِيغَة نَحْو مَتى لم يشْتَرط الْفَوْر وَلَو قَالَا لعبدهما إِذا متْنا فَأَنت حر لم يعْتق حَتَّى يموتا مَعًا أَو مُرَتبا فَإِن مَاتَ أَحدهمَا فَلَيْسَ لوَارِثه بيع نصِيبه لِأَنَّهُ صَار مُسْتَحقّ الْعتْق بِمَوْت الشَّرِيك وَله كَسبه ثمَّ عتقه بعد مَوْتهمَا مَعًا عتق تَعْلِيق بِصفة لَا عتق تَدْبِير لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يعلقه بِمَوْتِهِ بل بِمَوْتِهِ وَمَوْت غَيره وَفِي مَوْتهمَا مُرَتبا يصير نصيب الْمُتَأَخر موتا بِمَوْت الْمُتَقَدّم مُدبرا دون نصيب الْمُتَقَدّم وَيشْتَرط فِي الْمَالِك أَن يكون مُخْتَارًا وَعدم صبي وجنون فَيصح من سَفِيه ومفلس وَلَو بعد الْحجر عَلَيْهِمَا وَمن مبعض وَكَافِر وَلَو حَرْبِيّا لِأَن كلا مِنْهُم صَحِيح الْعبارَة وَالْملك وَمن سَكرَان لِأَنَّهُ كالمكلف حكما وتدبير مُرْتَد مَوْقُوف إِن أسلم بَانَتْ صِحَّته وَإِن مَاتَ مُرْتَدا بِأَن فَسَاده ولحربي حمل مدبره لداره لِأَن أَحْكَام الرّقّ بَاقِيَة وَلَو دبر كَافِر مُسلما بيع عَلَيْهِ إِن لم يزل ملكه عَنهُ أَو دبر كَافِر كَافِرًا فَأسلم نزع مِنْهُ وَجعل عِنْد عدل ولسيده كَسبه وَهُوَ بَاقٍ على تَدْبيره لَا يُبَاع عَلَيْهِ لتوقع الْحُرِّيَّة (وَيجوز لَهُ) أَي للسَّيِّد الْجَائِز التَّصَرُّف (أَن يَبِيعهُ) أَي الْمُدبر أَو يَهبهُ ويقبضه وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك (فِي حَال حَيَاته) كَمَا قبل التَّدْبِير (وَيبْطل تَدْبيره) بإزالته ملكه عَنهُ للْخَبَر السَّابِق فَلَا يعود وَإِن ملكه بِنَاء على عدم عود الْحِنْث فِي الْيَمين وَخرج بجائز التَّصَرُّف السَّفِيه فَإِنَّهُ لَا يَصح بَيْعه وَإِن صَحَّ تَدْبيره وَيبْطل أَيْضا بإيلاد لمدبرته لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ بِدَلِيل أَنه لَا يعْتَبر من الثُّلُث وَلَا يمْنَع مِنْهُ الدّين بِخِلَاف التَّدْبِير فيرفعه الْأَقْوَى كَمَا يرفع ملك الْيَمين النِّكَاح وَلَا يبطل التَّدْبِير بردة السَّيِّد وَلَا الْمُدبر صِيَانة لحق الْمُدبر عَن الضّيَاع فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن كَانَا مرتدين وَلَا رُجُوع عَنهُ بِاللَّفْظِ كفسخته أَو نقضته كَسَائِر التعليقات وَلَا إِنْكَار التَّدْبِير كَمَا أَن إِنْكَار الرِّدَّة لَيْسَ إسلاما وإنكار الطَّلَاق لَيْسَ رَجْعَة فَيحلف إِنَّه مَا دبره وَلَا وطىء مدبرته وَيحل وَطْؤُهَا لبَقَاء ملكه وَيصِح تَدْبِير الْمكَاتب كَمَا يَصح تَعْلِيق عتقه بِصفة وَكِتَابَة مُدبر وَصَحَّ تَعْلِيق كل مِنْهُمَا بِصفة وَيعتق بالأسبق من الوصفين تَنْبِيه حمل من دبرت حَامِلا مُدبر تبعا لَهَا وَإِن انْفَصل قبل موت سَيِّدهَا لَا إِن بَطل قبل انْفِصَاله تدبيرها بِلَا مَوتهَا كَبيع فَيبْطل تَدْبيره أَيْضا وَيصِح تَدْبِير حمل كَمَا يَصح إِعْتَاقه وَلَا تتبعه أمه لِأَن الأَصْل لَا يتبع الْفَرْع فَإِن بَاعهَا فرجوع عَنهُ وَلَا يتبع مُدبرا وَلَده وَإِنَّمَا يتبع أمه فِي الرّقّ وَالْحريَّة (وَحكم) الرَّقِيق (الْمُدبر فِي حَال حَيَاة السَّيِّد حكم العَبْد الْقِنّ) فِي سَائِر الْأَحْكَام إِلَّا فِي رَهنه فَإِنَّهُ بَاطِل على الْمَذْهَب الَّذِي قطع الْجُمْهُور بِهِ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فِي بَابه والقن بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد النُّون هُوَ من لم يتَّصل بِهِ شَيْء من أَحْكَام الْمُعْتق ومقدماته بِخِلَاف الْمُدبر وَالْمكَاتب وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة والمستولدة سَوَاء أَكَانَ أَبَوَاهُ مملوكين أَو عتيقين أَو حُرَّيْنِ أصليين بِأَن كَانَا كَافِرين واسترق هُوَ كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه تَتِمَّة لَو وجد مَعَ مُدبر مَال أَو نَحوه فِي يَده بعد موت سَيّده فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِث فِيهِ فَقَالَ الْمُدبر كسبته بعد موت سَيِّدي وَقَالَ الْوَارِث بل قبله صدق الْمُدبر بِيَمِينِهِ لِأَن الْيَد لَهُ فترجح وَهَذَا بِخِلَاف ولد الْمُدبرَة إِذا قَالَت وَلدته بعد موت السَّيِّد فَهُوَ حر وَقَالَ الْوَارِث بل قبله فَهُوَ قن فَإِن القَوْل قَول الْوَارِث لِأَنَّهَا تزْعم حُرِّيَّته وَالْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد وَتقدم بَيِّنَة الْمُدبر على بَيِّنَة الْوَارِث إِذا أَقَامَا بينتين على مَا قَالَاه لاعتضادها بِالْيَدِ وَلَو دبر رجلَانِ أمتهما وَأَتَتْ بِولد وادعاه أَحدهمَا لحقه وَضمن لشَرِيكه نصف قيمتهَا وَنصف مهرهَا وَصَارَت أم ولد لَهُ وَبَطل التَّدْبِير وَإِن لم يَأْخُذ شَرِيكه نصف قيمتهَا لِأَن السَّرَايَة لَا تتَوَقَّف على أَخذهَا وَيَلْغُو رد الْمُدبر التَّدْبِير فِي حَيَاة السَّيِّد وَبعد مَوته كَمَا فِي الْمُعَلق عتقه بِصفة وَلَو قَالَ لأمته أَنْت حرَّة بعد موتِي بِعشر سِنِين مثلا لم تعْتق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 إِلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمدَّة من حِين الْمَوْت وَلَا يتبعهَا وَلَدهَا فِي حكم الصّفة إِلَّا إِن أَتَت بِهِ بعد موت السَّيِّد وَلَو قبل مُضِيّ الْمدَّة فيتبعها ذَلِك فَيعتق من رَأس المَال كَوَلَد الْمُسْتَوْلدَة بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا لَا يجوز إرقاقها وَيُؤْخَذ من الْقيَاس أَن مَحل ذَلِك إِذا علقت بِهِ بعد الْمَوْت وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِذا قَرَأت الْقُرْآن ومت فَأَنت حر فَإِذا قَرَأَ الْقُرْآن قبل موت السَّيِّد عتق بِمَوْتِهِ وَإِن قَرَأَ بعضه لم يعْتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن قَالَ إِن قَرَأت قُرْآنًا ومت فَأَنت حر فَقَرَأَ بعض الْقُرْآن وَمَات السَّيِّد عتق وَالْفرق التَّعْرِيف والتنكير كَذَا نَقله الْبَغَوِيّ عَن النَّص قَالَ الدَّمِيرِيّ وَالصَّوَاب مَا قَالَه الإِمَام فِي الْمَحْصُول إِن الْقُرْآن يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير لِأَنَّهُ اسْم جنس كَالْمَاءِ وَالْعَسَل لقَوْله تَعَالَى {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص بِمَا أَوْحَينَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن} وَهَذَا الْخطاب كَانَ بِمَكَّة بِالْإِجْمَاع لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَبعد ذَلِك نزل كثير من الْقُرْآن وَمَا نقل عَن النَّص لَيْسَ على هَذَا الْوَجْه فَإِن الْقُرْآن بِالْهَمْز عِنْد الشَّافِعِي يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير وَالْقُرْآن بِغَيْر همز عِنْده اسْم جمع كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة ولغة الشَّافِعِي بِغَيْر همز والواقف على كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَظُنّهُ مهموزا وَإِنَّمَا نطق فِي ذَلِك بلغته المألوفة لَا بغَيْرهَا وَبِهَذَا اتَّضَح الْإِشْكَال وَأجِيب عَن السُّؤَال فصل فِي الْكِتَابَة وَهِي بِكَسْر الْكَاف على الْأَشْهر هِيَ لُغَة الضَّم وَالْجمع لِأَن فِيهَا ضم نجم إِلَى نجم والنجم يُطلق على الْوَقْت أَيْضا الَّذِي يحل فِيهِ مَال الْكِتَابَة كَمَا سَيَأْتِي وَسميت كِتَابَة للْعُرْف الْجَارِي بِكِتَابَة ذَلِك فِي كتاب يُوَافقهُ وَشرعا عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فَأكْثر ولفظها إسلامي لَا يعرف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} وَخبر الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا (وَالْكِتَابَة مُسْتَحبَّة) لَا وَاجِبَة وَإِن طلبَهَا الرَّقِيق قِيَاسا على التَّدْبِير وَشِرَاء الْقَرِيب وَلِئَلَّا يتعطل أثر الْملك وتتحكم المماليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 على المالكين وَإِنَّمَا تسْتَحب (إِذا سَأَلَهَا العَبْد) من سَيّده (وَكَانَ مَأْمُونا) أَي أَمينا فِيمَا يكسبه بِحَيْثُ لَا يضيعه فِي مَعْصِيّة (مكتسبا) أَي قَادِرًا على الْكسْب وَبِهِمَا فسر الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْخَيْر فِي الْآيَة واعتبرت الْأَمَانَة لِئَلَّا يضيع مَا يحصله فَلَا يعْتق وَالْقُدْرَة على الْكسْب ليوثق بتحصيل النُّجُوم وتفارق الْإِيفَاء حَيْثُ أجري على ظَاهر الْأَمر من الْوُجُوب كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ مواساة وأحوال الشَّرْع لَا تمنع وُجُوبهَا كَالزَّكَاةِ تَنْبِيه قَوْله مكتسبا قد يُوهم أَنه أَي كسب كَانَ وَلَيْسَ مرَادا بل لَا بُد أَن يكون قَادِرًا على كسب يُوفي مَا الْتَزمهُ من النُّجُوم فَإِن فقد شَرط من هَذِه الثَّلَاثَة وَهِي السُّؤَال وَالْأَمَانَة وَالْقُدْرَة على الْكسْب فمباحة إِذْ لَا يقوى رَجَاء الْعتْق إِلَّا بهَا وَلَا تكره بِحَال لِأَنَّهَا عِنْد فقد مَا ذكر تُفْضِي إِلَى الْعتْق نعم إِن كَانَ الرَّقِيق فَاسِقًا بِسَرِقَة أَو نَحْوهَا وَعلم السَّيِّد أَنه لَو كَاتبه مَعَ الْعَجز عَن الْكسْب لاكتسب بطرِيق الْفسق كرهت كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وأركانها أَرْبَعَة سيد ورقيق وَصِيغَة وَعوض وَشرط فِي السَّيِّد وَهُوَ الرُّكْن الأول مَا مر فِي الْمُعْتق من كَونه مُخْتَارًا أهل تبرع وَوَلَاء لِأَنَّهَا تبرع وآيلة للولاء فَتَصِح من كَافِر أُصَلِّي وسكران لَا من مكره ومكاتب وَإِن أذن لَهُ سَيّده وَلَا من صبي وَمَجْنُون ومحجور سفه وأوليائهم وَلَا من مَحْجُور فلس وَلَا من مُرْتَد لِأَن ملكه مَوْقُوف والعقود لَا توقف على الْجَدِيد وَلَا من مبعض لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للولاء وَكِتَابَة مَرِيض مرض الْمَوْت محسوبة من الثُّلُث فَإِن خلف مثلي قِيمَته صحت فِي كُله أَو مثل قِيمَته فَفِي ثُلثَيْهِ أَو لم يخلف غَيره فَفِي ثلثه وَشرط فِي الرَّقِيق وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي اخْتِيَار وَعدم صبا وجنون وَأَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث لفظ يشْعر بِالْكِتَابَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان إِيجَابا ككاتبتك أَو أَنْت مكَاتب عَليّ كَذَا كألف منجما مَعَ قَوْله إِذا أديته مثلا فَأَنت حر لفظا أَو نِيَّة وقبولا كقبلت ذَلِك وَشرط فِي الْعِوَض وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع كَونه مَالا كَمَا تعرض لَهُ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى وَلم يذكر غَيره من الْأَركان بقوله (وَلَا تصح) أَي الْكِتَابَة (إِلَّا بِمَال) فِي ذمَّة الْمكَاتب نَقْدا كَانَ أَو عرضا مَوْصُوفا بِصفة السّلم لِأَن الْأَعْيَان لَا يملكهَا حَتَّى يُورد العقد عَلَيْهَا (مَعْلُوم) عِنْدهمَا قدرا وجنسا وَصفَة ونوعا لِأَنَّهُ عوض فِي الذِّمَّة فَاشْترط فِيهِ الْعلم بذلك كَدين السّلم وَيكون (إِلَى أجل مَعْلُوم) ليحصله ويؤديه فَلَا تصح بِالْحَال وَلَو كَانَ الْمكَاتب مبعضا لِأَن الْكِتَابَة عقد خَالف الْقيَاس فِي وَضعه فَاعْتبر فِيهِ سنَن السّلف والمأثور عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَمن بعدهمْ قولا وفعلا إِنَّمَا هُوَ التَّأْجِيل وَلم يعقدها أحد مِنْهُم حَالَة وَلَو جَازَ لم يتفقوا على تَركه مَعَ اخْتِلَاف الْأَغْرَاض خُصُوصا وَفِيه تَعْجِيل عتقه تَنْبِيه لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة كبناء دارين فِي ذمَّته وَجعل لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وقتا مَعْلُوما جَازَ كَمَا يجوز أَن تجْعَل الْمَنَافِع ثمنا وَأُجْرَة أما لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين فَإِنَّهُ لَا يَصح تأجيلها لِأَن الْأَعْيَان لَا تقبل التَّأْجِيل ثمَّ إِن كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين حَالَة نَحْو كاتبتك على أَن تخدمني شهرا أَو تخيط لي ثوبا بِنَفْسِك فَلَا بُد مَعَهُمَا من ضميمة مَال كَقَوْلِه وتعطيني دِينَارا بعد انقضائه لِأَن الضميمة شَرط فَلم يجز أَن يكون الْعِوَض مَنْفَعَة فَقَط فَلَو اقْتصر على خدمَة شَهْرَيْن وَصرح بِأَن كل شهر نجم لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 يَصح لِأَنَّهُمَا نجم وَاحِد وَلَا ضميمة وَلَو كَاتبه على خدمَة شهر رَجَب ورمضان فَأولى بِالْفَسَادِ إِذْ يشْتَرط فِي الْخدمَة أَو الْمَنَافِع الْمُتَعَلّقَة بالأعيان أَن تتصل بِالْعقدِ وَلَا حد لعدد نُجُوم الْكِتَابَة (وَأقله نجمان) لِأَنَّهُ الْمَأْثُور عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَمن بعدهمْ وَلَو جَازَت على أقل من نجمين لفعلوه لأَنهم كَانُوا يبادرون إِلَى القربات والطاعات مَا أمكن وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من ضم النُّجُوم بَعْضهَا إِلَى بعض وَأَقل مَا يحصل بِهِ الضَّم نجمان وَالْمرَاد بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْت كَمَا فِي الصِّحَاح قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تهذيبه حِكَايَة عَن الرَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يُقَال كَانَت الْعَرَب لَا تعرف الْحساب ويبنون أُمُورهم على طُلُوع النَّجْم والمنازل فَيَقُول أحدهم إِذا طلع نجم الثريا أديتك حَقك فسميت الْأَوْقَات نجوما ثمَّ سمي الْمُؤَدِّي فِي الْوَقْت نجما تَنْبِيه قَضِيَّة إِطْلَاقه أَنَّهَا تصح بنجمين قصيرين وَلَو فِي مَال كثير وَهُوَ كَذَلِك لِإِمْكَان الْقُدْرَة عَلَيْهِ كالسلم إِلَى مُعسر فِي مَال كثير إِلَى أجل قصير وَلَو كَاتب عبيدا كثلاثة صَفْقَة وَاحِدَة على عوض وَاحِد كألف منجم بنجمين مثلا وعلق عتقهم بِأَدَائِهِ صَحَّ لِاتِّحَاد الْمَالِك فَصَارَ كَمَا لَو بَاعَ عبيدا بِثمن وَاحِد ووزع الْعِوَض على قيمتهم وَقت الْكِتَابَة فَمن أدّى حِصَّته مِنْهُم عتق وَمن عجز رق وَتَصِح كِتَابَة بعض من بَاقِيه حر لِأَنَّهَا تفِيد الِاسْتِقْلَال الْمَقْصُود بِالْعقدِ وَلَا تصح كِتَابَة بعض رَقِيق وَإِن كَانَ بَاقِيه لغيره وَأذن لَهُ فِي الْكِتَابَة لِأَن الرَّقِيق لَا يسْتَقلّ فِيهَا بالتردد لِاكْتِسَابِ النُّجُوم ثمَّ لَو كَاتب فِي مَرضه بعض رَقِيق وَالْبَعْض ثلث مَاله أَو أوصى بِكِتَابَة رَقِيق فَلم يخرج من الثُّلُث إِلَّا بعضه وَلم تجز الْوَرَثَة الْوَصِيَّة صحت الْكِتَابَة فِي ذَلِك الْقدر وَعَن النَّص وَالْبَغوِيّ صِحَة الْوَصِيَّة بِكِتَابَة بعض عَبده وَلَو تعدد السَّيِّد كشريكين فِي عبد كاتباه مَعًا أَو وكلا من كَاتبه صَحَّ إِن اتّفقت النُّجُوم جِنْسا وَصفَة وعددا وآجلا وَجعلت النُّجُوم على نِسْبَة ملكيهما فَلَو عجز العَبْد فعجزه أَحدهمَا وَفسخ الْكِتَابَة وآبداه الآخر فِيهَا لم يَصح كابتداء عقدهَا وَلَو أَبرَأَهُ أَحدهمَا من نصِيبه من النُّجُوم أَو أعتق نصِيبه من العَبْد عتق نصِيبه مِنْهُ وَقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن أيسر وَعَاد الرّقّ للْمكَاتب وَخرج بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاق مَا لَو قبض نصِيبه فَلَا يعْتق وَإِن رَضِي الآخر بتقديمه إِذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيص أَحدهمَا بِالْقَبْضِ (وَهِي) أَي الْكِتَابَة الصَّحِيحَة (من جِهَة) أَي جَانب (السَّيِّد لَازِمَة) لَيْسَ لَهُ فَسخهَا لِأَنَّهَا عقدت لحظ مكَاتبه لَا لحظه فَكَانَ فِيهَا كالراهن لِأَنَّهَا حق عَلَيْهِ أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَهِيَ جَائِزَة من جِهَته على الْأَصَح فَإِن عجز الْمكَاتب عِنْد الْمحل بِنَجْم أَو بعضه غير الْوَاجِب فِي الإيتاء أَو امْتنع مِنْهُ عِنْد ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَو غلب عِنْد ذَلِك وَإِن حضر مَاله أَو كَانَت غيبَة الْمكَاتب دون مَسَافَة الْقصر على الْأَشْبَه فِي الْمطلب وقيدها فِي الْكِفَايَة بمسافة الْقصر وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر كَانَ لَهُ فَسخهَا بِنَفسِهِ وبحاكم مَتى شَاءَ لتعذر الْعِوَض عَلَيْهِ وَلَيْسَ للْحَاكِم الْأَدَاء من مَال الْمكَاتب الْغَائِب عَنهُ بل يُمكن السَّيِّد من الْفَسْخ لِأَنَّهُ رُبمَا عجز نَفسه أَو امْتنع من الْأَدَاء لَو أحضر (و) هِيَ (من جِهَة العَبْد الْمكَاتب جَائِزَة) فَلهُ الِامْتِنَاع من الْإِعْطَاء مَعَ الْقُدْرَة (وَله تعجيز نَفسه) وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْكسْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 وَتَحْصِيل الْعِوَض (و) لَهُ (فَسخهَا مَتى شَاءَ) وَإِن كَانَ مَعَه وَفَاء وَلَو استمهل سَيّده عِنْد الْمحل لعجز سنّ لَهُ إمهاله مساعدة لَهُ فِي تَحْصِيل الْعتْق أَو لبيع عرض وَجب إمهاله ليَبِيعهُ وَله أَن لَا يزِيد فِي المهلة على ثَلَاثَة أَيَّام سَوَاء أعرض كساد أم لَا فَلَا فسخ فِيهَا أَو لإحضار مَاله من دون مرحلَتَيْنِ وَجب أَيْضا إمهاله إِلَى إِحْضَاره لِأَنَّهُ كالحاضر بِخِلَاف مَا فَوق ذَلِك لطول الْمدَّة وَلَا تَنْفَسِخ الْكِتَابَة من السَّيِّد أَو الْمكَاتب بجنون وَلَا إِغْمَاء وَلَا بِحجر سفه لِأَن اللَّازِم من أحد طَرفَيْهِ لَا يَنْفَسِخ بِشَيْء من ذَلِك كَالرَّهْنِ وَيقوم ولي السَّيِّد الَّذِي جن أَو حجر عَلَيْهِ مقَامه فِي قبض وَيقوم الْحَاكِم مقَام الْمكَاتب الَّذِي جن أَو حجر عَلَيْهِ فِي أَدَاء إِن وجد لَهُ مَالا وَلم يَأْخُذهُ السَّيِّد اسْتِقْلَالا وَثبتت الْكِتَابَة وَحل النَّجْم وَحلف السَّيِّد على اسْتِحْقَاقه قَالَ الْغَزالِيّ وَرَأى لَهُ مصلحَة فِي الْحُرِّيَّة فَإِن رأى أَنه يضيع إِذا أَفَاق لم يؤد قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا حسن فَإِن اسْتَقل السَّيِّد بِالْأَخْذِ عتق لحُصُول الْقَبْض الْمُسْتَحق وَلَو جنى الْمكَاتب على سَيّده لزمَه قَود أَو أرش بَالغا مَا بلغ لِأَن وَاجِب جِنَايَته عَلَيْهِ لَا تعلق لَهُ بِرَقَبَتِهِ مِمَّا مَعَه وَمِمَّا يكسبه لِأَنَّهُ مَعَه كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِن لم يكن مَعَه مَا يَفِي بذلك فللسيد أَو الْوَارِث تعجيزه دفعا للضَّرَر عَنهُ أَو جنى على أَجْنَبِي لزمَه قَود أَو الْأَقَل من قِيمَته وَالْأَرْش لِأَنَّهُ يملك تعجيز نَفسه وَإِذا عجزها فَلَا مُتَعَلق إِلَّا الرَّقَبَة وَفِي إِطْلَاق الْأَرْش على دِيَة النَّفس تَغْلِيب فَإِن لم يكن مَعَه مَال يَفِي بِالْوَاجِبِ عَجزه الْحَاكِم بِطَلَب الْمُسْتَحق وَبيع بِقدر الْأَرْش إِن زَادَت قِيمَته عَلَيْهِ وَبقيت الْكِتَابَة فِيمَا بَقِي وَإِلَّا بيع كُله وَللسَّيِّد فداؤه بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قِيمَته وَالْأَرْش فَيبقى مكَاتبا وعَلى الْمُسْتَحق قبُول الْفِدَاء وَلَو أعْتقهُ أَو أَبرَأَهُ بعد الْجِنَايَة عتق وَلَزِمَه الْفِدَاء لِأَنَّهُ فَوت مُتَعَلق حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو قتل الْمكَاتب بِطَلَب الْكِتَابَة وَمَات رَقِيقا لفَوَات محلهَا ولسيده قَود على قَاتله إِن أوجبت الْجِنَايَة قودا وَإِلَّا فَالْقيمَة لَهُ (وللمكاتب) بِفَتْح الْمُثَنَّاة (التَّصَرُّف فِيمَا فِي يَده من المَال) الْحَاصِل من كَسبه بِمَا لَا تبرع فِيهِ وَلَا خطر كَبيع وَشِرَاء وَإِجَارَة أما مَا فِيهِ تبرع كصدقة أَو خطر كقرض وَبيع نَسِيئَة وَإِن استوثق برهن أَو كَفِيل فَلَا بُد فِيهِ من إِذن سَيّده نعم مَا تصدق بِهِ عَلَيْهِ من نَحْو لحم وخبز مِمَّا الْعَادة فِيهِ أكله وَعدم بَيْعه لَهُ إهداؤه كَغَيْرِهِ على النَّص فِي الْأُم وَله شِرَاء من يعْتق عَلَيْهِ بِإِذن سَيّده وَإِذا اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ تبعه رقا وعتقا وَلَا يَصح إِعْتَاقه عَن نَفسه وكاابته وَلَو بِإِذن سَيّده لتضمنهما الْوَلَاء وَلَيْسَ من أَهله كَمَا علم مِمَّا مر (و) يجب (على السَّيِّد أَن يضع) أَي يحط عَنهُ أَي مكَاتبه (من مَال الْكِتَابَة) الصَّحِيحَة (مَا) أَي أقل مُتَمَوّل أَو يَدْفَعهُ لَهُ من جنس مَال الْكِتَابَة وَإِن كَانَ من غَيره جَازَ والحط أَو الدّفع قبل الْعتْق (يَسْتَعِين بِهِ) على الْعتْق قَالَ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} فسر الإيتاء بِمَا ذكر لِأَن الْقَصْد مِنْهُ الْإِعَانَة على الْعتْق وَخرج بالصحيحة الْفَاسِدَة فَلَا شَيْء فِيهَا من ذَلِك وَاسْتثنى من لُزُوم الإيتاء مَا لَو كَاتبه فِي مرض مَوته وَهُوَ ثلث مَاله وَمَا لَو كَاتبه على مَنْفَعَة والحط أولى من الدّفع لِأَن الْقَصْد بالحط الْإِعَانَة على الْعتْق وَهِي مُحَققَة فِيهِ موهومة فِي الدّفع إِذْ قد يصرف الْمَدْفُوع فِي جِهَة أُخْرَى وَكَون كل من الْحَط وَالدَّفْع فِي النَّجْم الْأَخير أولى مِنْهُ فِيمَا قبله لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْعتْق وَكَونه ربع النُّجُوم أولى من غَيره فَإِن لم تسمح بِهِ نَفسه فسبعة أولى روى حط الرّبع النَّسَائِيّ وَغَيره وَحط السَّبع مَالك عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَيحرم على السَّيِّد التَّمَتُّع بمكاتبته لاختلال ملكه فِيهَا وَيجب لَهَا بِوَطْئِهِ مهرهَا وَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهَا ملكه وَالْولد حر وَلَا يجب عَلَيْهِ قِيمَته لانعقاده حرا وَصَارَت بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلدَة مُكَاتبَة وَولد الْمُكَاتبَة الرَّقِيق الْحَادِث بعد الْكِتَابَة يتبعهَا رقا وعتقا وَحقّ الْملك فِيهِ للسَّيِّد فَلَو قتل فَقيمته لَهُ ويمونه من أرش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 جِنَايَة عَلَيْهِ وَكَسبه ومهره وَمَا فضل وقف فَإِن عتق فَلهُ وَإِلَّا فلسيده وَلَو أَتَى الْمكَاتب بِمَال فَقَالَ سَيّده هَذَا حرَام وَلَا بَيِّنَة صدق الْمكَاتب بِيَمِينِهِ وَيُقَال للسَّيِّد حِينَئِذٍ خُذْهُ أَو تبرئه عَن قدره فَإِن ابى قَبضه القَاضِي عَنهُ فَإِن نكل عَن الْحلف حلف سَيّده نعم لَو كَاتبه على لحم فجَاء بِهِ فَقَالَ السَّيِّد هَذَا غير مذكى صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عدم التذكية وللمكاتب شِرَاء الْإِمَاء للتِّجَارَة لَا تزوج إِلَّا بِإِذن سَيّده وَلَا وَطْء أمته وَإِن أذن لَهُ سَيّده فَإِن خَالف ووطىء فَلَا حد عَلَيْهِ لشُبْهَة الْملك وَالْولد نسيب فَإِن وَلدته قبل عتق أَبِيه أَو بعده لدوّنَ سِتَّة أشهر من الْعتْق تبعه رقا وعتقا وَهُوَ مَمْلُوك لِأَبِيهِ يمْتَنع بَيْعه وَلَا تصير أمه أم ولد لِأَنَّهَا علقت بمملوك وَإِن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من الْعتْق وَوَطئهَا مَعَ الْعتْق مُطلقًا أَو بعده فِي صُورَة الْأَكْثَر وولدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من الْوَطْء فَهِيَ أم ولد وَلَو عجل الْمكَاتب النُّجُوم أَو بَعْضهَا قبل محلهَا لم يجْبر السَّيِّد على قبضهَا وَإِن امْتنع مِنْهُ لغَرَض كمؤنة حفظه وَإِلَّا أجبر على الْقَبْض فَإِن أَبى قَبضه القَاضِي عَنهُ وَعتق الْمكَاتب وَلَو عجل بعض النُّجُوم ليبرئه من الْبَاقِي فَقبض وأبرأه بطلا وَلَا يَصح بيع النُّجُوم وَلَا الِاعْتِيَاض عَنْهَا من الْمكَاتب وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن جرى بعض الْمُتَأَخِّرين على خِلَافه وَلَو بَاعَ السَّيِّد النُّجُوم وَأدّى الْمكَاتب النَّجْم إِلَى المُشْتَرِي لم يعْتق وَيُطَالب السَّيِّد الْمكَاتب وَالْمكَاتب المُشْتَرِي بِمَا أَخذه وَلَا يَصح بيع رَقَبَة الْمُكَاتبَة كِتَابَة صَحِيحَة فِي الْجَدِيد لِأَن البيع لَا يرفع الْكِتَابَة للزومها من جِهَة السَّيِّد فَيبقى مُسْتَحقّ الْعتْق فَلم يَصح بَيْعه كالمستولدة هَذَا إِذا لم يرض الْمكَاتب البيع فَإِن رَضِي بِهِ جَازَ وَكَانَ رِضَاهُ فسخا كَمَا جزم بِهِ القَاضِي حُسَيْن فِي تعاليقه لِأَن الْحق لَهُ وَقد رَضِي بإبطاله وهبته كَبَيْعِهِ وَلَيْسَ للسَّيِّد بيع مَا فِي يَد مكَاتبه وَلَا إِعْتَاق عَبده وَلَا تَزْوِيج أمته وَلَا التَّصَرُّف فِي شَيْء مِمَّا فِي يَده لِأَنَّهُ مَعَه كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَو قَالَ رجل مثلا للسَّيِّد أعتق مكاتبك على كَذَا كألف فَفعل عتق وَلَزِمَه مَا الْتزم كَمَا لَو قَالَ أعتق مستولدتك على كَذَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة فك الْأَسير هَذَا إِذا قَالَ أعْتقهُ وَأطلق أما إِذا قَالَ أعْتقهُ عني على كَذَا فَإِنَّهُ لم يعْتق عَن السَّائِل وَيعتق عَن الْمُعْتق فِي الْأَصَح وَلَا يسْتَحق المَال (وَلَا يعْتق) شَيْء من الْمكَاتب (إِلَّا بعد أَدَاء جَمِيع المَال) الْبَاقِي (بعد الْقدر الْمَوْضُوع عَنهُ) فَلَو لم يضع سَيّده عَنهُ شَيْئا وَبَقِي عَلَيْهِ من النُّجُوم الْقدر الْوَاجِب حطه أَو إيتاؤه لم يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن هَذَا الْقدر لم يسْقط عَنهُ وَلَا يحصل التَّقَاصّ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة قَالَ لِأَن للسَّيِّد أَن يؤتيه من غَيره وَلَيْسَ للسَّيِّد تعجيزه لِأَن لَهُ عَلَيْهِ مثله لَكِن يرفعهُ الْمكَاتب للْحَاكِم حَتَّى يرى رَأْيه ويفصل الْأَمر بَينهمَا اه تَنْبِيه قَضِيَّة تَقْيِيد المُصَنّف بِالْأَدَاءِ قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا بل يعْتق بِالْإِبْرَاءِ من النُّجُوم أَيْضا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وبالحوالة بِهِ وَلَا تصح الْحِوَالَة عَلَيْهِ وَعلم من تَقْيِيده بِالْجَمِيعِ أَنه لَو بَقِي من الْقدر الْبَاقِي شَيْء وَلَو درهما فَأَقل لم يعْتق مِنْهُ شَيْء وَهُوَ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه إِن كَانَ الْمُغَلب فِيهِ الْعتْق بِالصّفةِ فَلَا يعْتق قبل استكمالها وَإِن كَانَ الْمُغَلب فِيهِ الْمُعَاوضَة فكالبيع فَلَا يجب تَسْلِيمه إِلَّا بعد قبض جَمِيع ثمنه تَتِمَّة فِي الْفرق بَين الْكِتَابَة الْبَاطِلَة والفاسدة وَمَا تشارك فِيهِ الْفَاسِدَة الصَّحِيحَة وَمَا تخالفها فِيهِ وَغير ذَلِك الْبَاطِلَة مَا اختلت صِحَّتهَا باختلال ركن من أَرْكَانهَا ككون أحد الْمُتَعَاقدين صَبيا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو عقدت بِغَيْر مَقْصُود كَدم وَهِي ملغاة إِلَّا فِي تَعْلِيق مُعْتَبر بِأَن يَقع مِمَّن يَصح تَعْلِيقه فَلَا تلغى فِيهِ والفاسدة مَا اختلت صِحَّتهَا بِكِتَابَة بعض رَقِيق أَو فَسَاد شَرط كَشَرط أَن يَبِيعهُ كَذَا أَو فَسَاد عوض كخمر أَو فَسَاد أجل كنجم وَاحِد وَهِي كالصحيحة فِي اسْتِقْلَال الْمكَاتب بِكَسْبِهِ وَفِي أَخذ أرش جِنَايَة عَلَيْهِ وَفِي أَنه يعْتق بِالْأَدَاءِ لسَيِّده وَفِي أَنه يتبعهُ إِذا عتق كَسبه وكالتعليق بِصفة فِي أَنه لَا يعْتق بِغَيْر أَدَاء الْمكَاتب كإبرائه أَو أَدَائِهِ غَيره عَنهُ مُتَبَرعا وَفِي أَن كِتَابَته تبطل بِمَوْت سَيّده قبل الْأَدَاء وَفِي أَنه تصح الْوَصِيَّة بِهِ وَفِي أَنه لَا يصرف لَهُ سهم المكاتبين وَفِي صِحَة إِعْتَاقه عَن الْكَفَّارَة وتمليكه وَمنعه من السّفر وَجَوَاز وَطْء الْأمة وكل من الصَّحِيحَة والفاسدة عقد مُعَاوضَة لَكِن الْمُغَلب فِي الأولى معنى الْمُعَاوضَة وَفِي الثَّانِيَة معنى التَّعْلِيق وَالْبَاطِل وَالْفَاسِد عندنَا سَوَاء إِلَّا فِي مَوَاضِع يسير مِنْهَا الْحَج وَالْعَارِية وَالْخلْع وَالْكِتَابَة وتخالف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة الصَّحِيحَة وَالتَّعْلِيق فِي أَن للسَّيِّد فَسخهَا بالْقَوْل وَفِي أَنَّهَا تبطل بِنَحْوِ إِغْمَاء السَّيِّد وَحجر سفه عَلَيْهِ وَفِي أَن الْمكَاتب يرجع عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إِن بَقِي وببدله إِن تلف إِن كَانَ لَهُ قيمَة وَالسَّيِّد يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَتِه وَقت الْعتْق فَإِن اتَّحد وَاجِب السَّيِّد وَالْمكَاتب تقاصا وَلَو بِلَا رضَا وَيرجع صَاحب الْفضل بِهِ هَذَا إِذا كَانَا نقدين فَإِن كَانَا متقومين فَلَا تقاص أَو مثليين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 ففيهما تَفْصِيل ذكرته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مَعَ فَوَائِد مهمة لَا بَأْس بمراجعتها فَإِن هَذَا الْمُخْتَصر لَا يحْتَمل ذكرهَا وَلَو ادّعى رَقِيق كِتَابَة فَأنْكر سَيّده أَو وَارثه حلف الْمُنكر وَلَو اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي قدر الْأَجَل وَلَا بَيِّنَة أَو لكل بَيِّنَة تحَالفا ثمَّ إِن لم يتَّفقَا على شَيْء فَسخهَا الْحَاكِم أَو المتحالفان أَو أَحدهمَا كَمَا فِي البيع وَلَو قَالَ السَّيِّد كاتبتك وَأَنا مَجْنُون أَو مَحْجُور عَليّ فَأنْكر الْمكَاتب صدق السَّيِّد بِيَمِينِهِ إِن عرف لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا فالمكاتب وَلَو مَاتَ السَّيِّد وَالْمكَاتب مِمَّن يعْتق على الْوَارِث عتق عَلَيْهِ وَلَو ورث رجل زَوجته الْمُكَاتبَة أَو ورثت امْرَأَة زَوجهَا الْمكَاتب انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملكه زوجه أَو بعضه وَلَو اشْترى الْمكَاتب زَوجته أَو بِالْعَكْسِ وَانْقَضَت مُدَّة الْخِيَار أَو كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملك زوجه فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد ختم المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابه بِالْعِتْقِ رَجَاء أَن الله تَعَالَى يعتقهُ وقارئه وشارحه من النَّار فنسأل الله تَعَالَى من فَضله وَكَرمه أَن يجيرنا ووالدينا ومشايخنا وَجَمِيع أهلنا ومحبينا مِنْهَا وَآخر هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ عتق قهري مشوب بِقَضَاء أوطار وَأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا مَعَ فتح الْمِيم وَكسرهَا وَأَصلهَا أمهة بِدَلِيل جمعهَا على ذَلِك قَالَه الْجَوْهَرِي وَيُقَال فِي جمعهَا أَيْضا أمات وَقَالَ بَعضهم الْأُمَّهَات للنَّاس والأمات للبهائم وَقَالَ آخَرُونَ يُقَال فيهمَا أُمَّهَات وأمات لَكِن الأول أَكثر فِي النَّاس وَالثَّانِي أَكثر فِي غَيرهم وَيُمكن رد الأول إِلَى هَذَا وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر أَيّمَا أمة ولدت من سَيِّدهَا فَهِيَ حرَّة عَن دبر مِنْهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده وَخبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا نأتي السبايا ونحب أَثْمَانهنَّ فَمَا ترى فِي الْعَزْل فَقَالَ مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا مَا من نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة فَفِي قَوْلهم ونحب أَثْمَانهنَّ دَلِيل على أَن بيعهنَّ بالاستيلاد مُمْتَنع وَاسْتشْهدَ لذَلِك الْبَيْهَقِيّ بقول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لم يتْرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة قَالَ فِيهِ دلَالَة على أَنه لم يتْرك أم إِبْرَاهِيم رقيقَة وَأَنَّهَا عتقت بِمَوْتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 (وَإِذا أصَاب) أَي وطىء (السَّيِّد) الرجل الْحر كلا أَو بَعْضًا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا أَصْلِيًّا (أمته) أَي بِأَن علقت مِنْهُ وَلَو سَفِيها أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو أحبلها الْكَافِر حَال إسْلَامهَا قبل بيعهَا عَلَيْهِ بِوَطْء مُبَاح أَو محرم كَأَن تكون حَائِضًا أَو محرما لَهُ كأخته أَو مُزَوّجَة أَو باستدخال مَائه الْمُحْتَرَم فِي حَال حَيَاته (فَوضعت) حَيا أَو مَيتا أَو مَا يجب فِيهِ غرَّة وَهُوَ (مَا) أَي لحم (يتَبَيَّن) لكل أحد أَو لأهل الْخِبْرَة من القوابل (فِيهِ شَيْء من خلق آدَمِيّ) كمضغة فِيهَا صُورَة آدَمِيّ وَإِن لم تظهر إِلَّا لأهل الْخِبْرَة وَلَو من غير النِّسَاء وَجَوَاب إِذا (حرم عَلَيْهِ بيعهَا) وَلَو مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ أَو بِشَرْط الْعتْق أَو مِمَّن أقرّ بحريتها (ورهنها وهبتها) مَعَ بطلَان ذَلِك أَيْضا لخَبر أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَلَا يوهبن وَلَا يورثن يسْتَمْتع بهَا سَيِّدهَا مَا دَامَ حَيا فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْن الْقطَّان رُوَاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 كلهم ثِقَات وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على عدم صِحَة بيعهَا واشتهر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب يَوْمًا على الْمِنْبَر فَقَالَ فِي أثْنَاء خطبَته اجْتمع رَأْي ورأي عمر على أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَأَنا الْآن أرى بيعهنَّ فَقَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ رَأْي عمر وَفِي رِوَايَة مَعَ الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك فَقَالَ اقضوا فِيهِ مَا أَنْتُم قاضون فَإِنِّي أكره أَن أُخَالِف الْجَمَاعَة فَلَو حكم حَاكم بِصِحَّة بيعهَا نقض حكمه لمُخَالفَته الْإِجْمَاع وَمَا كَانَ فِي بيعهَا من خلاف بَين الْقرن الأول فقد انْقَطع وَصَارَ مجمعا على مَنعه وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن جَابر كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ لَا يرى بذلك بَأْسا أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتِدْلَالا واجتهادا فَيقدم عَلَيْهِ مَا نسب إِلَيْهِ قولا ونصا وَهُوَ نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد كَمَا مر وَيسْتَثْنى من منع بيعهَا بيعهَا من نَفسهَا بِنَاء على أَنه عقد عتاقة وَهُوَ الْأَصَح وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنه لَو بَاعهَا بَعْضهَا أَنه يَصح ويسري إِلَى بَاقِيهَا كَمَا لَو أعتق بعض رَقِيقه وَأَنه إِذا كَانَ السَّيِّد مبعضا أَنه لَا يَصح مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْوَلَاء وَهَذَا ظَاهر وَإِن لم أر من ذكره وَمحل الْمَنْع إِذا لم يرْتَفع الإيلاد فَإِن ارْتَفع بِأَن كَانَت كَافِرَة وَلَيْسَت لمُسلم وسبيت وَصَارَت قنة فَإِنَّهُ يَصح جَمِيع التَّصَرُّفَات فِيهَا وَكَذَا يَصح بيعهَا فِي صور مِنْهَا مُسْتَوْلدَة الرَّاهِن المقبض الْمُعسر تبَاع فِي الدّين وَمِنْهَا جَارِيَة التَّرِكَة الَّتِي تعلق بهَا دين إِذا اسْتَوْلدهَا الْوَارِث وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْمَيِّت وَمِنْهَا مَا إِذا استولد الجانية جِنَايَة توجب مَالا مُتَعَلقا برقبتها وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْجِنَايَة وَمِنْهَا مَا إِذا استولد أمة العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دينه وَقد ذكر فِي الرَّوْضَة هَذِه الصُّور الْأَرْبَع أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس من النِّكَاح وَقَالَ إِن الْملك إِذا عَاد فِي هَذِه الصُّور إِلَى الْمَالِك بعد البيع عَاد الِاسْتِيلَاد اه أما الصُّورَة الأولى وَهِي مَسْأَلَة السَّبي فَالَّذِي يظْهر فِيهَا أَنه لَا يعود الِاسْتِيلَاد إِذا عَادَتْ لمَالِكهَا بعد ذَلِك لأَنا أبطلناه بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَاف هَذِه الْمسَائِل وَيسْتَثْنى من نُفُوذ الِاسْتِيلَاد مَا لَو نذر التَّصَدُّق بِثمنِهَا ثمَّ اسْتَوْلدهَا فَإِنَّهُ يلْزمه بيعهَا وَالتَّصَدُّق بِثمنِهَا وَلَا ينفذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 استيلاده فِيهَا وَمَا إِذا أوصى بِعِتْق جَارِيَة تخرج من الثُّلُث فالملك فِيهَا للْوَارِث وَمَعَ ذَلِك لَو اسْتَوْلدهَا قبل إعْتَاقهَا لم ينفذ لإفضائه إِلَى إبِْطَال الْوَصِيَّة وَمَا إِذا اسْتكْمل الصَّبِي تسع سِنِين فوطىء أمته فَولدت لأكْثر من سِتَّة أشهر فَإِن الْوَلَد يلْحقهُ قَالُوا وَلَكِن لَا يحكم بِبُلُوغِهِ قَالَ البُلْقِينِيّ وَظَاهر كَلَامهم يَقْتَضِي أَنه لَا يثبت استيلاد وَالَّذِي صوبناه الحكم بِبُلُوغِهِ وَثُبُوت استيلاد أمته فعلى كَلَامهم تستثنى هَذِه الصُّورَة وعَلى مَا قُلْنَاهُ لَا اسْتثِْنَاء اه وَالْمُعْتَمد الِاسْتِثْنَاء وَاخْتلف فِي نُفُوذ استيلاد الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فرجح نُفُوذه ابْن الرّفْعَة وَتَبعهُ البُلْقِينِيّ وَرجح السُّبْكِيّ خِلَافه وَتَبعهُ الْأَذْرَعِيّ وَالزَّرْكَشِيّ ثمَّ قَالَ لَكِن سبق عَن الْحَاوِي وَالْغَزالِيّ النّفُوذ اه وَكَونه كاستيلاد الرَّاهِن الْمُعسر أشبه من كَونه كَالْمَرِيضِ فَإِن من يَقُول بالنفوذ يُشبههُ بالمريض وَمن يَقُول بِعَدَمِهِ يُشبههُ بالراهن الْمُعسر وَخرج بِقَيْد الْحر كلا أَو بَعْضًا الْمكَاتب إِذا أحبل أمته ثمَّ مَاتَ رَقِيقا قبل الْعَجز أَو بعده فَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ وبالماء الْمُحْتَرَم مَا إِذا كَانَ غير مُحْتَرم وَهُوَ الْخَارِج على وَجه محرم لَعنه كَالزِّنَا فَلَا يثبت بِهِ استيلاد وبحال الْحَيَاة مَا لَو استدخلت منيه الْمُنْفَصِل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته بعد مَوته فَلَا يثبت بِهِ أُميَّة الْوَلَد لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ انْتَقَلت إِلَى ملك الْوَارِث وَيدخل فِي عِبَارَته أمته الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْعتْق فَإِنَّهُ إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَات قبل أَن يعتقها فَإِنَّهَا تعْتق بِمَوْتِهِ وَقد توهم عِبَارَته أَنه لَو أحبل الْجَارِيَة الَّتِي يملك بَعْضهَا أَنه لَا ينفذ بالاستيلاد فِيهَا وَلَيْسَ مرَادا بل يثبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه وَفِي الْكل إِن كَانَ مُوسِرًا كَمَا مر فِي الْعتْق (وَجَاز لَهُ) أَي السَّيِّد (التَّصَرُّف فِيهَا بالاستخدام) وَالْإِجَارَة والإعارة لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا فَإِن قيل قد صرح الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز إِجَارَة الْأُضْحِية الْمعينَة كَمَا لَا يجوز بيعهَا إِلْحَاقًا للمنافع بالأعيان فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك كَمَا قَالَ بِهِ الإِمَام مَالك أُجِيب بِأَن الْأُضْحِية خرج ملكه عَنْهَا تَنْبِيه مَحل صِحَة إِجَارَتهَا إِذا كَانَ من غَيرهَا أما إِذا أجرهَا نَفسهَا فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن الشَّخْص لَا يملك مَنْفَعَة نَفسه وَهل لَهَا أَن تستعير نَفسهَا من سَيِّدهَا قِيَاس مَا قَالُوهُ فِي الْحر إِنَّه لَو أجر نَفسه وَسلمهَا ثمَّ استعارها جَازَ أَنه هُنَا كَذَلِك وَلَو مَاتَ السَّيِّد بعد أَن أجرهَا انْفَسَخت الْإِجَارَة فَإِن قيل لَو أعتق رَقِيقه الْمُؤَجّر لم تَنْفَسِخ فِيهِ الْإِجَارَة فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن السَّيِّد فِي العَبْد لَا يملك مَنْفَعَة الْإِجَارَة فإعتاقه ينزل على مَا يملكهُ وَأم الْوَلَد ملكت نَفسهَا بِمَوْت سَيِّدهَا فانفسخت الْإِجَارَة وَيُؤْخَذ من هَذَا أَنه لَو أجرهَا ثمَّ أحبلها ثمَّ مَاتَ لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة فِي الْمُسْتَقْبل وَهُوَ كَذَلِك وَله تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا وعَلى مَنَافِعهَا (و) لَهُ (الْوَطْء) لأم وَلَده بِالْإِجْمَاع وَلِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّم هَذَا إِذا لم يحصل هُنَاكَ مَانع مِنْهُ والموانع كَثِيرَة فَمِنْهَا مَا لَو أحبل الْكَافِر أمته الْمسلمَة أَو أحبل الشَّخْص أمته الْمُحرمَة عَلَيْهِ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَمَا لَو أولد مُكَاتبَته وَمَا لَو أولد الْمبعض أمته (وَإِذا مَاتَ السَّيِّد) وَلَو بقتلها لَهُ بِقصد الاستعجال (عتقت) بِلَا خلاف لما مر من الْأَدِلَّة وَلما روى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أم الْوَلَد أعْتقهَا وَلَدهَا أَي أثبت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَلَو كَانَ سقطا وَهَذَا أحد الصُّور المستثناة من الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة وَهِي من استعجل بِشَيْء قبل أَوَانه عُوقِبَ بحرمانه وعتقها (من رَأس مَاله) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَسَوَاء أحبلها أم أعْتقهَا فِي الْمَرَض أم لَا أَو أوصى بهَا من الثُّلُث أم لَا بِخِلَاف مَا لَو أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِن الْوَصِيَّة بهَا تحسب من الثُّلُث لِأَن هَذَا إِتْلَاف حصل بالاستمتاع فَأشبه إِنْفَاق المَال فِي اللَّذَّات والشهوات وَيبدأ بِعتْقِهَا (قبل) قَضَاء (الدُّيُون) وَلَو لله تَعَالَى كالكفارة (والوصايا) وَلَو لجِهَة عَامَّة كالفقراء (وَوَلدهَا) الْحَاصِل قبل الِاسْتِيلَاد من زنا أَو من زوج لَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بَيْعه وَالتَّصَرُّف فِيهِ بِسَائِر التَّصَرُّفَات لحدوثه قبل ثُبُوت الْحُرِّيَّة للْأُم بِخِلَاف الْوَلَد الْحَاصِل بعد الِاسْتِيلَاد (من غَيره) بِنِكَاح أَو غَيره فَإِنَّهُ (بمنزلتها) فِي منع التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّصَرُّف بِهِ فِيهَا وَيجوز لَهُ استخدامه وإجارته وإجباره على النِّكَاح إِن كَانَ أُنْثَى لَا إِن كَانَ ذكرا وعتقه بِمَوْت السَّيِّد وَإِن كَانَت أمه قد مَاتَت فِي حَيَاة السَّيِّد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن الْوَلَد يتبع أمه رقا وحرية فَكَذَا فِي سَببه اللَّازِم وَلِأَنَّهُ حق اسْتَقر لَهُ فِي حَيَاة أمه فَلم يسْقط بموتها وَلَو أعتق السَّيِّد مستولدته لم يعْتق وَلَدهَا وَلَيْسَ لَهُ وَطْء بنت مستولدته وَعلل ذَلِك بحرمتها بِوَطْء أمهَا وَهُوَ جري على الْغَالِب فَإِن استدخال الْمَنِيّ الَّذِي يثبت بِهِ الِاسْتِيلَاد كَذَلِك فَلَو وَطئهَا هَل تصير مُسْتَوْلدَة كَمَا لَو كَاتب ولد الْمُكَاتبَة فَإِنَّهُ يصير مكَاتبا أَو لَا يَنْبَغِي أَن يصير وَفَائِدَته الْحلف وَالتَّعْلِيق تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن أَوْلَاد أَوْلَاد الْمُسْتَوْلدَة وَلم أر من تعرض لَهُم وَالظَّاهِر أخذا من كَلَامهم أَنهم إِن كَانُوا من أَوْلَادهَا الْإِنَاث فحكمهم حكم أَوْلَادهَا أَو من الذكوره فَلَا لِأَن الْوَلَد يتبع الْأُم رقا وحرية وَلَو ادَّعَت الْمُسْتَوْلدَة أَن هَذَا الْوَلَد حدث بعد الِاسْتِيلَاد أَو بعد موت السَّيِّد فَهُوَ حر وَأنكر الْوَارِث ذَلِك وَقَالَ بل حدث قبل الِاسْتِيلَاد فَهُوَ قن صدق بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو كَانَ فِي يَدهَا مَال وَادعت أَنَّهَا اكتسبته بعد موت السَّيِّد وَأنكر الْوَارِث فَإِنَّهَا المصدقة لِأَن الْيَد لَهَا فترجح بِخِلَافِهَا فِي الأولى فَإِنَّهَا تَدعِي حُرِّيَّته وَالْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد (وَمن أصَاب) أَي وَطْء (أمة غَيره بِنِكَاح) لَا غرور فِيهِ بحريّة أَو زنا (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (مَمْلُوك لسَيِّدهَا) بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ يتبع الْأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة أما إِذا غر بحريّة أمه فنكحها وأولدها فَالْوَلَد حر كَمَا ذكره الشَّيْخَانِ فِي بَاب الْخِيَار والإعفاف وَكَذَا إِذا نَكَحَهَا بِشَرْط أَن أَوْلَادهَا الحادثين مِنْهُ أَحْرَار فَإِنَّهُ يَصح الشَّرْط وَمَا حدث لَهُ مِنْهَا من ولد فَهُوَ حر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْقُوت فِي بَاب الصَدَاق تَنْبِيه لَو نكح حر جَارِيَة أَجْنَبِي ثمَّ ملكهَا ابْنه أَو تزوج رَقِيق جَارِيَة ابْنه ثمَّ عتق لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن الأَصْل فِي النِّكَاح الثَّبَات والدوام فَلَو اسْتَوْلدهَا الْأَب بعد عتقه فِي الثَّانِيَة وَملك ابْنه لَهَا فِي الأولى لم ينفذ استيلادها لِأَنَّهُ رَضِي برق وَلَده حِين نَكَحَهَا وَلِأَن النِّكَاح حَاصِل مُحَقّق فَيكون واطئا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَة الْملك بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن نِكَاح كَمَا جرى على ذَلِك الشَّيْخَانِ فِي بَاب النِّكَاح وَلَو ملك الْمكَاتب زَوْجَة سَيّده الْأمة انْفَسَخ نِكَاحه (فَإِن أَصَابَهَا) أَي وَطئهَا لَا بِنِكَاح بل (بِشُبْهَة) مِنْهُ كَأَن ظَنّهَا أمته أَو زَوجته الْحرَّة (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (حر نسيب) بِلَا خلاف اعْتِبَارا بظنه (و) لَكِن (عَلَيْهِ) فِي هَذِه الْحَالة (قِيمَته) وَقت وِلَادَته بِأَن يقدر رَقِيقا فَمَا بلغت قِيمَته دَفعه (للسَّيِّد) لتفويته الرّقّ عَلَيْهِ بظنه أما إِذا ظَنّهَا زَوجته الْأمة فَالْوَلَد رَقِيق للسَّيِّد اعْتِبَارا بظنه وَإِطْلَاق المُصَنّف ينزل على هَذَا التَّفْصِيل كَمَا نزلنَا عَلَيْهِ عبارَة الْمِنْهَاج فِي شَرحه إِذْ هُوَ الْمَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَلَو أفْصح بِهِ كَانَ أولى وَلَو تزوج شخص بحرة وَأمة بِشَرْطِهِ فوطىء الْأمة يَظُنهَا الْحرَّة فالأشبه أَن الْوَلَد حر كَمَا فِي أمة الْغَيْر يَظُنهَا زَوجته الْحرَّة تَنْبِيه أطلق المُصَنّف الشُّبْهَة وَمُقْتَضى تَعْلِيلهم شُبْهَة الْفَاعِل فَتخرج شُبْهَة الطَّرِيق الَّتِي أَبَاحَ الْوَطْء بهَا عَالم فَلَا يكون الْوَلَد بهَا حرا كَأَن تزوج شَافِعِيّ أمة وَهُوَ مُوسر وَبَعض الْمذَاهب يرى بِصِحَّتِهِ فَيكون الْوَلَد رَقِيقا وَكَذَا لَو أكره على أمة الْغَيْر كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 (وَإِن ملك) الواطىء بِالنِّكَاحِ (الْأمة الْمُطلقَة) مِنْهُ (بعد ذَلِك) أَي بعد وِلَادَتهَا من النِّكَاح (لم تصر أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاح) لكَونه رَقِيقا لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملك الْيَمين وَالِاسْتِيلَاد إِنَّمَا يثبت تبعا لحرية الْوَلَد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة تَنْبِيه تَقْيِيد المُصَنّف بالمطلقة لَا معنى لَهُ بل قد يُوهم قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا فَإِنَّهُ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه بعد الْولادَة كَانَ الحكم كَذَلِك بِلَا فرق وَكَذَلِكَ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه حَامِلا لم تصر أم ولد لَكِن يعْتق عَلَيْهِ وَلَده إِن وَضعته لدوّنَ أقل مُدَّة الْحمل من الْملك أَو دون أَكْثَره من حِين وَطْء بعد الْملك فَإِن وَضعته بعد الْملك لدوّنَ أَقَله من الْوَطْء فَيحكم بِحُصُول علوقه فِي ملكه وَإِن أمكن كَونه سَابِقًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الصيدلاني وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة فَلَو حذف المُصَنّف لفظ الْمُطلقَة لَكَانَ أولى وأشمل (وَصَارَت) أَي الْأمة الَّتِي ملكهَا (أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) المقرونة بظنه (على أحد الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الْمَرْجُوح لِأَنَّهَا علقت مِنْهُ بَحر والعلوق بِالْحرِّ سَبَب للحرية بِالْمَوْتِ وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَغَيره لَا تصير أم ولد لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملكه فَأشبه مَا لَو علقت بِهِ فِي النِّكَاح تَنْبِيه مَحل الْخلاف فِي الْحر أما إِذا وطىء العَبْد جَارِيَة غَيره بِشُبْهَة ثمَّ عتق ثمَّ ملكهَا فَإِنَّهَا لَا تصير أم ولد بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لم ينْفَصل من حر خَاتِمَة لَو أولد السَّيِّد أمة مُكَاتبَة ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَلَو أولد الْأَب الْحر أمة ابْنه الَّتِي لم يستولدها ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَإِن كَانَ الْأَب مُعسرا أَو كَافِرًا وَإِنَّمَا لم يخْتَلف الحكم هُنَا باليسار والإعسار كَمَا فِي الْأمة الْمُشْتَركَة لِأَن الإيلاد هُنَا إِنَّمَا ثَبت لحُرْمَة الْأُبُوَّة وشبهة الْملك وَهَذَا الْمَعْنى لَا يخْتَلف بذلك وَلَو أولد الشَّرِيك الْأمة الْمُشْتَركَة فَإِن كَانَ مُعسرا ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه خَاصَّة وَإِن كَانَ مُوسِرًا بِحِصَّة شَرِيكه ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي جَمِيعهَا كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَذَا الْأمة الْمُشْتَركَة بَين فرع الواطىء وأجنبي إِذا كَانَ الأَصْل مُوسِرًا وَلَو أولد الْأَب الْحر مُكَاتبَة وَلَده هَل ينفذ استيلاده لِأَن الْكِتَابَة تقبل الْفَسْخ أَو لَا لِأَن الْكِتَابَة لَا تقبل النَّقْل وَجْهَان أوجههمَا كَمَا جزم بِهِ الْقفال الأول وَلَو أولد أمة وَلَده الْمُزَوجَة نفذ إيلاده كإيلاد السَّيِّد لَهَا وَحرمت على الزَّوْج مُدَّة الْحمل وَجَارِيَة بَيت المَال كجارية الْأَجْنَبِيّ فَيحد واطئها وَإِن أولدها فَلَا نسب وَلَا استيلاد وَإِن ملكهَا بعد سَوَاء أَكَانَ فَقِيرا أم لَا لِأَن الإعفاف لَا يجب فِي بَيت المَال وَلَو شهد اثْنَان على إِقْرَار سيد الْأمة بإيلادها وَحكم بِهِ ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا لم يغرما شَيْئا لِأَن الْملك بَاقٍ فِيهَا وَلم يفوتا إِلَّا سلطنة البيع وَلَا قيمَة لَهَا بانفرادها وَلَيْسَ كإباق العَبْد من يَد غاصبه فَإِنَّهُ فِي عُهْدَة ضَمَان يَده حَتَّى يعود إِلَى مُسْتَحقّه فَإِن مَاتَ السَّيِّد غرما للْوَارِث لِأَن هَذِه الشَّهَادَة لَا تنحط عَن الشَّهَادَة بتعليق الْعتْق وَلَو شَهدا بتعليقه فَوجدت الصّفة وَحكم بِعِتْقِهِ ثمَّ رجعا غرما وَحكى الرَّافِعِيّ قبيل الصَدَاق عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَأقرهُ أَن الزَّوْج إِذا كَانَ يظنّ أَن أم الْوَلَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 حرَّة فَالْوَلَد حر وَعَلِيهِ قِيمَته للسَّيِّد وَلَو عجز السَّيِّد عَن نَفَقَة أم الْوَلَد أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نَفسهَا أَو على إيجارها وَلَا يجْبر على عتقهَا وتزويجها كَمَا لَا يرفع ملك الْيَمين بِالْعَجزِ عَن الِاسْتِمْتَاع فَإِن عجزت عَن الْكسْب فنفقتها فِي بَيت المَال وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا آخر مَا يسره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الْإِقْنَاع فِي حل أَلْفَاظ أبي شُجَاع فدونك مؤلفا موضح الْمسَائِل مُحَرر الدَّلَائِل فَلَو كَانَ لَهُ نفس ناطقة ولسان منطلقة لقَالَ بمقال صَرِيح وَكَلَام فصيح لله در مؤلف هَذَا التَّأْلِيف الرَّائِق النفيس وَلَا شلت يدا مُصَنف هَذَا التصنيف الْفَائِق النفيس وَهَذَا الْمُؤلف لَا بُد أَن يَقع لأحد رجلَيْنِ إِمَّا عَالم محب منصف فَيشْهد لي بِالْخَيرِ ويعذرني فِيمَا عَسى يجده من العثار الَّذِي هُوَ لَازم الْإِكْثَار وَإِمَّا جَاهِل مبغض متعسف فَلَا اعْتِبَار بوعوعته وَلَا اعْتِدَاد بوسوسته وَمثله لَا يعبأ بموافقته وَلَا مُخَالفَته وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِذِي النّظر الَّذِي يُعْطي كل ذِي حق حَقه إِذا رضيت عني كرام عشيرتي فَلَا زَالَ غضبانا عَليّ لثامها فَإِن ظَفرت بفائدة شاردة فَادع لي بِحسن الخاتمة وَإِن ظَفرت بعثرة قلم فَادع لي بالتجاوز وَالْمَغْفِرَة والعذر عِنْد خِيَار النَّاس مَقْبُول واللطف من شيم السادات مأمول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله لوجهه خَالِصا وَأَن يَنْفَعنِي بِهِ حِين يكون الظل فِي الْآخِرَة قالصا وَأَن يصب عَلَيْهِ قبُول الْقبُول فَإِنَّهُ أكْرم مسؤول وأعز مأمول ونختم هَذَا الشَّرْح بِمَا ختم بِهِ الرَّافِعِيّ كِتَابه الْمُحَرر بقوله اللَّهُمَّ كَمَا ختمنا بِالْعِتْقِ كتَابنَا نرجو أَن تعْتق من النَّار رقابنا وَأَن تجْعَل إِلَى الْجنَّة مآبنا وَأَن تسهل عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ جَوَابنَا وَإِلَى رضوانك إيابنا اللَّهُمَّ بِفَضْلِك حقق رجاءنا وَلَا تخيب دعاءنا بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ انْتهى وَصلى الله وعَلى سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته وَأهل بَيته صَلَاة وَسلَامًا وائمين متلازمين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم وَاخْتِمْ لنا بِخَير أَجْمَعِينَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم وصل اللَّهُمَّ على سيدن مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663